الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: في النكاح
وقد مر ذكر مناسبة إتيانه بالنكاح عقب الجهاد وافتتاحه بمسائل من الخصائص، وفي بعض النسخ: فصل، والنكاح في اللغة التداخل، يقال نكح البذر الأرض والحصا أخفاف الإبل والنعاس المعين؛ إذا دخل فيها، قال الشاعر:
أنكحت صم حصاها خف يعملة
…
تغشمرت بي إليك السهل والجبلا
قال ابن راشد: ولا خلاف أنه حقيقة في الوطء عند أهل اللغة، وقيل للتزويج نكاح من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب فهو حقيقة في الوطء ومجاز في العقد هذا هو الصحيح، وقال الفراء: النكح بضم النون: البضع أي الفرج، فمعنى نكحها أصاب نكحها، وقال الزجاجي: - هو يعني النكاح في كلام العرب - بمعنى الوطء والعقد جميعا، وسئل الفارسي خن ذلك فقال: فرقت العرب بينهما فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان أو أخته أو فلانة فمرادهم العقد عليها، وإذا قالوا نكح زوجته أو امرأته فمرادهم المجامعة؛ لأن ذكر زوجته أو امرأته يغني عن العقد. انتهى. وفي العرف يستعمل مرادا به العقد على المرأة وقلما يراد به الوطء ويستعمل في الشرع مرادا به الوجهان، والصحيح أنه في الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطء لكثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد حتى قيل إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد، ولا يرد مثل قوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ؛ لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنة.
وعرف ابن عرفة النكاح بقوله: عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر، فيخرج عقد تحليل الأمة إن وقع ببينة، ويدخل نكاح الخصي والطارئين لأنه ببينة صدقا فيها ولا يبطل عكسه نكاح من ادعاه بعد ثبوت وطئه بشاهد واحد أو فشو بنائه باسم النكاح، لقول ابن رشد: عدم حده للشبهة لا لثبوت نكاحه. انتهى. قوله: عقد جنس، وأصل العقد في اللغة الربط ومنه عقد إزاره وقد يستعار للمعاني كهذا، وعبر بالعقد هنا لأن النكاح فيه إيجاب وقبول من الجانبين، فالعقد فيه لزوم العاقد على نفسه أمرا من الأمور.
قاله ميارة. وقوله: على مجرد متعة لخ، من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأصل على متعة التلذذ المجردة، ومعنى المجردة أنها هي المقصودة من غير إضافة شيء إليها، فخرج بالمتعة البيع والكراء، وبالتلذذ المتعة المعنوية كالجاه والولاية، وبالمجردة العقد على شراء الأمة للوطء.
وعلم من هذا أن التمتع يكون أعم من التلذذ؛ لأن التمتع يكون حسيا ومعنويا كمتعة الجاه والولاية والأكل والشرب والركوب، والتلذذ يكون في الأمور الحسية، ثم أخرج المعنوية بقوله: التلذذ، ثم أخرج من الحسية التلذذ بالطعام والشراب بقوله: بآدمية. قاله الشيخ ميارة. فقوله: بآدمية، أخرج به التلذذ بالطعام والشراب كما علمت، وزعم بعض المشايخ أنه أخرج به العقد على الجنية وفيه بعد. قاله الرصاع. وذكر ابن العربي أن نكاح الجنية مع الإنس جائز عقلا، فإن نقل فبها ونعمت وإلا بقينا على أصل الجواز العقلي، وقوله: ببينة، حال من التلذذ أخرج به صور الزنى، وخرج بقوله: غير عالم العقد على من يعلم حرمتها مما حرمه الكتاب كالأخت والعمة ونحوه ما فليس بنكاح ولا يلحق به الولد، وهل مثل ذلك ما حرمه الإجماع كالجمع بين المرأة وعمتها أولا؟ وهو المشهور، ولذا قال: إن حرمها الكتاب قاله الشيخ بناني. وقوله: أو الإجماع، ارتضاه بعضهم ومنع زيادة الواو بعد أو لأنه يقتضي أن ما حرمه الكتاب ليس فيه ما أجمع على تحريمه وبعضهم أوجبها. قاله الشيخ إبراهيم.
واعلم أن النكاح تعتريه الأحكام الخمسة، فيجب لراغب فيه إن خشي العنت ولم يمكنه التسري ولم يكفه الصوم، وخير فيه وفي تسر قدر عليه فإن كفه الصوم وجب أحد الثلاثة والنكاح أولى، اللخمي: وقد يبدأ بالصوم إن لم يقدر على التسري ولم يجد للحرائر طولا؛ لأن في تزويج الأمة إرقاق ولده، فإن لم يقدر على نكاح الأمة تعين عليه الصوم، فإن رغب فيه ولم يخنتى العنت ندب له رجا النسل أم لا ولو قطعه عن عبادة غير واجبة، وغير الراغب إن خاف قطعه عن عبادة غير واجبة كره له رجا النسل أم لا، وإن لم يخف ورجا النسل ندب له فإن لم يرجه أبيح له، وكل قسم من المندوب والجائز والمكروه مقيد بما إذا
لم يوجد موجب تحريم وإلا منع، كضرر بامرأة بعدم وطء أو نفقة أو من كسب محرم ولو لراغب لم يخش عنتا وهذا المنع مقيد بما إذا لم تعلم المرأة بعجزه عن الوطء وإلا جاز النكاح إن رضيت وإن لم تكن رشيدة وكذلك الرشيدة في الإنفاق. وفي شرح الشيخ عبد الباقي أنه إذا خشي العنت يجب عليه النكاح ولو مع إنفاق عليها من حرام أو مع وجود بعض مقتضي التحريم. انتهى. قال محمد ابن الحسن: هذا ربما يفيده قول ابن بشير ويحرم على من لم يخف العنت، وكان يضر بالمرأة لعدم قدرته على الوطء أو على النفقة أو يكتسب من موضع لا يحل، ومثله قول الشامل: ومنع المضر بامرأة لعدم وطء أو نفقة أو لكسب محرم ولم يخف عنتا، واعترضه ابن رحال بأن الخائف من العنت مكلف بترك الزنى لأنه في طوقه كما هو مكلف بترك التزويج الحرام، فلا يحل فعل محرم لدفع محرم، وإنما يصار لمثل هذا عند الإكراه كالمرأة لا تجد ما يسد رمقها [إلا لمن يزني بها]
(1)
.
واعلم أن المرأة في التقسيم المتقدم المشتمل على الأقسام الخمسة كالرجل، وزاد ابن عرفة وجها آخر في وجوبه عليها وهو عجزها عن قوتها وسترها بغيره. قاله الشيخ عبد الباقي. والظاهر أن العقم لا يجب إخبار المرأة به لأنه ليس بعيب يوجب الخيار، ولأنه لا يقطع به فلعله يولد له من هذه وإن لم يولد له من غيرها. قاله الحطاب.
ندب لمحتاج؛ يعني أن المحتاج وهو الراغب في النكاح الذي تتوق نفسه إليه يندب في حقه النكاح رجا النسل أم لا، قال عبد الباقي: وكذا غير راغب ورجا النسل فيندب له لأنه محتاج للنكاح حكما. انتهى. وقال أبو علي: فإن لم يحتج لم يندب له عند اللخمي وغيره بل يباح ولو رجا النسل، خلافا لابن رشد القائل: يندب له إذا رجا النسل.
ذي أهبة؛ يعني أن المحتاج إنما يندب له النكاح إذا كان ذا أهبة أي قدرة على مؤن النكاح من مهر ونفقة وكسوة، فإن أضر بالمرأة في واحد من هذه حرم وقد مر هذا بأبسط مما هنا، وقوله:"لمحتاج"، خرج به قسم المباح والمكروه، وقوله:"لمحتاج"، يريد ولم يخش العنت،
(1)
كذا في النسخ والذي في بناني ج 3 ص 162 إلا بالزنى.
والأهبة هي المراد بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء
(1)
). انتهى. وقال النووي: قال أهل اللغة: المعشر الطائفة الذين يشملهم وصف، فالشباب معشر والشيوخ معشر والأنبياء معشر والنساء معشر وكذا ما أشبهه، والشباب جمع شاب ويجمع على شبان وشببة، والباءة فيها أربع لغات حكاها القاضي: الفصيحة المشهورة الباءة بالمد والهاء: الثانية: البأة بلا مد، والثالثة: الباء بالمد بلا هاء، والرابعة: بهاءين بلا مد وأصلها في اللغة الجماع مشتق من المباءة وهي المنزل، ومنه مباءة الإبل وهي مواطنها. قيل لعقد النكاح باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا، واختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين: أحدهما المراد بها الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، القول الثاني أن المراد بالباءة هنا مؤن النكاح، سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطعها فليصم ليدفع شهوته. انتهى. ومن الباء بلا تاء قول الشاعرة:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم
…
أميمة إذ للباء يعتلجان
كما غادر الصباح بعد خبوه
…
فتائل قد سيطت له بدهان
قوله: وجاء بالمد وكسر الواو: خصاء، قال في الذخيرة: والصوم يقطع النكاح لإضعافه القوة وتخفيفه الرطوبة التي يتولد منها المني، وقد يزيد في النكاح في حق المرطوبين فيقربون من الاعتدال فيقوى عندهم بالصوم لكنه قليل في الناس. نقله الحطاب.
نكاح بكر؛ مصدر مضاف إلى مفعوله وهو نائب عن الفاعل، قوله:"نكاح بكر". مندوب ثان، فالأولى أن يقول نكاح وبكر. قاله غير واحد. وقال الشيخ أبو علي: القادر على الأبكار لا يستحب له نكاح الثيبات، وعليه يحمل المص فلا يحتاج إلى زيادة واو. انتهى.
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1400.
واعلم أن الأقسام الخمسة في النكاح تجري في الاكتفاء بوطء الملك أيضا، وقوله:"تدب"، هو قول مالك وأبي حنيفة، وقال الشافعي: مباح، وقال أهل الظاهر: واجب. واعلم أن في النكاح فوائد أربعا: دفع غوائل الشهوات، والتنبيه باللذة الفانية على اللذة الدائمة؛ لأنه إذا ذاق هذه اللذة وعلم أنه إذا عمل الخير نال ما هو أعظم سارع في الخيرات لما هو أحسن من جنس تلك اللذة ولما هو أعظم وأتم وأبقى وهو اللذة بالنظر إلى وجه مولانا الكريم والمسارعة إلى تنفيذ إرادة الله ببقاء الخلق إلى يوم القيامة، ولا يحصل ذلك إلا بالنكاح وإرادة رسوله لقوله: (تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة
(1)
)، وبقاء الذكر، ورفع الدرجات بدعاء الولد الصالح لخبر: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
(2)
). الحديث. ومن الثلاثة الولد الصالح يدعو له بالخير،
وللسيوطى رحمه الله تعالى:
إذا مات ابن ادم ليس يجري
…
عليه من فعال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل
…
وغرس النخل والصدقات تجر
وراثة مصحف ورباط ثغر
…
وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يآوي
…
إليه أو بناء محل ذكر
وتعليم لقرآن كريم
…
فخذها من أحاديث بحصر
وقوله: "نكاح بكر" الأصل فيه حديث: (عليكم بالأبكار فإنهن أطيب أفواها وأنتق أرحاما وأطيب أخلاقا
(3)
) ومعنى أنتق أرحاما أقبل للولد، وفي الحديث: (عليكم بشواب النساء فإنهن أطيب أفواها وأنتق بطونا وأسخن أقبالا
(4)
). رواه الشيرازي. نقله في الجامع الصغير.
(1)
المقاصد الحسنة، رقم الحديث 340، القرطبي ج 5 ص 391.
(2)
مسلم كتاب الوصية، رقم الحديث، 1631.
(3)
كنز العمال، رقم الحديث، 45627، 44547.
(4)
كنز العمال، رقم الحديث، 4455.
ويستحب نكاح الولود لخبر: (سوداء ولود خير من حسناء عقيم
(1)
)، وقال في النوادر: ورغب صلى الله عليه وسلم في نكاح الولود، وقالت عائشة رضي الله عنها: بنت الخمسين لا تلد، وقال عمر: بنت عشر سنين تسر الناظرين، وبنت عشرين لذة المعانقين، وبنت ثلاثين ذات شحم ولين وبنت أربعين ذات بنات وبنين، وبنت خمسين عجوز في الغابرين، وفي الحديث، (لا تنكح المرأة لجمالها ولا لمالها فلعل جمالها لا يأتي بخير [ولعل مالها لا يأتي بخير]
(2)
وعليكم بذوات الدين فاتبعوهن حيثما كن
(3)
). انظر الحطاب. وعن زيد بن حارثة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يا زيد تزوج تزدد عفة إلى عفتك ولا تتزوج خمسة لا شهبرة ولا كهبرة ولا نهبرة ولا هبدرة ولا لفوتا
(4)
)، أما الشهبرة فهي الزرقاء البذية؛ والكهبرة الطويلة المهزولة، والنهبرة القصيرة الدميمة، والهبدرة العجوز المدبرة، واللفوت ذات الولد من غيرك. نقله الشيخ إبراهيم. وفي القاموس: النهبرة الطويلة المهزولة أو المشرفة على الهلاك.
ونظر وجهها وكفيها؛ يعني أنه يندب لمن يريد نكاح امرأة أن ينظر قبل الخطبة أو بعدها كما صرح به أبو علي وجهها وكفيها أي يديها لكوعيها ظاهرهما وباطنهما، فيستدل بالوجه على الجمال وبالكفين على خصب البدن أي نعومته فلا حاجة إلى ما وراء ذلك. ومحل ما ذكره المص إن لم يقصد لذة وإلا حرم، ويشترط كما قال الشيخ بناني أن لا يعلم عدم الإجابة بأن علم الإجابة أو لم يعلم شيئا، فإن علم عدم الإجابة حرم عليه النظر إن خشي فتنة وإلا كره، وإن كان نظر وجه الأجنبية وكفيها جائزا لأن فعل هذا مظنة قصد اللذة فقط يعني أنه إنما ينظر الوجه والكفين لا غيرهما لأنه عورة، فلا يجوز النظر إليه. قال الشيخ محمد بن الحسن: ظاهر المص أن النظر مستحب والذي في عبارة أهل المذهب الجواز، ولم يحك ابن عرفة الاستحباب إلا عن ابن القطان. انتهى. ومقتضاه أن القول بالندب ليس بالقوي وهو
(1)
كنز العمال، رقم الحديث، 44427.
(2)
ساقصة من الأصل والمثبت من الحطاب ج 4 ص 207 ط دار الرضوان.
(3)
انظر البيان والتحصيل، ج 18 ص 161.
(4)
كنز العمال، رقم الحديث، 44595.
خلاف ما للشيخ أبي علي، فإنه قال: إن الندب الذي ذكره المص في هذا النظر هو المذهب. انتهى. قوله: ظاهر المص بل صريحه. بعلم؛ يعني أنه لا ينظر إليها إلا بعلم منها ولا يحتاج لإذنها في ذلك، ويكره أن يستغفلها أي ينظر إليها بغير علمها عند ابن القاسم ليلا يتطرق أهل الفساد إلى محارم الناس ويقولون نحن خطاب، وفي القسطلاني: ولكل أن ينظر إلى الآخر وإن لم يأذن له اكتفاء بإذن الشارع سواء خشي الفتنة أم لا، وفي ابن فجلة الزرقاني ما يوافقه كما نقله أبو علي وهو خلاف ما مر، وأشعر قوله:"نظر"، أنه لا يمس وهو كذلك قال عبد الباقي عن التتائي: وانظر هل يدخل في الوجه ما يفعله بعض المصريين من فتح فمها ونظر أسنانها؟ انتهى. قال علي الأجهوري: وينبغي جواز ذلك بالأولى من الوجه إذ هو يتلذذ به أقوى من الأسنان إلى آخر كلامه. قوله: وينبغي جواز ذلك بالأولى لخ، قال الشيخ بناني: فيه نظر؛ إذ لم يجوزوا النظر إلا لما ليس بعورة وهو الوجه والكفان، وما عدا ذلك عورة فلا سبيل للنظر له على كل حال، وقد اعترضه الشيخ أبو علي بذلك فانظره.
قال مقيد هذا الشرح: وصريح هذا أن الأسنان عورة لا يسوغ النظر إليها. والله سبحانه أعلم. ومفهوم قوله: "ونظر وجهها وكفيها" إلخ، أنها هي لا يندب لها ذلك، قال الشيخ أبو علي: وهو مذهبنا حسب ما يظهر مما قدمناه؛ لأن المطلوب من الرجال غير الحسن. انتهى. وقال الإمام الحطاب: وأما نظرها لوجهه وكفيه فلا نص فيه عندنا والظاهر ندبه وفاقا للشافعية. انتهى.
تنبيهات: الأول: قال الشيخ عبد الباقي: له توكيل رجل أو امرأة في نظرها وندب لكل نظر وجهها وكفيها كالخاطب، فأما نظر المرأة الوكيلة زائدا على وجه المخطوبة وكفيها فيباح من حيث كونها امرأة لا مندوب من حيث كونها وكيلة عن رجل، وجواز التوكيل صرح به الحطاب عن البرزلي، ولا ينافي ما للشادلي في باب جمل بعد قول الرسالة، وقد أرخص في ذلك أي في النظر للشابة للخاطب نفسه إلى أن قال: وقيدنا بنفسه احترازا من الخاطب لغيره فإنه لا يجوز له النظر اتفاقا. انتهى. لإمكان حمله على ما إذا وكل رجلا في الخطبة فقط: وحمل ما للبرزلي على ما إذا وكله فيها مع النظر أو في النظر فقط. انتهى.
قال الشيخ محمد بن الحسن: نص البرزلي: انظر هل يفوض له في النظر إليها على حسب ما كان له والظاهر الجواز ما لم يخف عليه مفسدة من النظر إليها؟ انتهى. واعترضه بعض الشيوخ بأن نظر الخاطب مختلف فيه، فكيف يسوغ لوكيله؟ انتهى وهو ظاهر. والله أعلم. انتهى. وفي نقل أبي علي ما نصه: قال بعض أصحابنا: وإذا لم يمكنه النظر استحب له أن يبعث امرأة تنظر إليها وتخبره قبل الخطبة. انتهى. وروي أنه صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم تنظر إلى امرأة، وقال لها: (شمي عوارضها وانظري إلى عرقوبيها
(1)
).
الثاني: قال ابن القطان: ولها أن تتزين للناظر بك لو قيل إنه مندوب ما كان بعيدا، ولو قيل إنه يجوز لها التعرض لمن لا يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد، وهل يجوز للخاطب أن يتعرض للمخطوبة بمحاسنه التي لا يجوز إبداؤها لها إذا لم تكن مخطوبة ويتصنع بلبسه وكحله وخضابه ومشيته؟ أو لا يجوز له إلا ما كان جائزا لكل امرأة؟ والظاهر جوازه إن لم يتحقق في المنع إجماع أما إن لم يخطب فلا يجوز له ذلك التعرض لأنه تعرض للفتن وتعريض لها. قاله الحطاب.
الثالث: مقتضى كلام القباب أنه لا يجوز النظر إليهن للبيع والشراء، فإنه قال: مسألة: ليس من الضروريات احتياجها إلى أن تبيع أو تبتاع أو تستصنع، وقد روي عن مالك أرى أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم ولا تترك الشابة تجلس إلى الصانع، وأما المتجالة والخادم الدون ومن لا يتهم على القعود عنده فلا بأس بذلك وهو كله صواب، فقد تصنع وتستصنع وتبيع وتشتري وهي مستترة ولا يمنعن من الخروج والمشي في حوائجهن ولو كن معتدات، وإنما يمنعن من التبرج والتكشف والتطيب للخروج والتزين بل يخرجن وهن متلفعات ولا يخرجن في مشي الطرقات بل يلتصقن بالجدرات.
وفي التوضيح: يجوز النظر للشابة الأجنبية الحرة في ثلاثة مواضع: للشاهد والطبيب ونحوه وللخاطب، وروي عن مالك عدم جوازه للخاطب، ولا يجوز لتعلم علم ولا غيره. انتهى. زاد الأقفهسي: في المواضع التي يجوز النظر فيها البيع والشراء. انتهى. نقله الحطاب. وهو
(1)
مسند أحمد، ج 3 ص 231.
خلاف ما قدمه عن القباب. وفي الحطاب ما نصه: من أبيح له النظر فلا يجوز له قصد اللذة وكذلك النظر إلى الأمرد لا يجوز فيه قصد اللذة. والله أعلم.
رحل لهما حتى نظر الفرج، أصل الفرج في اللغة الشق، قال تعالى:{وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} ، وهو عند الفقهاء يطلق على القبل والدبر. قاله الشيخ أبو علي. ومعنى كلام المص أنه يحل بعقد النكاح الصحيح اللازم لكل منهما أي الزوج والزوجة نظر جميع بدن صاحبه حتى أنه يباح له نظر فرجه؛ فيباح له هو نظر فرجها وأحرى غيره من سائر بدنها، ويباح لها هي نظر فرجه وأحرى غيره من سائر بدنه، وسواء في ذلك حالة الجماع وغيرها، وسواء في ذلك القبل والدبر؛ وعبارة الشبراخيتي عند قوله:"نظر الفرج": من قبل أو دبر وفاقا للبرزلي خلافا للأقفهسي والبساطي. انتهى. وفاعل حل ضمير يعود على النظر ونظر مرفوع معطوف بحتى ويحتمل أن تكون حتى جارة، ورد المص بالإغياء حديث: (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها لأن ذلك يورث العمى
(1)
)، قال ابن الجوزي: هو موضوع، وقال الذهبي، موضوع لا أصل له، وقال ابن حبان: هو موضوع، وقال ابن حجر عن أبي حاتم إنه موضوع، ووقع النهي في الحديث المذكور حالة الجماع لأنه مظنة النظر فأحرى غيرها. وقوله:"وحل لهما حتى نظر الفرج"، فيه تصريح بالجواز من غير كراهة، قال الشيخ عبد الباقي، وعبر بحل دون جاز لأن الجواز يجامع الكراهة بخلاف حل. انتهى. وفي الحطاب: أجاز المالكية النظر إلى فرج المرأة وفيه عن أصبغ أنه لا بأس به وليس بمكروه، وفيه وقد روي عن مالك أنه: قال لا بأس أن ينظر إلى الفرج حال الجماع، وزاد في رواية ويلحسه بلسانه وهو مبالغة في الإباحة، وليس ذلك على ظاهره. أبو الوليد بن رشد: كثير من العوام يعتقدون أنه لا يجوز أن ينظر الرجل إلى فرج امرأته في حال من الأحوال، ولقد سألني عن ذلك بعضهم واستغرب أن يكون جائزا، ومثل ذلك مذهب الحنفية وللشافعية قولان الإباحة والمنع، والنظر عندهم إلى داخله أشد. قاله الغزالي.
(1)
كنز العمال، رقم الحديث، 44839.
وأعرف لأبي إسحاق منهم أنه قال: يكره النظر إليه لأنه سخافة ودناءة ولا يحرم. انتهى. رقال الشيخ زروق. هو وإن كان متفقا عليه لكن كرهوا ذلك للطب لأنه يؤذي البصر ويورث قلة الحياء في الولد. والله أعلم. وقال في النصيحة: ويكره نظر أحد الزوجين إلى فرج صاحبه لأنه يؤذي البصر ويذهب بالحياء وقد يرى ما يكره فيؤدي إلى البغضاء، وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأى مني وإن كنا لنغتسل من إناء واحد تختلف أيدينا فيه
(1)
). وقوله: "حتى نظر الفرج"، قال البساطي: في كلامه: ما يشر بأنه يجوز نظر الدبر وفيه نظر. انتهى. وقال الأقفهسي: المراد بالفرج القبل لا الدبر؛ لأنه لا يجوز التمتع به فلا يجوز النظر إليه. والفرج حيث أطلقته العرب فلا يريدون به إلا القبل. انتهى. نقله الحطاب. ونقل عن البرزلي ما يخالف هذا، وقال بعد أن ذكره عنه: وما قاله اربرزلي أظهر من كلام الأقفهسي، وسيأتي توجيه ما للبرزلي قريبا إن شاء الله تعالى. واحترزت بقولي الصحيح من العقد الفاسد، فلا يباح به نظر ولا تمتع وباللازم من نكاح السفيه والعبد ونحوهما بغير إذن الولي فلا يباح به شيء من ذلك، وقوله:"وحل لهما حتى نظر الفرج"، منع ذلك بعضهم خارج المذهب، واستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنظر إلى فرج حي أو ميت
(2)
)، وحجة المذهب ما خرجه النسائي عن معاوية: (احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك
(3)
).
كالملك يعني أنه يحل لكل من المالك ومملوكته نظر جميع بدن الآخر حتى فرجه، فيباح له نظر فرجها من قبل أو دبر كما يباح لها نظر فرجه من قبل أو دبر، وتمتع بغير دبر يعني أنه يحل لكل من الزوجين والسيد وأمته أن يتمتع بالآخر بكل وجه من وجوه الاستمتاع ما عدا الوطء في الدبر أي في داخله، وأما ظاهره فيجوز لكل من الزوج والسيد أن يتمتع به ولو بوضع الذكر عليه وهو الذي قاله البرزلي، قال: ووجهه عندي أنه كسائر جسد المرأة وجميعه مباح إذ لم يرد ما يخص بعضه عن بعض بخلاف باطنه. انتهى. قال الشيخ بناني:
(1)
مرقاة المفاتيح، باب النظر، رقم الحديث، 3123. سنن ابن ماجه رقم الحديث 662 - 4962.
(2)
سنن البيهقي، ج 2 ص 228، والدارقطني ج 2 ص 86، وكنز العمال، 19159، بلفظ إلى فخذ.
(3)
سنن أبي داوود، كتاب الحمام، رقم الحديث 4017، سنن الترمذي كتاب الأدب، رفم الحديث 267.
واعتمده الحطاب واللقاني خلافا للتتائي تبعا للبساطي والأقفهسي. انتهى. وقال الشيخ عبد الباقي: يجوز التمتع بظاهر الدبر من غير استمناء. انتهى. وقال الشيخ بناني: فيه نظر بل ظاهر كلام البرزلي وابن فرحون كما في الحطاب خلافه. انتهى. وفي الحطاب قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل أيكلم الرجل امرأته وهو يطؤها؟ قال: نعم، ويُفَدِّيها لا بأس بذلك. انتهى. وقال أصبغ: قال ابن القاسم: حدثنا الداودي عمن حدثه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أنه سئل عن النخير عند ذلك فقال: إذا خلوتم فاصنعوا ما شئتم. ابن رشد: تكليم الرجل امرأته عند الوطء لا إشكال في جوازه ولا وجه لكراهته، وأما النخير بالخاء كما قاله أبو علي عند ذلك فقبيح ليس من أفعال الناس، وترخيص القاسم فيه على معنى أن ذلك ليس بحرام. والله أعلم. قاله الحطاب.
وفي الشارح: ظاهر ما في البيان كراهة النخير، وبذلك صرح الشيخ سيدي أبو عبد الله بن الحاج انتهى. وقوله:"وتمتع بغير دبر" اعلم أنه نسب لمالك إباحة التمتع بالدبر في كتاب السر وهو مجهول عند الأشياخ لا يعرف وحاشاه من أن يكون له كتاب السر، وعن ابن وهب: سألت مالكا، فقلت: إن الناس يحكون عنك ذلك، فقال: معاذ الله. وروي عنه أيضا أنه قال: كذبوا علي ثلاثا، قال ابن فرحون: وقفت على كتاب السر وفيه من الغض من الصحابة والقدح في دينهم خصوصا عثمان رضي الله عنه ومن الحط على العلماء والقدح في دينهم ونسبتهم إلى قلة الدين مع إجماع أهل العلم على فضلهم خصوصا أشهب ما لا أستبيح ذكره. وفي النسائي عنه صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء ولا تأتوا النساء في أدبارهن
(1)
)، وفي أبي داوود عنه صلى الله عليه وسلم:(ملعون من أتى امرأة في دبرها)
(2)
، وفي النسائي عنه صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر
(3)
)، قال الشارح بعد أن جلب أنقالا عن الإمام في إنكار نسبة إباحة ذلك له: فهذا
(1)
سنن النسائي الكبرى، رقم الحديث، 9010، 9023.
(2)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث 2161.
(3)
سنن الترمذي، كتاب الرضاع، رقم الحديث، 1165.
مالك قد صرح بكذب الناقل عنه في ثلاث روايات، فكيف يحل نسبة ذلك إليه بعد هذا؟ انتهى. البرزلي: والرواية أن من فعله فإنه يؤدب، وقوله:"وتمتع بغير دبر" يعني في غير زمن الاعتكاف والصوم والإحرام والحيض والنفاس إلا ما استثنوه. والله سبحانه أعلم.
تنبيهات: الأول: قوله: "كالملك" يشمل القن والمدبرة وأم الولد، وأما المكاتبة والمبعضة والمعتقة لأجل فلا يباح التمتع بهن، ومحل جواز التمتع في الثلاث الأول حيث لم يكن مانع وإلا فلا يحل التمتع بهن ومن الموانع المحرمية والخنوثة والتزويج، وأما الإخدام والإجارة فقال الشيخ عبد الباقي عند قول المص "وإخدام سنين": وفي كلام المص إشعار بمنع وطء المخدمة ولو قل زمن الخدمة، وبه صرح أبو الحسن في العتق الثاني قائلا في تعليله: إما لأنه يبطل حوز الهبة أو لأنها قد تحمل من أول وطئه فيؤدي إلى استخدام أم الولد. انتهى. واعتمد بعض الشراح على ما نقله ابن عرفة عن ابن الماجشون: من أخدم أمته سنة لم تحرم عليه، فلا تباح له أختها، وقوله: لم تحرم عليه ضعيف، والمعتمد قول أبي الحسن إنها تحرم عليه وإن كانت لا تحل له أختها، وكثيرا ما يقع تمليك زوج منفعة أمته لزوجته أو يجعل لها بعضها ثم يطؤها وهذا لا يجوز، أما إذا ملكها المنفعة فالأمر واضح، وأما إن ملكها بعضها فالعلة تقتضيه، وأما إن كانت تخدم زوجته من غير تمليك لمنفعتها ولا لبعضها فهذه جائزة الوطء، فإن قلت حيث حرم وطء الخدمة فلم لم تحل به الأخت ولو كانت مدته قليلة كسنة؟ قلت: لعله مراعاة لمن يقول إنها لا تحرم حيث قلت مدته وهو ضعيف وإن اعتمده بعض الشراح كما قد مر، فإن قلت ما الفرق بين منع وطئها وبين جواز وطء السيد للمؤجرة كما في معين الحكام؟ وظاهره كما قال أحمد طالت المدة أم لا، وحينئذ فلا يكفي إيجارها في حلية الأخت، قلت: لعله أن المؤجرة إذا حملت انفسخت الإجارة كما في أحمد عن معين الحكام، وسقط عن المستأجر الأجرة فلا ضرر عليه بخلاف الخدمة فإنه يبطل حقه من خدمتها إذا حملت من سيدها، وإن وجب عليه أن يخدمه مثلها إن أيسر كما في المدونة، ويحرم على الخدم بالفتح وطؤها ويحد. قاله بعض الشراح. وقال أصبغ: لا حد عليه في قليل الخدمة وكثيرها للشبهة. انتهى كلام الشيخ عبد الباقي. وذكري هنا
للمخدمة والزوجة لأجل إفادة الحكم وإن كان المانع فيهما قد يزول، وسيأتي الكلام على المشتركة في باب الشركة وأنه لا يجوز وطؤها. والله سبحانه أعلم.
الثاني: اعلم أنه يجوز للسيد انتزاع مال القن كالمدبر والمعتق لأجل إن لم يمرض السيد أو يقرب الأجل في المعتق لأجل وإلا فلا، وفي حده بشهر أوأشهر قولا مالك وأصبغ، وأما الكاتب فقد أحرز نفسه وماله فليس للسيد انتزاع ماله، وأما المبعض فما ملكه ببعض الحرية فليس للسيد انتزاعه، وإلا فمقتضى كلام الأمير أن له انتزاعه وهو خلاف ما نقله الشبراخيتي عن ابن الحاجب عند قول المص:"وأخذه وإن قتلها"، ونصه: هذا إذا كانت ممن ينتزع مالها وصداق المبعضة لها لا بينها وبين سيدها، بخلاف أرش جناية [عليها]
(1)
فبينهما، وفرق بينهما بفروق انظرها. انتهى. والله أعلم. وأما أم الولد فإنها كالمدبر كما يأتي للمص في أم الولد. والله سبحانه أعلم.
الثالث: أشعر اقتصار المص على الزوجة والأمة بأنه لا يجوز التلذذ بغيرهما من حيوان لا يعقل أو شجر أو أرض أو رحل أو أجنبية أو رجل ذكر أو خنثى أو غير ذلك وهو كذلك، ويدخل في الممنوع الاستمناء باليد ونحوه من جسد نفسه فإنه حرام عند جمهور العلماء، قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} ، وأنشد فيه الغبريني:
وناكح الكف بخطب يبلى
…
يأتي بها يوم القيام حبلى
وعده البلالي من الصغائر، قال المص في شرح الرسالة: يعني من صغائر الخسة. والله أعلم. وفي قوت القلوب: وقد جاء في كراهة الاستمناء وتحريمه والتغليظ فيه أخبار شديدة، وروينا أن الله تعالى أهلك أمة من الأمم كانوا يعبثون بمذاكيرهم، وعن مجاهد: كان بعض من مضى يأمر به شبابهم ليستعفوا عن الزنى، ورخص فيه الحسن للرجل والمرأة بأن تدخل المرأة
(1)
ما بين المعقوفين من الشبراخيتي مخطوط.
شيئا في فرجها لتستمني به فيردها عن الزنى، وقال أبو بكر بن العربي: ليت شعري لو كان فيه نص بالجواز صريح؛ أيرضى ذو همة به لنفسه؟ وقال ابن عباس لشاب استفتاه عنه وقد خاف على نفسه العنت: أف لك وتف نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنى، وهذا يدل على استقباحه لذلك واستهجانه له لما فيه من الخسة ودناءة الهمة وقلة الحياء، وقال أحمد: هو كالحجامة، ومن عمل به لغير خوف الزنى عزر، وكان أحمد يجيزه وأنشد فيه:
إذا حللت بواد لا أنيس به
…
فاجلد عميرة لا داء ولا حرج
وعميره الاستمناء، والذي في كتب الحنابلة أنه يعزر. قاله ابن زكري.
وخطبة بخطبة؛ يعني أنه تندب الخطبة بضم الخاء عند الخطبة بالكسر والخطبة بالضم، قال الشبراخيتي. هي كالأم مشتمل على حمد الله تعالى وصلاة على نبيه وآية مناسبة مشتملة على الوصية بالتقوى كـ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، ثم يقول: أما بعد فإن فلانا خطب فلانة ورغب فيكم وانضوى إليكم وهو بالضاد المعجمة أي أوى إليكم وانضم إليكم كما يفيده كلام الصحاح وفي بعض النسخ انطوى إليكم وهي ظاهرة، وفرض لكم من الصداق كذا وكذا فأنكحوه، ويجيبه المخطوب إليه بمثل ذلك من حمد الله إلى آخره. ثم يقول: أجبناك. انتهى.
والخطبة بالكسر قال القرطبي: فعل الخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول انتهى وفي التوضيح أنها عبارة عن استدعاء النكاح وما يجري من المحاورة. انتهى. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: هي التماس التزويج والمحاورة عليه صريحا مثل إن فلانا يخطب فلانة أو غير صريح كيريد الاتصال بكم والدخول في زمرتكم. انتهى. وقال عبد الباقي: هي التماس التزويج. انتهى. ويقال خطب فلان فلانة يخطبها بالضم استدعى نكاحها.
وعقد؛ يعني أن الخطبة بالضم كما تندب عند التماس النكاح تندب عند العقد أي عقد النكاح، قال الإمام الحطاب: والخطبة بالضم واحدة الخطب وهي مشروعة في الخطبة وفي
العقد، قال مالك: ما قل منها أفضل، قال في التوضيح قال بعض الأكابر: أقلها أن يقول الولي: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله زوجتك على كذا، ويقول الزوج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قبلت نكاحها، وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد: وتستحب الخطبة بالضم التي هي الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه وقراءة آية مناسبة عند الخطبة بالكسر، قال مالك: وما خف أحسن. وقال الشارح: والخطبة في استدعاء النكاح مشروعة، قال مالك في كتاب محمد هي مستحبة وهي من الأمر القديم وليست بواجبة وعلى ذلك جميع الفقهاء إلا داوود فقال بوجوبها، ودليل الجمهور حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي لم يجد خاتما من حديد: (ملكتكها بما معك من القرآن
(1)
).
وصفة الخطبة ما رواه الترمذي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} ، زوجتك فلانة ابنتي أو أختي أو بنت فلان أو أنكحتكها) ونحوه. واعلم أن الخطب أربع وهي مستحبة، فتستحب من الخاطب ومن المجيب له قبل إجابته، ومن المزوج ومن المتزوج. وفي الحطاب بعد جلب أنقال: فتحصل من هذا أن الخطبة بضم الخاء تستحب من الخاطب ومن المجيب له قبل إجابته ومن المزوج ومن المتزوج، وحكى ابن عرفة في استحباب خطبة المجيب في الخطبة قولين، أحدهما عدم استحبابها والثاني استحبابها، وعزا الأول لظاهر قول محمد والثاني لابن حبيب، وهو الذي تقدم في كلام التوضيح واقتصر عليه في المقدمات، قال: ويستحب إخفاء خطبة النكاح، وأن يبدأ الخاطب قبل الخطبة بالحمد لله والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم، ويجيب المخطوب بمثل ذلك قيل الإجابة. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله:"بعقد" بأن يأتي الولي بما سبق من الحمد وما معه، ويقول: زوجتك فلانة ابنتي أو أختي أو بنت فلان أو أنكحتكها،
(1)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5087.
ويجيبه الزوج بمثل ذلك ويقول قبلت، وعلى هذا فهي أربع خطب، خطبتان عند الطلب من الخاطب والولي، وخطبتان عند العقد من الولي والخاطب، وينبغي أن يبدأ الزوج عند الخطبة. انتهى.
ثم قال: وإذا كانت الخطب أربعا فقوله: "وخطبة"، المراد به الجنس ويستحب أن يكون العقد والابتناء في شوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عقد على عائشة وبنى بها في شوال، ويستحب أن يكون العقد يوم الجمعة بعد العصر لقربه من الليل، ويكره صدر النهار لما فيه من التفرق والانتشار. انتهى. وعلم مما مر أنه يبدأ الخاطب بالخطبة عند الخطبة، وأنه يبدأ الولي بالخطبة عند العقد أي على جهة الندب كما يفيده كلامهم. والله سبحانه أعلم. وصرح عبد الباقي أيضا بأن الخطب أربع، وقد حكي أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب النكاح في رمضان، وما قدمته عن الشبراخيتي أصح. والله سبحانه أعلم.
وتقليلها؛ يعني أنه يستحب تقليل الخطبة بالضم قال إمامنا مالك: ما قل منها أفضل، قال بعض الأكابر: أقلها أن يقول الولي: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله زوجتك على كذا، ويقول الزوج الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله قبلت نكاحها، وهاتان خطبتا العقد، وأما خطبتا التماس النكاح ففي الواضحة: كانوا يستحبون أن يحمد الله الخاطب ويصلي على نبيه ثم يخطب المرأة ثم يجيبه المخطوب إليه بمثل ذلك من الحمد والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يذكر إجابته: وذكر ذلك أيضا في النوادر. قاله الشارح في الكبير. وقال محمد: وقد خطب عند
(1)
ابن عمر مولاته فلما فرغ الخاطب من كلامه لم يزد ابن عمر على أن قال: وقد أنكحتك على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. نقله الشارح في الكبير.
وإعلانه؛ يعني أنه يستحب إظهار النكاح وإشهاره، وكذا يستحب أيضا إطعام الطعام عليه لما روي من قوله عليه الصلاة والسلام: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال
(2)
)، وهو الدف
(1)
في نسخة إلى ابن عمر.
(2)
السنن الكبرى للبيهقي، ج 7 ص 290.
المدور قيل وهو مغشى من جهة واحدة. قاله الشارح. وفي الترمذي والنسائي عنه صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف
(1)
)، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت
(2)
)، وروي أنه صلى الله عليه وسلم مر بدار فسمع لعبا فقال:(ما هذا)، فقيل له الوليمة، فقال:(هذا نكاح وليس بسفاح اعقدوه في المساجد واضربوا فيه بالدف). قاله الحطاب.
وفي شرح أبي علي ما نصه: وسننه أي النكاح ثلاث: إظهاره والوليمة والدخان. انتهى. فاعلم قوله: ثلاث، وقوله "وإعلانه" نص على استحبابه غير واحد. قاله الحطاب. قال: وأما العقد في المسجد فعده المص وغيره من الجائزات، ولم أر من صرح من أهل المذهب باستحبابه. والله أعلم. انتهى. ونقل أبو علي عن الشارح أن العقد في المسجد استحسنه جماعة. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وإعلانه"؛ أي النكاح أي العقد، وأما الخطبة بالكسر وحعي التماس النكاح فيندب إخفاؤها كالختان، قال الشيخ زروق: ويستحب كتمان الأمر إلى العقد. انتهى. وفي المقدمات: ويستحب إخفاء خطبة النكاح. انتهى. قاله الحطاب. ونحوه للشبراخيتي، قال: ولعل وجهه سعي أهل الفساد في إبطال الخطبة لحديث: (استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان
(3)
).
وتهنئته؛ يعني أنه يستحب تهنئته أي العرس ذكرا أو أنثى أي إدخال السرور عليه بتصويب فعله عند العقد والبناء على غير وجه الدعاء، نحو سرنا ما فعلت، ما فعلت إلا خيرا، أحييت السنة، النكاح من سنة المرسلين، وفي الشبراخيتي ما نصه: أي إدخال السرور على كل من الزوجين لأن التهنئة إظهار الفرح والسرور والاستبشار بذلك، كفرحنا لكم وسرنا ما فعلتم. انتهى. وفي الشامل: وتهنئة عروس عند عقد ودخول. انتهى. والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة. قاله في الصحاح. قاله الحطاب.
(1)
سنن الترمذي كتاب النكاح، رقم الحديث 1591.
(2)
سنن الترمذي، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1090.
(3)
الإتحاف ج 2 ص 53.
والدعاء؛ يعني أنه يستحب الدعاء لكل من الزوجين عقب العقد كما في الشارح وبعد البناء، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن حين أخبره أنه تزوج:(بارك الله لك))، وذلك أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة، فقال:(ما هذا)؟ قال: إني تزوجت امرأة صلى وزن نواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لك أولم ولو بشاة
(1)
)، قوله: وبه أثر صفرة من خلوق وهو طيب من زعفران وغيره تعلق به من زوجته فهو غير مقصود، وإلا فالتزعفر منهي عنه عند الشافعية والحنفية، وقال المالكية: يجوز في الثوب دون البدن، ونقله إمامهم رضي الله عنه عن علماء المدينة وفيه حديث أبي موسى موقوفا:(لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق) قوله: وزن نواة من ذهب في معناه قولان، أحدهما أن المراد نواة من نوى التمر وهو قول مرجوح، والثاني عبارة عن قدر عندهم من الدراهم وهو دون خمسة دراهم، ثم في المعنى وجهان أحدهما أن يكون الصدق ذهبا وزنه خمسة دراهم الثاني أن يكون المصدق دراهم بوزن نواة من ذهب، فعلى الأول يتعلق قوله: من ذهب بوزن، وعلى الثاني فهو صفة لنواة. قاله القسطلاني. وفي الصحيح أنه قال لجابر حين أخبره أنه تزوج: (بارك الله عليك
(2)
)، وفي صحيح البخاري عن عانشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر أي حظ ونصيب
(3)
)، كما في القسطلاني. وفي السنن لأبي داوود والترمذي وابن ماجه أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج يقول: (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير
(4)
)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح والأحاديث في ذلك كثيرة.
ابن حبيب: واستحبوا تهنئة الناكح والدعاء له وكان مما يقال له: بالرفاء والبنين بارك الله لك والرفاء بكسر الراء والمد الملاءمة، وذكر النووي إمام الشافعية في الأذكار أنه يكره بالرفاء
(1)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5155. صحيح مسلم، كتاب النكاح، 4127.
(2)
صحيح البخاري، كتاب الدعوات، رقم الحديث، 6372.
(3)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2131. وصحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1422.
(4)
سنن أبى داوود، كتاب النكاح رقم الحديث، 2131. وسنن الترمذي كتاب النكاح، رقم الحديث، 1090 وسنن ابن ماجه، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1905.
والبنين ولم أر كراهته لأحد من المالكية. قاله الإمام الحطاب. وقال القسطلاني عن رجل من بني تميم قال كنا نقول في الجاهلية: بالرفاء والبنين، فلما جاء الإسلام علمنا نبينا فقال قولوا: (بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم
(1)
)، وقد علمت أن الرفاء هو الالتئام والموافقة وأصله الهمز من رفأت الثوب أرفؤد رفئا لاءمت بين خرقه. قاله الشيخ إبراهيم. وغيره قال الحطاب: وإن شئت كان معناه بالسكون فيكون أصله غير الهمز، يقال: رفوت الرجل إذا سكَّنته قال الهذلي:
رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع
…
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
ابن حبيب: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ابتنى بزوجته أن يأمرها أن
تصلي ثم يأخذ بناصيتها ويدعوا بالبركة، وفي الأذكار للنووي: يستحب أن يسمي الله ويقول: بارك الله لكل منا في صاحبه، ويقول ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داوود عن الزبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج أحدكم أو اشترى خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه
(2)
). نقله الإمام الحطاب.
وإشهاد عدلين غير الولي بعقده الباء في بعقده بمعنى في أو بمعنى عند. قاله الشيخ أبو علي. يعني أنه يستحب إشهاد عدلين عند العقد فالندب منصب على مصاحبة الإشهاد للعقد؛ إذ لا يصح النكاح إلا بالشهود فالندب هو الإشهاد عند العقد وإشهاد عدلين قبل التلذذ شرط في صحة عقد النكاح.
واعلم أن الولي لا تصح شهادته في النكاح لوليته ولا بتوكيلها ولو مع غيره لأنه يتهم في الستر عليها فشهادته لا تجوز ولا تدرأ الحد ولو كان غير عاقد، قال في المدونة: وإن وجد رجل وامرأة في بيت فشهد أبوها بعقدها لم يجز نكاحه ويعاقبان، قال أبو الحسن: وفي
(1)
إرشاد الساري، باب كيف يدعي للمتزوج رقم الحديث:5155.
(2)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2160.
كتاب الحدود في القذف: وإن ثبت الوطء حد. انتهى. نقله الحطاب. وفهم من المص اشتراط العدالة عند تحمل الشهادة في النكاح وهو المذهب وشهادة غير العدلين فيه كالعدم، قال في المدونة: وإن نكح مسلم ذمية بشهادة ذميين لم يجز، فإن لم يدخلا أشهدا الآن مسلمين، قال أبو الحسن: ويفرق بينهما بعد الدخول بطلقة ويحد على ما تقدم إن ثبت الوطء.
وقال القرطبي: مقتضى الآية أعني: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الآية، أن الفاسق لا يقبل خبره رواية كان أو شهادة وهو مجمع عليه في غير المتأول ما خلا ما حكي عن أبي حنيفة من حكمه بصحة عقد النكاح الواقع بشهادة فاسقين. انتهى. فعزاه لأبي حنيفة، وفي القوانين: تشترط عدالة الشاهدين فيه خلافا لأبي حنيفة في قوله: يجوز بشهادة غير العدول. قاله الحطاب. ونقل أيضا عن السيوري أن من طلقت ثلاثا وتزوجت بعد ذلك بشهادة غير العدول ودخل بها ثم طلقت وتزوجها الأول لا تبقى مع زوجها ولا تحل له بهذا النكاح إذا كانا غير عدلين، ولو حضرت جماعة كثيرة عقد النكاح فقد أجيب عنه في غير هذا. انتهى. قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة وشاهدين: وشرطهما أن يكونا عدلين فإن لم يوجد العدول استكثر الشهود مثل الثلاثين والأربعين، وعلم من المص أنهما إن أشهدا غير عدلين لم يأتيا بالمندوب ولو عدلا عند البناء وهو كذلك وقوله:"وإشهاد عدلين" لخ، قال الشيخ عبد الباقي: ويكفي في صحة النكاح شهادة الشاهدين وإن لم يشهداهما كما يفيده ابن عرفة. انتهى. وقال الشبراخيتي: قال الزرقاني: إنما لم يقل وشهادة عدلين مع أن شهادتهما من غير علم بذلك كافية لأن الكلام في الاستحباب ولا يحصل ذلك إلا بإشهادهما، وكذا في جانب الوجوب لو لم يحصل إشهاد لكان الواجب متروكا حين الدخول، فيأثم الأولياء بذلك لتركهم الواجب انتهى المراد منه.
وقال الحطاب: قال البرزلي في مسائل النكاح: السيوري: لا يشهد في النكاح إلا العدول يعني في توكيل المرأة الثيب من يعقد نكاحها وفي العقد، غير أنه إن نزل ما ذكر يعني من شهادة غير العدول عليها في الوكالة على العقد، وعلم منها الرضا والدخول بعد علمها مضى النكاح، وقال ابن المنير: ونحن نشترط في جواز الدخول تقدم الإشهاد على النكاح ولو دخل قبل أن يشهد حد
ولابد من الفسخ وفيه أنه نكاح السر ثم إنا نجوز شهادة المساتير على إذن المرأة وهي ركن في العقد للضرورة، والمراد بالولي الذي لا تصح شهادته من له ولاية العقد ولو تولاه غيره بإذنه، البرزلي: سئل اللخمي عمن زوج أخته البكر بإذن وصيها هل يتم النكاح بشهادة الوصي لعدالته؟ فأجاب: لا تجوز شهادة الوصي في النكاح إذ هو المنكح. قاله الحطاب. وسيأتي الكلام على شهادته في الثيب عند قول المصنف: "وهو في الثيب ولي" لخ، إن شاء الله تعالى. وقد علمت أن ولي المرأة لا تصح شهادته، وأما شهادة ولي الرجل فمقتضى التعليل أنه كذلك. البرزلي: وفي الطرر شهادة الخاطبين لا تجوز لأنهما خصمان، وقيل إنما ذلك إذا أخذا على ذلك أجرا، فإن لم يأخذا جازت شهادتهما لأنهما لا يجران لأنفسهما شيئا وكانت الفتيا تجري على هذا، وقال ابن رشد شهادة الشاهد في النكاح الذي كان خاطبا فيه جائزة: إذ ليس فيه وجه من وجوه التهمة القادحة في الشهادة، ولابن رشد في نوازله أن شهادة الشرف لمن له الإشراف عليه جائزة إذ ليس بيده قبض ولغيره أنها ضعيفة لأن له مطلق النظر. قاله الحطاب.
وقال الشيخ يوسف بن عمر: وأجرة كاتب الوثيقة على من جرت العادة بها من الزوج والولي، فإن لم تكن هناك عادة فعليهما معا لأن ذلك حق لهما ولا تجوز الأجرة على الشهادة باتفاق، ولكن العمل جرى بذلك. قال بعض الشيوخ: لا أدري من أين أخذوه، وقد كان قبل هذا الزمان كاتب الوثيقة معلوما ولا يعمل إلا وضع شهادته ولا يأخذ شيئا، وقال الجزولي نحوه، ثم قال: قال صاحب المناهج: وأما الأجرة على الشهادة فلا تجوز من غير خلاف، ويا عجبا لمن يفعل هذا من أين له في ذلك كتابا أو سنة. انتهى. فعلم منه أن الأجرة الجائزة إنما هي أجرة كتب الشاهد شهادته في الوثيقة، وأما أخذ الأجرة على الشهادة نفسها فهي غير جائزة بلا خلاف. والله سبحانه أعلم.
وفسخ إن دخل بلاء؛ يعني أن محل ندب إشهاد عدلين غير الولي إنما هو عند العقد كما مر، وأما شهادة عدلين قبل الدخول فلا بد منها فلذلك لابد من فسخ النكاح الذي حصل فيه الدخول بلا شهادة عدلين، وإن طال الزمان فالإشهاد شرط في الدخول لا في العقد. ابن بشير: ولم أر أحدا من أصحابنا خالف في هذا، واشتراط الأئمة الثلاثة ذلك في العقد لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا
نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل
(1)
). وفي المدونة أنه قد ذكر عنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ولم يشهد، وفعل ذلك ابن عمر. قاله الشارح. وأجيب عن الحديث المتقدم بأنه نفي دائر بين العقد والدخول، ونحن نحمله على الدخول إذ هو الحقيقة فيه أو يحمل النفي على ما هو المتفق عليه وهو الكمال، ويؤيده ذكر الصداق وهو معتبر في الكمال بدليل التفويض. انتهى. وقوله:"وفسخ إن دخل بلاه"، إنما فسخ هذا النكاح سدا للذريعة إذ لا يشاء اثنان أن يجتمعا على فساد في خلوة إلا فعلا وادعيا سبق عقد بغير إشهاد، فيؤدي إلى ارتفاع حد الزنى وقوله:"وفسخ" أي بطلقة وتكون بائنة وإنما فسخ بطلقة لأنه عقد صحيح باعتبار إقرارهما. قاله الشيخ أبو علي. ولابد من عقد جديد بعد الاستبراء إن أراد تزوجها ويبقى له فيها طلقتان، وإن عقد بغير إشهاد ولقيا مجتمعين عدلين وأشهداهما كفى ذلك ولو لم يكونا مجتمعين فلا بد من إشهاد أربعة اثنان من جهة الولي واثنان من جهة الزوج في المجبرة وستة في الثيب، والظاهر أن مثلها البكر غير المجبرة، وتسمى هذه الشهادة شهادة الأبداد مأخوذ من التبدد وهو التفرق ولو أشهد كل منهما أو منهم الشاهدين اللذين أشهدا في غيبته لكفى ذلك ولا تسمى حينئذ شهادة أبداد.
والحاصل أنه لا بد أن ينقل عن كل اثنان كانا هما اللذان شهدا أو لا أو غيرهما، فاشتراط الأربعة أو الستة إنما هو حيث لم يشهد من شهد أولا، ولا تعمل شهادة الأبداد إذا شهد كل واحد منهم بغير نص ما شهد به صاحبه، وإن كان معنى شهادتهم واحدا حتى يتفق شاهدان على نص واحد. قاله الحطاب مع شيء من كلام محمد بن الحسن. والله سبحانه أعلم. وقوله:"بلاه" يحتمل أن الضمير متصل أتى به بعد لا، أو منفصل أصله هو حذفت واوه وأتى به كذلك اختصارا، وكلاهما خاص بالضرورة. قاله الشيخ إبراهيم.
ولا حد إن فشا؛ يعني أنه إذا دخل بلا شهادة عدول فإن النكاح يفسخ كما علمت ولكن لا حد على الزوجين فيما إذا ثبت الوطء بأربعة عدول كبينة الزنى أو بإقرار بشرط أن يحصل فشو أي يظهر ويشتهر بين الناس أن فلانا تزوج فلانة، وكذا لو كان على العقد أو على ابتنائهما باسم النكاح شاهد واحد وهو بمنزلة الفشو. قاله عبد الباقي. وغيره. وهو صحيح مدعم بالنقل في شرح
(1)
سنن أبى داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2085، البيهقي في السنن الكبرى، كتاب النكاح رقم الحديث، 13309.
أبي علي وغيره كالشارح والحطاب. فلا معنى لإنكاره. والله سبحانه أعلم. وقوله: ولو علم معناه أنه إذا حصل الفشو وما في معناه لا حد عليهما بسبب الوطء ولو علم كل منهما حرمة الدخول قبل الإشهاد وانتهكا ذلك كما قاله الإمام مالك، ورد بلو على ابن القاسم القائل إذا لم يعذرا بالجهالة حدا، وإن كان أمرهما فاشيا ولم أجد من يقول ذلك. انتهى. قاله الشارح.
قال: والحاصل أنه لا خلاف في عدم الحد إذا كان النكاح فاشيا وكانا جاهلين، ولا في ثبوته إذا لم يكن فاشيا ولم يعذر بالجهل، واختلف إذا انتفى أحد الوصفين، قوله:"وإشهاد عدلين غير الولي" لخ، ولو في تزويج السيد عبده من أمته، وقوله:"ولا حد إن فشا" مثل الفشو أن يجيئا مستفتيين فلا يحدان حينئذ كما نص عليه غير واحد، وقوله:"ولا حد إن فشا" مشتمل على أربع صور، اثنتان منطوقا وهما الفشو مع العلم أو الجهل، واثنتان مفهوما وهما عدم الفشو مع الجهل أو العلم، وفيهما الحد كما علمت، والقول بالحد مع جهل حكم الشهادة هو قول ابن الماجشون وابن حبيب. وعلم مما مر أنه إن لم يثبت الوطء لا بإقرار ولا بينة ولكن حصلت الخلوة فإنهما لا يحدان ولكن يعاقبان، ولو اعترف أحدهما وأنكر الآخر حد المعترف وعوقب الآخر. أبو الحسن: يقوم من هنا أن الهاربين يعاقبان وإن ثبت الوطء حدا، ولا يرفع حكم الخلوة من يكون معهم لأنهم أشرار. انتهى. نقله الحطاب.
وحرم خطبة راكنة لغير فاسق؛ يعني أن المرأة إذا ركنت لغير فاسق فإنها تحرم خطبتها، والركون هو ظهور الرضا. الشيخ زروق: المشهور أن الركون هو التقارب بوجه يفهم منه إذعان كل واحد لشرط صاحبه وإرادة عقده، واشتمل كلام المص بحسب منطوقه على ست صور؛ لأنها إذا ركنت لغير فاسق، فإما أن تركن إلى صالح والخاطب أحد الثلاثة، وإما أن تركن إلى مجهول حال والخاطب أحد الثلاثة فتلك ست تحرم خطبتها فيها بلا استثناء، وأما إن ركنت لفاسق وهو مفهوم المص ففيه ثلاث تجوز الخطبة في اثنتين منها وهما ما إذا كان الخاطب صالحا أو مجهول حال، وتمنع في واحدة وهي ما إذا كان الخاطب فاسقا فتلك تسع، وهذا في ركونها لأحد الثلاثة والخاطب أحدهم، وباعتبار الذمي تصير الصور ست عشرة صورة. وقالوا في الذمي إنه كغير الفاسق فتحرم ولو لصالح خطبة كتابية راكنة لذمي و (أخيه) في الحديث خرج مخرج الغالب
خلافا للأوزاعي، ومنعت خطبة راكنة لذمي بخلاف راكنة لفاسق؛ لأن الفاسق لا يقر شرعا على فسقه بخلاف الذمي فإنه يقر بالجزية على كفره، وإن ركنت المرأة إلى رجل ولم يركَنْ هو لها بأن بعثت إليه تخطبه وركنت إليه دون أن يركن هو لها ففي كلام صاحب الإكمال ما يدل على أنه يجوز لغيره خطبتها، وللحنابلة فيها قولان نقله الحطاب، وقال أبو علي: التحقيق هو الجواز لعدم التراكن من الجانبين. انتهى
ويتحصل من كلام غير واحد أن ركون المجبر كاف في الحرمة ولو ظهر ردها، وكذا ركون الولي غير المجبر ما لم يظهر ردها، وأن ركون غير المجبرة كاف في الحرمة ولو ظهر رد وليها، وأن كل من يقوم مقامها كأمها كاف في الحرمة ما لم يظهر ردها. انتهى. وهو خلاف ما لأبي علي فإنه قال: وأما غير الراكنة فلا تحرم خطبتها على المذهب؛ لأن غير المجبر إن ركن فلا عبرة به لأن الركون المعتبر هو الذي لم يبق معه إلا العقد أو أمر تافه، وأما المجبر فالمعتبر ركونه هو. انتهى. وشرط الرد الذي تنتفي به الحرمة أن يكون لا بسبب خطبة الثاني وإلا لم تنتف الحرمة، فإن تزوجت الثاني وادعت هي أو مجبرها أنها كانت رجعت عن الركون للأول قبل خطبة الثاني وادعى الأول أن الرجوع بسبب خطبة الثاني ولا قرينة لأحدهما فالظاهر أنه يعمل بقولها وقول مجبرها؛ لأن هذا لا يعلم إلا من جهتهما وهو موجب للصحة، وذكر إبراهيم اللقاني أنه لا بد من الإشهاد على الرجوع لا لخطبة الثاني. قاله الشيخ عبد الباقي.
ولو لم يقدر صداق؛ يعني أن المرأة إذا أظهرت الرضا بالرجل وركنت إليه وركن إليها فإنه يحرم على غيره أن يخطبها وإن لم يتفقا على صداق؛ لأن النكاح ينعقد بغير تسمية الصداق في نكاح التفويض. قاله ابن حبيب عن ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم ومطرف وابن الماجشون وشهره غير واحد. قاله الشارح. ورد بلو قول ابن نافع: له أن يخطب ما لم يتفقا على صداق وهو ظاهر الموطإ، وفي المواق: مقتضى نقل ابن عرفة أن كلا القولين مشهور. انتهى. قال محمد بن الحسن: فكان على المص أن لو عبر بخلاف. والله سبحانه أعلم.
قال جامعه عفا الله عنه: يعلم مما مر عن الشارح رجحان القول الأول فلذا اقتصر عليه المص والله سبحانه أعلم.
تنبيهات: الأول: قال الإمام الحطاب: هل لمن ركنت له امرأة وانقطع عنها الخُطَّاب بركونها إليه أن يتركها أو يكره والظاهر أنه مكروه؟ انتهى.
الثاني: قال أبو بكر بن العربي: إذا كان الخاطب الأول غير مشاكل للمخطوبة جاز للمشاكل أن يخطب على خطبة غير المشاكل، وهذا مما لا ينبغي أن يكون فيه خلاف. نقله الشيخ أبو علي. الثالث: قوله: "وحرم خطبة راكنة لغير فاسق" الأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه
(1)
)، قال مالك في الموطإ: وتفسير ذلك فيما نرى [أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقان على صداق وقد تراضيا وأجل معلوم
(2)
] فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهي الرجل أن يخطبها على خطبة أخيه ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة ولم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا فساد يدخل على الناس، واشترط الركون لكونه صلى الله عليه وسلم أباح خطبة فاطمة بنت قيس لأسامة وقد كان خطبها معاوية وأبو جهم: قال ابن عبد البر: بنحو تفسير مالك فسر الشافعي وأبو عبيد وعليه جماعة الفقهاء وهو المعمول به عند السلف والخلف. انتهى. نقله الشارح. ابن القاسم: ومعنى النهي في رجلين صالحين، والظاهر أن مراد ابن القاسم بالصالح من ليس بفاسق، فيشمل مجهول الحال كما يدل عليه كلام الحطاب فيوافق ما قالوه وإن كان لفظ الحطاب فيه ما ينافي ما ذكرت، وقد رأيت نقد أول كلام الحطاب بطرة على هامشه قال صاحبها ليوافق آخر كلامه. انتهى. وما قاله ظاهر. والله سبحانه أعلم.
الرابع: قال الإمام الحطاب: قال في التوضيح: وللمرأة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق.
الخامس: قال الإمام الحطاب: وفي سماع ابن أبي أويس: أكره لمن بعث خاطبا أن يخطب لنفسه وأراها خيانة وما سمعت فيه رخصة، قلت: هذا إذا خص نفسه بالخطبة لفعل عمر رضي الله عنه، فقد خطب لجماعة هو أحدهم فذكرهم وأثنى عليهم ثم ذكر نفسه فزوجوه ولم يتغير عليه واحد منهم. انتهى.
(1)
الموطأ، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1111.
(2)
لفظ الموطإ: أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقان على صداق واحد معلوم وقد تراضيا. ص 515.
أبو عمر عن ابن وهب: طلب جرير ابن عبد الله البجلي عمر رضي الله عنه أن يخطب له امرأة من دوس ثم طلبه مروان بن الحكم بذلك لنفسه ثم ابنه عبد الله كذلك، فدخل عليها عمر فأخبرها بهم الأول فالأول ثم خطبها لنفسه، فقالت: أهازل أم جاد؟ فقال: بل جاد فنكحته وولدت له ولدين. نقله الحطاب. وفي الإرشاد: يباح النظر لإرادة النكاح وخطبة جماعة امرأة مجتمعين أو متفرقين. انتهى نقله الحطاب. وقال في الجلاب: ولا بأس أن يخطب جماعة امرأة مجتمعين أو متفرقين ما لم توافق واحدا منهم وتسكن إليه، فإن وافقت واحدا منهم وسكنت إليه لم يجز لغيره أن يخطبها حتى يعدل عنها ويتركها، فإن فعل فسخ نكاحه قبل الدخول وبعده، ولها المهر وعليها المعدة إن فسخ بعد الدخول وإن فسخ قبله فلا مهر لها ولا عدة.
وعلم مما مر أنها إن ركنت لأحد وأرسل إليها رسولا أنه لا يجوز للرسول خطبتها وإن لم تركن إليه جاز للرسول أن يخطبها، ولو وكل رجل رجلا أن يزوجه امرأة وتزوجها الوكيل فهي له بخلاف الوكيل على شراء سلعة ففيه خلاف، ولو وكل رجل على تزويج امرأة ففعل وأظهر أنه الزوج وأشهد في الباطن أن العقد للآمر لم تكن زوجة الوكيل، ولها الخيار بين أن ترضى بزوجية الآمر وأن تفسخ النكاح. قاله الحطاب.
وفسخ إن لم يبن؛ يعني أنه إذا اقتحم النهي وعقد على من ركنت لغير فاسق فإن نكاحه يفسخ قبل الدخول حيث استمر الركون أو كان الرجوع لأجل خطبة الثاني وإلا لم يفسخ، وكذا لا يفسخ إن حكم بصحته حاكم يراه، وأما إن دخل فإن النكاح يمضي وبيس ما صنع وهذا هو المشهور عن مالك.
ابن زرقون: وروي عنه أنه يفسخ على كل حال، وروي مالك وأن المشهور منها الفسخ قبل البناء لا بعده. قاله الشارح. وقوله:"وفسخ إن لم يبن" ظاهره سواء كان الثاني عالما بخطبة الأول أم لا، وقوله: وفسخ إن لم يبن، قال البساطي: والفسخ بعنه أنه لا يفسخ أصلا وإن كان عاصيا، وهكذا قال ابن عبد السلام إن الأقوال الثلاثة مروية عن طلاق، وسواء قام الخاطب بحقه أو ترك وهو ظاهر. انتهى. وقال أيضا: وحيث استمر النكاح فإنه يعزر. قاله الحطاب، وصحح صاحب
الإرشاد القول بأنه لا يفسخ، ونصه: والصحيح أنه لا يفسخ لكنه يتحلل منه منه، فإن أبى استغفر الله انتهى.
واقتصر في الجلاب على أنه يفسخ قبل البناء وبعده. انتهى. قاله الحطاب. وقوله: "وفسخ" قال عبد الباقي: وجوبا وإن لم يقم بحقه، ونحوه للشبراخيتي وما قالاه هو الحق الذي لا شك فيه وما للبناني منتقد جدير بالنقد.
وصريح خطبة معتدة يعني أنه يحرم صريح خطبة المعتدة كانت معتدة من وفاة أو غيرها، وسواء كانت بائنا أو رجعية والتصريح هو التنصيص والإفصاح بالمراد. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: هو ما لا يحتمل غير المراد، كأريد أن أتزوجك. انتهى. ومحل ذلك ما لم تكن معتدة من طلاقه وإلا فله تزويجها حيث لم يكن الطلاق ثلاثا، وقوله:"صريح خطبة معتدة" أي لأن الله تعالى لما خصص التعريض بعدم الجناح وجب أن يكون التصريح بخلافه، وهذا وإن كان من باب الاستدلال بالمفهوم فهو متفق على صحته هنا أبو عمر: ويحرم التصريح إجماعا. ابن عطية: اجتمعت الأمة على أن ذلك لا يجوز، واجتمعت على أن الكلام معها بما هو رفث، وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز.
ومواعدتها؛ يعني أنه تحرم مواعدة المعتدة بالنكاح بأن يعدها وتعده بالتزويج فهي كالمقابلة والمضاربة لا تكون إلا من اثنين، وهي التي نهى الله عز وجل عنها بقوله:{وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} ، والتقييد في الآية بالسر إما جرى على الغالب لأن الغالب في المواعدة أن تكون سرا، أو أن سرا مفعول به أي نكاحا، وقد سأل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى:{لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} فقال: السر الجماع، أما سمعت قول امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني
…
كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
قاله الشبراخيتي، وفسر السر بالنكاح في قول الشاعر:
أرعت مراتع مدراها على وهل
…
صنوين إن أفردا لم يرعيا أبدا
وشعشعت بالغراب الخمر وامتنعت
…
من سر كل نجيب مشعر جلدا
والمراد بالغراب في البيت شيء من شعر رأسها.
ابن حبيب: لا تجوز المواعدة في العدة. اللخمي: النكاح والمواعدة في العدة ممنوعان والمنع هو ظاهر الآية، وظاهر كلام ابن رشد الكراهة، فإنه قال: تكره المواعدة في العدة ابتداء إجماعا، وقال الحطاب: ويمكن حمل الكراهة في كلام ابن رشد على المنع، ومفهوم قوله:"ومواعدتها" أن العدة لمن جانب واحد ليس حكمها كذلك فلا تحرم، والحكم فيها أنها مكروهة كما سيصرح المص بذلك. وقوله:"ومواعدتها" من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول، وإن وقع العقد بعد العدة فلا فسخ إجماعا، وفي المواعدة يفسخ على رواية أشهب لا على رواية ابن وهب، وعلى رواية أشهب إن لم يعثر عليه حتى وطء، فروى أشهب عن مالك عدم التأبيد وروى عيسى عن ابن القاسم التأبيد. قاله أبو علي. وسيأتي أن المشهور عدم التأبيد وعدم الفسخ.
كوليها؛ تشبيه في حرمة التصريح والمواعدة؛ يعني أنه يحرم صريح خطبة المرأة عند وليها وكذا مواعدته من الجانبين إن كان مجبرا، وإلا فقد قال ابن رشد: إن واعد وليها بغير علمها وهي مالكة أمر نفسها فهو وعد لا مواعدة فلا يفسخ به النكاح؛ ولا يقع به التحريم إجماعا أي أن مواعدة الولي غير المجبر كالعدة من أحدهما والحكم فيها الكراهة، وعلى هذا ينبغي أن يحمل كلام المص ولا يحمل على ظاهره من المنع، وإن قال به ابن حبيب، والمنع هو ظاهر المدونة عند أبي الحسن وابن عرفة، وصرح الشيخ زروق بأن المشهور الكراهة، وقال ابن أبي حفص بالجواز. فتحصل أن في مواعدة الولي غير المجبر ثلاثة أقوال، وأن المشهور الكراهة لحكاية ابن رشد الإجماع عليه، ولتصريح الشيخ زروق بأنه المشهور. انتهى. ملخصا من عبد الباقي وحاشيه البناني.
كمستبرأة من زنى؛ يعني أنه يحرم خطبة المستبرأة من الزنى ومواعدتها كوليها في الأمرين من غير فرق، ولو قال وإن من زنى لكان أولى ليشمل الغصب وغيره، ولا فرق بين كونها مستبرأة من زناه أو زنى غيره، وفي النوادر: ومن زنى بامرأة ثم تزوجت قبل الاستبراء فالنكاح يفسخ أبدا وليس فيه طلاق ولا ميراث ولا عدة وفاة، والولد بعد عقد النكاح لاحق فيما حملت به بعد حيضة إن
أتت به لستة أشهر من يوم نكحها، وما كان قبل حيضة فهو من الزنى لا يلحق به. قاله الحطاب.
وسئل ابن رشد عن رجل وامرأة زنيا ثم إنهما تناكحا بغير استبراء من الماء الفاسد وتوالدا أولادا، ثم إنهما تفارقا بطلاق وتراجعا بعد الطلاق ثم تفارقا ثانية بطلاق ثان ثم إنهما اتهما أنفسهما وأنكرا فعلهما وسألا عن ذلك أهل الفتوى، فأفتوهما بفساد أفعالهما وأنها كانت على غير استقامة وأن أولادهما لغير رشدة، ثم إن الرجل مات في خلال ذلك فلم يرث الأولاد منه قليلا ولا كثيرا، وفرقت تركته على المساكين؟ فأجاب: النكاح الأول فاسد لا يلحقه فيه طلاق، والنكاح الثاني صحيح يلحق فيه الطلاق، فإن وقع قبل الدخول وجب لها نصف الصداق ولا ميراث لها، وإن وقع الطلاق بعد الدخول وجب لها جميع الصداق والميراث إن مات قبل انقضاء العدة إلا أن يكون الطلاق بائنا، وأما الأولاد فلاحقون به على كل حال يجب لهم الميراث منه ويلزم من تسور عليه فتصدق به ضمانه ولا ضمان على المفتين إذ لم يكن منهم أكثر من الغرور بالقول، وإنما الضمان على من تسور على ميراثهم بفتوى المفتين فتصدق به دون تثبت ولا أمر واجب. انتهى. قال البرزلي بعد نقله كلام ابن رشد: يريد الشيخ: النكاح الثاني صحيح إذا كان بعد مدة الاستبراء من الزنى. انتهى. قال هذا الشارح: وأما النكاح الأول الذي حصل قبل الاستبراء فلا إشكال في فساده، فقوله إن الأولاد فيه لاحقون على كل حال يرد عليه ما مر عن النوادر أن لحوق الولد بالنكاح بعد الزنى إنما هو إذا كان بعد حيضة، أما إذا كان قبل حيضة فإن الولد لا يلحق بالنكاح بل هو من الزنى، فحكمه كما إذا أتت به لأقل من ستة أشهر من يوم النكاح. والله أعلم.
تنبيه: من زنت زوجته فوطئها في ذلك الماء فلا شيء عليه إلا أنه لا ينبغي أن يطأها في ذلك الماء كما يأتي عند قوله: "وحرم في زمنه الاستمتاع".
وتأبد تحريمها بوطء الضمير في "تحريمها" عائد على المحبوسة بسبب العدة أو الاستبراء يعني أن من وطئ المحبوسة بالعدة أو الاستبراء - غير الرجعية والمستبرأة من مائة الفاسد - يتأبد عليه تحريمها حيث كان وطؤها مستندا لنكاح بأن يعقد عليها في العدة ويطأها فيها، بل وإن
بشبهة؛ يعني أنه لا فرق في تأبيد تحريمها عليه بين أن يكون وطؤه لها في العدة مستندا لنكاح وبين أن يكون مستندا لشبهة نكاح؛ بأن يطأها في العدة من غير عقد يظنها زوجته فإنها تحرم عليه بذلك تأبيدا. ابن الحاجب: والمعتدة من نكاح أو شبهته إذا وطئت بنكاح أو شبهته حرمت عليه للأبد على المشهور لقضاء عمر من غير مخالف. انتهى.
وشمل كلام المص عشر صور وهي أن يطأها بنكاح وهي: معتدة من نكاح غيره أو شبهته أو شبهة ملك غيره أو غصب غيره أو زنى غيره أو يطأها بشبهة نكاح وهي معتدة من نكاح غيره أو شبهته أو شبهة ملك غيره أو غصب غيره أو زنى غيره، ولا تدخل فيه المحبوسة بملك ليلا يتكرر مع قوله:"كعكسه". وقد تقدم أن المستبرأة من مائة الفاسد لا تحرم بذلك وتأبيد التحريم في المحبوسة بزنى الغير هو قول مالك ومطرف وهو ظاهر المص، والقول بعدمه لابن القاسم وابن الماجشون وقد مر ذلك.
ولو بعدها؛ يعني أن التي عقد نكاحها في العدة أو الاستبراء ووطئها الرجل العاقد بعد العدة أو الاستبراء مستندا لذلك العقد يتأبد تحريمها عليه، فالمنكوحة في العدة يتأبد تحريمها بالوطء المستند لذلك العقد الواقع في العدة سواء كان الوطء في العدة أو بعدها، ورد المص بلو قول المغيرة لا يحرم عليه نكاحها إلا بالوطء في العدة، والمبالغة راجعة لقوله:"بوطء" أي بنكاح، لا لقوله:"وإن بشبهة"؛ لأن من وطئ امرأة ليست في عدة معتقدا أنها زوجته لا يتأبد عليه تحريمها، ولو انضم إلى ذلك خطبته إياها في العدة. قاله الشيخ إبراهيم. وقولي: غير الرجعية والمستبرأة من مائة الفاسد، أما المستبرأة المذكورة فقد قدمت أنه لا يتأبد عليه تحريمها بذلك، وأما الرجعية فظاهر كلام المص تأبيدها بذلك، والظاهر أنه أطلق لقول ابن عبد السلام الأقرب في الرجعية التحريم. والله أعلم. والذي يظهر من أبي الحسن عدم التأبيد في الرجعية، وقال في الشامل: إنه الأصح، ولزوجها أن يرتجعها قبل الفسخ وبعده ووجهه أنها زوجة للغير، ومن تزوج متزوجة لا يتأبد تحريمها عليه، ومن عقد على امرأة وهي في عصمة زوج ثم وطئها في عدة وفاته أو طلاقه البائن تتأبد عليه، خلافا لابن المواز ففي تنظير عبد الباقي قصور كما قاله بناني. والله تعالى أعلم. ولو عقد رجل على رجعية ووطئها وهو يعلم أنها رجعية ففي الشارح ما يدل على أنه يحد، قال عبد
الباقي: وهو ظاهر لما تقرر أنها زوجة للغير، وانظر هل يؤبد التحريم وطء الصبي كالبالغ أو لا؟ كالإحلال والإحصان. والفرقة في النكاح الواقع في العدة فسخ بغير طلاق. واعلم أن الناكح في العدة غير عالم بالتحريم حرمت عليه اتفاقا ولا حد عليه، وإن علم بالتحريم فالمشهور حرمتها تأبيدا والولد لاحق به والحد ساقط عنه، وقيل زان وعليه الحد ولا يلحق به الولد ولا يتأبد تحريمها، ومن تزوجت في العدة ثم تزوجت بعد خروجها من العدة قبل بناء الأول بها فالنكاح ثابت للثاني والأول لغو لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا. قاله الحطاب.
تنبيهات: الأول: لا يصح حمل كلام المص على ما إذا خطب في العدة أو واعد فيها ثم تزوجها بعد العدة ووطئها فإنها لا تحرم بذلك على المشهور، وحمل الشارح في الكبير والأوسط كلام المص على هذا وهو بعيد مخالف للمشهور. قاله الحطاب.
الثاني: قال ابن عرفة: لو قال تزوجتها بعد عدتها وقالت فيها فالقول قوله. نقله الحطاب. وقال قبله: إذا تزوج شخص امرأة ثم ادعت أنه تزوجها في العدة، فإن ثبت أنها تعلم أن العدة ثلاث حيض واعترفت قبل الزواج أنها قد انقضت عدتها، فقال البرزلي: ظاهر المذهب أنها لا يقبل قولها لأنها تريد فسخ النكاح وما سبق دليل كذبها في دعواها إلا أن يصدقها الزوج في دعواها فكأنه التزم فسخ النكاح على الوجه المذكور، قال ابن عرفة: لو قال لخ ما مر.
الثالث: سئل ابن رشد عمن استراب في امرأة أنه نكحها قبل تمام عدتها فما زال يسألها حتى اعترفت أنه تزوجها بعد حيضتين، وقد كانت قبل ذلك حذرت وخوفت في أن تتزوج قبل تمام عدتها من رجل آخر خطبها فيها فاعتزلها وشاور العلماء فأفتوه بطلاقها وأنها لا تحل له وشهد عليه عدلان بذلك وعلى اعترافها بذلك، وقد كانت اعترفت قبل تزويجه إياها بانقضاء عدتها لامرأة سألتها فقام الزوج يطلب الصداق وقامت له شهادة نساء أنهن عرفنها أن ذلك لا يجوز وأنه لا بد من تمام العدة، جوابها: إذا لم يثبت أن المرأة لما حذرت أعلمت أن العدة ثلاث حيض واعتقدت أن العدة أقل فأرى أن تحلف أنها ما علمت أن العدة ثلاث حيض ولا تزوجت إلا وهي تظن أن عدتها من الأول قد انقضت، فإن حلفت على ذلك في الجامع فلا يجب عليها رد شيء من الصداق، وإن نكلت ردته إلا قدر ما تستحل به. وبالله تعالى التوفيق. نقله الحطاب.
وبمقدمته؛ بالإفراد فيها أي العدة يعني أنه إذا عقد على المرأة في زمن حبسها ثم فعل بها شيئا من مقدمات الجماع في العدة كالقبلة والمباشرة فإنها تتأبد عليه، وروى عيسى عن ابن القاسم أنها لا تتأبد بذلك.
وبما قررت علم أن قوله: "وبمقدمته فيها" يجري في المحبوسات الست أي: المعتدة من نكاح أو شبهته أو ملك أو شبهته والمستبرأة من غصب أو زنى فيتأبد تحريمها بالمقدمة الواقعة في العدة المستندة لنكاح دون المستندة لشبهته، كمن قبل معتدة من غيره معتقدا أنها زوجته، وكذا تتأبد بمقدمة الملك محبوسة من نكاح أو شبهة نكاح من غيره، ولا تأبيد بمقدمة مستندة لشبهة نكاح أو مستندة لشبهة ملك، واحترز بقوله:"فيها" عما إذا لم يحصل في العدة أو الاستبراء إلا مجرد العقد ثم قبلها أو باشرها بعد انقضاء العدة أو الاستبراء فإنها لا تحرم بذلك اتفاقا عند ابن رشد وقد حكى عبد الوهاب رواية أنها تحرم بمجرد العقد فكيف بالمباشر والقبلة بعد العدة.
وتحصل مما مر أنه لا أثر لمقدمة النكاح بعد العدة ولا لمقدمة الشبهة مطلقا كانت شبهة نكاح أو ملك، وأن مقدمة الملك في زمن الحبس إنما تؤبد في المعتدة من نكاح أو شبهته وأنه لا إرث لها بعد انقضاء زمن الحبس واعلم أن من نكح في زمن الحبس وأرخى عليه الستر حرمت للأبد ولو أنكرا المسيس جميعا. قاله الحطاب. انتهى.
أو بملك؛ عطف على المبالغة. قاله عبد الباقي؛ يعني أن المعتدة من نكاح أو شبهته وهي أمة يتأبد تحريمها على من وطئها بملك اليمين وهي في عدتها، وكذا تتأبد معتدة من نكاح أو شبهته بوطء شبهة الملك بأن وطئها يظنها أمته حيث لم تكن عدة النكاح أو شبهته بسببه، وهذه أربع صور يتأبد فيها التحريم أيضا، ورد بالمبالغة القول بعدم التأبيد. حكاه الشارح. قال: وقال ابن عبد السلام: الأول أقرب. انتهى. كعكسه؛ أي الفرع الذي قبله؛ يعني أن من وطئ أمة مستبرأة من وطء سيدها وطئا مستندا لنكاح أو شبهة نكاح فإنها تحرم عليه بذلك تأبيدا وهاتان صورتان، فصور تأبيدها بوطء ست عشرة صورة خارجة عن صور تأبيدها بالمقدمات الثمانية. قاله الشيخ عبد الباقي. قال محمد بن الحسن: يعني في خصوص الوطء في العدة ولو روعيت صور الوطء بعدها فالمجموع اثنان وعشرون صورة. انتهى. وهو ظاهر لأنه إذا عقد في العدة ووطئ بعدها فلا
تخلو من أن تكون محبوسة بنكاح أو شبهته أو ملك أو شبهته أو غصب أو زنى. والله أعلم. وقولي: أمة مستبرأة أي مستبرأة من وطء سيدها، خصصته بذلك لأنه هو المفهوم من قوله:"كعكسه" وكذا المستبرأة من وطء غير سيدها كنكاح أو شبهته أو غصب أو زنى كما مر. والله أعلم.
لا بعقد يعني أن مجرد العقد على المعتدة أو المستبرأة لا يؤبد التحريم بل لابد معه من وطء أو مقدمته أو إرخاء ستر وهو قول مالك في المدونة. ابن الحاجب: فإن لم توطأ ففي التأبيد قولان، واستظهر ابن عبد السلام عدم التأبيد فاعتمد المص هنا هذا الاستظهار. قاله محمد بن الحسن. أو بزنى يعني أن وطء الزنى في زمن الحبس لا يؤبد التحريم، سواء كانت محبوسة من نكاح أو شبهته أو ملك أو غصب أو زنى، وشمل كلامه الغصب فله تزوجها بعد تمام ما هي فيه، وذلك لأنه لم يرد بالزنى تعجيل شيء، وإنما قدم على الحرام مع قطع النظر عن شيء يتعجله أو يقصده في الأجل. قاله الشارح. فيفهم منه أن التأبيد فيما تقدم لأجل القاعدة المقررة: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
أو بملك عن ملك يعني أن من وطئ أمة بملك وهي مستبرأة من ملك أو شبهته أو غصب أو زنى لا تتأبد عليه، وكذا لو وطئها بشبهة الملك بأن وطئها وهو يظنها أمته فإذا هي غيرها وهي مستبرأة من ملك أو شبهته أو غصب أو زنى، وهذه ثمان صور ولم يقع التأبيد فيما ذكر لأن الملك المقصود منه الاستخدام دون الوطء فضعفت آثار الوطء فيه، ألا ترى أنه لا يجب القسم للسراري؟ قاله البناني. وهذه الصور الثمانية قبلها اثنتا عشرة صورة وهي صور الغصب والزنى فتلك عشرون صورة لا يتأبد التحريم فيها بالوطء، وصور التأبيد به اثنتان وعشرون صورة فتلك اثنتان وأربعون صورة خارجة عن الصور المتقدمة الثمانية المؤبدة وصور العقد الست غير المؤبدة، وبقي من الصور التي لا تتأبد فيها غير هذه كما عرفت، وأما صور التأبيد فلا تزيد على ما ذكر. والله سبحانه أعلم.
أو مبتوتة قبل زوج يعني أن من بت امرأة ثم تزوجها قبل زوج ووطئها بذلك النكاح فإنها لا تتأبد عليه، سواء تزوجها في عدتها منه أو تزوجها بعدها، وإنما لم يتأبد عليه تحريمها حيث تزوجها في عدتها منه لأن الماء ماؤه ولأن حرمتها عليه لا لأجل العدة وهذا هو المشهور، ومقابله
لابن نافع أن من نكح مبتوتة في عدتها منه ووطئها تحرم عليه أبدا قياسا على الأجنبي، والأول مروي عن ابن القاسم وقاله غير واحد من أصحاب مالك، ووجهه أنه لم يكن ممنوعا منها لأجل العدة، وإنما منع منها لكونها لم تتزوج بعده. قاله الشارح والله سبحانه أعلم. ولو نكح المبتوتة في عدتها غير من بتها فأجره على ما مر يا فتى، ولو نكحها هو بعد أن تزوجت غيره وهي في عدة فأجره أيضا على ما مريا فتى من قوله:"وتأبد تحريمها" لخ كما صرح به الشارح وهو ظاهر، وقوله:"أو مبتوتة قبل زوج" يريد أنه يحد إن تزوجها عالما بالتحريم ولا يلحق به الولد، فإن لم يعلم به فلا حد عليه ويلحق به الولد، فإن أقر بعد النكاح أنه كان عالما قبله بالتحريم ولم يثبت ذلك بالبينة فإنه يحد لإقراره ويلحق به الولد، وهذه إحدى المسائل التي يجتمع فيها الحد ولحوق الولد. نظمها صاحب المنهج فقال:
ونسب والحد لن يجتمعا
…
إلا لزوجات ثلاث فاسمعا
مبتوتة خامسة ومحرم
…
وأمتين حرتين فاعلم
بشرط علم في جميع ما ذكر
…
ونفي تسويغ ببت فادَّكِر
وذيلها من قال:
وذاك في الثبوت بالإقرار
…
لا غيره فلتسمعن يا قاري
ومراده بقوله: وأمتين ما إذا أقر بعد وطء الأمة بأنه عالم بحرمتها أو بأنها ممن تعتق عليه. والله أعلم، قاله الشيخ محمد بن الحسن بناني. وقوله: ونفي بالخفض عطف على علم والباء في ببت للظرفية والتسويغ في المبتوتة كأن يتزوجها بعد زوج على الشروط المعلومة. قاله المنجور.
كالمحرم؛ بفتح اليم والراء والمراد به من لا يدوم تحريمها كأخت الزوجة؛ يعني أن من وطئ بنكاح محرم زوجته وهي في عصمته كأختها وعمتها وخالتها فإنها لا تتأبد عليه بذلك، فله أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها منه وبينونة أختها ويحتمل أن يضبط بضم الميم وفتح الراء المشددة
وهي أولى لشمولها لغير ما مرَّ أيْ كالوطء لمحرمة بحج أو عمرة وخامسة وبالاوليٍّ، وجمع بين محرمتي الجمع بنكاح أو ملك أو هارب بامرأة أو مفسدها على زوجها، وقيل يتأبد التحريم في الهارب وفيمن أفسد امرأة على زوجها والمشهور عدم التأبيد فيهما، ووقعت الفتوى بتأبيد التحريم خلاف المشهور، ولذا قال في العمليات:
وأبدوا التحريم في مخلق
…
وهارب سيان في محقق
نقله الشيخ بناني. وفي الشبراخيتي عن التتائي أن المحرم بحج أو عمرة يتزوج في إحرامه ويطأ لا تحرم تأبيدا على المشهور من روايتين ذكرهما في الجلاب. انتهى. وقال عبد الباقي: ولا ينافي ما تقدم من مشهورية عدم التأبيد ما نقل فيها الأبي في شرح مسلم عن ابن عرفة من أن من سعى في فراق امرأة فتزوجها فإنه لا يمكن من التزويج، واستظهر أنه إن تزوجها فسخ قبل وبعد لأن استظهاره فسخه بعد معاملة له بنقيض مقصوده لا يقتضي تأبيدها عليه. انتهى.
وجاز تعريض يعني أنه يجوز التعريض للمعتدة بالخطبة بالكسر وهو ضد التصريح، مأخوذ من عرض الشيء وهو جانبه والتعريض أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على المقصود وغيره إلا أن إشعاره بالمقصود أتم ويسمى تلويحا، والكناية هي التعبير عن الشيء بلازمه كقولنا في كرم الشخص وطوله هو طويل النجاد وكثير الرماد، والنجاد بكسر النون حمائل السيف. نقله الحطاب وغيره. ومحل جواز التعريض في غير الرجعية، وأما الرجعية فيحرم التعريض لها إجماعا لأنها كالزوجة، وإنما يجوز التعريض لمن يميز بين التعريض والتصريح فيجوز التعريض حينئذ، وحاصل ذلك أربعة أقسام أحدها أن يكونا عالمين بالفرق بين التعريض والتصريح فيجوز التعريض حينئذ، ثانيها أن يكونا جاهلين، ثالثها هو جاهل فقط، رابعها هو عالم فقط، فيمنع التعريض في هذه الثلاثة الأخيرة. انظر شرح الشيخ عبد الباقي.
كفيك راغب هذا مثال للتعريض؛ يعني أن من التعريض قول الرجل للمرأة المعتدة: إني بك لمعجب وفيك راغب ولك محب وهذا من أقوى التعريض. قاله القاضي أبو بكر. نقله الشارح. وكقوله: الله سائق إليك الخير وإن يقدر الله أمرا يكن وإني لأرجو أن أتزوجك وإن النساء من
شأني وإنك علي لكريمة وإذا حللت فآذنيني وإن يقدر الله خيرا يكن. قال الإمام الحطاب: ومن أعظم التعريض قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: (كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك
(1)
). الباجي. عن إسماعيل: إنما يعرض بالخطبة ليفهم مراده لا ليجاب، وفي المقدمات: يجوز التعريض من كل منهما للآخر معا. القاضي أبو إسحاق: إنما يعرض ليفهم مراده لا ليجاب، ولو أجابته بتعريض يفهم منه الإجابة كره ذلك ودخل في باب المواعدة. انتهى. والذي في المقدمات من جواز التعريض من كل منهما يشير به. والله أعلم. لقوله فيها: الذي يجوز هو التعريض بالعدة أو المواعدة وهو القول المعروف الذي ذكره الله في كتابه. قاله الحطاب. ويجوز للرجل أن يمدح نفسه للمعتدة ويذكر مآثره. قاله الحطاب.
وقال القرطبي: وقال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز. قاله الحطاب. ابن عبد السلام: والمذهب جواز التعريض في كل معتدة سواء كانت في عدة وفاة أو طلاق، وأجازه الشافعي في عدة الوفاة ومنع منه في عدة المطلقة طلاقا رجعيا، واختلف قوله في عدة الطلاق الثلاث وعدة المختلعة. انتهى. وقبله في التوضيح. قاله الحطاب.
والإهداء؛ يعني أنه يجوز للرجل أن يهدي للمعتدة هدية لأنها كالتعريض وأما الإنفاق عليها فمحرم فإن أهدى أو أنفق ثم تزوجها لم يرجع عليها بشيء، وفي التوضيح أن غير المعتدة مثلها في عدم الرجوع عليها، وذكر الشمس اللقاني عن البيان أن ذلك إذا كان المانع منه فإن كان من قبلها رجع بما أعطاها لأن الذي أعطى لأجله لم يتم ولعل ذلك كله إلا لشرط أو عرف وكل ذلك قبل العقد. قاله الشيخ عبد الباقي. فإن أهدى أو أنفق ثم طلق قبل البناء فسيأتي في كلام المص:"وفي تشطر هدية بعد العقد وقبل البناء" لخ، فلا وجه لتنظير عبد الباقي في ذلك كما قاله محمد بن الحسن: وما ذكره اللقاني أجاب به صاحب المعيار لما سئل عن المسألة وصححه ابن غازي. قاله الشيخ محمد بن الحسن. فيفيد اعتماده والله سبحانه أعلم. وقال الشيخ الأمير: والراجح لا رجوع له مطلقا، وقوله:"والإهداء" قال في الشفاء: ولا بأس أن يهدي إليها الهدية فيما رواه ابن
(1)
مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1480.
حبيب عن مالك، ولا أحب أن يفتى به إلا من يحجزه التقوى عما وراءه. قاله الشارح. ونحوه في التوضيح، وعزاه -أي هذه المسألة- ابن عرفة للخمي وابن حبيب مع أنها في المدونة، قاله الحطاب. وفي البرزلي عن أحكام الشعبي: من تزوج امرأة فأخرج دينارا وقال اشتروا به طعاما واصنعوه ووقع الشراء وانفسخ النكاح بعد الشراء، فإن جاء من فعلهم ضمنوا له الدينار والطعام لهم، وإن كان من قبل الزوج فليس له إلا الطعام إن أدركه، قلت: فهو كأعوان القاضي إن ظهر اللدد من المطلوب فالأجرة عليه وإلا كانت الأجرة على الطالب، وظاهر ما تقدم لابن رشد أنه من الزوج مطلقا إن فقد ذلك أو تلف. قاله الحطاب.
وتفويض الولي العقد لفاضل يعني أنه يجوز لولي المرأة أن يفوض عقد نكاح وليته إلى فاضل صالح ترجى بركته، وإذا جاز للولي فأولى الزوج، وجعل المص هذا جائزا، ولفظ الواضحة يقتضي أن الولي والناكح يفوضان للفاضل وأنه يتولى الطرفين، وأن التفويض يندب لقوله وكان يفعل فيما مضى، ونصها: قال ابن الماجشون: ولا بأس أن يفوض الناكح وولي المرأة للرجل الصالح أو الشريف أن يعقد النكاح وكان يفعل فيما مضى، وقد فوض إلى عروة في ذلك فخطب واختصر فقال: الله حق ومحمد رسوله وقد خطب فلان فلانة وقد زوجته إياها على كتاب الله وشرطه. قال ابن حبيب: وشرط الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. انتهى. والله أعلم. قاله الحطاب. وأما تفويض العقد لغير فاضل فخلاف الأولى. قاله غير واحد.
وذكر المساوي يعني أنه يجوز لغير الولي أن يذكر عيوب كل من الزوجين ما لم يسئل عن ذلك وإلا وجب. قاله عبد الباقي. وفي الشارح: ذكر مساوي الزوج وأما مساوي الزوجة فتعرض لها بقوله: "وللولي كتم العمى" لخ، قال عبد الباقي: وفيه نظر لأن ذكر المساوي هنا ليس من الولي. انتهى. قال محمد بن الحسن: استظهر الشيخ ابن رحال ما في الشارح قائلا: لا فرق في الزوجة بين الولي والأجنبي إذ لو وجب على الأجنبي لوجب على الولي أو يكون الولي أحرى لأنه كالبائع. انتهى. والفرق بين الزوج والزوجة على ما للشارح وابن رحال أن الزوج بيده الطلاق بخلافها كما قاله ابن رحال. والدّ سبحانه أعلم. وقوله: "وذكر المساوي"، وهذه إحدى المواضع التي تجوز فيها الغيبة.
واعلم أن الغيبة قد تجب وقد تندب وقد تجوز، فالواجب ذكر جرح الشاهد عند خوف إمضاء الحكم بشهادته؛ وجرح المحدث الذي يخاف أن يعمل بحديثه أو يروى عنه وهذه أمور ضرورية في الدين معمول بها مجمع عليها من السلف الصالح، ونحو ذلك ذكر عيب من استنصحت في مصاهرته أو معاملته، فهذا يجب عليه الإعلام بما يعلم من هيئاته عند الحاجة إلى ذلك على جهة الإخبار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما معاوية فصعلوك
(1)
). الحديث. والمندوب قد يكون من هذين النوعين كفعل المحدثين حين يعرفون بالضعفاء مخافة الاغترار بحديثهم، وكتحذير من لم يسئل مخافة معاملة من يجهل حاله، والجائز كغيبة المعلن بالفسق المعروف به فيجوز ذكره بذلك لأنه لا يكرهه ولا يتأذى به لا بغير معا لا يكون مشهورا به، لقوله عليه الصلاة والسلام: (بئس أخو العشيرة
(2)
)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (لا غيبة في فاسق
(3)
)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته
(4)
). قاله القرطبي. ثم قال: وحيث حكمنا بوجوب النص على العيب فإن ذلك إذا لم يجد بدا من التصريح فأما لو أغنى التعريض لحرم التفسير والتصريح، فإن ذلك ضروري والضروري مقدر بالحاجة. وفي الجزولي: ما يخالف بعض ما تقدم إن استشير جاز إن كان هناك من يعرف حال المسئول عنه وإلا وجب لأنه من باب النصيحة. الشيخ: ظاهر الكتاب أنه يذكر حاله إذا سئل عنه وإلا فهو غيبة والغيبة حرام. انتهى. نقله الحطاب.
وقال أبو علي: قال غير واحد من شيوخ القرويين وغيرهم: إن الغيبة في الفاسق لا تجوز، وحديث: لا غيبة في فاسق لم يصح. انتهى. وقوله: لأنه من باب النصيحة، أشار به إلى الحديث الذي عليه مدار الدين وهو قوله عليه الصلاة والسلام:(الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله وكتابه وعامة المسلمين وخاصتهم)
(5)
انتهى.
(1)
صحيح مسلم، كتاب، الطلاق، رقم الحديث، 1480.
(2)
صحيح البخاري، كتاب الأدب، رقم الحديث، 6032.
(3)
كشف الخفاء، ج 2 ص 493. رقم الحديث، 3081.
(4)
البخاري، باب (13)، لصاحب الحق مقال.
(5)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث، 55.
تنبيهات: الأول: الغيبة ذكرك أخاك بما فيه مما يكره أن لو سمعه، وهي حرام كتابا وسنة وإجماعا، وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل أرأيت إن كان فيه ما يقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهَتَّه
(1)
). قوله: أخاك، يخرج الكافر لأنه لا حرمة له، لكن حديث النصرانيين الذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا الغيبة لأخبرتكم أيهما أطب
(2)
). ظاهره منع غيبة الكافر، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون أخاك خرج مخرج الغالب أو يخرج الكافر بأنه لا غيبة له بكفر لا بغيره.
واعلم أن الغيبة تحصل بكل مفهمها فلا فرق بين المذكر اللساني وما يقوم مقامه في التفهيم، فالفعل كالقول والتعريض كالتصريح، وكذا الإشارة والإيماء والغمز والرمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام، ومن ذلك قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي أنها قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام قد اغتبتها
(3)
). ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجا أو كما يمشي فهو غيبة بل أشد من الغيبة، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها حكت قال: (ما يسرني أني حكيت ولي كذا وكذا
(4)
)، وكما يحرم أن تحدث غيرك بمساوي إنسان يحرم أن تحدث نفسك بذلك فسوء الظن حرام، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} .
والحاصل أن ما يحصل به الإفهام حرام، كأن يقول بعض من مر بنا اليوم كذا إذا كان المخاطب يفهم منه شخصا معينا، فأما إذا لم يفهم عنه جاز فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا كره من إنسان شيئا، قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) ولا يعين، وما مر من أن سوء الظن حرام المراد به عقد القلب وحكمه على الغير بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء. وقوله: بما يكرهه، سواء كان نقصانا في نفسه أو
(1)
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، رقم الحديث 2589.
(2)
شرح الزرقاني على الموطأ باب ما جاء في الغيبة، ص 644.
(3)
مسند إسحاق ابن راهويه، رقم الحديث 1613.
(4)
الإتحاف، ج 7 ص 542. وانظر الترمذي، رقم الحديث، 2502.
عقله أو ثوبه أو فعله أو قوله أو نسبه أو داره أو دابته أو شيء مما يتعلق به، حتى قولك واسع الكم أو طويل الذيل، وقد ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقيل ما أعجزه: فقال: (قد اغتبتموه
(1)
). والأرجح اختصاصها بالغيبة مراعاة لاشتقاقها والصورة المحترز عنها بهتان، كما يقول المص: البهتان ذكر ما في المرء المسلم في وجهه لخ، وقيل لا تختص بحال الغيبة، وفي الحديث (أنها أشد من ثلاثين زنية في الإسلام). وذكر صلى الله عليه وسلبم أمر الربا وعظم شأنه وقال: (إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم
(2)
). وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنى، إن الرجل قد يزني فيتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه
(3)
). وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون بابا أدناه مثل أن يطأ الرجل أمه وأربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه
(4)
).
وفي الكتاب العزيز ذمها وتشبيهها بأكل لحم الميت كما قال تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} ، وهو تمثيل بما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه مع مبالغة الاستفهام المقرر وإسناد إلى أحد للتعميم وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا وميتا، وتعقيب ذلك بقوله:{فَكَرِهْتُمُوهُ} تقريرا وتحقيقا لذلك، والمعنى إن صح ذلك أو عرض عليكم فقد كرهتموه، ولا يمكنكم إنكار كراهته، قيل ووجه الشبه بين الميت والمغتاب أن الميت لا ينتصر لنفسه فكذا الغائب، وقال أبو هريرة: من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب إليه لحمه في الآخرة فقيل له كله ميتا كما أكلته حيا فيأكله فيكلح، وكأن المص يشير بهذا إلى أنها كبيرة.
وفي الأبي: القرطبي: الغيبة كبيرة لقوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ، ولما في أبي داوود: (إن من الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم
(5)
)، وحديث: (مررت ليلة أسري بي بقوم
(1)
الإتحاف، ج 7 صر 735.
(2)
الإتحاف، ج 7 ص 735
(3)
الإتحاف ج 7 ص 533
(4)
الإتحاف، ج 9 ص 327.
(5)
سنن أبى داوود، رقم الحديث، 4877.
لهم أظفار من نحاس يخدشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هم الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم
(1)
). وفي العلقمي ذكر النووي تبعا للرافعي أنها من الصغائر وتعقبه جماعة، ونقل القرطبي الإجماع على أنها من الكبائر لأن حد الكبيرة صادق عليها لأنها ما ثبت الوعيد الشديد فيه. وقال تقي الدين السبكي: هي من الصغائر لعموم البلوى بها يريد إذا وقعت فلتة لأن ذلك لا يخلو عنه الصالحون وإلا فالتمادي عليها كبيرة كسائر الصغائر.
الثاني: اعلم أن الغيبة على أنواع وأعظمها ما يترتب عليه حكم لو ثبت، كأن تكون بقذف أو سرقة أو يقول هو قاذف أو قاتل نفس أو يقول إنه يحلف بالطلاق والعتاق واليمين الغموس ثم ما يترتب عليه إثم فيعتقد السامعون أنه آثم من غير أن يتضمن حكما كالأفعال المخلة بالمروءة، كوصفه بتطفيف حبة ولعب محرم بحمام ونحو ذلك من الصغائر القادحة في المروءة ولا تقدح في الدين مع عدم التمادي، وكوصفه بالأفعال المخلة بالدين وكونه متهاونا بالصلاة والزكاة أو لا يحسن الركوع والسجود ولا يتحرز عن النجاسة أو ليس بارا بوالديه أو لا يحرس صومه من الرفث والغيبة، ثم ما يكون صفة للشخص مما لا يترتب عليه إثم المأكول لحمه ولا حكم عليه كالعرج والعور ونحو ذلك مما يعرف بدونه، بخلاف ما إذا لم يكتف بدونه وكان المقام للتعريف فيسوغ ولا يجوز إطلاقه على وجه التنقيص، ثم ما يكون راجعا لتعلقاته الخارجة عنه كبيته يصفه بأنه مظلم أو ضيق مثلا مع كراهته لذلك، وكلبه بأنه عقور أو جبان مثلا ودابته يصفها بأنها ثقيلة المشي مثلا، ونسبه بأن يقول إنه ابن حجام أو جزار أو قبيلة كذا مما يكرهه وثوبه كوسخ أو هو طويل الذيل أو واسع الكم مما يكرهه إلى غير ذلك كعبده وبستانه وسلعته وحانوته ونحو ذلك مما لا ينحصر.
وتباح الغيبة إذا دعت إليها ضرورة، فتباح في الرواية والشهادة تجريحا، والمراد بالإباحة الإذن فتجب إذا خيف أن يمضي الحكم بشهادة الشاهد المجرح أو يعمل بحديثه، وتندب كفعل المحدثين عند تعريفهم بالمحدثين الضعفاء خوف الاغترار بروايتهم، ومن هذا ما يقع من بعض
(1)
الإتحاف، ج 1 ص 369، وج 7 ص 15.
الشيوخ في الرد على غيره، كأن يقول في كلامه قصور أو ضعف لأن القول في كلامه ذلك نصب نفسه لبيان أمر فلم يف به، وهذا إذا قصد بيان الحق من غير أن يكون هناك غرض في تنقيص القائل بإظهار خطئه وقلما يتفق ذلك، فالحذر الحذر من خدع النفس.
وتجب الغيبة في المشاورة تحذيرا وتحريرا، فيجب أن تفصح بعيب من استنصحت في مصاهرته أو معاملته أي حيث لم يكن بد من التصريح كما مر، وتندب في تعريف من لم يسئل إذا خاف معاملة من يجهل حاله ومن النصيحة أن يرى من يشتري شيئا معيبا لا يعلم بعيبه فيجب أن يعلمه أو يرى فقيها يتردد إلى مبتدع أو فاسق لأخذ العلم عنه أو يرى في ولاية من لا يقوم بها على وجهها أو لعدم أهليته فيذكره لمن له عليه ولاية ليعرف حاله فلا يغتر به، والمباح هو القدر المحتاج إليه دون زيادة فإذا كانت المشاورة في النكاح لم يجز أن يذكر عيوب الشركة والاستقراض ونحو ذلك، وتباح الغيبة أيضا في الاستفتاء فيذكر حال ظاله للمفتي، كأن يقول ظلمني فلان بكذا فما طريق دفع ظلمه عني وما يباح لي فيه، ويقتصر فيه على القدر الذي تدعو إليه الضرورة، وتباح أيضا في الخصومات بأن يقول لخصمه أنت ظالم ماطل أنت آكل أموال الناس بالباطل وهذا مبني - والله أعلم - على أنه لا فرق في الغيبة بين حضور القول فيه وغيبته وهو قول مرجوح، وتباح الغيبة أيضا في التظلم بأن يذكر ظلمه عند ذي سلطان أو من يقدر على إنصافه منه. وفي الحديث الصحيح: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته
(1)
) عرضه يعني شكايته وعقوبته يعني سجنه، واللي بفتح اللام المطل، والواجد الغني من الجدة، وتباح أيضا في حق المجاهر بالبدع وفي صاحب بدعة يخفيها فإذا ظفر بأحد ألقاها إليه، وتباح أيضا في حق المجاهر بالكبائر فيما جاهر به بحيث لا يستنكف أن يذكر بها، وفي إطلاق الغيبة على هذا تجوُّز إذ هي ذكر أخيك بما يكره وحيث أبيحت فالتعريض أحسن حيث كان التصريح أتم في إفادة الغرض، فإن أغنى التعريض عن التصريح حرم التصريح والصحيح أن ما يخفيه الفاسق لا يجوز ذكره به، وتباح أيضا لضرورة التعريف كالأعمش والأعرج وأبي الزناد بكسر الزاء وكان يغضب من تلك الكنية فلا إثم على من يقول روى أبو الزناد عن الأعرج وسليمان عن الأعمش.
(1)
سنن أبي داوود، كتاب الأقضية، رقم الحديث، 3628.
قال المص في شرح الرسالة: وتباح في التعريف الذي لا تمكن المعرفة إلا به أو تكون الشهرة جارية كالأعرج والأعمش والأعور وذي اليدين والشمالين وهذا كله جائز. انتهى. وقال في الإحياء: ولو وجد معدل عنه وأمكن التعريف بعبارة أخرى فهو أولى، وقال ابن حجر: وإن كان اللقب لا يعجب الملقب فهو حرام أو مكروه إلا أن يتعين طريقا إلى التعريف به حيث يشتهر به ولا يتميز عن غيره إلا بذكره، ويحرم ذكر الظالم عند من لا يقدر على الدفع ولا يستعان به عليه ولا يفيد خوفه ولا التحذير من فعله.
ومن أنواع الغيبة ذكر عيب أخيك بإظهار الشفقة عليه، فيحصل المقصود من الغيبة فيقول مسكين فلان لقد ساءني حاله وغمني ما هو عليه وهو كاذب في دعوى الاغتمام ولو صدق لستر عيب أخيه، قال ابن زكري: واشتمل ما ذكرته على المواطن الخمسة عشر التي تباح فيها الغيبة وهي: غيبة الفاسق المعلن بفسقه، وصاحب بدعة يدعو إليها، وصاحب بدعة يخفيها فإذا ظفر بأحد ألقاها إليه، والغيبة عند الحاكم لخصمه، وإذا سأل الحاكم عن أحد فغيبته جائزة، وعند العالم للفتوى، وعند من يرجى تغيير ذلك على يديه، وعند الخطبة، وعند المرافقة في السفر، وكذلك في الشركة، وكذلك فيمن يشتري دارا فسأل عن جارها، والتجريح عند الحاكم، والمشاورة في أمر مَّا من أمور المخالطة أو المجاورة أو المصاهرة، وتجريح المحدثين للرواة، وذكر الرجل باسم قبيح مشتهر به. ولبعضهم:
ألا إن اغتياب الناس ذنب
…
عظيم الوصف من أردى المناكر
تجنب غيبة إلا قليلا
…
لبيت جاء عن بعض الأكابر
تظلم واستغث واستفت حذر
…
وعرف بدعة فسق المجاهر
الغزالي: من ستر معصية في داره وأغلق بابه لم يجز أن يتجسس عليه، وإذا توارى فاسق تحت ذيله لم يجز أن يكشف عنه، نعم لو أخبر عدلان ابتداء من غير استخبار بأن فلانا في داره خمر
فله الدخول عليه ابتداء من غير استئذان، فإن أخبره عدل وعبدان ففيه نظر والأولى المنع إذ لا يسقط حق إلا بعدلين، وهذا كله في ذنب يختص بالعبد لا يتعداه، ثم قال عن الماوردي: فإن كان ذلك في انتهابات يفوت استدراكها كأن يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها جاز التجسس والبحث، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار ولم يهجم عليها بالدخول؛ لأن المنكر ظاهر فليس عليه أن يكشف عن الباطن، وليحذر المغتاب وليتق ربه فقد ذكر المنذري عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فنادى بصوت رفيع: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله
(1)
). ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وما أعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك. انتهى كلام ابن زكري.
قال الشيخ العارف بالله تعالى زروق في النصيحة الكافية قدس الله تعالى سره: وذكر رجلين ما اطلعا عليه من عيب رجل ليس بغيبة. انتهى. قال شارحها ابن زكري رحمه الله تعالى: كونه غير غيبة لا يستلزم نفي الإثم، وجلب من الكلام ما يقوي أن فيه الإثم، وقد اعترضه بعضهم بأنه صادق عليه حد الغيبة، قال الشيخ زروق: وكذا ذكر غير معين لا محصور. انتهى؛ يعني أن غير المعين لا غيبة فيه إذا لم يكن محصورا، فقد ذكروا في حديث أم زرع أن ما ذكرته عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم من ذم النسوة لأزواجهن ليس بغيبة لعدم التعيين، وإنما الغيبة لمعين حي أو ميت وإذا كان غير المعين محصورا فهو كالمعين كأهل سوق كذا أو طراز كذا وهم محصورون، فإن حصرهم يفضي إلى تعريفهم، فإن لم يتعين عند التكلم والسامع فظاهر، وإن تعين عند المتكلم دون السامع فقال بعض الشافعية: قواعد مذهب الشافعي تقتضي حرمة الغيبة فيه حتى قال بحرمة الغيبة في القلب، وقال في شرح الجوهرة: من تأمل كلام القاضي في الإكمال وأنصف فهم ميله إلى الحرمة كما تقتضيه ظواهر كلامهم. انتهى.
(1)
سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، رقم الحديث، 2534. والإتحاف ج 6 ص 270.
الثالث تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة قالوا لمن يارسول الله؟ قال لله ولرسوله وكتابه وعامة المسلمين وخاصتهم
(1)
). انتهى. قوله: الدين النصيحة أي عماد الدين النصيحة، والنصيحة من نصحت العسل إذا صفيته لأن الناصح بالقول يصفي قَولَه من الغش وقوله لله نصيحة الله تعالى الإيمان به وبما يجب له ويستحيل عليه ويجوز في حقه والتزام تكاليفه والعمل بها على الوجه المطلوب من إخلاص وغيره، وبدأ بالله لأن الدين له حقيقة ونصيحة الله تعالى إنما ترجع للعبد لأن منفعتها له والله تعالى غني عن نصح الناصحين، وقوله: ولرسوله، نصيحته صلى الله عليه وسلم التصديق برسالته والوقوف عند أمره ونهيه ونصرته حيا ببذل المال والنفس دونه، وميتا بالذب عن سنته ونشرها والدعاء إليها والتخلق بأخلاقه الكريمة ومحبة أهل بيته وإكرامهم؛ إذ محبتهم وموالاتهم فرض ومحبة أصحابه وتجنب من ابتدع في سنته والشفقة على أمته. وثنى بالرسول قبل الكتاب لأن الكتاب إنما تلقي بواسطته فنصيحته فرع نصيحة الرسول الآتي به.
وقوله: وكتابه، نصيحة الكتاب التصديق بأنه من عند الله تعالى وأن ما فيه حق وأنه معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفهم معانيه والوقوف عند حدوده وتلاوته على الوجه الذي ينبغي والذب عنه بدفع شبهة الزائغين وتحريف البطلين، وثلث بالكتاب لأنه المتضمن لأحكام الدين وشرائعه، وقوله: وعامة المسلمين، نصيحتهم إرشادهم لصالح دينهم ودنياهم وعونهم على ذلك وتعليم جاهلهم وتنبيه غافلهم والذب عنهم وعن أعراضهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم وسد خلتهم وترك حسدهم وغشهم وجلب النفع إليهم ودفع الضرر عنهم ونصرتهم ظالمين أو مظلومين، والنصرة للظالمين بالأخذ على أيديهم يعني كما في الحديث قدمت نصيحتهم على الخاصة من باب الأسهل في الأغلب وإن سهلت نصيحة الخاصة استحقت التقديم لأهميتها ولتلك الأهمية قدمت في بعض الروايات.
(1)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث، 55. لفظ مسلم: الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وقوله: وخاصتهم، هم الأمراء والعلماء فنصيحة الأمراء من الخلفاء وولاتهم طاعتهم في الحق وإعانتهم عليه وأمرهم به وتذكيرهم الله تعالى وإعلامهم بما لم يبلغةم من أمر المسلمين وتألف القلوب لطاعتهم والصلاة خلفهم والجهاد معهم ودفع الصدقة لهم والدعاء لهم بالصلاح وأن لا يغروا بالثناء الكاذب، ونصيحة العلماء قبول روايتهم وتقليدهم في الأحكام وحسن الظن بهم. وهذا الحديث عليه مدار الدين.
ومن التزام تكاليف الله عز وجل الذي هو نصيحة الله تعالى نصرة دينه بالجهاد والأمر بالمعروف والقيام بموجبات بقائه من علم وعمل أي حرف مهمة والتسليم له في حكمه وتدبر آيات الكتاب واتباع مأموراته وتحسين تلاوته كلها نصيحة لله ولرسوله ولكتابه، وقد مر أن نصيحة الأمراء بالطاعة لهم أي إلا في محرم مجمع عليه، وأن نصيحة العلماء تقليدهم أي إلا فيما لا يهدي إليه العلم بأن لا يكون موافقا لمقتضى الكتاب والسنة. ومن نصيحة الخاصة التسليم للفقراء فيما لا يجب إنكاره فإن وجب إنكاره أنكر عليهم مع اعتقاد كما لهم. وقوله عز وجل:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ، نصر العبد لربه هو اتباع أمره واجتناب نهيه فإذا فعل ذلك كان سببا لنصرة الله تعالى له وأمنه مما يخاف. قاله ابن زكري.
وكره عدة من أحدهما؛ يعني أنه يكره أن يعد الرجل المعتدة بالنكاح فقط أو تعده هي فقط وتمنع المواعدة من الجانبين كما مر، وقوله:"وكره عدة من أحدهما" هذه الكراهة حكى عليها ابن رشد الاتفاق وإن رقعت عدة من أحدهما ثم تزوجها بعد انقضاء العدة مضى ولا يفسخ ولا يقع به تأبيد تحريم إجماعا، وأما إن وقع التزويج بعد العدة مع المواعدة من الجانبين فإنه لا يقع به التأبيد على المشهور وقيل يقع به وقد مر ذلك.
وتزويج زانية؛ يعني أنه يكره تزويج زانية أي متجاهرة بالزنى فإن تزوجها فإنه يستحب له فراقها، والمراد بالزانية من شأنها ذلك بأن يعرف ذلك منها ثبت بالبينة أم لا، وأما من تكلم فيها وليس شأنها ذلك فلا كراهة. ابن حبيب: يستحب لمن تحته امرأة تزني أن يفارقها، فإن ابتلي بحبها فله أن يحبسها لأنه عليه الصلاة والسلام قال لهلال: (أربعة وإلا فحدّ في ظهرك
(1)
)،
(1)
صحيح مسلم، كتاب الإمارة، رقم الحديث، 1829.
ولم يقل له لا يحل لك البقاء معها، وفي الحديث دليل على جواز نكاح الزانية. قاله الشارح. وقال عبد الباقي: وتزويج زانية أي متجاهرة بالزنى لا من ثبت عليها الزنى. قاله علي الأجهوري. أي لحدها وإلا فهي أولى أو أن من ثبت عليها يحرم تزويجها حيث لم تتب ولم تحد.
تنبيه، يكره للولي أن يزوج وليته من الدميم والشيخ الكبير، وفي الحديث: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
(1)
). انظر المنجور.
أو مصرح لها بعدها يعني أنه يكره لمن صرح بخطبة معتدة أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها، فقوله:"بعدها" متعلق "بتزويج" مقدرا. قاله الشيخ عبد الباقي وغيره. وندب فراقها يعني أنه يندب لمن تزوج زانية أو مصرحا لها في العدة بعد العدة أن يفارقها، وحكى في المنتقى وجوب فراق المصرح لها بالخطبة في العدة وتزوجها بعد انقضاء العدة، وعبارة الأمير: وكره تزوج زانية ومخطوبة في العدة بعدها وندب فراقهما. انتهى.
وعرض راكنة لغير عليه؛ قد تقدم أن الراكنة لغير فاسق تحرم خطبتها، فإذا تزوجها أحد فإنه يندب له أن يعرضها على من ركنت إليه قبله، فإن حلله ثبت عليها وإن أبى فليفارقها فإن نكحها الأول وإلا فلهذا الثاني أن يأتنف نكاحها، وقوله:"وعرض راكنة عليه" علم من الاستحباب أنه لا يقضى عليه بالفراق وهذا واضح إن كان الزوج بنى بها أو لم يبن بها بناء على أن الفسخ مندوب كما قدمته عن أبي عمر، وإلا فلا يأتي إلا على القول بأنه يمضي مطلقا قبل البناء وبعده وهو قول مرجوح مقابل لما مر عليه المص.
وركنه المراد بالركن هنا ما لا توجد حقيقة النكاح الشرعية إلا به؛ يعني أن أركان النكاح خمسة أولها: ولي يعني أن الولي وسيأتي بيانه ركن من أركان النكاح فلا يصح بدونه لقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} ، والعضل: المنع من النكاح، فلو كان عقد المرأة على نفسها جائزا لم تكن معضولة، وسبب نزول الآية ما في الصحيح عن معقل بن يسار أنها نزلت
(1)
صحيح البخاري، كتاب الاستقراض، رقم الحديث، 2409.
فيه، قال: زوجت أختي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وقربتك وأكرمتك فطلقتها ثم نجئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} . الآية، فقلت الآن أفعل يا رسول الله، قال (فزوجها إياه
(1)
)، زاد البزار: فأمرني أن أكفر عن يميني وأزوجها. وفي الدارقطني عنه صلى الله عليه وسلم: (لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)
(2)
، قال حسن صحيح وقال عبد الحق: هو صحيح. وخرج أبو داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا نكاح إلا بولي
(3)
).
وبما قررت علم أن المص أراد بالركن ما لا توجد حقيقة النكاح الشرعية إلا به؛ لأن العقد لا يتصور إلا من عاقدين وهما شرعا الولي والزوج، ومن معقود عليه وهو الزوجة والعوض فلا بد من وجوده وإن لم يجب ذكره ولا يتصور العقد إلا بصيغة وقد خصصه الشرع بما ذكر. والله سبحانه أعلم. والركن عندهم هو الداخل في الماهية وتنعدم بانعدامه، والشرط عندهم تنعدم بانعدامه لكنه خارج عن الماهية، ومذهب مالك والشافعي والجمهور اشتراط الولي في النكاح، وذكر أبو بكر بن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وخالف في هذا أبو حنيفة رحمه الله، واحتج بالقياس على البيع وخصص عمومات الحديث بهذا القياس، وقد أجاز الأصوليون تخصيص العموم به، واشترط ابن شريح كون القياس جليا.
وفي الحديث الكريم (الأيم أحق بنفسها من وليها
(4)
)، ومعناه أنه ليس للولي أن يجبرها على النكاح وإنما له أن يزوجها بإذنها ممن ترضاه، وليس لها أن تباشر العقد بنفسها لأن أفعل التفضيل يوجب الاشتراك فحقها أكثر فهي أحق في تعيين الزوج وقدر المهر وعدم الجبر والحق له في تولي العقد. قاله ابن هلال.
(1)
حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجها إياه، صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5130.
(2)
سنن الدارقطني، ج 2 ص 227، سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1822.
(3)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2085.
(4)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1421.
وثانيها صداق؛ يعني أن الصداق من أركان النكاح فلا يصح بدونه، لكن لا يشترط ذكره عند العقد لجواز نكاح التفويض فلو تراضيا على إسقاطه لم يصح النكاح، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} ، ولقوله تعالى:{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} ، ولقوله تعالى:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل
(1)
)، فالزوج لا يستبيح الفرج إلا بصداق ولا خلاف في اعتباره في النكاح، وإنما الخلاف في قدره وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
وثالثها ورابعها محل يعني أن المحل من أركان النكاح ينعدم بانعدامه، والمحل هو زوج وزوجة معلومان خاليان من الموانع الشرعية، كالإحرام والخنوثة وغيرهما.
وخامسها صيغة؛ يعني أن الصيغة من أركان النكاح ينعدم بانعدامها والصيغة هي اللفظ الذي ينعقد به النكاح وهو لفظ يدل على تأبيد النكاح بينهما مدة الحياة. قاله ابن الحاجب. ونحوه في ابن شأس ومقتضاهما أنه لا ينعقد بالكتابة والإشارة وهو مقتضى كلاهه في الإشراف، وكذلك قال في الاستذكار: النكاح يفتقر إلى [التصريح]
(2)
ليقع الإشهاد عليه، وكلام ابن عبد السلام أيضا يقتضي أنه لا يقع بالكتابة والإشارة، وفي اللباب: الصيغة من الولي لفظ إلى آخره. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: فإن قلت الضمير في ركنه عائد على النكاح وهو مفرد، وقوله:"ولي" لخ خبر عن ركنه فيلزم عليه الإخبار بالجمع عن الفرد، أجيب بأن الركن مفرد مضاف إلى معرفة فيعمّ، ونحوه لعبد الباقي، وعزاه الشبراخيتي لابن الحاجب.
بأنكحت الباء للتصوير يعني أن الصيغة من الولي صورتها أن يقول الولي: أنكحتك ابنتي أو أختي أو نحوهما ممن له ولاية عليها. وزوجت يعني أن النكاح كما ينعقد بأنكحت ينعقد بزوجت، قال الشارح: لا أعلم خلافا في انعقاد النكاح بهاتين الصيغتين لما في حديث: (قد أنكحتكها بما معك من القرآن
(3)
)، ولقوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} ، وفي
(1)
لا يحل نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل، سنن البيهقي الكبرى، كتاب النكاح رقم الحديث، 13309.
(2)
في النسخ الصريح والمثبت من الحطاب ج 4 ص 228 ط دار الرضوان والتوضيح ج 3 ص 505.
(3)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5149.
الحديث: (زوجتكها
(1)
). الباجي: ولا ينعقد النكاح بغير هذين اللفظين، وقال الإمام الحطاب: ولا خلاف في المذهب في انعقاد النكاح بهذين اللفظين كما قاله في التوضيح وقاله غيره. انتهى.
وفي التوضيح: ولا فرق بين الماضي والمضارع، وبحث اللقاني في ذلك قاتلا: فيه نظر لأن بينهما فرقا اتفاقا في العقود؛ إذ لا تنعقد إلا بالماضي دون المضارع. انتهى.
وأجاب بناني عن بحث اللقاني بما في أبي الحسن عند قول المدونة: ومن قال لامرأة إذا مضى شهر فأنا أتزونجك فرضيت ووليها فهذا نكاح باطل لا يقام عليه. انتهى. وما لأبي الحسن: الشيخُ يؤخذ منه أن لفظ المستقبل في النكاح كالماضي بخلاف البيع. انتهى.
وبصداق وهبت؛ يعني أن النكاح ينعقد بوهبت مقترنا بلفظ الصداق حقيقة كوهبتها لك بصداق كذا أو حكما كوهبتها لك تفويضا، فإن لم يسم صداقا حقيقة ولا حكما لم ينعقد كما في المدونة، وذكر الشيخ ابن رحال عن غير واحد من المحققين أنه مهما ظهر قصد النكاح فهو كاف عن ذكر الصداق، قال: وكأن المصنف سكت عن هذا لوضوحه وعليه فلا خصوصية للتفويض، قال محمد بن الحسن: قلت وهو مخالف لما جزم به الزرقاني بعد هذا من قوله ولا يكفي في هذه إرادة النكاح بدون لفظ صداق وما تقدم من اشتراط اللفظ، وأنه لا تكفي الكتابة والإشارة مقيد بغير الأخرس، وأما الأخرس فتكفي فيه الإشارة من جانب أو جانبين. أبو عمر: إشارة الأخرس كافية إجماعا. قاله الحطاب. وكذا الكتابة وتكفي أيضا الإشارة من قادر جوابا من الزوج لقول الولي: أنكحتك أو زوجتك أو وهبتك ابنتي بصداق أو جوابا من الولي لقول الزوج أنكحني أو زوجني، لا إن بدأ الزوج بواحد من غيرهما فلا يكفي جواب الولي بالإشارة. ولبعضهم:
تكفي إشارة من الزوج إذا
…
بدا الولي ولو ببيع فادر ذا
ومن ولي إن بدا الزوج بما
…
فيه نكاح أو زواج فاعلما
وكل ذا لقادر أن ينطقا
…
لا عاجز فجوزنه مطلقا
(1)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5132.
وقوله: ولو ببيع؛ أي على شق التردد الآتي، ولو قال الولي: قبلت أو فعلت وما أشبهة جوابا لقول الزوج زوجني أو أنكحني انعقد النكاح ولم يذكر في ذلك خلافا.
والحاصل أنه إن بدأ الولي أو الزوج بما فيه نكاح أو زواج فأجابه الآخر بما يدل على القبول صح النكاح، وصيغة العقد مع الوكيل أن يقول الولي للوكيل زوجت من فلان ولا يقول زوجت منك، وليقل الوكيل قبلت لفلان ولو قال قبلت لكفى إذا نوى بذلك موكله.
وهل كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة كبعت تردد يعني أنه اختلفت طرق الشيوخ في نقل المذهب فيما عدا أنكحت وزوجت ووهبت بصداق، فذهب ابن القصار وعبد الوهاب والباجي وابن العربي في أحكامه إلى أنه ينعقد أي من جهة ولي المرأة بكل لفظ يدل على التأبيد ويدل على تمليك الذات كملكت وبعت وتصدقت وأعطيت، وذهب صاحب المقدمات إلى أنه لا ينعقد بما عدا أنكحت وزوجت إلا لفظ الهبة، فاختلف فيه قول مالك واستدل للأول بما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: (ملكتكها بما معك من القرآن
(1)
)، وهو الذي عليه أكثر أهل المذهب، قال الشارح بهرام: والذي رأيت عليه الأكثر الانعقاد بذلك، وفي شرح عبد الباقي أن الراجح عدم الانعقاد، وفيه أيضا أن محل التردد حيث قصد النكاح أو سمى الصداق فإن لم يقصده ولا سمى صداقا لم ينعقد اتفاقا، وقال الحطاب: ظاهر كلامهم أنه لا يشترط تسمية الصداق، وفي الخرشي أن التردد جار ذكر مهر أم لا وما ذكره لا يخالف ما لعبد الباقي. والله تعالى أعلم.
والحاصل أن أنكحت وزوجت ينعقد بهما، قال الشارح: ولا أعلم في ذلك خلافا، وقال غير واحد: ولا خلاف في ذلك في المذهب، وأن وهبت مقترنا بالصداق ينعقد به على المشهور وإن لم يقترن بالصداق فهو مما فيه التردد المذكور، وجميع ما عدا هذه الألفاظ الثلاثة أي أنكحت وزوجت ووهبت بصداق داخل في التردد فيدخل فيه تصدقت وغيره مما عدا الثلاثة، وأن محل التردد إنما هو فيما يقتضي تمليك الذات، وخرج عن محل التردد قسم لا ينعقد النكاح به بلا
(1)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5087.
خلاف ولو نوى به النكاح واقترن بلفظ الصداق وهو لفظ الوقف والحبس والعمرى والإجارة والرهن والعارية والوصية لانحلالها كما أشار المصنف إلى ذلك بقوله: "كبعت".
واعلم أن هذه الصيغ كلها لا تكون إلا من ولي المرأة، فقول عبد الباقي: ولا بد من كون لفظ وهبت من ولي الزوجة لا منها لا خصوصية للفظ وهبت بذلك؛ لأن المرأة لا تزوج نفسها كما لا يخفى، وقد تقدم أن التردد لابن القصار وابن رشد وأن ابن القصار هو القائل بالانعقاد، وأن قوله هو الذي عليه الأكثر من أهل المذهب، ولكن الإحلال والإباحة والإطلاق لم يقل بانعقاد النكاح بها إلا بعض أصحاب ابن القصار، ونقل أبو عمر الإجماع على عدم الانعقاد بها. انظر الحطاب. ولما ذكر الإيجاب وهو اللفظ الصادر من الولي المعقود به النكاح ذكر الصيغة الصادرة من الزوج وتسمى قبولا تقدمت أو تأخرت، فقال: وكقبلت؛ يعني أن الصيغة المطلوبة من الزوج هي كل ما دل على قبوله، كقبلت ورضيت واخترت ونحوها مما يدل على القبول وهو معطوف على أنكحت، فإذا قال الولي: أنكحت فلانة فلانا، وقال الزوج: قبلت، فقد تم عقد النكاح بين الزوجين، وأشعر اقتصار المصنف على قبلت أنه لا يشترط أن يقول قبلت نكاحها وهو كذلك كما في ابن شأس. الشيخ زروق: أبو عمر: إشارة الأخرس كافية إجماعا.
والحاصل أن خلو النكاح عن الصيغة لا يصح النكاح معه وكونها من إحدى الجهتين كاف. انتهى. قال الحطاب: ويعني الشيخ - والله أعلم - الصيغة المخصوصة التي فيها الإنكاح والتزويج. وصيغة العقد مع الوكيل أن يقول الولي للوكيل زوجت من فلان ولا يقول زوجت منك، وليقل الوكيل قبلت لفلان، ولو قال قبلت لكفى إذا نوى بذلك موكله.
ولما لم يكن تقديم الإيجاب على القبول شرطا في صحة النكاح بل مندوب فقط ذكر انعقاده بتقديم القبول على الإيجاب فقال: ويزوجني فيفعل يعني أن النكاح ينعقد بالاستيجاب، والإيجاب كأن يقول الرجل لولي المرأة زوجني فيفعل الولي بأن يقول زوجتك أو أنكحتك أو نحو ذلك مما مر مستوفى، والاستيجاب طلب الإيجاب بقوله: زوجني أو أنكحني، فيقول الولي زوجتك أو فعلت، وأشعرت الفاء باشتراط الفور بين القبول والإيجاب: وصرح به في القوانين ولا يضر التفريق اليسير عند مالك أي بغير الخطبة، ولم يجزه الشافعي مطلقا أي بغير الخطبة فلا يضر عنده
التفريق بها لندبها من المبتدئ وكراهتها فقط من المجيب ولا يضر التفريق بها، ولو اجتمع مندوبها ومكروهها في العقد كذا أفاده بعض الشافعية، وأجاز أبو حنيفة التفريق مطلقا كثر أو قل، والكثير يضر عند مالك إلا في مسألة الإيصاء الآتية فلا يضر للإجماع. قاله الشيخ عبد الباقي. وما قاله في القوانين نقله الإمام الحطاب، وقال هو ظاهر جار على قول ابن القاسم، وقال الشيخ محمد بن الحسن: اعترض ما في القوانين شيخ شيوخنا أبو عبد الله المسناوي بما في المعيار مما يقتضي الاتفاق على صحة النكاح مع تأخر القبول عن الإيجاب من الولي المجبر، قال: ومثله قول الشيخ أبي محمد بن أبي زيد في الرجل يقول زوجت ابنتي فلانا إن رضي أن له الرضا بإجماع، قال ابن غازي في تكميل التقييد بعد نقله: وقد قبل ما قاله أبو محمد ابن رشد وغيرُه، وهو موافق لما قاله الباجي. انتهى. وبذلك أفتى العبدوسي والقوري، قال المسناوي: فما للحطاب عن القوانين وقلده فيه علي الأجهوري وأتباعه عار عن المستند غير معزو إلى أحد مخالف مع ذلك لما ذكر من الإجماع فوجب طرحه بلا نزاع، إلا أن يتأول بأن المراد الفور بين القبول وعلم الإيجاب أي العلم به فيرجع لما قاله الجماعة. انتهى. قال محمد بن الحسن: ما في الحطاب عن القوانين مثله نقله الحفيد بن رشد في نهايته عن مذهب مالك، ونصه: وأما تراخي القبول في العقد من الطرفين فأجاز مالك من ذلك التراخي اليسير، وممن منعه مطلقا الشافعي وأبو ثور، وممن أجازه مطلقا أبو حنيفة وأصحابه، والتفرقة بين الأمد الطويل والقصير لمالك. انتهى. وهو نص في ما قاله الحطاب وبه يبطل دعوى الإجماع، ومتل ما للحفيد في المعيار اللهم إلا أن يتأول بما ذكر من أن المراد الفور بين القبول وعلم الإيجاب ليحصل الوفاق فلا يبعد ذلك. والله تعالى أعلم. انتهى كلام الشيخ محمد بن الحسن.
وحاصل الرهوني تقوية ما في القوانين والحطاب غاية، وأنه يجب طرح ما للمسناوي.
تنبيه: مما يحسن إيراده هنا مسألة الأنكحة الغريسية وذلك أنه جرت عادة بلد غريس أن يوجه الرجل من يخطب له فيجاب بالقبول ويتواعدون للعقد الشرعي في ليلة البناء ثم، يبعث للمرأة أو وليها حناء وحوائج تتزين بها وهدايا في المواسم ويولول النساء عند الخطبة ويسمع الجيران أن فارنا تزوج فلانة ويشتهر عندهم، فما الحكم إذا طرأ قبل البناء والعقد تنازع وتنافر بينهم أو موت
أحد الزوجين، فهل تثبت الزوجية وأحكامها من الإرث وغيره أم لا؟ اختلفت في ذلك آراء الشيوخ فأفتى الشريف المزدغي بثبوت النكاح وترتب آثاره، وأفتى الشيخ الغنثي بأنه لا بد من الإشهاد ولا يكفي عنه ما دل على العقد مما جرت به العادة من التهنئة والهدية والحنا بعد الرضى والمواعدة للعقد، وقال بقول كل منهما جماعة، لكن قال الشيخ ميارة: الظاهر ما أفتى به الشريف من لزوم النكاح، وأجاب الشيخ سيدي إبراهيم بن عبد الرحمن بجواب أصاب فيه، فقال ما معناه: إن كان ذلك عندهم جاريا مجرى العقد المصطلح عليه عند أهل التوثيق ويثبت عندهم بذلك وأن الإشهاد الواقع بينهم ليلة الدخول ليس هو إلا للتحصين من النزاع في قدر المهر ونحو ذلك فالنكاح صحيح لازم، وإن كان ذلك توطئة للعقد وأمارة على ميل كل للآخر فلا إشكال في عدم اللزوم، وإن جهلت العادة بحيث يقع ذلك منهم كما وصف، فإن سئلوا عن عادتهم لم يحرروا شيئا فهو محل الإشكال، ولعل هذا هو محل الخلاف، ولصاحب العمليات:
وفي النكاح إن بدا القبول
…
والوعد للعقد هو المقول
وسمع الجيران مع ما يبعث
…
فهو ثبوت ما لديه عبث
ولزم؛ يعني أن النكاح يلزم بين الزوجين بتمام الصيغة، فإذا قال الولي المجبر أو الفوض إليه إنكاحها زوجتك، فقال الزوج قبلت أو قال للولي زوجني وقال الولي زوجتك أو فعلت فقد لزم النكاح بين الزوجين.
وإن لم يرض؛ يعني أنه يلزم النكاح بين الزوجين بتمام الصيغة وإن لم يرض كل من الزوجين بعد ذكر الصيغة بل قصد الهزل أولا قصد له لأن هزل النكاح جد وهذا هو المعتمد، ولو قامت قرينة على إرادة الهزل من الجانبين، وكذا الطلاق والرجعة، والقول بأن اللاعب لا شيء عليه خلاف المشهور. وفي الحديث: (ثلاث هزلهن جد وجدهن جد: النكاح والطلاق والرجعة
(1)
) وفي رواية: العتق وكان في الجاهلية يناكح ويقول كنت لاعبا وكذا في الطلاق والعتاق فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} .
(1)
ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، سنن الترمذي، كتاب الطلاق واللعان، رقم الحديث، 1184.
وروى عن مالك أن النكاح لا يجوز منه إلا ما كان على وجه الجد وهو خلاف المشهور، فما ذكره غير واحد أنه إذا علم الهزل ابتداء لا يلزم واقتصر عليه المشدالي والشيخ أبو الحسن الصغير خلاف المشهور كما علمت انظر الحطاب، واختلف في تمكينه منها مع إقراره على نفسه بعدم قصد النكاح حين الهزل، فقيل يمكن منها وقيل لا يمكن والقول بأنه يمكن منها هو الجاري على قوله وليس إنكار الزوج طلاقا، وقوله:"ولزم وإن لم يرض" سواء ادعى الهزل بعد الرضا أو ادعاه ابتداء.
ولما فرغ من الصيغة التي بدأ بها لقلة الكلام عليها شرع في بقية الأركان على ترتيبها في المتن، فقال: وجبر المالك أمه وعبدا؛ هذا شروع منه رحمه الله في بيان الولي وهو المالك والأب ووصيه وغيرهم على ما سيذكره؛ يعني أن السيد يجبر عبيدة على النكاح وبدأ به لقوته لأنه يجبرهم على النكاح ذكورا أو إناثا صغارا أو كبارا، كانت الأنثى ثيبا أو بكرا كان المالك ذكرا أو أنثى.
بلا إضرار؛ يعني أن المالك إنما يكون له الجبر إذا لم يكن في جبره ضرر بالعبيد ومثل المالك الأب والوصي ومقدم القاضي فلهم الجبر لرقيق المحجور إماء أو عبيدا على وجه النظر؛ لأنه قد يهرب فإذا زوجة لم يهرب وتسقط نفقة الإماء، وقال مالك فيمن أخدم أمته ومرجعها إلى حرية بعد الأجل: لا يزوجها إلا برضاها يريد ورضى المخدم. انتهى. ففهم منه أنه إذا أخدمها مدة ومرجعها إليه فليس له أن يزوجها إلا برضى المخدم والله سبحانه أعلم. قاله الحطاب.
لا عكسه أي عكس ما ذى من قوله: "وجبر المالك"، ومن قوله:"بلا إضرار" يعني أن السيد لا يجبر عبده مع الإضرار كتزويج أمة رفيعة من عبده الأسود وتزويج عبده بمن لا خير فيها وتزويجهما من ذوي عاهة كجذام وبرص، وهل يفسخ ولو ولدت الأولاد؟ وكذا لا يجبر العبد والأمة السيد على التزويج ولو حصل لهما الضرر ولو قصده بمنعهما النكاح كما لمالك وابن رشد، لكن يندب له أن يزوجهما أو يبيعهما لمن يزوجهما كما قال ابن رشد، قال عبد الباقي: إلا أن يخشيا الزنى فيجبر على البيع أو التزويج فيما يظهر لخبر: (لا ضرر ولا ضرار). انتهى.
وفي التوضيح: الظاهر أنه يؤمر بالتزويج أو البيع لقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار
(1)
) وقال الشارح: ابن عبد السلام: وقد اختلف المذهب هل يجب على الولد أن يزوج أباه إذا طلب ذلك الأب؟ وهل يلحق النكاح بالأقوات؟ وللشافعية في ذلك تفصيل، ونص بعض المتأخرين منهم على الوجوب حتى قال في الحيوان البهيمي: يجب إرسال الذكر على الإناث زمن الضراب، وعمدة أهل المذهب قوله عليه الصلاة والسلام: (للمملوك طعامه وشرابه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق
(2)
). الحديث خرج مخرج بيان حق المملوك على سيده ولم يتعرض للنكاح، فإن قيل قوله عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار
(3)
) يدل على وجوب النكاح إذ لا ضرر على المسلم أشد مما يحمله على الوقوع في الزنى، قلنا الضرر هو أن يمنع الإنسان مما هو واجب له أو يكلف ما ليس بواجب عليه وهذا هو أصل المسألة. انتهى.
وقال الأمير: ولا يجبر على زواجه أو بيعه ولو تضرر بعدم الزواج. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولا يجبر العبد والأمة المالك على أن يزوجهما ولو حصل لهما بترك التزويج الضرر كما هو مفاد كلام الشارح والتتائي، بل يفهم من كلامهم ومن كلام مالك وابن رشد أنهما لا يجبران السيد على تزويجهما ولو قصد بذلك إضرارهما. انتهى.
وقال الحطاب: قال في التوضيح: قال مالك في الموازية: وإن تبين أن العبد والمكاتب محتاجان إلى النكاح وأن السيد ضارٌ بهما فلا يقضى على السيد بنكاحهما. عبد الحميد: واختلف الناس في هذه المسألة وكان بعض الشيوخ يقول: الصواب عندي أن القول قول العبد لاشتداد الضرر به إذ ذاك ضرر في الدين، وكان بعض المذاكرين يقول انظروا إلى ما قاله ابن خويزمنداد في الحر إذا كان لا قدرة له على التسري وله حاجة إلى النكاح يخاف منها العنت أن النكاح يجب عليه، وإذا كان واجبا عليه فالعبد يشاركه فيها، ولأن بعض أصحابنا أوجبه للأب من ابنه. انتهى. والظاهر أنه يؤمر بالتزويج أو البيع لقوله عليه الصلاة والسلام:(لا ضرر ولا ضرار). انتهى. كلام الحطاب.
(1)
الموطأ، كتاب الأقضية، رقم الحديث، 1461.
(2)
للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث، 1662.
(3)
الموطأ، كتاب الأقضية، رقم الحديث 1461.
وسئل مالك عن العبد يشكو العزبة [فيسأل]
(1)
سيده أن يبيعه لذلك ويقول وجدت موضعا؟ قال: ليس ذلك على سيده [أن يبيعه]
(2)
ولو جاز ذلك لقال ذلك الخدم. قال ابن رشد: وهذا كما قال أنه ليس على الرجل واجبا أن يبيع عبده ممن يزوجه إذا سأله ذلك وشكا العزبة، وإنما يرغب في ذلك ويندب، وليس امتناعه من الضرر الذي يجب به بيعه عليه كما ليس عليه أن يزوجه واجبا إذا سأله ذلك لأن قول الله عز وجل {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} ليس هو على الوجوب إنما هو أمر بالإنكاح على سبيل الحض والترغيب، وإنما يباع عليه إذا تبين ضرره في تجويعه وتعريته وتكليفه من العمل ما لا يطيق وضربه في غير حق إذا تكرر ذلك منه وكان شديدا منْهِكًا وهذا مما لا أعلم فيه اختلافا. انتهى. والنهك المبالغة في العقوبة قال في الصحاح: نهكهَ السلطان عقوبة ينهكه نهكا ونهكة إذا بالغ في عقوبته. انتهى. والله أعلم. قاله الحطاب.
فرع: قال الشيخ أبو الحسن ولا يجوز لأحد أن يزوج الأمة لطول غيبة سيدها أو لعضلها انتهى قاله الحطاب.
ولا مالك بعض؛ يعني أن ما تقدم من أن المالك يجبر الأمة والعبد إنما هو بالنسبة إلى مالك الجميع، وأما مالك البعض فلا جبر له سواء كان الجزء الآخر يسيرا أو كثيرا، وسواء كان حرا أو ملكا لغير، فإذا اتفق مالكان فأكثر على الجبر فلهما أولهم ذلك كحكم المالك الواحد.
وله الولاية والرد يعني أن مالك البعض وإن انتفت عنه الولاية الخاصة التي هي الجبر له الولاية العامة؛ إذ لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم فإذا تزوج العبد أو الأمة بغير إذنه فله الرد والإجازة في العبد ويتحتم الرد في الأمة على المشهور. قاله عبد الباقي. قال محمد بن الحسن: هذا في المشتركة ظاهر، وأما في المبعضة فجزم الحطاب بتحتم الرد فيها كالمشتركة، وأخذه من قول ابن الحاجب وشارحيه: مالك البعض كمالك الجميع في الولاية والرد قائلا إذ غايتها أن تكون كأحد الشريكين في الأمة، واعترضه الرماصي بأن كلامهم لا يؤخذ منه ذلك وأن قوله إذ
(1)
في النسخ فسأل والمثبت من (الحطاب) ج 4 ص 237 والبيان ج 9 ص 317.
(2)
ما بين المعقوفين ليس في البيان.
غايتها إلى آخره فيد نظر إذ المشتركة فيها الجبر عند اجتماع الشركاء عليه والمعتق بعضها لا جبر فيها أصلا، قال فلا المتيطية: وإن كان نصفها حرا ونصفها رقا لم تزوج إلا بإذن سيدها، ولا لسيدها أن يزوجها إلا بإذنها وأن ظاهر كلامهم عدم تحتم الرد فيها، وقد نص عليه في المدونة في الكاتبة فأحرى المبعضة: ولم يذكر في المدونة تحتم الرد إلا في الأمة المشتركة يزوجها أحد الشريكين. انتهى. وفيه نظر، لأن قولهم كمالك الجميع ظاهر فيما قاله الحطاب؛ لأن مالك الجميع يجبر فإذا تزوجت أمته أو زوجت بغير إذنه وجب الفسخ ولا دليل له فيما نقله من كلام المتيطية، ولا نسلم ما ادعاه من الأحروية لأن المكاتبة أحرزت نفسها فهي أقوى من المبعضة. انتهى. قوله "وله الولاية والرد" لا يخفى أن الرد ليس فيما للولاية بل هو قسم منها، وقسمها الآخر الإجازة، ولم يكتف عن الرد بذكر الولاية لأنه لا يلزم من الولاية الرد كما يأتي في قوله:"وبأبعد مع أقرب"، قال في المدونة: فإن عقد للأمة أحد الشريكين بصداق مسمى لم يجز وإن أجازه السيد الآخر ويفسخ وإن دخلت، ويكون بين السيدين الصداق المسمى إن دخلت، فإن نقص عن صداق المثل أتم للغائب نصف صداق المثل إن لم يرض بنصف التسمية وقد علمت أن تحتم الفسخ في الأمة هو المشهور، ومقابل المشهور الجواز والمشهور ومقابله روايتان. انظر الحطاب. وعلى المشهور أنه لا بد من فسخه فإن فسخ قبل البناء سقط الصداق عن الزوج ورجع به إن استهلكته أو بما نقص إن تجهزت به ولم يساوه الجهاز على الذي زوجة إن غره ولم يعلمه أنه شريك، يريد ويأخذ الجهاز، وإن فسخ بعده فإن أجازه الشريك فإنما له نصف المسمى، وإن لم يجزه أو أجازه ولم يرض بالصداق فالمشهور أن له الأكثر من المسمى وصداق المثل، ويرجع الزوج بالزائد على الذي زوجة إن غره بأن قال هي حرة أو هي لي وحدي، والشاذ لأشهب إنما له نصف المسمى.
ابن المواز: ولا شيء للعاقد من الصداق إن غره، بأن قال: هي حرة أو قال هي لي وحدي، قال الشيخان أبو محمد وأبو الحسن: وإذا رجع على الغار بما دفع إليه ترك له ربع دينار، وقيل لا يترك له شيء وهذا إذا رضي الشريكان بقسم المال، وإن أبى أحدهما فعلى الزوج أن يكمل لها
صداق المثل على المشهور ويكون بيدها، فإذا اقتسماه رجع على الذي زوجة منها بما استفضل في نصفه إن لم يكن غره وبجميع الزيادة وإن غره كما ذكرنا. انتهى. قاله الحطاب.
والمختار ولا أنثى بشائبة؛ يعني أنه اختلف هل للسيد أن يجبر من فيه عقد حرية بتدبير أو كتابة أو عتق لأجل أو استيلاد؟ فقيل له إجبارهم وقيل ليس له إجبارهم وقيل ينظر إلى من ينتزع ماله فيجبرهم ومن لا فلا وقيل له إجبار المذكور دون الإناث، قال اللخمي: والصواب منعه من إجبار المكاتب والمكاتبة بخلاف المدبر والمعتق لأجل إلا أن يمرض السيد في المدبر أو يقرب الأجل في المعتق لأجل ويمنع من إجبار الإناث كأم الولد والمدبرة والمعتقة لأجل. قاله الشيخ محمد بن الحسن وغيره. واعتُرِضَ قوله: "المختار"؛ لأن هذا اختيار له من عند نفسه وليس واحدا من الأقوال الأربعة، وأجيب بأن تفصيل اللخمي لما كان غير خارج عن الأقوال الأربعة عبر بالاسم لذلك. انظر حاشية الشيخ بناني. ووجه القول الأول أنهم على الرق ولم يصيروا إلى الحرية بعد ووجه القول الثاني الشبهة التي لهم من الحرية بالعقد الذي عقد لهم، ووجه القول الثالث أنه إذا لم يملك أن ينتزع ماله فأحرى أن لا يعقد عليه فيما يتعلق بالجسم، ووجه القول الرابع أن المذكور بأيديهم الطلاق فيحلوا عن أنفسهم إذا صاروا إلى العتق ما عقد عليهم بخلاف الإناث، وقوله: من لا ينتزع ماله كالمكاتب والمكاتبة مطلقا وأم الولد والمدبر والمدبرة إذا مرض السيد في الثلاثة والمعتق لأجل والمعتقة إلى أجل إذا قرب الأجل. انظر الشارح. في كبيره هنا. وقال الإمام الحطاب عند قول المصنف "والمختار ولا أنثى بشائبة": ومكاتب وحيث انتفى إجبار السيد عنهم فلا تنتفي ولايته عنهم. انتهى. وقال الشيخ عبد الباقي عند قوله "ولا أنثى بشائبة": من حرية غير التبعيض كأم ولد ويتحتم رد نكاحها بتزويجه لها جبرا أو زوجها غيره بغير إذنه على المذهب. وقوله: في باب أم الولد: وكره له تزويجها وإن برضاها، الواو للحال. انتهى. قوله: ويتحتم رد نكاحها، قال الشيخ بناني: هذا على إحدى الروايتين في أم الولد بعدم الجبر، قال في المتيطية: وحكى عبد الوهاب في إجبارها أي أم الولد روايتين إحداهما الجبر ونحوه في المدونة والأخرى نفيه، ورواه يحيى عن ابن القاسم، والفتيا: أنه إذا أنكحها من غيره مضى ولم يفسخ. انتهى. ونحوه لصاحب المعيار وابن عرفة، فقد ظهر أن الجبر في أم الولد أرجح وبه الفتوى
وعليه درج المؤلف في أم الولد فلا تكون الواو للحال، وإن كان درج هنا على مختار اللخمي انتهى، وقوله:"والمختار" مبتدأ حذف خبره أي المختار ما يذكره عقبه. انتهى. قاله أحمد. قاله عبد الباقي. وقوله: "ولا أنثى بشائبة"، قال الشيخ عبد الباقي: بالرفع معطوف على "مالك". انتهى. قال الشيخ بناني: لا يصح هذا إلا بتقدير مضاف أي ولا مالك أنثى. انتهى. وقال عبد الباقي: ويصح في أنثى وما عطف عليه الجر إما بالعطف على المضاف إليه أي ولا مالك أنثى ومكاتب، وجعل الولي مالكا باعتبار ما كان أو بطريق التغليب، وإما على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره أي ولا ولي أنثى، فإن قلت لم قدم قوله:"والمختار"، ولم لما ذكره عقب المخرج والمخرج منه، وقال على المختار؟ فالجواب أنه لو أخره لاقتضى ذلك أن الاختيار في المخرج فقط وليس كذلك. انتهى.
ومكاتب؛ يعني أن المختار عند اللخمي أن المكاتب المذكر كالأنثى ذات الشائبة فلا يجبره لأنه أحرز نفسه وما له، ولا يدخل في قوله: بشائبة المبعضة لتقدم الكلام عليها بل هي داخلة في قوله: ولا مالك بعض. بخلاف مدبر؛ يعني أن اللخمي اختار في المدبر المذكر أن للسيد جبره، وأما المدبرة الأنثى فقد تقدم أن اللخمي قال: الصواب أنها لا تجبر فهي داخلة في قوله: "ولا أنثى بشائبة"، فقول عبد الباقي شخص مدبر ذكرا أو أنثى غير صحيح لما عرفت.
ومعتق لأجل؛ يعني أن اللخمي اختار أن السيد يجبر المعتق لأجل المذكر على النكاح، وأما الأنثى المعتقة لأجل فقد تقدم أن اللخمي قال: الصواب أنها لا تجبر فهي داخلة في قول المصنف: "ولا أنثى بشائبة"، فقول عبد الباقي: وشخص معتق لأجل ذكرا أو أنثى غير صحيح. كما قاله الشيخ بناني. وقال الشيخ الأمير: لا فرق بين المذكر والأنثى على التحقيق. انتهى؛ يعني في المدبر والمعتق لأجل. والله أعلم. وهذا وإن كان هو التحقيق على قول الأمير لا يوجب صحة ما لعبد الباقي هنا.
إن لم يمرض السيد؛ يعني أن محل كون السيد يجبر المدبر إنما هو حيث لم يمرض السيد مرضا مخوفا وإلا فلا يجبره على ما اختاره اللخمي. أو يقرب الأجل؛ يعني أن محل جبر السيد للذكر المعتق لأجل إنما هو حيث لم يقرب الأجل أي الزمن الذي يتحرر عنده، وإلا فلا يجبره على ما
اختاره اللخمي، وبقي على المصنف شرط آخر صرح به اللخمي من جملة اختياره وهو أن لا يجعل عليهما من الصداق ما يضر بهما في المطالبة إذا عتقا، وفي حد قرب الأجل بالأشهر أو الشهر قولا مالك وأصبغ وهو يقتضي ترجيح الأول لعزوه لمالك، ومنع اللخمي الجبر في الإناث المتقدمة لأن عقد نكاحهن بيع لما يكون من الاستمتاع الآن وبعد العتق، وما بعد العتق لا حق له فيه وليس لهن حل ذلك العقد إذا صرن إلى الحرية، واختار الجبر فيمن ينتزع ماله من الذكور كالمدبر والمعتق لأجل ما لم يمرض السيد أو يقرب الأجل؛ لأن الطلاق بأيديهما إذا صارا إلى الحرية، وليس لأحد من جميع من ذكر أن ينكح إلا بإذن سيده، فلو تزوج المكاتب بغير إذن مكاتبه فلسيده الرد والإمضاء وكذا المكاتبة.
ثم أب عطف على فاعل جبر وهو المالك؛ يعني أنه إذا لم يكن سيد فإن الكلام يكون للأب إن كان، فتارة يكون له الجبر وتارة لا يكون له الجبر وإنما تكون له الولاية، ولا كلام له مع وجود السيد على كل حال، قال عبد الباقي: وإنما يكون له الجبر إذا كان رشيدا وإلا فالمجبر وليه، فإن لم يكن له ولي جرى في ابنته الخلاف الذي سيذكره في باب الحجر بقوله:"وتصرفه قبل الحجر محمول على الإجازة عند مالك لا ابن القاسم" كذا ينبغي. انتهى. قوله: وإلا فالمجبر وليه الخ، مثله في الخرشي وفيه نظر ويأتي في قوله:"وعقد السفيه" لخ أنه لا جبر لوصي الأب بل يجبر السفيه ابنته إن كان ذا عقل ودين. وإن كان ناقص التمييز خص بالنظر في تعيين الزوج وصية وتزوج ابنته كيتيمة، واختلف فيمن يلي العقد هل الوصي أو الأب ولو عقد حيث يمنع نظر فإن حسن إمضاؤه أمضاه وإلا فرق بينهما. قاله البناني. وقوله: فإن لم يكن له ولي جرى الخ مخالف لما في الطرر من أنه إذا لم يكن مولى عليه وهو ذو رأي لا خلاف في أنه يجوز له أن يزوج ابنته البكر قبل البلوغ وأخته ومولاته. انظر الرهوني. وللرشيد جبرها ولو لقبيح منظر أو أعمى أو أقل حالا منها أو مالا أو بما يحل به البضع وإن كان صداقها ألف دينار ولا كلام لها ولا لغيرها. رواه ابن حبيب عن مالك. ويفيده الاستثناء الآتي وليس غيره من الأولياء مثله، ولا يعارض هذا ما يأتي من أنه يجوز الرضى بدونه للوصي قبل الدخول لأن ما هنا قبل العقد وما يأتي بعده.
وجبر المجنونة هذا بيان لمن للأب جبرها؛ يعني أن الأب يجبر المجنونة المطبقة التي لا تفيق بكرا كانت أو ثيبا ولو ولدت الأولاد ولو كان لها ولد؛ لأن الولد لا يجبرها وتزوج بالمصلحة ولا تزوج من المجنون لأن المجنونين لا يجتمعان. قاله أبو علي. فإن كانت تفيق انتظرت إفاقتها حيث كانت ثيبا بالغا وإلا فلا تنتظر إفاقتها. ابن عبد السلام: ولا ينبغي خصوصية الأب بالجبر بل مثله القاضي في ذلك بعد موته، وفي شرح العمدة لمصنفها: ولا يزوج غير الأب من الأولياء إلا بالإذن ومن لا إذن لها كالمجنونة لا يزوجها إلا من له ولاية الإجبار أو الحاكم، والبلوغ المعتبر في الإذن بلوغ المحيض أو بلوغ ثمان عشرة سنة، واختلف في الإنبات فاعتبره ابن القاسم في المحتاجة لدفع الضرر ولم يعتبره ابن حبيب، وقال: إن زوجت فسخ وإن بنى بها، وقال غيره: لا يفسخ لأنه مختلف فيه. قاله الإمام الحطاب.
والبكر يعني أن الأب له أن يجبر ابنته البكر ويستحب للأب استئذانها، قال ابن العربي: بواسطة لأنها إن استحيت من ذكر النكاح مرة استحيت من ذكره مع أبيها مرارا وقال فيها قوله في الحديث (آمروا النساء في بناتهن
(1)
) هذا غير لازم بالإجماع وإنما هو مستحب فربما يكون عند أمها رأي صدر عن علم بها أو بالزوج ولأنها إذا كان برضاها حسنت صحبة زوج ابنتها. قاله الإمام الحطاب.
وفي كبير الشارح: لا خلاف عندنا أن الأب يجبرها إذا كانت صغيرة. قاله صاحب المنتقى. واستدل على ذلك بما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين، ومكثت عنده تسعا. ابن عبد البر: ولها الخيار عند العراقيين إذا بلغت ولا خيار لها عند فقهاء الحجاز، قال: وأما البالغ فلا يختلف أصحابنا أنه يملك عليها الإجبار وهذا مذهب أكثر أهل العلم، وخالف في ذلك جماعة وقالوا: ليس له جبرها ولكل من الفريقين حجج من السنة تمسك بها. ففي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الثيب أحق بنفسها من وليها
(1)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2095.
والبكر تستأمر وإذنها سكوتها
(1)
)، فقال الجمهور: المراد بالبكر هنا اليتيمة لما خرجه أبو داوود من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تستأمر اليتيمة فإن سكتت فهو إذنها فإن أبت فلا جواز عليها
(2)
)، فهو مبين لحديث ابن عباس، وقال الآخرون: لا إجمال في الأول بل هو باق على عمومه فلا يحتاج إلى تفسير. والثاني جاء في بعض صور الأول ولم يتعرض لبعضها بنفي ولا إثبات، ورجحوا ذلك بأن طريق ابن عباس مما خرجه مسلم: (يستأمرها أبوها في نفسها
(3)
)، وأجيب بأن أبا داوود لما ذكر الحديث قال أبوها ليس بمحفوظ وتقييده في رواية أبي هريرة الاستيمار باليتيمة يدل على نفي الحكم عما عداها.
ولو عانسا يعني أن الأب له أن يجبر ابنته البكر ولو كانت عانسا وهي رواية محمد عن مالك، وروى ابن وهب عنه أنه لا يجبرها وبرواية محمد القضاء وعليها العمل. قاله المتيطي. قاله الشارح. والعانس هي التي طالت إقامتها عند أهلها وعرفت مصالح نفسها قبل الزواج، وهل سنها ثلاثون سنة أو ثلاث وأربعون أو خمس وأربعون أو أربعون أو خمسون؟ أقوال بل يجبرها ولو زادت على حد التعنيس المذكور، ويجبرها في غير ما يستثنية لكل أحد ولو لغير لائق ولو أضر بها ذلك لأن شأن الأب الحنان ولو لم يوجد بالفعل، بخلاف السيد في أمته ولذا قال هناك:"بلا إضرار"، وقال هنا: إلا لكخصي يعني أن ما ذكر من كون الأب يجبر البكر عانسا أم لا مشروط بعدم الضرر الذي يثبت به الخيار، فأما إن كان في ذلك ضرر موجب له كما إذا زوجها من مجبوب أو خصي أو عنين فلا يجبرها ولها الخيار إن جبرها، وهذا قول سحنون وهو الأصح كما قال: على الأصح يعني أن هذا القول صححه الباجي واختاره اللخمي أيضا، فلو قال: على المختار والأصح لكان أولى. قاله الشيخ بناني. ومقابله لابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ يلزمها ذلك إذا كان على وجه النظر علمت به أو لم تعلم. قاله الشارح. والخصى هو مقطوع الذكر قائم الانثيين أو مقطوع الانثيين قائم الذكر، وقيد مقطوع الانثيين قائم الذكر بأن لا يمني وأما إن
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1421.
(2)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2093.
(3)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، 1424.
كان يمني فله جبرها عليه. قاله الشارح. عبد الباقي: ودخل بالكاف كل عيب يوجب الخيار فلا يجبرها لمن هو متصف به، وظاهره ولو كانت بها ذلك. وانظر ما قاله هنا مع قوله وللأم التكلم في تزويج الأب الخ. قاله الحطاب.
والثيب إن صغرت يعني أن الأب يجبر الثيب الصغيرة ثيبت بنكاح صحيح أو فاسد، وأما بعارض أو بحرام فيجبرها إن بلغت كما سيذكره فإن ثيبت وتأيمت قبل البلوغ ثم بلغت قبل النكاح فلا تجبر. قاله ابن القاسم وأشهب. واستحسنه اللخمي وصوبه، ومقابله لسحنون يجبرها مطلقا. قاله الشيخ بناني. وقوله:"والثيب إن صغرت". ابن شأس: ولاية الإجبار في الأب معلولة بعلتين: الصغر والبكارة، فيجبر الصغيرة وإن كانت ثيبا والبكر وإن كانت بالغا. قاله الشارح. وقوله:"والثيب إن صغرت" ما ذكره من أنه يجبر الثيب الصغيرة هو قول أشهب في كتاب محمد، وقال أبو تمام: لا يجبرها قاله الشارح.
أو بعارض يعني أن الأب كما يجبر الثيب الصغيرة يجبر الثيب البالغة التي ثيبت بعارض كوثبة أو عود دخل فيها ونحو ذلك من غير الجماع. ابن عبد السلام: ولا أعلم في ذلك خلافا. قاله الشارح. قال: وهذا لأن حياءها وجهلها بالمصالح باق على ما كان عليه قبل الثيوبة، ومنهم من منع تسمية هذه بالثيب. أو بحرام يعني أن الأب يجبر الثيب البالغة التي ثيبت بحرام من زنى أو غصب ولو ولدت، ويقدم الأب على الابن هنا والقول بجبر الثيب المبالغة التي ثيبت بالزنى هو مذهب المدونة، وعدم الجبر لابن الجلاب وحكاه في المنتقى عن ابن عبد الحكم. قاله الشارح. وقال عبد الوهاب: إن لم تكرر الزنى جبرها وإن كررته لم يجبرها لانكشاف جلباب الحياء عنها بتكرر الزنى. قاله الشارح.
وهل إن لم تكرر الزنى؛ يعني أنه اختلف الشيوخ في فهم المدونة، هل قول عبد الوهاب بعدم الجبر حيث كررت الزنى تفسير لها أو خلاف؟ ابن عبد السلام: والظاهر أنه خلاف. قاله الشارح. وقوله: تأويلان؛ مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، وحينئذ فتقرير المصنف أن تقول: وهل قول المدونة باق على إطلاقه؟ أي سواء تكرر منها الزنى أم لا، فقول عبد الوهاب:
خلاف، أو مقيد بما لعبد الوهاب. قاله غير واحد. قال الشيخ بناني: ظاهر المدونة الجبر مطلقا وصرح الفشتالي بأنه المشهور.
تنبيهات: الأول قد تقدم أن إجبار الأب معلل بعلتين: البكارة والصغر، فلذلك يجبر الثيب وإن صغرت والبكر وإن بلغت، وأما الثيب البالغ التي ثيبت بعارض فلأن حياءها وجهلها بالمصالح باق على ما كان عليه قبل الثيوبة كما مر، واختلف في علة إجبار من ثيبت بالزنى، فمنهم من يقول إن رفع الجبر بالثيوبة إنما هو لزوال الحياء والانقباض الذي يكون في البكر وهو منتف في الزني بها لأن الحياء يغلب عليها أشد من غلبته على البكر لقبيح ما ركبته أو للعار الذي يلحقها ويزهد في مثلها فوجب بقاء الإجبار. نقله ابن يونس عن القاضي عبد الوهاب. ابن محرز: وقيل لأنها تتهم أن تكون قصدت رفع ولاية الأب عنها بما أحدثت فلم تمكن من ذلك، وهذا ينتقض بما لو زوجت نفسها بغير ولي ودخل بها الزوج فإنها تتهم وترتفع ولايته عنها بذلك. قاله الشارح. الثاني: قال الشيخ عبد الباقي: إن مقتضى كلام الحطاب أن التأويلين فيمن كررت الزنى حتى اشتهرت به وحدت فيه، وكلام الفاكهاني يقتضي اعتبار كثرته منها جدا. قاله علي الأجهوري. أي وظاهره وإن لم تكن حدت فيه. انتهى. وكلام الحطاب الذي أشار إليه هو ما نصه: قال في العارضة هذا إذا كانت مشهورة محدودة، وأما إذا كانت مستورة فلا يجوز أن يرتب نكاح على ما لم يثبت بل يجب الحد على من ذكره. والله أعلم. انتهى.
الثالث: بقي على المصنف ثيب كبيرة ثيبت بنكاح تجبر وهي التي ظهر فسادها وعجز وليها عن صونها فإن الأب يجبرها أيضا على النكاح، وكذا غيره من الأولياء لكن الأحسن رفع غيره من الأولياء للحاكم، فإن زوجها دون رفع مضى. ذكره التتائي عن ابن عرفة عن اللخمي. ولم يذكر ابن عرفة مقابله وظاهره اعتماده عليه قاله الشيخ عبد الباقي. قال: وسيأتي عند قول المصنف: "وزوج الحاكم" ما يخالف هذا. انتهى. قوله: فإن زوجها دون رفع الخ قال الشيخ بناني: نحوه في المواق عن اللخمي عند قوله: "ثم لا جبر". انتهى.
الرابع: إنما عدل المصنف عن الضمير إلى الظاهر حيث قال: وهل إن لم تكرر الزنى ولم يقل وهل إن لم تكرره لأن الحرام يشمل الغصب؟ فيوهم جريان الخلاف فيه وليس كذلك، فلذلك عدل عن الضمير إلى الظاهر إذ المغتصبة يجبرها من غير خلاف. قاله الشيخ إبراهيم.
لا بفاسد؛ عطف على قوله: "أو بعارض" يعني أن الثيب البالغ التي ثيبت بنكاح فاسد وفسخ نكاحها أو طلقت أو مات عنها الزوج لا تجبر على النكاح، سواء كان النكاح الفاسد مختلفا في فساده أو مجمعا عليه إن درأ الحد تنزيلا للفاسد منزلة الصحيح للحوق الولد فيه ودرء الحد وعدتها ببيت الزوج الذي كانت تسكنه. وإن سفيهة؛ يعني أنه لا يجبر الثيب السفيهة البالغة التي ثيبت بنكاح لأنه لا يلزم من ولاية المال والنظر فيه ولاية النكاح فحكم السفيهة وغيرها في ذلك سواء وهذا هو المعروف، وحكى المتيطي قولا بأنه يجبرها، وحكم النكاح الذي لا يدرأ الحد كحكم الزنى وقد تقدم.
وبكرا رشدت، قال الشيخ أبو علي بكرا بالنصب: عطف على مقدر أي لا ثيبا بفاسد وبكرا رشدت؛ يعني أن البكر التي رشدها أبوها بعد البلوغ بقوله أنت مرشدة أو أطلقت يديك أو رشدتك ونحو ذلك لا تجبر على النكاح ويثبت ترشيدها بإقرار أو بينة إذا أنكر وسيأتي أنه لا بد من نطقها. وقوله: "رشدت"، قال عبد الباقي: ولو قبل بلوغها. انتهى. قال بناني: هو غير صحيح إذ الرشد من لوازمه البلوغ، وقد قال الحطاب عند قوله الآتي:"كبكر رشدت": يعني بعد البلوغ. قاله في معين الحكام. انتهى. قال الشيخ الأمير عاطفا على من تجبر: وبكرا وإن مسنة ما لم يرشد بالغة. انتهى. قال في الشرح بأن يقول لها ولو قبل البلوغ أمرك لك مثلا. انتهى. معناه والله أعلم رشدها قبل وبلغت عند الزواج وهو مخالف لما مر. قاله مقيده. وقوله: "وبكرا رشدت" قال الشيخ الخرشي: وأما معاملتها فإنه يحجر عليها فيها، قال الشيخ بناني: وكتب عليه السناوي أنه غير صحيح لأن الرشد لا يتبعض فيكون في أمر دون أمر. انتهى. وما ذكره المصنف في البكر المرشدة هو المشهور كما قاله المتيطي فلا يجبرها أب ولا غيره من الأولياء، وقيل تجبر وصوبه الشيخ أبو عمر بن عبد البر لبقاء بكارتها وعلى المشهور فلا بد من نطقها وقيل إذنها صماتها. قاله الشارح.
أو أقامت ببيتها سنة يعني أن المرأة إذا أقامت ببيتها الساكنة فيه مع زوجها مدة طويلة كسنة من دخول الزوج بها، ثم طلقها الزوج وهي بالغة فإنها لا تجبر على النكاح، وسواء أقرت بالمسيس ولو وافقها الزوج على ذلك، وحد بعضهم الطول بالعرف. قاله أبو علي. فقوله: وأنكرت أي المسيس أي وكذا لو أقرت بالمسيس بطريق الأحروية، وإنما قيد به ليفيد أنه لا يجبرها مع الإقرار بالمسيس فيما دون السنة، ويجبرها مع إنكار المسيس فيما دون السنة، وقيد في التوضيح الجبر فيما دون السنة بإقرارها بعدم المسيس قبل العقد، ولا يصدق في ذلك الأب ليلا يؤدي إلى إنكاح الأب الثيب بغير أمرها، وإقرارها بقرب العقد كإقرارها قبله كما في البيان، ومفهوم بيتها أنه إذا علم عدم الخلوة بها وعدم الوصول إليها فلا يرتفع إجبار الأب عنها ولو أقامت على عقد النكاح أكثر من سنة وهو كذلك كما في المدونة، وقوله:"أو أقامت ببيتها سنة" اشترط في المدونة أن تكون شهدت مشاهد النساء وأسقط هو ذلك كابن الحاجب، قال في التوضيح: لابد منه وكأنه رآه وقع في المدونة تفسيرا لأن طول الإقامة مظنة ذلك. قاله الشيخ بناني. والسر في السنة هو أن معاشرة الأزواج وما تحتاج النساء إلى معرفته من ذلك لا يحصل لهن دفعة واحدة ولا في فصل واحد من فصول السنة، ألا ترى أن المآكل واللابس أو أحوال النوم تختلف في السنة ولا بد للمرأة من معرفة ذلك؟ ورأى في المدونة أن السنة يرجع إلى التحديد بها في غير موضع، كالاعتراض والعهدة والشفعة وتأخير القصاص في الجرح وغير ذلك. قاله الشارح.
وجبر وصي أمره أب به لما أنهى الكلام على الأب أتبعه بالكلام على نائبه؛ يعني أن الوصي إذا أمره الأب بجبر بناته عنى النكاح فإن له أن يجبر تلك البنات التي أمره أبوهن بجبرهن، ومثل وصي الأب وصي وصية وإن بعد فالضمير في به يرجع على الجبر المدلول عليه بالفعل نحو {اعْدِلُوا هُوَ} أي العدل {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} أي الشكر وقوله أمره أب به أي صريحا كاجبرهن أو ضمنا كزوجهن صغارا وكبارا أو زوجهن قبل البلوغ وبعده. قاله غير واحد. أو عين الزوج يعني أن الوصي له أن يجبر بنات الموصي بضم الميم وكسر الصاد على النكاح فيما إذا أمره الأب بالجبر كما علمت، وفيما إذا عين له أي للوصي الزوج، فإذا عين له زيدا مثلا فإن الوصي يجبر عليه بنت الموصي، ولو كان هذا الذي عين ذا زوجات أو سراري ولو طرأ ذلك وكان حين
الإيصاء عزبا فيلزمها ويلزم الولي فلان المعين إن فرض هذا المعين مهر المثل ولم يكن فاسقا وإلا لم يلزمهما. وفي اللخمي والإجبار يختص بالأب أو بمن أقامه الأب في حياته أو بعد مماته إذا عين الأب الزوج الذي يزوج ابنته منه. قاله الشارح.
وإلا فخلاف يعني أن الوصي إذا لم يأمره الأب بالجبر ولا عين له الزوج فإنه اختلف هل له الجبر حينئذ أولا؟ هذا ظاهره، وقال الشيخ عبد الباقي شارحا للمصنف: وإلا يأمره بالجبر ولا عين له الزوج بل قال له زوجها ممن أحببت، أو زوجها أوأنت وصي على بناتي أو على بضع بناتي أو على بعض بناتي إذ البعض مبهم فخلاف في الجبر وعدمه في الصيغ الخمس، والراجح الجبر في الجميع إذا أتى في الصيغتين الأوليين بلفظ التزويج كما مر أو بلفظ الإنكاح وإلا لم يجبر، وإن قال وصي فقط أو على ما لي فلا جبر اتفاقا. قاله ابن عرفة. لكن لو زوج فالظاهر أنه يمضي: وهل مثل ذلك ما إذا قال وصي على كل شيء. أو يجبر وهو الظاهر؟ وانظر أيضا لو قال وصي على أولادي فهل كذلك أو لا جبر له؟ وأما إذا أوصاه على تركته أو قبض ديونه فليس له الجبر، لكن لو زوج صح كما يأتي. انتهى.
قوله: والراجح الجبر في الجميع، قال الشيخ بناني: فيه نظر، بل ظاهر كلامهم أن الراجح عدم الجبر وصرح بذلك الشيخ ابن رحال، وقوله: في الجبر وعدمه في الصيغ الخمس، قال الشيخ بناني: فيه نظر، فلم أر الخلاف في التشهير إلا في صورة واحدة مما ذكره وهي ما إذا قال زوجها ممن ترضاه، لترجيح القلشاني للجبر في زوجها ممن أحببت، وترجيح أبي الحسن لعدم الجبر في زوجها ممن ترضاه، ونص أبو الحسن على أنه لا جبر في وصي فقط أو وصي على بضع بناتي أو على تزويجهن، فيجب حمل كلام المصنف على هذه الصورة هنا فقط؛ يعني زوجها ممن أحببت بناء على أن الترجيح يكون به التشهير كما ذكره الحطاب في الخطبة، وقد ذكر ابن عرفة في أنت وصي على إنكاح بناتي قولين بالجبر لمحمد وعدمه لابن حبيب، لكن لعدم التشهير لا يصح إدخالها في كلام المصنف، وأما الخلاف الذي ذكره الشيخ سالم وهو قول اللخمي: المعروفُ من قول مالك الجبرُ، وقال عبد الوهاب: لا جبر إلى آخره، فقال الرماصي: إنما محله إذا أمر الأب بالإجبار نصا أو التزاما، كأن يقول له: زوجها قبل البلوغ وبعده كما
أفاده كلام المتيطي وغيره، فلا يشرح به قوله:"وإلا فخلاف"، خلافا له. انتهى. والشيخ سالم تبع في ذلك الشارح. والله سبحانه أعلم.
وهو في الثيب ولي يعني أن الوصي في الثيب ولي من أوليائها يزوجها برضاها، وهو في مرتبة الأب يقدم على ابنها حيث كانت في حجر الوصي وإلا قدم ابنها عليه، فيها وإن زوج ولي الثيب جاز على الوصي كجوازه للأخ على الأب، وإن زوجها الوصي جاز على الولي.
تنبيهات: الأول: قوله: "وهو في الثيب ولي" ذكر الشيخ أبو علي في المسألة ثلاثة أقوال، أحدها وهو المشهور لأنه قول مالك وأصحابه المدنيين والمصريين أنه بمنزلة الأب يقدم على الابن إلا أن تكون غير محجورة، الثاني أنه كأحد الأولياء، الثالث لا ولاية له. وقال الإمام الحطاب: وهل يقدم - يعني الوصي على الولي - أو يقدم الولي عليه قولان، والقول بتقديم الوصي قال فضل هو قول مالك وأصحابه المدنيين والمصريين. انتهى. وقال ابن سلمون: وصي الأب أولى من الأولياء في مذهب مالك وابن القاسم، ويشاور الولي. انتهى. وقال عبد الوهاب: وصي الأب مقدم في البكر البالغ بإذنها وفي الثيب إسوتهم، وقيل هو أحق من الأولياء وليس له جبر. قاله الشارح.
الثاني لو رشد الوصى المحجورة بقيت ولايته عليها قال في التحفة:
وإن يرشدها الوصي ما أبي
…
فيها ولاية النكاح كالأب
ونقل ابن الناظم أن المتيطي نقل ذلك عن سماع أصبغ وابن القاسم وأشهب معترضا بذلك على ابن رشد حيث لم يقف على الرواية، فإنه قال: لو رشدت محجورة فلا نص والظاهر بقاء ولايته. نقله الشيخ بناني.
وصح إن مت فقد زوجت ابنتي بمرض يعني أن النكاح يصح في هذه المسألة وإن كان فيها الفصل بين الإيجاب والقبول بالزمن الكثير للإجماع على جوازها وصحتها، وهي ما إذا قال الأب في مرضه إن مت فقد زوجت ابنتي من فلان وقيل فلان بعد موت الأب المزوج، قال المصنف: لولا الإجماع لكان القياس المنع؛ لأن المرض قد يطول فيتأخر القبول عن الإيجاب السنة ونحوها، وهذه المسألة من وصايا المسلمين المجمع على إجازتها، وقوله:"بمرض" متعلق بقول مقدر كما
قررت، وجملة الشرط وجوابها هي المقول، ومفهوم بمرض أنه لو قال ذلك بصحته لم يصح النكاح وهو قول ابن القاسم وأصبغ وابن المواز، وصوبه ابن رشد وأجازه أشهب، وقوله:"إن مت فقد زوجت ابنتي بمرض"، محل الصحة حيث مات من مرضه الذي قال فيه ذلك، وأما إن صح من مرضه الذي قال فيه ذلك فتبطل وصيته، وفهم من التعليل بالإجماع أن السيد إذا قال ما ذكر في أمته بمرض ليس الحكم كذلك فتبطل الوصية، وهو كما أفهم فلا تقاس عليها لانتقال الملك للوارث. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقال الشيخ أبو علي: وقد اختلف إذا قال الرجل في حياته إن فعل كذا فقد زوجته ابنتي، فقال مالك في الذي يقول إن جاءني فلان بخمسين دينارا فقد زوجته ابنتي: لا يعجبني هذا النكاح ولا تزويج له وإن جاء بالخمسين دينارا بالقرب، ولأشهب في الذي يقول للخاطب إن فارقت امرأتك فقد زوجتك ابنتي أن النكاح يجوز فجعله ينعقد بنفدر الفراق، قال في البيان: وهذا الاختلاف عندي إنما يصح إن فعل ذلك بالقرب، ولو قال متى ما فارقت امرأتك فقد زوجتك أو متى ما أتيتني بخمسين دينارا فقد زوجتك لم يجز النكاح قولا واحدا. انتهى. وفي نوازل ابن الحاج في رجل أراد السفر إلى الحج مع أمه فقال له عمه اترك السفر مع أمك وأزوجك ابنتي وأعطيك عشرة مثاقيل فترك المسير مع أمه ثم قام على عمه بعد سبعة أشهر يطلب العدة، فأجاب بأنه يحكم على عمة بدفع العشرة وينكحه ابنته إلا أن يكون عقد نكاحها مع أحد فلا يحل النكاح. نقله الشيخ أبو علي.
وهل إن قبل بقرب موته يعني أن الأشياخ اختلفوا هل محل الصحة المذكورة حيث قبل الزوج النكاح بقرب موت الأب أي بعد موته بقرب وهو قول سحنون، أو الصحة المذكورة لا تقيد بقبول الزوج بعد موت الأب بقرب بل يصح النكاح مطلقا قرب أو بعد وهو ظاهر المدونة؟ وعلى قول سحنون إن لم يقبل إلا بعد موت الأب ببعد فلا يصح النكاح وهو ظاهر في الفقه لوجوب قرب القبول من الإيجاب في العقود ولا سيما في النكاح إلا أنه بعيد من اللفظ لا سيما مع كثرة وقوع المسألة للمتقدمين في الدواوين مجردة عن هذا التأويل، ولهذا ذهب يحيى بن عمر إلى أن ذلك
يصح طال الأمر أو لم يطل، قال في البيان: وهو ظاهر العتبية، وقال ابن بشير: مذهب المدونة الصحة مطلقا وقول سحنون خلاف. قاله الش.
وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان في فهم المدونة، هل تبقى على ظاهرها فيكون قول سحنون خلافا وهو فهم ابن بشير؟ أو تقيد المدونة بقول سحنون فيكون قوله وفاقا وقوله:"بقرب موته" القرب بالعرف البرموني: لعل القول بعدم اشتراط قرب قبول الزوج من الموت مقيد بما إذا كان الزوج لا علم عنده بذلك قبل ثم علم به بعد طول فأجازه، وأما لو علم به وتراخى قبوله فينبغي أن يتفق التأويلان على عدم الصحة. انتهى. نقله غير واحد.
ثم بعد المالك والأب والوصي لا جبر يعني أنه إن لم يكن سيد ولا أب ولا وصي فإنه لا جبر لغيرهم من الأولياء، وأما هم فقد تقدم الكلام عليهم. فالبالغ بالنصب أي يزوج الولي البالغ بالبناء للفاعل أو بالرفع أي فيزوج البالغ بالبناء للمفعول يريد لا غير. قاله الزرقاني. ويقبل قولها في دعوى البلوغ كما ذكره البرزلي، وأما غير البالغ فلا تزوج ولو سفيهة. قاله الشبراخيتي. وإيضاح كلام المصنف أن الأولياء الذين لا جبر لهم بالكلية وهم من عدا الأشخاص الثلاثة لا يزوجون إلا البالغ، فليس لهم أن يزوجوا غير البالغ لأن إذن غير البالغ كلا إذن، وإنما يزوجون البالغ بإذنها. انتهى.
قال الإمام الحطاب: البلوغ المعتبر في التزويج هو الحيض أو بلوغ ثمان عشرة سنة، واختلف في الإنبات، ثم إن زوجت به فقال ابن حبيب: يفسخ قبل البناء وبعده. قاله في الجواهر. وقال الشيخ زروق: فأما الاحتلام والحيض والحمل فلا اختلاف في كونها علامات. انتهى. قال الحطاب: وسُئِلْتُ عن بكر غاب أبوها ودعيت إلى التزويج وادعت البلوغ فأجَبْتُ: إذا غاب الأب عن ابنته البكر غيبة انقطاع بمعنى أنه لا يرتجى قدومه، أو غاب غيبة طويلة وكانت المسافة بعيدة كالشهرين ونحوهما ودعت إلى التزويج فإن القاضي يزوجها إذا كانت بالغا، وللبلوغ خمس علامات: الاحتلام والإنبات والحيض والحمل والسن وهو ثمان عشرة سنة على المشهور، ويقبل قولها في ذلك إذا أشبه، وأما إذا كانت غير بالغ فلا تزوج إلا إذا خيف عليها الفساد أو احتاجت إلى النفقة. والله أعلم. انتهى.
إلا يتيمة خيف فسادها هذا مستثنى من مفهوم قوله: "فالبالغ"، واليتيمة من لا أب لها، واليتم إنما هو قبل البلوغ؛ يعني أنه إذا كان الولي للمرأة غير الثلاثة الذين لهم الجبر فإنه يزوج البالغ ولا يزوج غيرها إلا أن يكون غير البالغ يتيمة فإنها تزوج بشروط، أحَدُهَا أن يخاف عليها الفساد في حاله -أي يخاف عليها من الزنى- ومالها
(1)
)، وهذا الشرط يغني عن كونها محتاجة وظهور ميلها للرجال لدخول الأمرين فيه، ثانيها أشار إليه بقوله: وبلغت عشرا يعني أنه يشترط في جواز نكاح اليتيمة المذكورة أيضا أن تبلغ عشر سنين بأن تتمها ولا يكفي دخولها فيها، ثَالِثُهَا أشار إليه بقوله: وشوور القاضي؛ يعني أنه لا بد مع ما ذكر من مشاورة القاضي الذي يرى ذلك مالكيا أو غيره، بأن يرفع إليه أمر اليتيمة ليثبت عنده يتمها وفقرها وخلوها من زوج وعدة ورضاها بالزوج، وأنه كفؤها في الدين والحرية والنسب والحال والمال والصداق وأنه مهر مثلها، وأن الجهاز الذي جهزت به هنا مناسب لها فيأذن للولي بتزويجها، وبقي من الشروط أن تأذن بالقول، وكونها لا تزوج إلا برضاها هو في المواق عن اللخمي وعزاه ابن عرفة للمعروف من المذهب، وحكى عليه ابن رشد الاتفاق وسلمه ابن سلمون وهو الظاهر من ضد المصنف لها في الأبكار التي تعرب كالثيب. قاله الشيخ بناني. وفي بعض التقارير أنها تزوج بعشرة شروط وكلها مفهومة مما تقدم، وهي أن يخشى فسادها وأن تكون فقيرة وأن تبلغ عشر سنين وأن يكون لها ميل للرجال وأن يكون الزوج كفؤا لها وأن يصدقها صداق مثلها وأن تجهز جهاز مثلها وأن يثبت ذلك عند القاضي وأن ترضى بذلك وأن تأذن بالقول، والظاهرُ أنَّها إذا تزوجت بالشروط المذكورة ثم طلقت قبل البلوغ تَحْتَاج إليها في تزويجها ثانيا. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: وأن تكون فقيرة فيه نظر إذ التي يخاف عليها الفساء تزوج ولو كانت غنية فلو قال عقب قول المصنف "خيف فسادها": أو افتقرت لأجاد قاله الرهوني. وما مشى عليه المصنف في هذه المسألة جرى به العمل كما نص عليه ابن عبد السلام، وما جرى به العمل مقدم على المشهور ومقابله مذهب المدونة والرسالة أنها لا تزوج حتى تبلغ. قاله الشيخ عبد الباقي.
(1)
لفظ الخرشي ج 3 ص 179: بشروط: أن يخاف عليها الفساد في حالها أو مالها بعدم تزويجها.
وما قررت به قول المصنف "خيف فسادها" في حالها ومالها. قاله عبد الباقي. وقال بناني ناقلا عن المتيطي: إن كانت الصغيرة تحت حاجة ملحة وهي في سن من توطأ فظاهر المذهب جواز نكاحها بإذنها وهو قول مالك في كتاب محمد في ابنة عشر سنين وعليه العمل وبه الفتيا. انتهى. وقال إن هذه الأخيرة تزوج وإن لم يخف عليها الفساد، ثم قال: والحاصل هما مسألتان، التي خيف عليها الفساد ونص على العمل فيها ابن عبد السلام، والمحتاجة هي التي نص على العمل فيها المتيطي، ولم يذكرها المؤلف، ومقتضى كلام المصنف أن غير البالغ إذا لم تكن يتيمة لا تزوج مطلقا.
وقال ابن حارث: لا خلاف أن غير البالغ إذا قطع الأب عنها النفقة وغاب وخشي عليها الضيعة أنها تزوج، والمشهور أنه لا يزوجها إلا السلطان أي أو من يقوم مقامه في ذلك لأنه حكم على غائب. انتهى. أي إذا كانت غيبة بعيدة، وظاهره وإن لم تبلغ عشرا ولا أذنت بالقول. قاله غير واحد. ومقابل المشهور أنه يزوجها الولي. قاله الشيخ أبو علي.
والأصح إن دخل وطال يعني أن هذه اليتيمة المذكورة إذا زوجت مع فقد الشروط أو بعضها فإن نكاحها يفسخ قبل وبعد حيث لم يدخل ويطل، وأما إن دخل وطال الزمن فإنه لا يفسخ، والطول الحاصل بعد الدخول الذي يثبت به النكاح هو مدة تلد فيها ولدين غير توأمين بالفعل أو قدرها؛ وعمدة المصنف في هذا قول المتيطي إنه المشهور، وقال أبو الحسن: المشهور هو الفسخ أبدا مهما اختل بعض الشروط وهو الذي ذكره ابن حبيب وعزاه لمالك وأصحابه، وإذا فسخ هذا النكاح فالفسخ فيه بطلاق، وفيه الميراث بينهما إن مات أحدهما قبل الفسخ، ويكون فيه جميع الصداق المسمى في الموت قبل الدخول وبعده ونصفه إن طلق قبل الدخول وقبل الفسخ. قاله الإمام الحطاب.
وروى في البيان عن ابن القاسم أنه لا يفسخ لقوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} معناه أن لا تعدلوا في تزويجهن وهو دليل على جواز العقد عليهن قبل البلوغ إذ البالغ لا يقال لها يتيمة. قاله الش. وقال الأمير: ولا تزوج إلا البالغ أو يتيمة خيف فسادها ولو بفقر أو لم تأذن فتجبر على ما ارتضاه المتأخرون، ولا يشترط بلوغ عشر ولا غيره متى خيف الفساد وإلا صح إن
دخل وطال ووجب مشاورة القاضي والأصح ولو لم يطل. انتهى. وقال الشبراخيتي: وأما خوف الضيعة بعدم النفقة عليها فهو موجب لتزويجها وإن لم يوجد شرط من باقي الشروط. انتهى.
وقدم ابن هذا تبيين منه رحمه الله للأولياء غير المجبرين المشار إليهم بقوله: "ثم لا جبر" يعني أن الابن مقدم في ولاية النكاح على سائر الأولياء كان من عشيرتها أم لا، ويقدم ولو من زنى إن ثيبت بحلال ثم زنت فأتت بولد منه، فإن ثيبت ابتداء بزنى فأتت به أو كانت مجنونة أو سفيهة قدم الأب ووصيه عليه، وقيل لا ولاية للابن إن كان من غير عشيرة الأم، وقوله:"وقدم ابن" هو المشهور، وقيل يقدم الأب على الابن. قاله أبو علي.
فابنه؛ يعني أنه يلي ابن الصلب ابنه وإن سفل فيقدم على سائر الأولياء عند عدم أبيه الذي هو ابن الصلب، وقد علمت أن المشهور تقديم الابن على الأب وأن مقابله تقديم الأب على الابن وسبب الخلاف النظر إلى قوة التعصيب وهي للابن في الميراث والولاء أو النظر إلى العطف والحنان والنسب وذلك للأب، وهذان القولان روايتان وهذا الخلاف جار في الابن وابنه، وقوله:"وقدم ابن" محله كما مر قريبا إن لم تكن في حجر أبيها أو حجر وصي لها وإلا فالأب مقدم على الابن، وكذا الوصي ووصي الوصي.
فأب يعني أنه إذا لم يكن للمرأة ولد ذكر فإن الأب يكون وليا لها في النكاح ويقدم على غيره من الأولياء، والمراد بالأب الأب الشرعي لا مطلق من خلقت من مائة؛ لأن الأب الزاني لا عبرة به، وقد تقدم أن الوصي بمنزلة الأب عند عدمِهِ. فأخ يعني أن الأخ يلي الأب في النكاح فيقدم على سائر الأولياء عند فقد الابن وابنه وأبي المرأة، والمراد بالأخ الأخ الشقيق والأخ الذي للأب لا الأخ للأم فلا ولاية له، وقد قيل إنه ولي من أولياء النسب وهو رواية علي ابن زياد، وقيل إن الخال ولي من أولياء النسب. قاله الشيخ ميارة.
فابنه يعني أنه يلي الأخ للمرأة في ولاية النكاح ابن الأخ وإن سفل، فيقدم على سائر الأولياء عند فقد الابن وابنه والأب والأخ. فجد يعني أنه يلي من تقدم في المرتبة جد المرأة من قبل أبيها، وما ذكره المصنف من تقديم الأخ وابنه على الجد هو المشهور وظاهره وإن علا، وقيل يقدم الجد وأبوه وإن علا عليهما وهو للمغيرة، وفي المواق أن هذا في الجد دنية فإنه هو الذي يقدم على العم وابنه
دون الجد الأعلى، فيقدم العم وابنه عليه ويقدم الأقرب من الأجداد فالأقرب، ويجري نحوه في قوله:"فابنه". وما أحسن قول الشيخ علي الأجهوري:
بغسل وإيصاء ولاء جنازة
…
نكاح أخا وابنا على الجد قدم
وعقل ووسِّطْهُ بباب حضانة
…
وسَوِّهْ مع الآباء في الإرث والدم
قوله: وسوه مع الآباء؛ أي آباء أبناء الإخوة فالمراد بالآباء الإخوة.
فعم يعني أنه يلي من تقدم في ولاية النكاح العم فيقدم على سائر الأولياء إذا لم يوجد أب ولا ابن ولا ابنه ولا جد ولا أخ ولا ابنه، فابنه يعني أنه إذا لم يوجد من تقدم من الأولياء فإن الولاية تكون لابن العم، فيقدم وإن بعد على من بعده. وقدم الشقيق يعني أن الأخ الشقيق يقدم على الذي للأب ويجري ذلك في بني الإخوة وفي الأعمام وبنيهم، وما تقدم من تقديم الأخ الشقيق على الأخ للأب هو قول مالك وابن القاسم وغيرهما في الواضحة ورواية علي هما سواء. اللخمي: اختلف في الأخوين أحدهما شقيق والآخر لأب، ففي الكتاب من رواية علي هما سواء، وقال مالك وابن القاسم وغيرهما في الواضحة: الشقيق أولى، قال: ويجري الخلاف في أبنائهما وفي العمين وأبنائهما، واختار تقديم الشقيق ابن القاسم وسحنون وغيرهما من أصحاب مالك المصريين والمدنيين قياسا على الإرث والولاء والصلاة عليها، بل جزم سحنون بعدم صحة مقابله، ولذا قال: عفى الأء. قال اللخمي: وتقديم الشقيق أحسن، ولذا قال: والمختار فهو معطوف على الأصح. قاله الش.
وأما الأخ للأم فقد تقدم أنه لا ولاية له كالجد للأم إلا بولاية الإسلام ونحوها، وروى علي بن زياد: إن زوَّج أخ لأم مضى النكاح، وقوله:"فعم فابنه"، ثم عم الأب فابنه ثم عم الجد فابنه وعليه الدرك في إسقاط هذه المراتب الأربعة، وقول التتائي: واكتفى بذكر العم لدخول عم الأب والجد فيه فيه نظر؛ لأنه يلزم عليه استواء المراتب. قاله الشبراخيتي. وقوله: "وقدم الشقيق" أي مع استواء المرتبة وإلا فالأقرب، فالأخ للأب مقدم على ابن الأخ الشقيق. قاله الشبراخيتي.
فمولى يعني أنه يلي من تقدم الولى الأعلى وهو المعتق بكسر التاء ثم عصبته نسبا ثم عصبته ولاء كمعتقة بكسر التاء وتوكل كما يأتي، فإن كان المعتق ذكرا باشر العقد وإذا اختلف مذهب الولي والزوجة عمل بمذهب الولي كالزكاة. قاله الشيخ عبد الباقي. ومعنى ما أشار إليه أنه إذا كانت الزوجد مذهبها يجيز مباشرتها للعقد ومذهب وليها لا يجيز ذلك فإن المعتبر مذهب الولي. قاله جامعه. والله سبحانه أعلم.
ثم هل الأسفل يعني أنه اختلف في المولى الأسفل على قولين إذا لم يوجد للمرأة عصبة نسب ولا موالٍ أعلون أحدهما تنتقل له الولاية عند فقد من ذكر فيعقد نكاح من أعتقه. ابن عبد السلام: جميع شراح المدونة فسروا ما وقع لمالك من ذلك في النكاح الأول منها بأن المولى الأسفل أحد الأولياء، ولم يذهب واحد منهم إلى أنه لا ولاية له، وإلى ما ذكره ابن عبد السلام أشار بقوله: وبه فسرت أي لم تفسر المدونة إلا بهذا أي بثبوت ولاية النكاح للمولى الأسفل عند فقد من تقدم، لأن تقديم المعمول يفيد الحصر، قال ابن عبد السلام: والصحيح أن له ولاية. ثانيهما أشار إليه بقوله: أولا يعني أنه كما قيل بثبوت الولاية للمولى الأسفل قيل أيضا أنه لا ولاية له، قال في الجلاب: لا ولاية له، وقال في الكافي: لا ولاية له، قال: وقيل له ذلك وليس بشيء وهكذا نقل ابن شأس عن الشيخ أبي عمر أن قول من قال له ولاية ليس بشيء. قاله الشارح.
وصحح يعني أن القول بأنه لا ولاية للأسفل صححه ابن الحاجب، قال في توضيحه: وهو القياس وهذا الخلاف إنما هو في المولى الأسفل المذكر، وأما الأنثى فلا ولاية لها كما نص عليه غير واحدث وقوله:"ثم هل الأسفل" ظاهره وإن نزل، ونظر فيه عبد الباقي، وأما معتق أبيها بفتح التاء أوأمها، فقال الشيخ عبد الباقي: الظاهر أنه لا ولاية له قطعا. ابن القاسم: سألت مالكا عن قول عمر رضي الله عنه أو ذي الرأي من أهلها؟ قال: الرجل من العشيرة وابن العم أو المولى، فإنكاحه إياها جائز إن كان له الفضل والصلاح، ومراده بالمولى هنا الأسفل. قاله الشيخ أبو علي. تنبيه: اعلم أن المعتمد من القولين أن المولى الأسفل ثابتة له الولاية، ولهذا قال الشيخ أبو علي بعد أن جلب كثيرا من النقول: وقد تحصل من هذا قوة كون الأسفل وليا غاية بل مقابل هذا قد يدعى أنه ليس بشيء وإن قاله من قاله فإن الحق يجب اتباعه على من أنصف، وبالحق اتصف. انتهى.
فكافل يعني أنه يلي من تقدم في الولاية الكافل وهو القائم بأمور المحضونة ولو أجنبيا من المحضونة فيزوجها بإذنها بعد بلوغها، وليس المراد بالكافل الحاضن فقط أي من يستحق الحضانة شرعا، قال فيها: قيل لمالك فرجال من الموالي يأخذون صبيان الأعراب قد أصابتهم السنة يكفلونهم ويربونهم حتى يكبروا وفيهم الجارية فيريد الكافل أن يزوجها؟ فقال: ذلك جائز ومن أنظر لها منه أي لا أحد أنظر لها منه. عياض: يريد بعد بلوغها ورضاها، وفي الواضحة: وذلك إذا مات أبوها وغاب أهلها، وعلى هذا حمل الشيوخ المسألة على أنها غير ذات أب، وذهب ابن العطار وابن زرب إلى أن له تزويجها في حياة الأب إذا كان غائبا برضاها. قاله الش. وفي بعض كتب الموثقين: وتأول المدونة عليه أنه بغير رضاها وهو وهم منه أو من النقلة عنه. قاله الش وقال الشيخ أبو علي: اختلف الشيوخ في مسألة الكافل على فريقين، فمنهم من قال يجبر الكافل وإليه ذهب ابن رشد وابن العطار، ومنهم من قال لا يزوج إلا بعد البلوغ برضاها، والقائلون بهذا اختلفوا على ثلاثة أقوال، فمنهم من جعل الولي أولى وهو المعلوم من المذهب، وقيل الكافل أولى، وقال ابن العطار: هو كأحد الأولياء، وهل يوكل الكافل على عقد النكاح؟ منع ذلك ابن سهل، وأجازه ابن رشد. انتهى.
مسألة: الرجل يعطي ابنته لرجل هبة فينفق عليها حتى إذا بلغت أراد أخذها، فإن كانت لا تحل له مثل العم والخال فلا يأخذها أبوها إلا على الإساءة إليها وضرر منه بها لأن هبته إنما هي لرجل حضانة وأيضا فقد ملكه الانتفاع بها بنفقته عليها، وهذا إذا لم يكن لها من هو أحق بالحضانة كأمها، وأما إن لم يكن ذا محرم لها فليس ذلك بحسن. انظر شرح الشيخ سيدي الحسن بن رحال أبي علي رحمه الله. وقال الشيخ أبو علي: قال ابن القاسم: هبة الرجل ابنته لمن يحضنها أو يكفلها لا بأس بها ولا لأمها مقال إن فعله نظرا كالفقير المحتاج، وقال قبل هذا في المطلقة: لها منعها لحق حضانتها إلا لعجزه عن نفقتها فلا منع لها إلا أن تنفقها. انتهى. وقول المصنف: "فكافل"؛ أي ذكر فلا ولاية للكافلة الأنثى على المذهب كما في شرح الشيخ عبد الباقي وغيره.
وقال الش أحمد بن عبد الله الدميري بهرام: واختلف في المرأة الكافلة هل تقدم على عقد نكاح المكفولة من شاءت أم لا؟ انتهى.
وهل إن كفل عشرا يعني أنه اختلف في حد الزمن الذي يكون به الكافل وليا لمكفولته، فقيل إن كفل عشرة أعوام وهو لبعض الموثقين، وقيل يكون وليا لها إن كفلها أربعة أعوام، وإليه أشار بقوله: أو أربعا وهو لأبي محمد صالح، وقيل: لا يحدد الزمن الذي تحصل به الكفالة فيكون وليا للمكفولة بالسنين، بل الزمن الذي يكون به كافلا زمن يشفق أي لابد أن يكفلها زمنا يشفق أي تحصل به الشفقة بالفعل، وإليه أشار بقوله: أو ما أي زمنا أو الزمن الذي يشفق أي زمنا يعد به مشفقا، وهو لأبي الحسن نص على هذا غير واحد. وقوله: تردد مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تردد لهؤلاء المتأخرين، ولو تأيمت المكفولة بموت أو طلاق فقيل تعود الولاية للكافل وقيل لا تعود له، وقيل إن كان فاضلا دينا عادت لولايته وإلا فلا، وقيل إن عادت لكفالته عادت لولايته وإلا فلا، حكى ذلك ابن عبد السلام وغيره. وقياس قول مالك بجواز نكاح الكافل هنا أن يجوز بيعه له، لكن نص مالك في كتاب القسم أنه لا يجوز بيعه له ولا قسمه عليه، وفي كتاب القسم أجاز قسم ملتقط اللقيط عليه إذا كان اللقيط في حجره، ومنعه أصبغ وهو شبيه بما هنا. والله تعالى أعلم. قاله الش.
وذكر مقابل عموم قوله: "فكافل"، بقوله: وظاهرها شرط الدناءة يعني أن ما تقدم من عموم ولاية الكافل للدنية والشريفة عند فقد من تقدمه من الأولياء مخالف لظاهر المدونة، فإن ظاهر المدونة أنه يشترط في ولاية الكافل لمكفولته أن تكون دنية أي لا قدر لها، وأما من لها قدر وغنى فإن مالكا قال: لا يزوجها إلا وليها أو السلطان، قال الشيخ عبد الباقي: والمعتمد ظاهرها إذ هو عندهم كالنص وهو ظاهر كلام ابن أبي زيد كما في ابن عرفة، وقال شيخنا ق: والمذهب الأول. انتهى. ويعني بقوله شيخنا ق إبراهيم اللقاني كما أفاد ذلك في أول كتابه. والله سبحانه أعلم.
فحاكم يعني أن ولاية السلطان لعقد النكاح متأخرة عما تقدم من المراتب وتأخرت عن سبب الولاء لأن المولى الأعلى كالعصبة عند عدمها، وقال عليه الصلاة والسلام: (الولاء لحمة كلحمة
النسب
(1)
)، ولا إشكال أن سلطنة الشرع لها مدخل في الولاية لمن
(2)
إليه الأمور أو من يستنيبه ذلك. قاله الش. وقال الشبراخيتي عند قوله: "فحاكم": لخبر عائشة: السلطان ولي من لا ولي له، وهذا آخر الولاية الخاصة. انتهى.
وقال الشيخ بناني ما نصه: في المواق عن ابن لبابة: الحاكم لا ولاية له إن كان لا يهتبل بما تتوقف عليه الأحكام الشرعية. انتهى. قال المسناوي: وانظر هل هذا هو المذهب مع أن إهماله قد يؤدي إلى فتنة. انتهى. وقال الإمام الحطاب عند قوله "فحاكم" إنه لا بد من إثبات فصول عند زواجها ذكرها صاحب النوادر وصاحب التلقين وصاحب المفيد والمتيطي وابن سلمون وابن فرحون والبرزلي وغيرهم في المتيطية: فصل: وإذا لم يكن للثيب ولي ممن ذكرنا ورفعت أمرها إلى السلطان وهي ثيب وزعمت أنها لا ولي لها وأنها ثيب مالكة أمر نفسها خلو من زوج في غير عدة كلفها الإمام إثبات ذلك، قال فضل بن مسلمة: ويثبت عنده أنها حرة وهكذا ذكر أصبغ وأنها لا تصدق أنها لا زوج لها حتى تثبت أنها خلو من زوج وفي غير عدة وأنها حرة مخافة أن تكون أمة قوم. قال الباجي: وهذا على مذهب من يقول من أصحاب مالك وهو أشهب وغيره: إن الناس حر وعبد، وأما مذهب ابن القاسم الذي يقول: إن الناس أحرار فلا تحتاج إلى أن تثبت أنها حرة، فإذا أثبتت ما ذكرنا وحضرت مع الخاطب عنده واتفقا على النكاح والصداق وأقرت عنده بالرضا والتفويض عقد نكاحها أو قدم من يباشر عقده. انتهى.
ابن راشد: ينبغي للحاكم أن لا يمكن المرأة من النكاح إلا بعد ثبوت ما يتوصل به إلى ذلك، وذلك على ثلاثة أقسام: الأول البكر اليتيمة البلدية إذا أرادت الزواج كلفها إثبات يتمها وبكارتها وبلوغها وخلوها من زوج، وأنهم ما علموا أن أباها أوصى بها إلى أحد. [ولا أن أحدا]
(3)
من القضاة قدم عليها مقدما، وتثبت أنها لا ولي لها بنسب، أو أن لها وليا هو أحق بعقد النكاح عليها
(1)
السنن الكبرى للبيهقي، ج 10 ص 293.
(2)
في تسخة ممن.
(3)
في النسخ وأن لا أحد والمثبت من الحطاب ج 4 ص 242؛ دار الرضوان وتبصرة ابن فرحون ج 1 ص 124 ط دار الكتب العلمية.
وتثبت كفاءة الزوج وأن الصداق صداق مثلها من مثله. قال فضل: وأنها حرة وسمع الشهود عنده رضاها بالزوج وبالصداق، وأنها فوضت للقاضي إنكاحها بذلك وساعهم منها صمتا لا نطقا.
الثاني: الثيب البلدية فيكلفها أن تثبت أصل الزوجية وطلاق الزوج أو وفاته عنها، وأنها لم تخلف زوجا إن تخلل ذلك طول وأن لا ولي لها.
الثالث: أن يكون الأب غير معروف ويأتي الحاكم ليزوج ابنته، فقد كلفه بعض قضاة العصر أن يثبت أن له بنتا. انتهى. قاله الحطاب.
وإذا قدمت امرأة من بلد بعيد حيث لا يمكن أن تكلف البينة فقالت لا زوج لي فإنها تصدق، وإذا قالت كان لي زوج ففارقني في الطريق ولا أدري أحي هو أو ميت؟ فلها أن تقف إلى الشهود وتطلق نفسها لعسر النفقة، ولا ترجع إلى القاضي لأنه لا يقضي إلا ببينة. قاله الحطاب.
واعلم أن الفصول التي يحتاج إلى إثباتها عند الحاكم إذا أراد أن يزوج إن كان القاضي هو المتولي للعقد فتثبت عنده، وإن كان القاضي قدم رجلا للمناكح فإن فوض إليه إثبات الفصول فتثبت عنده وإلا لم يصح له تزويج المرأة حتى تثبت تلك الفصول عند القاضي ويعلمه القاضي بذلك. قاله الحطاب. واعلم أن القاضي إذا زوج من غير إثبات الفصول فقد قال الحطاب: الظاهر أنه لا يفسخ حتى يثبت ما يوجب فسخ النكاح من الموانع، فإن هذه موانع يطلب انتفاؤها قبل العقد، فإذا وقع العقد لم يفسخ حتى يثبت ما يوجب رفعه ولم أر في ذلك نصا. والله أعلم. انتهى. وقال الشيخ عبد الباقي عند قوله:"فحاكم": إن القاضي يزوج المرأة بعد أن تثبت عنده صحتها، وأنها غير مجبرة ولا محرمة، وأنها بالغة حرة لا ولي لها أو عضلها أو غاب عنها، وخلوها من زوج وعدة ورضاها بالزوج وأنه كفؤها دينا وحرية ونسبا وحالا ومالا، وأنه أمهرها مهر مثلها في عير المالكة أمر نفسها وبكارتها أو ثيوبتها، وإن كانت غير بالغ فيثبت عنده فقرها وبلوغها عشرة أعوام فأكثر. قاله الجزولي. وأخر عن مرتبة المولى لخبر: (الولاء لحمة كلحمة النسب
(1)
). انتهى.
(1)
سنن الكبرى للبيهقي، كتاب الولاء، ج 10 ص 293.
وقال الشيخ أبو علي: قال ابن حبيب: الولي أولى بالإنكاح من مقدم القاضي، وقال محمد بن لبابة وابن القاسم وإسحاق بن إبراهيم: المقدم أولى، ولم يقع تقديمه على الولي في أمهات الكتب، وإنما وقع فيها أن نظره وإنكاحه جائز. انتهى. ونحوه للش، ووجه الأول بما معناه أن المقدم على الأصل مقدم على الفرع من باب أولى، ووجه الثاني بأن القاضي لما قدمه وصيا صار كالحكم والنظر فيما أهمله الأب من التقديم عليها فيتنزل منزلة وصي الأب. انتهى.
فولاية عامة مسلم يعني أنه إذا لم يكن من تقدم ذكرهم فإنه تكون الولاية على عقد النكاح لعامة أي كل مسلم، فأيما مسلم توفرت فيه شروط الولي فإنه يكون وليا لها، ويدخل فيها حينئذ الزوج فيتولى الطرفين، ومعنى العموم أنه حق على كل مسلم فإذا قام بها واحد سقط عن الباقي على طريق الكفاية. قاله الشيخ عبد الباقي. والأصل فيها قوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . قاله الشارح. وسيأتي أن وجود أخ - مثلا - كافر كالعدم.
وصح بها يعني أنه لا إشكال في جواز عقد النكاح وصحته بولاية عامة مسلم حيث لم يوجد ولي غيرها، وأما إن وجد ولي خاص فلا يخلو إما أن يكون مجبرا أولا، فإن كان مجبرا فسد النكاح بها، وإن كان غير مجبر فهو ما أشار إليه بقوله: في دنية مع خاص لم يجبر يعني أن النكاح بولاية عامة مسلم يصح في المرأة الدنية التي لها ولي خاص غير مجبر، ويجوز الإقدام على العقد بها مع وجود الولي الخاص على المشهور كما هو نص المدونة وابن فتوح وابن عرفة وغيرهم، ونص ابن عرفة: الرواية الثانية وهي رواية علي مع المدونة أنه يجوز إنكاح الدنية بولاية الإسلام وإن كان ثم سلطان. انتهى. نقله المواق، وكلام الحطاب فيه نظر، وكأن المصنف إنما عبر بالصحة لأجل التشبيه. والله أعلم. قاله الشيخ محمد الحسن. والمراد بالدنية هنا من لا يرغب فيها بحسب ولا مال ولا جمال ولا حال كما يعلم مما نسبه الشيخ بناني للشيخ زروق، قال الشيخ بناني: ومقتضاه أن من يرغب فيها بواحد مما ذكر شريفة وهو ظاهر، وما ذكره علي الأجهوري مما يناقض هذا غير صحيح. انتهى. وذلك لأنهم مثلوا للدنية بالمسالمة والمعتقة والسوداء، قال مالك: وهم قوم من القبط يقدمون من مصر إلى المدينة وهم سود. انتهى. أي لا كل سوداء. وزعم الأجهوري أن كل من ذكر دنية مطلقا، قال: لأن الحسب ما يعد من مفاخر
الآباء وهو متضمن طيب النسب أي وهؤلاء بخلاف ذلك، وهو غلط لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الحسب بالخلق بضمتين خرجه الإمام أحمد والحاكم والبيهقي في السنن الكبرى من حديث أبي هريرة: (كرم المؤمن دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه
(1)
)، قال المازري: أي ليس شرفه بشرف آبائه بل بشرف أخلاقه. انتهى. فإن كانت واحدة ممن ذكر صينة عفيفة حيية لا ترضى الدناءات فهي شريفة، والشيخ زروق بهذا فسر الحسب في شرح الرسالة، ونقل عليه رواية أخرى، قال: وفي الحديث: (نسب المؤمن دينه وحسبه خلقه وكرمه تقواه
(2)
). فهذا هو مرادد بالحسب، وقد يرغب فيها بالمال وبالجمال فقط وإن انتفى الحسب على تسليم ما قال. والله أعلم، قاله الشيخ أبو عبد الله بن زكري. قاله الشيخ بناني. وقوله: مسألة بضم الميم اسم فاعل من سالم قاله أبو علي عن عياض. ثم قال: إن الصواب أنه بفتح الميم ومعناه من يسلم جمع مسلمة كالمهالبة، وقيل هي التي أسلمت أهلها وأسلموها. وعلم مما مر أنه لا يصح نكاح الدنية بولاية الإسلام مع وجود مجبر.
كشريفة يعني أن المرأة الشريفة إذا عقد نكاحها بولاية الإسلام مع وجود ولي لها خاص غير مجبر، فإن ذلك النكاح لا يجوز ابتداء ويصح بعد الوقوع، ويلزم بشرطين أشار لهما بقوله: دخل وطال يعني أن محل لزوم النكاح المذكور في الشريفة إنما هو حيث حصل الدخول والطول معا، وما تلد فيه ولدين غير توأمين أو مضى قدر ذلك عادة كثلاث سنين، وظاهر هذا الصحة وإن لم يكن صوابا.
وفي المدونة عن ابن القاسم تقييد ذلك بما إذا كان صوابا، قال الشيخ عبد الباقي: وانظر لو تأخر حمل بواحد أقصى أمد الحمل أو ثلاث سنين. انتهى. وتنظيره هذا لا وجه له لعلم حكمه من قوله قبله أو مضى قدر ذلك. قاله الشيخ بناني.
وإن قرب فللأقرب أو الحاكم إن غاب الرد؛ يعني أن الشريفة إذا تزوجت بولاية الإسلام مع وجود الولي الخاص غير المجبر فإن وليها الخاص الأقرب يكون له رد نكاحها الواقع بولاية
(1)
المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج 1 ص 123، وج 2 ص 163، وكشف الخفاء ج 1 ص 161، والإتحاف ج 7 ص 322.
(2)
المروءة لابن المرزبان، رقم ح الحديث، 3.
الإسلام حيث قرب ما بين العقد والاطلاع عليه دخل بها الزوج أم لا، وإن غاب وليها الأقرب غيبة بعيدة كثلاثة أيام فإن الخيار ينتقل للحاكم فيرد نكاحها المذكور أو يجيزه، وإن غاب غيبة قريبة كتب إليه. اللخمي: ويوقف عنها، ومفهوم غاب أنه إن حضر ولم يدخل نفسه في ذلك كأن يقول لا أتكلم فيه برد ولا إمضاء، فقال عبد الباقي: الظاهر أنه ينتقل الخيار للحاكم دون الأبعد، فإن سكت عنه مع حضوره له فهو إقرار له وليس للحاكم كلام، وأما إذا لم يكن لها ولي وعقد شخص من المسلمين مع وجود الحاكم فللحاكم أيضا الرد كما يفيده الش، وهو ظاهر لتقديمه على ولاية عامة مسلم. انتهى. قوله: وإن سكت عنه مع حضوره له لخ فيه نظر فقد ذكر ابن لب عن ابن الحاج أنه لا اعتبار برضى الأقرب إذا لم يتول العقد ولا قدم من يتولاه، فليس حضور الأخ مثلا عند النكاح ورضاه بعقد الخال ونحوه ممن لا ولاية له بشيء، فحضوره كغيبته إذا لم يتول العقد ولم يقدم من يتولاه. انتهى.
وفي تحتمه إن طال قبله تأويلان يعني أن الأشياخ اختلفوا في فهم المدونة فيما إذا طال الزمن ولم يدخل الزوج المذكور بالمرأة، فمنهم من حملها على أنه يتحتم فسخ النكاح المذكور وليس للولي أن يمضيه لأنه يشبه نكاح المتعة، ومنهم من قال: يخير الولي في إمضاء العقد وفسخه ولو طال الزمن قبل الدخول، قال الشيخ عبد الباقي: يحتمل أنهما أي التأويلين ما لم يحصل طول أيضا بعد الدخول، فيوافق قوله كشريفة دخل وطال، ويحتمل أنهما ولو حصل طول مع دخول فيقيد كشريفة دخل وطال بغير هذه الصورة وهذا هو الظاهر. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم: وفي تحتمه أي الفسخ إن طال ما بين العقد والاطلاع قبله أي قبل الدخول دخل أم لا وعدم تحتمه، وقال الحطاب: قال في المدونة: في هذا المحل، وإذا أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الإمام إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه. انتهى.
وعلم مما مر أن نكاح الشريفة بولاية الإسلام مع ولي خاص لم يجبر على ثلاثة أقسام: إن دخل وطال ثبت النكاح، وإن قرب فللأقرب أو الحاكم إن غاب الرد، الثالث إذا لم يدخل وطال ففيه التأويلان، وما ذكره المص في هذه المسألة أحد أقوال ستة: الأوَّلُ أن النكاح ماض مطلقا حكاه عبد الوهاب عن مالك، الثاني لسحنون الفسخ مطلقا. اللخمي: يريد وإن تطاول بالأولاد، الثالث لابن
القاسم الخيار ما لم يدخل، الرابع رواية ابن وهب عن مالك في المدونة أنه يفسخ بطلقة إلا أن يجيزه الولي أو السلطان إن لم يكن لها ولي، الخامس الوقف إذا أجازه الولي بالقرب. أبو عمران: إنما توقف في إجازته لا في فسخه ونحوه للخمي والباجي، وقال ابن سعدون: بل توقف في إجازته وفسخه حكاه المتيطي، السادس قول ابن القاسم في المدونة الذي مشى عليه المص. واختلف الشيوخ في فهمه ونصه فيها قال ابن القاسم: إذا أجازه الولي بالقرب جاز سواء دخل الزوج أم لا، وإن أراد فسخه بحدثان الدخول فذلك له، فأما إذا طالت إقامتها وولدت الأولاد أمضيته إن كان ذلك صوابا ولم يفسخ. وقاله مالك. نقله الشارح بهرام.
وقوله: "كشريفة" لخ اعلم أنه في هذه المسألة يؤدب الزوج والمرأة والذي أنكح، ويؤدب الشهود أيضا إن علموا هذا ودخل الزوج، وقيد الباجي عدم العقوبة قبل البناء بما إذا لم يكن نكاح سر وإلا ففيه العقوبة دخل أم لا، وجعل اللخمي محل العقوبة فيمن يعتقد فساد ذلك وإلا فلا. انتهى. وقوله:"وإن قرب فللأقرب" لخ وإذا أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الإمام إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه. قاله الحطاب.
وبأبعد مع أقرب يعني أنه يصح النكاح إذا عقده ولي أبعد أي مؤخر الرتبة مع وجود ولي أقرب منه أي مقدم عليه في الرتبة كالأخ للأب مع وجود الأخ الشقيق، وكابن العم مع وجود الابن أو الأب غير المجبر، وكالحاكم مع حضور أحد من العصبة ونحو ذلك وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، وهذا مبني على أن تقديم الأقرب من باب الأولى لا من باب الأوجب وإلا لفسخ. وفي المدونة قول ثان أن السلطان ينظر فيه أي في الأحسن لهذه المرأة، هل الفسخ أو الإمضاء؟ والقول الثالث لابن حبيب وابن الماجشون أنه يفسخ ما لم يبن بها، وفيها أي المسألة رابع لمالك في ثمانية أبي زيد أنه يفسخ ما لم يتطاول، واختصر فضل الواضحة عليه، وفي المتيطية قول خامس أنه يفسخ مطلقا، وذكر بعض الأشياخ سادسا إن كان الأبعد كأخ الأب مع أخ شقيق مضى، وإن كان كابن عم مع أخ رد. اللخمي: هذا الخلاف خاص بذات القدر، وأما الدنية فيمضي نكاح الأبعد لها قولا واحدا. قاله الشارح.
إن لم يجبر يعني أنه إنما يصح نكاح الأبعد مع وجود الأقرب حيث لم يكن الأقرب مجبرا، وأما إن كان الأقرب مجبرا فإنه يتحتم فسخه إلا ما يأتي في قوله:"وإن أجاز مجبر في ابن وأخ وجد" لخ. ولما كان قوله: "وبأبعد" لخ مفيدا للصحة وغير مفيد للجواز ولا عدمه ابتداء بين ذلك بقوله: ولم يجز يعني أن نكاح الأبعد مع وجود الأقرب لا يجوز الإقدام عليه، وإن صح بعد الوقوع وهذا هو المشهور، وحكى ابن عبد السلام عن بعضهم أن الذي تعطيه المدونة جواز الإقدام عليه، وحكى القاضي عن البغداديين جوازه ابتداء من غير كراهة وقيل بالكراهة. قاله الشارح. وقوله:"ولم يجز" إنما يرجع لقوله: "وبأبعد مع أقرب"، لا لقوله:"وصح بها في دنية" لما تقدم من أن المشهور الجواز فيها. والله تعالى أعلم. قاله الشيخ بناني.
كأحد المعتقين؛ يعني أن حكم الوليين غير المجبرين إذا استويا في الدرجة كحكم الولي الأبعد مع وجود الأقرب، فيصح النكاح كأمة أعتقها شخصان مثلما فيصح أن يعقدها كل واحد منهما إلا أن هذا النكاح يجوز الإقدام عليه، فالتشبيه إنما هو في الصحة فقط، وكوصيين غير مجبرين وأبوين كذلك فيمن ألحقتها القافة بهما، فإن كان الأبوان أو الوصيان مجبرين فلا يزوج أحدهما دون إذن الآخر فإن أذن صح النكاح وإلا فسخ وإن أجازه الآخر، فإن كان وصي ومشرف وأنكح الوصي بدون إذنه فالعقد صحيح إلا أنه موقوف على إجازته، فإن مات المشرف وقف على نظر القاضي. قاله الحطاب. وقوله:"كأحد المعتقين" تنبيه على أن الأخوين ونحوهما أولى لأن المعتقين مجموعهما هو الولي لا أحدهما بخلاف الأخوين ونحوهما؛ لأن كل واحد من المعتقين إنما له نصف الولاء فلذلك نص عليهما، وأما الأخوان ونحوهما فكل واحد منهم ولي مستقل. وقوله:"كأحد المعتقين" الكاف للتشبيه كما قررت، ولا يصح أن تكون للتمثيل لعدم شمول ما قبلها لما بعدها.
ولما كانت غير المجبرة يحتاج وليها إلى إذنها ذكر ما يكون منها دليلا على الرضى مقسما لها إلى بكر وثيب، فقال: ورضى البكر صمت يعني أن الولي غير المجبر لا يزوج المرأة إلا برضاها، فإن كانت بكرا فإنه يكفي في إذنها صمتها ولا يشترط نطقها لا جبل عليه أكثرهن من الحياء فيمتنعن من النطق وليلا تنسب في ذلك إلى الليل إلى الرجال، وقوله:"ورضى البكر صمت" أي يكفي في
رضاها بالزوج والمهر إذا عينا لها أن تسكت، وقوله:"ورضى البكر صمت" أي التي يفتقر إلى رضاها بأن مات أبوها أو فقد أو أسر أو غاب غيبة بعيدة أو استحب استئذانها. قاله الشيخ إبراهيم. وقال الشيخ عبد الباقي: ورضا البكر بالزوج والصداق صمت حيث يفتقر العقد لإذنها. قاله التتائي. أي وجوبا في التي لا تجبر وندبا في التي تجبر، وأصل المعنى: وصمت البكر رضا؛ لأن القصد الإخبار عن صمتها بأنه رضا لا عكسه، فجاء على القلب مبالغة كخبر: (ذكاة الجنين ذكاة أمه
(1)
). وقال الشيخ إبراهيم: ما يقرب منه إلا أنه زاد فكان المناسب أن يقول: وصمت البكر رضا. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: إنما قال المص ذلك لموافقة الحديث النبوي: (البكر تستأمر وإذنها صماتها
(2)
)، وحينئذ فلا يقال كان المناسب أن يقول وصمت البكر رضا. والله سبحانه أعلم. وقوله: قال الرهوني: الصمت ضبطه في المصباح بالفتح وكلام أبي الفضل في مشارقه يفيد أنه بالفتح ففيه صمت صموتا وصمتا والاسم الصمت بالضم فقوله والاسم لخ يدل على أن المصدر بالفتح انتهى قال الشيخ عبد الباقي: ولما كان لا يلزم من رضاها بالزوج رضاها بعقد وليها عليها لجواز تقدم حلفها لا تزوجت بعقده ولغير ذلك كما قال ابن عرفة، نص على إذنها له في التفويض أيضا بقوله: كتفويضها يعني أن البكر يكفي في تفويضه -أي توكيلها للولي أن يعقد عليها- السكوتُ، ولا يشترط النطق بأن يقال لها نشهد عليك بأنك فوضت العقد لوليك، أو هل تفوضين له في العقد فسكتت في هاتين الصورتين، فيكفي ذلك فيهما حضرت مجلس العقد أو غابت، وأما إذا لم تسئل وأرادت التفويض لوليها في العقد فلا يتصور التفويض إلا بالنطق. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب: يكفي الصمت في تفويضها -يعني البكر- إلى الولي العقد، قال المتيطي: وهذا هو ظاهر مذهب الموثقين، قال: وانظر إذا كانت غائبة عن موضع الولي والزوج وأرادت التفويض إليه، والظاهر أنه لا بد من نطقها ولا ينبغي أن يختلف في ذلك، وفهم من كلام الشيخ أن الولي لا يعقد إلا بتفويض من المرأة وهو قول ابن القاسم قاله في التوضيح. انتهى. وقال الشيخ
(1)
سنن أبى داوود، كتاب الأضاحي، رقم الحديث، 2828.
(2)
البكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها، صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1421.
عبد الباقي: وما تقدم عن ابن عرفة من قوله لجواز تقدم حلفها لخ يظهر في الولاية العامة أو الخاصة المتعددة مع التساوي، كشقيقين لها حلفت أن لا يعقد لها أحدهما معينا، وأما إن لم تكن الخاصة إلا واحدا فحيثما رضيت بالصداق والزوج فلا حق لها في عدم تولية أخيها مثلا حتى تحلف أنه لا يعقد لها إلا من رضيت به. انتهى.
وندب إعلامها به يعني أنه يندب أن تعلم البكر بأن صمتها رضا، فيقال لها فلان خطبك بصداق قدره كذا نقده كذا ومؤخره كذا، فإن رضيت فاصمتي وإن كرهت فانطقي وظاهره الاكتفاء بمرة واحدة، وقال ابن شعبان: يقال لها ذلك ثلاث مرات إن رضيت فاصمتي وإن كرهت فانطقي. قاله الشارح وغيره. وفي العتبية: ولا يسألها الشهود ولا الولي إذا سكتت هل رضيت. قاله الشارح. وقال عبد الملك في كتاب ابن القرطي: ويطيلون الجلوس عندها قليلا، قال: ومعنى ذلك ليلا تبهت وتخجل في وقت دخولهم عليها فيمنعها ذلك من المسارعة إلى الإنكار، فيطال المقام عندها قليلا لتستدرك ما تريده. انتهى قاله الشارح.
ولا يقبل دعوى جهله يعني أن البكر إذا سكتت حتى عقد نكاحها ثم قالت لم أعلم أن ذلك الصمت إذن، فإنه لا يقبل دعواها أنها جهلت أن الصمت رضا بل يلزمها النكاح. في تأويل الأكثر المجرور متعلق بقوله:"يقبل" يعني أن عدم قبول جهلها أن الصمت رضي هو الذي تأول عليه المدونة أكثر الشيوخ وهو الأصح لأنه مشهور عند كل أحد، وظاهر المص ولو عرفت بالبله وقلة المعرفة خلافا لعبد الحميد الصائغ القائل: ينظر إلى هذه الصبية فإن علم منها البله وقلة المعرفة قبل منها ذلك وإلا فلا. انتهى. ومقابل الأصح وهو تأويل الأقل أنه يقبل دعوى جهله، قال الشارح: ولعل تأويل الأقل مبني على وجوب إعلامها به، وقال الشارح أيضا: ولهذه المسألة نظائر لا يعذر فيها بالجهل وهي تسع وثلاثون مسألة. وقد نظمتها في هذه الأبيات فقلت:
ثلاثون لا عذر بجهل يرى بها
…
وزدها من الأعداد تسعا لتكملا
فأولها بكر تقول لعاقد
…
جهلت بأن الصمت كالنطق مقولا
كمن سكتت عند الزواج فجومعت
…
فقالت أنا لم أرض بالعقد أولا
كذا شاهد في المال والحد مخطئا
…
شهادة صدق ضامن حين بدلا
وآكل
(1)
مال لليتيم وواطئ
…
رهين اعتكاف بالشريعة جاهلا
كذا قاذف شخصا يظن بأنه
…
رقيق فبان الشخص حرا مكملا
ومن قام بعد العام يشفع حاضرا
…
مع العلم بالمبتاع والبيع أولا
ومن ملكت أو خيرت ثم لم تكن
…
لتقضي حتى فارقت وتفاصلا
كذاك طبيب قاتل بعلاجه
…
بلا علم أو مفت تصدى تجاهلا
وبائع عبد بالخيار يروم أن
…
يرد وقد مر الزمان مهرولا
ومن أثبتت إضرار زوج فأمهلت
…
فجامعها قبل القضاء معاجلا
وعبد زنى أو يشرب الخمر جاهلا
…
بعتق فحد الحر يجري مفصلا
ويفسخ بيع فاسد مطلقا ولا
…
يسامح فيه من عن الحق حولا
وكل الذي يعطي الزكاة لكافر
…
وغير فقير ضامن تلك مسجلا
ومن يعتق الشخص الكفور لجهله
…
فلا يجز في كفارة وتبتلا
كذا مشتر من أوجب الشرع عتقه
…
عليه ولا رد له وله الولا
وآخذ حد من أبيه مفسق
…
كتحليفه إذ بالعقوق تسربلا
ومن يقطع المسكوك جهلا فلا يرى
…
شهادته من أجل ذلك تقبلا
(1)
في نسخة (ب) على الهامش هنا: قد جامع هذا الشرح: انظر ما معنى قوله وآكل مال لليتيم فالظاهر أنه لا مفهوم لمال اليتيم والله تعالى أعلم.
كما لو رأى عدلان فرجا محرما
…
يباح وحرا يسترق فأهملا
وسارق ما فيه النصاب مؤاخذ
…
وإن لم يكن ظرف النصاب معادلا
وواطن من قد أرهنت عنده فما
…
يكون له عن حد ذلك معزلا
كذلك من يزني ويشرب جاهلا
…
من أهل البوادي حده ليس مهملا
ومن رد رهنا بعد حوز لربه
…
فلا شك أن الحوز صار معطلا
وتخيير من قد أعتقت ثم جومعت
…
يفوت بجهل الحكم والعتق أهملا
ومن أنفقت من مال زوج لغيبة
…
فجا نعيه ردت من المال فاضلا
ولا ينف حمل العرس زوج لها إذا
…
رآه ولم ينهض بذلك معولا
ومن سكتت حين ارتجاع وجومعت
…
فقالت لقد كان اعتدادي كاملا
وليس لمن قد حيز عنه متاعه
…
مقال إذا ما الحوز كان مطولا
وقد قام بعد الحوز يطلب ملكه
…
وقيل له قد بعت ذلك أولا
ومن هو في صوم الظهار مجامع
…
لزوجته يستأنف الصوم مكملا
وليس لذي مال يباع بعلمه
…
ويشهد قبضا بعده أن يبدلا
ومن زوجها قد ملك الغير أمرها
…
فلم يقض حتى جومعت صار معزلا
مملكة من زوجها وتصالحا
…
عقيب قبول كان ليس مفصلا
(1)
(1)
في بعض النسخ ما لفظه: وهذا البيت أوله بالمعنى لتصحيف فيه.
وما سئلت عنه فليس لها إذن
…
تقول ثلاثا كان قصدي أولا
وإن بعد تمليك قضت ببتاتها
…
فقالت جهلت الحكم فيه معاجلا
فليس له عذر إذا قال لم أرد
…
سوى طلقة والحكم فيه كما خلا
وإن أمة قالت وبائعها لقد
…
تزوجها شخص ففارق وانجلى
فليس لمن يبتاعها بعد علمه
…
بذلك عذر أن يرد إذا قلا
ولا يطأنها أو يزوجها إلى
…
ثبوت خلو من زواج تحولا
ومن قبل تكفير الظهار مجامع
…
يذوق عقابا بالذي قد تحملا
وحق التي قد خيرت ساقط إذا
…
بواحدة قالت قضيت تجملا
وليس لها عذر بدعوى جهالة
…
وذاك الذي قد أوقعت عاد باطلا
ومن قال إن شهرين غبت ولم أعد
…
فأمرك قد صيرت عندك حاصلا
فمر ولم توقع وما أشهدت على
…
بقاها وطالت صار عنها محولا
وذاك كثير في الوضوء ومثله
…
بفرض صلاة ثم حج تحصلا
وإن منعت يعني أن البكر إذا أتت بما يدل على المنع من النكاح عند استئذانها فإنها لا تزوج، فقوله:"منعت" أي أتت بما يدل على المنع من النكاح ويعلم ذلك منها بنطق أو غيره، كما إذا نفرت بأن قامت كما في الشبراخيتي أو غطت وجهها حتى ظهر كراهتها كما قاله الشيخ إبراهيم. وبما قررت علم أن قوله: لم تزوج جواب الشرط فهو راجع لمسألتي المنع والنفور، وعلم أيضا أن النفور من المنع وقوله:"لم تزوج" أي وإن زوجت فسخ أبدا ولو أجازته لعدم اعتبار إجازتها حينئذ.
والحاصل أنه إن ظهر منها عند استئذانها ما يدل على إنكارها من قول أو فعل كقيام وأولى نفور ونحو ذلك فإنها لا تزوج، وإن زوجت فسخ أبدا ولو أجازته. والله سبحانه أعلم.
لا إن ضحكت يعني أن البكر إذا ضحكت عند الاستئذان فإنها تزوج لما فيه من الدلالة على الرضى صريحا، ولهذا إن قامت قرينة على أن ضحكها استهزاء فإنها لا تزوج كما قاله أبو علي. أو بكت يعني أن البكر إذا بكت عند الاستئذان فإنها تزوج، قال الشارح: وأما البكاء فقال في كتاب محمد: هو رضي لاحتمال أن تكون بكت على فقد أبيها وتقول في نفسها لو كان أبي حيا لما احتجت إلى ذلك؛ أي إلى الاستئذان.
قال بعض الموثقين: ووقعت هذه المسألة وحكم فيها بإمضاء النكاح. قلت وفي ذكره: الإمضاء إشارة إلى أن ذلك خاص بما كان بعد الوقوع وليس فيه دلالة على جوازه ابتداء، وقد قال في الجلاب إنها إذا بكت لا يلزمها النكاح وهو مخالف لما قاله الشيخ هنا، غير أنه اعتمد ما في الموازية وقواه في التعليق بقول بعض الموثقين الذي ذكرناه وليس بظاهر لما تقدم. انتهى. كلام الشارح. وقال الإمام الحطاب: قال ابن عرفة: ولو بكت ففي كونه إنكارا قولا الجلاب مع المتيطي عن ابن مسلم: وابن مغيث: قائلا نزلت فاختلف فيها وحكم بإمضائه، قلت: الصواب الكشف عن حال بكائها هل هو إنكار أو لا؟ انتهى. ولم يعزه له ابن عرفة فكأنه لم يره. والله أعلم. انتهى. كلام الحطاب. وقال الشيخ عبد الباقي: فإن أتت بالمتنافيين فالظاهر اعتبار الأخير منهما. انتهى.
والثيب تعرب يعني أن الثيب لا بد من إعرابها أي إفصاحها عما في ضميرها من تعيين الزوج والصداق فلا تأذن إلا بالقول، ولا يكفي سكوتها بخلاف البكر كما مر لقوله صلى الله عليه وسلم: (البكر تستأمر وإذنها صماتها والأيم تعرب عن نفسها
(1)
) أي تبين، وفي البخاري:(يعرب عنها لسانها)، والأيم في اللغة من لا زوج له
(2)
ذكرا كان أو أنثى بكرا كانت أو ثيبا، ولكن فهم من
(1)
البكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها. صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1421. وسنن ابن ماجه، بلفظ الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1872.
(2)
في النسخ: لها، والمثبت من (الحطاب) ج 4 ص 247 ط دار الرضوان.
مقابلته بالبكر وتأنيث فعله تخصيصه بالأنثى الثيب. والله أعلم. قاله الحطاب. وقوله: "والثيب تعرب" المراد بالثيب هنا المبالغة: وأما الصغيرة فقد قدم المص أنها تجبر.
تنبيهات: الأول: الفرق بين الثيب والبكر -حيث اكتفي في البكر بالصمت عند الاستئذان مع أن الأصل الإذن بالقول والثيب لا بد من نطقها- أن البكر يغلب عليها الحياء وليلا ينسب إليها -متى قالت نعم أو رضيت ونحو ذلك- ميل للرجال فيكون مزهدا في نكاحها، والثيب بخلاف ذلك لزوال هذا الاعتبار عنها ببروز وجهها ومعرفتها بالرجال وما يراد منها ففارقت غيرها.
الثاني: قال الشبراخيتي: إن تفويض الثيب لوليها في العقد يكفي فيه الصمت إن حضرت مجلس العقد، وأما إن غابت فلا بد من نطقها. انتهى. ونازع في ذلك محمد بن الحسن في الحاشية قائلا: فيه نظر بل لا بد من نطقها في التفويض أيضا كما يفيده نقل المواق عن المتيطي عند قوله: "كتفويضها". انتهى. وفيها عن الكافي ما نصه: لا يكون سكوت الثيب إذنا منها في نكاحها ولا تنكح إلا بإذنها قولا واحدا. انتهى. وانظره مع ما يأتي له عند قوله: "وإن طال كثيرا لزم" ونصه: والحاصل أن الحاضرة في محل العقد عليها لا يشترط نطقها مطلقا، وأن الغائبة عنه إن ثبت استئذانها قبله فهي محل قوله:"ورضا البكر صمت والثيب تعرب"، وإن لم يثبت استئذانها فالمفتات عليها، وتقدم أنه لا بد من نطقها وإن كانت بكرا. انتهى.
الثالث: قال عبد الباقي: وعدل عن تنطق تبركا بالحديث والله سبحانه أعلم.
واعلم أنه يشارك الثيب في أنه لا يكتفى منها إلا بالإذن بالقول أبكار سبعة الأولى أشار إليها بقوله: كبكر رشدت؛ يعني أن البكر التي رشدها أبوها بعد البلوغ أو وصية بقوله: رشدتك أو أطلقت يدك أوأنت مرشدة أو نحو ذلك لا بد من نطقها في النكاح والصداق، كما قاله الشيخ أبو علي. كالثيب ولا يكفي سكوتها، فأفاد بهذا أنه لا بد أن تعرب، وأفاد بما تقدم أنه لا بد من إذنها ولا يلزم منه النطق فلا يقال أعادها جمعا للنظائر.
وعلم مما قررت أن الترشيد إنما يصح بعد البلوغ لا قبله، قال الإمام الحطاب عند قوله "كبكر رشدت": يعني بعد البلوغ ونقله الشيخ بناني، وقال الشيخ أبو علي: ولا يصح ترشيدها قبل
البلوغ خلافا لمن غلط، وقوله:"كبكر رشدت"، ولو أراد الأب أن يرجع عن ترشيدها ويردها في ولايته هل له ذلك أم لا؟ قولان. نقله الإمام الحطاب وغيره عن معين الحكام.
وقال الشيخ عبد الباقي: ومحلهما يعني القولين فيما يظهر ما لم يثبت موجب الرد أو عدمه، وإلا اتفق على ما ثبت وقوله:"كبكر رشدت"، ويجري فيه حينئذ قوله:"وبأبعد مع أقرب".
وقوله: "كبكر رشدت" ذكر فيها المتيطي ثلاثة أقوال ثالثها إن زوجت بعرض فلا بد من النطق وإلا اكتفي بالصمت، الثانية أشار إليها بقوله: أو عضلت يعني أن البكر المجبرة إذا عضلها أبوها أي منعها من النكاح فرفعت أمرها إلى الحاكم فإنه لا يمكن الأب من ذلك، فإن أمر الحاكم مجيرها العاضل فزوجها لم يحتج لإذنها، وإن امتنع وزوجها الحاكم فإنه لا بد من إذنها بالنطق، فقوله:"أو عضلت" يعني حيث كان الزوج لها الحاكم كما قاله غير واحد. وقوله: "أو عضلت" يعني بعد البلوغ وأما الصغيرة فلا يعد منعها عضلا. قاله الشيخ أبو علي. الثالثة أشار إليها بقوله: أو زوجت بعرض يعني أن البكر المهملة التي لا أب لها ولا وصي، بأن مات أبوها ولم يوص عليها إذا أريد تزويجها بالعرض كلا أو بعضا وهي من قوم لا يزوجون به فإنه لا بد من أن تأذن بالقول، وأما التي تزوج بالمرض فلا يحتاج لنطقها إذا زوجت بالمرض وذات الأب أو وصية عانسا أم لا لا كلام لها معهما حينئذ. قاله غير واحد.
وقال الشيخ بناني بعد جلب أنقال: والحاصل أن مراد المص هي اليتيمة المهملة، وأن تقييدها بكونها زوجت بعرض موافق لما في أبي الحسن والمقري وابن سلمون، وعبر غيرهم بالتي يساق إليها مال لخ، وقوله:"أو زوجت بعرض"، علل وجوب نطق من زوجت بعرض بأنها بائعة مشترية والشراء لا يلزم بالصمت، ولا يعترض هذا بأن الإشارة لا تكفي في النكاح وتكفي في البيع فيلزم بها لأنا نقول: إن الصداق لما كان تابعا للنكاح لأنه ركنه أو شرط فيه أعطي حكمه والنكاح لا تكفي فيه الإشارة كما قاله ابن رحال. قاله محمد بن الحسن. وقوله: "أو زوجت بعرض" قد علمت أنه في المهملة، وأما إن زوجها الأب أو الوصي فلا كلام، وقال الشيخ أبو علي: حكى المتيطي أن الوصي إنما يكون كالأب في ذلك إذا كان مجبرا، وإلا فلا بد من نطقها كالهملة. انتهى.
الرابعة أشار إليها بقوله: أو رق يعني أن البكر التي زوجت برق أي بمن فيه رق ولو قل جزء رقه لا بد من إذنها بالقول، ولا يكفي فيها الصمت ولو مجبرة ولو على القول بأنه كفؤ في عبد أبيها لزيادة معرتها به، وهل كذا عبد غيره وهو ظاهر كلام غير واحد؟ كإطلاق المص أو على القول بأنه غير كفؤ لا على أنه كفؤ احتمالان. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وأما على أنه كفؤ فلا يزوجها أبوها بغير إذنها، وعبارة الأمير: أو زوجت بمهر أو زوج ليس شأنها، قال في الشرح: راجع لهما كعرض ورق. انتهى. وقال الشيخ بناني: إن الأب لا يجبر ابنته البكر على ذي الرق والعيب، وقال في التحفة:
والأب إن زوجها من عبد
…
فهو إن جبر ذو تعد
أقره ميارة واستدل بكلام المفيد، وأما تزويجها يعني البكر من العبد فيمنع على كل حال؛ لأن في ذلك نقصا ومعرة، وقال ابن عبد الرفيع في معينه: ليس للأب أن يزوج ابنته من عبد واستدل بغير هذا، وفي المفيد فإن اجتمع الأب والابنة على العبد وهي رشيدة ولا عصبة لها زوجت منه، وإن كانت بكرا أو ثيبا سفيهة ولها عصبة قريبة منعت وللعصبة منعها من ذلك.
الخامسة أشار لها بقوله: أو عيب يعني أن البكر التي زوجت بذي عيب يوجب الخيار لا يكتفى فيها عند الاستئذان بالسكوت بل لا بد من إذنها بالقول ولو كان المزوج لها أباها، وقوله:"أو رق أو عيب" على حذف مضاف فيهما أي بذي رق أو بذي عيب.
السادسة أشار إليها بقوله: أو يتيمة اليتم فقد الأب، يتم كضرب وعلم يتما ويفتح كما قاله أبو علي؛ يعني أن اليتيمة التي تقدم ذكرها في قوله:"إلا يتيمة خيف فسادها" لخ لا بد من إذنها بالقول في شأن العقد عليها، فلهذا ذكرها هنا إذ لم يذكر فيما تقدم أنها لا بد من إذنها بالقول. أشار له عبد الباقي.
السابعة أشار إليها بقوله: أو افتيت عليها يعني أن البكر التي افتيت عليها في العقد أي تعدي عليها فيه بأن زوجها وليها بغير أمرها ثم علمت بذلك فإن نكاحها يصح إذا أجازت ذلك ورضيت به، ورضاها إنما هو بالنطق لا بالسكوت، وأما الثيب فتعرب افتيت عليها أم لا، قال
ابن القاسم في المدونة: وإذا بلغت اليتيمة فزوجها وليها بغير أمرها ثم أعلمها بالقرب فرضيت جاز ولا يكون سكوتها رضا. انتهى. نقله الحطاب. قال الشيخ عبد الباقي: والافتيات على الزوج أو الولي كالافتيات عليها فيما تقدم وفيما يأتي، وأما عليها وعلى الزوج معا فلا بد من فسخه مطلقا. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: انظر قوله: أو الولي فإن كان مراده المجبر فغير ظاهر لما يأتي من قوله وإن أجاز مجبر لخ، وإن أراد غير المجبر فغير ظاهر أيضا لما مر من قوله: وصح بها في دنية مع خاص لم يجبر. والله سبحانه أعلم.
ابن يونس: ولو زوجها الزوج بغير أمرها ثم أعلمها بذلك فسكتت فأعلمها أن سكوتها رضا وترك ردها له نطقا يكون رضا به وأشهد عليها بذلك وكل ذلك هي ساكتة لعد ذلك رضا منها ولا كلام لها بعد ذلك. ابن المواز: قال أشهب عن مالك في امرأة زوجها أخوها ثم مات الزوج قبل البناء فقال ورثته لم تكن رضيت، فقال: تسئل هي الآن فإن قالت كنت رضيت فذلك لها. انتهى. قاله الحطاب. وقال عبد الباقي عن أشهب: إن دعواها الرضى حال موت الزوج مقبولة ولو بعد بعد حيث ادعى العاقد الإذن حال العقد، وأما إن سكت فإنما يقبل دعواها بالقرب. انتهى. وفي الرهوني أن سكوته كادعائه الإذن.
وصح يعني أن نكاح البكر غير المجبرة المفتات عليها يصح بأربعة شروط، وقد تقدم أن مثلها الزوج والولي المفتات عليهما، فجميع ما يجري فيها يجري فيهما، وكذا الثيب المفتات عليها فيجري فيها جميع ما جرى فيها، وأشار إلى الشروط الأربعة بقوله: إن قرب رضاها يعني أنه إنما يصح نكاح المفتات عليها بكرا أو ثيبا بشرط أن ترضى بالقرب من زمن العقد الذي وقع فيه الافتيات، وهذا يتضمن شرطين، أحدهما أن ترضى بالعقد الذي وقع فيه الافتيات ورضاها إنما يحصل بالنطق على ما تقدم، ثانيهما أن يقرب زمن الرضى من العقد المفتات عليها فيه، وحد عيسى القرب بأن يكون العقد في السوق أو في المسجد ثم يسار إليها بالخبر من ساعته، وجعل مالك اليوم من حيز البعد، ولابن حبيب وأصبغ أن اليومين قرب، وفي حاشية الشيخ بناني: الذي في نوازل الشهادات من المعيار عن ابن لب قال حد قوم القرب بالأيام الثلاثة، وجرى العمل
بهذا القول في هذه الأزمنة توسعة واستخفافا لذلك القدر من الزمن، وقال الشيخ الأمير: وصح إن قرب رضاها لا إن مضى يوم، وفي بناني جريان العمل بأن الثلاثة قرب. انتهى.
وأشار إلى الشرط الثالث بقوله: بالبلد حال من ضمير عليها القدر بعد صح أي وصح العقد عليها حال كونها بالبلد الذي حصل فيه الافتيات، بأن تكون هي ووليها ببلد واحد حال العقد، فلو كانا حال العقد ببلدين لم يصح العقد. قاله الشبراخيتي. وقال الحطاب: ومن المدونة: وإن كانت بغير البلد أو فيه وتأخر إعلامها لم يجز وإن رضيت.
وأشار إلى الشرط الرابع بقوله: ولم يقربه حال العقد يعني أنه يشترط مع ما سبق أن لا يقر الولي بالافتيات حال عقده على المرأة المفتات عليها بأن سكت حين العقد أو ادعى الإذن وخالفته المرأة بأن قالت إنها لم تأذن، ومفهوم قوله:"ولم يقر به حال العقد" أنه لو أقر بالافتيات حال العقد لم يصح ولو قرب وهو كذلك، قال ابن رشد: اتفاقا، فإن ادعى الإذن ووافقته على الإذن صح مطلقا قرب رضاها أو بعد، وزيد خامس وهو أن لا ترد المرأة النكاح قبل الرضى وإلا لم يعتبر رضاها بعده ولو قرب، وإن أقرت بعد ذلك بوكالته وأنها كانت راضية فلا يجوز ولا يثبت إلا بنكاح جديد. قاله الشارح. ويزاد سادس أيضا وهو أن لا يفتات على الزوج والزوجة معا وإلا فسخ مطلقا نقله الشيخ عبد الباقي، وقوله:"ولم يقر به حال العقد"، اعتمد المؤلف هنا ما ذكره ابن رشد من الاتفاق. ابن عرفة: هذا الاتفاق خلاف ما فسر به الباجي النكاح الموقوف. انتهى. الباجي: وصفة النكاح الموقوف الذي ذكره أصحابنا في المدونة وغيرها أن يعقده الولي على وليته ويشترط إجازتها ويذكر أنه لم يستأذنها بعد، وأنه قد أمضى ما بيده من ذلك، وأنها إن أجازته فالنكاح من قبل الولي قد نفذ، وقال: قال القاضي أبو الحسن إنه يصح أن ينعقد النكاح الموقوف على إجازة الولي أو إجازة الزوج وإذن المرأة فيه وقد ذكرنا صفة وقفه على المرأة وهو الذي يذكر أصحابنا جوازه. انتهى.
وفي التوضيح: ومن المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل المرأة تزوج وهي حاضرة فتسكت ولا تنكر حتى يدخل بها الزوج ثم تنكر النكاح وتقول لم أرض به وتدعي الجهل. انتهى. قاله الحطاب. وما ذكره المص في نكاح المفتات عليها من أنه يصح إن قرب رضاها لخ هو مذهب المدونة وهو
المشهور، وحكى ابن المواز الجواز مطلقا بالقرب أو بالبعد، وابن الجلاب المنع مطلقا، وإن فسخ نكاح المفتات عليها أو قدمت فأنكرت، فقال في المدونة: لا أحب أن يتزوج أمها ولا يتزوجها أبوه ولا ابنه، وقال أصبغ: بل لا يحل له ذلك وأجازه ابن الماجشون وهو الصحيح، واختاره ابن أبي زيد واحتج بأنه لو قال: زوجت ابنتي فلانا إن رضي فقال لا أرضى لم تقع به الحرمة وإن كان له الرضى بإجماع وهذه ليس لها الرضى إلا على قول. قاله الشيخ أبو علي.
ولما أفهم قوله: "وبأبعد مع أقرب". أن نكاح غير المجبر مع المجبر لا يصح، استثنى من ذلك مسألة أشار إليها بقوله: وإن أجاز مجبر يعني أنه إذا عقد نكاح مجبرة بغير إذن مجبرها أبا أو وصيا أو مالكا فإن ذلك العقد يصح إذا صدر من ابن المجبر وهوأخو المجبرة، وإلى ذلك أشار بقوله: في ابن ومثل عقد الابن للمجبرة عقد أخي المجبر الذي هو عم المجبرة كما قال: وأخ، ومثل ذلك عقد جد المجبرة الذي هو أبو المجبر، وإلى ذلك أشار بقوله: وجد، وإنما يصح عقد كل منهم بشرط أشار إليه بقوله: فوض له أموره يعني أنه يشترط في صحة العقد الصادر من الثلاثة بغير إذن المجبر أن يكون المجبر فوض إليهم أموره بأن يقول فوضت إلى فلان ابني أو أخي أو أبي جميع أموري أو أقمته مقامي في جميع أموري ونحو ذلك ولم يصرح بالإنكاح أو التزويج؛ إذ لو صرح بأحدهما لم يحتج للإجازة، ومثل التفويض بالقول التفويض بالعادة بأن ريء يتصرف له تصرفا عاما كتصرف الوكيل المفوض إليه حتى يكون بمنزلة المصرح له به، فلو شهدت بالتصرف له في بعض حوائجه فلا.
ببينة يعني أنه يشترط في صحة النكاح المذكور أن يكون التفويض الذي تقدم بيانه ثابتا ببينة تشهد عليه كان التفويض نصا أو عادة، فلا يثبت بقول المجبر إنه فوض إليهم أموره فلا عبرة بذلك وقوله:"ببينة" متعلق بمحذوف أي وثبت ذلك ببينة. قاله الشبراخيتي. وقوله: جاز جواب عن قوله: "وإن أجاز" يعني أن النكاح المذكور إن أجازه المجبر جاز أي صح ولزم ولا يجوز ابتداء. قاله الشيخ أبو علي. والقصر على هؤلاء الثلاثة هو ظاهر المدونة، وألحق ابن حبيب بهم سائر الأولياء إذا قاموا هذا المقام. الأبهري وابن محرز: وكذلك الأجنبي لأنه إذا كانت العلة تفويض الأب فلا فرق.
وبما قررت علم أن قوله: "مجبر". يشمل البكر والأمة كما في المدونة. قاله الحطاب. وقال عبد الباقي: عند قوله "مجبر": أب أو وصي أو مالك، وقال الشبراخيتي: كسيد أو ولي أو وصي .. وهل إن قرب؛ يعني أن الشيوخ اختلفوا في فهم المدونة، فحملها حمديس على أن محل جواز أي مضي النكاح بإجازة المجبر حيث قرب ما بين العقد والإجازة، وأما إن بعد ما بينهما فلا يصح النكاح المذكور، وحملها أبو عمران على أن النكاح يصح بإجازة المجبر مطلقا قرب ما بين العقد والإجازة أو بعد. وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان.
وقوله: "وإن أجاز مجبر" هذه المسألة وقعت في المدونة، ونصها: ومن زوج أخته البكر بغير أمر الأب لم يجز وإن أجازه إلا أن يكون الابن قد فوض إليه أبوه جميع شأنه فقام بأمره فيجوز بإجازة الأب، وكذلك في أمة الأب وكذلك في الجد والأخ يقيمه هذا المقام. انتهى. قاله الشارح. وقال عقب كلام لابن حبيب والأبهري: إنه يحتمل التفسير، والخلاف ابن يونس على مسألة المدونة قال ابن المواز: والحجة في هذا حديث عائشة رضي الله عنها حين زوجت بنت أخيها عبد الرحمن فكلم في ذلك فرضي، قال مالك: وإنما كان ذلك لمثل عائشة لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قاله الشارح. وقول مالك هذا يسقط الاستدلال بهذه الفعلة من عائشة رضي الله عنها.
واعلم أن عائشة رضي الله عنها زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمن وهو غائب بالشام فكلم فيه فرضي، وبه استدلوا على أن ذلك يجوز بالإجازة مع البعد. ابن القاسم: أظن أنها وكلت عند العقد، ويؤخذ من قول ابن القاسم أظن لخ أن الحكم في تزويج هؤلاء الأشخاص الثلاثة كما ذكر سواء تولوا العقد بأنفسهم أو ولوا غيرهم، واعلم أنه لا إشكال في أن توكل المرأة على عقد امرأة أخرى كما في الوصية، فكل ذلك جائز وإنما المضر مباشرتها للعقد كما نص عليه غير واحد، وما ذكره المص من أن النكاح المذكور يمضي بالإجازة كما أفاد ذلك بمفهوم الشرط هو المعتمد خلافا لأبي الحسن وابن شاس أن المفوض له بالنص له فعل الطلاق وإنكاح مجبرة الموكل وبيع دار سكناه وعبده وإن لم ينص له الموكل على هذه الأربعة ويمضي النكاح وإن لم يمضه موكله. انتهى. قاله الشيخ عبد الباقي. ولو ادعى الزوج أن الابن أو الأخ إنما عقد بإذن الأب له فعلى الزوج
إثبات ذلك، ويضرب له أجل ويوسع عليه فإن عجز حلف الأب على نفي دعواه، فإن حلف فسخ النكاح وإن نكل ثبت النكاح. نقله الشيخ بهرام. والشيخ أبو علي. وقوله:"وإن أجاز" لخ، قال الشارح وغيره: قيد الشيخ وغيره ذلك بما إذا قال الأب إنما أجزت النكاح لأني فوضت إليه جميع أموري والنكاح من جملة ذلك، وأما إن قال لم يخطر لي نكاح ابنتي في تفويضي إليه فلا يصح ولو أجازه وهو ظاهر، وإذا وكل الأب في نكاح ابنته البكر فهل على الوكيل أن يستأذنها أم لا روايتان، والذي ذهب إليه عبد الملك والتونسي أنه لا يستأذنها. قاله الشارح. وقوله:"وإن أجاز مجبر"، فإن أراد الفسخ فلا بد من حضور الزوج وتسليمه لما فعله الأب ليلا تكون له حجة أو شهادة يستظهر بها فيبطل بها فعل الأب. قاله الشيخ أبو علي.
وفسخ تزويج حاكم أو غيره ابنته في كعشر، الضمير في ابنته عائد على المجبر في قوله:"وإن أجاز مجبر" يعني أن الأب إذا غاب عن ابنته المجبرة فإن تلك الغيبة على ثلاثة أقسام، أحدها أن تكون الغيبة قريبة كعشرة أيام وما أشبه ذلك فلا خلاف أنها لا تزوج في مغيبه فإن زوجت فسخ النكاح زوجها الولي أو السلطان. قاله في الواضحة. قال في التوضيح: زاد في المتيطية عن ابن القاسم ويفسخ وإن ولدت الأولاد وإن أجازه الأب، وقوله:"ابنته" وكذا أمه السيد ولو أجازه ولم يقل مجبرته حتى يشملها لأن التقسيم الأتي خاص بالحرة لأن المملوكة لا حق لها في النكاح حتى يزوجها الحاكم أو غيره، ومحل الفسخ فيما ذكر المص حيث لم يتبين ضرر الأب بها، وإلا كتب إليه الحاكم إما أن تزوجها وإلا زوجناها عليك، فإن لم يفعل زوجها الحاكم ولا فسخ. قاله الرجراجي. كما أو عدمت النفقة أو خيف عليها الضيعة فلا يفسخ تزويج الحاكم لها. قاله الشيخ سالم. وفي المواق ما يوافقه قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله:"في كعشر" ذهابا فقط، وفهم من قوله:"كعشر" أنه معلوم الموضع؛ إذ المجهول يزوج ابنته أولياؤها لأنه في حكم الميت ولا يقال في المجهول قريب الغيبة ولا بعيدها. قاله الشيخ أبو علي.
وأشار إلى القسم الثاني من أقسام الغيبة بقوله: وزوج الحاكم في كإفريقية يعني أن الأب إذا غاب عن ابنته المجبرة غيبة انقطاع بمعنى أنه طالت إقامته بحيث لا يرجى قدومه بسرعة غالبا فإن الحاكم يزوجها وقيل يزوجها الولي. قاله ابن وهب. ومثله في الموازية نقله الشارح، وقوله:
"وزوج الحاكم" أي لتضررها غالبا بغيبته المسافة المذكورة ولو دامت نفقتها ولم يخف عليها ضيعة، ولابد من إذنها بالقول ولو خيف فسادها خلافا لقول اللخمي: يجبرها في هذه الحالة. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: ولو دامت نفقتها لخ هذا هو الراجح كما في الحطاب خلاف ما اضتمده الرماصي من اشتراط قطع النفقة وخوف الضيعة؛ لأن الأول ظاهر المدونة والثاني قول مالك في كتاب محمد قاله الشيخ بناني. وقوله: ولا بد من إذنها بالقول فيه نظر إذ لم يعدها أحد فيما مر. قاله الشيخ بناني. ومثلوا لغيبة الانقطاع بما لو غاب أبو المجبرة إلى إفريقية، وإفريقية قال ابن ناجي عن شيخه: المراد بها حيث وقعت في المدونة القيروان. قاله الشيخ إبراهيم.
وظهر من مصر يعني أنه استظهر ابن رشد كون المسافة مبتدأة من مصر فالمسافة المذكورة من مصر لإفريقية وبينهما ثلاثة أشهر. واستبعده ابن عبد السلام واستظهر قول الأكثر إن المسافة من المدينة لإفريقية لأن المسألة لمالك وهو بالمدينة وبين المدينة ومصر شهر، فعلى ما استظهره ابن رشد تكون المسافة المذكورة ثلاثة أشهر، وعلى ما استظهره ابن عبد السلام تكون المسافة أربعة أشهر.
وتؤولت أيضا بالاستيطان يعني أن المدونة تؤولت على أن الحاكم لا يزوج ابنة المجبر في المسافة المذكورة إلا إذا كانت غيبته غيبة استيطان فإنه حينئذ يزوجها، والاستيطان هو السكنى بنية عدم الانتقال، وفهم منه أنها تؤولت على أن الاستيطان لا يشترط في الإنكاح المذكور بل يشترط أن تكون الغيبة غيبة انقطاع بمعنى أنه طالت إقامته بحيث لا يرجى قدومه بسرعة غالبا وهو ما تقدم، وخرج عن القسمين ما لو خرج لتجارة أو لحاجة ونيته العود ولم تطل إقامته فلا تزوج ابنته فالغائب لإفريقية ونحوها على ثلاثة أقسام: قسم طالت إقامته بها وليس مستوطنا، متوطن بها، من خرج لتجارة ونيته العود ولم تطل إقامته، وقوله:"وزوج الحاكم في كإفريقية" محله في المبالغة، وأما غير المبالغة فلا تزوج إلا إذا خيف عليها الفساد أو انقطعت عنها النفقة فتزوج حينئذ، وقوله:"وزوج الحاكم في كإفريقية" لخ هذه المسألة اختلف فيها على أربعة أقوال، اثنان منها تؤولت عليهما المدونة كما أفاد ذلك بقوله: أيضا والأول منهما هو الراجح، والقول الثالث لابن حبيب أنها تزوج إن طال استيطانه بالبلد الذي سار إليه كعشرين سنة وثلاثين، قال فضل:
ولا أعلم هذا التحديد لغيره، والرابع أنها لا تزوج بحال حتى يقدم أبوها وهو في كتاب محمد، ومثله في سماع يحيى وهو قول ابن الماجشون. واستشكل، قال في البيان: وهو مبني على القول بجواز العضل. قاله الشارح. وحكى عبد الحق عن الأبياني أنه إن كان بموضع يتعذر إذنه فيه أو لا ينفذ إليه كتاب الحاكم الذي في موضع البنت فإن الحاكم حينئذ يزوجها. قاله الشارح.
وعلم مما مر أن الراجح من الأقوال الأربعة هو الأول، أعني قوله:"وزوج الحاكم في كإفريقية" كما نص عليه الحطاب، وقال: واقتصر المص على هذين القولين لقوتهما عنده؛ لأن المدونة تؤولت عليهما وصدر بالأول لأن ابن رشد ضعف القول الثاني، فإنه قال: وأما الاعتبار بالاستيطان فلا وجه له. انتهى. وكلام المدونة الذي حكى فيه المص التأويلين هو قول مالك فيها: ومن غاب عن ابنته البكر غيبة انقطاع كمن خرج إلى المغازي إلى مثل إفريقية والأندلس وطنجة فأقام بها فرفعت أمرها إلى السلطان فلينظر لها وليزوجها، وأما إن خرج تاجرا أو في سفر لغير مقام فلا يزوجها ولي ولا سلطان وإن أرادته الابنة. انتهى. ولم يتكلم المص هنا على ما بين العشر وثلاثة أشهر وقال عبد الباقي: وأما ما فوق كعشر ودون ثلاثة أشهر أو أربعة فلا يجوز لكن يصح بعد الوقوع على ما عليه غير واحد من مشايخي قائلين: إن كلام التوضيح يفيده قاله علي الأجهوري، ونحوه لأحمد.
كغيبة الأقرب الثلاث يعني أن المرأة غير المجبرة إذا كان لها وليان أحدهما أقرب من الآخر فإن الولاية للأقرب، فإذا غاب هذا الأقرب غيبة على مسافة ثلاث ليال فأكثر فإن الولاية تنتقل للحاكم؛ لأن غيبة الأقرب لا تسقط حقه والحاكم وكيل الغائب، فلا تنتقل الولاية للأبعد فهو تشبيه في أن الحاكم يزوجها، فإن زوجها الأبعد صح كما أفاد ذلك بقوله:"وبأبعد"، قال عبد الباقي: وإن نقصت المسافة عن ثلاث انتقل الحق للأبعد بعد الإرسال للأقرب الغائب، فإن حضر وإلا زوجها الأبعد. انتهى. ورده الرهوني بأن قرب الغيبة كحضور الولي، ومعلوم أن الحاضر لا كلام للأبعد معه بل إن طلبت التزويج أمره الحاكم فإن عضلها زوجها الحاكم، فكذلك القريب يكتب له الحاكم فإن عضلها زوجها الحاكم. انتهى. وظاهر المص أن الحاكم يزوجها بطلبها للتزويج وإن لم يحصل من الغائب عضل. قاله الشيخ عبد الباقي.
وأشار إلى القسم الثالث من أقسام الغيبة بقوله: وإن أسر أو فقد فلأبعد يعني أن الولي مجبرا أم لا إذا أسره العدو أو فقد فإن الولاية تنتقل للأبعد فيزوجها ولو جرت عليها النفقة ولم تخف عليها الضيعة، قال الشيخ زروق: فإن أسر أو فقد انتقل للأبعد وإن كان مجبرا على المشهور. المتيطي: وبه القضاء. انتهى. قاله الحطاب.
وإذا فرعنا على المشهور فينبغي أن يثبت الولي عند الحاكم طول غيبة الأقرب وانقطاع خبره والجهل بمكانه، وحينئذ يبيح للولي إنكاحها. وفي الطرر أن الإمام يزوجها إذا دعت إلى ذلك فجعل ذلك للحاكم دون الولي وهو أصوب وإن فرق بين هذه والتي قبلها. انتهى. قاله الحطاب. وقال الشيخ محمد بن الحسن: إن الذي لابن رشد الاتفاق على أن الأسير والمفقود كذي الغيبة البعيدة لا يزوج ابنتهما إلا الحاكم ولا ينتقل الأمر للأبعد، وصوبه بعض الموثقين قائلا: وأي فرق بين هذه والتي قبلها والمص تبع ما رجحه المتيطي، ويرد عليه أن المتيطي لم يقل ذلك إلا في المفقود وأما الأسير فلم يتكلم عليه أصلا ولا يصح قياسه على المفقود لعلم حياة الأسير وعدم صحة القياس مع وجود النص. انتهى. ونحوه للشيخ أبي علي: وفهم من المص أن المجنون والمحبوس ليس حكمهما كذلك وهو كذلك، فلا تزوج ابنة واحد منهما لأن برأه وخروجه مرجوان. قاله التتائي.
وفي التوضيح ما يفيد أن هذا في الذي يفيق أحيانا، وأما المطبق فلا ولاية له والتعليل المذكور يفيده كما في أحمد، والذي في ابن عرفة أن وصي المجنون يزوج ابنته كيتيمة، ولمحمد: ينتقل الحق للأبعد. انظر الحطاب. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشيخ أبو علي: إن المسجون إن سجن ببلد البنت أو قربه يكتب إليه، وإن سجن بموضع لا يعلم وانقطع خبره فهو كالفقيد وإن بعد جدا كإفريقية، فإن غلب على الظن قدومه لم تزوج ابنته، وإن غلب على الظن عدم قدومه زوجت، والمجنون تزوج ابنته لأن الغالب عدم زوال الجنون. انتهى. وقال الإمام الحطاب: قال المتيطي: وإذا زوج الحاكم فإن كانت بكرا ذكرت معرفة الشهود أن النكاح نظر لها وأن الصداق مهر مثلها كما يفعل مع الوصي، وفي النوادر: وأجمعوا أن ولي المرأة في النكاح إذا غاب غيبة منقطعة كان
للذي هو ولي لها بعده لو كان ميتا أن يتولاه لها. إلا زفر بن الهذيل فإنه قال: لا يليه وهو حي أبدا. انتهى. قاله الشيخ أبو علي.
كذي رق تشبيه في ثبوت الولاية للأبعد كما نص عليه الشيخ أبو علي؛ يعني أنه لا ولاية في عقد النكاح لذي الرق ولو ذا شائبة ولو قل جزء رقه فلا يباشر ولا يوكل وحينئذ فالولاية للأبعد كما نص عليه الشيخ أبو علي والشيخ بهرام، فإن عقد ذو رق ولو مكاتبا النكاح على ابنته أو غيرها فسخ أبدا، وإن ولدت الأولاد بتطليقة وإن أذن الولي له أو كانت دنية. قاله غير واحد. أصبغ: ولا توارث في ذلك وإن فسخ بطلاق لضعف الاختلاف فيه، وقوله:"كذي رق" سواء كان قريبا أو معالكا إلا مكاتبا في أمة طلب فضلا كما يأتي. قاله الشيخ عبد الباقي. وفي هذا الكلام مع ما يأتي إشارة إلى شروط الولي، فكأنه يقول: وشرط الولي أن يكون حرا لا رقيقا بالغا لا صغيرا عاقلا لا معتوها ذكرا لا أنثى.
وصغر يعني أنه لا ولاية في عقد نكاح المرأة لغير البالغ ولو ناهز فلا يصح عقده، وحينئذ فالولاية للأبعد كما نص عليه الشيخ أبو علي والشيخ بهرام. وعته يعني أنه لا ولاية في عقد نكاح المرأة للمعتوه وهو الضعيف العقل ومثله المجنون، وقال الشيخ أبو علي: المعتوه المجنون، وإذا كان القريب للمرأة معتوها أو مجنونا فإن الولاية تكون للأبعد كما نص عليه غير واحد. والله سبحانه أعلم.
وأنوثة يعني أن الأنوثة من موانع الولاية، فأخت المرأة لا ولاية لها عليها كأمها ونحوهما من كل أنثى، وحينئذ فالولاية للأبعد كما نص عليه غير واحد، فلا يصح أن تلي امرأة عقد نكاح امرأة ولا أن توكل إلا أن تكون وصية أو مالكة أو معتقة أو وكيلة، قال الشيخ إبراهيم: وشروط الولي المذكورة والحرية والعقل والبلوغ وعدم الكفر في المسلمة وعدم الإحرام، قال الشارح: ولا خلاف في هذه الستة، وأما الرشد فهو شرط في الجملة كما سيشير له بقوله:"وعقد السفيه ذو الرأي بإذن وليه"، والعدالة شرط على قول ضعيف كما يفيده كلام ابن الحاجب. وذكر ابن عرفة الاتفاق على عدم اشتراطها. انتهى. ولهذا قال: لا فسق يعني أن الفسق وهو الخروج عن طاعة الله تعالى بارتكاب الكبائر لا يسلب الولاية في النكاح، وقيل يسلبها وهو قول ضعيف كما علمت.
وسلب الكمال يعني أن الفسق إنما يسلب عن المتصف به كمال الولاية ولا يسلب عنه الولاية، قال الشيخ أبو علي: ومعنى ذلك أن هذا الفاسق الأقرب إن لم يفعل ما أوجب الله عليه من التوبة وأصر على فسقه ولم يرفع العقد للعدل الأبعد وعقد النكاح بنفسه فعقده ناقص للاختلاف في صحته، وإن كان الراجح هو الصحة فقولهم:"سلب الكمال" أي كمال عقد النكاح، وأما تقديم العدل المساوي للفاسق فواجب، ثم قال: فتوكيل الفاسق الأقرب للأبعد يندب بلا إشكال. انتهى. وقال الشيخ الخرشي: إن أريد به تقديم الأبعد العدل على الأقرب الفاسق فبعيد، وإن أريد به رجحان العدل المساوي في القرابة على مساويه فقريب. انتهى.
وقوله: "وسلب الكمال" حكى اللخمي عن ابن القصار جواز ولايته، وعن عبد الوهاب كراهتها مع وجود العدل. قاله الشارح. ووكلت مالكة يعني أن المرأة لا تصلح لمباشرة عقد النكاح فلذلك لابد لها من التوكيل على عقد نكاح أمتها، بخلاف نكاح عبدها الذكر فإنه يجوز أن تقبل له وقيل لا تقبل للذكر، وإذا وكلت المالكة فإنها لا توكل إلا من استوفى الشروط الستة. ووصية يعني أن المرأة إذا كانت موصاة على إناث فإنه لا يصلح أن تباشر العقد لهن بل توكل من يصلح لمباشرة عقد الأنثى كالمالكة، ومثل الوصية الوكيلة فتوكل من يصلح لمباشرة العقد، وأما الوصية على ذكر فتباشر له القبول كالوكيلة والمجعولة وكيلة في الحياة ووصية بعد الممات وغاب وشاع موته ولم يثبت بالبينة، فهل تزوج بالوكالة أو الوصية؟ والجواب أن عقدها صحيح على كل حال بسبب ما جعل بيدها على كلا التقديرين. قاله الشيخ أبو علي.
وقوله: "ووصية" وقد كانت عائشة رضي الله عنها موصاة على أيتام تختار الأزواج وتقرر الأصدقة ثم تقول: اعقدوا فإن النساء لا يعقدن. ابن ناجي: ظاهر قول الكتاب: تستخلف رجلا يعقد لها النكاح أنها لا تجبر ولو نص لها على الجبر، وإليه ذهب بعض شيوخنا، وقال شيخنا أبو مهدي تستخلف من يعقد ويجبر. وقاله الشيخ إبراهيم. وقال الشيخ الأمير: ووكلت مالكة وجبرت ووصية على تفصيل الوصي في الجبر. انتهى.
ومعتقد بكسر التاء يعني أن المعتقة بالكسر توكل على عقد معتقتها، فلا يصح العقد منها مباشرة وإنما يصح بتوكيل من يصلح لمباشرة العقد. وإن أجنبيا يعني أن المالكة والوصية والمعتقة إذا
وكلت من يصلح لمباشرة العقد فإن النكاح يصح ويجوز ولو كان الوكيل أجنبيا منهن ولو مع حضور أوليائهن، وكذا يصح أيضا ولو وكلت أجنبيا من الوكل عليها في الأوليين، وأما في الثالثة فلا توكل المعتقة بالكسر مع وجود عاصب نسب للمعتقة بالفتح لتقدم عاصب النسب على عاصب الولاء، فالمبالغة في الأجنبي من الموكلة بالكسر في الثلاث ومن الموكل عليها في الأوليين.
ولما ذكر سلب الولاية عن ذي الرق ذكر أن بعض الأرقاء يجوز له التوكيل، وإنما يمنع المباشرة [كبعض]
(1)
الإناث المذكورات مشبها له بها بقوله: كعبد أوصي يعني أن العبد إذا كان موصى على عقد نكاح إناث فإنه يوكل وجوبا من تصلح مباشرته ولا تصح مباشرته هو للعقد عليهن ووكيله نانب عن نانب، وكذا لو وكل العبد على عقد إناث فإنه لابد أن يوكل من تصلح مباشرته للعقد عليهن، وعلم من هذا أن الرق إنما يسلب الولاية عن أقاربه ومملوكاته. قاله الشيخ إبراهيم.
ومكاتب في أمة يعني أن المكاتب إذا أراد تزويج أمة له فإنه لا بد أن يستخلف على عقد نكاحها من تصلح مباشرته لعقد نكاح الأنثى، وله ذلك من غير إذن سيده لكن بشرط أشار له بقوله: طلب فضلا يعني أن المكاتب إنما تكون له ولاية الجبر على أمته والاستخلاف المذكور على عقد نكاحها حيث طلب في نكاحها فضلا؛ بأن يزيد صداقها على ما يجبر عيب التزويج وعلى صداق مثلها معا، كأن يكون ثمنها خمسين ولعيب التزويج أربعين وصداق مثلها بقطع النظر عن عيب التزويج عشرة مثلما فيزوجها بأحد وعشرين، فهي أزيد من صداق مثلها ومن عيب التزويج معا فله ذلك.
وإن كره سيده يعني أنه حيث طلب الفضل له أن يزوجها ويلزم النكاح ولو رده السيد لأنه أحرز نفسه وماله مع عدم تبذيره فيه، وأما إن تولى العقد بنفسه فلا بد من فسخه ولو أجازه السيد، وكذا عقده على ابنته الحرة ولو أجازه أولياؤها وليست له هو ولاية عليها حتى يستخلف كما أفاد ذلك بقوله:"في أمة". وفي المدونة: والعبد إذا استخلفه حر على البضع فليوكل غيره على العقد؛ وللمكاتب إنكاح إمائه على ابتغاء الفضل وإن كره سيده، ولكن يلي العقد بأمره ولا يجوز
(1)
في النسخ لبعض والمثبت من عبد الباقي ج 3 ص 187 والشبراخيتي مخطوط.
على غير ابتغاء الفضل إذا رده السيد. انتهى. قاله الشارح. ومفهوم قول المص: "طلب فضلا" أنه لا يجوز النكاح المذكور على غير ابتغاء الفضل إذا رده السيد، ولو رضي السيد ذلك لجاز. قاله الشارح. وقال الشبراخيتي: فلو كان ذلك من غير ابتغاء الفضل فإن زوجها المكاتب فإن أجازه السيد جاز وإن رده رد، فإن جهل هل زوجها ابتغاء الفضل حمل على ابتغاء الفضل إلا أن يتبين عدمه. انتهى. وقوله: حمل على ابتغاء الفضل يأتي عن عبد الباقي عن أبي الحسن خلافه. والله تعالى أعلم. وقوله: "في أمة" أي لا في ابنته.
ومنع إحرام يعني أن الإحرام بحج أو عمرة أو هما معا كما في الشبراخيتي يمنع صحة النكاح، سواء كان الإحرام من الرجل أو المرأة أو وليها، ولهذا قال: من أحد الثلاثة يعني أنه متى حصل إحرام من أحد الثلاثة المذكورين فإن النكاح يمنع حينئذ، وأولى في المنع لو حصل إحرام من اثنين من الثلاثة أو من جميعهم، ويفسخ النكاح المذكور قبل وبعد ولو ولدت الأولاد ولا يتأبد التحريم، وقوله:"ومنع إحرام من أحد الثلاثة" فلا يَقبل زوج وهو محرم ولا تأذن زوجة وهي محرمة وكذا لا يوكل واحد منهم وهو محرم ولا يجيز وهو محرم.
وقوله: "ومنع إحرام من أحد الثلاثة" أي مباشرة وتوكيلا، ويستمر المنع في العمرة لتمام سعيها ويندب تأخير العقد لحلاقها أو تقصيرها، ويستمر في الحج لتمام الإفاضة إن كان قدم سعيه وإلا فلتمام سعيه، فإن قدمه وأفاض ونسي الركعتين فإن نكح بالقرب فسخ بطلقة وإن تباعد جاز نكاحه والقرب بحيث يمكنه أن يرجع فيبتدئ طوافه. قاله الشيخ بناني. ولعل الفرق بين منع النكاح وفسخه قبل تمام الركعتين وبين جواز الوطء قبلهما على مقتضى قوله: وحل به ما بقي طول فراق أهله، بخلاف منشئ عقد قبلهما.
واعلم أن العبرة بوقت العقد حلا وإحراما في الثلاثة أو أحدهم، فإن وكل حلا فلم يعقد النكاح إلا وأحدهم محرم فسد، وإن وكل محرما فلم يعقد إلا والجميع حل لم يفسد، ويستثنى من هذا ما لو كان الحاكم محرما والولاية له من حيث الحكم ونائبه حلال فيصح العقد بولاية النائب المذكور. واعلم أن المحرم كما لا يعقد النكاح لا يخطب، وأما شراء الجواري فيجوز له كما نص عليه ابن الجلاب، وظاهره: ولو قصدت للفراش وهو كذلك. وانظر شهادة المحرم إن لم يحضر العقد وكذا
إن حضر وإن كان منهيا عن الحضور، وقوله:"ومنع إحرام من أحد الثلاثة" هذا هو مذهب الجمهور من الصحابة ومن بعدهم وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد، وذهب أبو حنيفة وجماعة إلى أن الإحرام لا يمنع من عقد النكاح وحجة الأولين ما في الصحيح عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب
(1)
)، وحجة من أجاز ما في الصحيح عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم
(2)
)، وفي بعض طرقه: وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف ككتف موضع قرب التنعيم، وأجاب الأولون بما في الصحيح أيضا أنه صلى الله عليه وسلم: تزوجها وهو حلال وبما رواه النسائي مسندا ومالك في موطئه مرسلا عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم (تزوجها وهو حلال قال وكنت أنا الرسول بينهما
(3)
)، والحق أن رواية أبي رافع أولى لأنه المباشر للقصة ولاسيما وابن عباس كان صغيرا، وعلى تقدير المساواة بينهما فيعارضان ويسلم حديث عثمان. قاله الشارح.
ثم أشار إلى شرطية الإسلام مشبها لنقيضه بما قبله في حكمه بقوله: ككفر لمسلمة يعني أن الكفر من موانع الولاية للمسلمة، فالتشبيه في المنع فإذا كان أخو المسلمة مثلا كافرا وعقد نكاحها فإن ذلك العقد فاسد لقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} ، وحكى ابن الحاجب قولا بأن كفر الجزية لا يسلب الولاية. ابن عبد السلام: ولم أر أحدا من الحفاظ إلا وهو ينكر وجوده وينسب المؤلف فيه إلى الوهم، فقوله:"ككفر لمسلمة" سواء في ذلك الذمي والمرتد والحربي كما عرفت، فإن وقع ذلك العقد فسخ أبدا. وعكسه يعني أن المسلم لا يكون وليا للكافرة وهذا هو المشهور، وقيل ولايته عليها ثابتة، وفرق ابن وهب فقال: يزوجها من مسلم لا من كافر واحتج للأول بقوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أي الذين آمنوا ولم يهاجروا فيكون الكافر بطريق الأولى. ابن سهل: انظر كيف احتج مالك بهذه الآية وهي منسوخة بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} ؛ انتهى. قاله الشيخ بناني.
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1409.
(2)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1410.
(3)
الموطأ، كتاب النكاح، رقم الحديث، 779.
واستثنى من قوله: "وعكسه" قوله: إلا لأمة يعني أن المسلم إذا كانت له أمة كافرة فإنه يجوز له أن يزوجها ولا يسقط حقه من ذلك وهذا هو المشهور، وعن أبي مصعب: ليس له ذلك. وقوله: "إلا لأمة" فيزوجها لعبد كافر له أو لغيره أو لحر كافر ولا يزوجها لمسلم حر أو عبد. ومعتقة يعني أن المسلم إذا كانت له معتقة كافرة فإنه يجوز له أن يزوجها بشرط أن تكون من غير نساء الجزية؛ أي أن المسلم إنما يزوج معتقته الكافرة إذا لم تكن من نساء الجزية أي إذا كانت لا تضرب عليها الجزية بفرض ذكورتها. قاله الشبراخيتي. وذلك بأن أعتقها وهو مسلم ببلد الإسلام: وأما لو أعتقها وهو كافر ثم أسلم فلا يزوجها إذ لا ولاية له عليها إلا أن تسلم هي وكان قد أعتقها ببلد الإسلام، وكذا لا ولاية له عليها إن أعتقها وهو مسلم ببلد الكفار.
وزوج الكافر لمسلم يعني أن الكافر الكتابي يزوج وليته الكافرة لمسلم أراد نكاحها مع مراعاة النكاح وشروطه في الإسلام غير الولي وأحرى تزويج الكافر وليته الكافرة لكافر، فإن لم يكن للكافرة ولي فأساقفتهم يزوجونها، فإن امتنعوا رفعت أمرها إلى السلطان وجبرهم على تزويجها لأنه من رفع التظالم الذي له نظره ولا يجبرهم على تزويجها لمسلم ولعله بغير رضاها. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله:"وزوج الكافر لمسلم" هو تفريع على المشهور من أن المسلم مسلوب الولاية عن الكافرة، فكأنه قال: وإذا فرعنا على السلب فإن الكافر يزوج وليته الكافرة لمسلم يريد أو كافر. قاله الشارح.
وإن عقد مسلم لكافر ترك يعني أن المسلم لا يكون وليا لقريبته الكافرة، لكنه إذا عقد نكاحها لكافر ترك ذلك العقد ولا يتعرض له، وكذا لو عقد له نكاح أجنبية كافرة لأنا إذا لم نتعرض لهم في الزنا إذا لم يعلنوه فأولى النكاح. ابن القاسم: وقد ظلم المسلم نفسه، ومفهوم قوله:"الكافر" أنه لو عقد مسلم نكاح قريبته الكافرة لمسلم لفسخ النكاح أبدا، وهو كذلك خلافا لأصبغ إلا المعتقة الكتابية يزوجها لمسلم فلا يفسخ. قاله عبد الباقي.
وعقد السفيه ذو الرأي بإذن وليه يعني أن السفيه يعقد نكاح وليته ولو مجبرة إن كان ذا رأي أي عقل ودين وهما لا ينافيان السفه بالنسبة للمال وسفهه لا يخرجه عن كونه مجبرا، ومع ذلك لا يستقل بالعقد بل يعقد بإذن وليه. قال الشارح: في السفيه ثلاثة أقوال، الأول ما ذكره هنا أنه
يعقد بإذن وليه إذا كان ذا رأي وأما الضعيف الرأي فلا وهذا قول ابن القاسم في الموازية، الثاني وهو قول أشهب في العتبية أنه يعقد إن كان ذا رأي أي وكان مهملا ليس عليه حجر من وصي ولا حاكم: الثالث وهو قول ابن وهب أنه إن كان له ولي فإن الولي يعقد ويستحب له إحضاره ولا تضره غيبته، قال: فإن لم يكن له ولي فعقده ماض إن كان صوابا. الباجي: يفرق بين المحجور عليه وغيره، وسوى محمد بينهما فقال: لا يرد إلا لوجه بين، وحكى ابن زرقون أن نكاح المحجور عليه فاسد قبل البناء وبعده، وحكى ابن مغيث في وثائقه عن أشهب أن إنكاحه لوليته جائز. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله "بإذن وليه": وإذن وليه ليس بشرط صحة فلو عقد بغير إذنه استحسن إطلاعه عليه لينظر فيه، فإن لم يفعل مضى ومن لا ولي له يمضي فعله بلا نزاع. ذكره المواق. وأما ضعيف الرأي فهو كالميت. قاله الباجي. انتهى. وللشيخ عبد الباقي نحوه وعزاه للأجهوري، وقال عبد الباقي: وأما ضعيف الرأي فيفسخ. انتهى.
وقال الشيخ الأمير: وعقد سفيه ذو رأي بإذن وليه وإلا فله النظر. انتهى. وقال الشيخ بناني: وفي المواق وإن كان ناقص التمييز خص بالنظر في تعيين الزوج وصية وتزوج ابنته كيتيمة، ويختلف فيمن يلي العقد هل الأب أو الوصي؟ ولو عقد حيث يمنع منه نظر فإن كان حسن نظر أمضي وإلا فرق بينهما، وكذا إن كان غير مولى عليه نظر في عقده. انتهى. وهو يرد قول علي الأجهوري: ومن لا ولي له يمضي فعله بغير نزاع إلا أن يحمل على ذي الرأي فصحيح. انتهى كلام الشيخ بناني. وهذا الحمل متعين فلا اعتراض عليه. والله أعلم. وقوله: "وعقد السفيه" لخ أي نكاح وليته مجبرة أم لا كما مر عن الشيخ عبد الباقي، وأما على نفسه فهي الآتية في قوله:"ولولي سفيه فسخ عقده". قاله الشيخ عبد الباقي.
وصح توكيل زوج الجميع يعني أن جميع من تقدم ممن لا يجوز لهم عقد النكاح من جهة المرأة لمانع فيهم من رق أو أنوثة أو كفر ونحو ذلك يجوز أن يكونوا وكلاء من جهة الزوج فيباشر الطرف الآخر وهو القبول، إلا المحرم والمعتوه والمجنون والصبي غير المميز، فتقبل له المرأة والكافر والصبي المميز، ففي سماع عيسى: لا بأس أن يوكل الرجل نصرانيا أو عبدا أو امرأة على عقد نكاحه. انتهى. زاد ابن شأس: أو صبيا، ونقله في النوادر عن ابن حبيب، ونقله عن ابن
حبيب أيضا ابن أبي زمنين: قال ابن حبيب: كذلك قال من كاشفته عنه من أصحاب مالك، وقاله ابن القاسم أيضا. انظر حاشية الشيخ بناني. فإنكار ابن عرفة الصبي غير مسلم.
وبما قررت علم أن توكيل الزوج واحدا ممن مر جائز، وإنما عبر بالصحة لأجل قوله:"لا ولي إلا كهو" وقيل لا يوكل الزوج إلا من توفرت فيه الشروط كولي المرأة، وأنكر بعضهم وجوده في المذهب. قاله الشيخ أبو علي. قال: ويقول الوكيل قبلت لفلان، قال: فلو قال قبلت لم يكف في أحد القولين ولو قبل نكاحا ونوى موكله لم يقع للموكل بخلاف البيع. انتهى.
لا ولي إلا كهو؛ يعني أن ولي المرأة لا يجوز له ولا يصح أن يوكل على عقد نكاحها إلا مثله ممن توفرت فيه الشروط الستة المتقدمة، فلا يوكل عبدا ولا امرأة ولا كافرا ولا مجنونا ولا محرما ولا صبيا وإلا فسد النكاح فيفسخ قبل وبعد، وليقل الولي للوكيل -أي وكيل الزوج- زوجت من فلان ولا يقل زوجت منك. قاله الشيخ أبو علي. ولولي المرأة أن يوكل من توفرت فيه الشروط: كان بعيدا أم لا، كانت البنت في بلده أم لا، كانت الوكالة متعددة بأن يجعل للوكيل أن يوكل أم لا وهو كذلك في الجميع. قاله أبو علي. قال عن أصبغ: وليس للوكيل أن يفعل أكثر مما جعله له موكله صريحا، ونحوه في كتاب ابن حبيب قال إلا المأمور بالبيع فله قبض الثمن وإن لم يجعله إليه، فإن لم يقبضه ضمنه إن فات المبيع. انتهى. وهو نحو ما يأتي للمص في الوكالة. انتهى. وفي نقل الشيخ أبي علي أن الوكيل إذا عقد النكاح بعد عزله ولم يعلم بذلك فابن القاسم وغيره قالوا: فعله مردود وبه القضاء، وقال القاضيان أبو الفرج وابن القصار: فعله ماض إذا لم يكن علم بعزله. انتهى. وبه تعلم أن قول عبد الباقي: وهل للوكيل أن يوكل؟ وهو ظاهر قوله في الوكالة لخ تنظير مع وجود النص. والله سبحانه أعلم.
وقال الشيخ أبو علي: فإن قام الزوج بعد البناء يطلب من الوكيل ما دفع له وزعم أنه لم يشوره به، فإن قام بقرب بنائه كالعام ونحوه فعلى الوكيل البينة بالبراءة منه، وبراءته منه إقامة بينة على ابتياع الجهاز به وإيراده بيت البناء وإن قام بعد العامين ونحوهما حلف الوكيل لقد ابتاع بالنقد جهازا وأورده بيت البناء وبرئ وإن كان قيامه بعد ذلك بمدة لم يجب له على الوكيل
يمين، ومن عقد نكاحا بوكالة ثم وقع الطلاق فليس للوكيل أن يردها إليه إلا بتجديد وكالة. قاله أبو عمر.
وقال غيره: إلا أن يكون الموكل جعل له ذلك عند توكيله إياه، وهل يحتاج الوكيل إلى استيمار البكر؟ روي عن مالك أنه لا يستأمرها، وبذلك قال عبد الملك. واختاره التونسي، وروي عنه - أي عن مالك - أيضا أنه يستأمرها، وفي وثائق ابن عفيف: يستأمرها إلا أن يقول الأب في توكيله وكالة مفوضة أقامه في ذلك مقام نفسه وأنزله منزلته فلا يستأمرها. انتهى. وفيه عن المتيطي أنه يقول في عقد الوثيقة وكالة مفوفة دائمة مستمرة لا ينقضها طول أمد إلا صريح العزل، ثم قال: وقولنا دائمة مستمرة لخ أحسن فإنك لو أسقطت ذلك لم ينتفع بالتوكيل إلا مدة ستة أشهر ويلزم تجديده بعد ذلك. انتهى.
وعليه الإجابة لكفؤ يعني أنه يجب على الولي إذا كان غير أب أو أبا غير مجبر أو مجبرا بشرط أن يتبين عضل في الأخير أن يجيب إلى كفؤ خطب وليته، ودعت بالغة إليه أو لم تدع إليه لكن بشرط أن ترضى به وإن لم يرض هو به، ولزمه ذلك لأنها لو لم تجب إلى ذلك مع كونها لا تباشر عقدها قد يحصل لها ضرر، والمراد بالكفؤ هنا الكفؤ في الدين وإن لم يكن كفؤا في النسب كما قاله الشيخ أبو علي. فيشمل الولى مع العربية كما صرح هو به، وهو قول المص الأتي:"والولى وغير الشريف" لخ، وقوله:"وعليه" أي الولي فالضمير عائد على ولي من قوله: "لا ولي إلا كهو". قاله الشيخ أبو علي.
وكفؤها أولى يعني أن المرأة لو خطبها كفؤان أو أكثر وعين الولي غير من عينته المرأة فإن الأمر في ذلك إليها، فتجب مساعفتها على ذلك حيث كانت غير مجبرة أو مجبرة وتبين الضرر لأنه أقرب لدوام العشرة، وقوله:"أولى" المراد به الوجوب كما صرح به الشيخ الأمير، وقال الشيخ إبراهيم: ولعل المراد بقوله "أولى" واجب، فيأمره الحاكم يعني أن الولي إذا لم يجب في المسألتين فإن الحاكم يأمره أن يزوجها من الكفؤ الذي رضيت به، وقوله:"فيأمره الحاكم" ظاهره أنه لا يجوز له أن يزوج إلا بعد إباية الولي وهو كذلك في كلام الناس. قاله الشيخ أبو علي. وقوله: "فيأمره الحاكم" فإن فعل فواضح وإن امتنع فهو ما أشار إليه بقوله: ثم بعد امتناع الولي من
التزويج زوج الحاكم، ومعنى كلامه أنه إذا أمر الحاكم الولي بالتزويج في المسألتين فامتنع منه فإنه يسأله عن وجه امتناعه، فإن رآه صوابا ردها إليه وإلا زوجها الحاكم.
قال ابن عرفة: فإن أبى الولي زوجها عليه الحاكم. المتيطي وابن فتوح: على هذا عمل الناس في غير الأب في البنت البكر، وعلى المعروف وقفوه في البكر على ثبوت بكارتها وبلوغها وكفاءة الزوج ورضاها به وبالمهر، وأنه مهر مثلها وخلوها من زوج وعدة وأن لا ولي غيره، وفي الثيب على ثبوت ثيوبتها وملكها أمر نفسها وما بعد الكفاءة سوى أنه مهر مثلها، وفي الكفاءة قولان. انتهى. قاله الشيخ بناني.
قال. وقد علمت به أن الثيب لا يشترط فيها ثبوت كونه مهر مثلها، وقال قبل هذا: لا حاجة إلى إثبات الثيوبة لأن هذا الحكم غير مختص بالثيب لكن في النص ثبوت الثيوبة في الثيب والبكارة في البكر، ثم ذكر ما مر عن المتيطي وظاهر كلام المص انتقال الولاية هنا إلى الحاكم دون الأبعد، قال صاحب العمدة: ويعقد السلطان لأنه كالحاكم عليه وإن شاء رده إلى غير العاضل. انتهى. نقلد في التوضيح.
قال: فصرح بأنها تنتقل إلى الحاكم لا إلى الأبعد، وكذلك هو ظاهر كلامهم. انتهى. وقال أيضا: بعده: المزوج مع عضل الأب الحاكم بلا إشكال نص عليه المتيطي وغيره، وهو يبين أنه إذا امتنع الولي الأقرب تنتقل الولاية إلى الحاكم لا إلى الأبعد. نقله الشيخ بناني. وقال الشيخ أبو علي: وإنما زوج الحاكم لأنه كالحاكم بهذا الأمر. انتهى. وبه تعلم ما في كلام الشيخ الأمير.
ولا يعضل أب بكرا برد متكرر عضل المرأة: منعها من التزويج، قال تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} يعني أن أفعال الأب في ابنته البكر محمولة على السداد والنظر حتى يثبت خلاف ذلك، فلذلك لا يعد عاضلا في ابنته المجبرة إذا تكرر منه الرد لخاطب واحد أو متعدد لما جبل عليه من الحنان والشفقة ولجهلها بمصالح نفسها، فربما علم من حالها أو من حال الخطاب ما لا يوافق، وقوله:"برد" بالتنوين. قاله الشيخ عبد الباقي. فقوله: "لا يعضل" أي لا يعد عاضلا حتى يتحقق يعني أن الأب لا يعد عاضلا بالرد المتكرر حتى يتحقق منه العضل، فإن تحقق ولو بمرة أمره بالتزويج، فإن امتنع زوج الحاكم ولا يسأله عن وجه امتناعه إذ لا معنى
للسؤال مع تحقق العضل، وتقدم أن من عضلت لا بدمن إذنها بالقول، ومفهوم قوله:"بكرا" أن من لا يجبر يعد عاضلا بأول رد، وكذا الوصي المجبر يعد عاضلا برد أول كفؤ كما يفيده ابن عرفة، فليس هو كالأب في ذلك، ومفهوم قوله:"حتى يتحقق" أنه إن زوجها الحاكم قبل تحقق العضل فسخ. قاله المواق. ثم حيث لم يتحقق ضرره وجب إنفاقه عليها، فإن امتنع جبره الحاكم عليه ولو بالحبس مع قدرته بكسبه أو بعقاره، فإن لم يكن له شيء جبره على تزويجها من غني طالب فإن أبى زوجها منه. قاله الشيخ عبد الباقي. وفهم من المص أنها لو قالت: عضلني أي لغير عذر، وقال الأب: لعذر أن القول قول الأب، وعلى البنت إثبات ما ادعت، وقال اللخمي: لا يتعرض له إن كان من أهل الصلاح وإلا سئل الجيران فإن لم يكن عذر زوجت، والأصل في قوله:"وعليه الإجابة" إلى هنا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار
(1)
).
وقوله: "حتى يتحقق"، قال في المدونة: وإذا تبين ضرره قال له الإمام إما أن تزوج وإلا زوجناها
عليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار). قاله الشارح. وقال الشيخ إبراهيم: وإن ادعى الأب عضلها لعذر وادعت هي عدمه فالقول قوله وعليها إثبات ما ادعت، وهذا إذا كان من أهل الصلاح وإلا سئل الجيران.
وإن وكلته ممن أحب عين يعني أن المرأة إذا وكلت شخصا أن يزوجها ممن أحب فإنه لا بد أن يعين لها ذلك الرجل الذي يريد أن يزوجها منه لاختلاف أغراض النساء في أعيان الرجال، وأولى في لزوم التعيين إن لم تقل ممن أحببت فلا بد من التعيين أيضا.
وإلا فلها الإجازة يعني أنه إذا قالت له زوجني ممن أحببت فزوجها ممن لم يعينه لها فلها الخيار بين أن تجيز النكاح وأن ترده، وسواء زوجها من نفسه أومن غيره، وظاهر المص ولو علم الزوج بأنه لم يعينه لها وأن تعيينه لها مطلوب، وظاهره أيضا ولو زوجها من نفسه وهو كذلك، وأما إن وكلته ممن أحبت هي وزوجها من غير تعيين فإنها كالمفتات عليها، فيصح إن قرب رضاها بالبلد ولم يقربه حال العقد لشدة الافتيات عليها أقوى من مسألة المص لإسنادها المحبة
(1)
الموطأ، كتاب الأقضية، رقم الحديث، 1461.
لها فيها. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشارح: وظاهر كلامه سواء زوجها من نفسه أو من غيره وهو كذلك في المدونة، وزاد فيها عن ابن القاسم: إن زوجها من غيره جاز وإن لم يسمه، وإن زوجها من نفسه فرضيت جاز واستحسنه اللخمي. انتهى. وقوله:"وإلا فلها الإجازة"، هو قول مالك. ابن عرفة: ومن فوضت نكاحها لوليها من غير تعيين ففي وقفه على رضاها ثالثها إن زوجها من نفسه وعلى القول باللزوم وإن لم يعين فإنما يلزمها ذلك إذا زوجها بصداق المثل والكفؤ. قالد الشيخ أبو علي.
ولو بعد يعني أن لها أن تجيز النكاح ولو بعد ما بين العقد عليها وعلمها بأنه زوجها ممن لم يعينه لها. قاله مالك.
وقال ابن حبيب: إنما تجيز بالقرب وأما مع البعد فليس لها الرضا إلا بنكاح جديد بعد فسخ الأول، فالمبالغة في الإجازة فقط، ومفهوم قوله:"ممن أحب" أنها إذا أذنت له أن يزوجها من معين أو من جماعة معينة لقضي لها بذلك. قاله الشيخ أبو علي. والعكس يعني أنه إذا وكل الرجل شخصا ذكرا أو أنثى أن يزوجه ولم يعين له المرأة فزوجه من امرأة ولم يعينها له فإنه يلزمه ذلك النكاح إذا كانت المرأة ممن تليق به وإلا لم يلزمه، وكذا يخير بين الإجازة والرد إذا زوجته الوكيلة من نفسها.
وظاهر المص سواء كانت صيغته زوجني ممن أحببت أو زوجني وأطلق.
تنبيهان: الأول: لو وكل الرجل من يزوجه من امرأة عينها بصداق مسمى فلا إشكال، وإن قال زوجني بما تراه نظرا فلا يجاوز صداق المثل بما لا يتغابن به، وإن قال ممن تراه من النساء فله أن يزوجه من مثله في قدره وحاله بالمسمى أو بصداق المثل إن لم يسم. قاله الشيخ أبو علي.
الثاني: قال مالك في كتاب ابن المواز: لا أحب أن يزوج الوصي يتيمته من نفسه، قال في الواضحة: ولا من ابنه لأن ذلك من ناحية ما كره له من اشتراء مالها، فإن وقع نظر فيه السلطان فإن كان صوابا مضى وإلا فسخ. ابن المواز: إلا أن يتم لها ما يشبهها إذا كان كفؤا لها أو ينزل بها بعد النكاح ضرر في بدن أو مال حتى يصير الفسخ ليس بنظر لها فيمضيه استحسانا، وإذا
زوج الرجل يتيما في حجره من ابنته نظر، فإن كان نظرا له جاز وإن كان غير سداد لم يجز، وهو محمول على عدم السداد حتى يعلم السداد في ذلك. قاله الشيخ أبو علي.
ولابن عم ونحوه إن عين تزويجها من نفسه مني أن الولي إذا كان ابن عم أو نحوه ممن له ولاية النكاح كمولى أعلى أو حاكم أو مولى أسفل على القول بولايته، فإنه إذا أراد تزويج وليته من نفسه يكون له ذلك إن عين لها أنه هو الزوج فيعقد عليها لنفسه ولها على نفسه، ويدخل في قوله:"ونحوه ولاية عامة مسلم"، قال عبد الباقي: وكذا وصي ومقدم قاض مع كراهة ذلك لهما وهي في الثاني أشد. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: "ونحوه"، فيشمل الكافل والمولى الأعلى والأسفل على ما فيه والحاكم ومن يزوج بولاية الإسلام، ويستثنى من ذلك الوصي فإنه يكره له ذلك كما في التتائي؛ إذ كلام المص فيما هو جائز من غير كراهة. انتهى. وقال الإمام الحطاب ناقا، عن الشيخ زروق في شرح الإرشاد: يعني أن الولي إذا كان ابن عم أو وصيا أو كافلا أو مولى أعلى فأراد تزويج وليته من نفسه له ذلك، ويتولى طرفي العقد فيعقد عليها لنفسه ولها على نفسه، قال في المدونة: وليشهد على ذلك غيرهما، وللخمي عن المغيرة: لا يعقد ولا بد أن [يوكل]
(1)
غيره فيزوجها منه، والمشهور الأول، وعليه فلو قالت زوجني ممن أحببت فزوجها من نفسه أو غيره لم يجز حتى يسمي لها من يزوجها منه ولها أن تجيز أو ترد. انتهى.
وقال في شرح العمدة: فإذا رضيت به أشهد على رضاها خوف إنكارها ولا يشترط ذلك بل يستحب، فإن عقد عليها من غير تريفها فالمشهور أنه لا يلزمها. انتهى.
بتزوجتك بكذا الباء في بتزوجتك للتصوير؛ يعني أن صورة عقدها لنفسه أن يقول: تزوجتك بكذا من المهر وإن لم يقل بعده قبلت فهو تصوير للتزويج والتعيين معا مع ذكر الصداق. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: وترضى معناه أنه إذا عين لها نفسه والصداق وعقدها لنفسه بأن قال: تزوجتك بمهر قدره كذا فإنه لا بد من رضاها بذلك، قال الشيخ أبو علي: قوله: "وترضى" أي بالقول إن كانت ثيبا وبالسكوت إن كانت بكرا. انتهى.
(1)
في النسخ: أن يكون، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 253 ط دار الرضوان.
وعلم مما قررت أن قوله: "وترضى" قائم مقام قبولها، ويستفاد مما قررت أنه إذا بين لها قبل الصيغة المذكورة أنه يريد تزويجها من نفسه وعين لها الصداق وحصل منها الرضى، فإن ذلك بمنزلة ما إذا قال تزوجتك بكذا وترضى، إذ الرضى هنا بمنزلة القبول في مسألة المص. انظر الشبراخيتي. ونكاح التفويض بمنزلة التسمية. قاله الشبراخيتي. وقال غير واحد عند قوله "وترضى": إن كانت ممن يعتبر رضاها وإلا فالمعتبر رضا وليها.
وقوله: "وترضى" ويشهد على رضاها استحبابا خوف منازعتها: فإن لم يشهد وهي مقرة جاز، ولابد من الإشهاد على النكاح فإن لم ترض كان النكاح غير معتبر، والظاهر أن مثل تزوجتك بكذا قبلت نكاحك بكذا لأنه جواب للإيجاب الحاصل تقديرا بحسب رضاها به.
وتولى الطرفين يعني أنه إذا عقد وليته لنفسه كان له أن يتولى الطرفين أي الإيجاب والقبول، وأتى به وإن استفيد مما قبله للرد على من يقول: ليس له تولي الطرفين، وما مشى عليه المص هو المشهور وهو قول مالك وغيره من أصحابه فيكون زوجا وليا، ومقابل المشهور هو قول المغيرة حكاد عنه ابن القصار وحكاه أيضا عن أحمد أنه لا بد أن يوكل غيره. قاله الحطاب. مع شيء ممن كلام الشارح.
ونقل بعض الأندلسيين عن ابن القاسم: للمعتق أن يتزوج معتقته دون رضاها وليس عليه العمل، وعن سحنون أن ابن القاسم كان جالسا مع بعض أصحابه، فقال: اشهدوا أني زوجت معتقتي فلانة مني، فقال بعض جلسائه: حتى تستأذن، فقال: اسكت يا جاهل لا يعرف هذا مثلك.
وإن أنكرت العقد صدق الوكيل يعني أن المرأة إذا أقرت بأنها أذنت لوليها في العقد وادعى الولي الموكل على العقد أنه عقدها وأنكرت هي عقد الوكيل، بأن قالت لم تزوجني فإنه يصدق الوكيل في أنه عقدها إن ادعاه الزوج؛ يعني أن محل تصديق الوكيل في العقد إنما هو حيث وافق الزوج الوكيل بأن ادعى أن الوكيل عقد له عليها، ومفهوم قوله:"إن ادعاه الزوج" أنه إن لم يدع الزوج العقد صدقت هي، فإن أقرت بالعقد وادعت العزل قبله وادعى أنه عقد عليها قبل العزل صدق الوكيل أيضا إلا أن يطول ما بين العقد والتوكيل نحو ستة أشهر فيقبل قولها في عزله، وأما إن كان بين تنازعهما في العزل والوكالة ستة أشهر مع دعواه العقد فيها وأنه قبل العزل فلا يقبل
قولها كذا ينبغي. قاله الشيخ علي الأجهوري. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشيخ أبو علي: وإن أنكرت العلم والرضا مع الأسباب الظاهرة كالوليمة حلفت ما علمت أن ذلك لأجلها وبطل، وإن نكلت لزمها. وقيل لا يمين ولا يلزمها، وقيل تحلف ويبطل ولا يلزمها إن نكلت، فإن أذنت على شروط فزوجت بدونها خيرت في الفسخ قبل البناء. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم عند قوله "إن ادعاه الزوج" ما نصه: ولا يكلف الوكيل ببينة كالبيع. انتهى.
وإن تنازع الأولياء المتساوون في العقد يعني أن أولياء المرأة إذا استووا في الدرجة بأن كانوا بنين أو إخوة أو أعماما أو بنيهم أو موالي أعلين وتنازعوا فيمن يتولى العقد عليها منهم فأراد كل منهم أن يتولاه مع اتفاقهم على الزوج، فإن الحاكم ينظر في من يتولى العقد منهم. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: نظر الحاكم فيقدم أفضلهم، وقال الخرشي: فإن السلطان ينظر فيمن يلي العقد منهم، وقال الإمام الحطاب: فإن الحاكم ينظر. نقله اللخمي عن المدونة. وقال عبد الحق عن بعض القرويين: تعين المرأة أحدهم. ابن حبيب: يقدم أفضلهم فإن استووا في الفضل فأسنهم فإن استووا فيه زوج الجميع، وهذه ثلاثة أقوال ذكرها الحطاب. قال: وزاد المتيطي والباجي عن ابن حبيب. وليس للمرأة أن تفوض إلى أحدهم دون سائرهم لأنه حق للولي، قلت: وعلى هذا اقتصر ابن الحاجب. انتهى.
وقوله: زوج الجميع، معناه - والله أعلم - فوضوا جميعا لرجل يعقد عليها. انظر الحطاب. وفيها أقوال أخر ثلاثة، أحدها للكافي أفضلهم فإن استووا عقد السلطان أو من يعينه منهم، ثانيها له أيضا أن يعين أحدهم ولا يعقد هو، ثالثها للخمي لو قيل يعقدون جميعا دون تعيين الأفضل لكان حسنا. قاله الحطاب. فهي أقوال ستة كما صرح به الحطاب، وقوله: له أي للكافي. والله سبحانه أعلم.
وقال الإمام الحطاب: ولا إشكال في صحة عقد أحدهم إن بادر وعقد، وإنما الكلام هل الأفضل يجوز له الإقدام على ذلك، قال ابن عبد السلام: ينبغي أن لا يقدم على ذلك حتى يعلم بما عند الباقين؛ لأن لكل واحد منهم مثل ما للآخر، وقال في التوضيح: لا يقدم على ذلك ابتداء، لكن مقتضى كلامه في المدونة أن لبعض الأولياء إذا كانوا في درجة أن يزوج ابتداء بغير إذن الباقين.
والله أعلم. انتهى. وقال الشارح: قال اللخمي: ولو قيل إن ذلك لجميعهم من غير مراعاة من ولا فضل لكان حسنات ثم قال: ونقل عبد الحميد عن المغيرة أن الحاكم يقرع بينهم. انتهى.
وقال الشبراخيتي: ولابن ناجي فيما إذا تنازعوا في العقد أنه يقدم أفضلهم، فإن استووا في الفضل فأسنهم، فإن استووا فيه زوج الجميع. انتهى. وهذا هو الذي يجب المصير إليه وإن كان خلاف كالأم المص، ويقرب منه كلام عبد الباقي. قال محمد بن الحسن: إن القائل بذلك ابن حبيب لا ابن ناجي. والله سبحانه أعلم.
وتقدم أن القول الأول من الأقوال الستة التي ذكرها الحطاب أن الحاكم ينظر، وقال الشيخ أبو علي: والمذهب الأول يعني من الأقوال لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له
(1)
).
قال جامعه عفا الله عنه: قد مر أن معنى كلامه أن القول الأول الذي هو ينظر الحاكم أنه يكون النظر للحاكم في الذي يلي العقد منهم. والله سبحانه أعلم. وفي الرهوني تشهير ما للمص كما قال الشيخ أبو علي.
أو الزوج يعني أن الأولياء المتساوين في الدرجة إذا تنازعوا في الزوج بأن أراد كل منهم تزويجها من واحد غير من أراده الآخر ولم تعين المرأة أحدا وفوضت إليهم، فإن الحاكم ينظر فيمن يراه أحسن رأيا من الأولياء فيجيز نكاح من رآه وعينه من الزوج. قاله الشيخ بناني. وإن عينت كفؤا تعين.
وبما قررت علم أن قوله: نظر الحاكم جواب عن المسألتين أي ينظر الحاكم في تنازعهم في العقد أو الزوج، قال الشيخ أبو علي في المسألة الأولى: وهل لها أن توكل من شاءت منهم أو لا؟ خلاف منشؤه هل الحق لها أو لهم؟ وضعف القول بأن لها أن توكل. وقال الشارح عقب قوله "تظر الحاكم": هذه مسألة المدونة، قال فيها: وإذا اختلف الأولياء وهم في القعدد سواء، نظر السلطان في ذلك، هكذا لفظ البرادعي، ثم ذكر كلام الأم ثم قال: ولم يبين اختلافهم فيما [إذا وقع]
(2)
هل في
(1)
الدارمي، ج 2 ص 137، مصنف ابن أبى شيبة ج 3 ص 272.
(2)
كذا في النسخ والشارح ولعله فيما ذا وقع.
من يلي منهم عقد النكاح أو في الزوج؟ قال ابن سعدون: وهو محتمل لكل من الأمرين، والشيخ رحمه الله كأنه نحا إلى هذا فلذلك أتى بالمسألة على الأمرين. انتهى.
وإن أذنت لوليين فعقدا فللأول يعني أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا فوضت لولييها في عقد نكاحها لرجلين معينين فعقداها على الترتيب فإنه يقضى بها للرجل الذي عقد له عليها أو لا، سواء أذنت لهما معا أو مترتبين إن لم يتلذذ الثاني بلا علم يعني أنها إنما تكون للأول حيث لم يتلذذ بها الثاني أو تلذذ بها عالما بكونه ثانيا، ويثبت علمه ببينة على إقراره قبل التلذذ أنه علم بعقد الأول، وهاتان صورتان تكون فيهما للأول ويفسخ نكاح الثاني بلا طلاق، وقيل بطلاق ولا حد على الثاني بدخوله عالما بالأول كما في المعيار، وإذن المجبر لاثنين يعقدان لمجبرته كإذن غير المجبرة لوليين.
ومفهوم المص أنه إن تلذذ الثاني غير عالم بكونه ثانيا أنها تكون للثاني كما قضى به عمر بحضرة الصحابة، وقضى به معاوية للحسن على ابنه يزيد، فروى ابن أبي مليكة أن موسى بن طلحة أنكح يزيد بن معاوية أم إسحاق بنت طلحة، وأنكحها يعقوب بن طلحة من الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فلم يمكث إلا ليلتين حتى جامعها الحسن وكان موسى بن طلحة أنكحها من يزيد قبل أن ينكحها يعقوب من الحسن، فقال معاوية: امرأة جامعها زوجها فدعوها ولم يظهر خلاف، وقال به ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة وعطاء ومكحول وغيرهم، ومحل كلام المص حيث علم الأول والثاني. وقوله:"بلا علم" أي من الزوج ومثله الولي الثاني والمرأة كما نص عليه الشيخ عبد الباقي، وقال الشيخ أبو علي: ومثل الزوج في العلم العاقد، وإنما يعتبر علم العاقد بالبينة لا بإقراره فلغو. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم: ومحل كونها للأول إذا تلذذ بها الثاني عالما إذا ثبت علمه بالبينة بأن تشهد البينة على إقراره قبل التلذذ بأنه ثان، وأما لو أقر بذلك فقط بعد التلذذ فلا تكون للأول لاحتمال كذبه وتكون للثاني زوجة، ولكنه يفسخ نكاحه عمار بإقراره ويكون بطلاق. وقوله:"بلا علم"، حال ومفهومه أنه لو تلذذ بلا علم كانت له لا للأول ولو طلقها الثاني، ويلزمه ما أوقعه من الطلاق ويفسخ نكاح الأول بطلاق وخلوته بمنزلة
التلذذ؛ لأنها تجب بها العدة فإذا اختلى بها الثاني فاتت على الأول ولو تصادقا على عدم الوطء.
وروى أبو داوود بسنده عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول
(1)
)؛ والجواب أنه محمول على عدم دخول الثاني بشرطه، وأما لو ادعى وكيل الثاني أنه علم قبل العقد بأنه ثان، فإن ثبت ذلك ببينة كانت للأول وإلا فلا أثر لقوله على المعتمد، وأما دعوى المرأة بعد التلذذ بها أنها كانت عالمة بأنه ثان حين إرادة التلذذ بها أو قبل ذلك، فهل لا أثر له كما هو لا أثر له على ظاهر كلام المصنف وشراحه؛ وهو الظاهر أو كعلم الزوج في هذه الحالة فيجري فيه ما تقدم وهو تقرير بعض الشيوخ؟ وإذا وطئ الزوج مع علمه أنه ثان فلا حد عليه كما قاله الونشريسي للخلاف. انتهى. كلام الشيخ إبراهيم.
وفي المدونة: وإذا وكلت المرأة كل واحد من ولييها فزوجها هذا من رجل وهذا من رجل فالنكاح لأولهما إذا عرف إلا أن يدخل بها الآخر فهو أحق، وبذلك قضى عمر رضي الله عنه. واعلم أنه استشكل كونها للثاني بشروطه وجوابه قضاء عمر بحضرة الصحابة ولم ينكروه وهذا حجة لأنه إجماع سكوتي، وقضاء معاوية للحسن على ابنه يزيد ولم ينكر، وما ذكره المص من أنها تكون للثاني في تلذذه بلا علم هو المشهور، وقال ابن عبد الحكم: هي للأول مطلقا وبه قال المغيرة وابن مسلمة ورواه ابن عبدوس عن مالك وهو اختيار ابن لبابة وهو أقيس وهو قول الشافعي وأكثر العلماء كما في التوضيح واختاره حذاق المتأخرين. انظر الرهوني.
ولو تأخر تفويضه مبالغة في المفهوم أي مفهوم إن لم يتلذذ؛ يعني أنها تكون للثاني حيث تلذذ بها غير عالم بكونه ثانيا ولو كان التفويض أي الإذن للولي الذي عقد للثاني متأخرا عن الإذن للولي الذي عقد للأول، قوله: تفويضه من إضافة المصدر لمفعوله والأصل تفويضها له، ورد بلو على الباجي أنها تكون للأول حينئذ ويفسخ نكاح الثاني، وعلى ما مشى عليه المص يفسخ نكاح الأول بطلاق لأنه مختلف فيه كما استظهره الحطاب. وقد مر عن الشبراخيتي أن الدخول فوت
(1)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2088.
ولو تصادقا على عدم المسيس فلا ترد للأول حينئذ، وقال الإمام الحطاب: ظاهر نصوصهم أن الدخول فوت يعني مع تصادقهما على عدم المسيس. والله سبحانه أعلم.
إن لم تكن في عدة وفاة شرط في مفهوم قوله: "إن لم يتلذذ الثاني" لخ أيضا؛ يعني أنه إذا تلذذ بها الثاني غير عالم بالأول فإنها تكون له أي للثاني بشرط أن لا يكون تلذذه أي الثاني في عدة وفاة من الأول، وأما إن تلذذ بها الثاني وهي في عدة وفاة من الأول فإنها لا تكون له بل تتأبد عليه وترث من الأول، ومقتضى كلام المص أنه إذا عقد عليها في العدة وتلذذ بها بعدها أنها تكون للثاني وليس كذلك بل تتأبد عليه لقوله فيما مر:"ولو بعدها" فهي إنما تكون له حيث عقد عليها في حياة الأول وتلذذ بها في حياته، أو عقد عليها في حياته وتلذذ بها بعد العدة بوطء. كما قاله اللخمي ومن وافقه. وجعله ابن أبي زيد كمن عقد في العدة، وأما لو عقد في حياة الأول وتلذذ بغير وطء بعد انقضاء العدة من الأول، فاتفق ابن أبي زيد واللخمي على عدم تأبيد الحرمة في هذه وتكون للثاني. قاله عبد الباقي. قال الرهوني: قوله فاتفق ابن أبي زيد واللخمي على عدم تأييد الحرمة في هذه وتكون للثاني لخ قال شيخنا الجنوي: ظاهر قوله وتكون للثاني أنه مفرع على قولي ابن أبي زيد واللخمي وفيه نظر بل إنما تكون له على قول اللخمي، وأما على قول ابن أبي زيد فلا معنى لكونها له لأنه يقول مهما وطئ في العدة أو بعدها تأبد عليه التحريم، وكيف يعقل مع هذا أن يقول إنها تكون له؟ انتهى.
وقال الشيخ بناني: والحاصل أن الصور اثنتا عشرة صورة؛ لأن عقد الثاني إما أن يقع في حياة الأول أو في العدة أو بعدها، فإن وقع في حياة الأول فالصور ست لأن الوطء أو التلذذ بغيره إما أن يقعا في الحياة أو في العدة أو بعدها، وإن وقع في العدة فالصور أربع لأن الوطء أو التلذذ بغيره إما أن يقعا في العدة أو بعدها، وإن وقع العقد بعد العدة فظاهر فيه صورتان فهذه اثنتا عشرة صورة يتأبد تحريمها على الثاني في خمس، وهي أن يقع الوطء أو التلذذ في العدة وقع العقد فيها أو قبلها وهذه الأربع هي مفهوم قوله:"إن لم تكن في عدة وفاة"، والخامسة أن يقع العقد فيها والوطء بعدها وهذه ترد على ظاهر المص. انتهى.
وقوله: "وإن وقع العقد بعد العدة" لخ الظاهر أنه إنما ذكر هاتين الصورتين وهما ما إذا عقد بعد العدذ ووطئ أو التذ بغير وطء لتتميم أقسام الكلام بحسب ما ينجر إليه، وإلا فهما ليستا من مسألة ذات الوليين كما لا يخفى. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله تعالى عنه. وقوله:"إن لم تكن في عدة وفاة" قال الشيخ بناني: ينبغي أن يقرر كلامه بأن المعنى إن لم تكن حين عقد الثاني أو تلذذه في عدة وفاة. انتهى؛ يعني ليندفع عنه بذلك ما قدمته من اقتضائه أنها تكون للثاني إذا عقد عليها في عدة وفاة من الأول وتلذذ بها بعدها وليس الأمر كذلك وقد قدم قوله: "ولو بعدها".
ولو تقدم المعتد؛ مبالغة في مفهوم قوله: "إن لم تكن في عدة وفاة" يعني أن المرأة إذا كانت في عدة وفاة من الأول حين تلذذ الثاني بها فإنها لا تكون للثاني، ولو عقد عليها قبل موت الأول فيفسخ نكاحه وتتأبد عليه وترث الأول ورد بلو على ابن المواز القائل: يقر نكاح الثاني معها ولا ميراث لها من الأول بمنزلة ما إذا عقد ودخل قبل موته. وقوله: على الأظهر أشار به إلى قول ابن رشد: الصواب أنه في الوفاة متزوج في العدة بمنزلة امرأة المفقود تتزوج بعد ضرب الأجل وانقضاء العدة ويدخل بها زوجها فينكشف أنها تزوجت قبل وفاة المفقود ودخلت بعد وفاته في العدة أنه يكون متزوجا في العدة ولا فرق بين المسألتين. قوله: "على الأظهر"، قال الحطاب: إنه غير جار على قاعدته في التعبير بالاسم، فالأليق به أن يعبر بالفعل، وناقش الرهوني في ذلك وصوب كلام المص. والله تعالى أعلم.
واعلم أن هذه المسألة على ثلاثة أقسام: أحدها أن يعقدا بزمنين ويعلم السابق منهما وهو قوله المار وإن أذنت لوليين لخ، ثانيهما أشار إليه بقوله: وفسخ بلا طلاق إن عقد بزمن يعني أن ما تقدم من التفصيل محله حيث تحقق أنهما عقدا مترتبين وعلم الأول، وأما إذا عقدا معا ولو وهما فإنه يفسخ عقد كل منهما بلا طلاق لاستحالة الشركة فيها شرعا دخلا أو أحدهما أو لم يدخل واحد منهما، خلافا لما في الشارح من أن محل فسخهما ما لم يدخل أحدهما فإن دخل كانت لمن دخل بها، قال الشبراخيتي: وما وقع في الشارح لا يعول عليه. انتهى. قوله: ولو وهما، هو لعبد الباقي وفيه نظر لأنه إذا احتمل تأخر عقد أحدهما فالاحتياط فسخه بطلاق. قاله الرهوني.
أو لبينة بعلمه أنه ثان أو للتقسيم أو بمعنى الواو يعني أن الثاني إذا شهدت عليه بينة أنه دخل وهو يعلم أنه ثان وأنها في عصمة الغير قبل عقده عليها فإن نكاحه يفسخ بغير طلاق ولا حد عليه وترد للأول بعد استبرائها، وحكم ما إذا قامت البينة على علم الولي الثاني أو على علم المرأة بأنه ثان كذلك. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله:"أو لبينة الظاهر"، أنه عطف على المعنى أي لعقد بزمن أو لبينة قاله مقيده عفا الله تعالى عنه.
لا إن أقر يعني أنه إذا لم تقم بينة بأن الثاني دخل وهو عالم أنه ثان وإنما أقر بذلك بعد تلذذه فإن الحكم لا يكون كذلك، والحكم أنه يفسخ نكاحه بطلاق بائن لاحتمال كذبه على المذهب وهو قول صاحب النوادر وابن يونس وصاحب اللباب، وصححه في المقدمات وعليه فلا تكون للأول ولا حد على الثاني، والحكم فيما إذا أقر الولي ولم تقم بينة عدم تصديقه وكذا الزوجة، وقوله:"لا إن أقر" أي وعليه الصداق كاملا. وقال عبد الملك: إنه يفسخ بغير طلاق. ابن عبد السلام: وفيه نظر.
وثالثها أشار إليه بقوله، أو جهل الزمن يعني أنه إذا جهل تقدم زمن عقد أحدهما على زمن عقد الآخر فإن النكاحين يفسخان بطلاق وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، وعن سحنون أنه يفسخ بغير طلاق.
وبما قررت علم أن قوله: "أو جهل الزمن" عطف على قوله: "لا إن أقر" ومحل الفسخ في قوله "أو جهل الزمن" حيث لم يدخل واحد منهما أو دخلا معا ولم يعلم الأول، وأما إن دخل أحدهما فهي له وإن دخلا معا وعلم السابق منهما فهي له. قاله الشبراخيتي وغيره. وقول عبد الباقي: يفسخ النكاحان دخلا أو أحدهما أو لم يدخل واحد منهما قال الشيخ بناني فيه نظر إذ مذهب مالك في المدونة أن من دخل منهما يكون أحق بها ونكاحه ثابت كما في الحطاب عن اللخمي والرجراجي، ونحوه في المواق عن ابن رشد، وما ذكره الزرقاني من الفسخ مطلقا إنما هو قول ابن عبد الحكم وهو خلاف المذهب. انتهى.
وإن ماتت وجهل الأحق ففي الإرث قولان هذا مفرع على قوله: "أو جهل الزمن" يعني أنه إذا ماتت المرأة وجهل الذي يقضي له بها منهما وهو الأول إن لم يدخلا فقد اختلف في ثبوت الإرث
لهما معا ميراث زوج واحد مقسوما بينهما لتحقق الزوجية وجهل مستحقها لا يضر وعدم إرث واحد منهما بالكلية بناء على أن الشك في تعيين المستحق كالشك في سبب الإرث، والقول الأول لابن محرز والثاني لأكثر المتأخرين ورجحه التونسي، ومحل القولين حيث جزم كل منهما أنه الأول فإن جزم بذلك أحدهما وقال الآخر لا أدري جرى القولان في الجازم، ولا إرث لمن قال لا أدري كما أنه لا إرث لواحد منهما إن قال كل لا أدري للشك في الزوجية، وأما في مسألة عقدهما في زمن فلا إرث اتفاقا.
وعلى الإرث فالصداق يعني أنه إذا فرعنا على القول بثبوت الإرث فإنه يلزم كلا منهما الصداق كاملا لأنه مقر بوجوبه عليه فلا يستحق شيئا إلا بعد دفعه. وإلا أي وإلا لم نقل بالإرث بل قلنا بعدم الإرث فاللازم لكل واحد منهما زائدة أي زائد الصداق على ما يرث منها أن لو كان يرث، فإن لم يزد الصداق على إرثه فلا شيء عليه ولا يأخذ ما زاد على صداقه من الإرث أن لو كان يرث، فلو تزوج أحدهما بمائة والآخر بخمسين وخلفت زائدا على ذلك خمسين ولم تترك ولدا فصاحب المائة يدفع خمسة وعشرين؛ لأن الواجب له من المائة والخمسين نصفها وهو خمسة وسبعون يفضل عنها من المائة التي عليه خمسة وعشرون هي ما زاد من الصداق على قدر ميراثه منها لو ورث، ولا شيء على ذي الخمسين لأن الواجب له من مجموع الخمسين التي عليه، والخمسين المخلفة خمسون فلا شيء عليه ولا شيء له. قاله غير واحد.
وهذا المثال لا يفترق فيه القول بالإرث والقول بعدمه، وإنما يفترقان حيث كان الصداق أقل من الإرث كما لو كان صداق كل منهما عشرة وخلفت هي عشرين مثلا، فأما على القول بعدم الإرث فلا عليهما ولا لهما، وأما على القول بالإرث فيأخذان من مالها خمسة يقتسمانها فعلم أنهما يتفقان على عدم أخذ شيء حيث كان إرث كل منهما أقل من الصداق أو قدره، ويختلفان حيث كان إرث كل منهما زائدا على الصداق فعلى الأول يأخذ زائد الإرث وعلى الثاني لا شيء له كما لا شي، عليه، ويظهر أيضا أثره إذا تساويا ولكن كان المتروك مخالفا لنوع الصداق كما لو تركت أصلا أو عرضا وصداقها عين وقيمة متروكها مساوية لصداقها، فعلى القول بالإرث يدفع نصف الصداق ويكون له نصف المتروك إن كان إرثه منها النصف، وعلى القول بعدمه لا شيء له ولا عليه. انظر
الرهوني. ومحل كلام المص إذا ادعى كل منهما أنه الأول، فإن شكا فلا غرم فإن لم تترك شيئا غرم كل واحد منهما نصف الصداق، والذي يظهر من كلامهم أن القول بعدم الإرث هو الراجح لأنه هو الذي رجحه التونسي، وقال ابن عبد السلام: عليه الأكثر وقال الشيخ الأمير: وإن ماتت وجهل الأحق فالأكثر لا إرث وعلى كل من الصداق ما زاد على إرثه، وقيل يشتركان في نصيب زوج فعلى كل الصداق كاملا.
إن مات الرجلان فلا إرث يعني أنه إذا مات الرجلان أو أحدهما عند جهل الأحق فإن المرأة لا ترث شيئا ولا صداق؛ يعني أنها كما لا ترث من واحد منهما بالكلية لا صداق لها على واحد منهما سواء ماتا أو أحدهما، وقوله:"وإن مات الرجلان فلا إرث ولا صداق" محله ما لم يقر أحدهما أنه الأول وتصدقه المرأة وإلا فلها الصداق عليه، وفي إرثها منه إن مات قولان، فإن طلقها من صدقته فهل لها النصف لإقراره أو لا لأنه فاسد طلق فيه قبل الدخول، وينبغي أن تعتد هذه المرأة عدة وفاة حيث كان يفسخ بطلاق وذلك حيث حصل إقرار الثاني بعد التلذذ بأنه تلذذ وهو يعلم أنه ثان أو جهل الزمن، فإن كان يفسخ بلا طلاق كما لو عقدا بزمن فتعتد عدة طلاق، ولا تجب عليها العدة في هذه الحالة إلا إن حصل دخول. والفرق أن نكاحها في الأول من المختلف في فساده. قاله علي الأجهوري قاله عبد الباقي.
وأعدلية متناقضتين ملغاة يعني أنه لو شهد لكل واحد من الزوجين بينة أنه الأحق سقطتا وصار الزوجان كمن لا بينة لهما، وسواء كانت البينتان متساويتين أو إحداهما أعدل من الأخرى، فكون إحدى البينتين أعدل من الأخرى ملغى لا عبرة به، فلو أقام أحدهما بينة أن نكاحه سابق ونكاح غيره لاحق، فأقام الآخر بينة على عكس ذلك وكانت إحدى البينتين أعدل من الأخرى فإن زيادة العدالة ملغاة لأنها بمنزلة شاهد واحد وهو لا يفيد في النكاح، وحينئذ فيكون بمنزلة ما لو جهل الزمن وعدمت البينة فيفسخ النكاحان معا بطلاق.
ولو صدقتها المرأة يعني أنه لا يقضى بالأعدل من البينتين ولو صدقتها المرأة لأن البينتين لما سقطتا صار الزوجان بلا بينة، فلا يلتفت إلى قول المرأة حينئذ، وقيل يقضى بقولها، وقال أشهب: يقبل قولها ما لم تدع الأرفع وأنكره أصبغ ولابد من حذف في كلام المص، وتقديره: وأعدلية إحدى
بينتين فحذف المضاف والمضاف إليه الذي هو الموصوف وأبقى صفته، وقوله:"ملغاة" أي خلافا لغول سحنون: يقضى بقول الأعدل كما في البيع، وحكى بعضهم ثالثا أنه لا يقضى بذلك في بيع ولا نكاح، قال أحمد بن عبد الله الدميري تاج الدين بهرام: وقول سحنون هو الظاهر لأن مزيد العدالة موجب للترجيح في البابين كما في الدماء والعتق وغيرهما. انتهى. وقوله: "ولو صدقتها المرأة" قال ابن ناجي: وعارض أبو إبراهيم هذا بقولها في الولاء: إذا أقام رجلان كل منهما بينة أن فلانا مولاه وهو مقر لأحدهما فإقراره عامل، وفرق أبو عبد الله المسناوي بأنا إذا ألغينا البينتين بقيت الدعوى مجردة فلا تفيد في النكاح لأنه يفتقر إلى الإشهاد، بخلاف الولاء فإنه استلحاق فالاعتراف كاف وارتضاه أبو مهدي عيسى الغبريني. انتهى. والظاهر أن الفرق وجوب الاحتياط في الفروج مع اختلاف أغراض النساء في الرجال وتعلق قلوبهن ببعض دون بعض. والله تعالى أعلم.
ابن عاشر: اعلم أن الخلاف المشار إليه جار في كل بينة صدقتها المرأة، وعبارة المص تقتضي أن خلاف أشهب خاص بما إذا كانت الصدقة أعدل. قاله الشيخ بناني.
ولهذه المسألة نظائر تفوت المرأة فيها بالدخول على الأول وهي تسع ونظمها الش فقال:
عليك بتسع قد عددن من النسا
…
يفوتهن الوطء في سالف الدهر
فأولها ذات الوليين حيثما
…
يزوجها كل لشخص ولا تدري
إذا جامع الثاني ومن أسلمت ولم
…
يحل زوجها في الظن عن ملة الكفر
فيظهر أن قد كان أسلم قبلها
…
عقيب زواج مع جماع بلا نكر
وزوجة مفقود يجيء وقد غدت
…
بوطء من الزوج الأخير على حجر
كمعتقة تختار ثم تزوجت
…
لثان فجامعْها ولم يخش من وزر
فما شعرت حتى أتى العبد مثبتا
…
لإعتاقه من قبلها يا أخا الفكر
كذلك من قد طلقت ثم روجعت
…
وقد خرجت من عدة وهي لا تدري
إلى أن بنى زوج بها وكذا التي
…
غدا زوجها من بعد ذلك في أسر
وقد وطئت بعد الزواج لكونه
…
تنصر إلا أنه بان عن جبر
كذا أمة قد جومعت بعد عدة
…
بملك ولم تعلم برجعته فادر
كزوجة من قد قال أمرك كائن
…
إذا غبت شهرا في يديك مدا الدهر
فغاب فقامت بالطلاق وجومعت
…
عقيب زواج صح في ظاهر الأمر
فيأتي ذاك الزوج يثبت أنه
…
قبيل انقضاء الشهر قد جا إلى المصر
وبعد كتبي لهذا تأملت النظم فإذا التاسعة ساقطة من النسخة التي بيدي وهي المشار إليها بقول المص: "أو ظهر أنهن أخوات ما لم يتزوجن أي ويدخل بهن" وألحقها بهن من قال:
كذاك اللواتي فارق الزوج واصطفى
…
عليهن أزواجا يحلين بالشذر
فكان من أمر الله أن قد بدا له
…
أخوة مختاراته اللاء كالدر
فبان له أن يسترد من اللوى
…
تركن فألفاهن صرن على حجر
بوطء من الأزواج قد حل ظاهرا
…
فظلت دموع العين تجري على النحر
وفسخ موصى يعني أن نكاح السر ممنوع نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وإذا وقع فسخ ما لم يدخل ويطل. ابن عبد السلام: ولا خلاف أعلمه في المنع منه. انتهى. وفسر المص نكاح السر بأنه النكاح الموصى بكتمه، وبالغ على منع نكاح السر بقوله: وإن بكتم شهود يعني أنه لا فرق في منع النكاح الموصى بكتمه وفسخه بين أن يكون الموصى بكتمه الشهود وبين أن يكون الوصى بكتمه غير الشهود ممن حضر العقد وغيرهم فكل ذلك نكاح سر أي استكتام الشهود نكاح سر واستكتام غيرهم نكاح سر.
واعلم أن مقتضى ما قاله الشيخ محمد بن الحسن أن ما قبل المبالغة وفسخ نكاح موصى فيه بكتم الشهود وغيرهم أو موصى فيه بكتم غير الشهود، وما بعد المبالغة ما أوصي فيه بكتم الشهود فقط. والله سبحانه أعلم. وقال الشيخ أبو علي: والأولى أن ما قبل المبالغة هو إيصاء الشهود بكتمه عن الناس من غير خصوص زمان أو مكان وقوله: "وفسخ موصى" اعلم أن المضر إنما هو استكتام الزوج، وأما استكتام الولي والمرأة فلا يؤثر شيئا، ولابد في كون الإيصاء مضرا من كونه قبل العقد أو فيه، وأما لو أوصى الزوج الشهود بعد العقد فليس بنكاح سر، وأمر الشهود بإشهاره وقيده أشهب بما إذا لم تكن له نية قبل العقد أو فيه، وإنما طرأت بعده وإلا فارق، قال الحطاب: أي استحسانا لا وجوبا. قاله الشيخ عبد الباقي. قال: والظاهر أن وكيل الزوج الذي أوصاه أن يوصي شاهدي العقد بكتمه يفسخ عقده أيضا لا إن تبرع الوكيل بإيصائهما بكتمه. انتهى.
وفي الحطاب وغيره عن الباجي أنه إذا اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يعلموا البينة بذلك فهو نكاح سر. انتهى. قال الحطاب: وقاله المص في التوضيح؛ وما ذكره المص في تفسير نكاح السر هو المشهور، فما أوصي فيه بكتم الشهود فنكاح سر، قال الباجي عن عيسى عن ابن القاسم وأصبغ: ولو كانوا ملء المسجد الجامع. وعند يحيى بن يحيى: أن نكاح السرهو أن لا يشهد فيه شاهدان فأكثر، وقال الشارح: واختلف في حكم نكاح السر فالمعروف المشهور من المذهب أنه باطل، وعن بعضهم أنه رأى لأصحاب مالك أن هذا النكاح جائز وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي. انتهى. ولعله يريد النكاح الذي شهد فيه فيكون هو قول يحيى السابق إلا أنه لا يسمى على هذا الوجه نكاح سر فيكون الخلاف مبنيا على تفسير نكاح السر ما هو، وأما إذا لم يشهد فيه فلا يقول به أحد من أصحاب مالك فيما أعلم. انتهى.
من أمرأة يعني أنه لا فرق في فسخ النكاح المذكور بين أن يكون الزوج أوصى الشهود أن يكتموه عن امرأة واحدة، وبين أن يكون أوصاهم أن يكتموه عن أكثر، وظاهر المص سواء كانت زوجة الموصي أو غيرها وهو ظاهر ما حكاه المؤلف عن الواضحة، وفي كلام ابن عرفة: امرأة له، واقتصر الشيخ الأمير على ما لابن عرفة، وقال الشيخ عبد الباقي: إذا كانت المرأة لغيره لا يكون سرا إلا أن ينضم لها الكتم عن غيرها فلا بد من جمع. انتهى. وقال الشبراخيتي: امرأة له.
أو بمنزل يعني أنه لا فرق في فسخ النكاح المذكور بين أن يوصي الزوج بالكتمان عن أهل منزل بخصوصهم وبين أن يوصي بكتمه عن أكثر منهم، أو أيام يعني أنه لا فرق في فسخ النكاح المذكور بين أن يوصي الزوج بكتمانه ثلاثة أيام وبين أن يوصي بكتمانه أكثر من ذلك. وما قاله نحوه لابن حبيب، ومقتضاه أن كتمانه يومين موصى به لا يضر، وجعل اللخمي اليومين كالأيام، واقتصر الشيخ الأمير على ما للخمي، وقال الشيخ عبد الباقي: وظاهر كلام المص أن اللخمي مقابل، وقد مر أن ما قررت به كلام المص لمحمد بن الحسن، ونحوه لأبي علي وقرره عبد الباقي على أن المبالغة راجعة لقوله:"من امرأة"، قال:"لا لكتم شهود" حتى يتوهم أن الموصى إذا كان غيرهم ممن حضر العقد يفسخ أيضا مع أنه لا يفسخ، وكذا إن أوصى واحدا فقط من شاهدي العقد، ثم قال ولو اتفق الزوجان والولي على كتمه دون إيصاء الزوج الشهود لم يكن نكاح سر. انتهى.
قال الشيخ محمد بن الحسن: تبع في هذا المواق بناء على أن ما أوصي بكتمه غير الشهود ليس نكاح سر، واستدل على ذلك بقول ابن عرفة: نكاح السر باطل والمشهور أنه ما أمر الشهود حين العقد بكتمه. انتهى. وفيه نظر والصواب ايقاء عبارة المص على ظاهرها، وأن استكتام غير الشهود نكاح سر أيضا كما في التوضيح عن الباجي ومثله في الحطاب، ولعل من فرضه في الشهود أراد التنصيص على محل الخلاف. انتهى.
وقوله: "وفسخ موصى وإن بكتم شهود" قال الشيخ الأمير: واغتفر لخوف ساحر أو ظالم. انتهى.
قال جامعه عفا الله تعالى عنه: ومعنى قوله: "ساحر" أنه يخشى إذا ظهر النكاح من ربط الزوج عن زوجته. والله سبحانه أعلم. وقال الشبراخيتي: لا يضر الكتم لخوف ظالم، وحكى المازري عن أبي حنيفة أنه تزوج امرأة سرا فاتهمته امرأته الأولى بذلك فأنكر، فلما أنكرت عليه أمر الجديدة أن تأتيه بداره وتسأله عن هذه المسألة فأتت إليه في داره، وقالت له: أصلحك الله عندي زوج أراد أن يتزوج علي أيحل له ذلك قال: نعم ذلك جائز له بالشرع، فكذا هذه تتهمني بهذا، كل ما هو خارج عن هذه الدار فهو طالق ثلاثا فطابت نفسها بذلك. انتهى. نقله الشبراخيتي.
إن لم يدخل وبطل يعني أنه يترتب على نكاح السر أمران، أحدهما أنه يفسخ كما مر ومحله حيث لم يدخل أو دخل ولم يطل، ومفهوم المص عدم الفسخ إن دخل وطال أي حصل الأمران معات ولها المسمى بالدخول، والطولُ ما يحصل به الفشو. كما قاله الشيخ الأمير. وقال الشبراخيتي عن شيخه الأجهوري أن الطول هنا بالعرف، وقوله:"إن لم يدخل ويطل" هو المشهور، ورأى اللخمي أنه يمضي بالعقد، وذكر ابن الحاجب أنه يفسخ وإن طال على المشهور، قال الشارح: ولم يوجد ذلك في المذهب فضلا عن أن يكون هو المشهور، نعم وقع في المدونة والمبسوطة لمالك أنه يفسخ وإن دخل ولم يقيده بطول ولا غيره. انتهى. أبو الحسن: وهو مقيد بعدم الطول، قال الشارح: وإن حمل على إطلاقه فهو موافق لابن الحاجب، ثانيهما أشار إليه بقوله: وعوقبا يعني أن الزوجين يعاقبان في هذا النكاح إن حصل دخول ولم يعذرا بجهل، وأما إن لم يحصل دخول أو حصل وعذرا بجهل فإنهما لا يعاقبان، وهذا في الزوجة غير المجبرة وإلا عوقب مجبرها والزوج. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ما لم يكونا مجبرين وإلا فالعقاب على الأولياء. انتهى.
والشهود بالنصب مفعول معه كما قاله الشيخ إبراهيم؛ يعني أن الشهود على هذا النكاح يعاقبون إن دخل الزوجان ولم يعذر الشهود بالجهل وإلا لم يعاقبوا، قال في التوضيح عن المدونة: لا يعاقب الشاهدان إن جهلا ذلك. انتهى. وقال ابن عرفة: روى ابن وهب: يعاقب عامد فعله منهم، وفي الشارح: وقال مالك لا يعاقب الشهود إن جهلوا ذلك، وقال أبو الحسن: يعاقب الزوجان لدخولهما على ما ضارع السفاح والبينة لإعانتها على ذلك وهذا كله بعد البناء. انتهى. نقله الشيخ بناني. وبه تعلم أن ما في كلام عبد الباقي من التوقف في بعض ما تقدم غير ظاهر. والله سبحانه أعلم. وظاهر المص أن الشهود يعاقبون ولو شهدوا عند من يرى جواز ذلك؛ لأن الإنسان لا يجوز له أن يشهد إلا بما يجوز في مذهبه، وأما حضوره من غير إشهاد فلا يمتنع على ما يستفاد من هذه العبارة. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقبل الدخول وجوبا يعني أن النكاح يفسخ في هذه المسائل الخمس وجوبا قبل الدخول ويثبت بعده، إحداها النهارية وإليها أشار بقوله: على أن لا تأتيه إلا نهارا يعني أنه إذا نكح المرأة
على شرط أن لا تأتيه أو لا يأتيها إلا نهارا أو ليلا أو بعض ذلك فإن النكاح يفسخ وجوبا قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل، مالك: لا خير في النهارية وهي أن يتزوجها على أن لا يأتيها إلا نهارا أو ليلا وأجازها الحسن وعطاء، وكرهها الحكم وابن سيرين. نقله الشيخ أبو علي. وقال الشيخ عبد الباقي: تبعا للشارح، وأتى بقوله:"وجوبا" ليلا يتوهم أن هذا النكاح لما كان يمضي بالدخول يكون الفسخ مستحبا، وقال الشيخ محمد بن الحسن: أظهر منه أن يقال نبه به على أن قول الإمام لا خير فيه محمول على الوجوب، أو قال وجوبا للرد على المخالف في المعطوف الأخير وهو قوله:"وما فسد لصداقه"؛ لأن مذهب العراقيين أن فسخه قبل البناء مندوب لا واجب، ومذهب المغاربة الوجوب وعليه مشى المص وهو ظاهر. انتهى.
وقوله: "وعلى أن لا تأتيه إلا نهارا" من مسألة شرط يناقض الآتية، والظاهر أنه إنما أفردها بالذكر للخلاف فيها بين المنع والكراهة والجواز، وقد علمت أن الإمام قال: لا خير فيه ولم يصرح بالمنع ولم يرد هذا الخلاف في غيرها من الشروط المناقضة. قاله الشيخ أبو علي. وما مر من أن لها مهر المثل بالدخول، قال في البيان: هو الأظهر، وقيل لها المسمى، وما مشى عليه المص في النهارية هو الذي يأتي على مذهب المدونة، وبه قال أصبغ وحكاه عن مالك وأصحابه، وقال عيسى: يفسخ ولو دخل. والفرق بين هذا ونكاح المتعة أنه هنا دخل على أن يكون النكاح بيده إلى الممات، ولا كذلك نكاح المتعة. انظر الشارح. قوله:"على أن لا تأتيه" متعلق بمحذوف أي وفسخ نكاح عقد على أن لا تأتيه لخ.
أو بخيار الباء بمعنى: على. قاله الشيخ أبو علي؛ يعني أن النكاح يفسخ قبل الدخول وجوبا إذا وقع عقده على الخيار إلا خيار المجلس فيجوز اتفاقا، وإذا دخل في الخيار الممنوع ثبت النكاح بالمسمى إن وجد وهو حلال وإلا فصداق المثل وحيث يجوز لا إرث فيه فأولى المتنع. وجوز اللخمي الخيار فيما قرب جدا لقول محمد عن ابن القاسم: إن شرط مشورة من قرب بالبلد بإتيانه من فورهما جاز. انتهى. وله ترك المشورة ومخالفة رأي المستشار حيث اشترط ذلك، والإرث بعد الرضى والمشورة قبل البناء أو بعده. قاله الحطاب. وقال أبو علي: والخيار بعد المجلس المعلوم
منعه، اللخمي إن كان يوما أو يومين أو ثلاثة ففيها منعه وعلى القول بجوازه في الصرف يجوز في النكاح. انتهى. قال: والخلاف في اليومين والثلاثة قوي.
لأحدهما أو غير يعني أنه لا فرق في منع النكاح المذكور وفسخه قبل البناء بين كون الخيار لأحد الزوجين أو لهما معا أو لغيرهما، وشمل الولي والأجنبي. أو على إن لم يأت بالصداق لكذا فلا نكاح وجاء به هذه المسألة جعلها بعضهم من باب الخيار للزوج؛ لأنه إن شاء أتى به فيحصل النكاح وإن شاء لم يأت به فلا نكاح. قاله الشيخ أبو علي. ومعنى كلام المص أن النكاح يفسخ قبل الدخول وجوبا إذا تزوجها على شرط أنه إن لم يأت بالصداق الذي وقع به العقد أو بعضه لأجل سمي فلا نكاح بينهما وجاء بالصداق قبل الأجل أو عنده، ولا يصحح النكاح مجيئه بالصداق قبل الأجل أو عنده وهذا هو المشهور في هذه وكذا التي قبلها كما علمت، وإن دخل ثبت بالمسمى إن وجد وحل وإلا فصداق المثل.
وقوله: أو على إن لم يأت بالصداق" لخ، وقيل لا يفسخ إن جاء به قبل الأجل أو عنده، والخلاف فيها وفي التي قبلها إنما يتصور إذا أتى بالصداق عند الأجل واختار من له الخيار قبل انقض الأجل، وأما إن لم يأت الزوج بالصداق عند الأجل أو لم يختر من له الخيار حتى انقضت أيام الخيار فلا نكاح بينهما قولا واحدا. قاله ابن رشد. قاله الشارح. فيفسخ قبل وبعد فيهما كما قاله عبد الباقي، وإن وهبت له الصداق وقبله فالظاهر أنه كحكم ما إذا أتى به من التفصيل. قاله الشيخ عبد الباقي.
وما فسد لصداقه يعني أن النكاح يفسخ قبل الدخول وجوبا ويثبت بعده بمهر المثل حيث فسد لأجل صداقه، إما لكونه لا يملك شرعا كخمر وخنزير وميتة أو يملك ولكن لا يصح بيعه، كآبق وبعير شارد أو يملك ويصح بيعه ولكن فيه تفريق الصفقة كعبد يساوي ألفين على أن تعطيه ألفا. قاله التتائي. قال عبد الباقي: لعل تسميته تفريق صفقة مع أنه جمع بيع ونكاح في صفقة أن القصد بصفقة النكاح وحدتها وكذا بصفقة البيع، ففرق صفقة [واحدة]
(1)
وجعلها بينهما، وما مشى عليه المص هو المشهور، قال الشارح ما معناه: إذا وقع النكاح بصداق لا يجوز بيعه لتحريم عينه
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من عب ج 3 ص 189.
أو لغرره كالخمر والخنزير وكالآبق والشارد فسخ النكاح قبل الدخول ويثبت بعده على المشهور، وهل فسخه على الوجوب أو على الاستحباب؟ قولان. وروى أنه يفسخ بعد الدخول، وقال ابن الماجشون: إن كان مع الفاسد متمول بربع دينار أو ربع دينار لم يفسخ وإلا فسخ. انتهى. وفي العتبية: سئل مالك عن الرجل ينكح المرأة ويصدقها صداقا ويشترط في صداقها إن لم يأت به إلى أجل كذا فأمرها بيدها؟ فقال: هذا النكاح ليس بحسن وأراه مفسوخا، فقيل له أيفسخ الشرط ويثبت النكاح فقال لا ولكن يفسخ النكاح. أشهب: يفسخ الشرط ويثبت النكاح، وقال سحنون: النكاح جائز دخل أو لم يدخل وهو قول المدنيين والتونسيين. ابن رشد: قوله ولكن يفسخ النكاح، يريد قبل الدخول ويثبت بعده، وكذلك قال ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى، ورواه عن مالك في كتاب ابن المواز، وإذا ثبت بعد الدخول بطل الشرط وكان فيه المسمى. وقول أشهب: يفسخ الشرط ويثبت النكاح يريد قبل الدخول وبعده بالصداق المسمى، وقول سحنون: النكاح جائز دخل أو لم يدخل يريد والشرط لازم، ومثله روي عن ابن القاسم وأشهب وهو أظهر الأقوال الثلاثة. قاله الشارح.
وقوله: "وما فسد لصداقه" لم يعطفه بأو كغيره لأن ما قبله وما بعده فاسد لعقده. قاله الشيخ أبو علي.
أو على شرط يناقض عطف على قوله: "أن لا تأتيه إلا نهارا"، وهو من هذا القسم وقد تقدم وجه إفراده عنه؛ يعني أن النكاح يفسخ قبل الدخول وجوبا ويثبت بعده بمهر المثل إذا تزوجها على شرط يناقض المقصود الشرعي من النكاح، ومفهوم قوله:"يناقض" أنه إن كان لا يناقض فإن اقتضاه كشرط إنفاقه عليها وقسمه ونحوهما فوجوده كعدمه فيقضى به على كل حال شرط أو لا، ولا يؤثر اشتراطه ولا عدمه خللا في العقد وإن كان لا يقتضيه ولا ينافيه كأن لا يتسرى عليها ولا يتزوج عليها فمكروه؛ لأن فيه تحجيرا ولا يفسخ، وندب الوفاء به لخبر: (إن أحق الشروط أن
توفوا بها ما استحللتم به الفروج
(1)
)، ومحل عدم اللزوم في القسم الثالث حيث لم يعلق عليه طلاق أو عتق أو نحوهما وإلا لزم ما علق عند وقوع المعلق عليه.
ومثل للشرط الناقض بقوله: كأن لا يقسم لها يعني أن من الشروط المناقضة ما إذا تزوجها وشرط في صلب العقد أن لا يقسم لها في البيت مع زوجة له فأكثر قديمة أولا؛ بأن شرطأن لا تكون لها ليلة ويوم فيفسخ قبل وجوبا ويثبت بعد بمهر المثل كما عرفت.
أو يؤثر عليها يعني أن من الشروط المناقضة لمقتضى العقد ما إذا تزوجها وشرط عليها أن يوثر عليها في القسم غيرها، كقسمه لضرتها بليلتين ولها ليلة، ودخل بالكاف ما إذا سمى لها في العقد نفقة معلومة كل يوم أو شهر أو على أن لا ميراث بينهما أو جعل أمرها بيدها أو شرطت عليه في العقد أن ينفق على ولدها، وكذا لو شرط أن لا ينفق عليها أو أن تكون النفقة على غيره كما لو شرطت نفقة زوجة العبد على السيد، وكما لو شرطت نفقة الزوج الصغير أو السفيه على الولي، وقيل ذلك جائز ومحل الخلاف إنما هو إذا لم يقع بيان إن مات الأب قبل بلوغ الصبي أو الولي قبل رشد اليتيم؟ فسقطت النفقة لموتهما هل تعود النفقة في مال الصغير ومال اليتيم أو لا تعود عليهما إلى بلوغ الصغير ورشد اليتيم فإن شرط عودها في مالهما جاز النكاح اتفاقا، وإن شرط سقوطها إلى بلوغ الصغير ورشد اليتيم كان النكاح فاسدا اتفاقا، وإنما الخلاف إذا وقع الشرط مبهما. قاله الحطاب وغيره. وسيأتي أن الصبي تلزمه النفقة بالدخول، ولو تطوع بها متطوع بعد العقد أب أو سيد أو غيرهما جاز، وسقطت بالموت لأنها هبة لم تقبض، ولو اختلفا في الطوع والشرط في صلب العقد فالقول قول مدعي الشرط للعرف. قاله الشيخ عبد الباقي وغيره.
وقال الإمام الحطاب: ولو شرط النفقة في نكاح الكبير المالك أمر نفسه في نفس العقد على غيره فسخ قبل البناء. قال ابن حبيب: إلا أن ترضى المرأة بكون النفقة على الزوج ويثبت بعده وتكون النفقة على الزوج ولا يدخله الذي في المسألة الأولى، ولا يجوز النكاح على إعطاء الزوج حميلا بالنفقة لأنها ليست بدين ثابت في ذمته كالمهر: فإن وقع عليه فسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل، ولو وقع في مسألة اشتراط النفقة على غير الزوج بيان رجوعها على الزوج إن مات من
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1418.
شرطت عليه أو طرأ عليه دين أو ما يبطل النفقة عنه جاز النكاح على قياس ما تقدم، وقيل يفسخ قبل البناء على كل حال؛ لأن شرطها على غير الزوج خلاف السنة ويمضي بعده بمهر المثل ويبطل الشرط، وإليه نحا الأبهري، وما قلناه أظهر. انتهى. قاله ابن رشد. انتهى. كلام الحطاب وقال: واختلف في اشتراط النفقة على السيد، فمنعه في كتاب محمد وأجازه أبو مصعب. انتهى.
وقوله: وألغى يعني أنه وقع النكاح على شرط يناقض المقصود ودخل الرجل بالمرأة فإنه يثبت النكاح ويلغى الشرط في جميع ما مر، وتكون النفقة على الزوج سواء وقع الشرط مبهما أو قيدوه في مسألتي الصغير والسفيه ببلوغ الصغير ورشد السفيه، وكذا العبد إن اشترطت نفقة زوجته على سيده فإنه إذا دخل ثبت النكاح وبطل الشرط؛ إذ هو كما علمت داخل في قول المص أو على شرط يناقض. وقد مر عن أبي مصعب أنه يجيز اشتراط نفقة زوجة العبد على سيدها.
وسئل ابن رشد عن من تزوج عبده وأشهد على نفسه تطوعا بعد العقد أنه ينفق عليها مدة الزوجية ثم مات هل توقف تركته لذلك أم لا وكيف إن كان في أصل العقد واختلفا في ذلك؟ فأجاب بأنه لا شيء في تركة السيد لأنه متطوع، وإنما تجب عليه مدة الزوجية ما دام حيا وبعد الموت هبة لم تقبض، ولو شرط في أصل النكاح لكان فاسدا يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل ويبطل الشرط وتكون على العبد، وقيل لا يفسخ إذا أسقطت شرطها والنفقة على الزوج، ووجه الأول الغرر إذ قد يموت السيد قبل انقطاع العصمة، ولو شرط أنه إن مات قبل انقضاء العصمة لرجعت على العبد لجاز، ولو اختلفا هل كان شرطا أو تطوعا؟ فالقول قول من ادعى الشرط لشهادة العرف له. هذا الذي أقول به على منهاج مالك. انتهى. ومثله يقال في الصبي والمولى عليه. والله أعلم. قاله الحطاب.
ونقل عن اللخمي أنه إن تزوجها على أن لا يأتيها إلا نهارا أو على أن يوثرها على غيرها أو على أن لا يعطيها الولد أو لا نفقة لها أو لا ميراث بينهما أو على أن أمرها بيدها فهذه شروط لا يصح الوفاء بها، واختلف في النكاح فقيل يفسخ قبل وبعد وقيل يفسخ قبل ويثبت بعد ويمضي على سنة النكاح ويسقط الشرط، وقوله:"أو على شرط يناقض" والفسخ فيه بطلاق لأنه مختلف
فيه كما في الحطاب، وقوله:"وألغي" هو كذلك في بعض النسخ، وفي بعضها: وإلا ألغي؛ أي وإن لم يناقض العقد فإنه يلغى وذلك كالشرط الذي يقتضيه العقد، كشرط نفقتها عليه والإلغاء باعتبار أن الشرط وجوده وعدمه سواء. انظر شرح أبي علي. ونقل أبو علي عن ابن يونس قال مالك رحمه الله تعالى: كل نكاح يكون للولي أو لأحد الزوجين أو غيرهما إمضاؤه أو فسخه، فإن فسخه إياه بطلاق وتكون طلقة بائنة ويقع فيه الطلاق والموارثة قبل الفسخ مثل التي تتزوج بغير أمر الولي فيطلقها الزوج قبل البناء أو بعده، فإنه يلزمه ما طلقها: وكذلك إن خالعها على مال أخذه منها قبل أن يجيز الولي ثم أبى الولي أن يجيز فإن الزوج يحل له ما أخذ منها. انتهى. ولو شرطت المرأة على الزوج بعد العقد نفقة ولدها فإنها تلزمه كما إذا التزمها بعد العقد أمد الزوجية: فإن طلقها بائنا أو رجعيا وانقضت عدتها ثم أعادها عاد عليه الشرط أو الالتزام الكائن ذلك بعده ما بقي من العصمة المعلق فيها شيء، ولا ينفعه شرطه في عقده الثاني أنه لا يلزمه شيء؛ لأن حق الولد ليس لها إسقاطه بخلاف التزامه لها ذلك وجعله من حقوق الزوجية فلها إسقاطه أو التزام نفقته مدة معلومة ثم طلقها على إسقاطها ثم راجعها فلا تعود عليه إلا أن تشترط عليه عند الراجعة. قاله الشيخ عبد الباقي. وإلى هذا أشار في التحفة بقوله:
وما امرؤ لزوجة يلتزم
…
مما زمان عصمة يستلزم
فذا إذا دون الثلاث طلقا
…
زال وإن راجع عاد مطلقا
مثل حضانة والانفاق على
…
أولادها ومثل شرط جعلا
ومطللقا كالنكاح لأجل هذا هو النكاح المسمى بنكاح المتعة، وسمي نكاح المتعة لانتفاعها بما يعطيها وانتفاضه بقضاء شهوته وكل ما انتفع به فهو متاع ومتعة؛ ولا يقال النكاح الشرعي كذلك لأن المقصود من هذا إنما هو التمتع بخلاف الشرعي فالمقصود منه أمور. قاله الشيخ أبو علي. وقال الشبراخيتي: وسمي متعة لانتفاعه هو بقضاء شهوته وهي بما يعطيها، أو لأن الغرض منه مجرد التمتع لا التوالد ولا غيره من أغراض النكاح. انتهى. ومعنى كلام المص أن النكاح الفاسد
لعقده غير ما مر يفسخ مطلقا قبل الدخول وبعده، وذلك مثل النكاح لأجل ونكاح المحرم والنكاح بلا ولي ونحو ذلك، فالكاف في قوله:"كالنكاح" اسم بمعنى مثل.
وقوله: "مطلقا" بمعنى قبل الدخول وبعده، وهو معطوف على قوله:"وقبل الدخول"، ومعنى النكاح لأجل أن يتزوجها إلى سنة أو أقل أو أكثر فينفسخ النكاح، والمراد بالأجل المدة المؤقتة للنكاح فعلم من هذا أن نكاح المتعة هو ما شرط فيه الأجل صريحا أو كالصريح، كأن يعلمها عند العقد أنه يفارق بعد سفره ويفسخ نكاح المتعة بغير طلاق لأنه مجمع على فساده، لقول المازري: تقرر الإجماع على منع نكاح المتعة ولم يخالف فيه أحد إلا طائفة من المبتدعة. انتهى.
وما حكي عن ابن عباس من أنه كان يقول بجوازه فقد رجع عنه، قال أبو الحسن: ثبت عن ابن عباس رجوعه عنه، وقال ابن عمر: المشهور رجوع ابن عباس لما عند الناس، وقال ابن عرفة: وفي بقاء [خلاف]
(1)
ابن عباس خلاف مشهور، أبو عمر أصحابه من أهل مكة واليمن يرونه حلالا. انتهى. نقله الشيخ بناني. وقال الشارح: ولا خلاف عندنا أن النكاح المؤجل وهو نكاح المتعة يفسخ بعد البناء ويعاقب فيه الزوجان ولا يبلغ بهما الحد والولد لاحق، واختلف هل فسخه بطلاق أو بغير طلاق؟ وهل لها المسمى بالدخول أو صداق المثل؟ انتهى. وقال الشيخ عبد الباقي: ويفسخ بغير طلاق وقيل بطلاق. قاله في التوضيح. وهو يفيد أنه مجمع على فساده على الراجح، وحينئذ فمن نكح امرأة متعة ولم يتلذذ بها له أن يتزوج أمها ووقعت وأفتى علي الأجهوري بذلك.
والمذهب لا حد في نكاح المتعة ولو على العالم ولكن يعاقب، وهل فيه المسمى بالدخول أو صداق المثل؟ قولان. انتهى. وقال البرزلي: ومن استمتع بالزوجة عالما بالتحريم لا يحد ويعاقب. قاله في المدونة. وعن ابن نافع أن فيه الرجم على المحصن والجلد على غيره مع العلم. انتهى. قاله الحطاب. وقوله: "لأجل" ظاهره قرب الأجل أو بعد، وقال ابن عرفة: وظاهرها مع غيرها ولو بعد الأجل بحيث لا يدركه عمر أحدهما، ومقتضى إلغاء الطلاق إليه إلغاء ما يفيته فلا يكون النكاح به متعة لولا أن المانع الواقع في العقد أشد منه تأثيرا واقعا بعده. انتهى.
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من البناني ج 3 ص 190.
وظاهر كلام أبي الحسن أن الأجل البعيد الذي لا يبلغه عمرهما أو عمر أحدهما لا يضر، قال -في قوله: فعنه في المدونة لا يجوز النكاح إلى أجل قرب أو بعد- الشيخ: معناد يبلغه
(1)
عمرهما أو عمر الزوج. انتهى. قاله الحطاب. وقال عبد الباقي: حقيقة نكاح المتعة الذي يفسخ مطلقا أن يقع العقد مع ذكر الأجل من الرجل للمرأة أو وليها بأن يعلمها بما قصده كما مرة وأما إذا لم يقع ذلك في العقد ولكنه قصده الرجل وفهمت المرأة ذلك منه فإنه يجوز. قاله مالك. وهي فائدة حسنة تنفع المتغرب. وفي الشارح والشامل: التصدير بالفساد إذا فهمت منه ذلك وظاهر علي الأجهوري ترجيح الصحة فيه لاقتصاره على القول بالصحة تبعا لجده، وحكاه الشارح عن مالك بعد ما صدر بالفساد، فإن لم يصرح ولم تفهم فليس بمتعة اتفاقا، فالأقسام ثلاثة. انتهى. قاله الشيخ عبد الباقي.
أو إن مضى شهر فأنا أتزوجك يعني أن من قال لامرأة إذا مضى شهر فأنا أتزوجك فرضيت هي ووليها وقصدا انبرام العقد بذلك اللفظ ولا يأتنفان غيره فإن نكاحهما باطل يفسخ قبل وبعد، والمنع في هذه على ما فهمه الأكثرون إنما هو لتوقيت الإباحة بزمان دون زمان، فكان كالمتعة. وفهمها صاحب البيان على أنه ليس هنا عقد منبرم وإنما هو عقد فيه خيار، والبطلان فيه من أجل الخيار أي لأنها لا رضيت هي ووليها انبرم العقد من جهتهما وكان الخيار للزوج لأن العقود إذا وقعت بصيغة المضارع لا يلزم فيها حكم وغايته أن يكون وعدا، ولو كان عقدا منبرما لقال فقد تزوجتك.
وذكر أبو الحسن هنا أنه يؤخذ من قول المدونة: فأنا أتزوجك، أن لفظ المستقبل في النكاح كالماضي بخلاف البيع. نقله غير واحد. واقتصر الشيخ الأمير على صيغة الماضي، ولفظه: أو تزوجتك بعد شهر، وقال ابن الحاجب: يفسد على المشهور، قال في التوضيح: لم أجد له مقابلا. نقله أبو علي.
فتحصل من هذا أنه لا فرق بين الماضي والمضارع فيفسد النكاح فيهما على الراجح، وقوله:"فأنا أتزوجك" وأما لو كان ما ذكر وعدا منهما ثم عقدا بعد ذلك فلا إشكال في صحة النكاح، وينسب
(1)
في النسخ: يبلغ، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 262 ط دار الرضوان.
إلى الشيخ سيدي محمد اليدالي نفعنا الله به هذا البيت في بيان الأصدقة اللازمة في هذه الأنكحة الثمانية الفاسدة:
مسمى صداق مع مسمين بعده
…
صداقان ثم اثنان جا فيهما الخلف
أي في الأول منها المسمى وهو نكاح السر المشار إليه بقوله: "وفسخ موصى" لخ وفيما بعده على الترتيب ما ذكر في البيت على الترتيب الثاني للثاني والثالث للثالث والرابع للرابع، وهكذا إلى آخره. ثم أجاب المص عن أربعة أسألة وهي: هل الفسخ بطلاق أولا؟ وهل التحريم بعقده أو وطئه؛ وهل فيه الإرث أم لا؟ وهل للمرأة إذا فسخ شيء أم لا؟ فأجاب: عن الرابع بقوله: "وما فسخ بعده فالمسمى" لخ، وعن ما قبله بقوله:"وفيه الإرث" لخ، وعن ما قبله بقوله: والتحريم بعقده الخ، وعن الأول بقوله: وهو طلاق إن اختلف فيه، الضمير المنفصل عائد على الفسخ يعني أن الفسخ في النكاح الفاسد يكون بطلاق إذا كان فساده مختلفا فيه بين العلماء والمذهب قائل بالفساد ولا بد من كون الخلاف قويا ويكون الفسخ طلاقا، ولو قال الزوج فسخت بلا طلاق أو تركنا هذا النكاح وما أشبهه فيلزمه الفسخ فيكون طلاقا، ولا يحتاج الفسخ في النكاح المختلف في فساده وصحته إلى حكم حاكم حيث فارق الزوج، فإن امتنع حكم عليه بالفسخ والطلاق في ذلك بائن وفائدة احتياجه لحكم حاكم أنه إذا عقد عليها شخص قبل الحكم بالفسخ حيث لم يفارق الزوج لم يصح عقده؛ لأنها زوجة قبل الحكم بالفسخ أو مفارقة الزوج الأول لها، وإنما احتاج النكاح المختلف في فساده إلى الفسخ حيث امتنع الزوج من الفراق مراعاة للقول بصحته. انظر الشبراخيتي.
وقال ابن القاسم: وإذا أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الإمام إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه. انتهى. قاله الحطاب. وقوله: "وهو طلاق إن اختلف فيه" مخالف لما اختاره سحنون من أن كل نكاح كان الزوجان مغلوبين على فسخه ففسخه بغير طلاق. قاله الشيخ أبو علي. وقال الشيخ إبراهيم: واعلم أن فسخ المختلف فيه بطلاق ولو قال الزوج فسخته بلا طلاق إلا أن يقلد من
يفسخه بلا طلاق فله ذلك. وقوله: "فيه" الضمير عائد على النكاح وهو على حذف مضاف أي في صحته ويقابل الصحة الفساد. قاله الشيخ إبراهيم.
ومثل للفساد المختلف فيه بقوله: كمحرم وشغار يعني أن من النكاح المختلف في فساده وصحته نكاح المحرم بضم الميم وكسر الراء ونكاح الشغار، أما نكاح المحرم فقد مر أن مذهب الجمهور من الصحابة ومن بعدهم فساده وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد، وذهب أبو حنيفة وجماعة إلى أن الإحرام لا يمنع من عقد النكاح وقد تقدم دليل كل من الجمهور وغيرهم، وأما نكاح الشغار فالخلاف إنما هو في فسخه بعد الوقوع وعدمه، وأما في الابتداء فلا خلاف في منعه كما نص عليه غير واحد، ولهذا قدرت المضاف في المجرور في صحته فقد علمت أن المراد بالمختلف فيه المختلف في فساده وصحته وإن كان متفقا على منعه؛ ولذا قال المص:"لا اتفق على فساده" ولم يقل لا اتفق على تحريمه. وفي الحطاب ما نصه: وإذا قلد الزوجان من يرى صحة هذا النكاح يعني النكاح المختلف في فساده وصحته أو ترافعا إلى قاض يرى صحته فإنهما يقران عليه. قاله ابن عبد السلام. انتهى. وأقسام النكاح خمسة: صحيح لا خيار فيه، وصحيح فيه خيار ولا خلاف فيه: وصحيح فيه خيار مختلف فيه، وفاسد مجمع عليه، وفاسد مختلف فيه. فالفراق في الأول بطلاق والذي فيه الخيار ثلاثة أقسام: الأول نكاح المفتات عليه يعلم بالقرب خير بين الإجازة والرد، ورده فسخ بغير طلاق لأنه لم ينعقد. الثاني: ما كان الخيار فيه لحق تقدم العقد كما لو اطلع أحد الزوجين على عيب متقدم على العقد فرد، قال ابن القاسم: ذلك طلاق، وقال الأبهري: إذا وجد الرجل المرأة مجنونة أو مجذومة كان له الرد بغير طلاق، وعلى ما للأبهري لو ردته هي بالعيب لكان فسخا بغير طلاق، ولو قال: رددت بالعيب هي طالق لم يقع طلاق، ولو قال: أنا راد بالعيب هي طالق لزم الطلاق لوقوعه في العصمة دون الأول، وكذا لو وكل وكيلا يزوجه بألف فزوجه بألفين فرد.
ابن القاسم: فرقته طلاق وعن غيره أنه فسخ بغير طلاق، وكذا رد السيد نكاح عبده، فقال مالك وابن القاسم: فرقته طلاق، وعلى قول الأبهري يكون فسخا. الثالث: ما كان الخيار فيه لحق حدث بعد العقد كما لو حدث بالزوج عيب بعد العقد أو قامت المرأة بالفراق لعدم نفقة أو لضرر
أو عتقت الأمة فذلك جميعه طلاق، وأما النكاح الصحيح الذي فيه خيار يختلف فيه كالتي [تزوج]
(1)
بغير إذن وليها وكان الولى بالخيار ورد فإن رده طلاق، وأما الفاسد مجمعا عليه أو مختلفا فيه فهوما ذكره المص بقوله:"إن اختلف فيه"، وبقوله:"لا اتفق على فساده".
وقد مر أن الفرقة في النكاح الصحيح بطلاق ويصح أن تكون الفرقة في النكاح الصحيح إذا كانت بأمر طارئ فسخا كملك أحد الزوجين للآخر وما أشبه ذلك، والمشهور في ارتداد أحد الزوجين أنه طلاق بائن، واختلف في اللعان ويحتاج إلى هذا على القول بأنه إذا أكذب نفسه بعد اللعان له أن يتزوجها فترجع إليه على نكاح مبتدإ على القول بأنه فسخ، وعلى القول بأنه طلاق ترجع على طلقتين. انتهى. قاله الحطاب.
والتحريم بعقده يعني أن الحرمة بالمصاهرة في النكاح المختلف فيه تكون بالعقد في اللواتي يحرمن بالعقد في النكاح الصحيح كالأم فإنها تحرم بالعقد على بنتها في المختلف فيه كالصحيح، وإذا عقد على امرأة عقدا مختلفا فيه حرمت على أبنائه وءابائه كالصحيح. ووطنه يعني أن التحريم بالمصاهرة في النكاح المختلف فيه تارة يكون بالعقد كما مر وتارة يكون بالوطء لا بالعقد، وذلك في اللواتي لا يحرمن بالعقد الصحيح بل بالوطء أو مقدماته كالبنت، فإذا تزوج الأم وهو محرم مثلا وبنى بها وفسخ نكاحها فإنه يحرم عليه نكاح ابنتها، فإن فسخ قبل التلذذ لم تحرم.
والحاصل أن المختلف فيه كالصحيح، فعلم أنه لا يستغنى عن قوله:"ووطئه" بقوله: "بعقده" كما ادعى التتائي تبعا للشارح. قاله الشيخ عبد الباقي.
وفيه الإرث يعني أن النكاح المختلف في فساده يكون فيه الإرث بين الزوجين إن مات أحدهما قبل الفسخ دخل أم لا، وأما لو فسخ قبل الموت فلا إرث دخل أم لا وهو ظاهر لأن طلاقه بائن سواء وقع من الحاكم أو من الزوج، وقد مر أن نكاح الخيار حيث يجوز كخيار المجلس لا إرث فيه لأنه منحل، فكيف به حيث يمنع؟ إلا نكاح المريض يعني أن النكاح المختلف في فساده يكون فيه الإرث إن مات أحد الزوجين قبل الفسخ إلا أن يكون هذا النكاح المختلف فيه نكاح
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من الحطاب ج 4 ص 264 ط دار الرضوان.
مريض فإنه لا إرث فيه، وإن اختلف في فساده لأنه إنما فسخناه مخافة إدخال وارث وسواء في ذلك مات الصحيح منهما أو المريض وهذا على القول بالفساد، وأما على القول بصحته ففيه الإرث كما نص عليه في التوضيح.
وإنكاح العبد والمرأة الاسم الثاني مضاف إليه ما قبله والثالث معطوف عليه، والأول بالنصب عطف على قوله:"إلا نكاح المريض" كما نص عليه الشيخ أبو علي والشيخ محمد بن الحسن، وهو مصدر مضاف إلى فاعله يعني أن النكاح الذي وقع فيه الولي عبدا أو امرأة أوجبت لنفسها أو لامرأة أخرى لا إرث فيه حيث مات أحد الزوجين دخل أم لا، وإن كان مختلفا فيه لضعف الاختلاف فيه: قال الشيخ محمد بن الحسن: كأنه اعتمد قول أصبغ كما اعتمده ابن يونس، ونصه: قال في كتاب محمد فيما عقده العبد على ابنته أو غيرها أو فيما عقدته المرأة في ابنتها أو بنت غيرها أو على نفسها، يفسخ قبل البناء وبعده، وإن ولدت الأولاد وطال زمانه أجازه الولي أو لا كان لها خطب أو لا فيفسخ بطلقة ولها المسمى إن دخل بها.
أصبغ: ولا إرث فيما عقدته المرأة أو العبد وإن فسخ بطلاق لضعف الاختلاف فيه انتهى. وقد اعتمد قول أصبغ ورجحه الشيخ أبو علي بأن ابن القاسم اضطرب قوله في المدونة في إنكاح المرأة نفسها أو غيرها وإنكاح العبد، فقال مرة: لا طلاق فيه ولا إرث، وقال مرة: فيه الطلاق والإرث. وأصبغ توسط بين القولين فالتابع له لم يخرج عن مذهبها، ووجه قول أصبغ بالاحتياط لأن من الاحتياط أن يفسخ بطلاق والاحتياط لا ميراث بالشك نقله الشيخ بناني وقال الشيخ أبو علي: هنا والمص جهبذ نقاد ممن يكون عليه الاعتماد.
لا اتفق على فساده معطوف على قوله: "إن اختلف فيه"، والمراد بالاتفاق هنا الإجماع بدليل مقابلته بالمختلف فيه، لكن تقدم أنه لابد من كون الخلاف قويا وإلا لم يعتبر؛ يعني أن النكاح المجمع على فساده أو ما كان كالمجمع على فساده لضعف المخالف فإن الحكم فيه بالنسبة للأمور الثلاثة أعني الطلاق والتحريم والإرث ليس كحكمها في المختلف فيه، ولهذا قال: فلا طلاق يعني أن النكاح المجمع على فساده لا طلاق في فسخه، ولو قال الحاكم أو الزوج أو الولي فسخته بطلاق كما أن فسخ المختلف فيه بطلاق ولو قال من ذكر فسخته بغير طلاق.
والحاصل أن النكاح المجمع على فساده فسخه بغير طلاق سواء وقعت الفرقة جبرا على الزوج أو باختيار منه ومن وقت المفاسدة تكون العدة، ولا بد من إشهادهما على الفسخ لتشهد لهما البينة بذلك إن رفعا إلى الحاكم بعد مضي زمن الاستبراء، فإن امتنعا أو الزوج من الفسخ رفعاه إلى الحاكم وفسخه حينئذ ومن وقت الفسخ تكون العدة، قال ابن الحاجب: ويجب على الحرة عدة المطلقة من كل نكاح فاسد بعد الدخول من حين فرق بينهما، قال في التوضيح: قوله من كل نكاح أي سواء كان مجمعا على فساده أم لا، وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، وقيل يكفي في المتفق على فساده حيضة فالنكاح المجمع على فساده لا يحتاج لحكم حاكم في فسخه إلا إذا لم يوافق الزوج على الفسخ فيحتاج إليه كما في الحطاب عن ابن عبد السلام. كما أنه لا يحتاج إلى حكم حاكم في النكاح المختلف في فساده حيث وافق الزوج على الفسخ دون الحاكم، بل لو طلق وهو يظن أنه صحيح كفى ذلك ولا تكون فيه رجعة، وأما إذا امتنع من الفسخ فلا بد فيه من حكم الحاكم.
وفي الحطاب أن قول ابن الحاجب المتقدم من حين فرق بينهما قال في التوضيح معللا له: لأنه قد يتوهم أن النكاح المجمع على فساده لما كانت الفرقة فيه لا تحتاج إلى حكم حاكم كانت في كل وقت كأجنبية فتكون العدة من آخر وطء. انتهى. كلام الحطاب. قال: وقد ذكروا في البيع الفاسد أن المجمع عليه لا يحتاج فسخه إلى حكم حاكم، واختلف في المختلف فيه فقيل يكفي تراضيهما بالفسخ، وقيل إنما يكفي تراضيهما مع الإشهاد، وقيل لابد من الحاكم، حصل الأقوال الثلاثة ابنُ عرفة في الصرف الفاسد. انتهى.
وفي الشبراخيتي: لو تزوج شخص تزوجا مختلفا فيه وطلق من تزوجها ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج فلا يفسخ نكاحه عند ابن القاسم. نقله في التوضيح آخر باب الصداق فانظره فإنه مستغرب. ونحوه للعلامة البرموني فوقوع الطلاق مراعاة لمذهب المخالف القائل بالصحة، فإذا تزوجها بعد ذلك قبل زوج لم يفسخ بل يستمر؛ لأنا لو فسخنا لزم أن يراعى مذهب المخالف مرتين ولا قائل به. انتهى.
ولا إرث يعني أن النكاح المجمع على فساده كما لا طلاق في فسخه لا إرث فيه إن مات أحدهما قبل الفسخ دخل أم لا.
ومثل للمجمع على فساده بقوله: كخامسة يعني أن نكاح الخامسة ونحوها كأم امرأته أو أختها أو عمتها أو خالتها لا إرث فيه كما لا طلاق في فسخه فيمن تحل بعد ذلك، فإذا تزوج خامسة مثا، بعد الفسخ تزوجا صحيحا كانت معه بعصمة جديدة، وإذا وقع عقد صحيح بعد عقد فاسد مجمع على فساده صح الثاني ولا يفتقر إلى فسخ الأول إذ لا حرمة له. قاله عبد الباقي.
قال جامعه عفا الله عنه: وهذا واضح في غير المدخول بها وإلا فقد تقدم أنه لابد لها من العدة وعدتها إنما تكون من حين فرق بينهما وذلك عند رضا الزوج بالفسخ وعند فسخ الحاكم.
وفي المدونة: من تزوج معتدة ولم يبن بها ثم تزوج أمها أو أختها أقام على نكاح الثانية لأن نكاح المعتدة غير منعقد. انتهى. ولو وكل الأب من يعقد على مجبرته ثم إن الأب عقد عليها لشخص فتبين أن بين البنت وبين من عقد له الأب عليها رضاعا فإن نكاح الوكيل يصح. قاله الشيخ عبد الباقي. وما قدمته من أن الخامسة مجمع على تحريمها قاله ابن عرفة، قال الشيخ أبو علي: إنما مثل بالخامسة إشارة إلى أن الخلاف الضعيف لا عبرة به فيكون الذي لا خلاف فيه أحرى، وخلاف الظاهرية في الخامسة ضعيف جدا ولذلك يحد متزوجها، قال ابن عرفة: وتزويجه الخامسة حرام إجماعا.
وحَرَّمَ وطؤُه فقط يعني أن النكاح المتفق على فساده إنما يحرم وطؤه فقط لا عقده، واحترز بقوله:"فقط" عن العقد، وأما المقدمات فيقع بها التحريم كالوطء، فإذا عقد على امرأة عقدا فاسدا مجمعا على فساده وتلذذ بها حرمت على آبائه وأبنائه وحرمت عليه أمهاتها وبناتها، ولا يحرم شيء من ذلك بمجرد ذلك العقد الفاسد. والله سبحانه أعلم. ولا يحرم وطء الصبي ولو في النكاح الصحيح وإن راهق، وإنما يحرم عقده في الصحيح والمختلف فيه في اللواتي يحرمن بالعقد، وسيأتي للمصر:"وفي الزنا خلاف".
وما فسخ بعده فالمسمى يعني أن النكاح الفاسد إذا فسخ بعد البناء فإنه يكون فيه المسمى إن كان وحل كما يستفاد من قوله: المسمى؛ إذ المعدوم شرعا كالمعدوم حسا. وإلا يكن مسمى كصريح
الشغار أو كان ولم يكن حلالا كخمر أو خنزير أو نحو ذلك مع فساده لعقده أيضا؛ إذ الكلام فيما يفسخ بعد كما في الحطاب فاللازم فيه بالدخول صداق المثل، فتحصل من هذا أن الفاسد لعقده فقط إذا فسخ بعد البناء فيه المسمى، وأنه إذا فسد لصداقه فقط أو لصداقه وعقده معا فيه صداق المثل، قال الإمام اللخمي: إذا دخل كان لها صداق المثل إن كان الفساد من قبل صداقه أو من قبل صداقه وعقده، واختلف إذا كان الفساد في العقد وحده هل يكون لها المسمى أو صداق المثل؟ انتهى.
وسقط بالفسخ قبله يعني أن النكاح إذا فسخ قبل البناء فإنه يسقط عن الزوج الصداق بذلك ولا خصوصية للنكاح الفاسد بهذا، بل مثله الصحيح حيث فسخ قبل البناء كنكاح السفيه ونحوه إذا رد قبل البناء، وكذا يسقط الصداق بالموت قبل الفسخ في النكاح حيث فسد لصداقه باتفاق أو خلاف خلافا لأصبغ في الغرر، كإن اتفق على فساده لعقده كإن اختلف فيه وأثر خللا في الصداق كنكاح المحلل أو على أن لا ميراث بين الزوجين، فإن لم يؤثر فيه كنكاح المحرم فلها الصداق بالموت.
إلا نكاح الدرهمين يعني أن النكاح الفاسد ليس على الزوج فيه صداق حيث فسخ قبل الدخول إلا أن يكون فساده إنما وقع من أجل نقصان الصداق عما يحل به البضع كالدرهمين ونحوهما مما لا يبلغ الصداق الشرعي الذي يحل به البضع وامتنع الزوج من إتمامه، فاللازم فيه إذا فسخ قبل البناء نصفهما أي الدرهمين وكذا غيرهما مما لا يبلغ الصداق الذي يحل به البضع،
والحاصل أن فيه نصف المسمى وإنما لم يسقط بالفسخ قبل البناء لأن المشهور أنه لا يتحتم فسخه بل يخير الزوج في أن يتمه أو يفسخ النكاح بنصف ما وقع عليه العقد، ففي إطلاق الفساد عليه تسامح، فعلم من هذا أنه إنما لزمه نصف المسمى في هذه المسألة لأنه كالمختار للطلاق، وإنما كان الزوج مخيرا في هذه دون ما عداها مما فسد لصداقه؛ لأن التحديد بربع دينار لم يرد به نص بل ظاهر النص خلافه لقوله: (التمس ولو خاتما من حديد
(1)
). قاله الإمام الحطاب.
(1)
صحيح البخاري، كتاب اللباس، رقم الحديث، 5871.
ومثل نكاح الدرهمين ما إذا ادعى الزوج الرضاع المحرم وأنكرته المرأة فيفسخ وعليه نصف الصداق، وكذا إذا حصلت فرقة بين متلاعنين قبل البناء فعلى الزوج نصف الصداق، قال الشيخ عبد الباقي: وهذه لا ترد على حصر المص لأن النكاح فيها صحيح ابتداء وطرأ له ما فيه فرقة وكلامه في الفاسد ابتداء. انتهى. وقوله: "إلا نكاح الدرهمين" نكاح الدرهمين عندهم لقب لكل ما نقص الصداق فيه عما يحل به البضع، هذا الذي يظهر من كلامهم، وفي بعض أنه إنما اقتصر على الدرهمين مع أن مثلهما ما لا يبلغ الصداق الشرعي تبعا للمدونة. والله سبحانه أعلم. وذكر قوله:"فنصفهما" لدفع توهم أن الصداق إنما يتنصف حيث كان شرعيا أو لدفع توهم أن الاستثناء من الفسخ فقط، وأما لو كان دونه فلها نصف صداق المثل. وقوله:"إلا نكاح الدرهمين فنصفهما"، وقيل إن نكاح الدرهمين لا شيء فيه إن فسخ قبل البناء، وصوبه ابن المكاتب وصوب الأول القابسي، قال الرماصي: وإنما اقتصر المص على الأول لقول المتيطي: قال به غير واحد من القرويين. قاله الشيخ بناني.
كطلاقه يعني أن النكاح المستحق للفسخ إذا طلق فيه الزوج بعد البناء اختيارا ففيه المسمى إن كان وحل وإلا فصداق المثل، وإن طلق قبل البناء فلا شيء فيه إلا نكاح الدرهمين فنصفهما.
وبما قررت علم أن الضمير في قوله: "كطلاقه" عائد على النكاح المستحق للفسخ وقيد ابن رشد كون طلاقه قبل البناء لا شيء فيه بما إذا كان فساده لصداقه أو لعقده وله تأثير في الصداق كنكاح المحلل وأما إذا فسد لعقده ولم يؤثر في الصداق وكان مختلفا فيه كنكاح المحرم بضم الميم فيتشطر بالطلاهـ ويتكمل بالموت ومقتضى التوضيح أن كلام ابن رشد هو المذهب. وأما المتفق على فساده فلا شيء في طلاقه ومثل الفسخ قبل الدخول الموت قبله فلا شيء فيه إلا في الفاسد لعقده وكان مختلفا فيه ولم يؤثر خللا في الصداق فإنه يتكمل الصداق بالموت فيه قبل الفسخ كما مر عن ابن رشد ونحوه للخمي، ونقله ابن عرفة عن سماع أبي زيد. قاله الحطاب.
ابن رشد: الفاسد قسمان قسم فسد لصداقه فالصحيح من المذهب أنه لا شيء فيه للمرأة إلا بالدخول، وروي عن أصبغ فيمن تزوج بغرر ثم مات قبل البناء لها صداق مثلها وإن طلقها فلا شيء لها، فجعله كنكاح التفويض على قول من أوجب فيه صداق المثل بالموت، وأما الفاسد
لعقده فإن اتفق على فساده كنكاح ذات محرم والمعتدة والمرأة على عمتها أو خالتها وما أشبه ذلك فلا صداق فيه بالموت ولا يجب نصفه بالطلاق اتفاقا، وإنما يوجبه الدخول فإن اختلف فيه ولا تأثير لعقده في الصداق كنكاح المحرم والمرأة بغير ولي فهل يقع فيه الطلاق وتجب فيه الموارثة ويفسخ بطلاق أو لا؟ في الثلاثة قولان.
فعلى القول بوجوب الميراث والطلاق يجب المسمى بالموت ونصفه بالطلاق، وعلى القول الآخر لا يلزم الصداق بالموت ولا نصفه بالطلاق ولا خلاف أنه لو عثر على هذا النكاح وفسخ قبل البناء أنه لا شيء لها، ولو قلنا إن فسخه طلاق لأن الفرقة هنا مغلوب عليها، وَقِسْمٌ له تأثير في الصداق كنكاح المحلل ونكاح الأمة على أن ولدها حر وعلى أن لا ميراث بينهما، فقيل: للمرأة بالدخول صداق المثل وقيل المسمى لأن فساده بالعقد وهذا لا يجب للمرأة فيه من الصداق شيء بالموت والطلاق قبل البناء. انتهى. المراد منه.
وتعاض المتلذذ بها يعني أن المرأة المتلذذ بها في النكاح الفاسد بدون الوطء تعاض أي تعطى شيئا عوض المتلذذ بها بحسب ما يراه الإمام والناس إذا فسخ نكاحها قبل البناء. قاله الشارح. والظاهر أن الواو في قوله: والناس بمعنى أو. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: "وتعاض المتلذذ بها"، قال في الوثائق المجموعة: وكذلك النكاح الفاسد إذا تلذذ الناكح قبل أو باشر ولم يطأ وتصادقا على ذلك لم يكن على الناكح شيء من الصداق وتعوض المرأة التلذذ بها، وكذلك الخصي إذا تلذذ بالمرأة ولم تعلم أنه خصي ففارقته عوضت من تلذذه. وقوله:"وتعاض المتلذذ بها" هو ظاهرها في إرخاء الستور، وظاهر كلام ابن القاسم في غيره من المدونة أنه لا شيء لها، وله في كتاب العدة أنها تعاض خلافا لغيره، وأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كشف امرأة فنظر إلى عورتها
(1)
)، وفي رواية:(إلى وركها فقد وجب الصداق)، وما روي أيضا عنه عليه الصلاة والسلام (من كشف خمار امرأة فنظر إليها وجب الصداق دخل أو لم يدخل)
(2)
فهما حديثان ضعيفان عند
(1)
سنن البيهقي، ج 7 ص 256، كنز العمال، 44729.
(2)
سنن البيهقي، ج 7 ص 256. والدارقطني، ج 3 ص 307.
الأئمة مع مخالفتهما لظاهر القرآن. قاله الشارح. والشبراخيتي. ورواية الشارح: إلى عورتها، والشبراخيتي: إلى وركها.
ولولي صغير فسخ عقده هذا شروع منه رحمه الله في أحد ركني المحل الذي هو الزوج وقد مر الكافى م على الصيغة والولي؛ يعني أن الصغير الحر المذكر المميز إذا تزوج بغير إذن وليه بأن عقد لنفسه ولم يأذن له في ذلك فإن الولي من أب أو وصي أو مقدم قاض يخير في الفسخ والإمضاء حيث استوت المصلحة في الفسخ والإمضاء وإلا تعين ما فيه المصلحة منهما واعلم أن رد الولي لنكاح الصغير طلاق، واللام في قوله:"ولولي صغير" للتخيير والاختصاص، ويجري هنا ما يأتي في السفيه من قوله:"ولو ماتت وتعيين لموته".
واعلم أنه لا يجب تزويج الصبي وإن طلب التزويج. قاله الشيخ أبو علي. وفهم من قوله: "ولولي صغير" أي مميز أن نكاحه صحيح وهو كذلك، وصح لجريه مجرى المعاوضة ولم يصح طلاقه لأن الطلاق حد من الحدود ولا حد عليه. نقله الشيخ بناني عن المشدالي. وقوله:"ولولي صغير" لخ ظاهره وإن لم يقو على الجماع وهو الذي مشى عليه أبو الحسن وذكره في التوضيح، قال الحطاب: وهو الظاهر، وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وفي التقريب على التهذيب أنه إذا لم يقو على الجماع لم يجز له تزويجه ولا إجازته لأنه ضرر عليه بلا فائدة، إلا أن تكون الزوجة قريبة له يرغب له فيها أو ذات منصب ومال فينظر وصية في ذلك. نقله الحطاب. وعلل القول بأنه إنما يزوج أو يجاز نكاحه إن قوي على الجماع، بأنه إذا قوي على الجماع قد يكون له فيه نفع؛ لأن البلوغ خفي، فربما يبلغ ولا يفطن فيقع فيما لا ينبغي شرعا إن لم يزوج، وفي هذه الحالة يستأنس بالمرأة وتعلمه الزوجة أمورا كثيرة مما يتعلق بالمعاش فيتفطن لأمور نافعة. قاله الشيخ أبو علي. وقوله:"لولي صغير" لخ ما مشى عليه المص من أنه إذا أجاز الولي نكاحه جاز هو المشهور، وقال سحنون: يفسخ على كل حال سواء أمضاه نظرا أم لا، وهذا الخلاف إنما هو في الصبي المميز، وأما غير المميز فلا يصح عقده.
واعلم أنه يشترط في النكاح شروط صحة وشروط استقرار، فشروط الصحة أربعة: الأول الإسلام لأن الكفر مانع من استيلاء الكافر على فروج المسلمات والتمييز والعقل فيخرج عقد الصبي غير المميز
والمجنون، وأما السكران فقال صاحب البيان: أما الذي لا يعرف الرجل من المرأة فكالمجنون في أقواله وأفعاله اتفاقا فيما بينه وبين الله وفيما بينه وبين الناس إلا ما ذهب وقته من الصلوات فإنه لا يسقط عنه بخلاف المجنون، وأما من فيه بقية عقل وهو مختلط فإنه لا يلزمه الإقرار والعقود ويلزمه الجناية والعتق والطلاق والحدود قال:
لا يلزم السكران إقرار عقود
…
بل ما جنى عتق طلاق وحدود
هذا هو مذهب مالك وعامة أصحابه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب.
الشرط الرابع: تحقق الذكورية، والخامس الطوع. محمد: وأجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة ولا يجوز المقام عليه، وفي قياس بعض مذاهبهم أنه يجوز بحدثان ذلك وإلا لم يجز،
وشروط الاستقرار: الحرية والبلوغ والرشد والكفاءة، وسيأتي الكلام على المرض. انظر الحطاب وحاشية الشيخ بناني. ولو لم يرد نكاح الصبي حتى كبر وخرج من الولاية جاز النكاح. ابن رشد: وينبغي أن ينتقل النظر إليه في ذلك فيمضي أو يرد. وقال ابن ناجي: قيل لا خيار له وقيل له من الخيار فيه ما كان لوليه قاله الحطاب.
فلا مهر يعني أن الصبي إذا تزوج بغير إذن وليه ورد الولي نكاحه فإنه لا صداق للمرأة حيث وطئها الصبي ولو كانت بكرا وافتضها، وإنما يكون لها ما شانها. قاله أبو الحسن. وجزم به ولم يقل ينبغي، ومثله في نقل المواق إن كانت صغيرة. قاله الشيخ محمد بن الحسن. وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن يكون لها ما شانها عند الأزواج، وقوله:"فلا مهر" لأنها التي سلطته على نفسها، وقد قال مالك فيمن بعث يتيما في طلب آبق فأخذه فباعه وأتلف الثمن أنه لا ضمان عليه، وسيأتي قول المص: وإن أودع صبيا أو سفيها أو أقرضه أو باعه فأتلف لم يضمن، وهذا حيث لم يعامله مثله وإلا ضمن كما نص عليه الشيخ أبو علي.
ولا عدة يعني أنه لا عدة على المرأة في دخول الصبي بها حيث رد الولي النكاح، لكن إن مات الصبي قبل رد الولي لنكاحه فإن المرأة تعتد عدة وفاة دخل أو لم يدخل. قاله غير واحد. قال
الحطاب: وتقييد الشيخ بهرام لذلك بالدخول ليس بظاهر. انتهى. وقال الشيخ أبو علي: إن عقد الصبي محرم تحريم الصاهرة بدليل جواز إجازة الولي إياه.
وإن زوج بشروط يعني أن الصغير إذا زوجة وليه على شروط تلزم إذا وقعت من مكلف؛ كأن تزوجها على أنه إن تزوج عليها فهي أو التي يتزوج عليها طالق، ثم إن الصبي بلغ فيما يعتبر فيه البلوغ كالطلاق أو رشد بعد البلوغ فيما يعتبر فيه الرشد كالتزام العتق وكره هو بقاء الشروط عليه وكرهت المرأة إسقاطها فلم ترض به؛ فإنه يخير بين التزامها ويثبت النكاح وبين عدم التزامها ويفسخ النكاح: وفائدة التخيير أنه لا تعود عليه الشروط إذا تزوجها ثانيا، بخلاف من تزوج على شروط وهو بالغ ثم طلقها ثم تزوجها فإنه تعود عليه إن بقي من العصمة المعلق فيها شيء، وما مشى عليه المص قول ابن القاسم. وقال ابن وهب: الشروط لازمة للابن بإلزام أبيه له ذلك لأنه الناظر له سواء دخل أو لم يدخل. قاله الشيخ أبو علي.
أو أجيزت يعني أن الحكم كذلك فيما لو زوج نفسه بالشروط المذكورة من دون إذن وليه وأجازها الولي فلا فرق يبن المسألتين. وبلغ وكرهت راجع للمسألتين كما علم من التقرير أي بلغ بعد أن زوجة الولي بالشروط المذكورة أو زوج هو نفسه بها وأجازها ثم بلغ، وبعد بلوغه في المسألتين كرهت الشروط أي كره الزوج بقاءها وكرهت المرأة إسقاطها، فإنه يخير بين التزام الشروط ويثبت النكاح وبين عدم التزامها ويفسخ النكاح. كما قال:
فله التطليق فهو جواب عن المسألتين، وقد مر أن فائدة تخييره عدم عود الشروط عليه إن تزوجها ثانيا، ومن فائدته أيضا سقوط نصف الصداق على القول بسقوطه، وعلى القول باللزوم ففائدته عدم عود الشروط فقط، والباء في قوله:"بشروط" بمعنى على، وفي بعض النسخ: وكره بالبناء للفاعل أي كره الزوج الشروط ولم يرض بها، قال غير واحد: وهي أولى من نسخة وكرهت بتاء التأنيث. وتحصل مما مر أنه إذا زوجة وليه بشروط أو زوج هو نفسه بها وأجازها الولي فابن وهب يلزمها له وابن القاسم لا يلزمها له. انتهى. وعلى قول ابن القاسم فهل تسقط مطلقا وهو قول ابن العطار أو يخير في التزامها ويثبت النكاح وعدم التزامها ويفسخ؟ قاله الشارح والحطاب.
وقال الحطاب: فأفاد بقوله: "فله التطليق" أن الشروط لا تسقط عنه كما يقول ابن العطار، وأفاد بذكر التطليق أن الفسخ بطلاق، ويتفرع عليه قوله: وفي نصف الصداق قولان يعني أنه إذا فرعنا على الفسخ فروى ابن المواز عن ابن القاسم أنه يلزمه نصف الصداق، وروى عنه أنه لا يلزمه شيء ومثله روى ابن حبيب عنه، وعن ابن الماجشون قال: وهو الصواب وبه العمل عندنا، وذكر ابن مغيث أن قول ابن القاسم الأول هو المعمول به. انتهى.
وإلى هذا أشار المص بقوله: عمل بهما ومحل ما ذكره المص حيث لم ترض المرأة بإسقاط الشروط كما مر، وأما إن رضيت بإسقاطها حيث كان لها ذلك كإن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فإنه إذا طلقها يكون لها نصف الصداق اتفاقا ولا كلام لأبيها في ذلك ولو كانت محجورا عليها لصغر أو سفه: وأما ما ليس لها إسقاطه كإن تزوجت عليك فأنت طالق فلا يدخل في ذلك لوقوعه بوقوع المعلق عليه، فإن كانت على أن أسقطت له بعد العقد مائة من الصداق على أن لا يتزوج عليها اعتبر في الرشيدة دون السفيهة ومحله أيضا قبل الدخول، فإن دخل صبيا ولو عالما سقطت الشروط وبالغا عالما لزمته، وقيل لا كما في الحطاب وغير عالم ويصدق بيمينه فهل تلزمه أو تسقط أو يخير كالصبي؟ أقوال. وأفاد المص بقوله:"فله التطليق" أن الفسخ بطلاق كما هو قول ابن القاسم وقيل بغير طلاق، قال ابن رشد: وهو الصحيح ويجري القولان فيمن طلق قبل علمه بالشروط.
محمد: عليه نصف الصداق. وروي عن ابن القاسم: لا شيء عليه، والخلاف ينبني على أصل وهو من طلق ثم علم بعيب هل يرجع بالصداق أم لا؟ قاله في التوضيح. قاله الحطاب. وقوله:"وفي نصف الصداق قولان" عمل بهما، قال عبد الباقي: والراجح من القولين اللزوم. انتهى. وقال محمد بن الحسن في قوله والراجح من القولين اللزوم: فيه نظر، بل الذي يفيده ما قدمناه من النقل هو عدم اللزوم.
والقول لها أن العقد وهو كبير يعني أنهما إذا اتفقا على أن العقد وقع على الشروط لكن قال هو وقع العقد وأنا صغير فالشروط غير لازمة لي، وقالت هي أو وليها بل وقع وأنت كبير فهي لازمة لك، فإن القول قولها في ذلك بيمينها ولو سفيهة، وعليه إثبات أن العقد وقع وهو صغير فإن لم
يثبت ما ادعى ثبت النكاح ولزمت الشروط، والموضوع أنه وقت التنازع بالغ وكان القول لها لاتفاقهما على الانعقاد وهي تدعي اللزوم وهو يدعي عدمه ويريد حله، وتؤخر يمين الصغيرة لبلوغها فإن كانت الدعوى من وليها حلف أبا كان أو وصيا، ولو اتفقا على وقوع العقد في حال الصغر واختلفا في التزام الشروط بعد البلوغ لكان القول له بيمين وله ردها على صهره. وقوله:"أن" بالفتح ولا يجوز كسر الهمزة هنا لما فيه من الإخبار عن المصدر قبل مجئ معموله وهو لا يجوز. قاله الشيخ بناني.
مسألة: سمع ابن القاسم: من خطب امرأة على إن تزوج عليها أو تسرى فهي طالق وحضرت شهود ثم تفرقوا وترك وقد شهدوا على إقراره وكتبوا به كتابا أخذته المرأة، ثم خطبها بعد فتزوجها بشهود آخرين فطلبته المرأة بالشرط، فقال تركت الأول ونكحت نكاحا آخر دون شرط فالشرط لازم إلا أن يقيم بينة بذلك.
وللسيد رد نكاح عبده يعني أن السيد ذكرا أو أنثى له أن يرد نكاح عبده المذكر صغيرا أو كبيرا، وسوات في ذلك القن ومن فيه شائبة كمكاتب ومدبر ومعتق لأجل ومعتق بعضه ولو قل جزء رقه وله الإجازة ولو طال بعد علمه، ويخير السيد في ذلك ولو كانت المصلحة في الإبقاء لأن السيد لا يجب عليه فعل المصلحة لعبده، ومثل السيد ورثته ولو اختلف الورثة في الإجازة والفسخ فالقول قول ذي الفسخ، فإن قسموا على أنه إن وقع لذي إجازته جاز لم تجز القسمة على هذا. قاله الحطاب.
وأما الأنثى فقد مر أنه يتحتم رد نكاحها إذا تزوجت بغير إذن سيدها ولو لم تكن هي الموجبة للنكاح. بطلقة يعني أن السيد إذا أراد أن يرد نكاح عبده الذكر فإنما له أن يطلق عليه طلقة فقط لا أزيد من واحدة على المشهور، فإن أوقع السيد أكثر من واحدة لم يلزم العبد إلا واحدة على الراجح قاله الشيخ عبد الباقي، والشبراخيتي. وقال الإمام الحطاب: فلو طلق عليه سيده طلقتين هل يلزمه ذلك أو لا يلزمه إلا واحدة؟ ذكر في التوضيح في ذلك قولين، وأن اللخمي استحسن القول بعدم لزوم الزائد على الواحدة، وذكر عن ابن يونس أن أكثر الرواة رووا لزوم واحدة فقط، وقال غيره: هو اختيار الجمهور. انتهى. وقال الشارح قوله: "بطلقة فقط" هو المشهور. ابن
يونس: وعليه أكثر الرواة، وقال غيره: هو اختيار الجمهور، وحكى ابن بشير قولا بأنه يوقع جميع طلاق العبد طلقتين.
بائنة بالجر صفة لطلقة أي أن الطلقة التي يرد بها السيد نكاح عبده تكون بائنة، فلا تصح رجعة العبد حيث رد السيد نكاحه لبينونتها، ويأتي أن الرجعة إنما تكون في نكاح لازم حل وطؤه إن لم يبعد يعني أن ما تقدم من أن السيد له رد نكاح عبده التزوج بغير إذنه وإمضاؤه إنما هو إذا لم يبعه، وأما إذا باعه فلا مقال له في نكاحه لسقوط تصرفه فيه، ويقال للمشتري إن كنت علمت بالزواج فهو عيب دخلت عليه فليس لك أن ترد نكاحه، وإن لم تعلم به فلك رد البيع وإجازته، فإن تمسك به فليس له أن يرد نكاحه، فليس المشتري كالوارث والوهوب له كالمشتري لا كالوارث.
قال الشيخ عبد الباقي: وينبغي أن تكون الصدقة كالهبة. انتهى. وهو ظاهر. والله سبحانه أعلم. إلا أن يرد به مستثنى من المفهوم أي فإن باعه فلا يرد نكاحه إلا أن يرده له المشتري بعيب التزويج، فللبائع حينئذ أن يرد نكاحه إن باعه غير عالم بتزوجه، فإن كان عالما بتزوجه حين باعه فليس له أن يرد نكاحه على أحد القولين وهو ظاهر المدونة، وصدر به في الشامل وعطف عليه الثاني بقيل أي قيل إن له أن يرد وهذا يفيد اعتماد الأول، فإن أعتقه المشتري ثم اطلع على عيب التزويج رجع بالأرش على البائغ العالم، وكذا غير العالم عند ابن محرز. ومقابله للصقلي وعبد الحق عن أبي عمران، ومفهوم المص أنه لو رضي المشتري بعيب التزويج ولكن رده بعيب آخر رجع البائع على المشتري بأرش عيب التزويج لأنه كعيب حدث عنده، وظاهره ولو كان البائع عالما به أيضا، وليس للبائع حينئذ رد نكاحه لأخذه الأرش، وإن لم يعلم به المشتري فلا رجوع له عليه ويرد نكاحه البائع إن شاء حيث لم يبعه عالما به. انتهى. قاله عبد الباقي.
قوله: ولو كان عالما به حكى الحطاب في ذلك قولين مجملين، والظاهر أن ذلك إنما يجري على القول بأن بيعه لا يمنع من رد نكاحه إذا رجع إليه بعيب، وأما على مقابله وهو ظاهر المدونة فلا معنى لرجوعه مع علمه به قبل البيع. تأمل قاله الرهوني.
أو يعتقه عطف على قوله: "يبعه" يعني أن ما تقدم من أن السيد له رد نكاح عبده التزوج بغير إذنه وإمضاؤه إنما هو إذا لم يعتقه، وأما إن أعتقه فليس له رد نكاحه وسواء أعتقه عالما بتزوجه أم لا. قال عبد الباقي والكتابة والتدبير كالبيع. انتهى. قال الرهوني: في قياسهما على البيع نظر لأن البيع مخرج للعبد عن ملك بائعه فلم يبق له عليه تسلط بحال ما دام في ملك المشتري والأصل عدم رجوعه إليه، بخلاف الكتابة والتدبير والمكاتب قن ما بقي عليه من الكتابة درهم، وكونه أحرز نفسه وماله لا يمنع من ذلك؛ إذ لا تأثير لذلك في هذا الباب، وإلا لم يكن لسيده رد نكاحه إذا تزوج بعد الكتابة. انتهى. وقوله:"أو يعتقه" وإذا رد عتقه لدين فإنه يصير بمنزلة من لم يحصل فيه عتق. قاله الشيخ إبراهيم.
ولها ربع دينار إن دخل يعني أنه إذا دخل العبد المذكور بزوجته ثم رد السيد نكاحه فإنها تستحق عليه ربع دينار وهذا مذهب المدونة، وقال ابن الماجشون: لا شيء لها عليه ويتخرج فيها قول من مسألة السفيه يتزوج بغير إذن وليه باعتبار حالها فيترك للدنية ربع دينار ولذات القدر أكثر من ذلك كما يأتي. وفي حكم العبد المكاتب والمدبر والعتق إلى أجل والمعتق بعضه، فإن لم يدخل واحد منهم فلا شيء لها إن رده سيده. قاله الشارح. وقال الحطاب: ابن عرفة: وفيها لمالك لربه رد المهر من الزوجة برد نكاحها إلا ربع دينار إن بنى. انتهى. وزاد في المدونة: فإن أعدمت اتبعت به. انتهى. وقال عبد الباقي: ولها أي لزوجة العبد المردود نكاحه ربع دينار من مال العبد، وإن لم يكن له مال اتبعته في ذمته إن دخل وكان بالغا وإلا فلا شيء لها. انتهى.
والدليل على أنه من مال العبد قوله: واتبع عبد ومكاتب بما بقي يعني أن العبد والمكاتب إن دخل كل منهما وأدى ربع دينار من ماله فإنه يتبع كل منهما بما بقي من الصداق عن ربع دينار يؤديه بعد عتقه لزوجته؛ لأن الحجر عليهما إنما كان لحق السيد فلما عتقا زال عنهما ذلك.
وإن لم يغرا يعني أن العبد والمكاتب تتبع الزوجة ذمتهما بعد العتق بما بقي من الصداق مطلقا، سواء غرا الزوجة بأنهما حران أو لم يغراها بأن علمت قبل العقد أن هذا عبد وأن هذا مكاتب، وفي بعض النسخ إن غرا ومفهومه عدم اتباعهما إن لم يغرا بأن أخبراها بحالهما والسكوت غرور كما في الرهوني، وهذه النسخة هي التي اختصر عليها المدونة ابن أبي زيد والبرادعي وابن أبي
زمنين، والأولى هي قول أبي بكر بن عبد الرحمن وصاحب النكت وغيرهما. وفي بعض النسخ: إن لم يغرا بدون واو أي وأولى إن غرا.
إن لم يبطله سيد يعني أن محل اتباعهما بما بقي إن لم يسقط السيد عنهما ما بقي من الصداق، كأن يقول أسقطت ما في ذمتكما من الصداق فلا تتبع المرأة ذمتهما بعد العتق بشيء واعتبر إبطال السيد لأن الدين بغير إذنه عيب قاله الشيخ إبراهيم. أو سلطان يعني أن العبد والمكاتب إنما يتبعان بما بقي إذا لم يسقط السلطان ما في ذمتهما عند غيبة السيد، وأما إن أسقط ذلك عنهما عند غيبة السيد فإنهما لا يتبعان بشيء إذا عتقا، هكذا حمل أبو الحسن المدونة على أن معناها في الغائب؛ لأن السلطان يذب عن مال الغائب. وفي التوضيح: لعل السيد طلب من السلطان أن يسقطه عن العبد وقال عبد الباقي: إن لم يبطله سيد أو سلطان فللسيد إبطاله عن العبد مطلقا وعن المكاتب إن لم يغر أو غر ورجع رقيقا لا إن غر وخرج حرا، فلا يعتبر إسقاطه عنه. انتهى.
وقال أبو علي: قوله "إن لم يبطله" لخ صحيح، أما في العبد فواضح غر أم لا وكذا في المكاتب على ظاهر الأم في الغرور وغيره كذلك بلا إشكال. انتهى.
وقوله: وله الإجازة إن قرب ليس قسيم قوله: "وللسيد رد نكاح عبده" لخ؛ إذ مر أن له الرد وله الإجازة ولو طال بعد العلم؛ يعني أن السيد إذا امتنع من إجازة نكاح عبده الذكر المتزوج بغير إذنه ولم يرد نكاحه بأن قال: لا أرضى أو لا أجيز فإن له أن يجيز نكاحه بعد الامتناع المذكور ابتداء أو بعد سؤال، بشرط أن يقرب ما بين الإجازة والامتناع والقرب كيومين أو أقل والأيام طول، فموضوع هذا بعد الامتناع وموضوع ما مر فيما إذا لم يمتنع فله الإجازة هناك ولو طال، والظاهر أنه لا يشمل كلامه رددت، والمسائل ثلاث: الأولى رده ابتداء وهي التي قدمها، الثانية إجازته ابتداء وهي قسيم الرد ابتداء، الثالثة إجازته لا ابتداء بل بعد امتناع. أما ابتداء أو بعد سؤال من غير رد فيهما وهذه هي قوله:"وله الإجازة إن قرب" فهي قسيمة لقوله: "وللسيد" في الجملة وليست قسيما حقيقة قاله الشيخ عبد الباقي.
وقوله: "وله الإجازة" خلافا للمغيرة حيث جعل امتناع السيد فسخا على كل حال، قوله:"وللسيد رد نكاح عبده" أي وله الإجازة كما علمت، ويدخل في الإجازة السكوت كما في الحطاب
عن الجزيري وابن فرحون أن سكوته عن عبده مع رؤيته يخلو بزوجه مانع له من القيام ولم يحك في ذلك خلافا: ومثله في الغنية عن ابن رشد ونصها: ابن رشد: وكذا إن علم بدخوله عليها فسكت ولم ينكر سقط حقه في التفرقة بينهما، كمن ملك رجلا امرأته فلم يمض حتى مكنته من وطئها لا يدخله الخلاف في السكوت هل هو رضي أو لا؟ ولم يرد الفسخ يعني أن السيد إذا امتنع من إجازة نكاح عبده المتزوج بغير إذنه ولم يرد نكاحه، فإنما له إجازة نكاحه بشرط أن يقرب ما بين الإجازة والامتناع وبشرط أنه لم يرد الفسخ بامتناعه، أو يشك في قصده مضارع مبني للفاعل معطوف على مدخول "لم"، وفي أكثر النسخ ماضيا مبنيا للمفعول معطوف على مفهوم الشرط. قاله الإمام الحطاب. والشيخ إبراهيم ومعنى كلامه أنه يشترط مع القرب أن لا يريد بامتناعه فسخ نكاح عبده، ولا بد أن يجزم بأنه لم يرد الفسخ بامتناعه فلذا يشترط أن لا يشك في قصده عند امتناعه ما أراد به، هل قصد به الفسخ أو الغضب أو لم يقصد شيئا؟ فإن أراد بامتناعه الفسخ أو شك حعل أراد فراقا أو لا فارق، ولا إجازة له بعد كما لا إجازة له إن طال ما بين الامتناع والإجازة، ويصدق السيد في عدم إرادة الطلاق ما لم يتهم.
والحاصل أن السيد إذا جزم بأنه لم يرد الفسخ بامتناعه بل جزم بأنه توقف كره وغضب فله الإجازة إن قرب زمن توقفه من إجازته بدون ثلاثة أيام، وإنما يقبل قوله إن لم يتهم بإرادة الفسخ أو لا، وإن لم يجزم بأنه لم يرد الفسخ بل شك في قصده فلا إجازة له، وإن أجاز السيد بعد البناء ففي لزوم استبرائه قول سحنون، ونقل اللبيدي عن إسماعيل مع ابن محرز عن ابن عبد الرحمن: فإن استمتع العبد بزوجته بعد علم سيده بنكاحه على وجه كان سيده يقدر على منعه من ذلك فلا يكون له الفسخ بعد ذلك؛ لأن سكوته قائم مقام الإذن له، وكذلك إذا علم السيد بنكاحه ثم رآه يدخل عليها ولا يمنعه فنكاحه جائز. انتهى. وقد مر هذا، وقال الجزيري: وإن علم الأب أو الوصي أو السيد بنكاح من إلى نظرهم وسكتوا عن ذلك مدة مضى النكاح ولم يرد، بخلاف الأمة إن نكحت بغير إذن سيدها فلا يجوز وإن أجازه السيد، ولو لم يعلم بالنكاح حتى
عتق العبد مضى النكاح، وكذا إن لم يعلم الأب أو الوصي حتى رشد المحجور فإن النكاح ماض. انتهى. قاله الحطاب.
ولولي سفيه فسخ عقده يعني أن البالغ السفيه إذا تزوج بغير إذن وليه، فإن الولي أبا أو وصيا أو مقدم قاض يخير بين فسخ النكاح وإمضائه حيث استوت المصلحة في الفسخ وعدمه، وإلا تعين ما فيه المصلحة، ولها ربع دينار فقط إن دخل وإن فسخ قبل البناء فلا شيء لها، ولا يتبع إن رشد بما بقي من الصداق بعد ربع دينار حيث دخل؛ لأن الحجر عليه لحق نفسه وهو باق بخلاف العبد فالفسخ هنا بطلقة بائنة، وقد تقدم أنه لا يفسخ إذا لم يطلع عليه إلا بعد رشده وهو الأصح، ومقابله ينتقل له ما كان لوليه من الفسخ والإمضاء والضعيف هو الموافق لقول المص في الحجر "وله إن رشد"، وما ذكرته من أن لها ربع دينار إن دخل هو قول الإمام مالك وعليه أكثر أصحابه، وبه أخذ ابن القاسم وغيره. ابن يونس وغيره: هو الجاري على مذهب المدونة، وقال ابن الماجشون: لا يترك لها شيء، وقال ابن القاسم: يجتهد في الزيادة لذات القدر، وقال أصبغ: يزاد لذات القدر بما يرى ولا يبلغ به صداق المثل. فتلك أربعة أقوال. قاله الشارح. وقال أبو علي: قوله "ولولي سفيه" لخ ظاهره وإن لم يكن مولى عليه فيقيم له السلطان من ينظر له، وإن كان قول المتن ولولي ربما يفيده.
ولو ماتت يعني أن النظر للولي في الفسخ والإمضاء بالمصلحة ولو ماتت الزوجة فيرد أو يمضي إن لم تتعين المصلحة وإلا تعين ما فيه المصلحة قاله مطرف وابن الماجشون وسحنون وابن حبيب، وهو المشهور. وحكى ابن يونس عن أصبغ عن ابن القاسم أن النظر يفوت بالموت. قاله الشارح. ووجه المشهور أنه قد يكون ما عليه من الصداق أكثر مما له من الميراث، ويرثها حيث حصل الموت قبل الفسخ، فإن فسخ بعد الموت ردت المال فيما يظهر. قاله الشيخ عبد الباقي.
وتعين لموته يعني أن السفيه إذا مات فإن فسخ النكاح يتعين من جهة الشرع ولا يتوقف على حكم ولا على الولي فقد انقطعت ولايته بالموت ولا ترثه المرأة؛ لأن تعين الفسخ بموته مبني على أن فعل السفيه محمول على الرد حتى يجاز، وحينئذ فلا تكون زوجة حتى يجاز النكاح
والفرض أنه بطل نظر الولي بموت الزوج ولم يبطل نظره بموت الزوجة. والله تعالى أعلم. قاله الشيخ البناني.
ويلغز بهذه المسألة، يقال: نكاح فيه الإرث من جانب واحد؛ لأنه يرثها إن لم يفسخه الحاكم ولا ترثه هي إذا مات. قاله الشيخ عبد الباقي. وقيل إنها ترثه ويمضي الصداق؛ لأن النظر له قد فات بالموت. وقد علمت أن ما مشى عليه المص في موتها وموته هو المشهور.
وحصل في البيان فيما إذا مات السفيه أو زوجته ثمانية أقوال، قيل: يتوارثان ويمضي الصداق بناء على أنه محمول على الإمضاء حتى يرد وأن النظر يرتفع بموت أحدهما. قاله ابن حبيب عن ابن القاسم. وقيل: إن مات هو فلا ترثه وإن ماتت هي فالنظر إلى وليه قاله أصبغ عن ابن القاسم في العتبية وذكره الباجي عنه في الموازية وعن مطرف وابن الماجشون وابن حبيب. وقيل: يبطل الصداق إلا أن يدخل هو بها فلها ربع دينار بناء على حمله على الرد حتى يمضي وأن النظر يرتفع بموت أحدهما ولا يتوارثان وهو قول ابن القاسم أيضا. قاله في الذخيرة. وقيل: يتوارثان مراعاة للخلاف ويبطل الصداق إن كان الميت هو الزوج وينظر فيه إن كان المرأة، فإن كان غبطة فلها الصداق وإلا بطل الصداق إلا أن يدخل فربع دينار بناء على بطلانه بموت الزوج دون المرأة. وقيل: يتوارثان مراعاة للخلاف ولها الصداق إن كان الميت الزوج وينظر فيه إن كان الميت المرأة على ما سبق، بناء على أنه على الإمضاء حتى يرد وأنه يرتفع بموت المرأة دون الزوج. وقيل: إن كان النكاح غبطة ثبت الصداق والميراث وإلا انتفيا إلا أن يدخل فربع دينار، ولأصبغ أنهما يتوارثان مراعاة للخلاف وينظر فيه فإن كان غبطة فلها الصداق وإلا فلا إلا أن يدخل فربع دينار، ولابن القاسم أنهما يتوارثان مراعاة للخلاف ويبطل الصداق إلا أن يدخل بها فيكون لها ربع دينار بناء على حمله على الرد حتى يمضي، وأن النظر يرتفع بموت أحدهما. قاله الشارح، وهذا الخلاف الجاري في السفيه لموت أحد الزوجين يجري في نكاح الصغير إذا مات أحدهما. قاله الشيخ أبو علي.
وقال عن ابن مغيث: أجمعوا أن السفيه له أن يفدي نفسه من العدو بجميع ماله ولا يتعرض له الوصي فيما فيه حياة نفسه، وكذلك ينبغي أن لا يتعرض لنكاحه إذا كان يخاف على نفسه
العنت. انتهى. وقوله: "ولو ماتت وتعين لموته" الفرق بين موت الزوج يتعين الفسخ وموتها فينظر أنه إذا مات فالإرث والصداق من جهة واحدة، وإذا ماتت كان لها الصداق يأخذه ورثتها وللزوج الميراث فأشبه المعاوضة كالبيع. قاله الشيخ إبراهيم.
ولمكاتب ومأذون تسر وإن بلا إذن يعني أن المكاتب والمأذون له في التجارة لهما أن يتسريا من مالهما أذن السيد في ذالك أم لا، فيصدق بما إذا منعهما من التسري أو سكت فلهما التسري منع أو لم يمنع ومال العبد ما وهب له أو خولع به أو تصدق به عليه ونحو ذلك، ويزيد المكاتب بما حصل له من عمله. وأما مال السيد فليس لهما التسري منه ولو أذن لهما في النكاح إلا أن يأذن لهما في شرائها من ماله أو يبيعهما أو يسلفهما ثمنها، وكذا إذا وهب لهما ذاتها فلهما التسري بها وأما غيرهما فلا يجوز له أن يشترى بمال نفسه جارية ليطأها إلا بإذن السيد، ولا يجوز له أن يشتري جارية للوطء من مال السيد ولو أذن له السيد، فإن وهب له السيد الثمن أو أسلفه إياه جاز ولا يجوز لغير المكاتب والمأذون إذا وهب له السيد ذات أمة أن يتسرى بها.
فالصور تسع لأن السيد إما أن يهب ثمنها وفي معناه أن يسلفه أو يأذن في شرائها من ماله أو يهب ذاتها، وفي كل إما أن يكون العبد مكاتبا أو مأونا أو غيرهما فتلك تسع، فالمكاتب يجوز له التسري في صورة الثلاثة كالمأذون وغيرهما يجوز له في واحدة وهي ما إذا وهب له ثمنها، وفي معنى هبته ما إذا أسلفه ويمنع في اثنتين وهما هبة الذات والإذن في الشراء، وهذا حيث كان المال للسيد، فإن كان للعبد جاز للمأذون والمكاتب التسري بمالهما وإن بلا إذن من السيد، وأما غيرهما فلا يجوز له أن يشتري جارية بماله ليطأها إلا بإذن السيد فيجوز. انتهى. ملخصا من شرحي الحطاب وعبد الباقي وحاشية الشيخ بناني.
وقال الشيخ أبو علي: ومفهوم المكاتب والمأذون له أن العبد المحجور لا يتسرى إلا بإذن السيد أي بماله وهو كذلك. انتهى. أبو عمر: وللعبد أن يتسرى في ماله بغير إذن سيده وبإذنه، والقول بالتسري قول من يرى أن العبد يملك وهو قول أصحابنا، وأما من يقول من العلماء إن العبد لا يملك فإنهم لا يجيزون له الوطء بغير النكاح ولا يبيحون له التسري على حال. نقله الشيخ أبو علي. وما مر من أن المكاتب والمأذون يجوز لهما التسري من مال السيد إذا أذن لهما في الشراء
تعقبه الرهوني وقال: إن ذلك لا يجوز إلا بشرط تمليك الثمن، وقد علل ابن رشد منع ذلك بقوله لأنه إذا قال له اشترها من مالي لنفسك فلم يملكه رقبتها، وإنما أذن له في شرائها لنفسه ليطأها وذلك تحليل منه له فرجها. انتهى. فدل تعليله على المنع مطلقا.
ونفقة العبد في غير خراج يعني أن نفقة زوجة العبد وكسوتها تكون في غير خراجه، والخراج ما يقاطع على إعطائه لسيده كأن يقاطعه على دينار في كل شهر، ومعنى كون نفقته في غير خراج أن إذن سيده في تزويجه لا يوجب نقصا من خراجه فيكون من معنى قوله: ولا يضمنه سيد بإذن التزويج. وكسب؛ يعني أن نفقة زوجة العبد كما لا تكون في خراجه لا تكون في كسبه، والكسب ما نشأ عن عمله وقد يكون الكسب أكثر من الخراج أو مساويا له أو أقل، وإنما لم تكن نفقة زوجة العبد في الخراج والكسب لأنهما من مال السيد، فنفقة زوجة العبد القن تكون فيما وهب له أو تصدق به عليه أو خولع به أو أوصي له به أو أهدي له والمعتق [بعضه]
(1)
في يوم يخصه كالحر وفي يوم سيده كالعبد والمكاتب كالحر وزوجة المأذون نفقتها في ماله وربحه لا من غلته، ولا مما بيده من مال السيد وغلته وهو موافق لغير المأذون في عدم إنفاقهما مما اكتسب كل بعمله، وأما ربح مال السيد الذي بيد المأذون فينفق منه على زوجته لأنه من مال المأذون بخلاف غير المأذون فما دام لم يبطله السيد فلها النفقة فيه كما له غيره والمدبر والمعتق لأجل كالقن، ولا تجب على العبد نفقة أولاده فإن كانوا أحرارا ففي بيت المال والعبيد على سيدهم.
وقوله: "ونفقة العبد" أي زوجة العبد.
وعلم مما قررت أن المراد النفقة الشاملة للكسوة كانت الزوجة حرة أو أمة، بوئت معه أم لا، كانت لسيده أو غيره، كان العبد تاجرا متصرفا في ماله أم لا. وقد مر الكلام على العبد مفصلا.
تنبيهات: الأول: قال الحطاب: وإن لم يجد غيره -أي الخراج والكسب- فرق بينهما إلا أن يتطوع السيد بالنفقة ولا يباع العبد في نفقة زوجته، ولا فرق بين عبد الخراج وغيره والمكاتب
(1)
ساقطة من النسخ، والمثبت من عبد الباقي ج 3 ص 197.
كالحر لأنه بان عن سيده بماله، فإن عجز طلق عليه والمعتق بعضه في اليوم الذي يخصه [كالحر وفي اليوم الذي يخص سيده
(1)
]، كالعبد، والمدبر والمعتق إلى أجل كالعبد. انتهى.
الثاني: قوله "في غير خراج وكسب" قال غير مالك من أهل المدينة: المهر والنفقة في كسبه وماله لأن إذنه له في النكاح إذن باكتساب المهر والنفقة، فإن كان العبد مخارجا لمولاه كان ذلك فيما فضل عن خراجه. قاله الشيخ أبو علي.
الثالث: قال اللخمي: وإذا تزوج حر أمة فلها النفقة إذا اشترط الزوج أن تكون عنده أو شرطت عليه، واختلف إذا لم تكن عنده ولم تشترط النفقة عليه على خمسة أقوال، فقال في المدونة: لها النفقة أي لدخولها في عموم الآية، وقال محمد: لا نفقة لها وإن كانت تأتيه إذا أرادها، وقال أيضا: لا نفقة لها إن كان يأتيها وإن كانت تأتيه فلها النفقة، وقال ابن الماجشون: لها النفقة في الوقت الذي يكون عندها، وقال في كتاب ابن حبيب: نفقتها وكسوتها على أهلها وعليهم أن يرسلوها في كل أربع ليال وعليه نفقة تلك الليلة ويومها، وإن ردها في صبيحتها فجعل لها النفقة في ذلك اليوم بغير كسوة. انتهى. والأول أحسن لعموم الآية، ويختلف إذا كانا عبدين فعلى القول أن لا نفقة على العبد للحرة لا نفقة لها إن كانت أمة، وعلى القول أن ذلك للحرة عليه يختلف إذا كانت أمة، والمدبرة والمعتقة لأجل يختلف فيهما وأم الولد والمكاتبة كالحرة. انتهى. نقله الشيخ أبو علي.
قال جامعه عفا الله تعالى عنه: وقد علمت المشهور فانتقه يا فتى، والمشهور هو لزوم نفقة الزوجة مطلقا، حرة أو أمة، ذات شائبة أم لا، كان الزوج حرا أو عبدا. والله سبحانه أعلم.
الرابع: إذا تزوج العبد بإذن سيده والتزم شروطا جاز إن كانت معلقة بتمليك أو طلاق ولا يمنعه السيد من ذلك، فإن كان فيها شروط المغيب فإنه يلزمه في الإباق خاصة، فإذا أبق عن سيده المدة المشترطة كان لها أن تطلق نفسها، ولو غاب بأمر السيد لم يكن لها قيام إلا أن تكون الشروط على الطوع منه بعد تمام النكاح فإنها تلزمه، كان مغيبه إباقا أو بإذن السيد ولا يلزمه عتق
(1)
ما بين المعقوفين ساقط من النسخ، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 277. ط دار الرضوان.
السرية وأم الولد ما دام رقيقا فإن عتق وهما بيده حنث فيهما قالوا: ولا ينبغي اشتراط ذلك لأنه قد يعتق والزوجة في عصمته فيلزمه ذلك قال بعض الموثقين: ولو التزم الشروط بإذن السيد لزمه المعتق في السرية وأم الولد قبل عتقه، وكذا يلزمه الشرط في الغيب غاب إباقا أو بإذن السيد، كانت الشروط طوعا أو في أصل النكاح. انتهى. نقله الشيخ أبو علي. قال: وهو في غاية البيان وفائدة في شروط العبد. انتهى.
إلا لعرف؛ يعني أن كلون نفقة زوجة العبد في غير خراج وكسب محله حيث لم يجر عرف بكونها فيهما، وأما لو جرى العرف بكونها فيهما أو في أحدهما فإنه يعمل بذلك أو إلا لعرف على سيده فيعمل به، فإن لم يجد العبد ما ينفق على زوجته من غير خراج وكسب ولم يكن عرف بالإنفاق منهما فرق بينهما إلا أن يأذن له السيد في ذلك أو ترضى بالمقام معه من غير إنفاق أو يتطوع بها متطوع، وقد مر أنه لا يباع العبد في نفقة زوجته.
كالمهر تشبيه في أنه في غير خراج وكسب إلا لعرف بكونه فيهما أو بكونه على السيد فيعمل به، قال الشيخ أبو علي: وأحرى الشرط لأنه يجوز شرط الصداق على السيد ولا يفسد به العقد، بخلاف شرط النفقة على السيد كما مر، وقوله:"إلا لعرف" وأحرى الشرط على القول بالصحة. قاله الشيخ أبو علي. وقد مر أن غير مالك من أهل المدينة يقول بأن المهر والنفقة في كسب العبد وماله، وقوله:"كالهر" وقيل إن السيد إذا أنكح العبد وسمى الصداق فهو عليه، وقاله ربيعة. قاله الشيخ أبو علي. قال: وقال بعض أهل العراق في العبد يغتصب الجارية بكرا أو ثيبا فيطؤها أن عليه ثلث قيمتها جناية في رقبته. انتهى. ولو التزم السيد بعد عقد النكاح نفقة الزوجة مدة استمرار العصمة بينهما لزم ذلك ما دام حيا وهي في عصمة العبد، فإن توفي السيد فلا شيء للزوجة في ماله لأنها هبة لم تقبض فتبطل بالموت ولو اشترط ذلك في أصل العقد لفسد النكاح فيفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل كما مر، ويبطل الشرط وترجع النفقة على العبد ولو وقع الشرط على أنه إن مات السيد رجعت النفقة لكان جائزا، وإن اختلف فيما التزم السيدم نفقتها هل كان ذلك شرطا في أصل العقد فالقول قول من ادعى الشرط لشهادة العرف له بذلك كما مر. والله سبحانه أعلم.
ولا يضمنه سيد بإذن التزويج يعني أن السيد لا يضمن ما ذكر من النفقة والمهر بسبب إذنه للعبد في التزويج بل لو جبره عليه لم يكن ضامنا لما ذكر، ولو باشر العقد فلا يضمنه على المعتمد كما في الحطاب والمواق عن المدونة إلا لشرط أو عرف على السيد فهو
(1)
). نقله الشيخ عبد الباقي. قال: وهذا ظاهر في المهر، وأما النفقة فاشتراطها على غير الزوج مفسد للعقد كما مر. انتهى. ومقابل المعتمد أنه يضمنه. نقله الشبراخيتي عن البرزلي.
وجبر أب ووصي وحاكم جنونا احتاج يعني أن الأب له أن يجبر ابنه الذكر المجنون المطبق الأصلي، فإن كان يفيق انتظرت إفاقته وكذا الوصي وإن بعد له أن يجبر المجنون المطبق الأصلي الذي لا يفيق، فإن كان يفيق انتظرت إفاقته فإن جن بعد رشده لم يجبره الأب ولا الوصي، وإنما يجبره الحاكم فقط لأنه لا ولاية لهما عليه حينئذ، وإذا لم يكن للمجنون الذي لا يفيق أب ولا وصي فإن الحاكم يجبره، وإنما يكون لكل من هؤلاء الثلاثة جبر المجنون حيث احتاج للنكاح، وإن لم تكن له فيه غبطة لأنه وإن سقط عنه الحد لا يعان على الزنى. قاله اللخمي. وكذا إذا احتاج لمن يخدمه ويعانيه على ما قال ابن فرحون، ولمالك: أعجب إلي أن لا يزوج المغلوب على عقله وما رأينا أحدا زوجة، وما قدمته من أن المجنون إذا كان يفيق انتظرت إفاقته قاله غير واحد. وقال الإمام الحطاب: وهذا في الذي لا يفيق هكذا فرضه اللخمي. ابن عرفة: ومن يفيق كسفيه، ثم ذكر الخلاف في السفيه. والله أعلم. انتهى. وقال الحطاب أيضا: وأما المجنون فإن كان لا يفيق فلا يصح منه طلاق، فإن كان لا يخشى منه فساد لم يزوج وإن كان يخشى ذلك زوج. وصغيرا يعني أن الأب له أن يجبر الصغير ومثله الوصي وإن بعد وكذا الحاكم، وأما إجبار الأب لابنه الصغير فلا خلاف فيه، وأما الوصي فله ذلك على مذهب المدونة وهو مذهب الموازية، وقال المغيرة: يفرق فإن كانت شريفة أو ابنة عم فله ذلك وإلا فلا، قال القاضي: وإليه يرجع مذهب المدونة والموازية؛ وأما الحاكم فقال ابن راشد: لم أر فيه خلافا وينبغي أن يجوز له ذلك بلا خلاف. قاله الشارح. وقوله: "وجبر أب ووصي وحاكم" قال الشيخ
(1)
لفظ عبد الباقي ج 3 ص 197 فهو وإن جبر ليس كالأب لخ.
إبراهيم: لا غيرهم وإن أخا على المشهور، فإن جبر ففي فسخه مطلقا وثبوته إن بنى وطال قولان. انتهى. ونحوه للشيخ عبد الباقي، وقال الشيخ أبو علي: قال مالك: إذا زوج الصبي أحد من الأولياء وليس هو في ولايته فالصبي بالخيار إن شاء أجاز وإن شاء رد. رواه علي بن زياد عنه. انتهى.
وقوله: "وجبر أب ووصي" قيد الشيخ عبد الباقي جبر الوصي هنا بما إذا كان له جبر الأنثى، قال الشيخ محمد بن الحسن: تبع في هذا القيد الحطاب، ونصه: ووصي يريد الذي له الإجبار، وقاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. انتهى. وفيه نظر بل يرده قول المتيطي كما في نقل المواق والمشهور إن زوج الصغير وليه من قبل أب أو قاض فذلك جائز عليه ولا خيار له بعد بلوغه، بخلاف الصغيرة فإلحاقه مقدم القاضي بالوصي دليل على الإطلاق؛ إذ مقدم القاضي لا يكون له الجبر في الأنثى، وكذا قوله: بخلاف الصغيرة فإنه كالنص في أن غير المجبر في الأنثى مجبر في الذكر، وأيضا لو صح ما ذكره الحطاب ما صح جبر الحاكم مع أنه هنا يجبر، ولذا قال مصطفى: لم أر هذا القيد لأحد من أهل المذهب، وقول أهل الوثائق كالمتيطي وابن سلمون وغيرهما أنكح فلان بن فلان يتيمه الصغير الذي إلى نظره بإيصاء كذا يدل على خلاف التقييد ويدل على ذلك إلحاقهم مقدم القاضي بالوصي كما نص عليه المتيطي، وحكم المرأة الوصية في تزويج الصغير كالوصي وتباشر العقد، قال في المتيطية: وهذا هو القول المشهور المعمول به في العتبية والواضحة وغيرهما، وإليه ذهب ابن القطان وابن أبي زمنين. قاله غير واحد من الموثقين. انتهى.
وقوله: "وصغيرا" قد مر كلام الش فيه، وقال الشيخ إبراهيم: لمصلحة، ولذا قال في الشامل: لغبطة على المنصوص. انتهى. وكذا قيده في كتاب الخلع من المدونة كتزويجه من شريفة أو موسرة أو ابنة عم أي فيقيد به كلام المص، وكل من الأب والوصي على المصلحة. انتهى. وقال الشيخ محمد بن الحسن: قال الشيخ ابن رحال: قيد الغبطة إنما هو حيث يكون الصداق من مال الولد وإلا فلا يعتبر كما يدل عليه كلامهم. انتهى. قول الشيخ ابن رحال: قيد الغبطة لخ الظاهر من نقول الرهوني أن قيد الغبطة مطلق كان الصداق من مال الولد أم لا. والله سبحانه أعلم.
وفي السفيه خلاف مبتدأ وخبره، يعني أنه اختلف هل لهؤلاء الثلاثة جبر البالغ السفيه حيث لم يترتب على نكاحه مفسدة ولم يحتج للنكاح؟ أو ليس لهم جبره للزوم طلاقه والصداق أو نصفه من غير فائدة، قال الشيخ محمد بن الحسن: الجبر لابن القاسم مع ابن حبيب، وصرح الباجي بأنه المشهور والوقف على رضاه مذهب المدونة، وصححه صاحب النكت وهو الصحيح. قاله في التوضيح.
(1)
قاله الشارح. وقال عبد الباقي: وعلى القول بالجبر فينبغي تقييده بالغبطة المتقدمة في الصغير، وقد يقال: شأن النكاح للبالغ أنه من الأمور الحاجية في الجملة دون الصغير، فإن ترتب على نكاحه مفسدة تعين تركه اتفاقا، وإن احتاج وخيف عليه الزنى جبر بلا خلاف وإن لم تكن فيه غبطة. انتهى.
وقال الشيخ أبو علي: ونكاح السفيه على أربعة أوجه: وإجب وجائز وممنوع ومستحسن، فإن كان يخشى عليه فساد ولا يخاف منه المبادرة إلى الطلاق وجب دعا لذلك أو لم يدع إذا لم يكن لتسرره عنده وجه وإن لم يخش منه فساد ولا مبادرة إلى الطلاق كان واسعا ما لم يدع لذلك وإلا كان عليه أن يزوجه، فإن خاف عليه المبادرة إلى الطلاق لخفته وطيشه ولم يخف منه فساد منع من تزويجه دعا إليه أم لا إلا أن يكون الصداق تافها يسيرا، وإن كان لا يؤمن فساده وخيف مبادرته صانه إن قدر وإلا زوجة بعد التربص. انتهى. ولا يجبر من الذكور غير هؤلاء الثلاثة أعني المجنون والصغير والسفيه على الخلاف، فلا يجبر البالغ الرشيد، وقال الإمام الحطاب: قال ابن عرفة عن اللخمي: والصواب إن أمن طلاقه وخشي فساده إن لم يزوج ولا وجه لتسريه وجب تزويجه ولو لم يطلبه، ومقابله يمنع ولو طلب إلا أن يقل المهر، وإن أمن طلاقه ولم يخش فساده أبيح إلا أن يطلب فيلزم، ومقابله إن قدر على صونه وإلا زوج بعد التربص. انتهى. وهو ما مر عن الشيخ أبي علي. والله سبحانه أعلم.
وصداقهم إن أعدموا على الأب يعني أنه إذا زوج الأب صغيرا أو مجنونا أو سفيها على القول بجبره كما في الشبراخيتي فإن صداقهم يكون على الأب حيث كانوا معدمين وقت جبر الأب
(1)
في نسخة مايابى وقبلوه.
لهم، وإن لم يشترط عليه ولو أعدم بعد ذلك. وإن مات يعني أنه يكون على الأب حيث كانوا معدمين وقت الجبر وإن مات الأب بعد ذلك ويؤخذ من تركته لأنه قد لزم ذمته فلا ينتقل عنه بموته، وإذا أعدما معا اتبع الأب أوأولهما يسارا فقد اختلف في ذلك كما للأمير.
أو أيسروا بعد يعني أنهم إذا كانوا معدمين وقت الجبر فإن الصداق يكون على الأب ولو أيسروا بعد جبره لهم ولو قبل الفرض في التفويض، ولو شرط ضده يعني أنهم إذا كانوا معدمين وقت الجبر فإن الصداق يكون على الأب ولو شرط الأب أن الصداق على ولده وأحرى لو سكت عنه، ورد المص بلو قولا لابن القاسم، وبه قال أصبغ وابن حبيب أن الأب إن بين أن الصداق على الولد فهو لازم له ولا يكون على الأب منه شيء والأول هو ظاهر المدونة وصدر به ابن الحاجب، وحكى مقابله بقيل، وقوى هذا المقابل غير واحد. وإلا يكونوا معدمين وقت الجبر بل كانوا أملياء حين الجبر به أو ببعضه فالصداق عليهم بقدر ما أيسروا به حين الجبر كلا أو بعضا، ويكون في الزائد حكمه حكم من لا مال له ويستمر كونه عليهم بقدر ما أيسروا به، وإن أعدموا بعد ذلك ولا يكون على الأب سواء سكتوا عمن هو عليه أو صرحوا بأنه عليهم.
إلا لشرط يعني أنه يكون عليهم إذا كانوا موسرين به حين الجبر حيث لم يشترط كونه على الأب، وأما إن اشترط كونه على الأب فيعمل بذلك الشرط، وفهم من قوله: على الأب أن صداقهم لا يكون على الوصي والحاكم وهو كذلك فيكون الصداق في مال المجبورين أو في مال من تحمل عنهم إلا أن يشترط الصداق على الحاكم أو الوصي فيعمل به فلذا خص الأب، فتحصل أن الأب يتبع في عدمهما وفي عدم الابن فقط، فإن أيسر الابن فقط اتبع وإذا كان المتبع الأب فلا يفيد شرط ضده بخلاف الابن، وأما الحاكم أو الوصي فلا يتبعان إلا بشرط، وفي التوضيح: إن كانا معدمين فروي عن أصبغ: لا شيء منه على الأب. الباجي: الذي يقتضيه المذهب أنه مع الإبهام على الأب لأنه الذي تولى العقد، قال الشارح هذا الحكم في الأب بالنسبة للصغير منقول، وقال اللخمي: إن السفيه مثله ولم أر في كون المجنون كذلك نصا. انتهى.
قال الشيخ محمد بن الحسن: والظاهر أن المجنون أحرى من السفيه لأن السفيه يصح طلاقه بخلاف المجنون. انتهى. ونحوه للشيخ أبي علي. وقد مر أن الصداق على الأب في حال عدمهم
ولو كان عديما، فتنظير عبد الباقي الصواب إسقاطه كما قاله الشيخ محمد بن الحسن، قوله:"وصداقهم إن أعدموا على الأب وإن مات" كإن زوجة تفويضا ولم يفرض حتى بلغ
(1)
). قاله الشارح. قاله الحطاب. ولا يقصر على هذا كما هو ظاهر. والله سبحانه أعلم.
وحكى بعض الموثقين أن الأب إذا تحمل بالصداق مع غنى الولد أن المرأة تخير إن شاءت أخذت به الولد أو الأب. قاله الش. وقال الحطاب: قال في الشامل: ولو أذن لولده الصغير فعقده وكتب المهر عليه ثم مات الزوج فلا شيء على الأب. انتهى. وقوله: "أو أيسروا بعد" أي بعد تمام العقد، وأما لو أيسروا في حال العقد فالصداق في أموالهم.
وإن تطارحه رشيد وأب فسخ يعني أنه إذا زوج الأب ابنه الرشيد وباشر له العقد وتطارحا الصداق بأن أراد كل منهما أن يلزم ذمة الآخر بالصداق ولم يبين على أيهما بأن عقد على السكوت، فقال الابن إنما ظننت الصداق عليه، وقال الأب إنما أردت أن يكون على الابن فإن النكاح يفسخ. ولا مهر؛ يعني أنه لا مهر في هذا النكاح الذي فسخ فلا شيء على الأب ولا على الابن من الصداق، وهذا حيث لم يبن الابن بالزوجة كما يفهم من قوله:"ولا مهر"، وما تقدم من تفسير التطارح هو للشارح تبعا للتوضيح والنوادر وابن عرفة. وفسر البساطي التطارح بأن يقول الابن: شرطت الصداق عليك، ويقول الأب: شرطته عليك، قال الشيخ عبد الباقي: وهذا إنما يتصور حيث مات الشهود أو غابوا أو حضروا ونسوا فيفسخ قبل البناء ولا مهر وإلا سئلوا عما وقع عليه العقد.
وهل إن حلفا وإلا لزم الناكل يعني أن ما تقدم من الفسخ وعدم المهر هو قول مالك، وقال محمد: إنما محل ذلك حيث حلفا فإن نكلا كان المهر بينهما وثبت النكاح وإن نكل أحدهما وحلف الآخر لزم الصداق الناكل وثبت النكاح أيضا. وتردد ابن بشير، هل قول محمد تفسير لقول مالك فلا يكون في المذهب إلا قول واحد؟ أو قول محمد خلاف فيكون في المذهب قولان؟ تودد مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تردد وهو لابن بشير كما علمت، وقوله:"وهل إن حلفا" وعليه فيبدأ
(1)
قوله كان زوجة الخ عزاه الحطاب للشامل.
الأب بالحلف لأنه المباشر للعقد، وقيل يقرع فيمن يبدأ وقد تقدم أن هذا حيث لم يدخل فإن دخل حلف الأب وبرئ، ثم إن كان المسمى أقل من صداق المثل كرم الزوج صداق المثل بلا يمين لأنه لما تطارحه مع الأب أشبه النكاح الفاسد لصداقه، ولأنه لما تطارحاه صار المعتبر قيمة ما استوفاه الزوج وإن كان أكثر من صداق المثل حلف وغرم صداق المثل، وإنما حلف -والله أعلم- لأن الأمر والرضى محتملان فيكون اللازم المسمى فحلف لأجل إسقاط الزائد، فلا يقال إذا ألغي المسمى فلأي شيء حلف حيث كان المسمى أكثر، وقد تقدم أن الأب إذا حلف برئ فإن نكل غرم المسمى بمجرد نكوله لأنها دعوى اتهام أي اتهام الابن له وهذا على تقرير الشارح، وقرره البساطي بأن الأب إنما يغرم بعد حلف الابن، فإن نكل لزمه الصداق ويحلف لرد الزيادة على صداق المثل. قاله الشيخ عبد الباقي.
ونص الشيخ الأمير على ضعف قول محمد، فقال: "وإن تطارحه أب ورشيد فسخ قبل الدخول ولو نكل أحدهما، وقيل يلزم الناكل وهو ضعيف وإن ذكره الأصل.
وحلف رشيد وأجنبي وامرأة انكروا الرضا والأمر حضورا يعني أن الأب إذا زوج ابنه الرشيد والابن حاضر للعقد ساكت وأنكر الابن أنه أمر بذلك ابتداء وأنه رضي به بعد وقوعه فإن المسألة لا تخلو من ثلاثة أوجه: أحدها أن ينكر بمجرد علمه بأن العقد عليه فيسقط النكاح والصداق ولا يمين على الابن حيث أنكر بمجرد علمه، ثانيها لم ييادر بالإنكار ولكن حصل طول يسير فيحلف أنه لم يكن سكوته رضا وأنه لم يأمر بذلك ولو ادعى أنه لم يعلم إلا بعد تمام العقد؛ لأنه حضوره المجلس يقتضي حمله على العلم ويتعلق حق الغير ويسقط النكاح عنه والصداق وإن نكل لزم النكاح وقيل لا يلزمه شيء وقيل تطلق عليه ويلزمه نصف المصداق، والأول لابن يونس والثاني لأبي محمد وصوبه أبو عمران والثالث حكاه ابن سعدون عن بعض شيوخه. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
وكذا الحكم لو زوج رجل أجنبي رجلا أجنبيا في حال حضوره للعقد وسكوته، وأنكر المزوج بالفتح أنه أمره بذلك ابتداء وأنه رضي به بعد وقوعه فإن المسألة لا تخلو من ثلاثة أوجه إلى آخر ما مر فأجرها على ما مر يا فتى في جميع الوجوه، وكذا الحكم لو زوج المرأة وليها وهي حاضرة
ساكتة فأنكرت الأمر بذلك ابتداء والرضا به بعد الوقوع فإن المسألة لخ، فأجرها على ذلك في جميع الوجوه من غير استثناء يا فتى.
تنبيه: سئل مالك عن رجل أنكح أولاده وأعطى كل واحد منهم من ماله في إنكاحه شيئا معلوما وأشهد أن لمن بقي من أولاده الصغار ممن لم ينكح في مله مثل ما أعطى من أنكح منهم ثم مات الأب على ذلك؟ فقال: إن أبرز لهم شيئا من مله وأشهد عليه جاز وإلا فلا شيء لهم قاله في المنتخب. نقله الشيخ أبو علي.
وإلى تحقيق الوجه الثاني أشار بقوله: إن لم ينكروا بمجرد علمهم يعني أن محل حلفهم أي الرشيد والأجنبي والمرأة إنما هو حيث لم ينكروا بمجرد علمهم بأن العقد عليهم، وأم لو أنكروا بمجرد علمهم بذلك فيصدقون بغير يمين، وأفاد القسمين الذكورين بقوله:"إن لم ينكروا بمجرد علمهم" أفاد الأول بالمفهوم والثاني بالمنطوق.
وأشار إلى الوجه الثالث بقوله وإن طال كثيرا لزم يعني أن النكاح يلزمهم إذا لم ينكروا إلا بعد طول كثير بأن علموا وسكتوا ولم ينكروا إلا بعد تمام العقد وانصرافهم وتهنئتهم والدعاء لهم على حسب العادة بأن يقضي العرف بأنه لا يسكت هذا القدار إلا عن رضا، وقال ابن وهب: الطول الكثير يوم أو بعضه وهو ضعيف. قاله الشيخ عبد الباقي. ثم إذا أنكروا بعد الطول وقلنا بلزوم النكاح فإنه لا يمكن منها ولو رجع عن إنكاره إلا بعقد جديد ويلزمه نصف الصداق، فلو قامت له بينة واستمر على إنكاره لم يمكن منها، فإن رجع فالظاهر تمكينه منها، وأم في الحالة الأولى وهي التي يلزمه فيها النكاح إن نكل لا إن حلف فإنه يمكن منها بعد نكوله حيث رجع عن إنكاره، والفرق بينهما أن نكوله في الأولى إقرار منه بتكذيب نفسه، وغير الناكل وهو من طال سكوته وهي الثالثة إنما لزمه النكاح اتهاما وهو متماد على إنكاره لم يظهر منه تكذيب. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: ولو رجع عن إنكاره لخ، قال الشيخ بناني: ظاهره مطلقا وفيه نظر إذ المسألة إنما ذكرها اللخمي وعنه نقلها أبو الحسن وابن عرفة، واللخمي فصل فيها ونصه بعد ذكر الأوجه الثلاثة المتقدمة: فإن رضي الزوج في هذه الأوجه الثلاثة بالنكاح بعد إنكاره فإن قرب رضاه من العقد ولم يكن منه إلا الإنكار بأن لم يقل رددت ذلك ولا فسخته فله ذلك؛ لأن إنكاره
الرضا لا يقتضي الرد، واستحسن حلفه أنه لم يرد بإنكاره فسخا، فإن نكل لم أفرق بينهما وإن رضي بعد طول أو كان قال رددت العقد لم يكن له ذلك إلا بعقد جديد. انتهى.
وموضوع المص أن الابن والمرأة والأجنبي حضور وحينئذ فلا يعتبر التقييد بأن الأب والولي والأجنبي ادعوا الأمر بالتزويج، وإنما يعتبر هذا القيد إذا كان العقود عليه غائبا كما يفيده ابن عرفة، ونصه: من عقد لغائب بادعاء أمره وضمن مهره فأنكر بطل النكاح، وظاهر المدونة لا يمين عليه، وأم إن كان حاضرا في محل العقد كما هو موضوع المسألة فلا يعتبر فيه القيد الذي ذكره، بل قال في التوضيح ما نصه: وينبغي أن تقيد المسألة بما إذا لم يقل: إن الابن وكلني أن أعقد والابن حاضر مجلس العقد وإلا بأن قال ذلك وأنكر الابن فإنكاره كالعزل عن الوكالة. قال بعض الشيوخ: يحتمل أن يقال ويلزمه اليمين على الوكالة، وأم إذا افترقا والحالة هذه فيلزمه النكاح وهو ظاهر. انتهى.
فقد علمت أن المسألة مقيدة بعدم ذكر التوكيل حين العقد عكس م قاله عبد الباقي. قاله محمد بن الحسن. وقال ابن الحاجب: من زوج ابنه البالغ أو أجنبيا حاضرا أو غائبا، فقال: ما أمرته حلف وسقط الصداق عنهما، فإن نكل فقيل يلزمه النكاح وقيل لا يلزمه شيء وقيل تطلق عليه ويلزمه نصف الصداق. انتهى. نقله محمد بن الحسن. وقال في التهذيب: ومن زوج ابنه البالغ المالك لأمر نفسه وهو حاضر صامت؛ فلما فرغ من النكاح قال الابن: ما أمرته ولم أرض صدق مع يمينه، وإن كان الابن غائبا فأنكر حين بلغه سقط النكاح والصداق عنه وعن الأب، وابنُه والأجنبي في هذا سواءٌ. انتهى. اللخمي: لا يخلو إنكار الابن من ثلاثة أوجه، إما أن يكون عندما فهم أنه يعقد عليه أو بعد علمه وسكوته لتمام العقد أو بعد تمام العقد وتهنئته من حضر وانصرافه علي ذلك، فإن كان إنكاره عندما فهم أن العقد عليه كان القول قوله من غير يمين عليه؛ لأن الأب لم يدع أنه فعل ذلك بوكالة من الابن ولا أتى من الأمر ما يدل على الرضا، وإن كان بعد علمه أنه نكاح يعقد عليه وسكت ثم أنكر بعد الفراغ من العقد حلف كما قال في الكتاب أنه لم يكن سكوته على الرضا بذلك، وإذا أنكره بعد تمام العقد وانصرافه على ذلك والدعاء
حسب عادة الناس لم يقبل قوله وغرم نصف الصداق لأن الظاهر منه الرضا بذلك ولا يمكن منها لإقراره أنه غير راض وأنه لا عصمة له عليها انتهى على نقل الشيخ أبي الحسن.
ثم قال أبو الحسن: الشيخ: والأنثى في عقد النكاح عليها وهي حاضرة على هذه الأوجه الثلاثة المتقدمة لا فرق يبنها وبين الذكر في هذا، وإنما التي لا يلزمها النكاح إلا بالنطق إذا عقد عليها وهي غائبة ثم استأذنوها، وحكى عبد الحق في النكت الأوجه الثلاثة. انتهى. قال في التوضيح: وينبغي على هذا أن الغائب إن أنكر بمجرد حضوره تسقط عنه اليمين، وإن علم وطال لا يقبل منه الإنكار. والله أعلم. لأنه بعد حضوره كالحاضر. انتهى. نقله الشيخ محمد بن الحسن. وقال: قياس الغائب لا يجري في الأنثى وإنما هو في الذكر؛ لأن الأنثى إذا كانت غائبة عن العقد فلا بد من نطقها كما تقدم عن أبي الحسن. انتهى. قال الرهوني: قول محمد بن الحسن: قياس الغائب على الحاضر لا يجري في الأنثى لخ سلم قياسه في الذكر وليس بمسلم لأن إنكاره بمجرد علمه إنما ينفي عنه الرضا بما فعله أبوه مثلا، وذلك لا يستلزم نفي الإذن له أو لا، مع أن الإذن إن وقع أولا لا يتوقف على الرضا ثانيا، فلابد من حلفه على المشهور ولو أنكر ولم يرض حين بلغه لنفي الإذن سواء ادعى الأب الإذن حين العقد أوسكت.
وقول البناني: لأن الأنثى إذا كانت غائبة عن العقد فلا بد من نطقها، قال شيخنا الجنوي: استعمالها للحناء وما أشبهه يقوم مقام النطق. والله أعلم. انتهى. ابن عاشر: شرط انتفاء الإنكار بمجرد العلم إنما ذكره في التوضيح في حق الغائبين وهو ظاهر من جهة المعنى، فلا يصح رجوع قوله: إن لم ينكروا لمسألة الحضور وإن كان هو مقتضى اللفظ، بل هو راجع لمقدر معطوف على حضورا أي أو [غيبا إن
(1)
] لم ينكروا ولا دليل عليه من اللفظ لعدم التئام الشرط بالمذكور، ووجه العبارة أو لم ينكروا بأو العاطفة حتى يكون مقابلا لقوله: حضورا أي أو غيبا لم ينكروا. انتهى. وفيه نظر بل صاحب التوضيح ذكر الأقسام الثلاثة في الحاضرين وقاس عليها الغائبين، وما ذكره ابن عاشر غير محتاج إليه في كلام المصنف؛ لأنه يتنزل على كلام المدونة واللخمي، وغاية ما
(1)
في الأصل غيبا أي إن والمثبت من البناني ج 3 ص 199.
يقال أن قوله في المدونة وهو حاضر وصف طردي، فإن الغائب كالحاضر في التفصيل المذكور كما تقدم. بهذا كان يقرره المسناوي كما قاله بعض شيوخنا. انتهى. قاله الشيخ بناني.
وفي المفيد قال مالك في الابن الكبير البائن عن أبيه إذا زوجه وهو غائب فلم يرض ما فعله أبوه: فسخ؛ ولا يتزوجها أبوه أبدا لأن الابن لو أجاز هذا النكاح لجاز، وإن كانت الغيبة بعيدة فقدم ولم يرض كان للأب أن يتزوجها؛ لأن الابن لو أراد أن يجيزه لم يجز حتى يبتدئ نكاحا جديدا. انتهى. ولا يتوارثان ولا يقام على ذلك النكاح. وفي المنتخب ما يفيد أنه لا يتزوجها ابنه ولا أبوه وأنهما لا يتوارثان. قاله الشيخ أبو علي.
وقال ابن عاشر: لزوم النكاح في مسألة الإنكار عند النكول أو الطول مشكل بما تقدم أن الثيب لابد في رضاها من إعرابها. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: يجاب عنه بما تقدم عن أبي الحسن من أن التي لا يلزمها النكاح إلا بالنطق إذا عقد عليها وهي غائبة ثم استأذنوها، [أي
(1)
] وأما الحاضرة حين العقد عليها وهي موضوع كلام المص فلا يشترط فيها نطق، ويدل على ذلك ما قاله ابن يونس، ونصه: وسئل ابن القاسم في المستخرجة عن الرجل يخطب المرأة إلى وليها فيزوجه ويشهد له وتنكر المرأة أن تكون علمت ورضيت أتحلف؟ قال: إن كان الإشهاد على ذلك في المسجد وحيث يرى أنها لم تعلم فلا يمين عليها، وإن كان الإشهاد ظاهرا أو إطعام الوليمة وإشهار الأمر في دارها وحيث يرى أنها عالمة فأرى أن تحلف بالله: ما وكلت ولا فوضت إليه في ذلك وما تيقنت أن ذلك اللعب والطعام إلا لغيري ثم لا شيء عليها، فإن نكلت عن اليمين لزمها النكاح. انتهى. نقله أبو الحسن.
والحاصل أن الحاضرة في محل العقد عليها لا يشترط نطقها مطلقا وأن الغائبة عنه إن ثبت استئذانها قبله فهي محل قوله: "ورضى البكر صمت والثيب تعرب" وإن لم يثبت استئذانها فالمفتات عليها، وقد تقدم أنه لابد من نطقها وإن كانت بكرا.
تنبيه من العتبية: قال مالك رحمه الله في رجل خطب على رجل ابنته فزوجه ثم علم الأب أنه افتات على الغائب، قال ابن القاسم: يريد أن الذي خطب افتات على الغائب فأراد أن يرجع
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من بناني ج 3 ص 200.
وقال خدعتني لا يكون له ذلك بعدم زوج، ولا يؤخذ بقول الخاطب حتى يكون ذلك في الثبت الذي لا شك فيه فذلك له حينئذ، وأم غير ذلك فلا حتى يعرض على الغائب. انتهى. ومحل هذا في سكوت الخاطب عن الافتيات حين خطب، فلو زعم أنه وكيل فلا خلاف أنه يفسخ حتى يقدم الغائب ويعرف ما عنده ولو أقر بالافتيات فالنكاح فاسد قرب أو بعد ولا اختلاف في ذلك. انتهى. انظر الرهوني.
ورجع لأب يعني أن الابن إذا زوجه أبوه وضمن عنه الصداق وطلق الابن قبل البناء فإن نصف الصداق يرجع إلى الأب ويترك النصف الآخر للزوجة إن كانت أخذته وإلا دفع إليها الأب النصف فقط: وسواء كان الابن صغيرا أو كبيرا. وذي قدر زوج غيره يعني أن ذا القدر وأولى غيره إذا زوج غيره وجعل الصداق عليه دون المزوج بفتح الواو المشددة، ثم إن المزوج بالفتح طلق قبل البناء فإن النصف يرجع للمزوج بالكسر ويترك النصف الآخر للمرأة إن كانت أخذته وإلا دفع إليها نصفا وأمسك نصفا، وإنما عبر بذلك لأن الغالب أن ذوي الأقدار هم الذين يزوجون غيرهم وإلا فغيرهم كذلك، ورأيت كثيرا من الناس لم يعبروا بهذا. قاله أبو علي.
وضامن لابنته يعني أن من زوج ابنته وضمن لها الصداق عمن زوجها منه، ثم إن الزوج طلقها قبل البناء فإن نصف الصداق يرجع إلى الأب ويدع نصفه لابنته إن أخذته وإلا أمسك نصفه ودفع لها نصفه. النصف بالطلاق المجرور يتعلق برجع، والاسم قبله فاعل رجع يعني أنه إذا طلق الزوج في المسائل الثلاث قبل البناء فإن نصف الصداق يرجع إلى الزوج بالكسر في المسائل الثلاث، ويلزمه دفع النصف لتشطر الصداق بالطلاق قبل البناء.
والجميع بالفساد الواو هنا عطفت شيئين على شيئين وذلك سائغ هنا لأنها عطفت على معمولي عامل واحد؛ يعني أن النكاح في هذه المسائل الثلاث إذا فسد وفسخ قبل البناء فإن الصداق كله يرجع للمزوج بالكسر إن كان دفعه ولا يغرم شيئا إن كان لم يدفعه؛ لأن اللتزم إنما التزمه على أنه صداق وهو يتشطر بالطلاق كما مر قريبا، ويسقط في الفاسد حيث فسخ قبل البناء، وفهم منه أنه لو بنى لا يسقط عنه شيء، ومثل الفساد الخلع بالصداق قبل البناء فيرجع جميع الصداق للمزوج بالكسر عند ابن القاسم، وقال عبد الملك: للأب النصف وللزوج النصف، وصوب الأول
اللخمي والمتيطي وبقول ابن القاسم الحكم. قاله الحطاب. وبعد البناء لا شيء لمن ذكر لأنها ملكته بالدخول ومثل الفساد نكاح سفيه وعبد وصبي مما فيه خيار مع رد سيد وولي وأب وكان قد تحمل صداقهم أجنبي. قوله: "ورجع لأب وذي قدر" لخ، محل ذلك إن لم يقصدوا الصدقة بأن قصدوا الضمان فإن قصدوا الصدقة لم يرجعوا بنصف في طلاق ولا بالجميع في كفساد. قاله الشيخ عبد الباقي. وفي نكاح السفيه والعبد ربع دينار بعد البناء فيرجع للمزوج بالكسر ما عدا ربع دينار.
ولا يرجع أحد منهم يعني أن الأب ومن عطف عليه لا يرجعون على الزوج بالنصف الذي أخذته المطلقة ولا بجميع الصداق حيث دخل الزوج إن قصدوا بما دفعوا عن الزوج الحمل عنه كان في العقد أو بعده لأن الحمل عطية لا رجوع فيها لمعطيها. واعلم أن الحمل والحمالة سيان في اللغة وهما مصدران من حمل ومعناهما عند الفقهاء مفترق، فالحمالة عندهم أن يتحمل بالحق على أن يؤديه عن المطلوب ويرجع عليه، والحمل عندهم أن يتحمل بالحق على أن يؤديه عن المطلوب ولا يرجع به عليه، والضمان محتمل للوجهين فما كان منه قبل العقد أو فيه حمل على الحمل، وما صدر منه بعد العقد حمل على الحمالة.
إلا أن يصرح بالحمالة يعني أن محل عدم رجوع الملتزم إنما هو حيث لم يصرح بالحمالة بأن صرح بلفظ الحمل أو بغيره على التفصيل الآتي، وأما إن صرح بالحمالة فإنها تكون على حكمها فلا تلزم إلا مع عدم الزوج أو مغيبه غيبة بعيدة، فإذا أعدم أو غاب غيبة بعيدة كان للزوجة اتباع الحميل ثم له الرجوع على الزوج بما أدى عنه. قاله الحطاب.
أو يكون بعد العقد يعني أنه إذا كان الالتزام بغير لفظ الحمل والحمالة بل بالضمان كأنا ضامن لصداقك فإن الملتزم بالكسر يرجع على الزوج بما أدى للمرأة حيث صدر منه ضمان الصداق بعد عقد النكاح حملا له على الحمالة، وأما إن صدر منه قبل عقد النكاح أو فيه فإنه لا رجوع له على الزوج بما أدى عنه من الصداق لحمله على الحمل، فالحاصل أنه إن صرح بالحمل فلا رجوع له مطلقا صرح به قبل العقد أو فيه أو بعده، وإن صرح بالحمالة رجع مطلقا وإن صرح بالضمان فإن كان بعد العقد كان كالتصريح بالحمالة وإلا فكالتصريح بالحمل.
واعلم أن الفرق بين الحمل والحمالة اصطلاح للفقهاء ولا مشاحة في الاصطلاح، قال الشبراخيتي: والمراد به أي بالضمان ما كان بغير صفة الحمل والحمالة سواء كان بلفظ الضمان أو غيره كعندي وعلي ونحوهما، وكلام المص حيث لا عرف ولا قرينة تخالف ما ذكره من التفصيل، وأما إن وجد عرف يخالف هذا التفصيل فإنه يعمل به وهذا كله حيث وقع ذلك مبهما أي لم يشترط فيه رجوع ولا عدمه وإلا فالعبرة بالشرط اتفاقا. انتهى. وقال عبد الباقي: أو يكون الضمان الدال عليه المعنى أو المفهوم من قوله: "ضامن" أو الدفع كما قرره به التتائي؛ أي قال: علي دفع ما عليك من الصداق ومثله فيما يظهر عندي وبقية صيغ الضمان غير لفظ الحمالة أو دفعه ساكتا. انتهى. وقوله: أو دفعه ساكتا الخ تبع فيه التتائي، قال مصطفى: قوله إن الدفع على السكوت حكمه حكم التصريح بالضمان يحتاج إلى نقل ولم أره لغيره. انتهى. قاله محمد بن الحسن.
والصور اثنتا عشرة صورة: حمل وحمالة وضمان ودفع أي لفظ دفع، وفي كل إما قبل العقد أو فيه أو بعده، وإن روعي الدفع مع السكوت زادت ثلاثة؛ لأنه إما قبل العقد أو فيه أو بعده. قاله عبد الباقي. وقال: ولو أتى بلفظ يحتمل الحمل والحمالة كالحمل بكذا فإن لم يدع إرادة شيء أو لم يعلم مراده بموته ونحوه حمل على الحمل وإن ادعى إرادة شيء قبل قوله. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: ولم لا يجري فيه ما جرى في صيغ الضمان. انتهى. ومثل النكاح البيع، فإذا قال: بع سلعتك لفلان أو اشتر سلعة فلان بكذا وأنا أحمل عنك أو لك الثمن فما كان بلفظ الحمل في عقد البيع أو النكاح يلزم ولا يفتقر لحيازة، وما كان بعده فيهما فعن ابن القاسم ومثله في الواضحة لابد له من حيازة ويسقط بالموت كالهبة إذا لم تقبض، وقال ابن الماجشون: هو لازم فيهما كالحمالة. انتهى. نقله الشيخ عبد الباقي. والفرق على ما لابن القاسم أن العطية لما كانت في مقابلة عوض أشبهت المعاوضة، وكأنه اشترى شيئا بذمته. انتهى.
واعلم أنه حيث كان لمن قام على الزوج الرجوع عليه بما دفعه فإنه لا يكون لها عليه مطالبة إلا عند عدم الزوج أو غيبته غيبة بعيدة ذكره المتيطي فيما إذا صرح بالحمالة، وأما إن لم يكن له رجوع على الزوج فإنها ترجع عليه ولو كان الزوج حاضرا مليا لأنه التزم لها الصداق. قاله الشيخ
عبد الباقي. قوله: ومثل النكاح البيع يعني فيما يذكره بعد لا في جميع ما مر حتى يلزم أن الضمان يرجع فيه إذا كان بعد العقد وإلا فلا. قاله التاودي.
ونظم الشيخ أبو علي أقسام المسألة أقي مسألة المص بقوله:
انف رجوعا عند حمل مطلقا
…
حمالة بعكس ذا تحققا
لفظ ضمان عند عقد لا ارتجاع
…
وبعده حمالة بلا نزاع
وكل ما اشترط بعد العقد
…
فشرطه الحوز تفهم قصدي
أبو الحسن: الألفاظ في هذا الباب ثلاثة الحمل والحمالة والضمان، فلفظ الحمل يقتضي أن لا رجوع على المحمول عنه، سواء كان في أصل العقد أو بعده إلا أنهم اختلفوا إذا كان بعد العقد هل يفتقر إلى الحوز أم لا؟ فمن رآها هبة للزوجة، قال: تفتقر إلى الحوز، ومن رآها هبة للزوج قال: لا تفتقر إلى الحوز لأن الزوج قد أحال بها على الأب الزوجة والحوالة بيع من البيوع، وأما لفظ الحمالة فيقتضي الرجوع على التحمل عنه مطلقا، وهل البداءة بالمطلوب ثم الحميل أو الطالب مخير يجري ذلك على اختلاف الروايتين عن مالك في كتاب الحمالة. قاله الشيخ أبو علي.
واعلم أن الصداق إذا كان على الزوج فللمرأة منع نفسها من الدخول والوطء بعده كما يأتي، وإذا كان على غيره كما هنا فكذلك علي المشهور، سواء كان يرجع به على الزوج أم لا، وإلى ذلك أشار بقوله:
ولها الامتناع من تعذر أخذه يعني أن المرأة في هذه الأقسام المذكورة لها أن تمنع نفسها من الدخول والوطء بعده إذا تعذر أخذ الصداق من الملتزم له كان حملا أو حمالة؛ لأنها وإن دخلت على اتباعه لم تدخل على تسليم سلعتها بلا عوض.
وعلم مما قررت أن هذا غير مكرر مع ما يأتي لأن الصداق هنا على غير الزوج وما يأتي الصداق فيه إنما هو على الزوج وقوله: حتي يقرر براءين الأولى مشددة كما في أكثر النسخ وفي بعضها بدال فراء ومعناهما متقارب. قاله الحطاب؛ يعني أن إباحة منعها لنفسها تنتهي عند تقرير الصداق لها في نكاح التفويض، فإذا قرر لها الصداق في نكاح التفويض فليس لها أن تمنع نفسها ولو لم
تقبضه وهذا هو الموافق لما في ابن شاس، فإنه قال: لها حبس نفسها للفرض لا لتسليم المفروض، وما قررت به المص قرره به غير واحد كالحطاب والشارح، واعترضه ابن عاشر ونصه: وأما تقرير الشارح بمسألة نكاح التفويض فلم يظهر له كبير فائدة؛ لأن المقصود بالذات إنما هو القبض لا التقرير. نقله محمد بن الحسن.
قال: وقد ذكر ابن عرفة والقلشاني عن اللخمي مثل ما قاله ابن عاشر، لكن ذكر عن ابن محرز وغيره ما يوافق تقرير الحطاب ومن تبعه، ثم قال: ولم أر هذه اللفظة في كلام أحد لا ابن الحاجب ولا غيره حتى صاحب الشامل الذي يتبع كلام المؤلف غالبا أسقطها، ونصه: وإن تعذر أخذه من الحامل ولم يدخل بها فلها الامتناع حتى تقبضه. انتهى.
وتأخذ الحال عطف على "يقرر"؛ يعني أن منعها لنفسها في نكاح التسمية ينتهي عند أخذها لما حل من الصداق، فليس لها أن تمنع نفسها إذا أخذت في نكاح التسمية من الصداق ما كان حالا أصالة، ولها أن تمنع نفسها قبل أخذ ذلك قال عبد الباقي: وتأخذ الحال أصالة أو ما كان مؤجلا وحل. انتهى. قال محمد بن الحسن: سوى بين الحال ابتداء وبين ما حل بعد التأجيل في أن لها الامتناع حتى تقبضه وفيه نظر، بل إنما يكونان سواء لو كان الصداق على الزوج، أما حيث كان على الحامل فليس لها المنع من التمكين إلا بالنسبة للحال أصالة دون ما حل بعد الأجل. قاله اللخمي. ونقله ابن عرفة، ونصه: قال اللخمي: وله البناء دون دفع مؤجله ولو حل بخلاف حلول المؤجل عليه أي على الزوج لدخولها على التسليم له واتباع غيره. انتهى.
وقوله: "ولها الامتناع" أي لها ذلك سواء كان يرجع على الزوج أم لا، قال عبد الباقي: فإن مات الحامل في مسألة الحمل اتبعت تركته وتأخذ من مال طرأ له. انتهى. وقال أيضا: فإن كان الحامل عديما ومكنت من نفسها ثم مات فلا شيء على الزوج وليس لها منع نفسها منه إن لم يبق من تأخذ منه الصداق، وكذا إن مات قبل التمكين لكن يجب على الزوج ربع دينار فيهما لحق الله كذا ينبغي. انتهى.
قوله: وكذا إن مات قبل التمكين لخ أي فليس لها منع نفسها وهو غير صحيح بل لها منع نفسها حينئذ حتى يأتيها الزوج بالحال من الصداق كما صرح به اللخمي ونقله في التوضيح،
ونصه: لو كان صداقها مائة النقد نصفها والمؤخر نصفها وخلف الحامل مالا أخذت المائة لأن بالموت يحل المؤجل، وإن لم يخلف شيئا فللزوج إذا أتى بالمعجل أن يبني بها وإن خلف خمسين أخذتها وكان للزوج أن يبني بها إذا دفع خمسة وعشرين؛ لأن الخمسين المأخوذة نصفها للخمسين المعجلة ونصفها للخمسين المؤجلة، ثم قال: وإن كان جميع الصداق مؤجلا كان للزوج أن يبني بها وليس لها منع نفسها كالمشهور فيما إذا حل ما على الزوج؛ لأنها دخلت هنا على أن تسلم وتتبع ذمة أخرى. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
ابن عرفة: ولو فلس الحميل أو مات عديما بعد البناء فلا غرم على الزوج وقبله لها منعه حتى يقضي معجله أو يطلق. نقله الشيخ بناني.
وله الترك يعني أن الزوجة إذا تعذر عليها أخذ الصداق من المتحمل في حلول الصداق عليه وامتنعت من تسليم نفسها للزوج فإن شاء تقدم ودفع الصداق وإن شاء طلق ولا شيء عليه؛ فقوله: "وله الترك" أي التطليق، وإذا طلق لم يتبع بشيء لأنه دخل على أنه لا يغرم شيئا وهذا فيما لا رجوع فيه على الزوج كالحمل ونحوه، وأما ما فيه رجوع كما إذا صرح بالحمالة ونحو ذلك، فإنه إن طلق قبل البناء غرم لها نصف الصداق وإن دخل غرم لها جميعه؛ لأن الملتزم في ذلك إذا دفع شيئا رجع به فيعمم في أول كلام الشيخ ويخصص في آخره أي يعمم في قوله:"ولها الامتناع" فهو جار فيما فيه الرجوع وفيما لا رجوع فيه على الزوج كالحمل ونحوه. وقوله: وله الترك يخص بما لا رجوع فيه على الزوج كالحمل ونحوه، وقال الشيخ الأمير: وللزوج الترك مجانا إلا حيث يرجع عليه الملتزم. انتهى. وفي التوضيح: إذا زوج الصغير ولا مال له نكاح تفويض ولم يفرض لها حتى بلغ فالصداق في مال الأب حيا وميتا. قاله عيسى. يريد لأن الصداق كان ثابتا حين العقد وإنما تأخر تعيينه. انتهى. وهذا من أفراد قول المص: وصداقهم إن أعدموا على الأب. والله سبحانه أعلم.
وبطل إن ضمن في مرضه عن وارث يعني أنه إذا ضمن الصداق في مرضه المتصل بالموت عن وارثه ضمان حمل فإن ذلك الحمل باطل؛ لأن التبرع للوارث في المرض المتصل بالموت كالوصية للوارث وهي باطلة؛ [لأن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث]. وفاعل بطل ضمير يعود
على الحمل فمحل كلام المص فيما لا رجوع فيه كما قررت، وأما ما فيه رجوع على الزوج فلا يبطل الضمان فيه عن وارث، وأما النكاح فصحيح ولهذا إذا مات الأب الحامل من مرضه وكان الولد كبيرا أو صغيرا ورأى هو أو وليه المصلحة في النكاح أعطى النقد من ماله وثبت على نكاحه وإلا فارق ولم يلزمه شيء، وإن صح الأب من مرضه ذلك لزمه ما تحمله ولو قبضته في موت الأب ردته وإذا مكنت من نفسها فلا يحال بينهما إذا بقي بيدها ربع دينار، وإلا حيل بينهما حتى يدفع لها ربع دينار لأنها لما سلمت نفسها ليس لها الامتناع إلا لحق الشرع. قاله الشارح. وقوله:"وبطل" لخ هذا متفق عليه، وقد تقدم أن النكاح صحيح وهو اختيار ابن القاسم وأكثر الأشياخ وقيل بفساده، وتقدم أيضا أن الحمالة لا تبطل فهي في الثلث، وقوله:"في مرضه" أي مرضه المخوف.
لا زوج ابنته يعني أن الأب إذا حمل الصداق عن زوج ابنته وكان الأب مريضا فإن ذلك التبرع لا يبطل، سواء كان الزوج أجنبيا من الأب أو قريبا غير وارث فلا يبطل إلا فيما زاد على الثلث فيبطل اتفاقا إلا أن يجيزه الورثة، فإن لم يجيزوه خير الزوج بين دفعه من ماله وأن يترك النكاح ولا شيء عليه، وينبغي أن يكون للبنت الامتناع إن تعذر أخذه حتى يقرر وتأخذ الحال وله الترك، وما ذكره المص رواية مطرف وابن الماجشون وبها قال ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه، وقال بها أيضا ابن وهب وابن الماجشون أنها وصية لأجنبي فتجوز من الثلث. عبد الملك: وهذا إذا كان الذي تحمل به عن زوجها صداق مثلها فأقل. ابن رشد في البيان: فإن كان أكثر فالزائد على المثل وصية لها لا يجوز باتفاق إلا أن يجيزة الورثة فإن لم يجيزوا ذلك فالزوج مخير بين أن يخرجه من ماله وأن يترك النكاح ولا شيء عليه، وهذه الرواية صححها ابن الحاجب وغيره وهو ظاهر كلامه هنا لاقتصاره عليها، والرواية الثانية رواية ابن القاسم، وقال بها هو وأشهب وأصبغ: إن حمله الثلث لا يجوز وهو راجع لابنته، قال بعض الموثقين: وهو مذهب المدونة وبه الحكم.
وإذا فرعنا على الرواية الأولى فإن طلق الزوج قبل البناء وقبل موت الأب فلها نصف الصداق من ثلث الأب ولا شيء للزوج في النصف الثاني لأنه عطية عنه لما وجب عليه وقد تبين أنه بالطلاق
غير واجب وهذا قول مالك وهو اختيار ابن الماجشون وابن المواز، وقال ابن دينار وغيره: لا شيء للبنت في تركة الأب قاله الش.
ولما كانت الكفاءة مطلوبة بين الزوجين للود والسكون والمحبة ونفدى الشريفة ذات المنصب لا تسكن غالبا للدني بل ربما كان ذلك سببا للعداوة والبغضاء والتقاطع، أعقب المص ما ذكره من أركان النكاح بالكلام عليها فقال: والكفاءة الدين والحال: الكفاءة لغة المماثلة يقال فلان كفؤ فلان أي مثله، وأصل مشروعيتها أن المطلوب من النكاح الود والسكون والمحبة، لقوله تعالى:{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} وهي من حق المرأة والولي؛ يعني أن الكفاءة أي المماثلة والمقاربة التي تطلب بين الزوجين شرعا هي الدين أي التدين أي السلامة من الفسق لا بمعنى الدين الذي هو الإسلام؛ إذ ليس لها ولا للولي تركه وتتزوج كافرا لأن الشرع منع من استيلاء الكافر على فرج المسلمة فإن الإجماع منعقد على حرمة نكاح الكافر للمسلمة، واختلف في حد المرأة إذا تزوجت به عالمة، ففي المدونة: لا أرى أن يقام في ذلك حد ولكن أرى العقوبة إن لم يجهلوا، ورويت أيضا على الحد. ابن محرز: وهو الصواب نقله التاودي.
ويعتبر مع الدين الحال والمراد به السلامة من العيوب التي توجب الخيار في الزوج لا بمعنى حسب ونسب، وإنما يندب فقط وسيأتي للمص:"والمولى وغير الشريف" لخ، والمراد بالمماثلة في الدين المقاربة لا المساواة؛ إذ لا تشترط مساواتهما في الصلاح، والمراد بالكفاءة في الحال أن يساويها في الحال أي يكون سالما من العيوب الفاحشة وهي التي توجب الخيار.
ولها وللوالي تركها يعني أنه يجوز للمرأة والولي أن يتفقا على ترك الكفاءة فتتزوج من فاسق سكير يؤمن عليها منه ويصح النكاح على المشهور، فإن لم يؤمن عليها منه رده الإمام ولا يعتبر رضاها به حينئذ؛ لأن الحق لله تعالى لوجوب حفظ النفوس. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال في قوله:"ولها وللولي تركها" إن لم تكن مجبرة، وإلا فله فقط فيما يظهر. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: فيه نظر، بل ليس للمجبر جبر البكر على فاسق وإن كان مأمونا ولا على ذي عيب. وظاهر ما نقله الحطاب وغيره واستظهره الشيخ ابن رحال منع تزويجها من الفاسق وإن كان
مأمونا عليها، وأنه ليس لها ولا للولي الرضا به. انتهى. وهو ظاهر لأن مخالطة الفاسق ممنوعة وهجره واجب شرعا، فكيف بخلطة النكاح؟ ويتحصل من كلامه بعد الوقوع ثلاثة أقوال:
أحدها: لزوم فسخ نكاح الفاسق لفساده وهو ظاهر اللخمي وابن فتحون وابن سلمون، الثاني أنه نكاح صحيح وشهره الفاكهاني، الثالث لأصبغ: إن كان لا يؤمن عليها رده الإمام وإن رضيت به، وظاهر الحطاب أن القول الأول هو الراجح والله أعلم وعليه يتعين عود ضمير تركها للحال فقط لأنه أقرب مذكور. انتهى. كلام الشيخ محمد بن الحسن. وقال ابن بشير: ولا خلاف منصوص أن للزوجة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق، وفي تبصرة اللخمي: إن كان كسبه حراما أو كثير الأيمان بالطلاق لم يكن للأب أن يزوج ابنته منه؛ لأن الغالب في مثل هذا الحنث والتمادي معها، فإن فعل فرق الحاكم بينهما ويمنع من تزويجها ممن يشرب الخمر لأنه يدعوها إلى ذلك وهذا الخلاف المذكور في الفاسق بالجوارح، وأما الفاسق بالاعتقاد فقال مالك: لا يزوج من القدرية ولا يزوجون
(1)
يعني أنه يفسخ النكاح الواقع بين أهل السنة والقدرية أي على القول بتكفيرهم، وعلى القول بأنهم فساق فهم كالفاسق بجوارحه وأشد لأنه يجرها إلى اعتقاده ومذهبه، ولا يتزوج منهم ولا يزوجون نساء أهل السنة، وقول مالك في القدرية: جار فيمن يساويهم، في البدعة وفي بعض الروايات أن مالكا تلا قوله تعالى:{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} وهذا يدل على أنه أراد تكفيرهم، وسئل ابن زرب عن ولية لقوم نكحها رجل من أهل الشر والفساد وأنكر ذلك أولياؤها عليه وذهبوا إلى فسخ النكاح وكان قد بنى بها فقال: لا سبيل إلى حل النكاح إن كان قد دخل بها، قيل: فلو لم يدخل بها، فوقف وقال الذي لا يشك فيه أنه إذا دخل لم يفسخ والكفاءة حق للزوجة والأولياء، فإذا تركوها جاز. انتهى. قاله الحطاب.
وقال عن ابن بشير والمطلوب من الزوج أن يكون كفؤا في دينه بلا خلاف وإن كان فاسقا فلا خلاف منصوص أن تزويج الأب من الفاسق لا يصح وكذا غيره من الأولياء، وإن وقع وجب للزوجة ولمن قام له فسخه. وكان بعض أشياخي يهرب من الفتوى في هذا ويرى أنه يؤدي إلى
(1)
في النسخ: ولا يتزوجون، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 281 ط دار الرضوان.
فسخ كثير من الأنكحة. انتهى. ولا يتأتى هذا التوقف في الفاسق بالاعتقاد كما في الحطاب. وقال ابن خويز منداد: من كان معروفا بالزنى أو بغيره من الفسوق معلنا به فتزوج إلى أهل بيت ستر وغرهم من نفسه فلهم الخيار في البقاء معه وفراقه وذلك كعيب من العيوب، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله
(1)
)، قال ابن خويز منداد، وإنما ذكر المجلود لاشتهاره بالفسق وهو الذي يجب أن يفرق بيه وبين غيره، فأما من لم يشتهر بالفسق فلا. انتهى. قاله الحطاب.
وقال: ظاهر كلامهم أنه -أي نكاح الفاسق- يفسخ مطلقا قبل الدخول وبعده، وظاهر كلام ابن فرحون أنه يفسخ بطلاق، وظاهر كلامه سواء كان فاسقا بالجوارح أو بالاعتقاد، وأما الحال فلا إشكال أن للمرأة إسقاطه. انتهى.
وقال بعد جلب كثير من النقول: وإذا علم هذا فيكون قول المؤلف: "ولها وللولي تركها" ليس راجعا إلى الدين. انتهى. وقوله: "والكفاءة الدين" قال عبد الوهاب: والكفاءة المعتبرة عندنا الدين لا النسب خلافا لأبي حنيفة والشافعي، لقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير
(2)
) فاعتبر الدين والأمانة دون النسب، وقوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لدينها وجمالها ومالها فعليك بذات الدين تربت يداك
(3)
) فأخبر عن أغراض النكاح وأمر بذات الدين وجعله العمدة، قيل لابن المواز: فما جاء عن عمر رضي الله عنه (لا تزوجوا النساء إلا من الأكفاء
(4)
؛ قال قال عمر غير هذا، قال: دين الرجل حسبه وكرمه تقواه ومروءته خلقه فليس الحسب والشرف إلا بالإسلام والتقوى.
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس لأحد معه حجة، روى ابن وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء من ترضون دينه وأمانته فأنكحوه، قالوا يا رسول الله:
(1)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2052.
(2)
الإتحاف، ج 5 ص 287.
(3)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5090. وصحيح مسلم كتاب الرضاع، رقم الحديث، 1466. صحيح ابن حبان، رقم الحديث، 4025، 4026.
(4)
سنن الكبرى، للبيهقى، ج 10 ص 343.
وإن كان أسود؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير
(1)
)، وذكر ابن وهب أن بلالا خطب بنت البكير فأبى إخوتها فأخبر بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغهم الخبر فأتوا أختهم، فقالوا: ما لقينا في غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل بلال، فقالت: فأمري بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحها بلالا. نقله الشيخ أبو علي، وقال الشيخ محمد بن الحسن: والأوصاف التي ذكروها في الكفاءة ستة نظمها بعضهم بقوله:
شرط الكفاءة ستة قد حررت
…
ينبيك عنها بيت شعر مفرد
نسب ودين صنعة حرية
…
فقد العيوب وفي اليسار تردد
وقد اختلف في الجميع إلا الإسلام. التوضيح: فإن ساواها الرجل في الستة فلا خلاف في كفاءته وإلا فالخلاف فيما عدا الدين، واقتصر المص على ما ذكر لقول القاضي عبد الوهاب: المذهب أنها في الدين والحال، قال في التوضيح: والنسب يعبر عنه بالحسب والمعنى أن لا يكون الزوج مولى. ابن عرفة: وفي كونها حقا للولي والزوجة أو الزوجة الثيب دون وليها فيصح إسقاطها، ثالثها حق لله وفي كونها في الحال والمال أو فيهما وفي الدين أو في الحال والدين أو في الدين فقط، خامسها في النسب لا المال. الأول للمتيطي مع ابن فتحون عن ابن القاسم قائلين به الحكم وابن الماجشون، والثاني لرواية ابن فتوح والثالث للطرطوشي مع القاضي عن المذهب والرابع لعياض عن مالك والخامس لابن عات عن رواية ابن مغيث. انتهى.
وللشيخ أبي علي أن المعتبر في الكفاءة انتفاء المعرة فمتى وجدت المعرة انتفت الكفاءة. والله سبحانه أعلم. وقال الشيخ الأمير: ولها مع الولي تركها فمتى امتنع واحد أجيب ولا يجوز الرضا بفاسق الاعتقاد ليلا يجرها له. انتهى.
(1)
سنن الترمذي، رقم الحديث، 1085.
وليس لولي رضي فطلق امتناع يعنى أن الولي إذا أسقط حقه في الكفاءة فرضى هو ووليته بتزويجها لغير كفؤ فتزوج بها غير كفؤ لها، ثم إن الزوج طلقها وبعد طلاقه لها أراد تزويجها ورضيت الزوجة به؛ فإن الولي ليس له حينئذ أن يمتنع من تزويجها له لقوله تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآية. وإن امتنع الولي عد بذلك عاضلا، ولولا تقدم رضاه لكان له منعها لما تقدم من أن الكفاءة حق لها وللولي فليس لها إسقاطها وحدها، ولا فرق في ذلك بين الثيب والبكر ويدل له قول المص:"وليس لولي رضى" لخ، ففي كلام الشيخ عبد الباقي نظر. انظر حاشية الشيخ محمد بن الحسن.
وقوله: "وليس لولي رضي" لخ الأصل فيه أن رجلا تزوج امرأة بإذن وليها ثم إنه طلقها وأراد بعد ذلك أن يتزوجها وأرادت المرأة ذلك فامتنع الولي فأنزل الله عز وجل: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآية.
وقوله: بلا حادث يعني به أن محل كونه ليس له أن يمتنع من الزوج الذي رضي به أولا إنما هو إذا لم يحدث للزوج المذكور ما يوجب أن يكون للولي الامتناع منه من عدم أمانة أو فسق أو نحو ذلك، وقوله:"فطلق" فاعله ضمير يعود على غير الكفؤ.
وأشار المص إلى اعتبار الماء بقوله: وللأم التكلم في تزوج الأب المرغوب فيها من فقير يعني أن الأب إذا زوج ابنته المجبرة من فقير وهي موسرة مرغوب فيها فإن للأم التكلم في ذلك النكاح كذا في المدونة، ونصها: وقد أتت امرأة مطلقة إلى مالك فقالت: إن لي ابنة في حجري موسرة مرغوبا فيها فأراد أبوها أن يزوجها من ابن أخ له فقير، وفي الأمهات: معدم، أفترى لي في ذلك متكلما؟ قال: نعم إني لأرى لك تكلما. انتهى. وأرى بالإثبات تأكيد عياض كذا رويناه بالإثبات، ولا يصح الكلام إلا به لأنها سألت ألها متكلم، قال: ومن رواه لا أرى على النفي لم يستقم مع قوله: نعم، واختل المعنى وناقض بعض كلامه. وفي كثير من النسخ: إني أرى، وعليه اختصرها بعض المختصرين وهو يدفع الإشكال. قاله الشارح. وقال: وفي كلام الشيخ ما يدل على تقوية رواية الإثبات. انتهى. وقال الشبراخيتي: والإثبات رواية الأكثر.
ورويت بالنفي يعني أن المدونة رويت بالنفي أي لا أرى لك تكلما، وصدر الإمام بنعم على الروايتين وهي على رواية النفي تناقض بحسب الظاهر، وتكلف بعضهم في الجواب فقال: معنى نعم أجيبك عن سؤالك أي فلا ينافي ما بعده من النفي. انظر الشبراخيتي وغيره. وشمل قوله: "من فقير" ابن الأخ وغيره، وقد وقع في سؤال الأم للإمام أمور متعددة من جملتها كون التزويج من ابن أخ للأب فقير، فاعتبر المص الفقر لأنه سبب تكلمها دون بنوة الأخ، ومنها كون الأم مطلقة وسكت المص عنه.
ابن القاسم إلا لضرر بين يعني أن ابن القاسم قال: لا أرى لها تكلما وأرى فعل الأب ماضيا إلا لضرر بين فيكون لها التكلم، فهو مستثنى من محذوف أي أراه ماضيا إلا لضرر بين كما عرفت من التقرير، وعبارة الأمير: وإن زوج مرغوبا فيها لفقير فالراجح لما كلام للأم، كما قال ابن القاسم: واختاره سحنون وهو إحدى الروايتين عن مالك. انتهى.
وهل وفاق تأويلان يعني أن الشيوخ اختلفوا في قول ابن القاسم هل هو وفاق لقول مالك أو خلاف له؟ فمنهم من حمله على الوفاق ومنهم من حمله على الخلاف وهو مذهب سحنون، وقال: بقول ابن القاسم أقول؛ يعني بالضرر ضرر البدن، وأما الفقر فلا، وقال مثله ابن حبيب، وقال أبو جعفر الطيار: الفقر ضرر بين واحتج بعضهم لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: (أما معاوية فصعلوك لا مال له
(1)
). قاله الشارح. وقال محمد بن الحسن: ابن حبيب: قول ابن القاسم خلاف، أبو عمران: وفاق. قاله المواق. انتهى. وإذا فرعنا على الخلاف يكون كلام الإمام -سواء كانت الرواية عنه بالإثبات أو بالنفي- على ظاهره وإطلاقه أي كان هناك ضرر أم لا، وابن القاسم يقول بالتفصيل وعلى الوفاق يقيد كلام الإمام بعدم الضرر البين على رواية النفي وبالضرر البين على رواية الإثبات، فيوافق ابن القاسم. قاله عبد الباقي وغيره.
وذكروا للتوفيق وجها آخر ذكره أبو عمران، قال: لأن ابن القاسم تكلم على ذلك بعد الوقوع ومالك إنما تكلم قبله، وقال: لها متكلم ولم يقل إن النكاح مفسوخ. انتهى. قاله الشارح. وهذا
(1)
صحيح مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1480.
التوفيق الثاني إنما يتأتى على رواية الإثبات لا على رواية النفي. قاله محمد بن الحسن رادا على عبد الباقي في قوله: إنه إنما يتأتى على رواية النفي.
قال جامعه عفا الله عنه: والظاهر ما لبناني لا ما لعبد الباقي. والله سبحانه أعلم. وأما التوفيق بأنه عند مالك يخشى عليه أكل مالها وعند ابن القاسم لا يخشى منه أكل مالها، فرده أبو القاسم بن محرز بأنه إحالة للمسألة إذ لا معنى لذكر الفقر حينئذ قاله الشبراخيتي وغيره. وعلى كل حال فابن القاسم قيد مضي النكاح بعدم الضرر، سواء أريد المضي بعد الوقوع أو الجواز ابتداء. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال: قال التتائي: وسكوت المص عن قوله في المدونة مطلقة يحتمل أنه لعدم اعتبار مفهومه ويحتمل اعتباره، فقد حكى ابن عرفة فرعا يفهم منه ذلك، وهو قوله: وفي منعها مطلقة إنكاحها في غربة مسافة خمسة أيام ونحوها نقلا ابن عات عن الداودي وبعض المفتين. انتهى.
والمولى يعني أن المولي وهو العتيق كفؤ للعربية، والمراد بالعربية من لم يتقدم عليها رق لأحد لقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . هكذا في المدونة. قاله الشارح. وقال التتائي: وأعظم مالك تفريقهم بين عربية ومولى قائلا: المسلمون بعضهم لبعض أكفاء، قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . انتهى. قال الشارح: ورد اللخمي هذا الاستدلال بأن الآية لا مدخل لها هنا لأن متضمنها الحال غدا في الآخرة، ومنازل الدنيا وما تلحق به المعرة غير ذلك، ونقل بعض المتأخرين عن المذهب أنه ليس بكفؤ. ابن الماجشون: معنى قول مالك في إجازة نكاح المولي من العربية أن ذلك على التقوى في الدين، وأن يكون لله لقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، ولقوله عليه السلام:(إذا جاءكم من ترضون دينه وهديه فزوجوه وإن كان عبدا أسود أجدع أجذم)، قال: فإن لم يكن على التقوى كان نكاحا مردودا قبل البناء وبعده لأنه لا حظ له في الآية التي في كتاب الله تعالى ولا في حديث رسوله صلى الله عليه وسلم، ووجب على السلطان أن يعاقب الناكح والمنكح والشهود لما انتهك من الحرمة وذلك إذا بنى أو مس، وجعل الشيخ رحمه الله النسب مرادفا للحسب، لقوله في النسب يعبر عنه بالحسب، وفي كلام غيره ما يخالف ذلك، قال: والفرق بينهما أن النسب يرجع إلى الآباء والأمهات، والحسب يرجع إلى المناقب
والصفات الحميدة مأخوذ من الحساب؛ لأن العرب كانت إذا تفاخرت حسبت مآثرها، تقول: حمينا بني فلان وأضفنا بني فلان وأجرنا وأكرمنا فلانا إلى غير ذلك فسمي حسبا. انتهى.
وغير الشريف يعني أن غير الشريف وهو الدني في نفسه أو صنعته كفؤ للشريفة كشريفة من عربي دونها. قاله الشيخ إبراهيم. والأقل جاها يعني أن الأقل جاها كفؤ لمن هو أكثر منه جاها، والجاه هو القدر والمنصب فهي أي الثلاثة ألفاظ مترادفة، وظاهر كلام ابن الحاجب أنه أي الجاه من الأوصاف المختلف فيها، قال الشيخ: ولم أر قولا باعتباره. قاله الشارح.
وبما قررت علم أن قوله: كفؤ خبر عن قوله: "والمولى" لخ، وفي كلام المص إشعار بجواز إطلاق المولي معرفا على غير الله عز وجل، وكذا السيد كما مر في قوله:"وللسيد رد نكاح عبده". انظر شرح عبد الباقي.
وفي العبد تأويلان يعني أنه اختلف في كفاءة العبد للحرة، فنقل عبد الوهاب عن ابن القاسم نصا أنه كفؤ لها، وقال ابن شاس: هو ظاهر قوله في المدونة، لقوله فيها: المسلمون بعضهم لبعض أكفاء، وقال المغيرة: يفسخ نكاح العبد للحرة؛ لأن للناس مناكح قد عرفت لهم وعرفوا لها، وهذا الذي صرح به المتأخرون للقطع بكثرة المعرة والمضرة في ذلك، وفي الكتاب: وقال غيره -أي ابن القاسم-: ليس العبد ومثله إذا دعت إليه وهي ذات المنصب والقدر مما يكون الولي في مخالفتها عاضلا؛ لأن للناس مناكح عرفت لهم وعرفوا لها، وصحح القاضي عبد الوهاب وغيره قول المغيرة، واختلف هل قول المغيرة خلاف لقول ابن القاسم وإليه ذهب اللخمي وغيره؟ أو هو وفاق وإليه ذهب ابن سعدون وغيره؛ لقول ابن القاسم: إذا رضي الولي بعبد ومن ليس بكفؤ فزوجه ثم طلق فامتنع الولي منه بعد ذلك لم يسمع منه، ويؤاخذ باعترافه أولا أن زواجه مصلحة إلا أن يظهر على خلاف ما علم منه أولا، فقوله: إذا رضي يدل على أن له حقا في ذلك، وإلى كلام ابن سعدون وكلام اللخمي ومن وافقهما أشار المص بقوله:"تأويلان". قاله الشارح.
وعلم من هذا أن معنى قول المصنف: "وفي العبد تأويلان" أنه اختلف شراح المدونة في قول ابن القاسم فيها: المسلمون بعضهم لبعض أكفاء، هل يحمل على ظاهره فيكون العبد كفؤا للحرة كما نقله عبد الوهاب عنه صريحا فيكون مخالفا للمغيرة، أو يقيد بغير العبد فلا يكون مخالفا للمغيرة
بل موافق له؟ وتأويل الخلاف للخمي وغيره وتأويل الوفاق لابن سعدون وغيره، ومثل ما للمغيرة لسحنون. انتهى. وفي التوضيح: عبد الوهاب وغيره: قول المغيرة هو الصحيح. انتهى. ورجحه اللخمي أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم خير بريرة في زوجها حين عتقت ولم يختلف المذهب أن ذلك لنقصه عنها ولأنه ليس بكفؤ لها ولا خيار لها إذا كان حرا، وبأنه لا خلاف في العبد يتزوج الحرة وهي لا تعلم أن ذلك عيب يوجب الرد وإن كانت دنية؛ ولهذا قال الشيخ ابن رحال: المذهب من التأويلين أن العبد ليس بكفؤ، وإنما اعتبر المص المقابل وذكره لكونه قول ابن القاسم وإلا فهو مرجوح غاية. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن. وبذلك تعلم أن قول الزرقاني في التأويل الأول هو المذهب على ما قال المواق غير صواب فقها وعزوا؛ لأن ما نسبه للمواق ليس فيه؛ ولعل مراده اللقاني. والله أعلم. انتهى.
وقال الشبراخيتي: المذهب أن العبد ليس بكفؤ. انتهى.
تنبيه: ورد في الحديث: (إذا جمع الله تعالى بين الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم ناداهم بصوت يسمع أقصاهم كما يسمع أدناهم، فيقول: يأيها الناس إني قد أنصت لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا فأنصتوا لي اليوم إنما هي أعمالكم ترد عليكم، يأيها الناس إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا فوضعتم نسبي ورفعتم نسبكم، قلت: إن أكرمكم عند الله أتقاكم وأبيتم إلا أن تقولوا فلان بن فلان وفلان أغنى من فلان، فاليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي أين المتقون؟ فينصب للقوم لواء فيتبع القوم لواءهم إلى منازلهم فيدخلون الجنة بغير حساب
(1)
).
ولما ذكر أحكام النكاح والأولياء فيه وما يلحقه من صحة وفساد والكفاءة، أتبعه بضابط عرف به المحرمات على الشخص من النساء نسبا وصهرا ورضاعا، وبدأ بمحرمات النسب فقال: وحرم أصوله يعني أنه يحرم علي الذكر أن ينكح أصوله أي أمهاته وإن [علين
(2)
]، لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} فالمراد بالأمهات من له عليه ولادة من النساء مباشرة أو بواسطة،
(1)
المعجم الأوسط للطبراني، رقم الحديث، 4511.
(2)
كذا في النسخ وعبد الباقي.
فيحرم عليه نكاح أمه وأمها وإن علت وأم أبيه ومها وإن علت وأم أمه وأم أبي أبيه وكل من لها ولادة على من ذكر وإن علت.
وفصوله يعني أنه يحرم على الذكر نكاح فصوله أي بناته لقوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ} والمراد بالبنات من خرج منه من الإناث وإن سفلن من جهة المذكور أو من جهة الإناث، وهذا الذي قررت به المص من أن الضمير عائد على الذكر فقط هو للشيخ أحمد قائلا بعده: هذا هو الذي ينبغي أن يراد دون المذكور لأنه إن أريد بالأصول المذكور والإناث لم يحتج لقوله: "وفصوله" إذ هو مفيد لحرمة الأم وإن علت وحرمة الأب وإن علا، وهذا الثاني هو نكاح الفصول وإذا تعلقت الحرمة بالأم لزم قطعا تعلقها بالأب أي لأنها دائرة بينهما لا تختص بأحدهما دون الآخر. انتهى.
وقرر الشيخ سالم المص بأن معناه يحرم على الشخص ذكرا أو أنثى نكاح أصوله وفصوله، وعلى تقرير الشيخ سالم فوجه الجمع بين أصوله وفصوله أن يقال جمع بينهما ليطابق الآية تبركا بها وإن لزم من حرمة أحدهما حرمة الآخر؛ إذ يلزم من حرمة الأصل على الشخص حرمة ذلك التنمخص الذي هو فرع على أصله لأن الحرمة نسبة بين شيئين تتعلق بكل منهما. قال الشيخ عبد الباقي عقب نقله تقرير الشيخ أحمد: وفيه شيء لأن هذا لازم على تقريره أيضا. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: غير ظاهر؛ إذ لا شيء فيه، فكلام أحمد هو عين التحقيق. والله أعلم. انتهى. قال: وعلى كلام أحمد الجمع بينهما يعني بين أصوله وفصوله ضروري لا بد منه، وإنما يأتي الاعتذار المذكور على تقرير السنهوري. أنتهى؛ يعني الاعتذار بأنه جمع بين اللفظين ليطابق قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} . والله سبحانه أعلم. وقال الشبراخيتي: إذا حمل الأصول والفصول على الإثاث لا يغني أحد اللفظين عن الآخر. انتهى.
ثم قال الشيخ أحمد بعد تقريره للمص: فإن قيل فعلى هذا يشكل قوله وزوجتهما إذ الضمير عائد على الأصول والفصول وقد أردتم بها الإناث دون الذكور، فالجواب أن هذا من باب الاستخدام كقول ابن الحاجب: وفي لبن الجلالة وبيضها أي بيض ما يبيض من الجلالة كحمام وإوز لا بقيد كون الجلالة لها لبن لعدم تأتيه فيما يبيض، ولا يخفى بيان ذلك على من له أدنى ممارسة بالفن. انتهى.
ولو خلقت من مائة يعني أنه يحرم علي الذكر نكاح فصوله أي بناته ولو خلقت من مائة المتجرد عن عقد وما يقوم مقامه من شبهة وما قبل المبالغة ما لم يتجرد عن ذلك، فمن زنى بامرأة فأتت ببنت منه فإن تلك البنت تحرم عليه وعلى أصوله وفروعه.
وعلم مما قررت أن في المص حذف الصفة للعلم بها من قوله: "ولو خلقت"، وفي القرطبي: واختلف الفقهاء في نكاح الرجل ابنته أو أخته أو بنت ابنه من الزنى، فحرم ذلك قوم منهم ابن القاسم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأجاز ذلك آخرون منهم عبد الملك بن الماجشون وهو قول الشافعي، وصرح في سورة النساء بأن القول بأن المخلوقة من مائة لا تحل هو المشهور، وقال في قول ابن الماجشون: هو الصحيح، واستدل الأول بحديث جريج وقوله للغلام: (من أبوك؟ فقال: فلان الراعي
(1)
) قاله الحطاب.
وعلم مما مر أن المص رد بلو على ابن الماجشون، قال سحنون: وقول ابن الماجشون خطأ صراح.
انتهى. قال في التوضيح: وقولُ سحنون: خطأ، ليس بظاهر؛ لأنها لو كانت بنتا لورثته وورثها وجاز له الخلوة بها وإجبارها على النكاح وذلك كله منتف عندنا. انتهى. ونحوه قول ابن عرفة: وفي تخطئته نظر لمن أنصف. انتهى. نقله الشيخ بناني. وفي الحطاب ما يفيد الجواب عن بحث الشيخين المذكورين بقوله عن القرطبي: فإن قيل يلزم -يعني على قول ابن القاسم ومن وافقه- أن تجري أحكام البنوة والأبوة من التوارث والولايات وغير ذلك، وقد اتفق المسلمون على أن لا توارث؛ فالجواب أن ذلك يوجب ما ذكرناه وما انعقد عليه الإجماع من الأحكام استثنيناه وبقي الباقي على أصل ذلك الدليل. والله أعلم. انتهى. انتهى.
ومثل من خلقت من مائة المتجرد عن عقدٍ ذكرٌ خلق من مائة كذلك، فيحرم على صاحب الماء تزوج ابنته عند من يجعله كولد الصلب ولا يتزوج بنت صاحب الماء، ومثل من خلقت من مائة أيضا من أرضعته المزني بها من ذلك الوطء لأن اللبن لبنه، وهذا هو الذي رجع إليه الإمام وهو الأصح، وبه قال سحنون وغيره، وهو ظاهر المذهب. وأشعر قوله:"خلقت من مائة" أن من زنى بامرأة وهي حامل يجوز له نكاح ابنتها التي تلدها بعد الزنى، وصرح القابسي بحرمتها ولعل
(1)
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، رقم الحديث، 2550. وصحيح البخاري، كتاب المظلم، رقم الحديث، 2482.
وجهه أن زرع غيره سقي بمائه، وقوله:"ولو خلقت من مائة" وأما من خلقت من ماء أخيه، فذكر البحيري في شرح الإرشاد أنها تحل وهو أحد قولين، ومقتضى كلام بعضهم ترجيحه كما في الحطاب. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ورد بلو على قول ابن الماجشون بحلها لعدم التوارث بينهما وعدم جبرها في النكاح والنفقة عليها وحمل جنايتها وولاية الصلاة عليها واستيفاء قصاصها والعفو عنه ومنع الخلوة بها، ووجوب القصاص لها على الزاني إذا قتلها وقطعه لسرقة نصاب من مالها. وقوله:"ولو خلقت من مائة" لو قال: ولو من زنى لكان أخصر وأصح. قاله الشيخ إبراهيم.
فائدة: قال صاحب القبس: المحرمات أربعون امرأة، أربع وعشرون مؤبدات التحريم سبع بالنسب: الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ومثلهن من الرضاع، وأربع بالصهر زوجة الابن وزوجة الأب وأم الزوجة وابنتها، وثلاث بالجمع الجمع بين الأختين والمرأة وعمتها أو خالتها فهذه إحدى وعشرون، والملاعنة والمنكوحة في العدة وأزواجه صلى الله عليه وسلم، وست عشرة محرمات لعارض: الحائض والمتزوجة والمعتدات والمستبرءات والحوامل والمبتوتة والمشتركة والأمة الكافرة والأمة المسلمة لواجد الطول وأمة الابن والمحرمة والمريضة وذات محرم من زوجة لا يجوز الجمع بينهما واليتيمة قبل البلوغ والمنكوحة بعد التراكن والتقارب، زاد الأقفهسي: والمرتدة وأمة نفسه وسيدة وأم سيد. انظر الشبراخيتي.
قال جامعه عفا الله عنه: والظاهر أنه سقط من كلأم صاحب القبس: الكافرة المجوسية الحرة. والله سبحانه أعلم لأن بها تتم العدة.
وزوجتهما اي الأصل والفصل؛ يعني أنه يحرم على الرجل أن يتزوج امرأة تزوجها أحد من آبائه وإن علا أو بنيه وإن سفل، لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} أي ما قد سلف من فعلكم ذلك في الجاهلية فإنه معفو عنه كما في الشبراخيتي، وكذا يحرم زوج الأصول الإناث على الفروع الإناث وزوج الفروع الإناث على الأصول الإناث على ما سيذكره المص، بقوله:"وبتلذذه وإن بعد موتها لخ". وقوله: "وزوجتهما" بالتاء خاص بالأنثى، والزوج
بلا تاء يطلق على الذكر والأنثى، والمص هنا بالتاء كما علمت، وقوله:"وزوجتهما" فيه استخدام على تقدير أحمد المتقدم لأن الأصول والفصول المتقدمة إناث وهذه ذكور على حد قول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم
…
رعيناه وإن كانوا غضابا
وأراد بالسماء المطر وأعاد عليه الضمير بمعنى النبات. قاله بناني.
وقوله تعالى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} فيه استثناء الماضي من المستقبل، والظاهر أنه منقطع، وقوله:"وزوجتهما" أي بخلاف أصولهما وفصولهما.
وفصول أول أصوله يعني أن أول أصول الشخص وهو الوالد دنية أبا أو أما يحرم عليه نكاح فصوله وإن نزلوا، فكل من ولده أبوك أوأمك يحرم عليك نكاحه وإن سفل، وهم الإخوة والأخوات مطلقا أشقاء أو لأب أو لأم وذرية الجميع وإن سفلت.
وأول فصل من كل أصل يعني أنه يحرم على الشخص نكاح أول فصول أصوله وإن علت الأصول، فيحرم عليه من ولده مباشرة كل من كانت له عليه ولادة، وسواء في ذلك الآباء وإن علوا
(1)
والأمهات وإن علون والضابط فيما ذكر أنه إن تركب لفظ التسمية العرفية من الطرفين حلت وإلا حرمت، والأقسام أربعة: التركيب من الطرفين كابن العم وبنت العم وبنت الخال وابن العمة ونحو ذلك، فالحلية، مقابلةُ عدم التركيب من الطرفين كالأب والبنت فلا إشكال في التحريم، التركيب من قبل المرأة فقط كبنت الأخ مع العم فالتحريم، مقابله كابن الأخت والخالة فالتحريم أيضا، ومعنى التركيب أنه إنما يعرف باسمين كابن العم فإنه تركب من ابن وعم، ومعنى عدم التركيب أنه يعرف باسم مفرد كأب وبنت ونحو ذلك.
وأصول زوجته يعني أن من تزوج امرأة فإن أصولها أي من له عليها ولادة مباشرة أو بواسطة من قبل أبيها أو أمها من نسب أو رضاع يحرم عليه نكاحها بمجرد العقد، ولا يشترط في ذلك تلذذ لأن العقد على البنات يحرم الأمهات، لقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} .
(1)
في النسخ علون.
واعلم أن حرمة أصول زوج المرأة عليها مستفادة من قوله: "وزوجتهما" إذ معناه أنه يحرم على الشخص زوجة فصوله، وإذا ثبت حرمة زوجة فصول الشخص عليه ثبت حرمة أصول زوجها عليها وهذا ظاهر. قاله الشيخ إبراهيم. أي فلا يقال الأولى حذف التاء ليشمل حرمة أصول الزوج على زوجته من آبائه وأجداده وإن علوا
(1)
).
وبتلذذ يعني أن من عقد على امرأة تحرم عليه بناتها وإن سفلن بواسطة ذكر أو أنثى لا بمجرد العقد بل بالتلذذ، والمراد ببناتها كما علمت الإناث التي ولدهن من لها عليه ولادة مباشرة أو بواسطة، وسواء في ذلك النسب والرضاع، وأما قوله تعالى:{اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} فإنه وصف خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وقوله:"بتلذذه" الباء للسببية، وأشار بهذه المسألة والتي قبلها إلى قولهم: العقد على البنات يحرم الأمهات والدخول بالأمهات يحرم البنات.
وإن بعد موتها يعني أنه إذا عقد على امرأة وتلذذ بها فإنه تحرم عليه فصولها بسبب التلذذ سواء كان التلذذ في حال حياة المرأة الذكورة أو بعد موتها لأنه التذ بها وهي زوجة بدليل جواز تغسيلها. قال ابن القاسم. وإذا تزوج الرجل المرأة فقبلها وهي ميتة حرمت ابنتها لأنه التذ بها وهي زوجة يجوز له غسلها، ورد المص بالمبالغة ما حكاه ابن بشير فإنه قال: والقياس عدم الحرمة لأن وطأها لا يوجب إحصانا، ويجوز له الجمع بينها وبين أختها حينئذ والخامسة: ولو بنظر يعني أنه لا فرق في التحريم في حصول التلذذ بين أن يكون بنظر وغيره وقيل لا ينشر النظر الحرمة، والأول هو المشهور، قال الشبراخيتي: كان ينبغي له أن يؤخره يعني قوله: "وإن بعد موتها" عن قوله: "ولو بنظر" لأجل أن يرجع لا قبل المبالغة وما بعدها. والله سبحانه أعلم.
وبما قررت علم أن قوله: فصولها فاعل "حرم" مقدرا بعد الواو من قوله: "وبتلذذه"، ويتعلق به المجرور قاله الشبراخيتي.
والفرق بين الأم تحرم بالعقد على البنت والبنت لا تحرم إلا بالتلذذ بالأم أن الأم أشد برا بابنتها من البنت بأمها فلم يكن العقد كافيا في بغضها، فاشترط في التحريم إضافة الدخول إلى العقد،
(1)
في النسخ علون.
وكان العقد كافيا في الابنة لضعف ودها. وذكر في البيان أن عدم الجمع بين ذوات الأرحام إنما هو للتقاطع بين ذوات الأرحام. قاله أبو علي.
وأقسام المقدمات أربعة: أن يقصد اللذة ويجدها فالحرمة، وأن يقصد ولم يجد، وأن يجد ولم يقصد، فقولان في كل منهما أقواهما في الوجدان التحريم، وأن ينتفيا فلا حرمة. والأقسام الأربعة في الجسد مطلقا ظاهره وباطنه والباطن هو ما عدا الوجه واليدين، قال الشيخ محمد بن الحسن: والمقيد بباطن الجسد إنما هو النظر خاصة، ففي المواق عن ابن رشد: وفي معنى الوطء مقدماته من نحو القبلة والمباشرة إذا كان ذلك للذة، وكذلك النظر إلى باطن الجسد بشهوة على المشهور، ثم قال
(1)
: ابن بشير: النظر إلى الوجه لغو اتفاقا ولغيره على المشهور يحرم. انتهى. ومثله في التوضيح انتهى.
وقال الشارح: إنما لم يقيد الشيخ قوله: "ولو بنظر" بما إذا كان لباطن الجسد كما قال غيره وإن كان ابن بشير حكى الاتفاق على أنه إذا نظر إلى وجهها لا تحرم لأن ذلك محمول على ما إذا نظر إلى وجهها على غير الالتذاذ ولا يحرم التلذذ بالكلام، وظاهر المص كغيره حرمة الفصول بالتلذذ ولو كانت الأم وقت التلذذ بها صغيرة، وقال الشيخ علي الأجهوري: التلذذ بباطن الجسد يحرم ولو من فوق حائل يصف فيما يظهر. انتهى.
والحاصل في التلذذ بالنظر أنه إن كان في باطن الجسد حرَّمَ وإن كان في ظاهره وهو الوجه واليدان لم يحرم إما اتفاقا وإما على المشهور، وفي شرح الشيخ عبد الباقي أن القصد من غير وجدان لا يحرم كما يفيده ابن حبيب، وظاهر ابن شاس والباجي التحريم به. انتهى. وفي الشبراخيتي أنه لابد من قصد التلذذ في جميع المقدمات من قبلة ومباشرة وتجريد وغمز وملاعبة ونظر، وهو ما يفيدد كلام الجواهر، ونقله الشارح عن الباجي. انتهى. وقوله:"وبتلذذه" لخ قال الشيخ عبد الباقي: لا يدخل فيما قبل المبالغة التلذذ بالكلام فإنه غير محرم اتفاقا. انتهى. وقوله: "وبتلذذه" المعتبر تلذذ البالغ، وأما الصبي ففي وطئه ومقدماته إذا كان يقوى على الجماع أو بلغ أن يتلذذ قولان، والراجح عدم التحريم، وإن لم يبلغ أن يتلذذ فوطؤه ومقدماته كالعدم، وهذا فيما يتوقف
(1)
أي المواق.
فيه التحريم على التلذذ كالعقد على الأم لا فيما تحرم بالعقد كنكاح البنت فتحرم أمها على الصبي بمجرد عقده على البنت وهذا في الصبي الذكر كما هو الموضوع، وأما الصغيرة الأنثى فتحرم فصولها بالتلذذ بها ولو كانت حين التلذذ بها صغيرة جدا، وبهذا علم أن الأقسام أربعة: صغيران وكبيران، صغير وكبيرة، كبير وصغيرة وقد علم أحكامها. انظر شرح الشيخ عبد الباقي. وعبارة الشيخ الأمير: وحرم عقد الصبي لا وطؤه ولو راهق على الراجح فلا يحرم عليه فصول موطوءته بخلاف الصبية فبوطئها يحرم من ستلدها.
كالملك يعني أن الملك كالنكاح في جميع ما تقدم من قوله: وزوجتهما وأصوله وفصوله إلى هنا، لكن المحرم هنا إنما هو التلذذ فقط، فمن تلذذ بأمة يملكها بقبلة أو مباشرة أو ملاعبة أو بنظر باطن فإنها تحرم على آبائه وأبنائه، ويحرم عليه هو أصولها وفصولها، ويُحَرم التلذذ وإن بعد الموت، وكون الأمة لا تصير بمجرد الملك كالحليلة هو قول مالك وأبي حنيفة والمعتمد عند الشافعية، وللشافعي أنها تصير بمجرد الملك كالحليلة. والفرق بين النكاح والملك أن عقد النكاح لا يراد إلا للوطء، والجواري تشترى لغيره وتشترى من لا يحل وطؤها للمشتري كعمة وخالة ونحوهما ممن لا يجوز عقد نكاح عليها، وشمل قوله:"كالملك" من تلذذ بأمته المجوسية فتحرم عليه بناتها وأمهاتها وتحرم هي على آبائه وأبنائه إن أسلمت، وفي وطء الصبي المالك ومقدمته إذا كان يقوى على الجماع أو بلغ أن يتلذذ بالجواري قولان، والراجح عدم التحريم وإن لم يبلغ أن يتلذذ بالجواري فوطؤه كالعدم اتفاقا. ومثل الوطء مقدماته فيما يظهر. انظر حسن نتائج الفكر للشيخ عبد الباقي.
والأقسام أربعة: صغيران وكبيران، وصغير وكبيرة، وكبير وصغيرة، فوطء الصغير لا يحرم بخلاف وطء الصغيرة فيحرم، وقد علمت أحكام الأقسام الأربعة وبالله تعالى التوفيق.
حكاية: وقع لبعض الأكابر أنه أهديت له جارية فتذكر أنه كان وطئ أمها بالملك فردها لمهديها وكتب له:
يا مهدي الرشإ الذي ألحاظه
…
تركت فؤادي نصب تلك الأسهم
ريحانة كل المنى في شمها
…
لولا المهيمن واجتناب المحرم
ما عن قال صرفت إليك وإنما
…
صيد الغزالة لم يبح للمحرم
يا ويح عنترة الذي قد شفه
…
ما شفني فشدا ولم يتكلم
يا شاة ما قنص لمن حلت له
…
حرمت علي وليتها لم تحرم
والدليل على أن مجرد الملك لا ينشر الحرمة ما في الموطإ أن عمر رضي الله عنه وهب لابنه جارية فقال: (لا تمسها فإني قد كشفتها). الباجي: معناه أنه نظر إلى بعض ما تستره من جسدها على وجه طلب التلذذ والاستمتاع، فأبدى رضي الله عنه العلة الموجبة للتحريم وهو الكشف، فلو كان الملك كافيا لم يحتج إلى ذلك. نقله الشارح.
مسألة: قال ابن عرفة: ابن رشد: بنت امرأة أبيه من غيره قبله يحل نكاحها إجماعا، وبعده في حلها وحرمتها، ثالثها تكره؛ الأول لرواية عيسى عن ابن القاسم مع ملك والكافة، والثاني لسماع أبي زيد ابن القاسم، والثالث لنقل ابن حبيب عن طاووس.
وحرم العقد يعني أن من عقد على امرأة يحرم عليه أصولها بمجرد العقد وتحرم هي بمجرد عقده عليها على أصوله وفصوله، وقد مر أن فصولها لا تحرم عليه إلا بالتلذذ، وظاهر المص أن العبد إذا عقد بغير إذن سيده وفسخ السيد نكاحه فإنه تحرم على العبد أمها وهو كذلك كما في التهذيب، وكذا تقع الحرمة إذا زوج غائب فقدم ولم يرض ففسخ ذلك وهو أجنبي أو ابن رشيد. انتهى. ويعلم من هذا أن السفيه والصبي يتزوجان بغير إذن وليهما ثم يرد الولي نكاحهما فإنه تقع الحرمة بمجرد عقدهما. والله سبحانه أعلم. قال البناني: ونصه -يعني التهذيب-: فإن فسخ السيد نكاح عبد قبل البناء لم يحل للعبد أن يتزوج أمها. انتهى. ثم قال: وقد روي عن مالك في رجل زوج ابنه البالغ المالك لأمر نفسه وهو غائب بغير إذنه فرد ذلك الابن، قال: لا ينبغي للأب أن يتزوج تلك المرأة وإن زوج أجنبيا غائبا فأجاز إذ بلغة لم يجز إن طال ذلك ولا يتزوجها آباؤه ولا أبناؤه ولا ينكح هو أمها وينكح بنتها إن لم يبن بها. انتهى. منه.
وعبارة ابن أبي زيد في المختصر: وتقع الحرمة بنكاح العبد بغير إذن سيده ثم يفسخه السيد أو غانب زوج فرضي بعد طول المدة ففسخ ذلك، قال مالك في غير المدونة: وكذلك إذا قدم الغائب فلم يرض ففسخ ذلك وهو أجنبي أو ابن كبير بائن. انتهى منه. انتهى كلام الشيخ محمد بن الحسن. وقد مر عن الشيخ أبي علي عند قول المص: "ولم يُقربه حال العقد" أنه لا تحرم المفتات عليها إن ردت على آبائه وأبنائه، وأنه لا تحرم عليه هو أمها ونسبه لابن الماجشون، قال: وهو الصحيح فراجعه إن شئت.
وإن فسد يعني أنه لا فرق في التحريم بالعقد فيمن يحرم بالعقد بين أن يكون العقد صحيحا وبين أن يكون فاسدا، بشرط أشار إليه بقوله: إن لم يجمع عليه أي يشترط في التحريم بالعقد الفاسد عندنا في اللواتي يحرمن بالعقد أن يكون فيه الخلاف ولو خارج المذهب كما مر، قال الشيخ عبد الباقي: ومثل عقد النكاح عقد البيع يفصل فيه بين أن يكون البيع مختلفا في فساده فيحرم الوطء المستند إليه، وبين أن يكون متفقا على فساده فيحرم إن درأ الحد وإلا لم يحرم، ويجري في المقدمات ما جرى في الوطء. قال الحطاب: جعل في التوضيح هنا من المختلف فيه نكاح الخامسة وهو مخالف لما قدمه في قوله: "كخامسة" ومخالف لما قاله أيضا عند قول ابن الحاجب في تمييز ما يفسخ بطلاق أو بغير طلاق، ومخالف لما قاله في أوائل النكاح من المدونة من أنه متفق على فساده ولا يحرم عقده. انتهى.
وإلا أي وإن لم يكن العقد مختلفا في فساده بل كان مجمعا على فساده، فإنه لا يعتبر في انتشار الحرمة وإنما المعتبر في ذلك وطؤه أي الوطء المستند لذلك العقد الفاسد. إن درأ الحد يعني أن الحرمة الحاصلة بالوطء محلها حيث درأ العقد عن الواطئ الحد كناكح معتدة أو ذات محرم غير عالم، وإن لم يدرأ العقد الحد فهو كالزنى، وإليه أشار بقوله: وفي الزنى خلاف يعني أن الإنسان إذا وطئ امرأة بزنى فإنه اختلف في المذهب هل ينشر ذلك الحرمة فتحرم على آبائه وأبنائه وتحرم عليه هو أمهاتها وبناتها أو لا ينشرها؟
ففي المدونة: من زنى بأم زوجته فليفارقها، فحمله الأكثر على الوجوب وحمله اللخمي وابن رشد على الكراهة وهو مذهب ابن المواز، وفي الموطإ: فأما الزنى فلا يحرم شيئا؛ لأن الله تعالى قال:
{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} ، فإنما حرم ما كان تزويجا ولم يذكر تحريم الزنى، وشهر ابن عبد السلام عدم التحريم، وقال في الكافي: إنه الأصح وعليه العمل عند فقهاء المدينة. نقله الشيخ بناني. قال: وبه تعلم أن المعتمد هو عدم التحريم من غير كراهة، وقال الشارح بعد جلب أنقال: وبالجملة فإن مذهب الموطإ أرجح وعليه جل أصحاب مالك، بل صرح غير واحد من الأشياخ أن جميعهم عليه وهكذا حكى عنه سحنون، وزاد: ولا اختلاف بينهم في ذلك، وقال ابن ناجي: اختلف المذهب في وطء الزنى على ثلاثة أقوال: فقيل لا ينشر الحرمة كما في الرسالة وقاله مالك في الموطأ وبه قال جميع أصحابه وهو مذكور في المدونة وذكر ابن عبد السلام أنه المشهور، وقيل ينشرها كالصحيح قاله في سماع أبي زيد ورواه ابن حبيب قاتلا رجع إليه مالك عما في الموطإ وأفتى به إلى أن مات، والقول الثالث أنه ينشر الكراهة رواه ابن المواز. وهذان القولان تؤولت المدونة عليهما فتأولها اللخمي وابن رشد على الكراهة كما مر، وتأولها غيرهما على المنع، قال عياض: والأكثرون على الكراهة. انتهى. نقله الشيخ محمد بن الحسن.
قال: وبنقل عياض تعلم أن قول التوضيح: حملها الأكثر على التحريم غير ظاهر فانظره. انتهى. ولو وطيء مكرها خرجه المازري على أن المكره زان أو معذور، فعلى الأول يدخل فيه الخلاف الذي ذكره المص، وعلى الثاني لا حد فيه وينشر الحرمة وعقد المكره لا يحرم فيما يظهر. قاله الشيخ عبد الباقي. وقد مر أن ابن حبيب، قال: إن الإمام مالكا رجع عن ما في الموطإ من الإباحة وأفتى بالحرمة إلى أن مات، وقد تقرر أن المرجوع عنه لا ينسب لقائله ففلا عن أن يكون معتمدا مشهورا، ويجاب بأن أتباع الإمام أخذوا من قواعده أن المعتمد ما رجع عنه. قاله الشيخ علي الأجهوري. أي وإن كان لا ينسب لنفس الإمام وإنما ينسب إلى مذهبه. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله:"وحرم العقد" لخ تكرار مع قوله: "والتحريم بعقده ووطئه". قاله الشيخ عبد الباقي.
وإن حاول تلذذ بزوجته فالتذ بابنتها فتردد يعني أن من أراد أن يتلذذ بزوجته فالتذ بابنتها سواء كانت منه أو من غيره، فإن الأشياخ المتأخرين ترددوا في ذلك، فذهب بعضهم إلى أنه تحرم عليه زوجته بذلك، وذهب بعضهم إلى أنها لا تحرم، فالتردد لتردد المتأخرين خرجوا هذا الفرع على مسألة الشبهة وهي من وطئ أجنبية تحل في المستقبل غلطا يظنها زوجته، فذهب أكثر
الشيوخ إلى أنه ينشر الحرمة، وذهب سحنون إلى أنه لا ينشرها، وبهذا تعلم أن قول سحنون ليس منصوصا عليه في فرع المص، بل هو مخرج على قوله المنصوص في وطء الشبهة أنه لا ينشر الحرمة. وانظر حاشية الشيخ بناني.
وقوله: "فالتذ" قال عبد الباقي: بوطء أو مقدمته. انتهى. قال بناني: مثله في التتائي والسنهوري والأجهوري وهو غير ظاهر، بل الصواب أن المتردد في التلذذ من غير وطء وأم الوطء ففيه الخلاف والمشهور التحريم. انتهى. وقد تقدم قول سحنون في مسألة الشبهة، قال في البيان: والصحيح ما ذهب إليه سحنون، وقوله:"فتردد" قال الشارح: اختار المازري عدم التحريم واحتج له بأنه لا رافع للحل في الزوجة إلا آية تحريم الصاهرة وهي لا تتناول البنت؛ إذ هي ليست من نسائه في الحال ولا يصلح أن تكون من نسائه في المئال كالأجنبية. انتهى ما قاله الشارح.
وقال الشيخ الأمير مشبها على التحريم: كإن حاول تلذذا بزوجته فغلط في أمها أو ابنتها على الراجح مما في الأصل ولو بمجرد اللمس، ويلغز بها: شخص لس آخر فتأبد تحريم زوجته عليه. انتهى. وفي شرح الشيخ عبد الباقي أن وطء الشبهة يحرم اتفاقا، قال الشيخ محمد بن الحسن: هو غير صحيح، ففي المواق: انظر الوطء غلطا هل يحرم؟ قيل يحرم وقيل لا يحرم، وثالث الأقوال الوقف. انتهى. والأول هو المشهور كما في القلشاني وابن ناجي وغيرهما. انتهى. وقوله:"وإن حاول" قال الشبراخيتي: أي قصد شخص في ظلام مثلا تلذذا بزوجته فالتذ بابنتها منه أو من غيره، ثم قال: وأم لو قصد من غير لذة فلا يحرم باتفاق، وقوله:"بابنتها" أي لا بابنها لأن اللواط بالذكر لا ينشر الحرمة عند الأئمة الثلاثة خلافا لابن حنبل فأحرى التلذذ به. قاله الشيخ إبراهيم. وقال الإمام الحطاب: قال المازري: وقد ذهب بعض الناس إلى أنه تنتشر الحرمة بوطء الغلام وهذا بعيد عن أصول الشرع. والله أعلم.
وفي تفسير القرطبي في سورة النساء: واختلف العلماء في مسألة اللائط فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم: لا يحرم النكاح باللواط، وقال الثوري: إذا لعب بالصبي حرمت عليه أمه وهو قول أحمد بن حنبل، قال: وإذا لاط بابن امرأة أو أبيها أو أخيها حرمت عليه امرأته، وقال
الأوزاعي: إذا لاط بغلام وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوجها لأنها بنت من قد دخل به وهو قول أحمد بن حنبل.
وإن قال أب نكحتها يعني أن الابن إذا أراد أن يتزوج بامرأة فقال له أبوه عند قصده ذلك: نكحت هذه المرأة التي تريد أن تتزوج بها وأنكر الابن ما قاله أبوه فإن الابن يندب له أن يتنزه عن نكاح تلك المرأة، ولا مفهوم لقوله:"أب" لأن كل من يحرم نكاح منكوحته من ابن أو غيره كذلك، ولذا في نسخة الشارح: وإن قال نكحتها بحذف لفظ أب. قاله الشبراخيتي.
أو وطئت الأمة يعني أن الابن إذا أراد أن يطأ أمة لم يعلم سبقية ملك أبيه لها، فقال أبوه عند ذلك: وطئت هذه الأمة بملك وأنكر الابن ما قال الأب، فإن الأب لا يصدق في ذلك لكن يندب للابن التنزه عن وطء تلك الأمة لأنه لم يعلم سبقية ملك الأب تحقيقا، وقوله:"أو وطئت" مثل الوطء غيره من التلذذ، ولهذا قال الشبراخيتي: لو قال أو تلذذت بالأمة لكان أشمل. انتهى.
عند قصد الابن ذلك الظرف متعلق بقال؛ أي قال أب عند قصد الابن نكاح المرأة ووطء الأمة نكحتها أو وطئت الأمة وأنكر الابن أي أنكر الابن ما قال الأب من نكحتها أو وطئت الأمة.
وبما قررت علم أن قوله ندب التنزه جواب الشرط أعني قوله: "وإن قال أب نكحتها" أو وطئت الأمة أي يندب للابن التنزه في المسألتين عن نكاح المرأة ووطء الأمة وقد مر هذا.
وفي وجوبه إن فشا تأويلان يعني أن قول الأب إذا فشا قبل قصد الابن ذلك فإنه اختلف في وجوب التنزه حينئذ ويفسخ النكاح إن وقع وعدم وجوبه، لكن يتأكد ندبه فتأول عياض المدونة على الوجوب وتأولها أبو عمران على الندب المتأكد، وظاهر كلام الشيخ أنه لا ينظر لقول الأمة.
والحاصل أنه على التأويل المطوي لا فرق بين الفشو وعدمه إلا في آكدية الندب، ومن ملك جارية ابنه أو أبيه بعد موته ولم يعلم هل وطئها من كانت في ملكه أم لا؟ ابن حبيب: لا تحل، واستحسنه اللخمي في العلية وقال يندب في الوخش أن لا يصيب، وينبغي إذا صدقت الحرة الأب أن تؤاخذ باعترافها فلا يجوز أن تتزوج الولد، وقال الشيخ الأمير: وإن ورث أمة أبيه ولم يتحقق وطئا ولا عدمه ندب التنزه. انتهى. وقال ابن عرفة: والتحريم بقول أب أو ابن، قال اللخمي: إن عرف ملكه حرمت بقوله: -ولو بعد خروجها من ملكه- أصبتها، فإن قال: لم
أصب لم تحرم ولو غاب أو مات دون قول ففي حرمتها مطلقا أو إن كانت علية نقل الباجي مع اللخمي واختياره.
وجمع خمس يعني أنه يحرم على الحر والعبد جمع خمس من النساء فأكثر في عصمته وإن كانت كل واحدة بعقد ولو سمى لكل واحدة صداقها ويفسخ النكاح أبدا، واتفق عليه أهل السنة وبعض المبتدعة لحديث غيلان الثقفي، قال في المعونة: ولا خلاف في منع الخامسة. المتيطي: نكاح الخامسة ممنوع بالإجماع. ابن عرفة: نكاح الخامسة حرام إجماعا. قاله الشيخ أبو علي.
وللعبد الرابعة يعني أنه يجوز للعبد نكاح المرأة الرابعة وأحرى الثالثة وهذا هو المشهور من المذهب لعموم قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} ، وقال ابن وهب: لا يجوز للعبد الزيادة على اثنتين، كما لا يجوز للحر الزيادة على أربع. قاله الشارح. وأبيح للعبد الرابعة لأن النكاح من باب العبادات والحر والعبد فيها سواء، وأما الطلاق فهو من معنى الحدود وهو على النصف من الحر فيها. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله:"وللعبد الرابعة" قال الشيخ أبو علي: فأحرى الثالثة، فلو قال: وللعبد الثالثة والرابعة لترك الاختصار، ولو قال وللعبد الثالثة لتوهم أن الرابعة حرام عليه، ولو قال: وجمع خمس للحر والعبد لفاته الرد على هذا القول القوي وهو قول ابن وهب وأبي حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم، فلله در هذا الإمام النقاد. الذي عليه في الاختصار الاعتماد، ما أحسن عبارته وما أرشد إشارته، برد الله تعالى ضريحه برحماته ومنحنا مما منحه ربه من خيراته. آمين آمين آمين.
واثنتين لو قدرت أيّة ذكرا حرم يعني أنه يحرم على الذكر أن يجمع بين امرأتين إذا فرضنا كل واحدة منهما ذكرا علي سبيل الترتيب، يحرم الوطء كالمرأة وعمتها أو خالتها، فإنا إذا فرضنا الخالة ذكرا حرم عليه أن يطأ ابنة أخته بالنكاح كما يحرم وطؤها بالملك، وكذا لو فرضتا بنت الأخت ذكرا فإنه يحرم عليه أن يطأ خالته بنكاح أو ملك، وأدخل التاء على أي لأنه إذا أريد بها المؤنث جاز إلحاق التاء بها موصولة كانت أو استفهاما أو غيرهما كما نص عليه الدماميني، وفاعل "حرم" ضمير يعود على الوطء فيشمل وطء النكاح والملك، واحترز المصنف بقوله:"لو قدرت أية" عما لو كان التقدير لا يصح إلا من جانب واحد كالمرأة وأمتها فإنه لا يمنع الجمع
بينهما بالنكاح؛ لأنا لو فرضنا المرأة ذكرا لكان يباح له أن يطأ أمته بالملك بخلاف ما لو فرضنا الأمة ذكرا فإنه لا يباح له وطء سيدته بوجه ما دام رقا لها، كما أنا لو فرضنا السيدة ذكرا لا يجوز له نكاح جاريته ما دامت رقا له، وتخرج أيضا المرأة وبنت زوجها فيجوز الجمع بينهما، وتخرج أيضا المرأة وأم زوجها فيجوز الجمع بينهما أيضا، ونظم الشيخ علي الأجهوري من يحل الجمع بينهما فقال:
وجمع مرأة وأم البعل
…
أو بنته أو رقها ذو حل
وقوله: "أية" قال الشيخ محمد بن الحسن: الظاهر أن أية هنا موصولة حذف منها المضاف إليه والصلة؛ والتقدير لو قدرت أيتهما أردت أتي لو قدرت التي أردت منهما ذكرا حرم. والله أعلم. انتهى.
كوطئها بالملك يعني أنه كما يحرم بالنكاح جمع اثنتين لو قدرت أية ذكرا حرم يحرم وطؤهما بالملك لعموم: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} ، وأشر قوله:"كوطئهما بالملك" أنه يحل جمعهما بالملك للخدمة أو إحداهما للخدمة والأخرى للوطء ويترك على أمانته في ذلك، وكما يحرم الجمع في الوطء فكذلك النظر للذة للمعصم والصدر. البرزلي: رأيت في بعض التقاييد عن سنن أبي داوود النهي عن جمع عمتين أو خالتين، وصورة العمتين أن يتزوج رجلان كل أم الآخر، وصورة الخالتين أن يتزوج كل بنت الآخر فيولد في المسألتين لكل بنت فكل واحدة من البنتين عمة الأخرى في الأولى، وكل منهما خالة الأخرى في الثانية ونظم ذلك بعضهم فقال:
ولي خالة وأنا خالها
…
ولي عمة وأنا عمها
فأما التي أنا عم لها
…
فإن أبي أمه أمها
أخوها أبي وأبوها أخي
…
ولي خالة هكذا حكمها
فأين الفقيه الذي عنده
…
علوم الديانة أو فهمها
يببن لنا نسبا خالصا
…
ويكشف للنفس ما غمها
جوابه:
أيا سائلي عن عمة وهو عمها
…
وعن خالة تدعى شفاها بخالها
ألا فاستمع مني جوابا محققا
…
وأصغ لما قد قلت في شرح حالها
أخ لك من أم وأم لوالد
…
تزوجها من قومها ورجالها
فجاءت ببنت وهي عمتك التي
…
تناديك عمي في صحيح مقالها
ووالد أم ثم بنت لوالد
…
تزوجها مستحسنا لجمالها
فجاءت ببنت وهي خالتك التي
…
تناديك خالي في صحيح مقالها
فهذا هو الإفصاح عما سألته .... وكشف لفتوى استشكلت في سؤالها
جواب آخر بزيادة:
إذا اثنان كل ناكح أم آخر
…
فبنتاهما كل بعمة تعرف
وإن كان كل ناكح بنت آخر
…
فبنتاهما كل بخالة توصف
وإن ينكح ابن أم عرس أب له
…
فبنت أبيه أخته الت تولف
فهي عمة لا شك لابنته وهي
…
لها خالة لا تصغ للذْ يُحرف
وإن كانت ابنا كان أخْوًا بلا خفا
…
لزوج أبيه ليس في ذا توقف
فإن مات بعد ابن فثمن لزوجه .... وأعط الأخ الباقي إذا أنت تنصف
قال الشيخ محمد بن الحسن: قلت ويحتمل أن المراد بالعمتين المرأة وعمتها وأطلق عليهما أنهما عمتان تغليبا وكذا يقال في الخالتين. والله أعلم. انتهى.
واعلم أن محرمتي الجمع إذا كان جمعهما بالنكاح، فإما أن تكونا بعقد واحد وإما أن تترتبا، فإن كانتا بعقد واحد فسخ بلا طلاق فيهما دخل بهما أو بإحداهما أم لا والفسخ ثابت ولو ولدت الأولاد، ومن فسخ نكاحها قبل البناء فلا مهر لها وله أن يتزوج أيتهما شاء بعد استبرائها إن دخل لها وإلا فلا استبواء، وإن ترتبتا فأشار إلى ذلك بقوله: وفسخ نكاح ثانية يعني أن من عقد
على امرأة ثم عقد على أختها أو عمتها أو خالتها ونحو ذلك من محرمتي الجمع كأم وبنت أخ -والحال أن العقد وقع علي الثانية قبل بينونة الأولى- فإن نكاح الثانية منهما يفسخ بلا طلاق إن قامت بينة أنها ثانية أو أقر هو بأنها ثانية وصدقته المرأة، وسواء دخل أو لم يدخل، وإنما فسخ بلا طلاق لأنه مجمع على فساده، وإلى مسألة التصديق أشار بقوله: صدقت وهو صفة لثانية أي يفسخ نكاح من ثبت أنها ثانية بتصديقها للزوج في دعواه أنها ثانية وأولى إن ثبت كونها ثانية بالبينة.
وإلا أي وإن لم تصدقه المرأة في كونها ثانية بأن ادعت أنها الأولى أو قالت لا علم عندي ولم يثبت كونها ثانية ببينة؛ فإن نكاح الثانية أي التي عين أنها ثانية يفسخ بطلاق ويحلف الزوج على تكذيبها لأجل أن يسقط عنه نصف المهر اللازم له بالطلاق قبل الس بتقدير كونها الأولى، ولهذا قال: حلف للمهر أي لأجل إسقاط نصف المهر، وإنما حلف لأنه مدع لسقوط نصف الصداق ولهذا إذا دخل فلا يمين عليه، وفهم من كلام المص أن نكاح الأولى صحيح دخل أو لم يدخل؛ وأنه يقبل قوله في تعيينها وهو كذلك، فيكون نكاح ما عين أنها الأولى صحيحا ويثبت عليها كما قاله محمد وأشهب وهو المعتمد، وظاهره حلف أو نكل؛ ومقابله قول اللخمي: الجاري على مذهب المدونة من عدم قبول تعيين المرأة الأولى في مسألة الوليين عدمُ قبول قوله، ومفهوم قوله:"حلف" أنه إن نكل غرم لها نصف الصداق بمجرد نكوله إن قالت لا علم عندي لأنها تشبه دعوى الاتهام: وبعد حلفها إن كذبته فإن نكلت فلا شيء لها.
والحاصل أنه إذا حلف سقط عنه نصف الصداق كما لو نكلت، ويقضى للحالف على الناكل في مسألة ما إذا ادعت أنها الأولى ويغرم لها النصف بمجرد نكوله فيما إذا قالت لا علم عندي ويسقط عنه إن حلف، وموضوع المص حيث ادعى الزوج علم الأولى منهما، فإن ادعى جهلها انفسخ النكاحان بطلاق وحينئذ فيكون لكل واحدة منهما ربع صداقها؛ لأن لهما نصف صداق غير معين فلكل واحدة من صداقها بنسبة قسم النصف عليهما، وإنما يكون لكل ربع صداقها إن ادعت كلتاهما الجهل مثله، فإن ادعت كل واحدة أنها الأولى فلكل واحدة نصف صداقها إن حلفت ولا شيء لمن نكلت منهما على الراجح؛ وإن ادعت إحداهما أنها الأولى وقالت الأخرى لا
أدري حلفت المدعية أنها الأولى وأخذت نصف صداقها ولا شيء للأخرى على الراجح، فإن نكلت فلكل ربع صداقها وهذا كله حيث كان الزوج حيا، فإن لم يقم عليه إلا بعد موته فكما إذا قيم عليه وهو حي وادعى الجهل، فإن ادعت كل واحدة أنها الأولى حلفت وأخذت جميع الصداق والميراث بينهما، ومن نكلت فلا شيء لها. وإن ادعت إحداهما أنها الأولى وقالت الأخرى لا أدري، حلفت مدعية الأولية واستحقت الميراث والصداق، فإن نكلت قسما بينهما. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقوله: فإن ادعت كل واحدة أنها الأولى فلكل واحدة نصف صداقها، قال الشيخ محمد بن الحسن: هذا خلاف الجاري على قول المص الآتي: "وإن لم تعلم السابقة فالإرث ولكل نصف صداقها" والجاري عليه أن يكون هنا في الحياة لكل ربع صداقها وهما قولان. انتهى.
وقوله: بلا طلاق متعلق بقوله: "وفسخ نكاح ثانية"، ومعنى ذلك أن من أقر الزوج أنها ثانية وصدقته يفسخ نكاحها بلا طلاق، وكذا لو قامت على ذلك بينة كما مر فهو راجع لما قبل وإلاَّ، قال الشيخ عبد الباقي: وأخره عن محله ليشبه به قوله: كأم وابنتها بعقد يعني أن من جمع أما وابنتها في عقد واحد يفسخ النكاح فيهما أبدا بلا طلاق دخل أو لم يدخل، فهو تشبيه في الفسخ بلا طلاق.
وتأبد تحريمهما إن دخل يعني أن من جمع بين أم وابنتها في عقد واحد لا يخلو ذلك من أن يدخل بهما معا أو يدخل بإحداهما أو لا يدخل بواحدة فتلك ثلاثة أوجه، الوجه الأول وهو أن يدخل بهما معا الحكم فيه أن يتأبد تحريمهما عليه ولكل واحدة صداقها لأجل المسيس وتأبيدهما واضح إن لم يكن علم بالتحريم، وأما إن علم بالتحريم فإنه يحد وحينئذ يجري على الخلاف المتقدم في نشر الحرمة بالزنى وعدمه. الوجه الثاني أن يدخل بواحدة فقط وهما بعقد واحد والحكم أنه يفسخ نكاحهما معا وتحرم من لم يدخل بها تأبيدا وتحل من دخل بها بنتا أو أما بعقد جديد بعد الاستبراء، وسيذكر المص الوجه الثالث قريبا.
ولا إرث يعني أنه لا إرث لواحدة منهما إن مات ولو قبل الفسخ للاتفاق على فساده دخل بهما أو بإحداهما، وكذا لو لم يدخل بواحدة وإن ترتبتا، شرط حذف جوابه أي فكذلك في الأمور الأربعة وهي: الفسخ بلا طلاق وتأبيد تحريمهما إن دخل بهما ولزوم الصداق وعدم الميراث.
واعلم أن ترتبهما في العقد على ثلاثة أوجه كما لو كانتا بعقد، أولها ما أشار إليه بقوله:"وإن ترتبتا" أي ودخل بهما فإنه يفسخ نكاحهما بلا طلاق ويتأبد تحريمهما ويلزم الصداق لكل منهما ولا ميراث، ثانيهما أن يدخل بواحدة فإن كانت الأولى هي الدخول بها بقي على نكاحها بنتا أو أما وفسخ نكاح الثانية وحرمت أبدا، فإن كانت الدخول بها هي الثانية فسخ نكاحها وحرمت الأولى بوطء الثانية وكذا الثانية إن كانت أمَّا لعقده على ابنتها عقدا صحيحا لا إن كانت بنتا فله تزويجها بعد استبرائها، وكذا تحرم الدخول بها أبدا إن كانت هي الأم حيث لم تعلم المدخول بها أهي الثانية أم الأولى مع حرمة البنت أيضا؟ فإن كانت بنتا فله تزويجها بعد استبرائها ولمن دخل بها منهما الصداق، فإن مات كان على المدخول بها أقصى الأجلين، وهل لها نصف الميراث وهو قول ابن حبيب أو لا شيء لها منه وهو قول ابن المواز وصوبه ابن رشد؟ ولا شيء من الصداق ولا من الميراث لغير المدخول بها ولا عدة عليها، ثالثها أن لا يدخل بواحدة منهما والحكم فيه فسخ نكاح الثانية والبقاء على الأولى بنتا أو أما، وحرمت الثانية التي فسخ نكاحها تأبيدا إن كانت أمًّا فإن كانت بنتا فله تزويجها بعد طلاق الأم. وهنا تم الكلام على أوجه الترتب حيث علمت الأولى والثانية وعلمت المدخول بها، وسيأتي قريبا الكلام على ما إذا لم تعلم الأولى وعلى ما إذا لم تعلم الدخول بها مع معرفة الأولى.
وبقي من الأوجه الثلاثة -إذا كانتا بعقد واحد-: ثالثٌ أشار إليه بقوله: وإن لم يدخل بواحدة حلت الأم يعني أنه إذا عقد علي أم وابنتها في آن واحد بأن جمعهما في عقد واحد ولم يدخل بواحدة منهما فإن النكاح يفسخ في المرأتين وتحل الأم بعقد جديد، ولم يؤثر العقد على البنت للاتفاق على فساده حتى يحرم الأم خلافا لابن الماجشون.
وقوله: "حلت الأم" وأولى البنت لأنها لا تحرم بالعقد الصحيح وأولى الفاسد، ونص على الأم للرد على ابن الماجشون، وإن بنى بواحدة منهما وادعت كل أنها المبني بها صدق الزوج في تعيينها
لغرم مهرها، فإن مات من غير تعيين فأقل المهرين من تركته بينهما بعد أيمانهما ولا إرث في الجميع هذا حيث كانتا بعقد كما علمت، ونقله البناني عن ابن عرفة، قال: ويؤخذ من كلامه بعدُ أنَّ ترتيبهما كذلك ثم قال: وقال ابن رشد: وأما إن ترتبتا ودخل بواحدة وعلمت الأولى ولم تعلم المدخول بها فالحكم فيه أن يفرق بينهما ولا تحل له واحدة منهما أبدا، ويكون القول قوله مع يمينه في التي دخل بها منهما ويعطيها صداقها ولا يكون للأخرى شيء، فإن نكل عن اليمين حلفت كل واحدة أنها هي التي دخل بها واستحقت عليه جميع صداقها، فإن نكلت إحداهما لم يكن لها شيء، وإن مات الزوج فقال سحنون: يكون لكل واحدة منهما نصف صداقها، والقياس أن يكون الأقل من الصداقين بينهما على قدر مهرهما بعد أيمانهما، وتعتد كل واحدة منهما أقصى الأجلين، ويكون نصف الميراث بينهما على مذهب ابن حبيب، وأما على مذهب ابن المواز فلا شيء لهما من الميراث وهو الصحيح؛ لأن المدخول بها إن كانت هي الأخيرة لم يكن لواحدة منهما ميراث ولا يجب ميراث إلا بيقين. صح من المقدمات. انتهى من أبي الحسن. وبه تعلم ما في كلام الأجهوري من القصور. والله أعلم. قاله الشيخ بناني.
وإن لم تعلم السابقة فالإرث يعني أنه إذا عقد على أم وابنتها مترتبتين ومات ولم يدخل بواحدة منهما ولم تعلم الأولى منهما، فلهما الميراث يقتسمانه على السواء لثبوت سببه، ولا يضر جهل مستحقه ولكل منهما مع ما تستحقه من الإرث نصف صداقها، تساوى صداق كل أو اختلف لأن الموت كمله وكل منهما تدعيه، فيؤخذ منه نصف الصداقين فيعطى لكل واحدة نصف صداقها. قاله في المدونة.
وفي المقدمات: القياس أن يكون عليه الأقل من الصداقين يقسم بينهما على قدر مهورهما بعد أيمانهما، وتعتد كل واحدة بأربعة أشهر وعشر للشك في أيتهما هي الأولى، فإن عثر على ذلك قبل الممات فسخ النكاحان وتزوج البنت إن شاء ويكون لكل منهما نصف صداقها وقيل ربع صداقها، قال ابن رشد: والقياس أن يكون لكل واحدة ربع الأقل من الصداقين، وذلك إذا لم تدع كل واحدة أنها الأولى وإلا قيل له احلف أنك ما تعلم أنها هي الأولى؛ فإن حلف على ذلك وحلفت كل واحدة منهما أنها هي الأولى كان لهما نصف الأكثر من الصداقين يقتسمانه أيضا
بينهما على قدر صداق كل واحدة منهما، فإن نكلتا عن اليمين كان لهما الأقل من الصداقين يقتسمانه أيضا بينهما على قدر الصداقين، وإن نكلت واحدة وحلفت الأخرى بعد حلفه كان للتي حلفت نصف صداقها، وإن نكل هو عن اليمين وحلفتا هما جميعا كان لكل واحدة نصف صداقها ولم يكن للتي نكلت شيء، وإن نكلتا جميعا كان لكل منهما نصف الأقل من الصداقين بينهما على قدر صداق كل، وإن أقر لإحداهما أنها هي الأولى حلف على ذلك وأعطاها نصف صداقها ولم يكن للثانية شيء، فلو نكل عن اليمين وحلفتا هما جميعا غرم لكل واحدة منهما نصف صداقها، وإن حلفت واحدة ونكلت الأخرى بعد نكوله كان للتي حلفت نصف صداقها ولم يكن للناكلة شيء؛ لأن الحالفة قد استحقت نصف الصداق بيمينها. نقله الشارح وغيره.
وإذا لم تعلم المدخول بها أهي الأولى أم الثانية مع علم عينها أي المدخول بها حرمت المدخول بها إن كانت الأم ولا ميراث، ويفسخ نكاحها إن كانت البنت ويتزوجها بعد استبرائها منه، ومن دخل بها منهما فلها صداقها للمسيس، فإن مات الزوج كان عليها أقصى الأجلين. انظر الشارح الكبير.
كأن لم تعلم الخامسة تشبيه في الإرث والصداق لا من كل وجه؛ إذ هنا لكل من النسوة الخمس أربعة أخماس من صداقها وخمس الميراث؛ وفي ما تقدم لكل نصف صداقها ونصف الميراث إذ لهن أربعة أصدقة يقتسمنها على قدر أصدقتهن، ومعنى كلامه أن من كان عنده أربع زوجات ثم تزوج بعدهن خامسة ثم مات ولم تعلم الخامسة فالميراث بينهن لكل منهن صداقها إلا خمسة إذ لهن أربعة أصدقة يقتسمنهن، وسواء تزوج الخمس كل واحدة منهن بعقد أو جمع أربعا بعقد وأفرد واحدة بعقد، وهذا حيث لم يدخل، فإن دخل بالجميع فخمسة أصدقة أو بأربعة فأربعة أصدقة ولمن لم يدخل بها نصف صداقها لأنها تدعي أنها غير خامسة؛ وأن الخامسة إحدى الأربع المدخول بهن ويدعي الوارث أنها الخامسة فلا شيء لها، فيقسم الصداق بينهما نصفين، وهذا الذي قررت به المص هو المشهور وهو قول محمد وسحنون.
وقال ابن حبيب: لكل واحدة نصف صداقها لاحتمال أنها الخامسة وظاهر التشبيه أن المص مشى عليه، والجواب أن التشبيه إنما هو في قسمة المحقق وجوبه وهو صداق واحد في الأولى
وأربعة أصدقة في الثانية. ابن رشد: وإن بنى ببعضهن فلمن بنى بها مهرها، وفي كون الواجب للأخرى نصف مهرها أو أربعة أخماسه، ثالثها جميع ما يجب إلا نصف مهر لابن حبيب ومحمد وسحنون، واختاره ابن لبابة وعليه إن كان غير المدخول بها واحدة فلها نصف مهرها، أو اثنتين فمهر ونصف لكل واحدة ثلاثة أرباع صداقها، أو ثلاثا فمهران ونصف لكل واحدة خمسة أسداسه، أو أربعا فثلاثة ونصف لكل واحدة سبعة أثمانه. انتهى. قاله الشيخ بناني. وبه تعلم ما في كلام الشيخ عبد الباقي والشيخ أحمد.
وحلت الأخت ببينونة السابقة يعني أن من تزوج امرأة بنكاح وأراد وطء أختها بنكاح أو ملك أو عمتها أو خالتها ونحوها من محرمتي الجمع، فإن الأخيرة تحل ببينونة السابقة أي التي كان عقد عليها، والبينونة تكون بأحد أمور: الخلع والطلاق قبل البناء والثلاثة أو تتمتها وانقضاء عدة الطلاق الرجعي، والقول قولها أنها لم تنقض فإن ادعت احتباس الدم صدقت بيمينها لأجل النفقة والسكنى إلى مضي سنة، فإن ادعت بعدها تحركا نظرها النساء فإن صدقنها لم تحل أختها ونحوها، وإلا لم يلزم الزوج التربص إلى أقصى أمد الحمل. قاله عبد الحق. قاله عبد الباقي وغيره.
وعبارة الشبراخيتي: والقول قولها في عدم انقضائها يعني العدة لأنها مؤتمنة على فرجها، فإذا ادعت احتباس الدم صدقت بيمينها لأجل الثفقة إلى انقضاء سنة، فإن ادعت بعدها تحريكا نظرها النساء فإن صدقنها وإلا لم يلزم الزوج التربص إلى أقصى الحمل. قاله عبد الحق. انتهى. وقوله: لأجل النفقة يعني أنها تواخذ بالعدة حلفت أم لا، وإنما حلفت لأجل النفقة والسكنى. انظر الحطاب. ولو قال المص: وحل كالأخت لشمل كل من منع جمعه معها مع أنه مثله في الاختصار. انتهى. قاله غير واحد. وقوله: "وحلت الأخت" لخ وكذا الحكم في الخامسة فيمن عنده أربع، ولو ادعى الزوج أنها أقرت بانقضاء عدتها في أمد تنقضي العدة في مثله وأكذبته فلا يصدق في نكاح الخامسة أو الأخت، فلو نكحها لفسخ إلا أن يأتي ببينة أو بأمر يعرف به انقضاء العدة. قاله الحطاب.
وقال في النكت: قال بعض شيوخنا من القرويين: إذا تزوج أختا على أخت عالما بالتحريم وجب عليه الحد إلا أن تكونا أختين من الرضاع فلا يحد لأن هذه لتحريم السنة والأولى لتحريم الكتاب؛ وأما في تزويجه المرأة على عمتها أو على خالتها فلا يحد لأنه تحريم للسنة هذا أصل كل ما كان من تحريم السنة فلا حد فيه، وما كان محرما بالكتاب ففيه الحد إذا لم يعذر فاعله بجهل. قاله الحطاب.
وفي التوضيح: فإذا طلقها طلاقا رجعيا وأراد أن يتزوج خامسة أو أختها. فقالت: احتبس عني الدم فهي مصدقة حتى تقضي سنة، فإن ادعت التحريك بعد السنة لم تصدق لأن ذلك يظهر، فينظر إليها النساء فإن صدقنها وإلا لم يلزم الزوج أن يتربص إلى انقضاء الحمل. قاله الحطاب.
أو زوال ملك يعني أن من عنده أمة يطؤها بالملك وأراد أن يتزوج أختها مثلا أو يطأها بالملك، فإن الثانية إنما تحل له بأحد أمور: منها: زوال الملك، وزواله إما بعتق ناجز أو مؤجل كلا أو بعضا، فإذا كان يطأ أمة بالملك وأعتقها أو بعضها فإنه يحل له وطء أختها بنكاح أو ملك كغيرها من محرمتي الجمع، وسواء كان يكمل عليه البعض الباقي أو لا كما لو كان مدينا. قاله غير واحد. واستفيد من هذا منع وطء المبعضة وهو كذلك كما صرح به الشيخ عبد الباقي، وقد مر الكلام على ذلك عند قوله:"وتمتع بغير دبر".
وإن لأجل يعني أنه لا فرق في حلية الثانية بزوال ملك الأولى بين أن يكون بعتق ناجز وبين أن يكون بعتق مؤجل، وقد مر أنه لا فرق بين عتق البعض والكل، ويستفاد من المص منع وطء المعتقة لأجل وهو كذلك كما في الرسالة، فإن تجرأ ووطئ المعتقة لأجل وحملت صارت أم ولد وسقطت عنها خدمتها وعجل عتقها حينئذ، وقيل لا يعجل لبقاء أرش الجناية له إن جرحت وقيمتها إن قتلت، ولا يجوز له وطؤها بعد ذلك عجل عتقها أو بقيت إلى أجلها، وإن لم تحمل بقيت معتقة إلى أجلها. قاله الشيخ عبد الباقي.
وفسر الفيشي زوال الملك بأنه زوال ملك التصرف في الفرج، قال: لأن المعتقة لأجل لم يزل عنها ملك الرقبة وليحسن عطف قوله: "أو كتابة" على قوله: "بعتق". والله سبحانه أعلم. ولو زوجها
فطلقت فوطئها في عدتها حلت الأولى قبل انقضاء عدة الثانية لحرمتها عليه. انتهى. نقله الإمام الحطاب.
وقوله: "ببينونة السابقة" أي لا بفقد أو أسر أو إباق إياس لأن هذه بنكاح، بخلاف مسألة الملك الآتية لأن الملك ليس المبتغى منه الوطء وإنما المبتغى منه الاستعمال، وهل منع الزوج من النكاح يسمى عدة عليه قولان، وعلى الأول فهي إحدى مسائل يعتد فيها الرجل، منها: من تحته أربع زوجات وطلق واحدة وأراد أن يتزوج غيرها، ومنها إذا مات ولد المرأة من غير زوجها وادعى حملها منه فليس له وطؤها حتى تستبرأ لأجل إرث حملها إن كان بأخوة لأم، ونظمها التتائي فقال:
مطلق رجعي لرابعة غدا
…
يروم زواجا وهو شيء محرم
مدى عدة لا تنقضي قبل عقده
…
كذا جامع الأختين بالوصف يحرم
كذلك من قد مات عنه ربيبه
…
وزوجته غبا عليه تحرم
قاله الشيخ إبراهيم.
أو كتابة يعني أن من كان يطأ أمة بالملك وكاتبها فإنه يحل له وطء من يحرم جمعه معها أي يحل له ذلك بالنكاح والملك، قال الشيخ عبد الباقي: فإن عجزت المكاتبة لم تحرم الأخرى، وكذا لو رجعت معيبة بعيب أو اشتراها أو نكحت وطلقت أو رجعت من أسر أو إباق إياس فلا يمنع من وطء أختها إذ يكفي حصول التحريم ابتداء ولا يضر زواله بعجز أو تأيم من زوج، وتحرم عليه الراجعة المذكورة ما دام يطأ أختها التي وطئها بعد زوال ملك الراجعة كما هو ظاهر. انتهى.
وقوله: "أو كتابة" عطف، قال الشيخ عبد الباقي: عطف على بينونة السابقة وهو الأصل في المعاطيف بغير حرف ترتيب، أو على "زوال" لا على "عتق"؛ لأن الكتابة لا يزول بها الملك.
انتهى. وقال الشارح: عطف على قوله: "ببينونة" لا علي قوله: "بعتق"؛ لأن الملك لا يزول بالكتابة للحديث أي لقوله صلى الله عليه وسلم: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وقال الفيشي: الصواب عطفه على عتق ويراد بالملك ملك الفرج لا ملك الرقبة أي زوال ملك التصرف فيه، ولا شك أن بالكتابة زال ملك التصرف فيه وحينئذ فلا إشكال في عطفه على "عتق". انتهى.
أو إنكاح يحل المبتوتة يعني أن من وطيء أمة بالملك ثم أنكحها لشخص أي عقد له عليها فإن أختها تحل له بالنكاح وبالملك، بشرط أن يكون العقد المذكور يحل وطؤه المبتوتة بأن يكون عقدا صحيحا لازما فتحل ولو لم يدخل بها الزوج، أو صحيحا غير لازم ابتداء وأجيز وإن لم يحصل فيه وطء كاللازم للزومه حين الإجازة، وذلك كالمحجور والمعيب؛ أو يكون فاسدا يثبت بالدخول وحصل واعترض المص باقتضائه أن العقد الصحيح اللازم غير كاف هنا مع أنه كاف، ويجاب بأن معناه يحل وطؤه كما تقدمت الإشارة إليه مع عدوله عن نكاح إلى إنكاح مصدر الرباعي؛ إذ معناد إيجاد العقد.
أو أسر يعني أن من وطء أمة بالملك ثم أسرها العدو فإن أختها -مثلا- تحل له بنكاح وبوطء ملك ولا يقيد الأسر بالإياس لأنه مظنته، أو إباق إياس يعني أن من وطيء أمة بالملك ثم إنها أبقت بحيث أيس منها تحل أختها ومن في حكمها بالنكاح والملك، ثم إن الأسر وإباق الإياس فيمن توطأ بالملك؛ وأما من توطأ بالنكاح فلا تحل أختها ومن في حكمها فإن طلقها في محلها طلاقا بائنا حلت أختها ومن في حكمها، وإن طلقها طلاقا رجعيا فقال عبد الباقي: لم تحل إلا بمضي خمس سنين من أسرها لاحتمال حملها وتأخره إلى أقصى أمد الحمل، وبثلاث سنين من يوم طلقها لاحتمال ريبتها وحيضها في كل سنة في آخرها، وإن كانت عادتها أن يأتيها الحيض في كل خمس سنين مرة لم تحل إلا بمضي خمس عشرة سنة وهكذا، فتحل بأقصى الأجلين أي خمس سنين من يوم ترك وطئها وثلاث سنين أو أكثر عدتها من يوم طلاقها فتحل بالمتأخر منهما، هذا في غير مأمونة الحمل، وأما إن أسرت أو أبقت بفور ولادتها فإنها تحل بمضي ثلاث سنين من طلاقها إن كانت عادتها أن تحيض قبل السنة، فإن كانت عادتها أن لا تحيض حيضة إلا في كل سنتين أو خمس أو غيرها حلت بمضي المدة التي يأتيها فيها ثلاث حيض.
وقال الشيخ بناني: قال ابن عرفة: الشيخ عن ابن حبيب عن أصبغ: من أسرت زوجته وعمي خبرها مع تزويج من يحرم جمعه معها حتى يثبت طلاق الأسيرة أو يمضي لطلاقها غير بتات خمس سنين من يوم سبيها وثلاث من يوم طلاقها لاحتمال ريبة البطن وتأخر الحيض، ولو سبيت وهي نفساء وطلقها بحدثانه تربصت سنة لأنها عدة التي ترفعها الحيضة لنفاسها. الشيخ: كأنه تكلم على تمادي الدم بها، وقد تطهر من نفاسها ثم تستراب فيجب عليها تربص ثلاث، وأما ريبة الحمل فلا لتيقن أن لا حمل بها لعدم وطئه إياها بعد نفاسها. انتهى. وقد نقله الحطاب من النوادر مبسوطا، وبه تعلم ما في كلام الزرقاني مما يخالفه فإنه غير صحيح. انتهى. وقال الإمام الحطاب: وقال في النوادر: قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن أسرت زوجته فغاب خبرها فأراد نكاح أختها أو عمتها أو خالتها: فإن طلق المأسورة بالبتة جاز ذلك الآن وإن طلقها دون الثلاث لم يجز له ذلك إلا بعد خمس سنين من يوم سبيت إذا كان ذلك بحدثان السباء لاحتمال تمادي الريبة، فإن طلق بعد السباء بسنتين فيعد ثلاث سنين، وكذلك إن طلقها بعد ثلاث سنين من يوم السباء فأكثر، ولو سبيت وهي نفساء وطلقها بحدثان ذلك انتظر ذلك [سنة
(1)
] لأنها عدة التي ترفعها الحيضة لنفاسها.
ابن أبي زيد: انظر ما معنى قول ابن حبيب: وكأنه تكلم على أنه تمادى بها الدم وقد تطهر من نفاسها ثم تستراب ثم تحيض في آخر السنة ثم تستراب؟ فكيف لم يأمره بصبر ثلاث سنين؟ وليست تؤمر بخمس سنين لأنه موقن أن لا حمل بها منه إذ لم يطأها بعد النفاس. وهذا صحيح. انتهى.
تنبيه: قال الشيخ أبو علي: وهل يكفي في تحريم الأمة: إن وطئتك فأنت حرة؟ وفي تحريم الزوجة: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا؟ نص عبد الملك على أن ذلك ليس بتحريم؛ لأن أول الإصابة حلال.
(1)
ساقطة من النسخ والمثبث من الحطاب ج 4 ص 287 ط دار الرضوان.
اللخمي: وعلى القول بعدم التمكين من الإصابة يكون ذلك تحريما، وزعم ابن بشير أن المذهب عدم التمكين وحاول رد تحريم اللخمي بوجه ليس ببين. انتهى.
أو بيع دلس فيه يعني أن من وطئ أمة بالملك ثم باعها بيعا دلس فيه وأحرى إن لم يدلس يحل له وطء أختها ومن في حكمها بالنكاح وملك اليمين، وإنما نص المص على المدلس لأن فيه خلافا، وإنما كان بيع التدليس كافيا في حلية من يحرم جمعه معها؛ لأن للمشتري التماسك بها ولأن الضمان منه وما مشى عليه المص هو المشهور، وقيل لا يكفي لأنه بصدد الرد. قاله الشارح. والمدلس هو العالم بالعيب عند البيع وكتم ذلك عن المشتري وقوله أو بيع دلس فيه قال الشبراخيتي: هو ظاهر حيث لم يكن فيها مواضعة ولا عهدة ولا خيار، وأما إن كان فيها واحد منها أو أكثر فلا تحل إلا بمضيه؛ لأن الضمان في الجميع من البائع كما يدل عليه ما بعده. انتهى. وقد مر أنه إذا زال
(1)
التحريم ابتداء لا يضر زواله، فإذا عجزت المكاتبة أو رجعت المبيعة بعيب أو اشتراها أو نكحت وطلقت ولو قبل مسها أو رجعت من أسر أو إباق إياس فلا يمنع من وطء أختها وتحرم عليه الراجعة المذكورة ما دام يطأ أختها التي وطئها بعد التحريم.
لا فاسد لم يفت؛ يعني أن من وطئ أمة بالملك ثم إنه باعها بيعا فاسدا ولم يفت بحوالة سوق فأعلى، لا يحل له من يحرم جمعه معها لا بنكاح ولا بملك، وكذا إذا زوجها تزويجا فاسدا ولم يفت بدخول فإنه لا يحل له من يحرم جمعها معها لا بنكاح ولا بوطء ملك، فقوله:"فاسد" من بيع أو نكاح، ومفهوم قوله:"لم يفت" أنه لو فات النكاح بالدخول والبيع بحوالة سوق فأعلى فإن من يحرم جمعه معها يحل له بالملك وبالنكاح، وقوله:"لا فاسد"، قال الشبراخيتي: يقدر لا بعقد فاسد الشامل لهما يعني للبيع والنكاح، وقال الحطاب: أما لو فات حلت الثانية. ابن عرفة: ففيها بالبيع الصحيح والفاسد بعد فوته. اللخمي والشيخ عن الموازية: مع الخروج من الاستبراء انتهى.
وحيض؛ يعني أن من وطئ أمة بالملك وحاضت لا تحل له أختها ومن في حكمها لا بنكاح ولا بملك؛ لأنه يستمتع منها بغير الوطء ولأنه محدود بزمن قصير.
(1)
كذا في النسخ.
وعدة شبهة يعني أن من وطئ أمته ثم إنه وطئها غيره وطء شبهة لا يحل له من يحرم جمعه معها، وإطلاق العدة على الاستبراء فيه تجوز، وتقييده العدة بالشبهة حسن لا بد منه؛ لأن العدة لو كانت من نكاح صحيح لكان النكاح وحده محرما والعدة من توابعه. قاله ابن عبد السلام. قاله الحطاب. وقد مر أنه يكفي في حلية الثانية حصول تحريم الأولى ابتداء ولا يضر زواله، ولهذا قال ابن عرفة: الشيخ عن الموازية: لو زوجها من عبد فمات أو طلقها قبل مسها حلت له أختها. انتهى.
وردة يعني أن من وطئ أمته ثم إنها ارتدت عن الإسلام والعياذ بالله تعالى، لا تحل له من يحرم جمعه معها لا بنكاح ولا بملك، وأما ردة الزوجة حرة أو أمة فتحل بها من يحرم جمعه معها كما أفاد ذلك بقوله:"وحلت الأخت ببينونة السابقة إلا أن تقصد بالردة فسخ النكاح" فلا تكفي في حلية الأخت لأنه لم يقع طلاق حينئذ. قاله الأجهوري. وقد يقال: بل هو في الزوجة أيضا ويكون هذا مبنيا على القول بأن الردة ليست بطلاق بائن وإطلاقهم هنا يدل على العموم. قاله الشبراخيتي، وعبد الباقي. وقوله:"وردة" أي لقصر زمن الاستتابة مع أن الغالب رجوعها للإسلام خوف القتل.
وإحرام يعني أن الموطوءة بالنكاح أو بالملك إذا أحرمت بحج أو عمرة فإن أختها ومن في حكمها لا تحل لا بملك ولا بنكاح لقصر زمنه، كزمن الردة لأن الاستتابة منها ثلاثة أيام، قال الشبراخيتي: وأما الإحرام قبل زمانه فهو أمر نادر ومكروه. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: معنى ذلك أن الإحرام قبل زمانه غير مشروع بل مكروه وهو نادر والنادر لا حكم له، فلا تحل له أختها -مثلا- بإحرامها ولو قبل زمن الإحرام. والله سبحانه أعلم.
وظهار يعني أنه إذا ظاهر من زوجته أو أمته الموطوءة بالملك فإن من يحرم جمعه معها لا تحل له بذلك الظهار لقدرته على رفع الحرمة بالكفارة. ابن عرفة: ولا يجزئه تحريم من وطئ منهما بحريتها. اللخمي عن ابن الماجشون: وقوله إن أصبتها فهي حرة لغو لأن أول إصابته إياها حلال
[هو
(1)
] الوجب حنثه. انتهى. قاله الحطاب. ونقله الشيخ أبو علي. وقال عن اللخمي: وعلى القول بحرمتها حلت أختها بذلك، قال ورد ابن بشير: تخريجه.
واستبراء يعني أن الموطوءة بالنكاح أو الملك إذا زني بها أو غصبت لا تحل أختها ومن في حكمها بسبب استبرائها لا بنكاح ولا بملك؛ ويمكن أن يرجع لقوله: أو بيع، ومعناه حينئذ أن من باع أمة وطئها بالملك بيع مواضعة لا تحل له من هي محرمة الجمع معها حتى تخرج من المواضعة بأن تحيض؛ لأن ضمانها من البائع، والمراد بالاستبراء حينئذ المواضعة. ويقوي هذا الاحتمال قوله: وخيار يعني أن البيع الذي فيه الخيار لا تحل به الأخت ومن في حكمها، وإنما تحل بمضي زمن الخيار ولزوم البيع.
وعهدة ثلاث يعني أن البيع الذي فيه عهدة ثلاث لا تحل به الأخت ومن في حكمها، وإنما تحل بانقضاء زمن العهدة، وكذا لا تحل الأخت بالبيع الذي فيه الجميع أي المواضعة والخيار وعهدة الثلاث حتى تنقضي المدة وتحيض فتحل حينئذ، وأما البيع الذي فيه استبراء دون مواضعة فتحل به الأخت ولا ينظر الحيض، واحترز بقوله:"عهدة الثلاث" من عهدة السنة فإنها تحل بالبيع الذي هي فيه لطول زمانها كما في التوضيح، وقال الشبراخيتي عند قوله:"وعهدة ثلاث": لأنه يرد فيها بكل حادث فهي منحلة انحلالا زائدا بخلاف عهدة السنة لطول زمانها وندور أدوائها فتحلها. انتهى. أي تحل بالبيع الذي هي فيه. والله سبحانه أعلم.
وإخدام سنة يعني أن من وطئ أمة بالملك وأخدمها سنة أي وهب خدمتها للغير سنة لا تحل أختها ونحوها بذلك الإخدام، ومثل السنة السنتان والثلاث وكذا الأربع على المعتمد كما يأتي وهبة لمن يعتصرها منه يعني أن من وطئ أمة بالملك ثم إنه وهبها لمن يعتصرها منه لا يكفي في حلية من يحرم جمعه معها تلك الهبة. وإن ببيع؛ يعني أن الهبة التي تعتصر لا تكفي في الحلية المذكورة، ولا فرق في ذلك بين الاعتصار بغير شيء كالولد صغيرا أو كبيرا وكالعبد، والاعتصار
(1)
في الحطاب ج 4 ص 287 ط دار الرضوان فهو.
بشيء كيتيم في حجره فلا تحل الأخت ومن في حكمها بهبتها له؛ لأن الشراء الذي له أن يحكم فيه كالانتزاع بلا شيء في الحكم هنا. قال ابن عرفة: وفيها قيل: لو وهبها لابنه الصغير أو الكبير أو عبد الصغير أو يتيمه قال كل ما له أن يصيبها بشراء هو الحاكم فيه أو باعتصار أو انتزاع وما يفسخ من بيع أو نكاح ولا يثبتان عليه إن شاءا أو أحدهما لغو. انتهى.
قال اللخمي عقب نقله كلام المدونة: ولا شيء عليه فيما بينه وبين الله؛ لأن الملك الآن لغيره فلم يجمع بينهما في ملك. انتهى. قوله: "وهبة لمن يعتصرها" لخ يعني إن لم تفت كما يأتي، ومفهوم قوله:"لمن يعتصرها منه" أن الموهوب له إذا كان ممن لا يعتصرها منه يحل للواهب أختها ومن في حكمها وهو كذلك. قاله الشيخ عبد الباقي وغيره. وقوله: "وهبة لمن يعتصرها منه وإن ببيع" قال الشيخ عبد الباقي: ومفهوم "لمن يعتصرها منه" أن هبتها لمن لا يعتصرها منه تحل للواهب أختها وهو كذلك إن كانت لغير ثواب أوله وعوض عليها وإن لم تفت لأنه كبيعها لأجنبي، أو فاتت بلا عوض فعلم أن الصور ثمان؛ لأنه إما أن يهبها لمن يعتصرها منه وإما لغيره، وفي كل إما لثواب أم لا وفي كل إما أن تفوت عند الموهوب له أم لا، فأربع في منطوق المصنف وأربع في مفهومه وقد علمت أحكامها، وإن روعي قبض الثواب وعدمه كانت اثنتي عشرة صورة. انتهى.
وقال الشيخ بناني: المراد هنا الهبة لغير ثواب بدليل الاعتصار؛ إذ هبة الثواب بيع ولا اعتصار في اليبع وبه تعلم أن إدخال هبة الثواب في هذا غير ظاهر. انتهى.
وقال الحطاب: إن الموهوب له إذا كان ممن لا يعتصرها منه لثواب فلا تحل له حتى يعوض عليها أو تفوت عنده وتجب فيها القيمة. قاله الجزولي والشيخ يوسف ابن عمر. انتهى. وظاهر قوله -أي المص-: "لمن يعتصرها منه" أنها لا تحل مطلقا وليس كذلك، بل إذا فاتت عند الذي يعتصرها منه فإنها تحل. قاله الشيخ يوسف بن عمر. قاله الحطاب. فإن قيل: شراء الولي مال محجوره لنفسه ممتنع فما وجه قوله: "وإن ببيع"؟ فالجواب أن المتنع ما لم يهبه له وأما ما
وهبه له فيكره، وإطلاق الاعتصار على البيع مجاز أراد به مدلوله اللغوي وهو الرجوع؛ أي وإن كان يقدر على الرجوع في هبته بشرائها من الموهوب له من يتيم أو ولد بعد فوتها. قاله الشيخ عبد الباقي. وهو مخالف لما قدمته عن الحطاب، وحاصل نخبة ما مر أنه إذا وهبها لمن يصح الاعتصار منه لا تحل له أختها ونحوها إلا إذا فاتت، كأن يعتصرها بعوض أو غيره، وأن هبتها لمن لا يصح الاعتصار منه تحلها هذا في الهبة لغير الثواب على ما قال بناني، وأما الهبة للثواب فلا تحل بها حتى يعوض عليها أو تفوت عند الموهوب وتجب فيها القيمة. والله سبحانه أعلم. بخلاف صدقة عليه الضمير عائد على من يصح الاعتصار منه؛ يعني أن من وطئ أمة بالملك ثم إنه تصدق بها على من يصح الاعتصار منه فإن ذلك كاف في حلية من يحرم جمعه معها، فمن كان يطأ أمة بالملك ثم إنه تصدق بها على ولده فإنه تحل له أختها ونحوها بنكاح أو ملك؛ لأن الصدقة لا يصح اعتصارها كما لابن عبد السلام، وقال ابن فرحون: والظاهر أنه لا يكفي في الحلية إذ له انتزاعها بالبيع كما في حق اليتيم. نقله الحطاب. قال الشيخ الأمير: وفي الرماصي ترجيحه فلذا لم أذكره. انتهى. وقال بناني: قال بعض يحتمل أن يخص كلام المص بالصدقة على الابن الرشيد لأنه غير قادر على الانتزاع منه.
إن حيزت يعني أن محل كون الصدقة تكفي في حلية الأخت إنما هو حيث حيزت أي حازها غير التصدق بكسر الدال، فيكفي حوزها في حلية الأخرى، وقد مر أن ابن فرحون لا يعتبر الصدقة ولو حيزت، ومفهوم قوله:"حيزت" أنه لو لم تحز الأمة الموطوءة المتصدق بها لم تحل أختها ومن في حكمها، ويكفي في حلية الأخت ومن في حكمها الحوز الحكمي كأن أعتقها المتصدق عليه أو وهبها قبل الحوز لمضي فعله، وقال الشارح عند قوله "إن حيزت": بخلاف الهبة إلا أنه قال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: لو وهب إحداهما لابنه الكبير أو الأجنبى لم تحل له أختها حتى يقبضها الموهوب له؛ لأن الواهب لو أعتقها قبل قبض الموهوب له أو أحبلها لمضى فعله فيها وانتقضت الهبة، ولهذا يستوي حكم الصدقة والهبة قبل القبض ويفترقان بعده. انتهى.
وقول أبي بكر: إنه إذا وهب للابن الكبير وقبض يكفي في حلية الأخرى رده المص بقوله: "لمن يعتصرها منه" فإنه يشعر بأنها مقبوضة. قاله الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم. وقال الشبراخيتي عند قوله: "إن حيزت": أي خرجت من تحت يده وحازها له أجنبي، وسواء كان الحوز حسيا أو حكميا وهذا بالنسبة لحلية كالأخت، وأما بالنسبة لصحة الصدقة فيكفي حوزه لمحجوره كما قاله في باب الهبة، ومفهوم قوله: "إن حيزت أنها إن لم تحز لا تحل بها الأخت لأنه لو أعتقها أو أحبلها أو وهبها قبل الحوز مضى فعله. انتهى.
وإخدام سنين يعني أنه إذا وطئ أمة بالملك وأخدمها لغيره سنين كالأربعة فما فوقها فإن ذلك يكفي في حلية أختها ومن في حكمها، وهذا هو المعتمد كما في النص لا ما يعطيه قوله السابق:"وإخدام سنة" وقيل: إن الأربع كافية وفهم من المص منع وطء المخدمة وهو كذلك وإن قل زمن الخدمة، وقيل إن من أخدم أمته سنة يحل له أي لمالكها المخدم بالكسر وطؤها والمعتمد خلافه، فيحرم عليه وطؤها وإن لم تحل له أختها ونحوها بإخدام السنة ونحوها، فإذا ملك الزوج زوجته منفعة أمته أو بعض منفعتها لم يجز له وطء تلك الأمة، وأما إن كانت تخدمها من غير تمليك لمنفعتها ولا لبعضها فهذه جائزة الوطء ولعل وجه حرمة كالأخت فيما إذا قل زمن الخدمة مراعاة القول بجواز وطئها وإن كان ضعيفا، ويجوز وطء الأمة المؤجرة طالت المدة أم لا كما مر، وحينئذ فلا يكفي إيجارها في حلية كأختها. ولعل الفرق بينها وبين الخدمة أن المؤجرة إذا حملت انفسخ الكراء وسقط عن المستأجر الأجرة فلا ضرر عليه، بخلاف المخدمة فإنه يبطل حقه من خدمتها إذا حملت من سيدها، وإن وجب عليه أن يخدمه مثلها إن أيسر كما في المدونة فلذا حرم وطؤها وحل وطء المؤجرة. والله سبحانه أعلم. انظر حسن نتائج الفكر للشيخ عبد الباقي. ويحرم على المخدم بالفتح أي من وهبت له خدمة الأمة وطؤها ويحد، وقال أصبغ: لا حد عليه في قليل الخدمة ولا في كثيرها للشبهة قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: "إخدام سنين" مثله ما لو أخدمه حياته فتحل أختها. قاله ابن حبيب. نقله الش.
ولما ذكر أن الثانية لا تحل إلا بمسوغ من الوجوه السابقة ذكر ما إذا حصل وطء الثانية قبل حصول مسوغ، فقال: ووقف إن وطئهما ليحرم يعني أنه إذا وطئ الأخت ومن في حكمها قبل
حصول مسوغ لوطئها من المسوغات المتقدمة، فإنه يجب على الحاكم أن يوقفه عن وطئهما حتى يحرم فرج إحداهما بشيء مما تقدم فتحل له الأخرى ولا يوكل إلى أمانته لأنه متهم، وكلام المص في الموطوءتين بالملك وفيما إذا وطئ إحداهما بنكاح والأخرى بملك تقدم النكاح على الملك أو تأخرت وإنما قال:"إن وطئهما" مع أن التلذذ بغير الوطء كذلك: لأن الاستبراء إنما يتفرع على الوطء لا على التلذذ وإن وجب فيه الوقف أيضا، وأما الموطوءتان بنكاح فلا يوقف عن وطء الأولى بحال لفساد عقد الثانية.
وقوله: "ووقف إن وطئهما" إلخ قد علمت أن هذا لا يترك على أمانته، وأما من كان عنده أمتان محرمتا الجمع لم يطأ هما وأراد أن يطأ واحدة ويبقي الأخرى للخدمة فيوكل إلى أمانته. فالأقسام ثلاثة: ما إذا وطئ واحدة وأراد وطء الأخرى فلا بد من مسوغ، ما إذا وطئ الثانية قبل مسوغ وقف ولا يترك على أمانته، ما إذا كانتا عنده وأراد وطء واحدة منهما وإبقاء الأخرى للخدمة ترك على أمانته.
فإن أبقى الثانية استبرأها يعني أنه إذا وقفناه في الفرع المذكور عن وطئهما ليحرم أيهما شاء فتحل له الأخرى، فإن حرم الأولى وأبقى الثانية أي الثانية في الوطء لا في العقد ولا في الملك فإنه يستبرئها وجوبا لفساد مائة الحاصل قبل تحريم الأولى، وفائدة الاستبراء -وإن كان الولد لاحقا به استبرأ أو لم يستبرئ- تظهر في القذف، فإذا نسب شخص هذا الولد لشبهة لم يحد حيث نشأ من هذا الماء الواقع قبل تحريم الأولى، ومفهوم قوله:"فإن أبقى الثانية" أنه إن حرم الثانية بشيء مما تقدم وأبقى الأولى لم يستبرئها بل يستمر على وطئها من غير استبراء وهو كذلك، إلا أن يطأها زمن الإيقاف أو يطأها بعد وطء الثانية قبل إيقافه عن وطئها فيجب استبراء الأولى حينئذ لفساد مائة، وإن وطئهما بنكاح لم يستبرئ الأولى إن أبقاها وإن وطئها قبل فسخ نكاح الثانية: وعبارة عبد الباقي: وإن وطئهما بنكاح لم يستبرئ الأولى إن أبقاها وإن وطئها زمن الإيقاف بناء على أنه يوقف عنها، وإن قيل إن فسخ نكاح الثانية يحتاج إلى حكم كما ذكره ابن وهبان لأنه خلاف المذهب، وهذا تنبيه على حكم وطئهما بالنكاح وإن لم يكن الكلام فيه كما مر. انتهى.
وقوله: "ووقف إن وطئهما ليحرم" قد علمت أنه هنا وطئهما، وأما قوله الآتي:"فإن عقد فاشترى فالأولى" لخ فهو فيما إذا تلذذ بإحداهما فقط كما هو بين من كلامه الآتي. قاله الشيخ عبد الباقي. والله سبحانه أعلم. وقوله: "ووقف إن وطئهما ليحرم" لخ ظاهره سواء وطئهما عالما بأن ذلك لا يجوز أو جاهلا وهو كذلك، وقال اللخمي: قال ابن القاسم فيمن كانت عنده أختان فأصابهما ثم باع إحداهما ثم اشتراها قبل أن يطأ الباقية له أن يطأ أيتهما شاء، وهذا يحسن إذا فعل ذلك وكان في وطئه إياهما جاهلا، وأما إن فعل ذلك وهو عالم بالتحريم فلا يجوز له أن يصيب واحدة مهما حتى يخرج الأولى عن ملكه؛ لأنه يتهم أن يعود إلى مثل ذلك. انتهى. نقله الإمام الحطاب.
ثم أشار إلى جمع الأختين بنكاح وملك حيث لم يحصل منه وطؤهما جميعا وفيه صورتان: سبق النكاح للملك وعكسه، وأشار للأولى بقوله: وإن عقد فاشتري فالأولي يعني أن جمع محرمتي الجمع إذا كان بنكاح وملك أي مركبا منهما، فإنه لا يخلو ذلك من أن يتقدم النكاح على الملك أو يتأخر عنه، فإن تقدم النكاح بأن عقد على امرأة ثم بعد عقد نكاحها اشترى من يحرم جمعه معها كأختها مثلا فإن الأولى وهي المنكوحة هي الحلال فيتمادى على نكاحها ولا أثر لشراء الثانية، وسواء كانت المنكوحة حرة أو أمة، فأن وطئ يعني أنه إذا عقد على امرأة فاشترى أختها فإنه لا يجوز له أن يطأ المشتراة، فإن وطئها فكالمسألة الأولى وهي قوله:"ووقف إن وطئهما ليحرم" فيوقف عن وطئهما حتى يحرم أيتهما شاء بشيء مما تقدم فتحل له الأخرى، وإن أبقى الثانية المشتراة استبرأها وجوبا من مائة الحاصل قبل بينونة الأولى العقود عليها، وإن أبقى الأولى فلا استبراء ما لم يطأها زمن الإيقاف أو بعد وطء الثانية المشتراة وقبل الإيقاف فيستبرئ الأولى حينئذ وجوبا.
وأشار إلى الصورة الثانية وهي سبق الملك للنكاح بقوله: أو عقد بعد تلذذه بأختها بملك يعني أنه إذا تلذذ بأمته بجماع أو غيره، ثم إنه عقد على من يحرم جمعه معها كأختها -مثلا- فإنه يوقف عن وطئهما جميعا حتى يحرم إحداهما بشيء مما تقدم فتحل له الأخرى، أما المنكوحة فبالبينونة وأما المملوكة فبزوال ملك بعتق لخ ما سبق، وهذا العقد لا يجوز وإن كان لا يفسخ لقول
المدونة: لا يعجبني ولا أفسخه؛ وحمل قولها: لا يعجبني على التحريم فيوقف الزوج، ويقال له: إما أن تطلق وإما أن تحرم الأمة أي بشيء مما تقدم، فإن أبقى الثانية لم يستبرئها لأنه لم يمسها كما أنه إذا أبقى الأولى لا يستبرئها.
وبما قررت علم أن قوله: فكالأول جواب الشرط أعني قوله: "فإن وطئ" لخ فهو راجع للفرعين قبله أي أنه إذا عقد على امرأة فاشترى أختها أو تلذذ بأمته ثم عقد على من يحرم جمعه معها فإنه يكون حكمه حكم الفرع الأول؛ يعني في الإيقاف والاستبراء أي في الأولى من المسألتين، وفي الإيقاف في الثانية لا في الاستبراء لعدم الوطء الموجب له، وقوله:"فكالأول" هو قوله: "ووقف إن وطئهما ليحرم" لخ كما مر، ومفهوم قوله:"بعد تلذذه" أنه لو كان قبل تلذذه بأختها بملك لم يكن الحكم كذلك، والحكم أنه إن أبقى الأولى للوطء لا للخدمة أبان الثانية، وإن أبقى الثانية وقف عن نكاح الأولى أي كف عنها ويوكل في ذلك لأمانته. قاله الحطاب.
وإذا اختار تحريم الزوجة وكان ذلك قبل البناء فهل عليه نصف الصداق أم لا؟ تردد فيه أبو الحسن، والظاهر أنه إذا اختار بعد الدخول فلها المسمى كاملا، والظاهر أن هذا أيضا جار في المسألة التي قبلها. قاله الشيخ عبد الباقي. وما ذكره المص في الفرعين هو مذهب ابن القاسم في المدونة، وقال عبد الملك في الأخير أعني قوله "أو عقد بعد تلذذه بأختها بملك" إن النكاح يفسخ ولا يقر على حال، وقال فيه عبد الله بن عبد الحكم: نكاحه جائز وله أن يطأ امرأته من غير تحريم لجاريته؛ لأن نكاح أختها قد حرمها، وقال أشهب فيما إذا تزوج إحداهما ثم وطئ الأخرى بالملك: يطأ الزوجة لأن فرج أمته عليه حرام منذ عقد على أختها عقد النكاح؛ ومن باع أمة وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى المبيعة لم يطأ إلا الزوجة، والعقد ها هنا كالوطء في الملك، ومن زوج أم ولده تم اشترى أختها فوطئها ثم رجعت إليه أم ولده أقام على وطء الأمة، ولو ولدت منه الأمة ثم زوجها وأختها ثم رجعتا إليه جميعا وطئ أيتهما شاء إلا أن يطأ أولاهما رجوعا. انتهى. قاله الحطاب.
والمبتوتة معطوف على أصوله من قوله: "وحرم أصوله" يعني أن من بت امرأة أي قطع عصمتها يحرم عليه نكاحها، والمبتوتة هي التي انقطعت عصمتها وهي المطلقة ثلاثا للحر واثنتين للعبد،
وكما يحرم على البات نكاحها يحرم عليه وطؤها بالملك كحر تزوج أمة وبتها ثم استبرأها فيحرم عليه وطؤها حتي يولجَ بالغ قدر الحشفة يعني أن المبتوتة تستمر حرمتها على باتها حتى يولج أي يدخل زوج بالغ في فرجها حشفته أو قدرها فيمن لا حشفة له خلقة أو لقطع، ولا يكفي قدر الحشفة ممن له حشفة، والظاهر أن من له قلفة قدر الحشفة فغيبها ولم يدخل الحشفة كلها لا يكتفي بذلك في حلية المبتوتة، والمراد بالبالغ البالغ حين الإيلاج، فلو عقد عليها وهو صبي وكان حين الإيلاج بالغا لكفى ذلك، ولا يشترط في هذا البالغ المولج أن يكون حرا بل تحل بالزوج الحر والعبد.
بلا، منع الظاهر أن الباء للملابسة يعني أنه يشترط في الإيلاج المذكور أن لا يكون ممنوعا، واحترز بذلك من الوطء الممنوع فلا تحل به كالوطء في الحيض والنفاس والإحرام والصيام مطلقا واجبا كان أو تطوعا وهذا هو المشهور، وقال ابن الماجشون واختاره ابن حبيب: إن ذلك يحلها، قال: لأنه وطء في نكاح لا حد عليه فيه وذاقت عسيلته فوجب أن تحل، واختلف الأشياخ هل الخلاف عام في كل صيام سواء كان واجبا أو تطوعا كان في قضاء رمضان أو غيره؟ وإليه ذهب الباجي ورأى أنه ظاهر المدونة والموازية، وقال ابن حبيب: إن محل القولين فيما عدا صيام التطوع والقضاء والنذر غير المعين، وأن الوطء في هذه يحل اتفاقا واختاره اللخمي، وخرج أيضا الوطء في الدبر وفي المسجد وفي الفضاء مستقبل القبلة ومستدبرها فلا تحل به المبتوتة، ويدخل في المص وطء الصغيرة التي لا تطيق الوطء فلا تحل به المبتوتة، ويدخل فيه أيضا كل وطء نهى الله عنه كما قال ابن عرفة، وفهم من المص أن عقد الغير عليها دون وطء لغو فلا تحل به وهو كذلك بلا خلاف عندنا. قاله الشارح.
واحترز بالبالغ من غير البالغ، ففي المدونة: وطء الصبي القادر على الجماع ولم يحتلم لغو. اللخمي: إن شارف البلوغ أحَلَّ وطؤه على قول مالك: يحد إن زنى ولو أدخل بعض الحشفة لم تحل وقد مر ما يفيده، ولو وطئها فوق الفرج فأنزل فدخل ماؤه في فرجها فأنزلت هي لم تحل ولا تحصن. وفي العارضة عن الحسن البصري: لا تحل إلا بوطء فيه إنزال، لقوله صلى الله عليه
وسلم: (حتى تذوقي عسيلته)، ورأى العلماء أن مغيب الحشفة هي العسيلة، وقوله:"بلا منع" يشمل وطء الحائض قبل الاغتسال وبعد الطهر على أنه ممنوع، وإن قلنا بالجواز حلت به.
ولا نكرة فيه يعني أنه يشترط في الإيلاج المذكور أن يكون لا نكرة فيه بأن يتصادقا على المسيس أو لم يحصل منهما إقرار ولا إنكار، فلو أنكراه معا أو أحدهما لم تحل، وظاهره سواء كان ذلك قبل الطلاق أو بعده ولو بطول وهو كذلك ما لم يحصل تصادق عليه. قاله الشيخ عبد الباقي. وإذا علمت الخلوة وغاب المحلل أو مات ولم يعلم منه إقرار ولا إنكار صدقت. قاله اللخمي. ونقله ابن عرفة. وقال ابن عرفة أيضا: الباجي: لو بنى بها وبات عندها ليلة ومات صدقت. انتهى. قاله الحطاب. وقوله فيه يتنازعه كل من قوله: "بلا منع ولا نكرة". قاله الشبراخيتي. وإذا كان الزوجان مسلمين فارتد أحدهما بعد الطلاق الثلاث لم تسقط الردة الخطاب بأن تنكح زوجا غيره، وإن ارتدا معا سقط الخطاب عند ابن القاسم دون غيره، وإن كانت الزوجة نصرانية وارتد الزوج بعد الثلاث فعند ابن القاسم لا تحل له إذا رجع إلى الإسلام إلا بعد زوج، وإن أحلها زوج فارتدت هي أو المحلل فالأحسن عند اللخمي أنها تحل من غير زوج. قال جميع ذلك اللخمي. وسيأتي للمص بعض هذا في باب الردة. والله أعلم قاله الحطاب.
بانتشار يعني أنه لابد في الإيلاج المذكور أن يكون ملابسا للانتشار، والانتشار قيام الذكر ويقال له الإشظاظ والإنعاظ، ويكفي حصول الانتشار ولو بعد الإيلاج اتفاقا من أصحاب مالك. قاله الحطاب. وإنما اشترط لكون العسيلة لا تحصل إلا به، ولا يشترط في الانتشار أن يكون تاما ولا بد أن لا يكون في هواء الفرج وأن لا يلف على الذكر خرقة كثيفة وتقدم نحوه في الغسل، وقوله:"بانتشار" هو المشهور، والشاذ لابن القاسم في الموازية: لا يشترط. قاله الشارح. والباء في قوله: "بانتشار" للملابسة أي متلبسا الإيلاج بانتشار. قاله الشيخ عبد الباقي.
في نكاح يعني أن المبتوتة لا تحل لباتها إلا بوطء في نكاح، فلا تحل أمة مبتوتة بوطء سيدها لمن بتها، لقوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} لازم يعني أن المبتوتة لا تحل لباتها إلا بوطء من غيره في نكاح لازم احترازا من وطء النكاح الفاسد الذي لا يثبت بعد الدخول كما سينص المص
عليه، ومن النكاح الذي فيه خيار كنكاح العبد بغير إذن سيده والسفيه بغير إذن وليه والمعيب والمغرور فلا تحل بشيء من ذلك، إلا إذا حصل الإيلاج بعد الإجازة من الولي والرضا بالمعيب وذي الغرور ومضي الفاسد كما سيذكره المص، ولو تزوج مسلم كتابية فطلقها ثلاثا فتزوجت بكتابي فدخل بها ثم طلقها أو مات عنها لم تحل لزوجها المسلم الذي بتها على المشهور بوطء زوجها الكتابي، فقوله:"لازم" أي ابتداء أو بعد الإجازة والرضا ويحصل وطء بعد ذلك كما نصوا عليه، ولأشهب قول بأن الوطء في نكاح السفيه والعبد بغير إذن الولي يحل المبتوتة، وهو مبني على أن الخيار الحكمي ليس كالشرطي، وأن الأصل فيه اللزوم. قاله الشارح.
وعلم خلوة يعني أنه يشترط في حلية المبتوتة مع ما تقدم من الشروط أن تعلم الخلوة بينهما وبين من تحل بوطئه وتثبت بامرأتين فأكثر لا بتصادقهما لأنها تتهم على ملكها الرجعة لمن بتها، ففيها: إن مات قبل بنائه فقالت طرقني ليلا وأصابني لم تصدق ولا يقبل قوله مع قولها. انتهى. وخلوة الزيارة لغو. قاله الحطاب. وقال أشهب في مدونته: ولو صدقها الثاني أنه بنى بها لم تصدق ولم تحل حتى تثبت الخلوة، وإن علمت الخلوة وتصادقا على الإصابة أو غاب المحلل أو مات قبل أن يعلم منه إقرار أو إنكار صدقت. قاله الشارح.
وزوجة يعني أنه يشترط في حلية المبتوتة مع ما تقدم من الشروط أن تكون الزوجة عالمة بالوطء الذي يبيحها، فلا تحل مجنونة ولا مغمى عليها ولا نائمة حال الوطء، وقوله: فقط يعني أنه إنما يشترط علم الزوجة بالوطء وحدها، فلا يشترط علم الزوج فلو وطئها وهو مجنون لحلت. قاله ابن القاسم. وقال أشهب: إنما يشترط علم الزوج خاصة لأنه الفاعل للإحلال، وقال ابن الماجشون: لا يشترط علم واحد منهما فلو كانا مجنونين حلت عنده.
اللخمي: ولا أرى أن تحل إلا أن يكونا عالمين لقوله صلى الله عليه وسلم لزوجة رفاعة: (لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك
(1)
)، فهذا يقتضي أن يكونا عاقلين إلا أن تكون وسوسة ولم يبلغ إلى فقدان التمييز أي فتحل مع ذلك قاله الشارح والعسيلة تصغير العسل وإنما صغره بالهاء لأنه
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1433.
يؤنث ويذكر والأغلب عليه التأنيث، والعسيلة في الحديث كناية عن لذة الجماع. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وزوجة فقط" وجهه أن الحلية وعدمها من وصف المرأة فكانت هي المعتبرة، ويقوي ذلك أن الله تبارك وتعالى أضاف الإحلال لها بقوله:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، ووجه قول ابن الماجشون أن الوطء هنا ليس من الأحكام التكليفية وإنما هو سبب في الحلية والسبب من خطاب الوضع، وذلك لا يشترط فيه علم المكلف وهو الظاهر. قاله الشارح.
ولو خصيا يعني أن المبتوتة تحل بالإيلاج المذكور ولو كان هذا الذي أولج حشفته -حيث كانت له حشفة أو قدرها ممن لم تخلق له أو قطعت- خصيا أي مقطوع الخصيتين مع أنه قائم الذكر قطعت حشفته أم لا، ففي كلامه ما يفيد أن المراد بالخصي هنا مقطوع الخصيتين يريد بعد علمها بأنه خصي وهو بين، وصرح به ابن عرفة وغيره لثبوت الخيار لها إن لم تعلم وقيل لا تحل بالخصي، وعلى هذا القول رد المص بلو والمبالغة راجعة لقوله:"حتى يولج بالغ "، قال الشيخ عبد الباقي: واستغنى عن تقييد الخصي بعلمها به لاستفادته من قوله: "لازم"؛ إذ هو قبل علمها غير لازم. انتهى. وعلم من المص أن المقطوع الذكر لا تحل به وهو كذلك.
كتزويج غير مشبهة ليمين هذا مثال للنكاح الذي تحل به المبتوتة؛ يعني أن المبتوتة إذا كانت دنية وتزوجت ذا قدر فهي لا تشبه نساءه أي ليست من مناكحه لدناءة قدرها عن قدره وإنما تزوجها لأجل يمين حلفها ليتزوجن فإنها تحل لباتها وإن لم تنحل عنه اليمين ومن باب أولى لو كانت من مناكحه، وما ذكره المص هو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك نظرا إلى أنه لو أراد أن يثبت على هذا النكاح ثبت، وقال ابن دينار -وهو أحد قولي ابن كنانة-: إنه لا تحل بذلك ولو كانت تشبه مناكحه ولو أقامت عنده سنتين فأكثر إلا أنه يبر في يمينه إن أشبهت نساءه وإلا فلا، وفرق ابن كنانة أيضا في قوله الآخر بين أن تشبه مناكحه فتحل أو لا تشبه فلا تحل. قاله الشارح.
لا بفاسد يعني أن الإيلاج المذكور إنما يحل المبتوتة في النكاح اللازم، وأما إن حصل في نكاح فاسد فلا تحل به، وقوله:"لا بفاسد" يدخل فيه نكاح الكافر؛ لأن أنكحتهم فاسدة سواء كانت الزوجة مسلمة أو كافرة إن لم يثبت بعده؛ يعني أن محل كون الإيلاج في الفاسد لا يعتد به في
إباحة المبتوتة إنما هو حيث كان الفاسد لا يثبت بعد الدخول، فإن ثبت بعد الدخول فهو ما أشار إليه بقوله؛ بوطء ثان متعلق بمحذوف تقديره حلت؛ يعني أن النكاح الفاسد إذا كان يثبت بعد الدخول فإن المبتوتة تحل فيه بالوطء الحاصل بعد الذي ثبت به وهو الوطء الثاني.
وفي الأول تردد يعني أن الباجي تردد في حلية المبتوتة بالوطء الأول، فقال: لم أر فيه نصا وعندي أنه يحتمل الوجهين الإحلال وعدمه، قال في التوضيح: بناء على أن النزع وطء أم لا.
تنبيه: اعلم أن مذهب الجمهور عدم حلية المبتوتة بالعقد، وذهب سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير إلى أن العقد يكفي لكن يشترط عندهما عدم قصد التحليل، وتواتر النقل عن سعيد بن المسيب بالرجوع عنه وأنه وافق الجمهور، ونقل بعض الحنفية عن ابن جبير أنه رجع أيضا فيحرم العمل بمذهبهما الأول ولا تحل به المبتوتة لأنه شاذ كما نص عليه أبو الحسن وغيره، ولأن علم ما يعتبر عندهما من الشروط والأركان في هذه المسألة متعذر لعدم تدوين مذهبهما، وربما أدى ذلك إلى التلفيق وهو هفوة ممن يحكم بذلك. قاله الشيخ عبد الباقي.
كمحلل مثال للفاسد الذي لا يثبت بعد الدخول؛ يعني أن نكاح المحلل لا يحل المبتوتة وطؤه، ونكاح المحلل هو أن يتزوج الرجل مبتوتة بقصد أن يحلها لباتها، وإنما كان كذلك لما صححه الترمذي من حديث ابن مسعود: (لعن الله المحلل والمحلل له
(1)
)، وخرجه أيضا أبو داوود والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده، وخرج الدارقطني وابن ماجه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أخبركم بالتيس المعار؟ قالوا بلى قال هو المحلل، ثم قال: لعن الله المحلل والمحلل له
(2)
)، قال عبد الحق: وإسناده جيد ولا يقال إنه عليه الصلاة والسلام سماه تيسا محللا؛ لأنا نقول إنما سماه على زعمهم، ويفسخ نكاح المحلل قبل البناء وبعده بطلاق بائن إذا أقر بالتحليل بعد العقد، وأما إن أقر قبل العقد بقصد التحليل فليس بنكاح. قاله في المدونة. قال في التوضيح: يعني فيفسخ بغير طلاق. الباجي: وعندي أنه يدخله الخلاف في النكاح الفاسد
(1)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2076. وسنن الترمذي كتاب النكاح، رقم الحديث، 1119. وسنن ابن ماجه، رقم الحديث، 1936، 1934. ومسند أحمد، ج 2، ص 323.
(2)
ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له، سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1936.
المختلف فيه هل هو بطلاق أم لا؟ وهو تخريج ظاهر، وإن بنى المحلل فلها المسمى على الأصح وقيل لها مهر المثل، وهذا الاختلاف في الصداق إنما يكون إذا تزوجها بشرط أن يحلها، ولو نوى أن يحلها دون شرط كان بينه وبينها أو بينه وبين أوليائها علم الزوج بذلك أو لم يعلم لكان لها الصداق المسمى قولا واحدا. قاله ابن رشد. قاله الشيخ بناني. وإن لم يبن بها فإن أقر قبل العقد فلا شيء لها وإن أقر بعده فلها نصف المسمى.
ابن عرفة: فإن تزوجها الأول بهذا النكاح فسخ بغير طلاق. قاله الحطاب. وقال: إن المحلل إذا بنى بها فلها المسمى على الأصح، وقال مالك: للمحلل أن يتزوجها بعد ذلك، وقال أشهب: أحب إلي أن لا ينكحها أبدا. انتهى.
وإن مع نية إمساكها مع الإعجاب يعني أن المبتوتة إذا تزوجها رجل وقصد أنه يمسكها إن أعجبته وإن لم تعجبه احتسب تحليلها للأول، فإن ذلك لا يجوز ولا تحل للأول لما خالط نكاحه من نية التحليل. نص على هذا ابن حبيب. فلا فرق في نكاح المحلل بين قصده التحليل فقط وقصده التحليل مع قصده أن يمسكها إن أعجبته، فكل ذلك نكاح محلل فيجري على حكمه. وقد مر ويعاقب المحلل ومن علم ذلك من الزوجة والشهود والولي، ومحل فساده ما لم يحكم حاكم بصحته يراها كشافعي وإلا جاز لأن حكم الحاكم في المسائل الاجتهادية يرفع الخلاف وتصير المسألة كالمجمع عليها إذا قوي مدركه، وما يأتي من أن حكم الحاكم لا يحل الحرام محمول عند المحققين من أهل المذهب على ماله ظاهر جائز وباطن ممنوع لو اطلع عليه الحاكم لم يحكم به، كمن أقام شاهدي زور على نكاح امرأة فحكم له بها أو أقامهما على طلاقها فلا يباح لمن أقامهما نكاحها، وأما إذا حكم الحنفي بجواز تعدد الجمعة لغير ضرورة أو بجواز الاستبدال في العقار المحبس أو شافعي بجواز الاستحلال وصحته مع نية المحلل وما أشبه ذلك فليس هذا مما له ظاهر جائز وباطن ممنوع لو اطلع عليه الحاكم لم يحكم بجوازه بل حكمه به يرفع الخلاف، فيجوز للمالكي أن يصلي الجمعة في الجامع الجديد بحكم الحنفي بجواز تعددها فيه بغير ضرورة؛ وأن ينتفع بالعقار الذي حكم بصحة استبداله بسائر وجوه الانتفاعات الشرعية، وأن ينكح مبتوتته التي حكم شافعي بصحة الاستحلال فيها وما أشبه ذلك، قال الشيخ عبد
الباقي: قال حلولو: العمل عند قضاة تونس اليوم تكليفه عند العقد بإثبات أنه ممن لايتهم بتحليل المبتوتة فحينئذ يباح له تزويجها، ثم إن طلقها لم تبح لزوجها الأول إلا بعد ثبوت البناء بها وهو حسن ولا سيما بعد فساد الزمان. انتهى. وقوله: وصحته نية المحلل يفيد أنه مع الشرط مجمع عليه، قال الرهوني: وهو ظاهر. والله أعلم.
ونية المطلق ونيتها لغو يعني أن المعتبر في قصد التحليل إنما هو نية المحلل للمبتوتة، فإذا قصد بنكاحه التحليل فهو نكاح تحليل، وأما نية المطلق الذي بتها فلغو أي ملغاة أي غير مضرة حيث لم يقصد الزوج الثاني التحليل، كما أن نية المبتوتة ملغاة أيضا فإذا نوى المطلق والزوجة أو أحدهما التحليل ولم ينوه الزوج الثاني فإنها تحل، فلو قال الطلق: تزوجي فلانا فإنه مطلاق حلت إن تزوجته وكذلك إن تزوجته هي لذلك. قاله في التوضيح. قاله الحطاب. وإنما كانت نية المحلل هي المضرة دون نية المبتوتة والمطلق لأن الطلاق بيده فقد دخل على اشتراط التوقيت عليه وذلك نكاح متعة ولذلك فسخ مطلقا.
واعلم أن المعتبر نية المحلل ولو كانت من غير شرط عند مالك خلافا لغير واحد من أصحابه. قاله الحطاب. ويعاقب المحلل ومن علم ذلك من الولي والشهود والزوجة كما مر، ويجب عليه أي على المحلل أن يأتي الأول فيعلمه أنه قصد تحليلها ليمتنع من نكاحها، ولو زوجها لعبده ليسأله طلاقها بعد وطئها حلت به، وإن تزوجت غريبا عالمة أنه لا يريد حبسها لم تحل على القول بفساده، ولو تزوج شخص مبتوتة وبنى بها وأقر بوطئها كاذبا ثم بتها فتزوجها من بتها أولا وبنى بها وأقر بوطئها لم تحل لمن بتها ثانيا لفساد نكاح من بتها أولا، نقله الشيخ عبد الباقي عن الأجهوري، وإن نوى المحلل إمساكها على التأبيد ووافق في الظاهر على التحليل فالظاهر أنه يكون صحيحا فيما بينه وبين الله ورده الرهوني بأن شرطهم ذلك نكاح إلى أجل يوجب فساد النكاح قطعا انظر تحقيق ذلك فيه فهو شاف كاف والله تعالى أعلم وما مشى عليه المص هو الصحيح. وقيل إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسخ النكاح فتعتبر نية الجميع، وقال غير واحد من أصحاب مالك: إنه إذا نوى الإحلال من غير شرط تحل وهو قول سالم والقاسم ويحيى
بن سعيد، قالوا: يجوز للرجل أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجين وهو مأجور، ونحوه في الزاهي لابن شعبان. قاله الشارح.
وقبل دعوى طارئة التزويج يعني أن المبتوتة إذا طرأت من مكان بعيد وادعت أنها تزوجت تزوجا شرعيا ثم مات الزوج عنها أو طلقها وتمت عدتها وبنى بها فإنها تصدق في ذلك، فتحل لباتها والبعد هو ما يعسر الكشف فيه عما تدعيه وهذا كالمستثنى من قولهم لابد في الإحلال من شاهدين على التزويج وامرأتين على الخلوة واتفاق الزوجين على الوطء، فتصدق الطارئة وهي غير البلدية أنها تزوجت تزوجا شرعيا ثم مات الزوج عنها أو طلقها وتمت عدتها، فتحل لمن كان قد بتها لمشقة الإثبات عليها لو كلفت ذلك وهذا إذا طرأت من بعد وهو ما يعسر فيه الكشف عما ادعت كما مر، فإن قرب البلد الذي طرأت منه لم يقبل قولها. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله:"التزويج" لو قال التزوج كان أولى. قاله الشبراخيتي.
كحاضرة أمنت تقدم الكلام على الطارئة وتكلم هنا على البلدية؛ يعني أن المبتوتة إذا كانت بلدية مأمونة لا تتهم في دينها وادعت النكاح الموجب لحليتها لمن بتها فإنها تصدق في ذلك فتحل للأول بشرط بعد زمن التزوج من دعواها، ولهذا قال: إن بعد أي محل تصديق الحاضرة فيما ادعته من النكاح الموجب لحليتها إنما هو حيث بعد زمن التزويج من دعواها له بحيث يمكن موت الشهود أي شهود النكاح الذي حلت به واندراس العلم، وهذا إذا كانت مأمونة كما علمت. وفي غيرها قولان يعني أن الحاضرة غير المأمونة اختلف فيها مع بعد الزمن أتي زمن التزويج بحيث يمكن موت الشهود واندراس العلم، هل تصدق في دعواها النكاح الوجب لحليتها لباتها أو لا تصدق؟ فذهب محمد إلى أنها لا يقبل قولها، وقال ابن عبد الحكم: تصدق، ومثل دعوى التزويج دعوى الطلاق أو الموت للزوج الثاني، ومفهوم قوله: إن بعد أنه إن قرب الأمر فقولها لغو أمنت أم لا. قاله اللخمي. قاله الحطاب. قال: ونقله ابن عرفة، وقاله في التوضيح. انتهى.
وقوله: "والمبتوتة" شامل للتعليق كحلفه بالثلاث لا تفعل زوجته كذا وتفعله غير قاصدة تحنيثه فيقع باتفاق ابن القاسم وأشهب، وكذا إن قصدت تحنيثه عند ابن القاسم. وقال أشهب: بعدم حنثه، قال ابن رشد: قول أشهب شذوذ والمشهور أنه يحنث، وسيأتي للمصنف أو أحنثته فيه،
ونقل عن ابن القاسم أن من تزوج تزوجا مختلفا فيه وطلق من تزوجها ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج فلا يفسخ نكاحه، نقله ابن بشير وغيره عن بعض القرويين عن ابن القاسم فيمن تزوج تزوجا مختلفا فيه ومذهبنا أنه فاسد ثم يطلق فيه ثلاثا، فابن القاسم يلزمه الطلاق ولا يتزوجها إلا بعد زوج، فلو تزوجها قبل زوج لم يفسخ نكاحه؛ لأن التفريق بينهما حينئذ إنما هو لاعتقاد فساد نكاحها، ونكاحها عنده صحيح وعند المخالف فاسد ولا يمكن الإنسان ترك مذهبه لمراعاة مذهب غيره، يريد أن منعه من تزويجه أولا إنما كان مراعاة للخلاف وفسخ النكاح ثانيا لو قيل به لكان مراعاة للخلاف أيضا، فلو روعي الخلاف فيهما لكان تركا للمذهب بالكلية. انتهى.
وليس من هذا الضابط ما يفسخ قبل ويثبت بعد ثم يطلق فيه ثلاثا بعد البناء لأن هذا صحيح عندنا حيث دخل فيه، وما تقدم مذهبنا فيه الفساد فمهما تزوجها من طلقها ثلاثا فيه قبل زوج فسخ نكاحه وذلك ظاهر، بل لو طلق ثلاثا قبل البناء في هذا لفسخ نكاحه الواقع فيه قبل زوج.
هذا وفي شرح الحدود أن ابن عبد السلام قال بعد نص ابن القاسم: وهذا لا ينبغي أن يقال ونحوه لابن عرفة. انتهى. وقول ابن القاسم إنما نقله عنه بعض القرويين وعلى فرض صحته عنه فكم لابن القاسم من قول ضعيف؟ وقال ابن عرفة: يبحث فيه لقوله في ثاني نكاحها: يلزم فيما فسد لصداقه الطلاق والخلع قبل فسخه ويتوارثان للخلاف فيه، وإن طلقها ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج.
ابن عرفة: قلت ظاهرها أن حرمتها بالثلاث فيه كحرمتها به في النكاح الصحيح وظاهرها هو الأحوط بالدين، وأما ما هو صحيح عندنا فواضح أنه لا يتعرض له الحاكم المالكي كمتزوج بولي فاسق فإنا نقول بصحته مع سلب الكمال كما قال المص، وغيرنا كالشافعي يقول بفساده لاشتراط عدالته. انظر حسن نتائج الفكر.
قال الشيخ إبراهيم: ولما كان من موانع النكاح الرق وهو قسمان كما قال ابن الحاجب مانع مطلقا ومانع على جهة، شرع في الكلام فيه مشيرا إلى الأول منهما بقوله عاطفا على أصوله: وملكه يعني أنه يحرم على الشخص نكاح من هو في ملكة سواء كان المالك حرا أو عبدا، فيحرم على السيد نكاح أمته ويحرم على السيدة نكاح عبدها لتنافي الأحكام، أما إن أرادت السيدة أن تتزوج
عبدها وهو ممتنع إجماعا فالأمر واضح لأنها تطلبه بحق الزوجية ومنه الإنفاق، ويطلبها بحق الرقية ومنه الإنفاق وأم في تزويج السيد الأمة وهو أيضا ممتنع إجماعا فلأن الرجل إذا تزوج أمته فالزوجة لها عليه حق في الوطء وليس ذلك للأمة، فإذا طلبته بالوطءء بالزوجية طلبها برفعه عنه بالملك ولم تصح لها مرافعته في الإيلاء منها، فخالف في ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة. انتهى. ملخصا من الشارح وبناني. وشمل الملك الكامل والمبعض وذا الشائبة كأم الولد والمكاتبة ونحوهما.
تنبيهان: الأول في كتاب الخدمة في رسم البراءة من سماع عيسى، وفي سماع محمد بن خالد عن مالك أنه لا يجوز للمخدم بالفتح أن يتزوج مخدمته وأنها بمنزلة الأمة المشتركة، وفي مختصر الوقار: يكره للرجل أن يتزوج أمته المخدمة وإن أذن في ذلك من أخدمها. قاله الحطاب.
الثاني: قال ابن عرفة: وفيها لابن القاسم: إن أراد أن يزوج أمة عبده منه انتزعها ثم زوجها منه، فإن زوجها منه قبل انتزاعها ووطئها جاز نكاحه وكان انتزاعا، وإن أراد سيده وطأها انتزعها ووطئها فإن وطئها قبل انتزاعها كان انتزاعا، قلت: ويجب استبراؤها قبل وطئها وبعده قبل استبرائها. انتهى. قاله الحطاب. أي بعد وطئها الكائن قبل استبرائها. والله سبحانه أعلم.
المشدالي: وانظر لو زوج أمة عبده من عبد له آخر هل يكون انتزاعا أم لا؟ قال في سماع عيسى في رجل أخذ جارية لأم ولده فزوجها غلامه ثم مات فطلبت أم الولد جاريتها، هل ترى تزويجه إياها غلامه انتزاعا؟ قال: لا والجارية لأم ولده والنكاح ثابت بمنزلة لو زوج جارية لعبده غلامه ثم أعتق سيد الجارية ولم يستثن ماله أن الجارية للعبد أعني سيدها والنكاح ثابت.
ابن رشد: هذا كما قال؛ لأن العبد وأم الولد ملكان لأموالهما فلا يحمل فعل السيد ذلك على الانتزاع إذ لم يصرح به إلا أن يكون ما لا يصلح أن يفعله إلا بعد الانتزاع كالوطء والصلح به عن نفسه والعتق وشبه ذلك، وقد اختلف إذا رهن السيد عبد عبده في دين على السيد، ففي الكتاب: لا يكون انتزاعا. قاله الحطاب.
أو لولده يعني أنه يحرم على الأب والجد وإن علا تزوج أمة ولده وولد ولده وإن سفل ذكرا أو أنثى، وسواء كان الولد حرا أو عبدا وسواء أيضا كان الأب حرا أو عبدا، والمراد بالولد كل من
للأب عليه ولادة، فيشمل ولد البنت وولد ولدها وإن سفلوا فحكم الجد حكم الأب ولو كان جدا لأم، فلو اشترى زوج أمه أو امرأة أبيه انفسخ النكاح وهذا هو المشهور، وأجاز ابن عبد الحكم نكاح الأب أمة الابن وما قدمته في تفسير الولد هو التحقيق. والله تعالى أعلم.
وفسخ وإن طرأ بلا طلاق يعني أن من تزوج أمته أو أمة ولده يفسخ نكاحه بلا طلاق لأنه مجمع على تحريمه، ولا فرق في ذلك بين الكائن من ملكه وملك ولده قبل النكاح وبين الطارئ منهما بعد النكاح.
فرع: أجاز في العتبية للرجل أن يتزوج جارية زوجته، وعن ابن كنانة كراهته وهذا في جارية لم تكن في الصداق، وأما جارية الصداق فيجوز ذلك فيها بعد الدخول ومنع منه في العتبية قبل الدخول، وخرج فيها صاحب البيان قولا بالجواز. انتهى. باختصار من التوضيح. قاله الحطاب. فرع آخر: قال ابن عرفة: اللخمي عن محمد: إن اشترى أحدهما الآخر بخيار لم ينفسخ النكاح إلا ببته وإن بيع على العهدة فسخ حينئذ، فإن حدث في العهدة عيب رد به وقد انفسخ النكاح وشراء زوجها إياها بشرط الاستبراء يوجب فسخ نكاحه؛ لأن الماء ماؤه.
اللخمي: القياس فيهما عدم تعجيل الفسخ فإن سلمتا مدة العهدة والاستبراء تم البيع وفسخ النكاح وإلا فلا. انتهى. قاله الحطاب. وقوله: "وإن طرأ" أي بميراث أو غيره. ابن عرفة: ولو اشتري أحدهما الآخر وهو مكاتب ففي فسخ نكاحه قولان بناء على أنه ملك رقبته أو كتابته، فإن عجز فسخ اتفاقا قلت: يريد أن المبيع الكتابة. انتهى. قاله الحطاب.
فرع آخر: قال في أول رسم من سماع عيسى من كتاب النكاح: وقال مالك في أمة تحت حر ولدت أولادا له وأرادوا بيعها وولدها فقال زوجها أنا آخذها، قال مالك: أرى أنه أحق بها بما أعطوا فيها لأن في ذلك خيرا لعتق ولدها ولا أرى به بأسا.
ابن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الزوج إذا أراد أن يأخذهم بالثمن الذي أعطوه لهم فبيعهم من غيره بذلك التمن إضرار بالولد في غير منفعة تصير لهم فلا يمكنون من ذلك، ثم قال: ولو باعوها وحدها لم يكن أحق بها إذ لا تكون أم ولد إذا اشتراها وإن ولدت منه الأولاد. انتهى. كلام ابن رشد بالمعنى. قاله الحطاب.
(كمرأة في زوجها) يعني أن المرأة يفسخ نكاحها فيما إذا طرأ بعد نكاحها ملكها لزوجها أو طرأ ملك ولدها له، والفسخ في ذلك بلا طلاق، ويفهم من هذا بالأحروية أنه لا يجوز لها أن تتزوج ملكها ولا ملك ولدها وهذا يفيد أن قوله:"وملكه أو لولده" محمول على ملك الزوج لزوجته، وإن حمل على عمومه وهو الذي قررته به كان هذا مستغنى عنه بما قبله، لكن ذكره ليرتب عليه قوله:((ولو بدفع مال ليعتق عنها) يعني أن المرأة إذا دفعت مالا لسيد زوجها على أن يعتقه عنها ففعل فإن نكاحها يفسخ لدخوله في ملكها، وكذا لو سألته في عتقه عنها أو رغبته في عتقه عنها ففعل فإنه يفسخ نكاحها، ومفهوم قوله:"ليعتق عنها" أنها لو دفعت له مالا ليعتقه عن غيرها أو سألته أو رغبته في عتقه عن غيرها أو دفعت له مالا ليعتقه من غير تعيين للمعتق عنه أو سألته أو رغبته في مجرد عتقه من غير تعيين فإنه لا يفسخ النكاح ولو أعتقه عنها في هذه الصورة، وأولى إذا أعتقه عنها مجانا ابتداء من غير سؤال فإنه لا يفسخ النكاح لأنها لم تملكه وولاؤه لها بالسنة؛ وظاهر المص سواء كانت الزوجة حرة أو أمة وهو صحيح ويكون الولاء لسيدها، ورد المص بلو قول أشهب: لا يفسخ النكاح، قال: لأنه لم يستقر لها ملك عليه وليس لها إلا الولاء.
واعلم أنه إذا أعتقه عنها ولم تدفع له مالا فملكها له تقديري لا تحقيقي فباعتبار تقديره ثبت الولاء لها وباعتبار التحقيق لم ينفسخ النكاح. انتهى. ملخصا من شرحي الحطاب وعبد الباقي وحاشية البناني.
لا إن رد السيد شراء من لم يأذن لها؛ يعني أن الأمة إذا اشترت زوجها بغير إذن سيدها ورد السيد شراءها لزوجها فإن نكاحها لا يفسخ؛ لأن البيع على هذا الوجه كلا بيع، وأما لو أذن لها في شرائه أو لعموم في تجارة أو لتضمن بكتابة فإن النكاح يفسخ كما أفاد ذلك مفهوم قوله:"لم يأذن لها".
أو قصدا بالبيع الفسخ يعني أن الزوجة حرة كانت أو أمة لسيد زوجها إذا اشترت زوجها من سيده وقصد السيد ببيعه لها فسخ النكاح وقصدت هي أيضا ذلك بشرائه فإن البيع لا يتم والنكاح لا يفسخ معاملة لهما بنقيض قصدهما، وقوله:"قصدا" بألف التثنية كذا في كثير من النسخ وهو المطابق لقوله في المدونة: إلا أن يرى أنها وسيدها اغتزيا أي قصدا فسخ النكاح فلا يجوز ذلك
وتبقى زوجة، قال ابن عرفة: ظاهره أن اغتزاءه وحده لغو وفيه نظر. انتهى. قال الإمام الحطاب: الحق ما قاله ابن عرفة، والظاهر أنه لا يفسخ يعني فيما إذا قصد السيد فقط بالبيع الفسخ، وأما قصدها هي فقط فالظاهر أنه لا يفسخ أيضا كما لو ارتدت قاصدة لفسخ النكاح لم يفسخ وتستتاب. انظر الحطاب.
والحاصل أن مقتضى المص والمدونة أن قصد السيد فقط أو الزوجة فقط غير مانع من الفسخ بل يفسخ معه، وأما قصدهما معا فهو الموجب لعدم الفسخ والظاهر أنه لا يفسخ مطلقا قصداه معا أو قصدته هي فقط أو هو فقط، فمحل الفسخ حينئذ حيث لم يقصد واحد منهما الفسخ. هذا محصل ما للحطاب والبناني وغيرهما. والله سبحانه أعلم.
كهبتها لعبد لينتزعها منه تشبيه في عدم الفسخ؛ يعني أن الزوجة المملوكة لسيد زوجها إذا وهبها سيدها لزوجها لأجل أن ينتزعها منه؛ أي قصد بالهبة فسخ النكاح لأجل أن يتوصل به إلى أن ينتزعها منه -والحال أن العبد لم يقبل الهبة- فإن النكاح لا ينفسخ لأن الهبة حينئذ لا تتم وترد كما يرد البيع فيما مر لقصد السيد الإضرار، سواء كان العبد مثله يملك مثلها وسواء قصد إزالة عيب التزويج أو إحلالها لنفسه، وقوله:"لينتزعها" متعلق "بهبتها"، وأما لو قبل العبد الهبة لفسخ النكاح ولو قصد السيد بالهبة الفسخ، وإنما تفترق إرادة السيد من عدمها إذا لم يقبل العبد الهبة، ومفهوم قوله:"لينتزعها منه" أنه لو وهبها له ولم يقصد بالهبة ذلك لفسخ النكاح ولو لم يقبل العبد الهبة، وقوله:"كهبتها لعبد لينتزعها" قال الشارح: هكذا قال ابن نافع في المدونة، وزاد: ولا يجوز ذلك له ولا أرى أن يحرمها ذلك على زوجها ولا ينتزع منه يريد؛ لأنه قصد بذلك إضرار العبد بإخراج زوجته عنه، والضرر منهي عنه لقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار
(1)
).
وقال أصبغ: يكره ذلك للسيد فإن فعل جاز، وقال ابن الماجشون: إن كان مثله يملك مثلها فذلك له وينفسخ النكاح، قال محمد: ولو لم يملك مثلها فالهبة باطلة، وقال ابن عبد الحكم: إن قصد
(1)
الموطأ، كتاب الأقضية، رقم الحديث، 1461.
إلى الفرقة لم يجز. ذكر هذه الأقوال كلها صاحب الجواهر. ثم قال: قال أبو القاسم: ابن محرز: هذه المسألة تدل على أن للسيد أن يكره عبده على قبول الهبة ولولا ذلك لم يكن لهبة السيد تأثير ولا كان يعتبر قصده فيها، ولكن لما كان له أن يجبره اعتبر في الكتاب قصده وحمل الأمر على إرادته، فإن سلمت إرادته صحت هبته وفسخ النكاح، وإن لم تسلم إرادته بطلت هبته وثبت النكاح.
وإلى هذا أشار بقوله: فأخذ منه جبر العبد علي الهبة الضمير في "منه" عائد على مفهوم "لينتزعها". قاله الشبراخيتي؛ يعني أنه أخذ من التفرقة -بين قصد السيد الانتزاع فلا ينفسخ النكاح وبين عدم قصد السيد الانتزاع فينفسخ النكاح- أن العبد يجبره السيد على الهبة أي فتدخل في ملكه ولو لم يقبل حيث لم يرد السيد الانتزاع، وإلا لم يكن للتفرقة معنى.
والحاصل أن العبد إن قبل فسخ نكاحه مطلقا قصد السيد بالهبة الفسخ أم لا، وإن لم يقبل فإن قصد السيد الفسخ لم يفسخ معاملة له بنقيض قصده، فإن لم يقصد الفسخ صحت الهبة جبرا على العبد ولزم الفسخ. والله تعالى أعلم. ولزوم الفسخ هنا مشهور مبني على ضعيف؛ لأن الراجح أن العبد لا يجبر على قبول الهبة. قاله الأمير. وقول عبد الباقي: وإن لم يقبل فسخ أيضا لخ غير صواب.
وملك أب جارية ابنه بتلذذ يعني أن الأب وإن علا يملك جارية ابنه بتلذذه بها بوطء أو مقدماته، وسواء كان الأب حرا أو عبدا وهي جناية في رقبته، فيخير سيده بين إسلامه وفدائه فإن أسلم إلى الابن عتق عليه كما قاله الشيخ الأمير، ومراد المص بالابن الفرع ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا، فكل من له عليه ولادة يملك جاريته بتلذذه بها، وسواء في ذلك ذرية الأبناء وذرية البنات، وإنما قيد بالابن لقوله:"وحرمت عليهما إن وطئاها" وقوله: "بتلذذة" سواء كان بنكاح أو غيره لاله في ماله من شبهة الملك، لخبر: (أنت ومالك لأبيك
(1)
)، والباء في قوله:"بتلذذه" للسببية. قاله الشبراخيتي. وقال أي ولو بالوطء عمدا لأنه وإن كان عمدا فهو من وطء الشبهة ويؤرب ما لم يعذر بجهل ولاحد عليه للشبهة. انتهى. وقال عبد الباقي:
(1)
سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، رقم الحديث، 2291.
ويطؤها بعد الاستبراء من مائة الفاسد إن لم يكن استبرأها قبل وطئه، وإلا فله وطؤها من غير استبراء كما قال المص عاطفا على ما لا استبراء فيه أو استبرأ أب جارية ابنه ثم وطئها ولا حد عليه في وطئه؛ يعني أو لا للشبهة ويؤدب إن لم يعذر بجهل، وفي الحطاب: وإذا أعطى الأب قيمتها فلا يطؤها حتى يستبرئها من مائة الفاسد. قاله في التوضيح. ولا يحد الأب إذا وطئ أمة ابنه وكذا الجد في أمة ولده، وقال في كتاب ابن يونس يعاقب الأب إن لم يعذر بجهالة ولم أر من صرح بالأدب إلا ما ذكره ابن يونس. انتهى. وعلى ما لابن يونس فالظاهر أنه يلزمه الأدب بالتلذذ بغير الوطء لأنه ارتكب محرما، بدليل أنه يجب عليه أن يستبرئها من مائة. قاله الحطاب. والباء في قوله: بالقيمة للعوض. قاله الشبراخيتي؛ يعني أن الأب إنما يملك جارية فرعه بالقيمة ولا يملكها مجانا والمعتبر القيمة يوم التلذذ، ويملكها بالقيمة ولو لم تحمل ويتبع بها إن أعدم وتباع عليه إن لم تحمل وله الزيادة وعليه النقص وما ذكره المص هو المشهور.
وقال ابن عبد الحكم: للابن التمسك بها إن لم تحمل أيسر الأب أو أعسر إن كان الولد مأمونا وإلا وقع في محرم بوطء أو غيره، وقد مر أنه إن أعدم تباع عليه إن لم تحمل، وأما إن حملت فلا تباع في القيمة وبقيت أم ولد، وإذا غرم الأب قيمتها تم له ملكها من غير شبهة وحل له وطؤها بعد استبرائها من الماء السابق لكونه فاسدا، ويجوز له أي للأب بيعها إن لم تحمل وقد مر عن عبد الباقي أن محل وجوب الاستبراء على الأب إنما هو حيث لم يستبرئها قبل وطئه وإلا فله وطؤها من غير استبراء كما نص عليه المص في الاستبراء.
وقوله: "وملك أب" أي وكذا الجد كما علمت وهو قول ابن القاسم خلافا لأشهب. قاله ابن ناجي. قاله الحطاب. قال: ويريد المص سواء حملت أم لا وسواء كان عديما أم لا فإن كان عديما بيعت إلا أن تكون حملت فلا تباع. انتهى. وقوله: "بالقيمة"، قال الشيخ عبد الباقي: وللابن التمسك بها يعني الأمة في عدم الأب. انتهى. قال الشيخ بناني: مثله في التتائي وفيه نظر إذ لم أر من ذكر هذا في القول المشهور الذي عند المص لا ابن الحاجب ولا ابن عرفة ولا التوضيح ولا غيرهم، وإنما التمسك له في قول ابن عبد الحكم الذي هو مقابل المشهور وهو أن له التمسك بها إن لم تحمل في يسر الأب وعدمه إن كان الولد مأمونا. انتهى.
وحرمت عليهما إن وطئاها يعني أن أمة الابن إذا وطئها هو وأبوه فإنه يتأبد تحريمها عليهما تقدم وطء الابن أو تأخرت وهذا إذا كان الابن بالغا وإلا لم تحرم على الأب على الراجح كما تقدم ولا حد على الأب ولو علم بوطء الابن على الراجح. قاله الشيخ عبد الباقي. والشيخ إبراهيم. وقال الشيخ محمد بن الحسن: هو الذي حققه الشيخ ابن رحال قائلا: لأنه بنفس تلذذه بها ملكها: خلافا لما ذكره التتائي في شرح الرسالة من أن الأب يحد في علمه بوطء الابن وتبعه الخرشي. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: وهو صريح أو كالصريح في أنه إذا وطئ الأب أمة الابن بعد وطء الابن لها فإنه يملكها أي الأب بالقيمة، وهو ظاهر كلام المص حيث قال:"وملك أب جارية ابنه بتلذذه بالقيمة"، وصرح به الإمام الحطاب. والله سبحانه أعلم. قال الشيخ عبد الباقي: وينبغي أن يحد الابن بوطء جاريته بعد علمه بتلذذ أبيه بها. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: قد يقال لا يحد لأن القول بأن له أن يتمسك بأمته إن كان مأمونا ولو كان الأب مليا شبهة له. قاله الشيخ ابن رحال بعد أن قال: لم أقف على نص. والله أعلم. انتهى. وقوله: "وحرمت عليهما إن وطئاها" لا مفهوم للوطء وكذا التلذذ، فلو قال: وحرمت عليهما إن التذا بها لكان أحسن. قاله الشبراخيتي.
وعتقت على مولدها يعني أن جارية الابن إذا وطئها هو وأبوه وحملت من أحدهما فإنها تعتق على من حملت منه، وهو المراد بمولدها بضم الميم بعدها واو ساكنة سكونا ميتا بعدها لام مكسورة ثم دال، وينجز عتقها لأن كل أم ولد حرم وطؤها نجز عتقها، ولذا تعتق محرم الشخص عليه إن أولدها غير عالم، فإن كان الذي أولد الأمة هو الابن عتقت عليه وولاؤها له وغرم الأب قيمتها على أنها قن كما عند ابن يونس وأبي الحسن، وفي ابن عرفة: وفيها إن وطئ أم ولد ابنه غرم قيمتها أم ولد وعتقت عليه وولاؤها لابنه، ويناقضها قول جنايتها إنما يقوم من فيه علقة رق في الجناية عليه قيمة عبد، وفي المعيار ما نصه: قالوا إذا وطئ الأب أم ولد ابنه غرم قيمتها خلافا للتونسي: ثم هل يغرم قيمتها أم ولد أو قنا؟ قولان للكتاب، فلوأولداها ولدين عتقت على السابق إن علم وولاؤها له وإلا فعليهما فيما يظهر وولاؤها لهما، وأما إن ولدت واحدا ولم يعلم من أيهما
فينبغي أن يجري فيه ما جرى في الشريكين من القافة إن وطئاها بطهر، فإن وطئاها بطهرين فإن كان وطء الثاني بعد الاستبراء بحيضة وولدت لستة أشهر فأكثر من وطئه لحق به وإلا لحق بالأول، وحيث لحق بأحدهما عتقت عليه وهي له أم ولد وإلا عتقت عليهما معا.
وعبارة الشبراخيتي: فإن لم يعلم السابق فينبغي أن تعتق عليهما والولاء لهما، فإن وطئاها بطهر وولدت ولدا واحدا ولم يلحق بواحد منهما لعدم وجود القافة أو لعدم دخولها أو أشركتهما فيه فإنها تعتق عليهما، وأما حيث ثبت الولد لأحدهما فإنها تعتق على من ثبت الولد له، وأما إذا اختلفت القافة فإنه يؤخذ بقول الأعرف فإن لم يكن أعرف فيكون بينهما كما إذا لم توجد قافة. انتهى. وقال في التوضيح: والحكم أنها تعتق على الابن إذا كان أولدها قبل وطء الوالد وقد أتلفها الأب بوطئه فيغرم قيمة أم ولد، وإن كان الابن وطئها ولم تحمل ثم وطئها أبوه وحملت منه غرم قيمتها أمة وعتقت عليه. انتهى. بالمعنى قاله الحطاب.
ولعبد تزويج ابنة سيده يعني أن العبد له أن يتزوج ابنة سيده. قاله ابن القاسم. سواء كان السيد ذكرا أو أنثى، وإنما يتزوجها برضى السيد وبرضى ابنته ولو مجبرة ولو على القول بكفاءة العبد بثقل، أشار به إلى ما في المدونة، فإنه بعد أن حكى عن ابن القاسم جواز نكاحه إياها، قال: واستثقله الإمام مالك، وعبارة المدونة: وجائز أن يتزوج العبد والمكاتب ابنة سيده عند ابن القاسم واستثقله مالك. قاله الشارح. وحمله الأشياخ على الكراهة إلا أنهم اختلفوا في علة الكراهة، فعللها ابن محرز بأنه ليس من مكارم الأخلاق ومود إلى التنافر والتقاطع؛ إذ النفوس مجبولة على الأنفة من ذلك، وعللها ابن يونس بأن النكاح معرض للفسخ لأنه قد يموت أب الابنة فترث زوجها أو بعضه، وألزمه عياض عكس الصورة وهو أن يكره تزويج الولد أمة أبيه لأنه قد يموت أبوه فيرث زوجته، وقد نص مالك على جواز ذلك من غير كراهة، وأجاب في النكت بأن النكاح إذا انفسخ هنا لم يبطل الوطء لأنه يبقى على وطئها بملك اليمين بخلاف الأولى، ورد بأن الابن قد يكون معه وارث غيره فلا يحل له وطؤها، وقد أجاز أن يتزوج الرجل أمة زوجته وهو لا يجوز له أن يطأها بعد موت زوجته إذ لم يحزها كلها بالميراث. انتهى.
وبما تقدم علمت أنه لا منافاة بين ما أفادته الأم من الجواز وما أفاده قوله: "بثقل" من الكراهة، لأن الأول لابن القاسم والثاني للإمام، وقال الشيخ عبد الباقي: والكراهة متعلقة بالزوجة وأوليائها دون العبد، فلا منافاة بين ما أفادته الأم من الجواز وبين قوله:"بثقل" لاختلاف متعلقهما. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: فيه نظر بل الكراهة متعلقة بالجميع لقول التوضيح ما نصه: واستثقال مالك على الكراهة. ابن محرز: لأنه ليس من مكارم الأخلاق ومود إلى التنافر لأن الطباع مجبولة على الأنفة من ذلك، وقال ابن يونس: إنما استثقله خوف أن ترثه الابنة فيفسخ النكاح. انتهى. فالتعليلان معا يفيدان تعلق الكراهة بالجميع. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: نقل الشارح في الكبير ما يشهد لما قاله عبد الباقي فإنه قال بعد نقله تعليل ابن محرز ما نصه: ابن عبد السلام: وعلى هذا فالكراهة في حق الحرة وأوليائها خاصة دون الزوج. انتهى. والله سبحانه أعلم. وقوله: "بثقل" هو بكسر أوله وفتح ثانية ضد الخفة وهو المراد هنا أي كراهة، وأما بكسر أوله وسكون ثانية فهو واحد الأثقال. انظر الشبراخيتي. وقوله:"ولعبد تزويج ابنة سيده" قال علمت أن الذكر والأنثى في ذلك سواء، وعلى هذا تزاد على قولهم كل امرأة حرمت حرمت ابنتها إلا بنت الخالة وبنت العمة وربيبة الأب وربيبة الابن. قاله الشيخ إبراهيم.
قال جامعه عفا الله عنه: وفي هذا عندي نظربم لأن المراد بالتحريم في كلامهم هذا هو التحريم المؤبد، وأما السيدة فإنها تحل للعبد إذا عتق. والله سبحانه أعلم. قال الشيخ محمد بن الحسن: وجدت بخط الشيخ المسناوي ناقلا عن خط أبي عبد الله التنسي
(1)
أنها لو ولدت منه أولادا وماتوا عن مال كان إرثهم لأمهم مع بيت المال ولا شيء لأبيهم. قاله ابن الحاج في نوازله. وهو ظاهر لأن السيد جدهم لأمهم فلا يرث وأبوهم ممنوع بالرق. انتهى.
وإذا تزوج العبد ابنة سيده ومات السيد انفسخ النكاح، كان السيد ذكرا أو أنثى، ولو كان العبد مكاتبا ومات السيد لم تنفسخ الكتابة وانفسخ النكاح، قال عبد الباقي: وللشخص أن يتزوج مكاتبة أبيه بثقل، فإن مات أبوه انفسخ النكاح لملكه زوجته، وحكى اللخمي قولا آخر أنه
(1)
التونسي (ي) والبناني ج 3 ص 219.
لا ينفسخ لأنه إنما ورث الكتابة وهي دين، فإن عجز انفسخ النكاح وكأنه سلك في القول الأول مسلك الاحتياط؛ لأنه لو ورث كتابة أخيه فإنه يسقط عنه الأداء وإن كان مالا. انتهى. وقوله: وللشخص أن يتزوج مكاتبة أبيه بثقل هو مخالف لما قدمته عن الشارح من قول عياض: إن مالكا نص على أنه يجوز للولد أن يتزوج أمة أبيه من غير كراهة. انتهى. وما قاله عبد الباقي نقله الحطاب عن التوضيح. والله سبحانه أعلم. وقد مر أنه ينفسخ النكاح بموت السيد لإرث ابنته له أو بعضه؛ ويلغز بذلك فيقال: شخص ماتت أم امرأته فطلقت عليه امرأته أو يقال مات سيده فطلقت عليه امرأته.
وملك غيره الضمير عائد على العبد يعني أن العبد له أن يتزوج ملك غير نفسه بأن يتزوج ملك سيده أو أجنبي وأولى الحرة، وإنما جاز للعبد نكاح الأمة ولم يجز للحر على ما يأتي قريبا إن شاء الله؛ لأن العبد لنقصه بالرق لا عار عليه باسترقاق ولده لأن ذلك ليس أكثر من رق نفسه والحر ممنوع منه لحرمته، فليس له استرقاق ولده مع الاستغناء عنه، وقوله:"وملك" يصح جره عطفا على لفظ ابنة ونصبه عطفا على محله، قال ابن مالك
وجر ما يتبع ما جر ومن
…
راعى في الاتباع المحل فحسن
قاله الشيخ إبراهيم. وقال عقبه: فليس إعراب الشارح بالنصب عطفا على ابنة سبق قلم خلافا للتتائي، وقوله:"وملك غيره" سواء خشي العنت أم لا.
وأشار للمانع الثاني من الرق وهو المانع على جهة بقوله: كحر لا يولد له بدأ في نكاح الأمة بتزوّج العبد لها لأن الأمة من نسائه فكان أصلا، ولذلك ذكر نكاح الحر للأمة مقرونا بكاف التشبيه؛ يعني أن الحر يجوز له نكاح الأمة التي لا ملك له فيها إذا كان لا يولد له لكونه خصيا أو مجبوبا أو شيخا فانيا أو عقيما، أو لكونها عقيمة فيما يظهر لجزم العرف فيهما كما فيما قبلهما بأمن حملها، فخوف إرقاق الولد الذي منع من تزويج الحر للأمة منتف. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله:"كحر لا يولد له" سواء خشي العنت أم لا، وجد طولا للحرائر أم لا.
(وكأمة الجد) يعني أن الحر يجوز له أن يتزوج أمة أبيه أو أمه أو جده أو جدته من قبل الأب أو الأم وإن علا أو علت خشي العنت أم لا، وجد طولا للحرائر أم لا؛ لأن المانع استرقاق الولد وهو منتف بشرط أن يكون الأب حرا وكذا من في حكمه، ولم يقيد المص كالجد بالحرية لأن العلة في المنع استرقاق الولد. والجدُّ ومن في حكمه لو كانوا أرقاء لكان ملك الأمة لسيدهم فيسترق الولدت وعلم من التقرير أن الكاف داخلة على الجد، وعلى قول ابن عبد الحكم المتقدم يجوز نكاح الجد أمة الابن (وإلا) أي وإن كان الحر يولد له ولم تكن الأمة لمن يعتق عليه ولده، إنما يباح له نكاح الأمة بشرطين ذكرهما المص، ويزاد عليهما ثالث أذكره بعد إن شاء الله.
أحدهما أشار إليه بقوله: (فإن خاف زنا) أي إنما يجوز للحر نكاح الأمة لخوف الزنى كما قال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} أي الزنى: وقيل الهوى. قاله ربيعة. والأول هو الظاهر لأن خشية الهوى لا تنهض رخصة للإقدام على المنوع، فإن لم يأمن العنت إلا بأربع فله نكاحهن، وإن تزوج واحدة واستغنى بها ففي الواضحة لا يجوز له أن يتزوج أمة أخرى، وظاهر الموازية جوازه حكى الخلاف في ذلك ابن شاس وابن بشير. قاله الشارح.
وقال الرجراجي: فإن كانت الأمة ممن لا يعتق ولدها على السيد فهل يجوز للحر أن يتزوجها أو لا يجوز؟ فالمذهب على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يجوز إلا بشرطين اثنين عدم الطول وخشي العنت وهو مشهور قول مالك. والثاني أنه يجوز له أن يتزوجها مع عدم الشرطين وهو مشهور قول ابن القاسم وهو أحد قولي مالك، والثالث الكراهة. قاله الحطاب. وقال الشارح: واختلف إذا خشي الزنى في أمة بعينها هل يجوز له تزوجها. قاله في الواضحة. أو لا يجوز له؟ قاله في الموازية. اللخمي: وأرى إن كان خاليا من النساء أن يتزوج حرة فقد يذهب بذلك ما في نفسه، لقوله عليه السلام كما في مسلم:
(1)
(المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه
(2)
)، قال: وإن لم يذهبه التزويج تزوجها وإن علقها وهو ذو زوجة، فإن علم أن الزوجة لا تكفيه أمر بتزويج أخرى وإن كانت غير
(1)
عبارة عبد الباقي ج 3 ص 220 لخبر مسلم.
(2)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1403.
كافية له تزوجها. انتهى. فإن وقع نكاح الأمة من غير حصول الشرطين المذكورين فإن النكاح يفسخ على القول الأول الذي هو المشهور من الأقوال الثلاثة المتقدمة عن الرجراجي، ففي كتاب ابن المواز: من خالع زوجته ثم وجدها أمة قد أذن لها سيدها في النكاح فإن كان يجد الطول لحرة رجعت بما أعطته. قاله عبد الملك. وبه أقول، وإن كان ممن
(1)
لا يجد الطول فله ما أخذ لأنه كان له أن يقيم، وواجد الطول لم يكن له القام عليها فيرد ما أخذ ويرجع على من غره. قاله الحطاب. وسيأتي للمص:"وبطل في الأمة إن جمعها مع حرة".
ثانيهما أشار إليه بقوله: وعدم ما يتزوج به حرة يعني أنه يشترط في جواز نكاح الحر للأمة حيث كان يولد له ولم تكن لكالجد مع خوف العنت أن يكون عادما لما يتزوج به حرة، ويعتبر في ذلك كل ما يمكنه بيعه من نقد وعرض وكتابة وخدمة معتق لأجل ودابة ركوب وكتب فقه محتاج لها وكذا دين على ملي، ولا تعتبر دار سكناه لشدة الحاجة إليها، وظاهره ولو كان فيها فضل عن حاجته ولا خدمة مدبر لأنها مجهولة القدر. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب: وظاهر كلام المص أنه إذا وجد ما يتزوج به حرة ولم يجد ما ينفقه عليها حصل له الطول وهي رواية محمد، خلاف ما قاله ابن حبيب عن أصبغ أن الطول ما يصلح لنكاح الحرة من مهر ونفقة ومؤنة. اللخمي: وهو أبين إلا أن يجد من يتزوجه بعد علمه بعدم قدرته على النفقة.
ابن رشد: ما رواه ابن حبيب أصح مما رواه محمد. قاله جميعه في التوضيح. وقال ابن الفرس في أحكام القرآن: إن اعتبار النفقة هو الأصح والله أعلم. انتهى. وقال الشبراخيتي: والحاصل أن الطول يحصل بكل ما يمكنه بيعه أو إجارته إلا دار السكنى وخدمة المدبر، وأما عبد الخدمة ودابة ركوبه وكتب الفقه المحتاج إليها فمن جملة الطول.
وقوله: "عدم" فعل معطوف على "خاف" انتهى. وقال الشارح: وقد اختلف في معنى الطول، ففي المدونة: هو الماء وليس وجود الحرة تحته بطول، وروى محمد عن مالك: هو وجود الحرة
(1)
في النسخ: مما، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 296 ط دار الرضوان.
في عصمته؛ ووجه صاحب المنتقى الأول بأن الطول هو القدرة والسعة في المال؛ لأنه يتوصل به إلى ما يحتاج إليه من نكاح الحرائر، قال: وأما الحرة فلا تسمى طولا لغة ولا شرعا ولا يتوصل بها إلى ما يحتاج إليه من النكاح. وعن أشهب أن الطول ما يتوصل به إلى دفع العنت، وعلى هذا فلو كان بيده ما يقصر عن مهر الحرة ويمكنه أن يشتري أمة تكفه عن الزنى لا يجوز له أن يتزوج الأمة وهو ظاهر، وكذا لو كانت عنده أمة يتوصل بها إلى دفع العنت فإن لم تكفه تزوج الأمة، وليس الدين على المعدم طولا كالآبق وإن قرب إباقه. انتهى. وقال الشيخ أبو علي: الطول قدر ما يتزوج به الحرة وقيل أو يشتري به أمة. انتهى.
وبقي على المص شرط ثالث أن تكون الأمة مسلمة، قال الشارح: وهذا الشرط أهمله المص وغيره. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: وهذا الشرط مذكور في الذكر الحكيم، قال جل من قائل:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} .
وقوله: غير مغالية يعني به أنه يعتبر في الحرة المذكورة أن تكون غير مغالية في الصداق بأن تكون غير طالبة منه ما يخرج به عن العادة إلى السرف، وأما إن لم يجد إلا المغالية فهي كالعدم فيباح له نكاح الإماء على الأصح، وقيل لا تكون مغالاتها عذرا قياسا على قولهم في المظاهر: إنه يلزمه شراء الرقبة ولو بجميع ماله ولا ينتقل إلى الصوم وكذلك كفارد اليمين، وعبر بالمفاعلة لأن هذا لابد فيه عادة من مدافعة ومراوضة، وقال الشبراخيتي: وقوله "حرة غير مغالية" أي وهي تعفه؛ والمراد بالمغالية التي تطلب أزيد من مهر مثلها بسرف أي تجاوز مهر مثلها إلى ما يعد سرفا. انتهى.
ولو كتابية مبالغة في مفهوم الشرط الثاني أعني قوله وعدم ما يتزوج به إلخ؛ يعني أنه إذا وجد ما يتزوج بد حرة كتابية فإنه يتزوجها ولا يباح له نكاح الإماء، ورد المص بلو على ابن العربي القائل إن من قدر على مهر الكتابية الحرة لا يكون واجدا للطول فيجوز له نكاح الإماء وهو ظاهر الآية؛ لكن نص بعضهم على أن الإسلام متفق على عدم اشتراطه. قاله الشارح.
أو تحته حرة عطف على المبالغة، لكن جهة المبالغة فيهما مختلفة، فالأولى في مفهوم الشرط الثاني كما عرفت، والثانية في منطوق الشرط الأول؛ يعني أنه إذا خاف زنى وعدم ما يتزوج به حرة غير مغالية أبيح له نكاح الإماء ولو كانت تحته حرة لا تكفيه؛ إذ ليس وجودها حينئذ طولا، ورد المص بلو القدرة في المعطوف ما في كتاب محمد عن مالك أن وجود الحرة في عصمته طول، فلا يجوز له على هذا نكاح الأمة وكون وجود الحرة تحته لا يكون طولا هو مذهب المدونة انظر الشارح.
تنبيهات: الأول: قد علمت أن ما ذكره المص من اشتراط الأمرين أعني خوف العنت وعدم ما يتزوج به حرة غير مغالية هو المشهور، وأنه إذا فرعنا على المشهور فإن النكاح يفسخ عند فقد الشرطين أو أحدهما، وساق الحطاب مما يدل على ذلك ما فيه كفاية، قال: وإذا ثبت أنه يفسخ فلا شك أن الفسخ بطلاق لأنه مختلف فيه اختلافا قويا، وتقدم في كلام ابن رشد والرجراجي أن مشهور قولي ابن القاسم أنه يجوز من غير شرط، وقال عبد الباقي: ثم المذهب أن نكاح الأمة بدون الشرطين أو أحدهما يفسخ بطلاق لأنه مختلف فيه، وهل [قبل
(1)
فقط أو وبعد] إن لم يطل؟ أو وإن طال لأنه فاسد لعقده فحرر [ومحله
(2)
]. ما لم يحكم حنفي بصحته. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: والذي يظهر من كلامهم أنه يفسخ بعد وإن طال. والله سبحانه أعلم.
الثاني: لو تزوج الأمة بالشرط المبيح ثم زال المبيح لم ينفسخ النكاح كما قاله غير واحد، وفي كتاب الأمير: ولا يفسخ إن وجد طولا وله الرجعة معه أي الطول. انتهى. قال ابن عرفة عن ابن رشد: ولو زال عنه خوف العنت لم يلزمه الفراق اتفاقا، وحكى الحطاب الخلاف في فسخ النكاح إذا طرأ الطول بعد أن تزوج الأمة. انتهى. وقال عبد الباقي: والظاهر أنه لو تزوجها بشرطه ثم تبين أنه على خلافه كتزوجه لعلمه عدم الطول ثم تبين أنه واجده فإنه لا ينفسخ.
الثالث: قال الحطاب: فإذا صح نكاح الحر الأمة فنفقة الأمة لازمة للزوج، وكذا لو كان الزوج عبدا قال ابن الحاجب: ويلزم الزوج نفقة زوجته الأمة مطلقا على المشهور. انتهى.
(1)
في النسخ قبل أو بعد والمثبت من عبد الباقي ج 3 ص 221.
(2)
في النسخ محله والمثبت من عبد الباقي ج 3 ص 220.
الرابع: قال في آخر رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرضاع: وسئل عمن تزوج أمة ثم أعتق سيد الأمة ولده منها؟ قال: أرى الرضاع عليه، قال محمد بن رشد: الهاء من عليه عائد على الرجل في العتق لا على السيد المعتق؛ لأن السيد لما أعتقه صار حرا فسقطت عنه نفقته ووجبت على أبيه ولو كان أبوه معدما أو لم يكن له أب لما سقط عنه رضاعه ونفقته في حال صغره؛ لأن من أعتق صغيرا ليس له من ينفق عليه فنفقته عليه. انتهى. لأنه يتهم أن يكون إنما أعتقه ليسقط عنه نفقته.
البرزلي: وانظر من أوصى بعتق صغير هل يلزم الموصي نفقته أم لا؟ ونزلت هذه في زمن ابن عبد السلام في مدبرة ولم يوجد عنده ولا عند غيره فيها نص بعد البحث منه، وتوقف على إيجاب نفقتها في ثلث مدبرها، ووقعت في عصرنا في رجل أعتق صغيرا ومات قبل أن يبلغ فاختار شيخنا أن يؤخذ من تركة معتقه ما يبلغه إلى بلوغه؛ وكان ظهر لي أنه لا يلزم تركته شيء من مسألة كتاب الجعل في الذي مات بعد أن دفع نفقة ولده أنه يسترجعها الورثة ولا يلزم بعد موته نفقة، وما وجب بالبينة أقوى مما وجب بالاعتراف. انتهى المراد منه. نقله الحطاب.
وقال المشدالي بعد أن ذكر كلام ابن رشد المتقدم وغيره: وأقام الشيوخ من هنا أن من أعتق زمنا لزمته نفقته ومثله في الموازية وقيل نفقته على المسلمين أو الإمام. انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن: ومن وهب صغيرا يرضع قيل رضاعه علي الواهب وقيل على الموهوب حكى القولين ابن بشير. انتهى. قاله الحطاب.
ولعبد بلا شرك ومكاتب وغدين نظر شعر السيدة يعمي أنه يجوز للعبد والمكاتب أن يريا شعر سيدتهما بشرط أن يكونا وغدين أي لا منظر لهما أي قبيحي المنظر، فالمالكة التي كمل لها ملكهما يجوز لهما النظر إلى شعرها، ومنع ابن عبد الحكم النظر إلى شعر السيدة وإن كان وغدا، وقال عبد الباقي عند قوله:"نظر شعر السيدة": المالكةِ لهما وبقية أطرافها التي ينظرها محرمها منها والخلوة بها. ابن ناجي: وهو المشهور ومنعه ابن عبد الحكم فلا يخلو معها في بيت. قاله الشيخ سالم. وقال علي الأجهوري: عبارة ابن ناجي على المدونة نصها: ما ذكره من أن العبد يجوز له أن يرى شعر سيدته إن كان وغدا هو المشهور، وقال ابن عبد الحكم: لا يرى شعرها ولا
يخلو معها في بيت. انتهى. فليس فيه وبقية أطرافها، ولا أنه قال: المشهور أن له الخلوة بها، ومفهوم "بلا شرك" منع مالها فيه شرك ولو لزوج وأحرى ما لا شيء لها فيه من رق أو حر. انتهى.
قوله: عبارة ابن ناجي لخ، قال بناني: مثل ما لابن ناجي نقله في التوضيح عن ابن عبد السلام، وحينئذ فالخلاف إنما هو في رؤية شعرها أم الخلوة بها فليس فيها إلا المنع خلاف ما ذكره السنهوري هذا هو الظاهر. انتهى. وقال الشارح: قال في المدونة: وإن كان لها فيه شرك فلا يرى شعرها وإن كان وغدا، ومنع ابن عبد الحكم نظرهما لسيدتهما ولو كانا كاملين لها ووغدين. وعبارة ابن رشد: ويجوز للعبد أن يرى من سيدتة ما يراه المحرم، لقوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} وهو يشهد لما ذكره السنهوري من بقية الأطراف.
وقوله: كخصي وغد لزوج يعني أن العبد الخصي إذا كان وغدا فإنه يجوز له أن يرى شعر زوجة سيده وأولى إذا كان لها، بخلاف خصي لغير زوج والخصي الحر فلا يجوز، وعبارة الشارح عند قوله "كخصي وغد لزوج": فيجوز لها أن يرى شعرها.
وروي جوازه وإن لم يكن لهما يعني أنه روي عن مالك أنة يجوز للعبد الخصي أن يدخل على النساء ويرى شعورهن وإن لم يكن لهن ولا لأزواجهن وهذا إذا لم يكن له منظر، والمجبوب مثل الخصي فيما يظهر. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وأولى المجبوب، وقال الشارح: قال اللخمي: واختلف في عبد زوجها وعبد الأجنبي هل يدخل عليها ويرى شعرها؟ واختلف أيضا في العبد الخصي الوغد فقال ملك: لا بأس أن يرى الخصي شعر سيدته وغيرها، قال: وإن كان له منظر فلا أحبه، وأم الحر فلا وإن كان وغدا.
ولمالك في العتبية: لا بأس أن يدخل على المرأة خصيها وأرجو أن يكون خصي زوجها خفيفا وأكره خصيان غيره، وله أيضا: لا بأس للعبد الخصي أن يدخل على النساء ويرى شعورهن إن لم يكن له منظر، ثم قال: وأجاز يعني مالكا دخول الخصي عليهن وإن كان حرا انتهى قال الشيخ عبد الباقي: ونسخة لهما بضمير التثنية هي الصواب كما في ابن غازي وهو عدل لا يتهم في النقل فلا يلزم من عدم وقوف التتائي على هذه النسخة عدم وجودها. انتهى.
وخيرة الحرة مع الحر في نفسها يعني أن الحر إذا تزوج حرة فوجدت معه أمة بنكاح جائز له فإنها تخير في فراقه ومقامها معه، فالتخيير إنما هو في نفسها لما يلحقها من المعرة لا في الأمة التي تجدها تحته ولا خيار لها إن وجدت معه أمة يطؤها بملك، وإذا اختارت نفسها قبل البناء فهل لها نصف الصداق أم لا؟ قولان. واقتصر أبو الحسن على الثاني ومحل خيارها في نفسها حيث لم تعلم بالأمة، وأما إذا علمت بها ودخلت على ذلك فلا خيار لها، واحترز بالحر من العبد فإن الحرة تحت العبد لا خيار لها إذا وجدت معه أمة بنكاح لأنها من نسائه، وما مشى عليه المص هو المشهور، وروي عن مالك أنه لا خيار للحرة بحال، وحكى ابن راشد عن ابن الماجشون أن الحرة تخير في نكاح الأمة لا في نفسها.
واعلم أن من تزوج أمة وذهب عنه العنت بزواجها فليس عليه أن يفارقها قولا واحدا، وإنما الخلاف إذا حصل له الطول.
بطلقة يعني أنها إذا اختارت الفراق فإنما لها ذلك بإيقاع طلقة واحدة لا أكثر فإن أوقعت أكثر لم يلزم غير واحدة، خلافا لقول محمد: إن أوقعت الثلاث لزمت وأساءت فإنه شاذ كما في التوضيح. قاله الشيخ عبد الباقي. بائنة يعني أن تلك الطلقة التي فارقت بها زوجها تكون بائنة، وقوله:"بائنة" صفة كاشفة إذ الطلاق الذي توقعه كطلاق الحاكم. قاله أحمد نقله عبد الباقي.
فرع: إن تزوج رجل حرة فأقرت لرجل أنها أمته
(1)
لم يقبل قولها ولم يفسخ النكاح ولا يوجب إقرارها زوال حريتها ولا استرقاق ولدها ولا زوال حكم زوجها، قال تعالى:{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} . قاله الحطاب.
كتزويج أمة عليها يعني أن الحرة إذا كانت تحت حر وتزوج عليها أمة بشرطها المبيح لها بأن لم يجد للحرائر طولا ولم تكن الحرة تعفه وخشي العنت أو نحوه، فإنها تخير في نفسها لا في الأمة التي تزوجها عليها، وتختار بطلقة واحدة وتكون بائنة، وهذه عكس ما قبلها لأن الأولى الأمة فيها سابقة والحرة فيها لاحقة، وهذه الأمة فيها لاحقة والحرة فيها سابقة، وما ذكره المص فيهما هو المشهور.
(1)
في النسخ أمة والمثبت من الحطاب ج 4 ص 299 ط دار الرضوان.
قال الشارح: وحصل في المقدمات في المسألتين خمسة أقوال: الأول أن الحرة بالخيار في نفسها كانت هي السابقة على الأمة أو الأمة هي السابقة عليها وهو مذهب المدونة والمشهور، ولهذا شبه الشيخ إحدى المسألتين بالأخرى في الحكم ووجه هذا القول أن الخيار يزيل الضر عنها ولا تخير فيما يضر غيرها ولا يوقع إلا طلقة بائنة على المشهور كما تقدم، وقال ابن المواز: إن أوقعت الثلاث لزمت وقد أساءت. وقاله أصبغ.
الثاني أنها تخير في نفسها إن كانت الأمة هي السابقة وإن كانت هي السابقة على الأمة خيرت في نكاح الأمة، ووجهه أن الضرر جاء من الأمة إذا تأخرت عنها فتخير في إزالته بطلاق الأمة، وأما إذا كانت هي المتأخرة فلم يأت لها من الأمة ضرر فتخير في نفسها.
الثالث إن كانت هي السابقة على الأمة فتخير في نفسها وإن كانت الأمة هي السابقة فلا خيار لها لأنها تركت النظر لنفسها والتثبت في أمرها. الرابع: أن نكاح الأمة ينفسخ، قال: وهو على القول بأن الحرة طول يمنع من نكاح الأمة وإلا فلا لأنه وقع بأمر جائز، وإذا فرعنا على الشاذ وهو أن الحر يجوز له تزويج الأمة مع وجود الطول وأمن العنت كالعبد فلا كلام للحرة إن تزوج الأمة عليها أو تزوجها على الأمة، قال في البيان: لأن الأمة من نسائه على هذا القول كالعبد، هذا الذي تدل عليه ألفاظ المدونة، وتأول التونسي أن الحى في ذلك للحرة على القولين جميعا وهذا إنما يصح على قول ابن الماجشون الذي يرى الخيار للحرة إذا تزوج العبد عليها الأمة أو تزوجها على الأمة.
أو ثانية يعني أن الخيار يثبت للحرة على ما مر إذا رضيت أن يتزوج عليها أمة واحدة فتزوج أمة ثانية. قاله الشيخ الخرشي. وعبارة الشارح: وكذلك تخير الحرة إذا رضيت بأمة ثم تزوج عليها أخرى. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: وهي صادقة بما إذا رضيت بأمة سابقة لها ثم تزوج عليها أخرى، وبما إذا رضيت؛ بأمة لاحقة ثم تزوج عليها أخرى وذلك ظاهر. والله سبحانه أعلم. ومثل ما للشارح للشبراخيتي.
(أو علمها بواحدة فألفت أكثر) يعني أن الحرة تخير في نفسها أيضا على ما مر إذا علمت أنه
متزوج بأمة أو بأكثر ورضيت بذلك فتزوجته فألفت أي وجدت معه أكثر مما رضيت به، قال الشارح: فإن قلت في قوله "واحدة" نظر لأنه يوهم أنها إذا علمت باثنتين لا خيار لها إذا وجدت أكثر وليس الأمر كذلك؛ قلت: الأمر في ذلك واضح ولا إيهام فيه لأنه قد جعل لها الخيار إذا تجدد علمها بواحدة زاتدة على ما كان عندها ولا عبرة بتقييد العلم بواحدة، وكأنه قال: أو علمها بواحدة أو أكثر فألفت أكثر من ذلك. والله تعالى أعلم. انتهى.
وفي المدونة: وإن كانتا اثنتين فعلمت بواحدة فلها الخيار بعد علمها بالأخرى. انتهى. قال الشارح: ولا فرق بين أن يكونا أمتين أو أكثر إذا لم تعلم بالجميع إلا بعد ذلك. انتهى.
(ولا تبوأ أمة) يعني أن السيد لا يلزمه أن يبوئ أمته أي لا يلزمه أن يفردها مع زوجها في بيت، ولا يجبر على ذلك لأن ذلك يبطل حق سيدها من الاستخدام جميعه أوأكثره لاشتغالها بالزوج لكن على الزوج أن يأتيها في بيت سيدها. قاله الشارح.
(بلا شرط أو عرف) يعني أن محل كون الأمة لا تبوأ إنما هو حيث لم يشترط التبوئ ولا جرى به عرف، وإن اشترط أنها تبوأ معه أو جرى بذلك عرف فإنها تبوأ، قال الشيخ عبد الباقي: فإن كان شرط أو عرف عمل به ولسيدها فيها من الاستخدام ما لا يسقط حق زوجها، ونفقتها على زوجها حرا أو عبدا بوئت أم لا. انتهى. وقال الشبراخيتي: وإذا شرط التبوئ فقال ابن عبد السلام: ظاهر كلامهم أن لسيدها فيها من الاستخدام ما لا يشغلها عن زوجها ونفقتها على زوجها حرا كان أو عبدا. انتهى.
وقوله: "ولا تبوأ أمة" يشمل القن والمدبرة والمعتقة لأجل كما في الشبراخيتي وغيره، وتبوأ أم الولد والمكاتبة بلا شرط ولا عرف لأنهما أشبهتا الحرائر إلا أن تعجز المكاتبة فكالأمة. قاله الشبراخيتي. وعبد الباقي. وعبارة الأمير: وبوئت أم الولد والمكاتبة بيتا عن سيدهما كغيرهما لشرط أو عرف والظاهر تقديم الشرط إن تنافيا. انتهى. وقال أبو علي: ومن المعلوم أنه يعمل بالشرط إذا تعارض مع العرف. انتهى. وقال عبد الباقي: اللخمي: وتبوأ المبعضة في اليوم الذي هي فيه حرة دون يوم سيدها إلا لشرط أو عرف. قاله حلولو. انتهى. ونحوه للشبراخيتي.
وقال الشارح: فإن شرط أن تبوأ معه فله ذلك ويكون لسيدها من الاستخدام ما لا يشغلها عن زوجها. ابن عبد السلام: وهو ظاهر كلامهم، وقال ابن الماجشون: ترسل إلى الزوج ليلة بعد ثلاث لتكون عنده تلك الليلة ويأتيها عند أهلها فيما بين ذلك وقوله: "أو عرف" معناه أنه إذا لم يكن ثم شرط فإنه ينظر في ذلك بحسب العادة الجارية بين الناس في مثل ذلك. قاله الشارح. قال: فإن كانت العادة جارية بالتبوئ صير إليه وإلا أتاها وأتته من غير إضرار من واحد منهما. انتهى.
وللسيد السفر بمن لم تبوأ يعني أن سيد الأمة التي لم تبوأ يجوز له أن يسافر بها حيث شاء وله بيعها لمن يسافر بها ولو طال السفر، ويقضى لزوجها بعدم مفارقتها كما كان قبل البيع والسفر ما لم يكن العرف عدم السفر ولا يسافر بمن بوئت إلا لشرط أو عرف. قاله عبد الباقي. ومن المعلوم أنه إذا تعارض العرف مع الشرط فإنه يعمل بالشرط كما مر، قال عبد الباقي: وللزوج الحر السفر بمن بوئت كالعبد في اليسير الذي لا يخاف عليها فيه ضرر دون الكثير. انتهى. وقال الشبراخيتي: وأما زوج الأمة فليس له السفر بها سواء بوئت أم لا ما لم يشترط ذلك على السيد ويرضى. انتهى. وقال الشارح: يعني أن سيد الأمة التي لم تبوأ بيتا يجوز له أن يسافر بها حيث شاء، يريد وله بيعها ممن يسافر بها لكن لا يمنع الزوج من صحبتها كما كان له ذلك في الإقامة. انتهى. وقال الأمير: ولا يسافر السيد بمن بوئت إلا بشرط أو عادة، وهل للزوج السفر بها كالحرة مع الأمن تردد. انتهى.
وأن يضع من صداقها يعني أن السيد له أن يضع من صداق أمته بغير إذنها بوئت أم لا، ولو قلنا إن العبد يملك، ومعنى يضع يسقط، وقوله:"وأن يضع" عطف على السفر من قوله: "وللسيد السفر". إن لم يمنعه دينها يعني أن سيد الأمة إنما يسقط صداقها عن زوجها حيث لم يكن عليها دين مستغرق لا يملك السيد إسقاطه، وأما إن كان عليها دين مستغرق فإن ذلك يمنعه من إسقاط الصداق عنه حيث أذن لها فيه، وأما إن كان بغير إذنه فله إسقاطه فيجوز له حينئذ أن يضع صداقها، ودين سيدها كدينها. قاله عبد الباقي.
إلا ربع دينار يعني أنه ليس للسيد أن يضع من صداقها إلا ما يبقى بعد وضعه ربع دينار، وأما ربع دينار فلا يسقطه لحق الله عز وجل، وحاصل كلام المص أنه يشترط لوضع الصداق عن الزوج شرطان، أحدهما: أن لا يكون عليها دين محيط ليس للسيد إسقاطه، بأن يكون أذن لها في تداينه وإلا فله الموضع من صداقها؛ لأن له أن يسقط دينها حينئذ وقد علمت أن دين سيدها كدينهات ثانيهما: أن لا ينقص الباقي بعد الوضع عن ربع دينار، والأول من الشرطين عام والثاني خاص بغير المدخول بها، وأما المدخول بها فله أن يضع جميع صداقها لأن إسقاط جميع الصداق قبل البناء يشبه تحليل الأمة بخلافه بعده؛ لأنه ترتب في ذمته ثم أسقطه عنه، وهذا فيمن له انتزاع مالها لا في المدبرة والمعتقة لأجل إذا مرض السيد وقرب الأجل، فالشروط لوضع الصداق ثلاثة اثنان ذكرهما المص والثالث أن يكون للسيد انتزاع مالها، وقوله:"من صداقها" الظاهر أن من زائدة على مذهب الأخفش المجيز زيادتها في الإثبات. والله سبحانه أعلم.
وله منعها حتى يقبضه يعني أن السيد له أن يمنع أمته من الدخول على زوجها والوطء بعده حتى يقبض صداقها، كما للحرة منع نفسها، قال في المدونة: ومن زوج أمته فله منعها من الزوج حتى يقبض صداقها. انتهى. واحدة يعني أن السيد له أن يأخذ جميع صداق أمته لنفسه كما هو الظاهر وهو قول ابن القاسم وقبله البنوفري، خلافا لقول ابن الحاجب: إلا ربع دينار على المنصوص لحق الله تعالى. انتهى. وعزاه بعضهم للمدونة لكنه قول ابن بكير والمضر في حق الله إسقاطه للزوج لا أخذ السيد له الذي الكلام فيه. قاله الشيخ عبد الباقي.
وإن قتلها يعني أن السيد له أخذ صداقها وإن قتلها لأنه لا يتهم على قتلها ليتكمل له الصداق، لأن الغالب أن صداقها أقل من ثمنها، ويتكمل الصداق بالقتل بنى بها الزوج أم لا، قال الشبراخيتي عند قوله:"وأخذه وإن قتلها": وهذا إذا كانت ممن ينتزع ماله. ابن الحاجب: وصداق المبعضة لها لا بينها وبين سيدها بخلاف أرش جناية
(1)
{عليها} فبينهما وفرق بينهما بفروق فانظرها. انتهى. وقال الشارح: يعني أن للسيد أخذ صداق أمته وإن قتلها إذ لا يتهم أحد في قتل أمته ليأخذ صداقها، وقد نص في كتاب محمد على هذا، وألزم عليه اللخمي أن الحرة إذا
(1)
ما بين المعقوفين من الشبراخيتي.
قتلت نفسها لا يسقط صداقها أيضا، قال: والقياس في جميع هذا أن لا شيء على الزوج؛ لأن البائع إذا منع المبيع لا يستحق الثمن بمنزلة لو كانت حية فمنعت نفسها ابن عبد السلام: وهذا ظاهر إن كان الحامل على القتل كراهة البقاء مع الزوج. انتهى. وعلى كلام اللخمي رد المص بالمبالغة. والله سبحانه أعلم.
أو باعها بمكان بعيد يعني أن السيد له أن يأخذ الصداق كله ولو باع الأمة بمكان بعيد يشق على الزوج الوصول إليها فيه حيث بنى بها الزوج وأخذ نصفه إن طلق قبل البناء، وإنما ذكرته تتميما لأقسام المسألة، وقوله:"أو باعها بمكان بعيد" ويقال للزوج إن منعوك منها فخاصم.
عياض: ومنعها أن مشتريها سافر بها إلى موضع يشق على الزوج إتيانه لضعفه، قال: ولو كان لا يصل إليها لظلم مشتريها أو لكونه لا ينتصف منه لم يكن على الزوج صداق. انتهى. ولهذا قال: لا لظالم يعني أن السيد إذا باع الأمة لظالم لا ينتصف منه لم يكن على الزوج صداق، ويقضى على السيد برد الصداق إن قبضه، ومتى قدر الزوج على الوصول إليها دفعه ومحل هذا قبل البناء، وأما لو باعها بعد البناء لظالم لا ينتصف منه فله أخذ جميع الصداق.
قال الشيخ عبد الباقي وغيره: ولما قدم أن للسيد أخذ صداق أمته ومنعها حتى يقبضه وإسقاطه إلا ربع دينار كما في نكاح المدونة وكل ذلك يدل على أن للسيد حبس صداقها وتركها بلا جهاز ذكر ما يعارضه بقوله: وفيها يلزمه تجهيزها بد يعني أنه وقع في المدونة في الرهون ما يخالف بظاهره ما تقدم، وهو أنه يلزم السيد أن يجهز الأمة بالصداق لزوجها، وهل خلاف يعني أن المتأخرين اختلفوا هل ما في الموضعين من المدونة خلاف؟ قال ابن عبد السلام: وعليه الأكثر أو وفاق وعليه الأقل، واختلفوا في التوفيق على وجوه ذكر المص منها وجهين بقوله: الأول لم تبوأ يعني أن الموفقين اختلفوا في كيفية التوفيق، فمنهم من قال: الأول الذي في نكاح المدونة في الأمة التي لم تبوأ، والثاني الذي في الرهون فيما إذا بوئت.
وبما قررت علم أن المراد بالأول ما في نكاح المدونة وهو ما قدمه بقوله: "ومنعها حتى يقبضه وأخذه""وأن يضع من صداقها"، وأنه حذف الثاني وهو الذي في كتاب الرهون وهو قوله:"وفيها يلزمه تجهيزها به".
أو جهزها من عنده يعني أن من الشيوخ من وفق بين الموضعين بغير ما مر وهو أن ما في النكاح محمول على ما إذا جهز السيد الأمة من مال نفسه بما اعتيد أن تجهز به من صداقها فيباح له حينئذ أخذه، والذي في الرهون من لزوم التجهيز محله حيث لم يجهزها من عنده فيلزمه تجهيزها بالصداق، وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، واحد بالخلاف وواحد بالوفاق وفيه وجهان، وفي نسخة: تأويلات بالجمع ومعناها واضح أي واحد بالخلاف واثنان بالتوفيق؛ أو الأول باعها والثاني لم يبعها أو الأول زوجها من عبده والثاني زوجها من غير عبده، والأول من هذين لمحمد وكأنه يرى أن كل واحد من السيد والزوج له حق في الصداق، فإذا لم تزل في ملك سيدها فالصداق لم يخرج عن ملكه ولا يمنع الزوج من الانتفاع به كالحرة في المشهور، وأما إذا باعها السيد فحقه في الصداق مقدم على حق الزوج لأن السيد مالك عين الصداق وقد تعذر الجمع بين اختياره واختيار الزوج فترجح مالك العين على مالك المنفعة، والثاني منهما لابن عبد الحكم وهو قول أصبغ.
وسقط ببيعها قبل البناء منع تسليمها يعني أن الأمة إذا بيعت لغير زوجها قبل البناء وقبل قبض صداقها، فإنه ليس لسيدها أن يمنعها من زوجها لأجل أن يدفع له الصداق وليس ذلك للمشتري، فقوله:"منع تسليمها" أي ليس للبائع أن يمنعها من أن تسلم لزوجها وليس ذلك للمشتري، أما المشتري فلأنه لا حق له في الصداق لأنه مال من أموالها ومال العبد لبائعه حتى يشترطه المشتري، ولذا لو اشترط المشتري مالها لكان له أن يمنعها من الزوج حتى يقبض الصداق؛ وأما البائع فلأنه لا تصرف له في الأمة ولهذا قال: لسقوط تصرف البائع أي ليس للبائع أن يمنعها من زوجها وإن كان الصداق له؛ لأنه ساقط تصرفه فيها وإذا تقرر أنه ليس للبائع والمشتري منعها فكذلك هي، فليس لها أن تمنع نفسها إذ الصداق للبائع ويمكن الزوج منها حيث فرض الصداق وإن كان يكره له البناء بلا قبض صداق، ومفهوم قوله:"ببيعها" أنه لو أعتقها لكان الكلام لها في منع نفسها وتسليمها إن لم يستثن السيد مالها، وإلا فلا كلام لها لأن الماء ماله ولكن ليس له منعها من الزوج، وأما لو وهبها أو تصدق بها فعلى أن الماء للواهب فكالبيع وعلى أنه للموهوب فكالعتق. قاله الشارح.
وقال عبد الباقي: فإن قلت قد علم مما تقرر أن البيع والعتق سواء فما وجه التفرقة بين القولين؟ قلت: يظهر ذلك فيما إذا استثنى أي اشترط الموهوب له مالها أي بأن قال: لا أقبلها إلا به فإنه على القول بأن الهبة كالعتق لا عبرة باستثنائه وعلى أنها كالبيع تكون بمنزلة ما إذا استثنى المشتري الماء. انتهى. وقوله: قد علم مما تقرر لخ، قال محمد بن الحسن: فيه نظر إذ لم يتقرر استواؤهما لأن مالها في البيع للبائع إلا بشرط، وفي المعتق بالعكس هو لها حتى يشترطه المعتق، فالسؤال مبني على غير أساس، والجواب [باطل
(1)
] كما لا يخفى على متأمل وقوله: "وسقط ببيعها"، وأما لو باع بعضها فقط فالظاهر أن له منعها لبقاء تصرفه بملك البعض. قاله الشيخ عبد الباقي.
والوفاء بالتزويج إذا أعتق عليه يعني أن السيد إذا أعتق أمته على أن تتزوجه بعد المعتق فإنه لا يلزمها الوفاء بذلك فلا يلزمها أن تتزوجه وعتقه ماض، وكذا إذا أعتقت السيدة عبدها على أن يتزوجها بعد المعتق فإنه لا يلزمه الوفاء بذلك وعتقه نافذ، وكلام المص شامل للمسألتين ووجه ذلك أنهما بالعتق ملكا أنفسهما والوعد لا يقضى به.
واعلم أن الوعد وإن كان لا يقضى به يجب الوفاء به حيث لا ضرر ولا معصية فيأثم الواعد بترك الوفاء به حينئذ، ولم يعتبروا هنا التوريط لتشوف الشارع للحرية قاله الشيخ أبو علي. وقال الشارح عند قوله:"والوفاء بالتزويج": لأنها بمجرد العتق ملكت نفسها والوعد لا يقضى به، وهذا هو المشهور. المتيطي: وحكى بعض الأندلسيين في أحكامه عن ابن القاسم أنه يزوجها من نفسه بغير رضاها والعمل على الأول والعبد أيضا إذا أعتقته سيدته على أن يتزوجها لا يلزمه الوفاء، وكلام الشيخ خليل يشمل المسألتين، وحكى ابن عبد السلام أن الأمة إذا وافقت على أن العتق صدر على ذلك يستحب الوفاء به، وينبغي أيضا أن يجري في مسألة العبد. والله تعالى أعلم انتهى. وقوله:"والوفاء بالتزويج" لخ لا فرق في ذلك بين أن يكون السيد قد وطئ الأمة وبين أن يكون لم يطأها كما نص عليه الشارح، وقال الحطاب: قال في التلقين: ومن أعتق أمة على أن
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من بناني ج 3 ص 222.
تتزوجه بعد العتق فلا يلزمها ذلك وإن اشترط أن عتقها صداقها لم يصح ولزمه الصداق. انتهى. قال الشبراخيتي عند قوله: "والوفاء بالتزويج إذا أعتق عليه": بأن جعل عتقها في نظير أن تتزوجه أو في نظير صداقها فإن كلا منهما غير لازم ولها الرضى في الأول دون الثاني، ولو أعطى رجل آخر ألف درهم على أن يعتق أمته ويزوجها منه فأعتقها فهي حرة ولها أن لا تنكحه والألف لازمة للرجل. انظر ابن عرفة. بخلاف من قال لأمته النصرانية: أنت حرة على أن تسلمي وتأبى الإسلام فإنها لا تعتق والفرق أنه كأنه قال لها أنت حرة إن شئت الإسلام فردها الإسلام رضى بأنها لا تعتق، وفي الأمة التي أعتقها على أن تنكحه إنما صار لها الخيار بعد العتق وقبله لا تصرف لها فيه لأنها في ملك السيد، فالعتق في النصرانية معلق على ما بيدها قبل العتق بخلافه في الثانية. انظر حسن نتائج الفكر.
وقال عبد الباقي عن الأجهوري: وانظر لو قال: إن تزوجتني فقد أعتقتك هل هو كما إذا أعتقها على أن تتزوجه أو يفرق بأن التعليق بأداته أقوى من التعليق المعنوي فإذا لم تتزوجه لا تعتق؟ ويدل له ما يأتي للمص في العتق من أنه إذا قال أنت حرة وعليك ألف لزم العتق والمال، بخلاف أنت حرة إن أعطيتني ألفا انتهى كلام الشيخ عبد الباقي. وقال: ويجوز الوفاء بالتزويج حيث كان الشرط جائزا يعني كما إذا أعتقها على أن تتزوجه بخلاف غير الجائز، كما لو أعتق أمة على أن صداقها عتقها فإنه لا يجوز الوفاء به لأن العتق غير متمول كالقصاص. انتهى. وقد مرت الإشارة إلى هذا.
تنبيه: اعلم أنه اختلف في لزوم الوفاء بالعدة على أربعة أقوال: قيل يلزم مطلقا وهو مذهب ابن وهب وعمر بن عبد العزيز، وقيل لا يلزم مطلقا وهو الذي يأتي على ما في سماع أشهب وابن نافع في كتاب العارية من العتبية، وثالثها التفصيل إن كانت على سبب لزمت وإن لم يحصل السبب ولا وقع وإلا فلا وهو قول أصبغ، ورابعها إن كانت على سبب ووقع السبب لزمت وإلا فلا وهو قول ابن القاسم في العتبية وهو مقتضى ما في كتاب بيع الغرر من المدونة فيمن قال لرجل ابتع عبد فلان وأنا أعينك بألف درهم فابتاعه لزمه ذلك الوعد.
وصداقها إن بيعت لزوج يعني أن الأمة إذا بيعت لزوجها قبل البناء فإن النكاح ينفسخ وحينئذ يسقط نصف الصداق عن الزوج لانفساخ النكاح قبل البناء فلا شيء لها من الصداق لا نصف ولا غيره، ولو قبض السيد الصداق رده للزوج وفي المدونة: من تزوج أمة ثم ابتاعها من سيدها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده لأن الفسخ جاء من قبله، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية فيمن زوج أمته ففلس السيد قبل البناء فباعها عليه السلطان فاشتراها زوجها أن الصداق للبائع ولا يرجع به الزوج؛ لأن السلطان هو الذي باعها بخلاف بيع السيد واختلف هل ما في الكتابين خلاف؟ وهو تأويل أبي عمران وضعف ما في العتبية وعابه أو وفاق وأن معنى كلام ابن القاسم في العتبية لا يرجع به النفي المقيد أي لا يرجع به إلا من الثمن، وليس مراده أنه لا يرجع به مطلقا وهو تأويل بعضهم؛ لأن النكاح إنما ينفسخ بعد البيع وتقرره والبيع موجب لدفع الثمن بكماله، والصداق دين طرأ بعد انفساخ النكاح.
فقول المص: وهل لو ببيع السلطان لفلس إشارة إلى تأويل الوفاق؛ يعني أن من الشيوخ من حمل ما في العتبية على موافقة ما في المدونة، فمعنى كون الصداق للبائع وأن الزوج لا يرجع به عدم رجوع الزوج به الآن من الثمن لكنه يتبع به ذمة السيد وعلة عدم رجوعه به الآن أنه دين طرأ بعد انفساخ النكاح والتفليس وقع قبل ذلك، فقوله:"ولو ببيع" لخ أي وهل يسقط الصداق عن الزوج إذا بيعت له زوجته ولو ببيع لخ.
وقوله: أولا إشارة إلى الخلاف؛ يعني أن من الشيوخ من ذهب إلى أن ما في العتبية مخالف لما في المدونة، فقول العتبية: إن الصداق للبائع ولا يرجع به الزوج باق على ظاهره، فمعنى لا يرجع به: لا يرجع به مطلقا لا الآن ولا يتبع به ذمة السيد، فقول المص: أولا أي أولا يسقط الصداق عن الزوج إذا كان السلطان هو البائع الأمة للزوج فلا يرجع به الزوج حيث دفعه على سيد الأمة مطلقا لا من الثمن ولا من غيره، فيكون كلام العتبية على ظاهره.
وقوله ولكن لا يرجع به من الثمن من تتمة تأويل التوفيق أعني التأويل الأول الشار إليه بقوله: "وهل ولو ببيع سلطان لفلس" يعني أن الصداق يسقط عن الزوج فيما إذا بيعت له زوجته على ما في العتبية ولو كان الذي باع الأمة لزوجها السلطان، لكن معنى قولها: إن الصداق للبائع ولا
يرجع به الزوج هو عدم رجوع الزوج على السيد الآن من ثمن الزوجة؛ لأن الصداق دين طرأ بعد انفساخ النكاح، والتفليس وقع قبل ذلك وقد مر هذا. وفي حاشية الشيخ محمد بن الحسن عن ابن عرفة وأبي الحسن أنه على تأويل الوفاق وإن لم يكن أحق بالثمن يكون أسوة الغرماء، فالمنفي عند صاحب الوفاق إنما هو كونه أحق بالثمن من الغرماء حتى يستوفي الصداق، وأما على القول بعدم سقوطه في بيع الفلس المشار إليه بقوله:"أولا" فإنه يدفعه مع الثمن ولا يرجع به بحال، وقال عبد الباقي: إنه على تأويل التوفيق ليس له محاصة الغرماء، قال الشيخ محمد بن الحسن: تبع الحطاب ناقلا عن ابن عرفة وهو غير صواب، بل الذي في ابن عرفة أنه يحاص به غرماءه، ونحوه لأبي الحسن. انتهى.
وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، قال بناني: وهما في كلام العتبية لا في المدونة فهما على خلاف اصطلاح المص، وبهذا التقرير تعلم أن في كلام الحطاب والخرشي نظرا. واعلم أن للتوفيق وجهين، أحدهما ما ذكره المص والآخر لابن رشد ولم يذكره المص، وهو أن ما في المدونة من السقوط محمول على ما إذا بيعت اختيارا فقط وذلك بأن يبيعها السيد وما في الأسمعة محمول على ما إذا بيعت جبرا على سيدها كبيع السلطان لفلس قاله الشيخ محمد بن الحسن. وقال الشيخ الأمير: وإن باعها لزوجها فإن كان قبل البناء سقط نصف الصداق وظاهرها ولو ببيع سلطان لفلس وهو الصواب، وفي الأسمعة: لا يسقط وهل خلاف أو معناه لا يرجع في الثمن بل يتبع السيد بهما وصداقها بعد البناء كمالها يتبعها في المعتق لا البيع إلا لشرط؟ انتهى. وقوله: "ولكن لا يرجع به من الثمن" قد علمت أنه من تتمة تأويل التوفيق وأنه فيما إذا دفع الزوج الصداق كما صرح به الحطاب، ومقتضى ذلك أنه إن لم يدفعه لا شيء عليه على هذا التأويل أي تأويل التوفيق كما هو مقتضى كلامهم. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه. وبعده كمالها يعني أن الأمة إذا بيعت لزوجها بعد البناء فإن الصداق كمالها فلا يسقط بحال، وقوله:"كمالها" أي مالها غير الصداق ليلا يكون فيه تشبيه الشيء بنفسه، وإذا لم يسقط عن الزوج فكذلك غيره من باب أحرى، والحاصل أنه إذا باعها لزوجها قبل البناء فلا شيء على الزوج وإذا باعها له بعد البناء فهو للسيد إلا أن يشترطه الزوج، وقوله:"كمالها" اعلم أن
صداقها بعد البناء مال من أموالها للسيد انتزاعه إن كانت ممن ينتزع ماله، وإذا بيعت فلا يسقط بحال، بيعت لزوج أو غيره، باعها السيد أو السلطان.
واعلم أن الرقيق يتبعه ماله إن أعتق وبالعكس إن بيع إلا لشرط فيهما وفي الهبة قولان.
وبما قررت علم أن الضمير المذكر راجع إلى البناء وأن المؤنث راجع للأمة.
وبطل في الأمة إن جمعها مع حرة فقط يعني أن من جمع أمة وحرة في عقد واحد، والحال أن الأمة ممتنع نكاحها لفقد شرط مما مر يبطل نكاحه في الأمة فقط ويصح نكاح الحرة سمى لكل صداقا أم لا، فقوله: "فقط راجع للأمة كما علمت، واحترز بذلك من الحرة فإن نكاحها صحيح وهذا حيث لم تكن الحرة سيدتها وإلا بطل النكاح فيهما؛ لأن السيدة تملك الصداقين فلا يتميز الحلال من الحرام. قاله غير واحد.
قال جامعه عفا الله عنه: وهذا ظاهر حيث لم يسم لكل صداقا، وأما لو سمى لكل صداقا فالذي يظهر أن وجه ذلك أن يقال لا تعتبر تسميته لكل إذ يغتفر لمصاحبة الأخرى ما لا يغتفره حيث لم يجتمعا في عقد. والله سبحانه أعلم. وما ذكر من بطلان النكاح فيهما حيث كانت الحرة سيدتها هو المشهور. كما قاله الحطاب وغيره.
وقوله: "وبطل في الأمة" لا يخالف ما تقرر من أن الصفقة إذا جمعت حلالا وحراما بطل الجميع لأنه في الحرام بكل حال، ونكاح الأمة يجوز لخوف العنت وعدم الطول، وما مشى عليه المص هو قول ابن القاسم، وقال سحنون: يبطل فيهما محتجا بما مر الجواب عنه، وأما الأمة التي لا يمتنع نكاحها كما إذا خشي الزنى من أمة بعينها ونحو ذلك من أمة كالجد فيصح النكاح فيهما، واختلف الأشياخ في كلام سحنون هل هو محمول على ما إذا لم يسم لكل واحدة صداقها ولو سمى لصح نكاح الحرة عنده؟ أو ذلك عام ولو سمى وهو الظاهر؛ لأن التسمية في مهر كل واحدة لا توجب امتيازها بعقده. قاله الشارح. وقوله حرة جنس يشمل الواحدة والمتعددة كما قاله غير واحد.
بخلاف الخمس يعني أن الحكم في جمع خمس نسوة فأكثر في عقد واحد مخالف لجمع الحرة والأمة في عقد واحد، فيبطل النكاح فيهن كلهن ولو ولدن الأولاد كانت الخمس حرائر أو إماء أو
مختلفات، كن يحرم الجمع بينهن أم لا، ومحل بطلان النكاح فيهن ما لم تكن فيهن من يحرم نكاحها وإلا بطل النكاح فيها وصح في الأربع الأخر، وفي شرح الشيخ عبد الباقي أنه إذا كانت إحدى الخمس أمة يمتنع نكاحها لفقد شرط لا يفسخ إلا نكاح الأمة فقط وعزاه لأحمد، وقال الشيخ محمد بن الحسن: الظاهر فسخ النكاح في هذه الصورة في الجميع؛ لأن التحريم فيها ليس من جهة الأمة بل من جهة جمع الخمس المحرم بالإجماع.
والمرأة ومحرمها يعني أن من جمع بين المرأة ومحرمها في عقد واحد كالأم وابنتها والأختين وكالعمة وابنة أخيها والخالة وابنة الأخت يفسخ النكاح فيهما معا ولو طال، ولو ولدت الأولاد ولا إرث كما لا إرث في جمع الخمس أيضا، ومن بنى بها في المسألتين فلها المسمى إن كان وإلا فصداق المثل وتعتد بالأقراء، والفرق بين جمع الحرة والأمة وبين جمع الخمس والمرأة ومحرمها أن في مسألة جمع الحرة والأمة الحرام معلوم وهو نكاح الأمة، بخلاف جمع الخمس والمرأة ومحرمها فإن الحرام ليس معلوما في واحدة بعينها. قال عبد الباقي: وينبغي تقييد المرأة ومحرمها بما إذا لم تكن إحداهما أمة لا تباح له فيفسخ فيها فقط قياسا على تقييد قوله: "بخلاف الخمس". انتهى. قال بناني: الظاهر فسخ النكاح في هذه الصورة في الجميع فسوَّى بين المقيس والمقيس عليه كما ذكر ذلك عند قوله: "بخلاف الخمس".
ولزوجها العزل يعني أن زوج الأمة يجوز له أن يعزل عنها ماءه، والعزل هو الإنزال خارج الفرج بأن يطأ الرجل زوجته أو أمته حتى إذا أحس بالإنزال نزع ذكره لينزل خارج الفرج، ومثل العزل أن يجعل في الرحم خرقة ونحوها مما يمنع وصول الماء للرحم. واعلم أنه اختلف عن مالك وغيره من الصحابة وغيرهم في العزل بالجواز والكراهة لتعارض الأدلة في ذلك، ففي النسائي عن جابر: (كانت لنا جوار كنا نعزل عنهن، فقال اليهود: هذه الموءودة الصغرى، فسئل عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال: (كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم يستطع أحد رده
(1)
) وهو دليل الجواز، وفي حديث أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن العزل فقال: (ذلك الوأد الخفي
(2)
) وهو دليل
(1)
سنن النسائي الكبرى، رقم الحديث، 9036.
(2)
مسند الإمام أحمد، ج 6 ص 434.
الكراهة. قاله الشارح. قال: والمشهور جوازه على وجه كما أشار إليه بقوله: "ولزوجها العزل" لخ. إن أذنت وسيدها بالنصب مفعول معه قال في الألفية:
................................. والنصب مختار لدى ضعف النسق
قاله الأجهوري في شرحه. وقال في الحاشية: بالرفع عطف على الضمير المستتر في أذنت وهو ضعيف لفقد شرط العطف على ضمير الرفع المتصل. قاله الشبراخيتي؛ يعني أن محل جواز العزل مقيد بقيدين: أحدهما أن تأذن فيه الأمة، ثانيهما أن يأذن فيه سيدها الذي له حق في الماء، بخلاف الصغيرة والكبيرة اللتين لا تحملان عادة، وبخلاف الأمة الحامل، وبخلاف أمة كالجد فهذه الأربع ينفردن بالإذن دون السيد. ابن عرفة: ويستحسن استقلالها لتمام طهرها إن أصابها مرة وأنزل، قال أصبغ: وإن رضي السيد بترك وطء الأمة المتزوجة ولم ترض هي بذلك لم يكن لسيدها ذلك وكان لها القيام ومطالبة الزوج وتوقيفه، ولا نزاع أن السيد يجوز له العزل عن أمته وأم ولده وإن لم تأذنا له في ذلك إذ لاحق للأمة كالزوجة، قال الشارح: ولم أر في ذلك خلافا، وقال: وظاهر كلام غير واحد من الأشياخ أن إذن السيد كاف وإن لم تأذن الأمة في ذلك، ورأى الباجي أنه لا يعزل عن الزوجة الأمة إلا بإذنها وإذن مواليها، ولا يكتفي بإذن سيدها لأن لها حقا في الوطء، وحكى الشيخ عن شيخه أنه تقييد واستظهره، ولهذا قال:"وسيدها". انتهى. كالحرة إذا أذنت يعني أن زوج الحرة يجوز له العزل عنها إن أذنت بالقول، سواء رضيت بذلك مجانا أو بعوض فالمعتبر في ذلك إذنها هي دون إذن وليها ولو صغيرة تجبر لو طلقت، فإن أخذت الحرة صغيرة أو كبيرة مالا على العزل مدة فلها أن ترجع وترد جميع ما أخذت. ابن عبد السلام: القياس أن ترد بقدر ما منعته من الأجل، قال عبد الباقي: ظاهره أنه ينظر للأجل ولا ينظر لقدر ما يقع من العزل؛ إذ قد يحصل عزل كثير في زمن قليل ويقل في زمن كثير وقد مر دليل المشهور ودليل الشاذ.
وأشعر قوله: "ولزوجها العزل" لخ أن المني إذا صار داخل الرحم لا يجوز إخراجه وهو كذلك وأشد من ذلك إذا تخلق وأشد مغه إذا نفخ فيه الروح إجماعا. وحكى الحطاب عن البرزلي عن
الجمهور أنه لا يجوز إخراج الماء من الرحم ولو قبل الأربعين. وحكى ابن العربي الاتفاق عليه، وقال اللخمي: يجوز قبلها وظاهره جريانهما في الزوجة والأمة، وظاهره أيضا ولو ماء زنى. وقال الشيخ عبد الباقي: ينبغي تقييده بغيره خصوصا إن خافت القتل بظهوره، وفي الشبراخيتي: وقيل يكره قبل الأربعين للمرأة شرب ما يسقطه إن رضي الزوج بذلك. انتهى.
وأما جعل ما يقطع الماء ويبرد الرحم فنص ابن العربي على أنه لا يجوز أي لا يجوز لرجل ولا امرأة، وكذا لا يجوز للرجل أن يستعمل ما يقلل نسله، وأفتى ابن يونس الشافعي وغيره أنه لا يحل للمرأة أن تستعمل دواء يمنع الحَبَلَ. انتهى. وفي الحطاب: وليس للمرأة أن تلزم زوجها العزل عنها، وقال الأمير: وله العزل في أمته ولو لم تأذن كالحرة إن أذنت كالأمة إلا أن يلد مثلها فحتى يأذن سيدها أيضا، وحرم قطع نسل وإسقاط حمل ولو قبل الأربعين على ما يرجحه كلامهم.
والكافرة يعني أنه يحرم وطء الكافرة بنكاح أو ملك بدليل استثناء قوله: "وأمتهم بالملك" قاله أحمد قاله عبد الباقي. وقوله: "والكافرة" عطف على أصوله من قوله: "وحرم أصوله"، والمراد بالكافرة غير الحرة الكتابية وأمتهم بالملك. إلا الحرة الكتابية يعني أن ما تقدم في حرمة نكاح الكافرة إنما هو في غير الحرة الكتابية، وأما الحرة الكتابية فإنه يجوز نكاحها لقوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية.
بكره يعني أن نكاح الحرة الكتابية مكروه والكراهة لا تنافي الجواز، والكراهة هي التي قالها الإمام وخالفه ابن القاسم، فقال: يجوز نكاح الحرة الكتابية بدون كراهة للآية المتقدمة، وإنما كره عند الإمام لأنها تتغذى بالخمر والخنزير وتغذي به ولدها وهو يقبل ويضاجع وليس له منعها من ذلك أي الخمر والخنزير، وظاهره ولو تضرر بريحهما لدخوله على ذلك ولا من كنيسة على الأصح فيهن، خلافا لقول أبي إبراهيم: له منعها من الخمر والخنزير والكنيسة لا الفريضة ولا صومها ولا يطؤها صائمة لأنه من دينها، بخلاف الخمر والخنزير فليسا من دينها. قاله التتائي. وقيل في علة الكراهة أيضا خوف موتها حاملا منه فتدفن في مقابرهم وهي حفرة من حفر النار أو السكون إلى الكوافر والمودة لهن لقوله تعالى:{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} ، وذلك ممنوع في
الكافرة لقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، وقوله:"إلا الحرة الكتابية" أي وأما المجوس فيحرم نكاح نسائهم ويحرم نكاح الكافر للمسلمة مطلقا مجوسيا أو كتابيا، وحكى ابن القصار وغيره قولا بجواز نكاح المجوسية بناء على أحد القولين أن لهم كتابا وفُقِد، قال في الذخيرة: ولا عبرة بهذا لأن الوثنيين من ولد إسماعيل عليه السلام والمعتبر إنما هو حالتهم الحاضرة، وقال اللخمى: لا يجوز وطء الوثنيات بنكاح ولا ملك لعموم قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} . قال: واختلف في الصابية والسامرية، فقيل الصابون صنف من النصارى والسامرية صنف من اليهود، وقيل ليسوا منهم فعلى الأول تجوز مناكحتهم وعلى الثاني لا تجوز. ابن شاس: ولا تحل مناكحة المعطلة والزنادقة. قاله الشارح.
الجزولي: قال بعض المؤرخين: كان للمجوس كتاب ورفع، وسبب رفعه أن عظيمهم تزوج بابنته فأرادوا رجمه فتحصن بحصنه، وقال لهم: نعم الدين دين آدم الذي يزوج الأخ من أخته فرفع الكتاب عقوبة لهم. والله أعلم. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: واختلف في الصابية فقيل صنف من النصارى، وفي السامرية فقيل صنف من اليهود فتجوز مناكحتهم، وقيل ليسوا منهم فلا تجوز، وتقدم أنه تصح ذكاة السامرية، وأن الراجح أن الصابية لا تصح ذكاتهم؛ لأن تمسك السامرية بدين اليهودية أشد من تمسك الصابية بدين النصرانية.
وتأكد بدار الحرب يعني أن الكراهة في نكاح الحرة الكتابية بدار الحرب أشدم كراهة نكاحها ببلد الإسلام لتركه ولده بدار الحرب، ولخشية تربيتها لولده على دينها وأن تدس في قلبه ما يتمكن منه ولا تبالي باطلاع أبيه. ابن عرفة عن عياض: أشد ما علل فيها سكناه معها بدار الحرب حيث يجري حكمهم عليه وهو بإجماع جرحة ثابتة، قلت: فتتخرج كراهة تزويجها للأسير ومن لا يمكنه الخروج من دار الحرب. قاله الحطاب. وقال في المدونة: وكره مالك نساء أهل الحرب لتركه ولده بدار الكفر، وأنا أرى أن يطلقها ولا يقضى عليه، والكراهة عند مالك هنا أشد من الكراهة عنده ببلد الإسلام، وأجاز للأسير أن يطأ زوجته وأمته ببلد الحرب إذا أمن وصول أهل الحرب إليها.
ولو يهودية تنصرت يعني أن اليهودية إذا تنصرت يجوز نكاحها كما لو ثبتت على يهوديتها ولم تتنصر، سواء أظهرت ذلك أو أخفته بأن أظهرت اليهودية وتزندقت بالنصرانية. وبالعكس يعني أنه يجوز نكاح النصرانية ولو تهودت أي انتقلت لدين اليهود، كما يجوز لو ثبتت على نصرانيتها ولم تتهود، سواء أظهرت اليهودية أوأخفتها بأن تزندقت باليهودية، ومفهومه أن الكتابية يهودية أو نصرانية إذا تمجست لم تحل وهو كذلك قولا واحدا، وأما لو تهودت المجوسية أو تنصرت فالظاهر حليتها. قاله التتائي. وكذا استظهر الحطاب قاله عبد الباقي. قال بناني: يستأنس له بما تقدم من قوله أول الذكاة: "أو مجوسيا تنصر". انتهى. وقوله: "ولو يهودية" وأما لو أخفت المجوسية وأظهرت اليهودية أو النصرانية فلا يتزوجها المسلم قاله علي الأجهوري. قاله عبد الباقي. ابن الحاج: ولو تزوجت المرأة حال ردتها يهوديا فولدها منه على دين أبيه. قاله في مختصر البرزلي. وصورتها أنه غفل عنها بالقتل أو أسلمت فتبين أنها حملت منه، ولو تزوجت مسلمة بمجوسي أو كافر لم تحد ولو تعمدته، وخرج اللخمي حدها من قول محمد: لو تعمد المسلم نكاح العجوسية رجم، وفرق بأن إسناد النكاح للرجل حقيقة وللمرأة مجاز أو حقيقة ضعيفة. وانظر ما ذكره محمد مع أن ثم من يجيز نكاح المجوسية إلا أن يقال لما قوي ضعفه ترك كالعدم كالقول بإباحة الخامسة. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقوله: "ولو يهودية تنصرت وبالعكس" هو مبني على أن الكفر كله ملة واحدة، وحكى أبو بكر رواية أن يقتل لخروجه عن العهد الذي انعقد له إلا أن يسلم، وعلى هذا لا يقر على نكاح اليهودية أو النصرانية إذا انتقلت، وما حكى أبو بكر. قاله ابن الماجشون. ابن حبيب: ولا أعلم من قاله غيره ولا أقول به. قاله أبو علي.
وأمتهم بالملك عطف على قوله: "إلا الحرة الكتابية" فهو منصوب يعني أن الأمة الكتابية يحل للمسلم وطؤها بالملك لا بالنكاح فلا يحل تزويجها لعبد مسلم ولو كانت ملك مسلم ولا لحر مسلم، فقوله:"أمتهم" أي الأمة التي على دين أهل الكتاب وما عدا الحرة الكتابية وأمتهم بالملك من الكوافر يمنع نكاحه ووطؤه بملك اليمين، فأما المجوسية فالمعروف أنه لا يجوز نكاحها كما مر، وقوله:"أمتهم" الإضافة بمعنى اللام.
وقرر عليها إن أسلم يعني أن الكافر إذا أسلم وتحته حرة كتابية فإنه يقر عليها، وأما لو أسلم وتحته أمة فالشهور وجوب الفسخ، وقوله:"وقرر عليها إن أسلم" ولكن مع الكراهة في الاستدامة كما في الابتداء. قاله ابن ناجي. وقبله ابن عبد السلام. ورده أبو مهدي بأنهما ليسا بسواء لسبقية النكاح في الكافر بخلاف المسلم. انتهى. قاله الحطاب. وقال البرزلي: لا يكره بناء على أن الدوام ليس كالابتداء ولترغيبه في الإسلام، وقوله:"وقرر عليها إن أسلم " ولو كانت بدار الحرب أو كانت صغيرة زوجها منه أبوها ولا خيار لها إذا بلغت. ابن القاسم: ويكره وطؤه إياها بدار الحرب لكراهة نكاحه بدار الحرب خوف أن يكون الولد على دين الأم، ولو قال تزوجتها أي المجوسية بعد أن أسلمت وقالت تزوجتني قبل أن أسلم فالقول قوله، وقال ابن عبد الحكم: القول قولها.
وقوله: "وقرر عليها إن أسلم " ولو حكما كالمحكوم بإسلامه تبعا لإسلام أبويه أو أبيه، وقال الشبراخيتي: وأما إن أسلم وتحته مجوسية فإن كان بعد البلوغ فرق بينهما، وإن كان صغيرا فيوقف حتى يبلغ فتقع الفرقة بينهما إن لم تسلم نص عليه في المدونة. انتهى. وفي شرح الشيخ أبي علي: وأم إن أسلمت دونه وهي صغيرة فإن اعتبر إسلامها وقد دخل بها زوجها البالغ فإنها تعتد وهو أحق بها إن أسلم في عدتها، وإن لم يدخل بها أو دخل بها وهو غير بالغ فقد بانت منه وإن أسلم بعد ذلك، إلا أن يسلم عقب إسلامها فيختلف فيه، وعلى القول بعدم اعتبار إسلامها فيوقف البالغ عنها ولا عدة عليها، فإذا ثبتت على إسلامها بعد البلوغ فالعدة عليها حينئذ ويكون أحق بها فيها. إن أسلم فيها قاله اللخمي وإن أسلم أبواهما وهما صغيران في سن من لا يميز كانا بإسلام الأبوين مسلمين، وإن أسلم أبوها -يعني وحده- وقعت الفرقة لأنه لا دخول، وإن أسلم أبوه فعلى قول ابن القاسم: يرض عليها الإسلام، وعلى قول أشهب: وقعت الفرقة. وإن عقلا دينهما لم يكن إسلام الأبوين إسلام لهما، والعاقل لدينه تعتبر ردته وإسلامه على وجه مخصوص وهو قول المتن في الجنائز:"وإن صغيرا ارتد".
فرع: ولوأسلم وتحته أمة، فقال ابن عرفة في وجوب الفسخ: ثالثها يستحب لمعروف قول ابن القاسم مع أشهب مرة ومعروف قول أشهب وابن القاسم. انتهى. ووجوب الفسخ هو المشهور. قاله
ابن فرحون. وأما المجوسية فلا يجوز الاستمتاع منها بقبلة أو غيرها بملك أو نكاح حرة أو أمة. قاله في المدونة. وحكى ابن القصار قولا بجواز نكاح الحرة، قال في التوضيح بناء على أحد القولين أن لهم كتابا. انتهى. نقله الحطاب.
ولما كان تقريره عليها يوهم صحة نكاحهم دفع ذلك بقوله: وأنكحتهم فاسدة يعني أن أنكحة الكفار فاسدة ولو استوفيت فيها شروط الصحة كما في التوضيح تبعا لابن راشد فيما فهمه من قول ابن شاس وابن الحاجب: المشهور أن أنكحتهم فاسدة؛ والذي يفيده عبد الوهاب وابن يونس واللخمي وأبو الحسن وابن فتوح وغيرهم الاتفاق على التفصيل، لكن عند جهل الحال تحمل على الفساد لأنه الغالب. قاله محمد بن الحسن. وعلى أنها فاسدة فليس للمسلمين أن يتولوها، وعلى أنها صحيحة فلهم ذلك، وظاهر المص الفساد ولو تولاها لهم مسلم وغير المستوفي الشروط الشرعية يتفق على منع شهادة المسلمين فيه، ولا فرق في ذلك بين شهود المسلمين المنتصبين للشهادة وغيرهم، ويمنع الذهاب لديارهم للشهادة من المنتصبين وغيرهم، وفرض التونسيين لها في المنتصبين وارد على سؤال. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب: وما قاله المص هو المشهور وقيل صحيحة، قال ابن عرفة: وعليهما خلاف شيوخنا في جواز شهادة الشهود المعينين للشهادة بين الناس لليهود في أنكحتهم بولي ومهر شرعي ومنعه، والصواب ما رجحه ابن عبد السلام من المنع، ويأتي للشيخ ما يرجح الجواز. انتهى.
وعلي الأمة يعني أن الكافر إذا أسلم وتحته أمة كتابية فإنه يقر عليها إن عتقت سواء كانت مدخولا بها أم لا، وكذا يقر عليها إن أسلمت ولو لم تعتق وتصير أمة مسلمة تحت مسلم سواء كانت مجوسية أم لا، ولا يشترط وجود شروط الأمة المسلمة. هذا هو الصواب كما نقله ابن محرز ونقله أبو الحسن وسلمه وكذا ابن عرفة، فقوله:"وأسلمت" راجع للأمة أيضا والمجوسية يعني أن الكافر إذا أسلم وتحته مجوسية فإنه يقر عليها إن أسلمت.
وبما قررت علم أن قوله: إن عتقت راجع للأمة الكتابية، وأن قوله: وأسلمت راجع للأمة كما مر، وسواء كانت كتابية أو مجوسية فتصير أمة مسلمة تحت حر مسلم وللحرة المجوسية كما قاله غير واحد. ومفهوم قوله:"أسلمت" أن المجوسية لو لم تسلم لا يقر عليها إن أسلم إسلاما
معتبرا ببلوغه وإلا أقر عليها حتى يبلغ، فإن أسلمت بقيت زوجته وإلا لم يقر عليها. وقوله:"وعلى المجوسية إن أسلمت" مثل إسلامها تهودها أو تنصرها وهي حرة فيقر عليها إن أسلم. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقال الحطاب عند قوله: "وعلى الأمة والمجوسية إن عتقت وأسلمت": سواء كان قبل الدخول أو بعده كما صرح به ابن يونس ونقله أبو الحسن وغيره ونقله ابن الحاجب عن ابن القاسم، ونقل ابن عرفة قولا بأنه يلزمه فراقها مطلقا، وقال ابن عرفة عن ابن القاسم: إن أسلم حر أو عبد على أمة نصرانية عرض عليها الإسلام إن أسلمت أو عتقت ثبت نكاحها وإلا فسخ بغير طلاق. انتهى. وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وإذا أسلم الحربي الكتابي لم تزل في عصمته قدم أو بقي إلا إذا سبيت ولم تسلم لأنها أمة كافرة، وأما لوأسلمت بقيت في عصمته، وكذا نص عليه في المدونة واعترض إطلاقه بقاء العصمة مع احتمال أن يكون واجدا للطول ولا يخشى العنت، وأجيب بأن مراده التقييد. انتهى.
وقوله: "إن عتقت" اعلم أنه لابد أن يكون عتقها ناجزا ولا يجري فيه التأويلان الآتيان. ولم يبعد يعني أن الكافر إذا أسلم وتحته أمة كافرة أو حرة مجوسية فإنه يقر عليها إن أسلمت كما مر، ومحل ذلك إن لم يبعد إسلامها من إسلامه بأن أسلم ثم أسلمت بعده بقرب، وقال الشبراخيتي: قال في الشرح: إن قوله: "كالشهر" لا يجري في مسألة العتق، فإذا أسلم وتحته أمة فإن عتقت عقب إسلامه أقر عليها وإلا فلا. انتهى. وهذا يفيده كلام ابن عرفة.
كالشهر مثال لقوله: "لم يبعد" فهو مثال للقرب، فالمعنى أنه يقرر عليها إن أسلم وأسلمت بعد إسلامه بأمد قريب كالشهر. قاله غير واحد. قال في التهذيب: وإن أسلم مجوسي أو ذمي أي كتابي وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام، فإن أبته وقعت الفرقة بينهما، وإن أسلمت بقيت زوجته ما لم يبعد ما بين إسلامهما ولم يحد في البعد حدا، وأرى الشهر وأكثر من ذلك قليلا ليس بكثير.
أبو الحسن: قوله وقعت الفرقة بينهما، ظاهره أنها لا تؤخر، وفي بعض روايات التهذيب: وأرى الشهرين. وتأول ابن لبابة وغيره من القرويين المدونة على أنها لا توقف هذه المدة، وأن معناها غفل عن إيقافها.
وهل إن غفل يعني أن الشيوخ اختلفوا في كون الشهر قربا، فمنهم من قال: إن الشهر قرب إن غفل عنها وإلا بانت مكانها. {يعني أن الشيوخ اختلفوا كون قول ابن القاسم: إن عرض عليها الإسلام فأبته فرق بينهما، مقيدا لقول مالك: وإن أسلمت بقيت زوجة ما لم يبعد ما بين إسلامهما فيكون قول الإمام: ما لم يبعد ما بين إسلامهما، محله حيث غفل عنها ولم يعرض عليها الإسلام؛ وأما لو عرض عليها الإسلام وأبته فإنه يفرق بينهما ولم توقف فيكون قول ابن القاسم موافقا لقول الإمام، وهو تأويل ابن لبابة وغيره من القرويين}
(1)
). أو مطلقا {يعني أن من الشيوخ من قال: الشهر قرب مطلقا غفل عنها أم لا}
(2)
يعني أن من الشيوخ من ذهب إلى أن قول ابن القاسم: إن عرض عليها الإسلام فأبته فرق بينهما، مخالف لقول الإمام وإن أسلمت بقيت زوجته ما لم يبعد ما بين إسلامهما فيحمل على ظاهره فيقر عليها إن أسلمت بعده بقرب كالشهر مطلقا غفل عنها أم لا وهو تأويل ابن أبي زمنين فإنه قال: المعروف أنها إذا وقفت إلى شهر وبعده فأسلمت أنها زوجته.
وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، ومحل التأويلين حيث اطلعنا عليها قبل مجيء الشهر وعرضنا عليها الإسلام. قاله الشيخ إبراهيم. وقوله:"وهل إن غفل عنها" لخ قال الشيخ أبو علي: حاصله أن بعضهم قال: إذا وقفت كشهر ثم أسلمت فهو أولى بها، وغيره قال: لا تؤخر هذه المدة، وأما لو لم يغفل عنها فإنها بنفس إسلامه توقف فإن أسلمت ثبت عليها وإلا بانت، وظاهر التأويل الذي قال إذا وقفت لخ أن هذا التوقيف مأمور به أو جائز بخلاف مقابله. انتهى. وقال أبو علي أيضا: وإذا بنينا على قول ابن القاسم: فغفل عنها حتى مضى لها شهر أو
(1)
ما بين المعقوفين خاص ب (م).
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من (م).
ما قرب منه، فقال ابن القاسم في الكتاب: ليس بكثير وتبقى على النكاح إن أسلمت في هذه المدة. انتهى.
وقد علمت أنه إذا غفل عنها أن الشهر قرب عند ابن القاسم وفي بعض الروايات الشهرين، واحتج ابن القاسم لذلك بأن أبا سفيان أسلم ثم أسلمت زوجته بعد شهرين وبقيت له زوجة. قاله الشيخ أبو علي. وقد مر أنه لا يجري التأويلان في المعتق، وأنه لابد أن يكون ناجزا، وقال ابن عاشر: لا يبعد جريانهما في الأمة أيضا كما قد يقتضيه كلام المص فيعرض على السيد هل يعتق أمته أم لا؟ وذكره الشيخ ابن رحال أيضا. قاله محمد بن الحسن.
وقوله: ولا نفقة هو في غير الحامل مطلقا وفي من حصل منها امتناع بعد وقفها على ظاهر المذهب؛ يعني أن الكافر إذا أسلم ثم أسلمت زوجته المجوسية بعد إسلامه بحيث إنه يقر عليها فإنه لا نفقة لها عليه في المدة التي بين إسلامهما؛ لأن المانع من قبلها بتأخيرها الإسلام فلم يستمتع بها زوجها ولو أمة، خلافا لبعض الشراح قال الشبراخيتي: وأما إن لم توقف أو كانت حاما، فلها النفقة ولا خلاف في وجوب السكنى لها. قاله ابن عرفة. انتهى.
ولما كان لإسلام الزوجين ثلاثة أحوال: أحدها أن يسلم ثم تسلم بعده وقد مر، وإسلامها ثم يسلم بعدها وإليه أشار بقوله: أو أسلمت ثم أسلم في عدتها يعني أن الكافرة إذا أسلمت وهي تحت كافر ثم أسلم بعد ذلك فإنه يقر عليها حيث أسلم في عدتها أي استبرائها من مائة وهو كافر، وظاهر المص أنه يقر عليها إن أسلم في عدتها ولو غائبا عن البلدة التي هي بها ولو عقد عليها غيره، وإنما تفوت بدخوله إلا أن يثبت بعد حضوره من غييته أنه أسلم قبل إسلامها فلا تفوت بدخول الثاني على المشهور، وكذا إن أسلم في عدتها مع حضوره بالبلد وما في حكمه ولم يعلم بتزوج الثاني لها فلا تفوت بدخول الثاني لعدم عذر الثاني في عدم إعلام الأول بخلاف ما إذا كان غائبا، وأما إن حضر عقدها لغيره فإنها تفوت عليه بمجرد العقد. قاله عبد الباقي. ولو خافت نصرانية أسلمت إسلام زوجها فأعطته مالا على أن لا يسلم حتى تنقضي عدتها، أو على أن لا رجعة له عليها فهو أحق بها إن أسلم ويرد ما أعطته، ولو كان أبوها شرط عليه إن أسلم فأمرها بيدها فهو ساقط. قاله الحطاب. ومفهوم قوله:"في عدتها" أنه إن انقضت عدتها قبل
إسلامه بانت منه ولم يقر عليها، وفي قوله:"في عدتها" إشعار بأن إسلامها بعد البناء، ويأتي مفهومه. قاله عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي عند قوله: "أو أسلمت ثم أسلم في عدتها" أنه لا يرض عليه الإسلام، وقوله:"في عدتها" دليل على أنه بعد البناء ويكون إسلامه تقريرا من غير عقد ولا رجعة. انتهى. وقال: فإن تزوجت بعد عدتها وقد أسلم في عدتها، فإن علم بإسلامها فالثاني أحق بها مطلقا، وإن لم يعلم به فهو أحق بها قبل بناء الثاني، فإن بنى بها فاتت عليه. انتهى. وقال أبو علي: وإذا اختلفا فقالت: حضت بعد إسلامي ثلاث حيض، وقال الزوج: إنما أسلمت منذ عشرين يوما فالزوج مصدق بمنزلة الذي يطلق زوجته ويريد رجعتها، ويقول طلقتك أمس وتقول هي منذ شهرين وقد حضت ثلاث حيض فالقول قوله؛ لأن الأصل أنها كانت على الكفر فلا تصدق في قدم ذلك، والأخرى على الصحة فلا تصدق في قدم الطلاق. انتهى.
ولو طلقها يعني أنه يقر عليها حيث أسلمت ثم أسلم في عدتها ولو كان قد طلقها حالة كفره بعد إسلامها والبناء بها إذ لا عبرة بطلاق الكفر، فلو أسلم بعد انقضاء عدتها وتزوجها كانت معه على ابتداء خصمة كما في المدونة. ولا نفقة يعني أنه لا نفقة لها فيما إذا أسلمت ثم أسلم في عدتها في تلك المدة التي هي العدة على المختار يعني أن كونها لا نفقة لها هو أحد قولي ابن القاسم واختاره اللخمي، وقال ابن أبي زمنين: هو الصحيح، ولهذا قال: والأحسن وقال ابن رشد: وهو القياس، وقال ابن القاسم أيضا: لها، وأفتى به أصبغ لأنه أحق بها ما دامت في العدة قال الشارح: والخلاف موجود ولو لم يسلم وهو مقيد بما إذا لم تكن حاملا، فأما إن كانت حاملا فلها النفقة والسكنى بلا خلاف. قاله ابن عبد السلام. قال: وليس ما يقع في بعض نسخ ابن بشير من الخلاف في السكنى صحيحا. انتهى. وقال في التوضيح: واعلم أن القولين في النفقة موجودان سواء أسلم الزوج أو لم يسلم. انتهى. ونحوه لابن عبد السلام. نقله الشيخ بناني.
وقبل البناء بانت مكانها يعني أنها إن أسلمت هي الأولى وكان إسلامه قبل أن يبني بها فإنها تبين بمجرد إسلامها، وهو معنى قوله:"مكانها" سواء أسلم بعدها بقرب أم لا، أما إن أسلم بعد إسلامها بقرب فإنها تبين على الراجح، وقيل: لا تبين بناء على أن ما قارب الشيء له حكمه،
وأما إن أسلم بعد إسلامها بطول فهو محل اتفاق على البينونة، ومحل كلام المص حيث كان حاضرات فإن كان غائبا قريب الغيبة نظر في ذلك خوف أن يكون أسلم قبلها. قاله في المدونة. وقوله:"بانت مكانها" أي ولا مهر لها ولو قبضته ردته، فقوله:"بانت" قال عبد الباقي: ليس المراد الطلاق البائن حتى يتوهم أن لها نصف الصداق بل ذلك فسخ، وقد قال فيما مر:"وسقط بالفسخ قبله وإن قبضته ردته ". كما في المدونة. انتهى.
وقد مر أنه إذا أسلم بعد إسلامها بقرب والحال أنه لم يبن بها تبين بمجرد إسلامها على الراجح؛ قال الشارح: أشار أبو الوليد الباجي إلى أن الخلاف بالقرب مخرج غير منصوص. ابن عبد السلام: وهو الأقرب. انتهى. وقال بناني: قول المص بانت مكانها أي اتفاقا مع الطول، وعلى الراجح مع القرب لحكاية ابن يونس الاتفاق عليه، فإذا لم يصح فلا أقل أن يكون هو المشهور، وأيضا هو الذي يظهر من نقل ابن عرفة.
أو أسلما هذا هو الحال الثالث وهو عطف على قوله: "إن أسلم " كما أن قوله السابق: "أو أسلمت" كذلك يعني أن الكافرين المتناكحين إذا أسلما معا في آن واحد فإنهما يقران على نكاحهما، وسواء أسلما قبل البناء أو بعده، وشمل المص ما إذا أسلما في آن واحد كما قررت به كلامه، وما إذا لم نطلع عليهما إلا وهما مسلمان، وإنما لم يراع فيهما هنا إذا ترتب إسلامهما ما مر؛ لأنا لما اطلعنا عليهما مسلمين لم يثبت إسلامها إلا الآن فلا عبرة بالترتب في هذه الحالة، وإنما يراعى حيث علمنا بإسلام كل بانفراده. قاله بعض شيوخنا. قاله أحمد. قاله عبد الباقي. وقرر الشبراخيتي قوله:"أو أسلما" على أن معناه: اطلعنا عليهما مسلمين، قال: فإنه يقرر نكاحهما، ترتب إسلامهما في نفس الأمر أم لا. انتهى.
وتحصل مما مر أن لإسلامهما ثلاث حالات: الأولى أن يسلم هو ثم تسلم بعده والحكم فيها أنه يقر عليها إن لم يبعد ما بين إسلامهما، كما قال: وقرر عليها إن إسلم لخ بنى بها أم لا، ثانيهما أن تسلم هي قبله ثم يسلم هو بعدها فيفرق فيها بين أن يبني فيقر عليها إن أسلم في عدتها لا بعدها وأن لا يبني بها فتبين مكانها، ثالثها أن يسلما في آن واحد وفي حكمه ما إذا لم نطلع عليهما إلا وهما مسلمان فيقر عليها.
إلا المحرم مستثنى من المسائل الثلاث يعني أن محل كونه يقر عليها في الأحوال الثلاثة أعني فيما إذا أسلم ثم أسلمت وفيما إذا أسملت ثم أسلم وفيما إذا أسلما إنما هو حيث لم يكن أحدهما محرما للآخر وإلا فلا يقر عليها، وسواء في ذلك محرم النسب ومحرم الرضاع ومحرم المصاهرة، لكن تحريم المصاهرة هنا لا يحصل إلا بالوطء، قال الشيخ عبد الباقي: وإذا تقرر أن عقد الكفار لا يحرم مع أنه مختلف فيه علم أن القاعدة المتقدمة وهي أن العقد وإن فسد يحرم مخصوصة بنكاح المسلمين ولا تجري في نكاح الكفار. انتهى. وسيأتي الكلام على قوله: "ولا يتزوج ابنه أو أبوه من فارقها.
وقبل انقضاء العدة معطوف على المستثنى وهو مستثنى من المسائل الثلاث أيضا؛ يعني أنه إذا تزوجها في العدة وأسلما أو أحدهما قبل انقضاء العدة فإنهما لا يقران علي ذلك النكاح بنى بها أم لا.
وعلم مما قررت أن كلام المص شامل لما إذا تزوجها في العدة وأسلما قبل انقضائها أو أحدهما، لكن إن وقع وطء بعد الإسلام تأبد التحريم مطلقا وقع بعد إسلامه أو إسلامها أو إسلامهما وقبل الإسلام لغو، وأما إن أسلما معا بعد انقضاء العدة فإنهما يقران على نكاحهما. قاله الحطاب. وغيره.
والأجل وتماديا له يعني أن الكافرين إذا تناكحا إلى أجل ثم إنهما أسلما فإنهما لا يقران على نكاحهما حيث استمرا في حال كفرهما على أنهما يتماديان إلى الأجل ثم يفترقان بعده. والحاصل أن الكافرين إذا تناكحا إلى أجل ثم أسلما فلا يقران على نكاحهما إلا إذا قالا في حال كفرهما نتمادي على النكاح أبدا، سواء أسلما قبل انقضاء الأجل أو بعده، وإذا أسلما بعده فسواء قالا ذلك قبل الأجل أو بعده وقبل الإسلام، وإذا قالا ذلك بعد الإسلام فإن ذلك لا يفيدهما خلافا للحطاب ومن تبعه؛ لأنهما إن أسلما قبل الأجل فقد قارن المفسد الإسلام فيتعين الفسخ، وإن أسلما بعد الأجل فلا نكاح عندهما يقران عليه ولا دليل للحطاب في كلام التوضيح. والله تعالى أعلم.
وعلم مما مر أنه يفسخ إذا لم تحصل منهما إرادة أو جهل ما أراداه، وكذا لو لم يعلم هل أرادا شيئا أم لا، وعلم منه أيضا أنه يفسخ النكاح حيث قال أحدهما في حال كفرهما: نتمادى أبدا،
وقال الآخر: نتمادى إلى الأجل ثم نفترق، وهذا الذي أوردته هنا للشيخ محمد بن الحسن، قال إنه حاصل ما ذكره الشيخ ابن رحال، وقال الشارح عند قوله:"وتماديا له" هذا قيد في الصورة الثانية وهو أن الفساد في الثانية مقيد بما إذا قالا نحن نتمادى إلى الأجل، وأما إذا قالا نحن نتعادى مطلقا فيصح النكاح ويقران عليه لأنه لا يصير نكاح متعة. وهذا ظاهر كلام اللخمي. قال: وإن كان أصله نكاح متعة ثم تراضيا بعد الأجل على البقاء جاز. أشهب: ولو أسلما بعد الأجل ثبت النكاح بنى أو لم يبن. انتهى. وفيه مخالفة مع ما للشيخ محمد بن الحسن. والله سبحانه أعلم.
ولو طلقها ثلاثا يعني أنه يقر عليها حيث أسلم ثم أسلمت بعده بقرب، أو أسلمت ثم أسلم في عدتها أو أسلما معا ولو كان قد طلقها ثلاثا في حال كفره، فالمبالغة لمسائل التقرير في الأحوال الثلاثة، وأضاد هذا ليرجع لقوله:"أو أسلما"، وليرتب عليه قوله:"ثلاثا"، وليرتب عليه قوله: وعقد إن أبانها يعني أنه لا بد له من عقد إذا أخرجها عن حوزه الأخص بما يعد فراقا عندهم، وإنما عقد لأجل ذلك لا لأجل الطلاق الثلاث؛ لأن طلاق الكفر غير معتبر، ولهذا قال: بلا محلل يعني أنه له أن يعقد عليها من غير احتياج إلى أن تنكح زوجا غيره، وإنما احتاج للعقد لأجل إخراجها عن حوزه بما يعد فراقا عندهم، واعتقاده حال كفره أنها صارت كغيرها بالنسبة له. وعلم من هذا أنه يباح له وطؤها بعد الثلاث وأنه لا يحتاج إلى محلل، وقد ألغز بعضهم في ذلك فقال:
فما واطئ بعد الطلاق نجيزه
…
بلارجعة منه وذو الوطء مسلم
وذيله الأمير بقوله:
وزوجة شخص قد أبان ثلاثة
…
وليست عليه قبل زوج تحرم
وقوله: "ولو طلقها ثلاثا" لخ أي لأن الطلاق فرع صحة النكاح وهو قبل الإسلام فاسد على المشهور وإنما صح بالإسلام، ورد المص "بلو" قول المغيرة هو طلاق معتبر ولا تحل به إلا بعد زوج
وهو مبني على أن أنكحتهم صحيحة أو على أن الطلاق يلزم في النكاح المختلف في فساده وهو الظاهر وهم إذا لم يترافعوا إلينا، وسيأتي حكم ما إذا ترافعوا إلينا. قاله الشارح. وقوله:"بلا محلل" قال الشبراخيتي: متعلق بعقد أي ولو انضم لذلك طلاقها ثلاثا فإن طلقها ثلاثا ولم تخرج من حوزه لم تحتج لعقد. انتهى. وقوله: "وعقد إن أبانها" أي وإن لم يحصل منه طلاق، وقد نص على هذا وما قبله غير واحد.
وفسخ لإسلام أحدهما بلا طلاق يعني أن الزوجين الكافرين إذا أسلم أحدهما فإن النكاح بينهما يفسخ بغير طلاق، وهذا حيث كان لا يقر عليها كما نص عليه غير واحد وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، وفي سماع عيسى أنه يفسخ بطلاق وأما لو كان يقر عليها كما إذا كانت كتابية حرة أو أمة عتقت أو أسلمت أو مجوسية أسلمت فإنه لا يفسخ على ما مر. ردته يعني أنه إذا ارتد أحد الزوجين والعياذ بالله تعالى فإن الحكم في فسخ نكاحهما ليس كذلك بل يفسخ بطلاق وكذا لو ارتدا معا فبائنة يعني أن أحد الزوجين إذا رتد أو ارتدا معا والعياذ بالله تعالى، وقلنا إن الفسخ في ذلك بطلاق فإنه طلقة واحدة تبين بها المرأة فلا تصح رجعتها إن تاب في العدة ولا شيء لها من الصداق علي المنصوص حيث وقع الارتداد قبل البناء؛ لأن الزوج مغلوب على الطلاق، ويتخرج فيها قول أن لها نصف الصداق، ومعنى قوله:"بائنة" أن نفس الارتداد طلاق بائن لا أنه ينشيء بعده طلاقا، ومحل الفسخ في الردة حيث لم تقصد المرأة بالردة فسخ النكاح وأما إن قصدت بها فسخ النكاح، فلا ينفسخ كما روى ذلك علي بن زياد عن مالك: إن ارتدت المرأة تريد بذلك فسخ النكاح لا يكون ذلك طلاقا وتبقى على عصمته، وقيل إنها تكون طلاقا ولو ارتدت لتبين من زوجها وهو ضعيف.
وقوله: "لا ردته" رد به قول ابن أبي أويس وابن الماجشون إن الفسخ لأجل ردة أحد الزوجين بغيرطلاق وعليه فلا شيء لها فيه قبل البناء، ولا تحسب له طلقة إن تاب وعقد عليها بل تكون عنده على عصمة كاملة. وقوله:"فبائنة" رد به قول المخزومي القانل: إن فسخ الردة نعوذ بالله تعالى منها بطلاق رجعي أي فتلزمه طلقة واحدة رجعية فتصح رجعته إن تاب في العدة؛ أي لابد له من إنشاء رجعة على قول وقيل يرتجع بنفس الإسلام فلا يحتاج لإنشاء رجعة كما قاله أبو
علي، وقال أبو محمد: من ادعى ردة زوجته فأنكرت طلقت، وكذا لو ادعى إسلام زوجته الكتابية وأنكرت لأنه أقر أنها أسلمت ثم ارتدت فكأنه أقر بالطلاق ومن أقر بالطلاق لزمه، ومن ارتد قاصدا لإزالة الإحصان ثم أسلم فزنى فإنه يرجم معاملة له بنقيض مقصوده، وذكر الشيخ سعد الدين في شرح العقائد أن من أفتى امرأة بالكفر لتبين من زوجها فإن ذلك كفر.
قال الحطاب: وهو ظاهر لأنه قد أمر بالكفر ورضي به، وسلم المغربي ما قاله بعض المتأخرين أن من ارتد في مرضه نعوذ بالله تعالى وعلم أنه قصد الفرار بماله من الورثة أنهم يرثونه ويعاقب بنقيض مقصوده، وقوله:"لا ردته فبائنة" ولها المسمى بالدخول، وكفر خطيب طلبه شخص أن يسلم على يديه فأمره بالصبر لفراغها؛ لأنه رضي بالكفر. قاله القرافي. وقال ابن راشد والقلشاني: لايكفر وإنما قالا بعدم كفره لأن إسلام الكافر لا يتوقف على سماع الخطيب له. انتهى. ملخصا من شرح عبد الباقي وحاشية البناني والحطاب والشبراخيتي.
وقال الشبراخيتي: وإذا تزوج في حال ردته فسخ النكاح ولا شيء للمرأة ولو دخل بها، وإذا رجع للإسلام فالظاهر أنها ترجع عليه بمالها. انتهى. وقال الشبراخيتي بعد كلام: وهذا يفيد أن الكتابية إذا انتقلت للمجوسية أنها تطلق طلقة بائنة. انتهى. وفي الحطاب بعد جلب أنقال ما نصه: وما اقتصر عليه ابن الجلاب واللخمي وقبله ابن التلمساني والقرافي هو الظاهر أنه لا شيء لها، سواء قلنا إنه طلاق أو فسخ. انتهى والله أعلم.
ولو لدين زوجته مبالغة في أن ارتداد أحد الزوجين طلاق بائن؛ يعني أن الزوج المسلم إذا ارتد لدين زوجته الكتابية فإنها تبين مه بردته نسئل الله السلامة ويحال بينهما، فإذا تاب في العدة فلا تصح رجعته لها، ورد بلو قول أصبغ لا يحال بينه وبينها نظرا إلى أن سبب الحيلولة بين المسلمة والمرتد استيلاء الكافر على المسلمة ولا استيلاء في هذه، وعلى قوله: فلا تحرم عليه الكتابية إذا تاب ورجع للإسلام، وقوله:"فبائنة" أي حيث كان ارتداده عن دين معتبر وهو دين الإسلام ليس إلا، قال الله عز وجل:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ، وأما إن تزوج مسلم يهودية فتنصرت أو تزوج نصرانية فتهودت فلا يفسخ النكاح، فإن تمجست الكتابية التي تحت مسلم فسخ نكاحها.
وفي لزوم الثلاث لذمي طلقها وترافعا إلينا الضمير في طلقها يعود على الثلاث؛ يعني أن الذمي إذا طلق زوجته ثلاث تطليقات ولم يفارقها، ثم إنهما ترافعا إلينا راضيين بحكمنا فقد اختلفت أقاويل الأشياخ في ذلك وهي أربعة أقوال: قال فيها: وإذا طلق الذمي امرأته ثلاثا فرفعت أمرها إلى الحاكم فلا يحكم بينهم إلا أن يرضيا بحكم الإسلام، فالحاكم مخير إن شاء حكم أو ترك فإن حكم حكم بينهم بحكم الإسلام وأحب إلي أن لا يحكم بينهم، وطلاق الشرك ليس بطلاق فذهب ابن شبلون إلى أنه يحكم بالثلاث كما يحكم بين المسلمين، وإليه أشار بقوله:"وفي لزوم الثلاث لذمي طلقها": وعلى تأويل ابن شبلون لابد من محلل مسلم بشروطه الشرعية، ولا يراعى كون هذا النكاح صحيحا في الإسلام دون غيره بل تلزمه الثلاث على كل حال، وذهب ابن أبي زيد إلى أنه إن كان العقد صحيحا لزمه الطلاق وإن لم تتوفر فيه شروط الصحة لم يلزمه.
وإلى تأويل ابن أبي زيد أشار بقوله: أو إن كان صحيحا في الإسلام يعني أن ابن أبي زيد تأول المدونة على أنه إنما تلزمه الثلاث إن كان النكاح صحيحا في الإسلام بأن توفرت فيه شروطء النكاح، وعلى هذا التأويل لابد من محلل إن كان صحيحا في الإسلام وإلا فلا يلزمه شيء، وحمل القابسي المدونة على ظاهر لفظها، فقال: نحكم بالفراق مجملا وإلى تأويل القابسي أشار بقوله: أو بالفرق مجملا يعني أن القابسي تأول المدونة على أنا نلزم الذمي بالفراق على سبيل الإجمال فلا نلزمه عددا معينا ونحكم عليه بالفراق وعلى تأويل القابسي هذا فيردها برضاها قبل زوج؛ وعليه فتحل قبل محلل إذا أسلم؛ وتأول المدونة المخزومي وابن الكاتب وغير واحد على أنا لا نلزمه شيئا ولا نفرق بينهم؛ إذ هو حكم أهل الإسلام في طلاق الكفر، وإلى هذا أشار بقوله: أولا يعني أن المخزومي وابن الكاتب وغير واحد تأول المدونة على أنا لا نلزم الزوج الذمي شيئا بل نتركهم ولا نفرق بينهم إذ هو حكم أهل الإسلام في طلاق الكفر، قال الشيخ محمد بن الحسن: واستظهره عياض فيظهر رجحانه في ذلك تأويلات أربع، وقد مر أن الحاكم إن شاء حكم وإن شاء ترك، لقوله تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} .
قال جامعه عفا الله عنه: تقدم قول المدونة: إن شاء حكم أو ترك، وإذا تأملت قولها فقول المص:"أولا" معناه لا نلزمه طلاقا ولا فراقا، وليس معناه لا نتعرض لهم؛ إذ يصير معنى ما في
المدونة: إن شاء ترك وإن شاء ترك. والله سبحانه أعلم. لكن عبارة الأمير: وفي لزوم الثلاث لذمي رضي بحكمنا أو إن كان صحيحا في الإسلام أو بالفراق مجملا أو لا نتعرض لهم أقوال. انتهى. وعبارة عبد الباقي: أولا نلزمه شيئا. انتهى. وعبارة الشبراخيتي: أو لا نلزمه شيئا من طلاق ولا فراق. عياض: وظاهر المدونة أنه لا يشترط رضى أساقفتهم فيحكم بينهم بغير رضاهم وهو قول سحنون، وفي العتبية عن ابن القاسم أنه لا يحكم إلا برضا أساقفتهم،
ابن رشد: ما في العتبية تفسير لما في المدونة؛ لأن تفسير قوله بقوله أولى. انتهى. نقله الشيخ بناني. وقولي في صدر المسألة: ولم يفارقها، مفهومه لو فارقها لقضي عليه لأنه حوزها نفسها. قاله الشيخ محمد بن الحسن. وقال الشيخ عبد الباقي: محل التأويلات إذا ترافعا إلينا ساكتين لنحكم بينهم بحكم الإسلام في المسلمين أو في الكفار، أو قالا إِحكم بيننا بحكم الإسلام ولم يزيدا على ذلك شيئا، وإن قالا: احكم بيننا بحكم الإسلام على المسلمين فإنه يحكم بينهم كالمسلمين كما نقله التتائي عن اللخمي، وظاهر كلامه أنها خارجة عن محل الخلاف ففرق بين "في" وعلى. فانظره. ولو قالا احكم كما يجب على الكافر عندكم حكم بعدم الطلاق عليهما، ولو قالا بما يجب فيما بيننا، وفي التورية لم يحكم. انتهى.
فثلاث صور محل التأويلات وثلاث خارجة عنه، ويخرج عنه أيضا لو قالا احكم بيننا بحكم الإسلام في الإسلام أو في المسلمين، وأرادا لو كنا مسلمين فإنه يلزمه الثلاث ولا تدخل في الخلاف. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي عند قوله: "وترافعا إلينا" ما نصه: لنحكم بينهما بحكم الإسلام هذا مراده. قاله ابن شبلون. ثم إن هذا صادق بحكم الإسلام في أهل الإسلام وبحكم الإسلام في أهل الكفر، وأما لو قالا احكم بيننا بحكم أهل الإسلام في طلاق الكفر أو بما يجب على الكافر عندكم أو اقتضى العرف أن مراده ذلك أو قامت قرينة عليه ألغاه أي الطلاق؛ أي ألغى الطلاق أي حكم بعدم لزومه على أحد القولين، وأما لو قالا احكم بيننا بحكم الطلاق الواقع بين المسلمين أو دل العرف على ذلك أو قامت قرينة عليه حكم بالطلاق، فإن كان ثلاثا منع من مراجعتها إلا بعد زوج لأن رجوعها قبل ذلك رجوع عما التزم وذلك من التلاعب. قاله اللخمي. وصوبه الشيخ أبو
الحسن، فقال: وتفسير اللخمي صواب، وكلام ابن عرفة يشعر باعتماده وليس هذا من محل الخلاف، وأما لو قال احكم بيننا بما يجب في ديننا أو بما في التوراة لم يحكم بينهم؛ لأنا لا ندري هل هو مما غير أم لا؟ وعليه هل هو منسوخ بالقرآن أم لا؟ وهذا متفق عليه أيضا كذا في الشارح. انتهى. ومفهوم قوله:"ترافعا" أنهم لو لم يترافعوا إلينا لا نتعرض لهم وهو كذلك.
ولما كان قوله فيما مر: "وأنكحتهم فاسدة"، وقوله:"وقرر عليها إن أسلم" لخ لا يعلم منه هل يقر عليها بغير صداق أصلا أو بما وقع عندهم من صداق ولو فاسدا أو بصداق المثل، بين ذلك بقوله: ومضي صداقهم الفاسد يعني أن الزوجين الكافرين إذا أسلما يمضي صداقهم الفاسد الذي عقدا عليه زمن كفرهما حيث قبض قبل الإسلام وحصل الدخول قبله أيضا؛ لأن الزوجة مكنت من نفسها وقبضت صداقها في وقت يجوز لها قبضه عندهم.
وبما قررت علم أن قوله: "ومضى صداقهم الفاسد" معناه أنه يمضي النكاح ويصح بما وقع عليه العقد من الصداق الفاسد بالشرطين الآتيين وهما القبض والدخول قبل الإسلام فيهما، وقوله:"صداقهم الفاسد" كخمر وخنزير ونحوهما.
والإسقاط يعني أن الكافر إذا عقد على كافرة بإسقاط الصداق عنه ودخل بها ثم بعد ذلك أسلما، فإن ذلك النكاح يمضي ولا صداق لها لأنها مكنت من نفسها حيث يجوز لها ذلك في زعمهم، فقوله: إن قبض راجع لقوله: "ومضى صداقهم الفاسد" يعني أن النكاح المذكور يمضي بما وقع عليه العقد من الصداق الفاسد كالخمر والخنزير والميتة ونحو ذلك بشرط أن يكون قد قبض قبل الإسلام.
ودخل راجع للمسألتين كما علم من التقرير؛ يعني أن النكاح المذكور يمضي بما وقع عليه العقد من الصداق الفاسد بشرطين، أحدهما أن يكون الصداق المذكور قد قبض قبل الإسلام كما علمت، الثاني أن يكون الزوج قد دخل بها قبل الإسلام وأن النكاح الواقع بينهم في حال كفرهم على غير صداق يمضي حيث دخل بها قبل إسلامها كما مر، وقد مر توجيه ذلك والله سبحانه أعلم. وألا يحصل قبض ولا دخول أو حصل أحدهما في مسألة الصداق الفاسد قبل الإسلام، بأن أسلما قبل
القبض والدخول أو أسلما قبل القبض فقط أو الدخول فقط أو أسلما قبل الدخول في مسألة الإسقاط فـ إن الحكم في ذلك كـ نكاح التفويض الآتي، ففي مسألة الصداق الفاسد إن أسلعا ولم يحصل قبض ولا دخول، يخير الزوج بين أن يدفع للزوجة صداق المثل ويدخل ويلزمها النكاح وبين أن يطلق ولا شي، عليه، وكذا الحكم إن إسلما بعد قبض الصداق الفاسد وقبل الدخول ويلغى ما قبض، وأما إن أسلما بعد الدخول وقبل القبض فيلزمه صداق المثل والنكاح ثابت، فتلك ثلاث صور في مسألة الصداق الفاسد، وفيه رابعة وهي ما إذا قبض ودخل قبل الإسلام وهي الأولى، وأما إن أسلما قبل الدخول في مسألة الإسقاط فإنه يخير بين أن يدخل ويفرض المثل ويلزمها النكاح حيتنذ، وبين أن يطلق ولا شيء عليه لأمه فسخ قبل البناء وما ذكره المص فيما إذا قبض ولم يدخل من أنه كالتفويض هو قول ابن القاسم فيها.
وقال غيره فيها: إن قبضته مضى ولا شيء لها غيره بنى أو لم يبن، ونقل في التوضيح عن ابن محوز وغيره أن قول الغير هو المشهور، وأنه خير من قول ابن القاسم، وصرح اللخمي بأنه المعروف من المذهب، ومثله في أبي الحسن قال اللخمي: بمنزلة من باع خمرا بثمن إلى أجل ثم أسلما أن له أن يقبض الثمن إذا حل الأجل وهذا هو المعروف من المذهب، وقد قيل إنه وفاق ومعناه إذا قبضت الصداق واستهلكته، ولو كان قائما لجاوب بجواب ابن القاسم، وكان على المص أن ينبه على هذا القول. والله سبحانه أعلم. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
وقال الشبراخيتي: وكلام ابن عرفة يدل على أن قول المص: "وإلا فكالتفويض" فيما إذا لم يكن الصداق خمرا وباعته المرأة وإلا فلا شيء لها بالدخول غير ثمنها إن بلغ ربع دينار وشربها إياه كعدم قبضها، ولو تخللت بيدها وقيمتها الآن ربع دينار لم يكن لها بالدخول غيره. انتهى.
وهل إن استحلوه يعني أن الأشياخ اختلفوا في فهم قول المدونة: إن النصراني إذا نكح نصرانية بخمر أو خنزير أو بغير مهر وهم يستحلونه ثم أسلما بعد البناء ثبت النكاح، فمنهم من قال: يستحلونه شرط مقصود فإن لم يستحلوه بالصداق الفاسد أو بالإسقاط لم يمض، ومنهم من قال: لا مفهوم له لأن عدم استحلاله لا يوجب كونه زنى في الإسلام فأحرى في الكفر فالنكاح ماض
استحلوه بذلك الصداق أو لا. تأويلان أي في ذلك تأويلان، وعلى التأويل الأول فإن لم يستحلوه لم يمض إلا أن يكونوا تمادوا على ذلك النكاح قبل الإسلام على وجه صحته في زعمهم، فيمضي أيضا ففي مفهوم الشرط تفصيل.
تنبيهات: الأول: قد علمت أن المسألة الأولى على أربعة أوجه، الأول أن تقبض الصداق ويدخل بها الزوج وهو المشار إليه بقوله:"ومضى صداقهم الفاسد إن قبض ودخل"، وقوله:"قبض" مبني للمفعول؛ وفاعل دخل الزوج ويصح أن يقرأ أيضا بالبناء للمفعول قاله الشارح ولا خلاف في مضي النكاح على هذا الوجه على ما حكاه غير واحد إلا ما أشار إليه بقوله وهل إن استحلوه.
الوجه الثاني وهو ما إذا لم يحصل الأمران حتى أسلما فمذهب المدونة فيه ما قدمته وهو أنه يخير في إعطانها صداق المثل والمفارقة وتكون تطليقة ويصير كمن نكح على تفويض وهو المشهور.
الوجه الثالث وكحو ما إذا قبض الصداق الفاسد قبل الإسلام ولم يدخل بها حتى أسلما. قال الشارح: والحكم فيه أنه كالوجه الثاني نص على ذلك في المدونة وهو المشهور، وقال ابن القاسم وعبد الملك فيما نقله عنهما المتيطي أنها لا شيء لها وهو قول غير ابن القاسم في المدونة. ابن محرز وغيره: وهو خير من قول ابن القاسم في المدونة لأنهم لا يختلفون أن النصراني إذا أسلم وله ثمن خمر أو خنزير أن الثمن له حلال والبضع ها هنا هو ثمن الخمر فهو له حلال. اللخمي:
وهذا القول هو المعروف من المذهب. ابن يونس: فإن قبضت نصفه على هذا القول كان لها نصف صداق المثل، وكذلك في جميع الأجزاء على هذا الحساب، وقال أشهب: يجب لها ربع دينار فإن لم يعطها ذلك فسخ النكاح. قاله في كتاب محمد. وقال ابن عبد الحكم: القياس أن تكون قيمة الخمر والخنزير بمنزلة من تزوج بثمرة لم يبد صلاحها فلم تجذ حتى أزهت أن النكاح لا يفسخ ويكون لها قيمة ذلك. اللخمي: وهو حسن فإن كان قيمة الخمر عشرين وصداق مثلها عشرة لم يلزمها قبول عشرة لأنها دون ما رضيت به، وإن كان صداق مثلها ثلاثين لم يلزمه ذلك لأنها فوق ما رضيت، فالحاصل أن في هذا الوجه أربعة أقوال إن عددنا ما قاله ابن عبد الحكم قولا وإلا فثلاثة. انتهى.
الوجه الرابع وهو ما إذا دخل قبل الإسلام ولم يحصل قبض قبله وقد مر أن فيه صداق المثل نص علي ذلك في المدونة، قال الشارح: وهو واضح.
الثَّانِي قد علمت أن المسألة الثانية على ضربين: أحدهما أن يدخلا قبل الإسلام وفيه قولان، أحدهما: ما مشى عليه المص وهو قول محمد أنه إن دخل بها قبل الإسلام ثبت النكاح ولا شيء لها، قال عياض: وهو الصحيح وإليه ذهب صاحب النكت. ابن يونس: وهو ظاهر نقله الشارح، قال: ولهذا اقتصر عليه الشيخ رحمه الله، ثانيهما أن لها صداق المثل وهو قول ابن أبي زيد واللخمي وغيرهما. قاله الشارح. الضرب الثاني أن يسلما قبل الدخول والحكم فيه ما قدمته، وحكى عياض أن الأشياخ لم يختلفوا في ذلك واختار اللخمي أن يكون لها ربع دينار. قاله الشارح.
الثالث: اختلف إذا أسلمت الزوجة قبل البناء ولم يسلم الزوج وقد كانت قبضت الخمر، فلابن القاسم في العتبية أنها ترد قيمتها فاتت أم لا وتكسر عليها إن لم تفت، وله في كتاب ابن حبيب أنه لا شيء عليها لا نصف ولا غيره. اللخمي: وأرى إن أسلمت والخمر بيدها أن ترد إلى الزوج ولا تكسر؛ لأن إسلامها يفسخ النكاح ويسقط ملكها عن الصداق ويعود ملكا للزوج ويرجع في عينه، وإن فاتت غرمت قيمتها لأن إسلامها يوجب رد الصداق إذا كان دنانير أو سلعة. قاله الشارح.
واختار المسلم أربعا يعني أن الكافر إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فإن له أن يختار أربعا منهن حيث أسلمن على ما مر أو كن كتابيات، وسواء في ذلك تزوجهن في عقد أو عقود، بنى بهن أو ببعضهن أو لم يبن بواحدة منهن، وإذا اختار أربعا فسخ نكاح البواقي بغير طلاق، والاختيار للزوج إن كان عاقلا بالغا، ويختار الولي المسلم للصبي إن كان وإلا فالحاكم. كذا يظهر. قوله:"واختار المسلم أربعا" أي يختار وإن محرما أو مريضا أو واجدا للطول ولم يخش العنت والزوجة أمة مسلمة كما استظهره ابن عرفة، وقيل بامتناعه كالابتداء واقتصر عليه في التوضيح وله الاختيار وإن متن وفائدته الإرث. قاله الشيخ عبد الباقي.
وإن أواخر يعني أن من أسلم على أكثر من أربع نسوة له أن يختار منهن أربعا شاءهن وإن كانت المختارات هن الأواخر، ورد بهذا قول أبي حنيفة: تتعين الأوائل، وفي بعض النسخ: وإن أوائل؛ وهي صحيحة أيضا أي له أن يختار الأول أو غيرها، فلا تتعين الأوائل في حقه خلافا لأبي حنيفة.
والأصل فيما ذكر المص ما روى معمر عن الزهري عن سالم بن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن يتخير أربعا مهن
(1)
؛ والأكثر على ضعفه ومنهم من صححه وخرج أبو داوود عن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (اختر منهن أربعا
(2)
)، وفي إسناده ضعف والحديث الأول أشهر منه عند الفقهاء، ولهذا يفرضون المسألة في الغالب فيمن أسلم وعنده عشر نسوة. قاله الشارح. وفي الشبراخيتي أن غيلان، قال: لو علمت بهذا ما أسلمت، فقال له عمر: إن رجعت ضربنا عنقك، فأجاب إلى إمساك أربع. انتهى.
وذكر ابن الجوزي أن ستة من ثقيف أسلم كل مهم على عشر ورجزها بعضهم فقال:
غريبة أودعها أبو الفرج
…
كتاب تنقيح فهوم من درج
أسلم من ثقيف ستة نسق
…
كل على عشر نساء اتفق
وهم كما قد قال مسودان
…
لعمر مع معتب فرعان
أبو عقيل معه سفيان
…
وبعدهم أشهرهم غيلان
معجم غين وبعين لا تسم
…
ولا تقل هو بن غيلان تهم
ووقع الأمران لابن الحاجب
…
بخطه وكشط كل واجب
(1)
سنن الترمذي، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1128.
(2)
سنن أبى داوود، كتاب الطلاق، 2241.
إن كان ما في خطه ضبط ذلك بعين مهملة فما أورده عليه ظاهر، وإن كان ترك المعين بغير نقط فغير واضح، وأما الثاني فظاهر. انظر الشبراخيتي.
وإحدى أختين يعني أن من أسلم وتحته محرمتا الجمع كالأختين والعمة وابنة الأخ والخالة مع بنت الأخت وسواء في ذلك النسب والرضاع، له أن يختار إحداهما حيث كانتا كتابيتين كمجوستين أسلمتا، وكلامه في غير الأم وابنتها بدليل قوله: مطلقا يعني أن له أن يختار إحداهما مطلقا دخل بهما أو بإحداهما أو لم يدخل بواحدة، كانتا بعقد أو بعقدين، وإنما اقتصر على الأختين تبركا بواقعة فيروز الديلمي وإن كان الحكم عاما. خرج الترمذي أن فيروز الديلمي أسلم على أختين فأمره النبي صلى الله عليه وسلم (أن يختار واحدة)، وبهذا يعلم أن ما حكاه المتيطي وغيره عن ابن الماجشون أنه إذا أسلم على أختين انفسخ نكاحهما جميعا ضعيف. قاله الشارح.
وأم وابنتها يعني أن الكافر إذا أسلم وتحته أم وابنتها فإن له أن يختار إحداهما وهذا حيث لم يمسهما بل إنما عقد عليهما فقط كانتا بعقد أو بعقدين بشرط كونهما كتابيتين أو مجوسيتين وأسلمتا معه، وإنما كان الأمر كذلك لفساد العقد هذا هو المشهور، وتتعين البنت على أحد قولي أشهب، فقوله:"أم وابنتها" بالجر عطف على أختين أي إحدى أم وابنتها، فالواو في وابنتها على بابها، وفي نسخة مشتهرة بالنصب، وحينئذ فإما أن تكون الواو بمعنى أو أو يكون الكلام على حذف مضاف أي إحدى أم وابنتها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ومفهوم قوله:"لم يمسهما" أنه إن مسهما أي تلذذ بهما حرمتا أي تأبد تحريمهما؛ لأنه تلذذ شبهة وهو ينشر الحرمة.
وإحداهما تعينت يعني أنه إذا أسلم على الأم وابنتها ومس إحداهما فإنها تتعين للبقاء والأخرى للفراق، عقد عليهما معا أم لا ولو كان المعقود عليه أولا البنت، وما ذكره المص فيما إذا مس إحداهما هو كذلك إلا أنه إذا دخل بالبنت، فقال الشارح: لا خلاف أعلمه أنها تتعين، وسواء عقد عليهما معا أو مترتبتين، وإن دخل بالأم فمذهب المدونة أنها تتعين، ولمالك وأشهب أن كل واحدة تحرم فبالعقد على البنت تحرم الأم وبوطء الأم تحرم البنت.
ولا يتزوج ابنه أوأبوه من فارقها يعني أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة فإنه إذا اختار منهن أربعا وفارق البواقي فإن ابنه لا يتزوج من فارقها تحريما في التي مسها،
قال جامعه عفا الله عنه: والظاهر الكراهة في التي لم يمسها كما يفيده تعليل الأمير الآتي. انتهى. وكذا الحكم في الأب، وكذا الحكم أيضا فيمن أسلم على محرمتي الجمع كأختين وأم وابنتها فإنه لا يتزوج ابنه ولا أبوه من فارقها تحريما في التي مسها وكراهة في التي لم يمسها وإن كان عقد الكفر لا ينشر الحرمة لوجود العقد في الجملة. قاله الشيخ الأمير. وقال الشيخ محمد بن الحسن: والصواب أن هذا -يعني قوله: "ولا يتزوج ابنه أو أبوه من فارقها"- خاص بمسألة الأم وابنتها كما في المدونة ونصها، فإن حبس الأم فأراد الابن نكاح البنت التي خلاها فلا يعجبني ذلك. انتهى. وعلى هذا قصرها عياض وأبو الحسن وابن عبد السلام وابن عرفة وغيرهم، وقول المدونة: لا يعجبني حمله عياض وأبو الحسن على التحريم، وفي الشامل وفيها: ولا يعجبني، وهل على المنع وعليه الأكثر أو لا تأويلان؟ انتهى.
وانظر هذا مع قول ابن عرفة كما في المواق وقول ابن الحاجب: ولا يتزوج ابنه أو أبوه من فارقها لخ ظاهره الحرمة ولا أعرفه إنما في المدونة الكراهة. انتهى. وقال في التوضيح بعد ذكر التحريم: والذي لابن القاسم في الموازية خلافه وأنه لا تحريم بعقد أهل الشرك. انتهى. وحاصل مالهم هنا أن التي مسها ممن فارق تحرم على أبيه وابنه بلا إشكال، وأما من لم يمسها فإن كانت واحدة من أم وابنتها فقد اختلف في حرمتها وكراهتها والظاهر الكراهة فقط لأن عقد الشرك فاسد فلا يؤثر تحريما، وإن كانت واحدة من محرمتي الجمع غير أم وابنتها فلا تحرم على أبيه ولا على ابنه، وكلام الأمير يفيد كراهتها وإن كانت باقية عن أربع اختارهن فله تزوجها، ويظهر من تعليل الأمير كراهتها. والله سبحانه أعلم.
ولما قدم قوله: "واختار المسلم أربعا" لخ ترك الاختيار بصريح اللفظ لوضوحه وذكر ما يستلزمه، فقال: واختار بطلاق؛ يعني أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة فإن له أن يختار منهن أربعا كما علمت ويفسخ نكاح البواقي بغير طلاق ويعد مختارا بالطلاق، فإذا طلق إحدى الزوجات علمنا أنه اختارها لأن الطلاق لا يقع إلا على الزوجة وحينئذ فليس له أن يختار أربعا
غيرها، بل إنما له اختيار ثلاث، ولو طلق اثنتين فليس له أن يختار إلا اثنتين، وثلاثا فليس له أن يختار إلا واحدة، وأربعا فليس له أن يختار شيئا من البواقي وقد لزمه الطلاق فيمن طلق، وهل يكون بائنا ولو مدخولا بها؟ لأنه طلاق في نكاح فاسد وهو ظاهر أو رجعيا في المدخول بها حيث لم يكن ثلاثا وهو ما ذكر اللخمي، ولعل وجهه أن الإسلام صحح عقده فالوطء الواقع بعده مباح لكونه لا استبراء فيه، فإذا وقع الطلاق على معينة معلومة لم يختر من البواقي غير ثلاث كما علمت، وعلى مبهمة ولم يعينها بقصده فإنه يكون بمثابة من طلق أربعا فليس له اختيار شيء من العشر كما نص عليه غير واحد.
وقوله: "واختار بطلاق" هو شامل لما تقدم ولما إذا أسلم على محرمتي الجمع كالأختين والأم وابنتها، إلا أنه إذا أوقع الطلاق على واحدة علمنا أنه اختارها فليس له اختيار الأخرى.
أو ظهار يعني أنه كما يعد مختارا بالطلاق يعد مختارا بالظهار لأنه لا يكون في الأجنبية وكذا اللعان من الرجل فيما يظهر، وانظر لعان المرأة فقط، وأما لعانهما معا فيكون فسخا للنكاح فلا يكون اختيارا. قاله الشيخ عبد الباقي. أو إيلاء يعني أنه كما يعد مختارا بالطلاق والظهار يعد مختارا بالإيلاء؛ لأن الإيلاء وإن صح في الأجنبية فالعرف أنه لا يكون إلا في زوجة، والمعتبر في الدلائل العرف كما في الأيمان والإقرار. قاله الشارح. وقال عبد الباقي: وهل يكون -يعني الإيلاء- اختيارا مطلقا وهو ظاهر كلام المص وابن عرفة وابن عبد السلام كما يفيده توجيههما وإن اختلفا في التوجيه، أو إنما يكون اختيارا إن وقت كوالله لا أطؤك إلا بعد خمسة أشهر، أو قيد بمحل كإلا في بلد كذا.
واعلم أنه إن أطلق يكون موليا عند ابن عرفة وابن عبد السلام حيث جرى العرف، وتقرر بأن الحلف على ترك الوطء لا يقع إلا على زوجة باتفاقهما، وكذا يكون اختيارا حيث لم يكن إلا مجرد العرف بلا تقرر كما ارتضاه ابن عرفة. انتهى.
أو وطء يعني أنه كما يعد مختارا بما تقدم يعد مختارا بالوطء، فإذا وطئ واحدة بعد الإسلام فليس له أن يختار من البواقي سوى ثلاث، واثنتين فلا يختار سواهما إلا اثنتين، وثلاثا فواحدة من سواهن، وأربعا فقد تم اختياره.
والحاصل أنه لا فرق يبن الاختيار بصريح القول كاخترت، وبين ما يدل على الاختيار من قول كالطلاق والظهار والإيلاء أو فعل كالوطء أو مقدماته، سواء نوى به الاختيار أم لا لأنا إذا لم نصرفه للاختيار تعين صرفه للزنى. وفي الحديث: (ادرؤوا الحدود بالشبهات
(1)
).
والغير إن فسخ نكاحها أل عوض عن المضاف إليه أي غير من فسخ نكاحها؛ يعني أنه إذا قال من أسلم فسخت نكاح فلانة فإن فسخه يعد فراقا ويختار أربعا غيرها، وليس له أن يجعلها من الأربع، وله أن يعقد عليها، ولو قال: وغير من فسخ نكاحها لكان أخصر وأظهر. قاله الشبراخيتي. والفرق بين الطلاق والفسخ أن الفسخ يكون في المجمع على فساده، بخلاف الطلاق فإنما يكون في الزوجة من الصحيح والمختلف فيه وأيضا الفسخ إعلام بأنه لا يختارها، بخلاف الطلاق فإن دلالته قوية لا يقع إلا على زوجة كما لابن عرفة "وفسخ" في كلام المصنف فعل ماض مبني للفاعل. قاله الشيخ عبد الباقي.
أو ظهر أنهن أخوات يعني أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة واختار منهن أربعا ثم ظهر أنهن ممن يحرم جمعه كالأخوات فإنه يختار واحدة منهن ويكمل الأربع من سواهن؛ وظاهر المص أنه لا يختار واحدة منهن وإنما يختار غيرهن لأجل العطف؛ إذ المعنى واختار الغير إن ظهر أنهن أخوات فظهر عطف على فسخ وهو خلاف ما قررته به، وإنما قررته بذلك لأن قوله وإحدى أختين يدل على ما قررته به والله تعالى أعلم كما أشار له الشيخ عبد الباقي؛ وقال الشبراخيتي: ولو قال وواحدة ممن ظهر أنهن أخوات لكان أحسن. انتهى.
ما لم يتزوجن يعني أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة فاختار منهن أربعا ثم ظهر أن المختارات أخوات، فإنه يختار منهن واحدة ثم يتم باقي الأربع من سواهن ما لم يتزوجن، فهو راجع لمقدر بعد قوله:"أخوات" أي فلا يختار جميعهن بل يختار منهن واحدة ويتم باقي الأربع من سواهن، وظاهر المص أنهن يفتن عليه بمجرد العقد وهو ظاهر اللخمي وابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة، قال الرماصي: ظاهر كلامهم يعني هؤلاء الذين ذكرتهم أو صريحه أن
(1)
كشف الخفاء ج 1 ص 73، كنز العمال رقم الحديث، 12957.
مجرد التزوج فوت؛ إذ لو كان مع الدخول ما أغفلوه، فالصواب إبقاء عبارة المص على ظاهرها. انتهى.
وجعل الشيخ عبد الباقي وغيره الفوات متعلقا بالتلذذ لا بمجرد العقد تبعا للتتائي، قائلا: صرح ابن فرحون بتشهيره، وعلى هذا فإن لم يتلذذ الثاني فسخ نكاحه بطلاق لأنه مختلف فيه ولم تفت على الأول، وقال الشيخ محمد بن الحسن: ولا تقوم الحجة على المؤلف بتشهير ابن فرحون، وقول التتائي: إنه في التوضيح جعلها من نظائر ذات الوليين وهو يقتضي أنه لا يفيتها إلا الدخول، فيه نظر لأنه ذكرها باعتبار أن الدخول يفيتها ولا يلزم منه أنه لا يفيتها إلا الدخول انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: اعتراضه على التتائي بأن كلام التوضيح لا يلزم منه أنه لا يفيتها إلا الدخول غير بين لأن جعلها من نظانر ذات الوليين بين في أنها لا يفيتها إلا التلذذ، وقد اقتصر الشيخ الأمير على ما شهره ابن فرحون وجعل المسألة كذات الوليين، ونصه: وكمل الأربعة من البواقي إلا أن يفتن بتلذذ غير عالم بحرمة من اختير كذات الوليين. انتهى. ونحوه للشبراخيتي، وجعل عبد الباقي التلذذ يفيت ولو كان عالما، وذكر اللخمي أن من فارقها بطلاق لا يختارها ولا يناقض ما قدم المص من أن الطلاق اختيار لحمله على ما إذا كان في الجميع ابتداء أو في أربع، وحمل ما للخمي على ما إذا كان فيما زاد على ما اختاره قبل. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشارح: وهذا الذي اقتصر عليه المص هنا هو قول ابن الماجشون، وقال ابن عبد الحكم: لا يفوت اختياره بتزوجهن، وقصر اللخمي هذين القولين على ما إذا كان فراقه للبواقي بسبب اخيتاره للأربع ولم يكن بسبب طلاق أوقعه عليهن أو بن منه بأن كان الطلاق قبل الدخول أو بعده وخرجن من العدة فإنه ليس له حينئذ أن يختار منهن تمام الأربع؛ لأن الطلاق وقع في محله ووقعت البينونة بينه وبينهن، وأنت إذا تأملت كلامه وجدته كالمناقض لما تقدم فوق هذا من أن طلاقه لبعضهن يعد اختيارا، فعلى هذا إذا طلق ستا لم يكن له التمسك بواحدة من العشر. انتهى.
ولا شيء لغيرهن أي المختارات يعني أنه لا شيء لغير المختارات من الصداق وهذا إن لم يدخل به أي بالغير: وإلا فلمن دخل بها صداقها كانت واحدة أو أكثر، ولا شيء لمن فارقها حيث لم يدخل بها واحدة أو أكثر، فإن لم يختر شيئا من العشر وفارقهن بعد إسلامه وقبل البناء لزمه صداقان لأربع غير معينات، فلكل واحدة نصف صداقها فينوب كل واحدة من العشر خمس صداقها، فإن اختار واحدة فللتسع الباقيات صداق ونصف وينوب كل واحدة سدس صداقها، فإن اختار اثنتين فللثماني الباقيات صداق فلكل ثمن صداقها، فإن اختار ثلاثا فللسبع الباقيات نصف صداق يقتسمنه فينوب كل واحدة نصف سبع صداقها، فإن اختار أربعا فلا شيء لغيرهن إن لم يدخل به.
والحاصل أنه إن لم يختر شيئا يكون لمن لم يبن بها خمس صداقها، ولمن بنى بها الصداق كاملا كانت التي لم يبن بها واحدة أو أكثر، وهذا الذي قاله المص هو ظاهر المدونة. ابن محرز وغيره: والفسخ عليه بغير طلاق، وقال ابن المواز: يكون لكل واحدة من المتروكات خمس صداقها؛ لأنه لو فارق جميع العشر قبل البناء لزمه لأربع منهن غير معينات صداقان صحيحان، وإذا قسم اثنان على عشر ناب كل واحدة منهن خمس فيكون للست المتروكات صداق وخمس يقتسمنه أخماسا وفيه ضعف؛ لأن نكاح الست المتروكات فاسد والفسخ قبل البناء كما علمت، وذهب ابن حبيب إلى أن لكل واحدة نصف صداقها لأنه متمكن من إمساك المتروكات ومفارقة من هو قادر على إمساكه تعد انتقالا فهو شبيه بالمطلق، ورد بأنه لو كان كالمطلق لما جاز أن يختار من المتروكات إذا ظهر أن المختارات أخوات أو نحو ذلك؛ لأن المتروكات قد ينَّ منه بالطلاق، فإن قيل: ابن حبيب إنما قال: كالمطلق ولم يجعله مطلقا؟ أجيب بأن نصف الصداق إنما يلزم المطلق لا شبيه المطلق، ولأنه على هذا يمنع من إمساك الأربع أو غيرهن؛ لأن الطلاق يعد اختيارا للمطلقة كما تقدم. والله أعلم. ابن محرز وغيره: والفسخ على الأول بلا طلاق وعلى غيره بطلاق. وفي التنبيهات قالوا: الفسخ على مذهب ابن القاسم بغير طلاق وهو خلاف ما في الواضحة. قاله الشارح.
كاختياره واحدة من أربع رضيعات تزوجهن وأرضعتهن امرأة يعني أن من تزوج أربع رضيعات وبعد عقده عليهن أرضعتهن امرأة فصرن أخوات من الرضاعة له أن يختار منهن واحدة ولا شيء لغير المختارة، فالتشبيه في أنه لا شيء لمن فارقهن فإن لم يختر واحدة منهن وفارقهن قبك البناء فلكل ثمن مهرها، فإن مات ولم يختر منهن واحدة فلكل ربع صداقها، ومحل كلام المص فيما إذا أرضعتهن امرأة يحل له بناتها، فإن أرضعتهن أمه أو أخته مثلا فلا يختار منهن شيئا، وقد علمت أن محل المص حيث أرضعتهن المرأة بعد عقده عليهن، وأما إن أرضعتهن قبل العقد فإن جمعهن في عقد واحد فسخ نكاح الجميع ولا شيء لهن من الصداق، وإن كن في عقود فسخ ما عدا نكاح الأولى حيث كان الناكح مسلما. وقوله:"من أربع رضيعات"يريد أو ثلاثة أو اثنتين فإنه يختار واحدة ويفارق غيرها، ولا شيء لمن فارقها.
وقوله: "كاختياره " أي الناكح مسلما أو كافرا ثم أسلم على ما مر، وقد علمت أنه لا شيء لغير المختارة وهو مذهب ابن القاسم وهو الشهور كما تقدم في المتروكات من العشر، وعلى قول ابن المواز لكل واحدة ثمن صداقها لأن نكاح واحدة منهن صحيح، فإذا فارق الجميع لم يلزمه إلا نصف صداق لواحدة غير معينة فكل واحدة منهن تدعيه، فإذا قسم النصف على الأربع ناب كل واحدة منهن ربعه، وعلى قول ابن حبيب لكل واحدة نصف صداقها على ما مر، وعلى هذين القولين يرجع الزوج على المرضعة المتعدية بما يغرم. ابن يونس: قال بعض فقهائنا: لو مات الزوج قبل أن يختار واحدة من الأربع لم يجب عليه إلا صداق واحد للجميع اتفاقا؛ لأن واحدة يصح نكاحها والثلاث محرمات فوجب عليه صداق واحد يقسم على سائرهن، ولذلك يتفق على وجوب النصف إذا طلق الجميع قبل أن يختار. ابن القابسي: ومن اختار فراقها منهن فهو فسخ بلا طلاق عند ابن القاسم؛ لأنه لا يرى لها صداقا، ومن يرى لها شيئا من الصداق يقول: فسخ بطلاق، وقال غيره: بل الفرقة على قول ابن القاسم طلاق لأنه الذي يختار الفسخ فيمن أراد. قاله الشارح.
وعليه أربع صدقات إن مات ولم يختر يعني أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ثم مات قبل أن يختار منهن واحدة، فإنه يؤخذ من تركته أربعة أصدقة لأربع نسوة غير معينات، فإذا
كن عشرة مثلا فلكل واحدة منهن خمسا صداقها من غير مراعاة لكثرة الصداق وقلته وتفاوتهن في الأصدقة فلكل خمسا صداقها قل أو كثر، وهذا إذا لم يدخل بواحدة وإلا فللمدخول بها الصداق كاملا ولكل من السبع الباقيات سبع صداقها، وإن دخل بأربع فلكل منهن صداقها كاملا ولو دخل بجميعهن ولغيرها خمسا صداقها ولو كانت واحدة، وهذا حيث كان الدخول قبل الإسلام فإن كان بعده وهن عشرة فلمن دخل بها صداقها كاملا ولو العشرة، فلو دخل بعد الإسلام بواحدة فصداقها ولكل من التسع ثلث صداقها، وإن دخل باثنتين فلكل منهما صداقها ولكل واحدة من الثماني الباقيات ربع صداقها إذ لهن صداقان لغير معينتين، وإن دخل بثلاث فلكل من المدخول بهن صداقها كاملا ولكل من السبع الباقيات سبع صداقها، وإن دخل بأربع فلكل منهن صداقها كاملا ولا شيء للست الباقيات لأن الدخول بعد الإسلام اختيار وقد اختار أربعا، وهذا مفهوم قوله:"ولم يختر". قاله الشيخ عبد الباقي.
وقال الشيخ محمد بن الحسن:
(1)
الظاهر أنه إذا اختار اثنتين ثم مات أنه لا شيء للثمان الباقيات؛ لأن اختيار اثنتين يدل على مفارقة الثمان، لقول التوضيح بمجرد اختياره تبين البواقي؛ وكذلك كلام ابن عرفة. قاله ابن رحال. وانظر مع هذا ما ذكره الزرقاني. انتهى. وقوله:"وعليه أربع صدقات إن مات ولم يختر" هو الجاري على المشهور، وعلى قول ابن حبيب يلزمه سبعة أصدقة؛ لأن عليه أربع صدقات لأربع منهن وعليه للست البواقي ثلاث صدقات فيقتسمن الجميع على ذلك، فالحاصل لكل واحدة سبعة أعشار صداقها. قاله الشارح.
ولا إرث إن تخلف أربع كتابيات عن الإسلام يعني أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ثم مات بعد أن أسلم ست مثلا من النسوة التي عنده وتخلف عن الإسلام منهن أربع كتابيات والمسألة بحالها أنه مات ولم يختر، فإنه لا إرث للمسلمات لاحتمال أنه يختار الكتابيات، فيقع حينئذ الشك في سبب الإرث ولا إرث مع الشك، ومفهوم قوله:"أربع كتابيات" أنه لو كان المتخلف عن الإسلام ثلاث كتابيات أو أقل لكان الميراث للمسلمات؛ لأن الغالب فيمن اعتاد
(1)
في هامش بعض النسخ ما نصه: تعقبه الرهوني بما فيه كفاية وصحح ما للزرقاني.
الأربع أن لا يقتصر على أقل منهن، فإن كان المتخلف واحدة قسم الميراث على تسع إن كن عشرا ولكل واحدة منهن خمسا صداقها كما مر، ولو ماتت النساء بعد إسلامهن وقبل أن يختار منهن شيئا ولم يقل اخترت الميتات فالظاهر أنه لا يرث منهن شيئا، وكذا إن ماتت الرضيعات قبل اختياره منهن شيئا. انظر شرح الشيخ عبد الباقي.
وأما إن قال: اخترت الميتات فهل له ذلك ويرثهن كما مر أم لا؟ قولان، واحترز بقوله:"أربع كتابيات" عما لو كان الأربع المتخلفات أو بعضهن مجوسيات فإن الإرث ثابت للمسلمات، وقوله:"ولا إرث إن تخلف أربع كتابيات عن الإسلام" وكذا لا إرث لو مات عن أربع إماء مسلمات وعن حرائر؛ لاحتمال أنه يختار الإماء إذ يقر عليهن وإن لم يوجد شرط تزويجها خلافا لما في التوضيح؛ فلو قال: ولا إرث إن مات عن أربع لا يرثن يصح اختيارهن لكان أشمل، وأما لو كانت الإماء كتابيات فالإرث للحرائر لأنه لا يصح اختيار الأمة الكتابية لأنها لا توطأ بالنكاح وإنما توطأ بالملك. انظر الشبراخيتي.
أو التبست المطلقة من مسلمة وكتابية يعني أنه لو مات مسلم له زوجتان إحداهما مسلمة والأخرى كتابية، وكان قد طلق إحداهما طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت العدة ولم تعلم المطلقة منهما هل هي المسلمة أو الكتابية؟ فإنه لا إرث للمسلمة للشك في سبب الإرث الذي هو الزوجية، فإن كان الطلاق رجعيا ولم تنقض العدة فالإرث ثابت للمسلمة؛ لأنها لو كانت هي المطلقة لوجب لها الإرث لأن الرجعية كالزوجة. انظر شرح عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ومثل الكتابية الأمة فلو قال: وممنوعة الإرث لكان أشمل، بأن قال إحداكما طالق ولم يعين من نواها ومات قبل البناء أو بعده والطلاق بائن أو رجعي وانقضت العدة قبل موته، فإن لم تنقض العدة فالإرث للمسلمة؛ لأن الكتابية لا إرث لها، وكذا لو ماتت المسلمة فلا إرث له منها، وفهم من قوله:"التبست" ثبوت الإرث حيث لا التباس كما لو أسلمت الكتابية. انتهى. وقال الشارح عند قوله: "أو التبست المطلقة من مسلمة وكتابية" ما نصه: يعني وكذلك الحكم في عدم الإرث إذا قال لزوجتيه المسلمة والكتابية؛ إحداكما طالق ومات ولم يعين المطلقة منهما يريد كان ذلك قبل البناء أو بعده والطلاق بائن أو رجعي وانقضت العدة. انتهى.
لا إن طلق إحدى زوجتيه وجهلت ودخل بإحداهما ولم تنقض العدة يعني أن الحكم في الإرث في هذه المسألة ليس كالحكم في المسألة السابقة؛ أعني قوله: "أو التبست المطلقة" فإذا طلق المسلم إحدى زوجتيه المسلمتين وجهلت كما لو قال لواحدة معينة: أنت طالق ولم تعلم لعدم تعيينها للبينة، أو قال إحداكما: طالق وادعى أنه قصد واحدة بعينها ولم يعينها حتى مات ودخل بإحداهما وعلمت والطلاق رجعي ولم تنقض العدة، فإن الميراث ثابت لهما على ما بينه بقوله: فللدخول بها الصداق وثلاث أرباع الميراث يعني أن المدخول بها لها الصداق كاملا ووجهه ظاهر ولها ثلاثة أرباع الميراث، أما نصفه فثابت لها لا تنازعها فيه ضرتها لكون عدتها لم تنقض، والنصف الآخر يتنازعان فيه فيقسم بينهما نصفين فينوبها منه نصف وهو ربع بعد ربعين، فلها ثلاثة أرباع الميراث.
ولغيرها ربعه وثلاثة أرباع الصداق يعني أن غير المدخول بها هذه المسألة لها ربع الميراث، وقد تقدم توجيه ذلك ولها ثلاثة أرباع الصداق لأن لها النصف على تقدير أنها مطلقة قبل البناء، وعلى تقدير أنها لم تطلق وأن المطلقة إنما هي المدخول بها يكون لها جميع الصداق، فقد سلم الورثة لها نصفا وتنازعوا معها في النصف الباقي فقسم بينها وبينهم فلها ثلاثة أرباع الصداق، وربعه الباقي يكون للورثة بعد يمينها ويمينهم على ما ادعى كل، ومفهوم قوله:"جهلت" أنها إن علمت فالأمر واضح، وإن قالت البينة: إنه قال: إحداكما طالق وادعت البينة أنه لم يعين طلقتا وإن ادعت أنه عين ونَسُوها بطلت شهادتهم، وحينئذ فإن أنكرت المرأتان شهادتهما فلا طلاق، وإن أقرتا أنه قال إحداكما طال ونوى معينة ولم يبينها أو بين ونسيتا ما بينه فمن الالتباس الذي كلام المص فيه.
ومفهوم قوله: "لم تنقض العدة" أنه إن انقضت العدة قبل موته فللمدخول بها الصداق ولغيرها ثلاثة أرباع الصداق والميراث بينهما بالسواء، وكذا إن كان بائنا، وإن لم يدخل بواحدة فلكل واحدة ثلاثة أرباع الصداق والميراث بينهما بالسوية، وإن دخل بكل منهما فلكل صداقها والميراث بينهما بالسواء، إلا أنه إذا كان الطلاق رجعيا لم تكن من صور الالتباس، وإن علمت المطلقة وجهلت المدخول بها ولم تنقض العدة فللتي لم تطلق الصداق كاملا وثلاثة أرباع الميراث وللأخرى
ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث، فإن انقضت أو كان الطلاق بائنا فللتي لم تطلق جميع الصداق والميراث وللتي طلقت ثلاثة أرباع الصداق ولا ميراث لها، وإن جهل كل من المطلقة والمدخول بها فالميراث بينهما بالسواء ولكل صداقها غير ثمن؛ لأن الورثة يسلمون لهما صداقا ونصفا وينازعونهما في النصف الباقي فتدعي كل أن المطلقة هي المدخول بها فيكون لهما صداقان، وتدعي الورثة أن المطلقة غير المدخول بها فيكون لهما صداق ونصف فيقسم النصف الباقي بينهما وبين الورثة.
قال الشيخ سالم: وانظر هل يقبل تعيينه للمطلقة بعد [موتهما
(1)
] أو موت إحداهما؟ قلت: تقدم أن من أسلم على أكثر من أربع فله اختيار من مات منهن. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشيخ محمد بن الحسن: وما درج عليه المص هنا تبعا لابن الحاجب نحوه في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، وقال في التوضيح: إنه المشهور ودرج في آخر الشهادات على خلاف هذا وأنه يقسم على الدعوى كالعول وصرحوا بمشهوريته فيه. قاله الشيخ مصطفى. انتهى.
وهل يمنع مرض أحدهما المخوف اعلم أن المريض الذي لا يجوز نكاحه هو الذي لا ينفذ له في ماله إلا ثلثه. نقله الشيخ أبو علي. ومعنى كلام المص أنه اختلف في نكاح المريض مرضا مخوفا سواء كان المريض هو الرجل أو المرأة على قولين مشهورين، أحدهما أن المرض من أحدهما إذا كان مخوفا يمنع النكاح سواء كان المريض محتاجا إلى النكاح لخدمة أو استمتاع، أو ليس بمحتاج للنهي عن إدخال وارث، وهذا القول شهره غير واحد.
وإن أذن الوارث يعني أن مرض أحدهما المخوف يمنع صحة النكاح وإن أذن الوارث الرشيد في النكاح لاحتمال موته قبل موروثه وكون الوارث غيره لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إدخال وارث، ومنع المريض من النكاح ولم يمنع من وطء زوجته التي تزوجها قبل المرض؛ لأن في النكاح إدخال وارث محقق وقد يكون من الوطء حمل وقد لا يكون. قاله القرافي. ويأتي وجه المبالغة بعد قوله:"خلاف". ثانيهما أن مرض أحدهما الخوف إنما يمنع صحة النكاح إذا لم يكن المريض
(1)
في النسخ موتها والمثبت من عبد الباقي ج 3 ص 234.
منهما محتاجا للنكاح أو لمن يقوم به كما قال: أو إن يحتج يعني أن من أهل المذهب من قال: إن محل كون المرض المخوف الواقع في أحدهما يمنع صحة النكاح إنما هو حيث لم يحتج المريض منهما للنكاح أو لمن يخدمه، وأما إن احتاج للنكاح أو لمن يخدمه لم يمنع المرض المذكور النكاح وإن لم يأذن الوارث وشهره في الجواهر. وقوله خلاف مبتدأ حذف خبره أي في ذلك خلاف؛ قال الشبراخيتي: والراجح الأول، وصرح الأمير أيضا بأنه الراجح واقتصر عليه، ونصه: ومنع مرض أحدهما المخوف وإن أذن الوارث واحتاج. انتهى. وقال في الشرح على الراجح وقوله: "المخوف" ظاهره أن المخوف مانع مطلقا، وقد قال في الشامل: والمرض المخوف من كل منهما مانع على المشهور إن لم يحتج وإن أذن الوارث، وقيل إن كان مخوفا يطول كالسل والجذام ونكح في أوله جاز فحكى هذا بقيل وهذا هو ظاهر كلام ابن شاس. ابن ناجي: وأما غير المخوف فجائز وكذلك ما يكون مخوفا إلامه يطول كالسل، وقال اللخمي: نكاح المريض على ثلاثة أوجه: جائز وممنوع ومختلف فيه، والمرض أربعة، غير مخوف فيجوز النكاح فيه، وكذلك إن كان مخوفا متطاولا كالسل والجذام وتزوج في أوله، ومخوف أشرف صاحبه على الموت فلا يزوج، ومخوف غير متطاول ولم يشرف على الموت فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل فاسد ولا ميراث بينهما فيه وهو المشهور من قول مالك وأصحابه، وذكر ابن المنذر عن مالك والقاسم وسالم وابن شهاب أنهم قالوا: يجوز إن لم يكن مضارا أي إن كان للحاجة للإصابة أو القيام به، فإن لم يكن للحاجة كان مضارا وذكر عن مطرف أنه أجازه جملة من غير تفصيل. نقله الشيخ أبو علي. قال: وكلام اللخمي ظاهر المتيطي وغيره أنه وفاق لأنهم ابتدءوا بنقله أولا في المسألة، ولكن ظاهر المتن أن المخوف مانع مطلقا، ثم جلب كلام الشامل المتقدم.
وقال عبد الحميد الصائغ: واختلف الناس في نكاح المريض على مذاهب، فذهب مالك إلى أن النكاح باطل، وذهب الشافعي إلى أن نكاحه جائز وبه قال النخعي والشعبي والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق، وذهب ربيعة إلى أن النكاح له صحيح وترثه والصداق من ثلث ماله. انتهى. نقله الشيخ أبو علي.
وقوله: "وإن أذن الوارث" قال محمد: لا يجوز لإمكان أن يموت الآذن ويصير الميراث لغيره، ورد المص بالمبالغة عليه قول اللخمي فإنه قال: قول محمد: لا يجوز نادر أن يموت الصحيح قبل المريض؛ وأرى أن يجوز ولا يراعى النادر. انتهى. قاله الشيخ أبو علي. واعلم أنه يلحق بالمريض في منع النكاح على ما قررته كل محجور من حاضر صف قتال ومقرب لقطع ومحبوس لقتل وحامل ستة فلا يعقد عليها لمن حملت منه بعد خلعه لها قبل ذلك وهي حامل، وأشعر قوله:"أحدهما" أنهما لو كانا مريضين لاتفق على المنع، وفي النوادر: وليس للمريض نكاح مطلقته البائن في آخر حملها، قال الحطاب: وهو ظاهر؛ لأنه نكاح في المرض. انتهى. وقال عبد الباقي: ويستثنى من كلام المص صحيح طلق حاملا منه دون الثلاث بلفظ الخلع أو في مقابلة عوض ثم مرض فيجوز له نكاحها بعقد جديد قبل تمام ستة أشهر من حملها لا بعد دخولها في السابع، وفي كلام المواق ما يفيد منع تزوجه لها بعد الستة ولو كان هو صحيحا؛ لأنها مريضة حينئذ إلا إن وضعت قبل العثور على فسخه فيصح النكاح. قاله ابن سراج. انتهى. وقوله: ثم مرض فيجوز لخ تأمله فإن فيه إدخال وارث، ومن أقر في مرضه بنكاح في الصحة أو في المرض ألغي إقراره، قال الشبراخيتي: ويلحق بمنع النكاح الإقرار به في المرض سواء أقر بحصوله منه في الصحة أو في المرض ولا ميراث ولا مهر، وإن أقرت في مرضها بزوجية في الصحة فصدقها الولي لم يقبل قولها، وإن أقرت في الصحة ثم مرضت وماتت وقال الولي زوجتها منه في صحتها وادعى ذلك الزوج بعد الموت فله الميراث وعليه الصداق. انتهى. قاله في الذخيرة.
ابن عرفة: ولو شهدت بينة أن النكاح في الصحة وأخرى أنه في المرض ففي تقديم الأولى أو الثانية ثالثها ترجح التي هي أعدل. انتهى. ونكاح التفويض كغيره. انتهى. وقال الإمام الحطاب: وللمريض أن يراجع زوجته. وقاله الجزولي. وقال اللخمي في نكاح من حضر الزحف أو ركب البحر على الاختلاف في طلاقه وميراث زوجته منه بمنزلة المريض فإن مات من ذلك لم ترثه على أحد القولين وإن سلم صح النكاح، ونكاح من قرب للقتل غير جائز لأنه مضار ويختلف إذا نكح وهو في السجن هل يمضي نكاحه أم لا؟ فإن كان القتل حقا لله كالمحارب يكون قد قتل والزاني
المحصن يحبس ليرجم لم أر أن ترثه، وإن كان حقا لآدمي مما يرجى العفو عنه كان الأمر أوسع. انتهى.
وقال الشبراخيتي: ويلحق بالمريض في ذلك كل محجور من حاضر صف القتال ومقرب لقطع ومحبوس لقتل وحامل ستة وملجج ببحر على خلاف فيه. وقول التتائي: وراكب بحر مبني على الحجر عليه وهو قول ضعيف. انتهى. واعلم أن نكاح المريض فيه الإرث على القول بجوازه كما في التوضيح، وسيأتي للمص:"ولو أبانها ثم تزوجها قبل صحته فكالمتزوج في المرض" وهو مفروض كما في المدونة فيمن طلق قبل البناء ثم تزوج وهو مريض.
وللمريض بالدخول المسمى يعني أن من تزوج مريضة مرضا يمنع النكاح ودخل بها لها المسمى أي المسمى ابتداء أو بعد العقد في نكاح التفويض زاد على صداق المثل أم لا، وكذا لو مات زوجها قبل البناء وقبل الفسخ فلها المسمى من رأس الماء وكذا موتها قبل البناء وقبل الفسخ، فإن فسخ نكاح المريض قبل البناء وقبل الموت فلا شيء فيه، كان المريض الزوج أو الزوجة، وقوله:"وللمريضة بالدخول المسمى" في الحطاب عن ابن الحاجب: وإن دخل الصحيح على المريضة فلها المسمى. اللخمي: من رأس المال، قال في التوضيح: بلا خلاف. انتهى. وقال الشارح عند قوله "وللمريضة بالدخول المسمى": هكذا روي عن مالك وبه قال عبد الملك وابن نافع وأشهب وأصبغ، وقيل لها صداق المثل وتأول أبو عمران المدونة على أن لها الأقل من المسمى وصداق المثل. انتهى. وعبارة الشبراخيتي: وللمريضة إذا اقتحمت النهي وتزوجت بالدخول الصداق المسمى ولو أضعاف صداق المثل. انتهى.
وعلى المريض من ثلثه الأقل منه ومن صداق المثل يعني أنه إذا تزوج وهو مريض مرضا مخوفا ومات قبل الفسخ دخل أم لا، فإنه يكون عليه الأقل من المسمى وصداق المثل كائنا ذلك الأقل من الثلث، ومعنى ذلك أنه عليه الأقل من ثلاثة أشياء، المسمى والثلث وصداق المثل. وقوله:"منه " أي المسمى ابتداء أو بعد العقد في نكاح التفويض. فإن كان المسمى هو الأقل أعطيته، وإن كان صداق المثل هو الأقل أعطيته؛ وإن كان الثلث هو الأقل أعطيته، ولم يظهر وجه ما للجزولي من أن لها ما فرضه بمرضه ولو زاد على صداق المثل دخل أم لا. قاله الشيخ عبد الباقي. وقولي أول
الحل دخل أم لا. قاله عبد الباقي. وهو غير صحيح، بل إن لم يدخل بها لا شيء لها. قاله الرهوني. وقوله:"وعلى المريض من ثلثه" رد به على من قال إنه من رأس الماء. قاله أبو علي. واحترزت بقولي: قبل الفسخ عما لو مات بعد الفسخ والدخول بزوجته فإن لها حينئذ المسمى، ولو زاد على صداق المثل تأخذه من ثلثه مبدأ، فإن صح قبل الموت فمن رأس الماء فإن مات المريض قبل الدخول والفرض معا فلا شيء لها وإن مات بعد الدخول وقبل الفرض فعليه صداق المثل من الثلث، وأما إن وقع العقد تفويضا في الصحة ودخل في المرض من غير تسمية أو سمى فيه فلها صداق المثل من رأس الماء في الأولى والأقل منه ومن المسمى من رأس الماء في الثانية، فإن لم يدخل فيهما فلا شيء فيه ولو حصل موت. وسيأتي للمص:"وإن فرض في مرضه فوصية لوارث ". انظر شرح الشيخ عبد الباقي.
وقال الحطاب: والظاهر أنه إذا كان الزوج مريضا والزوجة مريضة يكون الحكم فيها كالحكم فيما إذا كان الزوج فقط هو المريض؛ لأنه علل في التوضيح كون المسمى لها فيما إذا كانت هي المريضة فقط بأن الزوج صحيح لا حجر عليه. والله أعلم. انتهى. وقوله: فيما إذا كان الزوج مريضا والزوجة مريضة، قال عبد الباقي: أي ودخل بها. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: يعني أنه إذا لم يدخل بها لا يكون لها صداق بالموت قبل الفسخ لما مر أنه إذا كانا مريضين اتفق على المنع هذا ما ظهر لي والله سبحانه أعلم.
ولو غصب المريض امرأة ووطئها فإن صداقها يكون من رأس الماء قولا واحدا. قاله الحطاب.
وقال: وأما الإرث فإن كان الزوج هو المريض فلا ترثه الزوجة المتزوج بها في المرض ولا يرثها، وكذا إذا كانت الزوجة هي المريضة وماتت فلا يرثها وهذان الوجهان منصوص عليهما، ونقله ابن عبد السلام وصاحب التوضيح فلو مات الزوج في هذه الصورة، قال ابن عبد السلام: القياس أن لا ترثه، ونص مالك على عكسها وهي شبيهة بها في المعنى ونقله في التوضيح والظاهر أنها لا ترثه ولا يرثها إذا كانا معا مريضين. والله أعلم. انتهى. وهذا لفظه وقد مر أنه لو شهدت بينة بنكاحه صحيحا وشهدت بينة به مريضا مرض المنع ففي تقديم بينة المرض أو الصحة ثالثها ترجح التي هي أعدل.
وعجل بالفسخ يعني أن نكاح المرض يجب تعجيل فسخه وقت العثور عليه كان المريض الزوج أو الزوجة، وسواء في ذلك ما إذا دخل أو لم يدخل ولو حائفا، فقوله:"وعجل" أي وجوبا كما هو المذهب، وسيقول المص: وعجل فسخ الفاسد في الحيض، وقوله:"وعجل" معناه أنه يعجل بالفسخ ولا ينتظر لعله أن يصح، وعبر المص بالتعجيل ردا علي من يقول: لا يعجل بالفسخ. وقوله: "وعجل بالفسخ" هو على القول بالفساد وإن لم يحتج لا على مقابله حيث احتاج فلا فسخ بحال. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشارح عند قوله "وعجل بالفسخ ": أي يفسخ نكاح المريض إذا عثر عليه وسواء دخل بها أم لا، إلا أنه إن فسخ قبل الدخول لا شيء فيه وإلا فعلى ما تقدم وهو واضح على القول بفساده.
إلا أن يصح المريض منها يعني أن محل وجوب التعجيل بالفسخ إنما هو حيث لم يصح المريض منهما، وأما لو صح المريض منها قبل الفسخ فلا يفسخ وهذه رواية ابن القاسم عن مالك التي رجع لها، وكان يقول: يفسخ ولو صح المريض منهما ثم أمر بمحوه أي القول بالفسخ ولو صح المريض منهما وهي إحدى الممحوات الأربع وقد تقدمت نثرا ونظما، وقوله:"إلا أن يصح المريض منهما" يعني لأن المنع إنما كان لخوف موته وقد بان عدمه، وفي المدونة: وإن صحا ثبتا على النكاح دخلا أو لم يدخلا ولها المسمى. انتهى. قاله الحطاب.
ومنع نكاح النصرانية منع بالبناء للمفعول ونكاحه نائبه والنصرانية مفعول نكاحه: يعني أنه لا يجوز نكاح المريض للحرة الكتابية لأنها قد تسلم فتصير من أهل الميراث، (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إدخال وارث) وهذا القول قاله ابن محرز وصححه بعض البغداديين. والأمة يعني أنه كما يمنع للمريض نكاح الكتابية الحرة يمنع نكاحه الأمة المسلمة؛ لأنها قد تعتق فتصير من أهل الميراث. قاله ابن محرز وصححه بعض البغداديين. وإلى تصحيح بعض البغداديين لقول ابن محرز بمنع نكاح المريض للحرة الكتابية والأمة المسلمة أشار بقوله: على الأصح، قال الشيخ عبد الباقي: وهو الراجح فلا شيء لهما إن فسخ قبل الموت والبناء سمى لهما أو نكحهما تفويضا، وإن مات قبل الفسخ وبعد البناء فعليه الأقل من المسمى ولو بعد العقد تفويضا والمثل والثلث؛ فإن لم يسم ومات بعد البناء فعليه الأقل من المثل والثلث ولا إرث لهما
إن مات من مرضه التزوج فيه بعد إسلامها وعتقها، ولعبد الباقي هنا كلام غير بين والصواب إسقاطه. والله سبحانه أعلم. وقوله:"على الأصح" هو مذهب الأكثرين، ومقابله قول أبي مصعب يصح وهو مبني على أن الفساد لحق الورثة.
اللخمي وغيره من القرويين: وهو أحسن لأن النكاح وقع في حال لا ضرر فيه على الورثة، وإلى هذا أشار بقوله: والمختار خلافه أي خلاف الأصح؛ لأن كلا من الإسلام والعتق نادر والأصل عدم مراعاة الطوارئ وعليه لها المسمى إن كان وإلا فالمثل. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ولهعا على القول الأول الأقل من ثلثه ومن المسمى ومن صداق المثل، وعلى الثاني يكون صداقهما من رأس الماء والراجح القول الأول وتصدير المص به يدل على ذلك، وقال الرهوني: ترك المص قيدا من كلام اللخمي فإن ظاهر المص أن اللخمي اختار صحة النكاح ولزوم الصداق مطلقا وليس كذلك، ثم نقل عنه أنه قال: وقال أبو مصعب: يجوز وهو أحسن لأن الإسلام والعتق نادر وإنما المقال من جهة الصداق فإن كان ربع دينار أو تحمل به غير الزوج صح. انتهى. المراد منه.
ولما أنهى الكلام على موانع النكاح شرع في الكلام على ما يشبه المانع من جهة أنه قد يؤدي إلى الفسخ وهو العيب والغرور، ولما كان الحق فيهما لآدمي أعقبه لمانع المرض لأن المنع فيه لحق الورثة على قول فقال:
فصل يذكر فيه العيوب
التي توجب الخيار وبيانها من غيرها، فيذكر فيه ما يوجب الخيار بلا شرط ويذكر فيه أن ما عداه لا يوجب الخيار إلا بشرط السلامة وما يترتب على الرد من مهر، وغير ذلك مما يتعلق بمسائل العيوب والغرور، وبدأ بذكر العيب فقال: الخيار مبتدأ حذف خبره أي ثابت ولا يتعين أن يكون محذوفا بل يحتمل أن يكون المجرور الآتي هو الخبر، وعلى الأول يتعلق المجرور بخبر المبتدأ المقدر يعني أن الخيار ثابت لأحد الزوجين على صاحبه المعيب، ولكل منهما على الآخر فيما إذا كان العيب بهما معا فالخيار حينئذ لكل منهما في صاحبه كان عيبه من جنس عيب صاحبه أو من غير جنسه. هذا الذي صرح به الرجراجي. ونقله الحطاب. وفصل اللخمي فقال: إن اطلع كل واحد من الزوجين من صاحبه على عيب مخالف لعيبه فتبين أن به جنونا وبها جذام أو برص أو داء فرج كان لكل القيام، وأما إن كان من جنس واحد جذام
أو برص أو جنون صرع ثم يذهب فإن له القيام دونها لأنه بذل صداقا لسالمة فوجد ما يكون صداقها دون ذلك. نقله الشيخ بناني. وقال الشيخ الأمير: خير أحدهما ولو قام به الداء لاحتمال أن يبرأ قبل على أن اجتماع الضرر يؤثر، ومعنى ثبوت الخيار لمن ثبت له أن له رد النكاح وإمضاءه.
إن لم يسبق العلم يعني أن الخيار إنما يكون حيث لم يسبق لهما أو لأحدهما علم بالعيب قبل العقد، وأما إن سبق فلا خيار لأن ذلك يعد رضى كما أنه لا خيار لمن علم بالعيب حال العقد وسكت فإن ذلك يعد رضى. أو لم يرض أو بمعنى الواو يعني أن محل ثبوت الخيار حيث لم يسبق العلم العقد إنما هو حيث لم يحصل من الذي أراد الرد ما يدل على الرضى؛ وأما إن حصل منه ما يدل على الرضى من قول كرضيت أو فعل كأن يتلذذ عالما بعيب صاحبه فلا رد له، وإلى هذا أشار بقوله: أو تيلذذ أي أنه إذا حصل منه ما يدل على الرضى كالتلذذ عالما بالعيب فلا خيار له بل يلزمه النكاح، فأو بمعنى الواو كما في التي قبلها، قال تعالى:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} ، وقال صلى الله عليه وسلم: (المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقل أحدهما للآخر اختر
(1)
).
واعلم أن الخيار إنما يثبت بانتفاء الأمور الثلاثة فمتى لم ينتف أحدها فلا خيار، واعلم أن المسقط للخيار إنما هو الرضى بالقول وما يدل عليه كما لو سبق علم من أراد الرد بالعيب العقد، وكما لو تلذذ بعد العقد عالما بالعيب بخلاف ما لو تلذذ غير عالم بالعيب فلما علم أمسك فالخيار ثابت، وكما أن التلذذ مسقط للخيار يسقطه التمكين ولو لم يحصل تلذذ، وقد تقدم أنه إن سبق العلم بالعيب العقد سقط الخيار، ويستثنى من ذلك امرأة المعترض إذا علمت قبل العقد أو بعده بعيبه ومكنته من التلذذ بها فلها الخيار حيث كانت ترجو برءه فيهما ولم يحصل ما رجته، وما يكون اختيارا ممن أسلم على أربع يكون رضى هنا وفي الطلاق والإيلاء نظر. قاله ابن عرفة. نقله الحطاب. وما سيأتي في اختيار المعتقة تحت العبد يأتي هنا كما في الحطاب وغيره، والخيار ثابت للمكلف وغيره. قاله التتائي عن ابن عبد البر. قاله عبد الباقي. وقال الشيخ أبو علي بعد
(1)
الموطأ كتاب البيوع، رقم الحديث، 1394. وصحيح البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث، 2109.
جلب نقل: وهذا يدل على أن التلذذ ونحوه مع الشك لا يعد رضى ولا سيما إذا ادعى أنه لم يجزم بشيء ودلت القرائن على ذلك. انتهى.
وحلف على نفيه يعني أن أحد الزوجين إذا ادعى على صاحبه مسقطا لخياره من رضى بقول أو تلذذ أو تمكين أو سبق علم بالعيب ولا بينة، فإن المدعى عليه يحلف على نفي المسقط ويبقى على خياره في رد المعيب كان العيب بهما أو بأحدهما، فإن نكل المدعى عليه حلف المدعي وسقط الخيار، فلو نكلا فالظاهر جريانه على القاعدة الآتية وهي: النكول بعد النكول تصديق للناكل الأول، ولا وجه للتوقف في ذلك. والله أعلم. انظر حاشية الشيخ بناني.
وقال في النوادر: فإن ادعت أنه مسها أو تلذذ بها بعد العلم فأنكر حلف وصدق، فإن نكل حلفت وصدقت وإن لم تدع ذلك عليه فلا يمين عليه. انتهى. وفي الشامل: وحلف على نفيه إن ادعي عليه العلم والرضى ونحوه ولا بينة له. انتهى. وقال ابن عرفة: ولو تنازعا في برص بموضع خفي على الرجل صدق مع يمينه. المتيطي عن بعض الموثقين: إن قالت: علم عيبي حين البناء وكذبها وذلك بعد البناء بشهر ونحوه صدقت مع يمينها، إلا أن يكون العيب خفيا كبرص بباطن جسدها ونحوه فيصدق مع يمينه، وهذا ما لم يخل بها بعد علم عيبها، فإن فعل سقط قيامه وإن نكل حيث يصدق حلفت وسقط خياره. قاله الحطاب.
واعلم أن العيوب التي يرد بها بغير شرط ثلاثة عشر، أربعة تشترك فيها المرأة والرجل، وأربعة خاصة بالرجل، وخمسة خاصة بالمرأة. فما هو مشترك لم يضفه بل أطلقه ليدل على العموم إلا الجنون فإنه أضافه إلى ضميرهما، وما هو خاص بالرجل أضافه إلى ضمير المذكر، وما هو خاص بالمرأة أضافه إلى ضمير المؤنث، فلله دره ما أحسن إشارته وأحلى في المسامع عبارته.
وبدأ ببيان ثلاثة من المشترك فيها الرجل والمرأة، فقال: ببرص يعني أن الخيار ثابت في فسخ النكاح بالبرص سواء كان بالرجل أو بالمرأة، فله أن يردها إذا وجد بها برصا كما لها هي أن ترده إذا وجدت به برصا، ولكل منهما أن يرد صاحبه حيث كان البرص بكل منهما، واعلم أنه لا فرق في الرد بالبرص بين أبيضه وأسوده وهو أردى من الأبيض لأنه من مقدمات الجذام، ولا خيار في البهق، والشعر النابت على البرص أبيض والنابت على البهق أسود، وإذا نخس البرص
بإبرة خرج منه ماء وإذا نخس البهق بها خرج منه دم، ولا فرق في الرد بالبرص بين الكثير منه واليسير اتفاقا في المرأة وعلى أحد قولين في يسير برص الرجل وهذا في البرص قبل العقد، وأما ما حدث بعده فلا رد باليسير اتفاقا وفي الكثير خلاف، ولذا أطلق هنا وقيد البرص الحادث بعده بالمضر، وأما الجذام المحقق فيوجب القيام وإن قل قبل العقد وبعده فتقييده الآتي بعد العقد بالبين دون الحاصل قبله لا يخلو عن بحث. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله:"ببرص" متعلق بخبر المبتدأ المقدر أي ثابت أي الخيار ثابت ببرص والباء للسببية، ويجوز أن يكون الخبر قوله:"ببرص" وهو أولى. والله سبحانه أعلم.
وعذيطة مصدر عذيط فهو بفتح المعين وسكون الذال المعجمة وفتح الياء والطاء بعدها هاء تأنيث كشَرْيَف شَرْيَفة، والومف منه بكسر المعين المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح المثناة التحتية فواو ساكنة فطاء مهملة. أنشد في الصحاح عن امرأة:
إني بليت بعذيوط به بخر
…
يكاد يقتل من ناجاه إن كشرا
ويقال للمرأة عذيوطة؛ يعني أن العذيطة يرد بها وهي الحدث عند الجماع بولا أو غائطا، فإذا تزوج امرأة فله أن يردها إن وجدها تبول عند الجماع أو تتغوط عنده، كما أن لها هي أن ترده إذا وجدته يتغوط عند الجماع أو يبول عنده، وهذا إذا علم قدمها أو شك فيه كما لو أحدث أحدهما عند التزوج من غير سبق تزوج فإنها تحمل على أنها غير حادثة بل كامنة، فالحادثة هي ما تحقق حدوثها.
وفي اللخمي: وترد المرأة بكونها عذيوطة، وقد نزلت هذه المسألة في زمان أحمد بن نصر من أصحاب سحنون وادعى كل واحد من الزوجين على صاحبه، فقال أحمد: يطعم أحدهما تينا والآخر فقوسا فيعلم ممن هو منهما. اللهم استرنا بسترك الجميل. ولا رد بالريح قولا واحدا، وإذا وجدها تبول في الفرش فهل هو عيب أم لا؟ قولان، وإن وجدها زعراء فهل هو عيب أم لا؟ قولان، ومقتضى كلام المص أنه لا رد بهما لقوله فيما يأتي:"وبغيرها إن شرط السلامة". وفي
الحطاب: وقال الشيخ يوسف بن عمر: ولا تكون كثرة البول عيبا إلا بشرط. انتهى. وهو يشمل البول عند الجماع وقد مر أنه يرد به.
وجذام يعني أن الجذام مما يثبت به الخيار، فلها أن ترده إذا وجدت به جذاما، كما له هو أن يردها إذا وجد بها جذاما. وقوله:"وجذام" أي محقق وإن لم يتفاحش خلافا لأشهب، ويثبت الرد بالجذام المحقق كونه جذاما حيث سبق العقد سواء كان بالرجل أو بالمرأة، وكذا لو حدث بعد العقد حيث كان بالرجل.
ويعرف الجذام والبرص بالرؤية إن لم يكونا بالعورة وإلا صدق في نفيهما، وقيل ينظر الرجال إلى الرجل كالنساء للمرأة، وعلى هذا الأخير مشى ابن علوان أحد مفتي تونس حيث حكم بنظر دبر من ادعت عليه امرأته أن بداخل دبره أي ما يظهر من حلقته برصا. قاله الشيخ عبد الباقي.
ولما كان الجذام والبرص لا يختلف تفسيرهما بالنسبة إلى الرجل والمرأة أطلق فيهما ومثلهما العذيطة في ذلك فلذلك أطلق فيها.
ولما كان داء الفرج غير العذيطة يختلف تفسيره بالنسبة لكل منهما فصل فيه لا جذام أب يعني أن أحد الزوجين لا يثبت له الخيار في رد صاحبه بسبب جذام في أصل من أصوله فيشمل الأب والأم وغيرهما ممن له عليه ولادة؛ لأن النكاح مبني على المكارمة وهذا بخلاف من اشترى رقيقا فوجد في أحد أصوله جذاما فله رده بذلك لأن البيع مبني على المشاحة.
وبما قررت علم أن المراد بالأب الجنس.
ولما أنهى الكلام على ثلاثة من العيوب التي اشترك فيها الرجل والمرأة وهي: البرص والعذيطة والجذام -وسيأتي الكلام على الرابع وهو الجنون- أتبعه بالكلام على العيوب الخاصة بالرجل وهي: أربعة الخصاء والجب والعنة والاعتراض، فأشار إلى الأول منها بقوله: وبخصائصه يعني أن المرأة إذا تزوجت رجلا فوجدته خصيا فإن لها أن ترده، والخصاء هو قطع الذكر فقط أو الأنثيين فقط إذا كان لا يمني فإن أمنى فلا رد لها. قاله في الجواهر. لأن الخيار إنما هو لعدم تمام اللذة وهي موجودة مع الإنزال ولا يضر عدم النسل كالعقيم، وكذا الأدرة المانعة من الوطء فتوجب
الخيار للمرأة لا إن لم تمنع الوطء، ومثل قطع الذكر كله قطع الحشفة على الراجح، والقول بأن قطع الحشفة لا رد به غير معول عليه. قاله الشيخ عبد الباقي. والخصاء بالمد.
الشبراخيتي: وسل الأنثيين كقطعهما كما قال عياض، وقطع الحشفة كقطع الذكر كما قال اللخمي وهو الراجح كما يفيده كلام الحطاب، وقال في الشامل: والأقرب أنه لا خيار لها إن كان خنثى محكوما له بالرجولية. انتهى. ونقله في التوضيح عن الشيخ عبد الحميد، واحترز بقوله: محكوما له بالرجولية ممن حكم له بالأنوثة فلا نكاح له؛ ومن الخنثى المشكل فإنه لا يصح نكاحه. قاله الحطاب.
تنبيه: يحرم خصاء الآدمي إجماعا وكذا جبه، وجاز خصاء بغال وحمير عند ابن يونس، وفي الحديث (النهي عن خصاء الخيل
(1)
)، فقيل نهي تحريم لأنه ينقص القوة ويذهب النسل، مع أن المقصود هنا الركوب؛ وجاز خصاء مأكول اللحم من غير كراهة لما فيه من إصلاح لحمه.
وأشار إلى الثاني بقوله: وجبه يعني أن المرأة إذا تزوجت رجلا فوجدته مجبوبا فإن لها أن ترده بذلك، والجب هو قطع الذكر والأنثيين معا أو خلقة بدون شيء من ذلك وقوله:"وجبه" لا يقال ينبغي للمص أن يسقط الكلام على المجبوب هنا: لأنه إذا ثبت لها الرد بقطع أحدهما فأحرى أن يكون كذلك بقطعهما معا؛ لأنا نقول إنما القصد هنا بيان معاني هذه الألفاظ. نقله الشيخ بناني.
وأشار إلى الثالث بقوله: دعنته بضم المعين المهملة يعني أن المرأة إذا تزوجت رجلا فوجدته عنينا فإن الخيار يثبت لها في رد النكاح وإمضائه، والعنين لغة من لا يشتهي النساء، ويقال للمرأة عنينة أي لا تشتهي الرجال، وشرعا صغير الذكر جدا بحيث لا يتأتى منه الوطء، ويقال أيضا للذي لا ينتشر عنين، ولكن المراد هنا المعنى الأول بقرينة قوله: واعتراضه هذا هو الرابع من العيوب المختص بها الرجل؛ يعني أن المرأة إذا تزوجت رجلا فوجدته معترضا بصيغة اسم المفعول فلها أن ترده، والمعترض هو الذي لا ينتشر بصفة من يطأ ولا يطأ كالهدبة، يقال اعترض عن امرأته بالبناء للمجهول واعتن عنها كذلك إذا لم يقدر أن يأتيها، وكذا يرد الرجل بالثخن
(1)
مصنف ابن أبي شيبة، ج 12/ ص 226. ومجمع الزوائد، ج 5/ ص 265.
المانع للإيلاج. وأما الطول فيلوى عليه شيء من فوقه. قاله الشيخ الأمير. ويقال للمعترض عيايا، ومنه قول المرأة في حديث أم زرع الذي حدثت به سيدتنا عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما: (زوجي عياياء أو غياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلًا لك
(1)
)، ولما حدثت السيدة عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدثت به أم زرع عن أبي زرع، قال لها صلى الله عليه وسلم: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع
(2)
)، وقوله:"واعتراضه" ربما كان بعد وطء وفي امرأة دون أخرى، ويقال للمعترض المربوط. قاله الشارح.
وأشار إلى العيوب الخمسة الخاصة بالمرأة بقوله: وبقرنها بالتحريك مصدر قرنت المرأة فهي قرناء؛ يعني أن المرأة ترد بكونها ذات قرن بسكون الراء وهو شيء يبرز في فرج المرأة يشبه قرن الشاة تارة ويكون عظما فيعسر علاجه وتارة يكون لحما وهو الغالب فيسهل علاجه، ورتقها بالتحريك يعني أن من تزوج امرأة فوجدها رتقاء له أن يرد نكاحها، والرتق هو انسداد مسلك الذكر بحيث لا يمكن معه الجماع؛ إلا أنه إذا انسد بعظم لا تمكن معالجته وبلحم أمكنت، وبخرها بالتحريك أيضا يعني أن من تزوج امرأة فوجدها بخراء أي منتنة الفرج له أن يردها خلافا للأئمة الثلاثة، وأما نتن الفم والأنف فلا ترد به، والدليل على أن مراد المص بالبخر نتن الفرج ذكره له أثناء عيوب الفرج، وسيأتي له أن نتن الفم لا يرد به، وهو عيب في الرقيق. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشيخ إبراهيم عند قوله:"وبخرها": نتن فرجها لأنه منفر خلافا للأئمة الثلاثة وقاسوه على الجرب والصنان؛ والفرق أنه أفحش بشهادة العادة، وألحق به اللخمي بخر الفم والأنف وهو خلاف المذهب. انتهى.
وعفلها يعطي أن من تزوج امرأة فوجدها عفلاء له أن يردها، والعفلاء ذات العفل بالتحريك وهو لحم يبرز في قبل المرأة ولا يخلو غالبا من رشح يشبه أدرة الرجل. قاله عياض. ونقل في الذخيرة أنه رغوة في الفرج تحدث عند الجماع، وبالتفسير الأول يفارق العفل القرن، وأما على القول
(1)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1189. وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث، 2448.
(2)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1189. وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث، 2448.
الثاني فلا يتوهم ترادفهما. والله سبحانه أعلم. والأدرة بضم الهمزة انتفاخ الخصية. كما قاله الشيخ بناني عن الصحاح.
وإفضائها يعني أن من تزوج امرأة فوجدها مفضاة له أن يردها، والإفضاء اختلاط مسلكي الذكر والبول بذلك فسره ابن الحاجب وابن عرفة وابن عمر والجزولي؛ وأحرى في الرد اختلاط مسلكي الوطء والدبر: وبه فسره البساطي. انظر الحطاب. وغيره.
واعلم أن المفضاة لا تمسك بولا ولا منيا ولا ولدا، وقال الشيخ الأمير: وحكى ابن العماد في رفع الجناح عما هو من المرأة مباح خلافا في وطء المفضاة، والحق النظر لموضع الاستمتاع. انتهى. ولم يذكر المص حرق الفرج بالنار لأنه خلاف قول المدونة ولا ترد بشيء من غير العيوب الأربعة، ولذا حكاه في الشامل هو والاستحاضة، وعزاه في شرحه للخمي، وقال إنه خلاف المدونة فعزوه التتائي لها فيه نظر، وانظر ما ضابط حرق النار على القول بالرد به، وانظر هل قطع الشفرين كحرق النار. قاله الشيخ عبد الباقي. ولا يقال إن هذه أمور لا تدرك إلا بالوطء وهو يدل على الرضى، وحينئذ فلا رد لأن الوطء الدال على الرضى إنما هو الواقع بعد العلم بالعيب. قاله الشيخ عبد الباقي. ولا رد بكونها عجوزا فانية أو صغيرة بنت نحو أربع سنين حيث لا شرط كما في الموازية خلافا للخصي. قاله الشيخ عبد الباقي.
قبل العقد ظرف مستقر حال من برص ومن بعده من موجبات الخيار؛ يعني أن ما تقدم من كل ما يوجب الخيار من العيوب المختصة والمشتركة يشترط في كونها توجب الخيار أن تكون حاصلة قبل العقد أو حينه، وأما ما حدث بعد العقد بالمرأة فمصيبة نزلت بالرجل، وأما ما حدث بالرجل بعده فمصيبة أيضا نزلت بها إلا في الاعتراض على تفصيل يأتي إن شاء الله، وإلا في الجذام البين والبرص المضر، كما أشار إلى ذلك بقوله: ولها فقط الرد بالجذام البين يعني أنه إذا حدث بأحد الزوجين بعد العقد جذام بين فإن للمرأة أن ترد الرجل إن كان حدث به ذلك وليس له هو أن يردها إن حدث بها ذلك؛ لأن بيده الطلاق وهذا هو معنى قوله: "فقط" أي يثبت لها الرد في حدوث ذلك به دونه هو فلا يثبت له الرد في حدوث ذلك بها، والبين ضد الخفي وهو المحقق كونه جذام وإن لم يتفاحش بأن قل. قال ابن وهب في العتبية: إذا كان جذام لا يشك
فيه رد وإن لم يكن فاحشا ولا مؤذيا لأنه لا تؤمن زيادته وإن شك فيه لم يفرق بينهما، وكذلك إذا حدث [بعد العقد
(1)
] فرق من قليله بمنزلة ما لو كان قبل العقد وإن حدث بعد الدخول فرق من كثيرة ولم يفرق من قليله حتى يشاهد ويتفاحش؛ لأنه قد اطلع عليها فلا يعجل بالفراق؛ وإذا لم يدخل بها ولم يطلع عليها لم يمكن من كشفها بشيء مآله إلى الفراق. نقله الشيخ محمد بن الحسن.
والبرص المضر يعني أن للمرأة أن ترد الرجل إذا حدث به بعد العقد برص مضر أي متفاحش لا إن كان يسيرا، بخلافه هو فليس له أن يردها إذا حدث لها بعد العقد برص مضر. الحادثين بعده أي بعد العقد، والحادثين صفة للجذام والبرص. والحاصل أن ما تقدم من العيوب ما كان منه قبل العقد رد به وما حدث بعد العقد فلا رد به إلا في الجذام الحادث بالرجل والبرص المضر الحادث به أيضا فلها الرد، ولابد في الرد بالجذام من كونه محققا وإن قل، ولا فرق في ذلك بين ما سبق منه العقد وما حدث منه بعد العقد وقبل الدخول، وأما ما حدث منه بعد الدخول فليس لها فراقه به إلا أن يكون كثيرا، وأما البرص فكل ما كان منه قبل العقد رد به وإن لم يكن فاحشا، وما حدث بعد فلا خيار لها فيه إلا أن يكون فاحشا مؤذيا. وقاله مالك وأصحابه.
وكذا حكم ما حدث بالرجل من البرص بعد البناء ومحل الرد في جميع ما مر مع عدم الرضى وأما إن حصل ما يدل على الرضى، من قول أو فعل فلا رد كما مر جميع ذلك ونص الأمير: والكل بعد العقد مصيبة إلا جذامه المحقق وبرصه الفاحش وجنونه فلها الخيار. انتهى. وما قدمته من التعميم هو الظاهر من كلامهم.
وقال الشيخ عبد الباقي: وسكت عن الرد بالعذيطة الحادثة بعده وهي كالجنون فيما يظهر، ويخرج من التعميم الاعتراض ونحوه على تفصيل أبينه إن شاء الله عند شرح قوله: لا بكاعتراض يعني أن المرأة ليس لها أن ترد الرجل من أجل الاعتراض الحادث بعد الوطء ولو مرة كما في المدونة، وأما ما حدث منه بعد العقد وقبل الوطء فلها الرد به كالاعتراض السابق للعقد، وأدخلت
(1)
ساقط من النسخ والمثبت من بناني ج 3 ص 237.
الكاف الخصاء والجب أي الحادثين بعد الوطء والكبر المانع من الوطء أي بعد الوطء كما صرح به ابن عبد البر، وأدخلت الكاف ما يشبه العنة مما يحدث بعد الوطء من كبر الأدرة بحيث يبقى من الذكر ما لا يتأتى به الجماع، وأما لو تزوجته فرأته كبير الأدرة بحيث لا يمكن منه الجماع فهذا كالعنة أو منها ولها رده حيث لم تعلم، فإن كانت لا تمنع الجماع فلا رد لها بها. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقوله: "لا بكاعتراض" هذا حيث لم يتسبب فيه وإلا فلها الخيار بعد الوطء كما حدث قبله. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب: قال في النوادر: فلو وطئها ثم اعترض عنها فلا حجة لها، فإن طلقها ثم تزوجها فرافعته فيضرب لها الأجل إلا أن يعلمها في النكاح الثاني أنه لا يقدر على جماعها. انتهى. وسمع يحيى ابن القاسم: امرأة المعترض إن تزوجته بعد فراقها إياه بعد تأجيله فقامت بوقفها لاعتراضه فلها ذلك إن قامت في ابتنائه الثاني قدر عذرها في اختيارها له وقطع رجائها إن بان عذرها بأن يكون يطأ غيرها، وإنما اعترض عنها فتقول رجوت برأه، وما تقدم من أن الخصاء قبل المس يوجب الخيار وبعده لا يوجبه هو المشهور في المذهب، وذهب أصبغ إلى أنه لا فرق بين أن يخصى قبل أن يمس أو بعدما مس؛ لأنها بلية نزلت به وليس من قبله ليضر امرأته. وقولُه هو القياسُ. قاله ابن رشد. نقله الحطاب. ووجه القول الأول أن المرأة إنما تزوجت على الوطء، فإذا نزل به ما يمنعه من الوطء قبل أن يطأ كان لها الخيار إذ لم يتم ما نكحت عليه، وإذا نزل به ذلك بعد الوطء لم يفرق بينهما إذ قد نالت منه ما نكحت عليه ولا حجة لها في امتناع المعاودة إذا لم يكن دلك من قبل إرادة ضرر. وبالله التوفيق. قاله الحطاب.
فائدة: قال الشيخ يوسف بن عمر: جاء فيما يعالج به المعترض أن تأخذ سبع أوراق من السدر وتسحقها وتمزجها بالماء الفاتر وتقرأ عليها فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات وذوات قل من قل هو الله أحد وغيرها ويشربه ثلاث مرات فيبرأ بإذن الله تعالى. انتهى. قاله الحطاب وغيره. والماء الفاتر هو المسخون خفيفا هكذا وجدت هذا التفسير بطرة.
وأشار إلى العيب الرابع من العيوب المشتركة بقوله: وجنونهما يعني أن المرأة ترد بالجنون كما أن الرجل يرد به، وإن مرة في الشهر يعني أنه لا فرق في الرد بالجنون بين كون صاحبه مطبقا وبين كونه يجن مرة في الشهر ويفيق فيما سوى ذلك؛ لأن المصروع تخافه النفوس وتنفر منه فيثبت له الخيار بجنونها ويثبت لها بجنونه ويثبت لكل منهما بجنونهما معا.
قبل الدخول وبعده أي بعد العقد يعني أنه يثبت الخيار للمرأة بجنون الرجل الكائن قبل الدخول وبعد العقد، كما يثبت له الخيار بجنونها الكائن بعد العقد وقبل الدخول، وأولى في التخيير جنونهما الكائن قبل العقد، فقوله:"قبل" ظرف مستقر حال من قوله: "جنونهما" أي حال كون الجنون كائنا قبل الدخول وبعد العقد هذا هو ظاهر المص، أما خيارهما بالجنون القديم فواضح، وأما بالجنون الحادث بعد العقد وقبل الدخول، فإن كان بالرجل فالخيار ثابت للمرأة كما للخمي وتبعه عليه المتيطي، وإن كان بالمرأة فقد قال الشيخ محمد بن الحسن: رأيت الشيخ ابن رحال نقل عن أبي الحسن أن حدوثه بالمرأة بعد العقد كحدوثه بالرجل ونسبه للمدونة. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: وهذا أحسن ما يقرر به المص. والله سبحانه أعلم. وما تقدم من جعل الضمير في بعده للعقد هو لابن غازي والحطاب والخرشي، وجعل عبد الباقي الضمير في بعده للدخول، قال: والظرفان متعلقان بمقدر أي وإن حدث بالزوج قبل الدخول بعد العقد أو بعد الدخول فلها الخيار، وهذا التقرير متعين وإن كان لا دليل عليه. انتهى. قال محمد بن الحسن: ما قرره به من عود الضمير على الدخول هو جار على قول ابن القاسم وروايته، وذهب اللخمي والمتيطي إلى إلغاء ما حدث به بعد الدخول، وقرر ابن غازي به كلام المص، وذهب أشهب وابن وهب إلى إلغاء الحادث مطلقا، ومحل الخلاف في جنون من تأمن زوجته أذاه وإلا فلها الخيار اتفاقا، وقد مر عن أبي الحسن ما يكفي شاهدا للمص. وفي ابن عرفة: ما حدث بعد العقد نازلة بالزوج، وقال ابن عات: الجنون إذا حدث بالمرأة بعد العقد فلا رد به، قال محمد بن الحسن: لكنه خلاف ما تقدم عن أبي الحسن، واقتصر الأمير على أنه لا عبرة بالجنون الحادث بعد العقد إلا ما حدث بالرجل فيفيد اعتماده لأنه الجاري على قول ابن القاسم وروايته، وفي كلام بعضهم أن قوله قبل الدخول وبعده مدخول للإغياء الذي قبله، فيكون الإغياء متناولا لوجهين وكأنه
يقول الخيار المذكور ثابت وإن كان الجنون مرة في الشهر، وإن طرأ قبل الدخول وبعد العقد. وكلام الرهوني يفيد أن المذهب على أن الجنون ثلاثة أقسام: القديم يثبت به الخيار لكل، الحادث بعد العقد وقبل الدخول يثبت به الخيار للمرأة دون الرجل، وقال الشافعي: يفارق ولا شيء عليه، الحادث بعد الدخول لا خيار فيه للرجل، واختلف في المرأة. والله تعالى أعلم.
وأجلا فيه يعني أنه حيث قلنا بالخيار بسبب الجنون على ما مر تحريره فإن من له الخيار مهما ليس له أن يرد نكاح صاحبه حين اطلع على الجنون الذي به. بل يؤجل في جنونه سنة حيث رجي برؤه كعذا هو المعول عليه دون ظاهر المدونة الذي هو تأجيل المجنون وإن لم يرج برؤه؛ فرجاء البرء شرط في التأجيل. وفي المدونة: وإذا حدث بالزوج جنون بعد النكاح عزل عنها وأجل سنة لعلاجه، فإن صح وإلا فرق بينهما، وقضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
في برص يعني أن الخيار يثبت في البرص كما علمت لكن إنما يخير في الرد به بعد أن يؤجل سنة، فإذا تمت السنة ولم يحصل له البرء رده إن شاء وهذا حيث رجي برؤه، والجذام مثله في ذلك وهو داء يأكل اللحم أعاذنا الله من البلاء، ولهذا قال: وجذام يعني أن من به الجذام لصاحبه أن يرده بعد أن يؤجل سنة حيث رجي برؤه، ثم بعد تمام السنة له الرد وله البقاء مع صاحبه الذي به الجذام.
وبما قررت علم أن قوله: رجي برؤها شرط في الثلاثة وهي الجنون والبرص والجذام؛ أي إنما يؤجل في هذه الثلاثة حيث رجي برؤها، وأما إن لم يرج برؤها فله الرد من دون تأجيل وله البقاء مع صاحبه، وقوله:"برؤها" بضمير المؤنثة عائد على الثلاثة وفي نسخة بضمير التثنية عائد على الزوجين والإسناد في الأولى مجازي وفي الثانية حقيقي، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وقوله:"وأجلا" بالواو، وفي بعض النسخ بلا واو وهي جواب شرط مقدر أي وإذا حصل الجنون أجلا فيه.
وقوله: سنة معمول أجلا أي يؤجل صاحب الجنون سنة ويؤجل صاحب البرص سنة ويؤجل صاحب الجذام سنة، والسنة في هذه الأمراض الثلاثة قمرية للحر ونصفها للعبد والأمة، وابتداء
السنة من يوم الحكم بعد الصحة من غير الداء المؤجل فيه لا من يوم الرفع، وهذا لا يستفاد من كلام المص وأجل بالسنة في هذه الأمور لتمر الفصول عليه. قاله الأمير.
وعطف على برص قوله: وبغيرها إن شرط السلامة يعني أنه إذا عري العقد عن اشتراط السلامة من العيوب فإنه لا يرد إلا بالعيوب المتقدمة، وأما إن اشترطت السلامة فيرد متى وجد عيبا قولا واحدا، وقوله:"إن شرط السلامة" سواء عين ما شرط السلامة منه أو قال من جميع العيوب أو من كل عيب، فإن وجدها سوداء أو عرجاء أو عمياء أو نحو ذلك وادعى أنه تزوجها على السلامة وادعت هي عدم اشتراط ذلك فالقول قولها كما قاله غير واحد. وعبارة الشبراخيتي: والقول قولها في عدم شرط السلامة إذا ادعاه الزوج. قاله ابن الهندي. انظر الشرح.
وقال في الحاشية: ومحل الرد عند شرط السلامة والصحة ما لم يدخل، أما إن دخل فلا ويحط عنه ما زاد لأجل ذلك، وكذا لو تزوجها على أن لها من المال أو الجهاز كذا. انتهى. وشمل قوله:"وبغيرها": حرق الفرج بالنار والاستحاضة والزعر وغير ذلك فلا رد بغير العيوب المتقدمة الثلاثة عشر إلا مع الشرط؛ لأن العيوب المتقدمة تنقص الاستمتاع مع أن فيها ما تعافه النفوس ولأنها تسري إلى الولد، ولأن الجنون والجذام شديدان لا يستطاع الصبر عليهما والبرص وعيب الفرج مما يخفى، وأما غير ذلك فالغالب عليه أن لا يخفى فغير المشترط مقصر في استعلام ذلك، وظاهره كغيره أن العرف ليس كالشرط. انظر شرح الشيخ عبد الباقي.
ولو بوصف الولي عند الخطبة بكسر الخاء من الزوج أو وليه؛ يعني أنه لا فرق في الرد باشتراط السلامة بين أن يكون اشترط الزوج ذلك اشتراطا حقيقيا، كأن يتزوجها على أنها على صفة كذا أو على أن لها من المال كذا، وبين أن يكون الشرط حاصلا بوصف الولي لوليته، كأن يقول للزوج عند خطبته إياها إنها بيضاء صحيحة العينين أو يصفها غيره وهو ساكت أو لها من المال كذا، وسواء سأل الزوج أو وليه ولي المرأة عن ذلك أم لا، فإذا وجدت على خلاف ما ذكره ففي القسم الأول له الرد اتفاقا وهو الاشتراط الحقيقي، وفي القسم الثاني وهو ما إذا حصل الشرط بوصف الولي عند الخطبة سواء سأله الزوج أم لا فله الرد، والإجازة على قول عيسى وابن وهب أي فهو بالخيار إن شاء تقدم على أن عليه جميع الصداق وإن شاء فارق ولم يكن عليه شيء، وإن لم يعلم
حتى دخل ردت إلى صداق مثلها ورجع عليها بالزائد على صداق مثلها، فإن كان صداق مثلها أكثر مما دفع لم يرجع بشيء ولا يرجع بجميع الصداق، فليس كالعيب الذي يثبت به الخيار من غير شرط، ورد المص بلو قول محمد مع أصبغ وابن القاسم أن الشرط الحاصل بوصف الولي عند الخطبة لا يوجب الرد. وما قدمته من التعميم في وصف الولي عند الخطبة هو طريقة اللخمي، وطريقة ابن رشد أن الخلاف إنما هو إذا صدر الوصف ابتداء من الواصف، وأما إذا صدر بعد سؤال الزوج فيتفق على أنه شرط يوجب الرد، وعلى طريقة ابن رشد تكون هذه الصورة داخلة فيما قبل المبالغة كما قاله الشيخ محمد بن الحسن.
وقوله: "ولو بوصف الولي" لخ قال الشبراخيتي وغيره: مثله وصف غيره بحضرته وسكوته. انتهى.
وفى الرد إن شرط الصحة تردد مبتدأ وخبره المجرور يعني أنه اختلف المتأخرون في الحكم في هذه المسألة لعدم نص المتقدمين وهي ما إذا كتب الموثق: فلانة صحيحة البدن والعقل فتوجد على خلاف ذلك، فقال الباجي: إنه كالشرط فللزوج الرد والإجازة، وقال ابن أبي زيد: إنه ليس بشرط فلا رد له، قال عبد الباقي: مجرى العادة أنه من تلفيق الموثق وكلام المتيطي يدل على أن الراجح عدم الرد لأنه ظاهر المدونة وبه صدرت الفتوى، فكان اللاثق بالمص لو اقتصر عليه.
واعلم أن معنى قوله: "شرط" أن الموثق كتب ذلك ولم يعلم اشتراط ذلك إلا من كتب الموثق ونازع الزوج الولي فقال أنا شرطت ذلك وأنكر الولي ولا بينة، وأما إن شرط الزوج الصحة بلفظه فترد بعدم ذلك بلا خلاف. قاله الشيخ عبد الباقي. وتقدم أن صورة الشرط كتب الموثق فلانة صحيحة البدن، وأما إن كتب سليمة البدن فاتفق ابن أبي زيد والباجي على أنه شرط. قاله الحطاب. ففرق بين صحيحة وسليمة، قال الشيخ الأمير: ولا رد ببول الفرش وريح الجماع ونتن الفم والأنف والقرع والقبح والسواد والثيوبة وقطع النسل وغير ذلك إلا لشرط، كسكوت الولي مع وصف الغير بحضرته فإن تنازعا في الشرط رجع لكتاب الموثق، والعرف مساواة البكر للعذراء عندنا الآن، واصطلاح الفقهاء قديما البكر من لم تثب بوطء يدرأ الحد، والعذراء المسدودة كذا عرفنا مساواة السلامة للصحة فلذا لم أذكر ما في الأصل. انتهى.
وقال الحطاب بعد أن ذكر اتفاق ابن أبي زيد والباجي على أنه لو قال سليمة البدن لكان شرطا ما نصه: وهذه السلامة غير السلامة في قول المص: إن شرط السلامة؛ لأن لفظ سليمة قد يكون مطلقا كما في هذا الأخير وقد يكون مقيدا بالسلامة من كذا مثلا من السواد أو العمى أو غير ذلك وهو الأول في كلام المص فتأمله. والله أعلم. انتهى. وقال الشبراخيتي: قوله الصحة أي الصحة المطلقة وهي صحة العقل والبدن، وأما الصحة المقيدة فله الرد اتفاقا إذا وجد خلافه. انتهى.
وقال الشارح مفسرا للمص: يريد أن المتأخرين ترددوا فيما إذا شرط الصحة ثم وجدت المرأة على خلاف ذلك هل ترد أم لا؟ فقال ابن أبي زيد: إذا كتب في العقد صحيحة العقل والبدن لم يكن ذلك شرطا، وقال الباجي في وثائقه: هو شرط. أبو محمد: ولو كتب في العقد سليمة البدن كان شرطا فترد بالعمى والسواد والشلل ونحوها، قال: وبهذا كان يفتي علماؤنا ونفتي نحن به، قال بعضهم: إنما فرق بينهما لأن الأول عادة جارية من تلفيق الموثق ولم تجر العادة بالثاني، وذكر أبو عمران من رواية الدمياطي عن ابن القاسم: لا رد له في شيء من العيوب كلها إلا العيوب الأربعة وإن اشترطت السلامة. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: علم مما تقدم أن صحيحة البدن والعقل وسليمتهما سواء إذا ثبت أن الزوج اشترط إحداهما فيكون له الرد بلا تردد، وأما إن كتب الموثق ذلك ولم يعلم أن الزوج اشترطه فإنه لا يجري التردد في لفظ سليمة بل يكون شرطا فله الرد إن لم توجد سليمة، أما لفظ صحيحة فإنه جرى فيه التردد لجري العادة بأنه من تلفيق الموثقين على ذلك جرت عادتهم، وأنهم يكتبون صحيحة العقل والبدن ولو لم يشترط ذلك، فمن نظر إلى أن ذلك عادة جارية يحمل ذلك على الشرط لجريان العادة بذلك التلفيق، ومن نظر إلى أنه من تلفيق الموثقين جعل ذلك ليس كالشرط فلا يردها إن وجدها على خلاف ذلك، وقد مر أن كلام المتيطي يدل على أن الراجح أنه ليس كالشرط فلا رد؛ لأنه ظاهر المدونة وبه صدرت الفتوى. قال الشيخ محمد بن الحسن: فكان اللائق بالمص الاقتصار عليه. انتهى. ولا يخالف هذا ما مر عن الأمير من قوله: رجع لكتاب الموثق لما مر من قوله: عرفنا مساواة السلامة للصحة والله سبحانه أعلم. هذا هو تحرير المسألة والله أعلم.
فائدة: الباجي: الذي تقدم عزو القول بالرد له هو الباجي الموثق لا القاضي أبو الوليد الباجي. قاله الرهوني.
لا بخلف الظن عطف على معنى إن شرط السلامة أي وبغيرها بشرط السلامة لا بخلف الظن. قاله الشبراخيتي؛ يعني أن الخيار بغير العيوب الثلاثة عشر إنما يكون بشرط السلامة منه، وأما إن لم يشترط السلامة من غيرها فلا رد له ولو ظن أنها على صفة اعتقدها لكونها من ناس تلك صفتهم فإذا هي على خلاف تلك الصفة التي ظنها موجودة فيها فلا رد له، وصرح المص بمفهوم الشرط ليرتب عليه ما بعده. كالقرع مثال لخلف الظن؛ يعني أنه إذا تزوج امرأة يظنها سالمة من القرع -بفتحتين ككونها من قوم ذوي شعر كما في الشبراخيتي- فإذا هي قرعاء ولم يشترط سلامتها فإنه لا يرد نكاحها، والقرع عدم نبات شعر الرأس من آفة. قاله الجوهري. نقله الشيخ عبد الباقي.
والسواد من بيض عطف على قوله: "كالقرع" فهو من أمثلة خلف الظن؛ يعني أنه إذا تزوج امرأة يظنها بيضاء لكونها من قوم بيض فإذا هي سوداء فليس له ردها بل يبني ويتكمل عليه الصداق أو يطلق قبل البناء فيلزمه نصف المسمى، وقوله:"كالقرع والسواد من بيض" هو المشهور. قاله ابن بشير. وقال اللخمي: إنه الظاهر من قول مالك، وقال ابن حبيب: له الرد.
ونتن الفم هو عطف على قوله: "لا بخلف الظن" كما هو الظاهر ويفيده الشبراخيتي، فإنه قال: ولا في نتن الفم فقدر لا بعد الواو العاطفة في قوله: "ونتن الفم" إلا أن يقال ذلك حلُّ معنًى فقط، ويفيده كلامه فيما بعده؛ يعني أن من تزوج امرأة فإذا هي بخراء أي منتنة الفم ليس له رد نكاحها، وكذا إذا وجدها منتنة الأنف فليس له رد نكاحها وتسمى الخشماء، وقال اللخمي: له الرد في الخشماء وفي البخراء التي هي منتنة الفم، وقاس نتن الفم على نتن الفرج. التتائي: وهو قياس أحروي؛ أي لأنه يمنع كمال اللذة. قال عبد الباقي: ويجاب للمشهور بأن القصد الأهم من الزوجة وقاعها فنتن الفرج هو المانع لا نتن الفم، وظاهر المص سواء كان التغير من المعدة أو من وسخ الأسنان، ولفظ الشارح: وخرج اللخمي على القول في نتن الفرج أن ترد إذا كانت خشماء أو
بفيها نتن. انتهى. قال الشارح: قال -يعني اللخمي- لأن نتن الأعلى أولى بالرد لمضرته وقربه وبعد مضرة الآخر.
والثيوبة يعني أنه إذا تزوج امرأة يظنها بكرا فإذا هي ثيب فإنه لا يردها بل يبني ويتكمل عليه الصداق أو يطلق قبل البناء ويكون عليه نصف المسمى، قال الشبراخيتي: وهذا حيث لا شرط وإلا فهو قوله: إلا أن يقول عذراء يعني أنه لا رد له بالثيوبة إلا أن يقول أتزوجها بشرط أنها عذراء فله الرد إن لم يجدها كذلك، والعذراء هي التي لم تزل بكارتها بمزيل، وسواء علم الولي بأنها ليست عذراء أم لا، وسواء كانت ثيوبتها بنكاح أم لا، وقوله:"إلا أن يقول عذراء" قال عبد الباقي: وهو استثناء منقطع، فإن المستثنى منه بالنسبة لخلف الظن لأنه من أمثلته وهذا بالنسبة للاشتراط، ونحوه للشبراخيتي.
قال جامعه عفا الله عنه: ولا داعي إلى انقطاعه لصحة الاتصال بعطف الثيوبة على "بخلف" لا على "كالقرع". والله سبحانه أعلم.
وقال الحطاب: قال ابن عرفة: ابن رشد: لو وصفها وليها حين الخطبة بأنها عذراء دون شرط لجرى على الخلاف فيمن وصف وليته بالمال والجمال. انتهى.
وفي بكر تردد مبتدأ وخبره الجار والمجرور قبله؛ يعني أنه إذا تزوجها بشرط أن تكون بكرا فوجدها ثيبا فإنه اختلف المتأخرون في ثبوت الخيار له، فذهب ابن العطار وبعض الموثقين إلى أنه له ردها بذلك، وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن إلى أنه ليس له رد النكاح بذلك، وصوبه بعض الموثقين لأن اسم البكارة واقع عليها وإن زنت، قال الشارح: والذي رواه ابن حبيب عن مالك: لا رد له. وقاله أشهب.
وقوله: "وفي بكر تردد" مقيد بخمسة قيود: أن تثيب بغير نكاح كوثبة أو تكرر حيض وأما إن ثيبت بنكاح فترد قولا واحدا. نقله ابن عرفة عن المتيطي وابن فتحون. وأن لا يعلم الأب بثيوبتها بلا وطء ويكتم وإلا فسيأتي للمص أن له الرد على الأصح، وأن يشترط البكارة أو يكتبها الموثق ولم يعلم أنها من تلفيقه وإلا لم ترد، وأن لا يجري العرف باستواء العذراء والبكر وإلا فله الرد
قطعا كما للبرزلي، وأن تتفق مع الزوج على أنها الآن غير بكر وإلا صدقت كما يأتي للمص. قاله الشيخ عبد الباقي.
فرع: قال ابن عرفة: قال غير واحد: ولا حد على من ادعى أنه وجد امرأته ثيبا لأن العذرة تذهب بغير جماع، وإن قال ذلك في عتاب أو بعد مفارقتها سنين حلف أنه ما أراد قذفا ولا حد عليه، قاله مالك وابن القاسم. ابن الحاج عن ابن فرحون: إذا قال وجدتها مقتضة حد، وإن قال لم أجدها بكرا لم يحد. قاله الحطاب. وإلا تزوج الحر الأمة عطف على قوله:"إلا أن يقول عذراء"؛ يعني أنه لا رد بخلف الظن كما سبق إلا فيما إذا تزوج الحر أمة يظنها حرة فإذا هي أمة فله أن يردها ولو كانت الأمة ذات شائبة، والحرة العبد يعني أن الحرة إذا تزوجت عبدا تظنه حرا فظهر أنه عبد فلها أن ترده ولو ذا شائبة، ولها أن ترده ولو كانت دنية وهو عطف على معمولي "تزوج"، قال بناني: الظاهر أنه استثناء متصل لأن هذا مما يشمله قوله: "لا بخلف الظن". انتهى. وقال الإمام الحطاب: فإن قيل لم لا يقول المص وإلا تزويج الحر الأمة وعكسه كما فعله غير مرة وهو الاكتفاء بلفظ العكس عن بيان كيفية ذلك العكس؟ قيل: لأن الاصطلاح في العكس أن تجعل الكلمة الأولى ثانية والثانية أولى، فلو اكتفى هنا بلفظ العكس لما أفاد شيئا لأنه يصير التقدير وإلا تزويج الحر الأمة أو تزويج الأمة الحر، وكل واحد هو عين الآخر، فلذلك عدل عنه إلى الكلام الذي أتى به. والله أعلم. انتهى.
[
…
] يعني أن العبد إذا تزوج من يظنها حرة فإذا هي أمة فلا كلام له لأنها من نسائه، كما أنه لا كلام للأمة إذا تزوجت من تظنه حرا فإذا هو عبد لأنه من رجالها.
[
…
] يعني أن المسلم إذا تزوج امرأة يظنها مسلمة فإذا هي نصرانية أو يهودية فإنه يلزمه النكاح ولا كلام له، وكذا لو تزوجت الكتابية من تظنه يهوديا أو نصرانيا فتجده مسلما فإن النكاح يلزمها ولا خيار لها لحصول الأحسن للكتابية في المسلم. انظر الشارح. إلا أن بغرا راجع للفروع الأربعة؛ يعني أن العبد إذا غر الأمة بأنه حر بأن قال أنا حر، ثم يظهر لها أنه عبد فإن لها الخيار في فسخ النكاح والبقاء معه، وكذلك الأمة تغر العبد بأن تقول أنا حرة فيظهر له أنها أمة فله الخيار في رد نكاحها، وهذا حيث تزوجت بإذن سيدها كما مر وإلا تحتم
الرد، وكذا النصرانية تغر المسلم بأن يشترط إسلامها أو تظهره ويعلم أنه إنما تزوجها على أنها مسلمة لما سمع منها من إظهار الإسلام فيجدها على نصرانيتها فله الخيار، وكذا لو غر الكتابية مسلم بأن قال لها: أنا على دينك فلها الخيار، ولا يكون المسلم مرتدا بغروره الذمية بقوله لها أنا ذمي أو أنا على دينك؛ لأن قرينة الحال صارفته عن ذلك، ولو كان مرتدا لما أقر عليها قوله:"إلا أن يغرا" بالبناء للفاعل أو المفعول، وعلى الأول الفاعل الغاران، وعلى الثاني نائب الفاعل المغروران.
وقوله: "إلا أن يغرا" وقيل لا خيار للنصرانية لأن الإسلام ليس بعيب والأول أظهر. قاله اللخمي وابن رشد. نقله الشارح. وفي الحطاب ما نصه: وأما الحر مع الأمة والحرة مع العبد فسكوتهما عن التبيين غرور يثبت الخيار، قاله غير واحد. كابن عبد السلام والشيخ وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين. والله أعلم. وحكمهما في الصداق حكم المغرور والمغرورة. انتهى.
وأجل المعترض سنة يعني أن المعترض يثبت الخيار لزوجته في مفارقته والقيام معه كما علمت، لكن لا تمكن من فراقه بنفس اطلاعها على اعتراضه بل يؤخر سنة لتمر عليه الفصول الأربعة، فإن الدواء ربما أثر في بعض الأبدان في فصل دون فصل، والسنة التي يؤخر الطلاق لمضيها قمرية وهي للحر، والمعترض الذي يثبت الخيار لزوجته هو من كان اعتراضه قبل الوطء، وأما المعترض بعد الوطء فلا خيار لزوجته، والمعترض بفتح الراء اسم مفعول كما ضبطه أبو الحسن فكأن المعترض هو الذى اعترضه هذا المانع له من الوطء؛ إذ الأصل عدمه، وإنما يكون لعارض يعرض من سحر أو خوف مثلا. قاله الشيخ محمد بن الحسن. وقيل يؤجل المعترض سنة ولو وطئ والأول هو الظاهر. قاله الشارح. وقوله:"سنة" وإذا أجل سنة ولم يبرأ غلب على الظن أنه لا يبرأ. قاله الشارح.
بعد الصحة يعني أن المعترض إذا كان مريضا فإنما يضرب له الأجل المذكور أي سنة بعد أن يصح مما اعتراه من الأمراض ما عدا داء الاعتراض من يوم الحكم يعني أن السنة تبتدأ من يوم الحكم بالتأجيل؛ أي من يوم الحكم بضرب الأجل للمرأة لا من يوم الرفع؛ إذ قد يتقدم عن يوم الحكم فإن لم يترافعا وتراضيا على التأجيل فمن يوم التراضي، وإن مرض يعني أن المعترض إذا
أجل سنة في حال صحته فإنه إذا مرت عليه تلك السنة تطلق عليه زوجته ولو مرض تلك السنة التي جعلت له أو بعضها، ورد بإن على أصبغ القائل: إن عم المرض السنة استؤنفت له، وعلى ابن رشد القاتل: إن مرض مرضا شديدا لا حراك به ولا قوة على إلمام أهله ينبغي أن يزاد له بقدر مرضه، وقوله:"من يوم الحكم" قال الباجي: هو التحقيق وذلك أن رفعها للسلطان لا يوجب لها الحكم إلا بعد إقرار الزوج أو إثبات ما يوجب لها ذلك، وأكثر عبارات الأشياخ أن الضرب من يوم الرفع. وقاله ابن المواز وغيره. قاله الشارح.
والعبد نصفها يعني أن العبد المعترض على النصف من الحر في التأجيل فيعطى نصف سنة وهذا هو مذهب المدونة ومذهب مالك وأصحابه وهذا هو الفقه، وإن كانت حكمة الفصول التي هي نفع الدواء في فصل دون فصل يستوي فيها الحر والعبد، وقال أبو بكر بن الجهم: العبد كالحر يؤجل سنة ومال إليه غير واحد كاللخمي للعلة المتقدمة، وعزي لمالك أي قولا ثانيا وقاله جمهور الفقهاء، وتعليل عبد الباقي بأن [تحديد]
(1)
مدة النكاح عذاب والعبد على النصف من الحر فيه، فيه نظر؛ لأن التحديد إذا كان عذابا يكون مع قصر المدة أقوى في التعذيب فلا يناسب التخفيف المقصود للعبد. قاله الشيخ بناني.
والظاهر لا نفقة لها يعني أن المرأة المعترض لا نفقة لها في المدة المضروبة لها وهي سنة للحر ونصفها للعبد على ما استظهره هو أي المص، فالظاهر هنا للمص رحمه الله تعالى لا لابن رشد؛ لأن ابن رشد إنما اختار عدم النفقة في امراة المجنون حيث لم يدخل بها وإلا فلها النفقة مدة تأجيله سنة أو نصفها، ولا يصح قياس المص المعترض على المجنون؛ لأن المجنون يعزل عنها كما في المدونة والمعترض يرسل عليها، فالأظهر أن لامرأة المعترض النفقة كما يفيده كلامهم، فكل من زوجة المجنون والأجذم والأبرص والمعترض مستو في وجوب النفقة بالدخول أو بالتمكين مع الدعاء له، فإن منعت واحدة منهن نفسها سقطت نفقتها إلا زوجة المجنون على غير ما استظهره ابن رشد لشدة خوف ضررها منه. قاله الشيخ عبد الباقي.
(1)
ما بين المعقوفين ساقط من النسخ وأثبت من البناني ج 3 ص 240.
وقال الشبراخيتي: والذي يظهر أن لامرأة المعترض النفقة وأما امرأة المجذوم فكامرأة الصحيح في وجوب النفقة لها مدة الأجل بالدخول أو بالدعاء له مع التمكين على ما يأتي في النفقات، وإذا منعت نفسها منه فلا نفقة لها ولا ينفعها قولها إنها منعت نفسها منه خوف العدوى، وامرأة الأبرص كامرأة المجذوم كما يظهر. انتهى المراد منه.
وصدق إن ادعى فيها الوطء يعني أن المعترض إذا ادعى الوطء في السنة يصدق بعد إقراره بالاعتراض وضرب الأجل، فإن ادعى بعد السنة الوطء بعد السنة لم يصدق قطعا، بيمين يعني أن المعترض إنما يصدق في الوطء الذي ادعاه في السنة بعد الحلف على الوطء الذي ادعاه، قال عبد الباقي: فإن ادعى بعدها الوطء فيها لم يصدق على ظاهر المص لتقديمه فيها على الوطء، وعلل بأنه يريد أن يسقط حقها من الفراق بدعواه الآن، وفي ابن هارون ما يفيد تصديقه بيمين في هذه أيضا، واقتصر الأمير على أنه يصدق إن ادعى بعد السنة الوطء في السنة فيفيد اعتماده على أن المص يمكن شموله لما لابن هارون. والله تعالى أعلم. ولهذا قال الشبراخيتي: وظاهره أن دعواه ذلك وقعت في السنة، ومثله ما إذا ادعى بعدها أنه وطئ فيها، وعلى هذا فقوله:"فيها" يصح تعلقه بادعى وهو المتبادر من كلامه، ويصح تعلقه بالوطء. انتهى.
وفي الحطاب: قال ابن عرفة: ولو سألته اليمين قبل تمام الأجل فأبى ثم حل الأجل فقال أصبت فله أن يحلف فإن نكل الآن طلق عليه، ولو قال بعد الطلاق في العدة: أنا أحلف لم يقبل منه. ابن عرفة: ظاهره أنه بنفس نكوله عند تمام الأجل يطلق عليه. والله أعلم. ومثله للمتيطي عن ابن عمر، ورواية ابن حبيب: قال وقال غيره: إن نكل حلفت وفرق بينهما. انتهى. والمشهور سواء كانت بكرا أو ثيبا، وقول ابن عرفة: ظاهره أنه بنفس نكوله يعني ظاهر قوله فإن نكل الآن طلق عليه. والله أعلم. انتهى. ويأتي قريبا إن شاء الله أن هذا مقابل للمدونة.
فإن نكل حلفت يعني أن المعترض إذا لم يحلف على ما ادعاه من الوطء في السنة بأن نكل عن اليمين فإن المرأة تحلف على نفي ما ادعاه من الوطء في السنة ويفرق بينهما قبل تمام السنة فيسقط حقه من الأجل، خلافا لما في الموازية من أنه يبقى للسنة ثم يطلب بالحلف ولا يكون نكوله أولا مانعا من حلفه عند تمام السنة، فإن نكل فرق بينهما فإن ما فيها مقابل للمدونة.
وإلا بقيت يعني أن المرأة إذا لم تحلف بل نكلت بعد نكول الزوج فإنها تبقى زوجة له ولا كلام لها بعد ذلك؛ لأن النكول بعد النكول تصديق للناكل الأول فهي مصدقة له على الوطء. وإن لم يدعه طلقها يعني أن المعترض إذا لم يدع الوطء بأن وافق على عدمه أو سكت فإن الزوج يؤمر بطلاقها حيث اختارت الفراق فإن طلقها فواضح.
ابن عبد السلام: وقال بعض الشيوخ: يوقع الزوج منه ما شاء وظاهره أنه يكون له أن يوقع اثنتين أو ثلاثا. انتهى. قاله الحطاب.
وبما قررت علم أن قوله: "طلقها" معناه أمر بطلاقها كما صرح به الشيخ إبراهيم.
وإلا يطلقها فهل يطلقها الحاكم أو يأمرها به؟ يعني أنه إذا أمرناه بالطلاق وامتنع منه فإن الشيوخ اختلفوا فيمن يوقع الطلاق عليه، فمنهم من قال: يوقعه الإمام وهو المشهور على ما قاله المتيطي، ومنهم من قال: يأمرها الحاكم بأن توقع الطلاق وهو لأبي زيد عن ابن القاسم، وأفتى به ابن [عتاب]
(1)
ورجحه ابن مالك وابن سهل، وظاهره بأي صيغة كقولها أنت طالق أو طلقتك أو طلقت نفسي منك أوأنا طالق منك، وتنزل منزلة الحاكم في إيقاعها واحدة وتبين بها لكونها مطلقة قبل البناء لا لنيابتها عن الحاكم. قاله الشيخ عبد الباقي.
ثم يحكم به يعني أن الحاكم إذا أمرها بالطلاق وأوقعته فإنه يحكم به لا ليكون الطلاق بائنا بل ليرفع خلاف من لا يرى أمر القاضي لها في هذه الصورة حكما بهذا فسره الشيخ عبد الباقي وغيره، وقال الشيخ محمد بن الحسن: إن معنى يحكم به، يشهد به وليس مراده ما يتبادر منه من الحكم به لأنه لم يقع في النص ما يشهد له ولا إعذار في الشهود الذين شهدوا بتطليق نفسها. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم عند قوله:"ثم يحكم به": لا حاجة لذكره إذ لا تتوقف صحته ولا بينونته على حكم الحاكم به كما يفيده كلام ابن عرفة وغيره.
وقوله: قولان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك قولان، وظاهر المص أنه لا ترجيح في واحد منهما، وليس كذلك لما عرفت، قال الشيخ محمد بن الحسن: فحق المص أن يقتصر على الأول أو يقول خلاف، وفي نوازل ابن سهل أن الحاكم يقول لها بعد نظره لما يجب: إن شئت أن تطلقي نفسك
(1)
في النسخ عات والمثبت من البناني ج 3 ص 241 وابن سهل.
وإن شئت التربص عليه، فإن طلقت نفسها أشهدنا على ذلك، وفي هذه المسألة وما أشبهها من امرأة المولي والمعتقة تحت العبد وغير ذلك اختلاف بين الشيوخ هل تكون المرأة هي الموقعة للطلاق أو السلطان. وفي التبصرة بعد ذكر شيء من المسائل التي لابد فيها من حكم الحاكم: وإذا تقرر أن هذه المسائل وما أشبهها لابد فيها من حكم الحاكم فهل صدور الطلاق فيها عن الحاكم أو عن الزوجة أو بعضه عن الحاكم وبعضه عن الزوجة؟ اختلف في هذه المسائل فحكى ابن سهل فيها أن القاضي أبا محمد بن السراج أجاب فيها أن الطلاق للرجال إلا ما وقع فيه تخيير أو تمليك فذلك بيد المرأة بما جعله الزوج إليها. انتهى. وقد قال صلى الله عليه وسلم لبريرة: [أنت أملك بنفسك إن شئت أقمت مع زوجك وإن شئت فارقته]
(1)
، وقال ابن عبد السلام عن أصبغ: وأرى في الإمام إن طلق في الإيلاء والنفقة والإضرار والجنون والجذام بأكثر من واحدة لا يلزم منه إلا واحدة. انتهى. ونقله في التوضيح. قاله الحطاب. ومما يحتاج إلى نظر وتحرير وبذل جهد في تحرير سببه الطلاق بالإعسار والطلاق بالإضرار والطلاق على المولي لأنه يفتقر إلى تحقيق الإعسار، وهل هو ممن يلزمه الطلاق بعدم النفقة أم لا؟ كما إذا تزوجت فقيرا علمت فقره فإنها لا تطلق بالإعسار بالنفقة، وكذلك تحقيق صورة الإضرار وكذلك يمين المولي هل لعذر أم لا؟ كمن حلف أن لا يطأها وهي مرضع خوفا على ولده، فينظر فيما ادعاه فإن كان مقصوده الإضرار طلقت عليه، وإن كان لمصلحة لم تطلق عليه وكذلك حكم التطليق على الغائب ونحو هؤلاء. انتهى. نقله الحطاب.
ولها فراقه بعد الرضى يعني أن زوجة المعترض التي رضيت بالمقام معه بعد مضي الأجل الذي ضرب لها لها أن تفارقه من غير احتياج إلى ضرب أجل ثان كما قال: بلا أجل أي بلا ضرب أجل ثان، وأما لو رضيت ابتداء بلا تقدم ضرب أجل ثم قامت فلا بد من ضرب الأجل، ومحل كلام المص حيث كان رضاها به مقيدا بأجل كما إذا قالت: أنا أتركه لأجل آخر فلها فراقه بعد مضيه لا قبله كما روى أبو زيد عن ابن القاسم، ومفهومه أنها لو قالت رضيت به أو بالمقام معه
(1)
الطبرانى في الأوسط 8967.
أبدا فليس لها فراقه حينئذ، ويفيده قوله أول الفصل:"أو لم يرض". قاله الشيخ عبد الباقي وغيره. قال الشيخ محمد بن الحسن في قوله مفهومه لخ: في شرح ابن رحال ما نصه: والظاهر من كلامهم أن هذا يعني قولها أتركه لأجل آخر غير شرط، وكذا إذا قالت رضيت بالمقام معه. انتهى. وهو ظاهر التوضيح ومَشْرُوحِه. انتهى.
الرهوني: في كلام البناني نظر لأنها إذا صرحت بالرضى بالمقام معه أبدا لم يكن لها قيام باتفاق، ولا يلزم من كون ظاهر كلامهم أن لها القيام مع [سقوطها]
(1)
أن يكون لها ذلك مع ثبوتها، وقال الشيخ عبد الباقي: وقوة النص تعطي أن امرأة المجذم لها القيام وإن لم يقيد رضاها بالمقام معه قوله وقوة النص لخ هذا فيه نظر ونص التوضيح: فإن رضيت بالمقام معه أي مع المجذوم ثم أرادت الفراق، فقال ابن القاسم: ليس لها ذلك إلا أن يزيد، وقال أشهب: لها ذلك وإن لم يزد، وحكى في البيان ثالثا: ليس لها رده وإن زاد، وقوله:"ولها فراقه بعد الرضى بلا أجل" أي لها أن تطلق نفسها وإن لم ترفع إلى السلطان كما في العتبية، وفي الموازية: ليس لها أن تفارق دون سلطان.
والصداق بعدها يعني أن امرأة المعترض إذا فارقته بعد السنة يتكمل لها الصداق، فإن طلق قبل السنة فلها النصف وتعاض المتلذذ بها بالاجتهاد فلها شيئان، النصف لوجوبه بالطلاق والحال أنه لم يطأ، وتعاض مع النصف لتلذذه ومعالجته، وعللوا تكمل الصداق لها بعد السنة بأنها مكنت من نفسها وطال مقامه معها وتلذذ بها وأخلق شورتها. أبو عمران. جعل مالك الحجة في تكميل الصداق التلذذ وإخلاق الشورة فظاهره أنه متى انخرم أحدهما فلا تكميل. قاله الشيخ عبد الباقي.
قوله: فإن طلق قبلها فلها النصف؛ يعني إذا لم يطل مقامها معه وإلا فلها الصداق كاملا، ولفظ الحطاب: وأما قبل انقضاء الأجل إذا لم يطل مقامها معه فلها النصف. قاله في المدونة. ونقله في التوضيح. وقوله: "وتعاض المتلذذ بها" نقله ابن عرفة عن اللخمي. قاله الشيخ محمد بن الحسن، وبه تعلم ما في تنظير أحمد حيث قال: وانظر إذا طلق قبل السنة هل يلزمه نصف الصداق أو
(1)
في النسخ سقوط أبدا والمثبت من الرهوني ج 3 ص 282.
تعاض لتلذذه أم لا؟ انتهى. وقال الشيخ عبد الباقي: فإن قلت لم كان لها النصف فقط بفراقه قبل السنة مع أنه تلذذ بها لأن الفرض أنه كان مرسلا عليها؟ قلت: لعدم وطئه لها فلها النصف بالطلاق، وتعاض مع النصف لتلذذه ومعالجته فلها الأمران على ما فهمه الشيخ سالم. انتهى.
كدخول العنين يعني أن العنين إذا دخل بزوجته ثم طلق باختياره فإنه يتكمل عليه الصداق لا إن طلق عليه لعيبه، ومعنى دخول العنين إرخاء الستر وتلذذه، والعنين هو صغير الذكر جدا بحيث لا يمكن له الجماع. والمجبوب يعني أن المجبوب إذا دخل بزوجته ثم طلق باختياره فإنه يتكمل عليه الصداق لا إن طلق عليه لعيبه والخصي أولى من المجبوب، ومعنى دخول المجبوب إرخاء الستر وتلذذه.
وفي تعجيل الطلاق إن قطع ذكره فيها قولان يعني أن المعترض إذا أجل سنة ثم قطع ذكره في أثناء السنة المضروبة له وطلبت الزوجة الفراق، فقد اختلف الشيوخ في ذلك على قولين، أحدهما أنه يعجل عليه الطلاق إذ لا فائدة في انتظار تمام السنة وتعطى نصف الصداق وهو لابن القاسم، والثاني أنه لا يعجل لها الطلاق بل تبقى حتى تمضي السنة لعلها ترضى بالمقام معه. حكاه في البيان عن مالك. وقوله:"قطع" بالبناء للمفعول، قال الشيخ عبد الباقي: وأما لو قطعه هو فيعجل الطلاق قطعا ولها النصف حينئذ، وانظر لو قطعته هي عمدا؟ واتفقوا على أن قطع ذكر المولي يبطله وتثبت الزوجية، وكذا من قطع ذكره بعد البناء والوطء ولم يكن موليا لا يفرق بينهما كما يؤخذ من قوله:"السابق لا بكاعتراض". انتهى. وقوله: وانظر لو قطعته هي عمدا، حكى الأمير الاتفاق على أنها تبقى زوجة إن قطعته، وسيأتي في كلامه قريبا.
وفي حاشية الشيخ محمد بن الحسن عند قول المص: "أو ترك الوطء ضررا" في التوضيح ما نصه: اختلف فيمن قطع ذكره لعلة نزلت به أو قطعه خطئا، فقال مالك مرة: لا مقال لها، وقال في كتاب ابن شعبان: لها القيام فإن تعمد قطعه أو شرب دواء ليقطع عنه لذة النساء أو شربه لعلاج علة هو عالم أنه يذهب بذلك أو شاك كان لها الفراق باتفاق. انتهى. وقوله: "قولان" في المسألة قول ثالث وهو أنه تبقى زوجة وذلك مصيبة نزلت بها، وقال الشيخ الأمير: فإن جب في الأجل فهل يبطل كالإيلاء ويثبت الخيار أو يتربص لعلها ترضى؟ خلاف، وقيل بل تبقى كجب
الصحيح بعد الدخول ويتفق عليه إن قطعته هي وعلى الفراق إن قطعه هو. انتهى. وقال في الشرح بعد قوله: وقيل بل تبقى ما نصه: ذكرته مع ضعفه لأفيده ولأتوصل لما بعده؛ يعني قوله: "كجب الصحيح" لخ. والله سبحانه أعلم.
وأجلت الرتقاء للدواء يعني أن الزوجة إذا أرادت أن تعالج رتقها وهو المراد بالدواء فإنها تؤجل أي تؤخر لتداويها مدة، ويلزم الزوج الصبر تلك المدة حتى تنظر ما يؤول إليه أمرها، فإن زال الرتق فلا خيار له وإلا فله الخيار، فإن شاء فارق وإن شاء أقام معها. بالاجتهاد يعني أن تلك المدة التي تؤخر بها الرتقاء تكون باجتهاد أهل الخبرة من غير تحديد على المشهور، وقيل شهران والظاهر أن أجرة القطع عليها والنفقة عليه لقدرته على الاستمتاع بغير وطء. قاله الشيخ عبد الباقي. وعبارة الشيخ الأمير: والأجرة عليها لأنها مطلوبة بالتمكين. وهذا من توابعه.
ولا تجبر عليه إن كان خلقة يعني أنها لا تجبر على الدواء إن كان رتقها خلقة بأن كان عليها في التداوي أي قطع ما به رتقها ضرر، سواء كان يحصل بعد التداوي نقص للمتعة أم لا، وتجبر هي على التداوي إن لم يكن رتقها خلقة بأن لم يكن عليها في التداوي أي قطع ذلك ضرر، سواء كان يحصل بعده نقص للمتعة أم لا، والحاصل أن الصور أربع يجبر الآبي منهما لصاحبه في واحدة، وهي: ما إذا لم يكن عليها في التداوي ضرر ولم يحصل بعده نقص للمتعة وتجبر هي دونه في واحدة وهي ما إذا لم يكن عليها في التداوي أي القطع ضرر ولكن يحصل بعده نقص للمتعة، ويجبر هو دونها في واحدة وهي ما إذا كان عليها في التداوي ضرر ولم يحصل بعده نقص للمتعة، فإن رضيت بالتداوي في هذه الحالة وطلق قبل البناء فعليه نصف الصداق، ولا يجبر واحد منهما في واحدة وهي ما إذا كان عليها في التداوي ضرر ويحصل بعده نقص في المتعة، ومثل الرتقاء في جميع ما ذكر غيرها من ذوات داء الفرج.
وقوله: "وأجلت الرتقاء للدواء بالاجتهاد"، قال الشيخ عبد الباقي: وهذا إذا رجي برؤه بلا ضرر، قال الشيخ محمد بن الحسن: التقييد بهذا فيه نظر، بل الصواب إسقاطه لأن قوله:"ولا تجبر" لخ يدل على الإطلاق. انتهى. وتحصل مما مر أنه إن كان لا يحصل بعد التداوي عيب وأرادت المرأة الدواء فليس للزوج كلام، فإن طلق فعليه النصف، وإن حصل بعده عيب فلا بد من
رضاه فإن لم يرض وطلق فلا شيء عليه، وقال الشبراخيتي: مفهوم الشرط جبرها إن لم يكن خلقة، ومرادهم بالخلقة ما كان أصليا في ابتداء الأمر من حين الولادة وبغيرها ما كان عارضا بسبب، كما إذا خفضت والتقت فخذاها فالتحم اللحم وإلا فالكل بخلق الله تعالى. انتهى. وقال الشيخ الأمير: وأجلت؛ يعني المرأة للدواء بالاجتهاد والأجرة عليها وجبرت إلا لخلقة لزيادة التأذي.
وجس على ثوب منكر الجب ونحوه أي نحو الجب وهو العنة والخصاء؛ يعني أن المرأة إذا ادعت على زوجها أنه مجبوب أو خصي أو عنين، فإن أقر بذلك أخذ بإقراره وإن أنكر فإنه يجس على ثوب أي يلمس ذلك المحل منه من فوق حائل بظاهر اليد لا بباطنها ولا ينظره الشهود، قال الإمام الحطاب: قال ابن عبد السلام: فإن قلت قد نص بعضهم على أن ما لا يجوز النظر إليه لا يجوز لمسه ولو من فوق الثوب وهذا يدل على أنهما متساويان في المنع، فإذا دعت الضرورة إلى واحد وجب إلحاق الآخر به للمساواة ويترجح النظر؛ لأن حصول العلم به للشهود أقوى، قلت: هما متساويان في المنع فقط ولا شك أن الإدراك بالبصر أقوى مع أن اللمس كاف في حصول العلم فوجب الاقتصار عليه. انتهى.
أبو محمد: أجمعوا على مس الرجل فرج حليلته وفي نظره إليه خلاف تقدم. انتهى. وأما البرص والجذام في الرجل فقال ابن عرفة عن المتيطي: يعرف بالرؤية ما لم يكن في العورة فيصدق الرجل فيهما، وحكى بعض الموثقين عن بعض نظر الرجال إليه كالنساء إلى المرأة، وقال في مختصر المتيطية: وأما الجنون فإن ذلك لا يخفى على جيرانه وأهل مكانه. انتهى. انتهى كلام الحطاب.
وقال عند قوله: "ونحوه": نحو الجب الخصاء والعنة فهذه الثلاث قال ابن عرفة إن ثبت أحدها بإقراره لزمه، قلت: إن كان بالغا وإلا فكمنكر دعوى زوجته عليه. انتهى؛ يعني أنه بمنزلة المنكر. انتهى.
وقوله: "وجس على ثوب" قال ابن عرفة: الجس بظاهر اليد وقد قدمت ذلك في الحل، قال الشيخ عبد الباقي: وأجرة الجس عليه لقيام المانع به قياسا على ما تقدم من أن الدواء عليها لقيام المانع بها. انتهى.
وقوله: "وجس على ثوب منكر الجب ونحوه" قال الشبراخيتي: وهذا في شكوى عدم الوطء فإن شكت قلته فقيل يقضى عليه بمرة في كل أربع ليال وهو الصحيح لأن له أن يتزوج أربعا، فإن شكت كثرته قضي لها بثمان أربعة بالنهار وأربعة بالليل. نقله صاحب المفيد. عن عبد الله بن الزبير. وقال المغيرة بأربعة فيهما، وقال ابن حبيب: هي كالأجيرة ما قدرت عليه ولا يتقيد ذلك بأربع مرات في اليوم ولا بغير ذلك. أبو عمران: وهو الصحيح ذكره أبو الحسن، وينبغي أن يعول على هذا القول، ولو شكت طوله فهل يلبد أو يفرق بينهما قولان؟ وأما الغلظ بحيث لا تطيقه بوجه فعندي أنه لا يمكن فيه خلاف بل يفرق بينهما، ولو شكا منعها له لعدم قدرته عليها لكونه مقعدا، أو شهدت له امرأتان بذلك ربطت له. ذكره ابن فرحون في ألغازه. انتهى.
وقوله: "وجس على ثوب منكر الجب ونحوه" قال الشارح: هو قول ابن حبيب، ونحو الجب الخصاء والعنة واختار الباجي في جميع ذلك نظر الشهود إلى الفرج. انتهى. وقوله:"وجس على ثوب" لخ هو في دعوى عيب بالزوج يمكن معرفته بالجس.
وأشار إلى ما لا يمكن معرفته بالجس بقوله: وصدق في شأن الاعتراض يعني أن الزوج إذا ادعت عليه امرأته أنه معترض، فإن أقر بذلك فالأمر واضح وإن أنكر فإنه يصدق في نفي الاعتراض بيمين كما في المدونة. كذا نقله ابن محرز واللخمي. ونحوه لمحمد عن ابن القاسم عن مالك. وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وابن حبيب. وقيل يصدق بغير يمين، فقوله:"في الاعتراض" أي في شأن الاعتراض الصادق بنفي الاعتراض من أصله، وما تقدم من قوله:"وصدق إن ادعى فيها الوطء" لخ فيما إذا وافق على الاعتراض وادعى الوطء في السنة وهذه تفهم مما تقدم؛ لأنه إذا صدق في زواله بعد ثبوته فأحرى أن يصدق في إنكاره من أصله. قاله الشارح. قال الرماصي: ولا مخلص عن بحثه إلا أن يقال أتى بها ليرتب عليها قوله: "كالمرأة في دائها" أو للتنصيص على أعيان المسائل. انتهى. نقله الشيخ بناني.
وقوله: "وصدق في نفي الاعتراض" قال الشيخ الأمير: لأنهم رأوا إنعاظه من تحت الثوب فحشا لا يلزم به، وقال الشيخ إبراهيم: وقوله: "وصدق في الاعتراض" لخ إن قدرت الإثبات لم يصح في الاعتراض ودائها وإن قدرت النفي لم يصح في بكارتها، فالأولى أنه يقدر في شأن الصادق بالإثبات والنفي ويقدر في كل محل ما يناسبه. انتهى. ويصدق الرجل في نفي داء فرجه من جذام أو برص. قاله الشيخ سالم. قاله الشيخ عبد الباقي.
فرع: قال في النوادر: قال أصبغ: في امرأة المقعد تدعي أنه لا يمسها وأنها تمكنه من نفسها فيضعف عنها، وقال هو: تدفعني عن نفسها: فهي مصدقة مع يمينها ولا يعجل بفراقه إلا بعد سنة كالمعترض، ولو جعل الإمام بقربه امرأتين فإن سمعتا امتناعا منها أمر بها فربطت وشدت وزجرها وأمرها أن تلين له فذلك عندي حسن.
كالمرأة في دائها يعني أن الزوج إذا ادعى على امرأته عيبا في فرجها كعفل وبرص وغيرهما فإن أقرت بذلك فواضح وإن أنكرت فإنها تصدق في نفي ذلك بيمين، قال ابن الهندي: ولا تردها على الزوج. نقله عنه ابن هارون. وقال أبو إبراهيم: لها ردها عليه، وأما العيب في غير الفرج فإن كان يدعيه بوجهها وكفيها أثبت بالرجال ولابد فيه من عدلين، وإن كان يدعيه بغير الوجه والكفين من باقي الجسد كما قاله عبد الباقي أثبت بالنساء ولابد فيه من ذواتي عدل. وقوله:"كالمرأة في دائها" المراد به كما علم من التقرير ما كان بسوءتيها فهو على حذف مضاف، وقد علم حكم ما كان من العيب بغير سوءتيها.
ابن عرفة: لو أنكرت دعواه عيبها فما كان ظاهرا كالجذام والبرص يدعيه بوجهها وكفيها أثبت بالرجال، وما بسائر بدنها غير الفرج بالنساء وما بالفرج في تصديقها وعدم نظر النساء إليه وإثباته بنظرهن إليها قولان: الأول لابن القاسم، قال بعض الأندلسيين: وهو مذهب مالك وجميع أصحابه إلا سحنون. انتهى. ثم قال: وعلى الأول يعني القول بتصديقها قال ابن الهندي: وتحلف. انتهى. وقال الشارح عند قوله: "كالمرأة في دائها": أي أنها مصدقة إذا ادعاه الزوج وأنكرت وهو قول ابن القاسم وبه قال ابن حبيب وهو قول مالك وجميع أصحابه، حاشا سحنون
فإنه قال: ينظر إليها النساء، وروى ابن زياد مثله عن مالك وإليه ذهب ابن كنانة وقيل القول قولها مع يمينها. انتهى.
ووجوده حال العقد يعني أن الزوجين إذا تصادقا على العيب في المرأة وتنازعا في كونه موجودا حين العقد فقالت المرأة هو حدث بي بعد العقد فلا خيار لك، وقال هو بل العيب موجود حال العقد فالخيار ثابت لي في الرد وعدمه، فإن القول قول المرأة حيث كان التنازع بعد البناء، فإن كان قبل البناء فالقول قول الزوج أنها معيبة حال العقد، قال الإمام الحطاب: ملخص ما في البيان فيمن زوج ابنته على أنها صحيحة فتجذمت بعد سنة ونحوها، فقال الأب تجذمت بعد النكاح وقال الزوج قبله لا يخلو إما أن يتداعيا قبل البناء أو بعده، فإن كان بعد البناء فعلى الزوج البينة والأب مصدق. ابن رشد: ولابد من يمينه وينبغي كونها على العلم لأنه مما يخفى وإن كان ظاهرا الآن لإمكان كونه يوم العقد خفيا لأنه يزيد، إلا أن يشهد أن مثله لا يكون من يوم العقد إلا ظاهرا فيحلف على البت، فإن نكل حلف الزوج فكان له الرد، قيل على العلم في الوجهين وقيل على نحو ما وجبت على الأب هذا مشهور المذهب، وإن كان التداعي قبل البناء فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى الأب البينة. انتهى. ملخصا من ابن عرفة. والله أعلم. انتهى. وقوله:"ووجوده حال العقد" ظاهر في غير عيب الفرج، ويمكن أيضا في عيب الفرج الذي الكلام فيه بأن يعتمد الزوج فيه على إخبار امرأتين له به، فيقول هو موجود حال العقد وتقول هي حدث بعد العقد، فالقول قول الزوج حيث كان التنازع قبل البناء بخلاف ما إذا كانت المنازعة بعد البناء، فالقول قولها في حدوثه بعد العقد لا قوله هو إنه موجود قبل العقد. قاله الشيخ عبد الباقي.
أو بكارتها يعني أن المرأة تصدق في أنها بكر أي في كونها الآن وقت التنازع باقية على بكارتها حيث ادعت ذلك، وكذا تصدق فيما إذا ادعت أنها كانت بكرا وهو أزال بكارتها فتصدق في الصورتين معا، وما في بعض الشراح من أنها في الصورة الثانية لا تصدق بل ينظرها النساء، فإن قلن بها أثر قريب كان القول لها وإن قلن بها أثر يبعد كونه منه كان القول له بيمين هو قول سحنون ينظرها النساء، وهو خلاف المشهور الذي عليه المص. قوله:"أو بكارتها" ولا حد على
الزوج بقوله وجدتها ثيبا، فإن قال وجدتها مفتضة حد كما مر؛ لأن لفظه يشهد بفعل فاعل، وقوله:"أو بكارتها" هذا حيث يكون له الرد بالثيوبة كما قاله غير واحد، وقال الحطاب: هذا إنما ذكره أهل المذهب على القول بأنها ترد بشرط البكارة، ولا يبعد أن يجيء مثله فيما إذا اشترط أنها عذراء. والله أعلم. انتهى.
ابن عرفة: وما بالفرج في تصديقها وعدم نظر النساء إليه وإثباته بنظرهن إليه قولان، الأول لابن القاسم مع ابن حبيب ونقله بعض الأندلسيين عن مالك وكل أصحابه غير سحنون، والثاني لابن سحنون عن أبيه مع أبي عمران عن رواية عَلِيٍّ وقاله ابن لبابة ونقله عن مالك وأصحابه، وقال أيضا ابن عرفة عن المتيطي: إن كذبته في دعواه أنه وجدها ثيبا فله عليها اليمين إن كانت مالكة أمر نفسها، أو على أبيها إن كانت ذات أب. ابن حبيب: ولا ينظرها النساء ولا تكشف الحرة في مثل هذا. ابن لبابة: هذا خطأ وكل من يردها بالعيب يوجب أن تمتحن العيوب بالنساء، فإن زعمت أنه فعل ذلك بها عرضت على النساء، فإن شهدن أن الأثر يمكن كونه منه دينت وحلفت وإن كان بعيدا ردت به قيل دون يمين على الزوج، وقال ابن سحنون عن أبيه: لابد من يمينه فهذا الفرع إنما ذكره هكذا المتيطي وابن عرفة عن ابن لبابة في مقابل المشهور. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
قال جامعه عفا الله عنه: تأمل هذا النقل عن سحنون فبه تعلم بطلان قول العامة في بلادنا إن سحنونا يجيز نظر الرجل لعورة مثله وأن المرأة يجوز أن تنظر عورة المرأة على الإطلاق في ذلك ولا يقيدونه بالضرورة، وهذا غلط فاحش وجهل عظيم فيما يظهر، والذي وقفت عليه من كلامهم إنما هو في هذا المحل الذي هو محل الضرورة، وكيف يجيز سحنون النظر إلى العورة المغلظة بلا ضرورة تدعو إلى ذلك؟ وقد حكوا أن محل الخلاف الكائن في ستر العورة في الصلاة لا يتعدى لأعين الناس، وأما الستر عن أعين الناس فواجب إجماعا، قال الشبراخيتي: وأما ستر العورة عن أعين الناس فواجب إجماعا كما قاله ابن عبد السلام. انتهى. والله سبحانه أعلم.
وقال القرطبي: لا خلاف في تحريم النظر إلى العورة من الناس بعضهم إلى بعض ووجوب سترها عنهم إلا الرجل مع زوجته أو أمته، ولا خلاف أن السوءتين من الرجل والمرأة عورة، واختلف
فيما عدا ذلك من السرة إلى الركبة، ولا خلاف أن ذلك من المرأة عورة على النساء والرجال. انتهى المراد منه. ويأتي عن البناني أن الذي تلقاه من شيوخه أن العمل بفاس جرى بقول سحنون. انتهى. وقال الرهوني بعد نقله كلام البناني ما نصه: وقد ذكر هذا العمل الزقاق في لاميته وأبو زيد الفاسي في عملياته ونصه:
وجاز للنسوة للفرج نظر
…
من النساء إن دعا له ضرر
قال الرهوني: وهذا العمل ناسخ للعمل القديم، وظاهر العمليات أن العمل إنما جرى بالنظر لفرج النساء دون الرجال مع أن قول سحنون الذي جرى به العمل غير خاص بالنساء. انتهى. المراد منه. وقد رأيت في كلام العمليات التصريح بتقييد قول سحنون الذي جرى به العمل بالضرورة.
وحلفت هى يعني أن المرأة مع تصديقها في المسائل الثلاث المشار إليها بقوله: "في دائها ووجوده حال العقد أو بكارتها" لابد من حلفها، ومحل حلفها حيث كانت رشيدة، وأبرز الضمير ليلا يلزم العطف فيما بعده على الضمير المستتر من غير فاصل؛ إذ قوله: أو أبوها عطف على الضمير المستتر في حلفت أي الرشيدة بدليل ما بعده بكرا كانت أو ثيبا.
إن كانت سفيهة شرط في حلف الأب يعني أن المرأة في هذه المسائل الثلاث لا تحلف إن كانت سفيهة وإنما يحلف أبوها، وإنما حلف الأب في هذه المسائل وإن كانت القاعدة أنه لا يحلف أحد ليستحق غيره لرد الغرم عن نفسه لأنه مقصر بعدم الإشهاد على أن وليته سالمة. قاله الشيخ عبد الباقي. وقول المص:"أو أبوها" لخ. ابن رشد: والأخ كالأب وغيرهما من الأولياء لا يمين عليهم بل عليها. قاله ابن حبيب. وهو صحيح وينبغي كونها على العلم لأنه مما يخفى وإن كان ظاهرا لأنه يزيد، إلا أن يشهد أن مثله لا يكون يوم العقد إلا ظاهرا فيحلف على البت، فإن نكل حلف الزوج على نحو ما وجبت على الأب هذا مشهور المذهب، وقيل كل في ذلك على البت وقد تقدم شيء من هذا.
المتيطي: قال بعض الموثقين عن بعض شيوخه: إذا كان الزوج لم يدخل بالزوجة فإنما تجب اليمين عليها لا على الولي، وإن كان قريب القرابة لأنه لا غرم عليه قبل الدخول، وإن كان قد
دخل بها بحيث يجب الغرم على الولي فعليه إن كان قريب القرابة وعليها إن لم يكن قريبا. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
ولا ينظرها النساء هذا كالتأكيد لقوله: "كالمرأة في دائها" لخ يعني أن المرأة تصدق في نفي داء فرجها وبقاء بكارتها، وأنها كانت بكرا وأزالها الزوج فلا ينظرها النساء ليشهدن له أو لها، وهذا هو المشهور كما تقدم التصريح به، وقد مر قول ابن عرفة: وما بالفرج في تصديقها وعدم نظر النساء إليه وإثباته بنظرهن إليه قولان: الأول لابن القاسم مع ابن حبيب ونقله بعض الأندلسيين عن مالك وكل أصحابه غير سحنون، والثاني لابن سحنون عن أبيه مع أبي عمران عن رواية على، وقاله ابن لبابة ونقله عن مالك وأصحابه إلى آخر ما مر. وقال الشيخ محمد بن الحسن: الذي تلقيته عن بعض شيوخنا المفتين أن العمل جرى بفاس بقول سحنون: ينظرها النساء.
وإن أتى بامرأتين تشهدان له قبلتا يعني أن محل تصديق المرأة في المسائل الثلاث إنما هو حيث لم يأت الزوج بامرأتين تشهدان له على ما هي مصدقة فيه، وأما إن أتى بامرأتين تشهدان له على ما قال فإنهما تقبل شهادتهما ولا تصدق المرأة حينئذ، وظاهر المص ولو كانت حلفت أولا ولا يكون نظرهما للفرج عمدا جرحة، إما لعذرهما بالجهل أو مراعاة لقول سحنون المتقدم، أو لأن جناية النظر من ارتكاب الصغائر وارتكاب الصغائر لا يكون جرحة إلا إذا كانت صغائر الخسة.
الشبراخيتي: فإن قلت قد تقرر في مبحث ستر العورة أنه لا يجوز النظر لفرج المرأة ولو رضيت؟ قلت: يحمل ما في ستر العورة على ما إذا لم يكن ذلك لنفع شرعي كما ذكروا في مسألة الطبيب وفي هذه المسألة. انتهى.
وإن علم الأب بثيوبتها بلا وطء وكتم فللزوج الرد على الأصح يعني أنه إذا تزوج رجل امرأة واشترط أنها بكر فإذا هي ثيب بغير وطء نكاح بل بكوثبة أو سقطة أو زنى كما صرح به الشيخ إبراهيم وغيره: فإن للزوج أن يرد نكاحها حيث علم الأب بتلك الثيوبة وكتمها عن الزوج، وله أن يبقى معها هذا هو قول أصبغ وصوبه ابن العطار، ومقابله لأشهب ليس له الرد، وعلم من كلام المص هنا وفي ما مر أنه إذا وجدها ثيبا فله خمسة أحوال: أحدها أن لا يكون هناك شرط فلا رد مطلقا كما قال والثيوبة، ثانيها أن يشترط أنها عذراء فله الرد قولا واحدا كما قال: إلا أن
يقول عذراء، ثالثها أن يشترط أنها بكر فيجد بكارتها أزيلت بلا نكاح ولم يعلم الأب ففيه تردد كما قال:"وفي بكر تردد" وسواء في هذا القسم أزيلت بزنى أو بغيره كوثبة أو سقطة أو غيرهما، رابعها أن يشترط البكارة فيجدها أزيلت بلا نكاح وعلم الأب بذلك وكتم فللزوج الرد على الأصح كما قال هنا، خامسها أن يشترط البكارة فيجدها ثيبت بنكاح فله الرد علم الأب أم لا ولا يتأتى في هذا القسم قوله:"على الأصح".
وما قررت به كلام المص هنا من أنه فيما إذا شرط الزوج البكارة تبعت فيه غير واحد وهو خلاف ظاهر تقرير الشارح فإن ظاهره شامل لما إذا اشترط الزوج البكارة ولما إذا لم يشترطها، وتقرير الشارح هو ظاهر إطلاق المص، قال الشيخ محمد بن الحسن: ما قرره به الشارح هو الظاهر من نقل المواق وعليه يكون ما هنا مخصصا لقوله فيما مر: "والثيوبة" كما ذكره ابن عاشر والله أعلم. انتهى.
يعني أنه على تقرير الشارح يكون قول المص: "والثيوبة" محله حيث لم يعلم الأب بالثيوبة، فهو محل عدم الرد بالثيوبة، ومحل قوله هنا حيث علم كما صرح به فلا تعارض بين كلامه. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وكتم" لا يعارض قوله الآتي: "وعليه كتم الخنا" لأنه يجب عليه كتم الخنا، ولكن يقول: هي ثيب.
ولما أنهى الكلام على ما يوجب الرد وما لا يوجبه شرع في الكلام على ما يترتب على الرد من أمر الصداق قبل البناء وبعده، فقال: ومع الرد قبل البناء فلا صداق يعني أنه إذا ظهر لأحد الزوجين أن بصاحبه عيبا ورده به قبل البناء فلا شيء للمرأة من الصداق، سواء كان العيب بها أو به وسواء حصل الرد بلفظ الطلاق أو بغيره في رد المرأة له بعيبه، وكذا إذا كان العيب بها وردها بغير طلاق، فإن ردها بطلاق فعليه نصف المسمى، وكلام المص يشمل العيب الذي يرد به بلا شرط والعيب الذي يرد به بشرط السلامة، وإنما لم يكن لها شيء من الصداق لأنها غارة حيث كان العيب بها وإن كان بالزوج فلأن الفراق جاء من قبلها مع بقاء سلعتها، وأما من طلق زوجته قبل البناء ثم ظهر أن بها عيبا يوجب له الرد، فهل كذلك أو لا شيء عليه؟ قولان أرجحهما الأول وهو الموافق لقوله:"ولو طلقها أو ماتا ثم اطلع على موجب خيار فكالعدم".
وقوله: "ومع الرد" لخ علم مما قررت أن هذه المسألة ليست كمسألة المعترض السابقة في قوله: "وإن لم يدعه طلقها وإلا فهل يطلقها الحاكم أو يأمرها" لخ؛ لأن الرد هنا يكون بغير طلاق. قاله الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم. والمراد بالبناء هنا الدخول أو الخلوة التي لم تقع فيها مناكرة، والفاء واقعة في جواب مع؛ لأن سيبويه يجري الظروف المبهمة مجرى الشرط كقوله تعالى:{وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} لا في جواب أما كما قال البساطي: لأن الرضيَّ ضبط المواضع التي تقدر فيها أما وليس هذا منها. قاله الشيخ إبراهيم. وقوله: "ومع الرد" لخ أما إن كان هو الرادَّ فلا خلاف أنه لا شيء للمرأة، إلا أن ابن عبد السلام قال فيما إذا زوج البكر أبوها أو من يعلم أنه عالم بعيبها قد يقال يجب لها على الزوج نصف الصداق وترجع به على وليها وفيه نظر. انتهى. وأما إن كانت هي الرادة فالذي تقدم هو أحد قولين وهو ظاهر المذهب، وقيل لها نصف الصداق. والله أعلم. قاله الحطاب والشارح. وزاد لأنه غار وقد دخل على أنها ترده بذلك ويغرم الصداق إن دخل ونصفه إن لم يدخل. انتهى.
كغرور بحرية يعني أن أحد الزوجين إن غر صاحبه بأنه حر فتبين أنه عبد فرده بذلك قبل البناء فلا شيء للمرأة من الصداق؛ لأنها إن كانت هي الغارة فظاهر، وإن كان هو الغار فالفراق جاء من قبلها وسلعتها لم تفت، وسواء في هذا كانا رقيقين أو أحدهما حر والآخر رقيق. الحطاب: لا شك أنه يعني كَلامَ المص يشمل أربع صور: الأولى والثانية تزويج الحر الأمة والحرة العبد من غير تبيين فأحرى إذا شرط أنها حرة أو شرطت هي أنه حر، الثالثة والرابعة إذا غر العبد الأمة بالحرية أوغرت الأمة العبد بالحرية كما تقدم. انتهى. وقوله:"كغرور بحرية" وكذا بإسلام. قاله الشيخ عبد الباقي. ولو وقع الغرور من كل بالحرية لجرى على حكمه، وقوله:"كغرور بحرية" التشبيه لإفادة أن الرد قبل البناء لا شيء فيه.
وبعده فمع عيبه المسمى يعني أنه إذا رد أحد الزوجين صاحبه بالعيب بعد البناء، فإن كان العيب بالرجل فلها المسمى بالدخول وهذا فيمن يتصور وطؤه كمجنون وأبرص، بخلاف العنين والمجبوب ومقطوع الذكر فإنه لا مهر عليهم، ولا يعارض هذا ما مر من أن دخول العنين
والمجبوب يوجب الصداق [لأنهما]
(1)
فيما تقدم طلقا وهنا طلق عليهما. قاله الشيخ بناني. وقوله: "فمع عيبه" أي مع ردها له بعيبه سواء كانت هي معيبة أم لا، ولو أراد كل منهما الرد فالظاهر أن لها عليه صداق مثلها إلا إن كان المسمى دونه فليس لها سواه. قاله عبد الباقي.
وقال الحطاب: وإن غر عبد حرة بأنه حر فتزوجها بغير علم سيده ثم علم فأجاز فلها الخيار، فإن فارقت بعد البناء فلها المسمى وإن فارقت قبله فلا شيء لها، وإن لم يقل لها إني حر ولا عبد فلها الخيار أبدا وهو غار حتى يخبرها أنه عبد، وأما العبد يغر الأمة فلم أر من قال إن لها المسمى إلا أنه لازم لما تقدم من أن الخيار لها إذا غرها. والله تعالى أعلم. ولو غر رجل غير زوج الحرة أو الأمة وقال لها تزوجي هذا فإنه حر فالظاهر أنه لا رجوع لها عليه لأنه غرور بالقول كما سيأتي في قول المص:"وعلى غار غير ولي". انتهى.
ومعها رجع بجميعه يعني أن الزوج إذا رد زوجته بالعيب بعد أن بنى بها فلها جميع الصداق على زوجها، وإذا غرمه لها فإنه يرجع بجميعه على وليها على ما يأتي قريبا إن شاء الله، وقوله:"رجع بجميعه" كان النكاح صحيحا أو فاسدا، وهذا في العيوب التي ترد بها وإن لم تشترط السلامة، وأما العيوب التي لا يرد بها إلا بشرط السلامة فإنه يرجع بما زاد من المسمى على صداق المثل، كمن زوج وليته على أن لها من الجهاز كذا فلم يوجد وكلام المص في الحرة بدليل قوله:"كابن وأخ" لا في الأمة إذ لا ولي لها من قرابتها مع سيدها وإنما وليها سيدها. قاله غير واحد.
لا بقيمة الولد يعني أن الزوج إذا غره أجنبي بحرية أمة وتولى عقدها له ذلك الأجنبي الذي غره، وكان توليه لعقدها بإذن سيدها ولم يخبره أنه غير ولي بل أخبره أنه ولي أو لم يخبره بشيء، فإن الزوج يغرم لسيدها المسمى وقيمة ولدها كما يأتي إن شاء الله، وإذا غرم ذلك لسيدها فإن الزوج يرجع على الأجنبي الذي غره بالمسمى لا بقيمة الولد التي غرمها للسيد؛ لأن الغرور سبب في لزوم الصداق للزوج، وغروره وإن كان سببا لإتلاف الولد هو سبب بعيد إذ ليس كل وطء ينشأ عنه ولد، وأما لو غره الأجنبي بحرية الأمة وتولى العقد بغير إذن سيدها فإن الزوج إنما يرجع
(1)
في النسخ: لأنه، والمثبت من البنانى ج 3 ص 244.
عليه بصداق المثل؛ لأنه الذي يغرمه للسيد مع قيمة الولد، ويتحتم فسخ النكاح كما مر ولو أخبر الأجنبي الزوج أنه غير ولي فلا يرجع الزوج عليه بالصداق ولا بقيمة الولد كما إذا لم يتول العقد، ويأتي ذلك للمص قريبا إن شاء الله تعالى. انظر شرح الشيخ عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي مفسرا للمص: أي إذا غر الزوج غير السيد بحرية الأمة وتولى العقد بإذنه ولم يخبر أنه غير ولي بل أخبر أنه ولي أو لم يخبر بشيء فعلى الزوج المسمى وقيمة الولد، ويرجع على الغار بالمسمى لا بقيمة الولد، ثم قال: وأما لو غر بحريتها السيد فإن الزوج لا يرجع عليه بما دفعه له من الصداق إن كان أقل من صداق المثل أو مساويا له، وإن كان أكثر رجع عليه بما زاده على صداق المثل، وأما لو كان الغرور منها فإن الزوج لا يرجع عليها بالمسمى، وأما إن تولاه الغار بغير إذن السيد فإن الزوج إنما يرجع عليه بصداق المثل؛ لأن السيد إنما يغرمه حينئذ ذلك لا قيمة الولد، وأما إذا أخبر أنه غير ولي فلا يرجع الزوج عليه بشيء من الصداق ولا من قيمة الولد، كما أنه لا رجوع للزوج على الأجنبي الذي غره بحرية الأمة ولم يتول العقد بشيء من ذلك، وهل يغرم الزوج للسيد قيمة الولد في هذه الأقسام ما عدا كون الغرور منها أم لا؟ قولان، وإن كان الغرور منها فعلى الزوج قيمة الولد لسيدها كما يأتي، وقوله:"لا بقيمة الولد" إنما يتصور في الأمة لا في غيرها وليس هذا محله بل بعد قوله: "وعلى غار غير ولي تولى العقد" وأما الغرور بالعدة فإن كان منها ترك لها ربع دينار وإن كان من وليها رجع عليه بالصداق إن كان عالما وإلا رجع عليها به إلا ربع دينار. انتهى. وفيه خلاف ما مر عنه وهو أن السيد إذا غر ولم يتول العقد ففيه قولان: أحدهما اللازم له قيمة الأمة لأنها أمة محللة، والآخر اللازم له ربع دينار نظرا إلى صورة العقد. وأما لو تولى العقد فالقيمة لا غير. انتهى. قوله: وليس هذا محله هكذا قال غيره، والذي يظهر أن هذا هو محله؛ لأن قوله:"رجع بجميعه" منصب على قوله: "على ولي لم يغب". وعلى قوله: "وعليه وعليها" وعلى قوله: "وعليها في كابن العم"، وعلى قوله:"وعلى غار" لخ. قاله جامعه عفا الله عنه. والله سبحانه أعلم.
ولما قدم قوله: "رجع بجميعه" بين الرجوع عليه بقوله: على ولي لم يغب متعلق بقوله: "رجع" يعني أن الزوج إذا غرم الصداق لذات العيب بعد أن بنى بها فإنه يرجع بجميع الصداق الذي
دفعه لها على وليها الذي لم يغب عنها أي لم يخف عليه أمرها كابن وأخ هذا مثال للولي الذي لا يخفى عليه أمرها؛ يعني أنه يرجع بجميع الصداق على الولي الذي لا يخفى عليه أمرها، سواء كان قريب القرابة كابنها وأخيها أو بعيدها كعمها، ومفهوم لم يغب أنه إن غاب عنها أي لم يخالطها بحيث يخفى عليه أمرها فإنه لا يرجع عليه بشيء ولا يرجع الزوج على الولي بما كان من الصداق مؤجلا إلا بعد أن يغرمه للزوجة، ولو خشي الزوج فلس الولي كما قاله الشيخ بناني رادا على عبد الباقي في نقله عن ابن عرفة، وقال بعد جلب كلامه: وهو صريح في بطلان ما فصله، وتفصيل عبد الباقي الذي أبطله هو أنه إن خشي فلس الولي رجع عليه بالمؤجل عاجلا وإلا لم يغرم الولي إلا بعد غرمه أي الزوج للمرأة. والله سبحانه أعلم. وإن زوج الأخ أو غيره مع وجود المجبر بإذنه فالغرم على المجبر. انظر حسن نتائج الفكر.
وقال الحطاب: وإن زوجها الأخ وهي بكر بإذن الأب فالغرم على الأب، وإن كانت ثيبا فعلى الأخ. قاله في النوادر. ونقله ابن فرحون. وابن عرفة.
وعلم مما قررت أن معنى لم يغب هو أن يخالطها بحيث لا يخفى عليه أمرها، وأن معنى غاب التي هي مفهوم لم يغب هو أن لا يخالطها بحيث يخفى عليه أمرها، وليس معناه: سافر.
ولا شئ عليها يعني أن الزوج إنما يرجع بالصداق على الولي الذي لم يغب كما عرفت وليس له على المرأة شيء ولا يرجع الولي عليها بشيء إن كان قد دفعه، ويلزمه أي الزوج أن يدفعه للزوجة إن كان لم يدفعه لها حيث كان حالا، ويغرم لها ما كان مؤجلا بعد حلوله ثم يرجع به على الولي كما مر قريبا، وهذا إذا كانت غائبة عن محل العقد ويأتي مفهومه قريبا، وقوله:"ولا شيء عليها" أي لا رجوع للولي عليها كما علمت لأنه مدلس، ولا رجوع للزوج عليها ولو مات الولي الذي لم يخف عليه أمرها ولم يخلف شيئا أو أعدم على قول مالك وأصحابه. وقال ابن حبيب: يرجع عليها في عدم الولي، قال عبد الباقي: وإن غر ولي المرأة بانقضاء عدتها وزوَّجها في العِدَّة رجع الزوج عليه بجميع الصداق حتى بربع دينار مع فسخ النكاح ولا يرجع الولي عليها، وكذا يرجع به الزوج عليها دون الولي إن غرته إلا ربع دينار، وانظر التوضيح.
والفرق أنها أخذت الصداق كله في غرور وليها ولم يرجع عليها به وأما في غرورها فلو أخذه منها كله لعري البضع عن ربع دينار. انتهى. وقوله: "ولا شيء عليها" أي وإنما هو على الولي الذي لم يغب وهو قول مالك في الموطأ، وقيل إنما يرجع في الخفي على المرأة، وظاهر كلام اللخمي أن داء الفرج الباطن لا شيء على الولي فيه. قاله الشارح. وقال الشبراخيتي: وكلام المص في عيب يظهر قبل البناء، وأما في عيب لا يظهر إلا بالبناء كالعذيطة والعفل بناء على أنه رغوة تحدث عند الجماع فحكم الولي القريب فيه كالبعيد. انتهى. وسيأتي أنه يرجع عليها في البعيد.
وعليه وعليها إن زوجها بحضورها كاتمين يعني أن الزوج إذا رد زوجته بعد أن بنى بها فإن له أن يرجع بجميع الصداق عليها أو على وليها؛ أي يرجع على من شاء منهما حيث عقدها الولي له بحضرتها وهي والولي كاتمان للعيب عن الزوج لأنهما غراه، فإن رجع الزوج عليها فلابد أن يترك لها ربع دينار كما إذا رجع على الولي ليلا يعرى الوطء
(1)
عن أقل الصداق، والواو في قوله:"وعليها" بمعنى أو، ولو عبر بها كان أولى. قاله الشيخ إبراهيم. وقال الإمام الحطاب: وإذا قلنا يرجع عليها فوجدها اشترت به جهازا فله عليها قيمته لأنها متعدية، قال اللخمي: وإذا ردت الزوجة بعيب جنون أو جذام أو برص والصداق عين ضمنته وإن هلك ببينة وإن اشترت به جهازها كانت في حكم المتعدية، فإن أحب الزوج أخذ نصفه أو ضمنها ما قبضت.
ثم الولي عليها إن أخذه منه يعني أن الولي في هذه المسألة أي قوله: "وعليه وعليها" لخ إذا رجع عليه الزوج بجميع الصداق فإنه أي الولي يرجع به على الزوجة، فالضمير في عليها عائد على الزوجة وهو متعلق برجع، والضمير المستتر في أخذه عائد على الزوج والبارز فيه عائد على الصداق، والضمير البارز في منه عائد على الولي.
لا العكس يعني أن الزوج إذا أخذ الصداق من الزوجة فإنها لا ترجع على الولي بشيء منه لأنها هي المباشرة للإتلاف، وعبارة الشيخ الأمير وإن كتما حاضرين خير ورجع الولي عليها إن أخذ منه وحيث رجع عليها ترك أقل المهر. انتهى.
(1)
البضع (م).
وعليها في كابن العم يعني أنه إذا كان الزوج للمرأة وليا بعيدا، والمراد به من يخفى عليه أمرها كابن العم والرجل من عشيرتها والمولى والسلطان فإن الزوج لا يرجع عليه بالصداق إن كان قد دفعه للمراة المعيبة، وإنما يرجع به على الزوجة ويترك لها ربع دينار لحق الله تعالى ليلا يعرى البضع عن الصداق، وإلى ذلك أشار بقوله: إلا ربع دينار، قال عبد الباقي: ويجري ذلك أيضا في قوله: "وعليه وعليها"، وفي قوله:"على ولي" لخ، قال البناني: قوله: "وعلى ولي" لخ فيه نظر بل ذلك خاص بما إذا كان الرجوع عليها، أما على الولي فيرجع بجميعه كما تقدم له في التنبيه قريبا، ويدل له نقل المواق. وقول المختصر قبله: رجع بجميعه. انتهى. وقوله: خاص بما إذا كان له الرجوع عليها معناه والله تعالى أعلم: فيما إذا كان له الرجوع عليها، فيشمل ما إذا رجع على الولي في مسألة التخيير فيترك له ربع دينار كما صرح به الشبراخيتي، وكما يشمله كلام عبد الباقي وكما يفيده كلام البناني نفسه. والله سبحانه أعلم.
فإن علم فكالقريب يعني أن الولي البعيد إذا خالط الزوجة بحيث لا يخفى عليه أمرها فإنه يكون كالولي القريب الذي لا يخفى عليه أمرها، فيرجع عليه فقط إن غابت عن مجلس العقد، وعليه وعليها إن زوجها بحضورها كاتمين، وقد مر أن الولي القريب إذا لم يخالطها حكمه حكم البعيد، وقال الحطاب: عند قوله: "فإن علم فكالقريب": أي فإن علم البعيد سواء كان عما أو ابن عم أو مولى أو من العشيرة أو السلطان نص عليه اللخمي. قال في النوادر: وهذا إن أقر أو قامت عليه بينة انتهى. وقوله: "فإن علم فكالقريب" قال الشارح: نص عليه ابن المواز وغيره. الشبراخيتي: القريب من لا يخفى عليه أمر وليته وإن كان غائبا، والبعيد من يخفى عليه أمرها ولو كان حاضرا. انتهى.
وحلفه إن ادعى علمه يعني أن الزوج له أن يحلف الولي البعيد حيث ادعى عليه دعوى تحقيق أنه يعلم عيب المرأة وكتمه عنه، فإن حلف فلا رجوع له على واحد من الولي والزوجة. قاله ابن عرفة. نقله الحطاب. كاتهامه يعني أن الزوج إذا لم يحقق الدعوى على الولي البعيد، بل قال إنه يتهمه بأنه يعلم بالعيب وكتمه فإن له أن يحلفه، فإن حلف فلا رجوع له على واحد منهما أي الزوجة والولي، فإن نكل في دعوى الاتهام غرم بمجرد نكوله؛ لأن دعوى الاتهام لا ترد،
وقال الشبراخيتي عند قوله "كاتهامه": أي اتهام الزوج الولي أنه اطلع على العيب وكتمه بأن قال: أتهمك أنك غررتني.
وقوله: على المختار قال غير واحد يجب حذفه إذ ليس للخمي في هذه اختيار، وقد علمت أن الولي إذا حلف في المسألتين لم يكن للزوج رجوع على واحد منهما، وأنه إن نكل في دعوى الاتهام غرم للزوج بمجرد نكوله، وأما إن نكل في دعوى التحقيق فلابد من حلف الزوج كما أشار إلى ذلك بقوله: فإن نكل حلف أنه غره ورجع عليه قد علمت أنه راجع لقوله: "وحلفه إن ادعى علمه" يعني أن الولي إذا نكل عن اليمين المتوجهة عليه عند دعوى الزوج عليه أنه يعلم عيب المرأة وكانت الدعوى دعوى تحقيق، فإن الزوج يحلف أن الولي غره أي أنه علم بالعيب وكتمه عنه، ويرجع بالصداق على الولي حينئذ، فإن نكل رجع على الزوجة يعني أن الزوج إذا نكل بعد نكول الولي فإن الزوج يرجع بالصداق على المرأة، قال المص: على المختار، قال الإمام الحطاب: ظاهره أنه إذا نكل الولي ثم نكل الزوج يرجع على الزوجة على المختار عند اللخمي وليس كذلك بل لم يذكر اللخمي فيها إلا أنه لا شيء على الولي ولا على الزوجة. والله تعالى أعلم. وقد سبقه ابن غازي فقال: هذا لم يذكره اللخمي هكذا نعم اختيار اللخمي فيما إذا حلف الولي البعيد أنه لم يعلم، وقال الشيخ عبد الباقي في قوله "فإن نكل": صوابه فإن حلف أي الولي رجع الزوج على الزوجة ينبغي بعد يمينه أنه غره، هذا هو الذي للخمي فيه اختيار والمذهب خلافه؛ أي أن الولي البعيد إذا حلف أنه لم يغره لم يرجع الزوج على الزوجة؛ لإقراره أن الولي هو الذي غره كما لا يرجع على الولي في حلفه.
وعلى غار غير ولي تولى العقد يعني أن الزوج إذا غره أحد وهو غير ولي بسلامة المرأة من العيب أو بحرية الأمة فإنه يرجع عليه بالصداق بشرط أن يكون هذا الغار تولى العقد ولا يترك منه ربع دينار، وإذا رجع الزوج بالصداق على من غره بحرية الأمة فإنه لا يرجع عليه بقيمة الولد التي يغرمها للسيد، وهذا هو محل قوله:"لا بقيمة الولد". قاله غير واحد. وقد مر الجواب عن المص وأن محله ما تقدم، ومعنى الغرور أن يقول في الأمة إنها حرة وفي ذات العيب إنها سالمة من العيب، وكلام المص مقيد بما إذا علم الغار أنها أمة، وأما إن لم يعلم فلا رجوع عليه. وقال
الحطاب: غروره بأن يقول إنها حرة أو سالمة من العيب. قاله ابن عبد السلام. قال في التوضيح: وينبغي أن يؤدب ويتأكد أدبه على النصوص بعد الغرامة انتهى وقيد الرجوع في المدونة بما إذا علم هذا الغار أنها أمة وأما إن لم يعلم فلا رجوع عليه.
إلا أن يخبر أنه غير ولي يعني أن محل رجوع الزوج على الأجنبي الذي غره وتولى العقد حيث لم يخبر الأجنبي الزوج أنه غير ولي، فإن أخبره أنه غير ولي وإنما عقد بولاية الإسلام أو بالوكالة فلا يرجع عليه بشيء ولا عليها، ومحل عدم رجوعه عليه ما لم يقل أنا أضمن لك أنها غير سوداء أو نحو ذلك فإنه يرجع عليه بالصداق لتصريحه بلفظ الضمان، ومثل إخباره بأنه غير ولي علم الزوج بذلك.
لا إن لم يتوله هذا مفهوم قوله: "تولى العقد" يعني أن الأجنبي إذا غر الزوج بالعيب أو بحرية الأمة ولم يتول العقد فإنه لا يرجع الزوج عليه بشيء من الصداق، ومحل عدم الغرم في قوله:"لا إن لم يتوله" حيث لم يقل أنا أضمن لك كذا فيرجع عليه بما زاد على صداق مثلها إذا لم يجدها على ما ضمن وليا كان أو غيره كما في الحطاب عن التوضيح عند قوله: "ولو بوصف الولي". وقول التتائي هنا: وقيل يرجع بالزائد هو المعتمد فيما إذا لم يطلع على ذلك إلا بعد الدخول وإلا ثبت له الخيار في الفسخ ولا صداق والبقاء وعليه جميع الصداق. قاله عبد الباقي. انتهى.
وقال الحطاب: وإن أخبر أنه غير ولي فلا رجوع مطلقا علم أو لم يعلم، وكذا إن لم يتول العقد علم أو لم يعلم. قاله في المدونة. وليس هذا مخالفا لما تقدم نقله من أنه إذا قال أجنبي: أنا ضامن لك أنها غير سوداء أنه يضمن الصداق لأن هذا صرح فيه بلفظ الضمان. والله أعلم. انتهى.
وقال الشبراخيتي عند قوله "لا إن لم يتوله": لكن يتأكد أدبه، وكلام المص في الغار الأجنبي كما علمت، وأما إن كان الغار وليا ولم يتول العقد رجع عليه إن كان مجبرا وإلا فعلى من تولاه حيث علم بغرور الولي وسكت،
والحاصل أن الغار بالعيب أو بحرية الأمة إذا لم يكن وليا وتولى العقد فإن الزوج يرجع عليه بالصداق الذي دفعه للمعيبة أو الأمة بشرطين: أحدهما أن لا يخبر الغار الزوج أنه غير ولي، ثانيهما أن لا يعلم الزوج بأنه غير ولي، فإن انتفى القيدان أو أحدهما لم يرجع الزوج على الغار
الأجنبي بشيء حيث لم يقل أنا أضمن لك كذا وإلا رجع عليه، وأما إن لم يتول العقد فإن الزوج لا يرجع عليه بشيء حيث لم يقل: أنا أضمن لك كذا وإلا رجع عليه وأما إن كان الغار وليا ولم يتول العقد رجع عليه إن كان مجبرا وإلا فعلى من تولى العقد حيث علم بغرور الولي وسكت، وأما إن تولى العقد فقد علم مما مر أنه يرجع عليه بالأولى من قوله:"وعلى غار غير ولي تولى العقد"، وبالأولى من قوله:"فإن علم فكالقريب": وبالأولى من قوله: "وعلى ولي لم يغب". والله سبحانه أعلم.
ولما كانت قاعدة الشرع أن الولد تابع لأمه في الرق والحرية وخرج ولد الغارة عن ذلك لإجماع الصحابة على حريته تبعا لأبيه، أشار إلى ذلك بقوله: وولد الغرور الحر فقط حُرٌّ يعني أن الزوج إذا غُرَّ بحرية الأمة فإن أولاده من تلك الأمة يكونون أحرارا بشرط أن يكون هذا الزوج المغرور حرا، واحترز بقوله:"فقط" عن العبد المغرور بحرية الأمة فإن أولاده أرقاء لسيد أمهم؛ لأن العبد لا ملك له فلا يغرم قيمة ولده هذا هو طريق الأكثر، وقيل ولد العبد المغرور حر كولد الحر المغرور. قاله ابن عرفة. قاله بناني. وتستثنى مع هذه المسألة أيضا أم الولد التي ولدها من سيدها.
وعليه الأقل من المسمى وصداق المثل يعني أن الزوج المغرور بحرية الأمة يلزمه الأقل من المسمى وصداق المثل لأجل وطئه حيث كان الذي غره السيد أو الأمة، ويقيد في غرورها بما إذا أراد فراقها، فإن أراد إمساكها فعليه المسمى ولا يرجع عليها به، قال عبد الباقي: وإنما يجوز له إمساكها بشرط أن يأذن لها سيدها في استخلاف من يعقد لها سواء عينه أم لا، وإن أذن لها في النكاح ولم يأذن لها في الاستخلاف فسخ أبدا. قاله الحطاب. وفيه صداق المثل حرا كان المغرور أو عبدا. انتهى.
وقال الشيخ محمد بن الحسن: لم يجزم الحطاب هنا بشرط خوف العنت وعدم الطول، بل نقل عن أبي الحسن ما يفيد تردده في ذلك، والظاهر كما تقدم عند قوله:"وعلى الأمة والمجوسية" لخ عدم اشتراطهما لقول ابن محرز في الموضع المذكور: والأرجح عدم فسخه كمتزوج أمة بشرطه ثم وجد طولا لا يفسخ نكاحه وهو ظاهر المدونة هنا حيث خيره بين الفراق والإمساك ولم يشترط خوف العنت ولا عدم الطول، وذلك مبني في الموضعين على أن الدوام ليس كالابتداء. والله أعلم.
انتهى. وفي المدونة: وإذا أراد إمساكها فليستبرئها، قال أبو الحسن: ليفرق بين الماءين؛ لأن الماء الذي قبل الإجازة الولد فيه حر والذي بعدها الولد فيه رقيق، وتحصل مما تقدم أن نكاح الأمة الغارة لا يخلو من ثلاثة أوجه: الأول أن يكون السيد أذن لها في النكاح والاستخلاف وإنما غرت بالحرية فهذا يصح مقامه عليها بالمسمى، الثاني أن يتزوجها على أنها حرة ولم يكن السيد أذن فيه ولا في الاستخلاف وهذا يفسخ على المعروف أبدا، الثالث أن يكون أذن في النكاح ولم يأذن في الاستخلاف وهذا كالذي قبله في تحتم الفسخ. قاله الحطاب. وعلم مما مر أن الذي تلزم قيمته إنما هو الولد فقط، وأما الأم فهي باقية على رقها.
قوله: "وعليه الأقل من المسمى وصداق المثل"، قال الإمام الحطاب: هذا في الحر كما يفهم من التوضيح، وأما العبد فالمنصوص فيه إذا غرته الأمة أنه يرجع عليها بالفضل على مهر مثلها كما نقله ابن يونس وابن عرفة وغيرهما. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: وانظر أي فرق بين العبارتين؟ انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: الفرق بينهما أنه في هذه عليه صداق المثل ليس إلا. هذا ما ظهر لي والله سبحانه أعلم. وفي شرح الشيخ عبد الباقي أنه إن كان المغرور عبدا عليه الأقل من المسمى وصداق المثل إن غرت وفارقها وإلا فمهر المثل، وقال الأمير: وعلى من غرته الأمة أو سيدها الأقل من المسمى وصداق المثل إن رد فإن تمسك فالمسمى، وأما لو غر الزوجَ غيرُ السيد والأمة وتولى العقد بإذن السيد فإنه يرجع على الغار بالمسمى حيث لم يخبره بأنه غير ولي كما مر فلها المسمى، ولو تولاه بغير إذنه فإن الزوج إنما يرجع عليه بصداق المثل لأنه الذي يغرمه للسيد، ولو أخبر أنه غير ولي أو لم يتول العقد فالذي يظهر من هذا أن عليه المسمى حيث زوجت بإذن السيد وإلا فصداق المثل. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه.
وقيمة الولد عطف على قوله: "الأقل" يعني أن الزوج إذا غره غير السيد بحرية الأمة التي تزوجها وولدت منه فإن عليه قيمة ولده منها لسيد أمهم، وأما إن كان الغار هو السيد فالمنصوص في مختصر الواضحة أنه إذا زوج السيد أمته على أنها ابنته أو ابنة عمة فدخل الزوج وأولدها فعليه قيمة أولاده وهم أحرار، ونقله ابن عرفة فقال: ولو غر سيد أمة من زوجها منه على أنها
ابنته ففي غرم الزوج قيمة ولده منها نقل اللخمي عن ابن حبيب مع قول ابن الماجشون على من أولد أم ولد ابتاعها من سيدها قيمة ولده منها وعدم غرمه، تخريجا على قول مطرف: لا قيمة عليه. قاله الحطاب.
فرع: قال ابن يونس: ومن اشترى جارية وهو يعلم أنها ليست له فوطئها فهو زان وعليه الحد وولده رقيق لسيد أمهم، بخلاف أن لو زوجته الأمة نفسها وأخبرته أنها حرة وهو يعلم أنها كاذبة فوطئها بعد العلم فلا يكون على هذا حد، ويلحق به نسب ولده وهم وأمهم رقيق لسيدها ويفسخ نكاحه. انتهى. وقال في مختصر الواضحة فيمن زوج ابنته فبعث إلى الزوج بأمته فوطئها الزوج ثم ظهر على ذلك فإن الأمة تلزم الزوج بالقيمة ولا حد عليه وعلى سيد الأمة العقوبة ونكاح الابنة ثابت، وعلى الأمة الحد إلا أن تدعي أنها ظنت أن سيدها زوجها، وقال فضل: وماله لا يسقط عنها الحد حين كان سيدها أخرجها؟ ويكون هذا من جنس الإكراه. انتهى. قاله الحطاب. فرع آخر: فلو أقر الزوج أنه عالم أنها أمة وقد فشا وعرف أنها غرته بأنها حرة فلا يصدق الأب على ما يدفع عن نفسه من غرم قيمة ولده ولا يقبل قوله فيما يريد من إرقاقهم. قاله الحطاب.
دون ماله يعني أن السيد إنما يغرم له الزوج قيمة الولد من غير اعتبار مال الولد إن كان له مال، فيغرم له قيمة الولد مجردا عن ماله ولا شيء للسيد من مال الولد يوم الحكم يعني أن قيمة الولد إنما تعتبر يوم الحكم بلزومها للزوج؛ لأن ضمان الأب سببه منع السيد من الولد وهو إنما يتحقق يوم الحكم وهذا إذا وقع التنازع بعد الولادة، وأما لو وقع التنازع فيه وهو حمل فإن القيمة تعتبر يوم الولادة. قاله ابن الحاجب وغيره. كما لو استحقت حاملا فالقيمة يوم الولادة اتفاقا. قاله الشيخ عبد الباقي.
والحاصل أنه إذا غر الزوجَ غيرُ السيد بحرية الأمة وتولى العقد بإذن السيد ولم يخبر أنه غير ولي بل أخبر أنه ولي أو لم يخبر بشيء فعلى الزوج قيمة الولد، وكذا لو غرته الأمة فعليه أي الزوج قيمة الولد، وأما لو غره السيد بحريتها أو تولى العقد الغار بغير إذن السيد أو أخبر الغار أنه غير ولي أو لم يتول العقد فكذلك؛ أي على الزوج قيمة الولد في هذه الأقسام الأربعة وقيل لا قيمة
عليه. انظر الشبراخيتي. وقوله: "يوم الحكم" خلافا للمغيرة، فإنه قال: إن المعتبر في القيمة يوم الولادة، ونسبه ابن رشد لأشهب.
إلا لكجده يعني أن لزوم قيمة الولد للزوج المغرور بحرية الأمة إنما هو حيث لم تكن الأمة لمن يعتق عليه ولد الزوج المغرور كالجد والأب والأم، وأما إن كانت الأمة لمن يعتق عليه ولده فإن الزوج لا يغرم قيمة الولد كما لو كانت الأمة لابن الزوج فإنه لا قيمة للولد على الزوج، قال سحنون: وإذا غرت أمة الابن والده فتزوجها على أنها حرة فإن الأب يغرم قيمتها بمنزلة ما لو وطئها بملك اليمين، وتكون أم ولد للأب وليس للابن أخذها ولا شيء على الأب من قيمة الولد، والتزويج فيها ليس بتزويج. نقله ابن عبد السلام. ونقله ابن عرفة عن الشيخ في المجموعة. قال عنه: ولا قيمة عليه للولد ولا مهر مثل ولا مسمى ونكاحه لغو، وأما الابن الذي غرته أمة والده فهو مثل الأجنبي يكون لها صداق مثلها ويأخذها الأب ولا قيمة عليه للولد، قال ابن عبد السلام: وهذا كله صحيح. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: إلا لكجده من أب أوأم ممن يعتق عليه الولد فلا قيمة له على الزوج وعليه في أمة الجد الأقل من المسمى وصداق المثل، ولو غرت أمة الابن والده فتزوجها ووطئها وجاءت منه بولد ملكها بتلذذه بالقيمة ولا قيمة عليه للولد ولا صداق لها وينفسخ النكاح كما قال ابن عبد السلام. انتهى.
ولا ولاء له يعني أن أولاد الزوج المغرور بحرية الأمة منها لا ولاء لسيد أمهم عليهم حيث كانت الأمة لكالجد لتخلق الولد على الحرية فلا يقال إنه عتق بالملك حتى يكون فيه الولاء، وفائدة الولاء لو قيل به تظهر في الجد لأم لأنه لا يرث بالنسب. قاله غير واحد. وفي الحطاب عن ابن يونس: وأما لو زوج الأب أمته لكان ولاء الأولاد الكائنين من الأمة لجدهم لأنهم عتقوا عليه. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولو زوج الأب أمته لولده لكان له الولاء على أولاده منها لأنهم عتقوا عليه، ولو كان الزوج أجنبيا لكانوا أرقاء. قاله ابن يونس. ونحوه في النكت وهو ضعيف، والمذهب ما قاله ابن محرز وهو أنه لا ولاء له وحينئذ فلا فرق بين مسألة المصنف وبين من زوج أمة ولده. انتهى.
وعلى الغرر في أم الولد يعني أن الزوج المغرور بحرية الأمة يغرم قيمة ولده منها على أنه قن خالص إذا لم تكن أمه ذات شائبة، ويغرم قيمة الولد على الغرر إذا كانت أمه ذات شائبة كأم ولد فيغرم لسيدها قيمة ولدها على رجاء العتق لهم بموت سيد أمهم وخوف أن يموتوا في الرق قبل موت سيد أمهم هكذا في المدونة، قال أبو الحسن: معناه أن لو جاز بيعهم، وهذا الرجاء إنما هو في خدمتهم إذ هو الذي يملك السيد في ولد أم الولد. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله "في أم الولد" فيقوم يوم الحكم على غرره لو جاز بيعه لاحتمال موته قبل موت سيد أمه فيكون رقيقا أو بعد موته فيكون حرا، خلافا لقول ابن الماجشون إنه يقوم عبدا. انتهى.
والمدبرة يعني أن الزوج المغرور بحرية الأمة إذا كانت مدبرة وأتت منه بولد فإنه يغرم قيمة أولاده منها على الغرر، فيقوم على تقدير موته قبل السيد فيكون رقيقا أو بعده ويحمله الثلث فيحرر أو يحمل بعضه أو لا يحمل منه شيئا فيرق بعضه أو كله، فاحتمالات الرق فيه أكثر منها في الذي قبله، وكذا يغرم ولد المعتقة لأجل على الغرر لذلك الأجل أي على أنهم أحرار بعد الأجل. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ولم يذكر المص حكم ولد المعتقة لأجل والحكم فيه على المشهور أن على أبيهم قيمتهم على أنهم أرقاء إلى ذلك الأجل على رجاء العتق بالبقاء إلى الأجل وخوف موتهم قبل انقضائه. قاله الحطاب. انتهى. وأما ولد المبعضة فيقوم البعض القن يوم الحكم، وقد ذكر المص في العتق بعضه ما نصه: وأحكامه قبله كالقن. انتهى.
وقوله: "والمدبرة" ما ذكره المص في ولدها هو مذهب المدونة، وصرح في التوضيح بأنه مشهور، وفي التتائي: ونص ابن المواز على أن في ولد المدبرة قيمة عبد. المازري: وهو المشهور وعليه أكثر الأصحاب ولم يعتبر المص هذا التشهير، وكذا ابن عرفة لم يعتبر، ونصه: ولد المدبرة في كون قيمته على رجاء حريته بعتق التدبير أو عبدا قولها وقول محمد. انتهى. نقله الشيخ محمد بن الحسن.
وسقطت بموته قبل الحكم يعني أن الزوج المغرور بحرية الأمة تسقط عنه قيمة من مات من ولده منها قبل الحكم بلزوم قيمته كانت الأم قنا أوأم ولد أو مدبرة أو معتقة لأجل أو مبعضة أو مكاتبة، وكذا تسقط عنه قيمة الولد بموت السيد قبل الحكم في ولد أم الولد وولد المدبرة حيث حملهما أي
المدبرة وولدها الثلث، فلا مطالبة لورثة السيد عليه حينئذ وإن لم يحملهما الثلث، فإن كان عليه دين يرقهما كانت القيمة قيمة عبد لا عتق فيه، وإن حمل الثلث بعضهما فعليه بحساب ما لم يحمله الثلث فلو لم يخلف مالا سواهما ولا دين عليه كان على الأب قيمة ثلثيه وتسقط عنه قيمة ثلث، ويمكن أن يحمل المص على أن الضمير في موته للسيد، وحينئذ فلا يتناول إلا ولد أم الولد وولد المدبرة حيث حملهما ثلث السيد. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وسقطت بموته" أي الولد قبل الحكم هو المشهور، وعلى قول المغيرة وأشهب: إذا مات بعد الولادة وقبل الحكم لا تسقط القيمة. قاله الشارح.
والأقل من قيمته وديته إن قتل يعني أن ولد الزوج الحر المغرور بحرية الأمة منها إذا قتل قبل الحكم وأخذ الأب ديته فإنه يكون على أبيه الأقل من قيمة الولد يوم القتل كما صرح به الحطاب والدية التي أخذ الأب، وأما لو لم يأخذ الأب الدية فإن اقتص من القاتل أو هرب فلا شيء على الأب ويكون ذلك كموته قبل الحكم وإن عفا مجانا فإنه لا يتبع بشيء، وهل يتبع السيد الجاني أم لا؟ قولان ذكرهما في التوضيح، وظاهره سواء وقع عفو الأب عن عمد أو خطإ، وإذا استهلك الأب الدية ثم أعدم لم يكن للسيد رجوع على القاتل بشيء لأنه إنما دفعها بحكم، وإذا كانت القيمة أقل أداها الزوج من أول نجوم الدية فإن لم يف الأول فمن الثاني وهكذا، ولو صالح الأب بأقل من الدية رجع السيد على القاتل بالأقل من تتمة القيمة أو الدية، ويختص الأب في دية الخطإ بقدر القيمة والباقي بينه وبين الورثة على الفرائض.
وقوله: "والأقل من قيمته أو ديته إن قتل" هذا الحكم عام في ولد الأمة القن وولد أم الولد وولد المدبرة نص على ذلك في التوضيح وابن عبد السلام وغيرهما. ولا يبعد أن يجري مثل ذلك في ولد المعتقة إلى أجل والمكاتبة والقيمة هنا على أنه عبد في الجميع. قاله في التوضيح. وحكى قولا في أم الولد بأنه يقوم على ما فيه من الرجاء والخوف، ونقل عن عبد الحميد أنه يجري مثل ذلك في ولد المدبرة، والقول بأنه يقوم قنا في ولد أم الولد وولد المدبرة هو الذي ذهب إليه معظم الشيوخ، وإلى الآخر ذهب ابن أبي زيد في المختصر واستشكله أبو عمران وصوبه غيره.
وعلم مما تقدم أنه لو مات الولد وله مال كثير اختص به الأب، وقوله:"من قيمته أو ديته" هو في ما رأيت من النسخ بأو فهي بمعنى الواو. والله سبحانه أعلم. وكذا يقال في قوله: أو من غرته أو ما نقصها، وصرح الشبراخيتي بأن "أو" بمعنى الواو؛ يعني أن الزوج المغرور بحرية الأمة للسيد عليه الأقل من الغرة التي يأخذها الأب ممن ضرب بطن الأمة حيث ألقت الولد ميتا وهي حية، ومما نقص الجنين الأم أي عليه الأقل من الغرة وما نقصت الأمة بإلقاء الجنين هذا ظاهره وصوابه عشر قيمتها؛ يعني أن على الأب لسيدها الأقل من الغرة وعشر قيمة الأم؛ لأن الغرة في السقط بمنزلة الدية، وعشر قيمة الأم بمنزلة القيمة فيه فيلزم الأب الأقل منهما والقيمة يوم ضرب الأمة كما تقدم أن القيمة في قوله:"وعليه الأقل من قيمته أو ديته إن قتل" تعتبر يوم القتل كما مر.
إن ألقته ميتا يعني أن محل كون الأب عليه الأقل من الغرة وعشر القيمة إنما هو إن ألقته ميتا، فإن ألقته حيا ففيه الدية ويرجع فيه إلى قوله:"الأقل من قيمته أو ديته"، وقوله:"أو من غرته أو ما نقصها"، لا فرق في ذلك بين أن يكون ضرب بطنها قبل الاستحقاق أو بعده. قاله الشيخ إبراهيم.
وشبه في الأقل قوله: كجرحه يعني أن ولد المغرور بحرية الأمة منها إذا جرح كما إذا قطعت يده مثلا يكون على أبيه قيمته ناقصا يوم الحكم يدفعها لسيد أمه، ويغرم له الأب مع تلك القيمة الأقل مما نقصته قيمته مجروحا يوم الجرح عن قيمته سالما يوم الجرح أيضا ومما أخذ في الجرح من الجاني، وبيان ذلك أنه يقوم ثلاث تقويمات يقوم اليوم أقطع اليد فيأخذها السيد ويقوم يوم الجناية سليما ويقوم يومها أي الجناية أقطع اليد فيضاف ما بين القيمتين إلى قيمته اليوم أقطع فيأخذهما السيد إلا أن يكون ما بين القيمتين أكثر من دية اليد التي أخذ الأب فلا يزاد على ذلك، فيأخذ حينئذ دية اليد مع قيمته اليوم أقطع، ولو كان القطع يوم الحكم أو لم تختلف القيمة من يوم القطع إلى يوم الحكم لقيل له: ادفع الأقل من قيمته سليما الآن قبل قطعه، ومن قيمته مقطوعا مع ما أخذت في ديته،
فتحصل من هذا أنه يقوم يوم الحكم ويقوم يوم جني عليه على أنه سليم وعلى أنه معيب، فتلك ثلاث تقويمات واحدة منها يوم الحكم واثنتان يوم جني عليه، فيأخذ قيمته ناقصا يوم الحكم والأقل مما بين قيمته سالما ومجروحا يوم الجرح فيهما ومما أخذ في دية الجرح هذا إذا اختلفت قيمته يوم الحكم مقطوعا مع قيمته يوم الجناية مقطوعا، فإن لم يختلف ذلك لاتحاد وقت الحكم والجناية أو لغير ذلك قوم تقويمتين فيقوم سالما ومعيبا، ويأخذ الأقل من قيمته سليما ومن قيمته مقطوعا مع ما أخذ من دية اليد. انظر الحطاب. فإنه ذكر نحو هذا في مسألة الجارية تستحق وقد أولدها مشتريها فقطع رجل يد الولد خطئا، جلب هذه المسألة شارحا بها كلام المص.
ولفظ عبد الباقي مفسرا لقوله: "كجرحه" أي الولد فيغرم الأب للسيد الأقل مما نقصته قيمته مجروحا عن قيمته سالما يوم الجرح، ومما أخذ في الجرح مع قيمته ناقصا يوم الحكم. انتهى. وهو صريح في أنه يقوم ثلاث تقويمات، ونحوه للشبراخيتي فإن كلامه صريح في أنه يقوم ثلاث تقويمات وكذلك كلام الخرشي فإنه صريح في أنه يقوم ثلاث تقويمات. والله سبحانه أعلم.
تنبيه: قال في المدونة: وإذا كان ما بين القيمتين أقل من الدية أي دية اليد كان ما فضل من الدية للأب. ابن يونس وعبد الحق: معنى قوله للأب أنه يلي النظر فيه لولده الصغير. قاله الحطاب. واعلم أن هذه المسألة قد حررت والحمد لله والله سبحانه أعلم.
ولعدمه تؤخذ من الابن يعني أن قيمة الولد المذكور إذا كان أبوه المغرور بالحرية عديما تؤخذ من الولد إن لم يكن عديما لأنها في معنى الفداء، وإذا أداها الابن فإنه لا يرجع على الأب إن أيسر وكذا يؤخذ من الولد إذا كان الأب عديما الأقل مما نقصت الجناية ومما أخذ في الجرح على نحو ما مر، وقوله:"تؤخذ" قال عبد الباقي أي القيمة كما في الشارح والتتائي،
(1)
ثم قال: والأحسن ضبطه بمثناة تحتية أي ما لزم فيشمل الجرح، فإن كان عديما فعليه إن أيسر، وذكر في الاستحقاق أنهما لو أعد ما اتبع أولهما يسارا. قاله التتائي. انتهى.
وقال الحطاب عند قوله: "ولعدمه تؤخذ من الابن" يريد ولا يرجع الابن بها على الأب إن أيسر.
قاله ابن عبد السلام. فإن كانا عديمين فقال ابن عرفة: وفيها إن كانا عديمين غرمها أولهما
(1)
في النسخ وللتتائي والمثبت من عبد الباقي ج 3 ص 247.
يسارا ولا رجوع لمن غرمها على الآخر وموته عديما كحياته كذلك. انتهى. وإن كانا مليين، فقال في التوضيح: لا إشكال أن القيمة تؤخذ من الأب ولا يرجع على الولد بشيء، وإن كان الولد عديما والأب موسرا فالقيمة على الأب ولا يرجع على الولد بشيء؛ لأنه إذا كانا مليين كان الحكم كذلك فأحرى مع عدم الابن. والله أعلم قاله الحطاب.
فرع: قال ابن عرفة: ولو فلس الأب حاص المستحق بقيمة الولد غرماء أبيه. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: وما ذكرنا من إرجاع الضمير في تؤخذ للقيمة هو الذي عليه الشارح والتتائي والحطاب، والأولى قراءته بالمثناة أي التحتية أي ما لزم الأب من قيمة أو الأقل مما أخذ ومما نقصته قيمته مجروحا عن قيمته سالما.
ولا يؤخذ من ولد من الأولاد إلا قسطه يعني أن الأب إذا كان عديما فإن قيمة الأولاد تؤخذ منهم ولا يؤخذ من كل واحد منهم إلا قسطه؛ أي قيمته، فلا يغرم قيمة غيره من إخوته كانوا معسرين أو موسرين. قال الشيخ عبد الباقي: والتعبير بقيمته أظهر، وقال الشيخ بناني: وجه ابن عاشر التعبير بالقسط دون القيمة، فقال: عبر به ليشمل ما إذا دفع الأب بعضا وأعسر بالباقي فلا شك أن الباقي يقسط عليهم بقدر قيمهم. انتهى.
ووقفت قيمة ولد المكاتبة يعني أن المكاتبة إذا غرت زوجها بأنها حرة وولدت منه فإنه يغرم قيمة ولدها على أنه قن خالص وتوقف تحت يد عدل، فإن عجزت عن أداء الكتابة أو عن بعضها أخذ السيد قيمته، وإن أدت المكاتبة أي دفعت جميع ما عليها من الكتابة للسيد رجعت القيمة التي وقفت بيد عدل للأب أي للزوج الذي غرته المكاتبة بأنها حرة، وإنما قوم ولد المكاتبة على أنه عبد ولم يقوم على غرره كولد أم الولد وولد المدبرة لأنه أدخل في الرق منهما، ألا ترى إلى قولهم: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم؟ وقد قال مالك في أولاد المعتقة لأجل: إنه يغرم قيمتهم إلى ذلك الأجل، وقال محمد: إن على أبيهم قيمتهم على أنهم أحرار إلى ذلك الأجل، قال الشبراخيتي: كلام محمد ومالك معناهما واحد، وقولهما قيمتهم أي قيمة خدمتهم؛ لأن السيد إنما يملك منهم الخدمة فيقومون على أنهم أحرار عند ذلك الأجل. انتهى. وقوله: فإن أدت
رجعت للأب أي لانكشاف الغيب أنها كانت حرة وقت غرورها. قاله عبد الباقي. وقوله: حرة وقت غرورها فيه تسامح. والله سبحانه أعلم.
وقبل قول الزوج إنه غر يعني أن الزوج إذا لم تكن له بينة بأنه غر بحرية الأمة ولم يصدقه السيد، فإن القول قول الزوج إنه غر بيمين كما في شرح الشامل، وقال الحطاب: وانظر هل بيمين أم لا؟ وقال شارحا لكلام المص: يعني أن ما تقدم إذا قامت للزوج بينة على الغرور وصدقه السيد فأما إن تنازع هو والسيد فيقبل قوله: وانظر هل؟ لخ، وقال الشبراخيتي: وقبل قول الزوج الحر الشامل للمرأة والرجل بلا يمين كما قال بعضهم، وفي شرح الشامل ما يفيد أنه بيمين، وفي الخرشي أن القول قوله بيمين كما يفيده شرح الشامل. وقوله:"وقبل قول الزوج إنه غر" هو قول أشهب، وقال سحنون: القول للسيد لأن الزوج مدع حرية ولده وهو ولد أمة. قاله الشارح.
ولو طلقها يعني أن الزوج إذا طلق زوجته ثم بعد أن طلقها اطلع على أنه كان بهما أو بأحدهما عيب يوجب الخيار ولم يطلع عليه إلا بعد المفارقة بالطلاق، فإن ذلك العيب الذى يوجب الخيار يقدر كالعدم، فيتكمل لها الصداق بالدخول ويكون لها النصف إن طلقت قبل البناء ولا يرجع عليها الزوج بشيء مما ذكر إن أخذته ويدفعه لها إن لم تقبضه، أو ماتا يعني أن الزوجين إذا ماتا أو أحدهما ثم بعد الموت اطلع على ما يوجب الخيار فإنه يكون كالعدم فيتكمل الصداق ويثبت الإرث بينهما، سواء كان العيب بها أو به أو بهما.
وبما قررت علم أن قوله: ثم اطلع على موجب خيار قيد في المسألتين أي ثم بعد الطلاق والموت اطلع على ما يثبت به الخيار، وأن قوله: فكالعدم جواب عن المسألتين والمطلع في مسألة الطلاق هو الزوج، والمطلع على العيب في الثانية أي مسألة الموت الورثة، قال عبد الباقي: وأما إن كان العيب بالرجل في مسألة الطلاق بخلع منها فليس كالعدم كما هو ظاهر المص، بل تأخذ منه ما دفعت لقوله في الخلع عاطفا على ما يرد به المال إليها "أو لعيب خيار به" تبعا لإرخاء الستور من المدونة، ولكن في نكاحها الأول لا يرد مال الخلع لعيب خيار به. قال عبد الحق وابن يونس وابن رشد: ما في نكاحها مذهب ابن القاسم وما في إرخاء الستور هو قول عبد الملك، ولم يتبع
المص هؤلاء المشايخ بل ذكر الموضعين فذكر هنا -أي عموم ما هنا- ما في نكاحها وفي الخلع ما في ستورها. انتهى من أحمد باختصار. وسيأتي عن علي الأجهوري أن المعتمد ما هنا. انتهى.
قال الشيخ محمد بن الحسن: الذي في النكاح الأول، قال ابن القاسم وأكثر الرواة: كل نكاح لأحد الزوجين إمضاؤه وفسخه فخالعها الزوج على مال يأخذه منها فالطلاق يلزم ويحل له ما أخذ انتهى. قال أبو الحسن: ظاهره وإن كان الخيار للزوجة وفي إرخاء الستور: فإن خالعها على مال ثم انكشف أن بالزوج جنونا أو جذاما، قال يرد ما أخذ لأنها كانت أملك لفراقه، قال عبد الحق في إرخاء الستور عن بعض شيوخه: ليس هذا جواب ابن القاسم إنما هو لعبد الملك، وأما على مذهب ابن القاسم فلا فرق بين أن يظهر العيب بالزوج أو بالزوجة، الخلع ماض في الوجهين، وتسقط معارضة ما في النكاح بما في إرخاء الستور لعدم اتحاد القائل. انتهى.
وللولي كتم العمى ونحوه يعني أن ولي المرأة يجوز له كتم العيوب التي لا ترد بها كالعمى والصمم والشلل والعرج والإقعاد ونحو ذلك؛ حيث لم يشترط الزوج السلامة من ذلك لأن النكاح مبني على المكارمة بخلاف البيع فلا يجوز للبائع أن يكتم من أمر سلعته شيئا لو ذكره لكرهه المبتاع، وما قررت به المص من الجواز هو صريح الشبراخيتي وهو ظاهر المص، وظاهر تقرير عبد الباقي والخرشي. وقال الحطاب: قال أبو الحسن: قال عبد الحميد في الأمهات: أيخبر الولي بعيوب المرأة الزوج؟ قال: أما ما لا ترد به فلا يفعل ولا يجوز ولا ينبغي، وقد قاله مالك، قال الشيخ أبو إسحاق في البيوع: إنه لا يجوز للبائع أن يكتم من أمر سلعته شيئا لو ذكره لكرهه المشتري وإن كان أمرا لو ذكره لنقص من الثمن فهو عيب يوجب الرد، وقال في النكاح: لا يذكر إلا ما للزوج أن يرد به ونحن نعلم أن الزوج لو ذكر له ما لا يجب الرد به من عمى أو عور أو شلل أو سواد وما أشبه ذلك لكرهه ولم يعقد، فجعلوا أنه لما لم يكن له الرد بهذه الأشياء لم يجب بيانها له مع علمنا أنه لو ذكرت له لكرهها وتحط من الصداق.
وقال ابن رشد: والفرق بين النكاح والبيع أن البيع طريقه المكايسة والنكاح طريقه المكارمة، وليس الصداق فيه ثمنا للمرأة ولا عوضا من شيء يملكه الولي وإنما هي نحلة من الله عز وجل فرضه
للزوجات على أزواجهن. انتهى. كلام الحطاب. وقال الشيخ الأمير: وعلى الولي كتم ما لا رد به. انتهى.
وعليه كتم الخنا يعني أنه يجب على الولي أن يكتم ما في وليته من الخنا من الفواحش من زنى وسرقة وغيرهما، وظاهره ولو اشترط عليه السلامة منه وينبغي تقييده بما إذا لم يشترط السلامة، وفي العتبية: ولا ينبغي له إذا علم من وليته فاحشة أن يخبر بشيء من ذلك إذا خطبت. ابن رشد: ويجب عليه سترها عليها. قاله الشارح. وقال الشبراخيتي: وعليه وجوبا كتم الخنا زنى أو غيره، ففي البيان: يجب ستر الفواحش على نفسه وعلى غيره لخبر: [من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه الحد]
(1)
، وفي الموطإ:[خطب رجل إلى رجل أخته فذكر أنها كانت أحدثت فبلغ ذلك عمر فضربه أو كاد يضربه]
(2)
). انتهى.
وقال عبد الباقي: الخنا بفتح الخاء المعجمة الفواحش من زنى أو سرقة أو غيرهما، وقال في المدونة: ومن تزوج امرأة فإذا هي لِغِيَّة فإن تزوجها على نسب فليردها وإلا لزمته، فإن ردها فلا صداق عليه إن لم يكن بنى بها وإن بنى بها فعليه صداقها ويرجع به على من غره، فإن كانت هي الغارة ترك ربع دينار ورد ما بقي. انتهى.
وقال التتائي عند قوله: "وفي بكر تردد": ولا رد له إن ظنها شابة فوجدها صغيرة بنت أربع أو خمس ولا إن وجدها ابنة زنى، وهو المراد بقولهم:"لغية" بكسر اللام وفتح الغين المعجمة وتشديد المثناة التحتية، وحكى بعض اللغويين فتح اللام وكسر الغين إلا أن يشترط كونها نسيبة، وتفسيرها في التوضيح بالزانية غير بين. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: ذكره فتح اللام خطأ لأن اللام جارة ولم يقل أحد بفتحها، وليس في التوضيح ولا أبي الحسن عن بعض اللغويين إلا كسر الغين، ونص أبي الحسن عياض: لغية بكسر اللام وفتح الغين المعجمة وتشديد الياء أي لغير نكاح، وحكى بعض اللغويين فيه كسر الغين أيضا، وضده لرشدة أي لنكاح حلال بفتح الراء وكسرها والفتح أشهر. انتهى. الشيخ: واللام في لغية لام جر وليس من نفس الكلمة. انتهى.
(1)
الموطأ، كتاب الحدود، رقم الحديث، 1562.
(2)
الموطأ، كتاب الحدود، رقم الحديث، 1163.
وفي القاموس: ولد غية ويكسر زنية. انتهى. وقوله: وتفسيرها في التوضيح بالزانية غير بين فيه نظر أيضا، ولفظ التوضيح عند قول ابن الحاجب ولا خيار بغير هذه إلا بشرط انتهى الإشارة بهذه إلى العيوب المتقدمة فلا رد له بغيرها، ولو تبين أنها ابنة زنى وهو معنى قوله: لغية أي لزنية. انتهى. فأنت تراه إنما فسرها ببنت الزنى لا بالزانية كما توهمه الزرقاني تبعا للتتائي. والله أعلم. انتهى.
والأصح منع الأجذم من وطء إمائه يعني أنه اختلف في منع الأجذم من وطء إمائه والأجذم هو الشديد الجذام، فالمنع هو قول ابن القاسم في العتبية في الشديد الجذام إذا كان ذلك ضررا عليهن، ومقابله قول سحنون أنه لا يمنع؛ لأن ذلك قد يؤول به إلى الزنى، وقول ابن القاسم هو الأصح. انظر الشارح. وقال الحطاب: قال في النوادر في كتاب النكاح: روى ابن القاسم عن مالك في الأجذم الشديد الجذام، قال: يحال بينه وبين وطء إمائه إذا كان في ذلك إضرار يريد إن طلبن ذلك كما يفرق بينه وبين الحرة للضرر. انتهى. ولو قال المص: والأظهر لصح؛ لأن ابن رشد استظهر القول بأنه يمنع من وطء إمائه. انتهى. كلام الحطاب.
وقال عبد الباقي: والأصح منع الأجذم الشديد الجذام -كما في النقل- من وطء إمائه؛ لأن ذلك يضر بهن، وأراد بالمنع هنا الحيلولة بينه وبينهن، وكذا الأبرص كما في الطراز والظاهر تقييده بالشديد، وانظر هل المراد بالشديد فيهما المحقق كونه جذاما وبرصا أم لا؟ انتهى. وقال الأمير: ومنع الأجذم والأبرص وطء إمائه فأولى زوجته للضرر. انتهى. وقال الشبراخيتي: والأصح قول ابن القاسم في العتبية منع الأجذم الشديد الجذام من وطء إمائه لما فيه من ضررهن، ومثله الأبرص كما في الطراز والزوجة كذلك أوأولى، فقوله:"من وطء إمائه" وكذا من وطء نسائه، والظاهر لا نفقة لامرأة المجذم والأبرص حيث منعت نفسها خوف العدوى. انتهى.
وقال الخرشي: والزوجة أولى بالمنع من الأمة لأن تصرفه في الأمة أشد من تصرفه في الزوجة. انتهى.
وللعربية رد المولى المنتسب يعني أن العربية إذا تزوجت من انتسب للعرب بأن قال لها أنا من القبيلة الفلانية وهي قبيلة من العرب فتزوجته على ذلك فظهر أنه مولى؛ فإن لها أن ترد
نكاحه، والمراد بالعربية من لم يتقدم عليها رق لأحد لا من تتكلم باللسان العربي فقط كما قاله غير واحد، والمولى هو العتيق وكان لها رده بانتسابه؛ لأنه بانتسابه كأنه شرط كونه عربيا، وما مر من قوله: والمولى وغير الشريف لخ لم يقع فيه شرط ولا انتساب، فليس فيه غرور بخلاف ما هنا. قاله الشيخ عبد الباقي. قال ابن القاسم فيمن تزوجت رجلا على نسب انتسب لها لفخذ من العرب فوجد من غيرهم: فإن كان مولى وهي عربية فلها الخيار، وإن كان عربيا فلا خيار لها. نقله الشارح.
ولهذا قال: لا العربى يعني أن الرجل إذا تزوج امرأة وقال لها أنا من القبيلة الفلانية؛ يعني أنه انتسب إلى فخذ من العرب فتزوجته على ذلك فوجدته عربيا إلا أنه ليس من القبيلة التي انتسب إليها بل من قبيلة أخرى، فإنه لا خيار لها ولو كانت قبيلته أدنى من القبيلة التي انتسب إليها كما مر عن ابن القاسم، ومحل عدم الرد للعربية في العربي المنتسب إلى غير قبيلته من العرب إن لم يكن لها شرط صريح وإلا ردته به. أبو الحسن: وذكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن فيمن تزوج امرأة وشرطت في عقد النكاح على الزوج أنه عربي من أنفسهم ثم وجد من مواليهم، قال: فأجبنا أنا وجميع أصحابي أن للمرأة القيام بشرطها وفسخ النكاح، قال بعض الفقهاء: ولم يذكر في هذه المسألة هل هي عربية أو مولاة والأمر عندي سواء، وللمرأة شرطها صح من ابن يونس. نقله الشيخ محمد بن الحسن. وقال عبد الباقي: ويتعارض في الفارسي المنتسب للعرب مفهوم أول كلام المص وآخره، فأوله يقتضي أنها لا ترده وآخره يقتضي أنها ترده وهو المعتبر كما يفيده ابن عرفة. انتهى.
إلا القرشية تتزوجه على أنه قرشي يعني أن القرشية ليست كغيرها من العربيات، فلها أن ترد العربي المنتسب لقريش فتجده عربيا من غير قريش، وغيرها لا ترد إلا مع شرط صريح كما مر؛ لأن قريشا بالنسبة لغيرهم من العرب كالعرب بالنسبة للموالي، قال ابن القاسم فيمن تزوجت رجلا على نسب انتسب لها لفخذ من العرب فوجد من غيرهم: فإن كان مولى وهي عربية فلها الخيار وإن كان عربيا فلا خيار لها إلا أن تكون قرشية تزوجته على أنه قرشي فإذا هو من قبيلة من العرب من غيرهم. انتهى.
وقال الحطاب: ونقل ابن عرفة تحصيل ابن رشد في هذه المسألة، وهو أن المرأة إذا وجدت الرجل أفضل مما اشترطت فلا خيار لها، وإن وجدته أدنى مما اشترطت وهو أرفع منها أو مثلها ففي خيارها قولان، قال: والقول بالخيار أظهر وإذا وجب خيارها واختارت قبل البناء فلا شيء لها من المسمى، وحكم الرجل كما تقدم. انتهى. ولما أنهى الكلام على السببين الأولين من أسباب الخيار وهما العيب والغرور شرع يتكلم في الثالث وهو عتق الأمة تحت العبد فقال:
فصل: في الكلام على ثبوت الخيار للأمة
إذا عتقت تحت عبد، وذكر ما يبطل خيارها وما لا يبطله وما تختار به وما يتعلق بذلك، وأخره عن السببين قبله لضعف سبب الفرقة لأن الخيار فيهما لكل من الزوجين وفي هذا للزوجة فقط.
ولمن كمل عتقها فراق العبد يعني أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد فإن لها أن تفارقه بشرط أن تكون قد كمل عتقها دفعة أو أكثر، فإذا تزوجت وهي معتق بعضها ثم كمل عتقها بعد ذلك ثبت لها الخيار، كما لو عتق بعضها وهي متزوجة ثم كمل بعد ذلك فلها الخيار أيضا، واحترز بقوله:"كمل عتقها" مما لو أعتق بعضها أو كوتبت أو دبرت أو أعتقت لأجل أو كان زوجها معزولا عنها واستولدها السيد، فقد نص في المدونة في غير موضع على أن السيد إذا وطئ أمته المتزوجة وكان الزوج معزولا عنها تكون له أم ولد، فقوله:"ولمن كمل عتقها" أي ناجزا.
وقوله: "ولمن كمل عتقها" بأي وجه كان كماله: سواء عتقت بأداء الكتابة، أو كانت مدبرة ومات السيد وحملها الثلث، أوأم ولد مات سيدها وعتقت من رأس المال، أو مبعضة وأعتق السيد باقيها. ولها الخيار سواء أجبرت على التزويج أو طلبت أن تزوج من العبد. قاله الحطاب. وإذا كمل عتقها حيل بينهما حتى تختار كما في المدونة وابن الحاجب وابن عرفة قائلا: عدم ذكرهم حيل بينهما مخل بفائدة معتبرة. قاله الشيخ بناني.
وقال الشبراخيتي: ونص في المدونة على أن السيد إذا وطئ أمته المتزوجة التي عزل زوجها عنها أي بغيبة ونحوها بعد استبرائه لها بحيضة وأتت بولد فإنها تكون به أم ولد. قاله التتائي. والحطاب. وقوله: أتت بولد أي لستة أشهر وما في حكمها، وقوله:"ولمن كمل عتقها فراق العبد" أي يجوز لها ذلك ولها البقاء، والمراد بالعبد القن ومن فيه شائبة حرية.
وقوله: فقط احترز به من الحر فإذا عتقت الأمة وهي تحت حر فلا خيار لها؛ لأن علة تخييرها نقص زوجها بعدم حريته وقيل جبرها على النكاح، قال الشيخ محمد بن الحسن: ابن رشد: علة تخييرها نقص زوجها لا جبرها على النكاح، ولذا قلنا لا خيار لها تحت الحر وعلى قول أهل العراق لها الخيار تحته علته جبرها. انتهى. وقوله:"فراق العبد" أي لها ذلك بغير حاكم إذا كانت بالغة رشيدة أو سفيهة وبادرت لاختيار نفسها، وإلا نظر لها الحاكم كما ينظر للصغيرة
فيأمره حينئذ بالطلاق، وإلا فهل يطلق الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم؟ قولان. وأمره للصغيرة ممكن إن ميزت وإلا أوقعه لها. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب وقد تقدم: هل هي التي توقع الطلاق أو الحاكم. والله أعلم. وقوله: "فراق العبد" وكذا من فيه شائبة حرية حكمة حكم العبد. نص عليه اللخمي.
وقوله: "فقط" راجع له، ولها أي لمن كمل عتقها فقط فراق العبد فقط دون الحر لمساواته لها حرية، ونقص العبد عنها خلافا لأبي حنيفة، قال: لها فراق الحر أيضا ومنشأ الخلاف خبر الموطإ: [أن بريرة عتقت تحت مغيث فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو راجعتيه، فقالت يا رسول الله: أبأمر منك؟ فقال: لا إنما أنا شافع، فقالت: لا حاجة لي به]
(1)
وهو عبد عند ابن عباس ومالك -رواه البخاري وغيره وهو الصحيح- وحر عند أبي حنيفة رواه الأسود عن عائشة.
وقال البخاري: هو منقطع، واستشكل بعض أهل العلم رد بريرة لشفاعته صلى الله عليه وسلم، فقيل إنما ردتها لاختيارها لما هو أشرف من عشرة زوجها وهو إقامتها لخدمة أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لأنها خشيت ألا تقوم بحقه لكراهتها له فتقع في محذور، والصواب أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا شافع أنه أطلق لفظ الشفاعة وأراد التخيير، وذلك لأن شرط حقيقة الشفاعة أن يكون الشافع أدنى مرتبة من المشفوع عنده وإلا فهو تخيير كما هنا. قاله الشبراخيتي. وقوله:"ولمن كمل عتقها فراق العبد فقط"، قال الشبراخيتي: هو عطف على قوله: "وللعربية رد المولى المنتسب للعرب". انتهى. والأولى أن "فراق" مبتدأ والخبر "لمن كمل عتقها". وقال الشبراخيتي: وينظر السلطان للصغيرة بالمصلحة وكذا السفيهة ما لم تبادر لاختيار
(1)
عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بعض بريرة مغيثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو راجعته قالت يا رسول الله تأمرنى قال إنما أنا أشفع قالت فلا حاجة لي فيه. البخاري كتاب الطلاق، رقم الحديث 5283.
- روى سعيد بن منصور عن هيثم عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته فكلم العباس له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطلب إليها فقال لها رسول الله صلى عليه وسلم زوجك وأبو ولدك فقالت أتأمرني يا رسول الله فقال إنما أنا شافع فقالت إن كنت شافعا فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان يقال له مغيث وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم. التمهيد، موسوعة شروح الموطأ، ج 15 ص 11.
نفسها، ولو رضيت الصغيرة بالمقام معه لم يلزمها على قول ابن القاسم إن لم يكن حسن نظر، ولزمها على قول أشهب. انتهى.
بطلقة يعني أن الأمة إذا عتقت وهي متزوجة بعبد فإن لها أن تفارقه كما علمت، وليس لها أن توقع إلا طلقة واحدة ويحصل فراقها بغير الطلاق كاخترت نفسي وما أشبه ذلك، وهو متعلق بمقدر أي ويكون فراقها بطلقة واحدة على رواية الأكثر، وهو أولى من تعلقه بفراق لأنه يوهم جواز فراقها له بأكثر من واحدة على رواية الأقل وليس كذلك كما ستعرفه. وقال الزرقاني: الجواز لا ينافي الكراهة فلا يشكل قوله: "أو اثنتين" أو يقال إن قوله: "بطلقة" يتعلق بمقدر أي ويكون أي الفراق بكذا. انتهى المراد منه. والأولى تقدير وثبت لمن لخ. قاله الشبراخيتي.
وقوله: "بطلقة" قال عبد الباقي: ظاهره أن الفراق لا يكون بغير الطلاق مع أنه يكون بغيره كاخترت نفسي وما أشبه ذلك. قاله أحمد. والظاهر أنها تكون بائنة أيضا في اختيارها بغير لفظ الطلاق. انتهى. وقوله: بائنة بالجر صفة لطلقة؛ يعني أن الأمة التي كمل عتقها تحت عبد إذا فارقته بطلقة فإنها تكون بائنة، وقال عبد الباقي: إن "بائنة" مرفوع خبر مبتدأ محذوف لا مجرور لإيهامه أن ذلك من تصوير تتمة نطقها فيلزم البتات للعبد كما تقدم نظيره، ويتحد مع قوله:"أو اثنتين". انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: فيه نظر؛ إذ قطع النعت هنا عن التبعية لا يجوز لقولهم إن نعت النكرة لا يقطع إلا إذا وصفت قبله بنعت آخر وذلك مفقود هنا، وما زعمه في الجر من الإيهام غير صحيح. والله أعلم انتهى.
وقوله: "بطلقة بائنة" نحوه في المدونة، وفي مختصر ما ليس في المختصر: له الرجعة إن عتق في العدة والطلقة على هذا رجعية. قاله الشارح. وقوله: "بطلقة بائنة" هو الذي كان يقوله مالك أولا أنها ليس لها أن تختار إلا واحدة بائنة وهو قول أكثر الرواة. قاله الشارح.
أو اثنتين يعني أنه إذا أوقعت الأمة التي عتقت تحت عبد أكثر من طلقة واحدة بأن أوقعت اثنتين فإن ذلك لا يلزم منه إلا واحدة كما عرفت وهو رواية الأكثر، وقيل إنها إذا أوقعت اثنتين لزمتا فتكون حينئذ مبتوتة لا تحل إلا بعد زوج، "فأو" إشارة للخلاف ومحله إنما هو بعد الوقوع، وأما ابتداء فلا تؤمر إلا بواحدة، فإذا أوقعت أكثر منها فالمشهور أنه لا يمضي إلا
واحدة، وصوبه اللخمي لأنه قول أكثر الرواة كما علمت، وقيل إن أوقعت اثنتين لزمتا فتكون مبتوتة وهي رواية الأقل، فأو إشارة لرواية الأقل. قال الشبراخيتي: فأو للتنويع لا للتخيير؛ أي أنه اختلف فيما زاد على الواحدة بعد الوقوع، وأما ابتداء فيتفق على أنها تؤمر بإيقاع واحدة، والمذهب الأول، والرواية الثانية ضعيفة. انتهى.
وقال الشارح: وفي الموازية تختار نفسها بالبتات يريد طلقتين، وكان مالك رحمه الله أولا يقول: ليس لها أن تختار إلا واحدة بائنة وهو قول أكثر الرواة، ولما قوي عند الشيخ القول الثاني لم يقتصر على قول أكثر الرواة بل ذكر ما يدل على جواز العمل بكل من القولين، وعن مالك وابن القاسم في المدونة: لها أن تطلق نفسها ثلاثا. انتهى.
وفي الحطاب: فإن لم تصرح بواحدة ولا باثنتين بل طلقت أو قالت اخترت فهي بائنة. انتهى. وقال الرماصي: ما المانع من حمل كلام المص على ظاهره من كون أو للتخيير، ويكون المؤلف جاريا على القول المرجوع إليه في المدونة؟ ففي الكتاب الأول قال مالك: وللأمة إذا عتقت تحت العبد أن تختار نفسها بالبتات على حديث بريرة، وكان مالك يقول: لا تختار إلا بواحدة بائنة، وقاله أكثر الرواة. فإن قلت: هذا إن فهم من كلامها التخيير فإن حمل على أنه بعد الوقوع فلا يتأتى التخيير، قلت: إن حمل على ما بعد الوقوع فلا يتأتى التنويع أيضا إلا بتكلف فكذا يتكلف التخيير مع إبقاء الكلام على ظاهره، والصواب أن تحمل المدونة على ما بعد الوقوع. انتهى.
وسقط صداقها قبل البناء يعني أن الأمة إذا كمل عتقها وهي متزوجة بعبد واختارت الفراق قبل البناء فإنه يسقط جميع صداقها؛ لأنه فراق قبل الدخول جاء من قبلها ومثله لا صداق فيه.
وبما قررت علم أن قوله: "قبل البناء" متعلق بمحذوف تقديره: باختيارها أو إن اختارت. وقال عبد الباقي: وسقط صداقها أي نصفه، ونحوه للشبراخيتي، قال محمد بن الحسن: مراده يعني عبد الباقي سقوط النصف الذي كانت تستحقه بالفراق قبل البناء، فيلزم سقوط الجميع لاختيارها نفسها قبل البناء. ابن الحاجب: فإن اختارت قبل البناء فلا صداق. التوضيح: يعني أنه لا
يكون لها نصفه. انتهى. وفي المدونة: وإن اختارت قبل البناء فلا مهر لها. والله سبحانه أعلم. انتهى.
والفراق إن قبضه السيد وكان عديما قوله: "والفراق" عطف على فاعل "سقط" وهو صداقها؛ يعني أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد وكان سيدها قد قبض صداقها قبل عتقها وفات الصداق وكان عديما حين العتق، فإن العتق ماض وخيارها ساقط لأن بقاءها تحت عبد خير من رجوعها أمة، واحترز بقوله. "وكان عديما" مما لو قبضه وفات وكان مليا فإنها تبقى على خيارها، ويرد للزوج الصداق إن اختارت الفراق، وكذا يكون لها الخيار إذا كان الصداق بيد السيد لم يفت وهو عديم، وما مشى عليه المص هو القول المختار وبه الحكم، وقيل يثبت لها الخيار ولا تباع ويعد ذلك دينا طارئا بعد العتق لا قبله. قاله الشارح.
وفي حاشية الشيخ محمد بن الحسن التصريح بأن السيد إذا كان مليا يوم العتق ثم أعسر بعده يكون لها الخيار، ويتبع الزوج السيد في ذمته، وصوبه وقال: الذي في عبارة ابن عرفة وابن شأس: إن كان معسرا به يوم أعتقها. انتهى. وما ذكره الشيخ محمد بن الحسن نحوه للشبراخيتي وعزاه للتتائي وبعض الشراح وهو الذي قررت به المص، وقال عبد الباقي: وكان عديما حين القيام عليه وإن كان حين العتق مليا، وعزاه الشبراخيتي للزرقاني يعني أحمد، وعزاه بناني له وللحطاب والله سبحانه أعلم. وقال الخرشي: وكان عديما حين العتق فترجح ما قررت به المص.
وبعده لها الظرف متعلق بعتقت مقدرا والضمير فيه عائد على البناء، والضمير في "لها" عائد على الأمة المعتقة؛ يعني أن الأمة إذا عتقت بعد أن بنى بها العبد ولو في التفويض ولم يفرض لها فإن الصداق يكون لها، ولو وطئها بعد العتق وكان قد دخل بها ولم تعلم بالعتق حال وطئه لها فلا شيء عليه سوى ما تقرر بالوطء قبل العتق.
كما لو رضيت وهى مفوضة بما فرضه بعد عتقها لها تشبيه في كون الصداق لها؛ يعني أن الصداق يكون للأمة المذكورة فيما إذا نكحت تفويضا ثم عتقت قبل الفرض ثم فرض لها بعد ذلك ورضيت بما فرضه الزوج لها بعد عتقها، والحال أن الزوج لم يكن بنى بها ولو اشترطه السيد لأنه ليس
له أن يشترط ما كان لها وقت العتق، وهذا مال تجدد بعد العتق وأما ما فرضه الزوج لها قبل العتق واشترطه السيد فإنه يعمل بشرطه، وقوله:"بما فرضه" متعلق برضيت، وقوله:"بعد عتقها" متعلق بفرضه، وكذا قوله:"لها". قاله الشيخ إبراهيم. قال: والمعنى أنه إذا أعتقها السيد قبك فرض الصداق ثم فرض لها بعد العتق ولم يكن بنى بها قبل العتق فإن صداقها لها؛ أي ولو اشترطه السيد فالتشبيه في مفاد قوله: "وبعده لها". انتهى. وقوله: "كما لو رضيت" لخ. قاله في المدونة.
إلا أن يأخذه السيد مستثنى مما قبل الكاف أعني قوله: "وبعده لها" يعني أن محل كون الصداق لها حيث عتقت بعد البناء إنما هو حيث لم يأخذه السيد من الزوج قبل العتق، وأما إن أخذه السيد من الزوج قبل العتق ثم أعتقها فإنه يكون له؛ لأن مجرد قبضه كاشتراطه وينزل منزلة الانتزاع، فقول المصنف في توضيحه: وينبغي أن يقيد بما إذا كان قبضه منه على وجه الانتزاع غير ظاهر. قاله التتائي. قاله عبد الباقي.
وما قررت به المص من أن الاستثناء راجع لما قبل الكاف متعين، قال ابن غازي: يتعين رجوع الاستثناء للأول يعني ما قبل الكاف لتعذر أخذ الثاني وذلك مصرح به في المدونة. انتهى. قاله محمد بن الحسن. وقال الشارح. عند قوله: "إلا أن يأخذه السيد" أو يشترطه هو راجع إلى قوله: "وبعده لها". ابن شأس: ولها المسمى بعد البناء أقامت أو فارقت، ويتبعها كمالها إلا أن يكون السيد قد قبضه أو اشترطه، ونحوه في المدونة. انتهى.
أو يشترطه عطف على يأخذه فهو أيضا مستثنى من قوله: "وبعده لها" يعني أن الصداق للأمة المذكورة حيث عتقت بعد البناء أقامت أو فارقت ما لم يشترطه السيد حين العتق أي يستثنه، وأما إن استتناه حين العتق فإنه يكون له أقامت أو فارقت، وأما ما ملكته بعد عتقها فلا يفيد اشتراطه كما مر في قوله:"كما لو رضيت وهي مفوضة بما فرضه بعد عتقها لها".
ابن عرفة: لو استثنى من أعتق أمته قبل البناء مهرَها صح في نكاح التسمية وبطل في التفويض قبل فرضه؛ إذ ليس بمال لها يشترطه. انتهى. وبه تعلم سقوط تنظير عبد الباقي في اشتراط السيد
في نكاح التسمية الصداق حين عتقها قبل البناء، هل يعمل بشرطه؟ لخ قال الشيخ محمد بن الحسن: الصواب إسقاط هذا التنظير لأن ما نقله بعده عن ابن عرفة صريح في الحكم. انتهى.
وتحصل مما مر أن ما تملكه حين العتق أو قبله له استثناؤه، وأن ما تجدد لها بعد العتق لا تسلط له عليه.
وصدقت إن لم تمكنه ما رضيت يعني أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد وسكتت مدة ولم تمكن زوجها من نفسها في تلك المدة وطلبت الفراق، وقالت: ما رضيت بالمقام معه، وإنما سكت في تلك المدة لأتروى أمري -مثلا- فإنها تصدق وتبقى على خيارها وإن بعد سنة يعني أنها تصدق في أنها ما رضيت، ولو قالت ذلك بعد مدة طويلة كسنة ويتصور ذلك مع الغفلة عن وقفها. وفي الخرشي كما لو أوقفها الحاكم هذه المدة جهلا أو غفل عنها وتصدق في ذلك بغير يمين. وفي الحطاب عند قوله:"وإن بعد سنة": سواء أوقفها الحاكم أو الزوج وهو خطأ إن فعله الحاكم أو لم يوقفها أحد. قاله ابن عبد السلام. ابن عرفة: ونقل ابن عبد السلام سقوط خيارها لطول المدة، ونقله عن العتبية أنها تحلف لا أعرفه. انتهى. وقال الحطاب عند قوله "وصدقت إن لم تمكنه": مذهب المدونة أنها تصدق بلا يمين قاله في التوضيح. ثم قال تبعا لابن عبد السلام: وفي العتبية تحلف، قال ابن عرفة: إنه لم يجده في العتبية. والله أعلم انتهى.
إلا أن تسقط مستثنى من قوله: "ولمن كمل عتقها فراق العبد" يعني أن الأمة التي كمل عتقها وهي متزوجة بعبد لها أن تفارقه ولها البقاء معه؛ أي لها الخيار في ذلك ما لم تسقط خيارها، وأما لو أسقطت خيارها بأن قالت أسقطت خياري أو اخترت المقام معه فيبطل ما بيدها أي فلا خيار لها بعد ذلك، سواء كانت رشيدة أو سفيهة، وهذا في البالغة، وأما الصغيرة إن أسقطت خيارها فيبطل ما بيدها أيضا إن كان ذلك حسن نظر لها وإلا نظر لها السلطان. قاله ابن القاسم. وقال أشهب: يلزمها ذلك.
أو تمكنه عطف على قوله: "تسقطه" يعني أن الأمة إذا عتقت وهي متزوجة بعبد فلها أن تفارقه إلا أن تمكنه من الوطء أو مقدماته فيبطل ما بيدها وإن لم يفعل، وكذا يبطل ما بيدها إن تلذذت هي، والحاصل أنه متى استمتع بها بطل ما بيدها إن كانت طائعة وكذا لو مكنته من الاستمتاع
وإن لم يفعل، وكذا لو استمتعت به فيبطل ما بيدها، وقوله:"أو تمكنه" هذا إن مكنته طائعة وهو الأصل إن تنازعا في الطوع والإكراه فيصدق بيمين، فإن تنازعا في أصل التمكين، فقوله بيمين إن ثبتت الخلوة وإلا فقولها بغير يمين.
واعلم أن التمكين فرع من الإسقاط أي لها الخيار إلا أن تسقط ما بيدها أي تأتي بما يدل على الإسقاط من قول، كاخترت المقام أو عدم الفراق أوأسقطت اختياري، أو فعل كتمكينها طائعة وإن لم يحصل فعل، وكاستمتاعها به وهو أقوى في الدلالة، وقال الحطاب: قال اللخمي: القبلة والمباشرة كالإصابة وكذا إن مكنته ولم يفعل. انتهى.
ولو جهلت الحكم يعني أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد وأسقطت خيارها بالقول أو بالفعل كالتمكين فإنه يسقط خيارها، ولو كانت جاهلة بالحكم أي جاهلة بأن الإسقاط والتمكين يبطل بهما ما بيدها أو جاهلة بأن لها الخيار بالعتق وهذا هو المشهور، وقال البغداديون: إذا لم يشتهر الحكم بحيث يمكن جهل الأمة لذلك تعذر بذلك كحديثة عهد بسبي واختاره بعض المتأخرين، قال: وإنما تكلم مالك على من اشتهر عندهم الحكم ولم يخف على أمة كأهل المدينة.
لا العتق يعني أن جهل العتق ليس كجهل الحكم، فإذا مكنته من نفسها طائعة بعد أن كمل عتقها ولم تعلم بالعتق حالة التمكين لم يبطل ما بيدها فتبقى على خيارها. ابن عبد السلام: ينبغي أن يعاقب الزوج إذا علم بالعتق والحكم كما قالوا إذا وطئ المملكة والخيرة قبل أن تختار، والقول للأمة بغير يمين إن ادعى علمها بالعتق ولو نسيت العتق لم تعذر لما عند الناسي من زيادة التفريط على الجاهل. قاله الشيخ عبد الباقي وغيره. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: الشيخ عن محمد: لو ادعى وطأها بعد علمها بالعتق وأكذبته، فإن ثبتت الخلوة صدق مع يمينه وإلا صدقت دون يمين. اللخمي: إن اتفقا على المسيس وادعت الإكراه وزوجُها الطوعَ صدق مع يمينه. انتهى. وفي الشبراخيتي: لو ادعى عليها الإصابة وخالفته، فإن أنكرت الخلوة فالقول قولها مع يمينها، وإن اعترفت بها فالقول قوله مع يمينه. انتهى من الجواهر. قاله الزرقاني. انتهى. وذكر ما قدمته عن الحطاب.
ولها الأكثر من المسمى وصداق المثل يعني أن الأمة إذا عتقت قبل البناء ولم تعلم بعتقها حتى وطئها العبد فإنه يكون لها عليه الأكثر من المسمى وصداق المثل؛ لأنه إذا رضي بالمسمى وهي أمة فعلى أنها حرة أولى حيث كان المسمى أكثر، وإن كان صداق المثل أكثر فهي حرة وطئت قبل أن تعلم بعتقها. قوله:"ولها الأكثر من المسمى وصداق المثل" هذا إن صح النكاح أو فسد لعقده لا لصداقد فلها مهر المثل اتفاقا. قاله غير واحد. وظاهر المص سواء اختارت الفراق أو البقاء، وسواء كان حين الدخول عالما بعتقها أم لا، والفرق بينها وبين الغارة حيث كان لها الأقل من المسمى وصداق المثل أن تلك غارة متعدية وهذه مظلومة معذورة، وتقدم أن هذا فيمن عتقت قبل البناء، وأما من عتقت بعده فليس لها إلا المسمى.
وفي الحطاب: وقال ابن عرفة: قال اللخمي: إن علمت بعد أن دخل بها أنها عتقت قبل أن يدخل بها فلها الأكثر من المسمى ومهر مثلها على أنها حرة وإن كان العقد فاسدا فمهر مثلها اتفاقا. انتهى. فقول المص: "وصداق المثل" أي على أنها حرة كما صرح به غير واحد. والله سبحانه أعلم.
أو يبينها عطف على قوله: "تسقطه" يعني أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد فإن لها أن تفارقه كما علمت، ومحل ذلك حيث لم يبنها قبل مفارقتها له، وأما إن أبانها بطلاق قبل البناء أو بطلاق الش لع أو بانت بانقضاء عدة الرجعي فليس لها أن توقع طلاقا، فإن أوقعته لم يلزم، ولها النصف حيث طلقها قبل البناء وقبل اختيارها.
لا برجعي يعني أن الأمة لا يسقط خيارها بطلاق رجعي فلها أن توقع طلقة تبين بها وتكون حينئذ مبتوتة فلا تحل إلا بعد زوج؛ لأن طلاق العبد اثنتان، وقوله:"لا برجعي" أي فلها أن توقع ثانية ولو التزم الزوج عدم الرجعة لأنه قد يكذب، ورد المص بقوله:"لا برحعي" ما قاله اللخمي، لو قيل إنها تمنع من الطلاق إذا قال الزوج أنا لا أرتجع لكان حسنا. نقله الشارح. وقوله:"لا برجعي" الظاهر أنه متعلق بفعل مقدر بعد لا أي لا يسقط خيارها برجعي. والله سبحانه أعلم.
أو عتق قبل الاختيار عطف على قوله: "تسقطه" يعني أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد فإن ما بيدها يبطل بعتق زوجها قبل أن تختار نفسها فلا خيار لها لزوال سببه وهو رقّيَّة الزوج وظاهره وإن لم تعلم هي بعتقها، ودخل في هذا قول ابن عرفة: الشيخ: روي إن بيع الزوج قبل عتقها بأرض غربة فظنت أن ذلك طلاق ثم عتقت ولم تختر نفسها حتى عتق زوجها فلا خيار لها، ثم قال الشيخ عن محمد: إن عتقت وزوجها قريب الغيبة كتب إليه خوف تقدم عتقه، فلو اختارت قبل ذلك لزمه ولا حجة لزوجها، ولو عتق في عدتها، ولو بعدت غيبته حتى يضرها انتظاره فهي كمن أسلمت وزوجها كافر بعيد الغيبة. قاله الحطاب.
إلا لتأخير لحيض يعني أن الأمة المذكورة إنما يبطل خيارها بسبب عتق زوجها قبل أن تختار نفسها حيث لم تكن مجبورة على التأخير شرعا كما لو كان تأخيرها للفراق لأجل الحيض ولم تطهر حتى عتق زوجها، وأما إن أخرت الفراق لكونها حائضا فعتق قبل أن تختار نفسها فإنه لا يبطل ما بيدها لأنها مجبورة على أن تؤخر اختيارها إذا عتقت وهي حائض حتى تطهر، فإن اختارت في الحيض فلا ترتجع؛ لأن اختيارها طلقة بائنة، وقوله:"إلا لتأخير لحيض" هو قول ابن القاسم، وصوب اللخمي سقوطه.
وإن تزوجت قبل علمها ودخولها فاتت بدخول الثاني يعني أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد وعتق زوجها قبل أن تختار نفسها ولم تعلم بعتقه ففارقته ثم تزوجت غيره ودخل بها الزوج الثاني فإنها تفوت على الأول بدخول الثاني، والمراد بدخول الثاني تلذذه ولو بغير وطء، ومحل فواتها حيث لم يعلم الزوج الثاني حال تلذذه بعتق الأول، وأما لو علمت بعتق الأول قبل اخيتارها فلا تفوت بتلذذ الثاني كما أنها لا تفوت بتلذذ الثاني عالما بعتق الأول.
وعلم من المص أن مجرد العقد لا يفوتها وإن تنازعت هي وزوجها الأول في العلم بعتقه قبل اختيارها، فالأصل عدم العلم كذات الوليين، وقوله:"ودخولها" أي تزوجت قبل علمها بعتق الأول وقبل دخول الزوج الأول بها ولا مفهوم له، بل لا فرق في فواتها بدخول الثاني غير عالمين بين أن يدخل بها الأول وبين أن لا يدخل بها، ولعل ذلك لحصول الخلل في العقد بثبوت
الخيار الطارئ للأمة، بخلاف ذات الوليين فلا تفوت بدخول الثاني حيث دخل الأول قبله. والله تعالى أعلم.
ابن غازي: سقط في بعض النسخ ودخولها، وهو الصواب.
ولها إن أوقفها تأخير تنظر فيه يعني أن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبد فأوقفها زوجها، وقال أي قال لها عند الحاكم: إما أن تختاري المقام معي أو الفراق، فقالت: أمهلوني حتى أنظر في ذلك وأستشير فإنها تجاب إلى ما دعت إليه فتؤخر باجتهاد الإمام، واستحسن اللخمي أن تؤخر ثلاثة أيام، ونحوه للمازري قيل وهو ضعيف ولا نفقة لها زمن الإيقاف، وإذا عتق العبد زمنه سقط خيارها. قاله الشيخ عبد الباقي. ولما أنهى الكلام على أركان النكاح الأربعة شرع في الكلام على الركن الخامس وهو الصداق وأخره لطول الكلام عليه، فقال:
فصل: يذكر فيه ما يجوز أن يكون صداقا
وما لا يجوز أن يكون صداقا وما يتعلق بذلك من لزوم الجهاز والبناء وغير ذلك، والصداق بفتح الصاد وكسرها والأول أفصح، ويقال: صدقة بضم الدال وفتحها، قال تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وهو مأخوذ من الصدق ضد الكذب؛ لأن دخوله بين الزوجين دليل على صدقهما، ويسمى مهرا وطولا وأجرة ونحلة ونفقة وفريضة. قال الشبراخيتي: والنحلة بكسر النون ما يعطى بغير مقابل ومنه سمي المهر نحلة لأن المرأة تأخذه في الحقيقة لا في مقابل؛ لأنها تستمتع بالزوج في الحقيقة أكثر مما يستمتع بها، قال في الإيضاح في أسرار النكاح: لذة المرأة بالنكاح تتضاعف على لذة الرجل لأنها تلتذ بحركة الرحم ثم بحركة منيها ثم بحركة مني الرجل في فم الرحم إلى حين استقراره وبعد استقراره، وإنما وجب المهر في النكاح لتتأكد العلقة والصحبة بينهما، قال الزجاج: وسمى الله تعالى زنابير العسل نحلا لأنها قد تنحل الخلق العسل الذي يخرج من بطونها بلا مؤنة فهو عطية مبتدأة. انتهى. ويسمى الصداق زيادة على ما مر علاقة وعقرا بضم العين وأصله دية الفرج للمرأة المغصوبة، ثم كثر حتى استعمل في المهر.
وأشار المؤلف إلى شروطه وموانعه بقوله: الصداق كالثمن يعني أن الصداق في مقابلة البضع كالثمن في مقابلة السلعة، فما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا، وما لا يجوز أن يكون ثمنا لا يجوز أن يكون صداقا إلا أن في ذلك إجمالا فيشترط في الصداق أن يكون طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه معلوما، فيمتنع بكخمر ومجهول ونحوهما لكن بين الثمن والصداق عموم وخصوص من وجه يجتمعان في ربع دينار فما فوقه مما توفرت فيه الشروط، وينفرد الثمن في أقل منه وينفرد الصداق بشورة وصداق مثل وعدد من كإبل كما يأتي، فاغتفر فيه من يسير الغرر ما لم يغتفر في الثمن لامتناع الثمن بشورة وصداق مثل وعدد من كإبل، وإذا اتفق الزوجان على أن الصداق ألف نصف مثلا واختلفا فيما سمياه في العقد، فادعى أحدهما أنهما سميا نحاسا وادعى الآخر أنهما سميا فضة فهو من الاختلاف في قدر الصداق، وسيأتي أن القول للزوج بيمينه بعد بناء أو موت أو طلاق وقبل ذلك حلفا وفسخ، وإن اتفقا في العقد على دينار مثلا ولم يسميا سكة فإن لها السكة الجارية في البلد، فإن اختلفت أخذ من الأغلب فإن تساوت أخذ من جميعها
بالسوية، فيؤخذ من الاثنين النصف من كل ومن الثلاثة الثلث من كل، كمن تزوج برقيق ولم يصف حمرانا ولا سودانا وهذا على قول ابن القاسم الذي لا يشترط ذكر جنس الرقيق، وأما على قول سحنون فإن وقع مجملا فسخ قبل البناء ويثبت بعده على صداق المثل، وأما الوصية إذا لم يذكر جنس فيكون له السكة الجارية يوم التنفيذ.
وفي الشبراخيتي: إذا سقط ذكر السكة في الثمن أو في الصداق وهي متعددة فإنهما يكونان من سكة البلد الغالبة رواجا، فإن تساوت السكك في الرواج فإن كانت سكتان أعطيت من كل سكة النصف وثلاثة أعطيت الثلث وهكذا كما يفيده كلام المتيطي، وأما في الثمن فإن لم يمين ما يعطي منه حيث استوت في الرواج فإنه يفسد البيع، وينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم تكن العادة عندهم أن يعطي من كل سكة بنسبة عددها. انتهى.
وفي الحطاب عن المتيطي: ولو لم يسم من أي سكة لكان للزوجة من السكة الجارية ببلد عقد الصداق، فإن كان يجري في البلد سكتان كان لها من أغلبهما، فإن تساوتا في الجري أعطيت النصف من كلا السكتين كمن تزوج برقيق ولم يصف حمرانا ولا سودانا. المتيطي: وهذا على قول ابن القاسم الذي أجاز ذلك وأما على قول سحنون الذي يقول لا يجوز حتى يسمي الجنس فيكون عليه وسط من ذلك الجنس، فإن وقع مجملا فسخ قبل البناء وثبت بعده على صداق المثل، فينبغي أيضا على مذهب سحنون هذا لا يجوز حتى يسمي سكة الدنانير التي وقع النكاح بها. والله أعلم. انتهى.
وقال عبد الباقي: وإذا اتفقا على وقوعه بألف نصف مثلا واختلفا في كونها نحاسا أو فضة فهو من الاختلاف في قدره، وسيأتي أن القول للزوج بيمينه بعد بناء أو موت أو طلاق وقبله حلفا وفسخ. انتهى. فال محمد بن الحسن في قوله: واختلفا في كونها نحاسا أو فضة أي اختلفا فيما سمياه في العقدت فقال أحدهما: إنهما سميا نحاسا فإن اتفقا في العقد على ألف نصف ولم يسميا نحاسا ولا فضة فهو من مسألة المتيطي المذكورة بعد هذه؛ يعني المسألة التي قدمتها عن الحطاب، وذكرها عبد الباقي فقال وإذا اتفقا على وقوعه بألف قرش أو دينار ولم يسميا من أي القروش أو الدنانير الشريفية أو الإبراهيمية وسكتها متعددة في البلد واختلفت رواجا وصرفا كان
الصداق وكذا البيع من السكة الغالبة رواجا فإن لم تكن غالبة بل استوى رواج الجميع فسد البيع كما يأتي في بابه، وأما الصداق فتعطى من كل سكة بنسبة عدد الكل فإن كانت سكتان أعطيت من كل سكة نصف صداقها أو ثلاثة فمن كل الثلث فتعطى الألف قرش ثلثها ريال وثلثها كلاب وثلثها بنادقة وهكذا. انظر المتيطي.
قال أحمد عن الطرر: كمن تزوج برقيق ولم يذكر حمرانا ولا سودانا بخلاف الوصية إذا لم يذكر جنس فيكون له السكة الجارية يوم التنفيذ. انتهى. قوله: "أو اختلفت رواجا وصرفا، اختلافهما في الصرف من الاختلاف في القدر، قاله بناني. فإن قلت لم لم يكن ما مر عن المتيطي من الاختلاف الآتي في قدر الصداق أو صفته الآتيين للمص كاختلافهما في الألف نصف كما تقدم؟ فالجواب ما قاله محمد بن الحسن: ما للمتيطي لم يقع فيه نزاع بينهما وإنما وقع فيه الإجمال وعدم البيان كما تقدم، وأما جواب عبد الباقي فغير صحيح. كما قاله الشيخ بناني.
كعبد تختار هي لا هو مثال لا يجوز أن يكون صداقا وثمنا؛ يعني أنه يجوز للرجل أن يتزوج المرأة على عبد تختاره هي من عبيد له حاضرين أو غائبين ووصفوا، فإن كانوا غائبين ولم يوصفوا فسد النكاح، وإنما جاز هذا لأنه دخل على أنها تختار الأرفع فلا غرر، بخلاف ما إذا كان ليختار لها هو عبدا من عبيدة فلا يصح النكاح بذلك، كما أنه يجوز للمشتري أن يشتري عبدا يختاره من عبيد حاضرين أو غائبين، ووصفوا لا إن لم يوصفوا ولا يجوز أن يبيع عبيدا على أن يختار البائع واحدا منهم، قال عبد الباقي: فعلم أنه يجوز البيع على عبد يختاره المشتري على الإلزام دون البائع وهو صحيح؛ لأن الجنس واحد فليس من بيعتين في بيعة إذ ذاك في مختلف الجنس.
قال الشيخ محمد بن الحسن: التفريق بين اختيار الزوج والزوجة مقيد بالعدد القليل وهو الثلاثة فأقل، وأما العدد الكثير فيجوز اختيارها منه رأسا، كما يجوز أن يختار هو منه رأسا كما في البيع، ونص نكاحها الأول: من نكح امرأة على أحد عبديه أيهما شاءت جازوعلى أيهما شاء لم يجز كالبيع. انتهى. فالمشتري يجوز له الاختيار مطلقا والبائع يمنع منه في القليل وهو الثلاثة
فأقل. انظر مصطفى. ثم في التفريق بين اختياره واختيارها بحث لأن كلا منهما إنما يختار الأرفع لنفسه. انتهى.
وضمانه مبتدأ خبره "كالبيع" يعني أن الصداق ضمانه كضمان المبيع، فإن كان النكاح صحيحا فينتقل الضمان إلى الزوجة بالعقد، فإن مضى بالدخول فكالصحيح وإن كان فاسدا فبالقبض، وهذا إذا ثبت هلاكه ببينة أو كان مما لا يغاب عليه، وهنا طريقة أخرى أن الفاسد الذي لا خلل في صداقه يضمن بالعقد. قاله الشيخ الأمير.
وتلفه يعني أن الصداق إذا تلف ولم تقم بينة على هلاكه فإن ضمانه كضمان البيع في الخيار، فإن كان بيد الزوج وادعى تلفه ولم تقم بينة على هلاكه وهو مما يغاب عليه يكون ضمانه منه فترجع عليه بقيمة القوم ومثل المثلي، وإن كان مما لا يغاب عليه فيصدق في تلفه ففي التشبيه مسامحة، فإن البائع إذا ادعى تلف ما يغاب عليه ولم تقم بينة يخير المشتري بين الفسخ وعدمه، وهنا لا خيار للزوجة في الفسخ بل ترجع بقيمة المقوم ومثل المثلي كما علمت.
واعلم أن قوله: "وتلفه" يغني عنه قوله: "وضمانه" لأن الضمان مسبب عن التلف فحقه أن لو قال وضمانه إذا تلف وقد تقدم تقرير ضمانه بصورة، وحمل وتلفه على صورة أخرى ليندفع التكرار بذلك، وكان بعض أصحاب ابن غازي يقول الفقه ظاهر وكلام خليل لا يمس.
(1)
قاله الشيخ بناني.
واستحقاقه يعني أن استحقاق الصداق كاستحقاق المبيع، ومحصل ذلك أن تقول لا يخلو ذلك من أن يتزوجها على شيء بعينه ثم استحق فإنها ترجع بقيمة الشيء المستحق إن كان مقوما وبمثله إن كان مثليا: وإن كان مضمونا فترجع بمثله مقوما أو مثليا، ومقتضى تشبيه المص أنها ترجع بصداق المثل لأن الصداق عوض البضع، فإذا استحق وجب أن ترجع بقيمته حيث كان الصداق معينا وليدى الأمر كذلك كما عرفت، ففي التشبيه مسامحة وسيذكر المص أنها ترجع بقيمة المستحق المعين، وأورد على المص ما إذا علما بغصبه فإن النكاح يفسد كما يأتي، ويجاب بأن لفظ استحقاقه يشعر بعدم علمها قبل العقد بكونه مستحقا للغير. قاله الشيخ عبد الباقي.
(1)
في النسخ: لا يحسن، والمثبت من البناني ج 4 ص 3.
وتعييبه يعني أن اطلاع المرأة على عيب قديم في الصداق كاطلاع المشتري على عيب قديم في المبيع وإذا كان مثله فلها التمسك بالمعيب ولا شيء لها، ولها أن ترده وترجع على الزوج بقيمة المقوم المعين ومثل المثلي ومثل الموصوف مقوما أو مثليا والقيمة يوم عقد النكاح. عبد الحق: لم يجعلوا النكاح كالبيع يفسخ إذا استحقت السلعة أو ردت بعيب ولم تفت؛ لأن عقد النكاح قد تقررت فيه الموارثة ووجبت فيه الحرمة على الأباء والأبناء، فلم ينبغ فسخه والبيوع لا ضرر في فسخها مع قيام السلعة فيفترقان.
أو بعضه راجع للاستحقاق والتلف والتعييب أي تلف البعض واستحقاق البعض، وتعييب البعض، وقوله:"أو بعضه" هو بالجر أو بالنصب؛ لأن الضمير في محل المفعول للمصدر الذي أضيف له والحكم في تعييب البعض واستحقاق البعض واحد، ومحصل ذلك أن البعض المستحق إما أن يكون شائعا أو معينا فإن كان شائعا ففيه ثمان صور؛ لأن الشيء الذي وقع فيه الاستحقاق لابد أن يكون منقسما أم لا، وفي كل إما أن يتخذ للغلة أم لا فتلك أربع صور، وفي كل إما أن يستحق منه كثير أم لا فتلك ثمان يخير في خمس منها بين رد الباقي والرجوع بعوض الجميع من قيمة أو مثل وبين التمسك بالباقي والرجوع بعوض المستحق، والخمس المذكورة هي: ما إذا لم ينقسم الشيء الذي وقع فيه الاستحقاق ولم يتخذ للغلة سواء استحق منه الكثير أو القليل، وهاتان صورتان أو انقسم واستحق منه الكثير اتخذ للغلة أم لا، وهاتان صورتان، أو اتخذ للغلة ولم ينقسم واستحق منه الكثير، وهذه واحدة. فتلك خمسة.
وفي حكم الذي لا ينقسم ما لا ينقسم إلا عن ضرر، وبقي من الصور الثمان ثلاث يلزم المرأة فيها التمسك بما لم يستحق والرجوع بمناب المستحق، وهي ما إذا كان المستحق منه منقسما ولم يستحق منه الكثير اتخذ للغلة أم لا وهاتان صورتان، وما إذا لم ينقسم لكنه اتخذ للغلة ولم يستحق منه الكثير وهذه صورة، فتلك ثلاث، وهذا الذي قررت به هنا هو الذي قرروه في البيع، وقالوا في البيع مبينين للكثير: والكثير في المثلي والدار الواحدة الثلث، وفي ما تعدد من الدور ما زاد على النصف كالحيوان والعروض والنصف في الأرض كثير. انتهى. ولم أرهم هنا قالوا هذا: إلا أن صريح كلام الخرشي أو ما هو كصريحه يفيد استواءهما في ذلك، ولفظ الشبراخيتي هنا:
ابن يونس: متى استحق شائع من الدار أو النخل أو الأرض وكان المستحق الشيء التافه الذي لا ضرر فيه استوى النكاح والبيع في لزوم الباقي بحصته من الثمن والرجوع بعوض ما استحق، ويستويان أيضا إذا استحق الكثير أو ما فيه ضرر حيث كان المستحق شائعا في أنه يخير في الرد والتماسك، والكثير في الشائع ما زاد على الثلث، فإن استحق شائع وهو الثلث فما دونه ولا ضرر في قسمه فإنه لا خيار لها وإنما لها عوضه فيلزمها الباقي. انتهى.
فجعل الكثير هنا ما زاد على الثلث في البيع والنكاح خلاف ما قدمته، ولفظ عبد الباقي هنا: فإن وقع الاستحقاق في شائع فلها الخيار أيضا حيث لا ينقسم أو ينقسم بضرر أو كثيرا وهو ما زاد على الثلث بين الرد والتماسك، وأما إذا كان المستحق الثلث فدون ولا ضرر في قسمة فلا خيار لها وإنما لها عوضه والبيع مساو للنكاح في هذين. انتهى. فجعل هنا الكثير هنا ما زاد على الثلث: وأما إن كان البعض المستحق معينا فإن استحق أكثر من النصف خيرت في الرد والرجوع بقيمة الجميع والتمسك بالباقي والرجوع بمناب المستحق: وإن كان النصف فدون فإنه يجب عليها التمسك والرجوع أي التمسك بما لم يستحق والرجوع بمناب المستحق، وأما تعييب البعض فكاستحقاق البعض المعين، فإن كان أكثر من النصف خيرت بين رد المعيب مع الرجوع بقيمته ورد الجميع والرجوع بقيمة الجميع، وإن كان المعيب النصف فدون وجب التمسك بالسليم والرجوع بعوض المعيب. الشبراخيتي: وتعيب البعض يجري فيه ما جرى في استحقاق البعض وكذلك تلفه، إلا أنه لا يكون فيهما إلا معينا فيجري فيهما ما جرى في استحقاق البعض المعين. انتهى.
وإذا تأملت ما سبق لم يَخْفَ عليك ما في التشبيه من التسامح في قوله: كالمبيع لأن النكاح هنا لا ينفسخ استحق منه الكثير أو القليل أو استحق الجميع، ولا يحرم على المرأة التمسك بالأقل حيث استحق أو تعيب الأكثر أو تلف بخلاف البيع كما يأتي إن شاء الله. وقوله:"كالمبيع" خبر عن قوله: "وضمانه" وما عطف عليه، وفي الذخيرة أن استحقاق البعض يفرق فيه بين الجزء الشائع والمعين كالبيع وتعييب الصداق كله أو بعضه كالبيع على ما سيأتي. قاله الشارح. وفي كتاب الأمير أنه يخير في العقار إن استحق منه ما ضر بها، قال: كالثلث أو دونه في دار السكنى
لا الغلة. انتهى. وقال الشبراخيتي: وقوله: "كالمبيع" فيه إجمال؛ إذ هو صادق ببيع البت وبيع الخيار وبالصحيح والفاسد مع أنه لا يصح حمله على بيع البت بحال لما علمته. انتهى.
وفي كلامه عندي نظر بل هو عندي يتناول بيع البت، وفهم من التشبيه أن ضمان الصداق الغائب من الزوج حتى تقبضه الزوجة كما صرح به الشارح والحطاب والشبراخيتي وهذا في غير العقار، وأما هو فمنها كما في الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم. وقال الحطاب عند قوله "كالمبيع": ذكر رحمه الله خمس مسائل من مسائل الصداق، وذكر أن حكمه فيها حكم البيع، فأما ضمانه فذكر أنه كالمبيع، فإن كان النكاح صحيحا فينتقل الضمان إلى الزوجة بالعقد، وإن كان فاسدا فبالقبض. قاله في المدونة. ومن نكح على عبد آبق أو بعير شارد أو جنين في بطن أمه أو بما في بطن أمته أو بما تلد غنمه أو بثمرة أو زرع لم يبد صلاحهما، أو على دار فلان أو على أن يشتريها لها فسخ النكاح في ذلك كله قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل وترد ما قبضت من آبق أو شارد أو غيره، وما هلك بيدها ضمنته ولا تضمنه قبل قبضه ويكون من الزوج وما قبضته ثم تغير في يدها في بدن أو سوق فقد فات، وترد قيمة ما يقوم به يوم قبضته وترد مثل ما له مثل إن زالت عينه أو تغيرت. انتهى.
وقال بعد هذا: وكل ما أصدق الرجل امرأته من حيوان أو غيره مما هو بعينه فقبضته أو لم تقبضه فحال سوقه أو نقص في بدنه أو نما أو توالد ثم طلقها قبل البناء فللزوج نصف ما أدرك من هذه الأشياء يوم طلق على ما هو به من نماء أو نقص لا ينظر في هذا إلى قضاء قاض؛ لأنه كان في ذلك شريكا لها، ألا ترى إلى هذه الأشياء لو هلكت بيدها ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء؟ ولو هلكت بيده لكان له أن يدخل بها ولا صداق عليه، ولو نكحها بعرض بعينه فضاع بيده ضمنه إلا أن يعلم ذلك فيكون منها. انتهى. وقال ابن عبد السلام: وفي قول ابن الحاجب ووجب تسليمه إن تعين لأنه مضمون منها بنفس العقد ولا معنى لبقائه بيد الزوج. انتهى. وسيأتي كلامه هذا عند قول المص: "ووجب تسليمه" فعلم من هذا أن ضمان الصداق من الزوجة بالعقد؛ لأنه إذا
كان مما يغاب عليه ولم تقم بينة على هلاكه فإن الزوج يضمنه، وهذا معنى قول الشيخ فيما يأتي:"وضمانه إن هلك ببينة" لخ، وأما استحقاق الصداق فلا يخلو إما أن يتزوجها على شيء بعينه أو شيء مضمون: فإن تزوجها بشيء بعينه ثم استحق فإنها ترجع بقيمة المستحق إن كان مقوما وبمثله إن كان مثليا، وإن كان مضمونا فترجع بمثله. انتهى.
وقال الشارح: فإن استحق الصداق فقال ابن القاسم: يثبت النكاح وتتبعه بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن كان مقوما وهو المشهور، وقيل ترجع بمثله فيهما وهو قول ابن كنانة، وقال في الموازية: وإذا استحق بعضه وفي إلزام باقيه ضرر كالرقيق يمنع الشركة من الوطء والسفر فلها رده وأخذ القيمة أو تحبس البقية وتأخذ قيمة المستحق، فإن كان تافها وما لا يضر رجعت بقيمته فقط إلا في الرقيق فلها الرد وإن قل. انتهى.
وإن وقع بقلة خل فإذا هي خمر فمثله؛ يعني أن الرجل إذا تزوج امرأة بقلة خل معينة وبعد أن عقد النكاح عليه تبين أنه خمر فإن النكاح ثابت بينهما ولها عليه مثل الخل، فالضمير في "مثله" عاند على الخل، قال الشارح مفسرا للمص: أي وإن وقع النكاح بقلة خل ونحوه ثم وجدت خمرا فالواجب مثل الخل، وقال سحنون: يرجع بالقيمة، وعنه أن النكاح يفسخ. نقله اللخمي. انتهى. وقوله:"وإن وقع بقلة خل فإذا هي خمر فمثله" وفي البيع يفسخ حيث وقع العقد على عينه، وأما لو لم يقع العقد على عينه بل وقع على قدر من الخل في الذمة فلا التباس في صحة العقد ودفع مثله، وقوله:"وإن وقع بقلة خل" لخ قال الشبراخيتي: تحير القاضي عياض في تصوير المسألة لأنه إن كان فتحها فلا التباس وإن لم يفتحها فهو فاسد، وكأنه ما وقف على ما في السماع من جواز بيع قلال الخل إذا كان يفسدها فتحها. انتهى. أي أو رأياها فظناها خلا وهذه المسألة بخلاف البيع، فإنه سيأتي: وعدم حرمة ولو لبعضه. انتهى.
وقال عبد الباقي: وإن وقع بقلة خل حاضرة مطينة فإذا هي خمر فمثله أي مثل الخل لتذكير الضمير لا مثل الخمر؛ لأن الأصح في الخمر تأنيثها وتأنيث ضميرها، ولأنها غير صداق شرعي أي يثبت النكاح ويجب مثل الخل كمن تزوجت بمهر فوجدت به عيبا فقها مثله غير معيب إن وجد وإلا فقيمته، ونحوه للشبراخيتي.
وبما مر تعلم أن قول عبد الباقي: مطينة، إنما هو جواب عن استشكال القاضي فلا فرق بين الطينة وغيرها كما لو ظنها خلا كما مر عن الشبراخيتي، وأما عكس كلام المص وهو ما إذا وقع النكاح بقلة خمر فإذا هي خل فإنه يثبت النكاح أيضا بشرط أن يرضياه، بخلاف ناكح امرأة على أنها في العدة وظهر انقضاؤها فيثبت ولا خيار لواحد منهما، والفرق أن عصمة المعتدة هي عين المشتراة وإنما ظن تعلق حق الله بها فبان خلافه، وفي الأولى هي تقول لم أشتر خلا إن كرهت ويقول هو لم أبع منك خلا إن كره، ففرق بين ما يعتقد أنه حرام لعينه وبين ما يعتقد أن حرمته لأمر عارض. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشيخ الأمير: والفرق اتحاد العين في هذه. انتهى. وهو حسن ويقرب منه كلام عبد الباقي. والله سبحانه أعلم.
ثم نبه على أربع مسائل يمتنع فيها البيع ويجوز فيها النكاح، فقال: وجاز بشورة يعني أنه يجوز أن يعقد النكاح على شورة معروفة كما في المدونة لحضرية أو بدوية ولا يجوز شراؤها، والشورة بالفتح متاع البيت وبالضم الجمال. قاله عبد الباقي. وقوله: وبالضم الجمال كذا في التنبيهات، ونصها: والشورة بالضم الجمال والحسن. انتهى. نقله الرهوني. وعبارة الشبراخيتي: وجاز النكاح بشورة أي إذا كانت معروفة نص عليه في المدونة، وهي بالفتح متاع البيت وبالضم الجمال كذا في بعض الشراح، وقال في الحاشية: بفتح الشين وضمها جهاز المرأة.
وبما قررت علم أن الشورة في مسألة المص هذه هي الصداق المعقود عليه.
وعدد من كإبل يعني أنه يجوز أن يعقد النكاح على عدد محصور من إبل أو بقر أو غنم ولو في الذمة وغير موصوف في الجميع كعشرة من الإبل من غير زيادة على ذلك اللفظ والواحد أولى في الجواز لأنه أخف غررا، أو رقيق يعني أنه يجوز أن يعقد النكاح على عدد من الرقيق ولو في الذمة وغير موصوف، وقال الشبراخيتي: أو عدد من رقيق غير موصوف أو موصوف كما في سماع عيسى ابنَ القاسم: من نكحت على رأسين بمأئة كل رأس بخمسين ثم غلا الرقيق فصار الرأس بمائة، إن ذكرت الخمسون صفة للرأس كصفة معلومة في البيع والسلم لزمت الصفة غلا الرقيق أو رخص، وإن ذكرت كي لا تزول أي لم يقصد بها الصفة غلا الرقيق أو رخص فالزوج كوكيل على الشراء بخمسين ليس عليه غيرها.
ابن رشد: هم على العدد حتى يعلم قصدهم الصفة. اللخمي: وإن ذكروا الثمن مجملا كخمار أو
رداء بعشرين ففي لزوم الوسط من المثمون ولزوم الشراء بالثمن قولان لأصبغ وغيره. كذا في التتائي.
انتهى. قوله: إن ذكرت الخمسون صفة للرأس لخ معناه -والله تعالى أعلم- أنهم جعلوا الخمسين بمنزلة كون العبد صغيرا أو متوسطا أو كبيرا من الصفات اللازمة التي لابد من بيانها عند البيع، فاللازم حينئذ العبد الذي هو على تلك الصفة وإن لم يقصدوا بها ذلك بل ذكروا الخمسين كي لا تزول هي أي الخمسون بل الخمسون هي المنظور إليها أي أن المعتبر عندهم العدد المذكور وهو خمسون فهو كوكيل على الشراء بخمسين، فلا يلزمه غيرها. قاله جامعه عفا الله عنه.
وقوله: "وعدد من كإبل أو رقيق" وأما عدد من شجر فلا يجوز النكاح به في الذمة إلا موصوفا في ملكه فهو كالدار الضمونة في الذمة، فمنعها مقيد بما إذا لم يصفها أو وصفها وهي في غير ملكه وإلاجاز. قاله الشيخ عبد الباقي.
وصداق منه؛ يعني أنه يجوز أن يعقد النكاح على صداق مثل فيتزوجها على أن يصدقها صداق مثلها فيجب نصفه بالطلاق ويتكمل بالموت، وسيأتي بيان صداق المثل، وقوله:"وجاز بشورة وعدد من كإبل أو رقيق وصداق مثل" كالمستثنى من قوله: "الصداق كالثمن" إذ لا يصح أن يكون شيء من ذلك ثمنا.
ولها الوسط؛ يعني أنه إذا تزوجها على شيء مما ذكر فإنه يكون لها الوسط مما عقدا عليه نكاحهما فإذا عقدا على الشورة فلها الوسط وكذلك العدد من كإبل أو رقيق، وكذلك إذا تزوجها على صداق المثل ففي مسألة الشورة يكون لها الوسط من شورة مثلها في حضر لحضرية وبدو لبدوية، وأما في مسألتي العدد من كإبل أو رقيق فقد اختلف في المراد بالوسط، فقيل معناه وسط ما يتناكح به الناس فلا ينظر إلى كسب البلد، وقيل وسط الأسنان من كسب البلد والمص محتمل لهما وعلى الثاني حمله جد علي الأجهوري، وصحح عبد الباقي الأول فقال ولا ينظر لكسب البلد على الأصح. انتهى. قال محمد بن الحسن: وتصحيح الزرقاني الأول ينظر من أين، قال وفي المدونة الأصلية: وعليه الوسط من ذلك فقيل معناه وسط ما يتناكح به الناس فلا ينظر إلى كسب البلد، وقيل وسط من الأسنان من كسب البلد. انتهى.
حالا يعني أنه يكون لها الوسط من ذلك كله حالا ويراعى وسط الوسط لا أعلاه ولا أدناه، قال الشيخ محمد بن الحسن: قوله "حالا" لا خصوصية لهذه المسائل به بل كل صداق وقع على السكت حمل على الحلول، وفائدته دفع توهم الفساد لو وقع السكوت.
وفي شرط ذكر جنس الرقيق قولان يعني أنه إذا أراد أن يصدقها عددا من الرقيق فقد اختلف الشيوخ في أنه لابد من بيان جنس الرقيق كبربري وهو قول سحنون، فإن لم يذكر جنس الرقيق على هذا القول فسخ النكاح قبل البناء وثبت بعده بصداق المثل كما في المواق عن سحنون، وقال ابن المواز: لا يشترط ذلك وتعطي من الوسط الأغلب إن كان ثم أغلب فإن لم يكن أغلب وثم صنفان أعطيت من وسط كل النصف، وإن كانت أصنافا ثلاثة أعطيت من وسط كل صنف ثلثه وهكذا، ويؤخذ من ابن عرفة أن الثاني هو المشهور وهو ظاهر المدونة.
قال الشيخ محمد بن الحسن: قلت وكذا ذكر أبو الحسن أن ظاهر نقل ابن يونس واللخمي أن قول سحنون خلاف مذهب المدونة، فلو اقتصر المؤلف على عدد من كإبل أو رقيق كان أولى، وقول سحنون: ليس على إطلاقه بل مقيد بما إذا لم يكن للنكاح جنس معتاد وإلا جاز ولا خصوصية للرقيق بذلك، وقد أتى ابن عرفة بعبارة عامة فلا فرق بين الرقيق وغيره من الحيوان والعروض في الخلاف، وقد علم أن الراجح الجواز وأما الجنس العام كالثوب والحيوان والعروض، ولم يعين من أي الحيوان أو العروض أو الثياب فإنه فاسد لصداقه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل.
قال عبد الباقي: وإضافة المصنف الجنس للرقيق يشعر بجوازه بثوب قطن أو كتان أو حرير وإن لم يذكر صنفه وهو كذلك كما في المدونة وشرحها لأنه أسهل اختلافا من صنف الرقيق، ولها الوسط مما أضيف له إن كان وإلا فالأغلب، قوله: وإضافة المص لخ أي من غير خلاف وفيه نظر، بل كلام ابن عرفة يفيد أنه لا فرق بين الرقيق وغيره في الخلاف المذكور كما لا فرق بين الحيوان والعروض في المنع إن ذكر الجنس العام فقط، فوقوعه بثوب عام يفسخ قبل البناء كوقوعه بحيوان عام، ووقوعه بثوب صوف أو كتان يأتي فيه الخلاف كوقوعه برقيق. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله:"قولان" ما نصه على حد سواء: وأما غيره من إبل وبقر وغنم ففيه قولان
أيضا، لكن المعتمد منهما عدم اشتراط ذلك ويفرق بين الرقيق وغيره بكثرة الاختلاف بين آحاد الرقيق وأصنافه بخلاف أصناف غيره. انتهى.
(والإناث منه إن أطلق) يعني أنه إذا تزوجها على عدد من كإبل أو رقيق، فإن وقع التنصيص على المذكور أو الإناث عمل بما نصوا عليه من ذلك، وإن أطلقوا ولم يقيدوا بذكور ولا إناث فإنه يلزم الإناث. قاله الشارح. وقال أحمد: ضمير "منه" للرقيق، قال: هذا مقتضى كلامهم؛ إذ للنساء غرض في الإناث في الدخول عليهن، ونحو ذلكَ، وعلى هذا فلا يقضى بالإناث من غير الرقيق حيث الإطلاق. قاله عبد الباقي. وقال محمد بن الحسن: الرواية في الرقيق خاصة ويعمل في غيره بالعرف هذا هو الصواب، وأما التعميم في الرقيق وغيره فغير صحيح. انتهى. وفي كتاب الشيخ الأمير: وإن أطلق فالعبرة في لزوم الإناث والذكور بالعرف، وقول الأصل الإناث حيث كان العرف كذلك. انتهى.
(ولا عهدة) يعني أن الرقيق المنكح به ليس للمرأة فيه على الزوج عهدة لا عهدة الثلاث ولا عهدة السنة، قال الشيخ عبد الباقي: ولو اشترطتا أو اعتيدتا، قال الشيخ محمد بن الحسن: فيه نظر، والصواب أن كلام المؤلف في المعتادة فقط، وأما المشترطة فيوفى بها ونحوه في الخرشي، وبه قرر الزرقاني نفسه كلام المصنف في خيار البيوع لا في منكح به وعزاه لابن محرز. انتهى. والمنفي في كلام المص إنما هو عهدة الثلاث وعهدة السنة، وأما عهدة الإسلام وهي درك المبيع من عيب أو استحقاق فلا بد منها.
وإلى الدخول إلى علم؛ يعني أنه يجوز أن يتزوج الرجل المرأة بصداق مؤجل يحل عند دخوله بها حيث كان وقت الدخول معلوما عندهما، كالنيل عند فلاحي مصر والربيع عند أهل الألبان، والجذاذ عند أرباب الثمار. وسواء كان مؤجلا كله أو بعضه، فإن لم يعلم وقته فسخ النكاح قبل البناء، وظاهر كلام محمد جواز ذلك؛ لأن الدخول بيد المرأة فهو كالحال متى شاءت أخذته. قاله الشارح.
وقوله: "وإلى الدخول إن علم" هو المشهور، وفي سماع عيسى أن الدخول مجهول لا يكون أجلا. وقاله أبو زيد وأصبغ، ويفسخ النكاح عندهما قبل البناء. قاله الشارح. وقال الشبراخيتي عند
قوله: إن علم عادة كالنيل عند فلاحي مصر والربيع عند أرباب الألبان والجذاذ عند أرباب الثمار: وهذه تخالف البيع في غير المسلم.
أو الميسرة إن كان مليا يعني أنه يجوز للرجل أن يتزوج المرأة بصداق مؤجل يحل أجله عند ميسرة الزوج بالفعل بشرط أن يكون الزوج مليا أي بالقوة، كعن عنده سلع يرصد بها الأسواق أو رزقة، ومفهوم قوله:"إن كان مليا" أنه إن لم يكن مليا، وقال إلى الميسرة فكمؤجل بمجهول، وفي كون تأجيله إلى أن تطلبه المرأة كتأجيله بالميسرة المعلومة أو كتأجيله بموت أو فراق قولان: الأول لابن القاسم والثاني لابن الماجشون. قاله الشيخ عبد الباقي.
وبما قررت به قوله: "الميسرة"، وقوله:"مليا" من تغايرهما علم أنه ليس فيه اشتراط الشيء في نفسه، فالمراد باليسرة التيسر أي تيسر دفع الصداق له، والمراد بكونه مليا أن يكون عنده ما يرصد به الأسواق وليس متمكنا من بيعه في الحال، ومثل ذلك ما إذا كان له رزق يأتيه منه ما يكون به موسرا، قال البساطي: فإن قلت اشتراط الميسرة إلى الميسرة لغو، قلت: لا نسلم، فإنه قد يكون موسرا بأصول لا يتيسر له الإعطاء منها في كل وقت أي فهو ملي وليس بموسر، ولذا غاير المص فقال:"أو الميسرة إن كان مليا". قاله الشبراخيتي.
وعلى هبة العبد لفلان يعني أنه يجوز للرجل أن يتزوج المرأة ويجعل مهرها هبة عبد في ملكه لزيد مثلا ولا مهر لها غير ذلك، ويجوز أن يتزوجها على أن يتصدق بعبد في ملكه على زيد مثلا: قوله: "وعلى هبة العبد لفلان" أي وإن لم تملكه ولا وصل لها منه شيء لأنه يقدر حصوله في ملكها، ثم وهبته أو تصدقت به فليس فيه دخول على إسقاط الصداق، الباجي: وإن طلقها قبل البناء رجع في نصف العبد على الموهوب له، وإن فات بيد الموهوب تبعه بنصف قيمته ولا يتبع المرأة بشيء. ونقله ابن عرفة. وبه تعلم ما في كلام الزرقاني من القصور. قاله الشيخ بناني. وقال الشارح عند قوله:"وعلى هبة العبد لفلان" ما نصه: أي وكذا يجوز أن يتزوج المرأة الرجل على أن يهب عبده لفلان أو يتصدق به عليه وهو مما لا خلاف فيه. انتهى.
أو يعتق أباها عنها يعني أنه يجوز أن يتزوج الرجل المرأة على أن يعتق عنها أباها ولا مهر لها غير ذلك والولاء لها، أو عن نفسه يعني أنه يجوز أن يتزوج الرجل المرأة على أن يعتق أباها عن
نفسه ولا مهر لها غير ذلك كما في الهبة والصدقة، والولاء له وعتقه عن نفسه يستلزم تمليكها قبله ولذا صح وقوعه صداقا، فليدر فيه دخول على إسقاطه وكان الولا" له، فإن طلقها قبل البناء غرمت نصفه في مسألتي عتقه عنها وعن نفسه.
سمع عيسى ابن القاسم عن مالك: من تزوج امرأة على أن يعتق أباها فاشتراه وأعتقه ثم طلقها قبل البناء غرمت نصف قيمته وجاز عتقه، وقوله:"أو يعتق أباها عنها أو عن نفسه" قال الشارح: اختلف إذا تزوجها على ذلك فأجازه مالك ومنعه عبد الملك: وأجازه ابن القاسم إن كان يعتقه عنها ومنعه إن كان يعتقه عن نفسه. انتهى. وقوله: "أو يعتق" قال الشبراخيتي: بالباء الموحدة عطفا على شورة أو بالمثناة التحتية، والظاهر نصبه بأن مضمرة جوازا عطفا على هبة لقول ابن مالك:
وإن على اسم خالص فعل عطف
…
نصبه أن ثابتا أو منحذف
وقوله: "أباها" أي أو غيره فلا مفهوم لأباها، ولو أدخل عليه الكاف كان أشمل. قاله الشيخ إبراهيم.
(ووجب تسليمه إن تعين) يعني أن المهر إذا لم يكن مضمونا بل ذاتا معينة كدار أو عبد أو ثوب بعينه فإنه يجب تسليمه للمرأة بالعقد أطاقت الوطء أم لا، بلغ الزوج أم لا للغرر كذا علل، وهذه العلة تقتضي أن تعجيله حق لله تعالى وأن العقد يفسد بالتأخير، وهذا إنما يأتي إذا وقع بشرط التأخير: وأما إن لم يشترط فالتعجيل حق لها ولها أن تؤخره حينئذ: ونص المتيطية: وأما صداقها من معين العروض والرقيق والحيوان والأصول فإن للمرأة ومن يلي عليها تعجيل قبض ذلك من يوم العقد، ثم قال: ولا يجوز النكاح باشتراط تأخير القبض فيه، كما لا يجوز ذلك في البيوع. انتهى. ونحوه في الجواهر نقله الشيخ محمد بن الحسن عن الشيخ الرماصي، وقال الشبراخيتي عند قوله:"إن تعين": كدار أو عبد أو ثوب ولو كان الزوج صغيرا أو هي غير مطيقة، ويمتنع تأخيره لشبهه ببيع معين يتأخر قبضه فمنع للغرر. انتهى.
وقال الشيخ أبو علي: إنه لا يجوز تأخيره وإن رضيا بذلك لما فيه من معين يتأخر قبضه. انتهى.
وقال الحطاب: يعني أن المهر إذا لم يكن مضمونا بل كان ذاتا مشارا إليها كدار أو عبد أو ثوب بعينه فإنه يجب تسليمه للمرأة بالعقد، قال اللخمي: وإن كان الزوجان صغيرين أو كان أحدهما مريضا. انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولا ينتظر بلوغ زوج أو إطاقة زوجة ولا يجوز تأخيره، كما لا يجوز بيع معين يتأخر قبضه لأنه مضمون منها بنفس العقد فلا معنى لبقائه بيد الزوج. انتهى. وقال الشارح: يريد أن الصداق إذا كان معينا كعبد بعينه أو دار أو أرض ونحو ذلك فإنه يجب دفعه للمرأة ناجزا ولم يؤخر، وإن لم تطق الوطء أو لم يبلغ الزوج وهو ظاهر لأنه يصير حينئذ كبيع معين يتأخر قبضه. انتهى.
وإلا فلها منع نفسها وإن معيبة من الدخول هذا مفهوم قوله: "إن تعين" يعني أن الصداق إذا لم يتعين بأن كان مضمونا في الذمة وتنازعا في التبدئة؛ بأن قالت المرأة ادفع إلي الصداق وأمكنك من نفسي، وقال لها هو: مكنيني من نفسك وأدفع إليك الصداق بعد ذلك فإن للمرأة حينئذ أن تمنع نفسها من الدخول أي الخلوة بها بأن تمتنع أن تخلو معه وإن كانت معيبة عيبا لا ترد به بأن طرأ بعد العقد أو كان قديما ورضي به الزوج. قاله أبو علي، وغيره. وقال الشارح: ولا فرق في ذلك بين الصحيحة والمريضة، وكذلك الرتقاء والمجنونة ونحوهما مما طرأ بعد العقد، ولهذا قال:"وإن معيبة" وظاهر كلامه أن لها إن شاءت أن تمكن من نفسها لأنه حق لها وليس كذلك، بل هو مكروه عند مالك حتى تقبض ربع دينار لحق الله تعالى. حكاه غير واحد.
ابن يونس: وقال ابن حبيب: إن اتفقا على البناء بغير تقديم شيء جاز. انتهى. وما مر من تبدئة الزوج بالدفع هو مقتضى ما في المدونة وهو مذهب جماعة، وقال ابن القصار: الذي يقوى في نفسي أن الصداق يوقف فلا تأخذه حتى تمكن من نفسها، وفي الواضحة: إذا طلبت أخذ النقد قبل البناء وأبى الزوج إلا عند البناء فله ذلك قاله الشارح.
وقوله: "من الدخول" قال الشبراخيتي: متعلق بقوله: "منع"، والمراد به الخلوة لا الوطء لذكره له بعد بقوله: والوطء بعده يعني أنها إذا مكنته من الخلوة فلها أن تمتنع من الوطء بعد خلوته بها، فقوله:"بعده" أي الدخول أي الخلوة بها، وقوله:"وإلا" أي وإن لم يكن الصداق معينا بل كان مضمونا في الذمة، وإذا كان لها منع نفسها من الدخول والوطء بعده فليس للزوج أن يمتنع
من دفع الصداق الحال، بل يجب عليه دفعه كما صرح به الحطاب وغيره، ولو بلغت حد السياق لأن غايته الموت وهو موجب للتكميل بخلاف النفقة لبالغة حد السياق فساقطة لأنها في مقابلة الاستمتاع.
وعلم مما قررت أن ما قبل "إلا" الوجوب فيه لحق الله تعالى فلا يجوز اشتراط التأخير وأما ما بعد إلا فالحق لها فلها أن تؤخره، وأما ما قبل "إلا" فلا يجوز أن ترضى باشتراط التأخير كما علمت، ولهذا تغاير أول الكلام مع آخره، وقد مر اعتراض الشارح للمص باقتضائه أن لها أن تمكن من نفسها قبل قبض ربع دينار، قال الشبراخيتي: وليس مراده تخييرها في المنع والتمكين على حد سواء بل يكره لها عند مالك تمكينها قبل قبض ربع دينار لحق الله ولو من المؤجل، ولو رضيت بالمقام معه بلا شيء كان لها أن تمنعه لأن الكراهة في ذلك حق لله فلا تسقط بإذنها له، فإن مكنت قبل ذلك لم يكره له وطؤها ثانية قبل قبض ربع دينار ولا لها منعه.
والسفر يعني أنه كما لها أن تمنع نفسها من الدخول والوطء بعده، لها أن تمنع نفسها من السفر معه إذا طلبها، قال الشبراخيتي: واعلم أنه إذا لم يدخل بها أي يختلي بها فلها منع نفسها من الدخول ومن السفر، وأما إن اختلى ولم يطأها فلها منع نفسها من الوطء قطعا، وهل لها منع نفسها من السفر حينئذ؟ وهو ما يفيده كلام الشيخ عبد الرحمن والزرقاني، أو ليس لها ذلك؟ وهو ما يفيده كلام التوضيح والمدونة على ما ذكره الحطاب، والذي ارتضاه شيوخنا هو الأول.
إلى تسليم ما حل يعني أن المنع في هذه الثلاثة أي الدخول والوطء والسفر ينتهي عند تسليم ما حل من المهر للمرأة أي ما حل أصالة أو ما كان مؤجلا وحل، فإذا سلم لها ما حل من الصداق فليس لها أن تمتنع من الدخول والوطء بعده والسفر. ابن عبد السلام: وأما امتناعها من السفر معه قبل قبض صداقها فإنما يكون لها ذلك قبل الدخول فجعل الدخول مسقطا حقها من السفر فأحرى الوطء، وفي إرخاء الستور من المدونة: وللزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت وينفق عليها، وإن قالت حتى آخذ صداقي، فإن كان بنى بها فله الخروج وتتبعه به دينا. ابن يونس: يريد في عدمه، وأما إن كان موسرا فليس له الخروج بها حتى تأخذ صداقها، وقاله أبو عمران. وقال عبد الحق: وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: إن كان يخرج بها إلى بلد تجري
فيه الأحكام ويوصل فيها إلى الحقوق فيخرج بها قبل أن يدفع إليها صداقها، وإن كان يخرج بها إلى بلد لا تجري فيه الأحكام فلها أن لا تخرج حتى يدفع إليها صداقها.
وتحصل مما مر أنه هل له بعد الوطء السفر بها قبل قبض الصداق مطلقا وهو ظاهر المدونة وابن عبد السلام والتوضيح؟ أو يقيد بكون السفر إلى بلد تجري فيه الأحكام وهو ما لبعض شيوخ عبد الحق؟ أو يقيد بكونه عديما وهو ما لابن يونس؟ انظر حاشية الشيخ بناني. وقال الشبراخيتي: وأما إذا دخل بها ووطئها فليس لها منع نفسها من الوطء ثانيا، ولا من السفر إن كان معسرا، وأما إن كان موسرا فلها منع نفسها منه كما قال ابن يونس، ولكن ظاهر المدونة أنها ليس لها منع نفسها من السفر بعد البناء بمعنى الخلوة ولو قبل الوطء، ونحوه في التوضيح كما تقدم وهو ظاهر كلام المص أيضا حيث قال: والوطء بعده ولم يقل والوطء والسفر بعده، بل أخر ذكر السفر ولم يقيده بقوله:"بعده" فالتبادر منه كونه عطفا على الدخول، وقول البساطي: نظرت في معنى كلامهم فوجدته يعطي أن لها المنع من السفر وإن دخل أو وطئ النص بخلافه. انتهى.
تنبيهات: الأول: قال ابن الحاجب: ويجب تسليم حاله وما يحل منه بإطاقة الزوجة وبلوغ الزوج الحلم لا بلوغ الوطء على المشهور، وقبله ابن عبد السلام والمؤلف قال في التوضيح: أي ويجب تسليم حال المهر، وما كان مؤجلا منه يحل عند زمن إطاقة الزوجة الوطء وعند بلوغ الزوج الحلم على المشهور، ولمالك في كتاب ابن شعبان: عند بلوغه القدرة على الوطء. انتهى. قاله الحطاب. وقال ابن عرفة: وتسليم حال المهر يجب للزوجة بإطاقتها الوطء وبلوغ زوجها، وفي كون إطاقته إياه قبل بلوغه كبلوغه روايتا. اللخمي: مصوبا الثانية. انتهى. وقول المص: "فلها منع نفسها" أي لها ذلك، سواء قال الزوج لا أدفع المهر حتى أدخل أولا.
الثاني: قد علمت مما مر أن قوله: "ما حل" شامل لما حل أصالة وما كان مؤجلا وحل، قال الحطاب: أما الأول فلا كلام فيه، وأما الثاني ففيه خلاف، والذي شهره ابن الحاجب وغيره ورواه اللخمي عن مالك وجوب تسليمه قبل البناء، وقيل إنما يجب تسليمه بعد البناء وقيل لا يكلف الزوج بدفع الكالئ، وإن كان موسرا حتى يكمل أسبوعه بعد بنائه بها وإن كان معسرا اتبعته به، قال بعض الموثقين: كأنه رأى أنهما اتفقا حين العقد على بنائه بدفع المعجل فألزمها
ذلك بعد حلول المؤجل. انتهى. وقيل إنما يجب بعد الدخول بقدر اجتهاد الحاكم وعزاه ابن سهل لسحنون، قال: قد ينقد الرجل عشرة ومهره مائة لو قيل له تأخذك بها ما رضي بسدسها فإنما يكون حلوله إذا رأى الحاكم ذلك ولا يكون قبل الدخول على حال وإن كان في الكتاب مهرها حالا لها عليه. انتهى. من ابن عرفة بالمعنى.
وقال بعده: وما نقله ابن سهل عن سحنون حجة لأحد قولي شيوخ بلدنا في اختلافهم في تمكين المرأة من طلب مهرها بعد البناء دون موت ولا فراق، قال بعضهم: يقضى لها بذلك لكتبهم في الصدقات أنها على الحلول، وقال بعضهم: لا يقضى لها لاستمرار العادة بعدم طلبه إلا لموت أو فراق، فألزم كون أنكحتهم فاسدة فالتزمه، وكان شيخنا ابن عبد السلام في أول أمرة لا يقضي به فقضى به بعض ولاته بالجزيرة فشكي له به فكاتبه فقال: إنما قضيت به لأن الزوجة وهبته، فقبل ذلك منه، ثم بعد ذلك كتب لبعض قضاته بالقضاء به مطلقا كدين حال، وكان الشيخ أبو محمد الآجميُّ مدة قضائه يندب المرأة لعدم طلبه، ويقول لها: إذا كانت المرأة لا مهر لها على بعلها زهد فيها، ونحو ذلك فإن لم تقبل مكنها من طلبه، وهذا إذا كان على الزوج وإن كان على غيره فلا يختلف في تمكينها من طلبه. نقله الحطاب.
الثالث: قال عبد الباقي: إن الزوج إنما يسافر بالزوجة لبلد تجري فيه الأحكام وهو حر مأمون عليها والطريق مأمونة والبلد قريب بحيث لا ينقطع خبرها عن أهلها ولا خبر أهلها عنها، فالعبد لا يسافر بزوجته ولوأمة. انتهى. قال هذا بعد أن قال: ولا منع لها من سفره إن وطئ بالفعل وهو معسر، ثم قال: وتجري هذه الشروط أيضا فيما إذا سافر بها حال يسره، وقول المص: إلى تسليم ما حل يفيد أنها لها أن تمنع نفسها من الوفى بعد السفر معه "إلى تسليم ما حل" والله. سبحانه أعلم.
الرابع: قال ابن عرفة: الزوج المريض الذي لا يقدر على جماع كالصحيح.
لا بعد الوطء؛ يعني أن المرأة إذا وطئها زوجها فإنه ليس لها أن تمنع نفسها من الدخول والوطء بعده إلى تسليم ما حل، كما أنه ليس لها بعد الوطء أن تمتنع من السفر معه إلى تسليم ما حل، فإذا وطئها فليس لها أن تقول لا أمكنه حتى يسلم لي ما حل، وكذلك ليس لها أن تقول لا
أسافر معه حتى يسلم لي ما حل من صداقي، وإنما يكون لها ذلك قبل الوطء، وقوله:"لا بعد الوطء" ليس المراد به الوطء بالفعل فقط إذ التمكين منه مسقط لحقها، فلو قال: لا بعد التمكين من الوطء، لفهم منه مسألة ما إذا حصل الوطء بالفعل بالأولى. قاله الشيخ إبراهيم.
وبما قررت علم أن قوله: "لا بعد الوطء" راجع لمسألتي السفر والوطء ولمسألة الدخول، وأما قول البساطي: ولو مكنت من الدخول ومن الوطء بعده فلها منع نفسها من السفر، وأن ذلك معنى كلامهم فالنص بخلافه. كما قاله الشبراخيتي. وكما يدل عليه كلام الحطاب والله سبحانه أعلم. وقال بناني: كلام البساطي غير صحيح، وقد تقدم أنه يكره للمرأة أن تمكن زوجها من نفسها حتى يقدم لها ربع دينار، ولو لم يكن الصداق حالا ولو رضيت بالدخول بلا شيء فلها أن تمنعه؛ لأن الكراهة في ذلك حق لله فلا تسقط عنه بإذنها، وقد مر قول ابن حبيب: إن اتفقا على البناء بغير تقديم شيء جاز، وأن محل ما تقدم حيث لم يطأها، فإن وطئها فلا يكره له ثانية وطؤها قبل أن يعطيها ربع دينار، ولا لها أن تمنعه خلافا لمحمد.
وفي المدونة: وللزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت وينفق عليها، وإن قالت: حتى آخذ صداقي، فإن كان بنى بها فله الخروج وتتبعه به دينا. انتهى. وقوله:"وللزوج" أي الحر لا العبد ولو كانت زوجته أمة. ابن رشد: للحر ذلك إلا أن يكون غير محسن ولا مأمون عليها وهو معنى ما في المدونة، وصرح به أشهب عن مالك. ابن رشد في سماع أشهب: هو محمول على ما يوجب له الخروج بها حتى يعلم خلافه وهو مقتضى ما في ستورها أنه محمول على حسن العشرة. انتهى.
ابن القاسم: ليس للعبد أن يظعن بامرأته حرة كانت أو أمة إلا أن يكون الشيء القريب الذي لا يخاف عليها فيه ضرورة، فأما الأسفار والبلدان والبعد فليس له ذلك، أرايت لو ظعن بها في أرض غربة ثم باعه سيده ممن يظعن به، كيف كانت تكون إن لم تقدر على النهوض والرجوع؟ ولا يحملها سيده معه ويمنعه من ذلك وتبقى تستطعم ولا أعلمه، إلا قول مالك. ابن رشد: قد بين وجه قوله بما لا مزيد عليه وللحر ذلك إلا أن يكون غير محسن إليها ولا مأمون عليها. قاله الحطاب.
فرع: قال في التوضيح: كره ابن القاسم الدخول بالهدية لأنها ليست من الصداق؛ لأنه لو طلقها لم يكن له منها شيء، قيل له: فهل تدخل برهنها بالصداق رهنا؟ قال: نعم، قيل: فهل يجوز أن يتحمل عنه بالصداق ويبني؟ قال: أخبرني من أثق به أن بعض أهل العلم أجازه، وأحب إلي أن يقدم إليها ربع دينار. انتهى قاله الحطاب.
فرع آخر: قال الحطاب: تقدم في شرح قول المص في الزكاة "كحسب على عديم" عن أبي الحسن عن بعض الشيوخ أن من له على ملية ربع دينار أن له أن يحتسب به في مهرها ويتزوجها، وقال الشيخ أبو الحسن: إنه غير بين لأن الدين إنما تعتبر قيمته إذ هو كالعرض وقيمته دون ذلك لأنه يؤدي إلى أن يتزوجها بأقل من النصاب. والله أعلم. قاله الحطاب. وفهم من هذا أنه لو كان ربع الدينار حالا لجاز أن يجعله صداقها وهو كذلك كما يأتي إن شاء الله.
وقوله: إلا أن يستحق مستثنى من قوله: "بعد الوطء" يعني أن المرأة إذا استحق الصداق من يدها فإن لها أن تمنع نفسها من زوجها، ولو كان الزوج قد وطئها إلى أن تأخذ عوض ما استحق من يدها لأنها مكنته ليتم لها ذلك فلم يتم فهي معذورة، وقوله:"يستحق" مبني للمفعول والنائب ضمير يعود على الصداق.
ولو لم يغرها يعني أن المرأة لها أن تمنع نفسها ولو وطئت حيث استحق الصداق من يدها، سواء غرها الزوج بأن لم يخبرها أن ما دفعه لها ملك لأجنبي وهو عالم بذلك، أو لم يغرها بأن لم يعلم بذلك أو علم به وأخبرها، وهذا القول استظهره ابن رشد، فلهذا قال: على الأظهر، والمسألة فيها ثلاثة أقوال: أحدها هذا الذي مشى عليه المص، وقال فيه ابن رشد: إنه هو أظهر الأقوال، ثانيها وهو ظاهر قول ابن القاسم: ليس لها ذلك وإن غرها وهو أضعف الأقوال، ثالثها الفرق بين أن يغرها أو لا، قال ابن رشد: وهو أعدل الأقوال فراعى المص قوله وهو أظهر الأقوال؛ لأن فيه اختياره على قوله أعدل الأقوال لأنه ليس فيه ذلك وإن كان فيه ترجيح أيضا. قاله الشيخ إبراهيم.
ومن بادر أجبر له الآخر يعني أن من بادر من الزوجين بدفع ما في جهته أجبر له الآخر على تسليم ما في جهته حيث طلبه المبادر، فإن بادرت بتسليم نفسها وطلبت حال المهر أجبر على
دفعه، وإن بادر بدفع حال المهر وطلب تسليم نفسها أجبرت هي على تسليم نفسها، وأما إن لم يبادر واحد منهما كما لو تنازعا في التبدئة فهو ما قدمه بقوله:"فلها منع نفسها" إلخ.
إن بلغ الزوج يعني أن جبر الآخر لمن بادر بدفع ما في جهته يشترط فيه بلوغ الزوج الحلم، فلو بلغ إطاقة الوطء ولم يبلغ الحلم لم تجبر له لعدم كمال لذتها بغير البالغ أي المكلف، ولو بادرت بالتمكين لغير البالغ لم يجبر لها على أن يدفع لها حال الصداق. وأمكن وطؤها يعني أنه كما يشترط في الجبر المذكور بلوغ الزوج يشترط أيضا أن تكون المرأة مطيقة للوطء فالجبر المذكور يشترط فيه أمران، أحدهما: بلوغ الزوج، ثانيهما: أن يمكن وطء الزوجة بأن تكون مطيقة للوطء فيجبر هو لها على دفع حال الصداق إن بادرت بالتمكين؛ لأن من أطاقت الوطء يحصل بها للرجل كمال اللذة ولا يحصل لها هي كمال اللذة إلا بالرجل الذي بلغ الحلم، وتجبر هي له أي للبالغ إن بادر بتسليم ما حل.
واعلم أن محل الجبر حيث طلب المبادر ما في جهة الآخر. أبو الحسن: فإن كان الصداق مضمونا لم تستحق قبضه إلا إن كان الزوج بالغا وهي في سن من يبنى بها، وإنما يستحق الثمن عند قبض المثمون إلا أنه يعجله وجل الابتناء بقدر ما تتشور به، وقوله:"أمكن وطؤها" بلا حد سن لأنه يختلف باختلاف الأشخاص، وقوله:"إن بلغ الزوج" هذا هو المشهور، وقيل يجب عليه دفع الصداق الحال بإطاقته الوطء. وعلم مما مر أن محل قوله:"ومن بادر أجبر له الآخر" محلة إذا كان الصداق غير معين، وإلا فلا يشترط بلوغ ولا إطاقة بل يجب تسليمه الآن خوفا من معين يتأخر قبضه كما مر.
وعلم مما مر أيضا أن كلا من الشرطين شرط في جبر الممتنع من المبادرة للمبادر كان المبادر الزوج أو الزوجة، فقوله:"إن بلغ" طالبا أو مطلوبا، وقوله:"وأمكن وطؤها" طالبة أو مطلوبة، وقوله:"إن بلغ الزوج وأمكن وطؤها" شرط أيضا في وجوب تسليم حال المهر أصالة، وما كان مؤجلا وحل حديث لم تحصل مباردة كما في قوله:"فلها منع نفسها" إلخ. وصرح بذلك الحطاب، فقال عند قوله:"وإلا فلها منع نفسها وإن معيبة" لخ ما نصه: أي وإن لم يكن المهر شيئا معينا فلا يجب تسليمه بالعقد ولكن لها منع نفسها حتى يسلم الحال، هذا ظاهر كلامه وهو خلاف قول ابن
الحاجب: ويجب تسليم حاله وما يحل منه بإطاقة الزوجة الوطء وبلوغ الزوج لا بلوغ الوطء على المشهور وقبله ابن عبد السلام والمؤلف، قال في التوضيح: أي ويجب تسليم حال المهر وما كان مؤجلا منه فحل عند زمن إطاقة الزوجة الوطء وعند بلوغ الزوج الحلم على المشهور، ولمالك في كتاب ابن شعبان: عند بلوغه القدرة على الوطء. انتهى.
وقال ابن عرفة: وتسليم حال المهر يجب للزوجة بإطاقتها وبلوغ زوجها، وفي كون إطاقته إياه قبل بلوغه كبلوغه روايتا اللخمي مصوبا الثانية. انتهى. فعلم أنه يجب على الزوج تسليم المهر الحال بإطاقتها الوطء وبلوغه. انتهى كلام الحطاب. وقوله:"وأمكن وطؤها" قال الشبراخيتي: وكذا إن لم يمكن وطؤها لمرض حيث لم يبلغ حد السياق؛ أي فإن بلغت حد السياق لم تجبر كالتي لم يمكن وطؤها. وقوله: "إن بلغ الزوج وأمكن وطؤها" قال في الحاشية: راجع لقوله: "ومن بادر أجبر له الآخر"، ولقوله:"وإلا فلها منع نفسها" إلخ. كما قاله الأجهوري فيما سبق. ويدل على صحة ما قاله كلام المص الآتي، فإنه سيأتي أنه يتمم الكلام على المسألة الأولى وهي قوله:"وإلا فلها منع نفسها" إلخ، وعلى هذه المسألة الثانية وهي قوله:"ومن بادر أجبر له الآخر" بقوله: "فإن لم يجده أجل" إلخ فعلمنا أن هذا الكلام كله مرتبط بعضه ببعض. انتهى. لكن تقدم ما فيه. انتهى. والله تعالى أعلم.
وتمهل سنة يعني أن الزوج إذا بادر بدفع ما في جهته وطلبت المرأة أن تمهل عن الدخول سنة فإنها تجاب إلى ذلك بشرطين، أشار إلى أحدهما بقوله: إن اشترطت يعني أن محل إمهالها عن الدخول سنة إنما هو حيث كانت السنة مشترطة في صلب العقد، وأشار إلى الثاني بقوله: لتغربة يعني أن محل إمهالها عن دخول الزوج بها المدة المذكورة وهي سنة إنما هو حيث كان اشتراط أهلها السنة لكون الزوج يريد أن يغربها عنهم أي يبعدها عنهم، والتغربة بالغين المعجمة وكسر الراء، وعبارة الأمير: أو تغربة عن البلد.
أو صغر يعني أنها لا تمهل سنة إلا إذا كانت مشترطة لأحد أمرين، إما للتغربة وإما لكونها صغيرة صغرا لا يمنع الجماع، والظاهر أنها إذا أمهلت سنة لم تكن لها النفقة في تلك المدة كما قاله الشيخ عبد الباقي: وقوله: "وتمهل سنة إن اشترطت لتغربة أو صغر" كالمستثنى من قوله:
"ومن بادر أجبر له الآخر" وإلا تكن السنة مشترطة في صلب العقد، بل سكت عنها ووقع ذكرها بعد العقد أو كانت مشترطة في صلب العقد لكنها لم تشترط لتغربة ولا لصغر أو اشترط أكثر من سنة ولو لهما بطل ذلك الإمهال.
لا أكثر بالرفع يعني أنه إذا اشترط إمهالها أكثر من سنة فإنه يبطل جميع ما اشترط مع صحة النكاح قطعا لا الزائد فقط، واستشكل هذا بأنه شرط غير معلق عليه طلاق ولا عتق وكل ما كان كذلك فإنه لا يلزم لأنه ليس من الشروط التي يقتضيها العقد.
وأجيب بأنه لما كان البناء قد يحكم بتأخيره إذا دعت إليه الزوجة وإن لم يشترط ألزم مالك الشرط فيما قرب وهو السنة لأنها حد في أنواع من العلم كالمعترض والعنين والجراح والعهدة. انظر حاشية الشيخ بناني. وفي العتبية: إذا اشترطوا عليه خمس سنين فبيس ما فعلوا والنكاح جائز والشرط باطل.
وللمرض يعني أن المرأة إذا كانت مريضة مرضا يمنع الجماع وطلبت الإمهال عن الدخول حتى يزول مانع الجماع فإنها تجاب إلى ذلك وإن زاد على سنة ولو لم يشترط في العقد إمهالها للمرض المانع للجماع، وتبع المص ابن الحاجب، والذي في المدونة أنها لا تمهل إلا إذا بلغت حد السياق، قال فيها: ومن دعته زوجته إلى البناء والنفقة وأحدهما مريض مرضا لا يقدر معه على الجماع لزمه أن ينفق أو يدخل [وإن]
(1)
وإن كانا صحيحين في العقد لم ينظر إلى ما حدث بهما من مرض إلا أن يكون مرضا بلغ حد السياق، فلا يلزمه ذلك ثم قال الحطاب: ولم أطلع الآن على من نص عليه فتأمله. والله أعلم. انتهى.
واعترضه الرماصي بأنه قصور لنقل المتيطي عن سحنون: لا يلزمه إِذا كان مرضا لا منفعة له فيها معه وهي كالصغيرة. انتهى. قال محمد بن الحسن: وفيه نظر فإن الذي لم يطلع عليه الحطاب: هو إمهال الزوجة إذا طلبته لمرضها كما عند المص، وليست هذه هي مسألة المتيطي فلا قصور في كلامه إلا أن يثبت أن كل ما يمهل فيه أحدهما يمهل فيه الآخر. انتهى.
(1)
في النسخ إن والمثبت من الحطاب ج 4 ص 334 ط دار الرضوان.
والصغر يعني أن الزوجة إذا طلب أهلها المهلة عن الدخول لكونها صغيرة صغرا يمنع الجماع حتى يزول فإنهم يجابون إلى ذلك، قال الحطاب: أما الصغر المانع الجماع فلا إشكال أن من طلب التأخير لأجله من الزوج وأهل الزوجة أجيب إلى ذلك، وقد نص في أواخر النكاح الثاني من المدونة على الوجهين جميعا، ثم وصف المرض والصغر بكونهما مانعين من الجماع، بقوله: المانعين للجماع أي لابد في إمهالها للمرض والصغر من كونهما مانعين للجهاع وإلا لم تمهل، واحترز بالمانعين مما إذا كان المرض أو الصغر غير مانعين من الجماع فإنها لا تمهل، وقوله: وتمهل إلخ أي تمهل للمرض والصغر المانعين للجماع إلى إطاقته من غير تحديد بمدة، وقد علمت أن وصفه للمرض بكونه مانعا من الجماع منتقد، فإن الذي في المدونة أنها لا تمهل إلا إذا بلغت حد السياق كما مر.
وقدر ما يهيئ مثلها أمرها يعني أن المرأة إذا طلبت هي أوأهلها أن تمهل عن الدخول حتى تهيئ أمرها من جهاز ونحوه فإنها تمهل عن الدخول زمنا بقدر ما يحصل فيه مثلها ما تحتاج إليه في ذلك، وهو يختلف باختلاف الناس فقرا وغنى ومرجع ذلك العادة، كما نبه على ذلك بقوله:"مثلها" وهو فاعل "يهيئ".
والحاصل أنها تمهل مقدار العادة التي يجهز مثلها أمرها فيه، وقوله:"وقدر ما يهيئ مثلها أمرها" وكذا يمهل هو قدر ما يهيئ مثله أمره ولا نفقة لها في قدر تهيئتها ولا في قدر تهيئته كما في النوادر، فما يكتب في وثائق النكاح من نحو قوله: وفرض لها في نظير نفقتها كل يوم كذا من يوم تاريخه لا عبرة به؛ إذ لا يلزمه شيء من الفرض المذكور قبل دعائه للدخول بشرطه المذكور هنا إن لم يحكم به من يراه. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقال الإمام الحطاب: وإن طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها فإن فرغوا من جهازها حتى لم يبق ما يحبسها قيل له ادخل أو أنفق ولو قال الزوج أنظروني حتى أفرغ وأجهز بعض ما أريد فذلك له، ويؤخر الإمام بقدر ما يرى وهو قول مالك ولا شيء عليه مما تقدم إلا أن يكون وليها قد خاصم في ذلك ففرض لها السلطان، ولا يطلب بالنفقة من لم يبلغ الحلم ولا بالصداق. انتهى. وقوله: إلا أن يكون إلى آخره هو قول أشهب وهو خارف قول مالك. انتهى.
فرع: إذا غاب ولي المرأة وأراد الزوج البناء، فإن كان قريبا أعذر إليه في ذلك فإن أجاب بالإياب عن قرب لمثل ما يجهز فله ذلك، وإن لم يرجع أوكان بعيدا قضي للزوج بالبناء ولم ينتظر. نقله في التوضيح قاله الحطاب.
فرع آخر: إذا شرط على المرأة البناء ببلد غير بلد النكاح فعلى الولي حملها إلى بلد البناء، ومؤنة الحمل عليه والنفقة إلى وقت البناء إن كانت بكرا، وإن كانت ثيبا كان ذلك عليها إلا أن يشترطوه على الزوج فيكون عليه ولو كان على الطوع لكان أحسن. انتهى. نقله الحطاب.
ألا أن يحلف ليدخلن الليلة يعني أن ما تقدم من كونها تمهل قدر ما يهيئ مثلها أمرها محله حيث لم يحلف ليبنين بها الليلة، وأما إن حلف ليبنين بها الليلة فإنه يقضى له بذلك ارتكابا لأخف الضررين، فقوله:"إلا أن يحلف" مستثنى من قوله: "وقدر ما يهيئ مثلها أمرها"، وظاهر المص سواء مطله الأب أم لا كان حلفه بعتق أو طلاق أو غيرهما كيمين بالله، وكذا أطلق البرزلي، وقيده بعضهم بالطلاق والعتق وبمطل الأب.
ابن عرفة: المشاور إن مطل الأب الزوج بالبناء فحلف بعتق أو طلاق ليبنين الليلة قضي له، وسمعت بعض قضاة شيوخنا يحكيه لا بقيد المطل. قاله الحطاب. وقال الشارح عند قوله:"إلا أن يحلف ليدخلن الليلة" يشير إلى ما وقع لمالك أن من تزوج امرأة وحلف بطلاقها ليدخلن ليلة كذا لليلة قبل [الأجل الذي قدره أهل]
(1)
العرف فإنه يقضى له ولا يحنث ارتكابا لأخف الضررين. انتهى. ومفهوم قوله: "إلا أن يحلف" أن حلف الزوجة ليس كذلك وهو كذلك، فلا يعتبر حلفت على الدخول أو على عدمه وحدها أو مع الزوج، وإنما لم يجبر إذا حلفت هي لأن الحق له فالزوجة إذا دعت الزوج إلى الدخول لا يجبر عليه، وإنما يجبر على إجراء النفقة، وإذا حلف ليدخلن الليلة وقصد بالدخول الوطء وتبين أنها حائض فلا يمكن حينئذ من الدخول فلا تجبر هي عليه؛ إذ قصده الوطء لا الدخول فقط، ولا يقال: تجبر على أحد القولين في بره بالوطء في الحيض؛ لأن ذلك فيما بعد الوقوع، وأما ابتداء فلا يجبر أحد على محرم. قاله عبد
(1)
في النسخ: الأجل قدره العرف، والمثبت من شرح بهرام الوسط ج 3 ص 15: مركز نجيبويه.
الباقي. وبما مر علم أن ما تقدم من أن الزوج يمهل قدر ما يهيئ مثله أمره إنما هو لتسقط عنه النفقة، وأما الدخول فلا يجبر عليه إذا دعت إليه إنما يجبر على إجراء النفقة كما يفيده المص، وحينئذ فكلام أحمد غير ظاهر قاله الشيخ محمد بن الحسن.
لا لحيض يعني أن الزوج إذا طلب الدخول وكانت زوجته إذ ذاك حائضا فإنها لا تمهل عن الدخول لأجل حيضها لأنه يستمتع منها بغير الوطء، فيمكن من الدخول عليها، وكذا لا تمهل لنفاس ولا لجنابة كما لو كانت قبله متزوجة ووطئها زوجها الأول ومات واعتدت بالأشهر وهي جنب حيث كان فرضها التيمم لمرض ونحوه، فلا تمهل لاستمتاعه منها بغير الوطء في النفاس، وأما في الجنابة فللزوج الاستمتاع منها بالوطء وغيره. قاله الشيخ بناني.
وإن لم يجده أجل لإثبات عسرته يعني أن الزوج إذا طلبته المرأة بحال الصداق وادعى أنه لم يجد الصداق لكونه معسرا ولم تصدقه المرأة ولم تقم بينة على عسره وليس له مال ظاهر وسأل التأجيل لإثبات عسرته، فإن الحاكم يؤجله لإثبات عسرته، فإن كان له مال ظاهر أمر بالبناء من غير تأجيل، ويشترط في التأجيل أن يعطي حميلا بوجهه خشية تغيبه، فإن لم يعط حميلا بوجهه سجن كسائر الديون ولا يلزمه حميل بالمال، والحق لها إن كانت ثيبا ولأبيها إن كانت بكرا دون توكيل منها كما هو ظاهر المدونة ومقتضى المذهب، وقيل: لابد من توكيلها، وإليه ذهب ابن رشد وابن عتاب وغيرهما.
ويشترط في التأجيل أيضا أن يجري النفقة عليها من يوم دعائه للدخول وإلا فلها الفسخ عند عدمها مع عدم الصداق على الراجح. قاله الشيخ عبد الباقي. فذانك شرطان في التأجيل، وسيأتي ثالث مختلف فيه وهو أن لا يغلب على الظن عسره كالبقال، وقال الحطاب مفسرا للمص: يعني فإن كان الزوج الذي منعته زوجته نفسها حتى يسلم لها الصداق مقرا بالصداق وببقاء النقد عليه وادعى الإعسار وسأل التأجيل وكذبه أبو الزوجة وزعم أنه من أهل الجدة أجل لإثبات عسره. كذا قرره المتيطي. انتهى. وقوله: "عسرته" لو حذف التاء لكان أخصر. قاله الشيخ إبراهيم.
قال: واللام للتعليل لا للغاية؛ لأن بعده أجل
(1)
ثان، وَجَعْلُ الشارح التأجيل والتلوم بعد إثبات عسره فاسد. انتهى.
وقوله: ثلاثة أسابيع معمول "لأجل" يعني أن التأجيل المذكور محدد بثلاثة أسابيع، قال الشيخ محمد بن الحسن: ثمانية ثم ستة ثم أربعة ثم يتلومون بثلاثة، وقال الشيخ عبد الباقي: ستة ثم ستة ثم ستة ثم ثلاثة، قال محمد بن الحسن: هكذا في عدة نسخ من التوضيح وهو تصحيف، والذي في المتيطي وابن عرفة: ثمانية ثم ستة ثم أربعة ثم يتلومون بثلاثة. ابن عرفة: ليس هذا التحديد بلازم بل هو استحسان لاتفاق قضاة قرطبة وغيرهم عليه وهو موكول لاجتهاد الحاكم نقله الحطاب. وقال: قال في المتيطية: وكان القضاة بقرطبة يجمعونها مرة ويفرقونها أخرى على حسب ما يبدو لهم، فإذا فرقوها جعلوها ثمانية أيام ثم ستة ثم أربعة ثم يتلومون بثلاثة. انتهى. ثم قال عقبه وهذا في غير الأصول، وأما التأجيل في الأصول فالذي مضى عليه الحكام ثلاثون يوما يضرب له عشرة أيام ثم عشرة ثم يتلوم له بعشرة أو يجمع له ذلك فيضرب له ثلاثين يوما، ثم قال: قال بعض الشيوخ: وهذا مع حضور بينة في البلد، وأما إن كانت غائبة عنه فأكثر من ذلك بحسب اجتهاد الحاكم. انتهى. وقول البساطي: أسبوع ثم أسبوع ثم أسبوع فيه نظر. قاله الشيخ إبراهيم. وقال ابن عرفة: وإذا وقف الزوج لأداء المهر وطلب طالبه سجنه لأدائه أو حميل به وادعى العدم، فقال المتيطي وابن فتحون: العمل أنه كدين يؤجل لإثبات عدمه إحدى وعشرين يوما وليس هذا التحديد إلى آخر ما مر قريبا، وللمرأة أن تطلبه بحميل بوجهه، فإن عجز عنه فلها أن تسجنه؛ لأن الصداق دين كسائر الديون وقد مر هذا، وقوله:"ئلاثة أسابيع" قال مالك: ولا يعد اليوم الذي يكتب فيه الأجل. قاله الشبراخيتي.
ثم تلوم بالنظر يعني أنه إذا ثبت عسره في ثلاثة أسابيع أو بعد مضيها أو صدقته المرأة أو استبرئ بالحبس فإن القاضي يعذر إلى الأب، فإن كان عنده مانع وإلا حلف الزوج على تحقيق ما شهد له به من عدمه ثم يتلوم له بالنظر أي يؤخر بالاجتهاد من الحاكم ثم يطلق عليه. قاله الشيخ
(1)
كذا في النسخ.
إبراهيم. وصفة إثبات عسره بالبينة هو ما قال الحطاب: فصفة
(1)
ما يشهد الشهود أنهم يعرفون فلان ابن فلان الفلاني معرفة تامة صحيحة بعينه واسمه ويعرفونه فقيرا عديما قليل ذات اليد ممن لا يقدر على أداء ما لزوجته عليه من النقد على هذه الحالة عرفوه وبها خبروه ولم ينتقل عنها ولا تبدل سواها كل ذلك في علمهم إلى الآن. انتهى.
وقال الحطاب: فإذا مضت آجال التلوم ولم يثبت إعساره لم يصرحوا هنا بحكمه، والظاهر أن حكمه حكم الديان إن كان مجهولا حبس ليستبرأ. انتهى. ونقله عبد الباقي. وقال: وهو الموافق لقول المص في الفلس: "وحبس لثبوت عسره إن جهل حاله ولم يسأل الصبر له بحميل بوجهه"، ثم قال:"وأخرج المجهول إن طال حبسه بقدر الدين والشخص". انتهى. فيجري مثله هنا بل هو أولى. انتهى. وقد مر أنه يسجن إن لم يعط حميلا بالوجه، وحينئذ فلا فرق بين ما هنا وما يأتي في الفلس في أنه يسجن إن لم يعط حميلا بالوجه، ففي كلام عبد الباقي نظر. انظر حاشية الشيخ بناني.
قال عبد الباقي: وأما ظاهر الملاء فيحبس إلى أن يأتي ببينة تشهد بعسره حيث لم تطل المدة بحيث لا يحصل لها ضرر بذلك وإلا طلقت نفسها، ومعلوم الملاء يعطيها أو تطلق عليه إلا ببينة بذهاب ما بيده فيمهل مدة لا ضرر عليها فيها. انتهى. وقال الشبراخيتي: وأما إن كان له مال ظاهر فإنه يؤخذ الصداق من ماله ويدفع للمرأة، وهذا يفهم من قوله: فإن لم يجده، وقد مر أن تأجيله لإثبات عسرته ثلاثة أسابيع مقيد بغير من يغلب على، لظن عسره، وأما إن كان ممن يغلب على الظن عسره كالبقال فإنه يتلوم له ابتداء. قاله الشبراخيتي. وقد مر كلام الحطاب فيما إذا لم يثبت عسره، ونقله الشبراخيتي عن الأجهوري، ثم قال: قوله: "ثم تلوم له" ظاهره أنه بعد الثلاثة أسابيع يتلوم له ولو لم يثبت عسره، وليس كذلك لأنه إذا انقصت الثلاثة أسابيع ولم يثبت عسره فحكمه حكم الملك فيحبس ويضرب لأنه دين، فيقيد قوله:"ثم تلوم" بما إذا ثبت عسرة أو صدقته المرأة. انتهى.
(1)
الفاء ساقطة من النسخ والمثبت من الحطاب ج 4 ص 335 ص دار الرضوان.
وعمل بسنة وشهر يعني أن بعض القضاة تلوم بثلاثة عشر شهرا، ستة أشهر ثم أربعة أشهر ثم شهرين ثم شهرا، قال عبد الباقي: وهذا ضعيف مقابل لقوله: "بالنظر"، ونحوه للشيخ إبراهيم، قال محمد بن الحسن: فيه نظر؛ لأن هذا عمل بعض القضاة فلا ينافي أن الأجل موكول إلى اجتهاد الحاكم، قال ابن عرفة: المتيطي وابن فتوح: يؤجل أولا ستة أشهر ثم أربعة أشهر ثم شهرين ثم يتلوم له بثلاثين يوما، فإن أتى بشيء وإلا عجزه، وإنما حددنا التأجيل بثلاثة عشر شهرا استحسانا ولا يسجن الزوج هنا لأنه ثبت عسره، وقد قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} . قاله الشيخ بناني.
ولا يحتسب باليوم الذي يكتب فيه الأجل لا من الأول ولا من الثاني ولا من غيرهما في الثلاثة الأسابيع، ولا في قوله:"وعمل بسنة وشهر" ويحضر الزوج لضرب أول آجاله، وفي إحضاره لضرب ما سواه دون إشهاد الحاكم بحكمه بضرب الأجل وعدم إحضاره، ثالثها يحضر ويشهد عليه والقول الثالث هو أحصن وأحسن، فالأقوال الثلاثة متفقة على أن الأجل الأول لابد فيه من إحضار الزوج، واحتج للقول بعدم الإحضار من عمل به؛ بأن قال: ليس علي إحضاره إلا في الأجل الأول كما لو جمعتها عليه وللإحضار من عمل به بأن الخصم قد يدعي أنه ما أجل غير الأول، وللثالث من عمل به وهو ابن فتحون بأنه إن لم يشهد على حكمه بطل بموته أو عزله، ولا يقبل قوله:"بعد عزله"، ولا تفيد علامته على أداء شهود تأجيله فيؤدي إلى استئناف نظر من ولي بعده فيطول. انظر الحطاب.
وقد مر أن معنى قول المص: "وعمل بسنة وشهر" أن المراد بذلك ثلاثة عشر شهرا. قاله الشارح وغيره. وقال البساطي: يعني أنه عمل بسنة وعمل بشهر ثم ذكر كلام الشارح بهيئة المعترض، قال الحطاب وما قاله ليس بظاهر بل مراد المؤلف ما ذكره الشارح ثم ذكر من النقل ما يشهد لصحة كلام الشارح. والله سبحانه أعلم. وقد مر أنه إن لم يدم النفقة في التأجيل تطلق عليه كما قاله عبد الباقي، وقال الحطاب: قال ابن فرحون: وهل يشترط في التأجيل إقامة النفقة والكسوة، فإن لم يقم بها عجل عليه الطلاق، فيه خلاف.
وقال الشارح عند قوله: "وعمل بسنة وشهر": أي ثلاثة عشر شهرا ستة أشهر ثم أربعة أشهر ثم شهران ثم شهر. المتيطي: واختاره الموثقون، ولمالك في المختصر: يضرب له السنة والسنتان ثم يفرق بينهما، وفي الموازية: لا يتعجل بعد السنتين حتى تبلغ لها أيضا السنة وشبهها. انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع عبد الملك أشهب وابن وهب: كم يؤجل في المهر إن أجرى النفقة؟ قال: قال مالك: سنتين أو ثلاثا، وروى ابن وهب ثلاثا. ابن رشد: معناه إذا عجز عن المهر وإن اتهم أنه غيب ماله فلا يوسع له، قال ابن حبيب: إلا أنه قد يتلوم له في المهر إذا أجرى النفقة السنتين، قال: ولو عجز عن المهر والنفقة لم يوسع له في أجل المهر إلا الأشهر إلى السنة، وهذا إن طلبته بالمهر ولم تطلبه بإجراء النفقة والتلوم له فيها. قاله محمد. وهو صحيح. ولو كان له مال ظاهر حكم عليه بدفع المهر وأمر بالبناء. قاله الحطاب. وقال: الذي رأيت في العتبية ورأى ابن وهب بهمزة بعد الراء ونقله ابن فتحون وروى بواو بعد الراء، وقال ابن القاسم في المدونة: لا أعرف سنة ولا سنتين، بل قول مالك يتلوم له مرة بعد مرة وأن لا فرق بينهما. قاله الحطاب.
وفي التلوم لمن لا يرجي قد تقدم أن من ثبت عسره يتلوم له أما إذا رجي يسره فإنه يتلوم له قولا واحدا، وأما إذا لم يرج يسره فهو ما هنا؛ يعني أن الشيوخ اختلفوا في ثبوت التلوم لمن ثبت عسره ولا يرجى يساره وعدمه، فمنهم من ذهب إلى ثبوت التلوم له لأن الغيب ينكشف عن العجائب وهو الذي تأول علبه الأكثر المدونة، وصحح هذا التأويل أي صوبه المتيطي وعياض، ومنهم من ذهب إلى عدمه أي التلوم أي عدم ثبوته له فيطلق عليه ناجزا، وهو الذي تأول فضل المدونة عليه، ولفظ المدونة هو: ويختلف في التلوم فيمن رجي ومن لا يرجى كما للشبراخيتي.
وقوله: تأويلان مبتدأ وخبره قوله: "في التلوم" إلخ، والتأويلان تأويل الأكثر وتأويل فضل. والله سبحانه أعلم. تم بعد انقضاء الأجل وظهور العجز طلق عليه يعني أن من ثبت عسره إذا تلوم له التلومات المتقدمة وانقضت فإنه يأمره الحاكم بالطلاق، فإن لم يطلق عجزه الحاكم وطلق عليه أي بعد انقضاء الأجل، وظهور العجز كما قررت طلاقا يجري فيه ما تقدم في الخيار بأن يطلقها الحاكم بسؤالها وتفويضها له في الطلاق، أو يأذن لها فتوقعه الزوجة على نفسها ثم يحكم به، فإن حكم بالطلاق قبل التلوم فالظاهر أنه صحيح. قاله الشيخ عبد الباقي. والشيخ إبراهيم.
وقال الحطاب عند قوله "ثم طلق عليه": فإذا انقضت الآجال ولم يأت بشيء وظهر عجزه عجزه الحاكم وطلق عليه إن دعا أبوها إليه. قاله في المتيطية. وقال بعد ذلك في العقد: فأمر القاضي وفقه الله الزوج فلانا بتطليقها فأبى من ذلك وثبتت إبايته فطلقها عليه طلقة واحدة تملك بها أمر نفسها. انتهى.
وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: والذي يوقع الطلاق في هذه المسألة هو الحاكم وإنما يوقعه بسؤالها وتفويضها له في الطلاق، وله أن يأذن لها فتوقعه على نفسها، وقال ابن عرفة: وفي كون التطليق لعجزه بإيقاع الزوج أو الزوجة ثالثها الزوج، فإن أبى فالحاكم، لابن سهل عن أبي القاسم بن سراج وابن عتاب في الطلاق إنما هو من حق الزوجة مع استحسانه ابن مالك وابن فتحون. انتهى. نقله الإمام الحطاب. وظاهر المص أنه يطلق عليه من غير أمره بالطلاق وهو خلاف ما قدمته في أول الحل.
ووجب نصفه يعني أن الزوج إذا طلق عليه لعسره أو طلق هو بنفسه فإنه يجب عليه نصف الصداق لاتهامه أنه أخفى مالا، وكلامه صريح في أن هذا قبل البناء، وأما إن بنى بها فإنها لا تطلق بعسره بالصداق فليس لها إلا المطالبة به، وهذا هو المذهب وهو نص المدونة، فعلم أنه إن بنى بها لا تطلق لإعساره بالصداق على المذهب كما صرح به غير واحد، وقوله:"ووجب نصفه" هو قول ابن القاسم وأصبغ وابن وهب وابن عبد الحكم وهو ظاهر المذهب، وقال ابن نافع: لا شيء عليه. قاله الشارح. وما قاله ابن نافع قاله سحنون؛ لأن الفراق من قبلها. انظر الشبراخيتي.
لا في عيب يعني أن الزوج إذا طلق عليه قبل البناء في عيب أي بسبب عيب به أو بها فإنه لا شيء عليه من الصداق للمرأة وهذا إذا طلق عليه بعد الاطلاع على عيبه وإرادتها رده، سواء ردته بلفظ الطلاق أو بغيره، فلو طلقها هو في هذه الحالة لكان لها نصف الصداق، وأما لو كان العيب بها وردها بغير لفظ الطلاق فلا شيء عليه، بخلاف ما لو ردها بالطلاق فلها النصف، ولو طلقها قبل الاطلاع على المعيب فلها النصف كما قدمه المص سواء كان المعيب به أو بها وقد مر هذا.
ولما كان الصداق له ثلاثة أحوال: يتكمل تارة ويتشطر تارة ويسقط تارة كما في التفويض إذا مات أو طلق قبل البناء، أشار إلى أن أسباب الحالة الأولى ثلاثة بقوله: وتقرر بوطء يعني أن الصداق الشرعي المسمى أو صداق المثل يتقرر أي يثبت ويتحقق جميعه بالوطء من بالغ لمطيقة، وعبر المص بتقرر دون تكمل ليشمل صداق المثل في التفويض، ولأن تقرر يناسب كلا من الأقوال الثلاثة في المسمى لها قاله محمد بن الحسن. وهو مع ذلك يفيد أنه يتكمل عليه.
وإن حرم يعني أن الصداق يثبت ويتكمل على الزوج بالوطء وإن كان ذلك الوطء حراما كفي حيض أو صوم أو دبر ولو اشتهرت بالسفاح وإباحة فرجها لغير زوجها، والمراد بالأقوال الثلاثة التي أشير إليها هي المشار إليها بقولهم هل تملك بالعقد النصف أو الجميع أو لا تملك شيئا؟ أقوال. وقوله:"بوطء" أي ولو بغير انتشار كما في ابن ناجي على الرسالة، وقوله:"بوطء" أي ولو حكما كدخول العنين والمجبوب، ونقل عبد الباقي أن قوله:"وتقرر بوطء" قيد بما إذا لم يلاعنها بنفي حمل قد تحقق أنه ليس منه؛ بأن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم العقد. قال أحمد: وفيه نظر من وجهين: أحدهما أن غاية وطئه فيها أن يكون كوطء في نكاح مجمع على فساده والوطء فيه يوجب الصداق، ففي وطئه إياها هنا الصداق إلا أن تغره بأن عدتها قد انقضت كمن زوجها الولي البعيد وهو غار، وأجاب عنه بعض الأشياخ بأنها لما علمت بحملها وأذنت في العقد والوطء صارت فيه زانية وهي لا صداق لها كما يأتي نصه قريبا، واستبعد علي الأجهوري هذا الجواب بأن ما هنا استناد لعقد. ثانيهما أن الولد في فرضه لا يحتاج للعان كما يأتي في بابه، ولو اقتضها فماتت فالدية على عاقلته صغيرة أو كبيرة كما في الحطاب، ولا يتوهم أنه في غير المطيقة عمد يقتص منه أو عليه دية عمد. انتهى .. كلام عبد الباقي.
وقوله: "ولو اقتضها فماتت" إلخ قال محمد بن الحسن: فيه نظر وما نقله عن الحطاب خلاف ما فيه، ونصه: قال في النوادر في الذي اقتض زوجته فماتت: روى ابن القاسم عن مالك: إن علم أنها ماتت منه فعليه ديتها وهو كالخطأ صغيرة أو كبيرة لا على عاقلته. انتهى. والصواب ما لعبد الباقي؛ لأن النوادر جعله من الخطأ كما نقله هو أعني الشيخ بناني فصح ما قاله عبد الباقي انظر كتاب الأمير. فعلم أنه في قول النوادر: فعليه ديتها تسامح، وفي المسائل الملقوطة عن
ابن القاسم: لا صداق للمرأة على زوجها إذا اشتهرت بالسفاح وإباحة فرجها لغير زوجها. انتهى. نقله عبد الباقي. قال: وبحث في ذلك بأن اشتهارها بما ذكر من غير ثبوت شرعي يوجب حد القذف لقاذفها لا ينتفي معه لزوم الصداق لمتزوجها بعقد صحيح. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: مقتضى هذا البحث أنها لو اشتهر بالزتى وثبت عليها وصارت بحيث لا يحد قاذفها أنها لا تستحق الصداق بالوطء وهو خلاف صريح كلامهم. انظر الرهوني عند أول الخلع. والله سبحانه أعلم. قال عبد الباقي: قال التتائي: خرج بالوطء اقتضاضها بإصبعه فلا يلزم به إلا ما شانها كما في سماع أصبغ واختاره اللخمي، واختلف فيه قول ابن القاسم. انتهى. والموافق لما ذكره المص في الجراح أنه إذا أزالها بإصبعه فإن طلقها قبل البناء فلها النصف مع أرش البكارة، وبعده فلها الصداق فقط، والظاهر أن هذا لا يعلم إلا من جهته مع موافقتها له على ذلك إذ لو ادعت أنه أزالها بإصبعه وادعى هو بذكره، لكان القول قوله لتصادقهما على الخلوة. انتهى المراد منه. قوله: كما في سماع أصبغ واختاره اللخمي إلخ.
قال محمد بن الحسن: فيه نظر بل الذي اختاره اللخمي قول آخر له، ونص ابن عرفة: وفي إلزامه باقتضاضه إياها بإصبعه كل المهر أو ما شانها مع نصفه إن طلقها، ثالثها إن ريئ أنها لا تتزوج بعد ذلك إلا بمهر ثيب، الأول لسماع عيسى عن ابن القاسم مع اللخمي عن محمد عنه، والثاني سماع أصبغ مع اللخمي عنه، والثالث لاختيار اللخمي. انتهى.
وفي الحطاب عن التوضيح: إن أصابها بإصبعه وطلقها، فإن كانت ثيبا فلا شيء لها، وإن كانت بكرا واقتضها به فقيل يلزمه كل المهر، وقيل يلزمه ما شانها مع نصفه، وقيل إن ريئ أنها لا تتزوج بعد ذلك إلا بمهر ثيب فكالأول وإلا فكالثاني، ومال أصبغ إلى الثاني واستحسنه اللخمي. انتهى باختصار. انتهى.
وفي الحطاب: من دفع امرأة فسقطت عذرتها فعليه ما نقصها بذلك من صداقها عند الأزواج وعليه الأدب، وكذلك لو أزالها بإصبعه والأدب هنا أشد، وسواء فعل ذلك رجل أو غلام أو امرأة هذا في غير الزوج، وأما الزوج فحكمه في الدفعة مثل غيره عليه ما نقصها عند غيره إن فارقها ولم يمسكها، وإن فعل بها ذلك بإصبعه فاختلف هل يجب عليه بذلك الصداق أو لا يجب عليه
بذلك الصداق وإنما يجب عليه ما شانها عند غيره من الأزواج إن طلقها ولم يمسكها قولان؟ انتهى. بالمعنى من رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات، وذكرها في سماع أصبغ وسحنون من كتاب النكاح، وتكلم عليها ابن رشد في سماع سحنون ونسبها ابن عرفة لسماع عيسى وليست فيه. انتهى. كلام الحطاب.
وفيه عن ابن عرفة أن الزوج إذا فعل بها ذلك لا أدب عليه، ولو فعل بها ذلك غير زوجها فعليه الأدب. وفي التوضيح: فإذا كان الزوج غير بالغ فلا يتكمل بوطئه الصداق. انتهى. وإذا كانت الزوجة غير مطيقة للوطء قال فيه: لا يتكمل والظاهر أنه يكون جناية، قال في النوادر في الذي اقتض زوجته فماتت: روى ابن القاسم عن مالك: إن علم أنها ماتت منه فعليه ديتها وهو كالخطأ صغيرة كانت أو كبيرة، وعليه في الصغيرة الأدب إن لم تكن بلغت حد ذلك، وقال ابن الماجشون: لا دية عليه في الكبيرة ودية الصغيرة على عاقلته ويؤدب في التي لا يوطأ مثلها. انتهى.
وقال الحطاب: قال في المسائل الملقوطة في ذكر الذين لا صداق عليهم ما نصه: وكذلك المرأة إذا اشتهرت بالسفاح وإباحة فرجها لغير زوجها فلا صداق لها على زوجها. قاله ابن القاسم في اسألته. وقيل لها الصداق وتحد. انتهى. وقد مر ما يعلم منه أن هذا القول الأخير هو الصحيح وأن الأول فيه نظر، وقال الشارح عند قوله:"بوطء وإن حرم": كما لو وطئها وهي صائمة أو محرمة أو معتكفة أو في الحيض أو النفاس، يريد بشرط بلوغ الزوج الحلم وإطاقة الزوجة الوطء. انتهى. وقال الحطاب: انظر هل يدخل الوطء في الدبر في قول المص: "وإن حرم" فيه قولان، قال ابن عرفة: قال اللخمي: اختلف في استحقاق المهر بالوطء في الدبر وفيه نظر وهو في البكر أبعد، قلت في رجمها لمالك وطؤها في دبرها جماع لا شك فيه. انتهى.
وعلم مما مر أنه إذا أزال الزوج بكارتها بغير وطء ثم وطئها أن ذلك يندرج في الصداق. وموت واحد هذا هو السبب الثاني من الأسباب المكملة للصداق؛ يعني أن الصداق يتكمل على الزوج بموتها أو موته هو فيؤخذ من تركته، وكذا يتكمل بموتهما معا كما قاله عبد الباقي عند قوله:"وموت واحد" ولو كانا صغيرين أو أحدهما ولو غير مطيقة وهذا في غير نكاح التفويض،
وفي التفويض حيث حصل الموت بعد التسمية، وأما لو مات قبل الفرض في نكاح التفويض أو ماتت هي فإنه يسقط عنه الصداق، وقوله:"وموت واحد" أي ولو قتلت نفسها نشوزا وقد مر قول المص وأخذه وإن قتلها فهي من أفراد هذه، ويتكمل الصداق بالموت المتيقن أو بحكم الشرع كالمفقود.
وقوله: "وموت واحد" قال الشيخ محمد بن الحسن: هذا في النكاح الصحيح وفي الفاسد لعقده إذا لم يؤثر خللا في الصداق وكان مختلفا فيه كنكاح المحرم والنكاح بلا ولي فهو كالصحيح يجب فيه المسمى بالموت ونصفه بالطلاق قبلُ كما نص عليه ابن رشد في نوازله، وتقدم للزرقاني عند قوله:"إلا نكاح الدرهمين فنصفهما" وقد نقل الحطاب كلام ابن رشد هنالك مع طوله ونقله التوضيح قبيل المتعة. انتهى. وأما المجمع على فساده أو المختلف فيه وفسد لصداقه أو لعقده وأثر خللا في الصداق فإنه يسقط بالموت، وقوله:"وبموت واحد" قال الشيخ الأمير: إلا أن تقتله. انتهى. وهو ظاهر إن قتلته عمدا؛ لأن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، كما قالوا في قتل المدبر سيده عمدا وفيمن قتل موروثه عمدا. والله سبحانه أعلم.
وقال الحطاب: عند قوله "وموت واحد": صغيرا كان أو كبيرا. وفي النوادر ما يدل على ذلك. قال فيها: ومن زوج ابنه الصغير من ابنة رجل صغيرة فمات الصبي فطلب أبو الصبية المهر فقال أبو الصبي: لم أسم مهرها وإن ذلك كان منك على الصلة لابني، قال محمد: لا يصدق ولها ما ادعى أبوها إن كان صداق مثلها، وقال مالك: لا شيء لها إلا الميراث. انتهى.
وإقامة سنة هذا هو السبب الثالث من الأسباب التي يتكمل الصداق بها؛ يعني أن الصداق يتكمل للمرأة بإقامتها سنة بعد خلوتها مع زوجها البالغ وإطاقتها؛ لأن الإقامة المذكورة بمنزلة الوطء، وقوله:"وإقامة سنة" أي ولو كان الزوج عبدا، وقال بعض: ينبغي أن يعتبر في العبد إقامة نصف سنة، قال محمد بن الحسن: لا وجه له وليس لهذا شبه بالحدود أصلا بل فيه تشديد. انتهى. وقال الشارح عند قوله: "وإقامة سنة" أي بعد الدخول، وقوله:"وإقامة سنة" هو المشهور، وعن مالك ليس لها إلا نصف الصداق وقيل لها النصف وتعاض لتلذذه وتحديد الإقامة بسنة هو مذهب المدونة، وقيل إنما يتحدد ذلك بالعرف، فما كان طولا تقرر به الصداق كله وإلا فلا. قاله الشارح.
وقال الشبراخيتي عند قوله: "وإقامة سنة" بشرط بلوغ الزوج وإطاقتها وهذا مع اتفاقهما على عدم الوطء. انتهى. وقال عبد الباقي: ويستثنى من المص عيوب الزوجين، فإن غير البالغ فيها كالبالغ كما هو ظاهر [قول]
(1)
المص في الخيار "والصداق بعدها".
وصدقت في خلوة الاهتداء يعني أن الزوج إذا خلا بزوجته خلوة اهتداء أي زفاف أي خلوة بناء وقالت وطئني ونازعها وقال لم أطأها، فإن المرأة تصدق في أنه وطئها بيمين إن كانت كبيرة ولو سفيهة بكرا أو ثيبا؛ لأن هذا أمر لا يعلمه وليها وهذا إذا اتفقا على الخلوة أو اختلفا فيها وثبتت ولو بامرأتين، فإن حلفت أخذت جميعه صالحا أم لا، وإن نكلت حلف الزوج ولزمه نصفه وإن نكل غرم الجميع، وإن كانت صغيرة حلف الزوج لرد دعواها وغرم النصف فقط ووقف النصف الآخر لبلوغها، فإن حلفت بعدد أخذته أيضا وإن نكلت لم يحلف الزوج ثانية، فإن ماتت قبل بلوغها حلفت ورثتها وتستحقه لاعتمادهم على صحة دعواها أو قرينة على ما يفيده قوله:"واعتمد البات على ظن قوي كخطه".
(2)
انظر حاشية الشيخ
(3)
بناني، والخرشي.
وقوله: "وصدقت في خلوة الاهتداء" قال الشبراخيتي: هي أن يخلى بينه وبينها بحيث يظن أنهما نالا ما كانا بصدده، والاهتداء من الهدوء أي السكون؛ لأن كل واحد من الزوجين سكن للآخر واطمأن إليه. وخلوة الاهتداء هي المعروفة عندهم بإرخاء الستور كان هناك إرخاء ستر أو غلق باب أو غيره، وهذا إذا كانت كبيرة ولو سفيهة، ولو كانت صغيرة حلف الزوج لرد دعواها ويغرم نصف الصداق ثم إذا بلغت حلفت إن شاءت وأخذت بقيته، فإن نكلت فليس لها تحليف الزوج ثانية، وأما إن نكل الزوج فإنه يغرم جميع الصداق وليس له تحليفها إذا بلغت. قاله الحطاب. وهذا إذا اتفقا على الخلوة.
وأما إن اختلفا فيها، فقال ابن عرفة، وأما إن أنكر الخلوة فيصدق بيمين فإن نكل غرم جميع الصداق. انتهى. وفي شرح الشيخ أبي علي أن إرخاء الستور معناه عندهم الخلوة في ابتنائه بالزوجة كان هناك ستر أم لا؛ لأن ذلك هو الغالب، وفي الشارح عند قوله: "وصدقت في خلوة
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 10.
(2)
في عبد الباقي ج 4 ص 10 كخط أبيه الخ.
(3)
هكذا في نسخ من اللوامع ولم نر هذا الكلام في حاشية البناني وإنما رأيناه في عبد الباقي.
الاهتداء": ولابد من يمينها فإن نكلت حلف الزوج ولزمه نصف الصداق فقط، وعن ابن القاسم أنها مصدقة بغير يمين. انتهى. وفي الحطاب أنها تصدق بيمين وهو الصحيح، والقول الثالث يفرق بين الصغيرة فلا يمين عليها وبين الكبيرة فتجب عليها اليمين. انتهى.
وتحصل مما مر أن الأقوال ثلاثة: أحدها وهو الصحيح أنه لابد من يمينها كبيرة أو صغيرة وهو الذي قدمته في أول الحل، ثانيها أنها تصدق بغير يمين، ثالثها الفرق بين الصغيرة فلا يجب عليها شيء وبين الكبيرة فتجب عليها اليمين، وقد علمت أن الصغيرة لا تحلف في الحال.
وإن بمانع شرعي يعني أن الزوجين إذا اختليا خلوة اهتداء فإن المرأة تصدق في أنه وطئها حيث أنكر الزوج ذلك، وإن كانت متلبسة بمانع شرعي من الوطء كما لو كانت صائمة أو محرمة أو معتكفة أو حائضا أو نفساء ورأى بعضهم أنها غير مصدقة بالنسبة إلى الرجل الصالح، وعليه رد المص بالمبالغة وصدقت في حال تلبسها بالمانع المذكور تغليبا للموجب العادي على المانع الشرعي؛ إذ الحامل على الوطء أمر جبلي لأن العادة أن الرجل إذا خلا بامرأته أول خلوة مع حرصه عليها وتشوقه إليها قلما يفارقها قبل الوصول إليها، وقد مر القول بأنها لا تصدق إذا ادعت ذلك على من لا يليق به وتصدق إن ادعته على من يليق به.
وقوله: "وإن بمانع شرعي" نقل عبد الباقي عن التتائي ما نصه: نص عليه لأنه كالمخالف لنص المذهب في أن القول قول مدعي الصحة، لكن رجح مدعي الفساد هنا تغليبا للموجب العادي على المانع الشرعي إذا الحامل إلخ، ثم قال وقوله كالمخالف إلخ أي أنه يشبهه وإن لم يكن هنا مدعي صحة في العقد ومدعي فساده إذ هما متفقان على صحة العقد. انتهى. قوله: كالمخالف لنص المذهب، قال محمد بن الحسن: قد يقال لا مخالفة لأن نص المذهب أن القول لمدعي الصحة مقيد بأن لا يغلب الفساد وهنا الغالب الفساد إذ قل من يفارقها قبل الوصول إليها. انتهى.
وفي نفيه يعني أن المرأة إذا نفت الوطء عنها بأن قالت لم يطئني ولم يدع هو أنه وطئها فإنها تصدق في نفي الوطء، وقوله:"وفي نفيه" عطف على مقدر؛ أي وصدقت في دعوى الوطء وفي دعوى نفيه. قاله الشيخ إبراهيم. وقوله: "في نفيه" يريد بلا يمين.
وإن سفيهة يعني أن الزوجة تصدق في نفي الوطء حيث كانت رشيدة وكذلك إن كانت سفيهة أو أمة؛ يعني أنه كما تصدق الحرة الرشيدة في نفي الوطء تصدق في نفيه الأمة والسفيهة ومثلهما الصغيرة ولا يمين على واحدة منهن كما علمت، وقال الشارح: ولا خلاف في تصديق الثيب الرشيدة، وقال ابن الماجشون: لا تصدق السفيهة والأمة، وقال مطرف: لا تصدق السفيهة. انتهى. وقال الشبراخيتي: وكان الأولى ذكرها يعني الصغيرة ليلا يتوهم أنها ليست كذلك. انتهى. وقال محمد بن الحسن: لو قال ولو سفيهة أو أمة بلو لِرَدِّ قول سحنون: لا تصدق السفيهة والأمة كان أولى. انتهى. وقال الحطاب: ابن عبد السلام: وحيث قبلنا قولها في الوطء فهو على العموم، سواء كان في وجود الوطء أو عدمه، أدى ذلك إلى منفعتها أو مضرتها، رشيدة كانت أو سفيهة، بكرا كانت أو ثيبا، صغيرة أو كبيرة، حرة أو أمة.
والزائر منهما يعني أن المرأة إذا زارت زوجها في بيته وادعت أنه وطئها وأكذبها وقال لم أطأها، فإن المرأة تصدق في أنه وطئها فتستحق جميع الصداق، وإن زارها هو في بيتها وادعى نفي الوطء وادعت هي أنه وطئها فإنه يصدق في أنه لم يطأها وعليه نصف الصداق لها إن طلقها ولم يبن بها بعد ذلك، ومن صدق منهما صدق بيمين وعللوا تصديقه بأنه ينشط في بيته وتصديقها بأنه لا ينشط في بيتها.
وعلم من هذا أنهما لو تزاورا بأن التقيا في مكان غير مكانهما أنه يصدق بيمين، وقد نصوا على تصديقه هو في هذا الفرض كما ذكرته، وقولي: في مكان غير مكانهما أي ولم يكن خاليا، وأما لو كان خاليا فإنها تصدق في دعوى الوطء، وهذا الذي ذكرته هو الذي ظهر لي من كلامهم. وقال الشيخ الأمير: وصدقت بيمين أنه وطئها في ليلة الدخول أو بيته وإلا فهو لأنه لا ينشط في بيت غيره، والمكان الخالي كبيته. انتهى. وقوله: ليلة الدخول، قال في الشرح: وهي خلوة الاهتداء، وقوله:"والزانر منهما"، قال الشارح مفسرا له: أي وصدق الزائر من الزوجين، فإن زارته المرأة في بيته صدقت؛ لأن العادة جرت بانبساط الرجل في بيته، وإن زارها هو صدق إذ لا ينبسط إليها بطريق العادة في بيتها وهو المشهور، وقيل: القول قولها مطلقا قياسا على الفرع السابق، وقيل
القول قوله مطلقا لأن خلوة الزيارة لا تنبسط النفوس فيها بخلاف خلوة الاهتداء، وقيل بالفرق بين البكر وغيرها وينظر النساء البكر. انتهى.
وقوله: "الزائر منهما" معناه نفيا منه وإثباتا منها، وأما لو كان زائرا وادعى الوطء وكذبته فيجري فيه قوله:"وإن أقر به فقط"، وكذا إن كانت زائرة وادعت عدم الوطء وكذبها.
وعلم مما مر أن الأقسام ستة؛ لأنه إما الزائر الزوج أو هي أو هما، وفي كل إما أن يدعي الزائر منهما الوطء أو عدمه، وقد علمت أحكامها، وأما إذا اختليا في بيت ليس بيت أحدهما فتصدق المرأة لأنه ينشط فيه. قاله الشيخ عبد الباقي. واعلم أن من صدق منهما في جميع ما مر لابد من يمينه.
وحاصل ما مر أن خلوة الاهتداء تصدق فيها المرأة إن ادعت الوطء، وأن خلوة الزيارة إذا كان هو الزائر لها في بيتها فإنه يصدق في نفي الوطء وتصدق هي في العكس، وإن زارته وزارها والتقيا في مكان غير خال صدق هو ولابد من يمين من صدق منهما، وتصدق هي بيمين في دعواها الوطء حيث التقيا في مكان خال ليس ببيت أحدهما. وقد علمت أن من صدق منهما لابد من يمينه ومن نكل حلف صاحبه، ونكولهما كحلف المبدأ باليمين كما قاله الأمير هذا تحرير المسألة. والله سبحانه أعلم.
وإن أقر بها فقط أخذ يعني أن الزوج إذا أقر بالوطء فإنه يؤاخذ بإقراره فيتكمل عليه الصداق ويتقرر علمت بينهما خلوة أم لا، وهذا إن كانت الزوجة سفيهة أو صغيرة مطيقة، أو أمة، فالمراد يؤاخذ بإقراره إن كانت الزوجة محجورة ولو كذبته وادعت عدم الوطء، وفي الحطاب أن المص جرى في هذا على ما نقله في التوضيح عن ابن راشد، قال: وهو خلاف قول ابن عبد السلام في الصغيرة والسفيهة والأمة: إن المشهور قبول قولها. انتهى.
قال محمد بن الحسن: نقل أبو الحسن في أول إرخاء الستور عن اللخمي أنه عزا قبول قولها لعبد الملك وأصبغ وعدمه لمطرف، وقال فيه أيضا ما نصه: وهو أحسن إذا كانت خلوة بناء فما جرى عليه المص يوافق اختيار اللخمي، وقال الشارح مفسرا للمص: أي وإن أقر الزوج وحده بالمسيس أخذ منه الصداق إن كانت المرأة سفيهة ولا تصدق في عدمه، وحكى اللخمي وغيره قولين في
البكر: الأول أنها كالثيب وهي بالخيار هي أو وليها، والثاني لمطرف لا خيار لها وعلى وليها قبض ذلك. اللخمي: وهو أحسن إذا كانت خلوة بناء وإن كانت خلوة زيارة لا تأخذه إلا أن تصدقه، وحكى ابن عبد السلام القولين في السفيهة.
وهل إن أدام الإقرار الرشيدة كذلك يعني أن الحكم في السفيهة ما تقدم من مؤاخذة الزوج بإقراره بالوطء فيتقرر عليه الصداق ويتكمل، وأما الرشيدة فقد اختلف الشيوخ فيها فمنهم من قال هي كذلك أي يؤخذ بإقراره بوطئها فيتقرر عليه الصداق ويتكمل كالسفيهة بشرط أن يديم إقراره بالوطء، سواء كذبته أم لا؛ لاحتمال وطئة لها نائمة أوأنه غيب عقلها بمغيب، وعلى هذا يؤاخذ بإقراره الأول أيضا إن رجع عن إقراره إن رجعت إليه أو سكتت فيتكمل عليه الصداق ويتقرر، وأما إن كانت قد كذبته في إقراره بالوطء وقالت: لم تطأني فليس لها إلا النصف حيث فارقها، ومنهم من قال: إنما يؤخذ بإقراره إن رجعت لقوله قبل رجوعه عن إقراره، وأما إن كذبت نفسها بعد رجوعه عن إقراره وبعد ما كذبته أولا فليس لها إلا النصف، كما إذا استمرت على تكذيبه ولم تكذب نفسها فليس لها إلا النصف؛ لأن شرط الإقرار أن لا يكذب المقر له المقر الأهل كما يأتي في باب الإقرار، وإلى هذا القول أشار المص بقوله: أو إن كذبت نفسها أي إنما يؤخذ بإقراره إن كذبت نفسها بأن رجعت لقوله قبل رجوعه عن إقراره كما مر، في ذلك تأويلان.
والحاصل أن هذه المسألة على ثلاثة أقسام: أحدها أن يرجع عن إقراره وكذبته في إقراره بالوطء فلا يؤاخذ بإقراره باتفاق التأويلين فليس لها إلا النصف حيث سمى لها، ثانيها أن تكذب نفسها بأن ترجع لإقراره وهو مديم له فيؤخذ بإقراره باتفاق التأويلين، ثالثها أن يديم الإقرار وتكذبه فهو محل التأويلين. قاله الشيخ بناني. ونص المدونة: وإن أقر بالوطء وأكذبته فلها أخذه بجميع الصداق بإقراره. انتهى.
أبو الحسن: ظاهره رجعت إلى قول الزوج أو أقامت على قولها، وقال سحنون: ليس لها أخذ جميع الصداق حتى تصدقه، فحمله عبد الحق عن بعض شيوخه وابن رشد في المقدمات على الوفاق وغيرهما على الخلاف. وقال ابن عرفة: قال ابن رشد: من سبق منهما بالرجوع لقول صاحبه صدق، فإن سبقت هي بالرجوع لقوله وجب لها كل المهر دون يمين أقام على قوله: أو
نزع عنه وإن سبق بالرجوع لقولها سقط عنه نصفه ولا يمين عليه أقامت على قولها أو نزعت، وقيل: لها أخذ ما أقر لها به وإن أقامت على إنكارها وهو أحد قولي سحنون، وهذا الأخير هو محل التأويلين. والله أعلم. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
وقال الإمام الحطاب عند قوله: "وهل إن أدام الإقرار الرشيدة كذلك" ما نصه: أما إن لم يدم الإقرار بأن رجع لقولها قبل رجوعها لقوله فإنه يسقط عنه نصفه ولا يمين عليه أقامت على إنكارها أو نزعت. قاله ابن عرفة عن ابن رشد. وأما إن أدام الإقرار فعلى التأويل الأول: لا كلام، وعلى الثاني وهو إن كذبت نفسها فلا يمين عليها أقام على قوله أو نزع عنه. انتهى.
وحاصل ما مر أنه إن أدام الإقرار واستمرت المرأة على تكذيبه بأن تقول: كذب في دعواه أنه وطئني فهي محل التأويلين، فإن رجعت إلى تصديقه قبل أن يرجع عن إقراره أخذ بإقراره فيتكمل لها الصداق سواء أقام على إقراره بعد ذلك أم لا، وإن رجع عن إقراره ولم ترجع إلى تصديقه فلا يؤاخذ إلا بالنصف، فإن رجع عن إقراره وسكتت أخذ بإقراره فيتقرر لها الصداق ويتكمل.
فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: لو أنكر الزوج الخلوة ولم تقم بينة له فإنه يحلف ويلزمه نصف الصداق، فإن نكل غرم الجميع. انتهى. نقله الحطاب وقد مر.
تنبيهان: الأول: قال ابن عرفة: الصقلي عن القابسي: من بنى بمن نكحها بذي غرر وأنكر وطأها وادعته غرم مهر مثلها وفسخ نكاحه لإقراره بنفي موجب إمضائه ولو ادعاه لم يفسخ ولو أكذبته. انتهى. ونقله ابن عبد السلام. قاله الحطاب.
الثاني: قال البرزلي في مسائل النكاح: وسئل ابن أبي زيد عمن بنى بزوجته ثم طلقها وادعى عدم المسيس وكذبته، فأخذت منه صداقها ثم أخذت تزني، فقالت: أقررت بالمسيس لأخذ الصداق فهل يرجع عليها بنصفه أم لا؟ فأجاب: كذا ينبغي أن ذلك عليها. قلت: يحتمل هذا وإن رجعت عن إقرارها لأنه حق لآدمي كما إذا أقر بقتل رجل ثم رجع فإنه لا يقبل منه في حق الآدمي ويقبل منه لدرء الحد، ويحتمل أن يكون ذلك ما لم ترجع عن إقرارها كالحد وسكت عن وقوع الحد، وجوابه في المدونة أنه حد البكر لعدم اتفاقهما على الوطء. انتهى.
ولما أنهى الكلام على شروط الصداق شرع يتكلم على الأنكحة الفاسدة لخلل في الصداق، فقال: وفسد إن نقص ربع دينار يعني أن النكاح إذا نقص صداقه عن ربع دينار خالص من المذهب فإن النكاح يفسد أي يتهيأ للفساد، وقوله:"إن نقص عن ربع دينار" ولو كان في نكاح عبده لأمته، وبين المص أقل الصداق وأما أكثره فلا حد له، قال في المتيطية: بإجماع، قال الله تعالى في كتابه:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} . قال الشيخ أبو بكر في كتابه: والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل القنطار ألف دينار ومائتا دينار، وعن ابن عباس أنه اثنا عشر ألف درهم، وقال ابن المسيب: ثمانون ألفا، وعن أبي هريرة أنه اثنا عشر ألف أوقية، وعن ابن عباس
(1)
أيضا هو دية أحدكم، وعنه ثمانون ألف درهم وعنه سبعون ألف درهم: وقال قتادة: ثمانون ألف درهم. وقيل هو مائة رطل من ذهب أو فضة، وعن مجاهد: هو سبعون ألف دينار، وقيل المال الكثير وقيل أربعون أوقية من ذهب أو فضة. انتهى. نقله الحطاب.
أو ثلاثة دراهم خالصة يعني أن الرجل إذا تزوج المرأة بصداق من الفضة فإن النكاح يفسد حيث نقصت الفضة المجعولة صداقا عن ثلاثة دراهم خالصة؛ أي يشترط في الدراهم الثلاثة المجعولة صداقا أن تكون خالصة من الزيف، وقيدها المص بالخلوص من الزيف دون ربع الدينار مع أنه يشترط فيه الخلوص من الزيف أيضا لكونه خالصا غالبا، وفهم من المص أنه لو لم ينقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم بأن بلغ أحدهما فإن النكاح صحيح وهو كذلك، وما ذكره المص من أن الصداق إذا نقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم فإنه يفسد النكاح أي يتهيأ للفساد هو المشهور. وفي النوادر عن ابن وهب أنه أجازه بدرهم، وفي الذخيرة عنه بالدرهم ونحوه، ونقل عنه الشيخ أنه قال: إن الصداق لا حد لأقله وأنه يجوز بالقليل والكثير، قال: ونص على جوازه بنصف درهم واستحسنه بربع دينار.
أو مقوم بهما صفة لموصوف محذوف أي أو عرض مقوم بهما؛ يعني أن الرجل إذا لم يتزوج المرأة بالعين بل نكحها بعرض، فإن النكاح يفسد أي يتهأ للفساد إن نقصت قيمة العرض المنكوح به
(1)
في النسخ وعن ابن عباس أنه اثنا عشر أيضا هو دية أحدكم والمثبت من الحطاب ج 4 ص 339 ط دار الرضوان.
عن قيمة الأقل من ربع الدينار والدراهم الثلاثة فأيهما ساواه صح النكاح، ولو نقص عن الآخر فلابد أن يبلغ العرض قيمة أحدهما.
ولما كان الفساد يوهم وجوب الفسخ قبل الدخول وصداق المثل بعده كما في كل فاسد لصداقه أو أغلبه، أشار إلى أن في إطلاق الفساد هنا تسامحا بقوله: وأتمه إن دخل يعني أن من نكح امرأة بأقل من الأقل مما تقدم بيانه، فإن دخل قبل فسخ نكاحه صح النكاح ووجب عليه أن يتم لها ما يحل به البضع مما تقدم ليس إلا، وإلا أي وإن لم يدخل فإنه يخير بين أن يتم لها واحدا شاءه من الثلاثة المتقدمة أي ربع دينار خالص أو ثلاثة دراهم خالصة أو عرض مقوم بالأقل منهما، فإن أتمه صح النكاح لأن من الناس من يجيزه بأقل مما ذكر، وإن لم يتمه فسخ بطلاق، ووجب نصف المسمى كما تقدم ووجب فيه النصف وإن فسخ قبل البناء لأنه ليس بمغلوب على الفسخ، فإذا لم يتمه مع تمكنه من إتمامه ويثبت النكاح فكأنه طلق اختيارا، ومن طلق قبل البناء لزمه النصف كما هو معلوم. والله سبحانه أعلم.
وعلم من هذا أن قوله: "فسد" فيه تسامح فلذا فسرت تبعا لغيري قوله: "فسد" بتهيأ للفساد، وأما الفاسد حقيقة لصداقه فقاعدته أنه يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل، وقوله:"وأتمه إن دخل " أي ولا يفسخ النكاح، قال الشارح: وهو المشهور، وقال في المدونة: لا اختلاف فيه. انتهى. كلام الشارح. وما مر من أنه إذا لم يدخل وأتمه يثبت النكاح هو المشهور، وقيل لابد من فسخه. قاله الشارح.
ومحصل هذه المسألة أن الزوج إذا بنى بزوجته لزمه إتمام واحد من الثلاثة المتقدمة، فإن لم يبن وجب عليه إتمامه إن أراد البناء، فإن لم يرده فسخ إن عزم على عدم إتمامه وإلا بقي له الخيار إلا أن تقوم الزوجة بحقها لتضررها ببقائها على تلك الحالة. قاله الشيخ عبد الباقي. وقد علمت أن أكثر الصداق لا حد له إجماعا.
أو بما لا يملك المجرور متعلق بمقدر معطوف على نقص أي وفسد النكاح إن نقص عن ربع دينار أو تزوجها بما لا يملك شرعا، ومقتضى كلام عبد الباقي أو صريحه أن قوله:"أو بما لا يملك" معطوف على المعنى أي معنى نقص أي وفسد النكاح بنقص صداقه عن ربع دينار وبكون صداقه
لا يملك شرعا، فإنه قال عند قوله:"أو بما لا يملك" ما نصه: فهو معطوف على فعل الشرط وكذا ما بعده من المعاطيف، والتشريك بينهما في مطلق الفساد، وأما صفة قيود الفسخ ومحله فلكل مقام مقال. انتهى.
ومعنى كلام المص أن النكاح يفسد إن تزوجها بصداق لا يملك أي لا يجوز تملكه شرعا ومثل له بقوله: مخمر ولو لكتابية تزوجها مسلم لأنه لا يملك شرعا لا للمسلم ولا للكتابية لأنهم مكلفون بأحكام الشريعة وإن لم نمنعهم من شربها، ولو قبضت الزوجة الصداق الخمر واستهلكته لم يكن عليها شيء في مقابلته، ومثل الخمر الخنزير والميتة والدم والقرد والسم ونحو ذلك، وقوله:"كخمر" فلو تزوج ذمية بخمر ودخل بها فلها مهر المثل عند ابن القاسم، وقال أشهب: لها ربع دينار. اللخمي: وهو أحسن لأن حقها في الصداق قبضته لأنها تستحله وبقي حق الله، وعلى الأول فلا شيء عليها إن قبضته. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقوله: وحر معطوف على قوله: "كخمر" فهو مثال ثان لما لا يملك شرعا أي أن النكاح يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل إن وقع بحر أي عقداه على صداق هو حر، وكذا يفسد النكاح أيضا إن كان صداقه يصح تملكه شرعا، ولكن لا يجوز بيعه كجلد الأضحية وجلد الميتة بعد دبغه والفساد في هذا وما بعده على الحقيقة، وإذا وقع النكاح بما ذكر أي بما لا يملك أو بما يملك ولا يصح بيعه فالمشهور أنه يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وقيل يُمضى مطلقا.
وقال الشارح عند قوله: "أو بما لا يملك كخمر وحر": أي وكذا يفسد النكاح إذا كان الصداق بما لا يجوز تملكه كالخمر والخنزير، وسواء كانت الزوجة مسلمة أو كتابية. انتهى. وقال الشبراخيتي: وكان حقه -يعني المص- أن يقول: أو بما لا يباع لاقتضاء كلامه أنه يجوز بجلد الأضحية وجلد الميتة بعد دبغه وليس كذلك.
واعلم أن مشهور المذهب أن النكاح الفاسد لصداقه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل كما مر، واختلف هل يفسخ قبل البناء على الوجوب أو الاستحباب؟ قولا المغاربة والعراقيين، ولا شك أن الفسخ فيه بطلاق كما عرفت من الخلاف في مضيه، فقد مر أنه قيل بمضيه مطلقا دخل أولا، وقد مر أنه إذا بنى الزوج بمن نكحها بذي غرر وأنكر وطأها وادعت هي أنه وطئها فإنه
يكون لها مهر المثل، وفسخ نكاحه هو لإقراره بنفي موجب إمضائه، ولو ادعاه لم يفسخ ولو أكذبته ولو أنفق الزوج في الفاسد لصداقه بعد أن دعي إلى الدخول على أنه نكاح صحيح ثم عثر على فساده قبل البناء ففسخ، فقال ابن عبد السلام: إن الزوج يرجع على الزوجة بما أنفق عليها كمن اشترى من رجل داره على أن ينفق عليه حياته فإنه يفسخ البيع ويرجع بما أنفق كما يأتي.
وقال عبد الله بن الوليد: لا يرجع على الزوجة بشيء أي لأن الفسخ قبل البناء غير واجب؛ إذ أجازه جماعة من العلماء إذا عجل ربع دينار. انتهى. وصحح في الشامل القول بالرجوع، ونصه: وحيث فسخ النكاح فهل وجوبا أو استحبابا؟ قولان، ويرجع بما أنفق قبل البناء إن فسخ على الأصح. انتهى. قاله الحطاب. وقال عند قوله:"أو بما لا يملك كخمر وحر" ما نصه: وكذلك الخنزير والقرد والسم، وإذا وقع فالمشهور أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، وهذا معلوم من قول المص فيما تقدم: وما فسد لصداقه وقيل يمضي مطلقا، ولا شك أن الفسخ بطلاق للخلاف المذكور ولا شيء على الزوجة فيما هلك من ذلك. قاله ابن الحاجب. وغيره.
فرع قال في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح: وسئل عمن اكتسب مالا حراما فتزوج به أتخاف أن يكون ذلك مضارعا للزنى؟ فقال: إني والله لأخافه ولكن لا أقوله. ابن رشد: وجه اتقاء مالك أن يكون فعله مضارعا للزنى هو أن الله تعالى لا أباح الفرج بنكاح أو ملك يمين، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وصداق
(1)
) فنفى أن يكون نكاحا جائزا إلا على هذه الصفة، والمتزوج على مال حرام لم يتزوج بصداق إذ ليس المال الحرام بمال له، فإذا وطئ فيه فقد وطئ فرجا بغير ملك يمين ولا نكاح أباحه الشرع. قاله الحطاب.
أو بإسقاطه يعني أن النكاح يفسد إن وقع على شرط إسقاط الصداق فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل على المشهور، وهذه مما فسد لصداقه فيجري فيها ما جرى في التي قبلها، وأما إن وقع على صداق ثم أسقطته فسيأتي في قول المص:"وإن وهبت له الصداق" إلخ، قال الإمام الحطاب عند قوله:"أو بإسقاطه": حكمها كالتي قبلها. قاله ابن الحاجب وغيره. ومثله النكاح
(1)
لا يحل النكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل، السنن الكبرى للبيهقي، كتاب النكاح، رقم الحديث، 13309.
بلفظ الهبة من غير ذكر الصداق وهما من الفاسد لصداقه. قاله في التوضيح. انتهى. وقال عبد الباقي هنا: ولو دعي الزوج في مثل هذا النكاح إلى الدخول فأنفق على أنه صحيح ثم فسخ قبل البناء رجع بما أنفق عليها. انتهى. وقال الشبراخيتي: ابن عبد السلام: ولو دعي الزوج في مثل هذا النكاح إلى الدخول فأنفق على أنه صحيح ثم فسخ قبل البناء رجع في مال الزوجة بنفقته على الأصح كمشتر دار رجل على النفقة عليه حياته. انتهى.
وقال الشارح عند قوله: "أو بإسقاطه": أي وهكذا يفسخ إذا اتفقا على إسقاط الصداق أي يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل على المشهور، وقيل يفسخ مطلقا والقولان في المدونة، وقيل يثبت مطلقا بصداق المثل، وهكذا كل نكاح فسد لصداقه كالخمر والخنزير ونحوهما. انتهى.
أو كقصاص يعني أن النكاح يفسد إذا تزوجها على صداق غير متمول كقصاص، وصورة ذلك أنه وجب له عليها أو على غيرها قصاص فنكحها على أن صداقها أن يعفو عنها حيث كانت هي الجانية أو يعفو عن غيرها في مسألة ما إذا كان الجاني غيرها فهو مما فسد لصداقه، فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وأما القصاص فيسقط مطلقا بني بها أم لا ويرجع للدية، فإذا قطعت يده مثلا أو قتلت ولده مثلا وتزوجها على أن مهرها أن يعفو عنها فإن القصاص يسقط عنها بمجرد العقد على ذلك وتكون له عليها دية يده في الأولى ودية ولده في الثانية، وأما النكاح فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، قال الشيخ عبد الباقي: وأدخلت الكاف ما أشبهه يعني القصاص مما هو غير متمول، كتزوجه بقراءته لها شيئا من القرآن بعد العقد لتسمعه أو يهدي ثوابه لها أو لأبيها، وأما لو قرأ لها قبل العقد بأجرة مسماة وترتبت في ذمتها وكانت ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو عدل ذلك فله العقد عليها به كما يأتي في سمسرة دار ترتبت عليها بعد بيعه لها، وبما تقدم في معنى القراءة علم أن هذه ليست الآتية في قوله:"أو تعليمها قرآنا"، وأدخلت الكاف أيضا عتقه أمته على أن يجعل عتقها صداقها، فإذا اتفقا على ذلك وأعتقها وتزوجها على ذلك فإن العتق ماض والنكاح فاسد يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل ويمنع ذلك ابتداء. انتهى.
وقال الإمام الحطاب عند قوله: "أو كقصاص": ومثله أن ينكحها بقرآن يقرؤه. ابن عرفة: وشرطه كونه منتفعا به للزوجة متمولا. الباجي عن ابن مزين عن يحيى بن يحيى: من نكح بقرآن يقرؤه فسخ قبل البناء ويثبت بعده. أبو عمر: روى ابن القاسم مثله، وكذا من تزوج بقصاص وجب على امرأة، وقال سحنون: النكاح جائز وإن لم يدخل قلت هو جار على قول أشهب: يجبر القاتل على الدية. انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة أن القصاص على المرأة نفسها وأحرى لو كان على غيرها. والله أعلم. انتهى كلام الحطاب.
وقال الأمير عاطفا على ما فيه الفسخ أو بقصاص: ووجبت دية العمد للزوم العفو وثبت بالدخول كبعتقها ولزم العتق. انتهى.
أو آبق يعني أن النكاح يفسخ إذا كان الصداق فيه عبدا آبقا وهو عطف على قصاص، ودخل بالكاف المقدرة كل ما كان فيه غرر، كالبعير الشارد والجنين والثمرة التي لم يبد صلاحها على التبقية، وأما على القطع بالشروط التي في البيع وهي إن نفع واضطر له ولم يتمالأ عليه فجائز، والفسخ في هذا بطلاق للاختلاف فيه ويدخل في ضمانها بالقبض وترد ما قبضته إن لم يفت، فإن فات بحوالة سوق ونحوها، فهو لها وترد القيمة قاله ابن الحاجب وغيره. قاله الحطاب. قال: وهذا أيضا المشهور أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، وقال بعد كلام: ويدخل [ذلك
(1)
]، كل ما كان فيه غرر كالبعير الشارد والثمرة التي لم يبد صلاحها على التبقية لا على القطع. محمد: وإن غفل حتى بدا صلاح الثمرة لم يفسخ لأنه كان جائزا ولا يتهمان على ذلك، ويكون لها قيمة ذلك يوم عقد النكاح وترد الثمرة التي طابت للزوج. انتهى.
أو دار فن يعني أن النكاح يفسد فيما إذا تزوجها على أن صداقها دار فلان المعينة يشتريها لها أو يأخذها منه بهبة وهو من الفاسد لصداقه، فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وإنما فسد النكاح بهذا لما في صداقه من الغرر لأنه قد لا يبيع داره ولا يهبها، قال الإمام الحطاب: والكاف مقدرة فيه كالذي قبله أي وكذا عبد فلان ودابة فلان. والله أعلم انتهى.
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من الحطاب ج 4 ص 341 ط دار الرضوان.
فحاصله أن المراد كل معين في ملك الغير كان دارا أو عبدا أو ثوبا أو غير ذلك وقال الإمام الحطاب عند قوله "أو دار فلان": ابن عرفة عنها: ويفسخ قبله ويثبت بعده بمهر المثل، ولا شك أن الفسخ بطلاق للخلاف الذي فيه. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله "أو دار فلان": فيشتريها بماله ويصدقها إياها أو يصددها ثمنها. انتهى؛ يعني -والله أعلم- أنه تزوجها على أنه يصدقها مثل ما يشتري به دار فلان، فإذا اشتراها يكون ما اشتراها به هو صداقها أي مثله وهو ظاهر الفساد للغرر الذي فيه. والله سبحانه أعلم. وقوله:"أو دار فلان" هو المشهور، ولمالك أن النكاح على عبد فلان جائز. قاله الشارح.
أو سمسرتها يعني أنه إذا تزوجها على أن يشتري لها دار فلان من مالها ويجعل سمسرته في الدار أي توليه لشرائها مهرا لها، فإن النكاح يفسد بذلك، للغرر وهو مما فسد لصداقه، فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، ولا شك أن الفسخ فيه بطلاق للخلاف الذي فيه. قاله الحطاب. والضمير في "سمسرتها" يرجع للدار لا بقيد كونها دار فلان، وهذا إذا وقع النكاح قبل الشراء للدار، وأما بعده فالنكاح صحيح جائز إن بلغت أجرة السمسرة أي تولي الشراء ما يحل به البضع.
أو بعضه لأجل مجهول يعني أن النكاح يفسد إذا وقع بصداق بعضه نقد أو لأجل معلوم وبعضه لأجل مجهول كموت أو فراق، ويفسخ قبل البناء باتفاق مالك وأصحابه، ولو رضيت بإسقاط المجهول أو رضي هو بتعجيله على المذهب ويثبت بعد بالأكثر من المسمى الحلال وصداق المثل كما يأتي للمص، وقال الشارح إن قوله "أو بعضه لأجل مجهول": هو المشهور، وقال أصبغ: إن رضيت بإسقاط المجهول وهو بعض الصداق أو رضي هو بتعجيله صح النكاح، والأول الذي هو المشهور مذهب المدونة، وصور الشارح المسألة بأنه تزوجها على صداق نصفه على سنة معينة أو نقد، ونصفه الآخر إلى أجل مجهول. انتهى. وهو ما قررته به. والله سبحانه أعلم. وللشيخ عبد الباقي هنا كلام الظاهر أنه لا محل لذكره هنا. والله تعالى أعلم.
أو لم يقيد الأجل يعني أن النكاح يفسد إذا تزوجها على صداق بعضه أو كله لأجل ولم يقيد الأجل كتزوجتك بصداق مؤجل فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وقوله:"أو لم يقيد الأجل"
قال بناني: هذا إذا ترك تعيينه قصدا، وأما إن كان ذلك لنسيان أو غفلة فالنكاح صحيح، ويضرب له من الأجل بحسب عرف البلد في الكوالئ قياسا على بيع الخيار إذا لم يضرب للخيار أجل فإنه يضرب له أجل الخيار في تلك السلعة البيعة على خيار والبيع جائز. انتهى.
ونازع ابن رجال في ذلك وقال: إن المشهور الإطلاق. انتهى. وأما التأجيل بمتى شئت فيجوز إن كان الزوج مليا وهو قول ابن القاسم. قاله الشيخ محمد بن الحسن رادا على الشيخ عبد الباقي في تمثيله لقوله: "أولم يقيد الأجل" بمتى شئت. قال: ليس هذا هو مراد المؤلف إنما مراده لم يؤرخ أجل الكالئ كما في التوضيح وابن عرفة وغيرهما. انتهى.
ومحل قوله: "أو لم يقيد الأجل" ما لم يجر العرف بشيء، فإن جرى في بلد بزمن معين بدفع الصداق فيه فلا يفسد، وإن لم يذكر زمنه عند العقد كما يفيده أبو الحسن، قال التتائي: والأولى تغني عن الثانية لأنه إذا فسد لجهل بعضه فجهل كله أولى. انتهى.
وأجاب بعضهم بأنه لما كان حكم الثانية في الصداق بعد البناء ليس كحكم الأولى إذ الأولى فيها الأكثر من المسمى وصداق المثل، وفي الثانية صداق المثل فقط كما هو قاعدة ما فسد لصداقه ذكرها بعد الأولى. انتهى. وبحث فيه الشيخ علي الأجهوري بأن الكلام هنا في فساد الصداق لا فيما يجب بعد البناء. انتهى. وقال الشيخ بناني: إنه لا يستغنى عنها بالأولى. انتهى. وهو ظاهر لأنهما مسألتان كل منهما مستقلة بحكم مغاير لحكم الأخرى، فجواب بعضهم حسن. والله سبحانه أعلم. وأشعر قوله:"لم يقيد الأجل" بأنه إذا وقع مطلقا كأتزوجك بمائة ولم يذكر كونها على الحلول أو التأجيل فإن النكاح صحيح وتعجل المائة كما في الشامل وشرحه. انتهى. نقله الشيخ عبد الباقي.
قوله: وأشعر قوله: "لم يقيد الأجل" إلى قوله: فإن النكاح صحيح وتعجل المائة، قال الشيخ محمد بن الحسن: مثله في المدونة وغيرها، وقال أبو الحسن الصغير: إذا اتفق هذا في زمننا فالنكاح فاسد لأن العرف جرى بأنه لا بد من الكالئ فيكون الزوجان قد دخلا على الكالئ ولم يضربا له أجلا. انتهى. قال الشيخ عبد الباقي: وإذا قال: في شهر كذا، فهل يصح النكاح أو
يجري فيه ما جرى في المسلم من قوله: "وفسد فيه على المقول"؟ ويمكن
(1)
تعقب قوله: "وفسد فيه" بأنه يصح في البيع في قوله: "في ربيع" فالنكاح أولى، وأما في سنة كذا فيفسد البيع والنكاح، ومثلها إذا زادت المدة على شهر كفي شهرين كذا. قاله علي الأجهوري في كبيره. انتهى.
وقال الحطاب: قال في التوضيح: اختلف إذا لم يؤرخ أجل الكالئ، قال المتيطي: المشهور من مذهب مالك وأصحابه وبه العمل وعليه الحكم أنه يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل. انتهى. وقال الإمام الحطاب: قال في التوضيح: وهل يجوز في الأجل أن يقدر بما يؤجله الناس؟ سئل ابن زرب عمن نكح بنقد معلوم وكالئ إلى ما يكلأ الناس؟ فقال: لا يجوز لأن الناس يختلفون في التأجيل، وذكر ابن الهندي عن بعض معاصريه أنه لا يفسخ قبل البناء ويجعل أجله على ما مضى عليه الناس في الكالئ، فإن اختلف الأجل ضرب له أجل وسط. انتهى.
وقال ابن سلمون: وإذا اختلف الزوج والولي في أجل الكالئ، وقال الشهود: نسينا، فإن كان أجل الكوالئ كلها متعارفا عندهم وكان لقلة الكوالئ وكثرتها أجل جعل ذلك الكالئ إلى مثل ذلك الأجل، فإن لم يكن ذلك عندهم متعارفا حمل أجله إلى أكثر ما تحمل عليه الكوالئ إلى مثل ذلك الأجل ويثبت النكاح. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: ولا يجوز تأجيله إلى ما يؤجل الناس لاختلاف الناس في التأجيل، وقيل يجوز ويضرب أجل وسط. انتهى.
أو زاد على خمسين سنة يعني أن الصداق إذا أجل كله بأزيد من خمسين سنة فإن النكاح يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وكذا لو عجل منه أقل من ربع دينار وأجل الباقي إلى خمسين سنة، وصواب المص أن يقول بخمسين سنة لأنه يفسد في الخمسين قبل ويثبت بعد بصداق المثل. قال الشيخ عبد الباقي: ويجاب عن المص بأن مراده زاد على الدخول في خمسين بأن حصل إتمامها والظاهر الفسخ في الخمسين ولو كانا صغيرين يبلغها عمرهما، وإن نقص عن الخمسين لم يفسد، وظاهره ولو بيسير جدا وطعنا في السن، وأما لو عجل منه ربع دينار وأجل الباقي إلى
(1)
في عبد الباقي ج 4 ص 13 ولكن تعقب.
الخمسين فالذي يؤخذ من تعليلهم الفساد هنا بأنه مظنة إسقاط الصداق أن هذا النكاح صحيح فانظره. والله أعلم. قاله الشيخ بناني.
وقوله: "أو زاد على خمسين سنة" قد علمت أن في نقص عن الخمسين يصح معه النكاح، وفي الوثائق المجموعة: قال محمد بن عبد الله: قال ابن وهب: رأيى فيه -يعني في الكالئ- العشرون سنة ففي دون ذلك، وما زاد على ذلك فهو مفسوخ، قال ابن القاسم: وأنا معك على هذا، فأقام ابن وهب على رأيه ورجع ابن القاسم، فقال: لا أفسخه إلى العشرين ولا إلى الثلاثين ولا إلى الأربعين، وأفسخه فيما فوق ذلك، ولأصبغ في العتبية يجوز في العشرين فأقل وهو ظاهر قول ابن القاسم في الموازية، وفي المتيطية: وقال ابن لبابة في وثائقه: إن كان الزوج صغيرا والزوجة صغيرة والبناء يتأخر فليمد في أجل الكالئ إلى عشرين سنة ونحوها، وفيها أيضا: وإنما ذلك على ما تراضى عليه الأزواج والزوجات على الأقدار والحالات. قاله الشيخ ميارة. وفي رجز ابن عاصم:
وأمد الكوالئ المعينه
…
ستة أشهر لعشرين سنة
بحسب المهور في المقدار
…
ونسبة الأزواج والأقدار
يعني أنه يجوز في أجل الكالئ أي المؤجل من الصداق أن يكون ستة أشهر من يوم العقد إلى عشرين سنة، وذلك بحسب ثلاثة أمور أحدها: قلة المهر وكثرته وعلى ذلك نبه بقوله: بحسب المهور في المقدار، ثانيها صغر سن الزوجين وكبرها، وعلى ذلك نبه بقوله: ونسبة الأزواج، ثالثها ضعة الأقدار وارتفاعها، وعلى ذلك نبه بقوله: والأقدار. انظر شرح الشيخ ميارة.
وقال الشارح عند قوله: "أو زاد على خمسين سنة": يريد لأنهما في الغالب لا يعيشان إلى ذلك لا سيما إذا كانا مسنين، ولمالك كراهة تأجيل الصداق مطلقا، وفي الواضحة عن مالك أنه قال كان الصداق نقدا كله والمؤخر منه محدث، وقال ابن القاسم: لا يعجبني إلى سنة أو سنتين، وعنه أيضا السنتين إلى الأربع، وكره الست ونحوها ولا يفسخه وهكذا العشرين أو أكثر قليلا ما لم
يبعد كأربعين سنة، ثم قال: إن وقع لأكثر من ثلاثين سنة لم يفسخ، وإن لم يدخل ما لم يبعد جدا، قال: ويفسخ في الخمسين والستين.
ابن وهب: والقرب الجائز خمس سنين، قال: ويفسخ فيما زاد على عشرين سنة، وعنه أيضا فيما زاد على عشرة. وقاله ابن القاسم ثم رجع، وقال أصبغ: لا كراهة إلى العشرين. اللخمي: وإن زاد على الستين فسخ على كل حال، وحكى ابن عبد السلام عن ابن القاسم أنه لا يفسخ إلا إلى السبعين والثمانين، ولم أر من شهر هذا الذي اقتصر عليه الشيخ هنا، ولا من ذكر أنه المذهب، وقال: إن القول بأن النكاح يفسد في الخمسين قبل الدخول ويثبت بعده هو ما رجع إليه ابن القاسم كما في نقل المواق، خلاف ما في الشارح والتتائي أنه رجع إلى الأربعين.
أو بمعين بعيد بعيى يعني أن النكاح إذا عقد على صداق معين بعيد جدا من بلد العقد فإنه يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل، وسواء كان العين البعيد جدا عقارا أو غيره، ومثل للبعيد جدا بقوله: كخراسان من الأندلس يعني أن البعيد جدا هو ما كخراسان من الأندلس وما شابههما، وخراسان بأقصى الشرق والأندلس بأقصى المغرب، ولا فرق بين ما كان على وصف وما كان على رؤية متقدمة، وأما قول الجيزي ما كان على رؤية متقدمة حكمه حكم البيع يفصل فيه بين أن يتغير بعدها فيمتنع أو لا فيجوز، ويختلف باختلاف المبيع. انتهى. فالتفصيل المذكور إنما ذكره المص في البيوع في الغيبة المتوسطة والكلام هنا في البعيدة، وقد اشتبه ذلك على الجيزي ومن تبعه، فتأمله. قاله العلامة بناني. فالصواب ابقاء المص على ظاهره من عموم الفساد فيما كان على وصف أو رؤية متقدمة.
وجاز كمصر من المدينة يعني أن النكاح يجوز بصداق معين غائب على مسافة متوسطة، كمسافة مصر من المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وسواء كان هذا المعين الغائب على مسافة متوسطة عقارا أو غيره؛ لأنه مظنة السلامة، وقال الشبراخيتي: وجاز بغائب على مسافة متوسطة كمصر المعروفة من المدينة الشريفة، ولا فرق بين العبد والدار والضمان من الزوج في غير العقار ومنها فيه كالبيع. انتهى.
وقال الشارح: أي وكذلك يفسخ النكاح إذا كان الصداق شيئا معينا غائبا غيبة بعيدة كخراسان من الأندلس، ونحوه لابن القاسم، وفي الموازية: وقال في مسيرة شهر ونحوه: ذلك جائز والضمان من الزوج حتى تقبضه المرأة، وإلى هذا أشار بقوله:"وجاز كمصر من المدينة"، ولأصبغ أن ما بين إفريقية والمدينة قريب، وقال ابن حبيب: لا خير فيه ويفسخ.
محمد: ولا فرق في ذلك بين العبد والدار. انتهى. وأدخل الكاف لتحديد ابن القاسم له في الرواية بشهر ونحوه. قاله الشيخ إبراهيم. وعلم من كلام الشارح والشبراخيتي أن ضمان الصداق الغائب من الزوج حتى تقبضه المرأة إلا العقار فإن ضمانه من المرأة كالبيع، ويفهم ذلك من قول المص وضمانه وتلفه لخ. والله سبحانه أعلم.
لا بشرط الدخول قبله أي القبض؛ يعني أن النكاح على معين متوسط المسافة محل جوازه حيث لم يشترط الدخول قبل قبض المرأة له، وأما إن اشترط الدخول قبل قبضه فإن ذلك لا يجوز، فإذا وقع النكاح عليه بشرط الدخول قبل قبضه فسخ قبل الدخول وثبت بعده بمهر المثل، وظاهر هذا الفساد ولوأسقط الشرط أو لم يحصل دخول، وكلام المص مقيد بما إذا لم يكن متوسط المسافة عقارا وإلا صح النكاح مع شرط الدخول قبل قبضه.
إلا القريب جدا يعني أن النكاح إذا عقد على صداق معين قريب جدا من موضع العقد كاليومين فإنه يجوز مع شرط الدخول قبل قبضه، وهذا كله -يعني البعيد والقريب- فيما إذا وقع على رؤية سابقة أو وصف، وأما على غائب لم ير ولم يوصف فلا خلاف في فساده، ولها بالدخول صداق المثل، ولما لم يمثل للقريب قيده بقوله:"جدا"، ولما مثل للبعيد بما مر استغنى عن تقييده بجدا.
وقال ابن رشد في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح: وحد القريب على ظاهر قوله -يعني ابن القاسم-: إذ قاسه على الشراء اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك، وقال أصبغ: الأربعة والخمسة، وأجاز ابن حبيب أن يدخل بها في البعيد الغيبة إلا أنه يستحب أن يعطيها ربع دينار عند ابتنائه بها، ففرق بين الدخول في النكاح والعقد في البيع، قال: وقوله إن أصيب العبد فلها قيمته يريد في البعيد والقريب على ما اختاره من قول مالك في مسألة البيع. نقله الحطاب.
ثم قال: تنبيه: وهذا إذا عرفت المرأة العبد أو وصف لها، قال: وأما إذا لم تعرفه ولم يوصف لها فلا إشكال ولا اختلاف في أنه نكاح فاسد يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل. انتهى. قال الشبراخيتي: قال في الشرح: ويبقى النظر فيما إذا اشترط الدخول قبله فيما بين القريب جدا وبين كمصر من المدينة، ويبقى النظر أيضا في حكم ما دون كخراسان من الأندلس وفوق كمصر من المدينة. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: أما قوله: ويبقى النظر فيما إذا اشترط الدخول قبله فيما بين القريب جدا وبين كمصر من المدينة، فالجواب فيه بين من كلام المص؛ إذ الاستثناء يدل على عموم ما قبله، فما كان فوق القريب جدا فلا يجوز بشرط الدخول قبله، وما كان من القريب جدا جاز ولو مع شرط الدخول قبل القبض كما هو بين والأصل في الاستثناء الاتصال. والله سبحانه أعلم. وأما قوله: ويبقى النظر أيضا في حكم ما كان دون خراسان من الأندلس وفوق كمصر من المدينة، فجوابه أن الذي في الرواية أن ذلك يجوز في مسيرة الشهر ونحوه وهو عين ما قاله المص، فدل ذلك على أن ما فوق الشهر ونحوه هو المراد بقوله:"كخراسان من الأندلس" مع أن القاعدة الأصولية أنه إذا تعارض المفهومان فالمعتبر الأخير والله سبحانه أعلم. وقوله: "إلا القريب جدا" قال الشارح: أي فإن اشتراط الدخول فيه جائز ولم أر فيه خلافا. انتهى.
وضمنته بعد القبض إن فات يعني أن الزوجة تضمن الصداق بعد القبض في هذه الأنكحة الفاسدة حيث فات بحوالة سوق فأعلى، بني بها أم لا، فتدفع قيمته للزوج وترجع عليه بصداق مثلها إن دخل بها، والمراد بالفاسد الفاسد لصداقه كهذه الأنكحة الفاسدة أو لعقده وفيه صداق المثل، قال البناني: كنكاح المحلل. انتهى. وقد مر أن الأصح أن فيه المسمى، وأما الفاسد لعقده حيث وجب فيه المسمى فضمان الصداق فيه كضمانه في الصحيح يضمن بالعقد. ابن عرفة: قال بعض شيوخ عبد الحق: ضمانها مهر الفاسد لعقده كالنكاح الصحيح؛ لأنه إذا فات ثبت فيه المسمى وإن قامت بينة بهلاكه من غير سبب لم تضمنه، ومهر الفاسد لصداقه تضمنه مطلقا؛ لأنه إن فات مضى بمهر المثل لا بالمسمى. انتهى. قاله الشيخ بناني. وقوله:"إن فات" قال الشيخ محمد بن الحسن: ليس الفوات شرطا في الضمان كما يتبادر من عبارته، بل القبض كاف في الضمان
والفوات مرتب عليه أي وترد قيمته إن فات، فقوله في البيوع الفاسدة:"وإنما بينتقل ضمان الفاسد بالقبض" أحسن. انتهى.
ومفهوم قول المص: "إن فات" أنه إن لم يفت بحوالة سوق وما معها فإنها ترده للزوج وتأخذ منه صداق مثلها إن بني بها وهو كذلك وقوله: "وضمنته بعد القبض" هذا هو المشهور، وقيل لا ضمان عليها مطلقا، وقوله:"وضمنته بعد القبض إن فات" يريد الصداق الذي يحل تملكه كما نص عليه غير واحد، وما مر من أن الفاسد لعقده ووجب فيه المسمى كنكاح المحرم تضمنه بالعقد كالصحيح هو إحدى طريقين، والأخرى أنه كالفاسد لصداقه.
وعلم مما قررت أن الضمان المترتب على الفوات إنما هو رد القيمة، وأما تعلق الضمان بها بمعنى أنه إذا تلف تلزمها القيمة، فبمجرد القبض كما علمت. والله سبحانه الموفق.
أو بمغصوب علماه يعني أن النكاح إذا وقع بمال مغصوب وعلم الزوجان قبل العقد معا أنه مغصوب، فإن النكاح فاسد لصداقه فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل حيث كانا رشيدين، وإلا فالمعتبر علم أوليائهما وعلم المجبرة كالعدم، وكذا المجبر بالفتح علمه كالعدم كما في الشبراخيتي وغيره.
لا أحدهما يعني أنه إذا لم يعلم قبل العقد بأن الصداق مغصوب إلا أحد الزوجين فإن النكاح لا يفسد بل يصح، وترجع هي على الزوج بقيمة القوم ومثل المثلي، وسواء كان العالم بغصبه هو الزوج أو الزوجة، وقوله:"لا أحدهما" خلافا لابن بشير فإنه جعل علم الزوجة هو المؤثر في الفساد، فقال: إن علمت بالغصب، فقالوا: النكاح فاسد، وإن لم تعلم ففيه قولان والمنصوص الجواز وهو المشهور. قاله الشارح.
أو باجتماعه مع بيع يعني أن النكاح يفسد بسبب اجتماعه مع البيع في عقد؛ لأنه لا يدرى ما يخص البضع أو لتنافر الأحكام لأن البيع مبني على المشاحة والنكاح مبني على المكارمة، ويمتنع ذلك ولو سعى لكل واحد من البيع والنكاح ما يخصه إذ قد يغتفر لأجل المصاحبة وكذا يفسد النكاح باجتماعه مع القرض أو القراض أو الشركة أو الجعالة أو الصرف أو المساقاة، وكما يفسد
النكاح باجتماعه مع واحد من هذه الأمور الستة يفسد كل واحد منها جمع مع غيره منها، ولبعضهم:
عقود منعناها مع البيع ستة
…
ويجمعها في اللفظ جص مشنق
فجعل وصرف والمساقاة شركة
…
نكاح قراض منع هذا محقق
وذيلها بعضهم فقال:
كذا القرض أو أن يجمع اثنان يأخي
…
من الست إذ أحكامها تتفرق
وإذا فسد النكاح باجتماعه مع واحد من هذه الستة فإنه يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وفسخ للجهل بما يخص البضع أو لتنافي الأحكام كما مر، فإن النكاح مبني على المكارمة والبيع وما معه مبني على المشاحة، وسواء سمى للنكاح وما معه ما يخصه أم لا، وإذا فات البيع فقط بحوالة أو غيرها مما يفوت البيع الفاسد ففيه القيمة على من قبضه ويفسخ النكاح قبل البناء. قال الشيخ عبد الباقي: فإن بني ثبت النكاح وثبت البيع بقيمة المبيع تبعا وإن لم يحصل فيه فوت لأنه تبع والنكاح هو المقصود، وبها يلغز ويقال: لنا بيع فاسد يمضي بالقيمة مع عدم مفوت في المبيع. قاله علي الأجهوري. انتهى.
قال الشيخ محمد بن الحسن: قول الزرقاني فإن بني بها ثبت النكاح وثبت البيع، ظاهره مطلقا وليس كذلك. ابن عرفة: وعلى المشهور من منع اجتماع البيع والنكاح، قال اللخمي: فوت النكاح إن كان الجل فوت للسلعة، ولو كانت قائمة وفوتها وهي الجل ليس
(1)
فوتا له لأنه مقصود في نفسه. انتهى. ونقل أبو الحسن كلام اللخمي واقتصر عليه. انتهى.
وقال الشارح مفسرا لقوله: "أو باجتماعه مع بيع" أي ويفسد النكاح باجتماعه أيضا مع البيع، فإذا عثر على ذلك قبل البناء فسخ ولزمه صداق المثل إن دخل وهذا هو المشهور وهو مذهب
(1)
في النسخ: ليست، والمثبت من البنانى: ج 4 ص 14.
المدونة. ابن يونس: لأنه لا يدري ما يخص البضع من ذلك، وقيل لتنافي الأحكام، وقال أشهب: بجوازه، وقال ابن الماجشون: إن بقي مما يعطي الزوج ربع دينار فصاعدا جاز النكاح ومثله لمطرف على كراهة ذلك ابتداء.
ومثل لاجتماع البيع مع النكاح بقوله: كدار دفعها هو يعني أن الزوج إذا دفع دارا لامرأة على أن يتزوجها وتدفع له مائة فإن ذلك يفسد النكاح لاجتماع البيع والنكاح؛ لأن بعض الدار في مقابلة البضع فهو الصداق، وبعضها الآخر أخذ عنه مائة فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل.
أو أبوها يعني أن أبا المرأة إذا دفع لرجل دارا على أن يتزوج ابنته ويأخذ الأب منه مائة فإن النكاح فاسد لاجتماع البيع والنكاح؛ لأن المائة التي دفعها الزوج بعضها في مقابلة الدار وبعضها في مقابلة البضع، وكذا لو دفعت هي دارا للزوج وأخذت منه مائة، وقوله:"دفعها هو" أبرز الضمير لأن الصفة جرت على غير من هي له، ولو قال الولي: أزوجك ابنتي بمائة على أن تبيعها دارك بمائة جاز؛ لأن المائة تقابل المائة، وتكون الدار صداقها.
قال جامعه عفا الله عنه: أي أن الأمر آل إلى أنه إنما دفع لها دارا في الصداق لتقابل المائتين، فكأنه لم يقع بيع بالكلية، ولوأن الولي قال للزوج: أزوجك وليتي بمائة على أن تبيعني دارك بمائة لكان فاسدا؛ لأنه بيع دار ومائة دينار ببضع ومائة دينار. قاله في التبصرة. قاله الشيخ عبد الباقي.
ومما يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل ما وقع على أن لا نفقة لها أو لها نفقة مسماة أو لها كسوة مسماة لكل شهر، وفي المدونة: ولا يجوز نكاح وبيع في صفقة، مثل أن يتزوجها بعبد على أن تعطيه دارا أو مالا، أو بمال على أن تعطيه عبدا بثمن مسمى، ويفسخ ذلك قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل. نقله الشارح.
ومن اجتماع البيع والنكاح مسألة الإمتاع إلا أنها هي أشد في المنع لما ستعلم إن شاء الله، ومسألة الإمتاع هي المشار إليها بقول ابن عاصم:
ويفسد النكاح بالإمتاع في
…
عقدته وهو على الطوع اقتفي
الإمتاع: إعطاء الزوجة أو أبيها شيئا من متاعها كإمتاع بسكنى دارها واستغلال أرضها، فإن كان ذلك في عقد النكاح فسد النكاح وإن كان طوعا بعد العقد جاز، قال الإمام أبو عبد الله المازري في توجيه المنع وفساد النكاح: لأن بقاء أمد الزوجية بين الزوجين مجهول؛ إذ لا يدرى متى يقع الطلاق أو الموت، فإن كان مجهولا وقارن العقد فالصداق المبذول من الزوج بعضه عوض عن هذا الإسكان المجهول؛ لأن السكنى من الأعواض المالية وهي أظهر في كونها عوضا ماليا من الفرج ومحال أن لا يجعل لها حصة من الصداق، فإذا ثبت أن ذلك مما يعاوض عليه الزوج وهو مجهول فسد العقد فيه، ووجب فسخ النكاح المعقود عليه قبل الدخول على المشهور إلا رواية شاذة، وأما إن وقع الدخول ففي فسخه خلاف مشهور.
ولما وقف الخطيب أبو القاسم ابن جزي على جواب المازري المتقدم أجاب بأن ذلك فاسد من ثلاثة أوجه، الأول: ما ذكره المازري من الجهل في ذلك وما يقابله من الصداق، الثاني أنه يجتمع فيه بيع ونكاح واجتماعهما ممنوع وذلك أن الزوج يبذل بعض الصداق في مقابلة الفرج وهو النكاح وبعضه في مقابلة ما يمتع به من مال وهو البيع، الثالث: أنه يؤدي لأن يبقى النكاح بغير صداق، فإن الذي ينتفع به الزوج من الاستغلال والسكنى ربما يكون مثل الصداق أو أكثر لا سيما إن طالت مدة الإمتاع، فيقابل الصداق بذلك، فكأنه لم يعطها شيئا ولكن إنما يمتنع من هذا الوجه إذا كان شرطا مقارنا للعقد، فإن كان تطوعا بعد انعقاد العقد لم يمنع من هذا الوجه؛ لأنه كأن المرأة أعطته حظا من مالها وذلك جائز بشرط أن لا تنعقد عليه القلوب حين العقد، ويجوز أيضا أن يكون مقارنا للعقد إن كان الإمتاع في ملك غير ملك الزوجة، ألا ترى ما روي عن مالك أنه أجاز أن يقول الرجل لآخر: تزوج ابنتي على أن أعطيك مائة دينار لأن المائة دينار من مال والد الزوجة لا من مالها؟ انتهى. قال جميعه الشيخ ميارة.
وقد علم من كلام هذين الشيخين أن نكاح الإمتاع يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل على المشهور؛ لأنهما جعلاه من الفاسد لصداقه أي لا فيه من الجهل ولما فيه من اجتماع البيع والنكاح، ولأنه قد يكون فيه إسقاط الصداق والفاسد لصداقه القاعدة فيه أنه يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل، والقاعدة في الفاسد لعقده أنه يفسخ قبل وبعد، قال ابن عاصم:
فما فساده يخص عقده
…
ففسخه قبل البنا وبعده
وما فساده من الصداق
…
فهو بمهر المثل بعد باق
وجاز من الأب في التفويض يعني أن ما تقدم من أن النكاح يفسد باجتماعه مع البيع محله حيث كان النكاح نكاح تسمية، أما لو كان النكاح نكاح تفويض فإنه يجوز اجتماعه مع البيع كبعتك داري بمائة وأنكحتك ابنتي تفويضا، وأولى في الجواز ما لو عقد النكاح بلا ذكر مهر وأعطاه الأب دارا: سمع سحنون ابن القاسم: من أنكح ابنته من رجل على أن أعطاه دارا جاز نكاحه؛ لأنه إذا قال: تزوج ابنتي ولك هذه الدار دل على أنه لم يقصد بذلك المعاوضة، وإنما قصد معونة الزوج ولو لم يصدقها الزوج إلا هذه الدار، وقد صرح ابن رشد بجواز اجتماع البيع مع نكاح التفويض واعتمده المص هنا، ومقابله لابن محرز القائل: إنما جاز تزوج ابنتي ولك هذه الدار؛ لأنه لم يكن فيه معاوضة، وإياه اعتمد المص في التوضيح وهو الظاهر. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
وسمع سحنون ابن القاسم: من أنكح ابنته من رجل على أن أعطاه دارا جاز نكاحه، ولو قال تزوج ابنتي بخمسين وأعطيك هذه الدار فلا خير فيه لأنه من وجه النكاح والبيع. انتهى. ابن رشد: ويقوم من هذه المسألة معنى خفي صحيح وهو أن البيع والنكاح يجوز أن يجتمعا في صفقة واحدة إذا كان نكاح تفويض لم يسم فيه صداق المثل، مثل أن يقول أزوجك ابنتي نكاح تفويض على أن أبيع لك داري بكذا وكذا. انتهى. من البيان. وبه تعلم ما في قول الرماصي: تصوير التناني ومن تبعه يعني كعبد الباقي بأن يقول بعتك داري بمائة وزوجتك ابنتي تفويضا يحتاج لنقل يوافقه. انتهى. فقد رأيت التصريح بالنقل الموافق له. انظر حاشية الشيخ بناني.
وجمع امرأتين سمى لهما يعني أنه يجوز جمع امرأتين أو ثلاث أو أربع في عقد واحد حيث سمى لهما أي سمى لكل واحدة منهما أو منهن مهرا، سواء استوت التسمية كمائة ومائة أو اختلفت كمائة ومائتين. أو لإحداهما يعني أنه يجوز جمع امرأتين في عقد واحد حيث سمى لهما
كما مرت وكذلك إذا سمى لإحداهما ونكح الأخرى تفويضا، وكذا إن لم يسم لواحدة بل نكحهما تفويضا، وإنما لم يقل أولا ليشمل هذه الصورة؛ لأنه ليس فيها القولان المشار إليهما بقوله: وهل إن شرط تزوج الأخرى بالأخرى يعني أنه اختلف في جواز جمع المرأتين في عقد واحد حيث شرط تزوج الأخرى بالأخرى، فمن الشيوخ من ذهب إلى الجواز مطلقا سواء سمى لكل واحدة منهما ما دون صداق المثل أو لواحدة دون صداق المثل، وللأخرى صداق المثل أو نكحها تفويضا أو سمى لهما معا صداق المثل أو لإحداهما صداق المثل ونكح الأخرى تفويضا، أو نكحهما تفويضا وهو لابن سعدون.
أو إن سمى صداق المثل يعني أن من الشيوخ من خالف في ذلك، وقال: لا يجوز جمعهما مع شرط تزوج الأخرى بالأخرى إلا إذا سمى لكل واحدة منهما صداق المثل أو لإحداهما صداق المثل ونكح الأخرى تفويضا أو نكحهما تفويضا، وأما إذا سمى لهما ما دون أو لإحداهما ما دون وللأخرى صداق المثل أو نكحهما تفويضا فلا يجوز النكاح. وقوله: قولان مبتدأ حذف خبره؛ أي في ذلك قولان الأول لابن سعدون كما عرفت والثاني لغيره من المتأخرين.
وتحصل مما مر أن الصور مع عدم الشرط ست وهي جائزة اتفاقا، ومع الشرط ست أيضا ثلاث منها جائزة اتفاقا وهي ما إذا سمى لكل منهما صداق المثل أو نكحهما تفويضا أو سمى لواحدة صداق المثل ونكح الأخرى تفويضا، وما قاله بعض أشياخ الأجهوري من المنع في هذه الأخيرة معللا بأنه جمع بين بت وخيار قصور؛ لأن ابن يونس صرح بجوازها. قاله الشيخ بناني. وثلاث مختلف فيها وهي ما إذا سمى لكل واحدة منهما ما دون، أو لإحداهما ما دون والأخرى صداق المثل أو نكحها تفويضا.
ولا يعجب جمعهما يعني أنه وقع في المدونة: لا يعجب ابن القاسم جمع امرأتين في صداق واحد، قال الحطاب: هذا الذي تقدم إذا جمعهما في عقد واحد وسمى لكل واحدة صداقا، وأما إن جمع المرأتين أو أكثر في عقد واحد بصداق واحد، فقال في المدونة: ولا يعجب جمعهما. انتهى. وقوله: "ولا يعجب جمعهما" سواء كانتا حرتين أو أمتين لمالك واحد أم لا أو أمة وسيدتها، وقال عبد الباقي: ولا يعجب جمعهما في صداق واحد إذ لا يعلم صداق هذه من هذه،
وما قدمه جمعهما في عقد كما مر، وما هنا يستلزم وحدة العقد غالبا فلا فرق بين أن يكون جمعهما في صداق في عقد أو في عقدين. انتهى.
والأكثر على التأويل بالمنع يعني أن الأكثر من الشيوخ تأول قول ابن القاسم في المدونة: لا يعجبني على المنع وعلى ذلك اختصرها البرادعي، قال في التهذيب: ولا بأس أن يتزوج امرأتين في عقد واحد إذا سمى لكل واحدة صداقها، وإن أجملهما في صداق واحد لم يجز. انتهى. وتأول الأكثر المدونة على المنع لأن هذه اللفظة أكثر ما يستعملها الإمام في المنع.
والفسخ قبله يعني أنه إذا فرعنا على تأويل الأكثر فإنه ذهب ابن أبي زيد إلى فسخ النكاح المذكور قبله أي قبل البناء، قال في التوضيح عنه: ولا شيء لها وكذلك قال ابن محرز: ظاهر قول ابن القاسم أن النكاح فاسد وأن الطلقة والمتوفى عنها لا شيء لهما، ومقتضى قوله أن النكاح يفسخ، قال: وقال بعض المذاكرين: لهما ما يخصهما من تلك التسمية يعني في الطلاق والوفاة لأن النكاح أخف من البيوع، ومقتضى هذا أنه لا يفسخ هذا حكم ما قبل الدخول.
وأشار إلى حكم ما بعد الدخول بقوله: وصداق المثل بعده يعني أنه إذا فرعنا على تأويل الأكثر ولم يفسخ النكاح قبل البناء ودخل الزوج بها فإن النكاح المذكور يمضي بصداق المثل؛ أي لكل واحدة من المرأتين صداق مثلها إن دخل بهما، فإن دخل بواحدة فلها مهر مثلها ومضى نكاحها وفسخ نكاح من لم يدخل بها ولا شيء لها. ابن عرفة: ولو تزوج أمتي رجل في عقد واحد أو امرأة وأمتها ففي جوازه بمهر بينهما أو حتى يسمي مهر كل واحدة منهما طريقا أبي حفص وابن محرز، قائلا: لأن المهر مستحق للأمة لا لمالكها،
(1)
قلت: والأول بناء على العكس. انتهى. وظاهر كلام المص شمول المنع لهذه المسألة على ما قاله ابن محرز. والله أعلم. قاله الحطاب.
لا الكراهة يعني أن الأقل من الأشياخ تأول قول المدونة لا يعجبني على الكراهة، وعلى هذا التأويل لا يفسخ النكاح لا قبل ولا بعد ويفض المسمى على قدر مهرهما كما في جمع الرجلين سلعتيهما في البيع على القول بجوازه، فلو تزوجهما بعشرين وصداق مثل واحدة منهما خمسون
(1)
في الحطاب ج 4 ص 343 لمالكتها ط دار الرضوان.
والأخرى ثلاثون، فتجمع الثلاثون للخمسين ثم ينسب صداق مثل كل واحدة للثمانين المجتمعة من الصداقين، وبتلك النسبة تقسم العشرون بينهما، فنسبة الخمسين للثمانين نصف وثمن فتأخذ صاحبة الخمسين نصف العشرين وثمنها وهو اثنا عشر ونصف ونسبة الثلاثين للثمانين ربع وثمن وذلك سبعة ونصف. وقوله:"لا الكراهة" الظاهر أنه عطف على مقدر أي هذا على المنع لا الكراهة أي كونه يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل إنما هو على تأويل المنع لا على تأويل الكراهة فلا فسخ، وإنما فيه المسمى يُفَض عليهما على قدر صداق كل. والله سبحانه أعلم.
وعطف على نقص من قوله: "وفسد إن نقص" قوله: أو تضمن إثباته رفعه يعني أن النكاح يفسد حيث تضمن إثباته رفعه، ومثل لذلك بقوله: كدفع العبد في صداقه يعني أن مثال النكاح الذي يتضمن إثباتُه رفعه أن يزوج أحد عبده بامرأة بعشرة مثلا ثم بعد ذلك يدفعه لها في صداقها، فإن النكاح يفسخ قبل وبعد لأنه من الأنكحة الفاسدة لعقدها، وأولى في الفساد لو جعل العبد صداقها ابتداء وبه شرح الشارح كلام المص، وإنما فسد لأن إثبات النكاح يوجب كون الصداق الذي هو العبد ملكا للزوجة، وثبوت ملكها إياه يوجب فسخ النكاح فيلزم رفعه على تقدير ثبوته.
وبعد البناء تملكه يعني أنه إذا لم يعثر على ذلك حتى بني العبد بالمرأة فإنها تملكه، سواء وقع العبد صداقا ابتداء أو دفع في صداق زوجة به سيده، وإنما كان هذا من الأنكحة الفاسدة لعقدها لوجوب المسمى فيه بالدخول ولها إبقاؤه في ملكها، وفي المعونة يجب عليها بيعه ليلا يقر بها وإذا عتق فله تزوجها بعد استبرائها من مائة الفاسد إن كان قد أصابها، بخلاف ما إذا أعتق السيد أمته ثم تزوجها فلا يجب عليه استبراؤها كما سيأتي ومثل مسألة المص هنا من أعتق عبديه ثم استحقهما شخص بشهادة العبدين المعتقين فإن شهادتهما له باطلة لاتهامهما على إرقاق أنفسهما. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقوله: "وبعد البناء تملكه" ويتبع السيد العبد بالصداق على مذهب الإمام مالك وأصحابه؛ إذ هو ضامن عنه ويكون بمنزلة من له على عبده دين فباعه سيده بعد ثبوت الدين في ذمته مع علم المشتري بذلك، خلافا لمن رأى ذلك كجناية العبد على مال سيده. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
وقوله: كدفع العبد في صداقه، في الشبراخيتي: ومثل دفعه في صداقه دفع خدمته في صداقه. انتهى.
أو بدار مضمونة يعني أن النكاح يفسد إذا عقد على دار مضمونة في الذمة ولم توصف أو وصفها وعين موضعا في ملك الغير فيفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل، وأما إن كان النكاح على بيت يبنيه للمرأة ووصفه لها وصفا شافيا وعين موضعا في ملكه يبنيه به فذلك جائز كما نص عليه غير واحد. قال الشيخ عبد الباقي: وقال ابن محرز لا يجوز تزويجها بدار مضمونة في ملكه يصفها. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: ليس في كلام ابن محرز لفظ في ملكه فيحمل كلامه على ما إذا عينها في غير ملكه. انتهى. وعلى الراجح من جوازه بدار مضمونة يبنيها لها في موضع يملكه عينه لها، فإن كان لهم حضرا أو بدوا عرفٌ في بناء الدار بشيء معين جاز النكاح وإن لم توصف.
وعلم من هذا أن محل المنع فيما تقدم من منع النكاح بعدد من شجر إنما هو حيث لم يعين لها موضعا في ملكه وإلا جاز كما مر، وقال الشيخ الأمير: ولا يصح بدار يبنيها إلا موصوفة بملكه على الراجح. انتهى. وقال الشارح: هذه المسألة نص عليها أبو عمران، فقال فيمن تزوج على بيت يبنيه للمرأة: فإن كانت بقعة بعينها في ملكه ووصف الطول والعرض والبناء فذلك جائز، قال: وإن كان البيت الذي يبنيه مضمونا عليه فقد أفتى أبو محمد وغيره بعدم الجواز، قيل: والجواز ظاهر المدونة خلاف ما أفتى به ابن أبي زيد. انتهى.
أو بألف وإن كانت له زوجة فألفان يعني أن من تزوج امرأة بألف على أنه إن كانت له زوجة قبلها فصداقها ألفان يفسد نكاحه للغرر الحاصل في مبلغ الصداق، فيفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل. وقاله في المدونة، بخلاف ألف يعني أن النكاح لا يفسد فيما إذا تزوج الرجل امرأة على ألف -مثلا- بشرط أن لا يخرجها من بلد أو من بيت أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى عليها، واشترطوا عليه مع ذلك أنه إن أخرجها من بلدها أو من بيت أبيها أو تزوج أو تسرى عليها، فصداقها ألفان فالعقد في هذه صحيح لخفة الغرر في هذه عن الأولى؛ لأنها في هذه عالمة بأن الصداق ألف فهي داخلة عليه فقط، والزائد معلق على أمر معدوم في الحال الأصل عدم وجوده في
المستقبل، بخلاف الأولى فإنها لا تدري في دخلت عليه إذ لا تدري هل وجب لها بالعقد ألف أو ألفان، وأيضا لا حكم الشرع في هذه بأنه لا يلزمه الزائد ولو خالف الشرط انتفى الغرر فيها من أصله. والله أعلم.
وفي أبي الحسن: لأنها في الأولى لا تدري في صداقها، أعنده امرأة فلها ألفان أو ليست عنده فلها ألف؟ والأخرى ليس فيها غرر إنما هو شرط لها إن فعل فعلا زادها ألفا في صداقها. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: وقال الشارح: الفرق بين هذه والتي قبلها أنها هنا لما وضعت في وضعته قبل استقرار العقد كان الصداق في الحقيقة هو الألف المذكورة، ولهذا قال فضل مشيرا إلى الفرق بينهما: إن الغرر في الأولى في الحال والثانية ليس فيها غرر بل صداق الزوج ألف، ثم هي شاكة هل تزاد عليها إن تزوج عليها أم لا.
ولا يلزم الشرط يعني أن الشرط أي المشروط وهو عدم التزوج وعدم إخراجها من بلدها وما في حكمهما لا يلزم الوفاء به وإنما يندب فقط، لخبر: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج
(1)
)، وإنما لم يلزم لأنه من الشروط المكروهة، ولذا قال: وكره يعني أن هذا الشرط مكروه، وكذا يكره عدم الوفاء به فالشرط يكره ابتداء ومع ذلك إن وقع يستحب الوفاء به ويكره عدم الوفاء به. قاله الشيخ عبد الباقي.
ولا الألف الثانية إن خالف يعني أنه إذا خالف في اشترطه لها بأن أخرجها من بلدها أو تزوج عليها فإنه لا تلزمه الألف الثانية، وهذا يفهم مما قبله لأنه إذا لم يلزمه عدم إخراجها لا يلزمه في ترتب على إخراجها، والألف قال في القاموس: الألف من العدد مذكر ولوأنث باعتبار الدراهم جاز: وقال الشارح عند قوله: "ولا يلزم الشرط وكره ولا الألف الثانية إن خالف" في نصه: إنما لم يلزم لأنه من الشروط المكروهة، وسقطت الألف الثانية لقوله في المدونة: فله أن يخرجها بغير شيء، وعن مالك استحباب الوفاء بالشرط، ولا يبعد حمل كلامه هنا عليه لأن نفي اللزوم لا ينفي الاستحباب، وقال أشهب: كان من أدركت من العلماء يقضون به. اللخمي: وهو أحسن لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج). انتهى،
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث 1418.
كإن أخرجتك فلك ألف؛ يعني أنه إذا اشترط لمن هي في عصمته أنه لا يخرجها من بلدها أو نحو ذلك وإن أخرجها فلها ألف، فإنه لا يلزمه الشرط فله أن يخرجها وإذا خالف شرطه بأن أخرجها فإنه لا تلزمه الألف، وقوله:"كإن أخرجتك فلك ألف"، قال الشيخ عبد الباقي: هو تشبيه في الكراهة وعدم اللزوم، وقال الشيخ محمد بن الحسن: فيه نظر لأن هذا ليس شرطا في العقد، وإنما هو طوع بعد العقد فلا كراهة فيه، فالتشبيه في عدم اللزوم فقط انظر مصطفى. انتهى.
وبما قررت علم أن هذه ليست مكررة مع قوله: "بخلاف الألف" لخ؛ لأن هذه في العصمة كما لو قالت له وهي في عصمته قد بلغني أنك تريد أن تخرجني من بلدي مثلا أو أخشى من ذلك، فقال لها: إن أخرجتك فلك ألف، وحل الشارح تكرار مع قوله:"بخلاف" لخ.
أو أسقطت ألفا قبل العقد على ذلك يعني أنه إذا قال لامرأة أتزوجك بألفين فقالت له أسقط عنك إحداهما فأتزوجك بألف على أن لا تخرجني من بيت أهلي ولا تتزوج علي أو نحو ذلك، فخالف وأخرجها من بلدها أو تزوج عليها فإنها لا ترجع عليه بشيء من الألف التي أسقطتها عنه لعدم لزوم الشرط، وقد اختلف في ذلك، فقال مالك مرة: لا ترجع بشيء وهو المشهور، وقال مرة: لها أن ترجع بالأقل من صداق المثل والألف، واختاره اللخمي، وروى أشهب عن مالك أنها ترجع بما أسقطت، وصوبه ابن يونس. قاله الشارح.
وبما قررت علم أن قوله: "قبل العقد" قيد في هذه فقط لا فيها وفي التي قبلها؛ لأن المرأة في التي قبلها زوجة قطعا، وبما قررت علم أيضا أن المشار إليه في قوله:"على ذلك" هو أن لا يخرجها من بلدها ونحو ذلك.
إلا أن تسقط ما تقرر بعد العقد الظرف متعلق بتسقط والاستثناء منقطع ولوأسقط قوله قبل العقد فيقع الاستثناء من العموم ويكون الاستثناء متصلا كان أولى والله سبحانه أعلم يعني أن الرجل إذا تزوج امرأة بألفين مثلا ثم إنها أسقطت عنه بعد العقد وتقرر الصداق ألفا على أن لا يخرجها أو لا يتسرى عليها أو نحو ذلك فإنه إذا خالف بأن أخرجها أو تسرى عليها مثلا ترجع عليه
بالألف التي أسقطت عنه على أن لا يخرجها أو نحو ذلك وقوله: "تقرر" متعلقة محذوف أي ما تقرر بالعقد.
واعلم أن الاستثناء في قوله: "إلا أن تسقط" مما تضمنه التشبيه من عدم الرجوع. قاله الشيخ بناني. وقال الشيخ الخرشي والشيخ إبراهيم: إن الاستثناء مخرج مما تضمنه التشبيه من عدم اللزوم، واعترضه محمد بن الحسن بأنه لا لزوم قبل الاستثناء ولا بعده. انتهى.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: ما قاله الخرشي والشبراخيتي ظاهر لا لبس فيه، ومرادهما باللزوم لزوم الألف فإنها فيما قبل الاستثناء غير لازمة للزوج، وفي ما بعد "إلا" لازمة للزوج، فصح أن الاستثناء من عدم اللزوم، ومحمد بن الحسن توهم أن المراد باللزوم لزوم الشرط فلذا قال ما قال. والله سبحانه أعلم.
وقوله: بلا يمين متعلق "بتسقط". قاله الشيخ إبراهيم؛ يعني أن محل رجوعها بما أسقطته من الصداق بعد تقرره بالعقد إنما هو حيث لا يمين عليه بعتق أو طلاق المسقطة أو من يتزوج عليها أوأمرها بيدها إن خالف ما شرط، وأما إن كانت عليه يمين بما ذكر فإنه تلزمه اليمين دون الألف: لأن الألف أسقطتها عنه في مقابلة اليمين وقد وجدتها. قاله بناني. وقال عبد الباقي: والظاهر أن الطلاق يقع بائنا وأما الإسقاط مع اليمين بالله فكالإسقاط بلا يمين كما يفيده المواق والتتائي، فتلزمه الألف إن خالف وكفارة اليمين بالله لسهولة كفارتها بالنظر للطلاق والعتق. انتهى. وظاهر المص تزوج قريبا من الإسقاط أو بعيدا تحقيقا للعوضية.
ابن عبد السلام: ينبغي أن يقيد بالقرب كمن أعطته مالا على أن لا يطلقها ومن سألها حطيطة فقالت أخاف الطلاق، فقال: لا أطلق فحطت، ومن أعطته مالا على أن يطلق ضرتها ففعل، ومن سأل مشتريا الإقالة فقال إنما تريد البيع لغيري لأني اشتريتها برخص، فقال: متى بعت لغيرك فهي لك بالثمن الأول، فإن باع قرب الإقالة فله شرطه وإن باع بعد طول أو حدوث سبب اقتضاه فالبيع نافذ. قاله التتائي. والبعد كالسنتين في مسألة المص كما يفيده الشارح عند قوله: وفي تشطر هدية. قاله علي الأجهوري في كبيره. وكذا يقال في بقية المسائل. قاله عبد الباقي.
قوله: ابن عبد السلام: ينبغي أن يقيد بالقرب اعترضه الحطاب في التزاماته بأن اللخمي نص على أنها ترجع عليه، تزوج بالقرب أو بالبعد وهو ظاهر المدونة وظاهر المتيطي وابن فتحون وغيرهما. قاله محمد بن الحسن. وقوله:"بلا يمين" قال الشبراخيتي: وكلام المواق يفيد أن المراد باليمين اليمين بشيء خاص وهو الطلاق والعتق فقط، كما إذا قال لها إن فعلت فضرتك طالق أو سريتي حرة لا أليمين بالله ونحوها، وكذا كلام التتائي يشعر بذلك، وظاهر كلام المص أنها إذا أسقطت ما تقرر بعد العقد بلا يمين أنها ترجع سواء خالف عن قرب أو بعد تحقيقا للعوضية وهو ظاهر كلامهم، وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن يقيد رجوعها بما إذا خالف عن قرب. انتهى. وقد سبق قريبا اعتراض الحطاب لتقييد ابن عبد السلام.
أو كزوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بمائة الكاف اسم بمعنى مثل عطف على فاعل فسد أي فسد نكاح مثل زوجني، ومعنى كلام المص أن النكاح يفسد إذا وقع على هذه الصورة وهي ما إذا قال: زوجني أختك بمائة على أزوجك أختي مثلا بمائة، فيفسخ النكاح قبل ويثبت بعد بالأكثر من المسمى وصداق المثل كما يأتي، فيترتب عليه حكمان: / الفسخ قبل وثبوته بعد بما ذكر، وأفهم قوله:"على" لخ أنه لو لم يقع على وجه الشرط بل على وجه المكافأة من غير توقف أحدهما على الآخر لجاز. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: "وكزوجني أختك" لخ سواء اتحدت التسمية لكل كما مثل المص أو اختلفت، كأزوجك أختي بخمسين على أن تزوجني أختك بكذا أكثر أو أقل، وسواء في هذا المجبرة وغيرها، كزوج أمتك من عبدي بمائة وأزوجك أختي أو أمتي بمائة ونحو ذلك قال في تهذيب الطالب: وذهب بعضهم إلى أن الشغار إنما يكون فيمن تجبر على النكاح وهو غلط، وقال في الإكمال: لم يختلف المذهب أن حكم غير البنت من الإماء والأخوات وغيرهن حكم البنات. انتهى. وقال في التوضيح: قال أبو عمران في رجلين عقد كل منهما نكاح أخته من صاحبه في مجلس واحد: هو جائز إذا لم يفهم إن لم يزوج أحدهما صاحبه لم يزوجه الآخر، ومثله لابن لبابة، قال: إن قال تزوجني وأزوجك وعقدا على ذلك وسميا صداقا جاز، قال: والذي يشبه الشغار زوجني على أن أزوجك، أو إن زوجتني زوجتك. انتهى. واختصره في الشامل، فقال: وإن زوج كل صاحبه بمهر مسمى ولم يفهم وقف أحدهما
على الآخر جاز، كزوجني وأزوجك لا إن زوجتني زوجتك أو زوجني على أن أزوجك. انتهى. نقله الإمام الحطاب.
وهو وجه الشغار يعني أن البضع بالبضع مع التسمية من الجانبين هو المسمى وجه الشغار، وقد تقدم أنه لا يتقيد باتحاد المهر ففي المدونة: وإن قال زوجني [ابنتك
(1)
] بمائة، على أزوجك [ابنتي
(2)
] بمائة أو قال بخمسين فلا خير فيه وهو من وجه الشغار.
واعلم أن نكاح الشغار على ثلاثة أقسام: أحدها وجه الشغار وهو الذي تقع فيه التسمية من الجانبين، اتحدت التسمية أو اختلفت، كانت المرأتان أختين أو بنتين أو أمتين أو غيرهما، وسواء كانتا أختا وأمة أو غيرهما. ثانيها: صريح الشغار وهو البضع بالبضع من غير تسمية لواحدة منهما، ثالثها: المركب منهما أي من الوجه والصريح بأن يسمي في واحدة دون الأخرى. ومعنى وجه الشغار أنه يشبه به وعلى طريقته وطرزه، قال في القاموس: اعمل على وجه هذا أي على نمطه وطرزه؛ لأنه لما توقف تزويج إحداهما على الأخرى صار كأنه بضع ببضع، وإن وقع فيه تسمية المهر؛ إذ حقيقة الشغار البضع بالبضع. انظر الشبراخيتي.
وقال الرجراجي: الشغار يطلق ويراد به الرفع، يقال: شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول وذلك أنه لا يفعل ذلك إلا إذا كبر وبلغ حد الوثوب على الإناث. انتهى. قاله الحطاب. وقال الخرشي: الشغار لغة الرفع من قولهم: شغر الكلب رجله إذا رفعها ليبول ثم استعمل فيما يشبهه من رفع رجل المرأة للجماع، ثم في رفع المهر من العقد وكأن كلا من الوليين يقول للآخر: شاغرني أي أنكحني وأنكحك بغير مهر. انتهى. وقال الشيخ ميارة عند قول ابن عاصم:
والبضع بالبضع هو الشغار
…
وعقده ليس له قرار
ما نصه: قال في التوضيح: أصل الشغار في اللغة الرفع من قولهم: شغر الكلب رجله إذا رفعها للبول، ثم استعملوه فيما يشبهه، فقالوا شغر الرجل المرأة إذا فعل بها ذلك للجماع، ثم استعملوه
(1)
في بعض النسخ أمتك وفي بعضها أختك والمثبت من التهذيب ج 2 ص 132.
(2)
في بعض النسخ أختي وفي بعضها أمتي والمثبت من التهذيب ج 2 ص 132.
في النكاح بغير مهر إذا كان وطئا بوطء وفعلا بفعل، فكأن الرجل يقول للآخر: شاغرني أي أنكحني وليتك وأنكحك وليتي بغير مهر، وقال في المقدمات: قيل وإنماهسمي نكاح الشغار لخلوه عن الصداق من قولهم بلدة شاغرة أي خالية من أهلها. انتهى.
وإن لم يسم فصريحه هذا هو القسم الثاني من أقسام الشغار يعني أن صريح الشغار هو البضع بالبضع من غير تسمية، لا في الجانبين ولا في أحدهما، ويترتب عليه حكمان: مهر المثل بالدخول، والفسخ أبدا، وإليه أشار بقوله: وفسخ فيه يعني أن صريح الشغار يفسخ فيه النكاح أبدا قبل الدخول وبعده، ولها مهر المثل حيث فسخ بعد البناء، فإن كان الشغار صريحا فيهما فالحكم ظاهر فيفسخ فيهما أبدا هذا هو المشهور، وقيل يفسخ قبل البناء، وقيل يفوت بالعقد وعلى الأول ففي فسخه بطلاق أو بدونه قولان. انظر القلشاني.
وإن كان وجها فيهما فالحكم ظاهر أيضا أي يفسخ قبل ويثبت بعد بالأكثر من المسمى وصداق المثل، وقيل يمضي بمجرد العقد، وإن تركب من الصريح والوجه فكل منهما على حكم نكاحها فيفسخ في المسمى لها قبل ويثبت بعد بأكثر من المسمى وصداق المثل، ويفسخ في التي لم يسم لها أبدا، ولهذا قال: وإن في واحدة يعني أنه إذا لم يسم فسخ أبدا في التي لم يسم لها، سواء كان عدم التسمية من جانب واحد أو من جانبين، وهذا هو القسم الثالث من أقسام الشغار فهو في الحقيقة داخل في القسمين الأولين.
قال الشيخ عبد الباقي: ولله در المص حيث لم يذكر ما وافق مسائل هذا الباب من الشغار، وذكر ما خالف منه حكم مسائل الباب، فلما كان وجه الشغار يثبت بالدخول لم يتعرض له وتعرض فيما يأتي لا يجب فيه لمخالفته لا يجب في هذا الباب من صداق المثل، ولما كان صريحه فيه صداق المثل بالدخول لم يتعرض له لمساواته لمسائل الباب، ولما كان فسخه أبدا مخالفا لها ترض له بقوله الآتي:"أبدا". انتهى.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: وهذا غاية في حسن الصناعة. والله الموفق. وإنما فسد نكاح الشغار لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا شغار في الإسلام
(1)
)، وحكى القاضي عياض الإجماع على تحريمه، قال: واختلف مشايخنا في علة ذلك: هل لفساد عقده أو لفساد صداقه أو لفسادهما معا أو لعروه عن الصداق؟ قاله الشارح.
قال: وجعل أهل المذهب الشغار على ثلاثة أقسام: وجه الشغار وصريحه ومركب منهما، وقوله: وإن في واحدة، هذا هو المشهور، وعن مالك إمضاؤه بالدخول، وقال ابن أبي حازم: لا يفسخ نكاح من سمى لها: وفي البيان: لم يختلف قول مالك في المسمى لها أنه لا يفسخ بعد البناء، والضمير المجرور بفي عائد على الصريح، ولا ينافي ما مر عن الشارح من تقسيم الشغار إلى ثلاثة أقسام كما هو ظاهر، ولهذا عد بعضهم الشغار قسمين؛ لأن الثالث دائر بين الصريح والوجه. والله سبحانه أعلم.
وعلى حرية ولد الأمة يعني أن من تزوج أمة بشرط أن يكون ولده منها حرا فإن هذا النكاح يفسخ أبدا.
وبما قررت علم أن قوله: "أبدا" راجع للصريح وإن في واحدة، ولقوله:"وعلى حرية ولد الأمة" يعني أن النكاح يفسخ في صريح الشغار وإن في واحدة أبدا؛ أي يفسخ ولو طال ولو ولدت الأولاد، كما أنه يفسخ أبدا إن تزوج أمة بشرط أن يكون ولده منها حرا فإنه نكاح فاسد يفسخ ولو ولدت الأولاد؛ لأنه يشبه بيع الأجنة لوقوعه مشترطا في صلب العقد بصداق، فكأن الصداق ثمن للولد، ولها المسمى بالدخول وقيل الأصح مهر المثل، وقوله:"وعلى حرية ولد الأمة"؛ أي والأولاد أحرار بالشرط وولاؤهم لسيد أمهم. قاله في المدونة. ولا قيمة على الأب في ولده فالفسخ للشرط، وتحرروا بالشرط لتشوف الشارع للحرية ولو تطوع السيد بالتزام ذلك بعد العقد فلا فسخ ويلزمه العتق ويفسخ أيضا أبدا إن زوجها على حرية أول ولد تلده.
وقال عبد الملك: يفسخ إلا أن تلد ويفسخ النكاح أبدا إن زوج عبده أمة غيره ليكون الولد بينهما، فإن ولدت فالولد لسيد الأمة، وقوله:"وعلى حرية ولد الأمة" فإن استحقت أخذت مع الولد ورد
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث 1415.
عتقه، وعبارة الشبراخيتي عند قوله "وعلى حرية ولد الأمة": سواء جميع الأولاد أو بعضهم. وأما إن زوج رجل أمته من عبد آخر على أن الأولاد بينهما، فإن لم يذكرا صداقا فلها صداق المثل والولد لسيد أمه وكذا إن ذكراه، فإن استحقت أخذها المستحق وولدها ورد عتقه. قاله ابن القاسم. وليس للأب أن يعطي السيد القيمة إلا برضاه ولا للسيد أن يلزم الأب ذلك بخلاف الأمة الغارة كما مر، وفي الحطاب أنه إذا زوج عبده أمة غيره ليكون الولد بينهما، فإن ولدت فالولد لسيد الأمة لا بينهما على الأصح ولها مهر المثل بالبناء ولو زاد على المسمى. انتهى.
ولها في الوجه قد مر أن المص سكت عن الفسخ في الوجه لموافقته لمسائل الباب فيه وذكر المهر لمخالفته فيه لمسائل الباب، ومعنى كلامه أن الزوجة في الوجه إذا بني بها الزوج يثبت نكاحهما ويكون لها الأكثر من المسمى وصداق المثل فإن لم يبن بها فسخ، وسواء فيما ذكر كان الوجه في واحدة كأزوجك أختي بمائة على أن تزوجني أختك بلا شيء، أو فيهما كأزوجك أختي بمائة على أن تزوجني أختك بكذا أقل أو أكثر أو مساويا، وتقدم أنه يفسخ في الصريح وإن في واحدة أبدا، وأن لها أو لهما مهر المثل بالدخول. والله سبحانه أعلم.
ومائة وخمر يعني أن من تزوج امرأة بمائة وخمر مثلا يفسخ نكاحه إن لم يبن، فإن بني ثبت النكاح بالأكثر من المسمى الحلال وصداق المثل وبطل الخمر، وقوله:"بخمر" أي ونحوها مما لا يملك شرعا كخنزير، ومائة نقدا ومائة يعني أن من نكح امرأة بمائة حالة أو لأجل معلوم مع مائة مؤجلة بأجل مجهول يفسخ نكاحه إن لم يبن، فإن بني ثبت النكاح بالأكثر من المسمى الحلال وصداق المثل أي المائة الحالة وصداق المثل، وألغي المؤجل بأجل مجهول، مثال ذلك ما لو كان مع المائة الحالة مائة.
لموت أي مؤجلة وتحل بموت شخص عينوه فيكون لها إن بني بها الأكثر من المسمى الحلال أي المائة الحالة وصداق المثل، وتلغى المائة المؤجلة بأجل مجهول وهو موت الشخص المذكور، ومن ذلك أيضا ما لو كان مع المائة المؤجلة بأجل معلوم مائة مؤجلة بفراقه لها كما قال: أو فراق أي تحل عند فراقه لها فيكون لها بالدخول الأكثر من المسمى الحلال أي المائة المؤجلة بأجل معلوم ومهر مثل، ويثبت النكاح وتلغى المائة المؤجلة بمفاصلتهما.
وعلم مما قررت أن المراد بالحلال ما كان نقدا أو أجل بأجل معلوم، وأن المراد بالحرام الخمر وما أجل بأجل مجهول كموت أو فراق ونحو ذلك فالمدار على جهل الأجل.
قوله: الأكثر من المسمى وصداق المثل. قوله: "الأكثر" مبتدأ وخبره "لها" من قوله: "ولها في الوجه" والضمير في لها للزوجة أي وللزوجة في هذه المسائل الثلاث بالدخول الأكثر من المسمى وصداق المثل، ولا ينظر لما صاحب الحلال من الخمر والمؤجل بأجل مجهول كما مر. ولو زاد على الجميع يعني أنه تزوجها بمائة نقدا مثلا ومائة لأجل مجهول يكون لها صداق المثل إذا كان هو الأكثر، ولو كان صداق المثل يزيد على الجميع أي المعلوم والمجهول فإن كان صداق المثل ثلاثمائة أخذته حالا وهو قد زاد على المائتين الحالة والمؤجلة بأجل مجهول، ورد المص "بلو" قول ابن القاسم: لا تزاد على المائتين فتأخذهما حالتين ولا تعطى الزائد. انتهى. وقوله: "ولها الأكثر" فإذا كان صداق المثل تسعين أخذت المائة؛ لأن المسمى الحلال أكثر من التسعين صداق المثل.
وقدر بالتأجيل المعلوم إن كان فيه "قدر"، بالبناء للمفعول والنائب ضمير يعود على صداق المثل وبالتأجيل متعلق بقدر، والباء للملابسة أو ظرف مستقر حال من نائب قدر، "والمعلوم" صفة للتأجيل، "وكان" ناقصة أو تامة بمعنى حصل وفاعلها أو اسمها ضمير يعود على المؤجل بأجل معلوم، المفهوم من التأجيل المعلوم والضمير المجرور بفي عائد على المسمى الحلال فهو راجع لما فيه مسمى حلال مع مؤجل بأجل مجهول، ومعنى كلامه أنه إذا تزوجها بحلال مع مؤجل بأجل مجهول وكان في الحلال ما أجل بأجل معلوم وصداق مثلها يزيد على الحلال، فإنها تعطى صداق مثلها مؤجلا منه قدر الذي أجل من المسمى بأجل معلوم على حسب تأجيل المعلوم وتأخذ ما عداه حالا، فإذا كان المسمى ثلاث مائة حالة ومائة مؤجلة بسنة مثلا ومائة مؤجلة بأجل مجهول فإن المجهول يلغى ويقال: ما صداق مثلها، فإن قيل مائتان فقد استوى المسمى وصداق المثل فتأخذ مائة حالة ومائة إلى سنة، وإن قيل مائة وخمسون فتأخذ المسمى لأنه أكثر من صداق المثل فتأخذه مائة حالة ومائة مؤجلة بسنة، وإذا كان صداق مثلها ثلاثمائة نأخذ مائتين حالتين ومائة إلى سنة.
وتؤولت أيضا فيما إذا سمى لإحداهما ودخل بالمسمى لها بصداق المثل يعني أن ما مر من أن لها في الوجه الأكثر من المسمى وصداق المثل بالدخول هو تأويل ابن أبي زيد للمدونة، وسواء على تأويله كانت التسمية من الجانبين أو من جانب واحد، وتأولها ابن لبابة على الفرق بين أن يسمي لهما فيكون لهما الأكثر من المسمى وصداق المثل بالدخول، وبين أن يسمي لإحداهما فيكون لها صداق المثل بالدخول، وقوله:"بصداق المثل" متعلق "بتؤولت"، قال الشيخ عبد الباقي: والراجح الأول، وأشعر قوله:"لإحداهما" أن هذا التأويل ليس جاريا فيما إذا سمى لهما معا، مع أنه فيه أيضا كما في توضيحه، فلو قال المص: وتؤولت أيضا فيما إذا دخل بالمسمى لها بصداق المثل لشملهما. انتهى.
قال الشيخ محمد بن الحسن: الذي في التوضيح ما نصه: وأما لو سمى لكل واحدة منهما، فقال ابن عبد السلام: المشهور أن لكل واحدة الأكثر من المسمى وصداق المثل، وأما إذا سمى لإحداهما فقط فإن دخل بالتي لم يسم لها فصداق المثل، وإن دخل بالتي سمى لها فتأول ابن أبي زيد المدونة على أن لها الأكثر، وتأولها ابن لبابة على أن لها صداق المثل، فلم يسو بين التأويلين إلا في المركبة، وأما غير المركبة فهي وإن كان فيها تأويلان أيضا لكن ذكر أن المشهور فيها لزوم الأكثر، فجرى هنا على ذلك فخصص التأويل الثاني بالمركبة. انتهى. وقوله:"بالمسمى" متعلق "يدخل"، قال محمد بن الحسن: فإن قلت لم لم يذكر التأويلين مجتمعين في المركبة حيث كانا متساويين؟ قلت: لأنه لا جمع في التأويل الأول المركبة وغيرها فلذلك أفرد الثاني وحده لاختصاصه بالمركبة فلا يكون إفراده مفيدا لضعفه. انتهى.
وفي منعه بمنافع يعني أن الشيوخ اختلفوا في منع النكاح بالمنافع، فمنهم من قال: يمنع النكاح بالمنفعة أي النكاح الذي جعل صداقه منفعة ككون صداقه منفعة دار أو دابة أو عبد، ومنهم من قال: يكره، ومحل الخلاف إذا كان العقد عقد إجارة كأزوجك ابنتي على سكنى هذه الدار شهرين مثلا، وأما لو كان العقد عقد جعل كما لو قال له أزوجك وليتي على أن تأتيها بعبدها الآبق فيمتنع النكاح اتفاقا؛ لأن المجاعل له الترك متى شاء فهو نكاح فيه خيار.
وتعليمها قرآنا يعني أن الشيوخ اختلفوا في وقوع النكاح على أن يعلم الرجل المرأة قرآنا محدودا بحفظ أو نظر، هل يمنع أو يكره؟ ومعنى ذلك أنه جعل مهرها تعليمها قرآنا، وأما لو عقداه على أن يقرأ لها قرءانا لتسمعه أو ليهب ثوابه لها أو لأبيها فقد مر أنه يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وليس هو من هذا الذي اختلف في منعه وكراهته.
وإحجاجها يعني أنه اختلف في وقوع النكاح على أن يحج الرجل المرأة أو يزيرها للنبي صلى الله عليه وسلم على قولين بالمنع والكراهة، والواو بمعنى أو في هذه والتي قبلها، وقوله:"وإحجاجها" أي أو سفرها أو زيارتها أو عمل يعمله لها، وعلى القول بالمنع يرجع الزوج على الزوجة بقيمة عمله. أي بقيمة ما استوفته من المنافع التي وقع عقد النكاح عليها للفسخ اللام للتعليل أي لأجل فسخ النكاح؛ فإنه يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، قال الشيخ عبد الباقي: وحيث صح النكاح مطلقا على المشهور صح عقد الإجارة ويمضي النكاح بما وقع عليه من المنافع على المعتمد للاختلاف فيه، فالواجب حذف ويرجع الخ لأنه ضعيف. انتهى. والله سبحانه أعلم.
والإجارة تفسخ متى اطلع عليها كما يفيد ذلك قوله: "ويرجع بقيمة عمله"، وكراهته هذا هو القول الثاني المقابل للمنع في قوله:"وفي منعه بمنافع" لخ أي وفي منعه بما ذكر وكراهته القولان الآتيان: المنع لمالك والكراهة لابن القاسم وقال أصبغ بالجواز، أما على القول بالمنع فقيل إنه يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل وهو الذي قررت به المصنف، وقال غير واحد: إن المشهور أنه يمضي بما وقع عليه العقد على القول بالمنع مراعاة للخلاف، وأما على القول بالكراهة والجواز فلا يختلف في الإمضاء.
قال ابن الحاجب: وكونه بمنافع كخدمته مدة معينة أو تعليمها قرآنا منعه مالك وكرهه ابن القاسم وأجازه أصبغ وإن وقع مضى على المشهور. انتهى. قال في التوضيح: قوله: وإن وقع مضى على المشهور هذا تفريع [على ما
(1)
] نسبه لمالك من المنع، وأما على الجواز والكراهة فلا يختلف في الإمضاء وإنما مضى على المشهور للاختلاف فيه وما شهره ابن الحاجب من الإمضاء قال في
(1)
في نسخة مايابى لما والمثبت من بنانى ج 4 ص 18.
الجواهر هو قول أكثر الأصحاب. ثم قال: وقَوْلُ ابن راشد وابن عبد السلام: إن الإمضاء دليل على أن المشهور في حكمه ابتداء الكراهة لَيْسَ بظاهر لجواز أن يكون الحكم ابتداء المنع، وإذا وقعت صحت وهذا هو الظاهر من كلام المصنف؛ لأنه إنما نسب المنع لمالك فكيف يكون المشهور خلافه؟ انتهى. نقله الشيخ بناني. ونقل أي بناني عن ابن غازي أنه قال: وقد حصل ابن عرفة في المسألة خمسة أقوال، الأول: الكراهة لابن القاسم فيمضي بالعقد، الثاني: المنع فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل، الثالث: إن كان مع المنافع نقد جاز وإلا فالثاني، الرابع: إن لم يكن نقد فالثاني وإلا فسخ قبل البناء ومضى بعده بالنقد وقيمة العمل، الخامس: مضى بالنقد والعمل. انتهى. قال محمد بن الحسن بعد نقله هذه الأقوال: فأنت تراه لم ينقل أصلا القول الذي قال المصنف إنه المشهور وفسر به كلام ابن الحاجب، قال: وكلام المتيطى يؤيد ما فهمه ابن عبد السلام وابن راشد يعني ما تقدم لهما من أن الإمضاء دليل على أن المشهور الكراهة.
كالمغالاة فيه أي في الصداق تشبيه في الكراهة فقط فليس فيه القولان في المسائل الثلاث؛ يعني أن المغالاة في الصداق مكروهة ومعنى المغالاة فيه الإكثار فيه وعلى ذلك انعقد الإجماع وتختلف أحوال الناس في ذلك، فرب امرأة يكون الصداق بالنسبة إليها كثيرا وإن كان قليلا في نفسه، وكذلك الرجال فالرخص والغلو فيه منظور فيهما إلى حال الزوجين والمغالاة ليست على بابها بل هي مثل سافر؛ لأن الغلو لا يطلبه الزوج بل المرأة ووليها فقط، وقد استكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل قال له: تزوجت على أربع أواق فضة، فقال: (كأنما ينحتون الفضة من عرض هذا الجبل
(1)
)، وكان صداقه صلى الله عليه وسلم لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا أي نصف أوقية وذلك
(2)
خمسمائة درهم، والمذهب أن الرخص فيه والمغالاة منظور فيهما لحال الزوجين. قاله الشيخ إبراهيم.
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث 1424.
(2)
في النسخ ومالك والمثبت من الشبراخيتي ج 2 مخطوط.
والأجل يعني أن الصداق يكره فيه التأجيل بأجل معلوم ليلا يتوصل الناس بذلك إلى النكاح بغير صداق، ويظهرون أن هناك صداقا مؤجلا ثم تسقط المرأة ولمخالفة
(1)
أنكحة السلف، قال في كتاب النكاح من النوادر: ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك الصداق بعضه معجل وبعضه إلى ست سنين، قال: ولم يكن من عمل الناس، وقال ابن الحاجب: وكره مالك المؤجل؟ وقال: إنما الصداق فيما مضى ناجز كله، فإن وقع شيء منه مؤخرا فلا أحب أن يطول، وقال سحنون: قلت له فمن تزوج امرأة بدنانير مسماة نقدا وبدنانير إلى سنة؟ فقال: قال مالك: لا يعجبني هذا النكاح وليس هو من نكاح من أدركنا، وقال ابن القاسم: فإن وقع النكاح هكذا أجزته، وعلى قول ابن القاسم مشى ابن عاصم فقال:
ويكره النكاح بالمؤجل
…
إلا إذا ما كان مَعْ معجل
قال الشيخ ميارة: يعني [أنه
(2)
] يكره أن يعقد النكاح ابتداء على صداق مؤجل أي كله، بدليل قوله: إلا إذا ما كان مع معجل أي إلا إذا كان المؤجل مع معجل؛ بأن دخلا على أن بعضه معجل وبعضه مؤجل فلا كراهة، وهذا قول ابن القاسم، وقال مالك: بكراهته. انتهى. المراد منه. وقوله: قولان مبتدأ، وخبره قوله:"في منعه بمنافع" لخ أي فيه قولان بالمنع والكراهة، المنع لمالك والكراهة لابن القاسم كما مر وأصبغ قاتل بالجواز.
وإن أمره يعني أن الرجل إذا وكل وكيله أن يزوجه امرأة بألف مثلا سواء عينها أي المرأة كزوجني من فلانة بألف، أو لا كزوجني بألف فتعدى الوكيل وزوجه بألفين ولم يعلم الآمر والزوجة قبل العقد بالتعدي فإن ذلك لا يخلو من أمرين: إما أن يدخل الزوج أو لا، فإن دخل فالنكاح ثابت ويكون على الزوج ألف لأنها هي التي أمر الوكيل أن يزوجه بها، وغرم كسر الراء الوكيل ألفا ثانية لأنه هو الذي زادها في الصداق والزوج إنما أمره بألف، وهذا إن تعدى الوكيل أي ثبت تعديه بإقرار؛ أي إقرار أن الزوج ما أمره إلا بألف وأنه هو الذي تعدى عليه
(1)
في عبد الباقي ج 4 ص 18 ولمخالفته.
(2)
ساقطة من النسخ والمثبت من ميارة على التحفة ج 1 ص 304.
وعقد له النكاح بألفين، أو ثبت تعديه ببينة تشهد أنه ما أمره إلا بألف قال الشبراخيتي: وقوله: "إن تعدى بإقرار أو بينة" أي ثبت تعديه وإلا فالتعدي لا يكون بإقرار أو بينة. انتهى.
وقوله: "وغرم الوكيل ألفا" لخ هو كقوله في المدونة: وإن أقر المأمور بعد البناء بالتعدي غرم الألف الثانية والنكاح ثابت وقيام البينة كالإقرار، وعن مالك أنه لا يغرم شيئا والأول هو المشهور، وقيل يلزم الزوج صداق المثل والمأمور ما بقي من الألفين، فإن ساوى صداق المثل ألفين فلا شيء على المأمور. قاله الشارح.
وإلا يثبت تعدي الوكيل بإقرار ولا بينة فتخلف هي أن الوكيل تعدى، وإنما تحلف على ذلك إن حلف الزوج؛ أي تحلف الزوجة أن العقد وقع على ألفين بعد أن يحلف الزوج أنه ما أمر إلا بألف لأنه المبدأ باليمين وبعد نكول الوكيل، ومعنى ذلك أن الزوج يحلف ما أمر إلا بألف ويحلف الوكيل أنه مأمور بألفين، فإن حلفا ضاعت عليها الألف الثانية، وإن حلف الزوج ونكل الوكيل عن الحلف على أنه مأمور بألفين حلفت المرأة أن العقد وقع بألفين وغرم لها الوكيل الألف الثانية، وهذا إن حققت عليه الدعوى وإلا غرم بمجرد نكوله بعد حلف الزوج فقوله فتحلف هي أي بعد حلف الزوج، ونكول الوكيل في دعواها على الوكيل أنه تعدى حيث كانت دعوى تحقيق؛ أي تحلف على أن الوكيل تعدى كما يفيده الرهوني، فإن كانت دعوى اتهام غرم لها الألف الثانية بمجرد نكوله كما عرفت، وأما قول الأمير: واستشكل حلفها في دعوى التحقيق أن العقد على ألفين بأن اليمين لم ترد بالصفة التي توجهت بها ففيه نظر. والله تعالى أعلم.
وقوله: "فتحلف هي إن حلف الزوج" كذا في بعض النسخ، فتحلف مضارع الثلاثي، وفي بعضها إن نكل الزوج بدل إن حلف الزوج وتحلف مضارع الثلاثي أيضا، وفي بعضها: فتحلفه إن حلف الزوج بصيغة الرباعي الضعف، وفاعله عائد على الزوجة.
واعلم أن الصور أربع؛ لأنه إما أن تقوم بينة على العقد والتوكيل معا، أو لا تقوم على واحد منهما، أو تقوم على العقد دون التوكيل أو العكس، أما الأولى فقد ثبت فيها التعدي بالبينة فحكمها واضح وهو "فعلى الزوج ألف وغرم الوكيل ألفا"، وأما الثلاث بعدها فلا يثبت فيها التعدي إلا بالإقرار، واعلم أن الصورة الثانية ينزل عليها النسخ الثلاث وهي: فتحلف إن حلف
الزوج، فتحلف إن نكل الزوج، فتحلفه إن حلف الزوج، والمضارع في الأوليين من الثلاثي كما علمت وفي الأخيرة من الرباعي. وأما الصورة الثالثة فلا ينزل عليها إلا النسخة الأخيرة، وأما الرابعة فلم يتكلم عليها المص وحكمها كما في الجواهر أن ليس على الزوج إلا الألف وتحلف هي الوكيل، فإن نكل حلفت واستحقت، انظر حاشية الشيخ بناني.
قال جامعه عفا الله عنه: إيضاح ما أشار إليه أنه إذا لم تقم بينة للزوج أنه أمر الوكيل بألف، ولا على أن العقد وقع بألفين تحلف المرأة هي بنفسها، سواء حلف الزوج أو نكل ولها تحليف الوكيل إن حلف الزوج، وأنه إن قامت بينة على أن العقد وقع بألفين ولم تقم بينة للزوج أنه أمر بألف فإن المرأة تحلف الوكيل بعد أن حلف الزوج، وأنه إن قامت بينة على أن الزوج ما أمر الوكيل إلا بألف ولم تقم بينة على أن العقد وقع بألفين فإن هذه الصورة خارجة عن كلام المص ولم يتكلم عليها، والحكم فيها ما في الجواهر أنه ليس على الزوج إلا الألف وتحلف هي الوكيل، فإن نكل حلفت واستحقت. هذا هو تحرير المسألة. والله سبحانه أعلم.
وإذا حلف الزوج أنه ما أمر إلا بألف سقطت عنه الألف الثانية وإن نكل حلفت الزوجة فيما لم تقم بينة على أن العقد وقع بألفين، ولا على أن الزوج ما أمر إلا بألف ويغرم لها الزوج الألف الثانية، وهل يحلف الوكيل أم لا؟ أشار إلى ذلك بقوله:
وفي تحليف الزوج له إن نكل وغرم الألف الثانية قولان وغرم الألف الثانية قولان يعني أن الزوج إذا غرم الألف الثانية للمرأة بسبب نكوله فإن الشيوخ اختلفوا في تحليفه للوكيل أنه لم يتعد وعدم تحليفه له، فذهب أصبغ إلى أنه يحلفه، فإن حلف استمر الغرم على الزوج، وإن نكل غرم للزوج الألف الثانية التي غرمها للزوجة حين نكوله، وذهب محمد إلى أنه لا يحلفه قائلا: قول أصبغ غلط؛ لأن الوكيل لو نكل لم يحكم عليه إلا بعد يمين الزوج، والزوج قد نكل عن اليمين حين لم يحلف للمرأة، فكيف يحلف؟ وقوله:"قولان"، مبتدأ وخبره المجرور المتقدم وهو قوله في تحليف الزوج، وأما لو قامت بينة على أن العقد وقع بألفين ولم تقم بينة للزوج أنه ما أمر إلا بألف، فقد مرأنها لا تحلف مي بنفسها ولها أن تحلف الزوج، وفي تحليف الزوج له لخ، وأما لو قامت بينة للزوج على أنه ما أمر إلا بألف ولم تقم بينة لها على أن العقد وقع بألفين فقد مر أن المص لم يتكلم عليها، وأنه لا
يلزم الزوج إلا الألف ولها هي تحليف الوكيل أنه لم يتعد، فإن نكل حلفت واستحقت، قال الشارح: وقول محمد هو الظاهر. انتهى.
وسبب القولين، هل يمين الزوج على تصحيح قوله وإبطال قول الوكيل، وعليه فإن نكل فله أن يحلف الوكيل أو على تصحيح قوله فقط وعليه فإن نكل فليس له أن يحلف الوكيل، وبناء عبد الباقي معكوس وهو ظاهر. قاله السناوي. نقله العلامة بناني. واعلم أن ما مر للمص حيث لم يرض أحدهما بما قال الآخر.
وإن لم يدخل ورضي أحدهما لزم الآخر قد علمت أنه إذا حصل الدخول في هذه المسألة ثبت النكاح، وإنما الكلام في الألف الثانية فتارة تسقط وتارة تلزم الوكيل وتارة تلزم الزوج، والكلام الآن فيما إذا لم يحصل دخول فهذا مفهوم قوله:"إن دخل" يعني أن الرجل إذا أمر أحدا أن يزوجه بألف مثلا عين له المرأة أم لا فتعدى وزوجه بألفين ولم يدخل الزوج بالمرأة ولم يعلم واحد منهما بالتعدي، فإن رضي أحدهما بما قال الآخر لزم النكاح وجبر الآبي منهما للآخر الطالب، فإذا رضي هو بألفين لزمها النكاح، وإن رضيت بألف لزم الزوج النكاح، وسواء في هذا قامت لكل منهما بينة أو حصل تصادق منهما، أو قامت لأحدهما بينة وحصل للآخر تصديق، أو قامت بينة لأحدهما ولم يحصل للآخر شيء، أو حصل تصديق لأحدهما ولم يكن للآخر شيء، أولم يحصل لكل منهما شيء ولم يعتبر التعدي هنا لأنه لم يحصل بتعديه تفويت شيء ولذا لم يذكر التفصيل بين ثبوت تعديه وعدمه إلا مع الدخول.
لا إن التزم الوكيل الألف يعني أن الزوج لا يلزمه النكاح إن التزم الوكيل الألف الثانية ولو رضيت المرأة بذلك؛ لأن مؤنة ذات ألف ليست كمؤنة ذات ألفين، ولأنها عطية من الوكيل فلا يلزم قبولها للمنة الدائمة بدوام الزوجية، ومحل عدم لزوم النكاح للزوج ما لم يلتزم الوكيل الألف الثانية لدفع العار عنه في فسخ عقد تولاه أو لما يدخل بينه وبين أهل الزوجة من عداوة، ولا ضرر في زيادة النفقة على الزوج، فيلزم النكاح وإن أبت المرأة قال بعض من حشَّاه: ولم أر القول بأن لها الإباية عند رضي الزوج منصوصا. قاله عبد الباقي.
وقوله: "لا إن التزم الوكيل الألف" نحوه في المدونة، وذكر ابن بشير قولا بلزوم ذلك للزوج. قاله الشارح. وقال الشبراخيتي: وكلام المص مقيد بما إذا لم يقل الوكيل: لا أقصد بالتزام ذلك المنة وإنما أفعل ذلك لما في فسخ ذلك من العيب اللاحق لي أو لما يدخل بيني وبين أهل الزوجة، وإلا فيقبل قوله: وظاهره بلا يمين ولا يكون للزوج في ذلك مقال بشرط أن لا يزيد صداق مثلها على الألف، فإن زاد عليها فللزوج المقال لأن عليه ضررا في زيادة النفقة والكسوة. انظر الزرقاني. وانظر إذا التزم الوكيل زائد النفقة والكسوة فيما إذا عمل بقوله إنه لم يقصد المنة، فهل للزوج مقال ولا يلزمه ذلك وهو الظاهر أم لا؟ انتهى.
ولكل تحليف الآخر فيما يفيد إقراره هذا راجع لمفهوم "ورضي أحدهما" يعني أنه إذا لم يدخل الزوج ولم يرض أحدهما بما قال الآخر، فإن لكل منهما أن يحلف الآخر في الحالة التي يفيد فيها إقراره وهي الحرية والتكليف والرشد، ومعنى قوله: إن لم تقم بينة أن محل ذلك حيث لم تقم لهما معا بينة بل قامت لأحدهما فقط، أو لم تقم بينة لواحد منهما، فقوله:"إن لم تقم بينة" يشمل ثلاث صور، فإذا قامت للزوج بينة أنه ما أمر إلا بألف حلف الزوجة أن العقد وقع بألفين: فإن حلفت خير الزوج بين البقاء بألفين والفسخ بطلاق، فإن نكلت لزمها البقاء بألف وإن قامت لها بينة على التزويج بألفين حلفته أنه ما أمر إلا بألف، فإن حلف فلها الفسخ وإن نكل لزمه النكاح بألفين، وإن لم تقم بينة لواحد حلفا، وما فسرت به قوله:"فيما يفيد إقراره" أن معناه في الحال الذي يفيد فيه إقراره هو لعبد الباقي والبساطي، إلا أن عبد الباقي حمل قوله:"إن لم تقم بينة" على صورتين وهما: ما إذا قامت له هو بينة على أنه ما أمر إلا بألف ولم تقم لها هي بينة على التزويج بألفين، وما إذا قامت لها هي بينة ولم تقم له هو بينة عكس ما قبلها، ولا مانع من شمول كلامه للثالثة. والله سبحانه أعلم.
وحمل غير واحد المص على أن معناه في الحال الذي يفيد فيه إقراره وهو ما إذا لم تقم بينة وهو يشمل ثلاث صور: ما إذا قامت له بينة أنه ما أمر إلا بألف ولم تقم لها هي بينة على أن العقد وقع بألفين وعكسها، وما إذا لم تقم لواحد منهما بينة وعلى هذا فقوله:"إن لم تقم بينة" زيادة بيان لقوله: "فيما يفيد إقراره" ومعنى ذلك أن الإقرار إنما يفيد في حالة عدم قيام البينة، واحترز
بذلك مما إذا قامت البينة لكل منهما فإنه ثبت قوله: "بالبينة" ولا يحتاج لإقرار من صاحبه فقوله: "ولكل" أي على البدلية في صورتين ولكل منهما معاني صورة.
ولم ترد يعني أن اليمين التي توجهت على أحدهما ليس له أن يردها على الآخر، فمن نكل لزمه النكاح بما قال الآخر بمجرد نكوله، ومحل هذا إن اتهمه أي محل كونها لا ترد إنما هو إن اتهمه، فإذا توجهت للزوج على الزوجة أنه ما أمر إلا بألف لكونها قامت لها بينة ولم تقم له فنكل لزمه النكاح بألفين، أو توجهت للزوج على الزوجة أن عقد نكاحها بألفين فنكلت لزمها النكاح بألف، والموضوع أن هذا في دعوى الاتهام بأن تقول هي للرجل اتهمت أنك أمرت الوكيل بألفين، أو يقول هو لها أتهم أن العقد وقع بألف، ومفهوم قوله:"إن اتهمه" أنه لو حقق كل الدعوى على صاحبه، كأن قال الرجل: أنا أتحقق أن العقد وقع بألف، أو قالت المرأة أنا أتحقق أنك أمرت الوكيل بألفين لردت اليمين ولم يلزم الحكم بمجرد النكول، فالنكول في دعوى الاتهام كالإقرار في دعوى التحقيق، ولا يلزم الحكم بمجرد النكول. وقول المص:"ولكل تحليف الآخر" الخ هو كلام ابن الحاجب، ونصه بعينه هو قول المصنف:"ولكل تحليف الآخر فيما يفيد إقراره إن لم تقم بينة". انتهى.
ثم زاد بعده ما يداخله من كلام ابن يونس فقال: ورجح بداءة حلف الزوج ما أمر إلا بألف في القاموس: لك البدء والبدءة والبداءة ويضمان أي لك أن تبدأ؛ يعني أنه إذا قامت للمرأة بينة على التزويج بألفين ولم تقم له هو بينة أنه ما أمر إلا بألف، فإن ابن يونس رجح من عند نفسه أنه لا تخير المرأة بين الرضى بالنكاح بألف والفسخ إلا بعد أن يحلف الزوج أنه ما أمر إلا بألف، فالبداءة إنما هي بالنسبة لتخيير المرأة بين الرضى والفسخ كما قررت، لا أنه يحلف ثم تحلف هي؛ لأن الفرض أنها قامت لها بينة ولم تقم له هو بينة، قال ابن غازي: فإن قلت فما المراد بالبداءة في قول المص: "ورجح بداءة حلف الزوج"؟ قلت: تبدئة الزوج على تخيير المرأة يظهر ذلك بالوقوف على كلام ابن يونس، وذلك أنه قال: ومن المدونة: ومن قال لرجل زوجني فلانة بألف فذهب المأمور فزوجه إياها بألفين فعلم بذلك قبل البناء، قيل للزوج إن رضيت بألفين وإلا فرق بينكما إلا أن ترضى المرأة بألف فيثبت النكاح، ثم قال ابن يونس: أراه يريد إنما هذا بعد
أن يحلف الزوج أنه ما أمر الرسول إلا بألف، فإذا حلف قيل للمرأة إن رضيت بألف وإلا فرق بينكما، وإن نكل الزوج عن اليمين لزمه النكاح بألفين، وهذا إذا كان على عقد الرسول بألفين بينة. انتهى.
فقول المص: "رجح" إشارة إلى قول ابن يونس: أراه يريد إنما هذا بعد أن يحلف الزوج أنه ما أمر الرسول إلا بألف، فهو بحسب ظاهره كالمقابل لعموم ما نقل من المدونة حيث قال عنها: ومن قال لرجل زوجني فلانة بألف فذهب المأمور فزوجه إياها بألفين فعلم بذلك قبل البناء، قيل للزوج إن رضيت بألفين وإلا فرق بينكما إلا أن ترضى بألف فيثبت النكاح. انتهى. فظاهره أن للمرأة الخيار من دون حلف الزوج، وقيده ابن يونس بأنه يبدأ بحلف الزوج قبل تخيير المرأة. والله سبحانه أعلم.
وهذا الذي ذكره عن ابن يونس داخل فيما نقله قبل عن ابن الحاجب من قوله: "ولكل تحليف الآخر فيما يفيد إقراره وإن لم تقم بينة". قاله جامعه عفا الله سبحانه عنه. وقال الشيخ محمد بن الحسن: إنه ليس لابن يونس ترجيح في صورتي قيام البينة لأحدهما؛ إذ لا خلاف بينه وبين غيره فيهما، وإنما الخلاف بين ابن يونس وغيره فيما إذا لم تقم بينة لواحد منهما، فإن ابن يونس عنده تبدأ الزوجة وعند غيره الزوج، وعلى هذه الصورة ينصب ترجيحه، ولذا قال ابن غازي: والمقصود الأهم من كلام ابن يونس قوله: "وإلا فكالاختلاف في الصداق". انتهى. ثم بعد حلف الزوج يكون للمرأة الفسخ للنكاح بطلاق والرضى بالبقاء على النكاح بألف إن قامت بينة على التزويج بألفين، شرط في قوله:"ورجح بداءة حلف الزوج" لخ؛ يعني أن محل بداءة حلف الزوج على تخيير المرأة إنما هو حيث قامت لها بينة على أن نكاحها عقد على ألفين كما مر، واعلم أن ترجيح ابن يونس ليس بمخالف لما قبله كما يتبادر من المص على عادته، قال الشيخ عبد الباقي: هو ترجيح لإحدى الصورتين المشتمل عليهما قوله: "إن لم تقم بينة"، وقد مر بحث محمد بن الحسن معه، ومر لي أنا ما يعلم منه الجواب عن بحث محمد بن الحسن. والله سبحانه أعلم.
ثم ذكر ما هو من تمام كلام ابن يونس فقال: وإلا راجع لقوله: "إن قامت بينة على التزويج بألفين" أي وإن لم تقم لها بينة على التزويج بألفين والموضوع أنه لم تقم له هو بينة فالحكم في ذلك كالحكم الآتي في الاختلاف في قدر الصداق قبل البناء، فاليمين على كل منهما، وتبدأ المرأة باليمين ثم للزوج الرضى بذلك أو الحلف ما أمر الوكيل إلا بألف، فإن حلف ولم ترض المرأة بألف فسخ النكاح، ونكولهما كحلفهما في الفسخ، ويقضى للحالف على الناكل ويتوقف الفسخ على الحكم ويفسخ ظاهرا وباطنا، وأما لو قامت للزوج بينة أنه ما أمر إلا بألف مع قيام البينة للمرأة أن العقد وقع بألفين، فإن رضي أحدهما بما قال الآخر وإلا تفاسخا ولا يمين، وموضوع هذا قبل البناء كما عرفت.
واعلم أن ما في عبد الباقي من تعارض البينتين هنا غير صحيح. والله سبحانه أعلم.
وبما قررت علم أن قوله: "وإلا" ليس تحته إلا صورة واحدة وهي ما إذا لم تقم لواحد منهما بينة، وأما إن قامت لكل منهما بينة فلا يدخل تحته إذ ليس فيه إلا الرضى أو الفسخ كما عرفت. وبالله تعالى التوفيق. واعلم أن المص جمع بين كلام ابن الحاجب وابن يونس في هذه المسألة. قاله ابن غازي. قال ونص ابن الحاجب بعينه هو قول المص:"ولكل تحليف الآخر فيما يفيد إقراره إن لم تقم بينة". انتهى.
ثم زاد بعده ما يداخله من كلام ابن يونس فقال: "ورجح بداءة حلف الزوج ما أمر إلا بألف ثم للمرأة الفسخ إن قامت بينة على التزويج بألفين وإلا فكالاختلاف في الصداق" والمقصود الأهم من كلام ابن يونس قوله: "وإلا فكالاختلاف في الصداق" لما فيه من زيادة البيان، وإن كان كلام ابن الحاجب لا يأباه ولا ينافيه، وما قبل ذلك من كلام ابن يونس داخل في كلام ابن الحاجب. انتهى.
والحاصل أن الصور أربع: لأنه إما أن تقوم البينة على العقد والتوكيل معا أو لا تقوم على واحد منهما، أو تقوم على العقد دون التوكيل أو العكس وقد علمت أحكامها، وفي كتاب الشيخ الأمير ما يخالف قول المص:"وإلا فكالاختلاف"، فإنه قال:"وإلا" تقم لواحد بينة حلفا وبدئ بالزوج على المعتمد خلافا لما في الأصل. انتهى. قال ابن غازي: وقد يتشوش الذهن في كلام المص من
وجهين، أحدهما ما يتبادر بادي الرأي أن طريقة ابن يونس مخالفة لما قبلها؛ إذ لم تجر للمص عادة بالجمع بين النقول المتداخلة، وقد علمت أنه هنا خالف عادته، وثانيهما ما نسب لابن يونس من بداءة حلف الزوج وقد علمت معناه. وبالله تعالى التوفيق. انتهى.
وإن علمت بالتعدي فألف جميع ما تقدم حيث لم يعلم واحد من الزوجين بالتعدي، وما هنا فيما إذا علم به أحدهما أو كل؛ يعني أن المرأة إذا علمت قبل العقد أو البناء بأن الوكيل متعد على الزوج في جعله الصداق ألفين، وأن الزوج ما أمر الوكيل إلا بألف ومكنت من نفسها أو من العقد فإن النكاح يثبت بألف؛ لأن تمكينها من نفسها مع علمها بالتعدي مسقط للألف الثانية، وكذلك تمكينها من العقد مع علمها بالتعدي فيلزم النكاح بالألف في الصورتين. قاله عبد الباقي تبعا للشيخ سالم. وبعض مشايخ علي الأجهوري. ونازع فيه علي الأجهوري بأن علمها قبل العقد بالتعدي لا يوجب لزوم النكاح لها بألف إلا إذا انضم لذلك تلذذه بها ووطؤه كما يفيده الشارح والتوضيح. انتهى.
وقال محمد بن الحسن: ما ذكر علي الأجهوري من أن علمها بالتعدي لا يوجب اللزوم بألف إلا إذا انضم إلى ذلك البناء هو الذي يفيده ابن عرفة أيضا.
وبالعكس ألفان يعني أن الزوج إذا علم بتعدي الوكيل قبل العقد ومكن منه أو علم به بعده واستوفى البضع، فالواجب عليه ألفان لدخوله على ذلك وتفويته البضع، فإن لم يمكنه من العقد خير، "وألفان" مبتدأ وخبره "بالعكس"، والباء ظرفية أي ألفان لازمان في العكس.
ولما ذكر صورتي العلم البسيط، شرع في صورتي العلم الركب فقال: وإن علم كل وعلم بعلم الآخر أو لم يعلم فألفان يعني أن الرجل إذا أمر أحدا أن يزوجه بألف فتعدى المأمور وزوجه بألفين، وعلم كل من الزوجين بتعدي الوكيل في عقده بألفين، وعلم كل منهما بعلم الآخر بالتعدي أو لم يعلم واحد منهما بعلم الآخر، فإن الزوج يلزمه النكاح بألفين تغليبا لعلمه على علمها.
وإن علم بعلمها فقط فألف يعني أنه إذا علم كل منهما بتعدي الوكيل لكن علم هوأنها عالمة بالتعدي ولم تعلم هي بعلمه فإن النكاح يلزم بألف، وبالعكس ألفان مبتدأ مؤخر وخبره مقدم؛ يعني أنه إذا علم كل منهما بالتعدي لكن علمت هي أنه عالم بتعدي الوكيل فإن النكاح ثابت
بينهعا بألفين، وصور العلم بالتعدي ستة لها ألف في صورتين منها وهما، ما إذا علمت هي بالتعدي فقط، وما إذا علم كل منهما بتعدي الوكيل لكن علم هوأنها عالمة بالتعدي ولم تعلم هي بعلمه، وألفان في أربع وهي: ما إذا علم هو بالتعدي فقط، وما إذا علم كل منهما بالتعدي لكن علمت هي أنه عالم بتعدي الوكيل. وهاتان صورتان. وما إذا علم كل منهما بالتعدي، وعلم كل منهما بعلم الآخر به أو لم يعلم واحد منهما بعلم الآخر به. وهاتان صورتان.
قال الشارح: أما إذا علم كل بعلم الآخر فواضح؛ لأن الزوج لما علم ودخل فقد التزم الألفين والمرأة قد علمت بدخوله على ذلك ولم أر فيه خلافا، وأما إذا لم يعلم كل واحد منهما بعلم الآخر فالروايات أيضا بوجوب ألفين لتساويهما في العلم وغيره. وقال اللخمي وغيره: القياس أن يكون لها نصف الألف الثانية. انتهى.
ولم يلزم تزويج آذنة غير مجبرة بدون صداق المثل هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على تعدي وكيل الزوجة أتى به بعد أن فرغ من الكلام على تعدي وكيل الزوج؛ يعني أن المرأة إذا كانت مالكة لأمر نفسها كالرشيدة واليتيمة التي زوجت بالشروط المتقدمة التي من جملتها أن تأذن بالقول؛ إذا أذنت لوليها أن يزوجها ولم تسم له قدرا من الصداق وسواء عينت له الزوج أم لا فزوجها بدون صداق المثل فإن النكاح لا يلزمها بل لها الخيار، قال عبد الباقي والخرشي: فإن بني بها كان عليه أن يكمل لها صداق المثل لأنه مباشر لا على المزوج لأنه متسبب. انتهى. قوله: كان عليه أن يكمل لها لخ، قال محمد بن الحسن: انظر من ذكر هذا وهو مشكل مع ما قدمه من قوله: "وغرم الوكيل ألفا إن تعدى بإقرار أو بينة". انتهى. ومقتضى كلامهم أي هؤلاء الأئمة الثلاثة أن محل كون الخيار لها إنما هو حيث لم يبن بها، وأما إن بني بها فالنكاح ثابت ويكمل الزوج لها صداق المثل على ما للخرشي وعبد الباقي، وعلى ما لمحمد بن الحسن يكمله لها المزوج. والله سبحانه أعلم.
ومفهوم قوله: "بدون صداق المثل" أنه إن زوجها بصداق المثل لزمها النكاح إذا عينته الزوج أو عينه لها وإلا فلا يلزمها، كما أفاد ذلك بقوله:"وإن وكلته ممن أحب عين" لخ، ففي مفهوم قوله:"بدون صداق المثل" تفصيل. والله سبحانه أعلم. قال عبد الباقي: ولا يخفى أنه يلزم من
كونها آذنة كونها غير مجبرة فالجمع بينهما إيضاح أو لإخراج الآذنة ندبا. انتهى. وقوله: أو لإخراج الآذنة ندبا، هو جواب عن الاعتراض الذي أومأ إليه، وذلك أن المص اعترض بأن المجبرة لا إذن لها، فلو قال: ولم يلزم تزويج غير مجبرة لكان أحسن، وأجاب بعضهم بأن ما صنعه المؤلف أحسن لأنه احترز به عن المجبرة؛ لأن لها إذنا لكنه مستحب. انتهى. وقوله:"ولم يلزم تزويج آذنة" لخ باتفاق، قال في التوضيح: وانظر لو رضي الزوج بإتمام صداق المثل بعد أن أبت، والأقرب لزوم النكاح إن كان بالقرب. انتهى. والقرب هنا كالقرب في المفتات عليها، ومفهوم قوله: إن أبت أن لها الرضى ولو مع الطول، واحترز بغير المجبرة من مجبرة الأب إذا زوجها بدون مهر المثل فإنه يلزمها، قال في المعين: إذا زوج ابنته البكر ولو بربع دينار لزم، ولو كان صداق مثلها ألف دينار إذا كان نظرا لها ولا مقال فيه لسلطان ولا غيره، وفعله أبدا محمول على النظر حتى يثبت خلافه وهذا بخلاف الوصي. قاله الشبراخيتي.
ولما كان الفخر قد يقع في النكاح بإظهار صداق لا حقيقة له بين ما يعمل به، فقال:(وعمل بصداق السر إذا أعلنا غيره) يعني أن الزوجين إذا اتفقا سرا على صداق وعقدا على أكثر منه معلنا وتنازعا، فقال الزوج: إنما يلزمني ما وقع الاتفاق عليه سرا، وقال الولي أو الزوجة: بل يلزمك ما وقع عليه العقد، فإنه يعمل بما اتفقا عليه من صداق السر القليل، ويلغى ما أظهراه من الصداق الكثير، وكذا يعمل بصداق السر الكثير إذا أعلنا قليلا كخوف
(1)
ظالم مثلا يطلع على كثرته، فيصادر الزوج أو أهل الزوجة. انظر شرح عبد الباقي.
وقال الشارح: يريد أن الزوجين إذا أسرا صداقا بينهما وأعلنا غيره مخالفا له في القدر أو في الجنس أو في الصفة، فإن الصداق المعمول به هو ما أسراه وظاهر قوله:"إذا أعلنا غيره" كابن شأس أنه لا يحتاج إلى إشهاد شهود العلانية بما وقع في السر، خلاف ما نقله ابن عرفة عن أبي حفص. قاله أحمد. انتهى. قوله: خلاف ما نقله ابن عرفة عن أبي حفصٍ، الذي في المواق عن أبي حفص عكس هذا. قاله محمد بن الحسن. والله تعالى أعلم.
(1)
في عب ج 4 ص 21: لخوف.
وحلفته إن ادعت الرجوع عنه يعني أن المرأة إذا ادعت على الزوج الرجوع عن صداق السر القليل إلى الكثير الذي عقدا عليه وأنكر ذلك فإن لها أن تحلفه، فإن حلف عمل بصداق السر وإلا عمل بصداق العلانية. قاله الخرشي. وظاهره أن المرأة لا تتوجه عليها اليمين عند نكوله، وقال محمد بن الحسن: فلو نكل، فقال ابن عاشر: الظاهر أن اليمين تتوجه عليها إلا لبينة أن المعلن لا أصل له، مستثنى من قوله:"وحلفته" يعني أنه إنما تحلفه المرأة حيث لم تقم له بينة تشهد أن الصداق المعلن الذي عقدا عليه لا أصل له، بأن تشهد البينة له أن المعمول به إنما هو صداق السر، وأن الذي أعلن لا أصل له أي غير معتد به، وأما إن شهدت بينة بذلك فإنه لا يحلف حينئذ، سواء كان شهود السر هم شهود العلانية أو غيرهم. قاله القاضي عياض.
وحلفها الزوج أيضا إن ادعى الرجوع عن صداق السر الكثير إلا لبينة تشهد أن المعلن اليسير لا أصل له، فيعمل بصداق السر الكثير ولا يحلفها. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ولا بأس أن يقول الزوج والولي للشهود: اشهدوا أنا زوجناه بصداق معلوم بيننا رضيناه ولا نذكره، وكذا على صداق أختها ولا نذكره وأقر الزوج بمعرفته والرضى به. قال الشارح: وانظر لو كان لها أختان مختلفتا الصداق وادعى الزوج الأقل والولي الأكثر والظاهر قسم الزائد بينهما نصفين ولا يضر الشاهدين على السر أن تقع شهادتهما على العلانية. انتهى.
وإن تزوج الرجل المرأة بثلاثين دينارا مثلا، وقالا: عشرة منها تكون نقدا أي حالة، وعشرة منها إلى أجل معلوم كسنة مثلا وسكتا عن عشرة أي لم يذكراها بحلول ولا تأجيل، سقطت العشرة المسكوت عنها بخلاف البيع فتكون حالة، وكذا إذا كتب الموثق نحوه فتسقط ولو كانت في البيع لكانت حالة والفرق بين البيع والنكاح أن النكاح قد يظهرون فيه شيئا ويخفون غيره فيكون سكوتهم دليلا على إسقاط العشرة بخلاف البيع. قاله الشارح. وقال الشبراخيتي: سقطت لعدم ذكرها في حلول ولا تأجيل ويحمل قولهما للشهود: المهر ثلاثون على أنهما أظهرا ذلك للفخر، لأن ذلك شأن النكاح، ولو كان ذلك في بيع لكانت العشرة الثالثة حالة إذ لم يجر فيه عرف بإسرار. انتهى.
ونقدها كذا مقتض لقبضه يعني أن الشهود إذا كتبوا في الوثيقة أن الزوج نقد زوجته قدرا من الصداق بصيغة الماضي؛ بأن ضبطوا بالقلم مثلا فإن ذلك يقتضي عرفا أن تكون الزوجة قبضت ذلك القدر الذي كتب الشهود أنه نقدها، فإذا تنازعا في القبض فإنها لا ترجع عليه بذلك القدر الذي كتب الشهود أنه نقدها لما علمت، وأما النقد المعجل لها من ذلك كذا فإن ذلك لا يدل على القبض بلا خلاف، وفي نَقْدُه كذا بصيغة الصدر قولان، هل هو مقتض لبقائه أم لا؟ والظاهر أنه لا يقتضي القبض. قاله الخرشي. وقال عبد الباقي: ولو قيل النقد كذا والمؤجل كذا فغير دال على القبض قاله الجزيري
(1)
في وثائقه. واستظهره الشارح. وإذا وقع في وثيقة الصداق نقدها كذا واحتمل أن يكون فعلا ومصدرا ولا قرينة تعين أحدهما، فالظاهر حمله على المصدر أي ففيه قولان، وإن كان عرفهم أنهم إنما يكتبون صيغة الماضي عمل به. انتهى. ولو اختلف الزوج والولي في الصادر من الزوج هل الفعل أو المصدر ولم يضبط الشهود ذلك ولا عرف لهم يعين أحدهما حمل على المصدر. كذا ينبغي. قاله الأجهوري. نقله عبد الباقي.
وقال الحطاب: إذا قال الموثق في كتاب الصداق النقد من الصداق كذا فهو مقتض لبقائه في ذمة الزوج، واختلف إذا قال نقدها كذا فقال سحنون: ذلك براءة للزوج من النقد، وقال ابن حبيب: لا يبرئه ذلك حتى ينص على الدفع. انتهى. وقال في الشامل: وقوله: نقدها أو أقبضها أو قدم ونحوه مقتض لقبضه، وقوله: النقد من الصداق كذا مقتض لبقائه، فإن قال نقده كذا فقولان. انتهى. وقال الأمير: وكتابة الموثق نقد
(2)
ماضيا مقتض لقبضه لا مصدرا معرفا أو منكرا. انتهى. وقال الشبراخيتي: والفرق بين نقدها بصيغة الماضي حيث دل على التعجيل ولم يدل عليه المصدر معرفا أو مضافا جري العرف، وكلام المص فيما قبل البناء لا فيما بعد البناء، فإن القول قول الزوج كما يأتي. قاله الخرشي.
ولما قدم أن الصداق ركن من أركان النكاح وذلك ليس على ظاهره بدليل جواز نكاح التفويض. ذكره بقوله: وجاز نكاح التفويض يعني أن نكاح التفويض جائز ولا خلاف في جوازه والكتاب
(1)
في بعض النسخ (الخرشي) في بعضها: (الجيزي) والمثبت من عب ج 4 ص 21.
(2)
في النسخ نقدا والمثبت من ضوء الشموع ج 2 ص 347.
والسنة شاهدان بجوازه، قال تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} .
والتحكيم يعني أن نكاح التحكيم جائز، قال الشارح: واختلف في نكاح التحكيم وهو التزويج على حكم أحد الزوجين أو غيرهما، فقيل هو جائز وهو قول مالك، ورجع إليه ابن القاسم في المدونة وقيل لا يجوز ويفسخ قبل البناء لا بعده، وقيل يجوز إن كان على حكم الزوج فقط، وقيل يجوز إلا أن يكون على حكم الزوجة وهذه طريقة اللخمي والتونسي وغيرهما، وذهب ابن كنانة إلى أنه لا يختلف في الصحة إذا كان المحكم الزوج، وقال الحطاب عند قوله:"والتحكيم": عن ابن عرفة ظاهر أقوالهم والروايات ولو كان المحكم عبدا أو امرأة أو صبيا تجوز وصيته. انتهى. ثم نقل عن ابن عرفة وفيها: إن تزوجها على حكمه أو حكمها أو حكم فلان قال كنت أكرهه حتى سمعت من أثق به يذكره عن مالك فأخذت به وتركت رأيي فيه. ابن عبد السلام: إن قلت رجوع ابن القاسم دليل على أنه مقلد لمالك كتقليد من دونه، قلت: يحتمل أنه بناه أولا على قواعد مالك، فلما وجد نصه رجع إليه، ولا يلزم من هذا أنه مقلد، ألا ترى أنه لا ينافي التصريح بنقيضه؟ فيقول الجاري على أصل المذهب كذا، والصحيح عندي كذا لنص حديث أو غيره من الأدلة الظاهرة، إلا أن التقليد معلوم من غالب حال أهل العصر بدليل منفصل، وحال ابن القاسم معلوم بدليل منفصل، ألا ترى إلى كثرة مخالفته لمالك وإغلاظه القول عليه؟ فيقول هذا القول ليس بشيء، وما أشبهه من الألفاظ التي يبعد صدورها من مقلد.
قلت: ظاهره أن ابن القاسم عنده مجتهد مطلق وهو بعيد لأن بضاعته من الحديث مزجاة، والأظهر ما قاله التلمساني في شرح العالم أنه مجتهد في مذهب مالك فقط، كابن سريج في مذهب الشافعي، وظاهر قول ابن عبد السلام غالب حال أهل العصر أن عصره لم يخل من مجتهد، وهو كما قال. والله أعلم. انتهى.
وفسر المص نكاح التفويض والتحكيم بقوله: عقد بلا ذكر مهر يعني أن نكاح التفويض والتحكيم عقد لم يذكر فيه مهر، فقوله:"بلا ذكر مهر" تفسير لهما؛ لأنه لما جمع النوعين فسرهما بالقدر المشترك بينهما وهو عدم ذكر المهر، ولكل من النوعين فصل يمتاز به، فيمتاز التفويض بأنه لم
يذكر فيه المهر ولا صرف فيه لحكم محكم، ويمتاز نكاح التحكيم بأنه صرف فيه المهر لحكم محكم، وعرف ابن عرفة نكاح التحكيم بقوله: ونكاح التحكيم، قالوا ما عقد على صرف قدر مهره لحكم حاكم، قلت ظاهر أقوالهم والروايات، ولو كان المحكم عبدا أو امرأة أو صبيا تجوز وصيته. انتهى. نقله الحطاب.
وقال: فعلم أن المراد بنكاح التحكيم إنما هو النكاح الذي صرف الحكم في قدر صداقه لحكم حاكم، إما أحد الزوجين أو غيرهما، وليس المراد به النكاح الذي جعل إمضاؤه أو رده إلى أحد الزوجين أو غيرهما؛ لأن ذلك هو النكاح على خيار، وقد تقدم أنه فاسد. قاله الحطاب. ومعنى قوله:"بلا ذكر مهر" بالنسبة للتحكيم أنه لم يحد فيه المهر ولم يميز قدره، وإنما هو موقوف على ما حكم به المحكم، ومعناه بالنسبة للتفويض بلا تعرض له إثباتا ولا نفيا، وأما المدخول فيه على الإسقاط فقد وقع فيه التعرض للمهر نفيا، وفي التحفة:
ومنه ما سمي أو ما فوضا
…
فيه وحتما للدخول فرضا
قال الشيخ ميارة: يعني أن النكاح يكون على وجهين: نكاح تسمية وهو أن يسمى الصداق في العقد كما يسمى الثمن في البيع إلا أنه يجوز فيه من المكارمة وعدم الاستقصاء ما لا يجوز في الثمن. الوجه الثاني نكاح التفويض وهو كما قال ابن عرفة: ما عقد دون تسمية مهر ولا إسقاطه ولا صرفه لحكم أحد وأخرج بالقيد
(1)
الأخير نكاح التحكيم، قال الرصاع: يرد عليه ما إذا جرت عادة بمهر في عرف ووقع العقد ولم تقع تسمية، فيلزم أن يكون ذلك من التفويض، ونقل ذلك عن اللخمي، ونقل عن المازري أن حكمه حكم التسمية. انتهى.
وفي الرسالة: ونكاح التفويض جائز أن يعقداه ولا يذكران صداقا، ويتحتم فرض الصداق فيه بالدخول فلا يدخل إلا بعد فرضه وتقديره، وعلى هذا نبه بقوله: وحتما للدخول فرضا، وفي القرب قلت: وأي شيء التفويض عند مالك، قال: أن يقول الرجل قد أنكحناك ولم يسموا
(1)
في النسخ بقيد والمثبت من شرح ميارة على التحفة ج 1 ص 252.
الصداق، قلت له: فإن تزوج امرأة ولم يفرض لها وقال لا أفرض إلا بعد البناء، فقال: قال مالك: ليس له أن يبني حتى يفرض لها صداق مثلها إلا أن ترضى منه بدون ذلك. انتهى.
بلا وهبت حال من قوله: "عقد" وقوله: "بلا ذكر مهر". صفة لعقد؛ يعني أن النكاح إذا عقد بلفظ الهبة مع عدم تسمية الصداق فإن ذلك لا يكون نكاح تفويض بل هو كالتصريح بإسقاط المهر، فيفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وأما إن ذكر معها المهر حقيقة كوهبتها لك بصداق كذا أو حكما كوهبتها لك تفويضا فإن النكاح صحيح كما مر في الكلام على الصيغة، قال في التوضيح: قال في المدونة: قال ابن القاسم: وليست الموهوبة إذا لم يسموا معها صداقا كالتفويض، وكأنه قال في الهبة: قد زوجتكها بلا صداق فلا يصلح، ولا يقر هذا النكاح ما لم يدخل بها، فإن دخل بها فلها صداق المثل ويثبت النكاح، قال سحنون: وقد كان قال يفسخ وإن دخل بها. ابن المواز: وقاله أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ؛ لأن فساده في البضع. أشهب: ويكون لها إذا فسخ ثلاثة دراهم، وقال أصبغ بل صداق المثل. ابن راشد: والأول أقيس لأن الثلاثة لحق الله والزائد قد وهبته. انتهى.
وبما قررت علم أن قوله: "بلا وهبت" راجع لنكاح التفويض وهو من تتمة التعريف إذ العقد بلا ذكر مهر شامل لما إذا قال الولي: وهبتها ولم يذكر صداقا، ولما إذا قال زوجتكها ولم يذكر صداقا فاحتيج إلى إخراج ذلك، وعلم أيضا أنه ليس في كلام المص تعلق جارين متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد؛ إذ قوله:"بلا ذكر مهر" صفة لعقد وهو متعلق بكون مطلق، "وبلا وهبت" حال من "عقد" فهو متعلق بكون آخر مطلق فكل منهما ظرف مستقر. والله سبحانه أعلم. وقال ابن الحاجب: التفويض هو إخلاء العقد من تسمية المهر، وقال أشهب وابن حبيب: صفته أن يصرحوا بالتفويض ويسكتوا عن ذكر المهر.
وفسخ إن وهبت نفسها قبله يعني أن النكاح إذا وقع بلفظ الهبة مقصودا بها هبة ذات المرأة فإن النكاح فاسد فيفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل قاله ابن حبيب. فقوله: "وهبت" بالبناء للمجهول، "ونفسها" نائب عن الفاعل أي ذاتها، فيشمل صورتين: ما إذا وهب الولي المجبر ذاتها وما إذا وهبت الثيب البالغ نفسها، وأمرت الولي بذلك.
وصحح أنه زنى يعني أن الباجي اعترض قول ابن حبيب، في هذه المسألة: إن النكاح يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل، وقال هو زنى يحد ولا يلحق به الولد واعترض ابن عرفة كلام الباجي فقال: إن أراد أنه بني بلا بينة على العقد لا مقارنة ولا لاحقة، فكونه سفاحا لا يختص بعقد الهبة بل يعمه وغيره، وإن أراد أنه بني بعد بينة عليه، فكونه سفاحا بعيد عن أصول المذهب. انتهى. والجواب عن قوله: إن أراد أنه بني بلا بينة على العقد لخ؛ أن قوله: بل يعمه وغيره ممنوع؛ إذ غير عقد الهبة ينتفي فيه الحد مع الفشو كما قال المص، ولا حد إن فشا وعن قوله: وإن أراد أنه بني بعد بينة عليه أن كونه بعيدا عن أصول المذهب ممنوع أيضا، وسنده أن البينة هنا لم تشهد على النكاح بل على تمليك الذات المنافي للنكاح، فلذا كان سفاحا فصح الوجهان. والله تعالى أعلم. انظر شرح الشيخ عبد الباقي. وحاشية الشيخ بناني. وقوله:"وفسخ إن وهبت نفسها قبله" اعلم أن هذه الصورة غير الصورة التي قبلها؛ لأن الأولى قصد فيها الولي النكاح وهبة الصداق، وهذه قصد فيها هبة نفس المرأة أي ذاتها لا النكاح ولا هبة الصداق، وهذا هو نكتة ذكر النفس. والله تعالى أعلم. ولهذا قال الشيخ أحمد: وفي قول المص "تفسها". إشارة إلى عدم قصد هبة الصداق، وأما لو وهب وليها ذاتها للزوج هبة قصد بها النكاح وهبة الصداق، فهي محترز قوله:"بلا وهبت": ومذهب المدونة فيه أنه يفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل، وليس كلام الباجي في هذه الصورة. انتهى.
وما قدمته من أن قوله "نفسها" نائب فاعل "وهبت" وليس بتوكيد هو الصواب؛ لأن توكيد الضمير المستتر بالنفس والعين إنما يكون بعد المنفصل كما قال ابن مالك:
وإن توكد الضمير المتصل
…
بالنفس والعين فبعد المنفصل
عنيت ذا الرفع وأكدوا بما
…
سواهما والقيد لن يلتزما
وبما قررت علم أن قوله: "وفسخ إن وهبت نفسها" لخ هو محل الخلاف بين الباجي وغيره، وأما الأولى فإنما هي بمنزلة إسقاط الصداق ولم يخالف فيها الباجي، فالمشهور فيها أنه يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل، وقيل يفسخ مطلقا كما مر، وليس ثم من يقول إنه زنى كما في
الشبراخيتي أن قوله: "وصحح أنه زنى"، ضعيف، وقال الأمير: وفسخ إن وهبت نفسها إلا أن يبني بها فالمثل على الراجح.
واستحقته بالوطء يعني أن المرأة في نكاح التفويض تستحق صداق المثل بالوطء حيث لم يفرض لها شيئا وترضى به، وعلم من هذا التقرير أن الضمير عائد على صداق المثل؛ لأن ضمير الغيبة يعود على مذكور لفظا أو معنى، فتستحق صداق المثل بالوطء ولو كان الوطء حراما بشرط أن يكون من بالغ لطيقة حية لا ميتة. وانظر التحكيم هل تستحق فيه صداق المثل بالوطء أو لا تستحق إلا ما يحكم به المحكم، ولو حكم به بعد موت أو طلاق فإن تعذر حكمه بكل حال فينبغي أن لها صداق المثل بالدخول. قاله الشيخ عبد الباقي. والشيخ إبراهيم.
لا بموت يعني أن المرأة في نكاح التفويض لا تستحق شيئا من الصداق بموت واحد منهما قبل البناء، فيسقط الصداق بالكلية وترثه ويرثها فالساقط بالموت إنما هو الصداق لا الإرث، والأصل في هذا ما روى مالك عن نافع أن ابنة كانت لعبيد الله بن عمر رضي الله عنهما وأمها بنت زيد بن الحطاب، وكانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات عنها ولم يقربها ولم يسم لها صداقا، فجاءت أمها تبغي من عبد الله صداقها، فقال لها ابن عمر: لا صداق لها ولو كان لها صداق لم أمسكه ولم أظلمها، فأبت أن تقبل منه فجعلوا بينهم زيد بن ثابت رضي الله عنه حكما، فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث، وقوله:"لا بموت" هو المشهور، وقيل يجب بالموت واختاره ابن العربي وغيره.
أو طلاق يعني أن الرجل إذا نكح المرأة تفويضا، ثم إنه طلقها قبل أن يمسها ولم يفرض لها فإنها لا شيء لها من الصداق، لقوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} ، وقوله:"أو طلاق" هذا مما لا خلاف فيه.
إلا أن يفرض وترضى يعني أن محل سقوط الصداق في نكاح التفويض بالموت والطلاق إنما هو حيث لم يفرض الزوج للمرأة قدرا وترضى به، وأما إن فرض لها قدرا ورضيت به فإنه يتشطر بالطارق ويتكمل بالموت، وإنما يعتبر رضاها حيث فرض أقل من صداق المثل، وأما إن فرض صداق المثل فلا يعتبر رضاها كما سيذكره، وحينئذ فيتشطر بالطلاق ويتكمل بالموت.
ولا تصدق فيه بعدهما يعني أن المرأة إذا فرض لها زوجها في نكاح التفويض أقل من صداق المثل ثم طلقها أو مات قبل أن يبني بها، وادعت أنها رضيت بذلك قبل الطلاق أو الموت، فإنها لا تصدق في دعواها الرضا فلا شيء لها من الصداق، فقوله:"فيه" أي الرضى، وقوله:"بعدهما" ظرف لغو متعلق بتصدق، والضمير في بعدهما يعود على الطلاق والموت؛ أي لا تصدق بعد الطلاق والموت في أنها رضيت قبل الموت والطلاق بما فرضه لها وهوأقل من صداق المثل، وإن لم يعلم فرضه بعد الموت إلا من قولها لم تصدق سواء ادعت أنه فرض لها صداق المثل أو أقل منه أو أكثر.
ولهذا طلب التقدير يعني أن المرأة في نكاح التفويض لها أن تطلب من الزوج التقدير أي الفرض أي لها أن تطلبه أن يعين لها قدرا يجعله صداقها، ويكره لها أن تمكنه من نفسها قبل أن يقدم لها ربع دينار، وإذا فرض لها فليس لها منع نفسها حتى تقبضه وتجبر على التمكين. هذا هو الذي لابن شاس. فإنه قال: لها حبس نفسها للفرض لا لتسليم المفروض انتهى وسوى اللخمي بين التسمية والتفويض فقال لها منع نفسها قبل قبضه إلا أن تكون العادة أن المهر مقدم ومؤخر فلا تمنع نفسها إذا فرض الزوج وقدم النقد المعتاد، فإن رضيت بتمكينه قبل أن يفرض لها شيئا جاز إن دفع لها ربع دينار. انظر حاشية الشيخ بناني.
وقال الشيخ إبراهيم: التخيير هنا في مقابل الوجوب لا في مقابل الأحسنية؛ أي لا يجب عليها طلب التقدير فلا ينافي أن تمكينها قبل قبض ربع دينار مكروه أو خلاف الأولى، وقال الشارح لها طلب التقدير قبل البناء لتعلم قدره ولها حبس نفسها حتى يفرض، وظاهر قوله:"ولها" أن ذلك من حقها [وأن
(1)
]، لها أن لا تطلب ذلك، وهذا ما لم يقصد الدخول وإن قصد فلا تمكنه حتى يفرض، وقال ابن عرفة: ابن محرز عن ابن القصار: إن فرض الزوج مهر المثل وأبى دفعه حتى يأخذها إليه وأبت تسليم نفسها إليه حتى تقبضه، فالذي يقوى في نفسي أن يوقف الحاكم المهر حتى تسلم نفسها إليه إلا أن يجري عرف بتسليمه لها إذا بذلت نفسها. ابن شاس: لها حبس نفسها للفرض لا لتسليم المفروض، قلت: انظر هل الخلاف في تعجيل دفعه قبل البناء أو قبل أن
(1)
في النسخ أن والمثبت من بهرام الوسط ج 3 ص 44.
تتهيأ له؛ والأول ظاهر لفظ ابن محرز ونص كلام ابن بشير، والثاني ظاهر كلام ابن شاس وظاهره أن الخلاف في النقد لا في كل الهر. اللخمي: لها منع نفسها قبل قبضه لخ.
ولزمها فيه يعني أن الزوج إذا فرض لزوجته في نكاح التفويض صداق المثل فإنه يلزمها ما فرضه لها الذي هو صداق المثل، ومعنى ذلك أنه يلزمها النكاح بصداق المثل الذي فرضه لها، وليس لها أنما تمتنع من ذلك.
وفي تحكيم الرجل يعني أن الرجل إذا نكح امرأة على صداق صرف قدره إلى ما حكم به هو وفرض لها صداق المثل فإنه يلزمها النكاح، فقوله الرجل المراد به الزوج، فلو صرح به لكان أولى. قاله الشبراخيتي.
وبما قررت علم أن قوله: إن فرض المثل قيد في المسألتين أي يلزم المرأة في نكاح التفويض وفي نكاح التحكيم حيث كان المحكم الزوج ما فرضه الزوج في المسألتين بشرط أن يكون صداق المثل فأكثر، ويلزم من ذلك لزوم النكاح في المسألتين، ومفهوم قوله:"إن فرض المثل" أنه إن فرض أقل من صداق المثل فإنه لا يلزمها النكاح في المسألتين، بل لها أن تفسخ النكاح ولا شيء لها، ولها أن ترضى بما فرضه لها إن بلغ ما يحل به البضع. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وتحكيم" أي وفي تحكيم، والأولى أن لو أعاد حرف الجر مع المعطوف على الضمير المجرور؛ لأنما مذهب الجمهور الوجوب. انظر الشارح.
ولا يلزمه يعني أن الزوج في المسألتين لا يلزمه أن يفرض للزوجة صداق المثل، بل له أن يطلق ولا شيء عليه لا نصف ولا غيره، وليس المراد أنه لا يلزمه ما فرضه بعد فرضه؛ إذ بعد فرضه المثل يلزمه كما
(1)
يلزمها. قاله الشيخ عبد الباقي.
وهل تحكيمها أو تحكيم الغير كذلك يعني أن الشيوخ اختلفوا فيما إذا كان المحكم غير الزوج من زوجة أو ولي أو أجنبي، فمنهم من تأول المدونة على أن تحكيم من ذكر كتحكيم الزوج، فإنما فرض المثل لزمها النكاح، ولا يلزم الزوج ما فرضه المحكم إلا برضاه، فإذا فرضت الزوجة
(1)
في النسخ ما والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 23.
المحكمة صداق المثل أو فرضه من حكم من ولي أو أجنبي لزم المرأة النكاح، ولا يلزم الزوج بل له الخيار، وهذا تأويل لبعض الصقليين، وحكاه في الواضحة عن ابن القاسم وأصبغ وابن عبد الحكم.
أو إن فرض يعني أن من الأشياخ من تأول المدونة على خلاف ذلك، فقال: إن فرض المحكم وليا أو أجنبيا المثل لزمها أي لزم الزوجين ما فرضه المحكم؛ أي يلزمهما النكاح بصداق المثل المفروض، وإن فرض الغير أقل من صداق المثل لزمه أي لزم النكاح الزوج بما فرضه الغير المحكم لكونه أقل من صداق المثل فقط. أي إنما يلزم النكاح في فرض الغير أقل من صداق المثل الزوج دون الزوجة فلها الخيار؛ لأنه لم يبلغ لها صداق مثلها، وفهم من كلام المص أنه لو كان المحكم الزوجة وفرضت أقل فإن النكاح يلزم الزوج كما قاله القابسي. انظر الشبراخيتي. ولزومه لها هي واضح مما مر. والله سبحانه أعلم. وإن فرض الغير أكثر من صداق المثل فالعكس أي فإن النكاح يلزم حينئذ المرأة دون الزوج، وهذا التأويل لابن محرز. قاله غير واحد.
أو لا بد من رضى الزوج والمحكم يعني أن من الأشياخ من تأول المدونة على خلاف التأويلين المتقدمين، فقال: لا يلزم نكاح التحكيم حيث كان المحكم غير الزوج إلا فيما اتفق عليه الزوج والمحكم، فلا بد من رضاهما كان المحكم زوجة أو غيرها، فيلزم المرأة ما فرضاه ولو أقل من صداق المثل، وهذا التأويل لأبي محمد وابن رشد وغيرهما، ولهذا قال: وهوأي التأويل الثالث الأظهر عند ابن رشد، وقوله: تأويلات أي في ذلك تأويلات ثلاث.
والرضا بدونه للمرشدة يعني أنه يجوز للمرشدة أن ترضى بدون صداق المثل في نكاح التفويض كما يجوز لها ذلك في نكاح التسمية، والمرشدة هي التي رفع عنها الحجر كانت ذات أب أم لا، وسواء رشدها أبوها أو حكم الشرع بترشيدها، ولو قال: للرشيدة كان أولى. قاله الشيخ إبراهيم. تنبيه: وقع في الخرشي ما نصه: وكلام المؤلف في نكاح التفويض، وأما نكاح التسمية فلا يجوز الرضا بدون صداق المثل لا قبل البناء ولا بعده إلا للأب فقط. انتهى. قال محمد بن الحسن: وهو غير صواب، بل المرشدة لها هبة الصداق كله أو بعضه بعد البناء وقبله فأحرى أن ترضى بدون
صداق المثل، وسيقول المص:"وإن وهبت له الصداق أو ما يصدقها به" لخ، وقال الشارح: لا إشكال أن للمالكة أمر نفسها وهي المراد بالمرشدة أن ترضى بدون صداق المثل.
وللأب يعني أن الأب له في نكاح التفويض أن يرضى بدون صداق المثل في محجورته مجبرة أم لا. كما قاله غير واحد. وكذا السيد في أمته. ولو بعد الدخول يعني أن ذلك للأب في محجورته مطلقات سواء دخل بها الزوج أم لا، وهذا هو قولها في النكاح الثاني وهو تأويل اللخمي وهو المشهور، ورد بلو قولها في النكاح الأول إنه ليس له الرضا بدون صداق المثل بعد البناء وهو تأويل ابن يونس وابن رشد، وأما السيد في أمته فله الرضا بدونه مطلقا. وقوله:"ولو بعد الدخول" جعله عبد الباقي راجعا للمسألتين يعني قوله: "للمرشدة"، وقوله:"للأب" قال محمد بن الحسن: فيه نظرت إذ لم أر من ذكر الخلاف في الأولى. انتهى.
وفي شرح الشيخ عبد الباقي ما نصه: قيل وظاهر التوضيح أن محجورته لسفه غير مجبرة لا بد من رضاها معه، قال محمد بن الحسن: فيه نظر، بل ليس في التوضيح ما يظهر منه ذلك، وإنما كلامه مطلق مثل ما هنا فراجعه. انتهى.
وللوصي قبله يعني أن الوصي له في نكاح التفويض أن يرضى بدون صداق المثل في السفيهة المولى عليها حيث كان ذلك نظرا لها، كرجاء حسن عشرة الزوج لها ودوامها وإنما يكون له ذلك قبل الدخول لا بعده، ولو كان مجبرا لأنه تقرر بالوطء، فإسقاط شيء منه غير نظر فليس كالأب، وظاهر المص أنه لا يعتبر رضاها مع رضي الوصي، قال عياض: وهو الصحيح عند شيوخنا على منهج المذهب، ومقابله هو أنه لا يتم إلا برضاهما، وهو ظاهر المدونة واعتمده أبو الحسن وصرح به ابن الحاجب. قاله الشيخ محمد بن الحسن.
وقال الشارح عند قوله: "وللوصي قبله": وأما بعده فلا، وقد حصل بعضهم فيها وفي ذات الأب ثلاثة أقوال: قول بصحة الرضا منهما قبل البناء وبعده، وقول بعدم الصحة، والثالث المشهور صحة الرضى من الأب بدون صداق المثل مطلقا ومن الوصي قبل البناء فقط، وظاهر كلام ابن شاس أنه لا بد مع الوصي من رضا الزوجة. عياض: وهو ظاهر المدونة إلا أن الصحيح عند شيوخنا على منهاج المذهب أنه يمضي على رضا الوصي وهو الذي في كتاب ابن حبيب، ولا
يلتفت إلى رضاها إذ النظر في المال له وهذا وفاق ما هنا. انتهى. وقال الشبراخيتي: وللوصي الرضا في محجورته قبل الدخول لا بعده لقوة تصرف الأب دونه، والمراد بالوصي ما عدا الأب من وصي أو مقدم قاض، ونحوه لعبد الباقي.
لا المهملة يعني أن البكر المهملة وهي التي لا أب لها ولا وصي ولا مقدم من جهة القاضي ولم يعلم رشدها من سفهها لا يجوز رضاها بأقل من صداق المثل، قال الشارح: لا المهملة فإن رضاها بدونه غير معتبر، وقاله ابن القاسم في المدونة خلافا لغيره فيها، والمراد بالمهملة التي مات أبوها ولم يوص عليها أحدا، وهي محمولة عند الأشياخ على من لم يعلم حالها بسفه ولا رشد، ولذا لم يصرح في المدونة بسفهها ولا غيره. انتهى.
وقال عبد الباقي عند قوله: "لا المهملة": إنها من مات أبوها ولم يوص عليها ولم يقدم القاضي عليها أحدا ولم يعلم لها رشد من سفه، فليس لها الرضى بدون صداق المثل. انتهى. وقال محمد بن الحسن: قوله لم يعلم لها رشد ولا سفه صحيح، وأصله لابن عبد السلام ونصه على نقل التوضيح: حكى في المدونة القولين ولم يصرح بسفه المرأة وإنما فرضها في البكر التي لا أب لها ولا وصي، والمسألة محمولة عند الشارحين على من لم يعلم حالها بسفه ولا رشد، والمشهور فيها -وهو قول ابن القاسم- أنه لا يجوز رضاها بأقل من صداق المثل، وكذلك لا يجوز لها أن تضع منه شيئا بعد الطلاق، وقال غيره: يجوز رضاها به وطرحه سحنون. انتهى.
واعلم أن المهملة المذكورة تكون رشيدة بمضي عام من دخولها أو تعنيسها، ونظم ذلك بعضهم فقال:
مهملة ترشيدها فيما نقول
…
تعنيس أو مضي عام من دخول
يعني عند جهل حالها كما يأتي في باب الحجر إن شاء الله: وقولهم هنا: لم يعلم لها رشد من سفه، فلو علم رشدها فهو قوله:"والرضى بدونه للمرشدة" ولو علم سفهها لمنع رضاها بدون صداق المثل بالأولى من هذه، فيتفق القولان على أنه لا يجوز لها الرضا بدون صداق المثل كما قاله عبد الباقي. والله سبحانه أعلم.
وإن فرض في مرضه فوصية لوارث يعني أن الرجل إذا نكح المرأة نكاح تفويض وهي حرة مسلمة وكان قد عقد عليها وهو صحيح ثم مرض وفرض لها في مرضه الذي مات فيه ولم يدخل بها، فإن ذلك الفرض يبطل لما فيه من شبه الوصية لوارث؛ لأن النكاح صحيح وهي لا تستحق الصداق بالموت، فإن أجاز الوارث ما فرضه لها فهو عطية وترثه مطلقا أجيز ما فرض لها أم لا. وأما إن عقد عليها تفويضا في مرضه وفرض فيه فلها الأقل من المسمى وصداق المثل؛ لأنها غير وارثة لفساد العقد.
وبما قررت علم أن قوله: "فوصية لوارث" معناه حكم فرضه في مرضه حكم الوصية لوارث، فهو تشبيه بليغ بحذف الأداة. قاله عبد الباقي.
ابن عبد السلام: لو سمى لها في مرضه ثم [صح
(1)
] ثم مات لزمه ذلك يريد وإن زائدا على صداق المثل. قاله الحطاب. وسيأتي قول المص: "ولزم إن صح".
وفي الذمية الأول قولان مبتدأ مؤخر وخبر مقدم؛ يعني أن الرجل إذا نكح في صحته تفويضا ذمية أو أمة مسلمة، ثم إنه فرض لها في مرضه الذي مات منه قبل البناء، فإن الشيوخ اختلفوا في صحة فرضه وعدمها على قولين، أحدهما: لا شيء لها لأنه إنما فرض لأجل الوطء ولم يحصل فلم يسم ذلك على أنه وصية بل على أنه صداق وهي لا تستحقه بالموت وهو لابن الماجشون، ثانيهما يكون [لها
(2)
] ما فرض من الثلث. قاله ابن المواز. ونقله عن مالك وإنما عادل بين القولين مع أن الثاني لمالك؛ لأن الأول صوبه اللخمي. قاله ابن عاشر. نقله بناني.
وقال الأمير: وإن فرض في مرضه فوصية لوارث فتمضي للذمية والأمة على الأظهر مما في الأصل، والقولان منصوصان كما في الشارح وهو الذي في المتيطية وأبي الحسن والتوضيح وهو ظاهر نقل المواق، وكونهما مخرجين أصله لابن عرفة، وقول عبد الباقي: إن القول الثاني يكون لهما ما فرض ولو زاد على مهر المثل لكن المثل من رأس المال وزائده من الثلث. انتهى. قال محمد بن الحسن: فيه نظر، بل الجميع من الثلث كما صرح به المواق عن اللخمي وأبو الحسن عن ابن
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من الحطاب ج 4 ص 347 ط دار الرضوان.
(2)
في بعض النسخ له وفى بعضها لهما والمثبت من بناني ج 4 ص 24.
يونس والمص في التوضيح، ونصه: واختلف إن لم يدخل وكانت ذمية أو أمة، فقال ابن المواز: ونقله عن مالك يكون لها ما فرض من الثلث، وقال ابن الماجشون: يبطل لأنه لم يسم لها ذلك على سبيل الوصية، فإن دخل كان لها المسمى لمن رأس المال إن كان صداق المثل بلا اختلاف، وإن فرض لها أكثر من صداق المثل كان صداق المثل من رأس المال ويبطل الزائد إلا أن يجيزه الورثة. انتهى.
وردت زائد المثل إن وطئ يعني أنه إذا عقد في صحته تفويضا على حرة ولو كتابية أو على أمة مسلمة، وفرض لكل في مرضه أزيد من مهر مثلها فإن كلا من الحرة المسلمة والكتابية والأمة المسلمة ترد الزائد من المسمى على صداق المثل لزوما إن وطئ إلا أن يجيزه الورثة ويكون مهر المثل لها من رأس المال، فلو كان المسمى مثل صداق المثل لكان لها من رأس المال بلا خلاف.
وقوله: "وردت زائد المثل" وكذا ترد ما زاد به مهر المثل على المسمى فلها الأقل من المسمى وصداق المثل، وكونها لها الأقل المذكور من رأس المال لا يخالف ما تقدم في نكاح المريض من أن عليه الأقل من السعى وصداق المثل في الثلث؛ لأن العقد هنا في الصحة ولو عقد في صحته ووطئ في مرضه قبل الفرض ثم مات فلها صداق مثلها من رأس المال، ولو عقد في المرض ثم مات بعد الوطء وقبل الفرض لكان لها الأقل من المثل والثلث، وما تقدم من أن القولين فيما قبل البناء منصوصان وأن ما بعد البناء يلزم المسمى من رأس المال إن كان قدر صداق المثل بلا خلاف هو طريقة، ونقل ابن عرفة عن ابن رشد: إن فرض لها مهر مثلها أو أقل ورضيت ومات بعد بنائه وجب لها ذلك اتفاقا، وإن كان فرض أكثر من مهر مثلها وصح من مرضه فلها جميع ما فرض، وإن مات منه سقط ما زاد على مهر مثلها إلا أن يجيزه الورثة؛ لأنها وصية لوارث إلا أن تكون ذمية أو أمة ففي ثبوت ذلك في ثلثه وسقوطه قولا محمد من روايته وابن الماجشون، ولو مات من مرضه قبل بنائه سقط ما فرضه إلا أن يجيزه وارثه، ولو كانت ذمية أو أمة ففي ثبوته في ثلثه القولان تخريجا. انتهى.
وقال الشارح: عند قوله: "وردت زائد المثل إن وطئ" ما نصه: لا خلاف أنه إذا وطئها ثم فرض لها صداق المثل أو أقل في مرضه أن ذلك ماض، وإن فرض أكثر ردت الزائد عليه إلا أن يجيزه الورثة.
ولزم إن صح يعني أن محل بطلان الفرض ورد الزائد إنما هو حيث مات من مرضه الذي فرض فيه، وأما لو صح من مرضه الذي فرض فيه صحة بينة فإنه يلزم جميع ما فرضه، ولو زاد على صداق المثل فلا ترد منه شيئا، قال الشارح: أي ولزمه جميع ما سمى إن صح من مرضه الذي فرض فيه، ولا خلاف فيه إن كانت الزوجة حية. قاله في البيان. واختلف إن ماتت في حياته ولم يبن بها فقيل: لا شيء لورثتها من الصداق، وقال فضل: إن صح من مرضه كان لورثتها وإلا كان لهم من الثلث لأنها وصية لغير وارث، وقال أصبغ: إن صح من مرضه كان لهم وإلا لم يكن لهم شيء. انتهى.
وقال عبد الباقي: ولزم الزائد على صداق المثل إن صح صحة بينة ولو بعد موت الزوجة على الراجح ويدفع لورثتها. انتهى.
ألا إن أبرأت قبل الفرض يعني أن الزوجة في نكاح التفويض إذا أبرأت زوجها من الصداق أو بعضه قبل أن يفرض لها شيئا، ثم فرض لها بعد الإبراء أو وطئها فإن ذلك الإبراء لا يلزمها، فيلزمه أن يؤدي إليها صداقها لأنها إنما أسقطته قبل وجوبه، ولهذا لو أبرأته بعد الدخول للزمها ذلك لأنها بالدخول يجب لها مهر المثل، وقوله:"لا إن أبرأت قبل الفرض" لا مفهوم للزوجة إذ الأب والوصي كذلك. قاله الشبراخيتي. وقوله: "لا إن أبرأت قبل الفرض"، وقيل يلزمها ذلك لجريان سبب الوجوب وهو العقد. انتهى. نقله الشارح.
أو أسقطت شرطا قبل وجوبه وعطف قوله: "أو أسقطت" على قوله: "إن صح" والفاعل في المعطوف الإسقاط، وفي المعطوف عليه الزائد أو المفروض؛ يعني أن المرأة إذا شرط لها الزوج أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى عليها أو نحو ذلك وإن فعل فأمرها بيدها، ثم إنها أسقطت عنه ذلك الشرط قبل وجوبه أي قبل أن يتزوج عليها أو يتسرى مثلا، فإن ذلك الإسقاط يلزم، فإذا تزوج عليها مثلا فإنه لا يكون أمرها بيدها وهذا هو المشهور، وقيل: لا يلزمها ذلك وحمله على الأول
هو الظاهر، وإن كان خلاف ظاهر المص ليوافق المشهور، وليوافق قوله الآتي:"بخلاف ذات الشرط تقول: "إن فعله زوجي فقد فارقته"، والفرق بين هذه والتي قبلها حيث كان المشهور في الأولى عدم اللزوم وفي الثانية اللزوم، أنه في الثانية استند ما فعلته لزوجها لكونها نائبة عنه وهو يملك الطلاق إن شاء أوقعه وإن شاء أن لا يوقعه، فكذلك هي لجعله ذلك إليها، والأولى ليست كذلك. والله سبحانه أعلم.
وقوله: "لا إن أبرأت قبل الفرض أو أسقطت شرطا قبل وجوبه"، اعلم أنه لا خلاف في عدم اللزوم إن أبرأت أو أسقطت قبل العقد كما قاله الشارح.
ولما جرى له دكر صداق المثل فيما مر أخذ يبينه فقال: ومهر المثل ما يرغب به مثله فيها يعني أن مهر المثل هو "ما" أي القدر الذي يرغب به مثل الرجل في المرأة، والظاهر أن الباء في قوله: باعتبار دين سببية أو للآلة؛ يعني أن من الصفات التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها الدين وهو المواظبة على أفعال الخير من صلاة وصوم وغيرهما، فليست ذات الدين كغيرها، وفي الحديث: (فاظفر بذات الدين تربت يداك
(1)
) قال الشبراخيتي: أي افتقرت إن خالفت ما أمرتك به، يقال: ترب الرجل إذا افتقر وهي كلمة جارية على ألسنتهم لا يريدون بها حقيقتها. انتهى.
وذكر المص ما تعتبر به المثلية في حق المرأة ولم يذكر ما تعتبر به المثلية في حق الرجل، قال في المدونة: وينظر ناحية الرجل فقد يزوج فقير لقرابته وأجنبي لماله، فليس صداقهما سواء، ومثله لابن الحاجب. قاله محمد بن الحسن. ولا يعتبر الدين إلا في المسلمة.
وجمال يعني أنه يعتبر في المرأة الجمال الحسي وهو حسن الصورة، والمعنوي كحسن الخلق لتبعيته غالبا لجمال الصورة، فليست الجميلة كغيرها فذات الدين وذات الجمال يرغب فيهما أكثر مما يرغب في غيرهما ويزيد ذلك في صداقهما.
وحسب يعني أنه كما يعتبر في مهر المثل ما مر يعتبر فيه أيضا حسبها وهو ما يعد من مفاخر الآباء كجود ومروءة في المسلمين فالذمية إنما يعتبر فيها المال والجمال لا الدين كما مر، ولا يعتبر
(1)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث 5090. صحيح مسلم، كتاب الرضاع، رقم الحديث، 1466. وصحيح ابن حبان، رقم الحديث، 4025. 4026.
النسب فيها حيث كان أصولها كفارا، وتفسير الحسب بما مر متعين لا ما يعد من مفاخرها كما لبعضهم للاستغناء عنه بقوله:"وجمال" لشموله للعقلي كما مر.
ومال يعني أنه كما يعتبر في مهر المثل ما مر يعتبر فيه أيضا المال فليست ذات المال كغيرها، وفي الشارح: وشطاط بشين معجمة وطاءين مهملتين بينهما ألف أي اعتدال وحسن قامة. (وبلد) يعني أنه كما يعتبر في المرأة جميع ما مر يعتبر فيها أيضا بلدها؛ لأن الرغبة في المرأة قد تختلف باختلاف البلدان، قال عبد الباقي: إذ الرغبة في المصرية بخلاف الرغبة في غيرها، وكذلك يعتبر الزمن، ومعنى اعتبار الزمن أنه رب زمن شدة تقل قيه الرغبة فيهن فيرخص مهرهن، وزمن خصب تكثر فيه الرغبة في النساء فيكثر مهرهن.
(وأخت شقيقة أو لأب) يعني أنه إذا كان للمرأة أمثال في الأوصاف المذكورة من قومها وأمثال فيها من غير قبيلتها، فإنه يعتبر فيها ما يتزوج به أمثالها من قبيلتها كأختها الشقيقة أو التي للأب ونحوهما، وإن زاد على صداق أمثالها من غير قبيلتها أو نقص، واحترز بالشقيقة والتي للأب عن التي للأم. وقوله:"باعتبار دين وجمال" لخ محل هذا حيث اختلفت الرغبة به في الموصوفة بالأوصاف المذكورة ومقابلها، فإن كان قوم لهم عادة لا يحطون لفقر وقبح ولا يزيدون ليسار وجمال حملوا عليه. وقد مر أن المص بين ما تعتبر به المثلية في حق المرأة ولم يذكر ما تعتبر به المثلية في حق الرجل، قال في المدونة: وينظر ناحية الرجل فقد يزوج فقير لقرابته وأجنبي لماله؛ فليس صداقهما سواء ومثله لابن الحاجب. لا الأم يعني أن مهر المثل لا ينظر فيه إلى أم المرأة المستحقة لصداق المثل إلا أن يجري العرف بالنظر إلى صداق الأم، فيجب اعتباره وكذلك غير الأم كالجيران فيتبع في ذلك العرف، وإنما لم يعتبر مهر الأم حيث لا عرف باعتباره لأنها قد تكون قرشية وأمها من الوالي.
والعمة يعني أنه لا يعتبر في مهر المثل أخت أبي المستحقة لصداق المثل من أمه؛ لأنها من قوم آخرين، وأما أخته الشقيقة أو التي للأب فتعتبر كما مر. وعلم مما مر أن فائدة الإتيان بقوله:"وأخت"شقيقة أو لأب بعد ذكر ما قبله من الصفات أن المعتبر في تلك الصفات نساء قومها حيث اشتركن مع غيرهن فيها. والله سبحانه أعلم. قال ابن رشد: المعتبر أختها وعمتها إذا كان
صداقهما أكثر من صداق مثلها من قوم آخرين. انتهى. أي إذا كان للمرأة أمثال في الأوصاف المذكورة من قبيلتها وأمثال كذلك من غير قبيلتها، اعتبر فيها ما يتزوج به أمثالها من قبيلتها وإن زاد على صداق أمثالها من غير قبيلتها أو نقص. قاله محمد بن الحسن. وقال عن ابن رشد: وقد تأول بعض الناس على مالك أنه إنما ينظر إلى أمثالها من النساء في جمالها ومالها وعقلها، ولا ينظر إلى نساء قومها وليس ذلك بصحيح على ما بيناه من مذهبه في المدونة. انتهى.
وقال ابن عرفة: الباجي يعتبر في مهر المثل أربع صفات: الدين والجمال والمال والحسب، ومن شرط التساوي مع ذلك الأزمنة والبلاد، فمن ساواها في هذه الصفات ردت إليه بمهر مثلها وإن لم يكن من أقاربها. انتهى. قال ابن عرفة: ففي اعتبار موضعها المكاني ولغوه نقل الباجي، وظاهر تفسير قولها: فيها وموضعها بالحسب وفي اعتبار نساء قرابتها طريقا ابن رشد والباجي. نقله العلامة بناني. وهذا التقرير الذي قرر به محمد بن الحسن قوله: "وأخت شقيقة أو لأب" غاية في الحسن، ودعمه بالنقل وهو الذي شرحت به كلام المص تبعا له. والله الموفق.
وفي الحطاب عن ابن رشد: مذهب مالك أن يعتبر في فرض صداق المثل في نكاح التفويض بصدقات نسائها إذا كن مثل حالها من العقل والجمال والمال، ولا يكون لها مثل صداق نسائها إذا لم يكن على مثل حالها ولا مثل صداق من لها مثل حالها إذا لم يكن لها مثل نسبها، والدليل على ذلك من مذهبه، قوله في المدونة: ولكن ينظر إلى أشباهها في قدرها وجمالها وموضعها. أي موضعها من النسب. انتهى المراد منه. قال الشبراخيتي: وهذه الأوصاف إنما تعتبر إذا كان يرغب في وجودها وإلا فلا تعتبر، كما إذا كانت الفقيرة وذات المال سواء. انتهى. وفي الفاسد يوم الوطء يعني أن النكاح الفاسد يعتبر فيه مهر المثل يوم الوطء اتفاقا، فينظر إلى المرأة يوم بني بها فيه أي في النكاح الفاسد، وتعتبر فيها الأوصاف المذكورة على ما مر وكذا يعتبر يوم الوطء في مهر المثل اللازم في وطء لم يصحبه عقد، وقوله:"وفي الفاسد" أي العقد الفاسد ولو مختلفا فيه، وأما النكاح الصحيح تسمية أو تفويضا فيعتبر فيه مهر المثل يوم العقد على ظاهر المذهب، وقيل يعتبر في الصحيح إن دخل ويوم الحكم إن لم يدخل، مثال النكاح الصحيح الذي يجب فيه صداق المثل مع التسمية ما لو نكحها على صداق مثل.
ولما كان لوطء الشبهة حكم النكاح في غالب الأحوال أشار إلى ما تتحد الشبهة فيه فيتحد مهره، وإلى ما تتعدد فيه فيتعدد بقوله: واتحد المهر إن انحدت الشبهة يعني أن الرجل إذا وطئ امرأة ليست بزوجته ولا بأمته بشبهة وتعدد ذلك منه، فإن اتحدت الشبهة فإنه لا يكون لها عليه إلا مهر واحد ومعنى اتحاد الشبهة كونها بزوجية فقط أو بملك فقط، فإذا وطئ أجنبية غلطا يظنها زوجته عمرة ثم وطئها مرة أخرى قريبة من الأولى أم لا يظنها عمرة الأولى أو زوجته زينب، فإنه يتحد عليه المهر ولو كثر ذلك حيث كانت غير عالمة، وإذا وطئ أجنبية يظنها أمته مارية ثم وطئها مرة أخرى قربية من الأولى أم لا يظنها أمته مارية أو بريرة، فإنه يتحد عليه المهر ولو كثر ذلك حيث كانت غير عالمة بأن كانت نائمة أو اعتقدت أنه زوجها.
وإلى هذا أشار ممثلا للشبهة بقوله: كالغالط بغير عالمة أي مثال ذلك ما لو وطئ امرأة غلطا يظنها زوجته أو أمته فإذا هي غير واحدة منهما واعتقدت هي أنه زوجها، ومحل اتحاد المهر فيما إذا اتحدت الشبهة ما لم يتخلل بين الشبهتين عقد للموطوءة أو التي اشتبهت بهاة كما إذا وطئ أجنبية يظنها زوجته ثم عقد عليها فوطئها أو لم يطأها ثم طلقها ووطئها غالطا فعليه المهر في الظن الثاني، كما أن لها المهر في الظن الأول، ويتعدد أيضا إذا وطئ الأجنبية يظنها زوجته عمرة ثم طلق عمرة طلاقا بائنا ثم أعادها لعصمته فوطئ الموطوءة الأولى ثانية يظنها زوجته عمرة أيضا كما استظهره ابن عرفة كما في أحمد.
وإلا تتحد الشبهة بل تعددت، كما لو وطئها غير عالمة يظنها زوجته ثم وطئها ثانية يظنها أمته تعدد المهر عليه، وتحصل مما مر أنه إذا وطئها يظنها زوجته زينب ثم وطئها يظنها زينب أيضا، فإنه يتحد المهر ما لم يطلق زينب طلاقا بائنا ثم يعيدها لعصمته ثم يطأ موطوءته الأولى يظنها زينب كما استظهره ابن عرفة، ويتعدد أيضا إن تخلل بين الشبهتين عقد للموطوءة بالاشتباه، ويتحد أيضا إن وطئ الأجنبية يظنها زوجته عمرة ثم وطئها يظنها زوجته زينب، خلافا لما استظهره ابن عرفة في تعدده بتعدد الزوجات، فإن مقتضى التوضيح والشارح وحلولو اعتبار وحدتها بالنوع، فما كان بالتزويج نوع وما كان بالملك نوع آخر، خلافا لما ذكره التتائي من
أنه إذا وطئ امرأته يظنها أمته فلانة ثم وطئها مرة أخرى يظنها أمته الأخرى فإنه يتعدد عليه المهر. انتهى. وأنه إذا وطئ أجنبية يظنها زوجته زينب ثم وطئها يظنها أمته فإنه يتعدد عليه.
وشبه لإفادة التعدد قوله: كالزنى بها يعني أن من زنى بامرأة غير عالمة فإنه يتعدد عليه المهر بتعدد الوطء، فالضمير المجرور عائد على غير العالمة بأن تكون نائمة أو تعتقد أنه زوجها، أو بالمكرهة يعني أن من زنى بامرأة مكرهة يتعدد عليه الصداق بتعدد وطئه لها، سواء كان هو المكره لها أو غيره لكن إن أكره الواطئ فالصداق عليه إن أيسر نظرا لانتشاره، فإن أعسر أخذته ممن أكرهه ثم لا رجوع له على الواطئ، ومفهوم المص أنه لو زنى بطائعة عالمة بأنه غير بعلها فلا مهر لها وهو كذلك، بل لا مهر لها ولو كان واطئها غير زان بل ذا شبهة.
وتحصل مما مر أن الأقسام أربعة، أحدها: علمهما معا فلا شيء لها وهو زنى محض، الثاني: علمها دونه فهي زانية لا شيء لها وهذان يفهمان من قوله: "كالغالط بغير عالمة"، الثالث: جهلهما معا وهو منطوق قوله: "كالغالط بغير عالمة فيتحد المهر إن اتحدت الشبهة وإلا تعدد"، الرابع: علمه دونها وكجهلها إكراهها ولو أكره هو فيتعدد عليه المهر بتعدد وطئه، فالأوجه كلها مأخوذة من كلامه منطوقا ومفهوما. ومجرد الإيلاج وطء موجب للصداق وإن لم يكن إنزال هذا هو الصواب. كما [قاله بناني
(1)
].
وموضوع الأقسام الأربعة أن الواطئ وفى غير حل له في نفس الأمر وطئا متعددا في واحدة فقط، وأما لو كانت الموطوءة متعددة فإنه يتعدد عليه الصداق بتعددها ولو اعتقد أن الجميع زوجته أو أمته المتحدة أو أجنبية واحدة اعتبارا بتعدد المحل. قاله عبد الباقي.
قوله: أجنبية لخ، صحيح إلا أنه غير متوهم. قاله جامعه. والله سبحانه أعلم. وظاهر قوله:"واتحد المهر إن اتحدت الشبهة" ولو أدى المهر الأول قبل الوطء الثاني، أو حكم بالأول حاكم يرى التعدد قبل الوطأة الثانية، والذي يظهر خلافه وأنه يتعدد كما للشافعية.
واعلم أن المهر متحدا أو متعددا يكون للمرأة لا لزوجها؛ لأنه لا يستحق منها إلا الاستمتاع، ومحل جميع ما تقدم حيث كانت الموطوءة حرة وإن كان الواطئ يظنها أمة، وأما واطئ الأمة
(1)
في بعض النسخ قاله الشارح.
فعليه ما نقصها إن كانت بكرا وإن ظنها زوجته أو أمته وإن كانت ثيبا فلا شيء عليه، وقيل عليه ما نقصها مطلقا وهو لابن يونس، وقيل لا شيء عليه إن طاوعته ولو بكرا ففي الطائعة ثلاثة أقوال، وفي الشبراخيتي عن الأجهوري أن واطئ الأمة عليه ما نقصها مطلقا، وتفصيل ابن يونس ضعيف. انتهى.
واستظهر الحطاب ما صوبه ابن يونس وهو الظاهر فقد رجحه ابن يونس والحطاب والأجهوري، واعلم أنه إنما يعلم اتحاد الشبهة وتعددها من قوله، فيقبل قوله فيهما بغير يمين وإذا بعد ما بين الوطئات الموجبة للتعدد، واختلف مهر مثلها عند كل وطأة فيعتبر كل صداق مع الوطء الذي أوجبه، وأما لو اتحد مهر مثلها بأن اتحدت الشبهة فهل تعتبر الوطأة الأولى؟ وهو ظاهر كلام الأصحاب، أو الأخيرة أو الوسطى، انظر حاشية الشيخ بناني.
وقال الشبراخيتي: واعلم أن من وطئت عالمة طائعة لا مهر لها ولو وطئت بشبهة، وأما من وطئت غير عالمة أو مكرهة، فإن كان الواطئ زانيا تعدد المهر بتعدد وطئه، وإن كان ذا شبهة فإن اتحدت اتحد وإلا تعدد، وقال الشارح: ابن عبد السلام: وهكذا ينبغي تعدد المهر إذا تخلل بين الوطأتين وطء مباح ظاهرا أو باطنا، فوطئها غالطا ثم تزوجها فوطئها أو لم يطأها ثم طلقها، ووطئها غالطا ما لم تكن موطوءة بعد الطلاق بشبهة مستندة للطلاق كما قالوا في المشهور إذا قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها ووطئها فليس عليه إلا صداق واحد، والقياس وهو القول الشاذ أن عليه صداقا ونصفا. انتهى. وهذا يفيد أن تخلل العقد بين الوطأتين كتخلل الوطء المباح بينهما.
وقوله: ظاهرا كما لو دخل بها، وقوله: أو باطنا، أراد به العقد المتخلل بين الوطأتين فيما إذا طلقت قبل الدخول، ولو قال بدل قوله ظاهرا أو باطنا: حقيقة أو حكما لكان أظهر، وقوله: فوطئها هذا هو الظاهر، وقوله: أو لم يطأها هذا هو الباطن، وقوله: ثم طلقها ينبغي طلاقا بائنا لا رجعيا؛ لأن الرجعية زوجة، وقوله كما قالوا لخ مثال لقوله ما لم تكن موطوءة لخ. انتهى كلام الشبراخيتي.
وجاز شرط أن لا يضر بها في عشرة وكسوة ونحوهما يعني أنه يجوز أن يشترط في صلب العقد على الزوج أن لا يضر بالمرأة في معاشرته وفي كسوتها ونفقتها ونحو ذلك من كل شرط يقتضيه العقد كالسكنى، فإن كان لا يقتضيه حرم إن ناقضه كما تقدم في قوله:"أو على شرط يناقض كأن لا يقسم لها أو يؤثر عليها وألغي"، وإن لم يناقضه كره كما تقدم في قوله:"ولا يلزم الشرط وكره"، كذا يجوز شرطه هو عليها أن لا تضر به في عشرة.
تنبيهات: الأول: علم من هذا ومما مر أن شروط النكاح على ثلاثة أقسام، الأول: الشرط المنافي للعقد وهو الذي قدمه المص بقوله: "أو على شرط يناقض" فيفسخ النكاح قبل ويثبت بعد بمهر المثل ويلغى الشرط كما مر، الثاني: ما لا يناقضه بل يقتضيه العقد وإن لم يكن، كشرطه أن ينفق عليها أو يبيت عندها أو لا يؤثر عليها ونحو ذلك، ووجود هذا وعدمه سواء لا يوقع في العقد خللا ويحكم به إن ترك أو ذكر، إلا أنه إن شرط أن لا يضر بها مثلا ثم أثبت الضرر فلها أن تطلق نفسها من غير رفع لحاكم، وإن لم يشترط ففي اشتراط الرفع للحاكم وعدم اشتراطه قولان كما يقوله الناظم. قاله الشيخ ميارة يشير إلى قول الناظم في التحفة:
وحيثما الزوجة تثبت الضرر
…
ولم يكن لها به شرط صدر
قيل لها الطلاق كالملتزم
…
وقيل بعد رفعها للحكم
قال ميارة في شرح هذين البيتين: إن الشرط الذي يقتضيه العقد اشتراطه وعدمه سواء، وإنما يظهر اشتراطه فيما إذا ثبت الضرر، فإن كان شرطا في العقد فلها تطليق نفسها من غير رفع للحاكم ولم يتعرض الناظم لهذا، وإنما يؤخذ من مفهوم كلامه وإن لم يكن شرطا ففي افتقار تطليقها نفسها للرفع للحاكم وعدم افتقاره قولان، الثالث: ما لا تعلق له بالعقد فلا يقتضيه ولا ينافيه وللمرأة فيه غرض، كشرط أن لا يتزوج عليها فذكر ابن الحاجب أنه مكروه ويجوز التطوع به. فالشرط الأول لا يجوز اشتراطه في العقد ولا التطوع به، وما يقتضيه العقد يجوز شرطا وطوعا وما لا يقتضيه ولا ينافيه يكره شرطا ويجوز طوعا، ولابن عاصم رحمه الله:
وما ينافي العقد ليس يجعل
…
شرطا وغيره بطوع يقبل
وفي الوثائق المجموعة: كره مالك الشروط، وقال: لا أرى لأحد أن يكتب شهادته في كتاب فيه الشروط ويلزم النكاح وإن كانت بعقد يمين، كقوله الداخلة طالق أو أمرها بيدها، والطوع فيها أحسن من أن ينعقد بشرط وهي محمولة على الطوع حتى يثبت أنها كانت مشترطة في عقد النكاح، واختلف أهل العلم في النكاح بالشروط فرأى قوم فسخه ورأى مالك ومن ذهب مذهبه أن النكاح بها مكروه، فإن نزل بها لزمت وجاز النكاح، ولهذا الاختلاف يكتب قوم من الموثقين، شرط فلان لزوجته شروطا طاع بها بعد أن ملك عصمة نكاحها. انتهى. نقله ميارة.
الثاني إذا تزوج أمة على أنه إن تزوج عليها أو تسرى فأمرها بيد مولاها فهلك مولاها فلا شيء بيدها، وينتقل إلى ورثته ولو جعل الأمر بغير يد مولاها فهلك فلا ينتقل لورثته ويرجع الأمر إليها. قاله الحطاب. وقال ابن سلمون: فإن اشترط أبو الزوجة على صهره أن لا يتزوج عليها فإن فعل فأمرها بيد أبيها ففعل ذلك الزوج وأراد الأب أن يفرق وأرادت البنت البقاء، فالاختيار في ذلك للأب إلا أن يرى السلطان أن ذلك الفراق ليس بنظر للبنت فيمنعه وينظر في ذلك، وإن كان الزوج جعل ذلك بيد أبيها من غير أن يشترط ذلك عليه الوالد فإن القول في ذلك قول البنت، ويمنع أبوها من الفراق إن أحبت هي البقاء، بخلاف الأول فإنه حق للأب لا يخرج من يده إلا بنظر السلطان.
الثالث: إن التزم الزوج للمرأة التصديق بالضرر من غير يمين، فقال ابن رشد: اختلف في ذلك فروى سحنون أنه قال أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء، فإن دخل بها فلا يقبل قولها إلا ببينة على الضرر، وحكي عن ابن دحون أنه كان يفتي بأن ذلك لا يلزم ولا يجوز إلا بالبينة، ولا اختلاف أنه إذا لم يكن مشترطا في أصل العقد أنه جائز. انتهى نقله الحطاب.
الرابع: في الحديث: (لا تسئل المرأة طلاق أختها لتستفرغ بذلك صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها
(1)
)، رواه مالك في الموطإ، قال ابن عبد البر: فقه الحديث أنه لا يجوز لامرأة ولا لوليها أن يشترط في عقدها طلاق غيرها. انتهى. وقوله: أختها، يريد أختها في الدين، قاله الباجي. وقال النووي: المراد غيرها سواء كانت أختها في النسب أو في الإسلام أو كانت كافرة. انتهى. والله أعلم. قاله الحطاب.
الخامس: للرجل السفر بزوجته إذا كان مأمونا عليها، قال ابن عرفة: بشرط أمن الطريق والموضع المتنقل إليه وجري الأحكام الشرعية فيه، وقال البرزلي: الذي استقر عندي من أحوال قرى القيروان حيث كنت مقيما بها أنها لا تنالها الأحكام الشرعية، فلا تمكن الفارة من زوجها من الخروج إلى القرى أو إلى الجبال التي حولها وبلاد هوازة مثل برقة. انتهى. فلو كان الطريق مخوفا أو الموضع المنتقل إليه لم يجبرها على السفر، فلو رضيت بالسفر معه للموضع المخوف وأراد أبوها منعها، فهل له ذلك؟ لم أرفيه نصا.
ووقعت وأفتى فيها بعض المالكية والشافعية بأن له منعها، ويمكن أن يوجه بأنه لما كان الموضع أو الطريق مخوفا سقط جبر الزوج إياها على السفر وصارت هي المختارة للسفر، وقد صرح في التوضيح في باب الجهاد وغيره بأن للأبوين المنع من سفر الخطر أو البحر فيكون له المنع، وتوقف والدي فيها ولكنه مال إلى أن له المنع. والله أعلم. قاله الحطاب.
قال جامعه عفا الله عنه: تحصل مما أورده هذا الإمام أن له المنع. والله سبحانه أعلم.
(ولو شرط أن لا يطأ أم ولد أو سرية: لزم في السابقة منهما) يعني أنه لو شرط لزوجته التي في عصمته أو لمخطوبته التي يريد أن يتزوجها أنه لا يطأ أم ولد له أو لا يطأ سرية له، وأنه إن فعل ذلك فأمرها بيدها أو تكون الموطوءة حرة فإن ذلك يلزم في السابقة منهما باتفاق ابن القاسم وسحنون، أما السابقة منهما فتصورها ظاهر، وأما اللاحقة فتصورها ظاهر في السرية، وأما أم الولد فيتصور كونها لاحقة بالنظر لوقت الحلف بتكلف كما لو طلق المحلوف لها غير بتات ثم أولد أمة بعد طلاقها ثم راجعها بعقد ثم وطئ الأمة التي أولدها، فيلزمه ما علق على وطئها ما
(1)
الموطأ كتاب القدر، رقم الحديث، 1666.
دام من العصمة المعلق فيها شيء، فمعنى لاحقة في أم الولد متجددة بعد الحلف، وإن كانت غير متجددة حين الوطء الموجب لخيارها مثلا.
على الأصح أي يلزم ذلك في السابقة منهما على القول الأصح وهو الذي اتفق عليه ابن القاسم وسحنون، وأولى اللاحقة في اللزوم، فإن قيل في ذكر من حكاية الاتفاق بينهما ينافي قول المص على الأصح، قلت: يمكن أن يكون المص اطلع على قول لغيرهما. قاله محمد بن الحسن. وقال الشارح عند قوله: "على الأصح" في نصه: وقيل لا يلزمه ذلك، وله أن يطأ من شاء منهما تقدمتا أو تأخرتا. انتهى.
لا في أم ولد سابقة في لا أتسرى يعني أنه إذا حلف لزوجته لا يتسرى وإن فعل فأمرها بيدها مثلا، ثم وطئ أم ولد له سابقة للحلف فإنه لا يلزمه شيء ولا خيار لها حيث وطئ أم ولده السابقة، ومثل أم الولد في ذلك السرية، ومفهوم قوله:"سابقة" أنه يلزم في اللاحقة منهما وهذا قول سحنون وهو ضعيف، والمشهور قول ابن القاسم أنه يلزم في السابقة منهما واللاحقة في لا أتسرى؛ لأن التسري هو الوطء، فحكم ما إذا شرط أن لا يتسرى حكم ما إذا شرط أن لا يطأ على المذهب، وإن شرط أن لا يتخذ أم ولد أو سرية لزمه في اللاحقة دون السابقة باتفاق.
والحاصل أن الصيغ ثلاث: لا يطأ لزم في السابقة واللاحقة باتفاق ابن القاسم وسحنون، لا يتسرى يلزم في السابقة واللاحقة عند ابن القاسم وهو المشهور ويلزم في اللاحقة دون السابقة عند سحنون قائلا: من وطئ بعض جواريه يوما لا يقال عرفا تسرى فلان اليوم على زوجته، لا يتخذ يلزم في اللاحقة دون السابقة باتفاق ابن القاسم وسحنون. فالمسألة على طرفين وهما: لا يطأ ولا يتخذ، وواسطة وهي: لا يتسرى، قال ابن القاسم هي كلا يطأ، وقال سحنون: هي كلا يتخذ. وقد نظم بعضهم ذلك في بيتين فقال:
وطء تسر مطلقا قد لزما
…
كلاحق مع اتخاذ علما
تلخيصه لزوم كل ما عدا
…
من سبقت مع اتخاذ وجدا
قاله الشيخ بناني.
فرع: من شرط لزوجته أن لا يتسرى معها، قال ابن سلمون: فإن زنى بامرأة فلها أن تأخذ بشرطها لأنها إنما شرطت عليه أن لا يجامع معها امرأة سرا، فإن تزوج عليها وقد اشترطت عليه التسرى فلا يمنع من ذلك، وما جعل لها من بيع السرية غير لازم لأنها بمنزلة الوكيل يعزلها عن ذلك متى شاء، وقيل ليس له عزلها وكذلك إن قال لها أن تدبرها عنه أو هي صدقة لم يقض عليه بها. انتهى. قاله الحطاب.
ولها الخيار ببعض شروط بالتنكير؛ يعني أن من شرط لزوجته أنه إن تزوج عليها أو تسرى عليها أو أخرجها من بلدها مثلا فأمرها بيدها وفعل بعض ذلك يثبت لها الخيار بذلك، إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته، وهذا ثابت لها حيث قال الزوج: فإن فعلت شيئا من ذلك فأمرها بيدها ويثبت لها الخيار أيضا.
ولو لم يقل الزوج إن فعل شيئا منها كما لو قال: فإن فعلت ذلك فأمرها بيدها على ما قاله محمد بن الفخار وغيره أن الحكم في ذلك سواء، وللمرأة أن تأخذ بشرطها إذا فعل واحدا من الجملة في الوجهين؛ لأن الحنث في الأيمان يقع بالبعض، قال محمد بن عمر:
(1)
وقد قال الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله: {ومن يفعل ذلك يلق أثاما} ، ولم يقل ومن يفعل شيئا من ذلك، أليس
(2)
أنه يستحق العقاب بفعل البعض كما يستحقه بفعل الجميع؟ كذلك يجب للمرأة الأخذ بشرطها، وتستحق ذلك بفعل أحد الضررين كما تستحقه بفعل الضررين جميعا.
ورد المص "بلو" قول محمد بن العطار وغيره من الموثقين: إنه إذا لم يقل الزوج ذلك فليس لها القيام بفعل الزوج بعض الشروط، وصوبه المتيطي وانتقد ذلك أبو عبد الله محمد بن الفخار وغيره، وقالوا: الحكم في ذلك سواء لأن الحنث في الأيمان يقع بالبعض، ونقل عن بعض الموثقين أنه قال إن كانت الشروط انعقد عليها النكاح فالحكم كما قال ابن الفخار، وإن طاع الزوج بها فالقول قوله مع يمينه. والله أعلم. قاله الحطاب.
(1)
هو ابن لبابة.
(2)
الذي في الحطاب ج 4 ص 351 (والسر أنه).
وقال عبد الباقي: يحتمل أن قوله: "ولو لم يقل" به تم الكلام، وقوله:"إن فعل" لخ شرط من المص في قوله: "لها الخيار" وبه صدر التتائي، وحذف مقول القول وهو إن فعلت شيئا منها للعلم به من الشرط من قوله:"لها الخيار ببعض شروط"، ويحتمل أن قوله:"إن" لخ مقول القول أي لها الخيار ببعض شروط في صورتين، إحداهما: أن يذكرها معطوفة بالواو ثم يقول إن فعلت شيئا منها فأمرك بيدك، الثانية: أن يذكرها معطوفة بالواو من غير أن يقول إن فعلت شيئا منها كأن يقول متى تسريت عليك وتزوجت وأخرجتك من بلدك فأمرك بيدك، ومثل ذلك كتب الموثق أنه علق على نفسه شروطا عينها وجعل لها الخيار بها فإن لها الخيار ببعضها.
وما ذكره هنا موافق لقوله في اليمين: "وبالبعض"، ولكن ما هنا ضعيف، والمذهب أنه لا خيار لها في الشروط المتعاطفة بالواو حيث لم يقل إن فعلت شيئا منها إلا بوقوع الجميع منه كتعليق التعليق المشار إليه بقوله فيما يأتي:"وإن قال إن كلمت إن دخلت لم تطلق إلا بهما" وعليه القرافي بشرح التنقيح والوانوغي، وبه أفتى الناصر اللقاني قائلا: إذا أراد أن لا يلزمه شيء جمعها بالواو، ولا يقول إن فعلت شيئا ولا يفعل جميعها بل بعضها فقط، وظاهر كلام من ذكر علق لها ذلك بوثيقة عند مالكي أم لا، ومن تعليق التعليق ما إذا شرط عليه أنه إن تزوج عليها وثبت ذلك وحضرت وأبرأته من قدر كذا تكون طالقا فإنها لا تطلق إلا بجميع ذلك. انتهى. وقوله: ببعض شروط أي متعاطفة بالواو كما علم من التقرير، وأما المعطوفة بأو فلها الخيار ببعضها، قال: إن فعل شيئا منها أو لم يقل. انتهى.
وناقش الرهوني في أن المعتمد مقابل المص، وقال: إنه يجب التعويل على ما للمص، وكلام المص أيضا فيما إذا كان المعلق الخيار أوأمرها بيدها كما هو ظاهره فإن كان المعلق الطلاق أو العتق وقع بفعل بعضها من غير خيارها، ولو وكل الزوج من يعقد له فعقد له ونطق الوكيل بشروط من غير أن يوكله عليها وكتب الموثق الشروط بعد قوله عقد له وكيله في العقد المذكور ولم يذكر توكيله في الشروط ولا نطق الزوج بها لم يلزمه، فإن وكله على العقد والشروط فنطق الوكيل بها لزمت الزوج كذا يظهر. وهي واقعة حال. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وما قاله المص خلاف ما قاله المشدالي والوانوغي، وأفتى به الناصر اللقاني أنه ليس لها القيام إلا بجميع الشروط. انتهى.
وهل تملك بالعقد النصف يعني أنه اختلف هل تملك الزوجة بالعقد عليها نصف الصداق وهو ظاهر المدونة وشهره جماعة وهذا القول هو الراجح والنصف الآخر باق على ملك الزوج وعليه فالوطء مكمل والطلاق محقق، ويتفرع عليه أن تكون الزيادة لهما والنقص عليهما ولهذا قال: فزيادته بعد العقد وقبل الطلاق كنتاج للحيوان وغلة له وللدور والأرضين وثمر الحائط، وعطفه على النتاج يفيد أن النتاج ليس بغلة وهو المشهور خلافا للسيوري القائل بأن الولد غلة ونقصانه كموت وتلف لهما راجع للزيادة؛ يعني أنه يتفرع على القول الراجح وهو أن المرأة تملك بالعقد النصف أن تكون الزيادة بينهما حيث طلقها قبل البناء؛ وعليهما عطف على قوله:"لهما" وهما خبر عن المعطوف والمعطوف عليه على اللف والنشر المرتب، والمعنى أن النقص يكون عليهما حيث طلق قبل البناء، ولذا قال ابن عاشر: صوابه
(1)
وضع هذه المسائل بعد قوله: وتشطر لخ، وهذا إذا انتفت التهمة بكون الصداق مما لا يغاب عليه أو قامت بينة على التلف وإلا فمن الذي بيده أولا تملك بالعقد شيئا وهذا هو المشهور عن ابن شاس وابن رشد،
(2)
وعليه فزيادته له ونقصه عليه فإذا طلق وقد تلف فإنه يدفع لها قيمة نصفه، وإن زاد فالزيادة له. قاله الشارح.
وقال: ولما كان تشهير ابن شاس وغيره مخالفا لظاهر المدونة ساق الشيخ المسألة على ما هي عليه جريا على قاعدته وشهر جماعة مذهب المدونة. ابن عبد السلام: وقد اضطرب المذهب فيها اضطرابا يعسر معه تمييز المشهور. انتهى.
خلاف مبتدأ حذف خبره أي في ذلك خلاف، وقد مر أن الراجح الأول تبعا للشبراخيتي ومحمد بن الحسن: ويحتمل أن معنى قول المص "أولا" أو لا تملك بالعقد النصف بل تملك الجميع بالعقد وعليه فالزيادة لها ونقصانه عليها فهذه ثلاثة أقوال، والراجح الأول. والله سبحانه أعلم. والقول الثالث لعبد الملك. قاله الشبراخيتي. وقال محمد بن الحسن: الذي يدل عليه كلامهم أن قوله: "فزيادته" الخ إنما محله إذا وقع الطلاق قبل البناء، ولذا قال ابن عاشر: صوابه
(3)
وضع هذه المسائل بعد قوله: "وتشطر" لخ كما صنع ابن الحاجب، وأما إن فسخ قبله فالزيادة
(1)
في النسخ صواب والمثبت من البنانى ج 4 ص 29.
(2)
في النسخ راشد والمثبت من الشبراخيتى ج 2.
(3)
في النسخ صواب والمثبت من (بن) ج 4 ص 29.
والنقصان للزوج وعليه، وإن دخل بها أو وقع موت فهما للزوجة وعليها، والحاصل أنه في التلف حيث انتفت التهمة بكونه مما لا يغاب عليه أو قامت بينة على التلف فالضمان ممن هو له أيا كان وكذا حكم الزيادة وهذا هو المشهور، وأما ما بنوه على القول الثاني والثالث فضعيف، وقد ذكر المص حكم الضمان هنا في مواضع ومحصله ما ذكرناه وفي كلامه تكرار. والله أعلم.
وقوله: "كنتاج" لخ ظاهره كابن الحاجب أن الولد كالغلة يأتي فيه التفريع المذكور وليس كذلك، بل الولد حكمه حكم الصداق على كل قول؛ لأن الولد ليس بغلة، وصنيع ابن عرفة يدل على ذلك؛ لأنه حكم بأن الولد كالمهر ثم ذكر الخلاف في الغلة والبناء فيها على القولين وكذا صنيع المدونة، وفي التوضيح أن كون الولد ليس بغلة هو المشهور في المذهب، وقد نص في المدونة على أن ولد الأمة ونسل الحيوان يكون في الطلاق بينهما. انتهى. وما قدمته من أن الغلة تكون للزوج على القول بأنها لا تملك بالعقد شيئا تبعت فيه الشارح وغيره، واعترضه الرماصي قائلا: لم أر من فرع على أنها لا تملك شيئا أن الغلة تكون للزوج، وإنما فرعوا حكم الغلة على القولين الأخيرين فقط أنها تملك بالعقد الجميع أو النصف. انتهى.
وعليها نصف قيمة الموهوب والمعتق يومهما يعني أنها لو أعتقت عبدا من الصداق ثم إنه طلقها قبل البناء فإنه يكون عليها نصف قيمته يوم أعتقته، وكذا لو وهبت مقوما من الصداق ثم طلقها قبل البناء فإنه يرجع عليها بنصف قيمته يوم الهبة؛ لأن يوم العتق والهبة هو يوم الإتلاف وهذا بناء على أنها تملك بالعقد النصف وهو الراجح كما تقدم وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، وقيل عليها نصف قيمتهما يوم القبض بناء على أنها تملك بالعقد الجميع.
واعلم أن القيمة تتعين في ذوات القيم والمثل في ذوات الأمثال، فإذا وهبته أو أعتقته أو دبرته أو تصدقت به أو أعتقته إلى أجل أو أخدمته إلى غير ذلك مما هو مثل ما ذكر فعليها نصف قيمته يوم فعلت هذه الأفعال وكان عليها نصف قيمة الموهوب ونحوه، ولم يكن عليها قيمة نصفه لأنه تبين بطلاقه أنها تصرفت في غير ملكها فشدد عليها لأن قيمة النصف قد تكون أقل من نصف قيمة الجميع.
اللخمي: للزوجة التصرف في مهرها بالبيع والهبة والصدقة اتفاقا. انتهى. قاله الحطاب.
وبما قررت علم أن الضمير في قوله يومهما عائد على العتق والهبة ونصف الثمن في البيع يعني أن الزوجة إذا باعت الصداق أو شيئا منه ثم طلقها الزوج قبل البناء، فإنه يكون عليها نصف الثمن للزوج إن باعته بغير محاباة وإلا رجع عليها بنصف المحاباة مع مضي البيع في المسألتين وإن لم يفت البيع ولا يرجع في عين البيع. قاله غير واحد.
ولا يرد العتق يعني أن المرأة إذا أعتقت رقيق الصداق ثم طلقها الزوج قبل البناء فإن عتقها لا يرد موسرة أو معسرة؛ لأنها إن كانت موسرة يوم العتق لم يكن للزوج كلام، وإن كانت معسرة يوم العتق وقد علم الزوج فتركه ذلك رضا قاله في المدونة. واستثنى من ذلك قوله: إلا أن يرده الزوج لعسرها يوم العتق يعني أن ما تقدم من أن عتقها لرقيق الصداق لا يرد محله ما لم تكن المرأة معسرة يوم العتق، وأما إن كانت معسرة يوم العتق فإن للزوج أن يرده قبل الطلاق، وأما بعد الطلاق فقال اللخمي: وإن لم يعلم الزوج حتى طلقها وهي الآن معسرة وكانت يوم الهبة والعتق موسرة مضى، وإن كانت معسرة ذلك اليوم إلى اليوم كان له أن يرد هبتها وعتقها هذا هو المعروف.
قال الحطاب: قال في المدونة: وإن كان عبدا فأعتقته غرمت نصف قيمته يوم العتق ولا يرد العتق موسرة كانت أو معسرة؛ لأنها إن كانت موسرة يوم أعتقت لم يكن للزوج كلام، وإن كانت معسرة يوم العتق وقد علم الزوج فتركه ذلك رضا، ولو قام حينئذ رده إن شاء إن زاد على ثلثها ولم يعتق منه شيء. قال أبو الحسن الصغير: اللخمي: وإن لم يعلم الزوج حتى طلقها وهي الآن معسرة وكانت يوم العتق والهبة موسرة مضى، وإن كانت معسرة ذلك اليوم إلى اليوم كان له أن يرد هبتها وعتقها، وهذا هو المعروف من قوله وهو مبني على أن النصف مترقب، وأما على القول بأنه من العقد وجب جميعه فلا رد له ولا مقال؛ لأن مقاله كان قبل الطلاق لحقه في مال الزوجة فزال بالطلاق، وصار حقه من أجل الدين وهو [طارئ
(1)
] بعد الطلاق. انتهى. والظاهر أن مراده بقوله: كان له أن يرد على المعروف أي يرد النصف من ذلك وهو ظاهر، وعلى هذا فقول المص:
(1)
في النسخ صار والمثبت من الحطاب ج 4 ص 351 ط دار الرضوان وتبصرة اللخمي ج 4 ص 1965.
"يوم العتق" متعلق "بعسرها" يعني أن تكون يوم العتق معسرة يريد أو كان العبد أكثر من ثلثها، فإن الزوج له رد العتق في جميعه كما سيأتي في باب الحجر.
قال المص: "وله رد الجميع إن تبرعت بزائد"، فإذا رد الزوج العتق فلا يعتق من العبد شيء، وكذلك لو كان العبد غير صداق وكان أكثر من ثلثها، ويفهم ذلك من التوضيح وليس هذا الحكم خاصا بالعتق بل وكذلك الهبة والصدقة، وأما وقت الرد فلم يفهم من كلامه ونقول يريد ما لم يعلم به ويسكت. والله أعلم انتهى.
وقال محمد بن الحسن عند قوله: "لعسرها": أي قبل الطلاق وله أيضا بعد الطلاق أن يرد عتقها إن لم يعلم به حتى طلقها وكانت معسرة يوم العتق واستمر عسرها إلى يوم الطلاق هذا هو المعروف عند اللخمي. انظر الحطاب. وقال الشبراخيتي: إن قوله "يوم العتق"، متعلق "بعسرها"، قال: ولا عبرة بملائها ولا عدمها قبله يعني يوم العتق، ومحل رده ما لم يعلم وسكت، فإن لم يعلم حتى طلق فلا رد له إلا أن يستمر عسرها من يوم العتق إلى يوم الطلاق فله رد نصفه. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله "إلا أن يرده الزوج لعسرها يوم العتق" ما نصه: وإذا رد عتقها لعسرها بقي النصف على ملكها، وقد علمت مما مر أن مثل العسر يوم العتق ما إذا كان العبد أكثر من ثلثها يوم العتق، وحينئذ فالمراد بعسرها أن يكون العبد مثلا أكثر من ثلثها. والله سبحانه أعلم.
ثم إن طلقها عتق النصف يعني أن الزوج إذا رد عتق الرقيق لأجل عسر المرأة يوم العتق أي لكونه أكثر من ثلثها يبقى على ملكها، ثم بعد ذلك إن طلقها الزوج قبل البناء وبعد أن رد عتق العبد فإن النصف الذي وجب للمرأة بالطلاق يعتق؛ لأن المانع من العتق حق الزوج وقد زال، ومعنى يعتق أنها تؤمر بعتقه أي بعتق ذلك النصف، بدليل قوله: بلا قضاء، وليس معنى قوله:"عتق" أنه صار حرا بنفس الطلاق كما عرفت، بل معناه أنها تؤمر بعتقه فإن أعتقته فالأمر واضح وإن لم تعتقه لم يحكم عليها بعتقه بل يبقى عبدا، وإنما أمرت بالعتق لأن رد الزوج رد إيقاف وإنما لم يقض عليها بذلك لعسرها يوم العتق، ورد الحاكم لعتق الدين رد إيقاف، وأما رد الولي لأفعال المحجور فإبطال باتفاق، وقيل: إن رد الزوج رد إبطال وعليه فلا يعتق من العبد شيء وهو مذهب أشهب، وإذا رد العتق مع تشوف الشارع للحرية فأحرى الصدقة والهبة ونحوهما، والرد
في ذلك رد إبطال فإذا طلقها لا يلزمه إخراجه بل يبقى نصفه ملكا لها، كما أنه أي الموهوب ونحوه يبقى ملكا لها إذا مات قبل أن يطلقها.
وعلم من قول المص: "عتق النصف" أنه لم يبن بها، وأما لو بني بها فإنه إذا طلقها بعد أن رد العتق أو مات بعد ذلك عتق العبد كله عليها بلا قضاء، وقوله:"عتق النصف بلا قضاء" وإذا أجابت بالعتق فهل يكمل عليها الباقي أم لا محل نظر.
وتشطر يعني أن الصداق يتشطر على الزوج أي يلزمه أن يغرم للمرأة نصفه بالطلاق قبل المس إن كان لم يدفعه لها، ويكون لها النصف يبقى لها ملكا إن كان قد دفعه لها، لقوله عز وجل:{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} ، ويأخذ النصف الآخر إن كان قائما، فإن أفاتته رجع عليها بقيمته في القوم ومثله في المثلي، وقوله:"وتشطر" بناء على أنها تملك بالعقد الجميع أو لا تملك شيئا، وكذا على أنها تملك به النصف، ويراد بالتشطر تمييزه عن النصف الثاني.
ومزيد بعد العقد يعني أن الرجل إذا زاد المرأة شيئا بعد عقد النكاح على ما أصدقها به قبل ذلك والحال أنه زاده لها على أنه من الصداق، فإن حكمه حكم الصداق في بعض الوجوه يتشطر بالطلاق قبل المس، ويتكمل بالبناء لأنه ما زاده إلا على حكم الصداق فيتشطر، سواء كان من جنس الصداق أم لا، اتصف بصفاته حلولا وتأجيلا أم لا، قبضته المرأة أم لا، فأجروه في بعض الوجوه مجرى الصداق كما رأيت، وفي بعضها لم يجروه مجرى الصداق وهو ما إذا مات الزوج أو فلس قبل قبضه فحكموا له بحكم العطية فيبطل كما يأتي فلا ترجع به الزوجة، وفهم من قوله:"بعد العقد" أن ما زيد قبل العقد أو حينه صداق أي من كل الوجوه، وقوله:"وتشطر ومزيد بعد العقد" هذا في النكاح الصحيح وفي الفاسد لعقده إذا لم يؤثر خللا في الصداق، كنكاح المحرم والنكاح بلا ولي، فهذا كالصحيح كما تقدم عند قوله:"وموت واحد" عن نوازل ابن رشد، وأعاده الزرقاني عند قوله:"وضمانه إن هلك ببينة". قاله الشيخ محمد بن الحسن. وقال الإمام الحطاب: قال البرزلي في مسائل النكاح: سئل اللخمي عمن يزيد في صداق زوجته هل ينتفع بذلك عند موت أو فراق أو فلس أو رجوع عن هبة؟ فأجاب: الزيادة لازمة للزوج ليس له رجوع
عنها ولها أخذه بذلك ما لم يقع فلس أو موت فتبطل لكونها هبة لم تقبض، قلت: ويتخرج على القول بأن الهبة جائزة غير لازمة أن له الرجوع فيها متى أحب، وعلى مذهب آخر أنها كالبيع فلا تبطل مطلقا وأحفظ هذا خارجا عن المذهب حكاه في القبس. انتهى. كلام الحطاب. ولابن عاصم رحمه الله:
وزائد في المهر بعد العقد لا
…
يسقط مما زاده إن دخلا
ونصفة يحل بالطلاق
…
من قبل الابتناء كالصداق
وموتة للمنع منه مقتض
…
فإنه كهبة لم تقبض
ونحوه في المدونة والمقدمات وابن الحاجب، وقوله:"ومزيد بعد العقد" قال الشارح: وهو المشهور، وفي الجلاب: القياس عندي أن تجب لها الزيادة ونحوه للأبهري وغيره من العراقيين. وهدية اشترطت لها أو لوليها قبله يعني أن الهدية إذا اشترطت قبل العقد أو فيه فإنها تتشطر بالطلاق قبل المس، سواء اشترطت للمرأة أو لوليها أو لغيرهما، وكذا ما أهدي قبل العقد من غير شرط أو فيه لأنها مشترطة حكما، والشرط إنما يكون قبل تمام العقد وما كان بعد تمامه فهو متطوع به، وأما ما أهدي بعد العقد لغيرها فلا يتشطر، ويكون لمن أهدي له لخبر أبي داوود: (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة، فما كان منها قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته وأخته
(1)
).
فتحصل أن الهدية على تسعة أقسام: لأن الهدية إما لها أو لوليها أو لغيرهما، وفي كل إما أن تقع قبل العقد أو فيه أو بعده، فإن وقعت قبل العقد أو فيه فحكمها حكم الصداق تتشطر بالطلاق قبل المس وتتكمل بعد البناء وهي للمرأة مطلقا، كانت لها أو للولي أو لغيرهما، فهذه
(1)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2129.
ستة أقسام وإن وقعت بعد العقد فهي لمن أعطيها من ولي أو غيره للخبر المار، وإذا كانت لها فهل تتشطر بالطلاق قبل المس أم لا؟ سيأتي حكمها في قول المص:"وفي تشطر هدية بعد العقد وقبل البناء"، وما بعد العقد لا يقال له مشترط وهذا إذا نص عليها، وأما إن لم يكن إلا مجرد العرف فهو قوله: وفي القضاء بما يهدى عرفا قولان، ويأتي الكلام على الهدية إذا حصل فسخ إن شاء الله.
وقوله: "ومزيد بعد العقد" أي مزيد للمرأة كما مر، أما ما زيد بعد العقد لغيرها فهو لمن زيد له ولا يتشطر كما يفهم من مسألة الهدية، وقوله:"قبله" أي قبل تمام العقد، فيصدق بما قبله وفيه لأنها لأجل النكاح والهبة لأجل النكاح أو البيع داخلة في حكم الصداق والثمن. قاله الشيخ إبراهيم. وقال: وأما ما أهدي للولي بعد العقد فهو له ولو فسخ النكاح ولا تشطر، وكذلك ما أهدي له بعد الدخول.
ولها أخذه منه يعني أن لها أخذ الشطر من الزوج أي شطر الصداق وشطر المزيد بعد العقد على أنه من الصداق وشطر هدية اشترطت لها أو لوليها أو غيرهما قبل العقد، وما قررته به من أن الضمير في قوله:"منه" عائد على الزوج. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي عند قوله: "منه": أي ممن هو في جهته وهو الزوج إن كان لم يدفعه والولي إن كان قبضه. اهـ.
بالطلاق قبل المسيس قوله: "بالطلاق" متعلق بتشطر والباء للسببية والظرف متعلق بالطلاق؛ يعني أن ما ذكر من مهر ومزيد وهدية اشترطت لخ يتشطر بالطلاق قبل الوطء أو ما يقوم مقامه كإقامة سنة.
وضمانه إن هلك ببينة أو كان مما لا يغاب عليه منهما يعني أن الزوج إذا طلق زوجته قبل البناء فإن الصداق إذا هلك يكون ضمانه منهما في ثلاثة أقسام: أحدها أن تقوم بينة على تلفه من غير تفريط ممن هو بيده منهما، كان بيدها أو بيده أو بيد أمين، كان مما يغاب عليه أم لا، وحينئذ فلا رجوع لأحدهما على الآخر بشيء. ثانيها أن يكون مما لا يغاب عليه ولم تقم بينة على هلاكه وإذا كان الأمر كذلك فلا رجوع لأحدهما على الآخر بشيء أيضا. ثالثها: أن يكون بيد أمين ولم تقم بينة على هلاكه ولا رجوع لأحدهما على الأخر بشيء أيضا.
وموضوع المص كما علمت أن الصداق هلك وأن الزوج طلق قبل البناء، وقوله:"أو كان مما لا يغاب عليه" أي إذا لم يظهر كذب من هو بيده منهما. قاله الشبراخيتي. وإنما لم يضمن فيما مر لأن الضمان للتهمة وقد زالت بالبينة وعدم الغيبة؛ أي بكون الصداق مما لا يغاب عليه وكونه بيد أمين، وهل يحلف من كان بيده أنه ما فرط قال المص ينبغي أن يجرى على أيمان التهمة.
ثالثها: يحلف المتهم دون غيره. قاله الشبراخيتي. وقوله: "أو كان مما لا يغاب عليه" كالحيوان والشجر والأرض والدور ونحو ذلك وما يغاب عليه كالثياب والنقود ونحو ذلك. وإلا بأن كان الصداق مما يغاب عليه وهو بيد أحدهما ولم تقم بينة على هلاكه، فضمانه من الذي بيده من زوج أو زوجة، فإذا طلق قبل البناء وتلف بيدها رجع عليها بنصفه أي بقيمته إن كان مقوما أو مثله إن كان مثليا، وإن كان بيده رجعت عليه كذلك، وإن فسخ قبل البناء ولو لغير فساد كاختيار المعتقة تحت عبد وكان بيدها رجع الزوج عليها بقيمة الصداق أو مثله، وإن تلف بيده بعد أن بني رجعت عليه بقيمته أو مثله للتهمة هنا لكونه مما يغاب عليه وهو بيد أحدهما ولم تقم بينة على هلاكه، فلم يجعلوه في هذا كالوديعة بل جعلوه كالعارية، وأما لو كان مما لا يغاب عليه أو كان مما يغاب عليه وقامت بينة على هلاكه، أو كان بيد أمين وتلف بعد البناء في هذه الثلاث فإن ضمانه يكون من الزوجة فقط لانتفاء التهمة، ويكون ضمانه أيضا من الزوج فقط فيما إذا فسخ قبل وقامت بينة على هلاكه أو كان بيد أمين أو كان مما لا يغاب عليه.
وقوله: "وضمانه إن ملك ببينة أو كان مما لا يغاب عليه" لخ، قال عبد الباقي: هو في النكاح الصحيح أو الفاسد لعقده إذا وجب فيه المسمى وطلق، فإذا وجب فيه صداق المثل أو كان فاسدا لصداقه فتقدم في قوله:"وضمنته بعد القبض إن فات". انتهى. وقال الشارح: وما ذكره المص من أن الضمان عليهما مع قيام البينة هو مذهب ابن القاسم، وقال أشهب: يضمنه من هو بيده منهما، وذكر ابن حارث قولين فيما إذا مات العبد بيد الزوجة ثم طلقها، أحدهما: قول أشهب وابن نافع أنه لا يرجع بشيء، والثاني وهو رواية أشهب أنه يرجع بنصف قيمته. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولهذه المسألة نظائر في التفرقة بين ما يغاب عليه وغيره الرهن والعارية والمبيع
بخيار والمحبوسة للثمن والمصنوع بيد الصانع ونفقة المحضون عند الحاضنة والمقسوم من التركة بين الورثة ثم ينقض القسم لدين أو غلط، ونظمها التتائي فقال:
صداق ورهن والمعار ومثله
…
مبيع خيار ثم محبوسة الثمن
وقابض إنفاق لمحضونه وما
…
لنقض اقتسام في المواريث لا تهن
وضف صانعا إن يدعي كل واحد
…
هلاكا فخذ واحفض سلمت مدا الزمن
فيضمن منها ما يغاب عليه لا
…
سواه إذا الإتلاف يحصل فاعلمن
وزاد في الشرح مسألة المغصوب وذيلها بقوله:
ومغصوب أن يشريه من غاصب له
…
ويجهل ذا ضفها له فتكملن
وتعين
(1)
ما اشترته من الزوج يعني أن الزوج إذا أصدق زوجته عينا فاشترت منه بها شيئا يصلح أن يكون جهازا لها أم لا، فإنه يتعين للتشطر ما اشترته منه نما أو نقص لا الأصل الذي هو العين، فليس له أن يطلب نصف الأصل ولا لها هي أن تجبره على نصف الأصل، وإنما يجوز بتراضيهما، قال في المتيطية: وإن اشترت بالصداق ما لا يصلح لجهازها وطلق قبل البناء رجع بنصف العين عليها ولم يكن له في المتاع شيء، إلا أن تكون ابتاعت ذلك من الزوج أو من غيره بإذنه فيكون حكمه حكم ما يصلح لجهازها، ويأخذ نصفه ولا يكون له سواه. قاله في المدونة. وهو بمنزلة ما أصدقها إياه.
قال الشيخ أبو عمران: يعني أنها بينت للزوج أنها تشتري ذلك بالصداق، قال بعض الموثقين: وقول أبي عمران هذا جيد إذا قبضت صداقها وافترقا من المجلس، ولو اشترت ذلك منه في
(1)
ساقطة من النسخ وهي موجودة في عبد الباقي والحطاب وغيرهما.
المجلس لما احتيج إلى بيان أن ذلك من الصداق. انتهى. قاله الحطاب. وقوله: "وما اشترته من الزوج صادق بصورتين، إحداهما أن يدفع لها العين أو يعينها لها فتشتري منه بها شيئا، ثانيتهما أن تكون العين المجعولة صداقا في ذمته فتأخذ من الزوج متاعا بدلها، بدليل قوله: وهل مطلقا يعني أن ما ذكره من تشطر ما اشترته من الزوج هو مذهب المدونة، واختلف الشيوخ هل تحمل المدونة على إطلاقها فيتعين تشطر ما اشترته من الزوج مطلقا ولا يجوز تشطر الأصل إلا برضى الزوجين، ومعنى مطلقا سواء قصدت المرأة التخفيف على الزوج حيث لم تلزمه العين السماة فاكتفت منه بالمتاع الذي دفعه لها بدلها أو قصدت الرغبة فيما اشترته منه بالعين التي أصدقها.
وعليه الأكثر يعني أن هذا التأويل الذي هو حمل المدونة على إطلاقها هو الذي عليه الأكثر من الشيوخ. أو إن قصدت التخفيف يعني أن من الشيوخ من قيد المدونة بما إذا قصدت المرأة بالشراء من الزوج التخفيف على الزوج بعدم إلزامه العين المسماة للصداق، وأما إن قصدت الرغبة في المشتري بفتح الراء فيتعين تشطر الأصل وهذا التأويل للقاضي إسماعيل وهي محمولة على التخفيف مع جهل الحال عند القاضي إسماعيل.
وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان جاريان فيما اشترته من الزوج يصلح أن يكون جهازا لها أم لا، كما يدل له ما في المواق ونحوه لعبد الباقي، وفي التوضيح كالحطاب ما هو ظاهر في أن محل التأويلين فيما لا يصلح أن يكون جهازا، وأما ما هو كذلك فلا ترجع إلا بنصفة لا بنصف الأصل، وقال عبد الباقي عند قول المص "تأويلان": فإنهما جاريان فيما اشترته منه يصلح لجهازها أم لا، وقصره التتائي وأحمد والشيخ سالم تبعا للشارح على ما لا يصلح لجهازها لدفع تكراره مع ما بعد، وسيأتي عن البساطي دفعه بنحو ما قررناه، وثمرة تشطير الجهاز أنه ليس للزوج طلبها بتشطير الأصل ولا لها جبره على دفع شطر النقد، وإن تراضيا على شيء من هذين عمل به هذا هو الموافق لكلام المص وهي محمولة على التخفيف مع جهل الحال عند إسماعيل القاضي والمتيطي، وعلى عدم قصده عند ابن شاس. انتهى.
وقوله: وقصره التتائي وأحمد لخ، قال محمد بن الحسن: ما قصره عليه هؤلاء هو الذي يدل عليه كلام ابن الحاجب الذي ينسج المص على منواله غالبا، ونصه: ويتعين ما اشترته من الزوج به من عبد أو دار أو غيره نما أو نقص أو تلف وكأنه أصدقها إياه، ولذلك لم يكن لها أن تعطيه نصف الأصل إلا برضاه بخلاف غيره، وكذلك ما اشترته منه أو من غيره من جهاز مثلها. انتهى. فشرح في التوضيح الأول بقوله يعني إذا أصدقها عينا فاشترت من الزوج شيئا لا يصلح لجهازها من عبد أو دار أو غيره لخ، ثم ذكر التأويلين وقال في الثاني: وأما إذا اشترت ما يصلح للجهاز فلا فرق بين الزوج وغيره فلا يرجع إلا بنصفه لأنها مجبورة على شراء ذلك. انتهى. فهو ظاهر في أن محل التأويلين ما اشتري منه مما لا يصلح للجهاز فقط، وبنحوه شرح الحطاب فهو الذي ينبغي في كلام المص لكن في المواق ما يوافق مختار الزرقاني. انتهى.
وقوله: "تأويلان" قال محمد بن الحسن: هذا التأويل الثاني للقاضي إسماعيل ورجحه ابن عبد السلام. انتهى. وقال الشبراخيتي: وكلام القاضي حسن وتأويل الأكثر بعيد جدا كما قاله ابن عبد السلام. انتهى. والله سبحانه أعلم. وقال الحطاب: الأول تأويل الأكثر كما ذكره، والثاني تأويل القاضي إسماعيل ورجحه ابن عبد السلام. انتهى. ونحوه للشارح. وقوله:"وما اشترته من الزوج" هو مذهب المدونة، وقال عبد الملك: إذا طلقها قبل البناء يرجع بنصف الأصل. ابن عبد السلام: والأصل قول عبد الملك. قاله الشارح.
وما اشترته من جهازها يعني أنه يتعين تشطير ما اشترته المرأة من غير الزوج مما يصلح أن يكون جهازا لها، "ومن" في قوله:"من جهازها تبيين لما، وبالغ على تعين ما اشترته من الجهاز للتشطر بقوله: وإن من غيره الضمير يرجع للصداق، ومن بمعنى الباء. قاله عبد الباقي؛ يعني أنه يتعين للتشطر ما اشترته من غير الزوج، وهو يصلح أن يكون جهازا وإن كانت اشترته بغير الصداق، وإن جعلت إن للمبالغة وجعل الضعير للزوج يتكرر ما قبل المبالغة مع المسألة التي قبل هذه، وحينئذ فلا تكون وإن للمبالغة بل تكون للحال؛ إذ بجعلها للحال يندفع التكرار أي يتعين للتشطر ما اشترته من جهازها، والحال أنها اشترته من غير الزوج، وأما ما اشترته من الزوج فهو قوله: "وما اشترته من الزوج".
والحاصل أن ما اشترته مما يكون جهازا يتعين للتشطر ولا فرق فيه بين شرائه من الزوج أو من غيره، ويفترقان فيما اشترته بالصداق ولا يصلح أن يكون جهازا فيتشطر إن اشترته من الزوج، فإن كان من غيره تشطر الأصل، وقال الشارح عند قوله:"وما اشترته من جهازها وإن من غيره": أي وكذا يتعين ما اشترته بالصداق مما يتجهز به مثلها، فإذا طلقها قبل البناء فليس لها إلا نصفه، وسواء كان الشراء منه أو من غيره لأنها مجبرة على شرائه، وقيد اللخمي هذا بما إذا لم يكن بها أحد العيوب الأربعة، فإن كان بها ذلك فإنه إذا طلقها أو ردها يرجع بنصف العين لأنها متعدية في الشراء، كما إذا اشترت به من غير الزوج ما لا يصلح لجهازها من عبد أو دار ونحوهما. انتهى.
وفهم من قوله: متعدية أنها تضمنه وإن هلك ببينة، كما قال الشبراخيتي: قال: فإذا أحب الزوج أخذ نصف ما اشترته أو ضمنها ما قبضته، ولم يعتبر المص تقييده، وقال الشبراخيتي عند قوله:"وإن من غيره": الواو للحال أو أن ضمير غيره للصداق، ويتصور ذلك فيما إذا اشترط عليها جهازا زائدا على مهرها أو جرى العرف به وأبقت مهرها بيدها واشترت بمثله. انتهى. وسقط الزيد فقط بالموت يعني أنه لو تزوجها وسمى لها ثم بعد عقد النكاح زادها شيئا على أنه من الصداق ومات قبل أن يبني بها وقبل أن تقبض ما زادها، فإن ذلك المزيد يسقط بموت الزوج وكذا بفلسه الحاصل قبل ما ذكر، وسقط المزيد بما ذكر، ولو أشهد الزوج عليه لأنه عطية لم تقبض إلى حصول المانع، والإشهاد الكافي في الهبة في غير هذا إنما هو إذا استصحبها قاصدا دفعها أو أرسلها وليس هذا من ذلك، ولو ماتت الزوجة فالجاري على ما في الهبة أنها تامة، سواء أشهد الزوج أم لا لحصول القبول قبل الموت، وليست كمسألة الهبة المشار إليها بقوله:"أو استصحب هدية أو أرسلها ثم مات" أو المعينة له إن لم يشهد لأنها لم يحصل فيها قبول من الموهوب له بل قبوله محتمل، واحترز بقوله:"فقط" عن المشترط في العقد من الهدية فإنها لا تسقط بالموت بل تتكمل به أو بالدخول فلها حكم الصداق من كل وجه قاله في التوضيح والشارح في الكبير. قاله الحطاب.
وبما قررت علم أن "أل" في قوله "المزيد" للعهد أي المزيد المتقدم وهو المزيد بعد العقد على أنه من الصداق. انظر الشبراخيتي. وقال الشارح عند قوله: "وسقط المزيد فقط بالموت" أي إذا زاد في صداق زوجته شيئا بعد العقد ثم مات الزوج يريد أو فلس فإنه يسقط لأنه عطية لم تقبض وهو المشهور، وفي الجلاب: والقياس عندي أن تجب لها الزيادة ونحوه للأبهري وقد تقدم. انتهى.
وفي تشطر هدية بعد العقد وقبل البناء يعني أن الزوج إذا تطوع لزوجته بهدية بعد العقد ثم طلقها قبل البناء والنكاح صحيح، فإنه اختلف هل يرجع عليها بنصفها وهو لمالك وهذا القول لا يفرق بين القيام والفوات وإن طلق بعد البناء فلا شيء له منها ولو قائمة. أو لا شيء له يعني أن من العلماء من ذهب إلى خلاف هذا فلا شيء له من هديته فلا يرجع فيها، وإن كانت قائمة طلق قبل البناء أو بعده؛ لأنه طلق باختياره ولو شاء لم يفعل فلا شيء له مما أعطى، وهي رواية ابن نافع عن مالك وبها قال ابن القاسم قيل وهو ظاهر المذهب. قاله الشارح. واقتصر عليه ابن رشد ولم يحك فيه خلافا.
وإن لم تفت أي لا شيء له من هديته الكائنة بعد العقد وإن لم تفت بأن كانت قائمة.
فرع: لو خطب شخص امرأة ودفع لها الصداق قبل العقد فتجهزت به ثم لم يحصل عقد لمنازعتهما: فالظاهر أنه يرجع بما اشترته إن أذن لها أو علم أو جرى به عرف، وإن انتفى ذلك رجع بالنقد. قاله الشيخ عبد الباقي.
وعلم مما قررت أنه إذا طلقها بعد البناء فلا شيء له فيها، وإن كانت قائمة على كلتا الروايتين. إلا أن يفسخ قبل البناء فيأخذ القائم منها الاستثناء منقطع؛ يعني أن الزوج إذا أهدى لزوجته هدية بعد عقد النكاح وقبل أن يبني بها، ثم فسخ النكاح المذكور لفساد فإنه يرجع على المرأة بالقائم من هديته دون الفائت منها فلا يرجع به، وأما إن لم يفسخ النكاح المذكور إلا بعد البناء فإنه لا يكون له شيء منها، وإلى ذلك أشار المص بقوله: لا إن فسخ بعده أي بعد البناء، وإنما لم يكن له شيء من هديته حيث فسخ النكاح المذكور بعد البناء؛ لأن الذي أهدى لأجله قد حصل والفسخ كطلاق حادث، قال الإمام الحطاب: الذي حصله ابن رشد في هذه المسألة في ثاني مسألة
من سماع أصبغ من كتاب النكاح أن من أهدى
(1)
لامرأته هدية قبل البناء ثم طلقها قبله أو بعده فلا رجوع له في هديته، وإن كانت قائمة لأنه طلق باختياره ولو شاء لم يفعل فلا شيء له فيما أعطى ولم يحك في ذلك خلافا، وأما من لم يجد النفقة فطلق عليه، فقال في السماع المذكور: لا يرجع، قال ابن رشد: وهو على أصله في أن ذلك طلاق يجب للمرأة فيه نصف الصداق، قال: وهو على قول ابن نافع الذي لا يرى للمرأة في ذلك شيئا ويرى الطلاق فيه، كفرقة الجنون والجذام يكون له أن يرجع في هديته إن كانت قائمة.
وأما إن فسخ النكاح قبل البناء فإنه يرجع في هديته إن كانت قائمة ولو كان النكاح مما يثبت بعد البناء؛ لأن ما أهدى له قد بطل كما قال سحنون في جامع البيوع فيمن وضع من ثمن سلعة باعها بسبب خوف المبتاع تلفها أو خسارته فيها فسلم من ذلك أن له الرجوع بما وضع، ومثل سماع يحيى في الأيمان
(2)
بالطلاق فيمن يؤخر في الحق بسبب فلا يتم له السبب، ولابن القاسم في الدمياطية لا يرجع بها ولو كان النكاح صحيحا فيجد في الزوجة عيبا يجب له به ردها فردها به قبل البناء لكان له الرجوع في هديته، على ما في الصرف من المدونة في الهبة لأجل البيع أنه إذا رد السلعة لعيب رد الهبة أيضا خلافا لسحنون في قوله: لا يرجع بالهبة، قال: ولا اختلاف في أنه إذا فسخ النكاح بعد البناء أنه لا شيء له في الهدية وإن كانت قائمة إلا أن تكون الهدية بعد الدخول والفسخ بحدثان ذلك فله أخذها، وأما إن طال الزمن بعد السنتين أو السنين قبل الفسخ ثم فسخ فلا شيء له، وهذا كله في الهدية التي يتطوع بها الزوج من غير شرط ولا جرى في عرف.
(3)
وأما المشترطة فحكمها حكم الصداق في جميع الأحوال والتي جرى بها العرف أجراها ابن حبيب على القول بوجوب القضاء بها مجرى الصداق يرجع بنصفها في الطلاق، فعلى قوله: إن طلق قبل أن يدفعها يلزمه نصفها وأبطلها مالك عن الزوج في الموت والطلاق، وعلى القول بأنه لا
(1)
في النسخ أصدق والمثبت من الحطاب ج 4 ص 353 ط دار الرضوان والبيان ج 5 ص 69.
(2)
في النسخ بالأيمان والمثبت من الحطاب ج 4 ص 353.
(3)
في الحطاب ج 4 ص 354 والبيان ج 5 ص 70 ولا جرى بها عرف.
يحكم بها حكمها حكم التي يتطوع بها من غير شرط. انتهى. وقال في الشامل: ولا يرجع بشطر هدية طاع بها بعده يعني بعد العقد ولو كانت قائمة على الأصح. انتهى. وقال الشيخ الأمير: وتشطر بالطلاق قبل المس كمزيد فيه بعد العقد وهدية اشترطت لها أو لغيرها قبل العقد؛ إذ الشرط إنما يكون قبل تمام العقد ولها أخذه منه إلا أن تجيزه رشيدة، وما أهدى للولي بعده له وإن فسخ وفي تشطر هدية لها بعد العقد أو لا شيء له ورجح لأن الطلاق باختياره قولان، وأخذ القائم منها ولو تغير إن فسخ قبل البناء، وأما بعد البناء فلا شيء له لأنه انتفع وقضى بالعرف في الهدية والوليمة وأجرة الماشطة على الأظهر في ذلك كله وأولى الشرط، وتعين للتشطير ما اشترته من جهازها أو من الزوج وإن لم تقصد التخفيف عند الأكثر واشترت الجهاز من غير الصداق. وقوله: روايتان فيما قبل "إلا"، ولابن عاصم رحمه الله:
وكل ما يرسله الزوج إلى
…
زوجته من الثياب والحلى
فإن يكن هدية سماها
…
فلا يسوغ أخذه إياها
إلا بفسخ قبل أن يبتنيا
…
فإنه مستخلص ما بقيا
وإن تكن عارية وأشهدا
…
من قبل سرا فله ما وجدا
ومدع إرسالها كي تحتسب
…
من مهرها الحلف عليه قد وجب
ثم لها الخيار في صرف وفي
…
إمساكها من الصداق فاعرف
ومدع الإرسال للثواب
…
شاهده العرف بلا ارتياب
قال الشيخ ميارة: يعني أن ما يرسله ويبعثه الزوج لزوجته قبل البناء من الثياب والحلى وغير ذلك ثم يقع الفراق بطلاق أو فسخ فهل يرجع الزوج بذلك أو تستبد به المرأة؟ في ذلك تفصيل، فإن سمى ذلك هدية فليس له ارتجاعه وكان للزوجة إلا إن فسخ النكاح بينهما قبل البناء بوجه من وجوه الفسخ فله حينئذ استخلاص ما بقي دون ما ضاع منها فلا تطالب به، وعلى هذا نبه
بالأبيات الثلاثة الأول، وإن أشهد الزوج سرا بأن ذلك عارية للزوجة فله استرجاع ما وجد منها في الطلاق والفسخ وبقاء العصمة، وإن ادعى إرسالها لها لتحسب له من المهر حلف على ذلك، وكانت الزوجة مخيرة بين صرف ذلك للزوج ورده له أو تحبس ذلك وتحسبه من المهر كما زعم الزوج، وإن ادعى أن ذلك هبة للثواب رجع ذلك للعرف، فإن شهد له العرف صدق في دعواه وإلا فلا.
قال في النوادر: ومن العتبية روى عيسى وأصبغ عن ابن القاسم فيمن أهدى هدية لزوجته ثم طلق قبل البناء والهدية قائمة فلا شيء له فيها: ولو عثر على فساد النكاح ففسخ فما أدرك منها أخذه وما فات فلا شيء له فيه. قاله أصبغ. ولو طلق عليه لعدم النفقة وشبه هذا فهو كطوعه بالطلاق فلا شيء له فيه، وكذلك قال ابن حبيب: إذا أهدى ثم طلق قبل البناء، وفي النوادر: من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن بعث إلى زوجته متاعا وحليا وأشهد أنه عارية ولم يعلم أولياؤها فذلك على ما أشهد، إن أدركه أخذه وإن تلف ولم تكن علمت بما أشهد حتى تقبله على العارية فلا ضمان عليها، وفي النوادر أيضا: من الواضحة: وما أهدى الناكح من حلي وثياب ثم أراد أن يحسب ذلك في الصداق فليس له ذلك إذا سماه هدية، وإن لم يسمه هديته حلف ما أرسله هدية وما بعثه إلا لينقصه من الصداق فذلك له، فإن شاءت الزوجة قاصته به أو ردته. قاله أصبغ. عن ابن القاسم. وقاله غيره من أصحاب مالك.
وفي المقرب قال مالك: وليس بين الرجل وامرأته ثواب في الهبة إلا أن يعلم أنها أرادت بذلك الثواب، مثل أن يكون الرجل الموسر تكون لامرأته الجارية الفارهة، فطلبها منها فتعطيه إياها لتستغزر عطيته، وكذلك الرجل فيما يهب لامرأته. وفي الوثائق المجموعة: فإن لم يسم هدية ولا أعلن بها وادعى أنه أرسل إليها ثيابا ليكافأ عليها فإنه ينظر إلى حال أهل البلد، فإن كان التعارف عندهم أن الرجال إنما يهدون إلى نسائهم ليكافئوا على ذلك كان القول قوله، فإن لم تكن في البلد سيرة بالمكافأة ولا ريء من الزوج أن ذلك كان منه على طلب المكافأة ولا ذكر وجها غير طلب المكافأة ولم ير في وقت الهدية ما يدل على إرادته التي ذكر لم يكن له فيها قيام. انتهى.
وفي القضاء بما يهدى عرفا قولان مبتدأ وخبره قوله في القضاء؛ يعني أنه اختلف فيما جرى به العرف أن يهدى للزوجة بعد العقد وقبل البناء كالخفاف، هل يقضى على الزوج به وهو لابن عتاب أو لا يقضى على الزوج به وهو لابن القاسم؟ فعلى القضاء يتشطر بالطلاق ويتكمل بالموت وقيل يسقط بهما، وعلى القول بعدم القضاء فهي هدية لا بد فيها من الحوز وتكون كالهدية المتطوع بها بعد العقد، وأما ما يهدى عرفا في العقد أو قبله فكالصداق، وأما ما اشترط إهداؤه فيتفق على القضاء به، وقوله:"قولان" أجرى المص عليهما ما جرت العادة عندنا به بمصر في عيد الفطر والأضحى والمواسم، واستظهر القضاء بذلك لأن العرف كالشرط. قال الشيخ عبد الباقي: وإنما كان ذلك إجراء لا من عين ما فيه القولان لأنهما فيما يهدى من تعلقات العرس كالخفاف كما مر. انتهى. وقوله: "وفي القضاء بما يهدى عرفا قولان" في المواق: لو قال المص في هذه روايتان وفي التي قبلها قولان لكان أحسن.
فرع: ذكر ابن سلمون أنه يقضى على المرأة بكسوة الزوج إذا جرى بها عرف أو اشترطت، ونحوه نقله صاحب الفائق عن نوازل ابن رشد لكن قال في التحفة:
وشرط كسوة من المحظور
…
للزوج في العقد على المشهور
وعللوه بالجمع بين النكاح والبيع: وقال ابن الناظم في شرح التحفة: ما لابن سلمون خلاف المشهور لكن جرى به العمل. نقله الشيخ محمد بن الحسن. وقال الشيخ ميارة في شرح هذا البيت: يعني أن اشتراط الزوج على زوجته كسوة له في نفس عقد النكاح محظور وممنوع على مشهور المذهب؛ لأنه جمع بين النكاح والبيع وذلك ممنوع لافتراق أحكامهما؛ لأن البيع مبني على المكايسة وتجوز فيه الهبة والنكاح مبني على المكارمة ولا تجوز فيه الهبة فافترقا، فإذا جمعا لم يدر ما ينوب البضع ولا ما ينوب الكسوة مثلا مما أعطى الزوج، فآل ذلك إلى جهل بالصداق وبعوض الكسوة والجهل في ذلك ممنوع، وقيل في وجه المنع أيضا إن الكسوة قد تساوي ما أعطى الزوج فيخلو البضع عن الصداق والقائل بهذا يمنع من ذلك، ولو كان فيما أعطى الزوج
فضل كثير على ما أعطت المرأة حماية للذرائع، فإن وقع ذلك فسخ قبل البناء وثبت بعده بصداق المثل. وفهم من قوله:"وشرط كسوة" أن ذلك يجوز طوعا بعد العقد، وللزوج يتعلق بشرط، قال الشارح: في وثائق ابن سلمون تقرير العمل بهذه المسألة وكأنه ارتكب فيها غير المشهور. والله أعلم. انتهى.
وصحح القضاء بالوليمة يعني أن بعض العلماء صحح أنه يقضى على الزوج بالوليمة وهو أبو الأصبغ بن سهل، فإنه قال: الصواب عندي أن يقضى بالوليمة على الزوج لقوله عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة
(1)
). قاله الشارح. وقوله: "وصحح القضاء بالوليمة". أي حملا للأمر في الحديث على الوجوب، والراجح ندبها كما قال ابن القاسم ولا تلزمه الوليمة إن أبى، ودرج عليه المص في باب الوليمة حيث قال:"الوليمة مندوبة"، فابن القاسم حمل الأمر في الحديث على الندب فلذلك لم يلزمه الوليمة إن أبى، فإنه قال: يؤمر بها من غير قضاء. والله سبحانه أعلم.
دون أجرة الماشطة يعني أن أجرة ماشطة رأس المرأة لا يقضى على الزوج بها ومثلها ضارب الدف والكبر والحمام وثمن ورقة النكاح، فلا يقضى على الزوج بشيء من ذلك إلا لعرف أو شرط، وترجع عليه بنصف نفقة الثمرة يعني أن المرأة إذا أصدقها الرجل ثمرة ثم طلقها قبل البناء وبعد إنفاقها على الثمرة فإنها ترجع عليه بنصف نفقة الثمرة، والعبد يعني أن الزوج إذا أصدق زوجته عبدا ثم طلقها قبل البناء فإنها ترجع عليه بنصف نفقة العبد وهو كذلك يرجع عليها بنصف نفقة الثمرة والعبد حيث أنفق على ذلك، فالحاصل أن من أنفق منهما على الصداق ثم وقع الطلاق قبل البناء فإن النفق يرجع على من لم ينفق بنصف النفقة وهذا في النكاح الصحيح، وما يأتي من أن المرأة ترجع بجميع ما أنفقت إنما هو فيما فسخ قبل البناء، وقوله:"وترجع عليه بنصف" لخ بناء على أنها تملك بالعقد النصف وقد مر أنه المشهور، وأما على أنها تملك بالعقد الجميع فلا ترجع عليه بشيء لأنه لم يملك نصفه إلا يوم الطلاق، وأما على أنها لا تملك شيئا
(1)
صحيح البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث 2048. وصحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1427.
بالعقد فإنها ترجع بجميع النفقة لأنها لم تملك نصفه إلا يوم الطلاق، قال التتائي: وهل غلة العبد والأمة بينهما أو لها فقط قولان. انتهى. نقله عبد الباقي. وقال: لكن الأول واضح على أنها تملك بالعقد النصف، والثاني إنما يظهر على أنها تملك الجميع، وأما على أنها لا تملك شيئا فزيادته ونقصانه له وعليه إلى يوم الطلاق. انتهى. وقال الشارح عند قوله "وترجع عليه بنصف نفقة الثمرة والعبد": أي إذا أصدقها ثمرة أو عبدا فأنفقت عليهما ثم طلقها قبل البناء فإنها ترجع عليه بنصف النفقة؛ لأن نصف الصداق قد تبين بقاؤه على ملكه، وقال ابن المواز وابن حبيب: لا ترجع بشيء. ابن شاس
(1)
: وقيل من أنفق يرجع منهما، وقال ابن المواز أيضا: إن كانت له غلة فالنفقة وإلا فلا رجوع لها على الزوج. انتهى.
وفي أجرة تعليم صنعة قولان يعني أن الزوج إذا أصدق زوجته رقيقا أو دابة ثم إنه طلقها قبل البناء وبعد أن استأجرت من يعلم الرقيق أو الدابة صنعة شرعية وارتفع بها ثمن ما ذكر، فإنه اختلف هل ترجع الزوجة عليه أي على الزوج بنصف ما استأجرت به على تعليم تلك الصنعة، أو لا ترجع به عليه على قولين؟ فالقول بالرجوع لمالك في المبسوط: والقول بعدمه حكاه اللخمي عن محمد، وحكاه ابن يونس عن مالك وابن القاسم، لا غير شرعية كضرب عود: ولا إن كانت هي المعلمة ولا إن لم يرتفع ثمنه بها، ومن الصنعة الكتابة، وخرج بصنعة ما إذا علمته علما أو حسابا أو قرآنا بأجرة فلا ترجع فإن هذه علوم لا صنعة، وينبغي جريانهما فيما إذا كان المعلم الزوج. قاله الشيخ عبد الباقي.
وفي الخرشي إدراج الكتابة في العلم لأنها من طرقه، وفي كتاب الشيخ الأمير ما يفيد أن الراجح من القولين الرجوع، فإنه قال مشبها في الرجوع: كأجرة تعليم الصنعة المباحة المروجة في القيمة على الأظهر من القولين في الأصل. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله "قولان": ومحلهما إذا كانت الصنعة شرعية لا كضرب عود وغناء ورقص. انتهى.
(1)
الذى في ابن شأس ج 2 ص 118 وقيل لا يرجع من أنفق على العبد بشيء وفي الشارح ج 3 ص 57 وقيل لا يرجع من أنفق منهما على العبد بشيء.
وعلى الولي يعني أنه إذا تزوج امرأة واشترط أن يبني بها في بلد غير بلد العقد، تكون مؤنة حملها وحمل جهازها على ولي المرأة من ماله لا من مالها، قال عبد الباقي والخرشي والشبراخيتي: والمراد بالولي ولي المال لا ولي العقد قال محمد بن الحسن فيه نظر: والصواب ولي العقد. انتهى. وقال الشيخ الأمير: إن المراد بالولي هنا ولي المال، واعلم أن هذا حيث كانت المرأة غير مالكة لأمر نفسها، وإنما لزم الولي ذلك لأنه مفرط بعدم اشتراط ذلك على الزوج.
أو الرشيدة يعني أن مؤنة الحمل لبلد البناء المشترط إذا كانت المرأة رشيدة فإنها تكون عليها لتفريطها بعدم اشتراط ذلك على الزوج. وقوله: "على الولي" لخ خبر المبتدأ وهو قوله: مؤنة الحمل أي حملها وحمل جهازها، والمراد بالمؤونة ما يحصل به حملها وحمل أمتعتها كأجرة ونحوها، ويتعلق بالحمل قوله: لبلد البناء المشترط صفة لبلد أي يلزم الولي في المحجورة والرشيدة أجرة الحمل إلى البلد الذي اشترط أن يبني فيه الزوج بالمرأة، وقوله:"المشترط" أي أو الجاري به عرف.
إلا لشرط مستثنى من قوله: "وعلى الولي أو الرشيدة" يعني أن الحمل المذكور محل كون مؤنته على الولي أو الرشيدة إنما هو حيث لم تشترط مؤنته على الزوج، وأما إن اشترطت على الزوج فإنها تكون عليه لا عليهما كما لو جرى العرف بأنها على الزوج فإنها تكون عليه.
ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته يعني أن المرأة الرشيدة -وسيأتي حكم غيرها- يلزمها أن تتجهز للزوج بما قبضته من الصداق إذا كان عينا ويكون ذلك الجهاز على حسب العادة، فيراعى جهاز مثلها بالنسبة لمثله من حضر أو بدو، فلو كان العرف شراء خادم أو دار لزمها ذلك. قاله الخرشي. وفي الشارح عند قوله:"ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته" ما نصه: هذا كقول مالك: إن من حق الزوج أن يلزم الزوجة أن تتجهز بصداقها. وقاله مالك. وجميع أصحابه، إلا ابن وهب فإنه قال: لا يلزمها ذلك، وحكى ابن لبابة أنها تمسك منه ربع دينار ليلا يعرى البضع عن الصداق. مالك في الموازية: وإن كان العرف أن تشتري منه خادما لزمها ذلك وتصرفه فيعحا جرى العرف به الأوكد فالأوكد، وفي المتيطية عن بعضهم: إن كان النقد عرضا أو طعاما أو حيوانا أو كتانا أو ثيابا وجب عليها أن تتجهز به بعد بيعه، وهل للأب بيع ما ساقه الزوج من
الأصول لها قبل البناء؟ لخ، وفي شرح الشيخ عبد الباقي أنه لا يلزمها أن تتجهز بالصداق إذا كان يكال أو يوزن وليس عينا وما في المتيطي عن بعض الموثقين غير معول عليه.
ابن عرفة: ولو كان النقد عرضا أو ثيابا من غير زينتها أو حيوانا أو طعاما أو كتانا ففي وجوب بيعه للتجهز به نقل المتيطي وقولُه: وقال اللخمي إن كان مكيلا أو موزونا أو خادما لم يكن عليها أن تتجهز به. ابن سهل عن ابن زرب: إن كان مهرها أصلا أو عبدا أو طعاما أو عرضا لم يلزمها بيع شيء من ذلك للتجهز به. قاله بناني. فقوله: "بما قبضته" أي إذا كان عينا كما عرفت، فلو كان دارا أو خادما فليس عليها أن تبيع ذلك لشورتها كما قاله ابن زرب واللخمي، وكذا لو كان بما يكال أو يوزن على المعتمد في ذلك كما مر. والله سبحانه أعلم.
والمراد بالجهاز هنا ما تأتي به المرأة إلى زوجها بدلا من الصداق على ما جرت به العادة في ذلك. والله سبحانه أعلم. وفهم من قوله: "بما قبضته" أنه لا يلزمها التجهيز بغير صداقها وهو كذلك، وكذا لا يلزم الأب تجهيز ابنته من ماله ولو اتسع حاله، قال في التحفة:
والأب لا يقضي اتساع حاله
…
تجهيزه لبنته من ماله
وبسوى الصداق ليس يُلْزِم
…
تجهيزًا
(1)
الثيبَ من يُحَكَم
قال الشيخ ميارة: يعني أن الأب إذا زوج ابنته البكر وكان متسع الحال فإنه لا يلزمه تجهيز ابنته من ماله؛ يعني وإنما يجهزها بصداقها خاصة، ويأتي أنه ينبغي تجهيزها بمالها من غير الصداق، قال في الوثائق المجموعة: ولا يلزم الأب أن يجهز ابنته بشيء من ماله. انتهى. قال المتيطي: وإذا قبضت المرأة نقدها من زوجها أو قبضه وليها فمن حق الزوج أن تتجهز به إليه. هذا هو المشهور من مذهب مالك وجميع أصحابه حاشا ابن وهب. انتهى. قال الإمام المازري: في المذهب رواية شاذة غريبة أنه ليدر على المرأة تجهيز بصداقها فأحرى ما سواه. ابن عرفة:
(1)
في شرح ميارة على التحفة ج 1 ص 283 تجهز الثيب.
المشهور وجوب تجهيز الحرة بنقدها العين. المتيطي: ويشترى منه الآكد فالآكد عرفا من فراش ووسائد وثياب وطيب وخادم إن اتسع لها. انتهى.
وقال في شرح البيت الثاني: يعني أن القاضي لا يلزم الثيب أن تتجهز بغير صداقها بل بصداقها خاصة، وأما بغيره فلا يلزم لكن يستحب كما يأتي للناظم، فيلزم بضم الياء مضارع ألزم ومن يحكم بفتح الكاف فاعل يلزم وتجهيزا مفعوله وبسوى يتعلق بتجهيزا، وفي مسائل النكاح من البرزلي عن ابن مغيث: إن أبان الزوج زوجته ثم راجعها لم يلزمها أن تتجهز إليه إلا بما قبضته في المراجعة خاصة وأما بنصف نقدها الذي قبضته قبل البناء فلا. انتهى. ونقله الحطاب وغيره.
ومن نوازل ابن هلال: سؤال في رجل تزوج امرأة ونقد فيها عشرين شاة وبقرة وهي ثيب وقد كان أبوها شرط أن يأخذ المال ويأكله ورضي بذلك زوجها ورضيت هي، فلما دخل الزوج قام على صهره فخاصمه على ما دفع له من مهر زوجته والمرأة لم تزل راضية بالعطية لأبيها، هل له أن يرد المال من الأب أم لا؟ وحمل هذا النكاح صحيح إذا وقع أم لا؟ جوابه: الحمد لله النكاح جائز وللزوج حق في رد الصداق الذي أصدق للزوجة المذكورة. والله سبحانه أعلم. انتهى.
إن سبق البناء يعني أنه إنما يلزمها التجهيز بصداقها العين إذا قبضته قبل أن يبني بها الزوج، سواء كان حالا أصالة أو كان مؤجلا فحل، وأما إن تأخر القبض عن البناء فإنه لا يلزمها التجهيز به سواء كان مؤجلا فحل أو كان حالا أصالة؛ لأنه رضي بعدم التجهيز بسبب دخوله قبله إلا لشرط أو عرف، وفي الشبراخيتي عن بعض الشارحين ما نصه: وكلامه يشمل ما إذا تطوع الزوج لها بتعجيله وقبلته. انتهى المراد منه.
قال مقيد هذا الشرح: قوله قبلته فيه ما فيه كما يأتي في قوله: وقضي له إن دعاها لقبض ما حل يعني أن الزوج إذا طلب من زوجته أن تقبض ما حل من الصداق لتتجهز به فإنه يقضى له بذلك ويلزمها أن تقبضه لتتجهز له به، وقوله:"ما حل" أي ما حل بالأصالة أو ما كان مؤجلا وحل. هذا هو الأشهر وهو قول ابن زرب، ومقابله المشهور لابن فتحون أنه لا يلزمها أن تتجهز بما قبضته مما كان مؤجلا وحل، قال في التحفة:
وأشهر القولين أن تجهزا
…
له بكالئ لها قد حوزا
قال الشيخ ميارة: يعني أنه إذا حل أجل الكالئ على الزوج قبل الدخول وقبضته المرأة قبل الدخول فأشهر القولين أنه يلزمها أن تتجهز به؛ لأنه صار من جملة النقد الذي يلزمها التجهز به، والمشهور المقابل للأشهر لا يلزمها ذلك، فالأشهر لابن زرب ومقابله لابن فتحون، وفي مسائل ابن زرب: لو حل الكالئ قبل البناء فدعاها الزوج إلى قبضه والتجهز به مع النقد فأبت هي من قبضه حتى يبني بها ليلا يلزمها التجهز به، قال: تجبر على أخذه وأن تتجهز به. ذكره ابن سهل. قال الشارح: وكذلك يظهر لو لم يحل أجله على قول ابن فتحون أنه ليس على المرأة أن تتجهز بكالئها: وإن قبضته قبل البناء إذا أراد الزوج دفعه وكان عينا فيلزمها قبوله دون التجهيز به، وقيدنا بالعين لأن غير العين لا يلزم قبوله قبل أجله، وأما على قول ابن زرب أنه يلزمها أن تتجهز به فلا يجوز لها قبوله؛ لأنها إن قبلته لزمها أن تتجهز به وذلك لا يجوز لأنهم يقولون: المعجل مسلف فقد أسلف لينتفع بالجهاز. انتهى.
وقال عبد الباقي عند قوله "وقضي له إن دعاها لقبض ما حل" لتتجهز به لا لما لم يحل لتتجهز به فإنه يمنع لأنه سلف جر نفعا كما في أحمد، ثم قال: فإن كان لا لتتجهز به جاز ولزمها القبول. انتهى. أي لأن العين مما يجبر رب الدين على قبولها لأن الحق فيها إنما هو لمن عليه الدين، وقال الشبراخيتي: وأما إن دعاعا لقبض ما لم يحل فإن كان لأجل التجهيز لم يلزمها وإلا لزمها، وقد مر أن المرأة يلزمها التجهيز بصداقها إن قبضته قبل البناء ولا يلزمها التجهيز بمالها خير الصداق وإنما هو مستحب كما قال ابن عاصم:
وللوصي ينبغي وللأب
…
تشويرها بمالها والثيب
يعني أنه ينبغي للأب وللوصي تشوير البكر بمالها أي غير الصداق، وأما الصداق فقد مر لزوم التجهيز به فالتجهيز بالصداق لازم وبغيره مستحب، وكذلك ينبغي للثيب أيضا أن تشور نفسها بمالها زائدا على الصداق، فقوله: والثيب عطف على للوصي. قاله الشيخ ميارة. قال: وفي طرر
ابن عات: وينبغي للأب أن يشور البكر بمالها وكذلك الوصي في اليتيمة ويشتريان لها كسوة وحليا؛ لأن ذلك نظر لها وصلاح ويرغب الناس فيها ولا يجبران على ذلك. انتهى.
وقوله: "إن دعاها لقبض ما حل" محله ما لم يكن الزوج علق طلاقها أو طلاق من يتزوج عليها أو عتق من يتسرى عليها على إبرائها له من قدر معين من صداقها الحال عليه، وإلا فلا يلزمها أن تقبض ذلك القدر المعلق عليه ما ذكر ولا يقضى عليها لتعلق حقها فيه ويقضى عليها بقبض ما عدا ذلك. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشيخ الأمير: ولزمها جهاز العادة إن قبضت قبل البناء وقبض ما حل لتتجهز به إلا لتعليق على الإبراء لأن لها حقا حينئذ في البقاء؛ كإن تزوجت عليك أو إن أبرأتني فأمرها أوأمرك بيدك. انتهى.
إلا أن يسمي شيئا مستثنى من قوله: "بما قبضته" يعني أن لزوم تجهيزها بما قبضته محله حيث لم يسم الولي شيئا أزيد مما قبضته أو أقل باشتراط من الزوج أو بغير اشتراط منه، وأما إن سمى الولي شيئا من ذلك المسمى يلزم ويقضى به، وكذا يلزمها أيضا أن تتجهز له بأكثر مما قبضته حيث جرى به العرف، وعبارة الأمير: ولزم ما سماه من الجهاز وفي حكمه أن يسمَّى له. انتهى. وعبارة الشبراخيتي إلا أن يسمي أحد الزوجين شيئا أو يجري عرف بشيء من نقص أو زيادة، كما أفتى به المازري فيلزم ما سمى أو جرى به العرف. انتهى.
ولا تنفق مسند يعني أن الزوجة ليس لها أن تنفق من صداقها الذي قبضته قبل البناء لأنه يجب عليها أن تتجهز به حيث كان الصداق عينا كما مر، وأما الذي قبضته بعد البناء فإن لها ذلك فيه، وتقضي دينا يعني أنه كما لا يجوز لها أن تنفق من صداقها الذي يلزمها التجهيز به، لا يجوز لها أن تقضي منه دينا عليها لحق الزوج في الجهاز، وقوله: إلا المحتاجة راجع لقوله: "ولا تنفق منه" يعني أن المرأة ليس لها أن تنفق على نفسها من الصداق الذي يلزمها التجهيز به إلا أن تكون محتاجة أي ذات فاقة فإنها تنفق منه، قال الشبراخيتي: فتنفق منه ولو استغرقته في النفقة، ثم إن طلقها وهي معسرة اتبع ذمتها. قاله بعض الشارحين. وقال الزرقاني: أي فتنفق منه بالمعروف. قاله مالك. انتهى. والظاهر من كلامهم أنها لا تستغرق جميعه في النفقة.
وكالدينار راجع لقوله: "وتقضي دينا" كما أن ما قبله راجع لقوله: "ولا تنفق منه"، فالاستثناء فيهما على اللف والنشر المرتب، وتقدير الكلام: ولا تنفق منه إلا المحتاجة ولا تقضي دينا إلا كالدينار؛ يعني أنه لا يجوز للمرأة أن تقضي دينها من الصداق الذي يلزمها التجهيز به إلا ما هو خفيف كالدينار ونحوه من صداق كثير وإلا قضت منه بحسبه، وانظر ما ضابط ذلك وعلى الزوج حيث ارتكبت النهي وأنفقت جميعه أوأبقت منه يسيرا الغطاء والوطاء. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي عند قوله "كالدينار": والدينارين والثلاثة كما رواه محمد. ونقله ابن رشد. أي فيما يتحمل ذلك عرفا، فرب صداق قليل لا يتحمل ثلاثة دراهم ورب صداق كثير كألف دينار فالعشرة منها قليل، وهو لف ونشر مرتب، وأما بعد البناء فتقضي دينها من شوارها وكالئ صداقها من غير حد. انتهى.
ولو طولب بصداقها لموتها يعني أن الزوج إذا رفع في صداق زوجته لكونه سمى أن تتجهز له بما فوق العادة أو رفع فيه ليسارها ولأنها تسوق إلى بيتها من الجهاز ما جرت به عادة أمثالها، ثم إن المرأة ماتت قبل أن يبني بها الزوج فطالبه الورثة بقدر ميراثهم من الصداق، فلما طالبوه بذلك طالبهم أي الزوج الورثة بإبراز إحضار جهازها الذي اشترطه أو جرت به عادة أمثالها أي طالبهم بإحضاره ليعرف قدر إرثه منه أو بقيمته إن لم يحصل منهم تجهيز: لم يلزمهم أي لم يلزم الورثة الزائد المشترط أو الجاري به عرف، ويسقط عن الزوج من الصداق ما زاده لأجل الجهاز، فإذا أصدقها ثلاثمائة نصفها كالئ ونصفها حال فماتت قبل البناء وبعد أن قبضت النصف، فذهب والدها إلى أن يأخذ ميراثه في ابنته من صداقها وأبى الأب أن يبرز من ماله ذلك القدر الذي يبرز لها لو كانت حية، فإنه لا يجبر على ذلك ولا يلزم الزوج إلا صداق مثلها، على أن لا يكون جهازها إلا بقيمة ما قبض.
قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر أنه كذا الحكم لو ماتت قبل القبض والبناء، فإن الورثة إذا امتنعوا من دفع الزائد ليس لهم إلا قدر ميراثهم من صداق مثلها على أنها ساقط من جهازها قدر الزائد. انتهى. ولو اطلع على ما دون المشترط أو المعتاد قبل البناء وهي حية خير في دفع المسمى والبناء بها وفي مفارقتها ولا شيء عليه، ولو طلق قبل البناء وقبل أن يعلم أنهم جهزوها بما دون
المشترط أو المعتاد فعليه نصف المسمى، فإن لم يطلع على ما دون المشترط أو المعتاد إلا بعد البناء جبر الولي على ما سمى إلا أن يحصل موت أو فراق فعليه مهر المثل.
وقد أحسن الشيخ الأمير في بيان هذه المسألة، فقال: وإن سمى فوق العادة وزاد الصداق لذلك فماتت لم يلزمهم إلا المعتاد وحط عنه ما زاده لذلك، وإن منعوا المسمى قبل البناء لم يلزمهم فله الطلاق بلا
(1)
شيء إن لم يرض لأنه بمثابة الرد بالعيب، فإن طلق ولم يعلم منعهم فنصف المسمى على الظاهر، وإن دخل أجبر الأولياء على ما سمى إلا أن يحصل موت أو فراق فعليه مهر المثل ولا يجبرون على القول يعني أن عدم اللزوم هو الذي قاله عبد الحميد، قال: لأن الأب يقول هب أن الآباء يفعلون ذلك في حياة بناتهم رفعا لقدرهن وتكبيرا لشأنهن وحرصا على الحظوة عند الزوج، فعند موت الابنة ينتفي ذلك كله واختاره تلميذه المازري مخالفا لشيخه وخالة اللخمي، فإنه قال بعد كلام: وقد نزلت هنا نازلة منذ خمسين فاختلف فيها شيخان، وهي: إذا ماتت الزوجة البكر قبل الدخول بها، فلما طلب الأب الصداق طلب الزوج الميراث من القدر الذي تتجهز به، فأفتى عبد الحميد بأن ذلك ليس على الأب، وأفتى اللخمي أن ذلك عليه، ثم قال: وقد تكلمت مع اللخمي لما خاطبني في هذه المسألة فأجبته بما تقدم يعني من قول عبد الحميد: هب أن الآباء لخ.
ولأبيها بيع رقيق ساقه الزوج لها يعني أن الزوج إذا أصدق زوجته رقيقا أو غيره من الحيوان فإنه لا يجب على وليها حيث كانت مولى عليها أن يبيعه لأجل أن تتجهز به، ولا يجب عليها هي ذلك إن لم تكن مولى عليها، بل يجوز لها أوله بيعه لذلك ولا يجبران عليه إلا لشرط أو عرف، وقوله:"ولأبيها" الخ هكذا روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وزاد فيها: والمرأة كذلك والرقيق وغيره سواء، ويشتري بثمنه جهازا من حلي وغيره.
وقوله: للتجهيز متعلق ببيع لا بساقه؛ إذ لو ساقه للتجهيز لوجب بيعه لأجله، وقوله:"ولأبيها" لخ فإذا لم يبعه فعلى الزوج أن يأتي عند البناء بما يحتاج إليه من غطاء ووطاء،
(1)
في النسخ فلا والمثبت من الأمير ج 2 ص 356.
والظاهر أنه يعتبر كونهما مناسبين لحالهما. قاله الشبراخيتي وغيره. ولو قال المص: كرقيق، لكان أحسن ليشمل غير الرقيق من الحيوان.
وفي بيعه الأصل قولان يعني أنه اختلف على قولين فيما إذا أصدق الزوج المرأة أصلا أي عقارا ساقه لها قبل البناء، هل يجوز لأبيها بيعه على وجه النظر والسداد أو يمنع أي إذا منعه الزوج، والقول الأول حكاه غير ابن بشير أن له ذلك على وجه النظر، والقول الثاني حكاه ابن بشيرة ومحل القولين حيث لم يجر عرف بالبيع أو بعدمه وإلا اتبع، كما أن محل القولين حيث منع الزوج، ففي المتيطي: وأما ما ساقه الزوج إليها من الأصول فهل للأب بيعه قبل البناء بابنته أم لا، حكى القاضي محمد بن بشير أنه ليس له ذلك للمنفعة التي للزوج فيه، وقال غيره: له أن يفعل في ذلك ما شاء على وجه النظر ولا مقال للزوج ويجوز ذلك لها إن كانت ثيبا، فإن طلقها قبل البناء بها كان عليه نصف الثمن إن لم تحاب. انتهى. وعلى القول بعدم البيع فيأتي الزوج بالغطاء والوطاء، ومثل الأب فيما مر الزوجة إذا كانت غير مولى عليها.
وقبل دعوى الأب يعني أن المرأة إذا بني بها الزوج ومعها جهازها ثم ادعى بعض أهلها أن بعضه له وإنما أدخلها به عارية وخالفت الابنة في ذلك أو وافقت وهي سفيهة، فإنه لا يقبل قول غير الأب ويقبل دعوى الأب كان ما ادعاه معروفا له أم لا، فقط أي إنما يقبل قول الأب دون غيره من الأقارب كالجد والجدة والأم وغيرهم، فلا يقبل قول واحد منهم إلا فيما عرف أن أصل المتاع له، ومثل الأب في قبول قوله وصية أما أو غيرها، ويتعلق بقوله "قبل" قوله: في إعارته وقوله: لها متعلق بإعارته، والمعنى أنه يقبل قول الأب فيما إذا ادعى أن بعض الجهاز له وأنه أعاره لابنته البكر أو السفيهة، وسواء كانت الابنة حية أو ميتة والضمير في "إعارته" للأب، وفي "لها" للابنة، وإنما تقبل دعوى الأب بثلاثة شروط: أحدها أن تكون دعواه في السنة وتحسب من يوم ابتناء الزوج بها لا من يوم العقد، ثانيها أن تكون مولى عليها بكرا أو ثيبا، ثالثها أن يبقى بعد ما ادعاه من العارية ما يفي بجهازها المشترط أو المعتاد ولو أزيد من صداقها، فإن لم يكن فيما بقي وفاء فقال ابن حبيب: يحلف ويأخذه ويطالب بإحضار كفاف ما أصدق الزوج،
وقاله ابن المواز، وقال في العتبية: لا يقبل منه إلا أن يعرف أن أصل المتاع للأب فيحلف ويتبع بالوفاء، واقتصر عليه ابن عرفة والتوضيح. والأب والأجنبي فيما عرف أصله سواء.
وقوله: "وقبل دعوى الأب" أي سواء ادعى أنه له أو استعاره لها من غيره؛ لأن العرف جرى بذلك، وأفتى ابن عرفة بأن الأم كالأب خلاف ما قدمته، وما قدمته هو ما اختاره البرزلي مخالفا لشيخه ابن عرفة، قال: أوقفت الشيخ على هذا النقل المفيد أن الأم غير الوصية لا يقبل قولها، فوقف عن فتواه الأولى وأمر بالصلح أي صلح أم البنت مع بنتها والبكر المرشدة كالثيب الرشيدة، واستظهر بعض أن المهملة هنا كالولى عليها. قاله عبد الباقي.
والظاهر أنه مبني على فتوى ابن عرفة التي وقف عنها، وقوله:"في السنة" معناه أنه ادعى أنه أعاره لها ولم تتم السنة من يوم الابتناء، ومفهوم قوله:"في السنة" أنه لا يقبل قوله بعد السنة وهو كذلك كما سيقوله المص ولا يمين على الأب بل هو مصدق في دعواه الإعارة في السنة دون يمين، خلاف ما قاله المص.
بيمين لأن القائل بقبول قوله في السنة دون ما بعدها يقول: يقبل قوله بلا يمين، وثم قول يقول بقبول قوله بيمين في السنة وبعدها بشهرين وثلاثة، والمص قيد القبول بالسنة وحكم باليمين وبالغ على قبول قول الأب بقوله: وإن خالفته الابنة يعني أنه يقبل قول الأب في السنة، وإن خالفته الابنة وادعت أنه لها، وقوله: وإن خالفته الابنة هكذا قال في النوادر عن ابن القاسم؛ لأنه قال: الأب في ذلك مصدق سواء صدقته الابنة أو كذبته، وقال أيضا: ولا ينظر إلى إنكارها ولا إنكار الزوج. قاله الشارح. وفي ذكره المص هو المشهور.
وقال أبو إسحاق بن إبراهيم: العشرة أشهر عندي كثير تقطع حجة الأب. انتهى. وفي الدمياطية أنه إنما يصدق في العارية إذا كان على أصل العارية بينة قربت المدة أو بعدت وإلا لم يصدق. قاله الحطاب. قال: ومثل الأب الوصي فيمن في ولايته من بكر أو ثيب مولى عليها، وأما الثيب التي ليست في ولايته فهو في حقها كالأجنبي، وكذا سائر الأولياء غير الأب في البكر والثيب لا يقبل قولهم إذا خالفتهم المرأة أو وافقتهم وكانت سفيهة، وفي العتبية: فلو زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ومضى لدخولها حين، ثم قام الأب فادعى بعض ما جهزها به وزعم أنه إنما
كان عارية منه ليجملها به، وصدقته الابنة أو أنكرت ما ادعى وزعمت أنه لها من جهازها، قال: القول قول الأب إذا قام بحدثان ما ابتنى الزوج بها، وليس للزوج مقال والأب مصدق ولا يلتفت إلى إنكار الابنة في ذلك ولا إلى إقرارها؛ لأن هذا من عمل الناس معروف ذلك من شأنهم يستعيرون المتاع
(1)
فيتجملون به ويكثرون بذلك الجهاز إذا كان فيما بقي من المتاع وفاء بالمهر. انتهى.
لا إن بعد يعني أن الأب إذا لم يدع الإعارة إلا بعد السنة لا يقبل قوله، ومحل عدم قبول قوله فيما بعد السنة إنما هو حيث لم يشهد بالإعارة قبل البناء أو بعده وقبل تمام السنة، وأما إن أشهد بالإعارة قبل البناء فيقبل قوله فيما بعد السنة بلا يمين، وإن كان إشهاده بالعارية بعد البناء وقبل تمام السنة فلا بد من اليمين. قاله الشبراخيتي وغيره.
والحاصل أن الأب إن أشهد بالعارية قبل البناء أو بعده وقبل مضي السنة فإنه تقبل دعواه ويأخذه ولو طال بيمين في الثانية وبلا يمين في الأولى والأب والأجنبي في هذا سواء، وسواء أعلم الابنة بالإشهاد أم لا وهو معنى قولهم: سواء أشهد بأصل العارية أو بالعارية، فالإشهاد بأصل العارية الإِشهاد على البنت بها، والإشهاد بالعارية أن يشهد أن هذا الشيء أعاره لابنته من غير حضورها. انظر الشبراخيتي.
وفي عبارة غير الشبراخيتي: والإشهاد بأصل العارية إشهاده على البنت بإعارته لها شيئا ومعاينة البينة للدفع لها: والإشهاد بالعارية إشهاده أن هذا بعينه أعاره لبنته بغير حضورها، سواء علمت أم لا، وغير الأب إذا أشهد بأصلها فقط ينفعه أيضا لكن الانتفاع بالإشهاد بعد الدخول مخصوص بالأب والوصي في البكر والثيب الولى عليها. نص عليه الحطاب. وإن أتلفته الابنة وقد أشهد الأب بالعارية، فإن كان ذلك الإتلاف في حال سفهها فلا ضمان وإن أتلفته بعد رشدها ضمنته. قاله المتيطي. نقله محمد بن الحسن.
فإن صدقته ففي مثلها يعني أن الأب إذا بعد قيامه فيما بيد ابنته من الجهاز بأن قام بعد السنة وادعى أن بعضه عارية، فإن كانت سفيهة فلا فرق في عدم قبول قوله بين أن تصدقه وبين أن
(1)
في النسخ الناس والمثبت من الحطاب ج 4 ص 356 ط دار الرضوان.
تكذبه، وإن كانت رشيدة وخالفته لم يقبل قوله كما مر، وإن صدقته في أنه أعاره لها فإن ذلك يكون له بشرط أن لا يكون زائدا على ثلثها، فإن زاد عليه فللزوج رد إقرارها بما زاد على ثلثها عند ابن الهندي، واقتصر عليه في التوضيح، وظاهر النوادر أن تسلطه يسري إلى الجميع، وقوله:"فإن صدقته ففي ثلثها" هذا حيث لم يشهد، فإن أشهد أخذه متى شاء صدقته أو كذبته.
وفي الحطاب بعد جلب كلام: وحاصله أنه إذا بعد ولم يشهد فلا يقبل قوله إذا كذبته الابنة وكذا إن صدقته وكانت سفيهة، وإن كانت رشيدة وصدقته ففي ثلثها إذا كان على وجه العطية، وإن لم يكن على وجه العطية فقال القرافي في الذخيرة: قال في النوادر: قال عبد الملك: إذا أقرت في الجهاز الكثير أنه لأهلها جملوها به، فإن لم يكن إقرارها بمعنى العطية نفذ وبمعنى العطية رد إلى الثلث، وإذا كان هذا في أهلها فأحرى الأجانب. انتهى. ويأتي عن الرهوني في باب الإقرار ما يخالف هذا، وفهم من قول المص:"ولم يشهد" أنه لو أشهد نفعه ذلك وإن طال، وقد مر أنها إن أتلفته في حال سفهها لم تضمنه وإلا ضمنته.
قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته فيخرج جهازا وشوارا ويقول: أشهدكم أن هذا عارية في يد ابنتي ولم يروا البنت ولم تحضر فطلب الأب المتاع والشورة بعد ذلك فلم يقدر عليه عند ابنته وقد أشهد الشهود أنه أدخله بيت زوجها، فقال: إن كانت بكرا وقد علمت بالعارية فلا ضمان عليها إلا أن يكون هلاكه يوم هلك بعد أن رضي حالها فهي ضامنة إلا أن يكون طرقها من ذلك أمر من الله عز وجل تقيم عليه بينة، وإن لم تكن علمت بذلك فلا شيء عليها أصلا وإن حسنت حالها، وإن كانت ثيبا فعلمت بذلك فهي ضامنة، وإن لم تعلم فلا ضمان على واحدة منهما الثيب والبكر فيما لم تعلم ولم تقبله على وجه العارية، ولا شيء على الزوج في هذا كله إذا لم يستهلك شيئا من ذلك.
والحاصل أنه لا ضمان عليهما أي البكر والثيب فيما تلف إلا أن تعلم المالكة منهما لأمر نفسها بالعارية فتضمن ما تلف إلا ببينة، وعلم مما تقدم أن الأب إذا أشهد على الشورة أنها عارية ثم قام يطلبها كان له ذلك وإن كانت ثيبا رشيدة، وعلى هذا يكون حكم سائر الأولياء كذلك مع
الإشهاد، وأنه إن تلف شيء من ذلك لم يكن عليها شيء إلا أن تعلم المالكة لأمر نفسها أن ذلك عارية فتضمن ما تلف إلا لبينة. انظر الحطاب. ولابن عاصم رحمه الله:
والأب إن أورد بيت من بني
…
ببنته البكر شوار الابتنا
وقام يدعي إعارة لما
…
زاد على نقد إليه سلما
فالقول قوله بغير بينه
…
ما لم يطل بعد البنا فوق السنة
وإن يكن بما أعار أشهدا
…
قبل الدخول فله ما وجدا
وفي سوى البكر ومن غير أب
…
قبول قول دون إشهاد أبي
ولا ضمان في سوا ما أتلفت
…
مالكة لأمرها العلم اقتفت
وحاصل البيت الأخير أنه لا ضمان على البنت المذكورة إلا في وجه واحد وهو إذا علمت بالعارية وكانت رشيدة، أما الجاهلة بالعارية فلا ضمان عليها ولو كانت رشيدة وكذا العالمة بها وهي محجورة فلا غرم عليها أيضا. قاله الشيخ ميارة وغيره.
واختصت به أي بالشوار الزائد على الصداق؛ يعني أن الأب إذا شور ابنته بشورة تزيد على ما أصدقها به الزوج ثم مات الأب، فإن البنت تختص عن ورثته بجميع تلك الشورة، أما قدر الصداق فالأمر فيه ظاهر إذ لا تنازعها الورثة فيه وتختص به من غير شرط، وأما الزائد على قدر الصداق فإنها تختص به بشرط حصول أحد أمور ثلاثة، أشار لأحدها بقوله: إن أورد ببيتها يعني أنها تختص بالشوار الزائد على الصداق عن الورثة بشرط أن يوضع الجهاز أي الشورة ببيتها الذي بني بها الزوج فيه قبل موت الأب وإن لم يحصل إشهاد بإيراد قبل موت أبيها إلى بيتها يحمل على الهبة، وكونها ببيتها قبل موت الأب من أعظم الحيازة فتختص به وإن لم يحصل إشهاد.
وقوله: "إن أورد" أي وضع أو وجد، وليس المراد حمل خلافا للتتائي لأنه لا يلزم من حمله لبيتها وضعه فيه. قاله الشبراخيتي. وقال عند قوله "ببيتها" في نصه: الخاص بها وهو الذي
بنى الزوج بها فيه؛ لأن ذلك من أعظم الحيازة فهو كتحلية الأب ولده، وظاهره وإن لم يشهد أنه لها وهو كذلك. انتهى. ولا فرق بين أن تكون رشيدة أو سفيهة.
أو أشهد لها يعني أن الابنة كما تختص عن الورثة بزائد الجهاز إن أورد ببيتها تختص به أيضًا عنهم إن أشهد الأب بالجهاز أنه لها، فلا يشترط معه الحوز كانت الابنة رشيدة أو سفيهة، ولا يضر إبقاؤه بعد الإشهاد تحت يد الأب وحوزه. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: أو أشهد الأب بذلك لها وهو مما يعرف بعينه، وأما ما لا يعرف بعينه فلا يفيد فيه الإشهاد كذا في الحاشية، وهذا إذا كانت في حجره، وأما الرشيدة فلا يكفي فيها الإشهاد. انتهى.
أو اشتراه الأب لها يعني أن الابنة كما تختص بالجهاز المذكور عن الورثة بأحد الأمرين المتقدمين تختص عنهم به أيضًا إذا اشتراه الأب لها من ماله ومات وهو منسوب إليها والورثة مقرون بأنه كان يذكر أنه شورة لها أو قامت بينة بذلك، ومحل اختصاصها عن الورثة به في هذا الأخير إن وضعه الأب عند كأمها أو زوجة أبيها ونحو ذلك كخالتها وجدتها، فإن هذا الموضع قائم مقام الحوز ولا خصوصية للشراء بذلك، بل لو صنعه لها أو صنعته هي أو نحو ذلك ومات وهو ينسبه لها لاختصت به أيضًا حيث وضعه عند كأمها، قال الشبراخيتي: وخص المص الشراء وإن كان ما صنعته في بيت أبيها أو صنعته أمها كذلك لفهم ذلك من مسألة الشراء بالأولى.
والحاصل أنَّها تختص بالجهاز الزائد على قدر الصداق إن حصل أحد أمور ثلاثة: وضعه ببيتها وإشهاد الأب أنه لها وشرائه لها، ونحوه مع وضعه عند كأمها حيث أقر الورثة بأن الأب كان يقول إنه شورة لها، أو قامت بينة بذلك، فمتى حصل واحد من هذه الثلاثة اختصت به؛ لأنه في الأولى يحمل على الهبة وقد حازتها، وفي الثانية: الإشهاد لها قائم مقام الحوز، وفي الثالثة: وضعه عند كأمها كاف في الحوز أيضًا، ولابد في هذا الأخير من إقرار الورثة بأن الأب كان يذكر أنه لها، أو قيام البينة بذلك وقيام البينة في هذا غير الإشهاد المتقدم كما هو ظاهر؛ إذ الإشهاد المتقدم كاف في الحوز وهنا لم يحصل إشهاد بل قامت بينة بأن الأب كان يذكر أنه شورة لها كما لبناني رادا على عبد الباقي.
ابن أبي زمنين في الأب يشتري ذلك يعني الجهاز لابنته ثم يموت فيريد الورثة الدخول معها إلَّا أنهم مقرون أن ذلك كان مسمى لها ومنسوب إليها فلا دخول لهم فيه، وحوز مثل هذا أن يكون بيد الابنة أو بيد الأم، ومثل الأم في ذلك زوجة الأب والخالة والجدة ونحوهن إذا وضعه عند إحداهن. نقله الشارح. قال: ولهذا قال: عمد كأمها. انتهى.
فرع: قول الأب في شيء يعرف له هذا كرم ولدي أو دابة ولدي ليس بشيء ولا يستحق منه الابن شيئًا إلَّا بالإشهاد بهبة أو صدقة صغيرا كان الابن أو كبيرا، وكذلك المرأة نقله محمد بن الحسن عن التوضيح وغيره عن كتاب ابن مزين. قال: قال الناصر اللقاني: لعل ما هنا من الاكتفاء بالتسمية مخصوص بالشورة؛ لأن الغالب أن الشورة إنما تشترى وتسمى للبنت بقصد الهبة والتمليك فقد نقل في التوضيح وغيره عن كتاب ابن مزين في الهبة، [لرجل
(1)
] قال لولده: اجعل في هذا الموضع كرما أو جنانا أو ابن فيه دارا ففعل الابن ذلك في حياة أبيه والأب يقول كرم ابني أو جنان ابني أن القاعة لا تستحق بذلك وهي موروثة وليس للابن إلَّا قيمة عمله منقوضا، قال ابن مزين: وقول الرجل في شيء ويعرف له هذا كرم ولدي أو دابة ولدي لخ.
وإن وهبت له الصداق يعني أن الزوجة الرشيدة إذا وهبت الصداق المسمى للزوج بعد العقد وقبل البناء، والحال أنَّها لم تقبض منه شيئًا فإنه إذا أراد البناء يجبر على دفع أقلّ الصداق وهو ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو عرض مقوم بالأقل منهما، وأما إن لم يرد البناء بأن طلق فلا شيء عليه ويستمر الصداق ملكا له، ويلغز بها فيقال: شخص طلق قبل البناء في نكاح صحيح فيه تسمية ولا عيب بأحدهما ولم يلزمه نصف الصداق، وأما إن وهبت له الصداق بعد أن قبضتة منه فحكمه حكم الصداق الموهوب بعد البناء فلا يجبر على دفع أقله، وقوله:"وإن وهبت له الصداق" قد علمت أنه لابد من دفع أقلّ الصداق حيث أراد البناء، فإن دفعه كفاه سواء كان من الصداق الموهوب أو من غيره، وقوله:"وإن وهبت له الصداق". المتيطي: ولابد من إشهاد الزوج بالقبول، قال: وهو في معنى الحيازة فيه إن لم تكن قبضته، فلو ماتت قبله بطلت الهبة على قول ابن القاسم وبه العمل. نقله بناني.
(1)
كذا في النسخ والذي في البناني ج 4 ص 35 في رجل.
أو ما يصدقها به يعني أن الزوجة إذا وهبت للرجل ما يتزوجها به من خالص مالها قبل العقد فإنه يعيده لها، ويجبر على دفع ربع دينار لها من ماله الخاص به لا مما وهبته له؛ لأنَّها إنما دفعته له على أن يعيده لها فخروجه من يدها وعوده لها يعد لغوا، وإنما يجبر على دفع أقله إن أراد البناء فإن طلق في هذه فلا شيء عليه ولا عليها، ويلغز بها أيضًا فيقال: شخص طلق قبل البناء في نكاح التسمية ولزمه جميع الصداق، وقوله:"أو ما يصدقها به" يشمل ما إذا وهبته له بعد العقد أيضًا ويجري فيه ما ذكرته. والله سبحانه أعلم. انظر حاشية الشيخ بناني.
وقوله: قبل البناء متعلق بقوله: "وهبت" وقوله: جبر على دفع أقله جواب الشرط فهو راجع للمسألتين؛ أي يجبر الزوج على دفع أقلّ الصداق فيما إذا وهبت له الصداق قبل البناء وفيما إذا وهبت له ما يصدقها له وقد تقدم ذلك، ويأتي معنى قوله:"إلَّا أن تهبه له على دوام العشرة" هنا أقي في قوله: "وإن وهبت له الصداق أو ما يصدقها به". انظر حاشية الشيخ بناني. وعزاه للتوضيح.
وبعده يعني أن الزوجة الرشيدة إذا وهبت لزوجها الصداق بعد البناء فإن ذلك كالعدم أي لا يؤثر خللا في النِّكَاح بل هو صحيح، وسواء وهبته له كله أو بعضه ولو لم يبق منه ربع دينار كما يفهم من هبة كله بالأولى فتصح الهبة، ويصح النِّكَاح لتقرره أي الصداق بالوطء ومثل هبة الصداق له بعدالبناء هبتها له بعد قبضه كما مر قريبا.
أو بعضه يعني أن الزوجة الرشيدة إذا وهبت بعض الصداق لزوجها قبل البناء فإن الموهوب كالعدم؛ أي لا يؤثر ذلك في صحة النِّكَاح لكون البعض الباقي هو الصداق حيث كان ربع دينار فأكثر وإلا فلابد من إتمامه، وقد علمت أن هذا إذا وهبته له قبل قبض الصداق، وأما بعد قبضه فهبتها له كهبتها بعد البناء كما نص عليه الشيخ عبد الباقي وقد مر قريبا.
وبما قررت علم أن قوله: فالموهوب كالعدم راجع للمسألتين أي هبة الصداق بعد البناء وهبة بعضه قبل البناء، ومعناه في الأولى أنه لا يؤثر خللا في النِّكَاح من جهة الصداق، وفي الثانية
(1)
أن الباقي هو الصداق حيث كان الباقي ربع دينار. والله سبحانه أعلم.
إلَّا أن تهبه له على دوام العشرة مستثنى من جميع ما تقدم من قوله: وإن وهبت له الصداق أو ما يصدقها به" إلى هنا. انظر حاشية الشيخ محمد بن الحسن؛ يعني أن محل ما تقدم من عدم رجوعها عليه بما وهبته له في المسائل الأربع إنما هو حيث لم يكن ذلك على قصد دوام العشرة، وأما إن وهبته له على قصد دوام العشرة وطلقها قبل حصول مقصودها فيرده لها لشبهها بالعطية، قال الشبراخيتي: وهذا إذا خالف عن قرب، وأما إذا خالف عن بعد بحيث يرى أنه حصل غرضها فلا ترجع، والسنتان والثلاثة بعد، ومثل الهبة على دوام العشرة الهبة على حسن العشرة. انتهى. وصنيع عبد الباقي يقتضي أن قوله: "إلَّا أن تهبه له" مقيسة على المسألة التي بعدها؛ لأنه قال عند قوله: "على دوام العشرة" ما نصه: وطلقها قبل حصول مقصودها فيرده لها لشبهها بالعطية، كما قال: كعطيته لذلك ففسخ يعني أن الزوجة إذا أعطت لزوجها مالا على قصد دوام العشرة فإذا نكاحهما فاسد ففسخ لذلك فإنها ترجع عليه بما أعطته: وخص الفسخ الجبري تنبيها على أن الطلاق الاصطلاحي أحرى، وظاهر المص الرجوع بما أعطته ولو كان الفسخ لعيب خيار بها عالمة أم لا، ومحل المص حيث فارق بالقرب، وأما بالبعد كالسنتين بحيث يرى أنه حصل غرضها فلا ترجع وفيما بين ذلك ترجع بقدره. قاله عبد الباقي.
وقال: وهذا ما لم يكن فراقها لأجل يمين نزلت به ولم يتعمدها فلا رجوع خلافا للخمي. انتهى. قوله: وهذا إذا فارق بالقرب لخ، قال محمد بن الحسن: هذا التفصيل ذكره اللخمي وابن رشد، ونص عليه في سماع أشهب وهو ما إذا أعطته مالا أو أسقطت من صداقها على أن يمسكها ففارقها، أو فعلت ذلك على أن لا يتزوج عليها فطلقها، أما إن فعلت ذلك على أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى، فقال الحطاب في الالتزامات: ظاهر كلامه في المدونة أنه إن تزوج عليها أو نسرف فلها أن ترجع عليه سواء كان ذلك بقرب أو بعد، وصرح بذلك اللخمي وهو ظاهر كلام
(1)
في النسخ الثانى.
المتيطي وابن فتحون، ولم أقف على خلاف في ذلك إلَّا ما أشار إليه في التوضيح في الشروط، ونقله عن ابن عبد السلام أنه ينبغي أن يفرق في ذلك بين القرب والبعد كما قالوا في المسائل السابقة، وظاهر كلامهما أنهما لم يقفا على نص في ذلك. انتهى. باختصار.
وقول الزرقاني: وهذا ما لم يكن فراقها لخ هذا القيد غير ظاهر، فإن قصارى الأمر أن يكون الفراق هنا كالفسخ لأنه جبري فيهما، وقد ذكر في الفسخ الرجوع فالظاهر حينئذ قول اللخمي لا أصبغ القائل: إنه لا رجوع، وقال الحطاب: قال في أواخر كتاب الجامع من البيان في سماع عبد الله بن عمر بن غانم: وسئل ابن كنانة عن الرجل يقول لامرأته إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق إن لم أتزوج عليك فتضع ذلك عنه هل ترى ذلك حلالا؟ قال: لا؛ لأنه خيرها بين أن تضع عنه مهرها وبين أن يضرها، وإنما قال الله تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} .
قال ابن رشد: قوله إن ذلك لا يحل له بين إذ لم تضع ذلك لطيب نفس، وإنما وضعته عنه مخافة أن يلزمها الطلاق إن لم يضرها بالتزويج عليها فتلزمها الوضيعة ويقضى عليها [بها
(1)
]، ولا يكون لها الرجوع فيها إن طلقها أو تزوج عليها، بمنزلة أن لو قال لها: أنت طالق إن لم تضعي عني مهرك فوضعته عنه فلما وضعته طلقها، ويؤمر أن يستحلها من ذلك أو يرده عليها من غير قضاء يقضى به عليه، ولو سألها أن تضع عنه صداقها دون أن يحلف على ذلك بالطلاق فلما وضعته عنه طلقها بحدثان ذلك لكان لها أن ترجع عليه بما وضعت عنه؛ لأنَّها إنما وضعت عنه ذلك رجاء استدامة العصمة، فلما لم يتم لها المعنى الذي وضعت الصداق عنه بسببه وجب لها الرجوع به.
والذي قال لزوجته أنت طالق إن لم تضعي عني صداقك، أوأنت طالق إن لم تضعي عني صداقك لأتزوجن عليك فوضعته ليس لها أن ترجع فيه وإن طلقها بفور ذلك أو تزوج عليها؛ لأن الذي وضعت عليه الصداق قد حصل لها وهو سقوط اليمين عنه بطلاقها أو بطلاقها إن لم يتزوج
(1)
ساقطة من النسخ والمثبت من الحطاب ج 4 ص 362 ط دار الرضوان.
عليها، فلو شاءت نظرت لنفسها وقالت: لا أضع عنك الصداق إلَّا على أن لا تطلقني بعد ذلك ولا تتزوج علي. انتهى.
وقال في التوضيح: وإذا أعطته مالًا على أن يمسكها ثم فارقها عاجلا فقالوا: لها الرجوع، وأما إن كان بعد طول بحيث يرى أنَّها بلغت غرضها لم ترجع، وإن طال ولم يبلغ ما يرى أنَّها دفعت المال لأجله كان له من المال بقدر ذلك على التقريب فيما يرى، وهكذا قال مالك فيمن أسقطت صداقها على أن لا يتزوج عليها فطلقها بحضرة ذلك أن لها الرجوع، وإن طلقها بحيث يرى أنه لم يطلقها لذلك لم ترجع عليه. أصبغ: إلَّا أن يكون الطلاق بحدثان الإسقاط ليمين نزلت ولم يتعمد ولم يستأنف يمينا فلا شيء عليه، وللخمي أن لها الرجوع ولو كان الطلاق بيمين نزلت ولم يتعمد. انتهى. قال: ولو أعطته على أن لا يتزوج عليها فتزوج رجعت ولو تأخر تزويجه. قاله الحطاب. وما ذكره المص هنا ليس بتكرار في الظاهر، لقوله المتقدم:"إلَّا أن تسقط ما تقرر بعد العقد" لأنه تكلم هناك على جوازه وهنا على الرجوع. والله سبحانه أعلم. قاله الحطاب.
قال مقيد هذا الشرح: ما قاله ليس بظاهر بل ما تقدم صريح في الرجوع. والله سبحانه أعلم. وقال الشبراخيتي عند قوله "كعطيته لذلك ففسخ" ما نصه: قال في الشرح: وقد أشرنا إلى عدم تكرار هذه مع ما قبلها فحملنا هذه على ما إذا كان العطى غير الصداق، وقال في الحاشية: مصدر مضاف لفاعله لا لفعوله وإلا كان قوله: "إلَّا أن تهبه على دوام العشرة". انتهى.
وإن أعطته سفيهة ما ينكحها به ثبت النِّكَاح لما تكلم على هبة الرشيدة للزوج، أتبعه بالكلام على هبة السفيهة؛ يعني أن السفيهة إذا وهبت لرجل مالًا يتزوجها به فتزوجها به فإن النِّكَاح ثابت لا يفسخ قبل البناء ولا بعده، وكان ابن القاسم يقول: يفسخ قبل البناء إذ كأنه تزوجها على إسقاط الصداق؛ لأن عطية السفيهة مردودة ثم رجع عن ذلك إلى ما هنا، وقوله:"ثبت النِّكَاح"، قال الشبراخيتي: لوجود أركانه، وقوله:"ما ينكحها به" سواء كان قدر مهرها أو أقلّ أو أكثر.
ويعطيها من ماله مثله يعني أن الرجل إذا أعطته سفيهة ما ينكحها به ونكحها فإن النِّكَاح يثبت ولا يفسخ قبل البناء ولا بعده كما علمت، ويرد لها ما أخذه منها ويعطيها في الصداق من ماله مثل ما وهبته له مثليا كان أو مقوما، فإن امتنع من ذلك جبر عليه لبطلان هبتها. قاله الشبراخيتي. وقوله:"ويعطيها من ماله" مثله حيث كان قدر صداق مثلها أو أكثر، وأما إن كان ما وهبته له أقلّ من صداق مثلها فالظاهر أنه يعطيها من ماله مثله ويكمل لها صداق المثل. قاله الأجهوري.
وإن وهبته لأجنبي وقبضه ثم طلق اتبعها يعني أن الزوجة الرشيدة -إذ هي التي تعتبر هبتها - إذا وهبت الصداق لغير الزوج وليا أو غيره وهو المراد بالأجنبي وقبض الموهوب له الصداق من المرأة أو من الزوج، ثم إن الزوج طلقها قبل البناء فإن الزوج يتبع الزوجة بنصف الصداق وهبتها للأجنبي ماضية ولو لم يحملها الثلث ولو لم يجزها الزوج كما يفيده اللخمي وعبد الحق؛ إذ لا كلام للزوح لخروجها من عصمته، وقال فيها: ولو قبض الموهوب له جميع الصداق قبل الطلاق لم يرجع الزوج عليه بشيء. انتهى. أبو الحسن: زاد في الأمهات: لأن دفعه إليه إجازة لفعلها، قال أبو الحسن في الكبير: فرض في الأمهات المسألة أنَّها وهبته قبل قبضها إياه فدفعه الزوج إلى الموهوب له، فقال لا يرجع على الموهوب له بشيء في رأيي ولكن يرجع على المرأة لأنه قد دفع ذلك إلى الأجنبي، وكان ذلك جائزا للأجنبي يوم دفعه إليه؛ لأن الزوج في هذه المسألة حين دفعه إلى الموهوب له على أحد أمرين: إما أن تكون المرأة موسرة يوم وهبته هذا الصداق فذلك جائز على الزوج على ما أحب أو كره، أو تكون معسرة فأنفذ ذلك الزوج حين دفعه إلى الموهوب له ولو شاء لم يجزه، فليس له على هذا الأجنبي قليل ولا كثير بمنزلة ما لو تصدقت بمالها كله فأجازه لها. انتهى.
أبو الحسن: فتأمل ما الحكم لو كانت قبضته هي ثم وهبته ودفعته إلى الموهوب له وعثر على ذلك بعد الطلاق، هل يجري على هذا الجواب أو على الجواب الذي قبله فيما إذا لم يقبضه حتى طلقت الزوجة؟ يعني من التفريق بين كونها موسرة أو معسرة يوم الطلاق، على الأول اختصرها
اللخمي فقال: فإن قبضه الموهوب له منها أو من الزوج، وذكر الجواب إلى آخر المسألة وهو ظاهر اختصار أبي سعيد. انتهى. وهو ظاهر إطلاق المص.
وذكر أيضًا أبو الحسن عن عبد الحق أن قول ابن القاسم يرعى عسرها ويسرها يوم الطلاق يدلُّ على عدم اعتبار حمل الثلث الهبة؛ قال: لأنَّها زالت عن عصمة الزوج بالطلاق فلا يراعي الثلث. انتهى. ونقله ابن عرفة أيضًا فدل هذا كله على أن التقييد بحمل الثلث خلاف مذهب ابن القاسم. نقله الشيخ بناني. ولهذا قررت المص بأن الزوج يتبع المرأة بالنصف ولا يتبع به الموهوب له مطلقا، سواء أخذ الموهوب له الصداق من الزوج أو من الزوجة، ووقع في عبارة عبد الباقي عند قوله:"ثم طلق اتبعها" ما نصه: بنصفه إذا حمل ثلثها جميع هبتها وإلا بطل جميعه إلَّا أن يجيزه الزوج كما في التوضيح، ولا يخالف قوله في الحجر:"وله رد الجميع إن تبرعت بزائد" المقتضي أنه صحيح حتى يرده؛ لأن ما يأتي في تبرعها في خالص مالها وهنا الزوج قد طلق فقد تبرعت بما نصفه للزوج. قاله علي الأجهوري وهو الظاهر. لا قول أحمد: قول التوضيح بطل جميعه أي بإبطال الزوج ليوافق ما يأتي للمص، وإذا بطل جميعه فليس للموهوب له اتباعها. انتهى.
قال علي الأجهوري: ثم ما هنا يخالفه ما يأتي للمص أنَّها إذا تبرعت بأكثر من ثلثها ولم يعلم حتى تأيمت فلا كلام له. انتهى. قلت: يحمل ما يأتي على تبرعها بعد البناء وما هنا قبله فتسلط الزوج على نصفه أقوى لأنه أو نصفه ملكه هنا، وأما فيما يأتي فتسلطه عليه إنما كان لأن له التمتع بشورتها فقط وزال بطلاقه. انتهى. كلام الشيخ عبد الباقي. قوله:"وإلا بطل جميعه إلَّا أن يجيزه" الزوج كما في التوضيح لخ، قال محمد بن الحسن: وقع في عبارة المدونة مثل العبارة التي ذكرها الزرقاني عن التوضيح، لكن فيما قبل الطلاق لا فيما بعده كما هو موضوعنا، ونصها فإن وهبت مهرها لأجنبي قبل قبضها وهي جائزة الأمر، فإن حمله الثلث جاز وإن جاوز الثلث بطل جميعه إلَّا أن يجيزه الزوج، قال أبو الحسن ما نصه: ظاهره أنه على الرد. الشيخ: معناه إذا أبطله لأن مذهب ابن القاسم أنه على الإجازة حتى يرد يبينه ما في كتاب الحمالة،
وقول ابن الماجشون ومطرف: هو على الرد حتى يجيزه. انتهى. وبه تعلم أن ما قاله أحمد هو الصواب خلاف ما قاله علي الأجهوري فإنه غير ظاهر. انتهى.
ولم ترجع عليه يعني أن الزوجة إذا غرمت للزوج نصف الصداق فإنها لا ترجع على الموهوب بذلك النصف الذي غرمته للزوج، إلَّا أن تبين أن الموهوب صداق يعني أن محل عدم رجوعها على الموهوب بالنصف الذي غرمته للزوج إنما هو حيث لم تبين للموهوب له أن الشيء الذي وهبته له صداق، وأما إن بينت له أنه صداق فإنها ترجع عليه بالنصف الذي غرمته للزوج لا بالنصف الآخر، وينبغي أن يكون مثل ما لو بينت أن الموهوب صداق ما إذا علم الموهوب له أن ما أعطته إياه صداق، فترجع عليه بالنصف الذي غرمته للزوج. قاله غير واحد. وقال محمد بن الحسن: قال أبو الحسن: قال في الأمهات: ولا ترجع على الموهوب، وقي كتاب محمد: ترجع، عياض: قيل معنى ما في المدونة وهبته هبة مطلقة، وقالت للموهوب اقبضها من زوجي، ولو صرحت له أن الهبة من الصداق فلها أن ترجع كما حكى محمد، وحمل ابن يونس ما في الكتابين على الخلاف. انتهى. ونحو ما لابن يونس للخمي، واقتصر المؤلف على التأويل الأول بالوفاق. والله أعلم. انتهى.
وإن لم يقبضه أجبرت هي والمطلق هذا مفهوم قوله: "وإن وهبته لأجنبي وقبضه" يعني أن الأجنبي الذي وهب له الصداق قبل البناء إذا طلق الزوج المرأة قبل البناء والحال أنه لم يقبض الهبة، فإن المرأة تجبر على إمضاء الهبة معسرة، كانت يوم الهبة أو الطلاق أو موسرة لملكها التصرف في الصداق يوم الهبة، ويجبر الزون المطلق على إمضاء نصف الموهوب بشرط أشار إليه المص بقوله: إن أيسرت يوم الطلاق يعني أن المرأة تجبر على إمضاء الهبة أيسرت يوم الطلاق أو أعسرت، والزوج المطلق إنما يجبر على إمضاء النصف حيث كانت الزوجة موسرة يوم الطلاق، ومعنى يسرها أن تكون موسرة بالنصف الذي وجب للزوج ولا يشترط يسرها يوم الطلاق بالجميع، ولو قال المص: كالمطلق بالكاف ليختص به القيد كان أحسن. قاله محمد بن الحسن. ويشترط في جبر المطلق أيضًا أن لا تبين أن الموهوب صداق فإن بينت لم يجبر المطلق، وأحرى في جبر المطلق إذا أيسرت يوم الطلاق والهبة معا لا إن أعسرت يومهما أو يوم الطلاق، ولو أيسرت
يوم الهبة فلا يجبر على دفع النصف الذي له بطلاقها ولا يتبعها الأجنبي به. قاله علي الأجهوري. وقال أحمد: ظاهره أن الموهوب له يتبعها به فالصور أربع. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال: وانظر لو رضي الزوج بإمضاء الهبة مع عسرها يوم الطلاق ويتبع ذمتها، هل تجبر هي أم لا؟ وهو الظاهر من كلامهم، وانظر لم اعتبر اليسر هنا يوم الطلاق وتقدم اعتباره يوم العتق في قوله:"ولا يرد العتق إلَّا أن يرده الزوج لعسرها يوم العتق"؟ قاله علي الأجهوري.
قلت: قد يفرق بتشوف الشارع للحرية دون الهبة، فروعي حق الزوج فيها أقوى ثم إن قوله:"إن أيسرت يوم الطلاق" مبني على أنَّها تملك بالعقد الكل والطلاق يشطره كما مر، ولذا يرجع بما غرمه عليها، وأما على أنَّها تملك بالعقد النصف فإنها بمنزلة الفضولي في حصته فلا يجبر الطلق وإن كانت موسرة، وكذا على أنَّها لا تملك شيئًا. انتهى. كلام الشيخ عبد الباقي.
وقوله: هل تجبر هي أم لا وهو الظاهر لخ فيه نظر، فإن ما استظهره من عدم جبرها حينئذ خلاف ما تقدم في قوله:"أجبرت هي" من الإطلاق تأمله. قاله محمد بن الحسن. وقوله: مبني على أنَّها تملك بالعقد الكل لخ هو قول ابن عرفة بعد ذكر الخلاف، ونصه: والقياس كون هذا الخلاف إنما هو على القول بملكها بالعقد كلّ المهر، وعلى القول بملكها به نصفه لا تجوز الهبة بحال. انتهى. وقال أبو الحسن على قولها: إن كانت موسرة يوم طلقها فللموهوب أخذ الزوج به. الشيخ: انظر هل هذا بناء على أنَّها ملكت جميعه بالعقد؟ ولكن يرده قوله: "فإن كانت معسرة يوم طلق حبس الزوج نصفه"، وقوله:"فإن كانت موسرة يوم طلقها" يعني بما وجب للزوج.
ابن يونس: ووجه قول ابن القاسم أنه لا كان ملكها الصداق غير مستقر لأن للزوج أن يطلق فيستحق نصفه كانت هبتها لذلك النصف ضعيفة لحق الزوج فيه، فلما ضعفت استحسن ابن القاسم أنَّها إن كانت موسرة يوم الطلاق كان على الزوج دفعه إلى الموهوب؛ لأن الزوجة أملك به قبل الطلاق إذ لا ضرر عليه في ذلك لأنه يرجع عليها بحقه، وإن كانت معسرة كان له حبس نصفه لحقه فيه لا يلحقه من الضرر. انتهى. فدل كلام هؤلاء الشيوخ على أن قول ابن القاسم
مبني على أنَّها تملك الجميع، لكن في التوضيح ما يفيد عكس هذا، ونصه: ولا شك في عدم إجباره إن كانت معسرة يوم الطلاق ويوم الهبة لأنه قد تبين أن النصف له.
اللخمي: وعلى القول بأنها تملك بالعقد الجميع لا مقال للزوج. قاله الشيخ محمد بن الحسن. وقال الشارح: وتجبر المرأة على إمضاء الهبة بشرط أن تكون موسرة يوم الطلاق، فإن كانت معسرة يومه فلا تجبر ولو كانت موسرة يوم الهبة على الأصح وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، وقال غيره فيها: تجبر، أما إن كانت معسرة يوم الهبة والطلاق لم تجبر؛ لأن النصف قد تبين أنه للزوج.
اللخمي: وعلى القول بأنها تملك بالعقد جميعه لا مقال له. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: "أجبرت هي والمطلق": إن أيسرت يوم الطلاق، ومحل جبر المطلق بشرطه حيث لم تبين أن الموهوب صداق، فإن بينته لم يجبر، وكذا إن علم الموهوب له أنه صداق، وأما هي فتجبر على إمضاء الهبة في النصف الذي لها ولو بينت أن الموهوب صداق.
فرع: لو تزوجته على أن يهب عبده لفلان فطلق قبل البناء رجع على الموهوب له بنصفه إن كان قائما، وإلا فهل بنصف قيمته أو لا شيء له؟ وصوب قولان، وإن حدث به عيب أخذ نصفه معيبا وإن باعه الموهوب له فنصف ثمنه أو وهبه أو أعتقه عالما أنه مهر فنصف قيمته يوم التصرف، ولا شيء عليه إن لم يعلم ولا يرد العتق والأحسن رد الهبة. انتهى. قاله الشيخ إبراهيم.
وإن خالعته على كعبد يعني أن المرأة إذا خالعت زوجها قبل البناء على عبد أو شيء تعطيه له من مالها فإنه لا يكون لها من الصداق شيء لا نصف ولا غيره، وعليها أن تدفع له ما خالعته به من مالها عبدا أو غيره. أو عشرة يعني أن المرأة إذا خالعت زوجها على عشرة والحال أنَّها لم تقل من صداقي بل قالت له خالعني على عشرة فقط، فأجابها إلى ذلك فإنه لا يكون لها من الصداق شيء لا نصف ولا غيره كما في التي قبلها، ولتؤد العشرة التي التزمت للزوج.
وبما قررت علم أن قوله: فلا نصف لها جواب الشرط فهو راجع للمسألتين، وقوله:"فلا نصف لها". أما الأولى فباتفاق ابن القاسم وأشهب، وأما الثانية فكذلك عند ابن القاسم، وقال أشهب:
لها النصف كمسألة طلقني. قاله بناني. وسيأتي عن الحطاب ما يخالفه، وقوله:"ولم تقل من صداقي" راجع لقوله: "عشرة" ولقوله: "كعبد" كما صرح به الأمير.
ولو قبضته ردته يعني أن المختلعة لا نصف لها في المسألتين، فإن لم تقبض شيئًا من الصداق فالأمر ظاهر أي فلا يغرم الزوج لها شيئا، وأما لو قبضته أو بعضه فإنها ترد ما أخذته كلا أو بعضا.
لا إن قالت طلقني على عشرة يعني أنَّها لو قالت طلقني على عشرة ولم تقل من صداقي فطلقها فإن الحكم فيها ليس كالحكم فيما إذا قالت خالعني على عشرة ولم تقل من صداقي ففعل، فإنه في مسألة طلقني يكون لها جميع النصف وتدفع ما وقع عليه الطلاق، والفرق بينهما أن لفظ الخلع يقتضي خلع ما لها عليه وزادته عشرة بخلاف الطلاق.
أو لم تقل من صداقي الرواية بأو كما في الشبراخيتي، وصوابه: أو قالت من صداقي؛ لأن هذا هو الذي قدمه، ومعنى ذلك أنه لا يفترق حكم الخلع والطلاق فيما إذا قالت من صداقي في المسألتين، فإذا قالت له طلقني على عشرة من صداقي أو خالعني على عشرة من صداقي فالواجب لها فيهما نصف ما بقي من صداقها بعد أن يأخذ العشرة، ففي كلامه على التصويب أربع صور، وكذا لو قالت له خالعني أو طلقني على كعبد من صداقي كما صرح به الأمير، وعبارته: وإن قالت قبل البناء خالعني أو طلقني بكذا كعبد أو عشرة فإن قالت من مهري فلها نصف ما بقي بعد إسقاط الفداء من الجميع. انتهى المراد منه. وإذا قالت طلقني على عشرة ولم تقل من صداقي وكانت العشرة تزيد على نصف الصداق كملتها من مالها، وكذا طلقني على عبد تقل من صداقي، وأما إذا قالت طلقني أو خالعني على عبد أو على عشرة من صداقي وكان ما ذكرته يزيد عليه، فالظاهر أنه يلزمها ما ذكرته، ويعد قولها:"من صداقي" لغوا. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقال الإمام الحطاب بعد أن جعل ولم تقل من صداقي قيدا في طلقني وفسره على أنه بالواو، وأما كون طلقني مخالفا لخالعني فلا إشكال فيه، وأما قوله:"لها نصف ما بقي" فلم أره منقولا في التوضيح ولا اللخمي الذي نقل عنه في التوضيح، وإنما لها النصف من أصل الصداق ويقاصها
بعشرة، وقد عقد اللخمي لهذه المسألة فصلا في التبصرة قال رحمه الله: وإذا قالت اخلعني أو اتركني أو تاركني أو بارئني على عشرة دنانير وكانت مدخولا بها كانت له العشرة ولها صداقها كاملا، وسواء قالت ذلك مطلقًا أو شرطت العشرة من صداقها، وإن كانت غير مدخول بها وقالت بارئني على عشرة دنانير، فإن اشترطت العشرة من الصداق سقطت العشرة من جملته وكان الباقي بينهما نصفين، وسواء قالت: اخلعني أو طلقني إذا شرطت العشرة من الصداق.
واختلف إذا لم تشترط من الصداق وقالت على عشرة دنانير ولم تزد على ذلك، فقال ابن القاسم: إن قالت طلقني على عشرة دنانير كانت له العشرة والصداق ثابت بينهما يقتسمانه نصفين، وإن قالت اخلعني لم يكن لها من الصداق شيء وإن لم تكن قبضته لم تأخذ شيئًا، وإن قبضته ردت جميعه، وقال أشهب: قولها طلقني أو خالعني سواء له العشرة ولها نصف الصداق قبضته أو لم تقبضه. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إن لم تكن قبضته لم تأخذ شيئًا، وإن قبضته فهو لها كله ولا شيء له إلَّا ما خالع عليه، وإن قبض بعضه لم يكن له مما قبض شيء، وسواء قالت طلقني أو خالعني، وقول أشهب أحسن؛ لأن قولها اخلعني أو بارئني أو تاركني إنما يتضمن خلع النفس والإبراء من العصمة والمتاركة فيها، ليس الانخلاع من المال ولا الإبراء منه ولا المتاركة فيه ولو كان ذلك لسقط الصداق عنه إذا كانت مدخولا بها، وكذلك غيره من ديونها، وقد أجمعوا أن هذه الألفاظ: الانخلاع والمبارأة والمتاركة إنما يراد بها بعد الدخول النفس دون المال، فوجب أن يكون حقها في النصف قبل الدخول ثابتا، وكذلك إن لم يكن دخل بها وكان لها عليه دين، فقالت اخلعني أو بارئني لا خلاف أن دينها باق، وكذلك إذا قالت قبل الدخول: اخلعني على ثوبي هذا أو عبدي هذا فعلى قول ابن القاسم يسقط الصداق ولا يكون لها منه شيء قبضته أو لم تقبضه، وعلى قول أشهب يمضي العبد أو الثوب للزوج والصداق عليه وهذا أحسن في هذا الأصل. انتهى.
فعلم من هذا أن المؤلف إنما مشى في مسألة خالعني على عشرة ولم تقل من صداقي على قول ابن القاسم؛ لأنهم جعلوا سقوط النصف في مسألة خالعني على ثوب مقيسا على قوله خالعني على
عشرة، وقال ابن الحاجب: إن سقوط النصف في خالعني على ثوب ونحوه هو المشهور، فعلم أن قول ابن القاسم في مسألة خالعني على عشرة هو المشهور أيضًا. انتهى.
وتقرر بالوطء بأل؛ يعني أن ما مر من قوله: "وإن خالعته على كعبد" لخ محله قبل البناء، وأما لو وطن الرجل المرأة فإن الصداق يتقرر أي يثبت لها على الزوج، فيتكمل لها ولتؤد ما التزمت؛ لأنه صار دينا وسواء قبضته أم لا، وسواء قالت: طلقني أو خالعني وسواء قالت من صداقي أم لا ونص على هذا لدفع توهم أنه لا يتقرر في مسألة خالعني على عشرة ولم تقل من صداقي لما ذكروا من أنَّها يسقط حقها من الصداق وتدفع له العشرة حيث كان ذلك قبل البناء.
ويرجع إن أصدقها من يعلم بعتقه عليها يعني أن من تزوج امرأة برقيق من قرابتها يعتق عليها ثم طلقها قبل البناء، فإنه يرجع عليها بنصف قيمته وسواء علم أنه يعتق عليها أو لم يعلم بذلك. فقوله:"من يعلم بعتقه عليها" وأحرى في الرجوع إذا أصدقها ذلك وهو لا يعلم أنه يعتق عليها، وإنما قصد المص بذلك مخالفة ابن الحاجب القائل ولو أصدقها من يعتق عليها وهو عالم لم يرجع بشيء، ورجع إليه الإمام مالك، قال ابن القاسم: الأول أي القول بالرجوع أحب إلي، ووجهه أنه إنما خرج من يده لأجل البضع وقد استقر ملكه عليها وانتفعت بعتق قريبها، ووجه القول بعدم الرجوع أنه لما علم الزوج عدم استقرار ملكها عليه فقد دخل على الإعانة على العتق، فلو رجع عليها حيث طلق قبل البناء كان ذلك رجوعا عما أراد.
والحاصل أنه على هذه النسخة أي التحتية في يرجع ويعلم يشتمل كلامه على أربع صور، ويرجع عليها في الصور الأربع علما بأنه يعتق عليها أو جهلا أو علم دونها أو علمت دونه وهذا
(1)
ظاهره كالمدونة على ما اختاره ابن القاسم وبه قرره عبد الباقي والحطاب وغيرهما، قال محمد بن الحسن: لكن لم يحملها الشيوخ على ظاهرها، ونص المدونة: وإن تزوجها على من يعتق عليها عتق عليها بالعقد، فإن طلقها قبل البناء رجع بنصف قيمته ثم قالت: بلغني عن مالك استحسان أنه لا يرجع الزوج على المرأة بشيء، وقوله الأول أحب إلي. انتهى.
(1)
وهو ظاهرها (م) والذي في الحطاب ج 4 ص 364. (وهو ظاهر المدونة).
قال أبو الحسن عقبها: معنى مسألة المدونة أنهما عالمان، قال اللخمي: وكذا إن كانا جاهلين ثم قال أبو الحسن: وإن علمت دونه فحكى ابن يونس عن مالك أن له أخذ نصفه ويمضي عتق نصفه إلَّا أن يشاء اتباعها بنصف قيمته، فذلك له ويمضي عتقه كله وقاله عمن كاشفه من أصحاب مالك. وقال أبو عمران: لا يرجع في عين العبد وليس له إلَّا اتباعها ولو كان الزوج عالما دونها لعتق عليه ويغرم لها قيمته، فإن طلق قبل البناء فعليه نصف قيمته. انتهى. ونقله الحطاب. وقد وقع في لفظ المصنف ثلاث نسخ، الأولى: بالياء التحتية في يرجع ويعلم، الثانية: بالفوقية
(1)
في تعلم مع التحتية في يرجع، الثالثة: عكسها وكلها صحيحة، غير أن الأولى تقيد بعلمها والآخرة بعدم علمها. انتهى.
وقال عبد الباقي: وقوله: "بعتقه" نحوه في المدونة عن ابن القاسم كما في توضيحه، وقيل المعتبر علمه بقرابته فقط، وكذا في بابي الوكالة والقراض، ويعتق العبد في الصور الأربع والولاء لها. انتهى. قوله: وقيل المعتبر علمه بقرابته، قال محمد بن الحسن: هذا لا يأتي على ما قرره به من الرجوع في الصور الأربع، وإنما يأتي على ما ذكرنا من التقييد بعلمها. انتهى. وفي كتاب الأمير ما يوافق ظاهر المص، فإنه قال: وإن أصدقها من يعتق عليها ثم طلق قبل البناء رجع بنصفه وولاؤه لها ولو علم بعتقه علمت أم لا. انتهى.
وقال الشبراخيتي: وإنما ضبطنا تعلم بالمثناة الفوقية؛ لأن ضبطها بالتحتية يوجب صدقه على صورة متفق على عدم الرجوع فيها، وهي ما إذا كانت غير عالمة والزوج عالم، وقوله:"من تعلم بعتقه"، لو قال من علمت بقرابته لطابق المنقول مع إفادة أن المعتبر علمها قطعا، فإن المعتبر فيها وفي باب الوكالة وفي باب القراض العلم بالقرابة وإن لم تعلم بالعتق كما يفيده نقل الشارح وابن غازي، وفي المواق عن المدونة ما يفيد أن المعتبر هنا العلم بالعتق كما هو ظاهر المص. انتهى.
وهل إن رشدت يعني أن الشيوخ اختلفوا في محل عتق الرقيق المجعول صداقا على المرأة المنكوحة به، فمنهم من ذهب إلى أنه إنما يعتق عليها أبوها مثلا حيث كانت رشيدة وشمل ذلك البكر
(1)
في النسخ (بالفوقانية) والمثبت من (بن) ج 4 ص 38.
المرشدة، وأما إن كانت سفيهة فلا يعتق عليها، وعليه فإذا طلقها قبل البناء فالظاهر أنه يكون للزوج وترجع عليه بنصف قيمته. انظر حسن نتائج الفكر. وهذا هو تأويل الأكثر وصوبه ابن يونس وعياض وأبو الحسن، وإلى هذا أشار بقوله: وصوب أي صوب هذا القول وهو اختصاص العتق بالرشيدة دون السفيهة، أو مطلقا يعني أن من الشيوخ من قال يعتق عليها أبوها المجعول في الصداق مطلقا، سواء كانت رشيدة أو سفيهة. إن لم يعلم الولي قيد في الإطلاق يعني أن من الشيوخ من قيد القول بالإطلاق بعدم علم ولي السفيهة بعتق الرقيق المجعول صداقا وهو ابن رشد. وبما قررت علم أن الشرط إنما هو في السفيهة لا في الرشيدة على تأويل الإطلاق، كما أن التأويل المقيد بالرشيدة وهو المشار إليه بقوله: وهل لخ غير مقيد بعلم الولي كما هو ظاهر قوله: "وهل إن رشدت"، وقوله:"إن لم يعلم الولي" أبا كان أو وصيا. قاله الشبراخيتي. وقوله: تأويلان مبتدأ خبره محذوف أي في ذلك تأويلان: الأول للأكثر والثاني لفضل،
وعلم مما قررت أن محل التأويلين إنما هو في السفيهة لا في الرشيدة بكرا كانت أو ثيبا.
ومفهوم قوله: "إن لم يعلم الولي" أشار إليه بقوله، وإن علم دونها لم يعتق عليها يعني أنه إذا فرعنا على القول بالإطلاق وعلم الولي بأنه يعتق على السفيهة، فإنه لا يعتق عليها ولا مفهوم لقوله:"دونها" أي فلا يعتق عليها علمت هي بأنه يعتق عليها أم لا، فالصواب حذفه لأنه يقتضي أنه إذا علم بأنه يعتق عليها وعلمت هي بذلك فإنه يعتق عليها وليس الأمر كذلك.
في عتقه عليه قولان مبتدأ وخبره المجرور قبله؛ يعني أن ولي السفيهة إذا علم بأن الرقيق المجعول صداقا لها يعتق عليها، لم يعتق عليها وهل يعتق عليه هو أي الولي أو لا يعتق عليه؟ في ذلك قولان، فعلى أنه يعتق على الولي يرجع الزوج والزوجة عليه لأن الفرض أنه حصل طلاق قبل البناء، وعلى عدمه يكون للزوج وترجع عليه بنصف قيمته.
وعلم مما قررت أن القولين متفقان على عدم عتقه عليها، قال الشيخ عبد الباقي: ومحل عدم العتق عليها مع علم الولي إذا كانت بكرا أو سفيهة، وأما الثيب الرشيدة فيعتق عليها ولو علم الولي. انتهى. قال محمد بن الحسن: الظاهر من تعليلهم أن الخلاف في السفيهة فقط لا في الرشدة بكرا كانت أو ثيبا. انتهى. وفي الشبراخيتي أنه إذا لم يعتق عليها وفرعنا على عدم العتق
عليه فالظاهر أنه يباع عليها إذ هي المالكة الأصلية والولي قد برئ منهى بعدم عتقه عليه، وهي لا يجوز لها استخدام ولا استقرار ملكه في بقي إلَّا بيعه عليها وهو ظاهر فلا نظر. انتهى.
وإن جنى العبد في يده فلا كلام له يعني أن العبد الصداق إذا جنى على أحد وهو في يد الزوج أو الزوجة فإنه لا كلام للزوج في إسلامه في الجناية ولا في فدائه، وإنما الكلام في ذلك للزوجة، وقوله:"في يده" قصد الوجه الشكل فأحرى إذا كان في يدها، وقوله:"وإن جنى العبد في يده" لخ. قاله في المدونة. وهو مبني على أنَّها تملك بالعقد الجميع. قاله غير واحد. وإذا كان الكلام للزوجة في إسلام العبد وفدائه فإما أن تسلمه في الجناية وإما أن تفديه.
فإن أسلمته للمجني عليه وطلقها قبل البناء وبعد الجناية والإسلام فيها فلا شيء له؛ أي لا يكون للزوج حينئذ من الصداق شيء لا نصف ولا غيره، فلا رجوع له على المرأة بشيء لأنه كهلاكه بسماوي، إلَّا أن تحابي مستثنى من قوله:"فلا شيء له" يعني أن محل كونه لا شيء له فيما إذا أسلمته في الجناية إنما هو حيث لم تحاب، وأما إن حابت بأن تكون قيمته أكثر من أرش الجناية وأسلمته فيها فله أي للزوج إمضاء فعلها، ويكون العبد كله للمجني عليه، وله دع نصف الأرش أي أرش الجناية للمجني عليه وإذا دفع ذلك للمجني عليه فتثبت له الشركة مع المجني عليه فيه أي في رقيق الصداق الجاني، فيكون بينهما.
مثال ذلك ما لو كان أرش الجناية عشرة وقيمته أربعون، فإن شاء ترك العبد على ما فعلت فيه من الإسلام في الجناية. وإن شاء دفع للمجني عليه خمسة ويكون العبد بينهما على السواء، وأشعر كلام المص بأن العبد باق فإن مات فعليها نصف المحاباة عند محمد، وحكى اللخمي أنه لا يرجع عليها بشيء. هذا حكم ما إذا أسلمت العبد في الجناية.
وأما إذا لم تسلمه في الجناية بأن فدته فإن ذلك لا يخلو من أن تفديه بأرش الجناية أو أقلّ أو أكثر، فإن كانت قد فدته بأرشها أي الجناية فأقل منه فإن الزوج لم يأخذه أي ليس له أن يأخذ نصف العبد الجاني، إلَّا بلى فع نصف ذلك الذي فدته به، وإن زاد نصف ما فدته به على نصف قيمته أي العبد وهو مبالغة في أنه ليس للزوج أن يأخذ نصف العبد، إلَّا أن يدفع للمرأة نصف ما فدته به حيث كان أرش الجناية فأقل، وفهم من قوله:"لم يأخذه" لخ أنه إن لم يدفع لها
نصف أرش الجناية يكون العبد لها؛ إن كانت قد فدته بأكقر من أرش الجناية فإن الحكم في ذلك كالحكم في مسألة المحاباة المتقدمة فيما إذا أسلمت العبد للمجني عليه، وحينئذ فيخير الزوج بين أن يجيز فعلها ويسلم للمرأة جميعه، وبين أن يدفع لها نصف الأرش الأصلي ويكون العبد بينهما على السوية، فإذا كان أرش الجناية عشرة وفدت هي العبد بعشرين فإن الزوج يخير بين أن يجيز فعلها فيكون العبد كله للمرأة، وبين أن يدفع لها خمسة فيكون العبد بينهما على السوية.
وعلم من هذا التقرير أنه ليس في المص تشبيه الشيء بنفسه، وقد مر قوله:"فله دفع نصف الأرش والشركة فيه"، وهذا بخلاف ما لو باعته وحابت في بيعه وطلقها قبل البناء فإنه يرجع عليها بنصف قيمته ولا يرجع شريكا في العبد ولو كان قائما. قاله أبو عمران وأبو بكر بن عبد الرحمن. والفرق بين المسألتين أن البيع كان جائزا لها وقد أتلفت عليه بعض ثمن نصفه فوجب له الرجوع عليها بما حابت به، وفي الجناية لم تتلف عليه شيئًا فلا يرجع عليها لأن فداءه كاشترائه ولا يجب عليها أن تشتريه بل هي مخيرة في الإسلام والفداء، فلما حابت في الإسلام كان للزوج إبطال ذلك في حصته، وقوله:"وبأكثر فكالمحاباة" وإنما لم يلزمه نصف جميع الفداء لأنَّها متبرعة بالزائد، وقاله محمد واللخمي، وهو خلاف ما ذكره ابن عبد السلام من أنه لا يأخذه إلَّا بنصف فدائه لأنَّها كالمشترية له.
ورجعت المرأة بما أنفقت على عبد أو ثمرة يعني أن الزوج إذا أصدق المرأة عبدا أو ثمرة فأنفقت عليهما، ثم إن النِّكَاح فسخ قبل أن يبني بها لموجب اقتضى ذلك كفساد أو موجب خيار فرجع العبد أو الثمرة إلى الزوج، فإن المرأة ترجع بجميع نفقتها على الثمرة أو العبد وما تقدم من أنَّها ترجع بنصف النفقة فيما إذا كان النِّكَاح يلزم فيه النصف، فلذا عبر هناك بنصف وهنا بما التي هي من صيغ العموم؛ لأنه في فاسد ونحوه، وليس هو بتكرار مع قوله:"وترجع عليه بنصف نفقة الثمرة والعبد" كما قاله الشارح.
وقوله: "ورجعت المرأة بما أنفقت على عبد أو ثمرة" قال عبد الباقي عقبه: وقع صداقا في نكاح لا يلزم فيه صداق كنكاح التفويض حيث لم يفرض فيه أو فرض فيه دون المثل ولم ترض وطلق
فيه قبل البناء. انتهى. قال محمد بن الحسن: هذا لا يدخل هنا لأن إنفاقها على العبد والثمرة الواقعين صداقا فرعٌ عن فرض الزوج لها الصداق ورضاها به، وفي بعض النسخ: ورجعت المرأة في الفسخ قبله بما أنفقت وهي صريحة في نفي التكرار. والله سبحانه أعلم.
ولما وقع الخلاف بين الأئمة فيمن هو المراد بقوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ؟ فقيل الذي بيده عقدة النِّكَاح الزوج، والمعنى إلَّا أن يترك النساء لكم النصف أو تتركوه أنتم لهن؛ بأن تكملوا لهن الصداق وإليه ذهب الأئمة الثلاثة، وذهب مالك إلى أنه الأب في ابنته البكر، ومثله السيد في أمته، أشار إلى ذلك بقوله: وجاز عفو أبي البكر عن نصف الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق يعني أنه يجوز للأب في ابنته البكر أن يعفو عن نصف صداقها بأن يسقطه عن الزوج فلا يطالبه به، وهذا إذا كان العفو قبل الدخول وبعد الطلاق وليس ذلك له قبل الطلاق، وخص الأب لشدة شفقته واحترز به عن غيره من وصي وعم وأخ وغيرهم، فليس لهم العفو عن ذلك، واحتج الأئمة بأن ما ذهبوا إليه مروي عنه عليه الصلاة والسلام، وبأن إسقاط الولي ما لوليته على خلاف الأصول، وأجيب بضعف الروي ولو سلم صحته فلا نسلم كونه تفسيرا للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق، وبأن حكم الولاية التصرف بما هو أحسن للمولى عليها، وقد يكون العفو أحسن للبنت فيحصل لها بذلك مصلحة وهي رغبة الأزواج فيها إذا سمعوا عفو الأب عن الزوج، ويرجح مذهبنا بأن الذي بيده عقدة النِّكَاح في الطلقة إنما هو الولي، والزوج إنما كان بيده قبل الطلاق الحل لا عقدة النِّكَاح، وبأن يحمل قوله تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} على الأزواج وغيرهم فيكون أكثر فائدة، وبأن الخطاب كان مع الأزواج بقوله:{وَقَدْ فَرَضْتُمْ} وهو خطاب مشافهة، ولو كانوا مرادين بقوله:{الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} للزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة وهو خلاف الأصل كما أن إقامة الظاهر مقام المضمر كذلك، فلو كان المراد الزوج لقيل إلَّا أن يعفون أو تعفوا عما استحق لكم، قال فيها: ولا يجوز عفو الأب قبل الطلاق. انظر الشبراخيتي.
وما تقدم من قوله: "وجاز عفو أبي البكر عن نصف الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق" وأنه لا يجوز له العفو قبل الطلاق هو قول مالك، وقال ابن القاسم: يجوز للأب أن يعفو بعد الطلاق،
وقبله إذا كان عفوه لأجل مصلحة غير محققة، فلو تحققت المصلحة جاز العفو قبل الطلاق باتفاق الشيخين كما يتفقان على المنع عند تحقق عدمها وخلافهما بحسب الظاهر عند جهل الحال، واختلف الشيوخ هل قول ابن القاسم وفاق لقول مالك، وعليه فكل من الشيخين يقول عفوه حال الجهل محمول على المصلحة، ويحمل قول مالك ولا يجوز عفو الأب قبل الطلاق على ما إذا تحقق عدم المصلحة، أو قول ابن القاسم: خلاف لقول مالك في ذلك تأويلان، وعلى تأويل الخلاف هذا فالإمام يقول: عفوه عند جهل المال لا يجوز لأن الأصل في الإسقاط عدم المصلحة، وابن القاسم يجيزه لأن أفعال الأب في ابنته البكر محمولة على المصلحة حتى يظهر خلافها، وهذا التقرير أصله لابن بشير وبه قرر المص غير واحد، قال محمد بن الحسن: ظاهر المدونة وابن الحاجب والمص خلافه، ففي المدونة لا يجوز عفو الأب قبل الطلاق. ابن القاسم: إلَّا لوجه نظر من عسر الزوج فيخفف عنه وينظره فيجوز ذلك إذا رضيت، ونحوه عبارة ابن الحاجب، قال أبو الحسن: ظاهر قول مالك وإن كان نظرا وبهذا يتجه أن يكون قول ابن القاسم خلافا، وقال عياض: في كون قول ابن القاسم خلافا لمالك قولان لأشياخنا انتهى.
قال في التوضيح عن ابن عبد السلام: ونقل المص هو الصحيح لا ما قاله ابن بشير أنه لا يختلف مالك وابن القاسم في جواز التخفيف قبل الطلاق إذا ظهرت المصلحة، كما لا يختلفان في عدم جوازه إذا علم أنه لا مصلحة، وإنما يختلفان إذا جهل الحال. انتهى. ومفهوم قول المص:"قبل الدخول" أنه لا عفو له بعد الدخول وهو كذلك، ولا فرق في عدم الجواز بعد الدخول بين الرشيدة وغيرها، ففي سماع محمد بن خالد أن الصغيرة إذا دخل بها الزوج واقتضها ثم طلقها قبل البلوغ أنه لا يجوز العفو عن شيء من الصداق لا من الأب ولا منها. ابن رشد: وهذا كما قال إذ قد وجب لها جميع الصداق بالمسيس، وليس للأب أن يضع حقا قد وجب لها إلَّا في الموضع الذي قد أذن الله له فيه وهو قبل المسيس، لقوله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية، وإذا منع العفو في الصغيرة بعد الدخول ففي السفيهة أحرى، فقول عبد الباقي: وهذا -يعني منع العفو بعد الدخول- إذا كانت رشيدة وإلا فالكلام له، وحينئذ فله العفو لخ، غير صحيح بل لا كلام له مطلقًا. انتهى.
قال عبد الباقي: وإن ثبت هنا أن الأب لا عفو له مطلقًا
(1)
يشكل على ما في التفويض إذ المرأة هناك بالدخول استحقت صداق المثل. انتهى. قاله بعد أن قال: إن الأب في السفيهة له العفو بعد الدخول عن بعض صداقها لمصلحة كما له الرضى في المفوض لها بدون صداق المثل بعد الدخول، وحينئذ فالموضعان متفقان هذا هو الظاهر، وإن ثبت هنا أن الأب لخ، وقد مر انتقاد بناني له لكنه لم يجب عن البحث الذي أورده عبد الباقي، وأجاب عنه بعضهم بقوله: فإن قيل هذا يشكل بما في التفويض من عفو الأب ولو بعد الدخول قيل يمكن أن يقال إنما جاز في التفويض؛ لأنه لم يكن لها شيء مفروض قبل البناء يكون للأب العفو عنه، كعفوه عن المسمى لها قبل البناء فعومل في المفوضة بعد البناء معاملته في المسمى لها قبل البناء.
وقبضه مجبر يعني أن الذي له قبض الصداق من الزوج إنما هو المجبر من أب أو سيد أو وصي، وكذا للأب أن يقبض الصداق في السفيهة الثيب فلا خصوصية للمجبر، وعبارة عبد الباقي: وكذا ولي سفيهة غير مجبرة كما في المواق انتهى. قال محمد بن الحسن: ولو قال: وكذا الأب
(2)
في السفيهة كان أصوب ويكون تتميما لقوله: "وقبضه مجبر" أي أن الأب يقبض صداق ابنته الثيب التي في حجره ونص عليه ابن سلمون وغيره، وبه تعلم أن لا خصوصية للمجبر في قوله:"وقبضه مجبر".
ووصي يعني أن الوصي كالأب فيقبض الصداق، والمراد بالوصي وصي المال ويقدم في قبضه على وصي النِّكَاح ولو مجبرا. قاله غير واحد. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر أن اليتيمة المهملة لا تقبض صداقها: والخلاص في ذلك على ما قال بعضهم أن يحضر الولي والزوج والشهود فيشترى بنقدها جهازها ويدخلونه بيت بنائها كذا ذكره المتيطي معزوا لبعضهم، وعزاه ابن الحاج في نوازله لمالك، قلت أو بتعيين الحاكم من يقبضه ويصرفه فيما يأمره به مما يجب. وقاله ابن الحاج في نوازله. انتهى كلام ابن عرفة. نقله محمد بن الحسن، وفيه أن ولي النِّكَاح ليس له قبض الصداق على المذهب. انتهى.
(1)
الذي في (عب) ج 4 ص 39 (وإن ثبت في أن الأب بعد الدخول لا عفو له مطلقًا يشكل).
(2)
في النسخ: للأب، والمثبت من (بن) ج 4 ص 40.
وفي الشبراخيتي: واعلم أن ولي المال مقدم على المجبر سواء كان المجبر أبا أو وصيا على النِّكَاح إذ الأب السفيه يجبر ويقبض وليه المال، وإن لم يكن ولي مال فالمجبر من أب أو وصي هو الذي يقبضه، ومن المعلوم أن الأب إنما يكون معه ولي مال حيث يكون سفيها.
وصدقا يعني أن المجبر والوصي إذا أقرا أنهما قبضا الصداق وادعيا تلفه فإنهما يصدقان في ذلك فيبرآن ويبرأ الزوج حيث قامت بينة على القبض الذي أقرا به، بل ولو لم تقم بينة على القبض فليس هناك إلَّا مجرد إقرارهما، وما ذكره المص من براءة الزوج حيث لم يكن إلَّا مجرد إقرارهما بالقبض لا خلاف فيه حيث كان ذلك بعد البناء. ابن رشد: ولا خلاف في براءة الزوج بعد البناء بإقرار الأب أو الوصي بقبضه إن ادعى تلفه، وأما قبل البناء فيبرأ الزوج أيضًا على قول مالك وابن القاسم، ومقابله لأشهب عدم براءة الزوج ويغرم للزوجة صداقها، وعليه رد المص بلو والأول هو القياس لأن الأب الذي له قبضه بغير توكيل أقر بقبضه، فوجب أن يبرأ بذلك الزوج،
وما قررت به المص من أن لو للمبالغة وما قبل المبالغة حيث ادعيا التلف وأقرا بالقبض وقامت على القبض بينة، وما بعد المبالغة حيث لم تقم بينة على القبض وادعيا التلف هو الذي يظهر، دون قول عبد الباقي وغيره إن لو للحال وإن معنى ولو لم تقم بينة لم تقم على التلف، وما قررته به هو الذي قرره به محمد بن الحسن ودعمه بالنقل، فإنه نقل عن ابن الحاجب ما نصه: فإن ادعيا التلف ولا بينة على القبض ففي رجوعها على الزوج قولان. انتهى.
ثم قال: ومحل القولين قبل البناء، وأما بعده فقال ابن رشد: ولا خلاف في براءة الزوج بعد البناء بإقرار الأب أو الوصي بقبضه إن ادعى تلفه، وبه تعلم أن الذي لم تقم عليه بينة هو القبض لا التلف كما يتبادر من عبارة المص وبه شرحه الزرقاني، انظر التوضيح، والمواق. ونص ابن القاسم في سماع أصبغ، فإن قال الأب: قبضته وضاع مني ولم يكن عند الزوج بينة بالدفع إلَّا إقرار الأب وكانت البنت بكرا لزمها ذلك، وكان قبضه لها قبضا وضياعه منها ولم يكن على الزوج شيء. انتهى.
ونص ابن يونس بعد ذكر قول أشهب: وقال ابن القاسم الأب مصدق وضياعه منها ولا شيء على الزوج وهو القياس؛ لأن الأب الذي له قبضه بغبر توكيل عليه أقر بقبضه فوجب أن يبرأ بذلك الزوج. انتهى.
وبما قررت علم أن معنى قوله: "وصدقا" صدقا في دعوى القبض والتلف، وأما قوله: وحلفا فالمراد به حلفا على التلف لا على القبض؛ يعني أن المجبر والوصي إذا ادعيا تلف الصداق بعد أن أقرا بقبضه أو قامت على القبض بينة فإنهما لابد أن يحلفا على ما ادعياه من التلف ولو عرفا بالصلاح، ولا يقال فيه تحليف الولد للوالد لأنه يقال قد تعلق به حق للزوج وهو الجهاز به، ويحلف السيد على القول بلزوم التجهيز به له كما صرح به حلولو. ونقله الشيخ أحمد بابا. ورجع إن طلقها يعني أن الصداق إذا قبضه من له قبضه من مجبر أو وصي وادعى تلفه وهو مما يغاب عليه ولم تقم بينة على تلفه، فإن الزوج إذا طلق قبل البناء يرجع على الزوجة بنصف الصداق في مالها لا في مال المجبر أو الوصي، ومحل رجوع الزوج في مالها إن أيسرت يوم الدفع أي إنما يرجع الزوج في مال الزوجة حيث كانت موسرة يوم دفع الزوج الصداق للوصي أو للمجبر ولو أعسرت يوم القيام، وهي مصيبة نزلت به، وعلم من هذا أن قوله: في مالها غير لازم، بل يتبع ذمتها حيث نفد مالها بدليل قولهم: ولو أعسرت يوم القيام.
ومفهوم قوله: "إن أيسرت يوم الدفع" أنَّها إن كانت معسرة يوم الدفع لم يرجع الزوج عليها بشيء، ولو أيسرت به بعد ذلك ليلا يجتمع عليها عقوبتان: ضياع مالها مع ما حصل لها من الكسر بالطلاق واتباع ذمتها، وإنما لم يجعل قابضه هنا كالأمين في أنه لا ضمان على واحد من الزوجين إذا ادعى الأمين تلفه كما مر؛ لأن قبضه هنا بمنزلة ما لو قبضته.
وإنما يبرئه شراء جهاز يعني أن الولي الذي له قبض الصداق إذا قبضه ولم يدع تلفه، فإنه لا يبرئه من ضمانه إلَّا أن يشتري به لوليته التي في حجره جهازا يصلح لها، فإذا دفع لها العين فإنه يضمنها للزوج ليشتري له بها جهازا.
وبما قررت علم أن الحصر بالنظر لدفعه للسفيهة عينا أي لا يبرئه من ضمان الصداق في السفيهة إلَّا شراء جهاز موصوف بأحد الأمور الثلاثة الآتية: واحترز بذلك عما إذا دفعه لها عينا فإنه يضمنه للزوج فيشترى له به جهاز كما مر قريبا.
تشهد بينة بدفعه لها يعني أن من له قبض الصداق من مجبر ونحوه إذا ادعى أنه دفع المهر إلى وليته لا يبرئه ذلك؛ لأنه لا يدفع لها ذلك وإنما يبرئه أن يشتري لها به جهازا. ابن حبيب
وغيره من الموثقين: ويبرئه من ذلك أحد أمور ثلاثة: الأول أن يدفع الجهاز لها وتشهد البينة على قبضها له، سواء كان ذلك ببيت البناء أم لا. قاله الشارح. وعبارة عبد الباقي:"وتشهد بينة بدفعه لها" وإن لم تقر بقبضه. انتهى. وقوله: وإن لم تقر أي المرأة.
الثاني من الأمور الثلاثة أشار إليه بقوله: أو إحضاره بيت البناء يعني أن الولي كما يبرأ بشهادة البينة بدفع الجهاز للمرأة يبرأ أيضًا بشهادة البينة على أنه أحضر الجهاز لبيت البناء، الثالث أشار إليه بقوله: أو توجيهه إليه يعني أن الولي كما يبرأ من الضمان بواحد من الأمرين السابقين يبرأ أيضًا بشهادة البينة على أنه وجه الجهاز إلى بيت البناء بعد معرفة قيمته وإن لم تصحبه الشهود إلى البيت، ولا تسمع دعوى الزوج أنه لم يصل إلى بيته، وإنما اشترط كون توجيهه بعد تقويمه لأنه عند عدم التقويم لا يدرى هل اشتراه بكل الصداق أو ببعضه؟ وقوله:"أو توجيهه إليه" مع التقييد الذي ذكر فيه يستفاد منه مسألة إحضاره بيت البناء بالأولى، فكان المص في غنى عن ذكرها. قاله الشبراخيتي.
وقال الأمير: وصدق في التلف بيمين، ورجع الزوج إن طلق قبل البناء في مالها إن أيسرت يوم الدفع لأن من ذكر كالوكيل وإن لم يدع التلف ضمن ولو دفعه لها عينا؛ لأن الواجب التجهيز به فيطالبه الزوج إلَّا أن يشهد على توجيه الجهاز لبيت البناء، وأولى إذا أورد به أو دفع الجهاز لها، ولا بد من تقويمه ليعلم نسبته من الصداق. انتهى. وقال ابن عرفة: قال ابن حبيب: للزوج سؤال الولي فيما صرف فيه نقده من جهاز وعلى الولي تفسير ذلك له، ويحلف إن اتهم. قاله بناني.
وإلا يكن للمرأة مجبر ولا وصي مال ولا مقدم قاض، فالمرأة هي التي تقبض الصداق حيث كانت رشيدة، فإن ادعت تلفه صدقت بيمين ولم يلزمها تجهيز بغيره، ولعبد الملك: تخلفه من مالها وتتجهز، وسواء كان مما يغاب عليه أم لا، فإن لم تكن رشيدة فالقبض للحاكم أو لجماعة المسلمين لا لولي العقد. وفي وثائق الغرناطي: لا يقبض الصداق إلَّا أحد سبعة: الأب، والوصي، والقاضي لمن إلى نظرهم، والسيد لأمته: والمالكة نفسها، ووكيلهم، والحاضن للبكر، والبكر اليتيمة
التي ليست في ولاية إذا كان صداقها مما يتجهز به. انتهى من أبي الحسن. والله تعالى أعلم. نقله الشيخ بناني.
وإن قبض اتبعته أو الزوج يعني أنه إذا قبض الصداق من ليس له قبضه من ولي أو غيره بلا توكيل وتلف، فإنه يكون متعديا في قبضه ويكون الزوج متعديا في دفعه له، فإن شاءت المرأة اتبعت القابض وإن شاءت اتبعت الزوج، فهي مخيرة بينهما فإن اتبعت القابض وأخذت منه الصداق لم يرجع على الزوج بشيء، وإن أخذت الصداق من الزوج رجع على الولي، فقرار الغرم على الولي، وقوله:"أو الزوج" عطف على الهاء من قوله: "اتبعته"، وقال الشبراخيتي وغيره: ويصح رفع الزوج عطفا على الضمير المستتر في "اتبعته". انتهى. والمعنى على هذا أن لكل من المرأة والزوج اتباع الولي، فإن أخذه الزوج منه دفعه لها. قاله عبد الباقي. قال: وهذا الثاني أولى لإفادته أن للزوج اتباع من قبضه أيضًا لما علمت أن قرار
(1)
الغرم على القابض، والضبط الأول لا يفيد رجوع الزوج عليه. انتهى.
ولو قال الأب بعد الإشهاد بالقبض لم أقبضه حلف الزوج يعني أن من له قبض الصداق كالأب والوصي والمرأة الرشيدة ونحوهما إذا أقر عند الشهود بأنه قبض الصداق من الزوج، ثم بعد ذلك قال لم أقبضه وإنما ظننت به الخير، وقال الزوج بل قبضته، فإن المقر بالقبض لم تسمع دعواه أنه لم يقبضه، ولكن يحلف الزوج بالله الذي لا إله إلَّا هو لقد أقبضته أو لقد قبضته، ومحل حلف الزوج إنما هو حيث قام عليه الأب أو من في حكمه في زمن قريب من اليوم الذي أشهد على نفسه فيه بالقبض.
كالعشرة الأيام في دونها وما فوقها مما يبلغ نصف شهر، فالكاف مدخلة لخمسة أيام، ومفهومه أن ما زاد على نصف شهر لا يحلف الزوج فيه وهو كذلك، وقوله:"ولو قال الأب بعد الإشهاد بالقبض" لخ، قال الإمام الحطاب: ليس هذا بمعارض لقوله فيما تقدم: "ونقدها كذا مقتض لقبضه"، بل المراد به أن هذا اللفظ مقتض للقبض، وإذا كان كذلك فغايته أنه كالتصريح، فإن
(1)
في النسخ: إقرار، والمثبت من (ب) و (عب) ج 4 ص 41.
ادعت فيه ما ادعت في الصريح قبل قولها: ولا إشكال في ذلك. والله أعلم. انتهى؛ يعني أن ما تقدم من قوله: "ونقدها كذا مقتض لقبضه" إذا ادعت فيه أنَّها إنما قالت ذلك ظنا منها به الخير، فإنه يحلف في كالعشرة الأيام. والله تعالى أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه.
وقوله: "في كالعشرة الأيام" بتعريف الجزءين على مذهب الكوفين، وفي بعض النسخ بتعريف الجزء الثاني فقط على مذهب البصريين، وقد نظم الشيخ علي الأجهوري أقسام تعريف العدد بقوله:
وعددا تريد أن تعرفا
…
فأل بجزءيه صلن إن عطفا
وإن يكن مركبا فالأول
…
وفي المضاف عكس هذا يفعل
وخالف الكوفي في الأخير
…
فعرف الجزءين يا سميري
وما مر من كون الزوج يحلف إن قام الأب بالقرب في كالعشرة الأيام ونحوها وإن قام بالبعد فلا، هو مذهب غير واحد من الموثقين. المتيطي: وبه جرى العمل، وفي الموازية أنه يحلف ولو قام بالبعد وبه قال أصبغ وابن حارث وابن لبابة، ونقل ابن حبيب عن مالك وأصحابه أنه لا يحلف إلَّا أن يأتي الأب بسبب يدلُّ على ما ادعاه، وتقع على الزوج التهمة فيحلف ونحوه لابن عبد الحكم. قاله الشارح. والله سبحانه أعلم.
فصل: ذكر فيه حكم تنازع الرجل والمرأة في النِّكَاح
من أصله وفي الصداق قدرا أو جنسا أو صفة أو اقتضاء، وفي متاع البيت وما يتعلق بذلك.
مسألة: قال البرزلي: إذا شهد الشهود على المرأة على عينها أو كانوا يعرفونها فيلزمها النِّكَاح، ولو كانوا إنما شهدوا عليها بمعرف كما هو الواقع في أنكحة زماننا فالأمر في ذلك مشكل إذا لم يوثق بالمعرف، ولو وثق به لكانت بمنزلة من شهد عليه بحق فأنكر أن يكون هو المشهود عليه، فذكر ابن رشد أن الأصل أنه هو حتى يثبت أن ثم غيره على صفته ونسبه، فيكون حينئذ الإثبات على الطالب في تعيينه دون غيره. انتهى. قاله الحطاب. وقال ابن عرفة: ابن سحنون: لو قال في يتيمة تزوجتها بعد أن بلغت وقالت قبله فرجع سحنون عن قبول قولها لقبول قوله. ابن سحنون: لو قال تزوجتك وأختك. ابن عبد الحكم: أو قال وأختك عندي وقالت تزوجتني وحدي ولم تكن عندك أختي فسخ لإقراره بفساده وعليه نصف المسمى إن لم يبن وإن لم يسم فلا شيء عليه. ابن عبد الحكم: لها المتعة، ابن سحنون وإن بنى لم يصدق في إبطال الطلاق والسكنى، وكذا إن قال تزوجتها في عدة. قلت كذا وجدته في نسخة عتيقة مصححة في إبطال الطلاق والسكنى، وهو وهم في السكنى لاقتضائه سقوطها لو ثبتت ببينة.
إذا تنازعا في الزوجية ثبتت ببينة يعني أنه إذا تنازع رجل وامرأة في أصل الزوجية أي النِّكَاح بأن أبي عاها أحدهما ونفاها الآخر، فإن الزوجية تثبت لمدعيها على المنكر بقيام بينة له تشهد على المنكر بالزوجية فإذا شهدت البينة بالنِّكَاح على القطع ثبتت الزوجية بلا خلاف، وقوله:"إذا تنازعا" قال الإمام الحطاب: ينبغي أن يكون الفاعل المضمر يعود إلى المتنازعين المفهومين من السياق أو إلى الزوجين، لكن قال ابن عبد السلام: في تسميتهما زوجين تجوز. والله سبحانه أعلم. انتهى. ولو قال المص: في النِّكَاح لكان أخصر.
ولو بالسماع يعني أن الزوجية تثبت بقيام بينة عليها تشهد شهادة قطع، ولا خلاف في ذلك، وأما لو شهدوا بالسماع الفاشي من العدول وغيرهم على صحة النِّكَاح واشتهاره بالدف والدخان فكذلك أي تثبت الزوجية على المشهور المعمول به. قاله المتيطي. وقال أبو عمران: إنما تجوز
شهادة السماع إذا اتفقا على الزوجية قبل ذلك. قاله الشارح. وصورة شهادة السماع أن يقولوا: لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم أن فلانًا تزوج فلانة.
وقوله: "بالدف والدخان" الباء بمعنى مع أي مع معاينتهما للدف والدخان، ويشهدان حينئذ على السماع ويحتمل من جملة مسموعهم، وعلى كلّ حال فلا ينبغي اعتباره قيدا لعدم ذكره ذلك في شهادة السماع بالنِّكَاح في بابها، ويحتمل أن شهود السماع عاينوا الدف والدخان، ويكون ذلك مجوزا لهم للقطع بالنِّكَاح ولا يسندوه للسماع لقول ابن عرفة: ويصح للشاهدين أن يشهدوا بالقطع عليه من ناحية السماع إذا حصل العلم بذلك لكثرته وتواتره على ما في سماع أبي زيد ونوازل سحنون، وهذا أحسن محامل كلام المتيطي عندي. قاله بعض الشراح.
وفي شرح العاصمية ما يفيده، ويمكن حمل كلام المص عليه بتكلف، بأن يقال: ثبتت ببينة بالقطع ولو معتمدة على السماع بسبب الدف والدخان، والباء الأولى بمعنى على والثانية سببية، وفيه حذف مضاف أي بسبب معاينة الدف والدخان، ثم محل ثبوته إذا لم تقطع حيث كانت المرأة في حوز مقيمها أولا بيد أحد، فإن كانت بيد أحد بزوجية لم يعمل ببينة السماع؛ لأنه لا ينزغ بها من يد حائز. قاله البرزلي. وظاهره ولو كان هناك دف ودخان. قاله أحمد. قاله عبد الباقي.
وقال محمد بن الحسن: الذي قرره المسناوي أن الاحتمال الأول يعني أن يكون مراده التنبيه على أن شهادة السماع كافية كشهادة القطع، وأن شهود السماع شاهدوا الدف والدخان أو سمعوهما هو أظهر في كلام المص وهو مقصود المص؛ لأنه محل الخلاف إلَّا أن شهادة السماع كافية في النِّكَاح ولو لم يكن دف ولا دخان، لكن المص هنا نقل عبارة المتيطي، ولو حذف قوله:"بالدف والدخانَ" لانتفى الإيهام، وأما الاحتمال الثاني بأن يحمل على شهادة القطع المستندة لذلك فبعيد من قصد المص؛ لأن بينة القطع هي قوله:"ببينة" ولا علينا في مستند القطع ما هو. انتهى.
وأيضا صنيع التوضيح يفيد أن كلام المتيطي في شهادة السماع لأنه نقل بعده متصلا به قول أبي عمران: إنما تجوز شهادة السماع حيث يتفق الزوجان. انتهى. واختار المصطفى الاحتمال الثاني
في كلام المص قائلا: هذا هو المتعين في كلام المص معنى، وهكذا المسألة مفروضة في كلام أهل المذهب، ثم استدل عليه بكلام العتبية نحو ما نقله عبد الباقي عن ابن عرفة، ثم قال: ولذا لم يشترطوا هنا طول الزمان مع اشتراطه في شهادة السماع في النِّكَاح كما نص عليه ابن رشد وغيره. انتهى. قلت: لا شك في صحة كلّ من الاحتمالين لكن يرجح الأول ما مر عن التوضيح. انتهى.
وقال الشبراخيتي: لو قال بكالدف والدخان ليدخل ما يقوم مقامهما في اختصاصه بالنِّكَاح لكان أظهر، وهذا إذا لم تكن المرأة محوزة لغير من أقام السماع بأن لم تكن محوزة أصلا أو كان المقيم للسماع هو الحائز لها، وذكر أن الباء في بالدف بمعنى مع على الاحتمال الثاني أي حال شهادة القطع خلاف ما لعبد الباقي أنَّها للسببية. والله سبحانه أعلم. وقوله:"ثبتت ببينة" أي لا بتقارهما بعد تنازعهما، فلا يقال إن كلام المص لا فائدة فيه لأن كلّ شيء قامت عليه بينة يثبت بها؛ لأنا نقول فائدته نفي ثبوت النِّكَاح بغير البينة، أو يقال فائدته أن يرتب عليه ما بعده.
واعلم أن بينة السماع لابد أن تكون مفصلة كبينة القطع؛ بأن تقول سمى لها كذا نقد كذا وأجل كذا وعقد لها وليها فلان كما في عبارة المتيطي التي نقلها الحطاب، فلا يكفي الإجمالي، قال الحطاب: وصفة شهادتهم قال في المتيطية: أنهم سمعوا سماعا فاشيا مستفيضا على ألسنة أهل العدل وغيرهم أن فلانا المذكور نكح فلانة بالصداق المسمى، وأن وليها فلانًا عقد عليها نكاحها برضاها وأنه فشا وشاع بالدف والدخان. انتهى.
وإلا أبي مركب من إن الشرطية ولا النافية أي وإن لم يأت المدعي ببينة تشهد له بالنِّكَاح، فلا يمين على المدعى عليه لأن كلّ دعوى لا تثبت إلَّا بعدلين فلا يمين بمجردها، ولعدم ثمرتها لو توجهت لأنَّها لا تنقلب إذا نكل عنها؛ إذ لا يقضى في ذلك بيمين المدعي مع نكول الآخر، وهذا هو المعروف من المذهب، وقيل تتوجه مطلقًا حكاه المتيطي، وقيل تتوجه في الطارئين دون غيرهما وهو لسحنون، وصدر ابن رشد بهذا القول وساقه على أنه المذهب، ونصه في رسم النِّكَاح من سماع أصبغ: ولو لم تكن المرأة تحت زوج وادعى رجل نكاحها وهما طارئان وعجز عن إثبات ذلك للزمت اليمين؛ لأنَّها لو أقرت بما ادعاه من النِّكَاح كانا زوجين، وقيل إنه لا يمين عليها لأنَّها لو نكلت عن اليمين لم يلزمها النِّكَاح انتهى، وقوله: لأنَّها لو أقرت بما ادعاه من النِّكَاح
كانا زوجين رده ابن عبد السلام بأن مراد أهل المذهب بتصديق الطارئين إنما هو فيمن قدما مصطحبين مؤتلفين على الزوجية، ففي تكليفهما البينة مشقة عظيمة مع عدم ظهور ريبة منهما بخلاف غير الطارئين، وأيضا لو منعناه منها فإما أن نمنعها التزويج فهو حرج ومشقة، وإما أن ننكحها لغيره فهو أعظم ريبة وفيه ترك الظاهر الراجح واستعمال المرجوح. انتهى. وهو كلام جيد. قاله الشراخيتي.
ولو أقام المدعي شاهدا يعني أن المدعي للنكاح منهما إذا لم يأت ببينة فلا يمين له على المنكر، ولا فرق في ذلك بين أن تتجرد الدعوى وبين أن يأتي المدعي بشاهد يشهد له على النِّكَاح، وظاهره ولو كانا طارئين وهو ظاهر كلامه في الشامل، ورد المص بلو قول ابن القاسم في الموازية: إنه يحلف المنكر، فإن نكلت المرأة لم يثبت النِّكَاح ولا تحبس، فإن نكل الزوج غرم الصداق. انتهى. قاله محمد بن الحسن.
وقال الشارح: وانظر هل يلزم الزوج الصداق إذا ادعى النِّكَاح وأقام عليه شاهدا لإقراره بعمارة الذِّمة أو لا؛ لأن المرأة مبرئة له لإنكارها النِّكَاح، قال بعض الشارحين: ويجري هذا النظر فيما إذا ادعى النِّكَاح مجردا عن الشاهد. قاله الشبراخيتي.
قال جامعه عفا الله عنه: والظاهر أنه لا شيء لها لقوله: "لأهل لم يكذبه". والله سبحانه أعلم. وفي الحطاب ما نصه: وأما إقرار الزوج والولي دون المرأة فيؤخذ حكمه مما تقدم للمص؛ إذ قال "وحلف رشيد وأجنبي". لخ انتهى.
وحلفت معه وورثت يعني أن المرأة إذا أقامت شاهدا واحدا على ميت أنه زوجها فإنها تحلف مع الشاهد وترث عند ابن القاسم؛ لأن الدعوى آلت إلى المال، فإن نكلت حلف من يظن به العلم من الورثة، ومحل الإرث حيث لا وارث ثابت بالنسب كما مشى عليه الحطاب وتبعه الشيخ سالم ومشى عليه في التوضيح وأقره الناصر اللقاني وهو المعتمد، ولا صداق للمرأة فليس لها إلَّا الميراث، وتجب عليها العدة لحق الله، والظاهر حرمتها على آبائه وأبنائه ولا خصوصية للمرأة بما ذكر، بل الرجل لو أقام شاهدا على نكاح ميتة يحلف مع شاهده ويرث، فالأولى أن يقول: وحلف معه وورث ليشمل الصورتين، وصورة المص أن الدعوى بعد الموت، فلو ادعى أحدهما
الزوجية حال الحياة ثم مات المدعى عليه فهل يعمل بدعوى المدعي أم لا؟ لأنَّها دعوى نكاح والدعوى التي بعد الموت دعوى مال. انظره. قاله عبد الباقي وغيره.
وما مشى عليه المص هو قول ابن القاسم. قال المواق: قال ابن القاسم: من ادعت نكاح ميت بشاهد واحد ثبت إرثها به مع يمينها. انتهى. وقال أشهب: لا ترث لأنه فرع الزوجية وقوله: "وحلفت معه وورثت" قال الشبراخيتي: قال في الحاشية: كان ينبغي له تجريده من التاء إذ لم يفرق في الكتاب بين الزوج والزوجة؛ أي وحلف المدعي معه أي مع شاهده وورث. انتهى. وقوله: "وحلفت معه وورثت" قد تقدم أنه لا صداق لها؛ لأن الصداق من أحكام الحياة كما قال ابن دحون، فإن لم تثبت الزوجية قبل الموت فلا صداق، قال عبد الباقي: ولا يرد أن الإرث أيضًا لم يثبت إلَّا بعد الموت لأن الإرث يتسبب عن الزوجية وغيرها بخلاف الصداق لا يتسبب إلَّا عن الزوجية، وأيضا الحياة تترتب عليها أحكام أخر غير المال كلحوق النسب وغيره، فلو أثبت النِّكَاح بشاهد ويمين، فإما أن يثبت كلّ تلك الأحكام وهو باطل بالاتفاق أو تثبت الأحكام المالية خاصة بعد ثبوت الزوجية وهو تناقض. انظر التوضيح. انتهى.
والصداق كالميراث إن ادعت هي بعد موته أو هو بعد موتها، قال الرهوني ما نصه: فتحصل أن موتها كموته، وأن الصداق كالإرث وأن قيد نفي الوارث المعروف لابد منه. انتهى.
وأمر الزوج باعتزالها يعني أن من ادعى على امراة في عصمة رجل أنَّها زوجة له تزوجها قبل هذا الذي هي في عصمته الآن، وأقام على دعواه شاهدا شهد له بالقطع على الزوجية السابقة، فإن هذا الذي هي في عصمته يؤمر بأن يعتزلها فلا يقربها بجماع ولا بمقدمته والأمر للوجوب أي يقضى عليه بذلك، وإنما قضينا عليه بذلك لأجل دعواه إقامة شاهد ثان يشهد له شهادة قطع زعم قربه، والقرب ما لا ضرر على الزوج في اعتزالها لمجيئه، فإن أتى بالشاهد قضي له بها وفسخ نكاح من أمر باعتزالها، وترد إلى عصمة المدعي ولا يقربها إلَّا بعد استبرائها إن كان من أمر باعتزالها قد وطئها، وإن لم يأت المدعي به أي بشاهده الثاني أو كان بعيدا، فإن الزوجة تبقى في عصمة المدعى عليه، ولا يمين على واحد منهما، ونفقتها مدة الاعتزال على من يقضى له بها، فإن ثبتت لمقيم البينة أنفق عليها مدة الاعتزال وكذا مدة استبرائها من الأول، وإذا خشي
تغيب هذه المرأة التي يؤمر الزوج باعتزالها فإنها تحبس عند أمينة على ما جرى به العمل إن لم تأت بكفيل. قاله الشبراخيتي وغيره.
وقال الشبراخيتي: قال في الحاشية: لفظ أمر معناه عند الأصوليين ندب، ولفظ يؤمر معناه يندب، فكان ينبغي له أن يقول: واعتزلها الزوج أي اعتزلها وجوبا؛ لأن الأفعال الواقعة في عبارات المصنفين محمولة على الوجوب إلَّا لقرينة تصرف عنه، وقوله:"باعتزالها" أي باجتنابها. انتهى. وظاهر تقرير الخرشي أن اللام في قوله: "لشاهد" للانتهاء خلاف ما قررته به والأمر في ذلك سهل. والله أعلم. وفي بعض النسخ: وإلا فلا يمين وهي أشمل لصدقها بما إذا زعم شاهدا بعيدا، وبما إذا لم يذكر شاهدا آخر، وبما إذا ذكر أن له شاهدا قريبا ولم يأت به. قاله الشبراخيتي.
وبما قررت علم أن محل المص حيث كانت شهادة الشاهدين على القطع، فلو كانت على السماع فيهما أو في أحدهما لم تعتبر لأنه لا ينزع بها من يد حائز، وقوله:"وأمر الزوج باعتزالها" لخ قال الإمام الحطاب: هذا والله أعلم إذا ادعى هذا المدعي أنه كان تزوجها ودخل، وأما لو ادعى أنه تزوجها ولم يدخل بها فقد تقدم في ذات الوليين أن دخول الثاني يفيتها. والله أعلم. انتهى. قال بعض الشراح: لا يحتاج إلى هذا لأنا نفرضها في ذات ولي واحد ودخول الثاني فيها لا يفيتها، وذلك أن هذا أحد فروع قوله الآتي:"ولو ادعاه رجلان" وهي مفروضة في ذات ولي واحد. انتهى. أي أن هذه لم يدع كلّ واحد أنه تزوجها من ولي مأذون له في التزويج، فإن ادعى كلّ واحد ذلك فهي مسألة ذات الوليين السابقة. قاله عبد الباقي. قال: وقد يقال إن قوله فقد تقدم في ذات الوليين معناه أنَّها هنا ذات ولي واحد، ولكن قياس ما تقدم في ذات الوليين أنَّها تفوت على المدعي الآن بدخول من هي تحته. انتهى.
قال محمد بن الحسن: هذا القياس غير صحيح، ويأتي عن أبي الحسن في مسألة ما إذا ادعاها رجلان أن ذات ولي واحد لا يفيتها دخول الثاني، وأنها بخلاف ذات الوليين. انتهى.
وقوله: "وأمر الزوج باعتزالها لشاهد" وأولى أن يؤمر بترك العقد عليها لذلك من ليست في عصمته كما في الشبراخيتي.
فرع: إذا ادعى العبد والجارية الحرية وأقاما شاهدا واحدا وهما يدعيان مع ذلك أمرا قريبا، فإنهما يوقفان على صاحبهما ويخرجان عن يده لذلك، قال ابن رشد: قال في كتاب ابن المواز: فإن لم يقم لهما شاهد آخر أو كان ذلك بعيدا حلف السيد حيث ادعيا على السيد أنه أعتقهما، وإن كان ادعى كلّ منهما أنه حر من أصله أو أن غيره أعتقه قبل أن يشتريه هو وأقام على ذلك شاهدا فلا يمين على الذي هو بيده، والواجب في ذلك أن يوقف عنه، ويحال بينه وبين وطئها إن كانت أمة ويؤجل في طلب شاهد آخر الشهر والشهرين والثلاثة، وإن أراد أن يذهب إلى موضع بينة كان ذلك له بعد أن يعطي حميلا بقيمته، وإن كانت له غلة وخراج فقيل يوقف ذلك، فإن استحق الحرية كان له ما وقف من خراجه، وقيل لا يوقف ذلك إلَّا في حال الإعذار بعد ثبوت الحرية بشاهدين، وقيل لا يوقف ذلك والغلة للذي هو في يده حتى يقضى عليه بحريته وكلها قائعة من المدونة. قاله الإمام الحطاب.
وأمرت بانتظاره لبينة قريبة يعني أن الرجل إذا ادعى على المرأة ليست في عصمة أحد أنَّها زوجته وأكذبته، وزعم أن له بينة غائبة غيبة قريبة تشهد له على ما ادعاه من الزوجية، فإن الحاكم يأمرها بأن تنتظره بترك التزويج، فإن أتى بالبينة عمل بمقتضاها فيثبت النِّكَاح، وإن لم يأت بها أو كانت بعيدة الغيبة لم تؤمر بانتظاره لما يلحقها من الضرر، فتتزوج متى شاءت، ومن كانت في عصمة رجل فلا يؤمر باعتزالها لدعوى شخص أن له بينة.
ومحل قوله: ""وأمرت بانتظاره" لخ حيث رأى الحاكم لما ادعاه وجها بأن ادعى نكاح امرأة تشبه نساءه وإلا فلا تنتظره، وقوله: "لبينة" قريبة يعني كانت شاهدة بالقطع أو بالسماع؛ لأن هذه ليست تحت زوج، وإذا أمرت بالانتظار فهل يلزمها حميل بالوجه عن طلبه ليقيم بينة على عينها كما في وثائق ابن المنذر وابن العطار وغيرهما، أو تجعل عند امرأة صالحة تتحفظ عليها؟ المتيطي: وهو الذي جرى به العمل عن شيوخنا وانعقدت عليه الأحكام. نقله بناني. وقوله: "قريبة" القريبة هي التي لا يضر بالمرأة انتظارها.
ثم لم تسمع بينية يعني أن المرأة الخالية إذا انتظرت المدعي لإقامة بينته القريبة بزعمه وانقضت مدة انتظارها له وعجز عن الإتيان بها، فإنه يجوز للحاكم أن يعجزه وإذا عجزه لم تسمع بينته أي لم تقبل بينته اتفاقا.
وبما قررت علم أن معنى قوله: "ثم" بعد انتظاره ومضي أجل التلوم وعجزه عن الإتيان ببينة كما في الشبراخيتي، ومقتضاه أن معنى قوله:"وأمرت بانتظاره" أنه تجعل لها مدة موكولة إلى اجتهاد الحاكم. قاله جامعه. والله سبحانه أعلم.
إن عجزه قاض مدعي حجة يعني أنه إذا عجزه القاضي بعد انتظارها له وهو يدعي أن له حجة فإنه لا تسمع بينته بعد ذلك اتفاقا. فقوله: "مدعي حجة" كذا في بعض النسمخ بإضافة مدع إلى حجة، وفي بعضها بتنوين مدع ونصب حجة وهو خبر مبتدأ محذوف والجملة حال أي وهو مدع حجة والمعنى واحد، والمراد بالحجة البينة قاله الشيخ إبراهيم. ومفهوم قوله:"مدعي حجة" أنه لو أقر على نفسه بالعجز وعجزه القاضي فإنه قد اختلف في ذلك. وظاهرها أي المدونة القبول أي قبول بينته إن أقر على نفسه بالعجز عن إحضار البينة وهذا هو المذهب؛ لأنه ظاهر المدونة واختيار بعض الشيوخ، ولو فرض أنه ظاهرها فقط من غير اختيار كان كافيا في ترجيحه؛ لأن ظواهر المدونة عندهم كالنصوص وليس مقابلا لما قبله لأنه مفهومه فلا ينافيه، فهي مسألة أخرى أي أنه إذا أقر على نفسه بالعجز، ففي سماع أصبغ من كتاب النِّكَاح: لا يقبل منه ما أتى به من حجة.
ابن رشد: وهو خلاف سماعه من كتاب الهبات والصدقات وخلاف ظاهر المدونة. انتهى. ولا فرق على المذهب بين الطالب والمطلوب، ولا بين أن يعجز في أول قيامه أم لا. وكيفية شهادة بينته إذا كان مطلوبا أن تشهد أنه لم يعقد عليها؛ بأن تشهد بينتها أنه عقد عليها وقت الظهر مثلا وتشهد [بينته]
(1)
بأنهم لم يفارقوه من طلوع الشمس لغروبها. قاله الشبراخيتي.
وقال محمد بن الحسن عند قوله "وظاهرها القبول إن أقر على نفسه بالعجز": مراد المص كما يفيده كلام التوضيح أن يذكر الخلاف الذي ذكره ابن رشد بين ما في العتبية وظاهر المدونة لكونه
(1)
في النسخ: بينة، والمثبت من الشبراخيتي مخطوط.
في العتبية من سماع أصبغ من كتاب النِّكَاح، قال: قلت فإن عجزه ثم جاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت المرأة أو لم تنكح، قال قد مضى الحكم، فقال ابن رشد: قوله لا تقبل منه بينة بعد التعجيز خلاف ظاهر ما في المدونة إذ لم يفرق فيها بين تعجيز الطالب والمطلوب، وقال: إنه يقبل منه القاضي ما أتى به بعد التعجيز إذا كان لذلك وجه، وقد قيل إنه لا يقبل منه ما أتى به بعد التعجيز كان طالبا أو مطلوبا. وفرق ابن الماجشون في الطالب بين أن يعجَّزَ أول قيامه قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب على المطلوب عمل ثم رجع عليه، ففي تعجيز الطالب ثلاثة أقوال، وفي تعجيز المطلوب قولان.
ثم قال: وهذا الخلاف إنما هو إذا عجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والإعذار وهو يدعي أن له حجة فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عليه فلا يسمع منه بعد نفوذه عليه. انتهى. فأشار المص بقوله:"إن أقر على نفسه" لخ إلى تقييد ابن رشد لمحل الخلاف، لكن كلام المص يوهم أنه من تمام ظاهر المدونة وليس كذلك. انتهى.
وعلم مما قررت أن المص جزم أولا بعدم القبول في محل الاتفاق، ثم ذكر من محل الخلاف ظاهر المدونة فقط مقتصرا عليه وساكتا عما في الرواية، لكن نبه بنسبته لظاهر المدونة على أنه محل خلاف. والله سبحانه أعلم. وقال عبد الباقي عند قوله:"وظاهرها القبول إن أقر على نفسه بالعجز" وهذا مبني على أن التعجيز هو الحكم بأنه عجز أو الحكم بعد تبيين اللدد، وأما على أنه الحكم بعدم سماع البينة بعد ذلك فلا تقبل بينته بعد ذلك ولوأقر على نفسه بالعجز. وهذا هو الراجح كما يأتي في باب القضاء. والفرق على تسليم ما هنا بين ادعاء الحجة وبين إقراره على نفسه بالعجز أنه - كما قال أحمد - في الأول حكم بإبطال ما يأتي به لكونه يدعيه، بخلاف الثاني فإنه لم يحكم بإبطال ما يأتي به وإنما حكم بكونه عجز. انتهى.
قلت: وانظر لو حكم في هذا بإبطال ما يأتي به من البينة وما يأتي في باب القضاء يدلُّ على صحة حكمه. انتهى. وقوله: أو الحكم بعد تبيين اللدد لخ، قال محمد بن الحسن: هذا هو الذي صرح به في باب القضاء من التوضيح؛ إذ قال: إذا ذكر له حجة وتبين لدده وقضى عليه هو
التعجيز. انتهى. فلا يشترط التلفظ بالتعجيز، وأما ذكر التعجيز وكتابته لمن يسأله فهو تأكيد للحكم؛ لأن عدم سماع الحجة متوقف عليه. انتهى. وقال الشبراخيتي: والحاصل أن التعجيز وهو الحكم بعدم قبول البينة بعد العجز مانع من قبول ما يأتي به من البينة، سواء حصل مع ادعاء الحجة أو مع إقراره بالعجز على أحد القولين في هذا الثاني، وأما التعجيز الذي لا يمنع من قبول ما يأتي به من البينة حيث أقر على نفسه بالعجز فليس هو بهذا المعنى، بل بمعنى آخر وهو إما حكمه لخصمه بما ادعى، أو حكمه بأن المدعي عجز عن البينة، وهو بهذا المعنى لا يمنع من قبول حجة يأتي بها بعده اتفاقا، كما يفيده كلام ابن عرفة، وقول المص:"وظاهرها القبول" يوهم خلاف ذلك. انتهى. وتأمل قوله اتفاقا فإنه غير ظاهر لما مر. والله سبحانه أعلم. وليس لذي ثلاث، تزويج خامسة يعني أن من تحته ثلاث نسوة ويدعي نكاح رابعة ولا بينة له، لا يجوز له أن يتزوج امرأة خامسة إلَّا بعد طلاقها أي الدعاة أو طلاق غيرها من الثلاث، فالضمير للمدعاة لا للخامسة حتى يكون من باب: عندي درهم ونصفه خلافا لما وقع في شرح الشيخ عبد الباقي مما هو سبق قلم. والله سبحانه أعلم. وقوله: "خامسة" أي بالنسبة للتي ادعاها وإنما اكتفى بطلاق الدعاة مع عدم ثبوت زوجيتها، وإن كان الطلاق لا يقع إلَّا على ما ملك قبل الطلاق وإن تعليقا؛ لأنه يقول إنها في عصمتي وقد ظلمتني بإنكارها النِّكَاح. قاله أبو عمران. ابن راشد: ويلزم على قوله أن المرأة إذا ادعت نكاح رجل وكذبها أن لا تمكن من النِّكَاح لاعترافها أنَّها ذات زوج، قال عبد الباقي: ومن تدعيه رابعة ليس له تزويج خامسة إلَّا بعد أن يطلقها. انتهى. قال محمد بن الحسن: فيه نظر، بل لا وجه للمنع في هذه لأنه منكر والأصل عدم الثبوت. انتهى. وأشعر قوله:"بعد طلاقها" أنه لا يكتفى في حلية الخامسة برجوعه عن دعواه وتكذيبه نفسه، وانظر لو تزوج خامسة قبل طلاق واحدة هل يحد أم لا؟ وهو الظاهر. قاله عبد الباقي.
وليس إنكار الزوج طلاقا يعني أن الرجل إذا ادعت عليه امرأة الزوجية فأنكرها وأقامت عليه شاهدين ولم يأت بمدفع، فإن الزوجية تثبت بينهما ولا يكون إنكاره للزوجية طلاقا إلَّا أن ينوي به الطلاق، وإذا ثبتت الزوجية لزمت النفقة والكسوة والدخول، وأما إن لم تثبت الزوجية فلا
يكون إنكاره طلاقا ولو قصده لأنه طلاق في أجنبية، فإذا عقد عليها بعد ذلك تبقى معه بعصمة كاملة، وإنما كان إنكاره طلاقا مع نيته حيث ثبتت الزوجية عملا بما في نفس الأمر، فإن كان إنكاره السابق على البينة قبل البناء أو بعده وقد تمت عدتها فلا بد من عقده عليها، وتبقى له فيها طلقتان حيث لم يقصد بإنكاره الطلاق الثلاث، وإلا لم تحل له إلَّا بعد زوج. قاله عبد الباقي. وإذا أثبتت المرأة الزوجية وأبى الرجل من الدخول والطلاق، فقال ابن الهندي: كان بعض من أخذت عنه يقول: إن السلطان يطلق عليه بعد أربعة أشهر من وقت إبايته. خليل: وفيه نظر؛ لأن مشهور الذهب فيمن ترك وطء زوجته لغير يمين يطلق عليه بغير ضرب أجل. قاله الحطاب.
وقال الشبراخيتي: وليس إنكار الزوج نكاح المرأة ادعته وأقامت عليه بينة ولم يأت بمدفع طلاقا لها يوجب عليه تجديد عقد إذا خرجت من العدة ولا يبيح للمرأة أن تتزوج. انتهى.
وقوله: "وليس إنكار الزوج طلاقا": هكذا نقل المتيطي عن ابن الهندي وابن العطار وغيرهما، وعلى هذا فإذا رجع إلى تصدقيها فإنه يقبل منه، ووقع لأصبغ في الواضحة أنه لا يقبل منه. المتيطي: في جعل الإنكار طلاقا نظر. قاله الشارح.
ولو ادعاها رجلان يعني أن المرأة إذا ادعاها رجلان بأن قال كلّ منهما هي زوجتي، فأنكرتهما وأقام كلّ منهما البينة على ما ادعاه من الزوجية فإن النِّكَاحين يفسخان بطلاق، وهذا حيث لم يعلم الأول منهما وإلا فهي له، وقوله:"فأنكرتهما" وكذا الحكم لو صدقتهما وأقام كلّ البينة، أو أحدهما عطف على ضمير التثنية في أنكرتهما؛ يعني أن الحكم كذلك فيما إذا أنكرت أحدهما وصدقت الآخر وأقام كلّ منهما البينة على ما ادعاه، فإن النِّكَاحين يفسخان بطلاق، وكذا الحكم لو سكتت ولم تقر بواحد وأقام كلّ البينة. ومحل هذا كله حيث لم يعلم الأول، وأما إن علم فهي له ولا تفوت بدخول الثاني. وقوله: وأقام كلّ البينة جملة حالية أو عطف على قوله: "فأنكرتهما" وهو راجع للمسألتين، ويجري في المسألة التي زدتها كما في الخرشي.
وقوله: فسخا: جواب عن قوله: "ولو ادعاها"، والضمير عائد على النِّكَاحين المفهومين من الكلام، وقوله: كالوليين معناه أن النِّكَاحين هنا يفسخان بطلاق، كما أن النِّكَاحين يفسخان
بطلاق في مسألة ذات الوليين حيث جهل السابق منهما، وهو قوله فيما تقدم:"أو جهل الزمن"، وقد علمت أنه في هذه المسألة لا ينظر إلى دخول أحدهما؛ لأن الدخول إنما يفوت في ذات الوليين وهذه ذات ولي واحد، ولا ينظر لأعدلهما عند مالك خلافا لمحمد، وإذا أرختا معا قضي بالسابقة: وإذا أرخت إحداهما بطلتا إذ لا يعلم السابق منهما، بمنزلة ما لو تركتا التاريخ. قاله محمد بن الحسن.
وقال: قد يقال مسألة ابن الهندي تدل على أنه يقضى بالمؤرخة. انتهى. ومسألة ابن الهندي هي قوله فإن أرخت إحداهما بالشهر والأخرى باليوم من ذلك الشهر قضي بالمؤرخة باليوم إلَّا أن تقطع التي أرخت بالشهر أن النِّكَاح كان قبل ذلك اليوم، وقوله:"فأنكرتهما" هو قول مالك وابن القاسم، وقوله:"أو أحدهما" أي خلافا لمحمد إذا أقرت بواحد فأحب إلي أن تكون امرأته، وقد مر أنه في مسألة المص لا ينظر إلى دخول أحدهما لأنَّها ذات ولي واحد، وليست كمسألة ذات الوليين المتقدمة تكون لمن دخل، وقال محمد بن الحسن عند قوله "فسخا كالوليين". أبو الحسن: قال ابن لبابة وابن الوليد
(1)
وابن غالب: ما لم يدخل بها أحدهما فيكون أولى بها فجعلوها كمسألة الوليين إذا زوجها كلّ واحد منهما. انظر أحكام ابن سهل. وقال عبد الحق في التهذيب: معنى مسألة الكتاب في هذه أنه زوجها ولي واحد، بخلاف مسألة الوليين. الشيخ: فعلى هذا لا يكون الداخل أولى ولابد من الفسخ. انتهى. وقوله: "ولو ادعاها رجلان" لخ قال الشبراخيتي: والظاهر أنه لا حد على الزوجين ولا على المرأة لقيام البينة لكل. انتهى.
وفي التوريث بإقرا الزوجين يعني أن أهل المذهب اختلفوا فيما إذا أقر رجل بأن فلانة زوجته أو أقرت امرأة بأن فلانًا زوجها، هل يثبت بذلك الإرث وهو لابن المواز أو لا يثبت بذلك الإرث لعدم ثبوت الزوجية وهو قول سحنون؟ قاله الشبراخيتي.
ابن عبد السلام: والأقرب عدم ثبوت الإرث. ومحل الخلاف حيث لم يكن معها ولد استلحقه وإلا ورثته بلا خلاف، نقله غير واحد. قال محمد بن الحسن: وأما إرثه هو لها فيظهر أنه لا يخرج من الخلاف، ولو كان معها ولد فانظر النص فيه. انتهى. قال عبد الباقي: ومحل
(1)
في بعض النسخ لبيد والمثبت من بناني ج 4 ص 44.
الخلاف في التوريث بإقرار الزوجين ثلاثة أمور تقارهما معا، وفي الصحة: ولا ولد معها استلحقه، وأشعر جعل الخلاف في التوريث بعدم ثبوت النِّكَاح وهو كما أشعر إذ لا يثبت بتقار البلديَّين، واحترز بتقارهما معا عما إذا أقر به أحدهما فقط فلا توارث اتفاقا من الجانبين، بل إن أقر ولم تقر هي ولا كذبته ورثته، وإن أقرت هي ولم يقر هو ولا كذبها بل سكت ورثها، واحترزت بقولي في الصحة عما إذا تقارا في المرض فلا توارث قطعا؛ إذ الإقرار به فيه كإنشائه كما سيأتي، وهو يمنع الإرث حتى بين الطارئين كما يدلُّ له نقل المواق.
واحترزت بقولي: ولا ولد لها عما إذا استلحقه فإنها ترثه بالزوجية، ولو استلحقه في المرض لصحته فيه كما في الصحة. انتهى. قوله: ثلاثة أمور تقارهما وفي الصحة ولا ولد معها لخ، قال محمد بن الحسن: الصواب إسقاط التقار كما يدلُّ عليه كلامهم وكلامه قريبا، وكذا قوله: وفي الصحة فإن أصله لعلي الأجهوري. قال الرماصي: وهو خطأ منه لقول الجواهر: ومن احتضر فقال: لي امرأة بمكة سماها ثم مات فطلبت ميراثها منه فذلك لها، ولو قالت: زوجي فلان بمكة فأتى بعد موتها ورثها لإقرارها بذلك. انتهى. ونقله في التوضيح، فقوله بعد في محترزه إذا تقارا في المرض فلا توارث قطعا خير صحيح، وقوله: كما يدلُّ عليه نقل المواق لخ لا دلالة في كلام المواق عليه؛ لأنه لم ينقل كلام الجواهر بتمامه، فإن ابن شأس فرض الخلاف أولا في الإقرار في الصحة فتبعوه ولم ينتبهوا لآخره، قلت: لعل قوله: ومن احتضر مقيد بغيبة الزوجة المقر بها كما هو فرض كلامه لضعف التهمة حينئذ، وأما إقراره في المرض بزوجة حاضرة فبعيد لقوة التهمة، وحينئذ فليدر في كلام ابن شأس دليل واضح لرد كلام علي الأجهوري ومن تبعه، لاحتمال أن يكون التقييد بالصحة مقصودا أولا في محل الخلاف، ويكون في الإقرار في المرض تفصيل أشار إليه آخرا. فتأمله. والله أعلم. أو يقال إن مسألة المحتضر أخص من مسألة المريض التي احترز عنها علي الأجهوري ومن تبعه؛ لأن وقت الاحتضار يبعد فيه الكذب. انتهى.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: والظاهر ما لمحمد بن الحسن وما للأجهوري ومن تبعه لا ما للرماصي، وقوى الرهوني ما للأجهوري جدا، وقال بعد جلب كلام ما نصه: وبه ترد تخطئة من خطأ الأجهوري ومن تبعه. والله سبحانه أعلم.
غير الطارئين يعني أن محل الخلاف في التوريث بإقرار الزوجين إنما هو في الزوجين غير الطارئين بأن كانا بلديين أو أحدهما، وأما الطارئان فإنهما يتوارثان بتصادقهما على النِّكَاح لثبوت الزوجية بينهما بذلك كما يأتي.
ابن شأس: لو أقر الزوج في صحته بزوجة ثم مات ورثته بذلك الإقرار إن كان طارئا وفي إرثها له بذلك إن لم يكن طارئا خلاف.
والإقرار بوارث يعني أن أهل المذهب اختلفوا فيما إذا أقر شخص بوارث والمقر غير زوج ومعتق وأب هل يثبت الإرث بذلك؟ ابن راشد: وهو الجاري على أصل مذهب ابن القاسم لأنه إقرار بمال، لكن لا يثبت بذلك نسبه، أو لا يثبت بذلك الإرث وهو الجاري على أصل أشهب؛ لأن الإرث فرع ثبوت النسب، ومحل الخلاف في هذه والتي قبلها حيث أقر والحال أنه ليس للمقر بكسر القاف ثم أي وقت إقراره وارث يحوز جميع المال ثابت أي ثابت النسب، وقررت قوله:"وليس ثم وارث ثابت" بأنه قيد في المسألتين أعني قوله: "وفي التوريث بإقرار الزوجين غير الطارئين"، وفي قوله:"والإقرار بوارث" تبعا للشيخ محمد بن الحسن، فإنه قال: الظاهر رجوعه لما قبلها أيضًا كما يأتي قريبا عن ابن راشد لاعتماده إياه في التوضيح، وقد اعتمده الحطاب. انتهى.
وقال عبد الباقي: وما قدمناه - من أن قوله: "وليس ثم وارث" لخ راجع لهذه فقط دون ما قبلها - نحوه في أحمد، وقواه علي الأجهوري: واستشهد له بكلام غيره، وقال البدر وبعض الشراح: يرجع لما قبله أيضا، وقال الشبراخيتي: وذكر بعض الشارحين أن من أقر بزوجة وله زوجة ثانية أن المقر بها لا ترث من المقر شيئًا. انتهى. أي لأنَّها حائزة للثمن، فالمراد بجميع المال جميعه على الحقيقة أو جميع النصيب الذي يستحقه المقر به لو انفرد.
وقوله خلاف راجع للمسألتين وحذفه من الأولى لدلالة هذا عليه. والله سبحانه أعلم. ومحله في الثانية حيث لم يكذب المقر به المقر بأن صدقه أو سكت، فإن كذبه فلا توارث بينهما اتفاقا. فمحل الخلاف في صورتين: تقارهما معا، إقرار أحدهما مع سكوت الآخر، فيجري الخلاف في إرث المقر به من المقر حيث سكت المقر به، ولو صدقه لجرى الخلاف في إرث كلّ منهما من
صاحبه، ومحل الاتفاق في صورة واحدة وهي ما إذا كذبه المقر به فلا توارث بينهما اتفاقا. ومحله فيها أيضًا حيث لم يكن للمقر وارث ثابت النسب يحوز جميع المال وإلا اتفق على عدم الاعتداد بإقراره، ومحله فيها أيضًا فيما إذا كان المقر غير معتق بفتح التاء، وأما لو أقر شخص بأنه معتق بالفتح لفلان فيعمل بإقراره بلا خلاف؛ لأنه أقر على نفسه وهذه واردة على كلام المص. والله سبحانه أعلم. ومحله فيها أيضًا حيث لم يكن المقر بالكسر أبا وأما إن كان أبا فإنه يصح إقراره بلا خلاف، وهذه لا ترد على المص لأن هذا في العرف استلحاق، وسيأتي التفصيل في إرث الأب منه في كلام المصنف على الاستلحاق إن شاء الله.
وقوله: "وفي الإقرار بوارث" قيد اللخمي الخلاف بما إذا لم يطل الإقرار، وأما المسألة الأولى وهي الإقرار بالزوج فقد مر الكلام عليها. وفي الحطاب: قال ابن عبد السلام: وكذلك ينبغي إذا أقرت هي ولم يعلم منه إنكار أن يرثها. انتهى. وقال عبد الباقي: قال ابن راشد: ولو أقر أن له امرأة بمكة أو أقرت هي، فإن كانت في عصمته غيرها لم ترث المقر بها الزوج لأن هذه أي التي في عصمته حائزة للميراث أي جميع ميراث الزوجة من ربع أو ثمن.
قلت: وهذا معنى قوله: "وليس ثم وارث ثابت"، قلت: فتعليل ابن راشد هذا بقوله لأن هذه حائزة للميراث: يفيد أن المعتبر في سقوط ميراث المقر به للمقر وجود وارث ثابت يستحق النصيب الذي يستحقه المقر به لو انفرد، فلو كان له بنت في الفرض المذكور لم تكن مانعة للمقر بها - وهي الزوجة - من الميراث. انتهى.
بخلاف الطارئين يعني أن الزوجين إذا كانا طارئين وأقرا بالنِّكَاح فإن النِّكَاح يثبت بينهما فيتوارثان سواء قدما معا أو مترتبين. قال عبد الباقي: وهذا إذا أقرا في الصحة، وأما في المرض فيلغى إقرارهما، قال محمد بن الحسن: فيه نظر، بل لا فرق بينهما وأصل ما ذكره هنا لعلي الأجهوري بناء على ما ذكره في غير الطارئين، وقد تقدم رده بكلام الجواهر. انتهى. وقال الرهوني: قول الزرقاني: وأما في المرض فيلغى لخ: فيه نظر لتقدم التصريح بخلافه في كلام ابن عرفة، وكلام البناني فيه نظر أيضًا لأنه بناه على ما مر للرماصي وقد تقدم ما فيه فانظره. والله تعالى أعلم. وقوله:"بخلاف الطارئين" أي فيتوارثان بلا خلاف لثبوت الزوجية بينهما. قاله
الشارح. وقال الشبراخيتي: والمراد بالطارئين أن يكونا غير بلديين، وأما لو كان أحدهما بلديا فليسا طارئين. انتهى.
وعطف على الطارئين قوله: وإقرار أبوي غير البالغين يعني أن أبا الصبي وأبا الصبية إذا أقرا بنكاحهما بعد موتهما أو موت أحدهما، فإن النِّكَاح يثبت بينهما فيتوارثان بلا خلاف كما لو كانا حيين، وقوله:"وإقرار أبوي غير البالغين" سواء كانا طارئين أم لا، قال عبد الباقي: بشرط الإقرار في الصحة، قال محمد بن الحسن: تقدم بطلان هذا الشرط. انتهى. وقد مر تقوية ما أبطله، وقوله:"وإقرار أبوي" لخ أي وبخلاف إقرار أبوي غير البالغين، وقال الشبراخيتي: وبخلاف إقرار أبوي غير البالغين سواء كانا طارئين أم لا كان إقرار أبويهما قبل الموت أو بعده كما يفيده كلام التتائي والشيخ عبد الرحمن. والسكوت ليس بمنزلة الإقرار، فإذا أقر أحدهما وسكت الآخر فإن سكوته لا يعد إقرارا، ومفهوم غير البالغين أنه لا يثبت نكاح البالغين السفيهين بإقرار أبويهما، ويجري فيه ما تقدم في إقرار الرشيدين.
وقوله عطف على الطارئين أي وبخلاف قوله: يعني أن النِّكَاح يثبت بقول الرجل الطارئ للطارئة تزوجتك فلما قال لها ذلك قالت له بلى أو نعم لأنه إقرار عرفا فيهما وإقرار لغة في نعم وكذا بلى على غير الغالب، كما في المغني أنَّها تستعمل في غير النفي قليلا، ووقعت في حديث في البخاري ومسلم، والغالب كونها جواب النفي، وإذا ثبت النِّكَاح ترتبت ثمراته وإذا كان هذا في الطارئين فلا يقال لابد من إجازة الولي والإشهاد على ذلك لتصحيح ثمرات النِّكَاح.
مسألة: قال الإمام الحطاب: إذا تداعى رجل وامرأة في شيء من أمور الزوجية وأقرا بالزوجية، فإن كانا طارئين لم يتعرض لهما الحاكم، وإن كانا من أهل البلد وادعيا وقوع الزوجية في البلد كلفهما إثبات النِّكَاح وسألهما عن الولي والعاقد والشهود بذلك، فإن بأن له كذبهما وأقرا بالوطء أقام عليهما الحد. انتهى. وعلم مما مر أنه إذا لم يكونا طارئين لا يثبت النِّكَاح بينهما بذلك؛ الآن إقرار غير الطارئين، من دون بينة لا يثبت به النِّكَاح.
أو قالت طلقتني عطف على قوله: "فقالت" يعني أن الرجل الطارئ إذا قال للمرأة الطارئة تزوجتك فقالت له طلقتني بصيغة الاضي أو طلقني بصيغة الأمر فإن ذلك إقرار منها بالنِّكَاح،
فيثبت النِّكَاح بينهما بذلك وعليها إثبات ما ادعت إذا أجابته بصيغة الماضي، بخلاف ما إذا لم يكونا طارئين فإنه لا يثبت النِّكَاح بينهما بذلك.
أو خالعتني عطف على قوله: "طلقتني" يعني أن الرجل الطارئ إذا قال للمرأة الطارئة تزوجتك فقالت له خالعتني، فإن ذلك إقرار يفيد تقدم الزوجية بينهما، فيلزمها النِّكَاح وعليها إثبات ما ادعت، وكذا لو قال تزوجتك فقالت خالعني بصيغة الأمر فإن ذلك إقرار منها بالنِّكَاح، فيثبت بينهما بخلاف ما إذا لم يكونا طارئين فإنه لا يثبت بذلك ولا بد من البينة؛ لأن الإقرار بالنِّكَاح إنما يعمل به في الطارئين، أو قال: يعني أن الطارئ إذا قال للطارئة اختلعت مني في جواب قولها له طلقتني، فإن ذلك إقرار منهما يفيد تقدم الزوجية بينهما، فيثبت النِّكَاح كما في ابن الحاجب، بخلاف ما إذا لم يكونا طارئين.
وقوله: "اختلعت مني": وكذا الحكم لو قالت له تزوجتني فقال لها اختلعت مني كما فسر به غير واحد المص، وقوله: أو قال: الظاهر أنه عطف على "الطارئين" من قوله: "بخلاف الطارئين" وإن كان لا يحسن ذلك إلَّا بتقدير أن.
أو أنا منك مظاهر يعني أن الطارئ إذا قالت له الطارئة طلقني فأجابها بقوله لها أنا منك مظاهر فإن النِّكَاح يثبت بينهما بذلك ويلزمه الظهار، أو حرام يعني أن الطارئ إذا قال للطارئة في جواب قولها له طلقني أنا منك حرام فإن النِّكَاح يثبت بينهما، ويلزمه ما ذكر من قوله:"أنا منك حرام" أو بائن يعني أن الطارئة إذا قالت للطارئ طلقني فأجابها بقوله لها أنا منك بائن فإن ذلك إقرار يفيد تقدم الزوجية بينهما، ويلزمه ما ذكره من قوله لها: أنا منك بائن.
وبما قررت علم أن قوله: في جواب قولها له طلقني بصيغة الأمر متعلق بقال فهو راجع للأمور الأربعة. قوله: "أنا منك مظاهر أو حرام أو بائن في جواب طلقني" ولا خلاف عندنا في حصول الإقرار بأحد هذه الألفاظ الثلاثة، لا إن لم يجب يعني أن السكوت فيما تقدم لا يكون إقرارا بالزوجية، فإذا لم يحصل منه جواب لها في قولها له طلقني بل سكت فإنه لا يعد إقرارا منه بالنِّكَاح، كما أنه لو قال لها تزوجتك ونحو ذلك فلم تجبه بل سكتت فإن سكوتها لا يعد إقرارا منها بالنِّكَاح فلا يثبت، وقوله:"لا إن لم يجب": بالبناء للمفعول وضميره للمخاطب بالكسر،
ويصح أن يكون بالبناء للفاعل والضمير للمخاطب بالفتح. ابن الحاجب: ولو قال أنت علي حرام أو بائنة أو بتة فليس بإقرار إلَّا جواب طلقني. انتهى. واعلم أن الأئمة أطلقوا في ثبوت النِّكَاح بإقرار الطارئين ولم يقيدوه بإجازة الولي ولا بإشهاد، ففي ما قاله عبد الباقي نظر. والله سبحانه أعلم.
أو أنت علي كظهر أمي يعني أن الرجل إذا قال للمرأة أنت علي كظهر أمي في جواب أم لا، فإن ذلك لا يكون إقرارا بالزوجية فلا يثبت به النِّكَاح في الطارئين، فليس كقوله لها أنا منك مظاهر كما مر قريبا، والفرق بينهما أن اسم الفاعل يدلُّ على الحال أي حال التكلم فلا يصدق إلَّا على زوجة كما للقرافي، وعليه جمع بخلاف أنت علي كظهر أمي فإنه يصدق على الأجنبية، واستشكل كون اسم الفاعل حقيقة في حال التكلم بقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} . وبقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فإنه يقتضي على هذا أن الأمر بالقطع أو بالجلد لا يتعلق إلَّا بمن تلبس بالسرقة أو بالزنى حال التكلم أي حال نزول الآيتين، لا على من تلبس بهما بعد ذلك مع أن الحكم عام، وأجاب ابن عبد السلام بأن معنى قولهم اسم الفاعل حقيقة في حال التكلم إذا كان محكوما به، نحو: زيد ضارب لا محكوما عليه كما في الآيتين فهو أعم من ذلك. نقله الشيخ عبد الباقي.
وقوله: وأجاب ابن عبد السلام يعني عز الدين الشافعي لا ابن عبد السلام التونسي شيخ ابن عرفة. قاله الشيخ محمد بن الحسن. والله سبحانه أعلم. وقال السبكي: اسم الفاضل حقيقة في حال التلبس بالفعل سواء قارن
(1)
حال التكلم حال التلبس أو تقدمه: وليس الأمر كما ذكر القرافي. انتهى. لكن يلزم على كلام السبكي أن الحال في اسم الفاعل مخالف للحال في المضارع؛ لأنَّها فيه المراد بها زمن التكلم مع أن اسم الفاعل موافق له كما قالوا. قاله الشيخ عبد الباقي.
أو أقر فأنكرت يعني أن ما تقدم من لزوم النِّكَاح بالإقرار من الطارئين محله فيما إذا اتحد زمن الإقرار، وأما إذا لم يتحد زمن الإقرار فإنه لا يثبت به النِّكَاح، كما لو أقر بالنِّكَاح فقال لها أنا تزوجتك فأنكرت ذلك فقالت له: لم تتزوجني ثم رجعت عن إنكارها وقالت له بعد الإنكار نعم
(1)
في النسخ قارب والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 47.
تزوجتني، فقال لها أتزوجك وأنكر الزوجية، وكذا الحكم لو أقرت فأنكر ثم قال نعم فأنكرت هي فلا، يثبت النِّكَاح إلَّا ببينة، وليس إنكاره طلاقا كما تقدم، ويجري مثل هذا في الإقرار بالمال وغيره، فإذا قال شخص لآخر: لك عندي عشرة فقال مالي عندك شيء فرجع المقر له لتصديقه فأنكر المقر عقب رجوعه فلا شيء عليه، وكذا يقال في جرح العمد.
ولما فرغ من الكلام على تنازعهما في أصل النِّكَاح ذكر اتفاقهما على أصله وتنازعهما في أمور أربعة: قدر الصداق ونوعه وصفته وجنسه، وفي كلّ منها إما قبل البناء أو بعده وما هو منزل منزلته كالموت والطلاق، فقال: وفي قدر المهر يعني أن الرجل والمرأة إذا اتفقا على أصل الزوجية واختلفا في قدر الصداق، فقالت هي بثلاثين وقال هو بعشرين، وكان تنازعهما في ذلك قبل البناء فإنهما يتحالفان ويفسخ النِّكَاح، وكذا الحكم لو نكلا فإن نكل أحدهما وحلف الآخر ثبت النِّكَاح بما حلف عليه الحالف ومحل هذا إن كانا رشيدين، وإلا فالكلام للولي كما يأتي، وهذا ما لم ينفرد أحدهما بالشبه كما يأتي للمص، وفهم من هذا أنه إن رضي أحدهما بما قال الآخر صح ذلك.
أو صفته يعني أن الرجل والمرأة إذا اتفقا على أصل الزوجية واختلفا في صفة المهر، فقالت هي: وقع النِّكَاح بعبد تركي، وقال هو بعبد زنجي، أو قالت هي بدنانير محمدية وقال هو بدنانير يزيدية، وكان هذا التنازع قبل البناء فإنهما يتحالفان ويفسخ النِّكَاح، وكذا الحكم لو نكلا فإن نكل أحدهما وحلف الآخر ثبت النِّكَاح بما حلف عليه الحالف، وهذا ما لم ينفرد أحدهما بالشبه كما يأتي للمص. والله سبحانه أعلم.
أو جنسه يعني أن الرجل والمرأة إذا اتفقا على أصل الزوجية واختلفا في جنس المهر فإنهما يحلفان ويفسخ النِّكَاح، وكذا الحكم لو نكلا أو نكل أحدهما وحلف الآخر أشبها أو أحدهما أم لا فالاختلاف في جنس الصداق ليس كالاختلاف في قدره أو صفته هذا هو الذي عند اللخمي وابن رشد والمتيطي وغيرهم. قاله محمد بن الحسن محتجا لكلام عبد الباقي، ونصه: وأما في الجنس فيفسخ حلفا أو نكلا أو حلف أحدهما دون الآخر أشبها أو أحدهما أو لم يشبها، ثم قال عند قوله "والرجوع للأشبه" ما نصه: فلو قال عاتب حلفا وفسخ ما نصه في الجنس مطلقًا كفى القدر
أو الصفة إلَّا إن أشبه أحدهما فقط، فقوله بيمين لأفاد. انتهى. ونص محمد بن الحسن قول الزرقاني وأما في الجنس فيفسخ لخ ما ذكره من التحالف والتفاسخ في الجنس مطلقًا هو الذي عند اللخمي وابن رشد والمتيطي وغيرهم، انظر التوضيح.
وبما قررت علم أن قوله: حلفا وفسخ جار في الأقسام الثلاثة، وأن نكولهما بمنزلة حلفهما، وأن محل هذا ما لم ينفرد أحدهما بالشبه، وأنه يقضى للحالف على الناكل إلَّا في الاختلاف في الجنس فإنه لا يراعى فيه شبه ولا يقضى فيه للحالف على الناكل، بل الحكم فيه الفسخ مطلقًا حلفا أو نكلا أو أحدهما أشبها أو أحدهما أم لا ومع ذلك يؤمران بالحلف.
والرجوع لأشبه قوله: "والرجوع" بالرفع مبتدأ، وما بعده معطوف عليه، والخبر قوله الآتي:"كالبيع". انظر حاشية الشيخ بناني؛ يعني أن الزوجين إذا اختلفا في قدر المهر أو صفته فإن الحكم في ذلك ما تقدم من قوله: "حلفا وفسخ" وقد مر أن نكولهما كحلفهما وأنه يقضى للحالف على الناكل، ومحل ذلك ما لم ينفرد أحدهما بالشبه بأن أشبها معا أو لم يشبه واحد منهما، وأما لو انفرد أحدهما بالشبه فإن القول قوله مع يمينه، فعلم أن في التشبيه مسامحة فقد نزلوا عقد النِّكَاح هنا منزلة الفوات في البيع؛ إذ البيع قبل الفوات لا ينظر فيه لشبه بل الحكم فيه التحالف والتفاسخ مطلقًا أشبها أو أحدهما أم لا، والفرق بينهما ما يترتب على عقد النِّكَاح من تحريم المصاهرة وكون المرأة فراشا وغير ذلك، وقد مر أنه لا يرجع للأشبه في اختلاف الزوجين في جنس المهر قبل البناء؛ لأنه ليس فيه اتفاق منهما على شيء، والمراد بالجنس هنا ما يشمل النوع لأن الفقهاء يعبرون بكل منهما في موضع الآخر ولا يعتبرون فيهما الاصطلاح المنطقي.
ومن الاختلاف في الجنس ما لو ادعى أحدهما أنه تزوجها بذكمب وادعى الآخر فضة، أو ادعى أبيه ما العرض والآخر العين، أو ادعى أحدهما أنه تزوج بدار والآخر بعبد، أو ادعى أحدهما أن النِّكَاح وقع بقمح والآخر أنه وقع بشعير. كما قاله عبد الباقي.
وانفساخ النِّكَاح بتمام التحالف يعني أن انفساخ النِّكَاح الكائن عند تمام التحالف أو الحاصل بسببه كالبيع، فلا يكون إلَّا بحكم حاكم ويفسخ ظاهرا وباطنا، وكونه يتوقف على حكم الحاكم
هو قول ابن حبيب وبه عمل الأندلسيين واختاره اللخمي وصوبه ابن محرز، وعليه فالفسخ بطلاق، وقال سحنون: لا يتوقف على حكم.
وغيره يعني أن غير ما ذكر من أحكام هذا الباب كالمتبدئة باليمين والتناكل حكمه كالبيع؛ فتبدأ المرأة باليمين كما يبدأ البائع باليمين؛ لأن المرأة بائعة بضعها وورثة كلّ كهو، وينفسخ النِّكَاح بتمام التناكل إن حكم بالفسخ ويكون الفسخ حينئذ ظاهرا فلا يتعرض لها الحاكم إن تزوجت غيره، وباطنا فتحل لمن نكحها فيما بينه وبين الله، وتقدم أنه يقضى للحالف على الناكل في اختلافهما في القدر والصفة حيث لم ينفرد أحدهما بالشبه، وأنه إذا انفرد أحدهما بالشبه فيهما كان القول له بيمين كما صوبه اللخمي، قال: لأن ذلك دليل كالشاهد يحلف معه من قام له ذلك الدليل. قاله ميارة في اختلافهما في القدر. وهو ظاهر في أنه إذا نكل من أشبه أن يحلف الآخر ويقضى له، والنكول بعد النكول تصديق للناكل الأول.
وقوله. كالبيع قد قدمت عن محمد بن الحسن أنه خبر عن قوله: "والرجوع للأشبه" وما عطف عليه وفي ذكره المص من مراعاة الشبه. قاله مالك. وقال مرّة: لا يراعي شبه ولا عدمه قبل البناء بل يتحالفان ويفسخ النِّكَاح، وإلى ذلك أشار ابن عاصم بقوله:
وحيثما ادعي ما قد ينكر
…
تردد الإمام فيه يؤثر
فقيل يحلفان والنِّكَاح
…
بينهما الفسخ له يباح
وجعل القول لمن جاء بما
…
يشبه وارتضاه بعض العلما
قال الشيخ ميارة: يعني أنه إذا ادعى أحد الزوجين ما يستنكر ولا يشبه من الصداق في القلة أو الكثرة -يعني- وادعى الآخر ما يشبه فإن الإمام مالكا رضي الله عنه تردد في ذلك، قوله: فقال مرة يتحالفان ويفسخ النِّكَاح بينهما، وقال مرّة؛ القول قول من ادعى منهما ما يشبه كسائر أبواب الفقه.
أبو الحسن اللخمي: وهذا أصوب؛ لأن ذلك دليل كالشاهد يحلف معه من قام له ذلك الدليل. انتهى. وقد تقدم أن ابن حبيب يقول إنهما لو حلفا لم ينفسخ النِّكَاح إلَّا بحكم الحاكم وهو الأصح، ومقابله أن النِّكَاح ينفسخ بينهما بنفس التحالف من غير افتقار لحكم، ويتفرع على الأصح أنه إذا رضي الزوج بما حلفت عليه الزوجة أو رضيت الزوجة بما حلف عليه الزوج أو تراضيا بغير ذلك فالقول الأصح أن ذلك النِّكَاح صحيح، بناء على القول بأن النِّكَاح لا ينقطع بينهما إلَّا بحكم الحاكم بالفسخ وقبل الحكم ما زالا على نكاحهما، وعلى مقابل الأصح إذا تراضيا على النِّكَاح بعد التحالف فلابد من شروط النِّكَاح لانفساخ الأول، وإذا حلفا ولم يرض أحدهما بما قال الآخر وفسخ النِّكَاح بينهما فإن فسخه يكون بطلقة، وإذا حلفت الزوجة ونكل هو فإنه يلزمه ما حلفت عليه، وفي العكس يلزم النِّكَاح بما حلف عليه الزوج. انظر شرح الشيخ ميارة.
وإلى هذا أشار التحفة بقوله:
وإن تراضيا على النِّكَاح
…
ففي الأصح الرفع للجناح
وفي انفساخ حيث يفقد الرضا
…
بطلقة واحدة جرى القضا
وتأخذ الزوجة مع نكوله
…
ما يقتضيه الحلف في حلوله
قوله: حيث يفقد الرضا تصريح بمفهوم قوله: وإن تراضيا الذي أشرت إلى شرحه بقولي: ويتفرع على الأصح لخ، ولم يتكلم الناظم على ما إذا حلف هو وقد بينته، وأشار ابن عاصم إلى ما لو نكلا بقوله:
والحكم في نكول كلّ منهما
…
بما به بعد اليمين حكما
وقيل بل نكوله مصدق
…
لما ادعته زوجة محقق
قال الشيخ ميارة: حاصله أن في ذلك قولين، أحدهما أن ذلك كالحكم بينهما بعد التحالف من تخيير الزوج في دفع ما ادعته الزوجة أو الفراق دون شيء يلزمه، وإلى ذلك أشار بقوله: والحكم في نكول كلّ منهما. البيت، القول الثاني أن الزوج يلزمه ما ادعته لأن نكوله عن اليمين محقق لدعواها عليه، وإلى ذلك أشار بقوله: وقيل بل نكوله مصدق. انتهى. وفي نقل الشيخ ميارة عن غير واحد: منهم ابن حبيب: أن النِّكَاح لا ينفسخ بينهما بنفس التحالف حتى يخير بعد ذلك بين أن يدفع إليها ما حلفت عليه ويدخل بها شاءت أو أبت، وبين أن يطلقها ولا يلزمه شيء، وفيه أيضًا أن لكل واحد منهما بعد التحالف من الخيار مثل ما لصاحبه في إمضاء النِّكَاح على ما ادعاه الآخر أو رده فإن أبيا من ذلك فسخ بينهما بطلقة، وقيل بغير طلاق. انتهى. وهذا الذي نقلته من ميارة وابن عاصم هو في اختلافهما في القدر، ولابن عاصم رحمه الله:
والنوع أو وصف إذا ما اختلفا
…
فيه للاختلاف في القدر اقتفى
يعني أن الاختلاف في النوع والصفة كالاختلاف في القدر، وأفرد الضمير في قوله: فيه؛ لأن العطف بأو. قاله الشيخ ميارة.
إلَّا بعد بناء مستثنى من قوله: "والرجوع للأشبه" يعني أن ما تقدم من أنه يرجع لقول من أشبه عند انفراد أحدهما بالشبه إنما هو حيث لم يبن الرجل بالمرأة ولم يحصل ما في حكم البناء، وأما إن بنى بها أو حصل ما يقوم مقام البناء كطلاق أو موت نزل به أو بها أو بهما، فإن القول قوله أي الزوج بيمين في القدر والصفة كما يأتي للمص. وورثة كلّ كهو، ومر أن الاستثناء من قوله:"والرجوع للأشبه" تبعا لعبد الباقي، والظاهر أن الاستثناء من قوله:"حلفا وفسخ" في بعده. والله سبحانه أعلم. قاله مقيده عفا الله عنه.
وتوضيح ما أشار إليه المص أنه إذا بنى الزوج بزوجته أو طلقها أو مات هو أو ماتت أو ماتا فإنه لا يرجع لقول المرأة وإن أشبهت وحدها، وإنما يرجع لقول الزوج وإن لم يشبه ويحلف على ما
ادعى، وإنما كان القول له وإن لم يشبه لترجيح قوله بالتمكين، ولأنه غارم فإن نكل حلفت في الطلاق وورثتها في الموت. قاله غير واحد. فإن نكلت هي وورثتها فالقول قول الزوج كذا ينبغي، وفي البناء إن نكل حلفت وأخذت في حلفت عليه.
وقوله. "إلَّا بعد بناء أو طلاق أو موت فقوله بيمين". أي وإن لم يشبه عند الأكثر خلافا للخمي، فقال: إنما يكون القول قوله إذا وافق العرف. وقال عبد الباقي: وقال الحطاب: وجعل المص التنازع بعد الطلاق والموت كالتنازع بعد البناء لم أر في كلامهم الذي وقفت عليه التصريح بذلك، لكن إلحاق الموت بالبناء ظاهر بخلاف الطلاق. انتهى.
قال محمد بن الحسن: قول الزرقاني عن الحطاب: لم أر في كلامهم الذي وقفت عليه التصريح بذلك لخ هكذا رأيت في النسخ نسبة هذا الكلام للحطاب: ولعله تحريف؛ إذ الحطاب لم يقله مع أنه قصور، ففي المواق عن اللخمي أن الطلاق كالبناء، وفيه عن ابن عرفة أن الموت كالبناء وهما أيضًا في نص ابن الحاجب وغيره كذلك، ونقله الحطاب بنفسه انتهى، وقال في التحفة:
والقول قول الزوج فيما عينا
…
من قدره مع حلفه بعد البنا
أو تحلف الزوجة إن لم يحلف
…
وتقتضي ما عينت بالحلف
يعني أنهما إذا تحالفا في قدر المهر بعد البناء فإن القول قول الزوج مع يمينه، قال ابن القاسم: لأنَّها مكنته من نفسها فصارت مدعية وهو مقر لها بدين فالقول قوله مع يمينه. فإن نكل فالقول قول المرأة مع يمينها، ويكون لها ما حلفت عليه قال المتيطي: هذا هو المشهور من مذهب مالك وأصحابه. انتهى.
ابن الحاجب: فإن تنازعا بعد البناء فالقول قول الزوج لأنه فوت. وقال ابن حبيب: يتحالفان مع بقاء العصمة ويجب صداق المثل، وقيل إن اختلفا في صفته فما قال ابن حبيب وإن اختلفا في القدر فالقول قول الزوج مع يمينه. انتهى. التوضيح: أي فإن تنازعا بعد البناء في القدر والصفة والأول مذهب المدونة. انتهى. قاله الشيخ ميارة.
ثم بالغ على قبول قول الزوج أو ورثته بعد بناء أو طلاق أو موت بقوله: ولو ادعى تفويضا يعني أن القول قول الزوج حيث حصل مفوت من بناء أو طلاق أو موت، ولو ادعى الزوج أنه نكحها تفويضا وادعت المرأة أنه نكاح تسمية فيصدق الزوج ويسقط عنه الصداق إن طلق قبل البناء، وكذا لو ماتت قبله أو مات قبله، ومحل تصديقه في التفويض إنما هو حيث ادعاه عند معتاديه جمع سلامة حذفت منه النون للإضافة يعني أن محل تصديق الزوج في التفويض إنما هو حيث كانوا يتناكحون على التفويض فقط أو هو الغالب أو على التفويض والتسمية سوية، فإن كانت عادتهم التسمية خاصة أو هي الغالبة لم يصدق الزوج في التفويض ويكون القول قول المرأة بيمين وورثة كل كهو، فالصور خمس: يصدق الزوج أو ورثته في ثلاث والمرأة أو ورثتها في اثنتين.
وفي المدونة قال مالك في رجل تزوج امرأة فهلكت قبل البناء فقال تزوجتها على تفويض: فالقول قوله مع يمينه وله الميراث ولا صداق عليه، وعلى قوله إن طلق قبل البناء فلا شيء عليه، وإن مات الزوج وادعت الزوجة تسمية الصداق وورثته أنه كان على تفويض كان القول قولهم مع أيمانهم، ولها الميراث دون الصداق، قال عبد الباقي: والأحسن أن لا يكون قوله: "ولو ادعى تفويضا عند معتاديه" مبالغة بل شرط حذف جوابه أي فكذلك أي القول قوله؛ لأنه لا بد أن يكون ما قبل المبالغة صادقا عليها والأمر هنا بخلاف ذلك؛ إذ التنازع في التفويض والتسمية لا يصدق عليه تنازع في قدر الصداق أو صفته إلا بتكلف أنه يؤول بعد ذلك إلى التنازع في أحدهما. انتهى.
وناقشه محمد بن الحسن في ذلك فقال: فيه نظر، بل كونه مبالغة صواب لأن المسألة من الاختلاف في القدر فلا بحث مع المص. انتهى. ولو تنازعا في التفويض والتسمية قبل البناء فسخ مطلقا، ولو كان الزوج من قوم اعتادوا التفويض وهي من قوم اعتادوا التسمية، فإن كان العقد في موضع أحدهما اعتبر وإن وقع في غير موضعهما فانظر هل يعتبر الموضع الذي وقع فيه أو يغلب جانب الزوج؟ قاله عبد الباقي.
قال جامعه عفا الله عنه: والظاهر تصديق الزوج في هذا الذي نظر فيه عبد الباقي؛ لأن تصديقه هو ظاهر المدونة. والله سبحانه أعلم. وقال الشبراخيتي: فإن لم يعتادوا التفويض فالقول قولها في قدر المسمى بيمين، فإن نكلت فالقول قوله بيمين. انتهى.
في القدر والصفة متعلق بقوله: "فقوله" يعني أن محل كون القول للزوج فيما إذا كان التنازع بعد البناء أو الطلاق أو الموت إنما هو إذا تنازعا في قدر المهر وصفته كما مر، وقد مر أنه يحلف وهذا هو مذهب المدونة، فإن نكل صدقت مع يمينها هذا هو المشهور. وعن مالك: يتحالفان وترد إلى صداق المثل وهو قول ابن حبيب، وقيل إن اختلفا في الصفة فقول ابن حبيب: وإن اختلفا في القدر فالقول قول الزوج مع يمينه. انتهى. هذا حكم اختلافهما في القدر والصفة بعد البناء وما في حكمه، وأما إن اختلفا في الجنس بعد بناء أو طلاق أو موت فهو ما أشار إليه بقوله: ورد للمثل في جنسه، رد مبني للمفعول ونائبه ضمير يعود على الزوج وللمثل بلام الجر.
قاله الإمام الحطاب. وقال: هكذا رأيته في نسخة وهو الصواب؛ يعني أن الزوج إذا اختلف وزوجته في الجنس بعد بناء أو طلاق أو موت، فقال هو بدنانير وقالت هي بدراهم، أو قال هو بدار وقالت هي بعبد ونحو ذلك، فإن الزوج يرد عما ادعاه إلى صداق المثل أي يقضي عليه بدفع صداق المثل لزوجته، وهذا حيث حلفا أو نكلا ويقضى للحالف على الناكل، وفي الموت والبناء يكون لها مهر المثل بتمامه، وفي مسألة الطلاق يكون لها نصف المهر، ومعنى رد الزوج هنا أنه يرد عما ادعاه إلى صداق المثل. قاله الحطاب. وقوله:"ورد للمثل" وفي بعض النسخ: ورد بالبناء للفاعل ونصب المثل، ومعنى الرد حينئذ الإعطاء؛ إذ لا يظهر معنى الرد هنا على الحقيقة. والله سبحانه أعلم.
ما لم يكن ذلك فوق قيمة ما ادعت يعني أن كون الزوج يرد عما ادعاه إلى صداق المثل إنما هو حيث لم يكن صداق المثل أكثر من قيمة ما ادعته المرأة أو ورثتها من التسمية، وأما إن كان صداق المثل أكثر من قيمة ما ادعته المرأة أو ورثتها من التسمية فإنها لا تزاد على قيمة ما ادعته، فإذا كان مهر مثلها ماتة دينار مثلا وادعت أنه تزوجها على عدد من الإبل قيمته لا تبلغ مائة دينار
بل تبلغ ثمانين دينارا مثلا فإنها لا تزاد على ثمانين، وقوله:"قيمة" أي في المقوم، وقد تدعي أن المهر مثلي فلها مهر المثل ما لم يكن فوق مثل ما ادعت، فأراد بالقيمة العوض ليشمل المثلي. أو دون دعواه يعني أن كون الزوج يرد إلى صداق المثل محله أيضا حيث لم يكن مهر المثل أقل مما ادعاه الزوج، وأما إن كان مهر المثل أقل مما ادعاه الزوج فإنها لا تنقص عما ادعاه الزوج، فإذا ادعت عليه ما يساوي مائة وادعى هو ثمانين ومهر مثلها خمسون فإنها لا تنقص عن الثمانين.
وتحصل مما مر في اختلافهما في الجنس قبل البناء وما في حكمه أنه لا ينظر إلى شبه وأنه يفسخ النكاح مطلقا حلفا أو أحدهما أو نكلا، وفي اختلافهما في القدر والصفة قبل البناء وما في حكمه من موت أو طلاق أنه يصدق بيمين من انفرد بالشبه منهما، فإن أشبها أو لم يشبها حلفا وفسخ وكذا الحكم لو نكلا ويقضى للحالف منهما على الناكل، وإن تنازعا في شيء مما ذكر بعد طلاق أو بناء أو موت ثبت النكاح، وسواء كان اختلافهما في القدر أو الصفة أو الجنس، والقول قول الزوج وإن لم يشبه حيث كان اختلافهما في القدر أو الصفة، وقال الشيخ الأمير: إنه يصدق إلا أن تنفرد بالشبه، وأما إن اختلفا في الجنس فإن الزوج يرد إلى المثل ما لم يكن فوق قيمة ما ادعت أو دون دعواه، ومعنى قوله:"ثبت النكاح" ثبت ثبوتا حسيا كما في مسألة البناء وثبوتا حكميا كما في مسألتي الموت والطلاق؛ أي ثبتت بينهما أحكامه من إرث وغيره، وقوله:"وثبت النكاح" هو المعروف من المذهب وهو رواية ابن وهب عن مالك، وقوله:"ورد للمثل" ما لم يكن فوق قيمة ما ادعت أو دون دعواه هو قول مالك، ولابن عاصم رحمه الله:
وإن هما تخالفا في نوع ما
…
أصدق ما كان بحلف ألزما
وفي الأصح يثبت النكاح
…
ومهر مثلها لها مباح
وقوله: وإن هما أي الزوجان تخالفا في نوع الصداق؛ يعني بعد البناء بدليل البيت قبله، وقوله: ما كان أي كان مما يصدقه النساء أو لا. قاله الشيخ ميارة. ومعناه والله أعلم أنه إنما يلزم مهر
المثل ولا يراعى شبه منه ولا منها، وألف ألزما للتثنية أي ألزما معا بالحلف وثبوت النكاح هو الأصح وفي فسخه قولان وعلى كل من القولين فلها صداق مثلها، وفي التوضيح: فإن اختلفا في الجنس بعد البناء فحكى المتيطي واللخمي ثلاثة أقوال: الأول: أنهما يتحالفان ويفسخ النكاح إن كان تنازعهما قبل كان مما يصدقه النساء أم لا، وإن كان بعد البناء ثبت النكاح وترد المرأة إلى صداق المثل ما لم يكن فوق ما ادعت أو دون ما ادعى الزوج، إلا أن يرضى الزوج أن يعطيها ما ادعت وهذا كله قول مالك، ثم قال: وإذا قلنا بالتحالف ورد المرأة إلى صداق المثل فهل يثبت النكاح وهو المعروف في المذهب ورواه ابن وهب عن مالك، أو يفسخ وهو الذي في الجلاب؛ انتهى. وإلى هذا الفقه بعينه أشار الناظم بقوله: وإن هما تخالفا لخ. قاله الشيخ ميارة.
ولا كلام لسفينهة يعني أنه لا كلام للسفيهة في فصل من فصول التنازع وإنما الكلام لوليها، وكذا لا كلام للسفيه الذكر في فصل من فصول التنازع وإنما الكلام لوليه، ولو قال المص: ولا كلام لمحجور لكان أشمل. قاله الشبراخيتي. وسواء كان التنازع في أصل النكاح أو جنس المهر أو قدره أو صفته، والمراد بالولي الولي الشامل للحاكم ولمن يقوم مقامه كجماعة المسلمين وتتوجه اليمين على الولي، وكذا لا كلام لصغير ولا لصغيرة، ويحلف الولي عنهما ويجري فيه ما مر من قوله:"حلفا وفسخ" وغير ذلك، وهذا في السفيه والسفيهة والصغير والصغيرة، وإنما وجب أن يحلف الولي دون الزوجة التي إلى نظره بكرا كانت أو ثيبا؛ لأنه فيما ولي من أمرها مفرط بترك الإشهاد فهو دافع للغرم عن نفسه؛ لأن كل أمين ضيع أمانته غرم فلا يرد أن القاعدة لا يحلف أحد ليستحق غيره. والله سبحانه أعلم.
ولو أقامت بينة على صداقين في عقدين لزما يعني أن المرأة إذا ادعت على رجل واحد أنه تزوجها بألفين جريا في عقدين وكذبها وأقامت البينة على ما ادعته فإن الصداقين يلزمانه؛ أي لزم نصف كل منهما حيث طلقها الآن، وأما إن لم يطلقها فلها صداق ونصف، فإن أثبتت أن الطلاق بين العقدين بعد البناء فلها صداقان هذا هو المناسب لما يأتي. قاله محمد بن الحسن. وقوله:"أقامت" بصيغة الرباعي، وفي نسخة: قامت بالفعل الثلاثي وهو يناسب ما قرر به في التوضيح من أن الزوج ادعى قدرا أو جنسا وادعت هي خلافه، وأقام كل منهما البينة على دعواه
وعينت كل بينة زمانا غير الذي عينته الأخرى، فإنه يلزمه الصداقان ويحمل على أنه طلقها، وقيد ابن عبد السلام لزوم الصداقين بما إذا أقامت المرأة بالنكاحين معا، وأما إذا أقامت بأحدهما فلا يمكن أن تأخذ مجموع الصداقين. انتهى. وكأنه أي الزوج لما أقام بينة على خلاف ما أقامت هي عليه البينة قالت المرأة حينئذ: ما شهدت به بينة الزوج صحيح أنه عقد علي عقدين، أما لو اتحد زمن البينتين لسقطتا. هذا الذي يظهر. والله أعلم. قاله الحطاب. وهذا التقرير الأخير للمص وابن عبد السلام، والأول لابن عرفة وابن فرحون كلاهما عن ابن شأس. انظر الحطاب، وعلى التقرير الأول فلا فرق بين أن ينكر الزوج النكاح أصلا أو يقول: ما تزوجتها إلا مرة واحدة كما صرح به الشبراخيتي.
وقدر طلاق بينهما يعني أن الشرع يقدر وقوع طلاق بين العقدين ليتحقق العقد الثاني، وكلفت بيان أنه بعد البناء يعني أنه يلزمه للنكاح الأول نصف الصداق، بناء على أن الطلاق يقدر قبل البناء وحينئذ فعليها البينة أنه طلقها بعد البناء، فإذا أتت ببينة لزم في النكاح الأول الصداق كله وهذا هو مقتضى المذهب. كما قاله ابن عرفة. وقيل إن الطلاق يقدر بعد البناء فيلزمه الصداق كله للنكاح الأول إلا أن يأتي ببينة تشهد له أن الطلاق وقع قبل البناء، ويلزمه صداق النكاح الثاني كله إن لم يطلقها كما مر.
وقوله: "وكلفت بيان أنه بعد البناء" أي لأن الزوج غارم والأصل عدم البناء، والقول قول الزوج فيهما اتفاقا، ولو قلنا بوجوبه كله بالعقد وعلى هذا فما ذكره المص يجري على الأقوال كلها؛ أي سواء قلنا إنها تملك بالعقد النصف أو الجميع أو لا تملك شيئا، وهذا يخالف ما مر من أن الزوج يكلف بيان أنه قبل البناء وفيه نظر؛ أي في كون الزوج يكلف بيان أنه قبل البناء؛ لأن الذمة لا تلزم إلا بمحقق والمحقق بتقديره قبل البناء النصف والنصف الآخر مشكوك فيه، فتكلف هي بيان أنه بعد البناء فصح أن ما قاله المص يجري على الأقوال الثلاثة، أما على أنها تملك بالعقد الجميع فإن الطلاق يشطره، وكذا على أنها لا تملك بالعقد شيئا وأما على أنها تملك بالعقد النصف فذلك واضح.
وإن قال أصدقتك أباك فقالت أمي حلفا وعتق الأب يعني أنه إذا تزوج رجل بامرأة وهو يملك أبويها وأصدقها واحدا منهما وتنازعا فيمن وقع عليه العقد منهما فقال هو أصدقتك أباك فكذبته هي، وقالت بل أصدقتني أمي وحفظت البينة العقد ولم تحفظ على أيهما وقع سقطت الشهادة، ثم إن كان التنازع قبل البناء وما في حكمه من موت أو طلاق فإنهما يتحالفان ويتفاسخان؛ لأنه اختلاف في صفة الصداق، ويعتق الأب لإقرار الزوج بأنه حر وولاؤه لها ونكولهما كحلفهما: ويقضى للحالف على الناكل فإن حلف الزوج فقط ثبت النكاح وكان الأب الصداق، وإن حلفت هي فقط ثبت أيضا وكانت الأم الصداق، ويعتق الأب لإقرار الزوج والأم لملك الابنة لها، ولهذا قال: وإن حلفت دونه عتقا يعني أن الابنة إذا حلفت ونكل الزوج فإن أبويها يعتقان وهذا شامل لما قبل البناء وما بعده.
والحاصل أنهما إذا اختلفا قبل البناء فإن الصور أربع: حلفا: فسخ النكاح. نكلا: فسخ أيضا، حلف هو دونها كان الأب الصداق ولم تعتق الأم بل تبقى في ملكه، حلفت هي دونه: كانت الأم الصداق. فهذه أربع صور يعتق الأب في جميعها وتعتق الأم في صورة واحدة وهي ما إذا حلفت الزوجة ونكل الزوج، فإن النكاح يثبت في صورتين حلفه دونها وحلفها دونه، ويفسخ في صورتين حلفهما معا، ونكولهما معا، والفسخ بطلاق إن قلنا يفتقر إلى حكم وهو الأصح، وبغير طلاق على الآخر ولا يرجع عليها بشيء في مسألتي الفسخ، وإن نكلت وحلف دونها ثبت النكاح كما علمت، فإن طلق قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته، وإن حلفت هي دونه وطلق قبل البناء رجع عليها بنصف قيمة الأم، وإن كان الاختلاف بعد البناء فإن القول قول الزوج مع يمينه ويدفع إليها أباها ولا إشكال في عتقه عليها، وإن نكل فيعتقان معا. الأب على الزوج أي لإقراره والأم على الابنة بعد يمينها على المشهور، وقيل بغير يمين. قاله في المتيطية.
وإذا عتق الأب لإقرار الزوج فلا رجوع له على الزوجة بشيء من قيمته؛ لأنه إنما عتق بإقراره أنه حر، فإن مات الأب عن مال أخذ الزوج قيمة الأب وكان ما بقي للابنة وهي الزوجة، وهذا جار فيما قبل البناء كما أنه ثابت فيما بعد البناء. انظر الحطاب. وفهم من قوله عتق الأب لإقرار الزوج أنه لو عتق عليها هي وطلق قبل البناء كما لو حلف دونها فإنه يرجع عليها بنصف قيمته
كما مر. انتهى ملخصا من الحطاب، وعبد الباقي والشبراخيتي. وقال عبد الباقي: لو مات الأب بعد عتقه لإقرار الزوج وترك مالا أخذ الزوج منه قيمته، والباقي للزوجة نصفه بالإرث ونصفه بالولاء لا كله بالولاء، ويلغز بها من وجهين: أحدهما شخص مات ولا دين عليه ولا وصية ولا جناية وأخذ شخص من ماله قدرا، ثانيهما شخص مات فأخذت بنته جميع ماله بعد أخذ شخص قدرا منه ووارث كل في جميع ما مر كهو. انتهى.
وولاؤهما لها يعني أن ولاء الأم والأب في جميع ما مر للابنة أي الزوجة أي لها ولاؤهما فيما إذا عتقا معا، ولها ولاء الأب فيما إذا عتق بانفراده وقد مر توضيح ما يعتقان فيه معا وما يعتق فيه الأب فقط فراجعه إن شئت، ولا شك أن هذه المسألة من الاختلاف في صفة المهر فأجرها على ما مر يا فتى من غير فرق، وإنما أفردها بالذكر مع تقَدُّم حكمها لينبه على أنه تارة يعتق الأب وتارة يعتقان معا، وعلى من له الولاء، وأفاد بقوله:"حلفا" أن هذا قبل البناء إذ بعده إنما يحلف أحدهما كما مر.
وقال الشبراخيتي عن الأجهوري: والحاصل أنه إذا كان التنازع قبل البناء والطلاق والموت فإنه يثبت بما حلف عليه أحدهما فقط، ويرجع الزوج فيما إذا طلق قبل البناء بنصف قيمة ما ثبت به النكاح، وإذا حلفا أو نكلا في هذه الحالة فسخ النكاح وعتق الأب، ولا رجوع لأحدهما على الآخر بشيء، وأما إذا حصل التنازع بعد البناء أو قبله وبعد الموت أو الطلاق ولا يتصور حلفهما حينئذ فإنه يثبت النكاح بما قاله الزوج أو ورثته وحلف عليه، فإن نكل هو أو ورثته وحلفت هي أو ورثتها ثبت النكاح بما حلفت عليه وعتقا، فإن نكل كل ثبت النكاح بما قاله الزوج أو ورثته، فحيث حلفت المرأة فقط سواء كان التنازع قبل الدخول أو بعده فإنهما يعتقان، لكن عتق الأب لإقرار الزوج وعتق الأم لثبوت كونها صداقات وحيث عتق الأب لإقراره وذلك فيما إذا حلفا أو نكلا وإنما يكون ذلك قبل الدخول أو بعده وقد نكل، فإن مات عن مال أخذ الزوج القيمة والباقي للابنة بالولاء والميراث، وقول بعض الشارحين: وتأخذ البنت الباقي بالولاء غير ظاهر. انتهى.
وفي قبض ما حل قوله: "وفي قبض" معطوف على قوله في الزوجية؛ يعني أن الزوجين إذا تنازعا في قبض ما حل من الصداق أصالة أو ما كان مؤجلا وحل، فقال هو قبضته، وقالت هي لم
أقبضه، فإن كان تنازعهما قبل البناء بها فالقول قولها إنها لم تقبضه، أما إن كان تنازعهما بعده أي البناء، فالقول قوله هو إنها قبضته بيمين فيهما يعني أنه إذا لم يبن بها فإن القول قولها إنها لم تقبضه بيمين أي هي مصدقة في ذلك بيمينها، وأنه إذا بنى بها فإنه يصدق بيمين أنها قبضت الصداق الحال أصالة أو ما كان مؤجلا وحل قبل البناء.
واحترزت بقولي: وحل قبل البناء عما لو حل بعد البناء فلا يصدق في دفعه، لا قبل حلوله ولا بعده كما في الشبراخيتي، ومفهوم قوله:"وفي قبض ما حل" أن المؤجل ليس كذلك وهو كذلك، قال ابن فرحون. والقول قولها فيما لم يحل، وسواء وقع التنازع فيه قبل البناء أو بعده. انتهى. نقله الحطاب.
وقال في المدونة: وإن نكح على نقد ومؤجل فادعى بعد البناء أنه دفع المؤجل وأكذبته، فإن بنى بعد الأجل صدق وإن بنى بها قبل الأجل صدقت، كان المؤجل عينا أو حيوانا، مضمونا مع الأيمان فيما ذكرناه. انتهى. قاله الحطاب. وقوله:"بيمين" الباء بمعنى مع، وقوله:"قولها" قال الحطاب: خبر مبتدأ محذوف أي فالقول قولها، قال: وكذا قوله: "وقوله بيمين فيهما" قال الحطاب: انظر إذا نكل مَنِ القول قوله عن اليمين.
قال جامعه عفا الله عنه: الظاهر من قواعدهم أن من نكل منهما يكون القول للآخر إن حلف، فإن نكل فالنكول بعد النكول تصديق للناكل الأول. والله سبحانه أعلم. التوضيح: وجعل في المدونة ورثة كل واحد من الزوجين يتنزل منزلة موروثه سواء ماتا معا أو أحدهما، قال في المدونة: وإن قال ورثة الزوج في المدخول بها قد دفعه أو لا علم عندنا فلا شيء عليهم، فإن ادعى ورثتها عليهم العلم حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج لم يدفع أو لا علم عندنا ولا شيء عليهم ولا يمين على غائب، ومن يعلم أنه لا علم عنده. انتهى.
قوله في المدونة: لا شيء عليهم: خلاف سماع القرينين، ونقله ابن عرفة. وقوله فيها: من يعلم أنه لا علم عنده، قال ابن ناجي: العلم هنا بمعنى الظن. انتهى. قاله الحطاب. وقال عبد الباقي: وورثة كل كهو فيما إذا مات أحدهما أو ماتا معا. ابن ناجي: ويحلف منهم من يظن به
العلم، وتردد شيخنا في الزمن الذي يعتبر فيه ظن العلم هل هو يوم العقد أو الموت أو الحكم، والصواب عندي من العقد إلى دخوله. انتهى.
قلت وذكر في التوضيح في مسألة "وإن ادعيت قضاء على ميت لم يحلف إلا من يظن به العلم من ورثته" أن المعتبر ظن العلم يوم الموت، وينبغي أن يكون ما هنا كذلك. انتهى. وقوله:"في قبض ما حل" لخ اعلم أن محل كلام المص حيث لم تقم بينة وإلا عمل بها، وقوله:"بيمين فيهما" أي على المالك أمره منهما وإلا فوليهما وإن نكل وليها غرم لها، قاله الشبراخيتي. وقال الحطاب: واعلم أنه إنما يكون القول قولها مع يمينها إن كانت رشيدة، قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: إن كان التنازع قبل البناء حلفت المرأة إن كانت رشيدة وإلا حلف أبوها أو وصيها إن ادعى الزوج الدفع إليه. انتهى.
وقال المتيطي: وإن اختلفا في دفع المعجل قبل البناء حلفت المرأة إن كانت مالكة أمر نفسها وادعى دفع ذلك إليها، أو حلف من زوجها من أب أو وصي أو ولي إن كانت محجورا عليها وادعى دفع ذلك إليهم، فإن حلف من وجب عليه الحلف منهم دفع الزوج العجل ثانية ودخل بأهله، وإن صرفت اليمين عليه حلف وبرئ منه إن كانت ذات أب أو وصي أو مالكة أمر نفسها، ووجب على الأب أو الوصي غرم ذلك لها ولا يبرأ منه إن كانت يتيمة بكرا ذات ولي، ويلزمه دفعه ثانية ويتبع به الولي الذي حلفه، وإن دفع ذلك إليها -يريد المولى عليها- قبل البناء أو بعده لم ينتفع بذلك ولا يجب عليها يمين إن أنكرته ولا يبرأ منه إن أقرت له لأنها سفيهه لا يجوز إقرارها ولا قبضها إلا أن يدعي دفع ذلك إليها بعد عام من دخوله، فتجب له اليمين عليها لأنها بتمام العام تخرج من سفهها وتنفذ أمورها على المختار من الخلاف. انتهى. قاله الحطاب.
قوله: بعد عام من دخوله، سيأتي في الحجر إن شاء الله أن التي يحكم برشدها بعد مضي عام من دخولها إنما هي المهملة التي لا يعرف رشدها من سفهها. قاله جامعه عفا الله عنه. والله سبحانه أعلم. وقوله: ولا يبرأ منه إن كانت يتيمة لخ، قال مقيد هذا الشرح: هذا قسيم قوله: إن كانت ذات أب أو وصي أو مالكة لأمر نفسها، ومعنى ذلك أنه إذا ادعى دفع الصداق لولي
لها كأخ مثلا ولم يكن وصيا وكذبه الأخ في ذلك وكان التنازع بعد البناء، فإنه يحلف له أنه دفع إليه الصداق، وإذا حلف لا يبرأ منه بالنسبة لها فيغرمه لها ثانية، ويرجع على الولي الذي ليس بوصي لأنه مصدق في أنه دفع الصداق بعد البناء. والله سبحانه أعلم.
وقيد القاضي عبد الوهاب كون القول للزوج بعد البناء بما إذا لم يكن الصداق مكتوبا بكتاب فقال: القول قول الزوج في قبض ما حل حيث تنازعا في القبض بعد أن بنى بها، إلا أن يكون الصداق مكتوبا بكتاب فيكون القول للزوجة إنها لم تقبضه بلا يمين، ومعنى ما قاله القاضي عبد الوهاب أن الصداق إذا كان مكتوبا بكتاب يكون القول قول المرأة إنها لم تقبض الصداق مطلقا، سواء كان التنازع قبل البنا، أو بعده، وقيد القاضي إسماعيل أبو إسحاق قبول قول الزوج فيما إذا كان التنازع بعد البناء أيضا بأن لا يتأخر قبض الصداق عن البناء عرفا بأن جرى عرفهم بتقديمه قبل البناء أو لا عرف لهم، وأما إن جرى العرف بتأخير قبض ما حل من الصداق لما بعد البناء، فإن القول قول المرأة بيمين؛ لأن العرف كالشاهد بخلاف تقييد عبد الوهاب، فإن القول قول المرأة بلا يمين كما مر.
وقيد القاضي عياض قبول قول الزوج بعد البناء أيضا بأن يدعي الزوج بعد البناء أنه دفع الحال من الصداق قبل البناء، فإن ادعى دفعه بعد البناء فإن القول للمرأة، وقيده يحيى أيضا بما إذا لم يكن بيدها رهن عليه، وأما إن كان بيدها رهن عليه وتنازعا بعد البناء فلا يكون القول قول الزوج إنها قبضت الصداق، بل يكون القول قولها مع يمينها واختاره اللخمي، والمذهب أن ما قاله هؤلا، الأربعة تقييد لا خلاف. قاله عبد الباقي. وقال الخرشي: والمذهب أن كلام القضاة تقييد يعني القاضيين اللذين ذكر المص والقاضي عياض، وقد مر أن وارث كل كهو وأنه لا يحلف إلا من يظن به العلم من الورثة، فلا يحلف غائب ولا من يعلم عدم علمه، ولابن عاصم رحمه الله:
وإن هما قبل البناء اختلفا
…
في القبض للنقد الذي قد وصفا
فالقول للزوجة واليمين
…
أو الذي في حجره تكون
قال في التهذيب: وإذا ادعى الزوج أنه دفع الصداق وأنكرت الزوجة وزعمت أنها لم تقبضه، أو مات الزوج فادعت الزوجة أنها لم تقبض صداقها، أو مات الزوجان وتداعى ورثتهما في دفع الصداق فلا قول للمدخول بها ولا لورثتها، وإن لم يدخل صدقت هي أو ورثتها. انتهى. وله أيضا رحمه الله:
والقول قول الزوج بعد ما بنى
…
ويدعي الدفع لها قبل البنا
وهو لها فيما ادعى من بعد أن
…
بنى بها والعرف رعيه حسن
مشى في هذين البيتين على تقييد القاضي إسماعيل، وقد تقدم أنه المذهب، وهذه المسألة الأولى في هذين البيتين قالوا: من باب ارتفاع أصل بغالب؛ لأن الدخول بالزوجة دليل عندهم لصحة دعوى الزوج أنه دفع نقد الهر قبله؛ لأنه
(1)
الغالب عادة فارتفع به أصل عمارة الذمة، بخلاف دعواه الدفع بعد البناء فلا غالب معه حينئذ فيجب البقاء مع الأصل إذ لا معارض له. انتهى. نقله الشيخ ميارة. ولابن عاصم رحمه الله:
والقول واليمين للذي ابتنى
…
في دفعه الكالئ قبل الابتنا
إن كان قد حل وفي الذي يحل
…
بعد بنائه لها القول جعل
ثم لها امتناعها أن يدخلا
…
أو تقبض الحائن مما أجلا
يعني أن الزوج إذا بنى بزوجته وادعى أنه دفع لها أو لحاجرها الكالئ قبل البناء وأنكرت ذلك، فإنه إن كان قد حل عليه قبل البناء فالقول قوله مع يمينه، وإن كان لم يحل إلا بعد البناء
(1)
في النسخ (لأن الغالب) والمثبت من ميارة ج 1، ص 297.
فالقول قولها مع يمينها، وإلى هذا أشار بالبيتين الأولين، وأشار بالبيت الثالث إلى أن الكالئ إذا حل قبل البناء فللمرأة أن تمتنع من الدخول حتى تقبضه لأنه صار من جملة الحال.
وفي النوادر: من كتاب ابن المواز عن رواية أشهب: من تزوج بعاجل وآجل فله البناء بدفع المعجل، فإن لم يدخل حتى حل المؤجل فلها منعه حتى تقبض جميعه. قاله الشيخ ميارة.
وفي متاع البيت فللمرأة المعتاد للنساء يعني أن الزوجين إذا اختلفا في متاع البيت فادعى هو شيئا وادعته هي ولم تقم بينة فإنه يكون للمرأة المعتاد للنساء كالحلي، وسواء كان تنازعهما قبل البناء أو بعده، وسواء كانا مسلمين أو كافرين أو مسلما مع كتابية حرين أو عبدين أو مختلفين في العصمة أو بعدها، حصلت فرقة بلعان أو طلاق أو إيلاء أو فسخ.
ابن عرفة: ويكفي رفع أحد الكافرين إلينا لأنها مظلمة، ومحل ما ذكره المص حيث لم تكن فقيرة ولم يكن المتنازع فيه في حوزه الأخص، فإن كان في حوزه الأخص أو كانت فقيرة فلا يقبل قولها إلا بمقدار صداقها، وينبغي جريان مثل هذا في الرجل فلا يقبل منه فيما لا يشبه أنه ملكه لفقره مما هو للرجل عند التنازع.
فقط أي إنما تستحق عند التنازع في متاع البيت ما هو معتاد للنساء وحدهن -لا ما هو معتاد للرجال فقط أو لهم وللنساء- بيمين؛ يعني أنها لا تستحق المعتاد للنساء فقط إلا بعد أن تحلف أنه لها وقوله: "المعتاد للنساء فقط" قال الشبراخيتي: كالحلي والوشاحين
(1)
والحجال، وفسر بالستور وبالبيت الذي يزين بالثياب والأسرة والستور، ومنه قول بعضهم:
وأنت التي حببت كل قصيرة
…
إلي ولم يشعر بذاك القصائر
عنيت قصارا للحجال ولم أرد
…
قصار النسا شر النساء البحاتر
فقصيرة فعيلة بمعنى مفعولة أي كل مقصورة في محلتها لا تبرح منها، فالأول من القصر بفتح القاف وسكون الصاد، والثاني من القصر بكسر القاف وفتح الصاد، ثم إن كلام المص مقيد بما إذا
(1)
في الشبراخيتي البشاخين وكذا في بعض النسخ.
لم تكن فقيرة وادعت ما يزيد على صداقها وإلا فلا يقبل قولها في الزائد على صداقها، ومثل قدر صداقها قدر ما اشترط أو اعتيد، وينبغي أن يجري مثل ذلك في الرجل، فإذا ادعى مالا يشبه أن يملك لفقره مما هو للرجل عند التنازع فإنه لا يقبل قوله.
وإلا فله بيمين يعني أنه إذا لم يكن المتاع معتادا للنساء فقط بل كان معتادا للرجال فقط أو لهم وللنساء ولو مما يحرم على الرجال، كخاتم ذهب حيث عرف باستعماله، فإن المتاع يكون للرجل ولكن لا يستحقه إلا بيمين، ومحل كونه للرجل ما لم يكن في حوزها الأخص، وإلا فالقول قولها والعمدة فيما يعرف للرجال أو النساء أو لهما على ما جرت به العادة، حتى إن الشيء الواحد في الزمن الواحد والمكان الواحد يكون من متاع الرجل بالنسبة إلى قوم ومن متاع النساء بالنسبة إلى آخرين، فإذا كان هو ممن اعتيد فيهم أن السرير للرجال فقط أو لهم وللنساء، وهي من قوم اعتيد فيهم أن السرير للنساء فقط فإنه يكون للرجل بيمين ووارث كل كهو، ويكون على المرأة اليمين فيما اعتيد للنساء فقط، ولو ادعت أنه وديعة عندها، وعليه اليمين فيما اعتيد للرجال أو للرجال والنساء إلا أن يدعي أنه وديعة عنده فيصدق بلا يمين.
والفوق بينهما أن البيت بيته قوله: "متاع البيت": عطف على الزوجية، وسواء في جميع ما ذكر كان التنازع قبل البناء أو بعده، كان الزوجان مسلمين أو كافرين، أو كافرة تحت مسلم حرين أو عبدين أو مختلفين، كانت في العصمة أو بعدها، حصلت فرقة بلعان أو طلاق أو إيلاء أو فسخ.
ابن عرفة: ويكفي رفع أحد الكافرين إلينا لأنها مظلمة، ومثل الزوجين في التفصيل المذكور رجل ساكن محرمه يتنازع معها في متاع البيت ولا بينة لهما، وأم الولد بعد موت سيدها تتنازع مع [ورثته
(1)
] فلها المعتاد للنساء من ثياب وحلي وغطاء ووطاء بشرط اليسارة في ذلك، لا إن كثر إلا لبينة بهبة سيدها لها ما في بيتها حائزة له ولو مجملا فيعمل بها، فإن ادعى الورثة أنه انتزعه بعد ذلك منها حلفت وبقيت على اختصاصها به ولها رد اليمين عليهم.
(1)
في "ك" و "مايابى": ورثتها، والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 50.
وفي المدونة: والمتاع الذي يعرف للنساء مثل الطست والتور والأسرة والفرش والوسائد وجميع الحلي، إلا الخاتم والمنطقة فإنهما للرجال وكذا السيف والرقيق ذكرانا وإناثا، وأما أصناف الماشية وما في المرابط من خيل وبغال وحمير فلمن حاز ذلك. انتهى. والضابط في ذلك العرف كما مر، وإذا كان الأمر في هذا وما شابهه مبينا على العرف فلا ينظر فيه إلى كلام المتقدمين المبني على عوائد مخالفة لعادة من يفتي بعدهم، ولهذا لا أطيل هنا بذكر ما هو مستغنى عنه. قوله: طست، ويقال طس وطسيسة بفتح الطاء في الجميع وتكسر، وقد تضم والفتح أفصح والتاء في الطست بدل من السين ويرد إلى الأصل في التكسير والتصغير، فيقال طسيس وطسوس وهو إناء مبسوط القعر معطوف الأطراف يعمل في الغالب من النحاس. انظر الحطاب. وشرح ميارة.
ولها الغزل يعني أن الزوجين إذا تنازعا في الغزل الذي في البيت، فقال الزوج هو لي وقالت المرأة هو لي، فإنه يقضى به للمرأة لأنه من فعل النساء، ولا بد من حلفها. إلا أن يثبت أن الكتان له يعني أن محل كون الغزل للمرأة إنما هو حيث لم يثبت الرجل ببينة أن الكتان له، وأما إن أثبت ببينة أن الكتان له أو أقرت هي بذلك فهما شريكان هو بقيمة كتانه وهي بقيمة غزلها، ولو كان الزوج من الحاكة وأشبه غزله غزلها فالغزل للزوج يختص به، وإلا فهو لمن أشبه غزله منهما.
وإن نسجت كلفت بيان أن الغزل لها يعني أن المرأة إذا كانت صنعتها النسج فقط وادعت أن غزل الشقة لها وادعى هو أن الغزل له وأنها إنما نسجتها، فإن القول قوله فتكون الشقة له، وحينئذ فتكلف أن تأتي ببينة تشهد لها أن الغزل لها، قال عبد الباقي: فإن أتت ببينة تشهد لها أن الغزل لها اختصت بالشقة وإلا اختص بها، ويدفع لها أجرة نسجها على المشهور. انتهى. وقال محمد بن الحسن: مقتضى ما مر في الغزل أنهما شريكان وهو الذي في نقل المواق عن ابن القاسم ونصه: سئل مالك عن النسج تنسجه المرأة فيدعي زوجها أن المشقة له، قال: على المرأة البينة أن الكتان كان لها، وقال ابن القاسم: النسج للمرأة وعلى الزوج البينة أن الكتان والغزل كان له، فإن أقام البينة كانت شريكته فيها بقدر قيمة نسجها، وهو بقيمة كتانه وغزله. انتهى.
قال عبد الباقي: وأما لو كانت صنعتها النسج والغزل معا فالشقة لها دون بينة تكلفها إلا أن يثبت أن الكتان له فشريكان بقيمة ما لكل، وإلا أن تكون صنعته هو أيضا الغزل والنسج معا فالقول قوله بيمين حيث أشبهت صنعته فيهما صنعتها، وإلا فهو لمن انفرد بالشبه. انتهى. فإن قيل قوله:"وإن نسجت" يخالف قوله: "ولها الغزل" لخ، فالجواب أن الأول محمول على من صنعتها الغزل، وما هنا على أنه غير صنعتها وأن صنعتها النسج كما أشرت إليه في أول الحل، أو أن الأول فيمن صنعتها الغزل وما هنا على أن الغزل صنعتها وصنعة الرجل، وأجاب الشارح بأن ما مر قول ابن القاسم وما هنا قول مالك.
وقوله: "وفي متاع البيت" سواء كانت الدار للزوج أو للزوجة، وقد تقدم أن المرأة تحلف ولا بد من ذلك ولو كان الورثة أولادها وليس هذا من دعوى الولد إنما هي المدعية، وقد حكمت السنة بأن تحلف، وانظر إذا اختلفا في الدجاج قيل إنه يقضى به للزوج مع يمينه، وانظر لو نكل من توجهت عليه اليمين من الزوج أو الزوجة في جميع ما مر من قوله:"وفي متاع البيت": قاله الحطاب.
والظاهر أنه إذا نكل
(1)
تتوجه اليمين على الآخر، فإن حلف قضي له عليه والنكول بعد النكول تصديق للناكل الأول، قاله جامعه عفا الله عنه. ثم رأيت لميارة أنه إن نكل حلف صاحبه واستحق، قال: لأن نكول المدعي كالشاهد فيحلف الدعى عليه ويستحق، وسيأتي كلامه. إن شاء الله. واعلم أنه قد قيل إنه لا يد للمرأة مع الزوج فالقول قوله إذا اختلفا في متاع البيت، وإن كان ذلك من متاع النساء. قاله الحطاب.
واعلم أن كل واحد من الزوجين يتنزل وارثه منزلته، فما يعرف للرجال يقضى به لورثة الرجل مع يمينهم، وكذا ما يعرف للرجال والنساء يقضى به لورثة الرجل مع يمينهم وما يعرف للنساء يقضى به لورثة المرأة مع يمينهم أنه لها.
(1)
كذا في النسخ.
وإن أقام الرجل بينة على شراء مالها حلف وقضي له به يعني أن المعتاد للنساء فقط إذا أتى الزوج ببينة تشهد له أنه اشتراه من زوجته أو من غيرها، فإن الرجل يقضى له به ويحلف مع بينته أنه اشتراه لنفسه ويقضى له به ويزيد في يمينه، وأنها لم تعطه ثمنه إذا ادعت عليه ذلك ويجمعهما في يمين واحدة، ومحل حلفه إذا اشتراه من غيرها لا منها، ومحل حلفه أيضا في اشترائه من غيرها مع البينة إن شهدت البينة أنه اشتراه فقط، وأما إن شهدت أنه اشتراه لنفسه فيقضى له به دون يمين.
كالعكس يعني أنه إذا كان المتنازع فيه مما يعرف للرجال كالسيف ونحوه، فادعته المرأة وأقامت بينة على شرائه قضي لها به.
وفي حلفها تأويلان يعني أنه لم يذكر في المدونة يمين المرأة حيث أقامت بينة على شراء ما للرجل بعد أن ذكر أن الرجل يحلف إن أقام بينة على شرائه مالها، فاختلف الأشياخ هل سكوته عن يمينها اجتزاء بما ذكره من يمين الرجل إذ لا فرق بينهما، أو لكونها لا تحتاج إلى يمين لكون المرأة لا تشتري للرجل عادة بخلاف العكس، وقاله بعض القرويين، فإن شهدت بينتها بشراء ما يعرف لهما أو على إرثه لها من أبيها أو على هبته لها مثلا كان لها بغير يمين فيما يظهر، فمحل التأويلين فيما ادعته مما هو خاص بالرجل لا ما يعرف لهما فلا يمين عليها على ما يظهر، وورثة كل كهو ولكن يحلفون على نفي العلم لا على البت.
وذكر علي الأجهوري في باب الهبة عند قول المص "كتحلية ولده" ما نصه: بخلاف زوجته فلا تختص بما حلاها به عن الورثة. نقله عبد الباقي. وإذا طلقها وعليها ثياب وطلبته بالكسوة فقال لها: ما عليك فهو لي، وقالت: بل هو لي أو عارية عندي، فقال ابن الفخار: القول قول الزوج وقيل القول قول المرأة. قاله ابن دحون. وقال المشاور: إن كانت من كسوة البذلة فالقول قوله مع يمينه وإلا فقولها مع يمينها، فإن حلفت كساها وإذا اشترى لزوجته ثيابا فلبستها في غير البذلة ثم فارقها وادعى أنها عارية وأنكرته وكان مثله يشتري ذلك لزوجته على وجه العارية فالقول قوله مع يمينه وإلا فقولها. قاله في التوضيح. قاله الحطاب.
وقال الشبراخيتي عند قوله "تأويلان": والفرق على التأويل الثاني بينها وبين الرجل أن الله جعل الرجال قوامين على النساء ولم يجعل النساء قوامات على الرجال، وانظر إذا كان عرف قوم أن النساء قوامات على الرجال كالبدو عندنا بمصر، فهل يكون حكم نسائهم في هذه المسألة حكم رجال غيرهن وهو الظاهر؛ لأن هذا الحكم مبناه العرف أم لا؟ انتهى. ولابن عاصم رحمه الله:
وإن متاع البيت فيه اختلفا
…
ولم تقم بينة فتقتفى
فالقول قول الزوج مع يمين
…
فيما به يليق كالسكين
وما يليق بالنساء كالحلي
…
فهو لزوجة إذا ما تأتلي
وإن يكن لاق بكل منهما
…
مثل الرقيق حلفا واقتسما
ومالك بذاك للزوج قضى
…
مع اليمين وبقوله القضا
وهو لمن يحلف مع نكول
…
صاحبه من غير ما تفصيل
قال الشيخ ميارة: يعني أنه إذا اختلف الزوجان في متاع البيت وأثاثه وادعاه كل واحد منهما لنفسه فإنه يفصل في ذلك، فما كان منه يليق بالرجل كالسكين والرمح والفرس والكتاب فيحكم به للرجل مع يمينه ما لم تقم له بينة فلا يمين عليه، وما يليق بالمرأة كالحلي وما لا يلبسه الرجال فيحكم به للمرأة مع يمينها ما لم تقم لها بينة أيضا، فلا يمين عليها وعلى هذا الحكم إذا لم تقم بينة نبه بقوله: ولم تقم بينة فتقتفى، وما يليق بكل منهما كالرقيق والثياب التي يلبسها الرجال والنساء ففيه قولان، أحدهما أنهما يتحالفان ويقسم بينهما، الثاني وهو المشهور أنه يحكم به للزوج مع يمينه، وبهذا القول الحكم والقضاء، وإلى هذين القولين أشار بالبيت الرابع والخامس، وأشار بالبيت السادس إلى أن من ادعى من الزوجين ما يليق به ولا بينة له، وقلنا القول قوله مع يمينه فنكل عن اليمين وحلف الآخر فإن ذلك يكون للحالف؛ لأن نكول
المدعي كالشاهد عليه فيحلف المدعى عليه ويستحق، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وعلى ذلك نبه بقوله من غير ما تفصيل. انتهى.
وقد مر الخلاف فيما يليق بكل منهما، وإذا فرعنا على المشهور من أنه للرجل فهل بيمين وهو قول ابن حبيب. ابن عبد السلام: وهو مذهب المدونة عندهم، أو لا يحتاج إليها وهو قول سحنون، ورأى صاحب البيان أنه لا يختلف في توجه اليمين، وذكروا في البسط أنها مما يعرف للنساء، وفي شرح الشيخ ميارة أن ذلك جار على العرف بمصر في أن المرأة تأتي بها، وأما إن طال الأمر فالرجل هو الذي يخلفها ويقضى للمرأة بجميع الحلي إلا السيف والمنطقة والخاتم فإنه للرجل، وللرجل جميع الرقيق ذكرانا وإناثا، وأما أصناف الماشية وما في الحوائط من خيل أو بغال فلمن حاز ذلك قبل وإن لم يكن حوز فالمركوب كله للرجل. انتهى.
تنبيه في أجوبة الشيخ أبي الحسن: وقد سئل عن رجل سافر مع زوجته إلى صهره أبيها وأتاه بهدية فحل من البقر وكانت ملكا للزوج، فلما رجعا من عند الصهر أعطاها بقرة على عادة الثواب ثم إنها تناسلت بعد ذلك، فقال الزوج هي لي وقالت الزوجة أعطاها لي أبي: أنها للزوجة لأن المعتبر أنه ملكها الفحل وملكها العوض، وهذا بحكم العادة لأنهم يقولون سافرت زوجة فالأن بكذا ولا يقولون سافر فلان بكذا. انظر الرهوني.
فصل: في الوليمة وهي طعام العرس خاصة،
ولا تقع على غيره إلا بقيد مشتقة من الولم وهو الاجتماع؛ لاجتماع الزوجين أو الناس فيها، ومنه أولم الغلام إذا اجتمع عقله وخلقه. قاله الخرشي. وقال الشبراخيتي: قال في الاستذكار: الوليمة في اللغة طعام العرس والإملاك، والإعذار طعام الختان، والنقيعة طعام القادم من سفر، والخرس طعام النفاس، والمأدبة طعام الدعوة، والوكيرة طعام بناء الدور، وزاد غيره: والعقيقة طعام الولادة، والحذافة طعام حفظ القرآن، وقال في الذخيرة: المأدبة هي الطعام الذي يعمل للجيران للمودة، ولعله مراد من قال إنها طعام الدعوة. انتهى. وقال بعضهم: الدعوة بالفتح الرجل يناديك، وبالكسر الرجل الذي يدعي إلى قوم ليس منهم، وبالضم الدعاء إلى طعام مجتمع مثل الولائم، والمأدبة بضم الدال وفتحها. انتهى. وصانعها الآدب، قال طرفة:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى
…
لا ترى الآدب فينا ينتقر
والجفلى بالتحريك والأجفلى: الدعوة العامة، والخاصة: النقرى. قال الشبراخيتي: وقد نظم الشارح الأطعمة المتقدمة، فقال:
ثمانية أسماء أطعمة أتت
…
لدى العرب نقلا لا ترى بقياس
وليمة عرس ثم إعذار خاتن
…
نقيعة سفر ثم خرس نفاس
ومأدبة في دعوة ووكيرة
…
لأجل بناء محكم بأساس
عقيقة مولود كذاك حذاقه
…
إذا حذقة حاذى وقيت من البأس
وأشار المص إلى حكم الوليمة بقوله: الوليمة مندوبة يعني أن الوليمة وهي طعام العرس مندوبة على المذهب، فلا يقضى بها لأن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة
(1)
) محمول على الندب عند ابن القاسم كما تقدم، وحمل أبو الأصبغ بن سهل الأمر على الوجوب، فقال: الصواب القضاء بها لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: (أولم)،
(1)
صحيح البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث، 2048. صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1427.
وقول ابن سهل ضعيف، وتحصل بأي شيء أطعمه ولو بمدين من شعير، (لما في الصحيح: أولم صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير وعلى بعض بالخبز والتمر
(1)
)، وفيه أيضا: (أولم على زينب بشاة
(2)
)، ونقل عياض الإجماع أعمى أنه لا حد لأقلها، وأنه بأي شيء أولم حصلت السنة ولا تسقط عند الشافعية بموت الزوجة أو طلاقها ولا بطول زمن على الأوجه كالعقيقة، والمشهور من مذهبنا أن العقيقة تفوت بالسابع الأول، فلا يتم القياس عندنا، قال الأذرعي الشافعي: ولو تعددت الزوجات وقصدها عنهن أي بوليمة واحدة كفت إن كان ما صنعه لو قسمة حصل به الوليمة لكل واحدة، وكذا إن لم يكن نظرا إلى أنه وليمة واحدة، واعترض بأنها كالعقيقة وتتعدد بتعددهن مطلقا، ومال بعضهم إلى ندبها للتسري بعد أن ذكر أنهم سكتوا كن ذلك.
قلت: بل ذكره الأذرعي، فقال: (صح أنه صلى الله عليه وسلم أولم على صفية وقالوا إن حجبها فهي امرأته
(3)
) ففيه دليل على اتخاذ الوليمة للتسري؛ إذ لو اختصت بالزوجات لما ترددوا في أنها زوجة. انتهى. وانظر ما يناسب مذهبنا في ذلك. قاله الشيخ سالم. نقله عبد الباقي. وقال الحطاب: قال مالك: كان ربيعة يقول إنما يستحب الطعام في الوليمة لإثبات النكاح وإظهاره ومعرفته؛ لأن الشهود يهلكون، قال ابن رشد: يريد أن هذا هو المعنى الذي من أجله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوليمة، وحض عليها بقوله لعبد الرحمن بن عوف:(أولم ولو بشاة)، ولما أشبه ذلك من الآثار، وقوله صحيح يؤيده ما روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه ببني زريق فسمع غناء ولعبا: فقال: ما هو؟ فقالوا: نكح فلان يا رسول الله، فقال: كمل دينه، هذا النكاح لا السفاح، ولا نكاح حتى يسمع دف أو يرى دخان
(4)
). وبالله التوفيق. انتهى.
(1)
أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض نسانه بمدين من شعير، صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث 5172.
(2)
عن ثابت قال ذكر تزويج زينب بنت جحش عند أنس فقال ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها أولم بشاة، صحيح البخاري، كتاب النكاح رقم الحديث، 5171. وصحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1428.
(3)
صحيح مسلم، كتاب النكاح رقم الحديث، 1365. وصحيح البخاري، كتاب الأطعمة، رم الحديث، 1428.
(4)
سنن البيهقي، ج 11، ص 125.
وقوله: الوليمة مندوبة"، قال محمد بن الحسن: قال في الشامل: وأما طعام إعذار لختان ونقيعة لقادم من سفر وخرس لنفاس ومأدبة لدعوة وحذقة لقراءة صبي ووكيرة لبناء دار فيكره الإتيان له، وتقدم حكم العتيقة. انتهى. وهو خلاف ما في المقدمات من استحباب الإتيان للمأدبة وإباحة ما عداه مما ذكر، وأن المكروه ما يقصد به الفخر والمحمدة، والمحرم هو ما يفعل لمن تحرم الهدية له كما نقله الحطاب، والخرس بضم الخاء المعجمة وسكون الراء. انتهى. وذيل الأجهوري الأبيات المتقدمة للشارح على ما له بقوله:
ويكره إتيان لكل سوى التي
…
لعرس ومولود بعيد نفاس
فيندب في الثاني الحضور له وفي الـ
…
ـوليمة أوجب لا تكون بناس
وقال ابنُ رشد بل يباح لكلها
…
سوى عُرُسٍ أو مأدباتِ أناس
إذا فعلت لا للفخار وإن له
…
فيكره فأت فاجن طيب غراس
ومأدبة للجار قصد مودة
…
ففيها أتى ندبا حضورُ مُواسِ
وسيأتي كلام الحطاب في ذلك إن شاء الله عند قول المص: "وتجب إجابة من عين"
بعد البناء يعني أن الوليمة إنما تندب بعد البناء هذا هو المشهور، قال في العارضة قال ابن حبيب: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الطعام على النكاح عند عقده وعند البناء انتهى وليس كما زعم ما أطعم قط إلا بعد البناء. انتهى. وقال فيها أيضا: ليس في الوليمة على بعض النساء أكثر من الوليمة على غيرها ما يخرج عن العدل بينهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك لم يكن قصدا وإنما كان بقدر الوجد. انتهى. وهذا إذا كان كذلك فواضح، وأما إن كان بقصد فالظاهر كراهته ولا يحرم. والله أعلم.
وقال أيضا: والوليمة في السفر مطلوبة كالحضر. قاله الحطاب. وقال محمد بن الحسن عند قوله "بعد البناء": هذا هو المشهور وهو قول مالك: أرى أن يولم بعد البناء وقيل قبل البناء أفضل، وقال عبد الباقي عند قوله "بعد البناء": فما فعل قبله حصل له ندبها وفاته ندب وقتها كما
يفيده الأبي، فلو أدخل واوا على بعد البناء لأفاد المندوبين، وقول أحمد:"بعد البناء": ظرف لمقدر أي ووقتها بعد البناء فلا يكفي كونها وقعت قبل وقتها، وعليه فلا تجب الإجابة إذا دعى لها. انتهى. خلاف مفاد الأبي، واستظهر علي الأجهوري وجوب الإجابة فيما قبل البناء. انتهى.
وقال الأمير: وندب وليمة وبعد البناء فهو مندوب ثان. انتهى. وقال الخرشي عند قوله. "بعد البناء": هو ظرف لمقدر أي وقتها بعد البناء كما عبر به ابن الحاجب وعلى هذا فلو وقعت قبل البناء فلا تكفي لكونها وقعت قبل وقتها، وعليه أيضا فلا تجب الإجابة إذا دعي لها، وإن جري عرف بذلك لأنه عرف فاسد، وفي كلام الأبي ما يفيد أن كونها بعد البناء مستحب ففعلها في غيره فعل لها في غير وقتها المستحب، وظاهر كلام المؤلف استحبابها ولو ماتت المرأة أو طلقت. انتهى.
وقال الشارح عند قوله "بعد البناء": هكذا قال في الجواهر وهو ظاهر المذهب؛ (لأنه عليه السلام أولم على صفية بعده) وهو ظاهر حديث عبد الرحمن؛ لأن فيه (أنه عليه السلام لما رأى عليه أثر الصفرة، قال ما هذا؟ قال: يا رسول الله تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال بارك الله لك. أولم ولو بشاة
(1)
): وقال ابن يونس: تستحب عند العقد وعند البناء. انتهى.
وعلم مما مر أنه على القول بأنها لا تندب إلا بعد البناء لا تكفي إذا فعلت قبله، ولا تجب الإجابة إذا دعي لها.
يوما يعني أن الوليمة تندب يوما واحدا، قال الباجي: المختار منها يوم واحد، والمراد باليوم قطعة من الزمن يقع فيها الاجتماع لأكلة واحدة، ومفهوم قوله:"يوما" أن الزيادة على اليوم تكره، قال عبد الباقي: وكره تكرارها لأنه سرف، إلا أن يكون المدعو ثانيا غير المدعو قبل ذلك لا تكرار الطعام بعدها لا بقصدها فلا يكره.
(2)
انتهى. وقال الشبراخيتي: ويكره أكثر حيث فعله بقصد أنه وليمة، وأما لو فعله لا على قصد أنه وليمة فلا يكره. انتهى. وقال الشارح عند قوله
(1)
صحيح البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث، 2048، وصحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1447.
(2)
في النسخ تكره والمثبت من عبد الباقي: ج 4 ص 52.
"يوما" ما نصه: هو كقول صاحب المنتقى: هو يوم واحد؛ لأن الزيادة على ذلك سرف، قال: ويكره استدامة ذلك، وعن ابن حبيب يولم من له المقدرة ثمانية أيام لما فيه من إظهار النكاح والتوسعة على الناس. انتهى. وقال الأمير: وكره تكرارها إلا لآخرين. انتهى.
وتجب إجابة من عين يعني أن من دعي إلى الوليمة تجب عليه الإجابة يوما واحدا بشرط أن يكون معينا، قال عياض: لم يختلف العلماء في وجوب إجابتها، وقوله:"عين" ولو بكتاب أو رسول ثقة ولو مميزا غير مجرب في كذب، والتعيين أن يقول: ادع لي فلانا أوأهل محلة كذا وهم محصورون لأنهم معينون حكما لا غير محصورين، كادع لي من لقيت أو العلماء أو المدرسين وهم غير محصورين، فإن تنازع الرسول والمدعو في تعيينه بالشخص والوصف صدق الرسول بيمين مع قرينة على صدقه فيما يظهر، والظاهر أيضا ندبها ووجوب الإجابة إن صنعها للزوج كاخيه من مال نفسه. قاله الشيخ عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي: عين صريحا بكتابة أو رسالة لمعين مع ثقة أو مميز لم يجرب عليه الكذب، كادع لي أهل محلة كذا وهم محصورون، لا إن قال ادع من لقيت. انتهى. وقال الشارح: المشهور أن الإجابة واجبة. ابن القصار: مستحبة، والأول مقيد كما قال بأن يقول له الزوج تأتي عندنا وقت كذا يا فلان، أو يقول لشخص: ادع لي فلانا ونحو ذلك، قال الباجي وغيره: فإن قال ادع من لقيت لم تجب الإجابة لعدم التعيين. انتهى. وقال الإمام الحطاب: يعني أن الإجابة تجب يوما واحدا على من دعي معينا، ومراده سواء كان سابعا أو غير سابع، قال ابن عرفة: ابن رشد: إن جعل الوليمة والسابع معا وجبت إجابته لأنه دعي لحق ومن دعي للسابع بخلافه؛ لأنه لم يدع لحق بل لمعروف، وكذا من ترك الوليمة وفعل السابع وإن أخر الوليمة للسابع، فقال مالك: يجيب وليس كالوليمة لأنه ربما جعل الوليمة والسابع، ووجه تعليله تخفيف الإتيان بما قال هو أنه لما كان الرجل قد يجمعهما احتمل عنده أنه لم يؤخر الوليمة إلى اليوم السابع بل تركها وعمله، ولو كانت عادة الناس بالبلد أنهم لا يولمون إلى اليوم السابع لوجبت الإجابة. انتهى.
وقال في جامع الذخيرة: مسألة فيما يؤتى من الولائم، قال صاحب المقدمات هي خمسة أقسام: واجبة الإجابة إليها وهي وليمة النكاح، ومستحبة الإجابة وهي المأدبة وهي الطعام يعمل للجيران للوداد، ومباحة الإجابة وهي التي تعمل من غير قصد مذموم كالعقيقة للولد والنقيعة للقادم من السفر والوكيرة لبناء الدار والخرس للنفاس والإعذار للختان ونحو ذلك، ومكروه وهو ما يقصد به الفخر والمحمدة لا سيما أهل الفضل والهيئات؛ لأن إجابة مثل ذلك يخرق الهيئة، وقد قيل ما وضع أحد يده في قصعة أحد إلا ذل له، ومحرمة الإجابة وهو ما يفعله الرجل لمن تحرم عليه هديته كأحد الخصمين للقاضي. انتهى.
وقد مر كلام الشامل، ومن كلام ابن رشد: الدعوة في الختان ليست بواجبة عند أحد من أهل العلم ولا مستحبة وإنما هي من قبيل الجائز الذي لا يكره ولا يستحب. انتهى. قوله: "وتجب إجابة من عين" دليله الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام، قال: (شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله
(1)
)، وإذا اجتمع داعيان أجاب الأسبق فإن استويا فأقربهم
(2)
دارا فإن استويا أقرع بينهما. وإذا دعي الرجل إلى الوليمة أو غيرها وقيل له ائت بمن تحب معك فلا بأس أن يستصحب من إخوانه من شاء. قاله في رسم الخلع من سماع أصبغ من كتاب الجامع.
ابن رشد: هذا بين أنه يستصحب من شاء ولا يجب على المستصحب إلا أن يشاء إذا لم يقصد صاحب الوليمة إلى دعائه فلا يلزمه الإتيان إليها. والأصوب أن الواجب عدم الإجابة لوليمة الكافر؛ لأن في إجابته إعزازا له، والمطلوب إذلاله قال في العتبية في رسم الأقضية من سماع أشهب، سئل عن النصراني يختن ابنا له فيدعوا مسلما أترى أن يجيبه؟ فقال إن شاء أجابه ليس عليه في ذلك ضيق إن جاءه فلا بأس به، قال ابن رشد معنى قوله: لا إثم عليه في ذلك ولا حرج إن فعله، وذلك إذا كان له وجه من قرابة أو جوار وما أشبه ذلك، والأحسن أن لا يفعل لا سيما إذا كان ممن يقتدى به لما في ذلك من [التودد
(3)
] إلى الكفار، وقد قال الله عز وجل: {لَا تَجِدُ
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1432.
(2)
كذا في النسخ.
(3)
في "ك" و "مايابي": التردد، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 376.
قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
وقال ابن عرفة: في طرر ابن عات: لا بأس أن يحضر وليمة اليهودي ويأكل منها، قال بعض أصحابنا: بعد أن يحلفه أنه لم يتزوج أخته ولا عمته ولا خالته. قلت: الأصوب أن الواجب عدم الإجابة لأن في إجابته إعزازا له والمطلوب إذلاله، وقوله: بعد أن يحلفه فيه نظر؛ لأن ذلك مباح في ملتهم. نقله الحطاب.
وإن صائما يعني أنه يجب على المدعو في الوليمة أن يجيب الداعي، وإن كان المدعو صائما إلا أن يعين
(1)
المدعو وقت الدعوة للداعي أنه صائم، فلا يجب عليه الحضور حينئذ حيث كان الاجتماع والانصراف قبل الغروب. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب: ظاهر كلام الأبي في كتاب الصيام أن الصائم إذا أخبر أنه صائم لا يلزمه الحضور، وقيده النووي بأن يسامح في ذلك. والله أعلم. وقال الشارح عند قوله:"وإن صائما" ما نصه: هكذا روي عن مالك وقال أصبغ ليس ذلك بالوكيد ولا يبعد كون القولين مبنيين على وجوب الأكل وعدمه. انتهى. وقال غير واحد من الشراح: والتعيين بأن يقول صاحب العرس أو وكيله لمعين: تأتي وقت كذا أو أسألك الحضور أو تجملني
(2)
بالحضور إلا إن قال احضر إن شئت إلا لقرينة تأدب أو استعطاف مع رغبة في حضوره. وأشار إلى شروط وجوب الإجابة بقوله: إن لم يحضر من يتأذى به شرط في قوله: "وتجب إجابة من عين" لخ يعني أنه يشترط في وجوب الإجابة على المدعو المعين شروط، أحدها أن لا تحصل له عند الوليمة إذاية وأما إن كان يحصل له ما يؤذيه عند الوليمة فإنه لا يلزمه الإتيان إليها، كسفلة تزري به مجالستهم إذ لا يؤمن معهم على دين، فلو كان تأذيه بهم لحظ نفس لم يبح له التخلف إلا أن يخشى بمجالسته لهم اغتيابه أو إذايته.
تنبيهات: الأول: قال مالك بلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه دعي إلى وليمة وعليه ثياب دون فأتى ليدخل فمنع ولم يؤذن له، فذهب فلبس ثيابا جيادا ثم جاء فأدخل، فلما وضع الثريد بين
(1)
لفظ عبد الباقي إلا ان يبين للداعي وقت الدعوة أنه صائم بالفعل الخ ج 4 ص 52.
(2)
في النسخ تحملني والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 52.
يديه وضع كميه فقيل له ما هذا يا أبا هريرة؟ فقال: إنما هي التي أدخلت وأما أنا فلم أدخل قد رددت إذ لم تكن علي ثم بكى، وقال: ذهب حبيبي ولم ينل من هذا شيئا وبقيتم تهدبون بعده، قال ابن رشد: هذه الوليمة التي رد فيها أبا هريرة من لم يميزه من حجاب باب الوليمة؛ إذ ظنه فقيرا لما كان عليه من الثياب الدون، وأدخله بعد ذلك من رآه من حجابها في صفة الأغنياء بالثياب الحسان هي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله
(1)
)، ويروى: بئس الطعام ويريد أنه بئس الطعام لمطعمه إذ رغب عما له في الحظ أن لا يخص بطعامه الأغنياء دون الفقراء، فالبأس في ذلك عليه لا على المدعو، لقوله في الحديث نفسه:(ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله)، وبكى رضي الله عنه شفقا من تغير الأحوال على قرب المعهد بالنبي صلى الله عليه وسلم ورغبة الناس عما ندبوا إليه في ولائمهم من عملها على السنة
(2)
وترك الرياء فيها والسمعة. وبالله التوفيق. نقله الإمام الحطاب.
الثاني: قال ابن العربي في العارضة: روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه دعا في وليمة الأغنياء والفقراء، فعزل الفقراء عنهم وقال نطعمكم مما يأكلون لا تفسدوا عليهم ثيابهم وهذا مما لم يثبت فلا تعولوا عليه. انتهى المراد منه. قاله الحطاب.
الثالث: قال محمد بن الحسن: قال ابن العربي: كان عليه الصلاة والسلام يجيب كل مسلم فلما فسدت مكاسب الناس والنيات كره العلماء لذي المنصب أن يتسرع للإجابة إلا على شروط، هذا وليس في السنة إجابة من يطعم مباهاة وتكلفا، بل جاء النهي عن ذلك لكن في الإحياء أنه إنما يحرم الرياء بالعبادات لا بالدنيا كالتجمل للناس، قال في الإحياء: انصراف الهمم إلى طلب الجاه نقصان في الدين ولا يوصف بالتحريم، فعلى هذا نقول تحسين الثوب الذي يلبسه عند خروجه إلى الناس مراءاة وليس بحرام لأنه ليس رياء بالعبادة بل بالدنيا، وقس على هذا كل تجمل للناس وتزين لهم، ثم قال: فإذن المراءاة بما ليس من العبادات قد تكون مباحة وقد تكون طاعة وقد
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1432.
(2)
في سائر النسخ (من عملها وترك الرياء) والمثبت من الحطاب ج 4 ص 378.
تكون مذمومة وذلك على حسب الغرض المطلوب، ولذلك نقول إن الرجل إذا أنفق ماله على جماعة من الأغنياء لا في معرض العبادة والصدقة لكن ليعتقد الناس أنه سخي فهذه مراءاة وليست بحرام وكذلك أمثاله. انتهى.
قال سيدي عبد الرحمن الفاسي عقبه: وانظره مع ما في (حديث مسلم
(1)
) في باب: من قاتل للرياء والسمعة وكذا من أنفق رياء وسمعة وليقال جواد، من كونه يؤمر به فيسحب على وجهه ويلقى في النار وكذا تحريم المباهاة. انتهى. من خطه انتهى كلام الشيخ محمد بن الحسن.
ثانيها أشار إليه بقوله: ومنكر يعني أنه يشترط في وجوب الإجابة أيضا أن لا يكون عند الوليمة مستنكر شرعا لا يقدر على تغييره، قال ابن العربي في العارضة: اتفق العلماء على أنه إذا رأى منكرا أو خاف أن يراه أنه لا يجيب، وقال أيضا بعد حكايته الخلاف في وجوب الإجابة: أما الذي يصح في هذا كله عند النظر أن إجابة الدعوة واجبة إذا خلصت نية الداعي لله وخلصت وليمته عما لا يرضي الله، ولما عدم هذا سقط الوجوب عن الخلق بل حرم عليهم كما سيأتي بيانه، فلا معنى للإطناب في ذلك. انتهى.
وقال القرطبي في شرح مسلم: وهذا كله ما لم يكن في الطعام شبهة أو تلحق فيه منة أو رؤية منكر فلا يجوز ولا الأكل ولا يختلف فيه. انتهى. وقال الأبي: يأتي لابن حبيب وغيره من السلف زيادة مانع آخر وهو أن لا يخص بالدعوة الأغنياء، قال: فإن خصهم سقط الوجوب. انتهى. وقال القرطبي: ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (شر الطعام طعام الوليمة) اختصاص الأغنياء بالدعوة، واختلفوا فيمن فعل ذلك هل تجاب دعوته أم لا، فقال ابن مسعود: لا يجاب ونحا نحوه ابن حبيب من أصحابنا، وظاهر كلام أبي هريرة وجوب الإجابة. والله أعلم. انتهى. قاله الحطاب.
وقال الشبراخيتي: وكذا يباح التخلف إذا خص بالدعوة الأغنياء كما ذكره الأبي وظاهره عن الأغنياء وغيرهم، وحكم اختصاص الدعوة بالأغنياء الكراهة كما صرح به القرطبي. انتهى. ثم ذكر
(1)
صحيح مسلم، كتاب الإمارة، رقم الحديث، 1905.
الحديث المتقدم عن أبي هريرة، وقال في آخره وبقيتم تهدبون بعده. انتهى. وتهدبون بفتح التاء وسكون الهاء وكسر الدال بعدها موحدة، ففي القاموس في باب الباء الموحدة: هدب الثمرة اجتناها تجنون الثمار من رؤوس الشجر.
ومثل المص للمنكر بقوله: كفرش حرير يعني أنه يشترط في وجوب إجابة المدعو المعين أن لا يكون عند الوليمة مستنكر شرعا لا يقدر على تغييره، ومثلوا للمنكر بفرش الحرير يجلس هو أو رجاك غيره عليه مع رؤيته ولو من فوق حائل؛ لأن النظر للمعصية معصية ودخل بالكاف وجود كلب لا يحل اقتناؤه وآنية ذهب وفضة مقتنيين، وكسماع ما يحرم سماعه كما لو كان ذلك في جوار بيته ولا يلزمه التحول وإن بلغة الصوت، وأما منكر بغير محل حضوره كبيت آخر من الدار فلا يمنع الوجوب حيث لم يسمع، وخرج بمنكر ستر الجدران بحرير من غير مماسة المدعو لها فلا حرمة فلا يباح التخلف. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: ولو من فوق حائل، قال محمد بن الحسن: ذكر البرزلي أن المرجاني كان يجلس على فرش الحرير إذا جعل عليها الحائل، وأجراها البرزلي على مسألة المغشى وعلى مسألة ما إذا فرش على النجس ثوب طاهر وصلي عليه. نقله الشيخ أبو زيد.
ومثل عبد الباقي للمنكر برؤية الغلمان بالحلية المحرمة على البالغين، قال محمد بن الحسن: يعني إذا قلنا بحرمة تحليتهم بها، وقد مر أول الكتاب ذكر الخلاف، وقوله:"كفرش حرير" وكذا مسانيد الحرير يستند إليها وكذا مبخرة من نقد يبخر بها أي شأنها ذلك.
وصور على كجدار عطف على "فرش حرير"؛ يعني أنه يشترط في وجوب الإجابة على المدعو أن لا يكون عند الوليمة ما يستنكر شرعا، وأما إن كان ذلك عندها كصور على جدار أي صور لحيوان فوق سمت الحائط لا في عرضه -لأنه لا ظل لها- فإن ذلك يسقط الوجوب، وقوله:"وصور على كجدار". الشبراخيتي: واعلم أن التمثال إن كان لغير حيوان كالشجر جاز وإن كان لحيوان فعا له ظل ويقيم كما إذا كان من حجر فهو حرام بالإجماع، وكذا إن لم يقم كالعجين والطين والشمع خلافا لأصبغ لما (ثبت أن المصورين يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما كنتم
تصورونه
(1)
)، وما ليس له ظل فإن كان غير ممتهن كالذي في الحائط فهو مكروه، وإن كان ممتهنا كالذي في البسط والحصر فتركه أولى، الشيخ أبو الحسن: وهذا في الصور الكاملة، وأما إن نقصت الصورة عضوا من أعضائه الظاهرة فلا يحرم النظر إليها، ونظمها شيخنا فقال:
وتمثال ذي ظل إذا دام حرموا
…
وما لم يدم أيضا وأصبغ خالفا
وما ليس ذا ظل وصاحب مهنة
…
فترك له أولى وُقِيت المخالفا
وإن يَعرُ عنها فهْو يكره ثم ذا
…
بغير تماثيل الجمادات فاعرفا
فأما بتمثال الجماد فجائز
…
كناقص عضو من سواه بلا خفا
قال في كتاب البركة: ولا بأس بنصب [الأرجوحة
(2)
] واللعب عليها للرجال والنساء. نص على ذلك القرافي في فتاويه والنووي والقاضي عياض وغيرهم، قال القرافي أيضا: وحكي عن بعض العلماء أن الأرجوجة تنفع لوجع الظهر والحديث في الأمر بفعلها مرسل، ذكره البيهقي وذكر الحكيم الترمذي إباحتها للصغار مطلقا وللكبار للتداوي لغرض صحيح، وحمل منعها على من اتخذها للهو واللعب، وقد ذكر في الروضة أن الرقص الذي لا تكسر فيه لا يحرم، ولكن ترد الشهادة بالمداومة عليه لإخلاله بالمروءة، فإن كان به تثن وتكسر فهو حرام على الرجال والنساء. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله "وصور": مجسدة كحيوان عاقلٍ أو غيره كامل الأعضاء الظاهرة ولها ظل منقوشة على كجدار أي فوق سمته لا في عرض حائطه لأنه لا ظل لها، ولذا لم يقل على حائط فعلم أن تصوير صورة حيوان عاقل أم لا كامل الأعضاء الظاهرة ولها ظل يدوم حرام إجماعا، وكذا إن لم يدم خلافا لأصبغ كما في توضيحه كتصوير غزال من قشر بطيخ حال طراوته، فإن له ظلا ما دام طريا يقف به، فإذا جف سقط مع بقاء هيئة صورته لا إن نقص بعض [أعضائه
(3)
] فيباح، وانظر لو غطي العضو بشيء، ولا غير ذي ظل فيكره في غير ممتهن كفعله
(1)
صحيح البخاري، كتاب اللباس، رقم الحديث، 5951، صحيح مسلم كتاب اللباس والزينة، رقم الحديث، 2018.
(2)
في النسخ الأرجوجة والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 53.
(3)
ساقطة من النسخ والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 53.
بحائط أو ورق، وأما في ممتهن كفعله بحصر أو بسط فخلاف الأولى، وأما تصوير صورة شجر أو جماد كصورة جامع أو مدينة فجائز ولو كان له ظل ويدوم، ويستثنى من المحرم تصوير لعبة على هيئة بنت صغيرة لتلعب بها البنات الصغار فإنه جائز، ويجوز بيعهن وشراؤهن لتدريب البنات على تربية الأولاد كما في الحطاب. انتهى.
وقال ابن شأس: وكذلك إن كان على جدران الدار صور أو ساتر ولا بأس بصور الأشجار. انتهى. وبحث فيه ابن عرفة بقوله إن أراد الصور المجسدة فصواب وإلا فلا أعرفه عن المذهب، ثم قال: وقول ابن شاس: أو ساتر إن أراد بغير ثياب الحرير، فلا أعرفه لغيره في المذهب، وإن أراد بالحرير فإن كان بحيث يستند إليه فصواب، وأما ما لا يستند إليه وما هو إلا مجرد الزينة فالأظهر خفته ولا يصح كونه مانعا من وجوب الإجابة. انتهى.
ابن رشد: والذي لأهل العلم بعد تحريم ما له ظل قائم أربعة أقوال: الأول إباحة ما عدا ذلك ولو كان التصوير في جدار أو ثوب منصوب، والثاني: تحريم جميع ذلك، والثالث: تحريم ما في جدار أو ثوب منصوب وإباحة ما في الثوب المبسوط، والرابع: تحريم ما بالجدار وإباحة ما في الثوب المنصوب والمبسوط.
ابن عرفة: ظاهر المذهب أن في صور الثياب قولين: الكراهة وهو ظاهر المدونة، والإباحة وهو قول أصبغ، وقد مر قول ابن عرفة إن أراد الصور المجسدة، وذكر أبو عمر ذلك عن غير أهل المذهب محتجا برجوعه عليه الصلاة والسلام عن بيت فاطمة لفراش رآه في ناحية البيت فانصرف وقال: (ليس لي أن أدخل بيتا فيه تصاوير أو قال بيتا مزوقا
(1)
) (وبرجوع أبي أيوب وأبي مسعود لمثل ذلك
(2)
).
لا مع لعب مباح معطوف على محذوف أي يترك الإجابة مع منكر لا مع لعب مباح. قاله الشيخ عبد الباقي؛ يعني أنه يجب على المعين إذا دعي إلى الوليمة أن يجيب ولو كان عند الوليمة من يلعب لعبا مباحا خفيفا، كدف يضربه الرجال فقط أو النساء فقط. واحترز بقوله:"مباح" عن
(1)
سنن أبي داوود، كتاب الأطعمة، الحديث، 37. الاستذكار ج 5 ص 534.
(2)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب هل يرجع إذار رأى منكرا
…
غير المباح، كمشي على حبل وجعل خشبة على جبهة إنسان ويركبها آخر فإنه يبيح التخلف. قاله في سماع أشهب. وكذا مع لعب غير خفيف، وقال ابن رشد: اللعب في الوليمة هو من ناحية ما رخص فيه من اللهو، وقد اختلف فيما رخص فيه من ذلك هل الرخصة فيه للنساء دون الرجال؟ أو للنساء والرجال فقال أصبغ في سماعه من كتاب النكاح إن ذلك يجوز للنساء دون الرجال وإن الرجال لا يجوز لهم عمله ولا حضوره وهو ظاهر ما في الرواية، والمشهور أن عمله وحضوره جائز للرجال والنساء وهو قول ابن القاسم في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح، ومذهب مالك خلاف قول أصبغ، إلا أنه كره لذي الهيئة أن يحضر اللعب. نقله الحطاب.
ومن قواعد عز الدين ما معناه أن صلاح القلوب بالأحوال المحمودة مطلوب، ومن الناس من لا تكون له هذه الأحوال إلا بالاجتلاب وبسبب خارج، ومنهم من تحضره هذه الأحوال الحميدة بسماع القرآن وهؤلاء أفضل أهل السماع، ومنهم من تحضره عند الوعظ والتذكير ومنهم من تحضره عند الحداء والنشيد، وفيها نقص من جهة ما فيه من حظ النفس، ومنهم من تحضره هذه المعارف والأحوال المبنية على سماع المطربات المختلف في تحليلها كالشبابة، فهذا إن اعتقد تحريم ذلك فهو مسيء بسماعه محسن بما حصل له من المعارف والأحوال، وإن اعتقد تحليل ذلك تقليدا لمن قال بها من العلماء فهو تارك للورع بسماعها محسن بما حضره من المعارف والأحوال الناشئة عنها.
واللعب المباح الخفيف لا يباح لأجله التخلف ولو حصل اللعب المباح في حضرة ذي هيئة ويصح أن تكون في بمعنى مع أي ولو كان اللعب المباح مع حضور ذي هيئة وهذا التقرير للشبراخيتي. ابن العربي: ليس الغناء بحرام (لأن النبي صلى الله عليه وسلم حضر ضرب الدف
(1)
) ولا يصح أن يكون ذو الهيئة أعظم منه صلى الله عليه وسلم.
(1)
صحيح البخارى، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5147.
وأشار بقوله على الأصح لقول القاضي أبي بكر: إنه الحق، ورد المص به ما رواد ابن وهب: لا ينبغي لذي الهيئة أن يحضر موضعا فيه لهو.
وكثرة زحام يعني أنه يشترط في وجوب الإجابة على المدعو المعين أيضا أن لا يكون هناك كثرة زحام، وأما إن كان هناك كثرة زحام فإن ذلك مما يبيح التخلف لأن فيه إذاية، وقوله:"وكثرة زحام" الظاهر في دخول أو جلوس أو أكل. قاله الشبراخيتي. وقوله: "وكثرة" معطوف على فاعل يحضر مضمنا معنى يوجد أي إن لم يوجد من يتأذى به، وكثرة زحام أو معمول مقدر معطوف على يحضر أي ويكن كثرة زحام. قاله الشبراخيتي. وإغلاق باب دونه يعني أنه يشترط في الوجوب أيضا أن لا يغلق الباب عند حضوره، فإن علم أن الباب يغلق عند حضوره أبيح له التخلف، وقوله:"وإغلاق باب دونه" ظاهره ولو للمشورة عليه، فإن أغلق لا لحضوره بل للطفيلية ونحوهم لم يبح له التخلف، والمسألة لابن عبد الغفور، وبقي من شروط الوجوب أن لا يبعد مكان الوليمة بحيث يشق على المجيب الإتيان، وللشافعية أن شدة الحر والبرد تبيح التخلف وأولى مرض أو حفظ مال أو خوف عدو، وأن لا يكون بالطريق شدة وحل أو مطر قياسا على الجمعة، وأن لا يخص بالدعوة الأغنياء فإن خصهم سقط الوجوب عن الأغنياء، وقد صرح الحطاب بكراهة اختصاص الدعوة بالأغنياء لا بالحرمة، وأن لا يكون على رؤوس الآكلين من ينظر إليهم. كما نقله الأقفهسي. وأن لا يفعل طعامها لقصد المفاخرة والمباهاة والعرض فقط لا للأكل، فلا ينبغي حضوره فضلا عن الإكثار من أكله، فإن حضر لضرورة فلا يأكل إلا قدر ما يطيب خاطر صاحبه، وأن لا يكون مدعوا لأكل ما له رائحة كريهة تبيح التخلف عن الجمعة والجماعة إلا إن قدر على إزالتها فيجب قياسا عليهما.
قال بعض الشافعية: وأن لا يكون بسطح الدار ومرافقها نساء ينظرن إلى الرجال أو يختلطن بهم. انتهى. والاختلاط يوافق مذهبنا وأما علوهن بسطح الدار فمبني على مذهبهم من حرمة نظر المرأة للرجل، وأن لا يكون الداعي فاسقا أو شريرا طالبا للمباهاة والفخر، قال الأذرعي: من جاز هجره لا تجب إجابته ولو كان الداخل في كل ما مر أعمى أو في ليل مظلم؛ لأن الحضور عند المنكر حرام إلا أن يحضر ليمنع من فعله فيجب الحضور للدعوة ولإزالة المنكر، بل يجب حضوره
بدونها حيث قدر على المنع، وأن لا تكون الداعية امرأة غير محرم إلا أن يكون معها محرم له أنثى يحتشمها، والظاهر أن الخنثى كالأنثى.
ومن مبيح التخلف كون المدعو لها أمرد يخاف منه ريبة أو تهمة، ويظهر أن يكون الداعي كذلك، ومن شروط وجوب الإجابة أن لا يسبق الداعي غيره، فإن تعدد الداعي أجاب الأسبق، فإن استويا فذو الرحم فإن كانا ذوي رحم فأقربهما رحما، فإن استويا فأقربهما دارا فإن استويا أقرع. قاله عبد الباقي. وقوله:"وإغلاق" قال عبد الباقي: وعبر في الجواهر بغلق، والمسألة لابن عبد الغفور، وأنكر ابن عرفة فقهه ولفظه: والكمال لله، فأما فقهه فقد علمته، وأما لفظه فالاسم الثلاثي مسموع باتفاق وفي مصدريته خلاف، والفعل الثلاثي مهجور في الفصحى، ولذا قال أبو الأسود الدؤلي:
ولا أقول لقدر القوم قد غليت
…
ولا أقول لباب الدار مغلوق
أي أنه فصيح لا ينطق إلا بالمستعمل، وقيل أراد أنه عفيف لا يتطفل، قلت ولذا عدل المص عن الاسم الثلاثي إلى الرباعي. قاله الشيخ سالم. وبقي من شروط الإجابة أن تكون الوليمة لمسلم إلى آخر كلامه، ولا يجوز الحضور إذا كان في الطعام المدعو إليه شبهة أي شبهة توجب تحريم الأكل منه. قاله الشبراخيتي. وقال
(1)
قول ابن عرفة: إن قول ابن شأس: ولا غلق باب دونه لا أعرف فقهه ولا لفظه والصواب إغلاق. انتهى. فيه نظر لما علمت من أن فقهه موافق لما لابن عبد الغفور، وأما لفظه فالاسم الثلاثي مسموع باتفاق وفي مصدريته خلاف فقد ثبت ما أنكر ابن عرفة على ابن شاس.
وفي وجوب أكل المفطر تردد مبتدأ وخبره المجرور قبله؛ يعني أنه إذا دعي إلى الوليمة وهو مفطر فقد تردد الباجي في وجوب الأكل عليه وندبه، فقال: لم أر لأصحابنا فيه نصا جليا وفي المذهب مسائل تقتضي القولين. انتهى. واعترضه ابن عرفة برواية محمد: عليه أن يجيب وإن لم يأكل،
(1)
الذي في النسخ (وقل ابن شاس: ولا غلق باب الخ) والمثبت من الشبراخيتى ج 2 مخطوط.
وابن ناجي بقول الرسالة: وأنت في الأكل بالخيار، قال الإمام الحطاب: ولا شك أن الثاني نص في ذلك، وأما الأول ففيه نظر فتأمله، وفي العتبية: وسئل مالك عن الإتيان إلى الوليمة؟ فقال: أرى أن يأتيها، فقيل له: ربما كان الزحام فيكره ذلك لوضعه، فقال: إن كان الزحام فإني أرى له سعة، فقيل له فيجيب وإن كان صائما؟ قال: نعم أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل، قال ابن رشد: قوله أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل يريد أن الإجابة تلزمه كان صائما أو مفطرا، فإن كان صائما صلى كما جاء في الحديث أي دعا، وإن كان مفطرا فليس عليه بواجب أن يأكل وإنما يستحب له ذلك ويندب إليه؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل فيما روي عنه من قوله:(إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل) محمول على الندب عند مالك رضي الله عنه، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:(إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك)، وأهل الظاهر يوجبون عليه الأكل لظاهر الحديث الأول، وما ذهب إليه مالك من استعمال الحديثين أولى من طرح أحدهما. نقله الحطاب. وقال البرزلي في مسائل الهبة والصدقة: وما يفعل من الأطعمة في بعض الأعراس والولائم والأعياد من طعام رفيع أو حلاوة وقصد الناس بها المفاخرة وعرضه أي الطعام فقط لا أكله، فلا ينبغي أن يحضر فضلا عن أن يكثر من أكله، فإن حضر لضرورة فلا يأكل منه إلا قدر ما تطيب به نفس صاحبه على العادة، ولا يجوز الإفراط في الأكل منه إذ لم يصنع لذلك. انتهى.
وقال قبله: إذا قدم الطعام لضيافة أو لغيرها فلا يأكل منه إلا قدر ما يأتي بين يديه، ولا يتعدى إلى جاره في نصيبه إلا بطيب نفس منه، وكذا إذا كان الطعام كثيرا وأكل أكلا خارجا عن المعتاد لابد له من استئذان رب الطعام ولا سيما على القول إنه لا يملك إلا بالازدراد فلا يأخذ منه إلا ما جرت به العادة من باب تخصيص العموم بالعادة ولا يطعم منه هرا ولا غيرها إلا بإذن ربه، وعلى القول بأنه يملك بالتمكين فيجوز أن يطعم الهر ونحوها ويحتمل أن لا يعطي شيئا من ذلك كله لأنه إنما ملك الانتفاع في نفسه خاصة لا عموم منفعة الطعام في كمال التصرف كما في بعض مسائل الحبس.
وبلغني عن الشيخ الصالح أبي عبد الله الرماح شيخ عصره في بلده أنه أكل معه بعض أهل البادية طعاما فجاوز العادة فخاف البدوي الفضيحة، فقال يا سيدي: يقول الناس من راءا في أكله راءا في دينه، فقال له: اسكت من راءا في أكله ستر دينه.
قال جامعه عفا الله عنه: علم مما مر أن المعتمد ندب أكل المفطر لا وجوبه، ولهذا قال الشيخ الأمير: وندب أكل المفطر. انتهى. والله سبحانه أعلم.
ولا يدخل غير مدعو يعني أن من لم يدع إلى الوليمة يحرم عليه أن يدخل إلى محل الوليمة أكل أو لم يأكل، إما لتأديته إلى الوقوع في عرضه إن كان من ذوي الأقدار، وإما لنسبته لخسة نفس وسقاطة. قاله الشبراخيتي. إلا بإذن يعني أن محل المنع إنما هو حيث لم يأذنوا له في الدخول، وأما إن أذنوا له في الدخول فإنه يجوز له الدخول إلى محل الوليمة مع حرمة مجيئه لكونه غير مدعو، وقوله:"ولا يدخل غير مدعو" ظاهره حرمة ذلك ولو تابع ذي قدر عرف عدم مجيئه وحده لوليمة أو غيرها. وكره نثر اللوز والسكر يعني أنه يكره نثر اللوز والسكر ونحوهما لينتهب ما ذكر وانتهابه مكروه، وإذا أحضر لينتهب فهما مكروهان. انظر الرهوني. وهذا إذا كان أحدهم لا يأخذ شيئا مما بيد صاحبه وإلا فهو حرام، وكذا يحرم انتهابه إذا نثره ربه لا لينتهب، ومعنى نثره إحضاره وليس المراد ما يعطيه ظاهره من أنه نشره وتفريقه والقول قول من ادعى أنه للنهبة وكذا يظهر. قاله عبد الباقي. ومقتضى المصنف أن نثره لينتهب مكروه لأنه وسيلة مكروه. قاله جامعه. والله تعالى أعلم. ومعنى الانتهاب التخاطف، والله سبحانه أعلم.
قال مالك فيما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم: وفي العرائس فتكون فيه النهبة، فقال: لا أحب أن يوكل منه شيء إذا كان ينتهب، قال ابن رشد: كرهه مالك بكل حال لظواهر الآثار الوادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، من ذلك نهيه عن النهبة، قال: (النهبة لا تحل
(1)
) وأنه قال: (من انتهب فليس منا
(2)
) وفي ذلك تفصيل، أما ما ينثر عليهم ليأكلوه على وجه ما يؤكل دون أن ينتهب فانتهابه حرام لا يحل ولا يجوز؛ لأن مخرجه إنما أراد أن يتساووا في
(1)
سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، رقم الحديث، 3938.
(2)
سنن الترمذي، كتاب السير، رقم الحديث، 1601.
أكله على وجه ما يؤكل فمن أخذ منه أكثر مما كان يأكل مع أصحابه على وجه الأكل فقد أخذ حراماة وأكل سحتا لا مرية فيه ودخل تحت الوعيد، وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه فقد كرهه مالك وأجازه غيره، وتأول أن النهي عن الانتهاب إنما معناه انتهاب ما لم يؤذن في انتهابه بدليل ما روي عن عبد الله بن قرط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأيام إلى الله تعالى يوم النحر ثم يوم القر
(1)
فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو ست
(2)
فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفيفة لم أفهمها، فقلت للذي كان في جنبي: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال: (من شاء اقتطع
(3)
)، وما روي من أن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يا رسول الله: كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انحرها ثم ألق قلائدها في دمها وخل بين الناس وبيننها يأكلونها
(4)
)، وقال في جامع الكافي في طعام النهبة إذا أذن فيه صاحبه وذلك نحو ما ينثر على رؤوس الصبيان وفي الأعراس والختان اختلف في كراهته، والتنزهُ عنه أولى. قاله الحطاب.
لا الغربال يعني أن الغربال أي الطار وهو الطبل المغشى بجلد من جهة واحدة لا يكره في الوليمة، قال عبد الباقي: ولو بصراصير، قال محمد بن الحسن: فيه نظر، فإن الذي نقله الحطاب عن القرطبي وصاحب المدخل وغيرهما حرمة ذي الصراصير وهو الصواب لما فيها من زيادة الإطراب. والنص والحديث يدلان على ندب الغربال والمص لا يفهم منه ذلك، والغربال والدف مترادفان، قال التلمساني في شرح الرسالة: اتفق أهل العلم على إجازة الدف وهو الغربال، وفي المدخل: ومذهب مالك أن الطار الذي فيه الجراس محرم وكذا الشبابة، وقال الشيخ جعفر الأدفوي الشافعي: وذهب طائفة إلى إباحة الدف في العرس والعيد وقدوم الغائب وكل سرور حادث، وهذا ما أورده الغزالي في الإحياء والقرطبي المالكي في كشف القناع لما ذكروا أحاديث
(1)
في النسخ (القرب) والمثبت في الحطاب ج 4 ص 380.
(2)
في النسخ (أو ستا) والمثبت من أبي داوود 1765.
(3)
سنن أبي داوود، كتاب المناسك، رقم الحديث 1765.
(4)
كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها ثم ألق قلائدها في دمها ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها. الموطأ، كتاب الحج، رقم الحديث 158.
تقتضي المنع. قال: وقد جاءت أحاديث تقتضي الإباحة في النكاح والسرور فتستثنى هذه المواضع من المنع المطلق، وقال ابن رشد في المقدمات: ولا يجوز تعمد حضور شيء من اللهو ولا من آلة الملاهي ورخص في الدف في النكاح.
ولو لرجل يعني أن الغربال يجوز ضربه في العرس للنساء اتفاقا وللرجال على المشهور، ورد بلو قول أصبغ القائل بمنعه للرجال، قال: لا يكون الدف إلا للنساء ولا يكون عند الرجال. وفي الكبر والمزهر يعني أنه اختلف في ضرب الكبر بالتحريك والمزهر في العرس على ثلاثة أقوال: أحدها يجوز فيهما وهو لابن حبيب قياسا على الغربال، ثانيها لأصبغ لا يجوزان في العرس ولا في غيره، ثالثها يجوز الضرب في الكبر دون المزهر أي لا يجوز ضرب المزهر لرجل ولا لامرأة وهو لابن القاسم، والكبر هو الطبل الكبير الدور المجلد من وجهين.
وفي شرح الشيخ عبد الباقي عن الأدفوي: لعله الطبل
(1)
خانه قال محمد بن الحسن: خانه طبلان متلاصقان أحدهما أكبر من الآخر، وقال الشيخ ميارة: الكبر طبل صغير طويل العنق مجلد من جهة واحدة. والمزهر كمنبر عود ينفصل بعضه من بعض يركب ويغشى من الجهتين. قاله الفقهاء. والمعروف في اللغة أنه العود ولم يذكروا خلافه. قاله الأبي. وإنما قال بالمنع في المزهر دون الكبر لأنه أشد في اللهو وما كان كذلك كان ألهى عن ذكر الله.
وقال: ابن كنانة: تجوز الزمارة والبوق جوازا مستوي الطرفين في العرس إذا كانا لا يلهيان كل اللهو، فعلى المص الدرك في إسقاط هذا المقيد. قاله الشبراخيتي. وقال: وقوله: "وتجوز" لخ ضعيف. انتهى. وقوله: "تجوز الزمارة والبوق" يعني جوازا مستوي الطرفين على المشهور كما قررت، وقيل من الجائز الذي تركه خير من فعله فهو مكروه. قاله الحطاب. عن ابن رشد. ولا يخالف ما مر عن الشبراخيتي؛ لأن هذا في تعيين مراد ابن كنانة. والله أعلم. قاله جامعه.
وقوله: "وتجوز الزمارة والبوق". ابن عرفة: قيل معناه في البوقات والزمارات التي لا تلهي كل اللهو، وانظر حكم الغيطة والظاهر أنها لا تلهي كل اللهو فلا تحرم. قاله محمد بن الحسن.
(1)
كذا في عبد الباقي وبنانى وفي النسخ الطبل خاناه وفى الحطاب الطلخانة وفي الشبراخيتى الطبلخانة.
والزمارة والبوق من آلات اللهو وكذا الغيطة، وما تقدم من عدم الجواز في الكبر والمزهر وهو قول أصبغ عليه يأتي ما في سماع سحنون عن ابن القاسم أن الكبر إذا بيع يفسخ بيعه ويؤدب أهله؛ لأنه إذا قال ذلك في الكبر فأحرى أن يقوله في المزهر لأنه ألهى منه، ويأتي على القول الثالث ما في سماع عيسى أن السارق يقطع في قيمة الكبر صحيحا.
وفي الشامل: وترد شهادة المغني والمغنية والنائح والنائحة وسامع العود على الأصح إلا في عرس أو صنيع -أي ولادة أو ختان- ليس فيه شراب مسكر، فإنه يكره فقط. وغير العود من بقية الآلات التي بها أوتار مثله، وقد تقدم أن المشهور جواز الدف للرجال وأن أصبغ قال: لا يجوز للنساء، قال: ولا يجوز إلا للنساء غير الدف والكبر ولا غناء معهما ولا برابط ولا مزمار وذلك حرام محرم في الفرح وغيره إلا ضربا بالدف والكبر هملا وبذكر الله وتسبيحا وحمدا على ما هدى أو برجز خفيف مثل الذي جاء في جواري الأنصار:
أتيناكم أتيناكم
…
فحيونا نحييكم
ولولا الحبة السمرا
…
ء لم نحلل بواديكم
وما أشبه ذلك ولا يعجبني مع ذلك الصفق بالأيدي وهو أخف من غيره: قال: وقد أخبرني عبد الله بن وهب أن عمر بن عبد العزيز كتب بقطع اللهو كله إلا الدف وحده في العرس وحده، قال: وما كان من الباطل فمحرم على المؤمنين اللهو، والباطل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا ثلاثا
(1)
)، قال القاسم بن محمد: إذا جمع الحق والباطل يوم القيامة كان الغناء من الباطل والباطل في النار، قال أصبغ: والباطل محرم على المؤمنين. قال الله عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} ، والثلاثة التي أبيح اللهو فيها في الحديث المذكور هي:(ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه). وبالله تعالى التوفيق. انظر الحطاب.
(1)
سنن الترمذي كتاب فضائل الجهاد، رقم الحديث، 1637، ولفظه: كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوس وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق، سنن ابن ماجه، كتاب الجهاد، رقم الحديث، 2811، ولفظه: وكل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوس وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق.
وفيه عن النوادر أن الحسن دعي إلى عرس هو وجماعة فأكلوا ثم غسل يده ثم جيء بمجمر بيد جارية، فأجمرته ثم أدخلت يدها تحت ثيابه فلم يمنعها ودهنت لحيته بيدها فلم يمنعها. والله أعلم. انتهى. وقوله: وقال ابن رشد بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة في الكبر والمزهر وبعد أن ذكر ما قال ابن كنانة من جواز الزمارة والبوق ما نصه: واختلف في جواز ما أجيز من ذلك، فقيل: هو من قبيل الجائز الذي يستوي فعله وتركه في أنه لا حرج في فعله ولا ثواب في تركه وهو المشهور في المذهب، وقيل: هو من قبيل الجائز الذي تركه أحسن من فعله فيكره فعله لما في تركه من الثواب، لا أن في فعله حراما أو عقابا. انتهى.
وقال أصبغ: وقد أخبرني ابن وهب: سئل مالك عن ضرب الكبر والمزمار أو غير ذلك من اللهو ينالك سماعه وتجد لذته وأنت في طريق أو مجلس أو غيره، قال مالك: أرى أن يقوم من ذلك المجلس. انتهى. نقله الحطاب. وقال أصبغ: وقد أخبرني ابن وهب عن أبي بكر بن مضر عن عمر بن الحارث أن رجلا دعا عبد الله بن مسعود إلى وليمة، فلما جاء سمع لهوا فرجع فلقيه الذي دعاه، فقال له: ما لك رجعت ألا تدخل؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كثر سواد قوم فهو منهم ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمله
(1)
) وقال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن خالد بن حميد عن يحيى بن أبي أسيد أن
(2)
الحسن البصري كان إذا دعي إلى وليمة يقول: أفيها برابط؟ فإن قيل نعم، قال: لا دعوة لهم ولا نعمة عين. انتهى. قاله الحطاب. وفيه عن الأدفوي أن القرطبي المالكي وإبن الجوزي من الحنابلة استثنيا طبل الحرب. ولما أنهى الكلام على أركان النكاح ختمه بالكلام على أحد أركانه وهو الزوجة إذا تعددت ماذا يجب لها من القسم وتوابعه، فقال:
(1)
الإتحاف، ح 6، ص 128، سنن البيهقي، ج 7 ص 290.
(2)
في النسخ: عن، والمثبت من الحطاب: ج 4 ص 383.
فصل: ذكر فيه حكم القسم وأحكام النشوز،
فقال: إنما يجب القسم للزوجات في المبيت يعني أن القسم -أي التسوية- إنما يجب للزوجات في المبيت والحصر منصب على الجزءين أي إنما تجب التسوية للزوجات لا الإماء الموطوءات بالملك، وإنما تجب التسوية بين الزوجات في المبيت لا في النفقة والكسوة والوطء كما يأتي، فيجب على الزوج العاقل البالغ الحاضر أن يسوي بين زوجاته في المبيت؛ بأن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة مع يومها ولا يزيد على ذلك إلا برضاهن، وأفاد بالحصر أن السراري وأمهات الأولاد لا يجب لهن القسم فيما بينهن ولا بينهن وبين الزوجات، وأفاد به أيضا أن القسم لا يجب لهن إلا في المبيت لا في غيره من نفقة وكسوة ووطء كما يأتي: ولا في المحبة والتعهد والإقبال والنظر والمفاكهة بالكلام. قاله الشبراخيتي.
ولا فرق في وجوب القسم على الزوج بين أن يكون ذا آلة وبين أن يكون خصيا أو مجبوبا، وسواء كان صحيحا أو مريضا وسواء كان حرا أو عبدا، وإنما يجب القسم للزوجات المطيقات مسلمات كن أو كتابيات أو مختلفات كن حرائر أو إماء أو مختلفات، وقوله:"للزوجات" أي المدخول بهن لا غير؛ لأنها إذا لم توطأ لم يكن لها تشوف، وقوله:"إنما يجب القسم" لخ قال الأمير: إن أراده وله ترك الكل بلا ضرر. انتهى.
وعلم مما قررت أن القسم لا يجب بين الزوجات والسراري، فله أن يقيم عند أم ولده ما شاء ما لم يضر بالزوجة. قاله في المدونة. قال الحطاب: وهو أن لا يزيد على الحرة، وقد علمت أن القسم لا يجب بين المملوكات لكن الأولى العدل، وله أن يطأ إماءه في أيام الزوجات، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط
(1)
). رواه الحاكم والترمذي وأبو داوود، ولفظه: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل
(2)
)، ورواه غيرهم من الأئمة. ولفظ الشبراخيتي عن الترمذي: (من تزوج امرأتين فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط
(3)
)، وفي الحديث أيضا: (إن
(1)
المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج 2 ص 286.
(2)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث 2133.
(3)
سنن الترمذي، كتاب النكاح، رقم الحديث 1141.
المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا
(1)
).
واعلم أن القسم واجب على الزوج المكلف إجماعا، وسئل أبو عمر عمن يجور بين نسائه ولا يعدل هل ذلك جرحة له؟ قال: نعم إن تابع ذلك وداوم عليه، ومفهوم الجمع في قوله:"للزوجات" أي أو للزوجتين أن الزوجة الواحدة لا يجب البيات عندها إلا لخوف ضرر كما يأتي بأتم مما هنا إن شاء الله. واحترزت بقولي: العاقل من غير العاقل، فإنه سيأتي للمص "وعلى ولي المجنون إطافته"، وما تقدم من تقييد الزوجات بالمطيقات تبعت فيه غير واحد، ونقل الشبراخيتي عن الأجهوري أنه قال: ولا يلتفت لتقييد بعض الشيوخ في وجوب القسم بالطيقة للوطء.
وقوله: "للزوجات" قال الشبراخيتي: أل فيه للجنس، وأل الجنسية إذا أدخلت على الجمع أبطلت منه معنى الجمعية وصار المقصود منه مطلق التعدد في ذلك الجنس، فيصدق بالاثنين فأكثر، لقوله تعالى:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} ، وقوله:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، ولخبر:(من تزوج امرأتين فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط).
وعلم مما قررت أن المراد بالقسم في المبيت أن يكون لكل واحدة يوم وليلة، وأما الزيادة على ذلك فلا تكون إلا برضى جميع من معه، وينبغي أن يكون النقص عنه كذلك وهذا إذا كانتا في بلد واحد أو بلدين في حكم البلد الواحد. قاله الشبراخيتي. قال: وأما إن كانتا في بلدين ليسا في حكم البلد الواحد فله أن يزيد على ذلك، ولكن مع التساوي فله أن يقسم جمعة وجمعة وشهرا وشهرا على قدر ما يندفع به الضرر في الذهاب والإياب، وليس له أن يزيد في مدة إحداهما على مدة الأخرى إلا لمصلحة من تجارة أو ضيعة -بالضاد المعجمة- ينظر فيها ونحوها.
والظاهر أن المراد بكون البلدين في حكم البلد الواحد أن يحصل ارتفاق أهل كل بلد بأهل الأخرى كما ذكروا نحوه في صلاة القصر، فقد بان أن هنا مقامين جواز الزيادة في القسم على يوم وليلة مع المساواة في المدة، وجواز الزيادة في القسم أيضا مع جواز زيادة مدة إحداهما على مدة الأخرى،
(1)
صحيح مسلم، كتاب الإمارة، رقم الحديث، 1827، ولفظه: إن المقسطين عند الله على منابر
…
وإذا وطئ إحداهما في بلدها ثم ذهب للأخرى في بلدها في ذلك اليوم فله وطؤها في بقيته كذا في الشرح، بل الظاهر أن كونهما في حكم البلد أن لا يلحقه في الذهاب إلى الأخرى الضرر، قاله الشبراخيتي: قاله: والحصر منصب على الجزءين، وإن كان الغالب انصبابه على الأخير.
وقوله: "إنما يجب القسم للزوجات في المبيت" أي إذا أراد المبيت وإلا فله أن يعتزل الجميع ما لم يتجاوز مدة الإيلاء، (وقد غاضب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فاعتزل جميعهن شهرا
(1)
)، ولا بأس بالشرب والتوضئ بماء إحداهما في بيت الأخرى، وعلم مما قررت أن المراد بالقسم هنا حقيقة التسوية، فلو عبر بها وافق المراد كما قاله الشيخ إبراهيم. وسئل اللخمي عمن يميل إلى سريته دون زوجته هل هو حرام أم لا؟ فأجاب: الرواية جوازه والقياس منعه وهو ظلم للحرة، وقوله:"في المبيت". قال الحطاب: أشار به لقوله في المدونة: ويعدل في المبيت، قال ابن ناجي: قال شيخنا: إن العدل في الليل آكد منه في النهار؛ لأنهم إذا تكلموا في الدخول لحاجة إنما يخصونه بالنهار، وكنت أجيب بأن كلامهم أعم، قال ابن الحاجب: ولا يدخل على ضرتها في زمانها إلا لحاجة. انتهى.
قال محمد بن الحسن عند قوله "للزوجات": أي لا للسراري، وله أن يقيم عند أم ولده ما شاء ما لم يضار بالزوجة. قاله في المدونة. قال الحطاب: وهو أن لا يزيد على الحرة ابن عرفة: ابن شأس: لا يجب بين المستولدات وبين الإماء ولا بينهن وبين المنكوحات، إلا أن الأولى العدل وكف الأذى. انتهى. ولما كان المقصود من المبيت عندهن الأنس لا المباشر وجبت التسوية فيه بينهن للممتنع وطؤها وغيرها، ولهذا قال: وإن امتنع الوطء يعني أن القسم واجب للزوجات في المبيت، ولا فرق في وجوب التسوية بينهن فيه بين المتنع وطؤها وغيرها، وسواء امتنع وطؤها شرعا أو طبعا أو عادة، ومثل لمن امتنع وطؤها شرعا بقوله: كمحرمة بحج أو عمرة أو بهما وحائض ونفساء، ومظاهر منها عطف على قوله:"كمحرمة" فهو مثال ثان للممتنع وطؤها شرعا، ومثل لها بمثالين ليعلم أنه لا فرق بين أن يكون سبب الامتناع منها كالإحرام، وبين أن يكون منه كالظهار. قاله غير واحد. وإذا كان القسم يجب للمحرمة والظاهر منها مع حرمة الاستمتاع
(1)
صحيح البخاري، كتاب المظالم، الحديث، 2468. صحيح مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1479.
منهما بالكلية فما ظنك بالحائض والنفساء؟ فإنهما إنما يحرم وطؤهما وما عداه يجوز إما اتفاقا وإما على المتعارف. والله سبحانه أعلم. قاله مقيد هذا الشرح عفا الله عنه ومثال الممتنع طبعا الجذماء والمجنونة.
وأما قوله: ورتقاء فهو مثال لمحذوف وهو الممتنع وطؤها عادة كما قررت، وليس مثالا لمن يمتنع وطؤها طبعا؛ لأن الرتقاء لا يمتنع وطؤها طبعا بل ربما يميل الطبع إلى وطئها، ولا مثالا لمحذوف تقديره أو عقلا لأن العقل يجوز حتى وطء الحجر الصلد. فتأمله قاله محمد بن الحسن. وقد علمت أن القسم يجب للمولى منها والمظاهر منها فلهما أن يمنعاه من وطء غيرهما حتى ينحل عنه الظهار والإيلاء، والتلذذ كالوطء وعليه أن ينحل منهما إن قامت التي لم يظاهر منها والتي لم يول منها. قاله عبد الباقي. وقوله: وعليه أن ينحل منهما قبل تمام الأجل لأن لهما أن يمنعاه من وطء غيرهما حتى ينحل منهما، قاله محمد بن الحسن. ابن عرفة: من آلى منها أو ظاهر فهما على حقهما في الكون عندهما، وأن لا يصيب البواقي إلا أن ينحل عنه الإيلاء والظاهر وعليه أن ينحل منهما إلا إن قامت بحقها التي لم يول منها ولم يظاهر، ومحل آية الإيلاء على من كان خلوا من غيرها، فإن كان له نسوة فلها مطالبته بالعدل في الإصابة إلا أن يعتزل جميعهن، (وقد غاضب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فاعتزلهن شهرا). أخرجه البخاري ومسلم. وإنما اعتزلهن إرادة العدل بينهن، وأصل ما ذكره ابن عرفة للخمي، ونقله الحطاب. قاله محمد بن الحسن.
وقال الحطاب: قال اللخمي: إن كانت إحداهن مريضة أو صغيرة أو رتقاء أو حائضا أو نفساء أو محرمة أو مجنونة أو مجذومة كان القسم بينهن سواء، وكذلك إن آلى من واحدة أو ظاهر فهي على حقها والكون عندها، وأن لا يصيب البواقي إلا أن يتحلل من الإيلاء والظهار، وعليه أن يتحلل من ذلك إلا إذا قامت بحقها التي لم يول منها ولا تظاهر، ومحمل الآية في الإيلاء على من كان خلوا من غيرها، فإن كان له نسوة كان لها أن تطالبه بالعدل في الإصابة حسب ما تقدم إلا أن يعتزل جميعهن، وقد غاضب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فاعتزل جميعهن شهرا لإرادة العدل. خرجه البخاري ومسلم.
وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: والصغيرة الموطوءة: يريد الصغيرة المدخول بها، وقال ابن فرحون يريد المدخول بها. لأنها إذا لم توطأ لم يكن لها تشوف وهو نص التهذيب. والله أعلم. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولا يطأ زوجته التي آلى من صاحبتها أو ظاهر منها حتى ينحل عنه الإيلاء أو الظهار. قاله الحطاب. والتتائي أي ولا يتلذذ، وزاد التتائي: وليس لمن آلى منها المطالبة بالفيئة قبل الأجل، ولغيرها المطالبة بها قبل الأجل وحينئذ يلزمه أن يفعل ما يفعله مع المولى منها إذا طالبته بعد الأجل. انتهى. وقول اللخمي: وعليه أن يتحلل من ذلك، الظاهر أن معناه بعد تمام الأجل وبذلك يتضح معنى الاستثناء؛ أي فإذا قامت التي لم يول منها ولم يظاهر لم ينظر تمام الأجل كما صرحوا به، ويحتمل أن يرجع الاستثناء لقوله: وأن لا يصيب البواقي، وبه يتضح معنى الكلام أيضا. والله سبحانه أعلم.
مسألة: قال عبد الباقي: قال أحمد: انظر لو كان له أربع نسوة مثلا وترك المبيت عند الجميع وصار في موضع له. هل يجوز أم لا؟ والظاهر الجواز لأن هذا قد عدل بينهن، وفي اللخمي ما يستشعر منه الجواز. انتهى. أي لم يستدعهن لمحله وإلا فسيذكر الجواز أيضا، ومعنى العدل في مسألة أحمد عدم إيثار واحدة على أخرى. انتهى. ولم يجعل الشيخ الأمير هذا محل نظر، ولفظه: وجب قسم المبيت إن أراده وله ترك الكل بلا ضرر، وأما الإنفاق فبحسب كل على الصحيح واستحسنت التسوية. انتهى.
لا في الوطء يعني أنه لا يجب القسم للزوجات في الوطء، ففي المدونة: ليس عليه المساواة في الوطء ولا في القلب ولا حرج عليه أن ينشط للجماع في يوم هذه دون يوم الأخرى. انتهى. وقال الشبراخيتي: لا في الوطء فلا يجب القسم فيه بل هو موكول فيه إلى سجيته، وقد كان صلى الله عليه وسلم مع جلالة شأنه وعدله كثيرا ما يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملكَ
(1)
) مع اختصاصه بأن القسم غير واجب عليه. انتهى. وقال عبد الباقي: لا يجب القسم في الوطء بل يترك إلى سجيته وطبيعته. انتهى.
(1)
سنن أبى، داوود، كتاب النكاح، الحديث، 2134.
وقال محمد بن الحسن: لا في الوطء وكذا النفقة والكسوة له أن يوسع فيهما على من شاء منهن، قال ابن عرفة: ابن رشد: مذهب مالك وأصحابه أنه إن قام لكل بما يجب لها بقدر حالها فلا حرج عليه أن يوسع على من شاء منهن بما شاء، وقال ابن نافع: يجب العدل بينهن في ماله بعد إقامته لكل واحدة ما يجب لها والأول أظهر. انتهى. لكن الأول مقيد في الرواية بعدم الميل كما نقله في التوضيح، ونحوه في الحطاب عن عياض عند قوله الآتي:"وجاز الأثرة عليها برضاها" انتهى. وقوله: في الحديث الشريف: فيما تملك ولا أملك يعني القلب، وقال إمامنا مالك رضي الله عنه: له أن يكسو إحدى زوجتيه الخز والحرير والحلي دون الأخرى ما لم يكن ميلا. انتهى. وقول ابن نافع: يجب العدل لخ حكاه المتيطي رواية. قاله الحطاب. وقوله: "لا في الوطء" أي ولا في النفقة ولا في الكسوة ولا في المحبة والتعهد والإقبال والنظر والمفاكهة بالكلام. قاله الشبراخيتي.
وقوله إلا لإضرار مستثنى من قوله: "لا في الوطء" استثناء منقطعا يعني أن الزوج لا يلزمه أن يسوي بين الزوجات في الوطء ولكن لا يجوز له الإضرار، قال عبد الباقي: استثناء منقطع أي لكن لا إضرار، فيجب عليه إزالة الضرر ويحتمل الاتصال فيكون في مطلق القسم، والأول هو الظاهر، والتعبير بالإضرار يدل على أن المنوع قصده سواء حصل أو لم يحصل كالتعبير في إحياء الموات بإخراج ريح وإلا كان يعبر بالضرر. قاله أحمد. انتهى. ومثله للشبراخيتي.
ومثل للإضرار بقوله: ككفه لتتوفر لذاته لأخرى يعني أن الزوج إذا كف عن وطء زوجته مع ميله لوطئها لأجل أن تتوفر أي تتم لذته لزوجة أخرى أي في زوجة أخرى فإن ذلك إضرار، فيجب عليه ترك الكف المذكور، وأما لو ترك وطأها لكونه يعافها مثلا ولا يريد بذلك أن تتوفر لذته في الأخرى فإن ذلك ليس بإضرار، وقال عبد الباقي مقررا المص: ككفه عنها في نوبتها بعد ميله لها كما قرر بعض الشراح تبعا للشارح، ويفيده كفه إذ لو لم يمل لها في ليلتها لم يأت منه انتشار عادة غالبا حتى يكف عنها حينئذ، ومنع ذلك الأجهوري قائلا: الأظهر بعد ميله لها أو لغيرها، وأن المواق يفيد ذلك لتتوفر لذته لأخرى زوجة فيجب عليه ترك الكف لأن الكف إضرار، وقول من قال: تجب التسوية أراد في الجملة وإلا فلا يصح. انتهى. قال: واستفيد من
هذا أنه يجب عليه وطء زوجته ويقضى عليه به حيث تضررت بتركه، فإن شكت قلته قضي لها بليلة في كل أربع على الراجح، وإن شكا هو قلته قضي له عليها بما تقدر عليه على الصحيح، ولا يتقيد بأربع مرات في اليوم ولا بغير ذلك. قاله علي الأجهوري. عن شيخه.
وقوله: على الراجح يدل على أنه في المذهب، ولا يقال إنما ذكره التتائي عن الذخيرة عن ابن حنبل: يجب للزوجة الواحدة ليلة من أربع لأنه لو كان له أربع نسوة لكان لها ذلك؛ لأنا نقول ما هنا في الوطء [وما
(1)
] لابن حنبل في أصل المبيت على ما يدل عليه لفظه، وقوله: ولا يتقيد بأربع مرات في اليوم أي وأربع في الليل كما نقله الشارح عن المشاور وصاحب المفيد، ثم منع الكف في غير المظاهر منها لما تقدم من منعه.
وقوله: "ككفه" تمثيل للإضرار لأنه محمول على قصده وإن لم يقصده في نفس الأمر، ويحتمل أن يكون تشبيها بما تقدم في إيجاب زوال ذلك. قاله أحمد. وقوله: محمول على قصده وإن لم يقصده لا ينافي قوله قبل إن الممنوع قصده؛ لأن الضمير في قوله هنا لأنه للكف بعد ميله لها كما هو ظاهر، ولا يحرم عليه كف لذته عن زوجته لتتوفر لسريته. انتهى. كلام عبد الباقي. قوله: وقوله على الراجح يدل على أنه في المذهب لخ، قال محمد بن الحسن: هذا قصور.
ونص أبي الحسن الصغير: قال أبو عمران: اختلف في أقل ما يقضى به على الرجل من الوطء، قال بعضهم: ليلة من أربع أخذه من أن للرجل أن يتزوج أربعا من النساء، وقيل ليلة من ثلاث أخذا من قوله تعالى:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، وقضى عمر بمرة في الطهر؛ لأنه يحبلها، وقوله: ثم منع الكف في غير الظاهر لخ، صواب العبارة ثم منع الكف في غير ضرة المظاهر منها لما تقدم من وجوبه لخ. قاله محمد بن الحسن. وقد قيل إنه يقضى على المرأة للرجل في الجماع بأربع مرات في اليوم والليلة، وقيل بأربع مرات في اليوم وأربع في الليلة.
وعلى ولي المجنون إطافته يعني أنه يجب على ولي المجنون أن يطيفه على زوجتيه أو زوجاته كنفقتهن وكسوتهن؛ لأنه من الأمور البدنية التي يتولى استيفاءها له أو التمكين حتى تستوفى منه، فهو من باب خطاب الموضع، ولا يجب على ولي الصبي إطافته لعدم انتفاعهن بوطئه،
(1)
ساقط من النسخ والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 56.
وتقدم أن الولي يمكن منه حتى يستوفى منه وذلك فيما إذا جنى في إفاقته ثم جن فيقتص منه في حال إفاقته. ابن المواز: فإن أيس من إفاقته كانت الدية عليه في ماله، وقال المغيرة: يسلم إلى أولياء القتول يقتلونه إن شاءوا وإن شاءوا عفوا مجانا، وقال اللخمي: يقتص منه الولي إن شاء وإن شاء أخذ الدية من ماله. قال الشيخ علي الأجهوري: واعلم أن تأخير القصاص لإفاقة المجنون حق لأولياء المقتول لا لله تعالى. فلهم القصاص في حال الجنون عند ابن المواز وغيره، وإنما امتنعوا من القصاص حال الجنون، وأما إن كان قد جنى حال جنونه أو شك فيه فلا يقتص منه بل الدية على عاقلته فقط، وعبارة الشبراخيتي: والحاصل أنه إن جنى في حال جنونه أو شك هل جنى في حال إفاقته أو جنونه فلا قصاص وعليه الدية في ماله، وأما إن جنى في حال إفاقته ثم جن فقال المغيرة إنه يقتص منه وهو ظاهر قوله الآتي:"إن أتلف مكلف".
وقال اللخمي: يخير الولي في القصاص وأخذ الدية، وقال ابن المواز: يؤخر لإفاقته إن رجيت وإلا فعليه الدية في ماله. انتهى. وقال الحطاب عند قوله: "وعلى ولي المجنون إطافته" ما نصه: قال ابن عرفة: وفيها العبد كالحر والمجبوب ومن لا يقدر على الجماع يقسم من
(1)
نفسه بالعدل؛ إذ له أن يتزوج. ابن شأس: يجب على كل مكلف.
وعلى المريض عطف على قوله: "وعلى ولي المجنون" يعني أنه يجب على المريض أن يقسم بين نسائه بالعدل إن قدر أن يدور عليهن في مرضه، إلا أن لا يستطيع يعني أن محل وجوب القسم على المريض إنما هو حيث كان يقدر على أن يطوف على نسانه، فأما إن لم يستطع الطواف عليهن فإنه يسقط عنه وجوب القسم بينهن ويقيم عند من شاء منهن لرفقها به ثم إذا صح ابتدأ القسم كما في المدونة، وأما إقامته عندها ليله لها فممنوعة، قال الشبراخيتي: فعند من شاء منهن إلا أن يكون شاءها لميله لها فإنه يمنع من ذلك، ولو كانت إحداهن أرفق به من غيرها. وقد جمع صلى الله عليه وسلم بين نسائه واستأذنهن أن يكون عند عائشة وهو لا يجب عليه القسم، وإنما فعل ذلك تطييبا لقلوبهن، والظاهر أن الاستثناء في كلام المص منقطع. انتهى. وما مشى عليه
(1)
في الحطاب ج 4 ص 386 في نفسه.
المص هو المشهور وقيل: إذا غلب وكانت إحداهن تصلح لتمريضه دون غيرها تعينت وإن تساوين فبالقرعة إلا أن يرضين. قاله الشارح.
وفات إن ظلم فيه يعني أن الزوج إذا ظلم في القسم كما لو أقام عند واحدة شهرا مثلا حيفا، فإن القسم يفوت بذلك بمعنى أن التي أقام عندها لا تحاسبها الأخرى بتلك المدة التي أقام عندها، فلا يجوز له أن يقيم عند الأخرى إلا ليلة ويوما ويزجر عن ذلك، فإن عاد نكل، وكما لو ترك نوبتها وبات عند غير ضرتها كما لو بات في المسجد مثلا فلا يجعل لمن فاتت ليلتها ليلة عوض ليلتها التي فاتت، وكلام ابن عرفة واللخمي يفيد أنه إذا بات يوم فاطمة عند ضرتها بأن بات عند الضرة ليلتين فلا يبيت عند الضرة في الليلة الثالثة التي تستحقها لو لم تظلم فاطمة بل يبيت فيها عند فاطمة المظلومة: وهو خلاف ما يقتضيه المص في الصورتين أي الصورتين اللتين تقدم التمثيل بهما.
والحاصل أن قوله: "وفات إن ظلم فيه" تحته صورتان، الأولى: أن يتعمد الإقامة عند واحدة شهرا مثلا، الثانية: أن يترك نوبتها ويبيت عند غير ضرتها بل في المسجد مثلا، وكلام ابن عرفة واللخمي يفيد أنه إذا بات يوم فاطمة عند الضرة بأن بات عند ضرتها ليلتين فلا يبيت لخ. قاله محمد بن الحسن. ومفهوم قوله:"إن ظلم" أحروي كما لو كان مسافرا ومعه إحداهن؛ لأن القصد من القسم تحصين الزوجة ودفع الضرر الحاصل وذلك يفوت بفوات زمنه، فليس للحاضرة أن تحاسب المسافرة بالماضي. وليس من الظلم بيات الفقيه في قراءة الختمات والمواعظ والأمداح والصناع في حرفهم؛ لأن هذا كله من التعيش
(1)
فلا يقضى بطريق الأولى لأنه إذا كان يفوت مع الظلم ولا يقضى فأولى مع عدمه، فالمص نص على ما يتوهم قضاؤه كما هو عادته. قاله الشبراخيتي وغيره. وقال الشارح: واستقرأ اللخمي القضاء في مسألة الزوجة إذا أقام عند ضرتها أكثر من نوبتها من قوله في السليمانية: إنه إذا أقام عند إحداهن شهرين وهن أربع ثم أراد المحاسبة والدوران على البواقي، فقالت من أقام عندها ابتداء شهرين لا يزيد على ليلة ليلة فحلف ألا يطاها ستة أشهر حتى يوفي الباقيات حقهن أنه ليس بمول لأنه لم يقصد الضرر.
(1)
العيش (ب، ك) والمثبت من (م) والشبراخيتى ج 2 مخطوط.
كخدمة معتق بعضه يأبق تشبيه في عدم المحاسبة؛ يعني أن من له نصف عبد مثلا ونصفه الآخر معتق وأبق شهرا مثلا، ثم ظفر به المالك لبعضه فإنه لا يحاسبه بالشهر الذي أبقه في مدة الإباق، ومثله المشترك يخدم بعض ساداته مدة ثم يأبق، فإذا وجد فليس للشريك المطالبة بما ظلم من الخدمة. قاله التتائي. وقوله: ثم يأبق يفيد أنه لو لم يأبق بل خدم بعضهم مدة أزيد من مدته الشرعية فلا يفوت بل يعوض. قاله علي الأجهوري. وما تقدم من أنه ليس للشريك المطالبة واضح حيث حصل بينهما في خدمته قسمة مهايأة، وإلا كان ما عمل لهما وما أبق عليهما. وقوله:"كخدمة معتق بعضه يأبق" محله ما لم يكن استعمله شخص في مدة إباقه فإنه يرجع عليه بقيمة ما استعمله في الزمن الذي ينوبه في مدة الإباق كما يأتي في باب الاستحقاق. قاله غير واحد.
وندب الابتداء بالليل يعني أنه يندب للزوج أن يبدأ في القسم بين الزوجات بالليل، واعتمد المص في الندب على ظاهر قول الباجي: والأظهر من قول أصحابنا أن يبدأ بالليل ويكمل لكل واحدة يوما وليلة، وبه يرد على من قال: ليس في نصوصهم إلا التخيير، واستحب الابتداء بالليل لأنه وقت الإيواء للزوجات، ويقيم القادم من سفر نهارا عند أيتهن أحب، ولا يحسب بقية اليوم الذي قدم فيه بل يستأنف القسم بالليل، وأحب إلي أن ينزل عند التي خرج من عندها. قاله ابن حبيب. أي ليكمل لها يومها، فلا يقال كان الأولى أن ينزل عند التي تليها، وفهم من قوله:"ندب الابتداء بالليل" أنه لو عكس لم يكن بذلك بأس لكن فاته الندب.
قال الشبراخيتي: ثم ذكر مفهوم الزوجات بقوله: والمبيت عند الواحدة يعني أن من لم تكن له إلا زوجة واحدة يندب له أن يبيت عندها كل ليلة ولا يجب عليه ذلك كما ذكره ابن شاس، وقال ابن عرفة: الأظهر وجوبه أو تبييته
(1)
معها امرأة ترضى؛ لأن تركها وحدها ضرر، وربما تعين عليه من
(2)
خوف سارق أو محارب. انتهى. وقال ابن ناجي على المدونة: ظاهر الكتاب أنه لو كانت عنده زوجة واحدة لم يجب المبيت عندها وهو كذلك نص عليه ابن الجلاب، وهو متفق عليه ولم يعزه بعض شيوخنا وخليل إلا لنقل ابن شاس وهو قصور. انتهى. ويعني ببعض
(1)
في النسخ تبييتها والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 57 والشبراخيتى ج 2 مخطوط.
(2)
في الحطاب وعبد الباقي والشبراخيتي زمن خوف.
شيوخه: ابن عرفة. قاله الحطاب. وقوله: "والمبيت عند الواحدة" قال عبد الباقي: سواء كان له إماء أم لا، وفي التوضيح: ولو خاصمها الرجل في الجماع، ففي الطرر عن المشاور يقضى له عليها بأربع مرات في الليلة وأربع في النهار، ونقله صاحب المفيد عن عبد الله بن الزبير، ونقل عن المغيرة أنه يفرض له أربع مرات في اليوم والليلة. انتهى. ونقله ابن عرفة.
قال ابن ناجي على المدونة: إذا كان الزوج كثير الوطء وتضررت الزوجة. فقال ابن حبيب: هي كالأجير تمكن من نفسها ما قدرت وما ذكرت هو الصحيح، ونقل أبو الحسن قول ابن حبيب: ونقل عن ابن عمر أنه هو الصحيح، وقال في المدونة: ومن سرمد العبادة وترك الوطء لم ينه عن تبتله وقيل له: إما وطئت وإما فارقت. انتهى.
قال ابن ناجي: ليس في المدونة جلاء ما الذي يقضي للزوجة على الزوج إن هو لم يطأ، والذي يغلب على ظني أني وقفت على أنه يقضى لها بليلة من أربع؛ لأن له أن يتزوج أربعا. انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن: قال أبو عمران: اختلف في أقل ما يقضى به على الرجل من الوطء، فقال بعضهم: ليلة من أربع، أخذه من أن الرجل له أن يتزوج أربعا من النساء، والذي قال ليلة من ثلاث من قوله تعالى:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، وقضى عمر بمرة في الطهر لأنه يحبلها ويحصنها. انتهى.
وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وتستحب مجامعتها -يعني المرأة- في كل أربع ليال مرة. انتهى.
قيل نزلت مسألة التبتل بعمر فأتت إليه امرأة فأنشدت:
ألهى خليلي عن فراشي مسجده
…
وخوف ربي باليقين يعبده
نهاره وليله ما يرقده
…
مفترشا جبينه يكدده
ولست في أمر النساء أحمده
فأنشد الرجل وقال:
إني امرؤ شغلني ما قد نزل
…
في سورة النور وفي السبع الطول
وفي الحواميم الشفا وفي النحل
…
زهدني في قربها إلى العمل
فأنشد كعب:
فإن خير العالمين من عدل
…
ثم قضى بالحق جهرا وفصل
إن لها عليك حقا يا بعل
…
ليلتها من أربع لمن عقل
وأنت أولى بالثلاث في مهل
…
فصل فيهن وصمهن وسل
مسألة: قال في العارضة: طلب المرأة الوطء عند الحاكم لا يناقض الحياء الممدوح ولا المروءة المستحسنة لأنه مقصود النكاح، فإذا عقدته علم الكل أنه له فإذا تعذر جاز طلبه دينا وحسن مروءة. نقله الحطاب. ومن مسائل البرزلي: مسألة في (حديث مسلم: فراش للرجل وفراش للضيف وفراش للشيطان
(1)
)، أخذ منه أنه ليس على الرجل النوم مع امرأته في فراش واحد وإنما حقها في الوطء خاصة. قاله الحطاب. والذي يدل عليه الأكثر أن نوم النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أهله في ثوب واحد.
والأمة كالحرة يعني أن الزوجة الأمة كالزوجة الحرة فتجب التسوية بينهما في المبيت كما تجب التسوية بين الحرة الكتابية والحرة المسلمة ولو شريفة في المبيت، وسواء كان الزوج في جميع ما ذكر حرا أو عبدا، ونص على ذلك وإن علم من قوله:"للزوجات" للرد على من يقول للحرة يومان وللأمة يوم. قاله عبد الباقي. وفي المواق: ابن شاس: الرواية المشهورة التسوية بين الحرة والأمة. ابن بشير: وإن كان الزوج عبدا وكل المذهب على التسوية بين الحرة والأمة خلافا لابن الماجشون، وقال الشارح عند قول المص:"والأمة كالحرة": أي فلا يجوز تفضيل الحرة عليها في المبيت وهذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقال عبد الملك: للحرة ليلتان وللأمة ليلة. انتهى.
فرع قال ابن عرفة: وليس للأمة إسقاط حقها في قسمها إلا بإذن سيدها كالعزل لحقه في الولد، إلا أن تكون غير بالغة أو يائسة أو حاملا. انتهى.
(1)
ولفظه: فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف والرابع للشيطان. صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، رقم الحديث، 2048.
وقضي البكر بسبع يعني أن من له زوجة أو أكثر إذا تزوج عليها بكرا ولو أمة تزوجها على حرة فإنه يقضى للبكر التي تزوجها بسبع ليال متوالية يخصها بها لأنها حق لها، وللثيب بثلاث يعني أن من له زوجة أو أكثر وتزوج ثيبا فإنه يقضى لها عليه بثلاث ليال متوالية يخصها بها؛ لأنها حق لها يخصها بها وهو مخير بعد السبع والثلاث في البداءة بأيتهن أحب حتى بالتي كان عندها، واستحب ابن المواز القرضة كالقادم بها من سفر. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وزيدت البكر لأن حياءها أكثر فتحتاج إلى فضل إمهال وصبر وتأن ورفق، والثيب قد جربت الرجال إلا أنها استحدثت الصحبة فأكرمت بزيادة الوصلة وهي ثلاث، ولو زفت عليه امراتان في ليلة أقرع بينهما وقبله عبد الحق واللخمي، وقال على أحد قولي مالك: إن الحق له فهو مخير دون قرعة. ابن عرفة: الأظهر إن سبقت إحداهما بالدعاء قدمت وإلا فسابقة العقد، وإن عقدا معا فالقرعة، ثم إذا أوجبت القرعة تقديم إحداهما فإنها تقدم فيما يقضى لها به من سبع للبكر وثلاث للثيب، وليس أنها تبدأ بليلة على الأخرى ثم يبيت الليلة الثانية عند الأخرى، وهكذا، وهذا جار فيما اختاره ابن عرفة وفيما قبله. قاله الشيخ علي الأجهوري. والذي قبل ما استظهره ابن عرفة لابن عبد الحكم. انتهى.
وقوله: "وقضي للبكر بسبع وللثيب بثلاث" قال في الحاشية: كان معه غيرها أم لا على مذهب المدونة، وتقييد التتائي أي بقوله إذا تزوجها على غيرها تابع فيه للخمي وغيره. انتهى. وقال عبد الباقي: وأفهم قوله: ولا قضاء أن قوله: "وقضي للبكر" إلخ فيمن نكحت على ضرة فإن تزوج بواحدة ولم يكن عنده قبلها أحد لم يقض عليه بسبع للبكر ولا للثيب بثلاث إلا أن يجرى عرف ببياته عندها حال عرسها فيقضى عليه به. انتهى.
وقال الشبراخيتي: محل القضاء بما ذكر حيث كان له غيرها على المشهور، ويدل عليه قوله:"ولا قضاء". انتهى. ومعنى قوله: "ولا قضاء" أنه لا يلزمه أن يقضي للزوجة القديمة المدة التي أقامها عند الجديدة من سبع في البكر وثلاث في الثيب.
وقوله: "وقضي للبكر بسبع وللثيب بثلاث" مشى فيه المص على القول بأنه حق للمرأة وهو اختيار ابن القاسم في المدونة واختاره اللخمي وغيره، قال ابن فرحون: وهو الصحيح، وقيل إن
ذلك حق له هو. قاله الحطاب. وقال أيضا: واختلف هل يخرج للصلاة ولقضاء حوائجه، وأما الجمعة فهي عليه واجبة، واختار اللخمي أن لا يخرج للصلاة ولا لقضاء حوائجه، ونقله عنه ابن عرفة فقال: اللخمي عن ابن حبيب: يخرج يتصرف في حوائجه وإلى المسجد والعادة اليوم أن لا يخرج وإن كان خلوا من غيرها، وعلى المرأة بخروجه وصم أي عيب وأرى أن يلتزم العادة: وقال البرزلي في مسائل النكاح عن أبي زيد: وإنما تكون الإقامة سبعا وثلاثا من حق الزوجة إذا كان له غيرها وإلا فلا حق لها ولا يلزمه وهو قول ابن حبيب والظاهر من مذهب أصحابنا والعامة ترى الحق لها عموما وهو غلط، البرزلي: وعلى الأول حمل المدونة أبو حفص العطار وغيره، وحملها بعضهم على العموم وهو قول في المذهب وهو الصواب اليوم بتونس ونحوها من البلاد التي يرى أهلها خروج الزوج في هذا الزمن معرة على الزوجة وإشعارا بعدم الرضى بها، وأما في بلد لا يعتبرون ذلك فالصواب ما قال ابن حبيب، واختلف المذهب بعد وجوبه هل هو حق لها يقضى لها به، أو لا يقضى لها عليه به. أو حق له؟ في ذلك خلاف معلوم. انتهى. قاله الحطاب.
وقال الشارح عند قوله: "وقضي للبكر بسبع وللثيب بثلاث" ما نصه: والمشهور أن هذا فيمن كانت له امرأة غيرها، وأما إن لم تكن له غير التي تزوج الآن فلا حق لها في ذلك بل يقيم عندها ما شاء. وقال أبو الفرج عن مالك وهو قول ابن عبد الحكم: لها ذلك مطلقا. انتهى. وقوله: "وقضي" أي حكم، وقوله:"ولا قضاء" مقابل الأداء فلم يتواردا على محل واحد. نقله الشبراخيتي.
ولا تجاب لسبع يعني أنه يقضى للثيب بثلاث ليال كما عرفت، فإذا طلبت أكثر منها وأن يقيم عندها سبعا فإنها لا تجاب إلى ذلك، كما أن البكر إذا طلبت أن يقيم عندها أكثر من سبع فإنها لا تجاب إلى ذلك، ولو قال: ولا تجاب لأكثر لكان أولى؛ لأن المرأة إذا طلبت أكثر مما لها شرعا لا تجاب إليه بكرا كانت أو ثيبا، فلا تجاب الثيب لأكثر من ثلاث لا إلى أربع ولا إلى خمس ولا إلى أكثر من ذلك، ولا تجاب البكر لأكثر من سبع. أشار له عبد الباقي.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: الأحسن ما قاله المص، قال الشارح عند قوله "ولا تجاب لسبع": قاله مالك. وحكى أبو الحسن أنها تجاب ويعطى غيرها مثل ذلك انتهى، فالمص أشار
بقوله: "ولا تجاب لسبع" للرد على أبي الحسن. والله سبحانه أعلم. واحتج لأبي الحسن بأن النبي صلى الله عليه وسلم (لما تزوج أم سلمة بنت أبي أمية أقام عندها ثلاثا ثم أراد أن يدور فأخذت بردائه، فقال لها ما شئت، إن شئت زدتك ثم قاصصتك بعد اليوم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ثلاث للثيب وسبع للبكر
(1)
)، قال التتائي: ولولا قوله: "ولا قضاء" لأفهمت عبارته غير المشهور من اختصاصهما بذلك ولو لم يكن له زوجة غيرهما. انتهى.
وذكر رواية في حديث أم سلمة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت عليهن، فقالت: ثلث
(2)
). والصحيح في معناه إن شئت سبعت عندك بعد الثلاث وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ثم درت بعد هذه الثلاث؛ لأن التسبيع يبطل حقها في الثلاث خلافا للقرافي ويدل على ذلك الرواية المتقدمة إن شئت زدتك ثم قاصصتك بعد هذا اليوم. قاله الشبراخيتي.
ولا يدخل على ضرتها في يومها يعني أن من له زوجتان أو زوجات لا يجوز له أن يدخل على واحدة منهما أو منهن في يوم غيرها، قال الشبراحْيتي: وأولى في ليلتها أو أن المراد باليوم النوبة. وبما قررت علم أن المراد بقوله: "ولا يدخل على ضرتها في يومها" المنع. إلا لحاجة يعني أن ما تقدم من منع الدخول على من لم تكن النوبة لها محله حيث لم يكن دخوله عليها لحاجة غير الاستمتاع وأما إن كان دخوله عليها لحاجة غير الاستمتاع فإنه جائز، وأما الاستمتاع فلا. وقوله:"إلا لحاجة" ظاهره ولو أمكنته الاستنابة وهو كذلك على الأشبه بالمذهب، وعليه اقتصر في الحاشية فقال: أمكنته الاستنابة فيها أم لا على المذهب، وقيل لابد من عسر الاستنابة والقولان لمالك، وعمم ابن ناجي دخوله للحاجة في النهار واليل مخالفا لشيخه في تخصيص الجواز بالنهار كالمص، وله وضع ثيابه عند واحدة دون الأخرى لغير ميل ولا إضرار.
محمد: ولا يقيم عند من دخل عليها لحاجة إلا لعذر لابد منه كاقتضاء دين أو تجر لها، وانظر لو دخلت عليه غير صاحبة النوبة في بيت صاحبتها ما يفعل؟ ومحل قوله: "ولا يدخل على
(1)
صحيح مسلم، كتاب الرضاع، رقم الحديث، 1460. الموطأ، كتاب النكاح، رقم الحديث، 15.
(2)
الموطأ، كتاب النكاح، رقم الحديث، 14.
ضرتها" إلخ حيث كانتا ببلد واحد أو بلدين في حكم الواحد. وأما إن كانتا في بلدين ليسا في حكم الواحد فله الدخول على ضرتها بسفره إليها ببلدها ووطئها بقية نهار التي سافر من عندها، وعليه التسوية في القسم بينهما بجمعة أو شهر أو نحو ذلك مما يدفع ضرر عدم عوده بسرعة، ولا يزيد مدة إحداهما على الأخرى إلا لمصلحة كتجر، فبان من هذا أن لنا مقامين جواز الزيادة في القسم على يوم وليلة مع المساواة، وجواز الزيادة على يوم وليلة مع عدم المساواة لضرورة تجر ونحوه. قاله عبد الباقي. وقوله: بلدين في حكم الواحد، قال عبد الباقي بأن يرتفق أهل كل بلد بالآخر كما قالوا في القصر، ومر نحوه للشبراخيتي عن شيخه الأجهوري، وقال هو عقبه: بل الظاهر أن كونهما في حكم البلدين أن لا يلحقه في الذهاب إلى الأخرى الضرر. انتهى. وقال الشبراخيتي: قال ابن مسلمة: من أصاب امرأة له في بلد ثم خرج فقدم من يومه ببلد آخر فيه زوجته الأخرى فله وطؤها في ذلك اليوم، وأما في بلد واحد فلا يطأ هذه في يوم هذه وله وطء الأمة في يوم الحرة وإن كانتا ببلد واحد. انتهى.
وجاز الأثرة عليها برضاها بشيء أولا يعني أنه يجوز للزوج أن يفضل بعض زوجاته في المبيت على بعض بشرط أن ترضى بذلك المفضلُ عليها، ومعنى الأثرة التفضيل وهي بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما بوزن درجة، وإذا رضيت بالأثرة عليها جازت سواء كان رضاها بشيء تأخذه منه أولا؛ بأن رضيت بالأثرة عليها مجانا، وفي المدونة: إن رضيت بترك أيامها أو بالأثرة عليها على أن لا يطلقها جاز، ولها الرجوع متى شاءت فإما عدل وإما طلق.
تنبيه: قال القاضي عياض في كتابه المسمى: بغية الرائد، فيما في حديث أم زرع من الفوائد: وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضرة ضرائرها بما يراه من قول أو فعل وتخصيصها بذلك إذا لم بكن قصده الأثرة والميل بل لسبب اقتضاه ومعنى أوجبه من تأنيس وحشة منها أو مكافأة جميل صدر منها، وقد أجاز بعض العلماء تفضيل إحداهما على الأخرى في اللبس إذا أوفى الأخرى حقها، وأن يتحف إحداهما ويلطفها إذا كانت شابة أو بارة به ولمالك نحو هذا ولأصحابه، قال ابن حبيب: والمساواة أولى والمكروه من ذلك كله ما قصد به الأثرة والميل والتفضيل لا لسبب سواه. انتهى.
وقال فيه أيضا: وفيه من الفقه حسن عشرة الرجل مع أهله وتأنيسهن واستحباب محادثتهن بما لا إثم فيه، وقد وردت الآثار الصحاح بحسن عشرته صلى الله عليه وسلم لأهله ومباسطته إياهم، وكذلك السلف الصالح، وقد كان مالك رضي الله عنه يقول: في ذلك مرضاة لربك ومحبة في أهلك ومثراة في مالك ومنسأة في أجلك: قال: وقد كان بلغني ذلك عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مالك من أحسن الناس خلقا مع أهله وولده، وكان يتحدث ويقول يجب على الإنسان أن يتحبب إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم، ويجوز إخبار الرجل زوجته وأهله بصورة حاله معهم وحسن صحبته لهم وإحسانه إليهم تذكيرا لهم بذلك، قال:
(1)
إذا حدث الناس بهكذا الحديث فيه منفعة في الحض على الوفاء للزوج كما في كلام أم زرع، والصبر على الأزواج كما في حديث غيرها. انتهى. وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حدثته بحديث أم زرع: كنت لك كأبي زرع لأم زرع
(2)
).
كإعطائها على إمساكها الضمير الأول عائد على الأيام والثاني عائد على الزوجة؛ يعني أنه يجوز للمرأة إعطاء أيام للرجل على أن يمسكها في العصمة، ففي المدونة: إن رضيت بترك أيامها أو بالأثرة عليها على أن لا يطلقها جاز ولها الرجوع متى شاءت. فإما عدل أو طلق، وهذا التقرير تبعت فيد محمد بن الحسن: قال الظاهر أن الضمير يعود على النوبة فإن المص أشار به لقوله في التوضيح: ولو طلب إذنها في إيثار غيرها فلم تأذن له فخيرها بين الطلاق والإيثار فأذنت له بسبب ذلك ففي ذلك قولان. انتهى. فلعله ترجح عنده الجواز فاقتصر عليه.
وقال الشارح: يجوز أن يكون إضافة المصدر من باب إضافته إلى فاعله أو مفعوله، فعلى الأول يكون المعنى كما يجوز أن تعطي زوجها شيئا ليمسكها في العصمة ولا يطلقها، وعلى الثاني يكون المعنى كما يجوز للرجل أن يعطيها شيئا لأجل دوام عشرتها وحسنها والأول أظهر. انتهى. وقال الشبراخيتي: من إضافة المصدر إلى مفعوله أي يجوز للزوج أن يعطي زوجته إذا اشتطت عليه وأساءت عشرته شيئا من المال على إمساكها أي دوام عصمتها معه أو حسن عشرتها، وعلى هذا
(1)
كذا في النسخ والذي في الحطاب، ج 4 ص 388 (وقال: فإن في هذا هذا لاسيما إذا حديث النساء به منفعة في الحض
…
).
(2)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث، 5189. صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث، 2448.
فلا يتكرر هذا مع قوله: "كعطيته لذلك ففسخ"؛ إذ هو فيما إذا كانت العطية من المرأة وهنا العطية من الزوج. انتهى. وقرره عبد الباقي على نحو مما قرره به الشارح، وقال محمد بن الحسن بعد تقريره الذي قررت به المص: وهذا الحمل أولى مما حمله عليه الزرقاني والتتائي لعدم لزوم التكرار. والله أعلم. انتهى.
وشراء يومها لنها يعني أنه يجوز للرجل أن يشتري من امرأة من نسائه يوما أو يومين من زمنها، وكذا يجوز للضرة أن تشتري من ضرتها يوما أو يومين من زمنها وتختص الضرة بما اشترت ويخص الزوج من شاء بما اشترى، قال محمد بن الحسن: واعتمد المص في الجواز هنا قول ابن عبد السلام: اختلف في بيعها اليوم واليومين والأقرب الجواز إذ لا مانع منه. انتهى. ونقله في التوضيح فلا يقدح فيه ما نقل عن ابن رشد من الكراهة. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: "وشراء يومها منها": لا مفهوم لليوم وإنما أشار به لزمن معين قليل وما عدا ذلك لا يجوز، فقوله. "يومها" أي لا على الأبد، وما وقع له صلى الله عليه وسلم من خواصه، والمراد بالجواز ما قابل الامتناع فلا ينافي الكراهة. انظر الحاشية. أي (لأن سودة لما كبرت وهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة فأجازها النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وكان يقسم لعائشة يومين ويقسم لغيرها يوما يوما
(1)
)، وقال في الشرح: المراد نوبتها على وجه الدوام. ذكره الزرقاني.
قال مالك فيمن يعطي امرأته شيئا في يومها ليكون فيه عند الأخرى، قال: الناس يفعلونه وغيره أحب إلي ولا يعجبني شراء المرأة من صاحبتها يومها من زوجها وأكرهه وأرجو خفة شراء ليلة لا أكثر. ابن رشد: ظاهره أن شراء المرأة أشد كراهة من شراء الرجل؛ لأن المرأة قد يحصل مقصودها من الوطء تلك الليلة وقد لا يحصل، والرجل متمكن من تحصيل مقصوده. انتهى كلام الشبراخيتي. ومقتضاه أو صريحه أن الشراء وهبة المرأة نوبتها على إمساكها حكمهما واحد، وقد مر شرح محمد بن الحسن لقوله:"كإعطائها على إمساكها".
(1)
صحيح البخاري، كتاب الهبة، رقم الحديث، 2539، صحيح مسلم، كئاب الرضاع، رقم الحديث، 1463.
وقال عبد الباقي: وجاز للزوج أو الضرة شراء يومها أو يومين منها كان العوض عن الاستمتاع أو عن إسقاط الحق. قاله ابن عبد السلام. ثم قال: وليس ماهنا مكررا مع قوله: "وجاز الأثرة عليها"؛ لأن الأولى لم يدخلا على شراء وهنا دخلا عليه أو هناك على غير معين فهو إسقاط ما لا غاية له، وما هنا في شراء مدة معينة وفي تسمية هذا شراء مسامحة؛ لأن المبيع لابد أن يكون طاهرا منتفعا به وهذا ليس كذلك وإنما هو إسقاط، أو أن ما هنا من عطف الخاص على العام ذكره اهتماما بشأنه وردا لقول ابن القاسم: يكره، فإنه ضعيف كما يفيده الشيخ سالم، وشرحه ابن رشد على ضعفه لأنه شارح لما في العتبية بقوله: وشراء المرأة ليلة واحدة من صاحبتها أشد كراهة من شراء الرجل ذلك منها عند ابن القاسم: لأنها قد يحصل مقصودها من الوطء تلك الليلة وقد لا يحصل، والرجل متمكن من تحصيل مقصوده والمدة الطويلة تكره منهما للغرر. انتهى.
ابن فرحون: ويؤخذ من جواز شراء نوبتها جواز النزول عن الوظائف بشيء وهو أي الأخذ ضعيف؛ لأن الغالب بقاء الإنسان اليوم واليومين والمأخوذ عنه شيء يسير بخلاف النزول عن الوظيفة. انتهى. وهو يفيد أنه لا يجوز شراء النوبة على الدوام، وفي أحمد خلافه وفي الحطاب: وتبعه الشيخ سالم أن في منع النزول عن الوظائف وجوازه قولين، أولهما المذهب وعلى المنع تستمر الوظيفة باسم الفارغ، وفي فتوى بعض الشافعية أنه جائز عقلا وشرعا وأن السبكي استنبطه من هبة سودة ليلتها لعائشة، وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقبلت، وأنه يجوز بمال لأنه نازل منزلة التبرع وغلبت عليه المسامحة وفيه توسعة وعدم تضييق ورفق بالمحتاجين، ومن الورع الخروج من الخلاف وأخذ المال هبة، ويقع النزول مجردا عن المقابلة مشمولا بالتقرير الشرعي. انتهى.
وقال الشبراخيتي: قال الحطاب: ويؤخذ المنع من النزول عن الوظائف بشيء مما في النوادر عن كتاب محمد، قال مالك في منزل من منازل الإمارة ضاق بهما وأراد أحدهما إعطاء صاحبه شيئا على أن يخرج، فقال: لا خير فيه لأنه لا يدري متى يخرج منه وهو إلى غير أمد، ومن مسألة الديوان في كتاب الجهاد من المدونة: لا يجوز إعطاء أحد المتنازعين في اسم مكتوب في العطاء الآخر شيئا على أن يبرأ إليه من ذلك الاسم؛ لأنه إن كان الذي أعطى الدراهم غير صاحب الاسم
فقد أخذ غير اسمه فلا يجوز شراؤه، وإن كان الذي أعطي صاحب الاسم فلا يجوز لأنه لا يدري ما باع أقليل بكثير أو كثير بقليل؟ ولا ما يبلغ حياة صاحبه فهو كرر ولا يجوز، وكذا لا يجوز لمن زيد في إعطائه أن يبيع تلك الزيادة بعوض، ولا بأس بالنزول عن الوظيفة بغير شيء. انتهى. ووطء ضرتها بإذنها يعني أنه يجوز أن يطأ زوجته يوم ضرتها بشرط أن تأذن له ذات النوبة في ذلك، وقوله:"ووطء ضرتها" إلخ أي ولو قبل الغسل من وطء ذات النوبة. ابن العربي: ومن آداب الجماع أن لا يطأ حرة بعد أمة حتى يغتسل وأن ذلك مكروه قبل الغسل، ومن آدابه أن لا يطأ زوجته بعد الاحتلام حتى يغسل فرجه من الأذى، وقال ابن يونس: فأما أن يصيب الرجل جاريته ثم يصيب الأخرى قبل أن يغتسل فلا بأس به. قاله مالك في الموطأ. وعلى هذا فيجوز وطء الأمة بعد الحرة من باب أولى وهذا كله في الغسل، وأما وطؤها قبل غسل الفرج من وطء الأخرى فظاهر قول الشيخ في باب الغسل أنه يستحب الغسل، وظاهر قول الشيخ سيدي محمد بن سيدي أبي الحسن شارح الشفا عند قول سلمى: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع وتطهر من كل واحدة قبل أن يأتي الأخرى
(1)
) أن الوطء قبل غسل فرجه لا يجوز؛ لأنه قال: لا يجوز لأحد أن يكون شيئه نجسا فيدخله هناك حتى يغسله. والله أعلم. قاله الحطاب.
ومفهوم قوله: "بإذنها" أنها لو لم تأذن له في ذلك فإنه لا يجوز ويدخل في قوله: "ولا يدخل على ضرتها إلا لحاجة" أي غير الاستمتاع.
والسلام بالباب يعني أنه يجوز له أن يقف بباب إحدى زوجاته ويسلم عليها في نوبة غيرها؛ يعني من غير حاجة، والمراد بالسلام ما يشمل الشرعي وهو: السلام عليكم، والعرفي نحو: لا بأس والسؤال عن الحال من غير دخول عليها ولا جلوس عندها على المشهور، وقال الأمير: وله مكالمة غيرعا بالباب بالسلام وغيره. ابن الماجشون: لا باس بأكل ما تبعث به إليه أي بالباب لا في بيت الأخرى لا فيه من إذاية الأخرى. ابن عرفة: عن ابن رشد: لا بأس أن يتوضأ الرجل من
(1)
الشفا في حقوق المصطفى، ص 170، ط دار الفكر وسنن أبي داوود، كتاب الطهارة، رقم الحديث 219.
ماء إحدى زوجتيه ويشرب الماء من بيتها ويأكل من طعامها الذي ترسل إليه في يوم الأخرى من غير تعمد ميل، ويقف ببابها يتفقد لمن شأنها ويسلم من غير دخول.
والبيات عند ضرتها يعني أن الزوج يجوز له أن يبيت عند إحدى زوجتيه أو زوجاته في غير نوبتها بشرطين، أحدهما أشار إليه بقوله: إن أغلقت بابها دونه يعني أنه إنما يجوز له البيات عند غير ذات النوبة إن أغلقت ذات النوبة الباب دونه، ثانيهما أشار إليه بقوله: ولم يقدر يبيت بحجرتها يعني أنه لا يجوز له أن يبيت عند غير ذات النوبة إلا إذا لم يقدر أن يبيت بحجرة ذات النوبة لبرد أو خوف أو إزراء به فيبيت حينئذ عند غير ذات النوبة إن أغلقت ذات النوبة الباب دونه، فإن قدر أن يبيت بحجرة ذات النوبة لم يذهب، وظاهر المص ظالمة كانت أو مظلومة وهو ظاهر قول مالك، وقال ابن القاسم: لا يذهب وإن كانت ظالمة وكثر منها بل يؤدبها. أصبغ لا يذهب إلا أن يكثر ذلك منها ولا مأوى له سواها وقوله: "والبيات عند ضرتها" أي وله وطؤها. قاله علي الأجهوري. وفي بعض الشروح من غير استمتاع. قوله: "بحجرتها" الحجرة ما يحجر عليه لمن الأرض بحائط ونحوه وجمعها حجرات بضم الجيم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} .
وبرضاهن جمعهما بمنزلين من دار يعني أنه يجوز للزوج أن يجمع بين زوجتيه أو زوجاته بمنزلين أو بمنال من دار واحدة بشرط رضاهما أو رضاهن بذلك؛ لأنه حق لهن ولو سكنتا أو سكنَّ بمنزلين من دار باختيارهما أو باختيارهن، والقول لمن أرادت الخروج منهما أو منهن. قاله ابن عبد السلام. وقال المص في التوضيح: وأما سكناهما في منزل واحد فلا يجوز وإن رضيتا، وقد اعترض الشيخ أحمد بابا ما ذكره المص هنا وفي التوضيح، أما ما ذكره هنا فلا نص في كلامهم يوافقه، قال: بل نصوص المذهب على أن له جبرهن على ذلك، وأما ما ذكره في التوضيح فإن النصوص تدل على جواز سكناهما بمنزل واحد برضاهن. انتهى. قلت: وقد بحثت كثيرا على
(1)
النص فلم أجد ما يشهد للمص غير أنه تبع ابن عبد السلام. قالد محمد بن الحسن. وفي الحطاب عن ابن فرحون ما يوافق كلام المص، فإنه قال: من حقها ألا تسكن مع ضرتها ولا مع أهل
(1)
في البناني عن النص.
زوجها ولا مع أولاده في دار واحدة، فإن أفرد لها بيتا في الدار ورضيت به فذلك جائز وإلا قضي لها بمسكن يصلح لها. انتهى.
ابن رشد: يقضى عليه أن يسكن كل واحدة بيتا. انتهى. ولا يجمع بينهن يمنزل واحد إلا برضاهن.
ابن شعبان: وليس عليه إبعاد الدار بينهما. قاله عبد الباقي. وقال: "وبرضاهن" لأنه حق لهن لا لله جمعهما بمنزلين مستقلين كل بمرحاض من دار واحدة. قاله التتائي. والظاهر أن كون كل بمرحاض تحقيق لكونهما بمنزلين لا أنه لا يجوز رضاهما بمنزلين لهما مرحاض واحد إذ هو جائز كما يستفاد من الشارح. انتهى.
وقال الشبراخيتي: ولا مفهوم لقوله: "منزلين"، وكذا يجوز جمعهما بمنزل واحد من دار كما ذكره المتيطى، ولا يقال جمعهما بمنزل من دار يؤدي إلى وفى إحداهما بمنزل فيه معه غيره وهو غير جائز؛ لأنا نقول صرح في الكافي بكراهته ولو سمعه من معه وأيضا لا يلزم ذلك، قال الشارح: ولا يطأ إحداهما بمحضر الأخرى ولا وهي معها في البيت وإن لم تسمع، وفي كتاب محمد: ولا يطأ امرأته أو أمته ومعه في البيت من يسمع حسه. ابن حبيب عن ابن الماجشون: لا ينبغي أن يكون معه في البيت أحد نائم أو غير نائم صغيرا أو كبيرا، وكان ابن عمر يخرج الصبي في المهد، وفي بعض الأخبار: كره أن يكون معه بهيمة ابن عرفة: ما ذكره في بعض الأخبار لم أجده في كتب الحديث بحال، ومنع الوطء وفي البيت نائم غير زائر عسر إلا لبعض أهل السعة، قال في الحاشية: والمنقول أنه لا يجوز له أن يطأ زوجته ومعه نائم كان زائرا ونحوه أم لا، كان من أهل السعة أم لا، خلافا لبحث ابن عرفة. وقوله: لم أجده في كتب الحديث بحال فيه نظر؛ لأن الكرماني نص عليه في شرح البخاري. انتهى. وإنما ثنى الضمير مرة وجمعه أخرى لينبه على أن الحكم في ذلك غير مقصور على جمع المرأتين، بل يتعدى إلى جمع الثلاث والأربع، والظاهر أنهما ليس لهما الرجوع بعد الرضى.
واستدعاؤهن لمحله يعني أنه يجوز للرجل أن يستدعي زوجاته لمحله ليبتن معه برضاهن، فإن لم يرضين فإنه يقضى عليه أن يدور عليهن في بيوتهن ولا يأتينه، فإن رضي بعضهن لم يلزم
باقيهن. قوله: "واستدعاؤهن" إلخ ولا ينبغي ذلك بل يأتي كل واحدة منهن فإن ذلك هو الأفضل. (لفعله صلى الله عليه وسلم، وعلى قول المص يكون من قال لامرأته أنت طالق إن وطئتك إلا أن تأتيني موليا إذ ليس عليها أن تأتيه.
وبما قررت علم أن قوله: "واستدعاؤهن" عطف على قوله: "جمعهما" فينصب عليه قوله: "وبرضاهن" أي يجوز برضاهن جمعهما بمنزلين من دار ويجوز برضاهن استدعاؤهن لمحله، قال مالك في الموازية: ولا ينبغي أن يقيم هو في بيت له وتأتيه فيه كل واحدة وليأتهن في بيوتهن كما فعل النبي عليه الصلاة السلام إلا أن يرضين بذلك؛ أي فيجوز. قاله الشارح.
والزيادة على يوم وليلة يعني أن القسم الواجب هو يوم وليلة لكل واحدة من الزوجتين أو الزوجات، فلا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهما أو رضاهن كما لا يجوز تنصيف الليلة إلا برضاهما أو رضاهن.
وبما قررت علم أن قوله: "والزيادة" عطف على قوله: "جمعهما" فينصب عليه قوله: "وبرضاهن" أي يجوز برضاهن جمعهما كما يجوز برضاهن الزيادة على يوم وليلة، قال في الجواهر: وأما المقدر من الزمن فليلة ولا ينصف الليلة ولا يزيد عليها إلا أن يرضين ويرضى بالزيادة، أو يكون في بلاد متباعدة فيقسم الجمعة والشهر على حسب ما يمكنه بحيث لا يناله ضرر لقلة المدة. انتهى. وقال اللخمي: إن كانت له زوجتان ببلدين جاز قسمة جمعة وشهرا أو شهرين على قدر بعد الموضعين مما لا يضر به، ولا يقيم عند إحداهن إلا لكتجر أو ضيعة. انتهى. ونحوه في ابن الحاجب. وعلم مما مر أن قوله:"وبرضاهن" منصب على الأمور الثلاثة بعده.
لا إن لم يرضيا هذا مفهوم قوله: "وبرضاهن" يعني أنهن إذا لم يرضين بالجمع في منازل الدار والاستدعاء لمحله والزيادة على اليوم والليلة فإن ذلك لا يجوز، فيقضى لهن بعدم الجمع في المنزلين وبالإتيان إليهن، وباليوم والليلة فهو راجع للمسائل الثلاث، وقد مر حكم ما إذا لم يمكن القسم بيوم وليلة لكون الزوجتين مثلا ببلدين ليسا في حكم البلد الواحد.
وعطف على الممنوع مشاركات له في المنع فقال: ودخول حمام بهما يعني أنه يحرم على الزوج أن يدخل بزوجتيه أو بزوجاته الحمام لحرمة الكشف بينهن، ولذا يجوز دخوله للزوج مع زوجته الواحدة والأمتان كالزوجتين لحرمة الجمع بينهما ولذا خطأ ابن محرز أسد بن الفرات بجوابه الأمير بجواز دخوله الحمام بجواريه، فإن استترت الزوجات والإماء أو اتصفن بالعمى جاز كما تقتضيه العلة المذكورة. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ويمتنع دخول حمام بهما ولو رضيتا إذا كن غير مستترات العورات وإلا جاز ولو كان الزوج مكشوف العورة. انتهى. وقال الأمير: وحرم دخول حمام ببصيرتين. انتهى.
وجمعهما في فراش يعني أنه لا يجوز للزوج أن يجمع زوجتيه في فراش واحد يكون معهما فيه، أما إن حصل مع ذلك وطء فلا إشكال في المنع، وأما إن لم يحصل فكذلك على المشهور، وإلى ذلك أشار بقوله: ولو بلا وطء وأشار بلو لرد قول عبد الملك: يكره جمعهما في فراش واحد حيث لم يكن وطء وبالله تعالى التوفيق. وقول عبد الملك ضعيف وهذا في الزوجتين حرتين أو أمتين أو مختلفتين وأما الأمتان المملوكتان فهما قوله: وفي منع الأمتين يعني أنه روي عن مالك أنه يحرم جمع الأمتين في فراش واحد بملك اليمين، وروي عنه أيضا أنه قال بكراهته لقلة غيرتهن، والقول بالمنع نظرا لأصل الغيرة.
وقوله: قولان مبتدأ وخبره قوله: "في منع الأمتين وكراهته" ومحل القولين حيث لم يطأ وإلا منع قطعا، وبقي عليه جمع زوجته وأمته والظاهر المنع، وفي التوضيح: ولا يجوز أن يصيب الرجل زوجته ومعه في البيت أحد يقظان أو نائم، قال ابن عرفة: ومنع الوطء وفي البيت نائم غير زائر ونحوه عسير إلا لأهل السعة. انتهى. وقال الجزولي: وقد روي عن ابن عمر أنه إذا أراد أن يطأ يخرج كل من كان في البيت من النائم وغيره حتى الصبي في المهد، وهذا لا يكاد يتخلص منه أحد. انتهى. وقال الشبراخيتي: وذكر الحطاب عن الكافي أن جمع الزوجتين في فراش مكروه. قاله في الكافي في كتاب الجماع.
ويكره للرجل أن ينام بين أمتيه أو زوجتيه، وأن يطأ إحداهما بحيث تسمع الأخرى وأن يطأ الرجل حليلته بحيث يراه أحد صغير أو كبير، وأن يتحدث بما يخلو به مع أهله ويكره مثل
ذلك للمرأة من حديثها بما تخلو به مع بعلها. انتهى. وما ذكره من الكراهة في وطء إحداهما بحيث تسمع الأخرى مشكل مع منع جمعهما في فراش بلا وطء ومن الاتفاق على منع جمع الأمتين مع الوطء وكذا ما ذكره بعده، ففي شرح الرسالة: لا يجوز أن يتحدث الرجل بما يخلو به مع أهله وكذا عكسه، وفي التوضيح: ولا يجوز أن يصيب الرجل زوجته أو أمته ومعه في البيت أحد يقظان أو نائم. انتهى. وهو لا يشكل في النائم لاحتمال يقظته كذا في الشرح. انتهى.
وإن وهبت نوبتها من ضرتها له المنع لا لها يعني أن المرأة إذا وهبت نوبتها من ضرتها أي أعطتها لها فإنه يكون للزوج أن يمنعها من ذلك بأن يرد على الواهبة هبتها لأنه قد يكون له غرض في الواهبة وله أن يجيز الهبة، وإذا رد فلا كلام لها أي للزوجة الموهوبة فلا تجيز الهبة كما أنه لا كلام لها حيث أجاز الهبة فليس لها ردها، وحذف الفاء من جواب الشرط وهو لا يحذف في مثل هذا إلا ندورا أو اضطرارا وفي بعض النسخ بإثباتها. وأما إذا أجاز الزوج الهبة فإن الموهوبة تختص بالهبة فتكون لها نوبتان، نوبتها ونوبة الواهبة وليس للزوج جعلها لغير الموهوبة، وقوله:"له المنع" الظاهر أن له المنع في الشراء كالهبة لأنه قد يكون له غرض في البائعة فالعلة موجودة فيها. قاله الشيخ بناني والشيخ إبراهيم. وقوله: "وإن وهبت نوبتها" وكذا لو أسقطتها فله المنع أيضا، وقد تقدم أن الزوجة الأمة ليست كالحرة في إسقاط القسم فلا يصح إسقاطها لحقها ولا هبتها له لحق السيد إلا أن تكون حاملا أو صغيرة أو يائسة.
بخلاف منه يعني أن الزوج إذا وهبت له إحدى زوجاته نوبتها فإنه لا يختص بها ليخص بها من شاء، بل تقدر الواهبة كالعدم ويبيت عند التي تليها، فإذا كن أربعا فالقسم على ثلاث، فإذا كانت نوبة التالية للواهبة يوم الأحد مثلا تصير نوبتها يوم السبت قبله وهكذا، وجعل الشيخ الأمير قوله "بخلاف منه" في هبتها له بمعنى الإسقاط، وأما الهبة بمعنى التمليك فله أن يخص بها من شاء. والله سبحانه أعلم. وسيأتي كلامه. والصواب أن شراء الزوج نوبتها منها ليس كهبتها له فيخص بها من شاء.
سمع القرينان: سئل عمن يرضي إحدى زوجتيه بعطية في يومها ليكون عند الأخرى، قال: الناس يفعلونه، وقوله:"بخلاف منه" فيه حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف على حاله من غير
عطف مضاف إلى مثل المحذوف وهذا على غير الغالب كقراءة بعضهم، فلا خوف عليهم بلا تنوين أي خوف شيء. قاله أحمد قاله عبد الباقي.
ولها الرجوع يعني أن الزوج إذا وهبت له إحدى زوجاته نوبتها فإن لها أن ترجع، وكذا إذا وهبت نوبتها من ضرتها فلها أيضا أن ترجع عن ذلك، فقوله:"ولها الرجوع" أي لها الرجوع عن هبة نوبتها، سواء وهبتها للزوج أو لضرتها لما يلحقها في ذلك من الضرر، ويقال للزوج: اعدل فإما عدل أو طلق، وكذا في البيع للعلة المذكورة أي للضرر بما يلحقها من المغيرة فلا تقدر معها على الوفاء، ولهما الرجوع عن رضاهما بجمعهما بمنزلين بدار أيضا، فكلام المص يرجع له أيضا كما قاله الشيخ بناني ونقل معناه الحطاب عن ابن عبد السلام وقد قدمته عند قول المص:"وبرضأهن جمعهما بمنزلين من دار". والله سبحانه أعلم.
قال الشيخ الأمير: وجاز الإسقاط بعوض أم لا، ثم إن اختصت واحدة فهي وله الامتناع وإن ملكت الزوج خص من شاء كما في التوضيح، وإلا بأن كان مجرد إسقاط فالدور بلاها ولا يخص أحدا، ولها الرجوع مطلقا لشدة ما يلحقها في ذلك. انتهى. وقوله:"ولها الرجوع" قال الشبراخيتي: في هبة نوبتها للزوج أو للضرة لما يدركها في ذلك من المغيرة فلا تقدر على الوفاء كانت الهبة مقيدة بوقت أو للأبد، قال في توضيحه: وانظر هل يقيد رجوعها في هذه المسألة بما إذا لم تدخل ضرتها الأخرى في شيء كما قالوا في اعتصار الأب ما وهبه لولده. انتهى.
قال جامعه عفا الله عنه: وظاهر كلامهم عدم تقييده بذلك. والله سبحانه أعلم.
وإن سافر اختار يعني أن الزوج إذا أراد أن يسافر فإنه يختار من يسافر بها من زوجاته لكونها تصلح للسفر لإطاقتها له أو لخفة جسمها أو نحو ذلك لا لميله لها، فمعنى قوله:"سافر" أراد أن يسافر كما قررت، وإن اختار واحدة جبرت على السفر معه.
المتيطى عن ابن عمر: من أبت السفر معه سقطت نفقتها أي لأنها تصير ناشزا، وقوله: وإن سافر اختار، وإذا اختار واحدة وسافر بها فإنها لا تحاسب بتلك المدة بل يبتدأ القسم إلا في الحج والغزو: يعني أن محل الاختيار للزوج فيمن يسافر بها إنما هو في غير سفر القرب، وأما سفر
القرب كالحج والغزو فإن الزوج يقرع فيمن يسافر بها منهن؛ لأن المشاحة تعظم في سفر القرب وهذا هو المشهور وهو مروي عن مالك. قاله الشارح.
وتؤولت بالاختيار مطلقا يعني أن المدونة تأولت على أن الزوج له أن يختار من تصلح لسفره مطلقا حجا أو غزوا أو غيرهما واختاره ابن القاسم وهو واضح. وشرط القرعة صلاح جميعهن للسفر، ومن اختار سفرها أو تعين بالقرعة جبرت عليه إن لم يشق عليها أو يعرها أي يكون عليها فيه معرة ومن أبت لغير عذر سقطت نفقتها. قاله عبد الباقي. وقيل تجب القرعة مطلقا كان السفر سفر حج أو غزو أو غيرهما، والأقوال الثلاثة مروية عن مالك، وبقي في المسألة قول رابع وهو القرعة في الغزو خاصة وهو ظاهر المدونة وهو لمالك أيضا كما في الشبراخيتي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرع فيه. قاله الشارح. وحجة القول بالقرعة مطلقا خبر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هم بسفر أقرع بين نسائه
(1)
). قاله الشبراخيتي. وقال الإمام الحطاب عند قوله: "وإن سافر اختار": قال القرطبي في شرح مسلم في فضل عائشة: لم يختلف الفقهاء في أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة بما مضى لها مع زوجها في السفر، وكذلك لا يختلفون في أنه يقسم بين الزوجات في السفر كما يقسم بينهن في الحضر، وقال ابن عرفة: اللخمي: إن انقضت أيام بنائه أو سفره أو مرضه لم يحاسب بها: وفي تخييره في ابتدائه بمن أحب مطلقا أو سوى التي كانت عنده، ثالثها يقرع بين من سواها وأرى بدأه بأبعدهن قسما ممن يليه، ومن كان عندها آخرهن وإن جهل ترتيبهن أقرع بينهن، وفيها لا قضاء لها على الزوج لأيام غيبتها عنه في ضيعتها أو حج أو عمرة وبقائه مع غيرها.
اللخمي: في لغو قولها أحرم عليك مكث أيام غيبتي عند ضرتي مطلقا أو ما لم يكن على ميل ونحوه في رواية المبسوط، ويحمل جواب مالك على قوله فيمن أغلقت الباب دونه أن له المضي لضرتها لا على قول ابن القاسم إلا أن يضره طول غيبتها. انتنهى. وقال ابن عرفة عن ابن حبيب عن مالك وأصحابه: أحب إتمامه يوم من خرج في يومها إن قدم أثناء يوم وله إتمامه عند
(1)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، رقم الحديث، 2879، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، رفم الحديث 2445.
غيرها، قلت: الأظهر على وجوب إتمام كسر اليوم في القصر والعقيقة ونحوهما يجب. انتهى. والله أعلم. قاله الحطاب.
تنبيه: من حق الزوجة على الزوج أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بمعروف فالإمساك بمعروف، هو حسن المعاشرة وتوفية الحقوق، والتسريح بالإحسان من جملته عدم التعرض لذكرها وإن سئل عنها، ولا يحل للزوج أن يبث حديث الزوجة الذي تسره إليه كما لا يحل لها هي ذلك، وينبغي أن لا يذكر ما يكون بينه وبينها من أمر الجماع، ولا يجامعها وهي في ثوبها إذ ليس من السنة؛ إذ في التعري إدخال السرور على أهله، وليس المراد من التعري أن يجامعها مكشوفين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وعابه، وقال فيه: (كما يفعل العيران
(1)
)، وإنما المراد أن يزيلا ثيابهما المعدة للباس ويتخذان الغطاء المعد للفراش، وفي الإحياء: وليغط نفسه وأهله بثوب، (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغطي رأسه ويغض صوته ويقول للمرأة: عليك السكينة
(2)
).
وفي شرح ابن زكري على النصيحة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه
(3)
). انتهى. ولفظ النصيحة: ويحرم ذكر حال الزوجة في فراشها إذ هي أمانة عند الرجل، (وقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذلك
(4)
).
واعلم أنه لا يجوز إفشاء السر بل يحرم مطلقا أي في الزوجة والزوج وغيرهما، وضابط السر الذي لا يجوز إفشاؤه كل ما حدثت به مما تظن انفرادك به لما فيه من الضرر؛ إذ الضرر حاصل مهما فهم قصد المحدث لكتمه، ففي الحديث: (المجالس بالأمانات
(5)
)، وفيه:(إذا حدثك الرجل والتفت فهي أمانة)
(6)
أي فالكلمة التي حدثك بها أمانة عند المحدث أودعه إياها، فإن حدث بها
(1)
سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1921. بلفظ: إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العيرين.
(2)
الإتحاف ج 5 ص 372.
(3)
جامع الأصول رقم الحديث، 4729. صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1437.
(4)
صحيح مسلم، كتاب النكاح رقم الحديث، 1437.
(5)
سنن أبي داوود، كتاب الأدب، رقم الحديث 4869، بلفظ: المجالس بالأمانة
…
(6)
سنن أبي داوود، كتاب الأدب رقم الحديث، 4868. بلفظ: إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت
…
غيره فقد خالف أمر الله حيث أدى الأمانة إلى غير أهلها فيكون من الظالمين؛ إذ التفاته بمنزلة استكتامه وهذا من جوامع الكلم لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على آداب العشرة وحسن الصحبة وكتم السر وحفظ الود والتحذير من النميمة بين الإخوان المودية للشنآن، وقد مر أن ضابط السر الذي لا يجوز إفشاؤه كل ما حدثت به إلخ، فكل لتعميم الجزئيات أي سواء تعلق المحدث به بحال المحدث أو غيره كان في مسألة دينية أو دنيوية مما شأنه أن يكتم عند الناس أولا، صرح المحدث بكتمه أو فهم ذلك من حاله إلى غير ذلك من الاعتبارات، ولا يتوقف الإفشاء على ذكر جميع الحديث؛ لأن الإذاية كما تحصل بذكر جميع الحديث تحصل بذكر البعض، وفي شرح ابن زكري عن الماوردي أنه كما يجب للرجل أن يخفي عيوب نفسه وأسراره كذلك يجب أن يخفي عيوب أخيه المسلم وأسراره، وإن احتاج إلى الكذب في ذلك فله أن يفعل ذلك في حق أخيه فإن أخاه نازل منزلته وهما كشخص واحد فليس الصدق واجبا في كل مقام. انتهى.
وفيه عن المنذري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فنادى بصوت رفيع: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله
(1)
). انتهى. ولفظ النصيحة: وقال عليه السلام: (من تتبع عورات أخيه تتبع الله عورته فيفضحه ولو في جوف بيته
(2)
).
ووعظ من نشزت لما أنهى الكلام على أحكام القسم شرع في الكلام على أحكام النشوز؛ يعني أن الزوجة إذا نشزت أي خرجت عن طاعة زوجها بمنع وطء أو استمتاع أو خروج بلا إذن أو تركت ما أوجب الله تعالى عليها من حقوقه عز وجل أو من حقوق الزوج، فإن الزوج يعظها أي يذكرها بما يلين القلب من ثواب وعقاب يترتبان على ذلك، فالمتولي لزجرها هو الزوج إن لم يبلغ الإمام أو بلغة ورجا إصلاحها على يد زوجها وإلا فإن الإمام يتولى زجرها. قاله ابن عبد السلام. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: والوعظ التذكير بما يلين القلب بعمل ما فيه ثواب واجتناب ما فيه
(1)
سنن أبي داوود، كتاب الأدب، رقم الحديث، 4880، باختلاف في بعض الألفاظ.
(2)
سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، رقم الحديث، 2032، ولفظه: لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم
…
عقاب، وهو قريب من قول بعضهم بأن يذكرها أمور الآخرة وأهوالها وما لها من طاعته وما عليها من غضب الله في مخالفته، وقوله:"من نشزت" أي خرجت عن طاعة زوجها بمنع وطء أو استمتاع أو خروج بلا إذن أو عدم أداء ما أوجب الله عليها من حقوق الله أو حقوقه. انتهى. ونحوه قدمته وهو لعبد الباقي، قال: ولا ينافي ما مر من إغلاق بابها دونه وعدم قدرته على البيات بحجرتها لأن ذلك فيما يتعلق ببياته ليلتها عند ضرتها، وبعد ذلك إذا تمكن منها وعظها. انتهى.
وقوله: "نشزت" عياض: هو الامتناع من الزوج والاستعصاء عليه: وأصله الارتفاع، والنشز ما ارتفع من الأرض ويطلق على الرجل والمرأة، قال تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} ، وقال تعالى:{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} ، وهو على حذف مضاف أي تخافون ضرر نشوزهن، وبدأ بما إذا كان التعدي من الزوجة فقال:"ووعظ من نشزت". قاله الشبراخيتي. وقال محمد بن الحسن: في وجوب نفقة الناشز خلاف، والذي ذكره المتيطى ووقع به الحكم أن الزوج إذا كان قادرا على ردها بالحكم من القاضي ولم يفعل فلها النفقة، وإن غلبت عليه بحمية قومها وكانوا ممن لا تنفذ فيهم الأحكام فلا نفقة لها. انتهى.
تنبيه: ابن أبي زيد: أرجو خفة الكتابة بما لا يستنكر من قرآن أو غيره لما بين الزوجين من أعراض وخصومة ولا شطط في ذلك وفي الطرر خلافه وهذا كله حيث لا يدخل ضرر على العقل تشويش أو فساد وأما إذا كان ذلك فهو حرام من غير خلاف. انظر الرهوني في باب الردة عند قوله "وسحر".
ثم هجرها يعني أن الزوجة إذا نشزت ولم يردها الوعظ عن نشوزها فإن الزوج يهجرها أي يتجنبها في المضجع من الهجران وهو البعد، قال الحطاب: المراد من الهجران أن يترك مضجعها. هذا قول جماعة من التابعين، ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك واختاره ابن العربي، وغاية الهجر شهر ولا يبلغ الأربعة الأشهر التي هي أجل المولي. قاله القرطبي. انتهى. وقال عبد الباقي: أي يتجنبها في المضجع، من الهجران وهو البعد وغايته شهر أي الأولى له ذلك
فلا ينافي قوله في النص بعد ولا يبلغ به أربعة أشهر التي هي أجل المولي. انتهى. وذكر عن ابن عباس أن معنى الهجر هو أن يضاجعها ويوليها ظهره. نقله غير واحد.
وقال سفيان: من الهجر بضم الهاء وهو القبيح من الكلام؛ بأن يغلظ عليها الكلام ويضاجعها للجماع وغيره. انتهى. نقله غير واحد. قال عبد الباقي: ولا ينافي هذا الثالث قوله تعالى: {فِي الْمَضَاجِعِ} لاحتمال أن معناه على هذا أغلظوا عليهن الكلام في المضاجع التى هي محل لين الكلام والمحادثة معها غالبا، ويكون الإغلاظ في غيرها أحرويا انتهى.
ثم ضربها يعني أن المرأة إذا نشزت ولم يردها عن نشوزها ما تقدم من الوعظ والهجران فإن الزوج يضربها ضربا غير مبرح، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة شينا كالكسر. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: المبرح هو الذي يظهر لونه أو يبقى أثره. انتهى. ولابد أن يكون غير مخوف لأنه ضرب أدب، فالمقصود منه الإصلاح لا غير، فلا جرم أنه إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان، ومثال غير المبرح اللكزة فلا يضربها ضربا مبرحا وإن غلب على ظنه أنها لا تترك النشوز إلا به لأنه تعزير لها. قاله في الجواهر. عياض: ومعنى غير مبرح غير شديد، وقال الطبري: غير مؤثر ولا شاق، قال بعضهم: ولعله من برح الخفاء إذا ظهر يعني ضربا لا يظهر أثره تأديبا لهن، وفي المسائل الملقوطة: من ضرب امرأته عمدا يقضى عليه بما جرى من حق وهو يختلف باختلاف البلدان، وسئل أبو محمد عمن ضرب زوجته ثم اصطلحا بعطاء فهو له لازم، فهذا يدلك على أن لها حقا، قال أبو محمد: فإذا ادعت العداء وادعى الزوج الأدب فالقول قولها، وكذلك العبد والسيد وفيهما خلاف، وقيد ابن سلمون تصديقها بما إذا لم يكن الزوج معروفا بالصلاح وإلا فالقول قوله. وقيد ابن الحاجب الضرب بقوله: غير مخوف، قال في التوضيح: وتقييد المص الضرب بأن يكون غير مخوف صحيح، وأتى المص بثم المفيدة للترتيب فلا ينتقل عن حالة حتى يغلب على الظن عدم إفادتها وحينئذ ينتقل للثانية ويفعلها وإن شك في إفادتها، وأما الثالثة فلابد من ظن إفادتها. قاله عبد الباقي. وقال محمد بن الحسن: الضرب المبرح الشاق اسم فاعل من برح به الأمر تبريحا شق عليه، وقال بعضهم: لعله من برح الخفاء إذا ظهر يعني ضربا لا يظهر تأثيره. انتهى. وتحصل مما مر أنه يعظها أولا ولا يهجرها إلا إذا لم
تنته بالوعظ وحينئذ فيهجرها، ولا ينتقل للضرب إلا من بعد أن يهجرها ويفعل الوعظ والهجر وإن لم يظن إفادتهما فيها، وبعدهما يضربها الضرب المذكور بشرط أن يظن إفادة الضرب لخفة الأولين دون الثالث.
ولهذا قال: إن ظن إفادته يعني أن الزوج إنما يضرب زوجته على النشوز إن ظن إفادة الضرب أي أنه يكفها عن النشوز، فإن لم يظن إفادته بأن شك لم يجز له ضربها لأن إذاية الضرب شديدة شرعت لإصلاح الحال، والوسيلة الشديدة إذا لم يترتب عليها مقصدها لم تشرع، فلا يرد الوعظ والهجر لأن الضرب أشد منهما، وخبر: (لا تضربوا إماء الله
(1)
) محمول على الضرب لغير سبب يقتضيه أو على العفو لأنه الأولى لا على النسخ لأنه لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وليس في قوله:"من نشزت" مخالفة للآية: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} ؛ لأن فيه حذف مضاف تقديره تخافون ضرر نشوزهن، وإنما عطف المص بثم، وفي الآية الشريفة بالواو المقتضية لجواز الجمع لأنها باعتبار جماعة النساء، فمنهن من يصلحها الوعظ ومنهن من يصلحها الهجر ومنهن من لا يصلحها إلا الضرب. وفي كلام المص باعتبار امرأة معينة. قاله غير واحد.
قال جامعه: والذي يظهر أنه قصد تفسير الآية، وأنها محمولة عنده على الترتيب كما في آية:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، قال القرطبي: لم يأمر الله بالضرب في شيء من كتابه صراحا إلا هنا وفي الحدود
(2)
العظام، فسوى معصيتهن لأزواجهن بمعصية الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينة ائتمانا من الله للأزواج على النساء. وفي الزاهي: ضرب الزبير بن العوام أسماء بنت أبي بكر وصاحبتها ضربا شديدا وعقد شعر واحدة بالأخرى، وكانت أسماء لا تتقي الضرب فكان ضربها أكثر وأشهر فشكته لأبيها رضي الله عنه فلم ينكره وأمرها بالصبر عليه، وقال لها: بلغني أن الرجل إذا ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة. انتهى. وكلام القرطبي يفيد أنه يقبل قول الزوج بالنسبة لتأديبها لا لإسقاط النفقة، وذكر الزرقاني أن الزوج لا يقبل قوله في النشوز، وظاهره بالنسبة لإسقاط النفقة وللأدب وهو موافق لما
(1)
سنن أبي داوود، كتاب النكاح، رقم الحديث 2146.
(2)
في النسخ الحدود والعظام والمثبت من تفسير القرطبي ج 3 ص 121.
ذكره غيره، وقوله: فسوى معصيتهن لأزواجهن بمعصية الكبائر يقتضي أن النشوز غير كبيرة مع أن في الأحاديث أن الملائكة تلعن الناشز، ففي مسلم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عنه صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الله ساخطا عليها حتى يرضى عنها
(1)
). وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع
(2)
)، وروى ما ذكره ابن الجوزي في كتاب النسائي (لعن المسوفة التي إذا أرادها زوجها قالت سوف وسوف
(3)
)، وعن الخطابي فيما نقله عنه صاحب تحفة العروس: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغائصة بالغين المعجمة والصاد المهملة: الحائض التي لا تعلم زوجها أنها حائض (والمغوصة
(4)
) بكسر الواو التي لا تكون حائضا وتكذب على زوجها وتقول إني حائض، ويضرب الرجل امرأته إذا أدخلت منزلة أحدا ممن يكره من الأقارب والنساء الأجانب. وكذا إذا أغضبته. انظر الشبراخيتي.
وقال عبد الباقي: وظاهر قوله: "ووعظ" إلخ أنه المتولي لذلك، وأنه يقبل قوله في النشوز بالنسبة للمراتب الثلاث كما يفيده أحمد والقرطبي أيضا، وهذا حيث لم يبلغ الإمام أو بلغه ورجا إصلاحها على يديه، وإلا فالإمام أو من يقوم مقامه ولا يقبل قول الزوج في النشوز بالنسبة لإسقاط النفقة، وقال بعض الشراح: وإن ادعت العداء وادعى هو الأدب فالقول قولها وكذا العبد والسيد على خلاف فيهما وهو مخالف لما في القرطبي وأحمد، ولأن الأصل عدم العداء. انتهى. وقوله:"إن ظن إفادته" قال ابن عبد السلام: وهكذا ذكر بعض الأئمة في الصبي إذا ظن أن الضرب لا يفيد فيه شيئا فإنه لا يضرب، قال: وأما الكبير فيسجن ولا يضرب لأن في السجن كفه عما يفعله، ولا يضرب لأن الفرض عدم تأثيره في الكف.
(1)
صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث، 1436، بلفظ: إلا كان الذى في السماء ساخطا.
(2)
صحيح مسلم، كتاب النكاح رقم الحديث، 1436 بلفظ حتى تصبح.
(3)
الجامع الصغير ج 5 ص 272.
(4)
النهاية في غريب الأثر، ج 3 ص 395.
تنبيه: اعلم أنه يجب على الزوج أن يأمر زوجته بالصلاة ونحوها من الواجبات، وكذا يجب على الزوج وغيره ممن يلي المرأة أن يعلمها أحكام الغسل، قال أبو حامد: ويعلم أحكام الصلاة وما تقضي منها وما لا تقضي فإنه أمر أن يقيها النار بقوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} ، وعليه أن يلقنها اعتقاد أهل السنة ويزيل عن قلبها بدعة علقت بها ويخوفها بالله إن تساهلت في أمر الدين، ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة ما تحتاج إليه، ويقال إن أول ما يتعلق بالرجل أهله وولده فيوقفونه بين يدي الله عز وجل فيقولون: يا ربنا خذ لنا بحقنا فإنه ما علمنا ما نجهل، وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلقى الله عز وجل أحد بذنب أعظم من جهالة أهله
(1)
)، وفي الحديث:(فتنة الرجل في أهله وماله)
(2)
وقال بعض الشيوخ لبعض أصحابه وجده لا يعرف ما يصلح به بناته: ما أعظم مصيبتك في نفسك لا تدري كيف تصلح بناتك ولا كيف يتطهرن.
وبتعديه زجره الحاكم يعني أن المرأة إذا أضر بها الزوج وثبت إضراره بها فإن الحاكم يزجره باجتهاده بوعظ فضرب، فإن لم يثبت إضراره بها زجره بوعظ فقط ولا يأمرها فيهما بهجره، ويزجرها أيضا مع ثبوت إضرارها به بوعظ فضرب، وقوله:"وبتعديه زجره الحاكم" هذا إذا أحبت البقاء، وأما إن أرادت الطلاق فلها التطليق بالضرر كما يأتي، وفي المواق: ابن عرفة: شقاق الزوجين إن ثبت فيه ظلم أحدهما حكم القاضي بدرء ظلم الظالم منهما، فقوله:"وبتعديه زجره الحاكم" أي حيث ثبت الضرر كما هو واضح، ويصح حمله على ما إذا لم يثبت الضرر، وزجره حينئذ إنما هو بالوعظ والأمر بالكف كما قررت.
قال جامعه عفا الله عنه: ولا مانع من شمول المص للفرعين. والله سبحانه أعلم.
وسكنها بين قوم صالحين إن لم تكن بينهم يعني أن المرأة إذا ادعت أن زوجها أضر بها وتكررت منها الشكوى وعجزت عن إقامة البينة على ضررها، فإن الحاكم يسكنها بين قوم صالحين وهم من تقبل شهادتهم ليشهدوا على ما ادعته وكذلك يسكنها الحاكم بين قوم صالحين أيضا إذا
(1)
إتحاف السادة، ج 5 ص 317.
(2)
سنن النسائي، كتاب مواقيت الصلاة، رقم الحديث 525.
ادعى كل منهما الضرر وتكررت منهما الشكوى، فالمص شامل لهاتين المسألتين، والفرع الأول لابن سهل والثاني لابن الهندى، وينبغي أن يجري هذا أيضا فيما إذا تكررت منه الشكوى وعجز عن إثبات الدعوى، ومحل نقلها لمن تقبل شهادتهم في المسألتين إنما هو حيث لم تكن بينهم، وأما إن كانت بين قوم صالحين فإن الحاكم لا يلزمه نقلها إلى غيرهم، ولا يفهم من كلام المص قيد التكرار، وقد يقال: كون تسكينها بين قوم صالحين غاية مقدور الحاكم بعد زجره أو زجرهما قبل ذلك مفيد للتكرار؛ لأن الحاكم يزجره بمجرد الدعوى من غير ثبوت، ويكون الزجر حينئذ بالوعظ والأمر بالكف كما مر، ففي ابن الهندي: وإذا لم تقم بينة وادعى كل واحد إضرار صاحبه زجرا معا، وإن تكرر ترادهما أمره القاضي أن يسكنها بين قوم صالحين، ويتضح هذا بجعل الواو لعطف اللاحق بالنسبة لزجر الزوج حيث كانت هي ذات الشكوى كما في الألفية:
واعطف بواو لاحقا أو سابقا
…
في الحكم أو مصاحبا موافقا
وقال محمد بن الحسن: ليس في كلام المص ما يفيد أنه يزجره قبل التسكين؛ إذ الواو لا ترتب فالصواب أن قيد التكرار بقي على المص. انتهى. وقد علمت أن الواو تعطف اللاحق، وبه يجاب عما أورده بناني. والله سبحانه أعلم. وعلم مما أشرت إليه من تقرير المص أن المرأة لها التطليق بالضرر ولو لم تشهد البينة بتكرره، ولها أن تقيم مع الضرر ويزجره الحاكم بوعظ فضرب كما يظهر من كلام غير واحد.
وإن أشكل بعث حكمين يعني أن الحاكم إذا أسكن المرأة بين قوم صالحين -وهم من تقبل شهادتهم- واستمر إشكال أمرهما مع ذلك وعمي عليه خبرهما ولم يتبين له الظالم منهما ولم يقدر على الإصلاح بينهما، فإنه يبعث حكمين ينظران في أمرهما.
قال اللخمي: إذا اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب كان على السلطان أن يبعث حكمين ينظران في أمرهما أي الزوجين، وإن لم يترافعا ويطلبا ذلك منه ولا يحل له أن يتركهما على ما هما عليه من الإثم وفساد الدين، وإذا بعث الحكمين فإنهما يدخلان على الزوجين المرة بعد المرة ولا يلازمانهما، وظاهر المص أنه ليس بين البعث والتسكين مرتبة وهو
ظاهر قوله في توضيحه: ظاهر المذهب وهو الظاهر في النظر أنه لا يعمل بالأمينة بل بالحكمين، وفي التتائي: وإن عمي عليه خبرهما ورأى إسكانهما مع ثقة تتفقد أمرهما أو إسكان ثقة معهما فعل، حكاه ابن عرفة قائلا: هذا معنى ما ذكره ابن حبيب عن مطرف وأصبغ. انتهى. ونحوه لابن غازي وابن ناجي، وذكر أن القول بالأمينة قول الأكثر، ويجمع بينهما كما يفيده تفسير ابن ناجي بأن قوله: قول الأكثر أي أكثر الموثقين، وقول التوضيح: ظاهر المذهب أي أهله المتقدمين، فلا منافاة بينهما وإنما كان هو الظاهر في النظر لأنه ظاهر نص القرآن. انظر شرح الشيخ عبد الباقي.
وقال الحطاب عند قوله "وإن أشكل بعث حكمين": ما نصه وإن لم يترافعا ويطلبا ذلك منه، ولا يحل له أن يتركهما على ما هما عليه من الإثم وفساد الدين. انتهى. وقال الشارح عند قوله:"وإن أشكل بعث حكمين" أي وإن لم يعلم الإضرار ممن صدر وكل منهما ينسبه لصاحبه ولا بينة فإن الإمام يبعث لهما حكمين، معناه إن لم يقدر على الإصلاح وإلا أصلح بينهما. انتهى.
وقال الشبراخيتي: وإن أشكل الأمر على الإمام وادعى كل إساءة صاحبه عليه ولا بينة، قال في الحاشية: أي بعد تسكينها بين قوم صالحين فهنا إشكالان إشكال حال الرفع وإشكال بعد تسكينها بين قوم صالحين إن لم يتضح الأمر، فإن اتضح الحال فعل ما قدمناه من الزجر والتأديب لمستحقه، قال الشيخ إبراهيم: ثم إن بعث الحكمين إنما يكون إذا تعذر الإصلاح بينهما.
وإن لم يدخل بها يعني أن الحاكم يبعث حكمين سواء دخل الزوج بالمرأة أو لم يدخل لعموم الآية؛ لأنهما قد يكونان جارين فلا يستبعد تكرر الشكوى منهما أو منها قبل الدخول، وقوله:"وإن لم يدخل بها" قال الشارح: هكذا نص عليه في المدونة وغيرها، ولكن الغالب في مثل هذا إنما يكون بعد الدخول. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولما كان الغالب أن الشقاق إنما يكون بعد الدخول بالغ على غير الغالب بقوله: "وإن لم يدخل بها" لأن الآية عامة في الدخول بها وغيرها، وفيه حجة لابن لبابة فيمن تزوج امرأة وشرط لها في العقد أن لا يضربها فأقامت بينة
بذلك قبل الدخول أن لها الأخذ بشرطها، وخالفه بعض معاصريه: وقال: ليس لها الأخذ بذلك، لا يكون الحكمان ملازمين للزوجين وإنما يدخلان عليهما المرة بعد المرة.
من أهلهما إن أمكن يعني أنه يتعين كون الحكمين من أهلهما أي الرجل والمرأة، فيبعث حكم من أهله وحكم من أهلها كما قال عز وجل:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} ، ومحل هذا إنما هو حيث أمكن كون الحكمين من أهلهما، فلا يجوز كونهما أجنبيين مع الإمكان أي مع إمكان كون الحكمين من أهل الزوجين، فإن حكم القاضي أجنبيين مع وجود الأهل فقال المص في توضيحه: ظاهر الآية أن كونهما من الأهل مع الوجدان واجب شرطا، فإن لم يمكن كونهما من أهلهما بل واحد فقط من أهل أحدهما ضم له أجنبي عند اللخمي، وفي ابن الحاجب: يتعين كونهما أجنبيين، ومعنى الإمكان أن يوجد رجل من أهله ورجل من أهلها على الصفة الآتية هذا معنى الإمكان فيهما، ويفهم منه معنى الإمكان في أحدهما، وفي المدونة: فإن لم يكونا في الأهلين أولا أهل لهما فمن المسلمين، وقال الشبراخيتي عند قوله:"من أهلهما إن أمكن"؛ لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطيب للصلاح ونفوس الزوجين أسكن إليهما، فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة
(1)
والفرقة، وظاهر كلام المص أنه شرط صحة.
وندب كونهما جارين يعني أنه يستحب كون الحكمين المذكورين جارين للزوجين، كان الحكمان قرىيبين من الزوجين أو أجنبيين، ويتأكد الندب في الأجنبيين وندب كون الحكمين جارين لأن الجيران لا يخفى عليهم حال الزوجين غالبا، وعبارة الشبراخيتي: لأن المجاورة توجب مزيد علم بحال الزوجين، وعلم مما قررت أنه ليس المراد أن الجارين مقدمان على غيرهما ولو كانا أجنبيين على أهلين غير جارين؛ لأنه متى أمكن الأهلان وجب البعث منهما مطلقا. قاله الشيخ إبراهيم.
وأشار إلى ذكر الشروط بذكر أضدادها، فقال: وبطل حكم غير العدل يعني أنه يشترط في نفوذ حكم كل من الحكمين أن يكون عدلا، فلا يصح حكم غير العدل بل يبطل، فلا يصح حكم صبي
(1)
في النسخ الضمة، والمثبت من الشبراخيتي مخطوط.
ولا مجنون ولا عبد ولا كافر ولا فاسق. وسفيه عطف على "غير"؛ يعني أنه يشترط في حكمهما أن يكون كل منهما رشيدا، فيبطل حكم السفيه وعطف السفيه على غير العدل من عطف الخاص على العام، والسفيه هو المبذر لماله في الشهوات ولو مباحة، وإنما كان عطف السفيه على غير العدل لمن عطف الخاص على العام لما سيذكر المص من قوله:"العدل حر مسلم عاقل بلا فسق وبلا حجر" ثم قال بعد ذلك: "وسفاهة" إن حملت السفاهة على أن المراد بها السفاهة في حق المهمل، لكن في الحطاب إنما عطف هؤلاء لأن السفيه قد يكون عدلا وكذا المرأة وكذا غير الفقيه بحكم هذا الباب. والله أعلم.
فيفيد أن عطف السفيه عطف مغايرة، قال عبد الباقي: وذلك حيث لا ولي له ولا يحسن التصرف في المال، وأما المولى عليه فسيذكر المص في الشهادات أنه غير عدل. انتهى.
وامرأة يعني أنه يشترط في صحة الحكم أيضا أن يكون المحكم رجلا فلو كان المحكم امرأة بطل حكمها، وغير فقيه بذلك يعني أنه يشترط في صحة الحكم أيضا أن يكون المحكم فقيها بأحكام النشوز بأن يعرف ما يجب لكل منهما على الآخر، ويعرف ما يترتب على من خالف ذلك ويعرف أن عليه الإصلاح،
(1)
ويعرف ما يلزمه إن تعذر الإصلاح، وعبارة الشبراخيتي عند قوله:"بذلك" أي بباب ضرر الزوجين، وإنما اشترط في الحكمين أن يكونا فقيهين بأحكام النشوز؛ لأن كل من ولي أمرا يشترط معرفته بما ولي عليه فقط إلا أن يشاور العلماء، وأعاد المص لفظ غير إشارة إلى أن "سفيها وامرأة" معطوفان على "غير"، لا على "العدل". وعلم مما قررت أن المص أشار للشروط بذكر الأضداد؛ أي يشترط في المحكم المذكورة والعدالة والرشد والفقه بما حكما فيه، فيبطل حكم الصبي والمجنون والعبد والفاسق والسفيه والمرأة وغير الفقيه بأحكام النشوز كان ما حكموا به بقاء أو طلاقا بعوض أو بغيره.
قوله: "وبطل حكم غير العدل وسفيه وامرأة" إلخ قاله في المدونة، قال: ولو بعثهما الإمام لأن ذلك خارج عما أمر الله به من الإصلاح، وقال عبد الملك: تحكيم العبد والمرأة العارفين المأمونين جائز
(1)
في نسخة "ك" الأصلح.
ويلزم حكمهما ما لم يكن خطئا بينا، وقيل يجوز تحكيم الصبي الذي يعقل، وقال محمد: يمضي تحكيم المسخوط، واتفق على منع تحكيم النصراني والصبي الذي لا يعقل. قاله الشارح. وقال عند قوله:"وغير فقيه بذلك" أي بما يحتاج إليه في هذا الباب لا عموم الفقه، وقيل هذا من شروط الكمال.
ونفذ طلاقهما يعني أن الحكمين إذا حكما بالطلاق عند تعذر الإصلاح فإن حكمهما ينفذ ويقع الطلاق بائنا، وقوله:"ونفذ" عبر بنفذ مع أنه يجوز ابتداء ولا يفتقران في نفوذ حكمهما إلى إذن الزوج وحكم الحاكم لأنهما حكمان، وهذا هو الصحيح، وقيل: وكيلان، وقيل: شاهدان، وعلى أنهما حكمان فينفذ ما حكما به من طلاق أو خلع.
وإن لم يرض الزوجان بعد إيقاع الطلاق، وأما قبله فسيقول المص:"ولهما إن أقاماهما الإقلاع". والحاكم يعني أنه ينفذ ما حكما به وإن لم يرض به الزوجان ولا الحاكم فلا فرق بين رضى الثلاثة فيه وعدمه، فإنه نافذ بكل حال، وقوله:"والحاكم" أي ولو كان ما حكما به مخالفا لمذهبه.
ولو كانا من جهتهما يعني أن الحكمين يمضي ما حكما به ولو كان الزوجان هما الذين أقاماهما أي الحكمين دون أن يبعثهما الحاكم فهما حكمان ولو كان المقيم لهما الزوجين، ورد بلو قول من قال: إنهما إذا أقيما من جهة الزوجين دون أن يبعثهما الحاكم وكيلان فلا ينفذ ما حكما به.
لا أكثر من واحدة أوقعا يعني أن الحكمين إذا أوقعا أكثر من طلقة واحدة فإن الزائد على الواحدة لا ينفذ وتنفذ واحدة، وقوله:"أكثر" عطف على فاعل "ئفذ" فهو مرفوع، وأوقعا في موضع الصفة له والعائد محذوف أي لا ينفذ أكثر من واحدة أوقعاه، وكأنه نبه بالصفة على أن هذا بعد الوقوع: وأما ابتداء فلا يجوز أن يوقعا أكثر من واحدة كما مرح به المتيطى، وكذا هو في المدونة واللخمي، وقال أحمد: يصح نصب أكثر عطفا على معمول طلاقهما؛ لأنه بمعنى التطليق أي تطليقهما واحدة لا أكثر، وجره بالفتحة عطفا أيضا على معمول طلاقهما لأنه بمعنى التطليق أي تطليقهما بواحدة لا أكثر، ونصبه في هذه الحالة عطفا على محل الجار والمجرور. انتهى. نقله عبد الباقي.
فرع: قال في المقدمات: وحكم الحكمين بين الزوجين لا إعذار فيه إلى أحدهما أي الزوجين لأنهما لا يحكمان بالشهادة القاطعة: وإنما يحكمان بما خلص إليهما من علم أحوالهما بعد النظر والكشف. انتهى. ولابن عاصم رحمه الله:
وإن ثبوت ضرر تعذرا
…
لزوجة ورفعها تكررا
فالحكمان بعد يبعثان
…
بينهما بمقتضى القرآن
إن وجدا عدلين من أهلهما
…
والبعث من غيرهما إن عدما
وما به قد حكما يمضي ولا
…
إعذار للزوجين فيما فعلا
وقوله: "لا أكثر من واحدة أوقعا" أي لأنه خارج عن معنى الإصلاح. قاله في المدونة. وعن ابن القاسم في الموازية: يلزم ما أوقعا ولو ثلاثا إذا اجتمعا على ذلك. وقاله أصبغ. وعن مالك: إذا اجتمعا على أكثر لم يلزم الزائد ولا غيره؛ لأنهما قضيا بغير المشروع. قاله الشارح.
وتلزم إن اختلفا في العدد يعني أن الحكمين إذا اتفقا على إيقاع الطلاق واختلفا في العدد؛ بأن قال أحدهما: أوقعت واحدة، وقال الآخر: أوقعت اثنتثن فإن اللازم من ذلك طلقة واحدة، وكذا الحكم لو قال أحدهما أوقعنا معا واحدة وقال الآخر أوقعنا معا ثلاثا أو اثنتين، ونص على هذا بعد قوله:"لا أكثر من واحدة أوقعا" للرد على من يقول: لا يلزم شيء لاختلافهما فلا يستغنى عنها بما قبلها، وفهم من قوله "في العدد" ومن التي قبلها أنه لو انفرد أحدهما بالطلاق لم ينفذ. قاله عبد الباقي.
وقوله: "وتلزم" فاعله ضمير يعود على واحدة من قوله: "لا أكثر من واحدة"، وفهم من قوله:"وتلزم واحدة إن اختلفا في العدد" ومما قبله أنه لو قال أحدهما: أوقعنا اثنتين أو أوقعت اثنتين، وقال الآخر: أوقعنا ثلاثا أو أوقعت ثلاثا فإنه تلزم واحدة ويبطل ما زاد عليها. والله سبحانه أعلم.
ولها التطليق بالضرر يعني أن المرأة لها أن تطلق نفسها بالضرر تطليقة واحدة وتكون بائنة، ومن الضرر قطع كلامه وتحويل وجهه في الفراش عنها وإيثار امرأة عليها وضربها ضربا مؤلما، وليس من الضرر منعها من الحمام وتأديبها على ترك الصلاة والتسري عليها والتزويج عليها.
ابن القاسم: وليس من الإضرار البغض لها وإنما هو الأذى بضرب أو إيصال شتم في غير حق أو أخذ مال أو المشارة. قاله في التوضيح. وقوله: "ولها التطليق بالضرر" أي ولابد أن تشهد البينة بأصله، ولا يشترط أن تشهد بينة بتكراره، ولهذا قال: ولو لم تشهد البينة بتكرره يعني أنه لا يشترط في تطليقها بالضرر أن تشهد بينة بوقوع الضرر منه لها أكثر من مرة، وإنما يشترط أن تشهد بوقوعه منه لها ولو مرة واحدة، وقيل ليس لها التطليق بالضرر حتى تشهد البينة بتكرره. قاله الشارح. وقوله:"ولها التطليق بالضرر" هو أن لا يعاشرها بالمعروف. واعلم أن المعاشرة بالمعروف من حقها عليه كما أن ذلك من حقه عليها، وقوله:"ولها التطليق بالضرر" أي لها ذلك مطلقا سواء اشترط عليه في العقد أن لا يضربها أو لم يشترط ذلك عليه، لكن إن اشترطت ذلك عليه في العقد كان لها تطليق نفسها من غير رفع للحاكم وإن لم يكن مشترطا في العقد، ففي افتقار تطليقها نفسها للرفع للحاكم وعدم افتقاره قولان، قيل لها ذلك من غير رفع كما لو اشترطته في ضقد نكاحها، وقيل لا تطلق نفسها إلا بعد الرفع للحاكم، وعلى أنه لابد من الرفع للقاضي فإن الحاكم يزجره ابتداء بما يقتضيه اجتهاده من توبيخ أو سجن أو غيره، فإن عاد لمضارتها قضي عليه بالطلاق، وإلى كهذا أشار في التحفة بقوله:
وحيثما الزوجة تثبت الضرر
…
ولم يكن لها به شرط صدر
قيل لها الطلاق كالملتزم
…
وقيل بعد رفعها للحكم
ويزجر القاضي بما يشاؤه
…
وبالطلاق إن يعد قضاؤه
وقوله: ويزجر بالنصب عطفا على قوله رفعها للحكم من باب قوله:
وإن على اسم خالص فعل عطف
…
نصبه أن ثابتا أو منحذف
أي قيل: لها أن تطلق نفسها من غير رفع كمن التزم لها ذلك عند العقد، وقيل إنما تطلق نفسها بعد الزجر والرفع معا، فإن عاد لإضرارها طلقت عليه، وقوله: كالملتزم أي كالتي التزم الزوج لها في العقد أنها تطلق إن أضر بها. والله سبحانه أعلم. ويثبت الضرر بشهادة البينة المعاينة له، وبالسماع الفاشي المستفيض على ألسنة الجيران والخدم وغيرهم، قال في التحفة:
ويثبت الإضرار بالشهود
…
أو بسماع شاع في الوجود
وذكر المص هذا في باب الشهادات، وقال عبد الباقي عند قوله "ولو لم تشهد البينة بتكرره" بل شهدت بأنه حصل لها منه مرة واحدة فلها التطليق بها على المشهور لخبر: (لا ضرر ولا ضرار
(1)
)، ولا يخالف هذا قوله:"وبتعديه زجره الحاكم" لأن الزجر حيث اختارت البقاء وما هنا حيث اختارت الفراق، ولهذا يعلم أنه لابد من إقامة البينة على الضرر هناك. قاله أحمد. أي ويجري هنا هل يطلقها الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم قولان، ودل قوله:"لها" أن لها الرضى به ولو محجورة ولو غير بالغ دون وليها، وكذا كل شرط فيه أمرها بيدها ليس لوليها قيام به إن رضيت. ذكره ابن عرفة. وقال الحطاب: وليس من الضرر منعها من الحمام والنزاهة، ثم قال: وقد تقدم الاختلاف فيمن يوقع هذا الطلاق هل الحاكم أو الزوجة في فصل العيوب. وكذلك إن أوقع أكثر من واحدة والله أعلم وسيأتي عند قول المص في باب الخلع: "ورد المال بشهادة سماع على الضرر" الكلام على شهادة السماع على الضرر. انتهى.
وعليهما الإصلاح يعني أن الحكمين يجب عليهما الإصلاح بين الزوجين قبل النظر في الطلاق؛ بأن يجتمع كل واحد من الحكمين بقريبه ويسأله عما نقم وما كره من صاحبة، ويقول له إن كانت لك حاجة في صاحبك رددناه إلى ما تختار منه ويكون ذلك منهما المرة بعد المرة ولا يلازمانهما، وعليهما أن يجتهدا في الإصلاح ما استطاعا قال تعالى:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} ، قال ابن عباس: إن يريدا إصلاحا يوفق الله بين الزوجين، وقيل يريد الزوجان.
(1)
الموطأ، كتاب النكاح، رقم الحديث، 31.
انتهى. فإن أصلحا بينهما وردا بعضهما إلى بعض ووفق الله بين الزوجين فقد حصل المقصود، وإن تعذر على الحكمين الإصلاح بين الزوجين فلا بد من أحد أمور ثلاثة، إما أن يكون هو المسيء، وإما أن تكون هي المسيئة، وإما أن يسيئا معا ويظهر ذلك أو يلتبس الأمر.
فإن أساء الزوج طلقا بلا خلع يعني أن الحكمين إذا نظرا في أمر الزوجين وتعذر عليهما الإصلاح بينهما ووجد الزوج هو المسيء بأن كان هو الذي حصل منه الإضرار لها فقط، فإنهما يطلقانها عليه مجانا أي بلا عوض يدفعانه له من عندها لا صداق ولا غيره، هذا إن أحبت الفراق. قاله عبد الباقي. وبالعكس ائتمناه عليها أو خالعا له بنظرهما يعني أنه إذا كانت هي المسيئة فقط فإن الحكمين يأتمنان الزوج على الزوجة أي يقرانه عليها حيث كان صالحا؛ بأن كان لا يتجاوز فيها الحق بعد ائتمانه عليها أو يخالعان له بنظرهما بأن يعطياه شيئا من مالها ولو زاد على قدر الصداق بنظرهما في قدر المخالع به وفي أصل الخلع، وهذا إن أحب الزوج الفراق واستوت المصلحة في الفراق والبقاء، فإن تعينت المصلحة في فعل أحدهما وجب فعله. قاله عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي عند قوله "بنظرهما" ما نصه: راجع لهما أي أنه إن كان النظر الائتمان فعلاه وإن كان النظر المخالعة خالعا له. انتهى. وقال الحطاب عند قوله "أو خالعا له بنظرهما" ما نصه: هذا زاده اللخمي، قال في تبصرته: وإن كان الظلم منها وكان لا يتجاوز الحق فيها اتتمناه عليها وأقرت عنده إلا أن يحب هو الفراق فيفرق ولا شيء لها من الصداق. انتهى.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: وهذا صريح في أن محل قوله: "أو خالعا له بنظرهما" إنما هو حيث أحب الزوج الفراق، فإن لم يحبه فهو قوله:"ائتمناه عليها" حيث لم يجاوز فيها الحق وإلا خالعا له بنظرهما، فالأقسام ثلاثة. والله سبحانه أعلم.
وإن أساءا يعني أنه إذا أساء الزوجان بأن حصلت الإساءة من كل منهما تساوت إساءتهما أم لا، وفي حكم إساءتهما معا ما إذا استمر الإشكال فلم يعلم المسيء منهما، فعليهما أن يصلحا بين الزوجين فإن أصلحا بينهما ووفق الله بينهما فالأمر ظاهر، وإن عجزا عن الإصلاح ورأيا الفراق نظرا، فهل يتعين عليهما الطلاق بلا خلع؟ أي مجانا بلا عوض تدفعه له وهو الذي تأول أبو عمران وغيره المدونة عليه، وليس مراده أن الطلاق يتعين عليهما وإنما المراد إذا أرادا أن يطلقاها
فلا يوقعاه إلا مجانا. قاله الشارح وغيره. أو لا يتعين عليهما ذلك بل لهما أي للحكمين أن يخالعا للزوج بأن يجعلا له عليها شيئا خفيفا من الصداق بالنظر؛ أي يفعلان ذلك على وجه النظر والسداد، وهو الذي تأول عليه الأكثر من الشيوخ المدونة.
وقوله تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، وأشار اللخمي إلى أن الإساءة إن كانت منهما على السواء أخذا له نصف الصداق ومنها أكثر أخذا أكثره ومنه أكثر فأقله، ويلغز بها فيقال: امرأة طلقت قبل الدخول في نكاح صحيح وكان لها ربع الصداق أو زيادة عليه أو أقل من النصف أو دون الربع. قاله الشبراخيتي.
وقال عبد الباقي عند قوله "تأويلان": وجميع ما للمص هنا يفيد أنه يجوز لهما الطلاق ابتداء ويعارض ما يأتي في القضاء من أن المحكم لا يحكم في الطلاق ابتداء؟ وجوابه أن هذا في حكمين بعثهما الحاكم للنظر في هذا الأمر الخاص بخلاف ما يأتي. انتهى. ولا يقدح في ذلك قوله بعد: "وللزوجين" إلخ فإن الحاكم لم يبعث لأن ما هنا الطلاق ليس مقصود بالذات بل أمر جر إليه الحال، وإنما المقصود بالذات الإصلاح وما يأتي الطلاق فيه مقصود بالذات، وفي الشبراخيتي: الجواب عن ذلك بأن ما يأتي في غير ما هنا لوروده بنص القرآن. انتهى.
وأتيا الحاكم فأخبراه ونفذ حكمهما يعني أن الحكمين إذا أكملا حكمهما فإنهما يأتيان الحاكم فيعلمانه بما ظهر لهما وما حكما به، وإذا أتياه وأعلماه بذلك فإنه ينفذ حكمهما أي يمضيه من غير تعقب له، ولابد له من أن ينفذه ولو
(1)
خالف مذهبه، وفائدة التنفيذ مع أنه ينفذ وإن لم يرض الحاكم رفع الخلاف، ولما جرى خلاف في رفع حكم الحكمين للاختلاف،
(2)
واتفق على أن حكم الحاكم يرفعه ظهرت فائدة تنفيذه ليصير رافعا للخلاف اتفاقا ويراد بتنفيذه حكمهما قوله: حكمت بما حكمتما به، وأما إن قال نفذت ما حكمتما به فلا يرفع
(3)
الخلاف. قاله القرافي. قاله الشيخ عبد الباقي.
(1)
في بعض النسخ وإن
(2)
لفظ عبد الباقي: للخلاف ج 4 ص 62.
(3)
لفظ عبد الباقي: فلا يرتفع.
وللزوجين إقامة واحد على الصفة قد مر أن الحاكم يبعث حكمين صفتهما ما مر من قوله: "وبطل حكم غير العدل وسفيه وامرأة؛ إلخ وغير ذلك وكذا الزوجان كما يفيده قوله: "ولو كانا من جهتهما"؛ وأشار بهذا إلى أن للزوجين أن يقيما حكما واحدا ويكون على الصفة المتقدم ذكرها في قوله "وبطل حكم غير العدل وسفيه وامرأة" إلخ، ويكون فعله كفعل الحكمين، وقوله: "وللزوجين" إلخ أي لهما ذلك من غير رفع للحاكم، وإنما جاز هنا واحد ولم يجز في الصيد إلا اثنان مع ورود النص باثنين فيهما؛ لأن جزاء الصيد حق لله فلم يجز إسقاطه وهذا حق الزوجين فلهما إسقاطه. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي عن التوضيح: وقد علمت أن فعله كفعلهما فيجري فيه قوله: "وإن أساء" إلخ، ويجري فيه أيضا قوله: ونفذ طلاقهما وإن لم يرض الزوجان". إلى غير ذلك.
وفي الوليين والحاكم تردد يعني أنه اختلف هل يجوز للوليين أن يقيما واحدا على الصفة المتقدمة كما للزوجين ذلك أو ليس لهما ذلك، وكذلك اختلف هل للحاكم أن يقيم حكما على الصفة المتقدمة أو ليس له ذلك وإلى الجواز فيهما أي في الوليين والحاكم ذهب اللخمي، وإلى المنع فيهما أي في الوليين والحاكم ذهب الباجي، وعلى المنع لو أقيم واحد وحكم لم ينقض، ومحل التردد فيما إذا كان المقام أجنبيا من الزوجين، قال عبد الباقي: وكذا فيما يظهر إن كان قريبا لهما قرابة مستوية، وأما إن كان قريبا لأحدهما فقط أو لأحدهما أقرب فيمنع اتفاقا، وكذا إن كان قريبا للحاكم. انتهى.
وقال الشبراخيتي: وفي جواز إقامة الوليين إذا كان الزوجان محجورين، ومعناه إذا قامت الزوجة بالضرر ولو رضيت سقط مقال وليها ولو كان أبا، ثم قال: وعلى القول بمنع إقامة الواحد لو أقيم وفعل لم ينقض حكمه كما في الحطاب عن عبد الملك. انتهى. وقال الحطاب عند قول المص "وللزوجين إقامة واحد على الصفة وفي الوليين والحاكم تردد" ما نصه: فهم من هذا أن للجميع إقامة الحكمين وهو كذلك على المشهور. انتهى. وقال الشبراخيتي: ابن عرفة: قلت: ففي منع الاقتصار على بعث واحد مطلقا وجوازه إن كان أجنبيا مطلقا ثالث الطرق: يجوز مطلقا
للزوجين معا فقط لابن فتحون واللخمي والباجي، وقول ابن الحاجب: ويجوز أن يقيم الزوجان أو الوليان خاصة واحدا على الصفة لا على غير الصفة غير الجميع
(1)
). انتهى.
حاصل مفاد كلام ابن عرفة أنه يجوز للزوجين إقامة واحد على الصفة حيث كان أجنبيا باتفاق الطريقة الثانية والثالثة، وصريح كلامه أنه يجوز للزوجين على الثالثة إقامته ولو قريبا، فقد اتفق طريقان على جواز إقامة الزوجين واحدا على الصفة حيث كان أجنبيا ولم يقع اتفاق طريقين على جواز إقامة الوليين والحاكم واحدا ولو أجنبيا، وعلى هذا فلا يتوجه على المص أن يقال لم اقتصر في الزوجين على جواز إقامة واحد وحكى التردد في الوليين والحاكم، وهو مخصوص بما إذا كان المقام أجنبيا، فإن كان قريبا فاتفقت الثلاثة على المنع إن كان المقيم غير الزوجين، وقوله: غير الجميع؛ أي غير الطرق الثلاثة أي خارج عن النقل وليس في المذهب غير الطرق الثلاثة، واقتصر المص على جواز إقامة الزوجين واحدا على الصفة لموافقته لنص المدونة. انتهى.
وقد مر جواب التوضيح عن جواز إقامة واحد على الصفة هنا وعدم جوازه في جزاء الصيد مع ورود نص القرآن باثنين فيهما، وأجاب اللخمي بأن حاكم الزوجين بإقامة القاضي وحاكم الصيد بإقامة المطلوب، فلزم تعدده لنفي تهمته ولأن المحكوم له في الزوجين له خصم ليس هو في الصيد، وقوله:"وللزوجين إقامة واحد" إلخ قال الإمام الحطاب: وأما الأمينة فلا يحكم بها على المشهور. انظر التوضيح. وقال في الشامل: ولا يعمل بأمينة على المشهور. انتهى. وقال ابن عرفة: ولا يقضى بإسكان أمينة معهما. ورأيت لقرعوس بن العباس أنه يقضى بذلك والأول أظهر وأشهر إلا أن يتفق الزوجان عليها وتكون نفقتها عليهما. انتهى. قاله الحطاب. وقال: قال ابن عرفة: إنما يبعث الحكمين الحكام أو الزوجان أو آباؤهما إن كانا محجورين، ثم قال قلت: معنى البعث والزوجان محجوران أن الزوجة قامت بالضرر، ولو رضيته سقط مقال وليها ولو كان أبا، قال ابن فتوح: وكذا كل شرط [فيه فأمرها]
(2)
بيدها. انتهى.
(1)
في الشبراخيتي ج 2 مخطوط: غير الجميع وحاصل إلخ.
(2)
في النسخ فيها أمرها والمثبت من الحطاب ج 4 ص 396 ط دار الرضوان.
ولهما إن أقاماهما الإقلاع يعني أن الزوجين إذا أقاما الحكمين من جهتهما فلهما أن يرجعا عن تحكيمهما وكذا لأحدهما ذلك، وإنما يكون لهما ذلك ما لم يستوعبا أي يستكملا الكشف عن أمر الزوجين حتى علماه، ويعزما على الحكم بوقوع الطلاق، وأما إن استوعبا الكشف وعزما على أنهما يحكمان بالطلاق فإنه ليس لأحدهما، ولا لهما معا أن يرجعا عن التحكيم ولو رضيا بالبقاء، وقال ابن يونس: ينبغي إذا رضيا معا بالبقاء أن لا يفرق بينهما، وأما لو كان الحكمان موجهين من جهة السلطان فليس للزوجين الرجوع عن تحكيمهما وإن لم يستوعبا الكشف كما في المواق. قاله عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي: ولهما على تقدير مضاف أي ولأحدهما وأحرى هما، ثم قال: ومفهوم الظرف وهو ما من قوله: "ما لم يستوعبا" إلخ أنهما لو استوعبا الكشف وعزما على الحكم أنه ليس لأحدهما الإقلاع أي الرجوع، وأما هما معا فلهما ذلك، وقوله:"ولهما" إلخ مبني على أحد الترددين الآتيين في باب القضاء من أنه يشترط دوام الرضى في التحكيم للحكم، فكلامه مجمل يفصله ما سيأتي. انتهى.
فإن طلقا يعني أن الحكمين إذا اتفقا على أنهما يوقعان الطلاق، ولكن اختلفا في المال فقال أحدهما طلقت بمال وقال الآخر طلقت بغير مال، أو قال أحدهما طلقنا معا بمال وقال الآخر بغير مال: فإن التزمت المرأة المال وقع الطلاق كما نص عليه الجواهر، وإن لم تلتزمه أي المال المرأة فإنه يعود المال كما كان ولا طلاق، وأما اختلافهما في الجنس والصفة فخلع المثل إلا أن يزيد عنهما أو ينقص فأقربهما له. قاله الشيخ الأمير.
وقال الشيخ عبد الباقي: واختلافهما في القدر يوجب له خلع المثل، ولو حكم أحدهما بالطلاق والآخر بالبقاء لم يلزم شيء، وفي الحطاب: وإذا حكم أحدهما بالفراق ولم يحكم الآخر لم يلزم شيء. قاله في المدونة. وقوله: "فإن لم تلتزمه فلا طلاق" أي لأن مجموعهما قائم مقام الحاكم، ولا وجود للمجموع مع انتفاء بعض أجزائه.