الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: ذكر فيه الشرب
وأشياء توجب الضمان ودفع الصائل وغير ذلك، قال النخعي: كانت الخمر أول الإسلام حلالا كما دل عليه قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} ، ثم حرمت في وقت دون وقت آخر كما يدل له قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ، ثم حرمت في كل وقت، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . انتهى. نقله الشبراخيتي. وقال البناني: قال المازري في العلم ونحوه لعياض: أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر. انتهى. ابن عرفة: الشرب الموجب للحد: شرب مسلم مكلف ما يسكر كثيره مختارا لا لضرورة ولا عذر، فلا حد على مكره ولا ذي غصة وإن حرمت ولا غالط. انتهى. وقوله: وإن حرمت، فيه خلاف يأتي إن شاء اللَّه تعالى. وقال الرهوني: ابن عرفة: روى النسائي بسنده عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره)
(1)
. رواه الشيخ تقي الدين. ولم يتعقبه، وقال ورد:(ما أسكر كثيره فقليله حرام)
(2)
من حديث جماعة منهم جابر وعائشة وأخرجهما أبو داوودت وفي الأول داوود بن بكر بن الفرات، وقال أبو حاتم: ليس بالبين؛ وأخرج الثاني ابن حبان في صحيحه من حديث أبي عثمان، وزعم ابن القطان أنه لا يعرف حاله. انتهى. قلت في الجامع الصغير:(كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف مه حرام)
(3)
. أبو داوود والترمذي عن عائشة بإسناد صحيح. انتهى.
بشرب المسلم المكلف ما يسكر جنسه قوله: "بشرب" خبر مقدم، والمبتدأ:"ثمانون" الآتية. قاله الشبراخيتي. وقال الخرشي: قوله: "بشرب" متعلق بمحذوف تقديره: يجب "وثمانون" فاعله، أو مبتدأ وخبره:"بشرب" يعني أن الحر المسلم الكلف إذا شرب ما يسكر جنسه وإن لم يسكر الشارب بالفعل يجب أن يجلد ثمانين جلدة؛ والشرب مختص بالمائعات. واحترز بذلك من اليابسات التي تؤثر في العقل فليس فيها إلا الأدب، كما أنه لا يحرم منها إلا القدر الذي يؤثر في
(1)
سنن النسائي، كتاب الأشربة، رقم الحديث، 5608.
(2)
سنن أبي داوود، كتاب الأشربة، رقم الحديث، 1681. صحيح ابن حبان، رقم الحديث، 5358.
(3)
سنن أبي داوود، كتاب الأشربة، رقم الحديث، 3687. سنن الترمذي، كتاب الأشربة، رقم الحديث، 1866.
العقل لا ما قل، كما أنها طاهرة قليلها وكثيرها، بخلاف الخمر في جميع ذلك. انتهى. قاله البناني. واحترز بالمسلم من الكافر فإنه لا يحد حربيا أو غيره، واحترز بالمكلف من الصبي والمجنون فإنه لا حد عليهما، وأسند الفعل إلى الجنس إشارة إلى عدم اشتراط السكر بالفعل، بل الشرط أن يكون جنسه يسكر، فلو شرب قليلا منه حد لأن جنسه مسكر، وقد بالغ على الحد بقوله: وإن قل، وهذا يشمل ما إذا شرب لبنا مسكرا لأن جنسه وهو الحامض مسكر، ولا يقال جنسه اللبن من حيث هو وهو غير مسكر، واحترز بقوله:"ما يسكر جنسه" عما إذا شرب ما لا يسكر جنسه فإنه لا حد عليه، ولو اعتقد أنه مسكر، فإذا شرب شيئا يعتقد أنه خمر فتبين أنه غير خمر فلا حد عليه ولكن عليه إثم الجرءة.
وقوله: "بشرب" الباء سببية أي يجب ثمانون جلدة على الشخص بسبب وصول من فم لحلق الشخص الحر المسلم المكلف ذكرا أو أنثى، وإن رُدَّ قبل وصول جوفه لا من أنف أو أذن أو عين قال عبد الباقي: وإن وصل للجوف فيما يظهر ولا من حقنة لدرء الحد بالشبهة والفطر بهذه الأمور في الصوم للاحتياط في العبادة، وقد مر أن الكافر لا يحد بشربه المسكر حربيا أو غيره، ومر في الجهاد أنه يعزر لظهور السكر ويؤدب الصبي للزجر. وقوله:"ما يسكر""ما" مفعول شرب؛ وفي الشبراخيتي: والمراد بالشرب وصوله لحلقه إذا كان من الفم ولو رده قبل وصول جوفه، وأما ما وصل من غير الفم كالأنف والأذن والحقنة للجوف لا حد فيه كما يفيده النقل.
طوعا العامل فيه "شرب"؛ وهو إما حال أو مفعول مطلق؛ يعني أن الشارب المذكور إنما يحد إذا شرب ما يسكر جنسه طائعا، وأما إن شربه مكرها فإنه لا حد عليه. قال الشبراخيتي: متعلق "بشرب"، وخرج به المكره فلا يحد وهو مستغنى عنه بقوله:"المكلف" إذ المكره ليس بمكلف. انتهى. وقال البناني: قال في المدونة: ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام. انتهى. وخرج أبو داوود عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام). اللخمي: وقال أنس: حرمت الخمر وما نجد خمر الاعناب إلا قليلا وعامة خمرنا البسر والتمر، وفي البخاري: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب على المنبر، فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب
والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خمر العقل)
(1)
يريد أنه ليس مقصورا على هذه الخمسة التي كانت وأن العلة الشدة وما خامر العقل. انظر أبا الحسن. انتهى.
بلا عذر يعني أنه إنما يحد إذا شرب الخمر طائعا بلا عذر، واحترز بذلك عما إذا شربه لإساغة غصة، فإن شربه للغصة جائز خلافا لابن عرفة في قوله إن الإساغة بها حرام ومثله لابن الحاجب وابن شأس؛ قال ابن الحاجب: ولا حد على مكره ولا مضطر إلى الإساغة وإن قلنا إنه حرام. وبلا ضَرُورَةٍ يعني أنه إنما يحد إذا شرب الخمر بغير ضرورة، وأما إن شربه لضرورة فإنه لا حد عليه بأن شربها لخوف موت من جوع أو عطش، وقد تقرر للمصنف في باب المباح أن شربه لإساغة الغصة غير حرام، وأن شربه لدفع عطش أو جوع يخاف منه الموت غير جائز، كما أشار له هناك بقوله: وللضرورة ما يسد غير آدمي وخمر إلا لغصة، قال ابن القاسم: من اضطر إلى شربها لا يشرب بها ولا يزيده الخمر إلا شرا. انتهى. ومن العذر ما إذا شرب الخمر غلطا فلا حد عليه. كما قال: وبلا ظنه غيرا يعني أنه إنما يحد إذا لم يظن الخمر غيرها وأما إذا ظن الخمر غيرها، فشربها فإنه لا حد عليه، كما لو وطئ أجنبية يظنها زوجته أو أمته، فإذا ظن الخمر لبنا أو عسلا مثلا فشربها ثم ظهر أن ذلك مسكر فلا حد عليه.
قال عبد الباقي: وصدق إن كان مأمونا لا يتهم، والظاهر كراهة إقدامه على شربه مع ظنه غيرا، وأما مع شكه غيرا فيحرم والظاهر أنه لا يحد لدرئه بشبهة الشك. انتهى. وقال الشبراخيتي:"وبلا ظنه غيرا" أخرج به الغالط. انتهى. وقوله: "بلا عذر" يغني عن القيد قبله وعن القيدين يعده، وأما طوعا فلا يغني عن القيود بعده لكن يغني عَنْهُ المكلف لإخراجه المكره. قاله البناني.
وإن قل مبالغة في وجوب الحد يعني أن شارب المسكر يحد وإن قل ما شرب منه وإن لم يسكره لقلته؛ للحديث النتمهور: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)
(2)
، ويشمل ذلك ما إذا غمس ابرة في الخمر ووضعها على لسانه وابتلع ريقه فيحد على ما للحطاب على الرسالة عن الفاكهاني في شرح
(1)
صحيح البخاري، كتاب الأشربة، الحديث، 5588.
(2)
سننن أبي داوود، كتاب الأشربة، رقم الحديث، 3681. سنن الترمذي، كتاب الأشربة، رقم الحديث، 1865.
العمدة، ولكن لم يقل: وابتلع ريقه، وإنما زاده على الأجهوري غير معزو، قال عبد الباقي: ومثل نقل الحطاب عن الفاكهاني لا يُرَدُّ عليه بظاهر المنصف أنه لا يشمل غمس الإبرة فيه وأنه من التعمق في الدين. انتهى المراد منه. وفي المواق: ولا حد أيضا على من شرب مباحا ظانا أنه خمر لكن تسقط عدالته. قاله عز الدين. انتهى. وقوله: "وإن قل"، راجع إلى قوله:"ما يسكر"، قال التتائي:"وإن قل"، متعلق بقوله:"ما يسكر" أي إذا أسكر جنسه حد بشرب ما قل منه.
ولا يشترط ظهور السكر منه ولا علمه بوجوب الحد فيه، ولهذا قال: أو جهل وجوب الحد مع علمه بالحرمة أو الحرمة يعني أنه لا يسقط الحد عن شارب الخمر بسبب جهله لحرمة الخمر لأجل قرب عهد منه بالإسلام، أو لكونه بدويا لم يقرأ الكتاب ولم يعلمه ويجهل مثل ذلك فلا يرفع عنه الحد بذلك، قال ملك: لأن الإسلام فشا ولا أحد يجهل شيئا من الحدود، وخالف ابن وهب، وأما لو علم بالتحريم وجهل وجوب الحد لَحُدَّ اتفاقا. قاله التتائي. وقال المواق: قال ابن شأس: أما لو علم التحريم وجهل وجوب الحد لحد قولا واحدا، وقال ابن المواز: من شربه ممن لا يعلم تحريمه كالأعجمي الذي دخل دار الإسلام فلا عذر لأحد بهذا في سقوط الحد. انتهى.
تنبيه:
قال الحطاب: قال في المسائل الملقوطة: قال مطرف: وكان مالك يرى إذا أخذ السكران في الأسواق والجماعات قد سكر وتسلط بسكره وآذى الناس أو روعهم بسيف شهره أو حجارة رماها وإن لم يضرب أحدا أن تعظم عقوبته بضرب حد السكران ثم يضرب الخمسين وأكثر على قدر جرمه؛ وقد حكى مطرف عن مالك في الواضحة أنه يضرب الخمسين ومائة ومائتين ونحو ذلك، ويكون الحد منهما وفيهما. انتهى. وقوله:"أو جهل" عطف على "قل" فهو داخل في حيز المبالغة.
ولو حنفيا بشرب النبيذ يعني أن من شرب النبيذ المسكر أي نبيذ غير العنب يحد ولو كان الشارب له حنفيا يرى جواز ما لا يسكر منه فيحد إذا رفع لمالكي، وأما ما يغيب العقل منه فحرام عند الحنفي ويحد عنده، وأما الخمر فحرام عنده أيضا وإن لم يسكر.
والحاصل أن الخمر حرام عنده ما أسكر منها وما لم يسكر كمذهبنا فيها، وأما النبيذ المسكر فحرام عندنا ما أسكر منه وما لم يسكر ويحد عندنا في الوجهين، وعند الحنفي: يجوز منه ما لا يسكر ويحرم ما يسكر فيحد عنده فيما يسكر دون ما لم يسكر. قال الشبراخيتي: ولو حنفيا بشرب النبيذ أتي نبيذ غير العنب الذي دخلته الشدة المطربة فإن قليله وكثيره عندنا حرام وفيه الحد، وعند الحنفي إنما يحرم منه القدر المسكر فقط كما لو كان، إنما يسكر بعد قدحين أو يسكر بأربعه أو يسكر بثلاثة فالمحرم القدح الأخير فقط وما قبله جائز، فالمحرم في الأول قدح واحد، فإن شرب واحدا فقط فلا حد ولا حرمة وهكذا في الثلاثة والأربعة وعندنا يحد بالواحد وغيره قليلا أو كثيرا ويحرم، وأما نبيذ العنب فالحد والحرمة باتفاق منا ومنه. انتهى.
وصحح نفيه يعني أنه صحح القول بنفي الحد عن الحنفي الشارب لنبيذ غير العنب حيث لم يشرب منه القدر المسكر، والقول بنفي الحد للباجي في المنتقى، فإنه قال: الصواب لا حد عليه حتى يسكر وصححه غير واحد من المتأخرين، وقال عبد الباقي: ولو حنفيا بشرب النبيذ وهو ما اتخذ من زبيب ولم يسكر لجوازه عنده فيحد إذا رفع لمالكي، وأما ما يغيب منه فيحرم ويحد عندد أيضا، وأما الخمر فحرام عنده أيضا وإن لم يسكر، وإنما حد عندنا بالنبيذ لضعف مدرك حله وإذا حد لم تقبل شهادته على المشهور، وإن تاب قبلت في غيره كما تقدم في قوله:"أو من حد فيما حد فيه"، وقيل: لا يحد وتقبل شهادته، وإليه أشار بقوله:"وصحح نفيه"أي الحد. انتهى.
وقال الرهوني: رد المنصف بلو قول الباجي في المنتقى: الصواب أنه لا حد عليه إلا أن يسكر كما في التوضيح؛ ونص المنتقى: ومن تأول في المسكر من غير الخمر أنه حلال فلا عذر له في ذلك وعليه الحد. رواه ابن المواز عن مالك وأصحابه. ولعل هذا إنما هو فيمن ليس من أهل الاجتهاد، وأما من كان لمن أهل الاجتهاد والعلم فالصواب أن لا حد عليه إلا أن يسكر منه، وقد جالس مالك سفيان الثوري وغيره من الأئمة ممن كان يرى النبيذ مباحا فما أقام على أحد منهم حدا ولا دعا إليه مع إقراره بشربه وتظاهرهم ومناظرتهم فيه، وقد روي عن مالك أنه قال: ما ورد علينا مشرقي مثل سفيان الثوري؛ أما إنه آخر ما فارقني على أن لا يشرب النبيذ وهذا يقتضي أنه لم
يفارقه قبل ذلك علي هذا لكن لما تكررت مناظرته له فيه وتبين له وجه الصواب فيما قاله مالك اعتقد أنه لا يعاود شربه. انتهى. ونقل في التوضيح بعضه عند قول ابن الحاجب: والصحيح أنه لا حد على المجتهد يرى حلية النبيذ ومقلده، وزاد ما نصه: وصحح هذا القول غير واحد من المتأخرين؛ لأنا إذا قلنا كل مجتهد مصيب فواضح وإن كان المصيب واحدا فلا أقل أن يكون ذلك شبهة؛ وأُورِدَ على قول مالك بحده أنه قد نفى الحد عن المتزوج بلا ولي، وَأُجِيبَ بأن مفسدة النكاح يمكن تلافيها بالإصلاح ورده إلى العقد الصحيح كغير هذه الصورة من النكاح الفاسد، ولا يحكن ذلك في الأشربة فلا بد من الزجر عنها وهو الحد وفيه نظر. انتهى.
قُلْتُ: إنما فرق الإمام وأصحابه بين النكاح بغير ولي وبين شرب النبيذ، لضعف قول أبي حنيفة جدا في الثاني بخلاف الأول، وقد وقع للباجي نفسه ما يشهد لما قلناه ويفيد أن ما صوبه غير صواب: وأن الحق ما قاله مالك وأصحابه، فإنه قال بعد ما قدمناه عنه بيسير عند قول الموطإ: قال مالك: السنة عندنا أن كل من شرب شرابا مسكرا فسكر أو لم يسكر فقد وجب عليه الحد. انتهى. ما نصه: وهذا كما قال إن من شرب مسكرا أي نوع كان من الأنواع المسكرة من عنب كانت أو من غير عنب مطبوخا، كان أو غير مطبوخ قليلا شرب منه أو كثيرا: فقد وجب عليه الحد، سكر أو لم يسكر. هذا مذهب أهل المدينة، مالك وغيره. وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: ما خرج من النخل والكرم فقليله وكثيرد حرام ما لم يطبخ، وطبخه أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، وما عدا ما يخرج من النخل والكرم فهو حلال من غير طبخ إلا أن المسكر منه حرام، وهذه المسألة قد كاد أصحاب أبي حنيفة يجحدونها ولا يرون المناظرة فيها، ويقولون: إن السائل عنها إنما يذهب إلى التشنيع والتوبيخ، وذلك أنه لطول الأمد ووصول الأدلة إليهم وتكررها عليهم تبين لهم ما فيها، إلا أنهم مع ذلك يدونونها في كتبهم بألفاظ ليس فيها ذلك التصريح، ويتأولونها على أوجه تخفف أمرها عندهم، ولنا في هذه المسألة طريقان: أحدهما إثبات اسم الخمر لكل مسكر، والثاني تحريم كل شراب مسكر، فأما الأول فإن مذهب مالك والشافعي أن اسم الخمر يقع على كل مسكر شراب من عنب كان أو من غيره.
وقال أبو حنيفة: إنما الخمر اسم المسكر من عصير العنب ما لم يطبخ الطبخ المذكور، والدليل على ما نقوله ما روي عن ابن عمر أنه قال:(خطب عمر على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل)
(1)
. ووجه الدليل من هذا الخبر أن عمر بن الخطاب، قال: إن الخمر يكون من هذه الأشياء الخمسة، وعمر بن الخطاب من أهل اللسان، فلو انفرد بهذا القول لاحتج بقوله كيف وقد خطب بذلك بحضرة قريش والعرب؛ فلم ينكر ذلك عليه فثبت أنه إجماع، ووجه آخر وهو أنه قال: والخمر ما خامر العقل وكل ما خامر العقل فإنه يسمى الخمر وأنها بذلك تسمى خمرا، والدليل أن كل مسكر حرام، قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، إلى قوله:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فلنا من الآية أدلة فبينها وأنهاها إلى خمسة، وقال متصلا بذلك ما نصه: ودليلنا من السنة ما رواه أبو داوود عن أبي الفرات عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)
(2)
ودليلنا من جهة القياس أن هذا شراب فيه شدة مطربة، فوجب أن يكون قليله حراما أصله عصير العنب. واللَّه أعلم. انتهى. فانظر كيف جعل قول أبي حنيفة مخالفا للكتاب والسنة والإجماع والقياس؟ وانظر ما قاله عن أصحاب أبي حنيفة وما وَجَّهَ به ما حكاه عنهم يتبين لك صحة ما قلناه.
وقال أيضا في المنتقى عند قول الموطإ: عن عائشة رضي الله عنها: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن البتع، فقال:(كل شراب أسكر حرام). انتهى. ما نصه: فسألوه عن البتع وهو شراب العسل وذلك لما نزل تحريم الخمر وعلموا تحريمها بنص الكتاب، فسألوه عما يقع عليه هذا الاسم ليعلموا أن الذي ورد من ذلك محمول على عمومه أو مخصوص ببعض يتناوله اللفظ، فَإن قِيلَ: لو كان اسم الخمر يقع على البتع وغيره من الأشربة لما سألت العرب، إذ سمعت تحريم
(1)
أبو داود، كتاب الأشربة، رقم الحديث 3669.
(2)
سنن أبي داود، كتاب الأشربة، رقم الحديث 1681.
الخمر عن البتع لأن البتع هو الخمر؟ فالجواب عنه من وجهين: أَحَدُهُمَا أنه يسأل عن ذلك من لم يبلغه تحريم الخمر وإن بلغه تحريم النبيذ أو بلغه تحريم الخمر باسم خاص، مثل أن يبلغه تحريم خمر العنب أو تحريم خمر التمر، وَالْوَجَهُ الثَّانِي أن يكون نوع من الخمر غالبا على بلد من البلاد فيكون خمر التمر غالبا على بلد ما، وخمر العنب غالبا على بلد آخر، وخمر الذرة أغلب في بلد آخر فيكون لفظ الخمر إذا أطلق في ذلك البلد كان أظهر فيما هو الأغلب عندهم لكثرته وكثرة استعمال هذا الاسم فيه دون غيره مما هو معدوم عندهم، فيسأل أهل كل بلد عن غير ما هو الأغلب عندهم؟ لتجويز أن يكون الحكم مقصورا على ما هو الأغلب عندهم، ثم ذكر وجهين آخرين، ثم قال: وقد روي عن أبي موسى أنه سأل عن ذلك، فقال:(بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول اللَّه إن بها أشربة يقال لها البتع والمزر، قال: وما البتع؟ قلت: شراب يكون م العسل والمزر يكون من الشعير، فقال: كل مسكر حرام). وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل شراب أسكر حرام)، وقد سئل عن البتع دليل على أنه أجاب عن جنس الشراب لا مقدار ما حرم منه، ثم قال: فلما كان السؤال عن البتع يقتضي أن السؤال عن جميعه ثبت أنه سؤال عن جنسه وجوابه صلى الله عليه وسلم: (كل شراب أسكر حرام) يقتضي الجواب عن أجناس الشراب ليكون مقابلا للسؤال؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم علق الحكم على الجنس، فقال:(كل شراب أسكر حرام) فكان ذلك جوابا عنه وعن غيره، ولو أراد الإخبار عن أبعاضه وأن بعض مقاديره حرام وبعضها حلال لقال: كل مقدار أسكر حرام، أو لقال: كل ما أسكر منه فهو حرام، واستغنى عن إعادة لفظ الشراب لأنه لا خلاف أن اسم الشراب واقع على الجنس دون بعض مقاديره، فإذا علق الحكم بالجنس ولم يعلقه بالقدر كان الظاهر أنه أراد به الجنس دون القدر. واللَّه أعلم. انتهى. فأنت تراد سلم أن حديث عائشة هذا حجة على أبي حنيفة، وإذا سلم ذلك فهي حجة قوية قاطعة للنزاع لأن هذا الحديث متفق على صحته، ورد معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم من طُرُق صحاح، ففي الجامع الصغير:(كل مسكر حرام)
(1)
.
(1)
الجامع الصغير، رقم الحديث 6346.
الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر والإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة وابن ماجه عن ابن مسعود؛ (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام). الإمام أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر. انتهى. قال المنوي عقب الحديث الأول ما نصه: قال المؤلف وهو متواتر، وقال عقب قوله في الحديث الثاني: كل مسكر خمر ما نصه: أي مخامر للعقل ومغطيه؛ يعني الخمر اسم لكل ما يوجد فيه الإسكار، وللشرع أن يحدث الأسماء بعد أن لم تكن، كما له وضع الأحكام كذلك أو أنه كالخمر في الحرمة وفيه رد على أبي حنيفة في قوله: الخمر ماء عنب أسكر فغيره حلال طاهر. انتهى.
ويأتي أيضا رد الباجي على أبي حنيفة فيما طبخ من العصير حتى ذهب ثلثاه الذي هو مساو عنده للنبيذ وما في معناه بأنه مخالف إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ومن تأمل ذلك كله وأنصف تبين له صحة ما قلناه وعلم صحة قول الزرقاني، وإنما حد عندنا بالنبيذ لضعف مدرك حله، وقول الزرقاني: وأما الخمر فحرام عنده وإن لم يسكر ظاهره ولو طبخ حتى ذهب ثلثاه وليس كذلك، بل هذا حكمه عنده حكم النبيذ كما مر، ويأتي كلام الباجي.
وحاصل مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أن ما يسكر من عصير العنب والنخل ولم يطبخ أو طبخ فلم يذهب منه ثلثاه فهو خمر يحرم قليله وكثيره، ويحد شاربه مطلقا قليلا كان أو كثيرا أسكر أم لا، وما كان من غير عصير العنب والنخل أو منهما وطبخ حتى ذهب ثلثاه وهو يسكر فالقليل منه الذي لا يسكر حلال فلا حد على من شربه وما يسكر حرام ويحد شاربه، حتى إنه نقل عنه أنه قال: إذا شرب منه تسعة أجزاء ولا يسكر ويسكر إذا أتم العشرة فالعاشر هو المحرم هذا لفظ الشيخ يوسف بن عمر عنه في شرح الرسالة، وقد نقل هذا في مسنده عن إبراهيم أراه النخعي حسبما نقله عنه بعض خواص الأحبة من السادات الأشراف من أعيان علماء العصر مما ناولنيه بخط يده وشافهني بأنه نقله من كتاب أبي حنيفة المسمى بمسند أبي حنيفة، ولفظه: أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يشرب النبيذ حتى يسكر منه، قال: القدح الأخير الذي سكر منه هو الحرام. من خطه.
وقد ذكر عنه بعض أحاديث وبعض آثار عن بعض الصحابة وعن بعض التابعين تؤيد مذهبه، ولكن من تأملها وجدها لا تقوم له بها حجة، فمن ذلك ما [رواه عبد اللَّه]
(1)
بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حرمت الخمر لعينها القليل منها والكثير [والمسكر]
(2)
من كل شراب)
(3)
. انتهى. وهذا الحديث على تقدير صحته معارض بأقوى منه من الأحاديث التي قدمناها وغيرهات وقد مر أنها متواترة، ومنها قوله عن علقمة: قلنا لابن مسعود: لعمرك تشرب النبيذ والأمة تقتدي بك، فقال ابن مسعود: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يشرب النبيذ ولولا أني رأيته يشرب ما شربته. انتهى. وهذا لا شاهد فيه أصلا، فعلى تقدير صحته ليس فيه تصريح بأن النبيذ الذي رآه يشربه يسكر كثيره؛ وعلى تقدير أنه كذلك فهو معارض بحديث ابن مسعود وغيره من الأحاديث التي قدمناها، ومنها قوله عن سيدنا عمر أنه قال: لا يقطع لحوم هذه الإبل في بطونها إلا النبيذ الشديد، وهذا لا شاهد فيه على تقدير صحته إذ ليس فيه أنه أراد النبيذ المسكر ولا يؤخذ ذلك من قوله: الشديد لاحتمال أن المراد بشدته قوته فقط؛ لأن النبيذ منه الضعيف والقوي والمتوسط لاختلافه بقلة الماء الذي نبذ فيه الزبيب مثلا وكثرته وتوسطه مع قصر مدة الزبيب مثلا في الماء وطولها وتوسطها، وعلى تسليم أنه أراد المسكر فهو معارض بحديثه الصحيح المتفق علي صحته الذي خطب به على المنبر بحضرة الناس حتى صار ذلك إجماعا كما تقدم في كلام الباجي.
ومنها قوله عن حماد عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتِيَ بأعرابي قد سكر فطلب له عذرات فلما أعياه قال: احبسوه فإن صحا فاجلدوه، ودعا عمر بماء فصبه عليه فكسره: ثم شرب وسقى جلساءه؛ ثم قال: هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه، قال: وكان يحب الشراب الشديد. انتهى. وهذا لا شاهد فيه أيضا لأن هذا الذي سكر به لم يبين هل كان مما يسمى خمرا عند أبي حنيفة أم مما لا يسمى عنده خمرا كالنبيذ وما طبخ حتى ذهب ثلثاه من
(1)
في الأصل: رواه ابن عبد اللَّه، والمثبت من سنن النسائي.
(2)
في الأصل والسكر والمثبت من الرهوني ج 8 ص 137.
(3)
سنن النسائي، كتاب الأشربة، رقم الحديث، 5684. ولفظه عن عبد اللَّه بن شداد عن ابن عباس، قال حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب.
عصير العنب والنخل؟ فإن كان الأول كان حجة على أبي حنيفة فيما قاله في الخمر مما وافق فيه غيره وأجمع عليه الناس؛ إذ لا يسوغ عند أبي حنيفة ولا عند غيره شرب الخمر التي صب فيها شيء من الماء، أما إذا بقي فيه بعد الصب النشوة المطربة فلا إشكال، وكذا إذا زالت منه لإجماعهم على أن الخمر نجس ولا يجوز شرب النجاسة بإجماع، وإنما يبقى الكَلَامُ في حد شاربه كما يأتي للزرقاني عند قوله:"لا دواء".
وقد حكى الأئمة المالكية وغيرهم الإجماع على أن الماء إذا حلت فيه نجاسة يسيرة غيرت لونه أو طعمه أنه نجس ولو كان أكثر منها بأضعاف مضاعفة؛ فكيف إذا وضع يسير من الماء في الخمر الغالبة على الماء، وإن كان الثاني كان مخالفا لما صح عن سيدنا عمر من أن الخمر عنده ما خامر العقل، كان من عنب أو غيره كما هو صريح حديثه الذي خطب به على الناس كما في البخاري وغيره، فالنبيذ عنده وعصير العنب الذي لم يطبخ سواء، فلا يستقيم للحنفية الاحتجاج على مذهبهم بهذا الأثر الذي رووه عنه كما لا يستقيم لهم الاستدلال بأثره، هذا على ما قالوه من أن ما طبخ حتى ذهب ثلثاه ليس بخمر؛ لأن هذا النوع داخل في حديثه المتفق على صحته الذي خطب به حتى صار إجماعا ومخالف أيضا لما ورد عنه فيما طبخ من العصير بخصوصه، ففي الموطإ ما نصه: مالك عن داوود بن الحصين عن واقد بن عمر بن سعيد بن معاذ أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر بن الخطاب: اشربوا العسل، فقالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث، فأتوا به عمر بن الخطاب فأدخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة ابن الصامت: أحللتها واللَّه. فقال عمر: كلا واللَّه اللَّهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم. انتهى. قال في المنتقى: قوله: شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها يريد أنهم شكوا إليه من ذلك ما أحوجهم إلى شرب شراب يزيل عنهم وباء الأرض ويبعد عنهم ثقلها وأمراضها المعتادة عندهم وقد اعتادوا بشراب،
وأخبروا عمر أنه لا يصلحهم إلا ذلك يريد أن أبدانهم لا تألف غيره فأمرهم عمر أن يشربوا العسل وذلك أنه لم يكن علم أن يتخذ من العصير ما يبقى ويسلم من الشدة المطربة، وعلم أن العسل يبقى المدة الطويلة فعدل بهم إليه ليقتنوه فمتى أرادوا شربه خلطوه بالماء، فقالوا إنه لا يصلحنا العسل وهذا يقتضي أنه لم يبح لهم شرب ذلك الشراب المسكر للتداوي، وقد تقدم ذكره. ولما توقف عمر رضي الله عنه عن إجابتهم إلى ما أرادوه من شرب شراب العنب لاعتقادهم أنه لا يمكن ادخاره، قال له [رجل]
(1)
من أهل الأرض: -يريد ممن نشأ فيها- هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر لعلمه بذلك أنه يمكن أن يدخر ولا يتغير ويتوصل إلى ذلك يصنعة قد علمها، فقال له عمر: نعم فإنه إنما منعهم منه لما علم من التغيير وتعذر عنده من بقائه دون أن يفسد، وقوله: فطبخه حتى ذهب منه الثلثان معنى ذلك أنه ذهب منه المائية التي تحدث إفساده ويسع بها تغييره وبقيت عسيلته خالصة، وإنما خص ذلك بذهاب الثلثين وبقاء الثلث لأن هذه كانت صفة عصير ذلك العنب في ذلك البلد، وقد روى ابن المواز في طبخ العصير: لا أحُدُّ بذهاب ثلثيه وإنما أنظر إلى المسكر، قال أشهب: وإن نقص تسعة أعشاره بذلك، قال ابن المواز: وليس ذهاب الثلثين في كل بلد ولا من كل عصير، فأما الموضع المختص بذلك فلا بأس به، وقول ابن حبيب: من تحفظ في خاصته فعمل الطبيخ فلا يعمله إلا باجتماع وجهين؛ أن يذهب ثلثاه ويوقن أنه لا يسكر: فأما أحد الوصفين من أنه لا يسكر فصحيح ولا يحتاج إلى سواه؛ لأنه إذا لم يسكر فسواء ذهب ثلثه أو ربعه أو أكثر أو أقل؛ ثم قال: ويتحرر بتيقن سلامته من الفساد في سائر البلاد، وإذا اعتبر السلامة من أن يسكر استغنى عن سائر الأوصاف، وجعل أبو حنيفة ذهاب الثلثين حدا في جواز شرب ما يبقى وإن كان يسكر من كثيره، والدليل على ما نقوله أن هذا شراب فيه شدة مطربة فوجب أن يكون قليله حراما. وقوله: فأتوا به عمر بن الخطاب فأدخل فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط اختبار من عمر رضي الله عنه لما أخبره به وإشراف عليه بالمشاهدة والمباشرة واعتناء بأمور المسلمين ومصالح دينهم ودنياهم، فأدخل إصبعه ليختبر
(1)
ساقط من الأصل والمثبت من الرهوني ج 8 ص 159.
ثخانته وهي التي تمنع التغيير، ثم رفع أصبعه التي أدخلها في الطلاء فتبعها الطلاء يتمطط لثخانته ولو كان رقيقا في حكم الشراب لم يتبع يده ولا إصبعه منه شيء ويجعل يقطر ما يتعلق بإصبعه منه إن كان تعلق منه شيء. انتهى.
وقوله: يتمطط أي يتمدد، وقول عمر: هذا الطلاء يريد أنه يسمى بالطلاء على معنى التشبيه بذلك، ولذلك قال: هذا مثل طلاء الإبل في ثخانته وبعده عن التغيير ثم أمرهم بشربه ولو راعى أبو حنيفة أن يعود إلى مثل هذا من القوام والثخانة لما أباح للناس إلا شرب ما يؤمن فساده، فإن هذا في قوام العسل ولا يمكن شرب مثله إلا أن يمزج بالماء فلا يخاف على مثل هذا التغييرُ أبدا، وأما ما كان من عصير يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه رقيقا يسرع إليه التغيير ويطرأ عليه الفساد فليس له حكم هذا الذي قد صار في قوام العسل الذي لا يتغير ولو أمسك أعواما، ولو كان ذهاب الثلثين منه يجزئ على كل حال لما احتاج عمر إلى أن يراه ويختبره ويدخل إصبعه فيه ويرفعه ليعلم بذلك ثخانته؛ ولقال للذي قال له: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب مالا يسكر؟ أنا أعلم بذلك منك أطبخه حتى يذهب منه الثلثان، ولا يراعى أيسكر أم لا. ولما قال له افعل علم أنه إنما أمره أن يعمل منه ما لا يسكر وأنه اختبر صدقه وعلم صحة قوله بما شاهد من ثخانته وأنه في قوام طلاء الإبل ثم أظهر تصديق قول الصانع وإجابته إلى ما سأل بأن يكون على مثل هذد الصفة التي ادعى أنها لا تسكر، فمن أباح شرعا ما يسكر من ذلك بذهاب الثلثين فقد خالف إجماع الصحابة لأنهم بين قائلين، قائل يقول بمثل قول عمر إنها إذا لم تسكر لما عادت إليه من القوام أنه مباح عملها واتخاذها، وقائل أنكر على عمر رضي الله عنه إباحتها مع ذلك كله خوفا من الذريعة بإباحته إلى شرب المسكر منها، فمن أباح شرب المسكر منها على ما أفتى به أبو حنيفة فقد خالف إجماعهم. وقد روي أن علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه كان يرزق الناس طلاء يقع فيه الذباب فلا يستطيع أن يخرج منه. انتهى.
وبتأمل كلام الموطإ والباجي يعلم أنَّ مَا شاع على ألسنة كثير من الناس أنَّ ما اشتد طبخه من العصير إنما في شربه الضرر ولا نفع فيه للأبدان غير صحيح، وبتأمل ذلك يعلم ما في مدحهم لما خفَّ طبخه فلم تذهب مائيته، ويتنافسون في ذلك جدا حتى أدى ذلك إلى فساد عظيم وضرر في
الذين جسيم، فعظمت رغبة النساء في ذلك والرجال وآل إلى شربهم المسكر مع اعتقادهم أنه حلال، وقد شاع على ألسنة كثير أن مستندهم في ذلك ومعتمدهم على فتوى شيخنا الجنوي، فإنه سُئِلَ بما نصه: جوابكم عن شرب الصامت المطبوخ الذي فيه قوة يحس بها من شربه بحيث يجد في نفسه سرورا وكثرة الكلام وسخانة في جوفه فقط، هل ذلك مما يوجب تحريمه أم لا؟ فَأَجَابَ بقوله: حقيقة المسكر هو ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح كما في التوضيح وغيره، وعليه إن كان العصير المذكور إن ترك بلا ماء وشرب يفعل ما يفعله الخمر فلا إشكال في كونه خمرا، وإن كان إنما يسخن ويحصل فرحا إلا أنه لما يغيب العقل فليس بمسكر وكثير من المعاجين تفرح وكذا الزعفران، وعند الفرح يحدث كثرة الكلام لأن المهموم كثير الصمت، فإذا لم يقع تغييب للعقك فليس بمسكر. واللَّه أعلم.
وكتب محمد بن الحسن الجنوي الحسني لطف اللَّه به آمين انتهى: فتأمل كيف يكون هذا حجة لهم وهو قد صرح أولا ووسطا وآخرا بأن ما يسكر منه خمر فلا يحل شربه؛ فأعرضوا عن ذلك وتمسكوا بقوله: وكثير من المعاجين تفرح الخ، وليس في السؤال ولا في الجواب أن كثرة الكلام الذي يحدث عند شربه من الكلام الساقط الذي يشبه الهذيان، ومع ذلك فقد حدثني الثقة عن الفقيه المحدث الصالح سيدي الصادق بن ريسون الحسني أنه كان ينكر هذا الجواب عن شيخنا ولا يقول به، وما ذلك واللَّه أعلم إلا لأنه رأى أنه ينافي ما بني عليه مذهب مالك رضي الله عنه من سد الذرائع مع أنه عالم كبير، فتكون فتواه شبا لإباحة شرب المسكر، فهو كقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه لسيدنا عمر رضي الله عنه: أحللتها واللَّه، ومن تأمل جميع ما قدمناه من الأحاديث وكلام الأئمة وكان معه قلامة ظفر من الإنصاف تبين له صحة جميع ما قلناه، والعلم كله للَّه. انتهى كلام الرهوني. والصامت: الخاثر. واللَّه تعالى أعلم.
ثمانون مبتدأ أو فاعل كما مر، وتمييزه محذوف يعني أنه يجب على الحر المسلم المكلف بسبب شربه المار ثمانون جلدة، ذكرا كان أو أنثى، بعد صحره يعني أن الجلد المذكور إنما يكون بعد الصحو والصحو نقيض المسكر، قال عبد الباقي: فإن جلد قبل صحوه اعتد بذلك إن كان عنده ميز وإن كان طافحا أعيد عليه الحد، وإن لم يحس في أوله وحس في أثنائه حسب له من أول ما
حس. نقله أحمد عن اللخمي. ونحوه لأبي الحسن، وصنيع التوضيح يقتضي أن تفصيله تقييد للمذهب خلافا لما للشارح في شرحه وشامله والتتائي من اقتضاء ضعفه، زاد اللخمي: وحد الزنى في البكر كذلك. انتهى. أي في التفصيل [وإن كان]
(1)
مائة وينبغي أن التعزير كذلك؛ وهذا بخلاف قطع السارق وهو طافح فإنه يكتفى به لأن القصد نكاله وهو حاصل، وأيضا ألم القطع وأثره يبقيان بعد صحوه، بخلاف الجلد للسكران قبل صحوه. وظاهر كلام المنصف كالمدونة أنه لا يزاد مع الحد سِجْنٌ ولا غيره. ابن ناجي: وبه العمل، وفي أحمد: ابن عرفة: الشيخ عن ابن حبيب: ليس مع الضرب سواه من حلاق أي لرأس أو لحية ولا سجن ولا طواف إلا المؤذي المعتاد المشهور بالفسق، فلا بأس أن ينادى به ويشهر، واستحب مالك أن يلزم السجن. انتهى.
وقال الشبراخيتي: "بعد صحوه"، فإن كان قبله، فقال اللخمي وصاحب البيان: فإن جلد في حال سكره اعتد بذلك إن كان عنده ميز، وإن كان طافحا أعيد عليه الحد، وإن لم يحس في أوله بالألم وأحس في أثنائه لقرينة حسب من أول ما أحس به، وأما لو ادعى الإحساس ولا قرينة تصدقه ولا تكذبه فالظاهر أنه يعمل به حيث كان مأمونا لما يتهم. وقوله: وإن كان طافحا أعيد عليه الحد هذا واضح في حد السكر، وأما القطع فإنه يجزئه ولو كان طافحا لأن المقصود منه النكال، ومثل هذا حد الفرية إن رضي من له الحد. انتهى المراد منه. وقال التتائي: بعد صحوه اتفاقا لما قبله، فإن أخطأ الإمام فحَدَّه قبله أعاده بعده، وقيل إن حس بألمه أجزأ أو في أثنائه حسب من أول ما حس. انتهى.
وقال: الخرشي: أي يجب بشرب المسلم ما يسكر جنسه ثمانون جلدة على الحر وأربعون جلدة على الرقيق؛ ذكرا كان أو أنثى بعد صحوه لانعقاد إجماع الصحابة على ذلك بعد عثمان رضي الله عنه، فلو جلده الإمام قبل صحوه فإن الحد يعاد عليه ثانيا، لعدم فائدة الحد وهو التألم والإحساس وهو منتف في حال سكره. انتهى. وقال المواق من المدونة: لا يحد السكران حتى يصحُوَ، زاد في سماع أبي زيد: ولو خاف أن يأتيه بشفاعة تبطل حده، ونقل ابن سلمون
(1)
ساقط من الأصل والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 112.
يخفف بعض التخفيف في الشارب، (روى أن رجلا شرب فانطُلِقَ به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما حاذى دار العباس انفلت فدخلها فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فضحك فقال:(أفعلها)؟ ولم يأمر فيه بشيء)
(1)
. انتهى. وقد مر عن المازري وعياض أنه أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر. انتهى.
وتشطر بالرق يعني أن الجلد المذكور يتشطر بالرق فيكون على العبد ذكرا أو أنثى قنا أو ذا شائبة أربعون جلدة بعد صحوه، فإن جلد قبله إلى آخر ما مر، قال الشبراخيتي: وتشطر أي تنصف حد الشرب بالرق قنا أو ذا شائبة ذكرا كان أو أنثى. المواق من المدونة: لا يحد السكران حتى يصحو. ابن عرفة: حده ثمانون فيها ويتشطر بالرق. انتهى. إن أقر يعني أثه يثبت الشرب المذكور بالإقرار، فإذا أقر شخص بأنه شرب ما يسكر جنسه فإنه يحد على ما مر، أو شُهِدَ يشرب يعني أنه إذا شهد عدلان على شخص بمعاينة شرب الخمر؛ أي شهدا على أنهما عايناه يشرب ما يسكر جنسه فإنه يثبت عليه الشرب بذلك، فيترتب عليه الجلد المذكور على ما مر وثبوت الشرب بالإقرار وبالبينة المعاينة للشرب متفق عليه. قال الشبراخيتي: ثم أشار إلى شرط الحد على من اجتمعت عليه الشروطء السابقة بقوله: "إن أقر بشرب أو شهد عليه بشرب ما يسكر جنسه معاينة اتفاقا فيهما، فإن رجع عن إقراره لشبهة أو غيرها فكالزنى. انتهى. ونحوه للتتائي.
أو شم يعني أنه لو شهد عدلان على شخص برائحة الخمر في فمه فإنه يثبت عليه بذلك أنه شربها فيترتب عليه الحد على ما مر، قال المواق: قال ابن عرفة: يثبت بالبينة والإقرار كسائر الحقوق ويثبت بثبوت رائحته. أبو عمر: الحد بالرائحة هو قول مالك وجمهور أهل الحجاز، خلافا للشافعي وغيره. وقال ابن القاسم: إذا رأى الحاكم من رجل تخليطا في قول أو مشي شبه السكران أمر باستنكاهه لأنه قد بلغ إلى الحكم فلا يسعه إلا تحققه، وإذا لم يظهر عليه شيء من الأحوال لم يستنكهه ولا يتجسس عليه. انتهى من المنتقى. وقال الشبراخيتي: أو شهد على شم
(1)
سنن أبي داوود، كتاب الحدود، رقم الحديث، 4467.
للسكر منه ولا يشترط في الشاهد بالرائحة أن يشربها في كفره أو عصيانه لأنه يحصل برؤيتها مُرَاقةً أو رؤية من يشربها، ويحكى عن القباب أنه كان يقول: واللَّه إني لأعرف رائحتها وما شربتها قط. انتهى.
وقال عبد الباقي: أو شم لرائحتها في فم [وعلم]
(1)
رائحتها لما يتوقف على شربها؛ إذ قد يحصل العلم بها لمن لم يكن شربها قط برؤية شاربها أو برؤيتها مراقة مع علمه بهات وقولُ ابن القصار: وصفة الشاهدين بالرائحة أن يكونا خبراها بشربها حال كفرهما أو شرباها مسلمين [وحدا ثم تابا]
(2)
حتى يكونا ممن يعرف ريحها قاصر وأيضا في قبول شهادتهما نظر لقول المصنف: "أو من حد فيما حد فيه"، إلا أن يقول ابن القصار بقبول شهادة من حد فيما حد فيه، ولا يحمل كلامه على ما إذا شهدا بعد توبتهما وقبل حدهما، لمنافاته لقوله:"وحدا"، ولو شهد واحد بشرب وآخر بشم ضما لاستلزام أحدهما الآخر، وما تقدم من عدم ضم الفعلين محله ما لم يستلزم أحدهما الآخر كما في الأبي، ومنه:"ولفق شاهد بالغصب لآخر على إقراره بالغصب". انتهى. وقال التتائي: أو شم للمسكر منه، وهو قول مال وجمهور أهل الحجاز خلافا للإمام الشافعي منهم وجمهور أهل العراق.
وإن خولفا يعني أنه إذا شهد اثنان عدلان بشم رائحة ما يسكر في فم شخص وشهد غيرهما بمخالفتهما بأن شهد أنها رائحة خل مثلا: فإنه يعمل بشهادة من شهدا بأنه رائحة الخمر فيحد لذلك. واللَّه تعالى أعلم. قال عبد الباقي: وإن خولفا أي خالفهما غيرهما بأن قال: رائحة خل أو شرب خلا لأن الشهادة بشرب الخمر أثبتت حكما والمخالِفَةُ نفته والمثبتة مقدمة على النافية أو خالفهما الشارب، ولو حلف بالطلاق ما شربها فيحد ولا طلاق عليه إن حلف باللَّه أنه ما حلف بالطلاق كاذبا. انتهى. ونحوه للشبراخيتي.
(1)
في الأصل وعلى والمثبت من عبد الباقي ج 9 ص 113.
(2)
في الأصل حد ثم تاب والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 113.
وقال التتائي: وإن خولفا في ذلك بأن قال غيرهما: ليست برائحة خمر أو لا رائحة له وصححه ابن عبد السلام، وقال: وهي تشبه ما لو اختلفوا في قيمة المسروق هل يساوي ربع دينار أو أقل، ومذهب المدونة إعمال شهادة من شهد أنها ربع دينار ولا بد أن يكونا ممن يعرف الخمر، سواء تقدم لهما شربها أو لا لمعرفة ذلك بوجوه كثيرة غير الشرب، خلافا لابن القصار ولو شك شاهدا الرائحة هل هي رائحة خمر أو لا فالمنصوص النظر لحال المشهود عليه، فإن كان من أهل السفه نكل أو من أهل الخير ترك، وظاهر كلامه أنه لا بد في الشم من اثنين سواء طلبها القاضي أو قام بها محتسب وهو كذلك خلافا لأصبغ في الاكتفاء بوَاحِدٍ في الثاني واستبعد، والشهادة على القيء كالشهادة على الشرب بل هي أقوى من الشهادة على الشم. انتهى. وقال في الميسر: وإذا رأى الحاكم من رجل تخليطا في قول أو مشي أمر باستنكاهه وإلا فلا يتجسس عليه. قاله ابن القاسم كما في المواق. وأجاز أصبغ الاكتفاء بشاهد واحد في الاستنكاه، واستبعده ابن عبد السلام لأنه يؤول إلى حكم القاضي بعلمه. نقله في التوضيح. وذكر أن من شهد عليه أنه قاء خمرا حد وهو أقوى من الشم، وحكم به عمر بن الخطاب وعثمان رضي اللَّه تعالى عنهما. انتهى.
وجاز لإكراه يعني أنه يجوز شرب المسكر لأجل الإكراه على شربه، قال عبد الباقي: وجاز شربها لإكراه علي شربها وأراد بالجواز لازمه وهو عدم الحد، فكأنه قال: لا حد في إكراه، فعبر بالملزوم وأراد لازمه وإلا ففعل المكره لا يوصف بحكم من الأحكام إذ لا يوصف بها إلا أفعال المكلفين، والمكره غير مكلف، والإكراه يكون بقتل، وهل كذا بقطع عضو أو ضرب يخاف منه تلف بعض أعضائه أو بقيد أو سجن أولا؟ قولان لسحنون، والفرق بين جوازه لإكراه وعدم جوازه لخوف موت أو عطش كما قدمه في المباح عدم دفعهما به بل يزيدان به. انتهى. وقال التتائي: وجاز شرب المسكر لإكراه. البساطي: استدل أهل المذهب على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (وما استكرهوا عليه) فإنه صريح في نفي الإثم وكل فعل نفي عن فاعله الإثم استلزم كونه جائزا. انتهى. قال الشبراخيتي: وقولُ البساطي: استدل أهل المذهب على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (وما استكرهوا عليه) فإنه صريح في نفي الإثم فاسدٌ على القاعدة الأصولية. انتهى. وقال
المواق: أما جواز شرب الخمر إذا أكره على شربها، فقال [ابن العربي
(1)
: اختلف في التهديد
(2)
] هل هو إكراه؟ والصحيح أنه إكراه، فإذا قال له الظالم: إن لم تفعل كذا سجنتك أو أخذت مالك ولم يكن له ما يحميه من ذلك إلا اللَّه فله أن يقدم إلا على قتل غيره فلا يفدي نفسه بقتل غيره؛ واختلف في الزنى والصحيح أنه يجوز له الإقدام على الزنى ولا حد عليه، خلافا لابن الماجشون فإنه ألزمه الحد لأنه رأى أنها شهوة لا [يتسور]
(3)
عليها إكراه ولكنه غفل عن السبب في باعث الشهوة، وإنما وجب الحد على شهوة بعث عليها سبب اختياري فقاس الشيء على [غيره]
(4)
، ويجوز أن يلفظ بالكفر للإكراه بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان من غير خلاف، ولما سامح اللَّه في الكفر عند الإكراه حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها، وقال ابن عرفة: المكره لما يحد لوضوح الشبهة أو عدم تكليفه وهو الأظهر لعمومه في الطلاق وغيره. انتهى.
أو إساغة يعني أنه يجوز شرب الخمر لإساغة الغصة صونا لإحياء النفس، ومراده بالجواز نفي الحرمة فيصدق بالوجوب، فلا ينافي أنه يجب إذا خاف على نفسه الهلاك ولم يجد غيره، وتقدم الإساغة بالنجس على الإساغة بالخمر لشدة حرمته، قال التتائي: وتخصيصه الإساغة مشعر بمنع شرب المسكر لجوع أو عطش وهو كذلك على المشهور المنصوص، وأجازه ابن العربي إذ لابد من كفايته لذلك ولو لحظة. ابن عبد السلام: وهو التحقيق. انتهى. وما ذكره المنصف من الجواز للإساغة خالفه فيه ابن عرفة كما عرفت، ومثله لابن شأس وابن الحاجب، قال ابن الحاجب: ولا حد على مكره ولا مضطر إلى الإساغة وإن قلنا إنه حرام. ابن عبد السلام: والظاهر أن الضمير في إنه عائد على الإساغة وحدها دون الإكراه، والخلاف في الصورتين ولكن التحقيق أنه ليس بحرام فيهما. انتهى. وقال المواق عند قوله:"أو إساغة" ما نصه: أما الجواز فقال ابن حبيب: إن غص بطعام فله أن يجوزه بالخمر، وقال مالك: لا يزيده الخمر إلَّا شرا. ابن رشد:
(1)
انظر هذا الكلام في أحكام القرآن ج 3 ص 1178 ط دار الفكر.
(2)
في الأصل ابن العربى في التمهيد لخ والمثبت من المواق ج 8 ص 434 ط دار الكتب العلمية.
(3)
في المواق ج 6 ص 434 والأحكام لابن العربى ج 3 ص 1178 يتصور.
(4)
في المواق ج 8 ص 434 ط دار الكتب العلمية: ضده.
تعليله هذا يدل علي أنه لو كان له في شربها منفعة لجاز له شربها، وأما سقوط الحد فقال ابن عرفة: المضطر للإساغة لا يحد لوضوح الشبهة. انتهى.
لا دواء يعني أنه لا يجوز التداوي بالخمر، قال التتائي عند قوله "لا دواء" ما نصه: فلا يجوز بالمسكر لخبر: (من تداوي بالخمر فلا شفاه اللَّه). انتهى. وقال الشبراخيتي: لا دواء، لخبر:(من تداوى بالخمر فلا شفاه اللَّه)، وعليه الحد إذا شربه للتداوي على المعتمد. انتهى. وقال عبد الباقي: لا دواء فلا يجوز ولو فعله لخوف الموت ويحد إن تداوى به شربا، قال التتائي في شرحه على الإرشاد: ابن العربي: تردد علماؤنا في دواء فيه خمر والصحيح المنع والحد. انتهى. وهذا إذا أسكر بالفعل وإلا لم يحد، ولا يرد عليه قول المنصف: ما يسكر جنسه لأنه في غير المخلوط بالدواء، ثم ظاهر المنصف حرمة المخلوط سواء غلب على الدواء أو قل عنه أو ساواه: استهلك فيه أو طبخ، ولا يفصل فيه كما في الرضاع المحرِّم وفي محرَّماتِ الإحرام في المسك مطبوخا وانظر لو خلط بماء حتى زالت منه الشدة المطربة. انتهى.
وقوله: والصحيح المنع والحد الخ، قال الرهوني: مثله للأجهوري عن شرح الإرشاد، وزاد عقبه ما نصه: ونقله في الجواهر أيضا وهذا إذا كان يسكر وإلا فلا حد من غير نزاع. انتهى. وهو ظاهر ويفهم من نفيه الحدَّ فقط أن المنع ثابت وهو كذلك بلا إشكال، وقول الزرقاني: وانظر لو خلط بماء حتى زالت منه الشدة المطربة الخ توقفه إنما هو في الحد، وأما حرمة شربه فلا إشكال فيها وقد تقدم في أول الكتاب "وينتفع بمتنجس لا نجس في غير مسجد وآدمي" والظاهر فيما نظر فيه هو السقوط فلا حد على نتاربه ويعزر لفعله معصية، فَإن قُلْتَ: تقدم للزرقاني وغيره عند قوله: "وإن قل" أنه يحد من غمس إبرة في الخمر ووضعها على لسانه فابتلع ريقه، ولا شك أن ما بتعلق بالإبرة من الخمر أقل مما خالط الماء منها بكثير، قلتُ: ما تعلق بالإبرة من خمر حين وضعها علي اللسان بخلاف ما اختلط بالماء قبل أن يجعل في الفم حتى ذهبت منه الشدة المطربة، فإنما هو ماء متنجس لا عين النجاسة، ولذلك ناقشوا المنصف في قوله:"وحكمه كمغيره". انتهي.
ولو طلاء يعني أنه لا يجوز التداوي بالخمر لا في باطن الجسم، كالشرب ولا في ظاهره كما لو طلى به ظاهر جسده أي لطخه به، يقال: طلى البعير بالهناء يطليه أي لطخه به، والطلاء كسماء: القطران وكل ما يطلى به. قال التتائي: ولو طلاء لظاهر الجسد على الأصح عند ابن الحاجب: وعبر عنه ابن شأس بالمشهور، وأشار بلو للخلاف في الطلاء وللاتفاق على منعه في الباطن وهو كذلك. قاله الباجي وغيره. وما وقع في سماع أشهب: التداوي في القرحة بالبول أخف من التداوي فيها بالخمر لا يلزم منه جوازه به، وعلل ابن رشد الخفة وعدمها بأنه جاء في الخمر أنها رجس من عمل الشيطان، ولم يثبت في البول إلا أنه نجس. انتهى. وقال عبد الباقي: ولو طلاء ولكن لا يحد، وينبغي أن محل المنع إلا أن يخاف الموت بتركه وإنما امتنع الطلاء به للتداوي ولم يمتنع التلطخ بالنجاسة بل كره فقط على المعتمد؛ لأن طلاءه به للتداوي مخالف للنهي المستفاد من خبر:(من تداوى بالخمر فلا شفاه اللَّه)، فَإن قِيلَ: قد ورد أيضا ما يدل على النهي عن التداوي بالنجس، كخبر:(لم يجعل اللَّه شفاء أمتي فيما حرم عليها)
(1)
فهو كالخمر في التداوي به طلاء، قُلتُ: نلتزم ذلك فالتلطخ بالنجاسة بقصد التداوي حرام ولا بقصده مكروه. انتهى.
قال الرهوني: ظاهر كلام الزرقاني أن "طلاء" في كلام المنصف المراد به الحدث، وأبين منه في الدلالة على ذلك كلام الأجهوري والخرشي وما فهموه منه هو المتبادر منه، وسلموا له ورود هذه اللفظة مصدرا، مع أن ابن مرزوق اعترضه بأنه إن أراد به الحدث بمعنى دهن الجسد به فهو موافق للنقل ولكنه مخالف للغة، لقول الجوهري: طليته بالدهن وغيره طليا وإن أراد به التداوي بالنوع المسمى من المسكر بالطلاء بأنه لم يقف على الخلاف فيه هكذا وما قاله ظاهر: وقد راجعت الجوهري والقاموس والمصباح والمشارق والنهاية فما وجدت ما يوافق المنصف على أن اللفظة مصدر. واللَّه أعلم. انتهى.
(1)
جامع المسانيد والسنن، رقم الحديث، 13562.
وقال الشبراخيتي: ولو طلاء لظاهر الجسد، وفي التضَمُّخِ بالنجاسة قولان بالحرمة والكراهة، ومحلهما في غير الخمر، وأما هي فحرام. انتهى. وقال المواق: ابن شعبان: لا يتعالج بالمسكر وإن غسل بالماء ولا يداوى به دبر الدواب. انتهى. وفي الميسر: لا دواء فلا يجوز التداوي بالخمر شربا ويحد: بل ولو طلاء للجسد ولا حد فيه، وفي الخبر:(من تداوى بالخمر فلا شفاه اللَّه). وذكر ابن العربي في التداوي بما استهلك منها قولين وصحح عدم الجواز. نقله ابن شأس. وفي التوضيح عن الباجي. أن الخلاف إنما هو في ظاهر الجسد، وفي مسلم (أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن جعلها في الدواء فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء)، وعدم جوازها لدواء يفيد أنها لا تجوز لجوع أو عطش وهو قول مالك، قال: ولا تزيده إلا عطشا، وقيل بالجواز واختاره ابن العربي وغيره لأن في ذلك تخفيفا ولو لحظة. ابن العربي: وقد قال اللَّه تعالى في الخنزير إنه رجس ثم أباحه للضرورة. نقله بهرام. انتهى.
ولما بين قدر الجلد بين صفته بقوله: والحدود بسوط وضرب معتدلين يعني أن الحد في الزنى والقذف والشرب إنما تكون بضرب معتدل أي ليس بمُبَرِّحٍ ولا خفيف، ولا يكون ذلك الضرب المعتدل إلا بسوط معتدل أي لا حديد ولا خلق، بل يكون بسوط قد ركب به ولان وصفة السوط أن يكون من جلد واحد له رأس لين ولا يكون له رأسان، ويقبض عليه بالخنصر والبنصر والوسطى ولا يقبض عليه بالسبابة والإبهام، ويعقد عليه عقد التسعين، ويقدم رجله اليمنى ويؤخر اليسرى، وصفة عقد التسعين أن يعطف السبابة حتى تلقى الكف ويضم الإبهام إليها. قاله الخرشي. وقال الحطاب: قوله: "معتدلين" قال في الموطإ أنه عليه الصلاة والسلام أتِيَ بسوط مكسور، فقال: فوق هذا، فأتى بسوط حديد، فقال: دون هذا، فأتى بسوط قد رُكِب به ولان فأمر به أي بالشخص المحدود فَحُدَّ، وقوله: حديد يريد أن طرفه محدد ولم تنكسر حدته، فقال: فوق هذا فأتى بسوط قد ركب به ولان يريد أنه قد انكسرت حدته ولم يخلق ولم يبلغ [مبلغا]
(1)
لا يألم من ضرب به، فاقتضى ذلك أنه يحد بسوط بين سوطين. انتهى. يعني وضرب بين ضربين،
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 523 ط دار الرضوان.
وفي المدونة: صفة الضرب في الزنى والشرب والفرية والتعزير ضرب واحد ضرب بين ضربين ضرب ليس بالمبرح ولا بالخفيف، ولم يحد مالك ضم الضارب يده إلى جنبه ولا يجزئ الضرب في الحدود بقضيب وشراك ودرة. انتهى. وهي بكسر الدال.
وقال عبد الباقي: بسوط جلد له رأس ليس له رأسان، ويقبض عليه بالخنصر والبنصر والوسطى لا بالسبابة والإبهام، ويقدم رجله اليمنى ويؤخر رجله اليسرى. قاله الجزولي. وقال الشبراخيتي: والحدود كلها بضرب، ويشترط في كل ضارب أن يكون عدلا وسوط لا عصا، قال الجزولي: وإنما يضرب بالسوط، وصفة السوط أن يكون من جلد واحد ولا يكون له رأسان وأن يكون رأسه لينا: ويقبض عليه بالخنصر والبنصر والوسطى ولا يقبض عليه بالسبابة والإبهام، ودرة عمر كانت للتأديب. انتهى.
وقال التتائي عند قوله: "وجلد البكر الحر مائة" ما نصه: قال اللخمي: بسوط بين سوطين لا جديد ولا بال لا بالدِّرة، ودرة عمر إنما كانت للتأديب وضرب بين ضربين في زمان بين زمانين من رجل بين رجلين لا بالقوى ولا بالضعيف، ولا يضع سوطا فوق سوط. انتهى. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: ولا يجوز الضرب في الحدود بقضيب ولا شراك ولا درة ولكن السوط، وإنما كانت درة عمر للأدب فإذا وقعت الحدود قُرِّب السوط، ثم قال بعد كلام: لا يتعلق بالسوط، ولأبي زيد عن ابن القاسم: إن ضرب على ظهره بالدرة أجزأه وما هو بالبين، وفي سماع عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجل زنى عبده فضربه خمسين ضربة بغير سوط، هل يجزئه من الحد؟ فلم يجبه على ذلك، وحكى له ما قال مالك من أن الحدود لا تضرب إلا بالسياط، وقال في سماع أبي زيد بعد هذا أنه إن ضرب بالدرة في الزنى في ظهره أجزأه، قال: وما هو بالبين فيحمل قوله في سماع أبي زيد علي التفسير، لقوله في هذه الرواية لأنه وإن كان الواجب أن يضرب الحدود بالسياط كما قاله مالك فلا يجب أن يعاد عليه الضرب بالسياط إذا ضرب بالدرة؛ إذ قد يكون من الدّرَرِ ما هو أوجع من كثير من السياط فلا يجمع عليه حدان إلا أن تكون الدرة التي ضرب بها لطيفة لا تؤلم ولا توجع، فلا بد من إعادة الحد بالسوط. انتهى. وفي الخرشي: قال محمد: ولا يتولى ضرب الحد قوي ولا ضعيف، ولكن وسط من الرجال. انتهى.
قاعدا يحتمل أن يكون حالا من معمول ضَرْب وأن يكون العامل فيه ويضرب ويكون حالا من معموله؛ يعني أن المحدود يضرب الحد حال كونه قاعدا لا قائما ولا ممدودا، بلا ربط يعني أن المحدود لا يربط في شيء إلا أن يضطرب اضطرابا لا يصل معه الضرب لمحله فإنه يربط، وبلا شَدِّيَدٍ يعني أن المحدود ومن في حكمه تخلى له يداه فلا تشدان. قاله المواق. بظهره وكتفيه متعلق بضرب أو يضرب يعني أن الحد يكون ضربه في الظهر والكتفين، قال المواق: قال محمد: لا يتولى ضرب الحد قوى ولا ضعيف ولكن وسط من الرجال ويضرب على الظهر والكتفين دون سائر الأعضاء والمحدود قاعد لا يربط ولا يمد وتخلى له يداه، وقال الشبراخيتي: وصفة التعزير كصفة الحد لكن يكون التعزير بالدرة دون الحد. انتهى.
وقال عبد الباقي عند قوله: "بظهره وكتفيه" لا على غيرهما وإن تعذر فيهما لمرض ونحوه أخِّر، فإن تعذر جملة سقط، وأما التعزير فينبغي أن يوكل محله للإمام. انتهى. وفي الميسر: وذكر ابن شأس أنه يوالى الضرب ولا يفرق على الأيام إلا أن يخشى من تواليه هلاك، ويؤخر لمرض أو برد إن خيف هلاكه. قال في التوضيح: فإن كان هرما أو شبهه ويخشى عليه الهلاك بسببه ولا ترجي له صحة فإنه يفرق عليه الضرب في أوقات، وقال التتائي: بظهره وكتفيه دون غيرهما واستحسنه اللخمي وتقدم أنه لا يضع سوطا على سوط، وأشار لخلاف قول ابن شعبان: يعطي كل عضو حقه من الضرب إلا الوجه والفرج. انتهى.
وقال الحطاب: وسئل مالك عن عذاب اللصوص بالدهن وبهذه الخنافس التي تحمل على بطونهم، فقال: لا يحل هذا إنما هو السوط أو السجن إن لم يجد في ظهره مضربا فالسجن، قيل له: أرأيت إن لم يجد في ظهره مضربا أترى أن يبطح فيضرب في أليتيه؟ فقال: لا واللَّه ما أرى ذلك إنما عليك ما عليك، وإنما هو الضرب بالسوط والسجن. أرأيت إن مات؟ قال: فقيل له أرأيت إن مات أيضا بالسوط؟ قال: إنما عليك ما عليك، قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله لأنه لا يصح أن يعاقب أحد فيما يلزمه فيه العقوبة إلا بالجلد أو السجن الذي جاء به القرآن، وأما تعذيب أحد بما سوف ذلك فلا يحل ولا يجوز، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
(إن اللَّه ليعذب في الآخرة الذين يعذبون الناس في الدنيا)
(1)
. انتهى. والحديث رواه مسلم وفي مختصر الوقار: والأدب أن يقنع بالسوط على رأسه أو يضرب بالدرة على ظهره أو على قدمه؛ ولا يبطح أحد على بطنه في أدب ولا غيره. انتهى.
وجرد الرجل يعني أن الرجل يجرد في الحد مطلقا أي مما يقي الضرب إلا من ساتر عورته، قال الشبراخيتي: وجرد الرجل مما عليه مطلقا وهو ظاهر المدونة ما عدا ساتر العورة فيباشر الضرب لَحْمَهُ. انتهى. وقال عبد الباقي: وجُرِّدَ الرجل مطلقا إلا عورته والمرأة مما يقي الضرب يعني أن المرأة تجرد في الحد مما يقي الضرب، قال المواق من العتبية: ويجرد الرجل للضرب ويترك للمرأة ما يستر جسدها ولا يقيها الضرب. انتهى. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: وسمع أبو زيد ابن القاسم في المرأة يكون عليها ثوبان في الحد، قال: لا بأس بهما وينزع ما سوى ذلك. انتهى. وقال الشبراخيتي. والمرأة مما يقي الضرب من الثياب، فقوله: مما يقي الضرب خاص بالمرأة على حد قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} ، فينبغي للقارئ أن يقف على قوله:"الرجل" ثم يبتدئ بقوله: "والمرأة مما يقي الضرب". انتهى. يعني أن قوله تعالى: {نَافِلَةً} راجع ليعقوب لأنه ولد لولد إبراهيم وليس عائدا على إسحق؛ لأن النافلة ولد الولد وإسحق ولد ابراهيم.
وندب جعلها في قفة يعني أنه يستحب أن تجعل المرأة عند إقامة الحد عليها في قفة، قال التتائي: وإذا جلدت المرأة ندب جعلها في قفة حين الضرب، ولما بلغ مالكا أن بعض الأمراء فعله أعجبه ذلك؛ زاد اللخمي: ويجعل تحتها تراب وماء للستر، وظاهره أنه إذا أقيم الحد على الشارب خلى سبيله ولو كان مشهورا بالفسق وهو كذلك، وقيل يطاف بالمشهور ويسجن. انتهى. وقوله:"في قفة"، قال في القاموس: والقفة كهيئة القرعة يتخذ من الخوص، وقال في مادة قرع: والقرعة بالضم معروفة وخيار المال والجراب، أو الواسع الصغير وبالتحريك الجراب والجراب الصغير أو الواسع الأسفل يلقى فيه الطعام. انتهى.
(1)
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، رقم الحديث، 2631، ولفظه: إن اللَّه يعذب الذي يعذبون الناس في الدنيا.
ولما فرغ من الجنايات التي رتب الشارع عليها عقوبة معلومة مع تساوي الناس فيها، شَرَعَ فيما ليس فيه عقوبة معلومة بل يختلف باختلاف الناس فيها وأقوالهم وأفعالهم، فقال: وعزَّرَ الإمام التعزير لغة نوع من الضرب، والمراد به هنا ما يعم العقوبة بضرب وحبس ولوم وغير ذلك؛ يعني أن التعزير أي التأديب أمره إلى الإمام. قال البناني: فرق القرافي بين التعزير والحد بستة أشياء، وهي أن الحد مقدر والتعزير بالاجتهاد، وأن الحد تجب إقامته بخلاف التعزير وأن الحد تعبد فمن سرق ربع دينار أو مائة ألف دينار وَاحِدٌ، والتعزير بحساب الجناية وأن الحد في مقابلة المعاصي والتعزير يكون لغير المكلف وللبهيمة والمجانين، وأن الحد لا يسقط بالتوبة إلا حد الحرابة والتعزير يسقط بها، وأن الحد يقام وإن لم يُوَثِرْ، والتعزير يسقط لعدم تأثيره. انظر المواق. انتهى.
وقال المواق من المدونة: أما النكال والتعزير فيجوز فيه العفو والشفاعة وإن بلغ الإمام، ثم ذكر عن القرافي ما عزاه له البناني إلى أن قال: والحد يقام وإن لم يؤثر، بخلاف التعزير فإن اليسير يسقط لعدم تأثيره والكثير يسقط لعدم موجبه. قاله ابن العربي. وقال عبد الباقي: وعزر الإمام أو نائبه أو السيد لعبده في مخالفته للَّه أوله أو الزوج للنشوز أو والد لصغير فقط أو معلم. انتهى.
قال الرهوني: قول الزرقاني: ووالد الصغير فقط احترز به من والد الكبير فليس له أن يؤدب. وعَوَّل الزرقاني في ذلك على ما لابن شأس وابن الحاجب، إذ قال: ويؤدِّب الأب والمعلم بإذنه الصغير لا الكبير. انتهى. وقد نقل ابن عرفة كلام ابن شأس وقبله ولم يعترض كلام ابن الحاجب، ونص ابن عرفة: ابن شأس: والأب يؤدب ابنه الصغير دون الكبير ومعلمه بإذنه، قلت: لأن ترك تأديبه يكسبه فسادا. انتهى منه بلفظه. لكن في التوضيح عقب كلام ابن الحاجب السابق ما نصه: هكذا قال ابن شأس: وظاهر قول مالك في الذي شتمه خاله أو عمه أو جده لا أرى عليه في ذلك شيئا إذا كان على وجه الأدب؛ لأن للأب ونحوه تأديب الكبير.
وقد طعن أبو بكر رضي الله عنه في خاصرة عائشة رضي الله عنها ورأسه صلى الله عليه وسلم في حجرها وكذا مخاطبته لعبد الرحمن في حديث الضيفان. انتهى.
لمعصية اللَّه وهي ما ليس للآدمي إسقاطه كالأكل في نهار رمضان لغير عذر إلا أن يجيء تائبا أو لحق آدمي وهو ماله إسقاطه كشتم آخر وضربه أو أذاه بوجه لا ما ليس للَّه فيه حق؛ لأنه ما من حق لآدمي إلا وللَّه فيه حق إذ من حق اللَّه تعالى على كل مكلف ترك أذاه لغيره، ومعنى كلام المؤلف أن الإمام يعزر لمعصية اللَّه تعالى، وكذا يعزر أيضا لحق الآدمي. وقد علمت أن المراد بالمعصية هنا ما تمحض حقه للَّه تعالى، فإن كان ليس للآدمي إسقاطه وأن المراد بحق الآدمي ما للآدمي إسقاطه مع أن فيه معصية للَّه تعالى.
تنبيهات:
الأول: قال الحطاب: قال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب القذف: الأدب يتغلظ بالزمان والمكان، فمن عصى اللَّه في الكعبة أخص ممن عصاه في الحرم، ومن عصاه في الحرم أخص ممن عصاه في مكة، ومن عصاه في مكة أخص ممن عصاه خارجها. انتهى. وقال في المسائل الملقوطة: يلزم التعزير من سرق مالا قطع فيه والخلوة بالأجنبية ووطء المكاتبة ونحو ذلك من الاستمناء وإتيان البهيمة واليمين الغموس والغنتى في الأسواق والعمل بالربى وشهادة الزور والتحليل والشهادة على نكاح السر، وكذلك الزوجان والولي إلا أن يعذروا بجهل فيجب على هؤلاء التعزير فقط، وتلزم العقوبة من حمى الظلمة وذب عنهم ومن دفع عن شخص وجب عليه حق ومن يحمي قاطع الطريق أو سارقا أو نحو ذلك، فإن من يحميه ويمنعه عاص للَّه وتجب عقوبته حتى يحضره إن كان عنده وينزجر عن ذلك إلا أن يكون إحضاره إلى من يظلمه ويأخذ ماله أو يتجاوز فيه ما أمر به شرعا، فهذا لا يحضره ولكن يتخلى عنه ويرتدع عن حمايته والدَّفْع عنه. انتهى. ومنه: ويؤدب من حلق شاربه ومن طلق ثلاثا في كلمة واحدة ومن نكح بين الفخذين ومن قام بشكية باطل فينبغي أن يؤدب، وأقل ذلك الحبس ليندفع بذلك أهل الباطل واللدد. من أحكام ابن سهل. قاله في شهادة السماع والأحباس. واللَّه أعلم. انتهى.
الثاني: ظاهر كلام المنصف أن المكروه لا أدب فيه، وصرح بذلك في باب الأيمان من التوضيح قال: وقد نصوا على تأديب الحالف بالطلاق والعتاق ولا يكون الأدب في المكروه. انتهى. وقال في المدخل في فصل اللباس: وقد قال علماؤنا في تارك شيء من السنن والآداب إن الواجب أن يقبح له فعله وأن يذم علي ذلك، فإن أبى أن يرجع هجر من أجل ما أتى من خلاف السنة. انتهى.
وقد نقل في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب من كتاب الذبائح عن سيدنا عمر التأديب في المكروه، وذلك أنه مر بشخص أضجع شاذ يذبحها وجعل يحد الشفرة فعلاه بالدرة، وقال: هلَّا حددتها أولا أو كما قال. وقد قال أصبغ: من ترك الوتر يؤدب. وقال سحنون: يجرح، والظاهر أنه لا يعارضة وأن من واظب على ترك السنن أو على فعل المكروه هو الذي يؤدب ويجرح ومن كان منه مرة لم يؤدب. واللَّه أعلم.
الثالث: قال في المسائل اللقوطة: قال القرافي: الحدود واجبة الإقامة على الأئمة، واختلفوا في التعزير فقال مالك وأبو حنيفة رحمهما اللَّه: إن كان الحق للَّه وجب كالحدود إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب مصلحة من الملامة والكلام، وقال الشافعي: غير واجب على الإمام. انتهى. ثم قال: ويجوز العفو عن التعزير والشفاعة فيه إن كان لحق آدمي فإن تجرد عن حق آدمي، وانفرد به حق السلطة كان لولي الأمر مراعاة حكم الأصلح في العفو والتعزير وله التشفيع فيد. انتهى. وقال القاضي عياض في الإكمال في شرح قوله:(لتشفعوا ولتوجروا)
(1)
: الشفاعة لأصحاب الحوائج والرغبات عند السلطان مشروعة محمودة مأجور عليها صاحبها بشهادة هذا الحديث؛ وشهادة كتاب اللَّه بقوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} الآية على أحد التأويلين، وفيه أن معونة المسلم في كل حال بقول أو فعل فيها أجر وفي عمومه الشفاعة للمذنبين وهي جائزة فيما لا حد فيه عند السلطان وغيره، وله قبول الشفاعة فيه والعفو إذا رأى ذلك كما له العفو ابتداء وهذا فيمن كانت منه الفلتة والزلة، وفي أهل الستر والعفاف أو من طمع بالعفو عنه أن تكون له توية، وأما المصرون على فسادهم المشهورون في باطلهم فلا تجوز الشفاعة لأمثالهم ولا ترك السلطان عقوبتهم ليزدجروا عن ذلك وليرتدع غيرهم بما يفعل بهم وقد جاء الوعيد في الشفاعة في الحدود
(2)
انتهى. نقله الحطاب.
الرابع: قال المواق: ابن عرفة: موجب العصية غير الموجبة حدا عقوبة فاعلها. ابن شأس: والسيد يعزر في حق نفسه وفي حق اللَّه والزوج يعزر في النشوز وما أشبهه والأب يؤدب الصغير
(1)
البخاري، كتاب الأدب، رقم الحديث 6027 - 6028. مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، رقم الحديث 2627 ولفظهما اشفعوا فلتؤجروا. . .
(2)
البخاري، كتاب الحدود، رقم الحديث 6788. مسلم، كتاب الحدود، رقم الحديث 1688.
دون الكبير ومعلمه أيضا يؤدبه. ابن سلمون: إذا رفع للوالي أن في بيت فلان خمرا، فإن أتاه بذلك رجل واحد ممن لا تجوز شهادته فلا يكشف عن ذلك ولا يهتك ستر مسلم بذلك، وإن أتاه بذلك عدول فشهدوا عنده على البت كشف عن ذلك وهراقها وضرب المشهود عليه إلا أن يكون ممن له حرمة وليس بمشهور بالسوء فيتركه ولا يكشفه، وإذا مشت امرأة مع أهل الفساد ثم يؤتى بها لم ينبغ للإمام أن يكشفها عما كانت فيه، هل زنت أو كانت خرجت عن طوع ويؤدبها الإمام ولا يكشفها عن شيء؟ ونقل هذه المسألة بنصها وشرحها بقوله صلى الله عليه وسلم (لعلك قبلت، لعلك لمست)
(1)
. ومن تغامز مع امرأة أجنبية أو ضحك معها ضرب عشرين سوطا والمرأة كذلك، ومن جس امرأة ضرب أربعين سوطا وإن طاوعته هي فكذلك، وإن قبلها ضرب خمسين سوطا وهي كذلك إن طاوعته، وإذا قال رجل لآخر: سرقت متاعي فإن كان المدعى عليه ممن يتهم وإلا لزم القائل لذلك الأدب، وإذا شهد على رجل أنه يؤذي الناس بلسانه حبس ثلاثة أيام ويؤدب على قدر جرمه، وإن زاد شره أمر بالكف عن الجيران وإلا بيعت عليه داره أو أكريت عليه، وأفتى بعض الفقهاء في الذي يؤذي الناس في المسجد بإخراجه من المسجد.
الخامس: قد مر عن أبي زيد أنه إن ضرب في الزنى بالدرة في ظهره أجزأه، وقد مر عن ابن رشد أنه تفسير لأنه وإن كان الواجب ضربه بالسياط كما قال مالك فلا يجب أن يعاد عليه الضرب بالسياط إذا ضرب بالدرة إلا أن تكون الدرة التي ضرب بها لطيفة لا تؤلم. الرهوني: وهو يفيد أن هذا هو المذهب وإن كان ابن يونس نقل كلام المدونة ولم يقيده بشيء الخ.
السادس: قال الرهوني في المعيار من جواب لمؤلفه ما نصه: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتعلقان إلا بواجب أو حرام عند المحققين. انتهى. وقد يظهر ما قاله على أنه لا أدب في فعل المكروه وترك السنن، وأما على أنه يؤدب على ذلك فلا؛ لأن الأمر والنهي باللسان أخف من التأديب؛ مع أن كلام العلامة الأبي يفيد أنه لا خلاف أن ذلك مطلوب فإنه إنما حكى الخلاف
(1)
البخاري، كتاب الحدود، رقم الحديث 6824. بلفظ لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت.
- مسند أحمد ج 1 ص 255 بلفظ لعلك قبلت أو لمست أو نظرت.
في الوجوب فقط. وقد وقع المنهي عن المكروه وتكرر في زمن الصحابة فمن بعدهم، (ففي الصحيحين أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أنكر على مروان تقديمه الخطبة قبل الصلاة في العيد)
(1)
؛ قال في الإكمال ما نصه: وقوله لا تأتون بخير مما أعلم تصريح بالحق وإن لم يكن في الواجبات. انتهى بلفظه. ونقله الأبي في إكمال الإكمال، وقال عقبه: قلت اختلف في وجوب التغيير لمخالفة المندوب. انتهى. (وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم حسبما في أصح الصحيح أن يقال لمن ينشد الضالة في المسجد: لا ردها اللَّه عليك)
(2)
، وفي الصحيحين وغيرهما أن سيدنا عمر قال لسيدنا عثمان رضي الله عنهما حين تأخر يوم الجمعة:(أي ساعة هذه؟ ثم قال له ثانيا في الوضوء أيضا)
(3)
وفي الصحيحين أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما: (كنت أضرب الناس مع عمر على الصلاة بعد العصر)
(4)
، وفيهما أيضا قول سيدنا عمر للرجلين الذين كانا يرفعان أصواتهما في المسجد: ولولا أنكما غريبان لأوجعتكما ضربا وفي الصحيح أيضا قول سيدنا عمر لسيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عند لبسه وهو محرم ثوبا مصبوغا بما يكره للمحرم لبسه: إنكم أيمة يقتدف بكم، وفي المعيار عن المدخل: وردت السنة أن من إكرام الميت تعجيل الصلاة عليه ودفنه، وقد كان بعض العلماء رحمه اللَّه تعالى يحافظ على السنة إذا جاءُوا بالميت إلى المسجد صلي عليه قبل الخطبة، ويأمر أهله أن يخرجوا إلى دفنه، فجزاه اللَّه تعالى خيرا عن نفسه على محافظته على السنة، فلو كان العلماء ماشين على ما مشى عليه هذا السيد انسدت هذه الثلمة التي وقعت وهي من أحدث شيئا سكت عنه فتزايد الأمر لذلك فإنا للَّه وإنا إليه راجعون. انتهى. وقد نقل كلام المدخل هذا غير واحد من شراح المختصر وسلموه كما سلمه صاحب المعيار، وبه تعلم ما في كلامه المتقدم. واللَّه الموفق.
السابع: في الحديث أنه سئل عن حريسة الجبل، فقال فيها: غرم مثلها وجلدات نكالا، فإذا آواها المراح ففيها القطع. قال في النهاية: لا قطع في حريسة الجبل أي ليس فيما يحرس بالجبل
(1)
البخاري، كتاب العيدين، رقم الحديث 956. مسلم، كتاب صلاة العيدين، رقم الحديث 889.
(2)
مسلم، كتاب المساجد، رقم الحديث 568
(3)
البخاري، كتاب الجمعة، رقم الحديث 878. مسلم، كتاب الجمعة، رقم الحديث 845.
(4)
البخاري، كتاب السهو، رقم الحديث 1233. مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم الحديث 834.
إذا سرق قطع لأنه ليس بحرز، والحريسة فعيلة بمعنى مفعولة أي أن لها من يحرسها ويحفظها، ومنهم من يجعل الحريسة السرقة نفسها، يقال حرس يحرس حرسا إذا سرق فهو حارس أي ليس فيما يسرق من الجبل قطع. انتهى. انظر الرهوني.
الثامن: قال الرهوني: وعزر الإمام لمعصية اللَّه تعالى؛ أي إذا فعله معتقدا أنه معصية
(1)
وإن كان في نفس الأمر ليس كذلك كمن شرب مثلا ما يعتقد حرمته فتبين أنه حلال. انتهى. ثم قال: وقال عياض: لا ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يحمل الناس على اجتهاده ومذهبه، وإنما يغير منه ما اجتمع على إحداثه وإنكاره، ورشح هذا محيي الدين النووي مرجحا كلام عياض، قائلا: أما المختلف فيه فلا إنكار، وليس للمفتي ولا للقاضي
(2)
على من خالفه إذا لم يخالف نص القرآن أو السنة أو الإجماع. انتهى. نقله المواق. وزاد: وقال القرافي وعز الدين بن عبد السلام؛ من أتى شيئا مختلفا فيه يعتقد تحريمه أنكر عليه لانتهاكه الحرمة، فإن اعتقد تحليله لم ينكر عليه إلا أن يكون مدرك المحل ضعيفا ينقض الحكم بمثله لبطلانه في الشرع. انتهى. فإن حمل على أن المراد المجتهد أو من قلده فهو واضح وإلا فهو مشكل غاية؛ لأن في المذهب مسائل صرحوا فيها بالأدب مع شهرة الخلاف فيها، بل قد تقدم التأديب في المكروه. وذكره الحطاب فقال بعد ذكره الخلاف: فالظاهر أنه لا معارضة وأن من واظب على ترك السنن وعلى فعل المكروه فهو الذي يؤدب ويجرح، ومن كان ذلك منه مرة لم يؤدب. واللَّه أعلم. انتهى. حبسا ولو ما يعني أن الإمام يعزر لمعصية اللَّه تعالى أو لحق الآدمي بالحبس وباللوم وذلك موكول إلى اجتهاده بقدر القائل والمقول له والقول، فإن أداه اجتهاده إلى الحبس حبسه وإلى اللوم بأن يوبخه بالكلام. قال التتائي: هما منصوبان على المصدرية أو على نزع الخافض أي عزر بالحبس واللوم. انتهى. وقال الشبراخيتي: مفعول مطلق أي يحبسه حبسا ويلومه لوما لا منصوب بنزع الخافض لأنه سماعي. انتهى. وقال المواق: مالك: من قال لرجل يا كلب فذلك يختلف إن كانا
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الرهوني، ج 8 ص 162.
(2)
في الرهوني ج 8 ص 163: ولا للقاضى أن يعترض على من خالفه.
معا من ذوي الهيئة عوقب القائل عقوبة خفيفة يهان ولا يبلغ به السجن، وإن كان القائل من ذوي الهيئة والمقول له من غير ذوي الهيئة عوقب بالتوبيخ ولا يبلغ به الإهانة ولا السجن، وإن كان القائل من غير ذوي الهيئة والمقول له من ذوي الهيئة عوقب بالضرب. انتهى.
وبالإقامة يعني أن الإمام له أن يعزر بالإقامة بأن يوقف المعزر على قدميه في الملإ ثم يقعده أو يقام من المجلس بأن يؤمر بالذهاب من المجلس إذا أدى الإمام اجتهاده إلى ذلك. قال البناني مفسرا لقوله: "وبالإقامة" على ما لعبد الباقي ما نصه: يعني أن الحاكم يوقفه على قدميه ثم يقعده أو يأمره بالذهاب من المجلس. انتهى. وفسر المواق المنصف بالإقامة على القدمين في المحافل، فإنه قال ابن شأس: كانوا يعاقبون الرجل على قدره وقدر جنايته، منهم من يضرب ومنهم من يحبس ومنهم من يقام واقفا على قدميه في المحافل ومنهم من تنزع عمامته ومنهم من يحل إزاره. انتهى. ونزع العمامة يعني أن الإمام إذا أداه اجتهاده إلى نزع العمامة أي عمامة الذي يريد تعزيره فله أن يفعل ذلك كما قال ابن شأس، ومنهم من تنزع عمامته. قال المواق: قال ابن عرفة: ومما جرى به العمل من أنواع التعزير ضرب القفا مجردا عن ساتر بالأكف. عياض: وحلف رجل بالطلاق في مجلس سحنون وأمر سحنون بصفع قفاه. انتهى.
تنبيه:
قول المنصف: "وبالإقامة ونزع العمامة" يرشح كون قوله: "حبسا ولوما" منصوبا على نزع الخافض. واللَّه تعالى اعلم.
وضرب بسوط أو غيره يعني أن التعزير أي الأدب يكون بالضرب بالسوط وبغير السوط كالعصا، فإذا أدى الإمام اجتهاده إلى شيء من ذلك فعله، فقوله:"أو غيره" أي غير السوط بخلاف الحد فإنه لا يكون إلا بالسوط كما مر. قال الشبراخيتي: وسكت المنصف عن التعزير بالنفي كما ذكر فيمن يزور الوثائق وعن التعزير بالمال أي بأخذه كأخذ أجرة العون من المطلوب المظالم أو بإخراجه من ملكه، كتعزير الفاسق ببيع داره على ما تقدم في قوله:"وفسق مستأجر وآجر الحاكم إن لم يكف وبالتصدق عليه به"، كما أشار له المنصف بقوله:"وتصدق بما غش ولو كثر". انتهى. ونحوه لعبد الباقي وفيه متصلا بهذا ما نصه: وبإتلافه كإراقة اللبن على من غشه حيث كان يسيرا. وتقدم في القضاء وعزر شاهد زور بملإ وهل يكون التعزير بأخذ المال في معصية لا تعلق لها
بالمال أم لا والأول مذهب الحنفية. قاله الأجهوري. وتوقفه في مذهبه قصور فإن المنهي
(1)
مختصر البحر للحنفية عزا للأئمة الثلاثة والصاحبين أنه لا يكون بالمال. ونصه: وما في الخلاصة سمعت من ثقة أنه يكون بأخذ المال أيضا إن رأى القاضي ذلك. ومن جملة ذلك من لا يحضر الجماعة فمبني على اختيار من قال بذلك، لقول أبي يوسف: إنه مروي عنه أنه يجوز للسلطان التعزير بأخذ المال. كذا في الفتح، ومعناه كما قال البرزلي
(2)
أن إمساكه
(3)
عنده مدة لينزجر ثم يعيده إليه، لا أنه يأخذه لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة؛ إذ لا يجوز أخذ مال مسلم بغير سبب شرعي أي كشراء أو هبة. انتهى.
ثم إنها ترد إليه إذا تاب فإن أيس من توبته صرفه الإمام إلى ما يرى. وفي شرح الآثار: التعزير بالمال كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ كذا في المجتبى، وعندهما وباقي الأئمة الثلاثة لا يجوز التعزير به. انتهت عبارة النهى.
(4)
وانظر قوله: وعندهما مع نقله قبل عن أبي يوسف. انتهى. قوله: عن الأجهوري وهل يكون التعزير بأخذ المال؟ الخ قال البناني: يدل على قصوره ما ذكره ابن رشد في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود في القذف، ونصه: مالك: لا يرى العقوبات في الأموال، وإنما ذلك في أول الإسلام، من ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مانع الزكاة (أنه تؤخذ منه وشطر ماله عَزمة من عزمات ربنا)
(5)
، وما روي عنه عليه الصلاة والسلام في حريسة الجبل (أن فيها غرامة مثليها وجلدات نكال)
(6)
، وما روي عنه عليه الصلاة والسلام أن سلب من أخذ وهو يصيد في الحرم لمن أخذه، كان ذلك كله في أول الاسلام وحكم به عمر بن الخطاب ثم انعقد الإجماع أن ذلك لا يجب وعادت العقوبات على الجرائم في الأبدان. انتهى. وفي نظم صاحب العمل:
(1)
في عبد الباقي ج 8 ص 115: فإن النهر.
(2)
في عبد الباقي ج 8 ص 115: البزازىِ.
(3)
في عبد الباقي ج 8 ص 115: أن يمسكه.
(4)
في عبد الباقي ج 8 ص 115: النهر.
(5)
أبو داود، كتاب الزكاة، رقم الحديث 1575. النسائي، كتاب الزكاة، رقم الحديث 2444.
(6)
النسائي، كتاب قطع السارق، رقم الحديث 4959.
ولم تجز عقوبة بالمال
…
أو فيه عن قول من الأقوال
لأنه
(1)
منسوخة إلا أمور
…
ما زال حكمها على اللسن يدور
كأجرة الملد في الخصام
…
والطرح للمغشوش من طعام
انتهى. وفي الميسر عند قول المنصف: "وعزر الإمام لمعصية اللَّه تعالى أو لحق آدمي حبسا ولَوْمًا وبالإقامة" الخ ما نصه: وذلك كله باجتهاد الإمام فيعاقب الرجل على قدره وقدر جرمه، ويخفف أو يجافي عن الرفيع وذي الهيئة ويثقل على ذي الشر والمعتبر في الرفعة الصيانة والخير. وذكر في التوضيح عن ابن رشد أن من قال لرجل: يا كلب، إن كانا من ذوي الهيئة خفف في عقوبته ولا يبلغ به السجن وإن لم يكونا كذلك سجن، وإن كان القائل فقط ذا هيئة عوقب بتوبيخ ولا يسجن وبالعكس عوقب بالضرب. وفي الواضحة عن مطرف: أقصى ما يبلغ به الأدب في الجرم ثلاثمائة. وقال أشهب: لا يزيد السلطان في الأدب على عشرة أسواط ولا المؤدب على ثلاث.
وذكر الحطاب أن من تغامز مع أجنبية أو تضاحك معها ضرب عشرين وإن حبسها
(2)
ضرب أربعين وإن قبلها ضرب خمسين وإن طاوعته في الأمرين ضربت مثله، وأن من أتى بهيمة ضرب مائة، ومن سرق دون نصاب من الغنيمة ضرب خمسين، وإذا ارتفع كلام الخصمين عند القاضي ضربا عشرة، ومن سل سيفا على وجه القتال ضرب أربعين وكان السيف فيئا، وإن هدد به على وجه المزاح ضرب عشرين، ومن سل سكينا على وجه المزاح ضُرِب عشرة. وذكر ابن سلمون أن من تكلم في عالم بما لا يجب فيه حد: ضرب أربعين. انتهى.
وإن زاد على الحد يعني أن الإمام إذا أداه اجتهاده في التعزير إلى أن يزيد على جلد الحد فإن ذلك له، وأما ما ثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم:(لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود اللَّه تعالى)
(3)
، فقال المازري: تأول أصحابنا الحديث على قصر ذلك في زمنه
(1)
في عبد الباقي ج 8 ص 115: لأنها.
(2)
في المسائل الملقوطة ص 82: ومن جسَّ.
(3)
مسلم، كتاب الحدود، رقم الحديث 1708. البخاري، كتاب الحدود، رقم الحديث 6850 واللفظ لمسلم.
عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان يكفي ذلك القدر، وإلا فقد ضرب عمر رضي الله عنه معن بن زائدة الذي نقش على خاتمه وأخذ شيئا من بيت المال مائة وضرب صيفيا
(1)
أكثر من الحد ونفاه إلى البصرة والكوفة وأمر بهجره، وكان لا يكلمه أحد لأنه كان يسأل عن مشكلات القرآن والتفقه فيها حتى تاب وكتب عامل البلد إلى عمر بتوبته. قاله الشبراخيتي.
أو أتى على النفس يعني أن للإمام أن يفعل في التعزير ما أداه إليه اجتهاده، وإن كان الذي أداه إليه اجتهاده يزيد على الحد كما عرفت أو أتى على النفس، ففي العتبية عن مالك أنه أمر صاحب الشرطة بضرب شخص وجد معه صبي فوق ظهر المسجد وقد جرده وضمه إلى صدره أن يضربه ضربا مبرحا ويسجنه طويلا وضربه أربعمائة سوط فانتفخ ومات ولم يستعظم ذلك مالك وما أنكره: وفي النوادر عن الواضحة قال مطرف: أُتِيَ قاضي المدينة وهو هشام بن عبد اللَّه المخزومي -وكان صالحا- برجل خبيث يعرف باتباع الصبيان قد لصق بغلام في زحام حتى أمنى فبعث به هشام إلى مالك وقال: أترى أن أقتله؟ قال لا ولكن أوجعه عقوبة، فأمر بجلده أربعمائة وسجن فما لبث أن مات، وما أنكره مالك. قاله الشبراخيتي. وإذا فعل الإمام ما أداه إليه اجتهاده وأتى على النفس ولم يتبين له أنه أخطأ فيما أداه إليه اجتهاده، فإنه لا ضمان عليه.
وأما قوله: وضمن ما سرى فمعناه أنه إذا فعل به ما أداه إليه اجتهاده كمائتي جلدة مثلا فمات من ذلك، فتبين له أنه لا يستحق ذلك وإنما يستحق أقل من ذلك فإنه يضمن ما سرى إليه ذلك الفعل فعليه الدية. قال الرهوني: التعزير جائز بالاجتهاد مطلقا وإن زاد على الحد أو أتى على النفس، وقوله:"وضمن ما سرى" فيما إذا تبين خطؤه، كضربه أربعمائة فمات منها ثم تبين أنه لا يستحق ذلك فيضمن ديته، ولا ترد مسألة الإمام لأنه لم يتبين له خطأ، كما أشار إليه ابن مرزوق ويستروح من تقرير الطخيخي. قال الرهوني: وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه، وعليه عول سيدي عبد الواحد ابن عاشر ونصه: ابن مرزوق: معناه إذا اجتهد وأخطأ فيضمن وكأنه
(1)
كذا في الأصل، والذي الشبراخيتي ج 4 صبيغا.
عنده -واللَّه أعلم- بمثابة الخطإ والعمد في أموال الناس، والضمان على هذا لا ينافي أن لا إثم فيه؛ لأن الشخص يقتل آخر خطأ ولا إثم عليه ويعطي ديته. انتهى.
وقال عبد الباقي مفسرا للمصنف: وإن زاد على الحد أو أتى على النفس وله الإقدام إن ظن السلامة، فإن ظن عدمها أو شك منع وإن فعل مع الشك ضمن دية ما سرى لنفس أو عضو على العاقلة والإمام كواحد منهم ولا قصاص عليهم، قالت أهل المعرفة: ينشأ عن فعله تلف أو عيب أم لا إذ لا قصاص بالشك، فإن فعل مع ظن عدم السلامة اقتص منه. قال العرف ينشأ ذلك عنه أم لا كما في ابن مرزوق، وكلام التتائي كما يأتي يقتضي أنه يضمن في هذه الحالة دية خطأ، وفيه نظر كما نبه عليه الشيخ أحمد بابا. وأما إن فعل مع ظن السلامة فلا ضمان عليه إذا خاب ظنه وحصل منه تلف. قالت أهل المعرفة: ينشأ عنه تلف أم لا كما في النوادر وكذا في العتبية عن مالك، قال في التوضيح: وهو قول الجمهور وقيل يضمن مطلقا وهو ظاهر الجواهر وابن الحاجب، وقيل يضمن إن قال العرف ينشأ عنه ذلك وإلا فلا وهو لابن مرزوق وانظر مستنده فيه. ونص التتائي عقب "أو أتى على النفس": معناه مع ظن السلامة وإلا ضمن ما سرى، ولا مناقضة حينئذ بين كلاميه وبه يندفع استصعاب ابن عبد السلام. انتهى.
وفيه نظر لأنه يدخل تحت قوله: وإلا ما إذا ظن عدم السلامة مع أنه يقتص منه، لا أنه يضمن الدية. وحمل الضمان في كلامه على القصاص في ظن عدم السلامة خلاف عرفهم. انتهى المراد منهم. وقال البناني: وضمن ما سرى يعني فإن سرى التعزير حتى أتى على النفس ضمن ذلك الإمام، قال ابن عبد السلام: وفي هذا صعوبة إذ الولاة مأمورون بالتعزير فتضمينهم ما سرى إليه التعزير مع أمرهم به تكليف ما لا يطاق وأشد من ذلك الإقادة منهم. انتهى. وعلى إشكاله كان بعضهم ينشد:
ألقاه في اليم مكتوفا فقال له
…
إياك إياك أن تبتل بالماء
وأجاب عنه التتائي تبعا للشيخ داوود شيخه بما قرره به الزرقاني من حمل الضمان على عدم ظن السلامة وحمل الجواز على ظنها، وهو خلاف النقل المفيد جواز التعزير مع عدم ظن السلامة،
كما استظهره في التوضيح معترضا تقييد ابن الحاجب تبعا لابن شأس الجواز بشرط السلامة، وأيضا حمل الضمان على عدم ظن السلامة خلاف ظاهر كلام المؤلف وخلاف كلام ابن الحاجب وابن رشد في ترتيبهم الضمان على فعل ما يجوز له، ولكونه مرتبا عندهم على فعل الجائز أتى إشكال ابن عبد السلام وسلمه الشارح وابن غازي وغير واحد، ولا مساعد من النقل لما قاله التتائي. فالصواب ابقاء كلام المؤلف على ظاهره من غير تقييد وترتيب الضمان على ذلك الظاهر وسلف المؤلف في ذلك ابن شأس وابن الحاجب. قاله مصطفى.
ثم قال: والظاهر أن مراد ابن الحاجب وابن شأس بقولهما: التعزير جائز بشرط السلامة أي جائز ولا ضمان بشرط السلامة، بدليل قولهما بفاء التفريع فإن سرى فعلى العاقلة. انتهى. قال الرهوني: قول محمد بن الحسن البناني: ثم قال والظاهر أن مراد ابن الحاجب الخ سلم كلام مصطفى، وقال التاودي بعد أن ذكره ما نصه: وهو غير ظاهر أيضا وبحث ابن عبد السلام قائم كما هو بين، وأقرب منه أن يقال: التعزير جائز بالاجتهاد مطلقا وإن زاد على الحد أو أتى على النفس. وقوله: "وضمن ما سرى" فيما إذا تبين خطؤه كضربه أربعمائة فمات منها ثم تبين أنه لا يستحق ذلك فيضمن ديته، ولا ترد مسألة الإمام لأنه لم يتبين فيها خطأ كما أشار له ابن مرزوق. ويستروح من تقرير الطخيخي أيضا فتأمله. واللَّه أعلم. انتهى منه بلفظه.
قال الرهوني: قلت وهو الحق الذي لا محيد عنه إلى آخر ما مر في أول الحل، ثم قال: قال ابن مرزوق: ولا يصح أن يقال معنى كلامه -يعني المصنف- أن الإمام إذا عزر باجتهاده ولم يظهر خطؤه، فتولد من تأديبه هلاك أن يضمن لأن هذا يناقض قوله:"أو أتى على النفس". انتهى. وما نسباه لابن مرزوق هو كذلك فيه، وزاد بعد ذلك ما نصه: ولا يحمل كلام ابن الحاجب إلا على هذا المعنى وإلا كان مخالفا للنقل؛ لأن فعل الإمام إذا كان على الصواب فيما يجتهد فيه أو على الوجه الذي حد له فيما لا يجتهد فيه ثم نشأ عنه تلف فلا ضمان فيه كما ترى. وقد بان
أن كلام ابن الحاجب مخالف لما نقلنا عن مالك من انتهاء التعزير إلى الموت في الحكاية المذكورة، ونظيرها في العتبية أيضا [في رجل]
(1)
خلا بصبي وجرده من ثيابه. انتهى.
يشير إلى ما في النوادر من كتاب ابن حبيب، قال مطرف: أتي هشام بن عبد اللَّه قاضي المدينة -وهو من صالحي قضاتها- برجل خبيث يعرف باتباع الصبيان لصق بغلام في زحام الناس الخ، ثم قال: أما ضمان الإمام والطبيب في خطئهما على الجملة فقال في القطع في السرقة من المدونة: وما بلغ من خطإ الإمام ثلث الدية فأكثر فعلى عاقلته مثل خطإ الطبيب والمعلم والخاتن، ثم قال: وأما أن خطأهما لا يكون إلا مع مخالفة وجه الصواب فيما شرع لهما فعله، فقال في آخر أحكام الدماء من النوادر: قال ابن حبيب قال أصبغ: وروى ابن وهب عن يحيى بن سعيد: كل حاكم بين المسلمين من أمير أو قاض أو صاحب شرطة، فما كان من عقوبتهم من موت عن جد أو أدب فهدر، وما كان من ظلم بين فالقود في عمده والعقل في خطئة، قال: قال أصبغ: وهو قولنا وجماعة علمائنا. انتهى.
وقال أبو الوليد بن رشد: والعقوبات على الجرائم عند مالك على قدر اجتهاد الوالي وعظم جرم الجاني وإن تجاوز الحد، وقد أمر مالك صاحب الشرطة في الذي وجد مع صبي في سطح وقد جرده وضمه إلى صدره وغلق على نفسه معه فلم يشكو في المكروه فأمره أن يضربه ضربا مبرحا ويسجنه طويا، حتى تظهر توبته وتتبين، فسجنه صاحب الشرطة أياما قبل أن يضربه فكان أبوه يختلف إلى مالك ويتردد إليه ويقول له: اتق اللَّه يا مالك فما خلقت النار باطلا، فيقول له مالك: أجل وإن الذي ألفي عليه ابنك لمن الباطل ثم ضربه صاحب الشرطة أربعمائة سوط فانتفخ فمات فما أكبر ذلك مالك ولا بالى به، فقيل له: يا أبا عبد اللَّه إن هذا من الأدب والعقوبة لكثير فقال: هذا بما أجرم، وما رأيت أنه مسه من العقوبة إلا بما اجترم. انتهى.
وفي الرهوني بعد جلب نقول ما نصه: وقد خفيت هذه النصوص القاطعة والحجج البينة الساطعة على مصطفى وبناني كما خفيت أيضا على جسوس، فنظر في كلام ابن عاشر ولا نظر فيه والكمال
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 166.
للَّه تعالى. ومما يشهد لما قاله ابن مرزوق ومن تبعه أيضا ما نص عليه غير واحد من أن تأديب الزوج زوجته على وجه يجوز له إذا نشأ عنه الموت لا ضمان فيه، وتأديب الحكام بهذا أولى لأنه آكد من تأديب الزوج لوجوبه على الحكام، بخلاف الزوج واللَّه أعلم. انتهى.
والحاصل أن التحقيق عند الرهوني تبعا لابن مرزوق وابن عاشر والتاودي أن المعزر الذي له التعزير إن فعل ما أداه إليه اجتهاده ولم يتبين خطؤه لا ضمان عليه وإن أتى على النفس، ويجوز له الإقدام على ما أداه إليه اجتهاده وإن ظن عدم السلامة، فإن فعل ما أداه إليه اجتهاده ومات من ذلك أو تلف به عضو وتبين له خطؤه فإنه يضمن، ولو فعل به الظلم البين بأن فعل به ما لا يستحق متعمدا ذلك فالقود. هذا هو تحرير المسألة عند هؤلاء. ورد كلام ابن شأس وابن الحاجب ومصطفى والتتائي وعبد الباقي ومن وافق أحدا منهم، وقد مر كلام الجميع متمما فراجعه إن شئت. واللَّه تعالى أعلم.
كطبيب جهل تشبيه في الضمان؛ يعني أن الطبيب إذا جهل علم الطب فإنه يضمن ما نشأ عن فعله أو قصر؛ أي وكذلك يضمن الطبيب إذا لم يجهل علم الطب لكنه قصر بأن أخطأ في فعله، كان أراد قلع سن فقلع غيرها خطأ أو تجاوز بغير اختياره الحد المعلوم في الطب عند أهل المعرفة، كأن زلت يده أو ترامت يد خاتن أو سقى عليلا دواء غير مناسب للداء معتقدا أنه يناسبه وقد أخطأ في اعتقاده فيضمن ما ذكر. وقوله:"كطبيب" معناه مدع للطب أو في زعمه، فلا ينافي قوله:"جهل". قال عبد الباقي: كطبيب أي مدع أو في زعمه فلا ينافي قوله: "جهل" علم الطب في تجربة علاج شخص ولم يقصد ضررا فيضمن موجب فعله عليه وعلى عاقلته، أو لم يجهله لكن قصر كأن أراد قلع سن فقلع غيرها خطأ، أو تجاوز بغير اختياره الحد المعلوم في الطب عند أهل المعرفة، كأن زلت أو ترامت يد خاتن أو سقى عليلا دواء غير مناسب للداء معتقدا أنه يناسبه وقد أخطأ في اعتقاده، فيضمن ما ذكر في ماله لأنه عمد لا قصاص فيه.
ومفهوم "جهل أو قصر" أنه إن علمه ولم يقصر بل فعل ما يناسب المرض في الطب ولكن نشأ عنه عيب أو تلف فلا ضمان عليه إلا أن يقصد هو أو الجاهل أو المقصر الضرر فيقتص منه، وإنما لم يقتص من الجاهل حيث لم يقصد الضرر بل ما نشأ عن فعله في ماله ولو بلغ ثلث الدية أو أكثر؛
لأنه إنما قصد نفع العليل أو رجا ذلك والأصل عدم العداء إن ادعي عليه العداء. انتهى. وتأمل قوله. في الجاهل أولا حيث لم يقصد الضرر، فإنه قال فيه: إن الضمان عليه وعلى عاقلته، وقال فيه أخيرا: إنه يضمن في ماله ولو بلغ ثلث الدية أو أكثر فتعارض كلامه فيه. قال البناني: قول الزرقاني في الجاهل يضمن عليه وعلى عاقلته مناقض لقوله آخر التقرير: وإنما لم يقتص من الجاهل حيث لم يقصد الضرر، بل ما نشأ من فعله في ماله ولو بلغ ثلث الدية لخ. وهما قولان: الأول لعيسى والثاني للإمام مالك كما يأتي عن ابن رشد، وقول الزرقاني في المقصر: فيضمن ما ذكر في ماله لأنه عمد لا قصاص فيه، فيه نظر، بل ذلك على عاقلته كما ذكر ابن رشد في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، ونصه:
تحصيل القول في هذه المسألة أن الطبيب إذا عالج الرجل فسقاه فمات من سقيه أو كواه فمات من كيه أو قطع منه شيئا فمات من قطعه أو الحجام إذا ختن الصبي فمات من ذلك أو قلع ضرس الرجل فمات من ذلك، فلا ضمان على واحد منهما في ماله ولا على عاقلته إذا لم يخطئا في فعلهما، إلا أن يكون قد تقدم السلطان إلى الأطباء والحجامين أن لا يقدموا على شيء مما فيه غرر إلا بإذنه ففعلوا ذلك بغير إذنه، فأتى على أيديهم فيه بموت أو ذهاب حاسة أو عضو فيكون عليهم الضمان في أموالهم. وقد قال ابن دحون: إن ذلك يكون على العاقلة إلا فيما دون الثلث وذلك خلاف الرواية، وأما إذا أخطأ في فعلهما مثل أن يسقي المريض ما لا يوافق مرضه فيموت من ذلك، أو تزل يد الخاتن أو القاطع فيتجاوز في القطع أو يد الكاوي فيتجاوز في الكي، أو يكوي
(1)
ما لا يوافقه الكي فيموت منه أو يقلع الحجام غير الضرس التي أمر بها وما أشبه ذلك، فإن كان من أهل المعرفة ولم يغر من نفسه فذلك خطأ يكون على العاقلة، إلا أن يكون أقل من الثلث فيكون ذلك في ماله، وأما إن كان لا يحسن وغر من نفسه فعليه العقوبة من الإمام بالضرب أو السجن.
(1)
في الأصل: يكون، والمثبت من البناني ج 8 ص 116.
واختلف في الدية فقيل: إنها تكون عليه في ماله ولا يكون على العاقلة من ذلك شيء وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية، وقيل إن ذلك يكون على العاقلة لأنه خطأ إلا أن يكون أقل من الثلث فيكون في ماله وهو قول عيسى بن دينار هنا وظاهر رواية أصبغ عن ابن القاسم. انتهى. وقال ابن عرفة عن ابن رشد في سماع أصبغ: دية من هلك عن فعل الطبيب خطأ على عاقلته اتفاقا وإن غر من نفسه فقيل في ماله وهو ظاهر قول مالك في رسم كتب عليه ذكر حق وقيل على العاقلة وهو قول عيسى بن دينار هناك وظاهر قول أصبغ هنا. انتهى.
والحاصل مما مر على سبيل الاختصار أن الطبيب إذا فعل ما يناسب لا ضمان عليه إلا إذا نهى السلطان الأطباء عن فعل ما فيه غرر إلا بإذنه، فمن خالفه ضمن في ماله فإن لم ينههم فمن قصر فعلى عاقلته إن بلغ الثلث، وأما من تطبب ولم يقصد ضررا فهل في ماله أو على عاقلته قولان، فإن قصد كل ممن ذكر الضرر اقتص منه. واللَّه تعالى أعلم. الشبراخيتي: المراد بالطبيب هنا الداوي وفيما مر يعني في باب الدماء المباشر للقصاص. انتهى المراد منه.
أو داوى بلا إذن معتبر يعني أن الطبيب إذا داوى بلا إذن معتبر بأن داوى بغير إذن أو بإذن من لا يعتبر إذنه شرعا فنشأ من فعله تلف نفس أو غيرها فإنه يضمن، وقوله:"إذن" الظاهر أنه منون ومعتبر صفة له ويفيده الخرشي. واللَّه تعالى أعلم. قال الشبراخيتي: أو قدم على فعل وداوى بلا إذن معتبر. انتهى. يعني كإذن الصبي والمجنون وغيرهما ممن لا يعتبر إذنه شرعا، ويضمن من داوى بلا إذن معتبر ما أتلف ولو أصاب وجه العمل والصنعة.
ولو أذن عبد بفصد أو حجامة أو ختان يعني أنه يضمن ما أتلف بمداواته حيث لم يأذن له في ذلك من يعتبر إذنه، وإن صدر الإذن من عبد بأن يفصده أو يحجمه أو يختنه فأصابه من ذلك تلف، فإن ذلك الفاصد أو الحاجم يضمن ما سرى لقدومه على أمر لم يؤذن له فيه إذنا معتبرا، وسواء علم أنه عبد أو لا. قاله ابن شأس. وفي التوضيح أنه لو قيل بنفي ضمانه لكان له وجه لأنه كالمأذون له بالعرف إن اشتهر بالطب وخيف الفوات، وذكر أن العرف مطرد بعدم الاحتياج إلى إذن السيد في الفصد والحجامة لا سيما إن ظهر الوجب. قاله في الميسر. وقال المواق: قال مالك: إن أمره عبد أن يختنه أو يحجمه أو يقطع عرقه ففعل فهو ضامن ما أصاب العبد في ذلك إن
فعله بغير إذن سيده، علم أنه عبد أو لم يعلم وقيل هذا ظاهر بالنسبة للختان لا بالنسبة للحجامة. انتهى.
وقال البناني: أو بلا إذن معتبر أي فيضمن صاحب الخطإ يعني على العاقلة. ابن الحاجب: ومن فعل فعلا يجوز له من طبيب أو غيره فتولد منه الهلاك، فإن كان جاهلا له أو لم يؤذن له أو أخطأ فيه أو في مجاوره أو قصر فالضمان كالخطإ. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولو أذن عبد بفصد الباء بمعنى في أو حجامة أو ختان فإنه يضمن لأن إذنه غير مفيد. قاله في المجموعة وفي التوضيح. هذا ظاهر في الختان. وأما الحجامة والفصد فالعرف جار بعدم الاحتياج فيهما لإذن السيد لا سيما عند مس الحاجة إلى ذلك، وظاهر كلامه أن الطبيب يضمن ذلك في ماله وهو لمالك في العتبية وقيل على العاقلة، وذكر في الحاشية أن الضمان على عاقلته وظاهر قول مالك في العتبية ضعيف. انتهى. ولو ادعى الطبيب الخطأ وذو الجناية العمد فالقول قول الطبيب، وإذا فقأ الزوج عين زوجته والسيد عين رقيقه وادعت الزوجة والرقيق العمد وادعى الزوج والسيد الأدب، فرجع سحنون إلى أن القول قول مدعي الأدب ويؤدب الجاهل لا المخطئ. قاله التتائي.
وكتأجيج نار في يوم عاصف قال الخرشي: يعني أن من أجج نارا أي أشعلها في يوم عاصف أي شديد الريح فأحرقت شيأ فإنه يضمنه إلا أن يكون ذلك في مكان بعيد لا يظن أن تصل إلى الشيء الذي أحرق فإنه لا ضمان عليه حينئذ، ومثل النار الماء. وقال المواق من المدونة من أرسل في أرضه نارا أو ماء فوصل إلى أرض جاره فأفسد زرعه، فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يصل ذلك إليها فتحاملت النار بريح أو غيره فأحرقته فلا شيء عليه، وإن لم يؤمن ذلك لقربها فهو ضامن. ابن رشد: مثل هذا ما في العتبية في رجل طبخ سكرا
(1)
في قدر سترها عن أعين الناس بقصب وكان صبي خلف القصب قائما لا علم للطابخ به ففارت القدر بما فيها، فأصاب الصبي ما خرج منها فمات لا شيء عليه. ابن عبد السلام: الضمان في مسألة الكتاب إنما هو فيما قصده بالتعدي حيث أوقد النار عند هبوب الريح. انتهى. وقال عبد الباقي: وكتأجيج أي إشعال نار في
(1)
في الأصل: سكر، والمثبت من المواق ج 6، ص 374.
يوم عاصف أي شديد الريح فأحرقت شيأ فإنه يضمن المال في ماله والدية على عاقلته. قاله التتائي. إلا أن يكون ذلك في مكان بعيد لا يظن أن تصل إلى الشيء الذي أحرقته فلا ضمان عليه حينئذ، ومثل النار الماء والريح يذكر ويؤنث. انتهى. قول الزرقاني: والدية على عاقلته قاله التتائي، قال الرهوني: انظر نسبته للتتائي وهو مصرح به في المدونة، ونصها: ومن أرسل في أرضه ماء أو نارا فوصل
(1)
إلى أرض جاره فأفسد زرعه، فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يصل ذلك إليها فتحاملت النار بريح أو بغيرها فأحرقت فلا شيء عليه، وإن لم يؤمن وصول ذلك إليها لقربها فهو ضامن وكذلك الماء، وما قتلت النار من نفس فعلى عاقلة مرسلها. انتهى. ونقله المصنف في التوضيح وغيره. قال أبو الحسن: قال بعض المتأخرين: وحد البعد ثلاثة أميال، ثم قال اللخمي: إن لم يكن وقت إرسالها ريح فجرت أو كانت ريح فتغيرت إلى الناحية التي أحرقت فلا شيء عليه وإن كانت الريح إلى تلك الأرض ضمن؛ لأن الشأن في الريح أنها تحمل النار وإن بعدت إلا أن تكون بعيدة جدا. اللخمي: قال الشيوخ: وكذلك إذا كانت الأعشاب متصلة فإنه ضامن وإن بعدت. انتهى.
وقال أبو الحسن إثر قولها السابق: وإن لم يؤمن وصول ذلك لخ ما نصه: قال أبو عمران: ولو وإن قرب أرضه أرض لا يؤمن أن تصل النار إليها فأطلق النار فخرجت من أرضه وترامت إلى الأرض التي يخاف عليها أنه لا ضمان عليه إذا وصلت إلى أرض يؤمن عليها، ولو كان أصل إطلاقه تعديا على جاره اللاصق به. قال ابن كنانة فيمن أرسل نارا في حائط رجل فأحرقته وأحرقت حائطًا آخر لرجل آخر: إنه إنما يضمن ما باشر بالعداء ولا يضمن الحائط الآخر. انتهى. الرهوني: قلت ظاهر قول ابن كنانة: ولا يضمن الحائط الآخر، أنه لا يضمنه ولو كان لا يؤمن عليه، والظاهر حمله على أنه بعيد مما باشر إحراقه، فإن حمل على ظاهره كان شاذا ومخالفا لنص المدونة وغيرها؛ لأنه إذا ضمن في إرسال النار في أرض نفسه فأحرى إذا أرسلها في أرض غيره ظلما وعدوانا. فتأمله. واللَّه أعلم. انتهى.
(1)
في المخطوط: أو نارا فأرسل إلى أرض والمثبت من تهذيب البرادعي، ج 4 ص 394.
وإذا جهل حال موقد النار فهو محمول على أنه فعل ما لا يوجب ضمانه، ففي آخر نوازل الإجارة من المعيار: وسئلت عمن دخل مجبحة له ولغيره لقطع العسل، فلما أخذ في القطع سمع زفير النار ورآه وعلم أنها سقطت من ناره التي دخل بها المجبحة، ثم لم يتهيأ له الأخذ في إطفائها حتى أكلت المجبحة وما حولها من الدور، فهل ترون الضمان عليه كشرارة الحداد أو يعذر بالغلبة عليه لكونها غالبة عليه ولأن المجبحة لا تدخل إلا بها؟ فأجبت بما نصه: الحمد للَّه تعالى وحده، الجواب -واللَّه سبحانه ولي التوفيق بفضله- أن متوسط المجبحة وموقد النار إليها لقطع ما يتعين له في أجباحه من العسل إن كان دخوله إليها في وقت هدء الريح وسكونه وتناول النار على الوجه المعتاد فلا ضمان عليه، وإن دخل المجبحة وقت هبوب الريح أو تناول النار على غير المعتاد من تناولها فضمان ما احترق مع هذا الوجه لازم لماله وذمته لتفريطه وتغريره والظالم أحق بالحمل عليه، وإن جهلت حالتاه من تفريط أو فعل المعتاد المألوف عند جيرانه في المجبحة فلا ضمان عليه لما أصابت النار من المجبحة والدور؛ لأنه فعل ما العادة أن يفعل النحالون والناس مثله، وقصارى أمره أن يستظهر عليه باليمين باللَّه في قطع الحق أنه ما فرط ولا تعدى المعتاد في تناول النار كيفية وزمانا، ثم لا ضمان عليه إذ الأصل عدم العداء وبراءة الذمة فلا تعمر بالشك والاحتمال. نعم إن قامت بينة مرضية العدالة مقبولة الشهادة عليه في هذا الوجه بالتفريط والعداء وعجز عن الدفع فيها فالضمان بلا إشكال. واللَّه سبحانه أعلم وبه التوفيق.
وفي مسائل الجنايات من الدرر المكنونة: وسئل إمام المغرب سيدي سعيد العقباني عن رجل رمى نارا في موضع قصد به حريق ما فيه من العشب لينتفع به بالحرث فيما يأتي وزروعات الناس على وجه الأرض، فجرت النار نحو الميلين أو أقل فأحرقت زرعا لأقوام، فهل عليه غرمه أم لا؟ فأجاب: الحمد للَّه، ليقف على الموضع الذي رميت فيه النار وعلى الموضع الذي أكلت فيه الزرع وينظرون، فإن ظهر لهم بأن لمرسل النار في ذلك الموضع تغريرا بذلك الزرع لقرب الموضع أو ريح كانت في ذلك الوقت يخاف أن تحمل النار لذلك الزرع فهو ضامن، وإلا فلا ضمان عليه والقول قوله في بعد المكان، وفي عدم الريح حتى يشهد الناس بخلاف ذلك. واللَّه تعالى أعلم. انتهى. وفي
نوازل الشريف من جواب لسيدي محمد ميارة: فيغرم إذا ثبت ببينة عادلة أنه أوقدها في يوم ذي ريح عاصفة وإن لم يثبت فلا غرم عليه. واللَّه أعلم. انتهى وعقبه المفتي سيدي محمد بن سوادة: الجواب أعلاه صحيح يجب العمل به لموافقته نصوص المذهب المالكي. انتهى.
تنبيه:
قوله: "في يوم عاصف" هو كذلك في القرآن العزيز أي شديد هبوب الريح، فهو إما من باب النسب كرجل تأمر أي ذي ريح عاصفة، وإما من باب المجاز. واللَّه تعالى أعلم.
وكسقوط جدار عطف على قوله: "كطبيب" كالذي قبله يعني أن من سقط جداره على شيء وأتلفه يضمنه بثلاثة شروط أشار إليها بقوله: مال يعني أنه إنما يضمن ما وقع عليه الجدار وأتلفه من نفس أو مال إنما هو حيث مال الجدار فيخاف من سقوط، واحترز بذلك -واللَّه أعلم- مما إذا بناه مستقيما وانهدم بعد ذلك من غير ظهور ميلان، بدليل قوله: وأنذر صاحبه إذ الإنذار لا يتأتى فيما انهدم من جدار لم يخف سقوطه، فمحل ضمان ما وقع عليه الجدار من نفس أو مال إنما هو إذا خيف من سقوطه بأن مال، وأنذر صاحبه أي الجدار بأن يقال له: أصلح جدارك ويشهد عليه بذلك عند حاكم أو نائبه كجماعة المسلمين.
وأمكن تداركه أي الجدار يعني أن صاحب الجدار إنما يضمن ما وقع عليه الجدار من نفس أو مال باجتماع هذه الشروط الثلاثة: أن يميل بعد أن كان مستقيما، وأن ينذر صاحب الجدار، وأن يمكن تدارك الجدار بالإصلاح أو بالهدم قبل أن يسقط، فإن اختل واحد منها أو اثنان لم يضمن صاحب الجدار ما وقع عليه الجدار. قال عبد الباقي: وكسقوط جدار على شيء فأتلفه فيضمن بثلاثة شروط ذكرها بقوله: مال بعد أن كان مستقيما، فلو بناه مائلا لضمن من غير تفصيل، والثاني أنذر صاحبه بأن يقال له أصلح جدارك ويشهد عليه بذلك عند حاكم أو نائبه كجماعة المسلمين ولو مع إمكان حاكم على ما للجيزي. قال كريم الدين: فينبغي التعويل عليه. انتهى.
قوله: وينبغي التعويل عليه، قال الرهوني: يجب التعويل عليه لما أفاده كلام ابن رشد الذي نقله المصنف في التوضيح مختصرا وابن عرفة كذلك وسلماه، وكلام ابن رشد في سماع يحيى وكتاب السلطان، ففي أول رسم من سماع يحيى من كتاب السلطان ما نصه: قيل لابن القاسم فإن شكى إليه ما يخاف من انهدام الدار؟ قال: نعم يضمن كل ما أصاب الجدار بعد الشكية إليه والبيان
له. قال يحيى: وإن لم يكن ذلك بسلطان فإنه ضامن إذا تقدم إليه وأشهد عليه، قال محمد بن رشد: وقول يحيى إنه ضامن لا أفسد الحائط إن انهدم بعد التقدم إليه والإشهاد عليه وإن لم يكن ذلك بسلطان مفسر، لقول ابن القاسم: ومثل ما في المدونة وقد قيل إنه لا ضمان عليه إلا فيما أفسد بإنهدامه بعد أن قضى عليه السلطان بهدمه ففرط في ذلك، وهو قول عبد الملك وقول ابن وهب في سماع زونان بعد هذا من هذا الكتاب، وقد قيل إنه ضامن لما أصاب إذا تركه بعد أن بلغ حدا كان يجب عليه هدمه وإن لم يتقدم إليه في ذلك ولا أشهد عليه وهو قول أشهب وسحنون. انتهى.
وكلام المدونة هو في أواخر كتاب الدِّيات ونصها: والحائط الخوف إذا أشهد على ربه ثم عطب تحته أحد فهو ضامن وإن لم يشهد عليه لم يضمن وإن كان مخوفا. انتهى. ونحوه لابن يونس عنها مع زيادة بيان، ونصه: قال مالك: والحائط الخوف إذا أشهد على ربه ثم عطب به أحد فربه ضامن. قال ابن القاسم: وإن لم يشهدوا عليه لم يضمن وإن كان مخوفا. انتهى. انتهى كلام الرهوني. وقال عبد الباقي بعد قوله في تفسير الإنذار: بأن يقال أصلح جدارك ويشهد عليه بذلك إلى آخره، ما نصه: فإن لم يشهد عليه لم يضمن وإن كان مخوفا ما لم يقر بذلك فيكتفَى بالإشهاد عليه حتى عند من شرط الإنذار عند حاكم. انتهى.
قوله: ما لم يقر بذلك، قال البناني: يعني أن ما ذكر من قيد الإشهاد بالإنذار عند الحاكم على خلاف فيه محله إذا كان منكر الميَلان، أما إن أقر به فإنه يكفي الإشهاد عند غير الحاكم وما ذكره المصنف هو مذهب المدونة، وقيل لا يضمن إلا إذا قضى عليه الحاكم بالهدم فلم يفعل، وهذا قول عبد الملك وابن وهب، وقيل إذا بلغ حدا كان يجب عليه هدمه لشدة ميلانه فتركه فهو ضامن وإن لم يكن إشهاد ولا حكم، وهو قول أشهب وسحنون، وبه تعلم أن قول الزرقاني: ومثله إذا طرأ عليه ميلانه وكان ظاهرا فيضمن أنذر أم لا الخ غير ظاهر؛ لأن هذا هو القول الثالث المنسوب لأشهب وسحنون، وقد علمت أنه مقابل لذهب المدونة الذي درج عليه المصنف فتأمل. نعم. ما ذكره فيما بني مائلا من أصله أنه يضمن وإن لم يكن إنذار صحيح كما ذكره ابن شأس وأقره ابن عرفة والمصنف في التوضيح. انتهى.
يعني أن عبد الباقي قيد قول المصنف مال الخ بأن لا يكون ظاهر الميلان ويظهر له وإلا ضمن أنذر أم لا، قال: وينبغي مع إمكان التدارك. انتهى. وذلك لا يحسن لأن هذا قول أشهب وسحنون وهو مقابل لما درج عليه المصنف الذي هو مذهب المدونة. واللَّه أعلم. قال عبد الباقي: وفائدة الإشهاد مع إنذاره أنه قد ينكر. وقوله: وأنذر صاحبه، خرج بصاحبه: المرتهن والمستعير والمستأجر، فلا يعتبر الإشهاد عليهم إذ ليس لهم الهدم، والثالث أمكن تداركه فيضمن المال والدية في ماله كما رواه عيسى عن ابن القاسم، وروى زونان عن ابن وهب أن العاقلة تحمل من ذلك ما بلغ الثلث وهو قول مالك ورواه عنه أشهب وابن عبد الحكم واقتصر عليه الجزيري، ودل قوله: قال على طرو ذلك، فإن كان مائلا من أصله ضمن أنذر أم لا كما مر وينبغي حيث أمكن تداركه: وأراد بصاحبه مالكه المكلف أو وكيله الخاص ومنه ناظر وقف أو العام وهو الحاكم فيمن لا وكيل له خاص ووصى صغير أو مجنون، فإن سقط مع وجود الشروط الثلاثة ضمن وصي غير المكلف في ماله ولو كان لغير المكلف مال وضمن ناظر وقف ووكيل خاص أو عام مع غيبة صاحبه حيث كان له مال يصلح منه لتقصيرهما، فإن لم يكن له مال وأمكنهما السلف على ذمته وهو ملي وترك حتى سقط ضمنا فيما يظهر. انتهى. وقال التتائي: وأمكن تداركه بهدم أو تدعيم فتراخى حتى سقط، أما لو بادر لذلك فسقط قبل التمكن من إزالته لم يضمن ولو تقدم إليه، وفي المدونة: والحائط المخوف إذا أشهد على ربه ثم عطب بد أحد فربه ضامن، فإن لم يشهدوا عليه لم يضمن، وإن كانت الدار مرهونة أو مكتراةً لم ينفعهم الإشهاد إلا على ربها، فإن غاب رفع أمرها إلى الإمام ولم ينفعهم الإشهاد على الساكن إذ ليس له هدم الدار. انتهى.
أو عضه فسل يده فقلع أسنانه يعني أن الشخص إذا عضه شخص آخر فسل المعضوض يده من فم العاض قاصدا قلع أسنان العاض فقلعت، فإنه يضمن دية الأسنان في ماله، وأما لو قصد تخليص يده أو لا قصد له فلا ضمان وهو محمل الحديث ويصدق فيما ادعاه، والحديث في مسلم (أن أجيرا ليعلى بن أمية عض رجل ذراعه فانتزع يده فنزع ثنيته فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أيعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟ لا دية له). قال الشبراخيتي: أو عضه في يدد فسل المعضوض يده من العاض قاصدا قلع أسنانه، وأما لو قصد تخليص يده أو لا
قصد له فلا ضمان وهو محمل الحديث: ويصدق فيما ادعاه كذا في الحاشية والحديث ما في مسلم: إن أجيرا ليعلى بن أمية عض رجل ذراعه فانتزع يده فنزع ثنيته فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟ لا دية له فقلع أسنانه فإنه يضمن دية الأسنان وينبغي في ماله. انتهى.
وقال التتائي: أو عضه في يده فسل المعضوض يده من العاض فقلع أسنانه أو بعضها ضمن ديتها، قال المازري: على المشهور وبه قال الإمام الشافعي، وحملوا حديث صحيح مسلم: (أن أجيرا ليعلى بن أمية عض رجل ذراعه فانتزع يده فنزع ثنيته فاختصما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، [فقال]
(1)
: (أيعض أحدكم كما يعض الفحل؟ لا دية له)
(2)
على من لم يمكنه النزع إلا كذلك؛ أي وأما من أمكنه النزع برفق بحيث لا تنقلع أسنان العاض وضارَّ في الزيادة متعديا فالضمان، وقال محمد: الحديث لم يروه مالك ولو ثبت عنده لم يخالفه، وقال بعض أصحابنا: ليس عليه الضمان. ابن عبد السلام: وهو الجاري على دفع الصائل. انتهى. وقال عبد الباقي: وقال بعض فسل يده قاصدا قلع أسنانه. وأما لو قصد تخليص يده أو لا قصد له فلا ضمان وهو محل
(3)
الحديث. انتهى.
وقال المواق: ابن الحاجب: لو عضه فسل يده، ضمن أسنانه. ابن عرفة: قال غير واحد: إن هذا هو المشهور. المارزي عن بعض شيوخه المحققين: إنما ضمنه من ضمنه لإمكان النزع برفق، وحملوا الحديث في مسلم: لا دية له على هذا. انتهى. وقال في الميسر: أو عضه فسل يده فقلع أسنانه فإنه يضمن ديتها عند مالك، وحمله أصحابه على أنه كان قادرا على نزعها من غير قلع سن وضارَّ في الزيادة متعديا ولذلك ضمن، وقيل لا يضمن وهو الأظهر لما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك)
(4)
كذا في التوضيح، وفي
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من مسلم. انظر الهامش الثاني.
(2)
مسلم، كتاب القسامة، رقم الحديث 1673.
(3)
عبد الباقي ج 9 ص 117: محمل الحديث.
(4)
البخاري، كتاب الديات، رقم الحديث 6892.
الكافي أنه قال: (أيدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل؟ لا دية لك)
(1)
، وتأوله بعض الأشياخ على أنه لا يمكنه النزع إلا بذلك. انتهى.
وقال الحطاب عند قوله: "أو عضه فسل يده فقلع أسنانه" هذا معطوف على ما فيه الضمان، ولم يعين ما الذي يضمن هل دية الأسنان أو القود، وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: ولو عضه فسل يده ضمن أسنانه على الأصح يعني دية أسنانه، والأصح عبر عنه المازري وغيره بالمشهور، ونقل مقابله عن بعض الأصحاب وهو أظهر لما في الصحيحين أن رجلا عض يد رجل فنزع يده عن فيه فوقعت ثنيتاه فاختصما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:(يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك)
(2)
، زاد أبو داوود:(وإن شئت أن تمكنه من يدك فيعضها ثم تنزعها من فيه)
(3)
، وقال ابن المواز: الحديث لم يروه مالك ولو ثبت عنده لم يخالفه، وتأوله بعض شيوخ المارزي على أن المعضوض لا يمكنه النزع إلا بذلك، وحمل تضمين الأصحاب على أنه لا يمكنه النزع برفق بحيث لا تنقلع أسنان العاض فصار متعديا في الزيادة فلذلك ضمنوه. انتهى.
وقال القرطبي في شرح مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا دية لك)
(4)
. وفي رواية: فأبطله. انتهى. قوله: هذا نص صريح في إسقاط القصاص والدية في ذلك ولم يقل أحد بالقصاص فيما علمت، وإنما الخلاف في الضمان فأسقطه أبو حنيفة وبعض أصحابنا وضمنه الشافعي وهو مشهور مذهب مالك، ونزل بعض أصحابنا القول بالضمان على ما إذا أمكنه النزع برفق فانتزعها بعنف، وحمل بعض أصحابنا الحديث على أنه متحرك الثنايا، وهذا يحتاج إلى خطم وأزمة ولا ينبغي أن يعدل عن صريح الحديث. انتهى. وما ذكره من مذهب الشافعي خلاف ما ذكره النووي من موافقة أبي حنيفة وهو أعرف بمذهبه، وفي مسلم:(ادفع يدك حتى يقضمها ثم انتزعها)
(5)
، وقد مر لأبي داوود نحو ذلك (وإن شئت أن تمكنه من يدك فيعضها ثم تنزعها من فيه)، قال القرطبي
(1)
البخاري، كتاب المغازي، رقم الحديث 4417 ولفظه أفيدع في فيك تقضمها كأنها في في فحل يقضمها.
(2)
البخاري، كتاب الديات، رقم الحديث 6892.
(3)
أبو داود، كتاب الديات، رقم الحديث 4585.
(4)
لفظ مسلم فيما اطلعنا عليه: لا دية له.
(5)
مسلم، كتاب القسامة، رقم الحديث 1673.
في حديث مسلم: هو أمر على جهة الإنكار كما قال صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: فما تأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك كما يقضم الفحل، فمعناه أنك لا تدع بدك في فيه يقضمها ولا يمكن أن يؤمر بذلك، زاد النووي: فكيف تنكر عليه أن ينزع يده من فيك وتطلبه بما جنى في جبذته؟ قال القاضي: ويقضمها بفتح الضاد مضارع قضم بكسرها، يقال قضمت الدابة شعيرها إذا أكلت بأطراف أسنانها وخضمت بالخاء المعجمة إذا أكلت بفيها كله، ويقال الخضم أكل الرطب والقضم أكل اليابس، ومنه قول الحسن: يخضمون ويقضم والموعد القيامة. الفحل: ذكر الإبل. انتهى.
أو نظر له من كوة فقصد عينه يعني أنه إذا نظر شخص إلى آخر في داخل الدار مثلا من كوة فحذفه الداخل بحصاة مثلا قاصدا لفقء عينه فإنه يضمن: بمعنى أنه عليه القود وإلا يقصد فقء عينه بأن قصد زجره فلا ضمان عليه، بمعنى أنه لا قود عليه وأما دية العين فواجبة عليه. قال الشبراخيتي: أو نظر له أي لصاحب الدار من كوة أو نحوها فقصد المنظور إليه عينه أي عين الناظر وهو على حذف مضاف أي فقأ عينه بحصاة فعليه القود، وإلا أي بأن لم يقصد فقأ عينه بل قصد زجره فلا قود والدية على العاقلة كما ذكره الهاروني. وقول الشارح: فلا شيء عليه، فيه نظر. انتهى.
وقال عبد الباقي: أو نظر له من كوة أو غيرها فقصد عينه أي قصد المنظور إليه عين الناظر ورماها بحجر أو غيره، ففقأها ضمن بمعنى اقتص منه على المعتمد لا ضمان الدية كما يوهمه عطفه على ما قبله وإلا يقصد عينه أي فقأها، وإنما قصد زجره بحجر مثلا فلا ضمان بمعنى لا قود ودية العين واجبة على العاقلة على المعتمد كما يفيده الحطاب. وفي كلام الشارح والتتائي نظر، وإذا ادعى المرمي أنه قصد عينه وادعى الرامي عدم قصدها ولا بينة ولا قرينة تصدق الرامي فإنه يعمل بدعواه؛ لأن القصد لا يعلم إلا من جهته ولأنه لا قصاص بالشك. انتهى. وقال المواق: ابن بشير: ومن هذا المعنى لو رمى إنسان من ينظر إليه في بيته فأصاب عينه. فأكثر أصحابنا على إثبات الضمان وأقلهم على نفيه للحديث الصحيح، قال ابن شأس: ولو نظر له من كوة لم يجز أن يقصد عينه بمدرة أو غيرها وفيه القود إن فعل. انتهى.
وقال الحطاب: أو نظر له من كوة فقصد عينه وإلا فلا، هذا أيضا عطف على ما فيه الضمان ولم يبين المضمون أيضا هل هو القود أو الدية. واعلم أن الذي يقتضي كلام المازري وغيره من الأشياخ أن هذه المسألة كالتي قبلها، قال المازري في شرح الحديث الأول من هذا المعنى: لو رمى أحدا ينظر إليه في بيته فأصاب عينه فاختلف أصحابنا أيضا في ذلك، فالأكثر منهم على إثبات الضمان والأقل منهم على نفي الضمان، وبالأول قال أبو حنيفة وبالثاني قال الشافعي، فأما نفي الضمان فلقوله صلى الله عليه وسلم: (لو [أن امرأ]
(1)
اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)
(2)
، وأما إثبات الضمان فلأنه لو نظر إنسان إلى عورة إنسان بغير إذنه لم يستبح ففقأ عينه، فالنظر إلى الإنسان في بيته أولى أن لا يستباح به، ومحمل الحديث عندهم على أنه رماد لينبهه على أنه فطن به أو ليدافعه عن ذلك غير قاصد فقأ عينه فانفقأت عينه خطأ فالجناح منتف وهو الذي نفي في الحديث، وأما الدية فلا ذكر لها. وذكر القرطبي في شرح مسلم نحوه فدل هذا الكلام على أن القائلين بالضمان يقولون به سواء قصد فقأ عينه أو لا، إلا أنه إن لم يقصد فقأ عينه ففعله جائز وإنما يضمن الدية، وإن قصد فقأ عينه فلا يجوز فعله ويضمن. والظاهر أن المراد حينئذ بالضمان القود وصرح به ابن شأس والقرافي وابن الحاجب، قال في الجواهر: ولو نظر إلى حريم إنسان من كوة أو صير باب لم يجز أن يقصد عينه بمدرة أو غيرها، وفيه القود إن فعل ويجب تقديم الإنذار في كل دفع وإن كان الباب مفتوحا فأولى أن لا يجوز قصد عينه، والذي نفى بقوله:"وإلا فلا" هو القود أيضا دون الدية. واللَّه أعلم. قال في التوضيح: والصير بكسر الصاد شق الباب. قاله الجوهري. انتهى. قاله في التوضيح. وعلى هذا فيكون الضمان الذي أثبت المصنف أولا بقوله: "أو نظر له من كوة فقصد عينه" هو القود والذي نفى بقوله: "وإلا فلا" هو القود أيضا دون الدية. واللَّه أعلم. انتهى.
(1)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل وهو في البخاري، كتاب الديات، رقم الحديث 6902.
(2)
البخاري، كتاب الديات، رقم الحديث 6902.
كسقوط ميزاب وهو خشبة تنجر وتجعل على ظهر البيت ملزقة فيه يجتمع فيها الماء وتلقيه خارج الدار، قال الخرشي: يعني أن من اتخذ ميزابا للمطر فسقط على شيء فأتلفه من نفس أو مال لا ضمان عليه بل هو هدر، ومثله: وحفر البير والسرب للماء في داره حيث يجوز له اتخاذه. وعلم مما قررت أن قوله: "كسقوط ميزاب" تشبيه في مطلق النفي لا في نفي القود مع ثبوت الدية كالذي قبله، وهو قوله:"وإلا فلا" قال عبد الباقي: وشبه في النفي من حيث الجملة لا نفي القود وثبوت الدية، قوله:"كسقوط ميزاب" اتخذ لمطر فسقط على شيء فأتلفه من نفس أو مال فلا ضمان على ربه أصلا مطلقا، بل هو هدر كما هو نص الرواية. قال المصنف: ينبغي أن عدم الضمان حيث انتفى بعض شروط الضمان المعتبرة في سقوط الجدار، وقوله:"كسقوط ميزاب" مثله المظلة وحفر البير والسرب للماء في داره وأرضه حيث يجوز له اتخاذه. انتهى.
وقال الشبراخيتي: كسقوط ميزاب لمطر على شخص أو مال فلا شيء فيه؛ لأنه اتخذه حيث يجوز له اتخاذه. انتهى. قال الشبراخيتي: كسقوط ميزاب لمطر على شخص أو مال فلا شيء فيه؛ لأنه اتخذه حيث يجوز له ولو قال: كسقوط كميزاب كان أحسن ليدخل الروتس والساباط ونحوهما. قال في الرواية: ومن سقط ميزابه على رأس رجل فلا ضمان عليه وظاهرها الإطلاق، وقال المصنف: ينبغي أن تقيد هذه بما في مسألة الجدار. انتهى. وحينئذ فقوله: "كسقوط ميزاب" أي فلا ضمان حيث انتفى بعض شروط الضمان المعتبرة في ضمان سقوط الجدار، فإن وجدت فإنه يضمن. انتهى. وقال المواق: ابن شأس: من سقط ميزابه على رأس إنسان فلا ضمان عليه. اننهى. وقال في الميسر: كسقوط ميزاب اتخذ للمطر والتشبيه في نفي ضمان ما أتلفه لأنه اتخذ حيث يجوز اتخاذه وجعله في التوضيح كالجدار، فإذا تزحزح وخيف سقوطه وأنذر ربه وأمكنه التدارك وتراخى حتى سقط ضمن ما اتلفه. انتهى.
أو بغت ريح لنار يعني أنه إذا أوقد إنسان نارا في وقت لا تسري فيه لعدم الريح، فبغتت ريح عاصفة أي فجأت فاحرقت النار لأجلها شيئا من نفس أو مال فإنه لا ضمان على من أوقدها لأنه غير متعد. قال عبد الباقي: أو بغت بغين معجمة أي فجإ ريح لنار أوقدها إنسان في وقت لا تسري فيد لعدم ريح فعصفت فأتلفت نفسا أو مالا فلا ضمان؛ لأنه غير متعد. انتهى. وقال
الشبراخيتي: "أو بغت ريح لنار" يعني بعد أن أوقدها ولم يكن ريح ثم حدثت فجأة فحملتها فأحرقت نفسا أو مالا فلا ضمان؛ لأنه غير متعد. انتهى. وقال التتائي: "أو بغت ريح" أي مجيئها لنار أوقدها إنسان في وقت لا تسري فيه لعدم الريح فعصفت الريح، وأتلفت نفسا أو مالا فلا ضمان لأنه غير متعد. انتهى.
كحرقها قائما لطفئها يعني أن من قام إلى النار ليطفئها فاحترق فيها فإن دمه يكون هدرا فلا شيء على موقدها، وظاهره سواء كان موقدها يضمن ما أتلفت أم لا. قال الشبراخيتي: كحرقها شخصا قائما لطفئها خوفا على نفسه أو داره فهدر، وظاهره سواء كان مما يضمن فاعله ما أتلفته كما إذا أججها في يوم عاصف أم لا، وهو ظاهر حل البساطي. انتهى. ونحوه لغير واحد.
وجاز دفع صائل يعني أنه يجوز لمن صال عليه شيء يريد نفس المصول عليه أو ماله أن يدفع ذلك الشيء عنه بما يندفع به، وسواء كان الصائل مكلفا أم لا، قال الحطاب: انظر هل مراده بالجواز مستوي الطرفين كما هو اصطلاحه هو وغيره من المتأخرين؟ أو مراده بالجواز جواز الإقدام حتى يشمل الوجوب، وظاهر كلام ابن العربي فيما نقل عنه في الذخيرة في هذا المحل وفي الفروق الجواز المستوي الطرفين. وذكر القرطبي وابن الفرس في الوجوب قولين، قالا: والأصح الوجوب. انتهى. وقال عبد الباقي: وجاز دفع صائل مكلفا أو صبيا أو مجنونا أو بهيمة أي أراد الصول كلى نفس أو مال أو حريم. انتهى. وقال الشبراخيتي: وجاز دفع صائل مكلف أو صبي أو مجنون أو بهيمة، والمراد بالجواز الإذن الصادق بكون دفعه واجبا، والذي ينبغي إذا خاف هلاكا أو شديد أذى بجرح لنفسه أو لأحد من أهله وجب الدفع وإلا جاز. وقوله:"وجاز دفع صائل" سواء صال على النفس أو الأهل أو لأخذ المال كما يأتي.
بعد الإنذار للفاهم يعني أن الصائل إذا كان فاهما أي عاقلا فإنما يجوز للمصول عليه دفعه بعد أن ينذره والإنذار للفاهم واجب، قال ابن شأس: ويجب تقديم الإنذار في كل من دفع ووعظه وزجره إلا أن يعاجل بالقتال، وأما من لا فهم له كصبي ومجنون وبهيمة فإنذاره لا يمكن. قاله في الميسر. الشبراخيتي: بعد الإنذار ما لم يعاجل بالقتال وإلا فلا خلاف في عدم الإنذار. انتهى. وقال عبد الباقي: بعد الإنذار ندبا قياسا على مناشدة المحارب أي التخويف للفاهم من إنسان
بوعظه وزجره وإشهاد اللَّه عليه لعله يرجع، فإن أبى إلا الصول دفعه بالقتل عما قصده من قتل أو هتك حرمة بزنى بل.
وإن عن مال أي يجوز للمصول له أن يدفع الصائل عن نفس أو بضع أو عن مال، قال عبد الباقي: وبالغ عليه ليلا يتوهم أن مقاتلة المعصوم لعظمها لا تباح إلا للدفع عن النفس أو الحريم، فدفعه لحديث:(من قتل دون ماله فهو شهيد)
(1)
. قاله ابن مرزوق. انتهى. وقوله: "صائل" أصل الصول في اللغة: الوثوب، قال في القاموس: صال على قرنه صولا وصيالا وصئولا وصولانا وصاوله مصاولة وصيالا وصيالة واثبه وتصاولا تواثبا، والمراد به هنا التسلط على ما لا يجوز من قتل أو جرح أو هتك حريم أو أخذ مال. واللَّه تعالى أعلم. قوله:"وجاز دفع صائل" أي ويدفعه بالأخف فالأخف ولا يقصد قتله ابتداء، فإن أدى إلى القتل قتله بقصد.
كما قال: وقصد قتله إن علم أنه لا يندفع إلا به يعني أنه يجوز للمصول عليه أن يقصد قتل الصائل إذا علم أن الصائل لا يندفع عنه إلا بالقتل، قال الشبراخيتي: وجاز قصد قتله أولا إن علم أنه لا يندفع إلا به، وقد يقال: ينبغي أن يكون القتل هنا واجبا لأنه به يتوصل إلى إحياء نفسه لا سيما إن كان الصائل غير آدمي. انتهى. وقال عبد الباقي: وجاز قصد قتله ابتداء إن علم المصول عليه أنه لا يندفع إلا به وثبت ذلك ببينة لا بمجرد قول المصول عليه.
تنبيهات:
الأول: قال الرهوني عند قول المصنف "وجاز دفع صائل" الخ ما نصه: هذا مقيد بما إذا لم يكن فاعل ذلك الإمام أو نائبه، وإلا فيجب أن يسلم له ما طلب. راجع ما قدمناه أول الباغية. انتهى.
الثاني: قوله: "إن علم أنه لا يندفع إلا به" قال البناني: ظاهره كابن الحاجب أنه إذا لم يعلم لا يجوز، وأصل المسألة لابن العربي وهو إنما عبر بينبغي كما في ابن عرفة وابن شأس. انظر كلامه في المواق.
(1)
البخاري، كتاب المظالم، رقم الحديث 2480. مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث 141.
الثالث: قال عبد الباقي عند قول المصنف "إن علم أنه لا يندفع إلا به" ما نصه: وثبت ذلك ببينة لا بمجرد قول المصول عليه إلا أن لا يحضره أحد فقيل قوله بيمينه، والمراد بالجواز أولا وثانيا الإذن؛ لأن الدفع قد يجب كخوف على نفسه أو عضوه أو على أهله أو قرابته. وانظر في المال الذي له بال هل الدفع عنه بما ذكر واجب أم لا؟ انتهى. قال البناني: قول الزرقاني إلا أن لا يحضره أحد فيقبل قوله بيمينه ظاهره تقدم منه إنذار أم لا، والذي لابن عرفة ما نصه: ولعيسى عن ابن القاسم أنه إن قتل رجل الجمل الصئول بعد التقدم لربه، وذكر أنه أراده وصال عليه فلا غرم عليه، ويقبل قوله في ذلك يريد مع يمينه بغير بينة إذا كان بموضع ليس يحضره الناس. انتهى.
وقال ابن يونس في كتاب محمد وغيره: الجمل إذا صال على الرجل فخافه على نفسه فقتله فلا شيء عليه إن قامت له بينة أنه صال عليه، وإن لم تقم له بينة ضمن. ابن عرفة: مسألة عيسى بعد التقدم وظاهر هذه أنه دون تقدم، وقوله: لأن الدفع قد يجب نحوه في الشارح والتتائي تبعا للتوضيح، ونصه: ويقال ينبغي أن يكون القتل هنا واجبا لأنه يتوصل به إلى إحياء نفسه لا سيما إن كان القاتل غير آدمي. انتهى. وذكر القرطبي وابن الفرس في الوجوب قولين، قالا: والأصح الوجوب، وأما ابن العربي فصرح بأن الدفع عن النفس جائز لا واجب ونصه المدفوع عنه كل معصوم من نفس وبضع ومال وأعظمها حرمة النفس وأمره بيده، إن شاء أسلم نفسه أو دفع عنها، لكن إن كان زمن فتنة فالصبر أولى وإن قصد وحده فالأمر سواء، ونقله ابن شأس والقرافي قائلا: الساكت عن الدفع عن نفسه حتى يقتل لا يعد آثما ولا قاتلا لنفسه. انظر مصطفى. انتهى. وقال المواق: قال ابن العربي: لا يقصد المصول عليه القتل إنما ينبغي أن يقصد الدفع، فإن أدى إلى القتل فذاك إلا أن يعلم أنه لا يندفع إلا بالقتل فجائز قصد قتله ابتداء. انتهى.
لا جرح إن قدر على الهروب منه أي من المائل بلا مضرة يعني أن المصول عليه إذا كان يقدر على الهروب عن الصائل بنفسه وأهله وماله ولا مضرة تلحقه في الهروب، فإنه لا يجوز له أن يدفع الصائل بالجرح فضلا عن القتل، قال المواق: قال ابن العربي: إن قدر المصول عليه على الهروب من غير ضرر يلحقه لم يجز له الدفع بالجراح، فإن لم يقدر فله دفعه بما يقدر. ابن
عرفة: هذا كقول ابن رشد وغيره: إذا تعارض ضرران ارتكب أخفهما. انتهى. وقال عبد الباقي: وعطف بالرفع على دفع قوله: "لا جرح" أي لا يجوز للمصول عليه فعله في الصائل إن قدر على الهروب بنفسه وأهله وماله منه أي من الصائل بلا مضرة.
مسألة:
من قتل من وجد مع زوجته قتل به إن لم يكن إلا قوله: فإن شهد له أربعة بالزنى لم يقتل به كان الزاني ثيبا أو بكرا. ابن القاسم: وديته على عاقلته، وقال غيره: فإن لم تشهد بينة وأتى بلطخ لم يقتل به كأن يرى ينقب داره وزعم ذلك، وكذلك إذا شهد عدلان أنه وجد معها في لحاف واحد، وإن لم يعاينا الزنى. نقله بهرام عن اللخمي. انتهى. نقله في الميسر.
وما أتلفته البهائم ليلا فعلى ربها يعني أن الحيوان الذي تمكن حراسته ولم يكن معروفا بالعداء سواء كان مأكول اللحم أم لا، إذا أتلف شيئا من الزرع أو الحوائط أو الكروم ليلا فإن ضمان ذلك على رب الحيوان فيغرم عوض ذلك، وإن زاد على قيمة الحيوان قال عبد الباقي: وما أتلفته البهائم ليلا من زرع وحوائط وهي غير معروفة بالعداء ولم تربط ولم يقفل عليها بما يمنعها منعا كليا، وكانت مما يمكن التحرز منها كدجاج لا طير فعلى ربها واحدا أو متعددا على عدد الرؤوس أو على عدد المواشي. قاله الاقفهسي. وإن زاد ما أتلفته من زرع أو حوائط على قيمتها أي قيمة البهائم. انتهى. وقال الشبراخيتي: وما أتلفته البهائم المأكولة اللحم وغيرها من الحوائط أو الزروع ليلا فعلى ربها ضمانه إذا نقص عن قيمتها أو ساواها، بل وإن زاد عوض ما أتلفته على قيمتها والعوض شامل لقيمة المقوم ومثل المثلي، وظاهره سواء كانت مربوطة أم لا، وليس كذلك بل محل الضمان كما قال الأقفهسي إذا تركوها من غير ربط، أما إذا ربطوها وحفظوها فلا ضمان عليهم.
واعلم أن الماشية إذا ربطت الربط الذي يمنعها عادة أو قفل عليها القفل الذي يمنعها عادة فإنه لا ضمان على ربها، سواء كانت عادية أم لا وإن لم تربط الربط المذكور ولا قفل عليها القفل المذكور، فإن كانت عادية فإنه يضمن ربها ما أتلفته ليلا أو نهارا، وإن كانت غير عادية فإنه يضمن ما أتلفته ليلا دون ما اتلفته نهارا وهذا فيمن تمكن الحراسة منه، وأما ما لا يمكن فيه ذلك كالحمام والنحل فهل يمنع أربابها من اتخاذها إذا آذت الناس وهو رواية مطرف عن مالك أولا، وعلى أرباب الزرع والشجر حفظها وهو قول ابن القاسم وابن كنانة وابن حبيب، وفي الطراز عن بعضهم
أن الدجاج الذي يطير حكمه حكم الحمام، وما لا يطير حكمه حكم الماشية. انتهى. وقال المواق: قال الباجي: قال مالك والشافعي: وما أصابته الماشية بالنهار فلا ضمان على أربابها وما أصابت بالليل ضمنوه، قال مالك: وسواء كان محظرا عليه أو غير محظر عليه. ابن القاسم: جميع الأشياء في ذلك سواء. الباجي: وهذا في موضع تتداخل فيه الزارع والمراعي، وروى ابن القاسم أن الواجب في ضمانه قيمته وإن كانت أكثر من قيمة الماشية. ابن رشد: وليس له أن يسلم الماشية في قيمة ما أفسدت، بخلاف العبد الجاني لأنه مكلف والماشية ربها هو الجاني. انتهى.
وقوله: وإن زاد على قيمتها رد به قول يحيى بن يحيى، قال التتائي: وإن زاد على قيمتها على المشهور وهو قول ابن القاسم ومثله في سماع أشهب، قال في الذخيرة: وإن كانت أضعاف قيمتها كان محجورا عليه أو لا محروسا أو لا. انتهى. وظاهره أنه ليس له أن يسلم الماشية في قيمة ما أفسدت. وقال يحيى بن يحيى: إنما يلزمه إذا نقص أو ساوى، وأما إذا زاد فله دفع الماشية كالعبد الجاني، وفرق للمشهور بأن العداء منسوب للعبد فلا يلزم ربه أكثر من قيمته والماشية لا تعقل، فالعداء منسوب لربها حيث لم يحرسها، وبأن الأصل تعلق الجناية برقبة العبد لعقله وتخيير السيد رفق به ولا كذلك السيد. انتهى.
وقال في الميسر: وما أتلفته البهائم التي يمكن التحرز منها ليلا من زرع وحوائط، كان محظرا عليها أم لا، انفلتت أو أرسلت مع القدرة على منعها، ولا يضمن ربها غير ذلك من آدمي أو متاع كما في الكافي وغيره، فعلى ربها إن لم تربط ولم يغلق عليها ما يمنعها وإن تعدد أهلها فهل على أهلها، أو على عددهم قولان، وإن زاد ذلك على قيمتها وليس له إسلامها فيما أتلفت، بخلاف العبد الجاني لأنه مكلف بخلافها فالجاني حقيقة ربها. انتهى.
بقيمته يعني أن ما أتلفته البهائم من الزرع والحوائط يقوم على البت إن بدا صلاحه وأما إن لم يبد صارحه، فإنه يقوم على الرجاء والخوف، ومعنى ذلك أن يقال ما قيمة هذا الزرع لمن يشتريه؟ أن لو جاز بيعه على رجاء تمامه وخوف عدم تمامه، فهو إنما يقوم تقويما واحدا ولا شك أن هذا خطر تنقص القيمة بسببه، وهكذا عبارة أهل المذهب وهذا هو الأصل في تقويم ما رجي تمامه وما يخاف عليه من الزرع والثمار وغيرهما، كأم الولد والمدبر ونحو ذلك، قال في رسم
حلف ليرفعن أمره إلى السلطان من كتاب الغصب، قال مالك في الزرع تأكله الماشية: يقوم على حال ما يرجى من تمامه ويخاف من هلاكه لو كان يحل بيعه؛ وعليه اقتصر ابن عرفة تبعا لابن الحاجب وابن شأس، ونصه: على أربابها قيمة ما أفسدت على الرجاء والخوف أن يتم أو لا يتم، وبه تعلم أن ما ذكره ابن مرزوق غير صواب. واللَّه أعلم. قال ابن رشد في الرسم المتقدم: ولا اختلاف في وجوب تقويمه إذا أيس من أن يعود لهيئته، وأما إن رعي صغيرا أو رجي أن يعود ليهئته فاختلف فيه هل يستأنى به أم لا؟ فقال مطرف: إنه لا يستأنى به، وذهب سحنون إلى أنه يستأنى به. قاله في الشجرة. وهو في الزرع أحرى، واختلف إن حكم بالقيمة فيه ثم عاد لهيئته، فقال مطرف: مضت القيمة لصاحب الزرع وقيل ترد كالبصر يعود، واختلف أيضا إن لم يحكم به حتى عاد لهيئته، فقال مطرف: تسقط القيمة ويؤدب المفسد، وقال أصبغ: لا تسقط. انتهى. قاله البناني.
وقال: وربما يستروح من كلام المصنف في التوضيح أن الراجح هو قول مطرف في الجميع. واللَّه أعلم. انتهى كلام البناني. فتحصل أن الصواب أنه يقوم تقويما واحدا، فيقال ما قيمته لمن يشتريه أن لو جاز بيعه على رجاء تمامه وخوف عدم تمامه: فيقال مثلا يشترى بدينار فيعطيه دينارا، وقول ابن مرزوق الذي هو غير صواب معناه أنه يقوم مرتين مرة على فرض تمامه ومرة على فرض عدم تمامه، ويجعل له قيمة بين القيمتين، فيقال لو بقي حتى تم فقيمته دينار، فإن لم يتم ورعي فقيمته للرعي على نصف دينار، فاللازم فيه ثلاثة أرباع الدينار. انتهى. واللَّه تعالى أعلم.
وقول البناني: وربما يستروح من قول التوضيح أن الراجح هو قول مطرف، قال الرهوني: انظر من أين يستروح ذلك من كلام التوضيح؟ نعم كلام ابن سلمون يفيد أن قول مطرف هو الراجح في الجميع، ونصه في الواضحة: قال ابن حبيب سألت مطرفا عما أفسد من الزرع أخضر كيف يقوم؟ فقال لي: سمعت مالكا يقول: يقوم على الرجاء أن يتم وعلى الخوف أن لا يتم فيغرم المفسد القيمة لصاحب الزرع، ولا يستأنى بالزرع أن ينبت كما يصنع بسن الصغير، قال ابن حبيب: فإن عاد الزرع بعد ذلك الحكم لهيئته وإلى حالته الأولى تمضي القيمة لصاحب الزرع، قال: نعم
لأنه حكم قد نفذ ومضى. قال ابن حبيب قلت لمطرف: فلو لم يحكم به حتى عاد لهيئته؟ فقال: إذا تسقط القيمة التي وضعت ولا يكون على المفسد شيء إلا الأدب من السلطان بقدر تعديه وإفساده إلا أن يكون ما أفسد من ذلك كأن يرعى وينتفع به فيكون عليه قيمته ناجزا، وليس قيمته على الرجاء والخوف مع الأدب له في ذلك كله. قال ابن حبيب: فسألت عن ذلك أصبغ، فقال عن ابن القاسم عن مالك في صدر المسألة مثل قول مطرف، قال لي أصبغ: وإذا عاد لهيئته قبل الحكم فهو عندي مثله ويقوم على الرجاء والخوف نبت أو لم ينبت، كان ذلك قبل الحكم أو بعده.
قال ابن حبيب: وقول مطرف فيه أحب إليَّ وبه أقول وهو الحق إن شاء اللَّه. انتهى منه بلفظه. فتأمله تجده يفيد أن الراجح قول مطرف في الفرعين جميعا.
تنبيهات:
الأول: انظر لمن يكون الزرع على قول مطرف؟ والمتبادر من كلامهم أنه لصاحب الماشية، وصرح بذلك في المقصد المحمود ويأتي لفظه قريبا إن شاء اللَّه.
الثاني: قول ابن سلمون عن الواضحة إلا أن يكون ما أفسد من ذلك كان يرعى الخ نحود لابن عرفة عن ابن حبيب عن مطرف، وقد بين في المقصد المحمود صورة ذلك ونصه: ثم ينظر إلى الزرع فإن كان المرعي منه أوراقه دون أسوقه وأصوله ورجي خلفه رجاء ظاهرا، فإنما يقوم ما يساوي قصيلا على صفته، وإن كان لا يرجى خلفه قوم على ما تقدم في السجل على الرجاء والخوف، فإن ظهرت له بعد ذلك خلفة فهي لرب الماشية لأن القيمة كثمن الزرع ولو جاز بيعه. انتهى منه.
الثالث: قال ابن سلمون: فإن كان الزرع أخضر قوم على الرجاء أن يتم وأخذ صاحبه قيمته دراهم، ولا يجوز أن يأخذ فيه طعاما، ثم قال: وإن كان الزرع قد يبس واستحصد فيلزم أن يدفع مكيلته طعاما في الحب ومكيلة التبن تبنا إن كان استهلك التبن. انتهى منه بلفظه. قال شيخنا الجنوي: فيه نظر، بل الصواب أن يقوم بالدراهم كما قالوا فيمن استهلك صبرة مجهولة العدد من المثلي عليه قيمتها دراهم؛ لأنه لو غرم مثلها ربما كانت إحداهما أكثر من الأخرى فيؤدي إلى المفاضلة. انتهى.
قلت: نحو ما لابن سلمون في المقصد المحمود إلا أنه جعل ذلك جائزا لا متحتما كما هو ظاهر ابن سلمون، ونص المقصد المحمود: وإن كان قد يبس واستحصد أو كان محصودا فيجوز تقويمه بالعين وبمكيلته من الطعام بعد أن يختبر بالخرص. انتهى بلفظه. وكأن ابن سلمون اعتمد فيما قاله على ما نقله قبل ذلك عن الاستغناء، ونصه: وفي الاستغناء: إن عمل رجل نار الرماد أو غيره بقرب فدان رجل أو أندره فاحترق الزرع، فإن عليه ضمانه على الحزر والتقدير للفشاقير وغرم التبن على الحزر والتوسط من ذلك بعد أن يحلف صاحب الزرع على عدد الفشاقير التي تكون في أندره؛ لأن القول قوله إلا أن يأتي بما لا يشبه. انتهى.
فظاهره أنه يغرمه حبا، ومع ذلك فلا يجوز التعويل عليه وإن كان غير واحد ممن يتصدى للفتيا من معاصرنا يعتمدون كالأم ابن سلمون، بل يجب التعويل على ما قاله شيخنا للقاعدة المقررة في المذهب المسلمة عند أهله، وهو أن المثلي إذا جهل قدره فالواجب فيه قيمته لا قدره: واستدلال شيخنا بمسألة الصبرة واضح وهو من القياس الجلي؛ لأن الصبرة يمكن حزرُها، ولذلك يجوز بيعها إذا توفرت شروط الجزاف بلا خلاف، بخلاف الزرع في الفشاقير ونحوها ولا يشك منصف أن ضرم مثله تحزيرا مود للشك في التماثل بينهما، ومن القواعد المقررة في المذهب التي لا نعلم فيها خلافا أن الشك في التماثل في الربويات كتحقق التفاضل فلا يصح ما قاله ابن سلمون. واللَّه اعلم. انتهى كلام الرهوني.
لا نهارا هذا مفهوم قوله: "ليلا" يعني أن ما أتلفته البهائم غير العادية من الزرع والحوائط والكروم نهارا لا ضمان فيه، بل هو هدر بشرطين أحدهما قوله: إن لم يكن معها راع أي إنما يكون ما أتلفته البهائم هدرا حيث لم يكن معها راع، أو كان وعجز عن دفعها كما في أحمد. قاله عبد الباقي. والشرط الثاني قوله: وسرحت بُعْد الزارع بأن يخرجها عن الزرع إلى موضع يغلب على الظن أنها لا ترجع لذلك الزرع. قاله الأقفهسي. قاله عبد الباقي. وإلا أي وإن لم يكن الأمر كذلك بأن كان معها راع وسرحها بعد المزارع أو سرحها قرب المزارع بحيث يغلب على الظن عودها لها، فعلى الراعي أي فضمان ما أتلفت من ذلك على الراعي مكلفا أو صبيا مميزا يقدر على منعها، وحينئذ فعليه قيمته على الرجاء والخوف إن فرط في حفظها وإلا فلا شيء عليه،
فإذا سرحت قرب المزارع نهارا بلا راع فعلى ربها. وإيضاح معنى المصنف أن ما أتلفته البهائم نهارا من الأمور المذكورة لا يضمنه أحد، بل هو هدر بشرطين: أحدهما إن لم يكن معها راع، فإن كان معها راع قادر على حفظها ضمن ما أتلفته من ذلك سرحت بعد المزارع أو قربها، فإن لم يكن معها راع فإن سرحها ربها بعد المزارع فلا ضمان عليه وهو الشرط الثاني، فإن سرحها قرب المزارع فضمان ما أتلفت من ذلك على ربها.
فقوله: "وإلا" تصريح بالمفهوم الأول أي وإن كان معها راع فعلى الراعي ما أتلفته، سرحها قرب المزارع أو بعدها، وسكت عن مفهوم الشرط الثاني وهو إذا سرحت قرب المزارع وليس معها راع فالضمان على ربها، قال الشبراخيتي: لا ما أتلفته نهارا من المزارع والحوائط فلا ضمان فيه على ربها ما لم تكن عادية وإلا ضمن ما أتلفته ولو نهارا. وفي الموطإ وغيره عنه عليه الصلاة والسلام أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدته المواشي باليل ضمانه على أهلها. انتهى.
وعدم الضمان مشروط بشرطين: أحدهما إن لم يكن معها راع شرط في قوله: نهارا يريد أو كان معها وهو عاجز عن دفعها عن الزرع كما ذكره الزرقاني، وثانيهما وسرحت بعد المزارع، المراد بتسريحها بعد المزارع أن تسرح بمكان يغلب على الظن أنها لا ترجع عنه للزرع، فإذا أطلقت بعد مجاوزتها المزارع مجاوزة بينة ورجعت لها وأتلفت منها فلا ضمان وصرح بمفهوم الشرط الأول بقوله: وإلا فإن كان معها راع فعلى الراعي الضمان، ولو سرحت بعد المزارع وهو الموافق لظاهر ما لابن ناجي ومقتضى ما لغيره كالأقفهسي أن فعلها حيث سرحت بعد المزارع هدر، سواء كان معها راع أم لا، وسكت عن حكم مفهوم الشرط الثاني وهو أن الضمان على ربها، ولو قال: وإلا فعلى الراعي أو على ربها كان أولى، وتكون أو للتنويع. وقوله:"فعلى الراعي" إن كان مكلفا وفرط بأن نام مضطجعا، وأما لو نام مستندا فليس بمفرط وإن اختلفا في التفريط وعدمه فالأصل عدم التفريط حتى يتبين خلافه، وإن كان غير مكلف فهدر. انتهى.
وقال التتائي: لا ما أتلفته البهائم نهارا فلا ضمان فيه على ربها إن لم يكن معها راع يحفظها، والحال أنها سرحت بعد موضع المزارع بل أخرجها ربها عن مزارع القرية وتركها بالمسرح فلا
ضمان عليه، وإن أطلقها قبل خروجها عن مزارع القرية فهو ضامن وإن كان معها راع أي فالضمان على الكل. واللَّه تعالى أعلم. وإلا بأن كان معها راع فعلى الراعي الضمان إن فرط أو ضيع. ابن رشد: وعلى هذا حمل أهل العلم الحديث، وأشار لخبر الموطإ (أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها نهارا وما أفسدته ليلا فعلى أربابها)
(1)
، ولم يسلك المصنف هنا طريق الباجي، وهو أن الموضع ثلاثة أضرب: ضرب يكون فيه المزارع والمراعي وهو الذي تقدم ذكره، وضرب تنفرد فيه المزارع والحوائط وليس بمكان مسرح وهذا لا يجوز إرسال المواشي فيه، وما أفسدت ليلا أو نهارا فعلى أربابها ضمانه، وضربٌ جرت عادة الناس بإرسال مواشيهم فيه ليلا ونهارا فأحدث فيه رجل زرعا من غير إذن الإمام في إحيائه فلا ضمان على أهل المواشي فيه ليلا ولا نهارا. انتهى.
تنبيهات:
الأول: قال التتائي: لو أفسدت البهائم غير الزرع والحوائط بأن وطئت آدميا أو غيره ليلا أو نهارا فلا ضمان على أربابها وكذا سائر الأمتعة والأموال. وفي الطرر: سئل بعضهم الذي يؤذيه دجاج جاره في مزرعته، فقال: على الجيران أن يمنعوا دجاجهم ويقصروها عنه، وهذا إذا كانت الدجاجة طائرة مما لا يستطاع الاحتراس منها، وإن كانت مقصوصة فهي كالماشية، وأصبغ يقول غير هذا عن ابن القاسم، قيل له: فإن فتح الباب على الدجاج وسيَّبها؟ فقال: يضمن ما أفسدت، واختلف في الحيوان الذي لا تمكن حراسته كالحمام والنحل، هل يمنع أربابه من اتخاذه إذا آذى الناس وهو رواية مطرف عن مالك أو لا يمنعون وعلى أرباب الزرع والشجر حفظه وهو قول ابن القاسم وابن كنانة وابن حبيب. انتهى. وقال المواق: ابن سلمون: وإذا عدت بهيمة على أخرى أو قتلتها فلا شيء في ذلك. أبو عمر: وكذا إذا انفلتت ليلا أو نهارا فركبت على رجل نائم فجرحته أو قتلته لأن جرح العجماء جبار. أبو عمر: يسقط الضمان نهاها عن أرباب الماشية إذا أطلقت دون راع وإذا كان معها راع، ولم يمنعها فهو كالقائد والراكب، وقد
(1)
الموطأ، كتاب الأقضية، رقم الحديث 39.
ضمن مالك القائد والسائق والراكب. انتهى. وقال ابن القاسم: النحل والحمام والدجاج كالماشية لا يمنع من اتخاذها وعلى أهل القرية حفظ زرعهم، قال ابن عرفة: والصواب خلاف قول ابن القاسم. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله: "وسرحت بعد المزارع وإلا فعلى الراعي" ما نصه: فإن سرحت قرب المزارع بلا راع فعلى ربها وكذا إن كانت عادية يعني عادية على الزرع؛ أي شأنها ذلك كما في الخرشي فعلى ربها ما أتلفته نهارا أو ليلا، إلا لراع مكلف قادر على منعها فعليه حيث فرط، فإن ربطت وقفل عليها ما يمنعها منعا كليا لم يضمن ربها ما أتلفته ليلا أو نهارا، عادية أم لا، كما إذا سرحت بعد المزارع بلا راع فإن كانت مما لا يمكن التحرز منه ولا الحراسة كحمام ونحل ودجاج يطير، ففي منع أربابها من اتخاذها إن آذت الناس وهو رواية مطرف عن مالك وعدم منعهم، وعلى أرباب الزرع والشجر حفظها وهو قول ابن كنانة وابن حبيب قولان. قاله التتائي.
وصوب ابن عرفة الأول لاستغناء ربها عنها وضرورة الناس للزرع والشجر، ويؤيده قاعدة ارتكاب أخف الضررين عند التقابل، وقول التتائي وابن حبيب خلاف عزو الباجي له موافقة مالك وعزا لأصبغ موافقة ابن القاسم كما في ابن عرفة، ثم مثل ما ذكر المصنف في الراعي في النهار ما لو كان لها راع في الليل فالضمان عليه مع قدرته على دفعها كما أشار له أحمد، ومحل تفصيل المصنف حيث المزارع والمراعي بموضع واحد، فإن انفردت المزارع بموضع فلا يجوز إرسال المواشي فيه وإلا غرموا ما أفسدت ليلا أو نهارا، كما أن موضع المواشي التي جرت العادة بإرسالها فيه إذا أحدث فيه رجل زرعا بلا إذن إمام لا ضمان على أهل المواشي التي جرت العادة بإرسالها فيه مطلقا. قاله الباجي. وقولي: وما أتلفته اليهائم من زرع وحوائط تحرز عما أتلفته من غيرهما كآدمي أو بعضه فلا ضمان على ربها إن أتلفته ليلا كما في العتبية؛ أي حيث لم يقصر في حفظها. انتهى. قول عبد الباقي: وصوب ابن عرفة الأول وهو أنه يمنع من اتخاذها إن آذت الناس، قال الرهوني: صرح أبو علي بأنه الراجح ويأتي لفظه وأطلق غير واحد الخلاف في ذلك، وفي أجوبة سيدي عبد القادر الفاسي بعد ذكره هذا الخلاف ما نصه: وهذا إذا كانت الأشياء حادثة، وأما إن تقدمت فليس بضرر. واللَّه أعلم. انتهى منها بلفظها. ونقله الشريف الشفشاوي
في نوازله في مسائل الغصب والتعدي وسلمه، وقال أبو علي في فصل القيام بالضرر من حاشية التحفة ما نصه: والراجح وهو الذي يفتى به هو المنع من اتخاذ الحمام ونحوه إن كان يضر بالناس وهو قول مطرف وقول ابن القاسم في ذلك مرجوح، وهذا إذا كان اتخذ بعد زرع الزارع مثلا، وأما إن تقدم اتخاذ الحمام مثلا فجاء رجل فزرع بإزائه فإنه لا كلام له لدخوله على الضرر. انتهى.
الثاني: قال عبد الباقي: ما كدمته الدابة بفمها أو رمته برجلها إن لم يكن بفعل من معها لا ضمان فيه. وإن كان بفعل من معها ضمن، ففي المدونة: من قال قطارا فهو ضامن لما وطئ البعير في أول القطار أو آخره، وإن نفحت رجلا أي ضربته بيدها أو رجلها لم يضمن القائد إلا أن يكون ذلك من شيء فعله بها. انتهى. فقول الرسالة: والسائق والقائد والراكب ضامنون لما وطئت الدابة أي كل واحد ضامن، معناه إن جاء العطب من فعل المذكورين فيوافق ما مر عن المدونة من أن ما ضربته بيدها أو رجلها يضمنه مسيرها إن كان من فعله، وقوله: برجلها ظاهر في رفسها بنفس رجلها، وأما إن طارت حصاة فأتلفته، فقال ابن زرب: لا يضمن، وذهب بعض المتأخرين إلى أنه يضمن إن طارت بطرف حافرها، ولعدمه إن طارت من تحته.
الثالث: إذا اجتمع سائق وقائد وراكب، فما وطئت على سائق وقدم على قائد إلا أن يكون ما أتلفت من فعل الراكب كنخسها فعليه فقط إن لم يعيناه، وإلا اشترك الثلاثة في الضمان ولو ركبها اثنان ضمن المقدم ولو صبيا يقدر على إمساكها؛ لأن لجامها بيده فلو حركها المؤخر كما في الميسر أو ضربها فعليهما كزميلين بمحمل بلا قائد إلا أن يفعل الرديف ما لا يقدر المقدم على دفعه أو يكون صبيا عاجزا عن إمساكها فعلى المؤخر، ولا ينفع الإنذار مع سماع المنذر بالفتح عند مالك، فيضمن مسيرها ما أتلفته لعدم لزوم التنحي؛ إذ من سبق إلى مباح كطريق لا يلزمه التنحي لغيره وقيل ينفعه، فإن انفلتت الدابة فنادى ربها رجلا بإمساكها فأمسكها أو أمره بسقيها ففعل فقتلته أو قطعت له عضوا لم يضمن ربها، كعدم ضمان راكب وسائق وقائد ما حصل من فلوها، فإن نادى صبيا أو عبدا بإمساكها أو سقيها فأتلفته ضمن قيمة العبد ودية الصبي على عاقلة الآمر، كناخس دابة فقتلت رجلا فعلى عاقلة الناخس، فإن قتلت رجلا في مسك الصبي أو العبد
أو أمرهما بسقيها فعلى عاقلة الصبي ولا رجوع لهم على عاقلة الآمر، وخير سيد العبد بين إسلامه فلا رجوع له على الآمر وبين فدائه بدية الحر، ومعلوم أن ضمان جميع ما مر معناه المال في مالك كعقل لم يبلغ الثلث وإلا فعلى العاقلة، ولو انهارت بير أو معدن بمن يعمل في أحدهما فهذا
(1)
لم يضمن مستأجره إذ لا صنع له فيه حيث حفره بموضع يجوز له، لحديث الموطإ والصحيحين مرفوعا:(العجماء جبار والبير جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس)
(2)
. انتهى.
فإن حفره اثنان فماتا فنصف دية كل على عاقلة الآخر وثلاثة فثلث دية كل على عاقلة الآخر، وهكذا لو كثروا فبالنسبة لتسبب كل في قتله وقتل من معه فما نابه ساقط بقتله نفسه وتؤخذ عاقلته بما تسبب في غيره، ولا شيء على هارب خائف صدم أو وطئ شيئا، بل على من تسبب في هروبه أو خوفه. انتهى كلام عبد الباقي. وفي الميسر: ما جنته الدابة غير زرع وحائط جبار أي هدر سواء لم يكن معها أحد أو كان معها راكب أو قائد أو سائق وتبين أن ذلك من غير فعله، وإن تبين أنه من فعله فكالخطإ تحمل منه العاقلة ثلث الدية فأكثر، ولا يضمن ما أصابت برجلها إلا أن يفزعها ويضمن بكل حال ما أصابت بمقدمها كذا في الكافي. انتهى. ومر أنه إنما يضمن من ذلك ما كان من فعله. واللَّه تعالى أعلم.
ثم قال: وقال الفاكهاني لا يضمن الراكب ما كدمت الدابة إلا أن يكون بسببه، قال ابن فرحون: إن أصابت بفمها فرآها ولم يمنعها أو كان ذلك شأنها ولم يحفظ فمها ضمن، وإن لم يرها ولا كان ذلك شأنها ولا فعل بها ما أوجب ذلك لم يضمن، وإن لم يعلم هل فعل ما يوجب ضمانه حمل على أنه جناية منها حتى يعلم غيره. انتهى. وإذا اجتمع سائق وقائد وراكب فما وطئت فعلى السائق والقائد إلا أن يكون فعلها بسبب الراكب فعليه خاصة إن لم يعيناه، وإن طارت حصاة ضمن ما أتلفته إن دفعته بحافرها لا إن طارت تحته. قاله محمد. ونقله ابن فرحون وذكر أن الراكب إذا انفرد يضمن ما وطئت ولو كان نائما أو مريضا، ولا يضمن ما أتلفه ولدها التابع لها،
(1)
في عبد الباقي ج 8 ص 120: فهلك لم يضمن.
(2)
الموطأ، كتاب العقول، رقم الحديث 42.
- البخاري، كتاب الزكاة، رقم الحديث 1499. مسلم، كتاب الحدود، رقم الحديث 1710. واللفظ للبخاري.
وإن جمحت به فعطبت شخصا ضمن وإن نخسها غيره ضمن الناخس والدية في ذلك على العاقلة، وكذا لو صدم هارب خائف شيئا أو وطئه لم يضمنه وضمنه من تسبب في هروبه. ذكره ابن فرحون. وإن ركبها اثنان ضمن المتقدم ولو صبيا يقدر على منعها إلا أن يحركها المؤخر فيضمنان وإن ضربها المؤخر فرمحت رجلا فمات ضمن المؤخر خاصة، وإن كانا متزاملين في محمل ضمنا ما وطئت، ولو أنذر الراكب أو السائق في طريقه لم ينفعه ذلك؛ لأن من سبق لمباح كطريق لا يلزمه التنحي لغيره وقيل ينفعه، ومن قال قطارا ضمن ما وطئه بعير في أوله أو آخره وإن كان معه سائق اشتركا في ما وطئ الأخير خاصة. ذكره ابن فرحون. ولو نفحت دابة من القطار رجلا أي ضربته لم يضمن القائد ذلك إن لم يفعل بها شيئا ولو نخسها غيره ضمن الناخس ومن حمل على بعير لغيره بإذنه فقاده في سوق فسقط الحمل على رجل وقتله ضمن دون رب البعير: ومن سقط عن دابته على رجل فقتله ضمن ديته. ذكره الفاكهاني. ومن انفلتت دابته فأمر من يحبسها له فقتلته لم يضمن إلا أن يأمر صبيا أو عبدا لغيره، فدية الصبي على عاقلته وقيمة العبد في ماله، ولو ركبها الصبي أو العبد فجنت في غيرهما لم يضمنه الآمر بل هو على عاقلة الصبي وفي رقبة العبد، وذكر ابن فرحون عن محمد أن من انفلتت دابته من يده فعلى عاقلته دية من قتلته، وإن انفلتت من قيدها فهدر. انتهى كلام الميسر. ولو وقع الذباب على دابة فنفحت لم يكن على راكبها شيء قاله ابن فرحون. وفي الموطإ أن من حفر بيرا في الطريق أو ربط دابة أو نحو ذلك مما لا يجوز له فهو ضامن لما أصيب في ذلك من جرح أو غيره في ماله إن كان دون ثلث الدية، وإن بلغه فعلى عاقلته وما صنع من ذلك مما يجوز له على الطريق فلا غرم عليه، كبير حفرها للمطر ودابة نزل عنها لحاجة أو أوقفها على الطريق، وقال فيمن نزل في بير فيدركه آخر فيجذبه الأسفل فخرا في البير وماتا إن على عاقلة الأسفل الدية كاملة. وقال في صبي أمره رجل أن ينزل في بير أو يرقى نخلة فهلك في ذلك: إن الآخر ضامن لا أصابه. انتهى باختصار وباللَّه التوفيق. انتهى.
أبو عمر: روي عن عمر وعلي أنهما قضيا في قتيل الزحام بالدية في بيت المال وقال الرهوني: هو على من حضره في جمعة أو غيرها ولا شيء فيه عند مالك والشافعي. قاله القلشاني.
الرابع: قال الرهوني: قال في أواخر طرر ابن عات ما نصه: وليحيى بن عمر في رجل كان مع غنم بين زرع وخاف فوت وقت الصلاة إنه يصلي ويغرم قيمة الزرع إن أفسدته الغنم. منها بلفظها. ونقله ابن مرزوق هنا وسلمه. واللَّه أعلم. انتهى.
الخامس: إذا أخذ الماشية من وجدها في ملكه فهلكت أو تعيبت فهو ضامن، ففي سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب السلطان من العتبية ما نصه: قال وسألت ابن وهب عن رجل وجد في زرعه بقرتين فساقهما إلى داره فأدخلهما داره، فلما كان من جوف الليل خرقا داره أو خرقا زرب الدار فخرجا منه فعقرتهما السباع، فهل يضمنهما الذي ساقهما إلى داره؟ أو إن كانا في داره وعقرهما السبع الذي في داره يضمنهما صاحب الدار؟ قال: أراه ضامنا إذا عقرا أو أصيبا في الأمر الذي بسنببه وأصله منه، ولم يكن له سوقهما وحبسهما في داره وإنما له إتيان السلطان إن كان السلطان قريبا والانتهاء إلى صاحبهما أو ردهما عن زرعه، فإذا ترك ذلك وساقهما إلى داره وربطهما وحبسهما فأراد متعديا، وأرى عليه ضمانهما إن أصيبا في ذلك. وقال أشهب: هو ضامن لهما أبدا حتى يرجعا إلى صاحبهما، ماتا في داره أو عقرا خارجا عن داره قال محمد بن رشد: قول أشهب مثل قوله ابن وهب، فلو قال: قال أشهب مثله لكان أحسن، والمسألة كلها بينة إلا قوله إنما له إتيان السلطان إن كان السلطان قريبا، فمعناه إن كان الأذى والرعي في الليل أو في النهار في موضع لا يصلح إهمال الأنعام والمواشي فيه دون راع يذودها، وأما إن كان ذلك بالنهار في موضع لأصحاب المواشي فيه إهمال مواشيهم دون رعاة يرعونها فليس له إتيان السلطان ولا رفع الأمر إليه. انتهى محل الحاجة منه بلفظه. ونقله مؤلف المغارسة وما معها في الشرح بالمعنى، وزاد عقبه ما نصه: وقال في المذهب: ولو أخرج من زرعه ماشية فعطبت، فإن ساقها سوقا عنيفا كإشلائه عليها الكلاب ورميها بالحجارة أو غير ذلك ضمن ما عطب، وإن أخرجها برفق فلا شيء عليه. انتهى. وقال الإمام ابن مرزوق في اختصاره الحاوي على الفتاوي: وسئل ابن أبي زيد ضمن وجد في الزرع دابة مقيدة فحلها فذهبت وضاعت أو ذهب بها لداره فهلكت، فأجاب بأنه ضامن في الوجهين إلا أن يعلم أهل القرية أن فاعل ذلك من عادته سجن الدواب أو حبسها وأنهم على ذلك حرسوه فلا شيء عليه. انتهى.
وقوله: وعلى ذلك حرسوه أي جعلوه حارسا وكلامه هذا في حاكم الفحص، لكن تعليله يدل على تعميم الحكم فيه وفي غيره من أهل الزرع، وبه يقيد ما تقدم من كلام غيره في المسألة؛ لأن عادة بعض البلدان سيما بلدتنا هذه التي لا حاكم فيها أن يأتي صاحب الزرع بالدواب التي يجدها في زرعه لبيته إلى أن يأتي ربها ويتكلم معه في ذلك واللَّه الموفق للصواب. انتهى منه بلفظه.
قلت: قوله لكن تعليله يدل على تعميم الحكم الخ إن عنى أنه انضم إلى عادتهم تلك إذن جميعهم بعضهم لبعض في ذلك فما قاله مسلم، وإن عنى أن مجرد عادتهم تلك فغير مسلم؛ لأن الشيخ أبا محمد لم يسقط عنه الضمان بمجرد العادة بل بذلك، وبقوله: وإنهم على ذلك حرسوه ووجه سقوط الضمان إذ ذاك ظاهر؛ لأن إتيانه بالماشية إذ ذاك إنما هو بإذن سابق من ربها وليس تعديا. فتأمله بإنصاف. وكلام أبي محمد إنما هو باعتبار سقوط الضمان، وأما جواز ذلك فلم يتعرض له والمتعين منع ذلك على الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة لا يحصل للماشية من الضرر بالجوع والعطش، ومن التوله إذا كان لها أولاد فحبست هي فقط أو أولادها فقط. واللَّه سبحانه أعلم انتهى كلام الرهوني.
ولما أنهى الكلام على الجنايات أتبعه بالكلام على العتق؛ لأن الجناية سبب في الإثم والعتق من أقوى الأسباب في الخلوص من ذلك، فقال:
باب: في العتق وما يتعلق به
والعتق لغة: الخلوص، ومنه عتاق الخيل والطير أي الخالص منها، وسمى البيت الحرام بالعتيق لخلوصه من أيدي الجبابرة إذ لم يملكة جبار أو عتق من الطوفان وعتق العبد لحق بالأحرار وتم فضله. قاله التتائي. وقال الشبراخيتي: والعتق لغة الكرم والجمال وقيل الخلوص ومنه عتاق الخيل والطير، وسمى به البيت الحرام لخلوصه من أيدي الجبابرة إذ لم يملكه جبار، ويقال عتق من باب ضرب ومن باب دخل. انتهى. وقال التتائي: ولا يقال عتق العبد بضم العين بل أعتق بهمز التعدية في أوله فهو عتيق وعتق العبدُ فهو عتيق، وقيل سمع عتق العبدَ ثلاثيا متعديا. انتهى.
وقال الحطاب: قال في الصحاح: العتق الكرم، يقال ما أبين العتق في وجه فلان يعني الكرم، والعتق الجمال والعتق الحرية وكذلك العتاق بالفتح والعتاقة، تقول منه عتق العبد يعتِق بالكسر عتقا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وعاتق وأعتقه. انتهى. ثم قال: وعَتُق الشيء بالضم عتاقة أي قدُم وصار عتيقا، وكذلك عتق يعتُق مثل دخل يدخل وهو عاتق. انتهى. ثم قال: وعتاق الطير الجوارح منها، ولأرحبيات العتاق النجائب منها، ويعني أنه بكسر العين، والأرحبيات: الإبل، قال في الصحاح: وأرحب قبيلة من همدان تنسب إليها الأرحبيات من الإبل. انتهى.
وقال في التنبيهات: ومعنى العتق ارتفاع الملك، ثم قال الحطاب بعد كلام كثير ما نصه: فتحصل من هذا أنه يقال العتق بكسر العين وفتحها والعتاق والعتاقة بفتحهما فقط، وأنه يقال عتق يعتق كضرب يضرب ولا يقال عتق بضم العين. واللَّه أعلم. وفي الذخيرة: والعتق في الشرع خلوص الرقبة من الرق. انتهى. وعرف ابن عرفة العتق بقوله: رفع ملك حقيقي لا بسباء محرم عن آدمي حي. الخرشي: خرج بآدمي حيوان غير آدمي، وأخرج بقوله ملك رفع غيره كرفع الحكم بالفسخ ووصفه بقوله حقيقي ليخرج به استحقاق العبد بحرية؛ لأن المستحق من يده بحرية لم يكن ملكا حقيقة وقوله: لا بسباء عطف على مقدر أي بغير سباء لا بسباء، ليخرج به فداء المسلم من حربي سباه وكذلك ممن وصل له من حربي. وقوله: عن آدمي متعلق بقوله رفع، وقوله: حي يخرج به من ارتفع الملك عنه بالموت. انتهى. قوله: كرفع الحكم من إضافة المصدر لفاعله، وقوله: بالفسخ متعلق بالحكم يعني أن الحكم يفسخ النكاح أو البيع أو الإجارة مثلا برفع
المحكوم بفسخه من ذلك ليس برفع ملك، قال البناني: وأورد عليه أن قوله: لا بسباء محرم مستغنى عنه بقوله: ملك حقيقي لأن محترزه ليس فيه ملك حقيقي، وأورد عليه أيضا أنه غير مانع لصدقه ببيعه العبد فإنه رفع ملك أيضا، فلو قال: رفع الملك بأل التي للحقيقة لخرج ما ذكر: لأن رفع الحقيقة يستلزم
(1)
جميع أفرادها، وأورد عليه أيضا أنه غير مانع لصدقه فيما إذا أسلم عبد الحربي وبقي بيد الحربي حتى أسر، فإنه حر لتقدم إسلامه على سبائه لأنه بمجرد إسلامه ارتفع ملك الكافر عنه أي حكم الشرع بارتفاعه عنه مع أنه لا عتق هنا. انتهى المراد منه. وقال الشبراخيتي: واعترض حد ابن عرفة بأنه يصدق على عبد الحربي إذا أسلم قبل إسلام سيده وبقي حتى غنم أوفر إلينا.
تنبيهات:
الأول: قال الشبراخيتي: في جعل العتق وما بعده قبل الوصية وبعد الجنايات. مناسبة لطيفة؛ لأن الجنايات آثام موجبة لدخول النار فيجب السعي في الخلاص منها، ومن أقوى أسبابه العتق لما ورد فيه من أنه مكفر للذنوب، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:(من أعتق رقبة مؤمنة أعتق اللَّه تعالى بكل إرب منها إربا منه من النار)
(2)
، زاد البخاري:(حتى الفرج بالفرج)
(3)
، والإرب بكسر الهمزة: العضو. انتهى المراد منه. وقال البناني: ذكره -يعني العتق- عقب أبواب الجناية لأنه سبب في العتق من النار، وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق اللَّه بكل إرب منها إربا منه من النار، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:(من أعتق رقبة أعتق اللَّه بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه)
(4)
. انتهى. وقال التتائي: قال صاحب المخبر الفصيح: يريد أن من أعتق خصيا أو مقطوع اليد أو غير ذلك يبعض في النار ويصح التبعيض فيها لأنه عليه الصلاة والسلام، قال: حرم اللَّه عز وجل على النار أن تأكل موضع السجود. انتهى. ونحوه قول اللخمي: ظاهر الحديث أنه إذا أعتق ناقص عضو لا
(1)
في البناني ج 8 ص 120: يستلزم رفع جميع.
(2)
مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث 1509.
(3)
انطر مسند أحمد، ج 2 ص 422.
(4)
البخاري، كتاب كفارات الأيمان، رقم الحديث 6715. مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث 1509.
يحجب النار من العضو الذي يقابله وهو ممكن لأن الألم يخلقه اللَّه تعالى في أي عضو شاء، لما في الصحيح (أن اللَّه حرم على النار أن تأكل أثر السجود)
(1)
انتهى. وظاهر ما في الصحيحين أن عتق الذكر للأنثى يجزي كل عضو منها عن عضو منه، لكن روى الترمذي وصححه أنه عليه الصلاة والسلام قال:(أيما امرئ مسلم أعتق امرءا مسلما كان فكاكه من النار يجزي كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزئ كل عضو منهما عضوا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزي كل عضو منها عضوا منه)
(2)
انتهى.
الثاني: قال الإمام التتائي ما نصه: وقد عاش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة، ونحر بيده الشريفة في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وأعتق ثلاثا وستين نسمة وعدها الكمال الدميري في شرح المنهاج له فانظره إن شئت. انتهى. وقال الإمام الحطاب عن التنبيهات: والعتق مندوب إليه بالجملة ويجب أحيانا بإلزام الرجل ذلك نفسه وتبتيله عتق مملوكه ابتداء وبنذره ذلك لأمر كان أو يكون، وبالحنث في يمين بذلك أو بحمل مملوكته منه أو لعتقه بعضه فيبتل عليه باقيه أو بالتمثيل به أو بشرائه من يعتق عليه أو بقتل النفس خطأ أو وطء الظاهر أو مكاتبته العبد أو مقاطعته على مال أو خدمته بذلك، ويلحق بذلك وجهان آخران [وهما]
(3)
كفارة اليمين باللَّه وكفارة الفطر في رمضان، إلا أن الفرض في هذين موضع
(4)
للتخيير بينه وبين غيره وإنما يتعين بتعين الكفر. انتهى.
قال في اللباب عقب ذكره الأسباب المتقدمة: ويجب أن يعلم أن ما كثرت أسبابه كان إلى الوقوع أقرب، ألا ترى أنه جل وعلا قرب المغفرة على أسباب كثيرة تكاد تخرج عن الحصر، فقال صلى الله عليه وسلم: صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والآتية، وصوم عاشوراء يكفر الماضية،
(1)
البخاري، كتاب الرقاق، رقم الحديث 6573.
(2)
الترمذي، كتاب السير، رقم الحديث 1547.
(3)
في الأصل: وهو، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 532 ط دار الرضوان.
(4)
في الحطاب ج 6 ص 532 ط دار الرضوان، والتنبيهات ج 3 ص رقم 1206: موسع للتخيير.
ورمضان إلى رمضان يكفر ما بينهما، والصلوات الخمس تكفرن
(1)
ما بينهما وإذا توضأ خرجت الخطايا من أشفار عينيه. وقد قلت لشيخنا شهاب الدين: إذا كان يوم عرفة يكفر الماضية والآتية فأيَّ شيء يكفر يومُ عاشوراء وكذلك ما ذكرناه؟ فقال لي: ذلك دليل على أنه تعالى يريد المغفرة لعباده، فإن العبد إذا أخطأه سبب لا يخطئه غيره وما كثرت أسبابه كان إلى الوقوع أقرب فتنبه لذلك. انتهى.
وحكمة مشروعيته قال في اللباب هي التنبيه على شرف الآدمي وكرامته: فإن الرق إذلال له والترغيب في مكارم الأخلاق وتعاطي أسباب النجاة من النار. انتهى.
الثالث: قال ابن سلمون في وثائقه: سئل ابن رشد في عتق الإماء والعبيد أيهما أفضل؟ فقال: اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال إن عتق الأكثر ثمنا منهم أعلى في الأجر ذكرا كان أو أنثى؛ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل أي الرقاب أفضل؟ فقال:(أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها)
(2)
ولم يخص ذكرا من أنثى، وأما إذا استوى الذكر والأنثى فعتق الذكر أفضل: كما أن عتق الأفضل في الدين من العبدين والأمتين أفضل وهذا مما لا اختلاف فيه، وإنما اختلف في الأفضل من عتق الكافر أو المسلم إذا كان الكافر أكثر ثمنا، فقيل إن عتق الأكثر ثمنا أفضل وإن كان كافرا لعموم الحديث، وقيل إن عتق المسلم أفضل وإن الحديث إنما معناه مع استواء الرقاب وكذلك الأفضل من عتق الكفار من كان منهم أكثر ثمنا، قال: وإن استووا في الأثمان فالذي أقوله أن عتق الأنثى منهم أفضل: لأن عتقها يُحل للمسلمين نكاحها ولا منفعة في عتق الكافر الذكر. انتهى. نقله الحطاب.
الرابع: قال الرهوني: قال ابن مرزوق: وجه تأخير أحكام العبيد إلى هنا وجعلها متصلة بالوصايا والفرائض أن الجنايات التي فرغ منها موجبة للإثم الذي هو دخول النار، ويجب أن يسعى في الخلاص منها والعتق أقوى الأسباب في ذلك لما ورد فيه، وأيضا رغبة غالب الناس في العتق
(1)
في الحطاب ج 6 ص 532 ط دار الرضوان: يكفرن ما بينهن.
(2)
البخاري، كتاب العتق، رقم الحديث 2518.
وشوائبه إنما تكون عند إياسهم من الحياة وقربهم من الموت؛ لأن حب الإنسان في المال شديد لا يسمح في إخراجه حال الصحة إلا الصابرون.
ولما فرغ من جميع ما يحتاج إليه من الأحكام، عبادات ومعاملات حال الصحة لم يبق إلا ذكر ما يحتاج إليه عند الموت. انتهى. وقال المتيطي في نهايته: اعلم وقفنا اللَّه وإياك أن العتق عمل من الأعمال ومن إحدى القرب التي يتقرب بها إلى اللَّه تعالى، قال اللَّه سبحانه:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ، والمن العتاقة الخ. قال: وهو مندوب إليه لقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} الآية، وعتق الذكران أفضل من عتق الإناث؛ لأن الرجل إلى العتق أحوج وكثير من الإناث من لا يرغب في العتق وترى أن كونها مملوكة أحسن لها وإن عتقت ضاعت، وأعلى الرقاب ثمنا أعظمها أجرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الرقاب أفضل؟ قال:(أعلاها ثمنا). انتهى. وما جزم به من أن عتق الذكران أفضل من عتق الإناث سبقه إليه اللخمي، وظاهر كلام اللخمي والمتيطي إن عتق الذكر أفضل مطلقا. وفي ابن سلمون عن أجوبة ابن رشد أنه سئل في عتق الإماء والعبيد أيهما أفضل؟ فقال: اختلف العلماء في ذلك إلى آخر ما مر، وقد أجمل في الخلاف وبينه في المقدمات، فقال فيها ما نصه: وقد اختلف في هذا التفضيل هل هو على عمومه في جميع الرقاب مسلمين كانوا أو كافرين، أو إنما ذلك عند استوائهما في الكفر والإسلام، فروى زياد عن مالك أنه قال: أفضل الرقاب أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ولا أبالي يهوديا كان أو نصرانيا أو ولد زنى وقال أصبغ: عتق المسلم أفضل من عتق الكافر وإن كان أقل ثمنا منه، وإنما يكون الأعلى ثمنا أفضل عند استوائهما في الكفر والإسلام. انتهى. ومثله للمتيطي وظاهر قول ابن رشد في الأجوبة، كما أن عتق الأفضل في الدين الخ، ولو كان الآخر أعلى ثمنا والمتعين حمله على أنهما استويا ثمنا لحكاية الاتفاق، ولا يصح ذلك إلا بالقيد المذكور؛ لأنه إذا قال مالك في رواية زياد وكتاب ابن حبيب: إن عتق الكافر إذا كان أعلى ثمنا أفضل من عتق المسلم، فكيف لا يقول ذلك في المسلمين مع اشتراكهما في الإسلام وتفاوتهما فيه؟ فتأمله. واللَّه أعلم. انتهى.
وأركان العتق ثلاثة: المعتِق بكسر التاء والمعتَق بفتح التاء والصيغة، وأشار المصنف إلى الأول بقوله: إنما يصح اعتاق مكلف يعني أنه لا يصح إلا إعتاق المكلف، واحترز بذلك من الصبي
والمجنون فلا يصح عتقهما، قال عبد الباقي: إنما يصح أي ينفذ ويتم صحة تامة، بمعنى يلزم إعتاق مكلف مسلم ولو سكرانا على المشهور لتشوف الشارع للحرية إلا الطافح فكالبهيمة كما لأبي الحسن، وينبغي أن يقيد بما إذا كان سكره بحلال وإلا لزمه في هذه الحالة أيضا قياسا على ما مر في البيع، وتقدم أنه يلزمه طلاقه ولا تصح هبته. انتهى. قوله: بمعنى يلزم، قال البناني: دفع به بحث ابن مرزوق حيث قال: لو قال إنما يلزم كان أولى لصحة عتق بعض المحجور عليهم إذا أجازه من له الحق ولو كان غير صحيح ابتداء لما تم. انتهى. فلذا حمل الزرقاني وغيره من المتأخرين يصح على معنى يلزم وإن كان بعيدا من اللفظ؛ إذ ليس في كلامه ما يدل عليه غير قوله: "ولغريمه رده" ففيه إشارة إليه، مع أن الحطاب قال: يرد على كونه بمعنى يلزم الكافر فإنه إذا أعتق عبده الكافر لا يلزمه عتق، مع أنه يصدق عليه، مكلف لا حجر عليه لأن الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. انتهى. وقوله: وينبغي أن يقيد بما إذا كان سكره بحلال الخ هذا غير صحيح، وقد نقل الحطاب أول البيوع عن ابن رشد في أثناء كلامه ما نصه: أما سكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فلا اختلاف في أنه كالمجنون في جميع أحواله وأقواله فيما بينه وبين اللَّه وفيما بينه وبين الناس، إلا ما ذهب وقته من الصلوات فإنه لا يسقط عنه بخلاف المجنون. انتهى المراد منه. وأما التفصيل الذي في قوله:
لا يلزم السكران إقرار عقود
…
بل ما جنى عتق طلاق وحدود
فإنما ذكره ابن رشد في السكران المختلط الذي معه ضرب من العقل، قال: وهو مذهب مالك وعامة أصحابه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب. انظر البناني. وقال الحطاب عند قوله "إنما يصح إعتاق مكلف" ما نصه: فلا يصح عتق الصبي ولو علقه بيمين فحنث فيها بعد البلوغ كان بإذن وليه أو بغير إذن وليه. قاله في المقدمات وغيرها. وقال في العتق الثاني من المدونة: ولا يجوز عتق المعتوه إذا كان مطبقا ولا الصبي، وإن قال صبي كل مملوك لي حر إذا احتلمت فاحتلم فلا شيء عليه وكذا المجنون، قال في عتقها الثاني: ومن حلف بعتق عبده إن فعل كذا فجن ثم فعل ذلك في حال جنونه فلا شيء عليه، قال أبو الحسن: قال أصبغ: ومن حلف ليفعلن فعلا إلى
أجل كذا ثم جن فانقضى الأجل وهو مجنون فهو حانث. وقال غيره: لا يحنث لأنه مضى الأجل وهو في حال لا تنعقد فيه اليمين. انتهى.
ويدخل السكران قال في عتقها الثاني: وعتق السكران وتدبيره جائز إذا كان غير مولى عليه، قال أبو الحسن: أما الطافح فكالبهيمة لا خلاف أنه لا يلزمه شيء. انتهى كلامه بالمعنى. انتهى. وقال غير واحد: وإنها صح عتق السكران دون عتقه لتشوف الشارع للحرية. انتهى. يعني غير الطافح كما مر. واللَّه تعالى أعلم.
بلا حجر يعني أن المكلف الذي يصح إعتاقه أي يلزم إنما هو المكلف الذي لا حجر عليه، واحترز بذلك من السفيه المولى عليه فلا يصح عتقه ويصح عتقه لأم ولده لأنه غير محجور عليه في عتقها، وخرج أيضا الزوجة والمريض بزائد الثلث بخلاف الثلث فلا حجر عليهما فيه.
واعلم أن بين مفهوم قوله: "مكلف" وقوله: "بلا حجر" عموما وخصوصا، فلا يغني أحدهما عن الآخر إذ يخرج بقوله:"مكلف" المكره ولا يخرج بقوله: "بلا حجر"، ويخرج بقوله:"بلا حجر" السفيه المولى عليه والزوجة والمريض في زائد الثلث دون قوله "مكلف" فتبين أنه لا يغني أحدهما عن الآخر. واللَّه تعالى أعلم.
تنبيهات:
الأول: قال في المدونة: ولا يجوز للمولى عليه عتق ولا صدقة ولا هبة ولا بيع ولا يلزمه ذلك بعد بلوغه ورشده إلا أن يجيزه الآن وأستحب له إمضاءه ولا أجبره عليه. انتهى. قال في المقدمات: كان الولي رده أولم يرده، واختلف إذا كان بيمين فحنث فيها بعد ولايته نفسه، واختلف أيضا إن لم يعلم بذلك حتى مات محل للورثة رد ذلك على قولين حكاهما ابن حبيب في الواضحة والقول بلزوم الحنث لأشهب والقول بعدمه لابن القاسم.
الثاني: قال في رسم قطع الشجرة وهو أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب العتق: لو قال لمملوك من مماليك أبيه إن ملكتك فأنت حر فمات أبوه وملكه، فإن كان يوم قاله سفيها
(1)
فلا
(1)
في الأصل: سفيه، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 533.
يلزمه عتق، وإن كان رشيدا عتق عليه، قال ابن رشد: واختلف هل هو محمول في حياة أبيه على الرشد أو السفه، والمشهور أنه محمول على السفه. انتهى. ونقله أبو الحسن.
الثالث: قال أبو الحسن: وفي الأمهات: لا يجوز له يعني المولى عليه في ماله بيع ولا شراء ولا هبة ولا صدقة والصدقة والهبة لغير ثواب كالعتق، واستحب له أن يمضيه فظاهره أنه راجع إلى العتق وما أشبهه من الصدقة والهبة لغير الثواب. انتهى. قال أبو الحسن: قال عياض: ظاهر التهذيب أنه راجع إلى الجميع وعليه اختصر المختصرون وأنه يستحب له إمضاء جميع ما فعله وفيه نظر، والصحيح أنه لا يستحب له أن يمضي إلا ما كان للَّه قربة، وأما ما بينه وبين العباد فأي استحباب في هذا، وكذا جاء منصوصا في سماع أشهب على ما تناولناه، قال الشيخ أبو الحسن: وقد يكون أيضا فيه قربة بإسعاف أخيه المسلم بإمضاء صفقته لغبطته بها كما يكون قربة في الإقالة والتولية. انتهى. وهو ظاهر فتأمله. واللَّه أعلم. نقله الحطاب.
الرابع: قول المصنف: "بلا حجر" يخرج العبد أيضا، قال في المدونة: ولا يجوز عتق المكاتب ولا العبد بغير إذن سيده، فإن أعتق أو دبر أو تصدق بغير إذنه فللسيد رد ذلك، فإن رده بطل ولم يلزم العبد والمكاتب ذلك إن أعتقا، وإن لم يعلم بذلك السيد حتى عتقا مضى ذلك وما أعتقا بإذن السيد جاز، وعتق أم الولد لعبدها على ما وصفنا من عتق العبد عبده. انتهى. وقد علم أن أم الولد والمكاتب كالعبد وكذا من بعضه حر وصرح به في أول رسم من سماع عيسى من العتق، والظاهر أن المدبر والمعتق إلى أجل كذلك. انتهى. قاله الحطاب.
وفي المقدمات من كتاب المأذون: وأما العبد فما أعتق أو وهب، فإذا لم يعلم السيد بذلك أو علم ولم يقض برد ولا إمضاء حتى عتق العبد والمال بيده، فإن ذلك لازم له ولا أعلم في ذلك نص خلاف وهو دليل على أن فعله على الإجازة: فإن فوت العبد المال بيده قبل أن يعتق ببيع أو هبة بطلت الصدقة والعتق، وإن رد السيد ذلك وبقي بيده حتى عتق ولم يفوته لم يلزمه شيء، ويخرج بقوله:"بلا حجر" أيضا المرتد قال في الشامل: ولا ينعقد تصرف مرتد. انتهى.
وظاهره ولو أسلم بعد ذلك، وفي المدونة: وإذا أسلم عبد النصراني ثم أعتقه قضي عليه بعتقه لأنه حكم بين ذمي ومسلم ولو دخل إلينا حربي بأمان وكاتب عبدا له أو دبره أو أعتقه ثم أراد بيعه
فذلك له الخ. نقله الحطاب. ثم قال بعد كلام يتعلق بهذا ما نصه: وقد حصل اللخمي جميع ذلك، فقال: إذا أعتق النصراني عبده المسلم لزمه ذلك؛ لأنه حكم بين مسلم ونصراني فيجري على حكم الإسلام، ولو أعتق عبده النصراني ثم أسلم العبد، فإن أسلم بعد أن رجع عن عتقه واسترقه لم يلزمه ذلك العتق، وإن أسلم بعد أن حاز نفسه لم يكن ذلك للسيد، وإن أسلم قبل أن يحوز نفسه وقبل أن يرجع عن العتق فقولان، والقياس أنه لا شيء عليه لأنه لو رجع قبل إسلام العبد كان ذلك له ولم يؤخذ بما عقد وإسلام العبد لا يوجب عليه ذلك. انتهى.
ثم قال اللخمي: وكذلك إن أسلم السيد وحده أو أسلم السيد ثم العبد، فإذا كان الإسلام -يعني إسلام السيد واللَّه تعالى أعلم- بعد أن رجع في العتق لم يلزمه، وإن كان بعد أن حاز نفسه لزمه، وإن كان بقرب العتق قبل أن يرجع وقبل أن يحوز نفسه كان على الخلاف، وإن حلف بعتق عبده ثم حنث لم يلزمه، وسواء حنث بعد الإسلام أو قبله لأن عقد الكفر غير لازم، وإذا أعتق النصراني عبده النصراني ثم امتنع من إنفاذ العتق لم يجبر عليه ولو حوزه نفسه لم يكن له أن يرجع فيه. انتهى.
وإحاطة دين أي وبلا إحاطة دين فهو معطوف على حجر يعني أنه إنما يصح إعتاق المكلف الذي لا حجر عليه ولم يحط الدين بماله، وأما من أحاط الدين بماله فلا يصح إعتاقه، بمعنى أنه لا يلزم. قال الشبراخيتي: وإحاطة دين بكله أو بعضه بدليل ما بعده وبهذا يشمل الصورتين، ويندفع اعتراض البساطي. فقوله: بلا حجر وإحاطة دين لا يغني أحدهما عن الآخر؛ لأنه قد يكون محجورا عليه وليس عليه دين محيط، وقد يكون عليه دين محيط ولا حجر عليه فلذلك جمع بينهما. انتهى.
يعني أن المراد بقول المصنف: "وإحاطة دين" مجرد الإحاطة بلا فلس أعم وهو قيام الغرماء عليه ولا أخص وهو حكم الحاكم عليه بخلع ماله لغرمائه؛ لأن هذين خرجا بقوله: "بلا حجر" وحينئذ ينتفي التكرار، وأصل هذا لابن عبد السلام وبحث معه الحطاب بأن من أحاط الدين بماله ولم يقم عليه الغرماء محجور عليه أيضا شرعا بالنسبة للعتق وغيره من التبرعات. وقد تقدم للمصنف للغريم منع من أحاط الدين بماله من تبرعه. الخ. والمقصود بقول المؤلف وابن الحاجب
بلا حجر نفي مطلق الحجر لا نفي الحجر من بعض الوجوه، وإلا لخرج حجر الزوجة والمريض وحينئذ فالتكرار باق، وأما ما ذكره الزرقاني عن أحمد والتتائي وهو ما في الشبراخيتي في دفع التكرار فغير صواب فتأمل. انتهى. انظر البناني.
تنبيه:
قال ابن رشد: فإن كانت الديون التي استغرقت ذمته من تباعات لا يعلم أربابها فإن العتق يمضي ولا يرد ويكون الأجر لأرباب التباعات والولاء لجماعات المسلمين. قاله البناني.
ولغريمه رده هذا يدل على أن المراد بالصحة اللزوم؛ يعني أنه إذا أحاط الدين بمال شخص فإن لغرمائه أن يردوا عتقه ولهم أن يجيزوه، فهو مفرع على مفهوم قوله:"وإحاطة دين" ومعنى هذا أنه إذا كان للمدين عبد أحاط به الدين الذي عليه، كما لو كان العبد يساوي عشرين دينارا والدين الذي عليه عشرون دينارا وليس للمدين غير العبد المذكور وأعتقه أو كان له غيره معه والدين يستغرق الجميع، فإن للغريم أن يرد عتقه.
أو بعضه يعني أنه إذا أحاط الدين ببعض العبد المذكور كما لو كان الدين خمسة عشر دينارا في المثال الأول وأعتقه الدين، فإن للغريم رد عتق بعضه مما يفي بالدين، فيباع بقدره إن وجد من يشتريه ولا يرد عتق الباقي، فإن لم يوجد من يشتريه مبعضا رد عتقه كله وبيع جميعه، وكذا لو كان له مال مع العبد واغترق الدين المال وبعض العبد كما في المثال الثاني، فقد اتضح لك أنه إذا أحاط الدين ببعض العبد المذكور لا يرد منه إلا قدر ما يفي بالدين من ثلث أو نصف مثلا، ويمضي عتق الجزء الباقي وهذا إن وجد من يشتريه مبعضا، فإن لم يوجد من يشتريه مبعضا بيع كله، فعلم من هذا أن قول المصنف:"بلا إحاطة دين" معناه بالعبد أو ببعضه كما قاله ابن عرفة، ونصه: الركن الأول المعتق وهو كل من لا حجر في متعلق عتقه طائعا، فيخرج من أحاط دينه بما أعتق أو ببعضه وذات الزوج فيما حجره فيه عليها لا السفيه في أم ولده. انتهى.
ويوافقه ما مر في أول الفلس عن ابن رشد فيما هو صريح في منع الغريم من كل تبرع ينقص ماله عما عليه من الدين، وإن كان الدين لا يحيط إلا ببعض ماله ويشهد له ما يأتي قريبا من كلام المدونة. انتهى. وقوله:"وإحاطة دين" اعلم أن المعتبر في الإحاطة وعدمها هو وقت العتق كما يفيده قول المدونة ولو أعتق عبده وله مال سواد يغترقه الدين ويغترق نصف العبد فلم يقم عليه
حتى أعدم لم يبع لغرمائه من العبد إلا ما كان يباع لهم لو قاموا يوم أعتق. انتهى. وهو صريح في أن المعتبر وقت العتق لا يوم الرد، ولهذا قال الحطاب: تقدم في باب الفلس أن العتق محمول على الجواز حتى يتحقق أنه وقت العتق عليه ديون تستغرق ما بيده. انتهى. وقوله: "أو بعضه" يتصور أيضا فيما إذا حصل الرد من بعض الغرماء دون بعض والدين محيط حتى في حال الرد بالفعل، ولا يقال ينافيه قول المصنف في الفلس بطلبه وإن أبى غيره، فإذا طلبه البعض وفلسه القاضي له كان تفليسا للجميع فعتقه باطل وإن لم يطلب الآخرون دينهم؛ لأنا نقول: الرد هنا لمن قام وطلب الرد لا لمن أبى، وما في الفلس إنما هو شرط في صحة التفليس فقط. انتهى. نقله عبد الباقي.
وهذا الجواب ظاهر ويتصور أيضا رد بعضه فيما إذا كان الدين محيطا بالعبد حين العتق وغير محيط حين الرد لغلو العبد. واللَّه تعالى أعلم. وقوله: "وله رده" أي العتق، وقوله:"أو بعضه" أي بعض العتق، وقوله:"أو بعضه" يصح جره عطفا على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض، ويحتمل نصبه عطفا على محل الهاء من حيث الفعولية أي للغريم أن يرد العتق أو بعضه. قاله الشبراخيتي. وقد مر أنه إذا لم يوجد من يشتري العبد مبعضا يباع كله، وإذا بيع جميعه فهل يستحب جعل باقيه في عتق أو يصنع به ما شاء؟ قولان: الأول ذهب إليه اللخمي، والثاني لابن حبيب ولو أعتق عبدين أكثر من الدين وليس له غيرهما ولو بيع من كل حصة لم يفيا بالدين، فإنه يقرع عليهما أيهما يباع. نقله التتائي وغيره.
تنبيهات:
الأول: قول المصنف: "ولغريمه رده ظاهره" أن ذلك للغريم دون الإمام والذي في المدونة، ونقله ابن عبد السلام وابن عرفة أن العتق لا يرده إلا الإمام. قال ابن عبد السلام: واختلف في عتق الديان هل هو موقوف على إجازة الغرماء وهو مذهب مالك وأكثر أهل المدينة، أو هو جائز ما لم يفلس أو يحجر عليه الحاكم وهو مذهب جماعة خارج المذهب؟ وعلى الأول لا يرده الغرماء إن أرادوا ذلك حتى يرفعوا إلى الحاكم فهو الذي يحكم بالرد بعد إثبات موجب ذلك عنده، فإن ردوه وباعوه فإن الإمام يرد بيعهم وينظر في أمرهم، فإن ثبت عنده موجب بيعه باعه وإلا تمم عتقه. انتهى.
وقال في المدونة في أواخر العتق الأول: ومن رد غرماؤه عتقه فليس له ولا لغرمائه بيعه دون إذن الإمام، فإن فعل أو فعلوا ثم رفع إلى الإمام بعد أن أيسر رد البيع ونفذ العتق ونقله ابن عرفة في أول العتق. قاله الحطاب.
الثاني: قال الحطاب: ظاهر كلام المصنف أن للغريم رد العتق ولو طال، قال ابن رشد في الأجوبة: وأما عتق من أحاط الدين بماله فلا اختلاف أنه لا يجوز إلا أن يجيزه الغرماء، واختلفوا إن لم يعلم الغرماء حتى طال الأمر وجازت شهادته وورث الأحرار فقيل لهم أن يردوه، وقيل ليس لهم أن يردود لاحتمال أن يكون قد أفاد في خلال المدة ما لا يعلم به، ثم ذهب مع حرمة العتق. فإن كانت الديون التي عليه قد استغرقت من تباعاتٍ لا تعلم أربابها نفذ عتقه على كل حال ولم يرد وكان الأجر لأرباب التبعات والولاء للمسلمين. انتهى كلام الحطاب. ويأتي تحقيقه إن شا، اللَّه عند قول المصنف:"أو يطول".
الثالث: قال في المدونة: وإذا باعهم الإمام عليه في دينه ثم اشتراهم بعد يسره كان
(1)
له رقا ولا يعتقون. انتهى. نقله الحطاب.
الرابع: إذا بعض المعتق وأراد مالك بعضه سفرا وامتنع هو ففي ذلك ثلاثة أقوال، فقال مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية: إنه يسافر به ويكتب له القاضي كتابا إن لم يكن مأمونا: واستدل بأن الحرية تبع للرق بدليل إجماعهم أن أحكامه أحكام الرق ما بقيت فيه شعبة وقال أيضا في سماع أشهب من الشركة: إن السيد إذا كان مأمونا سافر به وإلا فلا، والثالث رواه البرقي عن أشهب أنه ليس له السفر به مطلقا وإن كان مأمونا والعبد مستعرب لأنه ملك من نفسه ما يملك الشريك فصار شريكا في نفسه. ابن رشد: وهو محض القياس وحكاه أيضا عن أشهب. ابن المواز وابن حبيب: ولو أراد الانتقال به إلى قرية يسكنها من الحواضر كان ذلك له ولو كره العبد. ابن رشد: وإذا قضي له بالخروج كانت نفقته وكراؤه عليه في سفره حتى يقر قراره في موضع يكون له فيه عمل ومكسب، فيكون له أيام وللسيد أيام. ومعنى قوله: يكتب له
(1)
في الحطاب ج 6 ص 538 ط دار الرضوان: كانوا له أرقاء.
كتابا أي إلى قاضي البلد الذي يسافر إليه ويشهد له شاهدين ممن يسافر معه فيشهدهما على الكتاب وعلى عين العبد، وليس على ظاهره لأن العبد لا ينتفع في المكان الذي يذهب إليه بكتاب يكون بيده لا بينة عليه إذ إلا يحكم عليه بكتاب القاضي دون بينة تنقله وتشهد عليه. انتهى. قاله الحطاب.
إلا أن يعلم يعني أن محل كون الرد للعتق أو بعضه للغريم إنما هو حيث لم يعلم بالعتق، وأما لو علم الغريم بعتق الدين للعبد وسكت مدة تدل على الرضا ثم أراد الرد؛ بعد ذلك فليس له الرد لأنه سكوته دليل على أنه رضي بالعتق، وظاهره ولو قربت المدة وهو كذلك، قال الرهوني: العلم وحده كاف في القرب. أو يطول يعني أنه إذا طال الزمن فإنه لا رد للغريم أي ليس له أن يرد عتق المدين للعبدة فالعلم وحده كاف فليس له الرد فيما إذا علم وسكت ولو لم يطل الزمن لأن سكوته يعد رضي، وكذا لو لم يعلم الغريم بالعتق حتى طال الزمن فليس له الرد أيضا، وفي بعض النسخ: ويطول بالواو فالمانع للرد على ظاهرها إنما هو العلم مع الطول، وعليها يأتي كلام الحطاب المتقدم. واللَّه تعالى أعلم. قال الشبراخيتي: وهل الطول أن يشتهر بالحرية وتثبت له أحكامها بالموارثة وقبول الشهادة أو بمضي أربع سنين؟ قولان لابن القاسم وابن عبد الحكم، وقوله:"ويطول" بالواو كما في بعض النسخ وفي بعضها بأو وهو الصواب كما في النقول. انتهى.
وقال عبد الباقي: أو يطول زمن العتق وإن لم يعلم فإن العتق يصح، والطول عند مالك على ما فسره ابن القاسم أن يشتهر بالحرية وتثبت له أحكامها بالموارثة وقبول الشهادة، وعند ابن عبد الحكم أكثر من أربع سنين كما في أحمد، بخلاف هبة الدين وصدقته فيردان ولو طال أمدهما؛ لأن الشارع متشوف للحرية. انتهى. وقال البناني: على العطف بأو شرح الزرقاني وهو الظاهر لأن النقل يوافقه على أن الطول وحده كاف في منع الرد وإن لم يكن علم، ونص التوضيح: لو سكت الغرماء عن عتق السيد وطال ذلك لم يكن لهم قيام وإن قالوا لم نعلم بإعتاقه، فقال ابن عبد الحكم: لهم ذلك في أربع سنين لا في أكثر. وقاله مالك. وفسر ابن القاسم الطول الذي يدل على الرضى بأن يشتهر بالحرية وتثبت له أحكامها بالوراثة وقبول الشهادة ولم يمنع ذلك الغرماء. أصبغ: وذلك في التطاول الذي لعله أتت فيه على السيد أوقات أفاد فيها وفاء الدين،
ولو تيقن بالشهادة القاطعة أنه لم يزل عديما متصل العدم مع غيبة الغرماء وعدم علمهم لرد عتقه ولو ولد له سبعون ولدا، ولو أيسر المعتق ثم قام الغرماء عليه وقد أعسر، فقال مالك: لا يرد عتقه. انتهى.
ومثله عند ابن عرفة فقد أفاد أن الطول وحده يمنع الرد مع قولهم لم نعلم، والقلة إما كونه مظنة العلم والرضى أو احتمال كونه أفاد مالًا في أثناء المدة. وقول مصطفى: على ما ارتضاه ابن غازي يقتضي أنه إذا طال يسقط قيامه ولو علم ببينة أنه لم يعلم لبعد الغيبة ونحوه وليس كذلك -انتهى- غير صحيح بالنسبة للعلة الثانية. ويبقى النظر في العلم وحده، هل يمنع الرد إذا سكتوا مدة تدل على الرضى وإن لم يقع طول، أو لا بد من الطول معه؟ ليس فيما رأينا من النقل ما يدل على شيء من ذلك والأول هو ظاهر المصنف على العطف بأو، وزعم مصطفى أن النقل المتقدم يدل على أنه لا بد من الطول مع العلم وفيه نظر فتأمله. ولذلك اختار نسخة العطف بالواو تبعا للشارح وابن مرزوق. واللَّه تعالى أعلم. انتهى.
قال الرهوني: قول البناني: لأن النقل يدل على أن الطول وحدد كاف لخ صحيح؛ لأن العلم وحده كاف في القرب، فلو كان الطول لا يفيد وحده لكان مساويا للقرب مع أن النقول مصرحة بخالاف ذلك، ويكفي في ذلك كلام التوضيح الذي عند البناني هنا، وكلام ابن عرفة الذي أشار إليه بقوله: ومثله عند ابن عرفة وقد نقله ابن عرفة عن الباجي، ونص الباجي في المنتقى: وإن أمسك الغرماء عن القيام في ذلك بعد العتق، قال ابن عبد الحكم: إن قام الغرماء بعد ثلاث سنين وأربع وهو في البلد، وقالوا: لم نعلم فذلك لهم، كانوا رجالا أو نساء حتى تقوم بينة أنهم علموا، وأما في أكثر من أربع سنين فلم يقبل منهم. وقال مالك في الموازية: استحسن أنه إذا طال الزمان حتى يوارث الأحرار وجازت شهادته ونحوه، قال ابن القاسم: يريد أن يشتهر بالحرية وتثبت له أحكامها بالموارثة وقبول الشهادة ولم يمنع من ذلك الغرماء، فإن ذلك محمول على الرضى بعتقه. وقال أصبغ: إنما هو في التطاول الذي لعله أتت على السيد فيه أوقات يسر، ولو تيقن بشهادة قاطعة أنه لم يزل عديما متصل العدم مع غيبة الغرماء ومن غير علمهم فإنه يرد عتقه ولو ولد له سبعون ولدا. انتهى.
ونحوه لابن يونس ونصه: قال في العتبية: فإن تصدق أو أعتق ثم قام غرماؤه في ذلك بعد حين، فإن أقاموا البينة أنه حين تصدق لا وفاء عنده فيما يرون. ابن القاسم: فلهم رد ذلك إذا لم يكونوا علموا بالصدقة، وإن كان في الصدقة فضل عن دينهم لم يرد الفضل، وأما في العتق فلا يرد إن طال زمانه ووارَثَ الأحرار وجازت شهادته. ابن المواز: قال مالك: ويرد ما تصرف يعد ذلك قبل قيام الغرماء، وأما العتق فاستحسن أنه لا يرد بعد طول الزمان إذا لم يقم الغرماء حتى وارث الأحرار وجرت له وعليه حدودهم وجازت شهادته، قال ابن القاسم: وذلك إذا طال جدا مما يجري فيه مجاري الأحرار فيما ذكرنا، قال أصبغ: وذلك في التطاول الذي لعله أتت على السيد فيه أوقات أفاد فيها وفاء الدين، وينزل أمر الغرماء على أنهم علموا بطول الزمان فلا يصدقون أنهم لم يعلموا ولو استوقن بشهادة قاطعة أنه لم يزل عديما متصل العدم في غيبة الغرماء وعلى غير علمهم رد عتقه ولو ولد له سبعون ولدا، قال ابن عبد الحكم: إن قاموا بعد ثلاث سنين أو الأربع وهم في البلد وقالوا لم نعلم فذلك إليهم، كانوا رجالا أو نساء حتى تقوم بينة أنهم علموا، وأما في أكثر من الأربع فلا يقبل منهم. انتهى.
وقول البناني: والعلة إما كونه مظنة العلم والرضا أو احتمال أن يكون أفاد مالا الخ هذا هو الذي يفيده كالأم الباجي الذي قدمناه، ويفيد أن العلة الأولى لابن القاسم والثانية لأصبغ، وقول البناني غير صحيح بالنسبة للعلة الثانية، يفيد أن ما قاله مصطفى صحيح بالنسبة للعلة الأولى وقد علمت أنها لابن القاسم، فيكون ذلك هو المعتمد فيناقض قوله أولا لأن النقل يدل على أن الطول وحده كاف، والذي يظهر من كلام ابن يونس أن العلة عند الإمام وابن القاسم في الطول المفسر بما تقدم ما يلحق الناس من الضرر برد عتقه بعد أن وقع ما وقع من توريثه وإجازة شهادته ونحو ذلك، كإمامته في الجمعة وبهذه العلة يسلم للبناني ما قاله. وأما على العلة التي علل
(1)
بها فالوجب لبطلان قيام الغرماء هو علمهم وسكوتهم، ثم العلم تارة يثبت بالبينة وتارة يستدل عليه بطول الزمان مع ما ذكر من وراثة وما معها، وقول البناني: ويبقى النظر في العلم وحده هل يمنع
(1)
في الأصل: على، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 176.
الرد؟ لخ ما تقدم من النقول يدل على أنه يمنع الرد، وذلك مأخوذ من غير ما موضع من كلام الباجي وابن يونس فليتأمل، ويدل على ذلك أيضا قول الباجي بعد ما قدمناه عنه متصلا به.
فرع:
لو قال الغريم في ثلاث سنين وأربع علمت بعتقه ولم أنكره لما اعتقدت أن الدين لا يحيط بماله. فقال ابن عبد الحكم: لا ينفعه ذلك وينفذ عتقه وقال أصبغ عن ابن وهب: لا يرد لدين هذا الغريم، فإن كان معه غريم غيره رد ذلك الغريم ودخل معه هذا، قال أصبغ: بل يرد لهذا الغريم وحده. انتهى. وقد اقتصر على ما لابن عبد الحكم غير واحد منهم ابن يونس فقال متصلا بما قدمناه عنه آنفا ما نصه: ولو قال الغريم علمت بعتقه ولم أعلم أن عليه من الدين ما يغترق قاله وله مال ظاهر لم ينفعه والعتق ماض، ولا حجة لمن علم في رد شيء من عتقه وينفذ من عتقه بقدر دين من علم من قدر دين من لم يعلم بالحصص، ومنهم الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في نوادره. نقله عنه ابن مرزوق مقتصرا عليه مسلما. فانظره. فاقتصار من اقتصر على أنه لا يقبل منه اعتذاره يفيد أنه إذا لم يعتذر أحرى، وحكاية من حكى الخلاف في ذلك كالباجي يفيد أنه لا خلاف في ذلك إذا لم يعتذر، وأي دليل أقوى من هذا لصِحَّة ما قاله ابن غازي ومن تبعه، فتأمله بانصاف. انتهى المراد منه.
أو يفيد مالا عطف على المستثنى يعني أنه ليس للغريم المذكور رد عتق المدين فيما إذا أفاد المدين مالا بعد عتقه للرقيق والدين محيط بماله، سواء أعسر بعد هذا اليسر أو استمر على يساره، فإذا أعتق الرقيق وقد أحاط الدين بماله أو بعضه على ما مر ثم أيسر بعد ذلك ثم أعسر فقام الغريم يرد عتقه ذلك فليس له ذلك ونفذ العتق، وأولى لو استمر على يسره. قال عبد الباقي: أو إلا أن يفيد مالا وافيا بالدين الذي عليه ولم يرد العتق حتى أعسر. قال مالك: لا رد له. انتهى. وقال الشبراخيتي: أو إلا أن يفيد السيد مالا ببيع أو هبة أو صدقة أو غير ذلك يفي بالدين أم لا كما في ابن عرفة، وفي كلام الشارح نظر ويعتق منه بقدر ما أفاده كلا أو بعضا، ولو ذهب قبل القيام عليه. انتهى. وقال المواق من المدونة: إن أعتق في عسره فلم يقم عليه حتى أيسر نفذ عتقه: ثم إن أعسر بعت ذلك قبل القيام عليه لم يرد عتقه. انتهى.
ولو قبل نفوذ البيع يعني أنه إذا رد العتق المذكور وباع السلطان العبد بيع خيار، وقد علمت أن بيع الحاكم لسلع المفلس إنما هو على الخيار، ثم إن المفلس استفاد مالا قبل نفوذ البيع أي قبل مضي أيام الخيار، فإن العتق ينفذ فليس للغريم رده، قال عبد الباقي: ولو كانت إفادة المال قبل نفوذ البيع فليس لهم الرد، بل يمضي العتق كما إذا كان البيع على الخيار، فإن رد السلطان عتق المديان وباع عليه، وقد علمت أن بيعه على الخيار ثلاثة أيام فقبل مضى أمد الخيار أفاد السيد مالا فإن عتقه يمضي ولا يرد، وهذا بناء على أن رد الحاكم رد إيقاف وكذا رد الغرماء، وأما رد الوصي فرد إبطال والمشهور أن رد السيد إبطال، وكذا رد الزوج تبرع زوجته بزائد الثلث، قال أشهب: إبطال، وقال ابن القاسم: لا إبطال ولا إيقاف لقولها في النكاح الثاني لو رد عتقها ثم طلقها لم يقض عليها بالعتق ولا ينبغي لها ملكه، ورد السلطان إن كان للغرماء فإيقاف وإن كان للسفيه فإبطال لتنزله منزلة الوصي، وأما بعد نفوذ البيع فلا يرد، وهذا إذا كان البائع السلطان كما صدره به أي أو المفلس أو الغرماء بإذن السلطان، وأما هو أوهم بغير إذنه فيرد البيع بعد نفوذه أيضا حيث أفاد مالا كما في الحطاب. انتهى. كلام عبد الباقي. قوله: حيث أفاد مالا كما في الحطاب، قد مر للحطاب عن ابن عبد السلام أن الإمام يرد بيعهم وينظر في أمرهم، فإن ثبت عنده موجب بيعه باعه وإلا تمم عتقه، ومر له عن المدونة ما يفيد ما قاله عبد الباقي. واللَّه تعالى أعلم. وقوله: رد الحاكم رد إيقاف الخ، قال البناني: قال ابن غازي في تكميله: يجمع أقسام الرد قوله:
أبطل صنيع العبد والصبي
…
للأب والسيد والولي
وأوقفن فعل الغريم واختلف
…
في العرس والقاضي كمن به خلف
وقوله: "ولو قبل نفوذ البيع" صريح في أن هذا بعد الرد كما هو ظاهر، وكلام المصنف ظاهر في أن إفادة المال قبل حصول الرد، فكأنه مبالغة في مقدر أي وينفذ العتق إن استفاد مالا بعد أن رد العتق وبيع العبد وكانت استفادته قبل نفوذ البيع، وقوله:"ولو قبل نفوذ البيع" هو قول مالك، ورد المصنف "بلو" قول ابن نافع: يمضي البيع واختاره اللخمي. قاله التتائي. وقال المواق: روى
ابن القاسم وأشهب عن مالك: لو رد الإمام عتقه ثم أيسر قبل بيعه عتق. الباجي: على هذا لا يطأ قبل اليسر، ومن المدونة: من رد غرماؤه عتقه فليس له ولا لغرمائه بيعهم دون الإمام لخ.
رقيقا مفعول إعتاق وهو مصدر مضاف إلى فاعله الذي هو مكلف؛ يعني أنه إنما يصح إعتاق المكلف الرقيق وهذا هو الركن الثاني من أركان العتق، واحترز المصنف بقوله:"رقيقا" عن غيره من الحيوان فإنه لا يصح عتقه، بل لا يجوز بإجماع لأنه من السائبة المحرمة في القرآن، قال اللَّه تبارك وتعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} ، قال الإمام السيوطي في ذي الجلالين ما نصه: روى البخاري عن سعيد بن المسيب، قال: البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء، والوصيلة الناقة تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر، والحامي فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي: وقوله: إنما يصح لخ اعلم أن مصب الحصر فاعل إعتاق ومفعوله؛ أي لا يصح إلا إعتاق مكلف ولا يصح إلا إعتاق الرقيق لا غيره من الحيوان؛ لأن ذلك من السائبة المحرمة إجماعا. واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: "رقيقا" يشمل بظاهره الرقيق الشرط على الموت، قال الشبراخيتي: وفي عتق من أشرف قولان، والصحيح الصحة وهل ثوابه كثواب الصحيح؟ تردد فيه ابن سهل ولم يجزم بشيء وإذا صح لا يعود رقيقا وتثبت له أحكام الأحرار في موارثاته ومعاملاته وشهادته وغير ذلك. انتهى. وقال الحطاب: قال في المسائل الملقوطة: لو أعتق من في سياق الموت الظاهر صحة العتق؛ لأنه لو عاش لم يعد رقيقا فتترتب عليه أحكام الحرية ويصلى عليه في صف الرجال الأحرار ويجر ولاؤه لمعتقه، ولو قذفه أحد في تلك الحال بعد العتق حد له على أنه حر، وكذلك لو أجهز عليه أحد فقتله وهو في السياق فحكمه حكم الحر لا حكم العبد، ففي النظر: هل يحصل له من الثواب بالعتق ثواب من أعتق صحيحا؟ ولا شك أنه خلصه من الرق ولأنه قابل لأن يهبه لرجل بغير ثواب، فكذلك تنجيز عتقه للَّه من تسهيل المهمات في قوله: ولا يباع من في السياق. انتهى.
لم يتعلق به حق يعني أنه إنما يصح إعتاق الرقيق الذي لم يتعلق به حق لغير سيده؛ بأن يكون ملكا لسيده لم يتعلق به حق لغيره، ووصف الحق بقوله: لازم يعني أنه لا بد في صحة عتق الرقيق من كونه لم يتعلق به حق أصلا، ومثل ما إذا لم يتعلق به حق ما إذا تعلق به حق غير لازم مما للسيد إسقاطه، وقوله:"به" أي برقبته، فالحق اللازم مثاله العبد الجاني فإنه لا يصح عتقه إلا برضا المجني عليه حيث لم يتحمل الجناية، ومثال غير اللازم ما إذا أوصى سيده به لفلان ثم نجز عتقه، فإن العتق صحيح كما يأتي وجه صحته قريبا إن شاء اللَّه تعالى.
قال الشبراخيتي: ابن عرفة: المعتق كل ذي رق مملوك لمعتقه حين تعلق العتق به، كان ملكه محصلا أو مقدرا لم يزاحم ملكه إياه حق لغيره قبل عتقه لا معه، فقولنا: مملوك لمعتقه، كقولها مع غيرها، من قال لعبد غيره: أنت حر من مالي لم يعتق عليه، وإن قال سيده: أنا أبيعه منك، ومن قال لأمة غيره: إن وطئتك فأنت حرة وابتاعها فوطئها لم تعتق عليه إلا أن يريد إن اشتريتك، وقولنا مقدرا كقولها مع غيرها، ومن قال لعبد: إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر فاشتراه أو بعضه عتق عليه جميعه وقوم عليه حظ شريكه، وقولنا: لم يزاحم ملكه إياه حق لغيره قبل عتقه، كقولها: مع غيرها. ومن أعتق عبده بعد علمه أنه قتل خطأ، وقال: لم أرد حمل جنايته وظننت أنها تلزم ذمته ويكون حرا حلف على ذلك ورد عتقه، وقولنا: "لا معه، كقولها: من قال لعبده إن بعتك فأنت حر ثم باعه عتق على البائع ورد الثمن، وقوله: رقيقا محضا أو ذا شائبة حرية مكاتبا أو مدبرا أو مبعضا أو معتقا لأجل أو أم ولد. انتهى.
وقوله: "لم يتعلق به حق لازم" من جناية، وما أخذه من الزكاة بعد أن غر بحرية كما مر في قوله:"وإن غر عبد بحرية فجناية على الأرجح" ومن الحق اللازم جناية الخطإ حيث أعتقه بعد علمه بها ظنا من السيد أنها تلزم العتيق ولم يرد تحملها كما قدمناه عن ابن عرفة، وكذلك حق من معه في الكتابة كما يفيده قول المصنف:"وللسيد عتق قوي منهم إن رضي الجميع وقوُوا"، وأما دين المرتهن فإنما يمنع العتق إذا كان الراهن معسرا به، وقوله:"لم يتعلق به حق لازم" أي قبل عنقه لا معه، فلا يمنع العتق كمسألة التعليق الآتية، فإن المشتري تعلق حقه بعين العبد لكن تعلقا مصاحبا. انتهى.
تنبيه:
قال عبد الباقي: ووصف رقيقا بقوله: "لم يتعلق به" أي بذمته حق أصلا أو تعلق بذمته حق للسيد إسقاطه فإنه غير مضر لعدم لزومه بعينه، فوصف الحق بقوله:"لازم" لإخراجه ما تعلق بعينه قبل عتقه؛ لأنه لا يكون إلا لازما فلا يتم عتقه ككون ربه مدينا أو رهنه وهو معسر فيهما، أو كان العبد مكاتبا ومعه في الكتابة من له حق متعلق بعينه، كما أشار له المصنف في الكتابة بقوله "وللسيد عتق قوي منهم إن رضي الجميع وقوُوا" أو جنى العبد على غيره عمدا أو خطأ حيث حلف سيده أنه لم يعتقه راضيا بتحمل جنايته فيرد عتقه كما في المدونة، واحترزت بقولي: قبل عتقه مما تعلق به مع عتقه، كمسألة تعليق البائع والمشتري العتق على البيع والشراء الآتية، فإن المشتري تعلق عتقه بعين العبد لكن تعلقا مصاحبا. انتهى. قوله: لم يتعلق بذمته، صوابه لم يتعلق برقبته؛ لأن ما تعلق بذمته لا يمنع العتق بل لسيده عتقه ويتبع به بعد عتقه، ويمثل للازم بالعبد الجاني كما في المدونة، ومثال غير اللازم ما إذا أوصى سيده به لفلان ثم نجز عتقه فإن عتقه صحيح ماض؛ لأنه وإن تعلق به حق للغير وهو الموصى له به إلا أن هذا غير لازم؛ لأن الموصي له أن يرجع عن وصيته وتنجيز العتق هنا يعد رجوعا قاله البناني.
وقوله: ووصف الحق بقوله لازم لإخراج ما تعلق بعينه قبل عتقه؛ لأنه لا يكون إلا لازما تأمله، فإن مسألة الوصية المذكورة غير لازمة وهي تعلق فيها حق الموصى له بعين العبد قبل تنجيز عتقه. قاله مقيده عفا اللَّه عنه. واللَّه تعالى أعلم.
وقال المواق: قال ابن شأس: الركن الثاني الرقيق وهو كل إنسان مملوك لم يتعلق بعينه حق لازم. انتهى.
وأشار للركن الثالث وهو الصيغة بقوله: به أي بالإعتاق وهو متعلق بإعتاق؛ يعني أن العتق إنما يصح بصيغة صريحة كمادة الإعتاق؛ بأن يقول: أعتقتك أو أنت معتق أو عتيق ونحو ذلك أو غير صريحة. واعلم أن الصيغة الصريحة هي ما لا ينصرف عن العتق بنية صرفه عنه إلا مع قرينة، مثل الإعتاق وفك الرقبة والتحرير، قال المواق: قال ابن شأس: الركن الثالث الصيغة وصريح لفظها الإعتاق وفك الرقبة والتحرير. انتهى.
وما عدا الصريحة كناية وهي قسمان: كناية ظاهرة وتنصرف عن العتق بالنية، كقول السيد: لا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك، والقسم الثاني من الكناية الكناية الخفية وهي التي لا تدل على الطلاق إلا بالنية كاسقني الماء ونحوه، قال الشبراخيتي: الصريح كما قال ابن عرفة ما لا يقبل صرفه عنه لغير إكراه بمال محكوما به عليه، فقوله: محكوما حال من ما الواقعة على لفظ، والضمير في "به" عائد على ما أيضا، وفي عليه، للرقيق أي حالة كون ذلك اللفظ محكوما به على الرقيق المملوك. انتهى.
أي نحو: أنت حر أو معتق أو حررتك أو أعتق رقبتك أو فككت رقبتك، قال البناني: قال ابن عرفة: وتحصيل الصيغة أن ما لا ينصرف عن العتق بالنية ولا غيرها صريح، وما يدل على العتق بذاته وينصرف عنه بالنية ونحوها كناية ظاهرة، وما لا يدل عليه إلا بالنية كناية خفية، والأول كأعتقتك وأنت حر ولا قرينة لفظية قارنته، والثاني كقوله: أنت حر اليوم من هذا العمل، وكقوله: لا سبيل لي عليك ولا ملك لي عليك، والثالث واضح وفي كونه عتقا باللفظ أو بالنية قولان لظاهر نصوص المذهب وزعم اللخمي. انتهى.
وبفك الرقبة يعني أن العتق يكون بفك الرقبة من العبودية. والتحرير يعني أن العتق يكون بالتحرير، وأتى المصنف بالمصادر ليفيد أن ما تصرف منها كهي.
قال مقيده عفا اللَّه عنه: وصريح كلامهم هنا أو كصريحه أن الفك من الصريح وإن لم يقل من العبودية: فإذا قال فككت رقبتك أو أنت مفكوك الرقبة أو فككتك فهو من صريح العتق وإن لم يقل من العبودية. واللَّه تعالى أعلم. قال ابن الحاجب: الصيغة الصريح كالتحرير والإعتاق وفك الرقبة. انتهى. وقال ابن شأس: صريح لفظها الإعتاق وفك الرقبة والتحرير ونحو هذا لِكثيرٍ. واللَّه تعلى أعلم. وقال الشبراخيتي: وأتى بالمصدر الذي هو الأصل ليعلم حكم ما أخذ منه كفككت وحررت وأنت حر. انتهى. ونحوه لغيره. وعلم مما مر أن الصريح لا يحتاج لنية كما روي عن مالك: قال ابن حجر: وقد أنكره كثير من أهل مذهبه، وفي الطبراني عن ابن عباس مرفوعا: (ولا
عتاق إلا لوجه اللَّه تعالى)
(1)
. انتهى. وفي البخاري ما نصه: باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه ولا عتاقة إلا لوجه اللَّه تعالى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لكل امرئ ما نوى)
(2)
ولا نية للناسي والمخطي؛ قال ابن حجر مفسرا للترجمة المذكورة: أي لا يقع شيء منها إلا بالقصد، وكأنه أشار إلى رد ما روي عن مالك أنه يقع الطلاق والعتاق عامدا أو مخطأ ذاكرا كان أو ناسيا وقد أنكره الخ.
وإن في هذا اليوم راجع لقوله: "به وبفك الرقبة والتحرير" يعني أنه إذا قال له أنت حر في هذا اليوم أو حررتك في هذا اليوم أو أنت معتق في هذا اليوم أو أعتقتك في هذا اليوم أو فككت رقبتك في هذا اليوم أو أنت مفكوك الرقبة في هذا اليوم أو أنت ذو عتق في هذا اليوم أو ذو تحرير في هذا اليوم أو ذو فك رقبة في هذا اليوم، فإنه تتأبد حريته فيكون حرا في هذا اليوم وفي ما بعده أبدا، قال الشبراخيتي: وإن قيده بزمان كأنت حر في هذا اليوم ولو قيد بفقط عتق للأبد، فإذا قال له أنت حر في هذا اليوم عتق للأبد، ما لم يقيده بقوله: من هذا العمل أو من العمل باسم الإشارة أو عدمه: وقال: لم أرد الحرية وإنما أردت عتقه من العمل صدق مع يمينه، والذي في المدونة باسم الإشارة، وقد علمت أنه لا فرق بين ذكره وعدمه.
وقوله: "وإن في هذا اليوم" راجع لقوله: "به وبفك الرقبة والتحرير"، "وهذا اليوم" لا مُحترز له أي هذا اليوم أو الشهر أو العام أي في كهذا اليوم. انتهى. وقال عبد الباقي: به وبفك الرقبة والتحرير الواو بمعنى أو؛ أي يقول أعتقتك أو فككتك أو رقبتك أو حررتك أو أنت حر، وإن قيد بزمان كأنت حر في هذا اليوم ولو قيده بفقط أو من هذا العمل فحر أبدا إلا أن يحلف حين تقييده بفقط، أو من هذا العمل أنه أراد من عمل خاص أو من هذا العمل لا عتقا، فلا يعتق عليه ثم لا يستعمله في هذا اليوم كما في المدونة. انتهى. وقال المواق: ابن عرفة: إن قال أنت حر اليوم عتق للأبد، ومن المدونة: إن قال أنت حر اليوم من هذا العمل وقال أردت عتقه من العمل لا الحرية، صدق في ذلك مع يمينه. انتهى.
(1)
الكنز، 27784.
(2)
البخاري، كتاب بدء الوحي، رقم الحديث 1.
بلا قرينة مدح الظاهر أن الباء للملابسة وهو في موضع الحال من صيغ الصريح؛ أي حال كون الصريح غير متلبس بقرينة تصرف عن إرادة العتق كالمدح؛ يعني أن محل كون الصريح من الألفاظ المذكورة يحصل بها الخلوص من الرقية إنما هو حيث لم تكن ثم قرينة تصرفه عن ذلك وأما إن كانت هناك قرينة تصرفه عن ذلك فإنه لا يتحرر العبد بذلك، قال الشبراخيتي: بلا قرينة مدح تصرف الصريح عن ظاهره، فإن وجدت صرفته عن ظاهره ولا يلزمه به عتق، ففي المدونة: من عجب من عمل عبده أو من شيء رآه منه، فقال: ما أنت إلا حر فلا شيء عليه في القضاء ولا في الفتيا. انتهى.
وقال عبد الباقي: بلا قرينة مدح تصرف الصريح عن إرادة العتق، فإن وجدت صرفته عن ظاهره كمن عجب من عمل عبده، فقال له ما أنت إلا حر أو أنت حر ولم يرد بذلك العتق، وإنما أراد أنت في عملك كالحر فلا يلزمه عتق لا في الفتوى ولا في القضاء كما في المدونة. انتهى. وقال المواق: قال ابن شأس: لو قال في المساومة هو عبد جيد حر لم يلزمه عتق لصرف القرينة له إلى المدح، ومن المدونة: من عجب من عمل عبده أو من شيء رآه منه لخ، وفي التوضيح عن الموازية أن من سئل في أم ولده فقال ما هي إلا حرة فلا شيء عليه إن لم يرد العتق. انتهى.
أو خلف أي وبلا قرينة خلف أي مخالفة يعني أن صريح الصيغة ينصرف عن العتق بالقرينة، كأن يخالف أمر سيده أو يكلمه بكلام لا يليق به، فيقول له: ما أنت إلا حر، وقال: أردت أنك كالحر في عدم الطاعة لي، فإنه لا يعتق. قال عبد الباقي: أو بلا قرينة خلف بخاء معجمة مضمومة فلام ساكنة بمعنى مخالفة وعصيان ولذا قابل العصيان بالمدح في المدونة، فقال مالك: ومن عجب من عبده أو من شيء رآه فقال ما أنت إلا حر، أو قال تعال يا حر ولم يرد بشيء من هذه الحرية وإنما أراد إنك تعصيني فأنت في معصيتك أياي كالحر فلا شيء عليه؛ أي حتى في القضاء. ومن ضبطه بفتح الحاء المهملة وكسر اللام وجعله بمعنى القسم فقد صحف وذهب عن المعنى، قال ابن غازي: وقال التتائي: وليس بتصحيف ولا ذهاب عن المعنى، بل أشار به لقول اللخمي: لو قال له عشار لا أدعك إلا أن تقول إن كانت أمة فهي حرة، فإن كان ذلك بغير نية لم يلزمه شيء، وإن نوى العتق وهو ذاكر أن له أن لا ينويه كانت حرة لأنه لم يكرهه على النية.
انتهى. ولكن التتائي قدر ولا بقرينة حلف والحلف ليس بقرينة توجب عدم العتق، وإنما القرينة الإكراه فلا يتم رده على ابن غازي. انتهى المراد منه. وقال المواق: اللخمي: لو قال له العشار لا أدعك إلا أن تقول إن كانت أمتك فهي حرة، إن قال ذلك بغير نية العتق لم يلزمه شيء، وإن نوى العتق وهو ذاكر أن له أن لا ينويه كانت حرة لأنه لم يكره على النية. انتهى.
أو دفع مكس أي وبلا قرينة دفع مكس وهذا يشمل مسألة اللخمي التي ذكر عنه التتائي وغيرها؛ إذ هو صادق بكونه بيمين، كما إذا حلفه المكاس حين ادعى الحرية على ما ادعاه وبغيرها كما إذا قال له حين طلب المكس هو حر، وتوضيح كلام المصنف أن تقول صريح الصيغة إنما يقع به الخلوص الرقية حيث لم تكن قرينة تصرفه عن إرادة العتق، وأما إن كانت هناك قرينة تصرفه عن ذلك فإنه لا يعتق العبد، كما لو قال له مكاس أد إليَّ ما ينوب هذا المملوك فقال له هو حر يريد بذلك النجاة من أخذ ماله ولم يرد بذلك العتق، فإنه لا يعتق ذلك المملوك لأن هذا إكراه بسبب أخذ المال، وقد مر عن ابن عرفة في تعريف الصريح أنه ما لا يقبل صرفه عنه لغير إكراه بمال محكوما به عليه فراجعه إن شئت. قال عبد الباقي عند قوله:"أو دفع مكس" ما نصه: ولا بد من ثبوت إكراهه على المكس حتى ذكر حريتها بيمين أو بغيره؛ لأن القرينة بساط اليمين بعتق أو باللَّه، وبساط اليمين لا بد من ثبوته كما قاله أبو الحسن. انتهى. وقال المواق: لو مر على عشار، فقال: هو حر ولم يرد بذلك الحرية فلا عتق فيما بينه وبين اللَّه، وإن قامت بذلك بينة لم يعتق أيضا إذا علم أن السيد دفع عن نفسه بذلك ظلما. انتهى.
وأشار إلى الكناية الظاهرة بقوله: وبلا ملك يعني أن السيد إذا قال لعبده لا ملك لي عليك فإنه يعتق بذلك: وقوله: "وبلا ملك" الخ عطف على قوله "به"، أو لا سبيل يعني أن السيد إذا قال لمملوكه لا سبيل لي عليك فإنه يعتق. وعلم مما قررت أن قوله: لي عليك راجع لكل من الأمرين قبله؛ أي قال له لا ملك لي عليك أو قال له لا سبيل لي عليك، قال عبد الباقي: وبلا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك أي يعتق إذا قال له أحد هذين اللفظين فهما معطوفان على بفك الرقبة. انتهى. قوله: على بفك، أحسن منه قول الشبراخيتي: عطف على "به". واللَّه تعالى أعلم.
وقال في الميسر: وبلا ملك لي عليك أولا سبيل لي عليك فيعتق إن قال له ذلك ابتداء كما في المدونة، ولهذا قال: إلا لجواب يعني أنه إذا قال لا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك، وكان ذلك في جواب كلام سابق لقول السيد ذلك، وادعى السيد أنه لم يرد بذلك العتق فإنه يصدق في ذلك ولا يلزم عتق، كأن يكلمه بكلام لا يليق، فقال له السيد ذلك عتابا، ولو قيل له: من رب هذا العبد؟ فقال: لا رب له إلا اللَّه تعالى، أو قيل له: أمملوك هو؟ فقال: لا، أو قيل له: ألك هو؟ فقال: ما هو لي. فلا شيء عليه كمن قيل له: ألك امرأة أو هذه امرأتك؟ فقال: لا فلا شيء عليه إن لم يرد طلاقا ولا يحلف فيهما، وقال عيسى: يحلف فيهما. نقله في التوضيح.
وذكر عن ابن القاسم أنه إن شتم حرا عبد فاستعدى عليه الحر سيده، فقال هو حر مثلك أنه يعتق. نقله في اليسر.
وقال المواق من المدونة: لو قال لعبده ابتداء لا سبيل لي عليك أو لا ملك لي عليك عتق عليه، وإن علم أن هذا الكلام جواب لكلام كان قبله صدق في أنه لم يرد به عتقا ولا يعتق. انتهى. وقال الشبراخيتي: وأشار إلى الكناية الظاهرة بقوله: "وبلا ملك" لي عليك، وأعاد حرف الباء ليغاير بين هذه وما قبلها ليلا يتوهم أن هذه من الصريح؛ يعني وليس الأمر كذلك بل هي كناية ظاهرة أو لا سبيل لي عليك أي يعتق بأحد هذين اللفظين، فهما معطوفان على الضمير في قوله:"به" إلا أن يكون ذلك لجواب أي إلا لكونه جوابا للعبد، بدليل قوله: عليك المقتضي للخطاب. والمراد بقوله: "إلا لجواب" الخلف وحينئذ فهذا مستغنى عنه بما تقدم، لفهمه منه بالأولى لأنه إذا كانت قرينة الخلف يعمل بها في الصريح فأولى في الكناية، فإذا قالت المرأة لجاريتها: يا حرة لكونها لا تطيعها أو الرجل لعبده يا حر إذا كان يعصيه فليس هذا بشيء. انتهى.
أي فيصدق أنه لم يرد به طلاقا وما قاله ظاهر لأن الكناية الظاهرة قد مر أنه يصدق في أنه أراد بها غير العتق، وقد مر عن ابن عرفة ما نصه: وتحصيل الصيغة أن ما لا ينصرف عن العتق بالنية ولا غيرها صريح، وما يدل على العتق بذاته وينصرف عنه بالنية ونحوها كناية ظاهرة وما لا يدل عليه إلا بالنية كناية خفية، والأول كأعتقتك وأنت حر ولا قرينة لفظية قارنته، والثاني
كقوله أنت حر اليوم من هذا العمل وكقوله لا سبيل لي عليك والثالث واضح، وفي كونه عتقا باللفظ أو بالنية قولان لظاهر نصوص المذهب وزعم اللخمي. انتهى.
قال مقيده عفا اللَّه عنه: تأمل قوله في الصريح ما لا ينصرف عن العتق بالنية ولا غيرها مع أنه قد تتصور المخالفة من غير لفظ؛ كأن ينعزل عنه مدة لا ينعزل فيها المطيع، وكذا المدح كأن يعجبه صنعه. واللَّه تعالى أعلم.
وبكوهبت لك نفسك هذا أيضا من الكناية الظاهرة كما صرح به عبد الباقي؛ يعني أن السيد إذا قال لعبده وهبت لك نفسك أو وهبت لك خراجك حياتك أو وهبت لك خدمتك حياتك أو وهبت لك عملك في حياتك أو تصدقت عليك بخراجك حياتك أو خدمتك أو أعطيتك نفسك، فإنه يعتق ولا بعذر بجهل هنا ولا يحتاج في هذا إلى نية، وسواء قبل العبد أم لا. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وأعاد الباء لينبه على مغايرته يعني قوله: "وبكوهبت لك نفسك" لما قبله؛ لأن ما قبله دلالته على العتق لغوية وهذا دلالته عليه شرعية؛ أي دلالة الأول عليه بحسب وضع اللغة وهذا بحسب حكم الشرع. انتهى. يعني أن مغايرة هذا لما قبله ليست لكون أحدهما من الكناية الظاهرة والآخر من غيرها، بل هما معا من الكناية الظاهرة كما عرفت. وباللَّه تعالى التوفيق.
وقال المواق من المدونة: قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في الرجل يقول لعبده قد وهبت لك نفسك إنه حر، وسألت مالكا عن رجل وهب لعبده نصفه، قال: هو حر كله. انتهى. وفي الميسر في نصه: لو قال: لأمته هي أختي أو لعبده هو أخي فلا عتق عليه إن لم يرده. قاله فيها. انتهى.
وأشار إلى الكناية الخفية بقوله وبكاسقني الماء أو اذهب أو اغرب بالنية يعني أن السيد إذا قال لعبده: اسقني الماء ونوى بذلك عتقه فإنه يعتق، وكذلك إذا قال له اذهب ونوى بذلك عتقه فإنه يعتق، وكذلك إذا قال له اغرب ونوى بذلك عتقه فإنه يعتق، فقوله:"بالنية" راجع للصيغ الثلاث؛ أعني قوله اسقني الماء أو اذهب أو اغرب والباء للمصاحبة، ومفهومه أنه إن لم يرد بذلك العتق لا يكون عتقا ولا يرجع لما قبله من الكناية الظاهرة، ولهذا أتى بالباء ودخل بالكاف كل لفظ لا يدل على العتق مثل: تعال أو اصنع كذا ونحو ذلك. قال الشبراخيتي: وأشار إلى
الكناية الخفية، بقوله:"وبكاسقني الماء أو اذهب أو اغرب" الغروب البعد أي ابعد فالنية قيد فيما بعد الكاف الثانية كما قال الشارح بقرينة إعادة العامل، ولا يرجع لقوله:"وبكوهبت لك نفسك". انتهى. وما في التتائي من قوله له: وهبت لك نفسك أو أعطيتك نفسك يعتق بالنية. قال فيه البناني: ما للتتائي خلاف الظاهر من كلام المصنف من رجوعه لقوله: "وبكاسقني الماء": وكيف يريد المصنف رجوعه للظاهرة أيضا؟ وقد اعترضه في توضيحه على ابن الحاجب إذ قال تبعا لابن شأس ما نصه: والكناية وهبت لك نفسك واذهب واغرب ونحوه وشرط الكناية النية. انتهى.
فقال في التوضيح: أما ما ذكره في اذهب واغرب فظاهر، وأما ما ذكره في وهبت لك نفسك فلا يكاد يوجد: ثم ذكر نص المدونة ومثل ذلك لابن عبد السلام وابن عرفة. انتهى، وفي الميسر ما نصه: وفيها أن من نوى بما يلفظ به الحرية لزمته وإن لم يكن من ألفاظ الحرية، كقوله لجاريته: أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة، أو قال لها كلي واشربي. وتردد الأجهوري في لفظ الطلاق إن نوى به العتق هل يلزم كمن نوى الطلاق بأنت حرة أو لا يلزم لأن صريح بابٍ لا يكون كناية في غيره. انتهى.
وعتق على البائع إن علق هو والمشتري على البيع والشراء يعني أن السيد إذا قال لعبده ميسرة مثلا: إن بعتك أو بعت نصفك مثلا فأنت حر، وقال شخص آخر في هذا العبد أعني ميسرة: إن اشتريت ميسرة فهو حر فباع السيد ميسرة لذلك الشخص الذي علق عتق ميسرة على شرائه، فإن البيع يفسخ ويعتق العبد على سيده الذي علق عتقه على بيعه. قال عبد الباقي: وإن قال سيد عبد إن بعته فهو حر، وقال مريد شرائه إن اشترتيه أو نصفه مثلا فهو حر، فحصل إيجاب وقبول عتق على البائع إن علق هو أي البائع والمشتري أي مريد العتق كله أو بعضه منهما على البيع والشراء، ولو تقدم القبول من المشتري على الإيجاب من البائع لأنه سبق صوري، ويرد البائع الثمن إن قبضه على المشتري ولو كان البائع معسرا بالثمن اتبع به ولا يرد العتق، وظاهر المصنف العتق على البائع ولو كان البيع فاسدا أو بخيار بعد مضيه ولو علق البائع فقط عتق عليه به ولو فاسدا كما في التتائي. وقوله:"وعتق على البائع" أي بخلاف الصدقة، كقوله: إن بعت
هذا الشيء فهو صدقة فباعه لم ينقض البيع لأنه لا يجبر على إخراجها كانت على معين أو على المساكين، وإنما يستحب التصدق بالثمن.
ومن البرزلي: ويندب الوفاء بوعده، وعند ابن رشد وأبي الحسن يجب لأنه التزام وتقدمت هذه المسألة في قوله: "وإن قال: داري صدقة بيمين مطلقا لخ، قوله: وقال مريد شرائه صوابه، وقال شخص إن اشترتيه لخ لأنه يوهم أنه لا بد أن يكون مريدا شراء حين قال إن اشترتيه فهو حر وليس كذلك. قاله الرهوني. وقال البناني فيها: من قال لعبده إن بعتك فأنت حر فباعه عتق على البائع ورد الثمن، ولو قال رجل مع ذلك إن ابتعتك فأنت حر فباعه فعلى البائع يعتق لأنه مرتهن بيمينه. ابن عرفة: وعلى قول عبد الملك في الأولى لا حرية للعبد وهو رق للمشتري يعتق على المشتري. اللخمي: وهو القياس لأن العتق إنما يقع بتمام البيع وهو حينئذ قد انتقل إلى ملك المشتري، وكذا قال ابن رشد، واختلف في توجيه المشهور فقيل لأن العتق والبيع وقعا معا فغلب العتق لقوته وهو لابن المواز، وقيل لأن محمله فأنت حر قبل بيعي إياك وهو للقاضي إسماعيل، وقيل لأنه يعتق على البائع بنفس قوله بعت قبل أن يقول المشتري اشتريت لأنه إنما علق على فعل نفسه وهذا لسحنون، وضعف بأن حقيقة البيع عرفا الإيجاب والقبول. انظر التوضيح. وابن عرفة. انتهى.
وقال الشبراخيتي: وعتق الرقيق على البائع دون المشتري ويرد ثمنه إن علق العتق في كله أو بعضه هو أي البائع والمشتري فعلق البائع عتقه على البيع، فقال: إن بعته فهو حر وعلق المشتري على الشراء فقال إن اشترتيه فهو حر فباعه له ونحوه في المدونة، وقوله: على البيع والشراء لف ونشر مرتب، وظاهره ولو تقدم القبول من المشتري على الإيجاب وهو كذلك كما أشار له البساطي بأن قال: اشترتيه منك بمائة فقال البائع بعته. انتهى. وقوله: "وعتق على البائع" هو في المدونة كما عرفت، ومقابله ينفذ البيع ويعتق على المشتري وهو لعبد الملك، وفي الميسر ما نصه: وظاهر المصنف ولو كان البيع فاسدا وهو قول محمد وصوبه ابن يونس.
وبالاشتراء الفاسد في إن اشتريتك يعني أنه إذا قال شخص لعبد معين إن اشتريتك فأنت حمر فاشتراه شراء فاسدا فإنه يعتق عليه بذلك الاشتراء الفاسد، قال عبد الباقي: وعتق على المشتري
بالاشتراء الفاسد في قوله: لعبد إن اشتريتك فأنت حر وعليه قيمته يوم قبضه لأن عتقه عليه يفوت رده على بائعه، لقوله في البيع: "وخروج عن يد وعتق بالفاسد هنا لأن الحقائق الشرعية تطلق على فاسدها كصحيحها، فلو كان المشتري معسرا بيع من العبد بالأقل من الثمن والقيمة ويتبع بباقي القيمة وشراء بعضه كشراء كله، وظاهر المصنف كظاهر المدونة ترتب القيمة، ولو اتفق على فساده كوقوع ثمنه خمرا أو خنزيرا وهو كذلك لما علمت من فوته بالعتق، واستشكل عتقه لأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك فلم يحصل المعلق عليه إلا أن يقال الشارع متشوف للحرية، وفي الجواب بأن هذا مبني على الشاذ القائل بانتقال الملك في الفاسد نظر؛ لأنه لا يطرد فيما إذا كان الفاسد مجمعا عليه إذ لم يقل أحد بانتقال الملك فيه. انتهى.
وقال البناني: وبالاشتراء الفاسد في إن اشتريتك كذا في المدونة، فقال ابن رشد: وعلى القول بأن البيع الفاسد لا ينقل الملك لا حنث عليه. انتهى. نقله ابن عرفة. وانظره مع ما في الزرقاني، وانظر ما يأتي عن اللخمي عند قوله: وعتق بنفس الملك الأبوان لخ، فإنه ربما يقتضي تقييد الاشتراء الفاسد بغير المجمع عليه ويفيده كلام ابن رشد المتقدم. فتأمله. واللَّه أعلم. انتهى.
قول البناني: كذا في المدونة فقال ابن رشد: وعلى القول بأن البيع الفاسد لا ينقل الملك الخ كلامه يفيد أن ابن رشد صرح بأنه قال ذلك في مسألة إن اشتريته فهو حر وليس كذلك، ونص ابن عرفة: وفيها من قال لعبده إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر فابتاعه بيعا فاسدا عتق عليه بقيمته ورد الثمن، قال ابن رشد: وعلى القول إن البيع الفاسد لا ينقل الملك لا حنث عليه قاله مالك في رسم بيع من سماع عيسى. انتهى منه بلفظه. ففهمه البناني على أنه راجع لقولها: إن اشتريتك، ولقولها: أو ملكتك والظاهر أنه إنما يرجع لا يليه فقط، وقد أخذ المازري من كلام المدونة المذكور أن البيع الفاسد ينقل الملك. نقله أبو الحسن. وقال عقبه ما نصه: وينفصل عن هذا أن الحرية تكون مع الملك وتكون مع شبهته وهذه شبهة. انتهى يعني أن الظاهر أن قول ابن رشد إنما يرجع لقوله: "أو ملكتك"، فإذا قال: إن ملكتك فأنت حر فاشتراه شراء فاسدا فإنه لا حنث عليه؛ أي فإن العبد يرد إلى بائعه على أن البيع الفاسد لا ينقل الملك لا على مقابله، وأما إن قال إن اشتريتك فأنت حر واشتراه فاسدا فإنه يقع الحنث بنفس الشراء فاسدا أو صحيحا،
ولو على القول بأن البيع الفاسد لا ينقل الملك لأنه لم يعلق على الملك، وإنما علق على الشراء وهذا غاية في الحسن. واللَّه تعالى أعلم. قاله مقيده عفا اللَّه تعالى عنه.
وقول البناني: وانظر ما يأتي عن اللخمي، قال الرهوني: في استدلاله بكلام اللخمي الآتي نظر من وجوه، أحدها أن كلام اللخمي قد أسقط منه الطخيخي ما لا يصح إسقاطه ولا حجة فيه مع الزيادة التي أسقطها الطخيخي كما ستراه هناك إن شاء اللَّه، ثانيها أنه مع ذلك معترض كما يأتي إن شاء اللَّه، ثالثها أن كلام اللخمي على تقدير سلامته لا يصح الرد به على الزرقاني؛ لأن كلام اللخمي في العتق المعلق على الملك وكلام الزرقاني في العتق المعلق على الشراء فلا يجري ما قاله اللخمي هناك في المعلق على الشراء لما تقدم عن ابن رشد والمازري، وما أشار إليه من كلام اللخمي إنما هو فيما يتعلق فيه العتق على الملك، لا فيما علق على الشراء لأن الشراء يطلق لغة وعرفا على الفاسد كما يطلق على الصحيح، وقد صرح الإمام ابن عرفة وغيره بأن الحقائق الشرعية تطلق على صحيحها وفاسدها، وإذا كان الحكم كذلك فبالشراء قد حنث المشتري، ومن المعلوم المقرر أن الحنث يقع بأدنى سبب، وقد صرح بهذا ابن مرزوق ونصه: وقال بعضهم يقوم منها أن البيع الفاسد يصح التفويت فيه قبل القبض، قلت: وهي مسألة ذات قولين إلا أن [في]
(1)
أخذه من هذه المسألة نظرا
(2)
لأن هذه المسألة من الأيمان والحنث فيها يقع بأقل ما ينطلق عليه اللفظ، ومحل الخلاف ما يكون التفويت فيه بالاختيار لا بالحكم. انتهى. ولهذا -واللَّه أعلم- لم يقيد اللخمي مسألة الاشتراء منه بما سيأتي بل في كلامه هنا ما هو شاهدها، ونصه: وإن قال اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه شراء صحيحا عتق عليه، ويختلف إذا كان البيع فاسدا، فقال ابن القاسم وأشهب: يعتق، وقال سحنون: لا يعتق، ثم قال: وإن قال إن باعنيه بقيمته فهو حر فقال رضيت ببيعه منه بقيمته كان على القولين في البيع الفاسد؛ لأن شراءه بقيمته فاسد، ثم قال: ولو قال هو حر من مالي إن رضي صاحبه أو بقيمته فرضي صاحبه كان حرا على أحد القولين في البيع الفاسد؛ لأنه لم يكن سمَّى ثمنا. وما وقع في هذه المسائل من الاختلاف راجع إلى
(1)
ساقطة من الأصل: والمثبت من الرهوني ج 8 ص 177.
(2)
الأصل: نظر، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 177.
لما ذكرت لك فأنت تراه صرح بجريان القولين في البيع الفاسد لجهل ثمنه، وهو من المجمع على فساده.
قال الحافظ أبو الحسن بن القطان في كتابه الإقناع في مسائل الإجماع ما نصه: وأجمعوا أن من باع سلعته بثمن مجهول غير معلوم ولا مسمى ولا عين قائمة أن البيع فاسد. انتهى. وبذلك كله تعلم أن الحق ما قاله الزرقاني لا ما قاله البناني. واللَّه أعلم. انتهى. وقال الشبراخيتي: وعتق بالاشتراء الفاسد وأحرف بالبيع الفاسد في قوله إن بعتك في قوله: لعبد إن اشتريتك فأنت حر فاشتراه شراء فاسدا وعليه قيمته يوم قبضه وشراء بعضه فاسدا كذلك كما في المدونة، وظاهره ولو كان شراؤه فاسدا لكون ثمنه خمرا أو خنزيرا ووقع البيع على عينه وهو ظاهر المدونة، وإنما عتق بالشراء الفاسد لأن الحقائق تطلق على فاسدها. انتهى.
كأن اشترى نفسه فاسدا يعني أن العبد إذا اشترى نفسه من سيده شراء فاسدا فإنه يعتق ولا ينقض بيعه لتشوف الشارع للحرية، قال الشبراخيتي: كأن اشترى العبد نفسه شراء فاسدا فيعتق ولا ينقض البيع لتشوف الشارع للحرية، ثم إن كان ما اشتري به مما يملك فإنه يكون للسيد على غرره كالعبد الآبق والبعير الشارد أو غيره، ولا شيء على العبد وكأنه انتزعه منه ثم أعتقه، وإن كان مما لا يملك كالخمر والخنزير والميتة والدم: فإن كان معينا فلا شيء عليه ويراق الخمر على السيد، وإن كان موصوفا في الذمة فعليه قيمة رقبته. انتهى.
وقال عبد الباقي: كأن اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسدا فإنه يعتق لتشوف الشارع للحرية، ويأخذ سيده ما اشترى به نفسه حيث كان غير خمر ونحوه، وكأنه انتزعه منهم وأعتقه فإن كان خمرا أو خنزيرا فإن وقع عليه مضمونا في ذمته عتق وغرم قيمة رقبته لسيده يوم عتقه، وإن وقع على عينه أريق الخمر وسرح الخنزير أو قتل ولزم العتق ولا يتبع بقيمة ولا غيرها. انتهى. وقال البناني في العتق الثاني من المدونة: وإن اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسدا فقد تم عتقه ولا يرد ولا يتبعه السيد بقيمته ولا غيرها، بخلاف شراء غيره إياه إلا أن يبيعه نفسه بخمر أو خنزير فيكون عليه قيمة رقبته، وقال غيره: هو حر ولا شيء عليه. ابن يونس:
ويكون للسيد ما باعه به غررا كان أو غيره وكأنه انتزعه منه. انتهى. وقال ابن يونس أيضا في قولها: قيمة رقبته مسألة المدونة هذه إنما هي على أنه اشتراه بخمر مضمون. انتهى.
والشقص يعني أن الشخص إذا قال كل مملوك أملكه حر أو كل مملوك لي حر أو رقيقي أحرار أو عبيدي أحرار أو مماليكي أحرار فإنه يعتق عليه شقص له في عبد أي عبد والشقص هنا الجزء. وقوله: "والشقص" سواء كان من واحد أو أكثر، وإذا عتق الشقص فإنه يكمل عليه باقي العبد ويدفع قيمة ذلك الباقي لسيده، ويعتق عليه جميع العبد بعضه بمباشرة العتق والباقي بالسراية. والمدبر يعني أنه إذا قال كل من أملكه حر أو كل مملوك لي حر أو رقيقي أحرار أو عبيدي أحرار أو مماليكي أحرار، فإنه يعتق المدبر عليه لشمول لفظه له، وقوله:"والشقص والمدبر" أن يعتق ذلك سواء. قال ذلك في غير يمين أو في يمين حنث فيها كما في المدونة. وأم الولد يعني أن الشخص إذا قال كل من أملكه حر أو كل مملوك لي حر أو رقيقي أحرار، أو عبيدي أحرار أو مماليكي أحرار فإنه يعتق عليه أم ولده لشمول ذلك اللفظ لها، وسواء قال ذلك في غير يمين أو في يمين وحنث كما في المدونة، ومعنى العتق فيما ذكر أنه ينجز ومثل المدبر وأم الولد المكاتب كما في المدونة.
وولد عبده من أمته يعني أنه إذا قال كل من أملكه حر أو كل مملوك لي حر أو رقيقي أحرار أو عبيدي أحرار أو مماليكي أحرار، فإنه يعتق ولد عبده من أمته أي أمة العبد لشمول ذلك اللفظ له. وأحرى ولد عبده من أمته أي أمة السيد وإن بعد يمينه يعني أنه إذا قال صيغة من الصيغ المذكورة فإنه يعتق عليه أولاد عبيده من إمائهم أو من إمائه، ولا فرق في ذلك بين من ولد منهم قبل اليمين أو كان حملا حين اليمين، وبين من حدث الحمل به بعد اليمين وظاهر المصنف كانت بيمينه على بر أو حنث وقيده محمد بيمينه لأفعلن لأنه فيها على حنث حتى يبرَّ، فإذا فات البر لزمه العتق وعتق عليه ما ولد لإمائه بعد اليمين كن حوامل يوم اليمين أم لا، وأما في يمينه لا فعلت فهو على بر فيدخل ما كن حوامل به يوم يمينه، وأما ما حملن به بعد اليمين فقيل يدخل وقيل لا يدخل وصوبه ابن يونس كما في التوضيح والمواق، ولا خلاف في دخول ما كان حملا يوم اليمين كما في التوضيح، فإن حمل المصنف على إطلاق كان ماشيا في البر على أحد
قولين، وإن قيد بالحنث مطلقا وبالبر فيما كان موجودا حين اليمين يكون ماشيا على ما صوبه ابن يونس من عدم دخول ما حدث به الحمل بعد اليمين في البر.
وقوله: "وإن بعد يمينه" إنما هو فيمن ولد من إمائه أو إماء عبيده بعد اليمين، وأما من تجدد ملكه بعد اليمين فإنه لا يعتق عليه في كلتا الصيغتين. ابن عرفة: وفيها لابن القاسم في كل مملوك أملكه حر لا يلزمه العتق إلا فيما ملكه يوم حلف، فإن لم يكن له يومئذ مملوك فلا شيء عليه فيما يملكه قبل الحنث أو بعده، والفرق بين هذا وبين من ولد بعد اليمين أن من ولد لم يتجدد ملكه لأنه كعضو من عبيده فهو في حكم المملوك في الحال، بخلاف من تجدد ملكه فلا يعتق مطلقا لحمل المضارع على الحال عند الإطلاق كما يأتي. انظر البناني. واعلم أنه لا خلاف في دخول الأولاد في الحنث كن حوامل يوم اليمين أم لا؛ لأن الأمهات مرتهنات باليمين لا يستطيع وطئهن ولا بيعهن وكذا لا خلاف في دخول الأولاد في البر حيث كن حوامل يوم اليمين، واختلف في دخول الأولاد في البر إذا حملن بعد اليمين وإلى عدم دخولهم رجع ابن القاسم.
والإماء يعني أنه إذا قال: كل من أملكه حر أو كل مملوك لي حر أو رقيقي أحرارا أو عبيدي أحرارا أو مماليكي أحرار، فإنه يدخل في ذلك الإناث فيعتقن لشمول ذلك اللفظ لهن فيمن يملكه أي وعتق الشقص وقوم عليه باقيه في قوله:"من أملكه" أي كل من أملكه حر أو كل مملوك لي حر، أو رقيقي أحرار أو عبيدي أحرار أو مماليكي أحرار.
وعلم مما قررت أنه يعتق من ذكر في كل صيغة من هذه الصيغ، سواء قال ذلك في غير يمين كقوله: من أملكه حر أو كل مملوك لي حر لخ، أو قال: كل من أملكه أو كل مملوك لي حر إن دخلت الدار، أو إن لم أدخل قيد بأجل أولا وحنث في كل، والحاصل أنه إذا قال صيغة من الصيغ المذكورة يعتق كل من يملكه من الذكور والإناث صغارا أو كبارا، ولا فرق في ذلك بين ذي الشائبة كالمدبر وأم الولد والمكاتب كما في المدونة. قاله البناني. والمتعين دخول المعتق لأجل وبين القن والمأذون وغيره ويعتق عليه الشقص من المبعض، ويقوم الباقي في غير المبعض فيعتق عليه جميعه ويعتق عليه ولد عبيده من إمائهم أو من إمائه، ويعتق عليه أولاد إمائه من عبيده أو من غيرهم، ولا فرق بين من كان منهم موجودا حين اليمين ومن وجد بعدها إلا فيما إذا كانت يمينه
على بر وحدث الحمل بعد اليمين: فالراجح فيها أنه لا يعتق، وأما من تجدد له ملكه بعد اليمين بشراء أو عطية مثلا فإنه لا يعتق كما عرفت.
قال المواق: سحنون: ومن قال مماليكي أحرار ولا نية له فإنه يعتق عليه ذكور رقيقه وإناثهم. ابن يونس: وهو وفاق للمدونة لأنه قال في قوله كل مملوك له حر يعتق عليه أمهات أولاده، ولا فرق بين قوله: كل مملوك، وبين قوله: مماليكي. ابن سحنون: ولو قال: رقيقي أحرار عتق ذكورهم وإناثهم، ولو قال عبيدي أحرار لم يعتق عليه إلا الذكور دون الإناث، ولو كان له إماء حوامل فإنه يعتق ما أتين به من غلام لأقل من ستة أشهر، قال ابن يونس في قول ابن سحنون هذا: قال أبو إسحاق: لعل اسم العبيد جرت العادة أنه يراد به الذكور دون الإناث، وإلا فلفظ العبيد يقع على الذكور والإناث. انتهى. وقوله: فيمن يملكه ظاهر المصنف أنه لا فرق بين أن يقول من أملكه حر وبين أن يقول كل من أملكه حر وهو ظاهر؛ لأن من من ألفاظ العموم واللَّه تعالى أعلم. قاله مقيده عفا اللَّه تعالى عنه. وقوله: "والإماء" في بعض النسخ والأنثى وهما بمعنى، وفي بعض النسخ: والإنشاء بشين معجمة وهو مجرور عطف على مقدر أي وعتق الشقص وما بعده في التعليق والإنشاء أي في الإنشاء من دون تعليق، نحو: كل مملوك أملكه حر، والتعليق نحو كل مملوك أملكه حر إن دخلت الدار، أو مرفوع مبتدأ حذف خبره أي والإنشاء كالتعليق فيعتق الشقص وما بعده في الصيغ المذكورة علق أم لا. واللَّه تعالى أعلم. وقوله:"والإماء" إنما أتى به بعد أن قال: وأم الولد مع فهم غيرها من القن بالأولى للرد على من يقول بعدم دخول الإماء في عبيدي أحرار، وللقول الذي رجع عنه سحنون في مماليكي.
لا عبيد عبيده يعني أنه إذا قال صيغة من الصيغ المذكورة فإنه لا يدخل في ذلك عبيد عبيده، فلا يعتقون لعدم تناول كل لفظ من الألفاظ المذكورة لهم؛ إذ ليسوا مملوكين له بل لسادتهم؛ لأن العبد عندنا يملك حتى ينتزع منه سيده. قال عبد الباقي: ثم محل ما ذكره المصنف قبل النفي ما لم يجر العرف بتخصيص العبد بالذكر الأسود والمملوك بالذكر الأبيض وإلا اتبع، وإن كان لفظ العبد يشمل الأنثى شرعا نحو:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ، ويشمل الأبيض لكن العرف أصل من أصول الشرع يخصص العام ويقيد المطلق. انتهى.
وقال التتائي: لا عبيد عبيده لا يدخلون في هذا التعليق ولا في هذا الإنشاء؛ لأن العبد عندنا يملك ولا يملك السيد ملك العبد إلا بعد الانتزاع، وعورضت هذه المسألة يحنث من حلف لا يركب دابة زيد فركب دابة عبده فقيل خلاف وقيل وفاق، وفرق اللخمي بأن الأيمان يراعى فيها النيات والنية في هذه اليمين عرفا رفع المنة وهي حاصلة بركوب دابة العبد. انتهى المراد منه.
تنبيه:
قد مر أن المكاتب يعتق في قوله: كل من أملكه أو كل مملوك لخ، قال البناني: قال فيها: قال مالك: من قال كل مملوك لي حر في غير يمين أو في يمين وحنث فيها عتق عبيده ومدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده، وكل شقص له في كل مملوك ويقوم عليه بقيته إن كان مليا ويعتق عليه أولاد عبيده من إمائهم وُلدُوا قبل يمينه أو بعده، وأما عبيد عبيده وأمهات أولادهم فلا يعتقون ويكونون لهم. اننهى. وقد نقله ابن عرفة والتوضيح وغيرهما. انتهى.
كأملكه أبدا تشبيه في النفي؛ يعني أنه إذا قال كل مملوك أملكه أبدا حر فإنه لا يعتق عليه هو في ملكه حين اليمين ولا في غيره، سواء علقه ككل مملوك أملكه أبدا حر إن دخلت الدار، أو لم يعلقه نحو كل مملوك أملكه أبدا حر، قال عبد الباقي: وشبه بقوله: "لا عبيد عبيده" قوله: "كأملكه أبدا"، أو في المستقبل فلا يلزمه فيمن عنده ولا فيمن يتجدد، سواء علقه كإن دخلت الدار فكل مملوك أملكه أبدا أو في المستقبل حر، أولم يعلقه ككل مملوك أملكه أبدا أو في المستقبل حر فهذه أربعة: فإن لم يقيد بأبدا أو نحوه لم يلزمه فيمن يتجدد تعليقا أم لا كما هو مذهب المدونة، ولزمه فيمن عنده تعليقا أم لا، ولزومه في الأخيرتين مخالف للطلاق فيهما فلا يلزمه فيمن تحته ولا فيمن يتزوجها بعد ذلك. انتهى بحذف منه قليل.
وقال البناني: قال ابن عرفة: عياض: يمينه بما يملك إن قيد بالحال أو بالاستقبال اختص بهما، وإن أهمله ففي تخصيصه بالحال أو عمومه في الاستقبال اختلاف والعموم أشبه. وقاله ابن أبي زمنين وابن لبابة. قال في التوضيح: والمعروف عند الناس أنه يحمل على الحال. انتهى. ولهذا درج عليك المصنف فيما تقدم، وحينئذ فعلى تخصيصه بالحال يلزمه العتق فيمن عنده رون من يتجدد له، وعلى عمومه في الاستقبال لا يلزمه شيء لا فيمن عنده ولا فيمن يتجدد. انتهى.
ووجب بالنذر يعني أن العتق يجب بالنذر معلقا كإن فعلت كذا فللَّه عليَّ عتق رقبة وفعل المعلق عليه، أو غير معلق كقوله: للَّه عليَّ عتق رقبة، ولم يقض إلا ببت معين يعني أن العتق وإن كان يجب بالنذر لا يقضى على الشخص به، ولكن إذا بت عتق شخص معين فإنه يقضى عليه حينئذ بالعتق، والحاصل أنه إن لم يكن بت لم يقض عليه، سواء كان معينا نحو: للَّه عليَّ عتق عبدي ميسرة، أو غير معين نحو: للَّه عليَّ عتق رقبة فإن بته نحو عبدي فلان حر قضي عليه بالعتق، ومفهوم قوله: بالنذر أنه لو حلف بعتق معين وحنث لقضي عليه بعتقه وهو كذلك، قال في المدونة: ومن بت عتق عبده أو حنث بذلك في يمين عتق عليه بالقضاء ولو وعده بالعتق أو نذر عتقه لم يقض عليه بذلك وأمر بعتقه. انتهى. وقال المواق: اللخمي: من قال علي عتق عبد لزمه، فإن كان ليس معينا لم يجبر وإن كان معينا، فقال مالك: كذلك أيضا لا يجبر. انتهى. وقوله: "إلا ببت معين" استثناء منقطع؛ لأن بت المعين ليس داخلا تحت النذر. انتهى. قاله الشبراخيتي. وقال: والمراد بالبت ما يشمل التعليق، كإن دخل ناصح الدار فهو حر كما في المدونة. انتهى. قوله: ما يشمل التعليق يعني في اليمين كما مر. واللَّه تعالى أعلم.
وذكر مسائل يوافق العتق فيها الطلاق فقال: وهو في خصوصه "هو" مبتدأ، والخبر قوله:"كالطلاق" الآتي بعد؛ يعني أن العتق حكمه حكم الطلاق فيما إذا خص فيلزم، كما أن الطلاق يلزم إذا خص، كإن ملكت مرزوقا فهو حر أو كل مملوك أملكه من البربر أو من قرية كذا أو إلى عشرين سنة ونحو ذلك، وعمومه يعني أن العتق حكمه حكم الطلاق فيما إذا عم، كقوله: كل مملوك أملكه أبدا أو في المستقبل فإنه لا يلزمه فيه شيء، كما أن من عم في الطلاق لا يلزمه شيء، لكن قد مر للمصنف أنه قال فيمن أملكه ولم يقيد بأبدا ولا غيره يعتق من عنده حال اليمين لا فيمن يتجدد ملكه له سواء علق أم لا، وفي الطلاق لا يلزمه الطلاق فيمن تحته ولا في غيرها حيث قال: من أتزوجها طالق علق أم لا. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: وهو في خصوصه كالطلاق فيخص بما عينه فيلزم عتق من يملكه وما يتجدد علقه أم لا إن لم يقيد بالآن
ولا بأبدا ونحوه، فإن قيده بالآن ككل [مملوك]
(1)
أملكه من الصقالبة الآن لزمه فيه فقط معلقا أم لا، لا فيمن يتجدد من الصقالبة مثلا، وإن قيد بأبدا ونحوه فالعكس أي يلزمه فيمن يتجدد لا فيمن عنده معلقا أم لا، فالصور ست. انتهى. وقوله:"وعمومه" نحو كل رقيق أملكه أبدا أو في المستقبل أو كل مملوك أملكه أبدا أو في المستقبل حر فهذا لا يلزمه شيء، بخلاف ما لو قال كل رقيق أملكه أو كل مملوك أملكه فهو حر، فإنه يلزمه فيمن عنده لا فيمن يتجدد كما مر. وعلم من هذا أن التشبيه في العموم بالطلاق إنما هو في الجملة، وقال المواق: قال ابن يونس: العتق كالطارق في عمومه لعتق ما يستقبل ملكه وهو غير لازم عندنا، قال مالك فيمن قال: كل مملوك أو كل جارية أو عبد أشترتيه أو أملكه في المستقبل فهو حر في غير يمين أو في يمين حنث فيها فلا شيء عليه فيما يملك أو يشتري كان عنده رقيق يوم حلف، أو لم يكن لأنه قد عم الجواري والغلمان فلا يلزمه شيء إلا أن يعين عبدا أو يخص جنسا أو بلدا أو يضرب أجلا يبلغه عمره، كقوله: من الصقالبة أو البربر أو من مصر أو من الشام أو إلى ثلاثين سنة، ويمكن أن يعيش لذلك الأجل فيلزمه ذلك لأنه قد ضرب أجلا وسمى جنسا أو موضعا لم يعم وهذا كمن عم أو خص في الطلاق. انتهى.
ومنع من بيع ووطء في صيغة حنث قوله: "ومنع" عطف على "خصوصه" يعني أن الحالف بالعتق إذا كانت يمينه على حنث فإنه يمنع من بيع من حلف بعتقه ذكرا كان أو أنثى، وكذا يمنع من وطء إن كان أنثى كما أن الحالف بالطلاق يمنع من وطئ زوجته إذا كانت يمينه على حنث كما مر. وقوله:"في صيغة حنث" أي غير مقيد بأجل، وأما في صيغة البر فلا يمنع من البيع ولا من الوطء، ويمنع في الحنث المقيدة بأجل من البيع دون الوطء، قال عبد الباقي: وهو في منع من وطء وبيع في صيغة حنث غير مقيدة بأجل، كأن لم أفعل كذا فعبدي حر كالطلاق فيمنع من بيع الرقيق ووطء الأمة، وأما في صيغة بر كإن فعلت فعبدي حر فلا يمنع من بيع ولا وطء، وأما في صيغة حنث مقيدة بأجل فيمنع من البيع لأنه يقطع العتق فيضاده دون الوطء؛ لأنه
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 126.
لا يقطع العتق ولا يضاده، فإن مات في صيغة الحنث غير المقيدة بأجل خرج من ثلثه، وإن مات في صيغة البر لم يخرج من ثلث ولا غيره. انظر الشارح.
والظاهر أن مثله صيغة حنث مقيدة بأجل. انتهى. وقال المواق: وأما منعه من بيع ووطء في صيغة الحنث ففي المدونة، قال مالك: من حلف بعتق إن فعلت كذا أو لا أفعل فهو على بر ولا يحنث إلا بالفعل ولا يمنع من وطء ولا من بيع، وإن مات لم يلزم ورثته عتق، فأما إن قال إن لم أفعل أو لأفعلن كذا فهو على حنث ويمنع من البيع والوطء ولا امنعه الخدمة، فإن مات قبل الفعل عتق رقيقه من الثلث إذ هو حنث وقع بعد الموت. ابن يونس: إنما كان من حلف إن فعلت أو لا فعلت كذا على بر لأنه بفعله ذلك الشيء يحنث، فدل على أنه كان قبل أن يفعله على بر
(1)
، قال ابن القاسم: وإن قال لزوجته إن لم أتزوج عليك أو أفعل كذا فأنت طالق فهو على حنث ويتوارثان قبل البر ولا يحنث بعد الموت بخلاف العتق. قال مالك: من قال لأمته أنت حرة إذا مات فلان حرم عليه وطؤها، بخلاف ما إذا قال أنت حرة إذا مت. قال عبد الوهاب: وكلا الوجهين عتق معلق بموت، وقال مالك: لا يجوز وطء المعتقة لأجل ويجوز وطء المدبرة، وكلاهما معتقة إلى أجل، قال مالك: ولا يجوز وطء المكاتبة. انتهى.
مسألة:
من أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة ثم يعتقن، قال مالك: هو غير جائز وينظر السلطان: فإن رأى بعيهن بُعن، وإن رأى عتقهن عتقن. قال ابن رشد: وجه نظر الإمام في ذلك أن من كانت تعلم أنها لا تعيش سبعين سنة كبنت الأربعين فأكثر فإنها تباع؛ لأن العتق لا يدركها فهي كمن أوصي بعتقها بعد موتها، ومن كان يمكن أن تعيش ذلك كبنت العشرين فأقل عجل عتقها؛ إذ لا يجوز أن تباع ولعل العتق يدركها ولا إن تحبس سبعين سنة لما في ذلك من الضرر عليها لقصد السيد إلى ذلك في ظاهر أمره، فهذا معنى قول مالك: لا أن السلطان يعمل بهواه. انتهى. قاله الحطاب.
(1)
في الأصل: حنث، والمثبت من المواق ج 6 ص 387.
وعتق عضو يعني أن الشخص إذا أعتق عضوا من عبد له، كما إذا قال له يدك حرة أو رأسك حر مثلا فإنه يعتق جميع ذلك العبد، كما أن الرجل إذا قال لزوجته يدك أو رجلك أو رأسك طالق فإنها تطلق عليه، كما لو قال لها أنت طالق، قال عبد الباقي: وهو مساو للطلاق في عتق عضو حكما كشعر وجمال وكلام أو حقيقة كيدك أو رجلك حرة فيعتق جميعه كيدك طالق، وفي أنه يؤدب المجزئ للعتق لعدم جوازه ابتداء كما في المواق عن التلقين، لكن عتق الباقي يتوقف على حكم كما سيذكره، ووقوع الطلاق عليها لا يتوقف على حكم فالتشبيه بالطلاق في هذا من حيث الجملة. انتهى. قوله: مساو الخ غير مناسب. والصواب أن يقول وهو في عتق عضو.
وقوله: يؤدب المجزئ للعتق الخ قال البناني نصه -يعني المواق: - قال في التلقين: لا يجوز تبعيض العتق ابتداء قال ابن رشد: ليس هذا على حقيقته. انتهى. ويعني ابن رشد ليس عدم الجواز على حقيقتة من التحريم، بل معناه الكراهة وحينئذ فلا يؤدب خلاف ما زعمه الزرقاني. فتأمله. انتهى. قوله: ويعني ابن رشد الخ، قال الرهوني: فيه نظر إذ ليس كلام ابن رشد في الحرمة والكراهة بل من جهة أن قوله لا يجوز يقتضي رد العتق، وأجاب عنه بتأويل كلامه. انظر كلامه في الحطاب عند قوله بعد هذا:"وبالحكم جميعة إن أعتق جزءا". وتأمله. واللَّه أعلم. وتأويل ابن رشد الذي أشار إليه هو قوله: فمراده رضي الله عنه -يعني صاحب التلقين- بقوله: ولا يجوز أي لا يجوز إقرار العتق مبعضا إلا أن يمنع من تتميمه مانع، وهذا مفهوم لا إشكال فيه. انتهى. وقال التتائي: وعتق عضو كيدك أو رجلك حرة فيعتق جميعه كيدك طالق، وهل يتوقف عتق الباقي على حكم وهو مذهب المدونة واللخمي وهو معروف المذهب؟ أو لا يتوقف وهو ظاهر قول المدونة؟ اللخمي: عتق عليه جميعه ولم يقيده بحكم ولا غيره. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولا مفهوم لقوله: "عضو"، ولو قال جزءا كان أولى وكلام المصنف في العتق، وأما الحكم وعدمه فشيء آخر وتبعيض العتق لا أدب فيه لأنه فعل جائز. انتهى.
مسألة:
قال في كتاب الوصايا من المدونة: ومن أوصى بعتق أمته إلى أجل والثلث يحملها فعجل الوارث عتقها قبل الأجل جاز ولا رجوع له وهو وضع خدمة والولاء للميت، وإن كانا وارثين فأعتقها أحدهما فعتقها هنا وضع خدمة، فيوضع حق هذا من الخدمة ويكون نصيبه منها حرا
ولا يضمن لصاحبه قيمة خدمته منها، وتخدم هي الآخر نصف خدمتها إلى تمام الأجل ثم تخرج حرة. انتهى. قال أبو الحسن: هذه مثل مسألة الشريكين في العبد يكاتبانه ثم يعتق أحدهما حصته إنما هو وضع مال، وأما العتق فبعقد الكتابة وكذلك هذه إنما المعتق الموصي لا الورثة. انتهى. نقله الإمام الحطاب.
وتمليكه للعبد يعني أن تمليك السيد للعبد أمر نفسه كتمليك الزوجة أمر نفسها، كذلك يعمل في جوابه أي العبد الملك أمر نفسه بما يعمل به في جوابها المتقدم في باب الطلاق، وقوله:"وتمليكه للعبد" أي تفويضه. وعلم مما قررت أن قوله: كالطلاق خبر قوله: "وهو" وقد قدمت التصريح بذلك، قال عبد الباقي: فيعتق إن قال اعتقت نفسي أو قبلت عتقي وهو غير تام في الفرع الأخيرة لأنه إذا قال: اخترت نفسي فإنه لا يعتق إلا إذا قال نويت به العتق عند ابن القاسم، وإذا قالته المرأة كان طلاقا وإن لم تنو به الطلاق، وفرق بأن الزوجة لا يكون فراقها إلا بالطلاق والعبد يكون بعتق أو بيع أو هبة أو صدقة، ويأتي هنا ما مر في الطلاق من قوله:"ورجع مالك إلى بقائهما بيدها" لخ، وله التفويض لغيرها الخ. انتهى.
وقال البناني عند قوله: "وجوابه" ما نصه: قد علمت ما شرح به الزرقاني كغيره، ويحتمل أن يكون أشار المصنف إلى قوله في الطلاق:"أو قال يا حفصة فأجابته عمرة فطلقها فالمدعوة"، وفي المسألة أربعة أقوال فيمن قال يا مرزوق فأجابه رباح فقال أنت حر، فقيل يعتقان وقيل لا يعتق واحد منهما وقيل المدعو وقيل المجيب، وخرجها الأئمة في باب الطلاق. انتهى. وفسره خير واحد بما فسره به عبد الباقي، وقد اعترض المصنف حينئذ كما في الشبراخيتي، فإنه قال: اعترض -يعني- المصنف بأن العبد إذا قال اخترت نفسي ولم يرد العتق لم يعتق على قول ابن القاسم وهو المعتمد، ومقابله لأشهب أنه يعتق، وإذا قالت امرأة اخترت نفسي فإنها تطلق وإن لم تنو به الطلاق وأجيب بأن معنى قوله:"وجوابه" أي الصريح أو بأنه ماش على قول أشهب والصريح كأعتقت نفسي. واللَّه تعالى أعلم. وفي الميسر ما نصه: وفيها أنه لو قال العبد أنا أدخل وقال أردت بذلك العتق لم يعتق؛ إذ ليس من حروف العتق أي ألفاظه فهو مدع للعتق بغير
ألفاظه، كالمملكة إن ادعت أنها أرادت الطلاق بذلك وليس للمرأة والعبد بعد ذلك خيار وإن كانا في المجلس؛ لأنهما تركا ما جعل لهما منه حين أجابا بغير طلاق ولا إعتاق. انتهى.
مسألة:
في المواق عن المدونة أن العبد مثل المرأة فيما إذا أجاب بلا أدخل، مثله من قال: نويت به العتق فلا عتق، كما أنه لا طلاق في ذلك وهو يفيد أنه يبطل ما بيده كالمرأة.
إلا لأجل مستثنى من كون العتق كالطلاق؛ يعني أنه إذا علق العتق بأجل يبلغه عمره ظاهرا أي غالبا، فإن ذلك يصح ويلزم، فإذا قال لأمته أو عبده أنت حرة بعد سنتين مثلا، أو أنت حر بعد سنتين مثلا فإن ذلك يلزم فيكون من ذكر حرا بعد سنتين، بخلاف ما إذا قال لامرأته أنت طالق بعت سنتين مثلا فإنه ينجز عليه الطلاق؛ لأنه إذا انتظر بوقوعه الطلاق انقضاء الأمد المذكور يكون ذلك شبيها بنكاح المتعة. قال الشبراخيتي: إلا العتق لأجل يبلغه عمره ظاهرا، وهو مستثنى من كون العتق كالطلاق فليس كالطلاق لصحة الأجل فيه دون الطلاق: لأنه مع الأجل يشبه نكاح المتعة وإذا كانت أمة حرم وطؤها وجاز له خدمتها لانتهاء الأجل. وقال عبد الباقي: إلا العتق لأجل فلا يساوي الطلاق لصحة العتق إذا أجله لأجل يبلغه عمرهما ظاهرا فلا ينجز عليه حتى يأتي الأجل، وإن كان يمنع من وطء الأمة ومن البيع إلى ذلك الأجل وفي الطلاق ينجز عليه؛ لأن عدم تنجيزه يشبه نكاح المتعة. انتهى.
وإحداكما فله الاختيار عطف على المستثنى؛ يعني أنه إذا قال لأمتيه إحداكما حرة ولا نية له، فإن له أن يختار عتق من شاء منهما، بخلاف الطلاق فإنه إذا قال لزوجتيه إحداكما طالق ولا نية له تطلقان معا، قال الشبراخيتي: وإلا قوله لأمتيه إحداكما حرة ولا نية له فله الاختيار في عتق إحداهما: بخلاف الطلاق فإنهما تطلقان عليه، وأما إذا ادعى أنه نوى واحدة معينة فإنه يقبل قوله في العتق بغير يمين وفي الطلاق بيمين، وفرق ابن المواز بين العتق والطلاق بأن العتق يبعض ويجمع في أحدهم بالسهم بخلاف الطلاق، وعبد الحق بأن الطلاق فرع النكاح والعتق فرع الملك، فلما لم يجز الاختيار في النكاح لم يجز في فرعه، ولما كان الاختيار جائزا في الملك جاز في
فرعه وهو العتق. أبو الحسن: وصورة ذلك جواز شراء أمة يختارها من إماء ومنع نكاح امرأة يتزوجها من نساءٍ أخوات أو أجنبيات. انتهى. وسكت عن حكم ما إذا امتنع من الاختيار وهو السجن: فإن أبى أعتق الحاكم أدناهما كما يعتقه إذا أنكر الورثة أو اختلفوا أو كانوا صغارا أو بعضهم. وإن مات قبل أن يختار عتق عشر من كل إن كانوا عشرة وعلى هذه النسبة، وقال أشهب: الخيار لورثته كالبيع وإليه رجع ابن القاسم. انتهى.
وقال عبد الباقي: وإلا إن قال لأمتيه إحداكما حرة ولا نية له فله الاختيار في عتق واحدة منهما، أو يملك الأخرى بخلاف ما لو قال لزوجتيه إحداكما طالق فتطلقان عليه الآن حيث لا نية له أو نسيها؛ لأن الطلاق فرع النكاح وهو لا يجوز فيه الاختيار، والعتق فرع الملك وهو يجوز أن يشتري أمة يختارها من إماء، وفرق ابن المواز بأن العتق يتبعض ويجمع فيهما أو فيهن بالسهم، بخلاف الطلاق فإن ادعى أنه نوى واحدة معينة صدق بغير يمين في العتق وبه في الطلاق، فإن نوى معينة وتسببها طلقتا وعتقتا، فإن ماتت إحداهما قبل أن يختار عتقت الأخرى: فإن امتنع من الاختيار سجن، فإن أصر أعتق الحاكم أدناهما كما يعتقه إذا أنكر الورثة أو اختلفوا أو كانوا صغارا أو بعضهم، فإن مات قبل أن يختار عتق عشر من كل إن كن عشرة وعلى هذه النسبة. انتهى.
وقال التتائي: وإلا في قوله لأمتيه إحداكما حرة ولا نية له فله الاختيار في عتق إحداهما عند المصريين، وكذا رأس من رقيقي بخلاف زوجتيه إذا قال إحداكما طالق ولا نية له أو نسيها طلقتا معا وخيره المدنيون كالعتق. انتهى. وقال المواق في المدونة: قال مالك: من حلف بطلاق إحدى امرأتيه فحنث، فإن نوى واحدة طلقت التي نوى خاصة وهو مصدق، وإن لم تكن له نية طلقتا جميعا، قال ابن القاسم: وإن قال رأس من رقيقي حر ولم ينو واحدا بعينه فهو مخير في عتق من شاء منهم، وكذلك قوله لعبديه: أحدكما حر بخلاف الطلاق. انتهى.
وإن حملت فله وطؤها في كل طهر مرة عطف على المستثنى؛ يعني أنه إذا قال لأمته إن حملت فأنت حرة فإن له أن يطأها في كل طهر مرة حتى تحمل، فإن حملت عتقت، وأما الزوجة إذا قال لها إن حملت فأنت طالق فإنها تطلق عليه بمجرد الوطء، وسواء كان الوطء سابقا على الشرط
أو لاحقا، وإذا حملت تخرج حرة وتأخذ الغلة من يوم حملها. قاله الخرشي. وقال إن قوله:"إن حملت" الخ من جملة ما يختلف فيه العتق والطلاق، فهو من جمله المستثنى. انتهى. وقال المواق: وأما مسألة الفرق بين العتق والطلاق في إذا حملت. ففي المدونة: قال ابن القاسم: من قال لأمة يطؤها إذا حملت فأنت حرة فله وطؤها في كل طهر مرة، قيل له: ولم لا يتمادى على وطئها؟ قال: قال مالك: كل النساء على الحمل إلا الشاذة، ولو قال لزوجته: إذا حملت فأنت طالق فإذا وطئها مرة طلقت عليه، وقال ابن الماجشون حكمها حكم الأمة. انتهى.
وانظر إن قال لأمته: إن حملت فأنت حرة وكانت حاملا، قال ابن القاسم: هي حرة، وقال سحنون: لا تعتق لهذا الحمل، واسشتكل قول ابن القاسم لأن الشرط وجزاءه والوعد والوعيد والترجي والتمني والأمر والنهي والدعاء والإباحة هذه العشر الحقائق لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل. انتهى. قال عبد الباقي: وإلا إن أو إذا أو متى حملت مني فأنت حرة فله وطئها في كل طهر مرة حتى تحمل، فإن حملت عتقت ولا تأخذ الغلة من يوم حملها، بخلاف قوله لزوجته: إن حملت فأنت طالق. انتهى المراد منه. وقد مر أنه متى وطئها طلقت عليه، وقال البناني: إن قال لزوجته إن حملت فأنت طالق فله وطؤها كما صرح به ابن عاشر: لكن إذا وطئها حرة نجز طلاقها، قال في المدونة: ولو قال لزوجته إن حملت فأنت طالق فإذا وطئها مرة طلقت عليه. انتهى.
وإن جعل عتقه لاثنين لم يستقل أحدهما يعني أن من جعل عتق عبده لاثنين بأن فوض عتقه إليهما فإنه لا يعتق إلا باجتماعهما على عتقه، فإذا أعتقه أحدهما دون الآخر فإن عتقه لا ينفذ، وكذا الطلاق إذا جعله لاثنين لا يقع إلا باجتماعهما عليه؛ لأن المعنى أنه قيد عتق أحدهما بعتق الآخر. وقوله:"جعل" أي فوض كما في بعض النسخ إن لم يكونا رسولين أي لا يستقل أحدهما بالعتق إن لم يكونا رسولين، وأما إن كانا رسولين بأن أمرهما السيد بتبليغ العبد أنه أعتقه ففي هذه الحالة لا يحتاج إلى أن يتفقا على عتقه بل هو حر من الآن، ولا يتوقف عتقه على التبليغ منهما ولا من أحدهما، قال عبد الباقي: وإن جعل المالك لعبد أو أمة عتقه مفوضا لاثنين معا لم يستقل أحدهما بعتقه، بل لا بد أن يجتمعا عليه في مكان العبد أو في مكان غيره، فإن أعتقه
أحدهما دون الآخر فإن العتق لا ينفذ، وكذا الطلاق إذا جعله لاثنين لا يقع إلا باجتماعهما عليه، فقوله:"وإن جعل عتقه لاثنين" أي في مجلس أو مجلسين أي فوض أمره لاثنين لا أنه قيد عتق أحدهما بعتق الآخر، ويدخل في قوله:"لاثنين" ما إذا كان العبد أحدهما "إن لم يكونا رسولين" أي لم يكن أمرهما السيد بتبليغ العبد أنه أعتقه، وفي هذه الحالة لا يتوقف عتقه على التبليغ منهما ولا من أحدهما. انتهى المراد منه.
ويتحصل من كلامهم هنا أربعة أقسام أحدهما أن يجعل العتق لاثنين بأن يفوض أمر عتقه إليهما، وأولى لو قيد عتق أحدهما بعتق الآخر فليس لأحدهما الاستقلال وهذا ثانيها، وثالثها أن يجعله لهما ويجعل لكل الاستبداد فلكل أن يستقل بعتقه دون صاحبه، رابعها أن يبت عتقه من الآن ويأمرهما أن يبلغاه ذلك. واللَّه تعالى أعلم.
وقال المواق من المدونة من أمر رجلين بعتق عبده فأعتقه أحدهما، فإن فوض ذلك إليهما لم يعتق العبد حتى يجتمعا، وإن جعلهما رسولين عتق بذلك، وكذلك إن أمر رجلين بطلاق زوجته الجواب واحد. انتهى. وقرر الشبراخيتي كلام المصنف بغير ما قدمته، فإنه قال: وإن جعل المالك عتقه لرقيقه مفوضا لاثنين معا أي فوض أمره لهما لا أنه قيد عتق أحدهما بعتق الآخر كما فهم البساطي لم يستقل أحدهما بعتقه، بل لا بد أن يجتمعا عليه إن لم يكونا رسولين فإن كانا رسولين. عتق بعتق أحدهما، وليس المراد بالرسولين من أمر بتبليغ العتق لأن العتق؛ لا يتوقف على تبليغ منهما أو من أحدهما لحصوله له، بمجرد قوله بلغا عبدي أني أعتقته. وإنما المراد بهما من أرسلهما ليعتقاه إذا وصلا إليه إذا شرط أن لكل واحد الاستقلال بعتقه وإلا فلا لأنهما وكلا على عتقه غير مترتبين. انتهى. وهذا التقرير بعيد من كلام المصنف. انظر حاشية الشيخ البناني. وقال عند قوله:"إن لم يكونا رسولين" ما نصه: ثم إن الطلاق مثل العتق في هذه المسألة والتي بعدها، فلو ذكرهما في مسائل الموافقة كان أولى. انتهى.
وإن قال إن دخلتما فدخلت واحدة فلا شيء عليه فيهما يعني أن الشخص إذا قال لأمتيه إن دخلتما الدار فدخلت واحدة منهما الدار فإنه لا شيء عليه فيهما؛ أي لا يلزمه عتق في الداخلة لاحتمال أن يريد إن اجتمعتما في الدخول ولا في الأخرى لعدم دخولها وهذا لابن القاسم، وقال
أشهب: تعتق الداخلة فقط لاحتمال أن يريد إن دخلت أنت وإن دخلت أنت فجمع اللفظ، قال عبد الباقي: وإن قال لأمتيه إن دخلتما الدار فأنتما حرتان فدخلت واحدة فقط فلا شيء عليه فيهما لا في الداخلة، لاحتمال أن يريد إذا اجتمعتما في الدخول ولا في الأخرى لعدم دخولها عند ابن القاسم، وقال أشهب: تعتق الداخلة فقط لاحتمال أن يريد إن دخلت فجمع في اللفظ، قال ابن يونس: وجه قول ابن القاسم كأنه كره اجتماعهما فيها لوجه ما أي خيفة ما يحدث بينهما من الشر كما لأبي الحسن، وعلى هذا وقعت يمينه فلا شيء عليه بدخول الواحدة، واحتج بعض الأشياخ لقول ابن القاسم بقوله تعالى:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} ولم تبد سوءة حواء حين أكلت قبل أن يأكل آدم. انتهى. والطلاق مثل ذلك فإن دخلتا عتقتا وطلقتا وظاهره كظاهر الشامل ولو مترتبتين، ومقتضى ما لأبي الحسن أن دخولهما مترتبتين كدخول إحداهما، وإن قال لأمته: إن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة، فدخلت واحدة منهما عتقت على قاعدة التحنيث بالبعض. انتهى.
وقال الشبراخيتي: وإن قال لأمتيه إن دخلتما الدار فأنتما حرتان، أو لزوجتيه إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان فدخلت واحدة فقط فلا شيء عليه فيهما حتى يدخلا جميعا لا في الداخلة ولا في الأخرى؛ لأن سبب حلفه كراهة اجتماعهما في الدار خيفة ما يحدث بينهما من الشر، ومفهوم دخلت واحدة أنهما لو دخلتا عتقتا، وظاهره ولو مترتبتين كما هو ظاهر كلام الشامل، ومقتضى ما لأبي الحسن أن دخولهما مترتبتين كدخول إحداهما، وأما إن قال لأمته إن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة فدخلت واحدة عتقت. انتهى.
وقال التتائي: وإن قال لأمتيه إن دخلتما الدار فأنتما حرتان أو لزوجتيه فأنتما طالقان فدخلت واحدة فقط فلا شيء عليه فيهما حتى يدخلا جميعا، لا في الداخلة لاحتمال أن يريد إن اجتمعتما في الدخول، ولا في الأخرى لعدم دخولها عند ابن القاسم، وقال أشهب: تعتق الداخلة فقط لاحتمال أن يريد إن دخلت أنت وإن دخلت أنت فجمع في اللفظ ونوقض قول ابن القاسم بمن له عبد، فقال لرجلين هو لكما إن قبلتما فقبل واحد أن له ما قبل دون الآخر، وبمن قال لزوجته: إن كسوتك هذين الثوبين فأنت طالق ونيته أن لا يكسوها إياهما فكساها أحدهما حنث.
انتهى. وقد ذكر أهل الأصول أن الشرع إذا رتب حكما على أوصاف في محل فالأصل أن تلك الأوصاف أجزاء علة يثبت استقلال أحدها بالحكم في غير ذلك المحل. انتهى.
وقال المواق من المدونة: قال مالك: من قال لأمته إن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة، فدخلت إحدى الدارين حنث وعتقت عليه، وإن قال لأمتيه إن دخلتما هذه الدار فأنتما حرتان أو لزوجتيه فأنتما طالقان فدخلتها واحدة منهما فلا شيء عليه حتى يدخلا جميعا. وقاله ابن القاسم وسحنون. ابن يونس: وجه قول ابن القاسم كأنه إنما كره اجتماعهما فيها لوجه ما وعلى هذا وقعت يمينه فلا شيء عليه بدخول الواحدة. انتهى.
وعتق بنفس الملك الأبوان لما تكلم رضي الله عنه على العتق الاختياري أخذ يتكلم على العتق الجبري وهو ثلاثة أقسام هذا أحدها؛ يعني أن من ملك أبويه أي أباه وأمه أو أحدهما فإنه يعتق عليه ذلك الذي ملكه ويعتق بنفس الملك، ومعنى قوله:"بنفس الملك" أنه لا يتوقف عتقه على حكم حاكم بل بمجرد ملكه يكون حرا، ولا خصوصية للأب والأم دنية بذلك، بل يعتق عليه بنفس الملك من له عليه ولادة من جميع الأجداد والجدات من قبل الأب أو من قبل الأم بعدوا أو قربوا، ولهذا قال: وإن علوا أي الآباء، وفي كلامه تغليب المذكور على الإناث في قوله الأبوان وفي قوله:"وإن علوا"، قال الشبراخيتي: وعتق على الإنسان من أقاربه بنفس الملك من غير حكم وليس، المراد بالنفس عنا المؤكدة لعدم المؤكد، ولا الذات لأن الملك معنى من المعاني، وإنما المراد بها مجرد الملك أي الملك المجرد عن الحكم، ولا بد من كون المالك رشيدا كما أشار إليه بقوله:"ولم يجز اشتراء ولي من يعتق على ولد صغير"، ويأتي أنه لو قال:"على محجور" لوفى بالمراد، ثم إن ظاهر كلام المصنف يشمل المبيع فاسدا بعد فواته، إذ لا يملك إلا بفواته ولا يعتق في بيع الخيار إلا بعد مضيه الأبوان أبوه وأمه وجده وجدته وإن علوا مطلقا من قبل الأب أو الأم. قوله:"الأبوان" أي من النسب لا من الرضاع، فلا يجب العتق بل يندب، وقوله:"الأبوان" أي جنس الأبوين، بدليل قوله:"وإن علوا" انتهى المراد منه.
وقوله: ثم إن ظاهر كلام المصنف يشمل المبيع فاسدا بعد فوته الخ فيه نظر، ويأتي تحقيقه قريبا. وقوله: ولا بد من كون المالك رشيدا لخ فيه نظر، ويأتي تحقيقه إن شاء اللَّه تعالى. وقال المواق
عن ابن شأس: من دخل في ملكه أحد عموديه أعني أصوله وهو العمود الأعلى الآباء والأمهات والأجداد والجدات وآباؤهم وأمهاتهم من قبل الأب ومن قبل الأم وإن علوا، وفصوله وهو العمود الأسفل أعني المولود من الولد وولد الولد ذكورهم وإناثهم وإن سفلوا عتق عليه، وسواء دخل عليه قهرا بالإرث أو اختيارا بالعقد. انتهى.
وأشار المصنف إلى العمود الأسفل بقوله: والولد يعني أن الولد ذكرا كان أو أنثى إذا ملك
(1)
من له عليه ولادة فإنه يعتق عليه بنفس الملك من غير توقف على حكم، سواء كان الولد ذكرا أو أنثى، وسواء في ذلك الأولاد مباشرة وأولادهم وأولاد أولادهم وجميع ذرياتهم من جهة الذكور أو من جهة الإناث قرب الولد أو سفل، ولهذا قال: وإن سفل. ومثل للولد بقوله: كبنت فهو تمثيل لا تشبيه كما في البناني؛ يعني أن البنت تعتق هي وذريتها وإن سفلت بمجرد ملك من له عليها ولادة من ذكر أو أنثى، وفي بعض النسخ لبنت باللام بدل الكاف، وإن كان الولد الذي سفل ولد بنت. واللَّه تعالى أعلم. وقول المصنف:"بنفس الملك" هو المشهور.
وأخ وأخت مطلقا يعني أن الأخ والأخت يعتق كل منهما بنفس الملك من غير توقف على حكم مطلقا، كان شقيقا لمن ملكه أو أخاه لأبيه فقط أو أخاه لأمه فقط، قال التتائي: وكذا يعتق بالملك أخ وأخت مطلقا شقيقا كان أو لأب أو لأم لا أولادهم فلا يعتقون عليه، ولا الأعمام والعمات ولا الأخوال والخالات على المشهور ونحوه في أوائل العتق الثاني من المدونة، وسواء ملك جميع كل واحد أو بعضه، ففي أواخر عتق المدونة الأول: ومن اشترى نصف أبيه أو نصف من يعتق عليه من رجل يملك جميعه، أو كان لرجلين فاشترى نصفه بإذن من له بقيته أو بغير إذنه أو قبله من واهب أو موص أو متصدق أو ملكه بأمر لو شاء أن يدفعه عن نفسه فعل، فإن هذا يعتق عليه ما ملك منه وتقوم عليه بقيته إن كان مليا، وإن كان معسرا لم يعتق إلا ما ملك. انتهى.
وقال المواق: ابن شأس: ويلحق بالعمودين الجناح وهو عمود الإخوة والأخوات من أي جهة كانوا دون أولادهم. انتهى. وقال الشبراخيتي: وكذا يعتق عليه بنفس الملك الولد ذكرا كان أو أنثى وإن
(1)
كذا في الأصل، ولعلها: ملكه.
سفل مطلقا وهو مثلث. قاله في الصحاح. خلافا لمن عين الفتح. وقوله: "وأخ وأخت" أي نسبا لا رضاعا كما مر في الأصول. واعلم أن محل العتق حيث كان المالك والمملوك مسلمين أو كان أحدهما مسلما وإلا فلا. انتهى المراد منه.
وقد مر أن الذي يعتق ممن ذكر إنما هو من جهة النسب لا من جهة الرضاع، قال الحطاب: قال في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق، قال: وسمعته يسأل أيملك الرجل أمه أو أخته من الرضاعة؟ فقال: نعم في رأيي وغير ذلك خير: قيل له: ولا يعتقان عليه؟ قال: نعم، قال ابن رشد: هذا صحيح بين لا اختلاف فيه، وقال الفاكهاني. في شرح الرسالة: أما الأب والأخ من الرضاع فالمشهور عندنا أنه لا يعتق. انتهى. ويفهم منه أنه يعتق على القول الشاذ فانظره مع ما حكاه ابن رشد من الاتفاق. انتهى.
تنبيهات:
الأول: قال عبد الباقي: ومحل جميع ما ذكر يعني ما مر من عتق الأقارب إن كان المالك رشيدا وكان هو والرقيق مسلمين أو أحدهما، فإن كانا كافرين لم يعتق وينبغي إلا أن يترافعا إلينا. انتهى. قوله: إن كان المالك رشيدا الخ نحوه للشبراخيتي كما مر، قال البناني: فيد نظر، بل إلا فرق بين الرشيد وغيره في عتق القرابة. وسيقول المصنف:"أو قبله ولي صغير أو لم يقبله" الخ.
الثاني: قول عبد الباقي هنا في تفسير المصنف: "مطلقا" ما نصه: شقيقين أو لأب أو لأم أو مختلفين. انتهى. مثله في الخرشي، والصواب اسقاط قولهما أو مختلفين إذ لا معنى له. قاله الرهوني.
الثالث: قال عبد الباقي ما معناه أنه إن اشترى من ذكر شراء فاسدا ولم يفت فإنه لا يدخل في قوله: "وعتق بنفس الملك" الخ؛ لأنه لا يملكه إلا بفوته وقد مر نحوه عن الشبراخيتي، قال البناني: فيه نظر، وفي حاشية الطخيخي ما نصه: ظاهر كلام المصنف كان البيع حلالا أو حراما. ابن حبيب: قال ابن القاسم وأصبغ والأخوان: إذا اشترى أباه بيعا حراما لم يفسخ وعتق عليه ساعة اشتراه كما لو ابتدأ عتق عبد اشتراه، فاسدا فهو فوت وفيه القيمة. عبد الحق عن بعض شيوخه: فإذا لم يكن له مال فإنه يباع منه بالأقل من الثمن والقيمة، فإن كان الثمن أقل
بيع منه بمقداره وعتق الباقي ويطلب بباقي الثمن دينا. قاله أشهب وابن القاسم. اللخمي: يحمل كلام ابن القاسم على أنه اختلف في فساده والمجمع على فساده لا يعتق إذ لا ينقل ملكا ولا ضمانا وليس مثل عتق المشتري؛ لأن البائع سلطه على إيقاع العتق فأوقعه وهذا لم يوقع عتقا وإنما وقع حكما إذا ملكه وهو لم يملكه بهذا الشراء. انتهى. نقله العوفي. انتهى باختصار.
قول البناني عن الطخيخي عن اللخمي: يحمل كلام ابن القاسم على أنه اختلف في فساده والمجمع على فساده لا يعتق الخ أسقط من كلام اللخمي ما إسقاطه مضر، ونص اللخمي: وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب فيمن اشترى أباه شراء حَرَامًا لم يفسخ وعتق عليه ساعتئذ، كما لو ابتدأ عتق عبد ابتاعه بيعا فاسدا، ثم قال بعد كلام: ومحمل قول ابن القاسم في البيع الفاسد على أنه مختلف فيه، فإن كان مجمعا على فساده لم يعتق إذا كان في يد بائعه؛ لأن المجمع على فساده لا ينقل ملكا ولا ضمانا، وليس كذلك إذا أعتقه المشتري لأن البائع سلطه على إيقاع العتق فأوقعه وهذا لم يوقع عتقا، وإنما يقع حكما إذا ملكه وهو لم يملكه بهذا الشراء. انتهى. وهكذا نقله أبو الحسن في أول كتاب العتق الثاني، فهو إنما نفى لزوم العتق في المجمع على فساده إذا كان باقيا بيد البائع وعليه فرع قوله: ولا ضمانا لا مطلقا كما يفيده نقل الطخيخي عنه الذي سلمه البناني، ومع ذلك فقد اعترضه أبو الحسن فقال عقبه ما نصه: وما قاله إنما يجري على ما قاله سحنون، والمشهور أن البيع الفاسد ينقل الملك مع الفوات كيف كان، وقد نص عليه في الجزء الأول من العتق. انتهى محل الحاجة منه. قاله الرهوني.
وقال: قلت: وفي كلام اللخمي نظر من وجهين آخرين، أحدهما أن تأويله قول ابن القاسم على ذلك خلاف مفاده، وقد نقل ابن يونس ذلك عن ابن القاسم وأشهب والأخوين وأصبغ ولم يقيد كلامهم بشيء، بل في كلامه ونقله عنهم ما يوجب إبقاءه على ظاهره، ونص ابن يونس: ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا اشتراه بيعا حراما لم يفسخ شراؤه وقد عتق عليه ساعة اشتراه، كما لو ابتدأ عتق عبد ابتاعه بيعا فاسدا فهو فوت وفيه القيمة وقاله ابن القاسم وأصبغ. محمد بن يونس: فإن لم يكن دفع الثمن ولا مال له غيره فلبيع منه بالأقل من القيمة والثمن؛ لأن القيمة إن كانت أقل فهي التي وجبت له بفساد البيع فإذا أعطيها لم يظلمه، وإن كانت
القيمة أكثر من الثمن فلم تلزمه إلا بعد العتق فالزائد على الثمن كدين طرأ بعد العتق فيتبع به في ذمته، وقاله ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن المواز. انتهى.
فأطلق في قوله أولا بيعا حراما ولم يقيده بالمختلف فيه ثم أيد ذلك الإطلاق ثانيا بقوله كما لو ابتدأ عتق عبد ابتاعه بيعا فاسدا الخ؛ إذ لا فرق في المشبه به بين المختلف فيه والمجمع عليه فيكون المشبه كذلك، ثم أيد ذلك ثالثا بقوله: وفيه القيمة لأن الذي فيه القيمة هو المجمع على فساده، كما أشار له المصنف في البيوع الفاسدة بقوله:"فإن فات مضى المختلف فيه بالثمن" الخ، وإن كانت تلك القاعدة أغلبية، وقد سلم ذلك كله ابن يونس وفرع عليه قوله: فإن لم يكن دفع الثمن الخ مصرحا بقوله فهي التي وجبت له بفساد البيع. فتأمله بإنصاف.
ثانيهما أن قوله: وإنما يقع حكما إذا ملكه فهو لم يملكه بهذا الشراء تقدم جوابه في قول أبي الحسن: وشبهة الملك كالملك وبه جزم ابن مرزوق ولم يعزه لأحد، ونصه قوله: كأن اشترى نفسه فاسدا" يعني أن لزوم عتق العبد بالاشتراء الفاسد في إن اشتريتك كلزومه فيما إذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسدا، وكما أنه بنفس قبوله البيع يعتق وإن كان البيع فاسدا لشبهة الملك وهو لا يصح أن يملك نفسه كذلك يعتق على المشتري المعلق وإن كان الشراء فاسدا، والجامع أن كلا منهما لا يصح له الملك الصحيح ولا يستمر له وإن كان هذا في نفسه، وذلك فيمن علق العتق فيه ومهما حصل الملك لهما حصل العتق، فكذلك أيضا مهما حصلت شبهة الملك حصل العتق. وتلخيص القياس أن تقول في المعلق: حصلت شبهة الملك فيعتق كما لو حصل الملك الصحيح أصله المشتري نفسه شراء فاسدا والجامع لزوم العتق بالملك الصحيح. انتهى.
قلت: ومسألة شراء العبد نفسه ترد قيل
(1)
اللخمي المذكور لأنه لا موجب لعتقه إلا ملكه نفسه بالاشتراء، كما أنه لا موجب لعتق الأب ونحوه إلا ملك مشتريه إياه وشراء العبد نفسه من سيده موجب لعتقه في البيع الفاسد المجمع على فساده، فيكون شراء قريبه إياه كذلك لكون علتهما واحدة، ولم يذكر ابن يونس خلافا في أن شراء العبد نفسه من سيده بخمر أو خنزير يلزم به
(1)
كذا في الأصل، والذي في الرهوني ج 7 ص 179 "قيد".
العتق، وإنما ذكر الخلاف هل يتبعه سيده بقيمتة أم لا؟ وقد نقل الحطاب كلامه وسلمه ولم يحك غيره، وهذا وَحْده كاف في رد ما قاله اللخمي، وبه تعلم ما في وقوف البناني مع كلام الطخيخي. واللَّه الموفق. انتهى.
وإن بهبة يعني أن ما ذكر من الأصول والفصول والأجنحة يعتق بنفس الملك حيث كان الملك ببيع، بل وإن كان بهبة أو صدقة أو وصية قال المواق: أبو عمر: كل من هؤلاء يعتق على مالكه ساعة يتم ملكه عليه بأي وجه ملكه من بيع أو هبة أو صدقة أو وصية أو ميراث. انتهى. إن علم المعطي يعني أن من ذكر إنما يعتق على المعطى بالفتح حيث علم المعطي بالكسر، أن من ذكر يعتق على المعطى بالفتح ولا يكفي علمه بالقرابة هذا ظاهر،
(1)
وقرره عبد الباقي بأنه شرط في مقدر، فإنه قال: ولا يباع في دين إن علم المعطي بالكسر بأنه يعتق على المعطى بالفتح ولا يكفي علمه بالقرابة فقط على المعتمد. انتهى المراد منه.
وهذا التقرير قال فيه البناني ما نصه: ظاهر المصنف أن علم المعطي شرط في عتق القريب مطلقا وليس كذلك، وإنما هو شرط فيما إذا وهب له وعليه دين كما في التوضيح، وبه اعترض على المصنف الشارح وابن مرزوق وغيرهما، وإلى جوابه أشار الزرقاني بتقديره قبله: ولا يباع في دين الخ فجعله شرطا في مقدر وهو بعيد من المصنف، على أن الحطاب توقف في ثبوت هذا القيد حتى بالنسبة لثبوت الدين، فقال ما نصه: ليس في المدونة تعرض لهذا القيد، وإنما ذكره في التوضيح وغيره فيما إذا وهب له أبوه وعليه دين ولم يعلم الواهب بأنه أبوه، فهل يباع؟ تردد في ذلك ابن رشد وجزم ابن يونس والمازري بأنه يباع في الدين، ثم قال: ثم وقفت على كلام ابن رشد في البيان فرأيته صرح بهذا القيد، ثم ذكر من كلام ابن رشد ما لا دليل فيه على ما قال، ثم قال عقبه: فمن وقف على غير هذا فليفده. انتهى.
قلت: نقل المواق صريح في القيد على الوجه المذكور، ونصه: قال ابن القاسم: أما إذا ورثه فإنه يباع للغرماء في الدين ولا يباع في الهبة والصدقة؛ لأن الواهب يقول لم أهبه له ولم أتصدق به
(1)
كذا في الأصل.
عليه إلا ليعتق لا ليباع عليه في الدين. ابن يونس: يريد ابن القاسم أنه إذا لم يعلم الواهب أو المتصدق أنه ممن يعتق عليه فليبع عليه في الدين كالميراث. قاله بعض أصحابنا. انتهى. ونقله ابن عرفة أيضا فهذا صريح في هذا القيد على الوجه المذكور منطوقا ومفهوما. واللَّه أعلم. انتهى كلام البناني. قوله: ثم ذكر من كلام ابن رشد ما لا دليل له فيه الخ، قال الرهوني: تبع في هذا مصطفى، وقد سلم جسوس أيضا كلام مصطفى ونقل التاودي كلام مصطفى وقال بعده ما نصه: والظاهر ما قاله الحطاب وأن كلام ابن رشد هذا شاهد للمصنف، وإن كان في توجيه ثبوت الولاء للموهوب؛ لأن الولاء لازم للعتق ولا يثبت إلا بعد ثبوته، وإذا كان لا يثبت إلا مع علم المعطي كما اقتضاه كلام ابن رشد فالعتق كذلك، فإذا لم يعلم الواهب بالعتق ولم يقبل الموهوب له الهبة فلا عتق وهو معنى ما قاله المصنف. فتأمل ذلك فإنه ظاهر. واللَّه أعلم. انتهى.
قلت: وما قاله هو الظاهر، وما نقله الحطاب هنا عن ابن رشد ظاهره أنه من كلام ابن رشد مع أنه صرح بعزوه لأبي إسحاق التونسي، لكنه قبله وسلمه فهو قائل به، ففي المسألة الثالثة من رسم الكاتب من سماع يحيى ما نصه: قال: وسألته عن الرجل يتصدق على الرجل في صحته إذا ملكه عتق عليه فلا يقبل صدقته ما يكون حال العبد، فقد يكون حرا على سيده الذي تصدق به ويكون ولاؤه له ولا يجبر التصدق عليه على أخذه. انتهى.
قال مقيده عفا اللَّه عنه: قوله فقد تصحيف من الناقل، وإنما هو فقال بلا شك. واللَّه أعلم. قال الرهوني: قال القاضي رضي الله عنه: قوله إنه إذا لم يقبل يكون حرا على سيده الذي تصدق به ويكون الولاء له خلاف نص قوله في المدونة في الذي يوصَى به لمن يعتق عليه والثلث يحمله إنه يعتق عليه قبل أو لم يقبل ويكون الولاء له. قال أبو إسحاق التونسي: وكان القياس إذا لم يقبل أن يرجع رقيقا لورثة الموصي في الوصية أو المتصدق به في الصدقة، ووجه ما ذهب إليه أن الموصي أو المتصدق إنما ملكه كل واحد منهما إياه إن شاء، فقال: كما لو قال لعبده عتقك بيدك إن شئت، فقال لا أقبل، إنه رقيق ووجه ما في المدونة أن المتصدق والموصي لما علم كل واحد منهما أنه يعتق عليه إذا ملكه ولم يكن على يقين من قبوله إياه، حمل على أنه أراد عتقه عنه فكان الولاء له قبل أو لم يقبل، ووجه ما في هذه الرواية أنه لا علم أنه يعتق عليه فأوصى له به أو
وهبه إياه أو تصدق عليه فقد قصد إلى عتقه، فكأنه قال: إن قبله وإلا فهو حر، والقولان في الولاء إذا لم يقبل في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب العتق. انتهى.
فهذا الإمام أبو إسحاق التونسي النظار صرح بأن القياس أن يرجع رقيقا إذا لم يقبل، وفهم المدونة والعتبية على أنه إنما لزمه العتق لعلمه بأنه يعتق عليه، وسلم له الإمام أبو الوليد بن رشد واعتمد كلامه وهما أدرى بما في الكتابين فكلامهما هذا شاهد للمصنف منطوقا ومفهوما الخ، ثم قال الرهوني بعد كلام ما نصه: فتحصل أن ما قاله المصنف هو الصواب، وأن الحق مع التاودي في رده ما لمصطفى واستظهاره ما للحطاب. واللَّه أعلم. انتهى.
قال مقيده عفا اللَّه عنه: والحاصل مما مر أن البناني وغيره صحح القيد وهو قول المصنف إن علم المعطى؛ أي بأنه يعتق على المعطى فإن لم يعلم المعطي بذلك لم يعتق على المعطي هذا إذا كان المعطى بالفتح عليه دين فيعتق إن علم المعطي بأنه يعتق على المعطي ولا يباع في الدين قبل أم لا، فإن لم يعلم المعطي بالكسر بأنه يعتق عليه فإنه لا يعتق حينئذ على المعطي بالفتح بل يباع في الدين، فالقيد ثابت عند البناني وغيره على الوجه المذكور أي فيما إذا كان المعطي بالفتح مدينا وأما إذا لم يكن عليه دين فإنه يعتق عليه علم المعطي بالكسر بأنه يعتق عليه أم لا، قبله المعطى بالفتح أم لا. قال المواق: ابن المواز: من ورث أباه أو وهب له أو تصدق به عليه وعليه دين، فقال أشهب: هو حر في ذلك كله ولا يباع في الدين، وقال ابن القاسم: أما الذي ورثه فإنه يباع في الدين ولا يباع في الهبة والصدقة؛ لأن الواهب يقول لم أهبه له إلا ليعتق لا ليباع عليه في الدين. ابن يونس: يريد ابن القاسم أنه إذا لم يعلم الواهب أو المتصدق أنه ممن يعتق عليه فليبع عليه في الدين كالميراث. قاله بعض أصحابنا. انتهى.
فانظر هذا مع إطلاق خليل إن علم المعطي وهذا الشرط في المدونة إذا كان الموهوب له عليه دين. انتهى كلام المواق. وأما الرهوني فإنه قال: الصواب إبقاء ما للمصنف على عمومه، فالقيد المذكور عنده هو الصواب كان المعطي بالفتح مدينا أو غير مدين، وقال إنه إن لم يعلم المعطي بالكسر بأنه يعتق على المعطى بالفتح ولم يقبل العطية لم يعتق بل يرجع رقيقا، وقال إن ذلك هو الذي فهم عليه أبو إسحاق وابن رشد المدونة والعتبية. واللَّه تعالى أعلم.
ولو لم يقبل يعني أنه إذا علم المعطي بالكسر بأنه يعتق على المعطى بالفتح فإنه يعتق ولا يباع في الدين قبله المعطى بالفتح أم لا، ورد بالمبالغة القول بأنه إذا لم يقبل لا يعتق بل يرجع رقيقا، قال الرهوني: قال اللخمي: واختلف إذا أوصى له بجميعة والثلث يحمله فلم يقبل فقيل هو عتيق ولا خيار في ذلك لمن أوصي له به، وقال مالك في كتاب محمد: إن قبله فهو حر، وقال ابن القصار: هو فيه بالخيار بين أن يقبله فيعتق عليه وبين أن لا يقبل الوصية، قال: وهو قول كافة الفقهاء. وفرق أصبغ في كتاب محمد بين الوصية والصدقة فجعله في الوصية عتيقا وإن لم يقبله، قال: وأما الصدقة فلا يعتق إلا أن يقبله كان كله أو بعضه. قال محمد: الصدقة والوصية واحد والصدقة آكد، قال الشيخ: الأصل في العطايا -الهبة والصدقة والوصية- أن المعطى بالخيار بين القبول والترك، ولا فرق بين من يعتق على المعطى وغيره. انتهى.
وقال الشبرخيتي: واعلم أن حاصل هذه المسألة أنه إن علم المعطي بالكسر بعتقه على المعطى بالفتح فإنه يعتق، سواء كان عليه دين أم لا، وسواء قبل أم لا وإن لم يعلم، فإن قبله المعطى بالفتح فإنه يعتق عليه إن لم يكن عليه دين، وإن كان عليه دين فإنه يباع، وأما إن لم يقبل في حالة عدم العلم فإنه لا يعتق ولا يباع في الدين وهو ظاهر؛ لأنه لم يدخل في ملكه لعدم قبوله له ولا ينزل منزلة من أعتقه الواهب لعدم علمه بأنه يعتق على الموهوب له. انتهى كلام الشبراخيتي.
ونحوه لعبد الباقي وزاد: خلافا لبعض شيوخ الأجهوري فيباع في الدين وهو ظاهر المصنف في الفلس والتتائي هنا، وكأنه مبني على ضعيف وهو لزوم الهبة من غير قبول. انتهى. قوله فإن لم يقبل في حالة عدم العلم الخ، قال البناني: فيه نظر، بل إذا لم يكن على المعطى دين فإن قريبه يعتق مطلقا، قبله أو لم يقبله، علم المعطي أو لم يعلم. ابن الحاجب: فإن أوصى له بقريب عتق قبل أم لا وكذا الهبة والصدقة. انتهى. وكذا قال ابن شأس إن أوصى له بأبيه والثلث يحمله عتق عليه قبله أم لا والولاء له. انتهى. قال ابن مرزوق: وهو ظاهر نصوص المتقدمين. انتهى. وقد علمت أن الذي مر للرهوني وغيره أنه: إن قبل عتق وبيع في الدين علم أم لا وإن لم يقبل فإن
علم عتق، وإن لم يعلم فلا عتق. الرهوني: قول البناني: فإن قريبه يعتق مطلقا الخ، قد أشرنا إلى ما فيه آنفا. انتهى. واللَّه تعالى أعلم.
وولاؤه يعني أن هذا الذي عتق من أب أو غيره في مسألة العطية ولاؤه للمعطى بالفتح، ورد بهذا الرواية التي مرت في العتبية من أن المعطى بالفتح إذا لم يقبل العطية فإنه يعتق على المعطي بالكسر والولاء له أي للمعطي بالكسر، وقد مر توجيه أبي إسحاق لهذه الرواية بأنه لما علم أنه يعتق عليه فأوصى له به أو وهبه إياه أو تصدق عليه فقد قصد إلى عتقه، فكأنه قال: إن قبله وإلا فهو حر. اهـ. وقال عبد الباقي: إن علم المعطي بالكسر بأنه يعتق على المعطى بالفتح ولا يكفي علمه بالقرابة فقط بخلاف باب القراض والوكالة والصداق والفرق المعاوضة فيها بخلاف ما هنا. اهـ.
وقوله: بخلاف باب القراض يشير إلى أن عامل القراض إذا اشترى من مال القراض من يعتق على رب المال عالما بأنه قريبه وإن لم يعلم الحكم فإنه يعتق على العامل والولاء لرب المال كما مر في باب القراض، وقوله: والوكالة يعني أن الوكيل إذا اشترى من يعتق على الموكل عالما بأنه قريبه وإن جهل الحكم فإنه يعتق على الوكيل إن لم يعينه موكله كما مر، وقوله: والصداق يريد به -واللَّه أعلم- أن الزوج إذا أصدق زوجته من يعتق عليها وطلقها قبل البناء فإنه يرجع عليها إن علمت بالقرابة ولو لم تعلم بأنه يعتق عليها، بخلاف ما لو لم تعلم وعلم هو فلا يرجع عليها اتفاقا.
وقال عبد الباقي: وحكم إعطاء الجزء حكم إعطاء الكل في عتق الجزء إن علم المعطي، بالكسر أو لم يعلم وقبله المعطى فإن لم يقبل لم يعتق ولم يبع في دينه، وأما التكميل في مسألة إعطاء الجزء فلا بد فيه من القبول.
كما أشار له بقوله: ولا يكمل في جزء لم يقبله كبير يعني أنه إذا وهب لكبير رشيد جزء ممن يعتق عليه، فإنه إن قبله كمل عليه باقيه على ما يأتي، وإن لم يقبله فإنه يعتق عليه ذلك الجزء الذي وهب له ولا يكمل عليه باقيه. قال عبد الباقي: ولا يكمل العتق في إعطاء جزء ممن يعتق عليه لم يقبله كبير رشيد، بل يقتصر على عتق الجزء الموهوب على التفصيل المار قريبا فإن قبله
قوم عليه باقيه. اهـ. وقال المواق من المدونة: إذا أوصى له ببعض أبيه، فإن قبله قوم عليه باقيه وإن رده فروي عن مالك أن الوصية تبطل، وقال ابن القاسم: إذا رده عتق ذلك الشقص فقط. قاله مالك. وأما من ورث شقصا ممن يعتق عليه فلا يعتق عليه منه إلا ما ورث فقط ولا تقوم عليه بقيته، وإن كان مليا لأنه لم يَجُرَّ الميراث إلى نفسه ولا يقدر على دفعه وفي الشراء والهبة والصدقة هو جر ذلك إلى نفسه لأنه قادر على دفعه. اهـ. وقال الشبراخيتي: ولا يكمل في إعطاء جزء لم يقبله كبير، ولو قال: رشيد، كان أحسن، وإنما يعتق الجزء المعطى فقط ولم يسر عليه العتق في باقيه، كان الباقي للواهب أو لغيره، ومفهومه أنه يكمل عليه إن قبله. اهـ. ونحوه للتتائي، وزاد: وهو كذلك. اهـ.
أو قبله ولي صغير أو لم يقبله يعني أنه إذا وهب لصغير أو سفيه جزء ممن يعتق عليهما وقبله الولي أو لم يقبله فإنه يعتق الجزء الموهوب فقط ولا يكمل باقيه، قال عبد الباقي: أو قبله ولي صغير أو ولي كبير سفيه أو لم يقبله والجزء حر والولاء للمعطى بالفتح، وفيه إشارة إلى أنه لا يلزمه القبول للمحجور وهو ظاهر حيث لم يكن على المحجور دين بحيث يباع له فيه الجزء المعطى، وإلا لزم قبوله لما فيه من المصلحة المالية له من قضاء دينه أو بعضه، وبهذا لا يخالف ما تقدم في الهبة من أنه لا يجوز له رد ما أعطي لمحجوره. اهـ. وقال الشبراخيتي: أو قبله ولي صغير أو لم يقبله لم يكمل عليه في الحالين، وإنما يعتق الجزء الموهوب أو المتصدق به أو الموصى به فقط، ولو قال: ولي محجور لكان أشمل. اهـ. وقال المواق من المدونة: قال مالك: من أوصى لصغير بشقص ممن يعتق عليه أو ورثه فقبل ذلك أبوه أو وصيه فإنما يعتق عليه ذلك الشقص فقط، ولا يقوم على الصبي بقيته ولا على الأب أو الوصي الذي قبله، وإن لم يقبل ذلك الأب أو الوصي فهو حر على الصبي، وكل ما جاز بيعه وشراؤه على الصبي فقبوله بالهبة جائز وذلك في الأب والوصي. اهـ.
لا بإرث أو شراء وعليه دين فيباع يعني أن من ملك من يعتق عليه بإرث أو شراء إذا كان عليه أي على المالك الوارث أو المشتري دين، فإنه لا يعتق عليه لعدم استقرار ملكه عليه بسبب الدين بل يباع ويقضى به دينه، وقوله:"لا بإرث" الظاهر أنه معطوف على متعلق الملك المقدر بعد
قوله: "وعتق بنفس الملك" أي بأي وجه كان ببيع أو إرث، بل أو غير ذلك كصداق بل وإن بهبة لخ، كان هناك دين أم لا، ثم أتى بما هو كالاستثناء من ذلك في صورة العطف، فقال:"لا بإرث أو شراء وعليه دين فيباع". واللَّه تعالى أعلم.
قال عبد الباقي: لا إن ملك من يعتق عليه كله أو بعضه بإرث أو شراء وعليه دين فيباع في الدين، وإن علم البائع أنه يعتق عليه إذ لا يستقر ملكه عليه حتى يعتق عليه. اهـ المراد منه. وقوله:"بإرث أو شراء وعليه دين" وأما لو ملكه بعطية كهبة أو صدقة أو وصية فقد مر أنه لا يباع في الدين بل يعتق إن علم المعطي بأنه يعتق عليه، وهذا -أعني قوله:"لا بإرث"- أعم من قوله في المفلس: ولو ورث أباه بيع، وقوله:"لا بإرث" هو مذهب ابن القاسم، وقال أشهب: إذا ملكه بإرث عتق ولا يباع في الدين وقد مر ذلك.
وأشار إلى القسم الثاني من أقسام العتق الجبري بقوله: وبالْحكْمِ إنْ عَمَدَ لِشَيْنٍ برَقيقِهِ أوْ رَقِيقِ رَقِيقِهِ يعني أن الحر المكلف الرشيد إذا مثل برقيقه أو رقيق رقيقه عامدا للمثلة، فإنه يعتق عليه بالحكم أي يحكم عليه بحرية عبده وعبد عبده بقصده الشين إن شانه، فقوله:"لشين" المراد به المثلة وهي تقبيح الصورة، ويأتي بيان ما تحصل به المثلة. أو لولد صغير عطف على رقيقه، وصرح باللام لأنها في المعطوف عليه معنى؛ يعني أن مثل رقيقه رقيق ولده الصغير ورقيق ولده الكبير السفيه، فإذا مثل برقيق ولده الصغير أو رقيق ولده الكبير السفيه عامدا للمثلة فإنه يعتق عليه بالحكم ويغرم قيمته لمحجوره، وأما إن مثل برقيق ولده الكبير الرشيد فإنه لا يعتق عليه ويغرم أرش الجناية إلا أن يبطل منفعته فيغرم قيمته ويعتق على الأب غير سفيه. الأول من المتضايفين فاعل "عمد"، وعبدٍ عطف على المضاف إليه، ولا بد أن يكون العامد للشين أيضا غير عبد.
وذمي بمثله يعني أيضا أن يكون العامد للمثلة غير ذمي بعبده؛ الذمي أي لا بد أن يكون العامد للشين حرا مكلفا رشيدا مسلما أو ذميا قاصدا للمثلة بعبده المسلم، بخلاف ما لو قصد الذمي المثلة بعبده الذمي فإنه لا يعتق.
واعلم أن في منطوق المص ثلاثة صور: مسلم مثل بمسلم أو ذمي مثل بمسلم ومفهومه صورة واحدة ذمي مثل بذمي، قال الشبراخيتي: وعتق على السيد وجوبا بالحكم عند مالك وابن القاسم واختاره اللخمي، خلافا لأشهب في أنه يعتق بنفس المثلة ولا يحتاج للحكم إن عمد المراد به التعذيب، قال الزرقاني: عمد كقصد وزنا ومعنى. قاله شيخنا اللقاني. اهـ.
وفي نوازل النبراس على ابن سيد الناس أنه بكسر الميم في الماضي وفتحها في المستقبل، ومقتضى كلام القاموس أن مضارعه بضم الميم، وفي المصباح أن مضارعه بكسر العين لأنه جعله كضرب لشين أي تقبيح صورة، كأن يضجعه ويمثل به بمثل ما يقاد للولد من أبيه، وفهم من قوله:"عمد" أنه لا يعتق بالخطإ، ومن قوله:"لشين" أن عمده لداواة أو لأدب أو لتخويف كما في شبه العمد الذي ذكره اللخمي، كمن خذف عبده بسيف فشين منه عند ذلك عضوا فإنه لا يعتق عليه به؛ لأنه اختبر أن يقصد بفعله التعذيب. اهـ.
ونحوه لعبد الباقي وكذا لا يعتق عليه لو ضرب رأسه فنزل الماء في عينيه لاحتمال أن يقصد ضرب رأسه لا ما حدث من الشين، ومن الشين خصاء عبد أو جبه فيعتق عليه إن حكم عليه ولو قصد استزادة الثمن على المعتمد فلا يصح بيعه بعد الحكم بعتقه، لا إن لم يحكم بعتقه كما بمصر فلا يعتق ويصح بيعه. وقال أشهب: يعتق بغير حكم وهو حرام إجماعا. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: برقيقه القن أو بمن فيه شائبة ولو مكاتبا. إلا أنه لو زادت المثلة على الكتابة رجع على السيد بما زادته الجناية على الكتابة. اهـ.
وقال عبد الباقي: برقيقه ولو أم ولد أو مدبرًا أو مكاتبا ورجع على سيده بما يزيد أرش الجناية على الكتابة، فإن زادت الكتابة على أرش الجناية سقط الزائد لعتق المكاتب على سيده. اهـ. وقال البناني: ظاهر المص أنه لا بد من قصد المثلة ولا يكفي تعمد لضرب وحده وبه قرره الزرقاني وهو خلاف ظاهر المدونة. ابن عرفة: وفي شرط المثلة بمطلق العمد الضرب أو به مع قصد المثلة قولان لظاهرها، لقولها: إن كوى عبده تداويا أو أصابه على وجه الأدب من كسر أو قطع جارحة فلا يعتق، وإنما يعتق بما تعمده. ونقل اللخمي عن عيسى بن دينار: لا يكون مثلة بضربه أو رميه إن تعمد ذلك إلا أن يتعمد المثلة بضجعه ليمثل به، وهذا صحيح لأن الغالب شفقة الإنسان
على ماله. اهـ. وقال التتائي: وخرج بالعمد للشين الخطأ والعمد على وجه المداواة والعمد لا على قصد الشين؛ لأن الغالب من الإنسان الشفقة على ماله، وظاهر كلام ابن الحاجب أن مطلق العمد كاف في العتق بالمثلة وهو ظاهر المدونة، ومن كوى عبدة تداويا أو أصابه على وجه الأدب من كسر أو قطع جارحة أو فقأ عين فلا يعتق به وإنما يعتق بما تعمده به. اهـ. ويدل على قصد المثلة القرائن، فإن احتمل فعله المثلة وعدمها أحلف أنه لم يقصد المثلة وترك. اهـ.
سحنون: لو ضرب رأسه فنزل الماء في عينيه لم يعتق عليه؛ لأنه يحتمل أنه قصد ضرب رأسه دون ما حدث من ذلك. اهـ. وقوله: "رقيق رقيقه" قال التتائي: القن ذي الشائبة، ويدخل فيه معتق السيد لأجل وهو قول ابن نافع، وقال مالك وابن القاسم: إن السيد إذا مثل برقيق المعتق لأجل وقرب الأجل فكعبد الأجنبي. اهـ. وقال الشبراخيتي: إن قيل قد تقدم أن رقيق رقيقه ليس له حكم رقيقه فلم كان له هنا حكم رقيقه؟ فالجواب أنهم عدوا المثلة انتزاعا بخلاف من قال من أملكه أو نحو ذلك. اهـ. وقال عبد الباقي: أو رقيق رقيقه الذي ينتزع ماله فإن مثل برقيق من لم ينتزع ماله كعبد مكاتبه لم يعتق عليه ولزمه أرش جنايته، إلا أن تكون مثلة مفسدة فيضمن قيمته ويعتق عليه وكذا في عبد زوجته مع العقوبة بتعمده. قاله في المدونة. وكذا في عبد أجنبي كما مر في الغصب:"وعتق عليه إن قوم" لخ. والظاهر أن المراد بالمفسدة ما يفيت المقصود. اهـ.
وقال المواق من المدونة: من مثل بعبده أو بأم ولده أو بمدبره أو بعبد لعبده أو لمدبره أو لأم ولده عتق، وظاهر المدونة شرط المثلة بمطلق العمد للضرب وإن لم يقصد مثلة. انتهى. وقال المواق من المدونة: من مثل بعبد ابنه الصغير عتق عليه إن كان مليا وغرم قيمته. ابن عرفة: مفهومه أن الكبير كالأجنبي. وقاله اللخمي عن المذهب. إلا أن يكون سفيها في ولايته فهو كالصغير. اهـ. وقال المواق أيضا: ابن عرفة: وفي اعتبار تمثيل السفيه بعبده كالرشيد ولغوه قولان الذي ثبت عليه ابن القاسم لغوه. اهـ. ابن عرفة: عن اللخمي وابن يونس لابن القاسم أن تمثيل المدين بعبده والعبد بعبده لغو، وقال التتائي: ابن القاسم: إذا مثل السفيه بعبده لم يعتق عليه وكذا لو مثل العبد بعبده لم يعتق وكذا لو مثل الذمي بعبده الذمي. اهـ. وقال أشهب: يعتق. ابن عبد
السلام: وعتقه على السفيه أصح لأن العتق بالمثلة شبيه بالحدود والعقوبات، واختار أصبغ وابن حبيب واللخمي العتق على الذمي؛ لأنه من باب رفع المظالم بينهم. اهـ. وقال الشبراخيتي عند قوله:"وذمي بمثله" ما نصه: ومفهومه لو كان ذمي بمثله لأعتق، وأما المعاهد فإن مثلته بعبده ولو مسلما لا توجب عتقه وهذا مما يفترق فيه الذمي والمعاهد، ومما يفترقان فيه أيضا التفرقة بين الأم وولدها، وقد قال المص:"ولمعاهد التفرقة" ويفترقان أيضا في الإرث وفيما أشار إليه المص بفوله: "لا أحرار مسلمون". اهـ. ونحوه لعبد الباقي.
تنبيه:
وقع في شرح عبد الباقي ما نصه: والمثلة من خواص العتق على المشهور فلا تطلق بها الزوجة على المشهور. اهـ المراد منه. قال البناني: فيه نظر، بل غير صحيح وقد تقدم قول المص:"ولها التطليق بالضرر ولو لم تشهد البينة بتكرره" اهـ. وقال عبد الباقي: قال الشارح: اختلف في الرشيد يمثل بعبده هل يتبعه ماله أم لا؟ وقال عبد الباقي عند قوله: "بمثله": ومفهومه أنه لا يعتق على سفيه مثل بعبده ولا عبد بعبده لأنه إتلاف لمال سيده، ولا على صبي أو مجنون. اهـ.
وزوجة ومريض في زائد الثلث قوله: "وزوجة ومريض" عطف على "سفيه" يعني أن الذي يعتق عليه بالمثلة المذكورة ولو لم يكن عنده إلا ذلك العبد الذي مثل به لا بد أن يكون غير زوجة ومريض وأما الزوجة والمريض، فإنما يعتق فيما إذا كان العبد الذي مثل به أحدهما ثلثا من ماله فأقل، وأما إن كان الذي مثل به قيمته أكثر من الثلث فإنه يعتق من عبد المريض محمل الثلث لا أزيد إلا أن يجيزه الورثة، وأما عبد الزوجة فإن رضي الزوج بعتقه عتق وإلا فله رد الجميع. قال عبد الباقي: وغير زوجة ومريض في زائد الثلث فإن مثلت زوجة ومريض بزائد الثلث عتق على المريض محمل الثلث لا أزيد إلا إن أجازه الورثة، وكذا عتق على الزوجة محمل الثلث فقط لا أزيد إلا أن يرضى الزوج، فإن لم يرض فله رد الجميع كما يفيده قوله:"وله رد الجميع إن تبرعت بزائدٍ"، ونحوه لابن القاسم هنا كما في أحمد عن ابن عرفة، وقيل ليس له تسلط إلا على رد ما زاد على الثلث لِتشوف الشارع للحرية، وليس كابتداء عتقها له رد الجميع، ورجح هذا القول بعض شيوخ أحمد واقتصر عليه وفيه نظر كما يفيده ما في أحمد عن ابن عرفة، موجها له
بأنه لما كان أزيد من ثلثها فيحمل على أنها قصدت إضرار زوجها فيكون له رد الجميع والنقل شاهد بهذا. اهـ.
تنبيهات:
الأول قال في المدونة: قال يحيى بن سعيد: ويعاقب من مثل بعبده ويعتق عليه. اهـ.
الثاني: قوله: "وبالحكم إن عمد لشين برقيقه" قال الحطاب: هذا هو المشهور، وقيل يعتق بنفس المثلة، قال الشيخ يوسف بن عمر: وعلى الأول فله أن ينتزع ماله قبل الحكم، وعلى الثاني يتيعه ماله. وقال في المدونة: وإن مثل بمكاتبه عتق عليه وينظر في جرحه لمكاتبه أو قطع جارحة منه فيكون عليه من ذلك ما على الأجنبي ويقاص بالأرش في الكتابة، فإن ساواها عتق وإن أنافت عليه الكتابة عتق ولا يتبع ببقيتها، وإن أناف عليها الأرش اتبع المكاتب سيده بالفضل وعتق. اهـ.
الثالث: قوله: "أو رقيق رقيقه" يشمل بحسب ظاهره رقيق الكاتب وليس كذلك، قال في المدونة: وإن مثل بعبد مكاتبه لم يعتق عليه وكان عليه ما نقصه، إلا أن تكون مثلة مفسدة فإنه يضمنه ويعتق عليه، وكذلك في عبد زوجته مع العقوبة في تعمده. اهـ. قاله الحطاب. وقد مر هذا عن عبد الباقي في قوله:"رقيق رقيقه" الذي ينتزع ماله. واللَّه تعالى أعلم.
ومدين عطف على "سفيه" أي وغير مدين يعني أن الحر المكلف الذي مر أنه يعتق عليه رقيقه إذا مثل به عامدا لا بد أن يكون غير مدين، فأما الدين المحيط الدين بماله إذا مثل بعبده فإنه لا يعتق عليه لتعلق حق الغرماء به. وقال أشهب: يعتق إذا مثل به وإن أحاط الدين بماله، قال الحطاب: قال ابن أبي زيد في مختصره: محمد بن المواز: قال أشهب: إذا مثل بعبده وعليه دين محيط بماله يعتق لأنه عتق جناية حدها العتق، وكذلك في العبد يمثل بعبده، وكذلك في المولى عليه يمثل بعبده. اهـ. وما مشى عليه المص من أنه لا يعتق بالمثلة على العبد والمديان والسفيه هو قول ابن القاسم، وقوله:"ومدين" ولو طرأ الدين بعد المثلة وقبل الحكم بالعتق.
وذكر أمثلة المثلة بقوله: كقلع ظفر يعني أن قلع ظفر الرقيق مثلة فإذا قلعه السيد عامدا لذلك فإنه يعتق عليه، قال عبد الباقي: وذكر أمثلة المثلة التي توجب العتق، فقال:"كقلع ظفر" لأنه لا يخلف غالبا إلا بعضه وعورض المص بما في المدونة من أن قطع الأنملة عيب خفيف في الوخش
لا يوجب عليه أرشا إذا حصل الرد في البيع بعيب. قاله الشارح والتتائي. وقد يفرق بتشوف الشارع للحرية فتحصل بقلع الظفر وإن كان لا يوجب أرشا في الرد في العيب. اهـ. قوله: وعورض المص لخ عبارة التوضيح حكى الاتفاق على العتق بإزالته، وعورض بأنه جعل قطع الأنملة في كتاب العيوب عيبا خفيفا إذا كان في الوخش يرد المشتري ولا شيء عليه. اهـ.
وقطع بعض أذن يعني أن قطع بعض الأذن مثلة، فإذا قطع بعض أذن رقيقه عامدا للشين فإنه يعتق عليه، قال التتائي: هذا كما قال في توضيحه الذي في الموازية وغيرها إن قطع طرف أذنه أو بعض جسده عتق عليه، ولهذا قال: أو جسد يعني أنه إذا قطع بعض جسد رقيقه فإنه يعتق عليه، قال التتائي وغيره: ظاهره من أي موضع كان. انتهى. ووجد رجل عبدا له يقبل جارية له فجبه وجدع أنفه فأعتقه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال:(من مثل بعبده أو حرقه بالنار فهو حر وهو مولى للَّه ورسوله)، فعلم من هذا أنه لو راءه يتعرض لحريمه أو ما أشبه ذلك فقصد تنكيله بالمثلة فإنه يعتق عليه.
أو سن عطف على قوله: "ظفر" يعني أنه إذا قلع سن عبده عامدا للشين فإنه يعتق عليه بذلك، قال الشبراخيتي: أو قلع سن واحدة أو أكثر. اهـ. قال البناني: قال في التوضيح: لم يختلفوا فيما إذا أزال عضوا وإن قل وكان ظفرا أو سنا، كما نص عليه في الواضحة أنه يعتق عليه إلا ما ذهب إليه أصبغ في السن الواحدة أنه لا يعتق، وقال اللخمي: اختلف إذا قلع سنا أو سنين، فقال مالك: يعتق، وقال أصبغ: لا يعتق إلا في جل الأسنان، ونحوه عند ابن عرفة والتوضيح واختاره اللخمي أن قلع سنين من الثنايا أو الرباعيات شين، بخلاف الأرحى. اهـ.
أو سلها يعني أن سحل السن من المثلة أي بردها: والمسحل بكسر الميم: المبرد، فإذا سحل سن عبده قاصدا المثلة بذلك فإنه يعتق عليه، قال عبد الباقي: أو سحلها أي بردها بالمبرد لزوال منفعتها بذلك، يقال: سحل كضرب والمسحل بكسر الميم المبرد. قال ابن مرزوق: ولم أر السحل منصوصا إلا في الأسنان لا في سن واحدة. اهـ. وقال المواق: ابن شأس: سحل الأسنان شين معناه
يبردها حتى تذهب، وقاله
(1)
مالك. اهـ. وقال الحطاب: قال في عتقها الثاني: وإن قطع أنملة من إصبع عبده عمدا أو حرق شيئا من جسده بالنار على وجه العذاب أو خصاه، قال ربيعة: أو قطع حاجبيه، قال مالك: أو سحل أسنان أمته بالمبرد أو قلعها على وجه العذاب فهي مثلة يعتق عليه بها، وقال مالك: ومن خصى عبده عتق عليه. اهـ. وقال الشبراخيتي: واعلم أن في قلع السن الواحدة ولو بالسحل قولين معتمدين وهو يفيد أن قطع بعض السن الواحدة ولو بالسحل ليس بمثلة وهو المعتمد. انتهى.
أو خرم أنف يعني أن خرم الأنف مثلة، فإذا خرم أنف رقيقه أي ثقبه عامدا للمثلة فإنه يعتق عليه بذلك، وقوله:"أو خرم أنف"، قال عبد الباقي: أو خرم أنف لعبد كأمة إلا لزينة. اهـ. وقال الشبراخيتي: وهذا واضح في العبد وكذا في الأمة إن لم يفعل للزينة. اهـ. وقال التتائي: أو خرم أنف نص مالك على العتق به. اهـ وقال المواق: نقل ابن حبيب: لو خرم أنف عبده عتق عليه. اهـ.
أو حلق شعر أمة رفيعة يعني أن السيد إذا تعمد حلق شعر أمته الرفيعة قاصدا لشينها فإن ذلك مثلة تعتق عليه بها، وأما غير الرفيعة فقال مالك: لا تعتق بذلك لسرعة عود ذلك. أو لحية تاجر يعني أنه إذا حلق لحية عبده النبيل التاجر علىدا للمثلة فإنه يعتق عليه بذلك، وأما غير التاجر فقال مالك: لا يعتق عليه بذلك. قاله الخرشي. وقال عبد الباقي: أو حلق شعر أمة رفيعة أو حلق لحية تاجر فمثلة عند المدنيين، وكان حقه أن يفتي بقول مالك: إنهما لا يعتقان فإنه المعتمد لأنهما يعودان سريعا. اهـ. قال البناني: انظر من أين له أنه المعتمد، وقد اقتصر ابن الحاجب وابن عرفة على ما عند المص، ونص ابن عرفة ابن رشد في كتاب السلطان وابن الماجشون: حلق رأس العبد النبيل والأمة الرفيعة مثلة لا في غيرهما ولم يذكر مقابله. اهـ. وقال المواق: روى ابن الماجشون: حلق رأس العبد النبيل والأمة الرفيعة مثلة لا في غيرهما. ابن الحاجب: وحلق رأس العبد النبيل والأمة الرفيعة مثلة لا في غيرهما. ابن الحاجب: وحلق رأس
(1)
في الأصل: قد، والمثبت من المواق ج 6 ص 391.
الأمة ولحية العبد ليس بشين إلا في التاجر المحترم والأمة الرفيعة. اهـ. وقال التتائي: وأما غير الرفيعة وغير التاجر، فقال قال: لا يعتقان بذلك لسرعة عود ذلك لهيئته. اهـ. وقال الحطاب: قال القرطبي: ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق اللَّه، وكذلك قطع سائر أعضائه في غير حد ولا قود. قاله أبو عمران. اهـ. وقال الشبراخيتي مفرعا على مقابل المص: ويمنع السيد من إخراج العبد يتصرف حتى يعود إلى حاله. اهـ.
أو وسم وجه بنار يعني أنه إذا وسم وجه رقيقه بالنار عامدا للمثلة فإنه يعتق بذلك كتابة أو كيا لا غيره يعني أنه إذا وسم غير الوجه بالنار فإن ذلك ليس بمثلة فلا يعتق به الرقيق، قال عبد الباقي: ضعيف ومذهب المدونة أنه مثلة وظاهرها كتابة أو كيا. اهـ. يعني إذا تفاحش في غير الوجه هذا هو الذي في المدونة. قاله الرهوني. وقال المواق: ابن القاسم: من كتب في وجه عبده أو جبهته أنه آبق عتق عليه. وقاله أصبغ وأشهب. قال أصبغ: ولو فعل ذلك في ذراعه أو باطن جسده لم يعتق عليه، وقال ابن وهب: من عرف بالإباق فرشم سيده في يده: عبد فلان، عتق عليه وكذلك لو فعله بمداد أو ابرة، وقال أشهب: لا يعتق عليه. اهـ.
وفي غيرها فيه قولان مبتدأ وخبره المجرور الأول والمجرور الثاني حال من المضاف وهو "غير"؛ يعني أنه إذا وسم وجه عبده بغير النار كمداد أو إبرة فإنه اختلف في ذلك على قولين، قيل يعتق بذلك فهو من المثلة وقيل لا يعتق بذلك. القول بالعتق لابن وهب في العتبية وعدمه لأشهب، قال الشبراخيتي: والمعتمد أنه مثلة إن كتب أنه آبق أو عبد فلان وإلا فليس بمثلة. اهـ. وقال المواق: قال ابن الحاجب: وفي وسم وجهه بغير نار قولان. اهـ. وفي شرح عبد الباقي نحو ما في الشبراخيتي، فإنه قال: والمعتمد منهما أنه مثلة إن كتب أنه آبق أو عبد فلان وإلا فليس بمثلة، كما أن وسم غير الوجه بغير نار غير مثلة كتبا أو كيا فالصور ثمان. اهـ. وقوله: المعتمد، قال البناني: انظر هذا الترجيح وظاهر ابن الحاجب والتوضيح وابن عرفة عن اللخمي أنهما قولان متساويان. اهـ. وقوله: فالصور ثمان، وهي: وسم الوجه بالنار كتابة أو كيا وقد مر أنهما مثلة، ووسم الوجه بغير النار كتابة أو كيا فيهما قولان، فتلك أربع، وسم غير الوجه بالنار كتابة أو كيا وهاتان صورتان، وسم غير الوجه بغير النار كتابة أو كيا وهاتان صورتان، وهذه الأربع لاعتق
فيها على ما للمص؛ ومذهب المدونة أن وسم غير الوجه بالنار مثلة إن تفاحش وظاهرها كتابة أو كيا. واللَّه تعالى أعلم.
والقول للسيد في نفي العمد، قال الخرشي: يعني أن السيد إذا مثل بعبده، فقال العبد: مثل بي عمدا، وقال السيد: خطئا، فإن السيد يصدق بيمين، وكذلك الزوج إذا مثل بزوجته واختلفا فإن القول قول الزوج بجامع الإذن في الأدب. قاله سحنون. إلا أن يكون الزوج أو السيد معروفا بالجرأة والإيذاء فلا يقبل قولهما. اهـ. وقال الشبراخيتي: والقول للسيد بيمين في دعوى نفي العمد الموجب للعتق بالمثلة. قاله التتائي. وهو يقتضي أنهما لو اتفقا على العمد واختلفا في قصد الشين فإن القول قول السيد؛ لأن نفي العمد الموجب للعتق يصدق بذلك. اهـ. وقال عبد الباقي: ولو اتفقا على العمد واختلفا في قصده الشين فالقول للسيد أيضا. اهـ. وقال التتائي: والقول للسيد في دعوى نفي العمد الموجب للعتق بالمثلة، قال ابن الحاجب: على الأصح ويحلف، وقال أشهب: القول قول العبد. اللخمي: والأول أحسن. ابن بشير: شروط العتق بالمثلة ستة: كون الممثل بالغا، عاقلا، مسلما، حرا، رشيدا، غير مديان. وفي معنى السيد الزوج إذا ادعت الزوجة أنه مثل بها عمدا وقال خطئا فالقول قوله، وقيل قولها والأول أحسن ولا يعتق العبد ولا يقضى للزوجة إلا أن يكون السيد أو الزوج معروفا بالجرأة فيقبل قول العبد والزوجة في ذلك. ولمالك: تطلق بتمثيله بها، زاد في المبسوط: طلقة بائنة. اهـ. وظاهر قول ابن بشير هذا أن الذمي إذا مثل بعبده المسلم لا يعتق عليه، وقد نصوا هنا أنه يعتق عليه. قاله مقيده عفا اللَّه عنه، وقال المواق: رجع سحنون إلى أن من فقأ عين عبده أو عين امرأته فيقولان فعل ذلك بنا عمدا، وقال الزوج والسيد: بل أدبتهما فأخطأت إلى أنه لا شيء على السيد ولا على الزوج حتى يظهر العداء، والقول قول السيد والزوج. اهـ.
وتحصل مما مر صورتان أن يختلفا في العمد والخطإ، كأن يقول السيد أدبته فأخطأت فالقول قول السيد، الثانية أن يتفقا على العمد ويختلفا في قصد الشين فالقول للسيد أيضا. واللَّه تعالى أعلم.
تنبيه:
قال عبد الباقي عند قوله: "وفي غيرها فيه قولان" ما نصه: يجوز كي العاقل بالنار للتداوي كما في الرسالة، وفي الأقفهسي أنه أحد أقوال ثلاثة، وقيل مندوب وقيل يكره وظاهره
أنها على حد سواء، ويجوز وسم غير العاقل أيضا بالنار لمداواةٍ أو علامة كما في القرطبي، قال: وهو مستثنى من نهيه عليه الصلاة والسلام عن شريطة الشيطان
(1)
، وعن تعذيب الحيوان بالنار
(2)
وفي مسلم عن أنس بن مالك: (رأيت في يد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الميسم وهو يسم إبل الصدقة)
(3)
، والفيء وغير ذلك حتى يعرف كل ماله فيؤدي حقه ولا يتجاوزه إلى غيره. اهـ. وفي الجلاب: ولا بأس بالتداوي من العلة ولا بأس بترك ذلك، ولا بأس أن يرقيَ الذمي للمسلم بكتاب اللَّه عز وجل ومن أسمائه. اهـ.
لا في عتق لمال يعني أنه إذا اتفق السيد وعبده على حصول العتق ولكن اختلفا هل وقع على مال أم لا؟ فقال السيد: إنه وقع على مال، وقال العبد: أعتقتني مجانا، فإنه لا يكون القول قول السيد في ذلك وإنما القول قول العبد فيكون حرا بلا مال يؤديه للسيد، قال المواق من المدونة: قال ابن القاسم: وإذا قال سيد العبد أعتقته على مال، وقال العبد على غير مال فالقول قول العبد ويحلف. اهـ. وقال عبد الباقي: لا في عتق بمال أي عليه فليس القول للسيد بل للعبد بيمين أنه أعتقه مجانا لأن السيد مقر بالعتق، والأصل فيه عدم المال. اهـ. وقال التتائي: لا في دعوى السيد حصول عتق بمال، وقال العبد: مجانا فالقول قول العبد مع يمينه وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقال أشهب: القول قول السيد ويحلف، وظاهره سواء قال ذلك بحضرة العبد أو لا. اهـ.
وأشار إلى القسم الثالث من أقسام العتق الجبري بقوله: وبالحكم جميعه إن أعتق جزءا والباقي له يعني أن السيد إذا أعتق جزءًا من عبد والسيد يملك جميع العبد: الجزء الذي أعتق والباقي عن العتق، فإنه يحكم عليه بعتق جميع العبد، فإذا أعتق ربع عبده مثلا فالربع الذي أعتقه لا يتوقف عتقه على حكم، وأما الأرباع الثلاثة الباقية فإن عتقها يتوقف على حكم حاكم، قال التتائي: وعتق بالحكم على السيد جميعه أي العبد إن أعتق جزءًا منه كثلثه أو ربعه مثلا أو
(1)
أبو داود، كتاب الضحايا، رقم الحديث 2826.
(2)
البخاري، كتاب الجهاد، رقم الحديث 3016 - أبو داود، كتاب الجهاد، رقم الحديث 2675.
(3)
البخاري، كتاب الزكاة، رقم الحديث 1502 - مسلم، كتاب اللباس والزينة، رقم الحديث 2119 واللفظ لمسلم.
عضو كيد مثلا، والباقي له ويتوقف عتق الباقي على حكم الحاكم، قال ابن رشد: على المشهور. اللخمي: هو المعروف من المذهب وهو مذهب المدونة، وفي كتاب الجنايات وهو إحدى الروايتين، والأخرى أن عتق الباقي لا يتوقف على الحكم بل بنفس العتق وهي ظاهر قول المدونة، ومن قال لعبده: يدك حرة أو رجلك حرة أنَّه يسري عليه إذا كان الباقي له من غير توقف على حكم. أهـ.
وقال الشبراخيتي: وعتق بالحكم على السيد جميعه أي العبد إن أعتق جزءًا كثلثه أو ربعه مثلا أي أعتق غير عبد وسفيه لخ، فيعتبر فيمن يعتق عليه بالسراية ما يعتبر فيمن يعتق عليه بالمثلة، فيستفاد منه حينئذ أن الذمي إذا أعتق بعض عبد ذمي يملك جميعه أو بعضه فإنَّه لا يكمل عليه، وقوله:"إن أعتق جزءًا" من قن أو مدبر أو معتق لأجل أو أم ولد، وظاهر كلام المص يشمل المكاتب ويدل له حديث: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، ويدل له قول الحطاب: من مثل بمكاتبه فإنَّه يعتق عليه. أهـ. وقال عبد الباقي: وعتق بالحكم جميعه أي العبد إن أعتق سيد غير عبد وسفيه وذمي جزءا من قن أو مدبر أو معتق لأجل أو أم ولد أو مكاتب أو رقيق رقيقه الذي ينتزع ماله والباقي له موسرا أو معسرا، فيعتبر فيمن يعتق عليه بالسراية ما يعتبر فيمن يعتق عليه بالمثلة، فإذا أعتق الذمي بعض عبده الذمي لم يكمل عليه، وكذا المدين والزوجة والمريض في زائد الثلث. اهـ.
وقال البناني: وبالحكم جميعه إن أعتق لخ وقفه على الحكم، قال ابن رشد: هو مشهور المذهب، وقال اللخمي: هو الصحيح من المذهب، وقيل يكمل بنفس العتق وقيل إن كان الباقي لغيره فبالحكم وإلا فبدونه، والأقوال الثلاثة لمالك. انظر ابن عرفة. وفي قول المص جميعه مناقشة، وهي أن المتوقف على الحكم بقيته لا جميعه. اهـ.
كأن بقي لغيره تشبيه في أنَّه يكمل عليه البقية بالحكم فيعتق جميع العبد؛ يعني أن من أعتق جزءا له من عبد باقيه لغيره، فإن الجزء الذي أعتق منه كثلثه مثلا حر لا تتوقف حريته على حكمه، وأما الثلثان الباقيان لغيره فإنَّه يحكم عليه بعتقهما فيغرم قيمتهما لمالكهما بشروط أشار إليها المص مدخلا على كل واحد منها إن الشرطية، بقوله:"إن دفع القيمة" لخ. قال عبد
الباقي: كإن بقي لغيره بشروط ستة ذكرها المص، قال التتائي: ولهذه المسألة صور خمس: الأولى عتق جزء والباقي له، والثانية والباقي لغيره، والثالثة جزء من ملكه والباقي له ولغيره، والرابعة أن يعتق نصيب شريكه، والخامسة أن يعتق حصة شريكه أو بعضها. وقد ذكر المص الحكم في الأوليين والظاهر أن الحكم في الثالثة والرابعة كذلك ولا يلزمه شيء في الخامسة. أهـ. أي لا يلزمه فيها عتق نصيبه ولا نصيب شريكه.
وأشار لأول الشروط في الباقي لغيره بقوله: إن دفع القيمة يومه أي يوم الحكم يعني أنَّه إنما يحكم عليه بالعتق فيما إذا كان الباقي لغيره، بشرط أن تدفع قيمة الباقي للشريك الذي لم يعتق نصيبه، وتعتبر القيمة يوم الحكم فإن لم تدفع له بالفعل فلا يحكم بعتق الباقي الذي هو نصيب الشريك. قال الشبراخيتي: كإن بقي الجزء لغيره، قدم قوله له لقلة الكلام عليه وأخر هذا لتشعب فروعه إن دفع بالفعل، وحصول الحكم بالدفع لا يقوم مقامه ويجبر على دفعه لأنَّ الفرض أنَّه موسر بالقيمة لشريكه يومه يتنازعه "دفع""والقيمة" والضمير في يومه عائد على الحكم أي الحكم بالعتق إما منفردا أو مع دفع القيمة، وهذا إذا قصد العتق على نصيبه وإن عممه في جميع العبد فالقيمة يوم العتق. أهـ. قوله: وإن عممه لخ نحوه في الحطاب عن التوضيح عن الجواهر، وانظر قوله: يتنازعه دفع والقيمة، والظاهر أنَّه إنما يرجع للقيمة فقط. والله تعالى أعلم. قاله مقيده عفا الله تعالى عنه. وهذا هو الذي في شرح عبد الباقي، فإنَّه قال: إن دفع القيمة حال كونها معتبرة يومه أي يوم الحكم بالعتق المتقدم في قوله: "وبالحكم" أي يدفع القيمة والعتق فلا يشترط الدفع بالفعل كما هو ظاهره كابن شأس وجمع فيعتق حصة الشريك بقيمتها يوم الحكم وإن لم يقبضها إلا بعد العتق. ذكره ابن مرزوق. فلو استغنى عنه بقوله: "وأيسر بها" طابق هذا. اهـ.
وقال البناني: دفع القيمة ليس بشرط في وجوب العتق كما هو ظاهر المص، وإنما شرط في تنفيذه ولذا لم يذكره ابن الحاجب مع الشروط، بل قال بعد عدها: ولا يعتق إلا بعد التقويم ودفع القيمة، ولولا عطف المص ما بعد هذا الشرط عليه لأمكن صرفه لنفس الحكم وصرف ما بعده للعتق. انظر ابن عاشر على أن ابن مرزوق اعترض على المص ومتبوعه، كما أشار إليه الزرقاني
في اشتراط الدفع بالفعل، فقال: نصوص المالكية قل أن تجد فيها النص على اشتراط دفع القيمة في حصول العتق، وإنما يشترطون في التقويم الحكم بالعتق وإن لم يقبل الشريك بل يتبع به ذمة الملي، وإنما ذكر هذا الشرط عبد الوهاب ونقله عنه ابن شأس وتبعه ابن الحاجب والمص. أهـ. قال مصطفى: وما قاله ابن مرزوق غير مسلم، بل الخلاف في ذلك مشهور لكن المذهب عدم توقف العتق على دفع القيمة، ففيها: إن ابتعت أنت وأجنبي أباك في صفقة جاز البيع وعتق عليك وضمنت للأجنبي قيمة نصيبه. أهـ قول البناني عن مصطفى.
والمذهب عدم توقف العتق على دفع القيمة لخ، يشهد له كلام ابن يونس ونصه: قال سحنون: أجمع أصحابنا أن من أعتق شقصا له في عبد أنَّه بتقويم الإمام عليه حر بغير إحداث حكم. أهـ. لكن كلام القرطبي يشهد للمص ومن وافقه وقد نقله العلامة الأبي وسلمه، فإنَّه قال عند قوله في صحيح مسلم:(وأعطى شركاءه حصصهم) ما نصّه: القرطبي: ظاهره أن العتق بعد التقويم والإعطاء معا، فلو وجد التقويم دون إعطاء لم يكمل العتق إلا بمجموعهما وهو ظاهر حكاية الأصحاب عن المذهب، غير أن سحنونا قال: أجمع أصحابنا أن من أعتق شركا له في عبد أنَّه بتقويم الإمام حر، فظاهره أنَّه بالتقويم حر وإن لم يكن إعطاء وفيه بعد. أهـ.
أما استدلال مصطفى بكلام المدونة فليس ببين؛ لأنَّ العطف فيها بالواو وهي لا ترتب، ولأنه لو حملت على ظاهرها لاقتضى كلامها أن نصيب الأجنبي يعتق على الابن بمجرد الشراء من غير توقف صلى حكم ومن غير نظر إلى كونه موسرا أو معسرا وليس كذلك، نعم في المدونة ما يشهد لما قاله، ونصها: وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو ملي، ثمَّ أعتق شريكه نصف نصيبه عتق باقي حصته عليه؛ لأنه قد أتلف نصيبه بعتقه لبعضه ولا يقوم على الأوّل إلا إذا قيم عليه والعبد غير تالف، ألا ترى أنَّه لو مات العبد قبل التقويم لم يلزم المعتق الأوّل شيء؟ أهـ. فانظر قولها قبل التقويم، فمفهومه أنَّه لو مات بعد التقويم للزمه العتق، ويأتي عن ابن رشد قريبا نحو هذا وبه يعلم أنَّه لا يعول على ما للقرطبي وإن سلمه الأبي. والله أعلم. قاله الرهوني.
تنبيه: قال الرهوني: مفهوم قول المدونة: وهو ملي أنَّه لو كان معسرا لم يلزم الثاني إلا ما عتق، وقد صرح به في الجلاب ونصه: وإن كان عبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه منه وهو معسر،
ثمَّ أعتق الآخر بعض نصيبه وهو موسر لم يكمل عليه عتق نصيبه منه. أهـ. ونقله أبو الحسن عند نصها السابق، وقال عقبه ما نصّه: انظر قوله لم يكمل عليه، هل لأنه لم يبتدئ فسادا؟ اللخمي: قول الجلاب: تفسير يدلّ عليه قوله في الكتاب وهو ملي. أهـ. وقوله: يومه أي يوم الحكم، قال التتائي: إن دفع القيمة لشريكه يومه أي يوم الحكم وهو قول مطرف وابن الماجشون، وروي عن أشهب وأصبغ وابن عبد الحكم سواء قصر العتق على نصيبه فقال نصيبي حر، أو عمم فقال نصيبي ونصيب غيري حر، وقيل يقوم يوم الحكم إن قصره على نصيبه وإن عمم في جملة العبد فيوم العتق على أظهر الروايتين، وأما على الرواية التي فيها العتق بالسراية فيقوم يوم العتق على كل حال. انتهى.
وأشار إلى الشرط الثاني بقوله: وإن كان المعتق مسلما أو العبد يعني أن من أعتق جزءًا والباقي لغيره وقلنا أنَّه يعتق عليه نصيب شريكه إنما ذلك حيث كان المعتق بكسر التاء مسلما أو لم يكن مسلما ولكن العبد المعتق بعضه مسلم فالشرط أحد الأمرين، وأما إن كانا كافرين فلا تكميل. والحاصل أنَّه إن كان المعتق مسلما كمل عليه، كان العبد مسلما أو كافرا، وإن كان العبد مسلما كمل على العتق بكسر التاء مسلما كان أو كافرا، وسواء كان الشريك الذي لم يعتق في كل كافرا أو مسلما. قوله:"وإن كان المعتق مسلما أو العبد" فيه إدخال إن الشرطية في المعطوف مع كونها في المعطوف عليه، وكذا فعل في الشروط الآتية وحذفها أولى في المعطوفات. قال الشبراخيتي: وإن كان المعتق مسلما أي حين العتق لا حين التقويم كما هو ظاهر كلامهم، ثمَّ إن ذكر لفظ إن في هذه وفيما بعدها مستغنى عنه بل حذفه أولى. أهـ. أو العبد فالشرط أحد الأمرين.
واعلم أن الصور ثمانية، فإن كان المعتق والعبد مسلمين أو المعتق مسلما فقط أو العبد مسلما فقط قوم عليه سواء كان الشريك مسلما أو كافرًا فهذه ست صور، وإن كان المعتق والعبد كافرين فلا تقويم سواء كان الشريك مسلما أو كافرا. أهـ كلام الشبراخيتي.
وقال عبد الباقي: وإن كان المعتق مسلما أو العبد مسلما والمعتق كافر وشريكه كذلك نظرا لحال
(1)
العبد المسلم، فإن كان الجميع كفارا لم يقوم إن لم يرض الشريكان بحكم الإِسلام، فإن رضيا به نظر، فإن أبان
(2)
العبد المعتق حكم بالتقويم كما في عتق الكافر عبده الكافر ابتداء، وإن لم يبينه
(3)
فلا ذكره في الشامل. أهـ. وقال المواق: ابن شأس: إن أعتق المسلم كمل عليه مسلما كان العبد أو غير مسلم وإن أعتق الذمي ففرق ابن القاسم فألزم التقويم إذا كان العبد مسلما وأسقطه إذا كان ذميا ولا خلاف في التقويم إذا كان السيدان مسلمين وإن كان العبد ذميا، وأولى إذا كان الثلاثة مسلمين، كما لا يختلف أنا لا نلزمهما التقويم إذا كانا ذميين، ولو كان الشريكان ذميين والعبد مسلم ففي التقويم روايتان. أهـ.
وأشار إلى الشرط الثالث بقوله: وإن أيسر بها يعني أنَّه لا بد في التقويم المذكور من أن يكون الشريك الذي أعتق حصته موسرا بقيمة مناب الشريك الذي لم يعتق، وهنا ثلاث صور: أن يكون موسرا بجميع قيمة مناب الشريك فيحكم عليه بالتقويم والعتق، أو يكون معسرا بالكلية فلا تقويم، أو يكون موسرا ببعض القيمة وهو قوله: أو ببعضها فمقابله يعني أنَّه إذا كان موسرا ببعض القيمة فإنَّه يعتق من نصيب شريكه بقدر ما أيسر به، فإذا أعتق ثلثه الذي هو حصته وكان موسرا بنصف الباقي وهو ثلث فإنَّه يعتق من العبد ثلثان: ثلث بالمباشرة وثلث بالتقويم، ويبقى ثلثه رقيقا. قال الشبراخيتي: أو أيسر ببعضها أي بعض القيمة وأعسر بباقيها، فمقابله من حصة الشريك يعتق ويرق للشريك الباقي، وقوله:"أو ببعضها" لخ كلام مستأنف؛ لأنَّ الكلام في شرط عتق الجميع واليسار ببعض القيمة ليس شرطا في عتق الجميع، وإنما يعتق مقابله.
وقوله: "فمقابله" كذا في بعض النسخ، وفي نسخة الشارح: فمقابلها بتأنيث الضمير وهو عائد على البعض وأنث الضمير العائد عليه لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه؛ أي وإن أيسر ببعضها فمقابل البعض. اهـ. وقال البناني عند قوله: "وإن أيسر بها" لخ ما نصّه: ويعرف عسره بأنّه لا
(1)
في عبد الباقي ج 8 ص 122: نظرا لحق العبد.
(2)
في عبد الباقي ج 8 ص 122: فإن بان.
(3)
في عبد الباقي ج 8 ص 122: لم يبن.
يكون له مال ظاهر، ويسئل عنه جيرانه ومن يعرفه فإن لم يعلموا له مالًا حلف ولم يسجن قاله عبد الملك، وسحنون. وقاله جميع أصحابنا إلا اليمين فلا يستحلف. اللخمي: وهذه المسألة أصل فيما لم يكن أصله المعاوضة أنَّه لا يضيق فيه كالمداينة. أهـ. ونحوه للتتائي ونقله ابن عرفة عن الباجي. أهـ. وقال المواق: ابن الحاجب: قوم عليه الباقي بشرط أن يكون موسرا به. ابن شأس: فإن كان موسرا بالبعض لسرى بذلك القدر وهو نص المدونة. أهـ. وقال التتائي: ومفهوم الشرط أنَّه لا يقوم على المعسر وهو كذلك، وظاهره ولو رضي الشريك باتباع ذمته وهو كذلك. أهـ. وقال عبد الباقي: ولا يقوم عليه المعسر به ولو رضي الشريك باتباع ذمته.
وأشار إلى الشرط الرابع بقوله: وفضلت عن متروك المفلس يعني أنَّه يعتبر في تلك القيمة الموسر بها أن تكون فاضلة عما يترك للمفلس شرعًا من كسوة لا بد له منها وعيش الأيام كما في المدونة، قال مقيده عفا الله عنه: ومعنى هذا أنَّه إن لم يكن عنده إلا ما يترك للمفلس فإنَّه لا يقوم عليه باقيه ولو كان ما يترك يفي بقيمة الباقي، فإن كان عنده أكثر مما يترك للمفلس نظر فيه، فإن وفي بقيمة الباقي قوم عليه، وإن كان يفي ببعض قيمته قوم منه ذلك البعض. والله تعالى أعلم.
قال الشبراخيتي: وأشار للشرط الرابع بقوله: "وفضلت عن متروك المفلس" أي أنَّه يعتبر في تلك القيمة الموسر بها أن تكون فاضلة عما يترك للمفلس شرعًا من كسوة لا بد منها وعيشه الأيام كما في المدونة، وفسرت بالشهر ونحوه ويدخل فيها ما له من دين على ملي حاضر أو غائب قرب أجله وإلا فلا على الأصح كمدبر ومعتق لأجل، وانتظر آبق وبَعيرٌ شارد أو ثمرة من صدقة لم تطب إن كان أمدها قريبا. أهـ. وأما ثمرة من أصل له فتباع مع أصلها. قاله عبد الباقي. وقال البناني: الباجي: وإن كان له مدبرون أو معتقون فلا حكم للقيمة في مثل هذا، وأما ديونه فإن كانت على أملياء حضور وأمدها قريب قوم في ذلك وتتبع ذمته، وإن كان نسيئة وأهلها غياب فليس له عليه أن يخرج عبده بالدين. وفي الموازية: ينتظر دينه ويمنع شريكه من البيع ويتلوم له تلوما لا ضرر عليه فيه. قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة: مقتضى المذهب أن ما جاز بيعه من دين له وجب بيعه كعرض له. وفي المدونة: يباع عليه شوار بيته والكسوة ذات البال ولا يترك له إلا كسوته التي لا بد له منها وعيشه الأيام، وفسر في الواضحة الأيام بالشهر ونحوه. أهـ. وقال
المواق من المدونة: يباع عليه الكسوة ذات البال ولا يترك إلا كسوته التي لا بد له منها وعيش الأيام. ابن شأس: كما في الديون التي عليه. اهـ.
وأشار إلى الشرط الخامس بقوله وإن حصل عتقه باختياره يعني أنَّه إذا عتق جزءٌ والباقي لغيره فإنما يقوم عليه باقيه حيث كان عتق الجزء المذكور حاصلا باختيار من المعتق بكسر التاء، لا إن حصل عتق الجزء المذكور بغير اختياره، فإن ملكه بإرث فإنَّه يعتق عليه الجزء الذي ملكه بإرث جبرا عليه ولا يقوم عليه باقيه، قال الشبراخيتي: وأشار للشرط الخامس بقوله: وإن حصل عتقه باختياره لا جبرا كدخول جزء من يعتق عليه في ملكه بإرث، فإنَّه لا يقوم عليه الباقي. أهـ. وقال المواق: نص المدونة: من ورث شقصا ممن يعتق عليه فلا يعتق عليه منه إلا ما ورث فقط، بخلاف الشراء والهبة لأنه جر ذلك إلى نفسه؛ لأنه كان قادرا على دفعها. انتهى. وأشار إلى السادس بقوله: وإن ابتدأ العتق يعني أن التقويم المذكور إنما يكون حيث ابتدأ المعتق العتق لإفساده الرقبة بإحداث العتق فيها، لا إن لم يبتدئ العتق كما لو كان حر البعض كما لو كان ثلثه حرا، فإن كان مثلا بين ثلاثة وأعتق أحدهم نصيبه وهو معسر وثلثاه لرجلين فأعتق أحدهما نصيبه فلا تقويم عليه، وإذا كان المعتق متعددا وكانوا مترتبين كثلاثة أعتق أحدهم أولًا وءاخر ثانيا والثالث لم يعتق نصيبه قوم نصيب الثالث على الأوّل خاصة؛ لأنه هو الذي ابتدأ العتق، وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية؛ أي وإن لم يكن أول بأن أعتقا دفعة من غير ترتب، فيقوم نصيب الثالث على قدر حصصهما أي حظ كل واحد منهما من العبد إن أيسرا معا، فإن كان لأحدهم السدس وللآخر النصف وللآخر الثلث فأعتق صاحب النصف وصاحب الثلث معا ولم يعتق صاحب السدس، فيكون على صاحب النصف ثلاثة أخماس السدس وعلى صاحب الثلث خمساه، وإن أعتق صاحب السدس وصاحب الثلث معا فعلى صاحب الثلث ثلثا النصف وعلى صاحب السدس ثلثه، وهكذا وإلا يكونا موسرين معا بأن أيسر أحدهما فقط فيقوم جميع نصيب الثالث على الموسر منهما.
وقوله: "وإلا فعلى حصصهما إن أيسرا" لخ مثله ما إذا أعتقاه مترتبين وجهل الأوّل، قال عبد الباقي: وإلا يكن العتق مرتبا بل أعتقاه معا أو مرتبا وجهل الأوّل فعلى قدر حصصهما إن أيسرا
معا وإلا فعلى الموسر منهما يقوم الجميع. أهـ. وقال المواق من المدونة: قال مالك: لو كان العبد لثلاثة نفر فأعتق أحدهم نصيبه ثمَّ أعتق الآخر نصيبه وهما مليان فأراد المتمسك بالرق أن يضمن الثاني فليس له ذلك، وإنما له أن يضمن الأوّل لأنه هو الذي ابتدأ الفساد، فإن كان الأوّل عديما فلا تقويم على الثاني ولو كان موسرا، ولو أعتقا جميعًا قوم عليهما إن كانا مليين، فإن كان أحدهما مليا والآخر معسرا قوم جميع باقيه على الموسر. أهـ. وقال عبد الباقي: وقوم على الأوّل خاصة لأنه الذي ابتدأ العتق إلا أن يرضى الثاني بالتقويم عليه فيقوم نصيب الثالث عليه ولو طلب الأوّل التقويم على نفسه. أهـ. ونحوه في التوضيح. قاله البناني.
وعجل في ثلث مريض أمن يعني أن المريض إذا أعتق في حال مرضه شقصا له في عبد أو أعتق بعض عبد ملك جميعه، فإن كان مال هذا المريض مأمونا وهو الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر فإنَّه يعجل الآن عتق جميع العبد حيث حمله الثلث ويغرم للشريك قيمة حصته، فإن كان ماله غير مأمون فإنَّه لا يعتق نصيبه ولا نصيب شريكه إلا بعد موته، فيعتق جميعه في ثلثه، فإن لم يحمل الثلث إلا بعضه فإنَّه يعتق منه محمل الثلث ويرق ما بقي، فإن صح المريض لزم عتق بقيته، وأما لو كان العتق في صحته واطلع عليه في مرضه قوم عليه الآن من رأس المال كان مأمونا أم لا. أهـ. قاله الخرشي.
وقال عبد الباقي: وعجل عتق الجزء المقوم في ثلث مريض أعتق في مرضه نصيبا من قن باقيه له أو لغيره، فيعتق عليه جميعه ويغرم قيمة نصيب شريكه الآن، ووصف الثلث بكونه مأمونا فقال:"أمن" بأن كان ماله عقارا، فإن كان ماله غير مأمون لم يعجل عتق الجزء الذي أعتقه، بل أخر التقويم لمدته كما أشار له في الحجر بقوله:"ووقف تبرعه إلا لمال مأمون" وهو العقار، فإن مات فمن الثلث وإلا مضى، وقوله: فإن مات مفرع على ما قبل الاستثناء أي يعتق جميعه في ثلثه بعد موته، فإن لم يحمل إلا بعضه عتق منه محمله ورق باقيه فإن صح المريض لزمه عتق باقيه، وأما إن كان العتق في صحته واطلع عليه في مرضه فإنَّه يقوم عليه الآن من رأس المال كان مأمونا أم لا. أهـ. قول عبد الباقي: وأما إن كان العتق في صحته واطلع لخ قد مر نحوه في الخرشي، قال البناني: قال بعضهم: الصواب أن يقوم من الثلث أيضًا لأنَّ المعتبر يوم الحكم فيترك كلام المص
على إطلاقه. أهـ. قول البناني: وقال بعضهم لخ، قال الرهوني فيه: كأنه لم يقف على نص في ذلك، والمسألة منصوصة في المدونة وغيرها، ونص المدونة: وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من عبد في صحته فلم يقم عليه حتى مرض قومنا عليه حصة شريكه في الثلث، وكذلك من أعتق نصف عبده في صحته فلم يستتم عليه حتى مرض فليعتق عليه بقيته في ثلثه، قال غيره فيهما: لا يقوم باقيه في الثلث إذ لا يدخل حكم الصحة على حكم المرض. أهـ منها بلفظها.
وقال ابن يونس: ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من عبد في صحته فلم يقول عليه حتى مرض قومنا عليه حصة شريكه في الثلث، وكذلك من أعتق نصف عبده في صحته فلم يستتم عليه حتى مرض فليعتق بقيته في ثلثه. ابن المواز: وقاله ابن القاسم وأشهب، قال أصبغ: وإذا لم يعلم به حتى مرض فليحكم الآن عليه بالتقويم ويوقف المال لحياته أو موته وينفذ الحكم عليه في ذلك، فإن صح لزمته تلك القيمة وإن مات أخرجت القيمة من ثلثه أو ما حمل الثلث منها، ويبدأ على الوصايا وما أعتق أولًا من رأس المال. وقال عبد الله بن عبد الحكم: لا يقوم في مرضه، وليوقف أبدا وإن أضر ذلك بإشراكه حتى يموت فيعتق بما بقي من ثلثه، أو يصح فمن رأس المال إلا أن يعتق معه الشريك، قال مالك: والموت والفلس سواء والموت أبين، ثمَّ قال الرهوني بعد جلب كثير من النقول ما نصّه: قال ابن رشد في شرح المسألة الثانية من رسم العتق من سماع القرينين من كتاب العتق ما نصّه: وتحصيل القول في هذه المسألة أن تقول: اختلف في الرجل يعتق شقصا من عبده أو من عبد بينه وبين شريكه في صحته ثمَّ مرض قبل أن يعتق عليه بقية عبده أو قبل أن يقوم عليه حظ شريكه فعثر على ذلك في مرضه على ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن القاسم في المدونة: إنه يعتق عليه عبده ويقوم عليه حظ شريكه في الثلث قبل الموت في المرض وقيل بل يحكم بالتقويم في المرض، ولا يقوم حتى يموت، فإن مات عتق في ثلثه ما بقي من نصيبه أو ما حمل الثلث منه وقوم فيه حظ شريكه أو ما حمل الثلث منه وهو قول أصبغ، والنظر يوجب أن لا يعجل تقويم نصيب الشريك في المرض إلا برضاه؛ إذ لا يدري هل يخرج من الثلث أم لا؟ فمن حجته أن لا يقوم نصيبه إلا إلى عتق متيقن، وقيل إنه يقوم في المرض ولا ينفذ
عتقه حتى يموت، فإذا مات جعلت تلك القيمة في ثلثه، فإن لم يحملها الثلث نفذ من ذلك ما حمل الثلث، وما لم يحمل الثلث بقي رقيقا للورثة أو للشريك الذي لم يعتق.
والقول الثاني هو قول بعض الروايات في المدونة إنه لا يعتق عليه في الثلث بقية عبده ولا يقوم فيه حظ شريكه.
والقول الثالث قول ابن الماجشون في الواضحة: إنه يقوم عليه في الثلث حظ شريكه على ما ذكرنا من الاختلاف في تعجيل التقويم وتأخيره ولا يعتق عليه فيه بقية عبده، واتفقوا على أنَّه إذا لم يعثر على ذلك حتى مات أنَّه لا يعتق عليه بعد الموت بقية نصيبه ولا يقوم عليه حظ شريكه لا من رأس المال ولا من الثلث وهذا كله إذا طال ذلك. اهـ. وقال في المقدمات ما نصّه: واختلف إذا لم يعثر على ذلك حتى مرض أو مات، فقيل: إنه لا يقوم عليه بعد الموت ولا في المرض قاله بعض رواة مالك في المدونة، وقيل: إنه يقوم عليه في المرض ويعتق عليه فيه، وقيل إنه إنما يقوم عليه بعد الموت في الثلث، وقيل إن كان له مال مأمون قوم عليه في مرضه، وإن لم يكن له مال مأمون لم يقوم عليه إلا بعد موته. أهـ.
وبتأمل هذه النقول كلها تعلم أن ما قال الزرقاني والخرشي خلاف الراجح وخلاف مذهب مالك وابن القاسم في المدونة، وخلاف قول مالك في العتبية والواضحة، وخلاف قول ابن القاسم وأشهب في الموازية، وخلاف قول أصبغ وأنه لم ينقله أحد ممن قدمنا ذكره من الحفاظ إلا اللخمي على وجه يفيد أنَّه ضعيف، بل يفيد أنَّه تخريج، وما نقله البناني عن بعضهم هو الرابع في كلام المقدمات، وقد آخره ولم يعزه لأحد ولم يذكره في البيان ولا عرج عليه أحد ممن قدمنا ذكرهم والراجح هو قول ابن القاسم في المدونة وغيرها مع جعل ما لأصبغ تفسيرا، كما جزم به أبو الحسن واقتضاه كلام الباجي والله الموفق. أهـ.
وقال الحطاب: قال ابن عرفة: قال ابن رشد في ثاني مسألة من رسم العتق من سماع أشهب: من أعتق شقصا من عبده أو عبد بينه وبين شريكه في المدونة فلا خلاف أن ذلك من الثلث ما أعتق منه وما بقي إن مات من ذلك المرض ولم يصح منه، واختلف في تعجيل التقويم في المرض على قولين: أحدهما أنَّه لا يعجل ولا ينظر فيه إلا بعد الموت وهو نص المدونة، والثاني أنَّه يعجل
التقويم في المرض وهو قائم من المدونة وعليه فلا ينفذ العتق حتى يصح فيكون من رأس المال أو يموت فتكون القيمة من الثلث ينفذ فيه ما حمل منه ورق الباقي للورثة أو للشريك، وسواء كان له مال مأمون أم لا، وقيل إن هذا إنما يكون إن لم يكن له مال مأمون وإن كان له مال مأمون عتق عليه في المرض جميعه إن كان له، وقوم عليه فيه حظ شريكه إن كان له فيه شريك وهو أحد قولي مالك في المدونة. أهـ.
ولم يقوم على ميت لم يوص يعني أن من أعتق جزءًا له من عبد والباقي لغيره ثمَّ مات المعتق ولم يوص بالتقويم، فإنَّه لا يقوم عليه أي لا يكمل عليه بل يبقى الباقي لشريكه رقيقا، قال البناني مفسرا للمص: أي أعتق شقصا في صحته ثمَّ مات ولم يوص بالتقويم، بهذا صوره المواق أو أوصى بعتق شقص له في عبد ولم يوص بالتقويم وبهذا صوره ابن مرزوق. أهـ. وقال الشبراخيتي: ولم يقوم على ميت ما بقي من رقيق أعتق جزءه في حصته ولم يعلم بذلك حتى مات فيعتق ما أعتقه فقط ولا يقوم عليه؛ لأنَّ المال قد انتقل إلى ورثته ولا تقويم عليهم لأنهم لم يعتقوا. نص عليه في المدونة. وهذا حيث لم يوص بتكميل العتق، فإن أوصى كمل عليه. وقوله:"ولم يقوم على ميت لم يوص" يجري فيه ثلاث صور، وهي: ما إذا أعتق في صحته أو في مرضه واطلع عليه بعد موته، أو أوصى بالعتق بعد موته، وأما ما أعتقه في صحته أو في مرضه واطلع عليه في مرضه فإنَّه يكمل عليه وإن لم يوص، ويعجل التقويم إن كان مال مأمون، وإن كان غير مأمون أخر التقويم بعد موته، وإن لم يطلع عليه إلا بعد موته فإن التكميل لا يكون إلا بوصية. أهـ.
وقال عبد الباقي: ولم يقوم على ميت أعتق في صحته أو مرضه شقصا له في عبد وباقيه لغيره، واطلع عليه بعد موته فيهما ولم يوص بالتكميل لانتقال التركة بمجرد موته للورثة، فصار كمن اعتق ولا مال له ومثله إذا أوصى بعتق جزئه هو بعد موته فلا يقوم الباقي له أو لغيره لصيرورة ما زاد على وصيته للورثة، ومفهوم قوله: ولم يوص أنَّه إن أوصى بتكميل ما أعتقه في صحته أو مرضه واطلع عليه بعد موته فيهما كمل عليه من الثلث فقط.
ومفهومُ قولي: بعد موته أنَّه إن أعتق في صحته واطلع عليه في مرضه فيمضي ما أعتقه في صحته، ولو زاد على الثلث أو كان ماله غير مأمون كما قدمنا وما أعتقه في مرضه يوقف لموته فيخرج ما
أعتقه من الثلث، ويعجل تكميل الباقي من الثلث وإن لم يوص في عتقه في صحته ومرضه إن كان ماله مأمونا وإلا أخر لبعد موته، ولا يكون التكميل إلا من الثلث، فإن قلت: بين مفهوم قوله: "أمن" وبين منطوق قوله: "ولم يقوم على ميت" نوع تخالف؛ إذ مفاد الأوّل التقويم بعد الموت وإن لم يوص، ومفاد الثاني خلافه مع أن كُلًّا منهما معتبر لأنه نص المدونة كما قال أحمد، قلت: الأوّل فيما إذا اطلع عليه قبل الموت، والثاني فيما إذا اطلع عليه بعد الموت كما قررنا فلا مخالفة. أهـ. ويأتي البحث معه قريبا. أهـ. قوله: ومفهوم قولي بعد موته إن أعتق في صحته لخ، قد مر رد هذا القول وأنه ضعيف مخرج.
تنبيه: الذي يظهر لي من كلامهم أن التحقيق أنَّه إن مات من أعتق جزءًا في صحته والباقي لغيره فإنَّه لا يكمل عليه حيث مات قبل التقويم ولم يوص، اطلع على ذلك قبل موته أو لم يطلع عليه إلا الشهود، قال المواق من المدونة: إن أعتق أحد الشريكين حظه من عبد في صحته فلم يقوم عليه حتى مات لم يعتق منه إلا ما كان عتق ولا يقوم على ميت وكذلك لو فلس. أهـ.
وقال التوضيح: أشهب عن مالك: لو أعتق بعض عبده في صحته فلم يقوم عليه حتى مات مكانه أو فلس لم يعتق عليه إلا ما كان أعتق. سحنون: هذا قول أصحابنا جميعًا، وفي وصايا المدونة: لا يقوم ميت ولا يقوم على ميت، ومثاله إن أعتق أحد الشريكين حصته من عبد فمات العبد أو المعتق قبل التقويم. أهـ. وفي الخرشي: من أعتق شقصا له في عبد وباقيه لغيره فلم يقوم عليه حتى مات ولم يوص بالتقويم، فإنَّه لا يقوم عليه حينئذ. أهـ. وفي الرهوني عن ابن يونس ما نصّه: ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من عبد في صحته فلم يقوم عليه حتى مرض قومنا عليه حصة شريكه في الثلث، وكذلك من أعتق نصف عبده في صحته فلم يستتم عليه حتى مرض فليعتق بقيته في ثلثه. ابن المواز: وقاله ابن القاسم وأشهب، قال أصبغ: وإذا لم يعلم به حتى مرض فليحكم الآن عليه بالتقويم ويوقف المال لحياته وموته وينفذ الحكم عليه في ذلك، فإن صح لزمته القيمة وإن مات أخرجت القيمة من ثلثه أو ما حمل الثلث، ويبدأ على الوصايا وما أعتق أولًا من رأس المال. انتهى. المراد منه.
أبو الحسن: وما قاله أصبغ تفسيرٌ لقول ابن القاسم، وإنما قال: يقوم وتوقف القيمة هروبا من أن يفوت التقويم بموته. أهـ. وتأمل قوله هروبا من أن يفوت التقويم بموته فإنَّه كالصريح في أن اطلاع الناس عليه والحاكم ولم يحصل التقويم المذكور كالعدم، فحيث مات قبل التقويم ولم يوص لم يكمل عليه وهذا هو مفاد المص، حيث قال:"ولم يقوم على ميت لم يوص" ففيه رد لما قاله عبد الباقي. والله تعالى أعلم. ووقع في المدونة أنَّه إذا لم يعلم الشريك بالعتق إلا بعد موت المعتق لم يعتق إلا ما كان، وكذا وقع في عبارة غير واحد ومعنى ذلك - والله أعلم - أنَّه إن علم بذلك عجل الحاكم عتق الباقي الآن قبل الموت من رأس المال إن اطلع على ذلك في الصحة، وإن اطلع عليه في المرض عجل العتق الآن أو التقويم وتؤخر القيمة للموت ليلًا يفوت التقويم بالموت هذا ما ظهر لمقيده. والله تعالى أعلم.
وقوم كاملا بماله هذا التقويم الكائن بعد امتناع الشريك من العتق المشار إليه بقول المص: "وقوم كاملا بماله" لخ عام في جميع مسائل التقويم على الشريك المعتق في صحته أو مرضه، ومعنى كلامه أن العبد الذي أعتق منه جزء والباقي لغير المعتق بكسر التاء إذا قلنا إنه يعتق عليه باقيه ويغرم قيمة الباقي للشريك الذي لم يعتق، فإنَّه يقوم العبد كاملا ويكون ماله جزءًا منه، فإذا كان قيمة العبد مائتان وماله مائة فقيمته ثلاثمائة، فإذا كان الشريك له النصف وأعتقه فإنَّه يؤدي إلى الشريك مائة وخمسين، ومال العبد يبقى بيده لأنه بعتق بعضه يمنع انتزاع ماله لأنه تبع له؛ إلا أن يستثنيه السيد وتقوم الأمة بمالها وولدها الحادث بعد العتق. وقوله:"وقوم كاملا" أي ولا يقوم على أن البعض الآخر حر وهو يفيد اعتماده، وكذا قول ابن شأس: يقوم كاملا لا عتق فيه، وقيل يقوم نصفه على أن نصفه الآخر حر، وقال الشيخ أبو عمران: وليس بالجيد، والذي اتفق عليه أصحابنا أنَّه إنما يقوم على أن جميعه مملوك. أهـ. وإيضاح هذا أنَّه مختلف على قولين، هل يقوم العبد كاملا ويدفع له نصف القيمة إن كان الباقي النصف وهكذا لأنَّ في تقويم البعض ضررا على الشريك فيقوم على أنَّه قن لا عتق فيه؟ أو يقوم الباقي منه ويدفع له قيمته أي يقوم على أن بعضه قن وبعضه حر؟
تنبيه: في الرهوني تشهير القول بأنّه يقوم الباقي منه فقط حرا وتشهير القول بأنّه يقوم كاملا الذي مشى عليه المص، لكن معنى يقوم الباقي عنده أنَّه يقوم الباقي على أن العبد كله مملوك لا على أن بعضه الآخر حر، وقال: إن مقابل المشهور هو أن يقوم الباقي على أن البعض الآخر عتيق، وقال عبد الباقي عند قوله "كاملا" ما نصّه: وهذا إن أعتق بغير إذنه يعني بغير إذن شريكه الذي لم يعتق ولم يلتزم النقص الحاصل لحصته مفردة ولم يكن الشريك الذي تقوم حصته على المعتق اشتراها مفردة بأن اشترياه معا، فإن اشترياه في صفقتين لم يقوم كاملا، ومحله أيضًا إن لم يعتق الشريك بعض حصته بعد عتق الأوّل جميع حصته أو بعضها وإلا قوله على الأوّل البعض الباقي من حصة الثاني فقط؛ لأنَّ من حجة الأوّل أن يقول إنما يقوم علي كاملا إذا كان الولاء كله لي، وأما لو كان بعض الولاء لشريكي فلا يقوم كاملا، وهذا إذا تأخر الحكم على الثاني بالعتق حتى حصل له مانع من فلس ونحوه، وإلا لم يقوم البعض الباقي على الأوّل بل يعتق على الثاني بالسراية. اهـ.
قول الزرقاني: وهذا إن أعتق بغير إذنه ولم يلتزم له النقص الحاصل لخ، قال البناني: الصواب إسقاط كل من هذين القيدين، أما الثاني فإنَّه لا فائدة فيه لأنه إذا التزم له النقص الحاصل بالتقويم لحصته مفردة فقد قوله كاملا وأما الأوّل فإنَّه قول ثالث مقابل لما عند المص، ففي التوضيح ما نصّه: حكى أبو عِمْرَانَ في كون العبد يقوم كله على أن جميعه رقيق اتفاقَ الأصحاب عليه، وحكى أحمد بن خالد أنَّه يقوم على أن نصفه الآخر حر وهو خلاف ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام. (فكان له مال يبلغ ثمن العبد
(1)
)، وفصل بعضهم فقال: إن عتق بإذن شريكه فكقول أحمد وإلا فكقول المشهور. أهـ.
لكن رأيت ابن عرفة لما ذكر القولين الأولين، قال: وذكر اللخمي القول الأوّل عن محمَّد وعقبه بقوله: وإن أعتق بإذن شريكه فله قيمته يوم الحكم على أن نصفه حر. أهـ. فظاهر اللخمي أن الثالث تقييد للأول وهو خلاف ما في التوضيح. فتأمله. واعلم أن المص اعتمد القول الأوّل لما تقدم
(1)
البخاري، كتاب العتق، رقم الحديث 2522 - مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث 1501.
عن أبي عمران، ورأيت ابن ناجي في شرح الرسالة ذكر أن القول الثاني هو المشهور وهو للفاكهاني فانظره. أهـ. وبحث فيه الرهوني بأن المشهور ليس هو أن يقوم الباقي على أن الآخر حر، وإنما هو أن يقوم الباقي على أن العبد كله مملوك، وأما على أنَّه حر فهو مقابل للمشهور. فتأمله. والله أعلم. ابن عبد السلام: ينبغي على القول الأوّل يعني تقويمه كاملا أن يكون للشريك الرجوع على المعتق بقيمة نقص العتق إذا منع الإعسار من التقويم عليه. نقله في التوضيح. نقله البناني.
بعد امتناع شريكه من العتق يعني أنَّه إذا أعتق جزءًا من العبد والباقي لغيره، فإنَّه يخير الشريك بين أن يبت عتق نصيبه من الآن وبين أن يغرم له ما ينوب نصيبه من القيمة، فإذا امتنع من أن يبت عتق نصيبه فإنَّه يقوم نصيبه على المعتق على ما مر ويعتق عليه، فقوله:"بعد" متعلق بقوله: "وقوم"، وفي بعض النسخ، بإسقاط قوله من العتق وتركه لوضوحه، قال التتائي: وإنما يكمل عليه بعد امتناع شريكه من عتق نصيبه مالك لا يقوم نصيب الشريك على المعتق إلا بعد تخيير ربه بين العتق والتقويم، فإن أعتق فذلك له وإن أبي قوم على المعتق. أهـ.
تنبيه: وقع في شرح عبد الباقي وفي شرح الخرشي شرح: "وقوم كاملا بماله"، وكذا يقوم بولده الذي حدث له بعد العتق وكذا الأمة تقوم بولدها، ويعتبر ماله يوم يقام عليه في المحل الذي وقع فيه العتق. اهـ. قوله وكذا يقوم بولده الذي حدث له بعد العتق، يعني - والله تعالى أعلم - ولد العبد الذكر الذي حدث له من أمته بعد عتق بعضه. قاله مقيده عفا الله عنه.
ونقض له بيع منه الضمير في "له" عائد على التقويم، واللام للتعليل والضمير في قوله:"منه" عائد على الشريك الذي لم يعتق، يعني أن الشريك الذي لم يعتق نصيبه إذا باع ماله من العبد المذكور فإنَّه ينقض لأجل تقويمه على الشريك المعتق البيع الذي صدر من الشريك الذي لم يعتق، قال عبد الباقي: ونقض له أي لأجل التقويم بيع صدر منه أي من الشريك الذي لم يعتق، وكذا ممن بعده ولو تعددت البياعات فيه سواء علم الشريك بالعتق أم لا إلا أن يعتقه المشتري وتنظير أحمد في ذلك غير ظاهر، أو يفوت بيده بمفوت البيع الفاسد أو بيعه للمعتق بالكسر لأنه بدخوله في ملكه لزمه عتقه للتكميل، وأما الهبة والصدقة فلا ينقضان ويقوم على المعتق ويكون الثمن
للمعطى بالفتح إلا أن يحلف الواهب أنَّه إنما وهب لتكون للموهوب القيمة، فإن حلف كان أحق بها كذا قالوا هنا، وانظر ما الفرق بينه وبين قوله في الشفعة:"والثمن لمعطاه إن علم شفيعه" بل مقتضاه أن يكون قيمة الشقص المأخوذ للعتق للمعطى بالفتح إن علم المعطي أن له شريكا يقوم عليه. أهـ. وقال البناني: علة النقض يعني في قوله ونقض له بيع منه ما فيه من الغرر، قال في التوضيح: لأنَّ التقويم قد وجب فيه قبل البيع فدخل المشتري على قيمة مجهولة. أهـ.
وقال التتائي: قال ابن المواز: وإنما نقض البيع لأنَّ المشتري أعطى عينا أو عرضا في شيء وجبت فيه القيمة وهي مجهولة. أهـ. وحيث نقض البيع نقض جميع ما بعده من البياعات، ولا يقال أن البيع من مفوتات البيع الفاسد لأنا نقول: لا يكون البيع فوتا إلا إن كان صحيحا، وهنا لا يكون إلا فاسدا، وعورض التعليل بالغرر بقوله في المدونة: وإن ابتعت أنت وأجنبي أباك في صفقة جاز البيع وعتق عليك وضمنت للأجنبي قيمة نصيبه. أهـ. فقد دخل الأجنبي على قيمة مجهولة، وأجاب بعض شيوخ عبد الحق بأن المشتري دخل في المسألة الأولى على الفساد لوجوب القيمة قبل الشراء، بخلاف المشتري هو وأجنبي أباه لم يجب التقويم قبل الشراء ولا ثبت في ذلك عتق إلا بعد حصول الشراء، على أن سحنونا غمز مسألة شراء الأب، وقال: لم يجز هذا الشراء والأجنبي لا يدري ما يشتري، وقيد أشهب ما في المدونة من نقض البيع، فقال: إلا أن يكون المعتق معسرا فلا يرد بيعه إذ لا يرد إلى تقويم. أهـ باختصار من التوضيح وكذا يقال فيما بعد البيع. اهـ. قاله البناني. وقال المواق من المدونة: إن أعتق أحد الشريكين حصته وهو موسر ثمَّ باع الآخر نصيبه نقض البيع وقوم على المعتق. أهـ.
وتأجيل الثاني يعني أن الشريك الذي لم يعتق حصته، إذا أعتق حصته لأجل فإنَّه ينقض عتقه المؤجل لأجل التقويم على الشريك الذي أعتق، أو تدبيره يعني أن الشريك الذي لم يعتق حصته إذا دبرها فإنَّه ينقض لأجل التقويم المذكور تدبيره، ومن المدونة: إذا أعتق الملي شقصا له في عبد فليس لشريكه أن يعتق نصيبه إلى أجل، إما أعتق بتلا أو قوم على شريكه. أهـ. قاله المواق. وقال أيضًا ما نصّه: من المدونة: إن أعتق الملي شقصا له في عبد وأعتق الشريك حصته إلى أجل أو دبر أو كاتب رد إلى التقويم إلا أن يبتله. أهـ.
قال مقيده عفا الله عنه: كلام المدونة هذا صريح أو كالصريح في أن له أن يبتله بعد أن دبر أو أعتق لأجل أو كاتب، ولا يعارضه قوله: ولا ينتقل بعد اختياره أحدهما كما هو ظاهر، ومعنى كلام المص أن الشريك الذي لم يعتق حصته يخير بين أن يعتق وبين أن يأخذ قيمة نصيبه كما عرفت، فإذا اختار أحد الأمرين فليس له أن ينتقل إلى غيره، فإذا اختار العتق فليس له الانتقال عنه وإذا اختار التقويم فليس له أن ينتقل إلى غيره. قال عبد الباقي: ولا ينتقل بعد اختياره أحدهما معينا لغيره ما لم يرض الآخر. أهـ. قوله: لغيره متعلق "بينتقل"، وقوله: ما لم يرض الآخر قال الرهوني: هو ظاهر إن كان اختار التقويم وإن كان اختار العتق، فإن كان قد وعد به فظاهر أيضًا على المشهور في الوعد من أنَّه لا يلزمه الوفاء به إن لم يقع توريط، وأما إن كان أوقع العتق بالفعل فلا يصح الرجوع للتقويم ولو رضي المعتق تأمل. أهـ.
وقال المواق من المدونة: إن أعتق نصيبه في يسره فقال شريكه أنا أقوم عليه نصيبي، ثمَّ قال بعد ذلك: أنا أعتق لم يكن له إلا التقويم. أهـ. وقوله: "ولا ينتقل بعد اختياره أحدهما" قال التتائي: وظاهره أنَّه لا فرق بين اختياره ذلك من قبل نفسه أو تخيير المعتق له أو الحاكم. أهـ. وقال الشبراخيتي: ومعنى كلامه أن الشريك الذي لم يعتق إذا خير بين العتق والتقويم على المعتق فاختار أحدهما فليس له الانتقال بعد ذلك إلى غير ما اختاره، وظاهره أنَّه لا فرق بين اختياره ذلك من قبل نفسه أو تخيير المعتق له أو الحاكم. أهـ.
وإذا حكم بمنعه لعسر مضى الضمير في منعه للتقويم؛ يعني أنَّه إذا حكم بمنع التقويم لأجل عسر الشريك المعتق فإن ذلك الحكم يمضي فلا يقوم عليه إن أيسر بعد ذلك، فقوله:"بمنعه" بالنون قال عبد الباقي: وإذا حكم أي حكم الحاكم أو الشرع وإن لم يكن حكم حاكم بمنعه بنون أي بمنع تقويم حصة الشريك على المعتق لعسر مضى الحكم، فلا يقوم بعد يسره، والنون هي التي في النسخة الصحيحة كما قال ابن غازي، وفي نسخة الشارح: ببيعه بياء موحدة قبل العين وهي صحيحة؛ أي إذا حكم الحاكم ببيع الشريك حصته لغير المعتق لعسره مضى ولا ينقض ليسره بعد الحكم، وإن لم يحصل بالفعل والحكم بجواز البيع مستلزم لمنع التقويم فهو بمثابة الحكم بمنع التقويم فلا فرق بين النسختين كما قاله أحمد. أهـ.
قوله: أو الشرع وإن لم يحكم لخ فيه نظر، بل المراد هنا إنما هو حكم الحاكم كما يدلّ عليه ابن الحاجب والتوضيح، وأيضًا حكم الشرع دون حاكم هو قوله: بعده كقبله لخ، فيتوقف فيه المضي على الشرطين. أهـ من البناني. وقال الشبراخيتي: وإذا حكم ببيعه أي بجواز بيع حصة الشريك المعتق، وفي بعض النسخ بمنعه أي حكم بمنع تقويم حصة الشريك الذي لم يعتق على الشريك المعتق ومعناهما واحد، لأنه إذا حكم بمنع التقويم حكم بجواز البيع، وإذا حكم بجواز البيع حكم بمنع التقويم لعسره أي لعسر المعتق، سواء أعتق وهو معسر واستمر عسره إلى يوم الحكم أو هو موسر ثمَّ أعسر. أهـ. وقال المواق: ابن الحاجب: إذا حكم بسقوط التقويم لعسره فلا تقويم بعد، ولو لم يحكم فأيسر ففي إثباته روايتان. أهـ.
كقبله ثمَّ أيسر هذه ليس فيها حكم حاكم، والتي قبلها فيها حكم حاكم، والضمير في قبله يرجع للعتق يعني أنَّه إذا كان معسرا قبل عتقه لنصيبه، ومعنى ذلك أنَّه معسر حين العتق ثمَّ أيسر بعد ذلك ولم يحكم بمنع التقويم حاكم، فإنَّه يسقط عن المعتق تقويم نصيب الشريك الذي لم يعتق فلا يقوم عليه بل يبقى رقيقا للشريك الذي لم يعتق، فقوله:"ثم" أي بعد العتق أيسر الشريك المعتق، فيفيد أن اليسر إنما حصل بعد العتق فالتشبيه في قوله:"مضى"، وفاعل مضى هو الحكم بسقوط التقويم كما سقط في التي قبلها.
إن كان بين العسر يعني أنَّه إذا كان معسرا حين العتق ثمَّ أيسر بعد العتق والحال أنَّه لم يحكم حاكم بسقوط التقويم، فقد علمت أنَّه لا يقوم عليه نصيب شريكه، وذلك بشرطين أحدهما هذا وهو أن يكون المعتق بين العسر للناس والعبد والشريك الذي لم يعتق، والشرط الثاني أن يكون العبد حاضرا وقت عتق المعتق نصيبه كما أشار إليه بقوله: وحضر العبد فإن لم يكن بين العسر أو كان بين العسر ولكن لم يحضر العبد بل كان غائبا حين العتق فإنَّه يقوم على المعتق نصيب الشريك، قال عبد الباقي: إن كان بين العسر للناس والعبد والشريك الذي لم يعتق وحضر العبد وقت عتق المعتق لنصيبه، فإن لم يكن بين العسر قوم لاحتمال أن يكون هذا اليسر هو الذي كان حين العتق؛ لأنَّ الفرض أنَّه أيسر. أهـ. قال الشبراخيتي ما معناه: وإنما اشترط حضور العبد لأنه
إذا كان غير حاضر حين العتق فمن حجته أن يقول لو كنت حاضرا لأظهرت ملاءه. أهـ كلام الشبراخيتي.
وقال عبد الباقي: وإنما اشترط حضور العبد لأنه إذا كان حاضرا حين العتق علم أن عدم التقويم إنما هو للعسر لا لتعذر التقويم؛ لأنَّ الحاضر لا يتعذر تقويمه بخلاف الغائب فيقوم بعد حضوره، فكأنه أعتقه الآن في حال يسره، ومثل الحاضر قريب الغيبة يجوز النقد فيها بالشرط. أهـ. قال البناني: وإنما تعذر تقويم الغائب لأنه لا بد من نقد قيمته والنقد في الغائب لا يجوز سواء علم موضعه أو صفته أو كان مفقودا، وهذا ما لم يكن قريب الغيبة مما يجوز في مثله اشتراط النقد فهو كالحاضر كما نقله الزرقاني، وكما في التوضيح. فانظره. أهـ. وقال المواق من المدونة: إن أعتق معسر شقصا له في عبد فلم يقوم عليه حظ شريكه حتى أيسر، فقال مالك: قديما يقوم عليه، ثمَّ قال: إن كان يوم أعتق يعلم الناس والعبد والمتمسك بالرق أنَّه إنما ترك القيام لأنه إن خوصم لم يقوم عليه لعدمه فلا يعتق عليه، وإن أيسر بعد ذلك وإن كان العبد غائبا فلم يقوم عليه حتى أيسر المعتق بنصيبه يقوم عليه بخلاف الحاضر. أهـ.
وأحكامه قبله كالقن يعني أن أحكام العبد المعتق بعضه الذي يدخله التقويم في الشهادة والميراث والحدود وغيرها قبله أي قبل التقويم كالقن أي كالعبد الذي لا شائبة حرية فيه فترد شهادته، وهو على النصف من الحر في حدّ الزنى والقذف والشرب والجناية عليه كالجناية على القن أي الخالص الرقية، بناء على أنَّه إنما يعتق بالحكم فإذا مات ورثه المتمسك بالرق دون المعتق ودون ورثته الأحرار؛ لأنه رق حتى يعتق جميعه. قاله الشبراخيتي، وقال عبد الباقي: والعبد المعتق بعضه وباقيه له أو لغيره أحكامه قبله أي قبل الحكم بعتق الباقي أو تكميله أو قبل تمام عتقه، وهذا أولى من عوده على التقويم لأنه قد يقوم ويمنع من التقويم مانع كالقن؛ أي كأحكام القن الذي لا عتق فيه أصلًا من شهادة وميراث وحد وغيرها لافتقار العتق والتكميل للحكم وهذا ما عدا العتق والوطء لأنثى فلا يجوز له وطؤها لأنها مبعضة وإذا مات يكون ماله لمالك البعض. أهـ.
قوله: وهذا ما عدا الوطء قد مر عنه أنَّه لا يجوز انتزاع ماله، قوله: وإذا مات يكون ماله لمالك البعض، قال البناني: أي ولا شيء للمعتق ولا لورثته كما في المدونة، قال ابن عرفة فيها: إن
أعتق أحد شريكين وهو موسر فلم يقوم عليه حتى مات العبد عن مال فالمال للمتمسك بالرق دون المعتق؛ لأنه يحكم له بحكم الأرقاء حتى يعتق جميعه. أهـ. وبه تعلم ما وقع للمواق من الغلط في نقله، ونصه يعني المواق: ابن القاسم: إن مات العبد عن مال قبل التقويم أو قتل فقيمته وما ترك بينهما لأنَّ العتق لم يتم. أهـ. لأنَّ هذا الكلام وقع في المدونة في عتق أحدهما حصته إلى أجل فوضعه المواق في غير محله، ونص ما فيها: وإن أعتق أحد الشريكين حظه إلى أجل قوم عليه الآن ولم يعتق حتى للأجل. ابن القاسم: وإن مات العبد عن مال قبل التقويم أو قتل فقيمته وما ترك بينهما لأنَّ العتق لم يتم. أهـ.
وقوله: فلا يجوز له وطؤها لخ يعني وإذا وطئها لا يحد كما في المدونة في كتاب القذف، ونصها: وإذا أعتق أحد الشريكين في الأمة حصته وهو ملي ثمَّ وطئها المتمسك بالرق قبل التقويم لم يحد؛ لأنَّ حصته في ضمانه قبل التقويم، ثمَّ قال: وإن أعتق أحدهما جميعها وهو ملي فوطئها الآخر بعد علمه يحد إن لم يعذر بجهل. أهـ. انظر التوضيح. أهـ.
ولا يلزم استسعاء العبد يعني أن أحد الشريكين إذا أعتق جزءه من عبد بينه وبين شريكه ومنعه عسره من أن يقوم عليه الباقي، فإنَّه لا يلزم العبد أن يسعى بأن يعمل عملا ينال به ما يخلصه من الرقية، قال الشبراخيتي مفسرا للمص: أي أنَّه إذا أعتق شخص حصة له في عبد ولم تقوم عليه حصة شريكه لفقد شرط من شروط التقويم، فإنَّه لا يلزمه أن يسعى في قيمة بقيته ليدفعها لمالكها خلافا لأبي حنيفة، والسين ليست للطلب أي سعى العبد أي ليخلص نفسه من الرق، وقوله: ولا يلزم أي لا يلزم العبد السعي ولو طلبه سيده بذلك، وكذا لا يلزم العبد الدفع من ماله إلا برضاه لأنه مبعض والمبعض لا ينتزع ماله. أهـ. وقال عبد الباقي: وإذا أعتق شخص حصة له في عبد ولم تقوم عليه حصة شريكه الذي لم يعتق لفقد شرط من شروط التقويم المتقدمة، فإنَّه لا يلزمه استسعاء العبد أي لا يلزمه السعي أي لا يطلب منه أن يسعى في قيمة بقيته ليدفعها لسيده المتمسك بالرق ليخرج بسعيه حرا إن طلب سيده منه ذلك، خلافا لقول أبي حنيفة: يسعى. وكذا إن طلب العبد السعي لا يلزم سيده إجابته لذلك، لكن يندب للسيد إجابة العبد إلى ذلك إن طلبه، كما يندب للعبد إجابة السيد إلى ذلك حيث طلبه. قاله البساطي بحثا في هاتين الصورتين.
والخبر الذي أخذ به أبو حنيفة زيادة السعاية فيه شاذة، وهو: (من أعتق شقصا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال وإن لم يكن له استسعي غير مشقوق عليه
(1)
) وتمسك مالك بخبر الموطإ عن ابن عمر وكذا في الصحيحين: (من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاؤه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق
(2)
). أهـ. وأما المالك لجميع العبد إذا أعتق بعضه ولم يعتق باقيه عليه لكدين فلم يقل أبو حنيفة ولا غيره بسعايته، وإنما لم يلزم العبد السعاية في مسألة المص عند طلب السيد، ولزمه المال إن أيسر وتبعه به إن أعسر في قوله: أنت حر على أن عليك ألفا أو وعليك ألف لزم العتق والمال كما يأتي للمص؛ لأنه يعتق ناجزا ويلزمه المال أيسر أو أعسر، وهنا لا يعتق ناجزا قبل السعي. أهـ.
وقوله: "استسعاء" فاعل "يلزم" على كلا الوجهين المتقدمين عن عبد الباقي، والمفعول على الأوّل العبد وعلى الثاني السيد.
ولا قبول مال الغير يعني أنَّه لا يلزم المعتق المعسر قبول مال الغير ليقوم فيه حصة الشريك الذي لم يعتق، وكذا لا يلزم الشريك الذي لم يعتق قبول مال الغير في قيمة حصته، كما أنَّه لا يلزم العبد قبول مال الغير فيدفعه في قيمة بقيته. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي نحوه.
ولا تخليد القيمة في ذمة المعسر برضى الشريك يعني أنَّه لا يلزم الشريك المعتق حصته من العبد إذا كان معسرا تخليد القيمة في ذمته في حال رضى شريكه باتباع ذمته بقيمة نصيبه إلى أجل معلوم؛ لأنَّ من شرط وجوب التقويم أن يكون المعتق موسرا والجارُّ والمجرور في قوله "برضى الشريك" حَالٌ من "تخليد" أي حال كون التخليد برضى الشريك إلى أجل معلوم، وأما إذا لم يسموه فلا يتوهم لأنه بيع إلى أجل مجهول. قاله الخرشي. ولا يلزم الشريك المعتق حصته تخليد القيمة لنصيب الذي لم يعتق إلى أجل معلوم في ذمة المعسر المعتق حال كون التخليد برضى الشريك لخ، وقال التتائي: ولا يلزم تخليد القيمة في ذمة المعتق المعسر برضى الشريك حتى
(1)
مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث 1503 - البخاري، كتاب العتق، رقم الحديث 2527.
(2)
البخاري، كتاب العتق، رقم الحديث 2522 - مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث 1501 - الموطأ، كتاب العتق والولاء، رقم الحديث 1 باختلاف.
يحصل له اليسار على الأصح عند ابن الحاجب. أهـ. وقوله: حتى يحصل له اليسار هو الذي رده غير واحد، وقالوا: إن الأجل معلوم. والله أعلم.
ومن أعتق حصته لأجل قوم عليه ليعتق جميعه عنده يعني أن الشريك إذا أعتق حصته لأجل كشهر مثلا فإنَّه يقوم عليه الآن ويدفع قيمة الحصة الآن للشريك الذي لم يعتق، ولا يعجل عتق الحصة الآن بل ينتظر بها الأجل الذي أعتق إليه المعتق نصيبه فيعتق جميعه حينئذ، قال عبد الباقي: ومن أعتق حصته لأجل قوم عليه الآن ويدفع قيمة حصة شريكه الآن ليعتق جميعه عنده أي الأجل لأنَّ المقصود تساوي الحصتين، فلا يعجل عتق نصيب المعتق الآن لأنه خلاف الواقع، ولا نصيب شريكه لأنه تابع وظاهره كظاهر المدونة ولو بعد الأجل. وقال أصبغ عن ابن القاسم وأشهب: إن بعد الأجل. أخر التقويم إلى انتهائه. قاله التتائي. وانظر هل هو وفاق فيقيد به ظاهر المص والمدونة أم لا. أهـ. ونحوه لغير واحد، وقوله:"لأجل" قال الشبراخيتي: قوله لأجل يدخل فيه الكتابة.
إلا أن يبت الثاني فنصيب الأوّل على حاله يعني أن محلّ تقويم حصة الثاني في مسألة ما إذا أعتق الأوّل نصيبه لأجل إنما هو حيث لم يبت الثاني عتق نصيبه، وأما إن بت الثاني عتق نصيبه بأن أعتقه ناجزا فإنَّه لا تقويم حينئذ، ويبقى نصيب الأوّل على حاله أي معتقا إلى أجله، كما أنَّه لا تقويم إن أعتق الثاني حصتة لأجل قبل الأجل الأوّل أو لمثله، بل يبقى نصيب الأوّل على حاله أيضًا ويكون نصيب الثاني معتقًا إلى ذلك الأجل، وأما لو أعتق الثاني نصيبه لأجل أبعد من أجل الأوّل فيبطل تأجيله خلافا لأحمد. أهـ. قال البناني: بل الظاهر أنَّه يبطل تأجيله ويقوم على الأوّل الآن. أهـ. يعني فيما إذا كان أجل الثاني أبعد من الأوّل. والله أعلم. وقال المواق سمع عيسى ابن القاسم: من أعتق حظه من عبد إلى سنة وأعتق الآخر بتلا رجع ابن القاسم، فقال: أحسن ما فيه أن يكون على حاله. ابن رشد: هو المنصوص عليه في المدونة. أهـ. وعلم مما قررت أن معنى قوله: "فنصيب الأوّل على حاله" باق على تأجيله ولا يقوم على الثاني ليبتله. والله تعالى أعلم.
وإن دبر حصته تقاوياه يعني أن أحد الشريكين إذا دبر حصته وهو موسر فإنهما يتقاويانه أي الشريك المدبر والشريك الذي لم يدبر، وفسر مطرف المقاواة بأن يقوم قيمة عدل، ثمَّ يقال للمتمسك بالرق: أتسلمه بهذه القيمة أم تزيد؟ فإن زاد قيل لمن دبر: أتسلمه بهذه القيمة أم تزيد؟ وهكذا حتى يقف على حدّ ليرق كله أو يدبر يعني أنهما يتقاويانه ليكون كله رقيقا أو يكون كله مدبرا، فإذا وقف على الشريك الذي لم يدبر فإنَّه يكون كله رقيقا، ويجوز لمن دبر حصته أن يأخذ ثمنها فيفعل به ما شاء، وإذا وقف على من دبره فإنَّه يكون كله مدبرا. ومعنى وقوفه على أحدهما أن يبذل فيه ما لم يبذله الآخر، فالباذل أكثر هو الذي وقف عليه. وقولي: وهو موسر تحرزٌ عما لو كان الذي دبر معسرا ففيه حينئذ أربعة أقوال، والمناسب قول ابن الماجشون وسحنون وصدر به الشارح، وهو: إن شاء الشريك أمضى له صنعهُ وإن شاء رد تدبيره. وقوله: "تقاوياه" في المدونة: كانت المقاواة عند مالك ضعيفة لأنَّ فيها نقض التدبير إذا وقف على تدبير، ولكنها شيء جرى في كتبه. اللخمي: وفيه جنوح لمن أجاز بيع المدبر. أهـ.
تنبيهات: الأوّل: قال البناني عند قوله "تقاوياه" ما نصّه: مأخوذ من القوة. ابن عبد السلام: كأنه أظهر كل واحد قوته وما درج عليه المص من المقاواة، قال في التوضيح: هو المشهور. قال: وروي أنَّه يقوم على المدبر فيكون مدبرا كله تنزيلا للتدبير منزلة العتق. أهـ. قال مصطفى: وانظره مع قول المدونة في كتاب العتق الأوّل: إن دبره بإذن شريك جاز وبغير إذنه قوم عليه نصيب شريكه ولزمه تدبير جميعه ولا يتقاويانه، وكانت المقاواة عند مالك ضعيفة ولكنه شيء جرى في كتبه. أهـ. والمص جرى على قول الأخوين في تحتم المقاواة. ابن عرفة: الصقلي في كتاب المدبر: لابن حبيب عن الأخوين: من دبر حصته بإذن شريكه أو بغير إذنه ليس لشريكه الرضى بذلك والتمسك بحظه، ولا بد من المقاواة وأخذ بها ابن حبيب، وكذا روى محمَّد عن أشهب عن مالك. أهـ. قلت: في كتاب المدبر من المدونة: وإن كان العبد بين ثلاثة فدبر أحدهم حظه ثمَّ أعتق آخر وتماسك الآخر بالرق، فإن كان المعتق مليا قوم عليه حظ شريكه وعتق عليه جميعه، وإن كان معسرا فللمتمسك مقاواة الذي دبر إلا أن يكون العتق قبل التدبير والمعتق عديما فلا يلزم الذي دبر
مقاواة المتمسك؛ إذ لو أعتق بعد عتق المعدم لم يقوم عليه وإن كان مليا. أهـ. وبه تعلم أن كلا من التقويم والمقاواة في المدونة. أهـ.
الثاني: قال عبد الباقي: وكلام المص مقيد بما إذا دبر بغير إذن شريكه وإلا جاز ولا تقويم ولا مقاواة. أهـ. قال البناني: فيه نظر لما علمت من أن القول الذي درج عليه المص هو قول الأخوين، وهما صرحا فيه كما تقدم بأنّه لا بد من المقاواة دبر بغير إذن شريكه أو بأذنه، وإنما ذكر هذا القيد في المدونة كما تقدم في النص الأوّل والمص لم يجر عليه. أهـ.
الثالث: فهم من قول المص: "حصته" أنَّه مشترك وأما لو كان يملك جميعه ودبر بعضه فإنَّه يسري التدبير في باقيه، ويجري مثل ذلك في المعتق لأجل فإذا أعتق بعض عبده لأجل سرى العتق في باقيه.
الرابع: لو دبر كل من الشريكين حصته فإنهما يتقاويان فيه ليكون مدبرا لأحدهما. قاله الشبراخيتي. وما ذكره المص هنا هو قول الأخوين كما عرفت، وقد صرح في التوضيح بأنّه المشهور، وروي عن مالك أنَّه يقوم على المدبر فيكون مدبرا كله تنزيلا للتدبير منزلة العتق، وقد مر هذا القول أيضًا، وروى مطرف وابن الماجشون: إن شاء الشريك قوم أو قاوى، وروى أنَّه بالخيار في هذين وفي ترك الجزء مدبرا. فتلك أربعة أقوال. انظر التتائي. وهذه الأقوال الأربعة فيما إذا كان المدبر موسرا، فإن كان معسرا ففيه أيضًا أربعة أقوال قد مر المناسب منها، وهو قول ابن الماجشون وسحنون. والله تعالى اعلم.
وإن ادعى المعتق عيبه فله استحلافه يعني أن الشريك الذي أعتق حصته إذا ادعى أن العبد الذي أعتق حصته منه معيب ولم يصدقه الشريك الذي لم يعتق نصيبه فإن للشريك المعتق أن يحلفه أنَّه لا يعلم به عيبا، وقررت المص على حسب ظاهره فإن ظاهره أن للمعتق تحليف الشريك الذي لم يعتق، سواء ادعى المعتق علمه بالعيب أم لا، وهو ظاهر ابن عرفة، وقرره عبد الباقي بأنّه ادعى عليه أنَّه يعلم بالعيب، فإنَّه قال: وإن ادعى المعتق لحصته عيبه أي العبد المعتق عيبا خفيا كسرقة وإباق لتقل قيمته ولا بينة له على ذلك، وقال: شريكي يعلم ذلك ولم يصدقة فله - أي للمعتق - استحلافه أنَّه لا يعلم ذلك لأنها دعوى بمال، فإن نكل حلف الآخر أنَّه معيب بما
عينه فيه ويقوم معيبا، ولا يخالف المص هنا قوله: والقول للبائع في نفي؛ لأنه بائع وما هنا شريك. أهـ.
قوله: وقال شريكي يعلم ذلك ولم يصدقه لخ، قال البناني: هكذا فرض المسألة في التوضيح وتبعه الشارح، وكذا هي في الجواهر ولم يفرضها ابن عرفة كذلك، بل ظاهره كظاهر المص سواء ادعى علم شريكه بالعيب أم لا، ونصه: الباجي: لو ادعى المعتق عيبا بالعبد وأنكره شريكه ففي وجوب حلفه قولان: الأوّل هو ثاني قولي ابن القاسم مع أصبغ وابن حبيب، والثاني هو أول قوليه. اهـ. وبه شرح المواق. انظر مصطفى. أهـ.
قول البناني: هكذا فرض المسألة في التوضيح لخ، هكذا هي مفروضة في العتبية أيضًا، ففي أول رسم العتق من سماع القرينين من كتاب العتق ما نصّه: وسئل عمن أعتق شركا له في عبد، فلما أرادوا أن يقوموا عليه قال إنه سارق آبق وشريكي يعلم ذلك فاستحلفوه؟ قال: ليس ذلك على شريكه، ولكن يسئل شريكه عما ذكر، فإن أقر له بذلك فذلك وإن أنكر لم يكن عليه يمين ويقوم على المعتق صحيحا سالما. قال القاضي: مثل هذا حكى ابن حبيب عن ابن القاسم أنَّه يقوم صحيحا سالما لا عيب فيه، ولا يحلف بدعواه إلا أن يقيم شاهدًا، قال أصبغ: ثمَّ رجع فقال: بل يحلف، وبه أقول إنه يحلف. قال القاضي: ولا وجه لإسقاط اليمين عنه إذا حقق عليه الدعوى إلا أنَّه لم يجعل شركتهما في العبد شبهة وخلطة تجب بها اليمين، وقد رأيت عن محمَّد بن يحيى بن عمر بن لبابة أنَّه روى عن عيسى بن دينار عن ابن القاسم أنها خلطة وعليه اليمين، قال: وقال محمَّد بن عبد الحكم: عليه اليمين، وأي خلطة أبين من هذا؟ وأما إذا لم يحقق عليه الدعوى فينبغي أن يجرى الخلاف في لحوق اليمين في ذلك. انظر الرهوني. وقال التتائي: وإن ادعى المعتق لحصته عيبه أي عيب العبد المعتق عيبا خفيا كالسرقة والإباق لتقل قيمته ولا بينة له على ذلك، وقال: شريكي يعلم ذلك ولم يصدقه فله - أي للمعتق استحلافه - واختاره أصبغ وابن حبيب قال المص: وهو الظاهر لأنه دعوى بمال، ورجع إليه ابن القاسم بعد أن كان يقول: لا يمين. أهـ.
وإن أذن السيد وأجاز عتق عبده جزءًا قوم في مال السيد يعني أن السيد إذا أذن لعبده في عتق جزء من عبد مشترك بين العبد وشخص فأعتقه أو أعتقه العبد بغير إذن السيد فأجاز السيد عتقه لذلك الجزء، فإنَّه يكون السيد هو المباشر لعتق ذلك الجزء فيقوم في مال السيد ويدفع الشريك القيمة للشريك ويعتق عليه على السيد، قال الشبراخيتي: وإن أذن السيد لعبده في عتق جزء من عبد مشترك بينه وبين غيره أو لم يأذن له لكن أجاز السيد عتق عبده يتنازعه أذن، وأجاز لكن أذن يطلبه على أنَّه غير متعد له بنفسه جزءًا قوم نصيب الشريك في مال السيد الأعلى لأنه المعتق حقيقة لأنَّ الولاء له، فإن كان عند السيد ما يوفي بقيمة الجزء فواضح.
وإن احتيج لبيع المعتق بيع يعني أنَّه إذا احتيج لبيع العبد المعتق لتوفَّى به القيمة للشريك الذي لم يعتق، فإنَّه يباع ليأخذ الشريك ماله لأنَّ العبد الأعلى مال من أموال السيد، وقوله:"وإن احتيج لبيع المعتق" يقتضي أنَّه لا يباع إلا إذا احتيج لبيعه بأن لم يوجد غيره للسيد، مع أن العبد من جملة أموال السيد، فلا فرق بينه وبين غيره فله بيعه سواء احتيج لبيعه أم لا. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: وإن احتيج لبيع المعتق بكسر التاء لعدم ما يوفي به القيمة عند سيده بيع ليكمل منه الجزء الباقي، فلو قال السيد: قوموه في مال العبد فإنَّه لا يجاب إلى ذلك. قاله ابن القاسم. ولا مفهوم لاحتيج لأنَّ العبد المعتق من جملة أموال السيد، فلا فرق بينه وبين غيره. أهـ. قوله: فلو قال السيد قوموه لخ هكذا في التوضيح عن ابن القاسم وسحنون، وهو مشكل لأنه يقال لم لا يكون قول السيد هذا انتزاعا لمال عبده إلا أن يكون مراده العبد الذي لا ينتزع ماله، وهو بعيد إذ العبد الذي لا ينتزع ماله لا يباع فلا يكون فيه التقويم إلا أن يكون مبعضا، وقال بعض: لعل معناه أن السيد قال قوموه فيما بيد العبد فقط، فإن حمله عتق وإلا فلا يتعدى لمالي، وبهذا يظهر عدم إجابته لذلك، وأما إن قال قوموه في مال العبد وكان ماله يفي بالقيمة أو كان لا يفي وكمل السيد فعدم إجابته لذلك مشكل. أهـ. وهو ظاهر. أهـ. قاله البناني.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: قول ابن القاسم وسحنون: لو قال السيد قوموه في مال العبد فإنَّه لا يجاب إلى ذلك، معناه عندي - والله اعلم - بحيث يكون المعتق هو العبد والولاء له. والله تعالى أعلم. وقوله:"بيع" كذا هي في نسخة عبد الباقي، وفي كثير من النسخ بإسقاط بيع
فيكون جواب الشرط محذوفا أي بيع أو تكون إن للمبالغة؛ أي يقوم في مال السيد وإن أدى ذلك إلى بيع المعتق وقولي: وإن احتيج لبيع المعتق بيع، قال غير واحد: وهذه المسألة كثيرًا ما تقع في المعاياة، فيقال: في أي موضع يباع السيد في قيمة عبده، ونظمها بعضهم فقال:
يحق لجفن العين إرسال دمعه
…
على سيد قد بيع في عتق عبده
وما ذنبه حتى يباع ويشترى
…
وقد بلغ المملوك غاية قصده
ويملكه بالبيع إن شاء فاعلمن
…
كذا حكموا والعقل قاض برده
فهذا دليل أنَّه غير مدرك
…
بحسن ولا قبح فقف عند حده
وإن أعتق أول ولد لم يعتق الثاني ولو مات يعني أن الشخص إذا قال لأمته: أول ولد تلدينه - يعني من غيري حر - فإنَّه يعتق أول ولد ولدته ولا يعتق الثاني، ولو ولدت الأوّل من التوأمين ميتا، ورد المص بلو قول ابن شهاب الزهري: إنها إن ولدت أول التوأمين ميتا يعتق الثاني، وابن شهاب الزهري المذكور من أشياخ مالك وخلافه خارج المذهب، وإنما أشار لِرده بلو لأنه مذكور في المدونة والقاعدة أن لا يذكر في المدونة إلا ماله أصل في المذهب، وقد قال ابن حبيب: ارتضاه غير واحد من أشياخ المذهب. أهـ. قاله البناني.
وقال عبد الباقي: وإن أعتق شخص أول ولد تلده أمته من غيره، فولدت ولدا ثمَّ آخر عقبه لم يعتق الثاني، ولو مات الأوّل فضمير مات عائد على الأوّل، فإن خرجا معا عتقا لوصف كل بالأولية كما إذا لم يعلم الأوّل منهما دفعا للترجيح بلا مرجح. أهـ. ونحوه للخرشي، فإنَّه قال: فلو خرجا متساويين عتقا معا، ولو شككنا في أولهما خروجا عتقا معا أيضًا. أهـ. وقال الشبراخيتي: وإن أعتق شخص أول ولد تلده أمته فولدت ولدين في بطن غلامين أو جاريتين أو غلاما وجارية عتق أولهما خروجا حيا أو ميتا ولم يعتق الثاني ولو مات الأوّل في حال الخروج من بطن الأم، ومقابل لو قول ابن شهاب بعتقه كما في المدونة، فإن خرجا معا عتقا كما إذا لم
يعلم الأوّل منهما، ولو قال إن ولدت غلاما فهو حر فولدت اثنين فإنَّه يعتق الأوّل إن كان ذكرا حيا وإلا فالثاني أو ما بعده إن كان ذكرا حيا وعند الشك يعتقان. أهـ.
وقال التتائي عند قوله: "وإن أعتق أول ولد لم يعتق الثاني ولو مات" ما نصّه: وأما لو كانا حيين ولم يعلم الأوّل: فقال مالك: يعتقان معا للشك وشهادة النساء في ذلك جائزة، وأشعر قوله:"أول ولد" إنه لو أعتق أول بطن تضعه لعتق ما تضعه واحدا أو أكثر. ابن شعبان: ولا ينوى. اللخمي: يريد أنَّه لا ينوى أنَّه أراد واحدا، وأرى أن ينوى إن قال أردت أول ولد فيكون الثاني رقيقا لأنَّ الغالب ولادة واحد ولا يعتق عليه اثنان. أهـ. الشارح: ولو قال: إن ولدت غلاما فهو حر فولدت اثنين عتق الأوّل وإن ولد ميتا عتق الحي، وإن عاشا فأشكل الأوّل عتقا وشهادة النساء في ذلك جائزة. أهـ. وقال المواق من المدونة: إن قال لأمته ما تلدينه حر فولدت ولدين في بطن واحد عتق أولهما خروجا، فإن خرج الأوّل ميتا فلا عتق للثاني. أهـ.
وإن أعتق جنينا أو دبره فحر يعني أنَّه إذا أعتق جنينا في بطن أمته أو دبره فهو حر في الأولى ومدبر في الثانية، وإن لأكثر الحمل يعني أنَّه إذا قال لها: ما في بطنك حر أو مدبر فولدت، فإن ذلك الولد يكون حرا في قوله ما في بطنك حر، ويكون مدبرا في قوله: ما في بطنك مدبر حيث وضعته لدون أقصى أمد الحمل بل وإن وضعته لأكثر أمد الحمل، وهل هو أربع أو خمس؟ فيه الخلاف المار، وفهم من هذا أنها لو أتت به لأكثر من أمد الحمل كست سنين مثلا لم يعتق على ما مر.
إلا لزوج مرسل عليها يعني أن ما تقدم من أنَّه يعتق ما وضعته لأكثر أمد الحمل فدون إنما هو فيما إذا لم يكن لها زوج مرسل عليها أو سيد مرسل عليها فيعتق ما أتت به وإن لأكثر الحمل من يوم انقطاع الوطء عنها، وأما لو كان لها زوج مرسل عليها أو سيد مرسل عليها فإنما يعتق ما وضعته لأقله أي أقل أمد الحمل بإخراج الغاية أي فيعتق ما ولدته لأقل من أقل أمد الحمل من يوم قال لها ذلك، فالمعتبر في المسألة الأولى أعني ما قبل الاستثناء في المدة المذكورة وقت انقطاع الوطء عنها، وفيما بعد الاستثناء قوله لها ذلك. والله أعلم.
والحاصل أن الصور أربع لأنها إما أن يكون لها زوج مرسل عليها أو سيد مرسل عليها أولًا، وفي كل إما أن تكون ظاهرة الحمل أم لا، فإن كانت ظاهرته مطلقا أو خفيته وليس لها زوج أو سيد مرسل عليها بأن مات أو كان غائبا فإنَّه يلزمه العتق والتدبير فيما تلده ولو لأقصى أمد الحمل، وأما إن كانت خفية الحمل ولها زوج أو سيد مرسل عليها فلا يلزمه العتق إلا فيما تلده لأقل أقله، وهذه الصورة هي التي استثناها المص. قاله البناني.
قال: وبه تعلم أن الاستثناء متصل لا منقطع خلافا لما في الزرقاني والخرشي، وأن ما قبل إلا لا يقيد بظاهرة الحمل خلافا لما فيهما أن ما بعدها يجب أن يقيد بخفية الحمل. والله أعلم. وقوله:"إلا لزوج مرسل عليها" أي حاضر متمكن منها، وقوله: لأقلها أي فلا يعتق ولا يدبر إلا ما وضعته لأقل من أقله، فأقل الحمل ستة أشهر وما في حكمها كنقص الخمسة الأيام إذا نقصها المذكور تعطى معه حكم الكاملة وهي إذا أتت به لستة وما في حكمها لا يكون حرا ولا مدبرا، لاحتمال أن لا يكون حال قوله المذكور موجودا وإنما يتحقق وجوده حال قوله المذكور إذا أتت به لأقل من الستة وما في حكمها، كما إذا أتت به لأقل من ستة أشهر بستة أيام، ولذا لو مات رجل وولدت أمه بعد موته من غير أبيه ولدا فهو أخوه لأمه، فإن وضعته لستة أشهر من موته لم يرثه وإن كان لأقل ورثه لتحقق وجوده حال حياة أخيه في هذه دون الأولى. قاله عبد الباقي قال: ولا مفهوم لزوج إذ مثله سيد مرسل عليها. أهـ. وقوله: فحر إما أن يكون المعطوف محذوفا
(1)
أي فحر في الأولى ومدبر في الثانية، أو يكون استعمل الحر في حقيقته ومجازه. انظر الشبراخيتي.
وبيعت وإن سبق العتق دينا وَرَقّ صورتها أن السيد أعتق ما في بطن أمته في صحته وعليه دين استحدثه قبل العتق أو بعده، ولهذا قال: وإن سبق العتق دينا برفع العتق على الفاعلية ونصب دينا على المفعولية وفعلهما مقرون بواو النكاية، ثمَّ قام الغرماء عليه، فإن كان قيامهم عليه قبل الوضع وقد استحدث الدين قبل العتق فإنها تباع للغرماء قولا واحدا، وإن كان استحدثه بعد العتق فإنها تباع للغرماء على المشهور، وفي الحالتين يباع ولدها معها إذ لا يجوز استثناؤه، وإن
(1)
في الأصل: محذوف.
قاموا بعد الوضع فإن كان الدين سابقا على العتق فإنها تباع أيضًا هي وولدها إن لم تف بحقهم، وإن كان العتق هو السابق فإنها تباع وحدها والولد حر يعتق من رأس المال، سواء ولدته في مرض السيد أو بعد موته ولكن لا يفارقها.
وقوله: "ورق" جواب عن سؤال مقدر؛ أي كيف يقال إن الأم تباع مع أن جنينها قد تحرر؟ فأجاب بقوله: "ورق" أي وإذا بيعت الأمة رق الولد حيث كان لا يتناوله البيع، قال البناني: تحصيل المسألة أن الغرماء إما أن يقوموا قبل الوضع أو بعده، فإن قاموا قبل الوضع بيعت بجنينها إذا لم يكن له مال غيرها مطلقا، سواء سبق الدين العتق أو تأخر عنه والجنين رقيق في الحالتين، وإن قاموا بعد الوضع فإن كان العتق سابقا على الدين بيعت الأم وحدها وولدها حر سواء، وفي ثمنها بالدين أم لا لكن لا يفارقها وإن سبق الدين على العتق بيع الولد في الدين معها إن لم يوف ثمنها بالدين هذا الذي في المدونة. أهـ.
وحاصل هذا باختصار أنها حيث بيعت قبل الوضع رق الولد مطلقا وبعده يرق إن لم يوف ثمنها بالدين في سبق الدين للعتق، وفي سبق العتق هو حر ولا يفارقها. وقوله:"وإن سبق العتق دينا" هذه نسخة المواق وهي الصواب، وفي بعض النسخ بإسقاط الواو وترك الألف في دين، ومعناها يظهر باعتبار أن لفظ دين منصوب، ووقف عليه على لغة ربيعة ورفع العتق على الفاعلية ومن باب أولى لو سبق الدين العتق. والله تعالى أعلم. وقوله:"ورق" أي ورق جنين الأمة الذي أعتقه أو دبره حيث بيعت في الدين قبل الوضع مطلقا أو بعده، ولم يوف ثمنها بالدين فيما إذا سبق الدين العتق لا إن سبق العتق الدين فهو حر من رأس المال.
ولا يستثنى لبيع أو عتق قال الخرشي: يعني أن الجنين لا يجوز استثناؤه في بيع كهذه المسألة ولا في عتق، كما إذا أعتق حاملًا فإن جنينها يكون حرا معها، وهذا بخلاف الوصية كما يأتي في بابها في قوله:"والحمل في الجارية إن لم يستثنه والصدقة والهبة كالوصية" أهـ. وقال عبد الباقي: ولا يستثنى لبيع أو عتق أي لا يصح بيع حامل في دين أو غيره ويستثنى جنينها، ولا أن يعتقها ويستثني جنينها كما إذا أعتق حاملًا فإن جنينها يكون حرا معها، وهذا بخلاف الوصية كما يأتي في بابها، والصدقة والهبة كالوصية فإذا أوصى أو تصدق بها على شخص أو
وهبها له فيصح استثناء جنينها، فإن أعتقها المعطى بفتح الطاء فحرة حامل بعبد في الصور الثلاث كما تقدم. أهـ.
تنبيه: إذا وقع هذا الذي لا يجوز بأن باع الأمة الحامل واستثنى جنينها فقد مر أنَّه بيع فاسد ويرد فإن وضعت أو فات بحوالة سوق فأعلى فعلى المشتري القيمة يوم القبض على أنها حامل، وأما إذا وقع العتق للحامل مع استثناء جنينها فالذي يفيده ما هو كالصريح من كلامهم أو ما هو صريح أنهما يعتقان معا. والله أعلم.
ولم يجز اشتراء ولي من يعتق على ولد صغير بماله يعني أنَّه لا يجوز للولي أبا كان أو وصيا أو غيرهما أن يشتري بمال الصغير في حجره من يعتق على الصغير ومثل الصغير السفيه في ولايته لأنَّ ذلك إتلاف لمال المحجور، فإن وقع الشراء المذكور فقيل لا ينعقد وقيل ينعقد. الرهوني: وظاهر كلام عياض في التنبيهات أن الخلاف في الانعقاد وعدمه محله إذا اشتراه مع علمه، وكلامه يدلّ أيضًا على أن المختار عنده الانعقاد، وبه تعلم ما في كلام الزرقاني. فتأمله. والله أعلم. أهـ.
يعني قوله عند قول المص: "ولم يجز اشتراء" لخ فإن وقع لم يتم البيع سواء علم الوليّ أنَّه يعتق على محجوره أم لا. أهـ. وقضية كلام الرهوني أن محلّ الخلاف في الانعقاد وعدمه إنما هو مع علم الوليّ بأنّه يعتق عليه، وأما إن لم يعلم بذلك فإنَّه ينعقد الشراء المذكور وليس هو من محلّ الخلاف.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر أن معنى الانعقاد هنا اللزوم، فإن فرعنا على القول بعدم الانعقاد فالأمر ظاهر؛ لأنَّ البيع قد رد وإن فرعنا على انعقاد البيع، فقال البناني: قال عياض: مذهبه في الكتاب أن ذلك لا يجوز ابتداء، واختلف إذا وقع فأشار بعضهم إلى أن مذهب مالك وابن القاسم أنهم يعتقون على الابن إذا لم يعلم الأب أو علم وجهل لزوم العتق ولا يعتقون على الابن إذا كان الأب عالما، وأنه يختلف في عتقه هنا على الأب أو يبقى رقيقا، وأجرى الأب مجرى الوكيل وإلى هذا نحا اللخمي، وذهب غيره من القرويين إلى أن الأب بخلاف الوكيل وأنه سواء كان عالما أو غير عالم أنَّه لا يعتق على الأب، ولا على الابن لأنه لو أعتق عبد ابنه عنه لم
يعتق، وإلى هذا أشار ابن يونس وعبد الحق. نقله مصطفى. أهـ. وفي الشبراخيتي: ولو قال: على محجوره، لكان أشمل.
ولا عبد لم يؤذن له من يعتق على سيده يعني أن العبد غير المأذون له لا يجوز له أن يشتري من يعتق على سيده إذا ملكه؛ لأنَّ ذلك إتلاف لمال السيد، فإن وقع لم يعتق عليه ولا على سيده إلا أن يُجيز البيع ومفهوم قوله:"لم يؤذن له" أنَّه إذا كان مأذونا له واشترى من يعتق على سيده أنه كالوكيل عنه، فتارة يكون الإذن في اشترائه بعينه وهذا يعتق على سيده، وتارة يكون الإذن له في التجارة، فإن اشتراه غير عالم بعتقه على سيده ولا دين على المأذون محيط بماله عتق على سيده وإلا فلا، وتارة يكون مأذونا له في شراء عبد من غير تعيين، وينبغي أن يفصل فيه كما في الذي قبله، وأما المكاتب فلا يعتق من اشتراه ممن يعتق على سيده ولا يعتق على السيد إلا أن يعجز المكاتب، كما يأتي في الكتابة أنَّه ليس له انتزاع ماله بخلاف المأذون. قاله الخرشي.
وقال عبد الباقي: ولا عبد لم يؤذن له في التجارة من يعتق على سيده لو ملكه؛ لأنَّ ذلك إتلاف لمال السيد، فإن اشتراه لم يعتق عليه ولا على سيده، سواء علم بقرابته لسيده وبعتقه أم لا، كان على العبد دين أم لا، إلا أن يجيزه فيعتق على السيد. ومفهوم:"لم يؤذن له" أن شراء المأذون له من يعتق على سيده جائز ويعتق على السيد إن عين له شراءه من غير تفصيل، وكذا يعتق على السيد إن لم يعينه له واشتراه غير عالم بعتقه على سيده ولا دين على المأذون يحيط بماله، وإلا لم يعتق على سيده لتعلق حق الغرماء بما دفع من المال في ثمنه، فإن اشتراه عالما لم يعتق أيضًا على السيد، كان على العبد دين مستغرق أم لا كما هو ظاهر ما في العتق الأوّل من المدونة، وظاهر أبي الحسن أن عليه المعول دون ظاهر ما في العتق الثاني منها من عتقه على السيد وإن اقتصر عليه ابن المواز، ثمَّ إنه على ما لأبي الحسن لا يعتق على المأذون أيضًا على ما يتبادر منه، وأما إن أذن له في شراء عبد من غير تعيين فينبغي أن يفصل فيه كما في الذي قبله. أهـ.
والذي قبله هو الذي أذن له في عموم التجارة وهذا في شراء عبد غير معين بخصوصه، وما قبل المأذون له في التجارة في خصوص شراء عبد معين، فالأقسام أربعة اشتمل عليها كلام المص منطوقا ومفهوما. والله تعالى أعلم. وقول عبد الباقي: وإن اقتصر عليه ابن المواز، قال الرهوني: ما اقتصر
عليه ابن المواز عزاه لمالك واستحسنه أصبغ كما في التنبيهات، ونصها: وقوله في العبد المأذون إذا اشترى من يعتق على سيده أنَّه يعتق عليه، قال ابن القاسم: وذلك إذا اشتراهم وهو لا يعلم ثبت هذا في الكتاب الأوّل من المدونة وبينه هنا، وأطلق في الثاني عتقه وحمله سحنون أن معنى ذلك اشتراه بإذن السيد، وقد اختلف في مراعاة علمه. وفي كتاب الرهون في بعض الروايات: يعتقون علم أو لم يعلم، وفي الوكالات والقراض: مراعاة العلم من غيره، واستحسن أصبغ قول ابن القاسم: إنهم يعتقون علم أو لم يعلم. أهـ. وما عزاه لبعض روايات كتاب الرهون خلاف ما نقله ابن يونس، ونصه: وإن اشتراهم له وهو يعلم بهم لم يجز ذلك على السيد؛ إذ ليس له أن يتلف مال سيده. انتهى.
تنبيه: قال الشارح: وليس في كلام المؤلف دلالة على العتق وعدمه. البساطي: قلت لا معنى لقولهم يجوز شراء أو لا يجوز؛ إلا أنَّه يرد ويلزمه ويعتق. انتهى.
وإن دفع عبد مالًا لمن يشتريه يعني أنَّه إذا دفع عبد مالًا لشخص أجنبي أي ليس مالك له يشتريه به من سيده، فإن ذلك على ثلاثة أقسام: إما أن يقول اشتر لنفسك أو اشترني لتعتقني أو اشترني لنفسي، فإن قال: اشترني لنفسك وفعل فالبيع لازم، وذكر ما يفرع عليه بقوله: فلا شيء عليه أي على المشتري أي لا يغرم ثمنا ثانيا للبائع إن استثنى المشتري أي اشترط ماله أي مال العبد، وفسرت استثنى باشترط؛ لأنَّ الاستثناء الحقيقي إنما يكون للبائع لأنَّ له ملكا سابقا وهذا مريد شراء، وإلا أي وإن لم يستثن المشتري ماله غرمه أي الثمن أي غرم المشتري للبائع ثمن العبد ثانية، لأنه لما لم يستثن مال العبد فقد اشترى بمال السيد؛ لأنَّ العبد لا يتبعه ماله في البيع بخلاف العتق قال أبو الحسن: وهذا إذا كان الثمن عينا، وأما إن كان الثمن عرضا فلسيد العبد أن يرجع في عين عبده إن كان قائما، فإن فات فعلى المشتري قيمته. أهـ. وبيانه أن المشتري اشترى سلعة بسلعة فاستحقت السلعة التي دفعها للسيد، فله أن يرجع في عين عبده إن كان قائما وبقيمته إن فات، وتكون هذه من أفراد قوله فيما مر:"وفي عرض بعرض بما خرج من يده أو قيمته". أهـ.
قال الشيخ عبد الباقي وغير واحد قوله: كلتعتقني هو القسم الثاني؛ يعني أنَّه إذا قال العبد الذي دفع مالًا لمن يشتريه: اشترني لتعتقني فإن الحكم فيها ما ذكر أي فلا شيء عليه إن استثنى ماله: وإلا غرمه وبيع فيه يعني إنه إذا لزم المشتري غرم الثمن مرة ثانية للبائع، وذلك إذا لم يشترط ماله فإن العبد يباع في إمضاء الثمن الذي أخذ به العبد في المسألتين؛ لأنه للبائع سيد العبد ولا بد من البيع إذا لم يكن عند المشتري إلا العبد، قال عبد الباقي: وإذا لزم المشتري غرمه - يعني الثمن - ولم يوجد معه بيع العبد فيه أي في الثمن، فإن تساوى الثمنان فواضح، وإن وفي بعضه بقي الباقي ملكا للمأمور بالشراء، وإن بقي من الثمن شيء بعد بيع جميعه كان في ذمته يعني في ذمة المشتري.
وقال الشبراخيتي: وبيع العبد فيه أي في الثمن الذي اشتراه به حيث قال له: اشترني لنفسك، أو قال: لتعتقني، وأعتقه فإنَّه يباع فيه. أهـ. وهو ظاهر لأنه أعتقه وهو مدين، وقوله:"كلتعتقني" هذه النسخة أثبتها المواق وعليها شرح الخرشي، فإنَّه قال ما نصّه التشبيه تام والمعنى أن العبد إذا دفع مالا لآخر ليشتريه من سيده ويعتقه ففعل فالبيع لازم، فإن كان المشتري استثنى مال العبد فإنَّه يعتق ولا يغرم الثمن ثانية للبائع، وإن لم يستثنه فإنَّه يغرم الثمن ثانية للبائع. اهـ. وفي الشبراخيتي أنَّه إن لم يعتقه فهو رق.
ولا رجوع له على العبد يعني أنَّه إذا غرم الثمن للسيد فإنَّه لا رجوع له أي للمشتري على العبد الذي أعتق بما غرمه للسيد مرة ثانية، فهو راجع لقوله:"كلتعتقني" وكذا قوله: والولاء له يعني أن العبد إذا دفع مالًا لمن يشتريه به ليعتقه؛ بأن قال: اشترني لتعتقني، فإنَّه إذا اشتراه وأعتقه فإن الولاء له أي ولاء العبد المعتق لمن اشتراه وأعتقه.
تنبيه: قد مر أنَّه إذا تساوى الثمنان فالأمر واضح، وإن نقض الثاني اتبع البائع ببقية الثمن الأوّل المشتري، وإن زاد الثمن الثاني ملكه المشتري، وهذا في مسألة اشترني لنفسك. وأما في مسألة اشترني لتعتقني فكذلك إلا فيما إذا زاد العبد فإنَّه يعتق من العبد ما زاد. قاله عبد الباقي. فإن كان الثمن الأوّل عشرة وثلثا العبد يباعان بعشرة فإنَّه يعتق منه ما زاد على العشرة وهو الثلث. والله تعالى أعلم.
وأشار للقسم الثالث بقوله: وإن قال: لنفسي، فحر يعني أنَّه إذا دفع عبد مالًا لمن يشتريه، وقال. العبد للمدفوع له: اشترني لنفسي وفعل، فالعبد حر بمجرد الشراء لملكه لنفسه بعقد صحيح، وولاؤه - أي ولاء هذا العبد الذي قال اشترني لنفسي - لبائعه لا لمشتريه؛ لأنه اشتراه لغيره وغيره هو العبد والعبد لا يستقر ملكه على نفسه، فلذا كان الولاء للبائع إن استثنى ماله شرط في قوله:"فحر" يعني أن محلّ كونه حرا في مسألة اشترني لنفسي إنما هو حيث استثنى المشتري ماله أي مال العبد عند الشراء، وإلا يستثنى ماله، رق العبد أي بقي على رقه لبائعه لأنَّ المال ماله، فإن قيل هذه وكالة من العبد وتوكيله باطل فيبطل الشراء من أصله، فالجواب أن توكيل العبد ليس باطلا مطلقا بل هو صحيح فيما تصح مباشرته له كما هنا، وذلك أن العبد يجوز أن يشتري نفسه من سيده فيجوز توكيله على ذلك. والله تعالى أعلم. قاله البناني. وفي التتائي ما نصّه: وقد ظهر لك أن المص أحسن سياق هذه المسألة وأجاد، فلعل من قال لم يحسن سياقها لم يثبت في نسخته كلتعتقني. أهـ. يعني لما تقدم من أن قوله:"ولا رجوع له على العبد والولاء له" خاص بقوله: "لتعتقني".
وإن أعتق عبيدا في مرضه يعني أن الشخص إذا أعتق عبيده في مرضه أي بتلهم والحال أنهم لم يحملهم الثلث سماهم، كأعتقوا فلانا وفلانا وفلانا، أو لم يسمهم كأعتقت عبيدي فإنَّه يقرع بينهم كالقرعة المتقدمة في باب القسمة. أو أوصى بعتقهم يعني أنَّه إذا أوصى بعتق عبيدٍ سماهم كفلان وفلان وفلان مثلا، أو لم يسمهم كما إذا أوصى بعتقهم ولم يحملهم الثلث فإنَّه يقرع بينهم كالقرعة المتقدمة في باب القسمة.
وأشار "بلو" في قوله: ولو سماهم لرد قول من يقول: إنه إذا سماهم ولم يحملهم الثلث فإنَّه يعتق من كل واحد بقدر محمل الثلث دون قرعة، وعلم مما قررت أن قوله:"ولو سماهم" راجع للمسألتين، وهما ما إذا بتل عتق عبيده أو أوصى بعتقهم، وكذا قوله: ولم يحملهم الثلث كما قررت، وأما لو حملهم الثلث فإنهم يعتقون من دون قرعة كما هو ظاهر، وقضية كلام غير واحد أنَّه في الصورتين أعتق جميع عبيده أو أوصى بعتقهم.
قال الخرشي عقب قوله: كالقسمة ما نصّه: هذه الجملة على أربع مسائل: الأولى إذا بتل عتق عبيده في مرضه ولم يحملهم الثلث، الثانية: إذا أوصى بعتقهم ولم يحملهم الثلث. أهـ المراد منه. وقال المواق: قال أبو عمر: لم يختلف قول مالك فيمن أوصى بعتق عبيده ولا مال له غيرهم أنَّه يقرع بينهم، فيعتق ثلثهم بالسهم ولم يختلف أكثرهم أن هذا حكم من أعتق عبيده في مرضه بتلا ولا مال له غيرهم، إلا أشهب وأصبغ قالا: إنما القرعة في الوصية. أهـ. وما ذكره المواق من قوله في المسألتين ولا مال له غيرهم بيان للوجه المعتق عليه والذي عليه الأكثر. وقال المغيرة: إنما القرعة فيمن أعتق عبيده عند موته ولا مال له غيرهم وهو خلاف المشهور، والمشهور أنَّه يسهم ولو كان له مال غيرهم إذا لم يحملهم الثلث، كما أشار المص إلى ذلك بقوله:"ولم يحملهم الثلث" فإنَّه يقتضي أنَّه لا فرق في ذلك بين أن يكون له مال غيرهم أم لا.
أو أوصى بعتق ثلثهم يعني أنَّه إذا أوصى بعتق ثلث عبيده ولم يعين من يعتق أو بتل عتق ثلث عبيده في مرضه كما في المدونة: فإنَّه يقرع بينهم كالقرعة المتقدمة في باب القسمة. أو بعدَدٍ سماه من أكثر يعني أنَّه إذا أوصى بعتق عدد سماه من عبيده كأعتقوا عشرة وهم ثلاثون مثلا، فإنَّه يقرع بينهم كالقرعة المتقدمة في باب القسمة.
وعلم مما قررت أن قوله: أقرع كالقسمة جواب الشرط، فهو راجع للمسائل الأربع، وصفة القرعة فيما عدا المسألة الأخيرة أن يقوم كل واحد منهم ويكتب اسمه في ورقة مفردة وتخلط الأوراق بحيث لا تتميز واحدة من البقية ثمَّ تخرج واحدة ويفتح، فمن وجد اسمه فيها عتق بأن ينظر إلى قيمته، فإن كانت قدر ثلث الميت فواضح وإن زادت عتق منه بقدر ثلثه وإن نقصت أخرجت أخرى وعمل فيها كما عمل في الأولى وهكذا. وصفة القرعة في المسألة الأخيرة مختلفة فإن عين العدد الذي سماه من أكثر باسمه المعين وحمله الثلث فواضح، وإن لم يحمله سلك فيه ما تقدم وإن لم يعين اسمه وإنما سمى العدد فقط فإنَّه ينسب عدد من سماه إلى عدد جميع رقيقه، وبتلك النسبة يجزءون حيث أمكن تجزئتهم فإن أعتق عشرة من رقيقه وهم أربعون فتنسب العشرة للأربعين، وبتلك النسبة تقع التجزئة فتجعل كل عشرة منهم جزءًا على حدته من غير نظر لقيمة كل جزء، ويكتب في ورقة حر وفي ثلاث ورقات رقيق، ثمَّ تخلط الأوراق وترمى كل ورقة منها
على جزء، فمن وقعت عليه ورقة الحرية من الأجزاء عتق كله إن حمله الثلث، فإن لم يحمله الثلث عتق منه بقدر محمل الثلث بالطريق المتقدمة، فيكتب اسم كل واحد من العشرة في ورقة وتخلط الأوراق ثمَّ تخرج ورقة ورقة على نحو ما تقدم، وإن كان عدد رقيقه خمسة وثلاثين وقد أعتق عشرة منهم فيجزءون سبعة أجزاء لأنَّ نسبة العشرة من الخمسة والثلاثين سبعان، ويكتب في ورقتين حر وفي خمسة أوراق رقيق وترمى الأوراق على الأجزاء، فإن حمل الثلث الجزءين الذين وقعت عليهما ورقتا الحرية فواضح، وإن لم يحملهما الثلث فإنَّه يعتق منهما محمل الثلث بالطريق المتقدمة.
وقولي: إن أمكن تجزئتهم فإن لم تمكن تجزئتهم علمت قيمة كل واحد وكتبت أسماؤهم في أوراق ثمَّ تخرج ورقة بعد أخرى على نحو ما تقدم. انظر ابن عرفة. ونصه: وفيها إن انقسم العبيد على الجزء الذي يعتق منهم جزأتهم وأسهمت بينهم وعتق ما أخرجه السهم، وإن لم ينقسموا على الأجزاء علمت قيمة كل واحد في بطاقته وأسهمت بينهم. انتهى. انظر حاشية الشيخ البناني.
تنبيهات: الأوّل: علم مما قررت أن قوله: "وإن أعتق عبيدا في مرضه أو أوصى بعتقهم" هو في المسألتين أنَّه بتل عتق جميعهم في مرضه أو أوصى بعتقهم بعد موته، سواء كانت صيغة ذلك أعتقت عبيدي أو أوصيت بعتقهم أو أعتقت جميع عبيدي أو أوصيت بعتق جميعهم أو غير ذلك من الصيغ مما يدلّ على استغراق عبيده، ومثل ذلك ما إذا قال في مرضه أعتقت عشرة من أكثر، ويجري فيه قوله:"ولو سماهم ففيه الخلاف كما في التوضيح، كما يجري ذلك في قوله: "أو بعدد سماه" لخ.
الثاني: قوله: "أو أعتق عبيدا في مرضه أو أوصى بعتقهم" لخ الأصل في ذلك ما في مسلم عن عمران بن حصين (أن رجلًا أعتق ستة أعبد عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له قولًا شديدا ثمَّ دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة
(1)
)، وفي رواية: (أوصى بعتقهم
(2)
) والقول الشديد، قال عبد الحق: هو والله أعلم ما
(1)
مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث 1668 - أبو داود، كتاب العتق، رقم الحديث 3958.
(2)
ينظر صحيح مسلم، كتاب الأيمان، رقم الحديث 1668.
ذكره النسائي من حديث عمران بن حصين (أنَّه عليه الصلاة والسلام قال في هذه القضية: (لقد هممت أن لا أصلي عليه
(1)
)، قال: ويحتمل أن يريد به ما رواه أبو داود أنَّه عليه الصلاة والسلام، قال: (لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين
(2)
)، ويحتمل أن يريد مجموع الأمرين. انظر التوضيح. قاله البناني.
الثالث: قول المص: "في مرضه" احترز به عما إذا بتل عتق عبيده في صحته، فإنهم يعتقون إلا لمانع من إحاطة دين ونحوها، وقد مر عند قول المص:"أو أوصى بعتق ثلثهم" أن مثل ذلك ما إذا بتل عتق ثلثهم في مرضه كما في المدونة، وأما إن بتل عتق ثلثهم في صحته فله الخيار في التعيين ولا قرعة، كما إذا أعتق عددا من أكثر في صحته فإن لم يعين حتى مات انتقل الخيار لورثته كما كان له وقيل يعتق ثلثهم بالقرعة. انظر التوضيح. نقله البناني.
الرابع. قد مر قول المص: "لو سماهم" وأنه راجع للمسألتين قبله، قال ابن الحاجب: ولو نص على أسمائهم فكذلك، وقال سحنون: يعتقون بالحصص، قال في التوضيح: أي لو قال في مرضه: فلان وفلان أحرار أو أوصى بعتقهم فكذلك أي يسهم بينهم، ورأى سحنون أن التسمية قرينة في إرادة العتق من كل واحد بالحصص كما لو قال ثلث كل رأس. أهـ. وفهم من هذا أنَّه لو سماهم فلا فرق بين أن يسمي جميع عبيده وأن يسمي بعضا كما مر في الحل عند قوله:"أقرع كالقسمة". والله تعالى أعلم.
الخامس: قال في التوضيح: ما ذكره يعني ابن الحاجب من جريان القرعة في الوجوه الأربعة يعني هذه التي الكلام فيها هنا نص عليه ابن القاسم في الموازية، وقال أشهب وأصبغ وأبو زيد والحارث: إنما السهم في الوصية، وأما في المبتلين في المرض فيعتق كل واحد بغير سهم، قال في الاستذكار: وهو خلاف السنة، وقال المغيرة: إنما القرعة فيمن أعتق عبيده عند موته ولا مال له غيرهم للحديث، وروى عن ابن نافع أنَّه لا يسهم في الرقيق في العتق إذا كان للمالك شيء من
(1)
النسائي، كتاب الجنائز، رقم الحديث 1958.
(2)
أبو داود، كتاب العتق، رقم الحديث 3960.
المال إلا أولئك الرقيق فقط. ونقله ابن مزين عن مطرف ومطرف عن مالك وابن المواز عن ابن القاسم والمشهور خلافه وأنه يسهم، ولو كان له مال غيرهم إذا لم يحملهم الثلث. واتفقت هذه الأقوال على أنَّه لا يدخل السهم في عتق الصحة.
وحكى اللخمي في الوجه الرابع - أعني إذا أوصى بعدد سماه وعبيده أكثر - خمسة أقوال، فقال: إن قال في صحته: عشرة من عبيدي أحرار وهم خمسون هو بالخيار في عتق عشرة أيهم شاء، واختلف إذا أوصى بذلك في مرضه على خمسة أقوال: الأوّل لمالك في المدونة: يعتق خمسهم بالسهم خرج ذلك خمسة أو خمسة عشرة، الثاني لمالك أيضًا في المدونة والواضحة: إن خرج في الخمسين أكثر من عشرة أعتقوا وإن خرج أقل ضرب بالسهم على الباقي حتى يستكمل عشرة ما لم يجاوز ثلث الميت، الثالث لأشهب في كتاب محمَّد، قال: واسع أن يعتق منهم بالسهم أو بالحصص، الرابع للمغيرة: يعتق جميعهم بالحصص إذا كان العتق من الميت وإن أوصى ورثته أن يعتقوا كانوا بالخيار يعتقوا من شاءوا، الخامس: يأتي على قول محمَّد في الواضحة؛ لأنه قال فيمن قال رأس من رقيقي حر وهم ثلاثة يعتق ثلثهم بالسهم، ثمَّ رجع وقال: ما هذا الذي أراد الميت وإنما أراد أن يعتق واحد فأرى أن يسهم بينهم، فإن خرج واحد وهو أدنى من ثلث قيمتهم عتق كله إذا حمله الثلث. مطرف: وبه أقول، فعلى هذا إذا قال عشرة وهم خمسون أعتق منهم تلك التسمية، وسواء كانت قيمتهم أقل من الخمس أو أكثر إذا حملهم الثلث. أهـ.
السادس: قد مر أنَّه إذا أوصى بعدد سماه من أكثر يجزءون إن أمكن تجزئتهم، ومثل ذلك ما إذا بتل عتقهم في مرضه وأما في صحته فله الخيار في تعيين من يعتق، فإن مات ولم يبين فالخيار لورثته، وقيل إن لم يبين حتى مات فعلى ما مر من التجزئة.
السابع: قال التتائي: هذه الصور يعني الصور الأربعة في كلام المص في معنى الصورة الواردة في الحديث، وعرف ابن عرفة القرعة فقال: القرعة هنا لقب لتعيين مبهم في العتق له بخروج اسمه له من مختلط به بإخراج يمتنع فيه قصد عينه. أهـ.
إلا أن يرتب يعني أن محلّ القرعة فيما تقدم إنما هو حيث فعل ذلك في مرة وأما إن رتب عتقهم فلا قرعة، بل يتبع المعتق في ترتيبه أو يتبع ترتيبه، والترتيب إما بالأداة كأعتقوا فلانا ثمَّ فلانا
وهكذا، أو بالزمان كأعتقوا فلانا يوم الخميس وفلانا يوم الجمعة وهكذا، أو بالوصف كأعتقوا الأعلم فالأعلم أو الأصلح فالأصلح، وهكذا فيعتق الأوّل جميعه إن حمله الثلث أو قدر محمل الثلث منه إن لم يحمل الثلث جميعه، ثمَّ إذا زاد الثلث فإنَّه يعتق من الثاني إما جميعه إن حمله الثلث أو ما حمله الثلث منه وهكذا.
تنبيهان: الأوّل: ما قررت به المص من أن الاستثناء راجع للمسائل الأربع هو ظاهر كلام غير واحد، وقال البناني: قال ابن عاشر ما نصّه: الظاهر أنَّه راجع إلى الصورة الأولى والثانية.
الثاني: قال عبد الباقي هنا ما نصّه: فإن رتب فلا قرعة، والترتيب إما بالزمان ثمَّ قال أو بأداة الشرط، كأعتقوا فلانا إن أدى كذا وفلانا إن أدى كذا. أهـ. قال البناني: فيه نظر؛ لأنَّ أداة الشرط لا ترتب بل الظاهر بعد أداء كل أن ينظر، إما حملهم الثلث أو ضربت القرعة. أهـ.
أو يقول ثلث كل عطف على المستثنى؛ يعني أنَّه إذا قال في وصيته أعتقوا ثلث كل واحد من عبيدي فإنَّه لا قرعة بل يعتق من كل واحد ثلثه. أو أنصافهم يعني أنَّه إذا قال في وصيته أعتقوا أنصاف عبيدي فإنَّه يعتق من كل واحد منهم نصفه. أو أثلاثهم يعني أنَّه إذا قال في وصيته أعتقوا أثلاث عبيدي فإنَّه يعتق من كل واحد منهم ثلثه كالمسألة الأولى، قال المواق من المدونة: من قال عند موته: أثلاث رقيقي أو أنصافهم أحرار أو ثلث كل واحد أو نصف كل رأس عتق من كل واحد منهم ما ذكر إن حمل ذلك ثلثه ولا يبدأ بعضهم على بعض، قال ابن القاسم: وإن لم يحمل ذلك ثلثه عتق ما حمله ثلثه مما سمى بالحصص من كل واحد بغير سهم، يريد ولو وسعهم الثلث عتق جميعهم إلا أن يكون وصية. ابن يونس: ويفترق في هذا الصحة من المرض أو الوصية، فإن قال: ذلك صحيح، عتق عليه ثلث كل رأس واستتم عليه ما بقي من كل رأس، وإن قاله مريض فمات عتق ما سمى واستتم عليه ما بقي من ثلثه، وإن قاله في وصية عتق من كل واحد منهم ثلثه فقط؛ لأنه أوقعه في حال صار ماله لوارثه، كما لو أعتق شقصا حينئذ. أهـ.
وقال التتائي عند قوله: "أو ثلث كل" ما نصّه: يحتمل ثلث كل واحد منهم أو كلهم. أهـ. وقال عبد الباقي: وما تقدم صيغته عبيدي أوصيت بعتق ثلثهم. أهـ. قوله: "أو أنصافهم أو أثلاثهم" بعد قوله: "أو ثلث كل" إنما هو واحد في المعنى فلا فرق بين الثلث والربع والنصف، فأتى به
إشارة إلى تعدد الصيغ، أو يقال أتى به ليفيد أنَّه لا فرق بين أن يضيف الجزء إلى مفرد وبين أن يضيف الأجزاء إلى جمع فلا تكرار، ولو أضاف الجزء للجمع فالقرعة كما مر. والله تعالى أعلم. ومحل عتق ما ذكر من الأجزاء في المسائل الثلاث حيث حمل الثلث ذلك فإن لم يحمل الثلث ذلك، فإنَّه يعتق من كل محمل الثلث وإن كان أقل مما سمى الموصي كما إذا كان الثلث يحمل عشر قيمهم فإنَّه يعتق من كل عشرهُ.
مسألة: قال الحطاب: قال أبو الحسن في أول كتاب الوصايا: قال عبد الحق: لو قال: أثلاث رقيقي لفلان فإن لفلان ثلثهم بالقرعة، بخلاف ما لو قال: ثلث رقيقي أحرار لأنه في الوصية يكون شريكا في كل واحد، ومن له شريك في رقيق جمع نصيبه في شيء بعينه عند التقاسم، فليس كالعتق الذي لا بد أن يكون في جميعهم؛ إذ لا يستبد به بعضهم دون بعض والوصية لهم واحدة، وقال في المدونة: ومن قال عند موته ثلث رقيقي أو أنصافهم أحرار أو ثلث كل رأس أو نصف كل رأس أعتق من كل واحد منهم ما ذكر إن حمل ذلك ثلثه، ولا يبدأ بعضهم على بعض. أهـ.
وتبع سيده بدين إن لم يستثن ماله يعني أن السيد إذا أعتق عبده وللعبد دين على السيد، فإن العبد لا يتبعه بذلك الدين بمعنى أنَّه يلزمه غرمه له وهذا إن لم يستثن السيد مال العبد حين العتق، فإن استثنى ماله فإن العبد لا يتبعه بذلك الدين لدخول الدين في جملة مال العبد الذي استثناه السيد، قال عبد الباقي: ومن أعتق عبدا أو أعتق عليه وللعبد دين على سيده تبع العبد سيده بدين له عليه إن لم يستثن السيد ماله، لما مر من أنَّه يتبعه جميع ماله في العتق دون البيع، فإن استثناه كاشهدوا أني قد انتزعت هذا الدين الذي لعبدي أو على أن ماله لي بقي لسيده وسقط الدين. أهـ.
وقال المواق من المدونة: من أعتق عبده وللعبد على السيد دين، فله أن يرجع به على سيده إلا أن يستثنه السيد أو يستثني ماله مجملا فيكون ذلك له؛ لأنَّ العبد إذا عَتَق تبعه ماله. أهـ. وقال الشبراخيتي: ومن أعتق عبده أو أعتق عليه وللعبد دين على سيده تبع العبد سيده بدين له عليه إن لم يستثن السيد ماله؛ لأنَّ المال يتبعه في العتق ما لم يستثنه السيد. أهـ. ونحوه للتتائي.
قال مقيده عفا الله عنه: صريح كلام التتائي ومن تبعه ممن ذكرته أو ما هو كالصريح أن له أن يستثني ماله إذا أعتق عليه. فتأمله. والله تعالى أعلم.
ورق إن شهد شاهد برقه يعني أنَّه إذا ادعى شخص على شخص الحرية وادعى شخص أنَّه ملكه وشهد له بالملك شاهد واحد، فإنَّه يحلف من شهد له الشاهد ويكون رقا له. قال عبد الباقي: وإن ادعى شخص على آخر أنَّه عبده وادعى أنَّه حر أو عتيق لغير رق إن شهد للمدعي شاهد واحد برقه وحلف المدعي أنَّه عبده لأنه مال يثبت بشاهد ويمين. أهـ. وقال المواق من المدونة: من ادعى على رجل أنَّه عبده لم يحلفه وإن جاء بشاهد حلف معه واسترقه. أهـ. ونحو هذا لغير واحد، وقال الشبراخيتي: ورق إن ادعى شخص أنَّه رقيقه إن شهد للمدعي شاهد واحد برقه أي رق من ادعى الحرية وحلف من شهد له الشاهد، فإن نكل حلف العبد فإن نكل رق، ومفهوم قوله:"إن شهد شاهد" أنَّه إذا لم يشهد الشاهد وإنما كان منه في ذلك مجرد الدعوى فإنَّه لا تتوجه يمين على العبد. قاله ابن القاسم. وهذه تخصص مفهوم قاعدة: كل دعوى لا تثبت إلا بعدلين. لخ. أهـ.
أو تقدم دين صادق بصورتين: إحداهما أن يكون الدين ثابتا فيشهد شاهد واحد بتقدمه على العتق فيحلف معه الغريم ويرق العبد، الثانية أن يشهد شاهد بدين لزيد على عمرو فحلف زيد عليه فوجد عمرو قد أعتق عبدا بعد استحداث هذا الدين، فإنَّه يرق العبد. وعلم مما قررت أن قوله: "وحلف راجع للصورتين، والفاعل في الأولى هو السيد، وفي الثانية الغريم. فإن نكل في الأولى حلف العبد وبقي حرا، فإن نكل العبد رق كما مر وهذا حيث لم يكن أعتقه آخر، وإلا فاليمين على المعتق عند نكول مدعي الرق، فإن نكل المعتق رد العتق كما في ابن مرزوق، وظاهره أنَّه لا يحلف العبد وإن نكل في الثانية يعني في مسألة ما إذا أعتقه شخص آخر، قال عبد الباقي: وإن نكل في الثانية وهو من قام له شاهد بتقدم الدين جرى فيه ما تقدم.
واستؤني بالمال إن شهد بالولاء واحد يعني أنَّه إذا ادعى شخص إرث آخر بالولاء أو النسب وشهد له بالولاء أو بالنسب شاهد واحد على البت، فإن مقيم الشاهد يحلف على ما قام له به
شاهده من النسب أو الولاء، ويستأنى بدفع المال فإن لم يأت من يستحقه قضي له بدفعه إليه بعد ذلك الاستيناء.
أو اثنان أنهما لم يزالا يسمعان أنَّه مولاه أو وارثه يعني إنه إذا ادعى شخص على آخر أنَّه وارثه بالولاء أو بالنسب وقام له شاهدان بالسماع يشهدان أنهما لم يزالا يسمعان أنَّه مولاه أي أعتقه مثلا أو وارثه بالنسب، فإنَّه يحلف على ذلك ويستأنى بدفع المال ليلًا يأتي من يستحقه، فإذا لم يأت أحد بعد مضي مدة الاستيناء دفع له.
وعلم مما قررت أن قوله: وحلف راجع للمسألتين، قوله:"واستؤني بالمال" قال البناني: هذا قول ابن القاسم، وقال أشهب: لا يدفع إليه بالشاهد الواحد. التوضيح: وهما مبنيان على القاعدة المختلف فيها بينهما وهي الشهادة على ما ليس بمال إذا أدى إليه كما لو أقامت بعد الموت شاهدا واحدا على الزوجية. أهـ.
وقال المواق من المدونة: إن شهد شاهد واحد أن هذا الميت مولى فلان أعتقه استؤني بالمال، فإن لم يستحقه غيره قضي له مع يمينه ولا يجر بذلك الولاء، ومن المدونة إن شهد شاهدان أنهما سمعا أن هذا الميت مولى فلان لا يعلمون له وارثا غيره استؤني بالمال، فإن لم يستحقه غيره قضي له به مع يمينه ولا يجر بذلك الولاء، وقال أشهب: يكون له ولاؤه بشهادة السماع. ابن رشد: ويتخرج فيها قول ثالث أنَّه لا يثبت بها نسب ولا يستحق بها مال؛ لأنه لا يستحق إلا بعد ثبوت النسب أو الولاء. أهـ. وقوله: "أو وارثه" بنسب أو زوجية. وقال البناني في بعض النسخ بعد قوله: "وحلف": ولا يجر بذلك الولاء وحينئذ يكون قد صرح هنا بعدم ثبوت الولاء، كما صرح به في باب الولاء. وما ذكره المص هنا وفي باب الولاء من عدم ثبوت الولاء والنسب بشهادة السماع هو تابع فيه للمدونة، وحملها ابن رشد على ظاهرها وأنه مذهبها، وقيدها بعض القرويين بما إذا كانت الشهادة بغير بلد الميت، قال: لاحتمال أن يستفيض ذلك عن رجل واحد، وأما في البلد فيبعد استفاضة ذلك عن رجل واحد فيقضى بذلك في المال والولاء، وهذا موافق لما في كتاب محمد والمشهور. أهـ. نقله مصطفى.
وأشار بما في كتاب محمَّد لقول ابن المواز: أكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب أنَّه يقضى بالسماع في الولاء والنسب. أهـ. وقال عبد الباقي: وصرح في الولاء بعدم ثبوت النسب والولاء، ولم يصرح به هنا لكنه مستفاد من كلامه وكلاهما مخالف لما قدمه في باب الشهادات من ثبوت العتق بشهادة السماع، وما يثبت به العتق يثبت به الولاء وعكسه، ولما في الشارح هناك تبعًا للتوضيح من أن المشهور ثبوت النسب والولاء بشهادة السماع وهو المعتمد وأجيب بحمل ما هنا، وما في الولاء على ما إذا قالت بينة السماع سمعنا ممن شهد له بالولاء أو النسب فقد نسبت لمعين، وما تقدم فيما إذا كان السماع فاشيا وبأن ما هنا وما في الولاء فيما إذا كان السماع ببلد غير بلد المشهود عليه لاحتمال الاستفاضة عن واحد، وما تقدم فيما إذا كان السماع ببلده لبعد الاستفاضة عن واحد، وكذا جمع الشارح وهو الصواب في هذا الثاني. أهـ.
قوله: وأجيب بحمل ما هنا، إلى قوله: فقد نسبت لمعين لخ فيه نظر إذ على هذا الجواب تخرج عن شهادة السماع إلى شهادة النقل وتحتاج إلى شروطها وذلك خلاف موضوع المسألة، وليس هذا الجواب. هكذا في التوضيح. ونصه: أو يقال: قوله في الشهادات المشهور جريها في النسب، معناه إذا كان السماع فاشيا وليس هو هنا كذلك لأنه إنما هو على المولى وابن العم. أهـ. ولفظ ابن الحاجب في باب الولاء لو شهد شاهدان أنهما لم يزالا يسمعان أن فلانا يقول إن فلانا ابن عمه أو مولاه كانا كشاهد
(1)
واحد. أهـ. وقال في التوضيح: ولا خلاف في ثبوت الولاء بالشاهدين وكذلك أيضًا يثبت بالإقرار، ففي المدونة: ومن أقر أن فلانا أعتقه وفلان يصدقه فإنَّه يستحق بذلك ولاءه، وإن كذبه قومه إلا أن تقوم بينة بخلاف ذلك فيؤخذ بها، وكذلك إن أقر بذلك عند الموت فإنَّه يصدق، واختلف إذا قال فلان، أعتقني فكذبه فلان، فقال ابن القاسم: لا يثبت له الولاء إلا أن تقوم بينة. اللخمي: وهو المعروف، وقال أصبغ في الواضحة: يكون مولاه وإن أنكره، ونقل سحنون إجماع العلماء على أن الإقرار بالولاء ثابت، وقال أبو أيوب: لا يثبت الولاء بالإقرار إلا عند البصريين، وذكر ابن رشد أن في المذهب ما يدلّ على خلاف ذلك. أهـ.
(1)
في الأصل: لشاهد، والمثبت من التوضيح ج 8 ص 398.
وإن شهد أحد الورثة أو أقر أن أباه أعتق عبدا لم يجز يعني أنَّه إذا شهد أحد الورثة عند الحاكم أو أقر عند غيره أو شهد وهو عدل أو أقر وهو غير عدل أن أباه أعتق عبدا معينا من عبيده في صحته أو مرضه والثلث يحمله وأنكر غيره من الورثة، فإن شهادة الشاهد أو إقرار المقر لم يجز أي يلغى شهادته وإقراره، ولأجل إلغاء ذلك الإقرار أو الشهادة لم يقوم العبد المشهود بعتقه أو المقر به عليه أي على الشاهد، أو المقر في المسألتين، وحصته من العبد تكون رقا له لأنه ليس هو المعتق حتى يقوم عليه، وإنما هو مقر على غيره ولا يمين على العبد مع شهادة هذا المقر، ولا يعتق من العبد شيء كما في المدونة، فإن ملكه الشاهد بعد ذلك أو قسمت العبيد فناب ذلك الشاهد أو المقر عتق عليه، كما يفيده قوله في الاستحقاق: كشاهد وردت شهادته. أهـ. قاله عبد الباقي.
قوله: كما يفيده قوله في الاستحقاق لخ بل جميع ما ذكره هو في نص المدونة. قاله البناني. وقال عند قوله: "لم يجز ولم يقوم عليه" ما نصّه: قال في المدونة: وجميع العبد رقيق، ويستحب للمقر أن يبيع حصته من العبد فيجعل ثمنه في رقبة يعتقها ويكون ولاؤها لأبيه ولا يجبر على ذلك، وما لم يبلغ رقبة أعان به في رقبة، فإن لم يجد ففي آخر نجم مكاتب. أهـ. قوله: بل جميع ما ذكره هو في نص المدونة، قال الرهوني: نص المدونة: فإن وقع العبد الذي أقر الوارث أن أباه أعتقه في سهمه عتق كله بالقضاء، كما لو اشترى عبدا ردت شهادته في عتقه أو ورثه عتق عليه. أهـ منها بلفظها على اختصار أبي سعيد. ونحوه لابن يونس عن المدونة، ونحوه لابن أبي زمنين في
(1)
المنتخب.
تنبيه: ظاهر كلام المدونة أنَّه إنما يعتق عليه إذا ملك جميعه وهو أحد قولين منصوصين خارجها، ففي ابن يونس إثر نقله كلام المدونة ما نصّه: قال ابن المواز: ولو لم يملكه كله ولكن ملك مُصابُه وكل وارث مصابه فليتورع عن خدمته في يومه. وروى أصبغ عن ابن القاسم نحوه، وفي العتبية وكتاب ابن حبيب لا تجوز شهادة أحد الورثة أن الميت أعتق هذا، ولا يعتق منه
(1)
في الأصل: في، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 190.
شيء إلا أنَّه إن ملكه يوما ما أو ملك منه شيئًا عتق عليه ما ملك منه ولم يجز له ملكه. قاله مالك. ثمَّ قال بعد كلام ما نصّه: محمَّد بن يونس: ظاهر العتبية أنَّه إذا قاسم الورثة فوقع له بعض ذلك العبد أنَّه يعتق عليه ما ملك منه؛ لأنه مقر أنَّه حر فلا يجوز له استخدامه وهو قول حسن وهو خلاف المدونة وكتاب محمَّد، ولا يعتق عليه حصته منه قبل القسم؛ إذ قد لا يصير له منه في المقاسمة شيء؛ لأنَّ له أخذ عوضه وذلك جائز له. أهـ منه بلفظه. أهـ. نقله الرهوني.
وإن شهد على شريكه بعتق نصيبه فنصيب الشاهد حر يعني أن الشريك في عبد إذا شهد على أن شريكه أعتق نصيبه من العبد والشريك يكذبه، فإن نصيب الشاهد من العبد المذكور يكون حرا بشرط أن يكون الشريك الذي لم يعتق موسرا، كما أشار إليه بقوله: إن أيسر شريكه أي شريك الشاهد لاعترافه أنَّه لا يستحق على شريكه إلا القيمة وقد ظلمه فيها حيث أنكر العتق، ولا شيء للشاهد على الشريك الذي لم يعتق لأنه لم يثبت ما ادعاه وإنما أخذ بإقراره على نفسه. قال عبد الباقي: وإن شهد شريك فقط على شريكه في عبد بعتق نصيبه أي نصيب المشهود عليه والشريك يكذبه، فقد تضمنت شهادته شيئين: إقراره بعتق نصيبه نفسه وإنه يستحق قيمته على شريكه إن أيسر، فألغي الثاني وعمل بالأول فقط فيعتق نصيب الشاهد مجانا، ولذا قال: فنصيب الشاهد حر إن أيسر شريكه ولا يرجع بقيمته ولا يعتق نصيب المشهود عليه بل يستمر رقا له، فإن قلت إذا كان لا يرجع الشاهد بقيمة نصيبه فلم اشترط يسر الشريك المشهود عليه بعتق نصيبه؟ قلت: هو شرط في عتق نصيب الشاهد لا في رجوعه بقيمته. اهـ كلام عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي: وإن شهد شخص على شريكه في رقيق بعتق نصيبه أي نصيب المشهود عليه فنصيب الشاهد حر إن أيسر شريكه، لتضمن شهادته إقراره بحرية نصيبه وشهادة الشاهد إذا تضمنت حكمًا يلزمه فإنما يعتبر ذلك في حصته، وحينئذ فالمشهور أنَّه يلزمه عتق نصيبه مجانا. وقوله:"فنصيب الشاهد حر" أي من غير تقويم لأنه اعترف بحرية نصيبه غايته أنَّه يدعي استحقاق القيمة على شريكه، واستحقاق القيمة فرع ثبوت العتق والعتق لم يثبت. أهـ. وقوله:"فنصيب الشاهد حر" أي من غير تقويم خلاف ما في التتائي، فإنَّه قال: فنصيب الشاهد حر بعد تقويمه صلى شريكه. انتهى.
والأكثر على نفيه يعني أكثر رواة المدونة على نفي حرية نصيب الشاهد مع يسر الشريك، قال التتائي: والأكثر من الرواة على نفيه أي نفي العتق على الشاهد والشريك موسر، وشبه ذلك بما هو متفق عليه في أنَّه لا يعتق فيه نصيب الشاهد، فقال: كعسره أي عسر المشهود عليه بالعتق وهو قول أشهب: لا فرق بين عسره ويسره. أهـ. وقال عبد الباقي: والأكثر على نفيه أي عتق نصيب الشاهد مع يسر الشريك، فلا يعتق من العبد شيء كعسره أي كما اتفق على عدم عتق نصيب الشاهد في عسر المشهود عليه، وقولي: شريك فقط، تحرز عن شهادته مع عدل آخر على شريكه يعتق نصيبه فيعتق نصيب المشهود عليه ونصيب الشاهد الشريك، ولا يرجع بقيمته لإقراره لنفسه أنَّه [يستحق]
(1)
قيمته على المشهود عليه. أهـ.
وقال الشبراخيتي: والأكثر من الرواة على نفيه أي نفي كون نصيب الشاهد حرا لما تقدم أنَّه لا يعتق إلا بالحكم ودفع القيمة وليس واحدا منهما. أهـ باقتصار. وقال المواق من المدونة: قال ابن القاسم: إن شهد رجل بأن شريكه في العبد أعتق حصته والشاهد موسر أو معسر، فإن كان المشهود عليه موسرا فنصيب الشاهد حر لأنه أقر أنما له على المشهود عليه قيمته، وإن كان معسرا لم يعتق من العبد شيء. قال غيره: ذلك سواء ولا يعتق عليه منه شيء كان المشهود عليه موسرا أو معسرا، قال سحنون: وهذا أجود وعليه جميع الرواة. وقاله ابن القاسم أيضًا. إذ لو جاز هذا لم يشأ شريك أن يعتق حصته بغير تقويم إلا فعل. أهـ.
ولما أنهى الكلام على العتق أتبعه بالكلام على التدبير، فقال:
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 141.
باب: ذكر فيه التدبير وهو العتق عن دبر وهو أن يعتق العبد بعد موت صاحبه فهو مدبر، والتدبير في الأمر أن ينظر ما يؤول إليه عاقبة الأمر والتدبير التفكر فيه. قال القرافي في التنبيهات: التدبير مأخوذ من إدبار الحياة، ودبر كل شيء ما وراءه بسكون الباء وضمها، والجارحة بالضم لا غير، وأنكر بعضهم الضم في غيرهما. أهـ. وفيه نظر، ففي القاموس أنَّه بالوجهين في كل من المعنيين. قاله البناني.
وأصله الكتاب والسنة والإجماع، فالكتاب قوله تعالى:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ، والسنة قوله صلى الله عليه وسلم: (المدبر من الثلث
(1)
)، وانعقد الإجماع على أنَّه قربة. وعرفه ابن عرفة بقوله: عقد يوجب عتق مملوك من ثلث مالكه بعد موته بعقد لازم. قوله: بعد موته، يخرج به العتق الملتزم في المرض والمبتل فيه لأنه لازم إذا لم يمت، وقوله: بعقد لازم، متعلق بيوجب أخرج به الوصية. قاله الخرشي. وقوله: من ثلث مالكه، قال الشبراخيتي: يخرج به المعتق لأجل وأم الولد. انتهى. أي لأنهما من رأس المال. وهنا أمور مشتبهة: العتق لأجل والتدبير والوصية، فالمعتق لأجل من رأس المال، والمدبر من الثلث وعقده لازم، والوصية من الثلث وعقدها غير لازم. أهـ. وعرف المؤلف التدبير بقوله: التدبير تعليق مكلف رشيد - وإن زوجة في زائد الثلث - العتق بموته "التدبير" مبتدأ، وخبره "تعليق" وهو مصدر أضيف إلى فاعله وهو "مكلف"، و"العتق" مفعول "تعليق"، و"بموته" متعلق "بتعليق"؛ يعني أن التدبير هو أن يعلق مكلف رشيد نفوذ عتق عبده على موته أي موت السيد، ويصح تعليق المكلف الرشيد العتق على موته سواء كان ذلك المكلف الرشيد زوجة وعلقت في زائد الثلث أو غيرها. وقولي: نفوذ العتق أما إنشاء العتق فهو من الآن، والتعليق جعل الشيء معلقا على الشيء أي محمولا عليه وهو هنا معنوي؛ إذ معناه حصول العتق بالموت على ما يأتي. وقوله:"مكلف" احترز به من المجنون والصبي ولو مميزا، فإن تدبيرهما لا يصح لكن الصبي المميز يكون تدبيره وصية ولا يصح على أنَّه تدبير ومثل الصبي المميز السفيه، فإن تدبيره يكون وصية. قال عبد الباقي: وشمل مكلف السكران ولو طافحا بحرام
(1)
ابن ماجه، كتاب العتق، رقم الحديث 2514.
لا بحلال فلا يلزم الطافح كذا ينبغي. انتهى قال البناني: فيه نظر أنظر ما قدمناه أول باب العتق. انتهى.
وقد قدم أول باب العتق أن الطافح ولو بحرام لا يلزمه شيء من العقود ولا من الحدود ولا من الجنايات وأنه كالبهيمة، قال الرهوني: اعتراضه لما قاله من لزوم العتق للسكران بحرام إذا كان طافحا صحيح، وسكت عما أفاده كلامه من لزومه للسكران بحلال إذا لم يكن طافحا مع أنَّه ليس بصحيح؛ إذ هذا لا يلزمه عتق ولا طلاق ولا غيرهما، وقد صرح بأنّه كالمجنون غير واحد، وفي كلام الحطاب في التنبيه الثاني عند قوله صدر البيوع:"وشرط عاقده تمييز" لخ ما يكفي، ولا يصح أن يحمل ذلك على أنَّه في الطافح فقط كما قاله الزرقاني هنا؛ لأنه يلزم عليه مساواته للسكران لا على طريق القاضيين ابن رشد والباجي، ولا على طريقة ابن شعبان واللخمي وابن بشير؛ إذ الطافح بحرام كالمجنون اتفاقا على طريقة الأولين وعلى المشهور على طريقة الآخرين، وتوجيه ابن بشير القولين في الطافح بحرام يدلّ على أن الطافح لا يلزمه شيء باتفاق الطريقين. قال أبو الحسن عند قول المدونة في كتاب العتق الثاني: وعتق السكران وتدبيره جائز إذا كان غير مولى عليه أهـ ما نصّه: وهذا إذا كان نشوان، وأما إذا كان طافحا فحكى أبو الوليد الإجماع على أنَّه لا يلزمه شيء، وحكى ابن بشير في الطافح قولين سببهما النظر إلى تعديه أو إلى عدم فهمه. أهـ منه بلفظه. فتأمله بإنصاف.
تنبيه: بكلام المدونة هذا اعترض مصطفى على ابن عبد السلام والتوضيح ومن تبعهما كالشارح والتتائي من أن تدبير السكران لا نص فيه، وإنما هو مقيس على عتقه. والله أعلم. أهـ. وقوله:"رشيد" احترز به من السفيه المولى عليه فإنَّه لا يصح منه التدبير على أنَّه تدبير بل يكون وصية كما مر قريبا. انظر البناني. وقال عبد الباقي عند قوله: "رشيد" ما نصّه: لا عبد لأنه محجور عليه بالأصالة ولا سفيه مولى عليه ولو اتسع ماله ولا مهمل عند ابن القاسم، وأما عند مالك فيصح؛ لأنَّ تصرفه قبل الحجر محمول على الإجازة عنده. أهـ. وقد علمت أن معنى ذلك أنَّه لا يصح تدبيره على أنَّه تدبير لكنه يكون وصية. والله تعالى أعلم.
وقوله: "وإن زوجة" اعلم أن المرأة الرشيدة كالرجل الرشيد إن لم تكن ذات زوج، وكذا إن كانت ذات زوج ودبرت في زائد الثلث وهو قول ابن القاسم خلافا لسحنون وعليه رد المصنف بالمبالغة، قال سحنون: قول ابن القاسم يصح من الزوجة في زائد الثلث خطأ. ابن رشد: روى عن مالك مثل قول سحنون. أهـ. انظر البناني.
وقال عبد الباقي عند قول المص: "وإن زوجة في زائد الثلث" ما نصّه: وإن لم يكن لها مال غيره وإنما لزمها التدبير في زائد الثلث، بخلاف عتقها ولو لأجل لأنه يخرج بالعتق عن تمتع الزوج، بخلاف التدبير فلا يخرجه من يدها ولها فيه الخدمة والتحمل وكذا الزوج. أهـ. وقال الرهوني: ابن يونس: ومن العتبية قال ابن القاسم: وإن دبرت ذات الزوج ثلث جاريتها لزمها تدبير جميعها، وقد قال مالك: إذا دبرت أمتها وليس لها غيرها فذلك جائز ولا قول للزوج لأنه لم يخرج من يدها شيء، بخلاف عتقها وهذا كالوصية في هذا المعنى. وقال سحنون ومطرف وابن الماجشون: لا يجوز ذلك إلا بإذن زوجها. أهـ منه بلفظه. ونحوه عن النوادر، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن عبد الملك وسحنون وهذا أحسن وأتم مما في البناني، وقوله:"وإن زوجة" إغياء أي أن الرشيد يلزم تدبيره، وإن كانت المدبرة الرشيدة زوجة دبرت عبدا لها هو أكثر من ثلثها أي ثلث مالها. أهـ بتغيير قليل. وقوله:"بموته" أخرج به العتق الناجز ولأجل، ومنه تعليقه على موت شخص كما يأتي آخر الباب، فلا يسمى تدبيرا بل عتقا لأجل.
لا على وصية يعني أن التعليق المذكور إنما يكون تدبيرا إذا كان على جهة الانبرام واللزوم، وأما إن كان على وجه الانحلال أي عدم اللزوم فإنَّه يكون حينئذ وصية، فقوله:"لا على وصية" من تتمة التعريف، فلما اشتمل تعريفه الوصية أخرجها بقوله:"لا على وصية". قال عبد الباقي: ولما شمل تعريفه الوصية أخرجها بقوله: "لا على وصية"، فهو من تتمة التعريف ليلًا يكون غير مانع فخرج ما علقه على موته على وجه الوصية، فإنَّه عقد غير لازم، بخلاف التدبير فإنَّه عقد لازم.
تنبيه: قال جسوس: لم يتعرض الشراح لما يحصل به التمييز بين حقيقتي التدبير والوصية، وإنما فرقوا بينهما باللزوم وعدمه والتفريق بينهما بذلك فرع معرفة حقيقة كل واحد منهما؛ إذ
اللزوم وعدمه من الأحكام. وقد وجدت بخط شيخنا العلامة المحقق أبي عبد الله سيدي محمد بن أحمد المسناوي قدس الله تعالى روحه ما نصه: الحمد لله، ذكر أبو القاسم الغبريني في بعض أجوبته المذكورة في نوازل الوصايا من المعيار ما حاصله أن التدبير من باب الوصية الملتزم فيها عدم الرجوع ووجه ذلك بما يوقف عليه فيه. اهـ. قال العلامة المحقق أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن علي الشريف التلمساني في رد جواب الغبريني: جعل التدبير والوصية جنسا واحدا ناشئ عن عدم فهم كلام أئمة المذهب في ذلك، ثم نقل من كلام محمد بن سحنون ما معناه أن التدبير عقد ناجز حال في عين العبد ونازل فيه، تراخى حكمه عنه إلى الموت فصار كالعتق إلى أجل إلا أنه يخرج من الثلث، وأما الموصى بعتقه فلم يحل فيه عتق ولا نزل فيه إلا ما يعقده الموصى إليه بعد الموت، فكونه موصى بعتقه صفة فعل للسيد، هذا مراد محمد بن سحنون بقوله في الموصى بعتقه: هذه صفة فعل لسيد. وقولهم مدبرا اسم لعين العبد.
قال: وقد فسر القاضي أبو الوليد بن رشد هذا المعنى وشرحه أحسن تفسير وأتم شرح، فقال: الفرق بين الوصية والتدبير أن التدبير عقد أوجبه السيد على نفسه في حياته إلى أجل ءات لا محالة، فوجب أن لا يكون له الرجوع فيه بقول ولا فعل كالعتق لأجل؛ لأن العتق عليه عند الموت وحمل الثلث له بعقد السيد له العتق والوصى بعتقه لم يعقد السيد له عقد عتق في حياته، وإنما أمر أن يعتق بعد وفاته، فالعتق إنما يقع عليه بعد موت الوصي كمن وكل رجلا يبيع عبده أو يهبه فله أن يرجع عن ذلك بما شاء من قول أو فعل ما لم يعقد الوكيل فيه ما أمره به. اهـ.
وبه يفهم على التمام كلام ابن سحنون المذكور، وفي المدونة أيضا ما يشهد لمغايرتهما في الجنس، قال سحنون فيها: قلت لابن القاسم: أي شيء هذا التدبير في قول مالك؟ قال: هذا إيجاب أوجبة السيد على نفسه والإيجاب عند مالك لازم، ثم قال: وأما الوصية فقال في المدونة إنها عدة والعدة ليست بإيجاب والتدبير إيجاب والإيجاب ليس بعدة، ولأجل أن التدبير عقد ناجز في عين العبد استتبع الأولاد بخلاف الوصية، وقد حكى ابن القصار الإجماع على استتباع الأولاد في التدبير دون الوصية واحتج بذلك على لزوم التدبير، وكان شيوخنا يقولون: إن عتق المدبر وضع لخدمة كما أن عتق المكاتب وضع لمال وذلك لقوة عقد العتق فيهما وفي المدونة ما يشهد لما ذكروه.
وقال شيخ شيوخنا أبو محمد عبد الواحد بن عاشر في كلام أبي عبد الله الشريف هذا: إنه تحرير حسن في تحقيق معنى التدبير وتمييزه عن الموصى بعتقه. اهـ.
كإن مت من مرضي أو سفري هذا مثال للوصية؛ يعني أنه إذا قال إن مت من مرضي هذا فعبدي فالأن حر فإن حذا يحمل على أنه وصية فيكون له الرجوع فيها، وكذلك إذا قال له إن مت من سفري هذا فأنت حر فإن ذلك يحمل على أنه وصية فيكون له الرجوع. أو بعد موتي يعني أنه إذا قال له: أنت حر بعد موتي أو أنت حر يوم أموت كما في المدونة، أو أنت حر إذا مت فإن ذلك يحمل على الوصية فيكون له الرجوع. قال البناني عند قوله:"أو بعد موتي" ما نصه: مثله أنت حر يوم أموت كما في المدونة، قال ابن عرفة: وفيها أنت حر يوم أموت كأنت حر بعد موتي. اهـ. أي كلاهما محمول على الوصية فناقضوها بقول مالك فيمن قال لزوجته أنت طالق يوم أموت إنه يعجل عليه. قال ابن يونس: فينبغي أن يكون قوله أنت حر يوم أموت معتقا إلى أجل، كمن قال: أنت حر قبل موتي بشهر إذ قد يموت آخر النهار فيقع العتق على العبد أول النهار قبل موته ابن عرفة: وقد يفرق بأن وقفه على الموت ظاهره كونه
(1)
بعده، فلما كان العتق يصح بعد موته حمل عليه عملا برجحان حمل اللفظ على ظاهره، ولما لم يصح الطلاق بعد الموت حمل على أنه قبله صونا للفظ من حمله على الإهمال. اهـ. وأصل الجواب لابن يونس؛ قال في التكميل: ولقد أحسن من قال:
لله درك يا ابن يونس كنت لي
…
عونا على فهم الخفي المشكل
فإذا اعترتني في كتابي شبهة
…
حاولتَها بالشرح حتى تنجلي
إن لم يريد يعني أن محل كون هذا اللفظ وصية في الصور الثلاث إنما هو إذا لم يرد به التدبير وأما إن أراد به التدبير، فإنه يكون تدبيرا، فالأقسام ثلاثة، فإذا قال في الصور الثلاث فأنت حر فإنه يكون وصية إذا لم ينو بما صدر منه التدبير، فإن نوى بما صدر منه التدبير فهو تدبير في
(1)
كذا في الأصل، والذي في البناني ج 8 ص 143. ظاهر في كونه.
الصور الثلاث، فإن قال: إن مت من مرضي هذا فأنت مدبر أو إن مت من سفري هذا فأنت مدبر أو أنت مدبر بعد موتي فتدبير في الصور الثلاث كما في كتاب محمد وكتاب ابن سحنون. وقال البناني: إن لم يرده أي بالنية كما يدل له قول الإمام يسئل
(1)
، فإن نوى التدبير أو الوصية يصدق ويلزمه ما نوى. اهـ. وبه تعلم أن تمثيل الزرقاني لإرادته بقوله: إذا مت فعبدي فلان حر لا يغير عن حاله غير صواب لأن هذا جعلوه من الصريح كما في المواق. اهـ.
وعلم من هذا أن محل كلام المص حيث لم يقيد بتدبير ولا غيره لا لفظا ولا نية، وأما لو قال حر لا يغير عن حاله ولا رجوع له فيه أو هو حر بالتدبير أو أراد التدبير فعقد لازم بالأولى من لزومه بكل كلام نواه به ولم يعلقه هذا خاص بقوله حر بعد موتي ولا يرجع لا قبله من الصورتين لوجود التعليق فيهمات ومعنى كلامه أنه إذا علق في الأخير بأن قال مثلا: إن كلمت فلانا فأنت حر بعد موتي فإنه يلزمه التدبير بتكليمه وإن لم يرد به التدبير، بخلاف الأولين فلا بد من إرادته لأن المعلق عليه الموت فيهما وليس له فيه اختيار وقدرة والمعلق عليه في الثالث الكلام وله فيه اختيار. اهـ. وجعل الخرشي قوله: ولم يعلقه راجعًا للصور الثلاث ومثله له بقوله: كإن كلمت فالأنا فأنت حر إن مت من مرضي أو سفري هذا أو إن كلمت فلانا فأنت حر بعد موتي. اهـ.
أو حر بعد موتي بيوم يعني أنه إذا قال شخص لعبده: أنت حر بعد موتي بيوم أو شهر أو أكثر من ذلك أو أقل فإنه يكون وصية لمخالفته للتدبير لكونه غير معلق على الموت إن لم يرده ولم يعلقه فحذف منه ذلك لدلالة ما قبله عليه. قاله عبد الباقي. عن الأجهوري. وقال الخرشي: وأما إذا قال لعبده أنت حر بعد موتي بيوم أو شهر أو أكثر أو أقل من ذلك فإنها تكون وصية غير لازمة، وسواء أراد التدبير أو لم يرده إلا أنه إذا أراده كان وصية التزم عدم الرجوع فيها، والوصية إذا التزم عدم الرجوع فيها هل تلزم أو لا؟ قولان. اهـ. ونقل هذا عبد الباقي عن بعض الشراح. والله تعالى أعلم.
(1)
في البناني: حين سئل ج 8 ص 143.
وأشار إلى صيغ التدبير الصريحة بقوله: بدبرتك يعني أن التدبير يكون بدبرتك، فإذا قال لعبده دبرتك فإن ذلك عقد لازم لا رجوع له فيه. قال الخرشي: هذا شروع في صريح التدبير وهو متعلق بالمصدر وهو تعليق: والمعنى أن المكلف إذا علق العتق على موته بصيغة من الصيغ الثلاث، يعني: بدبرتك، أو أنت مدبر أو حر عن دبر مني فإنه يكون تدبيرا صريحا إلا أن يقول ما لم أغير ذلك أو أرجع عنه أو أفسخه، فإن ذلك يكون قرينة صارفة عن التدبير إلى الوصية، وهذا حكم صريح في الوصية إذا صحبته قرينة على التدبير انعقد كقوله: إذا مت فعبدي فلان حر لا يغير عن حاله ونحو ذلك. انتهى كلام الخرشي. وقال الشبراخيتي: وقد يصحب صريح التدبير قرائن تصرفه للوصية كعكسه.
قال ابن عبد السلام: فالأول إذا اقترن به ما يدل على الوصية من اشتراط التغيير أو الرجوع، والثاني ما قدمه المص بقوله:"إن لم يرده ولم يعلقه"، والفرق بين أنت حر عن دبر مني وبين حر بعد موتي أن هذا لما كان صريحا في الباب لم يحتج إلى الإرادة، بخلاف حر بعد موتي. اهـ.
تنبيه: ظاهر قول المص أن هذه الصيغ الثلاث تدبير مطلقا علقها أم لا، وقد مر لي التصريح بذلك وهو ما في كتاب محمد وكتاب ابن سحنون، ولابن رشد عن ابن القاسم خلاف ذلك، وفي المواق ما نصه: والذي لابن يونس ما نصه: قال ابن القاسم: من قال في مرضه إن مت من مرضي فعبدي فلا ن مدبر فهو تدبير لازم ولا رجوع فيه. وقاله ابن كنانة: وقال ابن رشد: إن قيد تدبيره بمرض أو سفر أو ما أشبه ذلك مما قد يكون أو لا يكون، مثل أن يقول إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا أو في هذا البلد أو أنت مدبر إذا قدم فلان وما أشبه ذلك، فقال ابن القاسم في العتبية: إنها وصية وليس بتدبير وله أن يرجع عنه في مرضه ذلك وبيعه إن شاء، وقال في كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون: إنه تدبير لازم وهذا الخلاف عندي قائم من المدونة. راجع المقدمات.
واتفق قول ابن القاسم أنه إذا قال أنت حر بعد موتي أو إذا مت أنه محمول على الوصية حتى يتبين أنه أراد التدبير وخالفه أشهب ولكلا القولين وجه من النظر أعني قولي ابن القاسم وأشهب؛ ولو قال: إن فعلت كذا وكذا فعبدي حر بعد موتي ففعله لكان مدبرا لا رجوع فيه على قوليهما جميعا لوجوب العتق عليه بالموت بعد الحنث. قال ابن العربي: فالمعلق أشد من غير
المعلق والمطلق أخف من المعلق، وأما إن علق على الموت كأنت حر بعد موتي أو إذا مت، فقال ابن القاسم: إنه وصية حتى يريد التدبير، وقال أشهب: هو تدبير، وقد تقدم قول ابن رشد إن لكل من القولين وجها من النظر، وأما إن لم يعلق التدبير على الموت فقال ابن رشد: التدبير عقد من عقود الحرية يلزم من التزمه ويجب على من أوجبه على نفسه، قال: وهذا إذا كان مطلقا غير مقيد وقد تقدم إذا قيده، قال: وصفة التدبير المطلق اللازم أن يقول الرجل في عبده هو مدبر أو حر عن دبر مني أو حر بعد موتي بالتدبير أو حر بعد موتي لا يغير عن حاله. ابن شأس: فإن اقتصر على أنت حر بعد موتي فهذا وصية مالم ينو به التدبير، ومن المدونة: إن قال أنت حر بعد موتي بيوم أو شهر فهو من الثلث ويلحقه الدين. ابن يونس: يريد وهذه وصية له الرجوع فيها. اهـ كلام المواق. وفي حاشية البناني ما نصه: وانظر هل ينصرف - يعني صريح التدبير لها يعني للوصية - بالنية وظاهر التوضيح الانصراف. اهـ.
ونفذ تدبير نصراني لمسلم يعني أن الكافر ينفذ أي يمضي تدبيره لعبد مسلم سواء أسلم عنده تم دبره أو دبر العبد والعبد كافر ثم أسلم العبد أو اشتراه مسلما فدبره فينفذ تدبيره في الصور الثلاث: وإذا قلنا بصحة تدبيره أوجر له عند مسلم حذرا من استيلاء الكافر على المسلم بالخدمة وله غلته. وأشار بقوله: "وأوجر له" إلى أنه لا يتولى ذلك وهو صحيح. قاله الشبراخيتي. وقال: واعلم أن الذمي إذا دبر المسلم سواء ملكه مسلما أو أسلم عنده قبل التدبير فإن ولاءه للمسلمين، سواء كان لسيده أقارب مسلمون أم لا ولا يعود ولاؤه لسيده ولو أسلم؛ لأنه حين دبره لم يكن له عليه ولاء لاختلاف الدينين، وأما إن دبر كافر كافرا ثم أسلم العبد، فإن مات السيد كافرا فولاؤه لجماعة المسلمين إلا أن يكون للسيد ولد أو أخ مسلم فإنه يرثه ويكون ولاؤه له؛ لأن الولاء الذي هو (لحمة كلحمة النسب)
(1)
ثبت بين السيد ومدبره لاتفاقهما حين التدبير في الدين، فإن مات كانت هذه اللحمة لولده أو أخيه الموافق للمدبر المسلم في الدين، وأما إذا أسلم العبد بعد إسلام المدبر فإنه يعود إليه ولاؤه أي لحمة الولاء لا الميراث. قاله أبو الحسن. قوله: لا الميراث أي لأن
(1)
ابن حبان، رقم الحديث 4929 - الدارمي، ج 2 ص 398.
العبد لم يمت، وأما إن مات العبد الذي دبره سيده ثم أسلم في حياة سيده فإن ماله لسيده؛ لأن السيد الكافر يأخذ مال عبده المسلم إذا مات. انتهى.
وقال الشبراخيتي: ونفذ تدبير نصراني، لو قال: ذمي أو كافر لكان أشمل، وكأنه قصد اتباع الرواية لمسلم سواء دبره كافرا ثم أسلم أو أسلم ثم دبره أو اشتراه مسلما ثم دبره كما في التتائي، لكن في شمول كلام المص للصورة الأولى نظر. اهـ. وقال عبد الباقي: ونفذ بذال معجمة تدبير نصراني أو يهودي لمسلم اشتراه كذلك أو أسلم عنده فدبره أو دبره كافرا فأسلم، وشمل قوله:"لمسلم" هذا الثالث لأنه مسلم مئالا ومعنى نفوذه لزومه وعدم فسخه؛ لأنه نوع من العتق. وأشار بقوله: وأوجر له" أي عليه عند مسلم إلى أنه لا يتولى ذلك وهو صحيح وهذا أولى مما عبر به في البيع حيث قال وأجبر على إخراجه فإن ظاهره أنه يتولى ذلك وليس كذلك. قاله أحمد. فالحاكم يتولى إيجاره ويدفع له ما أوجر به شيئا فشيئا؛ لأن منتهى أجل السيد لا يعلم فإذا مات عتق من ثلثه وولاؤه للمسلمين إلا أن يكون للكافر ولد أو أخ مسلم فولاؤه له، فإن أسلم رجع إليه عبده وكان ولاؤه له حيث أسلم العبد بعد التدبير، فإن كان مسلما عند التدبير فالولاء للمسلمين ولا يرجع للسيد إذا أسلم ولا لورثته المسلمين كما يأتي ذلك في باب الولاء. اهـ.
وقال البناني عند قوله "ونفذ تدبير نصراني لمسلم" ما نصه: قال أبو إسحاق النظار: يعتق في ثلثه فيما ترك من الخمر والخنزير إذا كان ورثته نصارى، ولو ترك ولدين فأسلم أحدهما بعد موته وقيمة المدبر مائة وترك مائة ناضة وخمرا قيمته مائة لانبغى أن يعتق نصف المدبر على الذي لم يسلم لأنه أخذ خمسين ناضة وخمسين خمرا ونصف المدبر خمسون، فيخرج النصف من ثلث ما ناب النصراني والسلم لم يرث إلا خمسين ناضة وقيمة نصف المدبر خمسون وأهريق نصيبه من الخمر فيعتق ثلثا نصفه. اهـ من تكميل التقييد. اهـ.
وقال المواق من المدونة: إن أسلم مدبر النصراني أو ابتاع مسلما ودبره أجرناه عليه وقبض غلته ولا يتعجل بالبيع وهو قد يعتق بموت سيده، فإن أسلم رجع إليه عبده وكان له ولاء الذي دبر وهو نصراني. وأما ولاء الذي دبره وهو مسلم فقد انعقد ولاؤه للمسلمين فلا يرجع إليه، وإن أسلم وإن
لم يسلم حتى مات عتق في ثلثه وكان ولاؤه للمسلمين إلا أن يكون للنصراني ولد أو أخ مسلم فيكون له ولاء الذي دبره وهو نصراني. اهـ المراد منه.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: فتحصل من كلامهم هنا أنه إذا دبره والعبد كافر ثم أسلم العبد فإنه يكون الولاء للسيد إن أسلم أو لأقاربه المسلمين، فإن دبره الكافر والحال أن العبد المدبر مسلم فإنه لا يكون الولاء للسيد ولو أسلم ولا لأقاربه المسلمين، وتحصل أيضا أن العبد المسلم إذا مات وله مال أنه يأخذه المالك له الكافر. والله تعالى أعلم.
وتناول الحمل معها يعني أنه إذا دبر أمة حاملا فإن تدبيره لها يتناول حملها معها، فيكون كل منهما مدبرا لأن كل ذات رحم ولدها بمنزلتها، ومن المدونة: إن دبر حاملا فولدها مدبر بينزلتها. نقله المواق. وقال عبد الباقي: وتناول التدبير الحمل الكائن معها أي مع الأمة أي الصاحب لها يوم تدبيرها الذي حملت به قبل التدبير وأولى حملت به بعده؛ لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها كما في الرسالة، فقوله:"معها" صفة كما مر أو حال، فقول الشارح يريد أو حملت بعد ذلك صحيح: لأن مراده أنه داخل بالأولى لا أنه داخل في العبارة كما فهم التتائي، فاعترض على الشارح بقوله في هذه الإرادة شيء مع قوله:"وتناول". اهـ. فاعتراضه غير ظاهر بخلاف انفصال حملها قبل تدبيره فرقيق للسيد. اهـ. فعلم من هذا أن معنى قوله: "معها" الحمل الحاصل وقت تدبيره لها، واحترز بذلك عما ولدته قبل التدبير فإنه رقيق يتناوله التدبير، بخلاف ما حدث من حملها بعد التدبير فإنه مدبر. والله تعالى أعلم.
كولد مدبر من أمته بعده يعني أن السيد إذا دبر عبده فإن ما حدث للعبد من قبل ولد من أمته أي أمة العبد بعد التدبير يكون مدبرا، واحترز بقوله:"بعده" من الولد الحاصل للمدبر من أمته قبل التدبير فإنه لا يكون مدبرا، وتحقيق هذا أن ما حملت به بعد التدبير مدبر وما حملت به قبل التدبير رقيق للسيد لا تدبير فيه، فإذا قال له: أنت مدبر وأمته حامل منه فإنه لا يكون مدبرا. قال التتائي: كولد مدبر من أمته أي أمة العبد المدبر الذي حملت به بعده أي بعد تدبير أبيه فيدخل في تدبير أبيه، فلو حملت به يوم التدبير أو قبله كان رقا لسيده. اهـ.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: يعني أنه قد حصل وطؤه الذي حملت منه قبل قوله له: أنت مدبر في يوم التدبير أو المراد باليوم الوقت، وقال عبد الباقي: كولد عبد مدبر للسيد حصل حمله من أمته بعده أي بعد التدبير أي بعد تدبير أبيه، فالحمل مدبر تبعا لأبيه. وأما ما حملت به قبل تدبير أبيه فلا يدخل في التدبير؛ لأن انفصال مائه عنه قبل تدبير كانفصال ولد المدبرة عنها قبل تدبيرها.
لطيفة في الوانوغي: قلت لشيخنا ابن عرفة: يؤخذ من قوله: "وتناول الحمل معها" أن من استعار فرسا فولدت عنده أولادا له أن ينتفع بأولادها؟ فقال: صواب، إلا أن يجري العرف بخلافه. اهـ.
وقال الشبراخيتي: كولد مدبر من أمته أي أمة المدبر التي حملت به بعده أي بعد تدبير أبيه، فقوله:"بعده" متعلق بمقدَّر دل عليه السياق أي حملت به بعده، فاندفع الاعتراض بأن ظاهره أن كلاهن المجرور والظرف صفة لولد وفيه نظر؛ إذ يصدق بما إذا كانت حاملا قبل التدبير أو بعده كان رقيقا لسيده وإنما لم يدخل ما حملت به أمة المدبر قبل تدبير؛ لأن انفصال مائه عنه قبل تدبيره كانفصال ولد المدبرة عنها قبل تدبيرها.
وصارت أم ولد به إن عتق الضمير في عتق راجع للولد؛ يعني أن ولد المدبر من أمته إذا عتق أي الولد تصير به الأمة المذكورة أم ولد، ومن المعلوم أنه إذا عتق الولد يعتق الوالد، لقوله: وقدم الأب عليه في الضيق يعني أنه إذا ضاق الثلث عن عتق الأب وولده المذكور من أمته فإنه يقدم الأب في العتق على الولد، فيعتق كله أولا ثم يعتق من الولد بقدر ما بقي من الثلث إن بقي منه شيء وهذا ضعيف، والمعتمد وهو مذهب المدونة أنهما يتحاصان. قال البناني: هذا يعني قوله: "وقدم الأب عليه في الضيق" هو الذي استظهره ابن عبد السلام فجرى عليه المص هنا مع اعتراضه في التوضيح بأن مذهب المدونة وغيرها أنهما يتحاصان وقد اعترضه الحطاب والأجهوري ومن تبعه. اهـ.
وقال الشبراخيتي: وصارت أمة المدبر أي بحملها الحاصل بعد تدبير أبيه أم ولد للمدبر بالفتح إن عتق الضمير في عتق للولد أي إن عتق الولد بموت سيده خلافا للشارح في جعله راجعا للأب،
وإذا كان ولد المدبر من أمته بمنزلة أبيه وضاق الثلث عنهما قدم الأب عليه في الضيق لتقدم تدبيره عليه، وتبع فيه ما استظهره ابن عبد السلام وهو ضعيف ومذهب المدونة وهو المعتمد أنهما يتحاصان في الضيق كما نقله عنها في توضيحه وكذا المدبرة وولدها، وعليه فلا يعتق أحدهما دون الآخر وما كان له العدول عن مذهب المدونة إلى ما استظهره ابن عبد السلام. الزرقاني: إذا عتق بعض الولد لأجل التحاص تكون به أم ولد، قال الأجهوري: كلام الزرقاني فاسد. اهـ. يعني لأن أم الولد هي الحر حملها من وطء مالكها أي كله وهذا هو المعتمد. وقال عبد الباقي: وكذا تحاص المدبرة وولدها عند الضيق. اهـ. وقال المواق من المدونة: كل ما ولد للمدبر من أمته مما حملت به بعد عقد التدبير فهو بمنزلته يعتق معه في الثلث، فإذا عتقا كانت أم ولد بذلك له كان الولد الآن حيا أو ميتا.
وللسيد نزع ماله يعني أن السيد له أن ينتزع مال المدبر إن لم يمرض السيد، وأما إن مرض السيد فليس للسيد أن ينتزع ماله. قال الشبراخيتي: وللسيد نزع ماله. سواء كان لنفسه أو لغرمائه إن لم يمرض، أطلقه وقيده ابن عبد السلام بما إذا كان مرضا مخوفا، وهذا ما لم يشترط انتزاع ماله في المرض: فإن اشترطه عمل بشرطه. اهـ. وقال عبد الباقي: ويجوز للسيد نزع ماله أي المدبر لقوة شبهة السيد ولذا جاز له وطء المدبرة، ومحل الانتزاع إن لم يمرض السيد مرضا مخوفا، فإن مرض لم يكن له نزعه لأنه ينتزعه لغيره إلا أن يشترط عند التدبير نزعه، وإن مرض مخوفا فيعمل به كما يفيده الحطاب من صحة تدبير مع استثناء ماله بعد موت السيد. وأراد المص بماله ما وهب له أو تصدق به عليه أو اكتسبه بتجارة أو مهرها أو بخلع زوجةٍ وكذا مهر أم ولده كما في المدونة خلافا لقول أحمد: لا ينتزعه وأطلق، وأما عمل يده أو خراجه أي غلته وأرش جناية عليه فللسيد نزعه ولو مرض، على أن إطلاق الانتزاع عليه مجاز إذ هو له أصالة. اهـ.
وقال التتائي: وللسيد نزع ماله لنفسه ولغرمائه في الفلس. قاله في المدونة لقوة الرق فيه. ولذا كان له وطؤها وجواز انتزاعه ما لم يمرض السيد في المسألتين. اهـ. وقوله: لقوة الرق فيه أحسن من عبارة عبد الباقي لقوة شبهة السيد. اهـ. وقال المواق من المدونة: قال ليس للغرماء أن يجبروا المفلس على انتزاع مال أم ولده أو مدبره وله انتزاعه إن شاء لقضاء دينه وينتزعه على غير هذا
الوجه إن شاء لنفسه، وأما إن مرض ولا دين عليه فليس له انتزاعه لأنه إنما ينتزعه لورثته. ابن يونس: لأنهم لم يعاملوه على أن يجبروه على مثل هذا كما لم يجبروه على قبول الهبة إن وهبت له. وإن مرض ولا دين عليه فليس له أن ينتزعه لأنه إنما ينتزعه لورثته، وفي التفليس ينتزعه لنفسه. اهـ.
ورهنه يعني أن السيد له أن يرهن عبده المدبر، قال عبد الباقي: وللسيد رهنه أي رهن رقبة المدبر، ليباع للغرماء ولو في حياة السيد حيث كان الدين سابقا على التدبير، فإن تأخر عن التدبير فإنما يجوز رهنه على أن يباع للغرماء بعد موت السيد حيث لا مال له بل في حياته، وقوله في باب الرهن:"لا رقبته" معناه لا يجوز رهنها على أن تباع في حياة السيد للدين الطارئ على التدبير فلا تخالف. اهـ.
وكتابته يعني أنه يجوز للسيد أن يكاتب عبده المدبر فيكون مدبرا مكاتبا؛ قال المواق: اللخمي: قال مالك: للسيد أن يرهن مدبره. اللخمي: إن كاتب السيد مدبره جاز فإن أدى عتق وإلا بقي مدبرا. اهـ. وقال عبد الباقي: وللسيد كتابته وإن كانت بيعا على قول لأن مرجعها إلى العتق، فإن أدى عتق وإن عجز بقي مدبرا وإن مات سيده قبل أدائها عتق من ثلثه وسقط عنه باقي النجوم، وإن لم يحمله الثلث عتق منه محمله وأقر ماله بيده ووضع عنه من كل جزء بقدر ما عتق منه، فإن عتق منه نصفه وضحع عنه نصف كل نجم وإن لم يترك غيره عتق ثلثه ووضع عنه ثلث كل نجم عليه ولا ينظر لما أداه قبل ذلك، ولو لم يبق عليه غير نجم عتق ثلث المدبر ووضع عنه ثلث ذلك النجم وسعى فيما بقي، فإن أدى خرج حرا. قاله التتائي والشارح. وزاد: فإن مات السيد وعليه دين فاغترق الدين رقبته كان كمكاتب تباع للدين كتابته، فإن أدى فولاؤه لعاقدها وإن عجز رق لمبتاعه: وإن اغترق الدين بعض الرقبة بيع من كتابته بقدر الدين ثم عتق من رقبته بقدر ثلث ما لم يبع من كتابته، وحط عنه من كل نجم ثلث ما لم يبع من ذلك النجم، فإن أدى خرج حرا وولاؤه للميت وإن عجز فبقدر ما بيع من كتابته يرق للمبتاع من رقبته، وما عتق منه يكون حرا لا سبيل لأحد عليه وباقي رقبته بعد الذي عتق يكون رقا للورثة. اهـ ما زاده الشارح. اهـ كلام عبد الباقي.
وقال التتائي: وجاز للسيد كتابته لأنها وإن كانت بيعا فمرجعه للعتق وهي أقرب له من التدبير بدليل حرمة وطئه المكاتبة، زاد في المدونة: فإن أداها عتق وإن مات سيده قبل أدائها عتق في ثلثه. وقوم بماله في ثلثه إن وسعه ويسقط عنه باقي الكتابة وإن لم يحمل الثلث رقبته عتق عنه محمله وأقر ماله بيده، ووضع عنه من كل نجم بقدر ما عتق منه فإن عتق منه نصفه سقط عنه نصف كل نجم، وإن لم يترك غيره عتق ثلثه ووضع عنه ثلث كل نجم عليه ولا ينظر لا أداه قبل ذلك ولو لم يبق عليه غير نجم عتق ثلثه وحط عنه ثلث ذلك النجم ويسعى فيما بقي، فإن أدى خرج جميعه حرا. اهـ. ونقله غير واحد.
لا إخراجه لغير حرية يعني أنه لا يجوز إخراج المدبر إلى غير الحرية، قال الشبراخيتي: لا إخراجه لغير حرية كرجوع عن تدبيره أو بيعه أو هبته ولو تخلف على سيده أي خالفه وعصاه ولو أحدث فسوقا. اهـ. وقال البناني عند قوله: "لا إخراجه لغير حرية" ما نصه: ابن عبد السلام: هذا هو المشهور من المذهب، وقال ابن عبد البر: كان بعض أصحابنا يفتي ببيعه إذا تخلف على مولاه وأحدث إحداثا قبيحة لا ترضى. اهـ. وأراد بالبعض ابن لبابة كما قاله ابن عرفة، قال في التكميل: وكان شيخنا القوري أفتى مرة بما نقله ابن عبد البر. اهـ. وقال عبد الباقي: لا يجوز إخراجه لغير حرية كهبة وبيع ورجوع عن تدبيره؛ لأن في ذلك إرقاقه بعد جريان شائبة الحرية والشارع متشوف للحرية. اهـ. وقال المواق من المدونة: لا يجوز بيع المدبر ولا هبته ولا الصدقة به، وكان ابن لبابة يجيز بيع المدبر إذا تخلف على مولاه. اهـ.
وفسخ بيعه إن لم يعتق يعني أنه إذا بيع المدبر فإن بيعه يفسخ إن لم يعتقه المشتري، وأما إن أعتقه المشتري فإنه لا يفسخ بيعه. قال عبد الباقي: وإذا بيع فسخ بيعه وكذا هبته، فلو قال: وفسخ ذلك إن لم يعتق كان أشمل، وتعود الإشارة إلى قوله:"إخراجه لغير حرية" فإن أعتقه من اشتراه أو وهب له ولو لأجل لم يفسخ بيعه ولا هبته؛ لأنهم جعلوا أمومة الولد فوتا فأولى العتق لأجل.
والولاء له أي لمن أعتقه لا لمن دبره، ولا يرجع على من دبره بالثمن لأن عتقه فوت، وهذا إن لم يتأخر عتقه إلى موت مدبره فلا يمضي؛ لأن الولاء انعقد لمدبره إما بحمل الثلث لجميعه فيعتق
كله أو بحمله لبعضه فيعتق، وعلى كل حال فالولاء انعقد لمدبره قبل عتق المشتري فلا ينتقل له بعد تقرره للأول، فإن بيع المدبر وعمي خبره جعل ثمنه في رقيق يدبره. اهـ قوله. وهذا إن لم يتأخر عتقه لخ نحوه في التوضيح، وقوله: فإن بيع المدبر وعمي خبره لخ هكذا في سماع ابن القاسم، وذكر أنه إن فات بالموت يجعل الفضل من ثمنه على قيمته في مدبر مثله، فإن لم يبلغ أعان به في عتق، قال: وليس عليه في الفوت بالعتق قليل ولا كثير؛ لأنه صار إلى خير مما كان فيه. ابن رشد: تفريق ابن القاسم بين العتق والوت هو نص المدونة انظر ابن عرفة. اهـ. قاله البناني.
وقال التتائي: وفسخ بيعه إن لم يعتق، فإن نجز المشتري عتقه مضى بيعه وعتقه وكان الولاء له أي لمعتقه، ولمالك: يفسخ البيع لانتقال الولاء للمدبر. اهـ. وقال المواق: الجلاب: من باع مدبره فسخ بيعه، وقال الجلاب أيضا: إن أعتقه مبتاعه قبل فسخ بيعه ففي ذلك رواتيان: إحداهما أن عتقه نافذ غير مردود وهذا قول ابن القاسم، ويستحب للبائع أن يجعل الفضل من ثمنه عن قيمته في مدبر مثله. اهـ. وقوله:"إن لم يعتق" قال الشبراخيتي: وهذا المفهوم يقيد بما قاله في توضيحه بما إذا أعتقه قبل موت المدبر، وأما لو أعتقه بعد موت مدبره فلا يمضي؛ لأن الولاء انعقد له إما بحمل الثلث لجميعه فيعتق كله أو بعضه فيعتق بعضه. اهـ.
كالمكاتب تشبيه تام يعني أن المكاتب لا يجوز إخراجه بغير حرية وفسخ بيعه إن لم يعتق. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: كالكاتب لا يجوز بيع رقبته وإن رضي، فإن بيع قبل عجزه فسخ إن لم يعتق والولاء لمن أعتق فالتشبيه تام. اهـ. ومن المدونة: لا تباع رقبة المكاتب فإن بيعت رد البيع ما لم يفت بعتق، وقال عبد الوهاب: قال مالك: لا يجوز لسيد المدبر أن يبيعه ممن يعتقه، ويجوز له أن يأخذ مالا من رجل ويعجل عتقه والعتق في الموضعين موجود مع العوض. اهـ.
وإن جنى أي المدبر يعني أن المدبر إذا جنى فإنه يخير سيده أولا لتقدم حقه بين إسلامه وفدائه بأرش الجناية، فإن فداه بأرش جنايته بقي مدبرا على حاله، وإلا - مركب من إن الشرطية ولا النافية أي وإن لم يفده السيد - أسلم خدمته للمجني عليه يستوفي منها الأرش تقاضيا أي
يتقاضى منها أرش جنايته شيئا فشيئا، ولا يملك المجني عليه جميعها. قاله الشبراخيتي. وقال: قوله "تقاضيا" ليس معمولا "لأسلم"، بل لقدر أي فيملكها أو فيأخذها تقاضيا كذا أطلق هنا تبعا لابن الحاجب على أنه في توضيحه قيد ذلك بما إذا لم يكن للمدبر مال يفدى يه وإلا دفعت الجناية من ماله ولا خيار للسيد. وقوله:"وإن جنى" لخ في هذا الكلام حذف الجواب تارة والشرط أخرى وكل من ذلك جائز، والتقدير: فإن فداه استمر مدبرا وإن لم يفده أسلم خدمته. اهـ. وقد مرت الإشارة إلى هذا في أول الحل.
وقال التتائي: وإن جنى المدبر خير سيده في أحد أمرين لسبق حقه على المجني عليه في فدائه أو إسلامه، فإن فداه بأرش جنايته بقي مدبرا على حاله وإلا يفده أسلم في خدمته للمجني عليه يستوفي منها الأرش تقاضيا شيئا فشيئا، ولا يملك المجني عليه جميعها على المشهور كذا أطلق عنا تبعا لابن الحاجب، على أنه قال في توضيحه: التخيير مقيد بما في المدونة وغيرها، ففي جناياتها الجناية في خدمته إلا أن يكون له مال فيدفع في جنايته، فإن كان فيه وفاء بالجناية رجع إلى سيده وإن لم يكن فيه وفاء أو لم يكن معه شيء خير السيد، فإما فدى خدمته بجميع ما جنى أو يدفع خدمته. اهـ.
وقال عبد الباقي: وإن جنى المدبر وله - يعني للمدبر - مال يفي بجنايته دفع فيها وبقي مدبرا لسيده ولا خيار للسيد كما في النقل خلافا لظاهر إطلاق المص، وإن لم يف بذلك أو لم يكن معه شي، خير سيده بين إسلامه وفدائه، فإن فداه بقي مدبرا وإلا يفده أسلم بخدمته للمجني عليه يستوفي منها أرش الجناية تقاضيا أي شيئا بعد شيء حتى يستوفي الجناية على المشهور، وقيل يملك جميع الخدمة، فإن جنى عليه وهو في أثناء الخدمة فأرشها لمن له الخدمة كما قال أبو إسحاق: إنه الأشبه ونازعه ابن مرزوق واستظهر أنها لسيده.
وحاصه مجني عليه ثانيا يعني أن المدبر إذا جنى مرة ثانية بعد أن أسلم السيد خدمته للمجني عليه أولا، فإن المجني عليه ثانيا يحاص المجني عليه أولا فيما بقي من الخدمة، ويختص الأول بما استوفاه قبل محاصة الثاني له. قال عبد الباقي: وحاصَّه مجنيُّ عليه جنى عليه العبد ثانيا بعد إسلام خدمته في الجناية إلا فيما بقي من الخدمة، ويختص الأول بما استوفاه قبل
محاصة الثاني من يوم ثبوت الجناية ويحتمل من يومها، وانظر هل معنى المحاصة قسم الخدمة بينهما نصفين أو على حسب ما لكل، ولا مفهوم لقوله:"ثانيا" اهـ؟ قول المص: "تانيا" حال من "مجني عليه"، وقول عبد الباقي: وانظر هل معنى المحاصة لخ لا محل للتنظير، ففي حاشية البناني عند قول المص:"وحاصه مجني عليه ثانيا" ما نصه: يعني ولا خيار للسيد في فدائه من الجناية الثانية بعد أن أسلمه في الأولى كما في المدونة. قال في المدونة: يحاص الثاني بجميع أرش جرحه والأول بما بقي إن كان استخدمه. اهـ. وعلى هذا فإذا كان أرش جناية الثاني عشرين، وجناية الأول عشرين إلا أنه أخذ من خدمته عشرة وبقيت عشرة يتحاصان خدمته أثلاثا هذا ما يعطيه كلام المدونة السابق، وبه جزم ابن مرزوق وحينئذ فلا وجه لتوقف الزرقاني بقوله: انظر هل معنى المحاصة لخ.
ورجع إن وفى يعني أن المدبر إذا وفى الجناية حيث اتحدت أو الجنايتين أو أكثر حيث تعددت فإنه يرجع مدبرا على حاله، فإن كان السيد حيا رجع إليه يستخدمه إلى أن يموت السيد فيعتق من ثلثه وهذا يفيده قوله:"تقاضيا" إذ معناه أنهما
(1)
يستوفيان منها حتى يتم لهما أرش الجناية، وما بعد ذلك من الخدمة يكون للمدبر بكسر الباء، قال المواق: الجلاب: وإن جنى المدبر جناية فجنايته في خدمته دون رقبته والسيد بالخيار في افتكاكها بأرش الجناية: وفي إسلام خدمته إلى المجني عليه ليخدمه ويقاصه بأجرة خدمته من أرش جنايته، فإن استوفى ذلك والسيد حي رجع إليه فكان مدبرا على حاله. اهـ.
وإن عتق بموت سيده اتبع بالباقي يعني أنه إذا مات السيد قبل استيفاء أرش الجناية فإنه ينظر في ذلك؛ فإن عتق المدبر بموت السيد فإن حمله الثلث فإن المدبر يتبع بما بقي من أرش الجناية في ذمته فيكون حرا تعلق أرش الجناية بذمته، أو بعضه بحصته يعني أنه إذا لم يحمل الثلث جميع العبد، فإن حمل بعضه فعتق ذلك البعض ورق باقيه للوارث فإنه يتبع فيما عتق منه
(1)
في الأصل أنها أنهما.
بحصته أي العتق أي يتبع بالأرش في الحصة التي صار بها حرا والحصة التي صارت رقا للوارث. وحينئذ خير الوارث في إسلام ما رق منه ملكا للمجني عليه أو فكه بقدر ما يخصه من أرش الجناية على حساب ما بقي، فإذا كان أرش الجناية عشرين واستوفى من الأجرة التي وقعت في مقابلة الخدمة عشرة وعتق منه النصف فإنه يتبع بخمسة في ذمته وخمسة يسلم له الوارث فيها النصف الذي رق أو يفديه بها. والله تعالى أعلم.
قال عبد الباقي: وحاصه مجني عليه ثانيا بعد إسلام خدمته في الجناية الأولى ورجع إن وفى أرش الجناية أو الجنايتين مدبرا كما كان قبل الجناية، وهذا يفهم من قوله:"تقاضيا"، وإن عتق بموت من ثلثه بعد إسلامه قبل استيفاء أرش الجناية اتبع بالباقي من الأرش أو عتق بعضه ورق باقيه للوارث لضيق الثلث اتبع فيما عتق منه بحصته أي العتق؛ أي يتبع بالأرش في الحصة التي صارت إلى الحرية والحصة التي صارت رقا للوارث وخير الوارث في إسلام ما رق منه ملكا للمجني عليه أو فكه بقدر ما يخصه من أرش الجناية على حسب ما بقي، وإنما خير مع أن موروثه أسلم جميع خدمته لأنه لم يسلم الرقبة وهي الآن صارت لوارثه. وقولي: بعد إسلامه تحرزا عما لو مات سيده قبل إسلامه وفدائه فإنه لا شيء للمجني عليه كما إذا جنى وهو صغير لا خدمة له، وانتظر قدرته على الخدمة فمات سيده وكذا المدبرة لا عمل عندها ولا صنعة. انظر ابن مرزوق.
وبما قررت علم أن في المص حذف الجواب تارة والشرط أخرى وكلاهما جائز والتقدير: فإن فداه بقي مدبرا وإن لم يفده أسلم خدمته على المشهور لا ملكا لجميع خدمته، ويتفرع على المشهور أنه إذا استوفى منه أرش الجناية رجع باقي الخدمة لسيده، وأنه إذا عتق وبقي عليه شيء من أرش الجناية فإنه يتبع به، وأما على الضعيف فلا يرجع باقيها للسيد ولا يتبع بعد موت السيد بما بقي عليه من أرش الجناية. اهـ.
قول عبد الباقي: وقولي بعد إسلامه تحرز عما لو مات سيده قبل إسلامه لخ فيه نظر، والصواب حذف ذلك القيد وإبقاء المص على ظاهره لأن حق المجني عليه تعلق بحق الجاني بنص الحديث
واتفاق الأئمة. فكيف يسقط بموت السيد والسبب الذي أوقعه في هذا الوهم توهم عود الضمير في الجواهر لغير ما يعود عليه وكلام الجواهر روى أشهب أنه إذا جنى المدبر الصغير الذي لا عمل له يسلم حتى يبلغ الخدمة، فإن مات قبل ذلك سقط حق المجني عليه. اهـ. ولا شك أن الضمير في قوله:"مات" عائد على الصغير الجاني كما قال التاودي وقاله الرهوني. وقال: قلت: وكلام ابن يونس صريح في ذلك، ونصه: قال ابن المواز: إذا جنى المدبر وهو صغير لا عمل عنده ولا كسب له فلا شيء عليه ولا على سيده حتى يبلغ العمل ويطيقه، وإذا مات هذا المدبر قبل بلوغه ذلك سقط حق المجروح وكذلك المدبرة التي لا عمل عندها ولا صنعة. اهـ منه بلفظه. وقال الشبراخيتي: وقوله: "ثانيا" كان الأولى إسقاطه أي وحاصه مجني عليه آجَره ثانيا أو ثالثا أو رابعا إلى ما لا نهاية. اهـ.
وقوم بماله يعني أنه إذا أريد تقويم المدبر بعد موت سيده لينظر هل يحمله الثلث أم لا؟ فإنه يقوم مع ماله لأنه صفة من صفاته، كأنه طول أو عرض أو حمرة والعبر بيوم النظر لا بموت السيد فيقال كم يساوي على أن له من المال كذا، فتارة يحمله الثلث فيعتق كله كما إذا كان ماله مائة وقيمته مائة وترك السيد أربع مائة ويبقى ماله بيده، وتارة يحمل الثلث بعضه وإليه أشار بقوله: فإن لم يحمل الثلث إلا بعضه عتق يعني أنه إذا لم يحمل الثلث إلا بعضه فإن ذلك البعض يصير حرا ويرق باقيه ويترك ماله بيده، كما قال: وأقر ماله ييده ملكا له وليس للسيد ولا لورثته منه شيء لأنه مال مبعض، فلو كانت قيمته مائة وماله مائة وترك سيده مائة فإنه يعتق نصفه ويترك ماله بيده؛ لأنه قيمته بماله مائتان وثلث السيد مائة وهي نصف المائتين اللتين هما قيمته بماله.
والحاصل أن الثلث إذا حمل المدبر وخرج حرا كما إذا ترك السيد عشرين دينارا وقيمة العبد المدبر عشرة فمجموع التركة ثلاثون ثلثها عشرة وهي قيمة العبد، فإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حعل ورق الباقي، ووجه العمل فيه أن ينظر بنسبة ثلث المال من قيمة رقبته وبتلك النسبة يعتق من العبد. مثاله: مدبر قيمته مائة وترك سيده مائة وأربعين فإن مجموع التركة مائتان وأربعون وثلثها ثمانون ونسبتها إلى قيمة المدبر أربعة أخماس: فيعتق منه أربعة أخماسه. ومثال آخر: مدبر قيمته خمسون وترك السيد عشرة دنانير فمجموع التركة ستون وثلثها عشرون ونسبة
العشرين إلى الخمسين خمسان فيعتق من المدبر خمساه، ومثال آخر مدبر قيمته أربعون وترك السيد خمسين دينارا فمجموع التركة تسعون ثلثها ثلاثون ونسبتها إلى قيمة المدبر ثلاثة أرباع فيعتق ثلاثة أرباعه، فإن كان العبد المدبر متعددا فلا يخلو إما أن يكون الثلث يحملهم جميعا أولا، فإن حملهم عتقوا كلهم، مثاله: مدبران قيمة أحدهما عشرون وقيمة آخر عشرة وترك سواهما ستين دينارا فمجموع التركة تسعون وثلثها ثلاثون وهي قمية المدبرين فيعتقان معا، وإن لم يحملهم الثلث فلك طريقان أولاهما وعليها تقتصر أن تعرف مقدار الثلث من جميع التركة ثم تقسمه بين الدبرين على قدر قيمهم، فما ناب كل مدبر يعتق منه نسبته لقيمته، مثاله مدبران قيمة أحدهما أربعون وقيمة الآخر عشرون وترك سواهما خمسة ومائة، فمجموع التركة خمسة وستون وماثة وثلثها خمسة وخمسون فتقسم الخمسة والخمسون عليهما على قيمتهما وذلك ثلث، لصاحب العشرين ثلث ولصاحب الأربعين ثلثان، فيصير لصاحب العشرين ثلث الخمسة والخمسين وذلك ثمانية عشرة وثلث، ولصاحب الأربعين ثلث الخمسة والخمسين وذلك ستة وثلاثون وثلثان ونسبة الثمانية عشر وثلث من العشرين قيمة رقبة الأول خمسة أسداس ونصف سدس، فيعتق منه خمسة أسداس ونصف سدس ويرق منه نصف سدس ونسبة الستة والثلاثين والثلثين من الأربعين قيمة المدبر الآخر خمسة أسداسه ونصف سدس، فيعتق منه ما عتق من الذي قبله ويرق منه ما يرق من الآخر. ولو ترك ثلاثة مدبرين قيمة أحدهم عشرون وقيمة الآخر عشرة وقيمة الآخر ثلاثون وترك سواهم ستين، فمجموع التركة مائة وعشرون وثلثها أربعون فتقسم بينهم على الحصاص لصاحب الثلاثين نصفها ولصاحب العشرين ثلثها ولصاحب العشرة سدسها، فيكون لصاحب الثلاثين عشرون ونسبتها من قيمته ثلثان فيعتق منه ثلثان؛ ولصاحب العشرين ثلاثة عشر وثلث ونسبتها من العشرين قيمته ثلثان فيعتق ثلثان، ولصاحب العشرة سدسها ستة وثلثان نسبتها من العشرة ثلثان فيعتق منه ثلثان. اهـ.
تنبيهان: الأول: قال الحطاب: فإن دبره السيد في صحته واستثنى ماله بعد موته يعني بعد لموت السيد جاز ذلك فإذا مات السيد قوم المدبر ببدنه من غير مال ويصير ماله من أموال السيد
وكذلك إذا دبره في مرضه واستثنى ماله ومنع من ذلك ابن كنانة وقال: ليس مما جاءت به السنة ويتبعه ماله. قاله في أول سماع ابن القاسم من كتاب المدبر. اهـ.
الثاني: قال الحطاب عند قوله: "وأقر ماله بيده" ما نصه: أي أقر كله بيده. وقاله في المدونة ونقله ابن عرفة وغيره، وقوله في التوضيح: أقر بيده نصف ماله سهو. والله أعلم. اهـ. يشير إلى ما في التوضيح من أنه لا يبقى بيده من المال إلا مقدار ما عتق منه، وقال عبد الباقي عند قوله:"أقر ماله بيده" ما نصه: ولا يقال فيه غبن على الوارث حيث تبقى المائة كلها بيده: والقياس قسمها بينه وبين الورثة لأنا نقول بقاء نصفه رقا لهم مع بقاء مائته معه أكثر حظا لهم إذا باعوه. اهـ. وبهذا يجاب عما في التوضيح.
وإن كان لسيده دين مؤجل على حاضر مليء بيع بالنقد يعني أن السيد المدبر إذا مات وكان له أي للسيد دين مؤجل على حاضر مليء، فإنه يباع أي يقوم بالنقد أي بالتعجيل أي يقوم على تأجيله بما يساوي الآن، فإن حمله الثلث عتق فإن ساوى الدين عشرة وقيمة المدبر عشرة ومال السيد عشرة عتق كله لخروجه من الثلث، قال الشبراخيتي: وإن كان لسيده دين مؤجل ولو كان أجله بعيدا على حاضر مليء، وفي بعض النسخ: موسر بيع الدين بالنقد أي قوم بمال معجل، فالمراد بالنقد التعجيل أعم من أن يكون الدين عينا أو عرضا، فالعين تقوم بالمرض والعرض يقوم بالعين، ولو كان المراد بالنقد المعين لم يشمل الدين المعين لأنه لا بياع بالعين أي لا يقوم بها بل بالعرض، فإن ساوى الدين يعني العرض عشرة وقيمة المدبر عشرة ومال السيد عشرة عتق كله لخروجه من الثلث، وإذا كان المدبر يساوي عشرين دينارا وترك السيد عشرين وبيع الدين بعرض يساوي عشرين دينارا عتق كله لحمل الثلث له ولا بد أن يكون من عليه الدين مقرا به. اهـ.
ونحوه لعبد الباقي وقررت قوله: "بيع" بقوم تبعا لغير واحد، وقال البناني عند قوله:"بيع بالنقد" ما نصه: بالبيع عبر ابن عرفة ناقلا عن اللخمي، وانظر هل المراد التقويم فقط أو لابد من البيع مع أنه لا موجب له؟ قاله جد علي الأجهوري. وجزم غيره بأن المراد التقويم لا غير وهو ظاهر. اهـ.
وإن قربت غيبته استؤني قبضه هذا وما بعده قسيم قوله: "على حاضر" لخ يعني أنه إذا لم يكن الدين على حاضر، بل كان على غائب قريب الغيبة والدين حال أو قريب الحلول فإنه يستأنى أي ينتظر بعتق المدبر قبض الدين المذكور، فيعتق منه بقدر ثلث الحاضر من الحال وبقدر ثلث ما قبض من الدين، قال المواق: اللخمي: وإن كان قريب الغيبة وهو حال استؤني بالعتق حتى يقبض الدين. اهـ. وقال الخرشي: وإن كان الدين على غائب غيبة قريبة والدين حال أو يحل عن قرب فإنه يستأنى بالعتق إلى أن يُقبض ذلك الدين. اهـ.
وإلا بأن لم يكن الدين على حاضر موسر ولا قربت غيبة الحال أو قريب الحلول بل على حاضر معسر أو على غائب بعيد الغيبة، أو على قريبها وبعد أجله عتق منه ثلثه الحاضر ورق الباقي ويباع للغرماء كما قال: بيع للغرماء من المدبر ما لم يحمله الثلث الحاضر، فإن حضر المدين الغائب غيبة بعيدة كقريبة مع بعد أجله فإنه يعتق ما قبض وينقض بيعه إن بيع. أو أيسر المعدم بعد بيعه يعني أنه إذا عتق منه محمل الثلث من الحاضر ولم ينتظر قبض الدين لعسر المدين أو لم يعتق منه شيء للدين ثم أيسر الدين العسر بعد أن بيع المدبر أو بعضه فإنه ينقض البيع ويعتق منه بنسبة ذلك.
وإلى ذلك أشار بقوله: عتق المدبر منه أي من الدين أي يعتق من المدبر بقدر ثلث ما قبض من الدين حيث كان المدبر: قال الشبراخيتي: سواء كان بيد الورثة أو بيد مشتر ولو تداولته الأملاك؛ وظاهره وإن حصل فيه عتق من المشتري وهو كذلك فليس كمسألة: وفسخ بيعه إن لم يعتق والفرق أنه يرجع هنا من عتق لآخر وفيما تقدم يرجع من عتق لتدبير. اهـ. وقال عبد الباقي: حيث كان المدبر سواء كان بيد الورثة أو بيد مشتريه ولو تداولته الأملاك وإن أعتقه المشتري، والفرق بينه وبين قوله: وفسخ بيعه إن لم يعتق أنه هناك يرجع من عتق لتدبير وهو أضعف وهنا من عتق لآخر وهو واضح إن كان يعتق جميعه بما حضر من المال، فإن كان يعتق بعضه وكان قد أعتق مشتريه جميعه نقض من عتقه بقدر ما عتق مما حضر ومضى عتقه في الباقي، ويحل للمشتري ما أخذ في نظير ما نقض من العتق، وإذا أراد المشتري رد عتق ما بقي لانتقاض البيع، في بعض ما عتق جرى على استحقاق بعض البيع ومثل عتق المشتري فيما ذكره
إيلاده أمة بيعت كلها، وهل يجوز له حين شرائها وطؤها لأن عتقها غير محقق لاحتمال أن لا يوسر المعدم ولا يحضر الغائب، واستظهر أولا لأنها كمعتقة لأجل. قاله على الأجهوري. وهو إنما يظهر فيما إذا باع الورثة جميعها كما هو كلامه في الدين مع غيبة دين سيدها، لما فيما إذا باعوا بعضا لغيبته فإنه يمنع المشتري من وطئها قطعا كمنع وطء المبعضة. اهـ كلام عبد الباقي.
وقول المص: "وإن قربت غيبته استؤني قبضه وإلا بيع" لخ بسط العبارة الجيدة أن تقول: وإن قربت غيبته استؤني قبضه وإلا عتق منه ثلث الحاضر ورق الباقي، فإن باع الورثة ما رق منه لأنفسهم أو كان على ميتهم دين يرد المدبر كله أو بعضه فباعوه لذلك ثم اقتضي من الدين المذكور شيء، فإن بيعه يرد حيث كان إما من المشتري من الورثة لأنفسهم أو ممن وهبوه له أو تصدقوا به عليه أو من المشتري منهم لقضاء الدين، أو ممن اشترى من كل من المشتريين المذكورين وإن بعدث وهذا هو المراد بقوله:"حيث كان". اهـ. قاله الرهوني عن ابن مرزوق.
وقال أحمد: انظر ما الحكم إذا كانت قيمته مثلا عشرة وبيع بأكثر، وكان ما قضى أو أيسر به العدم إنما يسع عشرة فقط، هل يعتق جميعه ويتبع المشتري بائعه أو يراعي الثمن؟ وينبغي الأول. اهـ. ومراده - والله أعلم - أنه إذا حمله الثلث بالنظر إلى ما قضي أو أيسر به العدم باعتبار قيمته ولم يحمله باعتبار ما بيع به، هل يعتق أولا؟ مثال ذلك إذا كان على السيد عشرة ولم يخلف غير هذا المدبر وكان له دين على غائب أو معدم فبيع العبد لأجل الدين عليه، لكن لرغبة المشتري فيه اشتراه بعشرين ثم أيسر العدم، أو قدم الغائب فقبض من ذلك ثلاثون فعشرة في مقابلة الدين وتبقى عشرون والعبد يساوي عشرة فقد حمله الثلث بالنظر إلى القيمة، وأما بالنظر إلى ما بيع به فلم يحمله كله لكن بيعه كله في هذه الصورة أولا إنما يصح إذا لم يوجد من بشتري منه بعضه الموفي بالدين وإلا لم يبع منه إلا ذلك. والله أعلم.
تنبيه: قول المص: "عتق منه حيث كان" هو ظاهر المدونة، قال عيسى: هو قول مالك وأصحابه وقال سحنون: هو قول أصحابنا وذكر ابن حبيب المسألة عن أصبغ عن ابن القاسم، مثل ما ذكره عيسى. وقاله أصبغ وابن حبيب. وقال الشيخ أبو محمد: هو المعروف من قول مالك وأصحابه،
وقال اللخمي: اختلف إذا خرج من أيديهم ببيع، فقال ابن القاسم في العتبية، يكون للورثة ولا شيء للمدبر فيه، وقال عيسى وأصبغ: يعتق منه حيث كان والأول أقيس. اهـ. انظر الرهوني.
وأنت حر قبل موتي بسنة يعني أن السيد إذا قال لعبده: أنت حر قبل موتي بسنة مثلا فإن ذلك عتق معتد به، لكن موته غير معلوم فأول السنة غير معلوم والحيلة في الخروج من ذلك أن ينظر في السيد هل هو مليء أم لا؟ فإن كان السيد مليا حين قوله ذلك لعبده خدمه العبد ولم يوقف من خدمته شيء، فإن مات السيد نظر إلى حاله قبل موته بسنة أي فتش وبحث في ذلك، فإن صح أي كان صحيحا في أول السنة صحة بينة ولو مرض بعد ذلك اتبع بالبناء للمفعول أي اتبع العبد تركة سيده بالخدمة أي بأجرة خدمته التي خدمها سنة قبل موته؛ لأنه تبين أنه كان حرا من أولها فهو مالك لأجرته من أول السنة.
وعتق من رأس المال لأنه الآن تبين أنه معتق في الصحة ولا يضره ما أحدثه سيده من الدين في تلك السنة وتبعه الورثة بقيمة النفقة عليه سنة، وانظر إذا زادت على خدمته هل يسقط الزائد أو يتبعة الورثة كما اتبع هو بخدمة السنة. اهـ. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وإذا قال لعبده أنت حر قبل موتي بسنة فعتق صحيح معتد به لكن موته غير معلوم، فأول السنة غير معلوم والحيلة في الخروج من ذلك أنه ينظر إن كان السيد مليا خدمه العبد ولم يوقف من خدمته شيء فإذا مات السيد نظر المراد بالنظر التفتيش أي فتش وبحث، فإن صح في السنة التصلة بموته أي كان صحيحا في أول السنة ولو مرض، ومثل ذلك ما لو كان مريضا أول السنة وصح في أثنائها صحة بنية؛ لأنه بمنزلة ما إذا كان صحيحا في أولها، وكذا لو كان مريضا في أول السنة وفي أثنائها وصح في اخرها ولو يوما واحدا صحة بينة، تلخص من هذا أنه متى صح صحة بنية ولو يوما واحدا في أول السنة أو في أثنائها أو في آخرها فإن حكمه مستو، "اتبع" بالبناء للمفعول أي السيد أي اتبع العبد ورثة سيده أو بالبناء للفاعل أي العبدُ ورثة السيد. وقوله:"من رأس المال"، قال البناني: يتنازعه اتبع وعتق، فيعمل فيه عتق ويعمل في ضميره اتبع أي اتبعه بالخدمة منه أي من رأس المال كما ذكره ابن حبيب ونقله ابن شأس وغيره. وقول عبد الباقي: ولا يضره ما أحدثه سيده من الدين لخ. ابن رشد: إلا أنه يحاص الغرماء بقيمة خدمته. اهـ. وإلا أي وإن لم
يصح أي وإلا بأن كان السيد مريضا في أول السنة أي واستمر مرضه للموت فإن العبد يعتق من الثلث لأنه تبين أنه أعتقه في المرض ولا يتبع ورثة سيده بشيء من خدمته؛ لأن القاعدة أن كل من أعتق من الثلث يكون غلته لسيده لأن النظر فيه بالتقويم إنما يكون بعد الموت. قاله الخرشي في غيره.
وقال عبد الباقي: وإلا يكن السيد صحيحا أول السنة بل كان مريضا في أول السنة أي واستمر مرضه للموت فمن الثلث يعتق العبد؛ لأنه تبين أنه أعتقه في المرض ولم يتبع مال سيده بخدمته سنة قبل موته لأن من يخرج من الثلث غلته وخدمته لسيده لأن النظر فيه بالتقويم إنما يكون بعد الموت. اهـ. وخرج بمفهوم قوله: إن كان مليا وإن كان مفهوم شرط لما فيه من التفصيل، فقال: وإن كان السيد غير ملي وقت قوله أنت حر قبل موتي بسنة وقف خراج سنة من يوم قوله المذكور؛ أي أنه لا يمكن السيد من استخدامه لنفسه، بل يحسب له خراج سنة أي كراء خدمة سنة على يد عدل بإذن الحاكم لا على يد السيد ولا العبد، سواء كان المستخدم له السيد أو غيره. قاله أحمد.
ثم إذا تمت السنة وخدم العبد غير السيد أو السيد من السنة الثانية يوما أو جمعة أو شهرا يعطى السيد مما وقف من خراج أول السنة ما خدم العبد نظيره من السنة الثانية، قوله:"السيد" نائب "يعطى" وهو مفعوله الأول: والمفعول "ما خدم"، "ونظيره" مفعول "خدم"، وإيضاح كلام المص أن تقول: إذا تمت السنة المذكورة فإنه يوقف أيضا ما يحدث في السنة الثانية ويعطى السيد خراج أول شهر أو يوم أو جمعة من السنة الماضية، سواء تساوى الخراج فيها مع المستقبلة أم تخالف وهكذا في سنة ثالثة أو رابعة أو خامسة إلى ما لا نهاية له، وإنما فعل هذا ليبقى للعبد خراج سنة محفوظا، لاحتمال أن يكون السيد في السنة التي اتصلت بموته صحيحا بحيث يخرج خراجها من رأس المال ويكون له خراج تلك السنة، ولو سلط السيد عليه مع عدمه لم يرجع به على سيده لعدمه. قال التتاني: فإن مات السيد نظر إلى حاله قبل الموت بسنة هل كان صحيحا أو مريضا على ما تقدم؟ اهـ. وقال أحمد: ثم إن هذا كله إذا مات السيد بعد سنة فأكثر، وانظر لو مات قبل مضي سنة حمل يراعَى كونه صحيحا أو مريضا حال القول ويعتق من رأس المال في الأول ومن
الثلث في الثاني كما هو المظاهر أم لا؟ اهـ. وقال الأجهوري: المظاهر لا عتق لأنه علقه على شيء لم يحصل، فإن مات العبد في حياة سيده أخذ ما وقف.
تتمة: لو قال أنت حر قبل موتك يا عبدي بسنة فهو حر من الآن؛ لأنه لم يعلم الأجل تحقيقا ولا خدمة له لأنه يحتمل حريته فلزم استخدام الحر. قاله عبد الباقي.
وقوله: وأنت حر قبل موتي بسنة لخ اعلم أن في المسألة أربعة أقوال: أحدها هذا وهو لابن القاسم في العتبية، ثانيها أنه يعجل عتقه ولا ينتظر موت سيده لاحتمال أنه لم يبق دون موته إلا مثل الأجل أو أقل فلا يسترق بالشك وهو لابن القاسم أيضا، ثالثها أنه كالمدبر يعتق من الثلث وله أن يطأ لأنه عتق لا يكشفه إلا الموت وهو لأشهب، والرابع لأشهب أيضا أنه لا يعتق أصلا. اهـ. انظر التوضيح. وفي التوضيح أن هذا الأخير أضعف الأقوال. وفي الحطاب: قال ابن رشد: وإذا قال لعبده أنت حر قبل موتك بسنة عجل عتقه على مذهب ابن القاسم ولا عتق له على مذهب أشهب. اهـ.
وبطل التدبير بقتل سيده عمدا يعني أن المدبر إذا قتل سيده عمدا عدوانا فإنه يبطل تدبيره؛ لأن القاعدة أن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، كهذه وكمسألة عدم إرث من قتل موروثه عمدا عدوانا. الحطاب: قال ابن عرفة: سمع عيسى ابن القاسم: إن قتل المدبر سيده خطأ عتق في ماله ولم يعتق في ديته وكانت الدية عليه ليس على العاقلة منها شيء لأنه إنما صنعه وهو مملوك، وإن قتله عمدا قتل به فإن استحياه الورثة بطل تدبيره وكان رقا لهم. ابن رشد: قوله تكون الديَّة عليه دينا صحيح على ما في المدونة وغيرها، قال أصبغ في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الديات: وهذا إذا حمله الثلث فإن لم يحمله وكان عليه من الدية بقدر ما عتق منه يؤخذ من ماله إن كان له مال ولا يدخل فيما يؤخذ منه الدية ولا يعتق فيها منه شيء. وقوله صحيح، وقوله إنه يبطل إن كان قتله عمدا هو على قياس ما أجمعوا عليه من أن القاتل عمدا لا يرث ممن قتله. قال ابن عرفة: قلت وقتل أم الولد عمدا لسيدها، قال الشيخ في الموازية عن ابن القاسم: تعتق لأنه عتق لازم من رأس المال وتقتل به إلا أن يعفى عنها ولا تتبع بعقل في الخطإ، بخلاف المدبر، وقال عبد الملك: تتبع مثله وعتقها من رأس المال. اهـ.
فرع: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في كتاب العتق الثاني: اعمل على هذه الدابة فإذا ماتت فأنت حر فإنه إن قتلها عمدا يعتق. قاله سحنون. قال: كأم الولد تقتل سيدها عمدا فإنه لا يبطل ما جنت ما عقد عليها من العتق. اهـ. وفي الشبراخيتي: وإن قتله خطأ عتق في ماله أي مال سيده ولم يعتق في دية سيده التي
(1)
تؤخذ منه، وليس على العاقلة منها شيء لأنه إنما قتل وهو مملوك، وقول الشارح: إنها تؤخذ من عاقلته سبق قلم، وأما قتل أم الولد سيدها عمدا فلا يبطل عتقها من رأس المال وتقتل فيه إلا أن يعفو عنها ولا تتبع بعقل في الخطإ عند ابن القاسم. وقال ابن عبد الحكم: عليها الدية. قاله الحطاب. وعلى قول ابن القاسم يلغز فيقال لنا: عمد يقتص منه وخطؤه لا دية فيه؟ اهـ.
وقال عبد الباقي: وبطل التدبير يقتل سيده أي بقتل العبد سيده عمدا عدوانا لا في باغية، وأما لو علق عتق عبده على موت دابة أو شخص فقتله فلا يبطل عتق بل يعتق كذا قُرِّر. اهـ. الرهوني: انظر نسبته ذلك إلى تقرير مجهول من قرره وهو مصرح به في الحطاب نقلا عن أبي الحسن عن سحنون وساقه فقه مسلما فانظره. والله تعالى أعلم.
وباستغراق الدين له وللتركة يعني أن التدبير يبطل بسبب استغراق الدين للعبد المدبر ولتركة السيد، فإذا مات سيد المدبر وعليه دين تسعون مثقالا وليس عنده إلا مدبر قيمته ثلاثون ومال السيد سواه ستون مثقالا، فإنه يبطل تدبير ويباع في الدين كله لأن الدين لا يوفى جميعه إلا بجميع ذلك. قال عبد الباقي: وبطل التدبير باستغراق الدين له أي المدبر أي لقيمته وللتركة، ويبطله الدين السابق واللاحق إن مات السيد وأما في حياته فإنما يبطله السابق، قال علي الأجهوري:
ويبطل التدبير دين سبقا
…
إن سيد حيا وإلا مطلقا
(1)
في الأصل: الذي، والمثبت من الشبراخيتي ج أخير مخطوط.
وقال الشبراخيتي: وباستغراق الدين له أي لقيمة المدبر وللتركة من عطف العام على الخاص؛ لأن المدبر من التركة ولو حذفه واقتصر على له كالمدونة لكان أحسن إلى آخر ما مر عن عبد الباقي، وقال المواق: ابن شأس: يرتفع التدبير بقتل سيده عمدا وباستغراق الدين له وللتركة أو بمجاوزة الثلث وهذا القسم يرفع كمال الحرية لا أصلها، فإذا دبر عبدا لا مال له غيره عتق بموته. اهـ. وقال التتائي: وبطل التدبير باستغراق الدين له أي لقيمة المدبر وللتركة؛ كما لو ترك السيد عشرة وقيمة المدبر خمسة وعليه دين خمسة عشر، سواء كان التدبير قبل الدين أو بعده لأن القاعدة أن ما خرج من الثلث يقدم عليه أي الدين. اهـ.
وبعضه لمجاوزة الثلث يعني أنه يبطل بعض التدبير لمجاوزة قيمة المدبر ثلث الميت فيعتق منه محمل الثلث، مثاله ما لو لم يترك إلا مدبرا فيعتق ثلثه، وكما لو ترك السيد خمسة وقيمة المدبر خمسة ولا دين فثلث التركة ثلاثة وثلث هي قيمة ثلثي المدبر فيعتق ثلثاه ويرق ثلثه في الأخير وثلثاه في الأول. وقوله:"لمجاوزة" مصدر مضاف لمفعوله، والضمير في "بعضه" للتدبير كما علم من الحل.
وله حكم الرق يعني أن المدبر له
(1)
في خدمته وحدوده وشهادته وجنايته فيستخدم ويحد حد القن الخالص ولا يحد قاذفه؛ وترد شهادته ولا يقتص له من الحر المسلم؛ قال الشبراخيتي: والمدبر له قبل عتقه من الثلث حكم الرق في خدمته وحدوده، فلا يحد قاذفه وعليه نصف العقوبة فيما فيه التنصيف.
وإن مات سيده يعني أنه يستمر له حكم الرق، وإن مات سيده فلا يقتل قاتله الحر حتى يعتق فيما وجد حينئذ يعني أنه لا يزال محكوما له بحكم الرقيق الخالص حتى يعتق فيما وجد من مال السيد حينئذ أي حين العتق الذي لا يكون إلا بعد التقويم ومعرفة مال السيد وما ينوب المدبر من ذلك، فلو تلف بعض مال السيد بعد موته وقبل العتق فإنه إنما يعتق فيما بقي. قاله الشبراخيتي. وقال المواق من المدونة: وللمدبر حكم الأرقاء في خدمته وحدوده وإن مات السيد
(1)
كذا في الأصل.
حتى يعتق في الثلث، وإنما ينظر إلى قيمته يوم النظر فيه لا يوم موت السيد. انتهى. وقال التتائي: وإن مات سيده حتى يعتق فيما وجد حينئذ، لما تقدم أنه إنما ينظر إلى قيمته يوم النظر فيه لا يوم الموت ولا نظر لما هلك من التركة ونحوه في المدونة. اهـ.
وإن جمع شخص لعبده بين لفظين يكون بأحدهما مدبرا وبالآخر معتقا لأجل فقال: أنت حر بعد موتي وموت فلان قيد بشهر أو لا توقف عتقه على موتهما معا، فكأنه قال ما في المدونة إن مات فلان فأنت حر بعد موتي وإن مت أنا فأنت حر بعد موت فلان. اهـ. فكأنه علق عتقه على موت الأخير منهما، فإن مات فلان انتظر موت السيد وإن مات السيد قبل موت فلان عتق من الثلث جواب الشرط المقدر، فهو راجع للمسألتين أي مسألة موت السيد أولا ومسألة موت السيد أخيرا، فإذا مات فلان أولا فينتظر موت السيد فإذا مات السيد عتق كله إن حمله الثلث وإلا فيعتق منه بقدر ما حمله الثلث، وإن مات السيد أولا وحمله الثلث فإنه يكون كالمعتق لأجل، فإذا مات فلان عتق كله وإن لم يحمله الثلث في موت السيد أولا خير الورثة وتكون لهم الخدمة حتى يموت فلان أو يعتق منه ما حمله الثلث بتلا ويرق الباقي. قاله المواق.
قوله: خير الورثة أي بين عتق الجزء الذي لم يحمله الثلث فيكون العبد كله حرا وتكون لهم الخدمة إلى الأجل، وفهم من قوله: بتلا أنه لا خدمة لهم في مقابلة الجزء الذي عتق قاله جامعه. والله تعالى أعلم. وقال عبد الباقي: وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في الجزء الذي لم يحمله التلث بين العتق والرق. اهـ. ونحوه للخرشي والشبراخيتي. وقوله: أيضا أي كما أن المدبر يعتق من الثلث فكذا هذا إن حمله الثلث. ولا رجوع له يعني أن السيد إذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي وموت فلان فإنه لا رجوع له فيما عقده من الحرية فيه، بل يبقى حتى بعد موت السيد يخدم ورثته إلى أن يموت فلان، وإن قال شخص في صحته لعبده: أنت حر بعد موت فلان بشهر مثلا وكذا إن لم يقل بشهر فمعتق لأجل فعند وجود المعلق عليه يعتق من رأس المال ولا يلحقه دين ويخدم إلى الأجل، ولا فرق بين العبد والأمة، فإن قال ما ذكره في مرضه عتق بعد
موت فلان من الثلث لا من رأس المال وخدم الورثة حتى يتم الأجل وهو حر، فإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إنفاذ الوصية وعتق محمل الثلث بتلا
(1)
. قاله البساطي في المدونة.
ولم يقيد المص ذلك بما إذا قاله في الصحة اتكالا على ما اشتهر من أن التبرعات في المرض مخرجها الثلث، واحترز بقوله:"بعد موت فلان بشهر" عما إذا قال: بعد موتي بشهر، فإنه يكون وصية ما لم يرد به التدبير أو يعلقه على شيء، كما مر في قوله:"أو حر بعد موتي بيوم". قاله عبد الباقي. وقال المواق: وفي المدونة: من قال في صحته لعبد أنت حر بعد موت فلان، أو قال بعد موته بشهر فهو من رأس المال يعتق إلى أجل ولا يلحقه دين، وإذا مات السيد قبل موت فلان خدم العبد ورثة سيده إلى موت فلا ن أو إلى بعد موته بشهر إن قال ذلك وخرج من رأس المال، ولو قال ذلك السيد في مرضه عتق العبد في الثلث إلى أجله، وخدم الورثة حتى يتم الأجل ثم هو حر، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إنفاذ الوصية أو يعتقوا من العبد محمل الثلث بتلا. قال مالك: وكل من عال في وصيته على ثلثه فأبت الورثة أن يجيزوا فإنه يقال لهم: أسلموا ثلث مال الميت إلى أهل الوصايا أو أنفذوا ما قال الميت.
(1)
في عبد الباقي ج 8 ص 148: بتلا قاله في المدونة البساطي لم يقيد.
باب: ذكر فيه الكتابة والمكاتب وما يتعلق بذلك، والكتابة مشتقة من الكتاب الذي هو الأجل المضروب، لقوله تعالى:{إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} أي أجل مقدر: أو من الإلزام لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي ألزمتكم الصيام كإلزامه الذين من قبلكم. و {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} والعبد ألزم نفسه المال، ويقال في المصدر: كتاب وكتابة ومكاتبة، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} الآية.
وعرف ابن عرفة الكتابة بقوله: عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه. قوله: على مال، أخرج بد العتق على غير مال وهو المبتل والمعتق إلى أجل، وقوله: مؤجل أخرج به القطاعة. وقوله: موقوف على أدائه بالرفع صفة لعتق أخرج به العتق العجل على أداء مال إلى أجل فإنه ليس بكتابة. وأخر المص الكتابة عن التدبير لكونها بمعاوضة، وقدمها على أم الولد وإن كانت شائبتها أقوى لكونها من رأس المال؛ لأنها عتقها جبري وفيها اختياري وحكمها الندب على المعروف، وبهذا قال:
ندب مكاتبة أهل التبرع يعني أنه يندب للسيد إذا كان من أهل التبرع أن يكاتب عبده وأهل التبرع هو المكلف الرشيد، قال التتائي: خرج الصبي والمجنون والمحجور، وقال عبد الباقي: ندب مكاتبة أهل التبرع بكل ماله أو بعضه؛ أي ندب لأهل التبرع أن يكاتب عبده، "فمكاتبة" مصدر لمضاف إلى فاعله، ومحل الندب إن طلب الرقيق ذلك وإلا لم تندب. اهـ. ومنطوق المص مسلم وفي مفهومه تفصيل، فإن كان مجنونا أو صبيا غير مميز فهي باطلة، وإن كان صبيا مميزا أو سفيها فكذلك بناء على أنها عتق، وأما على أنها بيع فتصح منهما ويتوقف لزومها على إجازة الولي، وإن كاتب مريض أو زوجة في زائد الثلث كانت صحيحة متوقفة على إجازة المولي.
قال عبد الباقي: وتصح من السكران بناء على أنها عتق لتشوف الشارع للحرية، وتبطل على أنها بيع على ما مر في البيع. اهـ. وقول المص:"أهل التبرع" قال ابن عاشر: وعبارة ابن الحاجب كابن شأس شرطه التكليف وأهلية التصرف، زاد ابن شأس: ولا يشترط أن يكون أهلا للتبرع، فتجوز مكاتبة القيم لعبد الطفل. اهـ. وأجاب ابن مرزوق بأن المص لما عين الحكم وهو الندب - وكان هذا الحكم مقصورًا على أهل التبرع، وأما غيرهم فيجوز لهم جريا على حكم
المعاوضات - لم يكتف بمجرد التصرف. انتهى. وقال الأجهوري: يخرج بأهل التبرع الصبي والمجنون والسفيه ويرد عليه المكاتب كما يأتي والزوجة والمريض إذا لم يحابيا. اهـ. ولا مانع من استحباب ذلك في حقهم، وذكره الجواز الآتي في المريض لا ينافي ذلك. قاله الشيخ أحمد. والله أعلم.
تنبيهات: الأول: ما ذكره المص من الندب قال في التوضيح: هو مذهب المدونة، وقال ابن عرفة: هو المعروف ومقابله قول بالإباحة في المذهب وهو الذي رواه ابن القصار وقاله مطرف وحكاه ابن الجلاب عن مالك، قال اللخمي: قال مالك في الموطإ: سمعت بعض أهل المعلم إذا سئل عن ذلك يتلو {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} ، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} فجعلها على الإباحة. اهـ. وقال أهل المظاهر بوجوبها للأمر بها في قوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ، قال في التوضيح: واختلف في الخير المذكور في الآية هل هو المال والقدرة على الكسب أو الصلاح أو الدين أو المال أو الأمانة إلى غير ذلك من الأقوال؟ والمنقول عن مالك في الموازية أنه القوة على الأداء. اهـ. وفصل اللخمي فقال على ما نقل عنه ابن عرفة: إن كان العبد لا يعرف بسوء وسعايته من مباح وقدر الكتابة ليس بأكثر من خراجه بكثير فهي مندوب إليها، وإن كان قدر الكتابة أكثر منها بكثير فمباحة وإن عرف بالسوء والإذاية فمكروهة، وإن كانت سعايته من حرام فهي محرمة. اهـ.
الثاني: قال ابن عرفة: هي عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه، فيخرج ما على مال معجل، ولذا قال في المدونة: لا تجوز كتابة أم الولد ويجوز عتقها على مال معجل ويخرج عتق العبد على مال مؤجل على أجنبي. اهـ. وقول ابن عرفة: عتق، قال ابن مرزوق: الصواب أن يقول عقد يوجب عتقا لخ؛ لأنها سبب في العتق لا نفسه وسلمه الرصاع. قاله البناني.
الثالث: قال الرهوني: قال ابن مرزوق: أولاها يعني الكتابة باب التدبير؛ لأنها عقد لازم مثله ولكونها معاوضة أخرها عنه، فإن قلت كان حقه أن يقدم الكلام على أمهات الأولاد عليها لأن شائبة العتق فيهن أقوى لأنها من رأس المال ولا يردها الدين ولا ترق بحال والمكاتب قد يعجز فيرق بل كان على مقتضى هذا أن يقدم على التدبير؛ قلت: إنما أخرهن لأن العتق فيهن، جبري وفيما سواهن اكتسابي، ولذا اشترك العتق والكتابة والتدبير في أن كلا منها مندوب إليه ولم يثبت
الندب في اتخاذ أم الولد. فلما اشتركت الأبواب الثلاثة في القربة وصل بعضها ببعض وقدم الأقوى فالأقوى. اهـ منه بلفظه.
الرابع: قال الرهوني في التنبيهات ما نصه: الكتابة مشروعة مندوب إليها وكانت في الجاهلية فأقرها الإسلام، وهي العتق على أداء مال منجم، واختلفوا هل تكون حالة وهي مشتقة من الأجل المضروب لنجومها؟ والكتابة هي الأجل فيها قال الله تعالى:{وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} أي أجل مقدر، ومنه قيل: كاتب عبده أي وافقه على ذلك وقد يكون من الإيجاب واللزوم لإلزام هذا العبد أو التزامه ما جعل عليه من المال، قال الله تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي أوجبها، وقيل من الكتاب الذي يكتبونه بينهم في عقد ذلك، ويقال فيها: كتابة وكتاب ومكاتبة؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} اهـ منها بلفظها. قلت: ولا يخفى ما في قوله وهي مشتقة من الأجل لخ من التسامح؛ لأن الاشتقاق رد لفظ لآخر ولو مجازا لمناسبة بينهما في المعنى والحروف الأصلية، كما لا يخفى أن المقيس من الصادر التي ذكرها لكاتب هو الثاني والثالث لا الأول فهو سماعي. والله أعلم. اهـ.
الخامس: أركان الكتابة أربعة: المكاتب والمكاتب والصيغة والعوض. فالأول قول المؤلف: "أهل التبرع": قال الحطاب: فخرج الصبي والمجنون والسفيه والمحجور عليه ويرد عليه العبد المكاتب، فإنه ليس من أهل التبرع وتصح كتابته على وجه النظر كما سيأتي والمريض والزوجة فيما زاد على الثلث إذا لم يحابيا والله أعلم انتهى.
وحط جزء آخر يعني أنه يندب للسيد إذا كاتب عبده أن يحط عنه الجزء الأخير من الكتابة، واعلم أنه يندب للسيد أن يحط جزءا من الكتابة أيا كان ويندب كونه آخرا، فلو قال: وآخر بالواو ليدل على ندبين كان أولى؛ أي وندب حط جزء وندب أن يكون آخرا لأنه بدليل مخصوص وغيره من الأجزاء لعموم قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} قال الشبراخيتي: ينبغي له أن يقول وآخر بالواو أي وندب حط جزء وندب أن يكون آخرا ليكون لحطه فائدة، إذ به يخرج حرا بخلاف ما قبله من الأجزاء إذ قد يعجز بعد حطه عن غيره فيرق، ووافق أبو حنيفة على الندب ونبه به على مخالفة الشافعي في وجوب ذلك نظرا للأمر في
قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ، وقوله: آخرا حال من "جزء " وهو شاذ على حد: (وصلى وراءه رجال قياما)
(1)
. اهـ المراد منه. وقال المواق من المدونة: والموطإ، قال مالك في قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} هو أن يضع عن المكاتب من آخر كتابته شيئا. أبو عمران: وهذا على الندب ولا يقضى به. اهـ. وقال التتائي: وإطلاق الجزء يدل على عدم تحديده وهو كذلك وحده بعضهم بالربع والسدس. اهـ. وقال عبد الباقي: وندب حط جزء عن مكاتبه ويندب أن يكون آخرا لأنه بدليل مخصوص، وهو قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} على ما فهمه الأئمة من أنه حط الجزء الأخير، وأما غيره من الأجزاء فبعموم قوله تعالى:{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} . اهـ.
ولم يجبر العبد عليها يعني أنه ليس للسيد أن يجبر العبد على الكتابة، قال المواق: قال الجلاب ليس للسيد أن يجبر العبد على الكتابة، وقوله:"ولم يجبر العبد عليها" هو المشهور دون قوله والمأخوذ منها الجبر يعني أن الذي أخذ من المدونة هو الجبر هذا مقتضى المص، قال المواق: قال ابن رشد: الآتي على قوله في المدونة أن للسيد أن يجبر عبده على الكتابة. الشبراخيتي: واعترض ابن مرزوق والزرقانيُّ كلام المص بأن هذه الجملة معرفة الطرفين فتفيد الحصر؛ لأن المبتدأ العرف بلام الجنس منحصر في الخبر؛ أي أنها لم يؤخذ منها إلا الجبر مع أن عدم الجبر أخذ منها أيضا؛ فلو قال المص: وأخذ منها الجبر أيضا لمسلم من هذا. اهـ.
قال البناني: ما اقتضاه المص من الحصر هو مقتضى كلام أبي إسحاق وهو ظاهر المدونة، فلعل المص لم يقو عنده ما لابن رشد، قال الشيخ أحمد: وقوله: "والمأخوذ منها الجبر" ظاهره مطلقا وهو كذلك وهو أحد أقوال ثلاثة: المشهور لا يجبره وهو الذي صدر به المص، الثاني يجبره مطلقا وهو قوله:"والمأخوذ منها الجبر"، الثالث للخمي كما يفيده كلام المتيطي ونحوه في التوضيح وابن مرزوق والمواق، ونص المتيطي: واختلف هل للسيد أن يجبر عبده على الكتابة؟ فروى أصبغ عن ابن القاسم أن للسيد إجباره عليها بغير رضاه وهو دليل المدونة فيمن كاتب عبدا له على
(1)
البخاري، كتاب الأذان، رقم الحديث 688 بلفظ وصلى وراءه قوم قياما.
نفسه وعلى عبد للسيد غائب أن ذلك يلزم العبد الغائب وإن كره، وقال ابن الماجشون: ولا يجوز للسيد أن يكاتب عبده إلا برضاه وحكاه أصبغ عن ابن القاسم. قال غير واحد من الموثقين: وهو مذهب المدونة وبه القضاء، وقال الشيخ أبو الحسن - يعني اللخمي -: للسيد إجبار العبد على الكتابة إذا كانت الكتابة بمثل الخراج أو تزيد بيسير مما يعلم في الغالب أن العبد إذا تكلف ذلك الزاند قدر عليه ونال العتق، وليس له إجباره إذا كان الزائد كثيرا لأنه يتكلف مشقة ذلك ثم يعجز عنه فيذهب سعيه باطلا. اهـ. قاله البناني.
وقال عبد الباقي: ومحل الخلاف يعني في الجبر وعدمه إذا لم يكن معه غيره في عقد الكتابة، وإلا اتفق على الجبر، ففي المدونة: ومن كاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد عائب لزم العبد الغائب وإن كره لأن هذا يؤدى عنه. اهـ. قاله الأجهوري. وكون الغائب يتفق على جبره إذا رضي الحاضر بها لا ينافي جعل
(1)
التتائي قولها المذكور دليلا لقوله والمأخوذ منها الجبر، وأن البساطي قال: قد يقال إنه لا يلزم من لزوم الغائب هذه الكتابة لزوم كل كتابة؛ لأن هذا الغائب له شريك والشريك في الكتابة يؤدي عن شريكه، كما أشار إليه في الرواية فلم يبق للغائب غرض في رد هذا إلا البقاء على الرق، فهو من باب تعجيز العبد نفسه. اهـ. لأن الأخذ قدر زائدٌ على مدلول العبارة. اهـ. وقوله: من باب لخ أي وهو لا يجوز بغير رضي سيده. اهـ كلام عبد الباقي. وقوله: قد يقال لا يلزم من لزوم الغائب لخ، قال البناني: قريب منه قول ابن عاشر قد ينتقض الأخذ بأن مسألة المدونة آل الأمر فيها إلى أن الغائب يعتق على مال يتبعه به الحاضر كما قال فيها، فهو بمنزلة من أعتق عبدا على أن عليه مالا وهي لا يشترط فيها رضي العبد، قال: وبعد أن ظهر لي هذا وجدت قريبا منه لابن مرزوق. اهـ.
وأشار للصيغة بقوله: بكاتبك يعني أن عقد الكتابة يحصل بأن يقول السيد لعبده كاتبتك، ويحصل أيضا بنحوه أي نحو كاتبتك كأنت مكاتب أو بعتك نفسك أو معتق على نجم أو نجمين مثله.
(1)
في الأصل: جعلها، والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 149.
وأشار للعوض بقوله: بكذا متعلق بكاتبتك أو أنت معتق على كذا، فالباء فيه للمعاوضة، كقولك: اشتريت العبد بدرهم، وانظر لو ترك بكذا هل تبطل الكتابة بناء على أنها بيع وهو يبطل بجهل الثمن، أو تصح ويكون عليه كتابة المثل؟
وظاهرها اشتراط التنجيم المراد بالتنجيم التأجيل فيعم النجم الواحد وغيره؛ يعني أن ظاهر المدونة أنه يشترط التنجيم في الكتابة أي التأجيل هذا ظاهر المص وليس بمراد ابن عبد السلام، ومعنى كلام المدونة أن التنجيم واجب عرفا بمعنى أنه المعروف بين الناس، ولم يحمل أحد المدونة على أن ذلك شرط في الصحة. اهـ. أي كما هو ظاهر ابن الحاجب والمص، ولهذا قال الشيح أحمد: المراد بالاشتراط في كلام المص اللزوم، فإذا خولف هذا اللازم لم تكن باطلة بل صحيحة وتنجم. اهـ. وبه تعلم أن قول عبد الباقي: اشتراط لزوم التنجيم لا اشتراط صحته لا معنى له على ظاهره، ومراده ما قال الشيخ أحمد، على أن حمله على ما قاله أحمد [مَعَ بُعْدِهِ]
(1)
من عبارة المص يرده قوله بعده: وصحح خلافه لأنه نفس المصحح لا خلافه. اهـ.
وقال البناني: الصواب قول من قال إن المراد بالتنجيم التأجيل، ويؤيده قول الجوهري في الصحاح: النجم الوقت المضروب، ومنه سمى النجم. اهـ. فيقال عليه نجمته أي جعلت له وقتا معلوما. والله أعلم. اهـ. وقوله: وظاهرها اشتراط التنجيم، لفظ المدونة: وإن كاتبه على ألف درهم ولم يضرب لها أجلا نجمت عليه وإن كره السيد على قدر ما يرى من كتابة مثله وقدر قوته ولا تكون له حالة. والكتابة عند الناس منجمة. اهـ. فقال ابن القصار والطرطوشي: ظاهر قول مالك لا بد من تنجيمها وهو ظاهر الرسالة. اهـ. نقله في التوضيح عن عياض وإياه تبع هنا، وقال في المقدمات: المذهب جوازها حالة ومؤجلة، وإنما منعها حالة أبو حنيفة، وتأول ابن عرفة المنع بمنع التسمية لا المنع الذي في مقابلة الإباحة. قاله البناني.
وصحح خلافه يعني أنه صحح القول بعدم اشتراط التنجيم أي القول بأن الكتابة تصح حالة ومنجمة صححه غير واحد، قال ابن عاشر: والصحح عبد الوهاب وغيره. واعلم أن ابن رشد نفى
(1)
في الأصل: مع ما بعده، والمثبت من البناني ج: ص 149.
وجود الخلاف في المذهب والرسالة لم تذكر خلافا، وإنما لفظها يوهم الاشتراط فاعترضها ابن رشد وتأولها ابن عرفة: ونص كلام ابن عرفة: ابن رشد: تجوز الكتابة عند مالك حالة ومؤجلة، فإن وقعت مسكوتا عنها أجلت لأن العرف فيها كونها مؤجلة منجمة هذا قول متأخر أصحابنا، وقال ابن أبي زيد في رسالته: الكتابة جائزة على ما رضيه السيد والعبد من المال منجما، فظاهره أنها لا تكون إلا منجمة وليس بصحيح على مذهب مالك، وإنما منعها حالة أبو حنيفة. ابن عرفة: قول الشيخ وغيره لا يدل على منعها حالة بل على عدم صدق الكتابة عليها فقط. فتأملهُ. اهـ.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: وتحرير المسألة أن المص حكى الخلاف في التنجيم أي التأجيل في الكتابة، فقال: ظاهر المدونة أنه شرط في صحتها، وعليه فإن أجلت أو سكتوا صحت وتكون مؤجلة في السكوت، وصحح خلاف هذا القول أي صحح أنها تصح حالة ومؤجلة وهذا غير صواب، والصواب أن الكتابة تصح حالة ومؤجلة بلا خلاف في المذهب والمانع لها أبو حنيفة، وأما كلام صاحب الرسالة فمعناه أنه إذا وقع العقد على الحلول كان ذلك قطاعة لا كتابة. والله تعالى أعلم.
تنبيهان: الأول: اعلم أنه لا فرق بين النجم الواحد والنجمين فأكثر في الصحة، قال ابن الحاجب: الصيغة مثل كاتبتك على كذا في نجم أو نجمين فصاعدا، قال في التوضيح: قوله مثل كاتبتك يعني وأنت مكاتب أو معتق على نجمين، ثم قال: وظاهر قول المص في نجم أو نجمين أنه لا فرق بين ما قل من النجوم وكثر هكذا ذكر ابن شعبان. قال: ومن أصحابنا من يختار جعلها في نجمين ونحوه في الذخيرة وابن شأس وابن جزي. ونقل الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة قولا باشتراط كونها في نجمين. نقله الحطاب.
الثاني: قال في المقدمات: مذهب الشافعي أن المكاتب لا يعتق وإن أدى جميع الكتابة إلا أن يشترط ذلك لنفسه في عقد الكتابة، وعند مالك وأبي حنيفة وأصحابنا وجمهور أهل المعلم أن المكاتب يعتق إذا أدى جميع الكتابة وإن لم يشترط ذلك، ولا يضره أن لا يقول له مولاه إذا أديت إلي جميع الكتابة فأنت حر لأن ذلك مفهوم من فعلهما وقصدهما وإن لم يذكراه، وقال ابن
جزي؛ لأن لفظ الكتابة يتضمن الحرية. اهـ. وقال في الذخيرة: قال الشافعي: لفظ كاتبتك ليس صريحا فلا يعتق بالأداء إلا أن يقول نويت إن أدى فهو حر لِدَورَانِ الكتابة بين الخارجة والكتابة بالقلم فلا تنصرف لأحدهما إلا بالنية، ووافقنا أبو حنيفة والجواب أنه مشتهر في العرف بالكتابة المخصوصة فينصرف إليه من غير نية. اهـ. نقله الحطاب. ثم قال: فالحاصل من هذه النصوص المتقدمة أن الكتابة تكون باللفظ أو ما يقوم مقامه وأنه لا يشترط أن يقول له مولاه: وإذا أديت فأنت حر وأن التنجيم الشروط عند من يقول به يكفي فيه أن يكون في نجم واحد. والله أعلم. اهـ.
وجاز بغرر يعني أنه يجوز أن يكاتب السيد عبده على ما فيه غرر؛ لأن الأصل في العتق أن يكون مجانا فلا يضر كون المعقود عليه ذا غرر، ومثل لذلك بقوله: كآبق وبعير شارد وثمرة لم يبد صلاحها ولا بد من كون ذلك ملكا للمكاتب وإلا لم تجز، ولا يعتق المكاتب إلا بعد قبض السيد ذلك. قال الشبراخيتي: وجاز عند ابن القاسم بغرر خفيف، يصح عود الضمير في جاز للعوض وهو بكذا والباء باء الملابسة؛ أي وجاز العوض حال كونه متلبسا بغرر وللعقد وجاز العقد بعوض غرر أي ذي غرر كآبق وبعير شارد وثمر لم يبد صلاحه وهذا إذا كان في ملك المكاتب. اهـ.
وقال التتائي: ولما كان الغرر في العوض الذي هو أحد أركانها وهو الركن الثالث على ضربين جائزا وممنوعا، أشار إلى ذلك بقوله: وجاز عند ابن القاسم بغرر كآبق وبعير شارد وثمر لم يبد صلاحه. اهـ. وقال المواق: ابن القاسم: الكتابة بغرر جائزة ولا تشبه البيوع ولا النكاح. أبو محمد: بخلاف مراباة السيد عبده، قال مالك: لا تجوز وأجاز فسخ ما على المكاتب من دراهم في دنانير إلى أجل. اهـ. وقال البناني في المواق عن مالك: لا تجوز مراباة السيد عبده أي لا تجوز معاملته بالربا وهو لا يخالف ما يأتي من جواز فسخ ما على المكاتب في مؤخر لحمل المنع على غير العتق، والجواز على العتق. والله أعلم. اهـ.
وقال عبد الباقي: كآبق وبعير شارد وثمرة لم يبد صلاحها ولا بد من كون ذلك في ملك المكاتب، وإلا لم تجز ولا يعتق المكاتب إلا بعد قبض السيد ذلك.
وجنين عطف على آبق فهو مثال ثان للغرر؛ يعني أنه يجوز أن يكاتب السيد عبده على جنين من أجنة سائر الحيوانات وأمه في ملكه أي في ملك العبد كالآبق، وظاهر قوله:"جنين" أنه سبق له وجود، وأما على ما تحمل به أمتي فيمنع، ولفظ المص يعطي هذا لأنه قبل وجوده لا يطلق عليه جنين. قاله عبد الباقي وغيره.
وعبد فلان عطف على آبق فهو أيضا مثال للغرر يعني أنه يجوز أن يكاتبه على عبد فلان وهو غير آبق وإلا لم تجز ولم تصح، وإذا كان غير آبق فعليه تحصيله من فلان ولا يعتق إلا به كما قال ابن ميسر كما في الشارح والتتائي، وانظر الجنين هل هو كذلك؟ أو يقال إنه دخل في ملك السيد بالعقد فضمانه منه ولو نزل ميتا، وهل يجري الغرر بما في يده وفيه متمول أم لا؟ أو لا يجري وهو المظاهر لاشتراط العوض في الكتابة وجعله ركنا من أركانها. اهـ.
البناني: لا وجه لهذا التنظير إذ الغرر فيما في اليد أشد من الغرر في لؤلؤ لم يوصف. اهـ. وقال المواق: ابن القاسم: الكتابة بالآبق والشارد والجنين في بطن أمه جائزة. اللخمي: إن كان الغرر في ملك العبد جاز وكرهه أشهب، وأجاز ابن القاسم أن يأتيه بعبده الآبق. ابن شأس: ويجوز على عبد فلان عند ابن القاسم. اهـ.
وقال الشبراخيتي: وعلى عبد فلان يقيد بغير الآبق وإلا منع ويجري مثله في البعير الشارد كما في التوضيح، وقوله:"وجنين" المظاهر تقييده بما إذا كانت أمه في ملكه ثم إنه لا يعتق إلا بالأداء في الآبق وعبد فلان: وانظر الجنين هل هو كذلك؟ أو يقال إنه دخل في ملك السيد بالعقد فضمانه منه ولو نزل ميتا؟ قوله: "أو جنين" المظاهر تقييده بما إذا كانت أمه في ملكه، نص اللخمي شامل لذلك على نقل المواق فإنه قال: قال اللخمي: إن كان الغرر في ملك العبد. اهـ. وقال التتائي: وأجاز فيها الكتابة على وصفان حمران وإن لم يصفهم وله الوسط من الجنس كالنكاح. اهـ.
لا لؤلؤ يوصف يعني أنه لا يجوز الكتابة على لؤلؤ لم يوصف لكثرة الغرر فيه لكثرة تفاوت أفراده، وهو عطف على خفيف صفة لغرر أي يجوز عقد الكتابة على غرر خفيف لا لؤلؤ لم يوصف أي لا كثير كلؤلؤ لم يوصف، والمراد باللؤلؤ كل جوهر نفيس تتفاوت فيه الأغراض. اهـ.
قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: لا لؤلؤ لم يوصف فلا تصح به الكتابة، فإن نزل فسخت كما هو ظاهر المدونة خلافا لأشهب.
أو كخمر عطف على لؤلؤ يعني أنه لا يجوز الكتابة بغير متمول كالخمر والخنزير، وظاهره سواء كان الخمر مما يمتلكه التعاقدان عند عقد الكتابة كما إذا كاتب ذمي عبده الذمي بخمر ثم أسلم أحدهما: أو كان مما لا يتملكه التعاقدان حين عقد الكتابة كما إذا كاتب السيد عبده وأحدهما مسلم حين عقد الكتابة. وقال عبد الباقي: أو كخمر أو خنزير فلا تجوز سواء كان الخمر مما يتملكه العاقدان عند عقد الكتابة، كمكاتبة ذمي عبده الذمي بخمر ثم أسلم أحدهما أو أسلما أو لا يتملكه العاقدان ككون أحدهم مسلما عند عقدها.
ورجع لمكاتبة مثله يعني أنه لا يجوز الكتابة على الخمر والخنزير كما عرفت إذا وقع هذا الذي هو غير جائز، فإنه لا تفسخ الكتابة من أصلها بل تمضي المعاقدة بينهما على كتابة المثل، قال غير واحد وهذا يقيد بما إذا كانت بموصوف، وأما إن كانت بمعين فإنها تبطل.
تنبيه: قال عبد الباقي في "لا لؤلؤ لم يوصف": فلا تصح به الكتابة فإن نزل فسخت كما هو ظاهر المدونة خلافا لأشهب. انظر ابن مرزوق. فلا يرجع قوله: ورجع لمكاتبة مثله لهذه، وقول ابن مرزوق: وفسخت كما هو ظاهر المدونة ارتضاه علي الأجهوري خلافا لقول أحمد عن المواق عن مقتضى المدونة أن العتق ماض ولا يتبع بشيء. اهـ. وأما الرجوع لكتابة المثل فخاص بما فصله بالكاف وهو قوله: أو كخمر أو خنزير إذا كان الخمر مما يتملكه العاقدان عند عقد الكتابة، كمكاتبة ذمي عبده الذمي بخمر ثم أسلم أحدهما أو أسلما، وأما إن وقعت به وأحدهما مسلم أو هما فتبطل بالكلية، ومحله أيضا إذا وقعت على خمر موصوف في الذمة فإن وقعت على معين بطلت، لكن عُزي لأبي الحسن أنه يخرج حرا ولا يتبع بشيء فانظره ومحله أيضا حيث لم يؤد نصف الخمر قبل الإسلام، وإلا رجع بعده لنصف كتابة مثله كما في الشارح عن العتبية، فإن أداه كله قبل إسلام أحدهما ثم أسلم خرج حرا ولا يتبع بشيء. اهـ.
قوله: وأما إن وقعت وأحدهم مسلم لخ، قال البناني: انظر من أين له هذا التفصيل. اهـ. وقول المص: "ورجع لكاتبة المثل"، قال البناني: قال ابن مرزوق: ونحوه يفيده ابن عرفة أنه لم يقف
على هذا إلا لابن الحاجب في قوله كخمرٍ ويلزمه ذلك فيما يصح تملكه بالأحرى وظاهر المدونة في مسألة اللؤلؤ الفسخ، ويلزم أن يقال بذلك في الخمر من باب أولى. اهـ. قلت: يشهد للمص وابن الحاجب في كخمر قول المدونة: وإذا اشترى العبد نفسه شراء فاسدا فقد تم عتقه ولا يتبعه سيده بقيمة ولا غيرها إلا أن يبيعه نفسه بخمر أو خنزير فيكون عليه قيمة رقبته. اهـ. ونقل ابن غازي في تكميل التقييد عن ابن يونس أن بعض شيوخه قال في الكتابة بلؤلؤ لم يوصف إنها تبطل وهو ظاهر قول المدونة إن كاتبه على لؤلؤ غير موصوف لم يجز. ابن يونس: وبعضهم قال: يرجع بكتابة المثل وصوب الأول. اهـ. وقول عبد الباقي: فيما إذا كانت به من كافرين ثم أسلما قصر كلام المص على هذا ليسقط عنه تعقب ابن مرزوق، فإنه قد سلم صحة كلام المص إذا وقعت الكتابة وهما كافران، وإنما بحث في صحته إذا حمل على ظاهره لأن المنصوص إنما وردت في الكافرين؛ ففي ابن يونس ما نصه: ومن العتبية قال سحنون في النصراني يكاتب عبده النصراني بمائة قسط من خمر ثم أسلم المكاتب بعد أن أدى نصف الخمر، قال: على المكاتب نصف قيمة نفسه عبدا قنا ويكون عليه نصف كتابة مثله في قوته على السعاية، وكذلك لو كان إنما أسلم السيد، الجواب واحد. اهـ.
قال أبو الوليد بن رشد في شرح كلام العتبية هذا ما نصه: وليس على التخيير بل هما قولان؛ قال: مرة يكون عليه نصف كتابة مثله وهو قول ابن الماجشون، ومرة قال: عليه نصف قيمة رقبته والأول أظهر. اهـ على نقل التوضيح. وهو يدل على أن الراجح من القولين ما ذهب إليه المص لا ما ذهب إليه ابن الحاجب، ويرجحه أيضا اقتصار ابن حبيب على قول ابن الماجشون، فإن ابن يونس قال متصلا بما قدمناه عنه آنفا ما نصه: وذكر ابن حبيب مثله عن ابن الماجشون، إلا أنه قال: يكون عليه حصة ما بقي من كاتبة مثله إن ثلثها فثلثها وإن ربع فربع. اهـ. وقول البناني انظر من أين له هذا التفصيل؟ قلت: تبع فيه الأجهوري وقد صرح الأجهوري بأنه أخذ ذلك من كلام ابن مرزوق، ولا شك أن كلام ابن مرزوق يفيد ما قاله، فإنه لما نقل كلام ابن يونس السابق قال ما نصه: إن كان هذا مستندهم أي ابن الحاجب والمص - فقد لا يسلم لهما جعل هذا قاعدة كلية، فإن هذه الكتابة عقدت أولا في الكفر، ثم لا أسلم المكاتب كان له بإسلامه حق
فيما عقد فيه من الحرية على وجه يسوغ لهم، لا سيما إن قلنا إنهم غير مخاطبين فلا يلزم من عدم فسخ هذا لِعدمِ المانع من عقدها أولا عدم فسخ الكتابة الواقعة في الخمر بين المسلمين وهو ظاهر. اهـ. لكن كلام المص في التوضيح صريح في أنه حمل كلام ابن الحاجب على إطلاقه وهو الذي قصد في مختصره. فتقييده مخالف لذلك. والله أعلم. اهـ.
وقول البناني: قلت يشهد للمص وابن الحاجب في كخمر قول المدونة لخ نسبة هذا لنفسه يقتضي أنه لم يطلع على ذلك لأحد قبله، مع أن ابن عرفة قد سبقهُ إلى ذلك، ونصه: قال ابن الحاجب: وإذا لم يصح تملكه كالخمر رجع بالقيمة ولا تفسخ لفساد العوض. ابن عبد السلام: يريد إن فاتت الكتابة بالأداء مضت وإن لم تفت لم تفسخ وعقد الكتابة فوت، كمن اشترى عبدًا شراح فاسدا وكاتبه أنه يحكم بقيمته، قلت: الأقرب تفسيره بقولها في كتاب العتق الثاني: وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسدا فقد تم عتقه ولا يتبعه سيده بقيمته ولا بغيرها إلا أن يبيعه نفسه بخمر أو خنزير فيكون عليه قيمة رقبته، وقال غيره: هو حر ولا شيء عليه. اهـ. فلعل البناني لم يطلع عليه، ومع ذلك ففي صحة قياس الكتابة على شراء العبد نفسه وقفة؛ لأن الشراء يوجب تنجيز العتق بمجرده في الصحيح فألحق فاسدهُ بصحيحه لما تقدم أن شبهة الملك كالملك، وغاية الكتابة الفاسدة أن تلحق بصحيحتها وصحيحتها لا توجب تنجيز العتق بمجرد وقوعها إجماعا، فبأي شيء تلحق؟ ثم على تسليم صحة القياس تسليما جدليا فإنما يسقط التعقب بذلك على ابن الحاجب لا عن المص؛ لأن المص أوجب في ذلك كتابة المثل لا قيمة الرقبة، ففي كلام البناني نظر على كل حال. والله أعلم. اهـ.
وفسخ ما عليه في مؤخر عطف على الضمير في قوله: "وجاز بغرر" يعني أنه يجوز للسيد أن يفسخ ما على مكاتبه من نجوم برضاه في شيء لا يتعجله الآن، كمنافع دار يستوفي النجوم من أجرتها. قال عبد الباقي: وجاز للسيد فسخ ما عليه أي على المكاتب من نجوم الكتابة لا دين غيرها في مؤخر قبضه كمنافع دار يستوفي النجوم من أجرتها لتشوف الشارع للحرية، ولذا لم تكن كغيرها من الديون الثابتة في الذمة أي ولا كالمعاوضة المحضة، فلذا جاز فيها ما منع في غيرها للعلة المذكورة آنفا. اهـ. وقال الشبراخيتي: وجاز فسخ ما عليه أي المكاتب برضاه في شيء مؤخر
عنه وعلى إسقاط بعض ما عليه وهو ضع وتعجل، وسواء حل ما عليه أم لا ويجوز أيضا بينهما بيع الطعام قبل قبضه وسلف جر نفعا وهو عطف على فاعل جاز. اهـ.
وقال المواق من المدونة: إذا كاتبه على طعام مؤجل جاز، أن يصالحه منه على دراهم معجلة، ولا بأس أن تفسخ ما على مكاتبك من عين أو عرض حل أو لم يحل في عرض مؤجل أو معجل مخالف للعرض الذي عليه؛ لأن الكتابة ليست بدين ثابت لأنه لا يحاص بها في فلس المكاتب ولا موته، وإنما هو كمن قال لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، ثم قال له: إن جئتني بأقل من ذلك فهذا لا بأس به. اهـ
أو كذهب عن ورق وعكسه يعني أنه يجوز للسيد أن يفسخ الدنانير إلى أجل على مكاتبه في دراهم إلى مثل الأجل أو أبعد أو أقرب، وأن يفسخ الدراهم المؤجلة على مكاتبه في دنانير إلى مثل الأجل أو أبعد أو أقرب، فقوله:"أو كذهب عن ورق" الورق هو المكاتب به والذهب مأخوذ عنه، وقوله:"وعكسه" الذهب المكاتب به والورق مأخوذ عنه، قال البناني: قال ابن عرفة: اللخمي: إذا فسخ الدنانير في دراهم إلى مثل الأجل أو أبعد أو أقرب أو فسخ الدنانير في أكثر منها إلى أبعد من الأجل فأجازه مالك وابن القاسم وإن لم يعجل العتق، ومنعه سحنون إلا أن يعجل العتق وكذا إن كانت عينا ففسخها في عروض وعكسه، فإن أخذها انتقل إليه نقدا جاز وإن كان إلى مثل الأجل أو أقرب أو أبعد جاز عند مالك وابن القاسم لا عند سحنون، إلا أن يعجل العتق. ابن عرفة: وفي ثالث سلمها: فأما أن تبيع نجما مما عليه من الطعام فلا يجوز لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وإنما يجوز أن تبيعه جميع ما عليه فيعتق به. كذا قاله البرادعي، وابن يونس. وزاد: وقيل يجوز وإن لم يتعجل عتقه، ولم أجده في المدونة. اهـ.
وأما أبو الحسن. فقبله، ولعل الفرق بينهما أنهما لما فسخنا هنا العقدة الأولى صار وجودها وعدمها سواء، ولما فسخنا هناك بعض العقدة لم يغتفر بيع الطعام قبل قبضه. اهـ. وقال عبد الباقي: أو كذهب يؤخذ عن ورق وعكسه، وكذا يجوز بينهما ضع وتعجل وبيع الطعام قبل قبضه وسلف جر نفعا، وظاهره وإن لم يعجل العتق وهو قول مالك وابن القاسم ومنعه سحنون إلا بشرط تعجيل العتق ونسب لظاهر التهذيب ونحوه للصقلي. ابن عرفة: لم أجده في الأم. اهـ.
وقوله: "أو كذهب عن ورق"، أن عطف على "ما" كان من عطف الخاص على العام، ولابد من كون المأخوذ مؤخرا وإلا فلا خصوصية للكتابة بالجواز، وفي نسخة غير واحد بفي بدل عن، وفي نسخة من بدل عن وهي بمعنى في، وإما نسخة عن فهي متعلقة بيؤخذ مقدرة كما يفيده تقرير عبد الباقي. والله تعالى أعلم.
ومكاتبة ولي ما لمحجوره بالمصلحة يعني أنه يجوز للولي أن يكاتب ما أي رقيقا لمحجوره، بشرط أن يكون ذلك فيه رعي المصلحة للمحجور. قال عبد الباقي: وجاز مكاتبة ولي أب أو وصي أو مقدم قاض ما أي رقيقا لمحجوره صبي أو سفيه أو مجنون بالمصلحة المستوية في الكتابة وعدمها، فإن انفردت في أحدهما وجب، وأشعر قوله:"مكاتبة ولي" أن عتقه على مال معجل لا يجوز وهو كذلك؛ إذ لو شاء انتزعه من الرقيق لمحجوره. قال الشارح: لو قال "من" بدل "ما" لكان أحسن، فإن أكثر استعمال ما لغير العاقل ومن للعاقل. اهـ.
وسلمه له التتائي، وقال العجماوي: أتى بما دون من تنزيلا للرقيق منزلة ما لا يعقل لعدم تمام تصرفه، ثم قال عبد الباقي: فالأجوبة ثلاثة: إما على حد ما قيل في الآية أو استعملها فيمن يعقل مجازا أو على قلة. اهـ. يعني بالآية قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ؛ لأن النساء ناقصات عقل ودين والرقيق مثلهن، وفي الآية الأخرى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، وقال البناني: ما قاله العجماوي من أن التعبير بما عن الرقيق استعارة هو الصواب مثل ما قيل في قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، وهي حينئذ أحسن ممن خلافا للشارح؛ لأن الاستعارة أبلغ من الحقيقة. اهـ. وقول عبد الباقي: فإن انفردت في أحدهما وجب لخ هو مسلم فيما إذا تعينت المصلحة في الترك وانفردت فيه، وأما إذا انفردت في الفعل فإن عنى أن تركها يؤدي إلى ضياع العبد نفسه أو الأمة لإباقه فعسلم وإلا فغير مسلم، سواء قلنا إن الكتابة عتق ولا إشكال أو قلنا إنها بيع؛ لأن المولي لا يجب عليه تنمية مال محجوره وإنما يجب عليه حفظه. فتأمله. والله أعلم. قاله الرهوني. وقال المواق من المدونة: للوصي أن يكاتب عبد من يليه على النظر ولا يجوز أن يعتقه على مال يأخذه، إذ لو شاء انتزعه منه. اهـ.
ومكاتبة أمة يعني أنه يجوز مكاتبة أمة بالغة برضاها. قاله عبد الباقي. وقال المواق: وكره مالك كتابة الأمة التي لا صنعة لها. اهـ. وصغير يعني أنه يجوز للسيد أن يكاتب عبده الصغير، وقال المواق من المدونة: لا بأس بمكاتبة الصغير ومن لا حرفة له وإن كان يسئل، وقال غيره: لا يجوز. اهـ. وقال عبد الباقي عند قوله: "وصغير" ما نصه: ذكر أو أنثى بلغ كل عشر سنين، وجواز مكاتبة الصغير مبني على القول بجبر العبد على الكتابة لا على عدمه، إذ لا بد عليه من رضاه ورضى الصغير غير معتبر أشار له أبو الحسن. اهـ. قوله: بلغ كل عشر سنين فيه نظر، وأصل ذلك لابن عبد السلام ونصه: قالوا والحد الذي تجوز فيه كتابة الصغير هو عشر سنين فما فوقها. ابن عرفة: إن أراد ذلك على قول أشهب فهو خلاف نصه: تمنع كتابة ابن عشر سنين وإن أراد على قول ابن القاسم، فظاهر نقل الباجي عنه جوازه وإن لم يبلغ عشر سنين. اهـ.
وإن بلا مال وكسب يعني أنه يجوز مكاتبة الصغير الذي لا مال له، ولا كسب أي لا عمل له وفي التتائي: وإن بلا مال وبلا قوة على كسب. اهـ. ورد بالمبالغة القول بعدم الجواز: وظاهر المص وإن لم تكن له قوة على ذلك. قال الرهوني: وقد ذكر المتيطي وابن سلمون الخلاف ولم يقيداه بشيء. ونص المتيطي: واختلف في كتابة الصغير فأجازها مالك في كتاب المكاتب من المدونة، وذكر أبو الحسن بن القصار عن مالك في ذلك قولين: الجواز والمنع، وقال أشهب في المدونة وكتاب محمد: لا تجوز كتابة الصغير وتفسخ إلا أن تفوت بالأداء أو يكون له مال تؤدى منه فتؤخذ منه ويعتق. اهـ. وفي المدونة: قال ابن القاسم: لا بأس بكتابة الصغير لأن مالكا قال: لا بأس بكتابة من لا حرفة له وإن كان يسئل ويتصدق عليه، وقال أشهب وسحنون: لا يكاتب الصغير؛ لأن عثمان بن عفان قال: لا تكلفوا الصغير الكسب لأنكم متى كلفتموه سرق إلا أن تفوت بالأداء أو يكون بيده ما يؤدى منه، فيؤخذ من يده فيتلفه بسفهه ويرجع رقا. اهـ.
وبيع كتابة يعني أنه يجوز بيع الكتابة أي يجوز بيع نجوم الكتاب كلها، قال الشبراخيتي: ظاهره من المكاتب أو من أجنبي ولا يشترط حضور المكاتب ولا إقراره. اهـ. وقال التتائي: وجاز عند مالك وجمهور أصحابه بيع كتابة جميعها ومنع ذلك ربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة.
اللخمي: وهو أقيس للغرر؛ إذ لا يدرى أيعجز من أول نجم فيأخذ الرقبة أو عن الآخر فقط فيأخذ الكتابة والرقبة؟ وظاهر المص جواز بيعها للعبد والأجنبي.
وقوله: "وبيع كتابة" اعلم أنه إذا بيعت الكتابة لأجنبي فإنه يشترط في ذلك ما يشترط في بيع الدين، ففي المتيطي ما نصه: ويجوز بيع كتابة المكاتب وما بقي منها عند مالك وعليه العمل ثم قال ما نصه: ولا يكون هذا البيع إلا بحضرة المكاتب واعترافه، وسواء أذن في ذلك أو لم يأذن ولا يجوز للسيد بيعها إلا بما يجوز له بيع الدين. اهـ. وفي ابن يونس عن أبي بكر بن عبد الرحمن: من اشترى كتابة مكاتب ثم وجد به عيبا، قال: ينتظر إن ودى كتابته فلا رجوع للمشتري بشيء لأنه قد حصل له ما انتترى وإن عجز فرق فله رده بالعيب، ويرد معه جميع ما أخذه من كتابته ولم يكن ذلك كالغلة، ثم قال: وقال غيره: ليس عليه أن يرد شيئا مما قبض من الكتابة لأن ذلك كالغلة. قال: وله رده وإن لم يعجز لحجته أنه إذا عجز يرق له، ثم قال: لا يرد معه ما قبض من كتابته، ثم قال. محمد بن يونس: والأول أبين لأنه إنما اشترى الكتابة والرقبة قد تصح له أو لا تصح وما يكون أولا يكون فلا حكم له. اهـ. قاله الرهوني.
وقال عبد الباقي: وجاز للسيد بيع كتابة أو جزء منها معين كربعها، وفي المدونة: لا بأس ببيع كتابة المكاتب إن كانت عينا فبعرض نقدا، وإن كانت عرضا فبعرض مخالف أو بعين نقدا، وما تأخر كان دينا بدين. اهـ. عبد الوهاب: هذا إن باعها من غير العبد، وأما إن باعها منه فذلك جائز على كل حال. لا نجم يعني أنه لا يجوز بيع نجم من الكتابة لأجنبي، قال عبد الباقي: لا بيع نجم معين من الكتابة فلا يجوز لكثرة الغرر. اهـ. واحترز بالعين من المبهم فإنَّ بيعَه جائز؛ لأن الشراء حينئذ يكون كشراء جزء منها كربع فهو واقع على معلوم، فله ربعها أو عشرها مثلا أو ربع الرقبة أو عشرها مثلا إن عجز.
تنبيه: وقع في شرح عبد الباقي ما نصه: وهذا أي منع بيع النجم المعين حيث لم يعلم قدره، أو علم وجهلت نسبته لباقي النجوم، فإن علم قدره ونسبته لباقي النجوم جاز بيعه لأن الشراء وقع على شيء معين معلوم وهو النجم أو مقابله من الرقبة. اهـ. ورد عليه الرماصي، وقال: لا فرق في المنع بين أن يعلم قدره ونسبته لباقي النجوم أو لا، وقوى الرهوني ما قاله مصطفى غاية، ورد ما
قاله عبد الباقي غاية، ثم قال: كلام المتقدمين والمتأخرين شاهد لمصطفى وقد بحثت عن نص ظاهر يشهد لما قاله الزرقاني والتتائي فما وجدته، بل وجدت خلافه لأن من أهل المذهب من أطلق القول بمنع النجم ولم يفرق بين معين ومبهم، ومنهم من فرق بينهما فممن أطلق الإمام في الموطإ ونصه: ولا يجوز بيع نجم من نجوم المكاتب، ومنهم ابن الجلاب ونصه: ولا يجوز بيع نجم من نجوم المكاتب، وعنه في بيع الجزء من كتابته روايتان: إحداهما جوازه والأخرى منعه، ومنهم القاضي عبد الوهاب في تلقينه ونصه: ولا يجوز بيع نجم منها وفي بيع الجزء خلاف. اهـ. ومنهم ابن شأس ونصه: ولا يجوز بيع نجم منها وفي بيع الجزء منها روايتان. اهـ. ومنهم ابن الحاجب إلى آخر كلامه.
فإن وفى فالولاء للأول يعني أنه إذا باع الكتابة أو جزءها فإن ذلك جائز كما عرفت، وحينئذ فإن أدى المكاتب كتابته أو جزءها فإنه يكون حرا وولاؤه للأول أي بائع الكتابة الذي هو المكاتب بكسر التاء، قال الشبراخيتي: فإن وفى المكاتب ذلك للمشتري فالولاء للأول وهو البائع لانعقاده له والمشتري قد استوفى ما اشتراه. اهـ. وقال عبد الباقي: وحيث جاز بيع كل الكتابة أو جزئها، فإن وفى المكاتب ذلك للمشتري فالولاء للأول وهو البائع لانعقاده له والمشتري قد أوفى ما اشتراه، وكذا إن اشترى هو كتابة نفسه فالولاء لسيده، وإلا أي وإن لم يوف المكاتب ما عليه بأن عجز رق المكاتب للمشتري أي يصير رقيقا له. قال التتائي: وإلا بأن عجز قبل الوفاء رق للمشتري، زاد في الموطإ: وكذلك إن هلك المكاتب قبل أداء الكتابة ملكه المشتري، وروى الصمادحي والدمياطي عن ابن القاسم: من وهب كتابة مكاتبه فعجز رق للمعطي، وروى عنه أبو زيد: يرجع لواهبه، واختلف إذا اطلع المشتري على عيب المكاتب، فقال أبو بكر بن عبد الرحمن: ينتظر به، فإن أدى كتابته فلا رجوع للمشتري بشيء لأنه قد حصل له ما اشترى، وإن عجز فله رده ويرد معه جميع ما أخذه من كتابته ولم يكن له ذلك كالغلة، وقال غيره: ليس عليه أن يرد شيئا مما أخذ من الكتابة لأن ذلك كالغلة، واختار ابن يونس الأول. اهـ.
وقال الشبراخيتي: وإلا بأن عجز قبل الوفاء رق للمشتري أي كله في الأولى وبقدر ما اشترى منه في الثانية. اهـ. قوله: في الأولى أي في مسألة بيع الكتابة، وقوله في الثانية: أي في مسألة الجزء،
وقال الخرشي: ولو وهب كتابة مكاتبه فعجز عن أدائها فقيل يرق للمعطى له وقيل يرق لواهبه. اهـ. وقال المواق: لا يجوز بيع نجم من نجوم الكتابة. بهرام: وهذا مقيد بنجم معين وأما نجم من ثلاثة أو أربعة فالمنصوص جوازه لأنه يرجع إلى بيع الجزء، وحكمة في الوفاء والعجز حكم بيع الكتابة كلها. اهـ. وقد مر عن غير واحد أنه اختلف إذا وهب الكتابة وعجز هل يرق للموهوب له أو للواهب؟ قال البناني: هما روايتان عن ابن القاسم، قال ابن رشد: والقياس في هذا أن لا فرق بين البيع والهبة وأن تكون له رقبته إذا وهبت له كتابته، قال: ورأى في القول الثاني أن الواهب للكتابة إنما قصد إلى هبة المال لا على أن تكون له الرقبة إذا عجز عنها وليس ذلك ببين. اهـ.
وقوله: "وبيع كتابة أو جزء" هذا مذهب مالك وحكي عن ربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة وأبي حنيفة والشافعي منع بيع الكتابة، ومال إليه بعض شيوخ المذهب لما فيها من الغرر من وجوه كثيرة، وقول البناني: هما روايتان عن ابن القاسم، هما روايتان عن أشهب أيضا، وقول ابن رشد: والقياس أن لا فرق لخ هو ترجيح له من جهة النظر وهو الراجح أيضا من جهة النقل، لأنه قول مالك وأصبغ، ففي ابن يونس قال ابن المواز: قال مالك: ومن وهب لرجل وهو صحيح كتابة مكاتبه فعجز فهو رقيق للذي وهبت له الكتابة، وإن وهب له نصفها رق له نصفه إن عجز وكذلك سائر الأجزاء، وقاله أشهب وأصبغ ورواه موسى بن معاوية عن ابن القاسم.
وإقرار مريض بقبضها إن ورث غير كلالة يعني أن السيد إذا كاتب عبده في حال صحته ثم أقر بقبض الكتابة في مرضه فإن ذلك الإقرار جائز أي ماض نافذ بشرط أن يرثه ولد أو أب، قال في المدونة: قال ابن القاسم: وإن كاتب في صحته وأقر في مرضه بقبض الكتابة منه جاز ذلك، ولم يتهم إن ترك ولدا وإن كان ورثته كلالة والثلث لا يحمله لم يصدق إلا ببينة، وإن حمله الثلث صدق لأنه لو أعتقه جاز عتقه، وقال غيره: إن اتهم بالميل معه والمحاباة لم يجز إقراره حمله الثلث أم لا، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الوصية. انتهى. وقال العوفي: محل الخلاف بين ابن القاسم والغير إن اتهم بالميل له وحمله الثلث، فابن القاسم يراه كأنه الآن أوصى له بالثلث وهو ممن تجوز له الوصية، والغير يرى أن إقراره لم يكن على وجه الوصية بل هو على معنى
إخراجه من رأس المال، فلا يكون من الثلث إلا ما أريد به الثلث، وقد اتفق ابن القاسم والغير فيما إذا اتهم ولا يحمله الثلث أنه لا يجوز من ثلثه ولا غيره ويبطل كله. هكذا فسر التونسي قول ابن القاسم. اهـ. نقله الطخيخي. فقوله، وإلا ففي ثلثه، يحتمل أن يعود إلى المسألة الثانية فقط ويكون مفهوم الشرط في الأولى لا يجوز إقراره ولو حمله الثلث ويكون ماشيا على أحد قولي ابن القاسم وقول غيره، ويحتمل أن يعود إلى المسألتين لكن إلى الأولى فيما إذا حمله الثلث وفي الثانية أو بعضه؛ لأن ابن القاسم والغير يتفقان على أنه إذا لم يحمله الثلث في الأولى لا يجوز إقراره، ويختلفان فيما إذا حمله الثلث كما علمته من كلام العوفي وهو ظاهر، وهذا كله إذا كاتبه في الصحة وأقر في المرض بقبضها. أهـ. وأما إذا كاتبه في مرضه وأقر بقبضها، فيه فإن حمله الثلث عتق سواء ورث كلالة أم لا كمبتدئ عتقه، وإن لم يحمله الثلث خير ورثته فإما أمضوا كتابته وإلا عتق منه محمله. اهـ. قاله البناني.
وتحرير هذه المسألة بإيضاح واختصار أن تقول: هذه المسألة على ثلاثة أقسام: الأول أن يكاتب في الصحة ويقر بالقبض في الصحة فالإقرار نافذ كما هو واضح، الثاني: أن يكاتب في الصحة ويقر بالقبض في المرض فيجوز إقراره بالقبض في المرض وإن ورث غير كلالة، فإن ورث كلالة بطل إقراره على أحد قولي ابن القاسم وقول غيره، وعلى قول ابن القاسم الآخر يكون الإقرار في الثلث إن حمله الثلث فإن لم يحمله بطل الإقرار باتفاق ابن القاسم والغير. الثالث: أن يكاتب في المرض ويقر بالقبض في المرض عتق إن حمله الثلث ورث كلالة أم لا، فإن لم يحمله الثلث عتق منه محمل الثلث. والله تعالى أعلم.
ومكاتبته بلا محاباة يعني أن مكاتبة المريض لرقيقه تجوز بلا محاباة أي تمضي وتنفذ بأن تكون كتابة المثل فأكثر، فإن أدى العبد كتابته خرج حرا ولا كلام لوارثه ولا ينظر لكون العبد يحمله الثلث فيعتق حمله الثلث أم لا، وهذا إذا قبض السيد الكتابة فهنا شرطان: أحدهما أن لا يحابي كما قال المص، ثانيهما أن يقبض السيد الكتابة وهذا الذي مشى عليه المص لابن القاسم أن كتابة المريض إن لم يحاب كبيعه إن لم يحاب فالجميع نافذ، ومقابله لابن القاسم أيضا أنه إن لم يحاب وحمله الثلث عجل عتق العبد في مال السيد، وقال غيره: وعليه أكثر الرواة إن كتابة
المريض حيث لم يحاب من ناحية العتق فتوقف النجوم حتى يموت السيد، فإن مات وحمله الثلث مضى وإلَّا خير الوارث في إمضائه وعتق ما حمله الثلث منه. وإلا بأن حابى المريض العبد في الكتابة، فإن كانت كتابته دون كتابة المثل وقبض السيد الكتابة فقيمة رقبة العبد في ثلثه أي في ثلث مال السيد، فيوقف ماله إلى الموت فإن حمله الثلث مضى ذلك وإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين الإجازة وأن يردوا لخ، فيردوا إلى المكاتب ما قبض منه ويعتقوا محمل الثلث من العبد.
واعلم أن غير ابن القاسم يستوي عنده الحكم في المحاباة وعدمها، وإنما يفترق الحكم في المحاباة وعدمها عن ابن القاسم، فإن لم يحاب وحمله الثلث عجل عتق العبد في مال السيد كما إذا لم يحاب في بيعه، وإن حابى وحمله الثلث لم يكن بُدٌّ من وقفه حتى يموت لأن المحاباة وصية، وأما لو لم يقبض السيد الكتابة فذلك في ثلثه مطلقا إن حمل الثلث قيمته مضى عقد الكتابة وإلَّا خير الوارث بين إمضاء الكتابة وأن يعتقوا من العبد مبلغ الثلث بتلا. وتحرير هذه المسألة أن تقول: هي على أربعة أقسام: مكاتبة المريض بلا محاباة، وقبض السيد لكتابة مكاتبته بمحاباة، وقبضها مكاتبة بلا محاباة أو بمحاباة ولم يقبض في الوجهين. القسم الأول وهو مكاتبته بلا محاباة وقبض السيد الكتابة ذلك ماض كبيعه بلا محاباة ويعتق العبد حمله الثلث أم لا، وهذا لابن القاسم وهو الذي مر عليه المص. ومقابله قولان: أحدهما لابن القاسم أيضا وهو أنه إن حمله الثلث عجل عتقه في مال السيد ولا ينتظر موته فهي من ناحية العتق، والثاني لغير ابن القاسم وهو قول أكثر الرواة أنها من ناحية العتق فتوقف النجوم إلى موت السيد، فإن حمله الثلث مضى ولا يعجل عتقه إلا أن يكون ماله مأمونا فإن لم يحمله الثلث انتظر موته عند ابن القاسم وغيره، فيخير الورثة في إمضاء ما فعله المريض وعتق مبلغ الثلث من العبد ويرد إليه ما قبض منه من الكتابة عند ابن القاسم وغيره. القسم الثاني: ما إذا حابى فينتظر موته عند ابن القاسم وغيره، فإن حمله الثلث مضى ذلك وإن لم يحمله خير الورثة بين إجازة فعل المريض وبين أن يردوا إلى المكاتب ما قبض منه ويعتقوا محمل الثلث بتلا. القسم الثالث والرابع وهو ما إذا لم يقبض السيد
الكتابة حابى أم لا فذلك في ثلثه مطلقا إن حمل الثلث قيمته مضى عقد الكتابة، وإلا خير الوارث بين إمضاء الكتابة وأن يعتق من العبد مبلغ الثلث بتلا. في الله تعالى أعلم.
ومكاتبة جماعة لمالك يعني أن الجماعة من الرقيق إذا كانوا لمالك واحد فإنه يجوز له أن يكاتبهم في عقد واحد، ومفهوم قوله: لمالك أنه لو كان جماعة لجماعة ولم يكن بينهم شرك ففيه تفصيل حاصله إن لم يشترط حمالة بعضهم عن بعض جاز ويفض على قوتهم، وإن اشترط حمالة بعضهم عن بعض فلا يجوز إذ لو عجز أحدهم أو مات أخذ سيده مال صاحبه باطلا لكنها تمضي بعد الوقوع عند سحنون ويبطل الشرط وهو المعتمد. اهـ. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: وجازت مكاتبة جماعة من عبيد لمالك واحد بعقد واحد. اهـ. ونحو ما للشبراخيتي للتتائي.
الخرشي فتوزع على قوتهم على الأداء يعني أنه إذا وقعت الكتابة على الوجه الجائز وهو ما إذا كانوا لمالك واحد في عقد واحد فإن الكتابة توزع عليهم على قدر قوتهم على أداء الكتابة، ومعنى توزع تقسم وتعتبر قوتهم على الخدمة يوم العقد أي يوم عقد الكتابة، ولا توزع على قدر قيمة كل واحد ولا على عددهم ولا على قوتهم من حيث القوة نفسها؛ إذ لا يلزم من ذلك القوة على الكسب ولا تعتبر القوة بعد يوم العقد، فإن انعقدت على صغير معهم لا يقدر على الكسب لم يتبع بشيء ولو قدر بعده وقبل انقضائها، وقال اللخمي: إن لم يقدر على الكسب من يوم الكتابة إلى انقضائها لم يتبع بشيء. اهـ. فهو مقابل لظاهر المص كما يفيده الشارح. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: فتوزع أي تقسم الكتابة عليهم على قدر قوتهم وخدمتهم واجتهادهم على الأداء يوم العقد، معمول لقوتهم إلى آخر ما مر. وقال التتائي: ولا تعتبر القدرة بعد يوم العقد إن حصل تغير بعده. اهـ.
وهم وإن زمِنَ أحدهم حملاء يعني أن هؤلاء الجماعة المذكورين من الرقيق حملاء أي بعضهم حميل عن بعض أي ضامن لما عليه فلا يعتق واحد منهم إذا أدى ما عليه ما دام على غيره شيء، وإن طرأت الزمانة على أحدهم فلا يعتق غيره حتى يؤدي جميع ما على ذلك الزمن، والمراد بالزمانة العجز والمرض. والحاصل أنه لا يعتق واحد منهم ما دام على غيره بقية، وسواء في ذلك من طرأت عليه الزمانة وغيره، وأما لو كان أحدهم زمنا يوم العقد فإنه لا شيء عليه أصالة
ولا حمالة وما ينوبه على غيره. قال عبد الباقي: وهم وإن زمن أحدهم أي طرأت لهم الزمانة أي العجز والمرض كما يدل عليه التعبير بالفعل حملاء بعضهم عن بعض.
مطلقا أي سواء اشترط عليه ذلك في صلب الكتابة أم لا بخلاف حمالة الديون لا تكون إلا بشرط. قاله عبد الباقي. وقال: فإن وقع عقد الكتابة على أن لا ضمان هل يقدح ذلك في العقد أو يصح ويبطل الشرط؟ وانظره وأما الزمن منهم يوم العقد فلا شيء عليه أصالة ولا حمالة كما مر قريبا في الصغير الذي لا يقدر على الكسب، ومفهوم قوله:"لمالك" أنه لو تعدد ولم يكن بينهم شركة فيجوز جمعهم بعقد إن لم يشترط حمالة بعضهم عن بعض وإلا منع ومضى بعد الوقوع عند سحنون وهو المعتمد وبطل الشرط، ولبعضهم: لا يجوز لأنه إذا عجز بعض العبيد أو مات لأخذ سيده مال الآخر بغير حق فيكون من أكل أموال الناس بالباطل. اهـ.
وقال الشبراخيتي مطلقا أي سواء اشترط حمالة بعضهم لبعض أم لا، وليس هنا تقييد سابق ولا لاحق فلعل قولهم: الإطلاق يفسره تقييد سابق أو لاحق أغلبي. اهـ. وقال التتائي: وهم وإن زمن أحدهم حملاء بعضهم عن بعض مطلقا اشترط ذلك عليهم أم لا وهو المعروف من المذهب، قال مالك: وهي سنة الكتابة عندنا، وفي الموطإ أنه الأمر المجمع عليه، بخلاف حمالة الديون لا تلزم الحمالة فيها إلا بالشرط. البساطي: انظر لو عقدت على أن لا حمالة، هل يقدح ذلك في العقد أو تصح ويبطل الشرط؟ اهـ. ويحتمل أن تصح ويعتبر الشرط. اهـ.
فيؤخذ من المليئ الجميع يعني أنه لأجل كونهم حملاء يؤخذ من المليء منهم جميع ما كوتبوا به؛ لأن ذلك حكم الحمالة ولا يعتق واحد منهم إلا بتمام الجميع، وأفهم قوله:"المليء" أنهم لو كانوا أملياء لم يكن للسيد أخذ أحدهم بما على جملتهم وهو كذلك على المشهور في حمالة الديون والمنصوص هنا. ويرجع إن لم يعتق على الدافع يعني أنه يرجع من أدى منهم على من أدى عنه هذا إذا كان المدفوع عنه لا يعتق على الدافع لو ملكه كالآباء والأمهات والأولاد والأخوة والأخوات، وأما إن كان المدفوع عنه يعتق على الدافع فإن المؤدي لا يرجع عليه. قال عبد الباقي. ويرجع من أدى منهم أو وارثه من انتقل إليه الحق بغير إرث كهو على من أدى منهم بحكم التوزيع وهو مذهب المدونة. وأشار لشرط الرجوع بقوله:"إن لم يعتق" المدفوع عنه على
الدافع فإن عتق عليه كأصله وفرعه وحاشيته القريبة لم يرجع عليه. اهـ. وقال الشبراخيتي: وليس في كلام المص كيفية التراجع بينهم إن أدى بعضهم عن بعض، وقال ابن الحاجب: إنه على حكم التوزيع وهو ظاهر كلام ابن شأس، وقال قبل هذا عن المدونة ما نصه: وإن أدى أحدهم عن بقيتهم رجع من أدى على بقيتهم بحصتهم. اهـ. أي على حسب حصتهم من الكتابة. اهـ.
ولم يكن زوجا يعني أن من أدى منهم يرجع على بقيتهم الذين لم يؤدوا كما عرفت وهذا حيث لم يكن المؤدى زوجا للمؤدَّى عنه ولم يكن المؤدَّى عنه يعتق على المؤدي، وأما إن كان المؤدَّى زوجا للمؤدى عنه فإنه لا يرجع على المؤدّى عنه، والزوج يصدق بالذكر والأنثى، فإذا أدى الزوج عن زوجته فلا يرجع عليها وإذا أدت الزوجة عن زوجها فلا ترجع عليه، وظاهر كلامه أنه لا يرجع الدافع على من ذكر، ولو أمره بالدفع عنه فهو مخالف للفداء من الكفار. قاله الشبراخيتي. وقال البناني: ابن غازي: الأولى أن يكون لفظ يرجع مبنيا للمفعول حتى يعم كل راجع من مكاتب أو وارث أو سيد ويناسب لفظ ما عطف عليه وهو يؤخذ. انتهى.
وقول الشبراخيتي: مخالف للفداء من الكفار نحوه لعبد الباقي، قال التتائي: فلا يرجع الزوج على زوجته ولا الزوجة على زوجها. أبو الحسن: وأقاموا منه أن الزوج لا يرجع على زوجته إن فداها بغير أمرها من يد العدو وهو يعرفها، وأما بأمرها فسلف يرجع به عليها، وقال مطرف وابن الماجشون: لا يرجع أحدهما على الآخر إذا أدى ما يعتق به من الكتابة، وعنهما أيضا: إذا فدى أحد الزوجين صاحبه أو ابتاعه لا رجوع له عليه إلا إن كان بأمره أو هو عارف به فليتبعه بذلك في ملائه وعدمه. قاله مالك. اهـ. قوله: وهو يعرفها أي فداها وهو يعرف أنها زوجته. قاله مقيده عفا الله عنه. والله تعالى أعلم.
ولا يسقط شيء بموت واحد يعني أنه إذا كاتب السيد جماعة من رقيقه في عقد واحد ومات أحدهم فإن من مات منهم لا يسقط عن أصحابه نصيبه، بل عليهم أن يؤدوا ما عليه وعليهم، وكذا لو عجز أحدهم فلا يسقط عنهم نصيبه، قال الشبراخيتي: ولا يسقط عنهم شيء بموت واحد منهم أو عجزه، والظاهر أن الأسر والغصب كالموت، وأما الاستحقاق فيسقط به لأن المغيب
انكشف أنه كاتب من لا يملك، ولو قال بدل قوله أحدهم ولو بقي واحد لكان أحسن. اهـ. وقال عبد الباقي: ولا يسقط عنهم شيء من النجوم بموت واحد منهم أو عجزه أو أكثر من واحد منهم كأسره أو غصب أحد لذاته فيما يظهر، فيؤخذ جميعها أو بقيتها ممن بقي ولو واحدا منهم، ويسقط باستحقاق بملك أو حرية لكشف الغيب أنه كاتب من لا يملك. اهـ.
وقال المواق من المدونة: لا بأس أن يكاتب الرجل عبيده في كتابة واحدة والقضاء أن كل واحد منهم ضامن عن بقيتهم وإن لم يشترط ذلك، ولا يعتق واحد منهم إلا بأداء الجميع وله أخذ المليء منهم بالجميع ولا يوضع عنهم شيء بموت أحدهم، فإن أخذ أحدهم عن بقيتهم رجع من أدى على بقيتهم بحصتهم من الكتابة بعد أن تقسم الكتابة عليهم بقدر قوة كل واحد على الأداء يوم الكتابة، لا على قيمة رقبته. قال في المدونة: ولا يرجع على من يعتق عليه بما أدى عنه، ويرجع على من سواهم إلا الزوجة لا يرجع عليها وإن كانت لا تعتق عليه. اهـ. وقال التتائي: ولا يسقط عنهم شيء بموت واحد منهم أو عجزه ويرجع على من لم يعتق عليه من الأقارب لو ملكه كالعم وابن العم ونحوهم ممن بينه وبينهم توارث، وأحرى ذوو الأرحام. ثم قال: وإن استحق أحدهم بحرية أو ملك سقط عن أصحابه ما ينوبه؛ لأنه قد تبين أن السيد عقد الكتابة على خير ملكه ولا تلزم الحمالة بما هو ملك لغيره.
وللسيد عتق قوي منهم إن رضي الجميع وقوُوا يعني أنه يجوز للسيد أن يعتق قويا على الكسب من جماعة الرفيق المذكورين بشرطين أحدهما أن يرضى الجميع بعتقه، ثانيها أن يكون هؤلاء الذي رضوا بعتقه قد قووا على السعي، فإن لم يرضوا فلا يجوز ذلك وكذا إن لم يقووا فإن ذلك لا يجوز أيضا، ومفهوم قوله:"قوي منهم" أن غير القوي له أن يعتقه رضوا أم لا، قال المواق عن الجلاب: لا بأس أن يعتق السيد كبيرا منهم لا أداء فيه أو صغيرا لا يبلغ السعي في الكتابة، ولا يجوز أن يعتق منهم من له قوة على السعي معهم إلا بإذنهم ونحو هذا في المدونة. اهـ.
وقال عبد الباقي: وجاز للسيد عتق قوي منهم على السعي في الكتابة من غير أداء عليه بشرطين، إن رضي الجميع بذلك وقووا على الوفاء، فإن لم يقووا لم يفد رضاهم سواء ساواهم أو كان أقوى منهم أو أقل عند ابن القاسم، وإذا عتق القوي منهم بالشرطين المذكورين سقطت حصته عن
أصحابه؛ فإذا عتق ضعيفا أي من حدث له الضعف منهم لم يشترط رضى الجميع ولا قوتهم ولا تسقط حصته عن أصحابه ووزعت عليهم على قدر قوتهم كمن مات منهم. قاله أحمد. والمراد بالضعيف من لا قوة له على السعي ولا مال له، فمن له مال وهو ضعيف عن السعي داخل في منطوق "قوي". اهـ. وقال التتائي: وللسيد عتق قوي منهم على السعي إن رضي الجميع بذلك وقووا على الوفاء، فإن لم يقووا لم يفد رضاهم، وظاهره سواء ساواهم في القوة أو كان أقوى منهم أو أقل، وهو قول ابن القاسم، وقيل: إن كان أقوى أو مساويا لم يجبر. اللخمي: يجوز إن كان أدناهم في السعاية ويسقط ما ينوبه.
فإن رد ثم عجزوا صح عتقه قال غير واحد شارحا للمص ما معناه أنه إذا أعتق السيد قويا من الجماعة المذكورين ولم يرضوا بعتقه فرد عتقه لذلك، ثم إنهم عجزوا عن الوفاء فإنه يصح عتقه لأنه إنما رد عتقه لحقهم، فإذا سقط حقهم نفذ عتقه ونحوه في المدونة، وإن أدى عنهم شيئا من نجوم الكتابة قبل عتقه فهل يرجع به على السيد أم لا؟ قولان. قال أبو حفص العطار: والصواب الأول أي رجوعه على السيد. اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه: ظاهر قول المص فإن رد ثم عجزوا صح عتقه أنه لا فرق بين صحة عتقه فيما إذا رد عتقه لعدم رضاهم بعتقه، وبين صحة عتقه فيما إذا رد عتقه لعدم قوتهم فيصح عتقه حيث عجزوا رد عتقه لعدم رضاهم به أو لعدم قوتهم، وعلى ذلك شرحه صاحب الميسر، فإنه قال: فإن رد عتقه لعدم شرطه ثم عجزوا وصح عتقه. اهـ. والله تعالى أعلم. وقولي: فإن أدى أي عنهم شيئا قبل عتقه لخ. قال الرهوني: أي قبل عتقه الناشئ عن عجزهم ولكنه بعد أن أعتقه السيد أولا. والله أعلم. وقول الزرقاني: قال أبو حفص العطار: والصواب الأول لخ جعل موضوع تصويب أبي حفص عجزهم وهو خلاف ما لابن عرفة، فإنه جعل موضوعه إذا أدوا وعتقوا، ونصه: قال أي الباجي: ولابن حبيب عن أصبغ: من أعتقه سيده وأبى ذلك أشراكه فيها فأدى معهم حتى عتقوا لم يرجع على سيده بما أدى، قلت: وقال أبو حفص العطار: في رجوعه عليه فولان، والصواب الرجوع عليه. انتهى. وكلام الباجي موضوعه أيضا بعد الأداء والعتق، ونصه: فمن أعتقه سيده فأبى ذلك أشراكه فأدى معهم حتى عتقوا فإنه لا يرجع على سيده بما أدى عن
نفسه رواه ابن حبيب عن أصبغ. اهـ. ونقل ابن يونس الفرعين معا. ابن حبيب: ونصه: قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا أعتق السيد أحد الكاتبين فلم يجز الباقون ذلك فسعى معهم وأدى بعض الكتابة ثم عجزوا وعتق الذي كان أعتقه السيد فلا يرجع على سيده بما كان أدى إليه بعد عتقه وذلك كالغلة، وكذلك لو أدى معهم حتى عتقوا لم يرجع على سيده بما أدى بعد عتقه مما كان ينوبه إلا أن يكون له فضل فيرجع به على أصحابه. محمد بن يونس: لو وجب أن يرجع على سيده بشيء مما أدى بعد عتقه لكان يسقط ذلك عنه وهو في الكتابة، ولكن السيد لما رد فعله بقي العبد مكاتبا على حاله فما أخذ منه كالغلة. محمد بن يونس: وليحيى بن عمر مثل كلام أصبغ. اهـ.
والظاهر من هذا أن المسألتين سواء فيجري اختيار أبي حفص فيهما فيصح ما قاله الزرقاني يعني وكذا ما قاله غيره، لكن كلام ابن يونس يفيد أن الراجح خلاف ما رجحه أبو حفص؛ كما أن كلام الباجي يفيد ذلك لأنه اقتصر على ما لابن حبيب عن أصبغ وساقه كأنه المذهب، وزاد مع ذلك توجيهه فقال متصلا بما قدمناه عنه ما نصه: ووجه ذلك أن ما وجهه إليه السيد من العتق لم يتم لما تعلق به من حق أصحابه؛ لأن ذلك لم يكن حقا للسيد وكان بمنزلة من أعتق عبدا لغيره أو أعتقه وهو محجور عليه في عتقه. اهـ. ومع ذلك فالظاهر عندي ما صوبه أبو حفص وقياس أبي الوليد ذلك على من أعتق مال غيره أو على من أعتق وهو محجور عليه لا يخفى ما فيه؛ لأن العتق الواقع من السيد أولا لم يحكم بإبطاله وإنما هو موقوف لحق غيره، فإذا زال عنه بالأداء نفذ العتق ولزمه فيه بالإنشاء السابق لا باستئناف عتق آخر، ونظير هذا عتق من أحاط الدين بماله فلم يجزه الغرماء ثم حصل له مال. فتأمله. اهـ.
والخيار فيها يعني أنه يجوز الخيار في عقد الكتابة بمعنى الخيار في حل عقدها وفي إجازته؛ كان الخيار لهما أو لأحدهما أو لأجنبي يوما أو جمعة أو شهرا أو زيدا وما استفاده العبد في أيام الخيار يكون له حيث تمت كتابته بناء على أنها عتق، وهذا ما لم يشترط السيد ماله. انتهى. وقال التتائي: وجاز أن يقع الخيار فيها للسيد أو للعبد أو لهما، قال في المدونة: يوما أو شهرا وما ولدته في أيام الخيار دخل في كتابتها إن أمضاها من له الخيار كما يدخل في البيع ما ولدته
المبيعة. اهـ. وقال المواق: اللخمي: الكتابة على أن السيد بالخيار أو العبد جائزة، سواء كان أمد الخيار قريبا أم بعيدا بخلاف البيع قيل لأنه يخاف في البيع أن يكون زاد في الثمن لكان الضمان. اهـ.
ومكاتبة شريكين يعني أنه تجوز مكاتبة شريكين عبدا لهما سواء اتفق ما لكل منهما أو اختلف بمال واحد، أي يجوز للشريكين أن يكاتبا عبدهما على مال واحد، ولا يكون مالا واحدًا إلا إذا اتحد العقد والقدر والجنس والصفة والاقتضاء والأجل وإلا كانا مالين. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: وجاز مكاتبة شريكين في عبد بعقد واحد وبمال واحد أي متحد قدرا وصفة وأجلا ونجوما واقتضاء وإلا منع، فإن شرط كل واحد أن يُقضَى دون صاحبه فسد الشرط وكان ما أخذ بينه وبين شريكه مع رقبة العبد، سواء قبض الكتابة كلها أو بعضها ولكن المتنع في اتحاد الاقتضاء شرط خلافه ومع ذلك يلغى كما علم. اهـ. قوله: فسد الشرط وكان ما أخذ بينه وبين شريكه مع رقبة العبد لخ تبع فيه التتائي، ومعناه أن الشترط إن اقتضى شيئا قبل صاحبه كان ما أخذه بينه وبين شريكه؛ كما أن رقبة العبد بينهما إن عجز فلا يلزم من هذا الكلام فساد العقد بل هو ظاهر مع صحة العقد: خلاف ما توهم منه مصطفى فاعترضه. قاله البناني. قال الرهوني: فيه نظر ظاهر؛ إذ كيف يصح جوابه بقوله إن رقبة العبد بينهما إن عجز مع قول الزرقاني مع رقبة العبد سواء قبض الكتابة كلها أو بعضها؟ فاعتراض مصطفى حق لا توهم فيه. اهـ.
ويجاب بأن معنى فبض الكتابة كلها أي جميع ما كاتبه به ولا يرد ذلك كون الكتابة بمال واحد. والله تعالى أعلم. واعتراض مصطفى هو قوله والصواب الاقتصار على قوله فسد الشرط أي والعقد صحيح، قال في التوضيح في قول ابن الحاجب: وليس لأحدهما قبض نصيبه دون الآخر ولو شرطه، ظاهر قوله: ولو شرطه أن العقد يصح والشرط يبطل وهو مذهب ابن القاسم في الموازية. وقال أشهب: يفسخ إلا أن يرضى مشترط التبدئة ترك ما شرط. اهـ. ولم يزد في الجواهر على فساد الشرط، فالزيادة التي زادها التتائي من قوله: رد ما أخذ وكان بينه إلى آخر غير ملتئمة مع قوله فسد الشرط، لما علمت أن العقد صحيح فلا معنى لقوله: مع رقبة العبد، وإنما هو لفظ المدونة في موضع آخر فذكره هنا سبق قلم، ونصها على اختصار ابن عرفة: وإن كاتبا عبدا بينهما
كتابة واحدة جاز، وإن كاتبه أحدهما ولو بإذن شريكه لم يجز، وفيها: ويرد ما أخذ ويكون بينه وبين شريكه مع رقبة العبد قبض الكتابة كلها أو بعضها. قال غيره: وإنما يكون بينهما إذا اجتمعا على قسمه، ومن دضى إلى ربه إلى العبد فذلك له إذ لا ينتزع ماله حتى يجتمعا. اهـ.
وإلى هذا أشار المص بقوله: لا أحدهما يعني أنه لا يجوز أن يكاتب أحد الشريكين العبد الذي بينهما دون أن يكاتبه الآخر معه ولو أذن له الشريك الذي لم يكاتب في الكتابة، ومعنى ذلك أن يكاتبه على حصته فقط، وعلل في المدونة المنع بأن ذلك مؤد إلى عتق النصيب من غير تقويم، وعلله ابن الماجشون بأن ذلك مخاطرة؛ لأن هذا يأخذه بخراج والآخر يأخذه بنجوم. انتهى. قاله البناني. وقال الخرشي: يعني أنه يجوز للشريكين أن يكاتبا عبدهما على مال واحد أي متحد قدرا وصفة وأجلا، ولا بد أن يكون الاقتضاء واحدا على الشركة فإن اختلف القدر أو واحد مما بعده امتنع، وظاهره: ولو اختلف نصيبهما كثلث وثلثين وأخذ كل واحد بقدره وهو ظاهر كلامهم، ولا يجوز لأحد الشريكين أن يكاتب نصيبه في العبد دون الآخر ولو أذن له شريكه في ذلك. اهـ.
أو بمالين يعني أنه لا يجوز للشريكين أن يكاتب كل منهما حصته في العبد بمال غير المال الذي كاتبه عليه شريكه الآخر أي لا يجوز هذا في عقد واحد، قال الخرشي: ولا يجوز لهما أن يكاتب كل منهما حصته في العبد بمال غير المال الذي كاتبه عليه شريكه الآخر؛ أي بأن غايره في القدر أَو في الجنس أو في الصفة أو في الأجل. اهـ. وقال عبد الباقي: أو كتابتهما بمالين مختلفين بأن غاير أحدهما الآخر في القدر أو في الجنس أو في الصفة، والحال أنهما بعقد واحد. اهـ. وقال الشبراخيتي: أو كاتباه على مالين مختلفين قدرا أو جنسا أو صفة أو أجلا أو اقتضاء. انتهى.
وقال التتائي: ومكاتبة شريكين عبدا لهما سواء اتفق ما لكل منهما أو اختلف؛ وقال البساطي: المسألة مفروضة في الرواية كذا وكلامه يصدق على ما إذا كان أكثر من عبدٍ. اهـ. وكأنه يستحضر ما في التوضيح إذا كان العبدان شركة بين رجلين فلم يجز أشهب جمعهما في كتابة واحدة؛ لأن كل عبد تحمل لغير سيده إلا أن يسقط حمالة بعضهم عن بعض فيجوز، وقال ابن ميسر: ليس
كما احتج لأن لكل واحد نصف عبد فإنما يقتضي كل واحد عن نصفه نصف الكتابة فلم يقيض أحدهما عن غير ملكه شيئا. اهـ. وقال التتائي أيضا: أو بمالين مختلفين قدرا أو جنسا أو صفة أو أجلا لأنه ربما أدى لعتق البعض دون تقويم، ظاهره ولو حطَّ صاحب القدر الكثير ما فضل به صاحبه أو رضي صاحب الأجل القليل بتأخيره أو عكسه وهو كذلك، وقيل إن حصل الرضى فيهما فالجواز، وقال غير ابن القاسم: يمضي ويسقط الشرط ويكون اقتضاؤهما واحدًا والقولان في المدونة. اهـ.
أو بمتحد بعقدين يعني أن الشريكين إذا كاتبا عبدا بينهما بمال واحد في عقدين فإن ذلك لا يجوز، وإذا لم يجز ذلك في المسائل الثلاث فإنه يفسخ عقد الكتابة في المسائل الثلاث؛ أعني قوله:"لا أحدهما"، وقوله:"أو بمالين" وقوله: "أو متحد في عقدين". قال عبد الباقي عند قوله: "فيفسخ" ما نصه: في المسائل الثلاث؛ لأنه يؤدي لعتق العبد دون تقويم بقيته على من أعتق نصيبه؛ لأن التقويم إنما يكون على من أنشأ العتق لا على من أنشأ سببه وهو الكتابة في مسألتا وهذا التعليل في المسألة الأولى، وأما فيما بعدها فلأنه ربما أدى إلى ذلك. اهـ.
ورضي أحدهما بتقديم الآخر رضي بصيغة الاسم عطف على الجائز؛ يعني أن الشريكين إذا كاتبا عبدا لهما بمال واحد في عقد واحد، فإن ذلك جائز كما عرفت وحينئذ فيجوز رضى أحدهما بتقديم الآخر في نجم حل من نجوم الكتابة، فيأخذه المقدم بالفتح ويأخذ المقدم بالكسر النجم الذي يليه، قال الخرشي: يعني أن الشريكين إذا كاتبا العبد على مال واحد وحل نجم من نجوم الكتابة، فإنه يجوز أن يرضى أحدهما بتقديم الآخر بأن يقبض ذلك النجم الذي حل ويأخذ الأخر النجم الذي بعده إذا حل. اهـ. وقال عبد الباقي: وجاز رضا أحدهما بتقديم الآخر بنجم على أن يأخذ الآخر نظير حصته فيه مما بعده من غير شرط لا به، فيمنع كما مر. انتهى.
ررجع لعجز بحصته يعني أنه إذا رضي أحدهما بتقديم الآخر في نجم، فإن أخذ هو النجم الذي يليه فالأمر واضح، وإذا عجز العبد قبل أن يأخذ المقدم حصته فإنه يرجع على صاحبه بحصته، لأن ذلك الذي أخذ سلف منه له قال التتائي: وفي كلام المص إجمال لأن قوله: "ورضى أحدهما
بتقديم الآخر" ظاهره سواء كان التقديم بنجم أو أكثر، كما لو أذن لشريكه بأخذ جميع حقه سواء أخذ الجميع قبل محله أو بعده وقد علمت التفصيل فيه. اهـ.
وقال الشيخ البناني رحمه الله تعالى: اعلم أن الكتابة إذا حلت كلها فأخذ أحد الشريكين جميع حظه منها بإذن شريكه ثم عجز المكاتب فلا رجوع للشريك على القابض كما في المدونة؛ حْلافا لإطلاق المص، وإذا حل نجم وأتى المكاتب بجميعه فقال أحد الشريكين للآخر: بدئني به وخذ أنت النجم المستقبل ثم عجز المكاتب فللآذن الرجوع على الآخذ، وإذا حل نجم واحد وأتى ببعضه فهذا محل التفصيل، فإن قال الشريك آثرني به وخذ أنت حقك في النجم الثاني فهذا سلف يرجع به الشريك على شريكه إن عجز المكاتب، وإن قال: آثرني وأنظر المكاتب بحقك الباقي من هذا النجم الحال أو طلب ذلك المكاتب ففعل الشريك فلا رجوع له على شريكه إذا عجز المكاتب. هكذا في التوضيح عن ابن يونس. وبه تعلم ما في الزرقاني من الإجمال وأن تقييده كلام المص بأن لا يكون سائل التقويم هو المكاتب غير صحيح. فتأمله. اهـ كلام البناني.
وكلام عبد الباقي الذي أشار إليه هو قوله: وجاز رضا أحدهما بتقديم الآخر بنجم حل على أن يأخذ الآخر نظير حصته فيه مما بعده من غير شرط لا به، فيمنع كما مر فإن وفي المكاتب فواضح وإلا رجع من رضي بتقديم صاحبه لعجز من المكاتب بحصته على من أخذ بما أخذه؛ لأنه سلف منه له وكأن العبد مشتركا بينهما، وهذا حيث كان الرضا قبل حلول الكتابة وكان السائل في ذلك مريد التقديم، وأما إذا حلت الكتابة وأخذ أحدهما جميع حقه منها برضى شريكه وأخذه شريكه المكاتب بماله من الكتابة، فإنه إذا عجز المكاتب فلا رجوع لمن قوم شريكه على شريكه بشيء مما أخذه لأنه ليس مسلفا له، وإنما هو مفرط بالتأخير. قاله في المدونة كما في أحمد. إلا أن يشترط الرجوع عليه بحصته مما قبض وكان العبد بينهما كما كان قبل الكتابة، ويفوز الذي تقدم بما أخذ ومثل ذلك إذا كان السائل بعد حلولها في تقديم أحدهما المكاتب، فإنه إذا عجز لا يرجع الآخر بحصته وهو مشترك بينهما، وأما إذا تعجل أحدهما جميع حقه من الكتابة قبل حلول جميعها بإذن شريكه ثم عجز المكاتب عن نصيب شريكه أو عن بعضه فإنه
يخير الذي تعجل حقه بين إعطاء حظه مما قبض ويكون العبد بينهما كما كان قبل، وتسليم حصتد رقا لشريكه. قاله في المدونة. اهـ كلام عبد الباقي.
وقال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: حاصل ما للبناني وعبد الباقي على سبيل التلفيق أنه إذا حلت الكتابة وأخذ أحد الشريكين جميع حظه منها بإذن شريكه، ثم عجز المكاتب لا رجوع للذي لم يأخذ على الذي أخذ إلا أن يشترط الرجوع عليه بحصته مما قبض والعبد بينهما في هذه المسألة كما كان، أعني مسألة أخذ أحد الشريكين جميع حظه ثم عجز المكاتب، وأنه إذا حل نجم منها وأتى المكاتب بجميعه، فقال: بدئني به وخذ أنت النجم المستقبل ثم عجز المكاتب فللآذن الرجوع على الآخذ، وإذا حل نجم وأتى المكاتب ببعضه فهذا محل التفصيل، فإن قال الشريك آثرني به وخذ أنت حقك في النجم الثاني فهذا سلف يرجع به، وإن قال آثرني وانظر المكاتب بحقك الباقي من هذا النجم أو طلب ذلك المكاتب ففعل فلا رجوع له. قاله البناني. أعني قوله: وأنه إذا حل نجم منها لخ، وصريح ما للبناني أو ما هو كالصريح أنه إذا حل نجم واحد وأتى المكاتب بجميعه أنه يرجع، وأنه إذا تعجل أحدهما جميع حقه قبل حلول الكتابة ثم عجز عن نصيب الشريك أو عن بعضه فإنه يخير الذي تعجل بين إسلام حصته من العبد لشريكه رقا وبين أن يعطيه حظه مما قبض، والحاصل من هذا ثلاثة أقسام: حلت الكتابة وأخذ جميع حظه بإذن شريكه ثم عجز لا رجوع لم تحل، وتعجل جميع حقه ثم عجز خير بين إعطائه حصته مما قبض وإسلام حصته من العبد رقا لصاحبه، حل نجم واحد وأتى المكاتب بجميعه وأخذه على أن يأخذ الآخر من النجم الذي يليه رجع أتى ببعضه وقال أثرني به وخذ حقك في النجم الثاني رجع، وإن قال آثرني به وأنظر المكاتب أو سأله المكاتب ذلك فلا رجوع. والله تعالى أعلم.
كأن قاطعه بإذنه من عنترين على عشرة تشبيه في الجواز دون الرجوع: لأن الرجوع، هنا ليس كالرجوع في المسألة المسابقة؛ يعني أنه إذا كاتب الشريكان عبدًا لهما بأربعين دينارا مثلا ثم قاطع أحدهما العبد على عشرة دنانير من العشرين التي هي حصته بإذن شريكه فإن ذلك جائز، فإن عجز خير القاطع بين رد ما فضل به شريكه وإسلام حصته رقا يعني أنه إذا عجز المكاتب قبل أن يأخذ الآذن مثل ما قبض القاطع بأن لم يأخذ شيئا، أو أخذ أقل من عشرة فإنه يخير
المقاطع بين أن يرد ما فضل به شريكه وهو الخمسة في الأولى وما يتساوى به معه في الثانية، وبين أن يسلم جميع حصته من العبد للشريك الآذن. وعلم مما قررت أن كلام المص شامل لصورتين.
ولا رجوع له على الآذن وإن قبض الأكثر معناه أنه إذا قبض الشريك الآذن أكثر مما قبضه المقاطع، ثم عجز العبد فإنه يكون بينهما ولا رجوع أي للمقاطع على الآذن الذي قبض أكثر مما قبضه: وقوله: "وإن قبض الأكثر" هو مبالغة أي لا رجوع للمقاطع على الآذن حيث قبض الآذن أقل مما قبض المقاطع أو مثله، بل وإن قبض أكثر مما قبض. قاله الرهوني. والله تعالى أعلم. وقوله. "ولا رجوع له على الآذن" لخ أي لأنه رضي بإسقاط بعض حقه بمقاطعته، فلا يقاسم الآخر لبقاء حقه كاملا.
تنبيه: القطاعة بكسر القاف وفتحها، ولها معنيان: أحدهما أن يكاتب السيد عبده على مال حال، وقد مر أن هذا يسمى قطاعة، ثانيهما أن يفسخ ما عليه من الكتابة في شيء يأخذه منه، قال في التنبيهات: والقطاعة بكسر القاف وفتحها هي مقاطعة السيد عبده المكاتب على مال يتعجله من ذلك وأخذ العوض منه معجلا أو مؤجلا، وكأنه قطع طلبه عنه بما أعطاه أو قطع له بتمام حريته أو قطع بعض ما كان له عنده، وهذا جائز عند مالك وابن القاسم بكل ما كان وبما ألا يجوز بين رب المال وغريمه، عجل العتق لقبض جميعه أو أخره لتأخير بعضه؛ عجل قبض ما قاطع عليه أو أخره: وسحنون لا يجيز إلا بما يجوز بين الأجنبي وغريمه. اهـ. وقال في الذخيرة: الفعالة بالفتح للسجايا الخلقية، وبكسرها للصنائع كالتجارة والخياطة، وبضمها لما يصرح كالنخالة والزبالة وهذه الاستعمالات أكثرية غير مطردة، والقطاعة هي بيع الكتابة بشيء آخر فهي نوع من التجارة والصناعة فالكسر فيها أنسب. اهـ. نقله الحطاب.
وقال الشبراخيتي: لو حذف أل الداخلة على أكثر كان أخصر. اهـ. ومفهوم قوله: بإذنه عدم جوازها بغير إذنه، وتبطل إن اطلع عليها قبل عجزه فإن لم يطلع عليها إلا بعده، فإن قبض شريكه الذي لم يقاطع مثله فواضح، وإن قبض أقل أو لم يقبض شيئا خير بين أن يساوي القاطع فيما قبضه وبين أن يملك حصته: فإن اختار الثاني انقلب الخيار للآخر الذي قاطع بين أن يسلم له ذلك وبين دفع حصته مما قبضه والاشتراك في العبد. قاله عبد الباقي.
فإن مات أخذ الآذن ماله بلا نقص يعني أنه إذا مات المكاتب عن مال بعد أن أخذ القاطع ما قاطع به، فإن الآذن يأخذ جميع ماله الذي كاتب به بلا نقص ولا يأخذ عشرة فقط ثم ما بقي بينهم وهذا إن تركه أي ترك المكاتب مالا، وإلا أي وإن لم يترك المكاتب مالا فلا شيء له أي فلا شيء للآذن على القاطع، سواء قبض القطاعة كلها أو بعضها، قال عبد الباقي: فإن مات المكاتب عن مال بعد أخذ القاطع ما قاطع به أخذ الآذن ماله الذي كاتب به جميعه بلا نقص إن تركه أي المال، حلت الكتابة أو لم تحل لأنها تحل بالموت ثم يكون ما بقي بين الذي قاطعه وبين شريكه على قدر حصصها في المكاتب، فإن مات قبل أخذ القاطع ما قاطع به أخذه وأخذ الآخر حصته من النجوم واشتركا فيما بقي، فإن لم يوف ماله بما هو لهما تحاصا بحسب ما لكل، فيحاص القاطع بعشرة المقاطعة والآخر بعشرتيه وإن قبض كل بعض ماله حاص بما بقي أيضا وإلا يترك مالا فلا شيء له أي للآذن، سواء قبض القطاعة كلها أو بعضها قبض الآذن شيئا أم لا. اهـ.
وقال الشبراخيتي: فإن مات المكاتب الذي قوطع أخذ الآذن ماله، الضمير يرجع للآذن أي حصته وهي عشرون ثم ما بقي بينهما بلا نقص إن تركه أي المال حلت الكتابة أو لم تحل؛ لأنها تحل بالموت وإلا يترك مالا فلا شيء له أي للآذن على القاطع، سواء قبض القطاعة كلها أو بعضها. اهـ. وقال المواق من المدونة: إن قاطع الشريك الواحد من عشرين مؤجلة بعشرة معجلة بإذن شريكه ثم اقتضى الآذن تسعة عشر ثم عجز المكاتب فلا رجوع للمقاطع على شريكه في هذه التسعة التي فضله بها، وإن مات المكاتب فللآذن أن يأخذ جميع ما بقي له من الكتابة بغير حطيطة حلت أو لم تحل، ثم يكون ما بقي من ماله بين الذي قاطعه وبين شريكه على قدر حصتهما في المكاتب وإلا فلا شي، له. وقال ابن شأس: ولو مات المكاتب ولم يدع شيئا لم يرجع على المقاطع بشيء ولو ترك شيئا أخذ منه الذي لم يقاطع ما بقي، وقسم ما بقي ولو بقي للمقاطع شيء لتحاصا فيه بما بقى لكل واحد. اهـ.
وعتق أحدهما وضع لماله يعني أن أحد الشريكين في المكاتب إذا أعتق أحدهما نصيبه من المكاتب فإن ذاك يكون وضعا لما له على المكاتب من الكتابة، فيحط عنه من نجم نصفه ولا يكون ذلك
عتقا لنصيبه، قال الخرشي: يعني إذا أعتق في حال صحته نصيبه من المكاتب فإن ذلك يحمل على وضع نصيبه؛ أي فيسقط عنه نصف كل نجم ولا يعتق، وتظهر فائدته فيما إذا عجز عن أداء نصيب الآخر، فإنه يرق كله لأنه إنما كان خفف عنه لتتم له الحرية، فلما لم تتم له رجع رقيقا وقد حل له ما أخذ منه. اهـ. وقال عبد الباقي: وعتق أحدهما في صحته من المكاتب وضع لما له لا عتق حقيقة. اهـ. وقال المواق: اللخمي: إذا أعتق أحد سيدي المكاتب نصيبه في الصحة كان عتقه وضع مال، فإن عجز عن نصيب الشريك كان جميعه رقيقا بينهما؛ إذ لو كان ذلك عتقا لقوم عليه نصف صاحبه.
إلا إن قصد العتق يعني أنه إذا قصد بالعتق فك الرقبة تصريحا أو فهم منه ذلك فإنه يعتق حظه الآن ولا تقوم عليه حصة شريكه الآن، وإنما تقوم عليه بعد العجز لأن الولاء قد انعقد للآخر فلو قومناه الآن لكان فيه نقل الولاء، قاله في التوضيح. قال اللخمي: ولو كان له كله وأراد العتق لنجز عليه عتقه وهذا قول مالك وابن القاسم. قاله البناني. وقال عبد الباقي: واعترض على المص بأن فيه استثناء الشيء من نفسه، وأجيب بأن المستثنى منه قصد به وضع المال فقط أو لا نية له: والمستثنى قصد فك الرقبة بلفظ أو قريبة. وقولي في صحته تحرز عن عتق أحدهما في مرضه نصببه فإنه يكون عتقا حقيقة لا وضعا؛ لأنه لو عجز ورق للورثة لم ينفذوا وصية الميت وهو قد أراد إبقاءها وأن لا يعود إليهم شيء منها، وأما الصحيح فإنما أراد التخفيف على المكاتب وأنه إن عجز كان رقا. قاله ابن يونس. اهـ. وقال المواق: اللخمي: قال مالك: إذا أعتق نصيب مكاتبه فإنه وضيعة إلا أن يريد العتق فيعتق عليه جميعه الآن إن كان كله له، وإن كان شريكا عتق عليه جميعه إذا عجز. اهـ. وقال التتائي: أطلق هنا تبعا لابن الحاجب مع قوله في توضيحه هذا مقيد بما إذا كان في الصحة، ففي المدونة: لو أعتق شقصا من مكاتب له عند الموت أو أوصى بذلك أو وضع له من كتابته فذلك عتاقة؛ لأنه ينفذ من ثلثه على كل حال. ابن يونس: يريد لأنه لو جعل ذلك وضع مال ثم عجز إلى آخر ما مر.
كإن فعلت فنصفك حر فكاتبه ثم فعل وضع النصف تشبيه فيما قبل الاستثناء تشبيها غير تام، وصورة المسألة أنه قال لعبده: إن فعلتَ بفتح التاء - أي يا عبد - الشيء الفلاني أو إن فعلتُ
بضم التاء الشيء الفلاني فنصفك حر، ثم إن السيد كاتب هذا العبد المخاطب ثم فعل الشيء المعلق عليه أي فعله العبد في الأولى أو السيد في الثانية، فإن العبد يوضع عنه نصف الكتابة، فإذا كاتبه على ثلاثين مثلا وضع عنه خمسة عشر، فإن أدى خمسة عشر عتق. والله تعالى أعلم. قال الخرشي: التشبيه فيما قبل الاستثناء وهو وضع النصف ولو قصد العتق، والمعنى أن الإنسان إذا قال لعبده: إن فعلت أنا أو أنت الشيء الفلاني فنصفه حر ثم كاتبه ثم فعل ذلك الشيء المعلق عليه، فإنه يحمل على وضع المال لا العتق فيوضع عنه نصف الكتابة، فإن أدى النصف الذي بقي عليه من الكتابة خرج حرا وإن عجز رق كله.
فقوله: ورق كله إن عجز يرجع لهذه وللتي قبلها، وبما قررت علم أن التشبيه غير تام كما يفيده قوله:"وضع النصف" وإنما لم يكن قصد العتق معمولا به في هذه وعمل به فيما قبلها؛ لأنه لا كان حال اليمين في ملك سيده قطعا ونية العتق حصلت حينئذ ولم يكن حال النفوذ الذي هو المعتبر في ملك سيده لتعلق البيع به بناء على أن الكتابة بيع لم يكن لنية العتق تأثير في حال النفوذ، ثم إن كلام المؤلف في صيغة البر، وأما في صيغة الحنث كلأفعلنّ فإنه يكون عتقا. قاله اللخمي. انتهى كلام الخرشي.
وقال عبد الباقي: كإن فعللت بضم التاء وفتحها أي يا عبد كذا أي الشيء الفلاني فنصفك حر فكاتبه ثم فُعِل الشيء المعلق عليه وضع عن المكاتب النصف أي نصف الكتابة، ولم يكتف عن الجواب بالتشبيه لإفادته بالجواب أن التشبيه غير تام فإنه يوضع النصف في هذا، ولو قصد بالصيغة العتق ولم يعمل به في هذه وعمل به فيما قبلها؛ لأنه لا كان حال اليمين في ملك سيده قطعا فنية العتق حصلت حينئذ، ولم يكن حال النفوذ الذي هو المعتبر في ملك سيده لتعلق البيع به، بناء على أن الكتابة بيع لم يكن لنية العتق تأثير في حال النفوذ، ثم إن أدى النصف الذي بقي من الكتابة خرج حرا ورق كله إن عجز راجع للمسألتين ما بعد الكاف وما قبلها مما قبل الاستثناء، وظاهره ولو كان مدبرا قبل الكتابة وهو كذلك على أحد قولين والآخر يرجع مدبرا، وأشعر قوله:"كإن فعلت" أن ما ذكره كله في صيغة بر، فإن كان في صيغة حنث كنصفك حر لأفعلن ولم يفعل فإنه يكون عتقا. قاله اللخمي. اهـ.
وقال المواق: قال محمد: من قال لعبده نصفك حر إن كلمت فلانا فكاتبه ثم كلم فلانا فإنه يوضع عنه نصف ما بقي من الكتابة يوم حنث، فإن عجز رق كله. اهـ. وقال الشبراخيتي: ثم شبه في وضع المال قوله: كإن فعلت بفتح التاء أو ضمها فنصفك حر وكاتبه ثم فعل وضع النصف ظاهره ولو قصد العتق: وكذلك قال ابن مرزوق، وإنما لم تعتبر قرينة قصد العتق لانعقادهما قبل الكتابة؛ لأن المعتبر إنما هو حال الحنث، ولو لم يأت المص بقوله:"وضع النصف" لتوهم أن التشبيه في المستثنى والمستثنى منه معا مع أنه لا تفصيل فيه ورق كله إن عجز، وإتيان المص في اليمين بصيغة البر مُشعر بأنه لو كانت على صيغة حنث كلأفعلن لكان عتقا. قاله اللخمي. وقوله:"ورق كله إن عجز" راجع للمسألتين خلافا لأحد قولي ابن القاسم في الأولى، فإن له في الأولى قولين: المشهور منهما أنه يرق كله إن عجز والقول الآخر أنه يرق منه ما عدا نصيبه وهو ضعيف.
تنبيه: وقع في الخرشي وعبد الباقي هنا بعد أن قالا: إنه يوضع عنه نصف الكتابة ولو قصد العتق ما نصه: على كلام عبد الباقي ولو كان ذلك عتقا لقوم عليه عند وجود المعلق عليه. اهـ. وهو يفيد أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون العبد كله له أو مشتركا بينه وبين غيره. والله تعالى أعلم.
ولمكاتب بلا إذن بيع يعني أنه يجوز للمكاتب أن يبيع بغير إذن السيد فيبيع سلعة بغير إذنه ويلزم ذلك لأن تصرفه كالحر؛ لأنه أحرز نفسه وماله إلا ما كان من أمر المحاباة والتبرعات التي تؤدي إلى عجزه واشتراء أي وكذلك له أن يشتري بالدنانير مثلا من غير إذن سيده. قال الشبراخيتي: ولما كانت تصرفات المكاتب كالحر إلا في التبرعات والمحاباة كما سيأتي، قال: وللمكاتب أي للشخص المكاتب ذكرا كان أو أنثى بلا إذن من سيده بيع واشتراء يغني عنه بيع؛ لأنه إذا باع فقد اشترى الثمن والمشتري إذا اشترى فقد باع الثمن، فالبيع والشراء متلازمان. اهـ كلام الشبراخيتي.
ومشاركة يعني أنه يجوز للمكاتب أن يشارك بغير إذن سيده ومقارضة يعني أنه يجوز للمكاتب بغير إذن سيده أن يقارض بأن يدفع مالا قراضا لمن يعمل به أو يأخذ هو مالا قراضا يعمل به، قال البناني: ومقارضة بالقاف والراء هذا هو الصواب، وأما نسخة ومفاوضة بالفاء والواو فتغني
عنها "ومشاركة"، ونسخة: ومعاوضة بالعين يغني عنها بيع واشتراء. اهـ. ومكاهبة يعني أنه يجوز للمكاتب بغير إذن سيده أن يكاتب رقيقه لابتغاء الفضل وإلا لم يجز: قال عبد الباقي: وله مكاتبة لرقيقه ذكرا أو أثنى لابتغاء الفضل وإلا لم يجز فإن عجز المكاتب الأعلى أدى المكاتب الأسفل إلى السيد الأعلى وعتق وولاؤه له، ولا يرجع الولاء للسيد الأسفل ولو عتق بعد ذلك. قاله كله في المدونة. اهـ. وقال المواق من المدونة: كتابة المكاتب عبده على ابتغاء الفضل جائزة وإلا لم تجز. اهـ. وقال الخرشي: قال فيها: كتابة العبد المكاتب عبده على ابتغاء الفضل جائزة وإلا لم تجز، فإن عجز المكاتب الأعلى أدى المكاتب الأسفل إلى السيد الأعلى وعتق وولاؤه له، ولا يرجع الولاء للأسفل ولو عتق بعد ذلك. اهـ.
واستخلاف عاقد لأمته يعني أنه يجوز للمكاتب من دون إذن سيده أن يزوج أمته وله أن لا يزوج، وإذا أراد أن يزوجها فإنه يجب أن يستخلف من يعقد نكاحها إذْ شرط العاقد أن يكون حرا. قال المواق: وروى محمد: للمكاتب تزويج عبيده وإمائه. ابن القاسم: إن كان على وجه النظر ورجاء فضل. اهـ. وقال التتائي: وربما أشعر قوله: "واستخلاف" بأن له تزويج عبد بغير إذن سيده وهو كذلك إذا كان نظرا عند ابن القاسم، وقال أشهب: لا يزوجه إلا بإذنه. اهـ. وقال الشبراخيتي: "واستخلاف عاقد لأمته" أي على أمته ولا يليه لأنه عبد ما بقي عليه درهم، ولو قال: وتزويج أمته واستخلف عليه لوافق النص إذ كلامه يوهم أنه يعقده لها وليس كذلك. اهـ.
وإسلامها أي الذات المكاتبة للمكاتب يعني أنه يجوز للمكاتب أن يسلم الذات المملوكة له في الجناية من دون إذن سيده كان الجاني ذكرا أو أنثى. أو فداؤها أي وكذلك يجوز للمكاتب أن يفدي الذات المملوكة له إذا جنت، فقوله: إن جنت راجع لهما أي له أن يسلمها في الجناية وله أن يفديها. وقوله: بالنظر راجع لجميع ما مر وله بيع بلا إذن بالنظر واشتراء بلا إذن بالنظر ومشاركة بالنظر ومقارضة بالنظر ومكاتبة بالنظر واستخلاف بالنظر وإسلام بالنظر وفداء بالنظر. قال عبد الباقي عند قوله: "بالنظر" ما نصه: راجع لجميع ما قدمه وهو محمول عليه في جميع ما قدمه إلا في تزويج أمته فلا بد من إثباته لأن النكاح نقص. قاله أبو الحسن. اهـ.
وسفر يعني أنه يجوز للمكاتب من دون إذن السيد أن يسافر قريبا لا يحل فيه نجم أو بعضه، ومفهومه أنه لا يجوز له سفر قريب يحل فيه نجم أو بعضه إلا بإذن السيد، كما أن البعيد لا يجوز له من دون إذن السيد وإن لم يحل فيه نجم.
تنبيه: قال عبد الباقي: وله سفر قريب بغير إذن سيده لا يحل فيه نجم أو بعضه من كتابته وليس للسيد منعه منه لا بعيد يحل فيه نجم كما سيذكره، فإن اتهمه عليه أو على سفر نقلة أخذ منه كفيلا وإن لم يكن الحق حالا. اهـ. وقوله: ولا بعيد يحل فيه نجم لخ، قال الرهوني: كذا في جميع ما وقفت عليه من نُسخِهِ وهو تصحيف أو سبق قلم والصواب أن يقول لا بعيد وإن لم يحل فيه نجم ليوافق المنصوص وليوافق ما شرح به هو نفسه قول المص بعد هذا: "لا سفر بعد". والله اعلم. انتهى.
وقوله: فإن اتهمه عليه أو على سفر نقلة أخذ منه كفيلا لخ ما ذكره أصله للشارح وفيه نظر لقول المص في الضمان: "بدين لازم أو ءائل لا كتابة" لخ، ونحوه في المدونة. وقال ابن عرفة هنا: اللخمي: إن بارت صناعة المكاتب أو تجارته واحتاج لسفر لم يكن له ذلك إلا بحميل بالأقل من باقي كتابته أو قيمته، قال ابن عرفة: قلت الحمالة خلاف المذهب. قاله البناني. وقال المواق: اللخمي: منع مالك سفر المكاتب بغير إذن سيده وأجازه ابن القاسم إن كان قريبا. اللخمي: إن كان شأنه السفر لم يمنع إلا في سفر يحل عليه النجم قبل رجوعه منه. اهـ.
وإقراره في رقبته يعني أنه يجوز إقرار المكاتب في رقبته وهذا غير خاص بالمكاتب وكذا القن فيعمل بإقراره بما فيه قصاص، والإقرار الذي يختص به المكاتب عن القن هو أن يقر بدين في ذمته، فالصواب لو قال: في ذمته. واعلم أن إقرار المكاتب على ثلاثة أقسام: ما يرجع إلى المال في الذمة كالدين وهذا يقبل من المكاتب دون القن، وما يرجع للمال في الرقبة وهذا لا يقبل من واحد منهما يعني كإقراره بأنه قتل بهيمة أو أحرق ثوبا لشخص مثلا، وما يرجع للرقبة فقط من حد وقطع وهذا يقبل من كل واحد منهما. والله تعالى أعلم.
وإسقاط شفعته يعني أن للمكاتب أن يسقط حقه في الشفعة من دون إذن سيده فلا يأخذ بها وظاهره بغير نظر خلافا للشارح حيث، قال: وإسقاط شفعته بالنظر وكلام الشارح هو الموافق
للنص: وأما قول عبد الباقي: واعترض ما للشارح بأنه لا يلزمه التجر فتقييد الشارح غير ظاهر، وقول الخرشي: وللمكاتب أن يسقط شفعته لأنها من نوع الشراء للشقص بالثمن وظاهره سواء كان فيه نظر أولا؛ لأنه لا يلزمه التجر وتقييد الشارح غير واضح. اهـ. فقد تعقبه البناني بقوله: قول عبد الباقي في تقييد الشارح غير ظاهر لخ فيه نظر، بل تقييد الإسقاط بالنظر هو الموافق للنص. قال في المدونة في باب الشفعة ما نصه: ولأم الولد والمكاتب الشفعة وللعبد المأذون، ثم قال: ولو سلمها المكاتب لزمه ولا أخذ للسيد. ابن يونس: قال أشهب: إلا أن يتبين أن للمكاتب في أخذها أو تركها محاباة بينة ابن يونس: يريد فلسيده النقض. اهـ منه. فلو أخر المص قوله: "بالنظر" عن هذد المسائل ليرجع عليها كان أولى. اهـ.
ولما بين ما يجوز للمكاتب فعله بين ما لا يجوز له فعله فقال: لا عتق يعني أنه لا يجوز للمكاتب أن يعتق رقيقه إلا بإذن سيده، ولا فرق في ذلك بين القريب للمكاتب والبعيد كما قال: وإن كان هذا الذي أعتقه قريبا له، قال عبد الباقي: لا عتق لعبده وإن قريبا له إلا بإذن سيده وللسيد رددت لأنه لا يلزم المكاتب عتق قريبه لأن شرط العتق بالقرابة كون المالك حرا كما مر. انتهى. وقال المواق: قال ابن الحاجب: يرد عتقه ولا يعتق قريبه. اهـ. وقال الشبراخيتي: لا عتق ليس له فعله بغير إذن سيده فإن فعل رده وإن قريبا، ففي المدونة: ولا ينبغي للمكاتب أن يشتري ولده أو أباه إلا بإذن سيده ولا يبيعهم في عجزه، فإن عجز وعجزوا رقوا كلهم للسيد وإن ابتاعهم بغير إذن لم يفسخ بيعهم ولا يدخلون في كتابته ولا يبيعم إلا أن يخشى عجزا. اهـ. وقال التتائي: لا عتق ليس له فعله بغير إذن سيده فإن فعل رده. اللخمي: يوقف، فإن أدى مضى وإن عجز رد إلا أن يكون المكاتب قليل المال ويرى أن يضربه إيقافه فيرد الآن. اهـ.
وهبة بعني أنه ليس للمكاتب أن يهب من ماله هبة لغير الثواب: وكذا ليس له صدقة وللسيد رد ما فعل من الهبة والصدقة بغير إذنه إلا الشيء التافه اليسير كالمقارض والشريك والديان. قاله الشبراخيتي. وقال المواق: ابن رشد: ليس للمكاتب أن يهب ولا أن يتصدق ولا أن يعتق إلا بإذن سيده. وتزويج يعني أنه ليس للمكاتب أن يتزوج بغير إذن سيده، قال عبد الباقي: ولا له تزويج بغير إذن السيد وسواء كان ذلك نظرا أو غير نظر؛ لأن ذلك يعيبه فإن رده سيده بعد دخوله فسخ
وترك للزوجة ثلاثة دراهم ولا يتبع بما بقي إذا أعتق، فإن أجازه سيده جاز إذا لم يكن معه أحد في الكتابة: فإن كان مع غيره لم يجز إلا برضاهم، فإن كانوا صغارا فسخ تزويجه على كل حال والصواب أن يعبر بتزوج دون تزويج؛ لأن التزويج فعله في الغير والتزوج فعله في نفسه وأشعر قوله. "تزويج" بجواز تسريه وهو كذلك إذ لا يعيبه ذلك كالنكاح. اهـ. وقال التتائي: وليس له تزويج ظاهره وإن رأى ذلك نظرا لأنه يعيبه إن عجز ونحوه في المدونة. اهـ.
وقال الحطاب قال: ابن الحاجب: ويتزوج بإذنه. قال في التوضيح: ظاهره أنه لا يفتقر إلى إذن غيره وهو مقيد بما إذا لم يكن معه غيره. أشهب: وإن كان معه في الكتابة غيره فليس للسيد إجازة نكاحه إلا بإجازة من معه إلا أن يكونوا صغارا فيفسخ على كل حال ويترك لها إن دخل ثلاثة دراهم ولا يتبعه بما بقي. اهـ. ابن عرفة: إن تزوج بغير إذن سيده، فإن أجازه جاز وإن رده فسخ.
فرع: قال في المدونة: ولو شرط عليه السيد أنه إن نكح أو سافر بغير إذنه فمحو كتابته بيده لم يكن له محوها إن فعل المكاتب شيئا من ذلك وليرفع ذلك إلى السلطان، قال ربيعة: للسيد فسخ الكتابة في بعيد السفر بحكم الإمام وإن نكح فرق بينهما وانتزع ما أعطاه. نقله الحطاب.
وإقرار بجناية خطإ يعني أن المكاتب إذا أقر بجناية خطإ فإن ذلك لا يجوز أي لا يلزمه ولا يمضي ذلك عتق أو عجز ولو لمن لا يتهم خلافا للشارح. قاله عبد الباقي. قوله. ولو لمن لا يتهم عليه لخ، قال البناني: هذا مو الصواب وقد بسط مصطفى الرد على الشارح فانظره. اهـ. والفرق بين إقراره بجناية الخطإ لا تلزمه وإقراره بدين في ذمته لمن لا يتهم عليه يلزمه، هو أن إقراره بجناية الخطإ يؤدي إلى أخذ مال قبل أداء الكتابة فيؤدي إلى عجزه والمال الذي أقر به في ذمته يتأخر أخذه عن أداء الكتابة. انظر الشبراخيتي.
وسفر بعد يعني أنه لا يجوز للمكاتب أن يسافر سفرا بعيدا وإن لم يحل فيه شيء من الكتابة قال عبد الباقي: وليس له سفر بعد وإن لم يحل فيه نجم كقريب يحل فيه نجم أو بعضه كما مر. انتهى.
تنبيه: قال الشبراخيتي عند قوله: "وسفر بعد" ما نصه: وهو ما يحل فيه نجم أو بعضه. اهـ.
وقد مر عن الرهوني ما يفيد أن هذ أعني ما قاله الشبراخيتي عن لا يعول عليه، فإنه ذكر أن ما لعبد الباقي هنا هو الموافق للمنصوص. والله تعالى أعلم. وقوله: إلا بإذن معناه أن عدم الجواز في جميع ما أخرجه ما لم يكن السيد أذن له فيه، فإن أذن له في شيء من ذلك مضى حتى في العتق والصدقة والهبة. قال عبد الباقي:"إلا بإذن" راجع للجميع حتى الهبة والصدقة والعتق وخص هذه الجزئيات بالذكر جوازا ومنعا تبعا للمدونة وغيرها لأنها أنفع للمبتدئ سيما المقلد: وإلا لاكتفي عنها بضابط لأنه أخصر، كأن يقول: وله التصرف بغير تبرع كقول ابن الحاجب: وتصرف المكاتب كالحر إلا في التبرع. قاله بعض من حشاه وأحسن منه وله التصرف بما ليس مظنة لعجزه. اهـ. قوله: أنفع للمبتدئ سيما القلد، صوابه أنفع للمقلد سيما البتدئ. قاله البناني.
ولما كانت الكتابة من العقود اللازمة كما قال ابن رشد: وينبغي أن لا يتقيد ذلك بصغير ولا كبير وليس للسيد ولا للعبد خيار في حلها إلا لعذر، قال: وله تعجيل نفسه يعني أنه يجوز للمكاتب تعجيز نفسه. والتعجيز هو إظهار العجز وعدم القدرة على أداء الكتابة، وإنما له تعجيز نفسه بأمرين: أحدهما قوله: إن اتفقا أي اتفق هو وسيده على التعجيز، ثانيهما قوله: ولم يظهر له مال يعني أن اتفاقهما على التعحيز إنما يفيد حيث لم يكن للمكاتب مال ظاهر، وأما لو كان له مال ظاهر فليس له التعجيز ولو اتفقا لحق الله تعالى، وهذا الذي قاله المص تبع فيه ابن الحاجب ويأتي عن ابن رشد خلافه.
تنبيهات: الأول: قال الشبراخيتي: قوله: "إن اتفقا" منطوقه مسلم، وفي مفهومه تفصيل ذكره ابن رشد في المقدمات، وهو أنه إن طلب العبد التعجيز وأبى السيد فله أن يعجز نفسه دون السلطان ولا يفتقر في ذلك إلى حكم، وأما إن طلب السيد ذلك وأبى العبد فلا يعجزه إلا السلطان بعد التلوم والاجتهاد، وهو الذي ينبغي حمل كلام المص عليه لا على ظاهر التوضيح والمدونة، فإن ظاهرهما أنه إذا اختلفا لا يعجزه في القسمين إلا السلطان وليس كذلك؛ وكلام التتائي مخالف لابن رشد فلا يعول عليه. اهـ. ويأتي ما يشهد لظاهر المص.
الثاني: قوله: "وله تعجيز نفسه" أي حيث لم يكن معه في الكتابة أحد، فإن كان معه ولده فلا تعجيز له ويؤخذ بالسعي عليهم صاغرا وإن تبين لرده عوقب. اهـ.
الثالث: قال عبد الباقي: وله أي وللمكاتب المسلم تعجيز نفسه بعد حلول الكتابة كلها بدليل قوله كإن عجز عن شيء إن اتفقا أي تراضيا هو وسيده المسلم عليه، ولم يظهر له مال لأن حق الله قد ارتفع عنه بالعذر وهو ظهور العجز، ولا يحتاج في ذلك إلى رفع للسلطان، وظاهر كلامه أن التعجيز قدر زائد على الاتفاق ولم يظهر ذلك. فتأمله. ومحله أيضا ما لم يكن معه ولد في الكتابة وإلا فلا تعجيز له، ويؤخذ بالسعي عليهم صاغرا وإن تبين لدده عوقب. قاله ابن المواز. وإن اختلفا فليس لمن أراده تعجيز وإنما ينظر الحاكم. قاله في توضيحه. وفصل ابن رشد بين أن يريده العبد فله ذلك من غير حاكم أو يريده السيد فلا بد من الحاكم. انظر أحمد.
ولكن عول المواق على ما لابن رشد لا على ما للتوضيح وعلى ما لابن رشد، ففي مفهوم قوله:"إن اتفقا" تفصيل، فإن ظهر له مال قبل التعجيز منع ولو اتفقا عليه لحق الله ونسب المص التعجيز للعبد مع أنه لا بد من اتفاقهما عليه لأنه المؤدي للمال. اهـ. قوله: بعد حلول الكتابة ظاهره أنه لا يكفي قرب حلولها وليس كذلك، قال في المدونة: وإذا كان المكاتب ذا مال فليس له تعجيز نفسه، وإن لم يظهر له مال فذلك له دون السلطان ويمضي ذلك، وكذلك إن عجز نفسه قبل محل النجم بالأيام أو الشهر. اهـ. ونقله ابن مرزوق أيضا ونحوه لابن يونس، ونصه: قال في المدونة: وكذا إن عجز نفسه قبل محل النجم بشهر فله ذلك. اهـ. وقوله: بعد حلول الكتابة كلها بدليل قوله: كإن عجز عن شيء فيه نظر، ولا حجة له فيما احتج به بل هو حجة عليه، وقد شرح هو نفسه قوله: كإن عجز عن شيء، بقوله: من النجوم فيرق لأن عجزه عن البعض كعجزه عن جميع نجومها. وقال عند قوله: وفسخ الحاكم أن محل ذلك في مسألة عجزه عن أداء شيء إذا أبي المكاتب من التعجيز، فإن رضي به ولا مال له ظاهر لم يحتج لِحاكمٍ، فكلامه صريح في أن حكم عجزه عن الكتابة كلها بعد حلولها، وحكم عجزه عن نجم من نجومها بعد حلوله سواء، وقد صرح بذلك ابن مرزوق ونصه: قوله كإن عجز عن شيء أو غاب. لخ. أي يرق
لتعجيز نفسه كما يرق إن عجز عن أداء نجم من نجوم الكتابة عند حلوله أو غاب عند محل النجم ولا مال له موجود.
وقوله: وفسخ الحاكم يريد والمكاتب لا يريد التعجيز في الصورتين، بخلاف الذي يريد تعجيز نفسه بشرطيه فإن التعجيز يكون باتفاقه مع سيده دون الحاكم، ومعلوم أن مراد المص هنا أن المكاتب هنا لم يرد التعجيز؛ لأنه لو أراده في هاتين الصورتين والفرض أنه لا مال له لكانت هي المسألة الأولى فيكون كلامه متناقضا. اهـ. وقد صرح المتيطي بالتسوية بينهما وعقد في ذلك وثيقة، ونصه: وإذا لم يكن للمكاتب مال ظاهر وأراد تعجيز نفسه واتفق هو وسيده على ذلك فإنك تعقد فيه أشهد فلان مكاتب فلان الذي جنسه كذا ونعته كذا على نفسه شهداء هذا العقد في صحته، وجوازه أنه لا ملك له يؤدي منه كتابته أو النجوم التي حلت عليه منها وأنه عاجز عن أدائها وعن السعي فيها، وأنه لعجزه هذا رجع رقيقا لسيده لا كتابة له لفسخها بعجزه وقلة مقدرته شهد على إشهاد فلان المنعوت من أشهده على نفسه بالحالة الموصوفة عنه في هذا الكتاب وعرفه ولا يعرف له مالًا ظاهرًا ولا باطنا في علمه، فإن أسقطت هذا استغنيت عن ذكره، ثم تقول ممن أشهده سيده فلا ن بن فلان أنه رضي بعجزه هذا وصدقه فيه وذلك في شهر كذا من سنة كذا بيان، وإذا مطل المكاتب سيده بما حل عليه من نجومه وذهب إلى تسويقه وأراد سيده تعجيزه ويأبى هو من ذلك رفعه إلى السلطان. اهـ.
وقوله: لكن عول المواق على ما لابن رشد لخ فيه نظر؛ لأن المواق نقل أولا كلام اللخمي وظاهره موافق للمص، ثم نقل كلام ابن رشد ثم نقل كلام ابن الحاجب الموافق للمص، فكيف يقال بعد هذا أنه عول على ما لابن رشد؟ فتأمله. وقد أشار ابن مرزوق للاعتراض على المص ثم أجاب عنه؛ ونصه: وما شرط فيه من اتفاقهما مخالف لظاهرها، وبه صرح ابن رشد فذكر كلامه ثم قال: إن ابن عبد السلام من معتمدات المص ووجهه ظاهر، قلت: ظاهر كلام المتيطي المتقدم يشهد للمص، ونقل ابن عرفة عن اللخمي نص صريح في ذلك ونصه: اللخمي: إن أراد السيد حل الكتابة وأبى المكاتب أو أراده المكاتب وأبى السيد فالقول قول المتمسك، واختلف إن رضيا معا بالفسخ، فقال مالك: إن كان له مال ظاهر لم يكن لهما ذلك، وإن لم يكن له مال ظاهر كان
لهما. اهـ. قاله الرهوني. وقول المص: إن اتفقا ولم يظهر له مال لا شك أنه المعتمد وبه العمل وهو قول مالك وابن القاسم في المدونة وغيرها. وقال في موطإ ابن وهب: له أن يعجز نفسه ولو كان له مال ظاهر: وبه أخذ ابن وهب في موطإه. قاله ابن كنانة وابن نافع في كتاب ابن حبيب. وقال سحنون: ليس له تعجيز نفسه وإن لم يكن له مال ظاهر إلا عند السلطان.
فيرق ولو ظهر له مال يعني أنه إذا عجز المكاتب نفسه ووافقه سيده على ذلك ولم يكن له مال ظاهر، فإنه يرق أي يستمر على رقيته لا شائبة كتابة فيه ولو ظهر بعد التعجيز مال أخفاه عن السيدة قال عبد الباقي: وظاهره ولو ثبت ببينة بعد ذلك أنه كان أخفاه؛ لأنه لم يظهر لأحد حين اتفاقهما. ورد بلو القول بأنه يرجع مكاتبا وهو قياس تشوف الشارع للحرية. اهـ. وقال الرهوني: تفسير المص بلو يفيد أنه رد بها قولا في المذهب ولم يذكر ذلك في التوضيح ولا رأينا من ذكره: وقد قال ابن مرزوق ما نصه: هذا الخلاف المشار إليه بلو لم أره منصوصا هكذا. اهـ. ونقله ابن عاشر وسلمه، ونقل جسوس والتاودي كلام ابن عاشر وسلماه وهو ظاهر. والله أعلم.
كإن عجز عن شيء يعني أن المكاتب إذا عجز عن شيء من الكتابة بعد حلوله فإنه يرق، أو غاب عند المحل أي الحلول أي حلول الكتابة أو نجم منها والحال أنه لا مال له أي للمكاتب ظاهرا يعدى فيه، ومعنى كلامه أنه إذا غاب المكاتب عند حلول الكتابة أو شيء منها والحال أنه لا مال للمكاتب ظاهر يعدى فيه السيد أي يسلط عليه ويؤخذ له منه حقه، فإن المكاتب يرق أي يكون رقيقا لا كتابة فيه.
وفسخ الحاكم يعني أن الحاكم يفسح عقد الكتابة في هاتين المسألتين الكائنتين بعد الكاف، قال ابن مرزوق: قوله: "كأن جمت عن شيء أو غاب" لخ أي يرق لتعجيز نفسه كما يرق إن عجز عن أداء نجم من نجوم الكتابة عند حلوله أو غاب عنت محل النجم ولا مال له موجود. قوله: "وفسخ الحاكم" يريد والمكاتب لا يريد التعجيز في الصورتين، بخلاف الذي يريد تعجيز نفسه بشرطيه فإن التعجيز يكون باتفاقه مع سيده دون الحاكم، ومعلوم أن مراد المص هنا أن المكاتب لم يرد التعجيز؛ لأنه لو أراده في هاتين الصورتين والفرض أنه لا مال له لكانت هي المسألة الأولى فيكون كلامه متناقضا. اهـ. وقال الشبراخيتي: كأن عجز عن شيء مما كوتب عليه عند المحل لأن
عجزه عن البعض كعجزه عن الجميع، وهو تشبيه في قوله: فيرق أو غاب عند المحل، المراد بالمحل الحلول لا المكان ولا مال له حاضر يعدى فيه، وظاهره كانت الغيبة قريبة أو بعيدة، كان مليا هناك أم لا وهو ظاهر لاحتمال تلف ما بيده قبل مجيئه أو إرساله، ولا بد من تقييد كلامه بما إذا كانت غيبته بغير إذن سيده، أما إذا كانت بإذنه فلا يعجزه بذلك، وظاهره ولو طال وفسخ الحاكم في عجزه عن أداء شيء أو غيبته مع امتناع المكاتب من التعجيز، ثم إن امتناع الحاضر ظاهر، وأما الغائب فإنها يكون بعد قدومه وقبل الحكم بتعجيزه، فإن رضي كل بالتعجيز ولا مال له ظاهر فلا يحتاج إلى الحاكم، وكذا إذا طلب العبد وحينئذ فقوله:"وفسخ الحاكم" لا يجري فيما إذا اتفقا ولما فيما إذا طلب العبد التعجيز، وحده بل فيما إذا طلب السيد وحده كما سبق. اهـ.
وقال عبد الباقي: كإن عجز عن شيء من النجوم فيرق لأن عجزه عن البعض كعجزه عن جميع نجومها، أو غاب بغير إذن سيده عند المحل أي الحلول للكتابة فليس المراد به المكان والحال أنه لا مال له ظاهر يعدى فيه ثم قدم فإن ذلك تعجيز، وحذف عند المحل من التي قبلها لدلالة هذه عليها، وظاهره قربت غيبته أو بعدت، كان مليا أم لا وهو ظاهر لاحتمال تلف ما بيده قبل مجيئه أو إرساله، فإن غاب بإذنه لم يعجزه بذلك. قاله أحمد. وظاهره ولو طال وفسخ الحاكم كتابته في مسألتي عجزه عن أداء شيء وغيبته عند المحل حيث أبي المكاتب من التعجيز، وإباية الحاضر ظاهرة وإباية الغائب إنها تكون بعد قدومه وقبل الحكم بتعجيزه، فإن رضي كل بتعجيزه ولا مال له ظاهر لم يحتج لحكم. انتهى.
قال مقيده عفا الله عنه: حاصل ما أشار إليه هذان الشارحان في مسألة غيبة المكاتب عند حلول الكتابة أو شيء منها أنه يحكم عليه بالعجز حيث لم يكن له مال ظاهر، فإن حكم فالأمر واضح وإن قدم قبل أن يحكم عليه بالعجز، فإن اتفق مع السيد على ذلك والحال أنه لا مال له ظاهر كفى ذلك عن الحكم بالفسخ فلا يخالف قوله:"إن اتفقا ولم يظهر له مال"، فإن امتنع من التعجيز بعد القدوم وقبل الحكم فلا بد من الحاكم، وإن امتنع السيد دون العبد فلا بد من الحاكم أيضا على ما للمص لا على ما مر عن ابن رشد. والله تعالى أعلم.
وتلوم لمن يرجوه يعني أن الحاكم لا يفسخ عقد الكتابة إلا بعد تلوم لمن يرجو يسره، وظاهر المص أن التلوم في الصورتين وهو لابن مرزوق، فإنه قال: وقوله: "وتلوم" أي إن فسخ الحاكم الكتابة في الصورتين لا يكون إلا بعد التلوم لمن يرجو له طريان مال وهذا في العاجز الحاضر أبين منه في الغائب، ولا فرق فإن التلوم في هذا الباب لمن يرجى من غائب أو غيره من شأن الحكام. اهـ. قال الرهوني: قلت: وهو متعين فقد صرح بذلك المتيطي في نهايته، ونصها: فإن كان المكاتب غائبا فحلت عليه نجومه لم يكن للسيد تعجيزه إلا بالسلطان، فإن حاول تعجيزه عند السلطان كلفه إثبات ملكه له كما تقدم ومكاتبته إياه على النجوم التي كاتبه عليها ومغيبه عنه وأنه لم يخلف شيئا تؤدى منه كتابته في علم المشهود بذلك، فإذا ثبت ذلك كله عنده حلفه أنه لم يصل إليه شي، من الكتابة المذكورة، فإذا حلف تلوم السلطان عليه كما يتلوم على الحاضر ثم يعجزه ويحكم بذلك. انتهى.
وبهذا النقل اتضح لك أنه يتعين حمل المصنف على ظاهره من شموله للمسألتين، وقال عبد الباقي: وتلوم من الحاكم لمن يرجوه أي يرجو يسره في عجز الحاضر عن شيء، وأما الغائب فلا يتلوم له. قاله أحمد. وقال بعض من حشَّاه: يتلوم له أيضا إن قربت غيبته كالحاضر لا إن بعدت فلا يتلوم له، ومثله إذا جهل حاله. اهـ. ومفهوم المص أنه لا يتلوم لمن لا يرجو يسره. قال الرهوني: مفهوم قول المص هنا: "لمن يرجوه" أن غيره لا يتلوم له وقد مر له في باب الصداق وفي التلوم لمن لا يرجى وصحح وعدمه تأويلان مع أنه، قال هنا في التوضيح بعد ذكره التأويلين في هذه المسألة عن أبي الحسن ما نصه: وهذان التأويلان هما اللذان في كتاب النكاح الثاني بالعسر في النفقة. اهـ. وقال الحطاب عند قوله "وفسخ الحاكم" ما نصه: أي فسخ الحاكم الكتابة وعاد العبد لما كان عليه قبل الكتابة من رق أو تدبير أو غير ذلك، فهو أحسن من قول ابن الحاجب: رق. والله أعلم. اهـ. وقال المواق: ابن شأس: إن عجز عن أداء النجوم أو عن أداء نجم منها رق، وفسخت الكتابة بعد أن يتلوم له الإمام بعد الأجل ويجتهد الإمام في أمر التلوم فيمن يرجى له، دون من لا يرجى له وإذا غاب وقت المحل بغير إذن السيد فله الفسخ عند السلطان. اهـ.
كالقطاعة يعني أن السيد إذا قاطع عبده فإن ذلك كالكتابة، فإن عجز عن شيء من القطاعة أو غاب عند المحل ولا مال له فإن الحاكم يفسخ القطاعة، فيرجع العبد لا شائبة قطاعة فيه بعد التلوم لمن يرجى دون من لا يرجى، فالتشبيه في فسخ الحاكم وثبوت التلوم فهو تشبيه تام، والقطاعة بفتح القاف وكسرها، ولها صورتان إحداهما أن يكاتبه على مال حال، الثانية أن يفسخ ما عليه في شيء يأخذه منه وإن لم يكن حالا. قاله غير واحد. والله تعالى أعلم. قال التتائي: كالقطاعة يتلوم فيها لمن يرجوه لا لغيره. اهـ. وقال المواق من المدونة: القطاعة كذلك في التلوم بعد الأجل. اهـ. وقال الشبراخيتي. كالقطاعة تشبيه في التلوم وفسخ الحاكم فهو تشبيه تام؛ وسواء وقعت القطاعة على مؤجل أو حال، قال في الحاشية: لها صورتان إحداهما أن يكاتبه على مال حال إلى آخر ما مر، وقال عبد الباقي: وشبه في التلوم والفسخ بعده قوله: "كالقطاعة" بفتح القاف وكسرها أفصح وهي اسم مصدر لقاطع والمصدر المقاطعة، سميت به لأنه قطع طلب سيده عنه بما أعطاه أو قطع له بتمام حريته بذلك أو قطع بعض ما كان له عنده. قاله عياض. أي إذا عجز المكاتب عما قوطع عليه فإن الحاكم يفسخ عمَد القطاعة بعد التلوم، وسواء وقعت المقاطعة على مؤجل أو حال. اهـ.
وقوله: ولو شرط السيد عند العقد خلاف أي خلاف التلوم؛ يعني أن التلوم لمن يرجى يسره دون من لا يرجى يسره في الثلاث مسائل لا بد منه ولو شرط السيد عند عقد الكتابة أو القطاعة أنه يرجع رقيقا دون تلوم، قال عبد الباقي: وبالغ على التلوم لمن يرجى يسره في القطاعة والمسألتين قبلها، وفسخ الحاكم بقوله:"ولو شرط" السيد عند عقدها خلافه أي خلاف التلوم كشرطه إن عجز عن نجم فهو رقيق بغير تلوم وفسخ فلا ينفعه شرطه، ولا بد منهما فيما يعتبران فيه مما تقدم. اهـ. وقال المواق: ابن شأس: لو شرط عليه أنك إن عجزت عن نجم من نجومك فأنت رقيق لم يكن عاجزًا إلا عند السلطان والشرط باطل. اهـ.
وقبض إن غاب سيده يعني أنه إذا غاب سيد المكاتب ولا وكيل له فإنه يلزم الحاكم أن يقبض الكتابة من المكاتب ويخرج حرا لأن الحاكم وكيل من لا وكيل له. وإن قبل أجله يعني أنه يلزم الحاكم قبض الكتابة من المكاتب وإن عجل له ذلك قبل أجله، قال في المدونة: إذا أراد المكاتب
تعجيل ما عليه وسيده غائب ولا وكيل له على قبض الكتابة فليرفع ذلك إلى الإمام ويخرج حرا. اهـ. نقله المواق. وفي نسخة: وإن قبل محلها وقد مر أن المحل هو الحلول، قال الشبراخيتي: وقبض الحاكم الكتابة إن غاب سيده ولا وكيل له ويخرج حرا، ثم بالغ على ذلك بقوله: وإن أراد المكاتب تعجيلها قبل محلها، وشمل كلامه ما إذا كانت الكتابة عرضا وهو كذلك وعلى السيد قبوله. اهـ.
وقال عبد الباقي: وقبض الحاكم الكتابة أي لزمه قبضها من المكاتب إن غاب سيده ولا وكيل له خاص، إذ الحاكم وكيل من لا وكيل له ويخرج حرا وإن أراد المكاتب تعجيلها قبل محلها، وسواء كانت النجوم عينا أو عرضا والأجل فيه من حق المدين أي المكاتب؛ لأن القصد بتأجيل الكتابة التخفيف عن المكاتب ولأنها بمنزلة القرض. اهـ. وقال الخرشي: قد علمت أن الحاكم وكيل عن الغائب، فإن حلت نجوم الكتابة أو عجلها المكاتب وسيده غائب فإن الحاكم يلزمه أن يقبض ذلك ويحفظة إلى أن يأتي من يستحقه شرعا، وسواء كانت النجوم عينا أو عرضا لما علمت أن الأجل في عروض الكتابة من حق المكاتب. اهـ.
وفسخت إن مات يعني أنه إذا مات المكاتب قبل الحكم على السيد بقبض الكتابة أو قبل الإشهار بها عليه بأن أتى بها ولم يقبلها في بلد لا حاكم به فإن الكتابة تفسخ ويأخذ السيد ما ترك عبده ويختص به. وإن عن مال يعني أنه تفسخ الكتابة لموت المكاتب وإن كان المكاتب مات وترك مالا يفي بكتابته ويأخذه سيده بالرقية لأنه مات قبل حصول الحرية له، قال عبد الباقي: وفسخت الكتابة إن مات العبد قبل الحكم على السيد بقبضها أو قبل الإشهاد به عليه بأن أتى بها ولم يقبلها في بلد لا حاكم به وإن عن مال يفي بكتابته وأخذه السيد بالرقية لأنه مات قبل حصول الحرية له. اهـ. وقال الشبراخيتي: وفسخت المكاتبة ومعنى فسخها بطلانها وإن عن مال فيه وفاء ما عليه لموته قبل حصول حريته ولذلك يأخذ سيده ماله بالرق. اهـ. وقال المواق: ابن الحاجب: وتنفسخ بموت العبد ولو خلف وفاء. ابن عرفة: هذا قولها إن مات المكاتب قبل دفع كتابته أو أمر بدفعها فلم تصل إلى السيد حتى مات فلا وصية له، وإن ترك أم ولد لا ولد معها وترك مالا فيه وفاء بكتابته فهي والمال ملك للسيد. اهـ.
وقال الخرشي: يعني أن المكاتب إذا مات قبل وفاء نجوم الكتابة أو قبل الحكم على السيد بقبضها وقبل الإشهاد عليه، فإن أتى بها ولم يقبلها في بلد لا حاكم بها فإنها تنفسخ ولو خلف مالا يفي بكتابته، ويرثه سيده بالرق لأنه مات قبل حصول الحرية. اهـ. وقال الحطاب: قال أبو موسى: قيل لأبي عمران: فلو بعث المكاتب بكتابته في مرضه إلى سيده فلم يقبلها السيد حين وصولها إليه، هل يكون حرا ويرثه ورثته؟ فقال: لا حتى يقضى عليه بذلك إلا أن يكون بموضع لا حاكم فيه فليشهد عليه فيكون ذلك كالحكم. اهـ. وفي المدونة: وإذا أدى المكاتبة في مرضه جازت وصيته بثلث ما بقي من ماله، فإن مات قبل دفعها أو أمر بدفعها فلم تصل إلى السيد حتى مات فأوصى بوصايا فلا وصية له. اهـ.
إلا لولد أو غيره دخل معه بشرط أو غيره مستثنى من قوله: "وفسخت إن مات" لخ يعني أنه لا تنفسخ الكتابة بموت المكاتب فيما إذا كان معه في الكتابة ولد أو غيره، وسواء دخل معه من ذكر من ولد وغيره في الكتابة بشرط أو بغير شرط، قال الشبراخيتي: إلا لولد أو غيره كأجنبي دخل معه في الكتابة بشرط راجع لهما أو غيره راجع لهما أيضا لكن رجوعه للولد ظاهر، ويكون معناه إذا حدث من أمته بعد كتابته فاقتضاه العقد، وللغير إذا اشترى من يعتق عليه من أب أو ابن ونحوهما في زمن الكتابة بإذن سيده. اهـ. وقال عبد الباقي: إلا لولد أو غيره كأجنبي دخل الولد معه في الكتابة بشرط ككونه موجودا يوم عقدها ببطن أمه التي هي أمة للعبد الحاملة منه وقت عقد الكتابة، فإن حملها لا يدخل في الكتابة إلا بالشرط كما في المدونة، ومرَّ وجهه عن ابن يونس أو أجنبي دخل بشرط أو غيره كولد حدث بعد الكتابة وكأجنبي يعتق على المكاتب اشتراه حال كتابته بإذن سيده فلا تفسخ. اهـ. وقال المواق: ابن الحاجب: تفسخ بموت العبد ولو خلف وفاء إلا أن يقوم بها ولو دخل معه بالشرط أو غيره بمقتضى العقد فيؤديها حالة. اهـ المراد منه.
فتؤدى حالة يعني أنه إذا لم تفسخ الكتابة بموت المكاتب لأجل من ذكر ممن دخل معه في الكتابة بشرط أو غيره فإن الكتابة تؤدى حالة مما خلفه، وإنما أديت حالة لأنه يحل بالموت ما أجل، وإذا أديت حالة وفضل بعد أدائها شيء من ماله ورثه من كان معه في الكتابة فقط أي من دون ورثته الأحرار الذين ليسوا معه في الكتابة ممن يعتق عليه؛ أي إنما يرثه من دخل معه في
الكتابة بشرط أن يكون ممن يعتق عليه كالأصول والفروع والإخوة والأخوات، واحترز بذلك ممن ليس معه في الكتابة ممن يعتق عليه وعن الذي معه في الكتابة وهو لا يعتق عليه كعم أو ابن عم أو ابن أخ. والله تعالى أعلم.
قال عبد الباقي مفسرا للمص: إذا أديت حالة وفضل بعد أدائها شيء من ماله ورثه من معه في الكتابة فقط ممن يعتق عليه ولو بعد عن غيره كأخ معه دون ولد ليس معه وإن كان في كتابة أخرى، فإن كانا معا في كتابة واحدة فالإرث على فرائض الله تعالى، فيقدم الابن علي الأخ وبنتان في الثلث والباقي لعمهما لكونه معهما في كتابة واحدة، فإن لم يكن معهما في كتابة واحدة كان الثلث للسيد، واحترز بقوله ممن يعتق عليه عما إذا كانت معه زوجته في الكتابة فإنها لا ترثه كما في التتائي، وإنما لم ترثه ورثته في كتابة أخرى لأن شأن التوارثين التساوي في الحرية حال الموت وهو هنا غير محقق لاحتمال كون أصحاب إحدى الكتابتين أقوى على الأداء من أصحاب الكتابة الأخرى وتأديتهم قبلهم. اهـ وقال البناني: فتؤدى حالة أي يؤدى جميع ما بقي من النجوم على الميت وعلى من معه، وإنما حل الجميع بموته وحده لأنه مدين بالجميع بعضه بالأصالة عن نفسه وبعضه بالحمالة عن غيره لأنهم حملاء.
تنبيه: اعلم أن الذين عتقوا في هذا المال بعد موت المكاتب إن كانوا ممن يعتق عليه لم يرجع عليهم أحد بما عتقوا فيه وإن كانوا لا يعتقون عليه، فإن من يستحق تركة المكاتب يرجع عليهم بقدر ما كان بقي عليهم لأن الميت كان حميلا عنهم، بحيث لو أدى عنهم في حياته لوجب أن يرجع عليهم فكذا يرجع عليهم حيث أدى عنهم من ماله بعد موته، بخلاف من يعتق عليه فإنه لو أدى عنه في حياته لم يرجع عليه فكذا لو أدى عنه من ماله بعد موته. قاله العقباني. ابن عرفة: وتبع السيد الأجنبي بحصة ما ودى عنه من مال الميت وحاص به غرماءه بعد عتقه. اهـ. وقوله: فتؤدى حالة مقتضى عبد الباقي أنه جواب شرط مقدر فإنه، قال: وإذا لم تفسخ فتؤدى حالة. اهـ. وقال الشبراخيتي: فتؤدى حالة مما مات عنه ولا تفسخ ويعتق هو ومن معه في الكتابة، زاد في المدونة: وليس لمن معه في الكتابة أخذ المال وأداؤه على النجوم. وقوله: "فتؤدى حالة" جواب عن سؤال مقدر، وقوله:"فتؤدى حالة" ويرجع إذا لم يعتق على الدافع ولم يكن
زوجا وتقدم هذا في كلامه، وإذا فضل شيء مما ترك عن قدر الكتابة ورثه من معه فيها دخل بشرط أو غيره فقط دون من ليس معه فيها فلا يرثه حرا كان أو عبدا، وفي كتابة أخرى ولدًا أو غيره ممن يعتق عليه من آبائه وأبنائه وإخوته وأخواته، ويرث الولد ولو حدث له بعد الكتابة ولو كان معه ابن وأخ لم يرث الأخ، وإن كان معه في عقد الكتابة. اهـ. ومن المدونة: إنما يرث المكاتب ممن معه في الكتابة الولد وولد الولد والأبوان والأجداد والإخوة لا غيرهم من عم أو ابن عم. محمد: وآخر قول مالك: تعتق زوجته فيما ترك ولا ترثه. ابن زرقون: نص المدونة: لا توارث بينهم إلا فيمن يعتق بعضهم على بعض. اهـ. نقله المواق.
وإن لم يترك وفاء وقوي ولده على السعي سعوا يعني أن المكاتب إذا مات ولم يترك مالا يفي بالكتابة بأن لم يترك شيئا أو ترك مالا يفي والحال أن ولده يقوون على السعي، فإنهم يسعون ويؤدون الكتابة على نجومها. قال عبد الباقي: وإن مات المكاتب ولم يترك وفاء بأن لم يترك شيئا أو ترك قليلا لا يفي بالكتابة وقوي ولده الذي معه في الكتابة وحده أو مع أمه على السعي على أداء النجوم سعوا وأدوها نجوما ولا مفهوم لولده بالنسبة للسعي بل أراد به ما يشمل الأجنبي كما في الأجهوري، وإنما يفترقان في إعطاء ما تركه مما لا يفي فلا يعطى لأجنبي وإنما يعطى لولده وأمه كما أشار إلى ذلك بقوله: وترك متروك للولد إن أمن أي إنما يدفع ما تركه من المال لولده، بشرط أن يكون مأمونا وأن يقوى على السعي، فإن لم يؤمن ولم يقو على السعي لم يدفع له شيء، واحترز بالولد عن غيره ولو وارثا فإنه لا يدفع له شيء من متروكه، ولهذا قال البناني عند قوله:"وترك متروكه للولد" ما نصه: هذا خاص بالولد كما شرحه به الزرقاني ولا يعطى لغيره من قريب أو أجنبي بل يتعجله السيد من الكتابة ويسعون في بقيتها. انظر التوضيح. خلافا لقول الخرشي: إن المراد الوارث ولدا أو غيره. اهـ.
كأم ولد يعني أنه إذا ترك مالا يفي بالكتابة فإنه يدفع للولد إن أمن وقويَ على السعي كما عرفت: وكذلك أم الولد إن كانت مأمونة وقويت على السعي فإنه يدفع لها متروكُه حيث كان لا يفي بالكتابة، وتؤدى الكتابة على النجوم، وظاهر كلام المص أنها في مرتبة الولد فيدفع لها المال ولو كان الولد ذا أمانة وقوة، وليس كذلك بل لا يدفع المال لها إلا إذا لم يكن في الولد أمانة وقوة
كما في المدونة، فإن لم يكن لها قوة ولا هي مأمونة أخذه السيد، فإن كان فيه ما يؤدي النجوم إلى أن يبلغ الولد السعي لم يعجز الولد، وإن لم يكن فيه ما يؤدي إلى أن يبلغ الولد السعي وكان في ثمن أم الولد ما يؤدي إلى أن يبلغ الولد السعي بيعت ولم يعجز الولد، وإن كان لا يوفي بجميع ذلك كان الولد رقيقا. قاله الشبراخيتي.
وقال: وكلام البساطي فاسد. اهـ. وقال التتائي في المدونة: وإن لم يكن في أم الولد قوة بيعت وضم ثمنها إلى التركة فيؤدى إلى بلوغ السعي وإن لم يكن شيء من ذلك رقوا كلهم. قاله ابن القاسم. ولا يدفع المال لمن معه في الكتابة غير الولد من قريب أو أجنبي وليتعجله السيد من الكتابة ويسعون في بقيتها، فإن أدوا عتقوا واتبع السيد الأجنبي بحصة ما أدى عنه من مال الميت. انتهى. وقال عبد الباقي: كأم ولد له معه في الكتابة لها أمانة وقوة على السعي فيدفع لها متروكه، وتؤدى على النجوم إذا لم يقو ولدها ولم تكن له أمانة وإلا لم يدفع لها، فليس المراد بترك ترك لها مع قوته وأمانته كما هو ظاهره، فإن لم يكن لها أمانة ولا قوة على السعي أخذه السيد وبيعت إن توقف عتق ولده الذي معها في الكتابة ولا أمانة له ولا قوة على السعي على ثمنها ولو أمه كما إذا لم يترك شيئا أصلا وكان ببيعها يعتق الولد حيث لم يقدر على السعي وهي غير مأمونة ولا قوة لها لا إن كان مع أم الولد أجنبي في الكتابة فلا تباع هي لأجله وتفسخ الكتابة فيه وفيها مع عجزها عن السعي ويرقان. وانظر لو كان معه فيها ولده وأجنبي والظاهر مراعاة الولد فتباع هي لأجله مع عدم القدرة على السعي أو غير أمينة. اهـ. وقال المواق من المدونة: وإذا مات المكاتب وترك أم ولده وولدا منها أو من غيرها ولم يدع مالا سعت مع الولد أو سعت عليهم إن لم يقووا وقويت هي على السعي وكانت مأمونة. اهـ.
وإن وجد العوض معينا أو استحق موصوفا جواب الشرط محذوف تقديره رجع بمثله؛ يعني أنه إذا أعتق شخص عبده القن على مال موصوف في الذمة أو كاتبه على مال موصوف في الذمة أو قاطع مكاتبا عن كتابته على مال موصوف ثم وجد العوض عما ذكر من الأمور الثلاثة معيبا أو استحق؛ فإن السيد يرجع على المكاتب بمثل العيب أو المستحق سواء كان الموصوف مقوما أو مثليا، وما ذكره الشارح والتتائي والحطاب من أنه يرجع بقيمة الموصوف القوم فيه نظر؛ إذ
الفرض أنه غير معين فإنما يرجع بمثله. قاله عبد الباقي. وقال البناني: ما ذكره هؤلاء من الرجوع بالقيمة في الموصوف القوم أصله لابن رشد، واعتمده المص في التوضيح، قال مصطفى: وهو خلاف الأصول في أن الموصوف يرجع بمثله مطلقا كما في المسلم وغيره، ولذا جزم ابن مرزوق والطخيخي وجد علي الأجهوري بالرجوع في الموصوف بالمثل مقوما أو مثليا. اهـ.
وكأنه لم يقف على نص في ذلك مع أنه في المدونة ونصها في كتاب الاستحقاق: ومن كاتب عبده على عرض موصوف أو حيوان أو طعام فقبضه وعتق العبد ثم استحق ما دفع العبد من ذلك، فأحب إلي أن لا يرد العتق ولا يرجع عليه بمثل ذلك. اهـ. وفي المدونة أيضا: وإن كاتبه على عبد موصوف فعتق بأدائه ثم ألفاه السيد معيبا فله رده ويتبعه بمثله إن قدر وإلا كان عليه دينا ولا يرد العتق. اهـ. والرد بهذا على ابن رشد ومن تبعه ظاهر. والله أعلم. قال الشيخ المسناوي: وقد يقال: مراد ابن رشد بقوله فقيمته فعوضه فهو كالحصر الإضافي، فكأنه يقول فعليه عوضه ولا يرجع مكاتبا وهو تأويل حسن قريب، وفي بعض نسخ المص: وإن وجد العوض معيبا فمثله أو استحق موصوفا فقيمته وهذه النسخة لا تقبل هذا التأويل؛ لأن قوله: "فقيمته" جعله في مقابلة قوله: "فمثله". والله تعالى أعلم.
كمعين مفهوم قوله: "موصوفا" يعني أنه إذا وقع العقد على معين ثم وجد معيبا أو استحق فإنه يرجع بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن كان مقوما، فالتشبيه غير تام فهو تشبيه في مطلق الرجوع وكل هذا إذا كان له مال، فإن لم يكن له مال فإن كان له شبهة فكذلك على ما عليه ابن القاسم وأشهب والأكثر كما أشار إليه بقوله: وإن بشبهة فيما دفعه العبد للسيد بقيد في البالغ عليه فقط ذكره بقوله: إن لم يكن له مال بل كان معسرا لكن له فيما دفع السيد شبهة إيجار أو عارية، فإن لم يكن له فيه شبهة رجع العبد لما كان عليه من رق أو كتابة وتبطل القطاعة، وأما إن كان موسرا فيبقى على ما هو عليه ويرجع عليه بعوضه في حالة عدم الشبهة.
تنبيهات: الأول: حاصل هذه المسألة أن من أعتق عبده القن أو كاتبه أو قاطع مكاتبه على مال معين أو موصوف ثم استحق ذلك المال أو وجد فيه عيب، فإن وقع على موصوف فإنه يرجع بمثله سواء كان مقوما أو مثليا، وأما إن كان معينا ثم استحق أو ظهر به عيب فإنه يرجع بمثله
إن كان مثليا وبقيمته إن كان مقوما، وكل هذا إذا كان له مال، وأما إن كان لا مال له فإن كان له شبهة فيما دفع لسيده فكذلك على ما عليه ابن القاسم وأشهب والأكثر، وقال ابن نافع: يرجع لما كان عليه من كتابة أو رق وإن كان لا شبهة له فيما دفع لسيده فإنه يرجع لما كان عليه قبل العتق اتفاقا، قال غير واحد: فالتفصيل بين ماله فيه شبهة وما لا شبهة له فيه جار في المعين والموصوف على الراجح. قال عبد الباقي: هذا ما عليه الحطاب وغيره، ومقتضى كلام الطخيخي أن الموصوف يتبعه بمثله حيث لا شبهة له فيه ولا مال له وفيه نظر، إذ لا يظهر فرق بين المعين الموصوف في هذا. انتهى.
قوله: جار في المعين والوصوف على الراجح، قال البناني: هذا هو الذي عليه ابن مرزوق والحطاب، وقرره الطخيخي أنه راجع للمعين فقط على القاعدة الأغلبية واستظهره مصطفى، واستدل له بظاهر كلام ابن رشد قائلا: وزعم الأجهوري أن ما لابن مرزوق والحطاب هو الموافق للنقل ولم نر هذا النقل الذي يوافقه. اهـ. قلت: كلام المدونة يوافق ما لابن مرزوق. قال في التوضيح: ومثل ما إذا غر بما لا شبهة له فيه في رد عتقه ورجوعه مكاتبا ما إذا دفع مال الغرماء، وقال في المدونة: وإن أدى كتابته وعليه دين فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبض منه، فإن علم أن ما دفع من أموالهم فلهم أخذه ويرجع رقيقا. ابن يونس وغيره: يريد مكاتبا. اهـ. وقد علمت أن عقد الكتابة إنما يكون بغير المعين كما في التوضيح وغيره، وأما العتق على معين فقطاضة لا كتابة. اهـ. وقول البناني: قلت كلام المدونة يوافق ما لابن مرزوق لخ، قال الرهوني: صواب، وقد نقل ابن يونس كلام المدونة الذي استدل به وتكلم عليه بكلام لا يبقى معه في ذلك إشكال، وصرح بأن ما فيها من قول مالك، ونصه: قال مالك: وإذا أدى المكاتب كتابته وعليه دين فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبضه منه، فإن علم أن ما دفع من أموالهم فلهم أخذه من السيد، قال ابن القاسم: ويرجع رقا يريد مكاتبا. محمد بن يونس: هذا من قوله يدل على أنه إن دفع إلى سيده شيئا تقدمت له فيه شبهة ملك أنه يرد عتقه ويرجع مكاتبا خلاف ماله بعد هذا، قال مالك: وإن لم يعلم أنه من أموالهم لم يرجعوا على السيد بشيء من ذلك.
محمد بن يونس: اختلف في معنى قوله فإن علم أن ما دفع من أموالهم هل يريد أموالهم بعينها أو دفع؟ وقد استغرق الدين ما كان بيده والذي أرى أنه إن دفع وهو مستغرق الذمة فلهم رده وإن لم يكن أعيان أموالهم؛ لأنها أموالهم أو ما تولد عنها، ثم قال ما نصه: وقال أشهب وابن نافع عن مالك في مكاتب قاطع سيده على عبد دفعه إليه فاعترف مسروقا فأخذ منه فليرجع السيد على المكاتب بقيمة العبد، ثم قال ابن القاسم وغيره: إن غر سيده بشيء لم يتقدم له فيه شبهة ملك فهذا الذي لا يجوز له ويرد عتقه ويرجع مكاتبا، قالا: وأما ما كان بيده يملكه وله فيه شبهة لطول ملكه له ثم استحق ذلك مضى عتقه ورجع عليه بقيمته، فإن لم يكن له مال اتبع به دينا. محمد بن يونس: إن قيل لِمَ لَمْ يرجع عليه ببقية الكتابة التي قاطعه عليها كمن أخذ من دينه عرضا ثم استحق أنه يرجع بدينه؟ قيل: الكتابة ليست بدين ثابت لأنها تارة تصح وتارة لا تصح، فأشبهت ما لا عوض له معلوما من خلع أو نكاح بعرض يستحق فإنه يرجع بقيمته فكذلك هذا. اهـ. ومن تأمل وأنصف ظهر له أنه لا فرق بين الموصوف والعين في التفصيل المذكور، ووجهه أيضا ظاهر لأن معاملته بنقيض قصده فيرجع إلى ما كان عليه.
الثاني: قال الرهوني: ذكر الحطاب بعض كلام ابن يونس وقال بعده ما نصه: قال الشيخ أبو الحسن الصغير: فجعل ابن يونس ما تقدم لهذا العبد من ملكه لهذا الذي دفع إلى السيد شبهة وإن كان أموال غرمائه وجعله اللخمي ليس بشبهة لتسلط الغرماء على ذلك، فحمله ابن يونس على الخلاف وحمله اللخمي على الوفاق، قلت: وعلى ما حمله عليه ابن يونس حمله ابن رشد والرجراجي وهو المظاهر. اهـ.
الثالث: قال عبد الباقي مفسرا للمص: وإن أعتق شخص عبده القن أو كاتبه أو قاطع عن كتابته على مال معين أو موصوف ثم وُجدَ أي أصيب العوض عما ذكر من الأمور الثلاثة حال كونه معيبا، أو استحق العوض حال كونه أي المعين أو المستحق موصوفا فهو حال منهما أفراده؛ لأن العطف بأو وجواب إن محذوف وهو رجع بمثله، ثم قال: وجعلنا معيبا وموصوفا حالين لأن وجد هنا بمعنى أصيب وهي لا تتعدى إلا لمفعول واحد وهو نائب للفاعل هنا. اهـ المراد منه.
ومضت كتابة كافر لمسلم يعني أن الكافر إذا كاتب عبده المسلم فإن كتابته له صحيحة ماضية نافذة، سواء اشتراه مسلما ثم كاتبه أو أسلم عنده ثم كاتبه، وإذا مضت بيعت لمسلم قال الخرشي: يعني أن الكافر إذا كاتب عبده المسلم فإن الكتابة لا تنفسخ وتباع عليه لمسلم. اهـ. وقال عبد الباقي، ومضت كتابة كافر لمسلم ابتاعه كذلك يعني اشتراه وهو مسلم أو أسلم عنده قبل الكتابة، وحيث مضت بيعت من مسلم فإن عجز رق لمشتريه وإن أدى عتق وكان ولاؤه للمسلمين دون مسلمي ولد سيده ولا يرجع لعتقه إن أسلم كما يأتي في الولاء. اهـ. وقال التتائي: ومضت كتابة كافر نصراني أو غيره لمسلم ابتاعه كذلك أو أسلم عنده وهو أحد قولي مالك لأنها نوع من العتق، ولمالك أيضا: تبطل وحيث أمضيت بيعت من مسلم فإن عجز رق لشتريه وإن أدى عتق وكان ولاؤه للمسلمين دون مسلمي ولده. لخ. وقال الشبراخيتي: ومضت كتابة كافر نصراني أو غيره، والمراد ليس لنا نقضها لمسلم ابتاعه كذلك أو أسلم عنده وبيعت من مسلم لأن المكاتب عبد والكافر لا يملك مسلما، فإن عجز رقَّ لشتريه وإن أدى عتق وكان ولاؤه للمسلمين لا لأقارب سيده المسلمين. اهـ المراد منه.
كإن أسلم أي المكاتب بفتح التاء يعني أن الكافر إذا كاتب عبده الكافر ثم أسلم المكاتب فإن كتابته تمضي بمعنى لا تنقض وتباع لمسلم، فالتشبيه في أنها تمضي وتباع لمسلم، قال عبد الباقي: كإن كاتب الكافر عبده ثم أسلم المكاتب فتمضي أيضا وتباع لمسلم، فإن عجز رق له وإن أدى فولاؤه لأقارب سيده المسلمين، فإن لم يكونوا فولاؤه لجميع المسلمين، فإن أسلم السيد عاد الولاء له لأنه قد كان ثبت له حين عقد كتابته والعبد كافر ومعنى الولاء هنا الميراث. قال في المدونة: وإن أراد النصراني أن يفسخ كتابة عبده النصراني لم يمنع من ذلك وليس هو من التظالم. اهـ. وأراد بكتابة عبده النصراني الذي استمر نصرانيا لا من أسلم بعدها بدليل ما ذكره المص. اهـ. وقال المواق: اللخمي: إذا أراد الكافر أن يرجع في عتقه كافرا أو في كتابته، فقال ابن القاسم: له ذلك إذ ليس ذلك من التظالم. التهذيب: إذا كاتب النصراني عبد مسلما ابتاعه أو كان عنده أو أسلم مكاتب له فإن كتابته تباع من مسلم. اهـ. وقال عبد الباقي: لا رجوع للكافر عن الكتابة في صورتي المص، فإن
أسلم السيد دونه فقال اللخمي: له فسخ كتابته عند ابن القاسم دون غيرها، وهذا إن استمر العبد كافرا، فإن أسلم قبل رجوع سيده عن كتابته فلا رجوع له. اهـ.
وبيع من معه في عقده راجع للمسألتين يعني أن الكافر إذا كاتب عبده المسلم أو كاتب عبده الكافر ثم أسلم المكاتب بفتح التاء، فإنه تمضي تلك الكتابة في المسألتين وتباع لمسلم كما عرفت، وإذا بيعت كتابته لمسلم فإنه تباع مع كتابته كتابة من دخل معه في عقد كتابته، فإن عجز رق لمشتريها وإن أدى عتق لأن حكمهم التضامن، قال الشبراخيتي: وبيع معه أي مع كتابة المسلم كتابة من دخل معه في عقده، فإن عجز رق لمشتريها وإن أدى عتق لأن حكمهم التضامن. وقوله:"وبيع معه" لخ راجع لهما. اهـ. وقال عبد الباقي: وبيع معه أي مع كتابة المسلم كتابة من دخل معه في عقده لا ذاته، فإن عجز رق لمشتريها وإلا فكما تقدم. اهـ. وقال التتائي: وبيع معه أي مع كتابة المسلم كتابة من دخل معه في عقده، فإن عجز رق لمشتريها وإن أدى عتق وكان ولاؤه لمن يناسب سيده من المسلمين من ولد أو عصبة، فإن لم يكن فللمسلمين إلا أن يسلم سيده فيوجع ولاؤه له لثبوته له حين عقدها وهو على دينه. اهـ. وقال المواق عن التهذيب ما نصه: وإذا أسلم أحد مكاتبي
(1)
الذمي في كتابة واحدة بيعت كتابتهما جميعا. اهـ.
ثم تكلم على ما يكفر به المكاتب إن وجبت عليه كفارة فيها صوم فقال: وكفر بصوم يعني أن المكاتب إذا وجبت عليه كفارة فإنه يكفر بالصوم ولا يطعم ولايعتق لنعه من إخراج مال بغير عوض، قال عبد الباقي: وكفر المكاتب بالصوم إن وجبت عليه كفارة يصام فيها ولو وجب تقديم غيره عليه في الحر فلا يطعم ولا يعتق لمنعه من إخراج المال بغير عوض. انتهى. ونحوه لغير واحد وهذا مقتضى قول المدونة: إنه كالعبد. اهـ.
واشتراط وطء المكاتبة مبتدأ وخبره قوله الآتي: "لغو" يعني أن السيد إذا كاتب أمة واشترط عند عقد الكتابة أنه يطؤها ما دامت مكاتبة، فإن شرطه ذلك لغو أي باطل، فلا يعمل ولا يجوز له أن يطأها وكتابتها نافذة، وكذا وطء المعتقة لأجل فإن اشتراطه لغو، وكذا لو شرط على مكاتبه أنه
(1)
في الأصل: مكاتب، والمثبت من المواق ج 8 ص 488 ط دار الكتب العلمية والتهذيب ص 573 ج 2.
إن شرب خمرا عاد رقيقا فإن شرطه باطل ولا يرجع قنا إن شرب خمرا، بل يمضي على كتابته. قال عبد الباقي: واشتراط وطء المكاتبة حال كتابتها أي اشتراط السيد ذلك عند العقد أو بعده ما دامت مكاتبة لغو وكذا وطء العتقة لأجل. اهـ. ونحوه للشبراخيتي والخرشي، وقال الحطاب: لو شرط على مكاتبه أنه إن شرب خمرا عاد رقيقا ففعل فليس له رده. قاله في النكت. ونقل هذا الفرع في التوضيح، وسقط من بعض نسخه لفظ ليس ففسد الكلام، وكأنه وقع في نسخة الشارح من التوضيح كذلك، فقال في الكبير: إنه إذا فعل العبد ذلك رجع رقيقا وكذا في الشامل وتبعه البساطي وقد نقلت لفظ النكت في حاشية الشامل فتأمله. اهـ. وقال الشبراخيتي في هذه المسألة ما نصه: وكلام الشارح على التوضيح محرف والصواب أن لا يعمل به ولا يرجع رقيقا. اهـ.
واستثناء حملها عطف على المبتدإ فهو من جملة اللغى أيضا؛ يعني أن السيد إذا كاتب أمته الحامل أي من حملها موجود حين عقد الكتابة، واستثنى حملها ذلك بأن قال: حملها لي رق فإن استثناه ذلك لغو أي باطل، فذلك الحمل داخل معها في كتابتها وكتابتها نافذة وكل ذات رحم ولدها بمنزلتها، قال الشبراخيتي: واستثناء حملها الوجود حال كتابتها بأن يقول حملها رق لغو؛ لأنه كجزء منها. اهـ. وقال عبد الباقي: واستثناء حملها الوجود عند الكتابة في بطنها من زوجها لغو. اهـ. قوله: في بطنها من زوجها لا مفهوم له، وكذا ما في بطنها من زنى أو غصب. قاله الرهوني.
أو ما يولد لها يعني أن اشتراط السيد رقية ما يولد لكاتبته بعد عقد الكتابة لغو أي باطل فيكون مكاتبا مثلها، والفرق بين هذه والتي قبلها أن الحمل فيما قبلها موجود حين عقد الكتابة وهذه تجدد الحمل فيها بعد عقد الكتابة. قال البناني: أو ما يولد لها يعني ما يتجدد حملها به بعد العقد. اهـ. وقال التتائي: وفرق المص بين الشرط المحرم كهذا وبين غيره كعقد شريكين مفترقين ولو بمال واحدت فتبطل الكتابة بأن الفساد في هذه خارج عن عقد الكتابة والفساد في مسألة الشريكين راجع إلى نفس العقد لأنه مؤد إلى عتق أحد الشريكين من غير تقويم، وقال فيه عن بعض فقهائنا: إن شرط على مكاتبه إن شربت الخمر ونحوه فأنت مردود إلى الرق ففعل العبد ذلك فليس لسيده رده للرق لأجل الشرط، وليس كالعتق إلى أجل يشترط عليه إن أبقت فلا حرية
لك هذا لمشترطه شرطه، والفرق بينهما أن ما يفعله العبد من الإباق ضرر على سيده لأنه يخل بمنافعه، وما أحدث العبد من شرب الخمر لا يخل بنجومه فإذا لم يعجز عمها لم يقدح شرب الخمر فيها. اهـ. وقال المواق: أما إذا شرط في كتابته أنه يصيبها أي يطأ الأمة المكاتبة أو استثنى ما في بطنها، فنص ابن القاسم في المدونة أن الكتابة ماضية والشرط باطل، وأما استثناء ما يولد لها ففي المدونة إن شرط على المكاتبة أن ما ولدت في كتابتها فهو عبد لي فالشرط باطل والعتق نافذ إلى أجله. اهـ.
أو ما يولد لمكاتب من أمته بعد الكتابة قد علمت أن ما يتجدد للمكاتب من أمته بعد عقد الكتابة من حملها منه داخل في عقد الكتابة بغير شرط، فإذا اشترط السيد قنيته وأنه لا يدخل في الكتابة فإن ذلك الشرط باطل والكتابة نافذة وهو داخل في الكتابة مع أبيه، وأما الموجود في بطنها حين عقد الكتابة أو قبله فلا يدخل في عقد الكتابة إلا بشرط، قال الشبراخيتي: أو ما يولد لمكاتب من أمته بعد الكتابة يكون رقا له ذكرا كان المولود أو أنثى لغو. انتهى. وقال عبد الباقي: أو ما يولد لمكاتب من أمته منه بعد عقد الكتابة يكون رقا لغو، وأما اشتراط ما يولد لمكاتب من أمته موطوءة لغيره فجائز لأنه مال للمكاتب. انتهى. وقال المواق: وأما استثناء ما يولد للمكاتب من أمته فقد نص في المدونة أن حكمه حكم ما ولدت المكاتبة في كتابتها، قال ابن شأس: تسري الكتابة من المكاتبة إلى ولدها الذي تلده بعد الكتابة من زنى أو نكاح، وكذلك ولد المكاتب الذين حدثوا من أمته بعد كتابته.
وقليل كخدمة بعد وفاء يعني أن السيد إذا اشترط على مكاتبه أن يخدمه بعد أداء الكتابة خدمة قليلة، كشهر مثلا أو قليل سفر بعد أداء الكتابة وهو مدخول الكاف كما في التتائي فإن ذلك الشرط لغو أي باطل، فلا يلزمه خدمة ولا سفر بعد الأداء. وعلم من هذا أن الكتابة نافذة، ومفهوم "قليل كخدمة" أن الكثير من ذلك لا يبطل، ومفهومه أيضا أنه لو اشترط الخدمة زمن الكتابة لعمل بشرطه فإن أدى سقطت، قال عبد الباقي: واشتراط قليل كخدمة أو سفر عليه للسيد إن وفى ما عليه من الكتابة أي كاتبه على مال، واشترط عليه في عقد الكتابة أنه يخدمه قليلا كشهر بعد أداء نجومها لغو أي يلغى الشرط في المسائل الخمس وتبقى الكتابة على حالها،
فإن كاتبه على مال واشترط بعد أدائه كثير خدمة لم تلغ لأنها لما كثرت فكأن عقد الكتابة عليها وعلى المال لكونها مقصودة، بخلاف القليلة فإنها في حكم التبع، وسكت عما إذا وقع عقد الكتابة على خدمة فقط فيعمل بذلك قليلة أو كثيرة ولا يعتق إلا بعد تمامها، وعما إذا اشترط خدمته في زمن الكتابة فيعمل بها، فإن أدى النجوم سقطت كما في المدونة فلا يتبع بشيء. قاله ابن المواز. انتهى.
وقال البناني: قال في المدونة: وكل خدمة اشترطها السيد بعد أداء الكتابة فباطل، وإن اشترطها في الكتابة فأدى العبد قبل تمامها سقطت. عبد الحق عن بعض الأشياخ: إنما ذلك في الخدمة اليسيرة لأنها في حيز التبع وحملها بعضهم على ظاهرها قليلة أو كثيرة وعلى ما لعبد الحق درج المصنف ولم يرتضه ابن مرزوق، فلو أسقط لفظة قليل كان موافقا لا عليه الأكثر. انتهى.
وقوله: لغو خبر المبتدإ، فهو جار في المعطوفات عليه فيبطل الشرط في المسائل الخمس وتنفذ الكتابة. المواق: وأما شرط قليل كخدمة بعد وفاء، ففي المدونة: إن كاتبه على خدمة شهر بعد العتق فالخدمة باطل وهو حر، قال مالك: كل خدمة اشترطها السيد بعد أداء الكتابة فباطل، فإن شرطها في الكتابة فودى العبد قبل تمامها سقطت. انتهى. وقال الشبراخيتي: واشتراط قليل كخدمة عليه للسيد إن وفي كان باقيا مما في زمن الكتابة وبقي منه بعد وفائها القليل أو مستقبلا بأن اشترط عليه خدمة قليلة بعد وفلا الكتابة، وأما في زمن الكتابة فلا يلغى منها شيء. انتهى. وقد مر عن المدونة أن هذا ما لم يؤد، فإن أدى قبل تمامها سقطت. والله تعالى أعلم.
وإن عجز عن شيء يعني أن المكاتب إذا عجز عن أداء شيء مما كوتب عليه فإنه يرق لأنه عبد ما بقي عليه درهم، قال الشبراخيتي: وإن عجز المكاتب عن شيء مما كوتب عليه رق، وكرره مع ما سبق ليرتب عليه قوله: أو أرش جناية يعني أن المكاتب إذا عجز عن أرش جناية جناها على أجنبي فإنه يرق ولا ينجم الأرش ويخير السيد بين إسلامه فيها وفدائه بأرشها وإن لم يعجز لم يرق وإن جاوزت جنايته قيمة رقبته أو كانت دية فأكثر ويبقى على كتابته، بل وإن كانت الجناية على سيده فإنه يرق إذا عجز عنه وبالغ عليه ليلا يتوهم أنه لا أرش عليه لأنه مال. قاله الشبراخيتي.
وعلم مما قررت أن قوله: رَقَّ جواب الشرط فهو راجع للمسألتين: العجز عن أداء شيء من الكتابة ومسألة العجز عن أرش الجناية، قال الخرشي مفسرا للمصنف: يعني أن المكاتب إذا عجز عن شيء من نجوم الكتابة فإنه يرق لسيده، وإذا جنى المكاتب على سيده أو على أجنبي فإن أرش الجناية يتعلق برقبته كالقن، فإن عجز عن أرش جناية على سيده فإنه يرق له لأن عجزه عن ذلك عجز عن الكتابة، وإن عجز عن الأرش المتعلق بأجنبي فيخير سيده، فإن شاء أسلمه للمجني عليه ويكون رقا وإن شاء فداه بأرش الجناية فيرق لسيده، وإن أدى الأرش في الصورتين عاد مكاتبا على ما كان عليه قبل الجناية: فقوله: كالقن تشبيه في ثبوت الخيار للسيد إذا جنى العبد القن الذي لا كتابة فيه كما مر. انتهى. أي أن المكاتب إذا جنى على أجنبي وعجز عن أداء الجناية فإن سيده يخير بين إسلامه للمجني عليه، فيكون رقا للمجنى عليه وفدائه بأرش الجناية فيكون رقا للسيد، كما أن القن إذا جنى على أحد يخير السيد بين إسلامه في الجناية عليه وفدائه بأرش الجناية. والله تعالى أعلم. الخرشي: وإنما بالغ على السيد ليلا يتوهم أنه لا أرش على المكاتب لسيده لأنه مال جنى على مالك لا لرد على خلاف. انتهى. وقال المواق: قال ابن شأس: إذا جنى المكاتب على أجنبي أو على سيده لزمه الأرش، فإن أداه بقي على كتابته وإن عجز رق. انتهى.
وأدب إن وطئ يعني أن السيد إذا وطئ أمته المكاتبة في زمن الكتابة فإنه يؤدب ولا حد عليه للشبهة، لقوله عليه الصلاة والسلام:(المكاتب عبد ما بقي عليه شيء)
(1)
، وفوله:"وأدب" أي إن كان عالما بالتحريم فإن كان السيد جاهلا بالتحريم فلا أدب عليه. ومثل الجاهل الغالط والناسي، قال عبد الباقي: وأدب السيد إن وطئ مكاتبته زمن الكتابة إلا أن يعذر بجهل فلا أدب عليه ولا حد عليهما للشبهة القوية، لخبر:(المكاتب عبد ما بقي عليه شيء)، وينبغي أن مثل الجهل في عدم الأدب الغلط والنسيان. انتهى. وقال التتائي: وأدب السيد إن وطئ مكاتبته إلا أن يجهل فلا أدب ولا حد عليهما وإن طاوعته للشبهة.
(1)
أبو داود، كتاب العتق، رقم الحديث رقم 3926 ولفظه: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم.
بلا مهر المظاهر أن الباء للملابسة يعني أن السيد إذا وطئ أمته المكاتبة فإنه لا مهر لها، ومن المدونة: من كاتب أمة فليس له أن يطأها فإن فعل درئ عنه الحد وعنها أكرهها أو طاوعته ويعاقب إلا أن يعذر بجهل ولا صداق لها، انتهى. وعليه نقص الكرهة يعني أن السيد إذا وطئ أمته المكاتبة: فإن كان قد أكرهها على ذلك فعليه ما نقصها وإن طاوعته فلا شيء لها، وظاهره بكرا كانت أو ثيبا. وقال عبد الباقي: وعليه نقص الكرهة إن كانت بكرا لا ثيبا فلا شيء عليه في إكراهها كأن طاوعته ولو بكرا، وإنما منع من وطء مكاتبته دون مدبرته وكلاهما عقد يؤدي إلى الحرية لأن المكاتبة عاوضت لتملك نفسها بالحرية التي تحصل لها بعد الأداء فلم يحل وطؤها وأيضًا الأجل معلوم والوطء إلى أجل معلوم غير جائز قياسا على نكاح المتعة، وأما المدبرة فإن أجل الحرية بموت السيد فإذا مات زال ملكه فكانت الحرية تقع في وقت لا ملك له فيها. انتهى. قوله:"بلا مهر وعليه نقص الكرهة" وأما إن وطنها أجنبي فعليه ما نقصها على كل حال لأنها قد تعجز فترجع للسيد معيبة. قاله غير واحد. وقال المواق عن المدونة: ولا صداق لها يعني المكاتبة ولا ما نقصها إن طاوعته وإن أكرهها فعليه ما نقصها. انتهى.
وإن حملت خيرت في البقاء وأمومة الولد يعني أن السيد إذا وطئ أمته المكاتبة زمن الكتابة ولم تحمل فإنها تمضي على كتابتها، وإن حملت فإنها تخير في بقائها على الكتابة وتصير مستولدة ومكاتبة ونفقتها لأجل الحمل زمن كتابتها على السيد على الأرجح، فإن أدت نجومها قبل الوضع عتقت وتستمر نفقتها للوضع كالبائن وإن عجزت عتقت بموت سيدها من رأس المال ولو وطئها عند عجزها وفي تعجيز نفسها وانتقالها إلى أمومة الولد. قاله غير واحد. وقال الشبراخيتي: فإن اختارت الكتابة لا ينتزع مالها ولا توطأ وإن اختارت أمومة الولد جاز فعل ذلك. انتهى المراد منه. قوله: ونفقتها لأجل الحمل زمن كتابتها الخ صوابه زمن حملها كما في التوضيح وابن عرفة وغيرهما. قاله البناني. وقال المواق من المدونة: وهي بعد وطء السيد على كتابتها إلا أن تحمل فتخير عند مالك بين أن تكون أم ولد وأن تمضي على كتابتها. انتهى.
إلا لضعفاء معها يعني أن محل التخيير في بقائها على الكتابة وفي أمومة الولد إنما هو [إن]
(1)
لم يكن معها أحد في عقد الكتابة، وأما إن كان معها في عقد الكتابة غيرها فإن كانوا ضعفاء فليس لها الانتقال إلى أمومة الولد بل يلزمها البقاء على كتابتها لحق هؤلاء الضعفاء الذين معها وسواء رضوا بانتقالها لأمومة الولد أو لم يرضوا بذلك، وإن كان الذين معها في عقد الكتابة أقوياء فإن رضوا بانتقالها إلى أمومة الولد فلها ذلك، وإن لم يرضوا لزمها البقاء على الكتابة، وإلى ذلك أشار بقوله: أو أقوياء لم برضوا قال عبد الباقي: إلا لضعفاء معها أي في عقد كتابتها على الأداء والظرف صفة لضعفاء أي كوتبوا معها، وسواء رضوا أم لا أو أقوياء كوتبوا معها فحذف من هذا لدلالة ما قبله عليه ولم يرضوا أي الأقوياء بانتقالها عن الكتابة فلا خيار لها في الأمومة في الصورتين ويتعين فيهما بقاؤها على كتابتها، ومفهوم قوله:"لم يرضوا" أنهم إن رضوا باختيارها أمومة الولد فإنه يعمل بذلك. قاله الشبراخيتي.
وحط حصتها مرتب على مفهوم قوله: "لم يرضوا" يعني أنه إذا كان معها في عقد الكتابة أقوياء ورضوا بانتقالها إلى أمومة الولد فإنه يحط عنهم ما ينوب الأمة من الكتابة، قال الشبراخيتي: وإذا كان معها أقوياء ورضوا حط حصتها من الكتابة وكانت أم ولد، ولو قال: وحط ما لزمها لكان أحسن. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن كان معها أقوياء ورضوا باختيارها الأمومة جاز وحط عنهم حصتها من الكتابة وكانت أم ولد، وكذا يحط عنها ما لزمها بطريق الحمالة عن من معها. انتهى. وقال المواق من المدونة: إذا ولدت المكاتبة بنتا ثم ولدت بنتها بنتا أخرى فزنت البنت العليا وأعتقها السيد جاز عتقه وسعت الأم مع السفلى، ولو وفي السيد البنت السفلى فأولدها فولدها حر ولا تخرج هي من الكتابة وتسعى معهم إلا أن ترضى هي وهم بإسلامها للسيد، ويحط عنهم حصتها من الكتابة وتصير حينئذ أم ولد للسيد. قال سحنون: هذا إذا كان معها في الكتابة من يجوز رضاه ولا يخشى عجزهم بإسلامها. انتهى.
(1)
ساقطة من الأصل.
وإن قتل فالقيمة للسيد يعني أن المكاتب إذا قتله شخص فإن الكتابة تبطل بذلك وحيننذ يستحق سيده قيمته على قاتله. قاله الخرشي. وقال الشبراخيتي: وإن قتل المكاتب ووجبت قيمته فالقيمة للسيد لا لورثته لأنه عبد ما بقي عليه درهم. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن قتل المكاتب ووجبت قيمته لبطلان كتابته فالقيمة للسيد يختصى بها ولا تحسب لمن معه فط الكتابة ولا تكون لوارثه. انتهى. قوله: ولا تحسب لمن معه في الكتابة ولا تكون لوارثه الخ، قال البناني: نحوه في التوضيح وفيه نظر، قال في المدونة: والمكاتب إذا قتله أجنبي فأدى قيمته عتق فيها من كان معه في الكتابة، ولا يرجع عليه بشيء إذا كان ممن لا يجوز له ملكه. انتهى. ومثله في جناياتها وفيها أيضا فيمن اغتصب أمة فإن نقصها غرم ما نقصها وكان ذلك للسيد إلا في الكتابة؛ فإن سيده يأخذه ويقاصها به في آخر نجومها. انتهى. نقله مصطفى. ثم قال: إذا علمت هذا ظهر لك أن قول علي الأجهوري في الجناية خلى ما دون النفس ينبغي أن يكون الأرش له لا للسيد قصور. انتهى.
واختلف في كيفية تقويم المكاتب إذا قتل وكان للسيد قيمته، هل يقوم قنا أي على أنه لا شائبة كتابة فيه لأن الكتابة بطلت بقتله وهو مذهب المدونة عند جماعة، قال الشبراخيتي: بخلاف الجناية فيما دون النفس فالأرش على أنه مكاتب لأن حكم الكتابة لم يبطل لبقاء ذاته؛ وينبغي أن يكون الأرش له لا للسيد لأنه أحرز نفسه وماله. انتهى. ونحوه لعبد الباقي فإنه قال: وأما إن جنى عليه فيما دون النفس فالأرش على أنه مكاتب قطعا؛ لأن حكم الكتابة لم يبطل لبقاء ذاته كما في التتائي، وينبغي أن يختص به ليستعين به على الكتابة لا للسيد لأنه أحرز نفسه وماله، أو يقوم مكاتبا وهو مذهب المدونة عند أبي عمران أي يقوم على أنه مكاتب عليه كذا وكذا من بقية الكتابة على ما يعرف من قدرته على تكسب المال دون اعتبار ماله في ذلك تأويلان وهما روايتان عن مالك. قاله غير واحد. وقال المواق من المدونة: قال مالك: إذا قتل المكاتب قوم على هيئته في الحال الذي كان عليه. اللخمي: يقوم عبدا لا كتابة فيه لأن عقد العتق سقط حكمه بالقتل. قاله ابن القاسم في المدونة.
ابن رشد: ومعنى قول مالك في المدونة يقوم على أنه مكاتب عليه من بقية كتابته كذا، وكذا على ما يعرف من قدرته على تكسب المال دون اعتبار ماله. انتهى. وقال الرهوني: قال ابن مرزوق بعد أنقال ما نصه: فأنت ترى تأويل سحنون وأبي عمران واللخمي على المدونة إنما هو تقويمه عبدا إن قتل، ولم أر من تأول عليها أنه يقوم مكاتبا كما حكى المصنف، قال: فلو قال المصنف روايتان عوض تأويلان لكان أولى. انتهى منه بلفظه. قلت: قد عزا المواق الأولى للخمي والثاني لابن رشد، وتبع في ذلك - والله تعالى أعلم - ابن عرفة، ونصه: اللخمي: إن قتل المكاتب قوم عبدا لا كتابة فيه لأن عقد العتق سقط حكمه بالقتل. وقاله ابن القاسم في المدونة. ثم قال: وسمع أشهب على قاتل المكاتب قيمته بما عليه من الكتابة. ابن رشد: يريد أنه يقوم على أنه مكاتب خليه من كتابته بقية كذا وكذا على ما يرى من قدرته على تكسب المال دون اعتبار ماله لأنه يبقى لسيده؛ وهذا معنى قول مالك في المدونة.
ثم قال بعد كلام ما نصه: ففي كون الواجب فيه قيمته عبدا أو مكاتبا معتبرا فيه قدرته على الأداء وقدر ما عليه من الكتابة؛ ثالثها هذا مع لغو اعتبار ما عليه. اللخمي عن ابن القاسم فيها: وسماع أشهب وابن رشد عن قول مالك فيها، ورابعها للخمي الأكثر من قيمته عبدا أو مكاتبا. انتهى منه بلفظه. وصرح بالتأويلين في التوضيح فقال عند قول ابن الحاجب: ولو قتل فللسيد القيمة على أنه مكاتب ما نصه: هذه إحدى الروايتين عن مالك وهو مذهب المدونة عند أبي عمران وغيره، قال فيها: وعلى قاتل المكاتب قيمته عبدا مكاتبا في قوة مثله على الأداء وضعفه، قيل لأبي عمران: لم قال يقوطء مكاتبا على قدر أدائه ولم يقل يقوم عبدا؟ قال: من أجل أن الكتابة زيادة فيه لأنه يزاد فيه من أجل اجتهاده في خروجه من الرق. وروي عن مالك وهو مذهب المدونة عند جماعة أنه يقوم عبدا لأن الكتابة بطلت بقتله، بخلاف الجناية عليه فيما دون النفس فإنه يلزم فيه الأرش على أنه مكاتب لأن حكم الكتابة باق لم يبطل لبقاء ذاته. انتهى منه بلفظه. واختصره في الشامل بقوله:"ولسيده قيمته إن قتل وهل قنا أو مكاتبا" روايتان وهما تأويلان. انتهى.
وقد اقتصر أبو الحسن على التأويل الذي أنكره ابن مرزوق، فقال في كتاب الجنايات عند قولها: وعلى قاتل المكاتب قيمته عبدا مكاتبا الخ ما نصه: قوله: عبدا مكاتبا هذا نعت مدح لا نعت ذم وبخس أي أحرش كثير الخراج يكاتب. الشيخ: أي يصلح لأن يكاتب، قيل لأبي عمران: لم قال يقوم مكاتبا على قدر أدائه ولم يقل يقوم عبدا؛ قال: من أجل أن الكتابة تزيد فيه لأنه يتصدق عليه من أجل أنه يجتهد في خروجه من الرق فيرتفع في ثمنه من أجل هذا تعاليق. انتهى. وبه تعلم ما في كلام ابن مرزوق على أن ما نسبه لأبي عمران مخالف لا نسب له أبو الحسن والمصنف، ومن العجب أنه نقل كلام التعاليق الذي نقله أبو الحسن والمصنف، ثم نسب له ما هو مصرح بخلافه والظاهر أن سبب ذلك تصحيف وقع له في نسخته من التعاليق لخ.
تنبيهان: الأول: في المدونة ما هو شاهد لتأويل اللخمي ومن وافقه، ففيها في كتاب الجنايات قبل ما قدمناه عنها بنحو ورقة كبيرة ونصف ما نصه: وإن اغتصب أمة نفسها أو أم ولد أو مكاتبة أو مدبرة فلم ينقصها ذلك فلا شي؛ عليه إلا الحد، وإن نقصت غرم ما نقصها وكان ذلك للسيد إلا في المكاتبة فإن سيدها يأخذه ويقاصها به في آخر نجومه، وإنما يقوم من ذكرنا ممن فيه علقة رق في الجناية عليه قيمة عبد. انتهى.
الثاني: نقل جسوس كلام التوضيح السابق، وقال عقبه ما نصه: فصواب قول المصنف تأويلان أن يقول روايتان. قاله ابن مرزوق. انتهى. ولا يخفى عليك ما في ذلك مع أنه أغفل ما في المواق الموافق لما في التوضيح. والله الموفق. انتهى كلام الرهوني. وما في الخرشي من أن قيمته قنا أكثر من قيمته مكاتبا مخالف لما مر عن الشيخ أبي الحسن والشيخ أبي عمران. والله تعالى أعلم.
وإن اشترى من يعتق على سيده صح يعني أن المكاتب أحرز نفسه وماله، فإذا اشترى من يعتق على سيده الذي كاتبه صح ذلك الشراء ولا يعتق على السيد لأنه أحرز نفسه وله أن يبيع هذا الذي اشتراه كماله بيع غيره مما اشتراه وله وطء هذا الذي اشتراه إن كان أمة وإن كان يعتق على سيده، قال الخرشي: يعني أن المكاتب أحرزنفسه وماله فإذا اشترى من يعتق على سيده الذي كاتبه صح ذلك الشراء، ولا يعتق على السيد لأنه أحرز نفسه وله أن يبيع ما اشتراه ويجوز له وطؤها إن كانت أمة. انتهى. وقال الشبراخيتي: وإن اشترى المكاتب من يعتق؛ من تقع على
الواحد والمتعدد وأفرد الضمير في يعتق نظرا للفظها على سيده كأبيه أو أمه مثلا كان عالما أم لا صح شراؤه، ولا يعتق على سيده لأنه أحرز نفسه وماله وللمكاتب بيعه ووطؤه إن كانت أمة. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن اشترى المكاتب من يعتق على السيد صح وله بيعه ووطؤها إن كانت أمة ولا يعتق عليه ولو اشتراه عالما ولا على السيد لأنه أحرز نفسه وماله، ومقتضى قوله:"صح" أنه لا يجوز له ذلك ابتداء حيث كان عالما، وانظر في ذلك. انتهى.
وقال البناني: وإن اشترى من يعتق على سيده صح وعتق إن عجز كذا لابن شأس، قال ابن عرفة: هو مقتضى أَصل المذهب في إحراز المكاتب ماله إن كان شراؤه إياه بغير إذن سيده، والأظهر إن كان بإذنه أن يعتق على السيد ويغرم ثمنه ولا أعرف نص المسألة لأهل المذهب بوجه، وإنما نص عليها الغزالي في وجيزه بلفظ ابن شأس. انتهى. وانظر هذا مع عزو المصنف ذلك في التوضيح لابن القاسم والموازية وقول الزرقاني؛ ومقتضى قوله "صح" أنه لا يجوز ابتداء الخ فيه نظر؛ إذ الصحة أعم من الجواز وعدمه فلا يقتضي أحدهما بعينه، وقد صرح في التوضيح بالجواز ونصه: على قوله وعتق إن عجز لأن المكاتب حينئذ كعبد مأذون، فإن قيل لا يعتق على سيد المأذون إلا ما اشتراه المأذون غير عالم وها هنا المكاتب قد يشتري وهو عالم بأن ذلك العبد يعتق على سيده قيل لما أبيح للمكاتب اشتراؤهم أولا صار أقل أموره كالمأذون يشتري وهو غير عالم. انتهى. والشاهد في قوله: لما أبيح. لخ انتهى.
وعتق إن عجز يعني أن المكاتب يصح شراؤه لمن يعتق على سيده، فإن اشترى من يعتق على سيده: فإن أدى كتابته فالأمر ظاهر وإن عجز ولم يبعه فإنه يعتق على السيد، قال الخرشي: فإن عجز هذا المكاتب عتق على السيد لأنه يصير كعبد مأذون، ومفهوم الشرط أنه إن لم يعجز فلا يعتق على واحد منهما، وتقدم في المأذون أنه إذا اشترى من يعتق على سيده وهو غير عالم ولا دين عليه فإنه يعتق عليه، والفرق أن المكاتب أحرز نفسه وماله ولا ينتزع ماله بخلاف المأذون. انتهى كلام الخرشي. وقال الوأق: ابن شأس: إن اشترى المكاتب من يعتق على سيده فإن عجز وجع إلى السيد وعتق عليه. بهرام: وللمكاتب وطء هذه الأمة التي تعتق على سيده وله بيعها لأن المكاتب أحرز نفسه وماله، فإن عجز فحينئذ تعتق على السيد. انتهى.
والقول للسيد في الكتابة أي في نفي الكتابة، ومعنى ذلك أنه إذا ادعى العبد أن سيده كاتبه وخالفه السيد في ذلك ونفي الكتابة فإن القول للسيد في نفي الكتابة. قاله عبد الباقي وغيره. وقال الخرشي: يعني أن العبد إذا ادعى على سيده أنه كاتبه وأنكر السيد فالقول قول السيد بلا يمين؛ لأنها من دعوى العتق وكذلك القول قول السيد إنه كاتبه وأنكر العبد فقوله في الكتابة نفيا أو إثباتا. انتهى. وقال الشبراخيتي: والقول للسيد في نفي الكتابة فلا يمين لأنها دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها، وأما إن ادعى السيد الكتابة على العبد وادعى العبد نفيها بأن قال: أنا رق فالقول قول العبد لأن السيد مدع يريد عمارة ذمة العبد بمجرد قوله. انتهى. وقال المواق: ابن شاس: إن اختلف السيد والعبد في أصل الكتابة فالقول قول السيد. ابن عرفة: ولا يمين عليه. انتهى.
والأداء يعني أنه إذا اختلف السيد والمكاتب في أداء الكتابة فادعى المكاتب أنه أداها أو بعضها وادعى السيد أنه لم يؤدها أو لم يؤد شيئا منها، فإن القول قول السيد في ذلك. قال الخرشي: وكذلك القول قول السيد بيمين إذا ادعى عدم أداء الكتابة من العبد وادعى العبد الأداء، فإن نكل حلف المكاتب وعتق. قوله:"والأداء" كلا أو بعضا. انتهى. وقال الشبراخيتي: والقول للسيد في الأداء لجميع الكتابة أو بعضها أي في نفيه لكن بيمين لأنها دعوى مال هذا ما جزم به ابن عرفة، وذكره الشارح هنا تبعا لابن عبد السلام بصيغة ينبغي أن يحلف ثم إن هذا ما لم يشترط السيد في صلب عقد الكتابة التصديق بلا يمين فيعمل بقوله. انتهى. وقال عبد الباقي في نفي الأداء لنجوم الكتابة أو بعضها بيمين كما جزم به ابن عرفة: فإن نكل حلف المكاتب وعتق، وما جزم به ابن عرفة ذكره الشارح بصيغة ينبغي أن يحلف: ثم إن هذا ما لم يشترط السيد في صلب عقد الكتابة التصديق بلا يمين فيعمل به كما في وثائق الجزيري. انتهى بتقديم وتأخير.
قوله: بيمين كما جزم به ابن عرفة، نص ابن عرفة: قال ابن شأس: إن اختلف السيد والعبد في أصل الكتابة والأداء فالقول قول السيد، قلت: ولا يمين عليه في الأولى ويحلف في الثانية ونقله المواق، وقوله: وذكره الشارح تبعا لابن عبد السلام بصيغة ينبغي. الخ. قد تبع في التوضيح ابن عبد السلام في ذلك أيضا، وكأنهم لم يطلعوا على كلام المتيطي، فإنه قال في نهايته: وإذا لم
يشترط السيد في الكتابة التصديق في الأداء دون يمين تلزمه وادعى المكاتب الأداء إليه وأنكره السيد فإن اليمين تجب على السيد في ذلك، وله ردها على المكاتب، ثم قال: وباشتراط ما قدمناه من أنه مصدق في الاقتضاء يكون القول فيه قول السيد دون يمين. انتهى منها بلفظها. وقال التتائي: وكذا القول قول السيد إن اختلفا في الأداء لجميع الكتابة أو بعضها، إذ الأصل عمارة الذمة بما عقدا عليه. انتهى المراد منه.
لا القدر يعني أنه إذا اختلف السيد والمكاتب في قدر الكتابة، فقال السيد: بعشرة مثلا، وقال المكاتب: بثمانية مثلا، فإن القول في ذلك لا يكون للسيد بل القول للعبد، وظاهر المصنف أن القول قول العبد من غير نظر لشبه ولا عدمه وهو موافق لظاهر كلام المواق، والذي يفيده كلام الشارح أن اختلافهما هنا في القدر كاختلافهما في قدر الثمن في البيع، فالقول قول العبد بيمينه إن أشبه سواء أشبه الآخر أم لا، وإن أشبه السيد فالقول قوله بيمين فإن لم يشبه واحد منهما حلفا وكان عليه كتابة مثله، وفي المدونة ما يوافق ذلك كذا في الشرح. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: لا القدر، فقال بعشرة وقال العبد بأقل فالقول للعبد بيمين إن أشبه وحده أو مع السيد، فإن انفرد السيد بالشبه فقوله بيمين فإن لم يشبها حلفا وكان فيه كتابة المثل، كاختلاف التبايعين فإن الكتابة فوت ونكولهما كحلفهما ويقضى للحالف على الناكل. انتهى.
والجنس يعني أنهما إذا اختلفا في جنس الكتابة، فقال أحدهما: وقعت بعين، وقال الآخر: بعرض فإن القول قول العبد. قال الشبراخيتي: وظاهره مطلقا وهو ظاهر ما نقله المواق عن الجواهر عن ابن القاسم، ولكن ذكر الشارح وغيره عن اللخمي والمازري في ذلك تفصيلا، وهو أنه إذا اتفقا على أن الثمن من جنس العرض واختلفا في نوعه بأن قال أحدهما رقيق وقال الآخر ثياب ونحوها، فإنهما يتحالفان ويكون على العبد كتابة مثله من المعين وهذا باتفاق اللخمي والمازري، وأما إن اختلفا في جنس الكتابة فقال أحدهما وقعت بعين، وقال الآخر بعرض، فقال المازري: القول قول مدعي المعين إلا أن يأتي بما لا يشبه، وأجرى اللخمي ذلك على اختلاف التبايعين يتحالفان ويتفاسخان ويكون للسيد كتابة مثله. انتهى المراد منه.
ونحوه لعبد الباقي مع زيادة، ونصه عند قوله:"والجنس" فالقول للعبد وظاهره مطلقا وهو ظاهر نقل المواق عن ابن شأس عن ابن القاسم، والذي اتفق عليه اللخمي والمازري أنهما إن اختلفا فيه فقال أحدهما بثوب والآخر بكتاب تحالفا وعلى العبد كتابة مثله من المعين، ويُقضَى للحالف على الناكل، وإذا قال أحدهما بعين والآخر بعرض فالقول لمدعي المعين إلا أن يأتي بما لا يشبه عند اللخمي، وأجرى المازري ذلك على اختلاف التبايعين يتحالفان ويتفاسخان أي ويكون عليه كتابة مثله كما يستفاد من كلامهم.
والأجل أي أصله أو قدره أو انقضائه فالقول للعبد لتشوف الشارع للحرية. انتهى كلام عبد الباقي. قوله: والذي اتفق عليه اللخمي والمازري الخ بهذا اعترض المصنف في التوضيح على قول ابن الحاجب تبعا لابن شأس، وإذا تنازضا في قدرها أو جنسها أو أجلها ففي قبول قول المكاتب أو السيد قولان لابن القاسم وأشهب. انتهى. قال في التوضيح: هذا يقتضي بصريحه أن الخلاف في الثلاث مسائل، أما القدر فالخلاف فيه كما قال، وأما الجنس فلم أر قول ابن القاسم وأشهب كما يوهمه ابن الحاجب، ثم ذكر عن اللخمي ما في الزرقاني عنه، قال: أجرى اللخمي ذلك على قول ابن القاسم إن الكتابة فوت وسكت عن قول أشهب، وقال المازري: إذا اختلفا في الجنس جرى على اختلاف المتبايعين في الجنس فيتحالفان ويتفاسخان. انتهى.
وظاهر إجرائه ومقابلته لما قبله أن الخلاف حقيقي، لكن قول عبد الباقي أي ويكون عليه كتابة مثله صحيح، لقول ابن القاسم: إن الكتابة فوت. قال في التوضيح: وأما الأجل فكلامه محتمل لأن يكون اختلافهما في وجوده وعدمه أو في قدره أو حلوله، أما الأول فقال اللخمي: القول قول المكاتب إنها منجمة ما لم يأت من كثرة النجوم بما لا يشبه، قيل: والمذهب كله عليه، وأما اختلافهما في قدره أو في حلوله ففي المدونة: يصدق المكاتب مع يمينه ولم ينقلوا خلاف أشهب، ولا درك على المصنف في مختصره؛ لأنه إنما سوى بين القدر والجنس والأجل في عدم قبول قول السيد فقول [طفى]
(1)
: إن المصنف سوى بين المسائل الثلاث في قبول قول المكاتب تبعا لابن
(1)
في الأصل: المص، والمثبت من البناني ج 8 ص 161.
الحاجب وابن شأس ففيه نظر؛ إذ ليس في كلامه تصريح بقبول قول المكاتب في الثلاث والله أعلم. قاله البناني.
وقوله: أو قدره، قال الرهوني: يشمل مسألة المدونة وهي قولها قال ابن القاسم: وإن اتفقا أن الكتابة خمسون، وقال المكاتب: نجمتها علي في عشرة أنجم كل نجم خمسة، وقال السيد: بل في خمسة أنجم في كل نجم عشرة صدق المكاتب. انتهى منها بلفظها. وقد أطلق هنا وقيد القدر بقوله: إن أشبه لخ، وذلك يوهم أنه لا يقيد هنا بالشبه وليس كذلك، ففي ابن عرفة ما نصه: وفيها إن اتفقا في القدر واختلفا في كثرة النجوم صدق العبد ما لم يأت في قدر النجوم بما لا يشبه. انتهى منه بلفظه.
فرع: قال في المدونة متصلا بما سبق ما نصه: فإن أتيا بالبينة قضيت بأعدلهما وإن تكافأت صدق المكاتب وكانا كمن لا بينة لهما، وقال غيرهُ: يقضى ببينة السيد لأنها زادت، ألا ترى لو قال السيد: الكتابة ألف درهم، وقال المكاتب: تسع مائة صدق المكاتب، وإن أتيا ببينة قضي ببينة السيد لأنها شهدت بالأكثر. انتهى منها بلفظها. ونحوه لابن يونس عنها، وزاد بعد قولها: وكانا كمن لا بينة لهما ما نصه وقاله أشهب. وقال غيره إلى آخره، وقال بعده ما نصه: محمد بن يونس: وهذا الذي احتج به الغير من اختلافهما في عدد مال الكتابة خاصة لا يخالفه فيه ابن القاسم ولا يلزمه به في مسألة اختلافهما في عدد النجوم حجةً؛ لأن كل بينة فيهما قد زادت بينة المكاتب زادت عدد النجوم فانتفع بالتأخير وبقلة ما يقع لكل نجم، وبينة السيد زادت بكثرة ما يقع لكل نجم وبقلة النجوم فيجب عند تكافئهما أن تسقطا، وأما اختلافهما في عدد المال خاصة فبينة السيد قد انفردت بالزيادذ فلذلك قضي بها وبالله التوفيق. انتهى منه بلفظه.
وقال أبو الحسن عند نصها السابق ما نصه: قال أبو إسحاق: وقول ابن القاسم أعدل لأن هذا تكاذب إذا كان في مجلس واحد، ثم نقل كلام ابن يونس وزاد عقبه ما نصه: الشيخ: وجعل أبو إسحاق الزيادة في الكثرة معنوية؛ لأن الكتابة إذا كانت خمسين على عشرة أنجم تساوي عشرين وإذا كانت على خمسة أنجم تساوي ثلاثين، فكأن السيد يقول كاتبتك بثلاثين والعبد يقول بعشرين فهذه الزيادة التي أراد. انتهى منه بلفظه. انتهى.
وإن أعانه جماعة يعني أن المكاتب إذا أعانه جماعة أي أعطوه مالا يستعين به على أداء كتابته فأداها وفضلت من مالهم فضلة، فإن قصدوا بذلك الصدقة عليه فلا يرجعون عليه بشيء بل يكون حرا لا يطالبونه بشيء، وإن لم يقصدوا الصدقة عليه بما أعانوه به بل قصدوا فك الرقبة أو لا قصد لهم رجعوا خليه أي المكاتب بالفضلة إن شاءوا، أو تحاصوا في الفضلة على قدر ما لكل إلا أن يعرف معين من ذلك، فلو دفع إليه اثنان مالا ليؤديه في الكتابة فدفع مال أحدهما وخرج حرا فإنه يرد مال الآخر إليه، وإن لم يعلم مال من بقي فإنهما يتحاصان فيه على قدر ما [دفعا]
(1)
إليه. قاله الجزولي. قاله الحطاب.
وعلى السيد بما قبضه إن عجز يعني أن محل الرجوع بالفضلة على المكاتب بالقيد المذكور إنما هو حيث أدى الكتابة وخرج حرا، وأما إن عجز فإنهم يرجعون على السيد بما قبضه من المكاتب من مالهم قال الشبراخيتي: ورجعوا على السيد بما قبضه في الوجه الذي يكون لهم فيه الفضلة وهو ما إذا قصدوا فك الرقبة أو لا قصد لهم إن عجز المكاتب. وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية أي وإن لم يكن الأمر كذلك بل قصدوا الصدقة عليه، فلا رجوع لهم بالفضلة على المكاتب حيث تحرر ولا رجوع لهم على السيد بما قبضه من المكاتب حيث عجز وعاد قنا؛ لأن الصدقة إنما يقصد بها ثواب الله في الآخرة ولا رجوع فيها. انتهى.
وقال عبد الباقي: وإن أعانه أي المكاتب جماعة بشيء يؤدي منه كتابته، فإن أدى وفضلت منه فضلة فإن لم يقصدوا الصدقة بما أعانوه به بل قصدوا الإعانة على فك رقبته من الرق أو لا قصد لهم رجعوا بالفضلة ورجعوا على السيد بما قبضه من مالهم لعدم حصول قصدهم إن عجز المكاتب عن أدائها أو عن بعضها، وإلا بأن قصدوا الصدقة على المكاتب فلا رجوع لهم بالفضلة عن أداء النجوم.
(1)
في الأصل: دفعه، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 558 ط دار الرضوان.
تنبيهات: الأول: علم من قوله: "بالفضلة" أنه لا رجوع لهم بغير الفضلة، فلو لم يفضل شيء فلا رجوع لهم عليه. وعلم من قوله: بما قبضه إن عجز أنه يرجع على السيد بجميع ما قبضه من المكاتب حيث عجز.
الثاني: قال عبد الباقي: ثم كلام المص هذا حيث لم يحصل تنازع وإلا عمل بعرف البلد، فإن لم يكن عرف فالقول لهم بأيمانهم. انتهى. ونحوه للشبراخيتي ونصه: وإذا تنازع الدافع مع السيد أو العبد في قصد الصدقة وضدمها، فإن كان عرف عمل به وإلا فالقول للدافع بيمينه. انتهى. واعلم أن قول المصنف:"وإن أعانهُ جماعة" لا ينافي واحدا من القصدين أي قصد الصدقة وقصد فك الرقبة.
الثالث: قال الحطاب: قال الجزولي: كل من دفع إليه مال لأمر ما إما لكونه عالما أو صالحا أو فقيرا ولم تكن فيه تلك الخصلة، فإنه يرده ولا يأكله، فإن فعل أكل حراما. انتهى.
الرابع: قوله: "بالفضلة" كذا في المدونة. الوانوغي: وظاهرها يسيرة أو كثيرة وقيدت بالكثيرة ويشهد له ما في كتاب الجهاد والقذف. انتهى.
الخامس: قد مر أنه إن قصد الجماعة الصدقة أنهم لا يرجعون على السيد بما قبضه من المكاتب حيث عجز هو كذلك في المدونة. نقله عنها غير واحد.
السادس: قال الشبراخيتي: ولو قال المؤلف: وإن أعطى مالا فإن لم يقصد به الصدقة رجع بالفضلة لخ إذ إعطاء الواحد كإعطاء الجماعة.
السابع: قد مر عن الحطاب أن من دفع إليه مال لأمر ما ولم يكن فيه ذلك الأمر أنه يرده ولا يأكله، فإن فعل أكل حراما. قال الرهوني: نحوه في المعنى لأبي الحسن، فإنه قال ما نصه: يؤخذ من هنا أن من أخرج مالا في مفاداة أسرى فماتوا أو افتكوا بغيره أنه يرجع إليه. وسئل عنها ابن زرب فقال بعض من حضر مجلسه: يجعله في أسرى آخرين، فقال ابن زرب: لا يرجع إليهم وليست هذه مثل تلك. وأشار إلى ما في سماع ابن القاسم من كتاب الهبات والصدقات فيمن وقف ببابه سائل فأخرج إليه درهما أو كسرة فوجده قد انصرف، قال: لا يأكله وليتصدق به، وهذا بخلاف من أعطِي زكاة فلم يأكلها حتى استغنى فإنه يأكلها لأنه أخذها بوجه جائز، ولو
أعطيه ليغزو بها ردها، ولو أعطيها ابن السبيل فلم يتحمل فإنه يردها، وعلى هذا من أعطي مالا ليقرأ عليه فلم يقرأ أنه يرده. الشيخ: ووجدت فيما قيد عن الشيخ أبي محمد صالح رحمه الله عن الحافظ التادلي رحمه الله أن والده أعطاه مالا ليقرأ عليه فلم يجد في نفسه غرض والده فرد المال إلى والده وقال لم أجد الغرض الذي قصدت، قال: فأخذ والده بيده وحمله إلى ولي من الأولياء - ذكر بعضهم أنه أبو يعزى - فدعا له، وقال: فتح الله لك المدونة كما فتحها لسحنون فكان من التادلي ما كان. انتهى.
الثامن: قوله: "رجعوا بالفضلة وعلى السيد بما قبضه" الخ قال الرهوني: إذا لم يوجد صاحبه حيث يؤمر بالرد له، فأشار له المواق هنا بقوله: وانظر إذا لم يعرفوا كما لو لم يعرف صاحب الوديعة ففرق بين الإيقاف في هذا واللقطة. انتهى. وكلامهم يوهم أنه لا خلاف في إيقافه وليس كذلك، ففي ابن يونس ما نصه: قال أشهب: إن عرفهم رد عليهم وإن لم يعرفهم جعله في مكاتبين أو في رقاب. قال سحنون: ولست أرى ذلك وأرى إن لم يعرفهم أن يوقف المال بيده أبدا وهو كاللقطة يريد في الإيقاف لا في المدة؛ لأنه قد قال: يوقف أبدا وفارق اللقطة في هذا لأن هذا عرف أصحابه واللقطة لا يعرف صاحبها فأوقفت سنة (كما في الحديث)
(1)
، وهذا كالوديعة يغيب صاحبها ولا يعرف له خبر، فقد قيل إنه يعمر ويتصدق بها ولا يقتصر في إيقافها على سنة. انتهى منه بلفظه. ونقله أبو الحسن أيضا. انتهى.
وإن أوصى بمكاتبته فكتابة المثل يعني أن السيد إذا أوصى أن يكاتب العبد الفلاني من عبيده فإنه يكاتب كتابة مثله على قدر قوته على السعي وعلى قدر أدائه هذا إن حمل الثلث قيمة الرقبة على أنه رقيق، وإنما اعتبر هنا كون الثلث يحمله نظرا إلى أنه أوصى بعتقه لأن الكتابة عتق على أحد القولين: فإن لم يحمله الثلث فإن الورثة يخيرون بين أن يكاتبوه كتابة مثله أو يعتقون من رقبته ما حمله الثلث بتلا كما يأتي، فقوله: إن حمله أي المكاتب أي حمل قيمته على أنه رقيق الثلث أي ثلث الميت، وفي بعض النسخ: إن حملها أي قيعة رقبته لا الكتابة لأنه
(1)
البخاري، كتاب اللقطة، رقم الحديث 2429 - مسلم، كتاب اللقطة، رقم الحديث 1722.
خلاف النقل: وما هنا مبني على أن الكتابة عتق. قاله غير واحد. وقوله: "وإن أوصى" الخ كان السيد صحيحا أو مريضا.
وإن أوصى له بنجم فإن حمل الثلث قيمته جازت يعني أنه إذا أوصى شخص لمكاتبه بنجم معين، بدليل قوله:"فإن حمل الثلث قيمته" وكذا لو وهبه فإن حمل الثلث النجم المعين عتق ما يقابله واستحقه الموصى له به وهو المكاتب هنا، ويستمر عليه بقية النجوم على ما هي عليه، فإن وفي خرج حرا وإلا عتق مقابل ما أوصى له به ورق الباقي. قاله غير واحد. وقال الشبراخيتي: وإن أوصى لمكاتبه بنجم معين من أولها أو وسطها أو آخرها قوم ذلك النجم الموصى به وجميع مال الميت، فإن حمل الثلث قيمته قوم هو وسائر النجوم ثانيا، ثم ينسب ذلك النجم لبقية النجوم ويعتق منه بمثل تلك النسبة ويوضع عنه ذلك النجم بعينه، مثال ذلك لو كان عليه ثلاثة نجوم وقيمة الأول ثلاثون والثاني عشرون والثالث عشرة، فإن أوصى له بالأول أو بالثاني أو بالثالث حط عنه وعتق منه بقدره ويسعى في النجمين الآخرين، فإن أدى خرج حرا في الجميع وإن عجز رق منه في الأول النصف وفي الثاني الثلثان وفي الثالث خمسة أسداس. انتهى.
وإلا راجع للمسألتين أي وإن لم يحمل الثلث قيمة رقبة المكاتب في الأولى وقيمة النجم في الثانية، فعلى الوارث الإجازة بأن يكاتبوه كتابة المثل في الأولى أو يعتقوا مقابل ما أوصى به ويرق الباقي في الثانية. أو عتق محمل الثلث من المكاتب فيهما ويحط عنه في الثانية من كل نجم بقدر ما عتق منه أي فيما إذا عتق منه محمل الثلث، فإذا عتق منه الثلث حط عنه من كل نجم ثلثه ولا يحط عنه من النجم المعين فقط، وإذا عجز في هذه الحالة عن بقية ما عليه رق منه ما عدا ما حمله الثلث وإن كان النجم غير معين، فإن اتفقت النجوم فكالمعين وإن اختلفت فإنه يحط عنه من كل نجم بنسبة واحد إلى عددها، فإن كانت ثلاثة فيحط عنه من كل واحد الثلث أو أربعة فالربع وهكذا وهذا إذا حمل الثلث ذلك، فإن لم يحمل الثلث ذلك فإن أجاز الورثة فحكمه حكم ما لو حمله الثلث وإلا عتق من العبد محمل الثلث ويحط من كل نجم بقدر ما عتق منه، وإذا عجز عن أداء ما بقي رق منه ما عدا ما عتق منه بموجب الوصية. قاله الخرشي.
ونحوه لعبد الباقي فإنه قال: وإلا محمل الثلث قيمة المكاتب في الأول وقيمة النجم في الثانية، فعلى الوارث فعل أحد أمرين: الإجازة للوصية في المسألتين أو عتق محمل الثلث فيهما، لكن في الثانية إذا عتق منه محمل الثلث يحط عنه من كل نجم بقدر ما عتق منه لا من النجم المعين خاصة؛ لأن الوصية فيه حالت عن وجهها لما لم يجزها الورثة. قاله التتائي. وإن عجز في هذه الحالة عن بقية ما عليه رق منه ما عدا ما حمله الثلث، وقولي: في النجم المعين مثله غيره إن اتفقت النجوم: فإن اختلفت حط عنه من كل واحد بنسبة عددها، فإن كانت ثلاثة حط عنه من كل نجم الثلث أو أربعة فالربع وهكذا، ويجري ما مر في رق الباقي حيث عجز عن أدائه مع حمل الثلث وعدم حمله ولم يجز الورثة. انتهى. قوله: مثله غيره إن اتفقت النجوم، وانظر أي نجم منها يقوم فإن قيمتها مختلفة، وإن استوت أعدادها فإذا قوم الأول كانت قيمته أكثر ثم كذلك، والظاهر أنه يعتبر أقلها قيمة وإن كان هو الآخر لتشوف الشارع للحرية. قاله الرهوني. قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر أن هذا الذي ذكر يجري على حكم الاختلاف فيجري فيه قوله: فإن اختلفت حط الخ، وأن معنى اتفاق النجوم في القيم كأن يكون نجم ذهبا؛ نجم عرضا ونجم طعاما وقيمتها متفقة على تأجيلها، أو يتفق قدرها وصفتها ولا ينقصها تأجيلها كما قد يقع ذلك. والله تعالى أعلم.
تنبيه: قوله: "وإن أوصى له بنجم" أي في الصحة أو في المرض، وتقييده في المدونة بالمرض إنما هو لذكره الهبة والصدقة، ونصها: من وهب لمكاتبه نجما بعينه أو تصدق به عليه أو أوصى له بذلك وذلك كله في حال المرض ثم مات السيد قوم ذلك النجم وسائر النجوم بالنقد بقدر آجالها، فبقدر حصة النجم منها يعتق الآن من رقبته ويوضع عنه النجم بعينه إن حمله الثلث، وإن لم يحمله خير الورثة في إجازة ذلك وبتل محمل الثلث من المكاتب، ويحط عنه من كل نجم بقدر ما عتق منه وليس من النجم المعين خاصة لأن الوصية قد حالت عن وجهها لا لم يجز الورثة. انتهى. انظر البناني والمواق.
وإن أوصى لرجل بمكانبه يعطي أنه إذا أوصى لرجل مثلا بكتابة مكاتبه فإن تلك الوصية جائزة إن حمل الثلث قيمة الكتابة أو قيمة العبد على أنه مكاتب، فإذا كانت قيمة الكتابة عشرة وقيمة
الرقبة ثمانية والثلث يحمل الثمانية جازت الوصية وكذا العكس، فإن لم يحمل الثلث ذلك الأقل خير الوارث بين إجازة ذلك وبين إعطاء الموصى له من الكتابة محمل الثلث. بهذا قرره عبد الباقي. وقرره غير واحد على ظاهره من أن المعنى أوصى له برقبة مكاتبه، فإن الوصية جائزة إن حمل الثلث قيمة الرقبة على أنه مكاتب أو قيمة الكتابة أي الأقل منهما، فإن لم يحمل الثلث الأقل منهما خير الوارث بين الإجازة وبين إعطاء الموصى له من الكتابة محمل الثلث، وعلى كلا التقريرين فإن خرج حرا فالأمر ظاهر وإن عجز رق منه للموصى له بقدر محمل الثلث أو بقدر ما أجازه له الوارث.
أو بما عليه يعني أنه إذا أوصى لشخص بما على مكاتبه من نجوم الكتابة، فإن الوصية جائزة بشرط أن يحمل ثلث الميت الأقل من قيمة الرقبة على أنه مكاتب ومن قيمة الكتابة فإن لم يحمل الثلث الأقل خير الوارث بين إجازة ذلك وإعطاء الموصى له من الكتابة محمل الثلث، فإن أدى فالأمر ظاهر وإن عجز رق منه للموصى له بقدر محمل الثلث أو بقدر ما أجازه له الوارث. قال عبد الباقي: لا يقال ما قررت به قوله: "وإن أوصى لرجل بمكاتبه" عين قوله: "أو بما عليه" لأنا نقول هي عينها في المعنى، ولكن القصد ذكر الصيغ التي تقع من الوصي وإن اتحد معناها. انتهى. وأما على ما قرره به غير واحد كالتتائي والخرشي والشبراخيتي فالتغاير ظاهر. والله تعالى أعلم.
أو بعتقه يعني أنه إذا أوصى بعتق مكاتبه أو بوضع ما عليه فإن ذلك جائز إن حمل الثلث الأقل من قيمة الرقبة على أنه مكاتب وقيمة الكتابة، فإن لم يحمل الثلث الأقل خير الوارث بين إجازة ذلك وعتق محمل الثلث، فإن عجز عتق منه بقدر محمل الثلث أو بقدر ما أجازه الوارث. وعلم مما قررت أن قوله: جازت أي الوصية إن حمل الثلث أي ثلث الموصى أقل الأمرين قيمة كتابته أو قيمة الرقبة على أنه مكاتب جواب الشرط، فهو في المسائل الثلاث. والله تعالى أعلم.
وإذا قال السيد لعبده: أنت حر على أن عليك ألفا من الدراهم مثلا، أو قال: أنت حر وعليك ألف درهم، أو حر على ألف كما في ابن الحاجب لزم العتق للسيد معجلا، ولزم المال للعبد في المسائل الثلاث: مسألتي المصنف وما زادها. ابن الحاجب: معجل إن أيسر وإلا اتبع ذمته به
لأنها قطاعة لازمة، وسواء زاد مع حر الساعة أو اليوم أو لم يقل بل أطلق كما في أبي الحسن على المدونة، خلافا لقصر التتائي المصنف على الثاني، وإنما لزم المال هنا بخلاف من قال لزوجته أنت طالق على ألف أو وعليك ألف فتطلق ولا شيء عليها؛ لأنه يملك ذاته وماله فكأنه أعتقه واستثناه، وإنما يملك عصمة المرأة فقط لا ذاتها ولا مالها. قاله عبد الباقي.
وخير العبد في الالتزام والرد في حر على أن تدفع يعني أنه يخير العبد في الالتزام للمال ولا يعتق إلا بأدائه والرد لا قال سيده، ويبقى قنا فيما إذا قال له السيد أنت حر على أن تدفع إلي ألفا مثلا أو حر على أن تؤدي إلي كذا، أوأنت حر إن أعطيتني ألفا أو نحوه أي نحو ما ذكر، كمتى جئتني بكذا أو إن جئتني به أو إذا جئتني به. قال عبد الباقي: والفرق بين هذه وبين قوله قبله: "وأنت حر على أن عليك ألفا" أنه جعل الدفع إليه في هذه، وأما في على أن عليك ألفا ألزمه المال ولم يكله إليه، ومحل التخيير ما لم يقل الساعة أو ينوها وإلا لزم العتق والمال. قاله الحطاب. ويعلم أنه نواها من قوله، وهذا إذا جعل الساعة ظرفا للحرية، فإن جعلها ظرفا لتدفع أو تؤدي خير كما
(1)
لم يذكرها كذا ينبغي. انتهى. والحاصل من هذه المسائل الأخيرة أن العبد يخير بين أن يقبل ما قال السيد وأن يرده، فإن رد فلا كلام، وإن قَيل فلا يعتق إلا بالأداء صرح به في العتق الثاني منها.
تنبيهات: الأول: لا ينجم للعبد في هذه المسألة. قاله في المدونة.
الثاني: قال فيها: ليس للعبد أن يطول بسيده ولا للسيد أن يعجل بيعه إلا بعد تلوم السلطان بقدر ما يرى، وسيأتي الخلاف فيه في كلام عياض.
الثالث: قال فيها أيضا: وإن دفع الألف عن العبد أجنبي جبر السيد على أخذها وعتق العبد، ولو دفع العبد ذلك من مال كان بيد العبد، فقال السيد: ذلك المال لي
(2)
فليس له ذلك لأن العبد عنا كالمكاتب يتبعه ماله ويمنع السيد من كسبه أيضا.
(1)
في عبد الباقي ج 8 ص 162: كما إذا لم.
(2)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 560 ط دار الرضوان.
الرابع: قال في المدونة: لو قال أنت حر على أن تدفع إلي مائة دينار إلى سنة فقبل ذلك العبد، فإن لم يقل حر الساعة أو يرد ذلك لم يعتق العبد إلا بالأداء عند الأجل ويتلوم له بعد محله، فإن عجز رق. وقوله: إن جئتني بكذا إلى أجل كذا فأنت حر من القطاعة ومن ناحية الكتابة ويتلوم له كالمكاتب وليس له بيعه، قال أبو الحسن: قال اللخمي: ويحال بين السيد ومال العبد وخراجه، وله أن يسعى فيما لزم من المال ويضرب له الأجل بقدر ما يرى أنه يحضره فيه وإن لم يأت به تلوم له، ولا يمكن العبد أن يطول على السيد فإن لم يحضره كان رقيقا. وقال عياض: قال ابن القاسم: ولا سبيل إلى بيعه في هذه الوجوه ولا هبته حتى يوقف عند الإمام ويتلوم له أو يعجزه، ومثله في المدونة على قياس قول مالك. وفي العتبية: إن طال الزمان لم يلزم سيده ما جاء به، نحوه للمخزومي في المدونة والبسوطة. ومذهب سحنون أنه متى قاما من المجلس فلا حرية للعبد وإن جاءه بالمال. انتهى. وقوله: في هذه الوجوه يعني به المسائل الثلاث، وهي أن تدفع أو تؤدي أو إن أعطيت. انتهى. قاله الحطاب.
الخامس: قال الحطاب: إذا كان القول له ذلك أمة فكل ما ولدت بعد ذلك فإنه يعتق إذا أدت الألف وخرجت حرة، قال مالك: كل شرط كان في أمة فما ولدت بعد الشرط من ولد أو كانت حاملا به يوم شرط لها ذلك فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها. انتهى من عتقها الثاني.
السادس: قال فيه: وإن قال لعبده
(1)
إن أديت إلي اليوم مائة دينار فأنت حر فمضى اليوم ولم يؤد شيئا فلا بد له من التلوم. انتهى. والله أعلم. قاله الحطاب.
ولا أنهى الكلام على الكتابة أتبعه بالكلام على أم الولد فقال:
(1)
في الأصل: العبد، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 561 ط دار الرضوان.
باب: في الكلام على أم الولد، قال الرهوني: قال في الصباح: أم الشيء أصله الوالدة: وقيل أصلها أمهة، ولهذا تجمع على أمهات وأجيب بزيادة الهاء وأن الأصل أمات، قال ابن جني: دعوى الزيادة أسهل من دعوى الحذف وكثير في الناس أمهات وفي غير الناس أمات للفرق، والوجه ما أورده في البارع أن فيها أربع لغات: أم بضم الهمزة وكسرها، وأمة وأمهة فالأمهات والأمات لغتان ليست إحداهما أصلا للأخرى ولا حاجة إلى دعوى حذف ولا زيادة. انتهى. والحاصل من هذا أن المرضي أن الأم والأمة والأمهة لغات فلا حذف ولا زيادة. الشبراخيتي: والصحيح جواز استعمال الأمهات في الناس والنعم كما أن الأمات كذلك وعلى الأمهات قول الشاعر:
....................
…
أمهتي خندف وإلياس أبي
وعلى الأمة قول الشاعر:
تقبلتها عن أمة لك طالما
…
تنوزع في الأسواق عنها خمارها
ابن عبد السلام: جرت العادة بترجمة هذا الكتاب بأمهات الأولاد، ولعل سبب ذلك تنويع المولود الذي تحصل به الحرية للأم، فقد يكون تام الخلق وقد يكون مضغة أو علقة أو مصورا. انتهى. ابن عرفة: أم الولد هي الحر حملها من وطء مالكها عليه جبرا. انتهى. قوله: من وطء مالكها تخرج بذلك المستحقة حاملا من زوج لأنه غير مالك، وتخرج بقوله جبرا عليه أمة العبد يعتق السيد حملها منه لأنه غير جبري. ابن مرزوق: هذا الحد لا جامع ولا مانع إذ لا يصدق على شي، من أفراد المحدود؛ لأن الحكم بأمومة الولد لا يثبت للأمة إلا بعد الموضع، وأما بمجرد الحمل وقبل الموضع كما هو ظاهر لفظه فلما لاحتمال أن لا يكون ما ظهر حملا، فلو قال: ولدها بدل حملها لكان أشبه وهو مع ذلك غير مطرد لدخول من أعتقها مالكها بعد الولادة منه، فإنها بعد العتق لا تسمى أم ولد ولا لها حكمها. وقد أجاب عن الاعتراض الأول جسوس والتاودي ولم يجيبا عن الثاني، ونص التاودي: وقد يجاب بأنا لا نسلم ذلك بل هي أم ولد قبل الوضع أيضا
والوضع شرط في ترتب الأحكام ققط، بل بعضها لا يتوقف عليه كمنع
(1)
بيعها فليتأمل بإنصاف. وقد صرح الجزولي وابن رشد بأن المشهور فيمن مات عنها سيدها وهي حامل أنها تعتق في الحال قبل وضعها. انتهى. ونحوه لجسوس وهو ظاهر وما ذكره من منع بيعها قبل الوضع أمر مسلم، ففي ابن عرفة ما نصه: والمذهب منع بيع أم الولد وحكاه غير واحد إجماعا ومنع بعضهم ثبوته، وكذا بيعها حاملا من سيدها، حكى البردعي في احتجاجه على بعض الحنفية الإجماع على منع بيعها، وقدح فيه بعض فقهاء تونس على قول من يجيز بيع الحامل ويستثني جنينها، وأخبرني بعض من لقيت من الثقات الحفاظ أنه وقف على حاشية في رسالة ابن أبي زيد بخط من يعتد به إمضاء بيعها عن علي بن زياد، ونقله ابن غازي في تكميله وقال عقبه: فأما الإجماع على منع بيع أم الولد فممنوع كما حكي عن بعضهم.
وقد ذكر ابن رشد في المقدمات فيها أربعة مذاهب، ثم قال: وأما قول ابن عرفة: أخبرني بعض من لقيت فمراده به أبو عبد الله السطي الفاسي كذا وقفت عليه مقيدا عنه، وأغرب مما حكاه عنه ما في فصل استصحاب الحال من كتاب أحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي عن داوود الظاهري وأتباعه، ومحمد بن سحنون وأبي جعفر أحمد بن نصر الداوودي من جواز الإقدام على بيع أم الولد، فأين الاتفاق فضلا عن الإجماع هذا بعد الموضع؟ وأما في حال العلوق فقد سلم المتناظران وغيرهما الإجماع لولا نقض بعض فقهاء تونس. انتهى. قلت: تسليمهما نقض الإجماع بالتخريج المذكور عجب بالنسبة إلى جلالتهما؛ لأن التخريج إنما هو قياس فكيف ينقض الإجماع بقياس هذا البعض؟ ومن المعلوم المقرر أن القياس المصادم للإجماع فاسد وابن عرفة ممن يقول بذلك، وكذا ابن غازي. فتأمله. والله الموفق. وممن حكى الإجماع على الأمرين معا وساق الثاني دليلا على الأول ابن يونس نقلا عن سحنون وسلمه، ونصه: قال سحنون: وقد قام من إجماع الصحابة بالمدينة في منع بيع أمهات الأولاد ما لا يسع خلافه، وقد قضى به عمر رضي الله عنه بعد المشورة وهو رأي علي في ذلك، وحكم عثمان رضي الله عنه
(1)
في الأصل: لمنع، والمثبت من الرهوني ج: ص 210.
بمثله واتصل ذلك وتأكد عند العلماء في كل زمان، وما ذكر أن عليا رضي الله عنه رجع فلم يثبت ولو ثبت لكان رأيه مع عمر وعثمان والمهاجرين أولى وهذا أثبت في الرواية، ولا يعرف ولا يعلم أنه جرى ببيعهن حكم إمام وعلى ذلك علماء الأمصار في القرن الثالث، ولم يختلف أحد أنها إذا حملت فلا يجوز بيعها، فإذا وضعت فهي على الأصل في منع بيعها لا تنقل عنه إلا بدليل. انتهى من أول ترجمة من كتاب أمهات الأولاد. وقال بعد هذا في ترجمة أم الولد:"تكاتب" لخ من كتاب أمهات الأولاد أيضا ما نصه: وقد تقدم في الباب الأول الحجة في منع بيع أمهات الأولاد بالسنة والإجماع. انتهى منه بلفظه.
ونقل المتيطي في نهايته كلام سحنون المتقدم في نقل ابن يونس، وزاد ما نصه: قال سحنون: ولا كشف عن أمرهن عبد الملك ابن مروان أخبره ابن شهاب عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(لا يبعن في الدين ولا يعتقن في ثلث)، قال سحنون: ولو كان ما ذكر من بيعهن جائزًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما تظاهر الخليفتان والمهاجرون والأنصار على خلاف ذلك، ولم يكن يخفى عن جملتهم لا سيما بعد المشورة والاجتماع. انتهى منها بلفظها.
ثم قال بعد هذا بقريب ما نصه: وقد كان بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم اختلاف في ذلك إلى أن فحص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من أمرهن وبحث عنه، فاجتمع هو بعد أن كان يقول فيما روي عنه بجواز بيعهن ومن حضره من بقية العشرة ومن المهاجرين والأنصار على أنهن متعة لسادتهن ما عاشوا، ثم يخرجن من بعدهم أحرارا من رؤوس أموالهم، فانعقد الإجماع على هذا من حينئذ واستقر الأمر عليه إلى أيام عبد الملك بن مروان، إلا ما يذكر من رجوع علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيام خلافته إلى إجازة بيعهن في الديون، ثم اضطرب في أمرهن ففحص عبد الملك فأخبره الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمضى ما وصف عنه، وروى عنه أن المنذر بن مخرمة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يبعن في دين ولا يعتقن في ثلث، فأقر ذلك وكتب به إلى البلدان، ومن الفقهاء من يدعي الإجماع في هذه المسألة. ولا يصحح ما روى من رجوع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا على ما ذهب إليه ابن القصار وغيره ممن تابعه، على أن الإجماع لا ينعقد إلا بانقراض العصر، وأما على مذهب
غيرهم من أنه لا يشترط انقراض العصر فلا ينخرم الإجماع المنعقد أيام خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجوع علي أيام خلافته، وقد روي ما يدل على أنه رجع عن رجوعه إلى ما كان انعقد عليه الإجماع فتجدد بذلك الإجماع في زمانه، وذلك قول عبيدة السلماني في حديثه: روى الشعبي عن عبيدة السلماني، قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: رأى أبو بكر رؤيا ورأى عمر رؤيا عتق أمهات الأولاد حتى مضيا لسبيلهما ثم رأى عثمان ذلك ثم رأيت أنا بيعهن في الدين، قال عبيدة: فقلت لعلي: رأيك ورأي عمر وعثمان في الجماعة أحب إلينا من رأيك بانفرادك في الفرقة فقبل مني وصدقني، وهذا من علي رضي الله تعالى عنه إجماع منه مع سائر الصحابة على المنع من بيعهن في غير الدين، ثم رجع عما انفرد به من جواز بيعهن في الدين إلى ما أجمع عليه مع الصحابة بقبوله لقول عبيدة وتصديقه.
وإلى جواز بيعهن في الدين وغيره ذهب داوود القياسي والرافضة وأهل المظاهر، واحتج من نصر مذهبهم بقوله عز وجل:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، وبما روى عن جابر بن عبد الله أنه قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدر خلافة عمر ثم نهانا عمر عن بيعهن وهذا كله لا حجة لهم فيه، أما الآية التي احتجوا بظاهرها من القرآن فإنها عموم يتخصص بما ذكرناه من الأدلة، وأما حديث جابر فإنه ضعيف عند أهل النقل، وقد روي عنه من طريقه ما عارضه فلأهل المعلم في بيع أمهات الأولاد ثلاثة أقوال: أحدها قول مالك وكافة العلماء، والثاني قول أهل المظاهر أنها تباع في الدين وغيره ولا تعتق من رأس المال ولا من الثلث، وللشافعي مثله في مواضع من كتبه ثم قطع في أربعة عشر موضعا من كتبه أنهن لا يبعن في دين ولا غيره مثل قول مالك وجمهور العلماء، والثالث أنها لا تباع إلا في الدين وهو القول الذي رجع إليه علي رضي الله عنه على ما بيناه، وما روي عن ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير أنها تعتق من نصيب ولدها قول رابع في المسألة. انتهى منها بلفظها.
ونقلته بطوله لما اشتمل عليه من الفوائد والتحريرات، والأقوال الأربعة التي ذكرها هي التي أشار إليها ابن غازي بقوله السابق، وقد ذكر فيها ابن رشد في المقدمات أربعة مذاهب، وما أفاده كلام المتيطي من أن تلك الأقوال لا تقدح في صحة الإجماع هو الصواب، كما أن ما حكاه أبو عبد الله
السطي عن بعض الحواشي عن علي بن زياد وأبو الوليد الباجي عن ابن سحنون والداودي كذلك؛ لأن هؤلاء كلهم محجوجون بالإجماع المنعقد قبلهم، ولذلك لما ذكر الحافظ بن حجر في فتح الباري الخلاف وأن القائلين بالمنع تعلقوا بأحاديث أصحها حديثان وذكرهما وذكر الجواب عن الاستدلال بهما، قال آخرًا ما نصه: ولم يستند الشافعي في القول بالمنع إلا إلى عمر، فقال: قلته تقليدًا لعمر، قال بعض أصحابه: لأن عمر لما نهى عنه الناس فانتهوا صار إجماعا؛ يعني فلا عبرة بندور الخلاف بعد دلك ولا يتعين معرفة مستند الإجماع. انتهى منه بلفظه. ونقله العلامة القسطلاني في شرح البخاري، وزاد ما نصه: وإذا قلنا بالمذهب أنه لا يجوز بيع أم الولد فقضى قاض بجوازه، فحكى الروياني عن الأصحاب كما في الروضة أنه ينقض قضاؤه وما كان فيه من خلاف فقد انقطع وصار مجمعا على منعه. انتهى منه بلفظه. وبذلك كله تعلم ما في [كلام]
(1)
ابن غازي والله أعلم.
فائدة: قال ابن غازي في تكميله ما نصه: وأما البرذعي المذكور هنا فهو أبو سعيد أحمد بن الحسين البردعي بإسكان الراء الخراساني الحنفي تلميذ أبي علي الدقاق، ذكره ابن سيد الناس الأندلسي وغيره، وأما قول ابن عرفة في احتجاجه على بعض الحنفية فعهدته عليه، وإنما ذكر غير واحد أنه ناظر الظاهري في أم الولد، فقال الظاهري: أجمعنا على بيعها قبل العلوق، فمن ادعى خلاف ذللث فعليه الدليل، فقال له البردعي: ما يؤمنك بأنه مقابل بأقوى منه وهو أنا أجمعنا على أنها لا تباع حين العلوق، فمن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل فانقطع الظاهري فمنهم من يقول هذا الظاهري، هو داوود بن علي الأصفهاني القياسي وهذا هو الذي في المقدمات، ومنهم من يقول إنه ابنه أبو بكر واشتهر داوود بالقياسي نسبة إلى القياس الذي ينفيه كما قالوا لنفاة القدر قدرية. وذكر القاضي ابن خلكان أنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وذكر ابن سيد الناس أن البردعي سار إلى الحج فلما وصل إلى بغداد وجد داوود في مجلسه وهو يقول أجمعنا على أن بيع أم الولد قبل حملها جائز فكذلك بعد وضعها أخذا بحكم
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 212.
الاستصحاب، فقال له البردعي: أجمعنا على أن بيعها حالة العلوق لا يجوز فكذلك بعده أخذا بالاستصحاب فانقطع، فرأى في المنام في تلك الليلة قارئا يقرأ:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} ، إلا أن داوود قد مات فجلست للناس وتركت الحج وقد ظن الزناتي وغيره أن الناظر هنا هو البرادعي المالكي صاحب التهذيب واختلاف طبقتيهما كاف في رده، ويقع في كثير من نسخ المقدمات البرادعي بالألف فيتطرق منه هذا الوهم والصواب ما ذكرناه إن شاء الله تعالى. انتهى منه بلفظه. وأما الجواب عن إيراد ابن مرزوق الثاني فلم يتعرض له جسوس والتاودي، ولا رأيت أحدا ذكره ويمكن أن يجاب عنه بأن قول ابن عرفة: الحر حملها، يشعر بأن الحرية مقصورة عليه لم تتعد إليها، فإن تعدت إليها لم تسم أم ولد أو يقال لا نسلم أن تنجيز سيدها عتقها يمنع من تسميتها أم ولد، كما أن عتقها من رأس المال بعد موت سيدها لا يمنع من تسميتها بعد ذلك أم ولد في اصطلاح الفقهاء، وما قدمناه من كلام الأئمة يفيد ذلك كما يفيده أيضا قول أئمة المذهب: عدة أم الولد بعد وفاة سيدها حيضة وهذا الجواب أولى. فتأمله بإنصاف. والله تعالى أعلم. قال جميعة الرهوني.
تنبيهات: الأول: قال الحطاب: عياض: ولأم الولد حكم الحرائر في ستة أوجه وهي أنه لا خلاف أنهن لا يبعن في دين ولا يرهن ولا يوهبن ولا يؤاجرن ولا يسلمن في جناية ولا يستسعين، وحكم العبيد في أربعة أوجه انتزاع مالهن ما لم يمرض السيد وإجبارهن على النكاح على القول به واستخدامهن في الخفيف الذي لا يلزم الحرة، ويجوز لسيدهن فيهن الاستمتاع. انتهى من التوضيح. انتهى.
الثاني: قال الحطاب: قال ابن القاسم: بلغني أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كانوا بني أمهات الأولاد، قال ابن رشد: ذكر هذا ليبين أن هذا ليس مما يعاب به أحد وهو بين، قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
الثالث: قال الحطاب: قال في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب العتق في أمة أقرت بعد موت سيدها أنها أتت بولد من فاحشة وقامت بينة أن السيد كان أقر بوطئها: فإن الولد يلحق
به وإقرارها بالزنى لا ينفيه عن والده ولا يوجب إقرارها ملكها، بل هي حرة من رأس المال. والله تعالى أعلم. انتهى.
وأشار المصنف إلى ما تثبت به أمومة الولد بقوله: إن أقر السيد بوطء يعني أن أمومة الولد تثبت باجتماع أمرين، فإذا حصلا معا فإنها تعتق من رأس المال: أحدهما أن يقر السيد بأنه وطء هذه الأمة مع إنزال، لا مع عدمه فكالعدم، ثانيهما هو قوله الآتي:"إن ثبت إلقاء علقة ففوق" أي لابد من ثبوت وضع حمل بأن يثبت بالبينة الآتية أنها ألقت علقة فما فوقها من مضغة مخلقة أو غير مخلقة، وجواب هذا الشرط هو قول المصنف الآتي:"عتقت من رأس المال"، وقوله:"إن ثبت إلقاء علقة ففوق" قيد في الشرط فهو شرط في شرط، وتوضيح معنى المصنف أن تقول: إن أقر سيد أمة بوطئها والحال أنه قد ثبت إلقاؤها لعلقة فما فوقها من مضغة مخلقة أو غير مخلقة عتقت من رأس المال، وهذا الذي قال هنا كقول الشاعر:
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا
…
منا معاقل عز زانه كرم
أي إن تستغيثوا بنا مذعورين.
ولا يمين إن أنكر هذا مفهوم قوله: "إن أقر" يعني أنه إذا ادعت الأمة على السيد أنه وطئها وأنكر السيد الوطء، فإن ما أتت به من ولد لا يلحق به ولا تكون به أم ولد ولا يعين عليه لرد دعواها لأنها دعوى عتق وهو لا يثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها، قال عبد الباقي: ولا يمين عليه إن أنكر وطأها حيث ادعى عليه لأنها دعوى عتق وهو لا يثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها؛ وتتوجه عليه اليمين في صور منها: إذا شهد شاهدان على إقراره بالوطء وامرأة على الولادة، أو شهد شاهد على إقراره بالوطء وامرأتان على الولادة. قاله الشيخ البنوفري. أو شهد شاهد على إقراره بالوطء وامرأة على الولادة، وسواء كان معها في هذه الصور الثلاث ولد أم لا أو شهد اثنان أو واحد على إقراره بالوطء ومعها ولد، وأما لو شهد اثنان على إقراره ولم تشهد امرأة على الولادة ولم يكن معها ولد فإنه لا يحلف. ومقتضى قوله في باب الشهادات:"فلا يعين بمجردها" أنه يحلف، فإن نكل حيث توجهت عليه في المسائل السابقة، فهل يكون كمن نكل
عنها في دعوى العتق مع شاهد فيحبس وإن طال دين؟ كما يفيده قول الشارح في تعليل عدم اليمين لأنه من دعوى العتق أم لا؟ انتهى.
ويأتي في هذا الثاني؛ يعني قوله قاله البنوفري، قال البناني: ما نقله عن البنوفري من لزوم اليمين في المسألتين هو نص المدونة، وذكرهما ابن عرفة عنها. انتهى. وقوله: أو شهد شاهد على إقراره بالوطء وامرأة على الولادة الخ. ابن عرفة: إن قام شاهد على إقراره بالوطء وامرأة بالولادة فلا يمين وقيل تلزمه اليمين، وذكرهما عياض روايتين في المدونة. قال: وكذا الخلاف في شاهدين وامرأة على الولادة. انتهى كلام البناني. وقال الرهوني: قوله أو شهد شاهد على إقراره بالوطء وامرأة بالولادة فيه نظر؛ لأن الراجح في هذه سقوط اليمين، ففي ابن يونس ما نصه: قال غيره: فأما لو أقامت شاهدا على إقراره بالوطء وامرأة على الولادة فلا يمين على السيد، وقيل تلزمه اليمين. انتهى منه بلفظه.
وقال المتيطي في نهايته ما نصه: ولو أقامت شاهدا على إقراره بالوطء وامرأة على الولادة فلا يمين على السيد، وقيل تلزمه اليمين على اختلاف الروايات في ذلك في المدونة، وقد وقع في بعض روايات المدونة إذا أقامت شاهدا على الوطء وامرأة على الولادة وفي بعضها شاهدين على الوطء وامرأة على الولادة أحلفته، قال بعض الشيوخ: وهذا أصح من الرواية الأولى ولا يمين حتى يثبت أحد الطرفين، كمن شهد عليه شاهد باليمين وآخر بالحنث فلا يمين عليه. انتهى منه بلفظه. انتهى كلام الرهوني.
وقول عبد الباقي. ومقتضى قوله في باب الشهادات لخ، يقتضي أنه لا نص في اليمين، ولابن عرفة مفهوم المدونة أنه لو لم تقم امرأة على الولادة مع إقامتها شاهدين على الإقرار لم يحلف، وقال اللخمي: إن اعترف بالوطء وأنكر الولادة ولا ولد معها حلف إن ادعت علمه، وإن كان غائبا حين تقول إنها ولدت لم يحلف. انتهى. قال البناني: وقول عبد الباقي: فهل يكون كمن نكل عنها في دعوى العتق لخ، قال البناني: هذا قصور. ابن عرفة: ابن يونس: قال بعض شيوخ القرويين: إن نكل دخله اختلاف قول مالك إذا أقامت شاهدا بالعتق ونكل عن اليمين. انتهى. وقال عبد الباقي: أو شهد اثنان أو واحد على إقراره بالوطء ومعها ولد لخ، ما ذكره من تصديق
السيد بيمين فيما إذا شهد اثنان على الإقرار ومعها ولدٌ، خلاف قول مالك في المدونة إنه يقبل قولها حينئذ كما يأتي، وبه تعلم أيضا ما في قوله: وسواء كان معها في هذه الصور الثلاث ولد أم لا لخ؛ لأنه إذا كان معها ولد في الصورة الأولى وهي شهادة شاهدين على الإقرار وامرأة على الولادة صدقت بالأحرى. قاله البناني أيضا.
وقول عبد الباقي: وتتوجه عليه اليمين في صور الخ اعلم أن اليمين في الصورة الأولى على نفيه الولادة فقط لا على نفي الوطء؛ لأن الوطء ثابت بإقراره به بعدلين فلا وجه لليمين على نفيه مع ثبوته بعدلين. قاله الرهوني. وقول عبد الباقي: لأنها دعوى عتق الخ قال اللخمي: أما إنكاره الوطء فلم يختلف المذهب أن القول قوله رائعة كانت أو من الوخش، قال محمد: ولا يمين عليه لأنها بمنزلة من ادعى العتق وأرى أن يحلف إذا كانت من العلي لأن العادة تشهد لها وتصدق وله تشترَى، ومن ادعى غير ذلك من الرجال فقد أتى بما لا يشبه وليس كالعتق؛ لأن العتق نادر والوطء غالب، ولو قيل إنه لا يصدق في العلي إذا طال مقامها لكان له وجه ولو علم من السيد ميل إلى مثل ذلك الجنس من الوخش لأحلف، زاد في بعض النسخ: ولو كانت سوداء. انتهى.
ونقله ابن عرفة وسلمه، ونصه: اللخمي: أرى أن يحلف إن كانت رائعة لتصديق العادة لها، ولو قيل لا يصدق في العلي إذا طال مقامها لكان له وجه، ولو علم من السيد ميله لمثل ذلك الجنس من الوخش لأحلف. انتهى منه بلفظه. قلت: أما إذا تقررت عادة أهل بلده بالتسري من مثله لمثلها تقررًا لا نزاع فيه فلا ينبغي أن يعد ما قاله اللخمي مقابلا ولا مخالفا لقاعدة: وكل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها؛ لأنها إذ ذاك لم تتجرد بل عضدها الشاهد العرفي وهو كالشاهد الحقيقي على المشهور وكالشاهدين على مقابله، وإنما يتوقف في ذلك إذا كان يقع من بعض أمثاله مع مثلها، وسواء ادعت على صالح أو طالح أو مجهول حال؛ لأنها إنما ادعت عليه أمرا مباحا بالكتاب والسنة والإجماع، وقد فعله سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم تسليما، وكان موجودا في عهده وعهد أصحابه كثيرا.
تنبيه: قد مر أن ابن القاسم قال: بلغني أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كانوا بني أمهات الأولاد، وأن
ابن رشد قال: ذكر ابن القاسم هذا ليبين أن هذا ليس مما يعاب به أحد وهو بين، قال الله عز وجل:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ونقله الرهوني، وزاد عقب هذا ما نصه: وقال عمر بن الخطاب: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه.
وروي أن أبا الدرداء توفي له أخ لأبيه وترك أخا أي لأمه، فنكح امرأته فغضب أبو الدرداء حين سمع ذلك فأقبل إليها فوقف عليها، فقال: أنكحت ابن الأمة؟ فردد ذلك عليها: فقالت: أصلحك الله إنه كان أخا زوجي وكان أحق بي يضمني وولدي فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل إليه حتى وقف ثم ضرب على منكبيه فقال:(يا أبا الدرداء يا ابن ماء السماء: طف الصاع طف الصاع طف الصاع) وتطفيف الصاع هو تقصيره عن الامتلاء، ومنه قوله عز وجل:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ، وقال أبو عبيد: هو أن يقرب من الامتلاء ولما يمتلئ، فمعنى [الحديث]
(1)
لا انتقص أخا أخيه لأبيه بأنه ابن أمة كان في ذلك وصفه لنفسه بالكمال من جهة النسب، فرد النبي صلى الله عليه وسلم بأن أعلمه بتساويه معه ومع الناس جميعا في النقصان، بقوله: طف الصاع طف الصاع طف الصاع، وإن تباينوا في النقصان بقدر أعمالهم المحمودة إذ لا يدرك بنفسه درجة الكمال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)
(2)
ففي هذا دليل على أنهم إذا لم يفقهوا كان من فقه ممن دونهم أرفع منهم؛ وفي هذا علو مرتبة أحل الفقه على من سواهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه: (ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح)
(3)
. الحديث. وبالله التوفيق. انتهى. انتهى. ونقله عن ابن رشد الرهوني.
قوله في الحديث: (طف الصاع) لم يتعرض ابن رشد لضبطه، هل هو فعل أو مصدر؛ وكلام ابن الأثير يقتضي أنه مصدر، لكن في حديث آخر ونصه:(كلكم بنو آدم طف الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى)
(4)
أي قريب بعضكم من بعض، يقال هذا طف الكيال وطفافه وطفافه أي ما
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 215.
(2)
البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، رقم الحديث 3374.
(3)
مسند أحمد، ج 4 ص 145.
(4)
مسند أحمد، ج 4 ص 158 - النهاية ج 3 ص 129.
قرب من ملئه، وقيل هو من علا فوق رأسه، ويقال أيضا على طفاف بالضم والمعنى كل في الانتساب إلى أب واحد بمنزلة واحدة في النقص والتقصير عن غاية التمام، ونبههم في نقصانهم بالكيل الذي لم يبلغ أن يملأ الكيال، ثم أعلمهم أن التفاضل ليس في النسب ولكن بالتقوى. انتهى من نهايته بلفظها. انتهى.
كأن استبرأ بحيضة ونفاه وولدت لستة أشهر تشبيه في عدم اليمين اللازم منه كونها غير أم ولد؛ يعني أن السيد إذا أقر بوطء أمته واستبرأها بعد الوطء بحيضة وأتت بولد لستة أشهر فأكثر من الاستبراء ونفاه أي الولد، فإنه لا يمين عليه ولا تكون بذلك الولد أم ولد. قال الشبراخيتي: ينتفي عنه الولد بلا يمين ويصدق في الاستبراء من غير يمين. وقوله: "لستة أشهر" أي فأكثر؛ لأن الأئمة إذا قالوا ستة أشهر مرادهم ستة فأكثر. انتهى المراد منه. وقال عبد الباقي: وشبه في عدم اليمين اللازم منه كونها غيرَ أم ولد، قوله: كأن استبرأ بحيضته بعد إقراره بالوطء ونفاه أي الوطء وخالفته وولدت لستة أنتهر فأكثر من الاستبراء كما في المدونة، والعلة تقتضي أنه من يوم ترك وطأها فلا يلزمه يمين ولا يلحق به الولد وينتفي عنه بلا لعان. انتهى. قال البناني: جعله الضمير في نفاه للوطء فيه نظر، والذي في المدونة أن الضمير للولد وهو ظاهر، ونصها: من أقر بوطء أمة وادعى بعده أنه استبرأها بحيضة ونفى ما أتت به من ولد صدق في الاستبراء ولم يلزمه ما أتت به. انتهى. وإن كان قول ابن الحاجب: ولو ادعى استبراء لم يطأ بعده لم يلحقه ولا يحلف. انتهى. يقتضي جعل الضمير للوطء إلا أن الأول أظهر. انتهى. وقوله: والعلة تقتضي أنه من يوم ترك وطأها غير صحيح، إذ لو أتت من يوم تركه الوطء لكان الاستبراء لغوًا لتحقق الحيض في الحمل، فيكون بمنزلة من لم يستبرئ. قاله البناني.
تنبيه: قال الحطاب: قال في تهذيب الطالب: سألت الشيخ أبا بكر بن عبد الرحمن عن الأمة تأتي بولد فينكره السيد ويدعي الاستبراء فلا يلحق به، هل تحد؟ فوقف عن الحدث وذكر أن الشيخ أبا الحسن وقف في ذلك، قال الشيخ أبو بكر: وهي شبهة تدرأ الحد والمرأة قد تهراق الدم على الحمل فالحد يسقط عنها، وكذلك غيره من شيوخنا القرويين أنها شبهة تدفع الحد، قال:
ألا ترى أن عبد الملك يحلفه على ما ادعى من الاستبراء؛ قال: وأما لو أنكر أن يكون وطئها أصلا فهاهنا تحد إذ لا أحد علمناه يقول إن عليه اليمين إذا كان يقول ما وطئها أصلا. انتهى.
وإلا يدخل تحته ثلاث صور، فتقول: وإن لم يستبرئ أو استبرأ ولم ينفه أو ولدته لأقل من ستة أشهر لحق به أي لحق الولد بالسيد، وتكون به أم ولد في المسائل الثلاث، وقوله: ولو أتت بالولد لأكثره أي لأكثر أمد الحمل، وهل أربع أو خمس؟ خلاف مبالغة في الأولين دون الأخير، قال الشبراخيتي: وإلا أي وإن لم يستبرئ أو لم ينفه أو ولدت لأقل من ستة أشهر لحق به ما أتت به من ولد وكانت به أم ولد ولو لأكثر مبالغة في غير الأخير. انتهى. وقال الخرشي: فإن أقر السيد بوطء أمته ولم يستبرئها أو استبرأها ولكن أتت بولد لأقصر من مدة أقل الحمل، فإنه يلحق به ويلحق به في صورة عدم الاستبراء ولو أتت به لأقصى أمد الحمل من يوم الاستبراء. انتهى. يعني فيما إذا استبرأ ولم ينفه. وقال عبد الباقي: وإلا يستبرئ أو لم ينفه أو ولدت لأقل من ستة أشهر لحق به؛ وبالغ على غير الأخير بقوله: ولو أتت به لأكثره أي أكثر مدة الحمل أربع سنين أو خمس ويصدق في الاستبراء بدون يمين، وإذا استبرأ وولدت لستة أشهر فأكثر ونفاه فلا حد عليها. انتهى.
قوله: ويصدق في الاستبراء بدون يمين بهذا جزم ابن الحاجب، فقال في التوضيح: ظاهر المدونة كما ذكر سقوط اليمين وهو قول مالك، ونص الموازية: وألزمه عبد الملك ومطرف وعيسى اليمين، ورواه أشهب عن مالك، وقال ابن مسلمة: يحلف إن اتهم وإن نكل ألحق به الولد ولم ترد اليمين، وقال المغيرة في أول قوليه: لا ينتفى بالاستبراء جملة ولا يبرأ منه إلى خمس سنين، ومال إليه اللخمي مستدلا بأن النفي بالاستبراء ضعيف لأن الحامل تحيض عندنا إلا أن تكون الأمة ممن يظن به الفساد، فيترجح القول بالاستبراء وإن كانت معروفة بالعفاف والصيانة لم ينتف به، ونقل ابن يونس عن ابن سحنون ما نصه: وروى عبد الملك أن مالكا، قال: إذا استبرأت بثلاث حيض حلف وبرئ منه. انتهى. قاله الرهوني. وقوله: وإذا استبرأ وولدت لستة أشهر الخ مفهومه أنه إذا لم يقر بالوطء أصلا لحدت كما مر مستوفى.
وأشار إلى الأمر الثاني بقوله: إن ثبت إلقاء علقة ففوق هو شرط في قوله: "إن أقر السيد" يعني أن السيد إذا أقر بوطء أمته الذي أنزل معه، فإنها إنما تكون أم ولد إن ثبت أنها ألقت من بطنها علقة فما فوقها من مضغة مخلقة أي فيها الروح، أو غير مخلقة أي لم تنفخ فيها الروح، والعلقة هي الدم المجتمع بحيث لو صب عليه الماء الحار لا يذيبه. وقوله:"إن ثبت إلقاء علقة ففوق" محله حيث لم يكن معها ولد مطلقا، وأما إن كان معها ولد والسيد مقر بالوطء أو منكر له وقامت به بينة فإنه يثبت لها أمومة الولد، قال البناني: وجود الولد معها مع إقراره كاف في أمومة الولد على مذهب المدونة، سواء استمر على إقراره أو ثبت عليه بالبينة بعد إنكاره، ففي ابن عرفة: وفي قذفها من أقر بوطء أمته ثم أتت بولد فقال لها لم تلده مني ولم يدع استبراء، وقالت ولدته منك صدقت والولد لاحقٌ به. انتهى. وقال في التوضيح: واختلف إذا كان معها ولد أي مع إقرار السيد بالوطء، ففي المدونة: يقبل قولها، وقيل لا بد من امرأتين على الولادة. وقال محمد: يقبل قولها إن صدقها جيرانها أو أحد حضرها. انتهى.
وقال ابن عرفة أيضا: واختلف إن كان معها ولد أي مع إقراره، فقال مالك في المدونة: يقبل قولها، وقال أيضا: إن أنكر الوطء وأقامت رجلين على إقراره بالوطء وامرأتين على الولادة كانت أم ولد وثبت نسب ولدها إن كان معها ولدت فسوى بين وجود الولد وعدمه وأنها تقيم امرأتين على الولادة، وقال محمد: تصدق إن صدقها جيرانها أو من حضرها وليس يحضر مثل هذا الثقات. انتهى. فانظر قوله: وقال أيضا إن أنكر الوطء لخ، فقد جعله مقابلا وهو القول الثاني في كلام التوضيح قبله: وذلك يدل على ما قلناه من الإطلاق. فتأمل. انتهى.
وحاصل ما للرهوني هنا أن هذا الذي قاله البناني هنا هو الصواب وهو المعتمد، وأن ما قاله عبد الباقي من التفصيل بين أن يقر بالوطء ثم ينكر وقام على إقراره ذلك شاهدان فلا يكتفى بوجود ولد معها من دون ثبوت الولادة، وأما لو لم ينكر بل ثبت على إقراره فيكتفى بوجود ولد معها هو أحد قولي مالك في المدونة وهو خلاف المعتمد. انتهى. وقال الخرشي: وإن قامت بينة بإقراره بالوطء فلا بد من إثبات الولادة أو أثرها وإن بامرأتين إن كان الولد معدوما، وإلا لم تحتج إلى إثبات ذلك. انتهى.
ولو بامرأتين يعني أن إلقاء العلقة فما فوق يثبت بشهادة امرأتين فتكون الأمة أم ولد، ورد بلو قول سحنون: لا تكون بذلك أم ولد. قاله الشبراخيتي. وقال: إن ما قبل المبالغة إن ثبت بعدة نساء بل ولو ثبت الإلقاء بامرأتين. انتهى. وقال: قال الزرقاني: إن لم يكن بامرأتين بل كان برجلين أو برجل وامرأتين بل ولو كان بامرأتين، ويتصور شهادة الرجال في ذلك بأن تكون معهم امرأة في الموضع لا يمكنها أن تأتي بولد فيه تدعيه كالسفينة وهم في وسط البحر، فيحصل لها التوجع للولادة ثم يرى أثر ذلك. ومن هذا يستفاد أن شهادة الرجال فيما لا يطلع عليه إلا النساء مقبولة. انتهى. وقوله: ومن هذا يستفاد الخ هذه صورة نادرة فلا تنقض القواعد الكلية. انتهى كلام الشبراخيتي.
كادعائها سقطا رأين أثره تشبيه في لحوق الولد؛ يعني أنه إذا أقر السيد بالوطء ولم يستبرئها ادعت أنها أسقطت حملها والسقط غير حاضر معها، وقالت: إن ما أسقطته من السيد وأنكر السيد ذلك وقال إنها لم تسقط ورأت النساء أثر ذلك السقط كتورم المحل وتشققه والمشيمة، فإنها تثبت لها بذلك أمومة الولد، قال عبد الباقي: وشبه في لحوق الولد قوله: "كادعائها سقطا رأين" - أي النساء - أثره"؛ كتورم المحل وتشققه وأقر السيد بوطء ولم يستبرئ وأتت به، وأنكر كونها أسقطته فقالت: بل هو منك، فيلحق به والسقط غير حاضر معها، وأما لو كان حاضرا لصدقت باتفاق. انتهى. ونحوه للخرشي. وأطلق المص [الجمع]
(1)
في رأين على اثنتين وهو جائز.
عتقت من رأس المال جواب الشرط، أعني قوله:"إن أقر" ومعنى كلامه أن السيد إذا أقر بوطء أمته الذي أنزل معه والحال أنه ثبت أن الأمة ألقت علقة ففوق فإنها تعتق من رأس المال، قال عبد الباقي: وقوله "عتقت" جواب الشرط الأول كما مر، والثاني قيد فيه على المرتضى من أقوال في توالي شرطين مع جواب واحد، كقوله؛
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا
…
منا معاقل عز زانه كرم
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من عبد الباقي ج: ص 164.
أي إن تستغيثوا بنا مذعورين، والمعنى في المصنف إن أقر سيد أمة بوطئها وقد ثبت إلقاء علقة ففوق عتقت من رأس المال. انتهى.
تنبيهات: الأول: قوله: "عتقت من رأس المال" أي تعتق من رأس المال ولو قتلت سيدها عمدا، والفرق بينها وبين بطلان التدبير بقتل سيده كما مر ضعف التهمة فيها لقربها من الحرائر في منع إجارتها وبيعها في دين أو غيره ورهنها وهبتها واستسعائها وإسلامها إن جنت.
الثاني: اعلم أن أم الولد إن قتلت سيدها عمدا فإنها تقتل به، وكذا المدبر يقتل بسيده إن قتله عمدا.
الثالث: قال الحطاب: قال الجزولي: إذا تركها حاملا هل تعتق في الحال أو تنتظر حتى تضع؟ إذ قد ينفش الحمل قولان المشهور أنها تعتق في الحال، وعليه اختلف في نفقتها فقيل في التركة وقيل على نفسها، وعلى القول الآخر نفقتها في التركة، وصرح ابن رشد أيضا بأن المشهور أنها حرة بتبين الحمل وأنه لا نفقة لها ولا سكنى، فأم الولد إذا مات سيدها وهي حامل لا نفقة لها ولا سكنى لها على المشهور عند ابن رشد، كما أنها حرة على المشهور إذا مات عنها وهي حامل. وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا مات موروثها وهي حامل، فعلى المشهور ترث لا على مقابله. والله تعالى أعلم.
وولدها من غيره يعني أن ولد أم الولد الحادث بعد الاستيلاد يعتق بموت سيده من رأس المال أي من أصله لا من الثلث، فقوله:"عتقت من رأس المال وولدها" أي تعتق هي وولدها من غيره مما وجد، وإن لم يوجد غيرها.
تنبيهات: الأول: قال البناني عند قوله "عتقت من رأس المال" ما نصه: هو في الحقيقة لازم الجواب لأن الجواب صارت أم ولد ومن لازمه عتقها فاستغنى باللازم عن الملزوم.
الثاني: قال ابن عاشر: مقتضى كلام خليل كالمدونة وغيرها أقر السيد لخ أن الأمة إن حملت ولم يقر سيدها ولم ينكر لمعاجلة الموت لم يلحقه. انظر لو كانت من العلي التي لا تشترى إلا للوطء. ابن عرفة عن المدونة: لو تمت عدة أم الولد من زوجها ثم أتت بولد لا يشبه أن يكون من زوجها
فزعمت أنه من سيدها لحق به في حياته وبعد موته، إلا أن يقول قبل موته: لم أمسها بعد موت زوجها، قال في اللعان: ولا خفاء أن هذا خاص بأم الولد. انتهى.
الثالث: قال الخرشي بعد أن ذكر أن أم الولد تعتق من رأس المال ما نصه: وكذلك ولدها من غير سيدها إذا أتت به بعد الاستيلاد؛ لأن كل ذات رحم ولدها بمنزلتها ولا يجوز لسيدها أن يطأها إن كانت أمة. انتهى. وقال عند قوله: من رأس المال: "لا من الثلث". انتهى. قال الشبراخيتي: وانظر إذا قتل سيده هل يكون بمنزلة ما إذا قتلت أمه السيد فيعتق ويقتل به؟ وهو ظاهر قولهم: كل ذات رحم فولدها بمنزلتها. انتهى المراد منه. وما قاله ظاهر.
وقوله: "وولدها من غيره" أي الحادث بعد الاستيلاد كما عرفت، وأما الولد السابق للاستيلاد فلا يعتق من ثلث ولا من رأس مال، قال الشبراخيتي معتذرا عن المصنف حيث لم يقيد ما نصه: وأما ولدها السابق فلا يقال له ولد أم ولد وحينئذ لا حاجة للتقييد بكونه بعد الاستيلاد. انتهى. وقال التتائي: وكذا ولدها بعد الاستيلاد من غيره أي من غير السيد يعتق من رأس المال؛ لأن كل ذات رحم ولدها بمنزلتها وله خدمتهم والجناية عليهم وإجارتهم. قال في المقدمات وغيرها: وهم في ذلك بخلاف أمهم، وقول البساطي: لا حاجة للتقييد بكون الولد بعد الاستيلاد لأن الضمير في ولدها لأم الولد غير ظاهر لصدقه على من قبله أيضا، ولذا قيد به ابن الحاجب. انتهى. وقال المواق: قال ابن رشد: إذا ولدت الأمة من سيدها الحر فقد حرم عليه بيعها وهبتها ورهنها والمعاوضة على رقبتها أو على خدمتها وإسلامها في الجناية وعتقها في الواجب، وليس له منها إلا الاستمتاع بالوطء فما دونه طول حياته، وهي حرة من رأس المال بعد وفاته وولدها من غيره بعد الاستيلاد يعتق بموت السيد وهم بخلاف أمهم في الاستخدام والاستيجار له أن يستخدمهم ويؤاجرهم لكن لا يطأ الابنة لأنها كالربيبة. انتهى.
ولا يرده دين سبق يعني أن عتق أم الولد لا يرده دين على سيدها سابق على استيلادها، ومن باب أولى دينها الا، حق بخلاف من فلس ثم أحبل أمته فإنها تباع عليه، فقوله:"ولا يرده" أي العتق بأمومة الولد دين سبق وطأها قبل قيام الغرماء ونشأ عن ذلك حمل. قاله الخرشي. وقال عبد الباقي: ولا يرده أي عتقها بأمومة الولد دين سبق استيلادها حيث وطئها قبل قيام الغرماء
ونشأ عنه حمل، وأولى الدين اللاحق، بخلاف من فلس ثم أحبل أمته فإنها تباع عليه. وبخلاف المدبر فيرده دين سبق إن سيد حيا وإلا مطلقا كما مر. انتهى. وقال المواق: الجلاب: من كان عليه دين محيط بماله فوطئ أمة له فحملت صارت أم ولد ولم تبع في دينه. انتهى.
كاشتراء زوجته حاملا تشبيه في أنها تعتق من رأس المال لصيرورتها أم ولد؛ يعني أن الأمة إذا اشتراها زوجها حاملا منه فإنها تصير بذلك أم ولد؛ لأنه لا ملكها بالشراء صارت كأنها حملت وهي ملكه. قاله الخرشي. وقال عبد الباقي: وشبه في عتقها من رأس المال لصيوورتها أم ولد. قوله: "كاشتراء زوجته حاملا" منه ولو أعتقه سيدها إلا أن يعتق عليه كمتزوج أمة جده وحملت ثم اشتراها منه حاملا فلا تكون به أم ولد، والفرق أن حملها لا كان يدخل معها في البيع وليس له استثناؤه كان عتقه له كلا عتق، بخلاف أمة الجد فليس له بيعها حاملا لغير زوجها لتخلقه على الحرية. قاله الشيخ أحمد بابا. انتهى المراد منه.
وقال الشبراخيتي: فإنها تصير بحملها أم ولد فهو تشبيه في أمومة الولد والعتق من رأس المال، وهذا إذا كان الولد لا يعتق على السيد، وأما إن كان الولد يعتق عليه فإنها لا تكون به أم ولد، كما لو تزوج أمة أصله فحملت منه ثم اشتراها وهي حامل، ومثل الشراء الإرث فإذا تزوج أمة أصله ثم ورثها فإذا أتت بولد لستة أشهر فأكثر من موت الأب فهي أم ولد، وإن ولدته لأقل من ستة لم تكن به أم ولد. واحترز بقوله:"زوجته" عما لو اشترى موطوءته بشبهة حاملا فإنها لا تكون بذلك أم ولد. انتهى. ويأتي عن ابن مرزوق ما يخالفه، ويأتي عن البناني والرهوني ما يفيد ترجيح ما لابن مرزوق. والله تعالى أعلم.
وقال الحطاب عند قوله: "كاشتراء زوجته حاملا" ما نصه: هذا هو المشهور - يريد إذا لم تكن ملكا لمن يعتق عليه ولدها كأبيه ونحوه - فإن كانت لم تكن بذلك أم ولد بلا خلاف قاله في التوضيح. وأما إن أعتق البائع ولدها ففي ذلك قولان، واقتصر في التوضيح على أنها تكون به أم ولد: قال: ومن تزوج أمة والده فورثها وهي حامل، فإن كان حملا ظاهرا أو لم يكن ظاهرا ووضعته لأقل من ستة أشهر لم تكن به أم ولد لأنه عتق على جده، وإن وضعته لستة فأكثر فهي به أم ولد. انتهى. وقال المواق: قال ابن رشد: اختلف قول مالك فيمن تزوج أمة ثم اشتراها وهي
حامل، فمرة قال: إنها تكون به أم ولد لأنه عتق عليه وهو في بطنها وهو مذهب ابن القاسم وأكثر أصحاب مالك. انتهى. وقال التتائي: كاشتراء زوجته حاملا فإنها تصير بحملها أم ولد على المشهور، لأنه لما عتق بالشراء صارت كما لو حملت به ابتداء أي بعد الشراء، وبه قال ابن القاسم وأكثر الأصحاب، ولذا لو لم يعتق عليه بالشراء لم تكن أم ولد عند الجميع. انتهى المراد منه.
لا بولد سبق يعني أن الزوج إذا اشترى زوجته ومعها ولد منه سابق على الشراء فإنها لا تكون بذلك أم ولد أو وطء من وطء شبهة يعني أنه إذا اشترى أمة ومعها ولد منه بوطء شبهة فإنها لا تكون بذلك أم ولد، والفرق بين حقيقة هذه والتي قبلها أن الولد في السابقة من زوج وفي هذه من وطء شبهة، وأما لو اشتراها وهي حامل منه بوطء شبهة فإنها تكون بذلك أم ولد؛ فاشتراء الأمة وهي حامل من المشتري بوطء شبهة أو زواج تكون بذلك أم ولد، بخلاف ما لو اشتراها ومعها ولد من زواج أو من وطء شبهة فإنها لا تكون بذلك أم ولد، قال ابن مرزوق: الذي يتحصل لي من نصوص أهل المذهب أن كل وطء شبهة تصير الأمة بحملها به أم ولد. انتهى. وقبله ابن عاشر. انتهى. قاله البناني. وقال الرهوني: الصواب ما أفاده كلام ابن مرزوق لا ما لابن غازي من أنه إذا اشترى حاملا منه بوطء شبهة لا تكون بذلك أم ولد، ويدل لما قاله ابن مرزوق: نص المدونة وغيرها في واطئ أمة مكاتبة وأمة ولده لأن شبهة الغالط ونحوه أقوى من شبهة هذين، إذ هما آثمان في الإقدام على الوطء، والغالط ونحوه ليس بآثم، وأيضا العلة التي عللوا بها شراء الزوجة موجودة في الغالط ونحوه.
قال المتيطي: واختلف قول مالك فيمن تزوج أمة ثم اشتراها وهي حامل منه هل تكون بذلك الحمل أم ولد؟ لأنه عتق عليه وهو في بطنها وهو مذهب ابن القاسم وأكثر الأصحاب أي أصحاب مالك. ومر قال: إنها لا تكون به أم ورد لأن الرق قد مسه في بطن أمه وهو مذهب أشهب. انتنهى. وهو يدل على أنها تكون به أم ولد في صورة النزاع باتفاقهما. فتأمله. وفي ابن يونس ما نصه: وإنما السنة في أم الولد أن تلد منك وأنت تملكها وليس لغيرك رق في حملها، فمن ابتاع زوجته لم تكن أم ولد بما ولدت منه قبل الشراء، إلا أن يبتاعها حاملا فتكون بذلك الحمل أم
ولد. انتهى. وقال بعده بقريب عن ابن المواز ما نصه: ولا تكون أم ولد إلا لمن ملك رقبتها بما في بطنها حتى يعتق الجنين عليه لا على غيره. انتهى. وكلام ابن مرزوق يفيد أن المسألة بعينها منصوصة في النوادر، فإنه ذكر بعض كلام النوادر، وقال بعده ما نصه: وحاصل ما استقرأته من نصه ونص غيره من أهل المذهب أن وول الشبهة يوجب أمومة الولد وما ليس فيه شبهة لا يوجبه، وبكلام النوادر رد ابن عرفة على ابن عبد السلام، فإنه قال في باب الضحية أثناء كلامه على من ذبح أضحية غيره مطلقا ما نصه: واحتج محمد بالقياس على ثبوت حكم أم الولد للأمة بما ولدته قبل استحقاقها بإمضاء مستحقها بيعها، قال ابن عبد السلام: ويرد بما تقدم لأنه لو وطئ جارية غيره غلطا لم تكن له أم ولد إن حملت واختار ربها أخذ القيمة، قلت: قوله لا تكون به أم ولد وهم، بل تكون به أم ولد لأن كل أمة عتق ولدها على واطئها بأبوة واستقر ملكه إياها قبل ولادتها فهي به أم ولده والقيمة على الواطئ غلطا يوم الوطء على المعروف، فإذا أغرم قيمتها فقد ملكها قبل ولادتها، وترجم الشيخ في نوادره: باب ما تكون به الأمة أم ولد من وطء الشبهة من إحلال أو غلط، فذكر فيها إن أولد امرؤ أمة بعثها له من أمره بشراء أمة بأن أنها غير التي اشتراها له فهي له أم ولد. انتهى. ونقله التاودي. وبذلك تعلم ما في كلام ابن غازي ومن تبعه. والله الموفق. انتهى كلام الرهوني. والله تعالى أعلم.
إلا أمة مكاتبه يعني أن السيد إذا وطئ أمة مكاتبه وأتت بولد منه فإنها تكون بذلك أم ولد، ومن المدونة: من وطئ أمة مكاتبه فأتت بولد لحق به وكانت به أم ولد ولا يحد إذ لا يجتمع الحد والنسب وعليه قيمتها ولا قيمة عليه للولد. انتهى. أو ولده يعني أنه إذا وطئ أمة ولده فأتت بولد منه فإنها تكون بذلك أم ولد، فالاستثناء من ولد الشبهة. واعلم أن أمة المكاتب لا تفوت بوطء السيد لها وإنما تفوت بالحمل، وأما أمة الولد فإنها تفوت بالتلذذ ولو لم تحمل كما مر، وفي المدونة: إن وطئ أمة ابنه الصغير أو الكبير درئ عنه الحد وقومت عليه يوم الوطء وكانت له أم ولد. انتهى.
الخرشي: من وطء أمة مكاتبه فحملت فإنه لا حد عليه للشبهة وتصير به أم ولد ويغرم قيمتها يوم حملت، وكذلك من وطئ أمة ولده الصغير أو الكبير فإنه لا حد عليه للشبهة وتقوم عليه
حملت أم لا، لكن إن حملت فإنها تصير به أم ولد ويغرم قيمتها يوم الوطء موسرا أو معسرا ولا قيمة عليه لولدها، فعلم من هذا أن السيد لا يملك أمة مكاتبه إلا إذا حملت، بخلاف الأب فإنه يملك أمة ولده مطلقا، ومثل أمة المكاتب الأمة المشتركة والمحللة والمكاتبة إذا اختارت أمومة الولد والأمة المتزوجة إذا استبرأها سيدها ووطئها في عصمة زوجها وأتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم الاستبراء، فإنه يلحق به وتكون به أم ولد وتستمر على زوجيتها. انتهى كلام الخرشي.
قوله: من يوم الاستبراء يعني من يوم الوطء الكائن بعد الاستبراء والله تعالى أعلم. ونحو هذا لغيره.
ولا يدفعه عزل يعني أن السيد إذا وطئ أمته وأنزل، ولكنه قال إنه عزل ماءه عما وأتت بولد فإنه لا يدفع الولد عنه دعوى أنه قد عزل ماءه عنها، فيلحق به الولد وتكون به أم ولد إن حصل شرط ذلك. قال الشبراخيتي: وإذا وطئ الرجل أمته فأتت بولد لا يدفعه دعوى أنه حصل منه عزل للمني عن الفرج؛ لأن الماء قد يسبق. انتهى. ونحوه لغيره. أو وطء بدبر يعني أن السيد إذا ولدت أمته وادعت أنه منه، وقال: إنما وطئتها في الدبر يريد وقد أنزل كما يقوله فإنه لا يدفع عنه بذلك لحقوق الولد به، أو فخذين يعني أن الأمة إذا أتت بولد، وقالت إنه من سيدها، وقال السيد: إنما وطئتها بين الفخذين فإن هذا لا يدفع عنه لحوق الولد به وهذا إنما حيث أنزل.
وعلم مما قررت أن قوله: إن أنزل شرط في الأمرين الأخيرين، وأما إن لم ينزل فإن الولد يندفع بذلك، قال عبد الباقي: والولد لا يدفعه عزل لأن الماء قد يسبق، أو وطء بدبر لأنه قد يسبق الماء إلى محل الحرث، وحمل على ذلك حينئذ لخبر:(الولد للفراش)
(1)
لا لأنها قد تحمل مما تحقق أنه لم يسبق لمحل الحرث لاستحالته أو وطء في فخذين إن أنزل أي أقر بالإنزال؛ لأنه لا يعلم إلا منه فإن لم ينزل أي لم يقر به لم تكن أم ولد وصدق بيمين مع عدمه ولا يلحق به؛ وينبغي أن يكون مثل الإنزال ما إذا أنزل في غيرها أو من احتلام ولم يبل حتى وطئها ولم ينزل. انتهى.
(1)
البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث 2053 - مسلم، كتاب الرضاع، رقم الحديث 1457.
وقال المواق من سماع عيسى: ومن اللخمي: من أقر أنه وطء جاريته، فإن لم ينزل أصلا لم يلزمه الولد، وإن أنزل وعزل الماء عن الموطوءة وأنزله خارجا منها احتمل أن يكون يسبقه شيء فوجب أن يلزمه الولد: وقال اللخمي: إن قال وطئت ولم أنزل قبل قوله، وإن قال كنت أنزلت لحق به إلا أن يكون العزل البين، وإن كان الوطء في الدبر أو بين الفخذين كان فيهما قولان، قيل يلحق به الولد لأن الماء يصل إلى الفرج، وقيل لا يلحق به الولد لأن الماء إذا باشر الهواء فسد، والأول أحسن. انتهى كلام المواق. وقال التتائي: فلو كان بين شفري الفرج لكانت به أم ولد اتفاقا، ومفهوم الشرط أنها لا تكون بوطء ليس فيه إنزال. قاله ابن القاسم. انتهى
الحطاب عن الشيخ أبي الحسن: جعلها عياض على ثلاثة أوجه: إن كان وطؤه وإنزاله في الأعكان وغير ذلك من جسدها فيما يتحقق أنه لا يصل إلى الفرج شيء فهذا لا يلحق به عندهم ولد، الثاني أن يكون بين الفخذين وقد تقدم. انتهى. وتقدم ذكر الخلاف فيه وفي الوطء في الدبر عن اللخمي، الوجه الثالث أن يكون بين الشفرين فهذا لم يختلف في لحوق الولد منه. انتهى.
وقد نزلت مسألة العزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل، كنت أعزل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الوكاء ينفلت وألحق به الولد، قال عياض: الوكاء بكسر الواو ممدود: استعارة وتشبيه بخروج الماء في الفرج قبل العزل، والوكاء: الخيط الذي يشد به فم القربة. انتهى. وقال الحطاب: قال ابن القاسم، ومن زعم أنه كان يطأ جاريته ولا ينزل فجاءت بولد فإنه لا يلحقه ولا تكون به أم ولد؛ لأنه إذا زعم أنه كان يفضي وينزل ويعزل فالعزل قد يخطئ ويصيب ولذلك لزمه الولد، وإذا قال كنت أطأ ولا أنزل فإنه ليس ها هنا موضع خوف في أن يكون قد أفضى فيها، فلذلك لم يلزمه الولد. ابن رشد: هذا بين لأن الولد إنما يكون من الماء الدافق، قال الله عز وجل:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} ، فإذا لم ينزل أصلا علم أنه لم يكن ما يكون عنه الولد، فوجب أن لا يلزمه وإذا وطئ وأنزل فعزل الماء عن الموطوءة وأنزله خارجا منها احتمل أن يكون لم يعزله بجملته، وسبقه شيء كان عنه الولد فوجب أن يلزمه أنها صارت فراشا له بوطئه إياها، فوجب أن يلحق به حتى يوقن أنه ليس منه. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث العزل: (ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي
كائنة)
(1)
إخبار بأن الولد قد يكون مع العزل إذا شاء الله أن يكون، وقد قال في آخر كتاب الاستبراء من المدونة: من قال كنت أطأ ولا أنزل فيها فإن الولد يلحق به ولا ينفعه أن يقول كنت أعزل عنها، وهذا لا يخالف ذلك لأن في قوله: ولا أنزل فيها دليل على أنه كان ينزل خارجا عنها وهذا هو العزل بعينه. انتهى.
وجاز برضاها إجارتها يعني أنه يجوز لسيد أم الولد أن يؤاجرها إذا رضيت، وأما إن آجرها بغير رضاها فإن الإجارة تنفسخ، قال الشبراخيتي: وجاز للسيد برضاها لأنها لحقت بالحرائر في سقوط كثير الخدمة عنها إجارتها، ظاهره رفيعة كانت أو لا وهو كذلك، فإن آجرها بغير رضاها فسخت الإجارة وكانت له أجرة المثل على من استخدمها. انتهى. وقال عبد الباقي: وجاز لسيد أم الولد برضاها إجارتها وإلا فسخت ولها إجارة مثلها على من استخدمها، وإن قبضها السيد ورجع عليه بها فإن آجرها بأكثر من أجرة مثلها لم يرجع عليه بالزائد. انتهى. قوله: ولها أجرة مثلها على من استخدمها وإن قبضها الخ، تبع في هذا الأجهوري، قال مصطفى: ولم أره لغيره، وانظره مع قول اللخمي: لو أن السيد آجر وفات ذلك لم يرد وكانت الإجارة للسيد. انتهى.
وفي التوضيح: ابن الجلاب: فإن آجرها فسخت فإن لم تفسخ حتى انقضت لم يرجع المستأجر على سيدها بشيء. انتهى. وقال التتائي: وجاز لسيدها برضاها إجارتها، ظاهره رفيعة كانت أو لا وهو كذلك، فإن آجرها بغير رضاها ففي الجلاب تفسخ ما لم تنقض، فإن انقضت فاتت ولا رجوع للمستأجر على السيد. انتهى. وقال المواق: قال ابن القاسم: تبتذل أم الولد الدنية في الحوائج الخفيفة مما لا تبتذل فيه الرفيعة.
وعتق على مال يعني أنه يجوز لسيد أم الولد أن يعتقها برضاها على مال مؤجل في ذمتها، وأما بمعجل فيجوز وإن لم ترض ونجز عتقها فيهما، قال عبد الباقي: وجاز برضاها عتق على مال مؤجل في ذمتها وأما بمعجل فيجوز وإن لم ترض وينجز عتقها فيهما، والعتق على مال مطلقا
(1)
البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث 5210 - مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث 1438 ولفظهما
…
. إلا هي كائنة.
غير الكتابة لاشتراط الصيغة فيها ولعدم تنجيز العتق فيها، ولأنه جرى خلاف في جبر العبد عليها كما مر فلا يعارض ما هنا قوله الآتي:"ولا تجوز كتابتها". انتهى.
فرع: لو أعتقها على أن يكون الولد عنده لزم العتق ولا ينزع الولد منها، بخلاف الحر يخالع الحرة على أن يكون الولد عنده فيلزمها ذلك؛ لأن أم الولد التزمت ذلك في حال يملك عليها سيدها الجبر، وقيل إن ذلك يلزمها كالحرة. قاله ابن يونس. قاله البناني. ونفقة أم الولد بالرقية لا بالاستمتاع فلا معنى للتوقف في عدم سقوطها بمنع الاستمتاع. والله تعالى أعلم.
وله قليل خدمه يعني أن السيد له في أم ولده قليل الخدمة لا كثيرها، ولذا منعت إجارتها إلا برضاها، قال عبد الباقي: وله أي للسيد في أم الولد قليل خدمة وهو فوق ما يلزم الزوجة ودون ما يلزم الأمة، واللازم للزوجة الخدمة الباطنة من عجن وكنس إلى آخر ما مر في باب النفقة ولو رفيعة لأنه من توابع التمتع بها لا كثيرها ولو دنية، ونبه على ذلك لأنه قد يتوهم منعه ومنع إجارتها. انتهى. وقال الخرشي: وليس للسيد في أم الولد إلا الوطء وقليل الخدمة. انتهى. وقال التتائي: قال الشارح: له قليل خدمة فيها كالعجن والكنس. انتهى.
وكثيرها في ولدها من غيره يعني أن السيد له في أولاد أم ولده من غيره الذين حدثوا بعد الاستيلاد كثير الخدمة، وقد مر أنهم بمنزلتها في كونهم يعتقون بعد موت السيد من رأس المال، قال عبد الباقي: وله كثيرها في ولدها الحادث من غيره بعد ثبوت أمومة الولد لها، وله غلته لأنه لما حرم عليه وطؤها إن كانت أمة لأنها بمنزلة الربيبة كما قدمه بقوله كاللك أبيح له كثير الخدمة فيه دون أمه لحل وطئها له. انتهى. وقال المواق: الباجي: لا خلاف أن له استخدام ولد أم الولد. انتهى.
تنبيه: وقع في شرح عبد الباقي ما نصه: وأما الإجارة فيستوي مع أمه في اشتراط رضاه بها. انتهى.
قال البناني: فيه نظر، بل هو في الإجارة بخلاف أمه فيؤاجره سيده بغير رضاه، قال ابن رشد: لا خلاف في ولد الأمة من سيدها الحر أنه حر، وأما ولدها من غيره فهم بمنزلة أمهم في العتق
بعد وفاة السيد من رأس ماله، وبخلافها في الاستخدام والاستيجار والوطء فله أن يستخدمهم ويؤاجرهم ولا يطؤها إن كانت أمة لأنها كالربيبة. انتهى المراد منه. والله تعالى أعلم.
وأرش جناية عليها بضمير التثنية أي الأم وولدها؛ يعني أنه إذا جنى أحد على أم الولد أو ولدها الحادث بعد الاستيلاد فإن أرش الجناية عليهما للسيد، وفي بعض النسخ بضمير الإفراد عائد على أم الولد، ويعلم منها حكم الجناية على ولدها بطريق المقايسة. قال عبد الباقي: وله أرش جناية عليهما بضمير التثنية في بعض النسخ أي على أم ولده وولدها الحادث من غيره بعد إيلادها، وفي بعضها بضمير الإفراد للأمة ويعلم حكم ولدها المذكور بطريق المقايسة، فإن أعتقها كان أرش الجناية لهما على المذهب وقيل له، وإذا قتلت لزم القاتل قيمتها عند ابن القاسم، كما أنها إذا حملت تقوم قنا. انتهى.
وإن مات فلوارثه يعني أن السيد إذا مات بعد الجناية على أم ولده وقبل أن يقبض أرش الجناية؛ فإن الأرش يكون لوارثه لا لها وهو أحد قولي مالك، ثم رجع إلى أنه لها لأن لها حرمة ليست لغيرها، قال ابن القاسم: وأنا أستحسن ما رجع إليه وهو أن يكون لها، قال المواق: محمد: ولو مات السيد قبل قبضه الأرش، قال ابن القاسم أول قول مالك أنه لورثته: وأنا استحسن ما رجع إليه وهو أن يكون لها. انتهى. ابن عرفة: وفيها أرش ما جنى على أم الولد لسيدها. الصقلي عن محمد: ولو مات سيدها قبل قبضه الأرش ففي كونه لورثته، أولها أول قولي مالك، وثانيهما رواهما ابن القاسم، وقال: الأول القياس ولكنا استحسنا ما رجع إليه واتبعناه، وإن أعتقها سيدها قبل أن تأحْذ أرشها فقال مالك: هو لها. محمد: وهو استحسان. وقال الرهوني: قال ابن يونس: وإن جني على أم الولد فلم يقبض السيد دية ما جني عليها حتى مات سيدها، فقال ابن القاسم: اختلف قول مالك في ذلك، فقال أولا إن ذلك لورثة السيد مثل غيرها من العبيد يعتق بعد أن وجبت له جناية أن ذلك لسيده، ثم قال هو لأم الولد لأن لها حرمة ليست لغيرها. وقوله: الأول هو القياس، ولكن استحسنا قوله الذي رجع إليه واتبعناه فيه ررأيناه أعجب إليه أن يكون لأم الولد، وكذا لو لم يمت ولكنه أعتقها قبل أن يأخذ ما جني عليها فإنه يكون لها. قاله مالك. وهو استحسان. انتهى.
وبهذا النقل عن ابن يونس وابن عرفة تعلم أن القائل بأن القياس هو القول الذي عليه المصنف هو ابن القاسم لا ابن المواز، وقوله:"وإن مات فلوارثه" المظاهر أن مثلها في ذلك ولدها الحادث لأنه بمنزلتها في العتق من رأس المال. والله تعالى أعلم. قال غير واحد: انظر لم ترك المصنف القول المرجوع إليه الذي استحسنه ابن القاسم؟ والاستمتاع بها يعني أن للسيد أن يستمتع بأم ولده ولو مرض كالأمة القن، قال عبد الباقي: وله الاستمتاع بها ولو مرض على ظاهر المدونة. انتهى. وقال التتائي: وله الاستمتاع بها كالأمة. انتهى. وقال المواق من المدونة: إنما له في أم ولده المتعة. انتهى.
وانتزاع مالها ما لم يمرض يعني أنه يجوز للسيد أن ينتزع مال أم ولده ما لم يمرض أي مرضا مخوفا، فإن مرض مرضا مخوفا فليس له انتزاعه، قال عبد الباقي: وانتزاع مالها ما لم يمرض مرضا مخوفا، فإن مرض فليس له انتزاعه لأنه ينتزعه لغيره، وكذا له انتزاع مال ولدها من غيره بالأولى منها؛ لأن له فيه كثير الخدمة دونها كما مر إلا أن يمرض. انتهى. وقال الشبراخيتي: وله انتزاع مالها ما لم يمرض مرضا مخوفا وهو شامل للصورتين بأن كان صحيحا أو مريضا مرضا غير مخوف: فإن كان مخوفا فلا انتزاع له لأنه انتزاع للورثة. انتهى. وقال المواق: الجلاب: وإذا عتقت أم الولد بعد وفاة سيدها تبعها مالها ولا بأس أن يوصي الرجل لأم ولده، وللرجل أن ينتزع مال أم ولده في حياته ما لم يمرض مرضا مخوفا. انتهى.
وقال التتائي: قال المصنف عن عياض: لهن يعني لأمهات الأولاد حكم الحرة في ستة مواضع وحكم العبيد في أربعة مواضع، أما الستة فلا يبعن في دين ولا غيره ولا يرهن ولا يوهبن ولا يؤاجرن ولا يسلمن ولا يستسعين، وأما الأربعة فانتزاع مالهن ما لم يمرض السيد وإجبارهن على النكاح على أحد القولين واستخدامهن في خفيف الخدمة فيما لا يلزم الحرة والاستمتاع بهن كالإماء. قال في الجلاب: ولا ترث ولا تورث بسبب ولا نسب ولا تقبل شهادتها ولا يحد قاذفها وحدود
(1)
كالقن، قال بعض الفضلاء:
(1)
في الحطاب ج 2 ص 7 والتفريع ج 2 ص 7: وحدودها حدود العبيد.
حكموا بحكم القن في أم الولد
…
في قذفها وشهادة منها وحد
وجواز وطء مليكها مع خدمة
…
خفت وجبر للنكاح إذا عقد
وبنفي إرث مطلقا وجواز نز
…
ع المال وقت سلامة تم العدد
انتهى.
وكره له تزويجها يعني أنه يكره للسيد أن يزوج أم ولده حيث لم ترض فيجبرها على النكاح، بل وإن كان ذلك برضاها فهو مكروه أيضا هذا ظاهره أن له جبرها والمعتمد أنه ليس له جبرها كما قدمه بقوله في النكاح:"ولا أنثى بشائبة"، وإن جعل قوله: وإن للحال كان ماشيا على المعتمد موافقا لما مر له، قال الشبراخيتي: وكره له تزويجها من غيره وإن برضاها: المعتمد أنها لا تزوج إلا برضاها، فلو قال: وكره له تزويجها برضاها لطابق المعتمد مع الاختصار، وإنما كره لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولنافاته للغيرة. انتهى المراد منه. وقال عبد الباقي: الواو للحال على المعتمد لأنه ليس من مكارم الأخلاق، وأما بغير رضاها فيحرم لأنه ليس له جبرها على النكاح كما قدمه فيه بقوله:"والمختار ولا أنثى بشائبة". انتهى.
وقال الشبراخيتي: قال الزرقاني: قال في الطرر: فإذا زوج أم ولده من غيره فأتت بولد كان على السيد أن ينفق عليه لأن ولدها من غيره عبيد له. انتهى. وهذا التعليل جار في ولدها من الزنى.
ومصيبتها إن بيعت من بائعها يعني أنه إذا بيعت أم الولد فأصابتها مصيبة موت أو غيره ولو بعد قبض المشتري لها، فإن مصيبتها من بائعها أي ضمانها منه ويرد الثمن للمشتري، قال الشبراخيتي: ومصيبتها بموت أو غيره ولو بعد قبض المشتري إن بيعت من بائعها لا من مشتريها. انتهى. وقال عبد الباقي: ومصيبتها إن بيعت وماتت عند المشتري من بائعها لأن الملك فيها لم ينتقل، ورد ثمنها إن قبضه ولا يطالب به
(1)
إن لم يكن قبضه وهذا إن ثبتت لها أمومة الولد بغير إقرار المشتري، وإلا فمصيبتها منه كما في المدونة لا من البائع. انتهى.
(1)
في الأصل: بهاء والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 166.
ورد عتقها يعني أن أم الولد إذا بيعت وأعتقها المشتري فإنه يرد بيعها وعتقها ويرد الثمن إلى المشتري ويتبع به البائع إن أعدم، قال عبد الباقي: ورد عتقها حيث لم يشترها على أنها حرة بالشراء ولا بشرط العتق، فإن اشتراها على أنها حرة بالشراء تحررت بمجرده سواء علم حين الشراء أنها أم ولد أو اعتقد أنها قن، ويستحق سيدها الثمن في الوجهين، وإن اشتراها بشرط العتق وأعتقها لم يرد عتقها لكن إن علم حين الشراء أنها أم ولد استحق سيدها ثمنها أيضا؛ لأن المشتري حينئذ كأنه فكها والولاء لسيدها الأول، فإن اعتقد أنها قن فالثمن له لا للبائع والولاء للبائع في الصور كلها كما يفيده الشارح. وأشعر قوله:"ورد عتقها" أي الناجز ردها إن أولدها المشتري بالأولى، ثم إن علم أنها أم ولد غرم قيمة ولده للبائع، فإن لم يعلم وكتمه البائع وغره فهل يغرم قيمته أيضا؟ وهو قول ابن الماجشون أو لا لأنه أباحه إياها وهو لمطرف. اللخمي: وهو أحسن خلاف قاله في التوضيح. انتهى المراد منه. ولو زوجها المشتري من عبده ردت مع ولدها على الأصح ويكون له حكم أم الولد. قاله عبد الباقي أيضا. وقوله: فهل يغرم قيمته أيضا لخ، قال البناني: زاد ابن عرفة بعد هذا كله ما نصه: وظاهر المذهب إذا نقض بيعها أنه لا شيء على البائع مما أنفقه عليها مشتريها ولا له من قيمة خدمتها شيء، وقال سحنون: يرجع عليه بالنفقة يريد ويرجع هو بالخدمة. انتهى.
وقال الحطاب: قال في التوضيح: وإذا رد العتق فأحرى الكتابة والتدبير وكذلك لا يفيتها إيلاد المشتري: وإن كان عالما بأنها أم ولد للبائع غرم قيمة الولد واختلف إذا غره وكتمه أنها أم ولد، فقال ابن الماجشون: عليه قيمة الولد، وقال مطرف: لا شيء عليه لأنه أباحه إياها. اللخمي: وهو أحسن. انتهى.
تنبيهان: الأول: إذا نقض بيع أم الولد تحفظ من البائع ليلا يعود ولا يمكن من السفر بها؛ وإن خيف عليها ولم يمكن التحفظ منه أعتقت عليه. قاله الحطاب.
الثاني: إذا غاب المشتري لأم الولد ولم يعلم مكانه تصدق بالثمن. قاله في التوضيح. قاله الحطاب. وقال المواق: الجلاب: من باع أم ولد فسخ بيعه ورد الثمن على المبتاع ولو اعتقها مبتاعها رد عتقه، فإن ماتت عند مبتاعها لم يضمن ثمنها ولا قيمتها. انتهى.
وفديت إن جنت يعني أم الولد إذا جنت فإنه يجب على سيدها أن يفديها ولا يجوز إسلامها في جنايتها، قال الشبراخيتي: وفديت وجوبا على السيد لتعذر إسلامها يعني شرعا إن جنت بقتل أو قطع أو جرح أو استهلاك أو إفساد أو غصب أو اختلاس أو سرقة أو قطع طريق أو نحو ذلك كما في المدونة. انتهى. وقال عبد الباقي: وفديت أي وجب على سيدها فداؤها إن جنت على شخص أو أفسدت شيئا بيدها أو بدابتها أو بحفر في مكان لا ملك لها فيه أو غصبت شيئا أو اختلسته؛ لأن الشرع منع من تسليمها للمجني عليه كما منع من بيعها. انتهى. وقوله: "وفديت إن جنت" هذا حكم أم الولد إذا جنت فيجب فداؤها، وأما ولدها فقال ابن عرفة: وفيها إن جنى ولد أم الولد من غير سيدها جناية أكثر من قيمته خير في فدائه ويبقى على حاله أو يسلم خدمته في الأرش، فإن وفى رجع لسيده، فإت مات سيده قبل أن يوفي عتق واتبع بما بقي من الأرش. انتهى.
بأقل القيمة يوم الحكم والأرش المجرور متعلق "بفديت" والظرف راجع للقيمة والأرش عطف على القيمة؛ يعني أن السيد يجب عليه أن يفدي أم الولد إذا جنت كما عرفت فيفديها بأقل شيئين قيمتها يوم الحكم بوجوب الفداء على أنها أمة كما في المدونة وأرش الجناية فإذا كان الأرش هو الأقل كما لو أتلفت شيئا قيمته ثلاثة دنانير وقيمتها هي عشرة فلا يلزمه إلا الثلاثة، وإذا كانت قيمتها أقل من أرش الجناية فلا يلزمه إلا دفع قيمتها، كما لو قطعت يد رجل فيها خمسون وقيمتها هي عشرة من الإبل فلا يلزم السيد إلا دفع العشرة، قال عبد الباقي: فيفديها بأقل الأمرين القيمة على أنها أمة بدون مالها يوم الحكم والأرش بجنايتها. انتهى. وقال الشبراخيتي: وفديت بأقل الأمرين القيمة أمة يوم الحكم وتقوم بغير مالها. قاله ابن عرفة. وهو نص المدونة. والأرش أيهما أقل لزمه ولا سبيل إلى رقها. انتهى. وقال التتائي: وفديت وجوبا على السيد لتعذر إسلامها إن جنت بأقل الأمرين: القيمة يوم الحكم على المشهور زادت أو نقصت، وهل تقوم بمالها أو دونه؟ قولان ولا يقوم ولدها معها وإن ولدته بعد الجناية والأرش أيهما أقل لزمه ولا سبيل إلى رقها. قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في جنايتها. انتهى ولا فرق
بين هذا أو ما استهلكته أو أفسدته بيدها أو بدابتها أو بحفرها في مكان ليس لها ذلك فيه أو غصبت أو اختلست لأن هذا كله جناية على السيد فيه الأقل. انتهى.
وقال المواق من المدونة: قال مالك: من أحسن ما سمعت في جناية أم الولد أن يلزم السيد الأقل من أرش جنايتها وقيمتها أمة يوم الحكم وتقوم بغير مالها. انتهى.
وإن قال في مرضه ولدت مني ولا ولد لها صدق يعني أن السيد إذا قال في مرضه ولدت مني أمتي هذه ولا ولد لها، فإنه يصدق في أنها ولدت منه فتعتق من رأس المال، ومحل تصديقه في ذلك إن ورثه ولد من غيرها ذكرا أو أنثى؛ لأنه حينئذ ورث غير كلالة فإن لم يكن ورثه ولد لم تعتق من ثلث ولا من رأس مال بل تبقى رقا، ومفهوم قوله:"ولا ولد لها" أنه لو كان معها ولد لصدق وعتقت من رأس المال ورثه ولد أم لا، فالحاصل أنه إذا ورثه ولد صدق وعتقت من رأس المال كان معها ولد أم لا، وإن كان معها ولد صدق وعتقت أيضا من رأس المال ورثه ولد أم لا، فإن لم يكن معها ولد صدق وعتقت من رأس المال بشرط أن يرثه ولد فإن لم يرثه ولد، لم يصدق فلا تعتق من ثلث ولا من رأس مال، بل تبقى رقا. وقوله:"ولدت مني" سواء قال في مرضه ولدت مني في الصحة أو قال فيه ولدت مني في المرض كما هو ظاهر. هذا قول ابن القاسم. وصححه ابن الحاجب، وقال أكثر الرواة أنه إذا لم يكن معها ولد لم يصدق ولم تعتق من رأس مال ولا من ثلث، ورثه ولد أم لا.
وإلى قول أكثر الرواة أشار بقوله: وإن أقر مريض بإيلاد جواب الشرط قوله الآتي: "لم تعتق من ثلث" الخ، يعني أن السيد إذا أقر في مرضه بأنه أولد أمته هذه ولا ولد معها استلحقه فإنه لا يصدق فلا تعتق من ثلث ولا من رأس مال، سواء ورثه ولد أم لا، فالحاصل أنه إذا كان معها ولد استلحقه صدق وعتقت من رأس المال ورثه ولد أم لا باتفاق ابن القاسم وأكثر الرواة، فإن لم يكن معها ولد صدق إن ورثه ولد عند ابن القاسم لا عند أكثر الرواة، فإن لم يكن معها ولد ولم يرثه ولد لم يصدق باتفاق ابن القاسم وأكثر الرواة. قوله:"وإن أقر مريض بإيلاد" سواء أخبر عن الإيلاد بأنه وقع في صحته أو في مرضه وهذا الخلاف المذكور وقع في المدونة، فلو قال: وفيها أيضا إن أقر مريض الخ، ثم يزيد: وإن ورثه ولد، لكان أبين. والله تعالى أعلم.
أو عتق في صحته يعني أن المريض إذا أقر بأنه أعتق في صحته رقيقا ذكرا كان أو أنثى فإنه يصدق في ذلك فلا يعتق من ثلث ولا من رأس مال، بل يبقى على رقيته سواء ورث المريض المذكور ولد أم لا عند أكثر الرواة، وأما عند ابن القاسم فإنه يصدق إن ورثه ولد. ومفهوم قوله:"في صحته" أنه لو أقر في مرضه بأنه أعتقه في مرضه فإنه يعتق من الثلث، قال الخرشي: وأما إن أقر في مرضه بأنه أعتقها في صحته فإنه لا يعمل بإقراره وإن أقر أنه إنما أعتقها في مرضه فإنها تعتق من الثلث كما يفيده أبو الحسن، وسواء كان لها ولد فيهما أم لا لأن هذا وصية. انتهى.
وعلم مما قررت أن قوله: "في صحته" راجع للعتق دون الإيلاد، وبالعتق خصصه ابن مرزوق وابن غازي والأجهوري، قال ابن مرزوق: لأن الإقرار بالإيلاد لا فرق فيه بين أن يقول المريض كنت أولدتها في صحتي أو في مرضي الحكم واحد في التفصيل المذكور، والخلاف بخلاف إقراره بالعتق فإنه إن أسنده إلى الصحة فالحكم ما ذكره المؤلف، وإن أسنده للمرض فهو تبرع مريض يخرج من الثلث بلا إشكال، بخلاف الإيلاد فإنه ليس بتبرع. انتهى. وهو ظاهر انتهى. المراد منه. قاله البناني. وزاد عقب قوله: وهو ظاهر ما نصه: لكن رجوعه للمسألتين هو ظاهر ما تقدم عن ابن زرقون. انتهى المراد منه.
قوله: لكن رجوعه للمسألتين هو ظاهر ما تقدم عن ابن زرقون، قال الرهوني: لا دليل له في كلام ابن زرقون لرد ما قاله ابن مرزوق وما قاله ابن مرزوق هو المظاهر. والله تعالى أعلم.
وعلم مما قررت أن قوله: لم تعتق من ثلث ولا رأس مال جواب الشرط كما تقدم التصريح به، فهو راجع للمسألتين الإيلاد والعتق. والله تعالى أعلم. قال البناني مفسرا لعبد الباقي: يعني أن المريض لا يصدق في إقراره بالعتق في صحته سواء ورثه ولد أم لا، وهذا قول أكثر الرواة في المدونة، وقال ابن القاسم فيها: إن ورثه ولد صدق وعتق من رأس المال وإلا لم يصدق مثل ما ذكر في الإقرار بالإيلاد، فالخلاف فيهما في المدونة سواء. انتهى.
تنبيهات: الأول: ابن زرقون: فيمن أقر في مرضه أنه كان فعل شيئا في صحته مثل عتقٍ وإيلاد ستة أقوال، الأول في كتاب أمهات الأولاد: لا ينفذ من ثلث ولا رأس مال، الثاني: لابن حارث عن ابن عبد الحكم: ينفذ من رأس المال ولو ورث كلالة، الثالث: في أمهات الأولاد أيضا إن
ورث بولد نفذ من رأس المال وإن ورث كلالة لم ينفذ منه ولا من الثلث، الرابع: قول ابن القاسم في كتاب المكاتب ونص الموازية: إن ورث بولد نفذ من رأس المال وإن ورث بكلالة نفذ من الثلث، الخامس: في الموازية: ينفذ من الثلث ورث بولد أو كلالة، السادس: حكاه التونسي إن حمله الثلث جاز وإن لم يحمله الثلث بطل جميعه. انتهى.
الثاني: مفهوم قوله: "وإن أقر مريض بإيلاد" فإن شهدت بينة على إقراره في صحته أنه أولدها عتقت من رأس المال كما في أبي الحسن على المدونة. قاله عبد الباقي. قال: ومفهوم قوله: "أو عتق في صحته" أنه إن أقر بعتقها في مرضه أو أطلق عتقت من ثلثه وإن لم يرثه ولد لأنه عتق حصل في مرضه فيخرج من الثلث.
الثالث: الأقوال التي تقدمت عن ابن زرقون نقلها عنه ابن عرفة ونقلها في التوضيح، وزاد ما نصه: ونحوه لابن رشد، وحكى قولا سابعا إن ورث نفذ من الثلث وإن ورث بكلالة لم ينفذ من ثلث ولا من رأس مال. قاله الرهوني.
الرابع: قال ابن يونس في أول ترجمة من كتاب أمهات الأولاد: قال ابن القاسم عن مالك في العتبية: وإذا مات سيد أم الولد وبيدها حلي أو متاع فهو لها إلا الأمر المستنكر، وكذلك ما كان لها من ثياب إذا عرف أنها كانت تلبسها وتستمتع بها في حياة سيدها فهي لها وإن لم تكن لها بينة على أصل عطيته، وقال عنه أشهب: أما الحلي والثياب والفراش فذلك لها وإن ادعت متاع البيت فأرى أن تكلف البينة أن ذلك لها، وإن كان ذلك من متاع النساء بخلاف الحرة، قال: وما بيدها من متاع وهبه لها سيدها فليس لهم أخذه. انتهى. نقله الرهوني.
وقال المتيطي في نهايته: فإن لم يشهد لها السيد بشيء فحمل ولا ملخص فادعت بعد موته متاع بيتها فإنها تكلف البينة على ذلك وليست كالحرة، وإن كان الذي ادعت فيه من متاع النساء إذا كان أمرًا مستنكرا، وأما إن كان الشيء اليسير مثل التافه من الحلي والفراش واللحاف والثياب على ظهرها فذلك لها. رواه ابن القاسم عن مالك. قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في أم الولد: إذا هلك سيدها ولها حلي أو متاع أتراه لها؟ قال: نعم إلا أن يكون الشيء المستنكر. وقال مالك في ثياب أم الولد إذا كانت تستمتع بها وإن لم يكن لها شهود على عطية من سيدها: لها،
ويفرق أنها كانت تلبسها فإنها لها. انتهى. وقال ابن يونس: قال ابن القاسم: وإذا أوصى عند موته إن هي أقامت على ولدها فدعوا لها ما كان لها من حلي وكسوة، وإن لم تقم وتزوجت فخذوه [فليس ذلك له]
(1)
وذلك لها حين مات، وليس له في مرضه انتزاع ما كان أعطاه لها، وكذلك المدبرة. انتهى.
وقال المتيطي في نهايته: قال ابن القاسم عن مالك: وإن أوصى السيد عند موته أنها إن أقامت على ولده أو أحسنت النظر لهم فدعوا لها ما كان لها من حلي وكسوة وإن لم تقم وتزوجت فخذوا ذلك منها فليس ذلك له وذلك لها حين مات، وليس له في مرضه انتزاع ما كان أعطاها. انتهى. وقال المتيطي: وأما إن أوصى لها بوصية على أن لا تنكح فإن نكحت رجع ما أوصى لها به إلى ورثته فذلك جائز، فإن نكحت
(2)
رجع إلى ورثته ما كان أوصى لها به. انتهى. قاله الرهوني. وقال: انظر هل ينزع منها ذلك بمجرد العقد الصحيح أو حتى يدخل بها الزوج؟ لم أر في ذلك نصا صريحا وظاهر كلام المتيطي هو الثاني، فإن ادعت أنها قد فوتت ما كانت قبضته من ذلك وأنها عديمة كلفت إثبات ذلك كسائر الديون، وقد عقد المتيطي في ذلك وثيقة، وقال في أثنائها ما نصه: فشاور وفقه الله في ذلك من رضيه من أهل المعلم، فقالوا: نرى - والله الموفق - أن تحلف فلانة في المسجد الجامع بالله الذي لا إله إلا هو مالها مال تعلمه ظاهر ولا باطن، وإن أفاء الله عليها لتستعجل بأداء ذلك فأخذ بذلك من قولهم وأمرها بالحلف المذكور فثبت عنده أنها حلفت بالواجب عليها بمحضر فلان واقتضائه ليمينها وأعذر إليه في ذلك فلم يكن عنده مدفع، وجعل فلانة في نظرة الله تعالى. انتهى.
الخامس: قال المتيطي: ولأم الولد أن تحوز لنفسها ما تصدق به سيدها عليها وقاله ابن القاسم في رواية يحيى وعليه العمل وبه القضاء، ثم قال: وقد قيل إن للسيد أن يقبض لها أو يوكل من يقبض لها، واحتج قائل هذا بألفاظ وقعت في كتاب الحبس من المدونة وغيرها أن الرجل تجوز حيازته لمن يلي أمره ويجوز عليه قضاؤه، قال: فأم الولد يجوز أمره عليها. قال بعض الشيوخ:
(1)
في الأصل: ليس ذلك وذلك، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 220.
(2)
في الأصل: نكح، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 220.
وإذا كان الأمر على هذا فلا أحد أجوز أمرا على أحد من السيد على عبده وأم ولده، إذ له أن يحجر عليهما وأن ينتزع أموالهما فتحجيره عليهما أقوى من تحجير الأب على ابنه والوصي على يتيمه. فوجب أن تكون حيازة ما وهب لهما أجوز من حيازته لما لابنه أو يتيمه فهذا وجه ما يدل عليه ظاهر ما في المدونة، ووجه رواية يحيى أن جواز انتزاع المال تضعيف في الحيازة لا تقوية؛ لأنه لما تصدق على أم ولده أو على عبده ثم أمسك ذلك عند نفسه ولم يدفعه إليهما أشبه الانتزاع والاسترجاع إذ لم يسلم ذلك لهما وهما غير سفيهين، وأما الأب والوصي فإنما منعهما أن يسلما ما وهباه لمن إلى نظرهما كونه سفيها فرواية يحيى أظهر، فكان أبو عمر الإشبيلي يستحب العمل بها فإن عمل أحد بدليل المدونة مضى عنده ولم يرده. انتهى.
السادس: قال المتيطي: اختلف إذا قال العاقد فيما يعقده السيد لأم ولده من صدقة أو إقرار أو غير ذلك إنه تصدق، أو أقر لولاته ولم يقل أم ولده هل يوجب لها ذلك الحرية أم لا؟ فقيل: ذلك اعتراف من السيد لها بحريتها وتكون بذلك حرة لا ملك له عليها ولا سبيل له عليها؛ لأن لفظ الوالي لا يقع أبدا إلا على المعتقين. قال ابن الهندي: وقيل إن تسميها بمولاة غير تام، وأنه لا يجب لها بذلك حرية وما تقدم أظهر وأشهر وعليه العمل. وفي مسائل ابن زرب سأله أبو الأصبغ عن امرأة جاهلة انعقد عليها في وثيقة ذكر فيها مملوكة لها مولاتها، فقامت عليها بهذا اللفظ تزعم أنها حرة وزعمت السيدة أنها لم تعرف الفرق بين المولاة والمملوكة، وظنت أن الولاة هي المملوكة، فقال القاضي: نزلت عندنا هذه المسألة فأفتى أبو إبراهيم اللؤلؤي بأنها تخرج حرة، قال: وبه أقول وأن من قال في مملوكه مولاي وانعقد عليه بذلك بينة في وثيقة أو غيرها، فإن القول له ذلك يخرج حرا، وكان أهل المجلس اختلفوا فيها فقال القاضي بالحرية ولم يعذر الجاهل في كذا بجهله، قال أبو الأصبغ بن سهل: ويدل على ما ذهب إليه ما في سماع عيسى. انتهى. نقله الرهوني.
وقال: قول المتيطي عن مسائل ابن زرب فأفتى أبو إبراهيم اللؤلؤي، كذا وجدته في نسخة عتيقة من نهايته لم أجد في الوقت غيرها، والذي في النسخ التي وقفت عليها من اختصار ابن هارون للمتيطي، فأفتى أبو إبراهيم واللؤلؤي بواو العطف وهو الصواب؛ لأن اللؤلؤي غير أبي إبراهيم
قطعا وكانا متعاصرين. قال في الديباج في ترجمة من اسمه إسحاق من الطبقة الخامسة ما نصه: إسحاق بن إبراهيم بن مسرة أبو إبراهيم التجيبي مولاهم ثم قال: وكان خيرا دينا فاضلا ورعا مجتهدا عابدا، من أهل العلم والفهم والعقل والدين المتين والزهد والتقشف والبعد من السلطان لا تأخذه في الله لومة لائم، حافظا للفقه على مذهب مالك وأصحابه متقدما فيه صدرا في التقوى من الراسخين في العلم وله كتاب النصائح المشهور وكتاب معالم الطهارة والصلاة، وكان الحكم أمير المؤمنين معظما له كان قليل الهيبة للملوك متصرفا مع الحق حيثما تصرف، وتوفي بطليطلة ليلة الجمعة في رجب لعشر بقين منه سنة اثنتين وقيل أربع وخمسين وثلاث مائة وسنه خمس وسبعون سنة. انتهى.
وفي الديباج أيضا ما نصه: محمد بن أحمد، ويقال أحمد بن عبد الله الأموي المعروف باللؤلؤي: صناعة أبيه، قرطبي، أفقه أهل زمانه بعد موت ابن أيمن أخذ من جميع العلوم الإسلامية بنصيب وافر كان إماما في الفقه على مذهب مالك مقدما في الفتيا على أصحابه، لم يزل مشاورا من أيام أحمد بن بقي إلى أن توفي، قال إسماعيل بن إسحاق: كان اللؤلؤي أحفظ أهل زمانه لمذهب مالك وعليه كان مدار طلاب المعلم في زمانه وعليه تفقه محمد بن زرب القاضي، ثم قال: وتوفي اللؤلؤي سنة خمسين وثلاثمائة وقيل سنة إحدى وخمسين. انتهى.
السابع: انظر إذا مات السيد وترك أم ولد ولها مال من إيجارها لنفسها وقد مر عن عبد الباقي أن لها أجرة مثلها على من استخدمها وإن قبضها السيد وهذا كالصريح أو هو صريح في أن ذلك لها دون الورثة، لكن قال البناني هناك ما نصه: تبع في هذا الأجهوري، قال مصطفى: ولم أره لغيره وانظره مع قول اللخمي لو أن السيد آجر وفات ذلك لم يرد وكانت الإجارة للسيد. انتهى. وإن وطئ شريك فحملت غرم نصيب الآخر، قال الخرشي: يعني أن الشريك إذا وطئ أمة شريكه فحملت فإنها تقوم عليه، سواء أذن له شريكه في وطئها أم لا ويغرم له قيمة حصته إن كان موسرا لأنه أفاتها عليه ولا شيء عليه من قيمة الولد، فإن لم تحمل فإن كان أذن له في وطثها قومت أيضا فتتم له الشبهة، وإن لم يأذن له لم تقوم عليه كما مر في باب الشركة عند قوله:"وإن وطئ جارية للشركة" لخ، وقال عبد الباقي: وإن وطئ شريك أمة للشركة فحملت
غرم نصيب الآخر لأنه أفاتها عليه، سواء كان أذن له في وطئها أم لا، وهل تقويمها على الواطئ يوم الوطء أو الحمل؟ قولان في المدونة، ولا شيء عليه من قيمة الولد على القولين، فاستغنى عن أن يقول قومت أي بتمامها لأن غرم نصيب الآخر يتضمن تقويمها بتمامها، ومفهوم فحملت أنها إن لم تحمل فإن كان أذن له في وطئها قومت أيضا يوم الوطء لتتم له الشبهة، وإن لم يأذن له لم تقوم عليه كما مر في باب الشركة وهذا كله إن أيسر.
فإن أعسر خير في اتباعه بالقيمة يوم الوطء أو بيعها بذلك يعني أنه إذا كان الشريك الذي وطئ الأمة وحملت من وطئه معسرا، فإن شريكه يخير بين أن يتبعه بقيمة حصتة منها يوم الوطء على المشهور بدون الولد لا يوم الحمل ولا يوم الحكم، وبين بيعها لذلك أي بيع جزئها المقوم وهو نصيب غير الواطئ لأجل القيمة، فإن وفي فلا كلام، وإن نقص ثمن الجزء عما وجب له من القيمة اتبعه أي اتبع الشريك الذي لم يطأ المواطن بما بقي. قاله الخرشي. وقال عبد الباقي: فإن أعسر مع حملها خير الآخر في بقائها للشركة وتركه لظهوره وفي اتباعه بالقيمة أي بقيمة حصته منها يوم الوطء الناشئ عنه الحمل، فإن تعدد الوطء اعتبرت قيمتها يوم الحمل أو بيعها أي الحصة التي وجبت قيمتها لغير الواطئ لذلك أي للقيمة التي وجبت له منها إن لم يزد ثمن حصته على ما وجب له من القيمة، وإلا بيع من حصته بقدر ما وجب له من قيمتها، وإن نقص ثمنها عما وجب له اتبعه أي تبع الذي لم يطأ الواطئ بما بقى. انتهى.
وقال الشبراخيتي: فإن أعسر خير شريكه في اتباعه بالقيمة أي قيمة النصيب دون الولد يوم الوطء ضعيف والمعتمد أنها تعتبر يوم الحمل إلا أن يحمل على الوطء الذي نشأ عنه الحمل، كما إذا وطئها مرة واحدة ونشأ عنه حمل أو بيعها أي بيع جزئها القوم وهو نصيب الآخر. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وأما نصيب الواطئ فلا يُباع منه شيء لذلك أي لأجل نصف القيمة ولا يباع منها ما ذكر حيث كانت حاملا إلا بعد وضعها كما في المدونة، فإن وفت بالقيمة فلا كلام وإن كان بعض الحصة يوفي القيمة فإنه يباع خاصة ولا يزاد لأجل الولد لأن عتق أم الولد لا يرده الدين، وأما إن لم يوف فأشار له بقوله: وإن لم يف نصف ثمنها بما لزم الواطئ من القيمة أتبعه بما بقي له. انتهى. وما قرر به الخرشي والشبراخيتي هو ظاهر المصنف وهو
المشهور، وما قرر به عبد الباقي هو الذي رجع إليه مالك ولكنه مقابل للمشهور على ما في التوضيح.
قال البناني: فإن أعسر خير في اتباعه بالقيمة، عبارة المصنف كعبارة ابن الحاجب تقتضي أنه ليس للشريك إبقاؤها للشركة: وقال في التوضيح بعد تقرير عبارة ابن الحاجب: وهذا هو المشهور، وكان مالك يقول: الأمة أم ولد للواطئ ويتبع بالقيمة دينا كالموسر، وقيل الشريك مخير بين أن يتماسك بنصفه ويتبع الواطئ بنصف قيمة الولد دينا، أو يضمنه ويتبعه في ذمته. انتهى المراد من التوضيح. فقد جعل تخييره في التماسك بنصفه مقابلا للمشهور مع أنه قول مالك المرجوع إليه كما في ابن عرفة، ونصه: ولو كان الواطئ معسرا فقال مالك: هي أم ولد للواطئ ويتبع بالقيمة دينا، ثم رجع إلى تخيير الشريك في تماسكه مع اتباعه بنصف قيمة الولد وفي تقويمه نصفها ونصف قيمة الولد، ويباع له نصفها فيما لزمه. انتهى. وقد اعتمد ابن مرزوق هذا القول وقرر به الزرقاني واعتمده مصطفى أيضا، وكأنه لم يقف على ما في التوضيح فانظر ذلك. والله أعلم. انتهى. وقال المواق: ابن شأس: إذا وطئ الأمة أحد الشريكين فحملت، فإن كان موسرا غرم نصف قيمتها يوم الحمل، وإن كان معسرا قومت عليه واتبعه بنصف قيمتها إن شاء الشريك أو يبيع ذلك النصف القوم فيما يجب عليه من القيمة ويتبعه بنصف قيمة الولد. انتهى. وبنصف قيمة الولد يعني أن الشريك الذي لم يطأ يتبع الواطئ بنصف قيمة الولد في إعسار الواطئ، سواء اختار اتباعه بقيمة نصيبه من الأمة أو اختار بيعها لذلك، وكذا لو اختار التماسك بحصته منها على مقابل المشهور فإنه يتبعه بنصف قيمة الولد، وتحصل مما مر ثلاثة أقوال: اتباعه بالقيمة كالموسر وهو القول الذي رجع عنه مالك. القول المرجوع إليه وهو خياره في التماسك واتباعه بالقيمة فيتبعه بها دينا في ذمته أو يبيع لذلك. القول الثالث هو ظاهر المصنف إن شاء اتبعه بالقيمة دينا في ذمته وإن شاء باع لذلك. وقال المواق من المدونة: إن وطئ أحد الشريكين أمة بينهما فلم تحمل خير شريكه في تماسكه بحظه واتباع الواطئ بنصف قيمتها يوم وطئها لأنه كان ضامنا لها لو ماتت بعد وطئه ولا حد على الواطئ ولا عقرة عليه ويؤدب إن لم يعذر بجهل
العقرة مهر الموطوءة بشبهة. انتهى. وفي القاموس: العقرة بالضم: دية الفرج المغصوب وصداق المرأة. انتهى.
وقال عبد الباقي: وقوله: "وبنصف قيمة الولد" يرجع لقوله: "في اتباعه بالقيمة" أيضا فهو يتبعه بنصيبه من قيمة الولد، سواء تبعه بحظه من قيمتها أو بيع نصيب شريكه أو بعضه لذلك؛ لأن الولد حر نسيب فلا يباع، وإن اتبع أباه بنصف قيمته في موضوع المصنف وطء في وطؤه وإعساره ولا تباع هي أو شيء منها إلا بعد الموضع كما في المدونة، وكذا يتبعه أيضا بنصيبه من قيمته فيما إذا أبقاها للشركة مع عسره، وتعتبر قيمته يوم الوضع في المسائل الثلاث، وتقدم أنه إذا قوم عليه نصيبه منها في يسره فلا يتبعه بنصف قيمة الولد، والفرق أنه لما وطئ وهو ملي وجب لشريكه قيمة نصيبه منها بمجرد مغيب الحشفة فيتخلق الولد وهي في ملكه، فلم يكن لشريكه فيه حصة بخلاف وطئه معسرا فقد تحقق أنه وطئ ملكه وملك شريكه فقد تخلق الولد على ملكهما ولذا غرم نصف قيمته. ذكره أحمد. انتهى. ونحوه لابن مرزوق، وقال أبو الحسن: إن العسر يشبه من أعتق وقد أحاط الدين بما له يتبعه بنصف قيمة الولد. انتهى.
وإن وطئاها بطهر فالقافة يعني أن الشريكين إذا وطئا الأمة في طهر فإن القافة تدعى للولد لتلحقه بأحدهما أو بهما معا، قال عبد الباقي: وإن وطئاها أي وطئ الشريكان الأمة المشتركة بينهما، ومثلهما البائع والمشتري كما في المدونة بطهر وهي مسألة حسنة كثيرة الوقوع لا تعلم من المصنف بطهر واحد وأتت به لستة أشهر من يوم وطئا الثاني وادعاه كل منهما فالقافة تدعى لهما، وقوله:"فالقافة" قال البناني: القافة جمع قائف وهو مقلوب، وزنه فلعة لأنه من قفا يقفو فهو قاف، فأصله قافي فقياس الجمع قفية ثم قدم اللام فقيل قيفة فقلبت الياء ألفا. انتهى. وقال الشبراخيتي: القافة جمع قائف كالباعة والحاكة جمع بائع وحائك لكنه مقلوب قاف لأنه من قفا الأثر يقفوه إذا اتبعه، فلامه واو ثم قلب الخ قال عياض: هو الذي يعرف الأشباه، وهو علم صحيح، ويدل لصحته أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة تبرق أسارير جبهته
فأخبر عن مدلجي أنه نظر إلى أقدام زيد بن حارثة وأسامة وهما تحت قطيفة فقال: (إن هذه الأقدام بعضها من بعض)
(1)
، وإنما سر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لطعن الكفار في نسبه؛ لأن قوله يرد عليهم فسروره صلى الله عليه وسلم يدل على أن القافة حق إذ لا يسره الباطل، وكان ينبغي له أن يعبر بالقائف لأن الجمع ليس شرطا. انتهى.
ولو كان عبدا أو ذميا يعني أن من ألحقته القافة به ممن ذكر يلحق ويكون ولدا لي دون غيره ولو كان أحدهما عبدا أو ذميا، وكلام المصنف يقتضي أن ثم من يقول إنه إذا كان أحدهما ذميا أو عبدا فلا قافة ويكون ولدا للمسلم أو للحر وليس كذلك، فمن ألحقته به منهما ألحق به اتفاقا ولو ذميا أو عبدا. انتهى. قاله الشبراخيتي. وقال ابن مرزوق: لا يعلم خلاف في لحوقه للذمي أو العبد، فإن ألحقته بالسلم فمسلم أو بالذمي فذمي. انتهى. وقال المواق من المدونة: إن كانت أمة بين رجلين حرين أو عبدين أو أحدهما عبد أو ذمي والآخر مسلم فوطئاها في طهر واحد، فأتت بولد فادعياه دعي لهما القافة فمن ألحقته به نسب إليه. انتهى. وقال ابن غازي عند قول المصنف:"ولو عبدا أو ذميا" ما نصه: في الرهوني: وقد غيا هنا بلو مع عدم الخلاف في المذهب. والله تعالى أعلم. انتهى. ولم يذكر المصنف في التوضيح في ذلك خلافا. والله أعلم. انتهى.
وقال الحطاب عند قول المصنف: "وإن وطئاها بطهر فالقافة" هذا إذا وطئا الأمة بملك اليمين، فإن كان وطؤها بملك اليمين وبالنكاح فلا يخلو إما أن يكون النكاح سابقا أو ملك اليمين سابقا، فإن كان ملك اليمين سابقا كما إذا وفي أمته ثم زوجها قبل الاستبراء، فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وطء الزوج فإن الولد لا يلحق به ويلحق بالسيد إلا أن ينفى الولد، وإن أتت به لستة أشهر فأكثر فاختلف في ذلك، فقيل يدعى له القافة. قال اللخمي: وهو قول مالك، وروي عن ابن القاسم. وقال الرجراجي: هو المشهور، وقال مالك: هو للزوج، وقال محمد بن مسلمة: هو للأول لأن وطأه صحيح والثاني فاسد، وإن تقدم الوطء بالنكاح على الوطء بالملك فالولد للزوج
(1)
البخاري، كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث 3731 - مسلم، كتاب الرضاع، رقم الحديث 1459.
ولا ينفيه إلا بلعان. قاله في كتاب أمهات الأولاد من المدونة. قال اللخمي: وكذلك لو تقدم الوطء بالملك وكان النكاح بعد الاستبراء فالولد للزوج. انتهى.
فرع: قال في كتاب أمهات الأولاد من المدونة: قال مالك في رجل زوج أمته عبده أو أجنبيا ثم وطئها السيد فأتت بولد: فالولد للزوج إلا أن يكون الزوج معزولًا عنها مدة في مثلها براءة الرحم، فإنه يلحق بالسيد لأنها أمته ولا يحد، قال ابن يونس: قوله معزولا عنها في مدة في مثلها براءة الرحم، قال أصبغ: وذلك حيضة أو قدرها، قال ابن المواز - وأفتى فيها وأنا حاضر -: إن كان زوجها معزولا عنها بقدر الشهر ونحوه فإنه يلحق بالسيد ولا يحد ويؤدب إن لم يعذر بجهل وترد المرأة إلى زوجها إذا وضعت، فإذا مات سيدها عتقت. انتهى. انتهى كلام الحطاب.
فإن أشركتهما فمسلم يعني أن القافة إذا أشركت الواطئين في الولد بأن قالت هو ولدهما والحال أن أحدهم مسلم والآخر ذمي، فإن الولد يكون مسلما أي يحكم له بأنه مسلم تغليبا للإسلام وكذا يكون حرا، فكان ينبغي له أن يقول فمسلم وحر أي فمسلم فيما إذا كانا حرين أحدهما كافر والآخر مسلم، ومسلم وحر فيما إذا كان أحدهما كافرا والآخر رقيقا مسلما تغليبا للأشرف في الوجهين، قال الشبراخيتي: فإن أشركتهما فيه بأن قالت هو ابن للمسلم والذمي فمسلم تغليبا للإسلام وكذا حر، فكان ينبغي له أن يقول فمسلم وحر أي فمسلم فيما إذا كانا حرين أحدهما مسلم والآخر كافر، ومسلم وحر فيما إذا كان أحدهما رقيق مسلما والآخر كافرا تغليبا للأشرف في الوجهين. ابن يونس: إن أشرك فيه الحر والعبد فيعتق على الحر العتق نصفه عليه بالبنوة ويقوم عليه نصفه الآخر ويغرمه لسيد العبد. انتهى.
وقال عبد الباقي: فإن أشركتهما فيه فمسلم وحر نصفه بالبنوة فيعتق عليه والنصف الآخر بتقويمه عليه إن أشركت فيه حرًّا وعبدا وغرمه لسيد العبد. قاله ابن يونس. انتهى. وقال الخرشي: فمسلم أي وهو حر أيضا وحينئذ فهو ابن لهما جميعا في قول ابن القاسم وغيره على كل واحد نصف نفقته وكسوته. قاله ابن فرحون في تبصرته. انتهى. وقال المواق من المدونة: إن كانت أمة بين رجلين حرين أو عبدين، أو أحدهما عبد أو ذمي والآخر مسلم فوطئاها في طهر واحد فأتت بولد فادعياه، دعي لهما القافة فمن ألحقته به نسب إليه. ابن يونس: يريد أتت به
لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني. انتهى. سحنون: إن قالت القافة ليس لواحد منهما دعي له آخرون ثم آخرون كذا أبدا؛ لأن القافة إنما دعيت لتلحق لا لتنفي. انتهى. قاله الحطاب.
ووالى إذا بلغ أحدهما يعني أنه إذا أشركتهما القافة في الولد فإن الولد يوالي إذا بلغ أحدهما فيكون ابنا له بنفس الوالاة دون الآخر، قال عبد الباقي: ووالى الصغير إذا بلغ أحدهما إن شاء عند ابن القاسم لا لزوما خلافا لغيره، فإن والى المسلم الحر فواضح وإن والى الكافر فمسلم ابن كافر، وإن والى العبد فحر ابن عبد لأنه بموالاته لشخص صار ابنا له ذكره ابن مرزوق، وحينئذ ففائدة الموالاة أنه إن استمر الكافر على كفره والعبد على رقه حتى مات الولد لم يرثه الحر المسلم لعدم موالاته له ولم يرثه من والاه لوجود الكفر والرق، وإذا مات الولد بعد أن أسلم أو عتق أبوه ورثه دون الآخر لأنه بموالاته لشخص صار ابنا له ولا يلزم عليه ردته إذا والى الكافر بعد بلوغه مع الحكم بإسلامه؛ لأنه يكون مسلما ابن كافر كما في عبارة ابن مرزوق كما مر. انتهى. وقال الحطاب: قوله فمسلم أي فيحكم للولد بحكم الإسلام حتى يبلغ فيوالي أيهما شاء، فأي من والاه لحق به ولكنه لا يكون إلا مسلما. انتهى.
كأن لم توجد يعني أنه إذا لم توجد قافة فإن الولد يكون حر مسلما ويوالي إذا بلغ أحدهما، قال عبد الباقي: كأن لم توجد قافة فحر مسلم ووالى إذا بلغ أحدهما فهو تشبيه في الأمرين قبله، ويجري فيما إذا مات وقد والى العبد أو الكافر نحو ما تقدم وله في عدم وجودها أن يوالي غيرهما، بخلاف الأولى لأن القافة أشركتهما فليس له أن يوالي غيرهما. انتهى. وقال الخرشي: تشبيه في أنه حر مسلم وفي أنه يوالي إذا بلغ أحدهما ويجري فيما إذا مات وقد والى الكافر أو العبد نحو ما مر. وقوله: "كأن" وفي هذه الحالة له أن يوالي غيرهما بخلاف الأولى لأن القافة أشركتهما فليس له أن يوالي غيرهما. انتهى. ونحوه للشبراخيتي، وفي بعض النسخ لم يوجد بمثناة تحتية أي قائف وهي تدل على أنه يكفي الواحد، وإنما جمعه أولا تبعا للمدونة وغيرها. والله تعالى أعلم.
وورثاه إن مات يعني أن الأبوين المشتركين في الولد بحكم القافة يرثان الولد إن مات قبل موالاة أحدهما وهو مراده بقوله. أولا وكذا الحكم لو لم توجد قافة. ومفهوم قوله: "أولا" أنه إن مات
بعد أن والى أحدهما فإنهما لا يرثانه معا، وإنما يرثه من والاه إن لم يقم به مانع إرث كما مر. وقوله:"وورثاه إن مات" أي ميراث أب واحد بالسوية، ومفهوم قوله:"ورثاه إن مات أولا" قال البناني: وأما إن مات الأبوان قبل أن يبلغ، ففي نوازل سحنون: يوقف له ميراثه منهما جميعا حتى يبلغ فيوالي من شاء منهما فيرثه وينسب إليه ويرد ما وقف له من ميراث الآخر إلى ورثته. انتهى. وقال الشبراخيتي: وإن ماتا أو أحدهما قبله لم يرثهما، ويأتي عن الحطاب أنه يرثهما إن ماتا معا فيما إذا لم توجد قافة حيث ماتا قبل أن يوالي أحدهما فانظره بعد هذا. انتهى.
تنبيهات: الأول: قوله: "ووالى إذا بلغ أحدهما"، قال الشبراخيتي: فإذا قال الولد بعد البلوغ لا أوالى واحدا منهما كان له ذلك وكان ابنا لهما جميعا يرثانه بنصف أبوة ويرثهما بنصف بنوة. قاله ابن القاسم. وقال غيره: ليس له أن لا يوالي أحدا منهما، وذكر الزرقاني فيما إذا أشركتهما أنه يكون على كل واحد منهما نصف نفقته وكسوته، ويجري مثله فيما إذا لم توجد قافة. انتهى.
الثاني: قال الخرشي: فإن مات أحد الشريكين قبل أن تدعى القافة، فإن كانت تعرفه معرفة تامة فهو كالحي، فإن ماتا معا قبل أن تدعى القافة، فقال أصبغ: هو ابن لهما، وقال ابن الماجشون: يبقى لا أب له. انتهى.
الثالث: قال عبد الباقي: وورثاه أي الأبوان المشتركان فيه بحكم القافة أو لعدم وجودها إن مات الابن أولا أي قبل موالاته أحدهما ميراث أب واحد بالسوية نصفه للحر المسلم ونصفه الآخر للعبد أو الكافر، والتعبير بالإرث بالنسبة لهما مجاز، وإنما هو مال تنازعه اثنان فيقسم بينهما، ولو قال: وأخذا ماله إن مات لكان أظهر.
وعلم مما قررنا أن قوله: "وورثاه" راجع لما قبل الكاف أيضا كما لبعضهم، وأن قوله:"أولا" معناه قبل موالاته وليس معناه قبل موت أبويه لتناوله لموته بعد بلوغه وموالاته أحدهما وليس كذلك، وإذا مات أحد الشريكين قبل أن تدعى القافة إلى آخر ما مر عن الخرشي. قوله: والتعبير بالإرث بالنسبة لهما مجاز الخ نحوه لغيره، ومراده - والله تعالى أعلم - الجواب عما يقال: لا
ميراث بين كافر ومسلم فيما إذا كان أحدهما كافرا، فقد مر أنه يحكم له بالإسلام. قاله مقيده. والله تعالى أعلم.
وقال الحطاب: وقد تقدم في باب الاستلحاق عن البرزلي في مسائل النكاح أنه إذا فرض عدم القافة فإنه إذا كبر الولد والى أيهما شاء، بمنزلة ما إذا أشكل الأمر، فإن مات قبل ذلك ورثاه وإن ماتا ورثهما معا، وهو معنى قول المصنف:"كأن لم توجد وورثاه إن مات أولا". والله أعلم انتهى. وحرمت على مرتد أم ولده حتى يسلم يعني أن أم الولد إذا ارتد سيدها - والعياذ بالله تعالى - فإنها تحرم عليه ولا تحل له حتى يراجع الإسلام فإن راجعه حلت له وهذا هو المشهور، وقيل تعتق عليه بنفس الردة. قال الشبراخيتي: وحرمت على مرتد أم ولده زمن ردته حتى يسلم، فإذا
أسلم زالت الحرمة وعاد إليه رقيقه وماله، وقيل تعتق بردته كما تطلق زوجته بردته. ابن يونس: وهو أقيس لأن من أصلهم في أم الولد إذا حرم وطؤها وجب عتقها كنصراني تسلم أم ولده، والفرق على مذهب المدونة أن سبب الإباحة في أم الولد الملك وهو باق وفي الزوجة العصمة وقد انقطعت بالكفر. انتهى. وإذا قتل المرتد على ردته عتقت من رأس المال. انتهى. وإذا ارتدت أم الولد حرم على سيدها وطؤها، فإن عادت للإسلام حلت له. قاله غير واحد.
وقال عبد الباقي: وحرمت على مرتد أم ولده حتى يسلم وتعتق من رأس المال إن قتل على ردته، فإن أسلم زالت الحرمة وعاد إليه رقيقه وماله، وقيل تعتق بردته كما تطلق زوجته بردته ابن يونس وهو أقيس لأنَّ من أصلهم في أم الولد إذا حرم وطؤها وجب عتقها كنصراني أسلمت أم ولده، والفرق على مذهب المدونة أن سبب الإباحة في أم الولد الملك وهو باق وفي الزوجة العصمة وقد انقطعت بالكفر. والفرق بين هذه وبين تعجيل عتق أمة النصراني إذا أسلمت أنه لا يجبر على الإسلام: ففي وقفها ضرر إذ لا غاية لذلك تنتظر، والمرتد يستتاب ويطعم هو وهي من ماله زمن ردته ولا ينفق منه على عياله وأولاده زمنها لأنه معسر بالردة. انتهى. أي فله غاية تنتظر لأنه ينتظر ثلاثة أيام كما مر. والله تعالى أعلم. وقال ابن عرفة في رجوع أمهاته إليه بإسلامه ولزوم عتقهن عليه قولا ابن القاسم وأشهب.
ووقفت يعني أن أم الولد إذا ارتد سيدها وفر لدار الحرب فإنها توقف إلى أن يأتي مسلما فترجع إليه أو يموت كافرا فتعتق من رأس المال، وهذا إذا كان يعلم موته وحياته فيعمل بذلك ولو زاد على أمد التعمير، وأما إذا جهل حاله فتبقى لأمد التعمير ولكن إذا كان له مال ينفق عليها منه، وإلا فقولان: أحدهما أنه تخرج حرة والأخرى أنها تسعى في النفقة على نفسها إلى أمد التعمير. قاله البناني. كمدبره يعني أن المرتد إذا فر لدار الحرب وله مدبر فإنه يوقف كما توقف أم ولده. وعلم مما قررت أن قوله: إن فر أي المرتد لدار الحرب راجع لأم الولد والمدبر معا. قال عبد الباقي: ووقفت أم الولد كمدبره إن ارتد وفر لدار الحرب حتى يسلم أو يموت كافرا ولا يعجل عتقها لعدم التمكن من استتابته ولا بمجرد ردته خلافا لأشهب، والشرط قيد فيما قبل الكاف وفيما بعدها ولا مفهوم له إذ هي توقف بردته وإن لم يفر وأمته القن كذلك، وسواء كانت كل منهما مسلمة أو كافرة للحجر عليه بردته لكن لعله قيد بفرار لوقفها لإسلامه إلا أن تمضي مدة التعمير ولم يعلم واحد منهما سواء علم موضعه أم لا، وكذا إن هرب لبلاد الإسلام كذا يظهر في جميع ذلك. انتهى المراد منه.
ولا تجوز كتابتها يعني أنه لا يجوز للسيد أن يكاتب أم ولده وظاهره بغير رضاها أو به، قال البناني: اعلم أنه قال في المدونة: وليس للسيد أن يكاتبها وظاهره برضاها أو بغير رضاها، قال أبو الحسن: وعليه عبد الحق، وحملها اللخمي على عدم رضاها وتجوز برضاها ونحوه في التوضيح. انتهى. وقال عبد الباقي: وأم الولد لا تجوز كتابتها بغير رضاها وفسخت، وعتقت إن أدت نجومها قبل العثور عليها وفات الفسخ ولا ترجع فيما أدته إذ له نزع مالها ما لم يمرض، وأما برضاها فتجوز على الراجح لأن عجزها عن الكتابة لا يخرجها عما ثبت لها من أمومة الولد، وقيل تمنع كتابتها ولو رضيت، وعليه فالفرق بين جواز عتقها على مال مؤجل برضاها، وبين منع كتابتها برضاها أنها تخرج حرة من الآن فيه بخلاف الكتابة، وليس عتقها على مال مؤجل عين الكتابة لعدم خروجها فيها من الآن ولافتقارها إلى الصيغة وللخلاف في جبر الرقيق عليها كما مر جميع ذلك. انتهى.
وقال الشبراخيتي: ولا يجوز للسيد كتابتها ظاهره كالمدونة سواء رضيت أم لا، ولكن الذي يظهر من كلام التوضيح وأبي الحسن ترجيح القول بأن المنع من ذلك في غير رضاها، وأما كتابتها برضاها فتجوز فإن كاتبها فسخت الكتابة وعتقت إن أدت وفات فسخ الكتابة بالأداء ولا ترجع فيما أدت إذ له انتزاع مالها ما لم يمرض. وقال التتائي: ولا تجوز للسيد كتابتها أي أم الولد ويجوز له عتقها على مال يتعجله، فإن كاتبها فسخت الكتابة وعتقت إن أدت كتابتها وفات الفسخ. ولا ترجع فيما أدت إذ كان له انتزاع مالها ما لم يمرض وصرح في المدونة بأنها لا ترجع. انتهى المراد منه. وقال الحطاب: يعني أنه لا يجوز لسيد أم الولد أن يكاتبها، قال في كتاب أمهات الأولاد من المدونة: وليس للرجل أن يكاتب أم ولده وإنما يجوز له أن يعتقها على مال يتعجله منها، فإن كاتبها فسخت الكتابة إلا أن تفوت بالأداء فتعتق ولا ترجع فيما أدت إذا كان للسيد انتزاع مالها ما لم يمرض. انتهى. فظاهرها برضاها أو بدونه. أبو الحسن: وعليه حملها اللخمي، وحملها اللخمي على أن المنع إذا لم يكن برضاها وعلى ذلك مشى صاحب اللباب وجعله كأنه المذهب، وقال في التوضيح: ومنع في المدونة كتابتها لكن ذلك محمول عند الأشياخ على ما إذا لم ترض أما لو رضيت فيجوز كالإجارة. انتهى.
ولما أنهى الكلام على العتاقات أتبعه بالكلام على الولاء لأن العتاقات سبب في الولاء والولاء سبب عنها والسبب مقدم على المسبب، فقال:
فَصْلٌ: كذا في الشروح إلا الحطاب فإن فيه: باب. قاله الرهوني. وكذا التتائي فإن فيه باب، وهذا الفصل أو الباب في الولاء وما يتعلق به، قال ابن مرزوق: الولاء والولاية بفتح الواو فيهما من العتق والنسب وأصله الولي للقرب، والولاية بالكسر الإمارة والولاء بالكسر الترتيب وقيل يقال فيهما بالوجهين معا. انتهى. ونحوه في الحطاب، ونصه: الولاء بالفتح ممدود من الولاية بالفتح بمعنى القرب وأصله الولي، وأما من الولاية والتقديم فبالكسر وقيل بالوجهين فيهما. انتهى. وما حكياه بقيل في الأول عليه اقتصر في الصباح، ونصه: والولاية بالفتح والكسر النصرة. انتهى. وقول الحطاب: وأصله من الولي هو بفتح الواو وسكون اللام كما أفاده صنيع القاموس وصرح به في المصباح، ونصه: الولي مثل فلس القرب. قاله الرهوني. وقال عبد الباقي: فصل في أحكام الولاء.
وعرفه ابن عرفة بقوله: صفة حكمية توجب لوصوفها حكم العصوبة عند عدمها. كذا كتب الوالد، وذكر علي الأجهوري أنه لم يعرفه. ابن عرفة: ونحوه ظاهر ما للأبي في خبر: الولاء لحمة كلحمة النسب. انتهى. ويأتي رد البناني عليه. انتهى. وقال الشبراخيتي: وترك الصنف تعريفه كابن عرفة تأدبا مع الشارع صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عرفه بقوله: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب
(1)
) قال الأبي: هذا منه صلى الله عليه وسلم تعريف لحقيقته شرعا ولا يحد بما هو أتم منه، قال ابن الأثير: اللحمة بالضم وقيل بالفتح، وقال في الصحاح: لحمة الثوب بضم وتفتح، ولحمة البازي وهو ما يطعم مما يصيده تضم وتفتح، واللحمة بمعنى القرابة تضم. انتهى. وحينئذ فاللحمة ما يدخل في السدا الذي يمد طويلا أي أن الولاء مخالطة واتصال كمخالطة النسب واتصاله. وقوله: لا يباع ولا يوهب صفة كاشفة؛ لأن النسب لا يباع ولا يوهب. انتهى. وقال البناني: ابن عرفة عن ابن عمر: قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب. رواه أبو يعلى الموصلي، ثم ابن حبان في صحيحه. وفي
(1)
الجامع الصغير، رقم الحديث 9687.
الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق
(1)
). انتهى. ابن مرزوق: لم أر من تعرض لحقيقته شرعا ويمكن رسمه بأنه اتصال كالنسب نشأ عن عتق. انتهى. ابن عاشر: ولم يحُدَّ ابن عرفة فاعتذر عنه الرصَّاع بأنه ورد في الحديث مبينا مميزا. انتهى. قال الأبي: الحديث تعريف لحقيقته شرعا ولا يحد بما هو أتم منه. انتهى. فقول الزرقاني: وعرفه ابن عرفة بقوله صفة حكمية، غير صحيح. انتهى. وقول ابن عرفة: رواه أبو يعلى الموصلي ثم ابن حبان، نحوه للتاودي عن ابن عرفة وهو كذلك في ابن عرفة، وكلامهم يفيد أن الحديث صالح للاحتجاج به، وقد نسبه في الجامع الصغير للطبراني عن عبد الله بن أبي أوفى والحاكم والبيهقي عن ابن عمر، فقال المنوي في شرحه ما نصه: لحمة بضم اللام كلحمة النسب أي اشتراك واشتباك كالسدا، واللحمة في النسج لا يباع ولا يوهب فهو بمنزلة القرابة، كما لا يمكن الانفصال عنها لا يمكن الانفصال عنه. الطبراني عن عبد الله بن أبي أوفى: وفيه كذاب، والحاكم والبيهقي عن ابن عمر، قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي وشنع عليه. انتهى. قاله الرهوني. وقال: جزم النوي بأن اللحمة بالضم.
وفي النهاية لابن الأثير ما نصه: وفي الحديث: الولاء لحمة كلحمة النسب، وفي رواية (كلحمة الثوب
(2)
) قد اختلف في ضم اللحمة وفتحها، فقيل هي في النسب بالضم وفي الثوب بالضم والفتح، وقيل الثوب بالفتح وحده وقيل النسب والثوب بالفتح، فأما بالضم فما يصاد به الصيد ومعنى الحديث المخالطة في الولاء وأنها تجري مجرى النسب في الميراث كما تخالط اللحمة سدا الثوب حتى يصير كالشيء الواحد لما بينهما من المداخلة الشديدة. انتهى. وفي القاموس: اللحمة بالضم القرابة وما سدي به الثوب بين سداتي الثوب وما يطعمه البازي مما يصيده ويفتح فيهما. انتهى. وفي المصباح: واللحمة بالضم القرابة والفتح لغة، والولاء لحمة كلحمة النسب أي قرابة كقرابة النسب ولحمة البازي والصقر وهو ما يطعمه إذا صاد بالضم أيضا والفتح لغة. انتهى. وفسر
(1)
البخاري، كتاب المكاتب، رقم الحديث 2563 - مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث 1504.
(2)
النهاية، ج 4 ص 240.
الحديث بأن المعنى أن [بين]
(1)
المعتق والمعتق نسبة تشبه النسب ووجه الشبه أن العبد ما دام عليه رق كالمعدوم. انتهى. في نفسه والعتق صيره موجودا، كما أن الولد كان معدوما والأب سبب في وجوده.
وأشار المصنف إلى من له الولاء بقوله: الولاء لمعتق يعني أن الولاء لا يكون إلا للمعتق بكسر التاء، ذكرا كان أو أنثى، حقيقة أو حكما، فيشمل من أعتق عنه غيره بغير إذنه والولاء بالمباشرة والولاء بالجر، وسواء كان العتق ناجزا أو لأجل أو دبره أو كاتبه أو استولد، وفي التتائي: الولاء ثابت لمعتق شرعا سببه زوال الملك بالحرية عن رقيق أعتقه تنجيزا أو تعليقا أو تدبيرا أو استيلادا أو عتقا في فرض كالكفارة أو عتق عليه بقرابة أو سراية أو مثلة.
تنبيهان: الأول: في الحديث الصحيح: (إنما الولاء لمن أعتق)، والمؤلف فاته الحصر الذي في الحديث الحاصل بإنما، وأجيب بما قالوه من أن المبتدأ إذا كان معرفا بأل الجنسية وكان خبره ظرفا أو جارا ومجرورا أفاد الحصر كالكرم في العرب والأئمة من قريش أي لا كرم إلا في العرب ولا أيمة إلا من قريش. انظر الشبرخيتي. واعلم أن المولى يقال للمعتق بالكسر والمعتق بالفتح وأبنائهما والناظر وابن العم والقريب والعاصب والحليف والقائم بالأمر وناظر اليتيم والنافع المحب. قاله التتائي.
وإن ببيع من نفسه أتي وإن كان العتق حاصلا بسبب بيع العبد من نفسه أي العبد؛ يعني أن الولاء لمن أعتق وإن كان هذا الذي أعتق العبد حصل عتقه له بسبب أن باع العبد لنفسه أي لنفس العبد فيعوضه العبد عن نفسه شيئا بأن يكاتبه أو يقاطعه أو يعتقه على مال معجل أو مؤجل. قال البناني عند قوله: "وإن ببيع من نفسه" ما نصه: لو قال وإن بعوض كان أحسن لشموله لا إذا أخذت العوض من أجنبي على أن تعتق عبدك لا عن الأجنبي وإلا كان الولاء له. انتهى.
(1)
ساقطة من الأصل.
أو عتق غير عنه بلا إذن عطف على "بيع" فهو داخل في حيز المبالغة، يعني أن المعتق عنه يكون الولاء له ولو لم يأذن في العتق عنه. وقوله:"بلا إذن" وأما بالإذن فهو أحروي، فإذا أعتق زيد عبده عن عمرو مثلا فالولاء لعمروٍ، أذن عمرو لزيد في ذلك أو لم يأذن له. وقال الشبراخيتي: أو بسبب عتق غير عنه كعتق شخص عن آخر بعينه حي أو ميت بلا إذن عنه على المشهور، وهو داخل في الإغياء وبه يندفع اعتراض البساطي تبعا للشارح بلا إذن ليس بجيد، والأحسن لو قال: وإن بلا إذن، وأما مع الإذن فالولاء للمعتق عنه اتفاقا. وقوله:"أو عتق غير عنه" هو من التقديرات الشرعية التي أعطي فيها م حكم الوجود لأنه قدر دخوله في ملك المعتق عنه، وسواء في ذلك العتق الناجز والمؤجل والتدبير والكتابة، كأن يقول أنت حر أو معتق لأجل أو مدبر أو مكاتب عن فلان، وقوله:"أو عتق غير عنه" أي والمعتق عنه حر وإلا كان لسيده، وهل يعود بعتق العبد أولا؟ قولان. ومذهب ابن القاسم لا يعود. انتهى.
قوله: فالولاء للمعتق عنه اتفاقا الخ نحوه لعبد الباقي، ورده البناني بقوله: هذا الاتفاق غير صحيح بل الخلاف حاصل مطلقا، سواء كان بإذنه أو بغير إذنه. قال ابن عرفة: أبو عمر: من أعتق عن غيره بإذنه أو بغير إذنه فمشهور مذهب مالك عند أكثر أصحابه أن الولاء للمعتق عنه، وقال أشهب: الولاء للمعتق، وقاله الليث والأوزاعي، وسواء في قولهم أمره بذلك أو لم يأمره. انتهى. وقوله:"أو عتق غير عنه" فلو كان المعتق عنه ميتا فإن الولاء يكون لورثته كما مرت الإشارة إليه.
أو لم يعلم سيده بعتقه حتى عتق عطف على المبالغة ففيه الخلاف أيضا، وصورة المسألة أن عبدا أعتق عبدا له ولم يعلم السيد بعتق عبده لعبده حتى عتق العبد المعتق بالكسر ولم يستثن السيد الأعلى مال العبد المعتق عبده، فإن ولاء العبد الذي اعتقه العبد يكون لسيده الذي أعتقه السيد الأعلى وليس الولاء للسيد الأعلى ورد المصنف بالمبالغة قولا محكيا عن اللخمي أن الولاء للسيد الأعلى. وعلم مما قررت أن المصنف مقيد بما إذا لم يستثن السيد مال العبد المعتق، وأما لو استثنى ماله فالولاء له أي للسيد الأعلى إن رضي بعتقه، فإن رده بطل عتقه وكان ذلك الأسفل من جملة مال السيد. وقوله:"أو لم يعلم سيده بعتقه حتى عتق" مثله ما إذا علم بعتقه وسكت
ولم يرده، وأما إن أذن له فيه أو أجازه بعد وقوعه فالولاء للسيد الأعلى في هاتين الصورتين لا للعبد كما يأتي قريبا إن شاء الله تعالى، ففي مفهوم لم يعلم تفصيل. قاله عبد الباقي. وقوله:"أو لم يعلم سيده بعتقه" الخ أي وهو ممن ينتزع ماله وأما من لا ينتزع ماله فالولاء للسيد الأعلى ما دام المعتق رقيقا، فإن عتق عاد الولاء له كما في المدونة من غير تفصيل بخلاف من ينتزع ماله ففيه التفصيل المار.
ابن عرفة: وفيها إن أعتق المكاتب أو العبد بإذن السيد جاز والولاء للسيد، فإن عتق المكاتب رجع الولاء إليه إذ ليس للسيد انتزاع ماله ولا يرجع للعبد إن عتق. الصقلي عن محمد: أصل مالك وابن القاسم في هذا أن من لسيده انتزاع ماله فولاء ما أعتق بإذن سيده لسيده ولا يرجع إليه إن عتق وما أعتقه الدبر وأم الولد بإذن سيدهما في مرضه، فقال أصبغ: الولاء لهما ولو صح السيد لأنه يوم أعتق للسيد انتزاع ماله وليس كالكاتب إذا عجز بعد أن عتق عبده الولاء لسيده ولا يرجع للمكاتب إن عتق. انتهى. وقول [أصبغ]
(1)
: الولاء لهما ولو صح السيد يعني يعود لهما بعد عتقهما اعتبارا بوقت العتق ولو تغير حالهما بعده. قاله البناني.
تنبيهات: الأول: قال عبد الباقي: يستثنى من قوله "الولاء لمعتق" مستغرق الذمة بالتبعات لأن ولاء من أعتقه لجماعة المسلمين حيث مات وجهلت أرباب التبعات، فإن كان حيا حجر عليه. انتهى. قال البناني: في هذا نَظَرٌ، وظاهر كلام ابن رشد أن عتقه ينفذ مطلقا سواء مات أو كان حيا، ونص ابن رشد في الأجوبة: وأما عتق من أحاط الدين بماله فلا اختلاف في أنه لا يجوز إلا أن يجيزه الغرماء، فإن كانت الديون التي عليه قد استغرقت من تبعات لا تعلم أربابها نفذ عتقه على كل حال ولا يرد، وكان الأجر لأرباب التبعات والولاء للمسلمين. نقله الحطاب أول باب العتق. انتهى.
الثاني: من أحاط الدين بماله، إن أجاز غرماؤه عتقه جاز وكان الولاء لهم ولا رد وقسم ماله بينهم. انتهى. قاله عبد الباقي.
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من البناني ج 8 ص 170.
الثالث: إذا أعتق سيد عبده المتزوج بحرة عنها فالولاء لها بالسنة ولا يفسخ النكاح. قاله في المدونة. واستفيد منه أمران: أحدهما أن تقدير الملك في هذه ليس كالملك بالفعل وإلا فسخ النكاح، ثانيهما أن هذه الزوجة ترث مال زوجها كله حيث لا قرابة نسب له: الربع بالزوجية والثلاثة الأرباع بالولاء، وأما لو دفعت له مالا ليعتقه عنها ففعل فيفسخ النكاح كما قدمه المصنف في النكاح، حيث قال: ولو بدفع مال ليعتق عنها، وعلله في المدونة بأنه كملكها رقبته. قاله عبد الباقي.
الرابع: قال عبد الباقي: قال البساطي: قَلَّلَ المصنف من حديث: (إنما الولاء لمن أعتق
(1)
) لفظا ومعنى. انتهى. أما تقليله اللفظ فظاهر، وأما تقليله المعنى فإن كان مراده أن الحديث يفيد إثبات الولاء للمعتق ونفيه عن غيره أي إنما الولاء لمن أعتق لا لغيره فالمصنف كذلك لأن المبتدأ إذا عرف بأل الجنسية أفاد الحصر في الخبر فهو مساو له، فقوله:"الولاء لمعتق" أي لا لغيره، وإنما أتى في الحديث بإنما ومن لرد قول الذين باعوا بريرة لعائشة: اجعلي لنا الولاء. انتهى. ولا يقال يرد على المصنف مسائل الانجرار لأنه يقال ذلك عتق حكما، فقوله:"الولاء لمن أعتق" أي حقيقة أو حكما. والله تعالى أعلم.
وقال الحطاب مفسرا للمصنف: يعني أن العبد إذا أعتق في حال رقه ولم يعلم بذلك سيده حتى عتق العبد. فإن الولاء للعبد يريد إذا لم يستثن السيد ماله حين العتق لأن عتق العبد في حال رقه موقوف والعبد المعتق من جملة ماله، فإذا لم يستثن السيد ماله تبعه ولزم العتق الذي في حال رقه، فإن استثنى السيد ماله فالعبد من جملة المال وهو رق للسيد، وكذا لو علم السيد بعتقه قبل أن يعتقه فرده بطل عتقه وصار العبد رقيقا، فإن استثنى السيد ماله فهو له وإن لم يستثن ماله كان رقيقا للعبد ولا يلزمه عتقه في حال الرق إذا أبطله السيد، وإن علم السيد بالعتق وأجازه مضى وكان الولاء للسيد، فإن علم فلم يرد ولم يمض حتى عتق العبد، فقال ابن المواز: مضى ذلك وكان الولاء للعبد. ابن المواز: لأن العبد عندنا مالك وأفعاله على الجواز حتى يردها السيد فلا
(1)
البخاري، كتاب المكاتب، رقم الحديث 2563 - مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث 1504.
يبطلها إلا رده إفصاحا، وليس لسكوته في ذلك إذن ولا رد فحين أعتقه تبعه ماله فجاز عتقه وكان الولاء له. انتهى.
وقال في الشامل: ولو علم به ولم يرد حتى أعتقه فالولاء له وقيل للسيد. انتهى. ونقل القولين في التوضيح وعزا الأول لابن المواز والثاني لابن الماجشون. انتهى. وفي أول كتاب الولاء من المدونة: وإن أعتقت عبدك عن عبد رجل فالولاء للرجل ولا يجره عبده إن عتق كعبد أعتق عبده بإذن سيده ثم أعتقه سيده بعد ذلك أنه لا يجر الولاء، وقال أشهب: يرجع إليه الولاء لأنه يوم عقد عتقه لا إذن للسيد فيه ولا رد. ابن يونس: وهو أحسن. انتهى.
إلا كافرا أعتق مسلما مستثنى من قوله: "الولاء لمعتق" يعني أن محل كون الولاء لمن أعتق إنما هو فيما إذا لم يكن العبد مسلما والمالك كافر، وأما لو كان المالك للعبد المسلم كافرا وأعتقه فإن العتق ماض ولا ولاء للكافر على العبد المسلم الذي أعتقه وإنما ولاؤه للمسلمين. قال عبد الباقي: واستثنى من قوله: "الولاء لمعتق" قوله: "إلا كافرا أعتق عبدا له مسلما" سواء ملكه مسلما أو أسلم عنده، ثم أعتقه فيهما عتقا ناجزا أو غيره أو أعتق عنه فالولاء للمسلمين لا للمعتق الكافر، لقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} ، ولو أسلم بعد ذلك. هذا هو المعروف. وعليه فلا يجر الولاء ولده. وقاله مالك كما في أحمد. ومفهوم قوله:"مسلما" يأتي في قوله: "وإن أسلم العبد عاد الولاء" الخ، وأما عكس المصنف وهو ما إذا أعتق المسلم كافرا، ففي المدونة: وإذا أعتق المسلم نصرانيا فله ولاؤه أي إذا أسلم النصراني، وأما ماله إن مات كافرا فلا يرثه معتقه لاختلاف الدينين ويرثه ورثته من أهل دينه، فإن لم يكن له وارث منهم فهو لبيت المال كذا ذكره في المدونة وفيه اختلاف، وفي ابن يونس: وإذا أعتق المسلم نصرانيا فله ولاؤه ولا يعقل عنه ما جنى هو ولا قومه لأنهم لا يرثونه لاختلاف الدينين، ولكن يعقل عنه المسلمون ويرثونه إذا لم يكن له قرابة يرثونه من أهل دينه. ثم قال ابن يونس: إن لم يترك ورثة ففيه ثلاثة أقوال: قول أن ماله للمسلمين وثان لمولاه وثالث لمن طلبه من أهل دينه، وإن ترك ورثة فخمسة أقوال: قول أنه للمسلمين دون ورثته، وقول أنه لولده الذي على دينه، وثالثها أنه لولده ووالده، ورابع أنه
لولده ووالده أو إخوته، وخامس أنه يرثه كل من يرث من القرابة وهو مذهب المدونة. انتهى. نقله الرهوني.
ورقيقا عطف على قوله: "كافرا" فهو في حيز الاستثناء يعني أن الولاء للمعتق إلا إذا كان المعتق بالكسر رقيقا، فإنه إذا أعتق رقيقه لا ولاء له وإنما الولاء لسيده، وإن عتق المعتق بعد ذلك بشرط أشار إليه بقوله: إن كان ينتزع ماله أي أن محل كون الرقيق لا ولاء له ولو تحرر بعد عتقه لرقيقه إنما هو حيث كان للسيد انتزاع ماله، ويستثنى من هذا ما إذا لم يعلم سيده بعتقه حتى عتق أو علم وسكت ولم يستثن ماله فيهما. قال البناني عند قوله:"إن كان ينتزع ماله" ما نصه: هذا شرط في كون الرقيق المعتق لا ولاء له أبدا وإن عتق بعد ذلك، وإنما الولاء لسيده وهذا إذا أعتق بإذن سيده أو بغير إذنه وأجازه، وأما من لا ينتزع ماله فإن الولاء للسيد ما دام رقيقا، فإن عتق عاد الولاء له كما في المدونة هذا الفرق بينهما كما تقدم. انتهى.
وقال الحطاب مفسرا للمصنف: يعني أن الرقيق إذا أعتق لا يكون عتقه سببا للولاء إذا كان الرقيق ممن ينتزع ماله كالقن والمدبر وأم الولد إذا لم يمرض [السيد]
(1)
والمعتق إلى أجل إذا لم يقرب الأجل، ويريد إذا كان العتق بإذن السيد أو علم به وأجازه، وأما إن لم يعلم بذلك حتى عتق العبد المعتق أو علم ولم يرد ولم يمض حتى عتق العبد المعتق فإن الولاء له كما مر، واحترز بذلك من الكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر إذا أعتقا في مرض السيد والمعتق إلى أجل إذا أعتق قرب الأجل، فإن هؤلاء إذا أعتقوا بإذن السيد أو علم به وأجازه ثم عتقوا فإن الولاء لهم، فإن لم يعلم بذلك حتى عتقوا أو علم ولم يرد
(2)
ولم يمض فالولاء لهم من باب أولى. انتهى.
ابن يونس: وفي المدبر وأم الولد يُعتقان في مرض السيد ثلاثة أقوال: الأول لأصبغ الولاء لهما وإن صح السيد لأنهما أعتقا في وقت ليس للسيد انتزاع مالهما فيه، والثاني الولاء للسيد وإن مات من مرضه ذلك واختاره ابن عبد الحكم، قال: وكذلك المعتق بعضه. ابن المواز: وقاله أشهب في المعتق بعضه فقيل له ألا تراه كالمكاتب لأنه ممن لا ينتزع ماله؟ فقال: له للمكاتب سنة وللعبد سنة،
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 567 ط دار الرضوان.
(2)
في الأصل: يرض، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 568 ط دار الرضوان.
قال ابن المواز: فلم يكن له حجة أكثر من هذا، وقال ابن القاسم: ولاء من أعتقه المعتق بعضه للعبد وهو الصواب وما روي عن ابن القاسم غير هذا فغلط وإنما هو عن أشهب. انتهى. والقول الثالث في المدبر وأم الولد إذا أعتقا في مرض السيد لابن المواز أنه يوقف، فإن مات السيد كان الولاء لهما وإن صح فله انتهى. انتهى.
وعن المسلمين الولاء لهم يعني أن السيد إذا قال لعبده أنت حر عن المسلمين فإن الولاء يكون للمسلمين: ولو قال: وولاؤك لي، قال ابن رشد: إذا قال لعبده أنت حر عن المسلمين وولاؤك لي لم يختلف أهل المذهب أن ذلك جائز والولاء للمسلمين. نقله المواق. وقال الشبراخيتي: من قال لرقيقه أنت حر عن المسلمين جاز عتقه اتفاقا الولاء لهم ولو قال وولاؤك لي واشترط عدم الولاء عليه، وأما إن أعتق عبدا عن نفسه واشترط ولاءه للمسلمين فولاؤه له، وإن اشترط أن لا ولاء عليه، فهل يكون له أو للمسلمين؟ قولان. انتهى. وقال عبد الباقي: ومن قال لرقيقه أنت حر عن المسلمين جاز عتقه اتفاقا والولاء لهم فيكون لبيت المال؛ لأنه بمثابة من أعتق عن الغير يرثون ويعقلون عنه ويلون عقد نكاحه إن كان أنثى ويحضنونه ولا يكون الولاء للسيد، ولو اشترطه لنفسه أو اشترط عدم الولاء عليه فإن أعتقه عن نفسه فالولاء له لا للمسلمين، ولو اشترط الولاء لهم فإن اشترط أن لا ولاء عليه فهل ولاؤه له أو للمسلمين؟ قولان.
وذكر هذه المسألة وإن استفيدت من قوله: "أو عتق غير عنه بلا إذن" لأجل ما شبه بها في كون الولاء للمسلمين من قوله: كسائبة يعني أنه إذا قال لعبده: أنت سائبة يريد به العتق فإنه يعتق ويكون ولاؤه للمسلمين، قال عبد الباقي: كسائبة أي قال لعبده أنت سائبة يريد العتق وإلا لم يعتق، وكذا أنت حر سائبة أو مسيب فحر وولاؤه للمسلمين وإن لم يرد العتق. انتهى. وقال الشبراخيتي: كسائبة أي قال له أنت سائبة وأراد به العتق فإنه يعتق وولاؤه للمسلمين ونحوه للتتائي، وزاد عند مالك وعامة أصحابه وكره يعني أنه يكره الإقدام على العتق بلفظ السائبة أو مع غيره، قال البناني
(1)
: وكره عتق السائبة أو مع غيره أي كره الإقدام عليه على المذهب خلافا لإجازة أصبغ ومنع ابن الماجشون، وأما السائبة المنهي عنها في المائدة ففي الأنعام خاصة، وقوله: خلافا لإجازة أصبغ. قال الرهوني: كذا في جميع ما وقفنا عليه من نسخه، ووقع في
(1)
هذا الكلام لم نطلع عليه في البناني وإنما هو في عبد الباقي ج 8 ص 171.
نسخة البناني لإجازة أشهب بدل أصبغ فاعترضه واعتراضه ساقط. انتهى. وقال الشبراخيتي: وكره عتق السائبة لأن لفظ السائبة من فعل الجاهلية في الأنعام. انتهى.
وإن أسلم العبد عاد الولاء بإسلام السيد يعني أن الكافر إذا عتق عبده الكافر ثم أسلم العبد فإن ولاءه ينتقل للمسلمين من عصبة سيده النصراني، فإن أسلم سيده الذي أعتقه بعد ذلك فإن الولاء يعود له، والمراد بعود الولاء هنا إنما هو الميراث فقط وإلا فالولاء ثابت لا ينتقل؛ لأن الولاء كالنسب فكما لا تزول عنه الأبوة إن أسلم ولده فكذلك الولاء. قاله الخرشي. وقال المواق من المدونة: إن أعتق نصراني عبده النصراني ثم أسلم بعد عتقه ومات عن مال فميراثه لعصبة سيده النصراني المسلمين؛ لأن الولاء كان لسيده حين كان نصرانيا فإن أسلم السيد رجع عليه ولاؤه. قال سحنون: معنى رجوع الولاء في هذا الباب إنما هو الميراث والولاء قائم لا ينتقل عنه. ابن يونس: صواب لأن الولاء كالنسب، فكما لا تزول عنه الأبوة إذا أسلم ولده فكذا الولاء. انتهى.
وقال عبد الباقي: وإن أعتق كافر عبده الكافر ثم أسلم العبد الذي أعتقه الكافر فالولاء للمسلمين إن لم يكن للمعتق بالكسر عصبة مسلمون، وإلا فلهم كما في المدونة ولا شيء لسيده الكافر ما دام كافرا إذ لا يرث الكافر مسلما، فإن أسلم عاد الولاء بإسلام السيد له فيرثه، وكذا إذا أسلما معا أو أسلم السيد قبل إسلام العبد فيرثه أيضا في هاتين وهما مفهومتان من المصنف بالأولى فلا يحتاج إلى تصويب. انتهى المراد منه قوله:"وإن أسلم العبد عاد الولاء بإسلام السيد" كذا في الموطإ والمدونة. قاله التتائي.
وجر ولد العتق يحتمل أن يكون فاعل جر ضميرا يعود على العتق، والمعنى على هذا أن من أعتق عبدا يكون ولاؤه له ويجر له ذلك العتق ولاء ولد العبد الذي أعتقه ذكورا أو إناثا أي أولاده الذكور وأولادهم، وأما الإناث فإنما ينجر إليه ولاء أولادهم إن لم يكن لهم نسب من حر كما في أولاد المعتقة نفسها، ويحتمل أن يكون فاعل جر ضميرا يعود على الولاء أي وجر ولاء المعتق إلى المعتق ولاء ولد المعتق بالفتح. وعلم مما قررت أن لفظة:"ولد" على حذف مضاف أي ولاء ولد المعتق على التقريرين. والله تعالى أعلم.
وقوله: "جر" أي سحب، والمراد أنه أوصل ذلك إليه ولاء ولد المعتق. وقوله:"ولد المعتق" أي وإن سفلوا، وحاصل هذا الذي أشرت إليه أن للمعتق الولاء على معتقه وولده، ثم من كان من أولاده أنثى فيوقف عندها ولا يتعداها الولاء لأولادها، ومن كان منهم ذكرًا تعدى الولاء إلى أولاده وهكذا يقال فيهم وفيمن بعدهم. انظر البناني. وقال عبد الباقي عند قوله "وجر ولد المعتق": ولو كان الولد حرا بطريق الأصالة وذلك كمن أمه حرة وأبوه رقيق ثم عتق الأب تحقيقا، وأما من أعتق مفقودا فلا يجر عتقه ولا أولاد المعتق بالفتح لسيده لاحتمال موته قبل عتق سيده له. انتهى.
تنبيه: وقع في شرح عبد الباقي عن الشارح ما نصه: وقيد الجر في المدونة بما إذا لم يكن العبد حرا في الأصل فإذا أعتق النصراني عبدا نصرانيا ثم هرب السيد بدار الحرب ناقضا للعهد ثم سبي فبيع وأعتق فإنه لا يجر إلى معتقه ولاء الذي كان أعتقه قبل لحوقه لدار الحرب. انتهى. قوله: وقيد الجر في المدونة بما إذا لم يكن لخ نحوه في الخرشي وهو كذلك في الشارح والتوضيح، قيل هو سهو ومحله عند قوله: ومعتقهما، وقال بعضهم: ليس بسهوٍ بل صحيح لأن القصد به قياس ولد المعتق على معتق المعتق. فتأمل. انتهى.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: وما قاله بعضهم ظاهر. والله تعالى أعلم.
قوله: "وجر ولد المعتق" في الموطإ: اشترى الزبير عبدا فأعتقه وللعبد بنون وامرأة حرة، فقال الزبير: هم موالي، وقال موالي أمهم: هم موالينا، فقضى بهم عثمان للزبير رضي الله تعالى عنه. قاله المواق. وقال الحطاب عند قوله:"وجر ولد المعتق" ما نصه: يعني أن من أعتق عبدا فإن ذلك العتق يجر ولاء ذلك العبد المعتق للمعتق بكسر التاء، وسواء كانت أمهم حرة أو معتقة. قال في كتاب الولاء من المدونة: وكل حرة من العرب أو معتقة تزوجها حر عليه ولاء فإنه يجر ولاء ولده منها إلى مواليه، ويرث من كان يرثه الأب إن كان الأب قد مات. انتهى. وذكر ابن يونس عن الموازية أنه لا يرثه وأن ميراثهم لبيت المال إن كانت الأم عربية، ولمواليها إن كانت معتقة. ثم قال في المدونة: وإذا تزوجت الحرة عبدا فولدت منه أولادا إلى آخر ما يأتي عند قوله: "وإن أعتق الأب أو استلحق" الخ.
كأولاد المعتقة يعني أن المعتقة ينجر ولاء أولادها إلى مواليها بشرط أشار إليه بقوله: إن لم يكن لهم نسب من حر يعني أن عتق الأمة إنما يجر ولاء ولدها إلى معتقها حيث لم يكن لأولادها نسب من حر، فإن كانوا أبناء عبيد أو أبناء زنى أو منفيين باللعان لم يستلحقوا، وأما إن كان لهم نسب من حر بأن كان أبوهم حرا فإنه لا ولاء عليهم لموالي أمهم، بل يكون ولاؤهم لموالي أبيهم إن كان مولى، قال الجعدي: ولا يكون ولاء ولد المرأة لمواليها إلا في أربعة مواضع: إذا كانوا من زنى أو اغتصاب أو من لعان أو كان لهم نسب من رقيق أو كان أبوهم حربيا ومات بدار الحرب. قاله التتائي.
قال عبد الباقي: ومفهوم كلام المصنف إن كان لهم نسب من حر محقق الحرية ولو كافرا كانت الحرية أصالة. قال البناني: أو عارضة لم يجر عتقها ولاؤهم. انتهى. وقوله: محقق الحرية يخرج مسألة الحربي الذي مات بدار الحرب، وقوله: إن لم يكن لهم نسب من حر يرجع لأولاد المعتقة ولا إشكال في ذلك، ويرجع لأولاد المعتق أي أولاد بنته كما قاله غير واحد، وأما رجوعه لأولاده الذكور وأولادهم فمنتف.
قال مقيده عفا الله عنه: وكلامهم هنا ظاهر في أن أولاد المعتقة إذا كان أحد آبائهم حرا لا ينجر ولاؤهم لموالي أمهم، وعبارة عبد الباقي عند قوله:"إن لم يكن له نسب من حر": بأن كانوا من زنى أو غصب أو حصل فيهم لعان أو أصولهم أرقاء أو الأب حربيا بدار الحرب وإن لم يمت بها. انتهى.
وعبارة الحطاب: بأن يكون أبوهم عبدا الخ، ولا شك أن مراده بقوله: أبوهم الجنس، لقول المصنف: إن لم يكن لهم نسب من حر. والله تعالى أعلم.
إلا لرق مستثنى مما قبل الكاف ومما بعدها، وصورة المسألة على الاستثناء مما قبل الكاف أن يعتق السيد عبدا متزوجا بأمة ولدت منه، فإن ولدها رقيق لسيد أمه أي ينجر ولاء ولد المعتق إلى معتقه إلا إذا كان الولد رقيقا فإنه لا ولاء له عليه، وصورتها على أن الاستثناء مما بعد الكاف أن يعتق السيد أمته وقد ولدت في حال رقيتها فلا ينجر ولاء ولدها الرقيق إلى معتقها. فقوله: "إلا
لرق" أي ينجر الولاء في الولد لمعتق الأب أو الأم إلا لأجل رق أي إلا لكون الولد رقيقا، فإذا أعتق الولد في المثالين فولاؤه لمعتقه.
كما أشار إلى ذلك بقوله: أو عتق لآخر اتضح معناه مما قدمته ولا بأس بإيضاحه ثانيا، وصورة المسألة أن محل كون الولاء ينجر لمعتق الأب إنما هو حيث لم يعتق الولد مالك له غيره فإن أعتقه غيره فلا ولاء له عليه، وإنما ولاؤه لمن أعتقه وكذلك ولد المعتقة ينجر ولاؤه لمعتقها على ما مر إلا أن يعتق ولدها شخص آخر فإن ولاءه لمعتقه دون معتق الأم، ومن أفراد قوله:"أو عتق لآخر" ما إذا زوج عبده لأمة آخر ثم أعتق الزوج سيده والأمة حامل، ثم أعتقها سيدها وولدت لأقل من ستة أشهر من عتقها فإن الأب لا ينجر ولاء هذا الولد إليه، وإنما ولاؤه لسيد أمه لأنه هو الذي أعتقه. وقوله:"أو عتق" عطف على قوله: "رق" فهو في حيز الاستثناء أي ينجر ولاء الولد لمعتق الأب أو معتق الأم إلا لأجل عتق شخص آخر للولد، فإن ولاءه لمعتقه. والله تعالى أعلم.
وقوله: "إلا لرق أو عتق لآخر" في الميسر هنا ما نصه: وكذا رق وعتق في الأب لآخر قبل أو بعد، كمسلم أعتق ذميا فهرب لدار الحرب ناقضا للعهد ثم سباه مسلم آخر فهو رق له فإن أعتقه فولاؤه هو ومن يعتقه بعد أو يولد له بعد من حرة لمولاه الثاني ولا يجر إليه من كان أعتقه أو ولد له من حرة قبل هروبه ورقه الثاني؛ لأنهم ثبت ولاؤهم لمولاه الأول قبل هروبه. هذا كله في المدونة. ويشمله المص وهو أحسن من لفظ التوضيح ومن تبعه أن الجر مقيد بما إذا لم يكن العبد في الأصل حرا. انتهى. فصوابه معتقا لقول ابن القاسم فيها: إنه إن قدمت حربية بأمان فأسلمت ثم سبي أبوها فعتق وأسلم جر ولاؤه لمعتقه إذ لم يملك ولاءها أحد برق تقدم له فيها أو في أبيها. انتهى.
وقال الشبراخيتي: والحاصل أنه يشترط في جر ولد كل أنثى أن لا يكون له نسب من حر، سواء كان من أولاد المعتق أو من أولاد المعتقة، وفي جر الولد أن لا يمسه رق أو عتق لآخر كان من أولاد المعتق أو من أولاد المعتقة. انتهى. وفي الشبراخيتي أيضا أن قوله:"إلا لرق أو عتق لآخر" يغني أحدهما عن الآخر؛ لأن الجر لا يكون إلا بعد التحرير. انتهى.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: وما قاله ظاهر، ولكن لا بأس باستيفاء ما يتعلق بالمسألة.
ومعتقهما خطف على "ولد" كما يقتضيه غير واحد يعني أن عتق المعتق والمعتقة يجر إلى معتقهما ولاء من أعتقاه، قال الشبراخيتي: وجر ولاؤهما ولاء معتقهما بالفتح ومعتق معتقهما أي يسترسل عليهم وإن بعدوا أولادهم كذلك؛ لأن كل من أعتق رقيقا ثبت ولاؤه عليه وعلى أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا، وعلى عتقائه وعتقاء عتقائه وإن بعدوا:"ومعتقهما" عطف على "ولد" المعمول "لجر". انتهى.
وقال عبد الباقي: وجر الولاء معتقهما بالفتح أي الأمة والعبد الذين وقع العتق عليهما؛ أي من أعتق عبدا أو أمة ثم أعتق العبد أو الأمة أمة أو عبدا فإن ولاء الأسفل ينجر لمن أعتق الأعلى، وكذا أولاده وإن سفلوا ومعتق معتقهم. انتهى. قوله: ثم أعتق العبد أو الأمة الخ لا مفهوم لهذا الترتيب، وكذا إذا سبق عتقه لعبده أو أمته ثم أعتقه سيده قبل رده ذلك ولم يستثن ماله. قاله الرهوني. وإن كانت الأم معتقة بالفتح ولها أولاد وكان أبوهم وجدهم رقيقين فولاء ولدها لمعتقها وهو مولى أمه لكن لا يستقر، فإن أعتق الجد بعد ذلك رجع الولاء لمعتقه لكن لا يستقر وإن أعتق بالبناء للمفعول الأب بعد عتق الجد، أو استلحق الأب من كان نفاه بلعان وكان المستلحق معتقا رجع؛ أي انجر الولاء لمعتقه من معتق الجد راجع للأول والأم راجع لهما، وإيضاح ما أشرت إليه أن تقول: إذا ولدت معتقة ولدا من عبد وأبوه عبد فإن ولاء الولد لمعتق الأم، فإذا أعتق الجد رجع الولاء لمعتقه من معتق الأم، فإذا أعتق الأب رجع الولاء لمعتقه من معتق الجد فهنا رجوعان، وكذا يرجع الولاء لمعتق الأب من معتق الأم فيما إذا ولدت معتقة من معتق ونفى الزوج الولد باللعان فإن الولاء في الولد يكون لمعتق الأم، فإذا استلحقه الأب بعد ذلك رجع الولاء لمعتقه من معتق الأم، فقد اتضح لك أن في هذه رجوعا واحدا. والله تعالى أعلم.
والقول لمعتق الأب يعني أن العبد المعتق المتزوج بأمة ثم أعتقها سيدها واطلع بعد ذلك على ولد منهما أو حمل، فقال سيد العبد: حملت به بعد عتقها فولاؤه لي، وقال سيد الأمة: حملت به قبل عتقها ولا بينة لواحد منهما، فإن القول قول معتق الأب وهو الزوج، ولا يكون القول لمعتقها أي الأم لمخالفة الأصل، إلا أن يكون الحمل ظاهرا يوم عتقها أو تضع حملها لدون ستة أشهر من يوم عتقها فالقول قول معتقها بلا يمين لأنه علم أنها كانت حاملا قبل عتقها، فيكون الولاء له.
وقوله: "لدون ستة أشهر" أي وقد تنقصها عادة. وعلم من هذا أن قوله: "إلا لرق أو عتق لآخر" محله في المحقق، فإن شك في ذلك فالقول لمعتق الأب.
وإن شهد واحد بالولاء أو اثنان أنهما لم يزالا يسمعان أنه مولاه أو ابن عمه لم يثبت يعني أنه إذا ادعى شخص إرث آخر بالولاء أو بالنسب وشهد له بالولاء أو بالنسب شاهد واحد على البت فإنه لا يثبت له بذلك نسب ولا ولاء، وكذا لو قام له بذلك شاهدان بالسماع يشهدان أنهما لم يزالا يسمعان أنه مولاه أو وارثه بالنسب فإنه لا يثبت له بذلك نسب ولا ولاء، لكنه يحلف ويأخذ المال بعد الاستيناء يعني أنه لا يثبت له بذلك نسب ولا ولاء في المسألتين، كما عرفت لكنه يحلف على ما شهد له به في المسألتين ويستأنى بدفع المال له أي ينتظر بدفعه له ولا يعجل به ليلا يأتي من يستحقه، فإذا لم يأت أحد بعد الاستيناء دفع له. هذا قول ابن القاسم.
وقال أشهب: لا يدفع له بالشاهد الواحد.
وفي الحطاب: أما عدم ثبوت ذلك بشهادة الواحد فهو المذهب، وأما عدم ثبوت ذلك بشهادة السماع فقال في التوضيح: هو مذهب المدونة وبه أخذ أصبغ. ابن المواز: ولا يعجبني. وأكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب أنه يقضى بالسماع بالولاء والنسب، ثم قال في التوضيح: فإن قيل ما ذكره المصنف معارض لما قاله في الشهادات والمشهور جريها في النكاح والولاء والنسب لأن قوله جريها يقتضي أن الولاء يثبت بها، ألا ترى أنه قد نص على أنه لا يثبت بالشاهد إلا أن يقال لا يلزم من الجري الثبوت، أو يكون ما قدمه يعني هنا ليس هو المشهور لقول ابن المواز: أكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب أنه يقضى بالسماع بالولاء والنسب، أو يقيد قوله: جريها في النكاح والولاء بما إذا مات في غير بلده كما أشار إليه بعض القرويين، أو يقال معنى ما في الشهادات إذا كان السماع فاشيا وليس هو ها هنا كذلك. انتهى.
وقال ابن رشد في نوازله في مسائل الدعوى: وأما شهادة السماع الفاشي بالنسب إذا لم يكن مشتهرا عند الناس اشتهارا يوجب له العلم فلا يثبت به النسب مع حياة الأب وإنكاره على حال، وإنما يختلف في ذلك بعد الموت على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يكون له المال ولا يثبت له النسب وهو مذهب ابن القاسم، والثاني يثبت له النسب والمال، والثالث لا يثبتان. انتهى. قوله:
بالسماع الفاشي معناه - والله تعالى أعلم - حيث نسبوا السماع للثقات وغيرهم، ويحترز بذلك عما لو نسباه للميت بأن قالا لم نزل نسمع أنه أي الميت يقول إنه وارثه أو ابن عمه، قال التتائي: وما ذكره نحوه لابن الحاجب، وزاد بعد قوله أنهما لم يزالا يسمعان أنه يقول إن فلانا مولاه أو ابن عمه وأسقط المصنف هذه الزيادة لدخولها في كلامه من باب أولى؛ لأنه إذا لم يثبت مع السماع الفاشي فأحرى إذا كان عن المولى أو ابن العم. انتهى.
وقال عبد الباقي: ما ذكره - يعني المصنف - حيث لم يكن السماع فاشيا بل نسب شهادة السماع لمعين انتهى. قال البناني: فيه نظر إذ على هذا الجواب تخرج عن شهادة السماع إلى شهادة النقل وتحتاج إلى شروطها، وليس هذا الجواب هكذا في التوضيح، ونصه: أو يقال قوله في الشهادات المشهور جريها في النسب معناه إذا كان السماع فاشيا وليس هو هنا كذلك؛ لأنه إنما هو عن المولى أو ابن العم. انتهى. يعني لقول ابن الحاجب: ولو شهد شاهدان أنهما لم يزالا يسمعان فلانا يقول إن فلانا ابن عمه أو مولاه كان كشاهد واحد. انتهى. وهذا هو الذي قدمته عن التتائي. والله تعالى أعلم.
وقدم عاصب النسب يعني أن ولاية المولى الأعلى إنما توجب له الإرث عند انقطاع عصبة نسب المولى الأسفل، فيقدم الابن وأبوه وأخوه وعمه وأبناؤهما على عاصب السبب وهو المولى الأعلى كالمعتق وعصبته، وأما عصبة عاصب النسب فلاحق لهم في الولاء وكامرأة اعتقت شخصا ولها ابن من زوج ليس قريبا لها ثم ماتت بعد موت ابنها فإن أباه لا يرث العتيق بالولاء عند الأئمة الأربعة. قاله الخرشي. ونحوه لعبد الباقي من غير زيادة عند الأئمة الأربعة.
وقال عبد الباقي: قال أحمد: ولما كان العاصب مشاركا للمعتق في كونهما عصبة، ذكر العاصب وترك أصحاب الفروض لتقديمهم على العصبة وهو منهم، فلا يقال لم لم يتعرض لأصحاب الفروض مع المعتق. انتهى. وفي خط علي الأجهوري ما نصه: حادثة سئلت عنها وهي شخص مات وترك معتق أبي جدته وجدته، فهل يرث المعتق المذكور ما فضل عنها أم لا؟ فأجبت بأنه لا يرث لأن أبا الجدة لا يرث الميت فلا يرثه من أعتقه. تأمل. انتهى.
تنبيهان: الأول: قال في المدونة، وللمرأة الحرة ولاء من أعتقت وعقل ما جره مواليها على قومها ومواريثهم لها: فإن ماتت فهو لولدها الذكور فإن لم يكن لها ولد فذلك لذكور ولد ولدها الذكور دون الإناث، وينتمي مولاها إلى قومها كما كانت هي تنتمي، فإن انقرض ولد ولدها الذكور رجع ميراث مواليها لعصبتها الذين هم بها أقعد يوم يموت الوالي دون عصبة الولد. وقاله عدة من الصحابة والتابعين. انتهى. وهذا هو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصح الروايتين عن أحمد، وقال ابن بكير: إنه لا شيء لولدها من مواليها. نقله العقيلي في شرح الحوفي. قاله الحطاب.
الثاني: قد مر قول المصنف: "وإن أعتق الأب أو استلحق" الخ قال الحطاب بعد أن جلب كلام المدونة في ذلك ما نصه: ظاهر كلام المدونة
(1)
أولياء معتق الأب والجد يجرون الولاء من أولياء الأم ولو كان أولياؤهما نسوة وهو كذلك نص عليه في النوادر. انتهى.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: معنى هذا أن موالي معتق الأب ينتقل إليهم الولاء عن أولياء الأم، سواء كان موالي كل رجالا أو نساء، فإذا كان معتق الأب معتقا لامرأة فإنه ينتقل لها الولاء من معتق الأم ومعتق معتقها ذكرا كان أو أنثى. والله تعالى أعلم.
ثم إن لم يكن للمعتق بفتح التاء عاصب نسب ورثه المعتق بكسر التاء، وقولي: ورثه المعتق كذا قدره غير واحد ولا مانع من تقدير "قدم". والله تعالى أعلم. وفي المواق ما نصه ابن رشد: ولاية العتق إنما توجب الميراث عند انقطاع النسب، ولما ذكر الشراز في أرجوزته ترتيب العصبة بدأ بالأب وختم بابن أخي الجد، ثم قال في مولى النعمة ما نصه:
وحجبه من جملة الإرث يجب
…
بابن أخي الجد ومن به حجب
ثم إن لم يكن له معتق ورثه عصبته أي عصبة المعتق بكسر التاء من النسب، كترتيبهم في الصلاة على الجنائز، فيقدم الابن فابنه فأب فأخ فابنه فجد فعم فابنه إلى آخر ما مر في النكاح من ترتيب العصبة، ولو أحال المصنف على ما قدمه في النكاح لكان أظهر لأنه لم يبين في الصلاة على
(1)
في الحطاب ج 6 ص 569: المدونة أن أولياء.
الجنازة ترتيب الأولياء وإن استوى الولاء والنكاح والصلاة في ذلك. وفي المدونة: ولا يرث الأخ للأم من الولاء شيئا فإن لم يترك الميت غيره فالعصبة أولى إلا أن يكون من العصبة فيرث معهم. قال ابن يونس: مثل أن يترك الهالك ابني عم وموالي وأحدهما أخ لأم فيكون الولاء بينهما نصفين ببنوة العم، وتسقط الولادة للأم. ابن المواز: قال أشهب: بل يكون الأخ للأم أولى بالولاء لأنه أقعد بالرحم، كما لو ترك الهالك أخا شقيقا وأخا لأب فإن الميراث للأخ الشقيق، وكما لو ترك ابن عم شقيق وابن عم لأب لكان الشقيق أولى بالولاء، وتعقب قياس أشهب بأن في المقيس عليه زيادة ما به التعصيب وفي المقيس زيادة غير ما به التعصيب. قاله الحطاب عن ابن عرفة ثم قال عنه: والمذهب انتقال الولاء بموت مستحقه إلى أقرب عصبة المعتق حينئذ لا إلى أقرب عصبة المستحق. انتهى.
فلو مات المعتق وترك ابنين ورثا ولاء مواليه ثم إذا مات أحدهما عن ولد فإن الولاء لأخ الابن الميت دون ولد الميت، وإن مات الابنان ولأحدهما ابن وللآخر ابنان فالولاء بينهم أثلاثا، ثم إن لم يكن للمعتق بكسر التاء عصبة نسب ورثه معتقه ثم عصبته، قال ابن رشد: إن لم يكن للمعتق ولد ولا ولد ولد فأبوه وأولادهم ما سفلوا، فإن انقطعوا فيكون الولاء لمولى مولاه ثم لمن يجب له ذلك بسببه. انتهى. وإذا اجتمع معتق أي المعتق بفتح التاء ومعتق المعتق كان معتق المعتق أولى بالإرث؛ لأن معتق المعتق يدلي بنفسه ومعتق أبيه يدلي بواسطة. قاله الخرشي وغيره.
ولا ترثه أنثى يعني أن الولاء لا ترثه أنثى أي لا ترث به أو لا تستحقه، فإذا ترك المعتق بكسر التاء ابنا وبنتا فإن الذي يرث بالولاء الابن دون البنت، قال الشبراخيتي: ولا ترثه أنثى أي لا ترث به فهو من باب الحذف والإيصال؛ لأن الولاء يورث به المال ولا يورث لأنه لو ورث لدخلت النساء فاندفع ما قيل إن فيه مسامحة، فإن ترك المعتق بالكسر ابنا وبنتا ورث الابن الولاء دونها، وكذا لو ترك أخا وأختا ولو انفردت الأنثى في الصورتين فالولاء للعاصب دونها. انتهى.
وقال عبد الباقي: والولاء لا ترثه أنثى أي لا تستحقه. سحنون: إجماعا، وهذا إن لم تباشره بعتق الظاهر أو المتعين أن الضمير البارز في تباشره للشخص؛ يعني أن الولاء لا تستحقه أنثى إن
لم تباشر العبد بالعتق، فإن باشرت العبد بالعتق كان ولاؤه لها، أو يقال لا ترث أنثى المال بسبب الولاء إلا إذا باشرت العبد بالعتق فإنها ترثه بالولاء إذا مات، وبما قررته يندفع قول أحمد في كون هذا شرطا فيما قبله نظر؛ إذ مع المباشرة لا إرث. انتهى.
أو جره ولاء بولادة أو عتق الضمير في جره عائد على الولاء، وهو مفعول والفاعل ولاء والمجرور وما عطف عليه متعلق بجره؛ يعني أن الأنثى لا ترث بالولاء إلا إذا جر الولاء إليها أي ولاء الميت إليها ولاء لها على أصله أو معتقه، وإن اشترى ابن وبنت أباهما على السواء وعتق عليهما بنفس الملك كما مر، ثم اشترى الأب عبدا أي ملكه بشراء أو هبة أو صدقة أو غير ذلك، فمات العبد بعد موت الأب، وأما لو مات قبله ثم مات الأب فإنه يرثه ابنه وبنته على فريضة الله تعالى؛ لأنه لما مات العبد قبله كان ماله من جملة مال الأب. قاله الشبراخيتي.
ورثه الابن جواب الشرط أي ورثه الابن خاصة دون البنت، وكون الابن يختص به دون البنت ظاهر لأن المرأة من عصبة الأب بالولاء لعتقها له، والابن من عصبته نسبا، وقد قال المصنف:"ثم المعتق ثم عصبته كالصلاة ثم معتق معتقه" فالمرأة في هذا المثال معتقة للمعتق، والرجل من عصبة المعتق نسبا، وغلط في ذلك جماعة منهم أربعمائة قاض فجعلوا الإرث للابن والبنت، ومثل الابن سائر عصبة المعتق وهو الأب هنا كعمه وأخيه وابن عمه وإن بعد فيأخذ جميع المال ولا شيء للبنت. وكون الأب مشتركا ليس بشرط فلو اشترت البنت أباها وحدها لكان الحكم كذلك فلا شيء لها من العبد المعتق للأب إن كان أحد من عصبة الأب نسبا موجودا. والله تعالى أعلم.
ثم تكلم على ميراث البنت من العبد إذا انفردت، فقال: وإن مات الابن أولا فللبنت النصف يعني أنه إذا مات الابن أولا أي قبل موت العبد يريد وبعد موت الأب، ثم مات العبد بعد موت الابن فإنه يكون للبنت من ميراث العبد الذي أعتقه أبوها النصف، وعلل ذلك بقوله لأجل عتقها نصف المعتق بكسر التاء وهو الأب الذي أعتق الميت، وهذا ظاهر لأن لها نصف ولاء أبيها فترث نصف معتقه والربع يعني أنه يكون للبنت من المعتق الربع مع النصف فلها ثلاثة أرباع من مال العبد المعتق، ووجه ذلك ظاهر لأن لها نصف ولاء الولد بالجر بسبب ولادة الأب له فلها نصف ماله من المعتق وهو النصف ونصف النصف ربع، فبان أن لها ثلاثة أرباع.
وعلل المصنف كون الربع لها بقوله: لأنها معتقة نصف أبيه وعلم من هذا أن أخذ النصف بالجر وأخذ الربع بالجر أيضا، لكن النصف أخذته بجر عتق معتقها والربع أخذ بجر ولادة معتقها والله تعالى أعلم.
ثم تكلم على ميراثها من الأب مفردة، فقال: وإن مات الابن ثم مات الأب فللبنت النصف بالرحم يعني أنه إذا مات الابن ثم مات الأب بعده كان هنا عبد مشترى أم لا فإنه يكون للبنت وميراث أبيها النصف بسبب الرحم أي بسبب كونها بنته، وهذا ظاهر لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} ، ولها أيضا الربع بالولاء الذي لها في أبيها ووجهه ظاهر؛ لأنها لما أخذت النصف بالرحم بقي من مال أبيها النصف وهي لها نصف ولاء أبيها لعتقها نصفه، فلها نصف النصف وهو الربع وهذا مع النصف ثلاثة أرباع ولها أيضا نصف الربع الباقي وهو الثمن من جميع المال بسبب جره أي الولاء إليها، ووجهه ظاهر لأنه بقي من مال الأب الربع وهي ورثت من أخيها نصف الولاء الذي انجر إليها بولادة الأب له، فلها نصفه وهو الثمن فلها سبعة أثمان.
تنبيه: قال الرهوني: فإن قيل إن البنت المذكورة قد ورثت نصف مال العتيق بكونها معتقة نصف الأب الذي أعتق ذلك العتيق، ثم ورثت الربع بكونها معتقة نصف ذلك الأب الذي أعتق العبد العتيق أيضا والسبب الواحد لا يورث به مرتين أجيب بأن السبب الواحد لا يورث به مرتين عن موروث واحد في حق واحد، وهنا ليس كذلك لأن تلك البنت ورثت النصف عن العتيق لكونها معتقة نصف معتق ذلك العتيق، وورثت الربع عن أخيها لكونها معتقة نصف أبيه الذي هو معتق ذلك العتيق، وإن قيل كيف ترث تلك البنت عن أخيها الربع الذي هو نصف النصف الذي كان لأخيها في مال العتيق مع أن أخاها مات قبل ذلك العتيق فلا يرث في العتيق شيئا لترثه عنه أخته؛ إذ من شرط الإرث تأخر الوارث عن موت الموروث؟ أجيب بأن الوارث للعتيق حقيقة هو من كان الآن حيا من ورثة الابن الذي هو أخوها؛ لأن الابن كان له أخذ نصف مال العبد بسبب إعتاقه نصف معتقه فمات عن هذا الحق فانتقل ذلك الحق الذي هو الأخذ بالإعتاق لورثته، وإن قيل كيف ترث البنت النصف بالإعتاق مع أخيها الذي قدر معها حيا، وقد تقدم أنه إذا كان معها يمنعها من الإرث لأنه عاصب المعتق وهو مقدم على معتق المعتق؟ أجيب بأن أخاها الذي
يمنعها من الإرث هو الحي الوارث حقيقة كالذي كان في مسألة القضاة السابقة، لا الميت الذي قدر حيا لينتقل حظه لوارثه الحي الذي هو الوارث لذلك الحق حقيقة، وإن قيل هل يقدر كل ميت كان له حق في الولاء حيا لينتقل حقه لوارثه أو كان في ذلك تفصيل؟ أجيب بأن الميت لا يقدر هنا حيا إلا إذا أراد من هو حي حقيقة أن يأخذ مال العتيق بسبب شاركه فيه ذلك الميت وكان الحي لا يستكمل به جميع المال، وبيان ذلك أن البنت الوجودة حقيقة لما أرادت أن تأخذ مال العبد العتيق بسبب إعتاق معتقه وهي غير معتقة لجميعه قدر حياة الابن الذي شاركها في ذلك السبب لينتقل حظه لحي يستحقه عنه حقيقة بإرث الولاء، فالمعتبر في حياة ذلك الابن حينئذ هو كونه معتق المعتق كأخيه لا كونه عاصب المعتق الذي يستحق به التقديم على أخته. فاحفظ يا أخي هذه الأجوبة الأربع. التي لا تجدها في غير الشرح الأنفع. انتهى كلام الرسموكي.
وقال عبد الباقي: فإن قلت إذا مات الابن قبل العبد فكيف يكون له إرث منه حتى لا ترثه؟ قلت عنه جوابان: الأول أنه بموت أخيها استحقت نصف ما تركه ومن جملة ما تركه نصف الولاء فقد ورثت من أخيها نصف الولاء، الثاني أن إرثها الربع على تقدير حياته بعد موت العبد وعلى هذا الثاني فليس الولاء كالميراث من كل وجه، وسكت عن الربع الرابع وهو لموالي أم أخيها إن كانت معتقة ولبيت المال إن كانت حرة. انتهى.
ولما أنهى الكلام على ما يفعله الشخص غير الوصية شرع في الكلام على الوصية، فقال:
باب: في الوصية: وهي مشقة من وصى الشيء بكذا يصيه إذا وصله. ذكره الأزهري. وفي الصباح ما نصه: وصيت الشيء بالشيء أصيه من باب وعد وصية. انتهى. قاله الرهوني. وقال الشبراخيتي: الأزهري: اشتقاقها من وصى الشيء بالشيء إذا وصله به، فالموصي وصل ما كان في حياته بما بعد وفاته، أو أنه وصل خير دنياه بعقباه. انتهى. ابن عرفة: هي في عرف الفقهاء - لا الفراض - عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده. انتهى. قوله: عقد: جنس، وقوله: يوجب لخ أخرج به ما يوجب حقا في رأس ماله مما عقده على نفسه في صحته. قوله: يلزم بموته صفة لعقد، أخرج به المرأة إذا وهبت ثلث مالها ولها زوج ومن التزم ثلث ماله لشخص فإنه يلزم من غير موت. وقوله: أو نيابة بالنصب عطف على قوله حقا. وقوله: لا الفراض أي لأنها عندهم خاصة بما يوجب حقا في الثلث فهي عند الفقهاء أعم لشمولها للقسمين عندهم، قال الحطاب: ولا خفاء في صدقه على التدبير. انتهى.
قال الشيخ أحمد بابا: لا خفاء في عدم صدقه على التدبير لخروجه بقوله: يلزم بموته للزومه قبله بإنشائه. انتهى. ونحوه لمصطفى، وأشار إليه الرصاع في شرح الحدود وهو ظاهر، واعترضه بعضهم بأن التدبير لا يلزم بإنشائه وإلا لما أبطله الدين في موت السيد سابقا أو لاحقا، وإنما الذي فيه عدم الرجوع، قال: والصواب ما في الحطاب. والله تعالى أعلم. انتهى.
قال البناني: قلت بل الحق ما ذكره أحمد بابا ومصطفى، وأما قول هذا البعض وإلا لما أبطله الدين فإنه لا يقتضي عدم اللزوم؛ لأن إبطال الدين له بعد الموت إنما هو لفقد الثلث الذي يلزم فيه، إذ لا ثلث مع استغراق الدين لا له، ويدل على اللزوم أنه في حياة السيد لا يبطله إلا ما يبطل العتق الناجز وهو الدين السابق. فتأمله. انتهى.
وقال الرهوني: اللخمي: الأصل في الوصية قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} ، وقوله سبحانه:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ، واختلف في الآية الأولى فقيل المراد بها من لا يرث من الأبوين كالعبد والنصراني، ومن الأقارب من لا يستحق ميراثا ولم تنسخ، وقيل منسوخة في الوالدين ثابتة في الأقارب، وقيل هي منسوخة في الفريقين
بآيات المواريث. ورجح محمد بن جرير الطبري وغيره القول الأول، وقال: لا يجوز حمل الآية على النسخ مع إمكان استعمالها إلا بآية أو سنة أو إجماع. انتهى.
قلت: على الذي رجحه يفهم من الآية أن الوصية لمن ذكر واجبة يأثم بتركها مع أني لا أعلم أحدا قال بذلك صريحا، لكنه لازم لابن جرير ومن وافقه كما يؤخذ من كلام ابن عطية، فإنه لما صدر بالقول الأول وذكر الثاني وعزاه لابن عباس والحسن وقتادة، قال ما نصه: وقال ابن عمر وابن عباس أيضا وابن زيد: الآية كلها منسوخة وبقيت الوصية ندبا، ونحو هذا قال مالك رحمه الله. انتهى.
وصرح ابن جزي بأن هذا هو المشهور، ونصه: كانت فرضا قبل الميراث ثم نسختها آية المواريث مع قوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث
(1)
)، وبقيت الوصية مندوبة لمن لا يرث من الأقربين، وقيل معناها الوصية بتوريث الوالدين والأقربين على حسب الفرائض فلا تعارض بينها وبين المواريث ولا نسخ والأول أشهر. انتهى. وقد جزم الحافظ الجلال السيوطي في تفسيره بالنسخ، فقال عقب الآية ما نصه: وهذا منسوخ بآيات المواريث وحديث: (لا وصية لوارث
(2)
) رواه الترمذي. انتهى منه بلفظه وسلمه العارف بالله أبو زيد الفاسي في حاشيته، وبه تعلم ما في تسليم اللخمي ما قاله ابن جرير. والله تعالى أعلم.
ويقوي البحث مع اللخمي أن الإمام جزم في الموطإ بالنسخ، ونصه: قال يحيى: سمعت مالكا يقول في هذه الآية: إنها منسوخة - قول الله عز وجل: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} - نسخها ما نزل من قسمة الفرائض في كتاب الله. انتهى. انتهى كلام الرهوني. وقال الرهوني: قول ابن عرفة: يلزم بموته يرد عليه الوصية التي التزم عدم الرجوع فيها على ما شهره ابن عرفة نفسه في مختصر الحوفي من أنه لا رجوع فيها إذ لا شك أنها وصية وهي لازمة قبل الموت، فيكون حده غير مانع وقد أشار الرصاع إلى هذا البحث وأجاب عنه ونصه: فإن قلت إذا
(1)
الترمذي، كتاب الوصايا، رقم الحديث 2121 - ابن ماجه، كتاب الوصايا، رقم الحديث 2714.
(2)
الترمذي، كتاب الوصايا، رقم الحديث 2121 - .
أوصى والتزم عدم الرجوع فإن ذلك لازم له من غير موت، قلت: فيه خلاف، والحد للأعم من محل الخلاف والاتفاق. انتهى.
وقال البناني: قال عبد الحق: الوصية على ضربين واجبة ومستحبة، فإن كان عليه حق أو له فهي واجبة، وإن لم يكن عليه حق ولا له فهي مستحبة، ونحوه للمازري وبعض القرويين كما في التوضيح، وزاد: إنما تجب عليه الوصية في ذلك فيما له بال وجرت العادة فيه بالإشهاد من حقوق الناس وأما اليسير من ذلك فلا تجب فيه إذ لا يكلف بذلك كل يوم وليلة للمشقة وأوجبها الظاهرية، ولنا في صحيح مسلم:(ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين وفي رواية يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته مكتوبة)، ولو كانت واجبة لما وكلها إلى إرادته وخصه بعض شيوخ عبد الحق بالموعوك، وقال ابن رشد: الصواب حمله على الموعوك والصحيح لأن الصحيح قد يفجأه الموت. انتهى باختصار. ونحوه نقله أبو الحسن. انتهى.
تنبيهات: الأول: قال الإمام الحطاب: قال منذر بن سعيد: حكمة مشروعية الوصية تقوية الزاد إلى المعاد، وقال في الشامل: الوصية مستحبة إلا لمن عليه تعلق له بال فتجب.
الثاني: قال الشبراخيتي: وأما حكمها فقسمهُ اللخمي وابن رشد للأحكام الخمسة، فتجب عليه إن كان عليه دين أو نحوه، ويندب إليها إذا كانت بقربة في غير الواجب، وتحرم بمحرم كالنياحة ونحوهاة وتكره إذا كانت بمكروه أو في مال قليل، وتباح إذا كانت بمباح من بيع أو شراء أو نحو ذلك. ثم إن إنفاذ ما عدا المحرم لازم وأما قول ابن رشد: وكذلك ينقسم إنفاذها على الخمسة المذكورة فالمراد إنفاذها قبل موت الوصي، فيجب إنفاذ ما يجب منها ويحرم عليه الرجوع عنه ويندب إنفاذ ما يندب منها، فإن خالف ولم ينفذ فقد ارتكب خلاف المندوب وهو إما الكراهة أو خلاف الأولى، وإنفاذ ما يكره منها مكروه والمطلوب منه الرجوع عنه، وإنفاذ ما يباح منها مباح فله فعله والرجوع عنه، ويأتي رد ما قاله من وجوب تنفيذ المكروه والمباح. والله تعالى أعلم.
الثالث: قال الشبراخيتي: وأما الوصية بعمل المولد الشريف فذكر الفاكهاني أن عمل المولد مكروه والمكروه يلزم الوارث أو من يقوم مقامه إنفاذ الوصية به، وقد ذكر ذلك الشافعي. انتهى.
الرابع: اعلم أن أركان الوصية أربعة: الموصي والموصى له والموصى به والصيغة، وأشار لأولها مع شروطه بقوله: صح إيصاء حر يعني أن الوصية تصح من الحر، واحترز بذلك من الرقيق ولو ذا شائبة فإنه لا تصح وصيته، قال الخرشي: يعني أنه يشترط في الموصي أن يكون حرا فالعبد ولو بشائبة لا تصح وصيته. انتهى. وقال الشبراخيتي: صح إيصاء حُر لا رق ولو بشائبة. انتهى. ونحوه لغير واحد، وقال المواق ابن شأس: وتصح من كل حر. انتهى.
مميز يعني أنه يشترط في الموصي أن يكون مميزا واحترز بذلك من الصبي الذي لا ميز عنده ومن المجنون فلا تصح وصيتهما، وكذلك السكران الذي لا ميز عنده فإنه لا تصح وصيته. قال عبد الباقي: مميز لا مجنون وصغير وسكران غير مميزين حين الايصاء. انتهى. قوله: "غير مميزين" قال الرهوني: يحتمل أنه مثنى فهو راجع للصغير والسكران، ويحتمل أنه جمع فيرجع لهما وللمجنون إذا كان يفيق أحيانا وهذا أولى، وقد قال في المدونة: ولا تجوز في حال خبله. انتهى. وقوله: خبله، قال أبو الحسن: بفتح الخاء والباء هو اختلاط في عقل، قال في مختصر العين: ويقال فساد في عقل، انظر لو شهد عدلان أن الوصية كانت في حال إفاقته وشهد عدلان أنها كانت في حال خبله. ابن الهندي: تصدق البينة أنها كانت في حال إفاقته. الشيخ: ولا يبعد أن يدخلها الخلاف فيقال هي تهاتر. انتهى.
وفي المصباح: الخبل بسكون الباء: الجنون وشبههُ كالعرج والبله، والخبل بفتحها أيضا. انتهى.
وفي القاموس: الخبل بالتحريك الجن كالخابل وفساد في القوائم والجنون ويضم وبفتح. انتهى.
وقول أبي الحسن: ولا يبعد أن يدخل الخلاف الخ ظاهر قوله فيقال هي تهاتر أنه لا ينظر على هذا إلى زيادة عدالة وليس كذلك، ثم كلامه يفيد أنه لم يقف في ذلك على نص مع أن ذلك منصوص. راجع ما قدمناه عند قوله في الشهادات:"وبنقل على مستصحبة"، ولما ذكر ابن رشد في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا الخامس: مسألة من شهد عليه شاهدان أنه أوصى وهو مريض وأنه مات من مرضه، وشهد آخران أنه صح من مرضه، قال بعد كلام ما نصه: وقال أصبغ فيه: إن شهادة الصحة أعمل وهو في هذه المسألة أظهر لأنها علمت من صحته ما جهلته الأخرى، ومثل قول أصبغ لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات في التي أوصت في
مرضها فشهد شهود أنها كانت صحيحة العقل وشهد آخرون أنها كانت موسومة؛ لأنه قال في تلك: إن شهادة الصحة أعمل فأحرى أن يقول ذلك في هذه وإذا قيل في هذه، إنه ينظر إلى أعدل البينتين فأحرى أن يقول ذلك في تلك، وقد ساوى أصبغ في سماعه من كتاب العتق بين المسألتين.
فيتحصل في مجموع المسألتين. ثلاثة أقوال: أحدها أنه ينظر فيهما إلى أعدل البينتين، والثاني أن شهادة الصحة أعمل فيهما جميعا، والثالث أن شهادة الصحة أعمل في هذه وإنما ينظر إلى أعدل البيتين في مسألة سماع أبي زيد من كتاب الشهادات، ويتخرج في مسألة سماع أبي زيد قول ثالث أن شهادة المرض أعمل، ولا يقال ذلك في مسألتنا؛ إذ لا يصح فيها سوى القولين المذكورين فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. انتهى. انتهى كلام الرهوني.
مالك يعني أنه يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصي مالكا لما أوصى به، فلا تصح الوصية بمال الغير.
تنبيه: قال غير واحد هنا: مالك ملكا تاما فمستغرق الذمة وغير المالك لا تصح وصيتهما. انتهى.
وقد مر للبناني عند قول عبد الباقي في أول الولاء: ويستثنى من قوله: الولاء لمعتق، مستغرق الذمة بالتبعات، لأن ولاء من أعتقه لجماعة المسلمين حيث مات وجهلت أرباب التبعات، فإن كان حيا حجر عليه. انتهى. ما نصه: في هذا نَظَرٌ، وظاهر كلام ابن رشد أن عتقه ينفذ مطلقا سواء مات أو كان حيا، ونص ابن رشد في الأجوبة، وأما عتق من أحاط الدين بماله فلا اختلاف في أنه لا يجوز إلا أن يجيزه الغرماء، فإن كانت الديون التي عليه قد استغرقت من تباعات لا تعلم أربابها نفذ عتقه على كل حال ولا يرد، وكان الأجر لأرباب التبعات والولاء للمسلمين. انتهى نقله عن الحطاب. وكلام البناني يخالف ما قاله عبد الباقي وغيره هنا من أن مستغرق الذمة لا تصح وصيته كما يأتي عنه. والله تعالى أعلم.
وإن سفيها يعني أن الحر المميز تصح وصيته ولا يشترط في صحتها أن يكون رشيدا، بل تصح وصيته ولو كان بالغا سفيها مولى عليه أم لا. قال في التوضيح: وإذا أدان المولى عليه ثم مات لم يلزمه ذلك إلا أن يوصي به فيجوز في ثلثه، وقال ابن القاسم: إذا باع المولى عليه فلم يرد بيعه
حتى مات فإنه ينفذ بيعه. ابن زرقون: فعلى هذا يلزمه الدين بعد موته. فتأمله. انتهى. وعلى الأول اقتصر في الشامل، فقال: أو مولى عليه وإن في غير ما أدان بغير إذن وليه. انتهى. ونقله البناني، وقال: ونحوه لابن عرفة وقد تقدم ذكر الخلاف في مسألة البيع في باب الحجر فانظره. أو صغيرا يعني أنه تصح وصية المميز وإن لم يكن بالغا بل كان صغيرا، وجازت وصية السفيه والصغير المميز لأن الحجر عليهما لحق أنفسهما، فلو منعا من الوصية لكان الحجر عليهما لحق غيرهما. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب: اختلف في السن الذي تجوز وصية الصغير فيه، فقال في المدونة: وتجوز وصية ابن عشر سنين وأقل مما يقاربها، وروى ابن وهب أن عثمان أجاز وصية جارية بنت ثمان سنين أو تسع. انتهى. وهذا القول هو الذي صدر به في التوضيح والشامل، وعليه اقتصر صاحب اللباب ونصه: وتصح من ابن عشر فما فوقها لأنه مميز. انتهى. وقال المواق من المدونة: تجوز وصية ابن عشر سنين وأقل مما يقاربها إذا أصاب وجه الوصية. وقال أصبغ: تجوز وصية الصغير إذا عقل الصلاة، ولمالك في العتبية إذا أثغرَ والصبيان يختلف إدراكهم وتمييزهم فمن علم تمييزه جازت وصيته إذا أوصى بما هو لله قربة أو صلة رحم، وإن جعلها لمن يستعين بها في منهي عنه ردت وصيته. انتهى.
تنبيهان: الأول: قال الحطاب: وفي البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عمن أسند وصيته إلى رجل وفي الوصية بنات، فماتت واحدة بعد دخول بيتها بشهر وتركت زوجا وعصبة وأوصت بصدقة للفقراء، فهل ينفذها الوصي أو الورثة؟ فأجاب: إن لم توص بذلك لأحد فذلك لوصي أبيها إن كان مأمونا، وإن أوصت بذلك لأحد فهو أولى، قال البرزلي: قلت: هو جار على بقاء النظر بعد موت المحجور على من له عليه ولاية، ومن يقول لا نظر له في أولاده يرجع الأمر في ذلك إلى من يقدمه القاضي. انتهى.
الثاني: قال في التوضيح: قال أشهب: من أوصى لبكر بمائة ولا ولي لها فدفع الورثة ذلك إليها بغير أمر الإمام، فقد برءوا واختار اللخمي إن كان لها وصي أن لَّا تدفع إلا إليه إلا أن يعلم أن الميت أراد دفع ذلك إليها لتتسع في مطعم وملبس فيدفع إليها. انتهى. ونقله ابن عبد السلام
وابن عرفة، وظاهره أن المولى عليه إذا أوصي له بشيء فدفع الوصي ذلك إليه ولم يدفعه إلى وليه فلا ضمان عليه. فتأمله. والله أعلم. انتهى. قاله الحطاب.
وهل إن لم يتناقض أو أوصى بقربة يعني أنه وقع في المدونة ما نصه تجوز وصية ابن عشر سنين وأقل مما يقاربها إذا أصاب وجه الوصية، وفي الأمهات ما معنى إذا أصاب وجه الوصية فقال هو أن لا يكون فيها اختلاط، ففسر اللخمي إذا أصاب وجه الوصية بأن يوصي بما فيه قربة لله تعالى أو صلة رحم، فأما أن يجعلها لمن يستعين بها فيما لا يحل من شرب أو غيره فلا تمضي، فعلم من هذا أن تفسير اللخمي لقول المدونة إذا أصاب وجه الوصية بأن يوصي بما فيه قربة لله تعالى هو تفسير لعدم الاختلاط، وفسر أبو عمران الاختلاط بقوله الذي يخلط في كلامه ليس بجيد العقل مثل أن يذكر في كلامه ما يبين به أنه لم يعرف ما ابتدأ به كلامه أولا. انتهى.
أبو الحسن: ما فسر به اللخمي خلاف ما فسر به في الأمهات، قوله: وذلك إذا لم يكن فيها اختلاط. انتهى. فعلم من هذا أن الخلاف إنما هو في تفسير اللفظ فقط، فاللخمي فسر المدونة بأن يوصى بما فيه قربة، وفسرها أبو عمران بأن يقول كلاما مختلطا لا معنى له، وما قاله أبو عمران هو الأسعد بظاهر المدونة. والله تعالى أعلم. فقول المصنف:"إن لم يتناقض" معناه إن لم يخلط، وأن عدم التناقض والوصية بقربة متفق عليهما. وقوله:"وهل إن لم يتناقض" لخ هو في الصغير كما عرفت ويجري في السفيه أيضا.
وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، وقد علمت أن الأول لأبي عمران والثاني للخمي، وجعل البناني محل التأويلين في قوله: إذا أصاب وجه الوصية دون قوله إن لم يخلط.
تنبيه: قال الحطاب: قال المشدالي في حاشيته على المدونة في هذا المحل: سئل ابن عبد السلام عن صبي يزيد على عشر سنين أوصى بثلثه، فبعد وفاته قام عصبته على الموصى لهم وقالوا: الصبي لم يعقل القربة ولم يميز بين الحسنات والسيئات فوصيته باطلة، وقال الموصى لهم: بل يعقل ويميز، فعلى مَنِ الإثبات؟ فقال: يسئل شهود الوثيقة، فإن قالوا نعلم أنه مميز أو ثبت ذلك بغيرهم صحت الوصية، فإذا عجز الموصى لهم عن إثبات ذلك لم تنعقد الوصية. قلت: فحاصل هذا الجواب الظريف أن الموصى لهم مدعون لأن الأصل عدم التمييز.
وكافرا بالنصب عطفا على "سفيها" يعني أنه تصح الوصية من الحر المميز وإن كان كافرا، قال الحطاب: يعني أن وصية الحر الميز المالك تصح وإن كان كافرا، وظاهر كلامه أن وصيته للمسلم جائزة بكل شيء يملكه الكافر، إلا بكخمر لمسلم المجروران متعلقان بيوصي مقدرا مع أن بعد إلا أي تصح وصيته للمسلم في كل شيء، إلا أن يوصي له أي للمسلم بخمر أو خنزير ووصية الكافر تصح بكل شيء يملكه حتى بالخمر والخنزير.
وأشار للركن الثاني وهو الموصى له بقوله: لمن يصح تملكه متعلق بإيصاء، يعني أنه يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى له ممن يصح تملكه لذلك الشيء الموصى به، فلا تصح الوصية لكحجر ولا وصية المسلم للكافر بمصحف أو نحو ذلك، ويدخل فيه أي فيمن يصح تملكه المجنون، وقوله:"لمن يصح تملكه" أي حقيقة أو حكما كالمسجد.
تنبيهات: الأول: قال عبد الباقي: وصية مستغرق الذمة باطلة وكذا عتقه، وإذا بطل ذلك فلا يرجع ميراثا بل يكون في الفيء كما في فتاوى ابن عتاب إلا ما ثبت كسبه بمال حلال. انتهى. قوله: فلا يرجع ميراثا، قال البناني: هذا هو الذي نقله بعضهم عن الداوودي، ونصه: قال الداوودي من أصحابنا: عتق مستغرق الذمة ووصاياه غير جائزة ولا تورث أموالهم ويسلك بها مسلك الفيء. انتهى. لكنه خلاف ما تقدم أول باب العتق، وأول باب الولاء عن ابن رشد أن عتق مستغرق الذمة بالتبعات التي جهل أربابها نافذ لا يبطل.
الثاني: قد قسم ابن رشد تنفيذ الوصية إلى خمسة أقسام، فمنها ما يجب تنفيذه، ومنها ما لا يلزم تنفيذه، ومنها ما لا يجوز تنفيذه، ومنها ما يختلف في وجوب تنفيذه، ومنها ما لا ينبغي تنفيذه. فأما ما يجب تنفيذه فثلاثة أنواع: أحدها أن يوصي بواجب كالزكاة وعتق الظهار، والثاني أن يوصي بمندوب كالوصية للمساكين، والثالث ما يختلف في كونه مندوبا على مذهب من يرى أنه مندوب أو لا على مذهب من يرى أنه ليس بمندوب، كالوصية بالحج أوجب مالك وأكثر أصحابه تنفيذ الوصية ولم يوجب ذلك ابن كنانة، والثاني أن يوصي بالمباح كالوصية ببيع ملك من أملاكه أو عبد من عبيده وهو لا يرغب في ذلك أو ما أشبه ذلك، وأما ما لا ينبغي تنفيذه فنوع واحد وهو المكروه كالوصية بإقامة لهو في عرس مما استحب وجوز فهذا ينبغي للورثة أن لا
ينفذوه. انتهى باختصار. نقله أبو الحسن. وبه يرد قول التتائي: إن تنفيذ الوصية بالمندوب مندوب فقط، رقد علمت أنه واجب ويرد أيضا قول علي الأجهوري: يجب أيضا تنفيذ المكروه والمباح. انتهى.
الثالث: قوله: "لمن يصح تملكه" يحترز به عمن لا يصح تملكه كهذا الحجر، وعن من يصح تملكه لبعض الأشياء دون بعض فلا تصح الوصية للكافر بكمصحف. انظر الشبراخيتي. لكن هذا الثاني يشمله قوله:"وبطل بمعصية"، قال عبد الباقي: وأشار إلى أن المراد تملكه ولو في ثاني حال بأن كان غير موجود أو غير ظاهر حين الوصية.
فقوله: كمن سيكون مثال لمن يصح تملكه، يعني أن الوصية تصح لمن سيكون كحمل موجود حين الوصية أو سيوجد، وذكر شرط صحة تملكه بقوله: إن استهل يعني أن الوصية لحمل موجود أو سيوجد إنما تصح إن استهل أي ولد حيا، فالمراد بالاستهلال ما يدل على الحياة. قال الشبراخيتي: قال في الشرح: شرط صحة الوصية للحمل أو لمن يولد، ومثل الاستهلال ما يدل على الحياة ككثرة الرضع. انتهى. وقال عبد الباقي: كمن سيكون من حمل فلان موجود أو سيوجد فيؤخر الموصى به للحمل والوضع أو للوضع، ومحل الاستحقاق في الصورتين إن استهل صارخا في الصورتين أو كثر رضعه، ونحوه مما يدل على تحقق حياته وإلا فلا، وغلة الموصى به لمن سيكون مع استهلاله قبل وجوده تكون لورثة الموصى؛ إذ الولد لا يملك إلا بعد وضعه وتحقق الحياة فيه. وقرر الأجهوري المصنف على أنه شرط في صحة الوصية وإلا بطلت وهو ظاهر. انتهى.
قوله: وإلا بطلت ظاهر فيما أوصى لحمل موجود أو قال لولد فلان وله حمل موجود لا فيما إذا أوصى لمن سيوجد كما يأتي التنبيه عليه في مسألة عند قوله: "ووزع بعدده".
ووزع بعدده يعني أنه إذا أوصى لمن سيكون فوجد من الحمل متعدد، فإن الموصى به يوزع على عدد الحمل يستوي فيه الذكر والأنثى؛ لأن ذلك شأن العطايا وهذا عند الإطلاق، وأما إن نص على التفضيل أو علم أن الإيصاء المذكور من جملة من يرثه الحمل فيقسم على قدر الميراث. قاله عبد الباقي.
تنبيهات: الأول: قال عبد الباقي: قوله "كمن سيكون" أي قال أوصيت لمن سيكون من ولد فلان، ومثله أوصيت لمن يولد لفلان فيكون لمن يولد له سواء علم حين الوصية أن له ولدًا أم لا، وكذا أوصيت لولده ولا ولد له حين الوصية ولا حمل حيث علم بذلك، ويكون لكل من يولد له فإن لم يعلم بطلت وصيته، وإن كان له حين الوصية ولد أو حمل صحت مطلقا واختصت بمن وجد حال الوصية من حمل أو ولد ثم حيث تعلقت الوصية بمن يولد له مستقبلا فينظر بها الإياس من ولادته فترجع بعد لِوارِثه، ودخل في قوله:"لمن يصح تملكه" المسجد والقنطرة ونحوهما وسيصرح بالمسجد، وخرج به وصية بمال يعمل به قنديل ذهب يعلق على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهي وصية لا يلزم تنفيذها، وللورثة أن يفعلوا بها ما شاءوا لأن هذا من غير المباح كذا أفتى به الأجهوري. انتهى. قوله من غير المباح يقتضي أن الوصية بالمباح يجب تنفيذها، وقد صرح بذلك وقد تقدم رده. وقوله: واختصت بمن وجد حال الوصية من حمل أو ولد أي فإن أسقطت أو ولدته ميتا سقطت الوصية ولا شيء لمن يولد بعد كما في الحطاب.
الثاني: قد مر قول عبد الباقي: وغلة الموصى به لمن سيكون مع استهلاله قبل وجوده تكون لورثة الموصي، قال البناني: هذا أحد قولين ذكرهما في تكميل المنهج ونصه:
في غلة قبل الولادة اختلف
…
لوارث أو وقفها لمن وصف
واختلف أيضا إذا أوصى لولد ولده ومن يولد لولد ولده، فدخل المولود من الأحفاد يوم الوصية ومن سيوجد منهم، هل يستبد الموجود بالغلة إلى أن يوجد غيره فيدخل معه وبه أفتى أكثر الأئمة؟ أو يوقف الجميع إلى أن تنقطع ولادة الولد وحينئذ يقسم الأصل والغلة، فمن كان حيا أخذ حصته ومن مات أخذ ورثته حصتة على قولين للشيوخ، قال في تكميل المنهج:
وهل على الموجود منهم تقسم
…
أو يوقف الكل خلاف يعلم
انتهى.
الثالث: قال الرهوني: لا يشترط أن يعين الموصى الموصي له، ففي رسم الشريكين يكون لهما المال من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا الأول ما نصه: وسئل مالك عن رجل أوصى بوصية إلى وارث أو غير وارث، قال: ثلثي تجعله حيث أراك الله، قال مالك: إن كان جعل ذلك إلى وارث له هو فليس له أن ينفذ شيئا من ذلك إلا أن يعلم الورثة ويحضرهم، وإن كان جعل ذلك إلى غير وارث فإنه ليس له أن يأخذه لنفسه ولا لولده ولا لحامَّته من الناس إلا أن يكون لذلك وجد يسميه ويذكره ويعرف أن الذي أعطى أهل لذلك، وليس لغير الوارث أن يكتم ما صنع ولا أن يغيبه ولا أرى عليه يمينا في ذلك، وليس الحديث في ذلك مثل القديم فأما الأمر القريب إنفاذه من ذلك فإنه يعلمه، وأما ما قدم من ذلك وطال فليس عليه تجديد ذلك وذكره والورثة هم أغفلوا ذلك بحضرة ذلك وحدثانه، قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه إذا فوض تنفيذ الوصية إلى غير وارث فليس له أن يأخذها لولده ولا لحامته من الناس إلا أن يكون لذلك وجه يعرف فيه صواب فعله لأنه يتهم في ولده وحامته من الناس، فعليه إذا فعل ذلك أن يعلم الورثة به، قال أصبغ: إلا أن يكون الورثة صغارا فعليه أن يعلمهم إذا كبروا لأن ذلك من القضاء لنفسه، وأما أخذه ذلك لنفسه فعلى ما ذكرته في رسم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هذا في الذي يوصي إلى المرأة تجعل بقية ثلثه حيث أراها الله. وقوله إنه ليس له أن يكتم ما صنع ولا يغيبه معناه أن ذلك ليس من الحظ له أن يفعله فيعرض نفسه للتهمة، فإن كتم ذلك وغيبهُ وادعى أنه قد نفذه فلا غرم عليه فيه إلا أن يتبين كذبه، وهو مصدق في ذلك مع يمينه ما لم يتبين كذبه إلا أن يطول الأمر فلا يكون عليه يمين. هذا معنى قوله في الرواية. ولا أرى عليه يمينا في ذلك وليس الحديث في ذلك مثل القديم، يريد أن القديم يصدق فيه بلا يمين والحديث يصدق فيه مع يمينه، ووقع في بعض النسخ فإنه ليس له أن يأخذ لنفسه ولا لولده ولا أن يحابي فيه أحدا من الناس وذلك بين في المعنى، وقد مضى أول مسألة السماع القول على بقية المسألة فلا معنى لإعادة ذلك. وبالله التوفيق. انتهى منه بلفظه.
والذي في رسم سن هو ما نصه: وسئل عن امرأة هلكت وأوصت إلى امرأة بوضع ثلثها في مواضع وأن تجعل البقية حيث أراها الله فكانت تقسمه، ثم إن المرأة احتاجت يعني التي استخلفت
فقالت هل ترى أن آخذ منه شيئا، قال: لا أرى أن تأخذي منه شيئا ولا تأكليه. قال محمد بن رشد: إن كان أراها الله أن تفرق البقية في المساكين فاحتاجت حتى صارت بمنزلة من تفرق عليهم، فلها أن تأخذ لنفسها مثل ما يعطى غيرها على ما قاله في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات في الذي خرج غازيا فبعث معه بمال ليعطيَ منه كل منقطع فاحتاج هو ولم يكن عنده ما يقوَى به أن له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره ولا يحابي نفسه، وجواز ذلك يتخرج على قولين وإن كان أراها الله جعلها في غير الصدقة أو فيها على من ليس على مثل حالها فليس لها أن تأخذ منها وإن كانت محتاجة. وبالله التوفيق.
الرابع: قال ابن يونس ما نصه: قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن أوصى أن يجعل ثلثه في أفضل ما يراه وأقر به إلى الله عز وجل سبحانه، هل يعتق به رقابًا؟ قال: إن سأل عن ذلك قبل أن يفعل رأيت الصدقة خيرا له، وقال مالك: الصدقة أفضل من العتق، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الصدقة شيء عجيب) ومع أنه يبقى في المعتق الولاء لورثته ولو جنى وفعل وأنفذه لم يرد كان عتقا أو غيره. انتهى منه بلفظه.
الخامس: قوله في العتبية: "لحامته" هو بالحاء المهملة والميم الشددة، قال الشيخ الإمام جلال الدين في كتاب الجنائز من حاشيته على الموطإ ما نصه: وحامته أي قرابته وخاصته ومن يحزنه ذهابه وموته، جمع حميم. انتهى منها بلفظها. وقوله: جمع حميم فيه نظر؛ لأن أوزان الجمع المكسر محصورة في أوزان معلومة وليس فاعلة منها فيما أعلم، ولأنه ليس في الصحاح ولا في القاموس ولا في المشارق ولا في النهاية أن حامة جمع حميم، وقد اقتصر في النهاية على أنهما بمعنى واحد، ونصها: حامة الإنسان
(1)
وخاصته ومن يقرب منه وهو الحميم أيضا. انتهى. وما اقتصر عليه هو أحد قولين في القاموس، ونصه: وكأمير القريب كالمحم كمهم الجمع أحمام وقد يكون الحميم للجميع والمؤنث، ثم قال بعد كلام: والحامة العامة وخاصة الرجل من أهله وولده
(1)
في النهاية ج 1 ص 446: حامة الإنسان: خاصته.
وخيار الإبل. انتهى. وكلام المنتقى موافق في المعنى لكلام النهاية، ونصه: الحامة الخاصة ومنه قيل حميم فلان أي خاصته. انتهى منه بلفظه.
السادس: قال في معين الحكام وفي كتاب الوصايا: وإذا قال الموصي يخرج جميع ثلث ما خلفه فيفعل منه كذا وكذا لأشياء عددها، فإذا أخرج منه ما ذكر وفضلت فضلة من الثلث فقيل ينفذ ذلك في الفقراء والمساكين، لقوله: يخرج جميع ثلثي وقيل إن البقية ترجع ميراثا، قال بعض الموثقين: وبالأول جرى العمل. انتهى.
السابع: قد مر عن عبد الباقي عند قوله: "ووزع بعدده" ما نصه: وهذا عند الإطلاق وأما إن نص على التفضيل أو علم أن الإيصاء المذكور من جهة من يرثه الحمل فيقسم على قدر الميراث. انتهى. قوله: أو علم أن الإيصاء المذكور من جهة من يرثه الحمل فيقسم على قدر الميراث، قال الرهوني: مثاله - والله أعلم - أن يقول الموصي: إذا مت فأعطوا أولاد ولدي فلان ما كان يرثه أبوهم لو كان حيا، أو يقول أنزلوا أولاد ولدي فلان منزلته لأن ذلك دليل على أنه قصد أن يأخذوه على الوجه الذي يأخذونه به لو عاش أبوهم حتى مات أبوه فورثه، ثم مات فورثوه [وكون
(1)
] المنزلين من أولاد الأولاد يقسمون للذكر مثل حظ الأنثيين، به أفتى أبو عبد الله المنصوري حسبما في شرح العمليات ونص المحتاج إليه من جوابه فلهم الثلث يقسمونه بينهم على فرائضهم أي للذكر مثل حظ الأنثيين وهو الصحيح وبه العمل. انتهى. وبهذا أفتى التاودي ونص فتواه: الحمد لله وحده. مسألة: إذا قال الرجل الذي مات ولده وله أولاد غيره: ولدي بمنزلة أبيهم وأوصى بذلك ومات وكان للولد الهالك ذكور وإناث، فإنهم يأخذون ما يجب لأبيهم لو كان حيا إن لم يزد على الثلث يقسمونه فيما بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين هذا معنى قوله نزلوهم منزلة أبيهم؛ أي قدروا أباهم حيا فيأخذ نصيبه ثم يأخذونه عنه كما لو أخذه وهو حي ثم مات عنه وغير هذا لا معنى له.
الثامن: قد مر قول عبد الباقي وكذا أوصيت لولده ولا ولد له حين الوصية ولا حمل حيث علم بذلك، ويكون لكل من يولد له فإن لم يعلم بطلت وصيته. انتهى. قال الرهوني: سكت عما إذا
(1)
في الأصل: وكان، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 233.
وقع النزاع في علمه وعدمه وعما إذا جهل حاله، وقال الحطاب ما نصه: إذا أوصى لولد فلان ولا ولد له فادعى فلان أن الموصي يعلم ذلك وادعى الورثة أن الوصي يظن أن له ولدا، فهل القول قول الوارث أو قول فلان؟ لم أر فيه نصا أيضا، والظاهر أن القول قول الورثة فانظر ذلك، وانظر أيضا إذا لم يعلم الورثة وفلان أن الموصي كان يعلم ذلك أو لا يعلمه، هل يحمل على العلم أو عدمه. انتهى منه بلفظه. قلت: الظاهر أنه ينظر إلى حال الموصي وحال فلان، فإن كان بينهما من المواصلة وشدة المداخلة ما يعلم منه أنه لا يخفى عليه أمره حمل على العلم بأنه لا ولد له، فيكون القول قول فلان في الوجه الأول مع يمينه ويحمل في الوجه الثاني على العلم فتصح الوصية، وإلا فالظاهر ما قاله الحطاب في الوجه الأول وبطلان الوصية في الوجه الثاني، ويشهد لذلك ما يأتي عند قوله وهي ومدبر إن لخ. والله اعلم.
التاسع: قد مر قول عبد الباقي أنه إذا قال أوصيت لولد فلان وله ولد أو حمل حين الوصية أن الوصية تصح مطلقا. انتهى. أي علم الموصى به حين الوصية أم لا، قال عبد الباقي في هذه: واختصت بمن وجد حال الوصية من ولد أو حمل. انتهى. قال الرهوني: هذا أحد قولين ذكرهما في المعيار فيمن أوصى لولد ولده وقد نقل القولين الشيخ ميارة في شرح التحفة ونقلهما غيره أيضا، وعلى هذا الذي اقتصر عليه الزرقاني اقتصر ابن هلال في نوازله، ونصه: أما من أوصى لولد ولده فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: الأول أن يعلم الموصي أن لولد ولده ولدا، الثاني أن يظن أن له ولدا. الثالث أن يعلم أنه لا ولد له فالوجه الأول تحمل فيه الوصية على أنها لذلك الولد سواء اتحد أو تعدد ولا شيء لمن يولد بعد والثاني تسقط فيه الوصية والثالث تحمل فيه الوصية على من سيولد للولد وإن كثروا. انتهى.
وفي المدونة: ومن قال ثلثي لولد فلان [وقد
(1)
] علم أن لا ولد له جاز وينتظر أيولد له أم لا ويساوى فيه بين الذكر والأنثى، وإن لم يعلم أنه لا ولد له فذلك باطل. انتهى. نقله الرهوني. ثم قال بعد
(1)
في الأصل: قد، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 23.
جلب كلام كثير: وبه تعلم ما في كلام ابن هلال، وأن ما اقتصر عليه الزرقاني خلاف الراجح، ولذلك صرح الشيخ ميارة في تكميل المنهج بأنه المرتضى، ونصه:
وكل من أوصى لولد ولده
…
ومن يزاد فشمول عهده
لحاضر كذا لمن بعد وجد
…
والخلف في ولده ولم يزد
هل يدخل الموجود قط أو يشمل
…
جميعهم وذا ارتضى إذ يفعل
وفي المدونة: ومن أوصى لولد ولده بثلثه ولا يرثونه فذلك جائز، قيل فإن مات أحدهم وولد غيره بعد موت الموصي قبل القسمة في المال، قال مالك في الموصي لأخواله وأولادهم أو لمواليه: قال ابن القاسم: أو لبني عمه أو لبني فلان بثلثه فذلك لمن حضر القسم لا يحسب من مات بعد موت الموصي ولا يحرم من ولد لأنه لم يسم قوما بأعيانهم، قال ابن القاسم فيمن أوصى بثلثه لموالي فلان فمات بعضهم وولد بعضهم وعتق آخرون قبل القسم إن ذلك لمن حضر القسم كالوصية لولد الولد. انتهى. وفيها بعد هذا بيسير جدا قيل له، فإن قال ثلثي لولد فلان وولد ذلك الرجل عشرة ذكور وإناث، قال: الذي سمعته من مالك أنه إذا أوصى بحبس داره أو ثمرة حائطه على ولد فلان أو على ولد ولده أو علي بني فلان فإنه يؤثر أهل الحاجة منهم في السكنى والغلة، وأما إن أوصى بثلثه لولد فلان وكانوا عشرة ذكورا وإناثا فإن ما أوصى لهم به من وصية ناجزة فذلك على عدتهم بالسواء، وأما الوصايا فلا أحفظ قول مالك فيها ولكني أراها بينهم بالسوية. انتهى.
محمد بن يونس: ألزم سحنون ابن القاسم تناقضا بقوله: وأما الوصايا فتقسم بينهم بالسواء. محمد بن يونس: وليس ذلك منه تناقضا ولا خلافا لما تقدم، وإنما تكلم في هذه المسألة على الفرق بين الحبس والوصية، فقال: الحبس يؤثر فيه أهل الحاجة ذلك سنته والوصايا يساوى فيها بينهم ولم يتكلم في هذه، هل يحرم من مات ويعطى لمن ولد؟ ومذهب ابن القاسم جيد مع موافقته لمالك رحمهم الله. وذلك أن قوله: ثلثي لولد فلان ليس بتعيين للولد فما وقع عليه ذلك الاسم يوم
القسم فله الوصية، وأما إذا عين فلا تعدو الوصية المعين والتعيين، كقوله: ثلثي لولد فلان هؤلاء أو الثلاثة أولاد فلان، فإذا سَمَّى أو أشار إليهم أو قصد قصدا يعلم أنه أراد المعين فلا تعدوهم الوصية إلى غيرهم وكذلك العتق، وقد روى أشهب عن مالك في العتبية في امرأة أوصت في مرضها لولد فلانة لكل واحد بعشرة دنانير فولد لها قبل موتها ولد ومات آخر فلا شيء لمن مات، وأما من ولد فيعطى مع من يعطى وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال أوصت لهم وهي تعرف عددهم وقال: قال أشهب: إذا أوصى بثلثه لبني فلان وهم أربعة يعرف عدتهم أو لا يعرفها فمات بعضهم قبل الموصي وولد آخرون [فالثلث لمن
(1)
] بقي وللمولود ولا شيء لمن مات ولو سماهم لم يكن للمولود شيء وردت حصة الميت منهم لورثة الموصي. محمد بن يونس: لأنه مات قبل موت الموصي، قال ابن المواز
(2)
: كل من أوصى لقوم بأعيانهم تعمدهم وعلم أنه قصدهم بأعيانهم ولم يكن حبسا فالقسم بينهم بالسوية ولا يحرم من مات منهم يعني بعد موت الموصي ولا شيء لمن ولد. هذا قول مالك الذي عليه أكثر أصحابه أجمع.
ومن المجموعة ذكر رواية ابن القاسم في الموصي لولد فلان أو لولد ولده أو لمواليه أن ذلك لمن حضر القسم لا يحرم من، ولد ولا شيء لمن مات وكذلك لأخواله وأولادهم. وقال أشهب: وإذا أوصى لولد رجل أو لمواليهم وهم عشرة معروفون، فمن مات قبل فنصيبه لورثته ولا شيء لمن ولد، بخلاف من أوصى للمساكين أو للسبيل أو للأرامل أو بني تميم. وقال مثله عبد الملك، وقال: إذا كانوا معروفين فيحمل أمره على أنه أراد أعيانهم. وقاله سحنون. محمد بن يونس: وهذا مثل ما تقدم لسحنون في المدونة وهذا خلاف لما قدمناه لمالك وابن القاسم. انتهى.
العاشر: في إيضاح بعض ما تقدم، قال الحطاب: أبو إسحاق: لو قال لولد فلان ولا ولد له يوم أوصى وهو يعلم بذلك ثم ولد له لا نبغي أن يحبس ذلك حتى يكبر فينتفع به ويوقف لغيره حتى ينتفعوا به؛ لأنه لا لم يكن له ولد يوم أوصى فكأن الوصي
(3)
أراد الإيصاء إلى جعلة من يولد لفلان
(1)
في الأصل: فالمن، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 235، وابن يونس ج 7 ص 165.
(2)
في الأصل: الموصى، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 235 وابن يونس ج 7 ص 165.
(3)
في الحطاب ج 6 ص 576: الموصي.
فلا يختص بالانتفاع به بعضهم دون بعض حتى ينقرضوا، فيكون لورثتهم كلهم. وقد حكي عن بعض الناس أن أول ولد يولد لفلان يأخذ ذلك بتلا والأول أبين. انتهى. قوله كلهم قد مر عن البناني في التنبيه الثاني أنه خلاف الراجح، ونقله أبو الحسن عن اللخمي مثل ما لأبي إسحاق، فإنه قال: - قال أي اللخمي - في آخر الوصايا: وإن أوصى لولد فلان ولا ولد له وله حمل حملت الوصية على أنها لذلك الحمل، فإن ولدت كانت الوصية له وإن أسقطت أو ولدته ميتا سقطت الوصية ولا شيء لمن يولد بعد، وإن لم يكن حمل والموصي يظن أن له ولدا سقطت، وإن كان عالما حملت الوصية على من يولد بعد وإن كثروا، فإن ولد له ولد تجر له بذلك المال، ثم كلما ولد له ولد تجر له مع الأول ومن بلغ التجر تجر لنفسه. انتهى. قاله الحطاب.
وتحصل مما مر أنه إذا أوصى لولد فلان وليس له حمل ولا ولد، فإن لم يعلم الموصى بأنه لا ولد له بطلت الوصية، فإن علم أنه لا ولد له صحت الوصية والراجح أنها تكون لجميع من يلده بعد ولا يختص بها الأول فتكون الغلة للأول إلى أن يأتي ولد آخر فيشترك معه إك أن يأتي ثالث فيشترك معهما وهكذا، وقيل يختص بها الأول ولا شيء لمن بعده، وأما إذا كان له ولد فالوصية صحيحة من ضير نظر إلى علم الموصي. قاله عبد الباقي. قال: واختصت الوصية بالوجود ونحوه لابن هلال فيما إذا علم بأن له ولدا، فإنه قال: تحمل الوصية على أنها لذلك الولد اتحد أو تعدد. وقال الرهوني: إن الراجح أنها تكون لجميع ولده من وجد ومن لم يوجد ممن حضر القسم ومن مات قبل القسم سقط حظه، بخلاف من ولد بعد موت الموصى، وعزاة للمدونة عن ابن القاسم، وأنه إن قال: أوصيت لمن سيكون من ولد فلان أو لمن يولد لفلان فالوصية صحيحة ويكون لكل من يولد من ولد فلان، واختلف لمن تكون الغلة قبل وجود الولد، فقيل للورثة حتى يولد له وقيل توقف الغلة إلى أن يولد له، فإن أيس من الولادة رجعت الوصية لوارث الموصي. قال مقيده عفا الله عنه: هذا الخلاف يجري - والله أعلم - فيما إذا لم يكن له ولد حين الوصية، كانت الصيغة أوصيت لمن سيولد لفلان أو أوصيت لمن يولد له، أو أوصيت لولد فلان ولا ولد له وهو يعلم بذلك. وعلم مما مر أيضا أنه إذا أوصى لقوم معينين أنهم يكون لهم ذلك لمن مات منهم فيورث عنه ولمن بقي. والله سبحانه أعلم.
مسألة وعدت بها وهي: ما إذا أوصى لولد فلان ولا ولد له وهو يعلم بذلك، أو قال أوصيت بهذا لمن سيولد لفلان ونحوهما فهذه وأشباهها لا تبطل الوصية فيها بعد استهلال المولود الأول، لما علمت أن الراجح فيما إذا أوصى لولد فلان ولا ولد له وهو يعلم بذلك أن الوصية لجميع من يلده ولا يختص بالأول كما مر عن أبي إسحاق، قال أبو الحسن: أبو إسحاق: ولو قال لولد فلان ولا ولد له يوم أوصى وهو يعلم ثم ولد له لا نبغى أن يحبس ذلك حتى يكبر فينتفع به ويوقف لغيره حتى ينتفع به؛ لأنه لما لم يكن له ولد يوم أوصى فكأن الموصي أراد الإيصاء لجملة من يولد لفلان فلا يختص بالانتفاع به بعضهم دون بعض حتى ينقرضوا، فيكون لورثتهم كلهم. وقد حكي عن بعض الناس أن أول ولد يولد لفلان [ويأخذ ذلك]
(1)
بتلا والأول أبين. انتهى. وما صدر به واختاره عليه اقتصر اللخمي وساقه كأنه المذهب، وقد نقل كلامه أبو الحسن والحطاب هنا كما مر وهو مصرح به في المدونة وابن يونس وغير واحد كابن هلال في نوازله. والله أعلم. فكيف تبطل الوصية بولادة الأول ميتا وهو لا يختص بها؟ بل لا يكون له شيء منها إن مات قبل استحقاق القسم.
وعلم من قول المصنف: "إن استهل" أن من قال: ثلث مالي مثلا لأول مولود يولد لفلان فولد ميتا تبطل الوصية، قال الرهوني: وبذلك أفتيت وعلم مما مر أنه إذا قال أوصيت لمن سيولد لفلان أو لمن سيكون من ولد فلان أو لولد فلان وله ولد أو ولد له وهو يعلم بأنه لا ولد له، فإن ذلك يشمل جميع من يلده على الراجح ولا يختص بالولد الأول، وقيل يختص به وقبل وجود الولد تكون الغلة للوارث، وقيل توقف إلى وجود الموصى له. والله تعالى أعلم.
وأشار للركن الثالث وهو الصيغة بقوله: بلفظ متعلق "بصح" أو بإيصاء، أو بيكون مقدرا والله تعالى أعلم. قال الخرشي: والمعنى أن الوصية تكون بلفظ صريح، كأوصيت. وتكون بلفظ غير صريح يفهم منه إرادة الوصية. انتهى.
أو إشارة مفهمة يعني أن الوصية تكون بالإشارة المفهمة ولو من قادر على النطق، خلافا لابن شعبان، قال الشبراخيتي:"بلفظ" قصد به ذلك كأعطوه وجعلته له أو هو له إن فهم منه قصد
(1)
ما بين المعقوفين ساقط من المؤلف والمثبت من الحطاب ج 6 ص 576 ط دار الرضوان.
الوصية لا الإقرار أو إشارة مفهمة ولو من القادر على النطق، وتدخل الكتابة لأنها أحرى من الإشارة. انتهى. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: الصيغة ما دل على تعيين الوصية، فيدخل اللفظ والكتب والإشارة. وقال مالك عن نافع عن ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه
(1)
). وفي الموازية: لو قرؤوها وقالوا نشهد بأنها وصيتك، فقال: نعم أو قال برأسه نعم ولم يتكلم فذلك جائز. انتهى. وقبول المعين شرط بعد الموت يعني أنه إذا أوصى لشخص معين كزيد مثلا فإن قبوله بعد موت الموصى شرط في ثبوت الوصية له، قال الخرشي: يعني أن الوصية إذا كانت لشخص معين كزيد مثلا، فإن قبوله لها بعد موت الموصي شرط في وجوبها له، وأما إذا كانت على مخير معينين كالفقراء فإنه لا يشترط في حقهم القبول بعد الموت لتعذر ذلك من جميعهم، واحترز بقوله:"بعد الموت" مما لو قبل في حياة الموصي فإن ذلك لا يفيده شيئا؛ إذ للموصي أن يرجع في وصيته ما دام حيا؛ لأن عقد الوصية غير لازم حتى لو رد الموصى له قبل موت الموصي فله أن يرجع ويقبل بعده قاله مالك. وإذا قبل بعد الموت بقرب أو بَعد طول زمان فإن الغلة الحادثة بعد الموت وقبل القبول تكون للموصى له؛ لأن الملك انتقل إليه بمجرد الموت.
كما قال المصنف: فالملك له أي للموصى له بالموت أي ينتقل له ملك الوصية بسبب موت الموصى، قوله:"المعين" أي البالغ الرشيد، وإلا فوليه يقبل له بخلاف الحوز في الوقف والهبة فيكفي حوز الصغير والسفيه، فلو مات المعين قبل القبول وبعد موت الموصى فلوارثه القبول، مات قبل العلم أو بعده اللهم إلا أن يريد الموصي الموصَى له بعينه فليس لوارثه القبول. وقوله:"شرط أي في اللزوم أي في لزومها للموصي فلا ينافيه قوله، فالملك له بالموت لأن القبول بعد الموت كاشف لملكه بالموت. انتهى بزيد قليل. ونحوه لعبد الباقي، وقال عبد الباقي: إن الفاء في قوله: "فالملك له بالموت" واقعة في جواب شرط مقدر تقديره: وإذا تأخر القبول عن موت الموصي فالملك
(1)
الموطأ، كتاب الوصية، رقم الحديث 1 بلفظ ووصيته عنده مكتوبة - البخاري، كتاب الوصايا، رقم الحديث 2738 - مسلم، كتاب الوصية، رقم الحديث 1627 ولفظهما ووصيته مكتوبة عنده.
له بالموت. انتهى. وقال عبد الباقي: فإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء لم يشترط قبول لتعذره. انتهى.
قوله: بخلاف الحوز في الوقف والهبة فيكفي حوز الصغير والسفيه، قال الرهوني: فيه نظر لأنه لا تحسن المقابلة التي ذكرها هنا بين القبول هنا والحوز في الهبة، فإن أراد بقوله بخلاف الحوز في الوقف والهبة أي والقبول فليس في كلامه ما يدل عليه، وإن أراد ما هو ظاهره من أنه في الوقف ونحوه إنما يكتفى منه بالحوز، وأما القبول فلا بد أن يقع من وليه فلا مخالفة، ومع ذلك فهو مخالف لكلام الأئمة من أنه يصح منه القبول والحوز، ولأن ما قاله هنا من أنه لا يصح قبول المحجور مخالف لما يأتي له بَعدُ بقريب عند قوله:"ولم يحتج رق لإذن في قبول" من قوله: "ومثله الصغير". انتهى. وما يأتي له هو الصواب فلا فرق بين الوصية والوقف ونحوه. والله أعلم.
انتهى.
تنبيه: إذا مات الموصى له بعد موت الموصي فللورثة القبول كما عرفت، وأما لو مات الموصى له قبل موت الموصي فإن الوصية تبطل فليس لورثة الموصى له القبول حينئذ لبطلانها، قال الرهوني: بطلان الوصية بموت الموصى له قبل موت الموصي معلوم مسلم منصوص عليه في كتب المتقدمين والمتأخرين المتداولة وغيرها، حتى أنه مذكور في الكتب المتيسرة لصغار الطلبة كشروح التحفة، ولم يذكروا في ذلك خلافا إنما ذكروا الخلاف إذا بطلت بذلك وكان للموصي وصايا أخر فضاق عنها الثلث، هل تعود لورثة الموصى ويحاصون بها أرباب الوصايا؟ أو تكون لأرباب الوصايا؟ قال في كتاب الوصايا الثاني من المدونة ما نصه: وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي فالوصية لورثة الموصى له علم بها أم لا، إن مات قبل موت الموصي بطلت الوصية، علم الموصي بموته أم لا. قال مالك: وحاص بها ورثة الموصي أهل الوصايا في ضيق الثلث ثم تورث تلك الحصة، وأكثر الرواة على أنهم يحاصون بها إن لم يعلم بموته ولا يحاصون بها إن علم. وقاله أيضا مالك. انتهى منها بلفظها.
ونحوه لابن يونس عنها وزاد ما نصه: قال ابن نافع: لأنه إذا علم بموته فكأنه أقر وصيته لمن بقي من أهل الوصايا، وقاله ابن المواز. قال سحنون: وإنما يحاص الورثة أهل الوصايا بوصية
الموصى له إذا مات قبل الموصي والموصي لا يعلم لأن الموصي مات، والأمر أنَّ وصيته لمن أوصى له جائزة فلما بطلت بموت الموصى له رجع ما كان له إلى المال، ودخل الورثة مدخله فحاصوا أهل الوصايا بوصيته لأنه هو كذلك كان يحاصهم بوصيته، وقد ذكر اللخمي المسألة وزاد ثالثا فقال ما نصه: فقال مالك مرة لورثة الموصي أن يحاصوا أهل الوصايا بنصيبه علم الموصي بذلك أو لم يعلم وقال أيضا: لا يحاصوا به علم أو لم يعلم، وقال أيضا: إن علم لم يحاصوا بنصيبة وإن لم يعلم حاصوا به. انتهى.
وقد صرح بالبطلان صاحب المفيد، ونصه: ولا يستحق الموصى له شيئا إلا بموت الموصي، فإن مات قبله فلا شيء لورثته. انتهى. ووقع التصريح بالبطلان من غير ذكر خلاف فيه في نهاية المتيطي ومختصراتها وغير ذلك من كتب أهل المذهب وجلبها يطول بنا جدا، وفي بعض ما ذكرناه كفاية فكيف بجميعه؟ والله أعلم. انتهى كلام الرهوني. وفيه أن مذهبه في الكتاب أن الوصية لا تحتاج إلى قبول الموصى له قبل موته ولا علمه، وأن قبولها مما يورث. وذكر الأبهري أنها إنما تكون للورثة إذا قبلها الموصى له، فمتى لم يقبل سقط حقهم فيها ورجعت لورثة الموصي، وقيل إنها حق ثبت للميت يورث عنه وليس لورثته رده ولا يحتاجون إلى قبول. انتهى.
تنبيه آخر: قوله: "فالملك له بالموت" وقيل إنما الملك له بالقبول. ولا ذكر ابن شأس الخلاف قال: يتخرج عليه أحكام الملك كصدقة الفطر إذا وجبت بعد الموت وقبل القبول وكما إذا أوصى له بزوجته الأمة فأولدها ثم علم، فقيل هل تصير الأمة أم ولد للموصى له بذلك الولد أم لا؟ وكذا حكم ما أفادته الأمة أو العبد بعد الموت من مال وحكم الولد المستحدث بين الموت والقبول وحكم ثمرة النخل والبساتين الحادثة بين الزمانين. ابن عرفة: وكذا أرش الجناية عليه بين الزمانين. انتهى. قاله البناني.
وقال التتائي: فالملك ثابت له أي للموصى له بالموت والقبول كاشف لثبوته بالموت فما حدث بعد الموت، وقبل القبول من غلة فللموصى له على المشهور من المذهب، وعبر عنه الشارح بالأصح ومقابله أنه لا يملكه إلا حين القبول فالملك قبله لورثة الموصي. انتهى. وقد مر عن الخرشي وعبد الباقي أنه لو رد الموصي له الوصية قبل موت الموصى، فلما مات الموصى رجع الموصى له إلى
القبول كان له ذلك وما قالاه. نقله الحطاب. فإنه قال عن التوضيح: قال ابن الحاج: انظر على ما في الموطإ لو أوصى رجل لرجل بمال فلم يقبل ذلك الموصى له في صحة الموصي ورده، ثم مات الموصي ورجع الموصى له إلى قبول ذلك فذلك له لأنه لم تجب له الوصية لا بعد موت الموصي. انتهى.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: تعليله يفيد أنه لا فرق بين الصحة والمرض وهو ما مر عن الشيخين: الخرشي وعبد الباقي. والله تعالى أعلم.
وقوم بغلة حصلت بعده يعني أن الموصى به إذا حدثت له غلة بعد الموت وقبل القبول، فإنه يقوم مع غلته، فإذا أوصى له بحائط يساوي ألفا وهي ثلث الميت وحصل فيه غلة تساوي مائتين فإنه يكون للموصى له خمسة أسداس الحائط، ومقدار ثلث المائتين الحاصلتين من الغلة لأنها لما كانت كامنة في الأصول فكأنها معلومة عادة، فإذا لم يعط ثلثها لزم نقصه عن ثلث الميت يوم التنفيذ، وأما الغلة الحاصلة قبل الموت فهي من جملة مال الموصي فيقوم قطعا. قال عبد الباقي: ثم إن الموصى به إن كان له ثمر وأبر أو ألقح قبل الموت فهو من جملة ما للموصي قطعا، فيقوم من جملة ماله للنظر في ثلثه، وأما ما حدث أو أبر أو ألقح بعد الموت وقبل القبول فأشار له بقوله:"وقوم بغلة حصلت" أي حدثت بعده أي بعد الموت وقبل القبول، وأما مال العبد فما كان بيده قبل موت السيد يقوم به قولا واحدا ويبقى بيده إن كان مدبرا أو موصى بعتقه فإن كان موصى به لرجل فهل يكون للموصى له وهو ما في المدونة أو لا؟ قولان. وما حصل له بعد الموت وقبل النظر في الثلث فيقوم به إن حمل الثلث رقبته على أحد القولين، فإن لم يحملها قوم به قولا واحدا وهذا في مال حصل له بهبة أو صدقة أو وصية، وأما كسبه وعمل يده وأرش جناية عليه في حياته فللسيد وبعد موته للورثة إن كان مدبرا أو موصى بعتقه، فإن كان موصى به لرجل فقولان وكذا الحكم في قيمته. انتهى كلام عبد الباقي.
تنبيه: قضية قوله: "فالملك له بالموت" أن الغلة الحادثة بعد الموت كلها للموصى له، وقضية قوله:"وقوم بغلة حصلت بعده" أنه لا غلة للموصى له، وأجيب عن ذلك بجوابين: أحدهما أن ما تقدم من قوله: "فالملك له بالموت" قول، وقوله:"وقوم بغلة حصلت بعده" قول آخر وهو قول
أكثر الرواة. سحنون: وهو أعدل أقوال الأصحاب وهو قول ابن القاسم في المدونة. قاله الشبراخيتي. ثانيهما أن هذه الغلة كنماء الرقاب فكأنها من جملة الذوات الموصى بها، قال المواق: قال ابن شأس: إذا فرعنا على أن الغلات تبع للأصول فاختلف في كيفية التقويم، فقيل تقوم الأصول بغير غلات فإن خرجت من الثلث اتبعتها ولا تقوم الغلات، وقيل تقوم الأصول بغلاتها، قال التونسي: وهذا أشبه في الظاهر وذلك أن نماء العبد لم يختلف أنه إنما يقوم على هيئته يوم التقويم، وكذلك ولد الأمة لم يذكر فيه اختلاف أنه يقوم معها كنماء أعضائها فكذلك يجب أن يكون تقويم الغلات مع الرقاب لأنها كالنماء في الموصى به. انتهى.
ولم يحتج رق الإذن في قبول يعني أن الرقيق إذا أوصي له بشيء فإنه له أن يقبله ويكون له، ولا يحتاج في قبوله لما أوصي له به إلى إذن من السيد، قال الشبراخيتي:"ولم يحتج رق" أي صاحب رق في قبول ما أوصى له به لإذن من سيده بل يقبله من غير إذنه ويملكه الرقيق، ولسيده انتزاعه إلا أن يعلم أن الموصي قصد به التوسعة على العبد وأن السيد لا يتصرف فيه، فينبغي أن يعمل على قصده وقد قدم المصنف في الحجر ما هو أعم من هذا، وهو قوله: ولغير من أذن له القبول بلا إذن إذ هو شامل لغير الوصية كالهبة. انتهى. ونحوه لعبد الباقي، وزاد: ومثل الرق الصغير. انتهى. وقد مر عن الرهوني أن قوله هذا ومثله الصغير هو الصواب دون ما مر له عند قول المصنف: "وقبول المعين شرط بعد الموت". وقال الحطاب: قال ابن الحاجب: وللمأذون له أن يتصرف في الوصية والهبة ونحوهما ويقبلهما بغير إذن السيد، وكذلك غير المأذون وله نحو ذلك هنا في الوصايا. قال في التوضيح: قوله ونحوهما كالصدقة وله أن يقبل ذلك بغير إذن السيد، وأقيم من المدونة أنه ليس للسيد أن يمنعه من قبول الهبة وقوله وكذلك غير المأذون التشبيه راجع إلى القبول فقط؛ لأن التصرف إنما يكون للمأذون إلا أن يكون الواهب أو الموصي شرط في هبته أو وصيتة أن لا يحجر عليه فيها، فينبغي أن يمضي ذلك على شرطه كما قاله بعضهم في السفيه والصغير. قاله ابن عبد السلام. انتهى. بالمعنى. انتهى.
وفي النوادر: قال علي عن مالك في عبد أوصي له بشيء فأبى قبوله فلسيده أن يكرهه على قبوله. انتهى. وقال في سماع سحنون: قال مالك في العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل: إن لسيده أن
يأخذ ذلك وإن أبى الذي تصدق بها إذا قال إنما أردت العبد فإذا لم يقبل فلا، قال ابن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن العبد لو قبل الصدقة كان لسيده أن ينتزعها منه فهو أحق بقبول التصدق
(1)
به عليه. وبالله التوفيق. انتهى.
كإيصاء بعتقه يعني أن السيد إذا أوصى بعتق عبده فإنه يعتق ولو لم يقبل العبد فالتشبيه في نفي مطلق الاحتياج مع قطع النظر عن القبول، فالأول لا يحتاج لإذن في قبول والثاني لا يحتاج لقبول. قال مالك: من أوصى بعتق عبده فلم يقبل فلا قول له ويعتق إن حمله الثلث. انتهى. نقله المواق.
وخيرت جارية الوطء يعني أنه إذا أوصى ببيع جارية للعتق فإنه ينظر، فإن كانت تراد للوطء فإنها تخير بين الرضا بالبيع للعتق وبين البقاء على الرق، وإن كانت لا تراد للوطء بل للخدمة فإنها تنفذ فيها الوصية فتباع للعتق ولا خيار لها. ولها الانتقال يعني أنه إذا أوصى لجارية الوطء بأن تباع لمن يعتقها فإن لها الخيار كما عرفت، وإذا اختارت البقاء على الرق فلها الانتقال عنه إلى البيع للعتق وإذا اختارت البيع للعتق فلها الانتقال عما اختارته من البيع إلى البقاء على الرق. وقوله:"ولها الانتقال" أي ما لم ينفذ فيها أحد الأمرين الذي اختارته أو لا، فإن نفذ فيها الرقية فلا اختيار لها كما أنها إذا نفذ فيها البيع للعتق فلا انتقال لها بعد.
وعلم مما قررت أنه إذا أوصى لجارية الوطء بالعتق فإنه لا خيار لها بل تعتق، فكلام المصنف لا بد من صرفه عن ظاهره فيقيد بما إذا أوصى ببيعها للعتق، قال عبد الباقي: ومن أوصى ببيع جارية للعتق نفذت وصيته في جارية الخدمة ولا خيار لها، ومثلها العبيد الذكور الموصى ببيعهم للعتق وخيرت جارية الوطء أي التي تراد له - وطئت بالفعل أم لا - بين الرضى بالبيع للعتق وبين البقاء على الرق، وإنما خيرت لأن الغالب على جواري الوطء الضياع بالعتق، وأما من أوصى بعتقها فليس لها البقاء على الرق لأن العتق حق لله لا يجوز إبطاله، بل تمضي الوصية بعتقها لتشوف الشارع للحرية، ولها أي لجارية الوطء الموصى ببيعها للعتق الانتقال عما اختارته
(1)
في الحطاب ج 6 ص 578 ط دار الرضوان: بقبول ما تصدق به عليه.
من أحد الأمرين إلى الآخر عند ابن القاسم ما لم ينفذ فيها ما اختارته أولا. انتهى. ونحوه للشبراخيتي، وقال: وأما لو أوصى بعتقها فلا خيار لها، وكلام أصبغ بأن الإيصاء بعتقها كذلك ضعيف. انتهى المراد منه.
وقال البناني عند قوله: "وخيرت جارية الوطء" ما نصه: ابن غازي: لا شك أنه على مذهب المدونة مقيد بما إذا أوصى ببيعها للعتق وعلى الصواب. نقله عنها ابن الحاجب. انتهى. وقال اللخمي عن مالك: وأما إن أوصى بعتقها فلا خيار لها، وسوى أصبغ بين البيع والعتق في الخيار، وحمل التتائي عليه كلام المصنف معترضا به على ابن غازي وهو غير صحيح؛ لأن قول أصبغ خلاف مذهب المدونة، وقول عبد الباقي ما لم ينفذ فيها ما اختارته الخ، زاد اللخمي عن ابن القاسم: أو يكون ذلك بتوقيف من سلطان أو قاض. وقال ابن عرفة: الصقلي: لأبي زيد عن ابن القاسم: إن اختارت أحد الأمرين فلها الرجوع ما لم يوقفها قاض أو سلطان أو تشهد بينة بما اختارت، وكذا إن سألها الشهود عن رأيها في نفسها ولم يوقفها للاختيار في أمرها فهو كوقفهم إياها لقطع ما بيدها. قال عنه عيسى وابن عبدوس: إن اختارت البيع فبيعت ثم ردت بعيب فأرادت العتق فليس لها ذلك. انتهى كلام البناني. قول البناني: وسوى أصبغ بين البيع والعتق في الخيار أطلق فيما نسبه لأصبغ ونحوه للخمي، ونصه: وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد: ذلك لها، وإن قال أعتقوها قال وهي عندي بمنزلة قوله بيعوها ممن يعتقها، وهو أبين لأن العتق لم ينفذ والضرر في الموضعين سواء. انتهى. والذي لابن يونس عن أصبغ هو ما نصه: وقال أصبغ: وكذلك لو قال لورثته أعتقوها، فقالت لا أحب فهو مثل قوله: بيعوها ممن يعتقها في القياس، ولكني استحسن إن حملها الثلث أن تعتق وإن لم يحملها أو كان إنما قال يعتق ثلثها أو نصفها فلم ترد ذلك وهي رائعة فالقول قولها، وهذا إذا قال افعلوا أو لم يقل فهي حرة إذا مت أو نصفها، وأما إذا قال هذا فلا ينظر إلى قولها وينفذ لها الوصية. انتهى. فأصبغ إذا حملها الثلث وقال أعتقوها كلها موافق للمشهور، وإنما خالف إذا لم يحملها الثلث وقال أعتقوا ثلثها ونحوه. فتأمله. والله أعلم.
وقول البناني عن ابن عرفة: أو تشهد بينة بما اختارت وكذا إذا سألها الشهود الخ، ما عزاه ابن عرفة لابن يونس هو كذلك فيه، ونصه: قال عنه أبو زيد: وإن اختارت البيع أو العتق ثم رجعت عنه، فإن كان في غير إيقاف من السلطان ولا بحضرة عدول ليخيروها فيشهدوا بذلك فلها الرجوع ما لم يوقفها القاضي أو تشهد البينة بما اختارت، قيل: فإن سألها الشهود عن رأيها في نفسها ولم يوقفها للاختيار في أمرها وقطع اختيارها؟ قال: ذلك عندي سواء أوقفوها لقطع ما في يدها أو لم يوقفوها إلا على وجه الاختبار فهو سواء ولا رجوع لها. انتهى. وهو يفيد أنه المذهب ولكن كلام اللخمي يفيد صريحا أنه جعل القول بأن الإشهاد مانع من الانتقال مقابلا، ونصه: واختلف إذا اختارت أحد الأمرين ثم أحبت الانتقال إلى الآخر، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: ذلك لها ما لم ينفذ فيها الذي اختارته أولا ويكون ذلك بتوقيف من السلطان أو القاضي. وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد: إذا شهد على اختيارها أحد الوجهين لم يكن لها الرجوع إلى الآخر وهو أبين. انتهى.
لكنه قد اختاره كما رأيت فيكون هو الراجح تأمل، وقول البناني: قال عنه عيسى وابن عبدوس الخ يوهم أن الصقلي اقتصر على هذا القول وليس كذلك، بل زاد بعده متصلا به ما نصه: وقال ابن وهب بل لها ذلك لأن بيعها لم ينفذ. انتهى.
فرع: قال اللخمي ما نصه: وإن أعتقها الورثة قبل أن تخير لم يكن ذلك لهم إن أحبت البيع. انتهى. وقال ابن يونس ما نصه: قال مالك: وإن أعتقها بعض الورثة فبل أن تخير فليس عتقه بشيء وتباع إن أحبت. وقاله ابن القاسم. انتهى.
وصح لعبد وارثه إن اتحد فاعل صح الإيصاء، يعني أنه إذا أوصى لعبد وارثه بشيء فإن تلك الوصية صحيحة بشرط أن يكون الوارث واحدا حائزًا لجميع المال، أو بتافه أريد به العبد يعني أنه كما تصح الوصية لعبد وارثه الواحد الحائز لجميع المال تجوز أيضا لعبد بعض ورثته فيما إذا أوصى له بتافه أريد به نفع العبد خاصة، فأوصى له بكثير بطلت، كما أنه إذا أوصى للعبد بتافه أراد به نفع السيد تبطل. قال عبد الباقي: وصح الإيصاء لعبد وارثه أي الموصي ولو بكثير إلى الثلث إن اتحد الوارث وحاز جميع المال كابن لا كبنت فلا يصح لأنه كوصية لوارث، ومثل
المتحد المتعدد والعبد مشترك بينهم وورثوا جميع المال وإلا لم تصح لأنها كوصية لوارث، وإذا صح فليس لسيده نزعه منه. ابن يونس: لأنه إذا انتزعه لم تنفذ الوصية وإذا باعه الوارث باعه بماله وكان للمشتري انتزاعه كما في المدونة. انظر التتائي. انتهى.
قوله: وإذا صح فليس لسيده نزعه منه لخ، قال البناني: هذا ذكره في المدونة في الوصية لعبد الوارث. ابن عرفة: وفيها إن أوصى بمال لعبد أجنبي فلسيده انتزاعه. اللخمي: القياس أن لا ينتزع. انتهى. وقوله: ومثل المتحد المتعدد والعبد مشترك بينهم لخ، يريد والعبد مشترك بينهم كشركتهم في الإرث وإلا فلا تصح الوصية له. قاله الرهوني. وقال عبد الباقي: أو أوصى لعبد بعض ورثته بتافه لا تلتفت النفوس إليه كثوب حال كونه أريد به أي بالتافه العبد لخدمته للموصي لا بكثير مطلقا أو بتافه أريد به نفع سيده لأنه كوصية، وشمل العبد فيما مر القن ومن فيه شائبة إلا مكاتب ولده فله الوصية له بما يزيد على التافه إلى مبلغ ثلث الموصي. قاله أبو الحسن. أي لأنه أحرز نفسه وماله وكذا تصح بغير تافه إذا كان على العبد دين مستغرق. انتهى. قوله: إلا مكاتب ولده فله الوصية الخ، قال البناني: أطلق في هذا، وقال ابن عرفة: الشيخ: لأشهب في المجموعة: وتجوز لمكاتب وارِثه بالتافه لا بالكثير إلا أن يكون المكاتب مليا يقدر أن يوفي فذلك جائز. اللخمي عن أشهب: إن لم يقدر على الأداء إلا بالوصية والأداء أفضل للسيد لم يجز، وإن كان العجز أفضل جازت وأرى أن تجوز مطلقا لأن القصد بها خروج المكاتب من الرق. انتهى. وقوله: وكذا يصح بغير التافه إن كان على العبد دين مستغرق كذا في الموازية عن ابن القاسم وأشهب؛ إذ قالا: وإن أوصى له بالشيء الكثير وعلى العبد دين يستغرقه أو يبقى منه ما لا يتهم فيه فذلك جائز. التونسي: وفيه نظر لأن زوال الدين عن عبده يزيد في ثمنه فينتفع الوارث بذلك إلا أن يكون بقاء الدين عليه وهو مأذون له تافها لا ينقص من ثمنه كثيرا وزواله لا يزيد في ثمنه، فيصح الجواب. انتهى. نقله ابن عرفة.
تنبيه: قال الرهوني في المفيد ما نصه: ولا يجوز أن يوصي الرجل لغير ابنه مما يخاف أن يكون أراد به ابنه، فإن كان كبيرا فهو متهم ووصيته مردودة ولا يجوز ولا يحل لأحد أن يوصي لابن
ابنته وهو يريد ابنته وكذلك ما كان مثله، فإن أرادها فالله سائله، وفعله إن لم يظهر فيه التوليج نافذ. انتهى.
ولم يتعرض لوجوب اليمين إذا لم يظهر التوليج، وفي المنتقى ما نصه: ولا يمين على الموصى له أن الوصية ليست على وجه التوليج. قاله أصبغ. ووجه ذلك أنها يمين تهمة فيما لا يمكن الاحتراز منه ولا المنع. انتهى. قلت: وتعليله يفيد أنه لو حقق عليه الورثة الدعوى كأن يقولوا له إن الموصي صرح بذلك بحضرتك مثلا لتوجهت عليه اليمين، ولم أر أحدا تعرض لذلك وقواعد المذهب تفيد توجهها في هذا. والله أعلم.
ثم وجدت في نوازل الوصايا من المعيار ما نصه: وسئل الأستاذ أبو سعيد بن لب عن رجل توفي عن زوجة وأربعة أولاد ثلاثة منها وواحد من امرأة أخرى، وعهد المتوفَّى بثلثه لأم الزوجة المذكورة وقيل ما عهد لها بذلك إلا على وجه أن تصرفه على حفدتها الثلاث، قهل تجب عليها يمين أم لا؟ فأجاب: إن قامت الشهادة في العهد بالثلث أنه كان من العاهد على وجه الصرف على بعض الورثة دون بعض فسخ العهد وصار العهود به ميراثا بين جميع الورثة والشهادة تكون بسماع واشتراط من العاهد أو باعتراف من المعهود له بذلك، وإن لم تقم بينة بذلك أحلفت العهود لها أن العهد لم يكن من العاهد على وجه الصرف وكان لها ملكا تفعل به ما شاءت.
وسئل أيضا عن الذي يعمد بثلثه ليصرفه العهود له على غيره، فأجاب: الحكم في المسألة إبطال العهد ويصير المعهود ميراثا إن ثبت قصد الصرف من العاهد باعتراف المعهود له بذلك بعد الإعذار إليه، وإن لم يثبت ذلك وادعاه الورثة أو بعضهم دعوى تحقيق أحلف، وحينئذ يستحقه، وإن اتهم بذلك ولم تحقق عليه الدعوى ففي إحلافه قولان على أيمان التهم. انتهى.
وفيه أيضا ما نصه: وسئل القاضي أبو عمرو بن منظور رحمه الله عن امرأة عهدت بثلث متخلفها لخالها وتوفيت، فقام الورثة يدعون أن ذلك الثلث كان برسم أن يصرفه خالها على أمها فبعد ذلك أشهدت شهودًا آخرين أنها عهدت بثلث متخلفها ولم تذكر لهم أنه يصرفها على أمها، فهل - يا سيدي - يجب على المعهود له بالثلث يمين بسبب التهمة بالشهادة الأولى أم لا
يجب؟ بينوا لنا ما يجب في ذلك من الحكم مأجورين. فأجاب: الجواب بتوفيق الله سبحانه أن المعهود له يحلف للتهمة المذكورة، وإن لم يحلف فلا يأخذ الثلث. انتهى.
ولمسجد يعني أنه يصح الإيصاء لمسجد وقنطرة وسور ونحوها، قال الشبراختي: نكره ليعم المسجد الحرام وغيره، ولو أدخل الكاف على المسجد ليشمل القنطرة والسور ونحوهما لكان أحسن. انتهى. وقد مر أن هذا في حكم من يصح تملكه.
وصرف في مصالحه يعني أنه إذا أوصى للمسجد وما في حكمه فإن ذلك يصح كما عرفت، وحينئذ فإنه يصرف في مصالح المسجد من مرمته وحصره وزيته كقومته أي خدمته من إمام ومؤذن ونحوهما فيما زاد على ذلك أو فيما لم يحتج لما مر احتاجوا أم لا، ولعل قوله:"وصرف في مصالحه" إن اقتضى العرف ذلك، فإن اقتضى أن القصد مجاوروه كالجامع الأزهر صرف لهم لا لمرمته وحصره ونحوهما. قاله عبد الباقي. وقال الخرشي: فإن لم يكن للمسجد مصالح دفع للفقراء. انتهى. ولميت علم بموته يعني أنه يصح الإيصاء لميت بشرط أن يعلم الموصي بموته وإلا بطلت. قال الشبراخيتي: وصح إيصاء لميت علم الموصي بموته، فإن لم يعلم بموته بطلت وصرف ذلك في دينه إن كان عليه دين أو وارثه يعني أنه إذا لم يكن على الميت الذي أوصى له دين فإنه يكون لوارثه. قال عبد الباقي: وصح الإيصاء لميت علم الموصي بموته حين الوصية، ففي دينه يصرف إن كان عليه دين أو وارثه الخاص إن لم يكن دين، فأو للتنويع لا للتخيير إذ لم يتقدمها طلب لا حقيقة ولا حكما، ولأنه لا إرث إلا بعد وفاء الدين فإن لم يكن له وارث خاص بل بيت المال بطلت كما إذا لم يعلم بموته. قاله علي الأجهوري. وقال الشيخ سالم فيما كتب عنه والدي أن بيت المال من الوارث. انتهى.
وقال الشبراخيتي: فإن لم يعلم بموته بطلت وصرف ذلك في دينه إن كان عليه دين أو وارثه الخاص إن لم يكن عليه دين، قال ابن الحاجب في دينه: وإلا فلوارثه. وقول أشهب: لورثته ولدين عليه، الواو بمعنى أو، ومفهوم قولنا: الخاص أنه لو كان وارثه بيت المال بطلت كما في الشرح خلافا لما في الحاشية تبعا للزرقاني.
ولذمي يعني أنه يصح الإيصاء لذمي لصحة تملكه لا حربي قال التتائي: وصح أيضا لذمي لصحة تملكه وإطلاقه يشمل من له عليه يد أو جوار وغيره قريبا كان أو أجنبيا، وأجازها ابن القاسم على وجه الصلة وأشهب للقرابة والأجنبي بغير كراهة، قال: ومعناها في الأجنبي إذا كان له حق من جوار أو يد سلفت وإلا فمحظور؛ إذ لا يوصى لكافر بلا سبب ويترك السلم إلا مسلم سوء مريض الإيمان، ونحو عبارة المصنف لابن الحاجب. قال المصنف: يحتمل اعتبار مفهومه فيمنع للحربي ولا يصح له وهو قول أصبغ، ويحتمل أن لا يكون مفهوم مخالفة لمساواة المسكوت عنه للمنطوق وهو مقتضى كلام عبد الوهاب في الإشراف. انتهى. وقال الشبراخيتي: وصح إيصاء لذمي لا حربي خلافا لعبد الوهاب. انتهى. وقال عبد الباقي: وصح إيصاء لذمي وإن لم تظهر قربة كما في الوقف لا حربي خلافا لعبد الوهاب، وسكت عن الجواز ابتداء. انتهى. قال البناني: قيد ابن رشد إطلاق قول أشهب بجوازها للذمي بكونه ذا سبب من جوار أو يد سلفت لهم، وأما إن لم يكن لذلك سبب فالوصية لهم محظورة؛ إذ لا يوصي للكافر من غير سبب ويترك المسلم إلا مسلم سوء مريض الإيمان. انتهى. نقله في التوضيح. وبه تعلم ما في كلام الزرقاني. والله أعلم. انتهى. وقال المواق: روى ابن وهب: من نذر صدقة على كافر لزمه، قال ابن رشد: لا خلاف أن في الوصية للذمي أجرا على كل حال، ومعنى الكراهية في ذلك بالنسبة إلى إيثار الذمي على المسلم لا لنفس الوصية للذمي. انتهى بالمعنى. قال مالك: تجوز وصية المسلم للكافر وقاله ابن القاسم. أصبغ: تجوز للذمي ولا تجوز للحربي. عبد الوهاب: تجوز الوصية للمشركين ولو كانوا أهل حرب.
ولقاتل علم الموصي بالسبب يعني أنه يصح إيصاء الشخص لمن قتله حيث علم الموصي بسبب القتل أي علم بأنه هو الذي ضربه فقتله، قال عبد الباقي: وصح إيصاء إلى قاتل علم الموصي بالسبب أي بذي السبب أي علم بأنه الذي قتله، كعلم بضاربه ضربا عمدا أو خطأ أدى لقتله وتكون الوصية في الخطإ في المال والدية وفي العمد في المال فقط إلا أن ينفذ مقتله ويقبل وارثه الدية ويعلم بها. انتهى. وقال الخرشي: يعني أن المقتول تجوز وصيته للذي قتله بشرط أن يعلم بالسبب أي بسبب القتل، أي يعلم أنه هو الذي قتله وظاهره سواء كان القتل عمدا أو خطأ،
وتكون الوصية في الخطإ في المال والدية وفي العمد في المال فقط إلا أن ينفذ مقتله ويقبل وارثه الدية ويعلم بها. انتهى.
وقال الشبراخيتي: وصح إيصاء لقاتل علم الموصي بالسبب كعلمه بمن ضربه ضربا أدى إلى قتله أي علم الوصى بالقاتل له، وظاهره سواء كان القتل عمدا أو خطأ وتكون الوصية في الخطإ في المال والدية في العمد في المال فقط. وقوله:"علم الوصي بالسبب" الموصي عالم بالسبب دائما فلا يتصور علمه بالسبب تارة وعدم علمه به تارة أخرى، فهو على حذف مضاف أو معطوف أي بذي السبب أو بالسبب وصاحبه كذا، قالوا: وهذا لا يحتاج إليه لأن المراد بالسبب في كلامه السبب الفاعل أي بالسبب الفاعل للقتل وهو عين القاتل، فلا يحتاج إلى حذف في كلامه والسبب يكون فاعليا وصوريا وماديا وغائبا كما قالوه في السرير. انتهى.
وإلا يعلم الموصي بالسبب كما لو ضربه زيد ولم يعلم أنه الضارب وأوصى له بشيء، ففي بطلان الوصية وعدم بطلانها تأويلان على المدونة، وذلك أن المدونة تدل بمفهومها على البطلان. وقال محمد: تصح لأن الوصية بعد الضرب الذي نشأ عنه الموت فلا يتهم القاتل على الاستعجال، وحمل اللخمي وغيره قول محمد على الخلاف وحمله ابن أبي زيد وغيره على الوفاق، وهذا مراد المصنف بالتأويلين، فابن أبي زيد جعل مفهوم المدونة مفهوم موافقة فيكون قول محمد وفاقا لها، واللخمي جعل مفهومها مفهوم مخالفة فحمل قول محمد على الخلاف لها.
تنبيهات: الأول: قال عبد الباقي: ولا يدخل في التأويلين أعطوا من قتلني لصحتها على ما يفيده قصر المواق والشارح التأويلين على ما صورناه به قبل، وصورهما التتائي بأعطوا من قتلني كذا. انتهى. مصطفى: في كلام التتائي نظر إذ لو كان كذلك لصح كمن علم بقاتله. قاله البناني. الثاني: قال عبد الباقي عند قوله: "تأويلان" مانصه: وشمل كلامه في هذه والتي قبلها ما إذا طرأ القتل بعد الوصية ولم يغيرها، فإذا علم بذي السبب صحت وإلا فتأويلان. انتهى. قال الرهوني: فيه نظر، وإن سكت عنه التاودي والبناني لأنه إن أراد القياس فلا يصح لأن الضرب في هذه متأخر عن الوصية، فيتهم على أنه أراد تعجيل قتله ليتوصل لأخذ ما أوصى له به، ولأن كلام ابن يونس يفيد أنه إذا لم يعلم فهي باطلة وإلا فقولان، ونصه: قال ابن القاسم: وإن قتله
عمدا فلا وصية له في مال ولا دية إن مات مكانه، وإن حيي ولم يغير وصيته فقد اختلف في ذلك، فقيل: إن وصيته تكون في المال لأن سكوته عنها كالمجيز لها فوجب أن تجوز في ماله، وقيل قد بطلت حتى يبتدئ إجازتها بلفظ آخر غير ما تقدم. فقوله: لأن سكوته الخ يفيد أنه عالم وأنه إذا لم يعلم اتفق القولان على البطلان، وصرح اللخمي بذلك ونصه: وإن أوصى له ثم قتله عمدا أو مات بفور ذلك أو بعد حياة ولم يعلم أنه أصابه سقطت وصيته ولا شيء له في مال ولا دية، وكذلك إن علم ولم تكن الوصية بكتاب واختلف إذا كانت بكتاب، فقال محمد: إن علم فأقر الوصية على حالها فهي جائزة من ماله بمنزلة ما لو أوصى له بعد الجناية. انتهى محل الحاجة منه بلفظه. وقد نقل ابن عرفة كلام ابن يونس وسلمه مقتصرا عليه والله أعلم.
الثالث: قال ابن يونس ما نصه: قال أشهب في المجموعة، وكتاب محمد: وإن أوصى لمعتوه فقتله المعتوه بعد الوصية فالوصية نافذة إذ لا تهمة عليه، وكذلك الصبي وكما لو قتل الصبي أو المعتوه وارثه لورثه والمعتوه أعذرهما. انتهى. ونقل ابن عرفة نحوه عن النوادر ونصه: الشيخ لأشهب في الموازية والمجموعة: من أوصى لمعتوه فقتله بعد الوصية نفذت وصيته ولا تهمة عليه، وكذا الصبي والمعتوه أعذرهما. انتهى.
الرابع: قال ابن يونس ما نصه ولو وهب لرجل في مرضه هبة فقتله الموهوب فالهبة جائزة له من الثلث، قتله عمدا أو خطأ، قبضها أو لم يقبضها إذا كانت بتلا عاش أو مات ولم تكن وصية لأن قتله أضربه؛ إذ لو عاش كانت من رأس ماله وهي الآن من ثلثه، ولو أقر له بدين في مرضه فقتله فالدين له ثابت. محمد: ولو كثر الدين لأنه ليس بقتله يثبت له الدين. انتهى. ونقل ابن عرفة مثله وساقه فقها مسلما وهو ظاهر. قال ابن عرفة: قلت: وإن كان الدين مؤجلا ففي حلوله بموته نظر. انتهى. قال الرهوني: قلت: الظاهر عدم حلوله فيبقى إلى أجله ولكن إذا رضي الورثة بوقف التركة كلها أو ضمنوا له ذلك وهم أملياء منصفون تأخذهم الأحكام. وانظر إذا أرادوا أن يوقفوا من التركة مقدار دينه هل يجابون لذلك أم لا؟ لاحتمال تلف ذلك البعض. انتهى. قاله الرهوني.
وبطلت بردة يعني أن الشخص إذا أوصى بشيء ثم ارتد - والعياذ بالله تعالى - فإن وصيته تبطل وظاهره رجع للإسلام أم لا وهو كذلك، خلافا لأصبغ فإنه: قال إن رجع للإسلام وكانت مكتوبة جازت وإلا فلا. قال عبد الباقي: ومثل ردة الموصي ردة الموصى له تبطل الوصية أيضا، والمصنف شامل لهما معا على هذه النسخة، وفي نسخة: بردته أي الموصي، وقد علمت أن ردة الموصى له كذلك وردة الموصى به كعبد لا أثر لها فلا تبطل الوصية بها. انتهى بالمعنى. وقال البناني: فرضها ابن مرزوق في ردة الموصي وكذا هو مفروض في المدونة وابن الحاجب وغيرهما، وعممه صاحب الخصال وصاحب المسائل الملقوطة في الموصى له، واستبعده مصطفى بأن الوصية ليست من فعله الذي تبطله الردة. انتهى. وهو ظاهر.
وإيصاء بمعصية يعني أن الشخص إذا أوصى بمعصية فإن وصيته تبطل، فقوله:"وإيصاء" بالرفع عطف على الضمير في بطلت، ومثلوه بالإيصاء بخمر لمن يشربها أو لمن يقتل شخصا لكن هذا لا يوصي به مسلم، فالأولى أن يمثل بما إذا أوصى ببناء قبة عليه وهو ليس من أهلها، وكإقامة المولد على الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة من اختلاط النساء بالرجال والنظر للمحرم ونحو ذلك من المناكر، وكأن يوصي بكتب جواب سؤال القبر وجعله معه في كفنه أو قبره، اللهم إلا أن يجعل في صوان من نحاس ويجعله في جدار القبر لتناله بركته. قاله السناوي. قاله البناني. وقال عبد الباقي: وإيصاء بمعصية أي كإيصاء بشرب خمر لمن يشربها، وكذا لمن يقتل شخصا ونحوه ويرجع المال لوارثه، قال بعض العلماء: ومن ذلك وصايا مستغرق الذمة. قاله التتائي. وقد مر هذا والكلام عليه. وقال الحطاب: وتبطل الوصية بقتل الموصى له الموصِي.
ولوارث يعني أن الوصية للوارث أي لوارث الوصي باطلة لخبر: (إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث
(1)
بأن أوصى لجميع الورثة بما يخالف حقوقهم أو أوصى لبعضهم دون بعض. قاله المواق. وقال الخرشي: من أوصى بمال لمن يصوم عنه لم يجز ذلك، وكذلك لمن يصلي عنه بخلاف من عهدت على
(2)
عهد لمن يقرأ على قبرها فهو نافذ كالاستيجار للحج وهو
(1)
ابن ماجه، كتاب الوصايا، رقم الحديث 2713.
(2)
في الخرشي ج 8 ص 171: من عهدت بعهد.
رأي شيوخنا، وكذلك تبطل الوصية للوارث لخبر: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث
(1)
، وقال المواق: الموطأ: السنة عندنا التي لا خلاف فيها أنه لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يجيزها ورثته، وإن أجازها بعضهم جاز له حق من أجاز. انتهى. كان سيدي ابن سراج رحمه الله يعترض على الموثقين منعهم من يريد الوصية لوارث، إذ لعل أن يجيزها الورثة أو قد يصير غير وارث. انتهى. وقوله:"ولوارث" سواء أوصى له بقليل أو كثير.
كغيره بزائد الثلث يعني أن الشخص إذا أوصى لغير وارثه بزائد الثلث فإن الوصية تبطل فيما زاد على الثلث وتصح في الثلث، وفي المدونة: وإذا أوصى لوارث وأجنبي تحاصا وعاد حظ الوارث موروثا. انتهى. وقوله: "كغيره بزائد الثلث" قال الرهوني: الأصل في هذا حديث الموطإ والصحيحين وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص، قلت: يا رسول الله (قد بلغني من الوجع ما ترى
(2)
. الحديث. قال في المنتقى ما نصه: اتفق العلماء على أن له الوصية بالثلث، وروى هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: لو غض إلى الربع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير أو كبير
(3)
، فحمل قوله: والثلث كثير على استكثار الثلث في الوصية والندب إلى التقصير عنه. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى بالربع، وأوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالخمس، وقال: رضيت في وصيتي بما رضي به لنفسه من الغنيمة. انتهى. وقد جزم في المفيد بالاستحباب وساقه كأنه المذهب، ونصه: ويستحب له أن يقصر عن الثلث بشيء. لقوله صلى الله عليه وسلم: (الثلث والثلث كثير). وفي المنتقى: وقوله رضي الله عنه: فقلت قد بلغني من الوجع ما ترى دليل على جواز إخبار العليل بشدة حاله إذا تسبب بذلك إلى النظر في دينه ويجوز ذلك إذا تسبب بذلك إلى معاناة ألمه، ويجوز أن يخبر بذلك من يرجو بركة دعائه ويخير بذلك من يعلم إشفاقه، وقد روى الحارث بن سويد عن عبد الله: قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت يا رسول الله: إنك توعك وعكا
(1)
أبو داود، كتاب الوصايا، رقم الحديث 2870 - الترمذي، كتاب الوصايا، رقم الحديث 2120.
(2)
مسلم، كتاب الوصية، رقم الحديث 1628 بلفظ بلغنى ما ترى من الوجع
…
- البخاري، كتاب المغازي، رقم الحديث 44094 - الموطأ، كتاب الوصية، رقم الحديث 3 ولفظهما
…
بلغ بي من الوجع ما ترى.
(3)
الموطأ، كتاب الوصية، رقم الحديث 3 - البخاري، كتاب الجنانز، رقم الحديث 1295 - مسلم، كتاب الوصية، رقم الحديث 1286.
شديدا: قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم
(1)
. وقد روى القاسم بن محمد (أن عائشة قالت: وارأساه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أوصي إلى أبي بكر وابنه وأعهد
(2)
، وإنما يكره ما كان منه على وجه التشكي والتسخط وذلك محبط للأجر أو مؤثر فيه. والله أعلم وأحكم. انتهى.
يوم التنفيذ يعني أن المعتبر في الثلث يوم التنفيذ فيمضي الثلث يوم التنفيذ ويرد ما زاد عليه ولا عبرة بيوم الموت، فلو أوصى بما يزيد على الثلث يوم موته وحمله الثلث عند التنفيذ مضت الوصية، ومعنى التنفيذ تنفيذ الوصية. وقوله:"يوم" متعلق بزائد وإذا أوصى بما هو الثلث يوم الموت وزاد على الثلث يوم التنفيذ مضى الثلث ورد الزائد. قال المواق: قال ابن عرفة: نصوص المدونة وغيرها واضحة بأن المعتبر في ثلث الميت ثلث ماله يوم تنفيذ الوصية لا يوم موته. فقول ابن الحاجب: المعتبر ثلث المال الموجود يوم الموت خلافه. انتهى.
وإن أجهز فعطية يعني أنه إذا أجاز الورثة ما أوصى به الموصي لبعض الورثة أو ما زاد على الثلث لغير وارث، فإن ذلك يكون منهم ابتداء عطية لأنه تنفيذ للوصية، وعلى أنه ابتداء عطية، قال عبد الباقي: فلا بد فيها من قبول الموصى له ولا تتم إلا بالحيازة قبل حصول مانع للمجيز، واختلف إن أجاز الوارث ولا دين عليه فلم يقبض الموصى له حتى استدان الوارث أو مات، فقيل غرماء الولد وورثته أحق بها لأنها هبة لم تحز. وقال أشهب: يبدأ بوصية الأب قبل دين الابن ذكره اللخمي. قاله عبد الباقي. ولعل الراجح منه هو القول الأول كما يفيده قوله في الهبة: "وبطلت إن تأخر لدين محيط". انتهى. وقال البناني عند قوله: "وإن أجيز فعطية" ما نصه: أبو الحسن: هذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، قال في التوضيح: وذهب ابن القصار وابن العطار - وهو الذي نقله أبو محمد والباجي عن المذهب - إلى أنه ليس كابتداء عطية وإنما هو تنفيذ لا فعله الميت قال في التوضيح: وعلى الأول يكون فعل الميت على الرد حتى يجاز، وعلى الثاني عكسه وعلى الأول فلا يحسن أن يقال الوصية تصح كما فعل ابن الحاجب. انتهى.
(1)
البخاري، كتاب المرضى، رقم الحديث 5648 - مسلم، كتاب البر والصلة، رقم الحديث 2571.
(2)
البخاري، كتاب المرضى، رقم الحديث 5666 ولفظه فأعهد
…
وتعقبه مصطفى بأن القائل بأنها ابتداء عطية ليست عنده عطية حقيقة؛ إذ لو كانت كذلك ما سموها إجازة، وقد عبر عياض بأنها كالعطية ولو كانت باطلة ما عبروا بالإجازة إذ الباطل لا يجاز، وإنما القائل بالبطلان ابن عبد الحكم وجعلوه مقابلا للمذهب كما في ابن عرفة. انتهى. وقول الزرقاني: فلا بد فيها من قبول الموصى له ولا تتم إلا بالحيازة الخ أما الافتقار إلى الحوز فذكره في التوضيح وغيره، وأما الافتقار إلى القبول فذكره الأجهوري. قال مصطفى: ولم أره لغيره وتعبيرهم بالإجازة ينافيه. انتهى. قوله: قال مصطفى ولم أره لغيره، سيأتي قريبا أن ما قاله الأجهوري هو المتعين. وقوله: وتعقبه مصطفى بأن القائل بأنها ابتداء عطية ليست عنده عطية حقيقة لخ سلم رحمه الله تعالى كلام مصطفى، وقد سلمه أيضا جسوس ولم يتعرض له التاودي برد ولا قبول. وقال شيخنا الجنوي: الظاهر ما للتوضيح واعتراض مصطفى عليه غير صواب، قلت: وما قاله طيب الله ثراه حق إذ ما قاله في التوضيح لا يعقل سواه إلا قوله إنها على قول ابن القصار ومن وافقه هي على الإجازة حتى ترد، فالصواب ما قاله مصطفى متوقفة على الإجازة على كل من القولين، وما عدا ذلك فالحق ما في التوضيح [واحتجاجات
(1)
] مصطفى في غير ذلك كلها واهية: أما قوله: إذ لو كان كذلك ما سموها إجازة ففيه أنه لا مانع لمن يقول إنها ابتداء عطية من تسميتها إجازة مجازا؛ لأن فعل الوارث لما كان لتحصيل غرض موروثه ولولا ذلك ما ابتدأ هذه العطية لخصوص من أوصى له موروثه غالبا صح أن تسمى إجازة لأنها مسببة عن فعل الموصى، ومثل هذا المجاز كثير. وأما قوله: وقد عبر عياض بأنها كالعطية فلا يخفى ضعفه؛ لأن عياضا إنما عبر بذلك لما ذكرناه قبل من أنها مسببة عن فعل موروثه، فكأنه يقول هي عطية كالعطية المسببة عن سبب سابق من غير معطيها، وحمل كلامه على هذا متعين لمقابلته هذا القول بالقول المقابل.
قال العلامة ابن هلال في الدرّ النثير ما نصه: التنفيذ كالهبة والعطية، وقال ابن العطار وعبد الوهاب: ليس ذلك ابتداء عطية وإنما هو تنفيذ لفعل الميت. ابن سلمون: ولا تجوز للوارث باتفاق
(1)
في الأصل: واحتجاج، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 241.
لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا وصية لوارث)، فإن أجازها الورثة فهي جائزة عند جمهور العلماء لأن المنع من ذلك لحق الوارث، وقال أهل الظاهر: لا تجوز وإن أجازها الورثة لأن المنع من ذلك عبادة غير معقولة المعنى، وعلى ما ذهب إليه الجمهور هل تكون إجازتهم إمضاء أو عطية مبتدأة تفتقر إلى حيازة؟ في ذلك قولان. وفي نوازل الوصايا من المعيار ما نصه: وسئل الشيخ سيدي أبو الحسن الصغير من مراكش عن إجازة [الورثة
(1)
] هل هي تقرير أو إنشاء عطية؟ وما المشهور في ذلك من القولين؟ فأجاب: المشهور من القولين أنها إنشاء عطية، فتفتقر إلى ما تفتقر إليه الهبات. انتهى. فقد سلم تشهير أبي الحسن ولذلك اعتمده في غير العيار من كتبه كإيضاح المسالك وعنية المعاصر. قاله الرهوني.
ثم قال بعد جلب كثير من النقول: فالعجب من غفلة مصطفى عن هذه النصوص الصريحة القاطعة والحجج الواضحة الساطعة، والعجب من تسليم جسوس والبناني لكلامه، وأعجب من ذلك قول مصطفى: وزاد الأجهوري في التفريع على العطية افتقارها للقبول ولم أره لغيره. لخ. وتسليمهما له أيضا إذ ما قاله الأجهوري لا يعقل سواه، وقولهم وتعبيرهم بالإجازة ينافيه واضح السقوط لأنهم وإن عبروا بالإجازة فقد صرحوا بأنها عطية، وذلك يدل على أنه لا بد فيها من القبول اتفاقا إذ ذاك هو حكم العطايا، وقد سلم افتقارها إلى الحوز ثم جعل يقول وأيضا لا فائدة في القبول العاري عن القبض حتى يتعلق الحكم به، فما هذا إلا تهافت وما ألزمه للأجهوري غير لازم له؛ لأنه ليس في كلام الأجهوري أنه أراد أن القبول وحده كاف دون القبض، بل كلامه صريح في أنه لا بد من الأمرين معا، ونصه فهم من قوله فعطية أنه لا بد فيها من قبوك الموصى له ولا تتم إلا بالحيازة. انتهى.
ثم قال: إن القبول واقع في كلام الأئمة كالشيخ أبي الحسن، وفي المقصد المحمود ما نصه: فإن أجاز الورثة المحاباة للمبتاع افتقرت إلى قبول وقبض كالهبة، ثم قال: وإنما لم يصرح الأكثر بالقبول واقتصروا على الحوز لأنه محل الخلاف بين القولين المذكورين، وأما القبول فابن القصار ومن وافقه موافقون للجمهور في أنه لا بد منه. وعلم من الأنفال السابقة أن الخلاف جار مطلقا
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 245.
علم الموصى له بالإجازة أم لم يعلم بها إلا بعد موت المجيز، وفي ابن عرفة ما نصه: وعلى نقل ابن فتوح عن عبد الملك ليس لوارث أن يجيز ما زاده الموصي على الثلث لأنه عقد فاسد للنهي عنه، ويتخرج مثله في الوصية للوارث. انتهى.
وفي الرهوني بعد جلب كثير من النقول ما نصه: فقد بان لك مما تقدم أن المذهب كله على ثلاثة أقوال: قول عبد الملك وهو من الشذوذ بمكان، والقولان المتقدمان في كلام غير واحد. انتهى. يعني قول ابن القصار وابن العطار بأن الإجازة تنفيذ، والقول المشهور الذي عليه المصنف وهو الذي رجحه الأئمة الأعلام، المحققون المرجوع إليهم في النوازل والأحكام، واعلم أن الرهوني تكلم هنا بما لا مزيد عليه. والله تعالى أعلم.
ولو قال فإن لم يجيزوا فللمساكين يعني أن الوصية للوارث لا تصح ولو قال الموصي هذا اللفظ أي هذا لابني مثلا إن أجاز الورثة ذلك، فإن لم يجيزوه لابني فهو للمساكين أو للمجاهدي أو نحوهم؛ لأن هذا لما بدأ بالوارث صار مضارا فإن أجاز الورثة ذلك فعطية وهذا مبالغة فيما قبله الذي من جملته وإن أجيز فعطية، وهذا هو رواية ابن أبي أويس عن مالك، ورد المصنف بلو رواية ابن القاسم عن مالك أن الوصية مردودة على كل حال أجازها الورثة أو لم يجيزوها. كذا حرره الرهوني. وفي نقله ما نصه: ومن أوصى لوارثه بشيء وقال إن لم يجزه الورثة فهو في المساكين أو في نوع من سبيل الخير فلم يجزه الورثة كان مردودا ميراثا ولم يكن في المساكين ولا في تلك السبيل، وإن أجازه الورثة للوارث جاز. وروى هذا ابن أبي أويس عن مالك، وروى عنه ابن القاسم أنها مردودة على كل حال أجاز الورثة ذلك أو لم يجيزوه. انتهى.
وفي نوازل ابن هلال نحو هذا، فإنه قال: وهذا كله إن لم يجز الورثة فإن أجازوا جاز. حكاه في النوادر عن أشهب في المجموعة. ابن عبد البر: ورواه ابن أبي أويس عن مالك، وروى ابن القاسم عنه أنها مردودة واستشكلت روايته هذه لأن الحق للورثة وقد أسقطوه وهذا الذي مر عليه المصنف هو الراجح المشهور، وروى الدارقطني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تجوز الوصية لوارث إلا إن شاء الورثة
(1)
. رواه ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، وعطاء هذا لم يدرك ابن عباس ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس. انتهى.
بخلاف العكس يعني أنه إذا قال هذا للمساكين أو للمجاهدين أو عينه لوجه من وجوه الخير، ثم قال: إلا أن يجيزه الورثة لابني مثلا فهو له فإن الوصية في هذا صحيحة؛ أي فتكون للمساكين أو نحوهم إن لم يجزها الورثة لوارثه، وإنما بطلت في الأولى للضرر لقوله تعالى في الوصية {غَيْرَ مُضَارٍّ} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار
(2)
)، وصحت في الثاني لأنه لما بدأ بذكر غير الوارث علمنا أنه لم يقصد الضرر، قال عبد الباقي: بخلاف العكس وهو إذا قال ثلث مالي للمساكين إلا أن يجيزه لابني زيد مثلا فإن وصيته لابنه صحيحة إن أجازها الورثة له، وإلا فللمساكين لبدئه بهم بخلاف السابقة. انتهى.
تنبيه: وقع في شرح عبد الباقي هنا ما نصه: وانظر هل يجري فيما إذا أوصى بزائد على الثلث لغير الوارث ما جرى فيما إذا أوصى به لوارث من قوله: ولو قال إن لم يجيزوا أولا وهو ظاهر كارم الشارح وعليه إلى آخر كلامه، قال البناني: لا معنى لهذا التنظير لمن تأمله لأن الورثة لهم رد الزائد على الثلث، سواء كان موصى به للوارث أو غيره مقدما عليه أو مؤخرا. انتهى. وقوله:"بخلاف العكس" هو المشهور.
ويرجوع فيها يعني أن الوصية تبطل برجوع الموصي بها فيها سواء كانت بعتق أو غيره، قال الحطاب: قال في التوضيح: قال في الوثائق المجموعة: إذا قال اشهدوا أني قد أبطلت كل وصية تقدمت فإنها تبطل إلا وصية قال لا رجوع لي فيها. انتهى. وفي مختصر الحوفية: فلو التزم عدم الرجوع لزمه على الأصح، وفي بعض النسخ على المشهور. انتهى. وذكر المشدالي في حاشيته على المدونة في كتاب الوصايا الأول خلافا بين الشيوخ فيما إذا التزم عدم الرجوع عن الوصية. انتهى. وقال عبد الباقي: وتبطل برجوع فيها سواء كانت بعتق أو غيره، وسواء عقدها في سفر أو حضر
(1)
الدارقطني، ج 3 ص 97 - البيهقي، ج 6، كتاب الوصايا، ص 263.
(2)
الموطأ، كتاب الأقضية، رقم الحديث 33.
أو في صحة أو مرض، وإن كان رجوعه بمرض أي فيه وظاهر المصنف البطلان ولو التزم عدم رجوعه، وفيه خلاف بين المتأخرين أي هل يعمل به وهو المشهور عند بعض والأصح عند آخرين أوله الرجوع؟ ابن ناجي: وبه العمل وبالغ على الرجوع في المرض ليلا يتوهم أن الرجوع فيه انتزاع للغير فلا يعتبر، وأما ما بتله المريض في مرضه من صدقة أو هبة أو حبس فليس له الرجوع فيه مع أن حكمه حكم الوصية. انتهى كلام عبد الباقي.
وقال الرهوني: وبرجوع فيها ولو حكما كإنكار الوصية لقول أبي الحسن عند قول المدونة: وللموصي أن يغير وصيته ويرجع الخ ما نصه: ولو أنكر الوصية وشهد [بها عليه
(1)
]. الشيخ: ذلك رجوع لأنه يقول هب أني أوصيت فأنا أرجع وقد يطلق الرجوع على الإنكار كما قالوا في شهود الأصل مع شهود النقل. انتهى. وقوله - أي عبد الباقي - ابن ناجي: وبه العمل، قال الرهوني: قلت الذي وجدته لابن ناجي في شرح المدونة بعد أن ذكر أن ظاهر كلام المدونة في كتاب التخيير والتمليك يفيد أن له الرجوع، لقولها إن قال أنت طالق طلقة لا رجوع لي عليك فله الرجعة هو ما نصه: وبه أفتى الشيخان أبو عبد الله محمد الشريف وأبو عبد الله محمد القروي لا وصل القسطنطينية مع السلطان أبي عنان، وهو الذي كان شيخنا أبو مهدي يرجح؛ لأن الأصل في الوصية الرجوع فيها فكل شرط ينافي الرجوع كان باطلا، وفي أول المدبر للتونسي ما يفهم منه اللزوم وبه أفتى الشيخ أبو القاسم الغبريني، ثم قال عن ابن فتوح ما نصه: إذا قال اشهدوا أني أبطلت كل وصية تقدمت فإنها تبطل إلا وصية قال لا رجعة لي فيها فلا تبطل حتى ينص عليها. انتهى. نقله المصنف في التوضيح وصاحب العيار والحطاب في التزاماته. ونقل هنا كلام التوضيح.
فتحصل أن الأقوال الثلاثة القول بعدم صحة الرجوع مطلقا والقول بصحته مطلقا والقول بالتفصيل، كل منها قد رجح وكل منها قد قيل إن به العمل وأقواها من جهة النقول الأول، ولذا قال الحطاب في التزاماته في آخر كلامه ما نصه: وهذا الكلام كله في هذه المسألة تفريع على
(1)
في الأصل: به عليها، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 247.
القول المرجوح فإن الراجح فيها اللزوم لما تقدم. انتهى. وقد أشار إليه العلامة ابن قاسم في شرح العمليات، وقال عقبه ما نصه: قلت وبه أفتى أكثر الشيوخ.
تتمتان: الأولى: إذا تقيد في رسم الوصية أنه التزم عدم الرجوع بعد أن عرف باختلاف العلماء في ذلك فأخذ بقول من يرى اللزوم، هل يلزم ذلك قطعا أو لا؟ نقل ابن ناجي في شرح المدونة في ذلك عن شيخه البرزلي أنه على ما شرط، وعن شيخه أبي مهدي أن له الرجوع وقد أشبع الحطاب في التزاماته الكلام في ذلك فانظرها. انتهى.
الثانية: قال الرصاع ما نصه: فإن قلت إذا التزم عدم الرجوع وزاد مهما رجعت كان تجديدا للوصية فإنه يلزمه ذلك وهو خارج عن الخلاف، قلت: كذا قال بعض المشايخ ولكن الخلاف موجود. ذكره ابن الخطاب.
(1)
انتهى.
قلت: في المعيار والدرر المكنونة واللفظ للدرر ما نصه: وسئل شيخنا وسيدنا أبو الفضل العقباني عن رجل أوصى بثلث ماله، وقال إن لي ولدا أخاف إن سمع إن يحملني على الرجوع فاشهدوا أني إن رجعت عن وصيتي هذه فرجوعي توكيد لإمضاء الوصية إذ لم أرجع إلا جبرا وخوفا من الولد، ومهما رجعت في هذه الوصية فإني غير ملتزم لذلك الرجوع ولا أرضى به، ثم إن ولده سمع فجلب له شاهدين فلم يزل به حتى رجع، ثم توفي بعد ذلك بيسير هل يعتبر رجوعه أو أن وصيته ثابتة لا قرر وقدم من توكيد استمرارها؟ فأجاب: الحمد لله رأيت من المتأخرين من حكى في الوصية يلتزم فيها الموصي أن لا يرجع فيها قولين: هل يلزم أو لا؟ والذي أفتي به في مسألتك أن إشهاد الموصي بالرجوع عن وصيته لا أثر له في رد الوصية، بل تستمر الوصية بحالها لتحصن الموصى عن هذا الرجوع أولا واشرعائه فيه وتصريحه بالتقية من ولده، والرجوع الذي برز للوجود هو بصفة الرجوع المسترعى فيه. والله الموفق بفضله. انتهى. وبنحو هذا أفتى الإمام سيدي عبد القادر الفاسي في أجوبته فيمن أوصت لأخيها بثلثها وذكرت في وصيتها أنه مهما أظهر زوجها رسما يقتضي رجوعها عن هذه الوصية فهو كذب عليها فلما ماتت أظهر الزوج رسما برجوعها عن الوصية المذكورة، قائلا في آخر جوابه: فليس هذا من الوصية الملتزم فيها عدم
(1)
كذا في الأصل، والذي في الرهوني ج 8 ص 249 (ابن الخطيب).
الرجوع التي اختلفت فيها فتاوى المتأخرين لا ذكرناه من الاسترعاء في ذلك. انتهى. لكن هذا أخص من مسألة الرصاع فلا ينافي قوله لكن الخلاف موجود لخ. والله أعلم. انتهى كلام الرهوني. وقال الشبراخيتي: ومن جملة الرجوع ما إذا أوصى لزيد بعشرة إلا عشرة بالاستثناء المستغرق فإن الوصية تبطل، ولا يقال الاستثناء المستغرق باطل فتصح الوصية، وسبب ذلك أن بطلان الاستثناء المستغرق لكون الكلام اشتمل على مخالفة أوله لآخره إذ هو بمثابة ما إذا قال له على عشرة ليس له عندي شيء وذلك رجوع عن الإقرار، والرجوع عنه لا يعتبر فيبطل الاستثناء بخلاف الرجوع عن الوصية فإنه معتبر. انتهى. وقال التتائي: قال الشيخ أبو علي بن علوان في لزومها: يعني الوصية بالتزامه عدم الرجوع، ثالثها: إن كان بعتق ولم يعزها. انتهى. وقد مر للرهوني من أقوال ثلاثة: اللزوم مطلقا وعدمه مطلقا اللزوم إن عين بأن نص عليها، فإن لم ينص عليها كقوله: أبطلت كل وصية تقدمت فإن ذلك لا يكون رجوعا في المعينة التي التزم عدم الرجوع فيها، والتتائي حكى ثلاثة أقوال وظاهره جريانها فيما إذا عين.
وفيما إذا لم يعين بقول متعلق برجوع يعني أن الرجوع في الوصية يكون بقول، كأبطلتها أو رجعت عنها أو لا تنفذوها أو لا تعملوا بها ويكون الرجوع بفعل، كما قال: أو بيع يعني أنه إذا أوصى لزيد مثلا بشيء معين فباعه فإن ذلك يكون رجوعا فيه، فتبطل الوصية إلا أن يسترده بدليل قوله: أو ثوب فباعه واشتراه: وعتق أي وكذلك تبطل الوصية فيما إذا أوصى لشخص برقيق فأعتقه لأن ذلك رجوع منه في وصيته، وكتابة يعني أنه إذا أوصى لشخص بعبد أو أمة فكاتب ما أوصى به فإن تلك الوصية تبطل لرجوعه فيها، وظاهر المصنف بطلانها ولو عجز المكاتب، وفي البناني ما نصه: ابن شأس: الكتابة رجوع. ابن عرفة: لم أجده لأحد من أهل المذهب ولم يذكره الشيخ أبو محمد في نوادره، وإنما نص عليه الغزالي في الوجيز وأصول المذهب توافقه لأن الكتابة إما بيع أو عتق وكلاهما رجوع وهي في البيع الفاسد فوت، هذا إن لم يعجز فإن عجز فليس برجوع. انتهى.
وقال الرهوني: قول البناني عن ابن عرفة: فإن عجز فليس برجوع قد نقل الحطاب كلام ابن طرفة هذا ونقل قبله عن التوضيح ما نصه: ينبغي إذا عجز الكاتب في حياة السيد أن تعود
الوصية فيه كما تعود في البيع الموصى به على أحد قولين، وها هنا أولى لأن الكتابة لا تنقل الملك. انتهى. وقال في أول كلامه ما نصه: قال في الشامل: ولا تعود لعجز على المنصوص، وقال في آخر كلامه: فجزم ابن عرفة بأنها ليست بفوت مع العجز كما بحثه الشيخ خليك فتأمله. والله أعلم. انتهى فانظر لم أغفل البناني هذا ولم ينبه عليه؟ والله أعلم. انتهى كلام الرهوني.
وقال عبد الباقي عند قوله "وكتابة". ما نصه: ولم يستغن عنها مع أنها إما بيع أو عتق لكونها ليست بيعا محضا ولا عتقا محضا، ولا كان البيع مع ما بعده مستويا في أنه فعل مغاير لما قبله من القول عطف بأو [وعطف
(1)
]، مشاركه في الفعل بالواو، وإبلاد يعني أنه إذا أوصى بأمة ثم استولدها فإن الوصية تبطل باستيلاد الموصي لها؛ لأن الاستيلاد مانع من انتقال الملك، قال المواق: ابن حارث: اتفقوا فيمن أوصى لرجل بعبد ثم باعه أو وهبه أو أعتقه أن ذلك رجوع. ابن كنانة: من أوصى لرجل بجارية فله وطؤها ولا تنقض وصيته إلا أن تحمل من سيدها. انتهى. وحصد زرع يعني أن حصد الزرع الموصى به رجوع في الوصية تبطل به هذا ظاهره، وقال عبد الباقي: وحصد زرع أوصى به ثم حصده أي ودرسه وصفاه فإنما يبطل بتصفيته كما في النقل؛ لأن الاسم حينئذ تغير سواء أدخله بيته أم لا، لا بحصده فقط وجذ الثمرة الموصى بها غير مفيت، وظاهره ولو بعد يبسها. انتهى. وقال الحطاب: ظاهره أن الحصد وحده كاف في الرجوع، وقال ابن الحاجب: وإن درس الحب وكاله وأدخله في بيته فرجوع بخلاف الحصاد وجز الصوف وجذاذ الثمرة. قال في التوضيح: يعني أن من أوصى بزرع فحصده ودرسه وكاله وأدخله بيته فذلك رجوع لأنه أبطل اسم الموصى به لأنه أبطل اسم الرزرع ونقله إلى اسم القمح، بخلاف جز الصوف وجذاذ الثمرة فإنه لم ينقل الملك ولا أبطل الاسم فلا يعد رجوعا ولو أدخله بيته، ومسألة درس القمح هو نص قول ابن القاسم في المجموعة، وقال الباجي: ينتقل بالحصاد والدراس، قال: وقوله أدخله بيته تأكيد لقصده، وكذلك قوله اكتاله إنما يريد بلغ حد الاكتيال. انتهى. وقال في الشامل وحصد زرع مع درسه. انتهى.
(1)
في الأصل: عطف، والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 180.
وقال ابن عرفة: الشيخ لابن القاسم في المجموعة: إن أوصى بزرع فحصده أو بصوف فجزه فليس برجوع إلا أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله بيته. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولو قال وتصفية حب زرع لكان أحسن سواء أدخله بيته أم لا على المذهب.
ونسج يعني أنه إذا أوصى بغزل فنسجه فإن ذلك يعد رجوعا في الوصية فتبطل، قال التتائي: ونسج غزل عند ابن القاسم وأشهب. انتهى. وقال المواق: "ونسج غزل" الشيخ عن ابن القاسم: لو أوصى بغزل فحاكه ثوبا أو برداء فقطعه قميصا فهو رجوع. وقاله أشهب. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: "ونسج غزل" ما نصه: لأن هذا وما بعده لا يفعله الشخص إلا فيما يريد بقاءه على ملكه. انتهى.
وصوغ فضة يعني أنه إذا أوصى لزيد مثلا بفضة ثم إن الموصي صاغها فان صوغه ذلك للفضة يعد رجوعا فتبطل الوصية، قال الشبراخيتي: وصوغ فضة خاتما أو سوارا أو خلخالا أو غير ذلك، وقال الخرشي: ومنها - يعني المأمور التي يكون بها الرجوع في الوصية - صوغ الفضة الموصى بها؛ لأن الذي وصى به انتقل اسمه عما كان عليه حال الوصية. انتهى. وقال المواق عن ابن القاسم: لو أوصى بغزل فحاكه ثوبا أو برداء فقطعه قميصا فهو رجوع. وقاله أشهب. وزاد أو بفضة فصاغها خاتما، قال: وكذا بقطن ثم حشا به أو غزله. انتهى.
وحشو قطن يعني أنه إذا أوصى لزيد مثلا بقطن ثم حشا به ثوبا أو مخدة فإن ذلك يعد رجوعا في القطن الموصى به فتبطل الوصية، وسواء كان القطن الموصى به إذا خلص مما حشي به لا يخرج مند إلا التافه أولا حذا ظاهره، وقال الشبراخيتي: وحشو قطن أي بحيث لا يجتمع منه إذا خلص إلا التافه فحشوه في نحو وسادة ليس بمفيت. انتهى. وقال عبد الباقي: وحشو قطن أوصى به حشوا لا يجتمع منه إذا خلص إلا دون نصفه ومقاربه، كحشوه بثوب كالذي يقال له مضرب بخلاف حشوه بنحو وسادة فغير مفيت لخروج النصف ومقاربه وأولى في عدم الفوات خروج أكثره. انتهى.
قوله: حشوا لا يخرج منه إذا خلص إلا دون النصف سكت عنه التاودي والبناني، وكتب عليه شيخنا الجنوي ما نصه: انظر من قال هذا، والذي في التوضيح وغيره أنه إذا كان في وسادة
ونحوها لم تبطل وإن كان في اللحف ونحوها بطلت. انتهى. وكلام التوضيح هو عند قول ابن الحاجب: وحشو القطن إلى آخره، ونصه: خليل: وينبغي أن يقيد حشو القطن بما إذا حشي في الثياب، وأما إذا حشي في المخدة ونحوها فلا. انتهى. وما قاله الزرقاني عزاه علي الأجهوري للبساطي، ولكنه تعقبه إذ قال بعد ذكره ما نصه: وهذا لا يفيد ما ذكره. انتهى. وما قاله ظاهر فإعراض الزرقاني عنه لا يخفى ما فيه، وقد بحثت عن هذا التفصيل غاية البحث وراجعت الكتب التي اتصلت بيدي فما وجدت من ذكره فتعين رده. والله أعلم. انتهى.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: حاصل ما للرهوني أنه أبطل كلام عبد الباقي في قوله إن محل البطلان حيث كان لا يخرج من الحشو إلا دون ما يقارب النصف، بخلاف ما إذا كان يخرج منه ما يقارب النصف أو النصف أو الأكثر فلا تبطل الوصية، والظاهر أن مستند عبد الباقي في ذلك هو بحث المصنف في التوضيح. والله تعالى أعلم.
وذبح شاة يعني أنه إذا أوصى لزيد مثلا بشاة ثم إن الوصي ذبحها، فإن ذبحها يعد رجوعا في الوصية فتبطل، وقوله:"وذبح شاة" أي وكذا إذا أوصى له ببقرة أو غيرها فذبح ذلك الشيء الموصى به فإن ذلك رجوع في الوصية. وتفصيل شقة يعني أنه إذا أوصى بشقة ثم إن الموصي فصلها قمصا مثلا فإن ذلك رجوع في الشقة الموصى بها فتبطل الوصية، وقد مر نحو هذا عن ابن القاسم وأشهب في أنه إذا أوصى له برداء فقطعه قميصا فإن الوصية تبطل لرجوع الموصي فيها بذلك. وقال عبد الباقي: وتفصيلى شقة موصى بها بلفظ شقة ففصلها ثوبا فرجوع، فإن أوصى بها بلفظ ثوب وفصلها لم يكن رجوعا وليس مراده أنه إذا أوصى بما يسمى شقة ولم يسمه بذلك ثم فصله أن ذلك يكون رجوعا، والفرق بينهما أن اسم الشقة يزول بالتفصيل واسم الثوب لا يزول بتفصيله، والظاهر أن مثل الشقة ما شابهها عرفا كقبة وبردة وحزام فيفصل كل ثوب بحيث يزول الاسم. انتهى. ويشهد لما استظهره ما تقدم عن ابن القاسم وأشهب بثوب ورداء فقطعه قميصا فهو رجوع، وانظر هل يخالفه في كلامه في الشقة أم لا؟ وفي التوضيح قال صاحب البيان: وأما الثوب يوصي به ثم يقطعه فيخيطه.
فيتحصل فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن الوصية تبطل، الثاني أنها لا تبطل، الثالث إن قال شقتي أو ملحفتي لفلان فيقطع ذلك قميصا أو سراويل بطلت الوصية، وإن قال ثوب ثم يقطعه كذلك فلا تبطل. انتهى.
تنبيهان: الأول: عقد الوصية جائز غير لازم إجماعا، فللموصي أن يرجع في وصيته ويبطلها ما دام حيا، كانت بعتق أو غيره، كانت في صحته أو مرضه أو سفره، ومثل هذا ما إذا وكله فله الرجوع في وكالته. انتهى.
الثاني: هذا الذي ذكره المصنف مما يدل على الرجوع هو قول وفعل، والفعل يكون بأحد وجهين: أحدهما ما ينقل الملك كالبيع والعتق أو يمنع من نقله كالاستيلاد، ثانيهما أن يفعل فعلا يبطل اسم الموصى به كحصد زرع ونسج غزل إلى آخره، ثم ذكر نوعين من الإيصاء مقيد ومطلق تبطل الوصية فيهما وقد تصح في بعض الصور، فقال مشيرا إلى الأول بقوله: وإيصاء بمرض أو سفر انتفيا.
قال مقيده عفا الله عنه: الأول رفع قوله: "وايصاء" عطف على الضمير في قوله: "وبطلت بردة". والله تعالى أعلم. يعني أن الوصية تبطل بسبب عدم الموت فيما إذا علق المسافر أو المريض الوصية بموته في مرضه أو سفره بأن قال: إن مت فيهما أي مرضي أو سفري فلفلان كذا، فتصح منه أو قدم من ذلك السفر فتبطل لأن كلامه يفهم منه الرجوع. فقوله:"انتفيا" أي الموت في المرض والموت في السفر فثنى الضمير لذلك. وقال عبد الباقي عند قوله: "انتفيا" ما نصه: أي زالا أي انتفى الموت في المرض والسفر وثناه، وإن كان واحدا نظرًا لتعدد محله. انتهى. وتبطل الوصية إن لم يكتب إيصاءه بكتاب اتفاقا، بل وإن كتبه بكتاب والحال أنه لم يخرجه أي الكتاب من يده حتى صح أو قدم، فإذا مات بعد ذلك فإن تلك الوصية باطلة، ومفهوم قوله:"انتفيا" أنه إن مات في مرضه أو سفره صحت إلا فيما إذا كانت الوصية مكتوبة وأخرجه من يده ثم استرده، ففي المفهوم تفصيل. قاله الشبراخيتي.
وقال عبد الباقي: وإن بكتاب ولم يخرجه من يده حتى صح أو قدم من السفر ومات بعدهما فتبطل إلا أن يشهد عليه فقولان في بطلانها وعدمه كما في الشارح. انتهى. وقال البناني. عند
قوله: "قال إن مت فيهما" ما نصه: ظاهره أنه لابد في المقيدة من التصريح بالقيد، والذي نقله ابن عرفة عن ابن رشد هو ما نصه: وكذا إن أوصى في مرضه أو سفره، وقال إن مت ولم يزد أو قال من مرضي هذا أو سفري هذا أو قال يخرج عني كذا ولم يذكر الموت بحال، فإن أشهد بذلك في غير كتاب لم تنفذ الوصية إلا أن يموت من ذلك المرض في ذلك السفر. انتهى.
أو أخرجه ثم استرده يعني أنه إذا أخرج الكتاب من يده ثم بعد ذلك استرده إلى يده بعدهما أي بعد الصحة والقدوم، فإن الإيصاء المذكور يبطل أيضا، فهذه ثلاث مسائل تبطل فيها الوصية المذكورة، وهي ما إذا لم تكن الوصية مكتوبة أو مكتوبة وأمسك الكتاب عنده أو أخرج الكتاب من يده ثم استرده ثم مات بعد الصحة أو القدوم. ولو اطلقها شرط حذف جوابه أي فكذلك، ومعناه أنه إذا أطلق الوصية بأن لم يقل من مرضي أو سفري، بل قال إن مت فلفلان كذا ونحو ذلك فإن الحكم فيها كما لو قيد فتبطل إن كانت بكتاب أخرجه ثم استرده اتفاقا لا إن لم تكن بكتاب أو كانت بكتاب ولم يخرجه أو أخرجه ولم يسترده فتصح في الثلاث، فالإشارة في الجواب المحذوف لأقرب مذكور أي لقوله:"أو أخرجه ثم استرده" لا له ولما قبله إذ المطلقة إذا كانت بغير كتاب أو به ولم يخرجه أو أخرجه ولم يرده صحيحة كما عرفت.
لا إن لم يسترده يعني أنه إذا كان الإيصاء المذكور بكتاب أخرجه ولم يستره فإن الوصية صحيحة كانت مقيدة أو مطلقة، وقوله: أو قال متى حدث الموت من صيغ المطلقة يعني أنه إذا قال متى حدث الموت أي أو إذا مت أو متى مت فلفلان في مالي كذا، فتصح إن لم تكن بكتاب أو به ولم يخرجه أو أخرجه ولم يرده: فإن رده بطلت كما مر قريبا في قوله: "ولو أطلقها" قال عبد الباقي: وحاصل فقه مسألة المصنف مع الإيضاح والزيادة أن صورها اثنتا عشرة صورة؛ لأنها إما أن تكون الوصية مطلقة أو مقيدة بما وجد أو بما فقد، كإن مت من مرضي أو سفري فلفلان كذا ولم يمت فيهما فهذه ثلاثة، وفي كل منها إما أن تكون الوصية غير مكتوبة أو مكتوبة ولم يخرجه أو أخرجه ولم يسترده أو استرده فهذه أربع تضرب في الثلاث المتقدمة، فمتى كانت بكتاب أخرجه ورده بطلت مطلقة، كانت أو مقيدة بما وجد أو بما فقد، ومتى كانت بغير كتاب صحت إن أطلقت أو قيدت بما وجد، فإن قيدت بما فقد بطلت ومتى كانت بكتاب ولم يخرجه
صحت إن أطلقت أو قيدت بما وجد، فإن قيدت بما فقد بطلت ومتى كانت بكتاب وأخرجه ولم يردد صحت إن أطلقت أو قيدت بما وجد. انتهى. وكذا تصح إن قيدت بما فقد، فعلم أنها تصح في سبع صور وتبطل في خمس.
تنبيهات: الأول: قوله: "متى حدث" هو من صيغ المطلقة كما عرفت، فلو أسقطه المصنف كان أولى لأنه محض تكرار. قاله الأجهوري. قاله البناني.
الثاني: ما قدمته من صحة الوصية فيما إذا كانت بكتاب وأخرجه ولم يرده والوصية مقيدة بما فقد هو الذي عليه المصنف: قال البناني هذا تصح فيه الوصية مطلقا في المطلقة والمقيدة مع وجود القيد وانتفائه هذا مراد المصنف كما في الحطاب وغيره خلاف ما ذكره الزرقاني هنا، وإن كان فيها قولان في المدونة إذا قيدت ولم يوجد القيد. ابن عرفة: عياض: إن أشهد في المقيدة ولم يخرجها من يده حتى مات في غير مرضه ذلك أو في غير سفره ذلك، ففي المجموعة لمالك وفي العتبية لابن القاسم فيها قولان: إنفاذها وإبطالها حتى يجعلها بيد غيره ويبقيها عنده والقولان في المدونة. انتهى. الرهوني: ظاهر قوله: وإن كان فيها قولان في المدونة أن الضمير يرجع لصورة المقيدة إذا كانت بكتاب وأخرجه ولم يرده وفيه نظر؛ لأن محل القولين الذين ذكرهما إنما هو إذا لم يخرجه من يده، وأما إذا أخرجه ولم يرده فلم يذكروا فيها خلافا، قال في المنتقى ما نصه: فإن كانت الوصية على يد غيره فهذه الوصية تنفذ في ثلثه. قاله مالك من رواية ابن القاسم وغيره. ولم أر في ذلك خلافا بين أصحابنا ووجه ذلك أنه إذا ثبت ذلك في كتاب وحض ذلك بأن وضعه على يد غيره ثم أبقى الكتاب بعد البرء أو القدوم على حاله لم يأخذه ممن وضعه على يده حتى مات بعد ذلك فإنه وجه من استدامة الوصية. انتهى. وصرح أبو الحسن بنفي الخلاف في ذلك فإنه قال عند قول المدونة: ومن قال لعبده لفظا بغير كتاب إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا فأنت حر لخ ما نصه: لا تخلو هذه الوصية إما أن تكون بلفظ أو بكتاب، فإن كانت باللفظ فلا يخلو إما أن تكون مطلقة أو مقيدة، فإن كانت مطلقة فهي نافذة أبدا لا ينقضها إلا تغيرها أو نسخها: وإن كانت مقيدة فإن مات في ذلك المرض أو السفر الذي قيد به نفذت بلا خلاف وإن مات بعد القدوم أو البرء بطلت بغير خلاف وإن كانت بكتاب فلا تخلو أيضا أن
تكون مطلقة أو مقيدة، فإن كانت مطلقة وأقر الكتاب عنده حتى مات أو على يد غيره حتى مات فهي ماضية بغير خلاف، وإن قبضها من يد من جعلها على يده فقال ابن شبلون: هي باطلة. أبو محمد: لا تبطل وترجح في ذلك. أبو عمران: ابن رشد: تبطل باتفاق وإن كانت مقيدة، فإن جعلها بيد غيره فهي نافذة بلا خلاف، وإن أخذها من يد من جعلها على يده بطلت بغير خلاف وإن لم يخرجها من يده ومات من مرضه ذلك أو في سفره ذلك جاز باتفاق، وإن مات في غير مرضه ذلك أو في غير سفره ففي المجموعة لمالك والعتبية لابن القاسم فيها قولان: أحدهما جوازها والثاني إبطالها، والقولان مستخرجان من المدونة، وفيها قول ثالث في المجموعة رواه عند أشهب وابن القاسم وعلي وابن نافع أنها تنفذ إذا مات من مرض آخر. وقاله أشهب. قال: والاستحسان أن تنفذ وإن مات في غير مرض أو سفر. انتهى. وهو تحصيل حسن فتأمله تجد فيه معنى ما قلناه. انتهى كلام الرهوني. ومعنى قوله: ترجح فيها أبو عمران أنه قال مرة بالأول ومرة بالثاني. نقله الرهوني.
الثالث: قال الرهوني عند قوله: "وإن بكتاب ولم يخرجه" ما نصه: ظاهر المصنف كابن الحاجب أنها تبطل ولو أشهد على الكتاب فيكون المصنف درج على الرواية التي استحسنها سحنون وقال بها ابن عبد الحكم، قال في المنتقى ما نصه: وإن كان كتبه وأشهد عليه وأمسكه عند نفسه ثم قدم من سفره أو برأ من مرضه ثم مات بعد ذلك فلا يخلو أن يموت في مرض أو سفر آخر، فالمشهور من قول مالك من رواية ابن القاسم وأشهب أن وصيته نافذة، وفي المجموعة عن سحنون أن رواية ابن القاسم الأخرى عنه أحسن أنها إن كانت عنده فهي باطلة وإن كانت عند غيره جازت. وقاله ابن عبد الحكم. وسواء مات في مرض أو سفر أو في غير مرض ولا سفر. انتهى.
وقد ذكر ابن يونس ما نصه: وفي المجموعة من رواية علي عن مالك فيمن كتب وصيته إن مت من مرضى هذا فعاش بعدها شيئا ثم مات ووصيته تلك بيده لم يغيرها ولا أحدث غيرها أنها نافذة جائزة. محمد بن يونس: اختلف قول مالك في العتبية، فذكر القولين ثم قال: قال في كتاب ابن المواز: لأن أكثر وصايا الناس عند سفر أو مرض ثم يزول ذلك فتبقى وصيته موضوعة عنده
فيقرها فهي نافذة، قال سحنون: وقول مالك في المسألة الأولى أجود ولا ينبغي أن تجوز إلا أن يجعلها عند غيره وإلا لم تجز. انتهى. ثم قال الرهوني: فلكل من الروايتين مرجح فلا درك على ابن الحاجب والمصنف إن حملا على ظاهرهما. انتهى.
فرع: لو شهد شاهدان أنه مات من ذلك المرض أو في ذلك السفر وشهد آخران بخلاف ذلك فليؤخذ بأعدلهما. انظر الرهوني.
أو بنى العرصة صورتها أنه أوصى لزيد بعرصة وهي البقعة من الدور لا بناء فيها ثم بنى الموصى العرصة دارا مثلا، فإن الوصية صحيحة على المشهور، وإذا قلنا بصحة الوصية اشتركا أي الموصي والموصى له الموصي بقيمة بنائه والموصى له بقيمة عرصته يوم التنفيذ، وتعتبر قيمة البناء قائما ومثل البناء الغرس، قال الشبراخيتي: والظاهر أن مثل ذلك ما إذا أوصى له بورق وكتبه. انتهى. ونحوه لعبد الباقي، وقال عبد الباقي والخرشي: وحذف المصنف صفة البناء ليعم الدار والمعصرة ونحوهما. انتهى. وقوله: "أو بنى العرصة واشتركا" هو قول ابن القاسم وهو المشهور كما مر، وقال أشهب: ذلك رجوع، قال المصنف: وهو أظهر لانتقال الاسم. انتهى. قاله التتائي.
كإيصائه بشيء لزيد ثم به لعمرو يعني أن من أوصى لإنسان بشيء ثم أوصى به لآخر فإنهما يشتركان فيه، وكذلك لو أوصى لواحد بالثلث ثم لآخر بالنصف أو بالجميع لاشتركا في الثلث على نسبته الأجزاء. والله أعلم. قاله الحطاب. وقال عبد الباقي: كإيصاء بشيء معين لزيد ثم به لعمرو فيشتركان فيه إلا أن تقوم قرينة تدل على رجوعه أو يلفظ به كقوله الذي أوصيت به لفلان هو لفلان فهو رجوع يختص به الثاني، وكقوله: عبدي الذي أوصيت بعتقه هو لفلان بعدي أو الذي أوصيت به لفلان أوصيت بعتقه فالأخرى تنقض الأولى وقال أشهب: الحرية أولى قدمها أو أخرها. قاله في المدونة. انتهى.
قوله: لمعين لا مفهوم له كما يأتي بعد قوله وقال أشهب لخ، والأول لابن القاسم. وقاله أشهب أيضا. وقوله: وكقوله عبدي الذي أوصيت بعتقه لخ، قال البناني: هذا لا يتقيد بهذا اللفظ كما يوهمه كلامه، بل مهما كانت إحدى الوصيتين بالعتق فالآخرة تنقض الأولى مطلقا سواء لفظ بما يدل على الرجوع أولا. ابن عرفة: وفيها إن أوصى بعتق عبده بعينه أو أوصى به لرجل ثم أوصى
به للعتق فالآخرة تنقض الأولى إذ لا يشترك في العتق. انتهى. وقال الرهوني عند قوله: "كإيصاء بشيء لزيد ثم به لعمرو" ما نصه: قال أبو علي: "شيء" أنكر النكرات، فيدخل في ذلك الإيصاء بمعين كعبدي مرزوق أو داري أو ثوبي إلى غير ذلك من المتمولات، وكذلك الأجزاء كثلث مالي. وقوله:"ثم به" أي بذلك الشيء بعينه، ولا فرق بين أن يكون هو الثاني أو شاملا له كقوله أعطوا لزيد ثلث مالي، ثم قال أعطوا لعمرو جميع مالي لأن جميع المال فيه الثلث وزيادة. انتهى.
وأصله للحطاب، ونصه: يعني أن من أوصى لإنسان بشيء ثم أوصى به لآخر فإنهما إلى آخر ما مر عن الحطاب، قال الرهوني: والنصوص مصرحة بما قالاه. قال في المدونة ما نصه: ومن أوصى لرجل بماله كله ولآخر بنصفه ولآخر بثلثه ولآخر بعشرين دينارا والتركة ستون دينارا، فخذ لصاحب الكل ستة أجزاء ولصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث اثنين ولصاحب العشرين سهمين، لأن العشرين هي الثلث فذلك ثلاثة عشر جزءًا يقسم عليها الثلث فيأخذ كل واحد ما سميناه، وكذلك إن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه ولآخر بسدسه أو بخمسه ولم يجز الورثة فإنهم يتحاصون في الثلث من عين ودين وغيره على الأجزاء، وهذا على حساب عول الفرائض سواء. قال مالك: ما أدركت الناس إلا على هذا، قال سحنون: وهذا قول جميع الرواة لا خلاف بينهم فيه. انتهى. وفيها أيضا: ومن أوصى بشيء بعينه من دار أو ثوب أو عبد أو دابة لرجل ثم أوصى بذلك لرجل آخر فهو بينهما، وكذلك لو أوصى لرجل بثلثه ثم أوصى لرجل آخر بجميع ماله لم يعد رجوعا وكان الثلث بينهما على أربعة أسهم. انتهى.
ومثل ذلك كله لابن يونس عنها، وفي سماع أبي زيد من كتاب الوصايا ما نصه: وسئل عن رجل أوصى فقال: لفلان وفلان وفلان ثلثي ولفلان مالي، قال: يقسم ثلث ماله على اثني عشر جزأ فيعطى من أوصى له بماله تسعة أجزاء ولكل واحد من الثلاثة سهم سهم، قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن الواجب أن يتحاصوا في الثلث على قدر وصاياهم فيضرب فيه الموصى له بجميع المال بثلاثة أمثال ما يضرب به الموصى لهم بالثلث، فيصير له ثلاثة أرباع: الثلث وهو ثلاثة أرباع، الثلث وهو ثلاثة من أربعة وللموصى لهم بالثلث ربعه وهو واحد من أربعة لا تنقسم عليهم
إلا بأن تضاعف إلى ثلاثة بأن تضرب فيه ثلاثة ويأخذ كل واحد منهم سهما من الثلاثة، وتضرب ثلاثة فيما بيد الموصى له بجميع المال فيصير تسعة أسهم من اثنى عشر كما قال. وبالله التوفيق. انتهى.
وفي رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الوصايا ما نصه: قال: وإن قال رجل في وصيته مالي في سبيل الله، ثم قال بعد ذلك بيوم أو يومين يقسم ثلثي أثلاثا فثلثه في المساكين وثلثه في الرقاب وثلثه يحج به عني، قال: الثلث يقسم نصفين فنصفه في سبيل الله ويقسم النصف أثلاثا على ما نص في وصيته، قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها أن الرجل إذا أوصى بشيء بعينه لرجل ثم أوصى به بعد ذلك لرجل آخر أنه يكون بينهما إلا أن يكون في الوصية الثانية ما يدل على أنه قد رجع عن الأولى مثل أن يقول الشيء الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان رجل آخر. انتهى. وهكذا الحكم إذا كانت الوصية بالمعينات فتقع المحاصة بقيمتها، ففي رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى المذكور ما نصه: وقال في الرجل يوصي بوصايا لرجل بدار ولرجل بعبد ولرجل بحائط وما أشبه هذا من العروض ولم يوص لأحد منهم بدنانير ولا بدراهم، وضاق الثلث عن الوصايا فلا يجيزها الورثة فيردون إلى المحاصة في الثلث أن وصاياهم تجعل لكل رجل منهم في الذي أوصى لهم يتحاصون في ثلث مال الميت فيضرب كل منهم بقيمة ما أوصى لهم به، فإذا عرف ما ينوبه في المحاصة من قيمة وصيته جعل ذلك له في الذي أوصى له به خاصة لا ينقل منه إلى غيره. انتهى. وكذا إن أوصى بعين لبعضهم ففي المدونة بعد ما قدمناه عنها بقريب ما نصه، ومن أوصى بثلث ماله وبربع ماله وأوصى بأشياء بعينها لقوم نظر إلى قيمة هذه المعينات، وإلى ما أوصى به من ثلث وربع فيضربون في الثلث بمبلغ وصاياهم فما صار لأصحاب الأعيان من ذلك أخذوه في ذلك، وما صار للآخرين كانوا شركاء به مع الورثة وإن هلكت الأعيان بطلت الوصايا فيها، وكان ثلث ما بقي بين أصحاب الثلث والربع يتحاصون فيه. انتهى منها. ونحوه لابن يونس عنها.
الأول: قد مر أن قوله الذي أوصيت به لفلان هو لفلان رجوع وهو نص المدونة، ففيها ما نصه: وإن قال العبد الذي أوصيت به لزيد هو وصية لعمرو فذلك رجوع. انتهى. قال أبو
الحسن عقبه ما نصه: في الأمهات قلت فلو قال العبد الذي أوصيت به لزيد هو وصية لمحمد، قال: أرى هذا نقضا للوصية الأولى وهو لمحمد، وقال: إذا كان في الوصية الآخرة ما يناقض الأولى فالآخرة تنقض الأولى. انتهى. ونسب الباجي المسألة للموازية
(1)
والمعونة وأغفل عزوها للمدونة، ثم قال: وفي الموازية من قال عبدي الذي أوصيت به لفلان هو وصية لفلان آخر، فقد قال مالك: إن كان في الوصية الأخيرة ما يناقض الأولى فهي ناقضة فلم يصرح بأن الثانية ناقضة لما كانت عنده محتملة أو غير بينة، وإنما الرجوع أن يقول هو لزيد بل هو لعمرو أو يقول صرفته عن زيد إلى عمرو، ولا اعتبار بالنص على أن جميعه للموصى له به آخرا. انتهى منه بلفظه. وكأن الرجراجي لم يطلع عليه، فقال في مناهج التحصيل ما نصه: فإن كان في الثانية دليل على نقض الأولى مثل أن يقول العبد الذي أوصيت به لزيد هو لعمرو بلا خلاف. انتهى بلفظه على نقل أبي علي. وكأن أبا علي لم يقف على كلام الباجي وإلا لنبه [عليه
(2)
]. والله أعلم. انتهى قاله الرهوني.
الثاني: قال في تكميل التقييد ما نصه: وفي طرة فاسية انظر جعله رجوعا إذا قال العبد الذي أوصيت به لفلان هو وصية لفلان وجعله مشتركا بينهما؛ إذا لم يقل الذي أوصيت به فجعل لهذه الزيادة تأثيرا مع أن هذه الزيادة مرادة وإن لم يذكرها إذ قد علمت وصيته به أولا إلا أن يقال إذا لم يذكرها، فيحتمل أن يكون نسي الوصية الأولى ويمكن حينئذ أنه لو ذكر بها لرجع عن الأولى وأقر الثانية أو عكس أو جعله بينهما، فإذا قال الذي أوصيت به لفلان علم أنه ذكر الأولى فكان رجوعا، فعلى هذا لو أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر في الفور بحيث يعلم عدم النسيان كان رجوعا فانظر فيه. انتهى منه بلفظه. انتهى. قاله الرهوني. وقال: قوله فعلى هذا لخ فيه نظر؛ لأنه مخالف لظواهر النصوص في المدونة وغيرها ولصريح نقل الباجي في المنتقى، ونصه: وذكر في المجموعة والموازية إذا قال عبدي لفلان وهو لفلان فهو بينهما، فإن رد الثاني فنصفة للورثة.
(1)
في الأصل: المدونة، والمتبت من الرهوني ج 8 ص 255.
(2)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 256.
الثالث: قوله في المجموعة: فإن رد الثاني الخ ظاهره سواء رده في حياة الموصي أو بعده وهو ظاهر المدونة وغيرها، ففي ابن يونس ما نصه: ومن المدونة: ومن أوصى لرجل بشيء بعينه من دار أو ثوب أو عبد ثم أوصى بذلك لرجل آخر فذلك بينهما. ابن عبدوس: وقاله ابن القاسم وأشهب وهو قول مالك، قال أشهب: لأنه قد أوصى له به فتساويا وليس ما يبدأ به في اللفظ يوجب التبدئة، فإن رد أحدهما نصفه فذلك النصف للورثة. انتهى منه بلفظه. ونص المدونة: ومن رد ما أوصى له به رجع ميراثا بعد أن يحاص به أهل الوصايا، مثل أن يوصي لثلاثة نفر بعشرة عشرة وثلثه عشرة فرد أحدهم وصيته فللباقي ثلث الثلث، وهذا قول جميع الرواة لا اختلاف بينهم فيه. انتهى منها بلفظها. ونحوه لابن يونس عنها لكنه حملها على خلاف ظاهرها، فقال عقب كلامها ما نصه: محمد بن يونس: يريد أنه رد الوصية بعد موت الموصي، فإنه لو رد قبل موت الموصي لكانت مثل موت الموصى له قبل موت الموصي ويدخلها اختلاف قول مالك. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال فيه: إذا أوصى لرجلين بعشرة عشرة وثلثه عشرة فرد أحدهما في حياته فإن علم بذلك - يعني الموصي والله تعالى أعلم - فللآخر عشرة، وإن لم يعلم فله خمسة وتورث خمسة. قال أبو محمد: وهذه في المدونة وقد اختلف فيها قول مالك فيشبه رده قبل موت الموصى بموته قبل موت الموصي فاعرفه فإنها جيدة. انتهى منه بلفظه. وقوله: وهذه في المدونة أي مسألة موت الموصى له قبل موت الموصي، ونص المدونة: وإن أوصى لفلان بعشرة دراهم ولفلان بعشرة دراهم والثلث عشرة فمات أحدهما قبل موت الموصي فكان مالك يقول إن علم الموصي بموته فالعشرة للباقي، وإن لم يعلم حُوصص بينهما فيصير للحي خمسة وترجع الخمسة التي وقعت للميت لورثة الموصي ميراثا وعليه أكثر الرواة، ثم قال مالك: تكون العشرة للباقي علم الموصي بموته أم لا، ثم قال آخر زمانه: أرى أن يحاص بها الباقي، علم الموصي بموت الآخر أم لا. قال ابن القاسم: وبه آخذ، وقد ذكر ابن دينار أن قوله هذا الأخير هو الذي يعرف من قوله قديما. انتهى منها بلفظها. قال أبو الحسن ما نصه: هذا محمد بن إبراهيم بن دينار المدني من كبار أصحاب مالك ولم يرد عيسى بن دينار الأندلسي لأنه متأخر. انتهى منه بلفظه. قاله الرهوني.
الرابع: قال ابن يونس ما نصه: قال ابن القاسم وأشهب: وإن أوصى بعبد لوارث ثم أوصى به لأجنبي فهو بينهما، ويرجع نصيب الوارث ميراثا إلا أن يجيزه له الورثة. انتهى. قوله: إلا أن يجيزه له الورثة يدل على أن له وارثا غيره وانظر إذا لم يكن له وارث غيره هل الحكم كذلك أو يكون العبد كله للأجنبي وهو الظاهر قياسا على ما في المدونة وغيرها، ففيها في كتاب الوصايا الثاني ما نصه: ومن أوصى لأجنبي ووارث تحاصا وعاد حظ الوارث موروثا إلا أن يجيزه الورثة ولو لم يدع إلا هذا الوارث الموصى له لم يحاص الأجنبي في ضيق الثلث وبدئ بالأجنبي. انتهى. ونحوه لابن يونس عنها مصرحا بأنه من قول مالك، وزاد بعده ما نصه: ومن كتاب ابن المواز وغيره قال مالك وأصحابه فيمن أوصى لوارث وأوصى بوصايا لأجنبي: فإن كان مع الوارث وارث من زوجة أو غيرها فإنه يحاص الأجنبي في الثلث، فما صار للوارث رجع ميراثا وإن لم يكن معه غيره فللأجنبي وصاياه من غير حصاص، وكأنه أوصى له بميراثه. انتهى. ونقل في المنتقى مثله عن ابن القاسم وأشهب في الموازية ووجهه بما سبق، ومثله في العتبية في رسم القضاء العاشر من سماع أصبغ من كتاب الوصايا الخامس، وسلمه ابن رشد ولم يحك فيه خلافا ويظهر لي أنه لا فرق بينهما. انتهى. قاله الرهوني.
ولا برهن عطف على قوله: "لا إن لم يسترده". قاله الخرشي. يعني أن الموصي إذا أوصى بشيء ثم رهنه فإن ذلك لا يبطل الوصية بل هي نافذة؛ لأن الملك لم ينتقل وخلاصه على الورثة، قال الشبراخيتي: ولا تبطل الوصية برهن للشيء الموصى به وعلى الوارث تخليصه. انتهى. ونحوه لغير واحد: وقال الرهوني عند قوله: "ولا برهن" ما نصه: بهذا جزم في التوضيح إذ سلم اقتصار ابن الحاجب عليه ولم يحك فيه خلافا، ونقله ابن عرفة عن ابن عبدوس عن ابن القاسم ولم يحك غيره ونحوه في المواق وزاد وقاله مالك، وفي المنتقى ما نصه: ولو أوصى له بعبد ثم آجره أو رهنه فليس ذلك برجوع وفدي الرهن من رأس المال. قاله مالك وابن القاسم في المجموعة. ووجه ذلك أن الاسم باق وصورة الموصى به باقية مع بقائه على ملكه. انتهى منه بلفظه. ووقع في ابن سلمون ما نصه: ويصح رجوعه بالقول أو الفعل كالبيع أو الرهن والعتق والكتابة. انتهى منه
بلفظه. وما جزم به في الرهن لا يعول عليه لأن الحفاظ لم يذكروه أصلا وجزموا بخلافه. والله الموفق. انتهى.
وتزويج رقيق يعني أنه إذا أوصى برقيق فزوجه فإن ذلك لا يبطل الوصية بل هي نافذة، وسواء كان الرقيق المزوج أمة أو عبدا، قال المواق: قال ابن شأس: وتزويج الأمة والعبد ليس برجوع. انتهى. وقال الخرشي: وكذلك لا تبطل الوصية إذا أوصى له بأمة ثم زوجها أو بعبد ثم زوجه. انتهى. وقال التتائي: ولا تزويج رقيق أوصى به نحوه لابن الحاجب وابن شأس. ابن عرفة: لم أجد مسألة التزويج في المذهب وأصوله تقتضيه.
وتعليمه يعني أنه إذا أوصى برقيق فعلمه صنعة فإن ذلك لا يعد رجوعا في الوصية فتكون نافذة، قال التتائي: ولا تعليم صنعة أو كتابة ويشاركه الوارث بما زاده التعليم. انتهى. وقال عبد الباقي: وتعليمه صنعة فيأخذه الموصى له ويرجعون عليه بما زادته الصنعة في قيمته ويشاركون بها. انتهى. وقال الشبراخيتي: وتعليم صنعة أو كتابة وتكون الورثة مع الموصى له شركاء في مسألة التعليم بما زادته الصنعة في قيمة العبد الموصى به. انتهى. ويأتي عن ابن رشد: لا يكونون شركاء في العبد.
ووطء يعني أنه إذا أوصى له بأمة ثم وطئها، أنزل أم لا، فإن ذلك لا يعد رجوعا فلا تبطل الوصية بل هي نافذة، قال التتائي: ولا وطء للأمة الموصى بها لأن هذه الأشياء لا تنقل الملك ولا تغير الاسم. انتهى. وظاهر المصنف عزل أم لا وهو كذلك، ولم يعتبر المصنف تقييد ابن الحاجب له بكونه مع العزل، قال في توضيحه: تبع في قوله الوطء مع العزل. ابن شأس: ومقتضاهما أن الوطء بغير عزل يكون موجبا للرجوع ومقتضى المذهب خلافه، فقد قال ابن القاسم في المجموعة: من أوصى لرجل بجارية فله وطؤها وليس برجوع وكذا رواه عنه أصبغ وأبو زيد في العتبية. انتهى. انظر التتائي.
ونص سماع أصبغ: وسئل عن الرجل يوصي للرجل بجارية له بعد موته هل للموصي أن يطأها؟ قال: نعم، ويوصى بعتقها فيطؤها وذلك لأنه يرد ذلك إن شاء، قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه، والأصل في هذا أن كل ما يجوز له الرجوع فيه فله وطؤه، وكل ما لا
يجوز له الرجوع فيه فليس له وطؤه إلا المدبرة فإن وطأها له جائز، وليس له أن يرجع فيها للسنة القائمة فيها خاصة. وبالله التوفيق. انتهى. ونص سماع أبي زيد: وقال في رجل أوصى له بجارية بعد موته ثم وطئها: أترى ذلك انتزاعا؟ قال: لا، قيل له: فإنها وقفت حين مات خوفا أن تكون حاملا فحمل عليها رجل فقتلها لمن تكون جنايتها؟ قال: سيدها الذي مات؛ لأنه يخاف أن يكون بها حمل ولا يكون للموصى له من جنايتها شيء، قيل له: أرأيت لو لم يكن يطؤها حتى مات فوقفت حتى يجمع ماله فمات الذي أوصى له بها أيضا؟ قال: ورثته يقومون مقامه. قال محمد بن رشد: قوله لأنه يخاف أن يكون بها حمل يدل على أنه إنما جعل الجناية عليها للموصى له بها، وهو معنى ما في كتاب الوصايا الثاني من المدونة، فحملها ابن القاسم على الحمل حتى تعلم براءتها منه على أصله في غير ما مسألة، ثم قال: وقد قيل إنها محمولة على السلامة من الحمل حتى يعلم أنها حملت، فعلى هذا تكون الجناية عليها للموصى له بها وإن كان الموصي قد وطئها إلا أن يعلم أنها كانت حاملا منه وهو مذهب مالك في رواية أشهب عنه في الذي يشتري الأمة فيطؤها ثم يظهر على عيب فيها فيردها على البائع فتموت قبل أن تحيض فضمانها من البائع المردودة عليه بالعيب إلا أن يعلم أنها كانت حاملا فتلزم المشتري ويرد عليه ما نقص العيب من ثمنها. وبالله التوفيق. انتهى. ونقله الرهوني. قال: فالسماعان متفقان في أن ظاهرهما أن الوطء ليس برجوع وإن لم يكن عزل، وأما الكلام على الجناية عليها إذا وقفت فلم يتعرض له في سماع أصبغ أصلا ولا ابن رشد في شرحه، وإنما تكلم عليه في سماع أبي زيد، وفي شرحه ذكر ابن رشد ما نقله عنه ابن عرفة مختصرا لا في سماع أصبغ. انتهى.
وقال عبد الباقي: ووطء من الموصي لجارية موصى بها فلا تبطل بمجرده من غير حمل، وله وطؤها لأن الإيصاء سبب ضعيف لا يعارض الملك المتقدم ولا سيما والحمل محتمل، وتوقف بعد موت الموصي لينظر هل حملت فتكون أم ولد وتبطل الوصية بها أم لا؟ فتعطى للموصى له، فإن قتلت حال الوقف فقال ابن القاسم قيمتها للورثة لأن الإيصاء سبب ضعيف كما مر، وقال ابن عبدوس: للموصى له لأن الوطء ليس بمانع والمانع أي وهو الحمل قد تعذر الاطلاع عليه. انتهى.
وظاهر كلام ابن رشد كما مر أن هذا القول مخرج ولكن عزوه لابن عبدوس مصرح به في نقل ابن عرفة عن ابن يونس.
ولا إن أوصى بثلث ماله فباعه يعني أنه إذا أوصى لزيد مثلا بثلث ماله فباعه أي ماله أي باع جميعه فإن ذلك لا يكون رجوعا، فلا تبطل الوصية بل هي نافذة ويعطى الموصى له ثلث ما يملك عند موته، قال عبد الباقي: ولا إن أوصى بثلث ماله فباعه أي ماله أي جميعه فلا يكون رجوعا ويعطى ثلث ما يملك عند الموت ولا شيء له من الثلث وقت البيع، وجعلنا الضمير في باعه لا [لأنه]
(1)
هو المتوهم فيه أنه رجوع عن الوصية، وأما بيع ثلث ماله فلا يتوهم فيه ثلث
(2)
ذلك وله ثلث ملك الموصي حين موته. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولا تبطل إن أوصى بثلث ماله لواحد أو متعدد فباعه أي باع جميع ماله؛ لأن الثلث المعتبر هو ما يملكه وقت الموت زاد أو نقص. انتهى. ونحوه للتتائي وزاد عقب: أو نقص كما لو أوصى له بدنانير فحالت السكة إنما له دنانير السكة الجائزة بين الناس يوم الموت؛ لأن الوصية إنما وجبت له يوم الموت. انتهى.
كثيابه واستخلف غيرها يعني أنه إذا أوصى بثياب بدنه لزيد أو للمساكين فاستخلف غيرها ثم مات فإن الوصية نافذة فيأخذ الموصى له ما استخلف الموصي من الثياب، قال عبد الباقي: كثيابه أي ثياب بدنه التي أوصى بها فباعها واستخلف غيرها ثم مات أخذ الموصى له ما أخلفه إن لم يكن عينها الموصي وإلا لم يكن له خلفها. انتهى. وقال الشبراخيتي: "كثيابه" أي ثياب بدنه أو رقيقه أو غنمه إذا أوصى بها لمعين أو للمساكين واستخلف ثيابا غيرها نفذت فيما ملكه يوم موته وهذا إذا لم يعينها فإن عينها فليس له خلفها كما فيما بعدها، ولو قال: وأخلفها لكان أخصر. انتهى. ونحوه للتتائي. وقال المواق: ابن رشد: من عم في وصيته، فقال: ثيابي أو رقيقي أو غنمي لفلان أو للمساكين فاستبدل بهم أو أفاد غيرهم فوصيته تنفذ فيما ملكه يوم موته ولو كانوا غير الذي في ملكه يوم أوصى. انتهى.
(1)
في الأصل: جميعه، والمثبت من الخرشي ج 8 ص 174.
(2)
في عبد الباقي ص 182 ج 8: فيه ذلك.
أو بثوب فباعه ثم اشتراه يعني أنه إذا أوصى لزيد مثلا بثوب معين فباعه ثم اشتراه فإن ذلك لا يعد رجوعا، فتنفذ الوصية ويأخذ الموصى له الثوب، قال عبد الباقي: أو أوصى له بثوب معين فباعه ثم اشتراه بعينه أو وهب له أو ورثه ثم مات فللموصى له، وقال الواق: ابن الحاجب: لو باع العبد الموصى به ثم اشتراه ففي رجوعه في الوصية قولان؛ لأن ابن عرفة لا أعرف من نقل القول الثاني، وإنما نقل الباجي والصقلي القول الأول فقط. انتهى. وقال الرهوني: ذكر ابن الحاجب وابن سلمون في ذلك قولين، وأنكر ابن عبد السلام وابن عرفة وجود القول بالبطلان، ولما نقل المصنف في التوضيح ذلك عن ابن عبد السلام، قال عقبه ما نصه: خليل وفي فرائض الحوفي: إذا أوصى بشيء معين ثم باعه ثم اشتراه ثم مات وهو في ملكه فإن الوصية تبطل فيه فهذا قول ببطلان الوصية، وبه يصح القولان اللذان ذكرهما المصنف. انتهى.
مسألة: قال في المنتقى بعد أن ذكر مسألة المصنف هذه ما نصه: وكذا لو أوصى بمعين وهو في غير ملكه ثم صار له بابتياع أو هبة أو ميراث فالوصية به نافذة. انتهى. قاله الرهوني.
بخلاف مثله يعني أنه إذا أوصى له بثوب معين فباعه واشترى مثله أو ملك مثله بهبة أو إرث فليس للموصى له، بل تبطل الوصية لأنه غير ما عين له، وأما قوله: واستخلف غيرها ففيما إذا لم يعين كما مر فلا يعارض ما هنا، ثم إنه ليس من التعيين أن يوصي بثوب وليس له غيره كما يفيده نقل المواق. انتهى. قوله: ليس من التعيين الخ، قال البناني: قال ابن عرفة: ولو قال عبدي لفلان ولا عبد له غيره أو درعي ولا درع له سواه تخرج قصر الوصية على قولين من اختلافهم فيمن حلف لا استخدم عبد فلان فاستخدمه بعد خروجه من ملكه بعتق أو غيره، هل يحنث أم لا؟ انتهى.
قول البناني عن ابن عرفة: لو قال عبدي ولا عبد له لخ كلام ابن عرفة الذي أشار إليه نقله عن ابن رشد مختصرا، ولم يقتصر ابن عرفة على القولين كما يوهمه كلام البناني، وكلام ابن رشد الذي اختصره ابن عرفة هو في شرح آخر مسألة من رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، ونصه: فإن قال عبدي لفلان ولا عبد له سواه أو سيفي لفلان ولا سيف له سواه تخرج ذلك على قولين، أحدهما أنه يتعين بإضافته إليه ولا تنتقل الوصية إلى غيره إن استبدل به سواه: والثاني
أنه لا يتعين بذلك وتنتقل الوصية إلى غيره إن استبدل به سواه على اختلافهم فيمن حلف أن لا يستخدم عبد فلان فاستخدمه بعد أن أعتق أو بعد أن خرج عن ملك فلان وما أشبه ذلك، ومما يعيب
(1)
دخول الاختلاف في ذلك أن ابن أبي زيد قد حكى في النوادر من رواية أشهب عن مالكَ فيمن أوصى لأخيه بسيفه أو بدرعه فيهلك ذلك ثم يخلفه فهو للموصى له كما لو أَوصى لْه بحائطه فتنكسر منه النخلات ويغرس فيه وديا أو ينبت فيه ودي أو يزرع فيه زرع فذلك له، قال: وهذا الذي أراد الميت فأما لو أوصى له بعبد فمات العبد فأخلف غيره فبخلاف ذلك، وظاهر هذه الرواية أنه فرق في ذلك بين العبد وبين السيف والدرع ولا فرق في القياس بين ذلك، فيتحصل في ذلك على هذا ثلاثة أقوال: أحدها أنه يتعين بذلك العبد والدرع، والثاني أنه لا يتعين به واحد منهما والثالث أنه يتعين به العبد ولا يتعين به الدرع والسيف وما أشبهه. انتهى. واختصره ابن عرفة اختصارا وفيا
(2)
به، وليس فيه ما يرد ما جزم الزرقاني به من أن ذلك ليس من التعيين، وقد عزا الزرقاني ما جزم به إلى ما يفيده نقل المواق، وما قاله صحيح لأن المواق جزم بذلك وسوى بين العبد والسيف ونحوهما، ونقل عن الرواية أنه إنما قال ذلك في عبد بعينه، وعن ابن يونس أنه إذا لم يكن بعينه فإنه كغيره، وما عزاه لابن يونس كذلك فيه وكلامه مخالف لما قدمناه عن ابن رشد في أمرين، أحدهما أن ظاهر كلام ابن رشد أن المسألة ليست في العتبية لأنه إنما عزاها لابن أبي زيد في النوادر؛ إذ لو كانت في العتبية لما احتاج إلى عزوها إلى النوادر من غير تنبيه على أنها فيها، ثانيهما أنه حمل كلام النوادر على أن العبد فيها غير معين فجعله خلافا لما قاله في السيف ونحوه، وبحث فيه بأن القياس أن لا فرق وابن يونس حمل ذلك على أن العبد معين. انتهى.
(1)
في الرهوني ج 8 ص 259: مما يعين.
(2)
في الرهوني ج 8 ص 260: وافيا به.
قال الرهوني: وذكر ابن رشد في التعيين بالصفة قولين، قال: سمع عيسى ابن القاسم من قال عبدي النوبي أو الصقلي فباعه واشترى غيره نوبيا أو صقليا أن الوصية تختص بالأول، وقال أشهب: لا تختص ثم قال الرهوني بعد كلام: فعلم أن الأول هو الراجح. انتهى.
ولا إن جصص الدار يعني أنه إذا أوصى بدار فجصصها أي بيضها الموصي بالجص فإن الوصية لا تبطل بذلك التجصيص، بل يأخذ الموصى له الدار بزيادتها، أو صبغ الثوب يعني أنه إذا أوصى بثوب فصبغه فإن ذلك لا تبطل به الوصية، فيأخذ الموصى له الثوب بزيادته، أولت السويق يعني أنه إذا أوصى بسويق فلته بسمن أو عسل فإن ذلك لا يكون رجوعا عن الوصية، فلا تبطل بل يأخذ الموصى له السويق بلتاته.
وعلم مما قررت أن قوله: فما ذكر من الدار المجصصة والثوب المصبوغ والسويق الملتوت للموصى له بـ أي مع زيادته؛ أي فلا شيء للورثة في مقابلة التجصيص والصبغ واللت، قال عبد الباقي: ولا إن جصص الدار أو صبغ الثوب أولت السويق القمح أو الشعير المقلي الموصى بكل فليس برجوع ولا تبطل، وقوله:"فللموصى له بزيادته" زائد على ما أفاده العطف بالنفي لدفع توهم مشاركة الورثة بذلك كمشاركتهم بزيادة قيمة صنعة العبد بتعليمه كما مر، وكأن الفرق قوة تعليمه حتى كأنه ذات أخرى بخلاف الثلاثة المذكورة فلم تغير زيادتها الاسم كإيصائه له بعرض بلفظ ثوب كما مر، وكذا إذا أوصى له بدقيق ثم لله أو بما يسمى كسكسا ثم لله بسمن. انتهى. قوله: وكأن الفرق الخ، قال الرهوني: قال شيخنا الجنوي ما نصه: لا فرق بينهما لأن القائل بالاشتراك هناك أصبغ يقول به هنا أيضا، ففي تفريق المصنف بينهما نظر والظاهر الاشتراك في الجميع. الرهوني. ما جزم به عبد الباقي فيما مر وهنا وسلمه من ذكرنا يعني التاودي والبناني من الشركة في العبد هو الذي يفيده قول ابن عاشر، فهو سلم الشركة في بناء العرصة وتعليم العبد وعدمها في تجصيص الدار مع تالييه، وإنما توقف في الفرق مع أن كلام ابن رشد يفيد أن تعليم العبد لا شركة به قولا واحدا عكس ما قالوه، ثم جلب كلام ابن رشد ثم قال وقول شيخنا يعني الجنوي والقائل بالاشتراك هناك وهو أصبغ يفيد انفراد أصبغ بذلك وهو الذي يفيده كلام المنتقى، ثم قال: لم ينفرد بذلك أصبغ بل قاله سحنون أيضا في نوازله.
وفي نقض العرصة قولان قال في القاموس: النقض بالكسر المنقوض وهذا الضبط هو الأولى بالمصنف هنا لأن فيه قولين متساويين، وإن كان سياق المصنف في المسائل إنما هو فيما يبطل الوصية أولا، وأما بفتح النون ففيه قولان غير متساويين، بل المعتمد منهما أن النقض غير مبطل، ومعنى كلام المصنف على الضبط الأول أنه إذا أوصى لزيد بدار فهدمها فإن ذلك الهدم لا يكون رجوعا في الوصية، فلا تبطل به وحينئذ فاختلف في النقض أي البناء المنقوض لمن يكون فقيل هو للورثة وقيل هو للموصى له، وأما نفس العرصة فللموصى له باتفاق القولين، والمعنى على الضبط الثاني أنه إذا أوصى له بدار فهدمها أي الموصي فإنه اختلف في ذلك الهدم، فقيل لا يكون رجوعا وهو الراجح وعليه يتفرع القولان المتقدمان، وقيل ذلك رجوع فتبطل الوصية. قال الشبراخيتي: ولو أوصى بداره أو حانوته مثلا لزيد ثم نقضها وصارت عرصة كان في نقض العرصة في كونه رجوعا أولا قولان، والمعتمد أن نقضها أي هدمها ليس برجوع وإنما جرى قولان مستويان فيمن له النقض وعلى هذا فلا يضبط قوله: نقض بفتح النون لا علمت أن المعتمد أنه ليس برجوع. انتهى.
وعلى أن النقض في المصنف بالفتح يكون في الكلام حذف مضاف أي وفي نقض أي هدم بناء العرصة قولان. وقوله: "في نقض العرصة قولان" اعلم أنه إذا ضبط المصنف بالكسر فالقولان لابن القاسم وأشهب، فابن القاسم يقول: إن النقض للموصى له، وأشهب يقول إنما له العرصة والمنقوض للورثة، قال المواق: ابن القاسم: إذا أوصى له بدار فهدمها فالعرصة والنقض للموصى له. الباجي: وجهه أن الهدم ليس فيه أكثر من تفريق الأجزاء وذلك لا يمنع نفوذ الوصية كقطع الثوب قميصا. انتهى. وقال أشهب: إذا أوصى له بدار فهدمها وصيرها عرصة فالعرصة للموصى له ولا وصية في النقض. الباجي: لأن اسم البناء لا يتناوله ولا اسم الدار بعد النقض، فبطلت فيه الوصية لعدم الاسم الذي علق عليه الوصية. انتهى. والقول بأن الهدم رجوع في العتبية.
وإن أوصى بوصية بعد أخرى فالوصيتان يعني أنه إذا أوصى لشخص واحد بوصية بعد أن أوصى له بوصية أخرى فإن الوصيتين ثابتتان للموصى له معا، هذا إذا كانتا من نوع واحد وهما متفقتان صفة وقدرا، كعشرة ثم عشرة كل منهما ذهب أو فضة أو غيرهما، وهذا لمالك وبه جزم الحطاب وعليه اقتصر المواق وعزاه لمالك وابن القاسم وبه صدر في الشامل، وحكى الآخر بقيل ونصه: ولو
أوصى له بعددين متساويين في الجنس والعدد، مثل أن يوصي له بعشر دنانير ثم يوصي له بعشرة دنانير فإن له العددين المذكورين جميعا، رواه يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، وعلى هذا مذهب مالك وأصحابه. وحكى القاضي أبو محمد في معونته أن له أحدهما. انظر الرهوني. فإنه قوى ما للمصنف جدا وقوى أيضا ما لمحمد.
كنوعين تشبيه فيما قبله يعني أنه إذا كانت الوصية الثانية مخالفة للأولى في النوع قإن الوصيتين معا للموصى له، كما يكونان له حيث كانتا من نوع واحد وهما متفقتان في القدر والصفة، سواء عين الموصى به كداري الفلانية ثم أوصى له بعبده الفلاني أو لم يعين كدار من دوري ثم بعبد من عبيده. وأطلق المصنف النوع على ما يشمل الجنس. ودراهم وسبائك عطف على "نوعين" فهو في حيز التشبيه؛ يعني أنه إذا أوصى لشخص واحد بوصية ثم أوصى له بعد ذلك بوصية أخرى وكانتا مختلفتين في الصفة كدراهم وسبائك؛ أي أوصى له بفضة دراهم ثم أوصى له بفضة سبائك فإن الوصيتين ثابتتان للموصى له.
وذهب وفضة هو في حيز التشبيه أيضا؛ يعني أنه إذا أوصى لشخص واحد بذهب ثم أوصى له بفضة فإن الوصيتين ثابتتان معا للموصى له والاختلاف هنا في المصنفية، وإلا راجع لأول الكلام وهو قوله: وإن أوصى بوصية بعد أخرى فالوصيتان، إذ هو فيما إذا اتفقت الوصيتان في القدر والصفة أي وإن لم تتفق الوصيتان في القدر بل كانت إحداهما أكثر من الأخرى مع أنهما متفقتان في غير ذلك فأكثرهما أي الوصيتين هو الثابت للموصى له دون الأقل، فإذا أوصى لزيد مثلا بعشرة ثم أوصى له بعشرين أو أوصى له بعشرين ثم أوصى له بعشرة، فالواجب للموصى له الأكثر من الوصيتين وهو العشرون تقدمت أو تأخرت، ولهذا قال: وإن تقدم الأكثر ولو عبر بلو لرد رواية علي وقول مطرف كما في المنتقى والبيان وغيرهما لأجاد. قاله الرهوني.
وقال التتائي: وإلا بأن لم يختلف شيء من ذلك بل كانت دراهم أو دنانير من سكة واحدة ومتماثلة أو أفراس أو إبل أو عبيد، ولكن اختلف القدر فقط كما لو أوصى له بثلاثين ثم بعشرين أو عكس فأكثرهما له عند مالك وابن القاسم في المدونة، تقدم الأكثر أو تأخر وظاهره ولو كانت بجزء ثم بعدد كما لو أوصى له بالثلث ثم بدنانير وهو كذلك على أحد الأقوال، وحاصل ما قررت
به المصنف أنه إن أوصى بوصية بعد أخرى واختلفت الوصيتان في الجنسية أو الصنفية أو الصفة فالوصيتان معا للموصى له كما لو اتفقتا في كل شيء، فإن اتفقتا في الصفة وغيرها لكن اختلفت قدرا فللموصى له الأكثر من الوصيتين تقدم الأكثر أو تأخر، قال الشبراخيتي: ولو قال المصنف وإن أوصى بوصية ثم أخرى فله الوصيتان إن اختلفا صفة كإن اتفقتا صفة إن اتحد قدرهما وإلا فأكثرهما وإن تقدم لوفى بالمراد مع الاختصار. انتهى.
وقال ابن الحاجب: ولو أوصى لواحد بوصية بعد أخرى من صنف واحد [وإحداهما
(1)
] أكثر فأكثر الوصيتين وقيل الوصيتان وقيل إن كانت الثانية أكثرهما أخذها فقط، وإن كانت أقل أخذها
(2)
وأما من صنفين فالوصيتان، قال في التوضيح: يعني إذا أوصى لرجل واحد بوصية بعد أخرى فإما أن يكونا من صنف أو من صنفين، فإن كانا من صنفين فله الوصيتان سواء كانا من جنس واحد أو من جنسين، فقد نص ابن القاسم على أنه إن أوصى له بصيحاني وبرني أن له الوصيتين. محمد: وكذلك القمح والشعير والدراهم والسبائك. الباجي: ولا خلاف أن الدراهم من سكة واحدة متماثلة وكذلك الأفراس والإبل والعبيد، وأما الدنانير مع الدراهم فروى ابن الماجشون عن مالك أنهما صنف كالزكاة، وقال ابن القاسم وأصبغ: بل هما صنفان ويلحق بالمصنفين ما إذا كانا معينين كعبدي مرزوق لفلان، ثم قال في تلك الوصية أو غيرها وعبدي ناصح له، وقال أشهب: كان معينا أو غير معين كعبدي فلان ثم قال له عبد من عبيدي فالوصيتان جميعا، وإن كان من صنف واحد فحكى اللخمي وغيره ثلاثة أقوال: الأول لمالك وابن القاسم في المدونة أن له أكثر الوصيتين تقدم أو تأخر، والثاني رواه ابن زياد عن مالك إن تأخر الأكثر فهو له فقط وإن تقدم فله الوصيتان ونقله ابن زرقون عن مطرف، والثالث إن كانا في كتابين فله الأكثر تقدم أو تأخر وإن كانا في كتاب فقدم الأكثر فهما له وإن أخره فهو له فقط ولو كانتا متساويتين، فقولان الأول لمالك وأصحابه له العددان جميعا، وحكى في المعونة أن له أحدهما. انتهى المراد منه.
(1)
في المخطوطة: أحدهما، والمثبت من التوضيح ج 8 ص 480 ط نجيبويه.
(2)
في التوضيح ج 8 ص 480: أخذهما.
وقوله: فأكثرهما من هذه المسألة ما لو أوصى له بثلاثين درهما ثم أوصى له بجزء فإنه يضرب مع أهل الوصايا بالأكثر، قال في المدونة: ومن أوصى لرجل بثلاثين دينارا ثم أوصى له تارة أخرى بالثلث فله أن يضرب مع أهل الوصايا بالأكثر. انتهى منها بلفظها. ونحوه لابن يونس عنها لكنه قال عقبه ما نصه: وقال سحنون في المجموعة: معناه أن ماله كله عين، قال ابن المواز: وقاله أصبغ، قال: وإن كان ماله عينا وعرضا ضرب معهم بثلث العرض وبالأكثر من ثلث العين والتسمية، وقاله عنه ابن حبيب، قال: وإن كان ماله كله عرضا ضرب مع أهل الوصايا بالثلث والتسمية وإن لم يكن معه وصايا فإنما له الثلث إلا أن يجيز الورثة فيعطى الوصيتين.
تنبيهات: الأول: قوله: "وإلا فأكثرهما" يشمل الجزءين، فإذا أوصى له بسدس ثم بثمن فله الأكثر وهو السدس، كما إذا أوصى له بعشرة دنانير ثم بتسعة وكذا لو عكس، ولو أوصى له بسدس ثم بسدس كان ذلك كعشرة ثم بعشرة.
الثاني: قال الرهوني: يؤخذ مما ذكرناه هنا وعند قوله فيما مر: "كإيصائه بشيء لزيد ثم به لعمر" وحكم نازلة سئلت عنها، وقد اختلف المتصدون للفتوى في بلد النازلة وهي امرأة أوصت أولًا بثلث مالها نصفه لمسجد كذا ونصفه لأولاد بنتيها فلانة وفلانة، ثم بعد نحو ثلاث سنين أوصت بأن جميع ثلثها لأولاد بنتيها المذكورتين ولم تنص على رجوعها عن الوصية الأول، ولا قام دليل على أنها قصدت الرجوع عنها، فأفتى بعضهم بأن الثلث كله لأولاد البنيتن ولا شيء للمسجد منه، وأفتى بعضهم بأن الوصيتين عاملتان ويقسم الثلث بين المسجد وأولاد البنتين على المحاصة، ولكن لم يبينوا مقدار ما يكون للمسجد فأرسل إلي القاضي بذلك البلد يسألني عن الصحيح من الفتويين وعن كيفية القسمة إن قلتم بصحة الوصيتين، فأجبته بصحتها
(1)
وبأن ذلك يقسم أثلاثا: الثلث للمسجد والثلثان لأولاد البنتين ولا يخفى على المتأمل، فأخذ
(2)
ذلك مما أشرنا إليه والله أعلم. انتهى.
(1)
في الرهوني ج 8 ص 264: بصحتهما.
(2)
في الرهوني ج 8 ص 264: أخذ.
الثالث. قال الحطاب: إذا قال أعطوا فلانا مائة ولم يقل مائة دينار ولا درهم، فإن دل سياق كلامه على الدنانير أو الدراهم حمل عليها، كأن يقول: أعطوا فلانا مائة دينار وفلانا مائة فتحمل على الذهب، أو أعطوا فلانا مائة درهم وفلانا عشرة فيحمل على الدراهم، وإن لم يدل سياق كلامه على شيء حمل على الغالب من الدنانير أو الدراهم، فإن لم يغلب أحدهما حمل على الأقل وهي الدراهم. قاله في رسم الصلاة من سماع يحيى وأول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا. وقال في معين الحكام: وإن أوصى له بعين ولم يبين سكتها دفع الأكثر جريانا، فإن استوى جريهما دفع له الأقل إلا أن يتبين أنه أراد الأكثر، وكذلك لو أوصى له بعدد أمداد من الطعام ولم يبين قمحا ولا شعيرا جرى الأمر على ما ذكر، وإذا ذكر الموصي في وصيته أن تنفذ وصيته من سكة كانت جاريته
(1)
يوم الوصية ولم تجر يوم التنفيذ أخرجت من الجارية يوم الموت إلا أن يقول في وصيته أنها تكون من النقد الجاري يوم التنفيذ فيكون كما عهد، فإن وقعت الوصية مسجلة يعني مطلقة ولم يشترط صفة فإنه تكون مما يجري يوم التنفيذ وذلك بخلاف الكوالئ والديون. انتهى.
الرابع: قال الحطاب: قال في باب الوصايا من معين الحكام: إذا أوصى أن يعطى إناء فألفي مملوءا دنانير أو دراهم، فإن علم الناس أنه مما يدفع فيه ذلك أعطى بما فيه وإلا أعطي الإناء وحده، وكذلك لو أوصى بزق فألفي مملوءا عسلا أو سمنا دفع له بما فيه. انتهى.
الخامس: قال عبد الباقي: ودخل في قوله: "بأكثرهما" ما لو أوصى له بعشرة دنانير وثوب وبخمسة وكتاب فله العشرة والثوب والكتاب. انتهى.
وإن أوصى لعبده بثلثه عتق إن حمله الثلث يعني أن السيد إذا أوصى لعبده بثلثه أي ثلث مال السيد الموصي فإن العبد الموصى له يعتق كله إن حمله الثلث، وإذا عتق وبقيت من الثلث بقية أخذ العبد الذي عتق باقيه أي باقي الثلث، وإلا أي وإن لم يحمل الثلث قيمة العبد قوم العبد في ماله أي مال العبد بأن يدفع للورثة من مال نفسه ما بقي منه، قال البناني: الذي يدل عليه
(1)
كذا في النسخة ولعلها جارية.
النقل أن التقويم في ماله ليس بمعنى أن ينضم ماله لمال الموصي ويصير من جملته حتى يعتق فيه كما ذكروه في غير هذا المحل
(1)
وكما فهمه الزرقاني، وإنما المراد أن يقوم على العبد بقية نفسه في ماله. فإن كان في الثلث فضل فالثلث من جملة ماله بالوصية فيقوم عليه نفسه ويأخذ الباقي، وإن قصر الثلث وجب عليه أن يدفع للورثة من مال نفسه ما بقي كما في الرواية، ونصها: قال ابن القاسم: وإن لم يحمله الثلث وللعبد مال استتم منه عتق نفسه. انتهى. نقله المواق.
وهذا صريح في أن ماله يكون له ولا ينتزع منه بعد التقويم بل هو مالك له، فمثال عتقه من الثلث أن يترك السيد مائتين وقيمته هو مائة وبيده مائة، فيعتق منه الثلث في الوصية ويأخذ بها ثلث المائتين فيقوم عليه ما بقي ورقبته بما أخذ من الثلث ويبقى ماله بيده لا يقع فيه تقويم، ومثال ما إذا قصر الثلث أن يترك السيد مائة وقيمة العبد مائة وبيده مائة فيعتق منه الثلث ويأخذ ثلث المائة المخلفة ويقوم عليه بقية رقبته بست وستين وثلثين فيعطيها مما أخذ من الثلث ومن ماله وما بقي من ماله يبقى له. انظر مصطفى. وبه تعلم أن ما نقله الزرقاني في المثال الأول عن بعض الشراح هو الصواب، خلاف ما نقله عن علي الأجهوري، وأن قوله: ولو ترك السيد مائة والعبد يساوي مائة وبيده خمسون عتق منه محمل ثلث المائتين الخ غير صحيح، بل يعتق في هذا المثال العبد كله لأنه يعتق ثلثه بالوصية ويأخذ بها ثلث المائة المخلفة ويقوم عليه بقية رقبته فيما أخذه وفي ماله. انتهى كلام البناني.
قال الرهوني: قد بين البناني هذه المسألة بما لا مزيد عليه. ابن الحاجب: ومن أوصى لعبده بثلث ماله، فقال ابن القاسم: إن كان يحمل رقبته عتق كله وأخذ الباقي وإلا قوم بقيته في ماله، وقال ابن وهب: لا يقوم في ماله، وقال المغيرة: يعتق ثلثه فيهما ويأخذ الباقي. انتهى. التوضيح: يعني إن أوصى لعبده بجزء من ماله وذكر الثلث على جهة المثال فاتفق أولا أنه يعتق ثلثه لكونه ملكه من نفسه، ثم اختلف فقال المغيرة: لا يزاد على الثلث فيهما أي في الصورتين وهما إذا حمل ثلث المال بقيته أو لم يحمله وهو ظاهر، ووجهه أنه لما ملك ثلثه عتق عليه جبرا فلذلك لم يكمل في ماله كما لو ورث بعض قريبه ولم يكمل في مال الميت إذ لا يكمل على ميت. وقوله:
(1)
في النسخة المطبوع عليها (المحمل)، والمثبت من البناني ج 8 ص 183.
ويأخذ الباقي أي باقي الثلث، وقال ابن القاسم وابن وهب: بل يكمل العتق، ثم اختلفا فيما يكمل ولنذكر مثالا يتضح لك ما قالاه، فإذا كان العبد يساوي مائة وله مال مائة أيضا وخلف السيد مائة فاتفق ابن القاسم وأشهب على أنه يعتق منه الثلثان ثم اختلفا، فابن القاسم يعتقه كله لأنه يقومه في ماله، وابن وهب لا يقول بذلك فلا يعتق منه إلا الثلثان، وعلى قول المغيرة يعتق ثلثه فقط ويأخذ من ماله ستة وستين وثلثين. انتهى.
فرع: قال ابن يونس ما نصه: قال أشهب: وإذا أوصى لعبده [بثلث]
(1)
ماله وترك دينا شهد به شاهد واحد فإن العبد يحلف مع الشاهد ويستحق ولو أوصى أن عبدي حر لم يحلف العبد، قال في كتاب محمد: لأنه كتسمية دنانير قدر رقبته فلا يحلف كما يحلف الموصى له بالثلث، وكذلك من أوصي له بدنانير. وقاله ابن وهب وابن دينار. انتهى.
ودخل الفقير في المسكين يعني أنه إذا أوصى للمساكين فإنه يدخل في ذلك الفقراء، كعكسه يعني أنه إذا أوصى للفقراء فإنه يدخل في ذلك المساكين، قال عبد الباقي: ولو أوصى لمسكين دخل الفقير في قوله: "المسكين كعكسه" والمراد الدخول في اللفظ فتشملهما الوصية، فأراد بالدخول هنا المشاركة لأنهما إذا افترقا اجتمعا في الحكم فلا ينافي اختلاف حقيقتهما كما قدم في مصرف الزكاة، فموضوع كلامه هنا أنه أتى بأحد اللفظين وظاهره ولو على عدم الترادف، فإن أتى بهما معا فلا كلام في إعطائهما لا من حيث دخول أحد اللفظين في الآخر، بل من وجود كليهما من الموصي ولا ينافي ذلك قولهم إذا اجتمعا افترقا لأن معناه افترقا في حقيقة كل، ثم لا يلزم مساواتهما ولا تعميمهما كما قد يفيده قوله الآتي:"ولم يلزم تعميم كغزاة" واجتهد ومحل ما ذكره المصنف حيث لم يقع من الموصي النص على المساكين دون الفقراء وعكسه أو جرى العرف بافتراقهما. انتهى.
قوله: وظاهره ولو على عدم الترادف الخ، قال في التوضيح: ينبغي على ما تقدم في الزكاة من أن المشهور تباينهما أنه إذا أوصى من هو عالم بذلك أن لا يدخل أحدهما على الإخراج ونحوه لابن
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من ابن يونس ج 7 ص 51.
عرفة، وفي الحطاب عن القرطبي ما نصه: تظهر فائدة الخلاف في الفقراء والمساكين هل هما صنف واحد أم لا؟ فيمن أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين، فمن قال هما صنف واحد قال يكون لفلان نصف الثلث وللفقراء والمساكين النصف الآخر، ومن قال هما صنفان قال يقسم الثلث بينهم أثلاثا. انتهى.
قال البناني: قلت وما ذكره القرطبي خلاف ما هو الذهب الآتي في قول المصنف: "واجتهد كزيد معهم" تأمله. انتهى. وقال الشبراخيتي: ودخل الفقير في الوصية للمسكين كعكسه ما لم يقع من الموصي النص على خلاف ذلك، كقوله: أوصيت بكذا للفقراء لا المساكين وعكسه، ومثله إذا جرى العرف بأن الوصية لأحدهما لا يدخل فيها الآخر، وإذا جمع بين اللفظين للفقراء والمساكين فلابد من الإعطاء لهما لكن لا يلزم مساواتهما بل يرجع إلى اجتهاد الوصي. انتهى. قال التتائي عند قوله:"ودخل الفقير في المسكين كعكسه" ما نصه: ما لم يقل الفقير المسكين أو عكسه، قال المصنف: فلا دخول بلا إشكال انتهى. وقال ابن عرفة: ظاهر كلام ابن شأس دخول أحدهما في الآخر ولو على عدم الترادف وهو صواب إن كان الموصي عاميا وإلا ففيه نظر. انتهى.
قال التتائي: لطيفة: إن أوصى بدينار ينفقه غاز مثلا يملك ألف دينار لا دونها لم يعط لغاز مسكين أو فقير أو من يملك دون ألف. قاله عبد الباقي.
وفي الأقارب يعني أنه إذا أوصى لأقارب فلان الأجنبي فإنه يدخل في ذلك أقاربه لأمه إن لم يكن له أقارب لأب، والأرحام يعني أنه إذا أوصى لذي رحم فلان الأجنبي فإنه يدخل في ذلك أقارب فلان لأمه إن لم يكن له أقارب لأب، والأهل يعني أنه إذا أوصى لأهل فلان الأجنبي فإنه يدخل في لفظ الأهل أقارب فلان لأمه إن لم يكن للأجنبي أقارب لأب، وقوله: أقاربه لأمه معطوف على الفقير أي ودخل أقارب فلان الأجنبي في الوصية لأقاربه ولذوي رحمه أو لأهله، ومحل دخول الأقارب للأم في ذلك إن لم يكن للأجنبي الموصى لأقاربه أو لذوي رحمه أو لأهله أقارب لأب، فإن كان له أقارب لأب لم يدخل أحد من أقارب أمه. قال عبد الباقي: وإن أوصى لأقارب فلان الأجنبي أو لذوي رحمه أو لأهله دخل في لفظ الأقارب وفي لفظ الأرحام وفي لفظ الأهل أقاربه لأمه، فيدخل عم أمه لأبيها وأمها. ومعنى الدخول هنا الشمول أي شمل الأقارب الخ أقاربه لأمه
إن لم يكن للأجنبي أقارب لأب، وإلا لم يدخل أحد من أقارب أمه لشبه الوصية بالإرث من حيث تقديم العصبة على ذوي الأرحام لا من حيث إبطالها للوارث؛ لأنه لا قرابة بينهم وبين الموصي. انتهى.
وقوله: "إن لم يكن له أقارب لأب" اعلم أنه لا خلاف في دخول الأقارب للأم حيث لم يكن له يوم الوصية أقارب لأب، وأما إن كان له يوم الوصية أقارب لأب ففي المسألة أقوال، قال الرهوني عن ابن رشد: إذا كان له يوم الوصية أقارب لأب ففي دخول أقارب الأم ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا دخول في ذلك لقرابته قبل النساء بحال وهو قول ابن القاسم، والثاني أنهم يدخلون في ذلك بكل حال وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك، وحكى ابن حبيب أنه قول جميع أصحاب مالك والثالث قول عيسى بن دينار أنه لا يدخل في ذلك قرابته من النساء إلا أن لا يبقى من قرابته من قبل الرجال أحد، وأما إن لم يكن له يوم أوصى قرابة إلا من قبل النساء فلا اختلاف بأن الوصية تكون لهم على ما قاله ابن القاسم في رسم أسلم بعد هذا، وعلى ما قاله أيضا في الواضحة من رواية أصبغ عنه وزاد، قال: وكذلك إن كانوا قليلا الواحدَ والاثنين. انتهى.
وقال ابن رشد أيضا في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الوصايا ما نصه: لا اختلاف في أنه إذا لم يكن له يوم أوصى قرابة من قبل الأب أن الوصية تكون لقرابته من قبل أمه وإنما اختلف إذا كان له يوم أوصى قرابة من قبل أبيه، هل يدخل معهم قرابته من قبل أمه أم لا؟ فذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أنه لا يدخل في ذلك قرابته من قبل الأم، قال في سماع أبي زيد: وإن لم يبق من أهل أمه إلا خال أو خالة فلا شيء لهم. انتهى. ونقله ابن عرفة مختصرا وزاد بعده ما نصه: ابن زرقون: إن أوصى ولا قرابة له من قبل أبيه فالوصية لقرابة أمه اتفاقا، وإن كان له قرابة من قبل الأب فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: قال ابن القاسم: لا يدخل فيه القرابة للأم بحال، وروى الأخوان دخولهم بكل حال، وقال عيسى: لا يدخلون إلا أن لا يبقى من قرابة الأب أحد، ولا خفاء في أن كلام ابن رشد الأول يفيد رجحان الثاني، ويفيد ذلك أيضا كلام الباجي في المنتقى ونصه: روى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إذا أوصى لقرابته أو لرحمه أو لذي رحمه أو لأهله أو لأهل بيته، فإن قولنا وقول مالك وأصحابنا أن ذلك لجميع
قرابته ورحمه وأهله من قبل أبيه وأمه من كل من يرثه، ومن ليس يرثه وعزا هذا قبل لمالك من رواية علي بن زياد، ولأشهب في الواضحة ولابن حبيب عن الأخوين ولابن كنانة في المجموعة. والله أعلم. انتهى كلام الرهوني.
والوارث كغيره يعني أنه إذا أوصى لأقارب أجنبي أو لذوي رحمه أو لأهله فإن الوارث من أقارب الأجنبي تشملهم الوصية كغير الوارث منهم، قال الشبراخيتي: والوارث من أقارب فلان لأبيه أو لأمه إن لم يكن أقارب لأب كغيره ممن لا يرث كالخال والخالة والعمة وأولادهم، فيدخلون كلهم. انتهى بخلاف أقاربه هو يعني أن الموصيَ إذا كانت وصيته لأقارب أو لذوي رحمه أو لأهله فإنه لا يدخل في ذلك ورثته؛ لأنه لا وصية لوارث بل يختص بها أقاربه الذين لا يرثونه من جهة الأب أو من جهة الأم حيث لم يكن له أقارب لأب، قال عبد الباقي: بخلاف إيصائه لذوي رحم نفسه أو أهله أو أقاربه هو فلا يدخل وارثه في لفظ من هذه الألفاظ لأنه لا وصية لوارث. وكذا لا يدخل أقارب أمه حيث كان له أقارب لأب بل تختص بهم حيث كانوا غير ورثة عند مالك وابن القاسم وهو المذهب. انظر ابن عرفة. قاله أحمد. انتهى. وقد مر في النقل ما يفيد أن المشهور دخولهم معهم. والله تعالى أعلم. وقال التتائي: بخلاف ما لو أوصى الموصي لذوي رحمه أو أهله أو أقاربه هو فلا يدخل وارثه في لفظ من هذه الألفاظ على المنصوص لمالك في الموازية لحكم الشرع بأنه لا وصية لوارث، قال ابن حبيب: إذا أوصى لقرابته أو رحمه أو أهله أو أهل بيته فقال مالك وأصحابه: إنه لجميع قرابته من جهة أبيه أو أمه من يرثه ومن لا يرثه، وفائدة دخول الوارث على هذه الرواية أنه يحاص بنصيبه ثم يرجع ميراثا. انتهى.
وأوتر المحتاج الأبعد يعني أنه إذا أوصى لأقارب الأجنبي وأقاربه هو أي الموصي أو لذي رحمه أو أهله فإنه يؤثر أي يفضل ويزاد المحتاج من الأقارب على غير المحتاج ولا يخص بالجميع، قال عبد الباقي: وحيث دخل أقارب فلان أو أهله أو رحمه أو أقاربه هو أو أهله أو رحمه أوثر بمثلثة المحتاج الأبعد بأن يزاد على غيره لا بالجميع، وإذا أوثر الأبعد المحتاج فالأقرب المحتاج أولى. انتهى. وقال الشبراخيتي: وحيث دخل أقارب فلان أو أهله أو رحمه أو أقاربه هو أو أهله أو رحمه أوثر أي فضل وزيد، بدليل قوله: ولا يخص المحتاج الأبعد على غيره،
وإذا أوثر الأبعد فالأقرب أولى بالإيثار على غيره ممن ليس كذلك. انتهى. وقال البناني: قال الشيخ المسناوي: انظر هذا مع ما ذكروه في مفهوم قول المصنف، ولم يلزم تعميم كغزاة من أنه إذا أوصى لمن يمكن حصره إلا أنه لم يسمهم أنه يسوي بينهم في القسم. انتهى.
قلت: قد يقال محل ما يأتي إذا استووا في الحاجة وإلا أوثر المحتاج كما هنا. والله أعلم. وقد يفرق بين الموضعين بما في المواق عن ابن يونس من أن من أوصى بحبس داره علي بني فلان أُوثِرَ أهل الحاجة: وأما الوصايا فإنها تقسم بالسوية. انتهى.
إلا لبيان يعني أن محل إيثار المحتاج الأبعد إنما هو حيث لم يبين الموصى شيئا، وأما إن بَيَّنَ شيئًا فإنه يعمل عليه كأعطوا فلانا ثم فلانا فإنه يقدم من قدمه، ولو كان غيره أحوج منه، أو يقول: أعطوا الأقرب فالأقرب فيقدم الأخ وابنه على الجد، لأنهما يدليان بالبنوة أي بكونهما أبناء أبيه والجد يدلي بالأبوة وجهة البنوة أقرب، ولا يخص راجع لما قبل الاستثناء ولما بعده؛ يعني أنه إذا أوثر المحتاج الأبعد فإنه لا يخص بجميع الوصية، وإنما يفضل على غيره ممن ليس محتاجا، وكذلك إذا بين تقديم الأقرب فقال أعطوا الأقرب فالأقرب فإنه يقدم الأخ وابنه على الجد، ولا يخص من ذكر بجميع الوصية. وما شرحت به قوله:"ولا يخص" من رجوعه للمسألتين هو الذي جزم به الأجهوري والخرشي ونحوه لابن عاشر، فإنه قال بعد كلام ما نصه: وهذا يدل على أن قوله: "ولا يخص" راجع للمسألتين قبله. انتهى. وسلمه جسوس.
قال الرهوني: وما لهؤلاء هو الصواب، فقد قال ابن الحاجب ما نصه: ولا يعطى الأخ الجميع بخلاف الوقف. التوضيح: هكذا نص عليه ابن القاسم في العتبية في الجد والأخ أن الأخ لا يعطى الجميع. انتهى. وما نسبه هو في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا، وسلمه ابن رشد لكنه قيد قوله: وإن كان الذي أوصى به على هذه الوصية إنما هو حبس فالأخ أولى وحده، ولا يدخل معه غيره بقوله ما نصه: معناه إذا كانت وصيته لسكنى الأقرب فالأقرب، وأما إن كانت وصية بحبس له غلة لتقسم على الأقرب فالأقرب كل عام، فيدخل الأبعد مع الأقرب بالاجتهاد كما إذا أوصى بوصية مال للأقرب فالأقرب. وبالله تعالى التوفيق. انتهى.
وأعاد المسألة في العتبية في سماع أبي زيد، ونصه: وسئل عن رجل هلك وترك أبويه وعمه وجده وأخاه وأوصى أن يدفع ثلث ماله إلى أقاربه الأقرب فالأقرب؟ قال: أرى أن يبدأ بأخيه أولا يعطى أكثر من الجد، وإن كان الأخ أيسر من الجد ثم يعطى الجد أكثر من العم وإن كان أيسر منه ثم يعطي العم، قيل: ألا ترى أن يدفع إلى أخيه كله، قال: لا إلا أن يكون ترك دارا أو حائطا فيحبسهما على أقاربه الأقرب فالأقرب فإنها تدفع إلى أخيه، فإذا هلك دفعت إلى جده ثم تدفع بعد موت الجد إلى العم، قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى مثلها في الرسم الأول من سماع أصبغ
(1)
بزيادات على هذا فتكلمنا عليها بما يغني عن الكلام في هذه. وبالله التوفيق. ونقل ابن يونس المسألة عن ابن القاسم في العتبية وكتاب محمد وساق ذلك كله كأنه المذهب ولم يحك خلافه، ونقل ابن عرفة ما في سماع أصبغ وكلامَ ابن رشد عليه مختصرا وسلمه. والله الموفق. انتهى.
وقال عبد الباقي: فيقدم الأخ وابنه على الجد دنية، بخلاف أبي الجد فيقدم عليه العم وابنه، وفي كلام الشارح نظر. انتهى.
والزوجة في جيرانه يعني أنه إذا أوصى لجيرانه فإنه تدخل زوجة الجار في الوصية، قال الشبراخيتي: وإذا أوصى لجيرانه فقال عبد الملك في المجموعة: تدخل الزوجة أي زوجة الجار كانت وارثة أم لا، وأما زوجة الموصي فلا، ولو قام بها مانع من الإرث ككونها أمة أو كافرة لأنها لا يقال فيها جارة له في جيرانه، قال البساطي: والجار حقيقة هو الملاصق من أي جهة من الجهات أو المقابل وبينهما شارع خفيف، فلو كان سوقا أو نهرا لم يكن جارا. انتهى. وقيد في التوضيح السوق بالمتسع ونحوه في الشارح والشامل. انتهى. وقال عبد الباقي: ودخلت الزوجة للجار الساكنة معه والمنفردة عنه بجوار الموصى أيضا في وصيته لجيرانه، فيعطى الجار وزوجته وهم الملاصقون له من أي جهة من الجهات والمقابلون له وبينهما شارع خفيف لا سوق أو نهر متسع أو الذين يجمعهم المسجد أو مسجدان لصيقان أو متقاربان، وهذه التفاسير خاصة بالوصية
(1)
ساقطة من النسخة المطبوع عليها وقد وردت في الرهوني ج 8 ص 266.
التي الكلام فيها إلا لعرف بأقل من ذلك، وأما حديث:(ألا إن أربعين دارا جار)
(1)
، ففي التكرمة والاحترام، وتقييد الزوجة بالجار لإخراج زوجة الموصي إذا قام بها مانع الإرث فلا تدخل في الوصية لعدم إطلاق اسم الجوار عليها عرفا كالوارثة لعلة الإرث. وقول التتائي: لا تدخل لأنها وارثة يقتضي أن من قام بها مانعه تدخل وليس كذلك فهي لا تدخل، كانت وارثة أم لا. انتهى. لا عبد مع سيده يعني أنه إذا أوصى للجيران فإنه لا يدخل العبد الساكن مع سيده الجار في الوصية، بخلاف ما لو انفرد عن سيده ببيت مجاور للموصي فإنه يدخل في الجيران وإن لم يكن سيده مجاورا للموصى، قال الشبراخيتي: لا عبد ساكن مع سيده، وأما إن كان منفردا عنه بالسكنى فإنه يعطى وسواء كان سيده جارًا أم لا. انتهى. وقال عبد الباقي: لا يدخل عبد ساكن مع سيده في الوصية للجار، فإن انفرد عنه ببيت مجاور للموصي دخل وإن لم يكن سيده جارا. انتهى. والفرق بين الزوجة لأجنبي والعبد أن الزوج لا يملك ذاتها وإنما يملك عصمتها، فلذا دخلت وإن لم تنفرد، والعبد يملك ذاته فبسكناه معه لا ينسب عرفا لجوار الموصي بخلاف انفراده.
وفي ولد صغير وبكر قولان يعني أنه إذا أوصى للجيران، فإنه اختلف هل يدخل الولد الصغير للجار وابنته البكر في تلك الوصية أو لا يدخلان على قولين؟ القول بالدخول لسحنون وهو الراجح، والقول بعدم الدخول لابن الماجشون. قال عبد الباقي: وفي دخول ولد صغير وبكر لجار في وصيته له وإن كان نفقة كل على أبيه وعدم دخولهما، وظاهره وإن كانت نفقة كل على نفسه قولان، واحترز بالولد الصغير والبكر عن البالغ الذي لا تجب نفقته على أبيه وعن البالغة الثيب بنكاح فكل منهما جار للموصي لجيرانه، والمعتبر في الجار يوم العطاء فإن انتقل بعضهم أو كلهم أو حدث غيرهم أو بلغ صغير فذلك لمن حضر، ولو كانوا يوم الوصية قليلا ثم كثروا يوم القسم
أعطوا. انتهى.
(1)
الترغيب، رقم الحديث 3903.
وقال الرهوني: القول بعدم الدخول لابن الماجشون والقول بالدخول لسحنون، قال شيخنا الجنوي: وهو الراجح، قلت: قد صرح بترجيحه ابن مرزوق قائلا في آخر كلامه: فكان من حق المؤلف أن يعتبر هذا القدر من الترجيح فيقتصر على مذهب سحنون، فيقول: وزوجة وصغير وبكر في جيرانه. انتهى منه بلفظه. انتهى. وقال الشبراخيتي: وفي إعطاء ولد صغير للجار ذكر أو أنثى وبكر وإن كبيرة كما في كتاب ابن سحنون عن أبيه وعدم إعطائهما وهو قول عبد الملك قولان، وظاهره ولو كان كل من الصغير والبكر نفقته على نفسه، وأما الكبير فإن كان بائنا عنه نفقته على نفسه فإنه من الجيران وإلا ففيه الخلاف كما يفيده كلام الشارح، والمعتبر في كونه جارا يوم الإعطاء فلو انتقل الجار بعد الإعطاء وسكن موضعه آخر أعطي الثاني، ولو كانت الدار كبيرة ذات مساكن كثيرة، فإذا أوصى بعضهم لجيرانه اقتصر على أهل الدار وإن كان ربها ساكنا بها، فإن شغل أكثرها كانت وصية لجيرانه لمن خرج عنها، وإن شغل أقلها فالوصية لمن في الدار خاصة، وينبغي أن يكون مثل الأقل ما إذا شغل النصف. انتهى. وقال المواق: عبد الملك: إن أوصى لجيرانة أعطي الجار الذي اسم المنزل له ولا يعطي أتباعه ولا الصبيان ولا ابنته البكر ولا خدمه. انتهى.
والحمل في الجارية إن لم يستثنه يعني أنه إذا أوصى لزيد مثلا بجارية وهي حامل فولدت بعد موت الموصي: فإنه يدخل الحمل في الوصية مع أمه فتكون الجارية وولدها للموصى له، هذا إن لم يستثن الموصي الحمل فإن اشثناه فهو للورثة لا للموصى له، ولا بد من جمعهما، وقولي: الموصى بها لزيد احترازا عما لو أوصى بعتقها فإنه لا يتأتى فيه قول المصنف إن لم يستثنه بل يكون بمنزلتها موصى بعتقه، قال عبد الباقي: وإن أوصى لشخص بجارية حامل من زوج دخل الحمل في الجارية الموصى بها لزيد مثلا لأنه جزء منها حيث وضعته بعد موت السيد إن لم يستثنه، فإن استثناه فهو له، وإنما صح استثناؤه هنا ولم يصح استثناؤه مع عتقها لأن الشرع كمل عليه العتق إذا أعتق جزءا منها والوصية كالهبة، وأما لو وضعته في حياته فإن الوصية لا تتضمنه عند أهل المذهب، ولعل الفرق بين الهبة والصدقة وبين البيع أنه جرى خلاف في المستثنى من المبيع هل هو مشترى أو مبقي ولم يجر مثل ذلك من الموصى به ونحوه. انتهى. وقال
التتائي: ودخل الحمل في الجارية إن وضعته بعد موت سيده لأنه كجزء منها إلا أن يستثنيه بأن يوصي بها دونه فلسيدها، ولا يدخل كما لو وضعته في حياته. انتهى. وقال البناني على قول عبد الباقي: الموصى بها لزيد مثلا ما نصه احترز به عن الموصى بعتقها لأنه لا يتأتى فيها قول المصنف: "إن لم يستثنه". انتهى.
والأسفلون في الموالي يعني أنه إذا قال هذا وصية لموالي أو لموالي زيد مثلا فإنه يدخل في تلك الوصية الموالي الأسفلون، فيشتركون مع الأعلين وهذا قول أشهب، والذي لابن القاسم في المدونة أنه للأسفلين فقط، وسواء قال لمواليه هو أو لموالي زيد كما في المدونة. قاله البناني. قال: ونص المدونة: من أوصى بثلثه لموالي بني فلان وله موالي نعمة أنعموا عليه وموالي أنعم هو عليهم كان لمواليه الأسفلين دون الأعلين. انتهى. أي لغلبة إطلاق لفظ الموالي على الأسفلين، وإذا قال: هذا وقف على موالي، ففي قصره على موالي الموصي وأولادهم وعمومها فيهم وموالي أبيه وولده وإخوته وأعمامه روايتا العتبية والمجموعة يدخل هؤلاء وموالي الموالي وأولادهم ولا يدخل موالي بني الإخوة والعمومة والأول أحسن. انظر حاشية الشيخ بناني.
والحمل في الولد يعني أنه إذا أوصي لزيد مثلا بأولاد أمته أو بما تلده أمته أو بما ولدت وهي حامل فإنه يدخل في ذلك الحمل، قال الشبراخيتي: وإذا أوصى بأولاد أمته لزيد أو بما تلد أو بما ولدت دخل في الوصية بالولد، وظاهر كلامه ولو وضعته قبل موت الموصي وهو الذي جزم به المواق عن ابن رشد. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن أوصى لرجل بأولاد أمته أو بما تلد أو بما ولدت دخل في ذلك الحمل منها ولو بعد الوصية في الولد، ولو وضعته في حياة الموصي عند ابن رشد كما في المواق وما تقدم أوصى بذات الجارية، فإن أوصى بعتقها لم يدخل ما ولدته في حياته كما قال أبو محمد صالح كما في صغير الشادلي، وهذا مستثنى من قول الرسالة: كل ذات رحم فولدها أي جنينها بمنزلتها من مكاتبة أو مدبرة أو معتقة لأجل أو مرهونة أي أو أم ولد كما فيها أو مبعضة كما في الحطاب. انتهى. أي وأما لو ولدته بعد موت الموصي فإنه يكون بمنزلتها كما مر أنه موصى بعتقه عند قول المصنف: "والحمل في الجارية إن لم يستثنه" وقوله: أو بما ولدت، قال البناني: هذا ظاهر إذا أتى مع لفظ الماضي بقرينة تدل على قصد الاستقبال، مثل أن
يقول بما ولدت جاريتي أبدا كما في المواق والتوضيح، وإلا لم يدخل في لفظ الماضي إلا ما ولدته قبل الوصية. والله أعلم. وقوله: ولو وضعته في حياة الموصى عند ابن رشد لخ انظر هذه المبالغة، فالظاهر أنها مقلوبة والذي يفيده كلام ابن رشد أن الحمل الموجود يوم الوصية يكون للموصى له مطلقا وضعته في حياة الموصي أو بعد موته، وما ولدته بعده من الأولاد لا يكون له نهم إلا ما ولدته في حياة الموصى، ونص ابن رشد إن لم يمت حتى ولدت أولادا فله كل ما ولدت في حياته، كانت حاملا يوم أوصى أو لم تكن، فإن مات وهي حامل فحملها الثلث وقفت حتى تضع فيأخذ الموصى له بالجنين الولد ثم يتقاومون الأم والجنين لا يفرق بينهما ولم يجز أن يعطي الورثة الموصى له شيئا على أن يترك وصيته في الجنين. قاله في المدونة وغيرها. وإن لم يحملها الثلث فللورثة أن يوقفوها حتى تضع وإن كرهوا لم يجب ذلك عليهم، وسقطت الوصية لأنها وصية فيها ضعف. قاله ابن حبيب. واختلف إذا أعتق الورثة الأمة والثلث يحملها، قيل يعتق ما في بطنها بعتقها وتبطل الوصية به وهو الذي في المدونة، وقيل لا عتق عليهم حتى تضع وهو قول أصبغ في الواضحة وإن لم يحملها الثلث فعتقهم فيها جائز. انتهى. نقله ابن عرفة.
والمسلم يوم الوصية في عبيده المسلمين يعني أنه إذا أوصى لعبيده المسلمين بالعتق وله عبيد مسلمون وكفار، فإنه يدخل في تلك الوصية المسلمون منهم يوم الوصية أي حين الوصية أي لا تتناول الوصية إلا من كان مسلما منهم وقت الوصية، فهو الذي يعتق لا من أسلم بعد ذلك فلا يعتق، ففي الدخول تجوز لأن المراد اختصاص المسلم بالوصية حين الوصية، قال المواق من المدونة: إن قال إذا مت فكل مملوك لي مسلم حر وله عبيد مسلمون ونصارى ثم أسلم بعضهم قبل موته لم يعتق منهم إلا من كان يوم الوصية مسلما لأنه لا أراه أراد غيرهم. قال المصنف في التوضيح: استشكلت المسألة لمخالفتها لا علم من أصلهم أن الوصية إنما يعتبر فيها يوم التنفيذ فيما ينطبق عليه الاسم من الخروج من الثلث، ولهذا قال التونسي: لعله فهم منه إرادة عتق عبيد بأعيانهم. قال: وإن لم يكن له قصد في ذلك فالأشبه دخول من أسلم في الوصية على الأصل. واختلف فيمن اشتري من المسلمين بعد الوصية، فقال ابن القاسم: يدخلون، وقال أصبغ: لا يدخلون. انتهى ومثله لابن عرفة. قاله البناني وغيره.
وقال الشبراخيتي قال المصنف: وهو يعني قوله "والمسلم يوم الوصية" الخ مشكل لمخالفته لما علم من أصلهم أن المعتبر في الوصية يوم التنفيذ فيما ينطلق عليه الاسم من الخروج من الثلث، وأجيب بما قاله التونسي لعله فهم عنه عتق هؤلاء بأعيانهم، قال في الحاشية: ويتعين حمله على ما قال التونسي وظاهر كلام المصنف أنه لا يدخل من أسلم بعد الوصية أو اشتراه مسلما بعدها ولو لم يكن له حين الوصية عبد مسلم، وهو خلاف ما لابن المواز من أنه يدخل كما نقله الشارح عنه. انتهى. وقال عبد الباقي: والمسلم يوم أي حين الوصية في وصيته إلى عبيده المسلمين وله عبيد مسلمون وكفار. قاله الشارح والتتائي. فمن أسلم بعد الوصية في يومها لا يدخل وأولى من أسلم يوم التنفيذ وإن لم يكن له حينها عبيد أصلا فاشترى مسلمين أو كان له حينها كفار فقط، فأسلموا دخلوا كما في الشارح عن ابن المواز؛ لأن فيه إعمال الوصية ما أمكن وإن كان خلاف ظاهر المصنف: وقرر بعض المصنف بأنه إذا أوصى لزيد مثلا بعبيده المسلمين فإنما يدخل في الوصية من كان من عبيده مسلما يومها لا من أسلم. قوله: والمسلم أي واختص أو تعين المسلم لا دخل - انتهى - وقررته أنا أو لا يدخل. تبعا لغيري وهو ظاهر المصنف، لكن لابد من تأويل دخل. والله تعالى أعلم. لا الموالي في تميم أو بنيهم يعني أنه إذا قال: أوصيت بكذا لتميم أو لبني تميم فإنه لا يدخل في ذلك موالي بني تميم أي المعتقون، قال عبد الباقي: لا يدخل الموالي عتاقة وأولى حلفا في وصيته إلى تميم أو بنيهم، وأما أرقاؤهم كتزوج تميمي أمة آخر منهم فتأتي بولد فالظاهر دخولهم. قاله الوالد. والظاهر أنه إن أوصى لرجال بني تميم أو نسائهم دخل الصغير من النوعين كما في الوقف، وإن أوصى لمساكين من بني تميم دخل مواليهم. انتهى. قوله: "وإن أوصى لمساكين الخ هذا مستأنف، ولا يندرج تحت الاستظهار الذي قبله لأنه منصوص ابن عرفة وإن أوصى لمساكينهم دخل فيهم مواليهم. قاله ابن القاسم وابن وهب. انتهى. انظر البناني. وقال الشبراخيتي: لا يدخل الموالي في تميم أو بنيهم. عند مالك وابن القاسم: وقال أشهب: يدخلون لخبر: مولى القوم منهم
(1)
، وظاهر كلام المصنف أنه في موالي العتق وأولى موالي الحلف؛ لأن
(1)
النسائي، كتاب الزكاة، رقم الحديث 2612.
ولاءهم ليس بلحمة كلحمة النسب. وانظر إذا أوصى لرجال بني تميم أو نسائهم هل يدخل الصغير في النوعين كما في الوقف وهو الظاهر أم لا؟ انتهى. وقال المواق من المدونة: من أوصى بثلثه لبني تميم أو قيس جازت وصيته وقسمت على الاجتهاد؛ لأنا نعلم أنه لم يرد أن يعم قيسا كلهم ولا شيء فيها للموالي. أشهب: أما إن قال لتميم فيعطى مواليهم، وأما إن قال لبني فلان فلابن الماجشون ذلك سواء.
ولا الكافر في ابن السبيل يعني أنه إذا أوصى لابن السبيل فإنه لا يدخل في ذلك ابن السبيل الكافر، وقال التتائي: ولا يدخل الكافر في ابن السبيل وإن كان ابنَ سبيلٍ لأن المسلم لا يقصده. انتهى. وقال عبد الباقي: ولا يدخل الكافر في وصيته إلى ابن السبيل الغريب المحتاج لما يوصله لبلده وإن كان الكافر غريبا؛ لأن المسلمين إنما يقصدون بوصاياهم المسلمين ويؤخذ من التعليل أن الموصي لو كان كافرا اختصت بهم؛ لأن الكافر في الغالب لا يقصد إلا الكفار. انتهى. ونحوه لغيره.
ولم يلزم تعميم كغزاة يعني أنه إذا أوصى لمجهول غير محصور كالغزاة والفقراء والمساكين أو قبيلة كثيرة كبني تميم أو بني زهرة ممن لا يمكن الإحاطة بهم، فإنه لا يلزم تعميمهم ولا التسوية بينهم بلا خلاف، وإنما يقسم بينهم بالاجتهاد كما قال: واجتهد أي إنما يقسم بينهم باجتهاد الوصي وإنما تكون الوصية لمن حضر القسم، فمن ولد قبله أو قدم قبله استحق إن حضر القسم، وتحرير هذه المسألة أن تقول: اعلم أنه إذا كان الموصى له معينا كفلان وفلان أو أولاد فلان ويسميهم فلا خلاف أنه يقسم بين الجميع بالسوية ومن مات فلوارثه حصته، ومن ولد بعد الإيصاء لم يدخل، وإن كان الموصى لهم مجهولين غير محصورين كالفقراء والمساكين والغزاة وبني تميم وبني زهرة ونحوهم ممن لا يمكن الإحاطة بهم فلا خلاف أنه لا يلزم تعميمهم ولا التسوية بينهم، بل يقسم بينهم باجتهاد الوصي ويكون لمن حضر القسم ولا شيء لمن مات قبله. ومن ولد أو قدم قبله استحق وإن كان الموصى لهم يمكن حصرهم ولكن الميت لم يعينهم، كقوله: لأولاد فلان أو لإخوتي وأولادهم ونحو ذلك، فاختلف فيه على قولين، فقيل: كالمجهولين من مات منهم قبل القسم لم يستحق ومن ولد استحق ويقسم بينهم بالاجتهاد، وقيل إنهم كالمعينين يقسم
بينهم بالسوية ومن مات قبل القسم فنصيبه لوارثه، ومن ولد بعد موت الموصي لم يدخل. قاله الحطاب.
وقال عبد الباقي: ومفهوم قوله: "كغزاة" قسمان أحدهها الإيصاء لمعين كفلان وفلان أو أولاد فلان ويسميهم فيقسم بينهم بالسوية، ومن مات منهم قبل القسم فنصيبه لوارثه ومن ولد بعد موت الموصي لا يدخل معهم، ثانيهما أن يوصى لمن يمكن حصره ولكن لم يسمهم كقوله: أوصيت لأولاد فلان أو لأخوتي أو أولادهم فلمالك يقسم بينهم بالسوية ولا شيء لمن مات قبله وهو قول ابن القاسم في المدونة، فاستفيد مما ذكرنا أن من ولد بعد موت الموصي لا يدخل في قسم من الأقسام الثلاثة، وأن من حضر القسم يدخل في جميعها وإن من مات قبله استحق وارثه نصيبه فيما إذا عين ولا يستحق في القسمين الباقيين، وأنه يقسم بالسوية فيما إذا كان على معين أو من يمكن حصره، والظاهر أن فقراء الرباط والمدارس والجامع الأزهر من القسم الثالث. انتهى. قوله: من ولد بعد موت الموصى لا يدخل في قسم من الأقسام الثلاثة غير صحيح، بل يدخل في القسم الأول والثالث على ما قرره فيه. قاله البناني. وقوله: وأن من حضر القسم يدخل في جميعها يريد ممن تناوله لفظ الموصي، وعلى هذا فهو صحيح. قاله الرهوني.
كزيد معهم يعني أنه إذا قال أوصيت لزيد والفقراء فإنه يعطي لزيد بالاجتهاد أي باجتهاد المتولي من وصي أو قاض أو وارث في التقويم والتأخير: وفي قدر ما يعطى كما يعطى لأحد الفقراء لأن القرينة هنا دلت على أن الموصي أعطى المعلوم حكم المجهول وألحق به وأجري على حكمه حيث ضمه إليه، فلا يقال إنه إذا اجتمع معلوم ومجهول جعل لكل منهما النصف. قاله عبد الباقي. وقال المواق من المدونة: من قال ثلث مالي لفلان وللمساكين أو قال في السبيل والفقراء واليتامى قسم بينهم بالاجتهاد لا أثلاثا ولا أنصافا. انتهى. وقال البناني: ونص الحطاب في القسم الثالث: وإن كان الموصى لهم يمكن حصرهم ولكن الميت لم يعينهم كقوله لأولاد فلان أو لإخوتي أو لأخوالي وأولادهم ونحو ذلك، فاختلف فيه على قولين، فقيل إنهم كالمعينين يقسم بينهم بالسوية ومن مات قبل القسم فنصيبة لوارثه ومن ولد بعد موت الموصي لم يدخل، وقيل كالمجهولين ومن مات قبل القسم لم يستحق ومن ولد استحق ويقسم بينهم بالاجتهاد، وذكر ابن
القاسم في المدونة أنه لمن حضر القسم ولا شيء لمن مات قبله ومن ولد قبله دخل، ثم ذكر أنه يقسم بينهم بالسوية، ففهم سحنون أن لابن القاسم قولين وجعله خلافا، وقال ابن يونس: ليس بخلاف بل مذهبه أنه لمن حضر القسم وأنه يقسم بينهم بالسوية، قال: وهو قول مالك وهذا هو الظاهر. انظر ابن يونس، وأبا الحسن. انتهى. وعلى ما استظهره ابن يونس جرى الزرقاني في تقريره أولا. والله أعلم. انتهى.
ولا شيء لوارثه قبل القسم يعني أنه إذا مات أحد من كغزاة قبل القسم أو مات زيد الذي معهم قبل القسم فإنه لا شيء لوارث من ذكر، قال الشبراخيتي: ولا شيء لوارثه أي وارث من ذكر من كغزاة وزيد إن مات قبل القسم لأنه لم يمت عن حق وصار الموصى به كله للفقراء، وأما من ولد أو قدم قبله وحضره فإنه يستحق. انتهى. وقوله:"قبل القسم" أي قسم المال الموصى به، وقال المواق: ولا شيء لوارثه قبل القسم. ابن الحاجب: إن أوصى بثلثه لزيد والفقراء أعطى زيد بالاجتهاد، فإن مات قبل القسم فلا شيء لورثته ويكون جميع الثلث للمساكين، ومن المدونة أيضا: من قال ثلث مالي لفلان وفلان وأحدهما غني والآخر فقير، فالثلث بينهما نصفين وإن مات أحدهما بعد موت الموصِي ورث نصيبه ورثته. انتهى.
وضرب لمجهول فأكثر بالثلث يعني أنه إذا كان في الوصية مجهول واحد أو أكثر كإيصائه بوقيد مصباح لمسجد على الدوام بكذا أو مع تسبيل ماء على الدوام كل يوم بكذا وفيها معلوم أيضا كإيصائه لزيد بخمسة وسبعين ولعمرو بمثلها، فإنه يضرب أي يسهم للمجهول فأكثر بالثلث أي يجعل الثلث كله سهم المجهول واحدا أو أكثر ثم يضم إليه المعلوم، فإذا كان الثلث ثلاثمائة جعل كله للمجهول ثم يضاف إليه المعلوم، فإذا كان المعلوم ثلاثمائة فيكون ذلك كفريضة عالت بمثلها فيعطى المعلوم نصف ثلاثمائة ويعطى نصفها للمجهول فأكثر، ولو كان المعلوم مائة لزيدت على الثلاث مائة فكأنها عالت بمثل ثلثها وهو ربع المجموع فيعطى المعلوم ربع الثلاث مائة واحدا أو أكثر ويبقى الثلاثة الأرباع للمجهول، قال الشبراخيتي: وضرب لمجهول فأكثر بالثلث أي جعل جميعه للمجهول أو أكثر ويضاف إليه المعلوم ويجعل كفريضة عالت، فإذا كان ثلثه ثلاثمائة وأوصى بمجهولات ومعلومات فيجعل الثلث كله للمجهولات، ثم يضاف إليها المعلومات
فإذا كانت المعلومات ثلاثمائة فكأنها عالت بمثلها فتعطى نصف الثلاث مائة فتفض عليها ويعطى نصفها للمجهولات، ولو كانت المعلومات مائتين لزيد وعمرو زيدتا على الثلاثمائة وكأنه أوصى بخمس مائة فيكون للمجاهيل ثلاثة أخماس وهي مائة وثمانون ولزيد خمس وهو ستون وكذا لعمرو، ولو كانت المعلومات مائة لزيدت على الثلاث مائة وكأنها عالت بمثل ثلثها. انتهى. فيعطى المعلوم ربع الثلاث مئين وهو خمس وسبعون وللمجهول واحدا أو أكثر الأرباع الباقية.
وهل يقسم على الحصة؟ قولان يعني أنه اختلف فيما ناب المجهول حيث تعدد، فقيل يقسم بينهما على الحصة أتي على قدر ما لكل، فإذا أوصى بتسبيل ماء على الدوام كل يوم بدرهمين مثلا وتفرقة خبز على الدوام كل يوم بدرهم، فعلى هذا القول يقسم ما ناب المجهول من الثلث على الثلث والثلثين فللماء ثلثاه وللخبز ثلثه، وإذا أوصى لو قيد مسجد وتسبيل ماء من غير تعيين قدر لكل منهما فينظر لقيمة ما يوقد به ولقيمة الماء، فإذا كان قيمة ما يوقد به درهما وقيمة الماء نصف درهم جعل للوقيد مما ناب المجهول الثلثان وللماء الثلث، وقيل يقسم ما ناب المجهولين أو المجاهيل على عدد الجهات فيقسم نصفين في المجهولين أو أثلاثا أو نحوها في أكثر من اثنين. قال عبد الباقي: واستشكل القول الثاني بأن الموصى قد جعل له أقل مما للآخر فكان ينبغي عدم التسوية بينهما، وأجيب بأنه لا كان له الثلث مع الانفراد كان للجميع الثلث مع التسوية. انظر أحمد. وقوله:"قولان" القول بالتسوية لابن الماجشون في المجموعة، والقول بأنه يقسم على الحصة في الموازية وذهب إليه التونسي وإليه مال اللخمي، قال البناني: ابن الحاجب: فإن اجتمع منها أجناس ضرب لها كالواحد وقسم على عددها. التوضيح: قوله وقسم على عددها نحوه لابن الماجشون في المجموعة، وفي الموازية قول آخر يفاضل بين هذه المجهولات على قدرها، وذهب إليه التونسي. انتهى. زاد ابن مرزوق: وإليه مال اللخمي وبه يسقط قول المواق إن القول الثاني في كلام المصنف معزو وموجه، بخلاف القول الآخر. قاله علي الأجهوري. انتهى. وقال الشبراخيتي: وكان المناسب لاصطلاحه - يعني المصنف - أن يعبر بخلاف لأن كلا من القولين رجح. انتهى.
والموصى بشرائه للعتق يزاد لثلث قيمته يعني أنه إذا أوصى بشراء عبد معين كاشتروا عبد فلان وأعتقوه فإنه يشتري بقيمته، فإن أبى سيده من بيعه بقيمته فإنه يزاد على ذلك تدريجا إلى ثلث القيمة أي يعطى له قيمته مع زيادة ثلثها، فإذا كانت قيمته ستين فإنه تدفع له ثمانون. قال عبد الباقي: والعبد العين الملك لأجنبي الموصى بشرائه للعتق أي قال: اشتروا عبد فلان وأعتقوه وأبى ربه من بيعه لوصي الميت لا بخلا يزاد لسيده تدريجا لثلث قيمته أي يزاد على قيمته ثلثها؛ لأن الناس لما كانوا يتغابنون في المبيع ولم يحد الميت شيئا يوقف عنده وجب أن يقتصر على ثلث ذلك لأن الثلث حد بين القليل والكثير، فإذا كانت قيمته ثلاثين فإنه يزاد عليها عشرة، فقط فإن باعه فواضح.
ثم إن لم يرض بزيادة الثلث استؤني بالثمن وبالزيادة لتشوف الشارع للحرية، وهل سنة أو بالاجتهاد؟ قولان. قاله ابن مرزوق. وقال أحمد: استؤني للإياس كما في الوصايا الثاني من المدونة أو للفوات بعتق أو موت كما في رواية ابن وهب، وقد حمل ذلك ابن يونس على الوفاق. أبو الحسن: وهو أولى أي أن الإياس يحصل بالفوات بعتق أو موت: ثم إن لم يبعه بعد الاستيناء بطلت الوصية، وورث المال الذي أوصى أن يشترَى به ثم محل الزيادة إلى ثلث قيمته ما لم يكن العبد لابن الموصي، فإن كان لابنه أي أو لوارثه غير ابن فإنه لا يزاد أي على قيمته بشيء. قاله في المدونة. أي وتبطل الوصية كما تبطل إن أبى الأجنبي بخلا فيما يظهر قياسا على ما يأتي قريبا للمصنف. انتهى كلام عبد الباقي.
قوله: وقد حمل ذلك ابن يونس على الوفاق. أبو الحسن: وهو أولى الخ، قال الرهوني: ما نسبه لهما هو كذلك فيهما، ونص ابن يونس: وروى ابن وهب وغيره عن مالك أن الثمن يوقف ما رجيَ العبد إلا أن يفوت بعتق أو موت، قال سحنون: وعليه أكثر الرواة. محمد بن يونس: وهذا وفاق لقول ابن القاسم، وكذا روى عنه ابن المواز مثل رواية ابن وهب أنه يستأنى إلى موته أو عتقه بثمنه وثلث ثمنه أو ما حمل منه الثلث وإن قل، وقاله محمد وقاله أشهب عن مالك وخالفه وقال لا يستأنى به إذا أبى ربه البيع. انتهى.
ولما ذكر أبو الحسن قوله: وهذا وفاق قال عقبه ما نصه: وخالفه، وحمله اللخمي على الخلاف. الشيخ: وحمله على الوفاق أولى لما قال في الوصايا الثاني: فيحمل عليه ما قال هنا، وأيضا فإن فائدة الاستيناء رجاح بيع العبد فيوقف الثمن ما رجي بيعه. انتهى. قلت: وعلى الخلاف حمله ابن رشد في رسم أول عبد أبتاعه فهو حر في شرحه، قوله في السماع قلت: وترى انتظاره السنة يجزئ؟ قال: ذلك ونحوه وأكثر أحب إلي ونصه: محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها لا اختلاف فيها إلا في وجه واحد منها، وهو إذا أبى سيده أن يبيعه بما سمى الموصي بثمنه أو بزيادة مثل ثلث ثمنه على قيمته، فقال في هذه الرواية إنه يستأتى به ونحو ذلك، فإن أيس منه رجع الثمن ميراثا ولم يلزم الورثة أن يجعلوه في عتاقة إلا أن يشاءوا وهو ظاهر ما في كتاب الوصايا الأول من المدونة أن الثمن يرجع ميراثا بعد الاستيناء، وروى ابن وهب وغيره عن مالك فيه أن المال يوقف ما كان يرجى أن يشترى العبد إلا أن يفوت بموت أو عتق، قال سحمون: وعليه أكثر الرواة ومثله في الثاني من الوصايا لابن القاسم، لأنه قال فيه: الاستيناء والإياس من العبد. انتهى. ومع هذا فالظاهر ما لابن يونس وأبي الحسن، وقد خالف ابن رشد رحمه الله هنا ما قاله ونقلناه عنه فيما مر من أن التوفيق بين كلام الأئمة مطلوب ما أمكن إليه سبيل، وقد اعترف هو هنا بأن ما في الكتاب الأول ظاهر فقط، فكيف لا يرد؟ هذا الظاهر إلى الصريح ثم لا يخفى أن الذي يجب التعويل عليه هو الموقف إلى اليأس بالموت أو العتق، أما على ما لابن يونس ومن وافقه فلا إشكال، وأما على ما لابن رشد فلأنه جعل مقابله ظاهرا فقط مع تأييده الصرح به فيها بأنه رواية ابن وهب وغيره عن مالك، ونقله عن سحنون وعليه أكثر الرواة مع تسليمه ذلك. والله أعلم.
وقوله: "ثم ورث" ظاهره الإرث مطلقا، وقد أطلق أيضا في العتبية والمدونة وغير واحد ولم يتعرض ابن رشد لذلك، وكذا المصنف في توضيحه ولا الزرقاني ولا غيره ممن تكلم على هذا المختصر ووقفنا عليه، وقال أبو الحسن في كتاب الوصايا الأول ما نصه: لم يبين هل هو عتق واجب أو تطوع؟ فقال ابن أبي زمنين: معناه تطوع ولو كان واجبا لم يرد ميراثا ويشترى غيره. قاله ابن القاسم في الوصايا الثاني في باب الوصية بالحج. أنتهى. ونحوه للمتيطي. وما أشار إليه ابن أبي
زمنين هو قولها بعد أن ذكرت أنه إن أوصى أن يحج عنه معين فأبى أنه يرجع ميراثا إن كان تطوعا وإن كان واجبا حج به غيره ما نصه: كمن أوصى بشراء عبد بعينه للعتق في غير عتق عليه واجب فأبى أهله أن يبيعوه فالوصية ترجع ميراثا بعد الاستيناء والإياس من العبد. انتهى منها بلفظها. ونحوه في ابن يونس عنها.
فرع: قال ابن يونس ما نصه: قال بعض الفقهاء: وانظر هل يدخل في ذلك الوصايا أو يدفع إلى الورثة كالذي رد الوصية وهو أشبه. انتهى منه بلفظه. ونقله أبو الحسن وسلمه.
مسألة: قال أبو الحسن بعد ما قدمناه عنه ما نصه: قوله: وإلا رد ثمنه ميراثا، بهذا يحتج من أفتى من الشيوخ المتأخرين فيمن أوصى بفك أسير معين فوجد قد مات أن الوصية ترجع ميراثا وهي مسألة ذات قولين. انتهى كلام الرهوني.
تنبيه: قال البناني: قال في التوضيح: اختلف هل لا يعلم ربه يعني رب العبد الموصَى بشرائه للعتق بالوصية وهو قول ابن القاسم؟ أو يعلم بها وهو قول أشهب، وكذلك اختلف في الإعلام إذا قال بيعوا عبدي فلانا من فلان، بخلاف ما إذا لم يمين العبد ولا بائعه ولا مشتريه فإنه لا يعلم بالوصية. انتهى. قوله: وكذا اختلف في الإعلام إذا قال إلخ القول بالإعلام هو الذي جزم به ابن رشد وساقه غير معزو كأنه المذهب. انظر الرهوني.
وقال البناني: ذكر المصنف للوصية بالشراء صورتين إما للعتق أو لفلان وبالبيع ثلاث صور، إما ممن أحب أو للعتق أو لفلان وكان من حقه أن يجمع كل شكل إلى شكله. انتهى. وقال الشبراخيتي: وإذا أوصى بشراء عبد فلان للعتق طلب العبد الموصَى بشرائه للعتق، فإن باعه مالكه بمقدار ثمنه فواضح وإن أبي فإنه يزاد على ذلك لثلث قيمته أي قيمة العبد على المشهور، لا لثلث الميت خلافا لأصبغ، فإن قيل لم لم يقل يزاد ثلث قيمته ويسقط اللام؟ فالجواب أنه لو فعل ذلك لدل على أن الثلث يزاد دفعة وليس كذلك، بل الزيادة على التدريج وهي منتهية للثلث.
وببيع ممن أحب الظاهر أن الواو داخلة على محذوف معطوف على الضمير في ورث وببيع مصدر مجرور متعلق بالموصى المحذوف، والعامل في المعطوف يتعلق به الظرف أعني قوله: بعد النقص
والإباية ونحو هذا للخرشي ولِعبدِ الباقي، وتقرير الكلام على هذا أن تقول وورث العبد الموصى ببيعه ممن أحب بعد النقص للثلث من ثمنه للمشتري الذي أحب أن يباع له وإباية من اشترائه، وصورة المسألة أن زيدا مثلا أوصى أن يباع عبده ميسرة ممن أحب العبد لا من شخص بعينه، فإذا أحب أن يباع لفلان وأعطى فلان مثل ثمنه فواضح، فأن أبي فإنه يحط عنه ثلث الثمن، فإن اشتراه فواضح فإن أبى بطلت الوصية وورث، وقضية كلام الشبراخيتي أن قوله:"بعد" متعلق بمحذوف تقديره: ورث، جواب شرط يتعلق به المجرور أعني قوله:"ببيع" فإنه قال: وإن أوصى ببيع أي بيع العبد نفسه ممن أحب العبد لا من شخص بعينه، فإنه إذا أحب أن يباع لفلان وأعطى فلان مثل ثمنه فواضح، وإن أبى من شرائه رجع ميراثا بعد النقص للثلث من ثمنه للمشتري الذي أحب أن يباع له، "والإباية" بالواو معطوف على "النقص". انتهى. وقال عبد الباقي: وكذا تبطل الوصية ببيع لعبده العين ممن أحب العبد وأحَبَّ شخصا ولم يرض بشرائه، ورجع العبد ميراثا بعد النقص لثلث قيمته والإباية من شرائه مع نقص ثلث قيمته ممن أحب العبد ولا استيناء هنا خلافا لأحمد لأنه لا تتشوف حريته كالسابقة، فالظرف متعلق بمقدر وهو رجع ميراثا. انتهى.
وقال البناني عند قوله: "وببيع ممن أحب بعد النقص والإباية" ما نصه: قال في التوضيح: هذا إذا لم يوجد من يشتريه بالكلية، وأما لو أحب العبد شخصا وأبى الورثة فله أن ينتقل إلى ثان وإلى ثالث ما لم يطل ذلك حتى يضر بالورثة. قاله أشهب. انتهى. وقال الرهوني عند قوله:"وببيع ممن أحب" ما نصه: لم يتعرض الزرقاني ولا البناني لإعلام من أحبه العبد، وفي التوضيح عن ابن أبي زمنين أنه لا قيام له بعد الشراء إذا لم يُعلموه وقال متصلا به: ورواه أشهب عن مالك، قلت: رواية أشهب هي في رسم الوصايا الثاني من سماع القرينين من كتاب الوصايا الأول، ونصه: وسمعته يسأل عمن أوصى فقال بيعوا غلامي ممن أحب فقال أحب أن تبيعوني من فلان فباعوه منه بستين دينارا وهي قيمة العبد ولم يعلموه ما أوصى به الميت، ثم علم فقال لم تعلموني بما أوصى به الميت ولو أعلمتموني ما اشتريت بهذا الثمن، أترى له أن يرده؟ فأطرق فيها طويلا، ثم قال: ما أرى له شيئا إنما قيل للعبد ممن تحب أن نبيعك، فقال: بيعوني من
فلان ولا أحب فلانا ولا فلانا فلا أرى له شيئا، قال محمد بن رشد: لأصبغ في الواضحة مثل قول مالك، وقال: إنما هذا وصية للعبد، وأما لو فال بيعوه من فلان فباعوه منه ولم يخبروه وكتموه ذلك فله الرجوع بثلث ثمنه لأنها ها هنا وصية للذي اشتراه، بخلاف قوله:"ممن أحب". وقال ابن نافع في المجموعة: ولو أوصى ببيع عبده ممن أحب فأحب العيد من هو وارث الميت فليوضع عنه ثلث الثمن. وبالله التوفيق.
ابن يونس: ولو أحب العبد أن يشتريه رجلان، قال أبو محمد: هذا أو هذا فليتزايدا عليه، فمن وقع له وضع عنه ثلث ذلك الثمن، قال أبو محمد: أراه يريد أن يتزايدا على أن يحط الثلث وإلا فلم يحط وقد تطوعا بالزيادة؟ انتهى.
تنبيه: في اختصار المتيطية لابن هارون والمعين ما نصه: وإن أحب العبد أن يباع من ابن الميت لم يوضع له شيء. انتهى منهما بلفظهما. زاد في المعين لأنه وصية لوارث. انتهى منه بلفظه. وفيما قالا نَظرٌ لمخالفته لما قدمناه من كلام ابن رشد عن ابن نافع ولم يحك غيره، ولقوله عن أصبغ: إنما هذا وصية للعبد لخ، ولمقتضى قول الإمام لا أرى له شيئا. فتأمله بإنصاف. انتهى كلام الرهوني.
واشتراء لفلان وأبى بُخْلًا بطلت يعني أنه إذا أوصى بأن يشترى عبد زيد من ماله ويعطى لفلان وأبى زيد من بيع عبده بُخْلا به أي غبطة به لا لزيادة الثمن، فإن الوصية تبطل ويرجع الثمن ميراثا، قال عبد الباقي: وإن أوصى باشتراءٍ أي قال اشتروا عبد زيد من مالي وأعطوه لفلان، فإن باعه ربه بثمنه أو بزيادة ثلثه حيث أبي من بيعه لا بُخلًا بل للزيادد دفع للموصى له، وإن أبى ربه من أول طلبه بثمنه أو بعد زيادة ثلثه وليس قاصرا على هذا الثاني كما يوهمه الشارح بخلا ببيع عبده بطلت الوصية ويرجع الثمن ميراثا، وتردد الأشياخ في دخول الوصايا في هذا الراجع وعدم دخولها فيه. انتهى.
ولزيادة فللموصي له هذا مفهوم قوله: "بخلا" يعني أنه إذا أوصى بأن يشترَى عبد زيد مثلا ويعطى لعمرو وأبي زيد من بيع عبده بقيمته والثلث الزائد عليها، فإنه يكون للموصى له الثمن والثلث الزائد، قال عبد الباقي: وإن أبى لِزيادةٍ على ثلث الثمن فللموصى له الثمن والثلث
الزائد، "وبخلا" مفعول لأجله ولزيادة مفعول لأجله جر باللام عطف على بخلا، وإنما لم يصرح المصنف بالزيادة اتكالا على ما قدمه وهو الثلث ولا استيناء وهذه المسألة بقسميها. انتهى. وقال البناني: ولزيادة فللموصى له أي القيمة وثلثها من غير استيناء لأنه يرجى شراؤه لذلك العبد، ولذا بطلت إذا أبى بخلا لأنه لا يرجى بيعه، انظر التوضيح. وبذلك تعلم ما في الفرق الذي ذكره الزرقاني وغيره. انتهى.
وقول عبد الباقي: فللموصى له الثمن والثلث الزائد اعلم أنه عبر في المدونة بالثمن، والمراد القيمة خلاف ما لعبد الباقي. والله تعالى أعلم. وقوله:. "واشتراء لفلان وأبى بخلا بطلت ولزيادة فللموصى له" هذا قول ابن القاسم في المدونة، وقال غيره فيها: يوقف الثمن حتى يؤيس من العبد، فإن أيس منه رجع، ميراثا ولا فرق بين أن يمتنع من بيعه لزيادة أو بخلا، وزاد ابن يونس ما نصه: سحنون، هذا أصح. انتهى. ثم وجه قول ابن القاسم فانظره. والله أعلم. انتهى.
وقال المواق من المدونة: إن قال اشتروا عبد فلان فامتنع ربه من بيعه غبطة به، وعبارة ابن شأس ضنا به عاد ذلك ميراثا وبطلت الوصية، وإن امتنع ربه بمثل ثمنه زيد في ثمنه ما بينه وبين ثلث ثمنه، فإن امتنع ربه من بيعه بذلك ليزاد ثمنا دفع ثمنه وثلث ثمنه للموصى له. انتهى. وقد مر أن المراد بالثمن في كلام المدونة القيمة. والله تعالى أعلم. وقال الشبراخيتي: فللموصى له من غير استيناء في هذه المسألة بقسميها لأن قصد الموصي نفع الموصى له بالعبد: وقد جعل الثمن وسيلة إليه فإذا تعذر العبد أعطى ما هو وسيلة إليه. انتهى. قوله: "لأن قصد الموصى" الخ علة وقوله: "فللموصى" وببيعد لعتق نقص ثلثه يعني أنه إذا أوصى بأن يباع عبده لمن يعتقه، فإن اشتراه أحد بقيمته فلا كلام وإن لم يوجد من يشتريه بقيمته فإنه ينقص عن المشتري ثلث قيمته فإن اشتراه بذلك فالأمر واضح وكذا الحكم فيما إذا أوصى أن يباع عبده من فلان، فإن اشتراه فلان بقيمة فلا كلام، فإن لم يوجد من يشتريه بقيمته فإنه ينقص ثلث قيمته عمن يشتريه، فإن اشتراه بثلثي قيمته، فلا كلام.
وعلم مما قررت أن في كلام المصنف حذف عاطف مع معطوف، أي وإن أوصى ببيعه لعتق أو ببيعه لفلان، فإن وجد من يشتريه بقيمته في المسألتين فلا كلام وإلا نقص ثلث قيمته فيهما، وإن
اشترى بذلك فلا كلام وإلا يوجد من يشتريه بنقص ثلث قيمته خير الوارث في بيعه بما قاله المشتري في الصورتين أو عتق ثلثه أي ثلث العبد بتلا في الصورة الأولى وهي صورة الإيصاء ببيعه للعتق، أو القضاء به أي بثلث العبد أي إعطائه لفلان في صورة قول الموصي: بيعوه له أي لفلان وهي الصورة الثانية المقدرة وهذا إذا حمل الثلث جميع العبد الموصى ببيعه للعتق أو لفلان، وإلَّا خيرُوا بين بيعه بوضيعة ثلث الثمن وبين أن يعتقوا منه مبلغ ثلث الميت من جميع ما ترك في مسألة العتق لأن الوصية به، وأما في مسألة المبيع لفلان فيخيرون بين بيعه بوضيعة ثلث الثمن وبين إعطاء فلان ثلث جميع ما ترك الميت من العبد وغيره مما يملكه من عرض ودار وغيرهما؛ لأنه يقول أوصى لي بثلثه وأملك الثلثين بالبيع ولي غرض في ملك جميعه، وهذا التقييد بحمل الثلث جميع العبد ذكره الطخيخي عن العوفي. قاله البناني. قال: ونصه: قال العوفي إذا أوصى ببيعه للعتق أو من فلان، فإن لم يحمله الثلث فالورثة بالخيار بين بيعه بوضيعة ثلث ثمنه أو يعتقوا منه مبلغ ثلث الميت كله في مسألة العتق؛ لأن الوصية به أو يعطوا لفلان ثلث مال الميت من كل شيء في مسألة بيعوه من فلان. انتهى. وقال الرهوني: ذكر هذا القيد ابن يونس عن مالك عن رواية ابن القاسم وأشهب فيهما معا؛ يعني في مسألتي: بيعه للعتق وبيعه من فلان، وذكره عن مالك من رواية أشهب في مسألة العتق، وذكره فيها أيضا عن أشهب وسحنون. انتهى المراد منه.
وبعتق عبد لا يخرج من ثلث الحاضر وقف إن كان لأشهر يسيرة يعني أنه إذا أوصى بعتق عبد للموصي مال حاضر ومال غائب والعبد الموصى بعتقه لا يخرج من ثلث المال الحاضر أي لا يحمله، فإنه يوقف عتق العبد بعد موت الموصي إن كان يرجى حضور المال الغائب عند مضي أشهر يسيرة فيعتق العبد كله، وإن قال العبد أعتقوا مني ثلث الحاضر لم يجب إلى ذلك، قال عبد الباقي: وإن أوصى بعتق عبد معين وله مال غائب وكان لا يخرج من ثلث الحاضر أي لا يحمله وإنما يحمله مع الغائب لو حضر وقف عتقه بعد موته إن كان يرجى حضور الغائب لأشهر يسيرة كأربعة حتى يحضر، فيعتق كله ولو طلب العبد عتق ما يحمله ثلث الحاضر من المال ويؤخر عتق بقيته لم يجب إلى ذلك، وحينئذ فيجري عليه أحكام الرق إلى أن يعتق.
وإلا أي وإن لم يخرج حضور الغائب لأشهر يسيرة بل كثيرة عجل عتق ثلث الحاضر أي يعجل عتق ما حمله ثلث المال الحاضر من العبد، ثم إذا حضر المال الغائب رمم عتق العبد منه أي من الغائب إذا قدم ولو تدريجا، فيعتق مما قدم منه محمله ثم كذلك إلى أن يكمل عتقه. انتهى كلام عبد الباقي. وقال الخرشي: يعني أن الإنسان إذا أوصى بعتق عبده وله مال حاضر ومال غائب والحال أن العبد لا يخرج من ثلث المال الحاضر ويخرج من ثلث الجميع، فإن كان المال الغائب يأتي بعد أشهر يسيرة كالأربعة فإن العبد يوقف عتقه إلى حضور الغائب ويعتق كله منه، وإن كان المال الغائب لا يأتي إلا بعد أشهر كثيرة فإنه يعجل عتق ما قابل ثلث الحاضر، ثم كلما قدم شيء من المال الغائب فإنه يعتق ما قابل ثلثه إلى أن يكمل عتق العبد. انتهى. وقال الشبراخيتي: وإن أوصى بعتق عبد معين وله مال حاضر ومال غائب لو حضر الجميع لخرج العبد من ثلثه ولكنه لا يخرج من ثلث المال الحاضر وقف عتقه إن كان يرجى اجتماع المال لأشهر يسيرة خمسة فأقل، وعتق العبد كله لأن التبعيض خلاف الوصية واغتفر ذلك في الطول للضرورة، قال في المدونة: وليس للعبد أن يقول أعتقوا مني ثلث الحاضر الآن أي وإذا طلب ذلك لم يجب، وإلا بأن لم يخرج اجتماعه إلا لأشهر كثيرة سنة فما فوقها عجل عتق ثلث الحاضر أي محمل ثلث الحاضر ثم تمم عتقه من المال الغائب، فكلما حضر منه شيء عتق من العبد مقدار ثلثه. انتهى. وقال البناني: لم يُحَدَّ مالك الأشهر الكثيرة، وحدها ابن المواز بستة.
ولزم إجازة الوارث بمرض لم يصح بعده يعني أن الوارث إذا أجاز في مرض الموصي مرضا مخوفا وصية أكثر من الثلث أو لوارث، فإن تلك الإجازة تلزمه بشرط أن يموت الموصِي من ذلك المرض الذي أجاز فيه الوارث وصيته، ومفهومه أنه لو لم يمت الموصي من ذلك المرض الذي أجاز فيه الوارث وصيته بل صح بعده ثم مات فإنه لا يلزم الوارث إجازته، قال عبد الباقي:"ولزم إجازة الوارث" ليس المراد أنه يلزمه أن يجيز، وإنما مراده أنه إذا أجاز وصية موروثه قبل موته فيما له رده بعده كما لو كانت لوارث أو بأزيد من الثلث، فإن ذلك يلزمه سواء تبرع بالإجازة أو طلبها منه الموصي كما ذهب إليه غير واحد من شيوخ عبد الحق، فليس له بعد موته رده تمسكا بأنه من إسقاط الشيء قبل وجوبه، وإنما تلزمه إجازته بشروط: أحدها كون الإجازة بمرض للموصي
سواء كانت الوصية فيه أو في الصحة، ولا بد من كون المرض مخوفا، واستغنى عن تقييده بذلك لفهمه من الشرط الثاني وهو قوله:"لم يصح بعده" أي بعد مرضه الذي أجاز فيه الوارث، فإن أجاز في صحته أو في مرض صح منه صحة بينة ثم مرض لم يلزم الوارث ما أجازه في الصحة أو في المرض الأول. انتهى كلام عبد الباقي.
قوله: سواء تبرع بالإجازة أو طلبها منه الموصي إلخ، قال ابن عرفة: عياض: أجاب في المدونة عن مسألة طلب ذلك منهم ولم يفسر ما إذا تبرعوا به، فقال بعض الصقليين: جوازه في الوجهين سواء لأنهم يقولون بادرناه بالإجازة لتطيب نفسه وخفنا منه إن لم نبادر، وقال بعض القرويين: إن أجازوا قبل استيذانهم لم يكن لهم رجوع كان في عياله أو لم يكن، وإليه نحا التونسي وغيره. انتهى. قاله البناني. وقول عبد الباقي: أو في مرض صح منه صحة بينة ثم مرض لم يلزم الوارث الخ، قال الرهوني: صحيح وظاهره أنه لا يمين، وفي المنتقى ما نصه: وهل يلزمهم اليمين أنهم ما سكتوا رضى بذلك؟ قال ابن كنانة: يلزمهم ذلك، ووجهه أن صورة السكوت عن التغيير صورة استدامة الرضاء فيلزمهم اليمين أنهم لم يرضوا به في المرض الثاني. انتهى.
وكلامه يفيد أن هذا هو المذهب، ويظهر من كلام ابن يونس أيضا أنه المذهب لأنه ذكر المسألة، وقال عقبها ما نصه: وقال ابن كنانة ولكن يحلفون ما سكتوا عن تغيير ذلك رضا به. انتهى. وقد ساقه في التقييد أيضا على أنه تقييد، ونصه: وكذلك نص عليه ابن القاسم، قال: لأنه صح واستغنى عن إذنهم فلا يلزمهم حتى يأذنوا له في المرض الثاني. ابن كنانة: ولكنهم يحلفون أنهم ما سكتوا رضى بذلك. انتهى. وكلام ابن مرزوق يفيد هذا أيضا، فإنه ذكر كلام ابن يونس مقتصرا عليه مسلما له، لكن ابن رشد استبعده، فقال في شرح أول مسألة من رسم أول عبد أبتاعه فهو حر من سماع يحيى ما نصه: وقال ابن كنانة: بعد أن يحلفوا ما سكتوا إلا عن غير رضى ولا يلزمهم ذلك وهو بعيد. وبالله التوفيق. انتهى. ونقله الحطاب في التزاماته. وقال عقبه ما نصه: وجعل الرجراجي قول ابن كنانة مخالفا لقول ابن القاسم. انتهى. ولكنه أغفل كلام من قدمنا ذكرهم ويد الله مع الجماعة. والله أعلم. انتهى كلام الرهوني.
وأشار إلى الشرط الثالث وهو أن لا يكون له عذر بقوله: إلا لتبين عذر مستثنى من اللزوم، يعني أن محل لزوم الإجازة المذكورة للوارث إنما هو حيث لم يتبين أن له عذرا، وأما إن تبين عذره فلا تلزمه الإجازة فله أن يرد الوصية بكونه في نفقته يعني أن العذر يتبين بكون الوارث في نفقة الموصي سواء كانت النفقة واجبة أو متطوعا بها، فإذا أجاز الوارث وصية الموصى لوارث أو بأكثر من الثلث في مرض الذي مات منه وهو في نفقته فإن تلك الإجازة لا تلزمه وله أن يرد الوصية، قال الشبراخيتي: إلا لتبين عذر من الوارث في إجازته بكونه في نفقته أي نفقة الموصي، والباء بمعنى من، وسواء كانت النفقة واجبة أو متطوعا بها لأنهم قالوا كنفقة أبكار بناته وزوجاته، وهذه واجبة فالتطوع بها أحرى. انتهى.
قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أن الباء سببية والمجرور متعلق بتبين عذر. والله تعالى أعلم. وقال عبد الباقي: وأشار للشرط الثالث وهو أن يكون له عذر بقوله إلا لتبين عذر من الوارث في إجازته بكونه أي الوارث مندرجا في نفقته أي نفقة الموصي واجبة أو متطوعا بها، وخاف قطعها عنه إذا لم يجز وصيته أو دينه عطف على "بكونه" يعني أن إجازة الوارث للوصية لا تلزم فيما إذا كان للموصي دين على الوارث، لأنه يخاف أن يطالبه به ويسجنه إن لم يجز وصيته فهو معذور. قال عبد الباقي: أو لأجل دينه الذي له عليه فيطالبه به ويسجنه إن لم يجز. انتهى. وهو صريح فيما ذكرت من أن الباء للسببية.
أو سلطانه يعني أنه إذا كان للموصي سلطان وجاه فإن ذلك عذر للوارث، فلا تلزمه الإجازة المذكورة.
وأشار للشرط الرابع وهو أن لا يكون المجيز ممن يجهل أن له الرد والإجازة، بقوله: إلا أن يحلف من بجهل مثله أنه جهل أن له الرد مستثنى من مقدر، أي فإن لم يكن له عذر بأحد هذه الأمور لزمته الإجازة إلا أن يدعى الجهل ويكون ممن يجهل مثله أن له الرد والإجازة، فلا تلزمه الإجازة حيث حلف أنه جهل أن له الرد فإن نكل لزمته الإجازة، قال عبد الباقي: وأشار للشرط الرابع وهو أن لا يكون المجيز ممن يجهل أن له الرد والإجازة، بقوله: إلا أن يحلف من يجهل مثله لزوم الإجازة كالجافي المتباعد عن الفقهاء. انتهى. قوله: لزوم الإجازة فيه نظر؛ إذ فرض
المسألة أنه قال: لم أعلم أن لي الرد بدليل تصريح المصنف بمفعول جهل وما قاله مثله في التتائي وهو فرض آخر، وهو ما إذا أجاز ثم قال جهلت لزوم الإجازة والحكم واحد. قاله البناني. وقال الشبراخيتي: مستثنى من محذوف تقديره: فإن لم يكن له عذر بأحد هذه الأمور فإن الإجازة تلزمه إلا أن يحلف إلخ، ثم بين معمول يحلف بقوله: أنه جهل أن له الرد لوصية موروثه، فإذا حلف لم تلزمه الإجازة. انتهى.
لا بصحة عطف على قوله: "بمرض" وهو مفهوم "بمرض" يعني أن الوارث لا تلزمه الإجازة للوصية حيث كانت في صحة الموصي حيث كان بغير سبب من كسفر، بل ولو أوصى للأمر عرض له كسفر أو حج أو غزو فإن الإجازة لا تلزم الوارث نظرًا لصحة الموصى وهو قول ابن وهب الذي رجع إليه وصوبه أصبغ، فلذا اقتصر عليه المصنف فلا يعترض عليه بمخالفته قول ابن القاسم وروايته اللزوم عن مالك. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: وذكر مفهوم الشرط الأول ليرتب عليه المبالغة، فقال: لا تلزم الوارث إجازة وصية الموصي بصحة للموصي سواء كانت الإجازة لوارث أو لأجنبي بأكثر من الثلث، ولو لأمر عرض للموصي لكسفر لحج أو غزو أو مرض خفيف فله الرد بعد موت الموصي لعدم جريان السبب ولا غيره بقول الشاهد، واطلع الوارث على ذلك وأجازه والكلام في الوصية التي هي تمليك مضاف لا بعد الموت، وأما لو مللث في صحته وارثا من الآن وأشهد به وحازه في صحته فلا كلام للوارث الآخر. انتهى.
وقال البناني: لا بصحة هذا قول مالك في الموطأ والعتبية، قال: لا يلزمهم ذلك لأنهم أذنوا في وقت لا منع لهم فيه. أبو عمر: هذا مشهور مذهب مالك، وخرج ابن الحاج عليه في نوازله أن من رد ما أوصي له به في صحة الموصي ثم قبله بعد موته صح قبوله لأنه لم تجب له الوصية إلا بموت الموصي. انتهى من ابن عرفة. انتهى. وقوله:"ولو لكسفر" قال الرهوني مقويا لما مر عليه المصنف ما نصه: فالصنف لم يخالف قول ابن القاسم، بل تبع أحد قوليه ويظهر من كلام المتيطي أنه قول لمالك أيضا، ونصه على اختصار ابن هارون، وكذلك اختلف إذا أذن للمسافر ورثته في الوصية بأكثر من الثلث عند سفره، فقال مالك في العتبية: يلزمهم ذلك إن مات في سفره كالمرض، وقال في الموازية: لا يلزمهم وبالأول أخذ ابن القاسم، وقال ابن وهب كنت أقول:
يلزمهم ثم رجعت إلى أنه لا يلزمهم. أصبغ: وهو الصحيح. انتهى. وفي المعين ما نصه: إذا استأذن الصحيح المريد للسفر ورثته في الوصية بأكثر من الثلث فأجازوا ذلك، فقال مالك في العتبية: يلزمهم ذلك كالمريض، وقال في كتاب محمد: لا يلزمهم ذلك. وقاله ابن وهب في العتبية. وبالقول الأول قال ابن القاسم. انتهى. وكلامهما صريح فيما قلناه، على أنا لو سلمنا أنه ليس لمالك إلا قول واحد فلا يتوجه الاعتراض على المصنف؛ إذ كم من مسألة المشهور فيها خلاف قول مالك، ثم قال: فالحق ما قاله المصنف. والله الموفق. انتهى.
تنبيه: قد مر لي تبعا للشبراخيتي أن قوله: "إلا أن يحلف" مستثنى من مقدر، ولا مانع من كونه مستثنى مما استثني منه الأول؛ لأن استثناء شيئين أو أشياء من واحد بدون عطف جائز في العربية، نحو: قام القوم إلا زيدا إلا عمرا كما يعلم من قول الخلاصة:
كلم يفوا إلا امرء إلا علي
…
.....................
وبهذا تعلم ما في كلام عبد الباقي في أجوبته مع أن قوله: إن إلا الأولى بمعنى غير لا يصح. والله تعالى أعلم. انظر حاشية الشيخ البناني.
والوارث يصير غير وارث وعكسه المعتبر مآله يعني أنه إذا أوصى لوارث حين الوصية أي لو مات لورثه كأخ أوصى له في الصحة أو في المرض ثم حدث ابن للموصي فصار الأخ غير وارث، فإن الوصية تصح للأخ اعتبارا بما آل إليه الأمر، وكذا يعتبر المآل فيما إذا أوصى لأخيه وله ابن حين الوصية فمات الابن قبل موت الموصي وصار الأخ وارثا فلا تصح الوصية له؛ لأن المعتبر المآل. قال الحطاب: مثال الصورة الأولى إذا أوصى لأخيه ولا ولد له ثم ولد له أو أوصت المرأة لزوجها ثم أبتها، ومثال العكس أن يوصى للمرأة ثم يتزوجها أو أوصى لأخيه وله ولد فيموت الولد فيصير الأخ وارثا.
ولو لم يعلم مبالغة في الأولى؛ يعني أنه إذا أوصى لوارث حين الوصية ثم صار غير وارث فإن الوصية صحيحة، ولا فرق في صحتها بين أن يعلم الموصي بأنه صار غير وارث وأن لا يعلم، ورد بلو القول بأنه إذا لم يعلم الموصي بأنه صار غير وارث تبطل الوصية. قال الحطاب عند قول
المصنف ما نصه: هذا الخلاف في الصورة الأولى وهي ما إذا أوصى لوارث، ثم صار غير وارث، وأما الثانية فلا يتصور فيها وجود الخلاف. انتهى. وقال عبد الباقي: والوارث كأخ يوصي له موروثه في صحته أو مرضه ثم يصير عند الموت غير وارث بحدوث ابن للموصي وكزوجة توصي لزوجها ثم يطلقها البتة قبل موتها، وعكسه كوصية امرأة لأجنبي ثم تزوجها المعتبر مآله أي ما يؤول إليه حال الموصى له في الصورتين، فإذا مات لم تصح وصيته في الثانية وصحت في الأولى، ولو لم يعلم الموصي فيها بصيرورة الوارث غير وارث حين الموت ولم يغير، وأما قبله فلا يعلمه إلا الله، فالمبالغة راجعة للصورة الأولى وقصد بها رد قول ابن القاسم: لا يلزم ورثة الزوجة الموصية لزوجها ثم يبتها حيث لم تعلم قبل موته، وإنما يلزمها إذا علمت بطلاقها ولم تغير ولا يصح رجوعها للثانية لعدم وجود الخلاف فيها. انتهى المراد منه.
وقال المواق من الموطأ: قال مالك: السنة التي لا اختلاف فيها أنه لا تجوز وصيته لوارث إلا أن يجيز له ذلك ورثة الميت. الباجي: إنما يراعى في ذلك أن يكون وارثا يوم الموت، فلو أوصى لوارث ثم كان غير وارث لصحت له الوصية، ولو أوصى لغير وارث ثم كان وارثا بطلت الوصية، قال ابن القاسم فيمن أوصت لزوجها ثم أبانها ثم ماتت: إن علمت بطلاقها فالوصية جائزة وإن لم تعلم بطلاقها فلا شيء له، وقال أيضا: علمت أو لم تعلم الوصية نافذة، ووجه الباجي كلا القولين. ومن المدونة قال مالك: من أوصى لأخيه بوصية في مرض أو صحة وهو وارثه لم يجز، فإن ولد له ولد بحجبه جازت الوصية إن مات إذا علم بالولد؛ لأنه قد تركها بعد ما ولد فصار مجيزا لها، وقال أشهب: الوصية للأخ جائزة علم الموصي بها، ولد له أو لم يعلم. انتهى.
واجتهد في ثمن مشترى لظهار أو تطوع يعني أنه إذا أوصى بأن يشترى عبد يعتق عن ظهار عليه أو تطوعا، فإن الموصي أو من يقوم مقامه من قاض أو وارث أو مقدم قاض يشترى عبدا يجتهد في قدر ثمنه مسلما فيهما لا عيب به حيث كان عن ظهار، قال عبد الباقي: وإن أوصى بشراء عبد يعتق عن ظهار أو تطوع ولم يسم ثمنا اشتري واجتهد الموصي في ثمن عبد مسلم لا عيب فيه مشترى لظهار على الموصي بشرائه ليعتق عن ظهاره، أو مشترى لتطوع أوصى بعتقه عنه ولم يسم ثمنا في الحالتين، ولا بد من كونه مسلما وإن ظهر به عيب في هذه لا غير مسلم فيهما، وإن لم
يظهر كفره إلا بعد شرائه، فيرد بقدر المال أي يراعى في الاجتهاد كثرة المال وقلته، قال الخرشي: يعني أنه إذا أوصى بشراء رقبة للعتق عن كظهار عليه أو أوصى بشرائها للعتق تطوعا عنه ولم يسم الموصي ثمنا في الحالين، فإن من يتولى تفرقة ثلث الميت من وصي أو قاض أو وارث أو مقدم قاض يجتهد في شراء الرقبة المذكورة كثرة وقلة بقدر المال، فليس من ترك مائة دينار كمن ترك ألف دينار. انتهى.
وقال الشبراخيتي: أي أن من أوصى بشراء رقبة تعتق عن ظهاره أو تطوعا ولم يسم ثمنا فإن الموصَى أو من يقوم مقامه يشتري له رقبة بالاجتهاد، فليس من ترك مائة دينار كمن ترك ألف دينار، ومعنى الاجتهاد في ذلك أنه إذا نظر إلى المال فيوجد كثيرا يجتهد فيما يناسب صاحبه من العتق بحسب كثرة المال، وإذا وجده قليلا اجتهد فيما يناسب صاحب القليل. انتهى. وإيضاح هذا أن تقول: واجتهد أي من له التصرف في ثلث مال الميت من وصي أو قاض أو مقدم أو وارث في قدر ثمن عبد مشترًى لظهار، وينبغي أن يكون باقي الكفارات كذلك أو تطوع بقدر قلة المال وكثرته. انتهى. وقال التتائي: واجتهد الموصي في قدر ثمن عبد مشترى لظهار عليه أو تطوع بقدر قلة المال وكثرته على المشهور. أشهب: يشتري وسطا واستحسنه اللخمي حيث لا وصايا، وأما إن كانت وضاق الثلث رجع لأدنى الرقاب. انتهى. والظاهر أن الباء في قوله:"بقدر" للملابسة أو الآلة. والله تعالى أعلم.
فإن سمي في تطوع يسيرا أو قل الثلث شورك به في عبد قد علمت أن قوله: "واجتهد في ثمن" الخ محله حيث لم يسم ثمنا، وأما إن سمَّى ثمنا فإن كان كثيرا يبلغ شراء رقبة ويسعه الثلث فلا كلام، وإن كان يسيرا في تطوع أو كثيرا لكن ثلث ماله لا يسع ما سماه ولا يسع رقبة فإنه يشارك بالثلث أو بما سماه في شراء رقبة للعتق، وأما في الظهار فلا يشارك بذلك في شراء عبد لأنه لا يعتق فيه إلا رقبة كاملة، لكن يطعم بما لم يبلغ شراء رقبة، فإن فضل عن الإطعام شيء ورث. وذكر اللخمي أن كفارة القتل كالتطوع كما ذكره الحطاب وهو خلاف ظاهر كلام المؤلف، إلا أن يحمل على كفارة قتل العمد لأنها مندوبة فيتضح. قاله الخرشي. ونحوه للشبراخيتي، قال عبد الباقي: ومفهوم "في تطوع" أن الظهار لا يشارك فيه، إذ لا يعتق فيه إلا رقبة كاملة وغيره من
الكفارات مثله كما مر، وقول اللخمي كما في الحطاب: كفارة القتل كالتطوع ضعيف لمخالفته تقييد المصنف كابن يونس بالتطوع، أو يحمل على كفارة القتل عمدا لأنها فيه مندوبة. انتهى. وإلا يوجد عبد يشارك فيه في مسألة التطوع، فآخر نجم مكاتب يعان فيه، قوله:"فآخر" إما مبتدأ وخبره يعان فيه أو خبر مبتدأ محذوف أي العان فيه آخر نجم مكاتب. انظر الشبراخيتي. وقوله: يعان فيه فعل ونائبه الجار والمجرور، وقوله:"فآخر نجم" أي يندب ذلك، فلو جعل الثلث أو ما سمى في أول نجم أو وسطه لكفى ذلك. وقال التتائي: وأراد بقوله: وإن سمَّى في تطوع تقييد ابن يونس وغيره قول المدونة، فإن سمى ونصها ومن أوصى بعتق نسمة تشترى ولم يسم ثمنا أخرجت بالاجتهاد بقدر قلة المال وكثرته، وكذلك إن قال عن ظهاري وإن سمي ثمنا لا يسعه الثلث اشترى بثلثه إن كان فيه ما يشترى به رقبة، فإن لم يبلغ شورك به في رقبة فإن لم يبلغ أعين به مكاتب في آخر نجومه. انتهى.
وقوله: أو قل المعطوف محذوف أي أو كثير أو قل الثلث، وقوله:"فآخر نجم مكاتب" قد علمت أنه على جهة الندب فلو وضعه في أول نجم كفى كما مر، فإن عجز أخذ ذلك من سيده لأنه إنما دفع للمكاتب لقصد العتق لا لقصد الصدقة.
تنبيهان: الأول: قد مر عن الخرشي وعبد الباقي عن اللخمي تبعا للأجهوري أن كفارة القتل كالتطوع واعترضاه، وقالا: إلا أن يحمل على كفارة القتل عمدا. قال البناني: هو غير صحيح، لأن في كلام اللخمي ما يمنعه، ونصه: إن لم يبلغ العتق عن ظهار أطعم عنه إن وفى بالإطعام أو ما بلغ منه: وإن كان فوق الإطعام ودون العتق أطعم وكان الفضل لهم هذا القياس والاستحسان أن يتصدق به، وإن كان العتق عن قتل شورك به في عتق عبد، وكذا إن كان تطوعا، قال مالك: أو يعان به في مكاتب. انتهى على نقل ابن عرفة. فقوله: وكذا إن كان تطوعا يمنع ما حمله عليه الأجهوري؛ لأن كفارة العمد تطوع. انتهى.
الثاني: قال الرهوني: كلام الأجهوري يوهم أنه لا قائل بذلك إلا اللخمي، فإذا حعل كلامه على ما ذكر ارتفع الخلاف وليس كذلك فقد نقله عبد الحق في النكت عن بعض القرويين ولم يتعقبه. انظر نصه في المواق عند قوله ثم عتق ظهار وقتل وتأمله، ونحوه في المنتقى وأوضح من ذلك كلام
المتيطي، ونصه: ثم العتق في الظهار وقتل النفس خطأ، فإن لم يحملهما الثلث، فقال ابن القاسم: يقرع بينهما، قال أبو العباس الأبياني: وهو مذهب المدونة، وقيل يبدأ بكفارة القتل ثم الظهار، وقال بعض القرويين: يتحاصان فما وقع للظهار أطعم به وما وقع للقتل شورك به في رقبة. انتهى بلفظه على اختصار ابن هارون، فقد صرح بأن القتل خطأ وإن كان مأخوذا من قوله تحاصا فتأمله. انتهى.
وإن عتق فظهر دين يرده أو بعضه رق المقابل يعني أنه لو سمى في التطوع ثمنا فيه وفاء بثمن عبد فاشتري وعتق ثم ظهر أن على الموصي دينا يرده كله أو يرد بعضه فإنه تبطل الوصية في الأولى، فيرق كله ويبطل بعضها في الثانية فيرق بعضه، فإذا رد الدين نصفه مثلا فإن كان نصفه يفي بالدين فإنه يرق نصفه للدين ويبقى ثلث النصف الآخر على حريته، فقوله:"رق المقابل" راجع للمسألتين أي المقابل للدين كلا أو بعضا، قال الشبراخيتي: وإن سمى ما فيه كفاف ثمن عبد فاشتراه وعتق عن الموصي وظهر عليه دين يرده كله رق جميعه وبطلت الوصية، أو يرد بعضه رق المقابل راجع لهما أي رق المقابل للدين كلا أو بعضا وعتق ثلث ما بقي منه في الثانية. انتهى. وقال البناني: يرده أو بعضه أي يرده كله بأن أحاط الدين بمال الموصي أو يرد بعضه بأن كان الدين يستغرق جميع المال غير العبد ونصف العبد مثلا، فيرق نصفه للغرماء ولا إشكال ثم يعتق ثلث النصف الباقي ويرق ثلثاه للورثة؛ لأن الوصية إنما تكون في الثلث. هكذا في المدونة كما في المواق. انتهى.
وقال عبد الباقي عند قوله: "رق المقابل" للدين وهو جميعه في الأولى وبعضه في الثانية في التطوع بخلاف الظهار، فيرق جميعه لأنه لا يعتق عن ظهار بعض رقبة ويطعم عن الميت بما زاد على الدين. انتهى. وقال المواق عن المدونة: وإن سمى ثمنا فيه كفاف الثلث فاشتراها الموصى به فأعتقها عنه ثم لحق الميت دين يغترق جميع ماله رد العبد رقا وإن لم يغترق الدين جميع ماله رد العبد وأعطي صاحب الدين دينه، ثم عتق من العبد مقدار ثلث ما بقي من مال الميت بعد قضاء الدين ولا يضمن الموصي إذا لم يعلم بالدين. انتهى.
وإن مات بعد اشترائه ولم يعتق اشتري غيره نبلغ الثلث يعني أنه إذا أوصى بشراء عبد ليعتق عن ظهار أو تطوعات فاشترى الموصي أو من يقوم مقامه عبدا فمات العبد قبل أن يعتق كما في عبارة غير واحد أو قبل الحكم بعتقه كما في المواق عن عبد الوهاب، فإنه يشتري عبدا ثانيا، فإذا اشترى ومات قبل الحكم بعتقه اشتري ثالث أيضا وهكذا إلى أن ينفد الثلث، والحاصل أنه لا يزاد على الثلث كما علمت، فمهما أنفد الثلث لم يشتر شيء أي ثلث جميع مال الميت، قال الشبراخيتي: وإن أوصى بشراء رقيق للعتق ومات المعتَق الموصى بشرائه للعتق بعد اشترائه لذلك ولم يعتق اشتري غيره لأنه مات رقا، والوصية باقية إذ لا يعتق بنفس الشراء وإذا اشتريَ غيره فمات اشتريَ آخر وهكذا لمبلغ الثلث أي لمبلغ تمام الثلث أو لمبلغ تمام مرتبته من الثلث إن كان هناك وصايا تزاحمه، وإذا قتل أو استحق فقيمتة وثمنه حيث أمكن أخذهما يقومان مقامه في اعتبار ذلك من الثلث.
وقوله: "وإن مات" يجري فيما اشترى للعتق عن الظهار أو تطوعا غير أن قوله: "لمبلغ الثلث" يجري فيما اشتريَ للعتق تطوعا مطلقا، وأما فيما اشتري للظهار فلا بد أن يكون مبلغ الثلث يشترى به رقبة كاملة. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن مات العبد بعد اشترائه ليعتق ولم يعتق بالفعل اشترى غيره لمبلغ الثلث للميت بتمامه، ولو قسمت التركة على المشهور وقيل ثلث ما بقي، وقيد بقوله:"ولم يعتق" لأنه لا يعتق بمجرد الشراء لأن أحكامه في أحواله أحوال عبد حتى يعتق، ولهذا لو قتله شخص كان عليه قيمته تجعل في عبد آخر، فإن قصرت عن قيمة رقبة تممت بقيته من ثلث الميت أو ثلث ما بقي وهذا ما لم يعلق الموصي عتقه على مجرد الشراء، كاشتروا بعد موتي عبدا وإن اشتريتموه فهو حر، فإن مات لم يلزم شراء غيره لحصول الحرية، وشمل قوله:"وإن مات" ما اشتري ليعتق عن ظهار أو تطوع، غير أن قوله:"لمبلغ الثلث" يجري في الثاني مطلقا، وفي الأول إن كان مبلغ الثلث يشترى به رقبة كاملة. انتهى. وتحقيق كلامه هو ما قال البناني اشتري غيره لمبلغ الثلث أي ثلث جميع مال الميت، وقيل ثلث ما بقي أبدا وكأنه لم يكن له مال إلا ما بقي وهو لابن القاسم في الموازية، فإذا اشتري العبد الأول بالثلث كاملا فعلى المشهور لا شيء عليهم وعلى مقابله يشترون آخر من ثلث ما بقي وعن ابن
القاسم أيضا: الفرق بين أن يكون المال قد قسم أو لم يقسم وهو قول أصبغ، ورده ابن رشد بأن الحقوق الطارئة على التركة لا يسقطها قسم المال. انظر الحطاب. انتهى.
وقول أصبغ: هو أنه إذا لم يقسم المال رجع في ثلث ما بقي أبدا، فإن كان قد قسم لم يرجع على الورثة إلا بما بقي في أيديهم من ثلث التركة
(1)
أن يكون معه في الثلث أهل وصايا قد أخذوا وصاياهم، فيأخذ مما أخذوا ما يبتاع به رقبة. انتهى. وقال المواق: عبد الوهاب: إذا أوصى بعتق نسمة لم تعتق بنفس الشراء حتى يحكم بالعتق، وإذا أوصى بأن يشترى أحد ممن يعتق عليه عتق عليه بنفس الشراء والكل وصية تخرج من الثلث. انتهى.
وبشاة يعني أنه إذا أوصى له بشاة من غنمه أو ببعير من إبله أو ببقرة من بقره أو عبد من عبيده أو فرس من خيله أو نحو ذلك، فإن الموصى له يشارك الورثة بالجزء أي بنسبة تلك الشاة لما عنده من الغنم، فإذا كان له خمس شياه وأوصى له بشاة منها مبهمة فإنه يكون الموصى له مشاركا للورثة بالجزء أي بالخمس في هذا المثال، وأربع شارك بالربع فله من الشياه بقدر تلك النسبة كما يأتي ما يدل عليه؛ لأن له من كل شاة ربعها وثلاثة أعبد شارك بالثلث، وعلى هذا فقس أو عدد سماه يعني أنه إذا أوصى له بعدد من ماله سماه كثلاث من غنمه أو من إبله أو من حميره، فإنه يشارك الموصى له الورثة بالجزء أي يكون له جزء من ذلك المال بنسبة العدد الذي سماه إلى ماله، فإن سمى ثلاثة وله تسعة كان شريكا بالثلث، وإن سمى ثمانية وله اثنا عشر فإنه يكون شريكا بالثلثين، وعلى هذا فقس.
وعلم مما قررت أن قوله: من ماله راجع للأمرين قبله أي بشاة من ماله أي من غنمه أو إبله أو غيرهما أو عدد من ماله أي من خيله أو عبيده أو غيرهما، وقوله: شارك بالجزء جواب الشرط أي وإن أوصى له بشاة أو بعدد شارك بالجزء. قال الشبراخيتي: وإن أوصى بشاة لو قال بكشاة كان أحسن لتدخل البقرة والفرس والعبد وغير ذلك أو عدد سماه من الشياه وغيرها من ماله وله شياه أو خيل أو عبيد شارك الموصى له الورثة بالجزء أي بتلك النسبة، فإذا أوصى له بشاة أو
(1)
كذا في الأصل.
فرس أو عبد وله من كل واحد عشرة كان شريكا بالعشر وباثنين كان شريكا بالخمس، وقس على ذلك. ويراعى في إعطاء العدد قيمته كما يفيده كلام الحطاب والمواق، أي فيراعى في النسبة العدد الموجود ويراعى في الإعطاء القيمة. قال ابن غازي: لام له يحتمل الجر على أنه واحد الأموال، قال: ولا يبعد فتحها على أنها موصولة أي من الذي له من ذلك الجنس. انتهى. وقوله: "من ماله" أي قال من مالي والمال موجود. انتهى المراد منه.
وقال عبد الباقي: وإن أوصى لشخص بشاة واحدة من غنم أو عبد من عبيده أو بعير من إبله أو أوصى له بعدد من ماله، أي قال: أعطوه عددا من غنمي أو عبيدي أو إبلي أو نحو ذلك فلام مال مكسورة على أنه واحد الأموال، ولا يبعد فتحها على أن ما موصولة وله صلتها أي من الذي له من ذلك الجندى وملكه متعدد يوم التنفيذ، زاد على العدد الموجود يوم الوصية أو نقص عنه شارك الموصى له الورثة بالجزء أي بنسبة الجزء الذي أوصي به إلى الموصى فيه من غنم وعبيد أو إبل، سواء كان جميع ذلك باقيا أو زاد على العدد يوم الوصية والموت أو نقص عنه بأن هلك بعضه وكان الفاضل أكثر مما سمى، فإذا أوصى له بشاة مثلا وله ثلاث شياه كان شريكا بالثلث أو له مائة كان شريكا بعشر العشر وكذا يقال في العبيد والإبل، وإذا أوصى له بعشرة وكان عنده مائة يوم الوصية أو الموت إلى يوم التنفيذ فهو شريك بالعشر، فإن هلك منها خمسون وبقي خمسون إلى يوم التنفيذ كان له عشرة أجزاء من خمسين لأن الذاهب كالعدم، وإن بقي ثلاثون إلى يوم التنفيذ كان له عشرة أجزاء من ثلاثين جزءا، وإن بقي عشرون كان له عشرة أجزاء من عشرين وذلك نصف، وكلام المدونة يدل على ذلك كما في أحمد وقوله:"أو عدد" أي بمتعدد، وحذف تمييزه ليعم الشياه وغيرها، ومعنى مشاركته بالجزء أنه يعطى من الشياه عددا بقدر تلك النسبة وليس معناه أنه يكون شريكا في كل جزء من العدد المذكور بتلك النسبة كما هو المتبادر من لفظه، وحينئذ فيحتاج [في]
(1)
تمييز ذلك العدد إلى القرعة ثم يراعى في الإعطاء القيمة، فعلم أنه يراعى في العدد حال المال يوم التنفيذ وفي الإعطاء القيمة كما في الحطاب. انتهى كلام عبد الباقي.
(1)
في الأصل: إلى، والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 191.
وقال البناني: وإن أوصى بعشرة من غنمه أو عبيده مثلا فإن الموصى له يكون شريكا بنسبة هذا العدد مما يكون موجودا يوم التنفيذ من الغنم أو العبيد. هذا قول ابن القاسم في المدونة وغيرها. فهو لم يراع الجزء يوم الموت مطلقا، وإنما راعاه بشرط أن تبقى الغنم إلى يوم التنفيذ، فإن لم تبق الغنم على عددها بل نقصت فله نسبة ذلك العدد من الباقي إن حمله الثلث، قال في المدونة: قال غير ابن القاسم: ما مات أو تلف قبل النظر في الثلث فكأن الميت لم يتركه. أبو الحسن: قول الغير تفسيرٌ وتتميم. ابن عبد السلام: والحاصل أن ابن القاسم اعتبر الشركة بالجزء مع الالتفات إلى العدد، يريد: وإن لم يبق إلا ذلك العدد. قال: واعتبر ابن الماجشون الجزء مطلقا فلا فرق عنده بين أن يوصيَ له بشاة من غنمه وهي عشرة، وبين أن يوصيَ بعشرها فيكون له عشرما بقي مطلقا. انتهى، ونحوه في التوضيح. انتهى.
وقال الحطاب: ومعنى يشارك بالجزء يعني أنه يكون شريكا بنسبة تلك الشاة من الغنم أو بنسبة ذلك العدد من الغنم، فإن أوصى له بشاة ومات عن خمس فله الخمس، وإن أوصى له بثلاث فله ثلاثة أخماس الغنم فتقوم ويأخذ الموصى له بذلك الجزء من الغنم سواء كان عدده قدر القدر الذي أوصى به الميت أو أكثر أو أقل بالقرعة. هذا قول ابن القاسم. لكنه لم يراع بالجزء يوم الموت مطلقا: بل راعاه بشرط أن تبقى الغنم إلى يوم التنفيذ، فإن لم يبق إلا ذلك أخذه الموصى له إن حمله الثلث، ثم قال الحطاب: فلو أوصى له بعشرة من غنمه وهي خمسون ثم تلف منها عشرون فله ثلث الثلاثين، وإن بقي عشرون فله نصفها وإن بقي خمسة عشر فله ثلثاها، فإن بقي عشرة أخذها إن حمل ذلك الثلث، فإن لم يبق من الغنم شيء أو استحقت كلها فلا شيء له. نص عليه ابن عرفة ونحوه في التوضيح، وفي المدونة أول الوصايا ما يدل كالصريح لمن تأمل. انتهى.
وإن لم يبق إلا ما سمى فهو له إن حمله الثلث يعني أنه إذا لم يبق من الغنم أو غيرها فيما مر إلا شاة في المسألة الأولى أو ما سماه من العدد في المسألة الثانية فهو للموصى له يختص به دون الورثة بشرط أن يحمله الثلث، فإن لم يحمل الثلث إلا بعضه فله ما حمله. قاله عبد الباقي. ومر عن الحطاب أنه إذا لم يبق من الغنم شيء أو استحقت كلها لم يكن للموصى له شيء، وقال عبد الباقي: فإن لم يكن عنده أكثر مما سماه فهو قوله: "وإن لم يبق إلا ما سمى" إلخ. انتهى.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: علم من قول عبد الباقي هذا أنه إن بقي أقل مما سمى فهو للموصى له. والله تعالى أعلم.
لا ثلث غنمي فتموت يعني أنه إذا قال: أوصيت لفلان بثلث غنمي فهلك بعضها، أو قال أعطوا فلانا ثلث غنمي فهلك بعضها فإنه يعطى ثلث ما بقي سواء كان قليلا أو كثيرا، بخلاف التي قبلها فإن له العدد كله، وإن لم يبق إلا ما سمى على ما مر، قال الشبراخيتي: لا إن قال له ثلث غنمي أو بقري فتموت أي يموت بعضها فليس له إلا ثلث ما بقي حتى يغاير ما قبله، وأما لو ماتت كلها فلا شيء له ولو كان المال باقيا ومثل الموت الاستحقاق والغصب كذا ينبغي. انتهى. وقال المواق من المدونة: إن قال له ثلث إبلي أو أوصى له بثلث غنم فاستحق ثلثاها فله ثلث ما بقي من الإبل والغنم. انتهى.
وقال عبد الباقي: لا إن قال في وصيته له ثلث غنمي أو بقري فتموت أي يموت بعضها فليس له إلا ثلث ما بقي، فإن لم يبق إلا شاة أعطى ثلثها وإن لم يبق شيء فلا شيء له لأنها شركة صحيحة؛ إذ هي بجزء معين بخلاف السابقة فبعدد معين، قال التتائي: والاستحقاق كمالوت وقال الأجهوري: ينبغي أن الغصب مثله. انتهى. أي إذا لم يقدر على الغاصب فإن قدر عليه نفذت الوصية به لبقائه على ملك ربه، بخلاف الاستحقاق. انتهى.
تنبيه: قال مقيده عفا الله عنه علم من كلام غير واحد أن قوله: "وبشاة أو بعدد سماهُ" الخ لا فرق فيه بين أن يقول: شاة من غنمي أو ثلاثة من ابلي أو مالي، أو يقول: له شاة فقط أوله ثلاثة من الإبل فقط. والله تعالى أعلم.
وإن لم تكن له غنم فله شاة وسط يعني أنه إذا قال: أوصيت له بشاة من مالي أو بثلاث شياه من مالي ولم تكن له غنم فإنه يكون للموصى له شاة وسط لا علية ولا دنية ونحوه لابن الحاجب، قال في التوضيح وفي الموازية: قيمة شاة وسط، واقتصر عليه المواق. قاله غير واحد. وقال الشبراخيتي: والظاهر أنه يعطى قيمة شاة وسط من الغالب إن غلب الضأن أو المعز وإلا أعطي نصف قيمة شاة وسط من كل من الصنفين. انتهى.
وإن قال من غنمي ولا غنم له بطلت يعني أنه إذا قال أوصيت لفلان بشاة من غنمي والحال أنه لا غنم له فإن الوصية تبطل، قال عبد الباقي: لأن مراد الموصي أن يعطوا له بشرط أن يكون لي غنم عند موته ولتلاعبه، وأما التي قبلها فغرضه تحصيل شاة له من ماله. انتهى. انظر تعليله الأول فإنه، يوهم أنه لو حدثت له غنم لم تبطل الوصية فالصواب التعليل الثاني، وقد صرح الشبراخيتي بالبطلان في ذلك وهو ظاهر المصنف إن لم يكن صريحه، ففي الشبراخيتي ما نصه: وإن قال أوصيت له بشاة من غنمي والحال أنه لا غنم له حال الإيصاء بطلت وصيته وإن حدث له غنم لم يكن له فيها شيء. انتهى.
كعتق عبد من عبيده فماتوا تشبيه في البطلان يعني أنه إذا أوصى بعتق عبد من عبيده ثم ماتوا كلهم أو استحقوا، فإن الوصية تبطل، فإن لم يبق منهم إلا عبد واحد تعين عتقه تنفيذًا لِغرض الموصى، ومثل الموت إذا لم يكن له عبيد أصلا. قاله الخرشي. وهذه هي قول المصنف، وإن قالَ من غنمي ولا غنم له بطلت. والله تعالى أعلم.
تنبيه: قال عبد الباقي: واعلم أن الوصية بالعتق يجري فيها جميع ما مر في قوله: "وبشاة" إلخ. انتهى. وهذا الذي أشار إليه نحوه في المواق حيث، قال: من أوصى بعتق عشرة من عبيده ولم يعينهم وعبيده خمسون فمات منهم عشرون قبل التقويم عتق ممن بقي منهم عشرة أجزاء من ثلاثين جزءا بالسهم، خرج عدد ذلك أقل من عشرة أو أكثر، ولو هلكوا إلا عشرة عتقوا إن حملهم الثلث، وكذا من أوصى لرجل بعبد من رقيقه أو بعشرة من إبله. انتهى. وفيه مخالفة لما مر عند قوله:"أو بعدد سماه من أكثر أقرع كالقسمة". والله تعالى أعلم.
وقدم لضيق الثلث فك أسير يعني أنه إذا اجتمعت الوصايا وأمور غيرها تخرج من الثلث وضاق الثلث عن إخراج جميعها، فإنه يبدأ بفك الأسير الذي أوصى بفكه على ما بعده أي ما يفك به، ثم مدبر صحة هذا ليس من الوصايا وإنما هو مما يخرج من الثلث، يعني أنه يبدأ بعد فك الأسير بعتق المدبر الذي دبره في صحته على ما بعده، ثم صداق مريض هذا أيضا ليس من الوصايا وإنما هو مما يخرج من الثلث، أي لا فرق بين أن يوصى به وأن لا يوصى؛ يعني أنه يبدأ بعد من ذكر بصداق المريض على ما بعده، وصورة ذلك أنه تزوج امرأة وهو مريض وبنى بها ثم مات أوصى
به أم لا، قال الشبراخيتي: وقدم لضيق الثلث عما يخرج منه كان وصية أو غيرها، كصداق المريض والدبر وغير ذلك مما ذكره المصنف، فك الأسير أي ما يفك به الأسير وظاهره عين الموصي قدرا أم لا. انتهى.
وقال البناني: إنما قدم فك الأسير لأنه مخاطب به في الصحة، والدبر وصداق المريض إنما ينظر فيهما بعد الموت فكان كل منهما أضعف مع ما في الفك من التخليص من الإذاية التي ليست في غيره. ابن عرفة: قال ابن رشد في المقدمات: كان أبو عمر الإشبيلي يرى تبدئة الوصية بفك الأسير على كل الوصايا المدبر في الصحة وغيره، ويحتج برواية أشهب في كتاب الجهاد وحكاه عنه ابن عتاب، وقال: أجمع الشيوخ على ذلك وهو صحيح. انتهى. وقوله: "ثم مدبر صحة ثم صداق مريض" هذا هو المشهور من أقوال ثلاثة، قال عبد الحق: قدم مدبر الصحة لأن النكاح محدث اختيار أبعده في المرض وهو ليس له أن يحدث في المرض شيئا يبطله أو ينقصه، والقولان الآخران أحدهما أنه يبدأ بالصداق، قال عبد الحق: لأنه أشبه بالمعاوَضة، ومن الناس من يراه من رأس المال. الثاني: أنهما يتحاصان لأن لكل واحد منهما وجها يترجح به. قاله البناني.
وقوله: "فك أسير" ظاهر المصنف الإطلاق، وقيده أحمد بالمسلم، قال: فإن أوصى بفك أسير ذمي كان من جملة الصدقة. انتهى. أي ويأتي حكمها في قوله: "ومعين غيره وجزئه". قاله عبد الباقي.
وإن دبر اثنين في الصحة أو في المرض وكان ذلك بكلمة تحاصا وإلا قدم السابق، قال الحطاب في كتاب المدبر منها: ومن مات وترك مدبرين فإن كان دبر واحدا بعد واحد في صحة أو مرض أو دبر في مرض ثم مح ثم دبر في صحة، فيبدأ بالأول إلى مبلغ الثلث، ولو دبرهم في كلمة في صحة أو مرض عتق جميعهم إن حملهم الثلث وإن لم يحملهم لم يبدأ أحد منهم على صاحبه، ولكن يفض الثلث على جميعهم بالقيمة فيعتق من كل واحد حصته منه، وإن لم يدع إلا هم عتق ثلث كل واحد ولا سهم بينهم، بخلاف المبتلين في المرض، قال في هذا المحل من التوضيح: وهذا هو المشهور، وقيل: يقرع بينهم. انتهى. قوله: "صداق مريض" قد تقدم أن لها الأقل من المسمى وصداق المثل والثلث ويكون في المعلوم والمجهول. والله تعالى أعلم.
ثم زكاة أوصى بها يعني أنه بعد ما تقدم يبدأ بالزكاة التي فرط في إخراجها، وأوصى أن تخرج عنه: قال عبد الباقي: ثم زكاة لمعين فرط فيها وأوصى بها. انتهى. قال البناني: أخرت لأن طالبها غير معين وطالب ما قبلها معين. انتهى. وقال الشبراخيتي: ثم زكاة كان فرط فيها بدليل ما بعده، يعني قوله:"إلا أن يعترف بحلولها" الخ، وسواء كانت لمعين أو حرث أو ماشية. وقول التتائي: لعين غير ظاهر؛ لأن الفرض أنه فرط فيها فلا فرق بين المعين وغيرها. انتهى.
قال مقيده عفا الله عنه: علم من هذا أن معنى فرط فيها أنها زكاة عام قبل عامه هذا، ولهذا قال الحطاب مفسرا للمصنف: يعني ثم زكاة فرط فيها وأوصى بها في مرضه، أما لو لم يفرط فيها فهي المسألة الآتية في قوله:"إلا أن يعترف بحلولها" الخ، وأما لو أقر بها في صحته وأشهد بها فإنها من رأس ماله كما يأتي في أول باب الفرائض، ولو فرط فيها ولم يوص بها في مرضه فلا تخرج من ثلث ولا غيره. قال في التوضيح: ولو قال في مرضه سأخرجها. انتهى. ومراد المؤلف زكاة الأموال سواء كانت عينا أو حرثا أو ماشية، قال في المنتقى: قال في كتاب المواز: زكاة المال والحب والماشية سواء يحاص بينها عند ضيق الثلث. انتهى.
تنبيه: اعلم أنه إذا لم ينص الموصي على تبدأة فإنه يبدأ بالآكد فالآكد كما ذكر المصنف، فإن نص على التبدئة بديء بما أمر بالتبدئة به، ولو كان غيره آكد منه اتباعا لوصيته ما لم يكن الآكد مما لا يجوز الرجوع عنه، كالمبتل في المرض والمدبر فيه أو في الصحة.
إلا أن يعترف بحلولها ويوصى فمن رأس المال يعني أنه إذا لم يفرط في إخراج الزكاة بأن كانت زكاة عامه واعترف بحلولها وأوصى بإخراجها، فإنها تخرج من رأس المال حيث كانت عينا، قال الحطاب هنا: هذه هي الزكاة التي لم يفرط فيها، وفرق المؤلف فيها بين المعين وغيرها، فشرط في المعين أن يعترف بحلولها ويوصي بالمال، أما اشتراط الاعتراف فتبع فيه ابن الحاجب، وقد اعترضه في توضيحه وكذلك ابن عبد السلام وابن عرفة، ونص ابن عرفة: قول ابن الحاجب إن اعترف بحلولها حينئذ وأنه لم يخرجها فمن رأس المال خلاف اقتضاء ظاهر الروايات شرط علم حلولها حينئذ من غيره ولصحة تعليل الصقلي ما أخرج منها في الثلث بكونه لم يعلم إلا من قبله. انتهى. وقال عبد الباقي: ومفهوم المصنف أنه إن مات ولم يعترف بحلولها ولم يوص بها
لم تخرج، ويحمل على أنه كان أخرجها وأنه إن اعترف بحلولها ولم يوص لم تجبر الورثة على الإخراج ولم تكن في ثلث ولا في رأس مال. انتهى.
كالحرث والماشية يعني أن زكاة الحرث والماشية ليست كالعين فيما إذا حلتا، فالعين إن اعترف بحلولها وأوصى أخرجت من رأس المال، وأما إن لم يوص بإخراجها فلا تكون في ثلث ولا في رأس مال، وأما زكاة الحرث والماشية التي حلت فإنها تخرج من رأس المال، وإن لم يوص بإخراجها والحاصل أن الزكاة التي فرط فيها أي كانت لغير عامه هذا، فإنه إن أوصى بها تتلو صداق المريض هذا إذا لم يقر بها في صحته ويشهد بها، وأما إن أقر بها في صحته وأشهد بها فإنها تخرج من رأس المال، وسواء فيما ذكر كانت زكاة عين أو غيرها كالحرث والماشية، فإن لم يفرط فيها بأن كانت للعام الحاضر، فإما أن تكون زكاة عين أو غيرها فإن كان زكاة عين أخرجت من رأس المال بشرط أن يعترف بحلولها ويوصيَ، فإن لم يعترف بحلولها ولم يوص لم تخرج ويحمل على أنه أخرجها، فإن اعترف بحلولها ولم يوص لم تكن في ثلث ولا في رأس مال، وإن كانت زكاة حرث أو ماشية فإنها تخرج من رأس المال وإن لم يوص، هذا على ما قال المصنف وهو معترض لأن الشرط في إخراج الزكاة من رأس المال أن يعلم حلولها من غير الموصي، وما يخرج من الثلث هو ما كان عن علم الموصي، وأما من له ساع وأوصى بإخراجها والحال أنه مات قبل مجيء الساعي فهي حينئذ من جملة قوله:"ومعين غيره" إلخ.
ثم الفطر يعني أن زكاة الفطر الماضية إذا أوصى بها فإنها تكون في الثلث تالية للزكاة التي فرط فيها من عين أو حرث أو ماشية، وأما من مات يوم الفطر أو ليلته، فقال ابن يونس: من مات يوم الفطر أو ليلته فهي من رأس المال عند ابن القاسم، فإن لم يوص بها أمر الورثة بإخراجها ولم يجبروا، وقال أشهب: هي من رأس المال أوصى بها أم لا، كمن مات وقد أزهى حائطه وطاب كرمه وأفرك زرعه واستغنى عن الماء فذلك زكاته على الميت إن بلغ الزكاة أوصى أو لم يوص. قاله المواق. وقال عبد الباقي: ثم زكاة الفطر الماضية وأوصى بها فإن لم يوص بها أمر ورثته بإخراجها من غير جبر، وأما من مات في زمنه كليلة الفطر أو يومه فإن أوصى أو أشهد في صحته أنها في ذمته فمن رأس المال في الأولى خلافا لأشهب، وباتفاق في الثانية. انتهى. قوله: خلافا
لأشهب يعني أن أشهب، قال: تخرج من رأس المال أوصى أم لا، وقوله: أو أشهد عطف على مات أي، وأما إن أشهد بها في صحته فإنها في ذمته وهي ماضية فإنها تكون من رأس المال كما مر قريبا في الزكاة التي فرط فيها لمعين أو غيرها. قاله مقيده عفا الله تعالى عنه. والله تعالى أعلم.
ثم كفارة ظهار وقتل يعني أنه يلي زكاة الفطر في الإخراج عند ضيق الثلث كفارة الظهار وكفارة القتل فيقدمان على ما بعدهما، وهما في مرتبة واحدة عند ابن القاسم لكن في قتل الخطأ لا في العمد؛ لأن الكفارة فيه مستحبة والكلام في ترتيب الواجبات فتكون في العمد آخر المراتب وتدخل في قوله الآتي:"ومعين غيره"
وأقرع بينهما يعني أن كفارة الظهار وكفارة القتل في مرتبة، ولذلك إذا ضاق الثلث عن إخراجهما معا فإنه يقرع بينهما. قال عبد الباقي: وأقرع بينهما عند الضيق في تقديم أيهما بأن لم يحمل الثلث إلا كفارة واحدة، ومحل إخراجهما من الثلث إذا فرط في إخراجهما بمضي مدة بعد تحتم كفارة الظهار وبعد وجوب كفارة القتل، ولم يعلم هل أخرجهما أم لا؟ ولم يشهد في صحته أنهما في ذمته، فإن علم أنه لم يخرجهما أو شك ولكن أشهد في صحته ببقائهما عليه فمن رأس المال. انتهى. وقال المواق: النكت: ثم بعد الزكاة العتق في الظهار والقتل لأن الزكاة لا عوض عنها فهي أقوى، فإن ضاق الثلث عن عتق الظهار والقتل ولم يحمل إلا كفارة واحدة فرأيت للأبياني أن معنى المدونة أنه يقرع بينهما، وذهب بعض القرويين إلى أنه يحاص بينهما فما وقع للظهار أطعم به وما وقع للقتل شورك به في رقبة. ابن رشد: إن وسع الثلث رقبة وإطعام ستين مسكينا فيعتق الرقبة في القتل ويطعم عن الظهار باتفاق. انتهى.
ثم كفارة يميله يعني أنه يلي كفارتي الظهار والقتل في الإخراج عند ضيق الثلث كفارة اليمين بالله عز وجل لأنها على التخيير وهما على الترتيب، قال المواق: النكت: يبدأ عتق الظهار والقتل على كفارة اليمين، لأن كفارة اليمين هو مخير فيها في ثلاثة والظهار والقتل كفارتهما مقصورة على شيء واحد لا ينتقل عنه إلا بالعدم. الباجي: وقال مالك: إنما تبدأ كفارة الأيمان إن كانت عليه فيما علم، فأما إن أوصى بها تحنثا وتحرجا فلا تبدأ وهي كالوصايا بالصدقة.
انتهى. وقال الشبراخيتي: وإنما قدمت على كفارة الفطر والتفريط لأنها واجبة بكتاب الله تعالى بخلافهما. انتهى.
ثم لفطر رمضان يعني أنه يلي ما تقدم في الإخراج عند ضيق الثلث الكفارة لفطر رمضان بجماع أو أكل أو شرب. ثم للتفريط يعني أنه يلي الكفارة لفطر رمضان الكفارة لتفريط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر وأخر عما قبله لأنه للتأخير فقط والأول خلل في ذات الصوم، ثم محل الثلاثة التي ذكر المصنف إذا لم يعلم هل أخرجه أولا ولم يشهد في صحته أنه في ذمته؟ فإن علم أنه لم يخرجه أو أشهد في صحته أنه في ذمته فمن رأس المال. قاله عبد الباقي.
ثم النذر يعني أنه يلي كفارة التفريط عند ضيق الثلث النذر فيقدم على ما بعده، قال الشبراخيتي: ظاهره في الصحة أو في المرض وإنما أخر النذر عن كفارة فطر رمضان والتفريط لتعلقهما بالصوم الذي أوجبه الله من غير أن يكون له سبب في إيجابه، بخلاف النذر فإنه الذي تسبب في إيجابه على نفسه. قال عبد الباقي: وما ذكرناه من أن نذره في صحته أو مرضه نحوه للتتائي قائلا إنه ظاهر المصنف، والذي لأبي الحسن والمواق وابن مرزوق أن محل ذلك في نذر الصحة وإلا فمرتبته ما يليه وهو قوله: ثم المبتل ومدبر المرض يعني أن العتق المبتل في المرض والمدبر في المرض يليان المنذر عند ضيق الثلث فيقدمان على ما بعدهما. قال الحطاب: يعني أنهما في مرتبة واحدة، فإن لم يحملهما الثلث تحاصا. قال في التوضيح: وهذا إذا كانا في فور واحد، ولو بدأ بأحدهما ثم ذكر الآخر بدئ بالأول. أشهب: والكلام المتصل لا صمات فيه كاللفظ الواحد. وقال ابن القاسم: ما كان في كلمة واحدة وفور واحد فهما معا، وما كان في فور بعد فور فالأول مبدأ. وفي الموازية والمجموعة: إن كانا في كلام واحد أو في حكم اللفظ الواحد، وفي الموازية والعتبية والمجموعة: إن كانا في كلام واحد في مرضه فقال هذا حر بتلا وهذا مدبر، تحاصا. وقاله ابن القاسم.
تنبيه: وقع في كلام غير واحد ما معناه: وأما الصدقة والهبة والحبس والعطية المبتلات فإنها مقدمة على الوصايا، وهل تقدم على الموصى بعتقه؟ اختلف في ذلك والذي اختاره ابن القاسم أنه يقدم عليها، وأما العتق المبتل في المرض فهو مقدم عليها أي على المبتل من هبة ونحوها.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: الذي ظهر لي من هذا أن المراد بقولهم إن المبتل من العطية مقدم على الوصايا إنما يعنون بالوصايا الوصايا بالمال المندوبة، فلا يتناول ذلك زكاة فرط فيها وأوصى بها ولا النذر ونحو ذلك. والله تعالى أعلم. وفي الحطاب بعد جلب كلام ما نصه: فحاصله أن الصدقة المبتلة ومثلها العطية المبتلة تقدمان على الوصايا على القول الروي عن مالك وأكثر أصحابه، وهل تقدمان على الموصى بعتقه؟ اختار ابن القاسم تبدئة الموصى بعتقه. انتهى. وقال الرهوني في المنتقى ما نصه: ومن تصدق في مرضه بصدقة على رجل بتلها وأوصى بوصايا، فقد روى ابن وهب عن مالك في الموازية أن الصدقة المبتلة مقدمة. وقال ابن دينار: وتقدم أيضا على الوصية بعتق معين لأن له أن يرجع عنه وقاله في المجموعة المغيرة وعبد الملك، قال سحنون: كانت العطية قبل وصية العتق أو بعده، وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إذا بتل في مرضه عطية أو صدقة أو حبسا أو ساق عمن ليس بوارث صداقه فذلك مقدم على عتق الوصية. قال الشيخ أبو محمد: يريد بعينه وعلى غير ذلك من الوصايا المبتل فهو أولى، ولا وجه لتوقف الحطاب في الحبس المبتل هل يقدم على الوصايا بحال؟ انظر الرهوني. وفيه عن ابن يونس ما نصه: قال ابن وهب عن مالك: والصدقة المبتل تبدأ على الوصايا، قال ابن دينار: وتبدأ على الموصى بعتقه بعينه إذ له أن يرجع فيه ولا له أن يرجع في الصدقة المبتل. وقاله عبد الملك وسحنون في المجموعة. انتهى. وفي المدونة: وكل صدقة أو هبة أو حبس أو عطية بتلها مريض لرجل بعينه أو للمساكين فلم تخرج من يده حتى مات فذلك في ثلثه كوصاياه، لأن حكم ذلك وحكم ما أعتق الإيقاف ليصح المريض فيتم ذلك أو يموت فيكون في الثلث، ثم قال: ولا رجوع للمريض فيما بتل بخلاف الوصية. انتهى.
ثم الموصى بعتقه معينا عنده يعني أنه يلي المبتل ومدبر المرض العبد الذي أوصى بعتقه ناجزا وهو معين عند الموصي، قوله:"معينا" حال من الضمير البارز في عتقه، وعنده يصح أن يكون حالا منه أيضا، ويصح أن يكون حالا من الضمير في معين. قاله الشبراخيتي. والله تعالى أعلم. وقال الرهوني عند قوله:"ثم الموصى بعتقه معينا عنده" ما نصه: يصدق بالواحد وبالمتعدد، فإن حمل الثلث جميعهم فالأمر واضح وإلا فقد تقدم حكم ذلك في كلام المصنف آخر باب العتق. انتهى.
فرع في الرهوني ما نصه: قال مالك فيمن أوصى بعتق بعض رقيقه فمرض بعضهم أنه يقوم مريضا ولا ينتظر به الصحة مخافة أن يموت إذا جمع المال، قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن الميت إذا مات وجب تنفيذ ما أوصى به العتق وغيره، فوجب أن لا يؤخر ذلك من أجل مرضه. وبالله التوفيق. انتهى.
أو يشترَى هذا مفهوم قوله: عنده يعني أنه يلي المبتل في المرض والمدبر فيه العبد المعين في ملك الغير موصى بشرائه ليعتق عنه ناجزا وهو في مرتبة الموصى بعتقه معينا عند الموصى، أو لكشهر يعني أنه إذا أوصى بعتق عبد معين بعد كشهر سواء كان عنده أو يشترَى فإنه في مرتبة مع الموصى بعتقه ناجزا، أو بمال فعجله يعني أنه إذا أوصى بعتق عبد معين عنده على مال معجل أو مؤجل أو أطلق فعجله العبد بعد موت الموصي، فإن هذا العبد في مرتبة مع الموصى بعتقه ناجزا. والحاصل أن هذه الأربعة في مرتبة واحدة، قال عبد الباقي: وهذه الأربعة في مرتبة واحدة ويتحاصون عند الضيق، وأخرت عن المبتل والمدبر في المرض لأن له الرجوع فيهم بخلافهما. انتهى.
وقال الشبراخيتي: ومثله يعني المعتق على مال فعجله الموصى بكتابته إذا عجلت، ثم إن المال إذا عجلها لا تدخل الوصايا في ثلثه لأنه مال طرأ وهذا إذا كان بعد الموت، وأما إن عجله في المرض فإنها تدخل الوصية في ثلثه، والظاهر أن الذي يعتبر جعله في الثلث هو ما زادته قيمته على ما عجله من الكتابة ومن المال. انتهى.
ثم الموصى بكتابته والمعتق بمال والعتق لأجل بعد يعني أن هذه الثلاثة في مرتبة واحدة وهي الموصى بكتابته ولم يعجلها والعتق على مال ولم يعجله والمعتق لأجل بعيد أي بعد عن كشهر ولم يبلغ سنة هذا هو الذي يفيده المصنف بدليل آخر كلامه، ولكن الذي يوافق النقل أن الذي في مرتبة الموصى بكتابته ولم يعجلها هو ما كان أجله كعشر سنين، وأما الموصى بكتابته فعجلها والمعتق على مال فعجله فمرتبتهما كالموصى بعتقه معينا ناجزا. والله تعالى أعلم.
ثم المعتق سنة على أكثر يعني أن المعتق إلى سنة يقدم على العتق إلى أكثر منها، وقضية كلامه أن المعتق لسنة مرتبة بعد الموصى بكتابته ولم يعجلها وذلك خلاف ما تجب به الفتوى، والذي
تجب به الفتوى أن المعتق إلى سنة مقدم على الموصى بكتابته ولم يعجلها، وقال الحطاب: وكانت الواو هنا أولى من ثم. انتهى. يعني وبذلك يستقيم الكلام. قال الحطاب: وفي التوضيح: وقدم عبد الحق المعتق إلى سنة على المكاتب، وجعل المكاتب يتحاص مع المعتق لأجل بعيد كعشر سنين ومع العتق على مال فلم يعجله. انتهى. وقال البناني: قرره ابن غازي على أن المراد بعد عن شهر وهو أقل من سنة، بدليل قوله:"ثم المعتق لسنة" الخ إلا أنه اعترضه بأنه لم يقف على من زاد هذه المرتبة، ثم قال: ويستفاد من تقرير الحطاب أن المعتق لسنة مقدم على الموصى بكتابته وما معه وهو الذي في المواق، والذي في الزرقاني عن ابن مرزوق أن المعتق لسنة ولأكثر في مرتبة واحدة وأنهما معا مقدمان على الموصى بكتابته والعتق بمال ونحو ذلك في المواق عن عبد الحق. فانظره. والله تعالى أعلم.
ثم عتق لم يعين يعني أنه يلي ما مر الوصية بعتق لم يمين، كأعتقوا عبدا ثم حج يعني أنه يلي الوصية بعتق لم يمين الوصية بأن يحج عنه إلا الصَّرورة يعني أن وصية الحج متأخرة عن رتبة الوصية بالعتق الذي لم يمين، هذا إذا لم يكن الموصى صَرورة وأما إن كان صَرورة وهو الذي لم يحج الفرض فإنهما يتحاصان. كعتق لم يعين ومعين غيره تشبيه بالمحاصة؛ يعني أنه إذا أوصى بعتق لم يمين ومعين غير العتق كما إذا أوصى أن يعتق عبد وأوصى بعبده المعين أو ناقته المعينة لزيد فإنهما يتحاصان، وبهذا التقرير لم يكن في كلام المصنف تكرار لأن الأول عتق زاحمه حج، والثاني عتق زاحمه معين غيره. الرهوني: في كلام المصنف إشكال وذلك أنه جعل العتق الذي لم يمين مقدما على حج غير الصرورة، وظاهر كلامه أن الوصية بالحج مطلقا مقدمة على معين غير العتق، ثم إنه سوى ثانيا بين العتق الذي لم يمين وبين معين غيره، فصار العتق إذ ذاك مساويا لمعين غيره وراجحا عليه وذلك لا يعقل، والذي يرفع هذا الإشكال أن المصنف إنما قصد بقوله:"كعتق لم يعين" الخ التشبيه على أمرين لم يفهما من قوله أولا: "ثم عتق لم يعين" أحدهما أن المعين غير المعتق في مرتبة واحدة مع عتق لم يمين فيتحاصان عند الضيق وهذا صريح في كلامه، ويلزم منه أن الحج إن كان صرورة في مرتبة كليهما ثانيهما أن المعين غير العتق مقدم على حج غير الصَّرورة؛ لأنه لما جزم أولا بتقديم العتق على حج غير الصرورة علمنا أن ما في مرتبة العتق
مقدم على الحج المذكور، والمصنف على هذه التمشية جار على أحد قولي مالك في المدونة. انظر المواق. وبه يتضح كلامه. انتهى.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: يظهر بالتأمل أنه لا إشكال، وقال البناني عند قول عبد الباقي: أراد بقوله: "معين غيره" أي غير العتق أي أنه أوصى لزيد مثلا بعبده المعين، أو قال بيعوه له أو أوصى له بكثوب معين. انتهى. ما نصه: نحوه قول المدونة: من أوصى بثلث ماله لقوم وشيء بعينه لقوم نظر إلى قيمة المعين، وإلى ما أوصى به من الثلث ويتحاصان. انتهى. وفي التوضيح تبعا لابن عبد السلام: المراد بالمعين العدد المسمى كعشرة دنانير ونحوها مع إيصائه بثلث أو ربع فيتحاصان عند ابن القاسم، وهو مذهب المدونة وهو المشهور من أقوال ثلاثة وهو مقيد بما إذا لم يقل من ثلثي نحو لفلان الثلث ولفلان عشرة من ثلثي، فإن ابن رشد قال لا خلاف أن صاحب العدد هو المبدأ ومقابل المشهور أن التسمية مبدأة، والقول الثالث أن الجزء مبدأ. انظر الحطاب وقال الحطاب مفسرا للمصنف: يعني كما أن العتق غير المعين يكون مع الحج للصرورة في رتبة واحدة ويتحاصان كذلك يكون العتق غير المعين مع معين غير العتق. انتهى المراد منه.
وجزئه أي جزء الميت يعني أن جزء غير الميت أي جزء ماله كربع المال أو ثلثه أو سدسه في مرتبة مع معين غير العتق، فإذا أوصى له بمعين كثوب معين أو عدد كعشرة دنانير ونحوها وأوصى مع ذلك بثلث أو نصف فإن ذلك يتحاص في الثلث، وأما تفسير قوله:"وجزئه" بأن المراد به جزء المعين كنصف بقرة مثلا، فقال البناني: فيه نظر لأن هذا من المعين. انتهى. وهذا الذي قررت به المصنف نحوه للحطاب والشبراخيتي، إلا أنما الحطاب جعل الضمير للمعتق والشبراخيتي جعله للميت، فقال: وجزئه أي جزء الميت أي جزء ماله كوصية بالثلث أو الربع أو نحو ذلك كما قال الشارح. انتهى. وهو أحسن من صنيع الحطاب وإن كان مآل الكل واحدًا. والله تعالى أعلم. وقال الشبراخيتي عند قوله: "ومعين غيره" ما نصه: يشمل ما إذا عين ذات الموصى به
(1)
كهذا الثوب وما إذا عين عدده. انتهى.
(1)
ساقطة من الأصل، وقد وردت في الشبراخيتي مخطوط جزء أخير.
تنبيهان: الأول: قال البناني: قال ابن عرفة: قال بن زرقون: للناس أشعار في ترتيب الوصايا على مشهور مذهب مالك فاخترت قول بعضهم:
صداق المريض في الوصايا مقدم
…
ويتلوه ذو التدبير في صحة الجسم
وقيل هما سيان حكمهما معا
…
وقيل بذي التدبير يبدأ في الحكم
وإن ضيع الموصي زكاة فإنها
…
تبدَّى على ما بعد هذين في النظم
وكفارتان بعدها لظهاره
…
وللقتل وهما لا بعمد ولا جرم
ويتلوهما كفارة الحلف توبعت
…
بكفارة الموصي عن الصوم ذي الوصم
ونذر الفتى تال لما قد نظمته
…
وما بتل الموصي ودبر في السقم
هما يتلوان النذر ثم وصاية
…
بعتق الذي في ملكه يا أخا الفهم
مع المشترى من ملك زيد معينا
…
ليعتق منه للنجاة من الإثم
وما أعتق الموصي لتوقيت حينه
…
كشهر ونحو الشهر من أجل حتم
وإن كان عتق بعد مال مؤجل
…
معجله ذو العتق قبل انقضا القسم
يساوَى بهم عند الحصاص حقيقة
…
كذا حكمهم يا صاح في موجب العلم
وبعدهم ما كان عتقا مؤجلا
…
لبعد من التأجيل في مقتضى الرسم
فذاك مع الموصى به لكتابة
…
ومن كان بعد المال يعتق بالعزم
يبدون قبل المشترى لعتاقة
…
بلا نص تعيين عليه ولا حسم
ومن بعده الحج الموصى بفعله
…
وقيل هما سيان في مقتضى الحكم
وهذي المبادي نظمها نظم لؤلؤ
…
فدونكه نظما صحيحا بلا وهم
قوله: صداق المريض الخ هذا أحد أقوال ثلاثة وهو لابن القاسم، ثانيها أنه هو ومدبر الصحة يتحاصان وهو لابن القاسم أيضا، الثالث وهو المشهور الذي مر عليه المصنف أن المدبر في الصحة هو المقدم ولم يبين الناظم المشهور منها. قال القلشاني: قد أبدع هذا الناظم فيما نظم، وقرب تحصيل شوارد كادت لشتاتها أن لا تحصى ولا تفهم، وهذه القصيدة تضمنت تسع عشرة مسألة. انتهى. وقد ذكر المصنف رحمه الله سبعا وعشرين مسألة فلله دره.
الثاني: فال أبو حفص عمر بن الحسن الهوزلي:
أصح المبدا في مكاسب من توى
…
فيسهل ذكراه عليك إذا جرى
ففي رأس ما أبقى ضروره دفنه
…
وفرض زكاة حل في نابت الثرى
وثن بدين حق فاقض جميعه
…
وتتلو زكاة اللين والفطر ما مضى
لموصى بها قد حان للوقت منهما
…
فبدئهما حتما على السخط والرضى
وقد قيل في بعض الهدايا بمثلها
…
ولا سيما عند الوصاة وما التوى
وفي ثلثه مهر المريض مبدأ
…
وأقواه مهر المثل منه إذا بنى
ويتلوه تدبير الصحيح وبعده
…
زكاة مريض ضيع الوقت فانقضى
وتدبيره والعتق بتلا تلامعا
…
وقيل يلي عتق الظهار أو الخطأ
وكفاره الأيمان بعد وبعدها
…
يكفر عن فطر الصيام الذي عصى
وإطعام نذر للمساكين بعده
…
وتعيين عتق بعد في أوجه ترى
فعتق بلا شرط وعتق لغارم
…
ومستخدم والعتق في ذين قد دنا
وتعيين مبتاع تعجل عتقه
…
فكلهم في العدل حكم قد استوى
وتابع بموصى أن يكاتب والذي
…
تباعد منه العتق للوقت إذ بنى
وبعدهما حج الصروره بده
…
ويتلو عتيق لم يمين من الورى
ويشركه حج لغير صرورة
…
وإن شئت بد العتق قبل فقد أتى
ويشرك هذا العتق سائر عهده
…
وبدأ لموصى من وصاياه ما ارتضى
وجنب وصاياه ديون اتهامه
…
وفي ثلث الباقي يكون كما قضى
ويدخل في العلوم كل وصية
…
ويدخل تدبيراه في ثلث ما طرا
وفي جله خلف وأشهره الذي
…
نصصت وتخليط الأقاويل كالعمى
تضمنت الأبيات الخمسة الأول الخارج من رأس ماله من ضرورة دفنه وزكاة الحرث في مرضه والدين الذي حق أي وجب في حياته بموجباته الشرعية وزكاتي الفطر والعين اللتين حلتا في مرضه وأوصى بهما عند ابن القاسم وعند أشهب إخراجها وإن لم يوص. وقوله: وقد قيل في بعض الهدايا بمثله هو قول ابن المواز، قال في متمتع مات إثر نفره ولم يهد لتمتعة يهدى من رأس ماله، وتضمنت الأبيات العشرة بعد الخمسة ونصف المبيت الحادي عشر التبدئة في الثلث الآكد فالآكد، ولا يخفاك إذا تأملت ما خالف فيه الناظم الأول من تقديم وتأخير وزيادة، وتضمن نصف البيت الحادي عشر التبدئة بما ارتضى الموصي التبدئة به وقوله: وجنب وصاياه ديون اتهامه يعني إذا أقر بدين لابنته مثلا ويكون مقداره مائة دينار وأوصى بثلثه لزيد وخلف أربع مائة دينار فأنكر العاصب إقراره بالمائة لابنته ورجعت ميراثا فإنها لا تدخل فيها الوصية؛ لأن الموصى قد اعتقد أن الثلث إنما يخرج من الباقي بعد الديون فلا يكون للموصى له بالثلث إلا مائة ثلث الثلاث مائة الباقية، وإليه أشار الناظم بقوله: وفي ثلث الباقي يكون كما قضى. وقوله: ويدخل في المعلوم كل وصية يعني أن كل مال للميت علم به قبل موته فإنه تدخل فيه كل وصاياه، وأما ما لم يعلم به من المال مثل أن يرث غائبا ولم يعلم به فإنه لا تدخل الوصايا في هذا المال الموروث الذي لم يعلم به الموصي، وأما المدبر فيعتق من ثلثه سواء كان مدبرا في الصحة أو في المرض كما قال، ويدخل تدبيراه في ثلث ما طرأ أي مما لم يعلم به فضلا عن غيره. وقوله: وفي
جله خلف يعني أن أكثر ما ذكره مختلف فيه إلا أنه ذكر الأشهر من الخلاف في ذلك رحمه الله ونفعنا به.
وللمريض اشتراء من يعتق عليه بثلثه يعني أنه يجوز للمريض أن يشتري من يعتق عليه بثلث ماله فأقل كابنه وأبيه وأخيه، كان ماله مامونا أم لا. وإذا اشتراه فإنه يعتق ناجزا ويرث باقي المال إن انفرد أو حصته مع غيره عند ابن القاسم؛ لأن العتق صح له بنفس الشراء لعدم الحجر فيه دون ترقب، ولو تلف بقية ماله قبل موته لم ينقض عتقه، ومفهوم قوله:"بثلثه" أنه لو اشترى من يعتق عليه بأكثر من الثلث وأجازه الوارث، فقال الشيخ داوود: لا يرث. قاله الشبراخيتي. وفيه نظر يأتي قريبا إن شاء الله تعالى. وقال عبد الباقي: وأما بأزيد من ثلثه فلا يجوز له ولا يرث، ومحل التقييد بالثلث إذا كان يعتق على المريض فقط كأخيه وكان الوارث له ابن عم، فإن كان يعتق عليه وعلى الوارث كابن المريض مع وجود ابن حر فله أن يشتريه ولو بماله كله، ولكن لا يرث أيضا لأنه لا يعتق على الوارث إلا بعد الموت ودخوله في ملكه، وإذا اشترى المريض من يعتق عليه فقط بأكثر من الثلث وأجازه الوارث، فقال الشيخ داوود: لا يرث أيضا لأن إجازة الوارث إنما تكون بعد الموت. انتهى. وفيه نظر لأن إجازته بمرض موته مع بقية الشروط التي قدمها معمول بها قبل الموت وليس له نقضها، وقول بعض الشراح عقب كلام الشيخ داوود: لا يقال إجازة الوارث في المرض لازمة من الآن لأنا نقول لما لم نقطع باستمرار تلك الحالة لاحتمال صحة الموروث أو تغير الوارث المجيز أو نحو ذلك، فلم نحكم بالإرث بالإجازة الأولى. انتهى. يقال عليه إذا مات الموصى بمرض موته ولم يغير الوارث فما المانع من الإرث حينئذ لانتفاء موانعه. انتهى. قوله: وأما بأزيد من ثلثه فلا يجوز له إلخ في قوله فلا يجوز له نظر كما يدل عليه ما يأتي عن الحطاب، وقول الزرقاني: ومحل التقييد بالثلث إلخ هذا التفصيل الذي ذكره نحوه في الحطاب عن ابن عرفة ونصه: ابن عرفة: وفيها من اشترى ابنه في مرضه جاز إن حمله ثلته وعتق وورث باقي المال إذا انفرد وحصته مع غيره، وإن أعتق مع ذلك عبده بدئ الابن وورثه إن حمله الثلث. الصقلي: قال محمد: إن اشتراه بأكثر من ثلثه عتق منه محمل الثلث ولم يرثه، وفي سماع ابن القاسم مثله وفيه إن لم يحمله الثلث عتق منه محمله ورق ما بقي
للورثة، فإن كان الورثة ممن يعتق عليهم عتق ما بقي عليهم، قلت: فإن اشترى أباه بماله كله وورثته ممن يعتق عليهم جاز شراؤه وعتق عليهم. انتهى.
ونحوه في التوضيح في أول كلامه وأثنائه وآخره، وكأنه هو المعتمد من الخلاف لتصدير ابن عرفة به ويلزم عليه جواز اشتراء المريض من يعتق على وارثه بماله كله وهو ظاهر لأن له التصرف في ماله بالمعاوضة فتأمله. انتهى كلام الحطاب. قال الشيخ مصطفى عقبه: وفيه نظر من وجوه منها قوله: ونحوه في التوضيح في أول كلامه الخ إذ لم يذكره في التوضيح أصلا لا في أول الكلام ولا في أثنائه ولا في آخره، قلت: بل ذكره في التوضيح ملفقا من المواضع الثلاثة ونصه في أول كلامه مذهب مالك وابن القاسم أن للمريض أن يشتري في مرضه من يعتق عليه بثلث ماله كان أبا أو ابنا أو أخا، ثم ذكر أقوالا لأشهب وابن الماجشون وابن وهب، ثم قال في أثناء الكلام: وقال ابن القاسم: إن اشترى أخاه في المرض ورثه إن حمله الثلث وإلا عتق منه محمل الثلث معجلا ورق ما بقي، وإن صار إلى من يعتق عليه عتق بقيته. انتهى.
ثم قال في آخر كلامه: ابن القاسم: وإن لم يحمله الثلث عتق منه محمل الثلث ولم يرث. انتهى. وقول ابن القاسم المذكور وقع في سماع عيسى لا كما قال ابن عرفة في سماع ابن القاسم، قال مصطفى: ومنها قوله لتصدير ابن عرفة به، وابن عرفة كما ترى صدر بمذهب المدونة وإطلاقها بخلاف السماع المذكور، وظاهر كلام ابن رشد وكلام ابن أبي زيد في النوادر أنه خلاف. انتهى. قلت: ولعل الحطاب فهم من كلام ابن عرفة ما هو ظاهره من أن قول محمد وابن القاسم وفاق لكلام المدونة وأيضا ليس في كلام المدونة مسألة الشراء بأكثر من الثلث، والخلاف إنما هو فيه كما في التوضيح وابن عرفة، قال مصطفى: ومنها قوله يلزم عليه جواز شراء المريض من يعتق على وارثه بماله كله واستظهاره لذلك بأنه تصرف بمعاوضة، إذ لا معاوضة للزوم العتق ولو كان معاوضة ما جعله في المدونة يخرج من الثلث فتأمله. انتهى. قلت: كأن مصطفى لم يفهم كلام الحطاب لأن مراد الحطاب أنه يلزم على كلام ابن عرفة جواز شراء المريض، من يعتق على وارثه فقط ولا يعتق على المريض مثل أن يشتري عمه والوارث هو ابن ذلك العم المشترَى أو أخوه ولا شك في وجود المعاوضة هنا؛ لأن المريض ما دام حيا يتصرف في هذا المشترَى بالبيع ونحوه فإذا
مات عتق على وارثه: ولزوم جواز هذا مما ذكره ابن عرفة ظاهر وليس هذا هو الذي جعله في المدونة: يخرج من الثلث، بل الذي يخرج من الثلث هو الذي يعتق على المريض كما تقدم. فتأمله منصفا. وقد بان لك بما ذكرناه صحة كلام الحطاب وسقوط أبحاث مصطفى. معه والله الموفق. انتهى. قاله البناني.
قوله: قلت، لعل الحطاب فهم من كلام ابن عرفة ما هو ظاهره من أن قول محمد وابن القاسم وفاق لكلام المدونة وأيضا ليس في كلام المدونة مسألة الشراء بأكثر من الثلث والخلاف إنما هو فيه الخ اعتراضه الأول والثالث على مصطفى صحيحان، وأما اعتراضه هذا ففيه نظر أما أولا فقوله وأيضا ليس في كلام المدونة مسألة الشراء بأكثر من الثلث الخ إن عنى أنه ليس فيها نصا صريحا فمسلم ومصطفى يسلم ذلك، وإن عنى أنه ليس فيها ما يدل عليه أصلا فغير مسلم لأن مفهوم قولها إن حمله الثلث يفيد أنه لا يجوز أكثر من الثلث مطلقا، وقد سلم حملها على الوفاق وكيف يتأتى حملها على الوفاق أو الخلاف وهو ليس فيها تأمله؟ وأما ثانيا فإنه قد سلم أن كلام ابن عرفة ظاهر فقط في ذلك، مع أن ابن عرفة كلامه محتمل لأن يكون ذلك وفاقا أو خلافا، ثم على تسليم ما قاله فلا يعادل ذلك ما لابن رشد وابن أبي زيد ولو فرضنا انفرادهما بذلك كيف، وقد صرح سحنون بالخلاف وقد نقل كلامه ابن يونس ثم نقل عن بعض القرويين مثل ما لابن أبي زيد وابن رشد وسلمه، فإنه لا ذكر قول ابن القاسم في العتبية قال ما نصه: وسئل عنها سحنون، فقال: اختلف في ذلك فذكر عن ابن القاسم في المدونة، قال: وقال ابن وهب: إذا اشترى من يعتق عليه وكان يحجب من يرث المشترى ويرث جميع المال كان ابنه أو غيره فإنه يجوز شراؤه إياه بجميع المال أو ما بلغ ويعتق عليه ويرث ما بقي إن بقي شيء وإن كان لا يحجب وليس يشركه في ميراثه فلا يجوز أن يشتريه إلا بالثلث ولا يرثه لأنه إنما يعتق بعد موت المشتري، وقد صار المال لغيره، قال سحنون: وقال أشهب: لا يجوز له أن يشتريه إلا بالثلث كان ممن يحجب أو لا يحجب ولا يكون له من الميراث شيء، وقال غيرهم: كل من يجوز له استلحاقه جاز له اشتراؤه بجميع ماله، شركه في الميراث غيره أو لم يشركه لأنه لو استلحقه ثبت نسبه وميراثه.
محمد بن يونس: وكذا روى ابن حبيب عن ابن الماجشون، قال: ولا يجوز له أن يشتري سوى الابن من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات لأنه لا يستلحقهم وهذا قول المدنيين، ابن دينار وابن نافع وغيرهم. ثم قال محمد بن يونس: وقال بعض القرويين: لا يجوز عند ابن القاسم أن يشتريه بأكثر من ثلثه يريد على مذهب ابن القاسم، قال: ووجه هذا القول كأنه يقول إنما للميت التصرف في ثلثه، فإذا اشترى به ابنه جاز. انتهى منه بلفظه. ونقل ابن ناجي عن أبي إسحاق التونسي حمل المدونة على ما حملها عليه ابن يونس تبعا لبعض القرويين، ونصه: فاختلف هل يجوز أن يشتريه بجميع ماله أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: يجوز بما ذكر. قاله ابن القاسم في العتبية. وقيل: لا يجوز إلا بثلثه. قاله أشهب. وعليه حمل التونسي قولها، وقيل إن كان معه وارث فالثاني وإلا فالأول. قاله ابن وهب، وأصبغ. انتهى منه بلفظه. فتحصل أن ما عزاه مصطفى لابن أبي زيد وابن رشد مثله لسحنون وبعض القرويين وابن يونس وأبي اسحاق التونسي، وعليه اقتصر ابن ناجي، وأن كلام ابن عرفة محتمل وعلى تسليم أنه فهمها على الوفاق فلا يعادل ذلك كلام هؤلاء الأئمة. والله أعلم. انتهى.
تنبيهات: الأول: ابن رشد: وإن حمله على الخلاف فقد رجح قول ابن الماجشون، فإنه قال في رسم الوصايا من سماع القرينين بعد أن ذكره ما نصه: وقول ابن الماجشون هذا هو القول الذي وقع في أول رسم من سماع عيسى لغير ابن وهب وأشهب من الرواة وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب. وبالله التوفيق. انتهى منه بلفظه. فما قاله الحطاب وارتضاه البناني لا يوافق ما حمل الشيوخ عليه المدونة ولا ما رجحه ابن رشد.
الثاني: قال اللخمي ما نصه: وإن لم يكن له وارث بحال رأيت أن يشتريه بجميع المال لأن الأصوب فيمن لا ميراث له أن يوصي بما له كله. انتهى منه بلفظه. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة وسلمه مع أنه مخالف لا قاله الإمام في الرسم المار آنفا، ونصه: قال وسمعته يسئل عمن حضرته الوفاة ولا وارث له أوله ورثة مواليه وله ابن مملوك، فلما خشي الموت ابتاع ابنه ثم مات فقال إن استيقن أن ما اشترى به ابنه يخرج من الثلث عتق وورث أباه إذا استيقن أن ما اشتراه به يخرج من ثلثه، فإنه ربما كان الشيء الذي يشك فيه فلا يدرى أيخرج ذلك من الثلث أم لا
يكون له الديون والأموال الغائبة، قال: وليس له أن يشتريه بأكثر من ثلثه. انتهى منه بلفظه. وسلمه ابن رشد.
الثالث: قال عبد الباقي: اعترض قول المصنف: "ويرث بشيئين" أحدهما أن النظر في الوصية إنما هو بعد الموت، وأجيب بأنه عتق من وقت الشراء بثلثه بنفس الملك فلم يحتج لنظر بعد الموت، ثانيهما أن فيه إدخال وارث وجوابه أن النهي عنه إدخاله بسبب من أسباب الإرث التي تطرأ بمسببها وما هنا للمشتري وارث قطعا والشراء إنما أوجب رفع المانع وهو أقوى من الاستلحاق في المرض الذي فيه إدخال وارث. انتهى كلام عبد الباقي. قوله: وأجيب بأنه عتق من وقت الشراء إلخ، قال البناني: هذا نحوه في التتائي، ونصه: يجاب بأن العتق صح له بنفس الشراء لعدم الحجر فيه دون ترقب ولو تلف بقية المال قبل موته لم ينقض عتقه. انتهى. وتعقبه الأجهوري، فقال: قول التتائي ولو تلف بقية المال قبل موته لم ينقض عتقه إلخ فيه نظر، بل ينفض من عتقه ما زاد على حمل الثلث. انتهى. وهو قصور فإن ما ذكره التتائي هو الذي نقله ابن عرفة عن ابن رشد جازِمًا به، ونصه: ابن رشد: مذهب ابن القاسم أن العتق يصح له بنفس الشراء بثلث ماله لعدم الحجر عليه في ثلثه دون توقف، وإن تلف ما بقي من ماله قبل موته لم ينقض عتقه كمن بتل عتق عبده في مرضه وله مال مأمون فعجل عتقه ثم تلف المال المأمون لم يرد العتق، وكذا في الموازية: من اشترى ابنه في مرضه فهو حر مكانه ويرثه إن اشتراه بثلث ماله كأنه لم يزل حرا من يوم الشراء، قال: وما حملنا عليه قول ابن القاسم أن العتق يعجل له بنفس الشراء دون ترقب هو الذي ينبغي أن يحمل عليه قوله: وبه يسلم من الاعتراض وإن لم ينظر فيه إلا بعد الموت على ما قاله في أول رسم من سماع عيسى. انتهى. وقول الزرقاني: ثانيهما أن فيه إدخال وارث إلخ هذا السؤال لابن عبد السلام، وأجاب عنه المصنف في التوضيح وابن عرفة ونص التوضيح، فإن قيل: ما الفرق على قول ابن القاسم بين هذا ونكاح المريض والجامع بينهما إدخال وارث؟ قيل سبب الولد مقدم والزوجية طارئة. انتهى. وفي معناه جواب ابن عرفة بأن موجب إرث الولد ثابت قبل الشراء، وأرث الأب إنما هو رفع مانع الإرث وهو رقه وموجب إرث الزوج
إنما هو النكاح الحادث بفعل الناكح [وتأثير الموجب]
(1)
أقوى من تأثير رفع المانع. انتهى باختصار. انتهى.
قول البناني: هو الذي نقله ابن عرفة عن ابن رشد الخ ما نقله ابن عرفة عن ابن رشد هو في شرح المسألة المتقدمة. واحتجاج ابن رشد بقوله لعدم الحجر عليه في ثلثه دون ترقب الخ، إنما يظهر إذا كان له مال مأمون وإلا فلا، ولذا قال أبو اسحاق التونسي وغيره: القياس أنه لا يرث وعلى التقييد بكون ماله مأمونا، حمل بعضهم المدونة كما قاله أبو الحسن، ونصه: الشيخ إن كان له مال مأمون فلا إشكال لأنه بنفس الشراء يكون حرا وعليه حمله بعض الشيوخ، وأما إن لم يكن له مال مأمون فلا بد من النظر والتقويم، فكيف يرث؟ انتهى منه بلفظه. قلت: وفي كلام ابن رشد إشارة إلى هذا القيد، وهو قوله: وإن تلف ما بقي من ماله قبل موته لم ينتقض بذلك عتقه كالرجل المريض يبتل عتق عبده في مرضه وله مال مأمون فيعجل عتقه ثم يتلف المال، المأمون أن العتق لا يرد. انتهى منه. فتنظيره وقياسه إنما يتم [إذا كان]
(2)
المال في مسألتنا مأمونا، ولكن كلامه قبل وبعد يدل على أن ذلك عنده ليس بقيد. والله تعالى أعلم. قاله الرهوني.
لا إن أوصى بشراء ابنه وعتق يعني أنه إذا أوصى بأن يشترَى ابنه بعد موته فإنه يشترَى من الثلث ويعتق، وإذا اشتري وأعتق فإنه لا يرث أباه فليس كمسألة اشتراء المريض بثلثه من يعتق عليه، فإنه إذا اشتراه عتق ويرث كما عرفت. قال عبد الباقي: وأخرج من قوله: "ويرث"، قوله:"لا إن أوصى بشراء ابنه وعتق" فلا يرث لأن عتقه بعد موت أبيه، وإنما أعتق لأنه لا أوصى بشرائه فكأنه اشتراه. انتهى. وقال التتائي: ثم أخرج من قوله: "ويرث" قوله: "لا إن أوصى بشراء ابنه" بعد موته اشتري إعمالا للإيصاء وعتق من ثلثه وإن لم يقل وأعتقوه إذ هو مدلول الوصية عرفا ولا يرث هذا اتفاقا، لأنه وقت [موت]
(3)
موروثه ليس أهلا للميراث. انتهى. ونحوه للشبراخيتي وإنما خص الابن بالذكر لأنه إذا لم يرث فغيره أحرى. انتهى. وقال المواق
(1)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل والمثبت من البناني ج 8 ص 194.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل والمثبت من الرهوني ج 8 ص 274.
(3)
موت ساقطة من المؤلف.
من المدونة: إن أوصى أن يشترَى أبوه بعد موته اشتري وعتق في ثلثه وإن لم يقل فأعتقوه. ابن يونس: يريد وكذلك كل من يعتق عليه إذا أوصى بشرائه. انتهى. وقال الخرشي: والمعنى أن المريض إذا أوصى بشراء ابنه أو غيره ممن يعتق عليه فإنه يعتق بعد الشراء عليه ولا يرث لأنه لم يكن حال الموت [أهلا]
(1)
للإرث. انتهى.
وإن اشترى ابنه في المرض وبتل عتق غيره وضاق الثلث عن حملهما قدم الابن في العتق على غيره، وظاهره سواء وقع ذلك في وقت واحد أو وقتين ومثل الابن سائر من يعتق عليه وأما إن اشترى ابنه في المرض وغيره ممن يعتق عليه، فيتحاصان إن اشتراهما صفقة واحدة وإلا قدم الأول كما في التوضيح. قاله عبد الباقي. وقال: وما قررنا به كلام المصنف من جعله من تتمة قوله: "وللمريض" نحوه لابن مرزوق، وقرره الشارح والطخيخي والتتائي على أنه من تتمة لا إن أوصى أي أنه أوصى بشراء ابنه، ومن يعتق عليه مع أنه ينبغي أن يكون الحكم في هذا كالحكم فيما مر عن التوضيح في اشترائه هو لهما، وإذا بتل عتق عبده في مرضه وأوصى بشراء ابنه فانظر أيهما يقدم؟ انتهى.
وأشار إلى مسألة تعرف عند الفقهاء بمسألة خلع الثلث وأقسامها ثلاثة بقوله: وإن أوصى بمنفعة معين يعني أن الشخص إذا أوصى لزيد مثلا أي لشخص معين بمنفعة شيء معين كدار عينها أو عبد عينه سنين مثلا، والحال أنه لا يحمل الثلث قيمة الشيء المعين الموصى بمنفعته، فإنه يخير الورثة بين أن يجيزوا وصية موروثهم وبين أن يخلعوا ثلث الجميع أي يعطوا للموصى له من كل شيء للميت ثلثه أي يعطوه ثلث جميع التركة أو بما ليس فيها أي في التركة يعني أنه إذا أوصى بما ليس في التركة، أي ليست عينه موجودة في التركة، كاشتروا كبدا لفلان وليس في التركة عبد فإن الورثة يخيرون بين أن يجيزوا وصية موروثهم: وبين أن يسلموا إلى الموصى له ثلث جميع التركة، وسواء في هذه كان الموصى به يحمله الثلث أم لا. والله تعالى أعلم.
أو بعتق عبده يعني أنه إذا أوصى بعتق عبده ناصح مثلا بعد موته أي الموصي بشهر والحال أنه لا يحمل الثلث قيمته، فإن الورثة مخيرون بين أن يجيزوا وصية موروثهم وأن يعتقوا من العبد
(1)
في الأصل: أهل، والمثبت من الخرشي ج 8 ص 186.
بقدر ثلث جميع المال. وعلم مما قررت أن قوله: ولا يحمل الثلث راجع للأولى والثالثة فقط، وأما الثانية فالحكم ما ذكره المصنف من التخيير وإن حمل الموصى به الثلث، وقوله: قيمته مفعول يحمل أي لا يحمل الثلث قيمة الشيء الموصى بمنفعته في الأولى وقيمة العبد الموصى بعتقه في الثالثة، وأن قوله: خير الوارث جواب الشرط فهو راجع للمسائل الثلاث كما قرر بين أن يجيز وصية موروثه أو يخلع ثلث الجميع أي جميع التركة، وهذا واضح في الأولى والثانية، وأما الثالثة فيخير الوارث بين أن يجيز وصية موروثه وأن يعتقوا من العبد بقدر ثلث جميع المال.
قال عبد الباقي: ثم تكلم على مسألة ترف بمسألة خلع الثلث بأنواعها الثلاثة، كان فيها دين أو عرض غائب أم لا كما يفيده ابن مرزوق، فقال: وإن أوصى لشخص معين بمنفعة معين كخدمة ناصح أو سكنى داره مدة معينة أو أوصى بما ليس فيها أي التركة، كاشتروا له كذا أو أوصى بعتق عبده ناصح بعد موته أي الموصي بشهر ولا يحمل الثلث قدمتُ أنه في الأولى والثالثة، وأما الثانية فلا يجري فيها هذا القيد بل فيها قوله:"خير الوارث" إلى آخره مطلقا حمل الثلث الموصى به أولا، فقول عبد الباقي: ولا يحمل الثلث في الثلاث فيه نظر، وقوله الثلث أي ثلث التركة، وقوله قيمته أي قيمة المعين الموصى بمنفعته في الأولى لا قيمة الموصى به وهو المنفعة، كما يتبادر من لفظه وقيمة العبد الموصى بعتقه بعد موته بشهر، قال عبد الباقي: خير الوارث بين أن يجيز وصية موروثه أو يخلع ثلث الجميع أي يعطى من كل شيء للميت ثلثه في المسألتين الأوليين، وأما الثالثة فيخير بين الإجازة وبين أن يعتق من العبد بقدر ثلث جميع المال وإطلاق خلع الثلث عليها تغليب ت وعللت الأنواع الثلاثة بأن لسان حال الميت يقول هذه قسمتي، فإن أجزتها أيها الوارث كافئتك بالثلث في غيرها وإلا فالثلث لي في كل شيء فكما لم أبخس حقك لا تبخس حقي، وقولي: لشخص معين تحرز عن الوصية بمنفعة معين للمساكين، فإن الوارث يخير بين الإجازة وبين القطع لهم بتلا لكن في ذلك الشيء بعينه لا في كل متروكه، والفرق أنه لا
يرجى رجوعه بخلاف الموصى له المعين فيرجى رجوع الموصى به للوارث. وقولي: مدة معينة تحرز عن الوصية غير العينة كوصيته بخدمة عبد، قال أحمد: وينبغي أن يجعل لذلك الثلث كما تقدم من أنه يضرب للمجهول بالثلث فكأنه أوصى له بالثلث. قاله بعض شيوخنا. انتهى.
ثم لا يعارض المصنف في الثالثة آخر التدبير من أنت حر بعد موتي بشهر معتق لأجل من رأس المال لأنه في الصحة، فإن قاله في مرضه فكما هنا. واحترز بقوله:"بمنفعة معين" عما لو أوصى له بنفس المعين كدار معينة ولم يحملها الثلث، فقال مالك مرة مثل ما تقدم ومغ يخير الوارث بين الإجازة وبين خلع ثلث جميع التركة من ذلك المعين خاصة، وهذا هو الذي رجع إليه الإمام. قال ابن القاسم: وهو أحب إلي نقله في التوضيح. وانظر هل من منفعة المعين عبده أو داره حيث ليس له سواه أو ليس من التعيين كما قدمناه في كراء الدابة. انتهى كلام عبد الباقي.
قوله: أي قيمة المعين الموصى بمنفعته لا قيمة منفعة المعين الخ، ما قاله هو المصرح به في المدونة، وعند ابن رشد وغيره. انظر مصطفى وغيره. قاله البناني. وقوله: أو بما ليس فيها أي من غير المعينات، أما ما ليس في التركة من المعينات فلا
(1)
منع فيه كما تقدم في قوله واشتراء لفلان وأبى بخلا بطلت إلخ ولا
(2)
تناقض مع هذا، فإن ما تقدم يقتضي أن الطالب بشراء ذلك الورثة من غير تخيير، لكن كلام ابن الحاجب ينبئ
(3)
عن هذا الفرض. قاله البناني. وقوله: وانظر هل من منفعة المعين الخ تقدم عن ابن عرفة تخريج قولين فيمن قال عبدي لفلان ولا عبد له غيره فانظره.
تنبيهات: الأول: قوله: "أو بعتق عبده بعد موته بشهر" شامل لصورتين، إحداهما أن يوصي بعتق عبده مرزوق مثله بعد موته بشهر، الثانية أن يقول هو حر بعد موتي بشهر. قاله الخرشي. الثاني: قول عبد الباقي: وقولي لشخص معين تحرز عن الوصية بمنفعة معين للمساكين الخ، قال البناني: نحوه للأجهوري، ونصه: قوله: "بمنفعة معين" أي لغير المساكين، وأما لهم فيخير الورثة إذا لم يحمل الثلث المعين بين الإجازة وإعطائهم من المعين محمل الثلث، قال في المدونة: ومن أوصى بغلة داره أو بغلة جنانه للمساكين جاز ذلك. أبو الحسن: معناه إذا حمله الثلث قال أشهب في العتبية: فإن لم يحمل الثلث داره أو حائطه فيخير الورثة بين إمضاء ذلك والقطع لهم بالثلث بتلا في ذلك الشيء بعينه، بخلاف ما إذا كانت الوصية لغير المساكين فالفرق بينهما أنه إذا كانت الوصية للمساكين فلا يرجى مرجعها وفي رجل بعينه أو قوم بأعيانهم يرجى مرجعها
(1)
في البناني ج 8 ص 195: فلا خلع، وكذا في الرماصي.
(2)
في البناني ج 8 ص 195: وإلا تناقض، وكذا في الرماصي.
(3)
في البناني ج 8 ص 195: ينبو، وكذا في الرماصي.
إذا هلكوا. انتهى. المراد منه. انتهى. قوله: عن أبي الحسن فالفرق بينهما أنه إذا كانت الوصية للمساكين إلخ، قال الرهوني: سلم له هذا الفرق وهو إنما يتم إذا كانت المدة محدودة بحياة الموصى له المعين، وأما إن كانت محدودة بحياة العبد فلا يتم الفرق، وكذا إذا كانت مطلقة على قول ابن القاسم. فتأمله. انتهى.
الثالث: قول عبد الباقي: وقولي مدة معينة احترازٌ عن غير العينة كوصيته بخدمة عبد الخ، قال الرهوني: سكت عنه البناني والتاودي وفيه نظر؛ لأن غير المحدودة بأمر معلوم إما محدودة بحياة الموصى له أو بحياة العبد إن كان المعين الموصى بمنفعته عبدا، وأما مطلقة وحكمها حكم المحدودة بحياة الموصى له إن كانت منفعة غير عبد، وإن كانت منفعة عبد فحكمها حكم المقيدة بحياة العبد على قول ابن القاسم وهو الراجح، وحكم المقيدة بحياة الموصى له على قول أشهب والنصوص مصرحة بخلاف ما قاله الزرقاني فيها تبعا لأحمد.
قال في كتاب الوصايا الثاني من المدونة ما نصه: ومن أوصى بخدمة عبده سنة أو دار سكناه سنة وليس له مال غير ما أوصى به أوله مال لا يخرج ما أوصى به من ثلثه خير الورثة في إجازة ذلك والقطع بثلث مال الميت من كل شيء للموصى له وهذا قول الرواة كلهم لا أعلم بينهم فيه اختلافا، ثم قال بعده بيسير ما نصه: ومن هلك ولم يدع غير ثلاثة أعبد قيمتهم سواء فأوصى بأحدهم لرجل وبخدمة آخر لآخر حياته، فإن لم يجز الورثة أسلموا الثلث فضرب فيه صاحب الرقبة بقيمتها، وصاحب الخدمة بقيمتها على غررها على أقل العمرين عمر العبد أو عمر المخدم، فيقال كم يتكارى هذا العبد إلى انقضاء أقلهما عمرا الخدم أو العبد إن حيي إلى ذلك فهو لكم، وإن مات قبل ذلك بطل حقكم فما صار لصاحب الرقبة أخذه فيها وما صار لصاحب الخدمة كان به شريكا في سائر التركة بتلا، ثم قال فيها: قال مالك: ومن أوصى بسكنى داره لرجل ولا مال له غيرها قيل للورثة أسلموا له سكناها وإلا فاقطعوا بثلثها بتلا. وقاله ابن أبي سلمة وجميع الرواة. انتهى.
ونقل ابن يونس عن المدونة جميع ما تقدم في كتاب الوصايا الثاني، ونقل عنها في ترجمة الوصية بالخدمة والسكنى والغلة إلخ من كتاب الوصايا الأول ما نصه: قال مالك: ومن أوصى لرجل
بخدمة عبده أو غلته أو سكنى داره أو غلة حائطه سنة أو عمرى جعل في الثلث قيمة الرقاب، فإن حملها الثلث نفذت الوصايا قال مالك: وإن لم يحمل ذلك الثلث خير الورثة في إجازة ذلك والقطع للموصى له بثلث الميت من كل شيء تركه بتلا. انتهى. وقال اللخمي ما نصه: وإن قال يخدم عبدي فلانا سنة ولم يحمله الثلث قطع للموصى له بالثلث شائعا، وإن قال له خدمته حياة العبد قطع له في عين العبد بخلاف الأول؛ لأن هذا أخرج العبد جملة عن الورثة فأشبه إذا أوصى برقبته. انتهى. فهذي نصوص صريحة في رد ما قاله الزرقاني تبعا لأحمد، وإن سكت عنه التاودي والبناني فلا يغتر بسكوتهما.
الرابع: قال الرهوني: جزم اللخمي في المحدودة بحياة العبد أنه يقطع للموصى له في عين العبد والجاري على هذا أن الحكم كذلك في المطلقة على قول ابن القاسم، مع أن اللخمي قد قال ما نصه: وإن أوصى بخدمة عبد وأوصى برقبة آخر لفلان تحاصا، هذا بقيمة الخدمة على غررها والآخر بقيمة الرقبة، وما ناب المخدم أخذه شائعا وما ناب الآخر قطع له به في العبد. انتهى. فظاهر قوله: شائعا في جميع الثلث مع أن ذلك إنما يجري على قول أشهب. فتأمله. والله تعالى أعلم. انتهى.
الخامس: قال البناني: بقي من مسائل خلع الثلث ثلاث مسائل، إحداها أشار إليها في المدونة بقوله: ومن أوصى بوصايا وله مال حاضر ومال غائب ولا تخرج الوصايا مما حضر خير الورثة بين إخراجها مما حضر وإسلام الثلث في الحاضر والغائب لأهل الوصايا: فيتحاصون فيه. انتهى. الثانية قال في المدونة: من أوصى لرجل بدين لا يحمله الثلث وله عين حاضرة، فإما أجاز الورثة أو قطعوا له بثلث المعين والدين، الثالثة قال فيها أيضا: ومن أوصى بأكثر من ثلث العين وله عقار وعروض كثيرة، فقال الورثة: لا نسلم المعين ونأخذ العروض فإما أعطوه ذلك من النقد أو قطعوا له بثلث ما ترك الميت من عين أو دين أو عروض أو عقار أو غيره. انتهى.
السادس: قال أبو عمر بن عبد البر: هذه المسألة يدعوها أصحاب مالك بمسألة خلع الثلث، وخالفهم فيها أبو حنيفة والشافعي وغيرهما وأنكروها على مالك وأجمعوا أن الوصية تصح بالموت
[وقبول]
(1)
الموصى له بعد الموت، فكيف يجوز فيه المعاوضة بثلث لا يبلغ إلى معرفة حقيقته ولا تجوز المعاوضة في المجهولات، وكيف يؤخذ من الموصى له ما ملكه بغير رضا، وحجة مالك أن الثلث موضع الوصايا فكان كما لو جنى عبد جناية فسيده مخير في فدائه بالأرش أو إسلامه، والذي أقول إن ادعى الورثة أن الوصية أكثر من الثلث كلفوا بيان ذلك، فإن ثبت أخذ الموصَى له قدر الثلث وكان شريكا للورثة بذلك. ابن عرفة: ففي تخيير الورثة بالقطع له بمحمل الثلث في كل التركة أو في المعينات ثالثها وجوب شركته الورثة بمحمله من كل التركة للروايتين، واختيار أبي عمر. انتهى. قاله القلشاني. وقد مرت الروايتان قريبا من قول المصنف خير الوارث بين أن يجيز إلخ.
السابع: قول المصنف: "وإن أوصى بمنفعة معين"، قال الحطاب: قال ابن عبد السلام: وهذا هو المشهور؛ أعني المتفرقة بين الوصية بالمنافع وبالعين. انتهى. والله تعالى أعلم.
وبنصيب ابنه أو مثله فبالجميع يعني أنه إذا أوصى له بنصيب ابنه أو بمثل نصيب ابنه، فإنه بمنزلة من أوصى له بجميع المال فيأخذ الموصى له جميع المال إن أجاز الابن الوصية، وهذا إذا كان له ابن واحد فيأخذ جميع المال إن لم يكن معه ذو فرض، قال عبد الباقي: وإن أوصى لشخص بنصيب ابنه أو مثله أي مثل نصيب ابنه لا فرق عند مالك بين اللفظين، وأجاز الابن الوصية فبالجميع أي يأخذ الموصى له جميع نصيب الابن وهو كل المال أو الباقي بعد الفرض إن كان الابن واحدًا ونصف المال إن كانا اثنين، وإن كانوا ثلاثة فله الثلث أجازوا الوصية أولا
(2)
فقد أوصى له بالربع أو خمسة فبالخمس وهكذا، وقد علمت أن ما زاد على الثلث يتوقف على الإجازة، وفرق الفرضيون فقالوا: إن أوصى بمثل نصيب ولده وولده واحد أعطي النصف، وإن كان ولده اثنين فهي بالثلث وإن كانوا ثلاثة أعطى الربع فيقدر زائدا، وإن أوصى له بنصيب ولده فكقول مالك لا يقدر زائد اتفاقا وشرط الابن وجوده وتعيينه أي كونه ذكرا كما هو لفظه أو أنثى، كما لو نطق بها وعدم قيام مانع، فإن لم يكن موجودا بطلت إلا أن يقول لو كان موجودا
(1)
في الأصل: وقبل، والمثبت من الرماصي، مخطوط.
(2)
غير مقروء من نسخه المؤلف، والذي في عبد الباقي ج 8 ص 196 (فإن كانوا أربعة فقد أوصى).
أو يحدث له بعد الوصية وقبل الموت، فإن لم يعينه فسيذكره بقوله وبنصيب أحد ورثته ولو كان به مانع بطلت إلا أن يقول لو كان يرث. انتهى.
وقررت المصنف بأن معنى قوله: "فبالجميع" فهو موصى له بجميع المال وهذا التقرير للتتائي، ولا يتأتى إلا فيما إذا كان الابن واحدا وليس معه أحد من أهل المفروض، وفسر عبد الباقي قوله:"فبالجميع" بأنه جميع نصيب الابن، ولا يتأتى على هذا أن يتعلق قوله:"فبالجميع" بأوصى أو نحوه مضمرا، وقوله:"فبالجميع" قاله مالك وابن القاسم وأشهب وأصبغ البناني، أما ما ذكره المصنف فيما إذا جمع بين مثل ونصيب فظاهر، شأما إذا اقتصر على لفظ نصيب فلم أره إلا لابن شأس وابن الحاجب تبعا للوجيز، والذي جزم به اللخمي أنه يجعل زائدا اتفاقا. انتهى.
الرهوني: في التفريع ما نصه: ومن أوصى لرجل بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد فقد أوصى له بماله كله، فإن أجاز له الابن وصيته وإلا كان له ثلث ماله وإن كان له ابنان فقد أوصى له بنصف ماله، فإن أجاز له ذلك ولداه وإلا كان له الثلث، وإن كان له ثلاثة فقد أوصى له بثلث ماله فوصية جائزة، وإن كان له أربعة فقد أوصى له بربع ماله ولا فصل بين أن يوصي بنصيب ابنه أو بمثل نصيب ابنه. انتهى. أبو عمر: ولا فرق عند مالك بين أن يوصي بنصيب ابنه أو بمثل نصيب ابنه أو أحد ابنيه. انتهى على نقل أبي علي.
وفي المسألة الثالثة من رسم العتق الثاني من سماع القرينين من كتاب الوصايا ما نصه: وقال في رجل أوصى له رجل بما يصيب رجلا من ولده وهم يومئذ خمسة فهلك بعضهم قبل أن يهلك الرجل والوصية على حالها أن للرجل الذي أوصى له بما يصيب رجلا منهم يوم يموت الهالك، فإن ولد له قبل أن يموت الهالك حتى يكونوا أكثر من عددهم يوم أوصى فله أيضا ما يصيب رجلا، وإن هلكوا إلا رجلا واحدا فهو حينئذ إن أخذ مثل ما يأخذ هذا الرجل من ولده أخذ أكثر من الثلث. قاله
(1)
مالك. ليس له ذلك ولكن له الثلث و
(2)
لما ينظر في ذلك يوم [يموت]
(3)
الموصي، فيكون له مصابة رجل يوم مات. انتهى.
(1)
في الرهوني ج 8 ص 176: قال مالك.
(2)
في الرهوني ص 276 ج 8: وإنما.
(3)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 276.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال أنه إذا أوصى له بمثل حظ أولاده فإنما له مثل حظ أحدهم يوم وجوب الوصية له، قل عددهم أو كثر لا يوم أوصى إذ لم يوص له بجزء معلوم، ولو أوصى له بجزء معلوم لكان له ذلك الجزء من ماله يوم وجوب الوصية له بموته لا ينقص عنه ولا يزاد عليه هذا مما لا اختلاف فيه لوجهين، أحدهما أن القصد من الموصي في ذلك كله مفهوم معلوم، والثاني أن الموصي محمول على أنه علم بزيادة ماله ونقصانه وبنقصان عدد ولده وزيادتهم، فأقر وصيته في ذلك على حالها ولم يغيرها فوجب أن يعتبر في ذلك كله ما الأمر عليه يوم الموت، لا ما كان عليه يوم الوصية. انتهى منه بلفظه. فقول الإمام مجيبا عمن أوصى لرجل بما يصيب رجلا من ولده يكون له مصابة رجل نص في عين النازلة؛ إذ المصابة والنصيب بمعنى واحد، وقد عبر في المدونة مع لفظة مثل بما عبر به في العتبية بدونها، فقال فيها: ومن أوصى لرجل بمثل مصابة أحد بنيه، فإن كانوا ثلاثة فله الثلث، قال أبو الحسن ما نصه: المصابة والنصيب واحد. انتهى منه بلفظه. وقد سلم أبو الوليد بن رشد ما في العتبية قائلا: هذا مما لا اختلاف فيه ثم في كلامه ما يفيد أن وجود مثل وسقوطها عند الإمام سواء؛ لأن الرواية ليس فيها مثل وهو شرحها بقوله هذا بين على ما قال أنه أوصى له بمثل حظ أحد أولاده الخ، فزاد لفظة مثل وفسر المصابة بالحظ كما فسرها أبو الحسن بالنصيب، والحظ والنصيب بمعنى واحد. فالعجب من غفلة ابن مرزوق عن هذه النصوص الصريحة، وهذا هو المأخوذ من كلام عبد الوهاب في معونته، وقد نقله أبو الوليد الباجي وسلمه، ثم قال الرهوني بعد جلب كلام: فشد يدك على ما للمصنف ومتبوعيه ولا تعرج على ما لابن مرزوق وإن اعتمده البناني ولا تعول عليه، ويكفيك تسليم المواق وابن غازي والحطاب والأجهوري وأتباعه وابن عاشر ومصطفى وغيرهم لكلام المصنف، لو لم يكن له شاهد من النصوص فكيف والنصوص الصريحة القاطعة شاهدة له في عين النازلة على الخصوص، فشد يدك على هذا التحصيل فإنك لا تجده هكذا عند أحد وهو من منح العلي الكبير، فله الحمد على القليل من نعمه والكثير، وهو سبحانه العليم الخبير.
وقول عبد الباقي: أو الباقي بعد الفرض صحيح لكنه لم يبين ما يفعله الورثة بينهم بعد أخذ الموصى له نصيبه، وبيانه أن ما أخذه ذو فرض واحد أو متعدد يضم إلى ما للبنين مثلا فيقسم
كأنه المتروك، نص عليه اللخمي وغيره، ونص اللخمي: وإن قال مثل نصيب أحد ولدي وله زوجة وأبَوانِ عزل نصيب الزوجة والأبوين، ثم نظر إلى ما ينوب كل واحد من الباقي فيعطى مثل نصيب أحدهم ثم يجمع نصيب الزوجة والأبوين إلى الباقي بعد ما أخذه الموصى له فيقسمونه على فرائض الله تعالى. انتهى منه بلفظه. ونقله ابن عرفة وسلمه ووجهه ظاهر لمن تأمله. والله تعالى أعلم. انتهى كلام الرهوني.
لا اجعلوه وارثا يعني أنه إذا قال اجعلوا زيدا وارثا معه أي مع ولدي، أو قال: ألحقوه به أي بولدي أو اجعلوه من أعداد ولدي، فيجعل أخا زائدا على الأخ فتكون التركة بينهما فليس له الجميع، قال عبد الباقي: لا إن قال اجعلوه وارثا معه أي مع ولدي، أو قال ألحقوه به أو اجعلوه من عدد ولدي أو ورثوه من مالي أو نزلوه منزلة ولدي وما أشبه ذلك، وأجاز الابن الوصية فزائدا أي يقدر الموصى له زائدا وتكون التركة بينهما نصفين، فإن كان البنون ثلاثة فهو كابن رابع وهكذا، ولو كان له ثلاثة ذكور وثلاث إناث لكان كرابع مع الذكور، ولو كانت الوصية لأنثى لكانت كرابعة من الإناث، فقوله:"فزائدا" أي على مماثله. انتهى. وقال التتائي عند قوله: "فزائدا" ما نصه: قاله في توضيحه عن محمد، ويشبه هذه الألفاظ ألحقوه بميراثي أو اجعلوه من أعداد ولدي أو ورثوه من مالي. انتهى. وقال المواق في اجعلوه وارثا مع ولدي أو ألحقوه بولدي يقدر زائدا باتفاق. انتهى.
وبنصيب أحد ورثته فبجزء من عدد رؤوسهم يعني أنه إذا أوصى له بنصيب أحد ورثته أو بمثل نصيب أحد ورثته وترك ذكورا أو إناثا أو وإناثا فإنه يحاسب كجزء من عدد رؤوسهم، فإن كان عدد ورثته اثنين فله النصف أو ثلاثة فله الثلث أو أربعة فله الربع أو خمسة فله الخمس أو عشرة فله العشر، ولا نظر لما يستحقه كل واحد منهم. قال البناني: قال الحطاب: واختلف إذا أوصى بنصيب أحد بنيه وترك رجالا ونساء على أربعة أقوال: الأول قول مالك يقسم المال على عدد رؤوسهم الذكر والأنثى فيه سواء ويعطى حظ واحد منهم ثم يقسم ما بقي على فرائض الله، لكن إنما فرض المسألة في المدونة إذا قال له نصيب أحد ورثتي ثم ذكر بقية الأقوال، ثم قال: والأول هو المعتمد لكونه مذهب المدونة. انتهى. وهو يفيد أن لا فرق بين أحد ورثتي وأحد بني
خلافا لما ذكره الأجهوري من الفرق بينهما، قائلا: يعطى في أحد بنيه حظ واحد من بنيه سواء كان مع بنيه أنثى فأكثر أم لا. انتهى. وهو غير صواب، بل الصواب ما في الحطاب فإنه في المدونة تكلم على المسألتين معا فمالك تكلم على مسألة أحد ورثته وابن القاسم على مسألة أحد بنيه قاسها على الأولى فأفاد أن حكمتهما واحد، ونص الأمهات على نقل الحوفى: لو أوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وله ثلاثة بنين، قال: سمعت مالكا: وسئل عن الرجل يقول عند موته لفلان مثل نصيب أحد ورثتي ويترك رجالا ونساء، قال مالك: أرى أن يقسم ماله على عدد من تركه من الرجال والنساء سواء الذكر والأنثى لا فضل بينهم، ثم يؤخذ حظ واحدمنهم فيدفع للموصى له ثم يرجع ما بقي للورثة يقتسمونه على فرائض الله عز وجل، للذكر مثل حظ الأنثيين، قال ابن القاسم: فأرى أن يكون للموصى له الثلث في مسألتك. انتهى. فهذا صريح في التسوية بينهما. انتهى والثاني من الأقوال الأربعة التي ذكر الحطاب أنه رجل من ولده، والثالث أنه يزاد سهمه على السهام ويكون له، والرابع قول ابن زياد يكون له نصف ذكر ونصف نصيب أنثى. هكذا حصل ابن زرقون. انتهى.
فرع: إذا كان أولاده إناثا لا غير كان لهن الثلثان، ثم ينظر إلى عددهن، فإن كن أربعا أعطي ربع الثلثين، وإن كن ثلاثة أعطى ثلث الثلثين، وإن كانت واحدة أعطي نصف المال إن أجاز الورثة وإلا فله ثلث المال. نقله ابن عرفة عن ابن يونس عن كتاب محمد. والله تعالى أعلم. قاله الحطاب.
تنبيه: قال الشبراخيتي عند قوله: "وبنصيب أحد ورثته فبجزء من عدد رؤوسهم" ما نصه: وقول التتائي ثم هو يحتمل الخ، وقوله: ويحتمل الخ لا يلتفت إليه. انتهى.
وبجزء أو سهم فبسهم من فريضته يعني أنه إذا أوصى لزيد بجزء من ماله أو بسهم منه فإنه يحاسب الورثة بسهم من أمل فريضته ولو بالعول، فإن كانت عن ستة فبسهم منها وإن عالت إلى عشرة، مثلا فبسهم من عشرة وإن كانت من أربعة وعشرين، فبسهم من أربعة وعشرين وإن عالت لسبع وعشرين فله سهم من سبع وعشرين وهي المنبرية كما يأتي، وإن لم تصح إلا من أكثر من ذلك فلا ينظر إلى ما صحت منه، فإن لم يكن له وارث فقال أشهب: له سهم من ثمانية
أي لأنه أقل سهم فرضه الله، وقال ابن القاسم: له سهم من ستة لأنه أدنى ما يقوم منه سهم أهل الفرائض؛ لأن الاثنين يقوم منهما واحد وهو النصف، وكذا الثلاثة يقوم منها الثلث والأربعة يقوم منها فرضان النصف والربع، والستة يقوم منها ثلاثة النصف والثلث والسدس. قال ابن عرفة: قال ابن رشد: الأظهر قول أشهب، وقال ابن عبد السلام: إنه الأقرب. انتهى. قاله الشبراخيتي.
قوله: فله سهم من سبع وعشرين الخ يعني لأن المعول معتبر وهذا هو الذي صرح به في سماع عيسى ونقله ابن عرفة، ونصه: فإن كان أصل المسألة ستة وتبلغ إلى عشرة فسهم من عشرة. انتهى. خلافا لما في الخرشي من عدم اعتبار المعول وأنه يعطى جزءا من أربعة وعشرين فقط، وقوله: لأنه أدنى ما تقوم منه الفرائض الخ هكذا في سماع عيسى، فقال ابن رشد في شرحه: لأن السدس أقل سهم مفروض لأهل النسب من الورثة. وقال في القول بأن له الثمن إنه أقل سهم فرضه الله أي لمن يرث بسبب.
(1)
انظر مصطفى. وقال في التوضيح الثاني لأشهب: له الثمن لأنه أقل سهم ذكر الله تعالى من الفرائض، والقول بأنه يعطي السدس رأى أنه أقل السهام والثمن إنما يستحق بالحجب. انظر البناني.
وقال عبد الباقي: فبسهم من أصل فريضته ولو عائلة، فإذا كان أصلها من أربعة وعشرين مثلا وعالت لسبعة وعشرين فله سهم من سبعة وعشرين، وسواء صحت من أصلها أم لا كما هو ظاهر قول ابن القاسم، خلاف ما حمله عليه الحوفي والتلمساني من أن ذلك إذا كانت تصح من أصلها ولو عائلة وإلا فله جزء مما تصح منه. انتهى. قوله: خلافا لما حمله عليه الحوفي والتلمساني الخ فيه نظر: وإن سلمه التاودي والبناني بسكوتهما عنه، بل ما حملاه عليه هو الواقع في كلام أهل المذهب، وكلام ابن القاسم المذكور هو في رسم ربع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب الوصايا الثالث، ونصه: قال ابن القاسم في رجل قال جزء من مالي أو سهم من مالي لفلان فمات: أرى أن ينظر من حيث يقوم أصل فريضتهم فيعطىمنها سهما إن كانت من ستة فبسهم من ستة، وإن كانت من اثني عشر فسهم من اثني عشر، وإن كانت من أربعة وعشرين فسهم من
(1)
في البناني ج 8 ص 197: بغير نسب.
أربعة وعشرين، وإن كانت ورثته أولادا فقط فإن كان رجلا وامرأة أعطي سهما من ثلاثة، وإن كان رجل وامرأتان فسهم من أربعة وإن كانوا رجلين وامرأتين فسهم من ستة أسهم فعلى هذا فاحسب قلوا أو كثروا، وإن لم يكن وارث فله سهم من ستة لأنه أدنى ما يعول منه سهم الفرائض.
وقال أشهب: له سهم من ثمانية لأني لم أجد أحدا ممن فرض الله له سهما أقل من الثمن، قلت: فإن كانت الفريضة أصلها من ستة وهي تربو حتى تنتهي إلى عشرة فمن عشرة يعطى سهما أم من ستة؟ قال: من عشرة، قال محمد بن رشد: إنما جعل له ابن القاسم السدس إذا لم يكن له ورثة فيعطيه سهما من سهام فريضتهم التي تنقسم عليها مواريثهم؛ لأن السدس أقل سهم مفروض لأهل النسب من الورثة، فأعطي الموصى له أقل سهم فرضه الله لمن يرث الميت من أصل نسبه، وإنما رأى أشهب له الثمن لأنه أقل سهم فرضه الله لمن يرث بسبب أو نسب وهو الأظهر؛ لأن هذا إنما يرجع فيه لا أراده الميت وقصده، وإذا احتمل أن يريد الموصي السدس للمعنى الذي رأى ابن القاسم واحتمل أن يريد الثمن للمعنى الذي أراد أشهب، وجب أن لا يكون له إلا الأقل ويسقط الزائد للشك فيه. وبالله التوفيق. انتهى منه بلفظه.
فانظر قوله: فيعطيه سهما من سهام فريضتهم التي تنقسم عليها مواريثه يَبنْ لك أنه فهم قول ابن القاسم على ما فهمه عليه الحوفي والتلمساني، وقال في المنتقى ما نصه: وإذا أوصى له بجزء من ماله أو نصيب أو سهم ولم يعينه ثبت له جزء من ماله مقدر خلافا للشافعي في قوله: يدفع له الورثة ما شاءوا، ثم قال: فرع: إذا ثبت ذلك فقال أصبغ وابن المواز: له سهم واحد مما انقسمت فريضته عليه من عدد السهام كثر ذلك الجزء أو قل، قال القاضي أبو محمد: ومن أصحابنا من قال إنه يعطى الثمن فذكر بقية الأقوال الآتية في نقل ابن عرفة عنه، ثم قال: فإذا قلنا يعطى مثل السهم الذي تنقسم عليه الفريضة فكان أصل الفريضة من ستة وهي تعول إلى عشرة، قال ابن القاسم في العتبية: له سهم من عشرة ووجه ذلك أنه أقل سهام تلك الفريضة. انتهى. ولا يتوقف منصف تأمله في أنه فهم كلام ابن القاسم على ما فهمه عليه من قدمنا ذكرهم وكذا غيرهم ممن وفقنا على كلامه، ففي المفيد ما نصه: ومن أوصى لرجل أو امرأة بسهم من ماله
نظر إلى السهام التي تنقسم عليها تركته بين ورثته فكان للموصى له سهم منها، فإن انقسمت على ثمانية كان له الثمن، قال ابن شعبان: يكون له التسع فإن لم تعرف سهام الفريضة ولا عدد الورثة فله عند ابن القاسم السدس. وقال أشهب: له الثمن لأنه أقل ما سمى الله من الفرائض، وقال ابن الماجشون: له العشر. انتهى منه بلفظه.
وقال في الجواهر ما نصه: ولو أوصى بجزء من ماله أو بسهم أعطى سهما مما بلغته سهام الفريضة وقيل له الثمن لأنه أقل سهم سماه الله في كتابه الكريم، وقيل له الأكثر من السدس أو من سهم من سهام الفريضة لأن السدس أقل السهام في الأصول؛ لأن الثمن إنما يستحق بالحجب. انتهى منها بلفظها. وقال ابن الحاجب ما نصه: وإذا أوصى بجزء أو سهم فقيل سهم من فريضته وقيل الثمن وقيل السدس وقيل الأكثر منهما. التوضيح: يعني أنه اختلف أنه إذا أوصى بجزء أو سهم على أربعة أقوال: الأول لأصبغ أن له سهما مما تنقسم عليه الفريضة من غير وصية قلت السهام أو كثرت، واختاره ابن عبد الحكم. محمد: وذكر أن عليه جل أصحاب مالك، والثاني لأشهب أن له الثمن لأنه أقل سهم ذكره الله تعالى من الفرائض، والقول الثالث أنه يعطى السدس ورأى أنه أقل السهام، والثمن إنما يستحق بالحجب والقول الرابع أن له الأكثر منهما أي من السدس وسهم من سهام الفريضة، ونقص المصنف من هذا القول لأن الذي نقل صاحب النوادر وغيره في المسألة قول بأنه يعطَى سهما من سهام الفريضة ما لم يزد على الثلث فيرده الورثة إلى الثلث أو ينقص من السدس، فلا ينقص من السدس. انتهى محل الحاجة منه بلفظه.
وقال ابن عرفة بعد نقله ما في سماع عيسى مختصرا ما نصه: وقال الباجي: إن أوصى بجزء من ماله أو نصيب أو سهم ولم يعينه، فقال أصبغ ومحمد: له سهم واحد مما انقسمت عليه فريضته كثر ذلك السهم أو قل، قال عبد الوهاب: ومن أصحابنا من قال يعطى الثمن، قال ابن عبد الحكم: اختلف في ذلك فقيل يعطي الثمن وقيل يعطى سهما مما تنقسم عليه الفريضة، قلت السهام أو كثرت. محمد: وهذا أحب إلي وعليه جماعة أصحاب مالك، وقيل يعطى سهما من سهام الفريضة ما لم يزد على الثلث فيرده الورثة إلى الثلث أو ينقص من السدس، ولم يتعقبه ابن
زرقون وأتى بما ذكرنا من سماع عيسى، وظاهر كلام ابن رشد أن الخلاف إنما هو إذا لم يكن وارث، وظاهر كلام الباجي ونقله عمن ذكر أن الخلاف مطلقا ولو ترك ورثة. انتهى منه بلفظه. قلت: ما عزاه لظاهر كلام الباجي هو ظاهر كلام غيره ممن قدمنا كلامهم، وهو ظاهر كلام ابن يونس أيضا فإنه لا نقل سماع عيسى قال ما نصه: ومن كتاب ابن المواز قال ابن عبد الحكم: إن أوصى له بجزء من ماله أو بسهم من سهام ماله فقد اختلف فيه، فقيل له الثمن لأنه أقل سهم ذكره الله تعالى في الفرائض، وقيل يعطى سهما مما تنقسم عليه الفريضة، قلت السهام أو كثرت، وقيل يعطى سهما من سهام الفريضة إن كانت تنقسم على ستة فأقل ما لم يجاوز الثلث فيرد إلى الثلث إن لم يجز الورثة، فأما إن انقسمت على أكثر من ستة فلا ينقص عن السدس لأن ستة أصل ما تقوم منه الفرائض. محمد بن يونس: وهذا أضعفها، قال ابن المواز: والذي هو أحب إلي وعليه جل أصحاب مالك واختاره ابن عبد الحكم أن له سهما مما تنقسم عليه فريضته، قلت السهام أو كثرت.
وقال أشهب: إذا أوصى له بسهم من ماله فله سهم مما تنقسم عليه فريضته، وإن لم يكن للموصي بالسهم إلا ولد واحد فللموصى له المال إن أجاز ذلك الولد وإلا فالثلث، وإن لم يدع غير بنت أو أخت أو من لا يحوز المال ولا معه من يعرف بعينه ولا يعرف عدده، فإن له الثمن استحسانا بعد الإياس من معرفة خبره ولو زيد على الثمن بقدر ما يرى من حاجته رأيته حسنا. انتهى محل الحاجة منه بلفظه. فإذا تأملت هذه النصوص كلها ظهر لك أن هؤلاء الأئمة كلهم حملوا قول ابن القاسم على ما ذكرناه لأنهم لم يذكروا القول بأنه يعطى سهما من أصل الفريضة وهي لا تنقسم من أصلها عن ابن القاسم ولا عن غيره، فلو كان كلام ابن القاسم محمولا عندهم على ظاهره ما أغفلوه وَلعدُوه من جملة الأقوال، على أنا لو سلمنا ما قاله الزرقاني من إبقائه على ظاهره لم يحمل المصنف عليه لأنه إذ ذاك خلاف الراجح لما رأيت في كلام الأئمة. والله الموفق. قال جميعه الرهوني.
تنبيه: قول ابن عرفة عن الباجي: وعليه جماعة أصحاب مالك موافق لا رأيته للباجي مخالف لقول التوضيح: جل أصحاب مالك وما للتوضيح هو الذي وجدته في ابن يونس كما قدمته ومعناهما مختلف. والله تعالى اعلم.
وفي كون ضعفه مثله أو مثليه تردد يعني أنه إذا أوصى له بضعف نصيب ابنه، فإنه اختلف المتأخرون هل للموصى له مثل نصيب ولده مرة واحدة أوله مثلاه ولا نص فيها عن مالك وأصحابه المتقدمين، قال التتائي: وفي كون ضعفه أي النصيب إذا أوصى بضعف نصيب ابنه مثله أي مثل النصيب حكاه أبو الحسن بن القصار عن بعض شيوخه بعد أن قال لا أحفظ فيها نصا عن مالك ولا عن أحد من أصحابه أو مثليه، وحكاه ابن القصار عن أبي حنيفة والشافعي، قال: وهذا في نفسي أقوى من جهة اللغة، وأشار المصنف لا حكاه عن بعض شيوخه وعما قوِي في نفسه، بقوله:"تردد" وحكاه ابن الحاجب قولين، فقال: ولو أوصى بضعف نصيب ابنه فلا نص فقيل مثله وقيل مثلاه. انتهى. وقال الخرشي: يعني أن الشخص إذا أوصى لزيد مثلا بضعف نصيب ابنه وأجاز فهل يعطى لزيد نصيب ابنه مرة أو مرتين؟ تردد لابن القصار وشيخه لأنه قوى كلام أبي حينفة والشافعي، ومحل التردد إذا كان مع الابن غيره، وأما إن لم يكن له إلَّا ابنٌ واحد فيتفق قولا التردد على أن الموصى له يعطى المتروك كله بشرط الإجازة فيه وفيما هو أكثر من الثلث حيث كان معه غيره.
وبمنافع عبد ورثت عن الموصى له قال الخرشي: يعني أنه إذا أوصى بخدمة عبد ولم يحددها بدليل ما بعده، فإنه يخدمه طول حياته أي حياة العبد وإن مات الموصى له فإن ورثته يرثون منافع العبد بعده لأن الموصى لما لم يحددها وأطلق علمنا أنه أراد خدمته حياة العبد. وقوله:"وبمنافع عبد" معطوف على "منفعة معين"، وقوله:"ورثت" جواب الشرط. انتهى. وقوله: "وبمنافع عبد" صورها أربع: أن يحدها بحياة العبد أو يطلق فيحمل على حياة العبد وهاتان من منطوق المصنف، الثالثة أن يحددها بحياة الموصى له فإذا مات الموصى له رجعت إلى ورثة الموصي.
الرابعة أن يحدها بزمن وإليها أشار بقوله: وإن حدد بزمن فكالمستأجر يعني أنه إذا حدد المنافع بزمن، كما لو قال: أوصيت له بخدمته سنة فإن العبد كالمستأجر بفتح الجيم أي أنه يجوز لسيده أو من يقوم مقامه أن يبيعه إذا بقي من المدة كثلاثة أيام لا جمعة كما يفيده ما تقدم من قوله: "وبيعها واستثناء ركوبها الثلاث لا جمعة"، قاله عبد الباقي. أو كالمستأجر بالكسر والمعنى عليها أن للموصى له أو لوارثه إجازة ماله من الخدمة أي وإن حددها الموصي بزمن فالموصَى له أو من يقوم مقامه كالمستأجر في جواز إيجاره لغيره العين المستأجرة. والله تعالى أعلم. ويدخل في قول المصنف: ورثت عن الموصى له ما لو حددها بزمن ومات الموصى له قبل انقضاء المدة، قال عبد الباقي: وإن أوصى له بمنافع عبد كخدمته فأخذه الموصى له ومات ورثت عن الموصى لد إن بقي من زمنها شيء، وزمنها قد يحد بمدة وقد يحد بحياة العبد أو يوصى بمنافعه ويطلق فإنها تحمل على حياة العبد إلا أن يقوم دليل على أن الميت أراد حياة المخدم بالفتح، وإن حددها بزمن فكالمستأجر يحتمل فتح الجيم ويحتمل كسرها، فالتشبيه على الأول لإفادة أنه يجوز لسيده أو لمن يقوم مقامه بيعه إذا بقي من المدة كثلاثة أيام لا جمعة كما يفيده ما تقدم من قوله:"وبيعها واستثناء ركوبها الثلاث لا جمعة"، وعلى الثاني لإفادة أن للموصى له ولوارثه إجازة ما له من الخدمة.
فإن قتل العبد المخدم سنين معينة أو حياة الرجل فللوارث لسيده القصاص أو القيمة، كما لسيده الحي ذلك ولا كلام للموصى له لأن حقه إنما كان في الخدمة وقد سقطت بالقتل. وقوله:"القصاص" أي في قتل العمد حيث كان مكافئا للقاتل، وقوله:"أو القيمة" أي في قتل الخطإ أو العمد ولم يكن مكافئا للقاتل. وقوله: "ورثت عن الوصى له" قد مر أنه شامل لما إذا أطلق. قال البناني: أي لأنه لما لم يحدها بزمن علمنا أنه أراد مدة حياة العبد، هذا قول ابن القاسم في المدونة، وحمله أشهب على حياة الموصى له، فلذا قال إذا مات لا ترثه ورثته، قائلا: لأن الموصي لو أراد حياة العبد لكانت عطية للرقبة، ورده اللخمي بأنه يصح بقاء الرقبة على ملك ربها للجناية وانتزاع المال أو ليرى صنيعه فيه أو ليبقيه في يده كالحبس ليلا يتلفه. انظر التوضيح. انتهى.
قول البناني: ورده اللخمي بأنه يصح بقاء الرقبة على ملك ربها للجناية الخ، قال الرهوني: قد نقل ابن يونس عن بعض أصحابه أنه قال: إن قول ابن القاسم جيد ووجهه بنحو ما للخمي، وسلمه ابن يونس. انظر نصه في المواق.
تنبيه: محل الخلاف إذا قال لفلان خدمة عبدي ونحو هذا، وأما إذا قال يخدم عبدي فلانا فيتفق ابن القاسم وأشهب على حياة المخدم كما أفاده كلام اللخمي، وصرح به ابن يونس نقلا عن ابن المواز ومثله في ابن عرفة، ونصه: محمد: من قال في وصيته يخدم عبدي فلانا ولم يوقت وقتا فلا اختلاف فيه بين أصحابنا فيما علمت أن ذلك حياة المخدم، وهو إن شاء الله قول ابن القاسم وأشهب. انتهى منه بلفظه. انتهى كلام الرهوني. قوله: حياة المخدم يعني الموصى له. قاله مقيده عفا الله تعالى عنه بمنه.
كإن جنى تشبيه في مطلق التخيير أو في البطلان المقدر بعد قوله: "فللوارث" الخ؛ يعني أن العبد المخدم إذا جنى فإن الكلام أيضا لوارث الموصي بكسر الصاد، إن شاء أسلمه في الجناية وإن شاء فداه، فإن فداه استمرت الخدمة على ما كانت عليه قبل الجناية وإن أسلمه في الجناية، بطلت الخدمة.
إلا أن يفديه المخدم أو الوارث فتستمر الاستثناء من البطلان المفهوم من التشبيه؛ يعني أن محل بطلان الخدمة حيث أسلم وارث الموصي خدمة العبد الجاني في الجناية إنما هو حيث رضي المخدم بالفتح أي الموصى له أو وارثه بذلك، فإن لم يرض بذلك فله أي الموصى له أو وارثِه أن يفدي العبد المخدم بأرش الجناية، وإذا فداه فإن الخدمة تستمر له إلى انقضاء زمنها، وقد مر في المطلقة والمحدودة بحياة الموصى له أو حياة العبد المخدم والمحدودة بمدة، وقوله:"الوارث" يحتمل وارث المخدم وهو ما قررته به، ويحتمل وارث الموصى ويحتمل وارث الموصي والموصى له. قال الشبراخيتي: وشمول المصنف للأمرين حسن والنقل يشهد له. انتهى. وقال المواق: ومن المدونة: من أخدم عبده رجلا سنين معلومة أو حياة الرجل فجنى العبد خير سيده، فإن فداه بقي في خدمته فإن أسلِمَ خير المخدم فإن فداه أخدمه، فإذا تمت خدمته فإن دفع إليه سيده ما فداه به أخذه وإلا أسلمه رقا. انتهى كلام المواق. وهذا وإن كان في الموهوب خدمته وكلام المصنف
في الموصى بخدمته يجري في الوصية أيضا؛ لأن الوصية بعد الموت لازمة لزوم الهبة، ويدل على ذلك أن سحنونا سأل ابن القاسم في المدونة عن مسألة الموصى بخدمته فأجابه بمسألة العبد الموهوب خدمته. انظر التتائي.
وقال المواق: قال ابن شأس: الوصية بمنافع عبد صحيحة حتى إذا مات الموصى له ورث عنه إلا أن يظهر أنه أراد حياة المخدم، ونفقة هذا العبد على الموصى له ولا يملك الوارث بيعه إن أوصى بخدمته أبدا، وإن كان مؤقتا بزمن محدود فهو كبيع المستأجر لا يجوز إلا في الزمن اليسير، فإن قتل العبد عمدا فللوارث استيفاء القصاص ويحبط حق الموصى له، وكذلك إن رجع إلي القيمة فإن الوارث يختص بها، وإن جنى هو تعلق الأرش برقبته فإن أسلمه الورثة بطل حق الموصى له، وإن فداه استمر حقه. انتهى. وقال البناني: وفي المدونة: فإذا تمت خدمته، فإن دفع له السيد ما فداه به وإلا أسلمه رقا. انتهى.
وهي ومدبر إن كان بمرض في المعلوم يعني أن الوصية بصحة أو مرض والمدبر إن كان تدبيره في المرض إذا قوما ليعتقا من الثلث إنما يقومان في العلوم للميت قبل موته ولو بعد الوصية، والتدبير لا فيما جهله قبل موته فلا يقومان فيه، وأما مدبر الصحة فيدخل في المعلوم والمجهول، قال التتائي وهي أي الوصية ومدبر عقد تدبيره إن كان العقد بمرض إذا قوما لينظر هل يخرجان من الثلث أم لا؟ إنما يقومان فيما علم السيد من ماله لا فيما لم يعلم على المعلوم المذهب، وعلى هذا ثبت ابن القاسم، ومفهوم بمرض أن مدبر الصحة يدخل فيما علم وفيما لم يعلم، وإليه رجع مالك وكان يقول أولا إنما يدخل فيما علم فقط، والفرق بين المدبرين أن المريض يتوقع الموت من مرضه وهو عالم بماله والصحيح قصد عتقه من مجهول، إذ قد يكون بين تدبيره وموته السنون الكثيرة، ولهذا إذا صح المريض ثم مات كان كمدبر الصحة، وظاهر كلام المصنف كانت الوصية بالثلث أو بغيره كواجبات عليه من زكاة أو عتق عن ظهار أو قتل نفس أو كفارات أو هدي، كانت لواحد أو لمتعدد، معلوم أو مجهول وللخمي في ذلك تفصيل انظره. انتهى.
وقال المواق من المدونة: الوصية لا تدخل إلا فيما علم به الميت. ابن حارث: وكذا يتفق على المدبر في المرض أنه كذلك لا يدخل إلا فيما علم به الميت، قال في المدونة: وأما المدبر في الصحة
فيما علم به الميت وفيما لم يعلم به. انتهى. وقد مر في نظم قول بأن المدبر في المرض يدخل في المعلوم والمجهول في مسائل التركة فراجعه إن شئت. وقوله: في المعلوم، في بعض النسخ: فيما علم بالبناء للفاعل أي الموصي. قال عبد الباقي: وهي أي الوصية بصحة أو مرض ومدبر إن كان تدبيرد بمرض ومات منه كان كل منهما فيما علم به الموصي قبل موته ولو بعد الوصية، لا فيما جهله قبل موته من ماله فلا يكونان فيه، وأما مدبر الصحة فيدخل في المجهول أيضا، وإنما لم تدخل وصية الصحة في المجهول كمدبر الصحة لأنه عقد لازم بخلافها قال الحطاب: فإن تنازع الورثة والموصى له في العلم فالقول للورثة بيمين، فإن نكلوا فللموصى له بيمين. انتهى. انتهى. ولو نكل الموصى له فلا شيء له إذ ذلك هو الجاري على القواعد المسلمة فلا وجه للتوقف في ذلك. قاله الرهوني.
وقول عبد الباقي وغيره: وأما مدبر الصحة فيدخل في المجهول أيضا لم يذكر عبد الباقي هل يدخل في العلوم والمجهول دخولا واحدا أو يبدأ بالمعلوم؟ وفي التوضيح. ما نصه: وحيث حكمنا للمدبر بدخوله فيما لم يعلم الميت به، فاختلف هل يدخل فيما علم به الميت وما لم يعلم به دخولا واحدا أو يبدأ بما علم به، فإن بقي من المدبر بقية لم يسعها ثلث ما علم به تممت من ثلث ما لم يعلم، وتظهر ثمر هذين القولين عند ضيق الثلث عن الوصايا. انتهى منه بلفظه. قاله الرهوني. وقال عبد الباقي: وأما صداق المريض فيكون في المعلوم والمجهول، ولا يرد على المصنف إذ ليس هذا من الوصايا.
ودخلت فيه فاعل دخلت ضمير يعود على الوصايا، والضمير المجرور عائد على مدبر المرض يعني أن الوصايا المقدمة في الرتبة على مدبر المرض إذا ضاق الثلث عنها وعنه يبطل تدبيره ويصير رقا لا تدبير فيه، وإذا بطل تدبيره فإنه تدخل فيه الوصايا المقدمة عليه بمعنى أنها تقوم فيه وفي غيره، فيخرج منها ما حمله ثلث ذلك ومثل هذا يقال في مدبر الصحة حيث ضاق الثلث عنه وعن فك الأسير، فيقدم فك الأسير الموصى به فإن لم يف به ثلث مال السيد من دون المدبر في الصحة، فإنه يبطل تدبيره ويجعل من جملة الذي يخرج فك الأسير أي يبطل من تدبيره ما
احتيج إليه. قال الشبراخيتي: ودخلت وصية فيه أي في المدبر مطلقا سواء كان في الصحة أو في المرض كما في الشيخ عبد الرحمن.
واعلم أن دخول الوصية في مدبر الصحة وفي مدبر المرض ظاهر، وذلك فيما إذا كان المقدم على كل كفك الأسير يزيد على ثلث مال الميت الذي من جملته قيمة المدبر، بأن كان ثلث مال الميت الذي من جملة قيمة المدبر مائة وكان فك الأسير مائة أو أكثر، فإنه يبطل تدبير المدبر ويدخل ما زاد من فك الأسير في ثلث قيمته أيضا، وحينئذ فلا إشكال وبه تعلم أن كلام الحطاب غير ظاهر. انتهى. قال البناني: أي لأن الحطاب استشكل دخول الوصية في مدبر المرض بأنه لا يتصور بوجه؛ لأن الأشياء التي تخرج من الثلث منها ما يتقدم على مدبر المرض، فإذا ضاق الثلث بأن استغرقه ما يقدم على التدبير بطل التدبير وبطلت الوصايا التي بعده، وإن كان مع المدبر وصايا تتأخر عند وضاق الثلث عنها بطلت الوصايا وصح التدبير، وإن كان مع المدبر ما هو في رتبته وقع الحصاص عند ضيق الثلث وعلى كل حال من الأحوال الثلاثة فلم تتصور صورة يمكن فيها دخول الوصايا في مدبر المرض. انتهى باختصار. وأجاب جد علي الأجهوري بما ذكر الزرقاني أي وغيره كالشبراخيتي، ونحوه لابن عاشر ورده مصطفى، وصوب ما للحطاب قائلا: لأن الكلام في الوصايا في المال وما ذكره الأجهوري ينبو عنه كلام المصنف لا في التوضيح ولا في المختصر، قال: ولا فائدة لما حمل عليه كلام المصنف لعلم ذلك مما تقدم من الترتيب؛ إذ لا شك أن القدم يدخل فيما بعده ولا يحتاج المؤلف للتنبيه على كل ما تقدم من المراتب ولا خصوصية للمدبر فالحمل على ذلك تهافت، فترك الكلام على إشكاله أو دعوى السهو أو الغلط أولى من التهافت. انتهى.
قلت: وفيه نظر إذ لا يعلم من الترتيب المتقدم أن المقدم يدخل فيما بعده، وإنما يعلم منه بطلان المتأخر إن ضاق عنه الثلث، وأما الدخول فيما بطل فشيء آخر لا يعلم إلا من ها هنا، فما حمله عليه الأجهوري وغير متعين ولا تهافت فيه. والله تعالى أعلم. انتهى المراد منه.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: ولا يخفى عدم ظهور كلام الحطاب ومصطفى. والله تعالى أعلم. واعلم أن كل وصية مقدمة على ما بعدها تدخل فيما بعدها حيث بطلت الوصية فيه لضيق الثلث، فقوله:"ودخلت فيه"، فيه تنبيه على ذلك.
وفي العمرى يعني أن الوصايا تدخل في المال الراجع من العمرى فيباع كما يباع المدبر لأجلها حيث ضاق الثلث، قال الشبراخيتي: ودخلت الوصايا في الراجع إليه من العمرَى والحبس المؤقت على ما مشى عليه المصنف من أنه لا يشترط تأبيد الوقف. انتهى. وقال عبد الباقي: وتدخل في الراجع إليه من العمرى أي في الشيء العمر لا المصدر ولو بعد موته بسنين، وكذا تدخل في الحبس يعني المؤقت والبعير الشارد والعبد الآبق الراجع كل من الثلاثة بعد موته.
واعلم أن دخول الوصية في مدبر الصحة أو المرض ظاهر وذلك إذا كان المقدم على كل كفك الأسير يزيد على ثلث الميت الذي من جملته قيمة المدبر، يعني أو يبلغه فإن كان ثلث الميت الذي من جملته قيمة المدبر مائة، وكان فك الأسير مائة أو أكثر فإنه يبطل تدبير مدبر الصحة ويدخل ما زاد من فك الأسير في ثلث قيمته أيضا، ومثله يقال في مدبر المرض وحينئذ فلا إشكال، وبه يعلم أن كلام الحطاب غير ظاهر. انتهى. ونحوه للخرشي وفيه عند قوله:"ودخلت فيه وفي العمرى" في نصه: تقدم أن الوصايا لا تدخل إلا فيما علم به الموصي وذكر هنا أنه تدخل في المدبر في المرض إذا بطل بعض تدبيره لضيق الثلث. انتهى المراد منه. وقال التتائي: ودخلت وصية فيه أي في المدبر إذا لم يخرج من الثلث ورق بعضه. انتهى.
وفي سفينة وعبد شهر تلفهما ثم ظهرت السلامة قولان مبتدأ وخبره الجار والمجرور، ومعنى كلامه أن من له سفينة أو عبد اشتهر عند الناس تلفهما ثم أوصى بعد أن اشتهر تلفهما بوصية ثم ظهرت سلامتهما، اختلف على قولين رواهما أشهب عن مالك، هل تدخل الوصية فيهما أو لا تدخل؟ واعلم أنه وقع في العتبية ما يفيد دخول الوصية فيما ذكر، ووقع فيها ما يفيد عدم الدخول فيما ذكر، وحمل ذلك قوم من الأشياخ على الخلاف كالشيخ أبي محمد وابن الحاجب والمصنف وابن عرفة، وجزم ابن رشد بأنه لا اختلاف فيما وقع في العتبية، ففي سماع القرينين ما نصه: سئل مالك عمن نعيَ له عبد آبق أو ذكر له غرق سفينة ثم مرض فأوصى بثلث ماله ثم
مات وجاء العبد الآبق وسلمت السفينة، أيدخل ذلك في ثلثه؟ فقال: نعم، ليس يشبه هذا الذي يكون له مال لم يعلم به. قال: ينعى للرجل العبد وهو يرجوه وهو يائس منه، فهذا يدخل في الثلث. وفي كتاب الوصية للصغير
(1)
من سماع أشهب وابن نافع، قال: فأما الذي له العبد الآبق والجمل الشارد والذي قد كان له أصله وعلمه، فإنه إذا رجع رجع في الثلث، فقيل له أرأيت الذي يكون له المال الغائب مثل السفينة والعبد؟ فيقال قد غرقت السفينة أو مات العبد حتى يتيقن ذلك، فقال: إذا علم أنه لم يرده فلا يدخل في الثلث، فقيل له: مثل السفينة يقال له قد غرقت، فقال: إذا كان هكذا فنعم، ولم ير أن ذلك يرجع في الثلث إذا جاءت سلامته من جهة أنه كان منه آيسا. وفي رواية عيسى من كتاب المكاتب من سماعه، قال ابن القاسم: إن كانت قامت عنده البينة وشهد عنده قوم قبل الوصية أو بعدها أن العبد مات والسفينة غرقت والفرس مات أو بلغه ذلك فطال زمانه ويئس منه، ثم جاء خبر ذلك من بعد موته أنه لم يذهب منه شيء فلا يدخل فيه شيء من الوصايا وهو كمال طارئ لم يعلم به، وإن كان ذلك لشيء بلغه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات ولم يشهد عنده أحد بهلاكه إلا خبر بلغه فإن الوصايا تدخل: ولم يذكر في أول المسألة إباق العبد وإنما ذكر هكذا قلت، فالعبد يابق. قال تدخل فيه الوصية متى ما رجع. انتهى.
قال محمد بن رشد: في ظواهر ألفاظ هذه الروايات اضطراب، ولا ينبغي أن يحمل شيء منها على التعارض والاختلاف لأنها ترجع كلها عند التحصيل إلى ما كان أصله قد علمه، فإن الوصايا تدخل فيه وإن غاب عنه فطال زمانه وبلغه هلاكه حتى كان الغالب عليه اليأس منه من أجل ما بقي له فيه من الرجاء حتى إذا تحقق عنده هلاكه بالشهادة والاستفاضة حتى تحقق ذلك وتيقنه فلم يبق فيه رجاء، فلا تدخل الوصايا فيه إن جاء بعد ذلك، وإن كانت المدة لم تطل ولا فرق في شيء من ذلك كله بين المال الغائب والعبد الآبق والسفينة الغائبة. وبالله التوفيق. انتهى. وقد أغفله المحققون الحفاظ. والله تعالى أعلم. قاله الرهوني.
(1)
في نسخة المؤلف الصغير والمثبت من البيان ج 13 ص 5.
وقال عبد الباقي: وفي دخول الوصية في سفينة وعبد للموصي شهر تلفهما، ثم ظهرت السلامة لهما بعد موت الموصي وعدم دخولها قولان وغير السفينة والعبد مثلهما في ذلك كبضاعة أو قراض إن أسلمهما وشهر تلفهما ثم ظهرت السلامة. انتهى. وقال التتائي: واختلف هل تدخل في سفينة أو عبد شهر تلفهما بغرق السفينة وموت العبد قبل الإيصاء ثم ظهرت السلامة وعدم دخولها فيهما قولان رواهما أشهب عن مالك. انتهى. وقال المواق: ابن عرفة: اختلف إذا قيل له غرقت سفينتك وأيس منها ثم جاءت سالمة، فروى محمد: لا تدخل فيها وصاياه، وقال: تدخل فيها ولا يشبه ما لم يعلم به، وقال ابن الحاجب: وفي العبد الآبق والبعير الشارد إن اشتهر موتهما ثم ظهر السلامة قولان، وذكرهما ابن شأس روايتين عن مالك. انتهى.
لا فيما أقر به في مرضه يعني أن المريض إذا أقر في مرضه لمن يتهم عليه، فإن إقراره يبطل وإذا بطل فلا تدخل الوصايا فيه. قال الخرشي: وأما ما أقر به في مرضه وبطل إقراره كما إذا أقر في مرضه أنه كان أعتقه في صحته فإن الوصايا لا تدخل في ذلك، ومعنى ذلك أن الرد وقع بعد الموت، أما لو حصل قبل موت الموصي وعلم بذلك فإن الوصايا تدخل فيه على المعروف من المذهب. قاله الخرشي والشبراخيتي. وقال عبد الباقي: لا تدخل الوصية فيما أقر به كدين لم يتهم عليه كصديقه الملاطف، ويبطل إقراره به كإقراره في مرضه أنه أعتقه في صحته. انتهى. وقال الشبراخيتي: لا فيما أقر به لأحد مما يبطل إقراره به، كإقراره لمن يتهم عليه وإن كان لمن لا يتهم عليه أخذه، وإذا كان الإقرار باطلا فإن القوله يحاص أرباب الديون وما نابه يرجع ميراثا يقسم على فرائض الله تعالى، وليس لأرباب الديون فيه شيء. انتهى.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: تأمل هذا الكلام فإنه غير ظاهر إذ لا إرث مع استغراق الديون، وإن تأولنا كلامه على أن المراد بالديون الوصايا ففيه نظر أيضا؛ لأن قدر الدين الذي أقر به يكون ميراثا كله، ولا تدخل فيه الوصايا كما مر عن القلشاني. والله تعالى أعلم.
أو أوصى به لوارث يعني أن ما أوصى به لوارث إذا لم يجزه بقية الورثة فإنه تبطل الوصية به، وإذا أبطلوه فلا تدخل فيه الوصايا فيضرب به مع الوصايا ثم يقسم عليه وعلى غيره على فرائض الله تعالى كما مر عن المدونة، ففيها: ومن أوصى لوارث وأجنبي تحاصا وعاد حظ الوارث ميراثا.
انتهى على نقل البناني. وقال الشبراخيتي: لا فيما أقر به في مرضه أو أوصى به لوارث ورد إقراره أو وصيته بعد موته، وأما لو ردا قبل موته وعلم بذلك فإن الوصية تدخل فيهما. انتهى. وقال عبد الباقي: أو أوصى به لوارث ولم يجزه بقية الورثة، وإذا لم تدخل الوصية في ذلك بطل ورجع ميراثا، ومعنى ذلك أن رد بقية الورثة ما وقع بعد الموت، وأما لو حصل قبل الموت وعلم بذلك فتدخل الوصايا فيه، ولا مفهوم لقوله:"في مرضه" لأن إقراره في صحته قد يكون باطلا فالمراد لا في إقراره الباطل، وأما مدبر الصحة فيدخل في هذين كما يفيده ابن يونس. واستظهر الحطاب أن فك الأسير كذلك بالأولى لتقدمه على مدبر الصحة، وبحث فيه الأجهوري بأنه من الوصايا التي صريح المصنف عدم دخولها فيه إلا أن يحمل على ما تعين عليه قبل موته فكه وأوصى به. انتهى. قوله لأن إقراره في صحته قد يكون باطلا الخ، قال الرهوني: انظر هل يرد عليه ما في طرر ابن عات عن ابن زرب، فإنه لما ذكر عنه مسألة المصنف هذه قال متصلا بها ما نصه: ومن أقر لمن يجب إقراره له به فكلف المقر له أن يحلف يمين القضاء فنكل عن اليمين، فإن الوصايا تدخل فيه إذ قد يمكن أن يكون قبضه ذكره عنه ابن مغيث. انتهى منها بلفظها.
ونحوه في نوازل الوصايا من المعيار عن ابن زرب أيضا وسلمه، والظاهر أنه لا يرد عليه تأمل. وقوله: وأما مدبر الصحة، فيدخل في هذين يعني ما بطل من الإقرار وما أوصى به لوارث ولم يجزه بقية الورثة ودخوله فيما بطل من الإقرار مصرح به في كلام ابن يونس، ونصه: فإن كان الدين ممن يجوز إقراره له أخذه، وإن كان ممن لا يجوز إقراره له عزل وورث وكانت الوصايا في ثلث ما بقي. محمد بن يونس: لأنه كذلك أراد أن تكون الوصايا في ثلث ما بقي، وإن الدين فارع من رأس المال يعني بالعين المهملة خارجا، فلما منع منه للتهمة نفذت الوصايا على ما أراده الإصداق المنكوحة في المرض والمدبر في الصحة. انتهى منه بلفظه. وبحث الأجهوري مع الحطاب متجه كما قاله التاودي، وقال جسوس: إنه هو الظاهر، وقال الرهوني: إنه هو الصواب وردوا كلهم على مصطفى الصوب لكلام الحطاب وما قالوه واضح لا غبار عليه، ففي كلام الحطاب ومصطفى والبناني نظر ظاهر. والله تعالى أعلم.
وفي المدونة: وكل وصية لا تدخل إلا فيما علم به الميت، فأما المدبر في الصحة فيدخل فيما علم به وفيما لم يعلم به من غائب أو حاضر. انتهى منها بلفظها. ونحوه لابن يونس عنها، ونصه: وكل وصية فلا تدخل إلا فيما علم به الموصي، إلا المدبر في الصحة فإنه يدخل فيما علم به وفيما لم يعلم من غائب أو حاضر. انتهى منه بلفظه. قال أبو الحسن ما نصه: قوله فأما المدبر في الصحة فيدخل الخ، عياض: ظاهره أن المبتل في المرض والمدبر فيه خلافه لا يدخلان فيما لم يعلم به، وعليه حمل مذهب الكتاب محققوا شيوخنا. وفي كتاب محمد والعتبية أن المدبر في الصحة والمرض سواء يدخلان فيما علم وفيما لم يعلم، واختلف في المبتل في المرض، ففي العتبية والمدونة لابن القاسم: لا يدخل وكذلك في كتاب محمد، وخرج الشيوخ على ما في كتاب محمد والعتبية من دخول المدبر في المرض دخول المبتل لأنه أقوى، لكن ذكر هذا التخريج يبعد فإنه نص على الفرق بينهما، فكيف يقاس على كلامه خلاف ما نص عليه الشيخ فالمدبر في الصحة لا خلاف أنه يدخل فيما علم به. وفيما لم يعلم والوصية لا خلاف أنها لا تدخل إلا فيما علم والمدبر في المرض والمبتل فيه قولان، وحكى ابن حارث رواية شاذة عن ابن سحنون عن ابن القاسم عن مالك أن المدبر في الصحة لا يدخل إلا فيما علم ابن سحنون وعمل بها سحنون على شذوذها، وفي الوصية أيضا قول شاذ أنها تدخل فيما علم وفيما لم يعلم. انتهى.
وقال ابن ناجي ما نصه: ووجه ما في الكتاب أن التدبير عقد لازم علقه بمجهول والوصية عقد جائز إنما تنفذ بالموت فلما لم يغيرها حتى مات دَلَّ أنه قصد تعليقها بمعلوم، والفرق بين مدبر الصحة والمرض أن المدبر في الصحة قصد إلى عتقه من مجهول ما يكون في ملكه يوم يموت، وقد يكون بين تدبيره وموته عشر سنين، والذي في المرض يتوقع موته من مرضه ذلك وهو عالم بماله، وإنما يجوز أن تجري أفعاله فيما علمه. انتهى منه بلفظه. وما ذكره من الفرق بين المدبرين سبقه إليه اللخمي، ونصه: واختلف في المدبر في المرض، والذي ثبت عليه ابن القاسم أنه لا يدخل إلا فيما علم، والفرق بين المدبر أن الصحيح قصد إلى عتقه من مجهول ما يكون في ملكه يوم يموت، وقد يكون بين تدبيره وموته العشرون سنة أو أكثر. والمدبر في المرض يتوقع الموت من مرضه ذلك وهو عالم بماله، وإنما يقصد أن تجري أفعاله فيما علمه. انتهى منه بلفظه.
وقد نقل ابن عرفة عن المدونة ما قدمناه عنها، وسلمه وقال في التوضيح عند ابن الحاجب: ولا مدخل للوصية فيما لم يعلم به الخ ما نصه: يعني أن وصايا الميت لا تدخل إلا فيما علم به أي الميت وهذا هو المعروف من المذهب. انتهى. وفي المفيد ما نصه: وإن كانت الوصية وهو غير عالم بما طرأ له من ماله فطرأ له من ماله ما لم يعلمه إلى أن مات فلا يجوز فيه ثلثه، إلا المدبر في الصحة فإنه يدخل فيما لم يعلم وفيما علم. انتهى. وتتبع النصوص بذلك يطول بنا، وفي بعض ما ذكرناه كفاية فكيف بجميعه؟ فهذه النصوص تدل على أن فك الأسير لا يدخل فيما لم يعلم به الموصي، وتعليلهم دخول المدبر في الصحة وحده بما تقدم يفيد ذلك لانتفاء تلك العلة في فك الأسير قطعا، وإذا سلم أنه لا يدخل فيما جهل لزم عدم دخوله فيما بطل من الإقرار بالأحرى؛ لأنهما اشتركا في أنه كشف الغيب أنهما كانا على ملكه يوم مات وزاد ما بطل من الإقرار به يوم مات كان جازما بأنه لا حق له فيه ولا يتوقف منصف في أن ما يجزم الموصي بأنه لا ملك له عليه أولى بعدم دخول الوصايا فيه مما يجهل ملكه، فتأمله بإنصاف. وقول عبد الباقي: إلا أن يحمل على ما تعين عليه لخ تبع فيه الأجهوري وفيه نظر؛ لأن ما تعين عليه فكه من رأس المال لا في الثلث، وقد تقدم لعبد الباقي نفسه الجزم بذلك فلا يصح ما قالاه. والله أعلم. انتهى. قال جميعه الرهوني.
وإن ثبت أن عقدها خطه العقد هو الورقة التي كتبت فيها الوصية، يعني أنه إذا وجدت ورقة مكتوبة بخط الميت وثبت عند الحاكم بالبينة الشرعية أنها خطُّه أي الموصي، والحال أن الموصي لم يشهد أنها وصية ولم يقل أنفذوها، فإن الوصية لا تنفذ أي لا تفيد شيئا أي لا يعمل بها وتبطل، أو قرأها يعني أن الموصي إذا قرأ الوصية على الشهود ولم يشهدهم على أنها وصية ولم يقل أنفذوها فإنها لا تفيد أي تبطل.
وعلم مما قررت أن قوله: ولم يشهد قيد في الصورتين، ومفهوم المصنف أنه إن أشهد في الصورتين نفذت وعمل بها، أو يقل أنفذوها عطف على يشهد فهو في حيز النفي. وعلم مما قررت أن قوله: لم تنفذ جواب الشرط فهو راجع للمسألتين، والحاصل أنه إذا لم يشهد ولم يقل أنفذوها لا تفيد ولا يعمل بها بل تبطل، فإن أشهد في الصورتين أنها وصيته أنفذت وكذا تنفذ أيضا في الصورتين
إذا قال أنفذوها، قال عبد الباقي: وإن ثبت أن عقدها أي وثيقة الوصية خطه أو قرأها ولم يشهد غيره أنها وصيته في الصورتين أو لم يقل فيهما أنفذوها لم تنفذ، فلا يعمل بها بعد موته لاحتمال رجوعه، ولو كتب أنفذوها؛ لأن كلا من هذين لا يفيد عزمه عليها؛ إذ قد يكتب غير عازم بل يتروى. ومفهوم المصنف أنه إن أشهد في الصورتين أو قال بلفظه أنفذوها نفذت وعمل بها. انتهى.
وقال الخرشي: المراد بالعقد الورقة التي يكتب فيها الوصية. انتهى. وقال الشبراخيتي: وإن وجدت وصية مكتوبة وثبت عند القاضي أن عقدها أي وثيقتها خطُّه ولم يشهد عليها ولم يقل أنفذوها لم تفد، أو قرأها ولم يشهد راجع لهما أو لم يقل أنفذوها معطوف على المنفى أي أو لم يقل أنفذوها في المسألتين أيضا، فإن قلت قوله أنفذوها في معنى الإشهاد أيضا، فالجواب أن قوله:"أنفذوها" للورثة، وأما الإشهاد فهو لغيرهم. انتهى. وقول عبد الباقي: فلا يعمل بها بعد موته لاحتمال رجوعه، ولو كتب أنفذوها لخ قال البناني: هذا هو الذي استقرَ به في التوضيح في قول عياض وأما إذا كتبها بخطه وقال إذا مت فينفذ ما كتبت بخطي فلينفذ ذلك إذا عرف أنها خطه كما لو أشهد. انتهى. ونص التوضيح: وانظر قوله وقال إذا مت هل المراد شهد على قوله من غير خط، أو المراد أنه وجد ذلك بخطه وشهد عليه والأول أقرب إلى حقيقة اللفظ؟ إذ القول حقيقة إنما هو في الملفوظ به. انتهى. قلت: والظاهر من جهة المعنى هو الثاني. والله تعالى أعلم. قول البناني: والظاهر من جهة المعنى هو الثاني في استظهره هو الظاهر، ويظهر من كلام أبي الحسن أنه على ذلك فهم كلام عياض؛ لأنه قال عقبه في نصه: أبو محمد في النوادر والباجي وابن رشد: وأما إن كتبها ولم يشهد عليها ووجدت عنده بعد موته فلا ينفذ ما فيها، وإن كانت بخط يده لاحتمال أن يكون كتبها ليؤامر نفسه فيها ولم يعزم بعد على تنفيذها. الشيخ: وقول عياض: إذا كتبها بخطه وقال إذا مت الخ، فليس بخلاف في قال أبو محمد والباجي وابن رشد، وكأنهم يقولون الإشهاد أو ما يقوم مقامه. انتهى. فإن قوله الإشهاد أو ما يقوم مقامه يدل على أنه فهم كلام عياض على ما ذكرنا، إذ لو كان قال ذلك نطقا لكان إشهادا لا قائما مقامه، ومما يعين حمله على ذلك قول عياض نفسه: فلينفذ إذا عرف أنه خطه كما لو أشهد؛ لأن قوله: كما
لو أشهد تشبيه، فلو فهم ما فهمه في التوضيح لكان فيه تشبيه الشيء بنفسه؛ لأن قوله بلسانه للعدلين: أنفذوا ما في هذا الكتاب إشهاد حقيقة. فتأمله. والله تعالى أعلم.
وندب فيه تقديم التشهد يعني أنه يندب في الإيصاء تقديم التشهد أي يستحب للإنسان إذا كتب وصيته أن يبدأ بالشهادة، بأن يكتب: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ثم يذكر ما يوصي به، فقوله:"تقديم التشهد" أي على المقصود بالذات فلا ينافي أنه يقدم البسملة على التشهد وقررته بالكتب لما ستراه، ولا مانع من شموله للكتب والقول. الخرشي: وظاهره أنه يندب البدءُ بالتشهد سواء كانت الوصية باللسان أو مكتوبة. انتهى. وقال الشبراخيتي: وندب فيه أي في الإيصاء تقديم ذكر التشهد، ظاهره سواء كانت مكتوبة أو باللسان فقط، قال ابن مرزوق: ولم أره إلا في الكتب وهو من فعل الصالحين، فيقول قبل الوصية: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. ولم يذكر مالك خصوص في يذكره. قال أنس بن مالك: ويوصي أهله بتقوى الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وظاهره أنه لا يندب التسمية ولا التحميد، لكن حديث البسملة والحمدلة يدل على تقديمهما. انتهى. وقال عبد الباقي: وندب في الإيصاء تقديم التشهد قولا، فيقول قبل إيصائه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، كما في التتائي والشادلي والشيخ خضر. وفي أبي الحسن على المدونة: يكتب.
ونحوه قول الهاروني عقب المتن أي ندب أن يكتب الشهادتين قبل الوصية، وقال علي الأجهوري: وظاهر المصنف كغيره أنه لا يندب فيه البداءة بالبسملة والحمدلة ولم أر من تعرض له، ولكن حديثهما يدل على تقديمهما وهو الذي رأيته في وصايا من يعتد به من العلماء. انتهى. وعليه فالمراد بتقديم التشهد على المقصود بالذات فلا ينافي أنه يقدم البسملة والحمدلة على ذلك. انتهى.
تنبيهان: الأول: قال عبد الباقي: وندب فيه أي في الإيصاء تقديم التشهد قولا الخ، قال الرهوني: انظر تردده في ذلك ومراد المصنف كتبا، ونص المدونة كاد أن يكون صريحا في ذلك، وفي المنتقى ما نصه: وفي المجموعة والعتبية من رواية ابن القاسم عن مالك: كان من أدركت
يكتبون التشهد قبل ذكر الوصية وما زال ذلك من شأن الناس بالمدينة، وإنه ليعجبني وأراه حسنا. انتهى منه بلفظه. وفي ابن عرفة ما نصه: وفيها من كتب وصيته فليقدم ذكر التشهد. الشيخ: روى ابن القاسم في العتبية والموازية والمجموعة، قال: كان من أدركت يكتبون التشهد قبل ذكر الوصية وما زال ذلك من أمر الناس بالمدينة، وإنه ليعجبني وأراه حسنا ورواه أشهب. انتهى منه بلفظه. وكلام العتبية هو في أول مسألة من رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا الأول، ونصه: قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، قال: سئل مالك عن الوصية التي يوصي بها الناس ويتشهدون فيها قبل أن [يوصوا]
(1)
، قال: ذلك يعجبني وأراه حسنا وما زال ذلك من شأن الناس: والذي أدركتهم عليه أن يكتبوا التشهد قبل أن يوصوا. قال مالك في إثر الوصية في التشهد حين قال هو الذي أدركت عليه الناس، قال: قال أبو بكر بن محمد بن عمرٍو بن حزم: ما أدركت عليه الناس بهذه البلدة يعني المدينة فلا شك فيه أنه الحق، وروى أشهب في كتاب الوصية الذي فيه الحج والزكاة مثل هذا في التشهد، وزاد: قال فقيل له: فإن رجلا عندنا كتب وصيته وكتب فيها: أومن بالقدر خيره وشر حلوه ومره، فقال: لا والله لا أراه، أفلا كتب والصفرية والأباضية؟ ليس هذا بشيء، وقد كتب من مضى وصاياهم فلم يكتب أحد منهم هذا في وصيته.
قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قاله؛ لأن الرشد في الاتباع ويكره في الأمور كلها الابتداع: فلن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، والمدينة دار الهجرة وبها توفي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة خير الأمة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وتبليغ دينه وإقامة شرعه بها متوافرون، فما عملوا به ودرجوا عليه هو الهدي الذي لا ينبغي العدول عنه. وبالله التوفيق. انتهى منه بلفظه. والنصوص الصريحة في ذلك غير ما قدمناه كنص اللخمي وغيره كثيرة وفيما ذكرناه كفاية. والله أعلم.
الثاني: قال الرهوني: قوله في الرواية، لا أراه أفلا كتب والصفرية لخ كذلك وجدته فيها، ونحوه لابن يونس ونصه: وروى أشهب عن مالك في العتبية والمجموعة وكتاب محمد، قيل له: إن
(1)
في الأصل: يوصى، والمثبت من البيان ج 12 ص 440.
رجلا كتب في وصيته: أومن بالقدر خيره وشره حلوه ومره، قال: ما أرى هذا، أفلا كتب والصفرية والأباضية قد كتب من مضى وصاياهم فلم يكتبوا مثل هذا؟ انتهى منه بلفظه. ونقله ابن مرزوق بلفظ: ما أرى هذا، ويكتب أيضا والصفرية لخ، ثم قال بعده ما نصه: قوله ويكتب أيضا الصفرية والأباضية هكذا وجدته في نسخة ابن يونس وله وجه لأن ما ذكر من بعض القدر الذي يؤمن به وهو وجود هذه الفرق. وفي النوادر وغيرها: ما أرى هذا إلا كتب الصفرية والأباضية والمعنى فيهما على الإنكار. انتهى منه بلفظه. وقد رأيت أن الذي في ابن يونس موافق لما في النوادر وغيرها.
وفي التوضيح: وروى أشهب أن رجلا كتب في وصيته: أومن بالقدر خيره وشره حلوه ومره، فقال: ما أرى هذا إلا من الصفرية والأباضية الخ، قال جسوس بعد أن نقله ما نصه: زاد ابن عرفة: ومثله في سماع ابن القاسم. انتهى. وهو يوهم أن ابن عرفة ذكر رواية أشهب بنحو ما ذكرها في التوضيح وليس كذلك، وإنما قال. ابن عرفة ما نصه: وروى أشهب أن رجلا كتب في ذلك أومن بالقدر كله خيره وشره حلوه ومره، قال: ما أرى هذا إلا كتب الصفرية والأباضية لخ هذا لفظه، وهو موافق لما وجدناه في العتبية ومخالف لما في التوضيح. فتأمله. والأباضية قد تقدم ضبطه ومعناه عند قوله:"كحروري" في فصل الجماعة فراجعه. والصفرية، قال في القاموس ما نصه: والصفرية بالضم ويكسر: قوم من
(1)
الحرورية نسبوا إلى عبد الله بن صفار، ككتان، أو إلى زياد بن الأصفر أو إلى صفرة ألوانهم أو لخلوهم من الدين. انتهى كلام الرهوني.
ولهم الشهادة وإن لم يقرأه ولا فتح يعني أنه يجوز للشهود أن يشهدوا على الموصي بما انطوت عليه وصيته أي وثيقته المشتملة على الوصية وإن لم يقرأها عليهم وإن لم يفتح الكتاب، وتنفذ الوصية بمعنى الكتاب أي يعمل بما فيها، ولو كانت أي بقيت عنده إلى أن مات إذا قال لهم اشهدوا بما في هذه الوصية. وعلم مما قررت أن الضمير في قوله:"كانت" للوصية بمعنى الوثيقة أي الكتاب. قال عبد الباقي: ويجوز لهم الشهادة حيث أشهدهم بما في كتاب وصيته، أو قال:
(1)
ساقطة من خط المؤلف وقد وردت في الرهوني ج 8 ص 285 والقاموس مادة صفر.
أنفذوها وإن لم يقرأه ولا فتح لأنه لا يلزم الشاهد قراءة الوثيقة إلا في الاسترعاء، فيلزم قراءة جميعه لأنه يخبر عن جميع ما فيه أنه في علمه. قاله الباجي. وتنفذ وثيقته ولو كانت الوصية بمعنى الكتاب الذي هي فيه عنده لموته حيث لا ريبة في الكتاب أو محو وتقديرنا يجوز لهم الشهادة بمعنى الإقدام عليها لا ينافي وجوب الشهادة عليهم إن لم يقم غيرهم مقامهم، فالوجوب لأمرٍ عارض وهذا أولى من جعل اللام بمعنى على. انتهى. قوله:"ولو كانت" قال التتائي: نحوه في المدونة وهو قول ابن القاسم، وأشار "بلو" لمخالفة قول أشهب: ليس لهم أن يشهدوا إلا أن تكون الشهادة عندهم قاله عياض وغيره.
وإن شهد بما فيها وما بقي فلفلان، ففتحت فإذا فيها وما بقي فللمساكين قسم بينهما يعني أن الشاهدين إذا شهدا على مجرد قول الموصي أشهَدا بما في هذه الوثيقة، بأن كذا صدقة على زيد مثلا وما بقي من ثلثي فهو لفلان أي لعمرو مثلا ففتحت فإذا فيها وما بقي فهو للمساكين، فإن ما بقي من الثلث يقسم بين عمرو والمساكين نصفين فهذا كمسألة إيصاء بشيء لزيد ثم به لعمرو، وليس بمنزلة هذا لزيد والفقراء لأن ذلك يكون زيد كواحد من الفقراء كما مر. قال عبد الباقي: وإن شهدا بما فيها على مجرد قول الموصي: اشهدا بما في وصيتي من الصدقة بكذا بعدي وما بقي من ثلثي فلفلان المعين، فشهدا بذلك ثم مات ففتحت فإذا فيها وما بقي من الثلث فللمساكين قسم ما بقي من الثلث بينهما أي بين فلان المعين وبين المساكين نصفين كما لو كانت الوصية لاثنين فقط، فإن الثلث يقسم بينهما نصفين ولم تبطل هذه الوصية مع التنافي المذكور لأنها كمسألة ما إذا أوصى بشيء لزيد ثم به لعمرو. انتهى.
وكتبتها عند فلان فصدقوه يعني أنه إذا قال الموصي كتبت وصيتي وجعلتها عند فلان فصدقوه فإن فلانا يصدق فيها، ويقبل قوله. قال الشبراخيتي: وإن قال كتبتها وجعلتها عند فلان، ففي الكلام حذف أداة الشرط وفعل الشرط وحذف فعل عامل في الظرف، كذا قال الزرقاني. ويصح أن يكون الظرف حالا من الهاء أي كتبتها حال كونها عند فلان لا لغو متعلق بكتبتها، فلا يحتاج إلى ما قاله الزرقاني فصدقوه يصدق وتنفذ، وظاهره ولو كان فلان غير عدل وهو قول مالك في الواضحة وسحنون وهو ظاهر المدونة، واختاره التونسي واللخمي لأن الميت ائتمنه وأمر بقبول
قوله، ولأن عدم قبول قوله مؤد لإبطال الوصية وفوات غرض الميت. وذهب ابن القاسم إلى اشتراط كونه عدلا وأن غيره - يعني غير العدل - لا يصدق. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن قال الموصى كتبتها ووضعتها عند فلان فصدقوه صدق في قوله: هذه وصيته التي كتبها، ولو وجد فيها أنها لابن الموضوعة عنده فلا يرجع الشرط لهذه، ويحتمل أن يريد بكتبها أمرت فلانا بكتبها وهي عنده فأنفذوها وعليه فيرجع الشرط لهذه أيضا. انتهى.
وقال الرهوني عند قوله: "وكتبتها عند فلان فصدقوه" ما نصه: اقتصر المصنف على قوله فصدقوه مع أنه قال في المدونة: فأنفذوا ما فيها وصدقوه، لقوله في التوضيح عند قول ابن الحاجب: وجعلتها عند فلان فصدقوه ما نصه: هكذا في المدونة لكنه زاد قبل قوله: "فصدقوه" فأنفذوها، ورأى المصنف أن قوله:"فصدقوه" يعني عن قوله أنفذوها وهو ظاهر، ونحوه لأبي الحسن. وقال فضل: إن لم يقل فأنفذوها وإنما قال وصيتي عند فلان فلا يمضي منها شيء حتى يقول فأنفذوها. انتهى. قال أبو الحسن: الشيخ: وهذا مشكل لأن قوله في الكتاب فصدقوه لا فائدة فيه إلا أن ينفذ ذلك. انتهى. ونقله ابن ناجي معبرا عنه بالمغربي وسلمه، وقول الزرقاني: وصيته التي كتبها أي بخط يده وخليه فقوله ولو وجد فيها أنها لابن الموضوعة عنده ظاهر، إن ثبت أن ذلك خطُّه وليس في الكتاب محو ولا ريبة، وهذا التفصيل أصله للأجهوري وصرح الخرشي برجوع الشرط لهذه أيضا ولم يفصل، وكذا جسوس وهو ظاهر ما في العتبية، ففي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا الأول ما نصه: وسئل مالك عن رجل حضرته الوفاة فقيل له أوص، فقال: قد أوصيت وكتبت وصيتي ووضعتها على يدي فلان فأنفذوا ما فيها فتوفي الرجل وأخرج الذي قال المتوفَّى إنه قد وضعها على يديه الوصيةَ، وليس فيها شهود إلا ما شهد على قوله من ذلك وضعتها على يدي فلان فأنفذوا ما فيها. قال مالك: أرى إن كان الرجل الذي ذكر أنها عنده عدلا أن ينفذ ما فيها، قال ابن القاسم: وذلك رأيي، قال العتبي عن سحنون: الوصية جائزة عدلا كان أو غير عدل. قال يحيى لابن القاسم: لم جوزها مالك ولم يشهد عليها بعينها ولم يشهد عليها إلا الذي كانت عنده، قال: أراه بمنزلة الذي يوصى فيقول قد أوصيت بوصايا أعلمت بها فلانا فما أخبركم أني أوصيت به فهو وصيتي فلينفذ ما فيها فيكون ذلك
ماضيا، وبمنزلة الرجل يوصي لرجل بديون له عليه فيقول قد كنت أداين فلانا وفلانا فما ادعوه قبلي فهم فيه مصدقون، فيكون ذلك لهم بلا يمين يستحلفون بها على ما ادعوا.
قال محمد بن رشد: اشتراط مالك العدالة في الذي قال الميت أنه وضع وصيته عنده إذا أخرجها فقال هذه هي وليس عليها شهود، خلاف ظاهر ما في المدونة والموازية في الذي قال: كتبت وصيتي وجعلتها عند فلان فصدقوه وأنفذوا ما فيها؛ إذ لم يشترط في ذلك عدالة مثل قول سحنون، وقوله هو القياس إذ لا حجة للورثة عليه في الثلث فله أن يجعل التصديق فيه إلى عدل وإلى غير عدل. وقول مالك ها هنا: باشتراط العدالة استحسان، وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات ما فيه بيان هذا فقف عليه. وقوله في الذي قال كنت أداين فلانا وفلانا فما ادعوه قبلي فهم فيه مصدقون إن ذلك يكون لهم دون يمين يستحلفون بها، خلاف قوله في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس في إيجابه اليمين في ذلك واختلاف قوله في هذا على الاختلاف في لحوق يمين التهمة؛ إذ لم يسقط الميت عنهم اليمين، فانظر قوله أراه بمنزلة الذي يوصي لخ، فإنه صريح في أن المسألتين سواء، وظاهره كانت الوصية بخط الوصي أولا، بل ظاهر قوله أولا وكتبت وصيتي الخ هو الأول، لكن التفصيل على الوجه الذي ذكرناه أولا هو الظاهر؛ إذ لا تهمة مع خطه. فتأمله. والله تعالى أعلم. انتهى. ويتحصل من كلام الرهوني هنا أن فلانا يصدق كان عدلا أو غير عدل على الراجح، كان ابن الموصي أو غيره وهذا هو ظاهر المصنف، ومقابله عن مالك: ابن القاسم: لا يصدق إلا إذا كان عدلا، كان ابن الموصى أو غيره.
أو أوصيته بثلثي فصدقوه يعني أنه إذا قال أوصيت فلانا بإنفاذ ثلثي في مصرفه فصدقوه فإنه يصدق في ذلك ويقبل قوله. وعلم مما قررت أن قوله: يصدق راجع للمسألتين، وقوله: إن لم يقل لابني راجع للأخيرة أي إنما يصدق حيث لم يقل الموضوعة عنده هو لابني وأما إن قال هو لابني، فإنه لا يصدق. وقوله: لابني كناية عمن يتهم عليه، ولو أدخل الكاف فقال لِكَابني لكان أولى. قاله الشبراخيتي. ويرجع قوله:"إن لم يقل لابني" للمسألة الأولى على الاحتمال الثاني؛ أي على أن معنى كتبتها أمرته بكتبها وهي عنده فأنفذوها كما مر. والله تعالى أعلم.
قال عبد الباقي عند قوله: "إن لم يقل لابني": أي ابن الموضوعة عنده في الثانية وكذا في الأولى على الاحتمال الثاني فيها كما مر، وقوله:"لابني" أو لأحد ممن يتهم عليه وإلا لم يصدق حيث لا تقبل شهادته لنفسه على ما مر في قوله: ولا من شهد له بكثير ولغيره بوصية، وإلا قبل لهما كشهادة شاهدين بوصية وأحدهما من جعل له النظر فيها وامتنع من قبوله، وإلا لم يقبل. ثم إن الوصية تنفذ في مسألة وكتبتها بمعنييها وإنما لم يقل أنفذوها، والفرق بينها وبين قوله:"وإن ثبت" أن عقدها خطه لخ أن هذه وكلها لغيره وأمر بتصديقه. انتهى. وقد مر عن الرهوني أن قوله: "فصدقوه" قائم مقام أنفذوها، وقال الخرشي مفسرا للمصنف: يعني أنه إذا قال وصيتي كتبتها عند فلان فصدقوه فإنه يصدق، وكذلك إذا قال أوصيته بثلثي فصدقوه فإنه يصدق في ذلك إن لم يقل لابني، أي قال: إنما أوصي بالثلث أو بأكثره لابني فإنه لا يصدق حينئذ لأنه يتهم، وأما القليل فينبغي أن يصدق ولا مفهوم لابنه بل هو كناية عن متهم عليه. انتهى.
وقال المواق من المدونة: من قال كتبت وصيتي وجعلتها عند فلان فأنفذوها وصدقوه صدق ونفذ ما فيها. ابن رشد: وإن لم يشهد في الكتاب وإن لم يكن فلان أيضا عدلا، فإن قال الوصي: إنما أوصى لابني فقال ابن القاسم لا يصدق لقول مالك: من قال اجعل ثلثي حيث تراه أنه إن أعطاه لولد نفسة أو قرابته لم يجز، وقال ابن رشد: من جعل تنفيذ وصيته لرجل وشرط أن لا يتعقب عليه فشرط الموصي نافذ لا يجوز لحاكم أن يتعقب شيئا من ذلك ولا ينظر فيه سواء كان المتولي لذلك وارثا أو أجنبيا، لكن إن كان المتولي لذلك وارثا كان للورثة أن [يقوموا
(1)
] أي في ذلك مخافة أن يأخذ ذلك لنفسه فتكون وصيته لوارث، وكذلك إن كان يبقى لهم في ذلك منفعة كالعتق فلهم القيام، سواء كان المتولي وارثا أو أجنبيا. انتهى.
ووصيي فقط يعم يعني أنه إذا قال اشهدوا على أن فلانا وصيي ولم يزد على ذلك فإنه يكون وصيه في جميع الأشياء ويزوج صغار بنيه ومن بلغ من كبار بناته بإذنهن. قاله الخرشي. وقال الشبراخيتي: وإن قال وصيي فقط ولم يزد على هذا يعم جميع الأشياء من قضاء دين وتصرف في
(1)
في الأصل: يقدموا، والمثبت من المواق ج 6 ص 454 ط دار الفكر.
ثلث ونظر على محاجير، فينكح صغار البنين وبالغات البنات بلا جبر وما هنا مطلق وما في النكاح مقيد، فيحمل المطلق على القيد أي فيجبر بناته الأبكار إن أمره أب به أو عين الزوج وإلا فخلاف، وإذا قال: فلان وصيي وتبين أن فلانا ميتٌ فإن لم يكن للميت وصي بطلت الوصية، وأما إن كان له وصي فإن علم بموته كان وصيه وصيا وإن لم يعلم بموته بطلت الوصية. انتهى.
وقال التتائي: وإن قال وصيي فقط ولم يزد على هذا يعم جميع الأشياء، قال في المدونة: وإنكاح صغار بنيه ومن بلغ من أبكار بناته بإذنهن ولا يجبر اتفاقا والثيب بإذنها. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن قال الوصي فلان وصيي فقط وأشهد على ذلك ولم يعين الموصى عليه يعم جميع الأشياء حتى إنكاح بناته البالغات بإذنهن من غير جبر قطعا، وإنما يجبر إن أمره أب به أو عين الزوج وإلا فخلاف ويزوج صغار بنيه، وظاهر قوله:"يعم" يدخل فيه ما إذا كان الموصي وصيا على أيتام وهو ظاهر المدونة أيضا، فيكون لوصيه بعد موته الولاية عليهم، وقيل لا يدخلون إلا بالنص على دخولهم. ذكره المشدالي.
تنبيهات: الأول: قال البناني: وطريقة ابن رشد أن الوكالة كالوصية، فإذا قال فلان: وكيلي، فإنه يعم. قال في المقدمات: وهذا هو قولهم في الوكالة: إذا طالت قصرت وإذا قصرت طالت. انتهى. ومشى المصنف في الوكالة على خلاف هذا، إذ قال: لا بمجرد وكلتك وهي طريقة ابن بشير وابن شأس وابن الحاجب، فهي عندهم باطلة حتى يعمم أو يخصص. وبهذا تعلم أن كلام مصطفى هنا غير صحيح. انتهى. قوله: وبهذا تعلم أن كلام الخ أي لأنه أول كلام ابن رشد، وحمله على غير ظاهره؛ إذ قال ما نصه: التتائي: قال ابن رشد: الوصية والوكالة الخ يعني إذا طال اللفظ فيهما، كأن يقول: وكلتك على بيع السلعة الفلانية بكذا في وقت كذا من فلان، أو أوصيتك كذلك قصرا في المعنى على تلك القيود، وإن قصر اللفظ بأن قال: وكلتك على كذا أو أوصيتك عليه عم جميع أحواله. هذا معنى كلام ابن رشد. وليس هما متساويين لأن الوصية المطلقة تصح، ولذا قال المصنف:"ووصي فقط يعم"، ولا تصح، الوكالة المطلقة، ولذا قال المصنف: لا بمجرد وكلتك. انتهى منه بلفظه. وهو حقيق بالرد وصدق، ومثل هذا من أمثاله غريب واغتراره بكلام المؤلف في البابين لا يفيد؛ لأن المصنف إنما فرق بينهما لاعتماده على
طريقة ابن بشير وتابعيه، وقد صرح غير واحد من الأئمة بأن طريقتهم مخالفة لطريقة ابن رشد، منهم ابن عرفة وقد نقل المواق كلامه عند قوله:"لا بمجرد وكلتك" وأغنى ذلك عن. نقله. فراجعه إن شئت. ويأتي نحوه على الأثر عن ابن ناجي والله الموفق. وقوك عبد الباقي: حتى إنكاح بناته البالغات بإذنهن من غير جبر قطعا الخ صحيح، وقد صرح في المدونة بالتقييد بذلك ونصها: ومن قال اشهدوا أن فلانا وصيي ولم يزد على هذا فهو وَصيُّهُ في جميع الأشياء وإنكاح صغار بنيه ومن بلغ من أبكار بناته بإذنهن والثيب بإذنها. انتهى منها بلفظها. ومثله لابن يونس عنها، قال ابن ناجي في شرحها ما نصه: قوله ولن قال اشهدوا الخ ما ذكر أنه وصي في جميع الأشياء لا خلاف فيه، ويقوم منها إذا قال وكلتك أنه يكون وكيله على العموم وهو ظاهر قول ابن رشد. وقال ابن بشير وابن شأس وابن الحاجب: إذا قال وكلتك لم يفد حتى يقيد بالتفويض أو بأمر.
الثاني: إذا قال: إن مت ففلان وكيلي فهذه وصية، صرح بذلك في نوازل سحنون. ابن رشد: وهو كما قال لأن الوصي وكيل الميت. قاله البناني.
الثالث: إذا قال: فلان وصيٌّ على أولادي وعلى محاجيري، فقال الوصي: أنا أقبل وصيتك ولا أقبل وصية الأول، فقال ابن وهب: له ذلك، وقال أصبغ: ليس له والأول أظهر. قاله ابن رشد. فإن أطلق في قوله: فلان وصيِّي، ففي شموله الوصية على محاجيره قولان كما في الزرقاني. قاله البناني. يعني قول عبد الباقي: وظاهر قوله يعم يدخل فيه ما إذا كان الوصي وصيا على أيتام لخ، قول البناني: والأول أظهر. قاله ابن رشد. قال الرهوني: كلام ابن رشد هو في رسم الوصايا والأقضية، وقد وجه قول أصبغ بقوله ما نصه: ووجه قول أصبغ أن الموصي إنما أوصى له بالجميع، فإما قبل الجميع وإلا رد الجميع، ورأى أنه إذا قبل البعض فقد لزمه بالقبول له النظر فيه، والنظر فيه وحده ليس له إذ لم يجعل له النظر إلا في الجميع فألزمه الجميع؛ إذ ليس له أن يبعض عليه وصيته. وبالله التوفيق. انتهى منه بلفظه. وما وجهه به ظاهر، وقد اختار ابن يونس تفصيلا آخر ونصه: محمد بن يونس: والذي أرى أن يقول له الإمام: إما أن تقبل الجميع أو تدع الجميع إلا أن يرى الإمام أن يقره على ما قبل ويقيم من يلي وصية الأول فذلك له. انتهى منه بلفظه. ونقله الحطاب باختصار يسير. فتأمله والله أعلم.
وقول البناني: فإن أطلق في قوله فلان وصي، ففي شموله الوصية على محاجيره قولان سوى بين القولين، وفي كلام الحطاب ما يفيد أن الراجح عدم الشمول لأنه نقل عن المشدالي أن صاحب الطرر اقتصر عليه، قلت: ويدل على رجحانه أيضا اقتصار أبي الوليد بن رشد عليه مع كون قائله معروفا ومقابله لا يدرى قائله، فإن أبا الحسن وغيره نقلوا القولين عن ابن الهندي وهو لم يعزهما فيما نقلوه عنه، وما اقتصر عليه في الطرر هو في العتبية من قول سحنون، ففي نوازله من كتاب الوصايا الرابع ما نصه: وسئل سحنون عن الرجل يوصي إليه الرجل بماله وولده فتحضر الوصي الوفاة، فيوصي إلى رجل بماله وولده أو يقل فلان وصيي مسجلا ولم يذكر مال الميت ولا ولده الذي كان أوصى بهم إليه. هل يكون الموصى له وصيا فيما كان هذا فيه وصيا للذي أوصى له فيه، فقال لا يكون وصيا إلا في مال هذا الميت إذا لم يذكر في وصيته أنه وصي على ما أوصى به إلى فلان. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه لا يكون وصيا على ما كان أوصى إليه به من مال الرجل وولده إن أبهم الإيصاء فقال فيه فلان وصيي فلم يفسر شيئا لأنه إنما يحمل على العموم في ماله وولده خاصة لا في مال غيره. وبالله التوفيق. انتهى منه بلفظه. ثم أتى بما يرجح قول سحنون.
الرابع: إذا قال وصيي على أولادي فلان وفلان وله أولاد غيرهما، فقال ابن سهل: يدخلون في الإيصاء وإن لم يسمهم، قال: وهذا كمن قال عبيدي أحرار فلان وفلان وسكت عن باقيهم فإنهم يعتقون أجمعون. انتهى. انظر الحطاب. قوله: إذا قال وصيي على أولاد لخ لم يقتصر الحطاب على هذا. بل صرح بوجود الخلاف في هذه المسألة وفي المقيس عليها وهي عتق العبيد لكن يفهم من كلامه رجحان ما اقتصر عليه البناني ولهاتين المسألتين نظائر، وقد قدمنا بعضها في فصل التناول مع بيان وجه الراجح فراجعه هنا، ومن جملة تلك المسائل إذا قال الموصي يخرج عني ثلث في أخلفه، فمنه في كفارة أيمان كذا ومنه عن زكاة كذا ومنه للعتق كذا وسكت عن باقي الثلث، قال في المعين: ففي ذلك قولان، أحدهما أنه ينفذ في الفقراء والمساكين، قال بعض الموثقين: وبه جرى العمل، والقول الثاني البقية ترجع ميراثا ونحوه في اختصار المتيطية لابن هارون وزاد متصلا به ما نصه: قال ابن الهندي: وأخبرني محمد بن السليم قاضي قرطبة أن هذه
المسألة نزلت في أيام القاضي محمد بن عبد الله فأفتى محمد بن عبد الملك بأن بقية الثلث ترجع ميراثا وخالفه في ذلك أصحابه، فحكم القاضي بقولهم واختاره محمد بن السليم. انتهى منه بلفظه. وقد صرح أبو زيد الفاسي بأن العمل جرى في مسألة الأولاد وفي مسألة الصدقة التي استدل بها ابن سهل، لما قاله ابن زرب بالعموم فانظره. والله أعلم. قاله الرهوني.
الخامس: قال الحطاب: وقال في مفيد الحكام: وللوصي أن يوصي إلى غيره إذا لم يمنعه الموصي من ذلك ولا مقال للورثة في ذلك، ويقوم وصيه مقامه في كل ما كان إليه من وصية غيره إذا أوصى بذلك، وإن مات ولم يوص بذلك تولى الحاكم النظر في كل ما كان إليه وبيده ولم يجز له أن يهمله.
السادس: إذا أوصى بوصية وذكر فيها أن الوصي على أولاده فلان، ثم أوصى بوصية أخرى وغير ما كان أوصى به أولا إلا أنه لم يتعرض للوصي ولم يجعل وصيا على أولاده في الوصية الثانية، إلا أنه قال: إن هذه ناسخة لكل وصية قبلها، قال ابن رشد: لا يكون ناسخا لإيصاته على أولاده. ذكره في نوازله. قاله الحطاب.
السابع: قال في معين الحكام في باب الوصايا: إذا شهد شاهدان على وصية وأحدهما الذي جعل له الوصية ينظر فيها، فإن استعفى هذا الشاهد منها وامتنع من قبولها لها جازت شهادته، ثم إن رأى القاضي بعد ذلك أعادته إلى النظر أعاده. انتهى. وقوله: أحدهما الذي جعل له الوصية ينظر فيها يعني وأحد الشاهدين على الوصية هو من أسند إليه النظر فيها. قاله الحطاب. وقد مر عن عبد الباقي أنه لو قبل الوصية لم تصح الشهادة، وقال المواق: قال ابن شأس: الركن الرابع: الصيغة، كقوله: أوصيت لك أو ما يقوم مقام ذلك، كقوله: فوضت إليك أمر أولادي، ثم قال: وإطلاق لفظ الوصية يتناول نوعي الوصية وحقوقها جميعا. انتهى.
وعلى كذا يخص به يعني أنه إذا قال فلان وصيي على الشيء الفلاني، فإن نظر الموصى يختص به ولا يتعداه إلى غيره، وشبه في العموم والخصوص فقال:
كوصيي حتى يقدم فلان يعني أنه إذا قال زيد وصيي حتى يقدم عمرو فإن زيدا يكون له وصيا في كل شيء حتى يقدم عمرو، فإذا قدم عمرو انعزل زيد عن الوصية بمجرد قدومه. قال التتائي:
كوصيي حتى يقدم فلان فهو جائز وعام في جميع الأشياء خاص في الزمان، فلو مات فلان قيل قدومه، فقال ابن يونس: ينبغي أن يكون هذا وصيا لأنه إنما جعله لقدوم الغائب وظاهره أنه ينعزل بمجرد قدومه وإن قدم وامتنع. واستظهره ابن يونس إلا أن يفهم عنه إن جاء فقبل فإن لم يقبل فوجب أن يبقى. انتهى.
وقال الشبراخيتي: "كوصيي حتى يقدم فلان" فإذا قدم فلان فهو وصيي فهو جائز فهو تشبيه في يعم ويخص لأن فيها العموم والخصوص فهي عامة في التصرف خاصة في الزمن فهي تشبيه في المسألة الأولى في العموم والمسألة الثانية في الخصوص. انتهى. وقال عبد الباقي: كوصيي حتى يقدم فلان فإنه يكون وصيا له في جميع الأشياء إلى أن يقدم فلان، فإذا قدم انعزل بمجرد قدومه ولو لم يقبل الوصية إلا لقرينة، فإن مات قبل قدومه استمرت الوصية على حالها. انتهى. وقال أشهب: إن مات في غيبته فلا وصية للحاضر وينظر السلطان في ذلك. نقله الرهوني.
أو إلى أن يتزوج زوجتي يعني أنه إذا قال فلان وصيي إلى أن يتزوج زوجتي، أو إلا أن يتزوج زوجتي فإنه يعمل بذلك فيكون وصيا له في كل شيء حتى يتزوج زوجته، فإذا تزوجها انعزل. وكذا لو قال: زوجتي وصيتي إلى أو إلا أن تتزوج فإنه يعمل بذلك فتكون وصية في كل شيء ما دامت أيما، فإذا تزوجت انعزلت. قال عبد الباقي: أو قال زيد وصيي إلى أو إلا أن يتزوج بمثناة تحتية زوجتي فلا حق له عمل بذلك، وكذا زوجتي وصيتي إلى أو إلا أن تتزوج بمثناة فوقية فلاحق لها فيعمل به، وكذا إن أوصى لها بسكنى أو لأم ولده بسكنى أو بغلة إلى أن تتزوج أو على أن لا تتزوج فيعمل بما شرط، فإذا عقد لها فلا سكنى ولا غلة بعدد ونزع جميع ما جعله لها غير غلة على أن لا تتزوج بخلاف ما شرط لها من غلة وقفه فلا ينتزع منها الباقي بزواجها. انتهى.
قوله: وكذا إن أوصى لها بسكنى يعني حيث أجاز الورثة ذلك وإلا فلا لأنها وصية لوارث، بخلاف أم الولد. وقال الحطاب: فلو أوصى بشيء على شرط فلم يوف به الموصى له فإنه يرده، فلو أوصى لأم ولده بوصية على أن لا تتزوج فتُوُفيَ تنفذ لها الوصية ثم إذا تزوجت فإنها تنزع منها. انتهى. وفي بعض النسخ: إلا بدل إلى. وقوله: "أو إلى أن تتزوج زوجتي". عياض: ظاهرها
سقوطها بالعقد، قال في المدونة: وكذا لو أوصى لها بألف على أن لا تتزوج فأخذتها، فإن تزوجت أخذت منها. قال اللخمي: أجاز ذلك وإن كان معاوضة فيها غرر لأنها تأخذ المال، ثم هي بالخيار بين أن لا تتزوج ويبقى المال لها أو تتزوج فترد المال أجمع ولا يسقط عنها لوقوفها عن الأزواج تلك السنين شيء. انتهى. وقال المواق من المدونة: من أسند وصيته إلى أم ولده على أن لا تتزوج جاز فإن تزوجت انعزلت، وانظر إن لم يشترط هذا الشرط، قال ابن رشد: إذا تزوجت الوصية فإن جهل حالها جعل عليها مشرف. انتهى.
تنبيه: تقدم عن عبد الباقي قريبا ما نصه: ونزع جميع ما جعله لها غير غلة على أن لا تتزوج بخلاف ما شرط لها من غلة وقف فلا ينزع منها الباقي بزواجها. انتهى. قال الرهوني: انظر ما معنى قوله غير غلة، فإني لم أفهم ما أراد به ولم يذكره الأجهوري وإنما قال ما نصه: ثم تزوجت فإنها ترد ما أخذته. قاله في معين الحكام. انتهى. ونص المعين:
فرع: إذا أوصى لأم ولده على أن لا تتزوج بوصية وتوفي ونفذت لها الوصية ثم تزوجت فإنها ترد ما أخذت. انتهى. فالمتعين أن قوله غير غلة غير صحيح سواء أراد الغلة المستقبلة بعد تزوجها ولا إشكال في عدم صحته أو أراد الغلة التي استغلتها قبل التزوج، سواء أراد أنها بقيت عندها حتى تزوجت فوجدت بعينها، أو أراد أنها فوتتها بأكل أو بيع أو غير ذلك؛ لأنها إن بقيت ردتها بعينها وإن فوتتها وعلمت مكيلتها ردت مثلها، وإن جهلت مكيلتها ردت قيمتها على القاعدة المقررة وهذا حكم غير الغلة من سائر المتمولات، وإنما اختلف إذا فوتت ذلك بالبيع. قال أبو الحسن عند قول المدونة: ومن أسند وصيته إلى أم ولده على أن لا تتزوج الخ ما نصه: عبد الحق: ولو أوصى لأم ولده بعرض على أن لا تتزوج فباعته أو وهبته ثم تزوجت فإن ما فعلته فيض ويرجع عليها بالقيمة: وكذلك قال بعض القرويين: وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: إذا باعت ذلك ثم تزوجت فليس عليها إلا غرم الثمن لأن تصرفها في ذلك كان جائزا بالبيع وغيره. قال: ولو ضاع العرض بأمر من الله لم نضمنه. نَكَّت الشيخ: هذا إذا قامت البينة على الضياع.
تنبيه: محل الرجوع إذا لم يكن الورثة صالحوها ففي أول رسم من سماع القرينين من كتاب الوصايا ما نصه: وسئل مالك عن أم الولد يوصى لها سيدها بنفقتها ما لم تتزوج فصالحها الورثة
على شيء معلوم فيدفعونه إليها نقدا ثم تتزوج أيرجعون عليها بشيء؟ قال: لا يرجعون عليها بشيء وقد صالحوها إنما ذلك لو تركوها على حال ما أوصى به سيدها، قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه إذا لم يبق الورثة الوصية لها [على]
(1)
حالها وصالحوها عنها على شيء دفعوه معجلا إليها فلا رجوع لهم عليها إن تزوجت قبل أن تستنفد في الإنفاق على نفسها ما دفعوه إليها، كما أنها إذا إستنفدت ذلك في الإنفاق على نفسها فلا شيء لها عليهم وإن لم تتزوج؛ لأن الصلح إنما كان على إسقاط الشرط في النفقة فلا رجوع لهم عليها إن تزوجت. انتهى.
وإن زوج موصى على بيع تركته وقبض ديونه صح يعني أنه إذا أوصى شخصا على بيع تركته وقبض ديونه أو على أحد الأمرين وزوج الموصَى بنات الموصي بإذنهن فإن النكاح صحيح، قال البناني: قد يقال لا خصوصية للموصَى وكذلك الأجنبي إذا زوج امرأة بولاية الإسلام لا يجوز ابتداء ويصح بعد الوقوع، وأجيب بأن ذلك في الأجنبي إنما يصح في دنية أو شريفة دخل وطال، والصحة في هذا مطلقة كما يدل عليه كلامهم. انتهى. وقال الشبراخيتي:"وإن زوج موصى" المفعول محذوف أي من لم تجبر بإذنها، وأما لو زوج من تجبر فيفسخ أبدا وأما بغير إذنها فغير صحيح على بيع تركته وقبض ديونه الواو بمعنى أو صح وإن كان لا يجوز ابتداء. وقال المواق من المدونة: قيل لمالك: فلو قال فلان وصيي على قبض ديوني وبيع تركتي ولم يوص إليه بأكثر من هذا، هل له أن يزوج بناته؟ فقال مالك: لو فعل ذلك رجوت أن يكون مجزئا، ولكن أحب إلي أن يرفع ذلك إلى السلطان فينظر السلطان في ذلك. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن زوج موصى على بيع تركته وقبض ديونه أو أحدهما بنات الموصي بإذنهن صح بعد الوقوع ولم يجز ابتداء وليس له جبرهن اتفاقا وإلا فسخ أبدا، وما ذكره هنا بخلاف موصى له بدفع ميراث بنت صغيرة فله تولي بضعها بإذنها ويصح عقده: وإن كان الأولى الرفع للإمام لينظر هل الأولى العقد عليها أم لا؟ وإنما جاز أن ينظر في هذه دون ما قبلها، لأن تعلق وصيته بها حيث جعل وصيا على ميراثها أشد من تعلق من جعل وصيا على بيع تركته وقبض ديونه بها، ومحل الصحة ما لم يجعل التزويج لغيره وإلا فسخ. انتهى. قوله: بخلاف موصى له بدفع ميراث بنت صغيرة الخ،
(1)
ساقطة من خط المؤلف وقد رودت في البيان ج 13 ص 8.
قال الرهوني: أشار به إلى فرع ذكره الأجهوري عن الشارح هو في التوضيح، وأصله لابن يونس وسياقه أنه من كتاب ابن المواز ونصه: وقال ابن القاسم: قال مالك فيمن أوصى بميراث بنت له صغيرة أن يدفع إلى فلان أتراه يلي بضعها؟ قال: نعم، وأراه حسنا لو رفع إلى الإمام فنظر فيه، انتهى.
فرع: اللخمي: وإن قال وصِيٌّ على مالي فكذلك يدخل فيه الولد، وإن قال على ولدي دخل فيه المال. انتهى. ونقله ابن عرفة وسلمه. قاله الرهوني. وقال الخرشي: وظاهر قوله: "صح" أنه بعد الوقوع وهو ظاهر المدونة، وأمَّا ابتداء فالأحب أن لا يفعل حتى يعرض الأمر على الإمام فيقدمه على الأولياء أو يقدم الأولياء عليه. انتهى. وقال التتائي: اللخمي: إن جعل وصيته لثلاثة جعل لأحدهم اقتضاء الدين وقضاء ما عليه وللآخر النظر في الفاضل والتصرف فيه بالبيع والشراء وللآخر بضع بناته جاز، وليس لأحدهم أن يلي غير ما جعل له فإن تعدى من له النظر في الفاضل والتصرف فيه فاقتضى أو قضى مضى ما فعله ولم يرد قضاؤه أو اقتضاؤه، وإن باع أو اشترى من جعل له النكاح رد فعله وإن زوج من جعل له النظر في المال رد فعله لأنه معزول عن ذلك وقد أقيم له غيره، وليس هو بمنزلة قوله: فلان وصيي على قضاء ديني. انتهى.
ثم شرع في بيان الموصِي على الأولاد ومن ينظر في حالهم، ومذهب مالك أنه خاص بالأب دون غيره من الأقارب فلا يوصي الجد ولا الأخ ولا العم ونحوهم، ولهذا قال: وإنما يوصي على المحجور عليه أب يعني أنه لا يوصي على المحجور عليه وهو السفيه والصغير إلا الأب لا غيره كالجد والأخ ونحوهم، قال الخرشي: قوله وإنما يوصي على المحجور عليه وهو الصغير والسفيه أب لكن بشرط أن يكون هذا الأب رشيدا، ثم الأب المحجور عليه فإنه لا يوصي على ولده إذ لا نظر له عليه، وكذا لو بلغ الصبي رشيدا ثم حصل له السفه فليس للأب الإيصاء عليه، وإنما الناظر له هو الحاكم. انتهى. ونحوه لعبد الباقي.
أو وصيه يعني أنه كما للأب أن يوصى لوصيه أن يوصي وكذا وصي الوصي وإن بعد، وظاهر كلام المصنف أن مقدم القاضي لا يوصي وهو كذلك. نص عليه ابن الهندي وابن أبي زمنين وغير واحد. وحكى ابن رشد عن بعض الأندلسيين أن الذي مضى به الحكم أن مقدم القاضي له حكم
الوصي في جميع أموره؛ لأن القاضي أقامه مقام الوصي وما ذكر في الأب إنما هو إذا كان رشيدا ولو كان محجورا عليه لم يكن له نظر على ولده ولا أن يوصي عليهم؛ وكل ما تقدم إنما هو في الوصية مما صار له من ميراث: وأما ما تطوع به الميت فجائز أن يجعله على يد أجنبي وإن كان له أب أو وصي. قاله التتائي. وقال البناني: ثم اعلم أن منع غير الأب ووصيه من الإيصاء إنما هو فيما يورث عنهم. وأما ما تطوع به الميت فوصيته به جائزة إلى من شاء وإن كان للموَلَّى عليه أب أو وصي؛ لأنه إنما أعطاه على هذا الوجه. انظر التوضيح وغيره. انتهى. قال الحطاب: فإذا قال يكون موقوفا على يد فلان حتى يرشد، أو قال يدفع إلى الموَلَّى عليه يتسع به في ملبس أو مطعم لم يكن لأبيه ولا لوصيه قبض ذلك ولا يحجر عليه فيه لأنها هبة من الموصي على صفة.
تنبيهات: الأول: ليس للأب أن ينصب وليا على كبار أولاده إلا أن يكون محجورا عليهم. ابن شأس: ولا يصح نصب الوصي على ذكور الأولاد البالغين إلا أن يكونوا محجورا عليهم، نعم ينصب وصيا في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا ونص على ذلك غير واحد. والله تعالى أعلم. قاله الحطاب.
الثاني: قال الحطاب عن ابن سلمون: وأما نكاح الوصي بنات محجوره فالرواية بذلك منصوصة عن مالك، ومعناه في الأبكار والثيب التي لم يملكن أمور أنفسهن، وقد كان بعض الشيوخ يقول إنه لا يكون وصيا على ولد محجوره إلا بتقديم السلطان فعلى هذا لا يزوج واحدة من بناته، وفي مسائل ابن الحاج قال: اختلف الشيوخ في الرجل إذا كان وصيا على سفيه فولد للسفيه ولد هل للوصي أن ينظر على ابن السفيه كما ينظر على أبيه أم لا؟ فذهب ابن زرب إلى أنه لا ينظر عليه إلا بتقديم، وخالفه ابن عتاب وابن القطان في ذلك وقال إنه ينظر عليه كما ينظر على أبيه، قالا: والقضاء عندنا بذلك. انتهى. وأما مقدم القاضي، فقال ابن سهل هل: له التكلم
(1)
على أولاد محجوره دون تقديم أم لا؟ الذي تقتضيه الروايات أن له ذلك والذي جرى به العمل أنه لا يكون له إلا بتقديم. انتهى. وقال الحطاب: قول المصنف: وإنما يوصي على المحجور عليه أب هذا إذا كان الأب رشيدا كما تقدم في كلام ابن عرفة، فأما إن كان الأب سفيها وهو في ولاية أبيه فللجد
(1)
ساقط من خط المؤلف وقد ورد في الحطاب ج 6 ص 603.
الولاية على ولد ولده ويوصي عليهم ويكون وصيه وصيا عليهم، وقيل لا يكون وصيه وصيا عليهم، ثم قال بعد جلب كلام: فيلزم على هذا أن يكون وصي الأب وصيا على ولد الولد الذين إلى نظره بإيصاء الأب انتهى، وشهر في التحفة القول بأن نظر الوصي ينسحب علي بني محجوره. فقال:
ونظر الوصي في المشهور
…
منسحب على بني المحجور
ويعقد النكاح للإماء
…
والنص في عقد البنات جاء
وعقده قبل البلوغ جار
…
بجعله في البكر كالإجبار
قال الشيخ ميارة: يعني أن وصي المحجور يكون أيضا لها وصيا على أولاد ذلك المحجور وينسحب نظره عليهم على القول المشهور، ومقابله أنه لا ينسحب ولا يكون لوصي أبيهم عليهم نظر وعلى الانسحاب فله أن يعقد نكاح إماء محجوره وبناته، أما بعد البلوغ فلا إشكال وأما قبله فكذلك إذا جعل له الإجبار. فقوله: جار بجعله في البكر كالإجبار يعني أن عقد الوصي نكاح الأبكار من بنات محجوره جبرا قبل بلوغهن يجري مجرى الإجبار بجعل الموصي ذلك للوصي في أبكار بناته: فإذا جعل ذلك للوصي كان له جبر بنات المحجور كما يجبر بنات الموصى عليه، ثم ذكر ما مر عن ابن الحاج، ثم قال: وفي مفيد ابن هشام أبو الوليد بن رشد وقد جاءت الرواية منصوصة عن مالك أن الوصي ينكح بنات محجوره؛ يريد بالبنات الأبكار البالغات والثيبات التي لا يملكن أمر أنفسهن والوجه في ذلك أنه رآه وصيا عليهن بكونه وصيا على أوليائهن، فالوصي يزوج إماء محجوره بلا خلاف ويزوج بناته التي لا يملكن أمر أنفسهن على اختلاف فيه. انتهى المراد منه.
الثالث: إذا قدم القاضي ناظرا على اليتيم ثم ظهر وصي من قبل الأب فله رد أفعاله. نقله البرزلي في الوصايا. انتهى. قاله الحطاب.
كأم يعني أن الأم لها أن توصي كالأب والوصي بثلاثة شروط، أحدها أشار إليه بقوله: إن قل يعني أن الأم إنما يكون لها الإيصاء في مال ولدها بشرط أن يكون ذلك المال الذي أوصت أن يليه
زيد مثلا قليلا كستين دينارا والمدار في القلة على العرف ولا تختص بستين دينارا، ثانيها أشار إليه بقوله: ولا ولي يعني أنه يشترط في صحة وصيتها أيضا أن يكون الولد لا ولي له من أب أو وصي، ثالثها أشار إليه بقوله: وورث عنها أي إنما تصح وصيتها بثلاثة شروط: أن يكون المال الذي أوصت به موروثا عنها، وأن يكون الولد لا وليَّ له، وأن يكون هذا المال الموروث عنها قليلا. فإذا اختل شرط من هذه الثلاثة لم تصح وصيتها. وفي المدونة: لا يجوز إيصاء الأم بمال ولدها الصغير إلا أن تكون وصية من قبل أبيه، وإلا لم يجز إذا كان المال كثيرا وينظر فيه الإمام، وإن كان يسيرا نحو الستين دينارا جاز إسنادها فيه إلى العدل فيمن لا أب له ولا وصي فيما تركته له. نقله الحطاب. وقال المواق: وأما إذا تطوع متطوع لصغير فله أن يقدم عليه من يرتضيه وإن كان للصغير أب أو وصي.
تنبيه: وقع في الحطاب ما نصه: وفيه أيضا إذا أوصى لشخص ثم ظهر شخص آخر فانظره. انتهى. قوله: فانظره أي انظر المسألة في كتاب الوصايا فالضمير عائد على شيء سابق في كلامه، وليس المراد انظر ما حكمه لمنافاته لقوله، وفيها أيضا: ولقول المصنف: "ولاثنين" الخ.
لمسلم يعني أن الوصي الذي تسند إليه الوصية يشترط فيه أن يكون مسلما فلا يصح أن يكون الوصي كافرا، مكلف يعني ولا بد أيضا أن يكون الوصي مكلفا فلا يصح أن يكون صبيا أو مجنونا، عدل أي ولا بد أن يكون الوصي عدلا أي أمينا مرضيا فيما يصير إليه فلو لم يكن عدلا لم يصح أن يكون وصيا، كاف يعني أنه يشترط في الوصي أيضا أن يكون كافيا أي قادرا على القيام بالموصى عليه. قال الشبراخيتي: ثم ذكر شروط الوصي وهي أربعة بقوله: "لمكلف" لا مجنون ومعتوهٍ وصبي وهو متعلق بيوصي على تضمنه معنى يسند لأن يوصي متعد بنفسه "مسلم" لا كافر ولو قريبا. وانظر وصي الكافر هل يشترط فيه الإسلام؟ "عدل" لا فاسق، وأطلقه كغيره "كاف" أي له قوة على التصرف احترازا من العاجز. انتهى. وقال عبد الباقي: عدل فيما ولي عليه. انتهى.
وإن أعمى يعني أن الوصي إذا استكمل الشروط المذكورة يصح إسناد الإيصاء إليه وإن كان أعمى؛ إذ لا يشترط كونه بصيرا، فقوله:"وإن أعمى" اتفاقا. ابن شأس: ولا يشترط نظر العين بل يجوز
أن يسند الوصية إلى الأعمى إذا كان على الشروط المذكورة. وامرأة يعني أنه يصح أن يكون الوصي امرأة فلا يشترط فيه الذكورية، قال المواق: ابن شأس: لا يشترط الذكورية فلو أوصى لزوجته أو غيرهما ممن تصلح للوصية صحت الوصية إليها، بل لو أوصى لمستولدته أو مدبرته لصحت الوصية إليها.
وعبدا يعني أن الوصي لا تشترط فيه الحرية بل يصح إسناد الوصية إلى العبد. ابن شأس: لا يشترط في الوصي الحرية بل تجوز الوصية كان له أو لغيره ويتصرف بإذن مولاه، والواو فيهما بمعنى: أو. قاله عبد الباقي. وقال قبل هذا: وذكر شروط الوصي على أيتام وهي أربعة، والحصر منصب عليها أيضا، فقال:"لمكلف مسلم" الخ، وفي بعض النسخ تقديم مسلم على مكلف، وفي بعض النسخ بالعكس.
وتصرف بإذن سيده يعني أن العبد إذا أوصي فإنه يتصرف للموصى عليه بإذن سيده، وهذا إذا وقعت الوصية بغير إذن سيده وأما إن وقعت الوصية بإذن سيده فإنه يتصرف للموصى عليه بغير إذن سيده. ابن مرزوق: العبارة الجيدة أن يقول تجوز وتصح لعبد الغير بإذن سيده، وعبارة ابن الحاجب وابن شأس كعبارة المصنف، وظاهر كلامهم أن التوقف على إذن السيد إنما هو التصرف دون الإيصاء وليس بجيد، بل الصواب أن الإيصاء موقوف على الإذن. انظر البناني. وقال الشبراخيتي: ظاهره أن بإذن سيده متعلق بتصرف وليس كذلك؛ لأنه إن قبل بإذن سيده فله التصرف بغير إذنه كما قال اللخمي، فهو متعلق يقبل المقدر، وكان ينبغي له أن يقول وقبل بإذن سيده وتصرف. انتهى.
وقال عبد الباقي: وتصرف العبد بإذن سيده متعلق بتصرف إذا وقعت الوصية بغير إذن سيده وبقبل مقدرا إذا وقعت بإذن سيده ابتداء، وليس له أي لسيده بعد إذنه في القبول لعبده رجوع بعد ذلك، وشمل العبد الخالصَ وذا الشائبة، وما ذكره من اشتراط العدالة خاص بالوصي على مال يتيم أو على اقتضاء دين أو قضائه خيفة أن يدعي خير العدل الضياع، وأما فيما يختص بالميت كالوصية بالثلث أو بالعتق فتجوز إلى غير العدل. قاله في توضيحه. أي ولكن لا بد من إسلامه لقوله فيما مر: ومنع ذمي في بيع أو شراء أو تقاض. وانظر في وصي الكافر هل يشترط فيه
الإسلام حيث وقعت الوصية على يد حاكم شرعي؟ لأن الوصي كالوكيل والوكيل الذمي لا يمكن من بيع أو شراء أو تقاض والحاكم الشرعي إنما يحكم بينهم بحكم الإسلام، أو لا يشترط ذلك لأنه ليس للوصي إذا كان في التركة خمر أن يريقه إلا بعد الرفع للحاكم، لاحتمال رفعه لمن يرى تخليله فيضمنه الوصي، ولا يجوز لذمي أن يوصي لحربي وإن مستأمنا. انتهى. كالوصية بالثلث أو العتق أي أسند تفريق الثلث إلى غير العدل أو أسند إليه العتق. قاله البناني.
وإن أراد الأكابر بيع موصى اشتري للأصاغر يعني أن من مات وترك أولادا صغارا وكبارا وترك رقيقا وجعله وصيا على الأصاغر، وأراد الأكابر بيع حصتهم من ذلك الرقيق الموصى فإنه يشترى للأصاغر إن كان لهم ما يشترى به وإلا باع الأكابر حصتهم منه خاصة إلا أن ينقص بيعها مفردة وأبوا ذلك فيقضى على الأصاغر بالبيع معهم. قاله غير واحد. وقال عبد الباقي: وانظر هل ينعزل حينئذ عن الوصية أو إلا أن يشترط على المشتري. انتهى. قال البناني: انظر هذا التردد. وقال ابن عاشر: اعلم أنه إذا بيعت حصة الأصاغر فإنه يفسخ الإيصاء كما قال في الواضحة والموازية، وفي مختصر حمديس أن لمشتريه فسخ وصيته إن كان ذلك يضر به ويشغله، واعترضه عبد الحق وقال: لا يصح عندي. انتهى. وقال بعضهم: وقول عبد الحق هو الصواب، قال الشيخ أحمد بابا: فإن عتق لم يرجع وصيا عليهم إلا أن يراه القاضي أهلا فيجعله مقدما. انتهى.
وقال الرهوني: قال أبو الحسن: انظر من يلي الشراء يعني شراء الموصى للأصاغر هل العبد أو الإمام؟ الشيخ: إنما يلي الشراء الإمام لأن الإيصاء لم يكمل. انتهى. وقول عبد الباقي: وانظر هل ينعزل حينئذ عن الوصية الخ: قال الرهوني: تعقبه البناني بكلام ابن عاشر وما نقله هو كلام التوضيح وعنه نقله التاودي معترضا به توقف الزرقاني، وقد نقل جسوس كلام التوضيح أيضا وأغفلوا كلهم عزو المسألة للعتبي مع أنها فيه بزيادة، ففيه في شرح المسألة الرابعة عشر من رسم الوصايا من سماع القرينين ما نصه: إلا أن يكون على الأكابر في ذلك ضرر فيلزم الأصاغر البيع مع إخوتهم الأكابر وتنفسخ الوصية؛ لأن الموصي إنما أراد أن يكون ناظرا لهم ما كان عندهم، واستحسن أصبغ إن كان المشتري في موضع اليتامى مقيما به أن يبقى على إيصائه، ومعنى ذلك عندي إن رضي بذلك المشتري. وفي البيان قال أشهب: وإذا استخلص للأصاغر لسعة مالهم فكل
من بلغ - يريد - وملك أمره اشترى حظه لمن بقي حتى يكون أخذ ذلك لمن بقي مضرة بهم لكثرة ثمنه وقلة مالهم من منفعة فلا يقوم عليهم ويبقى بينهم، فإذا شاء الكبار البيع بيع كله وأقام لهم الإمام غيره. انتهى. انتهى.
الرهوني: لم أر من تكلم على هذا المحل قيد كلام المصنف بشيء، ولا يحتاج إلى تقييد إن من الصغير واحدا وإن كان أكثر، فقال في البيان قبيل كلامه هذا متصلا بما نقلناه عنه قبل ما نصه: وقال سحنون في المجموعة: إنما يكون العبد ناظرا للصغار إذا كانوا كلهم سواء فيما يتكلف لهم العبد فيكون على قدر مواريثهم منه، وقوله: صحيح إذ قد يكون لأحدهم المال الكثير ورثه عن أمه فيحتاج فيه إلى نظر زاند على إخوته. انتهى منه بلفظه. انتهى. وقال المواق: من أسند وصيته إلى مكاتبه أو عبده جاز ذلك، فإن كان في الورثة أصاغر وأراد الأكابر بيع نصيبهم من العبد اشتري للأصاغر حصة الأكابر منه إن كان لهم مال يحمل ذلك وإلا باع الأكابر حصتهم منه خاصة، إلا أن يضر ذلك بهم فيقضى على الأصاغر بالبيع معهم. انتهى.
وطرو الفسق يعزله يعني أن الوصي إذا طرأ له الفسق فإنه يعزل عن الإيصاء أي يجب على الحاكم عزله، لا أنه ينعزل بمجرد حصول الفسق فإذا تصرف بعد طرو الفسق وقبل عزل الحاكم له مضى تصرفه. قال عبد الباقي: وطرو الفسق بمعنى عدم العدالة فيما ولي فيه يعزله إذ تشترط عدالته ابتداء ودواما أي يكون موجبا لعزله عن الوصية. قاله الشارح. فلا ينعزل بمجرد حصوله. قال الأجهوري. فإن تصرف بعد طروه وقبل عزله بالفعل مضى على ما يفيده الشارح لا على مفاد المصنف. ابن رشد: يعزل الوصي إذا عادى المحجور إذ لا يؤمن عدو على عدوه في شيء من أحواله. ابن القاسم: للوصي أن يشتري لمحجوره بعض ما يلهو به. نقله المواق. وإذا تزوجت الوصية جعل عليها مشرف إن جهل حالها. انتهى. قوله: "وطرو الفسق يعزله" وكذا يعزل الأب الفاسق عن متاع ولده. قاله يوسف بن عمر. نقله البناني. وقول عبد الباقي: فلا ينعزل بمجرد حصوله الخ، قال الرهوني: هذا هو الذي يفيده كلام أهل المذهب وصرح به أبو علي هنا في شرحه، ونصه: وقوله وطرو الفسق يعزله أي يوجب على الحاكم عزله وليس المراد أنه بنفس طرو الفسق، وقد رأيت ذلك في كلام الكافي وغيره. انتهى منه بلفظه.
وقول الزرقاني: فإن تصرف بعد طروه وقبل عزله بالفعل مضى على ما يفيده الشارح أي من أنه ألا ينعزل بمجرد طرو الفسق. وقوله: لا على مفاد المصنف أي من أنه ينعزل بمجرد طروه وكلامه يقتضي أن المسألة منصوصة مع أنها ليست منصوصة بعينها. نقلها ابن سهل عن أحكام ابن زياد مقيدا مضي تصرفه بما إذا كان صوابا، وإن كان خطأ رد، ونقله أبو علي عنه وسلمه وزاد عن ابن سهل في نصه: قال بجميع ذلك ابن لبابة ومحمد بن الوليد وخالد بن وهب وسعد بن معاذ وسعد بن حميد وأحمد بن يبقى ويحيى بن عبد العزيز وطاهر بن عبد العزيز وعبد الله بن يحيى ويحيى بن عبيد الله ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن عبد الملك بن أيمن وعمر بن يحيى بن لبابة ومحمد بن إبراهيم بن عيسى ومحمد بن غالب، قال القاضي: قولهم فيما باعه من ربع هو مرغوب فيه بغير جزيل من الثمن ينقض بيعه ويعدى بالثمن عليه المعنى ويرجع هو به في مال الأيتام إن ثبت أنه أدخله في مصالحهم التي لا بد لهم منها ولا غنى بهم عنها، وإن لم يريدوا هذا فنهو خطأ لا يكون بيعه أسوأ حالا ولا أضعف من يبعهم لأنفسهم وهم يرجع عليهم بثمن ما باعوه إن كان قائما أو ثبت إدخالهم له في مصالحهم التي لا يستغنون عنها. انتهى بلفظه. انتهى كلام أبي علي. انتهى. وقوله:"وطرو الفسق يعزله" هذا هو المشهور، وقال الجزولي: يجعل معه آخر. انتهى. قاله التتاتي.
ولا يبيع الوصي عبدا يحسن القيام بهم يعني أنه لا يجوز للوصي أن يبيع عبدا يحسن القيام على الموصى عليهم؛ لأن بيعه ليس بمصلحة والوصي إنما يتصرف بالمصلحة؛ وقوله: "عبدا" يعني أو أمة، قال الشبراخيتي: ولا يبيع الوصي عبدا - لو قال رقيقا كان أحسن أي لا يجوز له ذلك - يحسن القيام بهم لأن بيعه ليس مصلحة وهو إنما يتصرف بالمصلحة. انتهى. وقال عبد الباقي: ولا يبيع الوصي عبدا أو أمة فالأشمل رقيقا يحسن القيام بهم أي لا يجوز له ذلك لأنه غير مصلحة، ولا يجوز له التصرف بغير مصلحة والظاهر رده إن وقع لأنه الأصل فيما نهي عنه. انتهى. وقال الرهوني عند قوله:"ولا يبيع الوصي عبدا يحسن القيام بهم" ما نصه: قال في التوضيح: ووجهه أن في بقائهم مصلحة لهم والوصي إنما ينظر بالمصلحة. انتهى. ومن هذا يعلم حكم مسألة ماشيتهم، وقد ذكر ذلك المواق هنا عن الاستغناء.
وفي رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا الأول ما نصه: قال: وسئل مالك عن رجل هلك ولابنه إبل مؤبلة فكانت إبله عند رجل، فجاء أولياء الصبي فقالوا تبيع حيوانه فإنه صغير والحيوان يتلف والدنانير خير له؟ فقالت أمه: ومن هو منه بسبيل تقر ابله ولا تباع ويباع من رقابها ما تكون فيه نفقته، قال مالك: من الناس من أصل ماله وعقدته ومن يرى الناس أن له الخير في الماشية والنماء أولئك أهل العمود من أهل البادية، وليس يؤمر أولئك وهم صغار كل من هلك منهم وترك ولدا صغيرا أن يبيعوا ماشيتهم وينظر في ذلك، فإن كانت الإبل أمثل للغلام فيما يرى أهل العلم والمعرفة بذلك وكان هو من أهل المواشي الذين يتخذونها أمسكت له، وإن رأوا غير ذلك فليتبع الذي هو خير للغلام. قال محمد بن رشد: هذا من وجه النظر لليتيم بين على ما قاله مالك، فلا وجه للقول فيه. وبالله التوفيق. انتهى منه بلفظه. والإبل بكسرتين وتسكين الباء معروف اسم جمع وجمعه آبال وأبيل كعبيد وتصغير أبيلة ولا واحد له من لفظه وهي مؤنثة، قال أبو النجم:
والإبل لا تصلح في البستان
…
وحنت الإبل إلى الأوطان
ولم يجيء بكسر الفاء [والعين
(1)
] من الأسماء إلا حرفان إِبلٌ وحِبرٌ وهو القلح الصغير، ومن الصفات إلا حرف واحد وهي امرأة يلِزٌ وهي الضخمة وبعض الأئمة يذكر ألفاظا غير ذلك ولم يثبت نقلها عن سيبويه، وإبل مؤبلة كمعظمة للقنية وكقبر مهملة وأوابل كثيرة. انتهى. انظر الرهوني. وقال المواق من المدونة: لا يبيع الوصي عقار اليتامى ولا العبد الذي أحسن القيام بهم إلا أن يكون لبيع العقار وجه من ملك يجاوره فيرغبه وما لا كفاية في غلته وليس لهم ما ينفق منه عليهم فيجوز بيعه، ومن الاستغناء: إن كان للمحجور رقيق ومواش ودواب فمن حسن نظر الوصي له بيع ذلك ويعوض بثمنها ما هو أغبط له، ويحبس له من الرقيق ما يصلح له، وفي حبسه المصلحة
(1)
ساقطة من المؤلف والمثبت من الرهوني ج 8 ص 293.
له. وكذلك الدواب إن كان في حبسها فضل لنتاجها والغنم والبقر إن كان في حبسها نظر وغبطة وإلا بيعت. انتهى.
ولا التركة إلا بحضرة الكبير يعني أنه لا يجوز للوصي أن يبيع التركة على الأصاغر إذا كان هناك كبير مالك لأمر نفسه إلا بحضرته، وهذا إذا كان الكبير حاضرا أو غائبا غيبة قريبة لأن القريب كالحاضر، فإن بعدت غيبة رفع الأمر إلى السلطان، قال المواق من المدونة: لا يبع الوصي على الصغار التركة إلا بحضرة الأكابر، فإن كانوا بأرض نائية رفع ذلك إلى الإمام يأمر من يلي معه البيع للغائب. انتهى. وقال ابن ناجي: وما ذكر في الكتاب ويعني مع بعد الغيبة هو المشهور. وقال أشهب: له بيع الحيوان والعروض في غيبتهم ولا يرفع ذلك إلى السلطان، ونقل الحطاب عن النوادر: وإن كانوا حضورا. محمد: أو قربت غيبتهم فليس له بيع شيء ولا للسلطان وله بيع ذلك في الغيبة. انتهى. وقال عبد الباقي: فإن كان الكبير غائبا فليرفع الوصي إلى الحاكم: فإن لم يرفع رد بيعه إلا أن يفوت بيد مشتريه ببيع أو هبة أو صبغ ثوب أو نسج غزل أو أكل طعام، وكان قد أصاب وجه البيع فهل يمضي وهو المستحسن أو لا وهو القياس؟ قولان. انظر الحطاب.
تنبيهات: الأول: قال في المدونة: وسئل عن الوصي ببيع المتاع بغير إذن الورثة، قال: إن كانوا كبارا قد رضي حالهم فلا يبيع إلا بإذنهم، فإن باع رد المتاع لأنه إنما أوصى بالذين يولي عليهم وإنما هؤلاء شركاء، قيل: فإن فات؟ قال: إن فات وأصاب وجه البيع كأنه يقول مضى، قال أصبغ: لا أرى ذلك وإن للورثة رده إلا أن يكون الثلث موصى به يحتاج إلى تحصيل المال وبيعه وجمعه فيكون ذلك له، إلا العقار والرباع فلا أرى ذلك له دونهم، وإن لم يكن له ثلث على ما وصفت فهو مردود. قاله الحطاب. وقال بعد جلب نقول: فتحصل من هذا أنه اختلف هل يجوز بيع الوصي التركة لقضاء الدين أو تنفيذ الوصايا إذا كان الورثة غيبا أو فيهم غائب كبير أم لا؟ فأجاز ذلك أشهب حتى في العقار ومنع ذلك غيره وهو المعروف في المذهب، فأحرى أن يمنع لغير ذلك حتى يرفع إلى السلطان.
الثاني: ذكر البرزلي في كتاب السلم عن أبي عمران أن من مات في سفر بموضع لا قضاة فيه ولا عدول ولم يوص فاجتمع المسافرون وقدموا رجلا باع تركته ثم قدموا بلد الميت فأراد الورثة نقض البيع إذ لم يبع بإذن حاكم وبلده بعيد من موضع الموت أن ما فعله جماعة الرفقة من بيع وغيره جائز، وقد وقع هذا لعيسى بن مسكين وصوب فعله وأمضاه ونقل عن الداودي أنه أمر ببيع تركة رجل غريب يذكر أنه من أحواز فاس وورثته مجهولون، ودفع الثمن إلى ثقات من أهل المغرب وأمرهم بالبحث عن ورثته، فإن يئس منهم تصدق بذلك على الفقراء. وذكر رجل أنه تسلف من الميت دينارا فأمر بدفعه لأولئك الثقات ويبرئه ذلك إذا أشهد على الدفع. قاله الحطاب. وقال: علم مما تقدم أن تنفيذ الوصايا من قضاء دين أو وصية أو بالثلث صدقة أو غيرها لوصي الميت ويفهم أيضا من كلام المدونة. وفي اللباب: وتنفيذ الوصية لوصي الميت.
الثالث: ذكر البرزلي عن ابن رشد مسألة وهي ما إذا باع الوصي عقارا أكثر من حصة الميت وفرقه أنه لا رجوع على الوصي، والمسألة في نوازل ابن رشد سأله عنها عياض وهي رجل أسند إليه الثلت فنظر مع الورثة في بيع التركة، وفرق الثلث على معينين وغير معينين حسبما في الوصية وكان في التركة شقص يشارك فيه بعض الورثة وغيره فبيع فيما بيع واشتراه الشريك الوارث ووزع ثمنه على قدر المواريث والوصية، فلما كان بعد مدة تأملت القصة فإذا قد وقع فيها غلط ووهم وقد بيع من الربع من الوارث أكثر من نصيب الميت، وتبين ذلك فأخذ من كل وارث مصابه وبقي ما للثلث وقد فرق، قال ابن رشد: لا ضمان على الوصي فيما نفذه فيما يجب من الثمن للحصة الزائدة على حق الميت، ويرجع المبتاع بما ناب الوصية من ذلك على من وجد من الموصى لهم المعينين، وتكون الصيبة منه فيمن لم يجد منهم وفيما فرق على المساكين غير المعينين على ووهب ابن القاسم وروايته عن مالك الذي نعتقد صحته. وبالله التوفيق.
الرابع: قال ابن رشد في نوازله: إذا أوصى بوصية أو فكاك أسير أو غير ذلك من وجوه البر وجعل تنفيذ الوصية إلى رجل أجنبي أو وارث وشرط في تنفيذ الوصية أنه ينفذها دون مشورة قاض. ولا تعقب حاكم فلا يجوز لأحد من القضاة والحكام أن يتعقب شيئا من ذلك ولا ينظر فيه، والأمر في ذلك للورثة، فإن كانت الوصية مما يبقى لهم فيه منفعة كالعتق وشبهه كان لهم
أن يقوموا حتى يعلموا أنها قد نفذت كان المنفذ لها وارثا أو أجنبيا، وإن كانت الوصية مما لا يبقى لهم فيه منفعة كالصدقة فلا قيام لهم في ذلك إلا أن يكون النفذ وارثا، ولا يجوز للمقدم على الثلث مسامحة الورثة فيه، وإن اتهمه القاضي بذلك أشرك معه من يثق به في تحصين الثلث ثم يكل تنفيذ ذلك إليه في الوجود التي جعل له تنفيذها فيها، أو بما أداه اجتهاده إليه إن كان فوض إليه النظر في ذلك وقال الموصي ولا اعتراض عليه من حاكم ولا غيره وهذا في الوصي المأمون وأما غير المأمون الذي يخشى منه على الوصية ولا ينفذها فيكلف إقامة بينة على تنفيذها فإن لم يأت بالبينة على ذلك ضمن إن كان سارقا معلنا، وإن كان متهما ولم يكن بهذه الصفة استحلف ولم يضمن إلا أن ينكل عن اليمين، وإن كان مأمونا لم تكن عليه يمين وهو محمول على أنه مأمون حتى يثبت أنه غير مأمون. انتهى.
وعلم مما مر أنه لا فرق في الحكم بين أن يشترط الموصي تنفيذ الوصية دون مشورة القاضي ولا تعقب حاكم، أو أنه لا اعتراض عليه من حاكم أو غيره بوجه من الوجوه. قاله الحطاب. وقد ذكرت كلامه باقتصار يفهم معه كلامه بالتأمل. والله تعالى أعلم.
الخامس: من هذا المعنى مسألة المدونة: لو أمرته بصدقة على معينين فإن صدقه بعضهم وكذبه بعضهم ضمن حصة من كذبه، ولو أمرته بصدقة على غير معينين صدق مع يمينه وإن لم يأت ببينة. انتهى.
ولا يقسم على غائب بلا حاكم يعني أن الوصي لا يقسم على الغائب المالك لأمر نفسه من دون رفع للحاكم، وقد مر أنه لا يبيع التركة في غيبة الكبير من غير رفع للحاكم يعني في الغيبة البعيدة، وأما القريبة فلا يجوز له أن يرفع الأمر في ذلك إلى الحاكم لأن القريب كالحاضر كما مر قال المواق: لو قال: إذ لا يقسم على غائب بلا حاكم لناسب ما تقرر. انتهى.
تنبيه: وقع في شرح عبد الباقي وغيره: فإن قسم على غائب بلا حاكم ففاسدة وترد والمشترون العالمون غصاب لا غلة لهم. انتهى. قوله: ففاسدة، قال الرهوني: تبع فيه الأجهوري وفيه نظر، بل هي صحيحة موقوفة على إجازة الغائب وقد تقدم صدر البيوع وملك غيره على رضاه وهذا مثله. وقد صرح في التوضيح بأنه مخير في إمضائها إذا قدم، ونصه: فلا يقسم الوصي إن كان
فيهم كبار غيب إلا بوكالة منهم أو من الإمام، وإن فعل فهو إذا قدم مخير. ونقله جسوس وسلمه وهو حقيق بالتسليم. انتهى. وهذا الذي نقده الرهوني في الحطاب أيضا عن البرزلي عن أبي محمد.
ولاثنين حمل على التعاون يعني أنه إذا أوصى إلى زيد وعمرو وأطلق في إيصائه فلم يبين استقلالا ولا عدمه، فإن ذلك الإيصاء يحمل على التعاون أي يحمل على أنه ليس لأحدهما أن يستقل دون صاحبه ببيع ولا غيره، وقوله:"ولاثنين حمل على التعاون" أي لا يستقل أحدهما كما عرفت، سواء أوصى إليهما بلفظ واحد أو متعاقب في زمن واحد أو زمنين، قالي عبد الباقي: وإن أوصى لاثنين بلفظ واحد أو متعاقب في زمن واحد أو زمنين من غير تقييد باجتماع وافتراق حمل على قصد التعاون، فليس لأحدهما تصرف ببيع أو شراء أو نكاح أو غيره دون صاحبه إلا بتوكيل منه، فإن قيد في وصيته بلفظ أو قرينة باجتماع أو انفراد فإنه يصار إليه. ابن عبد السلام: ولم يجعلوا وصيته للثاني ناسخة لوصية الأول. انتهى.
الرهوني: قوله: "حمل" يدل على أنه أطلق ولم يقيد بشيء؛ إذ لا يقال حمل على كذا إلا عند الإطلاق فهو موافق لقول ابن شأس، وإذا أوصى إلى رجلين فمطلقة منزلة على التعاون حتى لا يستقل أحدهما بشيء إلا إذا صرح الوصي بإثبات الاستقلال. انتهى منه بلفظه. ولقول ابن الحاجب: وإذا أوصى لاثنين مطلِقا نُزِّل على التعاون فلا يستقل أحدهما إلا بتقييد. انتهى.
تنبيهان: الأول: وقع في شرح عبد الباقي ما نصه: انظر لو جعل كل واحد على التعميم وكانا في زمنين. قاله التتائي. وقال الأجهوري: ظاهر المصنف يشمل ذلك احتياطا لِمال اليتيم بخلاف الوكالة. انتهى. الرهوني: لا وجه لهذا التوقف بعد جزمه بأنه إذا أوصى لواحد أولا ثم أوصى لآخر بزمن آخر أنه لا يستقل؛ لأن إيصاءه للأول مستقلا تعميم له قبل إيصائه للآخر، وقد قال ابن عرفة فيها: ومن أوصى لوصيين فليس لأحدهما بيع ولا شراء ولا نكاح ولا غيره دون صاحبه إلا أن يوكله، قلت: سواء أوصى إليهما على سبيل المعية والشركة في زمن أو زمنين والأمر في هذا جلي، وكذا لو أوصى إلى أحدهما أولا ثم أوصى إلى الآخر كقوله فيمن أوصى بشيء معين لزيد ثم أوحى به لعمرو أنه بينهما. انتهى منه بلفظه. ونقله ابن غازي في تكميله عند نص المدونة السابق
في كلام ابن عرفة، وقال ابن ناجي ما نصه: وظاهر الكتاب سواء أوصى إليهما في زمن واحد أو أوصى إلى أحدهما أولا ثم أوصى إلى الآخر، كقوله فيمن أوصى بشيء معين لزيد ثم أوصى به لعمرو فإنه يكون بينهما. انتهى منه بلفظه.
الثاني: قال ابن حارث في أصول الفتيا: ولا يخاصم أحد الوصيين دون صاحبه فيما يطلبونه من قال الميت، وجائز أن يخاصم أحدهما فيما يطلب به الميت لأن القضاء على الغائب جائز ويكون الغائب على حجته. انتهى. قاله الحطاب.
فإن مات أحدهما يعني أنه إذا مات أحدهما فإن الحاكم ينظر فيقر الآخر إن رأى لذلك وجها أو أشرك معه غيره إن رأىَ ذلك وليس للحي النظر وحده. ابن راشد: الذي جرى عليه عمل القضاة في عصرنا ببلدنا أن يجعل معه آخر، وإذا شهد أنه أهل للاستقلال جعلوا له ذلك. وقول ابن الحاجب: فإن مات أحدهما استقل تعقبوه بنقل اللخمي السابق، وبأن الموصي لم يجعله مستقلا فكيف يستقل؟ انتهى. قاله التتائي.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: تأمل قوله: وبأن الموصى لم يجعله مستقلا فإنه يفيد أنه حيث جعل الموصي الاستقلال لكل منهما ومات أحدهما يستقل الحي. والله تعالى أعلم.
أو اختلفا يعني أنه إذا اختلف الوصيان في بيع أو شراء أو غير ذلك فإن الحاكم ينظر في ذلك فيمضي ما كان صوابا ويرد غيره، قال التتائي: أو اختلفا وبيع أو شراء أو ترشيد المحجور عليه أو تزويجه أو غير ذلك، فالحاكم ينظر في فعلهما. اللخمي: فما رآه صوابا أثبته، وإن كان الصواب في غير ما قالاه أمرهما به ومنعهما مما عداه، ونحو عبارة المصنف لابن الحاجب وفسرها المصنف بما ذكرناه عن اللخمي. انتهى.
وعلم مما قررت أن قوله: فالحاكم جواب الشرط هو والمقدر له فهو راجع للأمرين؛ أي فالحاكم ينظر في تقديم صالح مع الحي أو استقلاله في الأولى وفي فعلهما في الثانية.
تنبيهات: الأول: من المدونة: إن أوصى إلى وصيين فليس لأحدهما بيع ولا شراء ولا إنكاح ولا غيره دون صاحبه إلا أن يوكله، زاد في الموازية: إلا ما لا بد منه من الشيء التافه مثل الطعام، وما لا بد منه مما يضر بهم تأخيره فهو خفيف إذا غاب الآخر وأبطأ.
الثاني: قال ابن سلمون: ما فعله الوصي بغير علم المشرف مضى إذا كان سدادًا، فإن أراد الشرف أن يرد السداد لم يكن له ذلك، قال: والمال لا يكون إلا عند الوصي لا عند المشرف. ابن رشد: ليس إنكاح أحد الوصيين بمنزلة إنكاح الوصي دون إذن المشرف. فالمشرف ليس بوصي ولا ولي ولا إليه من ولاية العقد شيء، إنما له المشاورة التي جعلت له خاصة. انتهى. قاله المواق. وقال الحطاب: وانظر نوازل ابن رشد في النكاح فإنه قال: إن المشرف ليس بولي ولا وصي وإنما له المشورة. انتهى. ونحوه في اللباب في باب الوصايا فإنه قال: فإن كان أحدهما مشرفا فله أن يشرف على أفعال الوصي كلها ولا يفعل شيئا إلا بمعرفته، فإن فعل شيئا بغير علمه مضى إن كان سدادًا وإلا رده وشهادة المشرف للمحجور جائزة بخلاف الوصي. انتهى. وفي ابن سلمون بعد أن ذكر الكلام على الوصي: وأما المشرف إذا كان على وصي فإنما يكون المال عند الوصي. قال أحمد بن نصر: وله إجراء النفقة والكسوة على محجوره ولا يكون ذلك للمشرف وإنما يكون للمشرف النظر في البيع والشراء لا يكون إلا برأيه، وإن فعل بغير رأيه رده إن لم يكن نظرا. وقال غيره: للمشرف أن يشرف على أفعال الوصي كلها من إجراء النفقة وغيرها ولا ينقلب
(1)
إلا بمعرفته، فإن فعل شيئا بغير علمه مضى إن كان سدادا وإلا رده المشرف، وإن أراد رد السداد لم يكن له ذلك ونظر السلطان فيه، ومن مختصر النوازل: أفتى ابن رشد أن المحجور إذا جرى بينه وبين المشرف على وصيه عداوة أو مخاصمة فإنه يعزل عن الإشراف. انتهى.
الثالث: قال الحطاب: فإن باع أحد الوصيين أو اشترى دون صاحبه وأراد صاحبه رده رفعه للسلطان، فإن رآه صوابا أمضاه وإلا رده فإن أفات المشتري المشترَى بالبيع كان على الذي انفرد بالبيع الأكثر من الثمن والقيمة، وإن اشترى وأفات البائع الثمن كانت السلعة المشتراة له وغرم الثمن. وقال في آخر كتاب الرهون من مختصر المدونة لابن أبي زيد: وللوصي أن يرهن من مال اليتيم رهنا فيما يبتاع له من مصالحه كما يتداين عليه ولا يدفع أحد الوصيين رهنا من التركة إلا بإذن صاحبه، وإن اختلفا نظر الإمام وكذلك البيع والنكاح. انتهى. والله تعالى أعلم. وقال
(1)
في ابن سلمون ج 2 ص 159 ولا يتغلب في شيء إلا بمعرفته.
الشبراخيتي: وقوله: "فإن مات أحدهما" أي عن غير وصية، ولا يعارضه قوله الآتي:"ولا لأحدهما إيماء" لأنه مقيد بما إذا كان لأجنبي من غير إذن شريكه. انتهى.
ولا لأحدهما إيصاء يعني أنه ليس لأحد الوصيين أن يوصي لأجنبي دون إذن صاحبه، وأما لشريكه أو لأجنبي بإذنه فيجوز كما أن لهما أن يوصيا معا، ويفهم منه أن الوصي الواحد له الإيصاء. قال الشبراخيتي، وغيره. وقال المواق: عيسى: للوصي أن يوكل في حياته وعند موته. قاله مالك وجميع أصحابه. ابن رشد: لا خلاف بينهم فيه إنما الخلاف في الوصيين المشترك بينهما، هل لأحدهما أن يوصي بما إليه من الوصية أم لا؟ على ثلاثة أقوال: الأول: أن ذلك له ولو إلى من ليس معه في الوصية أتت الرواية بهذا عن مالك، وهو ظاهر قوله في المدونة، وهو ظاهر قول عيسى هذا، الثاني: ليس له ذلك ولو إلى من معه في الوصية وهو ظاهر قول سحنون، الثالث: أنه ليس له ذلك إلا إلى شريكه في الإيصاء وهو الذي تأوله الشيوخ على سحنون في قوله في المدونة. انتهى.
الرهوني: كلام المواق يوهم أن ما اقتصر عليه المصنف خلاف الراجح، وكلام ابن رشد الذي ذكره في نوازل عيسى من كتاب البضائع والوكالات، وقد نقله ابن عرفة بأتم من نقل المواق. وقد أشار إليه الحطاب عند قوله بعد هذا لا بعدهما فأجمل الأقوال، ولم يعزها كما فعل ابن عرفة والمواق لكنه زاد عن ابن رشد زيادة لم يذكراها، ونصه: قال: والأول أصح الأقوال وأولاها بالصواب. انتهى منه بلفظه. وهو يقوي الاعتراض على المصنف ولكن الصواب ما فعله المصنف، ففي تبصرة اللخمي ما نصه: وهذا أصل مالك وابن القاسم أنه لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بالنظر دون غيره في التصرف في الحياة في شيء دون مؤامرة صاحبه وكذلك عند الموت، وأما ما أجازه يحيى بن سعيد لأحد الوصيين أن يوصي غيره دون مراضاة الحي فليس هو على المذهب. انتهى منها بلفظها.
وأشار إليه في التوضيح وزاد أنَّ ابن رشد نقله عن مالك وابن القاسم نصا، وقال متصلا به ما نصه: وهو ظاهر المذهب انتهى، فلذلك اعتمده هنا، وفي كتاب الوصايا الأول من المدونة ما نصه: وإن مات الوصي فأوصى إلى غيره جاز ذلك، وكان وصي الوصي مكان الوصي في النكاح وغيره، قال يحيى بن سعيد: وإن كانا وصيين أو ثلاثة فأوصى أحدهم عند موته بما أوصى به إليه من
تلك الوصية إلى غير شريكه في الوصية جاز ذلكَ وأباه سحنون. انتهى منها بلفظها. ومثله لابن يونس، وقال متصلا به ما نصه: وقال يحيى بن عمر: قال سحنون: لا يجوز لأحد الوصيين أن يوصي إلى أحد وإنما ذلك إلى الحاكم، إن رأى أن يجعل مع الوصيين رجلا مكان الميت فعل، وإن رأى أن يقرهما ولا يجعل معهما غيرهما فعل، وكذلك في العتبية عن سحنون.
محمد بن سحنون: ووجه ذلك أنه لا يستبد أحد الأوصياء بفعل دون صاحبه، وإذا أوصى هو وحده إلى غيره صار مستبدا بذلك دون الآخر فلذلك لم يجز. انتهى منه بلفظه. وقال أبو الحسن عند نصها السابق ما نصه: قول يحيى هذا خلاف يدل عليه ما يأتي في قوله: وليس لأحدهما بيع ولا شراء ولا إنكاح ولا غيره فالإيصاء داخل في هذا الغير ابن رشد: أباه مالك وابن القاسم وسحنون، وإنما أتى به دليلا على قول من يقول: ليس للوصي أن يوصي في الأمهات، قال سحنون: ولسنا نقول بذلك إلا أنه يزع من يزعم أن الموصي لا يوصي بما أوصي به إليه. عياض: معنى يزع يمنع ولكن يريد أنه يحتج به عليه. انتهى. وقال ابن ناجي عند قول المدونة: ومن أوصى إلى وصيين فليس لأحدهما بيع ولا شراء ولا إنكاح ولا غيره دون صاحبه إلا أن يوكله. انتهى. ما نصه: قال أبو إبراهيم: ويدخل في قوله: ولا غيره، الإيصاء فيؤخذ منه أن قول يحيى بن سعيد المتقدم خلاف. انتهى منه بلفظه. وقد سلم ابن عرفة قول اللخمي، وقول يحيى بن سعيد ليس هو المذهب فإنه نقله بعد ذكره كلام ابن رشد وكلام الدونة عن يحيى بن سعيد وأقره، وكذا سلمه ابن مرزوق وزاد ما نصه: وقال ابن عبد السلام: الجواز ليحيى بن سعيد وروي عن أشهب، والمنع منقول عن مالك وابن القاسم وسحنون ويحيى بن ضمر. انتهى منه بلفظه.
وقال المتيطي بعد أن ذكر القولين ما نصه: وقال اللخمي: قول يحيى بن سعيد بجواز ذلك له بغير رضى الحي خلاف. انتهى بلفظه على اختصار ابن هارون. ونحوه في العين ونصه: فقال يحيى بن سعيد وأشهب: ذلك جائز وأباه سحنون، قال الشيخ أبو الحسن: وما أجازه يحيى بن سعيد فليس على المذهب. انتهى منه بلفظه. وعلى ما رجحه هؤلاء الأئمة اقتصر ابن فتوح في وثائقه المجموعة وساقه غير معزو كأنه المذهب، ونصها: وللوصي إذا حضرته الوفاة أن يوصي بما جعل الموصي إليه إلى من شاء إذا كان منفردا بالنظر، ويكون وصي الوصي بمنزلة الوصي،
فإن كان معه شريك في النظر لم يكن ذلك له. انتهى منها بلفظها. وإنما أطلت بجلب هذه النقول المتداخلة ليلا يغتر بكلام المواق والحطاب فيما يأتي، فيُظَنُّ أن ما للمصنف ليس هو الراجح لأنهما إمامان جليلان حافظان، وليعلم جلالة المنصف. والله الموفق. انتهى كلام الرهوني. والله تعالى أعلم.
ولا لهما قسم المال يعني أنه لما يجوز للوصيين أن يقتسما مال الموصى عليهم بأن يكون عند أحدهما بعضه وبعضه الآخر عند شريكه، قال التتائي: ولا يجوز لهما قسم المال بينهما لأنه قد يزيده اجتماعهما لأمانة أحدهما وكفاية الآخر؛ زاد في المدونة: ولكن عند أعدلهما فإن استويا في العدالة جعله الإمام عند أكفاهما. اللخمي: ولو جعلاه عند أدناهما عدالة لم يضمنا لأن كليهما عدل. انتهى. وقال الشبراخيتي: وليس لهما قسم الأيتام أيضا وظاهر العتبية الجواز، لأنها قالت: ولو قسما الصبية. انتهى. وقال المواق من المدونة: إن اختلفا نظر السلطان ولا يقسم المال بينهما وليكن عند أعدلهما، فإن استويا في العدالة جعله الإمام عند أكفاهما ولو اقتسما الصبيان فلا يأخذ كل واحد حصة من عنده من الصبيان، قال ابن الماجشون: فإن قسما المال ضمن كل واحد ما هلك بيد صاحبه لتعديه بإسلامه إليه. اللخمي: ضمن كل واحد منهما جميع المال ما عندد لاستبداده بالنظر فيه وما عند صاحبه برفع يده عنه، وكذا الوديعة يقتسمانها. انتهى.
وإلا بأن اقتسما المال ضمنا ما تلف من المال ولو بسماوي، وظاهر المنصف ضمان الجميع ما تلف عنده لاستبداده فيه، وما تلف عند صاحبه لأنه رفع يده عنه، قال الشبراخيتي: ظاهره أنه يضمن كل واحد جميع المال، واقتصر عليه الشيخ داوود ولم يذكر مقابله وهو يفيد ترجيحه. وللوصي اقتضاء الدين يعني أن الوصي له اقتضاء الدين الذي للمحاجير ممن هو عليه، قال الشبراخيتي: اللام بمعنى على، أو أن المراد قبل أجله وعلى الأول فهي مستعملة في حقيقتها وهو الوجوب ومجازها وهو الإباحة، لأن اقتضاء الدين واجب وتأخيره لنظر مباح. انتهى.
وتأخيره بالنظر يعني أنه يجوز للوصي أن يؤخر الدين الذي لمحجوره إذا كان التأخير فيه نظر، قال عبد الباقي: كخوف تلفه إن اقتضاه أو ضياعه ومن هو عليه مأمون، واللام هنا وفي المعاطيف للاختصاص فلا ينافي أن اقتضاء الدين واجب لما للتخيير إلا في الأخير، وهو قوله: ودفع ماله لخ
فللتخيير لموافقة النص. انتهى. قوله: كخوف تلفه إن اقتضاه، اعترضه التاودي فقال في جواز التأخير: على هذا الوجه نظر، لأنه سلف جر نفعا فالأولى التمثيل بما في المواق من تأخيره ليقر له بالدين حيث لا بينة له، كما له أن يضع من الدين أو يصالح عنه خوف الإفلاس أو الجحود. انتهى. قال الرهوني: جواز التأخير لخوف الجحود. نقله ابن يونس عن الليبري
(1)
عن أبي محمد بن أبي زيد. ثم قال في كتاب ابن المواز لأشهب: قال: لما يؤخر الموصي بدين اليتيم إلا لوجه نظر من خوف جحود أو تفليس إن قيم به، فيكون نظر اليتيم تأخيره وكذا لو وضع من دينه أو صالح عنه على هذا المعنى مما هو خير لليتيم. انتهى. ولكنه نقل قبله عن أشهب خلاف هذا في المدونة، فإنه لما نقل قول المدونة جاز ذلك على وجه النظر ولم يجز ذلك غيره. انتهى. قال متصلا به ما نصه: وهو أشهب، قال: لأنه معروف. انتهى. ولا ذكر أبو الحسن كلام ابن يونس عن الليبري
(2)
قال عقبه ما نصه: الشيخ: وهذه المسألة تعترض بأنها سلف جر منفعة، كما قال سحنون في أحد الشريكين يؤخر الغريم استيلافا. انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة، وقال عقبه ما نصه: وفيما ذكره نظر لأن هذه المنفعة غير محققة وإنما هي مشكوك، والممنوع إنما هو المحقق ولذلك كان المشهور في ذلك غير قول سحنون. انتهى. وانظر المواق عند قوله في فصل المقرض أوجر منفعة، فإن فيه جوابا آخر وهو أن النفع إذا كان دفع المضرة فلا يضر. والله تعالى أعلم. انتهى.
والنفقة على الطفل يعني أن الموصى له أن ينفق على الطفل حال كون النفقة عليه كائنة، بالمعروف أي بحسب قلة المال وكثرته، فلا يضيق على صاحب المال الكثير دون نفقة مثله، ولا يسرف ولا يوسع على قليله.
تنبيه: تكلم المنصف على اقتضاء الدين، وأما قضاء الموصي ما على الميت من الدين، فقال في النوادر في أول كتاب الوصايا في الميت يشهد وصيه أن ثلثه صدقة ولا يشهد غيره، قال: إن خفي له ما إذا أخرجه فليفعل ولا إثم عليه بل ذلك عليه واجب؛ وقد قال أشهب: إذا علم أن على
(1)
في الرهوني ج 8 ص 296 اللبيدي وكذا في ابن يونس ج 7 ص 36.
(2)
في الرهوني ج 8 ص 296 اللبيدي وكذا في ابن يونس ج 7 ص 36.
الميت دين وهو لا يخاف معاقبة فعليه أن يؤديه من تركته، وكذلك الوصايا والحقوق والديون، ولو علم أن في تركته عبدا حرا يعتق من رأس ماله أو في ثلثه أن عليه أن يهمله ولا يتعرض له ببيع ولا خدمة ولا بغير ذلك، وكذلك الوارث فيما علم من هذا كله وأشهد عليه الميت؛ وعن ابن المواز قال أشهب عن مالد في صغير يوصى له بدينار فلم يشهد بذلد إلا الوصي، فإن خفي للوصي دفع ذلك فليفعل وكذلك لو رفع إلى الإمام فلم يقبل شهادته فله دفعه إن خفي. قال محمد: ولو كان كبيرا حلف وأخذ ولو كان ذلك يوقف للصبي حتى يكبر فيحلف لكان يتهم الموصي في بقاء ذلك إلى بلوغه. انتهى.
ومن المجموعة قال أشهب: وللوصي أن يقضي الدين عن الميت بغير إذن قاض إن كان فيه بينة عدول والثقة له أن لما يدفع إلا بأمر قاض. قاله الحطاب.
مسألة: قال ابن رشد في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع: أجمع أهل العلم أن أكل مال اليتيم ظلما من الكبائر لما يحل ولا يجوز، وذهب هو وأصحابه إلى أنه يجوز للفقير المحتاج أن يأكل من مال اليتيم بقدر اشتغاله به وخدمته فيه وقيامه عليه؛ وإلا فلا يسوغ له أن يأكل منه إلا ما لما ثمن له ولا قدر لقيمته مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه، ومثل الفاكهة من حائطه. ومن أهل العلم من أجاز له أن يأكل منه على سبيل السلف، ومنهم من أجاز له أن يأكل منه ويكتسي بقدر حاجته وما تدعوا إليه الضرورة وليس عليه رد ذلك وأما الغني فإن لم تكن له فيه خدمة ولا عمل سوى أن يتفقده ويشرف عليه فليس له أن يأكل منه إلا ما لا قدر ولا بال له مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه، والثمر يأكله من حائطه إذا دخله. واختلف إن كان له فيه خدمة وعمل، فقيل له أن يأكل منه بقدر عمله فيه وخدمته، وقيل ليس له ذلك لقوله عز وجل:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} . قاله الحطاب.
وفي ختنه يعني أن الوصي يوسع على اليتيم في ختنه بالمعروف، قال الحطاب: قال في النوادر: قال مالك: وليوسع عليهم ولا يضيق، وربما قال له أن يشتري لهم بعض ما يلهيهم وذلك مما يطيب نفسه. اننهى. وعرسه يعني أن الوصي يوسع على المولي عليه في عرسه. قال المواق: اللخمي: ينفق على المولي عليه في ختانه وعرسه ولا حرج على من دعي يأكل ولا يدعو اللعابين،
قال ابن القاسم: ما أنفق على اللعابين لم يلزم اليتيم، ونقل ابن قتيبة عن عكرمة. قال: لا ختن عبد الله بن عباس بنيه أرسلني فدعوت له اللعابين فلعبوا فأعطاهم ابن عباس أربعة دراعم. انتهى.
وقال عبد الباقي: وفي ختنه يحتمل عطفه على بالمعروف وهو ظاهر عبارته، لكن يفوته اعتبار التقييد بالمعروف في ختنه وما بعده، ويحتمل عطفه علي مقدر أي والنفقة على الطفل في مؤنته وفي ختنه. انتهى. وعلم منه أن فوات القيد بالمعروف إنما يفوت علي الاحتمال الأول لا علي الثاني كما هو واضح. انظر الرهوني. والله تعالى أعلم. وقال عبد الباقي عند قوله:"وعرسه" ما نصه: ولا حرج على من دخل فأكل. انتهى. وعيده يعني أن الوصي يوسع على المولي عليه في عيده بالمعروف ولا يدعو اللعابين. ابن القاسم: ما أنفق على اللعابين لا يلزم اليتيم.
ودفع نفقة له قلت يعني أن الوصي يدفع للمولى عليه نفقة له قلت، قال الشبراخيتي: كالشهر ونحوه من الأيام القليلة مما يعلم أنه إذا أتلفه قبل الأجل لا يضر بحاله ولا يجوز أكثر من ذلك. قاله البساطي. وقد فسر القليل بقوله: مما يعلم، وقوله:"له" متعلق بمحذوف صفة لنفقة أي نفقة كائنة له فلا تدفع له نفقة زوجته ولا نفقة أم ولده. ولا نفقة رقيقه. وقيل تدفع له نفقة رقيقه وأم ولده، قال الشبراخيتي ما معناه أن الراجح أنه لا تدفع له نفقة أم ولده؛ ولا نفقة رقيقه كما أقامه ابن الهندي من المدونة. وقال ابن العطار: يدفع له ذلك. انتهى.
وقال المواق عند قوله: "ودفع نفقة له قلت" ما نصه: اللخمي: يدفع له من النفقة ما يرى أنه لا يتلفه الشهر ونحوه، فإن كان يتلفه قبل ذلك فيوم بيوم. انتهى. وقال عبد الباقي: ويجوز دفع نفقة له قلت كنفقة شهر ونحوه، مما يعلم أنه إذا أتلفه قبل الأجل لا يضر بماله، فإن علم منه إتلاف ذلك فنصف شهر، فإن خاف فجمعة أو يوم بيوم، وربما أشعر قوله:"له" بأنه لا يدفع للمحجور عليه نفقة زوجته وولدها وأم ولده ورقيقه وهو كذلك على الراجح. انتهى المراد منه. ودفع نفقة هو وما بعده عطف على اقتضاء من قوله: "وللوصي اقتضاء الدين".
وإخراج فطرته يعني أن الوصي له أن يخرج زكاة الفطر عن الصغير وعن عبيده، وزكاته يعني أن الوصي يخرج عن الطفل زكاة ماله، قال الحطاب مفسرا للمصنف: يعني أن الوصي له أن يخرج
عن الصبي زكاة فطره، وله أن يخرج زكاة ماله. قال في النوادر: قال ابن حبيب: ويشهد فإن لم يشهد وكان مأمونا صدق. انتهى. وانظر إن لم يكن مأمونا هل يلزمه غرم المال أو يحلف؟ لم أر فيه نصا. انتهى.
ورفع للحاكم إن كان حاكم حنفي يعني أن الوصي إذا أراد أن يخرج زكاة الطفل فليرفع الأمر إلى الحاكم المالكي إن كان في الموضع حاكم حنفي يرى عدم وجوبها أي في الموضع الآن أو تخشى توليته في المستقبل، فيرفع الأمر في المعين والمعلوفة والعاملة، وإنما رفع إليه ليلا يضمنه إذا أخرجها بغير حاكم. قال الشبراخيتي: وهذا في زكاة المعين وكذا الحرث إن زرع بأرض خراجية وماشية معلوفة أو عاملة، وأما الماشية يعني غير المعلوفة والعاملة والحرث بأرض غير خراجية فله إخراجها من غير رفع للحاكم. مالك: ولا يريق الخمر إذا وجدها في التركة إلا بعد مطالعة الحاكم ليلا يكون مذهبه جواز تخليلها. الشبراخيتي: وإذا كان مذهب الولي لا يرى الإخراج ومذهب الصبي يراه فالعبرة بمذهب الولي. انتهى. ومفهوم قوله: إن كان حاكم حنفي أنه لو لم يكن هناك من الحكام إلا من يرى الوجوب في مال الصبي لم يحتج في إخراجها إلى الحاكم وهو كذلك.
ودفع ماله قرضا ربضاعة الواو في "وبضاعة" بمعنى: أو، يعني أن الوصي له أن يدفع مال المولي عليه قراضا بأن يدفع دنانير أو دراهم لمن يتجر بها ويتفق معه على أن يرد له رأس المال وله جزء من الربح معلوم كخمس أو ثلث أو نصف مثلا، وكذلك يجوز للوصي أن يدفع مال المولي عليه بضاعة أي يبعثه مع أحد يبيعه لما في ذينك الأمرين من تنمية المال. قالت أمنا السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها:(اتجروا في أموال اليتامى ليلا تأكلها الزكاة)، قال عبد الباقي: وله دفع ماله لمن يعمل به قراضا وبضاعة، الواو بمعنى أو وله عدم دفعه، إذ لا يجب عليه تنميته على المذهب فاللام هنا للتخيير كما مر، وقول عائشة: (اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة
(1)
) حمله ابن رشد على الندب. انتهى. الرهوني: كلامه يقتضي أن ابن رشد عزاه لعائشة
(1)
الموطأ، كتاب الزكاة، رقم الحديث 12 ولفظه: حدثنى يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: اتجروا في أموال اليتامى لخ.
وصرح بحمله علي الندب، وكلام ابن رشد في البيان مخالف لذلك كما يأتي قريبا إلا أن يكون ذكره في غير البيان. انتهى.
تنبيهات: الأول: قال: المقدمات في كتاب الرهون: وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه إلا أن يتجر لليتيم أو يقارض له به غيره، وسواء كان ذلك في بر أو بحر كما ذكره في النوادر والجواهر وابن عرفة، وقيده ابن عرفة بالأمن ونصه: الشيخ عن المجموعة والموازية: روي ابن القاسم: له أن يتجر بأموال اليتامى ولا يضمن، وروى ابن وهب في البر والبحر قلت مع الأمن. قاله غير واحد. ولفظ النوادر: ومن المجموعة [وفي]
(1)
كتاب ابن المواز نحوه، قال ابن القاسم عن مالك: وله أن يتجر بأموال اليتامى لهم ولا ضمان عليه، قال عنه ابن وهب: ويشتري لهم الرقيق للغلة، فقد أعطت عائشة مال يتيم لمن تجر به في البحر وأنكر ما يفعل أهل العراق أن يقرضوا أموالهم لمن يضمنها وأعظم كراهيته، قال أشهب: وله أن يتجر بمال يتيمه أو يواجر له من يتجر فيه أو يدفعه قراضا أو بضاعة على اجتهاده ولا يضمن، وله أن يودع ماله على النظر ولأمر يراه. وفي كتاب ابن المواز: وله أن يبضع لهم ويبعث في البر والبحر وله أن يودع مالهم ويسلفه. قال ابن المواز: يسلفه في التجارة، فأما على المعروف فلا. انتهى. وقال الحطاب: فهم من قول المنصف: ودفع ماله قراضا وبضاعة، ومن قول المدونة: وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة، ومن قول النوادر: وله أن يتجر بأموال اليتامى أنه لا يجب على الوصي التجارة بمال اليتيم وهو كذلك، وإنما يستحسن له ذلك، قال ابن عرفة: الشيخ: روى محمد: إنما للوصي في مال اليتيم فعل ما ينميه أو ينفعه. اللخمي: حسن أن يتجر له وليس ذلك عليه، وتقدم في كلام النوادر أن ذلك حسن وقد فعله السلف، وقد مر أن مالكا أعظم كراهية أن يقرضوا أموالهم لمن يضمنها ويكون له الربح، والمراد بالكراهة في ذلك التحريم. قال ابن رشد: الوجه في أموال اليتامى دفعها إلى من يتجر فيها تطوعا للثواب، فإن لم يوجد فعلى سبيل القراض فإن لم يمكن أودعت عند من يوثق به، وقال ابن حبيب: وإن استنفق مال يتيمه وله به ملاء وخاف أن
(1)
الواو ساقطة من الأصل، والمثبت من الحطاب ج 6 ص 616 ط دار الرضوان.
يغرر به فلا بأس بذلك، وقاله القاسم بن محمد، وكان ابن عمر يسلفه ويستسلفه وإذا لم يكن له مال فلا يستسلفه. انتهى.
وقال في مختصر الواضحة: قال عبد الملك: وإن ترك والي اليتيم أن يتجر بماله أو يبضع لما خشي من التغرير به وتجر به لنفسه أو يضمنه أو استنفقه فلا بأس بذلك إذا كان عنده به وفاء إن عطب، وكذلك قال مالك وأصحابه وإذا لم يكن به وفاء، فلا يحل له أن يتسلفه ولا أن يتجر فيه لنفسه لأنه يعرضه للتلف ولا مال له.
فإن فعل فالربح له بتعديه وهو ضامن له بعد، قال فضل: هذا قول مالك وأصحابه، إلا ابن الماجشون فإنه روى عن مالك أن الربح لليتيم والضمان على الوصي بتعديه، وقد ذكره ابن حبيب في سماعه هذا إذا تجر به لنفسه ولا وفاء له به. انتهى. وفي النوادر: قال في المجموعة وغيرها: ولا أحب أن يركب الوصي له دابة ولا يتسلف ماله. انتهى. وفي نوازل أصبغ: سألت ابن القاسم أيصالح عن الأيتام؟ قال: نعم إن رآه نظرا. ابن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات: وظاهرها أن الوصي يجوز صلحه عن اليتيم فيما يراه نظرا فيما طلب أو طلب به بأن يأخذ البعض ويترك البعض إذا خشي أنه لا يصلح له لا ادعاه أو يعطي من ماله بعض ما يطلب به إذا خشي أن يثبت جميعه عليه وهو له في النوادر، خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون أنه يجوز فيما يطلب لا فيما يطلب به والصواب أنه لا فرق بينهما. انتهى. ولا يجوز إقرار الوصي والأب عن الصغير.
الثاني: قال الوانوغي: لو عمل الوصي أو الأب في أرض الصغير مغارسة لأنفسهما كان لهما قيمة عملهما مقلوعا.
الثالث: إذا تجر الوصي بمال اليتيم لنفسه فهل يكون الربح له أو لليتيم أو يفرق بين الملي فيكون له والعدم فيكون لليتيم ثلاثة أقوال حكاها المتيطي ونقلها عنه الوانوغي في الحاشية، والذي اقتصر عليه أكثر أهل المذهب أن الربح للوصي وهو الذي عزاه عبد الملك لأكثر أصحاب مالك كما تقدم.
الرابع: قال الوانوغي: لو تجر الوصي في مال المحجور فربح، فلما رشد الجميع
(1)
قال للوصي: إنما تجرت علي أن الربح لي وأنكر الوصي، قال ابن عبد السلام: القول قول الوصي مع يمينه وهذا على القول بأن الربح للوصي.
الخامس: لو كان للأيتام إخوة فأنفق الوصي على بعضهم من مال بعض ضمن الوصي لمن أنفق من ماله ورجع بذلك على المنفق عليه.
السادس: قال في الطرر في باب زكاة الفطر: من بيده مال لصغير من غير إيصاء فليرفع للإمام؛ فإن أنفقه من غير إذن سلطان، قال ابن القاسم: يصدق في مثل نفقة ذلك الصبي وزكاة الفطر، قال سند: من غير إسراف إذا ثبت أنهم في نفقته وحجره، فإن تصرف في المال ببيع فخسر أو بضاعة فذهب كان ضامنا، كمن تجر في مال غيره بغير إذنه فإن تلف من غير أن يحركه فلا ضمان عليه.
ولا يعمل هو به يعني أن الوصي إنما يقارض بمال المولي عليه غيره، وأما الوصي نفسه فلا يأخذ مال المولى عليه قراضا يعمل هو به، قال الشبراخيتي: ولا يعمل هو أي الوصي به قراضا بأجر أو بجزء من الربح وإلا جاز، بل يستحب. قال في المدونة: وللوصي أن يعطيَ مال اليتيم مضاربة ولا يعجبني أن يعمل هو به بنفسه. انتهى. أبو الحسن: لئلا يحابي نفسه والنهي في كلامها على الكراهة، وبه صرح ابن رشد. انتهى المراد منه. وقال البناني:"ولا يعمل هو به"، محل الكراهة إذا عمل به علي أنه قراض والربح لهما، أما إذا عمل به لليتامى على أن الربح كله لهم فذلك مستحب ولا ضمان عليه. انتهى. وقال عبد الباقي: ولا يعمل هو به ليلا يحابي من نفسه، والنهي للكراهة كما فسره به ابن رشد، وظاهر المنصف المنهي ولو أخذه الوصي بجزء من الربح يشبه قراض مثله لغيره وهو كذلك للعلة السابقة ولكن إن وقع مضى كما قاله ابن رشد. انتهى. قوله: ولكن إن وقع مضى، قال الرهوني: جعل هذا من تتمة القول الذي ذهب عليه المنصف وهذا هو الذي ارتضاه الحطاب، خلاف ما أفاده كلام الشارح في وسطه وشامله من أن مضيه بعد
(1)
في الحطاب ج 6 ص 620 ط دار الرضوان: (رشد اليتيم).
الوقوع قول آخر مقابل لما ذهب عليه المنصف، قال: وظاهر كلام ابن عرفة أنه موافق له. انتهى. وكلام ابن عرفة عندي محتمل وقد نقله الحطاب فليتأمل.
وقد أجمل الزرقاني في كيفية إمضائه، بل المتبادر منه أنه يمضي علي الوجه الذي دخل عليه أولا مطلقا وليس كذلك، وقد بينه ابن رشد بكلامه الذي أشار إليه، ففي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا الأول ما نصه: وسئل مالك عن الوصي أيقارض بمال يتيمه؟ لخ قال محمد بن رشد: هذا كما قال أن للوصي أن يدفع مال يتيمه مضاربة لأنه ينظر له بما ينظر لنفسه، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)، ومثل هذا في الرهون من المدونة أن الوصي يتجر لليتيم بماله أو يقارض له به، ويكره له أن يعمل هو به مضاربة، قال في الزكاة من تفسير ابن مزين: فإن عمل هو به بقراض مثله جاز ولم يكن عليه فيه ضمان إن تلف، وإن عمل به بأكثر من قراض مثله فغبن اليتيم في ذلك رد إلى قراض مثله وضمن المال إن تلف، قال يحيى بن إبراهيم: قوله في الضمان ضعيف. وبالله التوفيق. انتهى.
ولا اشتراء من التركة يعني أن الوصي لا يشتري لنفسه شيئا من التركة أي يكره له ذلك ولا يوكل من يشتري له، قال الشبراخيتي: ولا اشتراء من التركة أي لا يشتري الوصي لنفسه شيئا من تركة الميت، ولا يوكل من يشتري له وهو مكروه كما في المدونة عن مالك والكراهة على بابها. انتهى. وفي المدونة في كتاب الجعل والإجارة: وكره مالك أن يشتري الوصي من مال يتيمه شيئا. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله: "ولا اشتراء من التركة". ما نصه: لأنه يتهم على المحاباة أي يكره كما في المدونة وأبقاها شارحها على بابها. انتهى.
وتعقب بالنظر يعني أن الوصي إذا ارتكب المكروه بأن اشترى لنفسه شيئا من التركة فإنه يتعقب الحاكم فعله بالنظر أي ينظر الحاكم فيما فعله فيمضي الأصلح لليتيم ويرد غيره ومعنى ذلك أنه ينظر في قيمة البيع هل زادت فيرده أولا فيمضيه، وهل تعتبر القيمة يوم البيع أو الرفع أو الحكم أقوال؟ وفسر عبد الباقي النظر بقوله فيرفع للسوق فإن لم يزد أحد عليه أخذه الوصي بذلك الثمن: وأما إن زاد أحد عليه فهل يأخذه بما وقف عليه أو حتى يزيد كغيره وهو الظاهر.
انتهى. ويأتي ما فيه. وقال الشبراخيتي: وإن وقع ذلك تعقب بالنظر أي نظر الحاكم، فإن كان فيه غبطة أمضاه وإلا فسخه ومن هذا يستفاد أن النظر يكون في غير المحرَّم، وهل النظر يوم العقد أو يوم القيام؟ قولان؛ ورجح ابن رشد أنه يوم القيام لأنه أحوط لليتيم. انتهى. وقال البناني: وتعقب بالنظر فسره في التوضيح بالنظر في قيمة المبيع، هل زادت فيرده أولا فيمضيه؟ وهل تعتبر القيمة يوم البيع أو الرفع أو الحكم، أقوال كما في الشامل، ثم قال: وقيل يرده للسوق وقد جعل الزرقاني تبعا للأجهوري التعقب هنا بمعنى الرفع إلى السوق وفيه نظر؛ إذ هو قول مقابل كما في التوضيح.
تنبيه: قد علمت أن الكراهة صرح بها غير واحد وهي في المدونة، وجزم ابن ناجي بحمل الكراهة على التحريم وقوى الرهوني ما جزم به ابن ناجي. والله تعالى أعلم.
وقال القرطبي في تفسير سورة البقرة في قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} اختلف هل له أن يشتري لنفسه من مال يتيمه؟ فقاك مالك: يشتري، والقول الثاني أنه لا ينبغي أن يشتري مما تحت يده لما يلحقه من التهمة إلا أن يكون البيع في ذلك بيع السلطان في ملإ من الناس. وقال ابن عبد الحكم: لا يشتري من التركة، ولا بأس أن يدس من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله. انتهى.
إلا كحمارين قل ثمنهما مستثنى من قوله: "ولا اشتراء من التركة" يعني أنه لا يجوز اشتراء الوصي من التركة لنفسه إلا ما كان قليل الثمن، كحمارين ونحوهما مما قل ثمنه كثلاثة دنانير فإنه يجوز أن يشتريهما لنفسه بشرط أن يكون أشهر ذلك الشيء للبيع حتى انتهت الرغبة فيه، فقوله: وتسوق بهما أي بالحمارين الحضر والسفر ليس بشرط، وإنما ورد في سؤال، قال الخرشي: إلا أن يكون الشيء الذي يريد الوصي أن يشتريه لنفسه من التركة حمارين ونحوهما قل ثمنهما كثلاث دنانير فيجوز له ذلك، بشرط أن تنتهي الرغبة في ذلك الشيء فلا مفهوم لقوله:"الحضر والسفر" لأنه إنما وقع ذلك في السؤال فهو فرض مسألة. انتهى. وقال الشبراخيتي: "إلا كحمارين قل ثمنهما" بينه في المدونة بثلاثة دنانير وتسوق بهما الوصي أو وكيله في الحضر والسفر أي أشهرهما للبيع في المدينة والبادية، والتسوق بهما في الحضر والسفر
ليس شرطا وإنما وقع في السؤال فلا يعمل بمفهومه، وإنما المقصود انتهاء الرغبات كما قاله أبو الحسن. انتهى.
وقال عبد الباقي: شراء كحمارين في التركة قل ثمنهما الذي انتهت له الرغبات فيهما كثلاتة دنانير وتسوق الوصي بهما الحضر والسفر أي أشهرهما في السوق للبيع هذا مراده، فالجمع بين الحضر والسفر خرج على سؤال فيه ذلك. انتهى. وقال التتائي: ثم استثنى من منع اشترائه من التركة قوله: "إلا كحمارين قل ثمنهما" كثلاثة دنانير وتسوق بهما الوصي الحضر والسفر أي شهرهما في السوق للبيع في المدينة والبادية واجتهد في ذلك، فيجوز له حينئذ أخذهما واستخفه مالك حين سئل عن ذلك لقلة الثمن، ونحوه لابن الحاجب ونقص واجتهد فتعقبة المصنف، قائلا: كان ينبغي ذكره لأن له أثرا في الاستخفاف ثم أسقطه هنا. انتهى.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: اتباعه هنا لابن الحاجب يفيد أن إسقاط ذلك غير مضر؛ وقال المواق من المدونة: سأل وصي مالكا عن حمارين من حمر الأعراب في تركة الميت ثمنهما ثلاثة دنانير تسوق بهما الوصي في المدينة والبادية واجتهد فأراد أخذهما لنفسه بما أعطي فأجاز ذلك واستخفه لقلة الثمن. انتهى.
وله عزل نفسه في حياة الموصي يعني أن الوصي له أن يعزل نفسه عن الوصية، أي له أن يرد علي الموصي إيصاءه إليه بأن يمتنع من وصيته وهذا واضح حيث لم يقبل الوصي الإيصاء، بل ولو قبل أي له أن يرد الإيصاء المذكور قبل قبوله للوصية، وكذا له ردها بعد قبولها، ورد "بلوَ" قول عبد الوهاب وبعض المغاربة أنه إذا قبل لم يجز له عزل نفسه، كان القبول قبل الموت أو بعده، وأطلق المصنف العزل على ما قبل القبول وفيه مسامحة، فالمراد بالعزل الرد للإيصاء. والله تعالى أعلم. قال الشبراخيتي: وله عزل نفسه عن الوصية في حياة الوصي، وإطلاق العزل على ما قبل القبول فيه مسامحة ولو قبل على الأصح، خلافا لعبد الوهاب وبعض المغاربة أنه إذا قبل لم يجز له عزل نفسه ولو في حياة الوصي لأنه كهبة بعض منافعه. انتهى.
لا بعدهما يعني أنه ليس للوصي أن يعزل نفسه عن الوصية بعد موت الموصي وقبوله للوصية، قال الشبراخيتي: لا بعدهما أي القبول والموت أي بعد المتأخر منهما، فليس له عزل نفسه؛ كان
القبول قبل الموت أو بعده. انتهى. يعني أنه إذا قبل قبل الموت ولم يرد حتى مات الموصي فإنه ليس للوصي حينئذ أن يعزل نفسه وهو ظاهر. والله تعالى أعلم. قال في المدونة: إذا قبل الموصَى الوصية في حياة الموصي فلا رجوع له بعد موته. انتهى. قاله المواق. وقال عبد الباقي: "لا بعدهما" أي القبول وموت الموصي أي قبل ثم مات الموصي أو عكسه، فليس له عزل نفسه فإن لم يعلم بالوصية إلا بعد موت الموصي فله عدم القبول. انتهى. المراد منه. قوله أي قبل ثم مات أو عكسه قال الرهوني: تسويته بين الصورتين صواب؛ لأن ذلك مقصود المنصف كما يدل عليه ظاهر لفظه هنا مع صريح كلامه في التوضيح. وقال ابن ناجي عند قول المدونة: وإذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي فلا رجوع بعد موته ما نصه: وأما لو قبل بعد الموت فلا رجوع باتفاق عند الأكثر، وقال ابن الحاجب: ولا رجوع له بعد الموت والقبول علي الأصح، وقال ابن هارون: لا نعرف فيه خلافا وهو قصور، بل قال أبو إبراهيم: لا فرق بين قبوله بعد الموت أو قبله أن له الرد طردًا لقول أشهب بأن ما قبله في حياته له الرجوع في حياته عنه لأنه لم يغره. وعبر عنه ابن عبد السلام ببعضهم، وفرق بعض شيوخنا بأن قبوله بعد الموت قبول لما ثبت بالفعل بخلاف قبوله في حياته. انتهى. ومراده ببعض شيوخه ابن عرفة، فإنه لما ذكر نص ابن الحاجب وكلام ابن هارون للسابقين، قال ما نصه: وقال ابن عبد السلام: قال بعضهم: لا فرق بين قبوله بعد الموت أو قبله لخ.
فرع: إذا أنكر القبول حيث لا يكون له الرجوع بعده، ففي اختصار المتيطية لابن هارون ما نصه: قال في أحكام ابن بطال: وإن أنكر القبول حلف وبرئ. انتهى.
فرع آخر: لا يجوز لمقدم القاضى علي النظر لليتيم أن يوكل فيما جعل له أحدا غيره حيي أو مات؛ ولا يجوز له عزل نفسه بعد القبول ولا يعزل إلا لعذر كما في التحفة.
وإن أبى القبول بعد الموت فلا قبول له بعد يعني أن الوصي إذا امتنع من قبول الإيصاء بعد موت الموصي، ثم أراد بعد ذلك أن يقبل الإيصاء فإنه لا يجاب إلى ذلك؛ فلا قبول له بعد ذلك. قال عبد الباقي: وإن أبى القبول أي امتنع منه ورده بعد الموت فلا قبول له بعد؛ لأن إبايته صيرته أجنبيا، فقبوله بعد رده يحتاج لإيصاء وقد فقد الموصي فالحكم للقاضي. انتهى.
والقول له في قدر النفقة يعني أنه إذا تنازع الوصي مع محجوره في قدر النفقة، فقال: أنفقت عليك خمسين دينارا مثالًا، وقال المحجور: بل عشرين، فإن القول قول الوصي مع يمينه إن أشبه وكان في حضانته، قال الخرشي: ومثله ما إذا كان في كفالة أمه وهي فقيرة وكان أثر النعمة ظاهرا على الولد. انتهى. وقال عبد الباقي: والقول له أي للوصي، وكذا وصيه ومقدم القاضي والحاضن وللكافل كما في ابن عمر في قدر النفقة إذا تنازع فيها مع المحجور وهو في حضانته، وأشبه وحلف أو تنازعا في أصل الإنفاق أو فيهما معا لأنه أمين مع وجود الشروط الثلاثة المذكورة، فإن لم يكن في حضانته وتنازع مع الحاضن في ذلك لم يقبل قوله إلا ببينة، كان الحاضن مليا أو معدما كما في ابن عمر، وللجزولي فيه تفصيل، كما أنه لا يقبل قوله فيما لا يشبه أو لم يحلف، واختلف إذا أراد أن يحسب أقل ما يمكن ويسقط الزائد حتى لا يحلف، فقال أبو عمران: لا يمين عليه، وقال عياض: يلزمه اليمين إذ قد يمكن أقل منه. انتهى. قوله وهو في حضانته الخ، قال البناني: أي فإن لم يكن في حجره فلا قول له، وظاهر ما في زكاة الفطر من المدونة أنه لا يشترط كونه في حضانته ولكن الأكثر على خلاف إلا ما استحسنه اللخمي أن الأم إذا كانت محتاجة فقيرة ويظهر على الولد النعمة والخير أن الوصي يصدق، وإن لم يكونوا في حجره. انظر التوضيح. والله تعالى أعلم. انتهى.
وقوله: وحلف هذا هو الصواب وإن اقتصر في المفيد على أنه لا يحلف، وقوله فإن لم يكن في حضانته لم يقبل قوله: إلا ببينة الخ، قال الرهوني: هذا هو المشهور، ومذهب المدونة خلاف ما يوهمه كلام ابن سلمون من أن المعتمد قبول قوله مطلقا لتصديره وقد اغتر به من لم يطلع على كلام المدونة وغيرها من جل أهل المذهب، ونص المدونة: مالك: ويصدق في الإنفاق عليهم إن كانوا في حجره ما لم يأت بسرف، وإن ولى النفقة غيره ممن يحضنهم من أم أو غيرها لم يصدق على دفع النفقة إلى من يليهم إلا ببينة. انتهى منها بلفظها من كتاب الوصايا الأول. ومثله لابن يونس عنها: ففيه ما نصه: ومن المدونة قال مالك: ولو قال أنفقت عليهم وهم صغار، فإن كانوا في حجره يليهم قبل قوله ما لم يأت بأمر مستنكر أو سرف من النفقة، قال محمد: إن كانوا في عياله أو كانوا عند غيره فكان يرى ينفق عليهم ويكسوهم فإنه ينظر فيما زعم أنه أنفقه تلك المدة،
فإن كان سدادا والزيادة يسيرة حلف وكان مصدقا، وإن جاء بسرف لم يحسب له من تلك إلا السداد، كما لو كان له على السرف بينة لم يحسب له من ذلك إلا السداد. وقاله ابن القاسم عن مالك. وفي المدونة: وإن كان يليهم غيره مثل أمهم وأختهم أو غيرهما، فقال: أنفقت عليهم أو دفعت النفقة إلى من يليهم وأنكروا لم يصدق إلا ببينة وإلا غرم. انتهى منه بلفظه.
قال أبو الحسن في شرح المدونة ما نصه: قوله: قال مالد ويصدق في الإنفاق عليهم الخ، الشيخ: لأنه إذا كانوا في حجره يشق الإشهاد عليه في كل وقت. عياض: لمالك وابن القاسم وأشهب بعد يمينه وهذا مما لا يختلف فيه؛ لأن ما يشبه قد يكون أولا يكون وقد يصدق فيه أو يكذب. أيو عمران: ولو أراد الوصي أن يحسب ما لابد منه ولا شك فيه بحال وأسقط طلبه فيما زاد فلا يمين عليه. عياض: لا بد من اليمين إذ يمكن أن يستغني الأيتام عن مقدار تلك النفقة التي لا شك فيها أياما مفترقة أو متوالية لمرض أو صلة من أحد أو غير ذلك، ثم قال ما نصه: قوله وإن ولي النفقة غيره ممن يحضنهم الخ؛ الشيخ: لأنه لا مشقة عليه في الإشهاد، إذ لا يدفع إلا شهرا بشهر أو عشرد بعشرة أيام، بخلاف ما لو كانوا في حجره. اللخمي: إلا أن يدل دليل على صدقه مثل أن تكون الأم فقيرة ويظهر أثر النعمة على الصبيان. انظره. انتهى منه بلفظه. انتهى.
وقال ابن ناجي ما نصه: قوله وإن ولي النفقة ما ذكره هو المشهور، وقال اللخمي: إذا كانت الأم فقيرة لخ ما نقله أبو الحسن ثم نقل عن الطرر ما نصه، وقال أحمد بن نصر قول مقبول فيما دفع من النفقة إذا أشبه نفقة الأيتام في حضانته كانوا أو عند حاضنتهم من غير بينة، فتحصل ثلاثة أقوال: لا يقبل قوله مطلقا وعكسه على ما في الطرر، وقال ابن عبد السلام: فهمه بعضهم من بعض ألفاظ المدونة وتفصيل اللخمي. انتهى منه بلفظه. وقول عبد الباقي: وقال عياض: تلزمه اليمين إذ قد يمكن أقل منه، هذه عبارة التوضيح بعينها وفيها قلق يعلم من تأمل كلام عياض السابق، وظاهر كلام الزرقاني أن القولين على حد السواء وهو ظاهر كلام أبي الحسن والتوضيح وابن ناجي. وفي الحطاب: قال الشارح: هو أي قول عياض الظاهر عندي. انتهى. قال الحطاب. قلت: وكلام ابن عرفة يفيد رجحانه فإنه قال ما نصه: عياض: لابد من يمينه لاحتمال استغناء اليتيم عن تلك النفقة التي لا شك فيها أياما متفرقة أو متوالية لمرض أو صلة من
أحد، وهو ظاهر قول مالك وابن القاسم في الموازية من قوله ويحلف ما لم يأت بأمر مستنكر. انتهى منه بلفظه.
وقول البناني: وظاهر ما في زكاة الفطر من المدونة أنه لا يشترط كونه في حضانته مثله في التوضيح، وهو يوهم أنه ليس في المدونة ما يخالف هذا، وقد علمت ما فيه وهذا البحث لا يرد على التوضيح لأنه نسب للمدونة قيد كونهم في حجره، وقول البناني: إلا ما استحسنه اللخمي هذه عبارة التوضيح وفيها نظر لما تقدم من نقل ابن ناجي عن الطرر وما نقله عنها هو كذلك فيها، وزاد متصلا بقوله من غير بينة ما نصه: وعلى الحاضن لهم أو عليهم أنفسهم البينة أنه لم ينفق عليهم وإلا فالقول قوله من غير يمين تلزمه في دعوى الأيتام في ذلك، وللحاضن اليمين عليه في دعواه. انتهى منها بلفظها. ونقله ابن عرفة أيضا.
تنبيهات: الأول: في المفيد ما نصه: وإذا كان اليتيم بالغا أو دون البلوغ بيسير فأقر على نفسه بقبض نفقته فإن ذلك يلزمه لأنه أقر على نفسه بما لا بد له منه. انتهى منه بلفظه.
الثاني: قال أبو إسحاق: سئل ابن زرب عن الوصي يقول دفعت عن اليتيم العشر والمغارم والجعائل للشرط ونائب العامل، قال: إن كان ذلك معروفا بالبلد وادعى ما يشبه أن يؤخذ به غيره صدق. انتهى. ونحوه لابن مرزوق عنه، وظاهر قوله:"صدق" أنه دون يمين؛ ولكن إذا كان المشهور أنه لا بد من اليمين على النفقة فهذا أحرى. والله تعالى أعلم. قاله الرهوني.
الثالث: قال في مختصر الوقار: وإقرار الرجل في مرضه ليتيمه بمال يمنع من طلبه بما كان ينفق عليه في حياته؛ إذ حكم ذلك حكم الإسقاط. انتهى. يعني أن الورثة إذا أقر موروثهم بمال ليتيمه فطلبوا اليتيم بما كان موروثهم ينفق عليه فليس لهم ذلك.
لا في تاريخ الموت يعني أنه إذا اختلف الوصي والصبي، فقال الوصي: مات الموصي منذ سنين؛ وقال الصبي: مات منذ سنة فالقول للمولى عليه إذ الأصل عدم ما ادعاه الوصي، فلا يقبل قوله إلا ببينة. قاله ابن شأس. وسلمه ابن عرفة، وقال عبد الباقي: لا إن اختلفا في تاريخ الموت للموصي. فقال الوصي مات منذ سنين، وقال الصغير منذ سنة فالقول للصغير ولا يقبل قول الوصي إلا ببينة؛ قال في توضيحه: وهذا وإن كان يرجع إلى تكثير النفقة إلا أن الأمانة لم تتناول
الزمان المتنازع فيه. انتهى. قال الرهوني: وعلل ابن شأس بقوله فالقول قول الصبي إذ الأصل عدم ما ادعاه الوصي. انتهى. وسلمه ابن عرفة، والظاهر عندي في الفرق أن ما ادعاه يشاركه غيره في معرفته، فلا يتعذر عليه إثباته، كما يؤخذ من فرق أبي الحسن السابق فيما إذا كانوا في غير حجره. انتهى.
ودفع ماله بعد البلوغ عطف على "تاريخ" يعني أنه إذا اختلف الصبي والوصي في دفع المال إليه بعى بلوغ الصبي ورشده، فقال الوصي: دفعت إليك مالك بعد أن بلغت ورشدت، وقال الآخر: لم يكن ذلك فإن القول قول الصبي في أنه لم يدفع إليه، قال عبد الباقي: ولا في دفع ماله إليه بعد البلوغ؛ ورشده بعد البلوغ ولا يقبل قول الوصي ومن في حكمه ممن تقدم على المشهور خلافا لعبد الملك ومنشأ الخلاف اختلافهم في قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} هل ليلا تغرموا وهو المشهور؟ وقول مالك وابن القاسم: أو ليلا تحلفوا وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم، وأطلق المنصف القول بعدم تصديق الوصي في الدفع وظاهره كظاهر المدونة ولو طال الزمان يعني بعد الرشد. ابن عرفة: وهو المعروف من المذهب، وفي الموازية: إن طال الزمان كعشرين سنة يقيمون معه ولا يطلبون فالقول قوله بيمين. ابن يونس: لأن العرف قبض أموالهم إذا رشدوا، وجعل ابن زرب الطول ثمانية أعوام، والقياس أن يجري هنا ما تقدم من قوله ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين الخ. انتهى.
قوله: وفي الموازية إن طال الزمان الخ، قال الرهوني: ظاهر كلام التوضيح والحطاب أن ما في الموازية تقييد ووفاق وهو ظاهز كلام ابن يونس أيضا، ولكن ما عزاه الزرقاني لابن عرفة هو كذلك فيه، ونصه: ففي قبول قول اليتيم ما لم تقم عليه بينة مطلقا أو ما لم يطل سكوته عشرين عاما، ثالثها ثمانية أعوام ورابعها ما لم يظن كذبه بحسب حالهما وخامسها يصدق الوصي عليه مطلقا لها مع معروف المذهب وسماع أشهب، وقول ابن زرب واختيار ابن رشد وقول عبد الملك. انتهى منه بلفظه. انتهى.
تنبيهات: الأول: في الرهوني: تقوية كون ما في الموازية تقييدا ووفاقا خلاف ما جزم به ابن عرفة، وقال بعد جلب كثير من النقول ما نصه: فتحصل أن الراجح هو خلاف ما جعله ابن
عرفة المعروف من المذهب، وقد رأيت دليله من كلام المحققين الفحول، بل ومن كلام ابن عرفة نفسه؛ فلم يبق لنصف فيه ما يقول، ولجلالته وأمانته وحفظه أطلت بهذه النقول، والله سبحانه أعلم. وفي المتيطي وابن فتوح أن الإشهاد لازم للوصى في دفع مال اليتيم المنطلق من الولاية إليه، لقوله تعالى:{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا} ، وهل أصل في كل من دفع ما بيده من وديعة أو ما يشبهها إلى غير اليد التي دفعت ذلك إليه، وإن كان بأمر الدافع إليه فإن الإشهاد يلزم المودع عنده على الدفع إلى من أمر أن يدفع إليه، كما يلزم الوصي؛ وسواء كالق قبض الوصي المال ببينة أو بغير بينة. انتهى. وجزم اللخمي بأن المودع إذا أمر بالدفع للغير يصدق مع يمينه وهو مخالف لا جزم به ابن فتوح، وما قاله ابن فتوح هو الموافق للنقل. انتهى.
الثاني: قال في رسم الوصايا من سماع القرينين من كتاب الوصايا الأول ما نصه: قال: وسمعته يسأل عمن كان يلي يتامى فكان لا يتحفظ في أموالهم ويتناول منها فلما بلغوا سألهم أن يحللوه مما بين كذا إلى كذا فحللوه على ما قال، ثم قالوا له بعد زمان: لست في حل، فقال أنا أرى في مثل هذا أن يحزر الذي يرى أنه أصاب من أموالهم ويحتاط فيه حتى لا يشك أو يأتي رجلا فيخبره بالمال وبأمره وما كان منه فيه وما تناوله حتى يحزره له، ويحتاط فيه حتى لا يشك إن لم يحسن هو حزره ثم يخيرهم بالذي عليه من التبعات فيحللونه وهم يعلمون من أي شيء حللوه، فإما أن يجيء إليهم فيقول لهم حللوني مما بين كذا إلى كذا فيحللونه، فإنهم يقولون بعدُ ظننا أنه يسير فأرى أن يحزر ذلك باحتياط ثم يتحللهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أن التحليل لا يلزمهم إذا لم يعلمهم بمقدار مالهم عليه من التباعة فيما تناوله من أموالهم فيلزمه أن يعلمهم بمقدار ذلك حتى يحللوه منه بنفوس طيبة. وبالله التوفيق. انتهى قال الرهوني. قلت: لا شك أن تحليلهم له من باب هبة المجهول وهي جائزة. وأما اللزوم فقد تقدم تحرير الكلام فيه عند قوله في الهبة: "وإن مجهولا" فإن لم تَبَيَّن لهم في هذد كثرة ما تناوله من أموالهم فلا وجه لرجوعهم عليه ولا سيما على ما رجحه البناني تبعا الابن عرفة، وفي قول الإمام فإنهم يقولون ظننا أنه يسير إشارة إلى أنه تبين له كثرته ليكون رجوعهم عليه هو الصواب على ما بيناه في المحل المذكور. والله تعالى أعلم.
الثالث: قال في الرسم المذكور: وسئل عن رجل توفي وأوصى إلى رجل وترك من الورثة ابنا صغيرا وثلاث بنات وأمه وزوجه، وترك مصحفا قيمته خمسة وعشرون، أترى أن يستخلصه الوصي للغلام؟ فقال: إني لا أدري ما ترك الميت، فقيل له أموال عظيمة من أصول وغيرها، فقال: ما سن الغلام؟ فقيل ابن ست سنين، فقال: ما أرى بذلك بأسا أن يستخلصه للغلام قد كان من أمر الناس أن يحبس لولد الميت هذا وما أشبهه السيف والمصحف وما أشبههما، فلا أرى بأسا أن يستخلصه له فقيل له [أيستخلصه
(1)
] للغلام والجواري فإنهن ربما علمن القراءة في المصاحف، فقال: أحب إلي أن يستخلصه للغلام وحده وهذا من خير ما يشترى له إن بلغ فاحتاج إلى ثمنه وجد به ثمنا، فأرى له أن يستخلصه له ولا أرى بذلك بأسا. انتهى. نقله الرهوني.
الرابع: إذا أوصى على بنيه في حال صغرهم وطالت حياته بعد ذلك حتى بلغ ولده وكبروا ووصيته على حالها فهم على الإطلاق إلا أن يظهر منهم ما يوجب تمادي الولاية عليهم؛ وأما الإناث ففي ولاية أبيهن حتى يرشدن. انتهى. ومراده بالإناث الأبكار وهذا هو المعتمد وعلى رواية يحيى الذي يرى أن الناس على السفه حتى يظهر رشدهم يكون المذكور والإناث على حال الولاية حتى يثبت رشدهم، وقاله ابن الهندي وغيره.
الخامس: من طرر ابن عات ما نصه: المشاور إذا كان اليتيم ابن اثني عشرة سنة يستطيع الخدمة والعمل ويجد من يستأجره بنفقته وأجرته فأبى عن العمل وله أصل لطيف يريد بيعه وأكله، فإنه يؤاجره في عمل يستطيعه يستقل به غير ثقيل على رغم أنفه وينفق من إجارته ويحبس عليه أصله ونحوه في ابن سلمون عن الاستغناء. نقله الرهوني.
السادس: علم مما مر من التقرير أن قوله بعد البلوغ متعلق بدفع، قال الشبراخيتي: وقوله بعد البلوغ متعلق بدفع، وأما قبل البلوغ فلا يصدق ولو وافقه. انتهى.
ولما أنهى الكلام على ما أراده من العبادات والمعاملات وغير ذلك، شرع في الكلام على التركات، فقال:
(1)
في الأصل: أن يستخلصه، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 305.
بابٌ: أي هذا بابٌ في علم الفرائض، وعلم الفرائض علم قراني لأن القرآن ورد به، وقد حضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعلمه وتعليمه؛ فقال: (تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة ولا يجدان من يفصل بينهما
(1)
). رواه عبد الله بن مسعود. وقال صلى الله عليه وسلم: (من قطع ميراثا فرضه الله قطع الله ميراثه من الجنة
(2)
) يريد بذلك الظانين الذين يفتون بالظن. ابن حبيب: معنى قطعه بالجهل بالعلم بفريضته أو بالعمد في قطعه، قال ابن يونس: وحض علي تعليمة جماعة من الصحابة والتابعين؛ وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه؛ سلم، قال: (تعلموا الفرائض فإنها من دينكم وهي أول ما ينسى وهي نصف العلم وهي أول علم ينزع من أمتي وينسى
(3)
)؛ واختلف هل كونها نصف العلم تعبدي فهو غير معقول المعنى؟ وهذا القول قاله جماعة، فقالو!: يجب علينا اتباعه وقيل هو لععقول المعنى، فالمراد به المبالغة في الثناء على عظيم جدواه أو أن المراد بنصف العلم باعتبار حالتي الحياة والمات، فالحياة سبب لوقوع سائر العلوم والموت سبب لوقوع علم الفرائض؛ وأحد الحالين من مجموعهما نصف أو باعتبار السببين؛ لأن السبب الذي يحصل به الملك نوعان اختياري وقهري، فالأول كالشراء وقبول الهبة ونحو ذلك والقهري كالإرث؛ وأم التأويل بأنه باعتبار الثواب لأن مسائله وإن قلت بالنسبة لبقية العلوم فثوابه كثواب جميعها فهو غير ظاهر؛ لأن مقدار ذلك لا يتلقى إلا من السمع. انظر الشبراخيتي.
التوضيح: الفرائض جمع فريضة وهي من قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي قدرتم. انتهى. فالفريضة بمعنى المفروضة، وهي النصيب المقدر شرعا للوارث فالفرائض هي الأنصباء المقدرة لورثة الميت هذا أصلها، وتطلق على العلم المشتمل عليها. انظر الرهوني. وتطلق الفريضة أيضا على المسألة؛ كقولهم: فريضة عائلة. قاله مقيده عفا الله تعالى عنه.
(1)
الحاكم، ج 4 ص 336 - البيهقي، ج 3 ص 208.
(2)
كنز العمال، رقم الحديث 30400.
(3)
ابن ماجه: كتاب الفرائض، رقم الحديث 2719 - البيهقي، ج 6 ص 209.
تنبيهات: الأول: قال البناني وغيره عن ابن عرفة: علم الفرائض هنا الفقه المتعلق بالإرث وعلم ما يوصل لمعرفة قدر ما يجب لكل ذي حق من التركة. انتهى. قال البناني: قول ابن عرفة: علم ما يوصل هو بالرفع عطف على الفقه أدخل كيفية القسمة والعمل في المناسخات وغيرهما؛ لأن ذلك كله من علم الفرائض. انتهى. وبحث ابن مرزوق في هذا الحد بأبحاث كثيرة لا أطول بذكرها والأصل في هذا العلم الكتاب والسنة لما مر والإجماع والقياس كسائر الأحكام الشرعية وهو علم قطعي ليس لأحد فيه زيادة ولا نقصان بالاجتهاد بعد الصحابة رضوان الله عليهم.
الثاني: قال التتائي: بابٌ ذكر فيه علم الفرائض وهو علم المواريث وبيان من يرث ومن لا يرث ومقدار ما لكل وارث وأصول المسائل والمناسخات والحجب والإقرار وقمسمة التركات وما يتعلق بذلك كله، ثم قال: وورد أنه عليه الصلاة والسلام، قال: (العلم ثلاثة: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة
(1)
) الخطابي: الآية المحكمة كتاب الله، وقال: محكمة لأن منها المنسوخ. والسنة القائمة هي الثابتة، والفريضة العادلة فيها وجهان: أحدهما من العدل في القسمة أي معدلة من الكتاب والسنة؛ والثاني مستنبطة منهما ومن معناهما فيعدل ما أخذ منهما نصا: فجعل الفرائض في هذا الحديث ثلثا. انتهى. أي وجعلها في الحديث المار نصفا. قال بعض المتأخرين: فالنصف في الحديث يعني المار بمعنى الصنف فلا يلزم التساوي، قال الشاعر:
إذا مت كان الناس نصفان شامت
…
وآخر مثنٍ بالذي كنت أصنع
الثالث: قال التتائي: كان الواجب في ابتداء الإسلام الوصية، قال الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} ، ثم نسخ يآية المواريث، وقيل: كان التوارث في ابتداء الإسلام بالتحالف والنصرة والهجرة والإخوة والوالاة، فيقول دمي دمك ترثني وأرثك، وذلك قوله تعالى:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ثم نُسِخَ فتوارثوا بالإسلام والهجرة فصار التوارث بهما، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
(1)
أبو داود، كتاب الفرائض، رقم الحديث 2885 - ابن ماجه، كتاب المقدمة، رقم الحديث 54.
وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} فكان المهاجر وغيره لا يتوارثان؛ فإذا مات رجل وله ولدان أحدهما مهاجر والآخر غير مهاجر ورث المهاجر دون الذي لم يهاجر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} ، وقيل كان الرجال يرثون الرجال دون النساء والكبار دون الصغار ويجعلون حظ الزوجة نفقتها سنة، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} ثم نسخ ذلك.
أبو عمرو بن عبد البر وغيره: أول موروث في الإسلام عدي بن نوفل بن عبد العزى، هاجر هو وابنه النعمان إلى أرض الحبشة فمات بها وورثه ولده هناك، فكان أول وارث (وقد قضى صلى الله عليه وسلم بالثلثين لابنتي قيس بن ثابت من مال أبيهما، وكان قتل يوم أحدت وفيهما نزلت آية الفرائض:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ، وقيل إن الحكم كان في بنتي سعيد
(1)
بن الربيع وهو الصحيح
(2)
)، قال ابن سحنون: وهو أول ميراث قسم في الإسلام.
والفرائض جمع فريضة بمعنى مفروضة وهي مشتقة من الفرض، وهو لغة: القطع. والحز، وعرفا: النصيب المقدر للوارث شرعا، ثم نقل الجمع علما لهذا العلم فأجري مجرى المفرد. انتهى. قول ابن سحنون: وهو أول ميراث قسم في الإسلام سلمه ابن يونس، قال الرهوني: انظر قول ابن سحنون وهو أول ميراث قسم الخ، وتسليم ابن يونس له مع ما للمتيطي في نهايته، ونصها: وروي أن الجاهلية كانوا لا يورثون البنات ولا النساء ولا الصبيان شيئا من الميراث ولا يورثون إلا من حاز الغنيمة وقاتل على ظهر الخيل.
وأول من ورث البنات في الجاهلية وأعطى البنت سهما والابن سهمين ذو المحاسن اليشكري؛ وهو عامر بن جشم بن حبيب، فلما مات أوس بن ثابت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول آية المواريث ترك أربع بنات دميمات، فأخذ بنو عمه المال كله فجاءت امرأة أوس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه، فقال: ارجعي إلى بناتك حتى أنظر ما يحدث الله
(1)
في الرهوني ج 8 ص 310: (سعد بن الربيع).
(2)
أبو داود، كتاب الفرائض، رقم الحديث 1891.
فيهن، فأنزل الله تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} . الآية. ولم يفسر ما هو، فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى بني عمه أن لا يغيروا من المال شيئا فإنه قد نزل لبنات أوسٍ نصيب حتى أنظر كم هو، ثم نزلت الآية آية المواريث فأعطى صلى الله عليه وسلم للبنات الثلثين وللزوجة الثمن.
وانظر ما قاله المتيطي أيضا مع ما لابن عطية، ونصه قوله عز وجل:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} ، قال قتادة وعكرمة وابن زيد: وسبب هذه الآية أن العرب كان منها من لا يورث النساء ويقول لا يرث إلا من طعن بالرمح وقاتل بالسيف، فنزلت هذه الآية. قال عكرمة: سببها خبر زوجة أوس بن سويد، [مات]
(1)
وترك لها بنتا فذهب عم بنتها إلى أن لا ترث، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العم: هي يا رسول الله لا تقاتل ولا تحمل كلا عليها، واسم العم ثعلبة فيما ذكر. انتهى. والجمع بين ذلك كله ممكن بأنهم ماتوا كلهم فنزلت الآية في الجميع والقسم بالفعل سبق في متروك سعد على ما قال ابن سحنون وسلمه ابن يونس. والله تعالى أعلم. انتهى.
قال البناني: واعلم أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة، وطريق الحصر أن تقول: الحق المتعلق بالتركة إما ثابت قبل الموت وهو متعلق بالعين كالرهن أو بالذمة وهو الدين، وإما ثابت بالموت وهو إمَّا للميت أو لغيره بسببه أو لغيره بغير سببه. انتهى. فالثابت قبل الموت قسمان والثابت بالموت ثلاثة أقسام.
وأشار المنصف إلى الأول من قسمي الثابت قبل الموت بقوله: يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين يعني أن أول ما يبدأ به في تركة الميت هو أن يخرج منها الحق الذي تعلق بعين أي بذات شيء معين، والتركة ما تركه الميت من المال ومنه الدية عن خطإ أو عمد. قال الإمام في الموطإ: من قتل خطأ فإنما عقله مال كغيره من ماله يقضى به دينه وتجوز فيه وصيته. انتهى. ونقل المواق التصريح بذلك في العمد، ومثل للعين بقوله: كالرهون أي إذا كان على الميت دين لزيد وقد
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 312.
رهن الميت لزيد في ذلك الدين جملا مثلا وحازه زيد قبل موت من عليه الدين، فإن ذلك الجمل يباء ويُقضى زيد من ثمنه مبدأ على غيره من أرباب الديون، وعلى مؤن تجهيز الميت وعلى وصاياه.
وعبد جنى عطف على "المرهون" فهو أيضا من المعين الذي تعلق به حق فإذا جنى عبد على عمرو مثلا فإن ذلك العبد الأولى به عمرو، فإما أن يسلم له في جنايته عليه وإما أن يفديه الورثة أو غيرهم بأرش الجناية ليس إلا، فإن جنى المرهون فقد تقدم للمصنف الكلام عليه في باب الرهن فراجعة إن شئت. قال عبد الباقي: يخرج من تركة الميت من رأس ماله مبدأ على غيره وجوبا، وإن أتى على جميعها حق تعلق بعين كالمرهون لتعلق حق المرتهن به فهو أحق، ولو من كفن الميت الذي ليس له ما يكفن به غيره. انتهى.
وقوله: "حق تعلق بعين" قال ابن رشد: أول ما يخرج الحقوق المعينات مثل الرهن، يعني المحوز بيد المرتهن وأم الولد وزكاة ثمر الحائط الذي أزهى وزكاة الماشية إذا مات عند حلولها وفيها السن الذي وجب فيها وما أقر به المتوفَّى من الأصول والعروض بأعيانها لرجل في صحته أو في مرضه لمن لا يتهم عليه أو قامت على ذلك بينة وسكنى المتوفى عنها يعني والمسكن له أو نقد كراءه والمعتق إلى أجل والصبرة المبيعة على الكيل والهدي إذا قلده يعني تطوعا أو واجبا ولا يباع في دين استحدثه بعد التقليد وسوق الغنم يتنزل منزلة التقليد في غيرها والأضحية إذا تعينت. انتهى. وهي إنما تتعين بالذبح فلا تباع حينئذ، وأما إن نذرت فالمعتمد أنها تباع في الدين.
تنبيهات: الأول: زاد التتائي في المعينات: سلعة المفلس، قال مصطفى: انظر ما مراده بسلعة المفلس إن كان مراده المفلس في حياته فليدر الكلام عليه، وإن كان مفلسا بعد الموت فقد علمت أنه لا يكون أحق بها في الموت إلا أن يكون المراد قبل الحوز، إذ قبله لا فرق بين الموت والفلس في أن ربها أحق إن لم تخرج من يده. انتهى. قال البناني: قلت لعل مراد التتائي سلعة المفلس إذا وقفت للغرماء ثم مات قبل بيعها، فقد تعينت للغرماء. والله تعالى أعلم. انتهى.
الثاني: قال عبد الباقي عند قوله: "يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين كالمرهون"ما نصه: وشمل ما لو كان المرهون ثمرا ووجبت في عينه الزكاة والدين يستغرق جميع الثمرة؛ فيقدم رب
الدين بدينه على الزكاة لتقدم حق الآدمي كما في ابن رشد. انتهى. قوله: فيقدم رب الدين بدينه على الزكاة لخ، قال البناني: فيه نظر، وهو يقتضي أن هذا منصوص عليه لابن رشد وليس كذلك، وعبارة الأجهوري: ومقتضى ما يأتي عن ابن رشد من أن حق الآدمي مقدم على حق الله تقديم رب الدين بدينه على الزكاة. انتهى. وفيه نظر أيضا لأن ما يأتي فيما تعلق بالذمة، وأما الثمرة فالفقراء شركاء في عينها فلا ملك للميت في حظهم حتى يؤخذ في دينه. والله أعلم. انتهى.
الثالث: قإله: "كالمرهون" أدخلت الكاف زكاة الحرث والماشية بعد حلولها وفيها السن الواجب، وإن لم يكن فيها السن الواجب وكانت عينا أخرت عن دين الآدميين. قوله: "بعد حلولها وفيها السن الواجب؛ يشمل مالها ساع وما لا ساعي لها يعني فيما إذا كان لها ساع أنه
مات بعد مجيء الساعي وبعد الحول كما يفيده غير واحد. والله تعالى أعلم. والتركة بفتح التاء وكسر الراء؛ ويجوز تسكين الراء مع فتح التاء وكسرها: ما تركه الميت من المال.
وأشار إلى القسم الثالث وهو الثابت بالموت للميت بقوله: ثم مؤن تجهيزه يعني أنه إذا أخرج من تركه الميت الحق الذي تعلق بعين فإنه يلي ذلك في الإخراج مؤن تجهيز الميت، من حفر ودفن وتغسيل وكفن وحراسة إن احتيج إليها وغير ذلك، بالمعروف يعني أنه يراعى في مؤن التجهيز ما هو المعروف عند الناس، أي ما يناسب حاله من فقر وغنى وارتفاع واتضاع. وقوله:"ثم مؤن تجهيزه"؛ وكذا تجهيز من تلزمه نفقته برق، والرقيق مقدم على السيد لأنه لا حق له في بيت المال، وأما لو مات ابن شخص وأبوه ونفقة كل واجبة على الشخص وليس عنده إلا مؤنة تجهيز واحد، فقال الشارح. وغيره في النفقات، قيل يتحاصان، وقيل يقدم الابن وهو الصواب. قاله الشبراخيتي. وقال المواق: يبدأ من مال الميت بحنوطه وكفنه ومواراته بالمعروف. انتهى.
وقال عبد الباقي: ثم مؤن تجهيزه من كفن وحمل وحفر وغيرها بالمعروف مما يناسبه فقر أو غنى وكفن من تلزمه نفقته برق كموت سيد وعبده، فإن لم يكن عنده سوى كفن واحد كفن العبد به لأنه لا حق له في بيت المال وكفن سيده من بيت المال، ولا يلزم بعد موته في ماله كفن من كانت تلزمه نفقته بقرابة، وقوله في الجنائز:"وهو على المنفق بقرابة في المنفق"الحي والنفق عليه ميت وهنا ماتا معا. ولو مات ابن شخص وأبوه ونفقة كل واجبة على الشخص وليس عنده إلا مؤن
تجهيز واحد، فقيل يتحاصان وقيل يقدم الابن. نقلهما الشارح. وهو الصواب دون نقل التتائي.
القول الثاني من تقديم الأب. انتهى. وقال البناني: اعتبار المعروف في الكفن في صفته. ابن الحاجب: وخشونته ورقته على قدر حاله، وأم عدده فالثلاثة الأثواب يقضى بها كما قاله الشيخ يوسف بن عمر. وقد جعل الحطاب قول ابن عمر خلاف المشهور مستدلا بقول المنصف في الجنائز:"ولا يقضى بالزائد" لخ وما درى أنه متعقب. قال المواق في الجنائز عند قوله: "ولا يقضى بالزائد" الخ: المشهور خلاف هذا وأطال في ذلك. قاله مصطفى. وقول الزرقاني: وكفن من تلزمه نفقته برق الخ، هذا وارد على قول المنصف ثم مؤن تجهيزه. انتهى.
وأشار إلى القسم الثاني من الثابت قبل الموت يقوله: ثم تقضى ديونه يعني أنه يخرج بعد ما مر من التركة ما يقضى به الدين الذي على الميت من دين الآدميين، ثم هدي تمتع إن مات بعد أن رمى جمرة العقبة؛ وأشار إلى القسم الثاني من أقسام الثابت بالموت بسبب الميت وهو القسم الرابع بقوله: ثم وصاياه من ثلث الباقي يعني أنه يلي ما مر الوصايا وتخرج من ثلث ما بقي من التركة بعد إخراج ما مر، فإن ضاق الثلث قدم الآكد فالآكد على ما مر، والمراد بالوصايا ما يشمل الوصية وغيرها مما في حكمها على ما مر في قوله:"وقدم لضيق الثلث" لخ. وقد مر الكلام هناك على زكاة فرط فيها والكفارة والنذر فراجعه إن شئت. الرهوني: قال ابن يونس: قال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} معناه من بعد وصية لا دين معها أو دين لا وصية معه. فإن اجتمعا فالدين مبدأ. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدين مبدأ على الوصايا) والإجماع على ذلك. انتهى المراد منه.
وأشار إلى القسم الخامس وهو الثابت بالموت بغير سبب الميت بقوله: ثم الباقي لوارثه يعني أن ما بقي من التركة بعد إخراج ما مر يكون للورثة، وقوله:"لوارثه" يعني الفرضي؛ ويأتي العاصب في قوله: "ولعاصب ورث المال كله" الخ.
وللتلمساني رحمه الله:
إن امرؤ قد قدرت منونه
…
كفن ثم أديت ديونه
وبعد ذا تنفذ الوصيه
…
ويقع الميراث في البقيه
تنبيهان: الأول: اعلم أن للإرث أسبابا وهي ثلاثة: النسب بأن تثبت بين الحي والميت قرابة مخصوصة، والنكاح بأن يثبت بينهما عقد صحيح أو مختلف فيه إلا نكاح المريض والعبد وإنكاح المرأة، والولاء بأن يكون للحي على الميت ولاء على ما مر. في الولاء. وجهات النسب التي توجب الإرث خمس: الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة، قال الرسموكي:
للإرث أسباب ثلاثة نسب
…
عقد نكاح وولاء مجتلب
جهاته أبوة أمومه
…
بنوة أخوة عمومه
والشرط في النكاح بعد الصحة
…
إسلام زوجين مع الحرية
تزوج المريض في حال المرض
…
لا يقتضى الإرث لقصد معترض
قوله بعد الصحة أي بعد ثبوت صحة العقد على اختلاف أو وفاق، وقوله: لقصد معترض أي اعترضه الشرع بمعنى منع منه لأن قصد المريض إدخال وارث وذلك ممنوع منه شرعا، وللرسموكي رحمه الله تعالى أيضا:
شرط الولا إعتاق حر ما ملك
…
عن نفسه وهو بدِينٍ اشترك
أعتقه اختيارا أو بالجبر
…
أو كان عنه عتق عبد الغير
قوله: وهو بدين اشترك بكسر الدال أي اشترك معه في الدين.
الثاني: اعلم أن للإرث موانع سبعة وهي تمنع الإرث مطلقا، إرث النسب أو النكاح أو الولاء يجمعها قولك: عش لك رزق، فالعين لعدم الاستهلال والشين للشك واللام للعان والكاف للكفر والراء للرق والزاي للزنى والقاف للقتل عمدا عدوانا، ونظمها الرسموكي بقوله:
يمنع الإرث عدم استهلال
…
شك لعان كفر ذي اعتزال
رق زنى وقتل ظلم مسجلا
…
إلا الولا عن معتق قد قتلا
قوله: شك حصل في سبب أو شرط أو مانع ومن الشك في السبب قيام بينة علي أن فلانا عم الميت أو ابن أخيه؛ وتعذر سؤال البنية فلا إرث لاحتمال أنه عم لأم أو ابن أخ لها، ومن الشك في الشرط الشك فيمن تقدم موته من الميتين بهدم أو غرق أو حرق أو نحو ذلك فلا يرث أحدهما من الآخر، وإنما يرث كل واحد منهما أقاربه الذين تحققت حياتهم بعد موت الشكوك فيهما، والشك في استهلال الولد ومن الشك في المانع الشك في كون القتل عمدا أو خطأ فلا يرث القاتل حينئذ من مال المقتول ولا من ديته، وكذا إذا مات الحر عن زوجة قد أعتقت ولم يعرف هل وقع موت الزوج قبل إعتاقها أو بعده، أو مات المسلم عن زوجة أسلمت ولم يعرف هل تقدم إسلامها على موته أو تأخر عن موته فلا ترث تلك الزوجة من زوجها. وقوله: مسجلا أي مطلقا أي في مال المقتول وديته، ويأتي الكلام على بعض هذا إن شاء الله تعالى.
وبين المصنف الوارث بقوله: من ذي النصف الزوج يعني أن الوارث الفرضي متعدد، فمنهم من فرضة النصف والفرض هو النصيب المقدر للوارث شرعا ولا يزيد إلا بالرد عند القائل به ولا ينقص إلا بالعول، فممن يرث النصف الزوج، فالمصنف أتى "بمن" البيانية مبينا لقوله:"لوارثه" لأن الورثة منهم ذو فرض وغيره، وذوو الفرض منهم ذو نصف وغيره. واعلم أن أهل الفروض أقسام وهي المجموعة في قولك:[هباد بز] الهاء لأهل النصف وهم خمسة والباء لأهل الربع وهم اثنان، والألف لذي الثمن وهو واحد، والدال لأهل الثلثين وهم أربعة، والباء لأهل الثلث وهم اثنان. والزاي لأهل السدس وهم سبعة. وقد وجد منسوبا للكلاعي على هذا البيت:
ضبط ذوي الفروض من هذا الرجز
…
خذه مرتبا وقل هبا دبز
ولبعضهم:
هاك الفروض ستة في العرف
…
نصف ونصفه ونصف النصف
والثلثان هكذا وقد رمز
…
أصحابها الأشياخ
(1)
هباد بز
وبدأ بالفروض، قال صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر
(2)
)، وبدأ بالنصف لأنه هو أول مقامات الكسور، وقوله:"الزوج" خبر مبتدأ محذوف أي وهو الزوج وقوله: "من ذي النصف الزوج" أي حيث لا وله للزوجة ذكرا أو أنثى ولا وله ابن منه أو من غيره أو من زنى إن لم يقم به مانع من كفر أو رق وإن سفل، وأما وله البنت فلا قال الله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} والزوج أحد أصحاب النصف الخمسة، والثاني بنت للميت والثالث بنت ابن وإن سفل إن لم تكن بنت للصلب أو بنت فوقها، والرابع أخت شقيقة؛ والخامس قوله: أو لأب إن لم تكن شقيقة قوله: "وبنت" قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} ، وقوله:"وبنت ابن إن لم تكن بنت" هي كذلك إجماعا، وقوله:"أخت شقيقة أو لأب" إجماعا، قال تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} ؛ وهذا في الشقيقة والتي للأب، وأما التي للأم فهي قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} . الشبراخيتي: وفي النصف أربع لغات بتثليث النون والرابعة نصيف كرغيف.
تنبيه: قال الخرشي عند قول المنصف في الطهارة: "ككف بمنكب" لو كانت امرأة من سرتها إلى أسفل خلقة امرأة واحدة ومنها إلى فوق خلقة امرأتين فالحكم في إرثهما أنه يصاح عليهما بعد أن
(1)
كذا في الأصل.
(2)
البخاري، كتاب الفرائض، رقم الحديث 6737.
تناما. فإن انتبهتا معا فلهما إرث امرأة واحدة وإلا فلهما إرث امرأتين. نقله عن ابن فرحون. والله تعالى أعلم.
وعصب كلا أخ يساويها يعني أنه يعصب بتشديد الصاد كلا من النسوة الأربع: أخ يساويها في الدرجة أي يصيرها عاصبة للذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا هلك هالكَ وتركَ أختا شقيقة أو لأب ومع الشقيقة شقيق أو مع التي للأب أخ لأب، فإن للذكر مثل حظ الأنثيين في المسألتين؛ وكذا لو ترك الميت بنتا ومعها ابن فللذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا لو ترك بنت ابن وابن ابن فللذكر منل حظ الأنثيين. فقول المنصف:"أخ" أي بالنسبة للأخت أو البنت، وأخ بالنسبة للميت في الأخت؛ واحترز بذلك عما لو كان مع الشقيقة أخ لأب فإنه لا يعصبها، بل لها النصف وعما لو كان مع التي للأب شقيق فإنه يسقطها، وعما لو كان مع بنت الصلب ابن ابن فلا يعصبها، وأما بنت الابن فيعصبها أخوها وابن عمها وقد يعصبها من هو أسفل منها كما يأتي. فقوله:"يساويها" قررته على أنه في النسوة الأربع كما رأيت، وكذا قرره غير واحد بذلك.
واعلم أن هنا ثلاثة أقسام: عاصب بنفسه وهو كل ذكر إلا الزوجَ والأخَ للأم والمعتقةُ من الإناث فقط، وعاصب بغيره وهو قوله:"وعصب كلا أخ يساويها"، وعاصب مع غيره وهو الأخوات مع البنات، ومعنى عاصب بغيره أنه صيره العاصب عاصبا، ومعنى عاصب مع غيره أنه هو وغيره ليسوا عصبة ولكن صاروا في حكم العصبة.
تنبيه: اعلم أن الله تعالى جعل حظا في الميراث للإناث رحمة منه لضعفهن وترغيبا في نكاحهن، وجعل ميراث الذكر أكثر عدلا منه لما يلزم الذكور من الإنفاق والصداق، ولا وجب عليهم من الجهاد للأعداء والدفع عن النساء، وجعل حظ الأنثى نصف حظ الذكر كما جعل شهادة الأنثى نصف شهادة الرجل وجعل ديتها مثل نصف دية الرجل. انتهى.
والجد يعني أن الأخ يعصب كلا من النسوة الأربع كما عرفت بخلاف الجد فإنه إنما يعصب الأخريين وهي الأخت الشقيقة والتي للأب، والأوليان يعني أن الأوليين من النسوة الأربع وهما البنت وبنت الابن تعصبان الأخريين وهما الأخت الشقيقة والتي للأب، فتأخذ البنت الواحدة
النصف والنصف الباقي للأخت واحدة أو أكثر وللبنتين فأكثر الثلثان والثلث للأخت واحدة فأكثر، فقد صيرت الأوليان الأخريين ترثان بالعصوبة؛ ولولا الأولياء لورثتا بالفرض.
وعلم مما قررت أن قوله: الأخريين معطوف على "كلا" كما أن قوله: "والجد والأوليان" عطف على: "أخ" ففيه عطف الواو لشيئين على معمولي عامل واحد، وقد تقرره جوازه. والله تعالى أعلم. وفي التلمسانية:
والأخوات قد يصرن عاصبات
…
إن كان للميت بنت أو بنات
وقوله: "والأوليان الأخريين" قال الرهوني: بهذا قال علي وزيد بن ثابت وابن مسعود، قال ابن يونس: وبه قال عامة الفقهاء، وقال ابن عباس: للبنت النصف، وما بقي فللعصبة ولا حظ للأخت مع البنت لقول الله تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} وأنتم تجعلون لها مع الولد، والدليل للجماعة أن الله تعالى قال عقب هذا:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فيجب على قوله أن لا يرث مع البنت لأنها ولد، وقد أجمعوا على أن الأخ يرث مع البنت ما بقي بدل اجتماعهم أن ليس الولد المذكور ها هنا البنت التي تأخذ نصف المال والأخ بقيته، بل الولد المذكور هو الابن الذي لا يُبقي من المال للأخ ولا للأخت شيئا، فإذا كان بنتا أخذت ما فضل بالتعصيب، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث الأخت مع البنت وبنت الابن: وهو ما روى عنه هزيل بن شرحبيل، فقد روى البخاري (عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن أبي قيس، قال: سمعت هزيل بن شرحبيل يقول: سئل أبو موسى الأشعري عن بنت وبنت ابن وأخت، قال: للبنت النصف وللأخت النصف واتِيَا ابن مسعود فإنه سَيُتَابعني؛ فسئل ابن مسعود فأخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين: أقضي بينهما بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين وما بقي فللأخت
(1)
)، وفي هذا الحديث أدلة: أحدها توريث بنت الابن مع البنت،
(1)
البخاري، كتاب الفرائض، رقم الحديث 6736.
والثاني توريث الأخت مع البنت فدل ذلك على أن الأخوات عصبة البنات والثالث إثبات الثلثين للبنتين حجة على من قال لهما النصف؛ لأنه إذا كان للبنت وبنت الابن على بعد هذه الثلثان كان للبنتين الثلثان أحرى، ويحتج عليه أيضا بميراث الأختين لأن الله أوجب للأختين على بعدهما الثلثين فإيجابهما للبنتين أولى، (وقد فرض الرسول صلى الله عليه وسلم لابنتي سعد بن الربيع من أبيهما الثلثين
(1)
). انتهى كلام الرهوني. البناني: هزيل بالزاي المفتوحة وبالذال المعجمة تصحيف. انتهى.
تنبيه: قال الشيخ بدر الدين: وإنما كانت الأخوات مع البنات عاصبات؛ لأنه إذا كان في المسألة بنتان فصاعدا أو بنت ابن وأخذت البنات الثلثين فلو فرضنا للأخوات وأعَلْنَا المسألة نقص نصيب البنات فاستبعدوا أن يزاحم وله الأب الأولادَ وأولادَ الابن ولم يمكن إسقاط أولاد الأب فجعلن عاصبات ليدخل النقص عليهن خاصة. قاله إمام الحرمين. وحكى غيره فيه الإجماع. انتهى. قال الشبراخيتي.
ولتعددهن الثلثان الضمير عائد على النسوة الأربع: البنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والتي للأب؛ يعني أنه إذا تعددت الأخوات الشقائق فلهن الثلثارْ وكذا اللواتي للأب وكذا البنت إذا تعددت فلها الثلثان وكذا بنت الابن وإن سفل إذا تعددت فلها الثلثان. قال الشبراخيتي: ولتعددهن أي الإناث الأربع، ولذلك أتى بنون الإناث فيخرج الزوج. انتهى. ونحوه لغيره.
تنبيهات: الأول: قوله: "ولتعددهن" يصح أن تكون اللام للتعليل ويكون المصدر على بابه، ويصح أن تكون اللام للاستحقاق وحينئذ فالمراد بالمصدر اسم الفاعل أي للمتعدد منهن الثلثان.
الثاني: إن قيل إن قوله: "ولتعددهن الثلثان" قد يصدق بغير المراد إذ يصدق ببنت وأخت، فالجواب أن المراد تعدد البنات أو الأخوات؛ إذ قوله:"والأوليان الأخريين" صريح في أنهما إذا اجتمعتا ورثت البنات بالفرض والأخوات بالعصوبة، ويأتي قوله:"وللثانية مع الأولى" لخ على أن ذلك صادق بالثلثين لأن السدس تكملة للثلثين. والله تعالى أعلم.
(1)
الترمذي، كتاب الفرائض، رقم الحديث 2092 - ابن ماجه، كتاب الفرائض، رقم الحديث 2720.
الثالث: قول المصنف: "ولتعددهن الثلثان" ما قاله المنصف هنا تبعا لأهل المذهب، قال به جمهور الصحابة وخالف في ذلك ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقال: للبنيتن النصف لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} ، فجعل للاثنتين النصف والثلثين لأكثر منهما، والصواب أن الله تعالى نص على الزائد على اثنتين في البنات ولم يذكر الاثنتين، ونص على الاثنتين في الأخوات ولم يذكر الزائد اكتفاء بآية البنات في الأخوات وبآية الأخوات في البنات؛ لأن القرآن كالكلمة الواحدة يفسر بعضه بعضا. وعلم فرض البنتين بالحديث فاستقامت الظواهر وقامت الحجة لأن الله تعالى إذا جعل الثلثين للأختين، فالبنتان أولى لقربهن ولأن البنت تأخذ الثلث مع أخيها فأولى أن تأخذه مع أختها. قاله الشبراخيتي. وقوله:"الثلثان" تضم لام الثلثين وتسكن وكذا لام الثلث، وتضم دال السدس وتسكن، وفي الربع ثلاث لغات ضم بائه وتسكينها والثالث ربيع، وفي الثمن ثلاث لغات ضم ميمه وتسكينها والثالث ثمين. قاله غير واحد.
وللثانية مع الأولى السدس وإن كثرن المراد بالثانية بنت الابن وبالأولى بنت الصلب، والضمير في كثرن عائد على الثانية باعتبار تعددها؛ يعني أن بنت الابن لها مع البنت السدس فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين، ولو كثرت بنات الابن فيشتركن في السدس. قال الشبراخيتي: وللثانية وهي بنت الابن واحدة فأكثر فالمراد جنس الثانية، وبهذا يصح الجمع في كثرن أي وإن كثرن أفراد الجنس، وأما الأخت للأب مع الشقيقة فسيأتي حكمها مع الأولى وهي بنت الصلب الواحدة السدس وإن كثرن، (روى البخاري عن آدم بن أبي إياس عن ابن قيس؛ قال: سمعت هزيلا بالزاي بن شرحبيل يقول: سئل أبو موسى الأشعري عن بنت وبنت ابن وأخت؟ فقال: للبنت النصف وللأخت النصف، وأتِيَا ابن مسعود فإنه سيتابعني فأخبر ابن مسعود بقول أبي موسى الأشعري، فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين؛ أي إن تابعت أبا موسى لأقضين فيها بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين، وما بقي فللأخت فأتَيَا أبا موسى فأخبراه، فقال: لا تسألوني ما دام هذا
الحبر فيكم
(1)
). انتهى. قال التتائي: وهل بنت الابن مع بنت الصلب سهم واحد وهو الثلثان أو سهمان؟ قولان وتظهر ثمرة ذلك في الشفعة إذ أهل كل سهم أحق بشفعته من غيرهم إذا باع أهل سهم آخر. انتهى. فإذا باعت إحداهما حظها قبل القسمة كانت الأخرى أولى بالشفعة لأنها مشاركة لها في السهم الواحد على الأول.
وحجبها ابن فوقها يعني أنه إذا كان ابن فوق بنت الابن فإنه يحجبها عن السدس وغيره؛ كان الذي فوقها ابن الصلب أو لا، فقوله: مطلقا يرجع لهذا كما في شرح عبد الباقي، قال الراجز:
وإن يكن من قدرهنّ أعلى
…
حجبهن أبدا واستولى
كابن وبنت ابن وابن ابن وبنت ابن ابن وكبنت وابن ابن، وبنت ابن ابن، قال المواق عند قوله:"وحجبها ابن فوقها" ما نصه: ابن شأس: يحجب بنات الابن الواحد من ذكور ولد الصلب وغيره. انتهى. وعلم مما قررت أن معنى قوله: "وحجبها" أنه يحجبها عن السدس وعن غيره كما قرره بذلك غير واحد، قال الخرشي: والمعنى أن بنت الابن والمراد بها الجنس تحجب بابن فوقها بأن ترك ابنه وبنت ابنه مثلا. انتهى. ومعنى قوله: "فوقها" أقرب منها للميت.
وبنتان فوقها يعني أن بنت الابن تحجب أيضا بابنتين فوقها أي أقرب منها للميت كانتا بنتي صلب أو لا، قال الخرشي مفسرا للمصنف: وتحجب أيضا ببنتين فوقها بأن ترك بنيتن وبنت ابن. انتهى. وقال المواق: ويسقطن أيضا مع الاثنتين من بنات الصلب. انتهى. إلا لابن في درجتها مطلقا يعني أن محل كون بنت الابن تحجب ببنتين فوقها إنما هو حيث لم يكن معها ابن للميت في درجتها، وأما إن كان معها ابن في درجتها فإنه يعصبها مطلقا أي سواء كان أخاها أو ابن عمها، وإن كانت فوقها واحدة فلها السدس إلا لابن في درجتها، وأدخل عبد الباقي في الإطلاق ما إذا فضل لها شيء من الثلثين وما إذا لم يفضل، فإذا لم يفضل مثاله ما إذا كان فوقها ابنتان، ومثال ما إذا فضل ما لو كانت فوقها ابنة فيعصبها للذكر مثل حظ الأنثيين؛ وناقشه
(1)
البخاري، كتاب الفرائض، رقم الحديث رقم 6736.
البناني في ذلك فقال: قول الزرقاني: أي سواء لم يفضل لها شيء الخ، الصواب عدم تفسير الإطلاق بهذا؛ لأن المنصف إنما فرض المسألة في الثلثين فلا يشمل كلامه من فضل لها شيء، وإنما يفسر الإطلاق بقوله: وسواء كان أخاها لخ، لكن يبقى على المؤلف حكم ما إذا فضل لها شيء انتهى.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: بجعل الاستثناء راجعا لقوله: "وللثانية مع الأولى السدس وإن كثرن"، ولقوله:"وابنتان فوقها" يتضح لك أنه لم يبق على المنصف حكم ما إذا فضل لها، أي وللثانية مع الأولى السدس وإن كثرن إلا لابن في درجتها فإنه لا يكون لها السدس بل يعصبها للذكر مثل حظ الأنثيين، وحجبها ابنتان فوقها إلا لابن في درجتها فلا يحجبانها بل يعصبها الابن الذي في درجتها، فمعنى ذلك فضل لها شيء كما في الأولى أم لا كما في الثانية سواء كان أخاها أو ابن عمها، وقد مر رجوع الإطلاق لقوله:"وحجبها ابن فوقها".
أو أسفل يعني أنه يحجبها ابنتان أقرب منها للميت إلا أن يكون معها ابن أسفل منها في الدرجة؛ بأن تكون هي أقرب منه للميت فإنه يعصبها أي يقاسمها فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين: فلو كان الذي فوقها بنت واحدة فإنها تأخذ السدس تكملة للثلين، والثلث الباقي يأخذه الابن الذي هو أسفل منها يختص به دونها. قال عبد الباقي: أو كان الذكر أسفل منها بدرجة فمعصب لها إن لم يكن لها في الثلثين شيء، وإلا اختصت بالسدس وأخذ هو مع من في درجته أو فوقه ما عدا العليا الثلث الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين. وقوله:"مطلقا" يرجع لقوله: "وحجبها ابن".
وحاصل كلامه أن لابن الابن مع بنت الابن ثلاث حالات إحداها أن يكون أعلى فيحجب من تحته، الثانية أن يكون مساويا لها فيعصبها مطلقا، الثالثة أن يكون أسفل فيعصب من ليس لها شيء من الثلثين. انتهى. قال الرهوني: أجمل في هذه الثالثة ولها صور: إحداها أن يكون من فوقه صاحب درجة واحدة متحدة أو متعددة، ثانيتها درجة من فوقه متعددة وهو أسفل من الجميع وليس معه في درجته أحد؛ كأن يخلف الهالك بنتين وبنت ابن وبنت ابن ابن وابن ابن ابن ابن، ثالثتها مثل التي قبلها إلا أنه في طبقته أنثى واحدة أو متعددة، وظاهر كلام الزرقاني
أنه يعصب الجميع في الصور كلها ويرثن كلهن وهو الصواب، ولو أفصح بذلك لأجاد كما فعل الأجهوري قائلا ما نصه: ولا يقال إن التي هي أقرب للميت تقدم على غيرها فترث هي وابن الابن ولا شيء لغيرهما كما فهمه بعض أشياخي فإنه مخالف للنقل، والأول هو المطابق لما ذكره صاحب الرسالة وحاشية التلمسانية ثم نقل كلامهما، وقد نقله جسوس بتمامه وسلمه وهو حقيق بالتسليم. وقد نص في المقرب على ذلك ونصه إلا أن يكون مع بنت الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن أو أبعد منهن، فإن له ما بغي من المال مع من هو بمنزلته في القعدد ومن هو فوقه للذكر مثل حظ الأنثيين. انتهى منه بلفظه على نقل ابن الناظم. انتهى.
وأخت الأب فأكثر مع الشقيقة فأكثر ذلك يعني أن حكم الأخت للأب أو الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة أو الشقائق كذلك أي حكم بنت الابن مع بنت الصلب فيما سبق؛ فتأخذ التي للأب واحدة فأكثر مع الشقيقة الواحدة السدس تكملة للثلثين، وتحجب الأخت التي للأب أو الأخوات التي للأب بشقيق أو شقيقتين فأكثر، إلا أنه إنما يعصب الأخ يعني أن الأخت التي للأب مع الشقيقة كبنت الابن مع البنت إلا في مسألة وهي أن الأخت للأب إنما يعصبها أخوها، فإذا كانت شقيقة وأخت لأب ليس معها أخ فلها السدس تكملة للثلثين، فإذا كان معها أخ لأب واحدا أو متعددًا فإنه يعصبها فيقسمون النصف للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كانتا الشقيقتان اثنتين فلا شيء للتي للأب إلا أن يكون معها أخ لأب فيقسمان الثلث للذكر مثل حظ الأنثيين: فإن لم يكن مع التي للأب أخ بل ابن أخ؛ فإن فضل لها السدس أخذته وإلا فلا شيء لها بل يأخذ ابن الأخ الباقي دونها ولا شيء لمن هو في درجته من الإناث لعدم إرث بنات الإخوة. والله تعالى أعلم.
قال عبد الباقي: إلا أنه بفتح الهمزة إنما يعصب الأخ لالأب لا ابنه فلا يعصب عماته ولا أخواته من بنات الأخ، بل يأخذ ما بقي دون عماته بخلاف ابن الابن فيعصب من مثله أو فوقه كما مر: لأن باب البنوة أقوى. لخ. قال الرهوني: قال التاودي: تأمل هذا الفرق فإنه غير ظاهر، وما أحسنَ قول القلصادي؛ فإن قلت: فأي فرق بين هذا وبين بنتي صلب وبنت ابن وابن ابن؟ قلت: السنة أحكمت ذلك. انظر ابن يونس.
وأشار - والله أعلم - بقوله: انظر ابن يونس إلى قوله في ترجمة ذكر اختلاف المشهور من الصحابة والفقهاء في مسائل ما نصه: ومنها أن يخلف الموروث ابنتين وابن ابن وبنت ابن، فقال: علي وزيد وابن عباس وعائشة أن للبنتين الثلثين وما بقي بين ابن الابن وبنت الابن للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قال مالك وسائر الفقهاء، وقال ابن مسعود: وما بقي لِلابن دون أخته وكذلك إن خلف الموروث أختين لأبوين وأخا وأختا لأب، فقالت الجماعة: للشقيقتين الثلثان وما بقي بين الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وقال ابن مسعود: وما بقي للأخ من الأب دون أخته ووافقه على ذلك الأسود وعلقمة والنخعي وأبو ثور، واحتج من ذهب إلى قول ابن مسعود بأن الله قال فرض للبنات والأخوات الثلثين فلا يزدن على ذلك شيئا، وما بقي يجب أن يكون لذكور العصبة دون إناثهم، لقول الرسول عليه السلام: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت السهام فلأولى رجل ذكر
(1)
): وقد أجمعوا أن لو ترك الميت ابنتين وبني إخوة وبنات إخوة أو عمومات وعمات لكان ما بقي للذكور دون الإناث، وذلك حكم البنات أن يسقطن مع البنين وإن كان معها إخوة، والجواب عن قولهم لا يزدن البنات على الثلثين شيئا أن يقال لهم: أرأيت لو ترك الميت عشر بنات وابنا، فلا بد أن يقال المال بينهم على اثني عشر سهما، فقد جعلوا للبنات خمسة أسداس المال: وأما تشبيههم بنات الابن إذا قارنهن ذكر ببني الإخوة وبنات الإخوة فغير مشتبه؛ لأن الله تعالى لم يفرض لبنات الإخوة ولا للعمات إذا انفردن أو إذا قارنهن ذكر شيئا كما فرض لبنات الابن إذا انفردن أو قارنهن ذكر، وقد أجمعنا أن بنات الابن وبني الابن يرثون المال للذكر مثل حظ الأنثيين، بخلاف بني الإخوة وبنات الإخوة إذا اجتمعوا فبان فساد تشبيههم، فيحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما أبقت السهام فلأولى رجل
(2)
) على من لا يرث من النساء بحال حسبما بينا، دليلُه: قوله صلى الله عليه وسلم في بنت وبنت ابن وأخت: إن للبنت النصف وبنت الابن السدس وما بقي فللأخت، فقد جعل ما بقي لغير المذكور وقد اتفقنا على أن
(1)
البخاري، كتاب الفرائض، رقم الحديث 6746 - مسلم، كتاب الفرائض، رقم الحديث 1615 ولفظهما فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.
(2)
أحكام القرآن للجصاص. باب العصبة ج 2 ص 184 ط دار الفكر ولفظه: اقسموا المال بين أهل الفرائض فما أبقت السهام فلأولى رجل ذكر.
لو كان مع الأخت الأخ كان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، وكان يجب على قولهم أن يكون الباقي للأخ دون أخته؛ فقد صح ما قلناه. انتهى منه بلفظه. انتهى.
والربع الزوج بفرع والزوجة يعني أن الزوج ذكرا أو أنثى يرث الربع، فالزوج يرث من زوجته الربع حيث كان لها فرع أي وله لاحق، والزوجة فأكثر ترث الربع أي لها الربع اتحدت أو تعددت، فإن انفردت أخذته كله وإن تعددت اشتركن فيه، وهذا حيث لم يكن للزوج الذكر فرع لاحق. واحترز بذلك عما لو كان لها فرع غير لاحق كولد ابنها المنفي باللعان فإنه لا يحجب الزوج للربع بل يأخذ النصف، قال التتائي: والربع فرض اثنين فرض الزوج من زوجته بفرع أي معه والفرع الولد وولد الابن وإن سفل، لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} ، كان ولدها ذكرا أو أنثى من الزوج أو غيره وقد يدخل عليه النقص في مسائل العول، والثاني فرض زوجة فأكثر لها أولهما أولهن الربع مع عدم ولد للزوج أو ولد ابن؛ لقوله تعالى:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} ، وقد يدخل عليهن النقص في مسائل العول. انتهى. وقال البناني: والربع الزوج بفرع هذا مقيد بكون الفرع لاحقا بها كما في الذي بعده ليخرج ولد الابن المنفي باللعان فإنه لا يحجب الزوج، ولا يخفى أن الأولى التعبير بفرع وارث إذ لا يلزم من اللحوق الإرث؛ والمعتبر في الحجب الإرث الذي هو أخص من اللحوق. انتهى.
وقال المواق: ابن شأس: الربع فرض صنفين: الزوج مع وجود الحاجب، والزوجة أو الزوجات مع فقده. انتهى. وقال الحطاب: والربع الزوج بفرع لابد من تقييده بكونه وارثا، فلو كان الفرع غير وارث إما لمانع به كالرق والقتل أو لكونه من وله البنات فلا يحجب الزوج إلى الربع. انتهى. وقال الشبراخيتي: والربع فرض اثنين: الزوج من زوجته بفرع أي معه، والفرع الولد وولد الابن وإن سفل. وقوله:"بفرع" أي وارث احترازا من أن يكون الفرع كافرا أو رقيقا أو قاتل عمد، وقوله:"والربع" معطوف على "النصف": والزوج معطوف على "الزوج" ففيه العطف على معمولي عاملين وهما المضاف والابتداء. قاله الشبراخيتي. وهذا مبني على أن الزوج المتقدم مبتدأ ومن ذي النصف خبره لا على ما قدمته أنا من أن من ذي النصف بيان لوارثه. والزوج خبر مبتدأ محذوف لكن فيه العطف على معمولي عاملين على كلا الوجهين. والله تعالى أعلم.
والثمن لها أو لهن بفرع لا حق يعني أن الثمن ترثه الزوجة واحدة أو أكثر إن كان الميت له وله لاحق به، فإن كانت واحدة اختصت به وإن تعددن اشتركن فيه، قال تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ، واحترز بقوله:"لا حق" من أن يكون للزوج فرع لاعن فيه، وأولى لو كان من زنى فإن الزوجة فأكثر لا تحجب به للثمن بل يكون لها الربع. فإن قيل: والصواب التعبير بوارث دون لاحق لأنه قد يكون لاحقا ولا يكون وارثا مع أن المعتبر كونه وارثا؛ إذ لو قام به مانع من كفر أو رق أو قتل لم يَحجب الزوجة للثمن، فالجواب أن الكلام مفروض بعد وجود الأسباب وانتفاء الموانع، فلا يحتاج لتقييد بوارث، ولهذا لم يقل المصنف هنا بذكر المصنف في الوارثين هنا الحرية والإسلام ونحو ذلك. والله تعالى أعلم.
تنبيهات: الأول: اعلم أن من تعدد من الزوجات على حد سواء في الربع والثمن إلا في صور نادرة كمن له زوجات أربع طلق واحدة منهن طلاقا بائنا ثم تزوج مكانها أخرى ثم مات وجهلت المطلقة من الأربع وعلمت التي تزوجها، فلها ربع الثمن أو ربع الربع، وباقي ذلك يقسم على الأربع الباقية، فإذا كان الربع أو الثمن ستة عشر أعطيت التي علمت أربعة منها وقسم الباقي على الأربع الباقية بعد أيمانهن، وكمسألة المصنف المتقدمة آخر النكاح بقوله:"فللدخول بها الصداق وثلاثة أرباع الميراث ولغيرها ربعه وثلاثة أرباع الصداق" وكذا عكسها وهي إذا علمت المطلقة وجهلت المدخول بها ولم تنقض العدة فللتي لم تطلق الصداق وثلاثة أرباع الميراث، وللأخرى ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث.
الثاني: قال البناني: مما يلغز به هنا: أربع زوجات لإحداهن الصداق والميراث والثانية لا شيء لها منهعا والثالثة لها الصداق فقط والرابعة عكسها، الأولى على دين زوجها الميت والثانية منكوحة في المرض لم يدخل بها والثالثة كتابية والرابعة منكوحة التفويض، ومات قبل الفرض. انتهى. قوله: والثانية منكوحة في المرض لم يدخل بها الخ، قال الرهوني: جزم في هذه بأنه لا صداق لها وكذا فعل التاودي هنا ولم يذكر في ذلك خلافا مع أنهما قد سلما ما قاله الزرقاني عثد قول المصنف في النكاح: "وعلى المريض من ثلثه الأقل منه ومن صداق المثل" من أن لها ذلك دخل أم لا، ويوافقه في المعنى ما ذكره الزرقاني عند قوله:"وسقط بالفسخ قبله" من أن المختلف
في فساده إذا لم يؤثر خللا في الصداق يتكمل فيه الصداق بالموت قبل الفسخ وقد سلما له ذلك أيضا، ولا خفاء أن نكاح المريض من المختلف فيه في المذهب وخارجه، كما لا خفاء في أنه لم يؤثر في الصداق شيئا من جهالة أو غرر فيوافق كلامه هذا ما صرح به الزرقاني، وقد سلما كلامه في الموضعين ثم [جزما]
(1)
هنا بخلافه من غير تنبيه على ما في كلام الزرقاني، لكن ما جزما به هنا هو الصواب وما صرح به الزرقاني غير صحيح كما أشرنا إليه هناك، وقد اعترضه شيخنا الجنوي هناك، وإن كان [سلم
(2)
] القاعدة المتقدمة فإنه كتب بهامش الزرقاني ما نصه: ما
(3)
ذكره الزرقاني من التفصيل صحيح نص عليه ابن رشد. انتهى من خطه طيب الله ثراه، لكن في اعتراض كلامه الأول وتصحيحه الثاني إشكال، وجوابه أن نكاح المريض خارج عن تلك القاعدة كما خرج عنها باعتبار الإرث، فقد صرح المصنف باستثنائه هناك، فقال: وفيه الإرث إلا نكاح المريض. انتهى. فالصداق مثله لتلازمهما كما قاله ابن رشد. انتهى المراد منه. ولبعضهم في الزوجات الأربع على طريق اللغز:
أجبني عن زوجاتِ هالكٍ اربع
…
تفاوتن في أخذ الصداق مع الإرث
تنالهما زوج وأخرى بعكسها
…
وأخرى تنال الإرث من غير ما بحث
ورابعة حازت صداقا ومنعها
…
من الإرث شرعا أصبحت منه في بث
جوابه:
توفي عن زوج على دينه غدت
…
فتلك تنال المهر كلا مع الإرث
(1)
في الأصل: جزم، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 314.
(2)
في الأصل: سلما، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 314.
(3)
في الأصل: من، والمثبت من الرهوني ج 8 ص 314.
ومنكوحة في السقم قبل دخوله
…
فتحرم قطعا منهما يا أخا البحث
وعن زوجة أخرى على غير دينه
…
فتلك تنال المهر زيدت من البث
ومنكوحة التفويض من قبل فرضه
…
صداقا تنال الإرث من غير ما بأث
الثالث: يلغز أيضا بزوجة أخذت الثمن وأخذ أخوها ما بقي ولا وارث سواهما، والجواب أن أخاها ابن ابن زوجها، بأن يتزوج الرجل أم زوجة ابنه فيأتي منها بولد ثم يموت ابن الرجل في حياة أبيه ويترك ابنه وأباه ثم يموت الأب عن زوجته، وعن أخيها الذي هو ابن ابن زوجها. نقله البناني.
والثلثان لذي النصف إن تعدد يعني أن الثلثين لذي النصف إن تعدد وهذا مكرر مع قوله: "ولتعددهن الثلثان"؛ قوله: "والثلثان" مبتدأ، وخبره لذي النصف وفي نسخة والثلثين، قال الخرشي: ثم إن نسخة والثلثين بالجر على حذف المضاف وإبقاء عمله أي وفرض الثلثين كائن لذي النصف إن تعدد، لكن لم يستوف الشروط المشار إليها في قول الألفية:
وربما جروا الذي أبقوا كما
…
قد كان قبل حذف ما تقدما
لكن بشرط أن يكون ما حذف
…
مماثلا لما عليه قد عطف
والثلث الأم وولداها يعني أن الثلث فرض الأم، فلها الثلث إن لم يكن للميت ولد ولا اثنان من الإخوة والأخ للأم المتعدد، فقوله:"وولداها" أي الأم أي أخوان للميت من جهة الأم فصاعدا، قال تعالى:{فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} ، وقوله: فأكثر أي الأخ للأم إذا تعدد يكون له الثلث بأن كانا اثنين فصاعدا، وقوله:"وولداها فأكثر" لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى فيستوون في القدر، ولهم الثلث كانوا ذكورا أو إناثا أو بينهما، وسيذكر المصنف أن الثلث يكون
للجد في بعض الأحوال. واعلم أنهم أجمعوا على أن قوله جل وعز: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} في الإخوة للأم: وعلى أن الآية التي في آخر السورة في الإخوة للأب. واعلم أن كل اثنين اجتمعا في درجة واحدة ذكر وأنثى فللذكر مثل حظ الأنثيين إلا الإخوة للأم للذكر مثل حظ الأنثى، وكل من يدلي بشخص لا يرث مع وجوده إلا الإخوة للأم.
فرع: قال الحطاب: قال الباجي في المنتقى في كتاب الفرائض وفي كتاب عجلان الفرضي في الصبي يموت وله أم متزوجة: فإنه لا ينبغي لزوجها أن يطأها حتى يتبين أنها حامل أو حائل لمكان الميراث؛ لأنها إن كانت حاملا ورث ذلك الحمل أخاه لأمه. وقال أشهب: لا يعزل عنها وله وطؤها، فإن وضعت بعد موته لأقل من ستة أشهر ورث أخاه وإن وضعته لتمام ستة أشهر لم يرثه، وهذا إذا لم يكن حملها ظاهرا يوم مات الميت، ولو كان حملها ظاهرا لورث أخاه وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر أو تسع أو أكثر وكذلك إن كان زوجها غائبا [غيبة
(1)
] بعيدة لا يتهيأ له الوصول إليها فإنه يرث أخاه، وإن ولد لأكثر من تسعة أشهر. وقال ابن يونس: روى عن علي وعمر بن عبد العزيز: إن مت ولأمه زوج غير أبيه أن زوجها يعتزل عنها حتى يستبرئها بحيضة ليعلم أنها حامل أم لا احتياطا للميراث، فإن لم يعتزلها أو قال اعتزلتها فلم تصدقه الورثة، فاتفق العلماء أنها إن ولدت لأقل من ستة أشهر ورثه أخوه للأم إلا أن يكون للميت من يحجبه، فإن ولدته لستة أشهر فأكثر لم يرثه إلا أن تصدقه الورثة أنها كانت حاملا يوم مات ابنها أو يشهد بذلك امرأتان فصاعدا. انتهى.
الفاكهاني: يستوي الذكر والأنثى في ستة مواضع: الإخوة للأم والثاني الأخوات مع البنات والثالث المشتركة، الرابع من يأخذ بالولاء، الخامس بنت وأبوان وابن ابن أو بنت ابن، السادس شقيقة وأخوان لأم وأخت أو أخ لأب. قاله التتائي.
تنبيهات: الأول اعلم أنه يتحصل من كلام المصنف وغيره أن الذي يرث من الرجال عشرة لا غير ومن النساء سبع لا غير، فالوارثون من الرجال هم الأب والجد وإن علا والابن وابنه وإن سفل
(1)
ساقطة من الأصل وموجودة في الحطاب ج 6 ص 632.
والأخ مطلقا وابن الأخ شقيقا أو لأب والعم شقيقا أو لأب وابن العم وإن بعد والزوج ومولى النعمة، والوارثات من النساء: الأم والبنت وبنت الابن والزوجة والأخت مطلقا والجدة مطلقا ومولاة النعمة، قال الرسموكي:
ذكور من كان لهم ميراث
…
عشرة وسبع الإناث:
الإبن وابنه دنا أو سفلا
…
أب وجد لأب وإن علا
والأخ مطلقا بنو أخ نسيب
…
والعم مطلقا وإن غير قريب
ابن لعم قد دنا أو بعدا
…
زوج ومولى نعمة قد وجدا
والوارثات: الأم ثم البنت
…
وبنت الابن زوجة وأخت
شقيقة أو لأب أو أم
…
أو
(1)
جدة للأب أو للأم
وإن علت إن لم تكن قد فصلت
…
بذكر ثم التي قد أعتقت
ويأتي بيان من يرث من الرجال بالتعصيب.
الثاني: من النساء خمس يرثهن غيرُهن ولا يرِثْنه: بنت الأخ يرثها الأخ ولا ترثه، وبنت العم يرثها ابن ضمها دونها، والعمة يرثها ابن الأخ دونها، وبنت البنت ترثها أم أمها دونها، والمعتَقة بفتح التاء ترثها العتقة بكسر التاء دونها، قال الرسموكي:
خمس إناث لا يرثن غيرهن
…
وذلك الغير الذي يرثهن
بنت أخ وبنت عم عمة
…
وبنت بنت امرأة عتيقةُ
واعلم أنه لا يرث عند مالك أولاد البنات الذكور والإناث ولا بنات الإخوة الأشقاء أو لأب وأولادهن ولا أولاد الأخوات مطلقا ولا أولاد الإخوة للأم ولا العم لأم وأولاده ولا العمات مطلقا وأولادهن ولا بنات الأعمام مطلقا وأولادهن ولا أبو أم الأب ولا أمهات الأجداد للأب ولا آباؤهن
(1)
كذا في الأصل والذي في الرسموكي ص 29: و.
ولا آباء الأم وأمهاتهم ولا الأخوال والخالات وأولادهم ولا المولى الأسفل الذي هو العتيق ولا الإناث القريبة للمعتق بكسر التاء.
الثالث: اعلم أن الوارثين على ثلاثة أقسام: قسم يرث بالكتاب وقسم يرث بالسنة وقسم يرث بالإجماع قياسا علي من يرث بالكتاب أو بالسنة، فالوارثون بالكتاب خمسة أنواع: الأول أولاد الصلب ذكورهم وإناثهم، لقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} ، والثاني: الأبوان لقوله تعلى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} ، والثالت الزوجان لقوله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} ، والرابع: الإخوة للأم ذكورُهم وإناثهم، لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} الخامس: الإخوة الأشقاء ذكورهم وإناثهم، لقوله تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} .
والوارثون بالسنة أحد عشر نوعا على التفصيل وهم: ابن الأخ الشقيق وابن الأخ للأب والعم الشقيق وابنه والعم للأب وابنه ومولى النعمة ومولاة النعمة والجدة أم الأم وبنت الابن مع بنت الصلب والأخت للأب مع الشقيقة.
والوارثون بالإجماع أربعة أنواع: الأول أولاد الابن ذكورهم وإناثهم وقيل إنما يرثون بالكتاب لدخولهم في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآية، ومعنى قول بعضهم حينئذ أنهم وارثون بالإجماع أن الإجماع وقع على دخولهم في تلك الآية، والثاني الإخوة للأب ذكورهم وإناثهم وقيل إنما يرثون بالكتاب والإجماع على دخولهم في قوله تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} الآية؛ والثالث الجد للأب، والرابع الجدة أم الأم قياسا على غيرهم.
وحجبها للسدس وله وإن سفل يعني أنه إذا كان للميت وله ذكر أو أنثى وإن سفل الولد فإن الأم تنحجب عن الثلث للسدس، لقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} ، قال التتائي: وحجبها عن الثلث للسدس وله للميت ذكرا وأنثى وإن سفل، فيدخل الابن لقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} ، وهو يشمل الولد الكامل، ونصف الولد كميت عن أم ونصف ابن وترك اثني عشر دينارا، فللأم في مثل ذلك ربع المال ووجهه أن يقسم ماله نصفين، وتقول في نصفه أم وابن للأم السدس واحد من ستة وفي النصف الثاني أم فقط لها الثلث فقد حصل لها ثلاثة دنانير من اثني عشر وهي ربع المال في قول سحنون ومن وافقه، ويتصور ذلك في الأمة المشتركة يطؤها الشريكان في طهر واحد وتأتي بولد يدعيه كل منهما، وقيل يحجب بنصف بنوته لأن البنت تحجب الكلالة. انتهى.
وقال الشبراخيتي: وحجبها عن الثلث للسدس وله للميت ذكر أو أنثى وإن سفل، فيدخل وله الابن وهو يشمل الولد الكامل ونصف الولد كوطء الشريكين أمة مشتركة، وتأتي بولد يدعيه كل منهما حجبها للسدس أيضا. انتهى. وقوله:"وحجبها للسدس وله وإن سفل" أي ولد وارث لا من قام به مانع من رق أو كفر أو قتل أو نفي بلعان، كولد ابن ونحو ذلك فلا يحجبها. قال الرسموكي: ثم أشار إلى أن كل ممنوع من الإرث بواحد من الموانع السبعة يعني عش لك رزق لا يحجب غيره من الورثة فيما حجب عنه، بقوله:
ومن عن الإرث لمانع حجب
…
لم يحجب الغير بما عنه انحجب
أي وكل من حجب عن إرث الميت لأجل مانع من الموانع السابقة لم يحجب ذلك المحجوب غيره من الورثة فيما انحجب عنه وهو جميع متروك الميت أو الدية الواجبة بجنايته، فكأنه قال: كل من لا يرث لمانع فلا يحجب وارثا بل يقدر أنه لم يخلق بالنسبة إلى ما يرث فيه لأجل مانع، فلو مات رجل عن زوجة وأم وعن ابن لم يستهل أو شك في استهلاله أو نفاه بلعان أو كان كافرا أو رقيقا أو ابن زنى أو قتل أباه ظلما لكان لزوجته الربع ولأمه الثلث؛ لأن ذلك الولد حيث حجب عن الإرث لمانع لا يحجبهما فيما حجب عنه بل يقدر أنه لم يخلق في الدنيا.
وأخوان وأختان مطلقا يعني أن الأم يحجبها عن الثلث للسدس أخوان للميت أو أختان له مطلقا؛ أي لأب أو لأم أو لهما، ولا فرق في ذلك بين كون أحدهما ذكرا والآخر أنثى، أو كانا خنثيين أو أحدهما خنثى والآخر ذكرا أو أنثى وقوله:"وأخوان" لخ أي اثنان من الإخوة أو الأخوات أو بينهما فصاعدا. قال عبد الباقي: وشمل الإطلاق ما إذا كانا محجوبين بالشخص كمن مات عن أمه وأخوين لأم وجد لأب. انتهى. يعني أو مات عن أم وأخوين مطلقا وأب فإن الأم تأخذ السدس في المسألتين لوجود الأخوين وإن سقطا في المسألتين، وما ذكر مستثنى من قاعدة من لا يرث لا يحجب وارثا، وللتلمساني رحمه الله:
وكل ممنوع من الميراث
…
من جملة الذكران والإناث
فليس في فريضة بحاجب
…
بل عد منهم حاضر كالغائب
واستثن منهم إخوة للميت قط
…
فينقلون أمهم مما فرط
وفيهم في الفرض أمر عجب
…
لأنهم قد حجبوا وحجبوا
وعلم مما مر أنه لا يحجبها من قام به مانع إرث من الموانع السبعة المتقدمة، فلو قتل أحد إخوة ثلاثة أحد أخويْه عمدا لورثت الثلث لأن القاتل ظلما لا يرث، فلا يحجبها للسدس: ولو قتله خطأ وترك أمه وأخويْه الذين قتله أحدهما خطأ لورثت الأم السدس في مال المقتول؛ لأن القاتل يرث فيه فتحجب فيه بالأخوين عن الثلث للسدس وترث في دية الخطإ ثلثا كاملا؛ لأن القاتل لا يرث فيها لأجل القتل فلا يحسب حينئذ في ورثة الدية والأخ الواحد الذي ورث فيها لا يحجب الأم عن السدس كما علمت. وقوله: "وأخوان وأختان" لخ مما يدخل في ذلك ما لو كان أحد الأخوين شقيقا والآخر لأب، فإن الأم تنحجب عن الثلث للسدس، وإن كان الأخ للأب محجوبا
بالأخ الشقيق فتأخذ الأم السدس ويأخذ الأخ الشقيق ما بقي من الأسداس الخمسة ولا شيء للأخ للأب.
تنبيهات: الأول: اعلم أن كاتب عقد الوثيقة التي فيها عدد الورثة يجب عليه حينئذ أن يكتب فيه جميع الإخوة، وإن لم يرثوا لأجل حاجب حجبهم إذا كان معهم [أم
(1)
] أو جد ليعلم بذلك م تستحقه الأم أو الجد. قاله الرسموكي.
الثاني: قال التتائي. قوة كلام المنصف تعطي كمال الأخوين أو الأختين؛ فلو تبعضا لم يكن الحكم كذلك؛ وصورة ذلك ما قال بعض شيوخ مشايخي: كمن ترك أمَّا ونصف أخت ونصف أخت أخرى، فقد اختلفوا في ذلك، فمن العلماء من أعطى الأم السدس وأعطى الاثنتين نصيب أخت واحدة، راستشكل جعلهما في الحجب اثنتين وفي الميراث واحدة، فإن ترك أما وأختا ونصف أخ فقيل لها السدس وقيل لها الثلث وهذا منصوص عليه في كتب الفقه. انتهى. وقال عبد الباقي: ولا تحجب الأم لإخوتها نفسها عن الأمومة، فما في العتبية ضعيف وهو: مجوسي تزوج ابنته وأولدها ولدين ثم أسلمت مع ولديها ثم مات أحد الولدين أن للأم السدس؛ لأن الميت ترك أمه وهي أخته وترك أخاه فتحجب الأم منه نفسها من الثلث إلى السدس. انتهى. واقتصر عليه الشارح ومثله لو وطء مسلم ابنته غلطا فأتت بولدين ومات أحدهما فهذا كله إنما يتأتى على من ورَّث بالجهتين معا في نحو هذا، وأما على المذهب كما يأتي للمصنف من أن التوريث بأقواهما فلا يتأتى هنا أنها تحجب نفسها؛ لأن أقوى الجهتين الأمومة وحينئذ فللأم الثلث وللأخ ما بقي. انظر التتائي. انتهى.
الثالث: ما مر عليه المصنف من أن الاثنين من الإخوة يحجبان الأم للسدس هو مذهب الجمهور، وأخذ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بظاهر الآية الكريمة، أعني قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} ، فلم يحجبها بالاثنين. وقد احتج على عثمان رضي الله تعالى عنه بأن
(1)
في الأصل: معهم أو جد والمثبت من الرسموكي ص 22.
الأخوين ليسا إخوة، فقال له عثمان: حجبها قومك يا غلام. انتهى. أي أجمع قومك على حجبها بالأخوين. قاله البناني.
الرابع: قال التتائي: ذكر بعض الشافعية عن فروع ابن القطان منهم: لو ولدت ولدين ملتصقين لهما رأسان وأربع أيد وأربع أرجل وفرجان لكان حكمهما حكم الاثنين في جميع الأحوال. انتهى. ولما ذكر أن للأم حالتين: حالة ترث فيها السدس وحالة ترث فيها ثلث المال كله، ذكر لها حالة ثالثة ترث فيها ثلث الباقي وذلك في مسألة الغراوين، سميت بذلك لشهرتها وتسمى العمريتين، فقال:
ولها ثلث الباقي في زوج أو زوجة وأبوين يعني أنه إذا هلكت هالكة وتركت زوجا وأبوين أي أبا وأما، فإن الزوج يأخذ النصف وللأم ثلث الباقي وهو السدس وللأب ثلثا الباقي وهها الثلث من جميع المال. فتحصل من هذا أن للزوج النصف وللأب الثلث وللأم السدس، وكذلك يكون للأم ثلث الباقي فيما إذا هلك رجل وترك زوجة وأبوي فللزوجة الربع وللأم الربع وهو ثلث الباقي، وللأب النصف إذ المسألة من أربعة للزوجة الربع كما عرفت والباقي للأبوين للذكر مثل حظ الأنثيين كما فيما إذا كانت الزوجة هي الهالكة، إلا أن المسألة فيها من ستة لأن النصف من اثنين والواحد لا ينقسم على ثلاثة، فتضرب ثلاثة في اثنين بستة للزوج ثلاثة والباقي للأبوين للذكر مثل حظ الأنثيين: وما ذكره المنصف في مسألة الغراوين هو مذهب الجمهور ومذهب عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وهو مذهب عامة الفقهاء.
وقال ابن عباس وشريح وداود: لها الثلث في المسألتين لعموم قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} وحكى الحفيد عن الآدمي الوجهين للأم السدس من وجهين الزوجة وثلث ما بقي مع الزوج والثاني عكسه. قاله العصنوني رحمه الله تعالى. وقال التتائي: ورأي الجمهور أخذها الثلث فيهما يؤدي لمخالفة القواعد؛ لأنها إذا أخذت في مسألة الزوج الثلث من رأس المال تكون قد أخذت مثلي الأب وليس له نظير في اجتماع ذكر وأنثى يدليان بجهة واحدة وتأخذ الأنثى مثليه. قال عبد الباقي: فخص بالقاعدة عموم الآية؛ لأن القواعد من القواطع يعني
بالقاعدة كل ذكر وأنثى يدليان بجهة واحدة للذكر مثل حظ الأنثيين. قال الرهوني: قال مصطفى: ظاهره أن هذا من تخصيص الكتاب بالقواعد وهو صحيح معمول به؛ والذي يظهر أنه أبقى الكتاب على ظاهره. انتهى. وما قاله ظاهر لأن قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} يتناول بظاهره ما إذا ورثاه وحدهما أو كان معهما ذو فرض، كما أن قوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} يتناول حالة الانفراد وحالة اجتماع ذي فرض معهما، وكما أن قوله تعالى:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} يتناول الحالتين ولذا قال ابن يونس: والدليل للجماعة أن الله جعل المال للأبوين إذا انفردا للأم الثلث وللأب الثلثان، كما جعل للابن وللابنة إذا انفردا الثلث والثلثين فلما أجمعت الأمة على أنه إذا دخل مع الابن والابنه أو مع الأخ والأخت زوج أو زوجة أخذ الزوج أو الزوجة فرضه؛ وكان ما بقي بين الابن والابنة أو الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين كما كانا إذا انفردا، فكذلك يكون حكم الأبوين مع أحد الزوجين. انتهى. وقال المواق: قال راجز يعني التلمساني:
بابُ بيان بعض ما قد شذا
…
وكان من تلك الفروض فذا
منها فريضتان غراوان
…
زوج أو العرس ووالدان
للأم ثلث فيهما مما بقي
…
سدس وربع منهما فحقق
والغراوان تثنية الغراء مأخوذة من غرة الفرس لشهرتها، أو مأخوذة من فلان غرة قومه أي سيدهم وكبيرهم.
والسدس الواحد من ولد الأم مطلقا يعني أن الأخ للأم إذا كان واحدا فإنه يرث السدس لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} ومعنى قوله: "مطلقا" ذكرا كان أو أنثى. واعلم أن السدس
فرض سبعة. قدم المصنف منها ثلاثة وهي: بنت الابن مع البنت والأخت للأب مع الأخت الشقيقة والأم في بعض الأحوال وهذا الرابع.
وسقط بابن وابنه يعني أن الأخ للأم يسقط بابن للميت ويسقط بابن الابن وإن سفل؛ وبنت يعني أن الأخ للأم يسقط أيضا ببنت للميت، وبنت ابن يعني أن الأخ للأم يسقط أيضا ببنت ابن للميت وإن كانت بنت الابن قد سفلت، وإنما قال المنصف:"وسقط بابن وابنه" لخ، ولم يقل وسقط بولد مع أن الولد يشمل الذكر والأنثى والابن إنما يطلق على الذكر، لقوله: وابنه فلو قال: لولد وولده لشمل وله البنت مع أن وله البنت لا يسقط الأخ للأم، وهذه النسخة بإثبات بنت الصلب وبنت الابن للتتائي والشبراخيتي، وفي نسخة: وبنت وإن سفلت، والمراد بها بنت الابن بدليل قوله:"وإن سفلت" ويعلم من ذلك بالأولى سقوطه ببنت الصلب. وقوله: "وإن سفلت" بضم الفاء وفتحها والفتح أشهر، ومعناه نزلت. قاله الشبراخيتي. وأب يعني أن الأخ للأم يسقط بالأب وكذلك غيره من الإخوة يسقط بالأب: وجد يعني أن الأخ للأم يسقط بالجد للأب وإن علا دون غيره من الإخوة. والحاصل أن الأخ للأم يسقط بالولد مطلقا ما عدا وله البنت وبالأب والجد للأب وإن علا. والله تعالى أعلم. وأما الإخوة لغير الأم فلا يسقطهم إلا الأب والابن وابنه وإن سفل أعني حيث لم تستغرق الفروض التركة.
والأب والأم مع ولد وإن سفل يعني أن الأب يفرض له السدس مع وجود ولد للميت وإن سفل الولد، يعني ما عدا وله البنت، وكذلك الأم يفرض لها السدس مع الولد وإن سفل ما عدا وله البنت، قال تعالى:{النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} لكن إن كان الولد ذكرا أخذ كل واحد منهما السدس فقط والباقي للابن؛ وإن كان الولد أنثى أخذت النصف وأخذت الأم السدس والثلث للأب سدس فرضا وسدس تعصيبا، وذكر الأم هنا تكرار مع قوله:"وحجبها للسدس ولد وإن سفل"، ولا يقال ليس بتكرار لأن ما مر في الأم مفردة وهنا في الأم مع الأب؛ لأن قوله:"وحجبها للسدس ولد وإن سفل" يشمل ما إذا كان معها الأب وما إذا انفردت. والله تعالى أعلم.
والجدة فأكثر يعني أن السدس يفرض للجدة فأكثر أي يكون لها إن انفردت تختص به فإن كانت معها جدة أخرى اشتركتا على ما يأتي بيانه، وقوله:"والجدة" المراد بها أم الأم وأمهاتها وأم الأب وأمهاتها، ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين. قال: لا أعلم أحدًا وَرَّث أكثر من جدتين مذ كان الإسلام إلى اليوم، وكأنه لم يصح عنده توريث زيد وعلي وابن عباس وابن مسعود ومن وافقهم أم أبي الأب أو لم يبلغه.
روي مالك عن ابن شهاب عن عثمان بن إسحاق عن قبيصة بن ذؤيب، قال: جاءت الجدة من قبل الأم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها، فقال لها: مالك في كتاب الله من شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حفرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقال: محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل قول المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر. ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله عن ميراثها، فقال لها: مالك في كتاب الله من شيء، وما كان القضاء الذي قضى به أبو بكر إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكن هو السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيكما خلت به فهو لها. وروى ابن وهب أن التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس هي أم الأم وهي التي جاءت الصديق، والتي جاءت عمر هي أم الأب. انتهى. وقوله: أو لم يبلغه يكفي في الجواب عن الإمام ما يأتي قريبا أن المشهور عن زيد موافقة الإمام. قاله مقيده عفا الله تعالى عنه.
والحاصل أن الجدات على مذهب مالك على أربعة أقسام: جدة ترث وتورث وهي أم الأب فقط، وجدة لا ترث ولا تورث وهي أم أم الجد للأب وكذلك أمهات الأجداد للأم، وجدة ترث ولا تورث وهي أم الأم وأمهاتها وكذلك أمهات أم الأب، وجدة تورث ولا ترث وهي أم الجد للأب وإن علا.
وأما زيد بن ثابت فله فيهن قولان: أحدهما وهو المشهور عنه موافقة الإمام فيهن، والآخر توريث أمهات الأجداد للأب أيضا ولا يختص ذلك بأم الجد القريب فيرث على هذا القول ثلاث جدات أو أكثر إن استوين في الدرجة، كأم أم الأم وأم أم الأب وأم أبي الأب كما نص عليه التياني في
شرح نظم التلمساني، وقد تعددت الجدة للأب عند مالك لأجل تعدد الآباء المستلزم تعدد الأجداد أيضا في شركاء الأمة إذا وطئوها في طهر واحد فولدت ولدا
(1)
فألحقته القافة بكل واحد منهم أو لم توجد القافة، فمات عن مال قبل بلوغه لأنه إذا بقي إلى بلوغه يوالي أحدهم فقط فيكون ابنا له. قاله الرسموكي. وعليه فيكون للولد عشرة آباء وإحدي عشرة جدة إحداهن لأم والبواقي للأب إذا كان الشركاء عشر مثلا. والله تعالى أعلم.
وأسقطتها الأم يعني أن الأم تسقط الجدة فلا حظ لها مع وجود الأم مطلقا كانت من قبلها أو من قبل الأب قريبة أو بعيدة. وقوله: "مطلقا" الظاهر أنه صفة لمصدر من قوله: "وأسقطتها" أي إسقاطا مطلقا غير مقيد ببعض الجدات دون بعض. والأب الجدة من قبله أي وأسقط الأب الجدة الكائنة من قبله بكسر القاف وفتح الباء أي جهته لا التي من قبل الأم. والله تعالى أعلم.
والقربى من جهة الأم البعدى من جهة الأب يعني أنه إذا كان للميت جدتان إحداهما من جهة الأم والأخرى من جهة الأب، والتي للأم أقرب للميت من التي للأب كأم الأم مع أم أم الأب، فإن الجدة القربى من جهة الأم تسقط الجدة البعدى من جهة الأب، وإلا بأن كانت القربى التي من جهة الأب كأم الأب مع أم أم الأم أو استوتا كأم الأم وأم الأب اشتركتا في السدس، فلكل نصفه، وإنما كان الأمر كذلك لأن التي للأم هي التي ورد فيها النص كما مر، والأخرى مقيسة عليها. وقد مر الكلام على ستة يفرض لهم السدس.
وأشار إلى السابع فقال: وأحد فروض الجد يعني أن الجد يفرض له السدس في بعض أحواله وله أحوال خمسة: أحدها أن يكون مع ابن وحده أو معه ومع غيره من ذوي الفروض، ثانيها أن يكون مع بنت أو بنتين وحدهما أو معهما ومع غيرهما من ذوي الفروض وحكمه في هاتين المسألتين حكم الأب فيهما، ثالثها أن يكون مع إخوة لغير أم، رابعها أن يكون مع الإخوة وذوي الفروض وهاتان الحالتان عليهما تكلم المصنف هنا، قوله وعليهما تكلم المصنف هنا وكذا الحالان
(1)
في الأصل: فولد ولدا.
الأولان. والله تعالى أعلم. خامسها إذا لم يكن معه ولد ولا إخوة فله المال كله أو ما بقي منه بالتعصيب. قاله البناني.
والكلام في الجد غير المدلي بأنثي، وأما المدلي بأنثي كأبي الأم وأبي أبيها أو أبي أمها بعد أو قرب فلا حظ له، قال عبد الباقي: ثم إن الجد الوارث ليس له فروض وإنما له فرضان، فأطلق الجمع على ذلك أو أراد بالفروض الأحوال. انتهى. قال البناني: الظاهر أنه أراد بالفروض الأحوال، وقوله:"أحد فروض الجد" خبر "السدس مقدرا" قاله الشحبراخيتي. وقال: والسدس أحد فروض الجد في بعض أحواله بأن يكون مع ابن أو ابن ابن، أو مع ذي فرض مستغرق أو الإخوة في بعض المسائل، فيرث السدس بالفرض المحض، وله أي للجد إذا كان مع الإخوة فقط الأشقاء أو لأب، أو كان مع الأخوات فقط الأشقاء أو لأب أو مع الفريقين الخير أي الأفضل، وهو مبتدأ وخبره "له" وهو بسكون الياء اسم تفضيل.
مِنَ الثلث أو المقاسمة أي يكون له الأفضل من أحد أمرين إذا كان مع ذكر، إما الثلث أي يفرض له ثلث جميع المال حيث كان أكثر من المقاسمة، وإما المقاسمة أي يصير معهم كأخ فيقاسمهم. وقوله:"من" بيانية. قاله عبد الباقي. فإذا كانوا أكثر من مثليه فالثلث هو الأفضل كثلاثة إخوة أو ست أخوات وجد، وإن كانوا أقل من مثليه فالأفضل المقاسمة كأخ أو أختين وجد وإن حصل مثلاه استوت المقاسمة وفرض الثلث كأخوين أو أربع أخوات وجد. قال الشبراخيتي: فيقاسم الإخوة والأخوات أقل من مثليه كأخ أو أختين أو ثلاث أخوات أو أخ وأخت وأما أخوان أو أربع أخوات أو أخ وأختان فتستوي المقاسمة وثلث جميع المال؛ إذ هم مثلاه، فإذا زادوا على ذلك فالثلث من جميع المال خير له، وما بقي بين الإخوة بقدر ميراثهم. وأورد على كلام المصنف أنه أدخل "أل" على اسم التفضيل مع الإتيان "بمن" مع أنَّ اسم التفضيل المقرون بأل لا يتعدى بمن إلا شذوذا، كقوله:
ولست بالأكثر منهم حصا
…
وإنما العِزّة للكاثر
وأجيب بأن من لبيان الجنس لا للتعدية ومن البيانية حال.
تنبيه: قال ابن خروف وغيره: اختلف الصحابة رضي الله عنهم في فرائض الجد مع الإخوة اختلافا كثيرا، ومنهم من امتنع على
(1)
الكلام على ميراثه لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم منه، وقال علي رضي الله عنه: من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة. انتهى. وقال ابن علاق: الجد لا يحجب الإخوة الأشقاء أو لأب على مذهب مالك، وبه قال الشافعي وأبو يوسف وهو قول عثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنهم. وقال أبو حنيفة: الجد يسقط الإخوة ولا يرثون معه وهو مذهب أبي بكر وابن عباس وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم، أقاموه مقام الأب وحجبوا به الإخوة وبه قال عمر رضي الله عنه محتجا بقوله: أليس بنو عبد الله يرثونني دون إخوتي فما لي لا أرثهم دون إخوتهم.
وقال الشافعي: أول جد ورث في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مات ابن لعاصم بن عُمَر وترك أخوين فأراد عمر أن يستأثر بماله واستشار عليا وزيد بن ثابت فامتنعا، فقال: لولا أن رأيكما اجتمع ما رأيت أن يكون ابني ولا أن أكون أباه، وقد كان بعض السلف توقى الكلام في هذه المسألة والمعادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار
(2)
). نقله البناني.
وعادَّ الشقيق بغيره ثم رجع كالشقيقة بمالها لو لم يكن جد يعني أنه إذا كان الجد مع من ذكر من الأشقاء فقط أو الذين للأب فقط فالأمر ظاهر كما مر في قوله: "وله مع الإخوة" الخ، وأما إن كان معه الأشقاء والذين لأب فإن للشقيق والشقيقة أن يعدا على الجد غيرهم ممن ليس بشقيق ليمنعاه بذلك كثرة الميراث، فإذا عداه عليه رجعا على غير الشقيق بالذي لهما لو لم يكن جد، فإذا كان الشقيق واحدا مثلا ومعه أخوان لأب وجد فإنه يعدهما عليه، فيكون للجد الثلث من رأس المال لأنه خير له من المقاسمة إذ له في المقاسمة الربع، فإذا أخذ الجد الثلث فإن الأخ الشقيق يأخذ جميع الثلثين لأنه يستحق جميع المال لو لم يكن جد، فأخذ الجد الثلُث وحجب الشقيق الأخوين للأب فأخذ الثلثين، ولو كانت شقيقة وأخوان لأب وجد فالأفضل له الثلث إذ
(1)
كذا في الأصل، وفي البناني ج 8 ص 208: من.
(2)
الجامع الصغير، رقم الحديث 182 بلفظ: أجرؤكم على قسم الجد
…
هو خير له من المقاسمة، إذ المقاسمة ينوبه سُبعان والسبعان أقل من الثلث، فإذا أخذ الجد الثلث فإن الأخت تأخذ نصف المال كله ويبقى للأخوين للأب سدس. فتحصل من هذا أن للبنت النصف وللجد الثلث وللإخوة ما بقي وهو السدس. والله تعالى أعلم. وقوله:"عاد" بتشديد الدال بمعنى عد، فالمفاعلة ليست على بابها لأن فاعل تأتي بمعنى فعل. قاله الشبراخيتي.
ويأتي عن البناني وجه التعبير بالمفاعلة "والشقيق" فاعل، والمفعول محذوف أي وعاد الشقيق الجد بغيره من الإخوة للأب لا للأم لأنه يحجبهم. وقوله:"بما لهما" يظهر أنه يتنازع فيه ترجع مقدرا بعد قوله: "كالشقيقة" مع رجع؛ أي فترجع الشقيقة في الذي جعل للأخ للأب بما لها أي بالذي تستحقه لو لم يكن جد وهو النصف للواحدة والثلثان لأكثر. ويرجع هو بالذي له وهو الجميع ما عدا ما للجد. قال الشبراخيتي: كالشقيقة فأكثر فترجع بعد عدها الأخ للأب على الجد، وكذا الشقيقتان بمالها وهو النصف للواحدة والثلثان لأكثر وما بقي للإخوة، فلو ترك الميت أختا شقيقة وأختا لأب وجدّا قُسم المال على أربعة للجد سهمان وللأختين سهمان تستكمل الشقيقة نصفها فلا يفضل للتي للأب شيء فلا شيء لها، وقد تفضل هناك فضلة كما لو ترك أختا شقيقة وأخا لأب وجدا ووجه العمل أنهم يقتسمون على خمسة للجد سهمان وللأخ سهمان وللأخت سهم: فترجع الشقيقة فتكمل نصفها ولا نصف للخمسة فتضرب الخمسة في اثنين بعشرة، ثم تقول من له شيء من خمسة أخذه مضروبا في اثنين، فللجد اثنان في اثنين بأربعة وكذلك للأخ والأخت واحد في اثنين باثنين وتستكمل الشقيقة نصفها خمسة، فيبقى بيد الأخ واحد وهو العشر وقوله:"بما لهما" جوز فيه بعضهم فتح اللام وكسرها أي بالحصة من المال التي لهما أو بالمال المقدر لهما. انتهى.
تنبيهات: الأول: قال البناني: كان من حق المصنف أن يؤخر مسألة المعادة عن قوله: "وله مع ذي فرض معهما السدس" لأن المعادة تجري في الوجهين، وسيأتي أيضا أن الجد يعد على الإخوة في قوله:"وإن كان محلها أخ لأب فالإخوة يعدون عليه" كما في مسألة المصنف هنا وهو يعد عليهم كما في المسألة الآتية هذا وجه التعبير بالمفاعلة. انتهى.
الثاني: قال البناني: وفي مسألة المعادة خلاف، فمذهب مالك وزيد إعمالها وقال بعدمها سائر الصحابة. إلا أن السيد زيدا يقول بمعادة الإخوة ولا يقول بمعادة الجد الآتية ولذلك تسمى بالمالكية، مقتضى النظر أن يقول بها في الموضعين أو بعدمها في الموضعين. والله تعالى أعلم. انتهى.
الثالث: قوله: "كالشقيقة" قال الرهوني: المراد بالشقيقة الجنس، فيشمل الواحدة والاثنتين وما فوقهما وفي ذلك صور عديدة؛ لأنها إن كانت واحدة فالذي من قبل الأب معها إما أن يتحد وإما أن يتعدد، وفي كل منهما إما ذكر وإما أنثى أوهما معا في حال التعدد، وإن تعددت الشقيقة فكذلك، وقد استوفى ابن يونس الكلام على ذلك وبسط القول فيه ومن صور المسألة: جد وأخت شقيقة وأخت لأب، ويؤخذ من كلام المصنف أن للأخت فيها النصف وللجد النصف ولا شيء للأخت للأب، ومن صورها أيضا جد وشقيقة وأختان لأب ويؤخذ من المصنف أن للشقيقة النصف وللجد خمسان وما بقي للأختين للأب، وقد نص على ذلك غير واحد. قال ابن يونس ما نصه: وإن ترك أختا شقيقة وأختا لأب وجدًّا فالمال بينهم على أربعة، ثم ترجع الشقيقة على التي للأب فتأخذ ما بيدهما فيصح لها النصف وللجد النصف وتصح من اثنين. هذا مذهب زيد رضي الله عنه. وقول علي وابن مسعود: للشقيقة النصف وللتي للأب تمام الثلثين وما بقي للجد، وإن ترك أختا شقيقة وأختين للأب وجدا فالمال بينهم على خمسة، للجد اثنان ولكل أخت واحد، وعلى قول علي وابن مسعود: للشقيقة النصف وللتين للأب السدس تكملة للثلثين وما بقي للجد تصح من اثني عشر، وقد نص على الصورة الأولى في التلمسانية ونصها:
فيأخذ الشقيق ما أصابا
…
في القسمة ابن الأب ثم خابا
إذ هو مع وجوده ممنوع
…
لكنه لمثل ذا مرفوع
ومثله شقيقة وابنة أب
…
تكمل النصف فلا تُبقِي سبب
قوله: ممنوع يعني آخرا بعد كونه أولا مرفوعا بجعله مقسومًا له، ومر أنه تحرم التي للأب حيث كانت الشقيقة واحدة ومعها أخت للأب، فلم يكن لها السدس تكملة للثلثين؛ لأن الجد صير الأخوات عاصباتٍ، ولا يرد عليه ما مر عن ابن يونس فيمن ترك أختا شقيقة وأختين لأب وجدا من أن كل واحدة منهما تأخذ خمسا؛ لأنا ناظرون إلى قوله تعالى:{فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} فمنع ذلك من إعطائها فيما مر أكثر من النصف. انظر الرهوني. ومن هذه المسألة ما لو هلك هالك وترك أما أو جدة وجدا وأختا شقيقة وأختا لأب فأكثر، فإن زاد الأخوات للأب على أربع كان ثلث ما بقي للجد خيرا، فتأخذ الأم أو الجدة السدس ويأخذ الجد ثلث ما بقي وتأخذ الشقيقة نصف جميع المال وما بقي للأخوات للأب وقد نص على ذلك الحوفي وغيره. قاله الرهوني.
ولما قدم أن للجد السدس في بعض الأحوال وأن له الخير من الثلث والمقاسمة في بعضها، أخذ يبين أن له الأفضل من ثلاثة أشياء بقوله: وله مع ذي فرض معهما السدس أو ثلث الباقي أو المقاسمة يعني أنه إذا كان الجد مع الإخوة أو الأخوات لغير أم ومع هؤلاء ذو فرض، كزوجة أو زوج فإنه يكون للجد الأفضل من السدس وثلث الباقي والمقاسمة، فيأخذ صاحب الفرض فرضه ثم للجد السدس من رأس المال أو ثلث الباقي والمقاسمة في الباقي، فمثال ما يكون السدس من رأس المال فيه خيرا من ثلث الباقي، والمقاسمة ما لو هلك هالك وترك بنتين وجدًّا وأخوين شقيقين أو لأب: فالمسألة من ستة: للبنتين الثلثان أربعة لكل واحدة سهمان وللجد السدس سهم واحد وللأخوين السدس، ومثال ما يكون فيه ثلث الباقي خيرا من المقاسمة والسدس من رأس المال: أم وجد وثلاثة إخوة أصلها من ستة، للأم واحد وتبقى خمسة للجد ثلثها؛ لأنه إن قاسم الإخوة الثلاثة كان له ربع الخمسة الأسداس وهو سدس وربع سدس، وإن أخذ السدس فهو أقل من ذلك وإن أخذ ثلث الباقي وجب سدس وثلثا سدس وهو أكثر، والخمسة أسداس لا تنقسم على الثلاثة مقام الثلث فتضرب الثلاثة في ستة بثمانية عشر، للأم ثلاثة وللجد خمسة ثلث ما بقي، وتبقى عشرة لا تنقسم على الإخوة الثلاثة الخ.
ومثال ما إذا كانت المقاسمة خيرًا ما لو ترك أما وأختا وجدا تأخذ الأم ثلثها ويقاسم الجد الأخت ذلك خير له فيكون له ثلثا ما بقي وللأخت ثلثه، فتصح المسألة من تسعة، وتسمى هذه المسألة:
الخرقاء؛ لأنها اختلف فيها خمسة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولذلك تسمى الخمسة وهم: أبو بكر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، قال في التوضيح: وبيان مذاهبهم في المطولات وذكرناه للتنبيه على المعمول به من الخلاف. انتهى. قاله البناني.
وقال التتائي: والمقاسمة فيما بقي بعد الفرض كزوجة وجد وأخ تصح من ثمانية، أو كأم وأخ وأخت وجد من ستة، للأم السدس وللجد الثلث كالأخِ وللأخت السدس، فالمقاسمة أكثر من السدس من رأس المال أو من ثلث ما بقي وكجد وأم وأخت لأبوين أو لأب للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت مقاسمة تصح من تسعة، للأم ثلاثة وللجد أربعة وللأخت سهمان، وتسمى الخرقاء لتخرق أقوال الصحابة فيها لستة أقوال: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود، ولابن مسعود رواية كقول عمر: للأخت النصف وللأم ثلث الباقي والباقي للجد، وتلقب أيضا بالمثلثة والمربعة والمخمسة والمسدسة والمسبعة والعثمانية والحجاجية نسبة للحجاج، وقد تستوي المقاسمة والسدس وثلث الباقي كزوج أو بنت وجد وأخوين، أصلها من اثنين للزوج أو البنت النصف واحد ويبقى واحد لا يصح على ثلاثة ولا يوافق فتضرب ثلاثة في اثنين، أصل المسألة بستة ومنها تصح للزوج أو البنت ثلاثة وللجد سهم ولكل أخ سهم.
تنبيه: اعلم أن للجد مع الإخوة حالة يرث فيها دونهم وهي تشتمل على ثلاثة أقسام: الأول أن تستغرق أصحاب الفروض جميع المال، كزوج وبنتين وأم وجد وأخ، أصلها من اثني عشر: للزوج الربع ثلاثة، وللبنتين الثلثان ثمانية، وللأم السدس اثنان عالت لثلاثة عشر، فيفرض للجد السدس ويزاد في العول لخمسة عشر، ويسقط الأخ لأنه عاصب. الثاني أن يفضل عن الفرض أقل من السدس، كزوج وبنتين وجد وأخ، من اثني عشر: للزوج الربع ثلاثة وللبنتين الثلثان ثمانية، يبقى واحد هو نصف سدس فيزاد واحدا تكملة السدس للجد ويسقط الأخ. الثالث أن يفضل عن الفرض السدس، كزوج وأم وجد وأخ، من ستة: للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث اثنان وللجد السدس واحد ويسقط الأخ لأنه عاصب. واعلم أنك إذا أردت إزالة الكسر مما هو الأفضل للجد من ثلث الباقي أو السدس، فإن كان الانكسار في ثلث الباقي وهو الأفضل للجد، فاضرب الثلاثة التي هي مقام الثلث في أصل المسألة يخرج عدد يكون لباقيه بعد إخراج الفروض ثلث صحيح،
ولا نظر هنا للتوافق بين مقام الثلث والأصل؛ لأن الثلث مأخوذ من الباقي لا من الأصل، مثال هذا: لو ترك زوجة وأما وجدا وثلاثة إخوة، أصلها من اثني عشر: للزوجة ثلاثة وللأم اثنان وتبقى سبعة، فثلث الباقي اثنان وثلث وخارج المقاسمة واحد وثلاثة أرباع وسدس الأصل اثنان، فالأحسن هنا له ثلث الباقي ولا ثلث للسبعة، فاضرب الثلاثة في اثني عشر يخرج ست وثلاثون، فللزوجة ثلاثة بتسعة وللأم اثنان في ثلاثة بستة وللجد ثلث الباقي عن فرضيهما وهو سبعة، فتبقى أربعة عشر وهي منكسرة على الإخوة الثلاثة، فتضرب عددهم في تلك الستة والثلاثين يخرج ثمانية ومائة ومنها تصح، فللزوجة سبعة وعشرون وللأم ثمانية عشر وللجد أحد وعشرون ولكل أخ أربعة عشر، وأما لو كان الإنكسار السدس من رأس المال وهو الأحسن له، فاضرب وفق الستة مقام السدس في أصل المسألة يخرج عدد له سدس صحيح، ومقام السدس موافق للأصول التي لا سدس لها وهي الاثنان والأربعة والثمانية، وهذه توافق مقام السدس بالنصف فقط والثلاثة وهي توافقه بالثلث فقط، وما سوى هذا من الأصول له سدس صحيح، فمثال كون السدس أفضل له وفيه كسر ما إذا ترك زوجة وبنتا وجدا أو ثلاثة إخوة، أصلها من ثمانية للزوجة واحد وللبنت أربعة فتبقى ثلاثة، فثلث الباقي واحد وخارج المقاسمة ثلاثة أرباع وسدس الأصل واحد وثلث وهو الأكثر، وليس للأصل هنا سدس صحيح فتوفق بين الستة التي هي مقام السدس والثمانية التي هي أصل المسألة، فإذا هما متوافقان بالنصف فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر، فيخرج أربعة وعشرون للزوجة ثلاثة وللبنت اثنا عشر وللجد أربعة فتبقى خمسة منكسرة على الإخوة الثلاثة، فتضرب عدد رؤوسهم في الأربعة والعشرين يخرج اثنان وسبعون ومنها تصح، فللزوجة تسعة وللبنت ستة وثلاثون وللجد اثنا عشر ولكل أخ خمسة.
واعلم أيضا أنه إن أخذ أهل الفروض نصف الأصل فثلث الباقي مماثل للسدس، وإن أخذوا أقل من النصف فثلث الباقي أكثر من السدس، وإن أخذوا أكثر من النصف فالسدس أكثر من ثلث الباقي، وإن قاسم الجد أخوين أو عدلهما في نصف الأصل أو أقل أو أكثر فخارج القسمة مماثل لثلث الباقي، وإن قاسم أقل من أخوين في نصف الأصل أو أقل أو أكثر فخارج القسمة أكثر من ثلث الباقي، فإن قاسم مثل أخوين في نصف الأصل فقد استوت الثلاثة، وإن قاسم مثلهما في أقل
من نصف الأصل فالسدس أكثر من خارج القسمة وثلث الباقي المتماثلين، وإن قاسم أقل منهما في أكثر من نصف الأصل فخارج المقاسمة أكثر منهما أيضا، وإن قاسم أقل منهما في أقل من نصف الأصل نظر بين خارج المقاسمة والسدس ما هو الأكثر.
تنبيهات: الأول: اعلم أن المعادة كما يأتي حيث لم يكن مع الجد غير الإخوة تأتي أيضا حيث كان مع الإخوة ذو فرض كما مر.
الثاني: اعلم أنه إذا كان مع الجد أخت شقيقة واحدة وأخ أو أخت لأب أو أكثر فإنه لا بد أن يفضل لولد الأب شيء إلا في مسألة واحدة، وذلك أن مسانل المعادة حيث لم يكن مع الإخوة ذو فرض ثلاث عشرة مسألة: إحداها: جد وأخت شقيقة وأخت لأب فهي من أربعة: للجد سهمان ولكل أخت سهم فترجع الشقيقة على التي للأب فتأخذ سهمها فلا يبقى لها شيء، فآلت المسألة إلى أنها من اثنين وما عدا هذه المسألة من الاثنتي عشرة الباقية لا بد أن يبقى فيها لولد الأب شيء. الثانية: من مسائل المعادة والمقاسمة معا ما إذا كان الجد مع شقيقة وأختين لأب فأصلها من خمسة، للجد اثنان فتبقى ثلاثة للأخوات وتريد الشقيقة أن تأخذ منها نصف الأصل وليس له نصف صحيح، فتضرب مقام النصف في الأصل فتصح من عشرة ويضرب ما بيد كل فيما ضرب في الأصل فيخرج للجد أربعة وللأخوات ستة، فتأخذ منها الشقيقة نصف العشرة ويبقي واحد للأختين وهو غير منقسم عليهما، فتضرب عدد رؤوسهما في العشرة فتصح من عشرين فيكون للجد ثمانية وللأخت الشقيقة عشرة ولكل أخت لأب واحدة. الثالثة: ما إذا كان الجد مع شقيقة وأخ لأب أصلها من خمسة، فيكون للجد اثنان ولا نصف للأصل تأخذه الشقيقة من الباقي عن الجد فيضرب مقام النصف في الأصل فتصح من عشرة ويكون للجد أربعة وللشقيقة خمسة وللأم واحد. الرابعة: جد وشقيقة وثلاث أخوات لأب، فأصلها من ستة وتصح من ثمانية عشر لانكسار الواحد على الأخوات للأب فيكون للجد ستة وللشقيقة تسعة ولكل أخت للأب واحد. الخامسة: جد وشقيقة وأخ وأخت لأب فتصح من ثمانية عشر كالتي قبلها وهذا غاية ما تعاد به الشقيقة من الإخوة للأب، فتحصل المقاسمة معهم وتعاده بما زاد على ذلك فينتقل إلى فرض الثلث كما إذا اجتمع الجد مع شقيقة وأخوين لأب أو أكثر، فأصل مسألتهم من ثلاثة عدد مقام
فرض الجد وليس لها نصف صحيح يعطى للشقيقة فيضرب مقام النصف في الأصل، فتصح من الخارج فيعطى للجد ثلث ذلك الخارج وللشقيقة نصفه ويقسم الباقي للإخوة للأب. السادسة: جد وشقيقتان وأخت لأب، فأصلها خمسة فيكون للجد اثنان وللشقيقتين جميع الثلاثة الباقية لأنها أقل من فرضها فيستعمل فيها عمل الانكسار، فتصح من عشرة للجد أربعة ولكل شقيقة ثلاثة. السابعة: جد وشقيقتان وأختان لأب، فتصح من ستة فيكون لكل من الجد والشقيقتين اثنان وترجع بالاختصار إلى ثلاثة. الثامنة: جد وشقيقتان وأخ لأب، فتصح من ستة ولكل وارث مثل ما ذكر في التي قبلها. التاسعة: جد وشقيق وأخت لأب، فتصح من خمسة فيكون للجد اثنان وللشقيق ثلاثة. العاشرة جد وشقيق وأختان لأب، فتصح من ستة فيكون للجد اثنان وللشقيق أربعة وترجع بالاختصار إلى ثلاثة. الحادية عشرة: جد وشقيق وأخ لأب، فتصح من ثلاثة ويكون للجد واحد وللشقيق اثنان. الثانية عشرة: جد وثلاث شقيقات وأخت لأب، فأصلها من ستة وتصح لأجل الانكسار من ثمانية عشو فيكون للجد ستة ولكل شقيقة أربعة وترجع بالاختصار إلى نصفها تسعة. الثالثة عشرة: جد وشقيق وشقيقة وأخت لأب، فأصلها من ستة وتصح من ثمانية عشرة لأجل الانكسار وترجع بالاختصار إلى نصفها كالتي قبلها. واعلم أنه إن كان الجد مع شقيقين أو عدلهما أو أكثر من الأشقاء مع شيء من الإخوة للأب فلا يلتفت إلى من وجد من الإخوة للأب؛ إذ لا فائدة في المعادة لأن الجد ينتقل إلى فرض الثلث بالأشقاء وحدهم. قاله الرسموكي.
الثالث: قد مر أن المعادة تأتي في مسألة وله مع ذي فرض معهما السدس. الخ، فيعادونه بالإخوة للأب حتى يأخذ ما هو الأفضل له من الأعداد الثلاثة، فيكون ما فضل عن الجد للأشقاء وحدهم. مثال ذلك مسألة أم وجد وشقيقتين وأخ لأب، فأصلها من ستة فيكون للأم واحد فتبقى خمسة وهي منكسرة على الجد والإخوة، فتضرب الستة عدد رؤوسهم في الأصل فتصح من ستة وثلاثين، فيكون للأم ستة وللجد عشرة ولكل شقيقة عشرة ولا شيء للأخ للأب لعدم كمال الثلثين للشقيقتين، وأما إذا وجد شقيقان أو عدلهما أو أكثر فلا يلتفت إلى الإخوة للأب أصلا؛ إذ لا فائدة في اعتبارهم لأنه حينئذ إنما يرث ثلث الباقي أو السدس من رأس المال.
ولا يفرض للأخت معه يعني أنه لا يفرض للأخت الشقيقة أو التي للأب مع الجد فرضا يضيق به على من معها من ذوي الفروض، بأن يعال بسبب ذلك في الفريضة، كما لو هلك هالك وترك أما وزوجة وأختا شقيقة أو لأب وجدا فللأم الثلث من اثني عشر [وهو]
(1)
أربعة وللزوجة الربع ثلاثة تبقى خمسة يقاسهما فيها الجد للذكر مثل حظ الأنثيين ذلك خير له من السدس من رأس الماك ومن ثلث ما بقي. وكما لو هلك هالك وترك شقيقة وجدا وأخوين
(2)
لأب وزوجة فلم يفرض للأخت مع وجوده فرضا يضيق به على الزوجة، والمثال الأول لولا الجد لكان يعال لها بواحدة على الخمسة فتكون سهامها ستة عدد نصف الاثني عشر، يعلم من هذا أنه قد يفرض لها معة في غير الأكدرية فرضا لا يضيق به على من معها وفي الأكدرية يضيق على من معها.
إلا في الأكدرية والغراء يعني أنه لا يفرض للأخت مع وجود الجد الفرض المذكور إلا في المسألة المعروفة عند العلماء بالأكدرية وبالغراء، فهذه الفريضة الآتي ذكرها تعرف بالأكدرية وتعرف بالغراء أيضا، فقوله:"والغراء" عطف تفسير. قال ابن حبيب: وسميت الأكدرية لأن عبد الملك بن مروان ألقاها على رجل يحسن الفرائض يسمى أكدر فأخطأ فيها فنسبت إليه، وسماها مالك بالغراء لشهرتها، وقال المتيطي: سميت الأكدرية لأن الأمر تكدر فيها على زيد فلم يصف له فيها أمر؛ أي لأن أصله عدم الفرض لها وعدم العول، وقيل لأن الميتة من بني أكدر، وقيل لكثرة أقوال الصحابة فيها وتكدرها. انتهى. وقيل: إن أكدر هو الذي سأل عنها عبد الملك فأخطأ فيها. وقيل: لأن امرأة وقعت هذه في إرثها يقال لها كدراء.
والأكدرية لها صورتان: إحداهما أشار لها بقوله: زوج وجد وأم وأخت شقيقة يعني أن هذه الفريضة ليست كغيرها من الفرائض، فإنه يفرض للأخت مع وجود الجد فرضا يضيق به على من معها من أهل الفروض بحيث يعال لها ولها صورتان: إحداهما زوج وجد وأم وأخت شقيقة، الثانية أشار إليها بقوله: أو لأب أي هلكت هالكة تركت زوجا وأما وجدا وأختا لأب، فيفرض
(1)
في الأصل: وهي.
(2)
في الأصل: وأخوان
لها وله يعني أنه يفرض للأخت المذكورة مع وجود الجد ويفرض للجد أيضا، ثم بعد الفرض لها وله يجمع نصيبها إلى نصيبه، ويقاسمها للذكر مثل حظ الأنثيين.
وكيفية تقرير ذلك أن تقول: الزوج يطلب النصف من اثنين، والأم تطلب الثلث من ثلاثة: والجد يطلب السدس من ستة: والأخت شقيقة أو لأب تطلب النصف من اثنين، فالمسألة من ستة لدخول فروض الزوج والأم والأخت فيها ولتماثلها مع فرض الجد، فللزوج ثلاثة من ستة، وللأم اثنان منها وللجد سهم واحد، فيعال للأخت بثلاثة فقد عالت المسألة لتسعة: للزوج ثلاثة وللأم اثنان وللجد والأخت أربعة، وقد علمت أنه يضم نصيبه إلى نصيبها ويقسمانه للذكر مثل حظ الأنثيين، والأربعة لا تنقسم على ثلاثة بل تباينها فتضرب الثلاثة في أصل المسألة بعولها بسبعة وعشرين وتقول من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة، فللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللام اثنان في ثلاثة بستة وللجد والأخت شقيقة أو لأب اثنا عشر يقتسمانه للذكر مثل حظ الأنثيين فللجد ثمانية وللأخت أربعة، ونظم ذلك بعضهم بقوله:
أتيتك بالغراء فاعلم بأنها
…
ستبلغ سبعا بعد عشرين تجمع
فللزوج تسعة وللام ستة
…
ثمانية للجد للأخت أربع
قال الشبراخيتي: قال في المعونة: وإنما كان كذلك لأن الجد لا ينقص عن السدس والأخت لا تسقط، ولو لم تعل الفريضة لأدى لبطلان أحد الأصلين. انتهى. أي عدم نقص الجد عن السدس وعدم إسقاط الأخت. قاله البناني. ويلغز بالأكدرية، فيقال: أربعة ورثوا ميتا فأخذ أحدهم ثلث ماله وآخر ثلث ما بقي وآخر ثلث باقي الباقي والرابع أخذ الباقي. ونظم ذلك بعضهم فقال:
ما فرض أربعة يوزع بينهم
…
ميراث بينهم بفرض واقع
فلواحد ثلث الجميع وثلث ما
…
يبقى لثانيهم بحكم جامع
ولثالث من بعد ذا ثلث الذي
…
يبقى وما يبقى نصيب الرابع
ابن عرفة: ويلغز بها من وجه آخر، فيقال: ما فريضة أخر قسمها لحمل فإن كان أنثى ورثت وإن كان ذكرا لم يرث؟ قال: وفيها كنت قلت:
ولا ييئس المفضول من فضله على
…
مزيد عليه فضله بالضرورة
فرب مقام أنتج الأمر عكسه
…
كحمل بأنثى جاء في الأكدرية
لها إرثها فيها وزادت لجدها
…
وللذكر الحرمان دون زيادة
وصورتها: ماتت عن زوج وأم وجد والأم حامل، فإن وضعت أنثى فهي الأكدرية وإن وضعت ذكرا فعاصب لم يفضل له شيء بعد أصحاب الفروض، ولو كان مكانها أختان من أي جهة فلا عول لرجوع الأم للسدس باثنين من الإخوة فصاعدا، ويكون للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس وللجد السدس واحد وهو والمقاسمة هنا سواء، فيكون للأختين السدس فقط ولا يعال لهما بشيء، وإن زاد الأخوات على اثنتين كان السدس أفضل من المقاسمة وثلث الباقي فيبقى واحد على اثنين لا يصح عليهما، فتضرب الاثنين عدد رؤوس الأختين في ستة باثني عشر ومنها تصح.
الفاكهاني: وهنا إشكال أعضل سر فهمه الفراض، وهو أن الأختين فأكثر إذا أخذتا السدس هنا فعلى أي وجه لا جانز أن يكون فرضا لأن فرضهما الثلثان، ولا تعصيب لأن الجد الذي يعصبهما هو صاحب فرض هنا وصاحب الفرض لا يعصب إلا أن يكون بنتا مع أخت أو أخوات كما سلف، فانظر الجواب عنه؟ انتهى. والجواب ما ذكره التاودي وهو أنه إذا كانتا اثنتين استوي السدس والمقاسمة، فتقول إنهما أخذتا السدس تعصيبا ولا إشكال، فإن كانت الأخوات ثلاثا فأكثر فلا يشك أن الجد يأخذ السدس فرضا وحينئذ فلم يبق إلا أن يقال إن الأخوات أخذن السدس تعصيبا وعصبهن ذو فرض وهو الجد كما تعصبهن البنت أو البنات، وقول الفاكهاني:
وصاحب الفرض لا يعصب إلا أن يكون بنتا مع أخت نمنعه، ونقول: إن الأخت كما تعصبها البنت يعصبها الجد، وقد مر:"والجد والأوليان الأخريين"، فيأخذ الجد فرضه ويكون الباقي للأخوات تعصيبا، كما تأخذ البنت فرضها ويعطى الباقي للأخوات تعصيبا. فتأمله. والله تعالى أعلم. انتهى. نقله الرهوني. وقال عقبه: قلت: وما قاله طيب الله ثراه هو الصواب الذي لا يشك فيه ولا يرتاب. انتهى المراد منه. ومفهوم قول المصنف: "وأخت" أنه لو كان معهم أختان أو أكثر لغير أم فإنها ليست حينئذ غراء وهو كذلك فلهما أولهن السدس كما مر. والله تعالى أعلم.
تنبيه: اعترض المارديني رحمه الله تعالى قول الفراض لا يفرض للأخت مع الجد إلا في الأكدرية، فإنه يفرض لها معه في ثلاث مسائل أخر: إحداها جد وشقيقة معهما من ولد الأب أخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات أو أكثر من ذلك يفرض للجد الثلث وللشقيقة النصف والباقي لولد الأب بالعصوبة: فأصلها من ستة: للجد سهمان وللشقيقة ثلاثة ولولد الأب سهم على عدد رؤوسهم، ويختلف التصحيح بعدد رؤوسهم. الثانية: أن يكون مع الجد في هذه الصور صاحبة ربع من زوجة أو زوجات، فلها أو لهن الربع وللجد ثلث الباقي ويفرض للشقيقة نصف الباقي، فأصلها أربعة: للزوجة فأكثر الربع سهم وللجد ثلث الباقي سهم وللشقيقة النصف سهمان، ويسقط ولد الأب كيف كانوا، ويختلف التصحيح بحسب تعدد الزوجات. الثالثة: أن يكون مع الجد في هذه الصور صاحبة سدس ويفرض للأخت النصف، فأصلها كلها من ثمانية عشر: للأم أو الجدة فأكثر السدس ثلاثة وللجد ثلث الباقي خمسة وللأخت النصف تسعة ولولد الأب ثلث السدس سهم واحد، ويختلف التصحيح بعدد رؤوسهم وبحسب عدد الجدات إن كن معهم وذكر صورا أخرى، ثم قال: ولم أر من نبه عليه فاعتمده. انتهى. انظر التتائي. وهذا الاعتراض قدمت في تفسير المصنف ما يدفعه تبعا للرهوني، فإنه قال عند قول المصنف:"ولا يفرض للأخت معه" ما نصه: أي لا يفرض لها معه فرضا يضيق به على من معها من ذوي الفروض حتى يعال بسبب ذلك في الفريضة، وقد أشار لذلك في الرسالة بقوله: ولا يعال للأخت مع الجد إلا في الأكدرية. انتهى. وبهذا يسقط الإشكال الذي ذكره المارديني. انتهى.
وإن كان محلها أخ لأب ومعه إخوة لأم سقط يعني أنه لو كان محل الأخت في هذه المسألة أخ لأب ومعد إخوة لأم، فإن الأخ للأب يسقط كما تسقط الإخوة للأم بيان ذلك أن تقول: تصير الفريضة حينئذ زوجا وجدا وأما وأخا لأب وإخوة لأم، فالمسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس واحد ويعد الجد على الأخ للأب الإخوة للأم، فيقول له: أنا آخذ الثلث الباقي ولا حظ لك فيه، لأنك لو كنت دوني لم يكن لك شيء وكان الثلث الباقي للإخوة للأم وأنا أحجبهم فآخذ الذي كان لهم وليس حضوري بموجب لك شيئا هذا هو المعروف لمالك. وقال زيد: للأخ للأب السدس، قيل: ولم يخالف مالك زيدا إلا في هذه، ولهذا سميت المالكية. قال الشبراخيتي تبعا للتتائي: فإن قلت الأخ للأب ساقط ولو لم يكن معه إخوة لأم فلا معنى لذكرهم؟ فالجواب أنه ذكرهم لتكون هي المالكية. انتهى. وهذا الذي قاله ظاهر؛ لأنه إذا لم يكن إخوه لأم فهي من ستة؛ للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث اثنان وللجد السدس واحد، فقد استغرقت الفروض التركة فلا شيء للأخ للأب لأنه عاصب.
تنبيهات: الأول: مفهوم قوله: "أخ لأب" أنه لو كان معه شقيق لسقط أيضا ولم تكن هي المالكية بك هي شبه المالكية: قال عبد الباقي: فلو أسقط المصنف قوله: "لأب" لشمل المالكية وشبهها، والحاصل أنه إن لم يكن إخوة لأم فإن الأخ يسقط مطلقا شقيقا كان أو لأب، كما يسقط مطلقا إن كان إخوة الأم. قال البناني: فإن كان الأخ شقيقا فلا نص لمالك فيها، واختلف فيها أصحابه قال بعضهم كقول زيد بن ثابت في التي قبلها: قال: لأن الأشقاء يدلون بقرابتين، ومنهم من جعلها كالمالكية فليس للشقيق شيء والثلث الباقي للجد دونهم. انتهى. وظاهر كلام ابن غازي أن هذا هو الراجح. انتهى. واعلم أن زيدا يقول: للآخر السدس شقيقا أو لأب لم يختلف قوله في ذلك.
الثاني: قال البناني: قول المصنف: "ومعه إخوة لأم" إنما أتى بلفظ الجمع وإن كان الواحد مع الأخ للأب يحجبان الأم إلى السدس؛ لأن حجة الجد عليه إنما تتم إذا كانوا إخوة لأم، وأما الواحد فلا. تأمله. قاله الشيخ أحمد بابا. انتهى. قوله: إنما تتم الحجة عليه إذا كانوا إخوة لأم. قال الرهوني: يريد أو أخوين بدليل قوله: وأما الواحد لخ، وفي كلامه دليل على أن حكم الواحد عنده مخالف لحكم ما فوقه، ولكنه لم يصرح بحكمه وقد بحثت غاية البحث عن نص في ذلك،
وراجعت الكتب التي وقفت عليها فلم أجد من صرح بذلك، والذي يفيده كلام ابن عرفة والمواق أن في معادة الجد بالواحد من ولد الأم هنا قولين أرجحهما المعادة ثم قال بعد كلام: فإذا علمت هذا ظهر لك أنه يجري في مسألتنا أي مفهوم التعدد في مسألة المصنف قولان، فعلى القول بعدم المعادة يأخذ الجد واحدا والأخ للأب واحدا، وتصح المسألة من ستة: للزوج ثلاثة وللأم واحد، وكذا يقال في شبه المالكية وهو أن يكون الأخ شقيقا وعلى القول بالمعادة فلا شيء للأخ للأب أو الشقيق: لأنه لم يفضل له شيء لأن الواجب للجد بالأصالة السدس لأنه أحسن له من المعادة وثلث ما بقي، والسدس الآخر هو حظ الذي للأم فيضمه الجد لما له بالأصالة، وقد أخذ الزوج ثلاثة والأم واحدا فلم يفضل للأخ للأب أو الشقيق شيء. انتهى المراد منه.
الثالث: قد مر قول زيد إن الأخ للأب يقاسم الجد في المالكية فيكون له السدس، ووجه قوله أن يقال للجد لو لزم ما قلته في ابنتين وبنت ابن وابن ابن أن لا تشاركه، لأنه يقول لها: لو كنت دوني لم ترثي شيئا ولم يقل بهذا إلا ابن مسعود واختاره ابن يونس. انتهى. قاله التتائي. وقد يفرق بينهما بأن وجود ابن الابن هنا أثر شيئا لم يكن وهو التعصيب.
الرابع: لو كان موضع الأخت في مسألة المصنف خنثى مشكلا فالطريق أن تصحح المسألتين، ثم توفق بينهما على تقدير الحالتين ثم تقسمهما على كلتا المسألتين فيكون الخارج في المذكورة ثمانية عشر وفي الأنوثة أربعة ثم تعطى من له شيء من الذكورة ماله في ثمانية عشر ومن له شيء من الأنوثة في أربعة فتصح من مائة وثمانية، وبيانه أن مسألة التأنيث من ستة وتعول إلى تسعة وتصح من سبعة وعشرين، ومسألة التذكير من ستة ومنها تصح وهما متفقتان بالثلث فتضرب وفق وفق إحداهما في كامل الأخرى يحصل أربعة وخمسون، ثم في حالتي التذكير والتأنيث يحصل مائة وثمانية ويقسم على الحالتين فإذا قسمت على السبعة والعشرين خرج لكل سهم أربعة، وإذا قسمت على الستة خرج لكل سهم ثمانية عشر، ثم يعطى كل وارث ميراثه من المسألتين ما عدا الخنثى فإنه ليس له شيء من لمسألة التذكير ثم يشطر على الجميع، فللزوج ثلث المائة والثمانية على إحدى الحالتين ونصفها على الحال الآخر، ومجموع ذلك تسعون فيكون له نصفها خمسة وأربعون وللأم في إحدى الحالين ستة وثلاثون وفي الأخرى أربعة وعشرون وذلك ستون فلها
نصفها ثلاثون وللجد من سبعة وعشرين ثمانية في أربعة باثنين وثلاثين، وله من ستة واحد في ثمانية عشر مجموع ذلك خمسون فله نصفها خمسة وعشرون، وللخنثى في حالة أربعة مضروبة في أربعة بستة عشر له نصفها ثمانية وليس إلا ذلك وهذه صورتها تركت
زوجا
…
45
أما
…
30
جدا
…
25
خنثى
…
8
وللرسموكي رحمه الله تعالى:
والجد يسقط جميع الإخوة
…
فيأخذ الثلث من التركة
في مالكية وشبهها فقد
…
زوج وأم ولداها مع جد
وكان في أولاهما أخ لأب
…
وفي الأخيرة شقيق في النسب
قوله: فقد أي فحسب، وقوله: أخ لأب واحد أو أكثر، وقوله: شقيق واحد أو أكثر.
الخامس: اعلم أن كل أنثى إنما ترث بالفرض حيث لا عاصب لها، ما عدا المعتقة فإنها ترث بالعصوبة وكل ذكر إنما يرث بالعصوبة ما عدا الأخ للأم والزوج والأب والجد مع ولد الميت. والله تعالى أعلم.
السادس: حكى ابن العربي في مسألة المالكية رواية عن مالك كقول زيد، قال ابن عرفة: لا أعرفها.
السابع: موافقة مالك والشافعي لزيد في الفرائض ليست تقليدا له، وإنما وافقت أدلتهما فيها أدلته واجتهارهما اجتهاده. قاله التتائي.
ولما كان الورثة أقساما، منهم من يرث بالفرض فقط: ومنهم من يرث بالتعصيب فقط، ومنهم من يرث بالفرض تارة وبالتعصيب أخرى، ومنهم من يجمع بينهما والوارث بالفرض أحد وعشرون: خمسة أصحاب النصف وأربعة أصحاب الثلثين وسبعة أصحاب السدس واثنان أصحاب الربع وواحد صاحب الثمن واثنان أصحاب الثلث، وزاد بعضهم ثلث ما بقي وهو في ثلاث مسائل للأم في الغراوين وللجد مع الإخوة ومع ذي فرض حيث كان أحظ له، أخذ يبين الوارث العاصب فقال: ولعاصب عطف على "لوارثه" لأن المراد به الفرض كما مر أن من للبيان، ونحوه لابن مرزوق. وفي نسخة بإسقاط اللام، قال ابن عاشر: عطف على ذي من قوله: "من ذي النصف". والله تعالى أعلم. قال الشبراخيتي: وأصل العصب الشد والقوة، ومنه عصب الحيوان لأنه يعينه على القوة والمدافعة والعصائب لشدها ما هي عليه والعصبة في الحق النصرة فيه، ولما كان أقارب الإنسان في نسبه يعضدونه وينصرونه سموا عصبة، ولما ضعف الأخوال عن ذلك وجميع قرابات الأمهات لم يسموا عصبة لأن أصلهم الأم وهي امرأة.
وعرف المصنف العاصب بقوله: ورث المال كله والباقي بعد الفرض يعني أن العاصب هو الذي يرث المال كله إذا انفرد والباقي بعد أخذ أهل الفروض فروضهم، وفهم منه أنه لو استغرقت الفروض التركة لم يكن له شيء وهو كذلك، ثم تعريف المصنف تعريف للعاصب بنفسه لا للعاصب مع غيره وهو كل أنثى تصير عصبة مع أنثى أخرى، كالأخت مع البنت أو بنت الابن ولا للعاصب بغيره وهو النسوة الأربع اللاتي فرضهن النصف إذا اجتمع كل منهن مع أخ لها. وأخر المصنف ذكر العاصب لقوله عليه الصلاة والسلام:(ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الورثة فلأولى رجل ذكر) وفائدة وصف رجل بذكر التنبيه على سبب استحقاقه وهو الذكورة التي هي سبب العصوبة والترجيح على الأنثى، ولذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين.
ولما بينه بالحد بينه بالعد، فقال: وهو الابن يعني أن العاصب هو الابن، فالضمير عائد على العاصب وهو مقدم على من بعده، ثم ابنه يعني أنه يلي الابن ابنه فلا مدخل لابن الابن مع الابن، وقد أفاد ذلك "بثم"، وقوله:"ثم ابنه" وإن سفل والأقرب من ابن الابن يحجب الأبعد. وعصب كل أخته يعني أن كلا من الابن وابنه يعصب أخته، ويعصب ابن الابن بنت عمه وقد
يعصب عمته، كما لو مات شخص وخلف بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن، وكما لو خلف بنتا وبنت ابن وابن ابن أخ لبنت الابن أو ابن عمها. وقوله:"وعصب كل أخته" هو داخل فيما مر من قوله: "وعصب كلا أخ يساويها" لكن الغرض فيما سبق بيان أنها تستحق النصف إذا لم يكن معها من يساويها، والغرض هنا بيان أنها عصبة بغيرها فينتفي التكرار باختلاف الغرضين. والله تعالى أعلم.
ثم الأب يعني أنه يلي ابن الابن الأب، ثم الجد يعني أن الجد للأب كالأب عند عدمه وإن علا، والإخوة عطف بالواو ليفيد أن الجد والإخوة في مرتبة واحدة، وقوله: كما تقدم معناه أنه قد تقدم أن الإخوة والجد في العصوبة بمنزلة واحدة حيث قال: وله مع الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب الخير من الثلث أو المقاسمة لخ، فإذا لم يرث بالفرض بأن كان وارثا بالعصوبة كما إذا كانت المقاسمة خيرا له فإنه هو والإخوة في مرتبة واحدة، وإيضاح هذا أن تقول: قد مر أن الجد إذا كان مع الإخوة وورث بالعصوبة فإنه معهم في مرتبة واحدة، فقال هنا:"ثم الجد والإخوة" كما تقدم إشارة إلى ما مر من قوله: "أو المقاسمة" وأما إذا ورث الثلث أو السدس أو ثلث الباقي بعد الفرض فهو حينئذ فرضي، ويوضح لك هذا قول الرسموكي:
فالابن أولى فابنه ما سفلا
…
فالأب فالجد له وإن علا
ومثله الإخوة حيث حصلا
…
قِسَامُه لهم كما قد فُصّلا
قال في شرح هذين البيتين: قسامهُ أي مقاسمة الجد لهم أي الإخوة في جميع المال أو في الباقي عن الفروض كما قد فصل ذلك وبين في أحوال الجد مع الإخوة، وإن لم يقاسمهم لكون غير المقاسمة أفضل له فالجد حينئذ وارث بالفرض فقط، فإن بقي شيء عن جملة الفروض كان للإخوة بالتعصيب. انتهى.
الشقيق ثم للأب يعني أن الإخوة الأشقاء أو لأب في مرتبة واحدة مع الجد حيث كان عاصبا، وأما هم فيما بينهم فإنه يقدم الشقيق فإذا لم يوجد الشقيق فالذي للأب يقوم مقامه. قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: قوله: "ثم الجد والإخوة" شامل للإخوة الأشقاء والذين للأب. وقوله:
"الشقيق" معمول ليقدم، أي وأما الإخوة فيما بينهم فيقدم الشقيق ثم الذي للأب يقدم على من بعده. وقال عبد الباقي عن ابن غازي: إن قوله: "الشقيق ثم للأب" بدل من "الإخوة". والله تعالى أعلم. وهو أي الأخ للأب كالشقيق عند عدمه أي عدم الشقيق، وهذا يغني عنه قوله:"ثم للأب" وإنما أعاده لأجل الاستثناء، بقوله: إلا في الحمارية والمشتركة. قاله الشبراخيتي. ومعنى كلام المصنف أن الأخ للأب كالشقيق عند عدم الشقيق إلا في الفريضة التي تعرف بالحِمارية وبالمشتركة، فليس كالشقيق بل يسقط لأنه عاصب.
وبين المصنف الفريضة المذكورة بقوله: زوج وأم أو جدة وأخوان لأم فصاعدا وشقيق وحده أو مع غيره يعني أن الحمارية هي أن تموت أنثى عن زوج وأم وأخوين لأم فأكثر وشقيق وحده أو مع غيره من الأشقاء أو جدة مع من ذكر، فالمسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة وللأم أو الجدة السدس واحد وللإخوة للأم الثلث اثنان، فالاشقاء يشاركون الإخوة للأم في الثلث الذي نابهم الذكر من الجميع كالإنثى وإنما كان الذكر من الأشقاء هنا كالأنثى، لأن الشقيق هنا إنما ورث بالأمومة تبعا للإخوة للأم والولد للأم فقط يستوي منه الذكر والأنثى، وسميت هذه الفريضة حمارية لأنه لما قضى فيها عمر في أول عام من خلافته بأن لا شيء للإخوة الأشقاء، ثم نزلت مرة أخرى فجاء الأشقاء إلى عمر في ثاني عام واحتجوا عليه بقولهم: هؤلاء إنما ورثوا الثلث بأمهم وهي أمنا، هبك أبانا أنه كان حمارا أو حجرا ملقى في اليم أليست الأم تجمعنا؟ فشرك بينهم، فقيل إنك قضيت عام أول، بخلاف هذا فقال تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا، ولذلك تلقب بالحمارية وتلقب أيضا بالحجرية وباليمية، وتسمى أيضا المنبرية لأن عمر سئل عنها وهو على المنبر وأجاب بذلك، وتسمى أيضا مشتركة لاشتراكهم فيها وهو قول مالك والشافعي وجماعة من التابعين ونفاه أبو حنيفة وجماعة. قاله الشبراخيتي.
وقال الحطاب: يقال فيها مشتركة بتاء فوقية بعد الشين كما ذكره العراقي، فتكون من الاشتراك. ويقال لها المشرَّكة بلا تاء بفتح الراء المشددة أي المشرك فيها بحذف الجار والمجرور، ويقال أيضا بكسر الراء. انتهى. وقوله:"زوج" الخ خبر مبتدأ محذوف أي وهي زوج وأم الخ، قال الشبراخيتي: ونحوه لعبد الباقي، ولكونها مشتركة أربعة شروط مأخوذة من كلامه، الأول: أن
يكون فيها زوج، الثاني: أن يكون فيها من له سدس من أم أو جدة، الثالث: أن يكون فيها اثنان فصاعدا لأم ليستكمل بفرضهم المال فلو كان ولد الأم واحدا أخذ السدس والباقي للعاصب، الرابع: أن يكون فيها شقيق ذكر وحده أو مع ذكور أو إناث أو كليهما في درجته فلو كان موضع الشقيق أنثى فقط شقيقة أو لأب فرض لها النصف وعالت بتسعة أو اثنتان فالثلثان وعالت لعشرة.
زاد عبد الباقي: وتسمى البلجاء من البلج وهو الظهور، سميت بذلك لظهور الأمر فيها وجريها على القواعد بخلاف الحمارية، ولو كان في المشتركة جد لسقط جميع الإخوة وكان ما بقي بعد فرض الزوج والأم للجد وحده لأنه يسقط الإخوة للأم والأشقاء إنما يرثون فيها بالأم والجد يسقط كل من يرث بها، وهذه تلقب بشبه المالكية: للجد الثلث الباقي بعد فرض الزوج والأم ويسقط الأشقاء لأن الجد يقول لو لم أكن لم ترثوا شيئا بأمكم، وإنما ترجعون للاشتراك بسبب أمكم وأنا حاجب كل من يرث بأمه. انتهى. وقال عبد الباقي: وفي شرح الترتيب أن في المستدرك للحاكم أن زيدا هو القاثل لعمر: هب أن أباهم كان حمارا ما زادهم الأب إلا قربا.
وأسقطته أيضا الشقيقة التي كالعاصب لبنت أو بنت ابن فأكثر يعني أن الأخ للأب كما يسقط في الحمارية تسقطه أيضا الأخت الشقيقة التي صارت كالعاصب لأجل بنت أو بنت ابن، فإذا هلك هالك وترك بنتا أو بنت ابن وأختا شقيقة وأخا لأب، فإن البنت أو بنت الابن تأخذ مالها وهو النصف مع الاتحاد والثلثان مع التعدد، وما بقي عن النصف أو الثلثين للأخت الشقيقة واحدة أو أكثر ولا شيء للأخ للأب، فقوله:"فأكثر" راجع للشيئين قبله. قاله غير واحد. وقوله: "لبنت" الظاهر أن اللام للتعليل متعلقة بعامل الصلة. والله تعالى أعلم. قاله مقيده عفا الله تعالى عنه. وفي الشبراخيتي. أن اللام بمعنى مع، كقوله:
فلما تفرقنا كأني ومالكا
…
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وقوله: "كالعاصب" أي بنفسه فالمشبه العاصب مع غيره والمشبه به العاصب بنفسه. فليس فيه تشبيه الشيء بنفسه. انتهى.
تنبيهان: الأول: في الرهوني عن ابن يونس ما نصه. قال الشيخ أبو بكر الفقيه الفرضي: وما علمت أحدا من الصحابة ممن تكلم في الفرائض إلا وقد اختلف قوله في المشتركة، فمرة أشرك ومرة لم يشرك إلا أن المشهور عن علي رضي الله عنه أنه لم يشرك، وبه قال أهل الكوفة وأبو حنيفة. قاله ابن اللباد. انتهى. ثم قال بعد أن وجه كلا من القولين ما نصه: ومما احتج به علي رضى الله تعالى عنه أنه قال: أرأيتم لو كان الإخوة للأم مائة أكنتم تزيدونهم على الثلث؟ فقالوا: لا، فقال: كذلك لا أنقصهم عنه. قال غيره: ويؤيد ذلك لو لم يكن في الفريضة أم للزم من أشرك أن يقول: للزوج النصف ويشرك بين الأشقاء والذين للأم لأن الأم تجمعهم، فدل ذلك أن للإخوة للأم فرضا لا يشاركهم فيه غيرهم. وبالله التوفيق. ولا شك أن هذا ميل منه بين لقول من لم يشرك. انتهى. ومال إليه أبو عمر.
الثاني: قال البناني: قال ابن غازي: والظاهر من الشارح أنه صحف هذه اللام؛ يعني في قول المصنف: "لبنت أو بنت ابن" بالكاف فظن أن البنت وبنت الابن تسقطان الأخ للأب، ودرج على ذلك في الشامل فقال: وسقط أخ لأب بأخت شقيقة وابن وابنه وبنت فأكثرت وهذا من أفظع الوهم الخارق للإجماع الذي لا يحل السكوت عليه مع إطلاقه في الأخت الشقيقة إذ لم يقيدها بالعاصبة كما هنا، وكم فيه من أشباه هذا! فيجب أن يتحرز منه. انتهى.
ثم بنوهما يعني أنه إذا لم يكن للميت من ذكر فإن الوارث له بالعصوبة بنو الأخ الشقيق وبنو الأخ للأب، وابن الأخ للأب لا يرث مع وجود ابن الأخ الشقيق، فإذا لم يكن ابن أخ شقيق فالوارث له بالعصوبة ابن الأخ للأب، وإذا مات شقيقان مثلا أو اثنان لأب أحدهما عن ولد واحد والآخر عن خمسة، ثم مات جدهم عن مال اقتسموه على ستة أسهم بالسواء لاستواء رتبتهم، ولا يرث كل فريق ما كان يرثه أبوه لأنهما إنما يرثان بأنفسهما لا بآبائهمات ووقعت في عصرنا فأفتى فيها قاضي القضاة الحنفية ناصر الدين الأخميمي بأن يرث كل فريق منهما ما كان لأبيه فيقسم المال نصفين، وغلطه في ذلك شيخنا بدر الدين المارديني وشنع عليه في ذلك. قاله التتائي.
تنبيه: مما يلغز به هذه المسألة وهي وارثان مات موروثهما وكلاهما يرث ويحجب الآخر. ونظم بعضهم مضمن كلام ابن فرحون فيها، فقال:
من عاصبان توى يا قوم ميتهما
…
كلاهما وارث والثاني يحجبه
ونظم جوابهما، فقال:
هما سليل أخ جد وقد ترك الـ
…
ـــــــــــميت الولاء ومالا كان يصحبه
فالجد قطعا حوى مالا ونجل أخ
…
حاز الولاء فذا ما كنت تطلبه
وذلك لأن ابن الأخ يقدم في الولاء على الجد، وفي الإرث يقدم عليه الجد لأنه بمنزلة الأخ على ما مر. واعلم أنه وقع لعبد الباقي هنا كلام وهو قوله: ولعله جمع الضمير لخ الصواب إسقاطه كله. والله تعالى أعلم.
ثم العم الشقيق يعني أنه إذا لم يكن الأخ المذكور ولا ابنه ولا من ذكر فإن الوارث بالعصوبة للميت العم للميت الشقيق، ثم للأب يعني أنه إذا لم يكن عم شقيق للميت ولا من ذكر فإن الوارث بالعصوبة عمه لأبيه، ثم يلي العم بنوه ثم عم الأب ثم بنوه، ثم يلي من ذكر عم الجد الأقرب فالأقرب يعني يقدم الأقرب فالأقرب في جميع المراتب، فيقدم الابن علي ابن الابن وهكذا والأخ على ابن الأخ، وعصبة الابن علي عصبة الأب وعصبة الأب على عصبة الجد، ويقدم الأقرب وإن كان غير شقيق فالأخ للأب يقدم على ابن الأخ الشقيق. قال الرهوني: قال التاودي: أسقط المصنف هنا ثلاث مراتب كأنه استغنى عنها، بقوله:"الأقرب فالأقرب" وإلا فكان ينبغي له أن يقول: ثم العم الشقيق ثم للأب ثم بنوهما ثم عما الأب ثم بنوهما ثم عم الجد. انتهى.
تنبيه: قال الرهوني: وقع لابن مرزوق هنا ما يوهم أن عم أبي الميت مقدم على ابن عمه أي الميت، وقد اغتر به بعض مفتي العصر فوقع في غلط فاحش خرق به الإجماع؛ إذ من العلوم ضرورة المسلم الذي لا خلاف فيه بين من تأخر من علماء الأمة ومن تقدم أن أقرب الناس إلى الميت أحقهم بإرثه، كمالا اختلاف بينهم أن مراتب النسب الذي هو أسباب التوارث أربعة: البنوة والأبوة والأخوة والعمومة وكل منها يوصف بالقرب والبعد وأن المرتبة الأولى والثانية يتصور فيهما القرب والبعد، من وجه واحد فقط، والثالثة والرابعة من وجهين. وقد حكى الإجماع على ذلد غير واحد من المالكية ومن غير المالكية، كابن المنذر في إشرافه حسبما نقله أبو الحسن بن
القطان في كتابه الإقناع في مسائل الإجماع، ونصه الإشراف. وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المال للعصبة وأجمع العلماء على القول به، وهذا إذا لم يدع الميت أحدا ممن له فريضة معلومة، فإن ترك الميت من له فريضة أعطي فريضته فإن فضل من المال فضل كان ذلك الفضل لعصبته وإن كثروا إذا كانوا في قعدد واحد إلى الميت، وإن كان بعضهم أقرب من بعض كان الأقرب أولى بقوله عليه السلام:(وما بقي فلأولى رجل ذكر). وأجمع أهل العلم على القول بجملة ما ذكرناه. انتهى.
ولا بد من ذكر ضابط يعرف به من هو أقرب للميت ومن هو أبعد، قال ابن يونس بعد أن ذكر الحديث الأول في كلام ابن المنذر وإجماع الأمة على توريث العصبة ما نصه: وتوريث العصبة على ثلاثة أقسام: الأول أن تعلم أن من قرب إليك من عصبة ولدك أولى بالميراث ممن هو أسفل منه، وكذلك من قرب إليك من عصبة أبيك أولى بالميراث ممن هو أعلى، وكذلك عصبة جدك لأبيك وبيان ذلك أن يترك ابنا وابن ابن فالمال للابن دون ابن الابن تجعل المال أبدا للأعلى لأنه أقرب بطنا، وكذلك إن ترك أخاه وابن أخيه فالمال لأخيه، فإن ترك ابن أخيه وابن ابن أخيه فالمال لابن أخيه، وكذا لو ترك ابن ابن وابن ابن ابن فالمال لابن الابن دون ابن ابن الابن، وكذلك لو ترك عمه وابن عمه فالمال لعمه، وإن ترك ابن عمه وابن ابن عمه فالمال لابن عمه تجعل المال للأعلى لأنه أقرب نسبا، وكذلك إن ترك أباه وجده فالمال لأبيه وإن ترك جده وجد أبيه فالمال لجده لأنه أقرب وبه يتقرب الأبعد فهو أولى، والثاني أن تعلم أن عصبة ولدك أولى من عصبة أبيك؛ لأن ولدك أقرب إليك من أبيك فعصبته أولى من عصبة أبيك، وبه تعلم أيضا أن عصبة ولد أبيك أولى من عصبة جدك؛ لأن أباك أقرب إليك من جدك فعصبته أولى، مثال ذلك لو ترك ابنه أو ابن ابنه وأخاه فإن المال لابنه أو ابن ابنه وإن سفل دون أخيه لأن ابنه من صلبه وأخاه من صلب أبيه: وإن ترك أخا أو ابن أخ وعما فالمال للأخ أو ابن الأخ وإن سفل دون العم لأن أخاه اجتمع معه في أبيه وعمه في صلب جده فالأقرب أولى، والثالث أن يترك الموروث وارثين متساويين في الطبقة إلا أن أحدهما يدلي بقرابة الأب والأم والثاني يدلي بقرابة الأب خاصة،
فاجعل المال للذي يدلي بقرابتين وإن اختلفت منزلتهما فاجعل الميراث للأعلى. مثاله أن يترك الهالك أخا شقيقا وأخا للأب فالمال للشقيق، وإن ترك ابن أخ شقيق وابن أخ لأب فالمال لابن الأخ الشقيق، وإن كان الشقيق ابن ابن أخ فالمال لابن الأخ للأب هكذا أبدا إذا استوت منزلتهما فالشقيق أولى، وإن اختلفت فالأعلى أولى وكذا العمومة في هذا المعنى. انتهى.
وقال في باب الولاء من التوضيح ما نصه: لأن القاعدة أن كل من شارك الميت في أب أدنى فهو أقرب. انتهى. وقال الفقيه أبو العباس القلشاني عند قول الرسالة: وابن أخ شقيق أولى من ابن أخ لأب وابن الأخ للأب يحجب عما لأبوين وعم لأبوين يحجب عما لأب وعم لأب يحجب ابن عم لأبوين وابن عم لأبوين يحجب ابن عم لأب وهكذا يكون الأقرب أولى. انتهى ما نصه: ما ذكره ظاهر التصور، وإنما قدم ابن الأخ على العم؛ لأن ابن الأخ يدلي بولادة الأب والعم يدلي بولادة الجد، ومن لقى الهالك في ظهر أقرب أولى ممن لقيه في ظهر أبعد. قاله مالك رحمه الله. انتهى.
وقال في الشرح الواضح ما نصه: وإنما قلنا إن ابن الأخ يحجب العم لأن ابن الأخ يقول أنا ابن أبي الميت والعم يقول أنا ابن جد الميت ومن يدلي بالأب أقرب ممن يدلي بالجد. قال: ولأن الجدَّ يَدلي بالأب والأب يسقطه وكذا يسقط من يدلي به كل من يدلي بالجد. انتهى. وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى ما نصه: وكل من أدلى بأب أقرب فله الميراث دون من أدلى بأب أبعد. انتهى. فهذه قاعدة كلية يرجع إليها عند نزول فروعها وقالب تفرغ فيه حوادث النوازل عند وقوعها، فإذا مات مثلا علي بن زيد بن بكر بن محمد وترك ابن عمه أحمد بن عمر وابن بكر بن محمد وعم أبيه خالد بن محمد ورددت ذلك بهذه القاعدة، وجدت مستحق الإرث هو أحمد بن عمرو لا خالد بن محمد كما زعم زاعم، وتبين لك أن ما قاله خطأ صراح لا يحل السكوت عليه ولا يباح، ويلزم على ما قاله أن يقدم العم على الأخ وأحرى على ابنه وأحرى على ابن ابنه وما في ابن مرزوق مما يوهم أن عم أبي الميت مقدم على ابن عم الميت مخالف للنقول الكثيرة الصريحة والنصوص القاطعة الصحيحة المشهورة في غالب الدواوين المتيسرة غالبا للمبتدءين.
وفي أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا الثالث ما نصه: قال أصبغ: قال ابن القاسم في رجل يوصي فيقول: ثلث مالي للأقرب فالأقرب ويترك بعد أباه وجده وأخاه وعمه، قال: يقسم
ذلك عليهم على قدر حاجتهم ويفضل الأقرب فالأقرب فأرى الأخ أقرب ثم الجد، قال القاضي أبو الوليد بن رشد: قوله إن الأخ أقرب من الجد صحيح لأنه يجتمع مع الموصي في أبيه فهو أقرب إليه من جده، وكذلك ولد الأخ وولد ولد الأخ وإن سفل هم أقرب من الجد وهذا على ترتيب القرب في ميراث الولاء، فالأخ أولى ثم بنوه وإن سفلوا ثم الجد ثم بنوه وإن سفلوا، ثم بنوه وهم الأعمام وإن سفلوا، ثم أبو الجد ثم بنوه هكذا. فهذه نصوص قاطعة وحجج ساطعة مصرحة بأن ابن العم وإن سفل أقرب من أبي الجد، وأبو الجد أقرب من عم الأب. فأبو جد الميت في مسألتنا هو محمد وعم أبيه هو خالد بن محمد، فأحمد يحجب جد أبيه محمد لو فرضناه حيا فأحرى أن يحجب عم أبيه. انتهى المراد منه.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: ما قاله هذا السيد واضح صحيح حق لا شك فيه إلا قوله إن ابن عم الميت أقرب من أبي جد الميت، وإنه أي ابن العم يحجب أبا الجد فإنه سبق قلم مخالف للنصوص والنصوص فيما ذكرته لا تحتاج إلى جلب، إذ لم أجد نصا إلا وهو مصرح بما ذكرت. والله تعالى أعلم.
وقدم مع التساوي الشقيق يعني أن الورثة إذا استووا في الدرجة فإنه يقدم الشقيق على غيره، فيقدم الأخ الشقيق على الأخ للأب أي يحجبة، وكذا ابن الأخ الشقيق يقدم على ابن الأخ للأب ويقدم العم الشقيق على العم الذي للأب، ويقدم ابن العم الشقيق على ابن العم الذي للأب، ويقدم الأب وإن غير شقيق كما قال المصنف والله تعالى أعلم. قال المواق: ابن زكرياء: ميراث العم بالسنة والإجماع ويسقطه ابن الأخ للأب وميراث ابن العم وإن سفل بهما، ويسقطه أعلى منه والعم ومن حجبه وميراث أخي الجد بهما ويسقطه ابن العم ومن حجبه، وميراث ابن أخي الجد وإن سفل بهما ويسقطه أعلى منه وأخو الجد ومن حجبه وذو القرابتين منهم يسقط ذا القرابة عند استواء المرتبة، وعبارة غيره الأقرب ولو كان ذا قرابة يحجب الأبعد ولو كان ذا قرابتين وحالات كل واحد أربع: المال في الانفراد والمقاسمة بالسواء في التعدد وفيما بقي الحالتان. انتهى.
مطلقا يعني أنه يقدم مع التساوي في المرتبة الشقيق مطلقا أي في جميع المراتب التي تتصور فيها الشقاقة كالإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم، ثم المعتق كما تقدم يعني أنه إذا لم يكن للشخص
عصبة نسب فإنه يرثه المعتق له، ومعنى قوله:"كما تقدم" كما مر في باب الولاء من تأخيره عن عصبة القرابة وأنه إن عدم المعتق فعصبته، فإن عدمت فمعتقه، فإن عدم فعصبة معتق المعتق إلى حيث تنتهي. كما في الجواهر. قاله عبد الباقي وغيره.
ثم بيت المال يعني أنه إذا لم يكن للشخص عصبة نسب ولا عصبة ولاء فإن ماله لبيت المال، قال الشبراخيتي: وقوله: "بيت المال" المراد به ميراث المسلمين، وليس المراد أن هناك بيتا وفيه مال. انتهى. وقال عبد الباقي: ثم إن لم يوجد شيء من ذلك ورث بالعصوبة بيت مال فكلامه ظاهر في أنه عاصب وهو المشهور منتظما أو غير منتظم، فيأخذ الجميع أو الباقي بعد ذوي الفروض وقيل إنه حائز وهو شاذ وعليه فيصرف لمكاتب وكافر لا على المشهور كما بينه في شرح الترتيب. انتهى. ويأتي ما للبناني في قوله: وعليه فيصرف لمكاتب، وقال التتائي:"ثم بيت المال" عاصب على المشهور وهو الوراثة بالإسلام وبه قال مالك والشافعي وهو أصح الروايتين عن زيد، ولم يشترط المصنف انتظامه واشترطه. الطرطوشي: وهو المعتمد في الفتوى عند الشافعية والشاذ أنه حائز. انتهى.
ولا يرد يعني أنه إذا لم تستغرق الفروض التركة والحال أنه لا عاصب للميت من جهة النسب ولا من جهة الولاء، فإن ما فضل عن ذوي الفروض لا يرد على ذوي السهام، ولا يدفع لذوي الأرحام وإنما يدفع لبيت المال، والحاصل أنه إذا لم يكن للميت عصبة نسب ولا ولاء فإن المال يكون لبيت المال، ولا يدفع لذوي الأرحام سواء كان هناك ذو فرض لم يستغرق أو لم يكن ذو فرض، وكذا لا يرد على أهل السهام حيث لم تستغرق التركة وإنما يدفع الباقي عن ذي الفرض لبيت المال.
تنبيهات: الأول: قوله: "ولا يرد" خلافا لعلي، قال: يرد على كل وارث بقدر ما ورث سوى الزوج والزوجة فلا يرد عليهما إجماعا، وقوله:"ولا يرد ولا يدفع لذوي الأرحام": (دعي صلى الله عليه وسلم إلى جنازة، فقالوا: أترك عمة وخالة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أخبرني جبريل
أن لا شيء لهما
(1)
)، وعليه عمل أهل المدينة، ونقله والاستذكار عن فقهاء الحجاز والفقهاء السبعة قال في الجلاب: وذوو الأرحام الذين لا يرثون مع العصبة. وأهل السهام خمسة عشر: الجد أبو الأم والجدة أم أبي الأب وولد الإخوة والأخوات لأم والخال وأولاده والخالة وأولادها والعم للأم [وأولاده
(2)
] والعمة وأولادها وولد البنات وولد الأخوات من جميع الجهات وبنات العمومة. قاله الشبراخيتي.
الثاني: قال عبد الباقي عند قول المصنف: "ولا يدفع لذوي الأرحام" ما نصه: خلافا لأبي حنيفة وذكر البحيري في شرح الإرشاد عن عيون المسائل أنه حكى اتفاق شيوخ المذهب بعد المائتين على توريث ذوي الأرحام والرد على ذوي السهام. انتهى. أي لعدم انتظامه، ونحوه قول الأستاذ أبي بكر الطرطوشي: ينبغي تقييد الأمرين بما إذا كان الإمام عدلا كما في الشارح عنه. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: علم من كلام عبد الباقي هذا أن معنى قولهم "بيت المال" منتظما أم لا، كان الأمير عدلا أم لا. والله تعالى أعلم.
الثالث: لابد من بيان كيفية توريث ذوي الأرحام والرد على أهل السهام على القول بذلك، قال الأمير في ترتيب العاصب مبتدأ بالبنوة ما نصه: البنوة فالأبوة فالأخوة والجدودة على ما سبق، فبنو الإخوة فعمومة فبنو العم ثم بالضرب ثم الأقوى ثم المعتق كما سبق ثم إمام عدل وإلا يكن عدلا رد، فإن لم يكن وارث فذوو الأرحام. هذا ما استقر عليه إفتاء المتأخرين. انتهى. فتوريث ذوي الأرحام إنما هو بعد أن لم يكن أحعل الفروض. فإن كانوا فلا يدفع لذوي الأرحام شيء بل يرد على أهل السهام فإن تعددوا فقد مر أنه يرد عليهم بحسب ما لكل، فإن كان ذو الفرض واحدا فمقتضى هذا الذي للأمير وغيره أنه يدفع له جميع ما بقي. قال الأمير: يرد على غير الزوجين برؤوس المصنف وبسهام الأصناف، وإن كان أحد زوجين فما بقي بعده مع مسألة الرد كسهام الثاني في المناسخة، ويؤخذ مخرج الزوجية ويقسم باقي المصحح بعد فرض الزوجية على
(1)
الاستذكار، ج 15 ص 204.
(2)
ساقطة من الأصل موجودة في الشبراخيتي مخطوط والتفريع للجلاب ج 2 ص 343.
مسألة الرد، فالخارج جزء سهمها. انتهى كلام الأمير مراعيا ما ظهر لي أنه المعنى. قوله: برؤوس المصنف يظهر أن معناه أنهم إذا اتفقوا في السهام يرد عليد بعدد رؤوسهم، ويلزم من ذلك أنه إذا كان ذو الفرض واحدًا يرد عليه جميع ما بقي، ثم قال الأمير: والأصل في ذوي الرحم تنزيلهم منزلة من أدلوا به للميت درجة درجة، فيقدم السابق لوارث فإن استووا فاجعل المسألة لمن أدلوا به كما سبق ثم لكل نصيب من أدلى به كأنه مات عنه، إلا أولاد ولد الأم فيستوون والأخوال إخوة الأم من أمها فللذكر مثل حظ الأنثيين. انتهى والله تعالى أعلم.
وقال الحطاب: وقال في باب توريث ذوي الأرحام: قال إسماعيل القاضي: متى كان للميت عصبة من ذوي الأرحام فهم أولى، فإن لم يكونوا فالولاء فإن لم يكن ولاء فبيت مال المسلمين، قال ابن يونس: فإن لم يكن بيت مال فأولوا الأرحام لما في ذلك من الآثار المتقدمة لا سيما إذا كانوا ذوي حاجة، فيجب اليوم أن يتفق على توريثهم وإنما تكلم مالك وأصحابه إذا كان للمسلمين بيت مال، لأن بيت المال يقوم مقام العصبة إذا لم يكن عصبة، ألا ترى أن الرجل لو قتل قتيلا خطأ ولم يكن له عصبة ولا موال وجب أن يعقل عنه بيت المال وكذلك يكون ميراثه لبيت المال؟ وإن كان بيت مال لا يوصل إليه منه شيء وإنما يصرف في غير وجهه فيجب أن يكون ميراثه لذوي رحمه الذين ليسوا بعصبة إذا لم يكن له عصبة ولا موال، قال هذا رأيت كثيرا من فقهائنا ومشايخنا يذهبون إليه في زماننا ولو أدرك مالك وأصحابه مثل زماننا هذا لجعل الميراث لذوي الأرحام إذا انفردوا أورد على أهل السهام. وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد: قال الشيخ محمد بن أبي زيد: من لم يكن له عصبة ولا ولاء فبيت مال المسلمين إذا كان موضوعا في وجهه، ولا يرثه ذوو الأرحام ولا يرد على أهل السهام.
وقال ابن الفرس في أحكام القرآن في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} أي ما فضل عن الورثة لبيت المال، فإن لم يكن بيت مال للمسلمين فالفقراء، وقال ابن ناجي في شرح الرسالة في شرح قوله:"وفي الركاز" وهو دفن الجاهلية الخمس على من أصابه، فإن كان الإمام عدلا دفع الواجد الخمس له يصرفه في محله، وإن كان غير عدل فقال يتصدق به الواجد ولا يدفعه إلى من
يعبث به وكذلك العشر وما فضل من المال عن الورثة، ولا أعرف اليوم بيت مال وإنما هو بيت ظلم. انتهى. وكلامهم في هذه المواضع كلها أن بيت المال معدوم في زماننا. والله سبحانه أعلم.
وفي الإرشاد: والمذهب أن ما أبقت الفروض فلأولى عصبة، فإن لم يكونوا فللموالي، فإن لم يكونوا فلبيت المال. فإن عدم فللفقراء والمساكين لا بالرد ولا بالرحم وورثهما المتأخرون. انتهى. وقال ابن يونس: أجمع المسلمون أنه لا يرد على الزوج والزوجة، وأن الباقي بعد فرضهما على مذهب من لا يورث ذوي الأرحام لبيت مال المسلمين أو للفقراء والمساكين، وعلى مذهب من يورث ذوي الأرحام يكون الباقي بعد فرض الزوجين لذوي الأرحام. وقال اللخمي: من أوصى بكل ماله ولا وارث له، قيل: ليس له ذلك، وقيل: وصيته ماضية إلا إن أوصى به للأغنياء أو فيما لا يصرفه فيه الإمام أو وليه وله جعله في الفقراء وفيما لو رفع للإمام لقضى فيه بمثل ذلك لم تغير وصيته لأنه فعل صوابا ولا اختلاف في ذلك. واختلف إن مات عن غير وصية هل هو كالفيء يحل للأغنياء أو يفض على الفقراء؟
الرابع: سئل ابن رشد عن مسألة تعرف بجوابها والجواب عامل البلد الذي فيه استيطان المتوفَّى أحق بقبض ميراثه، مات فيه أو في غيره، كان ماله فيما هو فيه أو فيما سواد من البلاد. انتهى. قاله الحطاب.
الخامس: قد مر القول الشاذ أن بيت المال حائز، قال البناني: قال ابن علاق: وإذا فرعنا على القول بأنه يوضع في بيت المال ميراث من لا وارث له فقد اضطرب المذهب، هل يكون بيت المال كوارث قائم النسب أو إنما هو كحائز للمال الضائع؟ وبنى بعضهم على هذا مسألة من أوصى بجميع ماله ولا وارث له، ومسألة من أقر بوارث ولا وارث له، وذكر الخلاف في الوصية بجميع المال عن اللخمي وابن شأس هل تجوز أم لا؟ ثم قال: وقال ابن رشد: ليس عند مالك وجميع أصحابه أن يوصى بأكثر من الثلث. اشْهى. وتقدمت مسألة الإقرار في بابه، وقول عبد الباقي: وعليه فيصرف لكاتب وكافر لخ تأمل ما ذكره من البناء على هذا القول فإنه غير ظاهر، ولم أر من ذكره وإنما رأيت ما تقدم. انتهى كلام البناني. وقال المواق: وينبني على ذلك أيضا - يعني
على الخلاف المذكور - الإقرار بوارث، فقال ابن القاسم: يرثه إن لم يكن معه وارث معروف، وقال سحنون: بيت المال كالنسب القائم فلا ميراث للمقر به. انتهى.
ويرث بفرض وعصوبة الأب يعني أنه يرث بالفرض والعصوبة معا الأب مع بنت أو بنت ابن أو بنتين فصاعدا، ثم الجد يعني أن الجد يرث بالفرض والعصوبة معا فيما إذا كان للميت بنت أو بنت ابن أو بنتان فصاعدا.
وعلم مما قررت أن قوله: مع بنت وإن سفلت متعلق بقوله: "يرث" فهو قيد في المسألتين، والحاصل أن الأب يكون عاصبا وفرضيا مع ولد للميت أنثى اتحد أو تعدد وكذلك الجد. الشبراخيتي: مع بنت وإن سفلت أو بنتين أو بنتي ابن فصاعدا.
تنبيه: قال عبد الباقي: وأتى "بثم" للترتيب الإخباري وإلا فلا محل لثم لأن الأحكام لا ترتيب فيها. انتهى. وتأمله فالذي يظهر ما قاله المصنف. والله تعالى أعلم. أي ما هو ظاهره من أن ثم للترتيب الرتبي: فإذا كان للميت بنت فصاعدا فإن الأب يأخذ السدس بالفرض وما بقي عن البنت فصاعدا يأخذه بالتعصيب، وكذا الجد حيث فقد الأب.
كابن عم أخ لأم قال الحطاب: يعني أنه إذا اجتمع في شخص سببان أحدهما بالفرض والآخر بالتعصيب فإنه يرث بهما، كابن العم يكون أخا لأم فيأخذ السدس بالأخوة للأم والباقي بالعصوبة، وكذلك إذا كان ابن العم زوجا، وكذلك المولى إذا كان زوجا، ولا خلاف في هذا، أعني أنه يأخذ فرضه ويأخذ الباقي بالتعصيب إذا لم يكن معه من يشاركه في التعصيب، فأما إن كان معه من يشاركه في التعصيب وفي منزلته كابني عم أحدهما أخ لأم، فقال ابن القاسم: للأخ للأم السدس ويقسم معه ابن عمه ما بقي بالسواء، وقال أشهب: يترجح الأخ للأم لولادة الأم كالأخ الشقيق مع الأخ للأب. اهـ. وقال عبد الباقي: وأشعر إفراده ابن العم بأنه لو كانا ابني عم أحدهما أخ لأم فالسدس للأخ للأم، ثم يقسم ما بقي بينهما نصفين عند مالك. وقال أشهب: يأخذ الأخ للأم جميع المال كالشقيق مع الأخ للأب، وأدخلت الكاف ابن عم زوج ومعتق زوج فإن كلا منهما يأخذ فرضه والباقي تعصيبا حيث لا مشارك في التعصيب. اهـ. قوله أدخلت الكاف لخ، الكاف هنا للتشبيه وهي لا تدخل شيئا ولكن ما ذكره من الحكم فيها صحيح، وقال
التتائي: وكابن عم أخ لأم، وأفرد ابن العم لأنهما لو كانا ابني عم أحدهما أخ لأم لأخذ الذي للأم السدس واقتسما الباقي بينهما، وهو قول علي وزيد وابن عباس ومالك وأبي حنيفة والإمام. وقال عمر وابن مسعود: المال كله للأخ للأم كالشقيق مع الأخ للأب، وبه قال أشهب.
وهنا كليات لا بأس بذكرها: كل ذكر مات وخلف جميع من يرثه من الذكور فلا يرثه إلا الابن والأب، وكل ذكر مات وترك جميع من يرثه من النساء فلا يرثه منهن غير خمس الأم والبنت وبنت الابن والزوجة والأخت الشقيقة، وكل ذكر مات وخلف من يرثه من الرجال والنساء فلا يرثه منهم إلا خمسة: الابن والأم والأب والزوجة والبنت، وكل امرأة ماتت وتركت جميع من يرثها من الذكور لم يرثها منهم إلا ثلاثة الابن والأب والزوج، وكل امراة ماتت وتركت جميع من يرثها من النساء فلا يرثها منهن إلا أربع: البنت وبنت الابن والأم والأخت لغير الأم، وكل امرأة ماتت وتركت جميع من يرثها من الذكور والإناث فلا يرثها منهم إلا خمسة: الأب والأم والابن والبنت والزوج.
ولما بين أن من اجتمع له سببا فرض وعصوبة ورث بهما، ذكر من اجتمع له سببا فرض، فقال: وورث ذو فرضين بالأقوى يعني أن من اجتمع له سببا فرض إنما يرث بأقواهما، بخلاف من اجتمع له سببا فرض وتعصيب فإنه يرث بهما كما عرفت، وهذا إن وقع من غير المسلمين عمدا أو خطأ، بل وإن اتفق في المسلمين أي وقع خطأ فمعنى اتفق وقع خطأ، لأن هذا إذا وقع في المسلمين عمدا يكون زنى محضا لا يلحق فيه الولد بالواطى، فلا ميراث فيه من جهة الأب. قال عبد الباقي مفسرا للمص: أي من اجتمع له جهتان يرث بكل منهما فرضا وإحداهما أقوى من الأخرى فإنه يرث بالأقوى منهما، وهذا يتفق في المسلمين على وجه الغلط تزوجا أو وطئا ومن المجوس على وجه العمد والقوة تكون بأحد أمور ثلاثة: الأول أن تكون إحداهما لا تحجب بخلاف الأخرى، ومثل لذلك بقوله: كأم أو بنت أخت راجع لهما أي كأم أخت وكبنت أخت، فالأولى كأن يتزوج المجوسي بابنته عمدا فتلد منه بنتا ثم أسلم، فإذا ماتت الصغرى قبل موت الكبرى فالكبرى أم وأخت لأب فترث بالأمومة لأنها لا تسقط، بخلاف الأخت للأب فإنها قد تسقط فلها الثلث بالأمومة، ومثال الثانية وهي بنت أخت أن يتزوج المجوسي بنته فتأتي منه
ببنت ثم أسلم ومات فهذه الابنة تكون أختا لأمها لأبيها، فإذا ماتت الكبرى بعد موت أبيها ورثتها الصغرى بأقوى السببين وهو البنوة لأنها لا تسقط بحال والأخوة قد تسقط، فلها النصف بالبنوة ولا شيء لها بالأخوة، ومن ورَّث بالجهتين قال لها النصف بالفرض والباقي بالتعصيب. الثاني من الأمور الثلاثة التي تحصل القوة بأحدها أن تحجب إحداهما الأخرى فالحاجبة أقوى، كأن يطأ مجوسي أمه فتلد ولدا فهي أمه وجدته فترثه بالأمومة اتفاقا لأن الأم تسقط الجدة. الثالث أن تكون إحداهما أقل حجبا من الأخرى كأم أم هي أخت لأب، كأن يطأ مجوسي بنته فتلد بنتا ثم يطأ الثانية فتلد بنتا ثم تموت الصغرى عن العليا بعد موت الوسطى والأب فهي أم أمها وأختها من أبيها، فترث بالجدودة دون الأخوة لأن أم الأم تحجبها الأم فقط والأختية تحجبها جماعة، وقيل ترث بالأختية لأن نصيب الأختية أكثر، وإذا كانت القوية محجوبة ورثت في الضعيفة كأن تموت الصغرى في هذا المثال عن العليا والوسطى فترث الوسطى بالأمومة الثلث والعليا بالأختية النصف.
ومفهوم قوله: "ذو فرضين" مفهوم موافقة لنص الغفاري شيخ الفاكهاني على أن العاصب بجهتين يرث بأقواهما. اهـ. كأخ شقيق أو لأب هو معتق لأخيه، وكعم هو معتق بأقوف العصوبتين الأخوة والعمومة لأن النسب أقوي من العتق. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وورث ذو فرضين بالأقوي وهو الجهة التي لا تسقط ولو كانت أقل ميراثا عند مالك والشافعي إن وقع ذلك من غير المسلمين عمدا أو خطأ، بل وإن اتفق في المسلمين خطأ ومثله المص بقوله:"كأم أو بنت أخت" بأن يتزوج ابنته فتلد له بنتا فهي أخت أمها لأبيها وبنتها أيضا: فإذا ماتت الكبرى فإرث الصغري منها بالبنوة، وإذا ماتت الصغرى فإرث الأخرى منها بالأمومة؛ لأن كلا منهما لا يسقط بحال، بخلاف الأخوة فهي أضعف الجهتين لأنها قد تسقط في بعض الأحوال، وورث أبو حنيفة بالجهتين فقال في إرث الصغرى من الكبرى إنها ترث المال كله نصفه بالبنوة ونصفه الباقي بالتعصيب، وفي إرث الكبرى من الصغرى إنها ترث ثلثه بالأمومة والنصف بالأخوة. اهـ. ولو مات الأب عنهما لكان ميراثهما الثلثين ولا أثر للزوجية لفسخها سواء كانت بين مسلمين أو مجوسيين أسلما. قاله التتائي. وقد مر أنه إذا كانت القوية محجوبة ورثت بالضعيفة كأن تموت
الصغرى في المثال المتقدم عن الوسطى والعليا فترث الوسطى بالأمومة الثلث والعليا بالأختية النصف.
قال الرهوني: يلغز بها من وجهين: الأول: في أي موضع ترث الجدة للأم مع وجود الأم ولا مانع لها؟ الثاني: في أي موضع ترث الجدة النصف والأم الثلث والعاصب ما بقي؛ وقد قلت في ذلك أبياتا، وهي هذه:
يا أيها الحبر الإمام المتبع
…
أجب عن أمر غامض هنا وقع
عن جدة قد ورثت مع بنتها
…
من دون مانع فلا ريب بها
وأخذت أكثر منها بسدس
…
وأخذ العاصب معهما السدس
ومال الكتابي الحر المؤدي للجزية لأهل دينه من كُورته يعني أن مال الكتابي أي الكافر كتابيا أو غيره الحر المؤدي للجزية الميت عندنا بلا وارث لأهل دينه من كورته بضم الكاف أي جماعته المؤدي معهم للجزية أو قرابته المؤدى بها منهم أو أهل إقليم كمصر والشام احتمالات. قاله عبد الباقي. واعلم أنه اعترض على المص بأمور منها التقييد بالكتابي، وقد قال ابن مرزوق، وتخصيص المص الكافر بكونه كتابيا لا أعلم له وجها لأن؛ المجوسي أيضا كذلك، ومنها إطلاقه الحر. قال جد علي الأجهوري: هو مقيد بما إذا لم يعتقه مسلم، أما إذا أعتقه مسلم فماله لبيت المال إن لم يكن له قرابة على دينه. قاله في المدونة. اهـ. وأما العبد فماله لسيده، ومنها أن قيد الجزية يغني عن الحرية، ومنها أن وصفها بالمؤدي للجزية يخرج الحربي، قال ابن مرزوق: وفي التعرض لإخراجه نظر أي لأنه إن دخل على التجهيز ولم تطل إقامته ولا وارث له بعث بماله لأهل بلده. قاله البناني. وقال عبد الباقي: واحترز بالمؤدي للجزية عن المستأمن فماله لوارثه إن كان معه أو دخل على التجهيز ولم تطل إقامته، فيرسل معه ديته لوارثه كما قدمه في الجهاد،
فإن لم يكن له وارث فصريح نصوصهم أنه لا حق فيه للمسلمين بل يبعث هو وديته لأهل بلاده، فإن لم يكن له وارث ودخل على الإقامة أو على التجهيز وطالت إقامته ففيئ. اهـ.
وقال عبد الباقي: المؤدي للجزية الصلحية المجملة على الأرض والرقاب، واحترز بقوله: الصلحية عن العنوية فللمسلمين على المعتمد فرقت على الأرض أو الرقاب أو أجملت إن لم يكن له وارث أيضا، وبقولي في الصلحية المجملة على الأرض والرقاب عن المفرقة عليهما أو على أحدهما فللمسلمين. اهـ. ومنها أنه أخل بقيد كونه لا وارث له، وأما إذا مات عندنا ومعه وارثه فله ماله. وقال البناني: قال ابن رشد: وإذا لم يكن لليهودي أو النصراني ورثة من أهل دينه فليس له أن يوصي بأكثر من ثلثه، لأن ورثته المسلمون وهو نص قول ابن القاسم وهذا إذا كان من أهل العنوة أو من أهل الصلح والجزية على جماعتهم، وأما إن كان من أهل الصلح والجزية مجملة عليهم لا ينقصون عنها بموت من مات منهم ولا بعدم من أعدم، فيجوز له أن يوصي بجميع ماله لمن شاء؛ لأن ميراثه لأهل دينه على مذهب ابن القاسم وهو قول سحنون، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أن ميراثه للمسلمين إذا لم يكن له وارث من أهل دينه على كل حال، وقد مر تفسير كورته عن عبد الباقي باحتمالات ثلاث، وقال التتائي عند قوله:"من كورته" ما نصه: التي جمعه وإياهم ما وضع عليهم من الجزية. اهـ. وقال الخرشي: "من كورته" أي مدينته على المشهور. اهـ.
والأصول اثنان يعني أن أصول المسائل سبعة، والمراد بالأصول أقل عدد تخرج منه سهام الفريضة من غير كسر فاصل المسألة مقام الفرض أي مخرجه، وعبر بالأصول لأن الانكسار والعول فرعان لها. قاله البناني. وأحد السبعة المذكورة اثنان والثاني أربعة ضعف الاثنين: والثالث ضعف الأربعة ثمانية والرابع ثلاثة والخامس ضعف الثلاثة ستة والسادس ضعف الستة اثنا عشر والسابع ضعف ضعف الستة أربعة وعشرون ومقصود الفرضيين بتحديد هذه المخارج شيئان: أحدهما قسمة السهام على أعداد صحاح بغير كسر، والثاني أقل عدد يصحح منه فيعملون عليه، وزاد المحققون ومنهم إمام الحرمين والنووي في باب الجد والإخوة أصلين آخرين زيادة على السبعة وهما ثمانية عشر وستة وثلاثون، مثال الأول: أم وجد وأربعة إخوة لغير أم، للأم السدس
مقامه من ستة والباقي خمسة للجد والإخوة والأفضل للجد ثلث الباقي ولا ثلث له، فتضرب المسألة في ثلاثة مقام الثلث الذي للجد بثمانية عشر ومن له شيء من ستة يضرب في ثلاثة، ومثال الثاني أم وزوجة وجد وأربعة إخوة أصلها من اثني عشر أصل المسألة من ستة وثلاثين ومن له شيء من اثني عشر يضرب في ثلاثة. وقال الجمهور: هما نشئا من أصل الستة وضعفها فهما تصحيح لا تأصيل. اهـ. ابن عرفة: ثمانية عشر حيث يكون الواجب في مسائل الجد مع الإخوة السدس وثلث ما بقي وستة وثلاثون حيث يجب فيها السدس والربع وثلث ما بقي. اهـ. ابن عرفة: من ألغاهما جعل مناط عدد أصول الفرائض مقام الجزء المطلوب وجوده في الفريضة من حيث هو مضاف لكل التركة، ومن عدهما جعل مناط ذلك مقام الجزء المذكور مطلقا لا من حيث كونه مضافا لكل التركة، وكان يجري لنا هذا التردد في كونه خلافا لفظيا أو معنويا ترتب عليه فائدة لمن الشفعة. انظرها في ابن غازي.
فالنصف من اثنين يعني أن النصف مقامه ومخرجه من اثنين، فالاثنان أصل لكل فريضة اشتملت على نصف كزوج وأخت بأقل عدد له نصف ونصف اثنان التماثل مخرجهما أو نصف وما بقي كزوج وأخ لغير أم. وقوله:"فالنصف من اثنين" اعلم أن هذه الفاء هي الفاء الفصيحة وهي الواقعة في جواب شرط مقدر؛ أي إذا أردت معرفة هذه الأصول وتفصيلها فالنصف مخرجه ومقامه من اثنين.
والربع من أربعة يعني أن الربع مخرجه ومقامه من أربعة، فالأربعة أصل لكل فريضة اشتملت على ربع وما بقي كزوج وابن أو ربع ونصف وما بقي كزوج وبنت وأخ أو ربع وثلث ما بقي كزوجة وأبوين. ومن صورحا زوجة وجد وأخت لغير أم وتسمى فريضة الجماعة. والثمن من ثمانية يعني أن الثمن مخرجه من ثمانية، فالثمانية أصل لكل فريضة اشتملت على ثمن وما بقي كزوجة وابن. والثلث من ثلاثة كذا في بعض النسخ وهو الصواب، يعني أن الثلث مخرجه من ثلاثة فهي أصل لكل فريضة اشتملت على ثلث، وما بقي كأم وضم وكإخوة لأم وعم، والسدس من ستة يعني أن السدس مقامه من ستة فهي أصل لكل فريضة فيها سدس ما بقي، كجد وابن أو سدس وثلث وما بقي، كجدة وأخوين لأم وأخ لأب أو سدس وثلثان وما بقي، كجد وابن أو سدس وثلث وما
بقي، كأم وابن أخ. قاله عبد الباقي. وقال الرهوني: مسألة: نصف وثلث وما بقي، بقيت على المص وهي من ستة أي لأنك تضرب اثنين في ثلاثة بستة لكنه غير شامل لها، وما قاله ظاهر. والله تعالى أعلم.
والربع والثلث يعني أنه إذا اجتمع في الفريضة ربع وثلث فهي من اثني عشر، أو السدس يعني أن الربع والسدس إذا اجتمعا في فريضة فإنها تكون من اثني عشر؛ لأنك إذا ضربت ثلاثة في أربعة أو اثنين في ستة فالخارج اثنا عشر هي أصل المسألة. فقوله:"من اثني عشر" خبر عن "الربع والثلث"، وقوله:"أو السدس" عطف على: "الثلث". قال عبد الباقي: والربع والثلث وما بقي كزوجة وأم وأخ أو الربع والثلثان وما بقي، كزوج وبنتين وأخ. أو الربع والسدس وما بقي كزوج وأم وابن.
واعلم أن الربع والثلث والثلثان والثمن لا يوجد منها في التركة الواحدة إلا واحد،
(1)
والربع والثمن لا يلتقيان في فريضة واحدة بوجه، قال في التحفة:
والربع كالثلث والثلثين
…
تعدمه فريضة مثلين
وثمن بالربع غير ملتق
…
وغير ذاك مطلقا قد يلتقي
قاله البناني كذا قال الرسموكي:
كل من النصف وسدس يرد
…
مكررا لا غير ذين يوجد
والثمن ليس يلتقي مع الربع
…
ولا مع الثلث وغير يجتمع
والظاهر أنه لا مخالفة بين ما في التحفة وما قال الرسموكي؛ لأن مراد الرسموكي بالثلث الذي لا يجتمع مع الثمن الثلث الواحد، وأما الثلثان فيجتمعان مع الثمن كزوجة وبنتين فصاعدا وهذا هو
(1)
في الأصل واحدا.
قول المص: والثمن والسدس أو الثلث من أربعة وعشرين يعني أنه إذا اجتمع في الفريضة ثمن وسدس فهي من أربعة وعشرين؛ لأن مخرج الثمن من ثمانية ومخرج السدس من ستة وبينهما الموافقة بالنصف، فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر بأربعة وعشرين هي أصل المسألة، وكذلك إذا اجتمع الثمن والثلث أي الثلثان في فريضة فإنها تكون من أربعة وعشرين؛ لأن مقام الثمن من ثمانية ومقام الثلثين من ثلاثة وبين الثمانية والثلاثة التباين، فتضرب أحدهما في الآخر بأربعة وعشرين هي أصل المسألة. قال عبد الباقي: والثمن والثلث أراد به الثلثين وما بقي، كزوجة وابنتين وأخ أو الثمن والسدس وما بقي كزوجة وأم وابن.
وما لا فرض فيها فأصلها عدد عصبتها يعني أن المسألة التي لا فرض فيها أي لم يفرض فيها ثلث ولا نصف مثلا فإن أصلها أي العدد الذي تخرج منه هو عدد رؤوس عصبتها حيث تعددوا وكانوا كلهم ذكورا، كأربعة أبناء أو إخوة أو أعمام أو إناثا أعتقن رقبة بالسوية وفي نسخة فيه بتذكير الضمير رعيا للفظ ما وهي نسخة الشارح، والأولى فيها رعي المعنى وإذا كانت العصبة ذكورا وإناثا ضعف للذكر على الأنثى فيجعل الذكر برأسين، كابن وبنت فهي من ثلاثة للابن اثنان وللبنت واحدت وكأختين وأخ أشقاء أو لأب فهي من أربعة، للأخ سهمان ولكل أخت سهم. قال عبد الباقي: ولما كانت المسائل ثلاثا عادلة وهي التي ساوت فروضها أصلها كزوج وأم وأخ لأم، ناقصة وهي التي نقصت فروضها عن أصلها كزوج وأم، وعائلة وهي التي زادت فروضها عن أصلها كزوج وأخت شقيقة أو الأب وأم، ترك الأولين لظهورهما وذكر الثالثة بقوله: وإن زادت الفروض أعيلت يعني أنه إذا زادت الفروض أي سهام الورثة على سهام المسألة فإن الفروض تعال بأن تجعل الفريضة علي قدر السهام فيدخل النقص على كل منهم، فإذا هلكت هالكة وتركت زوجا يطلب النصف من اثنين وأخوات شقائق أو لأب يطلبن الثلثين من ثلاثة، وإخوة لأم يطلبون الثلث من ثلاثة فتضرب الاثنين في الثلاثة بستة هي أصل المسألة، فإذا أخذ الزوج النصف وهو الثلاثة وأخذت الإخوة للأم الثلث وهو اثنان لم يبق إلا واحد فتأخذه الأخوات ويعال لها بقدر ما يكمل به الثلثان، فيجعل لها ثلاثة أسهم زيادة على الواحد فتكون سهمهن
أربعة هي مقدار الثلثين من ستة فصارت المسألة بعولها من تسعة فقد دخل النقص على الجميع، فلهن أربعة أتساع وللزوج ثلاثة أتساع وللإخوة للأم تسعان. والله تعالى أعلم.
قال الشبراخيتي: وإن زادت الفروض وهي سهام الورثة على سهام المسألة أعيلت، والعول الزيادة على أصل المسألة بما بقي من سهام ذوي الفروض. بأن تجعل الفريضة على قدر السهام فيدخل النقص على كل منهم. ولم يقع ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه. اهـ.
قال عبد الباقي: وأول من نزل به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال البناني في العصنوني عن ابن يونس أن أول ما نزلت في زمن عمر في امرأة تركت زوجا وأختا وأما، ونحوه في السطي. اهـ. فقال عمر رضي الله عنه: لا أدري، من أخره الكتاب فأوخره ولا أدري من قدمه الكتاب فأقدمه، ولكن قد رأيت رأيا، فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمن عمر، وهو أن يدخل الضرر على جميعهم وينقص كل واحد من سهمه. ويقال إن الذي أشار عليه بذلك العباس أولا وقيل علي وقيل زيد وقيل جمع من الصحابة، فأشار العباس بالعول، وقال: أرأيت لو مات رجل وترك ستة دراهم ولرجل عليه أربعة ولآخر عليه ثلاثة أليس يجعل المال سبعة أجزاء؟ فأخذت الصحابة بقوله. والظاهر كما قال السبكي أنهم كلهم تكلموا في ذلك لما وقع من عمر استشارتهم ولم يخالف عمر أحد من الصحابة إلا ابن عباس لكنه لم يظهره إلا بعد موت عمر، وقال: إن الذي أحصى رمل عالج لم يجعل في المال نصفا ونصفا وثلثا كما في سنن البيهقي، وعلل ابن عباس عدم مخالفته لعمر في زمنه بأن عمر كان رجلا مهابا، وقال: لو أن عمر نظر فيمن قدمه الكتاب فقدمه ومن أخره فأخره لما عالت فريضة، قيل: وكيف تصنع؟ قال: ينظر أسوأ الورثة حالا وأكثرهم تغييرا فيدخل عليه الضرر، يريد فيسقط سهمه أو من سهمه ما زاد على سهام المسألة، والصواب ما ذهب إليه الجماعة كالمحاصة في الديون، واستشكل تعليل ابن عباس بهيبة عمر بانقياده للحق من أدنى الناس فضلا عن ابن عباس، فقد قال للمرأة التي قالت حين نادى أن لا يكون الصداق إلا قدر صداق بنته عليه الصلاة والسلام، فاطمة: أنتبعك أم نتبع كلام الله؟ فقال لها: ما كلام الله؟ قالت. {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} يفيد جواز جعله قنطارا: أصبت وأخطأ عمر، أعظم
هدية إلى عمر إهداء عيبه له أو ما هذا معناه. وقال للصحابة من رأى في اعوجاجا فليصلحه فقام إليه بعضهم، وقال: لو رأينا فيك اعوجاجا لأقمناك بسيوفنا فحمد الله وغيرِ ذلك، وأجيب عنه بأن عمر كان ينقاد إلى ما هو منقول لا لما فيه أجتهاد، أو بأنه صرح بالخلاف زمن عمر، وقابل عمر قوله بقول الجماعة الذين منهم عمر ورجح قولهم، وبقي ابن عباس ولم يتبين له صواب ما قالوه فيرجع إليهم، ولا يعرف لأحد من الأئمة الأربعة ولا لأتباعهم موافقة ابن عباس.
وأشار المص إلى أن الفرائض التي تعول ثلاث بقوله: فالعائل الستة يعني أن العائل من الأصول المتقدمة ثلاثة فقط: الستة والاثنا عشر والأربعة والعشرون، فالستة تعول لسبعة بمثل سدسها، كزوج وأختين لغير أم، وتعول أيضا لثمانية بمثل ثلثها كزوج وأختين لغير أم وأم للزوج ثلاثة وللأم واحد وللأختين لغير أم أربعة وتعول أيضا لتسعة بمثل نصفها كزوج وأختين لغير أم وأم وأخ لأم وأم للزوج ثلاثة وللأم واحد وللأخ للأم واحد ويعال للأخوات بثلاثة مضافة إلى واحد فلهن أربعة، وتعول أيضا لعشرة بمثل ثلثيها كزوج وأم وأختين لغير أم وأخوين فصاعدا لأم فللزوج ثلاثة وللأم واحد، وللإخوة للأم اثنان ويعال للأخوات بأربع، والعائلة لعشرة تسمي أم الفروخ بخاء معجمة لكثرة عولها، ففريضة الستة تعول أربع عولات ولا يمكن أن تعول الستة لثمانية إلا والميت فيها أنثى.
وأشار إلى الثانية من الثلاث بقوله: والاثنا عشر تعول ثلاث عولات، تعول لثلاثة عشر بمثل نصف سدسها كزوجة وأختين لغير أم وأم للزوجة ثلاثة وللأختين ثمانية يعال للأم بواحد مضافا لواحد، وتعول الاثنا عشر أيضا لخمسة عشر بمثل ربعها كزوجة وأختين لغير أم وأم وأخ لأم للزوجة ثلاثة وللأختين ثمانية وللأم واحد مضاف إلى واحد بالعول، ويعال للأخ بمقدار السدس اثنين فتلك خمسة عشر وتعول الاثنا عشر أيضا لسبعة عشر بمثل ربعها وسدسها ولا يمكن أن تعول لها إلا والميت ذكر.
ومن أمثلة سبعة عشر أم الأرامل، وتسمى: أم الفروج بجيم، ثلاث زوجات وجدتان وأربع أخوإت لأم وثمان أخوات لأب والتركة سبعة عشر دينارا، فلكل واحدة دينار: وهذه هي الدينارية الصغري، وألغز فيها بعضهم فقال:
ألم تسمع وأنت بأرض مصر
…
بذكر فريضة في المسلمين
بسبع ثم عشر من إناث
…
فخرت بهن عند الفارضين
فأحرزن الوراثة قسم حق
…
سواء في حقوق الوارثين
وتسمى: المنبرية، والسبع عشرية لأنها سبع عشرة امرأة ورثن سبعة عشر دينارا بالسوية، وأما الديناريه الكبرى فزوجة وبنتان وأم واثنا عشر أخا وأخت واحدة، والمتروك ستمائة دينار من أربعة وعشرين للبنتين الثلثان ستة عشر وللأم السدس أربعة وللزوجة الثمن ثلاثة، ويفضل واحد على خمسة وعشرين رأسا عدد رؤوس الإخوة مع الأخت، فتضرب خمسة وعشرين في أربعة وعشرين بستمائة للبنتين أربعمائة لأن لهما ستة عشر مضروبة في خمسة وعشرين: وللأم مائة من ضرب أربعة في خمسة وعشرين وللاثنى عشر أخا، وللأخت خمسة وعشرون من ضرب واحدٍ في رؤوسهم، وللزوجة خمسة وسبعون من ضرب ثلاثة في خمسة وعشرين، جاءت الأخت إلى علي رضي الله عنه وقالت له: أخي مات وخلف ستمائة دينار فأعطيت منها دينارا واحدا، فقال لعل أخاك ترك زوجة وبنتين وأما واثنى عشر أخا وأنت فقالت: نعم، فقال لها: حقك ما خصك. ونظمها بعضهم فقال:
إذا امرأة جاءت إلى بيت عالم
…
فقالت أخي أودي فأعطيت درهما
وخلف نصف الألف مالا وعشرها
…
ولم أعط منه غيره متفهما
فقال لها أودى وخلف زوجة
…
وبنتين مع أم لها كان مكرما
ومثل شهور العام في العد إخوة
…
وكنتِ لهم أختا فأعطيتِ درهما
وأشار إلى الثالثة بقوله: والأربعة والعشرون للسبعة والعشرين يعني أن الفريضة التي هي من أربعة وعشرين لا تعول إلا عولة واحدة، فتعول لسبعة وعشرين لا غير.
واعلم أنه لا يمكن أن تعول الفريضة أربعة وعشرين إلا والميت ذكر لمكان الثمن.
وبين حيث تعول الأربعة والعشرون للسبعة والعشرين بقوله: زوجت وأبوان وابنتان فللزوجة ثلاثة وللأبوين ثمانية لكل منهما أربعة بقيت ثلاثة عشر تأخذها البنات، ويعال لهن بثلاثة لتتم لهق ستة عشر مقدار الثلثين من أربعة وعشرين، وهي المنبرية يعني أن هذه العائلة لسبعة وعشرين تسمى بالمنبرية، لقول سيدنا علي كرم الله وجهه: - وقد سئل عنها وهو على المنبر يخطب - صار ثمنها نسعا ومضى لخطبته، فصارت الفريضة تسع ثلاثات، فللزوجة الثمن ثلاثة: وللبنتين الثلثان ستة عشر، ولكل واحد من الأبوين السدس أربعة عيل فيها بمثل ثمنها، ونقص كل واحد تسع ما معه، قيل صدر خطبة علي رضي الله تعالى عنه: الحمد الذي يحكم بالحق قطعا، ويجزئ كل نفس بما تسعى، وإليه المعاد والرجعى، فسئل علي حينئذ فقال صار ثمنها تسعا. كذا أخبر به بعض طلبة اليمن أنه سمعه في اليمن من بعض شيوخه. قاله عبد الباقي.
تنبيه: بين المص هنا بقوله: "صار ثمنها تسعا" قدر نقص ما عالت به ويعلم منه نقص ما بيده، ويجري مثل هذين في جميع ما مر من قوله:"فالعائل الستة لسبعة" إلى هنا، وقد بينا نسبة العول إليها ولم نبين ما نقص كل وارث. ونظم الأمرين علي الأجهوري فقال.
وعلمك قدر النقص من كل وارث
…
بنسبة عول للفريضة عائله
ومقدار ما عالت بنسبته لها
…
بلا عولها فارحم بفضلك قائله
فائدة مما يلغز به هذا:
يأهل بيت توى بالأمس ميتهم
…
فأصبحوا يقسمون المال والحللا
فقالت امرأة من غيرهم لهم
…
إني سأسمعكم أعجوبة مثلا
في البطن مني جنين دام رشدكم
…
فأخروا القسم حتى تعلموا الحبَلا
فإن يكن ذكرا لم يعط خردلة
…
وإن ألد غيره أنثى فقد فضلا
بالثلث حقا سواء ليس ينكره
…
من كان يعرف قول الله إذ نزلا
والثلث لي كامل يا قوم فاستمعوا
…
ما قلت قولا لكم جورا ولا خطلا
هذه امرأة تركت زوجها وأمها وأخويها لأمها، فلزوجها النصف ولأمها السدس ولأخويها لأمها الثلث، والمخاطبة للورثة زوجة أبي الهالكة توفي عنها وتركها حاملا، فإن ولدت غلاما كان أخا لأب فلا يرث لأنه عاصب، وإن ولدت أنثى كانت أختا لأب فيربى لها بالنصف فتبلغ تسعة فصار نصفها ثلثا. اهـ.
ومما يلغز به أيضا هذا:
فما خال حوى الميراث حقا
…
وعم الميت لم يأخذ فتيلا
هذا رجل تزوج امرأة وتزوج أبوه بنتها، فولد لكل واحد منهما غلام فولد الابن يرثه خاله ابن الابن وابن أخيه، فتوفي ابن الأب وترك عما وابن أخيه الذي هو خاله فورثه خاله دون عمه، ولبعضهم:
لقد جئت من أرض الحجاز مبادرا
…
بميراث قوم طال فيهم تفكر
لوارثة بعلا وبعلين بعده
…
وبعلا أخوه ذو الجناحين جعفر
كان لها من قسمة المال نصفه
…
بذلك يقضي العالم المتدبر
هذه امرأة تزوجت هذه الإخوة واحدا بعد واحد، وكان مال الميت الأول ثمانية دنانير ومال الثاني ستة ومال الثالث ثلاثة ومال الرابع واحد، فورثت من صاحب الثمانية دينارين وورثت إخوته ما بقي، فصار لصاحب الستة ثمانية ولصاحب الثلاثة خمسة ولصاحب الواحد ثلاثة ثم توفي صاحب الثمانية وهو الأخ الثاني، فورثت منه دينارين أيضا وورث أخواه ما بقي فصار لصاحب الخمسة وهو الأخ الثالث ثمانية ولصاحب الثلاثة وهو الأخ الرابع ستة، ثم توفي الثالث فورثت
منه دينارين أيضا وورث أخوه ما بقي وهو ستة فصار عنده اثنا عشر، ثم توفي هو أيضا فورثت منه ثلاثة وهو الرابع، فاجتمع لها تسعة وهي نصف جميع أموالهم. اهـ.
ولما قدم أصول المسائل وما يعول فيها وما ينتهي إليه العول، شرع في تصحيح المسائل وبيان كيفية العمل بها ولا يخفى ذلك إن انقسمت السهام فيها على الورثة، كزوجة وثلاثة إخوة، وكثلاثة بنين وكزوج وأم وأخوين شقيقين أو لأب فللزوج النصف وللأم السدس ولكل أخ سهم وإن لم تنقسم وانكسرت، فأشار إلى ذلك بقوله: ورد كل صنف انكسرت عليه سهامه إلى وفقه يعني أنه إذا انكسرت السهام على الرؤوس أي لم تنقسم على عدد الصنف، فإن القاسم ينظر بين الصنف وسهامه بنظرين؛ لأنه إما أن يوافق السهام الصنف بأن يكون لكل منهما ثلث صحيح مثلا أو ربع كذلك، وإما أن تباين السهام الصنف بأن لا يتوافقا في جزء صحيح فإن وافقت السهام الصنف فإن القاسم يرد الصنف إلى وفقه، فإن كانت بالنصف رده إلى النصف وبالثلث رده إلى ثلثه: وضرب الوفق في أصل المسألة حيث اتحد الصنف، كزوجة وستة إخوة لغير أم أصلها من أربعة للزوجة واحد وللإخوة ثلاثة لا تنقسم عليهم لكنها توافقهم بالثلث، بيانه أن الثلاثة لها ثلث صحيح وهو واحد والستة فيها ثلث صحيح وهو اثنان، فترد الستة إلى اثنين ثلثها وتضرب الاثنين في أصل المسألة فتحصل ثمانية، وتقول من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا في اثنين وفق الصنف فللزوجة ربعها اثنان ولكل واحد من الإخوة سهم.
وإلا توافق السهام الصنف في جزء صحيح بل باينته ترت القاسم الصنف على حاله إذ لم يكن ما يرده إليه لعدم اتفاقهما في جزء صحيح، وليس معنى ترك أنه لا يتصرف فيه بشيء فيضرب عدد الرؤوس المنكسرة عليهم سهامهم في أصل المسألة، ثم تقول من له شيء أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة، كبنت وثلاث أخوات شقائق أو لأب، المسألة من اثنين للبنت النصف والنصف الآخر للأخوات مباين لهن، فتضرب ثلاثة في اثنين بستة فللبنت واحد في ثلاثة بثلاثة وللأخوات واحد في ثلاثة بثلاثة لكل سهم.
تنبيهات: الأول: علم مما قررت أن قوله: "ورد" ماض مبني للفاعل بدليل ترك وقابل لأن ترك ماض بلا شك والماضي يمتنع عطف الإنشاء عليه، فيتعين أن يكون قابل ماضيا بناء على امتناع
عطف الخبر على الإنشاء وعكسه، والفاعل هنا هو الحاسب أو القاسم لأنه معلوم مما هنا. والله أعلم.
الثاني: هنا أمور عرفها المص أتم تعريف، وهي: التداخل والتوافق والتباين والتماثل، لكنه لم يعرف التماثل لوضوحه وهذه الأربعة تجري في الأصناف بينها وتجري في التوصل إلى تأصيل المسألة، وأما الصنف وسهامه فلا يجري بينهما إلا الموافقة والتباين؛ لأنه إذا ماثل الصنف السهام أو دخل فيها تكون السهام منقسمة على الصنف فلا حاجة إلى ضربه حيث لم يكن معه صنف آخر يحتاج إلى عمل.
الثالث. قوله: "ورد كل صنف" لخ عام فيما إذا انكسر السهام على صنف واحد أو أكثرة والمثالان اللذان ذكرتهما حيث انكسرت السهام على صنف واحد فيما لا عول فيه، ومثال الموافقة فيما فيه العول زوج وأخت لغير أم وأربعة إخوة للأم أصلها من ستة، وتعول لِثمانيةٍ: للزوج ثلاثة وللأخت لغير الأم ثلاثة وللإخوة للأم اثنان وهما لا يقسمان على أربعة، ولكن بينهما الموافقة بالنصف لأن لكل منهما نصفا صحيحا
(1)
، فنصف الأربعة اثنان ونصف الاثنين واحد فترد الأربعة إلي وفقها وهو اثنان، فتضرب الاثنين في أصل المسألة بعولها بستة عشرة وتقول من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة، فللزوج ثلاثة في اثنين بستة وللأخت لغير الأم ثلاثة في اثنين بستة وللإخوة الأربعة لأم أربعة لكل سهم، ومثال التباين فيما فيه العول: زوج وأخت شقيقة أو لأب وثلاث إخوة لأم أصلها من ستة لأن للإخوة للأم
(2)
ثلث وهو من ثلاثة وبين نصيبي الزوج والأخت التماثل، فتكتفي بأحدهما وتضربه في مخرج الثلث بستة للزرج ثلاثة وللأخت ثلاثة ويعال للإخوة للأم الثلاثة باثنين فقد عالت لثمانية والاثنان لا ينقسمان على ثلاثة ولا يوافقانها، فتضرب الثلاثة في أصل المسألة بعولها بأربعة وعشرين وتقول من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة فللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة، وللأخت ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللإخوة الثلاثة لأم اثنان في ثلاثة بستة لكل سهمان.
(1)
في الأصل: نصف صحيح.
(2)
كذا في الأصل.
الرابع: اعلم أنه إذا كانت الموافقة بين السهام والصنف حاصلة في جزءين فإنه يرد الصنف إلى أصغر وفقه، مثاله أم وأخ لأم وثمانية إخوة لغير أم فالمسألة من ستة للأم واحد وللأخ للأم واحد، وما بقي وهو أربعة للإخوة لغير الأم وهم ثمانية وبينهما الموافقة بالنصف والربع فترد الإخوة إلى أصغر الوفقين وهو الربع، فتضرب اثنين في أصل المسألة باثني عشر للأم واحد في اثنين باثنين وللأح للأم واحد في اثنين باثنين وللإخوة لغير الأم أربعة في اثنين بثمانية لكل سهم.
الخامس: قال البناني عند قوله: "وإلا ترك". ما نصه: علم منه أنه لا يعتبر بين الصنف وسهامه إلا نسبتان التوافق والتباين، وإنما سقط التماثل لأنه لا انكسار فيه وسقط التداخل لأن الداخل إن كان هو الصنف في السهام فلا انكسار أيضا وبالعكس فداخل في الموافقة؛ لأن تصحيح المسألة بها مود إلى عدد أقل من الاكتفاء بالأكثر. قاله علي الأجهوري عن شيخ الإسلام. اهـ. قال الرهوني: هذا صحيح لا شك فيه فإن عملنا على التداخل واكتفينا بالأكثر - يعني كما في المثال الذي قدمته قريبا - فالخارج ثمانية وأربعون، وإن عملنا على التوافق ردت الثمانية إلى أصغر وفقيها وهو الربع وربعها اثنان فتضرب الاثنان في المسألة باثني عشر ومنها تصح ولا يتوقف أحد أن اثني عشر أقل من ثمانية وأربعين. قال في التوضيح بعد أن ذكر رد الصنف الواحد إلى وفقه ما نصه: ولو ضربنا عدد رؤوسهم في أصل المسألة لحصل المقصود لكن المطلوب الاختصار فلذلك كان إخراج المسألة من العدد الكثير مع إمكان إخراجها من العدد اليسير ليس بجيد عند الفُراض، وإن كان عبد الغافر ربما خالف هذا. اهـ.
وقابل بين اثنين يعني أنه إذا انكسرت السهام على صنفين فإن القاسم ينظر بينهما بأحد أنظار أربعة المماثلة والمداخلة والموافقة والمباينة، فإذا نظر بين الصنف وسهامه فعل ما مر ثم نظر بين الصنفين لخ، فإن وجدهما متماثلين أخذ أحد المثلين أي يكتفي بأحدهما، واعلم أنه ينظر أولا بين كل صنف وسهامه فإما أن يرده إلى وفقه في الموافقة وإما أن يتركه لمباينته لسهامه، ثم ينظر حينئذ بين الصنفين أو أكثر بالوجوه الأربعة كما قررت. قوله:"فأخذ أحد المثلين" قال البناني: في هذا ثلات صور كما يأتي للمص؛ لأنه إما أن يوافق كل صنف سهامه، ومثاله دون عول: أم وأربعة إخوة لأم وستة إخوة لأب أصلها من ستة للأم واحد ولأولادها الأربعة اثنان يوافقان
بالنصف وللإخوة للأب الستة ثلاثة توافقهم: فنصف إخوة الأم اثنان وثلث إخوة الأب اثنان فتكتفي بأحدهما وتضربه في أصل المسألة، فيحصل اثنا عشر سهما من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة، فللأم سهم في اثنين باثنين وللإخوة للأم الأربعة اثنان في اثنين بأربعة لكل سهم وللإخوة للأب ستة ثلاثة في اثنين بستة لكل واحد منهم سهم، ومثاله بالعول أم وستة إخوة لأم واثنتا عشرة أختا لأب أصلها من ستة وتعول لسبعة للأم واحد وللإخوة للأم الستة اثنان وللأخوات للأب أربعة، فتنظر بين الإخوة للأم وسهامهم فتجد بينهم الوافقة بالنصف فتردهم إلى وفقهم ثلاثة وتنظر بين الأخوات للأب الاثنتي عشرة وسهامهن الأربعة، فتجد بينهن وبين سهامهن الموافقة بالربع فتردهن إلى ثلاثة ربعهن ثم تنظر بين الصنفين فتجدهما متماثلين، فتكتفي بأحدهما فتضرب ثلاثة في سبعة بواحد وعشرين وتقول من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة، وللأم واحد في ثلاثة بثلاثة وللإخوة للأم ستة اثنان في ثلاثة بستة لكل سهم وللأخوات الاثنتي
(1)
عشرة أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل سهم: وإما أن يباين كل صنف سهامه، ومثاله دون عول: زوجتان واختان لأب وعاصبان من اثني عشر، للزوجتين الربع ثلاثة وللعاصبين واحد فتضرب اثنين في اثني عشر بأربعة وعشرين للزوجتين ثلاثة في اثنين بستة لكل ثلاثة أسهم وللأختين ثمانية في اثنين بستة عشر لكل ثمانية وللعاصبين واحد في اثنين باثنين لكل سهم، ومع العول: أم وثلاثة إخوة لأم وثلاث أخوات لأب أصلها من ستة وتعول لسبعة للأم واحد وللإخوة للأم اثنان وللأخوات الثلاث لأب أربعة، فتضرب ثلاثة في سبعة بأحد وعشرين وتقول من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة، فللأم واحد في ثلاثة بثلاثة وللإخوة للأم الثلاثة اثنان في ثلاثة بستة لكل سهمان، وللأخوات الثلاث لأب أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل أربعة أسهم. والله تعالى أعلم.
وإما أن يوافق أحدهما ويباين الآخر، ومثاله دون عول: أم وست بنات وثلاثة بني ابن، أصلها من ستة للأم واحد وللبنات الست أربعة لا تنقسم عليها بل توافقها بالنصف فتردهن إلى وفقهن
(1)
في الأصل: الاثنتا.
ثلاثة ولبني الابن الثلاثة سهم، فتكتفي بأحد المثلين فتضرب ثلاثة في ستة بثمانية عشر، وتقول من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة، فللأم واحد في ثلاثة بثلاثة وللبنات الست أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل سهمان، وللثلاثة بني الابن واحد في ثلاثة بثلاثة. ومع العول: أم وستة إخوة لأم وثلاث أخوات لأب، أصلها من ستة وتعول لسبعة فترد الإخوة للأم لوفقها وهو النصف ثلاثة تماثل الأخوات لأب الثلاثة فتضرب ثلاثة في سبعة بواحد وعشرين، وتقول من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة، فللأم واحد في ثلاثة بثلاثة، وللإخوة لأم الستة اثنان في ثلاثة بستة لكل سهم، وللأخوات الثلاث لأب أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل أربعة.
أو أكثر المتداخلين يعني أنه إذا انكسرت السهام على صنفين فإن القاسم ينظر بين كل صنف وسهامه بأحد أمرين: الموافقة أو المباينة، فيفعل ما مر ثم ينظر بين الصنفين، فإن كانا متداخلين بأن أفنى أحدهما الآخر أولا فإنه يكتفي بالأكثر منهما، وفيه أيضا ثلاث صور كما يأتي للمص؛ لأنه إما أن يوافق كل صنف سهامه ومثاله دون عول: أم وثمانية إخوة لأم وستة إخوة لأب، ومع العول: أم وأربعة إخوة لأم وست
(1)
عشرة أختا لأب، وإما أن يباين كل صنف سهامه ومثاله دون عول: زوجتان وبنت وأربعة إخوة لأب، ومع العول: أم وثلاث أخوات لأب وتسعة إخوة لأم وإما أن يوافق أحدهما ويباين الآخر، ومثاله دون عول: أربع زوجات وستة إخوة لأب. المسألة من أربعة ووفق الإخوة داخل في عدد الزوجات، ومع العول: أم وستة إخوة لأم وتسع أخوات لأب.
وحاصل ضرب أحدهما في وفق الآخر إن توافقا يعني أنه إذا انكسرت السهام على صنفين فإن القاسم ينظر بين كل صنف وسهامه على ما مر ثم ينظر بين الصنفين، فإن توافقا ضرب وفق أحدهما في الآخر ثم يأخذ الحاصل من ذلك فيضربه في أصل المسألة، وفيه أيضا ثلاث صور؛ لأنه إما أن يوافق كل صنف سهامه ومثاله دون عول: أم وثمانية إخوة لأم وثمانية عشر أخا لأب،
(1)
في الأصل: وستة.
المسألة من ستة للأم واحد وللإخوة للأم اثنان لا ينقسمان عليهم لكن يوافقان عددهم بالنصف يرد الثمانية لأربعة وللأخوة للأب ثلاثة لا تنقسم عليهم لكن توافق عددهم بالثلث وثلثهم ستة توافق الأربعة وفق الإخوة للأم بالنصف، فتضرب وفق أحدهما في كامل الأخر اثنان في ستة أو أربعة في ثلاثة باثني عشر هي جزء السهم، فاضربه في ستة أصل المسألة يحصل اثنان وسبعون، من له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا في اثني عشر فللأم واحد باثني عشر وهي سدس الحاصل، وللإخوة للأم اثنان في اثني عشر بأربعة وعشرين ثلث الحاصل، وللإخوة وللأب ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين نصف الحاصل لكل واحد سهمان. ومع العول: أم وأثنا عشر أخا لأم وست عشرة أختا لأب، وإما أن يباين كل صنف سهامه ومثاله دون عول: تسع بنات وستة إخوة لأب أصلها من ثلاثة، ومع العول: أم وتسع أخوات لأب وخمسة عشر أخا لأم، وإما أن يوافق أحدهما ويباين الأخر ومثاله دون عول ثمان بنات وستة بني ابن أصلها من ثلاثة، ومع العول: أم واثنا عشر أخا لأم وتسع أخوات لأب.
وإلا أي وإن لم يتوافق الصنفان ولا تداخلا ولا تماثلا ففي كله إن تباينا أي فإن لم يحصل واحد من الأمور الثلاثة فالصنفان متباينان، ووجه العمل في تباين الصنفين أن تضرب كل أحدهما في كل الآخر واضرب الحاصل من ذلك في أصل المسألة، وفي ذلك أيضا ثلاث صور لأنه إما أن يوافق كل صنف سهامه، ومثاله دون عول: أم وأربعة إخوة لأم وتسعة إخوة لأب، ومع العول: أم وأربعة إخوة لأم وستة أخوات لأب، وإما أن يباين كل صنف سهامه ومثاله دون عول ثلاث زوجات وعاصبان أصلها من أربعة، ومع العول: أم وخمس أخوات لأب وثلاثة إخوة لأم، وإما أن يوافق أحدهما ويباين الآخر ومثاله دون عول: أربع أخوات لأب وثلاثة إخوة لأم أصلها من ثلاثة للأخوات الأربع اثنان توافقهن بالنصف وواحد للإخوة الثلاثة، مباين لهم ومع العول: أم وثلاثة إخوة لأم وثمان أخوات لأب، وبهذا يتم تمثيل الصور الأربع والعشرين من ضرب الاثنتي عشر صورة التي حصلها المص في حالتي العول وعدمه والعمل فيها ظاهر من كلام المص. والله تعالى أعلم. قاله البناني.
ثم بين الحاصل والثالث يعني أنه إذا انكسرت السهام على أكثر من صنفين بأن انكسرت على ثلاثة أصناف فإن الحاسب ينظر بين كل صنف وسهامه على ما مر، ثم بعد ذلك ينظر بين صنفين منها بأحد الأمور الأربعة، ثم ينظر بين الحاصل أي ما حصل من الكلام المار من أخذ أحد المثلين أو أكثر المتداخلين، أو حاصل ضرب أحدهما في وفق الآخر إن توافقا، أو حاصل ضرب كامل أحدهما في كامل الآخر إن تباينا، وبين الصنف الثالث بأحد الأمور الأربعة المماثلة والتداخل والتوافق والتباين فيكتفي بأحد المثلين وأكثر المتداخلين فيضرب أحد المثلين في أصل المسألة، وكذلك يفعل بأكثر المتداخلين ويضرب الحاصل من ضرب وفق الحاصل من الصنفين والثالث في أصل المسألة والحاصل من ضرب كل الحاصل في كل الثالث كذلك أيضا.
قال البناني: يتصور في وقوع الانكسار على ثلاث فرق أربعة أقسام: أحدها أن توافق السهام عدد الرؤوس في الفرق الثلاثة؛ مثاله: زوجة وستة إخوة لأم وأربع جدات وست أخوات لأب؛ أصلها من اثني عشر وتعول لسبعة عشر وقد انكسرت السهام على ثلاث فرق وكل فرقة توافقها حصتها بالنصف فتُثْبتُ الأوفاقَ وهي ثلاثة وثلاثة واثنان؛ فتضرب ثلاثة منها في اثنين بستة وتضرب الخارج في السبعة عشر التي عالت إليها المسألة فتصح المسألة من اثنين ومائة.
القسم الثاني: أن تباين السهام عدد الرؤوس في الفرق الثلاث، مثاله: أربع زوجات وخمس أخوات لأب وثلاث إخوة لأم، أصلها من اثني عشر وتعول إلى خمسة عشر وقد باينت السهام الرؤوس في الفرق الثلاث فتثبت عدد الرؤوس فيها فتكون أربعة وخمسة وثلاثة، فتضرب بعضها في بعض بستين تضرب في أصل المسألة بعولها فيكون الخارج تسع مائة منها تصح.
القسم الثالث: أن توافق السهام الرؤوس في فرقتين وتباينها في الثالثة، ومثاله: أربع زوجات وست أخوات لأب واثنا عشر أخا لأم، أصلها أيضا من اثني عشر وتعول إلى خمسة عشر، وقد وافقت سهام الأخوات بالنصف وسهام الإخوة للأم بالربع، وباينت سهام الزوجات فتثبت الوفقين ثلاثة وثلاثة وتثبت أربعا عدد الزوجات وتضرب ثلاثة في أربعة باثني عشر، والخارج في المسألة بعولها يخرج في الضرب ثمانون ومائة ومنها تصح.
القسم الرابع: أن يباين في فرقتين ويوافق في الثالثة، مثاله: أربع زوجات وست أخوات لأب وخمسة إخوة لأم، أصلها أيضا من اثني عشر وتعول إلى خمسة عشر فتجد سهام الأخوات توافق رؤوسهن بالنصف فتُثبت نصف رؤوسهن ثلاثة وتثبت أربعة عدد الزوجات وخمسة عدد الإخوة للأم للمباينة، فتكون الأعداد المثبتة أربعة وثلاثة وخمسة وهي متباينة، فتضرب بعضها في بعض يخرج ستون فتضربها في الخمسة عشر يخرج في الضرب تسعمائة منها تصح، ويتصور في كل من الأقسام الأربعة أقسام التوافق والتباين والتداخل والتماثل. انظرها في المطولات. والله تعالى أعلم.
ثم كذلك يعني أنه إذا انكسرت السهام على أكثر من ثلاثة أصناف، بأن انكسرت على أربع فإنه ينظر بين كل صنف وسهامه على ما مرت ثم ينظر بين صنفين منها بأحد الأمور الأربعة: التماثل والتداخل والتوافق والتباين على ما مر، ثم ينظر بين الحاصل من أمرهما وبين الثالث من الأصناف بالوجوه الأربعة على ما مر، ثم ينظر بين الحاصل من أمر الأصناف الثلاثة وبين المصنف الرابع بأحد الوجوه الأربعة: التماثل والتداخل والتوافق والتباين. هذا هو ظاهر المص على ما شرح به الشراح. واعترض بأن غاية ما تنكسر فيه السهام ثلاثة أصناف ولا يكون الانكسار على أكثر منها، وذلك لأن الإمام لا يورث أكثر من جدتين مع أن الانكسار على أربع فرق لا يوجد إلا بكون الجدات إحدى الفرق، ولا تكون المسألة في ذلك إلا من اثني عشر أو أربعة وعشرين، ونصيب الجدتين فيهما مقسوم لأنه إما اثنان أو أربعة، كميت عن جدتين وأربع زوجات وأربعة إخوة لغير أم وخمسة إخوة لأم، ولو جعل تحت قوله:"وإلا" صورتين أي بأن لم تنكسر السهام على بعض وانكسرت على بعض أو باينت المصنف لاندفع الاعتراض المذكور. قاله مقيده عفا الله تعالى عنه. وأجيب عن الاعتراض المذكور بأنه يتصور ذلك على قول الإمام في مسائل القافة إذا ألحقت الولد بأبوين أو أكثر، فماتا أو ماتوا ثم مات الولد عن جدة لأمه وجدتين لأبوين مثلا وزوجتين وثلاثة إخوة لأم وأخوين لأب؛ والمسألة من اثني عشر. فتأمله. انظر البناني. ويتصور ذلك أيضا على مذهب سيدنا زيد الذي يورث أكثر من جدتين؛ لأنه يورث أمهات الأم وأم الأب وأمهاتها وأم أبي الأب. انظر البناني.
قال الرهوني: قول البناني: ثم مات الولد عن جدة لأمه وجدتين لأبوين، فيه إجمال فلو بينه كما فعل التاودي لكان أحسن؛ لأن الانكسار فيما ينوب الجدات إنما يقع في نصيب جدتي الأب: لأنهما يأخذان النصف والجدة للأم تأخذ النصف فلا انكسار في حقها. تأمله اهـ. وللرسموكي رحمه الله:
يقع الانكسار للوراث
…
لنصف أو نصفين أو ثلاث
ولا يكون واقعا لأربع
…
إلا على توريث جدات فع
قال في شرحه: إلا على توريث جدات ثلاث أو أكثر عند زيد بن ثابت في المرجوح من قوله أو عند مالك في صورة الشركاء في الأمة إذا وطئوها في طهر فولد من ذلك أولاد فألحقتهم القافة بكل واحد منهم، أو لم توجد القافة فمات أحدهم قبل بلوغه بعد موت أمه وآبائه عن جدات وأربع زوجات وثلاث أخوات شقائق وثلاث إخوة لأم، فإنه يكون واقعا لأربعة أصناف فقط ولا يقع لخمسة أصناف على كل حال.
تنبيهات: الأول: اعلم أن الانكسار على ثلاثة أصناف، لا يكون إلا في مسألة من ستة أو اثنيْ عشر أو أربعة وعشرين لا غير.
الثاني: قال البناني: يقال صنف وفريق وحيز وطائفة ونوع وكلها مترادفة.
الثالث: اعلم أن العدة الذي تضرب فيه المسألة يسمى جزء السهم، وإنما سهي العدة الذي يضرب فيه ما بيد كل وارث ليخرج سهمه في سائر الأبواب بجزء السهم؛ لأن ذلك العدة هو القدر الذي ينوب كل فرد من الأفراد التي كانت بيد كل وارث، فإذا كرر ذلك العدة بقدر الأفراد التي كانت بيد كل وارث يضربه فيها خرجت جملة سهمه، فذلك العدة حينئذ جزء من جملة سهم كل وارث كان في يده اثنان أو أكثر، وأما الذي كان في يده واحد فذلك العدة هو مقدار سهمه.
الرابع: قال الرسموكي موضحا لما إذا وقع الانكسار على أربعة أصناف: وإن كان في الورثة ثلاث جدات أو أكثر فوقع الانكسار على أربعة أصناف فالعمل كالعمل في الانكسار على ثلاثة أصناف،
إلا أنك تقابل بين الحاصل من الأعداد الثلاثة وبين الرابع بالأوجه الأربعة المسابقة، ثم تضرب الحاصل من تلك الأعداد الأربعة فيما صحت منه المسألة الأولى، فتخرج لك ما تصح منه بلا انكسار وتضرب ما بيد كل وارث فيما ضرب في المسألة فيخرج سهمه، مثال ذلك: أربع زوجات وثلاث جدات وست أخوات لأب وثمانية إخوة لأم، فأصلها من اثني عشر، وتعول لسبعة عشر فتنكسر ثلاثة على أربع زوجات وهما متباينان، وينكسر اثنان على ثلاث جدات وهما متباينان، وتنكسر ثمانية على ست أخوات وهما متوافقان بالنصف، وتنكسر أربعة على ثمانية إخوة وهما متوافقان بالربع، ثم أرجع إلى الأعداد الأربعة وقابل بين الاثنين والثلاثة تجدهما متباينين، فاضرب أحدهما في الآخر تخرج لك ستة، ثم قابل بين الستة الحاصلة منهما والثلاثة الأخرى تجدهما متداخلين، فاستغن بالستة التي هي أكبرهما وقابل بينها وبين الأربعة الباقية تجدهما متوافقين بالنصف. فاضرب نصف أحدهما في كامل الآخر يخرج لك اثنا عشر من تلك الأعداد الأربعة، فاضربها في السبعة عشر التي صحت منها المسألة الأولى يخرج لك ما تصح منه بلا انكسار وهو أربعة ومائتان؛ فاجعلها بعد الأولى واضرب ما بيد كل وارث في تلك الاثني عشر يخرج لك لكل زوجة تسعة ولكل جدة ثمانية ولكل أخت ستة عشر ولكل أخ ستة. هكذا.
ضرب في المسألة وفي العول أيضا
المجموع 17 - 204
4 زوجات 3 - 36
3 جدات 2 - 24
6 أخوات 8 - 96
8 إخوة 4 - 48
يعني أنه يضرب الحاصل أي الذي أخذ فيما إذا انكسرت السهام على صنفين أو أكثر في أصل المسألة حيث لم تعل، وفيها مع عولها إن عالت. وكذلك يضرب الحاصل فيما إذا انكسرت السهام على صنف واحد في المسألة حيث لم تعل وفيها مع عولها كزوج وأخت لغير أم وستة
إخوة لأم أصلها من ستة، وتعول لثمانية للزوج ثلاثة وللأخت ثلاثة وللإخوة للأم اثنان لا تنقسم عليهم، وبينهما التوافق بالنصف فترد رؤوسهم لثلاثة هي جزء السهم تضرب في ثمانية بأربعة وعشرين للزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللأخت ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللإخوة للأم ستة لكل واحد سهم، وهذه النسخة التي شرحت عليها المص للمواق ونسخة غيره وضرب في العول أيضا فتكون ضرب معطوفة على مقدر أي ضرب في المسألة وضرب في العول أيضا. والله تعالى أعلم.
وفي الصنفين اثنتا عشرة صورة يعني أن في الصنفين إذا انكسرت سهامهما عليهما اثنتا عشرة صورة على سبيل الإجمال؛ لأنك إذا اعتبرت العول ففي ذلك اثنتا عشرة صورة، فإن لم تعل ففيهما اثنتا عشرة أيضا فتصير الصور أربعا وعشرين وجرد المص التاء من اثنتا عشرة صورة في بعض النسخ، فقال: اثنا عشر صورة، قال الشبراخيتي: وكان الواجب عربية أن يقول اثنتا عشرة صورة لأنه أنث تمييز العدة، والجواب أن صورة مؤنثة في اللفظ مذكرة في التقدير لأن معناها فرض أو تقدير أو عدد، وكأنه قال اثنا عشر فرضا أو تقديرا أو عددا وهذا الذي ذكر المص علم حكمه مما سبق، وإنما أفاد هنا ما تحته من عدد الصور.
لأن كل صنف إما أن يوافق سهامه هذا تبيين منه لاثنتي عشرة صورة، قوله:"لأن كل صنف إما أن يوافق سهامه" أي يوافق رؤوس الصنفين سهامهما جميعا، أو يباينه أي يباين رؤوس كل من الصنفين سهامه أو يوافق أحدها أي أحد الصنفين سهامه، ويباين الآخر سهامه ثم ينظر في هذه الثلاث نظرًا ثانيا، وهو أن تقول كل من الصنفين الذين انكسرت عليهما السهام في هذه الثلاث له أربعة أحوال، لأنهما إما أن يتداخلا كأم وأربعة إخوة لأم واثنا عشر أخا لأب، أصلها من ستة وتصح من أربعة وعشرين لأن أولاد الأم يردون إلى اثنين وأولاد الأب إلى أربعة وبينهما تداخل، فتكتفي بالأربعة وتضرب في الستة يحصل أربعة وعشرون، للأم أربعة ولأولادها ثمانية لكل واحد اثنان ولأولاد الأب اثنا عشر لكل واحد واحد.
أو يتوافقا كأم وثمانية إخوة لأم وثمانية عشر أخا لأب، أصلها من ستة وتصح من اثنين وسبعين لأن راجع أولاد الأم أربعة وراجع أولاد الأب ستة: وبين الراجعين الموافقة بالنصف فإذا ضربت نصف أحدهما في كامل الآخر حصل اثنا عشر هي جزء السهم، فإذا ضربتها في الستة يحصل
اثنان وسبعون للأم واحد في اثني عشر باثني عشر ولأولادها اثنان في اثني عشر بأربعة وعشرين لكل واحد ثلاثة ولأولاد الأب ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين لكل واحد اثنان.
أو يتباينا كأم وأربعة إخوة لأم وتسعة إخوة لأب، أصلها من ستة فتصح من ستة وثلاثين؛ لأن راجع أولاد الأم اثنان وراجع أولاد الأب ثلاثة وبينهما مباينة، فاضرب أحدهما في الأخر يحصل ستة اضربها في المسألة يحصل ستة وثلاثون للأم واحد في ستة بستة ولأولادها اثنان في ستة باثني عشر لكل واحد ثلاثة ولأولاد الأب ثلاثة في ستة بثمانية عشر لكل واحد اثنان، ومن صور ذلك المسألة الصماء وهي: جدتان وثلاثة إخوة لأم وخمسة أعمام وكل مسألة عمها التباين تسمى الصماء. قاله الشبراخيتي.
أو يتماثلا كأم وأربعة إخوة لأم وستة إخوة لأب، أصلها من ستة وتصح من اثني عشر للأم واحد ولأولادها اثنان لا ينقسمان عليهم ويوافقان بالنصف فيرد عددهم لاثنين ولأولاد الأب ثلاثة لا تنقسم عليهم، وتوافق بالثلث فيردون لاثنين وبين الاثنين والاثنين مماثلة فتكتفي بأحدهما، ويضرب في المسألة باثني عشر للأم اثنان ولأولادها أربعة لكل واحد واحد ولأولاد الأب ستة لكل واحد واحد، وإيضاح المص أن تقول؛ لأن كل صنف إما أن يوافق سهامه، وفي ذلك أربعة أحوال؛ وهو أن الصنفين إما أن يتداخلا أو يتوافقا أو يتباينا أو يتماثلا، وإذا باين كل واحد من الصنفين سهامه فالصنفان حينئذ إما أن يتداخلا أو يتوافقا أو يتباينا أو يتماثلات وإذا باين أحد الصنفين سهامه ووافقها الآخر فإن الصنفين إما أن يتداخلا أو يتوافقا أو يتباينا أو يتماثلا، فهذه اثنتا عشرة صورة وقد مرت أمثلة ذلك كله بعول، ودونه في قوله:"فأخذ أحد المثلين أو أكثر المتداخلين وحاصل ضرب أحدهما في وفق الآخر إن توافقا وإلا ففي كله إن تباينا" فراجع ذلك إن شئت. والله تعالى اعلم.
وكأن سائلا سأل المص: ما التداخل، ما التوافق، ما التباين؟ التي ذكرت فقال مجيبا له: فالتداخل أن يفني أحدهما الآخر أولا يعني أن التداخل أن يخرج الأقل من الأكثر في مرتين فأكثر. فالتداخل هو دخول أحد العددين في الآخر، وذلك كثلاثة مع ستة فتسقط من الستة ثلاثة بالثلاثة ثم تسقط الثلاثة الباقية من الستة بها مرة ثانية ولم يفضل شيء من العددين، وهذا هو
معنى قوله: "أولا" فالاثنان يفنيان الأربعة في مرتين والستة في ثلاثة والثمانية في أربعة والعشرة في خمس مرات؛ ولا يشترط أن يكون الأقل فوق العشر بل يصح كونه دون ذلك كالاثنين مع الأربعين. وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية وهو مفهوم قوله "أولا" يعني إذا لم يقع إفناء الأكثر بالأقل أولا، بل بقي من أحد العددين واحد فإن ذلك هو التباين كما قال: فإن بقي واحد من أحد العددين فمتباين أي بين العددين، التباين كالاثنين مع الخمسة أو مع الثلاثة وكالثلاثة مع الخمسة وكالأربعة مع الخمسة: وإلا أي وإن لم يبق واحد بل بقي من أحد العددين أكثر من واحد وذلك هو الموافقة، وتسمى المشاركة، ومعنى الموافقة أن يتوافقا في جزء صحيح كالثلث أو الربع أو النصف أو غير ذلك، وتميز الجزء الذي تحصل الموافقة فيه بنسبة الفرد بأن تنظر إلى الواحد وتضمه للعدد إلى العدة الفاضل من أحد العددين المفني كلا العددين آخرا فإن كان الواحد ثلثه فالموافقة بينهما بالثلث أي فلكل منها ثلث صحيح، وإن كان الواحد ربع العدة المفني آخرا فالموافقة بالربع أي كل منهما له ربع صحيح، وإن كان الواحد نصف العدة المفني آخرا فالموافقة بين العددين بالنصف أي كل منهما له نصف صحيح. وهكذا.
مثال ذلك: الأربعة مع الستة فإنك إذا سلطت الأربعة على الستة يفضل اثنان تسلطهما على الأربعة فيفنيانها مرتين، فالعدد المفني آخرا اثنان ونسبة الفرد له النصف، فتكون الموافقة بين الأربعة والستة النصف فلكل منهما نصف صحيح، فالستة نصفها ثلاثة والأربعة نصفها اثنان، وكتسعة وخمسة عشر فإنك إذا سلطت التسعة على الخمسة عشر يفضل ستة فتسلط الستة على التسعة تفضل ثلاثة تسلط على ذلك فتفنيه، فنسبة الفرد أي الواحد للعدد المفني آخرا وهو الثلاثة ثلث فتكون الموافقة بين التسعة والخمسة عشر بالثلث: وكيفية العمل في الموافقة أن تضرب الموفق في الكل وفي التباين أن تضرب الكل في الكل، وفي التداخل أن تكتفي بالأكثر.
وسكت المص عن التماثل لوضوحه كثلاثة مع ثلاثة وستة مع ستة ونحو ذلك، وكيفية العمل فيه أن تأخذ أحد المثلين أي تكتفي به عن مماثله.
تنبيه: اعلم أن هذه الأمور الأربعة تجري في الأصناف وفي تأصيل المسائل كما مر، وأما المصنف وسهامه فلا يجري بينهما إلا الموافقة والمباينة أي حيث انكسرت السهام، ولكن الموافقة في هذا
لا تخص بإفناء الأكثر آخرا بل الموافقة فيه تحصل بإفناء الأقل للأكثر كان الإفناء أولا أوآخرا، بخلاف الأصناف والتأصيل فالإفناء فيهما إنما يكون ءاخرًا لأنه إذا أفناه أولا فهو تداخل، وقوله:"وإلا فإن بقي واحد" قال ابن عاشر: أي وإلا يقع الإفناء أولا بل وقع غير أول بأن تمادى تسليط الأصغر من العددين على الأكبر وفضلة الأكبر على الأصغر وفضلة الأصغر مثلا على الأكبر إلى أن بقي واحد فمتباين.
ولما كانت قسمة التركات هي المقصود من عمل الفرائض؛ لأن تصحيح الفرائض كالقالب الذي يقاس به الأشياء، وقسمة التركة كالشيء الذي يفرغ في قالبه، ذكر بذلك وجهين: ولكل من التركة بنسبة حظه من المسألة يعني أنك بالخيار في قسمة التركة بين أمرين؛ أحدهما أن تعطي كل واحد من التركة نسبة حظه أي مثل حظه من القسمة: فإذا كان حظه من المسألة ربعها أعطي من التركة ربعها، أو نصف المسألة أعطي من التركة نصفها، أو ثلث المسألة أعطي من التركة ثلثها وهكذا. وعلم مما قررت أن الباء في قوله:"بنسبة" زائدة أي لكل واحد من الورثة من التركة نسبته أي مثل حظه من المسألة.
وأشار إلى الأمر الثاني بقوله أو تقسم التركة على ما صحت مته المسألة يعني أن لك في كيفية القسمة وجها ثانيا وهو أن تقسم التركة على ما صحت منه المسألة، فما ناب سهام كل وارث من التركة هو حظه منها. وذكر المص مثالا يصلح للطريقين، فقال: كزوج بلا حاجب وأم كذلك وأخت شقيقة أو لأب. أصل المسألة من ستة وعالت إلى ثمانية أي تصح من ثمانية بعولها للزوج من المسألة ثلاثة وللأخت منها ثلاثة أيضا وللأم اثنان، والتركة عشرون درهم مثل فالثلاثة من الثمانية ربع وثمن علم من المص أن الزوج بلا حاجب، وعلم منه أن الأخت شقيقة أو لأب وإلا لما لا عالت لثمانية بل كانت من ستة فقط، وإذا كان للزوج ثلاثة فإنه يأخذ من العشرين سبعة ونصفا لأن الثلاثة من ثمانية ربع وثمن فله من التركة ربعا
(1)
وهو خمسة وثمنا
(2)
وهو اثنان مع
(1)
كذا في الأصل.
(2)
كذا في الأصل.
الخمسة ونصفا
(1)
فله سبعة ونصف درهم هي ربع العشرين وثمنها، وكذلك الأخت لها سبعة ونصف وللأم من التركة خمسة لأن لها ربع المسألة وهو اثنان فلها ربع التركة وهي خمسة وهذا على الطريق الأول، وأما على الثاني فتقسم العشرون على ما صحت منه المسألة بعولها وهو ثمانية، فيخرج جزء السهم اثنين ونصفا فمن له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا في اثنين ونصف فللزوج ثلاثة في اثنين ونصف بسبعة ونصف وللأخت ثلاثة في اثنين ونصف بسبعة ونصف وذلك قدر حصة كل من الزوج والأخت، وللأم اثنان في اثنين ونصف بخمسة ونصف، وبيانه أن للزرج ثلاثة في اثنين بستة ونصف في ثلاثة بنصفها لأن ضرب الكسر في الصحيح يخرج نصف الصحيح أي حيث كان الكسر نصفا وللأم اثنان في اثنين بأربعة واثنان في نصف بواحد والمجموع خمسة؛ وهذا حيث لم يكن مع التركة عرض.
وأما إن كان معها عرض فهو قوله: وإن أخذ أحدهم عرضا من التركة فأخذه بسهمه يعني أنه إذا كان مع العشرين عرض فأخذه أحد الورثة المذكورين بسهمه أي أخذه في حظه من التركة وأردت أيها الحاسب معرفة قيمته أي العرض، والمراد بالقيمة ما اتفق عليه الورثة لا ما يساويه في السوق. فاجعل المسألة سهام غير الأخذ فإن كان الذي أخذه الزوج أو الأخت فهي من خمسة، وإن أخذته الأم فاجعلها من ستة وعلم من هذا أنك تسقط سهام الآخذ، واقسم العشرين على المسألة وهي سهام غير الآخذ فإذا جعلتها من خمسة يكون الآخذ هو الزوج أو الأخت ناب كل سهم أربعة، ثم بعد جعل المسألة سهام غير الآخذ وقسم العشرين عليها اجعل لسهامه أي الآخذ التي أسقطتها من المسألة من تلك النسبة أي اجعل لها من العشرين مثل ما جعلته لماثلها منها، فما ناب سهامه هو قيمة العرض، فإذا كان الآخذ للعرض هو الزوج ناب سهامه اثنا عشر درهما هي قيمة العرض، وكذا لو أخذته الأخت، ولو أخذته الأم فالمسألة من ستة ينوب كل سهم منها ثلاثة وثلث وتجعل لسهمي الأم الذين أسقطتهما مثل ما جعلته لسهمين من تلك الستة فينوبهما ستة دارهم، وثلثا درهم، فقيمة العرض ستة دراهم وثلثا درهم، فإذا كان الآخذ هو الزوج أو
(1)
كذا في الأصل.
الأخت فالتركة اثنان وثلاثون وإن أخذته الأم فالتركة ستة وعشرون وثلثان. قال الشبراخيتي: قال ابن غازي: عبارة ابن الحاجب أبين؛ إذ قال: فإن كان مع التركة عرض فأخذه وارث بحصته فأردت معرفة ثمنه، فاجعل المسألة سهام غير الآخذ ثم اجعل لسهامه من تلك النسبة. اهـ.
فقوله: عبارة ابن الحاجب أبين أي أحسن وأوضح؛ لأنه عبر بثمنه وأسلم من الحشو لأن قول المص: "فأخذه بسهمه" حشو زائد لا معنى له، ولو قال المص: وإن كان مع النقد عرض فأخذه بحصته فاجعل المسألة سهام غير الآخذ لكان أخصر، فإذا أخذ الزوج العرض المذكور في المسألة فأسقط نصيبه وكأن المسألة ليس فيها غير الأم والأخت فاقسم العشرين على سهامهما الخمسة يخرج لكل سهم أربعة هي جزء السهم الذي تضرب المسألة فيه ونصيب الزوج ثلاثة فاضربها في الأربعة الخارجة يكن اثنا عشر هي ثمن العرض والتركة اثنان وثلاثون، وكذا لو أخذته الأخت، وإن أخذته الأم كان الباقي بعد إسقاط سهميهما ستة وثلثان هي ثمن العرض، فالتركة ستة وعشرون وثلثان واستشكلت هذه المسألة بأن آخذ العرض أخذه عن حصتة فقد باع حظه وهو مجهول. فكيف يجوز ذلك؟ وأجيب بأن التركة إذا كانت عشرين ومعها هذا العرض وأخذه الزوج مثلا في هذا الفرض فهو مقدر مع الورثة أنه يساوي اثني عشر كحصة الأخت فما أخذه معلوم. اهـ كلام الشبراخيتي.
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: هو قد باع من كل درهم ثلاثة أثمان بخمسة أثمان العرض وذلك بيع معلوم بمعلوم. والله تعالى أعلم. واعلم أنه لا فائدة في معرفة قيمة العرض إلا لينظر في ذلك إن ادعى بعضهم الغبن في العرض المأخوذ على وجه الراضاة بلا تقويم ولا تعديل على القول بأنه يقام بالغبن في قسمة الراضاة بلا تقويم وهذا ضعيف. والله تعالى أعلم. اهـ.
تنبيه: قال عبد الباقي. بعد ذلك الاستشكال: والجواب ما نصه: وتقدم في باب الصلح في مسألة لصالحة الزوجة عن إرثهاها يفيد اغتفار مثل هذا الجهل، وتقدم في الضمان أنَّ من مات عن وارث متعدد وتركة وعليه دين وأخذ بعض الورثة التركة على أنه إن حصل عدم وفاء التركة للدين كمل من ماله، وإن زادت كان ما زاد له وللوارث على فرائض الله أن ذلك جائز. قاله علي
الأجهوري. وقال البناني: لو قال المص: وإن أخذ أحدهم عرضا فاجعل المسألة سهام غير الآخذ، وإن أردت معرفه ثمنه فاجعل لسهامه من تلك النسبة لأفاد أنهما مطلبان وكان أبين، ثم ذكر لهما جوابين الأول للأولى والثاني للثانية، فلو جعل جواب كل واحدة متصلا بها كان أظهر. اهـ المراد منه.
وللرسموكي رحمه الله تعالى:
وإن يكن أحدهم قد أخذا
…
شيئا من المتروك ثم نبذا
سائر أموال على الإشاعة
…
لباق وارث دعوا للقسمة
(1)
أو باع أو وهب حظه لهم
…
على الفرائض يكون بينهم
فصححن مسألة الجميع
…
ثم أمح حظه من الموضوع
يبق الذي تصح منه المسأله
…
لمن بقي في شركة مكمله
فإن زاد خمسة ليأخذ فزدها على العشرين ثم اقسم يعني أنه إذا دفع أحد الورثة المذكورين خمسة ليأخذ العرض بحصته من التركة وأردت معرفة قيمته: فإنك تجعل المسألة سهام غير الآخذ واجعل الخمسة التي دفعت مضافة للعشرين: واقسم الخمسة والعشرين درهما على سهام غير الآخذ، ثم اجعل لسهام الآخذ من تلك النسبة فما ناب سهامه زد عليه خمسة فهو قيمة العرض، فإذا دفع الزوج خمسة دراهم وأخذ العرض فإنك أيها الحاسب تزيد الخمسة على العشرين: واقسم الجميع على السهام الخمسة: ثلاثة الأخت وسهمي الأم وينوب كل سهم خمسة، ثم اجعل لسهام الزوج من تلك النسبة ينوب سهامه خمسة عشر أضف لها الخمسة التي دفعها ليأخذ العرض، فمجموع ذلك عشرون وهي قيمة العرض تضاف للعين التي في التركة وهي عشرون فالتركة أربعون، وكذا لو كانت الأخت هي الدافعة للخمسة، وإن كان الدافع هو الأم قسمت الخمسة والعشرين على ستة سهام الزوج والأخت يخرج جزء السهم أربعة وسدس،
(1)
في الرسموكي ص 117: لقسمة.
فيكون للأم ثمانية وثلث فإذا زدت خمسة على ما يجب للأم كان ذلك قيمة العرض وهو ثلاثة عشر وثلث؛ فالتركة ثلاثة وثلاثون وثلث، وبقي من المسألة قسم ثالث وهو ما إذا أخذ آخذ العرض خمسة من العشرين زيادة عليه ليكون ذلك حصته، فإن كان آخذ ذلك هو الزوج قسمت الخمسة عشر الباقية على خمسة سهام: الأخت والأم يخرج جزء السهم ثلاثة فيكون للزوج تسعة، فإذا أضيفت لا أخذ الورثة كانت التركة أربعة وعشرين وكان ثمن العرض أربعة.
مسائل في بيان كيفيات من الحساب تسهل بمعرفتها القسمة الأولى في الجمع: اعلم أن الجمع هو ضم عدد إلى عدد ليعلم مجموعهما، قال الرسموكي:
باب وإن الجمع ضم عدد
…
لعدد لقصد قرب المقصد
أي هذه مسائل يتوصل بها إلى معرفة حقيقة الجمع الصحيح وفائدته وصفة وضع سطوره وكيفية عمله وصفة اختبار عمله، وحقيقة الجمع هو ضم عدد صحيح لعدد صحيح ولا يضم كل منزل إلا إلى موافقه في الجنس فالأحاد العددين جنس والعشرات جنس، وإنما يضم عدد لعدد آخر موافق له في الجنس لقصد المسائل قرب المقصد أي قرب مقصوده بذلك الضم المستلزم تقليل الألفاظ. واعلم أن الأشكال التي يتصرف بها في جميع أنواع العدة تسعة فقط وهذه صورتها:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
فالشكل الأول لواحد والثاني لاثنين والثالث لثلاثة والرابع لأربعة والخامس لخمسة والسادس لستة والسابع لسبعة والثامن لثمانية والتاسع لتسعة؛ وإنما يختلف العدد الذي تدل عليه تلك الأشكال باختلاف المراتب التي هي منازل الأعداد ومواضعها، فإذا كانت تلك الأشكال المذكورة في المرتبة الأولى دلت على الآحاد التي أولها واحد وآخرها تسعة، وإذا كانت في المرتبة الثانية دلت على العشرات التي أولها عشرة وآخرها تسعون، وإذا كانت في المرتبة الثالثة دلت على المئين التي أولها ماتة وآخرها تسع مائة، وعلى هذه المراتب الثلاثة يحصل دوران مراتب العدة وإن كثر جدا إذ لم يوجد عندهم إلا مرتبة الآحاد ومرتبة العشرات ومرتبة المئين، فيحصل اختلافها باختلاف ما كانت الآحاد والعشرات والمئون من جنسه، فإذا كانت تلك الأشكال حينئذ في المرتبة الرابعة دلت على آحاد الآلاف التي أولها ألف وآخرها تسعة آلاف، وإذا كانت في المرتبة الخامسة دلت على عشرات الآلاف التي أولها عشرة آلاف وآخرها تسعون ألفا، وإذا كانت في المرتبة السادسة دلت على ميئي الألوف التي أولها مائة ألف وآخرها تسعمائة ألف وإذا كانت في المرتبة السابعة دلت على آحاد آلاف ألف التي أولها ألف ألف وآخرها تسعة آلاف ألف: وإذا كانت في المرتبة الثامنة دلت على عشرات آلاف ألف التي أولها عشرة آلاف ألف وآخرها تسعون ألف ألف، وإذا كانت في المرتبة التاسعة دلت على مئي آلاف ألف التي أولئها ماتة ألف ألف وآخرها تسع مائة ألف ألف، وهكذا يكون الأمر في باقي المراتب مع زيادة لفظة ألف في آخر تلك المضافات في كل ثلاث مراتب، وإذا لم يذكر المسائل عددا في بعض المراتب فضع الصفر الذي ليس بعدد في تلك المرتبة ليدل على خلوها من العدة، كما إذا قيل ضع لي عشرين وثلاثة آلاف، فإنك تضع في المرتبة الأولى صفرا وفي الثانية اثنين وفي الثالثة صفرا وفي الرابعة ثلاثة هكذا 3020 وقس على ذلك
وقصدنا جمع منازل إلى
…
منازل فكثرن أو قللا
أي مقصودنا جمع منازل أي مراتب من عدد صحيح إلى منازل أي مراتب من عدد صحيح فكثرن حينئذ أيها الطالب حينئذ منازل العددين أو قللنها أو كثرن منازل أحدهما وقللن منازل الآخر،
إذ لا يشترط تماثل المجموعين في المنازل لأن العدة الذي لا نظير له من المجموع الآخر يرفع وحدد فوق الخط حالة الجمع:
وراع ترتيب السطور وضع
…
ثم نظيرا لنظير اجمع
راع أي لازم أيها الطالب في الجمع ترتيب منازل السطور أي سطور الأعداد التي طلب جمع بعضها إلى بعض أو سطريْها؛ أي اجعل آحاد الأسفل تحت آحاد الأعلى والعشرات تحت العشرات والمئين تحت المئين، ثم كذلك إلى آخر الأعداد المفروضة. ولك أن تضع في الأعلى ما شئت من السطرين المجموعين، ثم ضع خطا على تلك السطور أو السطرين ليفصل بينها وبين الخارج الذي تضم فوق الخط ثم أجمع في حال ارادة عملك عددا نظيرا من أحد السطور أو السطرين لنظير أي إلى عدد نظير له أي مماثل له في المرتبة من باقي السطور، وضع الحاصل من جمع كل عدد إلى نظيره فوق الخط وآحاد الأسفل نظير آحاد الأعلى وعشرات الأسفل نظير عشرات الأعلى ومئو الأسفل نظير مئي الأعلى، ثم كذلك إلى تمام مراتب السطور أو السطرين، ولك أن تبتدئ الجمع من أول السطرين أو آخرهما أو وسطهما إذا كان المرتفع من أعداد كل مرتبة أقل من عشر: مثال جمع السطرين ما إذا قيل لك: اجمع لي اثنين وثلاثين وأربعمائة إلى ستة عشر وخمسائة فضعها هكذا:
948
432
516
ثم اجمع الستة إلى اثنين يجتمع لك ثمانية فضعها فوق الخط فوق المجموعين، ثم اجمع الواحد إلى الثلاثة يجتمع لك أربعة فضعها فوق المجموعين ثم اجمع الخمسة إلى الأربعة يرتفع لك تسعة فضعها فوق المجموعين فيكون الخارج ثمانية وأربعين وتسع مائة: ومثال جمع السطور ما إذا قيل لك: اجمع لي أربعة وثلاثين ومائة إلى أحد وأربعين ومائتين وإلى ثلاثة وعشرين وثلاثمائة فضعها هكذا:
698
134
241
323
ثم اجمع الأعداد التي كانت في المرتبة الأولى يجتمع لك ثمانية فضعها فوق الخط ثم أجمع الاعداد التي في الثانية يرتفع لك تسعة فضعها فوق الخط، ثم اجمع الأعداد التي كانت في الثالثة يخرج لك ستة فضعها فوق الخط فيكون الخارج ثمانية وتسعون وست مائة وهذا إذا كان المرتفع من مجموعين أو أكثر آحاد فقط، وقد سكت الناظم عن ذكر الوضع الذي يوضع فيه خارج هذا النوع لوضوحه، وأما إذا كان المرتفع من ذلك عشرات أوآحاد مع عشرات، فقد أشار الناظم لعملهما بقوله:
فإن وصلت عشرة بالجمع
…
فخص صفرا وحده بالوضع
وخص آحادا به إن حصلا
…
وعشرات لمحلها انقلا
أي إن وصلت أيها الطالب عشرة بجمع بعض الأضداد إلى بعض فخص صفرا بالوضع وحده فوق الخط دون العدة الدال على العشرة، وانقل عشرات لمحلها خارجة لك بالجمع عن قدام الصفر الذي تستحقه في الأصل إلى أسفل محل العشرات ادخل أي أدخل بها تحت العشرات واجمعها إلى العشرات فوقها، وخص أيها الطالب آحادا به أي بالوضع فوق الخط دون صورة العشرات إن حصلا أي خرج الآحاد والعشرات معا، وعبر الناظم بعشرات دون الفرد لأن السطور إذا كثرت قد تجتمع منها عشرون أو ثلاثون أو أكثر. وقوله: وعشرات لمحلها انقلا هو من تمام العمل في النوع الأول والمراد بنقل العشرات إلى محلها المدخول بصورتها تحت جنسها، مثال ما إذا ارتفع
من السطرين عشرات ما إذا قيل لك: اجمع لي أربعة وستين وثلاث مائة إلى ستة وثلاثين وستمائة فضعها هكذا:
1000
364
363
11
ثم اجمع الستة إلى الأربعة يخرج لك عشرة فضع الصفر وحده فوق المجموعين وأنقل صورة العشرة التي هي الألف عن قدام الصفر الذي تستحقه في الأصل إلى أسفل محل العشرات واجمعها إلى الثلاثة، وإلى الستة فوقها يخرج لك عشرة أيضا فضع الصفر وحده فوق الخط وانقل صورة العشرة عن قدام الصفر الذي تستحقه في الأصل إلى أسفل محل العشرات بعدها واجمعها إلى الستة والثلاثة يخرج لك عشرة أيضا، فضع صفرا فوق الأعداد المجموعة والواحد بعد ذلك فيكون الخارج ألفا، ومثال ما إذا ارتفع من سطرين آحاد وعشرات ما إذا قيل لك اجمع لي تسعة وثمانين وسبع مائة إلى خمسة وأربعين وثمان مائة فضعهما هكذا:
1634
789
845
11
ثم اجمع الخمسة إلى تسعة يخرج لك أربعة عشر فخص الأربعة بالوضع فوق المجموعين وانقل صورة العشرة عن قدام الآحاد الذي هو محلها في الأصل إلى أسفل محل العشرات بعدها واجمعها إلى الثمانية والأربعة لتكون ثلاثة عشر، فخص الثلاثة بالوضع فوق الخط وانقل صورة العشرة عن
موضعها في الأصل إلى أسفل محل العشرات بعدها واجمعها إلى الثمانية والسبعة يخرج لك ستة عشر، فضع الستة فوق الأعداد المجموعة والواحد بعد ذلك فيكون الخارج من جميع ذلك 1634.
ثم أشار إلى كيفية اختبار عمل الجمع بقوله:
ثم اختباره بطرح سطر
…
من خارج يبق أخوه فادر
أي اختبار العمل في الجمع هل هو صحيح أم لا يعلم بطرح سطر أي أحد سطري الجمع من خارج الجمع طرحا يبقى معه أخوه أي السطر الآخر الذي هو صاحبه في المثال فادر أي فاعرف ذلك واعمل به، وإن كان في المثال سطور فاختبار عمله يكون بطرح أحد السطور من الخارج فيبقى معه مجموع أخويه أو إخوته، فالمراد بالأخ الجنس. مثال ذلك فيما إذا ارتفع من جميع السطرين آحاد فقط ما إذا قيل لك: اجمع لي ثلاثة وعشرين وأربعمائة إلى خمسة وستين ومائتين فوضعتهما هكذا:
688
423
265
ثم جمعتهما بالعمل السابق فيخرج لك ثمانية وثمانون وست مائة ثم تريد اختبار هذا الخارج هل هو صحيح أم لا، فإنك تطرح الثلاثة من الثمانية فوقها فتبقى الخمسة تحتها أو تطرح الخمسة من تلك الثمانية فيبقى الثلاثة وتطرح الاثنين من الثمانية فتبقى الستة تحتها أو تطرح الستة من تلك الثمانية فتبقى الاثنان تحتها أو تطرح الاثنين من تلك الستة فتبقى الأربعة، ولك أن تطرح جملة أحد السطرين من جملة الخارج بالعمل الآتي في الطرح فيبقى السطر الآخر.
المسألة الثانية في الطرح، قال الرسموكي:
باب وإن الطرح حط عدد
…
من عدد أكثر ذي تزيد
أي هذه مسائل يتوصل بها إلى معرفة حقيقة طرح صحيح من صحيح وكيفية وضع سطريه وعمله واختباره، وحقيقة الطرح هي حط أي إسقاط عدد صحيح آخر أكثر من الأول ذي تزيد عليه أي صاحب زيادة عليه، فالطرح هو إسقاط عدد قليل من عدد كثير ليعرف الفضل الذي كان بينهما.
فرتب السطور فيه واطرح
…
كل نظير من نظير تفلح
أي رتب أيها الطالب منازل السطور أي السطرين فيه أي في الطرح؛ بأن تضع آحاد العدة القليل الذي هو المطروح تحت ءاحاد الكثير الذي هو المطروح منه وعشرات المطروح تحت عشرات المطروح منه ومئي المطروح تحت مئي المطروح منه ثم كذلك إلى آخر مراتب المطروحين ولا يشترط تماثلهما في المراتب؛ لأن الأعلى يرتفع كله فوق الخط إذا لم يكن له نظير، ثم ضع على السطرين خطا يفصل بينهما وبين الباقي الذي يوضع فوق الخط، واطرح في حال إرادة عمله كل عدد نظير موجود في الأسفل الذي هو المطروح من عدد نظير أي مماثل له في المرتبة من الأعلى الذي هو المطروح منه مبتدئا من أول السطرين إلى تمام المراتب، وضع الباقي من كل مطروحين فوقهما. والصفر إن لم يبق شيء تفلح في عملك أي توافق الصواب في عملك، مثال ذلك ما إذا قيل لك اطرح خمسة وأربعين ومائتين من ثمانية وتسعين وأربع مائة وأخبرني بالباقي، فضعهما هكذا:
253
498
245
ثم اطرح الخمسة من تلك الثمانية يبق لك ثلاثة فضعها فوق المطروحين: ثم اطرح الأربعة من التسْعة يبق لك خمسة فضعها فوقهما ثم اطرح الاثنين من الأربعة يبق اثنان فضعهما فوقهما فيكون مجموع الباقي ثلاثة وخمسين ومائتين.
ثم أشار لعمل ما إذا كان في بعض مراتب المطروح منه صفرا وأقل مما يقابله من المطروح مع ابتداء العمل من أول المراتب بقوله:
فإن يك المطروح منه صفرا
…
أو عدد بقلة قد يدرى
فاحمل عليه عشرة من عدد
…
وواحدا منه بمطروح زد
أي إن يكن المنزل المطروح منه صفرا وقد كان تحته عددا وكان المنزل المطروح منه عددا قد يدرى أي يعرف بقلة أي بكونه أقل من الذي تحته فاحمل عليه أي على الصفر في النوع الأول وعلى العدة الأقل في النوع الثاني؛ أي فاجمع إلى كل منهما عشرة مأخوذة من عدد كائن بعد ذلك الصفر أو العدة الأقل، واطرح مما اجتمع عندك بعد الحمل العدة الذي كان تحت ذلك الصفر أو تحت الأقل، وضع الباقي فوق الخط وزد واحدا أي صورة واحد بعد أي بعدُ مرتبة الصفر في النوع الأول وبعد مرتبة الأقل في النوع الثاني بمطروح أي في أسفل منزل مطروح، واجمع ذلك الواحد إلى ذلك المطروح واطرح جملتهما مما فوقهما وضع الباقي فوق الخط وامض على عملك إلى آخره. مثال النوع الأول ما إذا قيل اطرح ستة وأربعين وثلاثمائة من ستين وخمسمائة فضعهما هكذا:
214
560
346
1
ثم اطرح الستة من العشرة المحمولة على الصفر الذي لا يقبل الطرح تبق لك أربعة فضعها فوق الصفر ثم زد واحدا في أسفل مطروح بعد تلك المرتبة واجمعه إليه واطرح جملتهما التي هي الخمسة من الستة فوقها يبق لك واحد فضعه فوق الستة، ثم اطرح الثلاثة من الخمسة يبق لك اثنان فضعهما فوق الخمسة فيكون مجموع الباقي أربعة عشر ومائتين. ومثال الثاني ما إذا قيل لك: اطرح ستة وخمسين ومائة من ثلاثة وعشرين وأربعمائة فضعها هكذا:
267
423
156
11
ثم اطرح الستة من الثلاثة فتجده لا يمكن، فاحمل عشرة على الثلاثة تكون ثلاثة عشر فاطرح منها الستة تبق سبعة فضعها فوق الثلاثة، ثم زد واحدا من أسفل الخمسة واجمعه إليها يكن ذلك ستة فاطرحها من الاثنين فتجده لا يمكن فزد عليها عشرة تكن اثني عشر، فاطرح منها الستة تبق ستة فضعها فوق الاثنين ثم زد واحدا تحت الواحد واطرح جملتهما من الأربعة يبق اثنان فضعهما فوق الأربعة، فيكون مجموع الباقي سبعة وستين ومائتين.
واجمع إذا اختبرت مطروحا إلى
…
باق ترى المطروح منه مجتلا
معناه اجمع أيها الطالب إذا اختبرت عمل الطرح أي حين إرادة اختبار عمله عددا مطروحا من غيره إلى عدد باق فوق الخط من طرح تر أي تشاهد ببصرك العدة المطروح منه مجتلا أي منظورا لقدره إن صح عملك، مثال ذلك ما إذا قيل لك: اطرح ثلاثة وأربعين ومائتين من سبعة وتسعين وخمسمائة فوضعتهما هكذا:
354
597
243
ثم طرحت الأسفل من الأعلى بالعمل السابق فكان مجموع الباقي أربعة وخمسين وثلاث مائة ثم تزيد اختبار هذا الباقي، فإنك تجمع الثلاثة السفلى إلى الأربعة فوق الخط فيخرج لك مثل السبعة المتوسطة، ثم تجمع الأربعة السفلى إلى الخمسة فوق الخط فيخرج لك مثل التسعة المتوسطة، ثم تجمع الاثنين إلى الثلاثة فوق الخط فيخرج لك مثل الخمسة المتوسطة فتعلم بذلك صحة عملك، وإن شئت فاجمع جملة السطر الأسفل الذي هو المطروح إلى جملة العدة الباقي فوق الخط بالعمل السابق في باب الجمع، فتخرج لك جملة المتوسط الذي هو المطروح منه، وانظر في الأصل كيفية اختباره إذا كان في بعض منازله صفر أو عدد أقل من مقابله.
المسألة الثالثة في الضرب، قال الرسموكي:
القول في الضرب وكيفٍ يعمل
…
وما به عرفه من يعقل
أي هذا الكلام القول في بيان عمل الضرب المقصود بالذكر واختباره، وفي بيان كيف أي حال يعمل أي يرتكب في وضع سطريه وفي بيان ما عرفه به أي ما حده به من يعقل أي من يتصف بالعقل الراجح كالإمام ابن البناء:
الضرب جمع أحد الأعداد
…
بقدر ما في الثان من آحاد
معناه حقيقة الضرب أي ضرب العدة الصحيح في صحيح مماثل له في الجنس، كدراهم في دراهم هي جمع أي تكرير أحد الأعداد أي العددين الصحيحين الذين طلب ضرب أحدهما في الآخر بقدر ما كان في العدة الثاني أي الآخر من آحاد أي أفراد، فإذا قيل لك: اضرب ثلاثة دراهم في خمسة دراهم معناه كرر الثلاثة خمس مرات قدر أفراد الخمسة، أو كرر الخمسة قدر أفراد الثلاثة فالخارج في الحالتين هو خمسة عشر درهما، وأما ضرب الصحيح في صحيح مخالف له في
الجنس فحقيقته هي تكرير العدة الذي طلبت جملة أفراد جنسه بقدر أفراد الآخر لا تكرير ما شئت منهما بقدر أفراد الآخر الذي هو حقيقة النوع الأول؛ فإذا قيل لك: قد قسم مال لخمسة رجال فخرج لكل واحد ثلاثة دراهم فكم جملة تلك الدراهم؛ فإنك تضرب الثلاثة في الخمسة فيخرج لك خمسة عشر أي تكرر الدراهم الثلاثة التي طلبت معرفة جملة أفراد جنسها خمس مرات قدر أفراد الرجال المقسوم لهم فيخرج لك خمسة عشر درهما، ولا تكرر عدد الرجال ثلاث مرات فيخرج لك خمسة عشر رجلا، إذ ليس عندنا إلا خمسة رجال وقس على المثالين غيرهما. وإذا كانت حقيقة الضرب ما ذكر فالخارج من ضرب العدة في الصفر صفر، والخارج من ضرب العدة في الواحد ذلك العدة بنفسه والخارج من ضرب اثنين في اثنين أربعة ومن ضرب اثنين في ثلاثة ستة ومن اثنين في أربعة ثمانية ومن اثنين في خمسة عشرة ومن اثنين في ستة اثنا عشر ومن اثنين في سبعة أربعة عشر ومن اثنين في ثمانية ستة عشر ومن اثنين في تسعة ثمانية عشر ومن اثنين في عشرة عشرون، يجمع هذا: ببد، بجو، بدح؛ بهي، بوبي، بزدي، بحوي، بطحي، بيك. الأول منها للمضروب والثاني للمضروب فيه وما بعد حرفا أو حرفين للخارج، فتزيد بعد الأول اثنين وهكذا إلى آخرها.
والخارج من ضرب ثلاثة في ثلاثة تسعة ومن ثلاثة في أربعة اثنا عشر ومن ثلاثة في خمسة خمسة عشر ومن ثلاثة في ستة ثمانية عشر ومن ثلاثة في سبعة أحد وعشرون ومن ثلاثة في ثمانية أربعة وعشرون ومن ثلاثة في تسعة سبعة وعشرون ومن ثلاثة في عشرة ثلاثون، فزدت بعد أولها ثلاثة ثلاثة إلى آخرها، ويجمع هذا: ججط، جدبي، جههي، جوحي، جزأك، جحدك، جطزك؛ جيك. الحرف الأول للمضروب والثاني للمضروب فيه وما بعد للخارج.
والخارج من ضرب أربعة في أربعة ستة عشر ومن أربعة في خمسة عشرون ومن أربعة في ستة أربعة وعشرون ومن أربعة في سبعة ثمانية وعشرون ومن أربعة في ثمانية اثنان وثلاتون ومن أربعة في تسعة ستة وثلاثون ومن أربعة في عشرة أربعون، فزدت بعد أولها أربعة أربعة إلى آخرها، ويجمع هذا: ددوي؛ دهك، دودك؛ دزحك، دحبل، دطول، ديم. الحرف الأول للعدد المضروب والثاني للمضروب فيه وما بعد للخارج.
والخارج من ضرب خمسة في خمسة خمسة وعشرون ومن خمسة في ستة ثلاثون ومن خمسة في سبعة خمسة وثلاثون ومن خمسة في ثمانية أربعون ومن خمسة في تسعة خمسة وأربعون ومن خمسة في عشرة خمسون، فزدت بعد أولها خمسة خمسة إلى آخرها، ويجمع هذا: هههك، هول، هزهل، هحم، هطهم، هين. الحرف الأول لخ.
والخَارج من ضرب ستة في ستة ستة وثلاثون ومن ستة في سبعة اثنان وأربعون ومن ستة في ثمانية ثمانية وأربعون ومن ستة في تسعة أربعة وخمسون ومن ستة في عشرة ستون، فزدت بعد أولها ستة ستة لخ ويجمع هذا: ووول، وزبم، وححم، وطدن، ويص. الحرف الأول لخ.
والخارج من ضرب سبعة في سبعة تسعة وأربعون ومن سبعة في ثمانية ستة وخمسون ومن سبعة في تسعة ثلاثون وستون ومن سبعة في عشرة سبعون، فزدت بعد أولها سبعة سبعة إلى آخرها، يجمع كهذا: ززطم، زحون، زطجص، زيع. الحرف الأول لخ.
والخارج من ضرب ثمانية في ثمانية أربعة وستون ومن ثمانية في تسعة اثنان وسبعون ومن ثمانية في عشرة ثمانون؛ وهذا يجمعه: ححدص، حطبع، حيف.
والخارج من ضرب تسعة في تسعة أحد وثمانون ومن تسعة في عشرة تسعون: وهذا يجمعه: ططأف. طيض.
والخارج من ضرب عشرة في عشرة مائة، فتقول: ييق.
وهذه الكلمات تعرف عند طلبة الوقت بحمارة الحساب، فإذا أردت أن تضرب عددا في عدد فقدم في النطق الحرف الدال على العدة القليل على الحرف الدال على العدة الكثير سواء كان القليل في السطر الأعلى أو الأسفل، فإذا نطقت بالحرفين على ذلك الترتيب تذكرت بذلك تمام الكلمة فتكملها بالنطق فيظهر لك خارج الضرب وما دل عليه بعد الحرفين الأولين:
وقصدنا الضرب بوجه كملا
…
ووجهة إذا أدرت العملا
أن تضع المضروب في سطر علا
…
وما به يضرب منه أسفلا
وأول المضروب فيه نزلا
…
تحت أخير ما بسطر اعتلى
أي مقصودنا من أنواع الضرب المعروفة عندهم الضرب المعروف بنقل كملا أي كامل لجميع منازل الأسفل إلى ما قبلها، وهو الذفي يقال له: المجنح لكون خطه على صورة جناح منفتح، واحترز بنقل من النوع الذي لا نقل فيه كضرب الأسوس والجداول، وبكمال من الضرب بنصف تنقيل، ووجهه أي صفة عمل الضرب المذكور: إذا أدرت أيها الطالب العمل أي معرفة عمله أن تضع منازل العدة المضروب في سطر علا أي مرتفع، وتضع منازل ما يضرب به أي العدة الذي يقع فيه الضرب في سطر آخر أسفل منه أي من الأول الذي هو المضروب، ولكن نزّلا أي اجعل أول منازل العدة المضروب فيه تحت أخير كان في سطر اعتلى أي مرتفع، وضع باقي منازل المضروب بعد ذلك إلى جهة اليسار وضع على السطرين خطا مجنحا بين المضروبين، والخارج الذي يوضع فوق الخط. ولك أن تضع المضروب فيه في السطر الأعلى وتضع المضروب في الأسفل، والأحسن إن اختلفا في عدد المنازل أن يوضع قليل المنازل في السطر الأعلى ليقل نقل المنازل إلى ما قبلها، مثال ذلك ما إذا قيل لك: اضرب ثلاثة وخمسين في سبعة وثمانين، فضع الثلاثة والخمسين في سطر عال ثم ضع السبعة التي هي أول المضروب فيه تحت الخمسة التي هي أخير ما كان في سطر مرتفع وضع الثمانية قدام السبعة وضع عليهما خطا مجنحا هكذا:
|
ثم استعمل فيه العمل الذي أشار إليه بقوله:
وآخر الأعلى اضربن في الأسفل
…
وابدأ بمنتهاه حتى الأول
وقهقر الأسفل تحت ما يلي
…
واضربه فيه تبعا للعمل
وكل منزل ضربته احملا
…
عليه ما وضع فوق أولا
وهكذا تفعل فيما غبرا
…
حتى تتم ما بعلو سطرا
أي اضرب بعد وضع السطرين كما تقدم آخر منازل السطر الأعلى الذي هو المضروب في الأسفل أي جميع منازل السطر الأسفل الذي هو المضروب فيه، وابدأ بضرب آخر الأعلى بمنتهاه أي في منتهى منازل الأسفل ثم تضربه في المنزل الذي قبل المنتهى، ثم كذلك حتى الأول أي إلى المنزل الأول من الأسفل، وضع خارج ضرب كل منزل في غيره على الخط فوق المنزل الأسفل المضروب فيه: وقهقر أي انقل بعد ذلك منازل الأسفل إلى ما قبلها وضع أول منازل تحت ما يلي المنزل الذي يلي آخر الأعلى من جهة اليمين، وضع كل منزل من البواقي تحت المنزل الذي قبله واضربه أي المنزل الموالي لآخر الأعلى فيه أي في الأسفل أي في جميع منازل الأسفل حال كونه تابعا للعمل السابق، بأن تبتدئ بضرب ذلك المنزل في منتهى الأسفل ثم في المنزل الذي قبله ثم كذلك إلى الأول من الأسفل، وضع خارج كل مضروبين على الخط فوق المنزل الأسفل المضروب فيه وكل منزل من منازل الأعلى ضربته في غيره من منازل الأسفل احملا أي أردد عليه أي على خارجه ما وضع أي العدة الذي وضع فوق الخط أولا أي قبل ذلك في مرتبة ذلك الخارج، وضع المجتمع في تلك المرتبة بعد محو العدة الأول منها، وإن شئت فاترك الحمل الذي هو جمع الأعداد الموضوعة فوق الخط إلى الفراغ من عمل الضرب، ففع على تلك الأعداد الخارجة خطا مستقيما فتجمعها عليها، وهذا الوجه أحسن لأن الغلط ربما يقع في جمع الأعداد الممحوة وهكذا أي ومثل هذا العمل السابق تفعل أي تصنع فيما غبر أي بقي منازل الأعلى، وذلك بأن نقهقر منازل الأسفل إلى ما قبلها وتضرب في جميعها المنزل الموالي لمنازل الأعلى الفروغ منها، فتبدأ بمنتهى الأسفل ثم بالذي قبله ثم كذلك إلى المنزل الأول من الأسفل وتضع خارج كل مضروبين على الخط فوق المنزل الأسفل المضروب فيه، فإن كان فيه فاجمعه إليه وامح ما كان فيه أولا وضع في موضعه المجتمع أو اترك الجمع إلى الفراغ من عمل الضرب ثم تفعل أيضا مثل هذا العمل حتى تتم أي تكمل ضرب جميع ما سطر من المنازل بعلو أي في سطر عال في جميع منازل الأسفل: فيتم عمل الضرب حينئذ.
وإذا أردت استعمال المحو في المثال السابق الذي هو ضرب ثلاثة وخمسين في سبعة وثمانين فضعهما كما تقدم هكذا:
|
ثم اضرب الخمسة التي هي آخر الأعلى في الثمانية التي هي منتهى الأسفل يخرج لك أربعون فضع صفرا على رأس الثمانية فوق الخط والأربعة بعده، ثم اضرب الخمسة في السبعة تحتها يخرج لك خمسة وثلاثون فخع الخمسة فوق المضروبين والثلاثة في مرتبة الصفر بعد محو الصفر منها ثم قهقر الأسفل إلى ما قبله وضع السبعة تحت الثلاثة الموالية آخر الأعلى والثمانية تحت آخر السبعة الكائنة تحت الخمسة، وخلط تلك الأعداد الفروغ منها بخط مخافة التباسها بغيرها ثم اضرب الثلاثة في الثمانية يخرج لك أربعة وعشرون، فضع الأربعة على الخط فوق الثمانية المضروب فيها وقد كان فيها خمسة فاجمعهما يجتمع لك تسعة، فاجعل التسعة عوضا عنها وضع الاثنين بعد ذلك وقد كان فيه ثلاثة فاجمعها واجعل الخمسة الخارجة عوضا عنهما اضرب الثلاتة في السبعة تحتها يخرج لك واحد وعشرون فضع الواحد فوق المضروبين وضع الاثنين على التسعة بعد ذلك واجمعهما يجتمع لك أحد عشر واجعل الواحد الذي هو صورة العشرة على الخمسة بعد ذلك واجمعهما واجعل الستة المجتمعة منهما عوضا عنهما، فيكون الخارج أحد عشر وستمائة وأربعة آلاف.
ومثال ما ترك فيه جمع الأعداد الخارجة من المضروب إلى الفراغ من عمل الضرب ما إذا قيل لك: اضرب ستة وخمسين وأربعمائة في ثمانية وثلاثين ومائتين فضعهما هكذا:
|
ثم اضرب الأربعة في الاثنين تصير ثمانية فضعها فوق الاثنين على الخط، ثم اضرب الأربعة في الثلاثة باثني عشر فضع الاثنين فوق الثلاثة والواحد على الثمانية بعد ذلك، ثم اضرب الأربعة في الثمانية تحتها باثنين وثلاثين فضع الاثنين فوق المضروبين والثلاثة بعد ذلك على الاثنين: ثم قهقر كل واحد من منازل الأسفل إلى ما قبلها وخلط الأعداد الفروغ منها بخط، ثم اضرب الخمسة في الاثنين بعشرة فضع صفرا فوق الاثنين المضروب فيها على الخط والواحد بعد ذلك ثم اضرب الخمسة في الثلاثة بخمسة عشر فضع الخمسة على الخط فوق الثلاثة المضروب فيها والواحد بعد ذلك؛ ثم اضرب الخمسة في الثمانية تحتها بأربعين فضع فوقهما صفرا والأربعة بعد ذلك، ثم قهقر كل واحد من منازل الأسفل إلى ما قبلها وخلط الأعداد الفروغ منها بخط ثم اضرب الستة في الاثنين باثني عشر ففع الاثنين فوق الاثنين المضروب فيها والواحد بعد ذلك، ثم اضرب الستة في الثلاثة بثمانية عشر فضع الثمانية فوق الثلاثة المضروب فيها والواحد بعد ذلك، ثم اضرب الستة في الثمانية تحتها بثمانية وأربعين فضع الثمانية فوقهما والأربعة بعد ذلك، ثم مد خطا على تلك الأعداد الخارجة واجمعها عليه وابدأ في جمعها من أول الأعداد وذلك بأن ترفع على الخط الثمانية، ثم تجمع ما في المرتبة الثانية فيخرج لك اثنا عشر فتضع الاثنين فوق الخط وتدخل بصورة العشرة تحت المرتبة الثالثة وتجمعها إلى ما فوقها، فيخرج لك خمسة عشر فتضع الخمسة على الخط وتدخل بالواحد تحت المرتبة الرابعة فتجمعه إلى ما فوقه فيخرج لك ثمانية فتضعها على الخط ثم تجمع ما في المرتبة الخامسة فيخرج لك عشرة فتضع الصفر على الخط، ثم تجمع ما في المرتبة الخامسة فيخرج لك عشرة فتضع الصفر على الخط والواحد بعد ذلك فيكون الخارج من المثال كله ثمانية وعشرون وخمس مائة وثمانية آلاف ومائة ألف. هكذا:108528.
وإن قيل لك: اضرب اثنين ومائة في ثلاثة وأربعين وخمس مائة فضعها هكذا:
|
ثم اضرب الواحد الذي هو آخر الأعلى في الخمسة التي هي منتهى الأسفل بالخمسة فضعها على الخط فوق الخمسة، ثم اضرب الواحد في ثلاثة تحته بالثلاثة فوقها ثم قهقر الأسفل مرتبتين بأن تضع الثلاثة تحت الاثنين والأربعة تحت الصفر والخمسه تحت الثلاثة، ثم اضرب في جميعها الاثنين وضع الخارج من كل واحد فوق المنزل الأسفل المضروب فيه ثم مد خطا على تلك الخارجات واجمعها خليه كما تقدم يخرج ستة وثمانون وثلاثمائة وخمسة آلاف وخمسون ألفا، هكذا:55386.
وإن كان شيء من الأصفار في أول المضروبين أو في أول أحدهما فاترك الأصفار واضرب العدة في العدة. وقدم للخارج ما كان عندك من الأصفار كما إذا قيل لك: اضرب مائتين في ثلاثين، فاضرب الاثنين في الثلاثة بستة وقدم ثلاثة أصفار فيكون ستة آلاف، وهي التي تخرج لك لو وضعت الضربين بأصفارهما واستعملت فيهما العمل السابق، ولهذا يقولون: كل عدد تضربه في مائة فقدمه صفرين وكل عدد تضربه في ألف فقدمه ثلاثة أصفار. وقس على ذلك:
وسبره بقسم خارج على
…
أحد سطريه أخاه قد جلا
معناه سبر عمل الضرب أي اختباره، هل هو صحيح أم لا؟ يحصل بقسم خارج من الضرب على أحد سطري الضرب قسما قد جلا أخاه أي أظهر صاحبه أي السطر الآخر، مثال ذلك ما إذا قيل لك: اضرب ثلاثة في خمسة، فقلت للسائل: الخارج خمسة عشر، فقال لك: بل الخارج أربعة عشر أو ستة عشر، فإنك تقول له: الدليل على صحة ما قلته لك أننا إذا قسمنا تلك الخمسة عشر على الثلاثة التي هي إحدى المضروبين خرج أخوه الذي هو الخمسة، وإن قسمناها على الخمسة التي هي المضروب الآخر خرج أخوه الذي هو الثلاثة، وقس على ذلك سائر الأمثلة.
المسألة الرابعة في القسمة، قال الرسموكي:
باب وإن قسمت ما قد كثرا
…
فما عليه القسم تحت سَطّرا
ولا تسطر عددا قد عظما
…
تحت الذي بقلة قد علما
أي هذا باب في بيان وضع السطر من العدة الصحيح على الصحيح وصفة العمل فيها، ولم يذكر الناظم حقيقتها، وقسمة الشيء التي يكثر وقوعها كقسمة دراه على رجال هي حل المقسوم إلى أجزاء متساوية يكون عددها مثل عدد المقسوم عليه، كما إذا قيل: قسم خمسة دراه على ثلاثة رجال، فكأنه قيل لك صير المال المقسوم أجزاء متماثلة في القدر يكون عدد تلك الأجزاء ثلاثة قدر عدد الرجال المقسوم عليهم ليأخذ كل رجل مثل ما يأخذ غيره وأخبرني بالمقدار الذي كان في كل جزء، فإذا قسمت الخمسة عشر على الثلاثة بالعمل الآتي خرج لكل واحد خمسة، فقد حللت حينئذ المال المقسوم إلى ثلاثة أجزاء في كل جزء خمسة، وأفهم مثل ذلك في سائر الأمثلة.
وإن قسمت أي وإن أردت أيها الطالب أن تقسم ما قد كثرا أي العدة الصحيح الكثير على عدد صحيح قليل، فسطرن ما كان المقسوم عليه أي تحت آخر منازل المقسوم إن كان المقسوم عليه أقل مما في آخر المقسوم أو مثله، وأما إن كان أكثر مما في أخر المقسوم فقد أشار إليه بقوله: ولا تسطر أي ولا تضع أيها الطالب عددا مقسوما عليه قد عظم أي كثر تحت العدة الذي قد علم بقلة أي بكونه أقل من المقسوم عليه، فضع حينئذ المقسوم عليه تحت مرتبة أخرى قبل آخر المقسوم ليكون المقسوم أقل مما فوقه مع ما بعده أو مثلهما، مثال ما إذا كان المقسوم عليه أقل مما في آخر المقسوم ما إذا قيل لك: اقسم ثمانية وأربعين على اثنين، فضع المقسوم الكثير في السطر الأعلى، وضع القليل المقسوم عليه تحت آخر المقسوم، واعمل خطأ على المقسوم الكثير في السطر الأعلى وضع القليل المقسوم عليه تحت آخر المقسوم، واعمل خطا على المقسوم وخطا آخر تحت المقسوم عليه إلى جهته اليمنى، هكذا:
|
ثم فتش بعقلك في الآحاد التسعة التي أولها وآخرها تسعة تضربه في المقسوم عليه وتفني بخارجهما ما فوقه، أو يبقى أقل من المقسوم عليه تجد اثنين لأنك لو ضربت الثلاثة في المقسوم عليه يخرج لك عدد أكثر من الأربعة التي أردت إفناءها بالخارج، ولو ضربت فيه وطرحت الخارج لمن الأربعة لم يبق فيها أقل من المقسوم عليه بل مثله، فإذا تعذرت الثلاثة لكثرتها والواحد لقلته تعين التوسط بينهما وهو اثنان فضعها تحت المقسوم عليه واضربها في الاثنين المقسوم عليه؛ ثم قهقر المقسوم عليه إلى ما قبله وفتش بعقلك في الآحاد التسعة عددا تضربه في المقسوم عليه وتفني بخارجهما ما فوقه، أو يبقى أقل من المقسوم عليه يخرج لك أربعة فضعها تحته واضربها فيه يخرج لك ثمانية وهي تفني ما فوقه، فيخرج لكل واحد ما تحت الخط الأسفل وهي أربعة وعشرون وهكذا يكون العمل في آخر القسمة.
ومثال ما كان فيه المقسوم عليه مثل آخر المقسوم ما إذا قيل لك قسم ثمانية وأربعين على أربعة، فضع المقسوم في سطر وضع تحت آخر المقسوم عليه هكذا:
|
ثم فتش بعقلك في الآحاد التسعة عددا تضربه في الأربعة المقسوم عليها وتفني بخارجهما ما فوقها تجد واحدا فضعه تحت المقسوم عليه واضربه فيه يخرج لك أربعة، وهي تفني ما فوقه ثم قهقر المقسوم عليه إلى ما قبله وفتش بعقلك في الآحاد التسعة عددا تضربه في المقسوم عليه، وتفني ما فوقه بالخارج تجد اثنين فضعها تحته واضربها فيه يخرج لك ثمانية، وهي تفني ما فوقه فيكون الخارج لكل اثني عشر. ومثال ما كان فيه المقسوم عليه أكثر مما في آخر المقسوم ما إذا قيل لك اقسم ستة وعشرين وماثة على ستة فضع المقسوم في السطر وضع المقسوم عليه تحت الاثنين؛ لأنه أقل من الاثني عشر التي هي مجموع ما فوقه مع ما بعده فيكون، هكذا:
|
ثم فتش بعقلك في الآحاد التسعة عددا تضربه في الستة المقسوم عليها وتفني بالخارج ما فوقها مع ما بعده تجد اثنين، فضعها تحت المقسوم عليه واضربها فيه يخرج لك اثنا عشر وهي تفني ما ذكر، ثم قهقر المقسوم عليه إلى ما قبله ثم ابحث في عقلك عن عدد تضربه في المقسوم عليه وتفني ما فوقه بالخارج تجد واحدا فضعه تحته واضربه فيه يخرج لك ستة وهي تفني ما فوقه، فيكون الخارج لكل واحد أحد وعشرون وهذا كله إذا كانت القسمة على مرتبة واحدة، ولم يذكر الناظم صفة عمله لأنها تفهم مما ذكره في غيره وأما إن كان المقسوم عليه مرتبتين أو أكثر، فقد أشار إليه بقوله:
وتحت أولى السفل تلقي عددا
…
تضربه في كله وما بدا
تفني به ما فوقه قد رسما
…
أو تبق ما السفل عليه قد نما
تلقي أي تضع أيها الطالب تحت أولى منازل السفل أي الأسفل الذي هو المقسوم عليه إذا كان فيه أكثر من منزلة واحدة عددا وجدته بعقلك في الآحاد التسعة تضربه أي ذلك العدة في كله أي في جميع منازل السفل مبتدئا بقربه في المنزلة الأخيرة من الأسفل ثم بقربه التي قبلها، وما بدا أي خرج من ضربه في جميع منازل الأسفل تفني أيها الطالب به أي بخارج كل منزل ما قد رسم فوقه أي العدة الذي قد وضع فوق كل منزل من منازل الأسفل، أو تبقى أيها الطالب به مما فوقه إذا طرحت منه خارج الضرب ما كان السفل قد نما عليه أي عددا كان الأسفل زائدا عليه بأن تكون تلك البقية أقل من المقسوم عليه، وإذا أفنيت بالخارج ما فوق مرتبتي المقسوم أو مراتبه ولم يكن في المقسوم إلا قدر ذلك من المراتب أو بقي لك من جملة المقسوم أقل من جملة
(1)
عليه فقد تم عملك بما ذكره الناظم، كما إذا قيل: اقسم أربعة وعشرين على اثني عشر، فإنك تضع السطرين هكذا
|
(1)
كذا في الأصل.
ثم تطلب بعقلك في الآحاد التسعة عددا تضعه تحت أولى مرتبتي السفل تضربه في كل واحدة منهما وتفني بخارجها ما قد رسم فوقها، فتجد الاثنين فتضعها تحت أولاهما فتضربها في الواحد بالاثنين، فيخرج لكل أحد منهم. اثنان أو قيل لك: اقسم اثنين وثلاثين على اثني عشر فإنك تضعهما هكذا:
|
فتضرب الاثنين في واحد باثنين فيبقى واحد فتضعه فوق الخط الأعلى وتقدره عشرة وتضيف إليها ما قبلها بآحاد، فيكون ذلك اثني عشر، ثم تضرب الاثنين أيضا في أولى وتطرح الخارج من الاثني عشر الباقية وتسمي ما بقي من المقسوم عليه كما يأتي، فيخرج اثنان وثلثان. وأما إذا بقي في المقسوم مراتب أخرى فيها أكثر من المقسوم عليه فلا بد من نقل المقسوم، كما قال:
ثم انقل السفل لقبل والزما
…
لأول مثل الذي تقدما
يعني إذا فعلت أيها الطالب ما ذكر وبقي في المقسوم مراتب أخرى أكثر من المقسوم عليه انقل منازل السفل الذي هو المقسوم عليه أي كل واحدة من منازله لقبل أي إلى منازل قبل ذلك، والزمن في باقي عملك مثل العمل الذي تقدم ذكره في النظم حتى تصل لأول أي إلى أول منازل، وذلك بأن لا تسطر فيه عددا عظيما تحت قليل وأن تلقي تحت مراتب السفل عددا تضربه في جميع مراتبه وتفني لما فوقه بالخارج، أو تبقي ما هو أقل من السفل فتقدره عشرات للذي قبله، ثم انقل السفل لما قبله وتضع تحت أولاه عددا تضربه في كله وتفني بالخارج ما فوقه، أو تبقي ما هو أقل من السفل فقدره عشرات للذي قبله ثم كذلك فإذا وصلت إلى أول المقسوم بذلك العمل فقد تم عملك فيخرج لكل واحد منهم ما كان تحت الخط الأسفل.
ومثال ذلك ما إذا قيل لك اقسم أربعة وعشرين وأربعمائة وألفين على اثني عشر، فضع المقسوم في سطر وضع تحت المرتبتين الأخيرتين منه المقسوم عليه إلى جهة اليمين هكذا:
|
ثم فتش بعقلك في الآحاد التسعة عددا يصلح أن تجعله تحت أولى مرتبتي الاثني عشر وتضربه فيها وتفني ما فوقها بالخارج أو تبقي منه ما هو أقل تجد اثنين، فضعهما تحت أولى مرتبتي الأسفل واضربهما في الواحد يخرج لك اثنان وهي تفني ما فوق الواحد، ثم اضربها أيضا في اثنين يخرج لك أربعة وهي تفني ما فوق الاثنين ثم إذا نقلت كل واحدة من مرتبتي الأسفل إلى ما قبلها لزم من ذلك أن تسطر العدة الكثير الذي هو اثني عشر تحت القليل الذي هو اثنان، وقد نهى الناظم عنه فانقل حينئذ الاثنين إلى مرتبة الأربعة الأولى والواحد إلى المرتبة الثانية، وضع صفرا تحت الخط الأسفل في مقابلة مرتبة العشرات التي لم تنقل إليها؛ لأن وضع الصفر تحت كل مرتبة لم ينقل إليها أولى الأسفل لازم في القسمة، ثم اطلب بعقلك في الآحاد التسعة عددا تضعه تحت المرتبة الأولى وتضربه في مرتبتي الأسفل وتفني بالخارج ما فوقهما تجد اثنين، فاضربها في الواحد يخرج لك اثنان وهي تفني ما فوق الواحد، ثم اضربها أيضا في الاثنين فوقها، يخرج لك أربعة وهي تفني الأربعة فوقها فيكون الخارج لكل واحد اثنين ومائتين.
ومثال آخر ما إذا قيل لك اقسم اثنين وتسعين وثمان مائة وألفين على اثني عشر فضعها هكذا:
|
ثم توضع
(1)
الاثنين تحت أولى السفل واضربها في الواحد باثنين وهي تفني ما فوقها ثم اضربها أيضا في اثنين فوقها بأربعة واطرحها من الثمانية فوقها تبقى أربعة وهي أقل من جهة السفلى، وضعها فوق الثمانية وقدرها أربعين وأضف إليها التسعة بآحاد تكن تسعة وأربعين، ثم انقل كل واحد من مرتبتي السفل لما قبلها ثم ضع تحت أولاهما أربعة واضربها في الواحد بأربعة وهي
(1)
كذا في الأصل.
تفني ما فوقه، ثم اضربها أيضا في اثنين فوقها بثمانية واطرحها في التسعة فيبقى واحد فضعه قوق الخط وقدره عشرة وأضف إليها ما قبلها بآحاد يكن ذلك اثني عشر، ثم انقل كل واحدة من مرتبتي الأسفل إلى ما قبلها وضع تحت أولاهما واحدا واضربه في كل واحدة من مرتبته يخرج ما يفني ما فوقها، فيكون الخارج لكل واحد من المقسوم لهم أحد وأربعون ومائتان؛ وقس على ما ذكر غيره.
وسم ما بقي بلا امتراء
…
مما عليه القسم باعتناء
معناه سم أي انسب أيها الطالب بالعمل الآتي في التسمية ما بقي من المقسوم وهو أقل من المقسوم عليه بلا وجود امتراء أي شك في بقائه منه مما كان عليه القسم أي من العدة المقسوم عليه باعتناء مع اهتمامك بتصحيح العمل، وأخر الكسر الذي لخرج لك من التسمية عن الصحيح، وقل الخارج من القسمة هو كذا من الصحيح والكسر، مثال ذلك ما إذا قيل لك: اقسم أربعة وأربعين ومائتين على اثني عشر: فضعهما هكذا:
|
ثم تطلب بعقلك في الآحاد التسعة عددا تضربه في الاثني عشر وتفني بالخارج ما فوقها أو تبقي منه أقل من الاثني عشر فتجده اثنين فتضعهما تحت الاثنين فتضربها في الواحد، فيخرج لك اثنان وهي تفني ما فوق الواحد ثم تضربها أيضا في الاثنين فيخرج لك أربعة وهي تفني ما فوقها فتبقى لك الأربعة الأولى وهي أقل من المقسوم عليه، فتضع حينئذ صفرا تحت الخط الأسفل في مقابلة مرتبة الأربعة التي لم يحصل النقل إليها، ثم تتم تلك الأربعة من المقسوم عليه بأن تضعهما هكذا، 4 من 12، ثم تحل الكثير الذي هو المسمى منه على ثلاثة وأربعة وتضعهما تحت خط، ثم تقسم المسمى الذي هو أربعة على الأربعة التي هي أمام المؤخر في الوضع، فيخرج
لك واحد فتضع الصفر على تلك الأربعة وتضع الواحد الخارج على الثلاثة المتقدمة في الوضع؛ لأنه أقل منها فيكون ثلثا كما يأتي ذلك العمل في قوله:
وإن ترتب الذي قد كثرا
…
فاقسم على أضلاعه ما نزرا
وأخر ذلك الثلث عن الخارج الصحيح الذي كان تحت الخط الأسفل فيكون الخارج لكل واحد منهم عشرين وثلثا، وقد اقتصر الناظم في هذا الباب على كيفية القسمة على جملة المقسوم وترك طريق الحل الذي هو أسهل على المبتدي، فأشرت إليه ببيت زدته تكميلا للفائدة وهو:
أو حُل مقسومًا عليه واقسما
…
على أيمة له المقتسمَا
أي افعل أيها الطالب في القسمة على عدد مركب ما تقدم ذكره، أوحل بالعمل الآتي عددا مقسوما عليه أي أيمته التي تركب منها وهي الأعداد الصغار التي نشأ العدد من ضرب بعضها في بعض فاقسمن المال المقتسما أي المال المقسوم على أيمة كائنة له أي للمقسوم بعد ترتيب أيمته تحت خط الأكبر فالأكبر كما جرت به عادة أكثرهم، أو كيف شئت لأن ذلك غير لازم، وابتدئ لزوما بالقسمة على الإمام ثم بقسمة الخارج على الذي قبله ثم كذلك إلى الإمام الأول. وضع الباقي من القسمة لكل أم عليه واجعل صفرا على كل إمام وقع الانقسام عليه فيخرج بعد القسمه على جميع الأئمة ما ينوب كل واحد من المقسوم عليهم من صحيح وكسر.
مثال ذلك ما إذا قيل لك: اقسم ستة وتسعين ومائة وألفين على اثنين وسبعين رجلا فإنك تحل المقسوم عليه إلى إماميه الذين نشأ من ضرب أحدهما في الآخر وهما تسعة وثمانية وتقدم الثمانية على التسعة في وضعها تحت الخط، وتقسم ذلك المقسوم على التسعة بالعمل السابق فتخرج لك أربعة وأربعون ومائتان فتضع صفرا على التسعة ليدل على انقسام العدة عليها، ثم تقسم ذلك الخارج على الثمانية بالعمل السابق أيضا فيخرج لها ثلاثون وتبقى أربعة فتضعها على الثمانية فتكون أربعة أثمان فتؤخر عن الصحيح فيكون مجموع الخارج لكل واحد من المقسوم ثلاثين وأربعة أثمان هكذا:
|
فصل وإن على كثير قسما
…
نزر فذا تسمية قد علما
أي هذا فصل أي نوع مفصول عما تقدم في الاسم، وفي بعض الأحكام: وإن قسم عدد نزر أي قليل على عدد كثير أي وإن أريد قسم القليل على الكثير، فهذا النوع من نوعي القسمة قد علم تسمية أي سمي بتسمية وحقيقتها في مختلفي الجنس حل المسمى الذي هو القليل المقسوم إلى أجزاء متساويات يكون عددها مثل عدد المسمى منه الذي هو الكثير المقسوم عليه، فإذا قيل لك: اقسم ثلاثة دراهم على ستة رجال أوسم ثلاثة من ستة إذ لا فرق بين تعبيره بالقسمة والتسمية من جهة المعنى؛ فكأنه قيل لك: احلل ثلاثة دراهم إلى أجزاء متماثلة في القدر يكون عددها مثل عدد الرجال الستة ليأخذ كل رجل ما يأخذه غيره، وإذا أردت معرفة قدر ذلك فسم من الستة بالعمل الآتي فيكون نصفا فقد صيرت حينئذ ثلاثة ستة أنصاف وقسمتها لستة رجال، فخرج لكل رجل نصف درهم وقس على ذلك سائر أمثلة تسمية الشيء من غير جنسه.
وأعلم أن الكثير الذي هو المسمى منه لا يخلو من ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون أقل من عشرة؛ الثاني أن يكون فيه مرتبتان أو أكثر وهو منحل، الثالث أن يكون فيه مرتبتان وهو أصم. القسم الأول سكت عنه الناظم لوضوحه لأنه كالأصم في العمل. مثاله: ما إذا قيل لك: أقسم خمسة على ثمانية أو سم خمسة من ثمانية، فإنك تضع الخمسة على الخط فوق الثمانية وتسميها من الثمانية بالاشتقاق، فتكون خمسة اثمان هكذا:
|
، وقس على هذا المثال غيره.
وأما القسم الثاني فقد أشار إليه الناظم بقوله:
وإن ترتب الذي قد كثرا
…
فاقسم على أضلاعه ما نزرا
معنى الترتيب هنا الإثبات الذي هو الوضع؛ أي وإن تضع أيها الطالب في مثال التسمية العدة المسمى منه الذي قد كثر أي زاد على مرتبة واحدة وهو منحل فاقسم على أضلاع ذلك الكثير أي على أيمته التي هي الأعداد الصغار التي تركب منها ما نزر أي المسمى الذي قل قدره، فأقسم ما قل على أيمة الكثير بعد أن ترتبها تحت خط كيف شئت مبتدئ بالقسمة على الإمام الأخير مما
تقدم بيانه، فيخرج لك المطلوب، مثاله ما إذا قيل لك: سم اثني عشر من ثماثية وأربعين: فإنك تضعهما هكذا: 12 من 48، ثم تحل الكثير إلى الإمامين الذين تركب منهما وهما ثمانية وستة وتضعهما تحت خط، ثم تقسم القليل الذي هو اثنا عشر على الستة المؤخرة فيخرج لك اثنان، فتضع صفرا على الستة رتضع ذلك الخارج على الثمانية فيكون ذلك ثمنين هكذا:
|
وقس على ذلك.
وأما القسم الثالث الذي كان فيه الكثير عددا أصم، فقد أشار إليه بقوله:
وإن يكن بالانغلاق وسما
…
فباشتقاق سم منه وافهما
معناه إن يكن العدد الكثير المسمى منه في مثالك موسوما أي معروفا بالانغلاق أي بعدم الانحلال لكونه من الأعداد الصم التي ليس لها نصف ولا ثلث ولا ربع ولا خمس ولا سدس ولا سبع ولا ثمن ولا تسع ولا عشر، كأحد عشر وثلاثة عشر ونحوهما فسم القليل منه أي من ذلك الكثير الأصم بالاشتقاق؛ أي يأخذ قدر القليل المجعول فوق الخط من أجزاء الكثير الأصم المجعول تحت الخط مع نسبة ذلك القليل بجملة أجزاء الكثير، وافهمن أيها الطالب جميع ما ذكر في هذه الأرجوزة، مثال ذلك ما إذا قيل: اقسم سبعة دراهم على أحد عشر رجلا فإنك تضع الأحد عشر تحت خط وتضع عليه السبعة هكذا:
|
تأخذ قدر القليل من أجزاء الكثير؛ فتقول: الخارج سبعة أجزاء من أحد عشر جزءا قد انقسم عليها درهم واحد، وقس على ذلك المثال غيره:
فهاكموها يا بني الآداب
…
محكمة واضحة الأبواب
المسألة الخامسة: في تذييل لما تقدم وهو للناظم:
سبرهما بضرب خارج علم
…
فيما عليه القسم يبدو ما قسم
معناه سبرهما أي اختبار عمل القسمة والتسمية يحصل بضرب عدد خارج معلوم من قسمة أو تسميه فيما كان عليه القسم أي العدد المقسوم عليه وهو القليل في باب القسمة والكثير في باب التسمية؛ مثال القسمة ما إذا قيل لك: اقسم ثمانية وأربعين على اثنى عشر فإنك تضعهما، هكذا:
|
ثم تقسم الأعلى على الأسفل بالعمل السابق فيخرح لك أربعة فأضرب الأربعة الخارجة في العدد المقسوم عليه الذي هو اثنا عشر بالعمل السابق في باب الضرب؛ فيخرج لك المقسوم الذي هو ثمانية وأربعون فتعلم بذلك صحة عملك. ومثال التسمية ما إذا قيل لك: أقسم اثنى عشر درهما على ثمانية وأربعين رجلا، فإنك تضعهما هكذا على صورة التسلمية: 12 من 48، ثم تحل الكثير إلى ضلعيه الذين تركب منهما وهما ثمانية وستة وتضعهما تحت خط وتقسم عليهما الاثنا عشر بالعمل السابق فيخرج لك ثمنان، فإذا أردت اختبار عملك فاضرب الخارج الذي هو ثمنان في المقسوم عليه الذي هو ثمانية بالعمل الآتي في ضرب الكسر، وذلك بأن تضعهما هكذا: 8 في 48، ثم تقول: العمل في ضرب الكسور هو أن تضرب البسط في البسط وتقسم الخارج على الأيمة، وبسط الكسر هو ما فوق الخط مفرد وبسط الصحيح هو عدده كما يأتي، فتضرب حينئذ الاثنين التي هي بسط الكسر في الثمانية والأربعين التي هي بسط الصحيح فيخرج لك ستة وتسعون، فتحتاج إلى أن تقسمها على الأيمة وإمام الصحيح هو واحد مقدر تحته كما يأتي، ولا فائدة في القسمة على الواحد فتلغيه وتقسم الخارج على الثمانية التي هي إمام الكسر بالعمل السابق في باب القسمة بعد أن تضعهما هكذا:
|
فيخرج لك المقسوم الذي هو اثنا عشر فتعلم بذلك صحة عملك، وقس على المثالين غيرهما.
ولما فرغ المص من قسمة التركة شرع في الناسخة، وهذا اللفظ يستعمله الفراض في الفريضة التي فيها ميتان فأكثر واحد بعد واحد، واحترزوا بقولهم واحدا بعد واحد عما لو ماتوا بفور واحد
بهدم أو غرق وبقولهم قبل القسمة عما لو مات الثاني بعدها، فإنه ليس من هذا وهي مشتقة من النسخ وهو الإزالة؛ ولما كانت الفريضة الأولى قد انتقل حكمها للثانية سميت بذلك.
وأشار المص إلى أن الناسخة ثلاثة أقسام: الأول أن تكون الورثة، ثانيا بقية الأولين، وأشار إلى الأول بقوله: وإن مات بعض الورثة قبل القسمة الظرف متعلق بمات أي إذا مات بعض الورثة قبل أن تقتسم الورثة التركة، والحال أن هذا الميت الأخير ورثه الباقون بالوجه الذي ورثوا به الأول فإن الميت الثاني يقدر كالعدم أي يقدر أن الميت الأول إنما ترك الباقين فقط دون الميت، ومثل المص لذلك بقوله: كثلاثة بنين مات أحدهم أي كما لو مات شخص وترك ثلاثة أولاد ذكورا ومات أحدهم قبل قسم التركة ولا وارث للميت الثاني غير أخويه فالميت الثاني كأنه لم يكن ولا عمل فيها فتقسم التركة على أخويه، الباقيين، وكذا لو مات أحد الاثنين الباقيين فيأخذ الباقي التركة حيث لا وارث له غيره.
قال عبد الباقي: وإذا مات بعض من الورثة المستحقين لمال الميت الأول قبل القسمة لتركته وورثه الباقون بالوجه الذي ورثوا به الأول كثلاثة بنين ثم مات أحدهم قبل القسمة ولا وارث له غير الباقين، فالميت الثاني كأنه لم يكن ولا عمل فيها وتقسم التركة على أخويه الباقيين، وكذا لو مات ثالث ورابع وكان ورثة الأول هم ورثة الثاني والثالث والرابع ويرثون بمعنى واحد أي بعصوبة، كثلاثة إخوة أشقاء وأربع أخوات شقائق مات أحد الإخوة ثم آخر ثم أخت ثم أخت ثم أخت، فإن التركة تقسم بين الأخ والأخت الباقيين للذكر مثل حظ الأنثيين وكأن الميت لم يمت [إلا]
(1)
عنهما، وهاتان الصورتان داخلتان في لفظ بعض لشموله للميت التعدد أيضا ومثاله بالمتحد لا يخصص. اهـ. وقوله: بالوجه الذي ورثوا به الأول احتراز عما لو انحصر إرث الميت الثاني في بقية ورثة الميت الأول، لكن اختلف قدر الاستحقاق كميتة عن أم وزوج وأخت لأب وأخت شقيقة ثم نكح الزوج الشقيقة وماتت عنهم، أصلهما معا من ستة وتعولان لثمانية، فنصيب الأخت الميتة من الأول ثلاثة وهي لا تنقسم على ورثتها ولا توافق فريضتها، بل تباينها
(1)
ساقطة على الأصل، والمثبت من عبد الباقي ج 8 ص 222.
فتضرب ثمانية في ثمانية بأربعة وستين وتقول من له شيء من الفريضة الأولى أخذه مضروبا في ثمانية، فللزوج من الأولى ثلاثة في ثمانية بأربعة وعشرين، وللأخت الميتة مثل ذلك للزوج منه ثلاثة في ثلاثة بتسعة، فمجموع ماله ثلاثة وثلاثون. وللأخت من الأب من الأولى واحد في ثمانية بثمانية ولها من نصيب أختها الميتة ثلاثة في ثلاثة بتسعة، فمجموع مالها سبعة عشر وللأم من الأولى ثمانية ومن نصيب ابنتها الميتة اثنان في ثلاثة بستة فمجموع مالها أربعة عشر. والله تعالى أعلم.
وقوله: "كثلاث بنين" ليس مثل ذلك ما إذا ماتت عن ثلاث بنات؛ وأما قول عبد الباقي: كثلاث بنين أو ثلاث بنات فمثله في الأجهوري حيث، قال: لأن البنات حيث تعددن فلهن الثلثان على كل حال كن ثلاثا أو اثنتين. اهـ. ففيه نظر لأنا لو جعلنا موت إحداهما كالعدم لزم أن يكون للباقي جميع الثلثين من مال الهالك، وأن يكون للعاصب ثلثه فقط وليس كذلك بل له ثلثه وثلث حظ البنت الهالكة من الثلتين فتأمله. قاله البناني. وخرج بقول المص:"وورثه الباقون": امرأة ماتت عن ثلاثة بنين من آباء مختلفة لأن الميت الثاني خلف وارثا غير الباقيين لعدم حصر الإرث في الأخوين للأم.
القسم الثاني: أن يرثه بعض الباقين دون بعضهم وإليه أشار بقوله: أو بعض يعني أنه إذا ورث الميت الثاني بعض من ورثة الميت الأول دون بعض أي الباقون من ورثة الميت الأول بعضهم يرث من هذا الميت الثاني وبعضهم لا يرث منه، ومثل لذلك بقوله: كزوج معهم أي مع البنين الثلاثة، وصورتها: ماتت امرأة عن ثلاثة بنين وعن زوجها وهو ليس بأب لهم، ولهذا قال: ليس أبا لهم ثم مات أحد البنين، فإن الميت الثاني يقدر كالعدم فكأنها ماتت عن زوج وابنين؛ إذ للزوج الربع.
وعلم مما قررت أن قوله: فكالعدم جواب الشرط، أعني قوله:"وإن مات بعض" فهو راجع للمسألتين. قال عبد الباقي: أو ورثه بعض من الباقين والبعض الآخر لم يرثه في الثانية، ومثل للبعض غير الوارت بقوله:"كزوج معهم" ماتت زوجته عنه وعن بنيها الثلاثة من غيره. ولذا قال: ليس أباهم أو عكسها كموت زوجها عنها وعن ثلاثة بنين من غيرها، ثم مات أحد البنين
عن أخويه في المسألتين فكالعدم في الأولى لأنها ماتت عن زوجها وابنيها، وكأنه في الثانية مات عن زوجة وابنين؛ إذ للزوج الربع والزوجة الثمن ولو كان الذي مات حيا في المسألتين.
تنبيهان: الأول: قوله: "وورثة الباقون" سواء كانوا أهل عصوبة "كثلاث بنين" في مثال المص، أو أهل فروض كموت امرأة عن أخت شقيقة وأخت لأب وزوج وتزوج الزوج الأخت للأب فماتت عنه وعن أختها لأبيها، فيقدر أنها لم تكن، ويرثان العول، وبقية المال بين الأخت والمؤوث نصفين. اهـ. قاله البناني. وهو ظاهر لأن الزوج له ثلاثة من الفريضة الأولى التي عالت لسبعة، وللأخت الشقيقة منها ثلاثة، وللأخت للأب التي تزوجها الزوج بعد موت الأولى واحدة، فلما ماتت تركت أختها للأب التي هي شقيقة الأولى، فالواحدة التي عالت بها بين الزوج والأخت أي فيترك العول وتقسم الستة بينهما، وكأن تموت امرأة عن زوج وأم وأخوين لأم وشقيقة فيتزوج الزوج الشقيقة فتموت عنهم فيترك العول ويفرض أن الشقيقة لم تمت. اهـ. قاله البناني وغيره. الثاني: احترز المص بقوله: "ليس أباهم" عما لو كان الزوج أباهم فإنه يرث جميع نصيب الميت الثاني؛ لأنه أبوه وهو يحجب الإخوة، وإلا بأن خلف ورثة غير الأولى أو هم ولكن اختلف قدر استحقاقهم فالعمل واحد.
وأشار إلى طريقة العمل بقوله: صحح أي أعمل مسألة الميت الأولى وخذ منها سهام الميت الثاني، ثم صحح الفريضة الثانية وهي مسألة الميت الثاني، وأقسم سهام الميت الثاني من الأولى على مسألته، فإن انقسم نصيب الثاني من الفريضة الأولى على ورثته أي على سهام ورثته وهي سهام فريضته فقد تم العمل، ومثل لذلك بقوله: كابن وبنت مات عنهما أبوهما، فالمسألة من ثلاثة: للابن سهمان وللبنت سهم، ثم مات الابن قبل القسمة وترك أختا وعاصبا كعم أو ابن عم صحتا أي الفريضة الأولى والثانية، فالأولى من ثلاثة للابن سهمان مات عنهما وهما منقسمان على الفريضة الثانية في إذ هي من اثنين لأخته سهم ولعمه سهم فقد حصل للبنت سهمان وللعاصب سهم. وقوله:"مات" صفة "لابن"، وقوله:"صحتا" جواب الشرط، وإلا ينقسم نصيب الميت الثاني من الأولى على سهام ورثته، وفق بين نصيبه أي نصيب الميت الثاني من الفريضة الأولى، وبين ما صحت منه مسألته.
وإيضاح هذا أن تقول: إن لم ينقسم نصيب الميت الثاني على سهام فريضته فإنه ينظر بين سهامه من الأولى وبين ما صحت منه مسألته بالموافقة والمباينة ليس إلا، وحيث بأن التوافق بينهما ضرب وفق المسألة الثانية في كل المسألة الأولى، فالخارج من ذلك الضرب تصح منه المسألة فقد رجعت الفريضتان إلى فريضة واحدة، ومثل لذلك بقوله: كمن مات وترك ابنين وابنتين ثم مات أحدهما أي أحد الابنين قبل القسم وترك زوجة وبنتا وثلاثة بني ابن فالمسألة الأولى من ستة لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم والثانية من ثمانية للزوجة سهم وللبنت أربعة ولكل ابن ابن سهم، فللابن الميت من الأولى اثنان وفريضته من ثمانية وهما لا ينقسمان على سهام ورثته، وبين الاثنين والثمانية التوافق بالنصف فتضرب نصف فريضته وهو أربعة في الفريضة الأولى وهي ستة بأربعة وعشرين، ومنها تصح فقد رجعت الفريضتان إلى فريضة واحدة.
فتقول من له شيء من الأولى ضرب له في وفق الثانية أي من له شيء من الفريضة الأولى أخذه مضروبا في وفق الفريضة الثانية ومن له شيء من الفريضة الثانية فيضرب له أي يأخذه مضروبا في وفق سهام فريضة الميت الثاني فللذكر الحي من الفريضة الأولى اثنان مضروبان في أربعة بثمانية، ولكل بنت واحد في أربعة بأربعة لكل واحدة منهما أربعة، وللزوجة من الثمانية واحد مضروب في وفق سهام موروثها وهو واحد بواحد، وكذا لكل ابن ابن وللبنت من الثمانية أربعة في واحد بأربعة. وإن لم يتوافقا أي وإن لم يوافق سهام الميت الثاني من الفريضة الأولى فريضته أي فريضة الميت الثاني بل تباينا ضرب ما صحت منه مسألته أي مسألة الميت الثاني فيما صحت منه الفريضة الأولى أي ضرب كامل الفريضة الثانية في كامل الفريضة الأولى، ومثل لذلك بقوله: كموت أحدهما أي الابنين المذكورين في مسألة كابنين وابنتين مات أحدهما عن ابن وبنت فالمسألة الأولى من ستة لكل ابن سهمان ولكل بنت سهم، والثانية من ثلاثة للابن سهمان وللبنت سهم ونصيب الميت الثاني من الستة اثنان مباينان لفريضته لأنها من ثلاثة كما عرفت، فتضرب ثلاثة مجموع سهام الثانية في ستة مجموع سهام الأولى بثمانية عشر ومنها تصح، فقد رجعت الفريضتان إلى فريضة واحدة وتقول: من له شيء من الأولى أخذه مضروبا في الثانية ومن له شيء من الثانية أخذه مضروبا في كل سهام موروثه، فللابن الحي من الأولى اثنان مضروبان في الثانية
وهي ثلاثة بستة ولكل من البنتين من الأولى سهم مضروب في ثلاثة بثلاثة ولابن الميت من الثانية سهمان مضروبان في سهم موروثه وهو اثنان بأربعة وللبنت واحد في اثنين باثنين.
تنبيهان: الأول: قوله: "وإن لم يتوافقا ضرب ما صحت" لخ قال في التوضيح: وهذا إذا كانت التركة عقارا أو عروضا مقومة، وأما إن كانت عينا أو عرضا مثليا فلا عمل، ويقسم ما حصل للميت الثاني على فريضته أي ورثته. اهـ. قاله عبد الباقي.
قال البناني: قال مصطفى: أصل هذا لابن يونس، ولا نقله عنه العصنوني قال: هذا الذي ذكره ابن يونس هو المظاهر في النظر، وظاهر نصوصهم أن العمل لابد منه كيفما كانت التركة. اهـ. والمراد لابد منه عند الفراض وقصدهم بذلك الاختصار، ولو قسمت كل فريضة على حدتها ما خالف القاسم الحكم الشرعي. اهـ.
الثاني قد مر أنه إذا انحصر إرث الميت الثاني في بقية ورثة الميت الأول لكن اختلف قدر الاستحقاق، فإن الحكم في ذلك كحكم ما إذا لم ينحصر الإرث في الباقين، وقد مر التمثيل لذلك بميتة عن أم وزوج وأخت لأب وأخت شقيقة ثم نكح الزوج الشقيقة ومات عنهم راجع ذلك.
وإن أقر أحد الورثة فقط بوارث فله ما نقصه الإقرار يعني أنه إذا أقر بعض الورثة بوارث للميت وأنكره غيره من الورثة، فإنه يكون للمقر به ما نقص المقر بكسر القاف إقراره وهذا حيث لم يثبت النسب بأن كان المقر واحدا، كان عدلا أم لا أو كان أكثر من واحد لكن من أقر فاسق، قال التتائي: وإن أقر أحد الورثة فقط بوارث وأنكره بقيتهم ولم يثبت الإقرار لعدم عدالة المقر أو لعدم بلوغ النصاب.
تنبيهان. الأول: ظاهر قول المص هنا: "وإن أقر أحد الورثة فقط بوارث" ولو كان المقر عدلا وقد مر للمص في الاستلحاق أن العدل إذا أقر بوارث فإن المقر به يحلف معه ويرث ولا نسب وهذا فيه تدافع بحسب ظاهره، وجعل غير واحد هذا هو المذهب وما مر في الاستلحاق ضعيفا، قال الرهوني: والصواب أن لا معارضة لأن ما سبق في الاستلحاق محله إذا لم يكن له وارث معروف النسب ثابتة؛ وهنا قد ثبت الوارث فلا ضعف في كلامه هناك ولا معارضة بين المحلين. اهـ.
الثاني: قال الرهوني: قال مصطفى: وأشعر قوله: "بوارث" أنه لو أقر أحد الورثة بدين على موروثهم أنه لا يكون الحكم كذلك وهو كما أشعر، فإن كان المقر عدلا رجلا أو امرأتين فأكثر حلف رب الدين وثبت دينه، فلو نكل أو كان المقر غير عدل، فإن كان الدين مثل التركة أو أكثر أخذ رب الدين نصيب المقر كله ولا شيء للمقر ولا خلاف في هذا، وإن كان الدين أقل من التركة فقال ابن القاسم: يأخذ من دينه مما بيد المقر بقدر نصيب المقر من التركة. وقال أشهب: يأخذ منه الأقل من نصيبه أو الدين. قال بعض الشيوخ: وسبب الخلاف ما بيد المنكر هل هو كالقائم أو الفائت، ومثال ذلك: ترك ثلاثة بنين وعشرة دنانير أو أقل وأقر أحدهم بعشرة دنانير على أبيه دينا فلرب الدين نصيب المقر فقط، ولو كانت التركة خمسة عشر أخذ رب الدين على قول ابن القاسم من نصيب المقر ثلاثة وثلثا، وعلى قول أشهب: يأخذ الخمسة كلها إذ هي أقل من الدين، ولو كانت التركة خمسة وأربعين أخذ أيضا على قول ابن القاسم مما بيد المقر ثلاثة وثلثا، وعلى قول أشهب: يأخق دينه كله من نصيب المقر. اهـ. ونقله التاودي. وقال عقبه ما نصه: اهـ. نقله مصطفى. ونقله غيره في غير هذا المحل. اهـ.
قال الرهوني قلت في اقتصارهم كلهم على هذا القدر مناقشات، إحداها: عدم التصريح ببيان القول المبني على أنه كالتالف وربما يسري إلى الذهن أن الأول للثاني والآخر للأول وليس كذلك، وكأنهم اتكلوا على إدراك ذلك بالتأمل الصادق مع أن ابن يونس، صرح بذلك في أول ترجمة من كتاب الوصايا الثاني، ونصه: فعند أشهب يعطي المائة التي في يديه كلها لصاحب الدين ويعد ما أخذ أخوه كجائحة طرأت على المال، فلم يبق إلا مائة فالدين أولى بها. إذ لا يصح ميراث إلا بعد قضاء الدين، وعلى مذهب ابن القاسم إنما يعطيه خمسين ويعد ما أخذ بالأحكام كأنه قائم لم يتلف فيقول المالك: في يدي خمسون فخذها ولك في يد أخي خمسون غصبكها.
ثانيتهما: ذكرهم القولين منسوبين لابن القاسم وأشهب فقط من غير ذكر ما يدل على رجحان وليس كذلك، بل ما عزوه لابن القاسم هو قول الإمام أيضا واختاره ابن المواز وهو مذهب المدونة؛ قال ابن يونس في ترجمة من أذن له ورثته في مرضه أو صحته أن يوصي بأكثر من ثلثه من كتاب الوصايا الثالث ما نصه: ومن المدونة قال: ومن هلك وترك ولدين وألفي درهم فأقر أحدهما لرجل
أن له على أبيه ألف درهم، فإن كان عدلا حلف وأخذها من جميع التركة، وإن نكل أو لم يكن عدلا فليأخذ من نصيب المقر خمس مائة ويحلف له المنكر، فإن نكل غرم خمسمائة. وقاله مالك وابن القاسم. محمد: وقال أشهب: له أن يأخذ الألف كلها من نصيب المقر، قال: لأنه لا ميراث لوارث يزعم أن على الميت دينا، قال: وهو بخلاف إقراره بالوصية لأن الموصى له شريك في المال، وأما الدين فلا ميراث إلا بعد قضائه. محمد: وقول مالك وابن القاسم أولى.
ثالثتها: أنهم لم يذكروا في المسألة استشكال حلفه مع العدل ولا إشكال فيه على قول ابن القاسم، وأما على قول اشهب فقال ابن يونس: ما كان ينبغي أن يحلف لأنه غير منتفع بيمينه، وإنما ينتفع بها غيره. اهـ. قال الرهوني: قلت: وما قاله ظاهر. اهـ.
وأشار إلى كيفية العمل فيتميز ما ينقص المقر إقراره فيأخذه المقر به بقوله: تعمل فريضة الإنكار ثم تعمل فريضة الإقرار والظاهر أن هذا الترتيب ليس بواجب، بل لو عكس لصح أيضا لكن الأولى تقديم فريضة الإنكار لأنها الأصل، ثم إذا صححت الفريضتين انظر بفكرك ما بينهما؟ أي انظر ما بين الفريضتين: فريضة الإقرار وفريضة الإنكار من تداخل من تبيين لما؛ وتباين وتوافق وتماثل وتركه لوضوحه، ومثل للثلاثة فقال: الأول وهو التداخل والثاني وهو التباين كشقيقتين وعاصب أقرت واحدة بشقيقة يعني أن التداخل مثاله أن يموت شخص عن أختين شقيقتين ثم تقر إحداهما بأخت شقيقة وأنكرت الأخرى والعاصب، ففريضة الإنكار من ثلاثة ومنها تصح لكل واحدة من الشقيقتين ثلث وللعاصب ثلث وفريضة الإقرار من ثلاثة وتصح من تسعة لانكسار السهمين على الأخوات الثلاثة فتضرب ثلاثة عدد رؤوسهن في أصل الفريضة وهي ثلاثة بتسعة فتستغني بها عن الثلاثة فريضة الإنكار لدخولها في التسعة، فعلى الإنكار لكل أخت ثلاثة وللعاصب ثلاثة وعلى الإقرار لكل أخت سهمان وللعاصب ثلاثة يفضل عن المقرة سهم تدفعه للمقر بها.
وأشار للتباين بقوله: أو شقيق يعني أن مثال التباين أن تقر إحدى الشقيقتين بشقيق والمسألة لحالها شقيقتان وعاصب وأنكره غير المقرة، فمسألة الإنكار من ثلاثة أيضا ومسألة الإقرار من أربعة لحجب العم بالشقيق لو صح وهما متباينتان، فتضرب إحداهما في الأخرى باثني عشر؛
فلكل أخت في الإنكار أربعة وفي الإقرار ثلاثة فقد نقصت المقرة سهما فيأخذه المقر به، والثالث وهو التوافق كابنتين وابن أقر الابن بابن وأنكره الابنتان فالإنكار من أربعة والإقرار من ستة، والفريضتان متفقتان بالنصف فتضرب نصف إحديهما في كامل الأخرى باثني عشر، فللابن الثابت من فريضة الإنكار اثنان في ثلاثة وفق فريضة الإقرار بستة ولكل بنت سهم في ثلاثة بثلاثة: وللابن من فريضة الإقرار اثنان في اثنين نصف فريضة الإنكار بأربعة يفضل عنه سهمان يدفعهما للمقر به.
ومثال التماثل وتركه المص لوضوحه: أم وأخت لأب وعم أقرت الأخت للأب بشقيقة للميت وأنكرتها الأم. فالفريضة في الإقرار من ستة وفي الإنكار من ستة فتكتفي بأحدهما، فللأم في الإنكار الثلث سهمان وللأخت النصف ثلاثة وللعم سهم وللأخت للأب في الإقرار سهم السدس تتمة الثلثين يفضل عنها سهمان تدفعهما للشقيقة، ولو أقرت بها الأم دفعت لها سهما تكملة فرضها، ولا يلتفت للعم في الإقرار والإنكار لاستواء نصيبه فيهما.
تنبيهات: الأول: قول المص: "فله ما نقصه" الإقرار يدخل فيه صورتان، وهما ما إذا نقص الإقرار بعض نصيب المقر أو أسقطه بالكلية، وذلك لأن إقرار الوارث بوارث آخر على أربعة أقسام: أحدها: أن يؤثر في نصيب المقر بإسقاط وذلك بأن يقر بوارث يحجبه، مثل أن يترك الميت أخوين فيقر أحدهما بابن للميت فإن الأخ يدفع للابن جميع ما بيده. الثاني: أن يؤثر في نصيبه بنقص، مثل أن يترك الميت أخوين فيقر أحدهما بأخ وينكر الآخر فيعطيه المقر ثلث ما بيده. الثالث: أن يؤثر في نصيبه بزيادة فلا يلتفت إليه لأن ذلك دعوى لا تسمع منه إلا بإقامة البينة، كما لو تركت المرأة زوجا وأخوين لأم وأخا لأب، فإن أقر الأخ للأب ببنت فميراث الأخ المقر على الإنكار السدس وميراثه على الإقرار الربع، فقد بأن أن إقرار الأخ أثر في سهمه الزيادة فلا يلتفت إليه إلا بإقامة البينة أو بإقرار الورثة بذلك. الرابع: أن لا يؤثر إقرار الوارث في سهمه نقصا ولا زيادة ولا إسقاطا فهذا أيضا لا يلتفت إليه، مثل أن يترك الميت زوجة وابنا فتقر الزوجة بابن آخر للميت فينكره الابن فلا شيء على الزوجة لأن فرضها الثمن مع ابن ومع ابنين، وكما لو تركت زوجا وأختا لها فأقر الزوج بأخ لها وأنكرته الأخت فلا يعطيه الزوج شيئا
لأن الزوج له النصف في وجود الأخ وفي عدمه، فالقسمان الأولان هما منطوق المص والأخيران هما مفهومه. والله تعالى أعلم. قاله البناني.
الثاني: من مسائل الإقرار المسألة الملقبة بعقرب تحت طوبة، وهي: من تركت زوجا وأما وأختا لأم، أقرت الأخت ببنت فالإنكار من ستة والإقرار من اثني عشر أقرت الأخت أنه لا شيء لها وأقرت أن للبنت ستة وللعاصب واحد فيقسم نصيبها على سبعة وواحد لا يتجزأ على سبعة، فتضرب سبعة في ستة باثنين وأربعين من له شيء من ستة أخذه مضروبا في سبعة، وسميت بذلك لغفلة المسئول عنها عما أقرت به للعاصب. اهـ من ابن عرفة. وجعلها التتائي من أمثلة التباين وهو ظاهر لأن فيها ضرب الستة في السبعة وهما متباينتان. قاله البناني.
الثالث: قوله: تعمل فريضة الإنكار ثم الإقرار: قال ابن شأس: تنظر فريضة المقر في الإقرار خاصة لأنك إنما تريد معرفة سهمه وحده. اهـ. قاله البناني.
ولما ذكر ما إذا أقر بعض الورثة بوارث، ذكر ما إذا تعدد المقر والمقر به، فقال: وإن أقر ابن ببنت وبنت بابن يعني أنه إذا تعدد المقر والمقر به، كما إذا هلك هالك وترك ابنا وابنة وأقر الابن للميت ببنت له وأقرت البنت بابن للميت، فإنه ينظر في الفرائض هل هي متداخلة أو متباينة أو متوافقة أو متماثلة؟ وهي في هذا المثال ثلاث: الإنكار من الجانبين، وإقراره هو فقط مع إنكارها، وإقرارها هي فقط مع إنكاره. والإنكار هنا من الجانبين أي فريضة الإنكار في هذا المثال من ثلاثة للإبن سهمان وللبنت سهم، وإقراره من أربعة أي فريضة إقراره هو فقط وهي منكرة من أربعة؛ لأن الورثة على هذا التقدير بنتان وابن له سهمان ولكل بنت سهم: وفريضة إقرارها هي فقط وهو منكر من خمسة لأن الورثة على هذا التقدير ابنان وبنت لكل واحد من الابنين سهمان وللبنت سهم والفرائض الثلاث متباينة، فتضرب أربعة فريضة إقرار الابن في خمسة فريضة إقرار البنت بعشرين ثم تضرب العشرين في تلاثة فريضة الإنكار بستين إن قسمتها على الإنكار أخذ الإبن أربعين والبنت عشرين، وعلى إقرار الإبن يأخذ ثلاثين ولكل بنت خمسة عشر فقد نقصه إقراره عشرة يدفعها للبنت التي أقر بها، ولهذا قال: يرد الابن عشرة وعلى إقرار البنت تأخذ اثني عشر خمس الستين يفضل عنها ثمانية تدفعها لمن أقرت به، وهذا هو معنى قوله: وترد هي
ثمانية. قوله: "وهي من خمسة" أصله وإقرارها أي فريضة إقرارها كما مر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعُه وانفصل لحذف عامله.
وإن أقرت زوجة حامل وأحد أخويه أنها ولدت حيا يعني أنه إذا مات زوج امرأة حامل عنها وعن أخويه شقيقين أو لأب: فأقرت الزوجة وأحد الأخوين أنها ولدت من ذلك الحمل ابنا حيا أي استهل، ثم مات وأنكره أخوه الآخر وقال بل وضعته ميتا فالأخوان متفقان على ثبوت نسبه، ومختلفان في وجود شرط الميراث وهو الحياة فليست هذه كالمسائل التي قبلها؛ لأن التنازع في وجود النسب. والله تعالى أعلم. فإنك تنظر في الفرائض الثلاث: فريضة الإنكار وفريضة الإقرار وفريضة الابن علي تقدير استهلاله، فتقول: الإنكار من ثمانية أي فريضة الإنكار من ثمانية تصحيحا لا تأصيلا، إذ فريضة الإنكار هنا أصلها من أربعة للزوجة واحد ويبقى للأخوين ثلاثة لا تصح عليهما ولا توافق، فتضرب اثنين عدد رؤوس المنكسر عليهما في أربعة تصح من ثمانية؛ هذا معنى قوله:"فالإنكار من ثمانية" للزوجة اثنان ولكل أخ ثلاثة. كالإقرار يعني أن فريضة الإقرار هنا من ثمانية تأصيلا فهو تشبيه فيما صحت منه مسألة الإنكار، وإن كانت هذه تأصيلا لا تصحيحا والأولى تصحيحا لا تأصيلا كما عرفت وهما متماثلتان فتكتفي بإحداهما.
وفريضة الابن من ثلاثة تضرب في ثمانية يعني أن فريضة الابن الذي أقرت به الزوجة وأحد الأخوين أنه ولد حيا من ثلاثة على تقدير حياته، لأنه ترك أمه وعميه للأم سهم ولكل واحد من العمين سهم، وسهامه من الأولى وهي فريضة أبيه سبعة لأنه يحجب عميه، والثلاثة التي هي فريضة الابن تباين سهامه السبعة، ففي هذه الفريضة إقرار وتناسخ أي إقرار بوجود شرط الميراث: فتضرب فريضته في الفريضة التي اكتفى بها للتماثل وهي ثمانية بأربعة وعشرين؛ للزوجة في الإنكار الربع ستة والباقي ثمانية عشر لكل أخ تسعة، ولها في الإقرار الثمن ثلاثة وللابن أحد وعشرون منها لأمه بموته ثلثها سبعة ولكل أخ سبعة يفضل عن الصدق سهمان يدفعهما للأم التي لها في الإنكار ستة يجتمع لها ثمانية وللأخ الصدق سبعة، وللأخ المنكر تسعة ولا تأخذ الأم من فريضة ابنها شيئا لإنكار الأخ الآخر، وكان الواجب لها لو أقر الآخر عشرة
ثلاثة من زوجها وسبعة من ابنها فنقصها اثنان. واعلم أن عمل هذه الفريضة مؤلف من عمل الإقرار والإنكار ومن عمل الناسخات.
ثم شرع في بيان طريق الحساب في كيفية استخراج الجزء الموصى به من فريضة الموصي ليخرج الجميع من عمل واحد، فقال: وإن أوصى بشائع كربع أو جزء من أحد عشر أخذ مخرج الوصية يعني أنه إذا أوصى بجزء شائع أي غير متميز، فإن التميز لا يحتاج إلى عمل، سواء كان الجزء الشائع منطقا كربع وثلث وسدس وسبع وثمن وعشر ونصف، أو أصمَّ كجزء من أحد عشر جزءا فإنه يؤخذ مخرج الوصية أي الجزء الذي أوصى به من مخرج الوصية من ثلث أو ربع، فيعزل ذلك الجزء ثم ينظر إلى الباقي بعد الوصية، وإن انقسم الباقي من مقام الوصية بعد أخذ الجزء الموصى به على أصحاب الفريضة، ومثل لذلك بقوله: كابنين والحال أن الوصي أوصى بالثلث لزيد فالأمر واضح أي ظاهر؛ لأن الوصية تخرج من ثلاثة للموصى له سهم ولكل واحد من الابنين سهم، وكما إذا أوصى له بجزء من أحد عشر جزءا وورثة الميت عشرة إخوة مثلا، فإنه يؤخذ الجزء الموصى به لزيد مثلا ولكل واحد من الإخوة سهم، وكزوج وأم وأختين لأب وأخوين لأم أصلها من ستة وتعول لعشرة، وأوصى بجزء من أحد عشر فللموصى له جزء وللزوج ثلاثة وللأخوين للأم سهمان وللأخوات لأب أربع لكل سهم وللأم واحد.
وقوله: "كربع" اعلم أن المنطق هو ما يعبر عنه بلفظ مشتق من العدد الذي يخرج منه، ويعبر عنه أيضا بلفظ الجزء والأصم هو ما يعبر عنه بالجزئية، قال الشبراخيتي: وإن أوصى بشائع أي لا يتميز فإن التميز لا يحتاج للعمل سواء كان الجزء الشائع منطقا وهو الذي اشتق اسمه مسماه
(1)
كربع وثلث ونحوه أو أصمَّ مثل جزء من أحد عشر أو ثلاثة عشر أو تسعة عشر ونحوها، وذكر المثال ليفيد أنه لا فرق بين المنطق والأصم. وقول الشارح: أو من اثني عشر فيه نظر لأن جزءا من اثني عشر ليس أصم لأنه يمكن أن يعبر عنه بنصف سدس، ولذا قال التتائي: وقول الشارح أو
(1)
كذا في الأصل، والذي في الشبراخيتي:(من اسمه عدد مسماه).
اثني عشر سبق قلم، قال ابن مرزوق: واختار المص الربع لأنه أول جزء العدد الركب
(1)
العدد الذي يحصل بالضرب، واختار الجزء من أحد عشر لأنه أول الأعداد الصم. انتهى.
تنبيه: قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر من تتبع كلامهم هنا أن معنى أخذ عزل بالنظر وميز قدره بالنسبة إلى باقي الفريضة، لا أنه يؤخذ الجزء الموصى به بالفعل ثم يقسم باقي الفريضة بدليل آخر الكلام. والله تعالى أعلم. وقوله: أخذ مخرج الوصية: علم مما قررت أنه على حذف مضاف أي جزء العدد الذي تخرج منه الوصية، ولهذا قال البناني: لو قال من مخرج الوصية ويكون ضمير أخذ للشائع كان أولى، وقصد المص كيفية العمل في إخراج الوصايا من فريضة الوصي بعمل واحد، وبقيت عليه طريقة أخرى وهي أن تزيد على الفريضة جزءا ما قبل مخرج الوصية أبدا، فإن كانت الوصية بالثلث زدت على الفريضة نصفها؛ لأن مخرج الوصية ثلاثة والعدد الذي قبل الثلاثة اثنان وجزء الاثنين النصف، وهكذا إذا كانت بالربع زدت على الفريضة الثلث وبالخمس زدت عليها ربعها وهكذا. اهـ.
قال الرهوني: يقتضي أن المزيد على الفريضة هو جزء ما قبل الوصية، فإذا كانت الفريضة من ستة مثلا والوصية بالثلث فإنه يزاد على الفريضة وهي ستة جزء ما قبل الوصية وما قبل الوصية اثنان وجزءها واحد، فيصير ذلك سبعة ولا يصح ذلك بالضرورة. فالصواب أن يقول: وهي أن تزيد على الفريضة جزءها الموافق لجزء ما قبل مخرج الوصية فيزاد في هذا المثال نصف الستة لأنها جزؤها الموافق لجزء ما قبل مخرج الوصية، فيكون الحاصل تسعة وهذا صحيح. فتأمله. فإنه يدرك بأدنى تأمل. اهـ.
وإلا ينقسم الباقي من مقام الوصية على أصحاب الفريضة فإنك تفعل فيه ما فعل في السهام المنكسرة على عدد الرؤوس وهو النظر في أحد أمرين، إما الموافقة وإما المباينة ليس إلَّا، ولذا قال: وفق بين الباقي من مقام الوصية وبين ما صحت الفريضة منه إن توافقا، واضرب الموفق أي الجزء الذي حصلت به الموافقة من مسألة الفريضة في مخرج الوصية أي اضرب وفق الفريضة في العدد
(1)
كذا في الأصل، والذي في عبد الباقي ج 8 ص 226 (المركب أي العدد).
الذي تخرج منه الوصية فما بلغ منه تصح، وتقول: من له شيء من الوصية أخذه مضروبا في وفق المسألة، ومن له شيء من المسألة أخذه مضروبا في وفق ما بقي بعد إخراج الوصية ويتضح ذلك بالمثال، وإليه أشار بقوله: كأربعة أولاد أي ذكور، والحال أنه أوصى بالثلث كما هو موضوع المسألة، وإيضاح المص أن تقول: صورة المسألة أنه أوصى بالثلث كما سبق، فالفريضة من أربعة ومخرج الوصية ثلاثة، فمسألة الوصية من ثلاثة فيخرج جزء الوصية وهو واحد يبقى اثنان لا ينقسمان على الأربعة، لكن يوافقانها بالنصف فاضرب اثنين وفق فريضة البنين في ثلاثة مخرج الوصية بستة يخرج منها جزء الوصية اثنان ويبقى أربعة منقسمة على البنين الأربعة أصحاب فريضة الميت، وإلا تحصل الموافقة بين ما بقي من مخرج الوصية وبين فريضة، بل تباينا فكاملها أي كامل فريضة الميت يضرب في مخرج الوصية ومنه تصح، ومثل لذلك بقوله: كثلاثة من البنين والمسألة بحالها من أنه أوصى بالثلث للموصي سهم وللبنين اثنان لا ينقسمان عليهم ولا يوافقانهم بل هما متباينان، فتضرب ثلاثة في ثلاثة بتسعة للموصى له ثلاثة ولكل ابن اثنان.
ولما ذكر كيفية العمل إذا أوصى بجزء واحد، ذكر كيفيته فيما إذا أوصى بجزءين وقد يكون ذلك مع اتحاد الوارث، وتركه لظهوره أو تعدده، وإليه أشار بقوله وإن أوصى بسدس وسبع ضربت ستة في سبعة يعني أنه إذا أوصى بجزءين مختلفين فإنه يضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر فيخرج الجزءان فإن اتحد الوأرث أخذ ما بقي وقد تم العمل، ومثل لذلك بقوله:"بسدس وسبع"، فإذا أوصى لزيد بسدس مثلا ولعمرو بسبع فإنك تضرب ستة في سبعة باثنين وأربعين، لصاحب السدس سبعة ولصاحب السبع ستة، والباقي للوارث وهو تسع وعشرون فإن اتحد الوارث أخذه وقد تم العمل، فإن تعدد الوارث فإن انقسم ذلك عليه فقد تم العمل كأربعة عشر ابنا وبنتا واحدة، فإن لم ينقسم فهو قوله: ثم في أصل المسألة يعني أنه إذا لم ينقسم الباقي من الحاصل من ضرب أحد الجزين في الآخر فإنك تنظر بينه وبين سهام فريضة الميت، فإن تباينا فإنك تضرب جميع الحاصل في أصل المسألة، ولو ترك الميت ثلاثة بنين وأوصى لزيد بسدس ولعمرو بسبع فإنك تضرب ستة في سبعة يخرج اثنان وأربعون لزيد سبعة ولعمرو ستة كما عرفت وبين الثلاثة والتسعة والعشرين التباين، فاضرب الثلاثة في الاثنين والأربعين بمائة وعشرين
وستة، فالسدس أحد وعشرون والسبع ثمانية عشر وتبقى سبعة وثمانون لكل ابن تسعة وعشرون؛ إذ لصاحب السدس من مسألة الوصية سبعة في ثلاثة يحصل له واحد وعشرون، ولصاحب السبع ستة في ثلاثة بثمانية عشر وللبنين تسعة وعشرون في ثلاثة بسبعة وثمانون لكل تسعة وعشرون.
أو وفقها يعني أنه إذا وافق ما بقي من مسألة الوصية بعد إخراج الجزءين سهام فريضة الميت فإنك تضرب وفق المسألة في مخرج الوصية كعشرة بنين وأوصى بثلث وربع، فمخرج الوصية من اثني عشر ثلثها أربعة وربعها ثلاثة تبقى خمسة موافقة للعشرة بالخمس، فتضرب وفق المسألة وهو اثنان في اثني عشر بأربعة وعشرين يخرج للوصية الثلث وهو أربعة في اثنين بثمانية وربع وثلاثة في اثنين بستة تبقى عشرة تقسم على عشرة، وبيان ذلك على ما مر أن من له شيء من الوصيه أخذه مضروبا في وفق الفريضة وهو اثنان، ومن له شيء من الفريضة أخذه مضروبا في وفق ما بقي من مخرج الوصية بعد إخراج الوصيتين فلكل من البنين سهم في واحد بواحد؛ لأن خمس ما بقي واحد.
تنبيهان: الأول: قوله: "وإن أوصى بسدس وسبع" لخ أعلم أنه إن تداخل مخرج الجزءين المختلفين اكتفي بأكثر المخرجين كستة وثلاثة وقد أوصى بثلث وسدس، فإنه يكتفي بستة فيخرج منها السدس واحد والثلث اثنان حيث أجاز الورثة وإن تماثل الجزءان، ولا يكون ذلك إلا مع اتفاقهما اكتفي بأحدهما كسدس وسدس فلا يحتاج في هذين القسمين لضرب أحد المخرجين في الآخر.
الثاني: علم مما مر أنه لا ينظر في هذه بين ما بقي من مخرج الوصية في الجزئين وبين الفريضة إلا بالتباين والتوافق كالتي قبلها. والله تعالى أعلم.
ولما فرغ من عمل الفرائض وذكر المواريث وبيان من يستحق الميراث بإقرار أو وصية، شرع في ذكر موانع الميراث فقال:
ولا يرث ملاعن وملاعنة يعني أن الملاعن لا يرث من زوجته حيث التعنت بعد لعانه، فإن ماتت قبل التعانها ورثها، وكذا لا ترث الملاعنة من زوجها الملتعن قبلها فإن بدأت هي ومات قبل التعانه ورثته قطعا، فإن مات بعد التعانه فعلى القول بإعادتها وامتنعت من اللعان بعد التعانه
ورثته وتحد، وأما إذا لاعنت فلا ترثه وكذا لا ترثه على القول بعدم إعادتها كما استظهره عبد الباقي، وقال عبد الباقي: فعلم أنه إن حصل اللعان من كل منهما على الوجه الشرعي لم يرث أحدهما الآخر وإن التعن أحدهما فقط توارثا، ولا توارث بينه وبين ولده الذي لاعن فيه سواء التعنت أم لا، وأما أمه فترثه على كل ولا يخفى أن اللعان بين الزوجين مانع من سبب الإرث الذي هو الزوجية. اهـ. وما قاله ظاهر.
وتوأماها شقيقان يعني أن توأمي الملاعنة يتوارثان على أنهما شقيقان هذا هو المشهور، وقال المغيرة: يتوارثان على أنهما لأم، وأما توأما المستأمنة والمسبية، فقال في كتاب اللعان من البيان: إنهما شقيقان ولم يحك في ذلك خلافا. قاله الحطاب.
تنبيه: قد مر أنه إذا التعن الزوج ولم تلتعن هي ورثته، قال الرهوني: وقد ألغز ابن فرحون في هذه المسألة ونظمت مضمن كلامه فقلت:
ما زوجة إن ورثت زوجا لها
…
ماتت وإن تعش فلا إرث لها
ونظمت أيضا جوابه فقلت:
تي زوجة لاعن زوج وهلك
…
قبل التعانها فأوقف ما ترك
يعني يوقف ما ترك، فإن نكلت رجمت إن كانت محصنة وورثت وإن لاعنت لم ترجم ولم ترث، واستشكل توارث توأمي الملاعنة على أنهما شقيقان لعدم لحوقهما بالملاعن، وأجيب بأن نفي نسبهما عن الملاعن غير محقق لاحتمال كذب الزوج ولأنه لو استلحقهما للحقا به. وقوله:"وتوأماها" أي المنفيان باللعان وميراث النفي باللعان من أخيه غير المنفي إنما هو بالأخوة للأم، فيرث السدسَ إن اتحد والثلث إن تعدد والباقي
(1)
توأمه الشقيق بالتعصيب. التتائي: والتوأمان خمسه أقسام تكلم المص على هذا القسم وترك ما عداه، وهو توأما المسبية والمستأمنة، والمشهور
(1)
في الأصل: والباب.
فيهما أنهما شقيقان، وتوأما الزانية والمشهور فيهما أنهما لأم وكذا توأما المغتصبة. اهـ المراد منه. ولا يرث ولد المرأة المنفي باللعان من الزوج، وإن كان الذي لاعن الزوج فقط دون الزوجة وأخوه غير المنفي إنما هو أخ لأم فقط. كما مر.
ولا رقيق يعني أن الرق من موانع الميراث، فلا ميراث للرقيق، ولسيد المعتَقِ بعضُه جميع إرثه أي ماله، ففي إطلاق الإرث عليه تجوز، ومعنى كلام المص أن العبد إذا مات، ماله لسيده ولو كان معتقا بعضه، فإن اتحد السيد اختص بالمال كله وإن تعدد كان بينهما على حسب ما لكل منهما. قال عبد الباقي في التهذيب: إن مات العبد وترك مالا ولرجل فيه الثلث ولآخر فيه السدس ونصفه حر فالمال بينهما بقدر ما لهما فيه من الرق، فإن كان العبد بين ثلاثة وأعتق أحدهم نصفه وكاتبه الثاني وتمسك الثالث بالرق فمات العبد فميراثه بين الذي تمسك بالرق وبين المكاتب، على أن يرد ما أخذ من كتابته قبل موته، وقاله ربيعة. اهـ. وقولها: فالمال بينهما بقدر ما لهما فيد من الرق أي المال المخلف عنه جميعه، لصاحب الثلث ثلثاه ولصاحب السدس ثلثه. هذا هو المراد. ولا يتوهم من قولها بقدر ما لهما فيه من الرق أن لصاحب الثلث ثلث ولصاحب السدس سدس وباقيه لوارثه أو لبيت المال، فإن هذا توهم فاسد. وفهم من كلام المص أن مال القن الخالص لسيده بالأولى إن كان السيد مسلما والعبد مسلم أو كافر، فإن كان السيد كافرا والعبد كافر فكذلك إن قال أهل دينه إنه لسيده وإلا فللمساكين. ذكره ابن مرزوق. فإن أسلم عبد الكافر ومات قبل بيعه عليه فماله لسيده الكافر. قاله المتيطي. ونقله عنه التتائي. ومثل بيعه ما إذا بان عنه بعد إسلامه ومات فللمسلمين. اهـ كلام عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي: ولسيد الرقيق المعتق بعضه كمكاتب ومدبر ومعتق لأجل وأم ولد ومبعض، كما إذا كان العبد مشتركا بين اثنين وأعتق أحدهما حصته ولم تقوم عليه حصة شريكه ثم مات العبد عن المالك والمعتق، وقدم الجار والمجرور للإشارة إلى أنه لا يشاركه غيره جميع إرثه فيه مسامحة، فالمراد الإرث اللغوي، والإرث لغة البقاء أي جميع ما أبقاه أي تركه. اهـ. وفي المدونة: إذا أعتق المديان ولم يعلم الغرماء حتى مات بعض قرابة العتق لم يرثه لأنه عبد حتى يجيز الغرمات العتق فهو متردد بين الحرية والرق وقريبه حر صرف، وإذا بتل عتق عبده في مرضه
وله أموال متفرقة إذا جمعت خرج العبد من ثلثها فلا يرث
(1)
جمعها؛ لأن المال قد يهلك فلم تتحقق الحرية. اهـ.
وقال ابن يونس: إذا اشتريت
(2)
فأعتقته وورت وشهد ثم استحق: فإن أجاز المستحق البيع نفذ العتق والميراث وإلا بطل الجميع، والفرق أن المديان متعد على الغرماء، بخلاف المشتري فلو علم المشتري بملك المستحق استوت المسألتان. قال ابن يونس: وإن لم يعلم الغرماء حتى ورث ثم أجازوا نفذت الأحكام. قاله الحطاب.
ولا يورث النائب ضمير يعود على الرقيق؛ يعني أن الرقيق لا يورث بقرابة وقد مر قوله: "ولا رقيق" فمعنى كلامه أن الرقيق لا يرث قريبه، ولا يرثه قريبه واستثنى من ذلك قوله: إلا المكاتب يعني أن المكاتب إذا مات وترك ما فيه وفاء كتابته وزيادة على ذلك فإن الزيادة تورث عنه على ما مر في قوله: "وورثه" من معه فقط في الكتابة ممن يعتق عليه راجع ما مر في الكتابة. وإنما استثناه مع ترك ذلك لأن موته قبل أداء النجوم
(3)
فقد مات وهو باق على الكتابة، ولذا كان نوعا خاصا ولو كان إرثه بالحرية لورثه كل من ورث الحر.
ولا قاتل عمدا عدوانا يعني أن القاتل عمدا عدوانا لا يرث موروثه ولو معتقا لعتيقه، كان القتل تسببا أو مباشرة واحترز بالعمد من الخطإ، فإنه سيذكره قريبا، وبقوله:"عدوانا" من القاتل الذي له مستند شرعي كالقصاص والرجم لمن يستحقه، ونحو ذلك كما إذا قصد الوروث قتل وارثه فقتله الوارث وكان لا يندفع إلا بالقتل فيرث المال وهذا مما لا دية فيه. قال التتائي: ولا يرث قاتل موروثه عمدا عدوانا لا من ماله ولا من ديته اتفاقا؛ لأحاديث كثيرة منها: (قاتل العمد لا يرث)
(4)
- اهـ.
(1)
كذا في الأصل، والذي في الحطاب ج 6 ص 638 ط دار الرضوان (فلا يرث قبل جمعها).
(2)
كذا في الأصل، والذي في الحطاب ج 6 ص 638 ط دار الرضوان (إذا اشتريت عبدا فأعتقته).
(3)
كذا في الأصل، والذى في عبد الباقي ج 8 ص 227 قبل أداء النجوم لا يوجب حريته بل مات وهو باق.
(4)
الموطأ، ج 2 ص 544 - الاستذكار، ج 15 ص 204.
وقال الحطاب: وإذا قامت بينة على وارث أنه قتل موروثه عمدا فأبرأه المقتول فهو عفو جائز لا يقتل به، ولكن لا يرثه لأنه يتهم في إبرائه لأنه يوجب له ميراثا زال عمه بالقتل، ولكن لو لم يبرئه وقال نصيبه من الميراث هو له وصية فذلك جائز لأنها وصية لغير وارث. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة، قال أشهب: إذا قامت بينة على وارث بالقتل عمدا فكذبهم بعض الورثة وصدقهم البعض، فإن ما صار للمكذبين من ميراثهم يريد من الدية فهو للقاتل، وكذا لو أقر الميت بدين لوارثه وصدقه بعض ورثته، واحترز المؤلف بقوله:"عدوانا" عما لو كان عمدا غير عدوان. قال الفاكهاني: نحو أن يقتل الحاكم ولده قصاصا ونحوه فهذا يورث عندنا بلا خلاف أعلمه، وفي مذهب الشافعي فيه ثلاثة أقوال. اهـ.
الشبراخيتي: وإنما لم يرث القاتل من مقتوله لما في ذلك من المصلحة، إذ لو ورث القاتل المقتول لأدى ذلك إلى خراب العالم، وعلل ذلك بعضهم بأنه استعجل الشيء قبل أوانه فعوقب بحرمانه، واعترض ذلك بأنه إنما يتأتى على مذهب المعتزلة من أن القاتل قطع أجل المقتول لا على مذهب أهل السنة من أن المقتول بأجله، وأجيب بأن المراد أن ذلك الاستعجال باعتبار السبب فلا ينافي كونه مات بأجله.
وإن أتى بشبهة يعني أن القاتل عدوانا لا يرث، وإن كان قد أتى في قتله بشبهة تدرأ عنه القتل، قال الحطاب: يشير إلى ما قاله في النوادر: إذا قتل الأبوان ابنهما على وجه الشبهة وسقط عنهما القتل فالدية عليهما ولا يرثان منها ولا من المال شيئا لأنه عدوان من الأجنبي. نقله في الذخيرة. الفاكهاني: إذا جرح إنسان فمات الجارح قبل المجروح، هل يرثه؟ لم أقف على نص. وفي الروضة أنه يرث. اهـ. قلت: ولا ينبغي أن يختلف في أنه يرث وهو ظاهر. والله تعالى أعلم. اهـ. وقوله: لأنه عدوان من الأجنبي ظاهر في أن العدوان يجامع الشبهة. والله تعالى أعلم. وفي بعض النسخ وإن أبا من الأبوة أي لا يرث القاتل، وإن كان أبا له شبهة تدرأ عنه القتل كرميه ابنه بحديدة على ما مر في الجنايات.
تنبيه: قال عبد الباقي: ولا يرث قاتل لموروثه ولو معتقا لعتيقه أو صبيا أو مجنونا تسببا أو مباشرة. اهـ. وقال الشبراخيتي: ولا يرث قاتل موروثه عمدا عدوانا من مال مقتوله ولا من ديته
إن قبلت، وسواء كان القاتل بالغا رشيدا أو صغيرا أو مجنونات سواء كان القتل مباشرة أو تسببا. اهـ. وقال مصطفى: قول المص: "ولا قاتل عمدا" أي ولو عفا عنه ولو كان القاتل مكرها، ولابد من كوند بالغا عاقلا. أما الصبي فعمده كالخطإ وكذلك المجنون. قاله الفارسي شارح التلمسانية. ونحوه في الذخيرة وهو الظاهر، خلاف ما حكاه الأجهوري عن الأستاذ أبي بكر أن مذهب مالك قاتل العمد بلا شبهة لا يرث من مال ولا دية بالغا أو صغيرا أو مجنونا وهو مشكل وإن صدر به وأقره. اهـ. قال البناني: قلت وما ذكره الأجهوري عليه اقتصر ابن علاق ولم يذكر مقابله إلا عن أبي حنيفة. اهـ المراد منه.
قال الرهوني عليه أيضا: اقتصر المواق عازيا له لمالك، وكلام ابن يونس يفيد أن أهل المذهب كلهم وجل العلماء خارج المذهب عليه لأنه لم ينسب مقابله إلا لأبي حنيفة، ونصه: اتفق العلماء أن قاتل العمد لا يرث من مال المقتول ولا من ديته، وأن قاتل الخطإ لا يرث من الدية، واختلفوا هل يرث من مال المقتول، فذهب مالك وأهل المدينة إلى أنه يرث من المال دون الدية، وذهب سفيان وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم إلى أنه لا يرث من مال ولا دية كقاتل العمد. قال أبو حنيفة: إلا أن يكون القاتل صبيا لم يحتلم أو مجنونا فلا يحرما الميراث. اهـ منه بلفظه.
كمخطئ من الدية يعني أن قاتل الخطإ لا يرث من الدية وإنما يرث من غير الدية، ومن الخطإ إذا قتله معتقدا أنه حربي فتبين أنه موروثه وحلف على ذلك. قاله عبد الباقي. وقال: ويستثنى من المخطئ قتل الصبي والمجنون عمدا كما مر، فلا يرث الصبي ولا المجنون المال ولا الدية، وهذا أيضا مستثنى من قولهم: عمد الصبي كالخطإ، ويرث قاتل العمد والخطإ الولاء كما قال في التلمسانية:
ويرثان معا الولاء
…
.......................
ومعناه أن من قتل شخصا له ولاء عتيق والقاتل وارث ولاء الشخص المذكور، فإنه يرث ماله من الولاء سواء قتله عمدا أو خطئا، وليس معناه أن المعتق بالكسر إذا قتل عتيقه عمدا يرثه بل حكمه حكم من قتل موروثه عمدا كما مر، واستُدِل لعدم إرث قاتل العمد عدوان بأخبار يقوي بعضها
بعضا وإن لم تخل من ضعف، نعم قال ابن عبد البر في بعضها وهو خبر:(ليس للقاتل من الميراث شيء)
(1)
إنه الصحيح بالاتفاق، وأجمعوا عليه في العمل قيل وتظافرت عليه الملل السابقة ولأنه لو ورث لاستعجل الورثة قتله، فيؤدي إلى خراب العالم فاقتضت المصلحة عدم إرثه نظرا لمظنة الاستعجال أي باعتبار السبب، فلا ينافي أنه مات بأجله كما هو مذهب أهل السنة. اهـ.
قوله: وتظافرت عليه الملل السابقة هكذا فيما وقفت عليه من نسخه بالظاء المشالة، قال السعد: والتضافر بمعنى التظاهر والتعاون بالضاد الساقطة لا بالمشالة فهو لحن، لكن قال الشيخ سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي في إضاءة الأدموس بعد نقله كلام السعد: إنه رءا في تأليف منسوب لابن مالك أنه يقال بالساقطة وبالمشالة والله تعالى أعلم.
وأعلم أن الشيوخ تواطئوا على أن قاتل العمد يرث الولاء وأقروه كأنه المذهب، منهم ابن رشد في الأجوبة وفي المقدمات، وابن العربي في القانون والمسالك والمتيطى والجزيري وابن فتوح وابن عبد الغفور وابن ثابت وابن خروف والحوفي وغيرهم، واقتصر أيضا عليه التلمساني وأقره شراحه واقتصر عليه غير واحد، ونقل السنوسي في شرح الحوفي ما يخالف هذا واعتمده الرماصي وفيه نظر كما قاله البناني، والفرق بين الولاء وغيره أن العاقل لا يقصد أن يقتل قريبه الذي أعتق عبدا لينتظر موت زلك العبد ليرثه، وهو لا يدري هل يموت في حياته أو يموت هو قبله؟ ومفهوم قوله:"ولا قاتل عمدا عدوانا" أن غير القاتل من أقاربه يرث ولو كان ابنا للقاتل فيرث من مقتول والده؛ إذ لا يؤاخذ أحد بذنب غيره.
ولا مخالف في دين يعني أن المخالفة في الدين تمنع من الإرث فلا ميراث بين مسلم وكافر. ومثل المص للمخالفة في الدين بقوله: كمسلم مع مرتد أو غيره يعني أن المسلم لا يرث قريبه الكافر المرتد، كما أنه لا يرث المسلم قريبه الكافر الأصلي كاليهودي أو النصراني أولا غيرهما وكذا العكس، قال الشبراخيتي: ولا يرث مخالف في دين فلا يرث المسلم الكافر ولا عكسه لخبر: (لا توارث بين ملتين شتى)
(2)
، ولا فرق في الكفر بين الطارئ والأصلي، ولذا قال:"كمسلم مع مرتد"
(1)
- البيهقي، ج 6 ص 220.
(2)
أبو داود. كتاب الفرائض، رقم الحديث 2911 - ابن ماجه، كتاب الفرائض، رقم الحديث 2731 بلفظ لا يتوارث أهل ملتين.
رجع عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - وقتل على ردته أو مات عليها، فإنه لا يرث إن مات له قريب مسلم ولا يورث هو، بل ماله فيء للمسلمين أو مع غيره يحتمل إبقاؤه على عمومه من شموله للزنديق، فيكون ماشيا على رواية ابن نافع من أنه لا يرثه ورثته المسلمون وعليه الأكثر كما قيل، واستظهره في توضيحه تبعا لابن عبد السلام وعليها حمله الشارح، وأما ما تقدم في باب الردة من أن ماله لوارثه فهو رواية ابن القاسم وهي مخالفة لرواية ابن نافع، ويحتمل تخصيص قوله:"أو غيره" بغير الزنديق وهو الظاهر ويكون ماشيا على رواية ابن القاسم، وحينئذ فيكون المراد بالغير غيرا خاصا وهو الكافر الأصلي. قال ابن غازي: ولا ينبغي أن يعدل عن هذا. اهـ. وقال عبد الباقي: ولا يدخل في غيره الزنديق لا تقدم أن ماله لوارثه المسلم وهي رواية ابن القاسم وهي المعتمدة. اهـ.
وكيهودي مع نصراني مثال ثان للمخالفة في الدين يعني أن اليهودي لا يرث قريبه النصراني، كذا العكس لتخالف دينهما إذ كل منهما ملة مستقلة، وسواهما ملة يعني أن غير اليهود والنصارى ملة واحدة عند مالك فيقع التوارث بين جميعهم من عابد وثن وشمس ونار وغيرهم، قال عبد الباقي: وكيهودي مع نصراني فلا توارث بينهما إذ كل ملة مستقلة، وسواهما ملة عند مالك فيقع التوارث بين مجوسي وعابد وثن أو شمس أو قمر أو نار ونحو ذلك. انتهى. وقال البناني: اعتمد المص ما حكاد ابن يونس عن أهل المدينة من أن الإسلام ملة والنصارى ملة واليهود ملة والمجوس ومن عداهم ممن لا كتاب لهم ملة، قال ابن يونس: وهذا هو الصواب. نقله ابن علاق. وكلام ابن مرزوق يفيد أن المعتمد أن غير اليهودية والنصرانية ملل وهو ظاهر المدونه والأمهات، لقولها: ولا يتوارث أهل الملل من الكفر. اهـ. وتعقب الرهوني هذا النقل عن ابن يونس بأن الذي عزاه ابن يونس لأهل المدينة، وصوبه أن الكفار أهل ملل لا يتوارثون. هذا هو الذي عزاه جسوس والتاودي وابن مرزوق لابن يونس.
ثم قال: والصواب ما لابن مرزوق لأنه الموجود في ابن يونس، فإنه قال في ترجمة لميراث المسلم الكافر وأهل الملل بعضهم بعضا من كتاب الفرائض الثاني ما نصه: واختلف في ميراث الكفار المختلفة أديانهم، فقيل إن الإسلام ملة والكفر كله ملة، وبه قال ابن شبرمة والثوري وأبو حنيفة
والشافعي، وقال آخرون: الإسلام ملة والكفر ملل شتى، واحتجوا بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} ، وقوله:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} . الآية. وبقوله عليه السلام: لا يتوارث أهل ملتين، وبقول ضمر: لا نرث أهل الكتاب ولا يرثوننا، ثم قال: وهذا قول أهل المدينة أن الإسلام ملة والكفر ملل لا يرث ملة ملة، وقال آخرون: الإسلام ملة والنصارى ملة واليهود ملة والمجوس والصابون وعبدة الأوثان ملة لأنهم لا كتاب لهم، والصواب ما ذهب إليه أهل المدينة إن شاء الله. اهـ منه بلفظه. اهـ. وبه تعلم ما في قول مصطفى والبناني وكلام ابن يونس هو معتمد المص. اهـ. وبه تعلم أن ما درج عليه المص مرجوح. والله تعالى أعلم. وقد خفي هذا كله على صاحب بهجة البصر، فقال ما قال، فيرد عليه ما يرد على متبوعيه وأكثر. فتأمله. والله تعالى أعلم.
وحكم بين الكفار بحكم المسلم يعني أن الكفار إذا ترافعوا إلينا في الإرث فإنا نحكم بينهم بحكم الإسلام في المسلمين، وهذا إن لم يأب بعض منهم بل رضوا كلهم كتابيين أم لا، شقوله:"إن لم يأب بعض" أي لم يأب بعض المتخاصمين منهم عن حكمنا قبل الحكم، وأما لو أبي بعده فلا يلتفت إليه ولا عبرة بإباية أساقفتهم لأن المعتبر إباية بعض المتخاصمين كما عرفت. إلا أن يسلم بعضهم مستثنى من مفهوم الشرط، أي:"فإن أبي بعضهم" فلا يتعرض لهم إلا أن يسلم بعض الورثة أي ورثة من كان كافرا ويقيم الآخر على كفره، فيحكم بينهم بحكم الإسلام من غير اعتبار الآبي لشرف المسلم، هذا إن لم يكونوا كتابيين وإلا بأن كانوا كتابيين وأسلم بعضهم بعد موت موروثهم كافرا، فيحكم بحكمهم أي نحكم بينهم بحكم مواريثهم أي يقسم المال بينهم على حكم مواريث أهل الكتاب، بأن نسأل أساقفتهم عمن يرث عندهم ومن لا يرث وعن مقدار ما يرث ونحكم بينهم بذلك إلا أن يرضوا جميعا بحكمنا، وأما إن أسلم جميعهم قبل قسم ما لموروثهم الكافر وأبوا من حكم الإسلام، فذكر الرجراجي في هذه ثلاثة أقوال، والراجح نصا أنهم إن كانوا أهل كتاب حكم بينهم بحكم أهل الكتاب وإلا فبحكمنا، وقيل بحكم المسلم مطلقا، وقيل يقسم المال بينهم على قسم الشرك مطلقا، كانوا أهل كتاب أو غيرهم. وقوله:"إن لم يكونوا كتابيين" قيد في قوله: "إلا أن يسلم بعضهم". البناني: يتبين ما في كلام المؤلف من التعقيد بكلام ابن
شأس ونقله المواق، ولذا قال ابن مرزوق: لو قال المص: وحكم بين الكفار بحكم المسلم إن رضى الجميع أو أسلم بعض والباقي غير كتابي وإلا فبحكمهم، لكان أخصر وأسلم من التعقيد. اهـ.
ولا من جهل تأخر موته يعني أن من جهل تأخر موته عن موروثه لا يرثه، كغرق أقارب أو حرقهم أو موتهم تحت هدم فيقدر أن كل واحد لم يخلف صاحبه، وإنما خلف الأحياء من ورثته، فلو مات رجل وزوجته وثلاثة بنين له منها تحت هدم مثلا، وجهل موت السابق منهم وترث الأب زوجة أخرى وتركت الزوجة الميتة معه ابنا لها من غير زوجها الميت معهات فللزوجة الربع من مال زوجها وما بقى للعاصب، ومال الزوجة الميتة مع زوجها لولدها الحي وسدس مال البنين الميتين لأخيهم لأمهم وباقيه للعاصب.
وأعلم أن موجب عدم الميراث هنا هو حصول الشك في الشرط الذي هو المتقدم، والأصل في منع الإرث بالشك إجماع الصحابة، وقد توفيت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما زوجة عمر بن الخطاب وابنها منه زيد في وقت واحد، فلم يدر أيهما مات قبل فلم يورث أحدهما من الآخر، وكذلك أجمع الصحابة ومن بعدهم على هذا الحكم، وقد ذكر مالك في الموطإ عن غير واحد أنه لم يورث من قتل يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة، فلم يرث أحد منهم من صاحبه شيئا إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه، قال مالك: وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه ولا شك فيه عند أحد من أهل العلم ببلدنا. اهـ. نقله البناني.
وقال عبد الباقي: وشمل قوله: "ولا من جهل تأخر موته" ما إذا ماتا معا أو مترتبين وجهك السابق منهما، ولا يدخل في كلام المص ما إذا مات أخوان عند الزوال أحدهما بالشرق والآخر بالمغرب؛ لأن من مات عند الزوال بالمشرق متقدم موته على من مات عند الزوال بالمغرب؛ لأن زوال المشرق متقدم على زوال المغرب. قاله القرافي. وذكره أحمد أيضا. اهـ.
تنبيهان: الأول: قد مر أن موانع الإرث سبعة، وقد مر الرمز لها بقولهم: عش لك رزق، وقد مر تفسيرها، وقد مر أن الشين للشك في سبب أو شرط أو مانع والتمثيل لذلك، ومن الشك في السبب قيام بينة على أن فلانا أخو الميت الذي ترك بنتا مثلا وتعذر سؤالها فلا يرثه لاحتمال كونه أخا لأم، ومن الشك في الشرط ما لو شك في شخص هل هو العم الأقرب للميت أو غيره من أقاربه هو
الأقرب؟ فإن العلم بدرجة الوارث مع الموروث شرط احترازا عن موت رجل من قريش مثلا ولم يعلم له قريب فميراثه لبيت المال؛ لأنه لما لم يعرف الأقرب إليه منهم كان كل قرشي ابن عمه، ولما لم تعلم درجته سقط ميراثه لفوات الشرط.
الثاني: من أنفذت مقاتله ومات له قريب، حكى ابن رشد في رسم سماع ابن القاسم من كتاب الديات الخلاف في ذلك، وذكر ابن ناجي في شرح الرسالة عن ابن يونس أنه صوب قول من قال إنه لا يرث منه. قاله الحطاب.
ووقف القسم للحمل يعني أن التركة يوقف قسمها إذا كان في الورثة حمل إلى أن يولد، فإن استهل ورث وإن لم يستهل لم يرث ولم يورث إلا إذا كان فيه الغرة فإنها تورث على فرائض الله تعالى كما مر. وقوله:"للحمل" أي الذي يرث لو انفصل حيا أو يتغير الحكم بوجوده، وإن كان لا يرث كموت شخص عن أبويه وله أخ واحد ولأبيه زوجة وأمة حامل منه واللام فيه للتعليل، وليست للغاية لاقتضاء ذلك أن قسم التركة يوقف لوضع الحمل: وإن أيس من الحمل لأنه إذا أيس من حملها لمضي أقصى أمد الحمل قسمت التركة. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي. "للحمل" أي لأجل الحمل أو لوضعه وما قام مقامه، كاليأس منه بمضي أقصى أمد الحمل بخلاف قضاء الدين فلا يؤخر لوضعه كما قدمه المص، وإنما وقف القسم للحمل للشك هل [يوجد]
(1)
من الحمل وارث أم لا، وعلى وجوده هل هو متحد أو متعدد؟ وهل هو ذكر أو أنثى أو مختلف؟ وقولي: أي الحمل الذي يرث لو انفصل حيا احتراز عما إذا كان الحمل أخا لأم وفي الورثة من يحجبه كبنت أو جد، وقد مر الكلام على متزوج بأم شخص قد مات ولم تكن ظاهرة الحمل: هل يوقف عن وطئها أم لا؟ عند الكلام على ميراث الأخ للأم، وما ذكره المص من وقف التركة هو المشهور، وشذ قول أشهب يعجل القسم في المحقق فيعطي الزوجة أدنى سهمها، قال: وهو الذي لا شك فيه وقيل يوقف من ميراثه يعني الحمل ميراث أربعة ذكور، وحجة قائله
(1)
في الأصل: يؤمن، والمثبت من الشبراخيتي مخطوط.
أن أكثر ما تلد المرأة أربعة، وقد ولدت أم أبي إسماعيل أربعة ذكور: محمد وعمر وعلي وإسماعيل، بلغ محمد وعمر وعلي الثمانين. قاله ابن عرفة.
وقال: قلت المزني في الطبقة الخامسة من كتابه المسمى بتهذيب الكمال في أسماء رجال الكتب الستة محمد بن أبي إسماعيل راشد الكوفي، روى عن أنس وسعيد بن جبير وروى عنه يحيى القطان وطائفة ثقة، ثم ذكر ابن عرفة ما يخالف ذلك فإنه قال متصلا بكلامه هذا ما نصه: قلت: سمعت من غير واحد ممن يوثق به أن بني العشرة الذين بنى والدهم مدينة سلا بأرض المغرب كان سبب بنائه إياها أنه ولد له عشرة ذكور من حمل واحد من امرأة له فجعلهم في مائدة ورفعهم إلى أمير المؤمنين يعقوب المنصور، فأعطى كل واحد منهم ألف دينار وأقطع إياهم أرضا بوادي سلا فبني بها مدينة تعرف الآن بمدينة بني العشرة، وبنى يعقوب مدينة تسامتها الوادي يفصل بينهما، ثم رأيت في هذا الوقت رجلا يعرف ببني العشرة فسألته عن نسبه وسببه فذكر مثل ما ذكرته.
تنبيهات: الأول: إذا كان للميت ديون على الناس فلا يجوز لورثته قسمتها بل تبقى الديون، فمتى اقتضوا منها شيئا اقتسموه ومن اقتضى منهم شيئا أو صالح عن نصيبه دخل معه سائر الورثة في ذلك إن شاءوا على قدر إرثهم ثم يرجع بما أخذ منه على الغريم إلا أن يكون من عليه الدين غائبا فسافر إليه المقتضي بعد الإعذار إلى شركائه في الخروج معه أو التوكيل فامتنعوا وأشهد عليه فيما اقتضاه، وإن اختاروا مطالبة الغريم ثم طرأ عليه العدم فليس لهم الرجوع إلى الدخول فيما سلموه للمقتضي ابتداء.
الثاني: قال ابن عرفة ما نصه: وسمع أشهب قيل من مات زوجها ولم يعلم أنها حامل أيؤخر الميراث حتى تستبرأ بحيضة؟ قال: ما سمعت بهذا إن كانت حاملا أخر قسمه حتى تضع، قيل قد أبطأت حيضتها، قال: لا تؤخر حتى تستبرأ لكن حتى ينظر أمرها. نفله الرهوني.
الثالث: لم يعجل القسم للوارث المحقق هنا ويؤخر المشكوك فيه وهو الحمل للوضع كما فعلوا ذلك في المفقود كما يأتي لقصر مدة الحمل غالبا فيظن فيها عدم التغير في الموقف لجميع التركة، بخلاف المفقود فلطول المدة يظن تغير التركة لو وقفت كلها. قاله ابن مرزوق. قاله عبد الباقي.
الرابع: قال التتائي: ومما ينخرط في سلك تأخير القسم مسائل كثيرة من المعاياة ولنذكر بعضا منها لشمول كلامه لذلك، فمنها رجل قال لقوم يقسمون ميراثا لا تعجلوا فإن لي زوجة غائبة، فإن كانت حية ورثت دوني وإن كانت ميتة ورثت أنا معكم. جوابه: امرأة ماتت وتركت أما وأختين شقيقتين وأخا لأب وهو متزوج بأخت الموروثة من أمها وهي غائبة، فإن كانت حية فللأم السدس ولها السدس وللشقيقتين الثلثان، وسقط الأخ للأب وهو المخاطب للورثة. وإن كانت الغائبة ميتة قبل موت الموروثة ورث الأخ للأب السدس الفاضل بعد نصيب الأم والشقيقتين، فإن قال: لا تعجلوا فإن لي زوجة غائبة فإن كانت حية ورثت أنا دونها وإن كانت ميتة لم أرث شيئا، فهي امرأة تركت زوجها وأمها وجدها لأبيها وأختها لأمها وعي الغائبة وأخاها لأبيها، فإن كانت الغائبه حية فللزوج النصف وللأم السدس وما بقى بين الجد والأخ نصفين، وإن كانت الغائبة ميتة فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس ويسقط الأخ المخاطب للورثة، ونظمتها فقلت على لسان القائل:
مررت بقوم في اقتسام فريضة
…
فقلت لهم لا تعجلوا يا أحبتي
فلي زوجة غابت فإن تك حية
…
فلاحظ لي فيها ولا قدر حبة
وإن تك ماتت قبل موت لأختها
…
فلي حصة في الإرث أية حصة
وفي عكسها موتا حياة بعكس ذا
…
فأبرز مثالا يا إمام الفريضة
ولنقتصر على هذا القدر. والله تعالى أعلم. اهـ. قال الرهوني: وقد أجبته بقولي:
جوابك من ماتت عن أم وأختها
…
لأم أخ زوج لهذي الأخَيَّة
وغابت وعن أختين كل شقيقة
…
فهذا جواب تلك فاصغ لقولتي
ومن مات عن زوج وأم وجدها
…
أخٍ زوجِ أختٍ مثلها بالسوية
ومال المفقود للحكم بموته يعني أن مال المفقود يؤخر قسمه إلى أن يحكم الحاكم بموته، وأفهم كلام المؤلف أنه لابد من الحكم بموته ولا يكفي مضي مدة التعمير وهو كذلك، فقد سئل المازري
عمن مات بالتعمير واستفتى القاضي في ذلك فمات أحد الورثة قبل خروج الجواب بالحكم، فأجاب: لا يرثه إلا من كان حيا يوم نفوذ الحكم لأن تمويته بالسنين فيه خلاف مشهور والمسألة اجتهادية فلا يتحقق الحكم إلا بعد نفوذه وإمضائه. البرزلي: وقد وقعت الفتوى من شيخنا الإمام في هذه المسألة بذلك واحتج بظواهر من مسائل المدونة، وكذا شيخنا أبو حيوة محتجا بذلك، فقول المص: أو مضي مدة التعمير أي مع الحكم بموته. اهـ. وهذا تقرير البناني تبعا لمصطفى، وقرره عبد الباقي على أن المراد حكم الشرع لأن في بعض الأحوال لا يتوقف ذلك فيه على حكم الحاكم، وفي بعض الأحوال لابد في ذلك من حكم الحاكم. وارتضى الرهوني ما قرره به عبد الباقي، فقال: وهذا الذي قاله عبد الباقي صحيح، فإن من المفقودين من لا يتوقف استحقاق إرثه على حكم الحاكم بموته: بل يكفي فيه حكم الشرع بموته، وكلام المص شامل لجميع المفقودين كما قاله غير واحد. قال اللقاني: وحمله على المفقود ببلاد الإسلام قصور. اهـ. وممن قصره على ذلك التتائي وإن كان لفظ التعمير يقتضي ما فسر به التتائي، ولعل هذا هو الحامل له على التخصيص. وممن لا يتوقف إرثه على حكم الحاكم بتمويته من فقد زمن المسغبة أو الطاعون ونحوهما كما تقدم في فصل الفقد. والله تعالى أعلم. ولو ثبت موت المفقود بالبينة لورث حينئذ.
ولما تكلم المص على إرث المفقود تكلم على إرثه هو وإرث شركائه من موروثه، فقال: وإن مات موروثه قدر حيا وميتا يعني أنه إذا مات موروث المفقود في حال تعميره فإنه يقدر المفقود حيا ويقدر ميتا؛ أي تعمل فريضتان إحداهما على تقدير أنه حي والأخرى على تقدير أنه ميت، ثم تنظر بين المسألتين بالتوافق أو التداخل أو التباين أو التماثل، فتكتفي بأحد المثلين أو أكثر المتداخلين وتضرب وفق إحداهما في كامل الأخرى إن توافقا وكامل إحداهما في كامل الأخرى إن تباينا. فتدفع من ذلك للمحقق ميراثه أقل الخارجين له.
ووقف المشكوك فيه وهو حظ المفقود وما يختلف حاله من حظ غيره بحياة المفقود أو موته، فإن ثبت حياة المفقود أو موته فالأمر واضح وإن لم يثبت ذلك، فإن مضت مدة التعمير فحكم المفقود حينئذ كحكم المجهول أي كالذي جهل تأخر موته عن موروثه فلا يرث، فكأنه قال: فلا يرث لجهل تأخر موته عن موروثه، وفائدة الموقف رجاء حياته. وقوله: فإن مضت مدة التعمير فيمن
يعتبر فيه مضي التعمير وهو مفقود أرض الإسلام أو الشرك، وكذا الحكم فيمن حكم الشرع بموته قبل مضي التعمير فيمن يعتبر فيه انفصال الصفين أو التلوم على التفصيل المار في الفقد، وقد مر أن المفقود زمن المسغبة أو الطاعون ونحوهما لا يتوقف إرثه على حكم الحاكم.
كذات زوج وأم وأخت وأب مفقود مثال لما إذا مات موروث المفقود فيقدر المفقود حينئذ حيا ويقدر ميتا، ومعنى كلامه أنه إذا ماتت امرأة عن زوج وأم وأخت شقيقة أو لأب وعن أب مفقود، فإنك تعمل فريضة موروث المفقود على أنه حي وتعملها أيضا على أنه ميت، فتقول: مسألة هذا الميت الذي هو موروث المفقود على تقدير حياته أي حياة المفقود من ستة لأنها إحدى الغراوين، للزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث ما بقي وهو السدس واحد وللأب الباقي وهو الثلث ولا شيء للأخت لحجبها بالأب المفقود لأنا قدرناه حيا، وتقول أيضا: المسألة على تقدير موته أي موت المفقود كذلك أي من ستة أيضا، ولكنها تعول لثمانية إذ للزوج ثلاثة وللأم اثنان بقي واحد يعال للأخت باثنين فتكون لها ثلاثة، فتنظر بين الفريضة التي قدر فيها الأب حيا وبين التي قدر فيها ميتا فتجدهما متوافقتين بالنصف، فتضرب الموفق الذي هو ثلاثة أو أربعة في الكل الذي هو ثمانية أو ستة بأربعة وعشرين
قال مقيده عفا الله تعالى عنه: والظاهر أن الباء للإلصاق. والله تعالى أعلم.
للزوج على تقدير موت الأب تسعة فتدفع له الآن كما قال: للزوج تسعة وعلى تقدير حياته له اثنا عشر: فتمسك عنه الثلاثة حتى يظهر أمره أو يحصل نحو ذلك، وللأم على تقدير حياة الأب أربعة فتدفع لها الآن كما قال: وللأم أربعة ولها في الموت ستة، فيمسك عنها اثنان فقد دفع من الأربعة والعشرين ثلاثة عشر وبقيت منها أحد عشر توقف حتى يظهر أمر أو يحصل ما يقوم مقام ذلك، ولهذا قال: ووقف الباقي وهو أحد عشر ثلاثة من حصة الزوج على تقدير موت الأب وثمانية للأب على تقدير حياته وللأم اثنان من تلك المعدة على تقدير موت الأب، فإن ظهر أنه أي الأب حي بعد موت ابنته فللزوج من الموقوف ثلاثة مضافة لما أخذ أولا، فيكمل له من الأربعة والعشرين نصفها وهو اثنا عشر ويأخذ الأب ثمانية وهي الباقية ولا شيء للأم سوى الأربعة التي أخذتها أولا لأنه لا عول في المسألة على تقدير حياة الأب، أو ظهر موته أي وإن
ظهر أن الأب المفقود ميت قبل موت ابنته أو لم يظهر موته ولا حياته لكن مُوِّتَ لأجل أن مضى التعمير، فيكون للأخت تسعة من الأحَدَ عَشَر الموقوفة وللأم ما بقي منها وهو اثنان على الأربعة التي أخذتها أولا، ولا شيء للزوج غير التسعة التي أخذها أولا على تقدير موت الأب.
تنبيهان: الأول: قال عبد الباقي: قوله: "وإن مات موروثه" لخ هذا في المفقود الحر المحقق، وأما لو فقد عبد فأعتقه سيده وله أولاد أحرار لم يجر ولاءهم حتى يعلم أن العتق أصابه حيا، ولا يوقف للعبد ميراث من مات من ولده الأحرار وإنما يدفع مال الميت منهم لورثته الموجودين بحميل. قاله في المدونة. قال أبو الحسن عن ابن يونس: فإن جاء أبوهم دفعوا إليه حظه وإنما دفع لهم بحميل ولم يوقف كما وقف في الحر لأن في العبد المفقود شكا من جهتين، هل أصابه العتق حيا أم لا؟ وحل مات قبل موت ابنه أو بعده؟ والحر إنما فيه شك من جهة واحدة، هك مات قبل الابن أو هو حي؟ فلذا وقف. اهـ. وهو كلام على ميراث العبد الذي عتق حال فقده من غيره، وأما ميراث غيره منه فالذي يؤخذ من تعليل ابن عرفة هو منع الإرث في هذه أيضا.
الثاني: قال عبد الباقي: وبقي من موانع الإرث الجهل بالقعدد كأخوين وعمين أحدهما شقيق والآخر لأب ولم يدر الشقيق من غيره ولم يتوافقا على ذلك بل كل يدعي أنه الشقيق، وغلط بعض الناس فأفتى بقسم المال بينهما نصفين وأظنه أخذ ذلك من مسألة من طلق إحدى زوجتيه طلقة ومات قبل أن تعرف المطلقة منهما فإنهما يقتسمان الميراث، والفرق بينهما واضح لأن النكاح سبب الميراث وقد وجد ولم يشترط في سببه شرط كما شرط في النسب معرفة القعدد، فالميراث هناك محقق وحصل الشك في رافعه بالنسبة إلى أعيان الزوجين وهنا لم يثبت السبب؛ إذ لا يصح أن يكون سببا إلا مع وجود شرط لسببه فافترقا. انظر اللباب. اهـ. قال التاودي: ما ذكره من الفرق غير ظاهر لأن شقاقة أحد الأخوين قد وجدت أيضا فتأمله. اهـ. قال الرهوني: قلت: وما قاله ظاهر غاية الظهور مع أن قول الزرقاني - انظر اللباب - يقتضي أنه في اللباب فرض ذلك في أخوين أحدهما شقيق والآخر لأب أو عمين كذلك وليس كذلك، وإنما ذكر ذلك الأجهوري ومع ذلك فلم يفرضهما في أن أحدهما شقيق والآخر لأب ويظهر لك ذلك بجلب كلامه، ونصه:
تتمة: من موانع الإرث الجهل بالقعدد، قال في كتاب اللباب: الوارث من وجد في حقه المقتضي وهو وجود السبب والشرط وانتفاء المانع، فالسبب هو النسب والولاء، والشرط هو معرفة القعدد، فإن جهل فيوقف المال فلو شهدا بوفاة زيد وأن وارثه ابنا عميه فلان وفلان لا يدري شهوده الأقعد منهما من الأبعد لم يرثا شيئا، وقد غلط بعض الناس فأفتى بأن الميراث يقسم بينهما وأظنه أخذ ذلك من مسألة من طلق إحدى زوجتيه طلقة ومات قبل أن تعرف المطلقة منهما أنهما تقتسمان الميراث، والفرق بينهما ظاهر لأن النكاح سبب في الميراث وقد وجد ولم يشترط في سببيته شرط كما شرط في النسب من معرفة القعدد والميراث هناك محقق، وحصل الشك في رافعه بالنسبة إلى أعيان الزوجتين وهنا لم يثبت النسب إذ لا يصح أن يكون نسب إلا مع وجود شرط سببيته فافترقا. اهـ. وقوله: وأن وارثه ابنا عميه وكذا لو شهد أنهما أخوان ولم يبينا؛ لأنه يحتمل أن يكون أحدهما شقيقا أو لأب، فالذي للأب ليس له مع الشقيق شيء فكل منهما يحتمل اتصافه بالمقتضي واتصافه بخلافه. اهـ كلام الأجهوري.
وإذا تأملته ظهر لك أن قياس الأجهوري الأخوين على ابني العم ليس بسديد، بل كلام اللباب يفيد أن مسألة الأخوين كمسألة الزوجتين لا كمسألتي ابني العمين [لوجهين]
(1)
أحدهمأ أنه علل سقوط الإرث ووقف المتروك بجهل القعدد لاحتمال أن يكون أحدهما ابن عم بدرجة والآخر ابن عم بدرجتين وغير ذلك من الاحتمالات، والأخوان قد عرف قعددهما من الميت قطعا لاجتماعهما معا في أبي الهالك من غير احتمال أصلا، ثانيهما قوله في الزوجتين: والميراث هناك محقق حصل الشك في رافعه بالنسبة إلى أعيان الزوجتين، فإن هذا بعينه موجود في الأخوين بل وجود ذلك فيهما أحروي؛ لأن الأخ للأب ثابت النسب قطعا ولو عدم الشقيق أو قام به مانع لورث مع تحقق كونه أخا لأب، ولو عدمت إحدى الزوجتين المشكوك في طلاقهما بأن ماتت قبل زوجها أو قام بإحداهما مانع من كفر أو رق لم يكن للباقية في الأولى ولا للحرة المسلمة في الثانية إرث كما أشار لهذه الأخيرة المص في النكاح بقوله:"أو التبست المطلقة"، ثم قال الرهوني بعد كلام ما
(1)
ساقط من الأصل: والمثبت من الرهوني ج 8 ص 346.
نصه: فالشك المؤثر هو الشك، هل حصل لأحد إرث أو لم يحصل لأحد بالكلية؟ لا الشك في عين مستحقه مع تحقق وجوده في الجملة، ولهذه القاعدة سلم قول المختصر السابق:"أو التبست المطلقة" لخ. وقوله: بإثره لا ان طلق احدى زوجتيه وجهلت لخ، فسقط الإرث في الأولى وثبت في الثانية لما ذكرناه. اهـ.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: حاصل ما ذكر في اللباب أنه يشترط في الإرث بالنسب حيث تعدد الورثة أن يعرف قعددهم من الميت، فإذا لم يعرف الأقرب منهم من الأبعد فلا إرث. وقال الرهوني: مسألة الأخوين ليست من ذلك لأنها قد عرف فيها قعددهما من الميت قطعا. اهـ. فحاصله أن الشقاقة لا يقدح عدم صرفتها إذا تحقق صرفة الأخوة، وكذا لو تحقق أن ابني العمين ابنا أخوي أبي الميت لكن لم يعلم هل هما شقيقان أو لأب مع علم أنهما لم يكن أحدهما أخا لأم فقط، وكذا يقال في العمين. والله تعالى أعلم.
ولما كانت مسائل الإشكال ثلاثة: لأنه إما في الحياة والموت وهي مسألة المفقود، وإما في الحياة والموت والمذكورة والأنوثة وهي مسألة الحمل، وإما في المذكورة والأنوثة فقط وهي مسألة الخنثى وفرغ من الكلام على الأوليين، أتبعها بالكلام على الثالثة فقال: وللخنثى المشكل نصف نصيبي ذكر وأنثى يعني أن الخنثى المشكل أي الذي لم يتضح كونه ذكرا ولا كونه أنثى إذا مات موروثه لد نصف نصيبي ذكر وأنثى، ومعنى ذلك أنه يفرض ذكرا فيأخذ نصف ما حصل له على أنه ذكر، ويفرض أنثى فيأخذ نصف ما حصل له على تقدير كونه أنثى وليس معناه أنه يعطى نصف نصيب الذكر المحقق المذكورة ونصف نصيب الأنثى المحققة الأنوثة، فإذا كان له على تقدير كونه ذكرا سهمان وعلى تقدير كونه أنثى سهم، فإنه يعطى نصف نصيب الذكر وهو سهم ونصف نصيب الأنثى وهو نصف سهم ومجموع ذلك سهم ونصف، قال عبد الباقي: وهذا إذا ورث بالذكورة والأنوثة واختلف نصيبه على كل كابن أو ابن ابن فإن ورث بالذكورة فقط كعم أو ابنه أو ابن أخ للميت عن مال أو ولاء عتيق فله نصفها فقط؛ إذ لو قدر عمة أو ابنتها أو بنت أخ لم يرث، وإن ورث بالأنوثة فقط كالأخت في الأكدرية أعطي نصف نصيبها لأنه لو قدر ذكرا لم يُعَل
له وإن اتحد نصيبه على تقدير ذكورته وأنوثته معا كأخ لأم أعطي السدس كاملا قدر ذكرًا أو أنثى لعدم اختلاف نصيبهما، ويشعر بالقيدين المذكورين قوله:"نصيبي" لخ.
وقوله الآتي: "على تقديرات" فعلم من هذا أنه له أربعة أحوال يرث بالجهتين إلا أن ميراثه بالذكورة أكثرة وحال يرث على أنه ذكر فقط، وحال عكسه، وحال مساواة إرثه ذكورة وأنوثة. وقد علم مثال كل من الأربعة وحكمه. واعلم أنه لا يتصور في الخنثى أن يكون أما ولا أبا ولا زوجا ولا زوجة لمنع مناكحته ما دام مشكلا، وهو منحصر في سبعة أصناف: الأولاد وأولادهم والإخوة وأولادهم والأعمام وأولادهم والمولى، ودل قوله:"للخنثى المشكل" لخ على أنه تحقق إشكاله لأنه المسمى بذلك لا من اتضحت ذكورته أو أنوثته، وعلى أنه يعطى ما ذكر من غير وقف للاتضاح وهو كذلك على ما استظهره ابن مرزوق من إعرابه خبرا مقدما ونصف لخ مبتدأ مؤخرا لا مرفوعًا عطف على نانب فاعل، ووقف القسم للحمل لأنه صار علما على من دام إشكاله ولكن لا يعلم دوامه إلا باختبار هل يتضح أو يبقى مشكلا؟ ولذا عده ابن شأس وابن الحاجب والتلمسانية ممن يوقف إرثه. قال الوالد: وعليه فكان الأولى أن يقدم العلامات ثم يقول فإن لم يتضح فله نصف نصيبي لخ. اهـ. ونحو ما قاله الوالد في الشامل.
تنبيهات: الأول: نقل ابن علاق عن الطرطوشي: الخنثى هو الذي يكون له فرج وذكر أو لا يكون له ولكن له ثقب يخرج منه البول. اهـ. قاله البناني. وقال: قال الحطاب: الخنثى أصله من خنث الطعام إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه المقصود، وهو نوعان: نوع له الآلتان، ونوع ليس له واحد منهما وإنما له ثقب يبول منه. اهـ. إلا أنه قيل إن النوع الثاني نادر الوجود. اهـ.
الثاني: الخنثى بضم الخاء المعجمة وسكون النون وبالثاء المثلثة وبعدها ألف تأنيث مقصورة والضمائر الراجعة إلى الخنثى مذكرة وإن بانت أنوثته لأن مدلوله شخص صفته كذا وكذا جمعه خناثيي وخناث.
الثالث: اعلم أن الخنثى الواضح موجود بلا خلاف، واختلف في وجود الخنثى الشكل فالجمهور على إمكان وجوده ووقوعه، وعلى ذلك بنى أهل الفرائض والفقهاء هذا الباب، وذهب الحسن البصري من التابعين والقاضي إسماعيل من المالكية إلى أنه لا يوجد خنثى مشكل، قال الحسن:
لم يكن عز وجل ليضيق على عبد من عبيده حتى لا يدرى أذكر هو أو أنثى، وقال القاضي إسماعيل: لابد له من علامة تزيل إشكاله. واعلم أن الناس صنفان، ذكر وأنثى والخنثى من أحد الصنفين ولكن خفيت علينا علامته، ولو كان خلقا ثالثا لكان لا ميراث له، ونقل ابن حزم الإجماع على خلاف القول بأنه لا ميراث له.
الرابع: أول من حكم في الخنثى عامر بن الظرب، فكانت العرب في الجاهلية لا تقع لهم معضله إلا اختصموا إليه ورضوا بحكمه، فسألوه عن خنثى أتجعله ذكرا أم أنثى؟ فقال: أمهلوني فبات ليلة ساهرا، وكانت له جارية اسمها: سخيلة، ترعى له غنما وكانت تؤاخر السراح والرواح حتى تسبق، وكان يعاتبها في ذلك فيقول لها أصبحت ياسخيلة أمسيت، فلما رأت سهره وقلقه قالت له: ما لك في ليلتك هذه ساهرا؟ فقال لها: ويلك دعي أمرا ليس من شأنك، فأعادت عليه السؤال فذكر لها ما نزل به، فقالت له: سبحان الله أتبع القضاء المبال، فقال: فرجتها والله يا سخيلة، أمسيت بعدها أم أصبحت. فخرج حين أصبح فقضى بذلك. وعامر بن الظرب هذا هو أول من حكم في الجاهلية به، وأول من قضى به في الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا ينافي ذلك ما ورد من أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ولد له قبل وذكر من أين يورث؟ أي بتشديد الراء، فقال عليه الصلاة والسلام: من حيث يبول، والحديث أخرجه البيهقي من حديث يعقوب ابن إبراهيم القاضي عن الكلبي وله شاهد عن عامر قويا. ذكر هذا الحافظ السيوطي في تعقبة على موضوعات ابن الجوزي.
وروي أن امرأة جاءت إلى علي رضي الله عنه فزعمت أنها متزوجة بابن عم لها وأنها وقعت على خادمها، فحملت، فأمر غلامه قنبرا أن يعد أضلاعها فعدها فإذا هي أضلاع رجل فكساها ثياب الرجال وأخرجها بعد أن بعث إلى ابن عمها، وقال له: هل أصبتها بعد أن حملت الجارية منها؟ قال: نعم، قال: إنك أجرأ من خاصي الأسد. وعامر بن الظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء المهملة، وقنبر بالقاف والنون والباء الموحدة بوزن جعفر ونونه أصلية. وقوله: فإذا هي أضلاع رجل يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وفي مسألة عامر بن الظرب عبرة ومزدجر لجملة قضاة الزمان ومفتيه، فإن هذا مشرك توقف في حكم حادثة أربعين يوما ولا حول ولا قوة إلا
بالله، وفيه عبرة من جهة أخرى وهي أن الحكمة قد يخلقها الله تعالى ويجريها على لسان من لا يظن به معرفتها، وأنه إن عجز عن إدراكها أصحاب الفطنة والعقول المستعدة لذلك قد يجريها الله على لسان من لم يستعد لها. والله الموفق.
الخامس: قال الرهوني: قال الحطاب: اختلف العلماء في ميراث الخنثى المشكل على أحد عشر قولا الأول: وهو المشهور أنه يجب له نصف الميراثين على طريقة ذكر الأحوال أو ما يساويها من الأعمال لخ: قلت: من الأعمال التي تساويها قسم المال على الدعوى والتسليم. قال ابن يونس بعد أن ذكر كيفية الأحوال ما نصه: وكذا يصح على قول أهل الدعوى لأن الذكر يقول للخنثى لك الثلث بلا منازعة ولي النصف بلا منازعة، والسدس كل واحد منا يدعيه لنفسه فيقسم بيننا، فيكون للخنثى خمسة من أنثى عشر وللذكر سبعة. واعلم أن مذهب أهل الدعوى وأهل الأحوال يرجع إلى أمر واحد، فاستعن بأحد العملين على الآخر وعمل أهل الدعوى أسهل فأعمل عليه تقف على صوابه إن شاء الله.
السادس: قال الشبراخيتي: نظم شيخنا في شرحه أحكام الخنثى وشرحها، فقال:
حقيقة الخنثى وإن لم يشكل
…
ذو ءالة لمرأة والرجل
وقيل أيضا منه عار منهما
…
ويمنع المشكل من وطء الإما
كالنكح ثم إن يلد من ظهره
…
أو بطنه تَمَّ بيان أمره
ومنهما فمشكل ويمتنع
…
بينهما إرث ونكح فاستمع
وإن يلد من نفسه فمشكل
…
وحكم أنثى في استتار يجعل
ومثله الصلاة والشهادة
…
إلا بما به تخص النسوة
كعيب فرج وله إن جاهدا
…
شطر وقيل بل له ربع بدا
فما له شهادة فيما به
…
يختص نوع منهم فانتبه
كذاك للخروج في الحج وفي
…
لباس الإحرام وفدية تفي
وإن يكن في حجة بعرفه
…
يحضر جالسا كأنثى فاعرفه
وإن يصل في جماعة يقف
…
بعد النسا وخلف ذكران عرف
وهل عليه جمعة كالذكر
…
كسنة العيد؟ محل نظر
وما عليه إن زنى بالذكر
…
حد كذا بالفرج عند الأكثر
والحد في ذا للصقليين
…
واقتصرا عليه دون مين
وبهما فذكر ابن عرفه
…
الأظهر الحد اتفاقا فاعرفه
ومن زنى به بغير الدبر
…
عنه انتفى الحد بقول الأكثر
وحد قذفه على حد الزنى
…
يجري وهذا ظاهر بلا عنا
ورضعه محرم كالمرأة
…
هذا الذي يظهر في القضية
كلغونا أذانه وعدم
…
إجزائه عن الزكاة فاعلم
ووحده في سجنه يكون
…
وعقله كإرثه يبين
وقال بعض إن في قطع الذكر
…
نصف حكومة وعقل يعتبر
ذكر هذا الحافظ ابن عرفه
…
قلت وشفراه كذا والحشفه
وهل يعاقل لثلث الدية
…
كمرأة لا نص في المسألة
وإن يمت فخادم تشرى له
…
من ماله لتلي اغتساله
أو تشترى من بيت مال حيث لا
…
مال ولا محرم للخنثى انجلا
وأعتقنها وولاءها استقر
…
للمسلمين قلت في هذا نظر
إذ لو تكون ملكه لم تعتق
…
ودفعت للوارث المحقق
فإن تعذر اشتراء الأمة
…
يمم واحتيط بغير مرية
فهو كمرأة مع الرجال
…
ورجل في عكس هذا الحال
وإن رجال ونساء حصلا
…
قدمت النساء يا من كملا
وختنه في فرجه مع الذكر
…
تختنه الرجال والفرج استتر
وتختن النساء فرجه ولا
…
ينظرن منه حال ختن قبلا
وإن له حضانة فكالذكر
…
والعكس كالأنثى وهذا ما ظهر
ويستمر أبدا محضونا
…
كمنع نكحه كما قضينا
وإرثه نصف نصيبيْ ذكر
…
ومرأة بشرطه المعتبر
إن كان أخًا لأب أو ولدا
…
وذا وفاق قول من قد قيدا
بكون إرثه بحظ اختلف
…
فإن يكن متحدا يا من عرف
كالإرث بالولا وبالأخوة
…
لا لأب يأخذ كل الحصة
وإن يرى في حال تأنيث فقط
…
فنصفها يقضى به بلا شطط
ككونه أختا في الأكدرية
…
ومثل ذا في حالة المذكورة
ككونه عما فيعطى نصف ما
…
له من الإرث به فلتعلما
وإن يمت زوج له يعتد
…
عِدة موت في نكاح يفسد
وإن له التذكير أو أنثى استقر
…
ثم طرا خلاف ذا لا يعتبر
قوله: ومنهما بمشكل، قال العقباني: الظاهر أن الحكم لولادة البطن لأنها قطعية لكن لعل هذا على مذهب الشافعي، وأما على مذهبنا فالخنثى باق على إشكاله، وقوله: ويمتنع بينهما إرث أي بين ما ولد من ظهره وما ولد من بطنه؛ لأنهم لم يجمعهم أب ولا أم. وقوله: ونكح بفتح النون، وقوله: ومثله الصلاة أي يكون كالأنثى في الصلاة بالنسبة إلى الجهر والسر وكونه ينضم وينزوي في صلاته وكونه لا يؤم رجالا ولا نساء، وكذا في الصلاة عليه إذا مات فيقف الإمام عند منكبيه احتياطا وهذا على جهة الأولوية. وقوله: وحكم أنثى في استتار أي يجعل في الاستتار كالأنثى في الصلاة وغيره مع محرم ومع أجنبي. وقوله: والشهادة إلا بما به لخ أي أن حكمه حكم النساء في الشهادة إلا فيما يختص بالنساء فلا يشهد فيه فيشهد في الأموال وما يئول إليها لا في عيب الفرج ونحوه ولا فيما لا يقبل فيه إلا الرجال. وقوله ومن زنى به بغير الدبر وأما بالدبر فيحد كل من الفاعل والفعول حد الزنى غير اللواط كمن وطء أجنبية في دبرها، وقوله: وحد قذفه حد الزنى يجري أي فمن قذفه بما يحد فيه كقذفه بأنه زنى بفرجه حد على قول الصقليين بوجوب حده إن زنى به لا على قول غيرهما، ومن قذفه بأنه زنى بذكره لا يحد بمثابة من قد قذف إنسانا بأنه يقبل الأجنبية مثلا. وقوله: ورضعه محرم كالمرأة لخ هذا ما ظهر لي مع
مشايخي رحمهم الله، وقوله: يمم واحتيط أي يممه النساء للمرفقين إن يممته وإن يممه الرجال يمموه لكوعيه هذا إن وجد رجال فقط أو نساء فقط، فإن وجدا معا قدمت النساء. وقوله: وإن يمت زوج له يعتد لخ قد علمت أنه لا يجوز أن ينكح ولا أن ينكح، فإن وقع ذلك ومات زوجه اعتد عدة وفاة في النكاح الفاسد كالطلاق إن دخل وإلا فلا عدة أصلا، هذا في النكاح المجمع على فساده وفي المختلف فيه عدة الوفاة، وينظر هل نكاحه من المجمع على فساده أو من المختلف فيه؟ وقد علمت أنه عند الشك يعمل بالاحتياط.
تصحح المسألة على التقديرات هذا بيان لما ذكره قبل من قوله: "وللخنثى المشكل نصف" لخ يعني أنك تصحح المسألة أي تعملها على التقديرات أي على تقدير كون الخنثى ذكرا وعلى تقدير كونه أنثى وأتى بالجمع، قال التتائي: إن كان فيها أكثر من خنثى أو على التقديرين إن كان الخنثى واحدا، وقال الشبراخيتي: تفسير لقوله نصف نصيبي ذكر وأنثى أو جواب سؤال مقدر، وحينئذ فالجملة مستأنفة استينافا بيانيا كأن سائلا سأل ما كيفية العمل؟ فأجاب بقول:"تصحح المسألة" لخ، ومعنى التصحيح العمل أي تعمل المسألة، وقوله: المسألة أي جنسها، بدليل قوله: تضرب الموفق أو الكل لأن ضرب الوفق أو الكل لا يكون إلا في مسألتين. وقوله: أي جنسها فأل فيه للجنس وحينئذ يصدق بالحالتين في خنثى واحد والحالات إن كان متعددا، ثم إذا عملت تنظر بين المسائل أو المسألتين بالتماثل والتداخل والتباين والتوافق، فإن تماثلت اكتفيت بإحداها كخنثى وبنت، فإن مسألة المذكورة من ثلاثة ومسألة الأنوثة كذلك، فتكتفي بثلاثة وتضربها في حالتي الخنثى وإن تداخلت اكتفيت بالأكثر كولد وأخ ففريضة التذكير من واحدة وفريضة التأنيث من اثنين فتضرب الأكثر في حالتي الخنثى، وإن توافقت ضربت الوفق من إحدى المسألتين في كل الأخرى، كزوج وأم وأخت شقيقة أو لأب وخنثى مثلها، فعلى تقدير المذكورة تصح من ثمانية عشر، وعلى تقدير الأنوثة من ثمانية وبينهما التوافق بالنصف، فتضرب نصف إحدايهما في كامل الأخرى وتضرب الحاصل من ذلك في حالتي الخنثى، وكزوج وأخوان لأم وأخ لغير أم خنثى، فتقدير الذكورة من ستة وتقدير الأنوثة من ثمانية وبينهما موافقة بالنصف فتضرب وفق إحداهما في كامل الأخرى بأربعة وعشرين ثم تضرب ذلك في حالتي الخنثى بثمانية وأربعين
ثم تقسم على الذكورة، للزوج أربعة وعشرون وللأخوين للأم ستة عشر وللأخ لغير الأم ثمانية وعلى الأنوثة للزوج ثمانية عشر وللأخوين للأم اثنا عشر، فخص
(1)
الزوج في الحالتين اثنان وأربعون وللأخوين للأم ثمانية وعشرون وللخنثى ستة وعشرون لكل منهم نصف ما بيده، وإن شئت جعلت أما موضع ابنيها. قاله الشبراخيتي، أو أي وإن تباينت المسائل ضربت الكل في الكل، ويأتي تمثيل المص للتباين ثم تضرب الحاصل من ضرب الموفق في الكل أو الحاصل من ضرب الكل في الكل أو ما اكتفيت به من إحداهما في التماثل أو الأكثر في التداخل في حالتي الخنثى أي تذكيره وتأنيثه إن كان واحدا كمثاله الأول وفي أحواله إن تعدد كمثاله الثاني.
وتأخذ من كل نصيب أي نصيب ذكورته ونصيب أنوثته وهذا من جملة العمل، ولما كان فيه إبهام بينه بقوله: من الاثنين النصف يعني أنك تأخذ من كل نصيب كائن من مسألة الاثنين النصف فيما إذا كان الخنثى واحدا، فقوله:"من كل نصيب" متعلق بتأخذ. و"من الاثنين" صفة لنصيب أي كائن ذلك النصيب من مسألة الاثنين أي التقديرين في الخنثى الواحد، وأربعة معطوف على الاثنين والربع معطوف على النصف؛ أي وتأخذ من كل نصيب من مسألة أربع تقادير في الخنثى إن كان اثنين الربع وليس هذا من العطف على معمولي عاملين المختلف في جوازه بل هو من العطف على معمولي عامل واحد. قاله ابن مرزوق. وقال الحطاب: فقوله: "من الاثنين" بدل من قوله: "من كل نصيب"، ونصيب مجرور بإضافة كل إليه، وفي الكلام حذف بينه ما بعده، تقديره: وتأخذ من كل نصيب نسبة الواحد إلى عدة أحوال الخنثى فمن الاثنين النصف وهكذا. والله تعالى أعلم. اهـ. وحاصل هذا الذي أشار إليه المص أنك تأخذ من كل مسألة اشتملت على تقديرين نصف ما بيد كل وارث، ومن كل مسألة اشتملت على أربع تقادير الربع أي ربع ما بيد كل وارث.
فما اجتمع من النصف في الحالتين أو الربع في الأربعة فهو نصيب كل أي كل واحد من الورثة، فيعطى كل وارث نصف أو ربع ما حصل من المجموع، ومثل لذلك بقوله: كذكر أي كما لو مات
(1)
كذا في الأصل.
شخص وترك من الورثة ذكرا أخا لغير أم أو ولدا وخنثى أي ترك ذكرا واحدا وخنثى كذلك، فالتذكير أي فالمسألة على تقدير كون الخنثى ذكرا من اثنين لكل سهم، والتأنيث أي والمسألة على تقدير كون الخنثى أنثى من ثلاثة للذكر سهمان ولها سهم وبين المسألتين التباين فتضرب مسألة الاثنين وهي مسألة التذكير فيها أي في مسألة الثلاثة وهي مسألة التأنيث، أي تضرب كامل إحداهما في كامل الأخرى لتباينهما بستة، ثم تضرب الستة الحاصلة من ضرب إحداهما في الأخرى في حالتي الخنثى باثني عشر تقسمها على اثنين مسألة التذكير يخرج جزء السهم من ستة، وعلى مسألة التأنيث يخرج جزء السهم من أربعة فله أي للخنثي في حالة الذكورة ستة، وله في حالة الأنوثة أربعة مجموعهما عشرة، وله نصفها أي نصف الستة والأربعة التي هي عشرة وهو خمسة لأن له تقديرين نسبة الواحد منهما النصف.
وكذلك غيره أي غير الخنثى وهو الذكر المحقق الوارث معه فله نصف ما حصل له في التقديرين وهو سبعة؛ لأن له على تقدير أنوثة الخنثى ثمانية وله على تقدير ذكورته ستة، ومجموع ذلك أربعة عشر نصفها سبعة يأخذها الذكر المحقق الذكورة. والله تعالى أعلم. وترك المص الكلام على التداخل والتماثل لوضوحهما، وقد مر التمثيل لهما ولا بأس ببيان ذلك هنا أيضا، فمثال التماثل خنثى وبنت فالتذكير من ثلاثة كالتأنيث فتكتفي بثلاثة وتضربها في حالتي الخنثى بستة تقسمها على تقدير ذكورته، له أربعة وللبنت سهمان وعلى تقدير أنوثته له اثنان كالبنت المحققة تضم إلى الأربعة والاثنان الباقيان للعاصب، فأعط الخنثى نصف ما اجتمع من نصيبي ذكورته وأنوثته وذلك ثلاثة وللبنت المحققة اثنان على تقدير أنوثة الخنثى وكذلك على تقدير ذكورته، فمجموع ما حصل لها أربعة فتأخذ نصفها وهو اثنان وللعاصب اثنان على تقدير أنوثة الخنثى، ولا شيء له على تقدير ذكورته وله نصف اثنين وهو واحد، وتحصل من هذا أن الستة للخنثى منها ثلاثة وللبنت اثنان وواحد للعاصب. والله تعالى أعلم.
ومثال التداخل: ولد خنثى وأخ لأب ففريضة التذكير من واحد إذ لا شيء للأخ مع الابن والتأنيث من اثنين، إذ لها النصف ومخرجه من اثنين فالواحد داخل في الاثنين فتكتفي بهما وتضربهما في حالتي تذكيره وتأنيثه بأربعة تقسمها على تقدير ذكورته فيختص بها، وعلى تقدير أنوثته له
اثنان تضم إلى الأربعة التي له بتقدير ذكورته فله نصف ستة وهي ثلاثة من أربعة فله ثلاثة أرباع وناب العاصب اثنان فله نصفهما وهو واحد من أربعة، فتحصل من هذا أن للخنثى ثلاثة من أربعة وللعاصب واحد من أربعة.
وكخنثيين وعاصب هذا مثال لقوله: "وأربعة الربع" يعني أنه إذا ترك الميت خنثيين ولدين أو أخوين لغير أم، فهنا أربعة أحوال وهي: كونهما ذكرين وكونهما أنثيين وكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى، وهذا الأخير شامل لتقديرين فتلك أربعة تقديرات فهنا أربع فرائض، فعلى تقديرهما ذكرين المسألة من اثنين ولا شيء للعاصب وعلى تقديرهما أنثيين المسألة من ثلاثة لهما اثنان وللعاصب واحد وعلى تقدير الأكبر منهما ذكرا والأصغر أنثى من ثلاثة وكذا العكس، فالفرائض الثلاث المتماثلة تكتفي بأحدهَا وتضربها في فريضة الاثنين المباينة لها التي هي فريضة كونهما ذكرين بستة وتضرب الستة في الأحوال الأربعة تنتهي هذه الأحوال في هذا المثال لأربعة وعشرين تقسمها على التذكير لكل واحد منهما اثني عشر وعلى التأنيث لكل واحد منهما ثمانية وللعاصب ثمانية وعلى تذكير الأكبر، وتأنيث الأصغر للذكر ستة عشر وللأنثى ثمانية وكذلك العكس، ثم يجمع ما لكل واحد منهما وهو اثنا عشر في تذكيره وثمانية في تأنيثه ثم ثمانية على تقدير كونه أنثى وتقدير كون الآخر ذكرا، ثم ستة عشر على تقدير كونه ذكرا والآخر أنثى، وإذا جمعت ذلك لكل واحد بانفراده كما أفاده بقوله قبل فما اجتمع فنصيب كل كان أربعة وأربعين وللعاصب من الثانية ثمانية فيرد كل واحد إلى ربع ما بيده، لأن الأحوال أربعة، فيكون لكل أي لكل واحد من الخنثيين أحد عشر من الأربعة والعشرين وللعاصب ما بقي منها وهو اثنان فقد تمت الأربعة والعشرون، فقد أخذ كل واحد من الورثة ربع ما حصل بيده وذلك لأن أحد عشر هي ربع الأربعة والأربعين والاثنين ربع الثمانية التي حصلت للعاصب على تقدير أنوثة الخنثيين، وهذا لا ينافي أن للخنثى الشكل نصف نصيبي ذكر وأنثى لأن الذكورة وإن تعددت تقديرا فهي واحدة وكذا أنوثته. وقد حصل له في مجموع الذكورتين والأنوثتين أربعة وأربعون فله على الذكورة الواحدة والأنوثة الواحدة اثنان وعشرون ونصفها أحد عشر. قاله العلامة الشيخ صالح البلقيني شيخ الشيخ علي الأجهوري. قاله عبد الباقي.
قال البناني: هذا الجواب هو الظاهر، ومعناه - والله تعالى أعلم - أنه اجتمع في ذكورتين ثمانية وعشرون فنصفها وهو أربعة عشر هو نصيب ذكورة واحدة، واجتمع في أنوثتين ستة عشر فنصفها وهو ثمانية هو نصيب أنوثة واحدة ونصف النصيبين أحد عشر وهو حسن. اهـ. وبهذا تعلم أن ما قاله الشيخ أحمد من أن قوله:"نصف نصيبي ذكر وأنثى" خاص بما إذا كان الخنثى واحدا غير ظاهر؛ إذ بتعدد الأحوال يحصل نصف نصيبي ذكر وأنثى، ولهذا قال غير واحد: إن ما قاله الشيخ أحمد الزرقاني لم يقله أحد. والله تعالى أعلم.
ثم شرع في بيان العلامات التي تزيل إشكال الخنثى فيتضح بها كونه ذكرا أو أنثى: فقال: فإن بال من واحد يعني أن الخنثى إذا بال من أحد المخرجين فإنه لا إشكال في كونه ذكرا أو أنثى، فإن بال من الذكر دون الفرج فهو ذكر وإن بال من الفرج دون الذكر فهو أنثى، أو كان أكثر يعني أنه إذا كان بوله من أحد المخرجين أكثر خروجا من الآخر فإنه لا إشكال في أمره، بل هو إما ذكر أو أنثى، فإذا كان خروجه من الذكر أكثر كان ذكرا وبالعكس فهو أنثى.
وعلم مما قررت أن قوله: "أكثر" معناه أكثر خروجا لا كيلا أو وزنا أو أسبق يعني أنه إذا كان خروج بوله من المخرجين لكن يسبق خروجه من أحد المخرجين خروجه من الآخر بأن يخرج الآخر عقبه فلا إشكال، وإذا كان لا يندفع البول منهما معا على السواء بل يسبق الخروج من أحدهما خروجه من الآخر أكثر فلا إشكال أيضا، فإذا كان خروجه من الذكر أسبق فهو ذكر ومن الفرج أسبق فهو أنثى. قال عبد الباقي: أو كان بوله من أحدهما أكثر خروجا من الآخر لا كيلا أو وزنا لعدم اعتبارهما، كما قال الشعبي: أيكال أو يوزن أو كان خروجه منه أسبق من خروجه من الآخر فالحكم لصاحب الأكثر أو الأسبق، فإن سبق من الذكر فذكر ومن الفرج فأنثى، وإن اندفع منهما معا قضي لصاحب الأكثر عند الأكثر ثم الاختبار بالبول إنما هو في حال الصغر حيث يجوز النظر للعورة كما قال ابن يونس، فيجوز نظر عورة الصغير. وأما في حال الكبر فيختبر بأن يبول إلى حائط أو عليه، فإن ضرب بوله الحائط أو أشرف عليه فذكر، وإن سال بين فخذيه فأنثى، وقيل ينصب له مرءاة أمامه وينظر فيها إلى مباله بأن يجلس أمامها خلفه وتنصب تجاه عورته لينظر منها بوله، وتعقب هذا بأنه لا يجوز النظر لصورة العورة كما لا يجوز النظر
لها، وظاهر إطلاقهم أنه لا يشترط التكرار، فلو تحققت حياته وبال من أحدهما مر واحدة ثم مات فالحكم لصاحب المبال. اهـ.
وقال الشبراخيتي عند قوله: "أو كان أكثر أو أسبق" ما نصه: فإن سبق من الذكر فذكر وإن سبق من الفرج فأنثى، فإن اندفع منهما معا قضي لصاحب الأكثر عند الأكثر، وأنكر بعض الأشياخ اعتبار سبقيته وأكثريته ولا ينظر في القلة والكثرة للكيل ولا للوزن، وإنما ينظر في ذلك لتكرر خروجه وإذا حصل كثرة البول من أحد المخرجين وسبقه من الآخر فتقدم أن المعتبر العلامة الأولى، وهذا في حال الصغر حيث يجوز النظر لعورته، وأما في حال الكبر فيختبر بأن يبول إلى الحائط أو عليه فإن ضرب بوله الحائط أو أشرف عليه فذكر وإلا فأنثى، ولو تحققت حياته وبال من أحدهما مرة واحدة ثم مات فالحكم لصاحب البال وظاهره جواز نظر الصغيرة، وصرح به ابن يونس. اهـ. وصرح في الجواهر بتقديم الأكثر على الأسبق، قال الرهوني في تجويز ابن يونس لنظر عورة الصغير ما نصه: سلم عبد الباقي كلام ابن يونس هذا كما سلمه التتائي وغير واحد، وقد نقل الحطاب مثله عن العقباني وسلمه كما سلم ذلك مصطفى والتاودي والبناني بسكوتهم عنه، مع أن ابن مرزوق قال عقب نقله كلام ابن يونس ما نصه: وفي هذا الذي قال نظر لتحريم النظر إلى العورة مطلقا إلا لضرورة، قلت: وقد رأيت في القاهرة في سنة اثنين وتسعين طفلا ذكر لي أن له فرج ذكر وفرج أنثى: وأن أباه يأذن لمن يكشفه إن أعطاه فلسا أو فلسين فأدركتني رقة لمصابه، وسئلت النظر إليه فامتنعت وحمدت الله عز وجل على المعافاة. اهـ منه بلفظه.
قلت: أما إن كان في سن من يشتهى ويطيق الوطء فالمتعين فيه ما قاله ابن مرزوق لأنهم حكموا للصغيرة في هذه الحالة بحكم المبالغة، فأوجبوا الحد والغسل بشرطهما على البالغ بوطئها. فتأمله. والله أعلم. قال عبد الباقي: فإن تساوى بوله منهما أو حصل سبق أو كثرة لكن لم يعلم انتظر بلوغه إن كان غير بالغ، فإن احتلم من ذكره فذكر.
أو نبتت له لحية يعني أنه إذا نبتت له لحية دون ثدي فلا إشكال في ذكورته، لأن أصل نبات الشعر البيضة والحكم للغالب فلا يرد ما ذكروه في فرائض الوضوء من أنه قد يطلع للمرأة لحية
لأنه نادر. وقال التتائي والشبراخيتي: قال محمد بن سحنون: لأن أصل نبات الشعر من البيضة اليسرى.
أو ثدي يعني أنه إذا نبت له ثدي كبير لا يشبه ثدي رجل دون لحية فلا إشكال في أمره أي فهو أنثى، فإن نبتا معا أو لم ينبتا فباق على إشكاله واعتبر في شرح كشف الغوامض شهوته، فإن مال للرجال فأنثى وللإناث فذكر. وقال العصنوني: فإن نبتا معا فاختلف هل ينظر إلى عدد أضلاعه أو لا، فذهب الحسن إلى القضاء به وقال به غيره، وذهب جمع إلى أنه لا ينظر إلى عدد الأضلاع عند الأكثر. اهـ. ونحوه قول ابن عرفة: النظر إليها ضعيف لإطباق أهل التشريح على خلافه بالغين عدد التواتر، وعلى الأول فالمرأة لها من كل جانب ثماني عشرة ضلعا بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام، وأضلاع الذكر من الجانب الأيمن كذلك ومن الأيسر سبع عشرة. هكذا ذكر ابن يونس. وذكر الحوفي أن لها سبع عشرة من كل جانب وللرجل من الجانب الأيمن كذلك ومن الأيسر ست عشرة، وسبب نقصه على كلا النقلين أن الله تعالى لما خلق ءادم ألقى عليه النوم ثم استل من الجانب الأيسر ضلعا أقصر، فخلق منه حواء بالمد فخرجت منه كما تخرج النخلة من النواة، وروي كما في المواهب أنه لا استيقظ ورءاها بجانبه مد يده إليها، فقالت له الملائكة: مه يا آدم حتى تؤدي مهرها، قال: وما مهرها؟ قيل: تصلي على محمد عشرين مرة، وروي أقل. قاله عبد الباقي.
أو حصل حيض أي إذا حصل من الخنثى حيض فهو غير مشكل بل هو أنثى، أو حصل مني يعني أنه إذا حصل من الخنثى فإنه لا إشكال في أمره، بل هو إما ذكر أو أنثى، فإن برز من ذكره مني بصفة مني الرجل فهو ذكر وإن برز من فرجه بصفة مني الأنثى فهو أنثى، قال الشبراخيتي: أو حصل حيض من الفرج فأنثى، ولم يقل: أو حيض لعدم صحة تسلط عامل الأول عليه، فلذلك أتى له بعامل. اهـ. وقال عبد الباقي: أو خرج مني وبرز، وينبغي اعتبار صفة مني الذكر أو الأنثى. قاله كريم الدين والبدر. اهـ.
وعلم مما قررت أن قوله: فلا إشكال جواب الشرط أعمي قوله: "فإن بال" لخ فهو راجع للمسائل السبع. والله تعالى أعلم. قال عبد الباقي: ثم إن ثبت له حكم بعلامة ثم طرأت له أخرى ضدها
لم يغير الحكم لأجل الثانية. قاله العقباني عن بعض شيوخه. قال: وقريب منه للشافعية، قلت: الذي ينبغي اعتبار الثانية إن كانت أقوى مع الأولى، كما إذا كانت الأولى كثرة البول أو سبقه والثانيه الحمل أو الحيض أو نبات لحية، وأما تعارض نباتها للحية فالظاهر عدم العمل بأحدهما فيبقى مشكلا. اهـ.
والله تعالى أعلم وفي كلام المص هذا تصريح بجواز استعمال هذا اللفظ، قيل: مطلقا، وقيل: للإعلام بختم الدرس، وزعم بعض الحنفية أنه لا ينبغي استعماله لإيهامه الشك في الحكم الذي قبله ورد بأنه لا إيهام فيه بل فيه غاية التعظيم المطلوب، (وفي البخاري في قضية موسى مع الخضر ما يدل له، وهو قوله: فعتب الله على موسى أي حيث سئل عن أعلم الناس، فقال: أنا؛ إذ لم يرد العلم إلى الله)
(1)
. اهـ. وبالله التوفيق، وحسبنا الله ونعم والوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
الله عظم قدر جاه محمد
…
وأناله فضلا عليه عظيما
في محكم التنزيل قال لخلقه
…
صلوا عليه وسلموا تسليما
اللهم صل وسلم على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، عدد معلوماتك، وأضعاف ذلك، وأضعاف أضعاف ذلك، عدد ذلك، وسلم تسليما كذلك.
انتهى الجزء السابع من لوامع الدرر في هتك أستار المختصر للعبد الفقير إلى مولاه الغني به عمن سواه: محمد بن محمد سالم بن محمد سعيد المجلسي العلوي الفاطمي الحسني الإدريسي لليلتين خلتا من شوال عام اثنين وسبعين ومائتين وألف.
(1)
البخاري، كتاب العلم، رقم الحديث 122.