المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رب يسر ولا تعسر … يا ميسر كل عسير   ‌ ‌باب: في - لوامع الدرر في هتك استار المختصر - جـ ٧

[محمد بن سالم المجلسي]

فهرس الكتاب

رب يسر ولا تعسر

يا ميسر كل عسير

‌باب: في الطلاق

وأصله في اللغة الانطلاق والذهاب، مأخوذ من قولك: أطلقت الناقة فطلقت إذا أرسلتها من عقال، فكأن ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق، ويدلك على ذلك قول الناس هي في حبالك إذا كانت تحتك، وقال الجوهري: وطلق الرجل امرأته تطليقا وطلقت هي بالفتح تطلق بضم اللام طلاقا فهي طالق وطالقة، قال الأخفش: لا يقال طلقت بالضم. انتهى. وأما حقيقته في الشرع فقال ابن عرفة: الطلاق صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجب تكررها للحر مرتين ومرة لذي رق حرمتها عليه قبل زوج. وفي الحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق

(1)

)، وفيه: إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات أي السريع النكاح السريع الطلاق، واستشكل الحديث الأول بإباحة الله تعالى له وبفعله عليه الصلاة والسلام، فكيف يوصف بالبغض فضلا عن كونه أبغض؟ وأجيب: بأن محمل كونه أبغض أنه أقرب الحلال إلى البغض فنقيضه أبعد عن البغض، فيكون أحل من الطلاق، (وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه طلق حفصة بنت عمر ثم راجعها

(2)

)، وطلق العالية بنت ظبيان وهي كان يقال لها أم المساكين، ونكحت في حياته قبل أن ينزل عليه تحريم نسائه. وأول من طلق إسماعيل صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه، واعلم أن الأصل في الطلاق الجواز، ومنه إذا كانت الزوجة غير مؤدية حقه عند اللخمي، وقال ابن بشير: يندب في هذه الحالة كما إذا كانت غير صينة ولم تتعلق بها نفسه، ويكره إن كان كل منهما مؤديا حق صاحبه، ويجب إن فسد ما بينهما ولا يكاد يسلم دينه معها، ويحرم إن خيف من وقوعه ارتكاب كبيرة، ووقوع الطلاق منه صلى الله عليه وسلم لسبب رجحه كالتشريع. وقال الشبراخيتي: الطلاق لغة إزالة القيد كيف كان، ومنه لفظ مطلق ووجه طلق بكسر اللام وسكونها وطليق وحلال طلق بكسر الطاء وانطلقت بطنه وأطلق من السجن وانطلق إلى كذا، وشرعا قال ابن عرفة صفة حكمية ترفع حلية إلخ.

(1)

سنن أبي داوود، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2178.

(2)

سنن أبي داوود، كتاب النكاح رقم الحديث، 2283.

ص: 1

واعلم أن الطلاق على نوعين: طلاق بعوض وطلاق بغير عوض، والطلاق بعوض هو الخلع، ولما جرى ذكر الخلع في فصل القسم أعقبه المص بذكر الخلع، والخلع لغة: النزع، مأخوذ من خلع الثوب بفتح الخاء؛ لأن كلا من الزوجين لباس للآخر في المعنى، قال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} ، فكأنه بمفارقته الآخر نزع لباسه وضم مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي.

وأول خلع وقع في الإسلام بين حبيبة بنت سهل الأنصاري وبين زوجها ثابت بن قيس، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج لصلاة الغداة وجدها عند بابه، فقال من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل: فقال: ما شأنك؟ فقالت: لا أنا ولا ثابت ابن قيس؛ أي لا أنا أوافقه ولا هو يوافقني، وفي رواية أنها قالت: يارسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها، ولولا مخافة الله لبزقت في وجهه، وفي رواية أنه كان ضربها وكسر يدها فلما جاء زوجها للمسجد، (قال له عليه الصلاة والسلام: هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر، فقالت حبيبة يارسول الله صلى الله عليك وسلم: كل ما أعطاني عندي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ منها، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم وإن شاء زدته ففرق بينهما وجلست في أهلها

(1)

). انتهى.

وأشار المؤلف إلى حكم الخلع بقوله: جاز الخلع يعني أن الخلع جائز من غير كراهة على المشهور خلافا لابن القصار القائل بكراهته والحجة للمشهور قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} ، قال الشارح: المذهب جوازه يعني الخلع كما قال، ونقله اللخمي وابن يونس والباجي وابن زرقون وغيرهم عن مالك، لقوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ، ولما في الموطأ من (حديث حبيبة زوجة ثابت بن قيس) فلولا أنه جائز لما أباح له عليه السلام الأخذ منها، وذهب ابن القصار إلى أنه مكروه وهو ظاهر كلام ابن رشد في المقدمات؛ إذ ذكره في قسم الطلاق البدعي. انتهى.

وعرف المؤلف الخلع بقوله: وهو الطلاق بعوض يعني أن الخلع هو أن يطلق الزوج وتعوضه المرأة مالا على طلاقها، والطلاق في الشرع حل عقدة التزويج، وقد تقدم تعريف ابن عرفة له، والطلاق

(1)

الموطأ، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 31.

ص: 2

لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره، ومحل جواز الخلع ما لم تلجأ المرأة إلى الفداء بسبب إضراره بها وإلا فلا يجوز له أخذ الفداء حينئذ لقوله تعالى {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ، ولم يعرف ابن عرفة الخلع، قال الرصاع: وقع لبعض الشيوخ من قال وهذه أنه عرفه بقوله: عقد معاوضة على البضع تملك به المرأة نفسها ويملك به الزوج العوض، قال: وهذا صواب جار على قاعدة الشيخ في رسم العقود، ثم ذكر أن الأنسب بتعريفه الطلاق الأعم من الخلع أن يقال في رسم الخلع هنا: صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بسبب عوض على التطليق، ولكون الخلع يطلق على معنيين على المعنى الناشئ عن العقد وعلى العقد صح حده على المعنيين.

واعلم أن كلا من التعريفات الثلاث للخلع أعني تعريف المص وتعريف بعض الشيوخ من تلامذة ابن عرفة يرد عليه عدم شمول كل منها للطلاق بلفظ الخلع، وأجاب ابن عاشر بأن العوض فيه تقديرا لأنهم عللوها بأن الخلع يستلزم عوضا لكنه لم يطالبها به على معنى الهبة، قال: ويحتمل أن تكون هذه المسألة ذات عوض محقق؛ لأن من لازم كونها خلعا جريان أحكام الخلع فيه ومن جملتها سقوط النفقة أيام العدة، وأجيب أيضا عن المص بأنه حذف منه أو بلفظ الخلع بعد قوله: بعوض بقرينة ما يأتي. انظر الشبراخيتي.

واعلم أن الرسم يجب اطراده وانعكاسه أي كونه مانعا جامعا، وفي كلام عبد الباقي عن أحمد نظر، وقوله:"وهو الطلاق بعوض" يشمل ما إذا كان العوض من مالها وما إذا كان من حق لها عليه من صداق ونفقة حمل وكراء مسكن العدة، فأطلق لفظ الخلع على ما يشمل المبارأة والفدية والخلع، وفي المدونة ما الخلع وما المبارأة وما الفدية، قال مالك: المبارئة التي تباري زوجها قبل البناء تقول خذ الذي لك وتاركني، والمختلعة التي تختلع من كل الذي لها، والمفتدية التي تعطيه بعض الذي لها وكلها سواء ولا مشاحة في الاصطلاح، ولابن عاصم رحمه الله:

والخلع جائز والافتداء

فالافتداء بالذي تشاء

والخلع باللازم في الصداق

وحمل أو عدة أو إنفاق

ص: 3

وليس للأب إذا مات الولد

شيء وذا به القضاء في المدد

قال الشيخ ميارة: فسر الافتداء بأنه افتداء الزوجة ببعض مالها، وفسر الخلع بأنه الافتداء باللازم في الصداق وبمؤنة حمل وخروج عدة وإنفاق على ولد، وهذا الفرق مجرد اصطلاح لأهل كتب الأحكام، ومعنى قوله: وليس للأب إذا مات إلخ أنه إذا مات الولد الذي التزمت الزوجة الإنفاق عليه قبل انقضاء المدة التي التزمت النفقة فيها فلا يجب لأبيه بعد موته شيء على ما جرى به القضاء في هذه الأزمنة، قال في القرب: قلت له فما المبارأة وما الخلع وما الفدية؟ قال: المبارأة أن تقول المرأة لزوجها قبل البناء خذ ما أعطيتني واتركني، والخلع أن تختلع بكل الذي لها، والمفتدية أن تفتدي ببعض وتمسك بعضا. انتهى.

وقوله: "وهو الطلاق" هذا هو المشهور أن الخلع طلاق وقيل فسخ، قال ابن عرفة: كان شخص يقال له النحاس له في امرأته طلقتان فخالعها ثم ردها قبل زوج بناء على أن الخلع فسخ ففرق بينهما ولم يحد للشبهة. انتهى. نقله الحطاب.

تنبيه: للزوج إن شتمته الزوجة مثلا أن يؤذيها لتفتدي لا إن زنت وندب فراقها. قاله الشيخ الأمير. وقد قال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} .

وبلا حاكم يعني أن الخلع يجوز عند الحاكم وغيره فلا يحتاج إلى حكم حاكم، قال في المدونة: والخلع المبارأة عند السلطان وغيره جائز. انتهى. قال أبو الحسن: خلافا للحسن وابن سيرين. انتهى. قاله الحطاب. وقوله: "وبلا حاكم" عطف على محذوف تقديره بحاكم وهو حال من الخلع؛ أي جاز الخلع حال كونه كائنا بحاكم وبلا حاكم، ونص عليه ردا لقول ابن سيرين: إنه إنما يكون عند الحاكم كما مر. والله سبحانه أعلم.

وبعوض من غيرها يعني أنه لا فرق في العوض الذي يأخذه الزوج عن إرسال العصمة بين أن يكون من الزوجة وبين أن يكون من غيرها، أجنبيا أو وليا، وقوله:"بعوض" عطف على قوله: بعوض، ويقيد بكونه منها أي أن الخلع هو الطلاق بعوض من المرأة وبعوض من غيرها، وهو من

ص: 4

تمام التعريف أي لا فرق بين المسألتين فكل منهما خلع. قاله غير واحد. ولو اقتصر على قوله: "وهو الطلاق بعوض" أغناه عن هذا. والله سبحانه أعلم.

تنبيهات: الأول: أركان الخلع خمسة: القابل والموجب والعوض والمعوض عنه والصيغة، فالقابل الملتزم العوض، والموجب زوج أو ولي صغير، والعوض الشيء المخالع به، والمعوض عنه بضع الزوجة، والصيغة خالعتك ونحوه.

الثاني: نبه بقوله "بعوض" على أنه معاوضة لا عطية فلا يحتاج إلى حوز، فلو أحال عليها الزوج فماتت أخذ من تركتها على المشهور. قاله الشبراخيتي. وقوله: فلو أحال عليها إلخ هذا ليس بشرط فله أن يرجع في تركتها ولو لم يحل عليها أحدا لأنها معاوضة كما قال. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه.

الثالث: قد مر أن قوله: "هو الطلاق بعوض" يشمل المبارأة والفدية والخلع صرح بذلك الشبراخيتي، قال: ونبه بقوله "الطلاق" على خلاف ابن عباس وغيره أنه فسخ، ولهذا لو خالع بعد طلقتين ثم تزوجها قبل زوج لا يحد لخلاف ابن عباس.

إن تأهل يعني أنه يشترط في دافع المال الذي وقع عليه الخلع زوجة أو غيرها أن يكون متأهلا لالتزام المال بأن يكون غير محجور عليه، قال ابن عرفة: باذل الخلع من صح معروفه.

والحاصل أنه يشترط في لزوم العوض لدافعه أن يكون غير محجور عليه، فالشرط في الحقيقة إنما هو في لزوم المال لدافعه لا في البينونة كما ستقف عليه إن شاء الله، وظاهر المص كغيره لزوم العوض للأجنبي المخالع، سواء قصد مصلحة أو درء مفسدة أو قصد إسقاط نفقة المرأة في المعدة عن الزوج أو لم يقصد ذلك وهو ظاهر المدونة أيضا، فيلزم المال الخالع به ولا يرد، ولو كان الأجنبي قصد ضرر الزوجة بذلك بأن قصد إسقاط نفقة عدتها، قال ابن عبد السلام: ولا ينبغي أن يختلف في منع هذا ابتداء، وفي انتفاع الطلق به بعد وقوعه نظر، قال الإمام الحطاب: أما المنع من ذلك ابتداء فلا إشكال فيه، وأما إذا وقع الطلاق فالظاهر لزومه وسقوط النفقة؛ إذ لا إشكال في بينونته وأهل المذهب كلهم مصرحون في باب النفقة بأن البائن لا نفقة لها، قال في المدونة: وكل مطلقة

ص: 5

لها السكنى وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان ونحوه فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين، فذلك لها ما أقامت حاملا خلا الملاعنة. انتهى.

قال أبو الحسن: لأن النفقة إنما هي عوض عن الاستمتاع فلما عدم لم تكن لها نفقة، ووجبت نفقة الرجعية لأنه لما كان متمكنا من الرجعة أشبه من هو متمكن من الوطء. انتهى. وقال ابن عرفة: باذل الخلع من صح معروفه والذهب صحته من غير الزوجة مستقلا، قلت: ما لم يظهر قصد ضررها بإسقاط نفقة العدة فينبغي رده، كشراء دين العدو، وفيها: من قال لرجل طلق امرأتك ولك علي ألف درهم ففعل لزم ذلك الرجل. انتهى. نقله الحطاب. وقال قول ابن عرفة: ينبغي رده إن أراد قبل أن [يقع]

(1)

الطلاق فظاهر وإطلاق الرد مجاز وإن أراد بعد وقوع الطلاق وأنه يرتفع الطلاق فغير ظاهر. والله سبحانه أعلم. انتهى. وقال الأمير: وجاز من الغير من ماله ظاهر المشهور ولو قصد إسقاط نفقتها وقيل يعامل بنقيض القصد في ذلك. انتهى.

والحاصل من كلامهم هنا أن الخلع ماض والعوض لازم للأجنبي مطلقا وتسقط النفقة، وهذا شامل لما إذا خالعها ليتزوجها وكلام عبد الباقي هنا غير صحيح. والله سبحانه. أعلم.

فرع: قال أبو الحسن: إذا أتى الأجنبي إلى الزوج قبل أن يطلق، فقال له: لا تفعل فقد بدالي فذلك له. قاله الحطاب. وأشار المؤلف إلى مفهوم قوله: "إن تأهل" بقوله: لا من صغيرة أفاد بهذا وما بعده عدم اختصاص شرط التأهل بالأجنبي؛ يعني أن الخلع لا يجوز ولا يصح من الصغيرة أي التي لم تبلغ، بمعنى أنه لا يملك الزوج ما خالعته به بل يرده الزوج لها.

وسفيهة: يعني أن السفيهة إذا خالعت زوجها فإن ذلك لا يجوز ولا يصح، بمعنى أنه لا يملك ما خالعته به بل يرده لها فعدم الجواز مستفاد منه بجعله مقابلا للجائز، وكونه لا يصح مستفاد من قوله:"ورد المال" أشار له الشبراخيتي.

قال الإمام الحطاب: أما السفيهة المولى عليها فالمنصوص فيها ما ذكره المص، وأما المهملة فذكر فيها في التوضيح ثلاثة أقوال، قال الرجراجي في شرح المدونة: المشهور أن ذلك لا يجوز ولذلك -والله أعلم- أطلق في السفيهة أي سواء كانت ذات أب أو وصي أو مقدم القاضي أو مهملة لا يصح خلعها، وهذا إذا صالحت دون إذن وصيها، أما إن أذن لها وصيها فيصح الخلع. انتهى. وقال

(1)

في النسخ يقول، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 398 ط دار الرضوان.

ص: 6

الشارح: وما ذكره المص في الصغيرة هو المشهور. المتيطى: وبه العمل. ابن اللباد: وهو المعروف، ولابن القاسم إن بنى بها وكان الذي أخذه منها مما يصالح به مثلها نفذ الخلع وإلا فلا، قال في الطرر: وبه العمل واختار اللخمي الإمضاء إن كان الفراق لها أحسن وإلا رد المال ونفذ الطلاق.

واختلف في خلع السفيهة غير المولى عليها هل يمضي أم لا؟ بناء على [أن]

(1)

الرد للحجر أو للسفية، ولسحنون يمضي خلع السفيهة المبالغة دون الصغيرة. انتهى. قوله: واختلف في خلع السفيهة غير المولى عليها، قال الشبراخيتي: فيه نظر لأن الخلاف بين ابن القاسم ومالك في الذكر خاصة، وأما الأنثى فلابد من دخول الزوج بها وشهادة العدول على صلاح حالها.

وذي رق يعني أنه لا يجوز للزوج أن يطلق زوجته الأمة على مال تدفعه له بغير إذن سيدها، ولا يصح إن وقع بمعنى أنه يرد المال كما تراه قريبا إن شاء الله تعالى، وقوله:"وذي رق" أي شخص ذي رق فيصدق بالأنثى، وقوله:"ذي رق" أي من ينتزع مالها فللسيد رده فيها لا فيمن لا ينتزع مالها كمدبرة وأم ولد خالعتا في مرض السيد فيوقف ما خالعتا به، فإن مات من مرضه ذلك صح في أم الولد وكذا المدبرة إن خرجت حرة، وإن صح فله رده فيهما وصح خلع المعتقة لأجل مع قرب الأجل لا إن بعد فللسيد رده. وقد مر الكلام على بيان قرب الأجل عند قول المص:"أو يقرب الأجل" وإذا اختلعت المكاتبة بكثير رد ولو أذن لها السيد في ذلك إذ لا يعتبر إذنه لتأدية خلعها بكثير لعجزها، فإن اختلعت بيسير بإذنه مضى وبغير إذنه وقف، فإن أدت صح وإن عجزت فله رده، وللمأذون لها في التجارة خلع بإذنه وإلا فله رده على الراجح، خلافا لمن قال إن إذنها في التجارة إذن لها في الخلع ولا يضمنه سيد بإذن في خلع كما في التتائي عن ابن شأس، وقياسا على قوله:"ولا يضمنه سيد بإذن التزويج"، وعدل عن ذات رق لذي رق باعتبار كونه صفة لشخص للاختصار، ولا يشمل الذكر حتى يعترض به على المص؛ لأن الكلام في الزوجات، وأما المبعضة فقال الأمير: ما ملكته ببعض الحرية يمضي إذ ليس للسيد انتزاع في ذلك. انتهى.

(1)

ساقطة من النسخ والمثبت من بهرام الأوسط ج 4 ص 104.

ص: 7

ومقتضاه أن ما ملكته بالبعض الآخر للسيد انتزاعه فله رده. والله سبحانه أعلم. وهو خلاف ما قدمته عن الشبراخيتي عن ابن الحاجب من أن صداق المبعضة لها لا بينها وبين سيدها، بخلاف أرش جناية عليها فبينهما. انتهى. وانظر الكلام على من ينتزع ماله من الرقيق ومن لا ينتزع عند قول المص:"وتمتع بغير دبر". وانظر الكلام أيضا هناك على من يباح للسيد الاستمتاع بها من الإماء ومن لا يباح.

وقال الشبراخيتي: والظاهر أن الخلع من المبعضة يمضي إذ ليس للسيد تسلط على مالها، وأما المأذون لها في التجارة فليس لها المخالعة لعدم انتفاع السيد بذلك، وحكى الأبياني الاتفاق عليه. انتهى.

وقال الشبراخيتي: والحاصل أن ذات الرق إذا خالعت بإذن سيدها مضى الخلع إلا المكاتبة إذا خالعت بكثير فإن إذنه لها بالمخالعة كعدمه، فيرد إن اطلع عليه قبل أدائها وإن خالعت بغير إذنه، فإن كان ينتزع مالها كالقن التي ليس فيها شائبة حرية وأم الولد والمدبرة إذا لم يمرض السيد فيهما والمعتقة لأجل إذا لم يقرب الأجل فإنه ليس لها المخالعة ويبطل الخلع، وإن كان لا ينتزع مالها فإن كانت معتقة لأجل وقرب الأجل أو كانت مبعضة فلا كلام للسيد فيما فعلاه

(1)

)، وإن كانت أم ولد أو مدبرة ومرض سيدهما فإنه يوقف ما وقع به الخلع، فإن مات السيد صح الخلع لكن في المدبرة إن خرجت حرة وإن صح السيد فله رده، وإن كانت مكاتبة فإن كان

(2)

ما خالعت به يسيرا وقف ما فعلته أيضا، فإن أدت مضى فعلها وإن عجزت فللسيد الرد، وإن كان كثيرا فلها رده والظاهر أن سيدها كذلك، وأما المأذون لها في التجارة فليس لها خلع إلا بإذن السيد، فإن فعلت بغير إذنه فله رده على الراجح، ويبقى النظر فيما إذا وقع الخلع ممن ذكر ولم يطلع السيد على ذلك حتى قرب الأجل في المعتقة لأجل ومرض السيد في أم الولد والمدبرة، فهل يعتبر وقت الخلع أو وقت الاطلاع؟ انتهى. كلام الشبراخيتي.

(1)

كذا في النسخ.

(2)

في النسخ: كانت والمثبت من الشبراخيتي ج 2 مخطوط.

ص: 8

ورد المال يعني أن الزوج إذا خالعته زوجته الصغيرة أو السفيهة أو ذات الرق على مال على ما مرت فإن ذلك الخلع لا يجوز ويرد المال الذي خالعن به أي يقضى على الزوج برد المال الذي أخذه عن إرسال العصمة في الصغيرة والسفيهة وذات الرق.

وبانت يعني أن كلا من الثلاث تبين مع وجوب رد المال ولا تتبع به الأمة إن عتقت، فإن راجع في إحدى هذه الثلاث ظانا أنه رجعي أو مقلدا لمن يراه رجعيا فرق بينهما ولو بعد الوطء وهو وطء شبهة، وهذا ما لم يحكم بصحته حاكم يرى هذا الطلاق رجعيا وإلا صح؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ومحل البينونة في الثلاث حيث لم يعلق الطلاق على صحة البراءة بأن لم يعلق أصلا أو علق بعد وقوع الخلع، وأما إن قال لصغيرة أو سفيهة أو ذات رق إن صحت براءتك لي فأنت طالق، فقالت أبرأتك فلا يقع عليه طلاق حيث لم يُجِز وليها براءتها، بخلاف ما لو قال بعد أن خالعها إن لم يتم لي ما خالعت به لم يلزمني خلع فلا ينفعه ذلك على المذهب؛ لأنه رافع بعد وقوع الخلع خلافا للبرزلي، ولو قال للمالكة أمر نفسها أي الرشيدة: أنت طالق إن أبرأتني من كذا فأبرأته لزم الطلاق ووقع بائنا ولا رجوع لها عن إبرائها، ومن صالح زوجته على شيء واشترط عليها أنه إن لم يكن أصل هذا الصلح جائزا فله الرجعة عليها، ثم تبين أن ذلك الصلح لا يجوز فيبطل الشرط ولا رجعة له عليها، وإنما بطل الشرط لأن الشرع قد حكم أن المرأة تبين من زوجها بالصلح كان جائزا أو غير جائز، فاشتراطه أن تكون له الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا لا يجوز له؛ لأنه مخالف حكم الشرع، مثال ذلك ما لو صالحها على أن ترضع ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك فإن ماتت فأبوها ضامن لنفقته، واشترط عليها إن لم يكن أصل هذا الصلح جائزا

(1)

فله الرجعة فهذا باطل ولا يصلح في صلح رجل وامرأة أكثر من الرضاع، ومن خالع زوجته على أنها إن كانت حاملا فلا خلع لها وإن لم يكن حمل فذلك خلع، قال الإمام مالك: بانت منه كانت حاملا أو غير حامل، ومن خالعها في سفر على أنه إن مات قبل أن يبلغ بلده فما أخذ رد فمات في سفره فالشرط باطل والصلح ماض ولا يتوارثان، ومن خالع زوجته على أنها إن طلبت ما أعطته أو خاصمته عادت زوجته لم ينفعه ولا رجعة، وإن

(1)

في النسخ جائز والمثبت من الحطاب ج 4 ص 399 ط دار الرضوان.

ص: 9

ظنا أن ذلك يلزم فعادت تحته بذلك ووطئها فليفارقها ولها ما رد إليها صداقا، ولو صالحته بعد ذلك بشيء أعطته وقد حملت أو على براءته من نفقة الحمل والرضاع فهذا الصلح باطل ويرد لها ما أخذ ولها النفقة وله أن يتزوجها بعد أن تضع وإن لم تحمل فبعد الاستبراء. قاله الحطاب. وفي الحديث: (من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط

(1)

). نقله الحطاب.

وجاز من الأب عن المجبرة يعني أن الأب يجوز له أن يخالع عن ابنته التي لو تأيمت لجبرها. فيخالع لها من مالها حيث كانت المصلحة في خلعها متعلقة بالمال، وما تقدم من أن النظر لها فإنما هو فيما يتعلق بضرر ذاتها ولوازم عصمتها، ومثل الأب السيد في مجبرته، ومفهوم قوله:"عن المجبرة" أن غير المجبرة لا يجوز للأب أن يخالع عنها إلا بإذنها وهو كذلك.

بخلاف الوصي يعني أن الوصي غير المجبر لا يجوز له أن يخالع عمن أوصي عليها من مالها بغير إذنها. وأما بإذنها. فيجوز وهذا في التي لو كان لها أب وتأيمت لجبرها، وأما الوصي المجبر فيجوز له أن يخالع عنها من مالها بغير إذنها. وفي المدونة: وللأب أن يخالع عن ابنته الصغيرة وإن كان على إسقاط جميع المهر، وليس للوصي أو غيره أن يخالعها من زوجها بخلاف مبارأة الوصي عن يتيمه، والفرق بينهما أن الوصي يزوج يتيمه ولا يستأمره ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها، وكذا له أن يبارئ عن يتيمه ولا يستأمره ولا يبارئ عن يتيمته إلا بإذنها. انتهى. وظاهر كلام الرجراجي أنه لا خلاف في جواز خلعه عنها برضاها، وقال ابن عرفة: وفي خلع الوصي عن يتيمته دون إذنها ثالثها إن لم تبلغ ثم قال: فالأرجح عقده على الوصي برضاها لا عليها بإذنه. انتهى.

ويتحصل من كلامهم هنا أن قوله: "وجاز من الأب عن المجبرة" هو فيمن لو تأيمت لجبرها وذلك البكر غير المرشدة والثيب الصغيرة، وأن قوله:"بخلاف الوصي" جار في البكر والثيب الصغيرة، فيجري فيمن لو تأيمت وكان لها أب لجبرها هذا إذا لم يكن الأب أمره بالجبر، وأما لو أمره بالجبر فيخالع عنها بغير إذنها لجبره لها لو تأيمت، فلو قال: وجاز من المجبر عن مجبرته لكان أحسن لشموله للأب والسيد والوصي. والله سبحانه أعلم.

(1)

صحيح البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث، 2155. بلفظ: وإن اشترط مائة شرط. وفى بعض رواياته

وإن كان مائة شرط.

ص: 10

قال في المتيطية: قال ابن لبابة: ولو كان الأب فوض إلى الوصي العقد قبل البلوغ وبعده لوجب أن يبارئ عنها في قياس قوله. انتهى. قاله الحطاب. ومر أن الوصي يخالع عنها برضاها، وأما الرشيدة فلا كلام لأحد معها أبا أو وصيا أو غيرهما، وأما الثيب البالغة السفيهة فسيأتي أن في خلع الوصي عنها برضاها روايتين. انظر حاشية الشيخ بناني. هذا هو تحرير المسألة والله أعلم. ونقل الحطاب أن السيد لا يجوز له أن يفعل بعبده فعلا يؤدي إلى فسخ نكاحه.

وفي خلع الأب عن السفيهة خلاف يعني أن الشيوخ اختلفوا في جواز خلع الأب عن الثيب البالغ السفيهة بغير إذنها من مالها وهو قول ابن أبي زمنين وابن لبابة: جرت الفتوى من الشيوخ بجواز ذلك ورأوها بمنزلة البكر ما دامت في ولايته على المشهور. اللخمي: وهو الجاري على قول مالك في المدونة وَمَنَعَ خلعه عنها وهو لابن العطار وابن الهندي وغيرهما من الموثقين، قالوا: لا يجوز ذلك إلا بإذنها. ابن رشد: وهو المعمول به. ابن عبد السلام: وهو أصل المذهب ومحل الخلاف في خلع الأب عنها من مالها بغير رضاها، وأما من مال لأب أو من مالها برضاها فجائز وليس من محل الخلاف، ومحل الخلاف أيضا فيمن في ولايته، وأما من ليست في ولايته كما لو طرأ عليها السفه بعد الرشد فليست من محل الخلاف. والله تعالى أعلم.

وكما اختلف في خلع الأب عن السفيهة الثيب البالغ من مالها بغير رضاها اختلف في خلع الوصي عنها برضاها، وفي ذلك روايتان لابن القاسم والقياس المنع في الجميع، ولابن عاصم رحمه الله:

والبكر ذات الأب لا تختلع

إلا بإذن حاجر وتمنع

وجاز إن أب عليها أعمله

كذا على الثيب بعد الإذن له

ولو عقد الخلع على يتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي ودفعا العوض من مالها فلها الرجوع على زوجها والطلاق ماض، وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن ذلك أم لا؟ في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يرجع عليه وإن لم يضمن له لأنه أدخله في الطلاق وهو قول ابن

ص: 11

القاسم وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة وقول أصبغ في الواضحة والعتبية، الثاني أنه لا رجوع له عليه إلا أن يلتزم له الضمان وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب إرخاء الستور من المدونة وقول ابن حبيب، الثالث أنه إن كان أبا أو ابنا أوأخا أو له قرابة للزوجة فهو ضامن وإلا فلا وهو قول ابن دينار. قاله الحطاب.

وقال: الظاهر من كلامهم أنه لا خلاف في وقوع الطلاق بائنا، فلو راجعها الزوج معتقدا أن ذلك الطلاق رجعي أو مقلدا لمن يراه من أهل المذهب رجعيا، ثم دخل بها ووطئها ولم يحكم بصحة الارتجاع حاكم يرى ذلك، ثم رفع لحاكم مالكي يرى أن الأول بائن فالظاهر أن للحاكم أن يحكم بالبينونة ويكون وطؤه وطء شبهة. انتهى. ونظم بعضهم الأقوال الثلاثة فقال:

إن عقد الخلع مضى فترجع

على يتيمة وغيرها فع

وهل له الرجوع قالوا مسجلا

أو بضمان أو قريبا فاقبلا

وإن عقدت المرأة الخلع وضمن للزوج وليها أو غيره ما يلحقه من رد في الخلع المذكور ثم ظهر ما يسقط التزامها من ثبوت ضرر مثلا، ففي ذلك قولان: أحدهما أن الضامن يغرم للزوج ما التزمه، والثاني أنه لا شيء عليه وكذلك في البيع الفاسد. انتهى. قاله الحطاب. وسيأتي أن البالغ من سفيه أو عبد لا يخالع عنه الولي أو السيد؛ لأن الطلاق بيد من يرفع الساق.

وبالغرر يعني أن الخلع يجوز بما فيه غرر، فقوله:"بالغرر" أي بما فيه غرر كما قاله الشبراخيتي، وذلك كثمرة لم يبد صلاحها وآبق وجنين أئي إذا كانت تملك أمه، فإن انفش الحمل أو خرج ميتا أو كانت في ملك الغير بانت ولا شيء له، وإنما لم يكن له شيء في انفشاشه أو موته لأنه مجوز لذلك، وإذا أعتق الجنين المخالع به وهي تملك أمه صار حرا ببطن أمة، وقوله:"جنين" لأمة أو بهيمة.

وغير موصوف عطف على قوله: "جنين" فهو من أفراد الغرر يعني أنه يجوز الخلع على غير موصوف من حيوان أو عرض، ويدخل في العرض غير الموصوف اللؤلؤ ولا تجوز به الكتابة فالخلع أوسع منها وأوسع من الرهن؛ لأنه لا يجوز رهن الجنين ولو كان الراهن يملك أمه، وإذا

ص: 12

تخالعا على غير موصوف فله أي للزوج الوسط مما خالعته به لا مما يخالع به الناس، ولا يراعى في ذلك حال المرأة. وفي كتاب الشيخ الأمير: وبغير موصوف كعبد وله الغالب أو الوسط. انتهى. وقال الشبراخيتي: وأشار المص إلى الغرر الذي لا يقدِرَان على رفعه بقوله: "كجنين" وإلى الغرر الذي يقدران على رفعه بقوله: "وغير موصوف" لأنه لا فرق بينهما على المذهب. انتهى. وللشيخ علي الأجهوري:

عطية إبراء ورهن كتابة

وخلع ضمان جاز في كلها الغرر

وفي الرهن يستثنى الجنين وخلعها

به جائز إن ملك أم لها استقر

ابن عرفة: والخلع بذي غرر قد يجب عليها يومًا مَّا جائز لنقل ابن رشد: يجوز على مجرد رضاع الولد اتفاقا، وإن كان فيه غرر لاحتمال موته قبل تمام أمده ولوجوبه عليها في عدم الأب وفيما لا يجب ثالثها فيما لا يقدر على إزالته كالآبق والجنين والثمرة قبل بدو صلاحها، لا فيما يقدر على إزالته كالخلع على التزام نفقة الولد بعد الرضاع أعواما للقدرة على إزالته، بشرط أن لا تسقط النفقة عنها بموته، وتحصل أن في المسألة -أعني مسألة ما لا يجب- ثلاثة أقوال: أحدها أن الخلع بالغرر جائز كان الغرر مما يقدر على إزالته أم لا وهو قول المخزومي في المدونة وقول سحنون هنا، ثانيها أن ذلك لا يجوز مطلقا قدر على إزالته أم لا وهو قول ابن القاسم، ثالثها التفرقة بين ما لا يقدر على إزالة غرره كالآبق والبعير الشارد والجنين والثمرة قبل بدو صلاحها فيجوز الخلع به وما يقدر على إزالته فيمتنع الخلع به، كالخلع على التزام نفقة الولد بعد الرضاع أعواما للقدرة على إزالة الغرر بشرط أن لا تسقط النفقة عنها بموته، ولذا لو شرطوا عدم سقوطها بموته لجاز لارتفاع الغرر.

واختلف على القول بأن الخلع بالغرر لا يجوز إذا ألزم الزوج الطلاق وأبطل ما خالع به، هل يرجع على المرأة بشيء أم لا؟ فقوله في المدونة هنا: إنه لا رجوع له عليها بشيء والثاني أنه يرجع عليها إذا بطل الجميع بخلع المثل، وإذا بطل البعض بمقدار ذلك الجزء من خلع المثل

ص: 13

وأما المخالعة على رضاع الولد خاصة فلا خلاف في جواز ذلك وإن كان فيه غرر؛ إذ قد يموت الولد قبل انقضاء أمد الرضاع؛ لأن الرضاع لما كان قد يتوجه عليها استخف الغرر فيه، ولا رجوع للأب عليها بشيء إذا مات الولد قبل انقضاء أمد الرضاع، وإذا خالعها على نفقته إلى الحلم على القول بجوازه فبلغ مجنونا أو زمنا عادت نفقته إلى الأب، ولو قال: إلى سقوط النفقة عن الأب لزمت المرأة النفقة حينئذ. قاله الحطاب. وقال: وسيتكلم المص بعد هذا على خلع الزوج بشرط نفقة ولدها مدة الرضاع، فاقتضى كلامه هناك أنه مشى على خلاف قول المخزومي ومن وافقه من أن الخلع بالغرر يجوز مطلقا، سواء قدر على إزالته أم لا، ونبه على ذلك ابن غازي هناك. والله أعلم. انتهى.

ونفقة حمل إن كان يعني أنه يجوز للمرأة أن تختلع من زوجها على أن تنفق على نفسها بمدة حملها إن كان أي على تقدير أن يظهر بها حمل، فمعنى كان ظهر وإن تخلص الماضي للاستقبال، ومعنى ذلك أنه وقع هذا اللفظ في صيغة عقد الخلع وأولى في الجواز إن خالعها على نفقة الحمل الظاهر يوم الخلع، فإن أعسرت أنفق عليها ويرجع عليها إن أيسرت. قاله عبد الباقي. وإن انفش الحمل الذي وقع الخلع على نفقته فلا شيء للزوج لأنه مجوز لذلك.

وبإسقاط حضانتها يعني أنه يجوز أن تختلع المرأة من زوجها على أن تسقط له حضانة ولدها منه، وينتقل الحق للأب حينئذ على المشهور وهو مذهب المدونة كما في التوضيح، لكنه خلاف ما به العمل من انتقالها لمن يليها كما في الحطاب عن المتيطى، وقال في الفائق: إنه الذي به الفتوى وجرف به عمل القضاة والحكام، وقاله غير واحد من الموثقين، واختاره أبو عمران، ولو خالعها على إسقاط حضانة حملها فالظاهر لزومه. قاله الحطاب. ويشمله كلام المص بحسب ظاهره وعلى المشهور الذي هو مذهب المدونة، إذا ماتت الأم في مسألة المص أو تلبست بمانع فظاهر كلام جمع أن الحضانة تستمر للأب لأنها ثبتت له بوجه جائز، وإذا مات الأب فالظاهر أن الحضانة تعود للأم وإذا خالعها على تسليم ولدها إليه وأنها إن طلبت أخذه ليس لها ذلك إلا أن تلتزم نفقته كان خلعا تاما لازما. ولزمتها نفقته إن أخذته.

وسئل مالك عن رجل صالح امرأته وهي حامل وشرط عليها أن لا نفقة عليه حتى تفع حملها، فإذا وضعت حملها أسلمته إلى أبيه، فإن طلبته فنفقته ورضاعه عليها حتى تفطمه، فإن لم تستقم

ص: 14

له بذلك فهي امرأته؟ قال مالك: الصلح جائز إلا ما اشترط أنها ترجع إليه فليست ترجع إليه وقد بانت منه. ابن رشد: وهذا كله كما قال لأن ما شرط عليها حق لها فجائز أن يشترط عليها حاشا الرجعة، وقال الشبراخيتي: وبإسقاط حضانتها للأب من الولد وينتقل الحق للأب لأنه قام مقامها، وهذا دليل لأحد القولين أن من ترك حقه في الحضانة إلى من هو في ثالث درجة أن لا يكون للثاني القيام، قال التتائي: وهو المشهور وقيده ابن الحاجب بما إذا لم يخش على المحضون ضرر، إما بعلوقه بأمه أو لأن مكان الأب غير حصين فلا يسقط حينئذ ذلك اتفاقا، وقيده بعضهم بأن لا يكون الأب على صفة من لا يستحق الحضانة لمانع قام به وتركه المص. انتهى.

ومع البيع يعني أنه يجوز اجتماع الخلع مع البيع؛ كأن تدفع له عبدا مثلا نصفه عن إرسال العصمة ونصفه يدفع لها فيه دنانير مثلا أو عرضا، سواء زادت قيمة ما دفعته من عبد ونحوه على ما دفع الزوج لها أو نقصت أو ساوت فيقع الطلاق بائنا في الأوجه الثلاثة، وقيل يقع الطلاق رجعيا فيما إذا نقصت قيمة ما دفعته عما دفع لها؛ لأنه كمن طلق وأعطى والأول هو الراجح لأنه طلاق قارنه عوض في الجملة، واستحسنه اللخمي وبه القضاء لأنه قد يعطي في العبد فوق قيمته لغرض له فيه، هذا إذا كان البيع الواقع مع الخلع نافذا، وإلا فهو ما أشار إليه بقوله:

وردت لكإباق العبد معه نصفه اللام في قوله: "لكإباق" لام العلة؛ يعني أنها لو خالعته على نصف عبد آبق أو ثمرة لم يبد صلاحها ودفع لها في النصف الآخر عشرة مثلا، فإنه يفسخ من الذي فيه الغرر مناب العشرة التي دفع لها وهو نصف العبد أو الثمرة مثلا، ويتم للزوج مناب الخلع فترد له جميع العشرة لا نصفها فقط، ويرد عليها نصف العبد المبيع ويمضي نصفه في الخلع، فقوله:"معه" أي مع رد المبيع من يدها للزوج وهو جميع العشرة في المثال المذكور، وقوله:"نصفه" أي ترد النصف المبيع من يد الزوج إلى يدها، وإنما يكون المبيع نصف العبد إذا عينا ذلك أو دفعته في مقابلة الدراهم والعصمة معا؛ لأن القاعدة في ذلك حيث لم يمين ما في مقابلة المعلوم أن للمعلوم النصف وللمجهول النصف، وأما لو عينت للمعلوم قدرا من العبد لعمل به نصفا أو ثلثا أو غيرهما. قاله غير واحد.

ص: 15

وبها قررت علم أن "نصفه" مفعول "ردت" أي ردت نصف العبد من يد الزوج إلى يدها مع أنها ترد ما في مقابلة ذلك النصف وهو العشرة في المثال المذكور إلى الزوج، وكالأم المص صحيح ولكنه لو قال. ورد لكإباق العبد بيع نصفه لكان أوضح: وقوله: "نصفه" أي نصف العبد. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وأدخلت الكاف البعير الشارد والجنين والثمرة التي لم يبد صلاحها والسمك في الماء والطير في الهواء والغائب الذي لم ير ولم يوصف، والذي عند نداء الجمعة. انتهى.

وهذا الذي قاله المص من أنها تترك النصف في مقابلة العصمة وتأخذ منه النصف المبيع وترد له ثمنة حيث دفعت له العبد في مقابلة الدراهم والعصمة ولم يعينا شيئا هو قول ابن القاسم؛ لأن كل معلوم ومجهول عند ابن القاسم يجعل المجهول مساويا للمعلوم، وقال محمد: إنما يكون للزوج من العبد ما زاد على ما أعطاها بتقويمه بعد أن يوجد. قاله الشارح. محمد: وكذا الجنين يوم خروجه والثمرة يوم تجذ، قال في الجواهر: وهو المشهور، وقال أصبغ: القيمة في الآبق يوم الخلع والثحرة يوم الصلح إن كانت مؤبرة، وإلا فقيمتها يوم تؤبر ووافق في الجنين أن قيمته يوم ولد. قاله في التوضيح.

وعجل المؤجل بمجهول يعني أنها إذا خالعته على مال مؤجل بأجل مجهول كما لو خالعته بمائة مؤجلة بقدوم زيد مثلا أو بموت فإنها تعجله له، قال في المدونة: وإن خالعها على مال إلى أجل مجهول كان حالا كمن باع إلى أجل مجهول فالقيمة فيه حالة مع الفوات، واختلف الأشياخ في فهم المدونة، فمنهم من أبقاها على ظاهرها من أنها تدفع له جميع ما خالعته به ووجهه أن المال في نفسه حلال، وكونه لأجل مجهول حرام فيبطل الحرام ويعجل المال، ومن الأشياخ من اعترض هذا بأنه ظلم للمرأة.

وقال: إنما يلزمها قيمته على الغرر وتدفعها له حالة، وإليه أشار بقوله: وتؤولت أيضا بقيمته الباء بمعنى على أي تؤولت المدونة على أنها تدفع له قيمة المؤجل على الغرر وتكون حالة. ابن عبد السلام: وهو أقرب إلى التحقيق. قاله الشارح. وقال الأمير: وعجل مجهول الأجل والقول بتقويمه مشكل مع جهل الأجل. انتهى. قال مقيد هذا الشرح: والظاهر ما فعله الأمير من

ص: 16

اقتصارة على القول الأول؛ لأن القول الثاني إحالة على مجهول لا تتعقل معرفته. والله سبحانه أعلم.

وردت دراهم ردية يعني أن الزوج إذا خالعته زوجته على دراهم أو دنانير فظهر أنها ردية فإن للزوج أن يردها لها ويأخذ بدلها، وسواء أرته إياها عند الخلع أم لا، ولو قال المص: ورد ردي مخالع به لكان أشمل. قاله الخرشي وغيره.

إلا لشرط يعني أن محل ما ذكر من الرد إنما هو حيث لم تشترط عليه أنه لا يردها لها، وأما إن اشترطت عليه ذلك فلا، كما لو قالت له: خذها وهي زيوف، أو قالت له لا أعرف أكانت زيوفا أم لا، أو قالت له خذها دون تقليب فهذا كله يشمله قوله:"إلا لشرط"، وقوله:"وردت دراهم" أي وله أن يأخذ بدلها كما في المدونة، وبه قررت المص، قال بعض الأشياخ:"إلا لشرط" كما قال المص.

وقيمة كعبد استحق يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها بعبد معين أو حيوان معين ونحو ذلك ثم استحق ذلك العين الذي خالعته به، وسواء استحقه شخص آخر أو استحق بحرية فإنه يرجع عليها بقيمة ذلك المعين، وقيل لا شيء له إذا استحق بحرية، قال الحطاب: وأما الموصوف فيرجع بمثله.

والحاصل أن الصور ثمان: علما معا بأن الشيء المخالع به ملك لغيرها، علمت دونه، علم دونها، جهلا معا، فتلك أربع وفي كل: إما أن يكون الشيء المستحق معينا، أو موصوفا، فإن علما معا أو علم دونها فلا شيء له وبانت، وإن جهلا معا رجع بقيمة المقوم في العين وبالمثل في الموصوف وإن علمت دونه: فإن كان معينا فلا خلع أي لم يقع طلاق، وإن كان موصوفا رجع بمثله. والله سبحانه أعلم. قاله الشيخ بناني.

وقوله: "وقيمة كعبد استحق" هذة إحدى المسائل السبع التي يرجع فيها بقيمة القوم إذا استحق وهي هذه المسألة، ومن نكح بمقوم معين فاستحق أو صالح عن دم العمد بعبد أو باع السيد قطاعة مكاتب له بعبد أو كان العبد عوضا عن العمرى أو صلحا عن إنكار أو باع السيد عبده من نفسه بعبد، ونظمها الشارح فقال:

ص: 17

إذا ما استحق العبد تلزم قيمته

لدافعه في سبعة من فروعنا

ففي الخلع والإنكاح والصلح عن دم

إذا كان عمدا كالقطاعة عندنا

تباع لعبد للمكاتب والذي

يرى عوض العمرى إذا ما تعينا

وفي صلح إنكار ومبتاع نفسه

بعبد من المولى سلمت من الخنا

ونظمها غيره فقال:

نكاح وخلع صلح عمد قطاعة

وعمرى وصلح النكر مبتاع نفسه

بعرض في الاستحقاق أقض بقيمتهْ

على دافع أبقِهْ على حكم أمسه

قاله الشبراخيتي.

والحرام يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها بشيء حرام حرمة أصلية، كخمر وخنزير وحر وعارضة كمغضوب وأم ولد فإن ذلك الحرام يرد أي لا يجوز للزوج تملكه حيث كان حراما كله، بل وإن كان الحرام منه بعضا فيرد الشرع الحرام كلا أو بعضا، ولا شيء له يعني أن الزوجة إذا اختلعت من زوجها بحرام فإنه يرد ولا شيء له في مقابلة هذا الحرام الذي رد كلا أو بعضا وهذا مجمل، أما المحرم حرمة أصلية كالخنزير والخمر فلا شيء له فيهما ويقع الطلاق بائنا هذا حيث علم وحده أو معها أو جاهلين

(1)

)، فإن علمت دونه لم يقع طلاق، وأما الحر فإن علمت دونه لم يقع طلاق ولو جهلا لرجع بالقيمة كما مر، وقيل لا شيء له أما لو قال لها إن أعطيتني هذا وأشار إلى حر وهو يعلم أنه حر فأنت طالق فأعطته له فإن الطلاق يقع رجعيا، وأما المغصوب

(1)

كذا في النسخ، ولعلها: أو كانا جاهلين.

ص: 18

فأجره على ما مر في قوله: وقيمة كعبد استحق من غير فرق يا فتى، وكذا أم الولد فأجرها عليه كما يفيده كلامهم.

وتوضيح ما مر أن الحرام الذي لا يملك بحال كالخمر والخنزير إذا تخالعا عليه يقع الطلاق بائنا، ولا شيء له حيث كانا عالمين أو جاهلين أو علم هو دونها فإن علمت دونه لم يقع طلاق، وأما الحر فيقع الطلاق رجعيا فيما إذا اختلعا عليه وهو معين حيث علم هو وحده بحريته أو علما معا، فإن علمت دونه لم يقع طلاق وأما إن كانا جاهلين فإنه يرجع بقيمته كما مر، وقيل لا شيء له كالخمر والخنزير ويقع الطلاق بائنا، وأما لو خالعها على ما هو محرم حرمة عارضة كمغصوب وأم ولد فهو من أفراد ما إذا استحق المخالع به ففيه الصور الثمانية المتقدمة: علما أنه ملك للغير، جهلا، علمت دونه، علم دونها، وفي كل إما أن يكون المستحق معينا أو موصوفا، فإن علما معا أو علم دونها بانت ولا شيء له، وإن جهلا معا رجع بالقيمة في المقوم المعين ومثل المثلي والموصوف، وإن علمت دونه فإن كان معينا فلا خلع أي لم يقع طلاق وإن كان موصوفا رجع بمثله. والله أعلم.

وعلم من هذا أنه لو خالعها على عبد موصوف ودفعت له من يعتقد أنه عبد فاستحق بحرية أنه يرجع بالمثل حيث جهلا معا، فإن علمت دونه رجع بالمثل أيضا وبانت في هاتين، وإن علم هو دونها أو علما معا بانت ولا شيء له. والله سبحانه أعلم. هذا هو تحرير المسألة. والله سبحانه أعلم.

وقد مر أن الحرام من الخمر والخنزير يرد وهل يقتل الخنزير أو يسرح قولان، قال عبد الباقي: وهل تكسر أواني الخمر وعليه الشارح والتتائي أو لا خلاف وتراق، فإن تخللت فللزوج ولو ذمية. انتهى. وقوله: وهل تكسر أواني الخمر إلخ، قال محمد بن الحسن: الذي في المدونة أنها تراق وهو يقتضي عدم كسر آنيتها لأنها مال مسلم. انظر مصطفى. انتهى. وقوله: "وإن بعضا" قال ابن الحاجب: ولو خالعها على حلال وحرام سقط الحرام. انتهى. قال في التوضيح: كما لو خالعته بسلعة وزق خمر فإن له السلعة ولا شيء له في زق الخمر. انتهى. والظاهر أو المتعين أن الخلع إذا وقع بقلة خل فإذا هي خمر فإنه يكون للزوج مثله. قاله عبد الباقي. ووقع الرد في

ص: 19

المص هنا على ثلاثة أقسام: الأول قوله: "وردت دراهم ردية" والمراد فيها الزوج يرد المقبوض ليبدل، الثَّانِي قوله:"وقيمة كعبد استحق" والمراد فيها الزوجة، والرد فيها بمعنى التأدية، الثالث قوله:"والحرام" والمراد فيه الشرع ومعنى الرد فيه فسخ العقد، وقد مر بيان ذلك والله سبحانه أعلم.

كتأخيرها دينا عليه يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها على أن تؤخره بدينها الحال عليه بأن تنظره شهرا مثلا فإن ذلك التأخير يرد أي يبطل ويقع الطلاق بائنا، دلها أن تأخذ منه المال حالا وإنما بطل تأخيرها له لأن المؤخر لما في الذمة يعد مسلفا، كمن عجل ما أجل فهو سلف بمعنفعة رالنفع هنا ملكها لعصمتها، وكذا يبطل سلفها له ابتداء على أن يطلقها فالتشبيه في قول المص:"كتأخيرها دينا عليه" بقوله: "والحرام" فهو تشبيه في الرد والبينونة، وفصله بكاف التشبيه ولم يعطفه بالواو؛ لأن الحرمة في الشبه ليست باتفاق وفي الشبه به هي باتفاق؛ وأما طلاقه هو مع تأخيرها دينا له عليها فرجعي لأنه كمن طلق وأعطى ويجوز إن لم يكن له نفع في التأخير وإلا منع وبانت. قاله عبد الباقي.

وقال: إن التشبيه في قوله "بخلاف الوصي" وقال بناني: فيه نظر لأن خلع الوصي كما لا يجوز لا يمضي بخلاف الخلع على هذه الأمور فإنه نافذ بعد الوقوع والطلاق فيه بائن مع رد ما وقع به الخلع، فالحق أنه مشبه بقوله:"والحرام". انتهى.

وخروجها من مسكنها عطف على قوله: "كتأخيرها" يعني أنه لا يجوز للزوج والزوجة أن يتخالعا على أن تخرج من مسكنها الذي هي ساكنة فيه وقت الخلع وتعتد في غيره لأن ذلك حق لله تعالى لا يجوز لأحد إسقاطه، قال جل من قائل:{وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ، ولذا لو خالعها على أن تدفع له أجرة المسكن جاز لأنه حق آدمي، فإن وقع ذلك بأن تخالعا على خروجها من المسكن وأنها تعتد في سواه فإنه يقع الطلاق بائنا ويردها الإمام إلى مسكنها الذي طلقت فيه وتعتد فيه دون شيء تدفعه للزوج.

وتعجيله لها ما لا يجب قبوله يعني أن المرأة إذا كان لها على زوجها دين لم يحل أجله، فاختلعت منه على أن يعجل لها ذلك الدين الذي لها عليه فإن ذلك لا يجوز إن كان الدين الذي لها عليه لا يجب عليها قبوله قبل أجله، والدين الذي لا يجب على رب الدين قبوله هو الدين

ص: 20

من بيع إلا العين فيبطل التعجيل ويرد المال إلى أجله، ويأخذ منها ما أعطاه لها ويقع الطلاق بائنا: وإنما امتنع التعجيل المذكور لما فيه من حط الضمان. وأزيدَك فالزوجة قد حطت عنه الضمان وزادها العصمة، قوله:"وتعجيله" مصدر مضاف إلى فاعله، وقوله:"لها" متعلق به وما مفعوله.

وهل كذا إن وجب يعني أن الأشياخ اختلفوا في قول المدونة: إن كان لأحد الزوجين على الآخر دين مؤجل فتخالعا على تعجيله قبل محله جاز الخلع ورد الدين إلى أجله، فمنهم من حملها على إطلاقها فقال: لا فرق في المنع بين الدين الذي لا يجب قبوله كالعرض من بيع والذي يجب قبوله كدين القرض مطلقا والعين من بيع، وإنما منع الخلع به لأنه عجل ليسقط عن نفسه سوء الخصومات وسوء الاقتضاءات، فيقع الطلاق بائنا على هذا القول ويرد المال إلى أجله ويأخذه منها إن كان دفعه لها. أولا أي أو ليس كذلك يعني أن من الأشياخ من حمل المدونة على التفصيل بين ما لا يجب قبوله فيمتنع الخلع على تعجيله وبين ما يجب قبوله فيجوز الخلع على تعجيله، في ذلك تأويلان وعلى تأويل الجواز يكون الطلاق رجعيا لأنه كمن طلق وأعطى وبانت يعني أن المختلعة بائنة لا يصح ارتجاعها، سواء وقع طلاقها بلفظ الخلع أو بغيره حيث أخذ الزوج من المرأة عوضا، بل ولو بلا عوض لكن إذا لم يكن عوض إنما تبين بشرط أشار إليه بقوله: نص عليه يعني أنه إذا لم يكن عوض إنما تبين بشرط أن يقع الطلاق بلفظ الخلع.

والحاصل أنه إن حصل لفظ الخلع بانت حصل عوض أم لا، وإذا حصل العوض بانت سواء نص على الرجعة أم لا، وإلى هذا أشار بقوله: أو على الرجعة فهو معطوف على قوله: "بلا عوض" أي وبانت ولو نص على الرجعة روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إن قال هي طالق طلاق الخلع فهي واحدة بائنة، وكذلك إن قال خالعت امرأتي أو باريتها أو افتديت مني. أصبغ: إن قال لها أنت صلح أو طالق طلاق الصلح أو قد صالحتك، أو يقول: اشهدوا أني قد صالحت امرأتي وهي غائبة أو حاضرة راضية أو كارهة أخذ منها عوضا أو لم يأخذ فهي طلقة باتنة، وكذلك قوله: أنت مبارية أو طلقتك طلاق المباراة أو قد باريتك رضيت أو لم ترض، قال في المدونة: ولا بأس بالمباراة على أن لا تعطيه ولا تأخذ منه شيئا وهي طلقة بائنة. وفي معين

ص: 21

الحكام: ويكره للرجل أن يطلق طلقة مباراة أو خلع أو صلح دون أخذ أو إسقاط لوقوعها خلاف السنة، فإن فعل ففيها ثلاثة أقوال: ورهب ابن القاسم أنها طلقة بائنة وبه القضاء وتملك المرأة نفسها بهذا الطلاق ولا يجبر على رجعتها إن كانت حائضا أو نفساء، والقول الثاني أنها طلقة رجعية، والقول الثالث يلزمه الثلاث وعلى القول الثاني رد المص بلو في قوله:"ولو بلا عوض" ورد بلو في قوله: "أو على الرجعة" باعتبار العطف القول الذي صدر به ابن الجلاب، ونصه: ولو خالعها على أن له الرجعة إليها لصحت رجعته، وقيل لا يكون له رجعة وشرطه باطل. انتهى.

وقال الشارح: إذا صرح بلفظ الخلع ولم يذكر عوضا فهو بائن عند مالك وابن القاسم ورجعي عند مطرف وأشهب وابن عبد الحكم، وأخذ به ابن حبيب وقيل هو ثلاث. انتهى. وقال الشارح أيضا: وكذا يقع الطلاق بائنا إذا وقع النص على الرجعة يريد مع العوض، فإذا أعطته شيئا ليطلقها طلقة رجعية ففعل ذلك فالمشهور أنها بائن لأن حكم الطلاق على العوض البينونة فلا ينتقل عنه، وروي عن مالك أنها رجعية عملا بالشرط وأخذ به سحنون. انتهى. ولابن عاصم رحمه الله:

وفي المملك الخلاف والقضا

بطلقة بائنة في المرتضى

قوله: وفي المملك، المملك هو الطلاق بلفظ الخلع من غير عوض بهذا فسره غير واحد كولد الناظم وميارة وغيرهما، وقال محمد بن الحسن: الصواب أن مراد الناظم هذه الصورة وهي أنت طالق طلقة تملكين بها نفسك وسيأتي كلامه عند قول المص: "لا إن شرط نفي الرجعة بلا عوض"، وقوله:"أو على الرجعة" أي إذا حصل العوض أو لفظ الخلع تبين ولو نص فيهما على الرجعة" ولو قال لها: أنت طالق طلقة تملكين بها نفسك فإنها رجعية وقيل بائن والأول أرجح. قاله الشيخ إبراهيم.

كإعطاء مال في العدة على نفيها يعني أن المرأة إذا طلقها زوجها طلاقا رجعيا ثم إنها أعطته وهي في العدة مالا على نفي الرجعة فإنها تبين بذلك، وقوله:"على نفيها" أي الرجعة شامل لصورتين: الأولى ما إذا أعطته مالا على أن لا يرتجعها، الثانية ما إذا أعطته مالا على أنه لا رجعة له فيها، أما إذا أعطته مالا على أن لا يرتجعها، فقال ابن وهب: يقع الطلاق الرجعي

ص: 22

بائنا فلا يلزمه إلا طلقة واحدة بائنة، وقال مالك وابن القاسم: إنه خلع فتلزمه طلقتان الأخيرة منهما تبين بها؛ لأن ما أنشأه الآن غير المتقدمة، وقول ابن وهب هو ظاهر كلام المص، وبقول مالك وابن القاسم قرره الشارحان وتقريرهما هو المعتمد، ولا يشكل هذا إذا وقع القبول باللفظ وكذا لو وقع بغير اللفظ لقول المص:"وكفت المعاطاة" وأما لو أعطته مالا على أن لا رجعة فهو خلع بطلقة ثانية اتفاقا هذا الذي يفيده كلام ابن رشد قاله محمد بن الحسن. لكنه حكى عن ابن عرفة ما نصه: أخذه مالا منها في العدة على أن لا رجعة في كونه خلعا بالأولى أو بالأخرى، ثالثها إن ارتجع رد المال الأول لابن وهب والثاني

(1)

لمالك وابن القاسم. والثالث لأشهب. انتهى. واعترضه بأنه حكى الخلاف في موضع الاتفاق، ثم قال: وقد رأيت لابن يونس مثل ما لابن عرفة فلعلهما طريقان. والله أعلم. انتهى.

كبيعها يعني أن الزوج إذا باع زوجته فإنها تبين بذلك وسواء باعها لمسغبة أو غيرها، ويرجع المشتري على الزوج بالثمن، قال السوداني: ومثل البيع الهبة وانظره مع ما يأتي من أن وهبتك لأهلك ثلاث في المدخول بها وغيرها ولا ينوى في المدخول بها، أو تزويجها يعني أن الزوج إذا زوج زوجته للغير فإنها تبين بذلك ففي بيعها طلقة بائنة، وكذلك تزويجها فيه طلقة واحدة بائنة، وكذا إن بيعت أو زوجت بحضرته وسكت. قاله عبد الباقي. وقال: وسواء في جميع ذلك كان هازلا أو جادا وينكل نكالا شديدا ولا يتزوجها ولا غيرها حتى تعرف توبته وصلاحه مخافة بيعها ثانية. قاله مالك في البيع. ومثله في تزويجه لها

(2)

لا إن أنكر بعد عقد النكاح فلا تطلق عليه كما في أبي الحسن على المدونة، وينبغي أن البيع مثله لأن التزويج أقوى منه دلالة على الخروج من العصمة، وانظر إذا علم بالعقد وسكت ولم يحضره والظاهر أنه لا يكون طلاقا، فإن ادعى بعد ما باعها أو زوجها هو أنه غير عالم بأنها زوجته ولم تقم قرينة بكذبه فالظاهر تصديقه وعذره؛ إذ هذه ليست من المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل. انتهى.

وقوله: "وسواء في جميع ذلك كان هازلا" إلخ قال محمد بن الحسن: فيه نظر لنقل المواق عن المتيطى، قال ابن القاسم: من باع امرأته أو زوجها هزلا فلا شيء عليه، قال ابن القاسم: ويحلف

(1)

الواو ساقطة من النسخ وقد وردت في البناني ج 4 ص 68.

(2)

في عبد الباقي ج 4 ص 69 إلا إن.

ص: 23

في التزويج أنه لم يرد طلاقها ومثله في العتبية، وقوله: لا إن أنكر بعد عقد النكاح إلخ راجع لما إذا بيعت أو زوجت بحضرته؛ أي فإن وقع ذلك بحضرته ثم أنكره فلا تطلق عليه ذكره أبو الحسن. انتهى.

وقيل إن البيع والتزويج لا يقع بهما طلاق، وإلى ذلك أشار بقوله: والمختار نفي اللزوم فيهما يعني أن اللخمي اختار من الخلاف نفي اللزوم فيهما أي اختار القول بأن الزوج لا يلزمه طلاق في بيعه لزوجته ولا في تزويجه إياها، والمذهب القول باللزوم في المسألتين أي لزوم الطلاق في مسألتي البيع والتزويج، قال السوداني: والقول الذي للخمي من نفي اللزوم في البيع والتزويج كائن في الهبة، وانظرة مع ما قدمته قريبا. والله سبحانه أعلم.

وطلاق حكم به يعني أن كل طلاق حكم به أي بإنشائه يكون بائنا سواء أوقعه السلطان أو أوقعته الزوجة لكعيب

(1)

أو نشوز أو إضرار أو إسلام، وأما لو حكم بلزومه فإنه يبقى على أصله من بائن أو رجعي، ولو تشاجر الزوج مع زوجته في شيء فرفعته لقاض فطلقها الزوج لذلك لكان رجعيا إلا لإيلاء، مستثنى من قوله:"وطلاق حكم به" يعني أن كل طلاق حكم به يكون بائنا كما عرفت وهذا في غير المولي والمعسر بالنفقة، وأما المولي إذا طلق عليه لعدم الفيئة فإن طلاقه يكون رجعيا، وسيأتي معنى الفيئة في باب الإيلاء. أو عسر بنفقة يعني أن من طلق عليه لعدم النفقة له الرجعة إن وجد في المعدة يسارا يقوم بواجب مثلها كما يأتي.

والحاصل أن كل طلاق حكم الحاكم بإنشائه يكون بائنا إلا الطلاق الذي يوقعه الحاكم على المولي لعدم الفيئة وإلا الطلاق الذي يوقعه الحاكم على المعسر بالنفقة، فإن كلا منهما رجعي كما يأتي إن شاء الله. وقوله:"عسر بنفقة" حقيقة كالمعدم أو حكما كمن غاب زوجها عنها غيبة بعيدة وهو موسر ولا مال له ببلدها تنفق منه ولم تجد من تتداين منه وطلق الحاكم عليه وقدم قبل انقضاء العدة فرجعي.

ولما أنهى الكلام على أسباب البينونة أخرج منها قوله: لا إن شرط نفي الرجعة يلا عوض يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق طلقة ينوي لا رجعة فيها، أو قال ذلك، فإنه تكون له الرجعة فيها ويبطل الشرط، هذا إذا لم يكن عوض على الطلاق، وأما لو حصل العوض فقد مر

(1)

في النسخ كعيب والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 69.

ص: 24

أنها تبين بذلك، وقوله:"شرط" مبنى للمفعول فيشمل شرطه وشرطها، ولو قال لها أنت طالق طلقة تملكين بها نفسك فإنها رجعية على الأرجح وقيل بائنة وقيل ثلاث. قاله عبد الباقي. قال: وقول ابن عاصم:

وفي الملك الخلاف والقضا

بطلقة بائنة في المرتضى

ليس هو هذه الصورة التي قلنا الراجح فيها أنه رجعي، وإنما مراده به كما

(1)

في شرح ولده الطلاق بلفظ الخلع بغير عوض. انتهى. قال محمد بن الحسن: فيه نظر، والظاهر أن هذه الصورة هي مراد ابن عاصم، وأشار بقوله: والقضا بطلقة بائنة إلخ إلى قول ابن سلمون في قوله:

(2)

طلق فلان زوجته بعد البناء طلقة واحدة ملكت أمر نفسها دونه إنه طلاق بخلاف السنة، ثالث الأقوال فيه قول مالك وابن القاسم إنها طلقة واحدة بائنة وبه القضاء. انتهى. هذا هو الظاهر من

(3)

كلامه، وإن كان شارحه حمله على مسألة الخلع وتبعه الشيخ ميارة. انتهى. وقوله:"بلا عوض" أي ولا غيره من أسباب البينونة كالطلاق بلفظ الخلع.

أو طلق يعني أن الزوج إذا طلق زوجته وأعطاها شيئا فإنها تكون رجعية وليس ذلك بخلع، وروي أنها واحدة بائنة، قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وفيها فيمن طلق وأعطى أكثر الرواة رجعية. انتهى. قال في التوضيح: لأنه بمنزلة من طلق وأعطى لزوجته المتعة، قال في التهذيب: وروي عن مالك أنها واحدة بائنة وهذا الاختلاف إنما هو في موطأ ابن وهب والأسدية والموازية فيمن صالح وأعطى ليس فيمن طلق وأعطى، قال في النكت وهذا هو الصحيح والنقل الذي في المدونة ليس بصحيح، ولا خلاف فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة لأنه إنما وهبها هبة وطلقها وليس من الخلع في شيء. انتهى.

أو صالح وأعطى يعني أن الزوج إذا قال لزوجته صالحيني على أن أعطيك مائة دينار، أو خالعيني على أن أعطيك مائة مثلا أو يقول لها خذي هذه الألف واتركي مهرك وأنا أطلقك ونحو

(1)

ساقطة من النسخ وقد وردت في عبد الباقي ج 4 ص 69.

(2)

الذي في البناني ج 2 ص 69 في قولهم.

(3)

في النسخ في والمثبت من البناني ج 4 ص 69.

ص: 25

ذلك، فإن الطلاق يكون رجعيا هذا هو الذي شرحه به الحطاب، ولفظه: أما إذا طلق وأعطى فتصوره ظاهر. وأما إذا صالح وأعطى فمعناه والله أعلم أن يلفظ بالصلح، فيقول صالحيني على أن أعطيك مائة دينار أو خالعيني على أن أعطيك فإن الصلح والخلع يطلق على ما لم يكن فيه إعطاء من الزوجة، أو يقول لها خذي هذه الألف واتركي مهرك وأنا أطلقك ونحو ذلك. والله أعلم. انتهى.

وبما قررت علم أن قوله: "وأعطى" راجع للمسألتين، ويأتي ما يفيد أن الراجح البينونة فيما إذا صالح وأعطى.

وهل مطلقا أو إلا أن يقصد الخلع تأويلان يعني أنه إذا طلق وأعطى لا يكون ذلك بينونة كما عرفت، واختلف الشيوخ هل ذلك على إطلاقه سواء قصد بذلك الخلع أو لا؟ أو هو رجعي إلا أن يقصد بذلك فتبين المرأة حينئذ؟ وظاهر المص أن التأويلين في المسألتين وإنما هما في الأولى، وأما الثانية ففيها قولان، قال ابن وهب عن مالك: وإذا صالحها على أن أعطاها شيئا من ماله جهلا وظنا أنه وجه الصلح قال هي طلقة وله الرجعة، ثم رجع فقال لا رجعة له عليها إذا كان منهما على وجه الصلح، وقال ابن يونس: أكثر الرواية إذا خالع وأعطى أنها غير بائن لأنه إنما يختلع بما يؤخذ منها فتلزمه بذلك سنة الخلع، وإذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى. قال جامعه عفا الله عنه: ولا خفاء في أن الراجح من التأويلين البينونة، بل الذي يظهر أن الراجح فيما إذا صالح وأعطى أنها تكون بائنا؛ لأنهم صرحوا بأن الراجح في الطلاق بلفظ الخلع البينونة وإن لم يكن عوض، ولهذا قال ابن عرفة فيها لمالك: من قال أخالعك على أن أعطيك مائة دينار فقبلتها فهي طلقة بائنة وكذا لو لم يعطها. انتهى. وقد مر كلام ابن يونس: إذا خالع وأعطى أنها غير بائن لأنه إنما يختلع بما يؤخذ منها فتلزمه بذلك سنة الخلع، وإذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى. ابن المواز: إن جرى ذلك بينهما بمعنى الخلع والصلح فهي واحدة بائنة. ابن يونس: كمن خالع على ما لا يصح تملكه، قال ابن المواز: وأما إن لم يجر على ذلك فله الرجعة. ابن يونس: كمن طلق بغير عوض.

قال جامعه عفا الله عنه: ويشهد لما ذكرته قول الإمام الحطاب: في جعل المص إذا طلق وأعطى مثل إذا صالح وأعطى، نظر لأن المذكور فيه الخلاف في المدونة وابن الحاجب وغيرهما ما إذا طلق

ص: 26

وأعطى، قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن لم يكن لها عليه مهر ولا دين فخالعها على أن أعطاها شيئا أو لم يعطها فذلك خلع ولا رجعة له، وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة وليس بخلع، وروي عنه أنها واحدة بائنة وأكثر الروايات على أنها غير بائن؛ لأنه إذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى. انتهى.

وقال محمد بن الحسن: الذي يدل عليه كلام ابن عرفة أن محل التأويلين فيمن طلق وأعطى لا فيمن صالح وأعطى؛ لأنه قال في الموازية فيمن طلق وأعطى: إن جرى الأمر فيهما بمعنى الخلع والصلح فهي بائنة وإلا فهي رجعية. انتهى. وما أفادة هو الظاهر فتأمله والله أعلم. انتهى. وقال محمد بن الحسن: التأويل الثاني لابن الكاتب جعل تفصيل ابن المواز موافقا للمدونة والأول لغيره. انتهى. يعني أن ظاهر قول المدونة فيمن طلق وأعطى أنه رجعي سواء قصد الخلع أولا. والله سبحانه أعلم.

وموجبه زوج مكلف الضمير في موجبه لطلاق الخلع؛ يعني أن الذي يوقع طلاق الخلع وشبهه إنما هو الزوج المكلف ومثل الزوج نائبه، والمكلف هو العاقل البالغ الطائع، واحترز بالمكلف عن الصبي والمجنون فلا طلاق لهما، فقوله:"موجبه" أي موقع الطلاق ومثبته، وقوله:"زوج" سيأتي للمص: "وطلاق الفضولي كبيعه" وبالغ على أن الزوج المكلف هو الذي يوقع الطلاق ويثبته بقوله ولو كان الزوج المكلف الوقع لطلاق الخلع سفيها فإنه ينفذ لأن له أن يطلق بغير عوض فبه أولى وكمل له خلع المثل إن خالعته بدونه. قاله اللخمي.

قال بعض الشيوخ: تكميله مخالف للمذهب، وأشار بلو لقول ابن الحاجب: وفي خلع السفيه قولان. انتهى. ونحوه في الجواهر زاد وإذا صححناه فلا يبرأ المختلع بتسليم المخالع به إليه بل إلى وليه. ابن عرفة: وقول ابن شأس: اختلف في صحة خلع السفيه لا أعرفه وذكر أنه يجب صرف الخلاف الذي ذكره ابن شأس لتكميل خلع المثل لارتفاع دفع الطلاق، وظاهر كلام الموثقين كالمتيطى وابن فتوح براءة المختلع بدفع الخلع للسفيه دون وليه ويلزم جري مثله في صلحه عن قصاص، ولا يعارضه قوله:"إلا كدرهم لعيشه" لحمله على ما كان من ماله الأصلي.

ص: 27

تنبيه: قال الشبراخيتي: يجوز خلع السفيه عن أمته بغير رضاها، وإذا رد السيد خلع الأمة لا تتبع إن عتقت لأن رد السيد رد إبطال. انتهى.

أو ولي صغير عطف على قوله: "زوج" يعني أن الذي يوقع طلاق الخلع ويثبته أحد شخصين: زوج مكلف أو ولي زوج صغير، سواء كان الولي أبا للزوج الحر الصغير أو سيدا للزوج العبد الصغير أو كان الولي غيرهما أي الأب والسيد كوصي وحاكم ومقدمه إذا كان خلع من ذكر على وجه النظر، ولا يجوز لهم الطلاق عليه بغير عوض عند مالك وابن القاسم، وولي المجنون إما الحاكم أو من يقيمه إن جن بعد بلوغه ورشده كما يدل عليه قوله في البيع:"وإن جن نظر السلطان": وإما الأب إن جن قبل بلوغه واتصل. قاله أحمد. وإنما بين الولي هنا بما ذكر مع أنه معلوم ليلا يتوهم أنه المجبر كما في خلع المجبرة. قاله عبد الباقي.

وقال الشبراخيتي: ومثل الصغير المجنون والنظر لوليه كما أفتى به بعض شيوخنا، فالولي إما الحاكم إلى آخر ما مر عن عبد الباقي، وقال الحطاب: قال في الشامل: ولا يطلقون إلا بعوض على الأصح. انتهى. وتبع في حكاية الخلاف المص في التوضيح، وقال الرجراجي في كتاب إرخاء الستور: لا خلاف في أنه لا يجوز لوليه أن يطلق عليه إلا على مال. والله أعلم. وقال في الخلع من المدونة: وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له، وروى ابن نافع عن مالك فيمن زوج وصيفه وصيفته ولم يبلغا أنه جائز، فإن فرق السيد بينهما على النظر والاجتهاد جاز ذلك ما لم يبلغا: وقال ابن نافع: لا يجوز إلا ما كان على وجه الخلع. انتهى.

وقوله: "أو ولي صغير أبا أو سيدا أو غيرهما" قال محمد بن الحسن: الذي في الحطاب أن هذا متفق عليه ويرده ما لابن عرفة، ونصه: اللخمي: ويجوز أن يطلق على السفيه البالغ والصغير دون شيء يؤخذ له، وقد يكون بقاء العصمة فسادا لأمر جهل قبل نكاحه أو حدث بعده وكون الزوجة غير محمودة الطريق. انتهى. وقد غاب هذا النقل عن الحطاب. والله أعلم. انتهى.

لا أب سفيه يعني أن أبا البالغ السفيه ليس له أن يخالع عنه لأن الطلاق بيد من يرفع الساق وأحرى غير الأب من وصي ومقدم قاض، قال في التوضيح في شرح كلام ابن الحاجب: يعني

ص: 28

وليس لولي السفيه ولو كان أبا أن يخالع عنه على المشهور لأن الطلاق بيد السفيه. انتهى. ومقابل المشهور أن الولي يخالع عن السفيه البالغ.

وسيد بالغ يعني أنه لا يجوز خلع سيد العبد البالغ عنه بغير إذنه وهو مذهب المدونة. قاله الشارح. وقال ابن بشير: وهل يجوز الخلع عن العبد والأمة بغير اختيارهما قولان؟ والمشهور جوازه والشاذ منعه، وقال في الشامل: ولسيد عن أمته وعبد صغير وإن كرها على المشهور، فقيد العبد بالصغير دونها وبحث في قول ابن بشير عن العبد إلا أن يكون مراده به الصغير، وقد نص في المدونة على أن العبد الكبير ليس للسيد أن يخالع عنه، قال في التوضيح: ولم أقف على القول بأن للسيد أن يخالع عنه وإن ثبت فمشكل. انتهى. وقال في المتيطية: وأما العبيد الكبار فحكم المذكور منهم كحكم السفيه البالغ يطلق بغير إذن سيده، وتختلع منه امرأته وينفذ ذلك إلا أن يكون الخلع على أن يعطيها من عند نفسه فيكون الخلع نافذا والمال إن رده السيد مردود. انتهى. وقال ابن عرفة: ابن بشير: ذو عقد حرية على عدم جبره على النكاح لا يخالع عنه وعلى جبره في الخلع عنه قولان. انتهى.

وقال في المسائل الملقوطة في

(1)

المسائل التي انفرد بها مالك: إذا اختلعت الأمة من زوجها على شيء بغير إذن سيدها فاسترجعه الولي

(2)

منه فليس للزوج أن يرجع عليها بشيء إذا عتقت. انتهى. نقله الحطاب. ولابن عاصم:

وامتنع الخلع على المحجور

إلا بإذنه على المشهور

والخلع جائز على الأصاغر

مع أخذ شيء لأب أو حاجر

ثم قال:

ولا يطلق العبيد السيد

إلا الصغير مع شئ يرفد

(1)

كذا في النسخ والذي في الحطاب (من) ج 4 ص 407.

(2)

كذا في النسخ والذي في الحطاب (المولى) ج 4 ص 407.

ص: 29

وكيفما شاء الكبير طلقا

ومنتهاه طلقتان مطلقا

لكن في الرجعي الامر بيده

دون رضى وليها وسيده

وقوله: على المشهور مقابله أنه يجوز للولي أن يخالع عن السفيه البالغ بغير إذنه، وقوله: العبيد منصوب بنزع الخافض أي على العبيد، والسيد فاعل يطلق، وقوله: الصغير أي إلا العبد الصغير فلسيده أن يطلق عليه بالخلع وليس له أن يطلق عليه إلا بشرط أن يأخذ له شيئا يرفد به أي يعان به، وقوله: كيفما شاء الكبير طلقا أي يطلق كيف شاء بخلع أو غيره واحدة أو أكثر، وقوله: مطلقا أي منتهى طلاقه طلقتان سواء أوقعهما معا في حال رقه أو طلق واحدة في رقه ثم عتق فلا يبقى إلا واحدة أما إن لم يطلق واحدة حتى عتق فهو كالحر بالأصالة يطلق ثلاثا سواء كانت زوجته حرة أو أمة.

ونفذ خلع المريض يعني أن الزوج المريض إذا تخالع مع امرأته فإن ذلك ينفذ ويصح له ما أخذ من الزوجة، ومثل المريض من في حكمه كحاضر صف قتال ومحبوس لقتل أو قطع خيف منه الموت، وعبر بنفذ دون جاز لأنه لا يجوز ابتداء إذ فيه إخراج وارث ولو لكافرة أو أمة إن كان مخوفا، فإن لم يكن المرض مخوفا جاز ولو لحرة مسلمة.

وورثته الضمير المستتر في ورثته عائد على زوجة المريض، والضمير البارز عائد على المريض يعني أن الزوج المريض إذا اختلعت منه امرأته وكان مرضه مخوفا ومات من مرضه المخوف الذي خالعته فيه، فإنها ترثه حتى مما خالعته به على المعروف.

والحاصل أن طلاق المريض وإن كان بائنا بل وإن كان بتاتا لا يمنع الزوجة الميراث، وأما غير ذلك من أحكام الطلاق فمرتب عليه، قال ابن الحاجب: وطلاق المريض وإقراره به كالصحيح في أحكامه وتنصيف صداقه وعدة الطلقة وسقوطها في غير المدخول بها،

(1)

إلا أنها لا ينقطع ميراثها هي خاصة قضى به عثمان رضي الله عنه لامرأة عبد الرحمن، قال في التوضيح: وترثه سواء كان

(1)

ساقطة من النسخ وقد وردت في الحطاب ج 4 ص 407 والتوضيح: ج 4 ص 330.

ص: 30

الطلاق بائنا أو رجعيا ثلاثا أو واحدة انقضت عدتها أم لا، وما تقدم من أنها ترث مما اختلعت به منه هو مذهب المدونة، وروي عن مالك أنها لا ترث منه وهو مقابل المعروف عند ابن الحاجب، وأنكره ابن عرفة. قاله الحطاب. وأما لو كان المرض غير مخوف كسعال ومات منه فإنها لا ترثه، وانظر لو كان حين الطلاق غير مخوف ثم صار مخوفا قبل الموت. انتهى. قاله عبد الباقي.

قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه والظاهر أنه لا يثبت لها الإرث لأنهم حكموا بجواز الطلاق ابتداء إذا كان المرض غير مخوف، والتي أثبتوا لها الإرث مع البينونة هي المطلقة في المرض المخوف. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وورثته" اعلم أن حكم الزوجة المطلقة في المرض المخوف أي مرض زوجها حكمها حكم الوارث الأصلي فلا تصح الوصية لها وإن قتلته خطئا ورثت من المال دون الدية، وإن قتلته عمدا عدوانا فإنها لا ترث من مال ولا دية. قاله الشبراخيتي. وقال: وقد طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته وهو مريض فجاءت إلى عثمان فقضى لها بالميراث. انتهى.

دونها أي دون موتها يعني أن المريض مرضا مخوفا إذا تخالع مع زوجته وماتت فإنه لا يرثها ولو كانت مريضة، وفي المدونة: إن جعل أمرها بيد رجل يطلقها متى شاء فلم يطلق حتى مرض الزوج فطلقها الوكيل في مرض الزوج لزمه الطلاق، وترثه كما ترثه المفتدية في مرضه، وفي الحطاب ما معناه: قال مالك لا يجوز طلاق المريض لأن فيه إخراج الوارث، وقد نهى عليه السلام عن إخراج الوارث إلا أنه على هذا التعليل يجوز طلاق من لا يرث مثل الأمة والكتابية، وقيل لا يجوز ذلك إذ تعتق الأمة وتسلم الكتابية، وفي المتيطية: وطلاق المريض وخلعه جائز ويصح له ما أخذ من الزوجة، غير أنه إن مات من مرضه قبل ظهور صحته ورثته المرأة بائنا كان أو رجعيا، فظاهره أنه جائز ابتداء، ويمكن أن يحمل قوله: جائز على أن المراد لازم. والله أعلم. قاله الحطاب.

كمخيرة تشبيه في أنها ترثه دونها؛ يعني أن من خير امرأته وأوقعت الطلاق في مرضه المخوف الذي مات منه ترثه، بخلاف ما لو ماتت هي فإنه لا يرثها، وقوله:"كمخيرة" أي سواء خيرها

ص: 31

في المرض أو في الصحة لكن لم توقع الطلاق إلا في مرضه المخوف الذي مات منه. والله سبحانه أعلم.

ومملكة يعني أن الزوج إذا ملك زوجته أمر نفسها وطلقت نفسها في مرضه المخوف الذي مات فيه فإنها ترثه دون موتها هي فإنه لا يرثها حيث كان طلاقها بائنا أو رجعيا وانقضت العدة على ما يأتي، وقوله: فيه راجع للمخيرة والمملكة وهو متعلق بمقدر، وتقديره أوقعت كل منهما الطلاق فيه أي في المرض المخوف الذي مات منه، قال مالك: من ملك امرأته في مرضه أو خالعها أو كان الطلاق في مرضه بائنا بأي وجه كان، فإنه لا يرثها إن ماتت وهي ترثه إن مات من مرضه ذلك، ومحل عدم إرثه للمخيرة والمملكة إن كان الطلاق الذي أوقعتاه بائنا، فإن كان رجعيا وماتت قبل المعدة ورثها كما ترثه، وأشار المص بقوله:"كمخيرة" إلخ إلى أنه لا فرق في ثبوت الميراث لها بين كون الفراق من الرجل وبين كونه من المرأة فسخا كما في اللعان أو طلاقا كما في غيره، تسببت المرأة في ذلك كما إذا أحنثته أم لا. وما ذكره المص في المخيرة والمملكة هو المشهور. وروى زياد أن المملكة لا ترث، وقاله المغيرة في المخيرة. قاله الشارح.

ومولى منها يعني أن الرجل إذا آلى من امرأته في الصحة أو في المرض وانقضى الأجل ولا وعد، ثم وقع عليه الطلاق في مرضه الخوف ومات منه بعد أن انقضت عدتها والحال أنه لم يرتجعها في حياته فإنه ترثه زوجته المولى منها.

وملاعنة يعني أن الزوج إذا لاعن زوجته في مرضه المخوف ثم مات منه فإنها ترثه ولا يرثها هو، ولو ارتد مريضا لم ترثه زوجة ولا غيرها، ولو عاد إلى الإسلام ورثته ورثته دون زوجته على مذهب ابن القاسم أن الردة طلاق بائن، وترثه على قول أشهب وعبد الملك. قاله اللخمي. قال الحطاب: وما قاله اللخمي غير ظاهر، ولذا قال ابن عرفة عقب نقله قلت: الأظهر أن ترثه زوجته على قول ابن القاسم وما قاله ابن عرفة ظاهر. انتهى. قاله الحطاب. ومحل كلام اللخمي فيمن لم يحصل منه قبل ردته طلاق بائن في المرض، وأما إن ارتد بعد ما حصل منه طلاق بائن في المرض ثم رجع للإسلام فإن زوجته ترثه كبقية الورثة، وألحق الشيخ أبو إسحاق بالردة ما إذا

ص: 32

طلق عليه في المرض بسبب جنون أو جذام أو نشوز منها، وفي الباجي أن المطلقة بنشوز منها كالمخالعة والملاعنة في أن حكم الميراث باق خلافا لأبي حنيفة ولم يذكر في ذلك خلافا. انتهى.

أو أحنثته فيه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته في صحته أو في مرضه إن دخلت الدار فأنت طالق البتة، فدخلتها في مرضه الخوف الذي مات منه فإنه ترثه دونها، وقوله:"أو أحنثته فيه" وكذا لو أحنثته غيرها كما لو حلف ليقضين فلانا حقه في شهر كذا فمرض مرضا مخوفا وحنث في مرضه ذلك ومات منه. قاله الشبراخيتي. وقوله: "أو أحنثته فيه"، الباجي: وهذا هو المشهور، وعن مالك: لا ترثه. قاله الشارح. أو أسلمت يعني أن من تزوج كتابية ثم طلقها في مرضه المخوف الذي مات منه وأسلمت بعد طلاقه لها في ذلك المرض فإنها ترثه، ولو كان طلاقها بتاتا، وسواء حصل الإسلام في العدة أو بعدها كما ذكره المواق وغيره، وقوله:"أو أسلمت" هو قول ابن القاسم، وقال سحنون: لا ترث.

أو عتقت يعني أن من تزوج أمة ثم إنه مرض مرضا مخوفا وطلقها فيه ومات من مرضه ذلك وعتقت بعد طلاقه لها في ذلك المرض، فإنها ترثه سواء حصل العتق في المعدة أو بعدها كما ذكره المواق وغيره، وقوله:"أو عتقت" هو قول ابن القاسم. قاله الشبراخيتي. وقال سحنون: لا ترث. قاله الشارح. والفرق بين جزم المص هنا بمنع الطلاق في المرض كما هو ظاهره وبين حكاية الخلاف بين جواز النكاح في المرض ومنعه مع أن النهي عن إدخال وارث وإخراجه سواء؛ أَنَّ إخراجه أشد من إدخاله؛ إذ في إخراجه منعه من شيء ثابت له وإدخاله ليس فيه ذلك، وقد لا يوجب منعا على الورثة لاحتمال حصول حاجب أو مانع وتوريث الوارث المخرج ومنع الوارث المدخل معاملة لفاعل كل بنقيض قصده. قاله غير واحد.

أو تزوجت غيره يعني أن الزوج إذا طلق زوجته في مرضه المخوف الذي مات منه طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت العدة ثم مات فإنها ترثه، ولو كانت متزوجة غيره حين موته، والأحسن أن يقول: وإن تزوجت غيره لأن هذا الفرع ليس مباينا للخلع في المرض بل هو مرتب عليه، وهذه الأفعال معطوفة على قوله:"كمخيرة" وذلك سائغ كما أشار إليه بقوله في الألفية:

واعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكسا استعمل تجده سهلا

ص: 33

وقوله: "أو تزوجت غيره" يريد سواء كانت في عصمة ذلك الزوج الذي تزوجها بعده أو لم تكن فيها كما سيقوله المص: وورثت أزواجا يعني أن ميراث المطلقة في المرض لا ينقطع بتزويجها من غير المطلق بل ترثه ولو تعددت الأزواج، ويمكن حينئذ أن ترث أزواجا بأن يموت كل واحد منهم قبل صحة بينة بعد ما طلقها وهو مريض مرضا مخوفا فترث جميعهم ولو كثروا، وإن في عصمة يعني أنه لا فرق في إرثها لمن طلقها في المرض المخوف الذي مات منه بين أن تكون في عصمة زوج آخر وبين أن تكون خالية فترثه اتحد أو تعدد، وقوله:"وورثت أزواجا وإن في عصمة" نحوه في المدونة والجواهر، ففي المدونة: لا تجوز الوصية لمطلقة في المرض وإن تزوجت أزواجا لأنها ترثه ولا يرفع إرثها إياه نكاحها غيره ولو تعدد، ولو طلقها كل منهم في مرضه ورثت الجميع ولو كانت لغيرهم وصحته بعده تصيره كطلاق صحيح. انتهى.

وإنما ينقطع بصحة بينة يعني أن إرث المطلقة في المرض ومن في حكمها لا ينقطع إلا بحصول صحة للزوج بينة أي ظاهرة عند أهل المعرفة، فإذا صح صحة بينة من مرضه ذلك فإنها ينقطع إرثها منه إلا في الرجعية التي لم تنقض عدتها، وقوله:"وإنما ينقطع بصحة بينة" أي فلا ينقطع بطول الزمن ولا بتزوجها، والصحة البينة هي التي لا يضيف أهل الطب الموت بعدها للمرض قبلها، بأن يقولوا: إنما مات من مرض ثان. انظر الشبراخيتي.

ولو صح ثم مرض فطلقها لم ترث إلا في عدة الطلاق الأول يعني أن الزوج إذا طلق زوجته في مرضه المخوف طلاقا رجعيا، ثم إنه صح صحة بينة ولم يرتجعها فمرض بعد ذلك فأردفها طلاقا بائنا في هذا المرض الأخير ومات منه، فإن زوجته لم ترثه إلا أن يكون موته قد حصل في بقية عدة الطلاق الأول الواقع في المرض الأول الذي صح بعده صحة بينة، والثاني لا عدة له وكذا لو طلقها حال صحته طلاقا رجعيا ثم مرض وأردفها فيه قبل انقضاء العدة طلاقا بائتا فلا ترث إلا في عدة الطلاق الأول، والثاني لا عدة له فلو لم تبق من عدة الطلاق بقية لم ترثه إلا أن يكون ارتجعها بعد صحته ثم مرض فطلقها رجعيا أو بائنا فترثه بعد موته من مرضه الثاني كما في المدونة وهو ظاهر، ولو طلقها في صحته البينة بعد الطلاق الرجعي السابق في المرض انقطع إرثها منه حيث كان طلاق الصحة بائنا مات في العدة أو بعدها. وقوله:"ولو صح ثم مرض" الخ إيضاح ما أشار

ص: 34

إليه أن الطلاق المردف في المرض المخوف الذي مات الزوج منه على الطلاق الرجعي الواقع في المرض الذي صح منه صحة بينة لا تكون به كالمطلقة في المرض التي يثبت لها الإرث أبدا، فالدار في إرثها على وجود بقية من عدد الطلاق الأول أعني الرجعي الواقع في المرض الأول، سواء أردفها طلاقا في المرض الأخير أو لم يردفها طلاقا أصلا حيث لم يرتجعها، ولهذا قال الأمير: وإن صح بينا عرفا فكالمطلقة في الصحة لا ترث إلا في عدة الرجعي، ولو أردف عليه في مرض طرأ. انتهى.

وبما قررت علم أن قوله: "في عدة الطلاق الأول" بيان للواقع إذ المردف في العدة لا عدة له، ولو قال: لم ترثه إلا في العدة لكان أحسن كما قاله الشبراخيتي.

وعلم مما قررت أن الطلاق الواقع في المرض الأول رجعي؛ إذ لو كان بائنا لانقطع إرثها منه بالصحة البينة وكذا لو كان الواقع في المرض الأول رجعيا وأبانها في الصحة فإنه ينقطع إرثها منه، سواء مات في العدة أو بعدها، وسواء كان بعد أن ارتجعها أم لا. كما قاله الحطاب. وهو ظاهر. والله سبحانه أعلم.

والإقرار به فيه كإنشائه يعني أن المريض إذا أقر في مرضه بطلاق أسنده إلى زمن سابق على المرض فحكمه حكم ما إذا أنشأ الطلاق في المرض، ولا عبرة بإسناده لزمن صحته فترثه زوجته حيث مات من مرضه ذلك، ولو انقضت عدتها على تقدير دعواه بل ولو تزوجت.

والعدة من الإقرار يعني أن المريض إذا أقر بطلاق مقدم على مرضه المخوف الذي مات فيه فإنه بمنزلة ما لو أنشأ الطلاق فيه فترثه أبدا، وتبتدأ عدتها من يوم الإقرار بالطلاق ولا تكون من يوم دعواه، فلو أقر أنه طلقها من مدة انقضت فيها العدة أو بعضها فلا يصدق؛ لأن العدة حق لله فلابد من ابتداء جميعها من يوم الإقرار، وقد علمت أنها ترثه أبدا وأما هو فقد قال الشبراخيتي: إنه يرثها في العدة المبتدأة من دعواه معاملة له بدعواه حيث كان الطلاق رجعيا، ونحوه للأمير ونصه: والإقرار والشهادة كالإنشاء والعدة من الآن إلا لتاريخ بينة، ولا يرث هو إن انقضت بدعواه. انتهى.

وأشعر قوله: "والإقرار به" أنه ليس للمريض بينة بما أقر به وهو كذلك وإلا عمل بمقتضاها، فتكون العدة من الوقت الذي قالت البينة إنه طلقها فيه، قال عبد الباقي: وكذا إن أنكر المريض

ص: 35

طلاقها في الصحة فقامت في مرضه عليه البينة بوقوعه في زمن معين في صحته فالعدة من اليوم الذي أسندت البينة وقوع الطلاق فيه. انتهى. قال محمد بن الحسن: تأمله مع ما يأتي من أن العدة من يوم الحكم في قول المص: "وإن أشهد به في سفر" إلخ فإنه يأتي فيه أن العدة من يوم الحكم به. وقال الحطاب هناك عن أبي الحسن بعد كلام المدونة ما نصه: عياض: ظاهره أنها تعتد من يوم الحكم يعني في قوله: "وإن أشهد به في سفر" يدل عليه قوله: "ولا حد عليه" الشيخ: وفي طلاق السنة من العتبية فيمن شهدت عليه البينة أنه طلق زوجته منذ سنة فحاضت فيها ثلاث حيض، قال: عدتها من الطلاق، فقالوا يناقض قوله هنا، والفرق بينهما أن ما في العتبية مقر بالطلاق وما هنا منكر للطلاق. انتهى.

فتحصل أنه إن أقر بها شهدت به البينة فمن يوم الطلاق، وإن أنكر فمن يوم الحكم خلاف ما عند عبد الباقي من أن العدة من يوم الطلاق مطلقا، وقد رجع إلى هذا عند قوله:"ولو شهد بعد موته" إلخ انتهى كلام محمد بن الحسن.

قال جامعه عفا الله عنه: وفي الرهوني بعد جلب كثير من النقول: فتحصل مما سبق أن ما رجحه محمد بن الحسن من أن العدة من يوم الحكم إذا تمادى على إنكاره مطلقا، هو الراجح؛ لأنه المنصوص لابن المواز وابن محرز وهو مقتضى كلام القاضيين أبي الوليد الباجي وأبي بكر الأبهري، ونقل عياض أنه ظاهر المدونة وأقامه منها وهو مقتضى كلام ابن يونس لقوله: والعدة تعقب الطلاق المحكوم به، وبه صرح أبو إبراهيم الأعرج وأبو الحسن والوانوغي وابن ناجي وسلمه الحطاب، وما رجحه الزرقاني وأيده التاودي من أنها من يوم الطلاق إن اتفقا في التاريخ ومن آخرهما إن اختلفا فيه عزاه ابن يونس لأبي محمد بن أبي زيد، وعزاه ابن عرفة لنقل عياض عن المذهب وقد علمت ما في ذلك العزو، ولابن رشد في الأجوبة قول ثالث: إن اتفقا فمن

(1)

يوم الطلاق وإلا فمن يوم الحكم. فشد يدك على هذا التحصيل. والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى.

ونحو ما لعبد الباقي للأمير كما قدمته عنه، وسيأتي لمحمد بن الحسن عند قول المص:"وإن أقر بطلاق" إلخ أن في المسألة قولين، والمسألة الآتية مثل ما هنا إلا أن ما يأتي في إقرار الصحيح وما هنا في إقرار المريض، والحكم في المسألتين واحد إلا في أن المرأة هنا ترثه أبدا وما يأتي إنما ترث

(1)

في النسخ من يوم والمثبت من الرهوني ج 4 ص 65.

ص: 36

حيث لم تنقض العدة المبتدأة من الإقرار حيث كان الطلاق رجعيا. والله سبحانه أعلم. وسيأتي الكلام على المسألتين هناك بأتم مما هنا وما يأتي هو مفهوم قوله فيه ونصه في العدة: "وإن أقر - أي صحيح بطلاق متقدم استأنفت العدة من إقراره ولم يرثها إن انقضت على دعواه وورثته فيها إلا أن تشهد بينة له". انتهى.

ولو شهد بعد موته بطلاقه فكالطلاق في المرض يعني أن الزوج إذا شهدت عليه بينة بعد موته أنه كان طلق زوجته طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت العدة على حسب تأريخهم واستمر لموته يعاشرها معاشرة الأزواج، وكان تأخيرهم الشهادة لعذر كغيبتهم فإنه يكون كمن طلق في المرض فترثه زوجته أبدا، هذا هو وجه التشبيه، وتعتد عدة وفاة حيث كان الطلاق رجعيا وعدة طلاق حيث كان الطلاق بائنا، وهذا هو الذي أفادته شهادة الشهود؛ إذ لولا شهادتهم لاعتدت عدة وفاة، وتقدم أنهم أخروا الشهادة لعذر كغيبتهم، فلو كانوا حاضرين لبطلت شهادتهم بسكوتهم ولا يعذرون بالجهل فتعتد عدة وفاة، وإذا كانت العدة عدة وفاة تكون من يوم الوفاة، وإذا كانت العدة عدة طلاق لكون الطلاق بائنا فمن يوم الحكم فإنها تعتد عدة طلاق.

وقوله: "فكالطلاق في المرض" أي في أنها ترثه أبدا فإن قيل كيف ترثه مع انقضاء العدة على ما قالت البينة؟ فالجواب أنها إنما ورثته لاحتمال كونه يبدي مطعنا في شهادتهم لو كان حيا. قاله غير واحد. وقد مر أنه استمر لموته يعاشرها معاشرة الأزواج، فلو انفصلت عنه قبل موته وعلم ذلك لم ترثه، ولو شهدت بينة بعد موتها بطلاقها بائنا أو رجعيا وانقضت العدة لم يرثها، والفرق بين هذه ومسألة المص أن المشهود عليه وهو الزوج مات ففات الإعذار في مسألة المص، وفي هذه لم يفت فقد أعذر إليه فلا يرثها حيث لم يبد مطعنا، وما تقدم من أنها ترثه هو قول مالك وابن القاسم، وقال سحنون: لا ترثه كما لا يرثها. انتهى. وقد مر أنها تعتد عدة طلاق حيث كان الطلاق بائنا، وقال الشيخ علي الأجهوري: ظاهر كلام ابن القاسم أنها تعتد عدة وفاة ولو كان الطلاق بائنا لاحتمال طعنه في شهادتهم لو كان حيا.

تنبيه: إذا مات الزوج في غيبته ولم يبلغ زوجته خبر موته إلا بعد انقضاء العدة من يوم الموت حلت ولا إحداد عليها، وكذا الطلاق أي في أنها تحل، قال القائل:

ص: 37

ألا قل لمن تأتيك تسئل عدة

بموت مغيب أو طلاق ولم تدر

فإن فات قبل العلم مقدار عدة

فحسبهَـ ذاك حل بضعهَـ عن خبر

وإن قل ما قد فات تمكث ما بقي

من العدد المذكور في محكم الذكر

وفي الحطاب بعد جلب نقول: فتحصل من هذا أنه إذا كان الشهود حضورا فشهادتهم باطلة وترثه ويرثها يعني في المسألتين المتقدمتين: مسألةِ موته هو ومسألةِ موتها هي، وإن كانوا غيبا ثم قدموا فشهدوا بالطلاق، فإن كان بعد موته ورثته وهي مسألة المص وإن كان بعد موتها هي لم يرثها على قول مالك وابن القاسم، وقال سحنون ويحيى بن عمر: لا ترثه كما أنه لا يرثها. انتهى. قال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته فيشك في يمينه فيسئل ويستفتي ثم يتبين له حنثه، قال مالك: تعتد من حين وقف عنها وليس من حين تبين له: قيل لابن القاسم: فإن مات قبل ذلك أيتوارثان؟

(1)

قال: ينظر في يمينه فإن كان يحنث فيها لم ترثه وإلا ورثته. ابن رشد: قوله تعتد من حين وقفه صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن العدة من يوم الطلاق والطلاق إنما وقع عليه يوم الحنث.

وإن أشهد به في سفر ثم قدم وطئ وأنكر الشهادة فرق ولا حد يعني أن الزوج إذا أشهد بالطلاق أي بإنشائه أو بإقراره به ثلاثا أو دونها بائنا وكان إشهاده به في سفر ولا مفهوم له، فكذلك إن أشهد في الحضر ثم إن الزوج قدم من سفره ووطئ المشهود بطلاقها وأنكر الطلاق الذي أشهد به فإنه يفرق بينه وبين المرأة، وتعتد من يوم الحكم بشهادة البينة كما هو ظاهر المدونة لا من اليوم الذي أسندت إليه البينة الإشهاد المذكور، ولكونها تعتد من يوم الحكم بالفراق لا حَدَّ على الزوج في وطئه لها الحاصل بعد الإشهاد المذكور، فكأنه وطئ زوجته. ووجَّهَ المازري عدم الحد بأنه كمقر بزنى ثم رجع، وقيل إنه لم يحد لأنه يجوز أن يكون قد نسي ما أشهد به فلذا أنكر الشهادة. والله تعالى أعلم.

سحنون: ولو شهد أربعة أنه طلقها وأقر الزوج بالوطء بعد وقت الطلاق وجحد الطلاق حددته، ولو قالوا: نشهد أنه طلقها ثم وطئها حددته. ابن يونس: قول سحنون خلاف المدونة في الذي

(1)

في النسخ يتوارثان والمثبت من الحطاب: ج 4 ص 411 والبيان: ج 5 ص 352.

ص: 38

شهدت عليه البينة في سفره، وقد اختلف ابن القاسم وأشهب في الأمة يعتقها في سفره وتشهد البينة على ذلك ثم يقدم فيطؤها ويستغلها، فاختلفا في الغلة واتفقا أن لا حد عليه ولا فرق بين هذه وبين الحرة. انتهى. قاله الحطاب. ونقل الشبراخيتي عن بعضهم أنه قال: واستشكل الشيوخ عدم الحد واختلفوا في الاعتذار عنه، فقال الأبهري: لأنهما على حكم الزوجية حتى يحكم بالفراق، ومحمد لأنها تعتد من يوم الحكم بالفراق وهو غير ما قبله؛ لأنه ليس فيه دلالة على أنهما على أحكام الزوجية والمازري كأنه مقر بزنى ثم رجع عنه وقيل إنه جوز عليه النسيان. وقول التتائي: إذا شهدت عليه أربعة بالطلاق فيه نظر لثبوته بشهادة اثنين. انتهى.

وقوله: "وإن أشهد به في سفر" إلخ قال في أواخر كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة: ومن طلق زوجته في سفر ثلاثا ببينة ثم قدم قبل البينة فشهدوا بذلك وهو منكر للطلاق ومقر بالوطء فليفرق بينهما ولا شيء عليه، قال يحيى بن سعيد: ولا يضرب، وروى عن علي عن مالك فيمن شهد عليه أربعة عدول أنه طلق امرأته البتة وأنهم رأوه يطؤها بعد ذلك وهو مقر بالمسيس أنه يفرق بينهما ولا حد عليه، قال سحنون: وأصحابنا يأبون هذه الرواية ويرون عليه الحد.

ولو أبانها ثم تزوجها قبل صحته فكالمتزوج في المرض يعني أن الزوج إذا أبان زوجته في مرضه الخوف ثم إنه تزوجها قبل صحته من مرضه الذي أبانها فيه فإن حكم نكاحه كحكم نكاح المتزوج في المرض، فيفسخ ولو ولدت الأولاد إلا أن يصح الزوج ولها الأقل من ثلاثة أشياء: المسمى، وصداق المثل، والثلث، وأما الإرث فثابت، قال عبد الباقي: فإن قلت العلة في منع نكاح المريض إنما هو إدخال وارث وهذه الصورة قد أمن فيها ذلك؛ لأن المطلقة في المرض لا ينقطع ميراثها؟ قلت: هذا النكاح الثاني قد يعرض له ما يصيره سببا للإرث لو سلم من الفسخ وذلك إذا صح بعده صحة بينة، فلذلك فسخناه مراعاة للطارئ وهذا على طريقة "ومنع نكاح النصرانية والأم". انتهى.

قال محمد بن الحسن: لا يخفى ما في هذا الجواب بل هو جواب ساقط، والظاهر التعليل بالغرر في المهر لأنه في الثلث فلا يدرى أيحمله أم لا، فلو تحمل بالمهر أجنبي لم يفسخ لثبوت المهر في مال الأجنبي والإرث بالنكاح الأول كما نقله المواق والتوضيح، وهذا التعليل فيه نظر لأنه يقتضي

ص: 39

أنه إنما يفسخ قبل مع أنه يفسخ قبل وبعد كما علمت. والله سبحانه أعلم. وقوله: "ولو أبانها ثم تزوجها" إلخ قال الشارح: يشير به إلى قوله في المدونة: وإذا طلق مريض زوجته قبل البناء ثم تزوجها قبل صحته فلا نكاح لها إلا أن يدخل بها فيكون كمن نكح في المرض وبنى فيه أي فيفسخ أيضا بعد البناء، وعن سحنون أنه يفسخ قبل البناء فقط. انتهى. والتعليل الذي نقله محمد بن الحسن إنما يتمشى على قول سحنون.

ولم يجز خلع المريضة يعني أن المريضة مرضا مخوفا يحرم عليها أن تختلع من زوجها وكذا يحرم عليه هو أيضا، فالحرمة متعلقة بهما فإن ارتكبا المحرم وتخالعا نفذ الطلاق قطعا فلا يتوارثان ولو ماتت قبل انقضاء العدة، وأما المال المخالع به فقال الإمام مالك في المدونة: إن اختلعت في مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يجز ولا يرثها، وقال ابن القاسم: وأنا أرى لو اختلعت منه على أكثر من ميراثه منها لم يجز، وأما على مثل ميراثه منها فأقل فجائز ولا يتوارثان، اختلف الشيوخ هل قول ابن القاسم مخالف لقول الإمام وعليه فقول الإمام:"ولم يجز" معناه أنه يرد جميع المال المخالع به على كل حال سواء كان أكثر من قدر ميراثه منها أو قدره أو أقل ولو صحت بعد الرد فلا شيء له على هذا التأويل وهو تأويل الأقل؟ أو قول ابن القاسم ليس بمخالف لقول الإمام بل هو تفسير له وعليه فإنما يرد من المال المخالع به البعض المجاوز لإرثه منها لو ورث بتقدير أنه لم يخالع، وقوله: يوم موتها يحتمل أنه متعلق باسم الفاضل فيكون ظرفا لغوا ويحتمل أنه حال من المجرور فيكون ظرفا مستقرا وتأويل الوفاق هو تأويل الأكثر، وكان على المص أن يقتصر عليه. وعلى تأويل الوفاق اختلف هل يعتبر في قدر الميراث يوم موتها وهو الذي مشى عليه المص؟

ووقف يعني أنه إذا فرعنا على القول بأن المعتبر في قدر الميراث يوم موتها فإنه يوقف جميع المال المخالع به عينا أو عرضا إليلا أي إلى يوم موتها، فإن كان قدر ميراثه فأقل أخذه، وإن كان أكثر فقال ابن رشد: لا شيء له منه ولا إرث له بحال، وقال اللخمي: له منه قدر ميراثه ويرد الزائد، وأما إن صحت فيأخذ جميع ما خالعته به، ومعنى الموقف أنه ينزع منها فيجعل تحت يد أمين كما قاله في الجواهر. انظر الشبراخيتي. أو يعتبر في قدر ميراثه منها يوم الخلع وعليه فيتعجل الزوج الخلع إن كان قدر الميراث فأقل.

ص: 40

قال جامعه عفا الله عنه: فلو كان أكثر من إرثه منها فمقتضى كلام ابن القاسم أنه يرد ولا شيء له وهو الذي قاله ابن رشد فيما إذا كان المعتبر فيما يرثه منها يوم موتها كما مر عنه قريبا. والله سبحانه أعلم.

تأويلان أي في ذلك تأويلان، تأويل بالخلاف وهو تأويل الأقل وتأويل بالوفاق وهو تأويل الأكثر، قال محمد بن الحسن: ومقتضى كلام المص أن التأويلين في الرد وعدمه مع الاتفاق على المنع وهو غير ظاهر، بل هما في الجواز وعدمه. انتهى. أي لأن الإمام مالكا قال: لا يجوز خلع المريضة، وابن القاسم قال: إذا اختلعت منه بقدر ميراثه فأقل جاز وإلا فلا فأحد التأويلين وهو تأويل الوفاق يقول بجواز الخلع على قدر ميراثه منها فأقل؛ أي أن الإمام يجيز ذلك كما أجازه ابن القاسم، وتأويل الخلاف وهو تأويل الأقل يقول إن الإمام لا يجيز ذلك وإنما يجيزه ابن القاسم.

وعلم مما قررت أنه على القول بأن المعتبر في قدر ميراثه منها يوم موتها يوقف جميع المال المخالع به، وقال التتائي: يوقف قدر ميراثه منها ونحوه لأحمد وهو غير صحيح؛ إذ حيث كان المعتبر يوم الموت فلا يعرف قدر الميراث إلا بالموت، فكيف يقال: يوقف قدر الميراث كما قاله محمد بن الحسن؟ قال: والمتعين قول أبي الحسن أنه يوقف جميع ما خالعت به عينا أو عرضا. انتهى.

واعلم أن في المسألة خمسةَ أقوال: أحدها: البطلان مطلقا وهو مذهب الموازية وأحد التأويلين، ثانيها: أن له ما خالعته به إن كان قدر ميراثه منها فأقل، ثالثها: الإمضاء مطلقا، الرابع: له خلع المثل، خامسها: يكون له ما خالعته به من الثلث. وقوله: "ووقف إليه" مذهب اللخمي أنه إن كان الخلع على دنانير أو دراهم لا توقف، وإن كان على عبد أو دار منعت من بيعه والتصرف فيه، فإن صحت أخذه وإن ماتت كان الورثة بالخيار بين أن يجيزوه أو يردوه ميراثا لأنهم شركاؤه، ويكون على حقه في الميراث. انظر التوضيح.

تنبيه: من توفيت وأوصت لزوجها وهو غائب بثلث مالها وقد تركت ولدا منه أو من غيره، فقيل لها: لا وصية لوارث، فقالت: إنه كتب إلي بالطلاق فسترت ذلك وقدم الزوج فصدقها فإنه لا يدفع له أزيد من إرثه منها إلا أن يصدقها الورثة. قاله غير واحد. ابن الحاجب: وصلح المريضة

ص: 41

لا يمضي إلا على قدر ميراثه، ففي تعيين يوم الموت أو يوم الخلع قولان، وفائدته الرجوع له وعليه فلا يتوارثان، وقيل يمضي مطلقا وقيل خلع المثل. انتهى. قوله: وفائدته؛ أي وفائدة هذا الخلاف تظهر في اختلاف ما لها بين زماني الخلع والموت. قاله في التوضيح. وقوله: وقيل يمضي مطلقا أي يمضي خلعها مطلقا سواء كان قدر الميراث أو أكثر، وذكر في الجواهر أن هذا القول رواه ابن وهب عن مالك، والقول بأن له خلع المثل رواه ابن عبد الحكم، وقال عبد الوهاب: له ما خالعها عليه إن حمله ثلثها. قاله في التوضيح.

وإن نقص وكيله عن مسماه لم يلزم يعني أن الزوج إذا وكل وكيلا على الخلع وسمى له ما يخالع به كمائة مثلا فخالف ونقص له في الخلع عن القدر الذي سماه له بأن خالع له على أقل من مائة فإنه لا يلزم الزوج طلاق وتبقى زوجة له إلا أن تتمه هي أو الوكيل فتلزمه البينونة حينئذ. قاله غير واحد. ومفهوم قوله: "وإن نقص" أنه إن خالع بأكثر مما سمى له لزمه الطلاق وهو كذلك كما قاله الحطاب، فإنه قال: قال ابن عرفة: والتوكيل على الخلع جائز كالبيع لا كالنكاح فيجوز توكيل الزوج المرأة.

ابن شأس: لو قال خالعها بمائة فنقص لم يقع طلاق. انتهى. فإن خالع بما سماه أو زاد فلا شك في وقوع الطلاق البائن، وهو مفهوم قول المص:"وإن نقص". قاله الحطاب. قوله: "وإن نقص" قال في التوضيح: وهذا ظاهر في النقص الكثير، وأما اليسير فينبغي أن يختلف فيه كالبيع. انتهى. وكذلك قال ابن عرفة: والذي مشى عليه المص أن المخالفة في البيع في النقص اليسير لا تغتفر كما اختاره عبد الحق وابن يونس واللخمي والمتيطى. قاله الحطاب.

فرع: قال في الشامل: ولا ينفذ إن وكل اثنين إلا باجتماعهما. انتهى. ونقله ابن عرفة عن المدونة. انتهى. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: وظاهر المص ولو قل النقص والزوج بائع، وقد ذكر في الوكالة أنه لا يغتفر النقص في البيع حيث قال أو بيعه بأقل. انتهى.

أو أطلق له أو لها حلف أنه أراد خلع المثل يعني أن الزوج إذا أطلق لوكيله في المخالعة عن زوجته أو أطلق لزوجته في المخالعة عن نفسها بأن لم يقيد بخلع المثل ولا بقدر معين، بأن قال: إن دعوتني إلى صلح بالتنكير أو إن أعطيتني مالا بالتنكير أجبتك، أو قال للوكيل خالع عني ووقع الخلع في هذه الصور بدون خلع المثل، فإن الزوج يحلف بالله الذي لا إله إلا هو على أنه

ص: 42

أراد خلع المثل، فإن حلف لم يلزم طلاق إلا أن تتم له هي أو الوكيل خلع المثل فيلزمه الطلاق حينئذ، وقوله:"حلف" إلخ قال الشبراخيتي وعبد الباقي: ومحل اليمين حيث لم يكن مستفتيا وإلا قبل قوله بلا يمين.

واعلم أن هذه المسألة على ثلاثة أقسام أحدها: أن يقول لها إن دعوتني إلى صلح بالتنكير أو إن أعطيني مالا بالتنكير فأنت طالق فإنه يحلف أنه أراد خلع المثل ولا يلزمه طلاق إلا بخلع المثل، أو يقول لها أخالعك أو يقول للوكيل خالع عني فيحلف أيضا أنه أراد خلع المثل ولا يلزمه طلاق إلا بخلع المثل، وما ذكرته في صلح ومال منكرين من أنه من باب الإطلاق فيحلف أنه أراد خلع المثل ولا يقع طلاق هو الذي يفيده الأمير والشبراخيتي في مال ويأتي كلامهما قريبا إن شاء الله، وأما خالعها أو خالع عني فقال الحطاب شارحا لكلام المص: قال ابن عرفة عن ابن شأس: ولو قال خالعها فنقص عن المثل قبل قوله إنه أراد المثل. ابن الحاجب: مع يمينه. انتهى. ولفظ ابن الحاجب: ولو قال خالعها فنقص عن المثل حلف أنه أراد خلع المثل، قال في التوضيح في الجواهر: القول قوله أنه أراد خلع المثل ولم يذكر يمينا ولم يذكرها أيضا مالك في المجموعة. ابن عبد السلام: ولا يكاد يوجد النص على اليمين، وظاهر الرواية سقوط اليمين كما في البيع، خليل: والظاهر أن اليمين تجري على الخلاف في أيمان التهم. انتهى. ثم قال الحطاب: ولم ينبه الشارح في شرحه على قوله: "أولها"، وقال البساطي بعد ذكره الإطلاق للوكيل: وكذلك إذا أطلق للزوجة. انتهى. وما قدمته في مال وصلح منكرين عن الأمير والشبراخيتي في مال خلاف ما صرح به عبد الباقي، فإنه قال وأما إذا قال: إن دعوتني إلى صلح بالتنكير أو إن خالعتني على مال فإند يلزمه ما دفعته له من كثير وقليل ولو تافها. انتهى.

ثانيها: أن يقول إن دعوتني إلى الصلح معرفا ولم أجبك فأنت طالق فله ما ادعى ولو فوق خلع المثل بيمين. قاله الأمير. وهو الذي يفيده كلام العتبية الذي نقله الحطاب، وحينئذ فلا يصح حمل قول المص "أولها" عليه كما قاله الحطاب، فإنه حمل قوله:"أولها" على الصلح معرفا وذلك غير صحيح؛ لأن مفاد كلام العتبية وشرحها أنه فيما إذا قال إن دعوتني إلى الصلح

ص: 43

بالتعريف ولم أجبك فأنت طالق أنه إن أعطته قدرا ولو خلع المثل، وقال ما أردت إلا نصف مالك أي أو ما زاد عليه فإنه يحلف ولا يلزمه طلاق. كما قاله الشبراخيتي.

ثالثها: أن يقول لها إن أعطيتني ما أخالعك به فله خلع المثل بلا يمين، ولا يلزمه طلاق إن أعطته ما دون خلع المثل، وهي قوله "أو بتافه" في إن أعطيتني ما أخالعك به. هذا هو تحرير المسألة. والله سبحانه أعلم. وفي كتاب الأمير: وله بيمين ما ادعى في الصلح نحو أنت طالق إن أعطيتني الصلح وإن فوق خلع المثل وخلع المثل في صلح ومال منكرين بيمين كما أخالع به لكن بلا يمين. انتهى. وقال الشبراخيتي: والحاصل أنه لا يصح حمل قول المص: "أولها" على ما إذا قال لها إن أعطيتني ما أخالعك به؛ لأنه بمنزلة قوله: إن أعطيتني خلع المثل، وليس هذا من الإطلاق لها ولا على قوله: إن دعوتني إلى الصلح معرفا لما علمته يعني لأن القول قوله، ولو فوق خلع المثل كما مر ولا يصح حعله يعني قوله:"أولها" على ما إذا قال إن دعوتني إلى صلح فلم أجبك فأنت طالق فإنه يلزمه الطلاق بما دفعته من قليل أو كثير، ولا عبرة بما يقول ولو حلف عليه وحينئذ فيتعين حمله على ما إذا قال لها خالعيني على مال كما يفيده كلام المواق. انتهى.

قال مفيد هذا الشرح عفا الله عنه: انظره فقد فرق بين مال وصلح منكرين، وقد تقدم عن الأمير تساويهما وهو الذي قدمته في حل المص. والله سبحانه أعلم.

وإن زاد وكيلها فعليه الزيادة يعني أن الزوجة إذا وكلت على الخلع وزاد وكيلها على ما سمت له في المخالعة أو على خلع المثل إن لم تسم بأن أطلقت له، فإن الخلع ينفذ فيلزم الزوج الطلاق البائن وتكون الزيادة على الوكيل أي الزيادة على ما سمته له أو على خلع المثل إن لم تسم، قال عبد الباقي: ولا ينظر لخلع المثل حيث سمت وإنما ينظر للزيادة على التسمية سواء أضاف الاختلاع لها أو لم يضفه لها ولا لنفسه، فإن أضافه لنفسه صح وغرم المسمى كما في أحمد عن الشامل، وينبغي قياسا على الزوج أن يحلفها الوكيل أنها أرادت خلع المثل عند إطلاقها للوكيل، وجزم حلولو بحلفها ولم يعزه. انتهى. وقال الشبراخيتي: ظاهره يعني المص سواء أسند الوكيل الاختلاع إلى نفسه أو إليها أو لا إلى نفسه ولا إليها، وهو خلاف المنقول فيقيد بما إذا أسند الاختلاع إليها، كقوله: خالع فلانة على مائة دينار منها أو لا إلى نفسه ولا إليها، كقوله: خالعها على مائة دينار، وأما لو أسند الاختلاع إلى نفسه كقوله خالعها على ماتة دينار مني أو

ص: 44

قال أشتري منك عصمتها بكذا فإنه يلزمه ما سماه للزوج. قاله صاحب الجواهر والبيان. وظاهر كلامهما أن هذا جار فيما إذا سمت له وفيما إذا أطلقت. انتهى كلام الشبراخيتي.

وقال في التوضيح شارحا لكلام ابن الحاجب: يعني فإن وكلت الزوجة من يخالع لها فكوكيل الشراء فإن خالع بخلع المثل فأقل لزمها الخلع ودفع العوض وإن خالع بأكثر لم يلزمها، ويفهم من قوله: كوكيل الشراء أن العوض وعهدته عليه إلا أن يشترط أن ذلك عليها. انتهى. وقوله: "وإن زاد وكيلها" ظاهره سواء كانت الزيادة يسيرة أو كثيرة، وقال في التوضيح: وينبغي أن تقيد هذه الزيادة بالزيادة الكثيرة، وأما اليسيرة فتلزمها كالوكيل على شراء سلعة. انتهى.

ورد المال بشهادة سماع على الضرر يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها بعوض من مال أو رضاع ولدها أو نفقة حمل أو إسقاط حضانة، ثم إنها وجدت بينة تشهد لها شهادة سماع أن الزوج أضر بها، فإن ما خالعته به من ذلك يرد إليها ولا يمين عليها، وأولى لو شهدت لها بينة قطع، ولا يشترط في بينة السماع هنا أن تكون سمعت من الثقات وغيرهم، بل لو ذكرت أنها سمعت ممن لم تقبل شهادته كالخدم ونحوهم عمل بشهادتهم، والظاهر صحتها أيضا إذا أسندت للثقات فقط إذا كانوا من الجيران، ولو كان الدافع للخلع أجنبيا فقال الشيخ علي الأجهوري: ينبغي رد المال إن قصد فداء المرأة من ضرر زوجها وإلا فلا، وما قدمته من أنه لا يمين على المرأة هو لعبد الباقي ونحوه في الحطاب عن ابن رشد، ونصه: فإن شهد لها بالضرر شاهدان أو شاهد وامرأتان رد عليها مالها بغير يمين، وإن شهد لها به رجل واحد أو امرأتان حلفت مع شهادة الرجل أو مع شهادة المرأتين، واستوجبت أن يرد إليها ما أخذ منها ويجوز في ذلك شهادة شاهدين على السماع، فتأخذ ما أخذ منها بشهادتهما دون يمين. قاله في سماع أصبغ من كتاب الشهادات.

وأكثر من ذلك أحب إليه وابن الماجشون لا يجيز في شهادة السماع أقل من أربعة شهداء. وبالله تعالى التوفيق. انتهى. ونقل الحطاب عند قول المص: "ورد المال بشهادة سماع على الضرر" ما نصه: قال المتيطي: وتحلف مع بينتها أن فعلها ذلك كان للإضرار الذي أثبتته، ونصه بعد فصل الشروط: إذا أسقطت المرأة كالئها عن زوجها أو افتدت منه بمال زادته إياه من عند نفسها أو دفعت له بنيها منه وأسقطت الحضانة الواجبة لها ثم قامت بعد ذلك عند الحاكم وزعمت أن

ص: 45

ما

(1)

أسقطته أو أعطته أو التزمته كان عن إضرار من الزوج وإكراه منه لها، وأكذبها الزوج وزعم أن ذلك كان من قبلها وأنه لم يزل محسنا لها، وأقامت بالضرر بينة استرعتهم أو لم تسترعهم وعجز الزوج عن الدفع فيهم أنفذ عليه الخلع وحكم بنقض

(2)

ما التزمته وصرف ما أعطته بعد يمينها أن فعل ذلك كان للإضرار الذي أثبتت. انتهى. قال الإمام الحطاب بعد ما جلب كلام المتيطى وابن رشد ما نصه: فقول ابن رشد: إنه إذا قام لها شاهدان بالضرر أو شاهد وامرأتان أو شاهدان بالسماع على الضرر أنها لا تحلف معهما مخالف لما قال المتيطى، ولعل هذه اليمين التي نفاها ابن رشد غير اليمين التي أثبتها المتيطى. فتأمله. والله أعلم.

قال مقيد هذا الشرح: الذي يعطيه كلام ابن رشد أن هذه اليمين التي نفاها غير اليمين التي أثبتها المتيطى؛ لأن اليمين التي نفاها ابن رشد أتى بنفيها فيما إذا كمل النصاب بأن شهد بالضرر شاهدان أو شاهد وامرأتان وأتى بذلك في مقابلة ما إذا لم يكمل النصاب كما لو شهد شاهد واحد أو امرأتان فالأبد من يمين مكملة للنصاب يثبت بها الضرر؛ لأن الدعوى هنا في مال والطلاق بغير الشهادة المذكورة، وإذا كمل النصاب بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين فلا يحتاج للحلف على الضرر لثبوته بدونها، وأما اليمين التي أثبتها المتيطى فليست هي لإثبات الضرر الذي أثبته الشاهدان، وإنما هي على أن مفارقتها له بالخلع لأجل الإضرار الذي قامت عليه البينة وثبت بها، لا أنها تحلف على أن الضرر ثابت. والله سبحانه أعلم.

وقال محمد بن الحسن: قول الزرقاني من غير يمين نحوه في المواق والحطاب عن ابن رشد، وفي الحطاب عن المتيطى أنه لابد من اليمين، قال بعض الشيوخ: وهو الصواب. انتهى. وقوله: "على الضرر" قال في التوضيح: من الإضرار أن يمنعها من زيارة ولدها. ابن القاسم: وليس من الإضرار بها البغض لها وإنما الإضرار الأذى بضرب أو اتصال شتم في غير حق أو أخذ مال أو المشارة، ومن علم من امرأته الزنى فليس له أن يضارها حتى تفتدي. انتهى. وقال في الشامل: ورد العوض فقط بشهادة سماع أو يمينها مع شاهد مباشر أو امرأتين بضرره لها بضرب أو دوام شتم بغير حق أو أخذ مال أو مشارة أو إيثار غيرها عليها لا بغضه لها، وفي رده بيمينها مع شاهد سماع أو

(1)

في النسخ أنها إنما والمثبت من الحطاب: ج 4 ص 415.

(2)

في النسخ بنقيض والمثبت من الحطاب: ج 4 ص 416.

ص: 46

امرأتين بذلك يعني بالسماع كما في الحطاب قولان، أما إن استخفت به فأساءت عشرته أو نشزت أو خرجت بغير إذنه أو أذنت لمن يكره في بيته وأظهرت البغض له حل له الأخذ، ولو علم منها زنى أوأتت بفاحشة فليس له الإضرار لتفتدي. انتهى. قاله الحطاب.

ابن القاسم: وصفة الشهادة أن يقولوا سمعنا سماعا فاشيا مستفيضا على ألسنة الناس والخدم والجيران: قال: ويكفي في ذلك عندي عدلان والعدول الكثير أحب إلي وهو المشهور المعمول به، وعنه أيضا أن السماع إنما يكون من العدول إلا في الرضاع فيجوز أن يكون على لفيف القرابة والأهلين والجيران وإن لم يكونوا عدولا كالنساء والخدم، وروى حسين بن عاصم: لا تجوز شهادة السماع إلا عن العدول إلا في الرضاع، فتجوز إن شهد العدول عن لفيف القرابة والجيران من النساء والخدم، قال أبو عمران: وهو حسن لأنه لا يحضره الرجال في الغالب، وفي سماع ابن وهب عن مالك أن الشهادة على السماع إنما تكون عاملة إذا سمع ذلك الرجال والنساء سماعا فاشيا، فإن شهد في ذلك النساء عند القاضي وحدهن لم يجز، وقال ابن الهندي: إذا شهد بالضرر صالحات النساء والخدم التي يدخلن إليها جاز. انتهى.

وبيمينها مع شاهد يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها بمال ثم وجدت شاهدا واحدا بالقطع على إضرار الزوج بها فإنها تحلف مع شاهدها ويرد عليها المال الذي أخذه منها، أو امرأتين يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها بمال ثم وجدت امرأتين تشهدان لها بالضرر على القطع فإن ما خالعته به من المال يرد إليها بعد أن تحلف معهما على الضرر، ومثل المال ما يؤول إليه وقصاص الجرح، وأما ما ليس بمال ولا آئل إليه كإسقاط الحضانة فلا يرد إلا بشاهدين، وقد مر أنه ليس من الضرر تأديبها على ترك الصلاة والغسل من الجنابة، فإن شاء أمسكها وأدبها على ترك ذلك وإن شاء خالعها ويحل له ما أخذ منها، وقد مر أنه لا تحل له مضارتها حتى تفتدي إذا علم منها الزنى، ولا يحل له ما أخذ منها إلا أن تشتمه أو تخالف أمره. وقوله:"أو بيمينها مع شاهد أو امرأتين" أي على القطع كما مر، وأما على السماع فقال في الشامل: وفي رده أي المال المخالع به بيمينها مع شاهد سماع أو امرأتين بذلك يعني بالسماع كما في الحطاب قولان، وظاهر ما يأتي في الشهادات ضعف القول الأول. قاله عبد الباقي.

ص: 47

ولا يضرها إسقاط البينة استرعاهُ الاسترعاء في الأصل هو طلب الرعي أي الحفظ، فكأن المرأة استحفظتهم ضررها ليلا يبطل بإسقاطها له؛ يعني أن المرأة إذا أشهدت قبل عقد الخلع أنها متى افتدت من زوجها بشيء فليس عن طوع منها ولا التزام منها وإنما يحملها عليه الضرر والرغبة في الراحة من ضرره لها، وأنها متى حصلت لها النجاة منه ترجع عليه فخالعته بمال معترفة بالطوع وعدم الضرر وأسقطت عنه عند عقد الخلع تلك البينة التي أشهدتها على ذلك وهي بينة الاسترعاء، فإن ذلك الإسقاط لا يضرها بل ترجع على الزوج بالمال الذي افتدت به منه متى قامت لها بينة بالضرر.

واعلم أن هنا ثلاث صور إحداها: أن تعترف بالطوع في عقد الخلع وكانت استرعت فلها الرجوع باتفاق، ثانيها: أن تعترف في عقد الخلع بالطوع أيضا ولم تسترع فقامت لها بينة لم تكن علمت بنها فكذلك لها الرجوع، ثالثها: أن تعترف بالطوع أيضا ولم تسترع فقامت لها بينة قد علمت بها فالذي قاله ابن الهندي وابن العطار وغيرهما أن لها الرجوع.

وقوله: "ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة" اعلم أنها لا يضرها إسقاط البينة المسترعاة ولا غيرها، قال أبو الحسن: ولو كتب في الوثيقة طائعة غير مشتكية ضررا وأسقطت الاسترعاء في الاسترعاء إلى أبعد غايته وأقصى حدوده ونهايته فلا يسقطه ذلك؛ لأنها تقول لو لم أقل ذلك لما تخلصت منه. انظر تبصرة ابن فرحون. والاسترعاء في الاسترعاء هو أن يقول في استرعائه: متى أشهد على نفسه بإسقاط البينة المسترعاة فهو غير ملتزم لذلك. قاله بناني في باب الصلح.

واعلم أن الاسترعاء ينفع في كل تطوع كالعتق والتدبير والطلاق والتحبيس والهبة، ولا يلزمه إن فعل شيء من ذلك وإن لم يعلم السبب إلا من قوله مثل أن يشهد أني إن طلقت فإنما أطلق خوفا من أمر أتوقعه من جهة كذا أو حلف بالطلاق وكان أشهد إني إن حلفت بالطلاق فإنما هو لأجل إكراه ونحو ذلك، فهذا وما ذكر معه لا يشترط فيه معرفة الشهود السبب المذكور، وأما البيوع فلا يجوز الاسترعاء فيها إلا أن يرى الشهود الإكره على البيع والإخافة فيجوز الاسترعاء إذا انعقد قبل البيع، وتضمن العقد شهادة من يرى الإخافة والتوقع الذي ذكره.

ص: 48

وعلم مما مر أن الاسترعاء هو أن يشهد قبل هذا الأمر الذي يريد أن يفعله أنه غير ملتزم له، وأنه إنما فعله لأجل أمر يتوقاه اقتضى ذلك، وقد تقدم أنه يجوز في التطوعات وإن لم يعاين الشهود السبب الذي حمله على ذلك الفعل، ونظم هذا بعضهم فقال:

وفي التطوعات الاشهاد كفى

إن كان قبل فعل ما قد وصفا

وفي المعاوضات الاسترعا يصح

إن علم الإكراه علما متضح

وفي المتيطى أنه إن قال في الاسترعاء: متى أشهدت بقطع الاسترعاء فإنما أفعل ذلك استجلابا لإقرار خصمي فله ولا يضره ما عقد عليه من إسقاط البينة المسترعاة، وإن قال إنه أسقط الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء لم ينتفع باسترعائه وقاله غير واحد من الموثقين. وفيه تنازع. وفي الطرر: ولو قال في استرعائه: ومتى أشهدت على نفسي أني قطعت الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء إلى أقصى تناهيه فإنما أفعله للضرر فإن له ذلك، ولا يضره ما أشهد به على نفسه منه وهو أصح مما في المتيطى. قاله ابن فرحون. وقوله:"ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة" وقيل يضرها، والأول حكاه ابن راشد عن ابن الهندي وابن العطار، وقال هو الصواب لأن ضررها يحملها على الاعتراف بالطوع، ومن ابتلي بالأحكام يكاد يقطع بهذا، وإلى هذا أشار بقوله: على الأصح أي على القول الأصح أي لا يضرها إسقاط البينة المسترعاة على القول الأصح، وقوله:"ولا يضرها إسقاط" إلخ، وأولى إذا لم تسقط البينة المسترعاة وإنما اعترفت في عقد الخلع بالطوع، وقد مر أنه لا يضرها إسقاط البينة المسترعاة ولا إسقاط غيرها. والله سبحانه أعلم.

فرع: إذا خالعها وأخذ منها حميلا بالدرك، فقال ابن العطار: إذا ثبت

(1)

الضرر لا تسقط المتابعة عن الحميل لأنه غير مكره، وقد أدخل الزوج في زوال العصمة ولا يرجع الحميل على المرأة بشيء وإليه ذهب بعض الفقهاء الصقليين وبعض القرويين وذهب بعض القرويين، إلى أنه تسقط المتابعة

(1)

في الحطاب: ج 4 ص 417 والتوضيح: ج 4 ص 278 إذا أثبت.

ص: 49

عن الحميل؛ لأنه إذا سقط المال عن الأصل سقطت المطالبة عن الحميل. قاله في التوضيح. وذكر في الشامل القولين من غير ترجيح. قاله الحطاب.

وبكونها بائنا يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها بعوض ثم ثبت أنها وقت عقد الخلع بائن فإن الزوج يلزمه أن يرد إليها ما خالعها به من مال وإسقاط حضانة وغير ذلك؛ لأن الذي تدفعه المرأة عوض عن العصمة، فإذا كانت بائنا فقد أخذ الزوج ما لا يستحقه لأن العصمة منحلة ليست بيده. قاله الشارح. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: ولملزومية الخلع العوض من الجانبين امتنع في فقد العصمة لا في ملكها الزوجةُ، فيمتنع في البائن والمرتدة والملاعنة كأجنبية لا في المخيرة لأنه منها رد. انتهى. ولا تعذر بالجهل. انتهى.

وقال الشبراخيتي: ورد المال بكونها بائنا عن عصمة الزوج كالمرتدة والملاعنة والمطلقة قبل البناء لا بكونها تملك العصمة كالمخيرة والمملكة، وتكون مخالعتها ردا لما جعل لها ولا [تعذر]

(1)

بجهل. قاله في سماع عيسى. انتهى. لا رجعية يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها ثم ظهر أنها وقت الخلع كانت مطلقة طلاقا رجعيا، فإن ما خالعت به الزوج لا يرد لأن الرجعية كالزوجة فيلحقها طلاق الخلع، ولو كانت مخالعته لها بعد انقضاء عدة الرجعية لكانت من أفراد قوله:"وبكونها بائنا". والله سبحانه أعلم.

وعطف على قوله وبكونها قوله: أو لكونه يفسح بلا طلاق يعني أن الزوجة إذا اختلعت من زوجها في نكاح فاسد متفق على فساده فإن الزوج يرد عليها ما خالعته به؛ لأن النكاح المتفق على فساده يفسخ بلا طلاق فلم يصادف الخلع محلا يقع عليه وذلك كالخامسة والمحرم والمعتدة ونحوها، ومفهوم قوله:"يفسخ بلا طلاق" أنه لو كان النكاح يفسخ بطلاق لكونه مختلفا في فساده فإن المرأة لا يرد لها ما خالعته به بل يبقى بيد الرجل، وقيل يرد لها وهما مبنيان على أن فسخ النكاح المختلف في فساده هل هو بطلاق فلا يرد ما خالعته به أو بغير طلاق فيرده لها؟ قال الإمام الحطاب: وقد علمت أن المشهور أنه يفسخ بطلاق فيكون الجاري عليه أنه لا يرد المال، ولهذا قال هنا: يفسخ بلا طلاق. والله أعلم. انتهى.

(1)

ما بين المعقوفين ساقط من النسخ، والمثبت من الشبراخيتي ج 2 م. خطوط.

ص: 50

أو لعيب خيار به يعني أن الزوجة إذا اختلعت من زوجها ثم ظهر أن بالزوج عيبا يوجب للمرأة الخيار فيه فإن الزوج يرد للمرأة ما خالعته به، قال عبد الباقي: وما ذكره المص هنا هو المعتمد، وقوله فيما مر:"ولو طلقها أو ماتا ثم اطلع على موجب خيار فكالعدم" ضعيف، أو يحمل ما مر على ما إذا كان العيب بالزوجة، وقوله: أو يحمل ما مر، قال محمد بن الحسن: هذا هو المتعين. أو قال إن خالعتك فأنت طالق ثلاثا يعني أن الزوج إذا قال لزوجته إن خالعتك فأنت طالق ثلاثا ثم إنه خالعها فإنه يرد إليها ما أخذ منها لتقدير وقوع المعلق مع المعلق عليه في آن واحد، فلا يجد الخلع محلا، وكذا لو قال إن خالعتك فأنت طالق اثنتين وكان طلقها قبل ذلك واحدة فيرد للزوجة ما خالعته به، وكذا لو قال لغير مدخول بها إن خالعتك فأنت طالق قبله ثم خالعها بمال فإنه يرده إليها لبينونتها بالواحدة وبالثلاث. قاله الشيخ عبد الباقي. وما مشى عليه المص هو قول ابن القاسم، وقال أشهب: لا يرد على الزوجة في ذلك شيئا. ابن رشد: وقول أشهب هو الصحيح في النظر والقياس؛ لأنه إذا قال لامرأته أنت طالق البتة إن صالحتك فصالحها إنما يقع عليه الطلاق بالمصالحة التي جعلها شرطا لوقوعه، فكانت المصالحة هي السابقة للطلاق إذ لا يكون الشروط إلا تابعا للشرط، فإذا كانت المصالحة سابقة للطلاق صحت ومضت ولم يجب على الزوج رد ما أخذ منها، وبطل الطلاق واحدة كان أو ثلاثا لوقوعه بعد الصلح في غير زوجة، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم على ما فسره عيسى أنه جعل الطلاق سابقا للمصالحة وهذا منكر من قوله؛ إذ لو تقدم الطلاق المصالحة لوجب أن يقع عليه بالمصالحة طلقة ثانية إذا كان الطلاق واحدة في التي قد دخل بها، وهذا ما لا يقوله هو ولا غيره.

وجعل ابن القاسم في هذه الشرط تابعا للمشروط إنما بناه -والله أعلم- على قول مالك فيمن قال لعبده: إن بعتك فأنت حر فباعه إنه حر على البائع وليس ذلك بصحيح؛ لأن قول مالك في هذه المسألة استحسان على غير قياس، والقياس فيها قول من قال إنه لا شيء على البائع لأن العتق إنما حصل من البائع بعد حصول العبد للمشتري بالشراء. انتهى من البيان. وقول ابن رشد: هذا ما لا يقوله هو ولا غيره، قال ابن عرفة عَقِبَه: اللخمي في المنتخب من قال أنت طالق إن صالحتك

ص: 51

فصالحها حنث بطلقة اليمين ثم وقع عليها طلقة الصلح وهي في عدة منه. انتهى. فتبين أن قول المص: "أو قال إن خالعتك" إلخ هو قول ابن القاسم وهو معترض. قاله محمد بن الحسن.

لا إن لم يقل فلان يعني أن الزوج إذا قال لزوجته إن خالعتك فأنت طالق ولم يقل ثلاثا بل قال واحدة أو لم يزد على قوله أنت طالق ثم خالعها، فإنه لا يرد إليها ما أخذ منها في الخلع، ولزمه طلقتان يعني أنه إذا لم يقل لها ثلاثا بل قال لها إن خالعتك فأنت طالق واحدة أو لم يزد على قوله إن خالعتك فأنت طالق، فإنه يلزمه طلقتان ولا يرد لها ما أخذ منها في الخلع كما علمت، وقوله:"ولزمه طلقتان" واحدة بالخلع وواحدة بالتعليق، فإن قيد باثنتين لزمه ثلاث واحدة بالخلع واثنتان بالتعليق. وعلى ما مر عن ابن رشد لا يلزمه إلا طلقة واحدة بالخلع، وقوله:"لا إن لم يقل ثلاثا" قال محمد بن الحسن بعد جلب كلام: فتبين أن قول المص أو قال إن خالعتك إلخ هو قول ابن القاسم وهو معترض: وقوله: "لا إن لم يقل ثلاثا" إنما هو للخمي، وأنكره ابن رشد. والله أعلم انتهى.

وجاز شرط نفقة ولدها مدة رضاعه فلا نفقة للحمل يعني أنه يجوز أن يخالع الرجل امرأته وهي حامل على أن عليها أن ترضع ما في بطنها إن ولدته مدة رضاعه وهي سنتان وشهران، وإذا شرط عليها إرضاعه تلك المدة فإنها يلزمها أن تنفق على المولود مدة رضاعه ولا نفقة عليه لحملها، فيسقط عنه أمران: نفقة الحمل ونفقة الولد مدة رضاعه؛ أي ليس عليه أن ينفق عليها ما دامت حاملا، وإذا وضعت حملها ذلك فليس على الزوج أن ينفق عليه مدة الرضاع وهي سنتان وشهران، وإنما ذلك على المرأة. ويدخل في كلام المص أيضا ما لو خالعها على نفقة الولد مدة الرضاع بعد الوضع، ولا ينافيه قوله:"فلا نفقة للحمل" لأنه تفريع على أحد الأمرين المشتمل عليهما كلامه، وهما ما إذا خالعها على نفقة ما تلده وهي حامل أي على نفقته بعد وضعها له، وما إذا خالعها على نفقة ولد موجود حين الخلع مدة رضاعه وحينئذ فلا حاجة إلى تصويب عبد الباقي لكلام المص. انظر حاشية الشيخ بناني. وأما إن كان لها ولد ترضعه وهي حامل وخالعها على نفقة الولد الذي ترضعه مدة الرضاع فلا تسقط عنه نفقة الحمل، فلا تدخل هذه الصورة في كلامه.

ص: 52

وقوله: "فلا نفقة للحمل" اعلم أن ما مشى عليه المص من أنه لا نفقة للحمل هو قول مالك، وقال ابن القاسم وابن الماجشون والمغيرة والمخزومي: لها نفقة الحمل. اللخمي: وهو أحسن لأنهما حقان أسقطت أحدهما وبقى الآخر. الصقلي: وقاله سحنون وهو الصواب. قاله التتائي. نقله عبد الباقي.

تنبيه: من طلق امرأته طلاقا رجعيا وهي حامل ثم بعد شهر مثلا خالعها على رضاع ما تلده رجعت عليه بنفقة الحمل بعد الطلاق الأول وقبل الخلع كما في سماع ابن القاسم، وعلله ابن رشد بأنه وجبت نفقتها عليه مدة الشهر فلا تسقط عنه إلا بما تسقط به الحقوق. انتهى. فقول المص:"فلا نفقة للحمل" أي من يوم الخلع، وإذا تحملت بالإنفاق سنتين دخلت الكسوة في النفقة، وأما الزيادة على سنتين فساقطة نفقة وكسوة كذا أفتى به الناصر اللقاني، ويأتي أول النفقات ما يفيده. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ولا تدخل الكسوة في النفقة في هذا الفرع كما يدل عليه كلام أبي الحسن، وأفتى الناصر اللقاني بدخولها، وأما الخلع على نفقة ولدها حولين غير مدة الرضاع فلا يجوز كما هو ظاهر المص، وإلا لقال: وجاز شرط نفقة ولدها حولين. اللخمي: إن شرط عليها نفقة الحمل وأعسرت أنفق عليها وتبعها؛ لأن عجزها عن نفقة الحمل يضر بالحمل. انتهى. وقال ابن الحاجب: ولو خالعها على أن ترضع ولده وتنفق عليه حولين صح. قاله في التوضيح.

قوله: حولين أي حولي الرضاع وليس المراد حولين مطلقا، وقوله: صح أي الخلع ولا إشكال في ذلك. ونقل في التنبيهات عن ابن وهب أنه قال في المبسوط: إنما يجوز من ذلك صلحها في الحولين في الرضاع وحده، وأما على نفقته فلا يجوز

(1)

في الحولين ولا بعدهما. انتهى. وقوله: "فلا نفقة للحمل" قال في التوضيح عن الباجي: وليس لها أيضا أن تطلبه بالصداق. انتهى. وهذا غير ظاهر، فقد قال في آخر سماع ابن القاسم من كتاب التخيير: إن من طلق زوجته وهي حامل فأقام شهرا ثم بارأها على أن عليها رضاع ولدها فطالبته بنفقة ما مضى من المشهور إن ذلك لها، قال ابن رشد: أما ما مضى قبل المبارأة فبين أن ذلك كما قال؛ لأنها قد وجبت فلا تسقط عنه إلا بما

(1)

ما بين المعقوفين ساقط من النسخ، والمثبت من التوضيح: ج 4 ص 297.

ص: 53

تسقط به الحقوق. انتهى. وتقدم أيضا عن اللخمي في آخر باب الصداق ما يدل على عدم سقوطه، فتأمله. والله أعلم قاله الحطاب.

وسقطت نفقة الزوج يعني أنه إذا اشترط عليها مع نفقة ما تلده أن تنفق هي عليه تلك المدة أي اشترط الزوج عليها أن تنفق على ولده وعليه هو مدة رضاع الولد، فإن نفقة الزوج تسقط عنها ولا يلزمها إلا رضاع ولدها مدة الرضاع ونفقة نفسها حيث اشترط عليها ذلك قبل الموضع؛ أي اشترط عليها أن تنفق عليه وعلى ولده مدة الرضاع وهي حامل.

وبما قررت علم أن قوله: "نفقة الزوج" محله حيث كانت مضافة لمدة الرضاع، قال عبد الباقي: وما ذكرناه من أن نفقة الزوج مضافة لرضاع ولدها في الشرط يفيده الشارح في الكبير والتتائي، قال أحمد: وهو يقتضي أنها لازمة لها حيث كانت غير مضافة للرضاع. انتهى. وقول الشارح بعد تقريره المص وهو مذهب المدونة أي والحكم في المضافة بدليل ما في كبيره لا غير المضافة، فإنه لم يظهر من النقل سقوطها كما ادعى علي الأجهوري. انتهى.

أو غيره يعني أنه كما تسقط عنها نفقة زوجها المشترطة مع نفقة الولد مدة الرضاع، تسقط عنها أيضا نفقة غيره أي الزوج المشترطة مع نفقة الولد مدة الرضاع، سواء كان الغير ولدا كبيرا أو أجنبيا، وقال الشبراخيتي عند قوله "وسقطت نفقة الزوج أو غيره": ما ذكره المص في هذه المسائل هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وقال غير واحد من الموثقين والعمل على غير قول ابن القاسم؛ لأن غاية ذلك أنه غرر وهو جائز في الخلع. انتهى. وقال الشبراخيتي أيضا: ويدخل في قوله: "أو غيره" نفقة ولده من غيرها.

وزائد شرط يعني أن الزوج إذا خالع زوجته على أن تنفق على ولدها أكثر من مدة الرضاع فإن ذلك الزائد يسقط ولا يلزم إلا مدة الرضاع ولا يجوز الإقدام على ذلك الشرط، وما وقع عليه العقد فهو مشترط وما كان بعد العقد فهو متطوع به، وقال عبد الباقي عند قوله "وزائد شرط": ثم ما ذكره المص من السقوط في هذه المسائل قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وقال الأكثر لا يسقط عنها ما زاد على نفقة الولد وصوبه الأشياخ وبه العمل حتى قال ابن لبابة: الخلق كلهم على خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وذكره التتائي لكن بعد قوله:"وسقطت نفقة الزوج أو غيره"، ثم قال والظاهر أن قوله:"وزائد شرط" مغن عن قوله: "وسقطت نفقة الزوج أو غيره".

ص: 54

والحاصل أن قوله: فلا نفقة للحمل هو قول مالك في المبسوطة، وقال ابن القاسم وعبد الملك والمغيرة: لها نفقة الحمل، واختاره اللخمي، وأن قوله:"وسقطت نفقة الزوج أو غيره وزائد شرط" هو قول ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك، وخالفه في ذلك المغيرة وعبد الملك وأشهب وابن نافع وسحنون، وقالوا بعدم السقوط في ذلك، وصوب قولهم جماعة الأشياخ حتى قال ابن لبابة: إن العمل على خلاف قول ابن القاسم؛ لأن الغرر في الخلع جائز. انتهى. هذا ملخص كلام غير واحد.

وقوله: "وزائد شرط" ولا يجوز الإقدام على اشتراط ذلك، ومحل سقوط الزائد وعدم جواز الإقدام على اشتراطه إن لم يشترط الأب نفقة المدة المذكورة عاش الولد أو مات، فيجوز عند ابن القاسم وغيره، قاله في التوضيح. وفي التحفة:

وجاز قولا واحدا حيث التزم

ذاك وإن مخالع به عدم

انظر حاشية الشيخ بناني، وقبل هذا البيت:

والخلع بالإنفاق محدود الأجل

بعد الرضاع بجوازه العمل

ويتصل به قوله: وجاز قولا واحدا إلخ، قال ميارة: يعني أن العمل على جواز الخلع على أن تنفق المرأة على الولد أجلا محدودا بعد حولي الرضاع ويلزمها ذلك، ومذهب المدونة سقوط نفقة الزاند على الحولين. التوضيح: وقال المغيرة والمخزومي وابن الماجشون وأشهب وابن نافع وسحنون: لا تسقط وهو الصواب عند جماعة الشيوخ، حتى قال ابن لبابة: الجل على خلاف قول ابن القاسم وروايته. المتيطى: قال غير واحد من الموثقين العمل على هذا القول ووجهه ظاهر لأن غايته [أنه]

(1)

غرر والغرر جائز هنا، وفي المسألة قولان آخران، الأول رواه زياد عن مالك أنه يجوز في العامين وما قاربهما لا فيما كثر، والثاني: قال أصبغ أكرهه ابتداء فإن وقع أمضيته. انتهى. قوله: وجاز قولا واحدا البيت منه يفهم أن ما قبله مختلف فيه وهو كذلك، وقد تقدم

(1)

ساقطة من النسخ، والمثبت من التوضيح: ج 4 ص 298.

ص: 55

قريبا أن فيه أربعة أقوال، وأشار بهذا البيت إلى قوله في التوضيح إثر ما تقدم متصلا به، قال اللخمي وغيره: هذا الخلاف إنما هو إذا وقع الخلع على ذلك ولم يشترط إثبات ذلك إن مات الولد ولا سقوطه، وأما لو شرط الأب لنفقة الولد مدة معلومة عاش الولد أو مات فيجوز عند ابن القاسم وغيره، فإن مات الولد أخذ الأب ذلك منها مشاهرة حتى يتم الأجل وكذلك الأب، ومراد الناظم بالخالع به الولد، ومعنى عدم: مات، وفاعل جاز ضمير يعود على الخلع وذاك إشارة لنفقة الولد. انتهى.

وقال عبد الباقي: وإنما جاز الخلع على مدة الرضاع ولزم دون مدة غيرها معه أو مستقلة على ولدها الكبير مع وجود الغرر في الجميع لأن الرضيع قد لا يقبل غير أمه، ولأن رضاعه قد يجب عليها حيث مات الأب وهو معدم. انتهى. وقوله:"وزائد شرط" قال محمد بن الحسن: يجوز أن يحمل على ما هو أعم من النفقة كاشتراطه عليها أن لا تتزوج إلا بعد الحولين فإنه لغو، قال ابن رشد: وفاقا، وأما إلى مدة فثالثها إن كان يضر بالطفل وإلا فلا. انظر ابن عرفة. انتهى.

فرع: لو أعاد من خالعها على نفقة رضاع الولد عادت عليه النفقة ونفقة الحمل فإن طلقها قبل مضي المدة لم تعد عليها كما في التزام الحطاب ورجز ابن عاصم خلافا لفتوى الناصر اللقاني بالعود عليها قاله عبد الباقي.

فرع آخر: من تطوع لزوجته بنفقة ربيبه أو التزمها بعد العقد ما دامت زوجة فطلقها بائنا دون الثلاث ثم تزوجها ولو بعد أزواج عادت عليه ما بقي من العصمة الملتزم أو المتطوع فيها شيءٌ كما في رجز ابن عاصم، وأما إن شرطت عليه في العقد نفقة ولدها فيفسد قبل ويثبت بعد، ويلغى الشرط كما تقدم عند قوله:"أو على شرط يناقض". قاله عبد الباقي. واعلم أن ما ذكره المص من قوله: "فلا نفقة للحمل" والمعتمد عدم السقوط في ذلك، وعبارة الأمير: وإن خالعها على نفقة الحمل مدة لم تسقط نفقته حملا. انتهى. قال في الشرح: والأصل على خفائه ضعيف. انتهى. وفي التحفة:

ومن يطلق زوجة فتختلع

بولد منه له ويرتجع

ثم يطلقها فحكم الشرع

أن لا يعود حكم ذاك الخلع

ص: 56

قال الشيخ ميارة: يعني أن من طلق زوجته على أن تحملت بنفقة ولدها منه إلى الحلم ثم راجعها من ذلك الطلاق فلا إشكال أن النفقة تعود على الأب، فإذا طلقها ثانية فلا تعود نفقة الولد عليها إلا أن تتحمل بها في الخلع الثاني، ففي طرر ابن عات: وفي مسائل ابن رشد في المرأة إذا خولعت على أن تحملت بنفقة ابنها من الزوج إلى الحلم ثم ارتجعها سقط عنها ما تحملت من نفقة ابنه ورجعت على الأب، ولا عود على المرأة إلا أن تتحمل بها ثانية. انتهى. ونحوه في ابن سلمون.

كموته تشبيه في السقوط يعني أنه إذا خالعها على نفقة الولد مدة رضاعه ومات الولد قبل تمام المدة المخالع بنفقة الولد فيها، فإنه يسقط عن أمه ما بقي حيث كانت عادتهم ذلك وإلا رجع عليها ببقية نفقة المدة، كذا يفيده أبو الحسن على المدونة، ومثل الموت استغناؤه في الحولين فيسقط عن أمه ما بقي من المدة بعد استغنائه. قاله عبد الباقي والشبراخيتي. ولا يقال إن الكاف أدخلت الاستغناء في الحولين كما قاله عبد الباقي؛ لأن الكاف للتشبيه وكاف التشبيه لا تدخل شيئا كما قاله غير واحد، وصرح به الشبراخيتي هنا. وقوله:"كموته" ما ذكره من السقوط في موت الولد هو المشهور، وروى أبو الفرج عن مالك أنه يرجع عليها. قاله الشارح. وفي التوضيح: وإن مات الطفل فالمشهور وهو مذهب المدونة عدم الرجوع، والقول الثاني رواه أبو الفرج عن مالك في المدونة، ولم أر أحدا طلبه وكأنه سلم أن القياس الرجوع، إلا أن العرف عدم الرجوع فترك القياس لذلك. محمد: موجها لهذا القول أي القول بالسقوط بمنزلة من صالح على أن عليها نفقة الحمل ورضاعه فأسقطت فلا تتبع، ولا أعلم إذا مات الطفل ما يقوله المخزومي. انتهى.

وإن ماتت يعني أنه إذا خالعها على نفقة الولد مدة رضاعه وماتت أمه قبل تمام مدة الرضاع فإن نفقة الولد تكون في مالها، وقوله:"وإن ماتت" شرط وجوابه قوله الآتي: "فعليها" أي يؤخذ من تركتها مقدار ما يفي برضاع الولد الحولين؛ لأن ذلك دين ترتب في ذمتها ولا يدفع القدار المذكور للأب لاحتمال موت الولد بل يوقف، فكلما مضى أسبوع أو شهر دفع منابه من ذلك المقدار، فإن مات الولد فالظاهر رجوع المال لورثة أمه يوم موتها، فإن لم تخلف المرأة شيئا فإن نفقة الولد وأجرة رضاعه على أبيه، وفي التحفة:

ص: 57

وان تمت ذات اختلاع وقفا

من مالها ما فيه للدين وفا

للأمد الذي إليه التزما

وهو مشارك به للغرما

قال الشيخ ميارة: يعني أن من خالع زوجته على أن تحملت له نفقة ولدها منه مدة معلومة ثم ماتت في أثناء تلك المدة، فإنه يؤخذ من مالها نفقة بقية المدة المعروفة، فإن كان على المرأة دين غير ما التزمته من النفقة فإن للزوج محاصة غرمائها بما التزمته من نفقة ولده.

قال في الوثائق المجموعة: قال سحنون: تلزمها النفقة وإن اشترطت عليها خمس عشرة [سنة]

(1)

، فإن مات الابن قبل انقضائها لا يكون للزوج رجوع فيما بقي لأنها إنما تحملت له رفع مؤنته عنه، ولو ماتت هي وقف من مالها قدر مؤنة الابن إلى انقضاء المدة التي التزمتها، فإن مات الابن قبل انقضائها رجع ما بقي مما وقف ميراثا إلى ورثة المرأة، وإن فلست رجع ذلك الموقوف إلى الغرماء إن كان بقي لهم شيء من ديونهم إذ للزوج محاصة الغرماء بالنفقة، وللأمد متعلق بوقفا ونانب التزم يعود على الإنفاق وما نائب وقف، وقوله: وهو أي الزوج مشارك للغرماء في متروكها فيحاص فيه بنفقة ولده والغرماء بديونهم. انتهى.

أو انقطع لبنها يعني أن المرأة إذا خالعها زوجها على أن تنفق على ولدها مدة الرضاع فإن نفقة الولد مدة رضاعه عليها كما عرفت، فإذا انقطع لبنها فإنها تستأجر من ينفق عليه فإن لم يكن لها مال أنفق الأب عليه واتبعها كما في المدونة، وقد صوب اللخمي أنه لا يتبعها وقد مر عن اللخمي أنها إذا خالعته على نفقة حملها منه وأعسرت أنه ينفق على الحمل ويتبعها. والله سبحانه أعلم. وعبارة التوضيح: إذا انقطع لبنها لزمها أن تشتري له لبنا. أو ولدت ولدين يعني أنه إذا خالعها على نفقة ما تلده مدة الرضاع فإنه يلزمها أن تنفق على من ولدته ولو ولدت توأمين فأكثر، فإن عجزت فعلى الأب ويتبعها إن أيسرت.

وبما قررت علم أن قول المص: فعليها جواب الشرط فهو راجع للمسائل الثلاث.

(1)

ساقطة من النسخ والمثبت من ميارة على التحفة ج 1 ص 381.

ص: 58

تنبيه: اعلم أن من طلق امرأة وهي حامل ولم يخالعها فدفع إليها نفقة الرضاع لكان

(1)

ذلك براءة له من نفقة الحمل المتقدمة، وكذا من أكرى دارا مشاهرة فدفع كراءها شهر فذلك براءة للدافع مما قبل ذلك، وهذا فيه مناسبة مع قوله:"فلا نفقة للحمل".

وعليه نفقة الآبق يعني أن الزوجة إذا اختلعت من زوجها على آبق فإن نفقة العبد الآبق تكون على الزوج لأن ملكها له قد زال بمجرد الخلع ودخل في ملكه، والمراد بالنفقة مؤونة تحصيله وطعامه وشرابه من وقت وجدانه إلى وصوله له.

والشارد يعني أن الزوجة إذا اختلعت من زوجها على بعير شارد فإن نفقته تكون على الزوج لزوال ملك الزوجة عنه ودخل في ملك الزوج، وما قيل في نفقة الآبق يقال في البعير الشارد، وقوله:"وعليه نفقة الآبق والشارد" أي أجرة أو جعل تحصيلهما وطعامهما وشرابهما من وقت وجدانهما إلى وصولهما له؛ لأن ملكها قد زال عنهما بمجرد عقد الخلع ودخلا في ملكه. انتهى. وقال الشبراخيتي: وعليه أي الزوج نفقة العبد الآبق والبعير الشارد لمن أنفق عليهما بعد الوجدان أو جوعل على تحصيلهما قبل الوجدان أو بعده، وطعامهما وشرابهما من وقت وجدانهما إلى حين وصولهما للزوج، وإلا فالآبق والشارد قبل التحصيل يستحيل الإنفاق عليهما قبل علم المحل وبعده. انتهى.

وقال الحطاب: قال الشارح مراده بالنفقة عليهما الأجرة أي على طلب الآبق والشارد، قال: ويمكن أن يقال مراده أيضا النفقة عليهما في تلك المدة فإنه لو أمسكهما إنسان وأنفق عليهما ليرجع على سيدهما فإنه إنما يرجع على الزوج، كما أشار إليه ابن فرحون. انتهى. فنفقة الآبق والشارد تشمل الجعالة على تحصيلهما والنفقة عليهما بعد تحصيلهما، وقال ابن الحاجب: ونفقة الآبق والشارد على الزوج، قال في التوضيح: مراده بالنفقة الجعل على تحصيل الآبق والشارد وإلا فالنفقة عليهما مع الجهل بموضعهما أو مع عدم القدرة على تحصيلهما محال. انتهى.

إلا لشرط يعني أن الزوج إذا اشترط على الزوجة أن نفقة الآبق والشارد تكون عليها، فإنه يعمل بذلك الشرط فتكون النفقة المذكورة عليها ومثل الشرط العرف، وينبغي رجوعه لقوله:"وإن ماتت"

(1)

كذا في النسخ، ولعلها: الرضاع كان ذلك.

ص: 59

وما بعده ويقدم الشرط على العرف عند تعارضهما. قاله الشيخ عبد الباقي. لا نفقة جنين يعني أن الزوجة إذا خالعت زوجها على جنين فإن نفقة أم الجنين لا تلزم الزوج، وقد مر أنه لا يجوز الخلع على الجنين إلا إذا كانت المرأة تملك أمه، وإنما كانت نفقته عليها لأن الجنين كالعضو من أمه.

إلا بعد خروجه استثناء منقطع لأنه لا يسمى جنينا بعد وضعه إلا بطريق التجوز؛ يعني أن نفقة الجنين المخالع به إذا وضعته أمه فإنها تكون على الزوج، والمراد بالنفقة أجرة رضاعه وكسوته، ففي المتيطى: على المرأة رعاية الغنم قبل ولادتها وهو نحو قول بعض شيوخ عبد الحق: النفقة عليها إلى خروج الجنين، وقوله:"إلا بعد خروجه" هو كذلك في بعض النسخ وفي بعض النسخ: إلا بعد وضعه ومعناهما واحد، إلا أن نسخة خروجه أعم لأن الجنين شامل لجنين من يعقل ومن لا يعقل، والخروج يقال للجميع بخلاف الوضع فإنه خاص بمن يعقل. قاله الشبراخيتي.

وأجبر على جمعه مع أمه يعني أن المرأة إذا خالعت زوجها على جنين في بطن أمتها، فإنه إذا ولدته أمه تجبر هي والزوج على جمع الجنين مع أمه في ملك واحد فيبيعانهما لشخص واحد أو يشتري أحدهما الذي بيد صاحبه، ولا يكفي جمعهما في حوز واحد لأن التفريق هنا بعوض، وقوله:"وأجبر" بالتركيب والظاهر أن النائب حرف الجر بعده لا ضمير يعود على الزوج لأنهما يجبران معا، قاله جامعه عفا الله عنه. وعبارة الشبراخيتي عند قوله "وأجبر: كل من الزوجين"، وقوله: "وأجبر على جمعه مع أمه": أي في ملك واحد فما يقال هذا عوض غير متمول، فيكفي فيه الجمع في الحوز لا يلتفت إليه. قاله الشيخ إبراهيم. وقوله: "وأجبر على جمعه مع أمه" نحوه لابن المواز، فإنه قال وإذا خالعها على جنين في بطن أمه فهو له إذا خرج ويجبر على الجمع بينهما فيباع مع أمه. انتهى.

وفي نفقة ثمرة يبد صلاحها قولان يعني أن شيوخ عبد الحق اختلفوا فيما إذا خالعت المرأة زوجها بثمرة لم يبد صلاحها أو لم تظهر بالكلية، هل تكون نفقة تلك الثمرة على المرأة لتعذر التسليم شرعا أو على الزوج لأن ملكه قد تم ولا جائحة؟ وقوله:"قولان" مبتدأ وخبره "في نفقة" فإن بدا صلاحها ولم تحتج بعد بدوه لكلفة فعلى الزوج أجرة جذها إلا لشرط كذا يظهر. قاله

ص: 60

الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي عند قوله: "لم يبد صلاحها": أعم من أن تكون برزت أم لا، بأن قالت أخالعك على ثمرة شجري في هذا العام.

واعلم أن الأرجح من القولين كون النفقة على الزوج إلا لشرط أو عرف. قاله الشيخ الأمير. وكفت المعاطاة يعني أن الخلع ينعقد بالصيغة ولابد له منها، ولا يشترط أن تكون باللفظ فتكفي المعاطاة في عقد الخلع عن النطق به حيث فهم منها الخلع، مثل مسألة الحفر والدفن وهي أن تحفر حفرة ويملأها ترابا وعرفهم دلالة ذلك على الفراق كبعض البدو، وتدفع له مع ذلك عوضا حين الحفر ويقبله ويدفن الحفرة، فإن لم تدفع له عوضا كان رجعيا وكمن عرفهم أنه إذا حصل منه ما يغيظها وأخرجت سوارها من يدها ودفعته له وخرجت من الدار ولم يمنعها فطلاق، وكتركها مالا بذمته وتقصد به المباراة كبعض البدو.

قال عبد الباقي: وما يأتي من أن اللفظ من أركان الطلاق والفعل لا يقع به الطلاق ولو نواه به إنما هو في فعل مجرد عن العرف. انتهى. وتمثيل بعض الشراح للمعاطاة بقول المدونة: إن أخذ شيئا منها وانقلبت وقالت هذا بذاك ولم يسميا طلاقا فهو طلاق الخلع [انتهى

(1)

] فيه أنه ليس من المعاطاة؛ لأن فيه اللفظ، وقال ابن عرفة: ويتقرر بفعل دون قول لنقل الباجي، وروى ابن وهب: من ندم على نكاح امرأة فقال أهلها نرد لك ما أخذنا وترد لنا أختنا ولم يكن طلاق ولا كلمة فهي تطليقة، وسمع ابن القاسم إن قصد الصلح على أن أخذ متاعه وسلم لها متاعها فهو خلع لازم ولو لم يقل أنت طالق. انتهى. وهو يفيد أن ذلك لا يتقيد بالعرف خلاف ما في الزرقاني. قاله محمد بن الحسن.

وإن علق بالإقباض أو الأداء لم يختص بالمجلس يعني أن الزوج إذا علق الخلع على الإقباض كأن يقول لها إن أقبضتني كذا فأنت طالق أو بالأداء، كأن يقول لها إن أديت إلي كذا فأنت طالق فأقبضته ذلك أو الله إليه في المجلس الذي قال لها ذلك فيه أو بعد ذلك المجلس فإنه تلزمه البينونة، ولا يختص لزوم التعليق بالمجلس الذي قال لها ذلك فيه، فمتى أقبضته أو أدت إليه ما طلبه وقع عليه الطلاق كان ذلك في المجلس أو بعده ما لم يطل ما بين قوله لها ذلك والإقباض

(1)

ساقطة من المؤلف، والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 77.

ص: 61

أو الأداء بحيث يرى أن الزوج لا يجعل التمليك إليه أو يرى أن المرأة تاركة له كما نص عليه الشبراخيتي.

إلا لقرينة يعني أن في تقدم من أنه إذا علق بالإقباض أو بالأداء لم يختص ذلك بالمجلس الذي قال لها ذلك فيه إنما هو حيث لا قرينة تدل على اختصاص ذلك بالمجلس، وأما إن قامت قرينة تدل على أن الزوج أراد اختصاص الإقباض أو الأداء بالمجلس الذي قال لها ذلك فيه فإن لزوم الطلاق يختص بما إذا أقبضته بالمجلس أو أدت إليه فيه، ولا يلزم حينئذ إن أقبضته بعده أو أدت إليه بعده. والله سبحانه أعلم.

ومحل لزوم البينونة إن فهم الالتزام مطلقا ورطها أم لا، أو الوعد بشرط أن يورطها كما يأتي قريبا إن شاء الله، وقوله:"إلا لقرينة" مثال القرينة ما إذا كان معه في المجلس من يحب إكرامهم ونحو ذلك فحمله ذلك على أن علق الطلاق بالإقباض أو الأداء: وظاهر المص أنه لا يعتبر قبول الزوجة للتعليق في المجلس خلافا لابن عبد السلام.

والحاصل أنه إن وقع منها الأداء بعد المجلس وقبل الطول لزم الخلع مطلقا عند المص وابن عرفة، وقيد ذلك ابن عبد السلام بتقدم القبول منها في المجلس وإلا لم يلزم عنده، وقد مر أن الطول في يرى أن الزوج لا يجعل التمليك إليه. قاله عبد الباقي. وتحصل من هذا أن الصور ثلاث: وجود القبول والمعلق عليه ناجزين بالمجلس فخلع باتفاق ابن عرفة وابن عبد السلام، الثانية: عدم وجودهما إلى ما يرى ترك الزوجين للتعليق ولا قرينة فلا خلع باتفاقهما، الثالثة: وجود المعلق عليه بعد المجلس مع قرينة على عدم الترك ولم يقع قبول ناجز

(1)

بالمجلس فلها ذلك عند ابن عرفة ولا خلع عند ابن عبد السلام. قاله عبد الباقي.

وجعل الشبراخيتي من محل الطول في يرى أن المرأة تاركة لذلك كما قدمته عنه. والله سبحانه أعلم. وقوله: ولا يختص: الضمير المستتر فيه عائد على الإقباض أو الأداء قاله عبد الباقي. وقال: وجعلنا ضمير يختص للإقباض أو للأداء ظاهر، وأما القبول أي قبول الزوجة للتعليق فلا يعتبر هنا، وإنما يناطـ الحكم بوجود المعلق عليه فإن وجد حصل المعلق وإلا فلا، وكلام المص على هذا موافق لابن عرفة. انتهى. وقال الحطاب: قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن خالعها على

(1)

في النسخ ناجزا والمثبت من عبد الباقي: ج 4 ص 77.

ص: 62

أن تعطيه ألف درهم فأصابها عديمة جاز الخلع واتبعها بالدراهم إلا أن يكون إنما صالحها على أنها إن أعطته الآن تم الصلح فلا يلزمه الصلح إلا بالدفع. انتهى

ولزم في ألف الغالب يعني أن الزوجة إذا اختلعت من زوجها بألف درهم مثلا ولم تعين سكتها وكان في البلد الدراهم المحمدية واليزيدية وكان التعامل بإحداهما هو الغالب، فإنه يقضى بالغالب من ذلك وكذا لو اختلعت منه بألف دينار وكان في البلد نوعان من الدنانير، والتعامل بأحد النوعين هو الغالب ولم يقع التنصيص على نوع بعينه فإنه يقضى بالغالب من ذلك، وحكم غير النقدين كذلك مثل أن يخالعها على مائة رأس من الإبل أو البقر أو الغنم، فإن لم يكن غالب أخذ من كل المتساويين النصف ومن الثلاثة المتساوية الثلث من كل وهكذا وتقدم نظيره في الصداق، ومحل ما ذكره المص حيث عينت النوع كما قررت فإن لم تعين نوع الألف فيعمل بعرفهم في إطلاق هذا اللفظ، فإن لم يكن لهم عرف قبل تفسيرها إن وافقها الزوج على ذلك وإلا حلفت ولم يقع طلاق قاله عبد الباقي وغيره.

ابن شاس: إن خالعها على ألف درهم وفي البلد نقود مختلفة فأتت بغير الغالب لم يلزمه طلاق، وقال الشبراخيتي: وإن لم يكن غالب فالظاهر أنه يؤخذ من هذا النصفُ ومن هذا النصفُ بعد أيمانهما. قاله ابن وهبان. وهذا إذا كان المأخوذ منه شيئين فإن كان ثلاثة فمن كل الثلث. انتهى وقوله: "ولزم في ألف الغالب" أي حيث لم يقع التنصيص على بعض أفراد النوع مع تعيين النوع، وأما لو وقع التنصيص على بعض أفراد النوع فإنه يؤخذ من ذلك المعين. قاله الشارح. وهو ظاهر.

والبينونة إن قال إن أعطيتني ألفا يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إن أعطيتني ألفا فارقتك بصيغة الماضي، أو قال لها إن أعطيتني ألفا أفارقك بصيغة المضارع فإنه تلزمه البينونة، أما إذا فهم من كلامه الالتزام فإنه تلزمه البينونة إن أتت بالألف مطلقا ورطها أم لا كما أشار إلى ذلك بقوله: إن فهم من كلامه الالتزام للفراق بأن يكون مُحَتِّمًا له إن أتته بالألف، وقوله:"إن فهم الالتزام" أي فهم من قرينة الحال أو المقال مثال ما إذا فهم الالتزام من قرينة المقال أن يقول لها إن أعطيتني ألفا أفارقك متى شئت، أو فارقتك متى شئت، أو يقر بأنه أراد بذلك الالتزام، ومثال

ص: 63

ما إذا فهم الالتزام من قرينة الحال ما إذا كان في مجلسه من يحب إكرامه جدا وليس عنده ما يكرمه به وعندها هي ما يتوصل به إلى إكرامه، فيقول لها: إن أعطيتني كذا فارقتك أو أفارقك، قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: وإلزام البينونة له هنا حاصل مطلقا فلا يحتاج إلى توريطها فتلزمه البينونة إن أعطته ما سمى أو أي وكذا تلزمه البينونة إن قال لها إن أعطيتني ألفا فارقتك أو أفارقك، وفهم من ذلك الوعد لكن لا مطلقا بل إنما تلزمه إن ورطها أي أدخلها في ورطة أي أمر كريه بأن باعت متاعها أو دارها وما أشبه ذلك.

واعلم أن قوله: "إن فهم الالتزام" راجع للصورتين، كما أن قوله:"أو الوعد" راجع لهما لأن إن تخلص الماضي للاستقبال، واعلم أن الأصل في فارقتك أنها للالتزام وتنصرف للوعد بقرينة، وأن أفارقك الأصل فيها أن تكون للوعد وتنصرف للالتزام بقرينة وقد مر التمثيل للالتزام حيث فهم من قرينة الحال أو المقال، ومثال قرينة المقال في الوعد أن يقول لها أنا لا أخلف الوعد إن أعطيتني ألفا فارقتك أو طلقتك أو أفارقك، وكما لو قالت له: لا تقم من مجلسك حتى تعدني أنك تفارقني إن أعطيتك ألفا مثلا، وتقول له إن الكريم يجيب إلى ما طلب منه، فقال لها إن أعطيتني ألفا فارقتك ونحو ذلك، ومثال قرينة الحال في الوعد أن تكون حالته تقتضي أنه لا يفارقها إلا عن ضرر عظيم يلحقه وتسأله أن يفارقها بشيء تعطيه له، فيقول لها: إن أعطيتني كذا فارقتك وهو بحالة تدل على أنه لا يفارقها حتى يزول ذلك الأمر الذي هو ملجئ له إليها. قاله جامعه عفا الله عنه. والله سبحانه أعلم.

واعلم أن محل التفريق بين الوعد والالتزام إنما هو فيما ليس نصا في إنشاء الطلاق نحو أطلقك أو طلقتك أو فارقتك أو أفارقك أو خالعتك أو أخالعك فيجبر على الفراق حيث فهم الالتزام مطلقا، ويجبر عليه إن فهم الوعد حيث ورطها، وأما ما هو نص في الإنشاء نحو إن دفعت إلي كذا فأنت طالق فتلزم البينونة بالدفع خلافا لما في الخرشي وغيره. قاله الشيخ الأمير. وأشار بقوله: وغيره إلى ما في ابن الحاجب، ومثل إن أعطيتني ألفا فأنت طالق إن فهم الالتزام لزم وإن فهم الوعد ودخلت في شيء بسببه فقولان. انتهى.

قول ابن الحاجب: فقولان، ابن بشير: ولو أدخلها في شيء بذلك الوعد فالمذهب اللزوم، وقال الحطاب في التزامه المرجع في الفرق بين الالتزام والوعد إلى ما يفهم من سياق الكلام وقرائن

ص: 64

الأحوال، فحيث دل الكلام على أحدهما عمل عليه. انتهى. نقله الشيخ إبراهيم. ونظم الشيخ علي الأجهوري ذلك فقال:

قرائن الأحوال أو سوق الكلام

مورد فرق بين وعد والتزام

وفي شرح الشيخ عبد الباقي أن صيغة الماضي للالتزام والمضارع للوعد وضعا فيهما إلا لقرينة. انتهى. وقاله غيره وهو الذي قدمته، وفي ذكره المص في الالتزام متفق عليه وفي الوعد هو المعروف، وقيل لا ويحلف أنه لم يرد طلاقا، فإن لم يورطها فلا يلزمه شيء وهو الجاري على المشهور في عدم وجوب الوفاء بالوعد، وعلى الشاذ يلزمه. قاله الشارح.

أو طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة يعني أن المرأة إذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فإنها تبين وتلزمها الألف.

ابن شأس: إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة استحق الألف على المنصوص. قاله المواق. وقال محمد بن الحسن: وفي إيضاح المسالك للوانشريسي ما نصه: والمذهب أن لا كلام لها، وصحح ابن بشير تخريج اللخمي الخلاف على القاعدة يعني قاعدة اشتراط في لا يفيد، هل يجب الوفاء به أم لا؟ واختار بعضهم أنه يفيد تقية غلبة الشفاعة لها في مراجعته على كره منها. نقله الشيخ بناني. وقال الشيخ عبد الباقي عند قوله "أو طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة" ما نصه: فتلزمه الألف لأن قصدها البينونة وقد حصلت، والثلاث لا يتعلق بها غرض شرعي. هذا قول ابن المواز. ومذهب المدونة أنه لا يلزمها الألف إلا إن طلق ثلاثا. قاله كريم الدين. ولا يلزمها في واحدة شيء من الألف كما في علي الأجهوري، وفي بعض التقارير يلزمها ثلث الألف، ثم ينبغي على كلام كريم الدين وعلي الأجهوري أن تكون بائنا نظرا لوقوعها في مقابلة عوض وإن لم يتم، واستشكل مذهبها بأن شرط الزوجة لا فائدة له لبينونتها بواحدة، وأجاب أبو الحسن بأنه قد يكون لها غرض وهو عدم رجوعها إليه قبل زوج إذا ندمت. انتهى.

قوله: ومذهب المدونة أنه لا يلزمها الألف لخ قال محمد بن الحسن: في هذا النقل نظر والظن أنه باطل، وفي إيضاح المسالك للوانشريسي: إلى آخر ما مر، وفي كتاب الأمير: التصريح بموافقة عبد

ص: 65

الباقي وأن مذهب المدونة أنه لا يلزمها الألف إلا إذا طلق ثلاثا، وقال الشارح عند قول المص:"أو طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة": هذا هو المنصوص وبه قاله ابن المواز. انتهى.

وبالعكس يعني أن الزوجة إذا قالت لزوجها طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا فإنها تلزمها الألف وتبين وهو مذهب المدونة وغيرها لحصول غرضها وزيادة: وقال ابن سلمون: وإن أوقع ثلاثا على الخلع نفذ الطلاق وسقط الخلع، واعتمده في التحفة فقال:

وموقع الثلاث بالخلع ثبت

طلاقه والخلع رد إن أبت

وهو الذي قال ابن سلمون واستظهره

(1)

ابن عرفة فاستظهر أنها ترجع عليه في هذه بالألف مع وقوع الثلاث لأنه يعيبها بالثلاث.

أو أبني بألف قوله: "أبني" فعل أمر من أبان يعني أن المرأة إذا قالت لزوجها: أبني بألف ففعل فإنها تبين وتلزمها الألف. ابن شأس: لو قالت أبني بألف فقال أبنتك نفذ الخلع ولزمتها الألف، أو طلقني نصف طلقة يعني أن المرأة إذا قالت لزوجها طلقني نصف طلقة مثلا بألف ففعل فإنها تبين وتلزمها الألف، وكذا لو قالت طلقني نصفي طلقة، وقوله:"تصف" أي وكذا غير النصف من الأجزاء كربع ونحوه، أو في جميع الشهر يعني أن المرأة إذا قالت لزوجها أبني في جميع الشهر بألف أي جعلت الشهر ظرفا لذلك ففعل الزوج ذلك فإنها تبين وتلزمها الألف.

وبما قررت علم أن قوله: ففعل راجع للمسائل الثلاث، فقوله:"ففعل" أي قال فعلت، وأما لو قال أبنتك أو طلقتك فلا يتوهم. قاله الشيخ إبراهيم. وسواء قال في المسألة الأخيرة فعلت في أول الشهر أو وسطه أو آخره؛ لأنه متى قال فعلت بانت. قاله الشيخ إبراهيم. وقال عبد الباقي:"ففعل" ما مر ومن جملته تطليقه أثناء الشهر فتلزمها الألف وتبين، فإن طلق بعده وقع بائنا ولم يلزم المرأة شيء. انتهى.

أو قال بألف غدا فقبلت في الحال يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق بألف غدا من الدنانير أو الإبل أو غيرهما فقبلت ذلك أي وافقته على ما طلب منها في الحال أي في الوقت الذي قال لها ذلك فيه فإنها تبين الآن وتلزمها الألف، ومثله إذا قالت طلقني بألف غدا فطلق في

(1)

في عبد الباقي: ج 4 ص 78 واستظهر ابن عرفة بحثا.

ص: 66

الحال أو غدا فيستحق الألف إن فهم منها قصد تعجيل الطلاق أو لم يفهم شيء فيما يظهر، فإن فهم منها تخصيص الغد لم يلزمها شيء حيث قدم الطلاق على غد كما إذا لم يوقعه إلا بعد غد مطلقا، والطلاق البائن لازم له على كل حال، وظاهره أنه لا يجري مثل هذا التفصيل في الرجل. قاله عبد الباقي. وجزم به الأمير، فقال: ولا ينظر لغرضه لأنه إن علق الطلاق بغد تنجز. انتهى. أو بهذا الهروي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق بهذا الثوب الهروي الذي في يدك فأعطته إياه، فتأمله فإذا هو ثوب مروي فإنه يلزمه الثوب المروي والبينونة، والهروي بفتح الهاء والراء المهملة بعدها واو مكسورة بعدها ياء مشددة: ثوب أصفر يعمل بهراوة، إحدف مدائن خراسان، يقال: هريت الثوب إذا صبغته، وكانت سادة العرب يتعممون بالعمائم الهروية. والمروي بسكون الراء نسبة إلى مرو بسكونها على القياس في نسبة ما لا يعقل إليها وهي بلدة بخراسان أيضا وثوبها يلبسه خاصة الناس منهم، ونسبة العاقل إليها مروزي بزيادة زاي على غير القياس. قاله عبد الباقي.

وقال الشبراخيتي: والثياب الهروية ثياب [من رقيق]

(1)

القطن يصفر سداها بالزعفران أو الكمون أو نحوه. انتهى. وإنما لزم الثوب والبينونة لأن الإشارة عينته فكان المقصود ذاته لا نسبته إلى البلد وهو مقصر في عدم التثبت وكذا يلزم الثوب، والبينونة بالأولى لو قال بالهروي هذا لأن الأولى يتوهم فيها أن الوصف ناسخ لاسم الإشارة، وكذا الحكم في قوله أنت طالق بهذه الدراهم المحمدية فإذا هي يزيدية أو العكس فلا يلزمها

(2)

بدلها، وأما لو قال أنت طالق بثوب هروي فأتت بمروي فلا يلزمه طلاق لأنه تعليق معنى، وقوله:"أو بهذا الهروي فإذا هو مروي" الأظهر عدم اللزوم إن كان المسمى أفضل وغرته.

أو بما في يدها وفيه متمول يعني أن الزوج إذا قال لامرأته أنت طالق بما في يدك وهو مختف عنه، فإنها تبين بما في يدها حيث أعطته له كان في يدها متمول أي شيء يصح تملكه ولو يسيرا، أو لا أي وكذا تبين إن لم يكن في يدها متمول كخرقة بالية مثلا، وكذا تبين إن كانت

(1)

في النسخ رقيق يصفر والمثبت من الشبراخيتي: ج 2 مخطوط.

(2)

في النسخ فلا يلزمه والمثبت من عب: ج 4 ص 78.

ص: 67

يدها فارغة عند محمد وسحنون لدخوله على الغرر لأنه طلق لشيء يأخذه، أولا يأخذه قال ابن عبد السلام: وهو الأقرب.

وإلى ما قاله ابن عبد السلام أشار بقوله: على الأحسن، ومقابله قول مالك: لا خلع بينهما، قال اللخمي: وهو الأحسن، ولو كان في يدها حجر متمول ظاهر وقالت طلقني بهذا الحجر فطلقها فإنها تكون بائنا ويستحق الحجر، فإن لم يكن متمولا مع إراءتها إياه فرجعي، ومن حق المؤلف أن يقول: وفيها؛ لأن اليد مؤنثة ولعله لاحظ معنى العضو فذكر.

لا إن خالعته بما لا شبهة لها فيه يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها بمعين لا شبهة لها فيه وهي عالمة بأنه لا شبهة لها فيه فإنه لا يقع عليها طلاق، وظاهره ولو أجازه المستحق فإن خالعته بموصوف ودفعت له ما لا شبهة لها فيه عالمة بذلك بانت، ورجع عليها بمثله كما لو جهلا معا فيرجع عليها بالعوض من قيمة أو مثل معينا أو موصوفا، فإن علم دونها وقع عليه الطلاق ولا شيء له معينا أو موصوفا كما مر تحريره.

وعلم مما قررته أنه لا منافاة بين ما هنا وبين قوله: "وقيمة كعبد استحق" لأن ذلك فيما إذا جهلا معا كما مر، وقوله:"لا إن خالعته بما لا شبهة لها فيه" خلافا للخمي، وضعف قوله. قاله الشارح.

أو بتافه في إن أعطيتني ما أخالعك به يعني أن الزوج إذا قال لزوجته إن أعطيتني ما أخالعك به فقد خالعتك، فأعطته تافها فإنه لا يلزمه طلاق ويخلى بينه وبينها ولا يمين عليه، والمراد بالتافه هنا ما دون خلع المثل كما صرح به غير واحد وإن كان التافه لغة ما لا بال له.

فرع: لو أوصى لها شخص بمال فخالعت زوجها به ثم رجع عن وصيته أولم يحملها ثلثه أو خالعها بعطائها وأسقط أي بطل بعد الخلع فإنه يلزمه الطلاق. قاله في المدونة. ولا شيء له عليها.

اللخمي: أرى إن علمت برجوعه عن الوصية أو سقط العطاء قبل الخلع أن يرجع عليها بمثل ذلك إن كانت موسرة. قاله الشبراخيتي. وقد مر الكلام عليه عند قوله: "أو أطلق له أو لها" بأتم مما هنا فراجعه إن شئت.

ص: 68

وطلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بالثلث يعني أن الزوج إذا قال لزوجته طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف فإن الزوج لا يلزمه طلاق؛ لأن من حجته أن يقول لم أرض بخلاصها مني إلا بالألف لا بأقل، ولهذا لو قبلت واحدة بألف لزمته طلقة الخلع كما قال ابن الحاجب، وصوبه ابن عرفة لحصول مقصوده بحصول الألف له، والثلاث لا يتعلق بها غرض شرعي بل يتعلق بها غرض فاسد وهو تنفير الأزواج منها إذا سمع أنها طلقت ثلاثا، وقوله:"أو طلقتك ثلاثا بألف" لخ أي لأن المذهب أن التزام معاوضة كل بكل لا توجبه في جزء منه بمثله من الآخر منفردا. قاله ابن عرفة.

وقوله: "أو طلقتك ثلاثا بألف" لخ قال الشيخ سالم: ينبغي أن تلزم الثلاث لأن الزوج أوقعها والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه، وهكذا كان يقول الشيخ بحثا. انتهى. نقله الشيخ عبد الباقي. وأجاب الشبراخيتي بأنه إنما لم يلزمه الطلاق لأنه معلق في المعنى، فقوله:"بألف" أي بشرط دفع ألف أو التزام ألف، وحينئذ فالكلام معلق فيه الطلاق بالدفع أو القبول، فإذا لم يحصل المعلق عليه لم يحصل المعلق فاندفع الإشكال بأنه كيف إذا لم تقبل لا يقع الطلاق، والفرض أن الزوج أوقعه بصيغة الماضي. انتهى.

وإن ادعى الخلع يعني أن الزوجين إذا اتفقا على وقوع الطلاق وقالت هي طلقني بغير عوض وقال الزوج بل بعوض، فإن المرأة تحلف أنه طلقها بغير عوض وتبين منه ولا شيء له. هكذا في المدونة. وهو المشهور ورواه ابن القاسم عن مالك، وقال عبد الملك: يبقى الأمر بينهما على ما كان عليه من الزوجية بعد أن يحلف الرجل أنه خالع على ما ذكر، وتحلف هي أنه طلق على غير عوض. اللخمي: والأول أحسن إذ لا يرتفع الطلاق بعد وقوعه.

أو قدرا يعني أن الزوجين إذا اتفقا على وقوع الطلاق بعوض، لكن ادعت هي قدرا وادعى هو أكثر منه فإنها تحلف على ما ادعت أن الطلاق وقع به وتبين وتدفع له ما ادعته، أو جنسا يعني أن الزوجين إذا اتفقا على وقوع الطلاق بعوض لكن ادعت هي أنه وقع على عبد مثلا، وادعى هو جنسا غير ذلك كعدد من الإبل مثلا فإن المرأة تحلف على ما ادعت وتدفعه وتبين.

ص: 69

وبما قررت علم أن قوله حلفت وبانت جواب الشرط فهو راجع للمسائل الثلاث، فإن نكلت حلف وأخذ ما حلف عليه في المسائل الثلاث فإن نكل فلا شيء له في الأولى وله ما قالت في القدر والجنس مع البينونة في الجميع، وقوله:"وإن ادعى الخلع"، قال في الجلاب: وإذا أقر الرجل أنه خالع زوجته على مال وأنكرته لزمه الطلاق، ولم يكن له من المال الذي ادعى عليها شيء، وكان القول في ذلك قولها مع يمينها إلا أن يذكر أنه اشترط عليها أنها إن دفعت المال إليه فهي طالق وأنكرت

(1)

ذلك فلا يلزمه طلاق ولا يكون له مال. انتهى. قاله الحطاب. وقوله: "وبانت" وجه البينونة في المسألة الأولى وهي ما إذا ادعت أن الطلاق وقع بغير عوض وادعى هو الخلع أنها بانت نظرا لإقراره بالخلع.

تنبيه: وقع في شرح عبد الباقي عند قول المص: "حلفت وبانت" ما نصه: حلفت في المسائل الثلاث وبانت ولا تدفع شيئا في الأولى وبانت فيها نظرا لإقراره وتدفع ما ادعته في الأخيرتين، فإن نكلت حلف وأخذ ما ادعى من أصل كونه خلعا أو قدره أو جنسه وله جمعهما في يمين واحدة، فإن نكل فلا شيء له في الأولى وله ما قالت في القدر والجنس مع البينونة في الجميع. انتهى. قال محمد بن الحسن: قول الزرقاني: وله جمعهما في يمين واحدة فيه نظر؛ إذ الدعاوي هنا متنافية فكيف يمكن جمعها؟ انتهى.

والقول قوله إن اختلفا في العدد يعني أن الزوجين إذا اتفقا على وقوع الطلاق بعوض وعلى جنسه وقدره أو اتفقا على وقوع الطلاق بغير عوض واختلفا في المسألتين في عدد الطلاق، فادعى هو واحدة وادعت هي اثنتين أو ادعى هو اثنتين وادعت هي ثلاثا: فإن القول قول الزوج بلا يمين كما في الشيخ سالم، وقيل بيمين. وقال عبد الباقي: كون القول له يمين هو المنقول، وقال شيخنا: بغير يمين، ووجهه أن ما زاد على ما قاله الزوج هي مدعية له، وكل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها، وعلى الأول لو نكل حبس فإن طال دين، ولا يقال تحلف ويثبت ما تدعيه لأن الطلاق لا يثبت بالنكول مع الحلف وتبين في اتفاقهما على الخلع وفي غيره هي رجعية. انتهى.

(1)

في النسخ وأنكر والمثبت من الحطاب: ج 4 ص 419 والتفريع: ج 2 ص 82.

ص: 70

وقال محمد بن الحسن عند قوله: "والقول قوله إن اختلفا في العدد": أصل هذا لابن شاس ونقله المواق ولم أجده لابن عرفة ولا غيره بعد البحث عنه، مع أنه معارض بما لابن القاسم من سماع عيسى من النكاح الثالث. وأقره ابن رشد: أن المرأة إذا أقرت بالثلاث وهي بائن لم تحل لطلقها إلا بعد زوج، فإن تزوجته قبل زوج فرق بينهما، قال ابن رشد: فلو ادعت ذلك وهي في عصمته ثم أبانها فأرادت أن تتزوجه قبل زوج وقالت كنت كاذبة وأردت الراحة منه صدقت في ذلك ولم تمنع

(1)

من مراجعته ما لم تذكر ذلك بعد أن بانت. انتهى. ونقله ابن سلمون وصاحب الفائق وغيرهما، وأجيب بأن فائدة كون القول له على ما لابن شأس تظهر فيما إذا تزوجها بعد زوج فإنها تكون معه على طلقتين بقيتا له فقط اعتبارا بقوله الأول لبقاء العصمة الأولى على قوله، وبه يجمع بين النقلين ولا يخفى بعده. والله أعلم. انتهى.

كدعواه موت عبد يعني أن المرأة إذا اختلعت من زوجها بعبد غائب غير آبق ومات العبد فادعى الزوج أنه مات قبل عقد الخلع فيكون الضمان منها، وادعت هي أنه مات بعد عقد الخلع فيكون الضمان منه، فإن القول قول الزوج أنه مات قبل الخلع فعليها البينة أنه مات بعد الخلع، فإن لم تأت بها فإنه يرجع عليها بقيمته، وأما إن كان آبقا فإنه يضمنه ولو ثبت موته قبل الخلع لأنه مجوز لكونه قد مات قبل الخلع.

وبما قررت علم أن التشبيه في كون القول للزوج أو عيبه يعني أن الزوجة إذا اختلعت من زوجها بعبد غائب مثلا وظهر به عيب، فادعى الزوج أن العيب سابق لعقد الخلع وادعت هي حدوثه بعد عقد الخلع، فإن القول قول الزوج في قدم العيب فعليها البينة، فإن لم تأت بها فإنه يرجع عليها بقيمته.

وبما قررت علم أن قوله: قبله أي قبل عقد الخلع راجع للموت والعيب، وقوله:"كدعواه موت عبد أو عيبه قبله" قال عبد الباقي: الظاهر أن القول قوله بيمين. انتهى. وقد علمت أن الآبق ضمانه منه فلا كلام له، ولو تبين أنه مات أو تعيب قبل الخلع إلا أن يثبت أنها كانت عالمة بموته قبل الخلع فيرجع عليها بقيمته على أنه آبق أي على غرره مع البينونة، ولا ينافي قوله:

(1)

في النسخ يمنع والمثبت من البناني: ج 4 ص 79 والبيان: ج 4 ص 451.

ص: 71

لا إن خالعته بما لا شبهة لها فيه؛ لأن الزوج هنا دخل على غرر مع كونه مجوزا لموته قبل ذلك.

وإن ثبت موته بعده فلا عهدة يعني أن الزوجين إذا اختلعا على عبد غائب غير آبق ثم مات بعد عقد الخلع وثبت ذلك ببينة، فإنه لا عهدة على المرأة فيه أي لا ضمان عليها فيما يطرأ عليه قبل قبضه من موت، ومثل الموت غيره من الآفات، قال اللقاني في حواشي التوضيح: المراد بالعهدة هنا ما يطرأ على المبيع الغائب قبل قبضه. انتهى. قال محمد بن الحسن: وهو ظاهر. والله سبحانه أعلم.

ص: 72

‌فصل: يذكر فيه الطلاق السني والبدعي

وما يترتب على بعض أفراد الطلاق البدعي من جبر على الرجعة وغير ذلك

طلاق السنة واحدة يعني أن الطلاق الذي أذنت فيه السنة هو الطلاق بهذه الصفة التي يبينها أي الذي الأصل فيه أن السنة أذنت فيه؛ إذ قد يعرض له ما يخرجه عن إذن السنة فيه، فقد يعرض له التحريم والكراهة وإذا عرض له أي للطلاق الذي هو بهذه الصفة ما يصير به حراما أو مكروها فإنه يخرج عن إذن السنة فيه، والطلاق الذي الأصل إذن السنة فيه هو الطلاق الذي اجتمع فيه قيود أربعة، أحدها: أن يكون طلقة واحدة كاملة واقعة بكل المرأة، ثانيها: أن تكون تلك الواحدة المذكورة واقعة بطهر، ثالثها: أن يكون هذا الطهر الذي وقعت فيه الطلقة المذكورة طهرا. لم يمس فيه أي لم يكن الزوج قد وطئ فيه المرأة التي يريد طلاقها بلا عدة، هذا هو القيد الرابع؛ يعني أنه يشترط في كونه سنيا مع القيود الثلاثة المتقدمة قيد رابع وهو أن لا يتبع لطلاقه المتقدم طلاقا في العدة.

ابن الحاجب: والطلاق السني أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه واجدة وهي غير معتدة على المشهور. انتهى. قال في التوضيح: وليس المراد بالسني أنه راجح الفعل كما هو المتبادر إلى الذهن، بل معناه الذي أذنت فيه السنة. انتهى. وقال الشارح عند قوله "طلاق السنة": المراد بطلاق السنة الذي أذن فيه الشرع، وإنما خصت السنة بإضافة ذلك إليها وإن كان الإذن قد وقع في القرآن بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} لأن الآية لم يعلم منها القيود التي ذكرها وإنما علمت من السنة. انتهى.

وقوله: "طلاق السنة" المراد بالسنة الحديث، وخرج بقوله:"طهر" الصغيرة واليائسة والمستحاضة غير المميزة فلا طلاق بدعي فيهن، وأما المستحاضة المميزة للدم فطلاقها في الحيض بدعي، وَنقلُ ابن الحاجب القول بأنها كغير المميزة، وقبوله ابن عبد السلام والمص في التوضيح، قال ابن عرفة: لا أعرفه.

وإلا فبدعي يعني أنه متى اختل بعض القيود الأربعة -ولا يمكن أن تختل كلها لأن الطهر والحيض لا يجتمعان- فإن الطلاق يكون بدعيا، فإذا طلق أزيد من واحدة فهو بدعي، وكذا لو كان في حيض ولو طلقة واحدة وكذا لو كان بطهر مسها فيه ولو كان الطلاق واحدة. وكذا لو

ص: 73

أردف طلاقا في العدة فيكون بدعيا، واحترز المص بقوله:"واحدة" من أكثر منها فبدعي كما مر. ومن أقل منها كجزء طلقة فبدعى كما قاله الأمير، وقد مر أنه لا بد أن تكون هذه الواحدة واقعة على كل المرأة، فإن وقعت على بعضها حرمت كما يأتي ما يفيده، وفي المواق عن ابن عرفة: طلاق السنة ما كان بطهر لم يمس فيه بعد غسلها أو تيممها طلقة واحدة فقط وغير هذا بدعي، قال عبد الباقي: وتقدم أول الخلع أنه قد يحرم الطلاق لعارض ولم يذكروا أنه يسمى بدعيا، وقد يبحث فيه بأنه ليس ثم قسم ثالث؛ إذ السنة لا تأذن في حرام ولا مكروه، قال محمد بن الحسن: أي يحرم إن كان يخاف من وقوعه ارتكاب كبيرة، وقد يقال حرمته لعارض لا تخرجه عن كونه سنيا كالصلاة في الدار المغصوبة وهو الظاهر. انتهى. ويجوز طلاق البغلة أي التي لا تحيض واليائسة والتي لم تبلغ الحلم متى شاء والأفضل أن يستقبل بها الأهلة.

تنبيه من أراد طلاق زوجته وهو غائب فليكتب إليها كتابا: إذا أتاك كتابي وأنت طاهر فاعتدي بطلقة فإن وافاها طاهرا فهي طالق، وإن وافاها حائضا فلا شيء عليه. وتحصل مما مر أن غير ذوات الأقراء لا يكون طلاقها بدعيا إلا بالزيادة على الطلقة الواحدة، وإرداف الطلاق في العدة يرجع إلى الزيادة في العدد.

وكره في غير الحيض يعني أن الطلاق البدعي يكره ما عدا الطلاق في الحيض فإنه يحرم كما يأتي، فيكره في طهر مسها فيه ويكره أزيد من واحدة، وظاهر المص أن الزيادة على الواحدة مكروهة أوقع اثنتين أو ثلاثا، وفيه نظر لقول اللخمي: إيقاع اثنتين مكروه وإيقاع ثلاث ممنوع. انتهى. ونحوه في المقدمات واللباب، وعبر في المدونة بالكراهة لكن قال الرجراجي: مراده بالكراهة التحريم، ونقل أبو الحسن عن ابن العربي أنه قال: ما ذبحت ديكا قط بيدي، ولو وجدت من يرد المطلقة ثلاثا لذبحته بيدي، وهذا منه رحمه الله مبالغة في الزجر عنه. انتهى. وفي التوضيح: وإيقاع الثلاث ممنوع لقوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} أي من الرغبة في المراجعة والندم على الفراق. ونقل ابن عبد البر وغيره الإجماع على لزوم الثلاث في حق من أوقعها لما خرجه ابن أبي شيبة (أن

(1)

ابن عباس أتاه رجل، فقال إن عمي طلق امرأته ثلاثا،

(1)

في النسخ: عن، والمثبت من التوضيح: ج 4 ص 314.

ص: 74

فقال إن عمك عصى الله فأندمه الله ولم يجعل له مخرجا

(1)

)، وعن أنس (أن عمر رضي الله عنهما كان إذا أتى رجل قد طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد أوجعه ضربا وفرق بينهما

(2)

)، وقال عمران بن حصين نحوه، قال: ولا أعلم لهما مخالفا من الصحابة.

وحكى في الإشراف

(3)

عن بعض المبتدعة أنه إنما يلزم موقع الثلاث واحدة، وعن بعض الظاهرية أنه لا يلزمه شيء. الباجي: وإنما يروى عن الحجاج ابن أرطاة ومحمد بن إسحاق، وتعلقوا (بحديث طاووس عن ابن عباس أنه كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فأمضاه عليهم

(4)

)، وهو خبر صحيح رواه الأئمة، وطاووس إمام وابنه إمام، وقال بعضهم: هو وهم. الباجي: وعندي أن الوهم وقع في التأويل، ومعناه عندي أنهم كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الناس ثلاثا، بدليل قوله: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، وقد روي عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة، فإن حمل حديث طاووس على ما تأولناه فلا كلام، وإن كان على غير ذلك فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد فيه الإجماع، وحكى التلمساني عندنا قولا بأنه إذا أوقع الثلاث في كلمة أنه إنما تلزمه واحدة، وذكر أنه في النوادر ولم أره، وشذ بعض المبتدعة أيضا فقال بعدم اللزوم إذا طلق في الحيض، وقد مر أنه يكره أن يطلقها في طهر جامعها فيه، وقد صرح في المدونة وغيرها بكراهته، وفي الاستلحاق عن بعض الشيوخ أنه محظور كالطلاق في الحيض، واختلف في وجه الكراهة فقال عبد الوهاب: لأنه لبس عليها العدة فلم تدر هل تعتد بالوضع أو بالأقراء؟ ولأنه يندم إن خرجت حاملا، وقيل لتكون مستبرأة فيكون على يقين من نفي الحمل إن أتت بولد وأراد نفيه، وضعف اللخمي الأول بعدم اللبس في العدة وذلك أن العدة لا تفتقر إلى نية وهي تنتظر في المستقبل، فإن رأت حيضا بنت وإن ظهر حمل انتظرت الموضع. انتهى.

(1)

مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 18088.

(2)

مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 18089.

(3)

في النسخ الإشراق والمثبت من التوضيح: ج 4 ص 315

(4)

صحيح مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1472.

ص: 75

وفسر قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} بأن معناه طلقوهن لأول عدتهن بأن يكون الطلاق في طهر لم يمس فيه، وفي التوضيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطلق الرجل المرأة في طهر مسها فيه) وقد مر أنه يكره إرداف الطلاق في العدة أي وهي طاهر، قال في التوضيح: فلو طلقها في كل طهر طلقة فالأول للسنة والآخران للبدعة، وهذا مذهب المدونة، وقال أشهب له أن يطلقها في كل طهر طلقة ما لم يرتجعها في خلال ذلك وهو يريد أن يطلقها ثانية فلا يسعه ذلك لأنه تطويل للعدة عليها ويضر بها. وهذا مقابل للمشهور. وَرُئِي في المشهور أن ذلك بمنزلة من طلق ثلاثا في دفعة، ورأى أشهب أنه ليس في ذلك تطويل.

عياض: ولأشهب قول آخر أنه لا بأس إن ارتجع بنية الفراق، ولا خلاف أنه لو ارتجع بنية البقاء ثم بدا له فطلق هكذا في كل طهر لما كره له الرجعة ولا الطلاق. انتهى. والبدعي ما فقد منه القيود بأن يكون في حيض أو طهر مس فيه أو يوقع أكثر من واحدة أو طلقها وهي معتدة، وبحسب ما فقد منه من القيود من الكثرة والقلة يبعد عن السنة، ولا يمكن أن تفقد جميع القيود لأن أحد محترزات القيود أن يكون في حيض والآخر أن يكون في طهر جامع فيه. انتهى.

ابن الحاجب: فلا بدعة في الصغيرة واليائسة والمستحاضة غير المميزة إلا في العدد وفي المميزة قولان. انتهى. قال في التوضيح: لأنهن لا حيض عليهن والقولان في المستحاضة المميزة مبنيان على القولين في عدتها هل هي بالأقراء أو بالسَّنَة، فعلى المشهور أنها تعتد بالأقراء يكون طلاقها في الحيض بدعيا، وعلى أنها تعتد بالسنة لا يكون بدعيا، ونقل الباجي عن عبد الوهاب أنه قال: من جاز طلاقها في كل وقت كالصغيرة واليائسة لا يوصف طلاقها بسنة ولا بدعة. انتهى. قال محمد بن الحسن: وتفسير السني بما أذنت فيه السنة يخالفه، وفي كتاب الشيخ الأمير أن الُمجَزَّأ بدعي وأنه حرام بدليل تأديبه، وسيأتي للمص:"وأدب المجزئ كمطلق جزء".

وقوله: "في غير الحيض" أي فلا عبرة بما تراه اليائسة والصغيرة التي لا يحيض مثلها والتي لم تميز، فيجوز أن يطلقن في أي وقت، وقد مر أن غير ذوات الأقراء يطلقن في أي وقت، ومنهن المستحاضة التي لم تميز فيجوز طلاقها في أي وقت شاء زوجها لأنها تعتد بالأشهر؛ إذ عدتها عام، وقوله:"في طهر لم يمس فيه" فيكون سنيا إلا إذا طلق في الحيض وأجبر على الرجعة وأراد أن يطلق في الطهر الذي يلي هذا الحيض فليس له ذلك، بل حتى تحيض ثانيا ثم تطهر كما

ص: 76

يأتي للمص. وقوله: "بلا عدة" أي ولو كانت صغيرة أو بغلة أو يائسة أو مستحاضة لم تميز لأنه يرجع للزيادة على الواحدة كما مر، وقوله:"بلا عدة" أي ولم يرتجعها فإن ارتجعها فطلاق بدعي إن نوى حين ارتجاعه فراقها لأن فيه تطويل العدة، وإن نوى حين ارتجاعه بقاء ثم بدا له فطلق هكذا في كل طهر مرة فلا تكره له الرجعة ولا الطلاق، فإن لم تكن له نية عند المراجعة حمل على البقاء.

وقوله: "وكره في غير الحيض" قال جامعه عفا الله عنه: الذي يتضح لي أن قوله: "في غير الحيض" صفة لمصدر محذوف ويقدر مضاف بين المتضايفين؛ أي وكره الطلاق البدعي كراهة حاصلة في غير طلاق الحيض وإنما قررته بهذا وهو مخالف لما قرره به غير واحد من قوله: وكره البدعي الواقع في غير الحيض لأن ذلك يوهم أن الطلاق الواقع في الحيض منه بدير ومنه غير بدعي. والله سبحانه أعلم.

تنبيهان: الأول: قال الشيخ إبراهيم: بقي من شروط كونه سنيا أن يقع على جملة المرأة لا على بعضها، وأن يوقع طلقة كاملة لا جزءها كما يأتي ما يدل على ذلك فيهما في قوله:"وأدب المجزئ كمطلق جزء"، وسيأتي للتتائي عند قول المص:"ونجز إن علق إلى آخره" أن تعليق الطلاق مكروه، وقال اللخمي: ممنوع، وقال مطرف وعبد الملك: جرحة وحينئذ فيكون التعليق بدعيا، فكان ينبغي أن يزيد كاملة غير معلقة واقعة على جملة المرأة. انتهى. وقد مر ما يفيد الجواب عن تجزئة الطلقة بأن قوله:"واحدة" يقتضي أنها كاملة. والله سبحانه أعلم.

الثاني: قال الشبراخيتي: وتلزم الثلاث إن وقعت في كلمة واحدة. ابن عبد البر: إجماعا، وقد ورد عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما من غير مخالف لهما من الصحابة، ونقل عبد الوهاب عن بعض الظاهرية عدم لزوم شيء، وروي ذلك عن الحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحاق، وعن بعض المبتدعة لزوم واحدة كمن تصدق بجميع ماله فيلزمه ثلثه، ووافقهم ابن مغيث، المازري لا أغاثه الله، وبالغ ابن سيرين في إنكاره حتى قال: ما ذبحت ديكا قط ولو وجدت من يرد المطلقة ثلاثا لذبحته بيدي، وقوله: من يرد الخ أي يستحل ردها، والضمير في قوله لذبحته راجع لمن يرد المطلقة ثلاثا، أراد أنه كفر فيقتل على طريق المبالغة، وتمسك هذا القائل بحديث طاووس عن

ص: 77

ابن عباس: (كان طلاق الثلاث واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر)، وقد وهم قائله في تأويله بل معناه أنهم كانوا يوقعون بدل الثلاث واحدة. قاله السيوطي في الدر المنثور.

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس عن نافع بن الأزرق، قال له أخبرني عن قوله عز وجل:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} هل كانت العرب تعرف الطلاق ثلاثا في الجاهلية؟ قال نعم كانت العرب تعرف ثلاثا، أما سمعت قول الأعشي: وهو يقول وقد أخذه أختانه فقالوا: لا والله لا نرفع عنك العصا أو تطلق أهلك وقد أضررت بها فقال:

أيا جارتا بيني فإنك طالقه

كذاك أمور الناس غاد وطارقه

فقالوا: والله لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق فقال:

بيني فإن البين خير من العصا

وأن لا تزال فوق رأسي بارقه

فقالوا: والله لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق فقال:

بيني حصانُ الفرج غير ذميمة

وموموقة فينا كذاك ووامقه

وذوقي قنا حي فإني ذائق

قناة أناس مثل ما أنت ذائقه

وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني: قلت يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثا؟ قال: (إذا عصيت ربك وبانت منك امرأتك

(1)

)، وعن سعيد بن منصور بسند صحيح أن عمر كان إذا أُتِى برجل طلق امرأته ثلاثا أوجع ظهره منها وفرق بينهما. قاله الشيخ إبراهيم. وقال محمد بن الحسن عند قوله "وكره في غير الحيض": ظاهره أن ما زاد على الواحدة مكروه مطلقا، وفيه نظر لقول اللخمي: إيقاع اثنتين مكروه وثلاث ممنوع، ونحوه في المقدمات واللباب، وعبر في المدونة بالكراهة لكن قال الرجراجي: مراده بالكراهة التحريم. انتهى.

(1)

سنن أبي داوود، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2197. فتح الباري ج 9 ص 310 ط دار الكتب العلمية، أصله في مسلم.

ص: 78

ولم يجبر على الرجعة يعني أن الطلاق البدعي إذا لم يكن طلاق الحيض فإنه لا يجبر صاحبه على الرجعة لعدم ورود الخبر فيه، وإنما ورد (الخبر

(1)

) في طلاق الحيض فيقتصر عليه فيه، وقوله:"ولم يجبر على الرجعة" وقيل يؤمر بالرجعة من غير جبر، وقيل يجبر كمن طلق في الحيض. قاله الشارح. وشبه في عدم الجبر على الرجعة قوله: كقبل الغسل منه أي من الحيض، يعني أن الزوج إذا طلق زوجته بعد أن انقطع عنها الحيض أو النفاس وقبل أن تغتسل من ذلك الحيض أو النفاس فإنه لا يجبر على الرجعة، فالتشبيه في عدم الجبر فقط، وأما حكم الطلاق في هذه الحالة فالحرمة على المذهب كما في التوضيح لا فيه وفي الكراهة خلافا للشارح. قاله الشيخ إبراهيم.

وقوله: "كقبل الغسل منه" أي حيث كان شرعها الغسل ويمنع عليها التيمم، فلا عبرة بتيممها حينئذ فلا يبيح الطلاق قبل الغسل وإن كان لا يجبر على الرجعة، ولهذا قال: أو التيمم الجائز يعني أن الزوج إذا طلق زوجته بعد أن انقطع عنها الحيض أو النفاس وكانت ممن يجوز له التيمم وكان طلاقه لها قبل أن تتيمم فإنه لا يجبر على الرجعة، فالتشبيه في عدم الجبر وأما حكم الطلاق في هذه الحالة فالحرمة على المذهب كما في التوضيح لا فيه وفي الكراهة. قاله الشيخ إبراهيم. وقوله:"أو التيمم الجائز" أي كما لو عدمت الماء أو خافت باستعماله مرضا أو زيادة المرض أو تأخر برء إلى آخر ما مر في باب التيمم، وقد علمت أن الطلاق قبل الغسل من الحيض أو النفاس والتيمم الجائز حرام، وحكى ابن عبد السلام قولا بجواز الطلاق إذا رأت المرأة القصة.

ومنع فيه النائب ضمير يعود على الطلاق البدعيّ؛ يعني أن الطلاق البدعي منه ما هو مكروه ومنه حرام وهو الطلاق الواقع في الحيض. عبد الوهاب: وهو حرام بالإجماع. قاله في التوضيح. وقوله: "ومنع فيه" أي الحيض وكذا النفاس يمنع فيه الطلاق، والتي رأت علامة الطهر تعطى حكم الحائض من حيث منع الطلاق، وحكم الطاهر من حيث عدم الجبر على الرجعة، ومثل الحائض المستحاضة المميزة لأن عدتها بالأقراء كما مر أنه المشهور، وقوله:"ومنع فيه" أي ما لم تكن حاملا وإلا جاز طلاقها في الحيض كما يأتي، وما لم تكن غير مدخول بها وإلا جاز طلاقها في

(1)

صحيح البخاري، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 5251.

ص: 79

الحيض أيضا كما يأتي، وقوله:"ومنع فيه" أي سواء كان ابتداء أو تعليقا فيه أو قبله ووقع فيه، والحرمة متعلقة به إن علم أنها تحنثه فيه وإلا فبها فقط مع علمها بتعليقه. قاله الشيخ عبد الباقي.

ووقع يعني أن الزوج إذا طلق زوجته وهي حائض أو نفساء، فإن الطلاق يقع أي يلزم ويحكم به، وإن كان إلا يجوز ابتداء، وقوله:"ووقع" قال الشبراخيتي: خلافا لبعض المبتدعة والبغداديين. انتهى. وقال المص في التوضيح: وشذ بعض المبتدعة فقال بعدم اللزوم إذا طلق في الحيض، وبذلك قال بعض البغداديين، ويرده ما جاء في الصحيح، في بعض طرق (حديث ابن عمر لما طلق في الحيض، قال فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها

(1)

) ذكره مسلم، وفي البخاري: (وحسبت علي تطليقة

(2)

)، لكن خرج أبو داوود عن ابن الزبير أنه سمع أن ابن عمر قال: فردها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئا. أبو داوود: والأحاديث كلها على خلافه، ولعل هؤلاء لاحظوا كون النهي يدل على الفساد. انتهى.

وفي نوازل ابن هلال: لا يجوز الاقتداء بمن يفتي أن طلاق الحامل والحائض لا يلزم، ولا يجوز لأحد أن يعمل بذلك، وكل ما نقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فباطل لا يصح. انتهى. وقال الشارح: فإن وقع الطلاق في الحيض فهو بدعي، عبد الوهاب: وهو حرام بإجماع ويلزم إن وقع فيه لا في الصحيح من (حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة فأمره عليه الصلاة والسلام أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمسكها حتى تطهر من حيضتها ثم إن شاء طلقها قبل أن يمسها

(3)

)، وفي مسلم: فراجعتها وحسبت لها التطليقة، وفي البخاري: وحسبت على تطليقة، والنفاس كالحيض في ذلك. انتهى.

وقال في التوضيح: أخرج البخاري ومسلم (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه

(1)

صحيح مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1471.

(2)

صحيح البخاري، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 5153.

(3)

صحيح البخاري، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 5251 صحيح مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1471.

ص: 80

وسلم، ثم قال له: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله عز وجل

(1)

).

قال في الاستذكار: هكذا روى جماعة عن ابن عمر وبه أخذ فقهاء الحجاز منهم مالك والشافعي: فقالوا: إنه يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلق إن شاء، ورواه جماعة عن ابن عمر، وقالوا فيه مره فليراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمسها، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأكثر العراقيين، وللرواية الأولى أوجه حسان منها أنه لما طلق في الموضع الذي نهي عنه ليلا تطول العدة أمر بالمراجعة ليوقع الطلاق على سنته، فإن أبيح أن يطلق إذا طهرت من تلك الحيضة كانت في معنى المطلقة قبل البناء، وكانت تبني على عدتها الأولى فيتم مقصوده فأمر بالوطء ليقطع حكم الطلاق الأول، فإذا طلقها لم يكن طلاقها في ذلك الطهر لأنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يطلقها في طهر مسها فيه، ومنها أن الطهر الثاني جعل للإصلاح الذي قال الله تعلى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} ، ولأن المرتجع لا يرتجع رجعة ضرر لقوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} ، فالطهر الأول فيه الإصلاح بالوطء فإذا وطئ لم يجز له أن يطلق في ذلك الطهر، ومنها أن المراجعة لا تعلم صحتها إلا بالوطء لأنه المبتغى من النكاح والرجعة في الأغلب. انتهى.

وأجبر أي على الرجعة فحذف الجار والمجرور لدلالة قوله: "ولم يجبر على الرجعة" عليه قاله الحطاب وغيره وفي بعض النسخ أمر يعني أن الزوج إذا طلق زوجته وهي حائض أو نفساء فإنه يلزمه الطلاق ويجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة كما يأتي، وقوله:"وأجبر" سواء وقع منه الطلاق ابتداء أو كان حلف به وحنث في الحيض أو النفاس، وفهم من كلامه أن الجبر خاص بالطلاق الرجعي وهو كذلك سواء كان واحدة أو اثنتين، وأما لو بانت بخلع أو بتات فإنه لا يجبر على الرجعة بل ولا يتزوجها إلا بعد زوج فيما إذا أبت. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وأجبر" أي ولو لم يتعمد إيقاع الطلاق على المذهب كما مر ما يفيده، ومعنى أجبر: أمر، بدليل قوله: وإن أبى أي أمر أمرا لازما أي أمره الحاكم أمرا جازما لا رخصة فيه. قاله الشيخ إبراهيم.

(1)

صحيح البخاري، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 7160 صحيح مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1471.

ص: 81

وبالغ على الجبر بقوله: ولو لمعاودة الدم يعني أن الزوج إذا طلق زوجته في أيام تقطع الطهر من حيضها أو نفاسها فإنه يجبر على الرجعة لأجل معاودة الدم لها، لما أي في يضاف فيه الدم الثاني للدم الأول؛ وإيضاح كلامه أن المرأة إذا انقطع عنها دم الحيض أو النفاس فطلقت ثم عاودها الدم بالقرب فإن الزوج يجبر على الرجعة؛ لأن الدم الثاني يضاف للأول وحكمه حكم حيضة واحدة، ويكون الطهر بينهما كلا طهر، وقاله أبو عمران وأبو بكر بن عبد الرحمن، ابن يونس وهو أصوب.

وإلى تصويب ابن يونس أشار بقوله: على الأرجح؛ وقال بعض شيوخ عبد الحق بعدم الجبر، الباجي: الأظهر عندي أنه لا يجبر على الرجعة لأنه أوقع الطلاق في وقت يجوز له إيقاعه فيه ويصح صومه ووطء الزوج فيه، وإلى استظهار الباجي لقول بعض شيوخ عبد الحق أشار بقوله: والأحسن عدمه أي الأحسن من القولين القول بعدم الجبر.

واعلم أنه يحرم إقدامه على الطلاق إن علم عوده وإلا فلا، وعلم مما تقدم أن محل الجبر إنما هو بعد معاودة الدم لا قبله. والله تعالى أعلم. وقوله: لآخر العدة بيان لمنتهى الجبر يعني أن المطلق في الحيض يجبر على الرجعة ما دامت العدة لم تنقض، فإن انقضت بانت ففات الجبر، فقوله:"لآخر العدة" راجع لقوله: "وأجبر" أي ينتهي الجبر عند انتهاء العدة بحيث لم يبق منها شيء فلا جبر، وإن بقي منها شيء فالجبر ثابت وهذا هو المشهور. وقال أشهب: يجبر على الرجعة ما لم تطهر من الحيضة الثانية؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أباح في هذه الحالة طلاقها فلم يكن للإجبار معنى، وقوله: أباح طلاقها لخ أي طلاق المرأة التي طلقها زوجها في الحيض كما في الدسوقي، وفي المقدمات: ومن حلف بالطلاق فحنث وامرأته حائض أو في دم نفاس فإنه يجبر على الرجعة كما يجبر المطلق في الحيض، والمطلق في الحيض يجبر ما لم تنقض العدة عند مالك وجميع أصحابه خلافا لأشهب. انتهى.

وإن أبي هدد يعني أن الحاكم يأمره بالارتجاع أمرا جازما لازما كما عرفت، فإن ارتجع فالأمر واضح وإن أبى الارتجاع فإن الحاكم يهدده أي يتوعده بالسجن ويخوفه به، فإن ارتجع فبها ونعمت، ثم أي وإن أبى الارتجاع بعد أن هدده بالسجن سجن أي يحبسه في السجن، فإن ارتجع فبها ونعمت وإلا هدده أي خوفه بالضرب وإن أبى ضربه.

ص: 82

وإلى هذا أشار بقوله: ثم ضرب ويكون ذلك كله متقاربا بمجلس واحد؛ لأنه في معصية، وإلا بأن لم يرتجع بعد ما ذكر ارتجع له الحاكم زوجته؛ بأن يقول: ارتجعت لك زوجتك، ومحل الضرب إن ظن الإفادة فإن ارتجع الحاكم قبل فعل شيء من هذه الأمور صح ارتجاعه إن علم أنه لا يرتجع مع فعلها وإلا لم يصح فيما يظهر. قاله عبد الباقي. وقال الشيخ المسناوي: لا يبعد أن يقال بالصحة في هذا أيضا مراعاة للخلاف. انتهى. وما قررت به المص من أن معنى ارتجع الحاكم أن يقول ارتجعت لك زوجتك هو الذي قرره به عبد الباقي، وقرره التتائي وغيره على أن معنى قوله: ارتجع الحاكم أي ألزمه الرجعة وحكم عليه بها، لا أنه يقول ارتجعتها لك، ونظر فيه أحمد فقال: الفرض أنه جبر ولم يرض. انتهى. قال الرماصي: والظاهر أن لا فرق بينهما. انتهى. وفهم الرماصي أن المراد يلزمه الرجعة ويحكم عليه بها فلا فرق بين ما نفاه وما أثبته إلا باللفظ. قاله بناني. وقال الشبراخيتي: والخروج من هذا الخلاف أن يلزمه الحاكم الارتجاع ويرتجعها له. انتهى. والله سبحانه أعلم.

وقال الشارح قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا أبى حكم عليه بالرجعة وألزمه إياها، وإليه أشار بقوله:"وإلا ارتجع الحاكم" وقوله: "وإن أبى هدد" لخ، قال عبد الباقي: والظاهر وجوب الترتيب فإن فعل كلها من غير ترتيب ثم ارتجع مع إباية المطلق صحت رجعته قطعا. وجاز الوطء به يعني أن الزوج المطلق في الحيض إذا ارتجع له الحاكم فإنه يجوز له أن يطأ زوجته بذلك الارتجاع مع أنه لم ينو الرجعة؛ لأن نية الحاكم قائمة مقام نيته، قال في التوضيح: هذا هو الأصح وهو قول أبي عمران وقاسه على المتزوج هازلا أنه يلزمه النكاح وله الوطء، قال في المقدمات: وهو الصحيح قياسا على من يجبر على النكاح من أب أو وصي أو سيد فيجوز للزوج الوطء وإن غلب على النكاح، وقال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم: لمن أمر بالرجعة من طلاق الحيض فراجع مريدا طلاقَها وطؤُها.

ابن رشد: هو المأمور به ولو ارتجعها كذلك ولم يصبها كان مضرا

(1)

آثما. انتهى. وقال في المقدمات: ولا يجوز له أن يراجع [ليطلق،

(2)

وإنما يجوز له أن يراجع] ليطأ. انتهى. قاله

(1)

في النسخ: مصرا، والمثبت من الحطاب: ج 4 ص 422.

(2)

ما بين القوسين ساقط من النسخ وقد ورد في الحطاب: ج 4 ص 422 والمقدمات: ج 1 ص 501.

ص: 83

الحطاب. وقال: وجاز للمطلق وطء المطلقة بارتجاع الحاكم، وقاله أبو عمران وهو الصحيح عند الأشياخ، وقال بعض البغداديين: ليس له وطء ولا استمتاع إذا لم يكن نوى الارتجاع. انتهى. وقال الشبراخيتي: وجاز لمن ألزمه الحاكم الرجعة أو ارتجع له على ما مر الوطء به أي بارتجاع الحاكم كجوازه للمتزوج هازلا وللولد والعبد واليتيم إذا جبرهم الأب والسيد والوصي وفيه بحث للفرق بين المجبور لقصر نظره وبين تام الملك، وقد يقال: إن نية الحاكم نابت له كما قالوه في المأخوذ منه الزكاة جبرا. انتهى.

والتوارث يعني أن ارتجاع الحاكم يثبت به التوارث وهذا مرتب على ما قبله؛ أي وإذا جاز الوطء بارتجاع الحاكم كان منزلا منزلة ارتجاع الزوج، فيترتب عليه التوارث وهذا ظاهر على ما قاله أبو عمران، وقد علمت أنه هو الصحيح عند الأشياخ، وأما على قول بعض البغداديين ليس له وطء ولا استمتاع إذا لم يكن نوى الارتجاع فلا بد أن يخالف في الميراث أيضا؛ لأنه جعل ارتجاع الحاكم غير مؤثر فهي عنده كالأجنبية إلا أن يموت قبل انقضاء العدة كما قاله الشارح، وعبارة الشبراخيتي: وجاز لهما أيضا التوارث بينهما وإن كان بلا نية.

والأحب أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر يعني أن الزوج إذا طلق زوجته في الحيض أو ما في حكمه أعني تقطع الدم، فإنه إذا راجع زوجته اختيارا أو جبرا يستحب له أن يمسكها حتى تطهر من حيضتها التي طلقت فيها، فإذا طهرت وطئها ولا بد، فإن لم يصبها كان آثما ثم تحيض لأنه إذا جامعها في الطهر الذي وقع الطلاق في الحيضة التي تليه قبله يكون طلاقه بدعيا، (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يطلق الزوج المرأة في طهر مسها فيه

(1)

)، فإذا حاضت بعد هذا الطهر الذي أصابها فيه امتنع طلاقها لكونها حائضا فيصبر حتى تطهر، فإذا طهرت طلقها إن شاء. الحطاب: ولو أنه لما أجبر على الرجعة في الحيض طلقها في الطهر الأول الذي يلي الحيض الذي راجع فيه لم يجبر على الرجعة. ابن القاسم: وبيس ما صنع، بخلاف ما لو لم يجبر على الرجعة حتى طهرت ثم طلقها ثانية فإنه يجبر على الرجعة. قاله ابن عرفة، وابن عبد السلام. انتهى.

(1)

صحيح البخاري، كتاب التفسير، الحديث، 4908.

ص: 84

وما قررت به المص من قولي: فإنه إذا راجع زوجته اختيارا أو جبرا لخ هو ظاهر ما قرره به عبد الباقي، ولفظه: والأحب لمن راجع المطلقة في الحيض أو أجبر عليها ثم أراد طلاقها أن يمسكها لخ، وصريح في قرره به الخرشي أيضا أو كالصريح فإنه قال: يعني أن من طلق زوجته في حال حيضتها أو نفاسها وراجعها أو أبى أن يراجعها فأجبره الحاكم على رجعتها وألزمه إياها ثم أراد طلاقها فإنه يستحب له أن يمسكها حتى تطهر لخ، وهو خلاف ما قاله الشبراخيتي، فإنه قال: ثم إن محل هذا حيث أجبر على الرجعة أو ارتجع الحاكم، وأما إن راجع باختياره فيجوز له الطلاق في الطهر الثاني التالي للحيض، كما يرشد إليه التعليل بقولهم: إن المراجعة لا تعلم صحتها إلا بالوطء لخ؛ لأنه لما راجع اختيارا فالرجعة صحيحة وإن لم يطأ. انتهى.

قال جامعه عفا الله عنه: ولا يخفى ضعف مأخذ هذا الرجل. والله سبحانه أعلم. وقال الأمير: والأحب إمساكها حتى تطهر هذا واجب ثم تحيض هذا مندوب ثم تطهر هذا واجب أيضا. انتهى. وقوله: والأحب أن يمسكها حتى تطهر لخ قد مر بعض الكلام عليه في حديث ابن عمر، وقوله: والأحب أن يمسكها، قال عبد الباقي: والاستحباب منصب على المجموع فلا ينافي وجوب الإمساك في المحيض، فإن طلقها في الطهر الأول كره له ولم يجبر على الرجعة. انتهى.

وفي منعه في الحيض يعني أن الطلاق في الحيض ممنوع بإجماع، واختلف الشيوخ في منعه هل هو معقول المعنى أم لا؟ وعلى أنه معقول المعنى فإنه منع لأجل ما فيه من تطويل العدة؛ إذ أول عدتها أول الطهر وكل أيام الحيض الذي طلق فيه لغو فلا تحل إلا بأول الحيضة الرابعة، ولهذا إذا لم يكن في الطلاق في الحيض تطويل للعدة جاز لأن فيها أي في المدونة جواز طرق الحامل في الحيض؛ لأن عدتها بالوضع فلا تطول عليها العدة بسبب الطلاق في الحيض، ولأن فيها أيضا جواز طلاق غير المدخول بها في الحيض إذ لا عدة عليها.

وبما قررت علم أن قوله: فيه أي في الحيض راجع للأمرين قبله أي طلاق الحامل وطلاق غير الدخول بها، وهذا القول عليه ابن الحاجب وغيره وهو المشهور، واستدل له المص بمسألتي المدونة كما علمت. انظر الشبراخيتي. أو لكونه عطف على قوله:"لتطويل العدة" تعبدا، خبر الكون؛ يعني أن من الشيوخ من ذهب إلى أن المنع للطلاق في الحيض غير معقول المعنى، وإنما

ص: 85

منع لأجل النهي عنه ولم يظهر المعنى الذي لأجله نهي عنه مع أن ثم حكمة في النهي لم يطلع عليها: ولا يقال كونه غير معقول المعنى ينافي تعليل المص بكونه تعبدا؛ لأنه يقال السبب الذي منعنا منه هو النهي الوارد وذلك النهي لم يعقل معناه أي الحكمة التي وقع النهي لها، والسبب الذي هو النهي الوارد ليس هو الحكمة التي يرتب عليها الأمر كما هو ظاهر، فلا منافاة بين كون النهي لم يعقل معناه وبين كون النهي الذي لم تظهر حكمته هو السبب في منعنا من طلاق الحيض. والله سبحانه أعلم.

فالسبب الذي أثبته المص غير السبب الذي هو المعنى المرتب عليه الأمر هذا ما ظهر لي، مع أني لم أر من كلام الشراح فيه ما يثلج صدري فلذلك ذكرت فيه هذا وهو مثلج للصدر. والله سبحانه أعلم. وكونه تعبدا قال اللخمي: هو ظاهر من المذهب، واستدل له بثلاثة أوجه، أحدها قوله: لمنع الخلع يعني أن القول بأن المنع من الطلاق للتعبد قال اللخمي: هو الظاهر من المذهب إذ لو كان لتطويل العدة لجاز ذلك برضاها وذلك مناف لقولهم: إن طلاق الخلع في الحيض ممنوع وإن كانت المرأة هي المريدة له وهو أي منع الخلع في الحيض وإن كانت هي المريدة له، هو قول ابن القاسم وأشهب وهو المشهور، ثانيها: أشار إليه بقوله: وعدم الجواز وإن رضيت يعني أن هذا القول بأن الطلاق في الحيض منع تعبدا استدل له اللخمي بأنه لو علل بتطويل العدة لجاز الطلاق في الحيض إذا رضيت المرأة به فيه، مع أن الطلاق في الحيض ممنوع سواء رضيت المرأة به فيه أم لا، فدل ذلك على أن النهي غير معقول المعنى. والله سبحانه أعلم.

وبما قررت اتضح لك أن "إن" للمبالغة، ثالثها: أشار إليه بقوله: وجبره على الرجعة وإن لم تقم يعني أن اللخمي قال: الظاهر من المذهب أن المنع من الطلاق في الحيض غير معقول المعنى؛ إذ لو كان لتطويل العدة لما أجبر على الرجعة إن لم تقم بحقها، مع أنه يجبر على الرجعة قامت بحقها أم لا، فدل ذلك على أن النهي غير معقول المعنى. والله سبحانه أعلم.

وبما قررت اتضح لك أن "إن" في قوله: "وإن لم تقم" للمبالغة. والله تعالى أعلم.

وقوله خلاف مبتدأ وخبره قوله: "وفي منعه" وهو خلاف في التشهير، شهر ابن الحاجب الأول، وشهر اللخمي الثاني، ونص ابن الحاجب: وعلل في الحيض بتطويل العدة وقيل غير معلل وعلى

ص: 86

المشهور يجوز طلاق غير المدخول بها والحامل في [حيضتهما]

(1)

. انتهى. قال في التوضيح: إذ لا تطويل في حقهما، وما ذكر أنه جار على المشهور هو في المدونة فقد نص فيها على جواز طلاق الحامل وغير المدخول بها متى شاء، ونص أبو عمران وابن شعبان على الجواز في الحامل، ومنعه ابن القصار لما عورض بقول المخالف: لو كانت الحامل تحيض لكان الطلاق فيه حراما، فقال: كذلك أقول، وروي عن مالك أيضا منع طلاق الحائض غير المدخول بها، وعن أشهب كراهته فقط. انتهى.

فرع: فإن طلق من ولدت وبقي في بطنها آخر، فقال أبو عمران: إن قلنا تطلق الحامل حال الحيض لم يجبر على الرجعة. قاله في التوضيح. وقال الحطاب عند قوله: لأن فيها جواز طلاق الحامل في نصه: وهو أحد قولين، والقولان أيضا في تطليقها في دم وضعها ولدا وفي بطنها آخر. قاله ابن عرفة. وفي التوضيح نحوه. انتهى. وقال في التوضيح: إنما ذكر المص -يعني ابن الحاجب- علة المنع في الطلاق في الحيض دون سائر الطلاق؛ لأن كتابه ليس موضوعا لبيان التوجيه وذكر الأسباب، وإنما هو موضوع للأحكام فلذا ذكر هذا لما يترتب عليه من الأحكام دون غيره. انتهى.

قال جامعه عفا الله عنه: ومثل هذا يقال في المص هنا والله سبحانه أعلم. ابن الحاجب: والخلع كالطلاق، وقيل لا لأنه برضاها. انتهى. قوله: والخلع كالطلاق أي فيمتنع في الحيض وهو قول ابن القاسم وأشهب وهو المشهور، وقيل ليس الخلع كالطلاق فيجوز وهذا القول هو الجاري على التعليل بتطويل العدة، قال في الجواهر: واختلف في علة الجواز على هذا القول، فقيل: لأن ذلك تطويل برضاها، وقيل لأنه معلل بضرورة الافتراق، ويتخرج على تحقيق العلة فرعان: جواز الطلاق برضاها وإن لم يكن عوض، واختلاع الأجنبي. انتهى.

وصدقت أنها حائض يعني أن الزوجة إذا ادعت أن الزوج طلقها وهي حائض وادعى هو أنه طلقها وهي طاهر، فإن القول قولها سواء وقع الترافع وقت الطلاق أو بعده بمدة. قاله ابن القاسم وسحنون.

(1)

في النسخ حيضتها والمثبت من التوضيح ج 4 ص 317.

ص: 87

ابن الحاجب: والقول قولها إنها حائض ولا تكشف. انتهى. قال في التوضيح: يعني إذا اختلفا فقالت طلقني وأنا حائض، فقال بل وأنت طاهر فلا تكشف بالاتفاق، واختلف هل تصدق ويجبر على الرجعة؟ وإلى ذلك ذهب ابن القاسم وسحنون، أو لا تصدق والقول قوله وهو أيضا لابن القاسم؟ ووجهه أنه ادعى حلالا وادعت حراما.

ورجح إدخال خرقة يعني أن ابن يونس رجح من عند نفسه فيما إذا ترافع الزوجان وقت الطلاق أن لا تصدق المرأة، بل تدخل في محل الدم خرقة، وبعد إخراج الخرقة من فرجها ينظرها أي الخرقة النساء، فإن رأين بها أثر دم صدقت وإلا فلا، وقوله:"وينظرها النساء" أي ولا ينظرن فرجها، وفي طرر ابن عات: ينظر النساء بمحل الدم في الفرج وهو مقابل لما اختاره ابن يونس، وسكت ابن يونس عن الترافع بعد الطلاق، قال في التوضيح: ابن يونس: ولو قيل ينظر إليها النساء بإدخال خرقة ولا كشف في ذلك لرأيته صوابا؛ لأن ذلك حق للزوج كعيوب الفرج والحمل لأنها تتهم على عقوبة الزوج بالارتجاع، ولا ضرر عليها في الاختبار فوجب أن تختبر. انتهى. والمراد بالنساء ما فوق الواحدة. قاله غير واحد.

إلا أن يترافعا طاهرا هذا مستثنى من قوله: "وصدقت أنها حائض" يعني أن ابن المواز استثنى من تصديقها الذي هو قول ابن القاسم وسحنون صورة، وهي ما إذا ترافع الزوجان بعد الطلاق وهي طاهر، قال: فإن القول قول الزوج ويسلم ابن المواز أنها تصدق في أنها حائض إذا ترافعا وقت الطلاق. قاله محمد بن الحسن.

وتحصل من هذا أن ابن القاسم وسحنون يقولان: تصدق في أنها حائض مطلقا ترافعا وقت الطلاق أو بعده بمدة، واستثنى منه ابن المواز صورة وهي ما إذا ترافعا بعد الطلاق وهي طاهر ويسلم أنها تصدق فيما إذا ترافعا وقت الطلاق، وابن يونس رجح أنها لا تصدق إذا ترافعا وقت الطلاق بل تدخل الخرقة، وسكت عما إذا ترافعا بعد الطلاق. والله تعالى أعلم. وقد علمت أن قوله:"وصدقت أنها حائض" قول ابن القاسم وسحنون، وقيل لا تصدق وهو لابن القاسم أيضا، وابن المواز قيد الخلاف بما إذا ترافعا وقت الطلاق، وأما إذا ترافعا بعد الطلاق وهي طاهر إذ ذاك فإن القول قول الزوج، والمص جعل قول ابن المواز تقييدا وكذلك جعله الباجي وابن عبد السلام، وأما ابن رشد وابن عرفة وابن راشد القفصي فجعلوه خلافا فعدوه قولا ثالثا، وقوله:"طاهرا" حال

ص: 88

من أحد فردي ضمير التثنية البارز في قوله: "يترافعا" وذلك الأحد هو الزوجة لاختصاص وصف الطهر بها، كقولك: جاء زيد والفرس متكلما أو مسرجا.

وعجل فسخ الفاسد في الحيض يعني أن النكاح إذا كان فاسدا يفسخ قبل البناء وبعده، فإنه يعجل فسخه في الحيض لأن الإقرار عليه إلى وقت الطهر أعظم حرمة من فسخه في الحيض فارتكب أخف المفسدتين حيث تعارضتا، ففي النوادر: كل نكاح يفسخ بعد البناء لحرمته فإنه يفسخ في الحيض وتأخيره أعظم. انتهى.

واعلم أن قاعدة الشرع أنه إذا تعارض مفسدتان ارتكب أخفهما، وهذه المسألة فرد من أفراد هذه القاعدة، وأما ما يفسخ قبل واطلع عليه في الحيض قبل الدخول فقد مر أنه يجوز الطلاق قبل البناء في الحيض فأحرى الفسخ. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وعجل فسخ الفاسد في الحيض" يعني كنكاح المحرم بضم الميم والنكاح لأجل ونحوهما، قال في التوضيح: قال محمد في النكاح الفاسد: إذا كان مما يفرق فيه بعد الدخول ومما

(1)

يحتاط فيه بالطلاق كنكاح المحرم فإنه يفسخ في الحيض؛ لأن إقراره أعظم من الطلاق في الحيض. انتهى. وقوله: "وعجل فسخ الفاسد في الحيض" قد علمت أن التعليل المذكور إنما يأتي في الفاسد المختلف في فساده وهو صريح كلام محمد، وأما النكاح المجمع على فساده فإنه لا يحتاج إلى فسخ الحاكم بل هو مفسوخ من جهة الشرع. والله سبحانه أعلم.

والطلاق على المولي يعني أن المولي إذا حل أجل إيلائه وامرأته التي آلى منها حائض ولم يف بالوعد إذ فيئته بالوعد فإنه يعجل عليه الطلاق بالكتاب رواه ابن القاسم. ابن المواز: وبه أقول، وإذا طلق عليه أجبر على الرجعة بالسنة، ومفهوم ما قررته أنه لو وعد بالفيئة بأن قال: أفيء، فإنه يمهل ولا يطلق عليه وما درج عليه المص صرح ابن عرفة وغيره بأنه المشهور، وروى أشهب أنه يمهل حتى تطهر.

لا لعيب يعني أن أحد الزوجين إذا وجب له الخيار في فراق صاحبه بسبب عيب كجنون وعنة وبرص، ومن ذلك ما إذا عتقت الأمة تحت العبد فإنه لا يعجل برد نكاح صاحبه في الحيض، بل

(1)

كذا في النسخ والذي في التوضيح المخطوط والمطبوع ولا يحتاط.

ص: 89

حتى تطهر ولا يحال بينه وبينها إلى الطهر إلا المجنون الذي يخاف عليها منه، فإن عجل فيه وقع وكان بائنا إن أوقعه الحاكم فلا رجعة له. هذا قول ابن رشد. وقال اللخمي: رجعي ويجبر على الرجعة إلا في العنين، والأول هو الصواب كما في الشارح، واقتصر عليه ابن عرفة في مبحث العيب خلافا لما اقتصر عليه من كلام اللخمي، وإن تبعه في الشامل فإنه ضعيف مخالف لقول المص، "وطلاق حكم به" وإن أوقعه الزوج من غير حاكم فرجعي إلا العنين فبائن، قال عبد الباقي: وإذا كان في غير العنين رجعيا أجبر على الرجعة إذا زال في لأجله حصل الطلاق. وأما المولي والمعسر بالنفقة فرجعي ولو أوقعه الحاكم كما قدمه. انتهى. وقوله: إذا زال في لأجله حصل الطارق فيه نظر بل يجبر على الرجعة مطلقا. قاله محمد بن الحسن.

وما للولي فسخه يعني أن النكاح الذي يخير فيه الولي لا يعجل فسخه في الحيض بل حتى تطهر وذلك كنكاح عبد بغير إذن سيده وسفيه بغير إذن وليه، وهذا إذا بني المحجور عليه بالزوجة وإلا فقد مر أنه يجوز طلاق غير المدخول بها وهي حائض والنص مقيد بذلك، ففي ابن المواز: وأما ما للولي فسخه وإجازته فإن بني فلا يفرق فيه إلا في الطهر بطلقة بائنة، ولو عتق العبد ورشد السفيه قبل الطلاق لم يطلق عليه. انتهى. فقوله: فإن بني لخ أي فإن لم يبن يفرق بينهما في الحيض فهو موافق لما مر في كلام المص، فما في شرح عبد الباقي من التوقف قصور. والله سبحانه أعلم.

أو لعسره بالنفقة يعني أن الزوج إذا أعسر بالنفقة وقامت الزوجة بحقها فإنه يتلوم له، وإذا حل أجل تلومه وزوجته حائض أو نفساء فإنها لا تطلق عليه في حيضها ولا في نفاسها بل حتى تطهر. قاله ابن المواز. وابن رشد في المقدمات، قال الحطاب: قال في المقدمات: ولا يطلق السلطان على من به جنون أو جذام أو برص أو عنة أو عجز عن النفقة وفي أشبه ذلك مما يحكم فيه بالفراق في الحيض ولا في دم النفاس، فإن فعل فقد أخطأ ولا يجبر في شيء من ذلك على الرجعة لأنه طلاق بائن إلا في الذي يطلق عليه لعدم الإنفاق فإنه يجبر على الرجعة إن أيسر في العدة، هذا الذي يلزم على أصولهم ولا أعلم فيها رواية. انتهى.

ص: 90

كاللعان يعني أن الزوج إذا قذف زوجته وهي حائض أو نفساء أي متلبسة بدم النفاس فإنهما لا يتلاعنان حتى تطهر، قال في المدونة: ومن قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض أو في دم نفاسها فلا يتلاعنان حتى تطهر.

فرع: قال ابن الحاجب: وإذا قال للحائض أنت طالق للسنة طلقت مكانها ويجبر لأنها طلقت في الحيض مثل إذا طهرت. انتهى.

قال في التوضيح: لأن قوله للسنة بمنزلة قوله أنت طالق إذا طهرت. انتهى. والقاعدة أن من علق الطلاق على غالب ينجز في الحال، وقوله: ويجبر لأنها طلقت في الحيض ظاهر انتهى، قال جامعه عفا الله عنة: وفهم من كلامه أنه لو قال لها أنت طالق إذا طهرت فإنه ينجز عليه الطلاق ويجبر على الرجعة وهو ظاهر. والله سبحانه أعلم. وفي الحطاب: وكذا تلزمه طلقة واحدة ويجبر على الرجعة إذا قال أنت طالق للسنة ولم يقل ثلاثا. قاله في المدونة. ونقله ابن الحاجب وغيره. انتهى.

ونجزت الثلاث في شر الطلاق ونحوه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق شر الطلاق أو نحو ذلك، كأن يقول لها أنت طالق أسمج الطلاق أي أقبحه، والسماجة القبح أو أقذره أو أنتنه أو أبغضه أو أكمله أو أكثره أو أقبحه فإنه تنجز عليه ثلاث طلقات، فلا تحل له إلا بعد زوج، ولو قال: أنت طالق إذا حضت الأولى وأنت طالق إذا حضت الخامسة لم يقع عليه إلا طلقة واحدة؛ لأن ما زاد عليها لا يقع إلا بعد العدة، ولو طلقها واحدة ثم قال: أنت طالق كلما حضت وقعت الثلاث، ولو قال أنت طالق وإذا حضت ثانية بعد أولى فأنت طالق وإذا حضت ثالثة فأنت طالق، لزمه طلقتان الأولى وطلقة عجلت عليه. ابن أبي زيد: يريد أن الثالثة وقعت بعد انقضاء العدة بدخولها في الحيضة الثالثة. قاله الحطاب. قال جامعه عفا الله عنة: والظاهر أن هذا إنما يتمشى على قول ابن الماجشون وسحنون الآتي، وهو مقابل للمشهور والذي يتمشى على المشهور لزوم الثلاث. والله سبحانه أعلم.

وفي أنت طالق ثلاثا للسنة إن دخل يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا للسنة فإنه ينجز عليه الطلاق الثلاث بشرط أن تكون مدخولا بها؛ لأنه بمنزلة من قال لزوجته أنت طالق في

ص: 91

كل طهر مرة كانت حاملا أم لا طاهرا أو حائضا، وإلا أي وإن لم يدخل بها والحال أنه قد قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة، فتلزمه واحدة وهذا ضعيف، والمذهب لزوم الثلاث بهذا اللفظ في المدخول بها وغيرها قدم ثلاثا على السنة أو أخرها، ولا يرد أن غير المدخول بها تبين بواحدة مع وصفها بالسنة، فيعد قوله: بعدها ثلاثا لغوا؛ لأنا نقول لما نسق اللفظين فكأنهما لفظ واحد فلم تبن بالواحدة في تقديم السنة على ثلاث. قاله عبد الباقي.

وقال الشبراخيتي عند قوله: "فواحدة": هذا قول سحنون والمذهب ما قاله في المدونة أنه تلزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها، سواء قدم ثلاثا على قوله للسنة أو أخرها عنه، ومعنى قوله:"أنت طالق ثلاثا للسنة": أنت طالق في كل طهر مرة. انتهى. وقال ابن الحاجب: وإذا قال أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثا مكانها على المشهور، مثل: كلما طهرت. انتهى. لأن قوله أنت طالق ثلاثا للسنة، بمنزلة قوله أنت طالق في كل طهر مرة، فنجزت عليه الثلاث للقاعدة، وقوله على المشهور لم يقع في كل النسخ وهو في الجواهر وهو ينبني على أصل وهو أنه إذا علق على آت فهل ينجز ولا يقدر واقعا في أجله وهو المشهور؟ وعليه فتلزم الثلاث أو لا ينجز إلا ما لو أتى زمنه كان واقعا وهو قول ابن الماجشون وسحنون، وعليه فلا يلزمه إلا اثنتان؛ لأن المرأة تحل للغير بدخولها في الحيضة الثالثة، فلا يأتي الطهر الثالث إلا وهي بائنة، وعلى المشهور لا فرق بين أن تكون حال كلامه طاهرا أو حائضا صرح بذلك في المدونة، وأما على مقابل المشهور فإذا طلقها وهي حائض فينبغي أن يتفق على لزوم الثلاث؛ لأن المرأة إذا طلقت في حيض أو نفاس لا تحل إلا بالدخول في الحيضة الرابعة، ولم ينقل اللخمي وغيره قول سحنون إلا فيما إذا قال ذلك وهي طاهر. انظر التوضيح.

قال جامعه عفا الله عنه: وإيضاح ذلك أنه إذا قال لها كلما طهرت فأنت طالق وهي طاهر، فإن الطلقات معلقة على الطهر الذي بعد هذا الذي قال لها ذلك فيه، وقوله: أنت طالق ثلاثا للسنة بمنزلة كلما طهرت فأنت طالق كما يفيده التوضيح. والله سبحانه أعلم.

كخيره يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق خير الطلاق فإنه تلزمه طلقة واحدة، فالتشبيه في لزوم الواحدة ويجبر على الرجعة إذا قال ذلك في الحيض والنفاس، ومثل أنت طالق خير الطلاق في لزوم الواحدة قوله لها: أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله أو أفضله إلا أن ينوى أكثر

ص: 92

ففرق بين أفضله فواحدة وبين أكثره فثلاث كما مر، وعبارة الشارح: أي ومما يلزم فيه طلقة واحدة إذا قال لها أنت طالق خير الطلاق ونص عليه في كتاب ابن سحنون إلا أن ينوي أكثر.

أو واحدة عظيمة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق واحدة عظيمة أو طويلة أو شديدة فإنه تلزمه واحدة، وكذا تلزمه طلقة في قوله لها أنت طالق واحدة خبيثة أو منكرة أو قبيحة أو كبيرة، كالجبل أو كالقصر إلا أن ينوى أكثر، وكذا لو قال لها: أنت طالق إلى البصرة أو إلى الصين وله الرجعة إلا أن ينوي أكثر، وهذا بين على قول من يرى أن البينونة لا تحصل إلا مع العوض، وأما من لا يشترط العوض فلا يبعد هنا إلزامه واحدة بائنة. قاله في التوضيح. ولو قال أنت طالق واحدة للبدعهّ أو لا للبدعة ولا للسنة فواحدة، وكذا إذا قال: أنت طالق للبدعة أولا للسنة ولا للبدعة فتلزمه واحدة، وكذا لو قال أنت طالق كما قال الله.

وثلاث للبدعة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا للبدعة فإنه تلزمه ثلاث، أو بعضهن للبدعة وبعضهن للسنة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا بعضهن للبدعة وبعضهن للسنة فإنه تلزمه ثلاث، فقوله: فثلاث فيهما راجع للمسألتين أي فتلزمه ثلاث تطليقات فيهما أي في المسألتين: مسألة ثلاث للبدعة، ومسألة ثلاث بعضهن للبدعة وبعضهن للسنة، وسواء في ذلك كانت المرأة مدخولا بها أم لا. ولما أنهى الكلام على أقسام الطلاق من سني وبدعي مصحوب بعوض وغير مصحوب بعوض شرع في أركانه بقوله:

ص: 93

‌فصل في أركان الطلاق

وهي أربعة لا بد لنفوذ الطلاق منها، والمراد بالركن هنا ما ينعدم الشيء بانعدامه، وبدأ بالركن الأول من أركان الطلاق فقال: وركنه أهل يعني أن أركان الطلاق من حيث هو سنيا أو بدعيا بعوض أو بدونه أربعة، منها الأهل وهو موقع الطلاق من زوج أو نائبه من حاكم أو وكيل: ومن الوكيل الزوجة إذا جعله الزوج بيدها، وأما الولي والسيد فلا إلا في الصغير بعوض كما مر، وأما قولهم: إن طلاق الفضولي صحيح متوقف على الإجازة فالزوج إنما هو الموقع للطلاق بدليل أن العدة من يوم الإجازة لا من يوم الإيقاع، فلو كانت حاملا فوضعت قبل الإجازة استأنفت العدة، وسيأتي بيان حقيقة الأهل وسائر ما يحترز به عنه، ومعنى الأهل المتأهل لإيقاع الطلاق.

وقصد يعني أن من أركان الطلاق القصد، ومعناه قصد النطق باللفظ الدال على الطلاق في الصريح والكناية الظاهرة وإن لم يقصد مدلوله وهو حل العصمة، وأما الكناية الخفية كاسقني الماء فلا بد فيها من قصد حل العصمة، وإنما لزم الصريح والكناية الظاهرة وإن لم يقصد حل العصمة لأنه يلزم ولو هزل كما يأتي، واحترز بالقصد عن سبق اللسان كما يذكره. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: أي قصد النطق في الصريح والكناية الظاهرة؛ لأنه إذا سبق لسانه أو هذى لمرض أو نحو ذلك فلا شيء عليه كما سيأتي، وليس المراد به قصد إيقاع الطلاق بدليل قوله:"ولزم ولو هزل"، وأما الكناية الخفية فيشترط فيها قصد استعمال اللفظ في حل العصمة. انتهى. ونحوه للخرشي.

وقال ميارة بعد أن ذكر أن من أركان الطلاق القصد: والقصد هو القصد للطلاق فلا أثر لسبق اللسان إن جاء مستفتيا ولا أثر للفظ يجهل معناه، كما إذا قيل للأعجمي قل زوجتي طالق فلا يلزم لعدم القصد ولا أثر لطلاق الإكراه، ثم قال بعد كلام كثير تقدم أن من أركان الطلاق القصد، فلذلك لم يلزم المجنون والمبرسم الذي لا يعقل والمريض المغلوب على عقله، ونقل القاضي عياض في مداركه عن بعض الأئمة أنه سئل عن طلاق الذاهل بقول السائل:

أيا قاضيا فاق الأنام بعلمه

وأربى عليهم بالنهى والفضائل

فديتك هل يجري الطلاق لذاهل؟

فرد فأنت اليوم قطب المسائل

ص: 94

فأجاب:

إذا كان ذا عقل وطلق زوجة

فقد لزم التطليق يا خير سائل

وإن كان معتوها ولا عقل عنده

يقينا فلا يمضي طلاق لذاهل

وسيأتي قول المص: "ولو هزل"

واعلم أن الهزل بإيقاع الطلاق يلزم معه الطلاق وهذا متفق عليه، وأما الهزل بإطلاق لفظه عليه فهو محل الخلاف والمشهور فيه اللزوم. ابن عرفة: هزل إيقاع الطلاق لازم اتفاقا، وهزل إطلاق لفظه عليه المعروف لزومه. الشيخ في الموازية عن ابن القاسم: من قال لامرأته قد وليتك أمرك إن شاء الله، فقالت: فارقتك إن شاء الله وهما لاعبان لا يريدان طلاقا لا شيء عليهما وتحلف، وإن أراد الطلاق على اللعب لزمه. انتهى. نقله الحطاب وغيره.

وفي حاشية الشيخ محمد بن الحسن رادا على عبد الباقي أن الظاهر أن الهزل في التفويض كالهزل في الطلاق سواء، وأن ما في السماع مقابل للمشهور كما يدل عليه كلام ابن عرفة، ونقله المواق والحطاب عند قوله:"ولزم ولو هزل". واعلم أن في السماع المذكور أن الإمام قال للسائل: إن لم ترد بذلك طلاقا وكان منك على وجه اللعب فلا أرى عليك فيه شيئا، وإن كنت أردت به طلاقا وإن كنت لاعبا فهو الطلاق، قال ابن رشد: قوله فهو الطلاق صحيح على قولهم إن الطلاق هزله جد، من ذلك ما وقع في آثار المدونة وغيرها. انتهى. ففصل بين هزل إيقاع الطلاق فهو طلاق وهذا متفق عليه وبين هزل إطلاق لفظه وهذا محل الخلاف والمشهور فيه اللزوم خلاف ما في السماع، قال ابن عرفة: هزل إيقاع الطلاق لازم اتفاقا، وهزل إطلاق لفظه عليه المعروف لزومه، ثم نقل كلام السماع المذكور كالمقابل. والله أعلم. انتهى.

قال جامعه عفا الله عنه: وبهذا تعلم أن قول الشارح والمراد بالقصد نية إيقاع الطلاق غير ظاهر لإيهامه أن قصد لفظه مع عدم قصد إيقاعه لا يكون طلاقا، وقد مر رد الشبراخيتي والخرشي لذلك التفسير، وأيضا يرده قول المص:"ولزم ولو هزل" لأن الهزل بإيقاع الطلاق يلزم به الطلاق اتفاقا، والمص أتى بلو الدالة على رد قول مذهبي، وذلك إنما هو في الهزل بإيقاع لفظ الطلاق لا

ص: 95

في الهزل بإيقاع الطلاق، ويمكن أن يجاب عن الشارح بأن قوله: والمراد بالقصد نية إيقاع الطلاق على حذف مضاف أي نية إيقاع لفظ الطلاق. والله سبحانه أعلم.

ومحل يعني أن من أركان الطلاق المحل، وهو عصمة مملوكة تحقيقا أو تقديرا، فلا يقع على الأجنبية بلا تعليق، ودخل في المحل مجوسية طلقها زوجها بعد إسلامه ثم أسلمت بقرب كشهر فيلزمه الطلاق عند ابن القاسم؛ لأنه بإسلامها بالقرب تبين أن طلاقه وقع على زوجة يقر عليها لو لم يطلقها فلا بد له من عقد جديد ويبقى له فيها طلقتان، وقال أشهب: يقر عليها من غير عقد لطلاقه لها قبل إسلامها في حال لا يقر عليها، فابن القاسم نظر إلى ما تبين وأشهب نظر إلى حال الطلاق. انظر شرح الشيخ عبد الباقي. وحاشية الشيخ بناني.

ولفظ يعني أن من أركان الطلاق الصيغة وهي ما دل على فك العصمة دلالة وضعية، كطالق ونحوه من الألفاظ الصريحة، أو عرفية كالكناية بقسميها، وقوله:"ولفظ" أي أو ما يقوم مقامه كما يأتي في قوله: "ولزم بالإشارة المفهمة"، واحترز باللفظ هنا عن مجرد العزم الذي ليس معه لفظ ولا كلام نفسي، لا عن الإشارة والكتابة والكلام النفسي وهو اقتصار على ما هو الأصل؛ لأن مثل اللفظ ما يقوم مقامه من إشارة أو كتابة أو فعل كنقل متاعها كما يأتي في التخيير والتمليك. قاله محمد بن الحسن. وقال الشبراخيتي: وقوله "ولفظ" أي حقيقة أو حكما، فشمل الكلام النفسي على أحد القولين كما يأتي، وقوله:"ولفظ" اقتصار على الأصل: فلا يقال كان عليه أن يقول: أو ما يقوم مقامه أي من إشارة أو كتابة، وأما الفعل فلا يحصل به الطلاق ولو قصد به الطلاق، إلا أن يستعمل فيه عرفا فيحصل به الطلاق كما تقدم في الخلع. انتهى.

وقال عبد الباقي: فلا تطلق بفعل ولو قصد به الطلاق إلا لعرف كمسألة الحفر والدفن كما مر. انتهى. وقد مر عن محمد بن الحسن هناك بعد أن جلب نقلا ما نصه: وهو يفيد أن ذلك لا يتقيد بالعرف خلاف ما في الزرقاني. انتهى. واعترض عد هذه الأربعة أركانا؛ لأن الركن هو الداخل في حقيقة الشيء وينعدم الشيء بانعدامه، وهذه الأمور الأربعة خارجة عن حقيقة الطلاق، وأجيب بأن المراد بالركن هنا ما لا بد منه في تحقق الماهية وإن لم يكن داخلا.

وقد مر تعريف ابن عرفة للطلاق بقوله: صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجبا تكررها مرتين للحر ومرة للعبد حرمتها عليه قبل زوج. قوله: حكمية أي يحكم بها وليست

ص: 96

حسية، وقوله: موجبا تكررها مرتين للحر أي بعد واحدة إذ التكرار إنما يكون بعد فرد، فلو قال ثلاث مرات لكان فاسدا، وكذا يقال في قوله ومرة للعبد كما هو ظاهر. قاله عبد الباقي.

ولا تكلم على الأركان مجملة شرع يتكلم عليها مفصلة على الترتيب، فقال: وإنما يصح طلاق المسلم يعني أن الزوج إذا طلق زوجته فإنه لا يصح طلاقه ولا يلزمه إلا أن يكون مسلما، فلا يصح طلاق الكافر كما مر في قوله:"ولو طلقها ثلاثا إلا أن يترافعا إلينا" فيجري على ما مر من قوله: "وفي لزوم الثلاث لذمي" الخ، وأما وكيل الزوج على الطلاق فلا يشترط في صحة طلاقه إسلام ولا ذكورة ولا تكليف، بل تمييز فيما يظهر؛ لأن الموقع حقيقة الزوج الموكل، وكذا الفضولي لا يشترط فيه من ذلك إلا التمييز فيشترط فيه فيما يظهر؛ لأن الموقع للطلاق هو الزوج المجيز. قاله عبد الباقي. ومقتضاه أن الفضولي غير المميز لا يعتبر ما أوقعه ولو أجازه الزوج، وفهم من قوله:"المسلم" أنه لو أسلمت كافرة وطلقها زوجها الكافر بعد أن أسلمت ثم أسلم في عدتها فإنه يكون أحق بها، ولو كان قد أوقع الثلاث عليها بعد إسلامها وقبل إسلامه، ولو نكحها بعد انقضاء عدتها كان جائزا، وطلاقه في حالة كفره باطل.

المكلف يعني أنه كما لا يصح طلاق الزوج الكافر لا يصح طلاق الزوج غير المكلف، فلا بد في صحة الطلاق من كون الزوج مسلما مكلفا، فلا يصح من صبي ولو مراهقا ولا من مجنون حال جنونه، ولا من مختبل ولا من مغمى عليه، وأما وقوع الطلاق على الصبي إذا ارتد فإنما هو بحكم الشرع لا أنه هو الموقع، ولو طلق المريض وقد ذهب عقله من المرض فأنكر ذلك، وقال لم أعقل حلف ولا شيء عليه. قاله مالك في الموازية. وكذلك نقل عنه في العتبية إلا أنه قال: ثم صح فأنكر وزعم أنه لم يكن يعقل. ابن رشد: إنما ذلك أن تشهد العدول أنه يهذي أو يختل عقله، وإن شهدوا أنه لم يستنكر منه شيء في صحة عقله فلا يقبل قوله، ويلزمه الطلاق. نقله الحطاب، وقال: هذا الفرع غير الفرع الآتي في كلام المص.

ولو سكر حراما يعني أن الزوج إذا طلق في حال سكره فإنه يلزمه الطلاق بشرط أن يكون سكره حراما، والمراد أنه استعمل عمدا ما يغيب عقله ولو مع شكه أنه يغيب كان مما يسكر جنسه أو

ص: 97

من غيره كلبن حامض، فلو تحقق أو ظن أن اللبن ونحوه لا يغيب عقله فغاب باستعماله وطلق لم يقع عليه طلاق، ولو تنازع معها في سكره حراما وغيره قبل قوله بيمينه إن لم تقم قرينة على صدقه، فإن قامت بكذبه فقولها إنه حرام، وقوله حراما، وأما لو سكر بحلال بأن لم يعلم تحريمه فكالمجنون لا يلزمه طلاق: وقوله: "حراما" صفة لصدر محذوف أي سكر سكرا حراما. انظر شرح الشيخ عبد الباقي.

وقال الشبراخيتي: لو تنازع معها وكونه سكرا حراما أو غير حرام فالظاهر أنه إن وجدت قرينة تصدق أحدهما عمل عليها، وإلا فقوله: بيمين، وقوله:"سكر" أي غاب عقله سواء غاب بمسكر أو بمرقد أو بمفسد لكنه لا يتصور ذلك مع المرقد، ثم إنه ليس من الحرام ما إذا شربه يظنه غير مسكر فتبين أنه مسكر، وأما إذا شربه مع ظن أنه مسكر أو مع الشك فيه فهو كشربه مع تحقق أنه مسكر كما يفيده كلامهم في الشرب. انتهى.

واستفيد مما مر أنه لو ظنه حلالا فتبين أنه حرام وأنه مسكر فإنه كالمجنون لا يقع عليه طلاق، وأنه لو شك أنه يغيب العقل واستعمله فغاب عقله أنه يقع عليه الطلاق كان مما يسكر جنسه أو من غيره كلبن حامض. وبالله تعالى التوفيق. قال أحمد بن عبد الله الدميري تاج الدين بهرام وهو المعروف عندهم بالشارح: وما ذكره من نفوذ طلاق السكران هو المشهور، وقيل: لا يلزم. انتهى. وعلى القول بعدم اللزوم رد المص "بلو".

وهل إلا أن لا يميز أو مطلقا تردد؟ يعني أن الشيوخ اختلفوا هل محل الخلاف المذكور حيث كان عند السكران بقية تمييزه؟ وأما إن لم يكن عنده بقية تمييز فيتفق على أنه كالمجنون لا يلزمه الطلاق اتفاقا، وهي طريقة ابن رشد والباجي أو الخلاف مطلق غير مقيد بمن عنده بقية تمييز فيكون المشهور اللزوم، سواء كان عنده بقية تمييز أم لا وهي طريق المازري، وإيضاح المص على هذا أن تقول: وهل الأمر على ما ذكر من وجود الخلاف إلا أن لا يميز فلا خلاف في عدم لزومه حينئذ، فيكون محل الخلاف حيث كان عنده بقية تمييز؛ إذ هو الذي قبل الاستثناء وهذه هي طريق ابن رشد والباجي، أو الأمر من وجود الخلاف غير مقيد بمن عنده بقية تمييز بل هو موجود فيمن عنده بقية تمييز ومن لم يكن عنده تمييز أصلا فيلزمه الطلاق على المشهور في كلا الحالين وهي طريق المازري، ولابن يونس يلزمه اتفاقا إن ميز وعلى المشهور إن لم يميز، وفي

ص: 98

نسخة: وهل إن ميز أي وهل محل لزوم الطلاق إن ميز لا إن لم يميز فلا يلزم اتفاقا كما يقوله ابن رشد، أو هو لازم مطلقا ميز أم لا على المشهور في حالتي التمييز وعدمه كما يقوله المازري، وفي نسخة: وهل إلا أن يميز؛ أي وهل الخلاف المشار إليه بلو إلا أن يميز فيلزم بلا خلاف؟ أو الخلاف كائن مطلقا ميز أم لا؟ في ذلك تردد أي طريقان، طريق للمازري يلزمه على المشهور ميز أم لا، وطريق لابن يونس يلزمه اتفاقا إن ميز، وعلى المشهور إن لم يميز. قاله عبد الباقي. فكلا النسختين صحيح. والله سبحانه أعلم.

واعلم أن الراجح من الطرق المذكورة لزوم الطلاق ميز أم لا، وقال الأمير: إنما يصح طلاق المسلم الكلف وإن سكر حراما ميز أم لا على الراجح مما في الأصل. انتهى. وفي التوضيح: وتحصيل القول في السكران أن المشهور تلزمه الجنايات والحدود ليلا يتساكر الناس ويجنون، وكذا يلزمه العتق والطلاق ولا تلزمه الإقرارات والعقود. انتهى. ولبعضهم:

لا يلزم السكران إقرار عقود

بل ما جنى عتق طلاق وحدود

وفي التوضيح: وعلى المشهور من عدم إلزامه بالنكاح، فقال في البيان: اختلف إن قالت البينة إنها رأت منه اختلاطا ولم تثبت الشهادة بسكره على قولين: أحدهما وهو المشهور أنه يحلف ولا يلزمه النكاح، والثاني لا يصدق ولا يمكن من اليمين ويلزمه النكاح، ثم قال: وحمل في البيان قول لمالك لا أرى نكاح السكران جائزا، وقول سحنون: لا يجوز بيعه ونكاحه وهبته وصدقاته على معنى أنه لا يلزمه ذلك وله أن يرجع عنه، قال: ولا يقال في شيء من ذلك على مذهب مالك إنه غير منعقد وإنما يقال غير لازم، ثم قال إذا أوصى السكران بوصية فيها عتق ووصايا لقوم وإذا بت عتق عبيدة في مرضه، فقال صاحب البيان: الصحيح على مذهب مالك إن مات من مرضه ذلك نفذ العتق وغيره من الثلث على معنى الوصية، وإن صح من مرضه نفذ عليه العتق ولزمه، وكان له الرجوع فيما بتله من الهبة والصدقة من أجل السكر. انتهى. نقله الحطاب. قال: وقال هنا: واعلم أن اصطلاحه في الجواهر إذا أراد الباجي قال قال القاضي أبو الوليد، وإذا أراد ابن رشد قال قال الشيخ أبو الوليد. قال: وقد التبس هذا على المص يعني ابن الحاجب -فنسب للباجي ما

ص: 99

لابن رشد وذلك في سبعة مواضع هنا وفي القراض وفي المزارعة وفي الوقف وخامسها في الأقضية وسادسها في الشهادات وسابعها قوله بإثر هذا الموضع. انتهى بالمعنى انتهى كلام الحطاب.

وطلاق الفضولي كبيعه يعني أن طلاق الفضولي صحيح متوقف على الإجازة كبيعه، والمراد بالفضولي من تعدى على الزوج بإيقاع الطلاق، فإذا أجاز الزوج طلاق الفضولي مضى ولزم، كما أن من باع ملك غيره وقف إمضاؤه على إجازة المالك، فإن أمضى البيع مضى وإن رده رد، وينبغي هنا أن يتفق على المنع ولا يجري الخلاف الجاري في البيع من الحرمة والجواز والكراهة؛ لأن الناس يطلبون الربح في سلعهم بخلاف النساء، والمعتبر ما يجيزه الزوج لا ما أوقعه الفضولي، فلو أوقع ثلاثا أو بائنا وأجاز الزوج واحدة أو رجعيا اعتبر ما يجيزه الزوج والعدة من يوم الإجازة، فلو كانت حاملا فوضعت قبل الإجازة استأنفت العدة، ولو أجاز الطلاق وهي حامل ثم ولدت خرجت من العدة، ومن قال لغريمه عليك الطلاق أو امرأتك طالق لتدفعن إلي حقي غدا فيقول نعم فيحنث فيقول أردت واحدة ويقول صاحب الحق ثلاثا القول قول صاحب الحق، وفي سماع عبد الملك أن القول قول الغريم. ابن رشد: هذان القولان على اختلافهم في اليمين هل هي على نية الحالف أو المحلوف له؟ ولو طلق عليه غير غريمه لكان القول للزوج بلا خلاف. قاله الحطاب.

وما تقدم من أن الخلاف في بيع الفضولي على ثلاثة أقوال. قاله الشبراخيتي. وقال الحطاب: سيأتي في البيوع عن القرافي أن ظاهر كلام عياض عدم جواز الإقدام عليه، وظاهر كلام صاحب الطراز الجواز فانظر على قولهم إن طلاق الفضولي كبيعه هل حكم الطلاق حكم البيع في جواز الإقدام عليه؟ أم لا والله سبحانه أعلم. انتهى. وقد مر أن العدة في طلاق الفضولي من يوم الإجازة، وهذا [بخلاف]

(1)

المكره على الطلاق إذا أجازه طائعا بعد الإكراه فالعدة من يوم الوقوع كما يأتي، والفرق بينهما أن ما وقع منه حال الإكراه قد قيل بلزومه وطلاق الفضولي لم يقل بلزومه وأيضا الموقع والمجيز في مسألة الإكراه واحد، وفي مسألة الفضولي الموقع غير المجيز. قاله عبد الباقي. وسيأتي لبناني أن العدة في الإكراه من يوم الإجازة، وقال الشبراخيتي: إن الفضولي إذا طلق بحضرة الزوج وهو عالم ساكت فإنه يلزم ولا يتوقف على الإجازة. انتهى.

(1)

في النسخ الخلاف والمثبت من عبد الباقي: ج 4 ص 84.

ص: 100

ولزم ولو هزل من باب ضرب وفرح؛ يعني أن الزوج إذا طلق زوجته فإنه يلزمه الطلاق إذا كان أهلا لإيقاع الطلاق، وقد مر بيان الأهل وهو المسلم المكلف ولا فرق في لزوم الطلاق للزوج الأهل بين أن يكون جادا في إيقاع الطلاق وبين أن يكون هازلا، أما الجاد فظاهر وأما الهازل فإن كان هازلا بإيقاع الطلاق فإنه يلزمه الطلاق اتفاقا، وأما إن كان هازلا بلفظ الطلاق مع أنه لم يقصد فك العصمة لا هزلا ولا جدا فالمشهور لزوم الطلاق له، لخبر الترمذي: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة

(1)

) ولقول ابن المسيب: ثلاث ليس فيهن لعب النكاح والطلاق والعتق. ابن عرفة: هزل إيقاع الطلاق لازم اتفاقا، وهزل إطلاق لفظه عليه المعروف لزومه. اللخمي: أرى إن قام دليل الهزل لم يلزمه طلاق.

ابن القاسم: من قال لامرأته قد وليتك أمرك إن شاء الله، فقالت فارقتك إن شاء الله وهما لاعبان لا يريدان طلاقا فلا شيء عليهما وتحلف، وإن أراد الطلاق على اللعب لزمه.

وقال ابن القاسم في رجل قال له رجل: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم كما طلقت أنت امرأتك، فإذا الآخر قد طلق امرأته والآخر لم يعلم لا شيء عليه إذا لم يرد طلاقا. ابن رشد: ويحلف أنه لم يعلم بطلاق الآخر ولا يحلف أنه كان لاعبا؛ لأن اللاعب يلزمه الطلاق، وقد علمت أن المشهور لزوم طلاق الهازل بإطلاق لفظ الطلاق عليه كما مر عند قوله:"وقصد" وأن كلام ابن القاسم من قال لامرأته قد وليتك أمرك لخ خلاف المشهور، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في فصل التفويض، وقوله:"ولزم ولو هزل" قال الشبراخيتي: أي باستعمال لفظه فيه أي باستعمال لفظ الطلاق في الطلاق من غير قصد فك العصمة هازلا بإيقاعه لأجل إتيانه بلو التي يشير بها إلى الخلاف والهزل بإيقاعه متفق عليه، بأن يقصد إيقاع الطلاق هازلا، وقد قال التتائي: ابن عرفة: سواء هزل بإيقاعه أو بإطلاق لفظه عليه، فالأول لازم اتفاقا والثاني على المعروف. انتهى. انتهى.

ثم قال الشبراخيتي: والهازل هو الذي لا يقصد بما وقع منه من الطلاق حل العصمة، وهذا إنما يأتي في الصريح أو في الكناية الظاهرة كما لا يخفى، وفي خبر الترمذي: (ثلاث جدهن جد

(1)

سنن أبي داوود، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2194. سنن الترمذي كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1148. سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2039.

ص: 101

وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة

(1)

)، وزيد العتق كما في الرواية الأخرى (ثلاث من قالهن لاعبا أو غير لاعب فهن جائزات عليه: الطلاق والعتاق والنكاح

(2)

)، فتحصل من مجموع ذلك أن هذه الأربعة هزلها جد. انتهى. وقوله:"ولزم ولو هزل" قد علمت أن المشهور لزوم الطلاق، وقيل لا يلزم مطلقا، وقيل إن اتضح الهزل لم يلزم وإلا لزم، قال ابن عاصم رحمه الله:

والخلف في مطلق هزلا وضح

ثالثها إلا إن الهزل اتضح

قال الشيخ ميارة: يعني أنه اختلف فيمن طلق على وجه الهزل واللعب على ثلاثة أقوال: قيل يلزمه وهو المشهور، وقيل لا يلزمه، ثالثها إن اتضح الهزل وبان لم يلزم وإن لم يتضح ولم يبن فيلزم.

ابن الحاجب: وفي الهزل في النكاح والطلاق والعتاق ثالثها إن قام عليه دليل لم يلزم. التوضيح: ويلحق بالثلاث الرجعة والمشهور اللزوم لما في الترمذي من حديث أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة

(3)

)، والقول الثالث نقله ابن شاس عن اللخمي. ابن عبد السلام: والذي حكاه غير واحد إنما هو قولان. انتهى.

لا إن سبق لسانه هذا مفهوم قوله: "وقصد" يعني أن الزوج إذا أراد أن يتكلم بغير الطلاق فالتوى لسانه فتكلم بالطلاق فلا شيء عليه، كما لو أراد أن يقول لها أنت قائمة مثلا فقال لها أنت طالق فيقبل قوله في الفتوى. وأما في القضاء فيلزمه الطلاق إلا إذا فهم الشهود من قرينة الحال صدقه وأنه أراد أن يتكلم بغير الطلاق فزل لسانه فتكلم بالطلاق فإنه ينفعه ذلك، وقوله:"لا إن سبق لسانه" إنما لم يلزم الطلاق هنا لانعدام القصد الذي هو ركن من أركان الطلاق، ومن كتب إلى أبي زوجته أنه طلقها ليحضر لاشتياقها له لم تطلق عليه في الفتوى مطلقا، ولا في القضاء إن أشهد

(1)

سنن أبي داوود، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2194. سنن الترمذي كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1148. سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2039.

(2)

المطالب العلية لابن حجر، رقم الحديث، 1706.

(3)

سنن أبي داوود، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2194. سنن الترمذي كتاب الطلاق، رقم الحديث، 1148. سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2039.

ص: 102

قبل كتبه أنه لم يرد بذلك طلاقا، وأما إن لم يكن أشهد بذلك أولا فإنه يلزمه في القضاء. نقله ابن عرفة عن ابن رشد.

ولا ينافي هذا ما تقدم من أن قوله: "وقصد" معناه قصد التلفظ به وإن لم يقصد حل العصمة؛ لأنه لم يحصل لفظ هنا بل كتابة من غير عزم، ولا يرد على وصول الكتابة قوله الآتي:"إن وصل"؛ لأن معناه إن وصل للزوجة وهنا وصل لأبيها من غير تردد في الطلاق، بل مع جزمه بعدمه، وبما مر عن ابن رشد تعلم أن قول عبد الباقي: ومن كتب لأبي زوجته أنه طلقها ليحضر لاشتياقها له لم تطلق عليه في الفتوى إن أشهد أنه لم يرد طلاقا فيه نظر، بل لا تطلق عليه في الفتوى مطلقا أشهد أم لا، وإنما هذا قيد فيما إذا قيم عليه بخطه عند القاضي كما مر. انظر حاشية الشيخ بناني. والله سبحانه أعلم.

وقوله: "في الفتوى" متعلق بيلزم مقدرا أي لا يلزمه شيء إن سبق لسانه في الفتوى، ومما لا يؤاخذ به في الفتوى من سئل في شيء فقال حلفت بالطلاق أن لا أفعله ولم يكن قد فعل، فقال مالك في كتاب محمد: لا شيء عليه في الفتوى، وأما إن أراد أن يحكي كلام رجل فقال امرأتي طالق البتة ونسي أن يقول: قال فلان، فإن كان نسقا فلا شيء عليه، قال بعض الشراح: الظاهر لا شيء عليه في الفتوى ولا في القضاء، ومن قال لامرأته: كنت طلقتك أو قال لعبده كنت أعتقتك ولم يكن قد فعل، قال أبو الزناد: لا شيء عليه في الفتوى، وقال مالك: ذلك يلزمه كمن قال أنت طالق وأنت حر، وقال إنه لم يرد الطلاق والعتق الظاهر أن الراجح الثاني. قاله الشبراخيتي. وفيه: وأما من كتب لأبي زوجته أن يزورها فأبى، فقالت لزوجها اكتب له أنك طلقتني ففعل ولم يرد بكتبه طلاقا، فإن ثبت ما ذكر ببينة أو جاء مستفتيا لم يلزمه طلاق، وإن جاءا معا وذكر الزوجان القصة، وقال الأب: لا أدري صدقهما من كذبهما صدق الزوج مع يمينه إن كان مأمونا، وإن قام الأب بالكتاب في غيبة الزوج فلما وقف عليه أقر به، وقال إنه إنما كتبه كذلك لما ذكر فلا يصدق إلا أن يكون أشهد ببينة أنه إنما كتب بالطلاق لذلك، فإن لم تقم بينة لزمه الطلاق، وقال في الرواية: ينوى ويكون واحدة. انتهى. ولو قال أنت طالق من ذراعي لم يلزمه شيء إذا كان قوله

ص: 103

من ذراعي نسقا، وإنما لم يلزمه لوجود الرافع وهو قوله من ذراعي، والفرق بينه وبين قوله: إلا إن شاء أن الرافع هنا محقق بخلافه في إلا إن شاء، فلو قصد بقوله أنت طالق من ذراعي الطلاق لزمه، ولو قال الطلاق يلزمني من ذراعي فلا شيء عليه لأنه لم يقصد به الزوجة بل ولو قصدها. والحاصل أنه إذا قصد بقوله: الطلاق يلزمني وحده الزوجة وعقبه بمن ذراعي فإنه لا يلزمه به شيء، فإن قصد بالطلاق يلزمني من ذراعي إلزام طلاق الزوجة فتطلق.

أو لقن بلا فهم يعني أن من ألقي عليه لفظ الطلاق فأوقعه وهو لا يفهمه لا يلزمه طلاق كما لو كان عجميا فألقي عليه بالعربية أو بالعكس فلا شيء عليه في الفتوى، ولا في القضاء لانعدام القصد، ومن طلق بالعجمية وهو يفهمها لزمه الطلاق إن شهد بذلك عدلان يعرفان العجمية، قال أبو إبراهيم: يؤخذ من هذا أن الترجمان لا يكون أقل من عدلين. قاله الحطاب. وقال الشارح: وأما إذا فهم ما لقن به فإنه يقع عليه الطلاق بلا خلاف.

أو هذى لمرض يعني أن الزوج إذا هذى بالطلاق لأجل مرض فقال أنت طالق فلما أفاق أنكره فإنه لا يلزمه طلاق إلا إذا شهدت بينة أنه كان صحيح العقل إذ ذاك، أو قامت قرينة على ذلك كقوله وقع مني شيء ولم أعقله فيلزمه الطلاق في الصورتين، وقوله:"أو هذى لمرض" أي ويحلف، وقوله:"أو هذى" يقال هذى يهذي هذيانا والهذيان الكلام الذي لا معنى له، وقال الشبراخيتي: واعلم أنه إن قامت له بينة أو قرينة بما قال حلف ولا يلزمه طلاق، ومن القرينة الدالة على كذبه ما إذا قال وقع مني شيء ولم أعقله وإن دلت القرينة على كذبه لزمه الطلاق، وإن لم تقم بينة بشيء مما ذكر ولا دلت عليه قرينة فالقول قوله كما يفيده كلام مالك. انتهى. وقال الشارح عند قوله "أو هذى لمرض": أي وكذا لا يلزم الطلاق المريض إذا أوقعه في حال هذيانه من شدة مرضه إلحاقا له بالمجنون، وقاله في الموازية، مالك ويحلف أنه لم يعقل ذلك ولا شيء عليه. انتهى.

أو قال لمن اسمها طالق يا طالق يعني أن من له زوجة تسمى طالقا فقال لها يا طالق قاصدا نداءها لا تطلق عليه بذلك لا في الفتوى ولا في القضاء، ولو أسقط حرف النداء فإن قامت قرينة على النداء أو الطلاق عمل عليها، وإلا فإن ادعى إرادة النداء قبل منه في الفتوى فقط كذا يظهر. وقبل منه في طارق التفات لسانه يعني أن من له زوجة تسمى طارقا فقال لها يا طالق بإبدال الراء لاما وادعى

ص: 104

التفات لسانه أي الغلط في ذلك، وأنه إنما قصد نداءها باسمها فإنه يقبل منه ذلك في الفتوى لا في القضاء، فإن أسقط حرف النداء مع إبدال الراء لاما وادعى التفات لسانه أي غلطه لم يقبل منه لحصول الإبدال وعدم النداء، وقوله:"التفات" يقال لفته يلفته لواه وصرفه عن رأيه ومنه اللفت والالتفات كما في القاموس، فالالتفات في المعاني صحيح فلا وجه لدعوى التصحيف في كلام المص. والله تعالى أعلم.

وفي الحديث في قراءة المنافقين: (يلفتونه بألسنتهم كما تلفت الدابة الخلا

(1)

).

أو قال يا حفصة فأجابته عمرة فطلقها يعني أن من له زوجة تسمى عمرة وله زوجة أخرى تسمى حفصة، فقال مناديا يا حفصة فأجابته ضرتها عمرة فلما أجابته عمرة طلقها أي أوقع عليها الطلاق لفظا لا نية، فإنه لا تطلق عليه عمرة المجيبة، فقوله:"أو قال" عطف على المنفي أي على قوله: "لا إن سبق لسانه" أي ولا يلزمه الطلاق إن قال يا حفصة فأجابته عمرة فطلقها أي عمرة أي لا يلزمه طلاق عمرة المجيبة، وليس المراد أنه لا يلزمه الطلاق بالكلية لأن الدعوة وهي حفصة يلزمه فيها الطلاق، ولهذا قال: فالمدعوة أي لا تطلق عليه عمرة المجيبة وإنما تطلق عليه الدعوة أي التي نوديت وهي حفصة.

وبما قررت علم أن قوله: "فالمدعوة" خبر مبتدأ محذوف والجملة جواب شرط مقدر،

(2)

وإذا لم تطلق المجيبة فالمطلقة الدعوة وليس قوله: "فالمدعوة" بيانا لما دل عليه العطف من نفي الطلاق إذ المجيبة هي النفى طلاقها وهذا إذا كان مستفتيا، وأما إن رافعته فإنهما تطلقان عمرة بلفظه وحفصة بقصده، ولهذا قال: وطلقتا بفتح اللام وضمها كنصر وكرم كما في القاموس.

مع البينة أي تطلقان معا إذا رفعته للقاضي أي ادعت أنها طلقت وأنكر هو الطلاق فأقامت البينة على ذلك؛ أي على أنها أجابته فطلقها أو اعترف هو به وادعى في الصورتين أن المقصود بالطلاق حفصة الدعوة دون المجيبة فتطلقان معا عمرة المجيبة وحفصة الدعوة، فالضمير في قوله:

(1)

انظر النهاية لابن الأثير ج 4 ص 259.

(2)

في عبد الباقي: جواب شرط مقدر أي وإذا لم تطلق: ج 4 ص 86.

ص: 105

"طلقتا" عائد على حفصة وعمرة ويحتمل أن ضمير طلقتا لطارق الذي قبل منه فيها التفات لسانه وعمرة المجيبة، وهذا أولى. قاله غير واحد.

والمسائل ثلاث: بينة أو إقرار مع مرافعة فيهما، بينة من غير مرافعة فكما لو استفتى من غير بينة فلو قال بدل قوله:"مع البينة" مع المرافعة فيشمل الإقرار لكان أولى. والله سبحانه أعلم. وقوله: "أو قال يا حفصة فأجابته عمرة" لخ هذه المسألة نظيرتها إذا قال يا ناصح فأجابه مرزوق فقال أنت حر، وفيها أربعة أقوال وهي منصوصة في العتق والكلام في المسألتين واحد، قيل: يعتقان معا وهو لأصبغ، وقيل: بعدم عتقهما حكاه ابن سحنون ولم يسم قائله، وقال أشهب: يعتق المجيب في القضاء والفتوى ولا عتق للمدعو لأن الله حرمه العتق، وقال ابن القاسم: إن قامت عليه بينة عتقا معا وإن لم تقم بينة عتق المدعو. قاله في التوضيح. ويعايا بهذه المسألة فيقال ما مذهب ابن القاسم فيمن له عبدان فدعا أحدهما فأجابه الآخر؟ فمن لا علم عنده بقول ابن القاسم يخطئ؛ لأنه إن قال يعتقان أو لا يعتقان أو يعتق المدعو أو المجيب كان خطئا. قاله في التوضيح. واختلف أيضا على أربعة أقوال فيما إذا قال تزوجني وليتك أو تبيعني سلعتك، فقال قد بعتها من فلان أو زوجتها من فلان، فقيل يلزم فيهما وقيل لا يلزم فيهما، والفرق بين أن يدعي ذلك بأمر متقدم وأن لا يدعيه إلا بذلك اللفظ والفرق فيلزم في النكاح لا البيع. قاله في التوضيح.

أو أكره عطف على سبق يعني أن من أكره على النطق بالطلاق فطلق أو الحلف به فحلف لا يلزمه ذلك لخبر مسلم: (لا طلاق في إغلاق

(1)

) أي إكراه، ولخبر:(حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، ولأن الإكراه يتعذر معه القصد الذي هو أحد أركان الطلاق، وقوله:"أو أكره" قال الشارح: هذا هو الصحيح وهو مذهبنا ومذهب الأكثرين، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام:(حمل عن أمتي) لخ، وقال ابن الحاجب: ولا أثر لطلاق الإكراه كنكاحه وعتقه وغيره أو الإقرار به واليمين عليه أو الفعل الذي يحنث فيه به. انتهى. قال في التوضيح: المذهب وهو مذهب الأكثر كما ذكر المص أن نكاح المكره وطلاقه لا يلزم، وقوله: وغيره أي غير ما ذكر من

(1)

أبو داود، كتاب الطلاق، رقم الحديث 2193. ابن ماجة، كتاب الطلاق، رقم الحديث 2346، ولفظهما: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق.

ص: 106

بيعه وسائر عقوده، وقوله: والإقرار به يعني أنه لا فرق بين أن يكره على إيقاع الطلاق أو على الإقرار به أو على اليمين به أو الحنث في يمين لزمت به، كل ذلك لا يلزمه. قاله في التوضيح.

ولو بكتقويم جزء العبد يعني أن من أكره على الحنث في الحلف بالطلاق لا يفعل كذا لا يلزمه شيء في فعله ذلك الشيء مكرها، سواء كان الإكراه شرعيا أم لا ومثل لذلك بقوله:"كتقويم جزء العبد" يعني عبدا مشتركا بين الحالف وغيره، وصورة ذلك أن يحلف لا يشتري نصيب شريكه أو لا يبيع جزءه لشريكه فأعتق هو أو شريكه جزءه فقوم على المعتق الحالف لا أشتري أو المحلوف عليه لا يبيعه منه لملائه فلا تطلق امرأته في المسألتين نظرا لإكراهه، فالإكراه الشرعي كالإكراه ظلما فلا فرق بينهما في أنه لا يلزمه شيء وما مشى عليه المص ضعيف وهو قول المغيرة، والصواب الحنث فيقع عليه الطلاق، وهو مذهب المدونة؛ لأن الإكراه الشرعي كالطوع.

وأدخلت الكاف كل إكراه شرعي كما إذا حلف لا ينفقن على زوجته أو لا يطيع أبويه أو لا يقضي فلانا حقه أو نحو ذلك فأكرهه الحاكم على ضد ما حلف عليه، فإن الإكراه ينفعه على ما مشى عليه المص لا على المشهور، وقوله:"ولو بكتقويم جزء العبد" يظهر

(1)

أن وضع هذا إثر قوله: "أو في فعل كان من صور الفعل لا القول، وصواب العبارة أو أكره عليه أو على فعل علق هو عليه لا بكتقويم جزء العبد فتحرر العبارة وتفيد المشهور. قاله ابن عاشر. انظر حاشية الشيخ بناني. ولابن عاصم رحمه الله:

ومالك ليس له بملزم

لمكره في القول أو في القسم

قال الشيخ ميارة: يعني أن من طلق مكرها أو حلف بالطلاق مكرها ثم حنث فإن الإمام مالكا رضي الله عنه لا يلزمه طلاقا في الوجهين، فضمير له للطلاق وله يتعلق بملزم ولا يختص هذا الحكم بالطلاق واليمين، وكذلك من أكره على بيع أو شراء أو نكاح أو عتق أو إكراء أو غير ذلك لا يلزمه. انتهى.

(1)

لفظ البناني: يظهر لي أن صواب وضع هذه المبالغة أثر قوله: "أو في فعل" لأنها من صور الفعل لا القول فصواب العبارة لخ ج 4 ص 86.

ص: 107

أو في فعل هو داخل في حيز المبالغة يعنى أن الزوج إذا حلف بالطلاق لا يفعل كذا لشئ عينه فأكره على ذلك فإنه لا يلزمه شيء على المشهور، سواء كان الفعل ممنوعا شرعا أو لا، فأما الممنوع شرعا نحو: إن شربت الخمر فأنت طالق أوأنت طالق إن زنيت فأكره على ذلك الفعل المحرم فعدم لزوم الطلاق له هو مذهب المدونة وهو قول سحنون، خلافا لقول ابن حبيب يحنث وهو ضعيف، وهذا الخلاف في الأفعال الممنوعة شرعا إنما هو فيما لم يتعلق به حق لمخلوق كما مثلت به، وكأكل الخنزير والسجود لغير الله والزنى بطائعة غير ذات سيد ولا زوج، وأما ما يتعلق به حق لمخلوق كالقتل والغصب والزنى بالمكرهة أو بذات الزوج أو السيد وشبه ذلك فلا عبرة بالإكراه فيه فهو غير نافع فيه بلا خلاف، وأما الأفعال التي لا تمنع شرعا ففيها طرق أربعة:

أحدها أنه لا يحنث في ذلك اتفاقا إن كانت الصيغة صيغة بر، وأما إن كانت صيغة حنث نحو لأفعلن فهل يحنث أولا؟ المشهور الحنث، وقال ابن كنانة: لا يحنث وهذه طريقة ابن رشد وقد مر أن عدم الحنث هو المشهور وهو الذي مشى عليه المص، وذلك إنما هو في صيغة البر كما عرفت، وأما صيغة الحنث فالمشهور فيها الحنث كما قاله ابن رشد وهو الذي مشى عليه المص في اليمين حيث قال:"ووجبت به إن لم يكره ببر"، قال الشيخ محمد بن الحسن: قول المص: "أو في فعل" يدل على التقييد بصيغة البر؛ إذ الإكراه في صيغة الحنث إنما هو على الترك وهو ليس بفعل في العرف.

الثانية: للخمي قال: إذا حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا فأكره على فعله مثل أن يحلف أن لا يدخل دار فلان فحمل حتى أدخلها أو أكره حتى دخل بنفسه، أو حلف ليدخلنها في وقت كذا فحيل بينه وبين ذلك حتى ذهب الوقت فهو في جميع ذلك غير حانث، فأما إن حمل فلم يحنث لعدم نسبة الفعل إليه، ويختلف إذا أكره حتى دخل بنفسه أو حيل بينه وبينه حتى فات الوقت.

الثالثة: لابن حارث: قال فيمن حلف لا أدخل دار فلان لو حمل فأدخلها مكرها دون تراخ منه ولا مكث بعد إمكان خروجه لم يحنث اتفاقا، وكذا لو أدخلته دابة هو راكبها ولم يقدر على إمساكها زاد في سماع عيسى: ولا نزوله عنها

ص: 108

الرابعة: لابن رشد أيضا: قال في حنثه: ثالثها في يمين الحنث لا البر لرواية عيسى ومقتضى القياس والمشهور، وعلى المشهور اقتصر المص في باب الأيمان والنذور إذ قال:"ووجبت به إن لم يكره ببر" وهذا في الحالف على فعل نفسه، وأما الحالف على فعل غيره فقال ابن عرفة في كتاب الأيمان قبل الكلام على الكفارة وفي حنث من حلف لا فعل غيره كذا ففعله مكرها نقل في المجموعة عن رواية ابن نافع في لا خرجت زوجته، وعن سحنون: من قال لامرأته أنت طالق إن دخلت هذه الدار فأكرهها غيره على دخولها لم يحنث، ولو أكرهها هو حنث لأنه رضي بالحنث، وفي كون المعتبر في حصوله غلبة الظن به أو اليقين الذي لا يشك فيه نقل ابن محرز عن المذهب، وسماع عيسى ابن القاسم مع الشيخ عن محمد، وقال البرزلي: لو حلف لزوجته على عدم الخروج فخرجت قاصدة لحنثه فالمشهور أنه يحنث، وحكى ابن رشد عن أشهب أنه لا يحنث معاملة لها بنقيض المقصود، ومال إليه بعض أصحابنا لكثرته من النسوة في هذا الوقت. انتهى. ملخصا من الحطاب وابن غازي وغيرهما.

إلا أن يترك التورية مع معرفتها لا مرية أن هذا الاستثناء من الإكراه على القول؛ يعني أن محل كون الإكراه على الطلاق لغوا إنما هو حيث لم يترك التورية مع معرفتها بأن لا يدهش عنها من الإكراه مثلا، وأما إن ترك التورية مع معرفتها لكونه لم يدهش عنها من أجل الإكراه مثلا فإنه لا ينفعه الإكراه بل يقع عليه الطلاق، والتورية هي إرادة المعنى البعيد دون القريب فيوهم السامع أنه أراد القريب، كما إذا قال: هي طالق ويريد المعنى البعيد وهو من وثاق أو وجعة بالطلق قرب الولادة دون المعنى القريب الذي هو حل العصمة، والمراد بالتورية هنا المخلص سواء كان بالمعنى المعروف كما مر أو غيره، كجوزتي طالق يريد جوزة حلقه ليس فيها لقمة، وقوله:"إلا أن يترك التورية مع معرفتها" ضعيف تبع فيه اللخمي، والمذهب أنه لا يحنث ولو ترك التورية مع معرفتها كما قاله ابن بشير، ومن أكره على أن يطلق فطلق ثلاثا أو على أن يعتق عبدا فأعتق أكثر أو على أن يطلق زوجته فأعتق عبده فالظاهر عدم لزوم شيء من ذلك له؛ لأن ما يصدر منه

ص: 109

حالة إكراهه بمنزلة الجنون. ومثله من أكره على طلاق زوجة من زوجاته أو زوجتيه فطلق أكثر من امرأة واحدة أو على طلاق حفصة فطلق عمرة. انظر حاشية الشيخ بناني.

بخوف مؤلم يعني أن الإكراه على القول أو الفعل يكون بخوف من شيء مؤلم سواء كان هذا المولم حاصلا في الحال أو متوقعا في المآل، وأما الخوف فحاصل في الحال وكلامه شامل لما إذا هدد، وأما إذا لم يهدد وطلب منه الحلف مع الخوف، فإن بادر بالحلف قبل الطلب والتهديد فقال اللخمي. إكراه أيضا إن غلب على ظنه أنه إن لم يبادر هدد وإلا فلا، وظاهر كلام ابن رشد أنه غير إكراه مطلقا، فإن قيد كلامه بما للخمي وافقه وإلا فلا. قاله عبد الباقي. وفيه نظر لما في المواق عن ابن رشد: لو قيل له إن لم تحلف أنك ما تعلم مكانه ولا مكان ماله فعلنا بك كذا من ضرب أو سجن أو خشيَ ذلك على نفسه إن لم يحلف جاز أن يحلف أنه ما يعلم موضعه إن أرادوا قتله ولم تلزمه اليمين باتفاق، ويأتي تمام كلامه عند قوله:"وأمر بالحلف ليسلم" وقوله: "بخوف مولم" بترك تنوين خوف لأنه مضاف لمولم، ولم يقل بتحقق أو وقوع لأن ذلك لا يشترط بل تكفي غلبة الظن على المذهب كما قال ابن محرز، وقيل: لا بد من اليقين الذي لا شك فيه. انظر الشبراخيتي والحطاب. وقوله: "بخوف مؤلم" متعلق بقوله: "أكره".

وبين المؤلم بقوله: من قتل يعني أن خوف القتل مما يحصل به الإكراه فلا يلزم الطلاق سواء أكره على القول أو الفعل، أو ضرب يعني أن خوف الضرب مما يحصل به الإكراه سواء أكره على القول أو الفعل فلا يلزم معه الطلاق، أو سجن يعني أن خوف السجن مما يحصل به الإكراه فلا يلزم معه الطلاق سواء أكره على القول أو الفعل، سمع عيسى ابن القاسم: من حلف لا خرجت امرأته من هذه الدار إلى رأس الحول فأخرجها ما لا بد منه كرب الدار أو سيل أو هدم أو خوف لا حنث عليه، ويمينه حيث انتقلت باقية وهذا إذا كان الإكراه غير شرعي، وأما إكراه الشرع فكالطوع، فلو حلف بالطلاق لا دخلت هذه الدار فحبس فيها لحق شرعي حنث ولحقه الطلاق، قال عبد الباقي: وظاهر المص سواء كان الضرب كثيرا أو قليلا، وقال الشبراخيتي عند قوله:"أو سجن" ما نصه: على تفصيل فيه كما قال اللخمي، وهو أنه إكراه لذوي الأقدار وليس إكراها لغيرهم إلا أن يهدد بطول المقام فيه. انتهى. وقال عند قوله:"أو ضرب" ما نصه: وإن قل. أو قيد يعني أن الإكراه يكون بما يشين الشخص كالقيد ولو لم يطل.

ص: 110

أو صفع لذي مروءة بملإ يعني أن الصفع لذي المروءة إذا كان يسيرا فإنَّه يكون إكراها بشرط أن يكون بملإ أي جماعة وإن لم تكن من أشراف الناس، واحترز بالملإ عما لو فعل في الخلاء فإنَّه لا يكون إكراها لا في ذي المروءة ولا في غيره، وأما الكثير فإكراه ولو فعل في الخلاء والصفع هو الضرب بالكف في القفا، والمراد بالكثير ما يحصل بالتهديد به الخوف لذي المروءة وغيره في الملإ والخلاء واليسير ما لا يحصل بالتهديد به خوف لذي المروءة وغيره، قال الشبراخيتي: وانظر لو خوف المدين المعسر في نفس الأمر الذي لم يثبت عسره بالسجن هل يكون ذلك إكراها أم لا؟ قال شيخنا: الظاهر أنَّه إكراه فيما بينه وبين الله. انتهى.

ابن الحاجب: ويتحقق الإكراه بالتخويف الواضح بما يؤلم من قتل أو ضرب أو صفع لذي مروءة من سلطان أو غيره. انتهى. قال في التوضيح: وهو قريب من كلام اللخمي فإنَّه نص على أنَّه إذا هدد بقتل أو بقطع أو بغيره أن ذلك إكراه، قال: واختلف في التخويف بالسجن وأراه إكراها في ذوي الأقدار وليس إكراها في غيرهم إلا أن يسجن أو يهدد بطول المقام فيه. انتهى. ابن محرز: ولا خلاف فيما علمته في المذهب أن الإكراه فيما يلقى المكره في نفسه إكراه ويدفع أحكام اليمين. انتهى.

أو قتل ولده يعني أن خوف قتل الولد يحصل به الإكراه فلا يلزم الطلاق من طلق خوفا من أن يقتل ولده ولو عاقا، وكذا عقوبة البار إن تألم بها كما بنفسه أو قريبا منه لا إن لم يتألم كذا استظهر ابن عرفة ولا بعقوبة عاق، قال أحمد: الظاهر أن المراد هنا الولد وإن سفل. انتهى. والظاهر شموله لولد البنت لأنه أشق من خوف الضرب. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وأما عقوبة ولده فلا إذا كانت لا تتعدى لوالده، فإن تعدت له بأن يعاقب بحضرته فإكراه كما قال ابن عرفة، بل ربما كان هذا أشد من الخوف الحاصل من تهديده بضرب نفسه. انتهى. وقول المص:"أو قتل ولده" نحوه لابن شاس واعترضه ابن عبد السلام بقول أصبغ في الثمانية: لو قال السلطان لشخص احلف على كذا وإلا عاقبت ولدك أو بعض من يلزمك أمره، فحلف كاذبا فهو حانث، وإنما ذلك في الدرء عن نفسه، وأجاب في التوضيح بأن ابن شأس قصد قتل النفس لا

ص: 111

دونها أي وأصبغ قصد ما دونها. انتهى. هذا وقد نقل ابن عرفة عن أبي

(1)

القاسم اللبيدي أنَّه أنكر ما لأصبغ، وقال: أي إكراه أشد من رؤية الإنسان ولده تعرض عليه أنواع العذاب، ثمَّ وفق ابن عرفة بينهما فقال: والأظهر أنَّه ليس بخلاف لأنَّ الأمر النازل بالولد قد يكون ألمه مقصورا عليه، وقد يتعدى للوالد، فقول أصبغ في القاصر على الولد لا للمتعدي للأب، وقول اللبيدي إنما هو في المتعدي للأب، أما في قتله فلا شك في لحوقه الأب والأم والولد والأخ في بعض الأحوال فلا ينبغي حمل ذلك على الخلاف، بل على التفصيل بحسب الأحوال. انتهى. نقله بناني.

أو لماله يعني أن الإكراه يحصل بالتخويف بأخذ المال فلا يلزم الطلاق من طلق لتخويفه بأخذ ماله أو إتلافه بكحرق، وأما خوفه هو في نفسه من أخذ ماله فطاع باليمين فيحنث، وقوله:"أو لماله" هو لمالك وأكثر أصحابه، وقال أصبغ: ليس ذلك بإكراه، وقال ابن الماجشون: إن كثر المال فالتخويف بأخذه إكراه وإلا فلا، واختلف الشيوخ في قول ابن الماجشون هل هو تفسير للأولين كما لبعضهم؟ ونحوه لابن بشير وعليه فمحل قول مالك إن التخويف بأخذ المال يكون إكراها إنما هو إن كثر المال، وأما إن قل فلا يكون التخويف بأخذه إكراها، ومحل قول أصبغ إن التخويف بأخذ المال لا يكون إكراها إنما هو حيث قل المال لا إن كثر فيكون إكراها، فتتفق الأقوال الثلاثة وترجع إلى قول واحد، أو هو أي قول ابن الماجشون خلاف للقولين فتكون الأقوال ثلاثة كما لابن الحاجب، في ذلك تردد لابن الحاجب وابن بشير مع بعضهم كما مر؛ أي تردد من الأشياخ المذكورين في تفصيل عبد الملك هل هو تفسير للقولين أي قول مالك وأكثر أصحابه وقول أصبغ أولًا فتكون الأقوال ثلاثة؟ والله سبحانه أعلم.

وفي كتاب الشيخ الأمير ما يفيد أن الراجح القول بالتفسير، فإنَّه قال: أو مال كثر على الأظهر بحسبه ومنه الحلف للعشار. انتهى. أي المكاس، وقال الشبراخيتي عند قوله:"إن كثر": بالنسبة لرب المال. انتهى. وقال عبد الباقي: إن كثر أو ولو قل بالنسبة له فيهما. انتهى.

لا أجنبي عطف على قوله "ولده" يعني أن التخويف بقتل الأجنبي لا يكون إكراها، فمن طلق زوجته لتخويفه بقتل أجنبي يلزمه الطلاق، قال عبد الباقي: والمراد بالأجنبي ما عدا النفس والولد ولو أبا أو أما أو أخا، كاحلف على كذا وإلا قتلت أخاك أو أباك أو أمك فيحنث، وكذا

(1)

في النسخ ابن والمثبت من بناني: ج 4 ص 87.

ص: 112

أخذ مال الأجنبي، وقال الأمير: وفي قتل الولد وعقوبة الأب قولان والأظهر أن ذلك إكراه. انتهى. وقال ابن الحاجب: وفي التخويف بقتل أجنبي قولان بخلاف قتل الولد. انتهى. وقوله: بخلاف قتل الولد مقتضاه أنَّه يتفق على أن قتل الولد إكراه ونحوه في الجواهر. انتهى. وقد مر ما لابن عبد السلام عن أصبغ، ويأتي تشهير ابن بزيزة القول بأن قتل الأجنبي إكراه ولا يتوقف منصف في أن قتل الأب والأخ آلم من الصفع، وضابط الإكراه هنا ما يحصل به الإيلام.

وأمر بالحلف ليسلم يعني أن من خاف على أجنبي أو ماله -وقلنا إن ذلك ليس بإكراه- فإنَّه يؤمر ندبا بالحلف ليسلم الأجنبي وماله، فهذا مخصص لما تقدم من قوله:"كترك تخليص مستهلك"، وقال اللقاني بوجوب الحلف والحنث لأجل ذلك، وعلى كل فإذا كانت اليمين يمينا بالله فإنها تكون غموسا تكفر ويؤجر صاحبها، وإنما كفرت لأنها تعلقت بالحال، وقد مر أن المعتمد فيها أنها تكفر إن تعلقت بالحال والمستقبل، بخلاف اللغو فلا تكفر إلا في المستقبل.

وقال في التوضيح عند قول ابن الحاجب: وفي التخويف بقتل الأجنبي قولان؛ يعني أنَّه إذا طلب بإحضار أجنبي ليقتل فأنكر أن يكون عالما به، وقيل له احلف على ذلك وإلا قتلنا زيدا، فهل يعد ذلك إكراها أم لا؟ والقول بأنّه تلزمه اليمين لمالك وابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وأصبغ، قالوا: ويؤجر إذا حلف ويلزمه الحنث، والقول بأنّه إكراه لأشهب. ابن بزيزة: وهو المشهور. انتهى. وقوله: "وأمر بالحلف ليسلم" قد مر التمثيل له من كلام التوضيح، ومثاله أيضًا ما لو كان الظلمة يطلبون زيد بن عمرو ليقتلوه فأخذوه ولا يعرفونه، فقالوا له إن لم تحلف على أنَّه ليس يزيد بن عمرو قتلناه، وإن حلفت خلينا سبيله فيؤمر الأجنبي بالحلف على أنَّه ليس بزيد بن عمرو ندبا، وقيل يؤمر بذلك على جهة الوجوب.

ابن شاس: اختلف في التخويف بقتل الأجنبي هل يعد إكراها أم لا؟ وقال ابن بشير: الصحيح أن خوفه على غيره كنفسه. اللخمي: إن استخفى عنده من طلب قتله ظلما فأحلف عليه وإن أبى قتل المظلوم دون ضرر الحالف، فقال مالك: حانث، وقال ابن رشد: لا نص، وحاصل المذهب حانث ويلزمه الطلاق وهو ماجور في الدراءة عن الرجل أو ماله وإن لم يحلف لم يكن عليه حرج، وإن لم يكن عنده مال ولا كان مستخفيا في داره إلا أنَّه يعلم مكانه ومكان ماله فقيل له إن

ص: 113

لم تحلف أنك ما تعلم مكانه ولا مكان ماله فعلنا بك كذا من ضرب أو سجن، أو خشي ذلك على نفسه إن لم يحلف جاز له أن يحلف أنَّه ما يعلم موضعه إن أرادوا قتله، ولم تلزمه اليمين باتفاق لأنه في حكم المكره عليها إذ لا خروج له عنها إلا بإباحة حرمة نفسه أو بأخذ دم غيره وذلك لا يجوز، أما إن أرادوا أخذ ماله ولم يريدوا قتله فيجري الأمر على الخلاف في الإكراه على الأموال؛ لأنه ضامن لمال الرجل إن أعلمهم بموضعه.

وشمل كلام المص تخويفه بقتل زيد الأجنبي إن لم يحلف على أنَّه لا يعرف موضع عمرو، ولو خاف الحالف على نفسه إن لم يحلف أنَّه ما يعرف موضع المطلوب فلا حنث ولو كانت اليمين بطلاق أو عتق، ويدخل في قوله:"بخوف مولم" وقد مر هذا، وقوله:"وأمر بالحلف" فإن لم يحلف وقتل المظلوم فهل يضمن أو لا؟ والظاهر أنَّه لا يضمن لأنَّ أمر اليمين شديد وحرج، وإن دلّ الظالم ضمن. انظر حسن نتائج الفكر. قوله: فهل يضمن؟ لخ قصور، ففي المواق عن ابن رشد: إن لم يحلف لم يكن عليه حرج. قاله محمَّد بن الحسن. وقال الشارح عند قوله "وأمر بالحلف ليسلم": أي لأجل سلامة الأجنبي، وعن أشهب أن ذلك إكراه وشهره ابن بزيزة لكن لم يعتبره هنا. انتهى. وفهم من قول المص:"أكره" أن طلاق الغضب لازم وهو كذلك، وفي نوازل ابن هلال أن طلاق الغضب لازم ولا يسقط الطلاق غضب ولا لجاج. انتهى.

وكذا العتق يعني أن الإكراه على العتق كالإكراه على الطلاق فيكون بخوف مؤلم من قتل أو ضرب لخ، ولو مر على عشار فقال هو حر ولم يرد بذلك الحرية فلا عتق له. اللخمي: إن أبى أن يتركه حتى يقول إن كان عبدا فهو حر، ففي المدونة: لا شيء عليه.

والنكاح يعني أن الإكراه على النكاح كالإكراه على الطلاق فيكون بخوف مؤلم من قتل لخ، فإذا قال له زوجني ابنتك وإلا فعلت بك كذا أي شيئًا مما تقدم أنَّه يكون إكراها في الطلاق فزوجه ابنته فلا أثر لذلك النكاح، ومثل ذلك ما لو قال له زوجني أمتك وإلا فعلت بك كذا لخ. والإقرار يعني أن الإكراه على الإقرار كالإكراه على الطلاق، فإذا أقر بأن في ذمته كذا لزيد مثلا حين خوفه ظالم بأنّه إن لم يقر بذلك ضربه أو سجنه ونحو ذلك فإنَّه لا يؤاخذ بذلك الإقرار. واليمين يعني أن الإكراه على إنشاء اليمين بالله أو بعتق أو بغيرهما كما في الشبراخيتي كالإكراه على الطلاق فما هنا الإكراه فيه على إنشاء اليمين، وما تقدم الإكراه فيه على إنشاء الطلاق من غير

ص: 114

تعليق، وفي الحنث في التعليق أو ما هنا في إنشاء اليمين غير يمين الطلاق وما مر في إنشاء الطلاق ويمينه. ونحوه يعني أن الإكراه على جميع العقود من بيع أو شراء أو إجارة ونحو ذلك كالإكراه على الطلاق، فيكون بخوف مؤلم من قتل أو ضرب لخ، وهذا هو المراد بنحوه.

ثمَّ ذكر مسائلَ الإكراهُ فيها ليس كالإكراه على الطلاق، فالإكراه فيها إنما يكون بخوف القتل فقال: وأما الكفر يعني أن الإكراه على ما يحصل به الكفر -والعياذ بالله تعالى- من قول أو فعل، كإلقاء مصحف بقذر ليس كالإكراه على الطلاق فلا يجوز إلا لخوف القتل أي خوفه على نفسه من معاينة القتل إن لم يصدر منه ما يوجب الكفر، وعلى هذا العام عطف خاصا لأشديته بالقتل تاب أم لا، فقال: وسبه عليه الصلاة والسلام يعني أن سب النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز إلا لخوف القتل أي خوفه على نفسه من معاينة القتل، وكذا غيره من نبي أو ملك مجمع على نبوءته أو ملكيته، وكذا الحور العين لقتل سابهن وعدم قبول توبته، وأما المختلف في نبوءته أو ملكيته فيشدد على سابهم فقط والإكراه على سبهم دون الإكراه على سب المجمع عليهم.

وقذف المسلم يعني أن قذف المسلم لا يجوز إلا لخوف القتل، والقذف هو الرمي بزنى أو نفي نسب عن أب.

وبما قررت علم أن قوله: فإنما يجوز للقتل خبر عن الكفر وما عطف عليه من السب وقذف المسلم، ومثل قذف المسلم سب الصحابي بغير القذف، فإنما يجوز لخوف القتل فالصحابي سبه وقذفه إنما يجوزان لخوف القتل، وأما المسلم غير الصحابي فقذفه إنما يجوز لخوف القتل، وأما سبه من غير قذف فيجوز لغير القتل كقذف غير المسلم، فقوله:"المسلم" يشمل الصحابي وغيره لأنَّ الصحابة هم أشرف المسلمين، وقوله:"فإنما يجوز للقتل" أي فإنما يجوز الوقوع فيها بالخوف من معاينة القتل لا مادون القتل، كقطع عضو أو ضرب أو سجن أو قيد أو صفع. قاله سحنون. ولو فعله لغير القتل كفر ومات مرتدا. قاله الشيخ إبراهيم.

كالمرأة لا تجد ما يسد رمقها إلا لمن يزني بها تشبيه في الجواز؛ يعني أن المرأة إذا بلغت من شدة الاضطرار مبلغا لا تجد معه من القوت ما يسد أي يمسك رمقها أي بقية حياتها إلا ممن يزني بها، فإنَّه لها أن تمكنه من نفسها خوفا على نفسها وتصير بحال المكره بخوف القتل، وتتناول

ص: 115

ما يشبعها لا ما يسد رمقها فقط، والظاهر أن مثل ذلك رمق صبيانها فقط حيث لم تجد ذلك إلا ممن يزني بها فيسوغ لها ذلك حينئذ، ولا يسوغ لها ذلك حيث وجدت ما تسد به رمقها ولو ميتة. وقوله:"كالمرأة لا تجد" لخ أي بخلاف الرجل إذا لم يجد ما يسد به رمقه إلا ممن يزني بها فإنَّه لا يسوغ له ذلك نظرا لانتشاره، فيدخل في قوله الآتي:"وأن يزني"، وقوله:"إلا لمن يزني بها" قال الشبراخيتي: وأما القبلة ومقدمات الجماع فيكفي فيها شدة المشقة، وأما الذكر فلا يجوز بحال لأنه لا يستباح بخلاف المرأة فإنها قد تستباح قوله:"إلا لمن يزني بها" الظاهر أن اللام بمعنى: من. قاله جامعه عفا الله عنه.

وصبره أجمل راجع للمسائل الأربع ولا يختص بما بعد الكاف؛ يعني أن صبره على القتل في مسائل الكفر والسب وقذف المسلم، وصبرها على الموت أجمل أي أفضل وأكثر ثوابا من إقدامه على الكفر وما بعده ومن إقدامها على الزني. لا قتل المسلم يعني أن الأفعال التي يتعلق بها حق المخلوق كقتل المسلم والغصب لا ينفع فيها الإكراه فلا تجوز للخوف من معاينة القتل وأحرى ما دونه من ضرب وسجن وغيرهما من أنواع العذاب، ومن جملة ذلك قطعه أي قطع المسلم ولو رقيقا فلا يجوز للقتل وأحرى غيره، ومقتضى كلام المص هنا أن الذمي ليس كالمسلم وهو خلاف ما يقتضيه كلام ابن رشد: الأفعال إن كان يتعلق بها حق لمخلوق كالقتل والغصب، فلا خلاف في أن الإكراه غير نافع في ذلك فإنَّه يقتضي استواء المسلم والذمي في ذلك.

وفي شرح الشيخ عبد الباقي: وينبغي أن المعتمد ما هنا، وقوله:"لا قتل المسلم وقطعه" أي ولو أنملة فيمكن من قتل نفسه ولا يقطع أنملة الغير وهذا في غير قطع نفس المكره، وأما الإكراه على قطع شيء من المكره بالفتح فيباح له لخوف قتله ارتكابا لأخف الضررين.

وأن يزنى يعني أنَّه لا يجوز للرجل إذا أكره على الزنى أن يزني بل يدعهم يقتلونه، وهذا في المكرهة أو ذات الزوج أو السيد وأما بالطائعة التي لا زوج لها ولا سيد، فيجوز مع الإكراه بخوف مؤلم من قتل أو ضرب لخ؛ أي يجوز على قول سحنون وهو المعتمد لا على قول ابن حبيب: وظاهر المص موافقة ما لابن حبيب، وقوله:"وأن يزني" وكذا اللواط، وفي معين الحكام: ومن هدد بقتل أو غيره على أن يقتل رجلا أو يقطع يده أو يأخذ ماله أو يزني بامرأته أو يبيع متاع

ص: 116

رجل فلا يسعه ذلك، ولو علم أنَّه إن عصى وقع ذلك به فإن فعل فعليه القود وغرم ما أتلف ويحد إن زنى ويضرب إن ضرب ويأثم. انتهى. قاله الحطاب.

وقال ابن فرحون: ومن أكره على قتل ولده أو أخيه والقاتل وارثه فإن ذلك يمنعه من الإرث ولا يرفع عنه القود. انتهى. قال عبد الملك: قالوا: لو استكره على أن يزني وحمل السيف على رأسه أقيم عليه الحد ووجب عليه الإثم، وليس هذا من الإكراه الموضوع عن صاحبه، وإنما الموضوع إثم ما ركب بالاستكراه في الأيمان والطلاق والبيع والإفطار في رمضان وشرب الخمر وترك الصلاة وشبه هذا مما هو لله تعالى، قال في التوضيح: والصحيح جواز شرب الخمر وأكل الخنزير إذا أكره عليه. قاله الحطاب.

وقال عبد الباقي عن التتائي عن سحنون: لو أكره على أكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر لم يجز إلا لخوف القتل. انتهى. قال عبد الباقي: وهو مبني على أن الإكراه لا يتعلق بالفعل والمذهب تعلقه فيكون بما مر من خوف مؤلم لخ، وهو قول سحنون أيضًا وهو المعتمد لا ما ذكره عنه التتائي. انتهى. وفي حاشية الشيخ بناني عن سحنون: التسوية بين الزنى بالطائعة التي لا زوج لها ولا سيد وبين شرب الخمر وأكل الميتة، قال: فظاهره إن الإكراه عليه بخوف مؤلم مطلقا والله أعلم. انتهى.

وفي معين الحكام إثر كلامه السابق: إن أكره على قطع يد رجل فأذن له في ذلك المقطوعة يده طائعا لم يسعه أن يفعل، فإن فعل أثم ولا قصاص عليه ولا دية ولا على من أكرهه، ولو أذن صاحب اليد مكرها بوعيد أثم القاطع وعليه الأدب والحبس، ومن أكره على قتل رجل فأذن الرجل في قتل نفسه ففعل المكره فهو آثم ولورثة القتيل القصاص، وليس على من أكره إلا الأدب، ووقع لابن عبد الحكم خلاف هذا وأنه لا قود في النفس ولا في الإكراه. انتهى. باختصار يسير. قاله الحطاب.

وفي لزوم طاعة أكره عليها قولان يعني أن من أكره على الحلف على فعل طاعة نفيا، مثل أن يحلف الوالد ولده أو يحلف الوالي أحدا أنَّه لا يشرب الخمر أو لا يأكل الخنزير مثلا، أو إثباتا مثل أن يحلفه ليصومن يوما عينه له أو ليصلين الصلاة في أول وقتها وقع في لزوم تلك اليمين له

ص: 117

وعدم لزومها له خلاف بين الشيوخ، فقال أصبغ وابن الماجشون: لا تلزمه اليمين فلا يحنث إن شرب الخمر أو أكل الخنزير أو لم يصم اليوم الذي عينه له ولا إن لم يصل الصلاة في أول وقتها، وقال مطرف وابن حبيب: تلزمه اليمين فيحنث إن شرب الخمر أو أكل الخنزير أو لم يصم اليوم الذي عينه له أو لم يصل الصلاة في أول وقتها، واقتصر الشيخ الأمير على عدم اللزوم فيفيد اعتماده. والله سبحانه أعلم ومحل القولين

(1)

إن تعلقت اليمين بمستقبل كما مثلت، وأما إن تعلقت بماض فلا تلزم اليمين اتفاقا لأنَّ الماضي لا يتعلق به الاختيار، فمن أكره على الحلف على أنَّه قد صلى الظهر ولم يكن صلاها فلا يحنث إذ لا اختيار له في الحنث، واعلم أنَّه لا تلزمه هنا كفارة أي فيما إذا تعلقت اليمين بالماضي ولو لم يكن ثمَّ إكراه؛ لأنَّ اليمين حينئذ إما غموس أو لغو كما مر، ومفهوم قوله:"طاعة" أن المكره على اليمين بغير طاعة بأن كانت يمينه فيما لله فيه معصية أو فيما ليس لله تعالى فيه طاعة ولا معصية لا تلزم وهو كذلك أي لا تلزمه اليمين بإتقاف الإمام مالك وأصحابه، مثال ما هو على معصية أن يحلفه الظالم بالطلاق مثلا أن لا يصلي أو يشرب الخمر فيصلي أو لا يشرب الخمر فلا يحنث، ومثال ما ليس بطاعة ولا معصية أن يحلفه بالعتق مثلا أن لا يدخل السوق أو أن يدخل السوق فيدخل أولًا يدخل فلا يحنث أيضًا هذا فيما إذا تعلقت اليمين بالمستقبل، وقد مر الكلام على مسألة المص وأن فيها قولين: أثبت أو نفي، وقد مر أنها إذا تعلقت بماض لا حنث فيها اتفاقا وليست من محلّ القولين. قاله الشبراخيتي. وعبد الباقي. ولم يتعقبه محمَّد بن الحسن، وهو خلاف ما في الحطاب فإنَّه قال: إنها إذا تعلقت بماض تكون على معصية وتكون على طاعة وتكون على ما ليس بمعصية ولا طاعة، مثال ما على معصية أن يحلفه بالطلاق أنك ما صليت اليوم وإلا قتلتك ويكون المحلف بكسر اللام أمره بعدم الصلاة، أو أنك ظلمت فلانا ويكون المحلف أمر الحالف بظلم فلان ويكون الحالف لم يظلم فلانا ويكون صلى، فهذا إذا تحقق الإكراه لا كلام أنَّه لا يلزمه شيء، ومثال ما ليس بطاعة ولا معصية أن يحلفه أنَّه ما دخل السوق أو أنَّه دخل ويكون الحالف خالف في الوجهين، فالظاهر أيضًا أنَّه لا تلزمه اليمين؛ لأنه إذا كان إذا أكره على اليمين أن لا يفعل أو يفعل في المستقبل ما ليس بطاعة ولا معصية لا يحنث، فأحرى أن لا حنث عليه إذا أكره على أن يحلف على أنَّه ما فعل

(1)

في النسخ: القول، والمثبت من عبد الباقي: ج 4 ص 89.

ص: 118

أو فعل ما ليس بطاعة ولا معصية؛ لأنه في الأولى إنما أكره على اليمين فقط، وأما الحنث فإنما فعله هو باختياره فهو أدخل الحنث على نفسه، وهنا أكره على أن يحلف بيمين هو كاذب فيها. والله أعلم.

ومثال ما هو على طاعة أن يحلف أنَّه صلى أو أنَّه ما ظلم فلانا أوأنَّه ما اغتاب فلانا، ويكون الحالف ما صلى أو يكون ظلم أو اغتاب فالظاهر أنَّه يدخل فيه الخلاف الذي فيما إذا حلف أن لا يفعل في المستقبل أو يفعل في المستقبل ثمَّ قال هذا من جهة البحث، وساق نقلين ثمَّ قال: فهذان النقلان يدلان على جريان الخلاف في المسألة هذا في الإكراه على اليمين، وأما الإكراه على الحنث فلا يتصور إلا إذا كانت اليمين على مستقبل، والمشهور حينئذ أنها إن كانت على بر فلا حنث وإن كانت على حنث فالحنث. والله أعلم بالصواب. وإليه المرجع والمآب. انتهى.

والنقلان أحدهما: سئل السيوري عمن قال له رجل شرير تكلمت في فلان فأنكر فحلفه بالطلاق أنَّه لم يفعل ذلك فحلف، وقال قد خفت وقد قلت بعض القول وجاء مستفتيا ولو كانت يمينه بالثلاث فما الحكم؟ فأجاب: إن كان يخاف ممن ذكرت خوفا لا يشك فيه ويثبت له أنَّه يخاف العقوبة البينة في ذلك فلا يحنث إذا دفع عن نفسه تلك العقوبة. انتهى.

ثانيهما: قال مالك: من حلف بالطلاق على خوف من العذاب واليمين على حق وقد كذب في يمينه فهو حانث ولا تنفعه التقية هنا، قال ابن المواز: كأنه غصب شيئًا أو فعل أمرًا وحلف ما فعله، قال مالك فيمن طلب ليقتل ظلما فخبأه رجل عنده فأحلف بالطلاق ما هو عنده، قال: قد أجر وطلقت عليه امرأته، وقال أشهب: لا شيء عليه والمكره على اليمين لا تلزمه. انتهى. قال جامعه عفا الله عنه: والظاهر أن هذين النقلين لا يدلان على الخلاف؛ لأنَّ الأخير وإن كان فيه إكراه فهو على حق، ولذا قال: إن النية لا تنفع هنا.

كإجازته كالطلاق طائعا تشبيه في القولين؛ يعني أن الشخص إذا أكره على طلاق زوجته أو عتق عبده، ثمَّ إن المكره بالفتح أجاز ما أكره عليه من طلاق أو عتق بعد زوال الإكراه عنه حال كونه طائعا، فإنَّه اختلف في لزوم الطلاق له بإجازته وعدم لزومه له بها على قولين لسحنون، كان أو لا يقول: لا يلزمه لأنه ألزم نفسه ما لا يلزمه ثمَّ رجع فقال: يلزمه لاختلاف الناس؛ لأنَّ من

ص: 119

العلماء من يلزم طلاق المكره وعتقه، واختار هذا بعض الأشياخ، وإليه أشار بقوله: والأحسن من القولين المضي أي مضي الطلاق والعتق حيث أجيزا بعد الإكراه، واحترز بقوله:"طائعا" عما لو أجاز ذلك مكرها فإنَّه لا يلزمه بلا إشكال، وعلى هذا القول فأحكام الطلاق والعدة من يوم الإجازة، وأما النكاح إذا أكره على عقده فأجازه بعد ذلك طائعا فلابد من فسخه، وفي قياس بعض مذهب مالك أن للمكره إمضاء ذلك النكاح إذا أمن، وكذلك لأولياء

(1)

المرأة المكرهة، وفي

(2)

قياس بعض مذاهبهم: إنما تجوز إجازة المكره بحدثان ذلك. قاله في التوضيح. نقله بناني.

ومحله ما ملك قبله لما أنهى الكلام على الركنين الأولين من أركان الطلاق وهما: الأهل والقصد، أتبعهما بالكلام على الركن الثالث، وهو: المحل؛ يعني أن الطلاق لابد له من محلّ يقع عليه، والمحل الذي يقع عليه إنما هو العصمة المملوكة قبل الطلاق أي قبل نفوذ الطلاق لا قبل إيقاعه، بدليل قوله: وإن تعليقا يعني لا فرق في لزوم الطلاق للزوج في المرأة المملوكة عصمتها بين أن يكون ملكه للعصمة تحقيقا وبين أن يكون ملكه لها تعليقا؛ بأن يعلق الطلاق على وجود تحقق الملكية. التوضيح: أن يطلق امرأته على تقدير نكاحه لها. انتهى. وما من قوله: "ما ملك" نكرة موصوفة أو موصولة أي عصمة ملكت قبل الطلاق أو العصمة التي ملكت قبل الطلاق، والعصمة مأخوذة من الاعتصام وهو الامتناع، ومنه عصمة الأنبياء والملائكة، والعصمة لنوع من الوحش لامتناع صيده لفرط بعده عن أوطان الآدميين، ومنه المعصم لليد لأنه يمنع من الأعداء والمكائد، والمرأة ممنوعة من غير زوجها فله عصمة تذهب بالطلاق قبل الدخول وبالخلع وبالثلاث وبالوفاة، ومنع نكاحها في العدة ليس لأجل الزوج بل لحق النسب، فلذلك نقول انقطعت عصمة الزوج، وذكر المص الضمير في ملك نظرا للفظ ما، ولو راعى المعنى لقال: ملكت، ومفهوم قوله: "ما ملك قبله وإن تعليقا، أنَّه لو قال لأجنبية: أنت طالق ولم يعلق فلا شيء عليه إذا تزوجها بعد ذلك وهو كذلك.

واعلم أن التعليق على ثلاثة أقسام: إما بالقرينة والبساط أو بالنية أو باللفظ، وذكر المص الأولين وترك الثالث لوضوحه، مثاله أن يقول لأجنبية: إن نكحتك فأنت طالق، وقوله:"وإن تعليقا"

(1)

في النسخ أوليا والمثبت من بناني: ج 4 ص 89 والتوضيح: ج 4 ص 358.

(2)

في النسخ وبعض قياس والمثبت من التوضيح: ج 4 ص 448 وبناني: ج 4 ص 89.

ص: 120

هو المشهور في المذهب وهو قول مالك المرجوع إليه وفاقا لأبي حنيفة وخلافا للشافعي، وقول مالك المرجوع عنه، وأفتى ابن القاسم صاحب الشرطة بالقول المرجوع عنه، وكان أبو المخزومي حلف به على أمه، وفي رسم إن خرجت أن من حلف بالطلاق لا يطأ حراما فتزوج امرأةكان حلف بطلاقها إن تزوجها أنَّه لا حنث عليه، قال ابن رشد: وذلك صحيح على أصولهم في مراعاة الخلاف لأنَّ الخلاف فيه قوي مشهور، وقد مر أن الإمام الشافعي لا يلزم عنده الطلاق بالتعليق، ويروى ذلك عن ابن المسيّب وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن الحارث بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فكل هؤلاء يروى عنهم أنها لا تطلق كما في صحيح البخاري.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما جعل الله الطلاق بعد النكاح، ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه، ويروى عن أبان بن عثمان وعلي بن حسين زين العابدين وشريح وسعيد ابن جبير والقاسم بن محمَّد وسالم وطاووس والحسن وعكرمة وعطاء وعامر بن سعد البجلي الكوفي التابعي وجابر بن زيد ونافع بن جبير ومحمد بن كعب وسليمان بن يسار ومجاهد والقاسم بن عبد الرحمن وعمرو بن هرم والشعبي. قاله البخاري.

وأشار المص إلى التعليق بالقرينة والبساط بقوله: كقوله لأجنبية هي طالق عند خطبتها يعني أن من التعليق ما لو قال رجل لأجنبية هي طالق، وصدر منه ذلك القول عند خطبتها أي عند خطبته لها، فإنَّه إذا تزوجها تطلق عليه كأنه جعل وقوع ذلك الكلام عند الخطبة بساطا يدلّ على التعليق مع فقد النية.

وأشار إلى التعليق بالنية بقوله: أو إن دخلت ونوى بعد نكاحها يعني أن الرجل إذا قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق أو قال لها: أنت طالق ونوى في الصيغتين أنها طالق بعد نكاحها أي بعد نكاحه لها فإن ذلك تعليق، فتطلق عليه إن تزوجها في الصيغتين، ومثل قوله:"هي طالق" هي حرام إذا قاله عند خطبتها إن أراد تحريم الزوجة أو لم يرد شيئا؛ إذ لا تباح الفروج بالشك، فإن أراد أن تزوجها حرام عليه لم يلزمه شيء؛ لأنَّ تحريم التزوج لغو كمن حرم ثوبا أو طعاما على نفسه؛ لأنَّ تحريم ما أحل الله لغو. قاله ابن عرفة والبرزلي والقلشاني، وسلمه

ص: 121

في المعيار، وبحث فيه علي الأجهوري بأن عدم اللزوم في هذا القسم الأخير يخالف ما يأتي للمص من أن التحريم من الكناية الظاهرة فيلزمه به الطلاق، وإن لم ينوه كالصريح. انتهى.

قال محمَّد بن الحسن: بحث الأجهوري مع ابن عرفة ساقط؛ لأنَّ القاعدة أن الكناية الظاهرة إنما يلزم بها الحنث إن نوى بها الطلاق أو لم ينو شيئًا فتصرف إلى الطلاق، وأما إن نوى بها شيئًا آخر غير الطلاق فهو صرف للفظ

(1)

عن معناه العرفي فلا يلزم فيه حنث. قاله المسناوي. انتهى.

وتطلق عقبه يعني أن المعلق طلاقها على نكاحها إذا تزوجها المعلق لطلاقها على نكاحها فإنها تطلق عقب عقده عليها إن لم يعلق على دخول دار مثلا، وإلا طلقت عقب الدخول، فقوله:"عقبه" أي عقب النكاح في الأولى، وأولى في القسم الذي لم يذكره وعقب الدخول في الثانية. قاله عبد الباقي. وغيره. وقوله:"وتطلق عقبه" أي ولا يتوقف على حكم كما في الرهوني، وقوله:"وتطلق عقبه" مفهوم من قوله: "وإن تعليقا"، وصرح به للتصريح بالرد على المخالف، وقد مر الكلام على ذلك. قال الشارح: وهذا الذي ذكره المص هو المشهور، وقال به كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وعن مالك من رواية ابن وهب والمخزومي عدم لزومه واختاره جماعة من الأشياخ. ابن بشير: ومنهم من كان يفتي به، وقال به أيضًا جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. انتهى.

وقال الشبراخيتي: والمشهور ما ذكره المص من لزوم الطلاق المعلق كما هو مذهب جمع من التابعين، وذكره في الموطإ عن عمر وابنه، ونقل عن جمع من الصحابة كابن مسعود وابن عباس وعائشة وجمع من التابعين عدم لزومه، وكان بعض المتأخرين يفتي به وبعضهم يقف كراهة مخالفة المشهور وهو مذهب الشافعي وأحمد. انتهى. وفي التوضيح أن المشهور لزوم الطلاق المعلق، وروى ابن وهب والمخزومي عن مالك أنَّه لا يلزم، وبه قال ابن وهب وابن عبد الحكم، والمشهور يحكى في الموطإ عن عمر وابنه عبد الله وابن مسعود وسالم والقاسم وابن شهاب، والشاذ قول الشافعي وجماعته. انتهى. وقوله:"عقبه" في بعض النسخ: عقيبه بإثبات الياء كما قاله الحطاب.

(1)

في النسخ اللفظ والمثبت من بناني: ج 4 ص 89.

ص: 122

وعليه النصف يعني أن المعلق بكسر اللام إذا طلق عليه قبل البناء فإنَّه يكون عليه نصف الصداق المسمى الحلال، وإلا فلا شيء عليه لها كانت الأداة تقتضي التكرار أولًا، فإن قيل إذا كانت الأداة تقتضي التكرار فسد النكاح؛ لأنه كلما تزوج طلقت عليه، والوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لم تشرع، وإذا فسد النكاح لم يترتب على طلاقه قبل البناء شيء، لقوله:"كطلاقه" فالجواب أن قوله: "كطلاقه" مقيد بما إذا كان النكاح فاسدا لصداقه كما مر عن ابن رشد، ذكر هذا الجواب محمَّد بن الحسن بعد أن ذكر استشكال اللقاني في حواشي التوضيح، لكونه عليه النصف، فإنَّه قال عند قول المص:"وعليه النصف": هذا ظاهر إن كانت الأداة لا تقتضي التكرار، فإن كانت تقتضي التكرار كان النكاح فاسدا؛ لأنه كلما تزوج طلقت عليه، والوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لا تشرع، وإذا كان فاسدا فلا يترتب عليه صداقه، لقوله فيما تقدم:"وسقط بالفسخ قبله كطلاقه" ذكر هذا الإشكال اللقاني في حواشي التوضيح، والجواب أن لخ، وقوله:"وعليه النصف" أي في الثانية في كلامه إن حصل دخول الدار قبل البناء وفي غيرها مثل ذلك القيد كما هو واضح.

إلا بعد ثلاث يعني أن الرجل إذا أتى في تعليقه بصيغة تقتضي التكرار كما لو علق بأداة تقتضي التكرار، ككلما تزوجتك فأنت طالق أو علق بالوصف كإن تزوجت من قبيلة كذا أو من بلد كذا أو إلى أجل كذا فإنَّه يتعدد عليه الطلاق بتعدد العقد، ويتعدد عليه نصف الصداق بتعدد العقد ما لم يعقد عليها عقدا رابعا فصاعدا قبل زوج، فإن عقد عليها عقدا رابعا فأكثر قبل زوج لم يكن عليه في العقد الذي وقع بعد حصول الثلاث وقبل زوج شيء حيث لم يبن هذا هو الصواب عند التونسي وعبد الحميد وغيرهما.

وإلى تصويب هؤلاء الأشياخ أشار بقوله: على الأصوب وظاهر كلام ابن المواز أنَّه يلزمه نصف الصداق ولو بعد ثلاث تطليقات وقبل زوج. قاله في التوضيح. وهو مقابل الأصوب، وأما لو تزوجها بعد زوج فيعود الحنث والنصف إلى أن تتم العصمة باتفاق الأصوب ومقابله وهكذا قال عبد الباقي: فإن قلت عقده عليها رابعا قبل زوج متفق على فسخه، وقد تقدم أنَّه يسقط بالفسخ قبله إلا نكاح الدرهمين فنصفهما، فكيف يسوغ لابن المواز أنَّه يقول بلزوم نصف حتى يرد عليه

ص: 123

المص؟ قلت: نعم يسيغه ذلك اعتبار من يقول من الأئمة بإلغاء التعليق كالشافعي ومالك في المرجوع عنه فلاحظه ابن المواز. انتهى.

قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: قوله متفق على فسخه فيه شيء ظاهر. والله سبحانه أعلم. وقد علمت أن موضوع المص حيث كان التعليق بصيغة تقتضي التكرار، وأما لو لم تكن الصيغة تقتضي التكرار فإنَّه إذا تزوجها ثانية لا يفسخ نكاحه بل يصح كما يأتي قريبا حيث لم يكن المعلق طلاق الثلاث وإلا فلا يسوغ له تزويجها إلا بعد زوج. والله سبحانه أعلم.

(ولو دخل فالمسمى) يعني أن المعلق للطلاق على النكاح إذا دخل بالمعلق طلاقها على نكاحها فإنما يكون لها المسمى ولو تعدد وطؤه لها إن كان وحل وإلا فصداق المثل، وقولي: ولو تعدد وطؤه لها مقيد بعدم علمه حين الوطء بأنها هي المعلق طلاقها على نكاحها، كما يؤخذ من التشبيه الآتي وإلا تعدد الصداق كما في المواق عن المدونة. نقله محمَّد بن الحسن. قال: ولذا رد الزرقاني قوله ولم يعلم للصورتين. انتهى.

وقوله: (فقط) رد به قول أبي حنيفة وابن وهب عليه بدخوله المسمى ونصفه للزوم المسمى بالدخول والنصف بالطلاق عقب العقد، ووجه مذهبنا مع ظهور تعليل الحنفي أن الدخول من ثمرات العقد، ولو لم يلاحظ العقد لكان الدخول هنا زنى محضا.

(كواطئ بعد حنثه ولم يعلم) يعني أن الزوج إذا علق طلاق زوجته - أعني التي في عصمته - على دخول دار مثلا ثمَّ حنث بدخولها للدار ووطئها بعد الحنث ولم يعلم بدخولها للدار حين وطئه لها، فإنَّه لا يكون لها عليه إلا ما نكحها به فقط، فليس عليه في وطئه لها بعد الحنث شيء، فالتشبيه في أنَّه لا يكون لها إلا المسمى أي الذي تزوجها به، ومفهوم قوله:"ولم يعلم" أنَّه لو وطئها بعد الحنث عالما بالحنث فإنَّه يتعدد عليه الصداق بتعدد الوطء إن لم تعلم بحنثه أو علمت وأكرهها، فإن طاوعته فلا صداق لها وهذا إذا كان الطلاق بائنا أو رجعيا وانقضت العدة، وأما إن كان رجعيا ولم تنقض العدة فإنَّه لا يتعدد عليه الصداق بتعدد الوطء علم بالحنث أم لا، كما سيأتي للمص.

وقوله: "كواطئ" بعد حنثه ولم يعلم" شامل لصورتين الصورة التي قررته بها، ولما إذا علق رجل طلاق أجنبية على دخول دار ونوى بعد نكاحها فنكحها ثمَّ وطئ في الصورتين، واعلم أن

ص: 124

الخلاف في لزوم التعليق إنما هو فيما إذا وقع التعليق في الأجنبية، وأما إذا وقع في الزوجة نحو قوله لها إن دخلت الدار فأنت طالق فلم يقل أحد من الأئمة بعدم لزوم ذلك التعليق. أفاده الشيخ محمَّد بن الحسن. وحينئذ فمحل التعدد في الصورة الثانية حيث علم بالحنث إنما هو على القول بلزوم التعليق في الأجنبية كما هو المذهب، وأما إن قيل بعدم لزومه فلا صداق لها إلا ما نكحها به وطئها عالما أم لا؛ لأنه نكاح صحيح، وقررت قوله:"ولم يعلم" بأنّه لم يعلم بالحنث أي بدخولها للدار تبعًا لمحمد بن الحسن، وقرره عبد الباقي والشبراخيتي بأنّه لم يعلم الحكم، قال عبد الباقي: وهو حرمة الوطء، قال محمَّد بن الحسن: تبع في هذا الأجهوري وليس بصحيح، والصواب لم يعلم بالحنث كما في التتائي.

كإن أبقى كثيرا تشبيه في لزوم الطلاق المستفاد من قوله: "كقوله لأجنبية هي طالق عند خطبتها" يعني أن الرجل إذا علق الطلاق على التزويج فإن ذلك لا يخلو من أحد أمور ثلاثة: إما أن يبقي كثيرا من النساء لم يعلق فيه، أو يبقي قليلًا، أو يعم النساء. فالأول يلزم فيه التعليق بخلاف الأخيرين كما يأتي للمص، وفي حكم الأوّل ما إذا قيد بزمن يبلغه عمره غالبا، وفي حكم الأخيرين ما إذا قيد بزمن لا يبلغه عمره غالبا، والمراد بإبقاء الكثير أن يبقي كثيرا في نفسه وإن كان قليلًا بالنسبة لما لم يبقه، فمن أبقى الفسطاط أو المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم لزمه طلاق من يتزوجها من غير المدينة أو الفسطاط؛ لأنه أبقى كثيرا في نفسه كما تفيده المدونة، وإذا فسر كثيرا بأن معناه شيئًا كثيرا من نساء أو زمان اتضح قوله: أو زمان.

وبين الكثير بقوله: بذكر جنس الباء سببية متعلقة بقوله: "أبقى" كما قاله الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم؛ يعني أن الرجل إذا قال: كل امرأة أتزوجها من الترك أو السودان فهي طالق لزمه ذلك، ويتكرر عليه الطلاق في ذلك الجنس، وإنما لزمه الطلاق لأنه أبقى كثيرا من النساء بسبب تخصيصه للتعليق بهذا الجنس الذي ذكر، فاتضح من هذا أن معنى قوله:"كإن أبقى كثيرا بذكر جنس" أبقى كثيرا لم يعلق فيه بسبب تخصيصه التعليق بجنس من الناس. والله سبحانه أعلم.

وقوله: "بذكر جنس" اعلم أن تزوجه في هذا الفرض من ذلك الجنس لا يجوز إذ لا فائدة فيه إلا أكل المال، والنكاح وسيلة للوطء والوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لم تشرع.

ص: 125

أو بلد عطف على "جنس" يعني أن الرجل إذا علق الطلاق على التزويج وأبقى كثيرا من النساء لم يعلق فيه بسبب تخصيصه التعليق ببلد كقوله: كل امرأة أتزوجها من مصر فهي طالق، فإنَّه يلزمه الطلاق في نساء ذلك البلد، ويتكرر عليه الطلاق ولا يباح له التزويج منهن لما عرفت، وعبارة الشبراخيتي عند قوله:"أو بلد": كإن تزوجت من مصر، وعبارة الشارح ممثلا لها وللتي قبلها: كل امرأة أتزوجها من الترك أو الروم أو من بلد كذا، وعبارة الخرشي ممثلا لها وللتي قبلها: كقوله كل امرأة أتزوجها من السودان أو من الروم أو من مصر طالق. انتهى.

أو زمان يعني أنَّه إذا أبقى كثيرا من الزمان بأن قيد الطلاق بزمن يبلغه عمره ظاهرا أي غالبا في ظاهر الحال؛ أي بأن يبقى مدة يتزوج فيها ويحصل له فيها النفع بالتزويج عادة فإنَّه يلزمه الطلاق، ويتكرر عليه كقوله: كل امرأة أتزوجها إلى سنة أو إلى عشر سنين فهي طالق فإن لم يبق من الزمن ما يحصل به غرض النكاح عادة لم يلزمه الطلاق لأنَّ من القواعد إذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق، ويختلف ذلك باختلاف سن الحالف، وإذا كان الأجل حياة فلان نحو كل امرأة أتزوجها حياة فلان فهي طالق، قيل يلزمه لإمكان موت فلان قبله. قاله الشيخ سالم. وينبغي أن يكون هو الراجح وهو الموافق في المعنى لقول المص فيما يأتي:"وفي ما عاشت مدة حياتها"، وظاهر الشامل أنَّه الأرجح، وذكر ابن شعبان أنَّه لا يلزمه لإمكان موته قبل فلان. نقله عبد الباقي. وفسروا قوله:"ظاهرا" بغالبا، قال الشبراخيتي: ولو قال غالبا لكان أحسن.

وقوله: "كإن أبقى كثيرا بذكر جنس" لخ قال غير واحد: ويتكرر عليه الطلاق في المسائل الثلاث، وفسر في التوضيح قول ابن الحاجب:"أو زمان يبلغه عمره ظاهرا" بقوله: أي يبلغ ذلك الزمان في ظاهر الحال، قال: واحترز بذلك مما لو قال: إلى مائتي سنة، أو ما يعلم أنَّه لا يعيش إليه؛ لأنه لا يلزمه شيء وصرح بذلك في المدونة، وروى ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قال: كل امرأة أتزوجها إلى عشر سنين أو عشرين سنة: إن كان ممن يشبه أن يعيش إلى مثل ذلك لزمه وإلا لم يلزمه. ابن الماجشون: ويعمر في هذا تسعين عاما.

ونقل ابن بشير فيمن ضرب أجلا لا يبلغه إلا في حال الهرم والشيوخة

(1)

قولين: أحدهما لا يلزمه لوجود الحرج، والثاني أنَّه يلزمه لأنه أبقى لنفسه زمانا، ووقع لمالك في غلام عمره عشرون سنة

(1)

في التوضيح: ج 4 ص 342 والشيخوخة.

ص: 126

حلف في سنة ستين ومائة أن كل امرأة يتزوجها إلى سنة مائتين طالق أن اليمين لازمة له. اللخمي: والقياس في هذا أن لا شيء عليه لأنه قد عمم المعترك من العمر وزمن الشبوبة والوقت الذي يحتاج فيه إلى الاستمتاع، ولم يبق إلا موت أو قلة حراك، ورأى اللزوم إذا قال الثلاثين

(1)

سنة أو عشرين لأنه أبقى لنفسه زمانا يحتاج فيه إلى ذلك، وعدم اللزوم إذا قال إلى أربعين سنة، قال: واختلف إذا كان الأجل حياة فلان فقيل يلزمه لإمكان موت فلان قبله، وقال في كتاب ابن شعبان: لا شيء عليه يريد لإمكان أن يموت هو قبل فلان فيكون كمن عم جميع الأزمنة، وكلام اللخمي صحيح لو كان المعتبر عند أهل المذهب الجماع ولم يعتبروه، ألا ترى أنَّه يلزمه الطلاق في كل امرأة، وإن كان أبقى لنفسه التسري.

واعلم أنَّه إذا علق المنع ببلد كالاسكندرية، فتارة يقول لا أتزوج من الاسكندرية، وتارة يقول لا أتزوج بالأسكندرية، فأما الأولى فيلزمه سواء كانت بالأسكندرية أو غيرها. انتهى.

لا فيمن تحته يعني أن التعليق يختص بمن يتجدد نكاحها، وأما المنكوحة قبل التعليق وهي في حال التعليق تحته فإنها لا تطلق عليه بهذا التعليق؛ لأنَّ دوام النكاح ليس كابتدائه، قال جامعه عفا الله عنه: مقتضى صنيع المص أن قوله: "لا فيمن تحته" يتناول المسائل الثلاث؛ أعني قوله: "بذكر جنس أو بلد أو زمان"، وهو مقتضى ما شرحه به الشبراخيتي، ورجعه عبد الباقي لمسألتي الجنس والبلد، ولفظه: ولما كان ربما يتوهم دخول المنكوحة قبل يمينه في نساء الجنس أو البلد فيلحقها الطلاق كغيرها أخرجها بقوله: "لا فيمن تحته"، وعبارة الأمير: وإن حلف على كالمصريين لم يلزم فيمن تحته إلا إذا أبانها لخ، ونحو ما للشبراخيتي للشارح، وأما الخرشي فأتى بما يفيد الاحتمالين. والله سبحانه أعلم.

إلا إذا طلق ثمَّ تزوجها يعني أن التعليق إنما يلزم فيمن يتجدد نكاحها لا فيمن نكحها قبل التعليق وهي تحته في حال التعليق، إلا إذا طلقها وبانت منه ثمَّ تزوجها فإنها تدخل في يمينه فتطلق عليه، ويتكرر عليه فيها الطلاق بتكرر العقد، وقوله:"لا فيمن تحته" الفرق بينه وبين قوله: "وبدوام ركوبه أو لبسه في لا أركب ولا ألبس" أن التزوج إنشاء عقد جديد فلم تدخل من

(1)

عبارة التوضيح: ج 4 ص 342 إلى الثلاثين.

ص: 127

تحته في قوله: أتزوجها إذا لم ينشئ عقدا جديدا فيها، بخلاف الركوب واللبس فإنَّه ليس كذلك من كل وجه، فإن ادعى أن نيته أن لا ينشئ ركوبا ولا لبسا عمل بها أيضًا، وقال التتائي: وقد يفرق بين هذه ومسألة من حلف لا ركب الدابة وهو راكبها بضعف الالتزام في النكاح؛ لأنَّ أكثر الناس قالوا بعدم اللزوم فيه بخلاف اليمين. انتهى. نقله عبد الباقي.

وله نكاحها يعني أن المعلق طلاقها على نكاحها بغير صيغة تقتضي التكرار يباح نكاحها لمن علق طلاقها على نكاحها فتطلق عقب العقد ثمَّ يتزوجها، ولا يفسخ إن لم يكن المعلق ثلاثًا، وإلا فلا يتزوجها إلا بعد زوج، فإن تزوجها بعد زوج ثبت عليها إن شاء، وأما إن كان التعليق بصيغة تقتضي التكرار، ككلما تزوجتك فأنت طالق أو من أتزوجها من السودان فهي طالق أو من مصر أو كل امرأة أتزوجها إلى عشر سنين مثلا فهي طالق أو نوى التكرار فإنَّه لا يباح له النكاح في ذلك، وقوله:"وله نكاحها" أشار به لقول ابن راشد القفصي: والمذهب أنَّه يباح له زواجها وتطلق عليه، والقياس أن لا يباح له زواجها للقاعدة المقررة، وهي أن ما لا يترتب عليه مقصده لا يشرع، والمقصود بالنكاح الوطء وهو غير حاصل بهذا العقد، وإليه ذهب بعض الفقهاء، وقال: هو بمنزلة ما لو قالت المرأة أتزوجك على أني طالق عقب العقد فإنَّه لا يجوز ولا تستحق عليه صداقا إن تزوجته، ولا فرق بين أن يكون الشرط منه أو منها.

قلنا: في هذا فائدة وهي أنَّه يتزوجها عقب طلاقه إن شاء إلا أن يعلق ذلك بلفظ يقتضي التكرار، مثل: كلما، فلا يباح له زواجها وَقَبله في التوضيح. قاله محمَّد بن الحسن. وقال: إن قوله: "وله نكاحها" حقه أن يقدم عند قوله: "كقوله لأجنبية" لخ، وقوله:"وله نكاحها" أي نكاحها ولو كان المعلق الثلاث كما مر، وقد علمت أن الموضوع أن الصيغة لا تقتضي التكرار، قال عبد الباقي: فإن قلت لا فائدة في نكاحها مع طلاقها عقبه واحدة أو ثلاثًا مع أن التزوج وسيلة إلى وطئها والوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لا تشرع، قلت: حيث لا يتكرر عليه الطلاق دائما فإن مقصدها يترتب عليها مستقبلا قبل زوج في غير تعليق الثلاث، وبعده في تعليق الثلاث. انتهى.

وله نكاح الإماء في كل حرة يعني أن الحر إذا قال: كل حرة أتزوجها فهي طالق فإنَّه يباح له نكاح الإماء ولو كان واجدا للطول ويولد له ولم تكن الأمة لكالجد لأنه عم بتعليقه الحرائر فصار

ص: 128

بيمينه كعادم الطول، وإن كان مليا لكن لا يباح له نكاح الإماء إلا إذا خاف الزنى، فإن عتقت بعد أن تزوجها فمقتضى قولهم إن الدوام ليس كالابتداء في مسألة "لا فيمن تحته" أنَّه لا تطلق عليه، وجرى قولان فيمن قال كل مسلمة أتزوجها فهي طالق وتزوج كتابية فأسلمت قبل البناء هل يلزمه طلاقها أم لا؟ لابن وهب وأشهب. قاله التتائي. قال عبد الباقي: فلو كان بعد البناء فينبغي أن يتفق على عدم لزوم الطلاق كما هو المناسب لقوله: "لا فيمن تحته"، وقوله:"وله نكاح الإماء في كل حرة" ما مشى عليه المص من لزوم التعليق في الحرائر في هذه الصورة وأنه يباح له نكاح الإماء هو قول ابن القاسم في العتبية، وبه قال ابن حبيب وهو المشهور، وقال محمَّد: لا يلزمه في الحرائر إن كان مليا عند من يقول بالطول؛ إذ لا سبيل له إلا إلى الحرائر التي حرمهن. انتهى. قاله الشارح.

ولزم في المصرية يعني أن من قال: كل مصرية أتزوجها فهي طالق أو كل امرأة أتزوجها من أهل مصر أو من مصر فهي طالق، فإنَّه يلزمه ذلك التعليق فيمن هي مصرية الأبوين، وكذا يلزمه أيضًا فيمن أبوها كذلك أي مصري وأمها شامية وربتها أمها بالشام وأولى إن ربتها بمصر، وما ذكرته من مساواة كل امرأة أتزوجها من مصر لكل مصرية أتزوجها هو مقتضى ما في التوضيح، ونصه: وإن قال من مصر يلزمه سواء كانت بمصر أو بغيرها نص عليه محمَّد. انتهى. قاله محمَّد بن الحسن. قال: وهو خلاف ما لابن عرفة من أن قوله: لا أتزوج من مصر كقوله: لا أتزوج بها سواء، وعليه فالحاصل أن حلفه: لا أتزوج مصرية أو من أهل مصر سواء، وأن قوله لا أتزوج من مصر أو بها سواء. والله أعلم. انتهى. وفي بعض النسخ: فيمن أبوها كذلك بدون واو.

تنبيه: قال ابن غازي عند قوله "ولزم في المصرية": ليس صورته أن يقول لا أتزوج مصرية كما قيل، ولكن صورته أن يقول كل مصرية أتزوجها طالق. انتهى. قال محمَّد بن الحسن: لم يظهر وجه ما قاله ابن غازي الخ، قال مقيد هذا الشرح: الظاهر ما قاله ابن غازي وهو في غاية الوضوح؛ لأنَّ قوله: كل مصرية أتزوجها طالق حصل بها التعليق في المصرية، وأما قوله:"لا أتزوج مصرية" فإنَّه لم يعلق فيه طلاق على نكاح، وإنما التزم أن لا يتزوج مصرية، فما قاله ابن غازي في غاية الوضوح والله سبحانه أعلم.

ص: 129

وفي الطارئة يعني أن الرجل إذا قال: كل مصرية أتزوجها فهي طالق أو كل امرأة أتزوجها من أهل مصر فهي طالق، فإنَّه يلزمه التعليق في الطارئة لمصر، وأما إن قال كل امرأة أتزوجها من مصر فكذلك على ما مر عن التوضيح، وأما على ما لابن عرفة فهو بمنزلة كل امرأة أتزوجها في مصر، ويأتي الكلام عليه قريبا إن شاء الله.

إن تخلقت بخلقهن يعني أن محلّ لزوم التعليق المذكور في الطارئة على مصر وليست من أهلها، إنما هو حيث تخلقت الطارئة أي اتصفت بخلق المصريات الأصليات، وهل المراد الأخلاق التي تميل بها المصرية قلوب الرجال أو التي تحمل الشخص على تجنب تزوج المصريات وهذا هو الظاهر، والأول إنما يقصد نادرا كمن يخاف على نفسه من مقاربة النساء، وقوله:"إن تخلقت بخلقهن" أو طال مقامها، وفي نص سحنون: انقطعت عن البادية بدل تخلقت بخلقهن، فإن فسر الانقطاع عن البادية بتخلقها بأخلاق المنقطعة إليهم لم يكن زائدا على المص، وإلا كان زائدا عليه قاله عبد الباقي.

وفي مصر يلزم في عملها يعني أن الرجل إذا قال: كل امرأة أتزوجها في مصر أو بمصر فهي طالق، فإن ذا التعليق يلزم فيمن في مصر وفي من في عمل مصر أي البلد الذي عليه حكم قاضي مصر أو باشتها، وهذا إن نوى من في عملها أو جرى به عرف، سواء تزوج بمصرية أو غير مصرية فالمدار على عقد النكاح بمصر وما في حكمها، وإلا أي وإن لم ينو عمل مصر ولا جرى به عرف بأن نوى خصوصها أو لم ينو شيئًا، فإنَّه يلزم التعليق لمحل لزوم الجمعة أي يلزمه التعليق في النساء التي هن بمحل يلزم منه السعي إلى الجمعة المقامة بمصر، وهو ما كان على ثلاثة أميال وربع ميل من المنار، وحيث أطلقت مصر فالمراد بها القاهرة في العرف، والأمور العرفية تتغير بتغير العرف. قال عبد الباقي: والظاهر أن المراد بعملها للقضاة وهو مصر ونواحيها كجزيرة الفيل وبولاق وبركة الحاج ومصر العتيقة لا الباشات؛ إذ يبعد من قصد الحالف الخروج عن الأقاليم بالمرأة. انتهى. وعبارة الأمير: والمعتبر في حلفه لا يتزوج من مصر مثلا من تلزمه جمعتها إلا لنية لأكثر. انتهى. وله المواعدة بها يعني أن من حلف لا يتزوج بمكان عينه كمصر، له أن يواعد امرأة بمصر أراد تزويجها من أهل ذلك المكان أو من غير أهله، فيواعدها بذلك المكان ليتزوجها بغيره خارجا عن

ص: 130

عمله إن نوى، وإلا فلمحل لزوم الجمعة فيواعد مصرية أو غير مصرية بالتزويج وهما بمصر ليتزوجها خارجا عنها، وإيضاح ما قاله المص أن المواعدة هنا ليست كالمواعدة في العدة؛ لأنَّ المواعدة في زمن العدة من الخطبة، وصريح خطبة المعتدة حرام، والمواعدة بمصر مثلا ليست من التزوج المحلوف عليه وأولى في الجواز تزوجه مصرية رآها بغير مصر، وفهم من قوله:"في مصر" أنَّه ليس له المواعدة في حلفه كل مصرية أو من أهل مصر.

ابن عرفة: ومن حلف بطلاق من يتزوج بمصر فله أن يتزوج بغيرها مصرية مقيمة بغيرها إلا أن ينوي أن لا يتزوج مصرية أو يحلف على ذلك فيحنث، قال مالك: وله أن يتزوج بمصر غير مصرية يريد في هذا. انتهى. قال جامعه عفا الله عنه: قوله: في هذا يعني حيث نوى مصرية. والله سبحانه أعلم. وقوله: "أو يحلف على ذلك" أي على أن لا يتزوج مصرية. والله سبحانه أعلم. وقوله: "فلمحل لزوم الجمعة" هو قول ابن القاسم، وقال أصبغ: والقياس أن يتباعد إلى حيث تقصر فيه الصلاة إذا ظعن ولا يتم فيه الصلاة إذا قدم. قاله في التوضيح.

لا إن عم النساء يعني أن الرجل إذا عم النساء بالتعليق كقوله: كل امرأة أتزوجها فهي طالق فإنَّه لا يلزمه شيء لأنه عم الحرائر والإماء وأجناس بني آدم للقاعدة المتقدمة، وهي: إذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق. انتهى. وهي يمين حرج ومشقة، ولم يعتبروا بقاء السراري هنا، وما مر في نكاح الإماء أعني قوله:"وله نكاح الإماء في كل حرة"، وقوله:"لا إن عم النساء" سواء علقه على شيء كقوله: إن دخلت الدار أو دارا فكل من أتزوجها طالق أولا ككل من أتزوجها طالق فلا يلزمه في ذلك شيء لا في التنكير ولا في التعريف، ولو قصد بها دارا معينة، وأما من قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أو فأمرها بيدها فإن ذلك يلزمه لإمكان الكفارة وإسقاط أمرها، وكذا يلزم كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق، وكذا يلزم من حلف ولو بطلاق زوجته لا أكل ولا شرب بقية عمره؛ لأنَّ له مندوحة بالتكفير أو بطلاق من حلف بطلاقها. انتهى ملخصا من شرح عبد الباقي. وحاشية بناني. وقال الشبراخيتي عند قوله "لا إن عم النساء" فلا شيء عليه، ككل امرأة أتزوجها طالق للحرج والمشقة ولدفع مفسدة الزنى، ولم يعتبروا بقاء السراري

ص: 131

إما لأنَّ الزوجات أضبط أو لعدم قدرة كل أحد عليه أو عدم طيب نفسه به وهو مخرج من قوله: كإن أبقى كثيرا.

أو أبقى قليلا يعني أن المعلق للطلاق على النكاح إذا لم يبق من النساء إلا قليلًا أي قليلًا في نفسه لا بالنسبة لغيره فإنَّه لا يلزمه التعليق، وإنما قالوا: قليلًا في نفسه لا بالنسبة لغير ما أبقاه؛ لأنه لو كان كذلك لكانت المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام قليلة مع أنها كثيرة كما في النص. قاله الشبراخيتي. وقوله: "أو أبقى قليلًا" هو مذهب المدونة وهو المعتمد، ومقابله لزوم التعليق حيث أبقى قليلًا. ابن الحاجب: فلو أبقى قليلًا فقولان. انتهى. قال في التوضيح: يعني فلو لم يعم النساء وأبقى جنسا قليلًا أو بلدة صغيرة أو قبيلة صغيرة، فقولان: أحدهما اللزوم لكونه لم يعم والثاني وهو مذهب المدونة نفي اللزوم فيهما، وإن قال: إلا من قرية كذا [لقرية]

(1)

صغيرة ليس فيها من يتزوج، أو قال: إلا فلانة وهي ذات زوج أم لا، أو قال إن لم أتزوج فلانة فكل امرأة أتزوجها طالق فلا شيء عليه في ذلك، وسبب الخلاف الشهادة بوجود الحرج ونفيه، وأنكر ابن عبدوس تسويته في المدونة للمسألتين، ورأى أن الأولى أي كل امرأة أتزوجها إلا فلانة فيها الحرج والتضييق؛ لأنه لا يقدر أن يتزوج إلا فلانة لا قبلها ولا بعدها بخلاف الثانية؛ أي إن لم أتزوج فلانة فكل امرأة أتزوجها طالق فإنها لا كبير حرج فيها لأنه قادر على أن يتزوجها أولًا ثمَّ يتزوج بعدها ما أحب، فصار كمن صرح في يمينه بطلاق من يتزوج قبل فلانة أو قبل دخول الدار، ولا شك في لزوم ذلك، وقد يقال لما علق طلاق غير هذه على عدم زواجها وقد لا ترضى صار كمن عم. انتهى.

ابن الحاجب: وعلى اللزوم ففي إبقاء واحدة قولان. انتهى. قال في التوضيح: أي إذا فرعنا على المشهور من عدم اللزوم إذا أبقى قليلًا فمن باب الأولى أن لا يلزمه إذا أبقى واحدة وفرعنا على اللزوم فهل يلزمه في إبقاء الواحدة؟ قولان، وزاد ابن بشير قولًا ثالثا وهو نفي اللزوم ما دامت متزوجة أو إذا تزوجت ولزومه إن لم تكن متزوجة، ومثل للقليل بقوله: ككل امرأة أتزوجها إلا تفويضا يعني أن الرجل إذا قال: كل امرأة أتزوجها إلا تفويضا فهي طالق فإنَّه لا يلزمه في ذلك

(1)

ساقطة من النسخ وقد وردت في التوضيح: ج 4 ص 344 وفي التهذيب: ج 2 ص 355.

ص: 132

التعليق شيء؛ لأنه لم يبق إلا قليلًا إذ القليل الذي لا يلزم المعلق شيء حيث أبقاه هو الذي لا يجد فيه نساء يتخير منهن ولا شك أن التفويض كذلك، قال في التوضيح: قال أشهب في العتبية: إن قال كل امرأة أتزوجها تفويضا فهي طالق لزمه، ولو قال: كل امرأة أتزوجها إلا تفويضا لم يلزمه؛ لأنَّ التفويض غير مبذول

(1)

ولا مرجو. انتهى. ونقله غيره. وقال عبد الباقي: وأما لو قال كل امرأة أتزوجها تفويضا فهي طالق فإن ذلك يلزمه بلا خلاف. انتهى.

أو من قرية صغيرة يعني أن الرجل إذا قال كل امرأة أتزوجها إلا من القرية الفلانية وهي صغيرة بحيث لا يجد فيها نساء يتخير منهن فإنَّه لا يلزمه طلاق، وأما إن أبقى قرية يجد فيها نساء يتخير منهن كالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام فيلزمه التعليق، وقوله:"أو من قرية" عطف على قوله: "إلا تفويضا" أي إلا تفويضا أو إلا من قرية صغيرة، وقوله:"صغيرة" قال الشيخ الخرشي: الأحسن في صغيرة الرفع على أنَّه خبر لمبتدإ محذوف؛ أي أو قال من قرية كذا وهي صغيرة؛ إذ ليس صغيرة من جملة مقوله، والصغيرة هي التي ليس فيها ما يتزوج يعني كما في المدونة؛ أي لا يجد فيها عددا يتخير منه كما قاله أبو الحسن. انتهى.

أو حتى أنظرها فعمي يعني أن الرجل إذا قال كل امرأة أتزوجها طالق حتى أنظرها أو ينظرها فلان فعمي هو أو فلان أو مات فلان فإنَّه لا شيء عليه، وله أن يتزوج من شاء ولا تطلق عليه ولو لم يخش العنت، وقيل إن مات فلان لا يتزوج حتى يخشى العنت ولا يجد ما يبتاع به أمة، وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ في الذي قال حتى أراها: له أن يتزوج من كان رآها قبل العمى، واليمين عليه قائمة فيمن لم يكن رأى. قاله في التوضيح. وحتى هنا يصح أن تكون استثنائية أي إلا أن أنظرها كما في قول الشاعر:

ليس العطاء من الفضول سماحة

حتى تجود وما لديك قليل

(1)

في التوضيح ج 4 ص 344 عير مقدور.

ص: 133

أي إلا أن تجود، وأن تكون جارة أي إلى نظرها. قاله الشيخ إبراهيم. وقوله:"حتى أنظرها فعمي" هو في كتاب محمد، وقال عبد الباقي: وحتى هنا استثنائية والمستثنى منه مقدر؛ أي قال كل امرأة أتزوجها طالق إلا أن انظر إليها فالطلاق معلق على التزوج من غير رؤيته.

أو الأبكار بعد كل ثيب يعني أن الرجل إذا قال: كل ثيب أتزوجها طالق، ثمَّ قال بعد ذلك: كل بكر أتزوجها فهي طالق فإنَّه لا يلزمه الطلاق في الأبكار ويلزمه في الثيبات، وهذا هو الأصح لأنَّ التعميم إنما لزم في تعليقه على نكاح الأبكار، وقيل يلزمه التعليق في الثيبات والأبكار، وقيل لا يلزمه في الأبكار ولا في الثيّبات.

أو بالعكس يعني أنَّه لو قال: كل بكر أتزوجها فهي طالق، ثمَّ قال: كل ثيب أتزوجها فهي طالق فإنَّه لا يلزمه الطلاق في الثيّبات ويلزمه في الأبكار، وقيل يلزم فيهما، وقيل لا يلزم فيهما والأول الأصح وهو لابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وابن كنانة وأصبغ وسحنون وابن المواز وغيرهم. ابن بشير: وهو الجاري على المشهور. ابن عبد البر: وهو أصح لدوران الحرج مع الثانية وجودا وعدما، ولا وجه لعدم لزوم اليمين الأولى وانحلالها بعد انعقادها. قاله في التوضيح. والقول باللزوم في الثيّبات والأبكار مروي عن مالك وابن وهب، والقول بعدم اللزوم فيهما حكاه جماعة واختاره اللخمي، ووجهه النظر إلى التعميم ووجه اللزوم فيهما النظر إلى الخصوص، قاله في التوضيح عند قول ابن الحاجب: ولو قال كل بكر أتزوجها طالق ثمَّ قال كل ثيب أتزوجها فثالثها يلزم الأوّل دون الثاني. انتهى.

وحاصل المص أن التعليق يلزم في الأوّل منهما ولا يلزم في الثاني منهما. ابن عبد السلام: وهو أظهر الأقوال لدوران الحرج مع اليمين الثانية. ابن عبد السلام: لو حرم الثيّبات وأبقى الأبكار فعجز عنهن لعلو سنة، فالظاهر أنَّه إذا خشي العنت ولم يقدر على التسري أنَّه يجوز له نكاح الثيّب. نقله محمد بن الحسن. ومثل ما ذكره المص ما لو علق في نساء العرب بعد أن علق في نساء العجم، وكذا العكس فيلزم التعليق في الأوّل دون الثاني في المسألتين كما قاله الأمير، ولفظه: وإن علق طلاق نحو الأبكار بعد كالثيّبات كالعرب والعجم لم يلزم الأخير لأنه حصل به الضيق ويلزم الأوّل وتعبيرنا أحسن من تعبير الأصل عند من تأملهما. انتهى.

ص: 134

أو خشي في المؤجل العنت وتعذر التسري يعني أن الرجل إذا علق الطلاق على النكاح وعم النساء لكنه قيد بأجل يبلغه عمره ظاهرا، كما لو قال: كل امرأة أتزوجها إلى عشر سنين وهو ممن يبلغ ذلك ظاهرا فإنَّه لا يباح له النكاح، ويلزمه التعليق إلا إذا اجتمع له أمران، فإنَّه يباح له حينئذ التزويج ولا يلزمه الطلاق فيمن يتزوج، أحدهما: أن يكون قد خشى العنت أي الزنى، والثاني: أن يكون قد تعذر عليه التسري فيباح له حينئذ نكاح الحرائر. قال عبد الباقي وكذا يباح له نكاح الإماء لأنه بيمينه كعادم الطول، قال محمَّد بن الحسن: فيه نظر لأنه حيث أبيحت له الحرة لم يكن بيمينه كعادم الطول، انتهى.

وبما قررت علم أن أل في قوله: "المؤجل" للعهد أي المؤجل الذي تنعقد فيه اليمين وهو الأجل الذي يبلغه عمره ظاهرا، احترازا مما إذا أجل بأجل لا يبلغه عمره ظاهرا فإنَّه لا يلزمه طلاق حينئذ. ابن الحاجب: ولو خشى العنت في التأجيل وتعذر التسري نكح ولا شيء عليه. انتهى. يعني إذا ضرب أجلا يبلغه عمره ظاهرا وألزمناه اليمين فخشي العنت وتعذر عليه التسري يريد أو لم يعفه تزوج ولا شيء عليه وهكذا في المدونة. ابن القاسم؛ لأنَّ نكاحه خير من الزنى، قال: وقد أجاز هذا النكاح سعيد بن المسيّب وغيره. ابن القاسم في الموازية: ولكل أحد مقدار ما يعذر فيه، ولا شك أن عشرين سنة كثيرة ويتزوج. أصبغ: بعد تصبر وتعفف، وقال أشهب وابن وهب: لا يتزوج وإن خاف العنت في الثلاثين سنة، وقال مالك: يتزوج فيها إن خاف العنت. وانظر هل مرادهم بالعنت المشقة أو الزنى؟ وهو الظاهر كما قالوا في نكاح الأمة، وقول ابن القاسم: نكاحه خير من الزنى يدلّ عليه. انتهى.

فرع. ابن القاسم: وإن قال كل امرأة أتزوجها من أرض الإِسلام طالق إن كان يقدر على التزويج بأرض الشرك وإخراجها لزمته اليمين وإلا فلا، وخالفه أصبغ كمن استثنى قرية صغيرة. نقله في التوضيح.

أو آخر امرأة يعني أن الرجل إذا قال آخر امرأة أتزوجها طالق لا يلزمه شيء عند ابن القاسم، وهو كمن حرم جميع النساء لأنه كلما تزوج امرأة احتمل أن تكون آخر امرأة، فلو فرق بينه

ص: 135

وبينها لم يستقر ملكه على امرأة هذا هو المذهب وما بعده ضعيف، وهو قوله: وصوب وقوفه عن الأولى حتى ينكح ثانية يعني أن سحنون وابن المواز خالفا ابن القاسم فقالا: من قال آخر امرأة أتزوجها طالق يوقف عن وطء الأولى حتى ينكح امرأة ثانية، فإذا نكحها حلت له الأولى، ثمَّ كذلك أي يوقف عن الثانية حتى ينكح ثالثة فتحل له الثانية، ثمَّ إذا نكح رابعة حلت له الثالثة وهكذا، وصوب ابن راشد قول ابن المواز وسحنون فلهذا قال: وصوب وقوفه عن الأولى حتى لخ، وقوله:"وصوب وقوفه" ظاهر المص الوقوف ولو قال لا أتزوج أبدا.

وهو في الموقوفة كالمولي يعني أنَّه إذا فرعنا على قول سحنون وابن المواز إنه يوقف عن الأولى لخ، فإن الزوج يكون في المرأة الموقوف عنها بمنزلة من آلى من امرأته فلابد من رفع الضرر عنها، فإن رافعته ضرب لها أجل الإيلاء من يوم الرفع لا من يوم يمينه وهي: آخر امرأة أتزوجها طالق؛ لأنها ليست صريحة في ترك الوطء فإن انقضى ولم ترض بالمقام معه بدون وطء طلق عليه، والأولى تأخير قوله:"وهو في الموقوفة كالمولي" عن قوله: واختاره إلا في الأولى لأنه جارّ في المسألتين، يعني أن اللخمي اختار القول بالوقف إلا في المرأة الأولى؛ لأنه لما قال: آخر امرأة علم أنَّه جعل له أول امرأة، وقوله:"وهو في الموقوفة كالمولي"، وإذا مات زمن الوقف عمن تزوجها ووقف عنها فلها نصف الصداق ولا إرث لها منه لأنها آخر امرأة، ويلغز بها فيقال: شخص مات عن حرة مسلمة في نكاح بصداق مسمى وأخذت نصفه ولا ميراث لها ولا عدة. ابن الماجشون: فإن تزوج امرأة وماتت وقف ميراثه منها حتى يتزوج، فإن تزوج ورثها ويكمل لها الصداق، فإن لم يتزوج فلا إرث له ولا يكمل لها الصداق، ويلغز بها فيقال: ماتت امرأة ووقف إرثها وليس في ورثتها حمل ولا خنثى مشكل، ويقال أيضًا: ماتت امرأة في عصمة رجل ولا يرثها إلا أن يتزوج غيرها. وقد مر أنه في الموقوفة كالمولي، وأنه إذا انقضى أجل الإيلاء ولم ترض بالمقام معه بدون وطء تطلق عليه، وإذا طلقت فلا رجعة له عليها لأنها مطلقة قبل البناء، وظاهر المص أنَّه يوقف إلى أن يتزوج أو يموت.

وقوله: "أو آخر امرأة" مفهومه أنَّه لو قال: أول امرأة أتزوجها طالق فتزوج امرأة بانت منه ولها نصف الصداق وسقطت يمينه، قاله الشارح والتتائي. قاله الشبراخيتي. ونقله الحطاب عن

ص: 136

اللخمي. وأما لو قال: أول امرأة أتزوجها طالق، ثمَّ قال: آخر امرأة أتزوجها طالق، فعلى قول ابن القاسم لا يلزمه شيء، وعلى القول المصوب تنعقد اليمين فيهما معا، فإن تزوج امرأة طلقت لأنها أول امرأة وإن تزوج ثانية كانت اليمين منعقدة فيها لأنه قادر على أن يتزوج أخرى فتحل الثانية، وهكذا ولا يجري فيها اختيار اللخمي، فالأقسام ثلاثة. قاله الشيخ إبراهيم.

وقال الإمام الحطاب: قال اللخمي في تبصرته: وإن قال أول امرأة أتزوجها طالق، ثمَّ قال بعد ذلك آخر امرأة أتزوجها طالق انعقدت اليمين فيهما جميعًا، فإن تزوج امرأة طلقت لأنها أول امرأة، وإن تزوج ثانية كانت اليمين منعقدة فيها لأنه قادر على أن يتزوج أخرى وتحل الثانية. انتهى. وقال الشيخ عبد الباقي: فإن قال أول امرأة أتزوجها طالق وآخر امرأة أتزوجها طالق فإنَّه يلزمه الطلاق في أول من يتزوجها، ويجري في آخر امرأة قولًا ابن القاسم وسحنون، ولا يجري فيها اختيار اللخمي.

وقوله: "أو آخر امرأة" اقتصر الشيخ الأمير على قول ابن القاسم، فقال: ولا شيء في آخر امرأة أتزوجها طالق عند ابن القاسم؛ لأنه ما من واحدة إلا ويحتمل أنها الأخيرة فكان كمن عم النساء، وأما الجزم بالأخيرة فلا يكون إلا بعد موته ولا يطلق على ميت. انتهى. وقوله:"وهو في الموقوفة كالمولي"، وإن قال آخر ما أتزوج إلا واحدة طالق يريد تطليق التي تلي الأخيرة فإن تزوج وقف عنها، وعن الأولى إذ لا يدرى من تلي الأخيرة منهما، فإن مات فالأولى المطلقة، فإن تزوج حلت له الأولى ثمَّ إن مات فالثانية المطلقة ثمَّ كذلك. قاله في التوضيح.

ولو قال إن لم أتزوج من المدينة فهي طالق فتزوج من غيرها نجز طلاقها يعني أن الرجل إذا قال إن لم أتزوج من أهل المدينة أو من المدينة فهي أي التي أتزوجها من غير المدينة طالق، فتزوج من غير أهل المدينة فإنَّه ينجز عليه طلاقها أي التي تزوجها من غير أهل المدينة بمجرد العقد. قاله في المدونة. واختلف الشيوخ في فهم المدونة فمنهم من أبقاها على إطلاقها؛ أي سواء في ذلك تزوجها قبل أن يتزوج من المدينة أو بعد أن تزوج من المدينة لأنَّ هذا بمنزلة كل امرأة أتزوجها من غير المدينة طالق وهو المأخوذ من كلام الجواهر تبعًا لظاهر المدونة.

ص: 137

وتؤولت على أنه إنما يلزمه الطلاق إذا تزوج من غيرها قبلها يعني أن من الأشياخ من تأول المدونة أيضًا على أن محلّ تنجيز الطلاق عليه إذا كان تزوجه من غير أهل المدينة قبل أن يتزوج من المدينة، وأما إن تزوج من المدينة ثمَّ تزوج من غيرهم فإنَّه لا ينجز عليه الطلاق وهو تأويل اللخمي وابن محرز، وعليه عول ابن عبد السلام وغيره. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: والمذهب تأويل الإطلاق يعني الأوّل، قال محمد بن الحسن: تبع ما في التوضيح تبعًا لابن راشد من أن الأوّل هو المشهور، قال ابن غازي: فيه نظر لأنَّ اللخمي لم يفهم المدونة عليه، وكذا ابن محرز، وما عول ابن عبد السلام وغيره إلا على كلامهما وهو يفيد أن المعول عليه هو الثاني؛ ولسحنون أنَّه لا يحنث فيما يتزوج من غير المدينة بل يوقف عنها حتى يتزوج من المدينة.

والحاصل أنَّه اختلف في قول القائل: إن لم أتزوج من المدينة فكل امرأة أتزوجها من غيرها طالق، فالمشهور أنَّه ينجز عليه الطلاق في التي تزوجها من غير المدينة، ومقابل المشهور قول سحنون: لا ينجز عليه الطلاق ويوقف عن التي تزوج من غير المدينة حتى يتزوج من المدينة، بمنزلة قول القائل: إن لم أتزوج من المدينة فامرأتي طالق، وعلى المشهور فالمعنى أنَّه التزم طلاق من ليست من أهل المدينة، وكأنه قال كل امرأة أتزوجها من غير المدينة طالق لأنه الذي يقصد عرفا؛ إذ المقصود الرغبة في نساء المدينة، والتزام طلاق غيرها هذا على تأويل الإطلاق وهو تأويل ابن راشد والجواهر، وأما على تأويل اللخمي وابن محرز فالمعنى كل امرأة أتزوجها قبل أن أتزوج من المدينة فهي طالق، فالمشهور يتفرع عليه التأويلان اللذان ذكر المص، ومقابل المشهور هو قول سحنون. والله الموفق للصواب. وإليه المرجع والمئاب.

فالتأويلان معا مبنيان على أنها حملية أي كل من أتزوجها من غير المدينة طالق ثمَّ هل مطلقا وهو فهم ابن راشد، أو قبل التزوج من المدينة وهو فهم اللخمي؟ تأويلان، وإنما المبني على أنها شرطية قول ثالث لسحنون لم يذكره المص، وهو أنَّه لا يحنث فيما يتزوج من غير المدينة بل يوقف عنها حتى يتزوج من المدينة، فسحنون حمل اللفظ على مدلوله لغة من أنَّه تعليق محقق، والمشهور على أن الجملة حملية وهو الأشبه بقصد الحالف. ابن عرفة: وفيها إن قال إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق لزمه الطلاق فيما يتزوج من غيرها. اللخمي عن سحنون:

ص: 138

ولا يحنث فيما يتزوج من غير الفسطاط ويوقف عنها، كمن قال: إن لم أتزوج من الفسطاط فامرأتي طالق والأول أشبه؛ لأنَّ قصد الحالف في مثل هذا أن كل امرأة يتزوجها قبل أن يتزوج من الفسطاط طالق. ابن محرز: أحسب لمحمد مثل ما في المدونة. ابن بشير: هما على الخلاف في الأخذ بالأقل فيكون مستثنيا أو بالأكثر فيكون موليا. ابن الحاجب: بناء على أنَّه بمعنى من غيرها أو تعليق محقق، يريد أن معناه على الأوّل حملية وعلى الثاني شرطية. وتقريرهما مما تقدم من لفظ اللخمي واضح. انتهى من نسخة عتيقة من ابن عرفة. والذي نقله ابن غازي عنه ما نصّه على الخلاف في الأخذ بالأقل فيكون موليا وبالأكثر فيكون مستثنيا لخ عكس ما في الأصل، والظاهر أنَّه تحريف وأن الصواب ما نقلناه. والله أعلم. قاله محمَّد بن الحسن. قال جامعه عفا الله عنه: هذا تحرير لهذه المسألة به يحصل الإقناع ويزول اللبس وينكشف به القناع.

واعتبر في ولايته عليه حال النفوذ الضمير في ولايته عائد على الزوج والمجرور بعلى عائد على المحل وهو العصمة والولاية على المحل ملكه والنفوذ وقوع المعلق عليه وحاله وقت وقوعه، ومعنى كلام المص أنَّه يعتبر في ملك الزوج للعصمة وقت وقوع المعلق عليه، فإن وقع المعلق عليه وهي مملوكة للزوج وقع الطلاق، وإن لم تكن مملوكة له وقت وقوع المعلق عليه لم يقع الطلاق؛ لأنَّ المحل الذي يقع عليه الطلاق لم يكن له إذ ذاك، فإن قلت مقتضى قول المص: واعتبر في ولايته عليه حال النفوذ يخالف ما في المدونة والنوادر أن من قال علي الطلاق أو العتق لا أدخل هذه الدار وليس له حين اليمين زوجة ولا مملوك، ثمَّ لم يدخل الدار حتى تزوج أو ملك فإنَّه لا حنث عليه، وكذا إن قال: إن دخلت الدار فزوجتي طالق أو عبدي حر ولم يكن له يوم علق زوجة ولا مملوك، ثمَّ إنه بعد ما تزوج أو ملك دخل وهذا يفيد أنَّه لا يعتبر حال النفوذ، قلت: مراد المص أنَّه يعتبر حال النفوذ فيمن انعقدت عليه فيه اليمين، وما ذكر لم ينعقد عليه فيه يمين. قاله الشيخ إبراهيم. وما قاله ظاهر، ولهذا لو علق صبي طلاق زوجته على دخول الدار فبلغ فدخلت فلا يلزمه طلاق؛ لأنَّ يمين الصبي غير منعقدة.

ص: 139

قال الحطاب: ورأيت في بعض التعاليق أن ابن دحون سئل عمن حلف باللازمة أن لا يرد مطلقته، قال: يردها ولا شيء عليه، ونحوه للباجي. انتهى. أي لأنها حين الحلف لم تكن في عصمته، وهذا ظاهر. قاله عبد الباقي. وقال بعض الشراح: الظاهر ضعفه، قال محمَّد بن الحسن: ما قاله هذا البعض هو الظاهر؛ لأنَّ المسألة مثل من قيل له تزوج فلانة، فقال هي طالق. انتهى. وفي شرح الشيخ عبد الباقي ما يفيد تقوية ما لهذا البعض. وأشار إلى فائدة اعتبار حال النفوذ بقوله:

فلو فعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزم يعني أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار، ثمَّ إنه أبانها بخلع أو طلقها رجعيا وانقضت العدة أو أبتها، ثمَّ إنها فعلت المحلوف عليه بأن دخلت الدار حال بينونتها لم يلزم الطلاق؛ لأنَّ الزوج لا ولاية له على المرأة وقت وقوع المعلق عليه، وكذا لو حلف على فعل نفسه ففعل المحلوف عليه حال بينونتها فلا يلزمه طلاق، ومن حلف لغريمه بالطلاق الثلاث ليأتينه أو ليقضينه وقت كذا فقبل مجيء الوقت طلقها طلاق الخلع لخوفه من مجيء الوقت وهو معدم، أو قصد عدم الذهاب لا يلزمه الثلاث ثمَّ بعد ذلك يعقد عليها بربع دينار برضاها وولي وشاهدين في الصورتين، ويبقى له فيها طلقتان أو طلقة إن كان قد طلقها طلقة واحدة، وهذا أحسن له من أن تطلق عليه ثلاثًا بعدم مجيئه له أو قضائه له وهذا واضح.

ولعبد الباقي أن ما مر من طلاقه عند خوف مجيء الوقت المحلوف على القضاء فيه غير محتاج إليه، لما سيأتي عند قوله:"وهل مطلقا أو إلا في كإن لم أحج وليس وقت سفر تأويلان" من أن من حلف بالطلاق لغريمه ليقضينه حقه إذا جاء رأس الشهر وكان حلفه ذلك لكونه يأتيه عند رأسه دراهم من محلّ ولم تأته وهو معسر فلا حنث عليه؛ لأنه من المانع العادي المتأخر ولم يفرط. انتهى. قال محمَّد بن الحسن: قوله ثمَّ ما مر من طلاق لخ فيه نظر؛ لأنه إنما ينتفي الحنث بما ذكره إذا حلف مستندا لعادة وما هنا غير مقيد بذلك تأمل، على أن ما ذكره هنا مخالف لما قدمه في اليمين من الحنث بالعادي المتأخر عن اليمين مطلقا، وقت أم لا فرط أم لا، وأن التفصيل خاص بالمانع العقلي كما تقدم في نظم علي الأجهوري:

ص: 140

وإن أقتت

(1)

أو كان منه تبادر

فحنثه بالعادي لا غير مطلقا

انتهى. فما ذكره هنا وفي ما يأتي من عدم الحنث غير ظاهر. والله أعلم. انتهى كلام محمَّد بن الحسن بناني.

ولو نكحها ففعلته حنث إن بقي من العصمة المعلق فيها شيء هذا أيضًا من اعتبار حال النفوذ؛ يعني أن الرجل إذا علق طلاق زوجته على فعل منها أو منه ولم يقيده بزمن، كدخول دار مثلا ثمَّ طلقها طلاقا بائنا ثمَّ تزوجها ففعلت المحلوف عليه وهي في عصمته، فإنَّه يحنث ويقع عليه الطلاق بشرط أن يكون قد بقي من العصمة المعلق فيها شيء أي طلقة أو طلقتان، وعند الشافعي لا يحنث مطلقا فإن قيد بزمن ومضى، كقوله إن دخلت الدار غدا فأنت طالق فأبانها ثمَّ أعادها لعصمته فدخلت الدار بعد غد فلا حنث عليه، وكذا لو لم يبنها لكن لم تدخل الدار إلا بعد غد فلا شيء عليه، وبهذا تعلم أن للمسألة صورتين: الأولى فيما لا يمكن تكرره مثل أن يحلف لغريمه بطلاق زوجته البتة ليقضينه إلى أجل سماه فيصالح زوجته قبل الأجل ثمَّ يراجعها بعد مضي الأجل فلا حنث عليه، والثانية أن يكون يمكن تكرره فلا يقع الحنث بما فعلته في حال البينونة ويحنث بما فعلته بعدها، كما لو حلف بطلاقها أن لا تدخل دار فلان فأبانها ثمَّ دخلت ثمَّ راجعها فلا حنث عليه، فإن دخلت الدار مرة ثانية بعد مراجعته حنث، فلو تزوجها مرة ثانية بعد الحنث ثمَّ دخلت لم يتكرر عليه الحنث. ذكر ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح وفي ابن عرفة وغيره.

وقال القرافي: وإذا قال إن دخلت الدار فعبد من عبيدي حر أو امرأتي طالق، فخالف ودخل عتق عبد من عبيدة وطلقت امرأته طلقة واحدة، فإن عاد وخالف مقتضى التعليق لم يلزمه عتق عبد آخر ولا طلقة أخرى، ثمَّ قال: ومثل ذلك إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وكلم زيدا لم يلزمه بهذا الكلام طلاق، فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه الله تعالى. نقله

(1)

في النسخ أقت والمثبت من بناني: ج 4 ص 95.

ص: 141

الحطاب. وفيه: وسئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن دخلت جاريتك على أختك إن لم أضربها مائة، فدخلت ثمَّ ضربها مائة ثمَّ دخلت مرة أخرى، قال: لا شيء عليه إلا أن يكون نوى أن يضربها كلما دخلت، وسئل مالك عن رجل قال لامرأته: أنت طالق إن بت عنك فبات عنها فطلقت منه بواحدة ثمَّ ارتجعها ثمَّ بات عنها بعد ذلك؟ قال: لا شيء عليه إلا الأولى، قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة. وفي غير مسألة من العتبية. ومفهوم إن بقى من العصمة المعلق فيها شيء أنَّه لو لم يبق منها شيء لا يحنث إن أعادها لعصمته، كما لو قال لها: أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار أو إن دخلت الدار في هذه السنة فطلقها ثلاثًا ثمَّ تزوجها بعد زوج ثمَّ دخلت الدار فلا حنث، ولو دخلتها قبل مضي السنة.

وتحصل مما مر أنَّه بعد الحنث لا يتكرر عليه الحنث بفعل المحلوف عليه مرة أخرى إلا أن يكون لفظه يقتضي التكرار أو ينوي التكرار، ويختص حنثه بالعصمة المعلق فيها، فإذا قال لزوجته: كلما دخلت الدار فأنت طالق أو نوى ذلك فإنَّه يحنث كلما دخلتها حتى تتم العصمة المعلق فيها، فإذا عادت له بعد زوج بعصمة جديدة لم يقع عليه حنث بدخول الدار وهذا بخلاف التعليق في الأجنبية، فإذا قال لها: كلما تزوجتك فأنت طالق فإنَّه كلما تزوجها تطلق عليه ولا يختص بالعصمة الأولى، والفرق أنَّه في الأولى علق ما يملك من الطلاق حالًا؛ لأنه إذا علق وهو مالك للعصمة انصرف إلى ما في ملكه

(1)

وهو إنما يملك حالًا الثلاث، وفي الثانية علق ما يملك من الطلاق بتقدير التزويج وهو لا يتقيد بعصمة؛ إذ ليس هنا ما يملك حتى يتصرف لأنَّ الفرض أنها أجنبية. قاله الشبراخيتي.

وقال عبد الباقي: وأما لو حلف ليفعلن هو أو هي كذا فأبانها ففعل هو أو هي حال بينونتها، ثمَّ تزوجها فإنَّه لا يبر بالفعل حال بينونتها وتبقى اليمين إن لم يكن قيدها بأجل وانقضى. انتهى. قال محمَّد بن الحسن: فيه نظر، بل غير صحيح، والفرق بين الحنث والبر واضح إذ الحنث لكونه موجبا للطلاق شرط فيه ملك العصمة، والبر لكونه مسقطا لليمين لا معنى لاشتراط ملك العصمة فيه بل في أي وقت وقع الفعل الذي حلف ليفعلنه يبر فتأمله. انتهى.

(1)

في النسخ ملك والمثبت من الشبراخيتي: ج 2 مخطوط.

ص: 142

وفي النكاح الأوّل من المدونة: وإن تزوجها على شرط يلزمه ثمَّ صالحها أو طلقها طلقة وانقضت عدتها ثمَّ تزوجها عاد عليه الشرط في بقية طلاق الملك، وإن شرط في نكاحه الثاني أنَّه

(1)

إنما نكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شيء لم ينفعه ذلك. نقله الحطاب. قال: وقد سئلت عن رجل زوج ابنته وهي صغيرة من رجل بصداق، فقال له الزوج: أخشى أنها تموت وتطلب أنت مني المهر، فقال أبو الزوجة: زوجته طالق إن طالبتك من صداقها بشيء، ثمَّ إن أبا الزوجة طلق زوجته ثلاثًا ثمَّ تزوجها بعد زوج ثمَّ ماتت البنت، فهل له مطالبته بالصداق، وهل يلزمه الحنث أم لا؟ فأجبت بما صورته لوالد الزوجة المتوفاة مطالبة الزوج ولا حنث عليه؛ لأنَّ هذه عصمة جديدة. والله سبحانه أعلم. انتهى.

فرع: إذا حلف بالطلاق أن لا يفعل فعلا ثمَّ طلق تلك الزوجة ثمَّ فعل ذلك الفعل فلا حنث عليه من باب أولى. والله أعلم. قاله الحطاب.

وقد مر مسألة مالك: من قال لامرأته أنت طالق إن بت عنك فبات عنها فطلقت منه بواحدة ثمَّ ارتجعها ثمَّ بات عنها بعد ذلك فلا شيء عليه إلا الأولى، قال ابن رشد: وهذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة وفي غير مسألة من العتبية حاشى مسألة الوتر. قاله الحطاب. قال: ونص مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من النذور: مسألة: وسئل عن رجل حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار فنام ليلة قبل أن يوتر، أترى عليه في ليلة أخرى إن نامها شيئًا أم قد أجزأ عنه الأمر الأوّل؟ قال ذلك إلى ما نوى وهو أعلم بما أراد به من ذلك، وما رأيت أحدا يفعل هذا الوجه ليس الوتر أعني ولكن ما يوجب على نفسه في غير هذا من هذه الأشياء إلا أن عليه في كل ما فعل ما حلف عليه، وما يريد أحد في مثل هذه الأشياء واحدة إلا أن ينويه، قال ابن رشد: هذه الرواية مخالفة لما في المدونة.

من ذلك مسألة من حلف أن لا يكلم رجلًا عشرة أيام ومخالفة أيضًا لجميع روايات العتبية، من ذلك أول مسألة من سماع أشهب ثمَّ سرد المسائل المتقدم ذكرها، ثمَّ قال: وهذا الاختلاف جار

(1)

ساقطة من النسخ وقد وردت في الحطاب: ج 4 ص 432 والتهذيب: ج 2 ص 167.

ص: 143

على اختلاف الأصوليين في الأمر المقيد بصفة هل يقتضي تكراره بتكرار الصفة أم لا؟ فمسألة الوتر على القول بوجوب تكراره بتكرار الصفة لأنه أوجب عليه صدقة دينار لكل ليلة نام فيها قبل أن يوتر إلا أن ينوي مرة واحدة، قال: وكذلك ما يوجب على نفسه من هذه الأشياء، ومسائل المدونة والعتبية التي ذكرناها على القول بأن الأمر لا يجب تكراره بتكرار الصفة لأنه لم يوجب عليه ما حلف به كلما تكرر الفعل الذي جعله شرطا فيما حلف به إلا أن ينوي ذلك. وبالله التوفيق. انتهى.

كالظهار تشبيه تام يعني أنَّه إذا قال الرجل لزوجته: إن فعلت أنا أوأنت كذا فأنت علي كظهر أمي فأبانها وفعلته حال بينونتها أو فعله هو حال بينونتها لم يلزمه ظهار، فلو تزوجها وفعلته لزمه الظهار إن بقي من العصمة المعلق فيها شيء وإلا فلا. انظر الشبراخيتي. وقال الحطاب: يعني إذا علق الظهار على أمر ففعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزمه شيء، ولو نكحها ففعلت لزمه ما دامت العصمة المعلق فيها، فإن طلقها ثلاثًا ثمَّ تزوجها سقط حكم الظهار المعلق، وأما لو وقع المعلق عليه وهي في عصمته ولزمه الظهار أو ظاهر من غير تعليق ثمَّ طلقها ثلاثًا لم يسقط الطلاق الثلاث الظهار، وسيقول المص:"وسقط إن تعلق ولم يتنجز بالطلاق الثلاث". والله سبحانه أعلم. انتهى.

لا محلوف لها يعني أن المحلوف لها أي التي حلف لها بطلاق من يتزوج عليها، ككل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق أو إن تزوجت عليك فأنت طالق ليس حكمها حكم المحلوف بطلاقها، وهي المشار إليها بقوله:"فلو فعلت المحلوف عليه حال بينونتها" لخ، فإن اليمين في المحلوف لها تلزم فيها أي في العصمة التي علق لها عند ابتدائها، فإذا تزوج مثلا على أن كل من يتزوج عليها طالق ثمَّ طلقها دون الثلاث ثمَّ تزوجها فإن اليمين تعود عليه، وكل من يتزوج عليها تطلق في المثال الأوّل وهي في المثال الثاني، وكذا تعود عليه في غيرها أي في غير العصمة التي حلف لها عند ابتدائها، فلو طلق عمرة المذكورة ثلاثًا ثمَّ تزوجها بعد زوج فإن اليمين تعود عليه، فإذا تزوج عليها تطلق من تزوجها عليها أو هي في المثالين المذكورين، فقد علمت أنَّه لا فرق في لزوم الطلاق له فيمن يتزوجها عليها أو فيها هي بين العصمة التي وقع الحلف عند ابتدائها وغيرها.

ص: 144

واعلم أن الأقسام ثلاثة: محلوف بها أي بطلاقها وهي التي تقدّمت في قوله: "فلو فعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزم"، وصورتها أن يقول لزوجته هي طالق إن دخلت الدار مثلا، والثاني المحلوف لها وهي المشار إليها بقوله:"لا محلوف لها ففيها وغيرها"، والثالث المحلوف عليها ففيها وغيرها أيضًا وما ذكره المص في المحلوف لها، قال الشارح: قاله ابن المواز وغيره وهو مذهب الجمهور. انتهى.

وقال الحطاب: هذا الذي ارتضاه المص وغيره خلاف ما شهره ابن الحاجب في هذه المسألة، وقال ابن غازي: قوله: "لا محلوف لها" يريد أو عليها فإنهما خلاف المحلوف بطلاقها المتقدمة. هذا مقتضى مسألة زينب وعزة من كتاب الإيلاء من المدونة. خلاف ما في كتاب الإيمان بالطلاق منها. انتهى. ومثال المحلوف عليها: إذا قال زينب طالق إن وطئت عزة فعزة محلوف عليها أي على ترك وطئها فتلزمه الأيمان في عزة ما دامت زينب في تلك العصمة، ولو طلق عزة ثلاثًا ثمَّ أعادها لعصمته بعد زوج، وهكذا أبدا يكون موليا في عزة ما بقي شيء من عصمة زينب، وأما لو طلق زينب ثلاثًا ثمَّ تزوجها بعد زوج فإنَّه لا يكون موليا في عزة.

واعترض ابن عبد السلام ما شهره ابن الحاجب قائلا: أنكر ذلك ابن المواز وابن حبيب وغير واحد من المحققين المتأخرين، ورأوا أن هذا الحكم إنما يكون في المحلوف بطلاقها لا في المحلوف لها بالطلاق، ثمَّ استدل بظاهر ما في الإيلاء من المدونة حيث فرق في مسألة زينب وعزة بين المحلوف لها فخصها بالعصمة وبين المحلوف عليها فجعل حكمها مستمرا في العصمة الأولى وغيرها، وسبق ابن عبد السلام إلى هذا عياض فإنَّه قال: اعترض غير واحد هذا، وقالوا: يمينه باقية عليه، وإنما يسقط زوال العصمة ما كان في المعلقة نفسها لا ما كان في سواها وهو نص المدونة؛ يعني في مسألة زينب وعزة، وهذا هو الذي اعتمده المص هنا مخالفا لما لابن الحاجب تبعًا لما في الأيمان من المدونة.

وقال ابن عرفة ما نصّه: تضعيف ابن عبد السلام [رواية المدونة]

(1)

أي في الأيمان بظاهر ما في الإيلاء منها نقله بعض من تقدمه من الفاسيين، وفرق بين المسألتين بأن الإيلاء مخالف للطلاق؛

(1)

ساقط من النسخ والمثبت من بناني ج 4 ص 95.

ص: 145

لأنَّ الإيلاء يلزم في الأجنبية ولا يزول بالملك، والطلاق لا يلزم في الأجنبية ويزول بالملك. انتهى. وهذا الفرق ذكره أبو الحسن في كتاب الإيلاء، ونصه الفرق بينهما أنَّه في الإيلاء قصاراه أنها أجنبية والإيلاء في الأجنبية لازم، والضابط أن الملك الذي عقد فيه اليمين إما بالظهار أو بالطلاق أو علق طلاق غيرها بالتزويج عليها متى ما طلقها ثلاثًا ثمَّ تزوجها بعد زوج لا يعود عليه إلا أن يكون ظهارا مجردا، أو بشرط وقد وقع الشرط أو يكون إيلاء فيلزمه كما يلزم في الأجنبية. انتهى.

قال ابن عرفة: ويدل على صحة فرق بعض الفاسيين، وأن المدونة لا خلاف فيها بين الكتابين قول ابن رشد في سماع ابن القاسم: أصل مالك في المدونة أن من شرط لامرأته طلاق الداخلة عليها تنحل عنه اليمين بخروج زوجته عن عصمته بالثلاث، وهو خلاف رواية ابن حبيب ومطرف، وقول ابن الماجشون وابن أبي حازم من أن اليمين لا تنحل عنه لأنَّ الشرط في اليمين في الداخلة وليدى هو فيها. ابن عرفة: فلو كان عنده ما في كتاب الإيلاء خلافا لقال: ومثل قول هؤلاء في كتاب الإيلاء وهوأذكر الناس لمسائل المدونة. انتهى بمعناه.

قال الرماصي: فظهر لك أن لا تخالف في كلام المدونة، وأن مسألة الإيلاء مباينة لمسألة الطلاق، وأن كلام ابن الحاجب صواب. انتهى. قاله محمَّد بن الحسن. وقال: الحق ما لابن الحاجب، وقال الأمير: واختص بالعصمة في محلوف بها ولها على المعتمد، خلافا لما في الأصل. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله "ففيها وغيرها": ضعيف والمذهب اختصاصه بالعصمة المعلق فيها. انتهى. وقال الشبراخيتي: وما مشى عليه المص خلاف المعتمد كما قاله ابن الحاجب ونص عليه في المدونة، والمذهب أن المحلوف لها كالمحلوف بها في الاختصاص بالعصمة الأولى. انتهى.

ولو طلقها ثم تزوج ثم تزوجها طلقت الأجنبية يعني أن الرجل إذا حلف لامرأته عند العقد بطلاق من يتزوج عليها؛ بأن قال: كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق، ثمَّ إنه بعد نكاحه للمحلوف لها طلقها أي المحلوف لها بائنا دون الثلاث أو رجعيا وانقضت العدة وتزوج أجنبية، ثمَّ بعد أن تزوج الأجنبية تزوج المحلوف لها التي طلقت قبل تزوج الأجنبية، فإن الأجنبية تطلق عليه أي يلزمه فيها الطلاق، وكذا لو تزوج الأجنبية ابتداء ثمَّ تزوجها فتطلق الأجنبية أيضًا.

ولا حجة له أنه لم يتزوج عليها وإن ادعى نية يعني أنَّه إذا قال كل امرأة أتزوجها على فلانة فالتي أتزوجها طالق، فطلق المحلوف لها بعد أن نكحها فتزوج الأجنبية ثمَّ تزوج المحلوف لها،

ص: 146

فإن الأجنبية يلزمه فيها التعليق فتطلق عليه كما عرفت، وإن قال إنما تزوجتها على غيرها ولم أنكح غيرها عليها فلا حجة له تعتبر في ذلك وإن ادعى أنَّه قصد أن لا يتزوج عليها وأنه يتزوجها هي على غيرها، ورد المص بقوله:"ولا حجة له أنَّه لم يتزوج عليها" قول أشهب، فإنَّه قال: لا شيء عليه لأنه لم ينكح عليها، وراعى لفظ اليمين، وقوله:"وإن ادعى نية" قال في المدونة: ولا أنويه إن ادعى نية.

لأن قصده أن لا يجمع بينهما يعني أنَّه إنما لم تقبل نيته لأنَّ قصده يحمل على أنَّه لا يجمع بين المرأتين في عصمة، قال فيها: ولا أنويه إن ادعى نية لأنَّ قصده أن لا يجمع بينهما. انتهى. أي يحمل على ذلك، وقال مطرف: إن اشترط عليه ذلك في أصل العقد لزمه ذلك، وإن طاع به فله نيته. وعلم مما قررت أن قوله:"لأنَّ قصده أن لا يجمع بينهما" معناه أنَّه يحمل قصده على أن لا يجمع بينهما.

وهل لأن اليمين على نية المحلوف لها أو قامت عليه بينة يعني أنَّه استشكل قوله في المدونة لأن قصده أن لا يجمع بينهما؛ لأنَّ الحالف يقول نويت أن لا أتزوج عليها، وهو يقول بل قصده أن لا يجمع بينهما، واختلف في الجواب عن ذلك الإشكال فقيل إن معناه أن اليمين على نية المرأة المحلوف لها؛ إذ نيتها أن لا يجمع معها أحدا، وعلى هذا فلا تقبل منه ولو جاء مستفتيا؛ لأنَّ اليمين على نية المحلوف لها، وظاهره كان ذلك مشترطا في صلب العقد أم لا، وقيل إن معناه أنَّه قامت عليه بذلك بينة أي رافعته المرأة فلو جاء مستفتيا لصدق.

وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، وبهما يرتفع الإشكال. والله سبحانه أعلم. والتأويل الأوّل لأبي الحسن، والثاني نقله أبو إبراهيم عن ابن رشد، قال ابن عرفة: ولا أذكره الآن لابن رشد قاله محمَّد بن الحسن. وبحث بعضهم في قول صاحب التأويل معناه أنَّه قامت عليه بينة بأن نيته موافقة لظاهر اللفظ، فكان ينبغي أن يقبل قوله ولو مع البينة، وأجيب بأنها وإن وافقت مدلول اللفظ لغة لكن خالفت مدلوله عرفا، كمن حلف لا يطأ أمته، وقال: نويت برجلي فإنها مخالفة مع أنها موافقة للمدلول لغة. انظر الشبراخيتي.

ص: 147

وفيما عاشت مدة حياتها عطف على قوله: "في المصرية" أعني مدة، وأما رفعه على أنَّه فاعل لزم معطوف على قوله:"ولزم في المصرية" ففيه تكلف؛ لأنَّ اللازم الطلاق في المدة لا نفس المدة انظر الشبراخيتي؛ يعني أن الرجل إذا قال كل امرأة أتزوجها ما عاشت فلانة طالق فإنَّه تلزمه اليمين ما عاشت أي ما دامت حية، سواء كانت فلانة التي علق الطلاق بمدة عيشها تحته حين اليمين أم لا، وهذا هو المذهب، وقال أشهب: لا يلزمه حياتها لما فيه من التضييق عليه. قاله في الشامل. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب عند قوله "وفيما عاشت مدة" لخ: نحوه في الأيمان بالطلاق، وفي حاشية المشدالي في هذه المسألة، قال: قالوا فيمن اشترى طستا وأشهد لامرأته أنها تنتفع به حياتها ثمَّ طلقها، وقال أردت ما بقيت عندي حلف وأخذه.

إلا لنية كونها تحته يعني أن محلّ لزوم اليمين مدة حياة فلانة إنما هو حيث لم تكن فلانة تحته أو تحته، ولم ينو ما دامت فلانة تحتي أو في العصمة، وأما إن قال ذلك وهي تحته وادعى أنَّه نوى ما دامت تحتي أو في العصمة فإنَّه تقبل نيته في الفتوى والقضاء كما مر، وله إذا طلقها ولم ينو ما دامت تحته أن يتزوج غيرها إن خشى العنت وتعذر التسري، وإذا نوى ما دامت تحته وطلقها ثلاثًا فإن أبتها فله تزوج غيرها ولو بعد عودها لعصمته بعد زوج لأنها محلوف لها، وقد مر أنها كالمحلوف بها على مذهب المدونة وتقدم ما فيها من الخلاف، وإن لم ينو ما دامت تحته لزمه الطلاق مطلقا.

وقد مر أن المعتبر حال النفوذ فلذلك قال: ولو علق عبد الثلاث على الدخول فعتق ودخلت لزمت يعني أن العبد سواء كان ذا شائبة أم لا؛ إذا علق الطلاق الثلاث على فعل من زوجته كدخول الدار مثلا فعتق بعد أن علق طلاقها على ذلك ودخلت الدار بعد عتقه، فإنَّه تلزمه الثلاث فلا تحل إلا بعد زوج لأنَّ المعتبر حال النفوذ كما تقدم لا حال التعليق، وعلم مما مر أن اعتبار حال النفوذ إنما يكون حيث كان ينعقد عليه اليمين في ذلك يوم التعليق، احترازا مما لو كان حين التعليق لا زوجة له أو صبيا، وقوله:"فعتق ودخلت" وأما لو دخلت قبل عتقه فإنَّه تلزمه اثنتان ولا تحل له إلا بعد زوج، وقوله:"لزمت" ظاهر فيه اعتبار حال النفوذ إذ ما لزمه الثلاث إلا باعتبار الحرية الموجودة وقت النفوذ، ولو اعتبرت الرقية الموجودة وقت التعليق ما لزمه إلا اثنتان إذ لم يكن يملك سواهما. قاله بناني.

ص: 148

وقال الحطاب: قال ابن عرفة: المعتبر في قدر الطلاق حال المطلق يوم نفوذه لا يوم عقده. ابن سحنون عن أبيه وأشهب: إن قال عبد: إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلته بعد عتقه بقيت له طلقتان. انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولو قال العبد أنت طالق إن فعلت كذا ثمَّ عتق ثمَّ حنث فهذا تبقى عنده على طلقتين، وإنما يراعى يوم الحنث كمن قال: إن فعلت كذا فأنت حر ففعله في مرضه فإنما هو في ثلثه. انتهى.

وبما قررت تعلم أن قول ابن عاشر عند قوله: "ولو علق عبد الثلاث" لخ ما نصّه: هذا وإن كان من الفروع المرتبة على اعتبار حال النفوذ إلا أنَّه لا يظهر فيه ذلك في المسألة الثانية وهي قوله: "واثنتين" لخ، وأما قوله:"كما لو طلق واحدة" لخ فليس مما يترتب على اعتبار حالة النفوذ. انتهى. غير بين إذ أثره في الأوّل ظاهر كما قررت إذ ما لزمه الثلاث إلا باعتبار الحرية الموجودة وقت النفوذ، ولو اعتبرت الرقية الموجودة حال التعليق ما لزمه إلا اثنتان كما مر انظر حاشية الشيخ بناني.

واثنتين بقيت واحدة يعني أن العبد إذا قال لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق اثنتين فعتق بعد ذلك ثمَّ دخلت الدار بعد أن عتق فإنَّه تلزمه اثنتان، وتبقى له فيها طلقة واحدة لأنَّ المعتبر حال النفوذ لا حال التعليق؛ إذ ما بقيت له واحدة إلا باعتبار الحرية الموجودة وقت النفوذ، ولو اعتبرت الرقية الموجودة وقت التعليق لم تحل له إلا بعد زوج؛ لأنَّ طلاق العبد اثنتان وقد وقعتا. والله سبحانه أعلم. وقوله:"واثنتين بقيت واحدة" قال الشبراخيتي: ولو لم يعلم بعتقه قبل دخولها أو اعتقد أنها لا تحل إلا بعد زوج، أو أن جميع طلاقه اثنتان فقط أو ظن أنَّه البتات فلا يضره، وأما لو نوى البتات بقلبه حين الحلف أو لفظ به فإنَّه يلزمه الثلاث. انتهى.

تنبيه: قال عبد الباقي: ومفهوم قوله: "ولو علق عبد" لخ أنَّه لو تبيّن أنَّه حر بعد ما طلق واحدة فانظر هل هو كذلك نظرا لحال التعليق -يعني تبقى له واحدة- أو تبقى له طلقتان نظرا لما تبيّن؟ وهو الموافق لما إذا طلق حر واحدة ثمَّ استحق برق فإنَّه يبقى له واحدة، ولو طلق اثنتين ثمَّ استحق لم يبق له شيء فقد اعتبر ما تبين. انتهى.

ص: 149

قوله: فانظر هل هو الخ قال محمَّد بن الحسن: فيه قصور؛ لأنه في الحطاب ونصه: فلو طلق واحدة ثمَّ ثبت أنَّه أوقع هذه الطلقة وهو حر بقي له اثنتان كما قال ابن القاسم، أو طلق تطليقتين ثمَّ ثبت أنَّه أعتق قبل طلاقه فله الرجعة إن لم تنقض العدة. انتهى.

قال الحطاب: وإن انقضت العدة فقد بقيت له فيها طلقة إن تزوجها، وسواء علم أن جميع طلاقه طلقتان أو لم يعلم إذا لم ينو البتات أو يلفظ بالبتة، كمن طلق طلقة وظن أنها تحرم عليه فلا يلزمه إلا واحدة، ولا يلزم ذلك إلا من عرف أن له الرجعة فنوى بها في قلبه البتة، فأما من ظن ذلك فلا يضره، وكذلك الأمة تعتد حيضتين ثمَّ يثبت أنها عتقت قبل ذلك فلتتم عدة الحرة، فإن نكحت قبل ذلك فسخ النكاح وواطئها واطئ في عدة، وسواء ثبتت حريتها بعتق أو بأصل حرية، وكل من فيه بقية رق كالعبد في طلاقه حتى إذا عتق صار كالحر من يومئذ في طلاقه. انتهى. والله أعلم انتهى.

كما لو طلق واحدة ثم عتق تشبيه في أنه تبقى له طلقة، قال جامعه عفا الله عنه: وإنما أتى بالكاف لأنَّ هذا ليس مما يترتب على اعتبار حال النفوذ. والله سب. حانه أعلم. ومعنى كلامه أن العبد إذا طلق زوجته طلقة واحدة ثمَّ إنه عتق بعد الطلاق فإنَّه تبقى له طلقة واحدة، وهذا حيث لم يثبت أنَّه أوقع هذه الطلقة وهو حر، فلو طلقها واحدة ثمَّ ثبت أنَّه أوقع هذه الطلقة وهو حر بقي له اثنتان كما قال ابن القاسم إلى آخر ما مر. والله سبحانه أعلم. وقال الشبراخيتي: كما لو طلق واحدة وهو عبد ثم عتق تبقى له واحدة؛ لأنه كحر طلق نصف طلاقه، وأما لو طلق الطلاق غير مقيد بعدد، كقوله: إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلته بعد عتقه بقيت له طلقتان. قاله أشهب.

ولو علق طلاق زوجته المملوكة لأبيه على موته لم ينفذ يعني أن الزوج الحر المسلم إذا علق طلاق زوجته المسلمة المملوكة لأبيه الحر المسلم على موت أبيه؛ بأن قال: أنت طالق إذا مات أبي أو أنت طالق إن مات أبي، فإن هذا التعليق لم ينفذ بمعنى أنَّه يبطل فلا يلزمه طلاق بموت أبيه ما لم يمت أبوه مرتدا؛ لأنه لا يرث منه حينئذ، وإنما لم يلزمه طلاق فيما إذا لم يرتد أبوه لإرثه

ص: 150

للأمة، فانعدم العمل الذي هو الزوجة أي انعدمت زوجيتها؛ لأنَّ المعلق والمعلق عليه يقعان معا فلم يجد الطلاق عند موت الأب محلا يقع عليه.

وعلم مما قررت أنَّه إن لم يكن الأب والابن حرين مسلمين بأن كانا عبدين أو كافرين أو أحدهما عبدا أو كافرا وقع الطلاق؛ إذ لا توارث مع اختلاف في الدين أو بالرق والحرية، وسمع عيسى ابن القاسم: من قال أنت طالق بعد موتي أو موتك لا شيء عليه، ولو قال يوم أموت أو يوم تموتين فهي طالق الساعة، ومن قال لزوجته: أنت طالق يوم موت أخي نجز عليه الطلاق. انتهى. وفائدة عدم النفوذ في مسألة المص مع فسخ النكاح أنَّه إن كان المعلق الثلاث فله تزوجها قبل زوج لعدم نفوذه، وكذا إن طلقها بعد إرثه لها لانتفاء الزوجية، وإن كان المعلق واحدة فأعتقها وتزوجها تبقى معه في عصمة كاملة، ولو علقه بموت أبيه مع استغراق الدين لماله فالظاهر أنَّه يلزمه الطلاق بالموت.

تنبيه: قال عبد الباقي: ولابد من كون صيغة تعليقه: (أنت طالق

(1)

) يوم موت أبي، ويفيده ظاهر المص وبه جزم المواق ولم يحك خلافه، خلافا لما في أحمد. وأما لو قال أنت طالق إن أو إذا مات أبي فينجز عليه الطلاق، وفي تعليقه ببعد موت أبيه خلاف في تنجيزه وعدمه. انتهى. قال محمَّد بن الحسن: قول الزرقاني: ولابد من كون صيغة تعليقه أنت طالق يوم موت أبي لخ هذا وإن كان هو الذي

(2)

في المواق عن ابن عرفة، لكن لا وجه للتخصيص به فإن ما قرر به أحمد صواب، وبه عبر في التوضيح على أن ما لابن عرفة مشكل؛ لأنَّ الذي يظهر في قوله: أنت طالق يوم موت أبي أنَّه ينجز عليه الطلاق الآن؛ لأنه مستقبل محقق يشبه بلوغهما إليه، بخلاف التعبير بإن أو إذا حيث غلب جانب الشرطية في إذا تأمله.

وانظر ما يأتي عند قوله: "كبعد سنة أو بعد موتي"، وقد قال ابن عرفة فيما يأتي ما نصّه: وسمع عيسى ابن القاسم: من قال أنت طالق بعد موتي أو موتك لا شيء فيه، ولو قال: يوم أموت أو يوم تموتين فهي طالق الساعة، ثمَّ ذكر أن من قال لزوجته أنت طالق يوم موت أخي

(1)

ما بين المعقوفين ساقط من النسخ وقد ورد في عبد الباقي: ج 4 ص 97.

(2)

في النسخ الذي هو والمثبت من بناني: ج 4 ص 97.

ص: 151

نجز عليه الطلاق، ولم يحك فيه خلافا. والله أعلم. وبه تعلم ما في قوله:"وفي تعليقه ببعد موت أبيه خلاف". فتأمله انتهى.

ولما انهى الكلام على الأركان الثلاثة: الأهل والقصد والمحل، أتبعه بالكلام على الركن الرابع فقال: ولفظه طلقت يعني أن لفظ الطلاق منه طلقت، ولفظ الطلاق ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صريح وكناية ظاهرة وكناية خفية، فالصريح هو ما دلّ على معنى لا يحتمل غيره بحيث لا ينصرف عنه بنية صرفه، والكناية الظاهرة قال عبد الباقي: هي ما يحتمل غيره وينصرف لذلك الغير بنية صرفه لأنها استعمال اللفظ في لازم معناه. انتهى. قال محمَّد بن الحسن: قول الزرقاني في الكناية الظاهرة: وينصرف لذلك الغير بنية لخ هو لفظ ابن عرفة، ثمَّ قال بعده: وخص ابن الحاجب الظاهرة بما لا ينصرف، وجعل بها ينصرف كناية محتملة. انتهى. ولفظ ابن الحاجب: وهي أي الظاهرة كالصريح في أنَّه لا تقبل دعواه في غير الطلاق. انتهى. وهو المطابق لما يأتي من أن الكناية الظاهرة لا تنصرف لغير الطلاق إلا ببساط يدلّ على صدقه، ولا يكفي دعواه النية دونه أي البساط، وحينئذ تستوي الظاهرة مع الصريح. فتأمله. والله أعلم. انتهى.

وقد مر لمحمد بن الحسن عن المسناوي أن القاعدة أن الكناية الظاهرة إنما يلزم بها الحنث إن نوى بها الطلاق أو لم ينو شيئًا، فتصرف للطلاق، وأما إن نوى بها شيئا آخر غير الطلاق فهو صرف اللفظ عن معناه العرفي، فلا يلزم فيه حنث. انتهى. وهو الأوّل. وكناية خفية وهي ما لا ينصرف له إلا بنية صرفه إليه، كاسقني الماء. وجعل ابن القاسم الكناية ظاهرا ومحتملا، ورأى أن اسقني الماء ونحوه لا ينبغي عده في الكناية؛ لأنَّ الكناية استعمال اللفظ في لازمه لكن هذا اصطلاح ولا مناقشة فيه، والصريح ينحصر في أربعة ألفاظ: أولها طلقت بصيغة الرباعي، فإذا قال لها: طلقتك وقع عليها الطلاق.

وثانيها: أنا طالق وسواء في لزوم الطلاق قرنه بمنك أو لا كما أطلقه المص وابن الحاجب. قاله محمَّد بن الحسن. أوأنت طالق قال مني أو لم يقله، وأشار إلى اللفظ الثالث بقوله: أوأنت مطلقة بفتح الطاء وبفتح اللام المشددة، فإذا قال لها أنت مطلقة لزمه الطلاق، وأشار إلى اللفظ الرابع بقوله: أو الطلاق لي لازم يعني أن من ألفاظ الطلاق الصريحة الطلاق لي لازم، فإذا قاله

ص: 152

لزمه الطلاق، فلفظ الطلاق الصريح منحصر في هذه الألفاظ الأربعة دون غيرها من سائر الألفاظ هذا هو وجه الصواب، وكلام الفقهاء يقتضي أن الصريح ما كان فيه الحروف الثلاثة الطاء واللام والقاف، وهو مشكل لشموله لمطلوقة ومطلقة ومنطلقة مع أنها لا يلزم بها الطلاق حيث لم ينو بها الطلاق، ولذا عدل المص عن ضبط الصريح بما ذكر إلى ضبطه بالألفاظ الأربعة؛ لأنَّ العرف نقلها من الخبر إلى الإنشاء، بخلاف منطلقة ومطلوقة ومطلقة بضم الميم وسكون الطاء وفتح اللام فلم ينقلها العرف إلى الإنشاء بل هي باقية على الخبرية، ولذا قال:

لا منطلقة يعني أنَّه إذا قال لها أنت منطلقة أو مطلقة أو مطلوقة لا يلزمه الطلاق إلا أن ينوي الطلاق فيلزمه حينئذ، وإذا قال لها أنت طالقا بالنصب لزمه الطلاق؛ لأنه إن كان جاهلا فواضح، وإن كان عالما فهازل وهزل الطلاق جد، ولو قال لها أنت طالق أن لم أطلقك أو أن طلقتك بفتح الهمزة فيهما فهو للتعليل، فيقع في الحال لما فيه من الهزل إلا إذا لم يعرف اللغة فهو كالتعليق، فيلزمه الطلاق ناجزا في إن لم أطلقك فأنت طالق ولا يلزمه في أنت طالق إن طلقتك حتى يطلقها، ولو قال أنت طال ولم ينطق بالقاف فهو من الكناية الخفية فيلزم فيه الطلاق بشرط النية، ومثله أنت قالق بإبدال الطاء قافا أو بمثناة فوقية حيث لم تكن لغته كذلك.

وتلزمه واحدة يعني أن الرجل إذا نطق لزوجته بواحد من هذه الألفاظ الأربعة المتقدمة -أعني طلقت وطالق ومطلقة والطلاق لي لازم - فإنَّه تلزمه طلقة واحدة، إلا لنية أكثر يعني أن ما مر من لزوم الواحدة في واحد من هذه الألفاظ الأربعة إنما هو حيث لم ينو أكثر من واحدة بأن نوى واحدة أو لا نية له، وأما إن نوى أكثر من واحدة فإنَّه يلزمه ما نوى من اثنتين أو ثلاث. ابن عرفة: إن قال أنت طالق فهو ما نوى فإن لم ينو شيئًا فهي واحدة، وفي حلفه على أنَّه لم يرد أكثر من واحدة نقل اللخمي عن ابن القاسم ورواية المدنيين. ابن بشير: المشهور الأوّل، وهما مبنيان على يمين التهمة. انتهى. وفي الشامل: لا يمين على الأصح قال علي الأجهوري: وهو على عادته من التعبير بالأصح فيما يستفاد من ظاهر المختصر وإن لم يقع فيه تصحيح لمن تقدمه. انتهى.

ص: 153

وقول الشيخ سالم: ولا يمين عليه عند ابن القاسم، وعند المتيطى يحلف، وشهره ابن بشير خلاف نص ابن عرفة، لكن لابن القاسم قولان. انتهى. قال محمَّد بن الحسن: والظاهر أن محلّ هذا الخلاف في القضاء، وأما في الفتوى فلا يمين. انتهى. وأما لو قال لها أنت الطلاق فهل يحلف ولا يلزمه إلا ما نواه أو تلزمه الثلاث ولا ينوى؟ قولان للمتيطى وأصبغ، وقوله:"وتلزم واحدة إلا لنية أكثر" هذا هو الأظهر، قال ابن عاصم رحمه الله:

وموقع الطلاق دون نيه

بطلقة يفارق الزوجية

وقيل بل يلزمه أقصاه

والأول الأظهر لا سواه

قال الشيخ ميارة: يعني أن من طلق زوجته ولم ينو واحدة ولا ثلاثًا فقيل تلزمه طلقة واحدة لأنها محققة، وقد حصل بها مسمى الطلاق، وقيل تلزمه الثلاث احتياطا والأول وهو لزوم الواحدة أظهر، والخلاف مبني جارّ على الخلاف في اللفظ المحتمل لأقل ولأكثر إذا لم تصحبه نية هل يحمل على أقل مصدوقاته أو على أكثرها، وفي طرر ابن عات: من قال طلقت امرأتي ولا نية له فقيل إنها واحدة وقيل إنها ثلاث ذكر ذلك ابن رشد في طلاق السنة، وفي ابن سلمون: فإن طلقها ولم تكن له نية ففي ذلك قولان، أحدهما: أنَّه تلزمه طلقة واحدة، والثاني: أنَّه تلزمه الثلاث. ذكر ذلك ابن رشد في طلاق السنة.

وسئل رحمه الله في رجل تشاجر مع امرأته فقال لها أنت طالق، ثمَّ أتبعته بالسب وقبيح الكلام فقال لها أنت طالق ثلاثا ولم تكن له نية في شيء من ذلك فأجاب: إذا كان الأمر على ما وصفت فقد بانت منه بثلاث تطليقات ولا سبيل له إليها إلا بعد زوج. انتهى. وهذا بناء على حمل الطلاق الأوّل على الرجعي، فلذلك ألزمه الثلاث التي أوقع عليها بعد ذلك، وقد تلخص من هذا أن من طلق ولا نية له في واحدة ولا في ثلاث -وقلنا تلزمه واحدة- أن تلك الواحدة رجعية يرتدف عليها الطلاق، وكذلك يتحصل من جواب الإمام أبي سعيد بن لب فيمن قال نعم مطلق أنا ثمَّ بعد يومين قال هي طالق وهي عليه حرام، أنَّه إن أراد بقوله مطلق أنا طلقة مملكة

ص: 154

فلا يرتدف عليها ما ذكره من التحريم، فإن أراد مراجعتها حلف أنَّه قصد الطلقة المملكة، وإن أراد بها طلقة رجعية أو لم يرد رجعية ولا مملكة، وإنما نوى الطلاق دون صفته فإنَّه يرتدف عليه التحريم الذي ذكره بعد ذلك، وإن كان قصد بالتحريم تفسير الطلاق الذي أوقعه أو لا فقد لزمه حكمه، والتحريم إذا لزم فهو الثلاث.

قال الشارح ما معناه: وعلى لزوم الواحدة لمن لا نية له، فهل تكون رجعية يرتدف عليها التحريم أو بائنا؟ قال: وهو الأظهر في هذا الزمان لعدم معرفة الناس بالرجعي، فلا يرتدف التحريم. انتهى. قوله: الطلقة المملكة يعني المشار إليها بقول الناظم:

وفي المملك الخلاف والقضا

بطلقة بائنة في المرتضى

وقد مر الخلاف في المملك هل هو طلاق الخلع، أو معناه طلقة تملكين بها نفسك؟ قاله جامعه عفا الله عنه. والله سبحانه أعلم.

تنبيهان: الأوّل: قال الشبراخيتي وألفاظ الطلاق تنقسم إلى خمسة أقسام: ما تلزم فيه طلقة فقط إلا لنية أكثر، وما يلزم فيه ثلاث ولا ينوى مطلقا، وما يلزم به ثلاث وينوى في غير المدخول بها فقط، وما يلزم به ثلاث وينوى في مدخول بها وغيرها، وقسم ينوى فيه وفي عدده. والمص تكلم على الجميع على الترتيب لكن مع تخلل بعض مسائل بين الأقسام، فأشار إلى القسم الأوّل بقوله:"ولفظه طلقت" إلى قوله: "إلا لنية أكثر"، وأشار إلى الثاني بقوله:"والثلاث في بتة وحبلك على غاربك"، وإلى الثالث بقوله:"والثلاث في كالميتة" إلى قوله: "إن دلّ بساط عليه"، وإلى الرابع بقوله:"وثلاث في خليت سبيلك"، وإلى الخامس بقوله:"ونوي فيه وفي عدده في اذهبي وانصرفي"، إلى قوله:"أو لست لي بامرأة". وذكر ابن الحاجب لألفاظ الطلاق أربعة عشر لفظا، وذكر لكل واحد وجهًا وهي ترجع إلى هذه الأقسام الخمسة. انتهى.

الثاني: قال ابن الحاجب: اللفظ صريح وكناية وغيرهما، الصريح ما فيه صيغة الطلاق مثل أنت طالق وأنا طالق فلا يفتقر إلى نية، وفيها لو قال أنت طالق وقال أردت من وثاق طلقت ولو جاء

ص: 155

مستفتيا ولا بينة، ولا تنفع النية في ذلك إلا أن يكون جوابا وهي واحدة إلا أن ينوي بها أكثر. انتهى. قال في التوضيح: يعني أن قوله: أنت طالق ونحوه صالح للواحدة وللاثنتين وللثلاث لكنه محمول على الواحدة إلا أن ينوي أكثر من اثنتين أو ثلاث. المتيطى: ويحلف في قوله أنت طالق، وقال أصبغ: هي الثلاث ولا ينوى. انتهى.

قال ابن الحاجب: والكناية قسمان: ظاهر ومحتمل، فالظاهر ما هو في العرف طلاق مثل: سرحتك وفارقتك وأنت حرام وبتة وبتلة وخلية وبرية وبائن وحبلك على غاربك وكالميتة والدم وكلحم الخنزير ووهبتك ورددتك إلى أهلك، وهي كالصريح في أنَّه لا يقبل دعواه في غير الطلاق. انتهى. قال في التوضيح: ذكر أربعة عشر لفظا وبعضها أبين في التحريم من بعض، وقد ذكر في المدونة أكثر الصيغ التي ذكرها إلا أنَّه لم يجمعها

(1)

كما فعل المص بل

(2)

متفرقة، وظاهر المدونة يدلّ على أن بعضها مخالف للبعض الآخر في الأحكام، لكن حمل المص على ذكرها جملةً الاختصار، ففيها: إن قال أنت حرام فهي ثلاث في المدخول بها ولا ينوى وله نيته في التي لم يدخل بها، وفيها: إن قال بنتِ مني أو بنت أوأنت خلية، وقال لم أرد بذلك طلاقا فإن تقدم كلام يكون هذا جوابه يدلّ على أنَّه لم يرد به الطلاق صدق، وإلا فقد بانت منه إذا كان كلاما مبتدأ، ثمَّ قال: وفي عد المص فارقتك مع هذه الكنايات الظاهرة نظر سيأتي التنبيه عليه، ورواه ابن القاسم عن مالك فيما إذا قال لأهلها شأنكم بها، وقال نويت الطلاق أنها واحدة إلا أن ينوي أكثر من ذلك في غير المدخول بها، وأما المدخول بها فإنها ثلاث ولا نية، كما لو قال: وهبتكم إياها. انتهى. قال ابن الحاجب: والمحتملة مثل اذهبي وانصرفي واعتدي واغربي وأنت حرة ومعتقة والحقي بأهلك أو لست لي بامرأة أو لا نكاح بيني وبينك، فتقبل دعواه في نفيه وعدده. انتهى. وسيأتي كلامه عن القسم الثالث إن شاء الله تعالى ولابن عاصم رحمه الله:

ويلزم الطلاق بالتصريح

وبالكناية على الصحيح

(1)

في النسخ يجعلها والمثبت من التوضيح: ج 4 ص 364.

(2)

في التوضيح: ج 4 ص 364 بل ذكرها مفرقة.

ص: 156

كاعتدي تشبيه في لزوم الواحدة؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته اعتدي لزمه الطلاق، ويسأل عن نيته كم نوى أواحدة أو أكثر؟ فإن نوى شيئًا لزمه وإن لم ينو شيئًا لزمه واحدة، ولو كررها لزمه الطلاق بعدد ما قال منها إلا أن ينوي واحدة، ويحلف في هذه كذا يظهر. قاله عبد الباقي. ولو قال أنت طالق اعتدي فواحدة فقط إن نوى إخبارها أي إعلامها بلزوم العدة لها وإلا فاثنتان كما إذا عطفها بالواو ولا ينوى حينئذ، وإنما نوي في الأولى لأنه مرتب على الطلاق كترتب

(1)

جواب الشرط على الشرط والعطف بالواو ينافي ذلك، وينبغي أن ثمَّ كالواو وإن عطفه بالفاء لزمته واحدة. قال الإمام الحطاب: العدة مصدر عددت الشيء أعده، ويشير بهذا الكلام لقوله في المدونة: وإن قال لها كلاما مبتدأً اعتدي لزمه الطلاق وسئل عن نيته كم نوى أواحدة أو أكثر؟ فإن لم تكن له نية فهي واحدة، وهذا هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله: كاعتدي يعني أنَّه كما تلزم واحدة إلا لنية أكثر في مطلقة وطالق كذلك في اعتدي، ثمَّ قال في المدونة: فإن لم يرد به الطلاق وكان جوابا لكلام كدراهم تعدها ونحو ذلك فلا شيء عليه، وإن قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي، أو قال لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقا إلا أن ينوي واحدة بنى بها أم لا، وإن قال: أنت طالق اعتدي لزمه طلقتان إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فتلزمه واحدة. انتهى.

قال أبو الحسن: قال ابن القاسم في المجموعة: إذا قال أنت طالق واعتدي فهي طلقتان ولا ينوى، وإن قال أنت طالق اعتدي لزمه طلقتان إلا أن ينوي واحدة، وقال قبله: وروي عن الحسن فيمن قال لزوجته أنت طالق فاعتدي لزمته واحدة. ابن يونس: وما قاله صواب. انتهى. بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. والله أعلم. انتهى. وبهذا تعلم أن قول الشبراخيتي: وينبغي أن قوله أنت طالق فاعتدي كطالق اعتدي، ونحوه لعبد الباقي فيه قصور. والله سبحانه أعلم.

وصدق في نفيه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته اعتدي وأنت طالق وادعى أنَّه لم يرد به الطلاق فإنَّه يصدق بيمين في نفي إرادة الطلاق إن قامت قرينة على ذلك؛ بأن دلّ بساط على إرادة العد في مسألة اعتدي كما لو كانت بين يديها دراهم تعدها أو نحو ذلك، وقال لها اعتدي فإنَّه لا

(1)

في النسخ كترتب الشرط على جواب الشرط والمثبت من عبد الباقي: ج 4 ص 98.

ص: 157

يلزمه طلاق ويحلف على نفيه، أو دل بساط على إرادة إطلاقها من الوثاق مثلا في مسألة أنت طالق ونحوها، بأن كَانَتْ مُوَثَقَة بقيد أو كتاف وَقَالَتْ له أَطْلِقْنِي فقال لها أنت طالق، وادعى أنَّه أراد من الوثاق فيصدق بلا خلاف، ويصدق ولو في القضاء بيمين، وليس هذا مكررا مع ما يأتي لأنَّ ذلك في الكناية الظاهرة وهذا في صريح الطلاق، وقوله:"أو كانت موثقة" عطف على قوله: "إن دل بساط".

وإن لم تسأله أن يطلقها بل قال لها ذلك ابتداء وهي موثقة، فقد اختلف في ذلك على قولين: قال مطرف: يصدق، وقال أشهب: لا يصدق، واختلف الشيوخ في فهم المدونة، فمنهم من حملها على قول مطرف، ومنهم من حملها على قول أشهب، وإلى اختلاف الشيوخ في فهم المدونة أشار بقوله: تأويلان أي في ذلك تأويلان، وفي كتاب الشيخ الأمير ما يفيد اعتماد تأويل التصديق.

وعلم مما قررت أن محلّ التأويلين حيث كانت موثقة ولم تسأله.

والحاصل أن المسألة على ثلاثة أقسام: إن كانت موثقة وسألته، بأن قالت له: أطلقني، فقال لها أنت طالق دين بلا خلاف، وإن لم تسأله وهي موثقة فهي محلّ الخلاف وإن لم تكن موثقة لم يدين بلا خلاف؟ ومحل التأويلين في القضاء والفتوى، وقيل محلهما في القضاء لا في الفتوى فيصدق قولًا واحدا، وقوله:"وصدق في نفيه" أشار إلى أن اللزوم في الصريح وما ألحق به محله إذا لم يكن بساط يدلّ على نفي إرادة الطلاق، فإن كان بساط قبل ذلك منه وإنما كان البساط هنا مخصصا بخلاف النية؛ لأنَّ البساط ظاهر لا خفاء فيه، بخلاف النية فإنها خفية.

فرع: من قال: غدا أطلق زوجتي فجاء غد ولم يطلق فلا شيء عليه. البرزلي: هو بين على أن الوعد لا يقضى به في العطيات، وعلى أنَّه يقضى به ففيه نظر هنا. قاله الحطاب.

وأشار إلى الكناية الظاهرة مبتدئا بذكر صيغتين تلزم فيهما ثلاث في المدخول بها وغيرها ولا ينوى فيهما فقال: والثلاث في بتة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت بتة فإنَّه تلزمه ثلاث ولا ينوى دخل أم لا من البت وهو القطع، فكأن الزوج قطع العصمة التي بينه وبين زوجته ولم يبق بيده منها شيئا.

ص: 158

وحبلك على غاربك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: حبلك على غاربك تلزمه ثلاث، ولا ينوى دخل أم لا، والغارب في الأصل كتف الدابة أو ما انحدر من أسفل سنام البعير، فالحبل كناية عن العصمة التي بيد الزوج وكونه على كتفها كناية عن ملكها لها بالطلاق. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: الحبل كناية عن العصمة والملك الذي بيد الزوج، فإذا قال: حبلك على غاربك فقد أقر بخروجه من يده، وهو يقتضي أن لا رجعة له فيها وذلك لا يكون إلا بالثلاث أو بئاخرها، والغارب أسفل السنام من العنق، وقد كانوا إذا أرادوا أن تنتهي الدابة في الرعى ألقوا حبلها خلى غاربها. انتهى. وهاتان مسألتان تلزم فيهما الثلاث في المدخول بها وغيرها، ولا ينوى في المدخول بها ولا في غيرها بهذا قرر المص غير واحد.

وقوله: "وحبلك على غاربك" في المدونة: إن قال حبلك على غاربك فهي ثلاث ولا ينوى. اللخمي: ومقتضى قوله في حبلك على غاربك أنَّه لا ينوى قبل الدخول ولا بعده، والذي قال في الموازية وغيرها أنَّه ينوى في حبلك على غاربك فيما دون الثلاث في غير المدخول بها ويحلف. قاله في التوضيح. وقال محمَّد بن الحسن: في المدونة ثلاث أي في حبلك على غاربك ولا ينوى، قال اللخمي: وهذا يقتضي أنَّه لا ينوى قبل ولا بعد. انتهى. نقله ابن غازي. وإياه اعتمد المص وبه يرد بحث المواق. انتهى.

أو واحدة بائنة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق واحدة بائنة فإنَّه تلزمه ثلاث، أو نواها بخليت سبيلك يعني أن الزوج إذا نوى الواحدة البائنة بأي لفظ كان فإنَّه تلزمه ثلاث طلقات، كقوله لها:"خليت سبيلك" ونوى بذلك الواحدة البائنة، وكقوله لها اجلسي أو ادخلي أو اشربي أو اخرجي أو كلي أو نحو ذلك، ونوى بما صدر منه الواحدة البائنة، ومقتضى كلام المص أنَّه تلزمه الثلاث في مسألتي اللفظ بالواحدة البائنة ونيتها بأي لفظ كان، ولا ينوى دخل أم لا وليس كذلك، بل ينوى في غير المدخول بها أي أنَّه يلزمه فيها واحدة إلا أن ينوي أكثر، ففي المدونة: وإن قال لها بعد البناء أنت طالق واحدة بائنة فهي ثلاث فخصه بما بعد البناء، ولعل المص إنما

ص: 159

ترك هذا القيد لوضوحه، وذلك أن البينونة بغير عوض بعد الدخول إنما هي بالثلاث، أما قبل الدخول أو قارنت عوضا فواضح. قاله الشبراخيتي.

وقال عبد الباقي: وهذه الثلاث مسائل يعني مسألة واحدة بائنة ومسألة نيتها بخليت سبيلك ومسألة نيتها بادخلي ثلاث في المدخول بها وواحدة في غيرها إلا أن ينوي أكثر كما يفيده الشيخ سالم وهو المعتمد، وقول التتائي: إن ما قرر به الشارح واحدة من لزوم الثلاث مذهب المدونة والرسالة فيه نظر إن لم يكن لها نص غير الذي ذكره في كبيره عنها من لزوم الثلاث في التي بنى بها فقط، وليس في الرسالة مسألة واحدة بائنة وإنما لزمه ثلاث لأجل لفظ بائنة مع قطع النظر عن واحدة احتياطا للفروج أو واحدة صفة لمرة أو دفعة لا لطلقة. انتهى.

وقوله: "أو واحدة بائنة" يصح نصبه؛ أي قال لها أنت طالق واحدة بائنة ورفعه؛ أي أو طلاقي لك واحدة بائنة. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي عند قوله "أو واحدة بائنة": لأنَّ واحدة صفة لمرة أو دفعة لا لطلقة. انتهى. وقال الأمير: ومعنى واحدة دفعة واحدة بقرينة البينونة في غير المخالعة. انتهى. واقتصر المص على قوله: "ادخلي" دون ما ذكرت معه لأنه أخفها فغيره أحرى. قاله الشبراخيتي. ولو نوى الواحدة البائنة بقوله أنت طالق لكان الحكم فيها كما في خليت سبيلك، كما يدلّ عليه قوله:"إلا لنية أكثر". انظر حسن نتائج الفكر.

والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها يعني أن الزوج تلزمه ثلاث تطليقات في كل واحد من هذه الألفاظ الثمانية، سواء كانت مدخولا بها أم لا، ولا ينوى في المدخول بها، وأما في غير المدخول بها فينوى في دعواه إرادة أقل من ثلاث، أحدها قوله أنت كالميتة، ومثله قوله أنت علي كلحم الخنزير، وثانيها قوله لها أنت علي كالدم، وثالثها قوله: وهبتك نفسك أو طلاقك أو لأبيك، أو قال لأهلها وهبتها لكم، ورابعها أشار إليه بقوله: أو رددتك أي وكذا الحكم لو قال لها رددتك لأهلك، وخامسها أشار إليه بقوله: أو أنت حرام، وسواء قال علي أو لم يقل، وكذا الحكم لو قال: أنا منك حرام، وسادسها أشار إليه بقوله: أو ما أنقلب إليه من أهل حرام، وكذا الحكم لو أسقط لفظ من أهل وإنما يفترقان في المحاشاة فيعمل بها حيث لم يذكر الأهل ولا يعمل بها حيث ذكره، وسواء علق أو لم يعلق، ولزمت الثلاث هنا في غير المدخول بها إلا أن ينوي

ص: 160

أقل ولم تلزم في غير المدخول بها في واحدة بائنة وفيما إذا نواها بخليت سبيلك ونحوه؛ لأن المتبادر في هذا الثلاث بخلاف ما مر من الواحدة البائنة، ونحوها ولو كانت حين الحلف غير مدخول بها وحين النفوذ مدخولا بها فإنه ينوى، وسابعها أشار إليه بقوله: أو أنت خلية، وثامنها أشار إليه بقوله: أو أنت بائنة.

واعلم أن الصور ثلاث: أن ينوي ثلاثا أو أقل أو لا نية له فتلزم الثلاث في المدخول بها في الألفاظ الثمانية في الصور الثلاث، وتلزم في اثنتين منها في غير المدخول بها وهما: ما إذا لم ينو شيئا وما إذا نوى ثلاثا، وأما إن نوى أقل فتقبل نيته فيها في الألفاظ الثمانية، ومثل قوله أنت خلية أو بائنة أنت برية مني أوأنا منك خلي أو بري أو بائن منك فتلزم الثلاث في المدخول بها ولا ينوى فيها، وتلزمه الثلاث أيضا في غير المدخول بها لكن ينوى، والفرق بين المدخول بها وغيرها أن غير المدخول بها تبين بالواحدة، فإن كان طلاقه خلعا استوت المدخول بها وغيرها في قبول نية الواحدة، قال المواق: وبهذا كان يفتي أشياخنا وأشياخهم، وقد نص ابن بشير على هذا المعنى فانظره، واعلم أن هذه الألفاظ من خلية وبرية وحبلك على غاربك ورددتك تتبع العرف، فإذا لم يجر العرف بأنها يطلق بها تكون من الكناية الخفية.

والحاصل أنها لا تكون طلاقا إلا لمن يعرف أنها طلاق ولا خصوصية للطلاق بهذا، بل جميع الأحكام المبنية على العرف كذلك كالأيمان والوصايا والنذور والأوقاف، وأما الأحكام غير المبنية على العرف فإنها يعتبر فيها النص، والأقسام أربعة جرى العرف بالطلاق بها، بقصد وبدونه يقع الطلاق ودين في نفيه إن دل بساط عليه، لم يجر العرف بالطلاق بها يقع الطلاق مع القصد لا بدونه. والله تعالى أعلم.

وقد مر أنه لو كانت حين الحلف غير مدخول بها وحين النفوذ مدخولا بها أنه ينوى، قال عبد الباقي: ففي الشامل: الأحسن تنويته نظرا لحال اليمين ولا يعتبر حال النفوذ، قلت؛ ولعل الفرق بين ما هنا وبين قوله:"واعتبر في ولايته عليه حال النفوذ" أنه هنا اتفقت الحالتان على وقوع الطلاق بخلاف ما مر زاد غيره، كما لو كان حين اليمين بصفة من لا يلزمه لذهاب عقل أو

ص: 161

غيره، ويوم الحنث بصفة من يلزمه فلا شيء عليه وبالعكس تلزمه، قال بعض الشراح ما معناه: قوله: وبالعكس تلزمه لعله فيمن حلف على فعل غيره، كإن فعل زيد كذا فزوجتي طالق ثم فعله زيد حال جنون الحالف؛ إذ لو حلف على فعل نفسه وهو عاقل ثم فعله وهو مجنون فلا شيء عليه كما في المدونة.

فرع: من قال لزوجة من زوجتيه أو أكثر ما أنقلب إليه من أهل حرام إن لم أضربك في هذا اليوم ولم يفعل: فهل يقع عليه الطلاق فيمن علق الطلاق على ضربها أيضا؟ وهو قول أصبغ. أو إنما يقع في غيرها لأنه لما أخرجها عن اليمين حين أوقع يمينه عليها أي جعلها معلقا عليها علمنا أنه لم يردها بالتحريم، وإنما أراد غيرها وهو قول ابن القاسم، وكذا يجري القولان فيمن قال لعبده: إن ضربتك فعبيدي أحرار. قاله التتائي. ويظهر من تعليله جريان الخلاف المذكور ولو أتى بلفظ أهل وهذا حيث كان له زوجة غيرها كما يفيده كلامه وإلا لزمه الطلاق فيها قطعا ويجري مثله في مسألة العبد. انتهى.

وقوله: "والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها في كالميتة" لخ: قال في المدونة: قال مالك: وإن قال لها أنت علي كالدم أو كالميتة أو كلحم الخنزير فهي ثلاث، وإن لم ينو به الطلاق. انتهى. ابن يونس عن ابن المواز: هذا بعد البناء، وأما قبله فإن قال أردت واحدة فله نيته ويحلف، وإن لم تكن له نية فالثلاث. انتهى. وقال أبو الحسن: له نيته ولم يذكر اليمين، ثم قال في المدونة: وإن قال أنت برية أو خلية أو بائنة قال مني أو أنا منك أو لم يقل أو وهبتك أو رددتك إلى أهلك، قال عبد العزيز: أو إلى أبيك فذلك في المدخول بها ثلاث ولا ينوى فيما دونها قبل الموهوبة أهلها أو ردوها، وله نيته في ذلك كله إذا لم يدخل بها في واحدة فأكثر منها، وإن لم تكن له نية فذلك ثلاث. انتهى. قاله الحطاب.

وقال في المنتقى: فإذا قلنا ينوى في غير المدخول بها ولا ينوى في المدخول بها، فلو حلف قبل البناء وحنث بعده ففي كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالحلال عليه حرام قبل البناء وحنث بعده وقامت بينة بالحنث بعد البناء: لا ينوى لأنه يوم الحنث ممن لا ينوى، ووجه ذلك أن اليمين إنما تنعقد ويقع الطلاق بها يوم الحنث، فيجب أن يراعى صفة ما يلزمه من الطلاق

ص: 162

ذلك اليوم، قال ابن سحنون: وقد قال بعض أصحابنا إلا أن تعلم ذلك منه البينة قبل البناء فلا يلزمه إلا طلقة وله الرجعة، ووجهه أن الاعتبار باليمين يوم أوقعها لا يوم الحنث، بدليل أنه إن كان يوم اليمين بصفة من لا تلزمه اليمين لم تلزمه يمينه، ولو كان يوم الحنث بصفة من لا تلزمه الأيمان لذهاب عقل أو غيره لزمته اليمين. انتهى.

وقال في الشامل: ولو حلف قبل البناء بحرام أو خلية أو برية ثم حنث بعده فالأحسن تنويته. انتهى. قاله الحطاب. قوله: ولو كان يوم الحنث بصفة من لا تلزمه الأيمان لخ قد مر قول بعضهم: لعل معناه فيمن حلف على فعل غيره، كإن فعل زيد كذا فزوجتي طالق ففعله زيد حال جنون الحالف؛ إذ لو حلف على نفسه وهو عاقل ثم فعله وهو مجنون فلا شيء عليه كما في المدونة. والله سبحانه أعلم.

وحلف عند إرادذ النكاح يعني أن الزوج إذا أوقع على زوجته واحدة من الألفاظ المتقدمة في قوله: "والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها في كالميتة والدم" لخ، وكانت غير مدخول بها وادعى أنه نوى واحدة أو اثنتين فإنه ينوى في ذلك كما عرفت، ولا يمين عليه إن لم يرد تزويجها، فإن أراده فإنه يحلف عند إرادة نكاحها قبل زوج لا بعده، وصورة يمينه أن يحلف أنه لم يرد بما صدر منه إلا طلقة واحدة أو اثنتين، فإن نكل لزمه الثلاث. قاله الشيخ إبراهيم. وإنما لم يحلف قبل إرادة النكاح لعله لا يتزوجها، وعبر بالنكاح دون الارتجاع لأن هذا طلاق بائن لا رجعة فيه؛ وأما المدخول بها فلا يحلف لأنها تطلق عليه ثلاثا في جميع الألفاظ المتقدمة، ولا ينوى فلا فائدة في حلفه. ومن قال لمملوكة: إن تزوجتك فأنت طالق فاشتراها فلا شيء عليه، وكذلك من قال: إن اشتريتك فأنت حرة فتزوجها فلا شيء عليه، ومن قال لامرأته أنت حرة لا يكون طلاقا إلا أن يريد بذلك الطلاق، وإذا قال لأمته أنت طالق لا تكون حرة إلا أن يريد بذلك الحرية، وإذا قال لامرأته أنت حرة منِّي

(1)

ففي الثمانية أنها طالق البتة وإن لم ينو الطلاق، ولابن شهاب أنه يحلف ما أراد الطلاق ولا يلزمه.

(1)

ساقطة من النسخ، والمثبت من الحطاب ج (4) ص 437.

ص: 163

ودين في نفيه إن دل بساط عليه راجع لقوله: "في كالميتة والدم" لخ، وهذا في الكناية الظاهرة فليس مكررا مع قوله:"أو كانت موثقة" يعني أن الزوج إذا أوقع على زوجته شيئا من هذه الألفاظ أعني: قوله "كالميتة" إلى هنا وادعى أنه أراد به غير الطلاق فإنه يدين أي يوكل في ذلك إلى دينه وأمانته بشرط أن يدل بساط على ما قال من إرادة نفي الطلاق، والبساط: القرينة، ويصدق في القضاء بيمين وفي الفتوى بغير يمين، مثال ذلك ما لو تقدم كلام بغير الطلاق يكون هذا جوابه، قال في المدونة: وإن قال لها أنا خلي أو بري أو بائن أو بات، قال منك أو لم يقل أو قال أنت خلية أو برية أو بائنة أو باتة، قال مني أو لم يقل إلا أنه قال في هذا كله لم أرد طلاقا، فإن تقدم كلام من غير طلاق يكون هذا جوابه فلا شيء عليه ويدين وإلا لزمه ذلك ولا تنفعه نيته. انتهى.

وقال في رسم باع غلاما من كتاب الإيلاء: فإن جاء مستفتيا لم يلزمه طلاق ولا يمين، وان خاصمته امرأته وأثبتت عليه أنه قال لها ذلك في العتاب استظهر عليه باليمين، ولو قال لها

(1)

ذلك في غير عتاب لبانت منه امرأته بثلاث. انتهى. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: ودين في نفيه أي نفي إرادة الطلاق من أصله إن دل بساط عليه أي على النفي، وهو راجع لقوله:"في كالميتة" الخ، كأن يقول أردت بقولي كالميتة أي في كثرة النوم إذا كانت تنام كثيرا أو في الرائحة مثلا وكالدم في الاستقذار إذا كانت رائحتها قذرة أو كريهة وخلية من الأزواج إذا كانت لا تمتثل أمره أو لا تقوم بحقه الواجب عليها له، فكأنها لا زوج لها، وكأن يقول أردت بقولي خلية أي من الخير أو المعروف؛ وذلك بأن قامت قرينة على ما قاله وكأن يقول أردت بقولي: بائنة منفصلة، وبقولي أنا بائن منفصل إذا كان بينهما فرجة أي أنت منفصلة عني وأنا منفصل عنك، وقال في الشرح: ظاهر كلام المص عمومه في جميع هذه الألفاظ الذكورة، وإنما ذكره في المدونة في لفظ خلية وبرية وبائنة، وانظر من ذكره في الباقي. انتهى. ونحوه لعبد الباقي وعزا التنظير لأحمد بابا.

(1)

في الحطاب ج 4 ص 437: ولو قال ذلك.

ص: 164

فرع: لو قال لمن طلقها هو أو غيره يا مطلقة وزعم أنه لم يرد طلاقا، وإنما ذكر ما كان أو أكثرت مراجعته على غير شيء، فقال لها يا مطلقة أي شبهها في البذاء وطول اللسان صدق في ذلك كله. قاله عبد الباقي. قوله:"والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها" إلى آخره، ويجري ذلك أيضا في قوله: على الحرام أو لا نكاح بيننا أو لا ملك أو لا سبيل لي عليك. وحلف إن أراد النكاح.

وثلاث في لا عصمة لي عليك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: لا عصمة لي عليك فإنه يلزمه ثلاث في المدخول بها وغيرها، ولا ينوى في المدخول بها وينوى في غيرها، أو اشترتها منه يعني أن الزوجة إذا اشترت العصمة من الزوج فإنه يلزمه الثلاث دخل أم لا، فإذا قالت بعني عصمتك علي أو اشتريت منك ملكك علي أو طلاقك ففعل لزمه الثلاث، وإن قالت بعني طلاقي ففعل لزمه واحدة تملك بها نفسها؛ لأنها في المسائل الثلاث الأول اشترت كل ما بيد الزوج، وفي كتاب الأمير ما ظاهره يخالف هذا، فإنه قال: وإن اشترت العصمة فثلاث والطلاق فواحدة، ولو قالت بعني الطلاق فالظاهر لزوم الثلاث، ويبقى النظر في بعني عصمتي هل هو بمنزلة طلاقي أو عصمتك.

وقوله: إلا لفداء مستثنى من قوله لا عصمة لي عليك، فلو قدمه على قوله: أو اشترتها كان أولى؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته لا عصمة لي عليك في مقابلة عوض أي مال تدفعه له، فإن ذلك يكون طلقة واحدة تملك بها أمر نفسها؛ لأن هذا مخالعة إلا أن يريد الثلاث. قاله الشيخ إبراهيم وغيره.

وثلاث إلا أن ينوي أقل مطلقا في خليت سبيلك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: خليت سبيلك فإنه تلزمه ثلاث تطليقات، سواء كانت مدخولا بها أم لا حيث لم ينو أقل من ثلاث، بأن نوى واحدة أو اثنتين، وأما إن نوى واحدة أو اثنتين فإنه تقبل نيته مطلقا أي سواء كانت مدخولا بها أم لا، وفهم من المص كغيره أنه إذا قال لم أرد طلاقا تلزمه الثلاث، وهذا غير ما تقدم من قوله أو نواها بخليت سبيلك لأنه نوى بها الواحدة البائنة فيما تقدم وما هنا ليس كذلك.

ص: 165

وواحدة في فارقتك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته فارقتك فإنه بمنزلة ما إذا قال لها أنت طالق، فتلزمه واحدة إلا لنية أكثر دخل أم لا إلا لبساط على عدمه، ولالك وابن القاسم وابن عبد الحكم واحدة في التي لم يبن بها، وثلاث في التي بنى بها وإن قال لم أرد طلاقا فهو أشد وهو البتة. قاله التتائي. وقوله: ولمالك الخ أي في ما حكاه محمد كما في الشارح: ولذا لم يذكره المص، واقتصر على الواحدة لأن ما لمالك ومن تبعه في غير المدونة، وقوله: وإن قال لم أرد طلاقا لخ خلاف قاعدة الكناية الظاهرة فلعله ضعيف. قاله عبد الباقي. قال محمد بن الحسن: فيه نظر بل ليس بخلاف؛ لأن قاعدة الكناية الظاهرة اللزوم، وإن لم ينو شيئا، وقال الشارح: واحدة في فارقتك يريد إلا أن ينوي أكثر، وقد ورد هذا اللفظ في المدونة ولم يبين فيه الجواب، وقال أبو الحسن الصغير: يلزم به واحدة كما قال هنا، وحكى محمد عن مالك أنه ثلاث في المدخول بها إن لم تكن له نية، وواحدة في غيرها إلا أن ينوي أكثر، وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم ابن القاسم، وإن قال: لم أرد طلاقا فهو أشد وهو البتة: وعن مالك أيضا إن نوى شيئا وإلا فقد بانت منه انتهى.

وقال الشبراخيتي: وتلزم واحدة في فارقتك إلا أن ينوي أكثر في فارقتك؛ سواء دخل بها أم لا وتكون رجعية في المدخول بها؛ لأن الفراق والطلاق واحد كما قال اللخمي، وحقه أن يصله بقوله: طلقت لخ.

ولما عد ابن الحاجب الكناية الظاهرة وعد لها أربعة عشر لفظا وقد قدمتها وهي: سرحتك وفارقتك وأنت حرام وبتة وبتلة وخلية وبرية وبائن وحبلك علي غاربك وكالميتة وكالدم وكلحم الخنزير ووهبتك ورددتك إلى أهلك، قال: وكذا اختلف المذهب في الكناية الظاهرة، فجاء ثلاث فيهما ولا ينوى، وجاء وينوى، وجاء وينوى في غير المدخول بها وهو المشهور، وجاء واحدة بائنة فيهما، وجاء واحدة رجعية في المدخول بها، وجاء ثلاث في المدخول بها وواحدة في غيرها. انتهى. لما أراد أن يذكر وجه الأقوال أفردها وهي راجعة إلى ثلاثة أقوال: الأول أنها الثلاث واختلف على هذا القول هل هي ثلاث في المدخول بها وغيرها ولا ينوى أو ثلاث وينوى فيهما أو ثلاثا وينوى في غير المدخول بها فقط، والثاني أنها طلقة واختلف عليه فقيل بائنة وقيل رجعية: والثالث أنها ثلاث في المدخول بها وواحدة في غيرها فتلك أقوال ستة، انظر التوضيح.

ص: 166

وقوله: فيهما أي في المدخول بها وغيرها، وفي بعض النسخ فيها فيعود الضمير على الكناية الظاهرة، ثم أخذ ابن الحاجب يوجه الأقوال الأول فالأول، فقال: فالأول رأى دلالتها على الثلاث نصا عرفا، قال في التوضيح: أي القائل بأنه الثلاث فيهما ولا ينوى رأى هذه الكنايات نصا من حيث العرف على الثلاث، قال ابن الحاجب: والثاني رآها ظاهرا أي رآها تدل على الثلاث فلذلك تحمل عليه عند عدم النية، ثم إنه إنما ينوى على هذا القول إن لم تكن له نية على ما تقدم في الأيمان إذا خالفت النية ظاهر اللفظ. قاله في التوضيح. يشير إلى أن نيته إنما هي في الفتوى فقط. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه.

قال ابن الحاجب: والثالث للعدد ظاهرا وللبينونة نصا؛ يعني فلما كانت نصا في البينونة لزم أن لا ينوى في المدخول بها لأنها لا تبين منه إلا بالثلاث، ولا كانت للعدد ظاهرا لزم أن ينوى في غير المدخول بها لكونها تبين بالواحدة. قاله في التوضيح. قال ابن الحاجب: والرابع رآها للبينونة خاصة ورأى البينونة بواحدة، قال في التوضيح: وهو يأتي على صحة الطلاق البائن من غير عوض، قال ابن الحاجب: والخامس رآها لمجرد الطلاق ظاهرا

(1)

أي فتكون رجعية في المدخول بها. قاله في التوضيح.

وقوله: ظاهرا أي لاحتمال الراجح فيها هو دلالتها على الطلاق. قاله جامعه عفا الله عنه والله أعلم. قال ابن الحاجب: والسادس رآها للبينونة أي رأى أن البينونة لا تدخل في المدخول بها إلا بخلع أو الثلاث ولا عوض فتتعين الثلاث. قاله في التوضيح. قال ابن الحاجب: وكلها غير الأول جاءت في الحلال علي حرام وجاء الأول وغيره في غيره مفرقا؛ أي وكل هذه الأقوال الستة إلا الأول جاءت في قول القائل الحلال علي حرام، وجاء القول الأول وغيره في غير الحلال عليه حرام مفرقا، أشار إلى أن جميع هذه الأقوال لم تأت في صيغة واحدة،

(2)

وإنما جاء منها في البعض ما لم يأت في بعضها، وبالعكس فيتخرج من كل واحدة ما جاء في الأخرى، ولا يقال قول المص غير الأول ليس بصحيح لما قاله ابن الماجشون في البسوطء فيمن قال لزوجته: أنت حرام يلزمه ثلاث قبل المدخول وبعده ولا ينوى؛ لأن المص لم يقل، وكلها جاءت غير الأول في أنت حرام.

(1)

في النسخ وظاهرا والمثبت من التوضيح: ج 4 ص 396.

(2)

واحدة ساقطة من النسخ وقد وردت في التوضيح: ج 4 ص 369.

ص: 167

وإنما قال: جاءت في الحلال علي حرام نعم نقل المازري الستة في الحلال علي حرام. قاله في التوضيح. وقال: ما ذكره المص -يعني ابن الحاجب أنه المشهور من أنه ينوى في جميع الكنايات في غير المدخول بها- خلاف المدونة والرسالة، فإن فيهما أنه لا ينوى في البتة مطلقا مدخولا بها أم لا، وإنما ينوى فيما عداها من الكنايات، وقد صرح ابن بشير بأن المشهور في البتة أنه لا ينوى في غير المدخول بها، لكن صرح ابن غالب بتشهير ما شهره المص -يعني ابن الحاجب وقال في التوضيح أيضا: ولا شك أن هذه الألفاظ بعضها أقوى من بعض في التحريم؛ فتخريج الثالث أو البينونة من اللفظ الضعيف إلى القوي جيد دون العكس، فينبغي أن تتأمل الأقوال المنصوصة في كل واحد من الألفاظ؛ وينظر ما يصح تخريجه منها وما لا يصح، وهذا يحتاج إلى بسط نبهناك على أوائله. انتهى.

قال ابن الحاجب: وقيل ينوى في غير المدخول بها باتفاق إلا البتة. انتهى. اللخمي: وفي خليت سبيلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه ثلاث في المدخول بها وغيرها إلا أن يقول أردت واحدة فيهما، وإن قال لم أرد طلاقا فهو أشد وهي البتة، وقالَ محمد في قوله خليت سبيلك وسرحتك: سواء وهي واحدة إلا أن يقول فيهما لم أرد طلاقا فيكون له ذلك في سرحتك إذا حلف، ولا يقبل قوله: لم أرد طلاقا في خليت سبيلك، وقال ابن حبيب:[في خليت سبيلك،]

(1)

وسرحتك وفارقتك هي سواء ثلاث في المدخول بها حتى ينوي أقل فيحلف، فإن لم يدخل فهي واحدة إلا أن ينوي أكثر. ابن بشير: ولا خلاف في أنه ينوى في غير المدخول بها في خليت سبيلك وإنما الخلاف في المدخول بها. قاله في التوضيح.

قال: واعلم أنهم فرقوا بين قوله [خلية]

(2)

وخليت سبيلك وخليتك، فخلية من الكنايات الظاهرة كما تقدم وفي خليت سبيلك ما ذكرناه، وأما خليتك فنص ابن المواز على قبول قوله فيها أنه لم يرد طلاقا بخلاف خليت سبيلك؛ لأن استعمال هذه اللفظة في غير الطلاق أكثر من خليت سبيلك. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: هذا خلاف عرفنا اليوم، فإن خليت قلما تنصرف لغير الطلاق فهي في عرفنا كالصريح أو قريبة منه. والله سبحانه أعلم. وقد مر قول

(1)

في النسخ وخليت سرحتك والمثبت من التوضيح ج 4 ص 374.

(2)

في النسخ خليت والمثبت من التوضيح ج 4 ص 374.

ص: 168

التوضيح: روى ابن القاسم عن مالك فيما إذا قال لأهلها شأنكم بها، وقال نويت الطلاق أنها واحدة إلا أن ينوي أكثر من ذلك في غير المدخول بها، وأما المدخول بها فإنها ثلاث ولا نية كما لو قال: وهبتكم إياها.

ونوي فيه وفي عدده مي أن الزوج إذا صدر منه شيء من هذه الألفاظ الثمانية الآتية وقال لم أرد به طلاقا فإنه ينوى في ذلك ولا يلزمه شيء، وكذا إن لم تكن له نية فقوله:"ونوي فيه" يريد في نفيه أي يقبل منه عدم إرادته وذلك صادق بنية عدمه وعدم نية شيء. قاله محمد بن الحسن. وإذا نوى الطلاق فإنه ينوى في عدده، فإن قال نويت الطلاق ولم أنو عددا فالبتات مدخولا بها أم لا هذا قول أصبغ، واعترضه ابن عرفة وأفتى بواحدة إلى أن مات، والظاهر أنها رجعية في المدخول بها بائنة في غيرها. قاله عبد الباقي. وفي حاشية محمد بن الحسن أن ما لأصبغ خلاف المشهور.

واعلم أنه إذا ادعى أنه لم يرد طلاقا في هذه الألفاظ فإنه يحلف أنه لم يرد طلاقا، وكذا يحلف في كل ما ينوى فيه أنه لم يرد طلاقا، وانظر هل يحلف في دعواه عددا دون الثلاث أم لا؟ وأشار لأول الألفاظ الثمانية بقوله: في اذهبي أي في قوله لامرأته اذهبي، وقوله في اذهبي متعلق بقوله:"نوي"، وأشار إلى الثاني بقوله: وانصرفي، وللثالث بقوله: أو لم أتزوجك، وللرابع بقوله: أو قال له رجل ألك امرأة؟ فقال: لا، وللخامس بقوله: أو أنت حرة ولم يقل مني وإلا لزمه الثلاث على ما في الثمانية، ولا شيء عليه على ما لابن شهاب في المدونة، ويحلف ما أراد طلاقا. ذكرهما ابن رشد. نقله عبد الباقي.

وقال الشبراخيتي: وظاهر قوله: "حرة" أنه لا فرق بين أن يطلق أو يقيد بقوله مني، وحمله بعضهم على ما إذا أطلق فإن قيد لزمه الثلاث، فإنه قال: قوله: "أو أنت حرة" أي حيث لم يقل مني، وأما إن قال حرة مني، فقال ابن رشد: واختلف إذا قال لامرأته أنت حرة مني ففي الثمانية أنها طالق البتة وإن لم ينو الطلاق، وفي التخيير منها لابن شهاب أنه يحلف أنه ما أراد الطلاق ولا يلزمه. انتهى. وتقرير المتن على إطلاقه يدل على أن كلام ابن شهاب هو المذهب. انتهى.

ص: 169

أو معتقة هذا هو السادس من الألفاظ الثمانية؛ أي أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت معتقة فإنه ينوى في الطلاق وقي عدده كما مر، وينبغي أن يكون قوله: أنت معتقة مني مثل قوله: أنت حرة مني فيجري فيه ما جرى فيه. قاله الشيخ إبراهيم.

وأشار إلى السابع بقوله: أو الحقي بأهلك قوله: "أو الحقي" بفتح الحاء، وللثامن بقوله: أو لست لي بامرأة، وحاصل هذه الألفاظ الثمانية كما مر أنه إذا لم ينو بها الطلاق بأن نوى عدمه أو لم ينو شيئا لم يلزمه شيء، وإن نوى الطلاق نوي في عدده، فإن لم ينو عددا لزمته واحدة على المشهور، والثلاث عند أصبغ، واستثنى المص من ذلك ما إذا علق في قوله: لست لي بامرأة؛ فقال: إلا أن يعلق في الأخير أي في قوله: لست لي بامرأة، فإن علق فيه بأن قال لست لي بامرأة إن دخلت الدار أو ما أنت لي بامرأة إن دخلت الدار ووقع المعلق عليه فالثلاث إلا أن ينوي غيرها، فإن نوى غير الثلاث فإن نوى أقل لزمه وإن نوى غير الطلاق لم يلزمه شيء ويحلف في القضاء دون الفتوى.

فالحاصل أنه إن علق في الأخير ووقع المعلق عليه، فإن لم ينو شيئا أو نوى الطلاق ولم ينو واحدة ولا أكثر فالبتات، وإن نوى أقل لزمه وإن نوى غير الطلاق صدق بيمين في القضاء ويصدق بدون يمين في الفتوى، فمحل الفرق بين حالة التعليق وغيرها حيث لم ينو شيئا، فإذا لم ينو شيئا في حالة التعليق لزمه البتات، وإن لم ينو شيئا في حالة عدم التعليق لم يلزمه طلاق خلاف ما لعبد الباقي.

وفي الشبراخيتي بعد كلام: والحاصل أنه جرى في تعليق لست لي بامرأة حيث حنث أربع مقالات: أحدها ما يفيده ما ذكره ابن محرز من أنه يلزمه واحدة إلا لنية أكثر ولا يعمل بدعواه عدم إرادته به الطلاق؛ الثانية ما يفيده كلام النوادر على ما فهم ابن عرفة من أنه إذا نوى به الطلاق ولم ينو واحدة ولا أكثر أو لم ينو شيئا لزمه وإن نوى به غير الطلاق فإنه ينوى في الفتوى بلا يمين وفي القضاء بيمين؛ والثالثة ما ذكره ابن عرفة عن ابن رشد أيضا أنه إذا لم يرد الطلاق فلا شيء عليه وهذا صادق بما إذا نوى به غير الطلاق أو لا نية له: وأما إذا نوى به الطلاق فقيل يلزمه الثلاث احتياطا وقيل يلزمه الثلاث بالحكم وقيل يلزمه واحدة، والرابعة ما يفيده قول ابن عرفة أنه إن قلنا إن مدلول لست لي بامرأة معلقة أشد من مدلولها غير معلقة لزمه الثلاث إن

ص: 170

نوى الطلاق وواحدة إن لم ينوه، وإن قلنا إن مدلولها معلقة كمدلولها غير معلقة أو أخف لم يلزمه شيء.

وفي التوضيح: ما ذكرناه في لست لي بامرأة خاص بما إذا لم يكن معلقا، وأما المعلق كقوله إن دخلت الدار فلست لي بامرأة فالصحيح أنه يلزم به الطلاق؛ لأنه يصح حمل كلامه عند عدم التعليق على الكذب لظهور ذلك فيه، ولا يصح ذلك مع التعليق وبذلك أفتى ابن أبي زيد، ولا يفرق هكذا في لا عصمة لي عليك بين المعلق وغيره كما ظنه ابن بشير.

وإن قال لا نكاح بيني وبينك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: لا نكاح بيني وبينك وادعى أنه لم يرد به الطلاق، فإن قامت قرينة على ما ادعى بأن قال لها ذلك عتابا لها أي قاله في مقابلة شيء تقدم على ذلك لم يلزمه شيء، وإن لم تقم قرينة على ذلك بأن قال لها ذلك ابتداء فإنه يلزمه البتات كما لو لم تكن له نية، وإن نوى به الطلاق وادعى أنه نوى به طلقة أو طلقتين لم يصدق في المدخول بها، ويصدق في غيرها أي تلزمه ثلاث في المدخول بها وغيرها في جميع الوجوه إلا أن ينوي أقل في غير المدخول بها وإلا أن تقوم قرينة على عدم إرادة الطلاق.

أو لا ملك لي عليك عطف على قوله: "لا نكاح بيني وبينك" يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: لا ملك لي عليك وادعى أنه لم يرد به الطلاق، فإن قامت قرينة على ما ادعى بأن قال لها ذلك عتابا لها؛ أي قاله لها في مقابلة شيء تقدم على ذلك لم يلزمه شيء، وإن لم تقم قرينة على ذلك بأن قال لها ذلك ابتداء فإنه يلزمه البتات كما لو لم تكن له نية؛ وإن نوى به الطلاق فالبتات، ولا فرق بين المدخول بها وغيرها في ذلك، إلا أنه إذا ادعى أنه نوى به أقل من ثلاث بأن نوى واحدة أو اثنتين، فإنه يقبل منه ذلك في غير المدخول بها، ولا ينوى في المدخول بها. والله سبحانه أعلم.

أو لا سبيل لي عليك عطف على قوله: "لا نكاح بيني وبينك" يعني أن الزوج إذا قال لزوجته لا سبيل لي عليك وادعى أنه لم يرد به الطلاق؛ بأن قال لها ذلك عتابا لها فلا شيء عليه، وإن قاله لها ابتداء فالبتات كما لو لم تكن له نية، فإن نوى به الطلاق فالبتات ولا فرق بين المدخول

ص: 171

بها وغيرها في ذلك كله إلا أن ينوي أقل من ثلاث، فينوى في غير المدخول بها دون المدخول بها.

وبما قررت علم أن قوله: فلا شيء عليه جواب الشرط؛ أعني قوله: "وإن قال لا نكاح" فهو راجع للمسائل الثلاث، ومعنى لا شيء عليه لا طلاق عليه لا واحدة ولا أكثر، ومحل كونه لا شيء عليه في المسائل كما قررت، إن كان قوله ذلك لها عتابا أي على جهة العقاب لها بأن تقدم كلام يدل علي ذلك: وإلا يكن قوله ذلك عتابا، بل قال لها ذلك ابتداء فـ هو بتات في المدخول بها وينوى في غيرها، والحاصل أن هذه الألفاظ الثلاثة أعني قوله:"لا نكاح بيني وبينك"؛ وقوله: "أو لا ملك لي عليك"، وقوله:"أو لا سبيل لي عليك" بمنزلة قوله: "كالميتة والدم" الخ فتلزم فيها الثلاث في المدخول بها ولا ينوى وتلزم الثلاث أيضا في غير المدخول بها إلا أن ينوي أقل وحلف عند إرادة النكاح، ويصدق في نفي الطلاق إن دل بساط عليه، فحق هذه الألفاظ الثلاثة أن يأتي بها عقب قوله:"أو خلية أو بائنة" كما فعل الأمير. والله سبحانه أعلم. قال الشبراخيتي: وظاهر ما ذكره الحطاب أنه يلزمه البتات في المدخول بها وغيرها وهو موافق لظاهر كلام المص. انتهى.

وهل تحرم بوجهي من وجهك حرام؟ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: وجهي من وجهك حرام، فإن الشيوخ اختلفوا في ذلك فقيل إنها تحرم ولا تحل إلا بعد زوج وهو لسماع عيسى، وقيل لا شيء عليه وهو لمحمد بن عبد الحكم، وذهب في ذلك إلى ما اعتاده بعض الناس في قولهم عيني من عينك حرام، ووجهي من وجهك حرام يريد بذلك البغض والمباعدة، والراجح لزوم الطلاق؛ لأن ابن رشد حكى الاتفاق على اللزوم وذلك أدل دليل على شذوذ مقابله، ولا ينوى في المدخول بها في القضاء وينوى فيها إن جاء مستفتيا، وظاهر المدونة وغيرها أنه لا ينوى في المدخول بها وإن جاء مستفتيا، وأما غير المدخول بها فينوى فيها في الفتوى والقضاء، قال الشبراخيتي: فكان اللائق بالص أن يجزم بما حكى عليه ابن رشد الاتفاق. انتهى. وفي التوضيح: في اللخمي وغيره أنه اختلف إذا قال: وجهي من وجهك حرام، فقال ابن القاسم في العتبية: تحرم عليه زوجته، وقال ابن عبد الحكم: لا شيء عليه، وذهب في ذلك إلى ما اعتاده لخ.

ص: 172

أو على وجهك حرام يعني أن الزوج إذا قال لزوجته وجهي على وجهك حرام بجر وجهك بعلى الجارة، فإن الشيوخ اختلفوا في ذلك، فقيل إنها تحرم ولا تحل إلا بعد زوج. قاله اللخمي. وقبله ابن راشد القفصي وابن عبد السلام، وقيل لا شيء عليه. نقله في توضيحه عن اللخمي. ابن غازي: وهو وهم. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: ثم ما ذكره المص في هذه اعترضه ابن غازي بأنه ليس فيها قولان، وإنما فيها لزوم الطلاق ورده الشيخ سالم وردَّ عليُّ الأجهوريُّ عليه، وارتضى ما لابن غازي، وينبغي أن يفصل في النية كالتي قبلها على ما ذكرنا. انتهى. وهو قوله في التي قبلها فالراجح لزوم الطلاق في هذه لكن في المدخول بها ينوى في عدده في الفتوى فقط وفي غيرها في الفتوى والقضاء. انتهى.

وقد مر أن قوله: على حرفُ جر جارة لوجهك، وأما لو قال علي بشد الياء وجهك حرام فمطلق جزء للفظ حرام فتلزمه الثلاث وينوى في غير المدخول بها. قاله غير واحد. قال الحطاب: تقريره كما قال ابن غازي: وجهي من وجهك حرام، فقوله: على وجهك جار ومجرور متعلق بحرام، وقد رأيتها في بعض النسخ بتشديد ياء علي فيكون وحده جارا ومجرورا، ورفع وجهك على أنه مبتدأ خبره قوله:"حرام" وهو خطأ من الناسخ لأنه يصير حينئذ محرما لجزء منها.

أو ما أعيش فيه حرام يعني أن الزوج إذا قال ما أعيش فيه حرام، فإن الشيوخ اختلفوا في ذلك فقيل إن الزوجة تحرم ولا تحل إلا بعد زوج وهو للسليمانية، وقيل إنه لا شيء عليه ونقله اللخمي عن محمد وهذان القولان في هذا الفرع: أعني قوله: "ما أعيش فيه حرام" نص عبد الباقي على أنهما متساويان، وقال الأمير: استظهر أنه لا شيء عليه. انتهى.

وبما قررت علم أن قوله: أو لا شيء عليه أي لا طلاق عليه، قسيم لتحرم من قوله:"وهل تحرم بوجهي" لخ أي وهل تحرم الزوجة ولا تحل إلا بعد زوج بقول الرجل لها ذلك في المسائل الثلاث، أو لا شيء عليه أي لا طلاق عليه لا واحدة ولا أكثر، في ذلك قولان في كل من الفروع الثلاثة، ووجه عدم اللزوم في الفرع الثالث أن الزوجة ليست من العيش فلم تدخل في ذلك بمجرد اللفظ إلا أن ينويها فتلزمه. ابن عرفة: وقيل لا شيء عليه وإن أدخلها في يمينه، ثم شبه بقوله:"لا شيء عليه" فروعا أربعة، فقال:

ص: 173

كقوله لها يا حرام أن يعني أن الزوج إذا قال لزوجته يا حرام فإنه لا شيء عليه. قاله ابن عبد الحكم. أو الحلال حرام يعني أن الزوج إذا قال لزوجته الحلال حرام فإن زوجته لا تحرم عليه بذلك أي لا شيء عليه فيها، قال عبد الباقي: ولم يقل علي في الصورتين يعني في قوله لها "يا حرام" وقوله: "أو الحلال حرام" فإن قال: علي، دخلت الزوجة إن لم يحاشها كما في التتائي أي فثلاث في المدخول بها إلا أن ينوي أقل وواحدة في غيرها إلا أن ينوي أكثر. انتهى.

قوله: "أي فثلاث في المدخول بها إلا أن ينوي أقل وواحدة" لخ قال محمد بن الحسن: فيه نظر، بل هذا خلاف المشهور، ونص ابن عرفة عن المازري في مسألة القائل الحلال علي حرام، أقوال الأول المشهور أنها ثلاث وينوى في غير المدخول بها في أقل بناء على أن هذا اللفظ وضع لإبانة العصمة، وأنها لا تبين بعد الدخول بأقل من ثلاث وتبين قبله بواحدة، وكونها في العدد غالبا في الثلاث ونادرا في أقل منها، فحملت قبل المدخول على الثلاث، ونوي في أقل. انتهى. وقوله: أقوال يعني الأقوال الستة المتقدمة في كلام ابن الحاجب. والله سبحانه أعلم.

ويتحصل من كلامهم أنه إذا قال: الحلال علي حرام، دخلت الزوجة إن لم يحاشها، فإن حاشاها لم تدخل، وإذا دخلت لعدم المحاشاة ففيها ستة أقوال: خمسة منصوصة وواحد مخرج، والمشهور ثلاث في المدخول بها وغيرها، وينوى في غير المدخول بها لا في المدخول بها. والله سبحانه أعلم.

أو حرام علي يعني أن الزوج إذا قال حرام علي أو علي حرام بالتنكير فيهما، ولم يقل أنت فيهما فإنه لا شيء عليه، ولو قال أنت فيهما طلقت عليه فيهما أي يلزمه ثلاث في المدخول بها وغيرها، وينوى في غير المدخول بها وكذا لو حلف بقوله علي الحرام وحنث فثلاث في المدخول بها وغيرها وينوى في غير المدخول بها والفرق بين التنكير حيث لم يقل أنت في الصورتين فلا يلزمه شيء دون علي الحرام بالتعريف، فيلزم تخصيص العرف بالمعرف في حل العصمة، وأما في المنكر فإخبار بأن عليه شيء

(1)

محرم من لباس مثلا، فإذا قال أنت فقد حرمت، وقال الشبراخيتي: والفرق بين علي حرام وعلي الحرام كالفرق بين أنت طالق وأنت منطلقة، فإن الأول مستعمل في حل العصمة عرفا، والثاني لم يستعمله العرف في ذلك. انتهى.

(1)

كذا في النسخ ولفظ عبد الباقي ج 4 ص 102 بأن عليه شيئا محرما.

ص: 174

وفي الأيمان والنذور من المدونة: ومن قال علي حرام إن فعلت كذا لا يكون الحرام يمينا في شيء لا طعام ولا شراب ولا في أم ولدن إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق.

أو جميع ما أملك حرام ولم يرد إدخالها يعني أن الرجل إذا قال جميع ما أملك حرام، قال: علي أو لم يقل ولم يرد إدخال زوجته في ذلك القول بأن نوى إخراجها أو لم تكن له نية في الإدخال والإخراج، فإنه لا شيء عليه أي لا طلاق يلزمه لا واحدة ولا أكثر؛ لأن الزوجة لا تملك وإنما تملك الأموال والإماء، ومفهوم قوله:"ولم يرد إدخالها" أنه لو أدخلها في قوله ذلك بنية لدخلت ولزمه فيها ثلاث مدخولا بها أم لا، وينوى في غير المدخول بها، ومثل جميع ما أملك ما إذا قال: الحلال علي حرام من جميع ما أملك. قاله الشيخ إبراهيم.

ابن العربي: ويلزمه إذا قال ما أنقلب إليه حرام ما يلزمه في قوله الحلال عليه حرام وهو الطلاق إلا أن يحاشيها، وقاله اللخمي وزاد: إلا أن يقول ما أنقلب إليه من أهلي حرام فإنه لا يصدق حينئذ في المحاشاة. قاله في التوضيح. قال: واختلف إذا قال ما أنقلب إليه حرام إن كنت لي امرأة أو

(1)

إن لم أضربك، فقال ابن القاسم: لا يحنث في زوجته لأنه أخرجها من يمينه، وكذلك إذا قال إن لم أبعك اليوم فرقيقي أحرار فإنه يحنث في رقيقه ولا يحنث في الزوجة، وقال أصبغ: لا يحنث في العبد والزوجة. انتهى.

وقوله: قولان راجع لما قبل الكاف أي في كل من الفروع الثلاثة قولان.

تنبيه: اعلم أن المشهور في قول الرجل لامرأته أنت علي حرام لزوم الثلاث، وينوى في غير المدخول بها، وقيل إنه لغو وهو لأبي سلمة والشعبى ومسروق، وقال الأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة: إنه إن لم ينو شيئا فهي يمين يكفرها، وحكى ابن خويزمداد عن مالك أنها واحدة بائنة وإن كانت مدخولا بها، وعن ابن القاسم: من قال لامرأته أنت علي حرام إن أراد إني أوذيك وأستحل منك ما لا ينبغى فلا شيء عليه، وإلا بانت. ابن رشد: إنما ينوى إن جاء مستفتيا، ومذهب ربيعة في الحلال علي حرام أن الزوجة خارجة حتى يدخلها بنية، ومن الفتاوي الباطلة الفتوى بلزوم ثلاث كفارة:

(2)

اليمين بالله في الأيمان اللازمة أو جميع الأيمان

(1)

في النسخ وإن لم والمثبت من التوضيح: ج 4 ص 372.

(2)

كذا في النسخ.

ص: 175

اعتمادا على فتوى بعض الأئمة المتقدمين وهذا لا يصح؛ لأن المتعارف عند السلف في اليمين اليمين الشرعية، ومما لا يحل ولا يجوز بإجماع أخذ الجعائل على الفتوى في رد المطلقة ثلاثا، ونحوها من الرخص كما يفعله كثير من جهلة فقهاء البادية. انظر نور البصر.

وإن قال أنت سائبة مني أو قال: أنت عتيقة، أو قال: ليس بيني وبينك حلال ولا حرام حلف علي نفيه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته واحدا من هذه الألفاظ الثلاثة، وقال لم أرد بذلك طلاقا دخل بها أم لا فإنه يحلف في القضاء على أنه ما أراد بما صدر منه طلاقا ولا شيء عليه، فقوله:"حلف على نفيه" جواب الشرط، فهو راجع للمسائل الثلاث، ومعنى حلف على نفيه: حلف على نفي إرادة الطلاق.

فإن لكل نوي في عدده؛ يعني أن الزوج إذا صدر منه واحد من هذه الألفاظ وادعى أنه لم يرد به الطلاق فإنه يحلف على نفي إرادة الطلاق، فإن حلف لم يلزمه شيء كما عرفت، فإن نكل فإنه ينوى في عدد الطلاق واستشكل تنويته مع أنه منكر للطلاق، وأجاب علي الأجهوري بأنه إنما ينوى في عدده إذا رجع عن إنكاره؛ وعوقب يعني أنه يعاقب في هذه المسائل الثلاث أعني قوله:"سائبة مني أو عتيقة أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام".

واعلم أن أصل هذا الكلام في المدونة عن ابن شهاب وليس هو لمالك، بل مخالف لأصل مذهبه ولذا لم يذكره ابن شأس ولا ابن الحاجب ولا ابن عرفة، فعلى المص درك في ذكره ولم يذكره الأمير أيضا، وقوله:"وعوقب" إنما يرجع لمسألة ابن شهاب فقط كما هو ظاهر المدونة، قاله محمد بن الحسن.

ولا ينوي في العمد إن أنكر قصد الطلاق بعد قوله يعني أن الزوج إذا قال لزوجته واحدا من هذه الألفاظ الأربعة جوابا لقولها أود لو فرج الله لي من صحبتك وأنكر قصد الطلاق بما صدر منه، فإنه لا ينوى أي لا يصدق فيما ادعاه من عدم قصد الطلاق، فقوله:"في العدد" الصواب حذفه ليطابق المدونة. قاله الرماصي. وأما ما يلزم من العدد فيجري على ما سبق من كلام المص، والألفاظ المذكورة هي قوله: أنت بائنة أو أنت برية أو أنت خلية أو أنت بتة، وقوله: جوابا الظاهر أنه حال من الهاء في "قوله". قاله جامعه عفا الله عنه.

ص: 176

لقولها متعلق بجوابا أولى أي أتمنى لو فرج الله لي من صحبتك. فإن لم يكن جوابا مع إنكار قصد الطلاق فلا شيء عليه إن تقدم كلام يدل على ما قال وإلا لزمه الثلاث، وإن لم يكن جوابا مع عدم إنكار قصد الطلاق فلا ينوى في المدخول بها مطلقا وينوى في غيرها إلا في بتة.

والحاصل أن الصور أربع: لأنه إما أن يكون جوابا لقولها: "أود لو فرج الله لي من صحبتك" أو لا، وفي كل إما أن ينكر قصد الطلاق أولا، فإن لم ينكر قصد الطلاق لزمته الثلاث في المدخول بها وغيرها، وينوي في غير المدخول بها إلا في بتة كان جوابا لقولها ذلك أم لا، وهاتان صورتان فإن أنكر قصد الطلاق فلا يصدق في دعواه حيث كانت هذه الألفاظ جوابا لقولها:"أود لو فرج الله لي من صحبتك"، وحينئذ فيلزمه البتات مدخولا بها أم لا، وإن لم يكن جوابا لذلك فإن تقدم بساط يدل على ما قال لم يلزمه شيء مدخولا بها أم لا، وإلا لزمه البتات مدخولا بها أم لا. هذا تحرير المسألة. والله سبحانه أعلم.

وأشار إلى الكناية الخفية بقوله: وإن قصده الماء أو بكل كلام لزم يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: اسقني الماء مخاطبا لها بصيغة أمر مذكر لحنا، وأولى لو قال لها اسقيني الماء بإثبات الياء، وقصد بخطابه لها بذلك اللفظ الطلاق فإنه يلزمه الطلاق كما يلزمه بكل كلام نواه به، كادخلي أو اخرجي أو اشربي أو زيد قائم أو غير ذلك من كل لفظ، وكذا قصده بصوت ساذج أي خال من الحروف، والظاهر أن قصده بصوت خارج من أنف كذلك، وأما الفعل فلا يحصل به الطلاق ولو نواه به إلا أن يجري عرف باستعمال ذلك الفعل في الطلاق كمسألة الحفر والدفن؛ وقدمر الكلام عليها عند قول المص:"وكفت المعاطاة".

وفي كتاب الأمير: ومهمى جرى عرف عمل به قاعدة كلية، وقوله:"وإن قصده باسقني الماء" لخ هذا هو المشهور وقيل: لا يلزم، وفي العمدة: والظاهر عدم اللزوم، وقوله:"وإن قصده باسقني الماء" هو كما لابن عرفة من الكناية الخفية وهو طريق أكثر الفقهاء حيث حصروا ألفاظ الطلاق في صريح وكناية بقسميها، وجعل ابن الحاجب وابن شأس هذا غيرهما، قال في التوضيح: لأنه رأى أن اسقني الماء ونحوه لا ينبغي عده في الكناية؛ لأن الكناية استعمال اللفظ في لازم المسمى لكن هذا اصطلاح ولا مناقشة فيه. انتهى. وبه يندفع كلام الخرشي. قاله محمد بن الحسن.

ص: 177

ابن الحاجب: بعد ذكره للصريح والكناية الثالث اسقني الماء، فإن قصد به الطلاق وقع على المشهور، وفيها: كل كلام ينوي به الطلاق فهي طالق.

قال في التوضيح: المشهور مذهب مالك وابن القاسم ومقابله لأشهب، وحاصل ما أشار إليه المص من قوله:"ولفظه طلقت" إلى هنا خمسة أقسام: ما تلزم به طلقة إلا لنية أكثر وذكره بقوله: "وتلزم واحدة إلا لنية أكثر"؛ وما يلزم به ثلاث ولا ينوى مدخولا بها أم لا وهو: "بتة وحبلك علي غاربك"، وما يلزم به ثلاث وينوى في غير المدخول بها فقط وهو قوله:"والثلاث في كالميتة" إلى قولد: "إن دل بساط عليه"، وما يلزم به ثلاث وينوى في مدخول بها وغيرها وهو قوله:"وثلاث في خليت سبيلك"، وقسم ينوى فيه وفي عدده وهو قوله:"ونوى فيه وفي عدده في اذهبي" لخ؛ وتخلل الأقسام مسائل مشتركة.

وفي كتاب الشيخ الأمير: وعوقب من طلق بغير الصريح لتلبيسه، وقد مر أن الطلاق لا يلزم بالفعل الذي لم يدل عليه عرفا ولو نواه به، قال في مختصر البرزلي: ولو ضربها أو مسها بيده، وقال أردت بذلك الطلاق فلا يكون طلاقا إذ ليس بصريح ولا كناية.

لا إن قصد التلفظ بالطلاق فلفظ بهذا غلطا يعني أن الزوج إذا أراد أن يتلفظ بطلاق زوجته؛ أي أراد أن يقول لها أنت طالق فسبق لسانه فلفظ بهذا أي باسقني الماء غلطا أو بغيره من الألفاظ التي لا تدل علي فك العصمة غلطا، فإنه لا يلزمه طلاق، قال عبد الباقي: وعلم مما للمص أربعة أقسام: أحدها لفظ مع قصد حل العصمة، ثانيها قصده اللفظ ونطقه لا مع قصد حل العصمة وأشار لهما بقوله:"ولزم ولو هزل"، ثالثها سبق لسانه بلفظ بدون قصد التلفظ به؛ وأشار له بقوله:"لا إن سبق لسانه في الفتوى" وهو في الصريح والكناية الظاهرة، رابعها ما هنا وهو قصد الطلاق والنطق بغيره غلطا. انتهى.

ابن الحاجب: وفيها إن قصد التلفظ بالطلاق فلفظ بهذا غلطا فلا شيء عليه حتى ينوي أنها بما تلفظ به طالق. انتهى. قال في التوضيح: واختلف المذاكرون في هذا فرأى بعضهم أن عدم اللزوم هنا مبني علي أن الطلاق بالنية لا يلزم، وعلى القول بلزومه بالنية يلزم هنا، وأبى بعضهم ذلك الآن هذا لم يعقد أن يطلق بمجرر النية، وإنما عقد أن يطلق بالنية واللفظ. عبد الحميد: وهذا الأخير أحسن. انتهى.

ص: 178

أو أراد أن ينجز الثلاث فقال أنت طالق وسكت يعني أن الزوج إذا أراد أن يقول لزوجته أنت طالق ثلاثا فاقتصر على قوله أنت طالق ولم يزد على ذلك بل سكت، فإنه لا يلزمه ما زاد على واحدة في الفتوى ولا في القضاء، إلا أن ينوي بها الثلاث فتلزمه، وأما عكس كلام المص بأن أراد أن يقول أنت طالق فقط ونطق بالثلاث من غير قصد فينوى في الفتوى عند سحنون، وقال مالك: يلزمه الثلاث والظاهر أنه المعتمد. قاله الشيخ عبد الباقي. وإن أراد أن يعلق الطلاق الثلاث على دخول دار مثلا، فقال محمد بن الحسن: الذي في المواق عن المتيطى أنه إن أراد أن يعلق الثلاث فقال أنت طالق ثلاثا وسكت فلا شيء عليه، فهو قد نطق بقوله ثلاثا، فقوله: لا شيء عليه صريح في أنه لا يلزمه شيء. انتهى. وفي شرح عبد الباقي: إن أراد أن يعلق الثلاث على دخول دار مثلا، فقال: أنت طالق وسكت، فقال مالك: لا شيء عليه أي في الفتوى. قاله علي الأجهوري. ومعنى قوله: لا شيء عليه أي لا طلاق عليه.

وسفه قائل يا أمي ويا أختي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته يا أمي أو يا أختي أو يا عمتي أو يا خالتي ونحوهن من كل من تحرم عليه، فإنه يسفه أي يعد سفيها أي يكون آتيا بمجون قادح في شهادته، لقوله صلى الله عليه وسلم. لرجل قال لزوجته يا أختي: (أهي أختك

(1)

)؟ إنكارا عليه، وهذا النهي يحتمل الحرمة والكراهة، وليس المراد بالسفه هنا السفه الذي هو ضد الرشد. قاله الشيخ الخرشي. وقال الشيخ إبراهيم: والحديث حمله بعضهم على الحرمة وحمله بعضهم على الكراهة، وقائل بالتنوين وبعدمه على أنه مضاف إلى الجملة بعده. انتهى.

وقوله: "وسفه قائل يا أمي ويا أختي" أي ولا يلزمه طلاق، قال ابن الحاجب: وفيها إن قصد التلفظ بالطلاق فلفظ بهذا غلطا فلا شيء عليه حتى ينوي أنها بما تلفظ به طالق، وكذلك لو قال يا أمي ويا أختي. انتهى. وفي المدونة: وإن قال لها يا أمي أو يا أختي أو يا عمتي أو يا خالتي فلا شيء عليه، وذلك من كلام أهل السفه. انتهى. وقال الشبراخيتي: وسفه أي نسب للسفه وهو المجون الذي هو من موانع الشهادة سفهته أي نسبته للسفه وهو على حذف مضاف أي نسب لكلام أهل السفه، وقوله:"وسفه قائل" لخ، قال الشيخ الأمير: قال شيخنا: ومنه: يا

(1)

سنن أبي داوود، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2210.

ص: 179

ستي قلت هو أخف؛ لأن السيدة تصدق بعد المعتق والنكاح إذ ذاك جائز على أن العرف شاع بها

في الود والتعظيم. انتهى.

ولله در القائل:

بنفسي من أسميها بستي

فينظرني النحاة بعين مقت

وتزعم أنني قد قلت لحنا

وكيف وإنني لزهير وقتي

ولكن غادة ملكت جهاتي

فلست بلاحن إن قلت ستي

وأما قول المرأة لزوجها: يا سيدي فلا بأس، قال تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} وفي كتاب الأمير: وقد قلت يوما لأبي أهلي: أنت والدي فخطر ببالي أنه يلزم

(1)

أخوة الزوجة فتذكرت قولهم: لازم المذهب ليس بمذهب. انتهى.

وقوله: "وسفه قائل يا أمي ويا أختي" قد علمت أن الأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لرجل: قال لامرأته يا أختي: (أأختك هي

(2)

؛ ولا يعارض هذا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم في سارة فإنها أختي؛ لأنه قاله لضرورة دعته لذلك أو أراد أنها أخته في الدين. انظر الشبراخيتي.

ولزم بالإشارة المفهمة يعني أن الزوج إذا حصلت منه إشارة مفهمة للطلاق أي شأنها الإفهام بأن احتف بها من القرائن ما يقطع من عاينها بدلالتها علي الطلاق؛ فإن الطلاق يلزمه فهمته المرأة منها أم لا: وهي كالصريح فلا يفتقر لزوم الطلاق بها إلى نية مثالها ما لو قيل له أطلقت زوجتك فهز رأسه أن نعم. روى الباجي: إشارة السليم بالطلاق برأسه أو بيده كلفظه، وفي المدونة: ما علم من الأخرس بإشارة أو كتب من طلاق أو خلع أو عتق أو بيع أو شراء أو قذف لزمه، وأما غير المفهمة فلا يلزمه بها طلاق ولو قصده إلا لقوم اعتادوا ذلك. انظر حسن نتائج الفكر. وقوله:

(1)

في الأمير: ج 2 ص 419 يلزمه.

(2)

سنن أبي داوود، كتاب الطلاق، رقم الحديث، 2210.

ص: 180

إلا لقوم اعتادوا ذلك حيث اعتادوا ذلك فهي إشارة مفهمة. قاله جامعه عفا الله عنه. والله سبحانه أعلم.

ابن الحاجب: والإشارة المفهمة من الأخرس كالصريح كبيعه وشرائه ونكاحه وقذفه، ومن القادر كالكناية. انتهى. قال في التوضيح: نحوه في الجواهر، وقوله: ومن القادر كالكناية أي فإن كانت لا تحتمل غير الطلاق حملت عليه كما إذا قال أنت طالق. وأشار بأصابعه الثلاث انتهى.

وبمجرد إرساله به مع رسول يعني أن الزوج إذا أرسل إلى زوجته بالطلاق مع رسول، بأن قال له أخبرها بأني طلقتها ونحو ذلك، فإن الطلاق يلزمه بمجرد الإرسال أي بمجرد قوله له أخبرها بأني طلقتها، سواء ذهب الرسول إليها أم لا، وسواء بلغها الخبر أم لا، وقوله:"وبمجرد إرساله به مع رسول" نحوه لابن الحاجب، قال في التوضيح: لا خلاف في ذلك، ثم نقل عن ابن عبد السلام ما نصه: إن كان الزوج تقدم له الطلاق فكان كلامه الذي يقول إخبارا عن ذلك فلا إشكال، وإن كان إنما تكلم الآن بهذا الكلام فانظر هل هو طلاق بالنية فقط أو بالنية واللفظ، كقوله: اسقني الماء وهو الظاهر. والله أعلم. انتهى.

وبالكتابة عازما يعني أن الزوج إذا كتب إلى زوجته أو إلى غيرها أنه طلقها وهو عازم على الطلاق أي ناوٍ لَّه، فإن الطلاق يقع على الزوج بمجرد كتابته للطلاق وإن لم يتم الكتاب، أولا يعني أن الزوج إذا كتب طلاق زوجته ولم ينو الطلاق بل كتبه مستشيرا، فإن رأى أن ينفذه نفذه وإن رأى أن لا ينفذه لم ينفذه، فإن الطلاق يلزمه، وإنما يلزمه إن وصل الكتاب إليها ولو بغير اختياره فلا تطلق بخروج الكتاب من يده وهو مذهب المدونة، وقيل خروج الكتاب من يده كالإشهاد فيلزمه الطلاق بمجرد خروج الكتاب من يده وهو رواية أشهب، وإن لم يكن عازما ولا مستشيرا لزمه بمجرد الكتابة كما لو كتبه عازما، خلافا للخمي القائل: لا يقع الطلاق حينئذ بمجرد الكتابة وهو ظاهر المص.

والحاصل أنه إن كتبه، فإما أن يكون عازما أو مستشيرا أو لا نية له، وفي كل من هذه الثلاث أخرجه كذلك، وفي كل من هذه التسعة إما إن يصل أولا فهذه ثماني عشرة صورة يلزم فيها الطلاق بمجرد الكتابة إلا فيما إذا كتب الطلاق مستشيرا، وأخرج الكتاب مستشيرا ولم يصل،

ص: 181

فإن وصل ولو بغير اختياره طلقت عليه. انتهى. ونحوه للشيخ الأمير، ونصه: ولزم بالإشارة المفهمة ومجرد إرسال وكتابة إلا مستشيرا في الكتابة والإخراج ولم يصل. انتهى.

وقال الشيخ بناني: الذي لابن رشد في سماع القرينين هو ما نصه: وتحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا كتب طلاق امرأته لا يخلو من ثلاثة أحوال، أحدها: أن يكون كتبه مجمعا على الطلاق، والثاني: أن يكون كتبه على أن يستخير فيه فإن رأى أن ينفذه نفذه وإن رأى أن لا ينفذه لم ينفذه، والثالث أن لا تكون له نية، فأما إذا كتبه مجمعا على الطلاق أو لم تكن له نية فقد وجب عليه الطلاق، وإذا كتبه على أن يستخير ويري رأيه في إنفاذه فذلك له ما لم يخرج الكتابة من يده، قال في الواضحة وكتاب ابن المواز: ويحلف على نيته؛ فإن أخرج الكتاب من يده عازما على الطلاق أو لم تكن له نية وجب عليه الطلاق بخروج الكتاب من يده وصل إليها أو لم يصل.

واختلف إن أخرج الكتاب من يده على أن يرده إن بدا له؛ فقيل إن خروج الكتاب من يده كالإشهاد وليس له أن يرده وهي رواية أشهب، وقيل له أن يرده إن أحب وهو قوله في المدونة: فإن كتب إليها: إن وصل كتابي فأنت طالق فلا اختلاف في أنه لا يقع عليه الطلاق إلا بوصول الكتاب إليها، فإذا وصل إليها طلقت مكانها وأجبر على رجعتها إن كانت حائضا. انتهى. باختصار. قليل: وبه يتبين لك ما في قول الزرقاني، سواء قال: إذا جاءك كتابي فأنت طالق لخ؛ وما في قوله أيضا: وفيما عداها الحنث بالكتابة. انتهى؛ يعني أنه إذا كتب الكتاب مستشيرا وأخرجه عازما أو لا نية له لا يحنث بمجرد الكتابة بل بإخراج الكتاب كما علمت، وأنه إذا قال إذا جاءك كتابي فأنت طالق لا تطلق إلا بوصول الكتاب إليها ولا اختلاف في ذلك كما مر عن ابن رشد، فلا يقع عليه الطلاق بالكتابة. قاله جامعه عفا الله عنه.

وقوله: "وبالكتابة" لخ قال عبد الباقي في الفرق بين ما هنا من الحنث بالكتابة وبين اليمين من أنه لا يحنث بالكتابة، ولو عازما إلا بالوصول للمحلوف عليه أن المكالة لا تكون إلا بين اثنين بخلاف باب الطلاق إذ قد يطلق زوجته من غير حضورها؛ فإن ادعت فيما لا يتوقف على الوصول علم الطلاق من حينه صدقت لأنها تعتد من يوم وقوعه من الزوج، قياسا على مسألة المدونة المتقدمة فيمن مات زوجها ولم تعلم حتى انقضت عدتها أنه لا إحداد عليها ولا عدة، وإن

ص: 182

ادعت فيما يتوقف على الوصول وصوله لها وانقضاء عدتها من حينه ولم تقم بينة على لى عواها ولم يظهر للناس لم تصدق، والظاهر أن العدة من وقت ظهوره كما يفيده ما تقدم من قوله:"والعدة من الإقرار"، وما يأتي من قوله:"وإن أقر بطلاق متقدم استأنفت العدة"، فإن ادعت أنه كتبه عازما وأنكر قبل قوله بيمين لأن هذا أمر لا يعلم إلا من جهته إلا أن تدل قرينة على كذبه كذا ينبغي، وفي كتاب الأمير: إن كتب إن وصل لك كتابي توقف على الوصول وفي إذا خلاف ونرى التوقف. انتهى.

تنبيه: اختلف في صفة الكتاب إذا أحب الطلاق على ثلاثة أقوال، قال ابن القاسم: إذا كانت من ذوات الأقراء فيكتب إذا جاءك كتابي وأنت طاهر فأنت طالق ولا يزيد على ذلك؛ فإن كانت طاهرا وقعت طلقة وإلا بقيت زوجة، قال: وإن كانت حاملا كتب إن كنت حاملا أو طاهرا بعد أن وضعت فأنت طالق ولا يزيد على ذلك، وأجاز أشهب أن يقول إن كنت حائضا فأنت طالق إذا طهرت بناء على أصله أن من علق الطلاق على الحيض أو الطهر لا يتنجز، وقال ابن المعدل: فكتب بإيقاع الطلاق يوم كتب الكتاب ولا يكتب إذا طهرت، وأشار اللخمي إلى أنا إن قلنا مع طلاق الحائض غير معلل فيكتب كما قال ابن القاسم، وإن قلنا بالتطويل فيجوز أن يوقع عليه الطلاق الآن إذ قد لا يصل الكتاب إلا بعد انقضاء العدة. قاله في التوضيح.

وفي لزومه بكلامه النفسي خلاف يعني أن الزوج إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفسي بأن أجراه علي قلبه كما يجريه على لسانه من غير تلفظ به، فإنه اختلف هل يلزمه الطلاق بذلك أولا؟ والقول باللزوم لمالك في العتبية، قال ابن رشد: وهو الصحيح، وقال ابن راشد: وهو المشهور والقول بعدم اللزوم لمالك في الموازية وهو اختيار ابن عبد الحكم، وهو الذي ينصره أهل المذهب. القرافي: وهو المشهور، ابن عبد السلام: وهو أظهر لأن الطلاق حل العصمة المنعقدة بالنية والقول فوجب أن يكون حلها كذلك، وإنما يكتفى بالنية في التكاليف المنعقدة بالقلب لا فيما بين الآدميين انتهى. وفي كتاب الأمير: لا بالكلام النفسي على الراجح.

ص: 183

فتحصل من هذا أن القول بعدم اللزوم بالكلام النفسي هو الراجح وإن كان الآخر قد شهر، واتضح لك أن محل الخلاف إنما هو حيث أنشأ الطلاق بقلبه كما [ينشئه]

(1)

بلسانه إلا أنه لم يلفظ به بلسانه، فعبارة من يقول في الطلاق بالنية قولان غير تامة، وكذا عبارة من يقول من اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففيه قولان؛ لأن من نوى طلاق امرأته وعزم عليه وصمم ثم بدا له لا يلزمه طلاق إجماعا، وكذا من اعتقد أن امرأته مطلقة وجزم بذلك ثم تبين له خلاف ذلك لم يلزمه طلاق إجماعا، فمسألة الطلاق هذه من مسائل الإنشاء بكلام النفس، وكذا اليمين أيضا وقع فيها الخلاف هل تتعقد بإنشاء كلام النفس أولا بد من اللفظ.

سؤال: انعقد الإجماع على عدم اشتراط القصد في الصريح، واللخمي وصاحب المقدمات يقولان: والصحيح من المذهب اشتراط النية فكيف الجمع بينهما؛ جوابه أن المشترط النية التي هي الكلام النفساني؛ فلابد أن يطلق بقلبه كما طلق بلسانه والكلام النفساني يسمى نية، وأما نية الطلاق بمعنى العزم والتصميم فقد تقدم أنها لا توجب الطلاق إجماعا، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} المعنى إذا أردتم إيقاع الطلاق فأوقعوه في حال تستقبل المرأة فيه عدتها، ولو كان الطلاق يقع بالنية لألزمته طلقة بإرادة الطلاق وأُخْرَى بإصدار اللفظ. قاله ابن غازي. عن ابن راشد. وكذا لا أثر للوسواس، ولا لقوله في خاطره أطلق هذه وأستريح.

ولما أنهى الكلام على أركان الطلاق وكان للركن الرابع وهو اللفظ تشعب فهو أطولها، شرع في متعلقاته فمنها تكرره بعطف ودونه فقال: وإن كرر الطلاق بعطف بواو أو فاء أو ثم فثلاث يعني أن الزوج إذا طلق زوجته وكرر طلاقها وعطفه بالواو، كما لو قال لها: أنت طالق وطالق وطالق، أو قال لها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق، أو قال ما ذكر عاطفا بالفاء أو ثم فإنه تلزمه في جميع ذلك ثلاث تطليقات بعدد ما كرر، وإنما تلزمه الثلاث إن دخل بالزوجة التي قال لها ذلك فتلزمه الثلاث فيها نسقه أم لا، بشرط أن تكون العدة باقية، وأما غير المدخول بها فكذلك إن نسقه كمن أتبع الخلع طلاقا فيلزمه في المدخول بها وغيرها، فإن لم ينسقه لم يلزمه ما زاد على الواحدة في غير المدخول بها؛ لأنها تبين بها ولا يقال إن ثم تدل على التراخي فلا يلزمه إلا واحدة في غير المدخول بها إن عطف بثم؛ لأن دلالة ثم على المهلة إنما هي في غير الإنشاء، وأما

(1)

في بعض النسخ يجريه.

ص: 184

إذا كان الكلام إنشاء فلا لاستلزام الإنشاء الحال، ولا تنفعه نية التأكيد مع حرف العطف كان بالواوأو بالفاء أو بثم، وما قررته به من العموم في المدخول بها وغيرها هو باعتبار أن قوله الآتي "كغيرها إن نسقه" راجع لهذا أيضا، وهو خلاف ظاهره كابن شأس وابن الحاجب والمذهب ثلاث في المدخول بها وغيرها، ولا بد من النسق في غير المدخول بها، فلذا عدلت به عن ظاهره، ومعنى النسق أن يذكر المعطوف عقب المعطوف عليه من غير فاصل فلو فصل بين العطف والمعطوف عليه لم يلزمه غير المطلقة الأولى في غير المدخول بها.

كمع طلقتين مطلقا يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق مع طلقتين أو أنت طالق طلقة مع طلقتين مطلقا دخل أم لا، فإنه تلزمه ثلاث. وبلا عطف ثلاث في المدخول بها يعني أن الزوج إذا كرر الطلاق لزوجته مرتين ولم يعطف فإنه تلزمه ثلاث في المدخول بها نسقه أم لا، كغيرها إن نسقه يعني أن الزوج إذا كرر الطلاق لزوجته بغير عطف وهي غير مدخول بها فإنه تلزمه ثلاث بعدد ما ذكر، بشرط أن يكون قد نسقه وإلا فلا تلزمه إلا واحدة لبينونتها بالواحدة هذا هو المشهور، وقيل لا تلزمه إلا الأولى ولا يمنع النسق العارض الذي لا يمكن رفعه كسعال وعطاس فالفصل به كلا فصل، وقد مر أن قوله:"كغيرها إن نسقه" يرجع لمسألتي العطف وغيرها، وبه يندفع الاعتراض على المص ويوافق مشهور المذهب إلا أنه خلاف ظاهره. والله سبحانه أعلم.

وقال ابن عرفة بعد نقله كلام الأم: من أنصف علم أن لفظها في لزوم الثلاث في ثم والواو ظاهر ونص فيمن بنى بها أو لم يبن وهو مقتضى مشهور المذهب فيمن أتبع الخلع طلاقا، وناقش ابن شأس وابن الحاجب في تخصيصهما بذلك من بنى بها انتهى. ومسألة الخلع المشار إليها ذكرها في المدونة ونصها: وإذا أتبع الخلع طلاقا من غير صمات نسقا لزم، فإن كان بين ذلك صمات أو كلام [يكون]

(1)

قطعا لذلك لم يلزم الطلاق الثاني انتهى. قال أبو الحسن: لأنه لا أتبع الخلع بالطلاق نسقا علمنا أن الطلاق الذي كان في قلبه وأراد إيقاعه اثنان. وقال القاضي إسماعيل: لا يلزم الطلاق الثاني وإن كان نسقا. انتهى. وقوله: فإن كان بينهما صمات لخ أي لأنه لما فصل بينهما بالصمات علمنا أن الطلاق الذي كان في قلبه وأراد إيقاعه واحدة، وقال أبو حنيفة

(1)

في بعض النسخ؛ ليكون، وفي بعضها فيكون، والمثبت من التهذيب ج 2 ص 391.

ص: 185

والنخعي وحماد: يلزم الطلاق الثاني متى وقع داخل العدة. وقوله: وإن كان بين ذلك صمات يعني اختيارا تحرزا من الصمات لأجل العطاس والسعال انظر الحطاب.

فرع: إذا قال أنت طالق ثلاثا أنت طالق ثلاثا إن فعلت كذا فقال مالك يلزمه بقوله الأول والثاني ندم، وقال ابن القاسم: يحلف ما كان منه ذلك إلا تكرارا ثم هو على يمينه. اللخمي: وهو أبين. انتهى. وقال ابن عرفة: وفي سماع ابن القاسم: من قالت له امرأته وعنده شهود ايذن لي أذهب لأهلي فقال: أنت طالق البتة أنت طالق البتة أنت طالق البتة إن أذنت لك طلقت عليه، فقال إنما أردت أن أسمعها وأردد اليمين ولم أقطع كلامي، فقال مالك: ما أظنها إلا بانت منه وفيه ما ترى من الإشكال وما هو بالبين. انتهى.

ابن القاسم: يحلف ما أراد إلا أن يفهمها والقول قوله ولا حنث عليه. ابن رشد: الواجب على المشهورمن رعاية البساط أن لا يلزمه طلاق ولا حلف أنه ما أراد إلا أن يفهمها لأن سؤالها الإذن لأهلها دليل عليه لا تبتيل الطلاق؛ ولو سألته تبتيله فقال ذلك اللفظ بعينه بانت مه بالثلاث قولا واحداة وعلى مذهبه في المدونة لا يمين عليه، قال فيها: من قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن دخلت الدار إنه ينوى إن دخلتها في أنه إنما أراد واحدة فلم ير عليه طلاقا إلا أن تدخل الدار. انتهى. باختصار قاله الحطاب.

وقوله: "كغيرها إن نسقه" قد مر الخلاف في لزوم الثلاث له وهو المشهور وعدم لزومها له بل تلزمه الأولى فقط وهو مقابل المشهور وهو للقاضي إسماعيل ومنشأ الخلاف، هل الكلام بآخره وكأنه قال أنت طالق ثلاثا، أو بمجرد قوله أنت طالق قد بانت فلا يمكن وقوع الثانية بدليل أن له أن يتزوج أختها أو خامسة بإثر نطقه بالقاف من قوله: أنت طالق من غير مهلة. قاله الحطاب.

إلا لنية تأكيد فيهما أي في المدخول بها وغيرها؛ يعني أن محل لزوم الثلاث للزوج فيما إذا كرر الطلاق بغير عطف إنما هو حيث لم ينو التأكيد، وأما لو نوى التأكيد فلا تلزمه إلا واحدة حيث نوى التأكيد بما عداها، وسواء في ذلك المدخول بها وغيرها فتقبل نيته فيهما بيمين في القضاء وبغير يمين في الفتوى، وأما إن كرر الطلاق بعطف فلا تنفعه نية التأكيد، فقوله:"إلا لنية تأكيد فيهما" لا يتأتى إلا في مسألة غير العطف. قال الشيخ أحمد: ظاهر كلام المص أن التأكيد في

ص: 186

المدخول بها سواء نسقه أم لا، وينبغي أن يقيد بما إذا كان نسقا. انتهى. أي وإلا لزمه لأن فصله يمنع إرادة التوكيد. قاله الشيخ عبد الباقي. قال جامعه عفا الله عنه: وهو ظاهر. والله سبحانه أعلم.

وتحصل مما مر أن الطلاق يتعدد بتعدد لفظه إن ثلاثا فثلاث وإن اثنتين فاثنتان إلا لنية تأكيد بغير عطف. والله سبحانه أعلم.

فائدة: قال القرافي: حكى صاحب مجالس العلماء أن الرشيد كتب إلى قاضيه أبي يوسف هذه الأبيات يمتحنه بها وهي هذه:

فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن

وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم

فأنت طلاق والطلاق عزيمة

ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم

فبيني بها إن كنت غير رفيقة

وما لامرئ بعد الثلاث مقدم

وقال له إذا نصبنا ثلاثا ما يلزمه؟ وإذا رفعناه ما يلزمه؛ فأشكل عليه ذلك وحمل الرقعة إلى الكساءي وكان معه في الدرب، فقال له الكساءي: اكتب له في الجواب: يلزم بالرفع واحدة على أنه خبر المبتدإ الذي هو الطلاق الثاني ويكون منقطعا عن الأول فلم يبق إلا قوله: فأنت طلاق فيلزم واحدة، وبالنصب ثلاث على التمييز لقوله: فأنت طلاق ولا يقال كما يمكن نصبه تمييزا عن الأول يمكن أن يكون تمييزا عن الثاني أيضا أو حالا منه أي الطلاق معزوم عليه حال كونه ثلاثا، فلم خص التمييز بالأول لأنا نقول الأول لكونه نكرة شديد الاحتياج إلى التمييز، والثاني غني بتعريفه واستغراقه الناشئ عن لام التعريف عن البيان، فهذا هو المرجح. قاله ابن هشام. فيحكى أن الرشيد بعث بهذه الرقعة أول الليل فجاءه الجواب من ساعته، فأرسل إلى أبي يوسف بغالا موسقة قماشا وتحفا جائزة على الجواب، فبعث بها أبو يوسف إلى الكساءي ولم يأخذ منها أبو يوسف شيئا بسبب أنه الذي أعانه على الجواب.

ص: 187

قال في المغني: وأقول إن الصواب أنه محتمل للثلاث والواحدة علي كلا الوجهين؛ لأن أل في الرفع لا تتعين للكمال بل تحتمله وتحتمل العهد فيلزم الثلاث؛ ولأن ثلاثا في النصب لا يتعين رجوعه لطلاق بل يحتمل كونه حالا من الضمير في عزيمة فتقع واحدة هذا ما يقتضيه ظاهر اللفظ، وأما الذي أراده هذا الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعده فبيني بها لخ، قال ابن غازي: وهو تحرير عجيب، قال عبد الباقي: مقتضى مذهبنا لزوم الثلاث في الرفع والنصب احتياطا. انتهى.

قال محمد بن الحسن: ذلك صحيح إذ حيث تبين احتمال الثلاث في الرفع والنصب تعين الحمل عليها احتياطا كما ذكره وهو واضح. انتهى. وعلى كونه حالا من الضمير في عزيمة يحتمل وقوع الثلاث كما قاله الدماميني رادا على صاحب المغني بأن تجعل أل للعهد الذكري، فكأنه قال: والطلاق الذي ذكرت ليس بلغو ولا لعب بل هو معزوم عليه حال كونه ثلاثا، وقوله: تخرقي بفتح التاء وسكون الخاء وضم الراء، قال في المصباح: خرق من باب ضرب معناه تعب، وخرق الرجل من باب تعب إذا دهش من حياء أو خوف، وخرق بالضم يخرق إذا عمل شيئا فلم يرفق فيه وهذه هي المناسبة هنا. والله سبحانه أعلم. وقوله: مقدم بصيغة اسم المفعول بمعنى تقدم إلى زوجته فهو بمعنى المصدر كما في قوله:

أظلوم إن مصابكم رجلا ...........................

أي إصابتكم رجلا. والله سبحانه أعلم.

تنبيه: اعلم أن الفرق بين اليمين بالله تعالى مبنية على التأكيد حتى ينوي التأسيس بخلاف الطلاق فإنه مبني على التأسيس حتى ينوي التأكيد أن المحلوف به في اليمين بالله واحد لا يتعدد بخلاف الطلاق. قاله الشيخ إبراهيم.

في غير معلق بمتعدد يعني أن الزوج إذا كرر الطلاق بغير عطف وادعى أنه نوى بذلك التأكيد فإنه يصدق في ذلك؛ ومحل تصديقه إنما هو حيث لم يعلق الثلاث نحو أنت طالق أنت طالق، أو

ص: 188

علقه بمتحد نحو أنت طالق إن دخلت الدار أنت طالق إن دخلت الدار، وأما إن علقه بمتعدد نحو أنت طالق إن دخلت الدار أنت طالق إن كلمت زيدا أنت طالق إن أكلت الرغيف فإنه لا تنفعه نية التأكيد لتعدد المحلوف عليه، فيلزمه الثلاث إن فعل الجميع واثنتان إن فعل اثنين وواحدة إن فعل واحدا. والله سبحانه أعلم. وقوله:"في غير" قال الشبراخيتي: متعلق "بنية تأكيد". انتهى. ويحتمل أن يكون صفة لنية فيكون ظرفا مستقرا. والله سبحانه أعلم.

ولو طلق فقيل له ما فعلت؟ فقال: هي طالق فإن لم ينو إخباره ففي لزوم طلقة أو اثنتين قولان يعني أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا ولم تنقض العدة فقيل له ما فعلت؟ فأجاب بلفظ يحتمل الإنشاء والإخبار أي الإعلام بأن قال هي طالق وحصلت منها له مرافعة، فإن ادعى أنه نوى الإخبار صدق في ذلك، وإن قال نويت الإنشاء لزمه طلقتان وإن لم ينو إخباره أي إعلامه ولا إنشاءه، ففي لزوم طلقة فقط أي الطلقة الأولى حملا للفظه الثاني على الإخبار.

وفي كتاب الأمير ما يفيد اعتماده فإنه قال: فالأقرب حمله على الإخبار وعلى هذا القول يحلف أنه لم يرد بما صدر منه ثانيةً الإنشاءَ وهو للخمي.

ولزوم طلقتين له واحدة بالطلاق الأول وثانية بالطلاق الثاني الذي لم ينو به الإخبار ولا الإنشاء، وهذا القول لعياض وهو ظاهر المدونة كما في الحطاب عن الرجراجي قولان،

وبما قررت علم أن في المصنف حذف الواو مع ما عطفت بعد قوله: "إخباره" أي فإن لم ينو إخباره ولا إنشاءه، والضمير في إخباره يرجع للشخص الخبر بالفتح. والله سبحانه أعلم. ولو قال المصنف: ففي لزوم ثانية قولان لكان أخصر وغير المدخول بها لا تلزمه ثانية اتفاقا كالمدخول بها البائن ابتداء، وكذا لو نطق بذلك بعد انقضاء عدة الرجعية أو تعين

(1)

لفظه للإخبار في جواب المسائل كطلقتها أو جاء مستفتيا، فإن تمحض للإنشاء لزمته الثانية في مدخول بها رجعية، فالمصنف مقيد بقيود أربعة: أن تكون الزوجة مدخولا بها، وأن يكون الطلاق رجعيا ولم تنقض عدتها، وأن يأتي بلفظ يحتمل الإخبار والإنشاء كمثال المصنف، وأن يكون في القضاء. قاله الشيخ عبد الباقي.

(1)

في النسخ: أو بعد، والمثبت من عب ج 4 ص 105.

ص: 189

وعلى القول بعدم لزوم ثانية فلو كان طلقها طلقة قبل الطلقة المسئول عنها وأراد أن يراجعها فيحلف أنه لم يرد في جواب المسائل ثانية، وقيل يحلف أراد رجعتها أم لا، تقدم له فيها طلقة أم لا، وقيل لا يحلف مطلقا. قاله عبد الباقي. وقال الرجراجي: إن نوى إخباره ودخل بها فلا يخلو من أن يقول فيه هي مطلقة فلا يلزمه غير الطلقة الأولى باتفاق؛ لأن قوله هي مطلقة إخبار، وإن قال هي طالق فلا يخلو من أن يدعي نية أو لا يدعيها، فإن ادعى نية وقال أردت الإخبار وإنما هي ذات الطلاق فإنه يقبل قوله باتفاق المذهب، وهل يقبل قوله بيمين أو بغير يمين، فالمذهب على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يمين عليه جملة، والثاني: أنه يحلف جملة؛ والثالث: يفرق بين أن تتقدم له فيها طلقة أو لا، فإن تقدمت له فيها طلقة فإنه يحلف عند إرادة الرجعة، وإن لم تتقدم له فيها طلقة فلا يمين عليه.

وقال في التنبيهات: لو قال في جوابه للرجل قد طلقتها لم يحتج إلى نية ولا يمين، نوى الإعلام أو لم ينوه لأنه إنما أخبر عن شيء فعله. انتهى. أبو الحسن الصغير: لو كان إنما قال له قد طلقتها لكان لا شيء عليه؛ لأن قوله قد طلقتها خبر وليس بإيقاع طلاق مبتدأ، وكذلك قوله طلقتها مثل قوله قد طلقتها. قاله الحطاب. وعبارة الشبراخيتي عند قوله "قولان": محل الخلاف في القضاء وأن تكون مدخولا بها وأن يكون الطلاق رجعيا ولم تنقض العدة، وأتى بلفظ يحتمل الإخبار والإنشاء، وأما في الفتوى أو كانت غير مدخول بها أو بائنة بخلع أو غيره وانقضت العدة أو تمحض لفظ الإخبار، كقوله هي مطلقة أو طلقتها لم يلزمه إلا الأولى فقط. انتهى.

ونصف طلقة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق نصف طلقة فإنه تلزمه طلقة كاملة لأن الطلاق لا يتجزأ، قال ابن عرفة فيها: من طلق نصف طلقة [لزمته طلقة]

(1)

. ابن شهاب: ويوجع ضربا، وقوله:"ونصف" بالجر عطف على المصرية، وفيه طول الفصل أو على الإشارة والباء بمعنى: في أي ولزم في الإشارة وفي نصف طلقة. قاله الشيخ إبراهيم وقوله: "نصف طلقة" وكذا غيره من الأجزاء، قال ابن عرفة وفيها: من طلق بعض طلقة لزمه طلقة. ابن شهاب: ويوجع ضربا. ابن عبد السلام: اختلف العلماء في ذلك منهم من كمل عليه التجزئة إما احتياطا

(1)

ساقطة من الأصل، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 442.

ص: 190

وإما لأنه رآه هازلا-، ومنهم من لم يلزمه ذلك وهذا القول خارج المذهب، وكأنه أجرى على مهيع الدليك لعدم استلزام الجزء الكل. قاله ابن عرفة. قلت: قوله منهم من لم يلزمه ذلك يقتضي عدم شذوذ قائله، وقال ابن النذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن من طلق زوجته نصف تطليقة أنها تطليقة واحدة، وقال ابن القصار في عيون الأدلة: حكي عن داوود أن من قال لزوجته أنت طالق نصف تطليقة لا يقع عليه شيء والفقهاء على خلافه، قلت: وتقرر في أصول الفقه أن ندور المخالفة مع كثرة المجمعين لا يقدح في كون إجماعهم حجة، ومثل هذا لا ينبغي أن ينقل بتلك العبارة، واستدلاله على ترجيحه بعدم استلزام الجزء للكل يرد بأنه ليس منه بل من باب إبطال الكل بإبطال الجزء، وهذا لأن الطلقة إنما هي عبارة عن إبطال جزء حكمي من العصمة المجزأة ثلاثة أجزاء للحر وجزءين للعبد، فمن طلق بعض طلقة أبطل ذلك الجزء وبطلان الجزء يبطل الكل ضرورة. انتهى. قاله الحطاب.

أو طلقتين يتني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق نصف طلقتين فإنه تلزمه طلقة واحدة، وقوله:"طلقتين" معطوف على طلقة، أو نصفي طلقة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق نصفي طلقة فإنه تلزمه طلقة واحدة إذ النصفان بهما يتم الشيء، أو نصف وثلث طلقة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق نصف وثلث طلقة تلزمه طلقة واحدة لذكر الطلقة في المعطوف دون المعطوف عليه، وهذا ما لم يزد مجموع الأجزاء على طلقة، فإذا قال أنت طالق نصف وثلثي طلقة تثنية ثلث لزمه طلقتان؛ لأن الأجزاء المذكورة تزيد على طلقة، وفي الجواهر: ولو قال ثلاثة أنصاف طلقة أو أربعة

(1)

أثلاث طلقة وقعت اثنتان لزيادة الأجزاء. انتهى. نقله الرماصي. قال: وتنظير التوضيح في ذلك قصور. نقله محمد بن الحسن.

أو واحدة في واحدة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق واحدة في واحدة فإنه تلزمه طلقة واحدة إذا كان يعرف الحساب وإلا فاثنتان. ابن عرفة: الشيخ عن ابن سحنون عنه في أنت طالق واحدة في واحدة واحدة، واثنتين في اثنتين: أربعة، تبين منها بثلاث، وكذا بقية هذا المعنى، قلت: هذا إن كان عالما بالحساب أو قصده وهو لم يعلمه وإلا فهو ما نوى إن كان مستفتيا أو علم

(1)

في النسخ: أربعة، والمثبت من بن ج 4 ص 105.

ص: 191

من قرائن الأحوال قصده معنى الضرب، كقول من علم جهله من البادية: أنت طالق طلقتين في طلقتين، وقال أردت طلقتين فقط. قاله الحطاب.

أو متي ما فعلت وكرر يعني أن الزوج إذا علق الطلاق بصيغة لا تقتضي التكرار كقوله متى ما فعلت كذا بضم التاء أو كسرها فأنت طالق وكرر ذلك الفعل منه أو منها مرة فأكثر، فإنه تلزمه طلقة واحدة؛ فإذا قال لها متى ما دخلت الدار فأنت طالق فإنه لا يتكرر عليه الطلاق بتكرر دخول الدار، وإنما تلزمه طلقة واحدة بسبب الدخول الأول، وقوله:"وكرر" مبني للفاعل إن ضمت التاء أي وكرر هو الفعل المعلق عليه الطلاق، ففاعله ضمير الفاعل وبالبناء للمفعول إن كسرت التاء، ونائبه يعود على الفعل المحلوف عليه، وإنما لم يتعدد الطلاق بتعدد الفعل؛ لأن متى ما لا تقتضي التكرار، وكذا الحكم لو أسقط ما.

واعلم أنه يتعين قصر المصنف هنا على تكرر الفعل لا اللفظ، فالعنى كما قررت أنه إذا علق بلفظ لا يقتضي التكرار ثم كرر الفعل فإنه لا يلزمه إلا طلقة واحدة، قال ابن رشد: إذا قال إذا تزوجت فلانة فهي طالق فلا ترجع عليه اليمين إن تزوجها ثانية، ومتى ومتى ما عند مالك مثل إن إلا أن يريد بهما معنى كلما أو مهما، فإنها تقتضي التكرار بمنزلة كلما. انظر المواق. وأما تكرار اللفظ ونية التأكيد أو عدمها فقد تقدم عند قوله:"إلا لنية تأكيد في غير معلق بمتعدد" فلا حاجة لإدخاله هنا. قاله غير واحد. وقد مر في اليمين أنه إن نوى التكرار بما لا يقتضي التكرار تكرر عليه، فإذا قال لها: أنت طالق إن دخلت الدار أو متى ما أو متى دخلت الدار ونوى تعدد الحنث بتعدد الدخول فإنه يتعدد عليه الطلاق بتعدد الدخول. والله سبحانه أعلم.

وفي المدونة أنه إن نوى بمعنى متى ما كلما تكرر عليه، واستشكله ابن عرفة بأنه لا معنى لتخصيصه بمتى ما إذ كل لفظ نوى به التكرار كذلك، وأجاب بأن متى ما قريب من [كلما]

(1)

فبمجرد إرادة كونها بمعناها يثبت لها ذلك دون استحضار نية التكرار انتهى. وقوله: بمجرد إرادة الخ هو كالصريح في أن إذا أو إن بمجرد إرادة كونها بمعنى كل دون استحضار نية التكرار لا يتكرر عليه الطلاق فيهما بتكرر الفعل. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه.

(1)

في النسخ كل والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 106.

ص: 192

واعلم أن حكم الأجنبية المعلق نكاحها على طلاقها حكم الزوجة في جميع ما مر وفيما يأتي، فإذا قال لها: أنت طالق إن تزوجتك أو مطلقة أو الطلاق لي لازم أو أنا منك طالق وتزوجها لزمه واحدة إلا لنية أكثر، ويجري فيها كل ما يمكن أن يجري في التي في العصمة، فلو قال لها: إن تزوجتك فكلما دخلت الدار فأنت طالق فإنه يتكرر عليه الطلاق بتكرر الدخول، وقد مر أنه لو قال لها كلما تزوجتك فأنت طالق فإنه يتكرر عليه فيها الطلاق كلما تزوجها، ولا يختص بالعصمة الأولى بخلاف ما لو قال لزوجته التي في العصمة كلما دخلت الدار فأنت طالق فيتعدد عليه الطلاق بتعدد الدخول، لكن في العصمة المعلق فيها فقط.

أو طالق أبدا يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق أبدا فإنه تلزمه طلقة واحدة إذ المعنى أنت طالق أبدا أو إلى يوم القيمة وهو إذا طلقها واحدة ولم يراجعها، فقد استمر الطلاق وهذا ظاهر المدونة عند ابن يونس وظاهرها عند ابن الحاج، وجزم به ابن رشد أنه يلزمه ثلاث لجعل الأبدية للفراق في أزمان العصمة المملوكة له وذلك بالثلاث. قاله عبد الباقي. وقال الأمير: وهل كذلك طالق أبدا وعليه اقتصر الأصل أو ثلاث خلاف. انتهى. وقال محمد بن الحسن: ابن يونس ومن المدونة: قال مالك فيمن خالع إحدى امرأتيه فقالت الأخرى ستراجعها؟ فقال هي طالق أبدا ولا نية له: فإن تزوجها طلقت منه مرة واحدة وكان خاطبا، ومن غير المدونة فيمن قال لامرأته أنت طالق أبدا أنها ثلاث، وحكى عن بعض القرويين أن هذا ليس بخلاف للمدونة وأن معنى مسألة المدونة إنما وقع التأبيد على الرجعة كأنه لما قالت له امرأته ستراجعها، قال إن راجعتها أبدا فهي طالق فلذلك ألزمه طلقة، وصوب بعض أصحابنا هذا القول ابن يونس: وظاهر المدونة خلاف ذلك وأنه إنما أوقع التأبيد على الطلاق؛ لأنه لما قالت له امرأته فستراجعها قال لها طالق أبدا يريد إن راجعتها، فعلى هذا التأويل يصير في قوله أنت طالق أبدا قولان، قول إنه واحدة وقول إنه ثلاث. انتهى. ولما لم يقف عليه المواق نظر في كلام المصنف بكلام ابن رشد وابن الحاجب.

وقوله: طلقة عطف على الفاعل المستتر في لزم بالإشارة أي لزم الطلاق بالإشارة، ولزم في قوله نصف طلقة أو طلقتين لخ طلقة، أو على المستتر في قوله: ولزم في المصرية أي ولزم في المصرية ولزم

ص: 193

في قوله نصف طلقة لخ طلقة ففيه العطف على معمولي عامل واحد وهو سائغ، والمعنى أنه يلزم القائل في كل لفظ من الألفاظ السبعة طلقة أعني الألفاظ التي أولها نصف طلقة وآخرها طالق أبدا. انظر الشبراخيتي.

واثنتان في ربع طلقة ونصف طلقة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق ربع طلقة ونصف طلقة فإنه تلزمه طلقتان؛ لأن كل كسر أخذ مُمَيِّزَهُ فاستقل به، وما تقدم من قوله:"نصف وثلث طلقة" أصله نصف طلقة وثلثها بمنزلة قطع الله يد ورجل من قالها فحذف الضمير وأقحم المعطوف بين المضاف والمضاف إليه وحذف التنوين من يد لأنه مضاف إلى من، وحذف من رجل لأنه مضاف في المعنى إلى من فهما مضافان في المعنى إلى شيء واحد. والله سبحانه أعلم. انظر حسن نتائج الفكر.

وواحدة في اثنين يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق واحدة في اثنتين فإنه تلزمه طلقتان إن عرف الحساب؛ وإلا فثلاث. قاله عبد الباقي. وقوله: "وواحدة في اثنتين" قال الش: نقله ابن شأس عن سحنون. والطلاق كله إلا نصفه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق الطلاق كله إلا نصفه فإنه تلزمه طلقتان؛ لأن حكم التجزئة التكميل كما مر، وكذا تلزمه اثنتان لو قال لها أنت طالق ثلاثا إلا نصفها، فلو قال لها أنت طالق الطلاق كله إلا نصف الطلاق لزمه ثلاث لصدق الطلاق المضاف إليه بالواحدة؛ لأن لفظه يحتمل إلا نصف الطلاق الثلاث، ويحتمل إلا نصف الطلاق الشرعي وهو واحدة فاحتيط للفروج، وكذا الحكم لو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصفا بالتنوين فتلزمه الثلاث احتياطا. قاله عبد الباقي. وقال الأمير: تلزمه اثنتان لأن المتبادر نصف ما سبق. انتهى. وهو ظاهر والله سبحانه أعلم.

وأنت طالق إن تزوجتك ثم قال كل من أتزوجها من هذه القرية فهي طالق يعني أن من قال لامرأة أنت طالق إن تزوجتك ثم علق بعد ذلك في قريتها، فقال كل امرأة أتزوجها من هذه القرية مشيرا إلى قريتها فهي طالق ثم تزوجها فإنه تلزمه فيها طلقتان، واحدة بالخصوص والأخرى بالعموم، وقوله:"وأنت طالق إن تزوجتك ثم قال" لخ وأما عكس كلام المص فمنهم من قال تلزمه واحدة فقط على المعتمد؛ لأن ذكر الشيء بالخصوص بعد ذكره بالعموم لا يفيد، وتقدم نظير هذا في باب

ص: 194

اليمين في لا أكلمه غدا وبعده، وهكذا صوبه شيخ ابن ناجي واستبعده ابن ناجي بأنه لا فرق بينهما فتلزمه طلقتان. قوله:"من هذه القرية" قد مر عن ابن عرفة أن قوله: لا أتزوج من مصر مثل لا أتزوج بمصر فله المواعدة بها ويتزوجها خارج مصر، وعلى هذا فقوله من هذه القرية ظاهر، وقد مر عن التوضيح أن قوله لا أتزوج من مصر بمنزلة لا أتزوج من أهل مصر، وحينئذ فلا يحل له نكاحها ويتكرر عليه الطلاق بتكرر تزوجها وعليه النصف إلا بعد ثلاث وقبل زوج على الأصوب كما مر، وفائدة لزوم طلقتين له على هذا أنه إذا نكحها بعد ذلك تطلق عقب العقد ويكون عليه نصف الصداق، وقد لزمه فيها ثلاث طلقات، فإذا تزوجها قبل زوج ففسخ النكاح قبل الدخول فلا شيء لها. والله سبحانه أعلم قاله جامعه عفا الله عنه.

وثلاث في إلا نصف طلقة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة أو أنت طالق الطلاق كله إلا نصف طلقة فإنه تلزمه ثلاث، هكذا شرحه الشبراخيتي، وقال عبد الباقي:"ويلزمه" في قوله: "أنت طالق الطلاق إلا نصف طلقة" كذا حله الش والتتائي، ووجهه أنه لما استثنى نصف طلقة علم أن المراد بالطلاق غير الشرعي وإلا كان يقول إلا نصفه، ولو قال ذلك لزمه طلقة واحدة لأن الاستثناء حينئذ مستغرق، أشار إلى ذلك الش. وأما حمل كلام المصنف على ما إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة فظاهر أيضا، لكن حمل الش أولى لأنه المتوهم. قاله أحمد قاله عبد الباقي.

واثنتين في اثنتين يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق اثنتين في اثنتين فإنه تلزمه ثلاث. ابن عرفة: هذا إذا كان عالما بالحساب أو قصده ولم يعرفه وإلا فهو ما نوى إن كان مستفتيا أو علم من قرائن الأحوال عدم قصده معنى الضرب، كقول من علم جهله في البادية أنت طالق طلقتين في طلقتين، وقال أردت طلقتين فقط. انتهى. قال عبد الباقي: وهذا على ما عند عوامهم، وأم عوام المصريين فيلزمهم الثلاث لأنهم إنما يقصدون الجمع. قاله التتائي. أي اثنتين على اثنتين فلا فرق في هذا بين من يعرف الحساب وغيره على عرف مصر كما هو ظاهر إطلاق المص وإنما يحسن التقييد في قوله واحدة في واحدة وواحدة في اثنتين كما مر.

ص: 195

فرع: لو قال أنت الطلاق بصيغة التعريف تقدم عند قوله: "وتلزم واحدة" لخ أنه هل يلزمه واحدة أو ثلاث؟ قولان للمتيطي وأصبغ، وأما لو قال أنت طلاق بالتنكير فتلزمه واحدة ولا وجه لتوقف عبد الباقي في ذلك. انظر حاشية بناني. والله سبحانه أعلم.

أو كلما حضت يعني أن الزوج إذا قال لزوجته التي تحيض بالفعل كلما حضت فأنت طالق فإنه تلزمه الثلاث من الآن، وأما لو قال ذلك ليائسة أو بغلة وهي التي لا تحيض فلا يقع عليه طلاق إلا إذا حاضتا بالفعل؛ وقال النساء إنه حيض فتطلق حينئذ، وسيأتي لابن عبد السلام عن بعضهم أن الصغيرة التي لم تحض لا تطلق إذا قال لها ذلك حتى تحيض بالفعل، وقوله:"أو كلما حضت" قال الحطاب: ومثله كلما جاء شهر فأنت طالق، فابن القاسم ينجز عليه الثلاث وسحنون يلزمه اثنتين؛ وفرع عليها في الجواهر فرعين، الأول من قال لأربع نسوة له حوامل من وضعت منكن فصواحبها طوالق، فعلى المشهور أعني قول ابن القاسم يلزمه الثلاث في كل واحدة، وعلى الشاذ يلزمه في الأولى ثلاث وكذا الرابعة، وأما الثانية فطلقة واحدة بوضع الأولى ثم تبين بوضعها، وأما الثالثة فيقع عليها طلقتان بوضع الأولى والثانية ثم تبين بوضعها، وأما الأولى فوضعها لا يقع عليها بسببه شيء، وإنما يقع عليها الطلاق بوضع صواحبها، قال: ولو قال من وضعت منكن فالبواقي طوالق وأراد غير من وضع فلا طلاق على الأولى وحكم الثلاث ما تقدم، قال البرزلي بعد نقله قول سحنون: وهذا واضح إن وضعن على التعاقب، ولو جهل الترتيب فالاحتياط أن يلزم كل واحدة ثلاث، ولو اتحد الوقت في ولادتهن فالظاهر إلزام كل واحدة طلقة، والفرع الثاني: إذا قال لها إذا وضعت فأنت طالق فوضعت ولدا وبقي في بطنها ثان، فهل ينجز الطلاق بوضع الأول أو يوقف التنجيز على وضع الثاني؟ قولان. انتهى.

وما قدمته عن ابن عبد السلام من أن الصغيرة لا تطلق عليه حتى تحيض فيما إذا قال لها كلما حضت فأنت طالق نقله محمد بن الحسن عنه، قال: قال -يعني ابن عبد السلام عن بعضهم-: هذا في غير اليائسة والصغيرة وأما اليائسة والصغيرة يقول لهما أو لإحداهما إذا حضت فلا خلاف

ص: 196

أنها لا تطلق حتى ترى دم الحيض، وقال اللخمي في هذه المسألة: فإن كانت يائسة أو شابة ممن لا ترى حيضا فإنه لا يعجل بالطلاق على كل حال. انتهى.

وكتب عليه بعض حذاق الفاسيين: لعله يريد بالشابة التي في سن من تحيض، وأما إن كانت صغيرة في سن من لا تحيض فيعجل لأن الغالب أنها ستحيض. انتهى. نقله محمد بن الحسن. وقال عبد الباقي: أو قال لمن تحيض بالفعل أو صغيرة يتوقع حيضها، أنت طالق ثلاثا كلما حضت أو كلما جاء يوم أو شهر حيضك فيقع عليه الثلاث من الآن عند ابن القاسم كما في التتائي؛ لأنه محتمل غالب وقصده التكثير كطالق مائة ولا ينتظر بوقوعها حيضها خلافا للفيشي عن تقرير شيخة اللقاني تبعا لأحمد عند قوله فيما يأتي:"أو غالب كإن حضت" لمخالفته للتتائي؛ ولما يفيده قول المصنف عاطفا على ما ينجز فيه "أو مستقبل محقق ويشبه بلوغهما".

وقوله: "أو غالب كإن حضت" نعم الانتظار فيما إذا قال لمن لا تحيض كاليائسة وكالتي يقال لها بغلة فلا يلزمه بقوله المذكور طلاق، فإن حاضت واحدة منهما وقال النساء إنه حيض طلقت حينئذ كما يأتي عند قوله:"أو غالب كإن حضت" ثم إن له تزوج من تحيض والصغيرة بعد زوج ولا تعود عليه اليمين لانقطاع العصمة لأنها محلوف بها، بخلاف كلما تزوجتك فإنها تطلق متى تزوجها ولو بعد العصمة الأولى. انتهى.

وقوله: أو صغيرة يتوقع حيضها، قال محمد بن الحسن: هذا نحو ما لابن عرفة عن النوادر معترضا به على ابن عبد السلام حيث قال عن بعضهم هذا في غير اليائسة والصغيرة، وأما اليائسة والصغيرة يقول لخ، ونص ابن عرفة قبول ابن عبد السلام قول بعضهم: هذا في غير اليائسة والصغيرة لخ يرد بما في النوادر عن الواضحة عن ابن الماجشون: إذا قال لزوجته التي لم تحض إذا حضت فأنت طالق طلقت الآن ولو كانت قعدت عن الحيض لم تطلق إلا أن تحيض؛ يريد ويقول النساء إنه دم حيض. انتهى.

ومن طلق زوجته ثلاثا وقال كلما حلت حرمت، فإن أراد أن حلية الزوج الثاني غير حاصلة فإنها تحل له بعد زوج؛ لأن إرادته باطلة شرعا، وإن أراد إن حلت بعد زوج ثم تزوجها فهي حرام

ص: 197

عليَّ لزمه ذلك، ويأتي التفصيل بين ما يقتضي التكرار فيتكرر عليه بتكرر التزوج وبين غيره فلا يتكرر عليه بذلك، وإرادة المعنى الأول قليلة جدا، والذي يكثر أولا يعرف إلا هو إرادة المعنى الثاني، وذكر ابن سهل مسألة تشبه هذه وهي من قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن كنت لي زوجة قبل زوج أو بعد زوج، هل تحرم للأبد وكيف إذا طلقت عليه ثلاثا فتزوجها بعد زوج؟ فكتب إليه ابن عتاب: لا تحرم عليه للأبد وله نكاحها بعد زوج إن شاء الله، إلا أن يكون أراد بقوله بعد زوج إن تزوجها بعد زوج فهي طالق ثلاثا، فإن أراد هذا وعقد عليه حلفه فلا سبيل له إليها، والله الموفق للصواب. نقله الحطاب. وقال: لا يلزمه الحنث فيها بعد زوج إلا إذا حلف على ذلك الوجه وعقد عليه يمينه، وأما إن لم تكن له نية أو نوى الأول فلا يلزمه شيء. انتهى. مسألة: سئل ابن سراج في رجل قصد غشيان زوجته فلم تطاوعه، فقال لها في الحين هي عليه حرام في هذه الساعة وخرج عن السرير حيث كان معها مضطجعا فما يجب عليه في قوله هذا؟ فأجاب: الحمد لله الذي ذكر موصله أنه الحالف، وأنه لم ينو بقوله هي حرام عليه طلاقا ولا تحريما، وإنما أراد الامتناع منها في الحال، والجواب أنه لا يلزمه لعدم النية على الصحيح.

مسألة: قال البرزلي: من قيل له تزوج فلانة، فقال الذمام لا أتزوجها فلا تحرم بذلك، فإن أراد بذلك ذمة الله تعالى فهي يمين تكفر إذا تزوجها، وإن أراد ذمام الناس التي تجري على ألسنتهم فليس بيمين. انتهى. نقلهما الحطاب.

أو كلما طلقتك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته كلما طلقتك فأنت طالق فطلقها واحدة فإنه يلزمه البتات، أو متي ما يعني أن الزوج إذا قال لزوجته متى ما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها واحدة فإنه يلزمه البتات، أو إذا ما طلقتك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته إذا ما طلقتك فأنت طالق فطلقها واحدة فإنه يلزمه البتات، فقوله: طلقتك راجع لمتى ما وإذا ما.

أو وقع عليك طلاقي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته كلما وقع عليك طلاقي أو متى ما وقع عليك طلاقي أو إذا ما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، فإنه إذا طلقها واحدة يلزمه البتات، فقوله: فأنت طالق جواب لكلما طلقتك وما عطف عليه فهو راجع للمسائل الأربع، فهو من مقول الزوج في جميعها وكذا يرجع للمسائل الأربع كما علم من التقرير، قولى: وطلقها واحدة وما ذكره من أن

ص: 198

متى ما وإذا ما يقتضيان التكرار نحوه في النوادر وهو خلاف قوله: متى ما فعلت، وكرر وخلاف ما تقدم في اليمين من قوله: لا متى ما، وفرق عبد الباقي بين الموضعين بما ليس بظاهر. والله سبحانه أعلم. وفي الشبراخيتي أن المصنف مشى في قوله: متى ما أو إذا ما على قول سحنون وهو ضعيف، ومذهب المدونة أن متى ما وإذا ما لا يقتضيان تكرارا، فعلى مذهب المدونة لا يلزمه إلا اثنتان. انتهى. المراد منه. وقوله:"واحدة" أي أو اثنتين ولو قال لامرأته أنت حرام علي في الدنيا والآخرة فله نكاحها بعد زوج، وكان يلزم أن يكون مع ذلك الظهار. نقله الحطاب.

أو إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاث يعني أن الزوج إذا قال لزوجته إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا، فإنه إذا طلقها واحدة أو اثنتين لزمته ثلاث، ويلغى قوله قبله لاتصافها بالحلية إلى وقوع المعلق عليه، وإذا وقع فقد مضى الطلاق قبله والماضي لا يرتفع.

والحاصل أن قوله قبله أي قبل طلاق يعد لغوا، كما يأتي في قوله:"كطالق أمس"، قال الش: ذكر القبلية عندنا لغو، وكأنه قال إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا فإذا طلقها واحدة أو اثنتين تمت عليه الثلاث بمقتضى التعليق. انتهى. وقوله: أو إن طلقتك فأنت طالق قبله لخ، قال الطرطوشي: هذه الترجمة تسمى بالسريجية، قال ابن سريج من الشافعية: لا يقع عليه طلاق أبدا، وقال طائفة من الشافعية: يقع مع المنجز تمام الثلاث. وقاله أبو حنيفة.

ولما ذكر ما فيه واحدة ثم ما فيه طلقتان ثم ما فيه ثلاث ذكر ما هو متردد بين الواحدة وأكثر فقال: وطلقة في أربع قال لهن بينكن طلقة يعني أن الرجل إذا كان له أربع زوجات وقال لهن بينكن طلقة فإنه تلزمه طلقة في كل واحدة من النسوة، الأربع إذ كل واحدة منهن تنوبها طلقة لما عرفت من أن الطلاق لا يتجزأ، وكذا الحكم لو كان له امرأتان أو ثلاث وقال لهن بينكن طلقة فتنوب كل واحدة منهما أو منهن طلقة، وكذا لو كان له أربع نسوة وقال لهن بينكن طلقتان فتنوب كل واحدة طلقة في جميع ما مر، ولو زاد عدد الطلاق على عدد الزوجات لزمته طلقتان، ولهذا قال: ما لم يزد العدد على الرابعة أي تلزمه طلقة واحدة إذا قال لزوجاته الأربع بينكن طلقة واحدة أو اثنتان أو ثلاث أو أربع، وأما لو زاد عدد الطلاق في فرض المص على أربع فإنه

ص: 199

يلزمه طلقتان في كل واحدة من النسوة الأربع ما لم يزد عدد الطلاق على ثمان تطليقات، فإن زاد كما لو قال للأربع بينكن تسع تطليقات لزمته ثلاث في كل واحدة من الأربع.

والحاصل أنه تلزمه واحدة فيما ذكر من البينية إن لم يزد عدد الطلاق على ما عنده من الزوجات، سواء كن أربعا أو ثلاثا أو اثنتين فإن زاد عدد الطلاق علي ما عنده من الزوجات لزمته طلقتان ما لم يزد عدد الطلاق على مثليْ ما عنده، فإن زاد عدد الطلاق على مثلي ما عنده لزمته ثلاث وبالله التوفيق. وقوله:"طلقة في أربع قال لهن بينكن طلقة ما لم يزد العدد على الرابعة"؛ وقيل يطلقن ثلاثا ثلاثا إذا قال بينكن ثلاث.

سحنون: وإن شرك طلقن ثلاث ثلاث ما تقدم من قوله: "وطلقة وأربع قال لهن بينكن" لم يأت بلفظ من الشركة وهو قول ابن القاسم، وما هنا أتى بلفظ من الشركة؛ يعني أن سحنون قال فيمن له زوجات أربع أو ثلاث أو اثنتان إذا شرك بينهن في ثلاث تطليقات أي أتى بلفظ من الشركة، كما لو قال شركت بينكن في ثلاث تطليقات فإن كل واحدة منهما أو منهن تطلق ثلاث تطليقات، وإن شرك في طلقة طلقت كل واحدة منهما أو منهن تطليقة واحدة؛ وإن شرك في طلقتين طلقت كل واحدة منهما أو منهن تطليقتين، قال الش: والفرق بين ما تقدم وبين هذه أن التشريك يقتضي المشاركة في أجزاء كل طلقة؛ بخلاف الأولى فإن الجملة مقسومة عليهن. انتهى.

وهو كالصريح في أن كلام سحنون موافق لكلام ابن القاسم، وقال عبد الباقي: والفرق بين بينكن وبين هذه أنه في الأولى ألزم نفسه ما توجبه القسمة ولم يلزم نفسه قبل القسمة شيئا، وفي الثانية ألزم نفسه ما نطق به من الشركة وذلك يوجب لكل واحدة منهن جزءا من كل طلقة. ابن يونس: لو قال قائل إن الفرعين سواء لم أعبه. انتهى. وقال الخرشي: وقد جعل بعضهم كلام سحنون خلافا للأول وبعضهم وفاقا، وكأنه قال: وطلقة في أربع قال لهن بينكن ما لم يشرك، فإن شرك طلقن ثلاثا ثلاثا وعلى أنه خلاف يكون المعول عليه الأول، ومسألة التشريك الآتية تدل على أنه مقابل، وكلام المؤلف في التوضيح يستشعر منه أنه مرتضيه لأنه قال: ونسبها ابن الحاجب لسحنون لاحتمال أن لا يوافق عليه ابن القاسم. انتهى. وقال الشبراخيتي: جعله بعضهم تقييدا للأول وجعله بعضهم خلافا، والمعتمد أنه تقييد وكأنه قال: وطلقة في أربع قال لهن بينكن ما لم

ص: 200

يشرك، فإن شرك طلقن ثلاثا ثلاثا، وعلى أنه خلاف فالمعول عليه الأول والذي عليه ابن هارون وابن عبد السلام وابن عرفة أنه تقييد. انتهى.

وقوله: "سحنون" بفتح السين وحكيَ ضمها واسمه عبد السلام، وقال في الشرح: وفتح السين من سحنون عند الفقهاء هو الكثير، وأما في اللغة فالضم. انتهى. وقال الحطاب: تبع ابن الحاجب في نسبة هذا لسحنون، قال في التوضيح: ونسبه المص لسحنون لاحتمال أن لا يوافق عليه ابن القاسم. انتهى. وجزم في الشامل بموافقته للمذهب وهو الذي يفهم من كلام ابن رشد في المسألة الثالثة من نوازل أصبغ من الأيمان بالطلاق، فإنه جعلهما مسألتين وفرق بينهما وكذلك ابن عرفة. والله أعلم. انتهى.

وإن قال أنت شريكة مطلقة ثلاثا ولثالثة وأنت شريكتهما طلقت اثنتين والطرفان ثلاثا يعني أن الرجل إذا كان له زوجات ثلاث فقال لإحداهن أنت طالق ثلاثا، ثم قال لثانية أنت شريكة فلانة المطلقة ثلاثا، ثم قال لثالثة وأنت شريكتهما فالتثنية فإنه تطلق الثانية منهن تطليقتين، لأنه لما أشركها معهما نابها طلقة ونصف طلقة والطلاق لا يتجزأ، فتكمل لها الطلقة التي نابها منها جزء وتطلق عليه الطرفان الأولى والثالثة ثلاثا ثلاثا، أما الأولى فالأمر فيها واضح وأما الثالثة فينوبها من شركتها مع المبتوتة اثنتان؛ لأن الطلاق لا يتجزأ كما عرفت، وينوبها من شركتها مع الثانية واحدة، فتلك ثلاث، وقيل تطلق الثانية ثلاثا كالطرفين. قاله الش. وهذا الفرع لأصبغ وليس من تتمة كلام سحنون.

ومقتضى كلام سحنون المتقدم أن كلا من النسوة الثلاث تطلق ثلاثا لا الطرفان فقط كما يقوله أصبغ، ومقتضى ما لسحنون ضعيف في هذه والمعتمد فيها ما لأصبغ، كما أن المعتمد في الأولى ما لسحنون كما ذكره المص في الفرعين، قاله الشيخ عبد الباقي.

قول المص: "ولثالثة وأنت شريكتهما" بضمير التثنية كما مر، فلو قال: لثالثة وأنت شريكتها بضمير الإفراد ولم يعلم عوده على الأولى أو الثانية فالاحتياط أن تطلق طلقتين بجعل الضمير عائدا على الأولى، فإن كان له نسوة أربع وقال ما ذكره المصنف وللرابعة وأنت شريكتهن فيقع على

ص: 201

الرابعة ثلاث عملا بلفظ شريكتهن، وأم النسوة الثلاث قبلها فعلى ما قال المص. قاله عبد الباقي. وقال: ولعل الفرق بين الثانية والثالثة مع وجود لفظ التشريك في المسألتين أن التشريك في الأولى وقع ابتداء بين جميعهن، وأما في الثانية فقد أوقع الثلاث ابتداء على واحدة فضعف قوله للثانية أنت شريكتها فلذا لم يلزم فيها إلا اثنتان. انتهى.

وقوله: "وإن قال أنت شريكة مطلقة ثلاثا" لخ وكذا الحكم لو قال لواحدة منهن: أنت طالق البتة ثم قال لثانية أنت شريكتها، ثم قال لثالثة أنت شريكتهما فإنه تطلق الثانية اثنتين والطرفان ثلاثا ثلاثا. قاله الخرشي. وقال عبد الباقي: وقوله مطلقة ثلاثا، قال التتائي: اقتصر في فرض المسألة على الثلاث؛ لأنه لو زاد عليها البتة فقال لإحدى نسائه الثلاث: أنت طالق البتة ثم للأخرى أنت شريكتها ثم لثالثة أنت شريكتهما طلقن البتة ولم ينفعه قوله ثلاثا قدمت أو أخرت، والبتة لا تتبعض. قاله أصبغ في نوازله. انتهى.

وفهم من قوله: لأنها لغو مع البتة أن الحكم كذلك عند حذف ثلاثا، وقوله للثالثة أنت شريكتهما بالتثنية ومثله بالإفراد في هذه كما يفيده كلامه، وما ذكره من أن البتة لا تتبعض هو المذهب هنا، ويستثنى من ذلك ما إذا استثنى منها فإنها تتبعض على المذهب في الاستثناء كما يأتي في قوله:"أو البتة إلا اثنتين"، ووجهه أن المستثنى منه لما كان عمومه مرادا تناولا فقط لا حكما في الأصول فكأن القائل أنت طالق البتة إلا اثنتين إلا واحدة لم يرد حقيقة البتة من أول الأمر. انتهى كلام عبد الباقي.

قوله: ووجهه أن المستثنى منه لما كان عمومه لخ، قال محمد بن الحسن: لا يحتاج إلى ذكر الفرق بين ما هنا وبين ما يأتي ما هنا مبني على قول أصبغ أن البتة لا تتبعض، قال ابن رشد: وهو الصحيح. انتهى. وقوله: "وإن قال أنت شريكة مطلقة ثلاثا" قد علمت صورته الذي قررته بها وهو الذي قرره بها شراحه كما هو مقتضاه ولو قال لإحدى زوجتيه هذا اللفظ ابتداء أنت شريكة مطلقة ثلاثا وللثانية وأنت شريكتهما، فمقتضى ما مر أن الأولى تطلق اثنتين والثانية تطلق ثلاثا. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه. وقال الأمير: وإن طلقها ثلاثا وقال لأخرى وأنت شريكتها، ولثالثة وأنت شريكتهما فالوسطى اثنتان إلا أن يكون العرف وأنت مثلها فثلاث

ص: 202

وهما ثلاث. انتهى. وقوله: "وإن قال أنت شريكة مطلقة ثلاثا" الخ شامل لمن لم يكن له إلا ثلاث زوجات ولمن كان له أربع زوجات كما يفيده غير واحد. والله سبحانه أعلم.

وأدب المجزئ يعني أن الزوج إذا جزأ الطلاق فإنه يؤدب سواء كانت التجزئة للطلاق بسبب تشريك بين زوجتين فأكثر، نحو: شركت بينكما أو بينكن في طلقة أو بغير تشريك كأنت طالق ربع طلقة أو نصفها أو عشرها ونحو ذلك، قال عبد الباقي: وهو يقتضي تحريمه لإيهامه على الناس أن الطلاق يتجزأ، وكذا يؤدب معلقه على القول بمنعه لا على كراهته، ففي الشامل: وهل تعليقه مكروه أو ممنوع يؤدب فاعله؟ خلاف. انتهى.

وقال الشراخيتي: "وأدب المجزئ" للطلاق وهو يقتضي تحريمه، ولا فرق بين التجزئة بتشريك أو غيره لتلبيسه على حكام المسلمين ومخالفته السنة، وكذا يؤدب معلقه على القول بمنعه، قال في الشامل: وهل تعليقه مكروه أو ممنوع ويؤدب فاعله؟ خلاف، وقال التتائي: واختلف في حكم المطلق المعلق، ففي المقدمات: مكروه. اللخمي: ممنوع. مطرف وعبد الملك: لا يحلف به سلطان ولا غيره ويؤدب فاعله. انتهى. وقال في الرسالة: ويؤدب من حلف بطلاق أو عتاق ويلزمه. انتهى. وإنما يكون التأديب لمن اعتاد الحلف كما ذكره شراحها. انتهى المراد منه.

ثم شبه في اللزوم والأدب قوله: كمطلق جزء وإن كيد يعني أن الزوج إذا طلق جزءا من زوجته فإنه يقع الطلاق على كلها ويؤدب، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الجزء شائعا كربعك أو نصفك طالق، وبين أن يكون معينا كفوك طالق أو رجلك أو إصبعك ونحو ذلك وكذا العتق. ابن يونس: لأنه إذا اجتمع الحظر والإباحة في شخص غلب حكم الحظر كالأمة بين الشريكين والمعتق بعضها والشاة يذبحها المجوسي والسلم، قال عبد الباقي: وكذا يؤدب من حلف بطلاق أو عتاق كما في الرسالة، وقيدت بمن اعتاره، ولا يعارضه ما مر في باب اليمين عند الأكثر، وقيل يكره إذ مقتضى التحريم تأديبه وإن لم يَعْتَدْهُ، ومقتضى الكراهة عدم

(1)

تأديبه وإن اعتاده، ويجاب بأنه لما

(1)

ساقطة من النسخ، والمثبت من عب ج 4 ص 109.

ص: 203

كثر على الألسن الحلف بهما قيد الأدب بالاعتياد ومنع بهما لأنهما من أيمان الفساق كما في الخبر.

ولزم بشعرك طالق يعني أن الزوج إذا قال لزوجته شعرك طالق فإنه يلزمه الطلاق بذلك فيعمها كلها، وهذا إذا قصد الشعر المتصل أو لا قصد له، وأما إن قصد المنفصل فهو كالبصاق فلا يلزم؛ وما لا يلتذ به من شعرها كشعر غير الرأس والحاجبين وما شاب من شعر الرأس والحاجبين وما غلظ من صوتها لا يلزم بطلاقه طلاق. قاله الشبراخيتي وغيره.

أو كلامك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته كلامك طالق فإن الطلاق يلزمه بذلك، ومثل ذلك ما هو من سائر محاسنها مما يلتذ به كعقلها وروحها، بخلاف علمها وجهلها، وقوله:"ولزم بشعرك طالق أو كلامك" وهو قول أصبغ، وقال سحنون: لا شيء في ذلك وذكره محمد عن ابن عبد الحكم. ابن عبد السلام: وقول أصبغ أظهر وإليه أشار بقوله: علي الأحسن وإنما كان القول باللزوم هو الأحسن لأنهما من محاسنها؛ ولأن الشعر لا يحل لمسه إلا للزوج، ولأن من الكلام ما لا يحل أن يسمعه إلا الزوج فقد حرم ذلك النوع على نفسه فيلزمه الطلاق حينئذ.

لا بسعال يعني أن الزوج إذا قال لزوجته سعالك طالق فإنه لا يقع عليه الطلاق بذلك. أو بصاق يقال بصاق وبزاق لغتان مشهورتان، وبساق بالسين لغة شاذة وعدها جماعة غلطا؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته بصاقك طالق فإن الطلاق لا يلزمه بذلك؛ لأن السعال والبصاق لا يلتذ بهما، ولأن البصاق اسم للمنفصل بخلاف الريق فتحرم بتحريمه لأنه إنما يقع على ما كان في الفم قبل الفارقة، وهو مما يلتذ به وهو الرضاب، قال الش: وقال أصبغ باللزوم في الريق، ونحوه للخمي، وقال اللخمي: لا تحرم بالسعال ولا بالبصاق وهو قول المتقدمين.

أو دمع يعني أن الزوج إذا قال لزوجته دمعك طالق فإنها لا تطلق بذلك؛ لأن ذلك ليس من محاسنها، قال عبد الباقي عند قوله "ودمع": ونحوه مما لا يتلذذ به عادة، كعلمها وجنينها وشعر غير رأسها وحاجبيها وما شاب من شعر رأسها وحاجبيها وما غلظ من صوتها فلا يلزم بطلاق شيء مما ذكر طلاق، إلا أن يلتذ هو به احتياطا في الفروج أو ينوي حل العصمة فكالكناية الخفية لا يقال إن فيه اللفظ الصريح؛ لأنا نقول نعم لكن لما كان على غير جزء المرأة الملتذ به

ص: 204

عادةكان كناية خفية، وبما مر علم أقسام أربعة: طلاقها بطلاق ما يلتذ به عادة التذ هو به أم لا، وعدم طلاقها بطلاق ما لا يلتذ به عادة إلا أن يلتذ أو ينوي به طلاق جملتها. انتهى. وقال الشبراخيتي: وأما إن طلق ما لا يلتذ به غيره عادة ويلتذ هو به فالظاهر أنه يلزمه كالوضوء. انتهى.

وصح استثناء بإلا يعني أن الزوج إذا طلق زوجته واستثنى فإن استثناءه يصح فيفيد ويعمل به، والاستثناء يكون بإلا وما في معناهها من أدوات الاستثناء، والاستثناء هنا هو الإخراج بإلا وما في معناها لبعض أفراد، وإنما يصح الاستثناء إن اتصل، وهل المراد اتصاله بالمحلوف به نحو أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إن دخلت الدار فلا يكفي اتصاله بالمحلوف عليه لا؛ أو المراد اتصاله بالمحلوف عليه نحو أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار إلا اثنتين وأحرى إن اتصل بالمحلوف به قولان؟ ومفهوم قوله: إن اتصل أنه لو انفصل لم يفد إلا لعارض لا يمكن رفعه كسعال وعطاس ونحوهما، ويشترط في صحة الاستثناء مع الاتصال أن لا يستغرق كما أشار إلى ذلك بقوله: ولم يستغرق بأن ينقص العدد المستثنى عن المستثنى منه، فإن استغرق الاستثناء المستثنى منه بأن زاد عليه أو ساوى لم يفد إجماعا. قال عبد الباقي وغيره: ولا فرق بين المستغرق بالذات أو بالتكميل كطالق ثلاثا إلا اثنتين وربعا فيتصل الاستثناء، وتلزم الثلاث بدليل قوله فيما مر:"وثلاث في إلا نصف طلقة". انتهى.

قال محمد بن الحسن: لا دليل في هذا على الاستغراق بالتكميل؛ إذ لو عمل في هذا بالتكميل في المستثنى لا لزمه إلا طلقتان، وقوله:"إن اتصل ولم يستغرق" أي ونواه ونطق به وإن سرا بحركة لسان، وفي كتاب الأمير: ولا بد من حركة اللسان كما في الأيمان ولا ينفع في الحقوق. انتهى. وقال الش: فلا يصح مع الانفصال اختيارا، وكذلك إن ساوى المستثنى المستثنى منه وهو مراده بالاستغراق وأحرى إذا كان المستثنى أكثر. انتهى.

ففي ثلاث إلا ثلاثا واحدة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة فإنه تلزمه طلقتان لإلغاء المستثنى المساوي للمستثنى منه، وقوله:"إلا واحدة" مستثنى من قوله:

ص: 205

"أنت طالق ثلاثا" والمص تبع في هذا ابن شأس، والصواب عند ابن الحاجب أن لا تلزم إلا واحدة؛ لأن الثلاث بعد أن أخرج منها واحدة تبقى بعدها اثنتان تخرجان من الثلاث الموقعة علي المرأة تبقى واحدة هي التي تلزم الزوج، قال ابن عرفة: وهو الحق، قال محمد بن الحسن: ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين فعلى ما للمص تبعا لابن شأس من إلغاء الاستثناء الأول تلزمه واحدة؛ وعلى ما لابن الحاجب وابن عرفة وهو الحق تلزمه اثنتان. انتهى.

وعلل عبد الباقي ما مشى عليه المص بقوله: لأن المستغرق هو الذي يقتصر عليه المتكلم وهنا لم يقتصر عليه. انتهى. وقال محمد بن الحسن: فيه نظر، فإن هذا التعليل لا يناسب ما جرى عليه المص، وإنما يناسب ما لابن الحاجب وابن عرفة. انتهى. وقال ابن عرفة: وفي جواز استثناء الأكثر معروف المذهب مع القاضي عن الجمهور، ونقل اللخمي في طالق ثلاثا إلا اثنتين يلزمه الثلاث مع نقل القاضي منعه. انتهى. نقله محمد بن الحسن. فقول المص: ولم يستغرق صادق بما إذا استثنى الأكثر وهو المنصوص والمنقول عن الجمهور. والله سبحانه أعلم. وفي ابن الحاجب: ولا يشترط أن يستثنى الأقل على المنصوص.

أو ثلاثا يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فإنه تلزمه طلقتان، لأن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات؛ فقوله:"ثلاثا" إثبات، وقوله:"إلا اثنتين" نفي، فصار اللازم واحدة ثم أثبت واحدة من الاثنتين فصار اللازم له اثنتان. أو البتة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق البتة إلا اثنتين إلا واحدة فإنه تلزمه طلقتان؛ لأن البتة تتبعض على الصحيح فهي كالثلاث هذا هو قول أشهب وسحنون، وذهب أصبغ إلى أن البتة لا تتبعض فلا يصح الاستثناء منها.

وبما قررت علم أن قوله: إلا اثنتين واحدة مستثنى من قوله: "تلاثا" ومن قوله: "البتة" وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أخبركم بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله؟ لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله

(1)

): فجعل إلا بالله راجعا للأمرين قبله. قاله جامعه عفا

(1)

البيهقي: في شعب الإيمان، ج 1 ص 446 رقم الحديث، 665.

ص: 206

الله عنه. وقال الشبراخيتي: وحذف إلا وما بعدها من التي قبلها لدلالة هذا عليه. انتهى. وقوله: اثنتان مبتدأ وخبره قوله في ثلاث فهو راجع للمسائل الثلات، وقال الشبراخيتي: حذف اثنتان الأولى والثانية لدلالة الثالثة. انتهى. وقوله: "أو البتة" قال الشبراخيتي: هو أحد قولي سحنون وهو الذي رجع إليه وهو قول أشهب والمحققين، وما قدمه التتائي من أنها لا تتبعض ضعيف وهو قول أصبغ وأحد قولي سحنون المرجوع عنه.

وإذا كان قبل الاستثناء معطوف ومعطوف عليه يمكن رجوع الاستثناء لهما أو لأحدهما، كقوله لها: أنت طالق واحدة واثنتين إلا اتنتين فإنه ينظر في ذلك، فإن ادعى الزوج أن الاستثناء كان حاصلا في نيته من الجميع أي المعطوف والمعطوف عليه، فإنه تلزمه طلقة واحدة؛ لأنه أخرج اثنتين من الثلاث واستثناء أكثرم النصف جائز، وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية؛ أي وإلا يكن الاستثناء من المعطوف والمعطوف عليه معا؛ بأن نوى الإخراج من المعطوف فقط أو من المعطوف عليه فقط أو لا نية له، فإن الزوج تلزمه ثلاث أي ثلاث تطليقات في الصور الثلاث لبطلان الاستثناء حينئذ باستغراقه، وكلام ابن عرفة يفيد أنه إذا لم تكن له نية برده للجميع ولا لبعض معين، وإنما حصل منه نية الاستثناء في الجملة ففي لزوم ثلاث أو واحدة قولان، والعطف بثم كالعطف بالواو كما لابن عرفة، وينبغي أن بقية الحروف مما يأتي هنا كالفاء وحتى كذلك. قاله عبد الباقي. وقوله:"إن كان من الجميع فواحدة" بناء على جواز استثناء الأكثر وهو المعروف والمنقول عن الجمهور وهو الصحيح، خلافا لعبد الوهاب القائل: يمنع استثناء الأكثر.

وفي إلغاء ما زاد على الثلاث واعتباره قولان يعني أنه جرى قولان فيما زاد من الطلاق على الثلاث، هل يلغى أو يعتبر؟ والقولان لسحنون، وإلى القول بالاعتبار رجع سحنون وهو الذي استظهره ابن رشد، وقال في التوضيح: وهو الأقرب. ابن عبد السلام: وأرجح في النظر، قال محمد بن الحسن: وبه تعلم أرجحيته مطلقا أي سواء كان فيه الاحتياط في الفروج أم لا، فإذا قال لها أنت طالق خمسا إلا ثنتين فعلى القول بالإلغاء تلزمه واحدة لإلغاء الاثنتين الزائدتين على الثلاث، وعلى القول بالاعتبار وهو الراجح تلزمه ثلاث وهذا المثال فيه الاحتياط للفروج أي في

ص: 207

اعتبار الزائد الاحتياط للفروج، ولو قال لها أنت طالق مائة إلا تسعا وتسعين فعلى القول بإلغاء ما زاد على الثلاث تلزمه ثلاث؛ لأنه بمنزلة ما لو قال أنت طالق ثلاثا إلا تسعا وتسعين وهو مستغرق، وعلى القول باعتبار ما زاد على الثلاث وهو الراجح تلزمه طلقة واحدة، وهذا المثال ليس في الاعتبار فيه احتياط للفروج. انظر شرح عبد الباقي.

ونقل عن التتائي أنه قال: وذكرنا المثالين يعني الذين قدمتهما ليتضح لك أنه لا فرق بين كون الزيادة في طرف المستثنى منه فقط أو في الطرفين. انتهى. وقد علمت اللازم من الطلاق على كلا القولين، ومعنى هذا والله أعلم أن القولين جاريان في اعتبار الزيادة الحاصلة في طرف المستثنى منه وإلغائها، فسواء حصلت الزيادة فيه فقط أو فيه وفي المستثنى، وأما الزيادة الحاصلة في المستثنى فهي معتبرة ولا يجري فيها القولان. هذا ما يفيده كلام عبد الباقي. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه.

وقال الشبراخيتي: قولان لسحنون ورجع للثاني منهما واستظهره ابن رشد وابن عبد السلام وتبعد المص في التوضيح ذكره التتائي وغيره، وفي هذا ترجيح الثاني فكان ينبغي للمص الاقتصار عليه فيقول، واعتبر ما زاد على الثلاث. انتهى المراد منه. وقوله:"وفي إلغاء ما زاد على الثلاث" يعني من حيث الاستثناء، وأما من حيث فك العصمة فيلغى بإجماع، وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل طلق امرأة عدد النجوم، فقال: يكفيه من ذلك رأس الجوزاء، وانظر هل يقال في العبد وفي إلغاء ما زاد على اثنتين واعتباره؟ قولان وهو الظاهر. قاله الشيخ إبراهيم.

ونجر إن علق بماض ممتنع هذا شروع منه رحمه الله في مسائل ينجز على الزوج الطلاق فيها من غير توقف على حكم حاكم، بل حكم الشرع بتنجيز الطلاق عليه إلا في مسألة أو بمحرم، كإن لم أزن فلا بد فيها من حكم حاكم، وكذا في مسألة إن لم تمطر السماء، وكذا في مسألة ما إذا علق على محتمل واجب كإن صليت كما هو في معنى أو بمحرم كما يعلم بالتأمل. قاله محمد بن الحسن. ومعنى كلام المص أن الزوج يحكم عليه الشرع بتنجيز الطلاق إذا علق الطلاق على أمر مضى وهو ممتنع، سواء كان امتناعه عقلا كما لو قال زوجتي طالق لو جتت أمس لجمعت بين

ص: 208

وجودك وعدمك، أو لأقتلن فلانا الميت بمعنى إزهاق روحه فينجز عليه الطلاق بمجرد هذا القول، وسيأتي الكلام على معنى هذا التعليق قريبا إن شاء الله.

أو كان امتناعه عادة كما لو قال أنت طالق لو جئت أمس لرفعتك إلى السماء أو لدخلت بك الأرض، أو كان امتناعه شرعا كما لو قال أنت طالق لو جئت أمس لقتلتك فينجز عليه الطلاق بمجرد القول في هذه الأقسام الثلاثة، وظاهره قصد المبالغة أو لا وهو كذلك على ما درج عليه المص؛ وقال عبد الباقي: ومحل الطلاق في القسمين الأخيرين ما لم يقصد المبالغة وإلا فلا يحنث نظرا للقصد، كقوله عليه الصلاة والسلام في أبي جهم:(لا يضع العصا عن عاتقه)، وكالحلف أن هذا الطائر لا يسكت فعدم الحنث فيمن يكثر منه ذلك أو فيمن عرفهم استعمال لفظ في غير مدلوله لغة، كفقإ العين في إبانة الحق عليه وكالقتل في الضرب الشديد أو نوى ذلك، والأول من العرف القولي والثاني من العمل بالنية. قاله عبد الباقي.

وقوله: ما لم يقصد مبالغة يعني أو يكن قادرا على ما علق عليه من القتل مثلا، وكونه لا حنث عليه فيهما هو قول ابن بشير وابن شأس، وقال ابن ناجي: ظاهر المدونة الحنث. قاله محمد بن الحسن. ثم قال: وبالجملة فعلى ما درج عليه المص من الحنث في الجائز يحنث في غيره، ولو قصد المبالغة أو كان قادرا لأن غاية الأمر أن يصير الممتنع بذلك جائزا، وعلى عدم الحنث في الجائز يقيد الممتنع. والله أعلم. انتهى.

وذكر الحطاب أن المشهور في الجائز عدم الحنث خلاف قول المص: أو جائز يعني أن الزوج ينجز عليه الطلاق فيما إذا علق الطلاق على أمر جائز شرعي ماض، كما لو قال لها أنت طالق لو جئت قضيتك حقك في حق لا يجب قضاؤه، وقد تقدم أن هذا ضعيف والمشهور عدم الحنث في الجائز، وأما الواجب شرعا فحكى ابن عبد السلام الاتفاق على عدم الحنث فيه، وهو وإن ناقشه ابن عرفة في الاتفاق فأقل أحواله أن يكون هو المشهور، واحترز المص بماض ممتنع عما لو علقه بماض واجب بأقسامه الثلاثة فلا يلزمه شيء، كأنت طالق لو جئت أمس ما قدرت على الجمع بين وجودك وعدمك، وكأنت طالق لو جئت أمس لقضيتك حقك في حق يجب قضاؤه، وكأنت

ص: 209

طالق لو جئت أمس ما قدرت على رفعك للسماء، وظاهر المص أن الطلاق في هذه الصور معلق على جواب لو، وليس كذلك فالمتنع بأقسامه والجائز ليس بمعلق علي شيء منهما أصلا لا طلاق ولا غيره، بل كل منهما معلق على الشرط كما هو القاعدة في أدوات الشرط؛ والطلاق في الحقيقة إنما هو معلق على عدم صدق الملازمة، فكأنه يقول إن كانت الملازمة أي ملازمة المشروط للشرط غير صادقة فامرأته طالق فهو في الحقيقة معلق على عدم صدق اللازمة بين الشرط والجواب، فهو في التحقيق معلق على واجب، فلذا نجز عليه هذا في الماضي الممتنع. ولا يقال في الجائز أنه معلق على واجب وإنما هو معلق على عدم صدق الملازمة وهو ممكن.

وبما قررت علم أن قوله: "أو جائز" عطف على ممتنع فهو صفة لماض كما قاله الحطاب، وقال: وما شهره المص من الحنث في الجائز قال ابن الحاجب تبعا لابن شأس، هو قول ابن القاسم، قال القرافي: هو خلاف نقل القاضي عن ابن القاسم ومالك أنه إن أمكن الفعل شرعا لم يحنث وإلا حنث، وخلاف ظاهر الكتاب قال القرافي: فيحتمل أن يكون سهوا أو ظفر بنقل غريب وترك الجادة وعلى التقديرين فهو ردي. انتهى.

وقال الش عند قوله: "أو جائز" هو مذهب ابن القاسم؛ لأنه لما احتمل أن يقضيه وأن لا يقضيه حصل الشك في العصمة فيقع الطلاق بذلك، وقال عبد الملك: لا يحنث لأن الأصل استصحاب العصمة المحققة والشك غير معتبر. انتهى. وقال الحطاب: وحاصل ما ذكره المص أنه إذا علقه بماض ممتنع أو جائز حنت وهذا القول حكاه في البيان، وحكى مقابله عدم الحنث مطلقا عن مالك والثالث التفصيل بين ما يجوز فعله فلا يحنث وما لا يجوز فعله فيحنث. انتهى. وقوله: ممتنع أي شرعا كما يفهم من كلامه. والله سبحانه أعلم.

وصرح بذلك الش قال: ولم أر خلافا في الأولين يعني الممتنع عقلا والمتنع عادة، وقال الحطاب: قال ابن رشد في شرح المسألة المذكورة: لو حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق ثوبه في المستقبل لم يختلف في أنه لا شيء عليه إن لم يشق الثوب، ولا في أنه يعجل عليه الطلاق إن شقه ولا يمكن من البر بشق كبده. انتهى. وفي كتاب الشيخ الأمير: ونجز إن علق على واجب ولو عادة أو شرعا لا جائز ولا يعول على ما في الأصل.

ص: 210

أو مستقبل محقق يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على أمر مستقبل محقق وقوعه فإنه ينجز عليه الطلاق، ومحل تنجيز الطلاق عليه حيث كان ينتبه بلوغهما معا إليه كما هو ظاهر المص؛ وأما إن كان يشبه بلوغ عمر أحدهما له دون الآخر أو لا يشبه بلوغ واحد منهما إليه فإنه لا ينجز عليه الطلاق، وإنما ينجز عليه إذا كان يشبه بلوغهما إليه لأنه حينئذ يصير شبيها بنكاح المتعة من كل وجه، وأما إذا كان يشبه بلوغ أحدهما إليه فقط فإنه لا يأتي الأجل إلا والفرقة قد حصلت بموت، فلم يشبه المتعة حينئذ، ولهذا قال أبو الحسن؛ هذا على أربعة أقسام: إن بلغه عمرهما معا لزم، وإن كان لا يبلغه عمرهما، أو يبلغه عمره دونها أو عمرها دونه فهذه الثلاثة لا شيء عليه فيها إذ لا تطلق ميتة ولا يؤمر ميت بطلاق. انتهى.

كبعد سنة مثال للمحقق الذي يشبه بلوغهما إليه؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق بعد سنة فإنه ينجز عليه الطلاق الآن كما مر.

فائدة: أنشد بعض الفقهاء:

ما يقول الفقيه أيده اللّـ

ـه ولا زال عنده الإحسان

في فتى علق الطلاق بشهر

قبل ما قبل قبله رمضان

اعلم أن هذا البيت يشتمل على ثمانية أبيات باعتبار تركبه من قبل وبعد معا أو من أحدهما، فإن تركب من قبل فالشهر المعلق عليه ذو الحجة، وإن تركب من بعد فجمادى الأخيرة، وإن تركب منهما فهو إما شوال وإما شعبان، فالأولان ظرفان والواسطة الأخيران، فإن تكررت قبل فالشهر شوال وذلك في ثلاث حالات أن تتقدم أو تتأخر أو تكتنف، وإن تكررت بعد فالشهر شعبان وذلك في ثلاث حالات أيضا، والقاعدة في هذا أنه يلغى أحد المكررين مع المنفرد. والله سبحانه أعلم.

أو يوم موتي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق يوم موتي أو موتك أو تموتين، فإنه ينجز عليه الطلاق لأنه محقق يبلغانه، وكذا ينجز عليه الطلاق إذا قال لها أنت طالق قبل موتي أو

ص: 211

موتك بيوم أو شهرت بخلاف أنت طالق بعد موتي أو موتك فلا شيء عليه، وأما لو قال لها أنت طالق إن أو إذا مات فلان فإنه ينجز عليه الطلاق، وكذا ينجز عليه الطلاق إذا قال لها أنت طالق يوم موت فلان أو بعد موت فلان أو قبل موت فلان فتلك خمس في الأجنبي ينجز فيها الطلاق كما قاله بناني؛ لأنه محقق يشبه بلوغهما إليه وخمس عشرة متعلقة بالزوج والزوجة؛ لا شيء عليه في ثمانية منها، وينجز عليه الطلاق في سبع منها.

ابن القاسم: من قال لامرأته أنت طالق إذا قدم الحاج أنها تطلق عليه الساعة لأنه أجل آت، وحمل الكلام على الزمن لا على القدوم كما هو المذهب أيضا في البيع إلى قدوم الحاج، ومن قال: أنت طالق بعد قدوم زيد بشهر طلقت عند قدومه، وفي الواضحة عن مطرف وأصبغ: ولو قال أنت طالق إذا خسفت الشمس أو أمطرت السماء لزمه الطلاق بكلامه لأنه أجل آت؛ ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: ومن طلق امرأته إلى مائة سنة أو إلى مائتي سنة فلا شيء عليه.

وبما قررت علم أن قوله: "أو يوم موتي" عطف على قوله: بعد سنة فهو من المحقق الذي يبلغانه فهو أحرى مما يشبه البلوغ إليه، وقال ابن حارث: إذا قال أنت طالق إلى مستهل الهلال أو إلى وقت يأتي على كل حال فهي طالق وقت قوله اتفاقا، وسمع ابن القاسم في العمدة أن ناسا اختلفوا فيمن طلق إلى أجل سماه؛ وأن عطاء كان يقول ذلك، فقال مالك: لا أقول له ولا لغيره هذه المدينة دار النبي صلى الله عليه وسلم ودار الهجرة، فما ذكروا أن المطلق إلى أجل يتمتع بامرأته إلى ذلك الأجل فإنا لم ندرك أحدا من علماء الناس قاله. انتهى.

ابن رشد: قياسه ذلك على المتعة صحيح واستدلاله بأنه الذي عليه أهل المدينة دليل على أن إجماعهم عنده حجة فيما طريقه الاجتهاد دون الذي عليه أهل التحقيق أن إجماعهم إنما هو حجة فيما طريقة التوقيف، وأن الغالب منه أنه عن توقيف كنفي زكاة الخضروات والأذان، وفي النوادر: ومن قال لزوجته أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا فهو سواء وهو طلاق إلى أجل. قاله الحطاب. وإذا علق الطلاق بمحقق لا يشبه بلوغهما معا إليه فإنه لا يقع عليه طارق كما يأتي عند قوله: "إن حضت" ثم عطف على ماض ما هو مستقبل لوقوعه في حيز إن قوله: أو علق بقوله: "أنت طالق".

ص: 212

إن لم أمس السماء يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إن لم أمس السماء أو إن لم أمس السماء فأنت طالق، فإنه ينجز عليه الطلاق بلا خلاف كما في الش؛ لأنه حلف على المس وهو ممتنع عادة، فلذا نجز عليه الطلاق.

وفي كتاب الأمير: ونظر رجل إلى امرأته على درجة فقال أنت طالق إن صعدت وأنت طالق إن نزلت وأنت طالق إن وقفت فألقت نفسها، قال الشيخ الأمير: قلت إن لم يكن قصد توقف بره على أن السقوط ليس نزولا عرفا وهو الظاهر. انتهى. وفي الحطاب: وانظر إذا قال امرأته طالق إن لم يره النجوم في النهار هل يحمل على المبالغة أو على ظاهره، وفي الذخيرة في كتاب الأيمان في مدارك البر والحنث، قال المدرك الرابع مقتضى اللفظ لغة، ثم قال: قال أبو الوليد: هذا في المظنون، وأما المعلوم كقوله والله لأرينه النجوم في النهار ونحوه فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك من المبالغة دون الحقيقة. انتهى. وقال الشبراخيتي: إن قوله إن لم أمس السماء عطف على قوله: بعد سنة، فهو مثال للمستقبل المحقق، ومثل إن لم أمس السماء إن لم أشرب البحر أو لم ألج في سم الخياط أو إن لم أحمل الجبل ونحو ذلك. انتهى.

أو إن لم يكن هذا الحجر حجرا لهزله يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق إن لم يكن هذا الحجر حجرا فإنه ينجز عليه الطلاق لهزله، وكذا لو قال إن لم يكن هذا الحجر حجرا فأنت طالق فإنه يطلق عليه لهزله، ومثل ذلك إن لم يكن هذا الإنسان إنسانا وشبه ذلك، والتعليل بالهزل جار فيما إذا قدم لفظ الطلاق أو أخره، ومحل وقوع الطلاق إذا قصد انتفاء الحجرية أو لا قصد له، وأما إذا اقترن بالكلام ما يدل على أن المراد المجاز وهو صلابة الحجر بحيث لا يتأثر بالحديد وتمام الأوصاف الإنسانية من الكرم والشجاعة وغير ذلك فلا حنث إن وجدت الأوصاف المذكورة وإلا حنث كما قاله ابن عبد السلام، وقوله:"لهزله" وجه كونه هازلا لا أنه أوقع الطلاق معلقا على انتفاء حجرية الحجر، وهو ممتنع قطعا فهو متلاعب والله سبحانه أعلم. وقوله:"لهزله" من دون أو هو كذلك في بعض النسخ وهو لابن الحاجب، فإنه علل بالهزل كما عند المص على حذف نسخة أو فالطلاق عنده يقع قدم لفظ الطلاق أو أخره، وأما ابن عرفة فإنه

ص: 213

علل لزوم الطلاق هنا بأنه تعقيب بالرافع فلا يقع الطلاق عنده إلا إن أخر التعليق. انظر حاشية الشيخ بناني.

والفرق بين التقديم والتأخير على ما لابن عرفة أنه حيث قدم فقد طلق فرفعه بذلك ندما بخلاف ما لوأخر الطلاق. انظر الحطاب. وأما إن قال إن كان هذا الحجر حجرا فإنه ينجز عليه الطلاق قدم الطلاق أو أخره إلا أن يقترن بالكلام ما يدل على أن المراد المعنى المجازي وهو تمام الأوصاف الحجرية لكونه صلبا لا يتأثر بالحديد، فينظر له فإن كان كذلك نجز عليه وإلا فلا. قاله ابن عبد السلام. وظاهر كلام بعضهم أن القيد يجري في إن لم يكن. قاله الشيخ عبد الباقي. وفي بعض النسخ: أو لهزله بأو العاطفة؛ قال الحطاب: هذا الكلام موافق لما في التوضيح حكما مخالف له تعليلا إلا أن تسقط، أو من قوله:"أو لهزله" كما قال ابن غازي، ومخالف لكلام ابن عرفة حكما قال ابن عرفة: ولو علق على واضح نقيضه مؤخرا عنه كإن لم يكن هذا الإنسان إنسانا فأنت طالق فلا شيء عليه، ومقدما عليه قال ابن الحاجب: حانث كطالق أمس قلت الأظهر كإن شاء هذا الحجر، وتقدم نقل اللخمي في أنت طالق إن شاء هذا العمود، ولابن محرز في أنت طالق أمس لا شيء عليه. انتهى. وقال ابن عرفة: ولو علق على محال كإن شاء هذا الحجر ففي لزومه طلاقها نقل اللخمي عن سحنون وابن القاسم، ونقلهما الصقلي عن القاضي روايتان. انتهى. وعلى نسخة: أو لهزله بإثبات.

أو يكون قوله: كطالق أمس مثالا للهزل وعلى نسخة: إسقاط أو يكون تشبيها في اللزوم والهزل؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق أمس فإنه يلزمه الطلاق وينجز عليه لهزله. ابن عبد السلام: وأما قول المؤلف -يعني ابن الحاجب- كما لو قال طالق أمس فلا شك أن مقتضى هذا الكلام الهزل إذا قصد به الإنشاء، وأما إن قصد به الخبر فلا هزل ويلزم الطلاق لكونه من باب الإقرار، وأهل العرف يستعملون ما يقرب من هذا في المستقبل الذي يجزمون بوقوعه كخبرهم بالماضي؛ ومرادهم التشبيه في تحقق الوقوع، فيقال للإنسان منهم أتفعل كذا؛ فيجيب بأن يقول أمس، فإن وقع مثل هذا في الطلاق فالأقرب أنه لا يلزم لأنه وعد بالطلاق لا إيقاع الطلاق. انتهى. كلام ابن عبد السلام.

ص: 214

أو بما لا صبر عنه كإن قمت عطف على قوله: "بماض" يعني أن الزوج ينجز عليه الطلاق إذا علق طلاق زوجته على شيء لا يصبر عنه شرعا أو عادة ولو تكلف الصبر عنه، كأن يقول لها أنت طالق إن قمت أو قعدت أو نمت أو أكلت أو شربت أو لبست لغير شيء بعينه، ويصح ضبط التاء بالحركات الثلاث فيشمل فعله وفعلها وفعل الغير؛ لأن ما لا صبر عنه كالمحقق الوقوع. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي عند قوله:"كإن قمت". ما نصه: وأطلق أو عين مدة يعسر فيها ترك القيام ولو دون كساعة لأن ما لا صبر عنه كالمحقق الوقوع، فإن عين مالا يعسر ترك القيام فيه لم ينجز عليه إلا إن قامت قبل فواته، فإن كان المحلوف على أنه لا يقوم كسيحا حال اليمين فلا ينجز إلا إن زال بعدها فيقع كالآيسة إذا حاضت. انتهى. ونحوه في الشبراخيتي، وزاد وما تقدم من أن التنجيز فيما إذا أطلق أو قيد بزمن بعيد لا يمكن الصبر فيه عادة على عدم القيام ظاهر، وإن حصل لها ما يمنع القيام من كساح ونحوه لأنه بمجرد حلفه ينجز عليه. انتهى.

وقوله: "أو بما لا صبر عنه كإن قمت".

علم مما قررت أنه لا فرق بين أن يكون المكلف مجبورا عليه شرعا أولا كالقيام فإنه مجبور عليه للصلاة شرعا، أو غالب كإن حضت يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على أمرِ الغالبُ وقوعهُ أي وقوضه كثير وعدم وقوعه نادر فإنه ينجز عليه الطلاق، كأن يقول لها إن حضت فأنت طالق تنزيلا للغالب منزلة المحقق، وتحرير هذه المسألة أن النساء على أربعة أقسام: آيسة وبغلة وصغيرة لم تحض ومن ليست كذلك.

فأما الآيسة والبغلة فإنهما لا تطلقان إلا إذا حاضتا بالفعل وقال النساء إنه حيض.

وأما الصغيرة فقد حكى ابن عبد السلام الاتفاق على أنها لا تطلق حتى تحيض بالفعل، قال محمد بن الحسن عند قوله:"أو كلما حضت": قال يعني ابن عبد السلام عن بعضهم هذا في غير اليائسة والصغيرة، يقول لهما أو لإحداهما إذا حاضت فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى دم الحيض. انتهى. واعترضه ابن عرفة ونصه: قبول ابن عبد السلام قول بعضهم هذا في غير اليائسة والصغيرة. لخ. يرد بما في النوادر عن الواضحة عن ابن الماجشون إذا قال لزوجته ولم

ص: 215

تحض إذا حضت فأنت طالق طلقت الآن، ولو كانت قعدت عن المحيض لم تطلق إلا أن تحيض يريد ويقول النساء إنه دم حيض. اللخمي: فإن كانت يائسة أو شابة ممن لا ترى حيضا فإنه لا يعجل بالطلاق على كل حال، وقد كتب عليه بعض حذاق الفاسيين: لعله يريد بالشابة التي في سن من تحيض، وأما إن كانت صغيرة في سن من لا تحيض فيعجل لأن الغالب أنها ستحيض. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله:"أو غالب كإن حضت" أو إذا حضت فأنت طالق فينجز بمجرر قوله لها ذلك تنزيلا للغالب منزلة المحقق، وهذا كله حيث كانت ممن تحيض أو يتوقع حيضها كصغيرة لا آيسة وبغلة إلا إن حاضتا، فيقع عليه الطلاق حيث قال النساء إنه حيض. ذكره. الحطاب وهو يخالف ما يأتي فيما إذا علق الطلاق بما لا يشبه بلوغهما معا إليه وبلغاه من أنه لا يقع عليه كما ذكره بعضهم بحثا ولم أره منقولا. قاله علي الأجهوري. وقول أحمد: إن الصغيرة التي لا ترى الحيض لا ينجز فيها غير ظاهر. انتهى. وصدق في أنه غير ظاهر وإن حكى عليه ابن عبد السلام عن بعضهم الاتفاق. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله عنه.

والقسم الرابع من النساء معلوم أنه ينجز فيه الطلاق حيث قال أنت طالق إن حضت أعني بالقسم الرابع من بلغت الحيض وحاضت، ولو قال أنت طالق إن لم تحيضي فإن كانت ممن لا تحيض نجز عليه الطلاق، وإن كانت ممن تحيض فإن قيد بأجل قريب فإنه يوقف عنها وإلا فينظر من غير إيقاف. والله سبحانه أعلم. قاله محمد بن الحسن. وفي كلام الخرشي والتوضيح هنا نظر. ابن الحاجب: وإن كان محتملا غالبا مثل إذا حضت أو طهرت تنجز على المشهور كالمحقق، وقال أشهب: لا ينجز، وقال أصبغ: إذا كان على حنث ينجز. انتهى.

قال ابن عبد السلام: المثال الذي ذكره المؤلف أعني إذا حضت أو طهرت مما يعسر تصور القول الثالث فيه. ابن عرفة: والمعلق على غالب الوجود كالحيض في تعجيله وتأخيره إليه نقلا اللخمي مع غير واحد عن المشهور، وأشهب: ثالثها إن كان على حنث، وقول ابن عبد السلام تصوير الثالث في المسألة غير حسن، ويمكن تصويره بقوله إن كلمت فلانا فأنت طالق إن حضت، وقوله إن لم تكلمي فلانا فأنت طالق إن حضت فكلمته في الأولى وتلوم له في الثانية فلم تكلمه، وحكاه اللخمي عن أصبغ. انتهى. وهو حسن. وأما إن لم تحيضي فليس من موضوع المسألة خلافا

ص: 216

للتوضيح؛ لأن التعليق فيها على أمر نادر لا غالب. والله سبحانه أعلم. انظر حاشية الشيخ بناني.

وفي الشبراخيتي ما نصه: وقد رأيت في الحطاب في اليائسة إذا قال لها إن حضت فأنت طالق لا تطلق عليه إلا أن تحيض ويقول النساء هو حيض. نقله عن الواضحة عن ابن الماجشون. والشابة التي علم عدم حيضها كذلك كذا في الشرح. انقهى. وقال الش عند قوله: "أو غالب كإن حضت": هو مذهب المدونة وهو المشهور كما مر، وقال في المدونة: وإن قال لها إذا حضت أو إن حاضت فلانة وفلانة ممن تحيض فأنت طالق طلقت الآن وتأخذ في العدة وتعتد بطهرها [الذي]

(1)

هي فيه من عدتها، قال الشيخ أبو الحسن: ولو كانت ممن لا تحيض لكان مطلقا إلى أجل قد يأتي وقد لا يأتي كالطلاق إلى قدوم زيد. انتهى. والله سبحانه أعلم. وانظر إذا قال لحائض يعلم حيضها أو طاهر يعلم طهرها: إذا حضت أو طهرت فأنت طالق، والظاهر من المذهب الحنث لأن الذي يظهر أنه بمنزلة قوله إن كان هذا الحجر حجرا، وما قاله من الحنث ظاهر لأن الأمر دائر بين ما قال وبين أن يريد تجدد ذلك وكل منهما موجب للحنث. والله سبحانه أعلم. قاله جامعه عفا الله.

أو محتمل واجب كإن صليت يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على أمر يحتمل أن يوقع وأن لا يوقع وهو واجب، كأن يقول إن صليت فأنت طالق أو أنت طالق إن صليت فإنه ينجز عليه الطلاق، وهذا يتوقف التنجيز فيه على حكم الحاكم كما مر عند قوله:"ونجز إن علق بماض" لخ وينجز عليه الطلاق في المحتمل الواجب ولو كانت كافرة أو صغيرة تنزيلا للوجوب منزلة الوقوع؛ لأن غير المسلمة قادرة على إزالة المانع بالإسلام بناء على الخطاب بفروع الشريعة. قاله الشيخ إبراهيم. وقوله: "أو محتمل واجب كإن صليت". قد علمت أن التنجيز في هذه يتوقف على حكم الحاكم، فلذلك لو قال لها إن صليت اليوم فأنت طالق فمضى اليوم ولم تصل لم يقع عليه طلاق، قال الحطاب عند قوله: أو محتمل واجب كإن صليت" ما نصه: قال ابن الحاجب إلا أن يتحقق المؤجل، قال في التوضيح: مثاله لو قال إن صليت اليوم فأنت طالق فمضى اليوم ولم تصل.

(1)

في النسخ: التى والمثبت من التهذيب ج 2 ص 346.

ص: 217

انتهى. ويفهم من هذا أنه لا ينجز إلا بحكم. والله أعلم. انتهى كلام الحطاب. وقوله: "كإن صليت" قال الش: سحنون: ولا فرق بين قوله إن صليت أنا أو إن صليت أنت لأنه آت أجل ولا بد من الصلاة. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: "كإن صليت" بالحركات الثلاث أو صلى زيد فأنت طالق. انتهى.

أو بما لا يعلم حالا يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على أمر لا يعلم حالا ولكنه يعلم مآلا فإنه ينجز عليه الطلاق، ومثل لذلك بقوله: كإن كان في بطنك غلام أي لكونه علق بما لا يعلم حالا إذا قال لها أنت طالق إن كان في بطنك غلام فإنه ينجز عليه الطلاق. ولو ولدت أنثى للشك الحاصل في العصمة بعد التعليق فيقع الطلاق ولا يرتفع بعد وقوعه بولادة أنثى.

أو إن لم يكن يعني أن الزوج إذا قال لزوجته إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق فإنه ينجز عليه الطلاق للشك الواقع في العصمة بعد التعليق ولو ولدت ذكرا: لأن الطلاق وقع فلا يرتفع بعد وقوعه بولادة ذكر. والله سبحانه أعلم. والحاصل أنه ينجز عليه الطلاق في الصيغتين ولو علم انتفات المعلق عليه، وهذا فيمن تحقق حملها كما هو مفروض في المدونة، فإن قال لها ذلك والحال أنه لم يتحقق حملها، فإن قاله لها في طهر مسها فيه ولم يعزل عنها فكذلك؛ وإن قاله لها وهي في طهر لم يمسها فيه قال عبد الباقي: أو مسها فيه وعزل عنها فلا حنث عليه إن كانت يمينه علي بر، فإن كانت على حنث كمثاله الثاني فينبغي الحنث. فتأمله مع عموم ظاهر كلامه. انتهى.

وسيأتي لعبد الباقي نفسه عند قول المص: "أو إن كنت حاملا أو إن لم تكوني وحملت على البراءة في طهر لم يمس فيه واختاره مع العزل" أن ما اختاره اللخمي ضعيف؛ لأن الماء قد يسبق. انتهى. والفرق بين تنجيز الطلاق هنا وعدم تنجيزه فيما إذا قال لها أنت طالق إن دخلت الدار ونحوه أن قوله إن دخلت الدار ونحوه يحتمل الوقوع في المستقبل يمكن أن يقع وأن لا يقع؛ والأصل عدم وقوعه بعدم وقوع المعلق عليه، وأما مسألة إن كان في بطنك غلام فالطلاق مشكوك فيه في الحال هل لزم أم لا؟ فالبقاء معها بقاء على فرج مشكوك فيه. والله أعلم. انظر حاشية الشيخ بناني.

ص: 218

وقوله: كإن كان في بطنك غلام أو إن لم يكن فيه" إفادة أنها حامل، وأما إن قال لها إن ولدت جارية فأنت طالق فسيذكر أنه لا يحنث أي لا ينجز عليه وينتظر ولادتها، ولكن سيأتي أن المذهب فيها أيضا التنجيز كما هنا، وكذا سيذكر أنه لا يحنث إن قال إذا حملت فأنت طالق، والفرق بين إن كان في بطنك غلام وإن ولدت جارية على ما ذكر فيها من عدم الحنث أن تعليقه في مسألة المص هنا على غيب لا يعلم حالا وهو الكون في بطنها غلام، بخلاف إن ولدت فإن تعليقه واقع على الولادة والولادة مستقبل محقق وهو لا يحنث بالتعليق به. قاله عبد الباقي.

مسألة: ابن القاسم: ومن قال لامرأته إن ولدت غلاما فلك مائة دينار وإن ولدت جارية فأنت طالق وقع عليه الطلاق، وأما المائة فلا يقضى بها. ابن رشد: معناه أن الحكم يوجب أن يعجل عليه الطلاق؛ لأن الطلاق وقع عليه بنفس اللفظ حتى لو مات أحدهما بعد ذلك لم يتوارثا وهو قول مالك في المدونة، وأما قوله في المائة فإنه حملها محمل العدة والأظهر أن يحكم عليه بها ما لم يمت أو يفلس وأما العِدَةُ فهي أن يقول الرجل إني أفعل وأما إذا قال قد فعلت فهي عطية، فقوله: فلك مائة أشبه بقد فعلت منه بأنا أفعل.

أو في هذه اللوزة قلبان يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق إن كان في هذه اللوزة قلبان، أو أنت طالق إن لم يكن في هذه اللوزة قلبان فإنه ينجز عليه الطلاق وهذا مما لا يعلم حالا ويعلم مئالا، وينجز عليه الطلاق ولو كان فيها قلب في الأولى وقلبان في الثانية وظاهر المص التنجيز ولو غلب على ظنه ما حلف عليه كتحريكها قرب أذنه وكسرها عقب يمينه فرأى فيها ما غلب على ظنه حال حلفه.

أو فلان من أهل الجنة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته إن كان فلان أو إن لم يكن فلان من أهل الجنة فأنت طالق فإنه ينجز عليه الطلاق، وكذا إن كان أو إن لم يكن فلان من أهل النار فأنت طالق، وكذا الحكم لو قال إن كنت أنا أو أنت من أهل الجنة أو النار فأنت طالق وليس هذا من أمثلة ما لا يعلم حالا ويعلم مئالا، وإنما هو من أمثلة ما لا يعلم حالا ولا مئالا فالأنسب ذكره عقب، قوله:"أو لم يمكن اطلاعنا عليه".

ص: 219

واعلم أن كلام المص محله فيمن لا يقطع بأنه من أهل الجنة كالعشرة المشهود لهم بالجنة، وفيمن لم يقطع بأنه من أهل النار كأبي لهب وأبي جهل، فلو قال لها أنت طالق إن كان عبد الله بن سلام من أهل النار لم يطلق عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من أهل الجنة، ومن قال لها أنت طالق إن كان أبو لهب من أهل الجنة لم تطلق عليه، ومثل العشرة رضوان الله عليهم في ذلك من شهد الإجماع بعدالته وصلاحه كعمر بن عبد العزيز رحمه الله، فإذا قال لها أنت طالق إن لم يكن عمر بن عبد العزيز من أهل الجنة لم تطلق عليه. قاله ابن القاسم. وتوقف فيه الإمام مالك، وقال هو رجل صالح ولم يزد على ذلك، ورجح ابن رشد قول ابن القاسم ولا حنث على من حلف على صحة أحاديث الموطإ، وأما من حلف على صحة جميع ما في الموطإ ففي الحطاب عن البرزلي عن المدارك أن من حلف أن كل ما في الموطإ صحيح غير حانث. انتهى. وهو خلاف ما قال الشيخ محمد بن الحسن إن هذا مما يقطع بعدم صحته، وأنه لا بد من حنثه

لكثرة ما اشتمل عليه الموطأ من المراسيل ومن الفروع الاجتهادية. انتهى. وقوله: هذا لخ أي كونه غير حانث، قاله جامعه عفا الله عنه. وقوله:"أو فلان من أهل الجنة" لا فرق في الحنث في ذلك بين أن يحلف أنه من أحل الجنة أو ليدخلن الجنة ولا تعتبر في ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره بأنه من أهل الجنة أو النار، وإن كانت رؤيته حقا لأن الأحكام الشرعية لا تنبني على المنام؛ وظاهر قوله:"أو فلان من أهل الجنة" ولو قال إن شاء الله، وفي جواز قول الإنسان أنا مؤمن إن شاء الله وعليه الشافعي والأشعري ومنعه وهو لمالك وأبي حنيفة خلاف، ومحله ما لم يرد التبرك وإلا جاز قطعا أو الشك وإلا منع قطعا، ونظم الشيخ علي الأجهوري هذه المسألة فقال:

من قال إني مؤمن يمنع من

مقاله إن شاء ربي يا فطن

وذا لمالك وبعض تابعيه

يوجب أن يذكر هذا يا نبيه

ونحو ما لمالك للحنفي

والشافعي جوز هذا فاعرف

ومنعه إجماعا إن أراد به

الشك في إيمانه يا منتبه

كعدم المنع إذا به يراد

تبرك بذكر خالق العباد

فالخلف حيث لم يرد شكا ولا

تبركا فكن بذا محتفلا

ص: 220

وقوله: وبعض تابعيه أشار به إلى قول ابن عبدوس: يجب تقييده بإن شاء الله والله تعالى أعلم. انظر الأجهوري. وقوله: "أو فلان من أهل الجنة" ابن رشد: لا يخلو الحالف على هذا من أن يريد بيمينه أنه من أهل الجنة الذين لا يدخلون النار فتعجيل الطلاق عليه بَيِّنٌ ظاهر، ولا ينبغي أن يختلف في هذا الوجه، وأم أن يريد أنه من الذين لا يخلدون فالمعنى في يمينه أنه لا يكفر بعد إيمانه فالحالف على هذا حالف على ما أقر به من الثبوت على الإسلام، فهذا بين أنه لا شيء عليه لأنه إنما حلف على أن لا يكفر فلا ينبغي أن يختلف في هذا الوجه أيضا، وأما إن لم تكن له نية فالظاهر من مذهب ملك وابن القاسم أن يمينه على الوجه الأول، فيعجل عليه الطلاق ويحمل قوله إن لم أدخل الجنة على الوجه الثاني فلا يكون عليه شيء. انتهى.

وحلف بالطلاق رجل أن الحجاج في النار فاستفتى طاووس، فقال يغفر الله لمن يشاء وما أظنها إلا طلقت، فاستفتى الحسن البصري فقال اذهب إلى زوجتك وكن معها فإن لم يكن الحجاج في النار فلا يضرُّ كما أنكما في الحرام، واستظهر الحطاب عدم حنث من حلف أن سورة الملك تجادل عنه، وقد لازمها (لصحة الحديث

(1)

) انتهى.

ومن حلف بالطلاق لا يموت إلا على الإسلام اتكالا على كرم الكريم، فإن كان مراده أنه لا ينتقل من إيمانه فهذا بين أنه لا شيء عليه، وإن قصد حسن الخاتمة ودخول الجنة جرى على مسألة من حلف أنه من أهل الجنة والمشهور الحنث، وقيل لا حنث، وقوله:"الجنة" اعلم أن الجنة لغة البستان وجمعها جنان سمي بذلك لأنه يجن أي يواري، وفي الشرع هي الدار المشتملة على نعيم المؤمنين في الآخرة قال الثعالبي رحمه الله: قد وصف الله الجنان، في كتابه وصفا يقوم مقام العيان، لمن نور الله قلبه بالإيمان، وأكثر ذلك في الطور والدخان، وسورة الواقعة والرحمن، وهل أتيك حديث الغاشية وسورة الإنسان، وبين ذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأوضح بيان، فلنذكر من ذلك ما تيسر من الأحاديث الصحيحة والحسان، وما يقرب من ذلك مما أورده السلف الصالح أهل العرفان.

قال المحاسبي رحمه الله تعالى: فإن كنت ممن عفا عنك مولاك فتوهم نفسك ومرورك على الصراط ونورك يسعى بين يديك وكتابك في يمينك وقد ابيض وجهك وأنت مع زمرة الفائزين،

(1)

الموطأ، كتاب القرآن، رقم الحديث 19.

ص: 221

وأنت تنادي معهم ربنا أتمم لنا نورنا فتوهم ممرك عليه على قدر خفة أوزارك، حتى إذا جزته وخلفته وراء ظهرك التفَتَّ إليه ونظرت وقد اشتد اضطرابه والخلائق من فوقه وجهنم من تحته تثب وتزفر على من زل فيها فطار قلبك فرحا إذ رأيت عظيم ما نجاك الله سبحانه منه، ثم خطوت آمنا إلى الجنة وقد ملئت سرورا إذا وافيت الجنة بغبار قبرك فنظرت إلى العينين اللتين أعدهما الله تعالى لأوليائه فاغتسلت في إحداهما فوجدت بردا أذهب عنك كرب حر المقام، فتوهم فرحة قلبك لما باشر من برد مائها بدنك وجسمك ازداد بهجة ونضرة ونعيما ثم تخرج منها في أحسن صورة وأتم نور وأنت موقن بأنك إنما تنظر الدخول إلى جوار ربك الكريم الرحيم، ثم شربت من العين الأخرى فتطهر جوفك من كل غل وحسد فنقي ووجدت طعم شراب لم تجد مثله قط فطار قلبك فرحا وسرورا لما وجدت من لذته ووجدت لذة طهارة قلبك من الغل والهم والحزن؛ ثم أمر مولانا سبحانه الخزنة أن يفتحوا أبواب الجنان لأوليائه فلما فتحت أبوابها فاح منها طيب نسيم الجنان من أنواع الزعفران والكافور والسك والعنبر فنظرت إلى حسن قصورها وحسن بنائها بطرائف الزمرد والياقوت والدر والزبرجد.

فتوهم نفسك وأنت في هذه الحالة وقد سلمت عليك الخزنة وهم يقولون: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} فتوهم نفسك حسن كلامهم وحسن تسليمهم فلما سمعت ذلك كاد قلبك أن يطير فرحا وقد ازدحمت علي باب الجنة مسرورا مع مسرورين مبادرا مع مبادرين بأبدان قد طهرت ووجوه قد أشرقت فبينما أنت تتخطى في أعراض الجنان ورياض الغفران وكثبان المسك إذ نودي في أزواجك وخدمك وولدانك وقهارمتك وغلمانك ألا إن فلانا قد أقبل فأجلبوا وتبششوا لقدومك قد استحق أزواجك العجلة فبعثت كل واحدة منهن رسولا لينظر إليك ويسرع الرجعة إليها، فلما أخبرها بقدومك قالت لرسولها أنت رأيته لشدة فرحها بك وقد كاد الشوق أن يستخفها فتخرج إليك لولا أنهن قصرن في الخيام كما قال الله تبارك وتعالى:{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} فوضعن أيديهن على عضائد أبوابهن وأشرفن برؤوسهن متطلعات ينظرن صفحة وجهك أن يبدو لهن، فبينما أنت تمشي في كثبان المسك ورياض الزعفران وأنت تنظر إلى قصورك ومنازلك إذ استقبلك بعض قهارمتك فأعظمت شأنه وظننت أنه من ملئكة ربك فقال لك: يا ولي الله أنا من قهارمتك ولك مثلي سبعون ألفا ثم أقبلت عليك قهارمتك بالتسليم والتعظيم ثم اتبعتهم

ص: 222

الوصفان والخدم كأنهن اللؤلؤ المكنون فسلموا عليك ثم أقبل بين يديك قهارمتك وخدمك يزفونك إلى قصرك وما أعد الله لك فلما دخلت قصرك وثبن أزواجك مستعجلات قد استخفهن الطرب والشوق إلى رؤيتك فيا حسن تلك الأبدان الرخمة والشكل العجيب والوجوه الناعمة يرفلن في الحلى والحلل.

فتوهم نفسك بجمالها مسرعة إليك بكمال بدنها نازلة عن سريرها إلى صحن قبتها قد امتلأت بقدومك فرحا وسرورا وقد هاج شوقك حين عاينت تلك الوجوه في كمال تلك الأبدان ونعمة تلك الأجسام فبقيت كالمبهوت وقد أقبلن نحوك يزهين في السندس والحرير شوقا إلى لقائك بأبدان قد خلقت من المسك والكافور، فلما وضعت يدها مسلمة عليك وجدت لين مجسة كفها فكاد عقلك أن يزول فرحا ثم مضيت إليها وضمتك إلى جسمها الرخيم ثم عانقتك فعرفت أثر السرور ثم تتابعن عليك بمثل ذلك وأحدقن بك فتكامل السرور في قلبك وعمت لذة الفرح جميع بدنك وذكرت عند ذلك صدق موعد ربك فناديت بالحمد لمولاك، وقلت الحمد لله الذي صدقنا وعده قال الله سبحانه:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} ثم نظرت إلى سريرك وارتفاعه وعليه فرش الحرير وبطائنها من إستبرق وقد علا ظواهرها النور وحسن الرفرف، ونظرت إلى حسن الحجلة فوق السرير إذا دنوتما منها تطأطأت لكما حتى إذا استويتما عليها رجعت إلى ارتفاعها فيا حسن منظرك إليها جالسة معك في حليها وحللها الأسورة في معاصمها والخواتم في أصابعها والخلاليل في ساقيها والوشاح على نهديها والقلائد في عنقها والإكليل من أنواع الجواهر على قصتها والتاج من فوق ذلك على رأسها والذوائب من تحت التاج قد خللن مناكبها وصارت إلى أردافها وأنت مقابلها ترى وجهك في نحرها وهي تنظر وجهها في نحرك وقد أحدق الولدان بقبتك وقام الوصفان بين يديك وقد تهدلت ثمار الأشجار من جوانب حجلتك واطردت الأنهار حول قصرك وجرت الجداول بالخمر والعسل واللبن والسلسبيل في خيمتك وقد كمل حسنها مع حسنك وقد أشرق قصرك من نور وجهها وأنت تعاين من صفاء قصورك جميع أزواجك وخدمك وكل دانية وطربة في مقاصيرك ودورك وأنت جالس مع زوجتك وقد أرخيت عليك حجال خيمتك وسمعت صوت

ص: 223

ولدانك بالتقديس لربك سبحانه وقد اطلعوا على ضمير قلبك فسارعوا إلى ما حدثتك به نفسك من أنواع ودك وكرامتك.

فأتوك بأمنيتك وقد تعاطيتما الخمر والسلسبيل والتسنيم في كؤس القوارير قوارير من فضة فما ظنك بك وأنت شاب أمرد قد أكمل خلقك ونور وجهك وأنت أخضر الثياب أصفر الحلى من ذهب الجنان يشوبه حمرة الياقوت وبياض الدر فأتتك عروس طفلة في جمال وجه وكمال تنظر إليك بغنج الحور وتكلمك بالملاحة وتلاعبك بالدلال بيدها كأس من در لا ظل له أو ياقوت وقد اجتمع في الكأس نور الشراب ونور وجهها مع نور وجهك فتوهم إلى هذه الأنواع في صفاء الكأس فمدت إليك يديها في أحسن تعاطيها كأسات الخمور في دار الأمن والسرور والولدان بين أيديكما تمر عليكما في ذلك حقب الدهور وما تشعران اشتغالا من قلوبكما بالنعيم الذي أنتما فيه.

فبينما أنتما فيه إذ هجمت عليكما الملائكة بالتحف من ربكما الكريم سبحانه فيستأذفون عليك حجبتك وقهارمتك فدخلوا عليك وأنت متكئ على أرائكك من كل باب سلام عليك يا ولي الله ربك سبحانه يقرئك السلام وقد أرسل إليك بهذه الهدايا والتحف فتوهم سرور قلبك وقد جاءتك التحف من ربك سبحانه وأنت مع زوجاتك إذا سمعت صوتا بأحسن نغمة وأحلى كلام من بعض أزواجك التي أعدهن الله لك يا ولي الله، أما لنافيك من دولة أمالك أن تنظر إلينا فتجيبها حين وقع الصوت في مسامعك بحسن نغمتها من أنت بارك الله فيك فردت الجواب عليك أنا من اللواتي قال الله تعالى فيهن:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فوثبت إليها على سريرك والولدان بين يديك حتى أتيتها في قبتها وقد استخفها الشوق إليك حتى استقبلتك بالترحيب والتبجيل وصافحتك بالتعنيق والتقبيل فرأيت لين كفها وتلألؤ النور في عوارضها ونعيم جسمها وقد عانقتك على فراشها فمضت بكما الأزمنة لا تملك ولا تملها، فتوهم نفسك وقد وضعت الموائد وأتيتما بأنواع الطرائف من الثمار ثم أقبلت الولدان بالكؤوس والأكواب فأدرتموها سكبا فبينما أنت كذلك على ذلك الحال إذ نادتك أخرى من قصرها: يا ولي الله أما لنا فيك من دولة فتجيبها أنت ومن أنت بارك الله فيك فردت عليك أنا من اللواتي قال الله تعالى فيهن: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} فترحلت وأنت تنتقل بين أزواجك وفي قصورك وخدمك وولدانك في غاية

ص: 224

النعيم وقد زالت عنك الهموم فلا تخطر بقلبك وقد أمنت الموت فلا تخافه وأمنت السقم واطمأن بك المنزل فلا تشخص عنه أبدا.

فأعظمْ بدار الله دارا وبجوار الله جوارا العرش يظلك والملائكة تختلف عليد بالهدايا من ربك سبحانه في حياة دائمة وسلامة راتبة، فتوهم نفسك وأنت جالس في ظل طوبى تتحدث مع أولياء الله سبحانه إذ نادى مناد يا أولياء الله إن الله يأمركم أن تزوروه فزوروه ثم أقبلت الملائكة يقودون نجائب من الياقوت مزمومة بسلاسل الذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا نجبا من غير رياضة ذللا من غير صعوبة فركبوها مسرعين إلى زيارة مولاهم وخالقهم فتوهم نفسك وأنت راكب تسير معهم في كثبان المسك ورياض الزعفران صفا واحدا معتدلا موكبا لا عوج فيه فأعظم به من موكب لا يتقدم بعضه بعضا على رءوسهم التيجان الزهرة على الوجوه النضرة، فلو توهمت ذلك على حقيقته وزهقت نفسك لكنت بذلك حقيقا فتوهم تلك النجائب وهي تثير بأخفافها المسك وقد دنت منهم الأشجار بثمارها وهي في أكفهم وهم يسيرون على نجائبهم وقد تعلقت قلوبهم بسيدهم والملائكة تزفهم زمرا إلى ربهم حتى ينتهوا بهم إلى صفحة العرش وقد وضعت لهم الزرابي والنمارق والمنابر والكراسي، فأعظم به من منزل كريم وفضل عظيم من رب رحيم.

فلما أخذوا مجالسهم واطمأنوا في مقعد الصدق الذي وعدهم الله به في القرب منه سبحانه على قدر منازلهم عنده فتوهم نفسك بقلب فارغ وعقل جامع لعلك أن تنال تلك الرحمة وتوهم الزور وقد وضعت لهم الموائد وقامت الملائكة على رءوسهم فوضعت الصحائف

(1)

من الذهب فيها ألوان الأطعمة فمدوا أيديهم وأكلوا فرحين مستبشرين حتى إذا فرغوا من أكلهم قال الجليل جل جلاله لملائكته: اسقوا عبادي وأولياءي فيسقون من الرحيق شاع نوره في وجوههم ثم يقول جل جلاله: اكسوا عبادي وأحباءي فتأتيهم الملائكة بأنواع الحلل فيلبسونها ثم يقول لهم جل جلاله: طيبوا عبادي وأصفياءي فترتفع عليهم سحائب تنشر عليهم المسك فإذا أكلوا وشربوا ولبسوا وتطيبوا تعلقت قلوبهم برؤية ربهم سبحانه فيرونه عيانا من غير تكييف ولا تشبيه ويكلمهم ويقول لهم: السلام عليكم يا عبادي كيف وجدتم وعدي؟ فيردون عليه: أنت السلام ومنك السلام ولك حق

(1)

كذا في النسخ، ولعلها: الصحاف.

ص: 225

الجلال والإكرام ثم يقول لهم: مرحبا بكم يا عبادي وزواري وخيرتي من خلقي الذين رعوا عهدي وحفظوا وصيتي وخافوني بالغيب وراقبوني فتمنوا يا عبادي ما شئتم فلو رأيتهم وقد سمعوا كلام ربهم وقد دخل قلوبهم السرور وقد بلغوا غاية الكرامة ومنتهى الرضى والغبطة، فما ظنك بنظرهم إلى العزيز العظيم الذي لا تقع عليه الأوهام ولا تحيط به الأفهام ولا تحده القصور ولا تكيفه الفكر، الأزلي القديم الذي حارت العقول عن إدراكه وكلت الألسن عن صفاته المتعالي بجلاله عن سمات المخلوقين، فلما سر أولياء الله برؤيته وأكرمهم بقربه ونعم قلوبهم بمناجاته أذن لهم بالانصراف إلى منازلهم وما أعد الله لهم من كرامته والنعيم في جنته، فما ظنك بوجوه نظرت إلى الله عز وجل وسمعت كلامه كيف أضعف حسنها وزاد في جمالها ونورها فلما رجعوا إلى منازلهم وأزواجهم وقد ازداد بعضهم في أعين بعض حسنا وجمالا ورجعوا إلى نعيمهم ولذاتهم واشتاق بعضهم بعضا فركب بعضهم إلى بعض وتزاوروا على النجائب والتقوا على أنهار الجنان وعليها الثمار والحسان والزرابي والأرجوان، فجلسوا علي السرر وقامت الولدان بكؤوس الأكواب يغرفون من أنهار الخمر والسلسبيل والتسنيم فأعظم به من مجلس وأكرم بهم من منادمين في ظل طوبي يأكلون ويشربون ويتنعمون كما قال الله تعالى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} فهم في الجنة منعمين تلك أجر العاملين وسرور المحزونين وثواب المتقين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيئين ورسول رب العالين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهى كلام المحاسبي رحمه الله تعالى. انتهى كلام الثعالبي رحمه الله تعالى.

وقال الثعالبي رحمه الله: قلت: قال الحليمي: الجنة فوق السماوات دون العرش هي بانفرادها عالم مخلوق للبقاء جعلنا الله من أهلها بفضله، وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر، ثم تتشقق الأنهار بعد ذلك

(1)

) وهو حديث حسن صحيح. انتهى. وروى العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنهار الجنة تخرج من تحت قلال أو جبال مسك

(2)

). انتهى. وفي الحديث: (أنهار الجنة تجري على غير أخدود) أي تجري في غير حفير. ونقل الثعالبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن

(1)

سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث 2571.

(2)

التذكرة ص 405.

ص: 226

تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

(1)

وروى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء ولا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين

(2)

). انتهى. وروى الترمذي الحكيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} ، وقوله {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}؛ قال: الغرفة من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها قصر ولا وصل وإن أهل الجنة ليتراءون الغرفة منها كما يتراءون الكوكب المشرقي أو المغربي في السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما. انتهى. وروى أبو نعيم في الحلية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من ملب يلبي إلا لبي عن يمينه وشماله من حجر ومدر أو شجر حتى تنقطع الأرض من ها هنا ومن ها هنا

(3)

)، (وإن أهل الدرجات العُلَى ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب في السماء

(4)

). انتهى. وروى الترمذي الحكيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المتحابين في الله لعلى عمود من ياقوتة حمراء في رأسه سبعون ألف غرفة يضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا يقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا حتى ننظرَ إلى المتحابين في الله عز وجل، فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم أهل الجنة عليهم ثياب سندس خضر مكتوب على جباههم: هؤلاء المتحابون في الله عز وجل

(5)

)، وروى الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن

(6)

)، وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(1)

صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم الحديث، 2837.

(2)

صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم الحديث، 3256. صحيح مسلم، كتاب الجنة

رقم الحديث، 2831.

(3)

سنن ابن ماجه، كتاب المناسك، رقم الحديث، 2921. سنن الترمذي كتاب الحج، رقم الحديث، 828.

(4)

سنن الترمذي، كتاب المناقب، رقم الحديث 3658. سنن ابن ماجه، المقدمة، رقم الحديث 96.

(5)

نوادر الأصول، للحكيم الترمذي، ج 3 ص 146 رقم الحديث 621.

(6)

صحيح البخاري، كتاب التفسير، رقم الحديث، 4879. صحيح مسلم كتاب الجنة رقم الحديث 2838 واللفظ لمسلم.

ص: 227

(إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء

(1)

).

وروى أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؛ قال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام

(2)

). انتهى وروى أبو نعيم أن رسول الله صلى الله علطه وسلم قال: (ألا أخبركم بغرف الجنة؟ إن في الجنة غرفا من ألوان الجواهر) وعند الغزالي: (من أصناف الجواهر يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، فيها من النعيم والثواب والكرامات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت)، وعند الغزالي:(فيها من النعيم واللذات والسرور)؛ فقلنا: بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله لمن تلك الغرف؟ فقال: (لمن أفشى السلام وأدام الصيام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام) فقلنا: بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله ومن يطيق ذلك؟ فقال (أمتي تطيق ذلك وسأخبركم عن ذلك من لقي أخاه المسلم فسلم عليه فقد أفشى السلام، ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى يشبعهم فقد أطعم الطعام، ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام؛ ومن صلى العشاء الأخيرة وصلاة الغداة فقد صلى والناس نيام، اليهود والنصارى والمجوس

(3)

).

وفي صحيح مسلم في حديث الإسراء قال: (ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك

(4)

) قال ابن الأعرابي: الجنابذ قباب اللؤلؤ وهي جمع جنبذة. قاله الثعالبي. ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الجنة لغرفا ليس لها معاليق من فوقها ولا من تحتها، قيل يا رسول الله: وكيف يدخلها أهلها؟ قال يدخلونها أشباه الطير، قيل لمن هي يا رسول الله؟ قال لأهل الأسقام والأوجاع والبلوى

(5)

) ونقل أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل كم للجنة من درجة (أنه قال: مائة درجة بين كل درجتين ما بين السماء والأرض، أول درجة منها دورها وبيوتها وأبوابها وسررها ومعاليقها من فضة، والدرجة الثانية دورها وبيوتها وأبوابها

(1)

سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، 2562.

(2)

سنن الترمذي كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، 2527.

(3)

الإتحاف ج 10 ص 529.

(4)

صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث، 163.

(5)

التذكرة ص 421.

ص: 228

وسررها ومعاليقها من ذهب، والدرجة الثالثة دورها وبيوتها وأبوابها وسررها ومعاليقها من ياقوت ولؤلؤ وزبرجد، وسبع وتسعون لا يعلم ما هي إلا الله سبحانه عز وجل

(1)

).

ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (درج الجنة على عدد آي القرآن لكل آية درجة فتلك ستة آلاف ومائتا آية وستة عشرآية بين كل درجتين مقدار ما بين السماء والأرض، فينتهي بها إلى أعلى عليين لها سبعون ألف ركن وهي ياقوتة تضيء مسيرة أيام وليالي

(2)

)، وقالت عائشة رضي الله عنها إن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة، فليس أحد دخل الجنة أفضل من قراء القرآن قال القرطبي: قال العلماء رحمة الله عليهم: حملة القرآن وقراؤهم العاملون به الواقفون على حدوده. نقله الثعالبي.

وقال: إن الجهاد يحصل مائة درجة، وقراءة القرآن تحصل جميع الدرجات، وقال تعالى:{وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} ، قال صلى الله عليه وسلم (إنها قصر في الجنة من لؤلؤ في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش سبعون امرأة من الحور المعين، وفي كل بيت مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، وفي كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة ويعطي الله تبارك وتعالى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك أجمع). نقله الإمام الثعالبي.

ونقل أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يبعث أهل الجنة على صورة آدم ثلاثة وثلاثين سنة جردا مردا مكحلين، ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم

(3)

) وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أول زمرة من أمتي يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم المذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين وفي رواية: لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد يسبحون الله

(1)

التذكرة ص 417.

(2)

الفردوس 3064.

(3)

مصنف ابن أبي شيبة ج 8 ص 75.

ص: 229

بكرة وعشيا والألوة العود، وفي رواية: أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم وفي رواية على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء

(1)

وقوله لكل واحد زوجتان يعني من الآدميات وأما الحور غير الآدميات فكثيرات، قال القرطبي: روي مرفوعا أن الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف، وروى الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها

(2)

) وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرف له ما بين خوافق السماوات والأرض، ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم

(3)

)، وذكر ابن وهب عن محمد بن كعب أنه قال: والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة اطلعت سوارها لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر، فكيف الصورة؟ وروى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الجنة لمجتمعا للحور المعين يرفعن بأصواتهن لم يسمع الخلائق مثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبئس ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له

(4)

)، وقالت عائشة رضي الله عنها: إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا: نحن المصليات وما صليتن ونحن الصائمات وما صمتن ونحن المتوضآت وما توضأتن ونحن المتصدقات وما تصدقتن، قالت عائشة: فغلبنهن والله.

القرطبي: ذكر أن الآدميات في الجنة على سن واحد، وأما الحور فعلى أصناف مصنفة صغار وكبار وعلى ما اشتهت أنفس أهل الجنة، وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم في الجنة أو موضع سوطه خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها -يعني خمارها- خير من الدنيا وما فيها

(5)

وقال الغزالي في الإحياء: إن الرجل من أهل الجنة ليتزوج خمسمائة حوراء وأربعة آلاف بكر وثمانية

(1)

صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة أهلها، رقم الحديث 2834. صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم الحديث، 3245. 3246.

(2)

سنن الترمذي، صفة الجنة، رقم الحديث، 2533.

(3)

سنن الترمذي، صفة الجنة، رقم الحديث، 2538.

(4)

سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، 2564.

(5)

صحيح البخاري، كتاب الجهاد، رقم الحديث، 2796.

ص: 230

آلاف ثيب، يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره في الدنيا، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه من الحور العين ثنتان تغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس، ليس بمزمار الشيطان ولكن بتحميد الله وتقديسه

(1)

).

وحدث سفيان عن عبد الله بن مسعود قال: يقتحم على أهل الجنة نور من قبائهم يكاد يخطف نور أبصارهم فنظروا فإذا نور من حوراء ضحكت في وجه وليها، وروى الترمذي الحكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما من عبد يصوم ويصلي يوما من رمضان إلا زوج زوجة من الحور المعين في خيمة من درة مجوفة مما نعت الله حور مقصورات في الخيام على كل امرأة سبعون حلة ليس منها حلة على لون أخرى، وتعطى سبعين لونا من الطيب ليس منها لون على ريح الأخرى لكل امرأة منهن سبعون سريرا من ياقوتة حمراء مرشح بالدر والياقوت على كل سرير سبعون فراشا على كل فراش أريكة، لكل امرأة منهن سبعين ألف وصيفة لحاجتها وسبعون ألف وصيف مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون من طعام تجد لآخر لقمة لذة لم تجد لأوله ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر عليه سواران من ذهب مرشح بياقوت أحمر هذا بكل يوم صامه من شهر رمضان سوى ما عمل من الحسنات

(2)

) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحور العين من أي شيء خلقن؟ فقال: (من ثلاثة أشياء أسفلهن من المسك وأوسطهن من العنبر وأعلاهن من الكافور وحواجبهن سواء خط في نور

(3)

)، وروى أبو الليث السمرقندي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن في الجنة حوراء يقال لها لعبة لو بزقت في البحر لعذب ماء البحر، مكتوب على نحرها: من أراد أن يكون له متلي فليعمل بطاعة ربي، وروى الدارمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوات

(4)

)، وروى البزار في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قيل يا رسول الله أنفضي إلى نسائنا في الجنة؟ قال: (إي والذي نفسي بيده

(1)

كنز العمال، 9374. الإتحاف ج 10 ص 250.

(2)

نوادر الأصول، ج 1 ص 250 رقم الحديث، 151.

(3)

في التذكرة ص 435: حواجبهن سواد خط من نور.

(4)

سنن الدارمي ج 3 ص 1865.

ص: 231

إن الرجل ليفضي في اليوم الواحد إلى مائة عذراء

(1)

)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا

(2)

)، وقال صلى الله عليه وسلم:(إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين)، قال الثعالبي: قال مجاهد: يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن يرى مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كعب إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون.

وروى الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك

(3)

)، وخرجه ابن ماجه أيضا: وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: الجنة بيضاء تتلألأ وأهلها بيض لا ينام أهلها وليس فيها شمس ولا ليل مظلم ولا حر ولا برد يؤذيهم؛ وروى عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله في الجنة ليل؟ فقال إنه ليس في الجنة ظلمة لأن الليل ظلمة: وليس في الجنة ظلمة إن شجرها نور ونوارها نور وثمارها نور وخدمها نور، وقال ابن رشد: يروى أنه يغدى على

(4)

أهل الجنة منزلة كل يوم بسبعين ألف صحفة من ذهب في كل واحدة منها لون ليس في الأخرى يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ويراح عليه بمثلها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحكيه عن ربه عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

(5)

)، وقد روى الدارقطني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ (قال: لا، النوم أخو الموت والجنة لا موت فيها.

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله ضنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذلك جشاء

(1)

مجمع الزوائد ج 10 ص 771.

(2)

كبير الطبراني، ج 3 ص 19

(3)

سنن الترمذي كتاب الرضاع، رقم الحديث، 1174. سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، رقم الحديث، 2014.

(4)

كذا في النسخ.

(5)

صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم الحديث، 3244. صحيح مسلم، كتاب الجنة

رقم الحديث، 2824.

ص: 232

ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما تلهمون النفس

(1)

)، وجاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم أتزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ فقال: (إي والذي نفسي بيده إن الرجل منهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة)، قال الرجل: فإن الذي يأكل تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حاجة أحدهم رشح يفيض من جلده، فإذا بطنه قد ضمر

(2)

)، (وسئل صلى الله عليه وسلم ما الكوثر؟ قال:(ذلك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزر)، قال عمر رضي الله عنه: إن هذه لناعمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكلتها أنعم منها

(3)

)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وروي البزار في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيجيء مشويا بين يديك، وقال صلى الله عليه وسلم: ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب. رواه الترمذي، وروى ابن المبارك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: في الجنة شجرة يقال لها طوبى يقول الله تعالى لها: تفتقي لعبدي عن ما شاء فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما يشاء، وتفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما يشاء وعن النجائب والثياب، وروى أبو بكر بن الخطيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الجنة شجرة يخرج من أعلاها الحلل ومن أسفلها الخيل بلق من ذهب مسرجة ملجمة بالدر والياقوت ما تروث ولا تبول ذوات أجنحة فيجلس عليها أولياء الله فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين أسفل منهم: يا أهل الجنة ناصفونا يا رب ما بلغ هؤلاء هذه الكرامة؟ فقال الله تعالى: إنهم كانوا يصومون وكنتم تفطرون وكانوا يقومون وأنتم تنامون وكانوا ينفقون وأنتم تبخلون وكانوا يجاهدون العدو وكنتم تجبنون.

(1)

صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم الحديث، 3244. صحيح مسلم، كتاب الجنة

رقم الحديث، 8242.

(2)

سنن النسائي الكبرى، ج 10 ص 251. صحيح ابن حبان، رقم الحديث، 7424.

(3)

سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، 2542.

ص: 233

ونقل الثعلبي

(1)

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ما في الدنيا شجرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو، وقال صلى الله عليه وسلم:(إن ثياب الجنة تتشقق عنها ثمار الجنة)، وروى ابن المبارك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(نخيل الجنة جذعها زمرذ أخضر حلم وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء، أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيها عجم) وروى ابن وهب عن ابن زيد قال: قال رجل: يا رسول الله هل في الجنة من نخل فإني أحب النخل؟ قال: (إي والذي نفسي بيده لها جذوع من ذهب وجريد من ذهب وسعف كأحسن حلل يراها الرجل من العالمين وعراجين من ذهب وشماريخ من ذهب وأقماع من ذهب وثمار كالقلل ألين من الزبد وأحلى حلاوة من العسل

(2)

)، وذكر أبو الفرج الجوزي عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ عودا بيده، فقال: (يا جرير لو طلبت مثل هذا في الجنة لم تجده، قال: فقلت فأين النخل والشجر؟ قال: (أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها التمر

(3)

)، وروى ابن المبارك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نعيم أهل الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والنجب وأنهم يؤتون يوم الجمعة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله

(4)

).

وروى مسلم والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سأل موسى عليه السلام ربه فقال: يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يأتي بعد ما يدخل أهل الجنة فيقول له ادخل الجنة؟ فيقول له أي رب كيف أدخل وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقول له: أترضى أن يكون لك مثل ملك مَلِك من ملوك الدنيا؟ فيقول رضيت رب، فيقول له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول له: هذا لك وعشرة أمثاله ولك مع ذلك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول: رضيت رب، قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك

(1)

في نسخة الثعالبي.

(2)

التذكرة ص 413.

(3)

التذكرة ص 413. مصنف ابن أبي شيبة ج 8 ص 179.

(4)

التذكرة ص 439.

ص: 234

الذين أردت غرس كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم ترعين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر، ومصداقه من كتاب الله تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}

(1)

).

وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيا، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}

(2)

وكان الحسن البصرى يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي يركب في ألف ألف من خدمه من الولدان المخلدين على خيل من ياقوت أحمر لها أجنحة من ذهب إذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا

(3)

)، وروى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن أدنى أهل الجنة منزلة الذين لهم ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء

(4)

).

وروى البخاري ومسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجَنَّةَ {رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله اذهب فادخل الجنة}

(5)

فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله اذهب فادخل الجنة فإن لك فيها مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك عشرة أمثال الدنيا قال فيقول أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟ قال فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة

(6)

وقال تعالى في وصف أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: أول ما يدخل الجنة تعرض لهم عينان فيشربون من إحدى العينين فيذهب الله تعالى ما في

(1)

صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث، 189 الترمذي، كتاب التفسير، رقم الحدلث، 3198.

(2)

سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، 2553.

(3)

التذكرة ج 3 ص 20.

(4)

سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، 2562.

(5)

ما بين المعكوفين ساقط من الأصل والمثبت من الصحيحين.

(6)

صحيح البخاري، كتاب الرقاق، رقم الحديث 6571، ولفظه: إنى لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله: اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول اذهب فادخل الجنة فيأتيهما فيخيل إليه أنها ملأي فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول تسخر مني أو تضحك مني وأنت الملك فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه وكان يقول ذاك أدنى أهل الجنة منزلة ونحوه في مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث 186.

ص: 235

قلوبهم من غل، ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم وتجري عليهم نضرة النعيم.

وقال علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} ، قال: إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيغتسلون من إحداهما فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تتغير أبشارهم ولا تشعث أشعارهم أبدا ثم يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطنهم من الأذى؛ ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين. وروى القرطبي عن علي رضي الله عنه: أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} ، ما هؤلاء الوفد؟ قال (يحشرون ركبانا ثم قال: والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم ركبوا نوقا عليها رحائل المذهب مرصعة بأنواع الجواهر فتسير إلى باب الجنة. قال: وعند باب الجنة شجرة ينبع من أصولها عينان فيشربون من إحدى تلك العينين؛ فإذا بلغ الشراب الصدور أخرج الله كل ما في قلوبهم من غل، فإذا بلغ الشراب البطن طهرهم الله من دنس الدنيا وقذرها فذلك قوله تعالى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} .

قال: ثم يغتسلون من العين الأخرى فلا تشعث رؤوسهم ولا تتغير ألوانهم، قال: ثم يضربون حلق أبواب الجنة فلو سمع الخلائق طنين الأبواب لافتتنوا فيبادر رضوان فيفتح لهم فينظرون إلى حسن وجهه فيخرون ساجدين، فيقول لهم: يا أولياء الله أنا قيمكم الذي توكلت بكم وبمنازلكم، فينطلق بهم إلى قصور من فضة شرفاتها من ذهب يرى ظاهرها من باطنها من النور والرقة والحسن، قال: فيقول أولياء الله عند ذلك: يا رضوان لمن هذا؟ فيقول: هذا لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلولا أن الموت رفع عن أهل الجنة لمات أكثرهم، قال: ثم يريد أحدهم أن يدخل قصره، فيقول رضوان: اتبعني حتى أريك ما أعد الله لك فيمر به فيريه قصورا وخيما وما أعد الله عز وجل له، قال: ثم يأتي به إلى غرفة من ياقوتة من أسفلها إلى أعلاها مائة ذراع قد لونت بجميع الألوان على جنادل الدر والياقوت، وفي الغرفة سرير طوله فرسخ وعرضه مثل ذلك عليه من الفرش كقدر خمسين غرفة بعضها فوق بعض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذلك قوله عز وجل: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} وهي من نور والسرير من نور وعلى رأس ولي الله تاج له

ص: 236

سبعون ركنا في كل ركن سبعون ياقوتة تضيء وقد رد الله وجهه كالبدر وعليه طوق ووشاح يتلألأ من نور وقد سور بثلاثة أساورة، سوار من ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ، فذلك قوله عز وجل:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} .

وقوله في رضوان: فينظرون إلى حسن وجهه فيخرون ساجدين يريد سجود تحية كما حكى سبحانه في قصة إخوة يوسف، وكسجود الملائكة لآدم أو يكون سجودهم لله عز وجل الذي خلق هذا الوجه الحسن وجعله متوكلا بالجنة وأهلها فهو من أكبر النعم، وقوله تعالى:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} روى يحيى بن سلام بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: دار المؤمنين من درة مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل ويأخذ ولي الله بأصبعيه سبعين حلة منظمة باللؤلؤ والمرجان؛ وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بلغني أن ولي الله يلبس حلة ذات وجهين يتجاوبان بصوت، يقول الذي يلي وجهه، أنا أكرم على ولي الله منك أنا أرى وجهه وأنت محجوب، وقوله تعالى:{مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} ، قال الهروي: قال أحمد بن يحيى: الأريكة السرير في الحجلة ولا يسمى منفردا أريكة، وسمعت الأزهري يقول: كل ما اتكئ عليه فهو أريكة. نقله الإمام الثعالبي.

الجوهري: الحجلة بالتحريك واحدة حجال العروس وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور. القرطبي: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل من أهل الجنة ليزوج في شهر واحد ألف حوراء يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره في الدنيا، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة لا يملها ولا تمله كلما أتاها وجدها بكرا وكلما رجعت إليه عادت إليه شهوته، فيجامعها بقوة سبعين رجلا لا يكون منهما مني: وقال تعلى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} .

روى الترمذي بسنده أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيجك على ذلك؟ قال: سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فقلت: الليل بين البكرة والعشي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هنالك ليل لنا هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو وتأتيهم طرف الهدايا

ص: 237

لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها وتسلم عليهم الملائكة، وقال مجاهد في قوله تعالى:{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا} يعني ظلال الشجر {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} أي ذللت ثمارها يتناولون منها كيف شاءوا، وإن قام ارتفعت بقدره وإن قعد تذللت إليه حتى ينالها، ونحوه عن البراء. وروى يحيى بن سلام بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن أهل الجنة ليتناولون من قطوفها متكئين على فرشهم فما تصل إلى في أحدهم حتى يبدل الله مكانها أخرى؛ وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أدنى أهل الجنة منزلة الذي يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل خادم صحفتان واحدة ذهب والأخرى فضة؛ في كل واحدة لون لا يشبه الأخرى، وقوله تعالى:{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أي حابسات الأعين على أزواجهن أي لا ينظرن إلى غيرهم، والعين جمع عيناء وهي الكبيرة العينين في جمال، تقول المرأة منهن لزوجها: وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك، وقال تعالى:{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خيرات الأخلاق حسان الوجوه) وقرئ شاذا خيرات بتشديد الياء الكسورة. قال القرطبي: وإذا قال تعالى حسان فمن يقدر أن يصف حسنهن، وقال تعالى:{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} أي محبوسات مصونات في الخيام وخيام الجنة بيوت اللؤلؤ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هي در مجوف. قال الداودي: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: والخيمة لؤلؤة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع، ورواه ابن المبارك، وقال: لها أربعة آلاف مصراع من ذهب وروى الدارقطني عن المعتمر بن سليمان أنه قال: إن في الجنة نهرا ينبت الجواري الأبكار. والله أعلم.

وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ، قال الثعالبي عن محمد بن علي الترمذي: جنة لخوفه من ربه وجنة لتركه شهوته، وقوله تعالى:{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} ؛ اختلف في الرفرف ما هو، فقيل: الرفرف ما تدلى من الأسرة من أعالي الثياب والبسط. قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وقيل: الرفرف شيء إذا استوى صاحبه عليه رفرف به، ومنه رفرفة الطير. وروى مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود والطيالسي كلهم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى، أتريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: بلى فيكشف

ص: 238

الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل

(1)

ثم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ولفظ النسائي: فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ولا أقر إلى أعينهم.

قوله: فيكشف الحجاب معناه يرفع الموانع عن الأبصار حتى يرونه على ما هو عليه من نعوت العظمة والجلال، فذكر الحجاب إنما هو في حق المخلوقين لا في حق الخالق فهو سبحانه منزه عما يحجبه، وروى يحيى بن سلام بسنده عن الحسن، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل الجنة لينظرون إلى ربهم في كل جمعة على كثيب من كافور لا يرى طرفاه وفيه نهر جار حافاته المسك عليه جوار يقرءون القرآن بأحسن أصوات سمعها الأولون والآخرون، فإذا انصرفوا إلى منازلهم أخذ كل رجل بيد ما شاء منهن ثم يمرون على قناطر من اللؤلؤ إلى منازلهم؛ فلولا أن الله تعالى يهديهم إلى منازلهم ما اهتدوا إليها لما يحدث الله لهم في كل جمعة.

وقال الحسن: ليس شيء أحب إلى أهل الجنة من يوم الجمعة يوم المزيد؛ لأنهم يرون فيه الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه، وروى عن أبي يزيد البسطامي أنه قال: إن لله عبادا لو حجبهم في الجنة ساعة لاستغاثوا من الجنة ونعيمها؛ يعني أن رؤية المولى سبحانه هو النعيم الأكبر الذي لا يشبهه نعيم، جعلنا الله ممن نعمه بالنظر إليه سبحانه.

وقد ذكر الغزالي أن رؤية الله سبحانه هي معظم نعيم المقربين جعلنا الله سبحانه منهم بمنه وفضله، ونقل القرطبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور من فوقهم فإذا الرب سبحانه قد أشرف عليهم، فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قوله سبحانه:{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} ، قال: فإذا نظروا إليه نسوا نعيم الجنة حتى يحتجب عنهم، فإذا احتجب عنهم بقي نوره وبركاته عليهم في ديارهم. نقله الثعالبي. وقال: قلت هذا الحديث رواه البزار، قال القرطبي: ومعنى قوله أشرف عليهم أي اطلع عليهم؛ والله سبحانه لا يوصف بالمكان ونسوا نعيم الجنة لما نظروا إليه سبحانه

(1)

صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث، 181.

ص: 239

لأن ما دون الله سبحانه لا يقاوم تجليه جلت عظمته، ولولا أنه سبحانه يثبتهم ويبقيهم لحل بهم ما حل بالجبل حين تجلى له.

وقوله: حتى يحتجب عنهم، يجوز أن يكون معناه حتى يردهم إلى نعيم الجنة الذي نسوه، وإلى حظوظ أنفسهم وشهواتها التي نسوها، وليس ذلك إن شاء الله على معنى الاحتجاب عنهم الذي هو معنى الغيبة عنه حتى يكونوا له ناسين وعن شهوده محجوبين وإلى نعيم الجنة ساكنين، ولكنه سبحانه بلطفه يردهم إلى التنعم بما نسوة ولا يحجبهم عما شاهدوه حجبة غيبة عنه، ويدل على ذلك قوله: بقي نوره وبركته عليهم في ديارهم وإذا ارتفعت الحجب وزالت الموانع لم يكن بين نظر البصر وشهود السر فرق ولا بين حال الشهود والغيبة بون، بل تتفق الأوقات وتتساوى الحالات فيكون في كل حال شاهدا وبعين النظر والبصيرة ناظرا.

وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله سبحانه يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك يا ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا

(1)

)، وقال تعالى:{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَر} قال ابن عطية: ومعنى الآية أن رضوان الله أكبر من جميع ما تقدم، ومعنى الآية والحديث متفق، قال الإمام الفخر: وإنما كان الرضوان أكبر لأنه عند العارفين نعيم روحاني وهو أشرف من النعيم الجسماني، ومعرفة أهل الجنة مع هذا النعيم المقيم بأنه تعالى راض عنهم ومثن عليهم أزيد عليهم في إيجاب السرور. انتهى.

وأما النار فهي في اللغة الجوهر اللطيف المحرق وطبعها الارتفاع، وفي الشرع هي الدار المشتملة على عذاب العصاة في الآخرة نجانا الله منها بفضله ورحمته، وقد حذر الله سبحانه منها في غير ما آية من كتابه فوجب على العاقل أن يحذر مما حذره الله ويرحم بدنه الضعيف فإنه لا طاقة لأحد بعذاب الله والتعرض لغضبه، وقد روى ابن المبارك عن ميمون بن مهران أنه قال: لما خلق الله النار أمرها فزفرت زفرة فلم يبق في السماوات السبع ملك إلا خر على وجهه، فقال لهم

(1)

صحيح البخاري، كتاب التوحيد، رقم الحديث، 7518.

ص: 240

الجبار جل جلاله: ارفعوا رؤوسكم أما علمتم أني خلقتكم لطاعتي وعبادتي وخلقت جهنم لأهل معصيتي من خلقي؟ فقالوا: ربنا لا نأمنها حتى نرى أهلها، فذلك قوله تعالى:{وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} ، وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة

(1)

)، وروى ابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ولولا أنها أطفئت في الماء مرتين ما انتفعتم بها، وإنها لتدعو الله عز وجل أن لا يعيدها فيها

(2)

)، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنها ضربت بماء البحر سبع مرات، وفي حديث ابن مسعود عشر مرات.

وروى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها

(3)

)، وروى أبو الليث السمرقندي عن مجاهد أنه قال: إن لجهنم جيابا فيها حَياتٌ كأمثال أعناق البخت وعقارب كأمثال البغال الدهم، فيهرب أهل النار من النار إلى تلك الحيات فيأخذون بشفافهن فيكشطن ما بين الشر إلى الظفر فما ينجيهم منها إلا الهرب إلى النار ورُويَ عن عبد الله بن جبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في النار حيات مثل أعناق الإبل تلسع أحدهم لسعة يجد حمومتها أربعين خريفا، وإن في النار لعقارب كأمثال البغال تلسع أحدهم لسعة يجد ألمها أربعين خريفا، وفسر قوله تعالى:{زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} بأنه عقارب أنيابها كالنخل الطوال.

وروى أبو الليث السمرقندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أهون أهل النار عذابا لرجل عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه كأنه مرجل مسامعه وأضراسه جمر وأشفاره لهب النار، وتخرج أحشاء بطنه من قدميه وإنه ليرى أنه أشد الناس عذابا وإنه أهون من أهل النار عذابا، وروى بسنده أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أنه قال: إن أهل النار يدعون مالكا فلا يرد لهم جوابا أربعين عاما ثم يرد عليهم إنكم ماكثون يعني دائمين أبدا،

(1)

سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، 2519.

(2)

سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، رقم الحديث، 4318.

(3)

صحيح مسلم، كتاب صفة الجنة نعيمها

رقم الحديث 2842 ولفظه يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون

ص: 241

ثم يدعون ربهم ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فلا يجيبهم مقدار ما كانت الدنيا مرتين، ثم يرد عليهم اخسئوا فيها ولا تكلمون، قال فوالله ما نفث القوم بعدها بكلمة يعني ما نطق القوم ما كان بعد ذلك إلا الزفير والشهيق في النار تشبه أصواتهم بأصوات الحمير أوله زفير وآخره شهيق.

ويقال: إن أهل النار يجزعون ألف سنة ثم يقولون كنا في الدنيا إذا صبرنا كان لنا الفرج فيصبرون ألف سنة فلا يخفف عنهم، فيقولون: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص؟ فيدعون الله تعالى ألف سنة الغيث لما بهم من العطش وشدة العذاب لكي يزول عنهم بعض الحرارة والعطش، فإذا تضرعوا ألف سنة يقول الله تعالى لجبريل؛ أي شيء يطلبون؟ فيقول جبريل عليه الصلاة والسلام: يا رب أنت أعلم بهم إنهم يسئلون الغيث فتظهر لهم سحابة حمراء فيظنون أنهم يمطرون، فترسل عليهم العقارب كأمثال البغال فتلدغ واحدا منهم فلا يذهب عنه الوجع ألف سنة ثم يسئلون الله تعالى ألف سنة أن يرزقهم الغيث، فتظهر لهم سحابة سوداء فيقولون هذا سحاب المطر فيرسل عليهم حيات كأعناق الإبل كلما لسعت لسعة لا يذهب وجعها ألف سنة، وهذا معنى قوله تعالى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} و {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} يعني بما كانوا يكفرون ويعصون الله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعا الله تعالى جبريل وأرسله إلى الجنة، فقال: انظر إليها وما أعددت لأهلها فيها فرجع وقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فحفت بالمكاره، فقال ارجع إليها فانظر إليها فرجع، وقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ثم أرسله إلى النار، فقال: انظر إليها وما أعددت لأهلها فيها فرجع وقال: وعزتك وجلالك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد فحفت بالشهوات، فقال: عد إليها وانظر إليها فرجع فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها

(1)

).

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذكروا من النار ما شئتم فلا تذكرون منها شيئا إلا وهي أشد منه وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أنه قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة ما كان يأتيه فيها متغير اللون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما لي أراك

(1)

سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، 2560.

ص: 242

متغير اللون؟ فقال يا محمد: جئت في الساعة التي أمر الله تعالى فيها بمنافخ النار أن تنفخ فيها ولا ينبغي لمن يعلم أن جهنم حق وأن عذاب الله أكبر أن تقر عيناه حتى يأمنها، قال النبي صلى اللّد عليه وسلم: يا جبريل صف لي جهنم، قال: نعم يا محمد صلى الله عليك وسلم إن الله تعالى لما خلق جهنم أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها ولا يخمد جمرها، والذي بعثك بالحق نبيئا لو أن مثل خرم إبرة فتح منها لحرق أهل الدنيا عن آخرهم، والذي بعثك بالحق نبيئا لو أن ثوبا من ثياب أهل النار علق بين السماء والأرض لماتوا عن آخرهم لما يجدون من نتنها، والذي بعثك بالحق نبيئا لو أن ذراعا من السلسلة التي ذكر الله في كتابه وضع على جبل لأذابه حتى يبلغ الأرض السابعة، والذي بعثك بالحق نبيئا لو أن رجالا بالمغرب يعذب لحرق الذي بالمشرق من شدة عذابها.

حرها شديد، وقعرها بعيد وحطبها حديد، وشرابها صديد، وثيابها مقطعات النيران، لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم من الرجال والنساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهي كأبوابنا هذه؟ قال: لا ولكنها مفتوحة بعضها أسفل من بعض، من باب إلى باب مسيرة سبعين سنة كل باب منها أشد حرا من الذي يليه بسبعين ضعفا، يساق أعداء الله تعالى إليها فإذا انتهوا إلى أبوابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال والسلاسل فتدخل السلسلة في فمه وتخرج من دبره وتغل يده اليسرى إلى عنقه وتدخل يده اليمنى في فؤاده وتنزع من بين كتفيه ويشد بالسلاسل ويقرن كل آدمي مع شيطانه في سلسلة ويسحب على وجهه فتضربه الملائكة بمقامع من حديد، فقال صلى الله عليه وسلم: من سكان هذه الأبواب؟ فقال: أما الباب الأول وهو الأسفل ففيه المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون واسمه الهاوية، والباب الثاني ففيه المشركون واسمه الجحيم، والباب الثالث ففيه الصابون واسمه سقر، والباب الرابع ففيه إبليس ومن تبعه والمجوس واسمه لظى، والباب الخامس ففيه اليهود واسمه الحطمة، والباب السادس ففيه النصارى واسمه السعير.

ص: 243

ثم أمسك جبريل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تخبرني من سكان هذا الباب السابع؟ فقال يا محمد: لا تسئلني عنه، فقال: بلى يا جبريل أخبرني عن الباب السابع، فقال: فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا ولم يتوبوا، فخر النبي صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه ووضع جبريل عليه الصلاة والسلام رأسه في حجره حتى أفاق، فلما أفاق قال يا جبريل: عظمت مصيبتي واشتد حزني أيدخل أحد من أمتي النار؟ قال: نعم أهل الكبائر من أمتك ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة واحتجب من الناس فكان لا يخرج إلا للصلاة يصلي ويدخل ولا يكلم أحدا، ويأخذ في الصلاة ويبكي ويتضرع إلى الله تعالى.

فلما كان من اليوم الثالث أقبل أبو بكر رضي الله تعالى عنه حتى وقف بالباب وقال السلام عليكم أهل بيت الرحمة، هل لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبيل؟ فلم يجبه أحد فتنحى باكيا، فأقبل عمر رضي الله تعالى عنه فصنع مثل ذلك فلم يجبه أحد فتنحى وهو يبكي، وأقبل سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فوقف بالباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة هل لي إلى مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبيل؟ فلم يجبه أحد فأقبل مرة يبكي ومرة يقع ويقوم أخرى حتى أتى بيت فاطمة الزهراء فوقف بالباب، فقال السلام عليكم يا أهل بيت المصطفى وكان على غائبا، فقال سلمان: يا بنت رسول الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إلا للصلاة ولا يكلم أحدا ولا يأذن لأحد أن يدخل عليه، فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية فأقبلت حتى وقفت على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلمت، وقالت: يا رسول الله أنا فاطمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد يبكي فرفع رأسه، وقال: ما بال قرة عيني فاطمة حجبت عني؟ افتحوا لها الباب ففتحوا لها الباب ودخلت، فلما نظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكت بكاء شديدا لما رأت من حاله مصفرا متغيرا لونه مذابا لحم وجهه من البكاء والحزن.

فقالت يا رسول الله ما الذي نزل بك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل عليه الصلاة والسلام ووصف لي أبواب جهنم وأخبرني أن في أعلى أبوابها أهل الكبائر من أمتي فذلك الذي أبكاني وأحزنني، فقالت يا رسول الله أو لم تسأله كيف يدخلونها، وقال بلى تسوقهم

ص: 244

الملائكة إلى النار ولا تسود وجوههم ولا تزرق عيونهم ولا تختم أفواههم ولا يقرنون مع الشيطان ولا يوضع عليهم السلاسل والأغلال قالت يا رسول الله وكيف تقودهم الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الرجال باللحى، وأما النساء بالذوائب والنواصي فكم من ذي شيبة من أمتي قد قبض على شيبته يقاد إلى النار وهو ينادي يا شيبتاه واضعفاه وكم من شاب من أمتي يقبض على لحيته يقاد إلى النار وهو ينادي واشباباه واحسن صورتاه فكيف في النار حسراه، وكم من امرأة تقبض على ناصيتها تقاد إلى النار وهي تنادي وافضيحتاه واهتك ستراه؟ حتى ينتهى بهم إلى مالك فإذا نظر إليهم مالك قال للملائكة: من هؤلاء؟ فما ورد علي من الأشقياء أعجب من هؤلاء، لم تسود وجوههم ولم توضع السلاسل والأغلال في أعناقهم؟ فيقول الملائكة: هكذا أمرنا الله أن نأتي بهم على هذه الحال، فيقول لهم مالك: يا معشر الأشقياء من أنتم؟ وفي رواية أخرى إنهم لما قادتهم يعني الملائكة ينادون وا محمداه فلما أن رأوا مالكا نسوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من هيبته، فيقول لهم من أنتم؟ فيقولون نحن ممن أنزل عليهم القرآن ونحن ممن يصوم شهر رمضان.

فيقول مالك: ما أنزل القرآن إلا على محمد صلى الله عليه وسلم فإذا سمعوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم، وقالوا: نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم مالك: أما كان لكم في القرآن من زاجر عن معاصي الله تعالى؟ فإذا وقف لهم على شفير جهنم ونظروا إلى النار وإلى الزبانية، قالوا: يا مالك ايذن لنا فنبكي على أنفسنا فيأذن لهم فيبكون الدموع حتى لم يبق من الدموع فيبكون الدم؛ فيقول مالك: ما أحسن هذا البكاء لو كان في الدنيا فلو كان هذا البكات في الدنيا من خشية الله تعالى ما مستكم النار اليوم، فيقول مالك للزبانية ألقوهم في النار فإذا ألقوا في النار نادوا بأجمعهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فترجع النار عنهم، فيقول مالك: يا نار خذيهم، فتقول النار: كيف آخذهم وهم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى ألله عليه وسلم؟ فيقول مالك: نعم فذلك أمر رب العالين، فتأخذهم النار فمنهم من تأخذه إلى قدميه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذه إلى حلقه، فإذا أهوت النار إلى وجوهم قال مالك: لا تحرقي وجوههم فلطال ما سجدوا

ص: 245

للرحمن، ولا تحرقي قلوبهم فلطال ما عطشوا في شهر رمضان، فيبقون ما شاء الله تعالى فيها وينادون: يا أرحم الراحمين يا حنان يا منان، فإذا أنفذ الله حكمه قال يا جبريل: ما فعل العاصون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

فيقول: إلهي أنت أعلم بهم، فيقول انطلق فانظر ما حالهم، فينطلق جبريل إلى مالك وهو على منبر من النور وسط جهنم، فإذا نظر مالك إلى جبريل عليه الصلاة والسلام قام تعظيما له، فيقول يا جبريل ما أدخلك علي هذا الموضع فيقول ما فعلت العصابة العاصية من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول مالك: ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم قد أحرقت النار أجسامهم وأكلت لحومهم وبقيت وجوههم وقلوبهم يتلألأ فيهم الإيمان، فيقول جبريل: ارفع الطبق عنهم حتى أنظر إليهم، قال: فيأمر مالك الخزنة فيرفعون الطبق عنهم فإذا نظروا إلى جبريل عليه الصلاة والسلام وإلى حسن خلقه علموا أنه ليس من ملائكة العذاب. فيقولون من هذا العبد الذي لم نر شيئا قط أحسن منه؟ فيقول مالك: هذا جبريل الكريم على ربه الذي كان يأتي محمدا صلى الله عليه وسلم بالوحي؛ فإذا سمعوا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم وقالوا يا جبريل: اقرأ محمدا منا السلام وأخبره أن معاصينا قد فرقت بيننا وبينه، وأخبره بسوء حالنا فينطلق جبريل عليه الصلاة والسلام حتى يقوم بين يدي الله تعالى، فيقول الله تبارك وتعالى: كيف رأيت أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: يا رب ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم، فيقول الله تبارك وتعالى: هل سألوك شيئا؟ فيقول: نعم يا رب سألوني أن أقرئ نبيهم عليه الصلاة والسلام السلام وأخبره بسوء حالهم، فيقول الله عز وجل: انطلق وأخبره.

فينطلق جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في خيمة من درة بيضاء لها أربعة آلاف باب ولها مصراعان من ذهب، فيقول: يا محمد جئتك من عند العصابة الذين يعذبون من أمتك في النار وهم يفرئونك السلام ويقولون: ما أسوأ حالنا وأضيق مكاننا، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقف تحت العرش فيخر ساجدا ويثني على الله تعالى ثناء لم يثن أحد مثله، فيقول الله تبارك وتعالى: يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع واسأل تعط، فيقول: يا رب الأشقياء من أمتي قد أنفذت فيهم حكمك وانتقمت منهم فشفعني فيهم فيقول الله عز وجل قد شفعتك فيهم فأت النار فأخرت منها كل من قال: لا إله إلا الله: فينطلق محمد صلى الله عليه وسلم فإذا نظر مالك

ص: 246

إلى محمد صلى الله عليه وسلم قام تعظيما له، فيقول يا مالك ما حال أمتي الأشقياء؟ فيقول مالك ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم فيقول محمد صلى الله عليه وسلم: افتح الباب وارفع الضيق عنهم فإذا نظروا إلى محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم: يا محمد قد أحرقت النار جلودنا وأحرقت أكبادنا، فيخرجهم جميعا وقد صاروا فحما قد أكلتهم النار.

فينطلق بهم إلى نهر بباب الجنة يسمى الحيوان، فيغتسلون فيه فيخرجون منه شبابا جردا مردا مكحلين كأن وجوههم مثل القمر مكتوب على جباههم؛ هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن من النار، فيدخلون الجنة فإذا رأى أهل النار أن المسلمين قد أخرجوا منها قالوا: ليتنا كنا مسلمين وكنا نخرج من النار، وهو قوله تعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} .

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يؤتى بالموت كأنه كبش أملح، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون الموت؟ فينظرون فيعرفونه، ويقال: يا أهل النار هل تعرفون الموت؟ فينظرون فيعرفوند فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلودا لا موت فيها، ويا أهل النار خلودا لا موت فيها، وذلك قوله تعالى:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} . قاله السمرقندي.

اللهم نجنا من حر السعير وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وعند سؤال منكر ونكير. آمين يا رب العالمين.

وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الماس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغا، فيقول: يا ابن آدم هل رأيت شدة قط هل مر بك بؤس قط؟ فيقول: لا والله ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط

(1)

)، وروى الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى تصير في خدودهم كأمثال الجداول، ولو أجريت

(1)

صحيح مسلم، كتاب صفة القيامة، رقم الحديث، 2807.

ص: 247

فيها السفن لجرت

(1)

). نقله الإمام الثعالبي. وقال عبد الحق في العاقبة: اعلم رحمك الله أنه قد وجب في الحكم الأول والقضية السابقة دخول النار على طوائف من المؤمنين، فمن أوبقتهم سيئاتهم وأحاطت بهم خطيئاتهم ولم تمحصها عنهم عقوبات الدنيا ولا عذاب القبر ولا هول يوم الحشر، وكل إنسان منهم تنال منه النار بمقدار عمله ولا تأخذ منه إلا الحد الذي أمرت به، ثم إن الله جل جلاله بفضله ورحمته يقبل فيهم شفاعة الشافعين ورغبة الراغبين وسؤال السائلين من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين والعلماء العاملين، وكل من له عند الله تعالى جاه ومنزلة قد بلغها بعمله ونالها بصالح سعيه فإن له شفاعة في أهله وبنيه وأوليائه وأقاربه، بل ربما في الرجل كان يعرفه في الدنيا ولم يكن بينهما صحبة ولا كبير معرفة. انتهى. نقله الثعالبي. ونقل السيوطي في الجامع الصغير عن الحاكم عن ابن مسعود: في جهنم واد، وفي الواد بير يقال لها هبهب حق على الله تعالى أن يمسكنها كل جبار، ونقل الثعالبي عن الحسن أنه قال: ما في جهنم واد ولا مغارد ولا غل ولا قيد ولا سلسلة إلا واسم صاحبها عليها مكتوب.

أو إن كنت حاملا يعني أن الرجل إذا قال لامرأته: إن كنت حاملا فأنت طالق فإنه ينجز عليه الطلاق، أو إن لم تكوني يعني أن الرجل إذا قال لامرأته: إن لم تكوني حاملا فأنت طالق فإنه ينجز عليه الطلاق، وقوله:"إن كنت حاملا أو إن لم تكوني" معطوف على قوله: "كإن كان في بطنك غلام" فهو من الفروع التي لا تعلم حالا وتعلم مئالا، وقوله:"أو إن كنت حاملا" أي وتقدم له وطء مع إنزال وحملت المرأة على البراءة منه هذا كالتخصيص لقوله: "أو إن كنت حاملا"؛ يعني أن المرأة التي قال لها ذلك تحمل على البراءة من الحمل حيث صدر منه ذلك القول لها في طهر لم يمس المرأة فيد وفائدة حمل المرأة على البراءة الحنث في إن لم تكوني والبر في إن كنت، وكذا الحكم لو قال لها: إن كان في بطنك غلام أو إن لم يكن، فتحمل على البراءة من الحمل إذا قال لها ذلك في طهر لم يمسها فيه فيحنث في إن لم يكن لا في إن كان، فقوله:"وحملت" نائبه ضمير يعود على المرأة.

واختاره مع العزل؛ يعني أن اللخمي اختار حمل المرأة على البراءة من الحمل حيث قال لها ذلك في طهر مسها فيه وأنزل لكن عزل عنها ماءه، وما اختاره ضعيف لأن الماء قد يسبق. قاله عبد

(1)

التذكرة ج 2 ص 330.

ص: 248

الباقي. وقال الشبراخيتي عند قوله: "مع العزل" ما نصه: فلا تطلق في إن كنت؛ لأن الحمل عن ذلك نادر وتطلق في إن لم تكوني وهذا ضعيف. انتهى. وقوله: "أو إن كنت حاملا" لخ قال الشارح: هذا كقول مالك، وإن قال لها إن كنت حاملا فأنت طالق أو إن لم تكوني حاملا فأنت طالق: فإن كانت في طهر لم يمس فيه أو مس ولم ينزل كان محملها على البراءة من الحمل، يريد فإن قال: إن كنت حاملا لم تطلق، وإن قال: إن لم تكوني حاملا تطلق عليه اللخمي: وكذا إن كان يعزل لأن الحمل عن العزل نادر. انتهى.

أو إن لم يمكن اطلاعنا عليه يعني أن الزوج إذا علق الطلاق بأمر لا يمكن اطلاعنا عليه حالا ولا مئالا فإنه ينجز عليه الطلاق، ومثل لذلك بقوله: كقوله لها أنت طالق إن شاء الله أو أنت طالق إلا أن يشاء الله"، وجعل المص المشيئة مما لا يمكن الاطلاع عليه تبعا لابن يونس، واعترضه ابن رشد بأنه يضاهي قول المعتزلة بحدوث الإرادة، والحق كما قال ابن عرفة وأصله لابن رشد أنه إنما ألزمه مالك الطلاق لأنه معلق على أمر محقق وقوعه؛ لأن قوله: "إن شاء الله" يحتمل أن يكون المعنى إن شاء الله طلاقك، وقد شاء طلاقها بقوله لها: أنت طالق ويحتمل أن يكون المعنى إن شرع الله الطلاق وقد شرع لزومه بقوله أنت طالق. والله أعلم. نقله بناني.

وقوله: كإن شاء الله قال الشبراخيتي معللا له: لأن جميع ما يقع في الكون صادر عن مشيئة الله تعالى. انتهى. وقال عبد الباقي: لأن المشيئة لا تنفع في غير اليمين بالله كما قدمه. انتهى. أو الملائكة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق إن شاءت الملائكة فإنه ينجز عليه الطلاق، لأن هذا مما لا يعلم حالا ولا مئالا فالعصمة مشكوك فيها أو الجن يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق إن شاءت الجن فإنه ينجز عليه الطلاق؛ لأن هذا مما لا يعلم حالا ولا مئالا فالعصمة مشكوك فيها، وقال الشارح مفسرا للمص: أي وكذا ينجز الطلاق إذا علقه على ما لا يمكن اطلاع البشر عليه، كقوله: أنت طالق إن شاء الله وكذا أنت طالق إن شاءت الملائكة أو الجن على الأصح: وقيل لا تطلق عليه في ذلك.

ص: 249

وتحصل مما مر أن جعل المص المشيئة لله تعالى مما لا يعلم حالا ولا مئالا معترضٌ، وأن الحق أنه إنما ألزمه مالك الطلاق لأنه محقق الوقوع، وأما مشيئة الملائكة ومشيئة الجن فما قاله فيهما مسلم.

مسألة: سئل ابن أبي زيد عمن حلف بطلاق زوجته ما أنه إلا فلان بن فلان؛ فأجاب: لا حنث عليه، وأجاب القابسي بأنه حانث لأنه يمين غموس، قال البرزلي: قلت: إن كان مقصوده أنه ينسب إلى أبيه لا إلى غيره فهو بار في يمينه، وإن أراد في نفس الأمر فيجري على اليمين في غلبة الظن أنه كالشك والوهم، ولهذا قال: غموس.

أو صرف المشيىئة على معلق عليه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله وصرف المشيئة للمعلق عليه؛ أي نوى أن المشيئة راجعة للدخول المعلق عليه فإنه ينجز عليه الطلاق إن حصل الدخول المعلق عليه؛ وإلا لم يقع عليه طلاق؛ وكذا ينجز عليه الطلاق بالأولى إذا صرف المشيئة للمعلق وهو الطلاق، وكذا إن لم تكن له نية بصرفه لواحد منهما بشرط حصول الدخول في القسمين الأخيرين كالأول، وقوله:"أو صرف المشيئة على معلق عليه" هو قول ابن القاسم، وذهب ابن الماجشون وأشهب إلى أنه لا طلاق عليه؛ واختاره جماعة من الشيوخ، وبه قال أصبغ ولو دخلت.

ابن رشد: قول ابن القاسم مبني على مذهب القدرية، والمقابل مبني علي مذهب أهل السنة؛ لأن قول القائل أنت طالق إن لم أدخل إن شاء الله إذا صرف المشيئة إلى المعلق عليه هو إن امتنعت من الدخول بمشيئة الله فلا شيء عليَّ، وكذا قوله: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله هو إن شا" الله دخولي فلا شيء علي، وقد علم في السنة أن كل الواقع في الوجود بمشيئة الله تعالى فامتناعه إذا من الدخول في الوجه الأول ودخوله في الوجه الثاني بمشيئة الله فلا يلزمه طلاق؛ لأن ذلك هو الذي التزمه، وأما القول بلزوم الطلاق فمقتضاه أن الدخول وعدمه واقع على خلاف المشيئة وهو محال عند أهل السنة، وأجاب ابن عرفة ونصه: رد المشيئة للفعل في هذه المسألة يحتمل تفسيره بأن تعلق مشيئة الله بالفعل موجب تعلق الحلف به أو بأن تعلقها به يمنع تعلق الحلف به، فابن رشد بناه على الثاني فلزم ما ألزم.

ص: 250

ولقائل أن يقول مجيبا عن ابن القاسم بأنه بناه على المعنى الأول، وحينئذ ينعكس الأمر في جري ابن القاسم على مذهب أهل السنة، وقول غيره على مذهب القدرية والاستثناء في اليمين بالله على المعنى الثاني لا الأول. انتهى. فابن رشد جعل إن شاء الله في معنى الاستثناء، مثل إلا أن يشاء الله، وابن عرفة جعله شرطا على ظاهره وهو الصواب، ويسقط به اعتراضه قلت: ومقتضى الجواب المذكور أنه إن قال هنا: إلا أن يشاء الله لم يلزمه. فانظره. انتهى. قاله محمد بن الحسن بناني.

بخلاف إلا أن يبدو لي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي، أو إلا أن أشاء أو إلا أن أرى خيرا منه أو إلا أن يغير الله ما في خاطري أو نحو ذلك، فإنه لا ينجز عليه الطلاق بدخول الدار ولا يلزمه شيء، بشرط أشار إليه بقوله: في المعلق عليه فقط يعني أن محل عدم لزوم الطلاق له فيما إذا قال أنت طالق إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي إنما هو فيما إذا جعل قوله: "إلا أن يبدو لي" راجعا للمعلق عليه فقط وهو دخول الدار في المثال المذكور دون ما إذا لم يرجعه له، ومعنى ذلك أني لم أصمم على جعل دخول الدار سببا لطلاقك بل الأمر موقوف على إرادتي في المستقبل، فإن شئت جعلته سببا لطلاقك وإن شئت لم أجعله سببا له، فلهذا نفعه لأن كل سبب وكل إلى إرادته لا يكون سببا إلا بتصميمه على جعله سببا، قال الإمام الحطاب واحترز بقوله:"فقط" مما إذا قال: "إلا أن يبدو لي" في الطلاق، مثل أن يقول: أنت طالق إلا أن يبدو لي فإنه لا ينفعه، قال ابن رشد في رسم جاع، من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق، بلا خلاف كما أنه إذا قال إلا أن يبدو لي في المعلق عليه ينفعه بلا خلاف. انتهى.

قال مقيده عفا الله عنه: ويظهر أن قوله: "فقط" يرجع للرجوع المقدر بعد "في" ولا يرجع للمعلق عليه لاقتضائه أنه إذا رجعه لهما تطلق وهو غير ظاهر، والظاهر أنها لا تطلق حينئذ، هذا الذي قلته خلاف ما صرح به الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم. وقال عبد الباقي: واحترز بالمعلق عليه عن المعلق نفسه وهو الطلاق؛ فإنه إذا صرف الإرادة إليه لا ينفعه لأنه لا اختيار له فيه فينجز، وكذا إن لم تكن له نية تصرفه لواحد منهما فينجز كما إذا لم يكن في صيغة تعليق. انتهى.

ص: 251

أو كإن لم تمطر السماء غدا يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق إن لم تمطر السماء غدا أو إلى رأس الشهر الفلاني أو نحو ذلك، فإنه ينجز عليه الطلاق بحكم حاكم؛ فإن غفل عن ذلك ولم يطلق عليه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه فقال ابن القاسم: لا يطلق عليه، وقال المغيرة وعيسى: يطلق عليه إلا أن يعم الزمن الأولى أن يقول: لا إن عم الزمن؛ لأن هذا مفهوم قوله: "غدا" يعني أنه إذا قال لها إن لم تمطر السماء فأنت طالق فإنه لا يطلق عليه؛ لأنه عم الزمن فلا بد من أن تمطر السماء في زمن مَّا، ومثل ذلك ما إذا قيد بزمن بعيد كخمس سنين ولم يقيد بمكان فلا ينجز ولا ينتظر، وأما لو قال: أنت طالق إن أمطرت السماء فينجز عليه، كما لو قال: أنت طالق الساعة. قال اللخمي: وإن قال أنت طالق إن أمطرت السماء كأنت طالق الساعة لأن السماء لا بد أن تمطر، وإن قال إن لم تمطر فأنت طالق فلا شيء عليه، وسواء عمم أو سمى بلدا لأنه لا بد أن تمطر في زمن ما، وكذلك إن ضرب أجلا عشر سنين أو خمس سنين.

مسألة نزلت: وهي أن شخصا خاصم شخصا فقال أحدهما -وكأنه المظلوم- خيمتي علي حرام إن لم ينصفني الله من فلان فمكث يومين أو نحوهما فأصابه مرض فقتله، والخيمة في عُرفهم كناية عن الزوجة؛ فأجبت بأن الظاهر أن هذا من الحلف على الغيب نحو إن لم تمطر السماء غدا فالمشهور أنه ينجز عليه الطلاق، فإن غفل عنه حتى وقع المحلوف عليه فقال ابن القاسم إلى آخر ما مر قريبا: أو يحلف لعادة يعني أن ما تقدم من التنجيز في قوله: أنت طالق إن لم تمطر السماء غدا محله ما إذا لم يكن حلف لأجل عادة شرعية توسمها، وأما إن حلف لعادة شرعية فإنه ينتظر بالطلاق نزول المطر ولا ينجز عليه، فإن وقع الأمر كما حلف عليه لم يلزمه شيء وإلا حنث ولزمه الطلاق، وإنما انتظر فيما إذا حلف لعادة لخبر: (إذا نشأت بحرية ثم تشاء مت فتلك عين غديقة

(1)

) قوله: بحرية بالنصب والظاهر أنه على الحال من الضمير في نشأت العائد على السحابة المفهومة من السياق، وغديقة بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مفتوحة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ثم قاف مفتوحة أي: كثيرة الماء وهو تصغير تعظيم، والغدق بفتح الدال: المطر الكبار، وغدق اسم بئر معروفة بالمدينة.

(1)

الموطأ كتاب الاستسقاء، الحديث رقم 5.

ص: 252

تنبيه: قال عبد الباقي عند قوله: "فينتظر": ويمنع في صيغتي البر والحنث ويدل عليه قوله "وإن نفى ولم يؤجل منع منها"، والظاهر ولو طال الزمن ويدل عليه أيضا ما يأتي في مسألة الحيلولة من قوله:"وحيل بينهما حتى تجيب"، واحترز بالشرعية من العادة غير الشرعية كتنجيم فيتنجز، سواء اطلع عليه أو لم يطلع حتى حصل ما حلف عليه. انتهى.

قال بناني: قول الزرقاني ويدل عليه قوله وإن نفى لخ فيه نظر، بل عدم منعه منها في إثبات فعل غيره يدل على عدم منعه منها هنا في البر. فتأمله. انتهى. وقال محمد بن الحسن عند قوله:"أو يحلف لعادة" ما نصه: تبع المؤلف في هذا ما في التوضيح عن التنبيهات، والذي لابن رشد في المقدمات يقتضي أنه ينجز عليه ولا ينتظر، فإن غفل عنه حتى جاء ما حلف عليه فقيل يطلق عليه وقيل لا. انتهى. وقال ابن غازي: والذي في المقدمات: من حلف على ما لا طريق له إلى معرفته عجل عليه الطلاق ولا يستأنى به، واختلف إن غفل عنه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه، فيتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يطلق عليه، ثانيها لا يطلق عليه، ثالثها أنه إن كان حلف على غالب ظنه لأمر توسمه مما يجوز له في الشرع لم تطلق عليه، وإن حلف علي ظهر له بكهانة أو تنجيم أو على الشك أو تعمد الكذب طلق عليه. انتهى. قوله:"أو كإن لم تمطر السماء" لخ هو حكم صيغة الحنث.

وأشار إلى الحكم في صيغة البر بقوله:

وهل ينتظر في البر يعني أن الشيوخ اختلفوا في الذي تقتضيه المدونة حيث كانت يمينه على بر، كقوله: أنت طالق إن أمطرت السماء غدا أو في هذا الشهر، فمنهم من تأولها على أنه ينتظر بالطلاق نزول المطر وهذا التأويل هو الذي عليه الأكثر من الشيوخ أو ينجز يعني أن من الشيوخ من تأول المدونة على أنه ينجز عليه الطلاق في صيغة البر كما ينجز عليه في صيغة الحنث المتقدمة.

وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان: تأويل الأكثر ومقابله ومحلهما إذا حلف لا لعادة وقيد بزمن قريب كغد أو شهر فإن حلف لعادة انتظر، وإن قيد بزمن بعيد نجز عليه لأنه لا بد أن تمطر في الأجل البعيد كما لو لم يقيد كما مر، وذكروا أن القريب كالشهر وأن البعيد

ص: 253

خمس سنين، ولم يتعرضوا لما بينهما، والظاهر أن السنة من حيز البعيد في صيغتي البر والحنث فينجز عليه إن قيد بها في صيغة البر لا في الحنث، وينبغي أن تكون الأشهر التي لا يتخلف فيها المطر عادة كالتقييد بزمن بعيد. قاله عبد الباقي وغيره.

والدليل على أن محل التأويلين حيث قيد بزمن قريب ولم يحلف لعادة قوله: "كالحنث" فإنه جعل محل التنجيز في الحنث حيث قيد بزمن قريب ولم يحلف لعادة.

وتحصل مما مر أن قوله: "إن لم تمطر السماء" لخ على أربعة أقسام: أحدها أن يقيد بزمن قريب ولم يحلف لعادة كقوله: "إن لم تمطر السماء غدا"، أو عند رأس الشهر الفلاني ودونه شهر مثلا فينجز عليه الطلاق؛ ثانيها أن يقيد بزمن قريب لكنه حلف لعادة فينتظر، فإن وقع الأمر على ما حلف عليلا بر وإلا طلقت، ثالثها أن يقيد بزمن بعيد كخمس سنين فلا تطلق، رابعها أن يعم الزمن فلا طلاق أيضا.

وقد مر كلام ابن رشد أنه إن حلف على ما لاطريق إلى معرفته ينجز عليه، فإن غفل عنه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه فقيل: تطلق عليه، وقيل لا تطلق عليه: وقيل: إن حلف على غالب ظنه لأمر توسمه مما يجوز له في الشرع لم تطلق عليه، وإن حلف على ما ظهر له بكهانة أو تنجيم أو على الشك أو تعمد الكذب طلق عليه، انتهى. وأنه إن قال: إن أمطرت السماء على أربعة أقسام أيضا، أحدها: أن يقيد بزمن قريب ويحلف لا لعادة هي محل التأويلين، ثانيها: أن يقيد بزمن قريب أيضا لكنه حلف لعادة فينتظر، فإن وقع الامر على ما حلف عليه لم تطلق، وإلا طلقت، ثالثها: أن يقيد بزمن بعيد فإنه ينجز عليه الطلاق، رابعها: أن لا يقيد فينجز عليه أيضا، أو بمحرم يعني: أن الزوج إذا علق الطلاق على أمر حرام فإنه ينجز عليه الطلاق لأن الشرع لا يمكنه من ذلك، ومثل لذلك بقوله: كإن لم أزن؛ أي كقوله إن لم أزن، أو إن لم أشرب الخمر، أو إن لم أقتل زيدا، أو نحو ذلك؛ فأنت طالق، أوأنت طالق لأزنين أو لأسرقن أو لأقتلن، ولا فرق بين فعله وفعل غيره، كإن لم يزن زيد على الصحيح، خلافا لابن الحاجب، إلا أن يتحقق قبل التنجيز؛ يعني: أن محل تنجيز الطلاق عليه ما لم يتحقق منه الزنى مثلا قبل أن يحكم الحاكم عليه بتنجز الطلاق، وأما إن تحقق منه الزنى مثلا قبل أن يحكم عليه بالطلاق فإنه لا شيء عليه، ولو أفتاه فقيه بوقوع الطلاق من غير حكم فاعتدت زوجته وتزوجت ثم فعل

ص: 254

المحلوف عليه فإن زوجته ترد إليه ووطء الثاني وطء شبهة؛ قاله عبد الباقي. وعلم من قول المصنف: إلا أن يتحقق قبل التنجيز، أن التنجيز هنا إنما يكون بحكم حاكم، قاله غير واحد؛ وقوله:"أو بمحرم كإن لم أزن إلا أن يتحقق قبل التنجيز"؛ قال الشارح: هو منصوص في المدونة وغيرها، وحكى ابن الحاجب قولا آخر بالتنجيز، ولو فعل المحلوف عليه؛ انتهى. أو بما لا يعلم حالا ومئالا يعني أن الزوج إذا علق طلاق زوجته على أمر لا يعلم حالا ولا مئالا فإنه ينجز عليه الطلاق، وهذا مكرر مع قوله: أو لم يمكن اطلاعنا عليه، وأعاده ليرتب عليه قوله: ودين إن أمكن حالا يعني أن الزوج إذا علق طلاق زوجته على أمر لا يعلم حالا ولا مئالا فإنه ينجز عليه الطلاق كما عرفت، فإن كان الأمر الذي علق عليه الطلاق يمكن أن يعلم حالا والحال أن الزوج أدعاه أي ادعى علم ذلك الأمر وتحققه فإنه يدين ولا يطلق عليه، كحلفه بالطلاق أنه رأى الهلال ليلة ثلاثين والسماء مطبقة بالغمام فيخلى بينه وبين زوجته، ويترك على أمانته؛ ومثل المص لذلك بقوله: فلو أي فبسبب أنه يدين فيما ذكر لو حلف اثنان بالطلاق على النقيض؛ أي حلف كل منهما على نقيض ما حلف عليه الآخر، كما لو قال أحدهما: إن كان هذا غرابا فامرأتي طالق، أو قال إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق، وناقضه الآخر في الحلف وكمن قال لرجل: امرأتي طالق لقد قلت لي كذا، فقال الآخر: امرأتي طالق ما قلته لك ونحو ذلك، فإن ادعيا اليقين وكلا إلى دينهما، ولم تطلق زوجة واحد منهما، وإن ادعى أحدهما اليقين أي الجزم لم تطلق امرأته وتطلق امرأة من لم يدع الجزم وإن لم يدعيا يقينا طلقتا أي طلقت زوجتاهما كلتاهما وفي بعض النسخ فإن لم يدع يقينا طلقت بالإفراد فيهما؛ أي طلقت امرأة من لم يدع اليقين، لا من ادعى اليقين سواء كان مدعي اليقين كلا منهما أو أحدهما، وقوله: ودين أي ويحلف في القضاء دون الفتوى. واعلم أن محل ما ذكر حيث تعذر التحقيق كما هو واضح، وشمل قوله: فإن لم يدعيا يقينا حلف كل على الظن والشك والوهم، تبين شيء بصدق أحدهما أو لم يتبين، لكونهما حال اليمين غير جازمين على ما حلفا عليه، ومحل عدم الطلاق في حالة الجزم ما لم يتبين خلاف ما جزم به أحدهما أو هما فيحنث من بان خلاف ما جزم به ومفهوم قوله: اثنان، أنه لو حلف واحد على النقيض من امرأتيه بأن حلف بطلاق زينب مثلا على الإثبات وحلف بطلاق عمرة

ص: 255

على النفي والتبس عليه الحال وتعذر التحقيق طلقتا؛ لأنه لا يمكن دعوى التحقيق في الجانبين، فإن بان له شيء عمل عليه؛ ولما أنهى الكلام على ما ينجز فيه الطلاق شرع في الكلام على ما لا ينجز فيه فقال: ولا يحنث إن علقة بمستقبل يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على مستقبل ممتنع وجوده فإنه لا ينجز عليه الطلاق لعدم حنثه سواء كان امتناع وجوده من جهة العقل، كما لو قال لها: أنت طالق إن جمعت بين وجودك وعدمك أو من جهة الشرع كأنت طالق إن زنيت، قدم لفظ الطلاق كما رأيت أو أخره، وكذا لو قال: علي الطلاق إن زنيت أو لا زنيت لامتناع الشرط فيمتنع المشروط الذي هو الطلاق؛ أو من جهة العادة كما لو قال: هي طالق إن لمست السماء أو إن لمست السماء فهي طالق، وهذا في صيغة البر كما أفاده بقوله: ممتنع، وأما في صيغة الحنث كإن لم أجمع بين وجودك وعدمك فأنت طالق وكإن لم أمس السماء فأنت طالق فينجز عليه، كما لو قال: إن لم أزن فأنت طالق لكن بحكم حاكم كما مر في قوله أو بمحرم فراجعه إن شئت. ومحل كلام المصنف حيث لم يقع المحلوف عليه فإن وقع كالمتنع شرعا حنث وذلك ظاهر أو إن شاء هذا الحجر يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إن شاء هذا الحجر أو الحائط أو أنشد الحمار قفا نبك فإنها لا تطلق عليه وقوله أو إن شاء هذا الحجر مثال ثان للممتنع عادة قال الشارح: وإنما لم يحنث في هذا لأنه علقه على أمر لا يمكن وجوده وهذا هو الأصح وهو قول ابن القاسم في المدونة؛ وقال سحنون: يحنث ولابن القاسم مثله، وذكر عبد الوهاب في إن شاء هذا الحجر روايتين وصحح اللزوم وشهره المازري لكن ورهب المدونة عدم اللزوم وعليه عول هنا. انتهى. وقوله: أو إن شاء هذا الحجر لا يلزم الطلاق سواء قدم لفظ الطلاق أو أخره وقوله أو إن شاء هذا الحجر عورضت هذه المسألة بلزوم طلاق الهزل كأنت طالق إن لم يكن هذا الحجر حجرا، وأجاب الغبريني بجواب غير ظاهر. قال بناني عند قول المص هنا: أو إن شاء هذا الحجر، هذا قول ابن القاسم في المدونة، وقال ابن القاسم في النوادر، يلزمه الطلاق، وبه قال سحنون؛ وذكرهما عبد الوهاب روايتين؛ وأن لزوم الطلاق أصح، وحينئذ يستوي مع ما تقدم في قوله: إن لم يكن هذا الحجر حجرا، والفرق الذي ذكره الغبريني بينهما قال ابن عاشر: عمل باليد ومحض دعوى، وفرق الغبريني هو أن الهزل واقع فيما تقدم على ذات الحجر، وما هنا في أمر خارج عن الذات؛ لأن المشيئة خارجة عن ذات الحجر وهي ممتنعة عادة لا عقلا، فلهذا لم

ص: 256

يحنث. وكون الحجر غير حجر يمتنع عقلا وعادة فلذا نجز عليه، انتهى. وحاصله: أن الهزل أظهر في الأول من هذا والله سبحانه أعلم. وعطف على "إن علقه" قوله: أو لم تعلم بمشيئه المعلق بمشيئه يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على مشيئة زيد مثلا بأن قا ل لها: أنت طالق إن شاء زيد، فمات زيد ولم تعلم مشيئته فإنه لا طلاق عليه، وكذا لا طلاق عليه إذا قال لها ذلك وزيد ميت، ولو علم بموته حين التعليق على أحد قولين، والقول بعدم اللزوم هو ظاهر المدونة، وقال اللخمي: يلزمه الطلاق، ولو علق على مشيئة صغير لا يعقل فلا شيء عليه الآن وينتظر، قال عبد الباقي مشيرا إلى الفرق بين ما هنا وبين ما تقدم من قوله:"أو الملائكة أو الجن" إن شأن ذلك عدم الاطلاع عليه، والمعلق على مشيئة الآدمي شأنه إمكان الاطلاع عليه ولو ميتا، وقد وقع الكلام من بعض الأموات. انتهى. وقال الحطاب: قال في المدونة: وإن مات فلان قبل أن يشاء وقد علم بذلك أو لم يعلم أو كان ميتا، قبل يمينه أو قال لها: إن شاء هذا الحجر أو الحائط فلا شيء عليه. انتهى. قال ابن ناجي: وظاهر قوله: إن كان ميتا قبل يمينه علم بذلك أم لا وهو كذلك في أحد القولين. وقيل: يلزمه الطلاق إن علم ويعد نادما، وقال اللخمي في التبصرة: وكذلك إن كان فلان ميتا ولم يعلم الزوج بموته فلا شيء عليه، واختلف إذا كان عالما بموته فذكر القولين وإن قال: أنت طالق إن كلمت فلانا إلا أن يشاء فلان وكان فلان ميتا كانت اليمين منعقدة، فإن كلمه طلقت عليه. انتهى. أو لا يشبه البلوغ إليه يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على زمن مستقبل لا يشبه بلوغ الزوجين إليه معا أو أحدهما فإنه لا شيء عليه، ومعنى لا يشبه البلوغ إليه أن كونه يعيش إلى ذلك الزمن على خلاف العادة، وإنما لم يلزمه طلاق لأن الطلاق لا يقع من الميت ولا يقع على الميتة، والمعتبر العمر الشرعي الآتي في الفقد فإن بلغ الزوجان ما علق الزوج الطلاق عليه في مسألة المص فقال الحطاب: ظاهر كلامهم أنه لا يقع، وهو خلاف ما ذكر في مسألة من علق الطلاق على يائسة الحيض وحاضت من أنه يقع عليه حيث قال النساء: إنه حيض، فانظر ما الفرق بينهما؟ ولو علقه وهو ابن سبعين على زمن آت والمرأة بنت سبعين فالظاهر وقوعه عند بلوغ ما علق عليه. وقوله: أو لا يشبه البلوغ إليه هو الأصح، قاله ابن القاسم وعبد الملك وهو مروي عن مالك، وفي الجلاب رواية أخرى: أنها تطلق ناجزا وذلك مبني على

ص: 257

الندم والاستدراك. قاله الشارح. أو كطلقتك وأنا صبي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: طلقتك وأنا صبي مثلا أو مجنون فإنه لا شيء عليه حيث كانت في عصمته وهو صبي أو مجنون وعلم تقدم الجنون، وأتى كل باللفظ المذكور نسقا وأدخلت الكاف المعتق وكذا لو قال: طلقتك وأنا نائم فلا يلزمه شيء، وفي الشبراخيتي أنه لو قال: طلقتك في منامي أو قبل أن أتزوجك أو قبل أن أولد فلا شيء عليه انتهى يعني بشرط أن يأتي بذلك عقب الطلاق من غير فصل، ويغتفر الفصل لعارض. انظر الشبراخيتي وغيره. وقوله: وأنا صبي نحوه في المدونة، وفي المسألة ثلاثة أقوال: هذا أحدها، وقال سحنون: يلزمه الطلاق، وقيل: يصدق مع يمينه، انظر الحطاب. أو إذا متُّ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إذا مت بضم التاء فإنه لا يقع عليه طلاق لانعدام الأهل الذي هو الزوج بعد الموت أو متي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت طالق إذا متي فإنه لا يقع عليه طلاق لانعدام المحل الذي هو الزوجة بعد الموت وقوله متي بإثبات الياء إشباعا لكسرة التاء وهي لغة قليلة أو ردية. وفي بعض النسخ بكسر التاء من غير ياء أو إن يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إن مت أو متي أو متى مت أو متى فإنه لا يقع عليه طلاق إلا أن يريد نفيه يعني أن محل عدم لزوم الطلاق في إذا أو إن مت أو متي إنما هو إذا لم يرد بذلك نفي الموت وأما إن أراد بذلك نفي الموت، مطلقا أو من المرض عنادا فإنه ينجز عليه الطلاق؛ لأنه بمنزلة قوله: أنت طالق لا أموت أو لا تموتين، وأما إن قيد بزمن فكقوله: إن لم تمطر السماء أو إن ولدت جارية يعني أن الزوج إذا قال لزوجته المحقق حملها أو المشكوك فيه: إن ولدت جارية فأنت طالق فلا شيء عليه حتى تلد جارية، فإن ولدت ذكرا فلا شيء عليه. واعلم أن ما تقدم من قوله:"إن كان في بطنك غلام أو إن لم يكن أو إن كنت حاملا أو إن لم تكوني" محل اتفاق بين عياض واللخمي، وقد مر الكلام على ما يلزم فيها وما لا يلزم وإنما يختلفان في: إن ولدت جارية، ومحل اختلافهما إنما هو إذا قاله لمحققة الحمل أو للمشكوك في حملها: فعند اللخمي ينجز عليه الطلاق وعند عياض لا ينجز عليه وتنتظر ولادتها، فإن ولدت جارية طلقت عليه وإن ولدت ذكرا لم تطلق عليه، وأما إن كانت محققة البراءة من الحمل فيتفقان على عدم التنجيز. لكن عند اللخمي ينتظر إلى الوطء؛ وعند عياض إلى الولادة، وإنما لم ينجز عليه الطلاق هنا ونجز عليه فيما مر لأن التعليق هنا واقع على الولادة والولادة أمر مستقبل، والتعليق فيما

ص: 258

تقدم على غيب لا يعلم الآن وهو يمكن أن يكون حاصلا حين اليمين ففيه بقاء على عصمة مشكوك فيها؛ والمشهور ما للخمي والله تعالى أعلم. أو إذا حملت يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إذا حملت وهي غير ظاهرة الحمل فلا حنث عليه إلا أن يطأها مرة يعني أن محل كونه لا حنث عليه فيما إذا قال: أنت طالق إذا حملت، إنما هو حيث لم يطأها، وأما إن وطئها فإنه يحنث بالوطء الحاصل بعد اليمين، بل يحنث وإن حصل الوطء قبل يمينه والوطء الذي يحصل به الحنث إنما هو الوطء الذي معه إنزال، وإنما يحنث بالوطء الحاصل قبل اليمين حيث لم يستبرئها قبل اليمين كما هو واضح، وخالف ابن الماجشون وقال: له وطؤها في كل طهر مرة. كقوله لأمته: إن حملت فأنت حرة فله وطؤها في كل طهر مرة ثم يمسك كما يأتي وفرق ابن يونس بمنع النكاح لأجل، وجواز العتق لأجل؛ وقوله: إذا حملت قد مر أنه قاله لغير ظاهرة الحمل، وأما لو قال لظاهرة الحمل: أنت طالق إذا حملت فلا يقع عليه إلا بحمل مستقبل، ولو قال لظاهرة الحمل: أنت طالق إن كنت حاملا نجز عليه كما مر، وقوله: إذا حملت إن أراد مني لم يحنث إلا بحمل ينسب له شرعا، وإن أراد مطلق حملها حنث بحصوله وإن لم ينسب إليه شرعا والفرق بين هذه وبين قوله:"إن كنت حاملا أو إن لم تكوني" أن ما هنا علقه على حصول مستقبل، وما مر علقه على كونها حاملا قبل يمينه، وهو أمر لا يعلم الآن ويمكن أن يكون حاصلا، ففيه بقاء على عصمة مشكوك فيها، وقوله:"وإن قبل يمينه" كذا نقله عياض عن ابن القاسم، وروايته وفي الحنث إشكال لأنه لا يتصور شك حدوث الحمل إلا بوطء بعد اليمين لا بوطء قبله لأنه علق الطلاق على حمل مستقبل حسبما تقتضيه إذا. انتهى.

تنبيه: قوله: إذا حملت قال الإمام الحطاب الظاهر أنها إن كانت يائسة لا تحيض لا يلزمه شيء والله تعالى أعلم.

تنبيه آخر: قال عبد الباقي عند قوله: أو إذا حملت وهي غير ظاهرة الحمل فلا حنث عليه إلا بظهوره ولو كان موجودا حين اليمين. انتهى. قال محمد بن الحسن: فيه نظر لمنافاته لقوله: إلا أن يطأها مرة وإن قبل يمينه كإن حملت ووضعت يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إن حملت وضعت، وهي غير ظاهرة الحمل، فإنه لا ينجز عليه الطلاق إلا أن يطأها مرة وإن قبل

ص: 259

يمينه ولم يستبرئ: فإن كانت ظاهرة الحمل نجز عليه [نظرا]

(1)

للغاية الثانية. وقوله: كإن حملت ووضعت أي: وهي ممن تحمل كما في الشبراخيتي.

تنبيه: من قال لأربع نسوة حوامل من وضعت منكن فصواحبها طوالق طلقت كل من الأربع الآن ثلاثا؛ لأن الشك دائر في الجميع، ولو قال: فالبواقي طوالق، استوني حتى تضع واحدة فتطلق البواتي. أو محتمل غير غالب يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على أمر يحتمل أن يقع وأن لا يقع ولكن وقوعه غير غالب فإنه لا ينجز عليه الطلاق بمجرد التعليق سواء أتى بصيغة الإثبات أو بصيغة النفي؛ وأشار إلى ما يترتب على صيغة الإثبات بقوله: وانتظر إن أثبت يعني أنه إذا علق الطلاق على أمر يحتمل أن يقع وأن لا يقع ووقوعه غير غالب فإنه لا ينجز عليه الطلاق كما عرفت. فإذا أتى بصيغة الإثبات فإنه ينتظر بالطلاق وقوع المعلق عليه، كما إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق فإنه ينتظر بالطلاق دخول الدار، ولا يمنع منها بل يرسل عليها، وقوله: محتمل غير غالب، مفهوم قوله: محتمل غالب، وكأن يقول لها أنت طالق يوم قدوم زيد ويعني بزيد نفسه، فينتظر بالطلاق قدومه، قال غير واحد: وهذا إن قصد التعليق على نفس القدوم وأن الزمن تبع له فيحنث بالقدوم ولو ليلا؛ قال عبد الباقي: وأما إن قصد التعليق على الزمن أو لا قصد له فينجز عليه الطلاق. انتهى. قوله: أو لا قصد له، قال محمد بن الحسن: فيه نظر، بل ظاهر كلام النوادر وابن عرفة: إذا كان لا قصد له ينتظر ولا ينجز عليه، وأما إن قال: أنت طالق إن أو إذا قدم فلان ففي المدونة: لم يلزمه شيء حتى يقدم. ابن ناجي: ومعناه ما لم يقصد تعليق الطلاق على الوقت، وأما إن كان مراده تعليق الطلاق على الوقت وذكر الأمر الموقت على سبيل التبع فإنه يصير بمنزلة من علق الطلاق على وقت انتهى أي فينجز عليه الطلاق من حين اليمين فلا ينجز عليه في إن أو إذا إن لم تكن له نية فتلك تسعة أقسام ينجز في أربع منها وينتظر وقوع المعلق عليه في خمس منها على قول؛ قال عبد الباقي: وينجز في ثلاث منها وينتظر في ست على قول؛ بناني: وإذا قال لها أنت طالق يوم قدوم زيد تبين الوقوع أي تبين أن الطلاق وقع أوله أي أول اليوم إن قدم زيد في نصفه أي اليوم أو أثنائه. ومعنى كلام المص أنه إذا حنث بنفس القدوم ليلا أو نهارا وقد قدم في أثناء أحدهما تبين أي اعتبر تعلق

(1)

في النسخ نظر والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 116.

ص: 260

الحنث بأوله وثمرته العدة، وعليه لو كانت عند الفجر طاهرا وحاضت وقت مجيء المحلوف عليه لم يكن مطلقا في الحيض، ويحسب هذا اليوم من عدتها، وثمرته أيضا التوارث ورجوعها عليه بما خالعته به أول ذلك الوقت، ولكن مقتضى كلام ابن عرفة أن الحنث في هذا بنفس القدوم من غير مراعاة قوله وتبين الوقوع لخ. وقال الأمير: وإن علقه على قدوم زيد انتظر والطلاق من حينه لا من أول النهار، وعلى يومه أو لا نية نجز، وما في الأصل متعقب. وقوله: وتبين الوقوع أوله لخ. محله حيث قصد التعليق على نفس قدوم زيد وأن الزمن تابع له وأما لو قصد التعليق على الزمن أو لا قصد له على ما لعبد الباقي فلا يتأتى فيهما ذلك لتنجيز الطلاق عليه بمجرد اللفظ.

تنبيه: قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: قد مر أنه إن قصد الزمن ينجز عليه الطلاق، والذي يظهر أن المراد بقصد الزمن في هذه الصيغ أنه قصد بتعليق الطلاق الزمن الذي من شأنه أن يقدم فيه زيد مثلا وإن لم يقدم بالفعل، كما يرشد إليه قول ابن ناجي: وأما إن كان مراده تعليق الطلاق على الوقت وذكر الأمر الموقت على سبيل التبع فإنه يصير بمنزلة من علق الطلاق على وقت انتهى والله سبحانه أعلم.

تنبيه آخر: قال ابن ناجي: ظاهر الكتاب لو قدم بفلان ميتا فإنه لا حنث عليه لأنه لا يصدق عليه قوله: إذا قدم فلان، قاله أبو محمد عن سحنون، واختاره شيخنا أبو مهدي، وقال شيخنا حفظه الله: يتخرج على قولين من قولهم في الأيمان: إذا حلف لا دخل عليه بيتا فدخل عليه ميتا فالروايات الحنث خلافا لسحنون، قاله الحطاب. وفي المدونة: وإن قال لها أنت طالق يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلا أو حلف على الليل فدخلها نهارا حنث إلا أن ينوي نهارا دون ليل أو ليلا دون نهار فينَوَّى انتهى. وقال المازري من قال لامرأته أنت طالق يوم يقدم زيد من سفره فقدم زيد ليلا فإنه يلزمه الطلاق لأن المراد بقوله يومَ الوقتُ. وفي أحكام الشعبي: من قال لعبده يوم تلد فلانة فأنت تحر وقال لآخر ليلة تلد فلانة فأنت حر فإن ولدت نهارا عتق الأول وإن ولدت ليلا عتقا معا لأن الليل من النهار، وقال البرزلي: ظاهر القرآن المغايرة يعني بين الليل والنهار من قوله تعالى {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} والأيام تحمل على المقاصد أو

ص: 261

على كلام العرب ومذهبهم أن الليل يستلزم النهار دون العكس عند الإطلاق. انتهى. وإلا أن يشاء زيد مبتدأ وخبره مثل إن شاء يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إلا أن يشاء زيد فإنها لا تطلق عليه حتى يشاء زيد طلاقها فهي مثل إن شاء، فكما أنه إذا قال: لها أنت طالق إن شاء زيد يتوقف لزوم الطلاق على مشيئة زيد يتوقف لزومه أيضا على مشيئة زيد في قوله لها: أنت طالق إلا أن يشاء زيد، هذا هو المشهور، وروي في الشاذ لزوم الطلاق والفَرْقُ أن الكلام في صورة إلا أن يشاء اقتضى وقوع الطلاق وإلا إن يشاء رافع له بعد وقوعه، والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه بخلاف إن شاء فإن وقوع الطلاق فيها مشروط بمشيئته، لكنهم نظروا في إلا أن يشاء إلى التعليق في المعنى، والحاصل أنَّ إن شاء أو إن شئت يتوقف لزوم الطلاق فيه على المشيئة اتفاقا، وإلا أن يشاء ونحوه كذلك على المشهور، فشبه المختلف فيه بالمتفق عليه؛ وتفترق المسألتان فيما إذا أسند المشيئة إلى نفسه ففي إن شئت ينفعه ذلك فيتوقف لزوم الطلاق على مشيئته، وأما أنت طالق إلا أن أشاء فينجز عليه الطلاق لأن الرافع هو الوقع فاتُّهِمَ لأنه قد يندم بخلاف إسناده لأجنبي فلا يتهم بل يتوقف على مشيئته، ومن هذه المسألة ما في نوازل أصبغ قال في رجل قال: امرأته طالق البتة إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لا شيء عليه وأراه بمنزلة قوله: إلا أن يشاء أي فلم يشأه أبوه وأصله قوله هي طالق إن شاء أبي فلم يشأ بخلاف إلا أن يبدو لي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إلا أن يبدو لي فإنه ينجز عليه الطلاق ومعنى قوله إلا أن يبدو لي إلا أن يبدو لي عدم طلاقك، وهنا رد الاستثناء للمطلق، وكذا الحكم لو علق ورد الاستثناء للطلاق فلا ينفعه، وما مر من نفعه في قوله: أنت طالق إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي هو فيما إذا رد الاستثناء للدخول المعلق عليه كما مرت وقوله: إلا أن يبدو لي قال ابن الحاجب: هو المشهور، وقال في البيان: لا خلاف في ذلك، ولهذا قال ابن راشد: لم أقف على القول بعدم اللزوم وهو بعيد في النظر؛ قاله الشارح. وفي الشبراخيتي عند قوله: إلا أن يبدو لى فينجز عليه حيث رده لليمين أو احتمل رده لها أو رده لها وللمعلق عليه، وتقدم أنه إذا رده للمعلق عليه فقط فإنه لا يقع عليه طلاق. انتهى. والله سبحانه أعلم. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: كلامه صريح في أنه إذا رد قوله إلا أن يبدو لي للمعلق والمعلق عليه أنه يقع عليه الطلاق، وهو يناقض ما مر من أنه إذا رجعه للمعلق عليه لا يقع عليه طلاق. والله سبحانه أعلم. كالنذر يعني أن الشخص إذا

ص: 262

قال: علي نذر كذا إن شاء زيد أو إلا أن يشاء زيد فإنه يتوقف لزوم ذلك على مشيئة زيد، وكذا إن قال: إن شئت بخلاف إلا أن أشاء فلا ينفعه، وبخلاف إلا أن يبدو لي في المطلق كالمعلق إن رجعه للمعلق فإن رجعه للمعلق عليه نفعه، نحو علي صوم سنة إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي والعتق يعني أن الشخص إذا قال: علي عتق عبدي صانع إن شاء زيد أو إلا أن يشاء زيد فإنه يتوقف لزوم ذلك على مشيئة زيد، وكذا إن قال إن شئت، بخلاف إلا أن أشاء فلا ينفعه، وبخلاف إلا أن يبدو لي في المطلق كالمعلق إن رجعه لمعلق فإن رجعه للمعلق عليه نفعه، نحو عليَّ عتق صانع إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي فينفعه ذلك، فقوله: كالنذر والعتق تشبيه في جميع ما مرت ثم أشار إلى ما يترتب على صيغة النفي بقوله وإن نفى ولم يؤجل وهو مفهوم قوله وانتظر إن أثبت؛ يعني أن الزوج إذا علق طلاق زوجته على أمر محتمل غير غالب وأتى بصيغة النفي ولم يقيد بأجل كقوله لها وقد أراد أن يغيب عنها: إن لم يقدم هو أي الحالف؛ أي قال لها: إن لم أقدم من سفري فأنت طالق، فإنه لا ينجز عليه الطلاق، بل ينتظر بره، ولكن يمنع من وطئها كما أشار إلى ذلك بقوله منع منها حتى يبر يمينه فإن رافعته ضرب لها أجل الإيلاء وحذف هنا وينتظر، وحذف من قوله إن أثبت ولم يمنع منها فهو يشبه الاحتباك. قال في المدونة: ومن قال لزوجته: إن لم أتزوج عليك أو أفعل كذا فأنت طالق فهو على حنث، ويتوارثان في الموت قبل البرة إذ لا تطلق ميتة ولا يوصي ميت بطلاق، وقوله: منع منها فإن تجرأ ووطئها لم يلزمه استبراء كوطء المحرمة والصائمة والمعتكفة، وقوله: إن لم يقدم وفي بعض النسخ إن لم أقدم وقوله إن لم يقدم قال الشبراخيتي: أي الحالف نفسه غاية الأمر أنه حكاه بصيغة الغيبة. انتهى المراد منه. إلا إن لم أحبلها يعني أن محل منع الزوج من وطء زوجته فيما إذا نفى ولم يوجل إنما هو حيث لم يكن بره في إرساله عليها فإن كان بره في إرساله كقوله: إن لم أحبلها فهي طالق فإنه لا يمنع منها ويطأها أبدا وهذا حيث يتوقع حملها فإن أمن حملها من جهته أو من جهتها منع معنها ونجز عليه الطلاق، وفي الحطاب قال الشارح: قال أشهب: ومن قال لزوجته إن لم أحبلك فأنت طالق فإنه يطأها أبدا حتى تقعد عن الحمل ويؤيس منه لها. انتهى. وهو ظاهر انتهى. فتأمله. والله أعلم. أو إن لم أطأها يعني أن محل منع الزوج من وطء زوجته فيما إذا نفى ولم

ص: 263

يوجل إنما هو حيث لم يكن بره في إرساله عليها، وأما إن كان بره في إرساله عليها كقوله: إن لم أطأها فهي طالق فإنه لا يمنع منها ويطأها أبدا، فإن ترك وطأها فمول عند مالك والليث لا عند ابن القاسم وقول ابن القاسم هو المعتمد كما يأتي في باب الإيلاء وهل مطلقا قد مر أنه إذا نفى ولم يؤجل يمنع منها وهو لابن القاسم في المدونة وظاهره أنه يمنع منها مطلقا كان للفعل المعلق عليه وقت معلوم لا يتمكن من فعله قبله أم لا وقال غير ابن القاسم في المدونة: يفصل في ذلك فإن كان ليس له زمن معين يقع فيه عادة منع منها من وقت حلفه، وإن كان له زمن معين لا يقع قبله عادة فلا يمنع منها إلا إذا جاء وقته، واختلف الشيوخ في قول غير ابن القاسم هل هو خلاف لقول ابن القاسم وإلى ذلك أشار بقوله:"هل مطلقا" أي وهل يمنع منها مطلقا أي سواء كان للمعلق عليه وقت معين لا يتمكن من فعله قبله أم لا أو وفاق له فيقيد به وإلى ذلك أشار بقوله: أو يمنع منها إلا في ما إذا كان للمعلق عليه وقت معلوم لا يتمكن من فعله قبله كقوله: أنت طالق إن لم أحج أو أنت طالق إن لم أسافر والحال أن الوقت الذي حلف فيه لا يتمكن فيه من فعل الحج أو السفر الذي علق عليه الطلاق لكونه ليس وقت سفر فلا يمكنه فعل ما حلف عليه من سفر أو حج، في ذلك تأويلان تأويل الخلاف وهو الأول وتأويل التوفيق وهو الثاني، واستظهر ابن عبد السلام تأويل التوفيق قائلا: إن الأيمان إنما تحمل على المقاصد ولا يقصد أحد الحج في غير وقته المعتاد، وكذا إن حلف على فعل شيء [أو الخروج]

(1)

لبلد ولا يمكنه حينئذ لم يكن على حنث حتى يمكنه، وكذا إن لم يكن لخروجه وقت ومنعه فساد طريق أو علو كراء فهو عذر وكذا لو حلف ليكلمن فلانا الغائب فلا يوقف حتى يقدم، ولو طالت غيبته، فإن مات فيها فلا شيء عليه؛ ولو حضر وطال مقامه بما يمكنه الفعل فلم يفعل حتى مات فلان حنث. قاله ابن عرفة، كما في نسخة معتمدة منه، وهو ظاهر. وما وقع في التتائي من قوله: حتى مات فلان فلا حنث؛ ذكر جميعه ابن عرفة، سبق قلم: قاله الشبراخيتي. وفي بعض النسخ: كإن لم أحج في هذا العام، والصواب إسقاطها؛ لأنه إذا عين العام لا خلاف أنه لا يمنع منها إلا إذا جاء وقت خروجه فيمنع منها حتى يحج، فإن لم يخرج له وقع عليه الطلاق لأنه إذا أجل يكون على بر إلى ذلك الأجل فإن مضى الأجل ولم يفعل وقع الحنث، وأجاب الشيخ عبد الباقي بأن قوله: في هذا

(1)

في الأصل: والخروج، والمثبت من الشبراخيتي، مخطوط بدار الرضوان.

ص: 264

العام متعلق بمحذوف دل عليه موضع المسألة أي قوله: نفى ولم يوجل، وتقديره ولم يقل في هذا العام إذ لو قاله لكان على بر إلى ذلك الأجل، وبه يسقط قول بعض: حذف لا دليل عليه.

وكم من عائب قولا صحيحا

وآفته من الفهم السقيم

انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: والظاهر ما لهذا البعض لا ما لعبد الباقي والله سبحانه أعلم. مسألة: قال الشيخ علي الأجهوري: وقع السؤال عمن حلف كفرض المص وجاء وقت السفر المعتاد ولم يخرج فلما قدم وقت الحاج أقام بينة شرعية أنه فعل مع الححاج أفعال الحج وادعى أن بعض أهل الخطوة بلغه ذلك فهل يبر أم لا؟ فأجبت: بأنه لا حنث عليه على ما ذكره بعضهم في قصة المعراج من الشافعية وارتضاه بعض أشياخي من المالكية، وفيه نظر، فإن ظاهر كلام أهل المذهب في غير محل أنه لا ينظر في مثل هذا إلى خرق العادة انتهى. وهو ظاهر إذ الأيمان مبناها العرف بخلاف سقوط الفرض عنه لمن وقع له ذلك فإنه كاف، قاله الشيخ عبد الباقي في مسألة إذا حلف لغريمه بالطلاق ليقضينه حقه إذا جاء رأس الشهر وكان حلفه ذلك لكونه يأتيه عند رأسه دراهم من محل ولم تأته وهو معسر فلا حنث عليه، قال علي الأجهوري: أي لأنه من المانع العادي ولم يفرط فيه؛ قاله الشيخ عبد الباقي. إلا إن لم أطلقك هذا مستثنى من الحكم الذي تضمنه قوله: أولا منع منها وهو عدم التنجيز، وذلك لأن قوله: منع منها تضمن حكمين، أحدهما مصرح به وهو الحيلولة التي هي المنع، والثاني لازم وهو عدم التنجيز فاستثنى من ذلك باعتبار الأول قوله: إلا إن لم أحبلها أو إن لم أطأها، وباعتبار الثاني قوله: إلا إن لم أطلقك إلى آخر المسائل الأربع، ولما لم يكن المستثنى منه في هذه صريحا احتاج إلى بيانه بقوله:"فينجز"، فلو قرن إلا الثانية بواو العطف لكان أنصع. قاله ابن عاشر. وقال عبد الباقي: لم يعطفه بالواو لاختلاف الحكم فيهما ومعنى كلام المص أن محل منع الزوج من المرأة وعدم تنجيز الطلاق عليه فيما إذا نفى ولم يؤجل إنما هو حيث لم يعلق طلاقها على عدم تطليقها، وأما لو علق طلاقها على عدم إنشاء الطلاق لها فينجز عليه كما لو قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق مطْلِقًا بكسر اللام منصوب على الحال؛ يعني أنه ينجز عليه الطلاق كما لو قال لها: إن لم

ص: 265

أطلقك فأنت طالق، سواء أطلق في يمينه ولم يقيد بأجل أو قيد بأجل، كما أشار إلى ذلك بقوله أو إلى أجل كما لو قال لها: إن لم أطلقك بعد شهر فأنت طالق فينجز عليه حينئذ وهو مذهب المدونة؛ ابن رشد: وجه ذلك أنه حمله على التعجيل والفور. انتهى. ومقابل مذهب المدونة قول: أنه لا يقع عليه طلاق حتى ترفعه ويوقعه الحاكم؛ انظر الشارح. وقوله: مطلقا أو إلى أجل؛ هاتان مسألتان مستثناتان وأشار إلى الثالثة بقوله: أو إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق رأس الشهر البتة؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق رأس الشهر البتة فإنه ينجز عليه الطلاق الآن؛ لأن إحدى البتتين واقعة رأس الشهر لا محالة، إما بإيقاضه أو بمقتضى التعليق، أو الآن يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق الآن البتة فإنه ينجز عليه الطلاق الآن؛ لأن البتة واقعة على كل تقدير، إما الآن أو عند رأس الشهر. وعلم مما قررت أن قوله فينجز راجع للمسائل الأربع من قوله: إلا إن لم أطلقك إلى ما هنا.

تنبيهات الأول: قوله: وإن نفى ولم يوجل لخ قد علمت مما مر أنه يمنع منها وأنها إن رافعته ضرب لها أجل الإيلاء: فإن اجترأ ووطئ سقط الإيلاء واستؤنف له ضرب الأجل، فلا يلزمه استبراء من هذا الوطء للاختلاف في منع الوطء في يمين الحنث؛ انظر الحطاب. الثاني: قال ابن عرفة: الشيخ في الموازية عن عبد الملك قوله: أنت طالق إلى مائة سنة إن لم أطلقك الآن لغو وفي أنت طالق الساعة إن لم أطلقك إلى مائة سنة هي طالق الساعة. انتهى. والله أعلم. قاله الحطاب. الثالث: قال الشارح عند قوله: إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق رأس الشهر البتة أو الآن ما نصه: وذلك واضح، أما في الأولى فإن إحدى البتتين واقعة رأس الشهر على كل تقدير إما بإيقاعه هو أو بمقتضى التعليق فصار كمن قال: أنت طالق رأس الشهر البتة، وقد علمت أن من علق الطلاق على أجل آت مثل هذا يقع عليه الطلاق ناجزا، وقال محمد: له أن يخالعها قبل الشهر بطلقة فتبين منه ثم يراجعها بعد الشهر على ما بقي من الطلاق، وأما في الثانية فالبتة واقعة إما الآن أو رأس الشهر فلا يأتي رأس الشهر إلا والبتة واقعة على كل تقدير، وظاهر كلام ابن عبد السلام أن المذهب فيها عدم اللزوم، وخالفه الشيخ، وجعل المذهب لزوم الطلاق، وحكى اللخمي فيها التنجيز والانتظار، وهذا الأخير هو الراجح عنده. انتهى كلام الشارح. ويقع يعني

ص: 266

أنه يحكم بوقوع طلاق البتة ناجزا في قوله: إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق الآن البتة، ولا يمنع وقوعه مضي زمنه بل يقع ولو كان قد مضى زمنه وليس لتعلقه بالأيام وجه وله ثمرات كما مر عند قوله:"وتبين الوقوع أوله إن قدم في نصفه" وهذه المسألة التي حكم بوقوع طلاق البتة فيها ولو مضى زمنه أعني مسألة إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق الآن البتة كالمسألة التي هي قول الزوج لزوجته: أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا فإنه إذا كلمه غدا يقع عليه الطلاق ويكون الطلاق من فجر غد إن كلمه في أثنائه، ولا يقع من يوم التعليق لأنه يعد قوله اليوم لغوا، والمعتبر وجود المعلق عليه، فإن لم يكلمه أصلا أو كلمه بعد غد لم تطلق فالمسألة الأولى مقيسة على هذه، وقد قال ابن عبد الحكم بعدم لزوم الطلاق في مسألة أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا وكلمه غدا، ومثله لابن القاسم في الموازية فيمن قال لامرأته؛ إن تزوجتك فأنت طالق غدا فتزوجها بعد غد لا شيء عليه، وإن تزوجها قبل غد طلقت عليه، لكن قال أبو محمد: قول ابن عبد الحكم خلاف أصل مالك، والطلاق يلزمه إذا كلمه غدا وليس لتعلق الطلاق بالأيام وجه، والمص رحمه الله قاس المسألة الأولى على الأخيرة موافقا لأبي محمد ومخالفا لقول ابن عبد السلام بعدم لزوم البتة في الأولى وقاسها على الثانية موافقا لابن عبد الحكم والله سبحانه أعلم وإن قال: إن لم أطلقك واحدة بعد شهر يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إن لم أطلقك واحدة بعد شهر مثلا فأنت طالق الآن البتة فـ قال ابن القاسم: إن عجلها أي الواحدة قبل الشهر أجزأته، أي لا يقع عليه البتات بعد الشهر لوقوع المعلق عليه، وكونه قبل أجله لا يضر لما علمت أن النجز قد يكون قبل أجله كطالق بعد شهر فينجز عليه الآن وإلا أي وإن أبى أن يطلق واحدة وقف وقيل له اختر أحد أمرين إما عجلتها الآن أي الواحدة وإلا أي: وإن أبيت أن تعجل الواحدة بانت المرأة منك بالثلاث ولا تبين بمجرد عدم التعجيل، فلو غفل عنه حتى جاوز الأجل ولم يفعل الواحدة قبل مجيئه طلقت البتة، وهذا الذي تقدم من قوله وانتظر إن أثبت إلى هنا حكم ما إذا حلف على فعل نفسه وأما إن حلف على فعل غيره بطلاق أو غيره كان ذلك الغير حاضرا أو غائبا فلا يخلوا ذلك من أن يعلق على صيغة بر أو على صيغة حنث، فأما في صيغة البر فحكمه كـ حكم ما إذا حلف على فعل نفسه في صيغة البر في جميع ما تقدم من قوله:

ص: 267

"وانتظر إن أثبت" ولا يمنع من وطء زوجته ولا من بيع أمته، ويمنع في صيغة الحنث المقيدة من البيع في الرقيق، ولا يمنع من الوطء فيه كما لا يمنع فيه أيضا من وطء الزوجة؛ لأن الحنث المقيد بأجل صاحبُها على بر إلى ذلك الأجل وهل كذلك في الحنث يعني أن الشيوخ اختلفوا فيما إذا حلف على فعل الغير ونفى ولم يوجل، فمنهم من قال: هو في صيغة الحنث، وهي ما إذا نفى ولم يوجل كذلك؛ أي كما إذا حلف على فعل نفسه ونفى ولم يؤجل فيمنع منها، وإن رافعته ضرب لها أجل الإيلاء فيكون الحلف على فعل الغير فيما إذا نفى ولم يوجل كالحلف على فعل نفسه حيث نفى ولم يوجل من كل وجه أو هو في الحنث لا يكون كحلفه على فعل نفسه من كل وجه، بل يتفقان في أنه يمنع منها ويختلفان في ضرب أجل الإيلاء، فيضرب فيمن حلف على فعل نفسه حيث نفى ولم يوجل وأما الحالف على فعل غيره حيث نفى ولم يوجل فإنه لا يضرب لم أجل الإيلاء وإن فرعنا على هذا القول أي القول بأنه لا يضرب له أجل الإيلاء فإنه يتلوم له أي يجتهد الحاكم له في مدة قدر ما يرى أنه أراد بيمينه، ثم يقع حنثه وقوله قولان مبتدأ حذف خبره؛ أي في ذلك قولان، وعلى كلا القولين يمنع من وطئها، والراجح القول الثاني؛ ومنعه من الوطء على أنه يضرب له أجل الإيلاء إن رافعته ظاهر، وأما على التلوم الذي هو الراجح فقد صرح ابن القاسم في كتاب العتق من المدونة بالمنع من الوطء مع التلوم. انظر نصها في الحطاب قاله الشيخ محمد بن الحسن بناني. وقال الشيخ عبد الباقي: إنه لا يمنع من وطئها زمن التلوم على الراجح، كما يفيده التتائي. انتهى. قال بناني: وهو مخالف لنص المدونة. انتهى. وقال الشبراخيتي: وإذا ماتت بعد مضي زمن التلوم لم يرثها، وإن مات ورثته، والقياس عدم التوارث بينهما. انتهى. وفي الحطاب: وصرح ابن الحاجب بأنه إذا حلف على فعل غيره فإنه لا ينجز عليه، سواء كان محرما أم لا، وتبعه ابن راشد القفصي في المذهب في تحرير المذهب، فقال: وإن علقه بفعل غيره لم ينجز محرما كان أو غير محرم، لكن يمنع من الوطء حتى يقع ما حلف عليه. انتهى. وفي تسوية المص رحمه الله بين القولين نظر، فقد صرح في كتاب العتق الأول من المدونة أن من حلف على فعل غيره لا يضرب له أجل الإيلاء، وإنما يتلوم له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل، ونصه: ومن قال لأمته إن لم تدخلي أنت الدار أو تفعلي كذا فأنت حرة أو لزوجته فأنت طالق أو قال: إن لم يفعل فلان كذا فعبدي حر وزوجتي

ص: 268

طالق منع من البيع والوطء، وهو على حنث ولا يضرب له في هذا أجل الإيلاء في المرأة، وإنما يضرب ذلك له في يمينه ليفعلن هو، فأما هذا فإن الإمام يتلوم له بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل في تأخير ما حلف عليه، وتوقف لذلك الزوجة والأمة والأجنبي، فإن لم يفعل ذلك أعتق معليه وطلق إلا أن يريد إكراه الأمة على ما يجوز له من دخول دار أو غيره فله إكراهها ويبر، ولو مات الحالف في التلوم مات على حنث وعتقت الأمة في الثلث وترثه الزوجة انتهى. وقال في قوله: إلا أن يريد إكراه الأمة ويكون القول قوله. انتهى. وقال في التوضيح: المشهور أنه إنما يضرب له أجل الإيلاء إذا حلف على فعل نفسه، وأما على غيره فلا، ويتلوم له القاضي ثم يطلق عليه ولم يحك القرويون غيره: وحكى صاحب المقدمات الخلاف. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: وهل كذلك في يمين الحنث لخ، وكان ينبغي للمص الاقتصار على الثاني؛ لأنه مذهب المدونة، وهل له وطؤها زمن التلوم أم لا؟ قولان: وعلى منعه فإذا بلغ التلوم أكثر من أربعة أشهر كان موليا؛ انتهى المراد منه. والله سبحانه أعلم. ونحوه للشارح فإنه قال: واختلف هل يطأ في هذا التلوم على قولين، فإن بلغ التلوم على مذهب من يمنعه من الوطء أكثر من أربعة أشهر دخل عليه الايلاء. انتهى. وإن أقر بفعل ثم حلف ما فعلت صدق بيمين يعني أن الزوج إذا أقر بأنه فعل كذا كتزوجه على زوجته مثلا، أو ثبت عليه ذلك ثم بعد إقراره بذلك الفعل أو ثبوته عليه حلف بالطلاق ما فعلت ذلك الفعل، وقال: كنت كاذبا في إقراري بذلك الفعل فإنه يصدق بيمين، أي يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه كان كاذبا في إقراره ولا شيء عليه، ومحل حلفه إن روفع وإن كان مستفتيا لم يحلف، وقوله: صدق بيمين فإن نكل نجز عليه، كما استظهره بعض الشراح. قاله عبد الباقي. وقال: ولو قال: يعني المص بأمر لشمل القول، كمن حلف أنه ما أخذ معلومه من الناظر أو دينه من مدينه، فأظهر خطه أنه أخذه فلا حنث عليه؛ لأن خطه بمنزلة إقراره قبل يمينه لا بعده، لسبقية الخط على الحلف، وإن لم يظهر إلا بعد الحلف، كما أفتى به علي الأجهوري، ولا مطالبة له حينئذ، وكمن أقر أو قامت عليه بينة أنه قذف فلانا مثلا فحلف بالطلاق ما قذفه، فلا حنث عليه؛ لأنه بمنزلة طعنه في البينة وهو جائز، ولكنه يحد ولو شهدت عليه بينة غير الأولى أنه قذفه وكانت شهادتها بعد يمينه حنث، كما يأتي في قوله

ص: 269

بخلاف إقراره لخ؛ أي: أو ثبوته بعد اليمين، ولا يمكن من الحلف لرد شهادة البينة الثانية لأنها بمنزلة إقراره بعد اليمين. قال التتائي: ولو شهدت عليه بينة بريح الخمر فحلف بالطلاق الثلاث أنه ما شربها لم يحنث. قال مالك: ويحد، انتهى. وقوله: بريح الخمر، أي: وأما لو شهدت عليه بمعاينة شربه لها فحلف بالطلاق ما شربها فإنه يحنث أيضا، ولكن ظاهر كلام علي الأجهوري خلافه، فإنه قال: مثل إقراره شهادة البينة عليه في صورتي المص فإن شهدت عليه بينة بفعل، ثم حلف ما فعله، فلا حنث عليه، ويصدق بيمين، وإن نكل يعمل بشهادتها فيما شهدت به عليه، وإن شهدت عليه بعد اليمين حنث، وعمل بها. ونحوه للتتائي انتهى. بالمعنى. انتهى المراد منه. قوله: فأظهر خطه أنه أخذه لخ، جعل هذا مثالا لكون المقر به قولا وليس كذلك؛ لأن المقر به في الخط هو الأخذ وهو فعل فيشمله لفظ المص: نعم المقر به في الصورتين بعد هذه قول كما ذكره. والله الوفق. وقوله: ولا مطالبة له حينئذ، أي عملا بإقراره في خطه: فالإقرار يعمل به من جهة سقوط الحق دون التحنيث، وقوله: ولكن ظاهر كلام علي الأجهوري لخ. ما ظهر من كلام الأجهوري هو الصواب، كما يفيده ظاهر نقل عبد الوهاب، ونصه: إذا حلف بالطلاق ما فعل فقامت بينة أنه فعل لزمه الطلاق، ولو قامت بينة أنه فعل فحلف بالطلاق ما فعل لم يلزمه طلاق، وفي كلا الموضعين قد قامت البينة على فعل ما حلف عليه. انتهى. وقوله: وإن نكل يعمل بشهادتها لخ، يقتضي أنه إذا حلف لا يعمل بشهادتها، وقد مر أنه يعمل بشهادتها مطلقا حلف أو نكل، وإنما يفترق حلفه من نكوله في تحنيثه وعدمه. قاله محمد بن الحسن بناني. وقال الإمام الحطاب: واعلم أنه لا مفهوم لقول المص: بفعل، بل الحكم سواء في جميع الأشياء، فلو قال: وإن أقر بشيء لكان أوضح. انتهى. بخلاف إقراره بعد اليمين هذا مفهوم قوله: "وإن أقر بفعل ثم حلف ما فعلت"؛ يعني: أن الزوج إذا حلف بالطلاق لا يدخل الدار مثلا، ثم أقر بعد الحلف بأنه دخل الدار فـ الحكم أنه لا يصدق بل ينجز عليه الطلاق، ولا فرق بين كون اليمين تنجيزا أو تعليقا، فمن قال لزوجته: إن تزوجت عليك فأنت طالق، ثم أقر أنه تزوج عليها طلقت عليه، ولا يقبل منه أنه كان كاذبا، قال أحمد: قوله: فينجز أي: بالقضاء، وظاهر هذا أنه يقبل منه في الفتيا. انتهى. وفي كتاب الأمير: وإن أقر بمحلوف عليه ثم رجع صدق في الفتوى، ومنه رجوع عن الإقرار بالطلاق والحلف. انتهى. وفي

ص: 270

المدونة: فإن لم تشهد البينة على إقراره بعد اليمين وعلم هو أنه كاذب في إقراره بعد يمينه حل له المقام عليها بينه وبين الله. انتهى. قال محمد بن الحسن: وما يحل المقام عليه تجوز الفتيا بد: بل لا طريق لمعرفته إلا منها، والله أعلم. انتهى. قاله بعد أن جلب كلام المدونة مرشحا به ما لأحمد. ومثل إقراره بعد اليمين البينة بعد اليمين، إلا أن يكون علم قبل الحلف أنها تشهد عليه بعدد أو تكون الشاهدة عليه بعد اليمين هي التي شهدت عليه قبل اليمين فلا حنث عليه فيهما. قاله عبد الباقي. وقد مر أن قوله: وإن أقر بفعل ثم حلف ما فعلت مثله ما إذا أقر بقول، وكذلك قوله: بخلاف إقراره بعد اليمين، لا فرق فيه بين ما إذا أقر بالفعل وما إذا أقر بقول، نقل الحطاب في الرجل يقول: إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه يكلم ذلك الرجل بعد ما كان أقر أنه حلف أن لا يكلمه، فقال امرأته طالق إن كنت حلفت، وما كان الذي قلت إلا كذبة كذبتها، ولقد كلمت فلانا وما علي يمين بطلاق ولا غيره أن الا أكلمه، قال: يحنث ولا يدين؛ لأن الفعل الذي أقر أنه حلف أن لا يفعله قد ثبت عليه أنه فعله بعد إقراره باليمين التي زعم أنه حلف بها أن لا يفعل ذلك، قال: ومن قال: قد كلمت فلانا اليوم أو أتيت فلانا أو أكلت طعاما كذا وكذا ثم عوتب في ذلك، فقال: امرأته طالق إن كان فعل شيئا من ذلك فإنه يدين ويحلف بالله ما فعل الذي حلف أنه لم يفعله مما كان زعم أنه قد فعله وأنه إنما كان كاذبا أولا ثم لا حنث عليه إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمينه بالطلاق أنه لم يفعل ذلك الشيء، فتشهد البينة أنه فعل قبل أن يحلف فيحنث أو يقر بعد يمينه أنه قد كان فعله فيلزم منه الحنث أيضا بإقراره، ومن شهد عليه قوم بحق لرجل أوأنه فعل شيئا ينكره، فقال بعد شهادتهم عليه: امرأته طالق إن لم يكونوا شهدوا عليه بزور، وما كان لفلان قبلي شيء وما فعلت الذي شهدوا به علي، وإلا فامرأته طالق، فإنه يدين ويحلف أنهم كذبوا في شهادتهم، فإن أقر بعد أو جاء شهداء آخرون يشهدون على تصديق شهادة الأولين الذين حلف بتكذيبهم حنث في يمينه، وكذلك لو حلف بالطلاق إن كان لفلان عليه كذا وكذا، وأن لا أكلم اليوم فلانا، فشهد عليه عدول بإثبات الحق وأنه كلم ذلك الرجل، فإن الحنث يلزمه، قال ابن رشد: هذه المسائل صحاح ولا اختلاف أحفظه في شيء منها، وتحصيلها أن اليمين على الفعل بالطلاق كان

ص: 271

ببينة أو إقرار إذا تقدمت على الإقرار بالفعل أو الشهادة به عليه طلقت عليه امرأته، وإن تقدم الإقرار منه بالفعل أو الشهادة به على اليمين كان ببينة أو إقرار لم تطلق عليه، والفرق بين أن يتقدم اليمين على الفعل أو الفعل على اليمين هو أن اليمين إذا تقدم بإقرار أو بينة فقد لزم حكمه ووجب أن لا يصدق في إبطاله، وإذا تقدم الفعل ببينة أو إقرار لم يثبت لليمين بتكذيب ذلك حكم إذ لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حلف به على نفسه، وإنما قصد تحقيق نفي ذلك الفعل. انتهى. وفي سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق في رجل أمر غريمه أن يدفع ماله عليه إلى وكيله، ثم سأله بعد أيام فقال: دفعتها إلى وكيلك، فقال: كتب إلي وكيلي أنه لم يقبض منك شيئا، فقال الغريم: امرأته طالق إن كنت لم أدفع إليه حقك، وقال الطالب: امرأتي طالق إن كنت دفعت إليه شيئا، قال: أما المطلوب فينوَّى في يمينه ولا يبرأ من الحق إلا ببينة على الدفع، وأما الطالب فحانث لأنه حلف على غيب لا علم له، ولا يجوز للإمام أن يقر امرأته عنده، وقد بان أنه حلف على غير علم. انتهى. من حاشية المشدالي. مسألة: قال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته إن لم يضربها كذا، أو يقول غلامي حر إن لم أضربه كذا، ثم تأتي المرأة أو العبد يدعيان أنه لم يضربهما، ويقول الرجل: قد ضربت: إنه ليس على السيد ولا على الزوج البينة على ذلك، ويصدق؛ ويحلف، قال ابن القاسم: وذلك مخالف للحقوق في قول مالك، لأن الرجل لو حلف بطلاق امرأته إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قضاه، قال مالك: إن لم يكن له بينة على القضاء طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق، قال ابن رشد: أما الذي يحلف على طلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه أو بعتق عبده ليضربنه إلى أجل يسميه، فلا اختلاف في أن كل واحد منهما مصدق مع يمينه بعد الأجل على أند ضرب قبل الأجل؛ لأن ضرب الزوج امرأته والسيد عبده ليس بحق لهما تسأله الزوجة من زوجها والعبد من سيده، فيتوثق باليمين من الحالف على ذلك، ولا يلزمه الإشهاد على تأديبه، ولعله ضربه عداء فلا يجوز للشاهد إن استشهد على ذلك أن يحضره ليشهد به، قال في الواضحة: وإن مات السيد فادعى العبد أنه لم يضربه وجهل الورثة ذلك فالقول للعبد حتى يدعوا أنه قد ضربه فينزلوا منزلة السيد في ذلك، وأما الذي يحلف بطلاق امرأته البتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قد قضاه وزعمت المرأة أنه لم يقضه وأنه قد

ص: 272

حنث فيهما بطلاق البتات، ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها: أن القول قوله مع يمينه يحلف ويبرأ من الحنث، بمنزلة الذي يحلف على ضرب امرأته أو أمته وإن أنكر صاحب الحق القبض حلف وأخذ حقه، وهو قول مالك في رواية زياد عنه، والثاني: أنه لا يصدق في القضاء ولا يمكن من اليمين ويبرأ من الحنث بما يبرأ من الدين من إقرار صاحب الحق بقبضه، أو شاهد ويمين، أو شاهد وامرأتين، وقد قيل: إنه يبرأ أيضا بإقرار صاحب الحق إذا كان مأمونا لا يتهم أن يوطئ حرامات وهو قول أشهب وابن عبد الحكم في الواضحة، قال ابن نافع في المبسوطة: مع يمينه، وزاد ابن القاسم إذا كان من أهل الصدق وممن لا يتهم وهذا كله إذا كانت على أصل اليمين بينة إلا أن الزوج أقر باليمين لما روفع فيها وطلب بها، فيتخرج في ذلك قولان، أحدهما: أن إقراره على نفسه باليمين كقيام البينة بها عليه، مسألة: وسئل ابن القاسم عمن نزلت به يمين في امرأته؟ فأفتي بأن قد بانت، فقال لها وللناس: قد بانت، ثم علم أنه لا شيء عليه، فقال: لا ينفعه وأراها قد بانت إذا قال ذلك، قال ابن رشد: هذا قول أشهب أيضا، وحكى ابن حبيب عن مالك: لا شيء عليه، وقال سحنون: إن قال ذلك على وجه الخبر فلا شيء عليه، وإن قال ذلك يريد الطلاق طلقت عليه، والذي أقول به في هذا إن كان الذي أفتى به خطئا مخالفا للإجماع لا وجه له في الاجتهاد فلا شيء عليه، وإن كان قول قائل وله وجه في الاجتهاد ومفتيه به من أهل الاجتهاد فالطلاق له لازم، فينبغي أن يرد الاختلاف المذكور في المسألة إلى هذا، وهذا كله إذا أتى مستفتيا، وأما إن حضرته البينة بقوله: قد بانت ثم ادعى أنه إنما قال ذلك لأنه أفتِيَ به فلا يصدق في ذلك، ويؤخذ بما ظهر من إقراره إلا أن تشهد بينة أنه أفتى بذلك، فيصدق في أنه قال ذلك كذلك مع يمينه. انتهى. واعلم أنه إن قال اللفظ المذكور وما أشبهه يريد به الطلاق فلا إشكال في لزوم الطلاق، كما قال سحنون، وأما إن أراد الإخبار عما أفتي به فكما قال ابن رشد إن كان ما أفتي به مخالفا للإجماع لا وجه له في الاجتهاد فلا شيء عليه، وإن كان قول قائل وله وجه في الاجتهاد فالطلاق له لازم وبقي قسم وهو مفهوم من قول ابن رشد: ومفتيه من أهل الاجتهاد، وهو ما إذا كان مفتيه ليس من أهل الاجتهاد والترجيح، وأفتاه بالقول المرجوح جهلا فهذا لا يلزمه شيء وهو مفهوم كلام ابن رشد، ولا تمكنه زوجته إن سمعت إقراره

ص: 273

يعني أن الزوجة إذا سمعت زوجها بعد أن حلف بالطلاق لا يدخل الدار مثلا يقر بأنه دخل الدار فإنه لا يجوز لها أن تمكنه من نفسها، والحال أنها قد بانت منه أي لا يجوز لها أن تمكنه من نفسها بعد أن سمعت إقراره الذي لا يصدق فيه؛ إلا مكرهة وهو ما بعد اليمين مضادا لها، ومحل كونها لا يجوز لها ذلك إنما هو حيث بانت منه بأن يكون الطلاق المعلق ثلاثا أو بتاتا، كما في الشبراخيتي، وكذا الحكم لو سمعته طلقها ثلاثا ولو سمعته البينة لحكم بالتنجيز عاجلا، قوله: ولا تمكنه لخ فإن مكنته طائعة فلا حد عليها للشبهة كما نص عليه بناني، قال: لاحتمال أنه صادق في أنه لم يفعل، والواو في قوله: وبانت للحال كما عرفت، قال غير واحد: وأما لو كان الطلاق رجعيا فليس لها الامتناع لاحتمال أنه راجعها فيما بينه وبين الله. انتهى. وانظره مع ما يأتي للمص من قوله: "وأصابت من منعت للإشهاد". قاله مقيد هذا الشرح عفا الله عنه. وقال أيضا: ظاهر قوله: وبانت يشمل ما لو بانت منه بخلع أو طلاق قبل البناء والله سبحانه أعلم: وقوله: ولا تمكنه، قال في المدونة، فإن كان علم هو أنه كاذب في إقراره بعد اليمين حل له المقام عليها فيما بينه وبين الله ولم يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره. انتهى. ومن هذا المعنى مسألة نقلها الحطاب عن البرزلي وهي: أنه قال: كان شيخنا أبو محمد يبيح للفقراء أخذ أموال الظلمة كيف ما تأتي: وكان شيخنا الإمام يمنع ذلك ابتداء خشية أن يطلع عليه فيدركه الضرر، هذا هو الذي شافهته منه ثم بلغني أنه رجع إلى جواز ذلك. انتهى. قال الحطاب: فإن كان عنده وديعة فهل يسعه الجحد أم لا ففيه ستة أقوال، والمشهور المنع. انتهى المراد منه، والله تعالى أعلم. ولا تتزين إلا كرها يعني أن الزوجة إذا سمعت إقرار زوجها الذي لا يصدق فيه فإنها لا يجوز لها أن تمكنه من نفسها حيث بانت كما عرفت، وكذلك لا يجوز لها أن تتزين له إلا كرها بفتح الكاف أي مكرهة. انظر الشبراخيتي. وقوله: إلا كرها، قال عبد الباقي: أي مكرهة في تمكينها وزينتها. انتهى. فالاستثناء راجع للمسألتين: أعني قوله: ولا تمكنه، وقوله ولا تتزين. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح: فلا تتزين له ولا يرى لها شعرا ولا وجها. انتهى. وقوله: إلا كرها أي مكرهة كما علمت، واعترض قول التهذيب إلا كارهة بأنه لا ينفعها كراهتها لإتيانه لها، وإنما ينفعها كونها مكرهة، فمن عبر بمكرهة أحسن من التهذيب. قاله ابن عبد السلام نقله عبد الباقي. ولتفتد منه يعني أنه يجب على المرأة المذكورة أن تفتدي من زوجها بما

ص: 274

قدرت عليه؛ قاله محمد. نقله الشارح. وقال الشبراخيتي: ولتفتد منه بما قدرت عليه ولو شعر رأسها لتخلص نفسها منه. انتهى. قال مقيد هذا الشرح: قوله: ولو شعر رأسها، الظاهر أن معنى هذه اللفظة أنه يجب عليها أن تفتدي منه بجميع ما تملكه ولا مانع من حملها على ظاهرها؛ لأن حرمة الزنى أشد من حلق رأس المرأة؛ لأنه مختلف فيه بين الحرمة والكراهة، والله سبحانه أعلم. وفي جواز قتلها له عند محاورتها قولان يعني أن الشيوخ اختلفوا على قولين فيما إذا حاورها أي راجعها في الكلام ليطأها هل يجوز لها أن تقتله؟ وهو قول محمد، أو لا يجوز لها ذلك؟ وهو قول سحنون، وصوبه ابن محرز قائلا: لا سبيل إلى القتل؛ لأنه قبل الوطء لم يستحق القتل، وبعده صار حدا والحد ليس لها إقامته. انتهى. قوله: وفي جواز قتلها له أي ولو غير محصن، وتصوره ظاهر، وعلى القول بجواز القتل فإنما يجوز لها قتله حيث علمت أو ظنت أنه لا يندفع إلا بالقتل، وإذا قتلته لم تقتل به إن ثبت ما ادعته، فإن لم يثبت قتلت به حتى على القول بالجواز؛ لأنه بيان للحكم فيما بينها وبين الله، وهذا لا ينافي القصاص لاحتمال كذبها في دعواها أنها سمعت منه ما يبينها، وأيضا إذا سمعت لنه ما يبينها وكان واحدة ووطئ في عدتها فإنه لا يكون زانيا. قاله عبد الباقي. وفي الشبراخيتي: وذكر حلولوا عن ابن عرفة بعد حل كلام المص: الصواب أنها إن أمنت من قتل نفسها إن قتلته أو حاولت قتله ولم تقدر على دفعه إلا بقتله وجب عليها قتله، وإن لم تأمن من قتل نفسها في مدافعتها بالقتل أو بعد قتله فهي في سعة، وكذلك من رأى فاسقا يحاول فعل ذلك بغيره. انتهى. والقول بعدم الجواز ظاهره ولو علمت أنه لا يندفع إلا بالقتل قاله مخير واحد وأمر بالفراق في إن كنت تحبيني أو تبغضيني يعني أن الزوج يؤمر بفراق زوجته فيما إذا علق طلاقها على أمر باطني لا يعلم فيه صدق المجيب من كذبه، كما إذا قال لزوجته: أنت طالق إن كنت تحبيني، أو قال لها: أنت طالق إن كنت تبغضيني، ومعنى الأمر هنا أنه يجب على الحاكم أن يأمره بالفراق ولا يجبره عليه، فإن لم يطلق كان عاصيا بترك الواجب وعصمته باقية غير منحلة، فالفراق الأمور به إنما يوقعه بلفظ آخر ينشئه، لا أنه يقع باللفظ الأول، أعني قوله: أنت طالق إن كنت تحبيني مثلا؛ إذ لو وقع به لانحلت العصمة ووجب القضاء عليه بتنجيز الفراق، والفرض بخلافه. قاله بناني. وما مر من

ص: 275

أن الأمر بالفراق واجب، نسبه الشيخ عبد الباقي للشيخ سالم وقال أحمد الزرقاني: إن الأمر للندب ونسبه لبعض الشيوخ، ومن أمثلة هذه المسألة ما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فقالت: دخلت، فكذبها، ثم قالت: كنت كاذبة أو لم تقل: فإنه يومر بفراقها ولا يقضى عليه به ولو صدقها أولا لزمه الفراق بالقضاء وإن رجعت عن إقرارها، وقوله: تبغضيني بضم التاء مضارغ أبغض رباعيا متعديا، وأما اللازم فهو بغض ككرم ونصر وفرح بغاضة فهو بغيض، وقوله: وأمر بالفراق: اعلم أنه لا خلاف أنه يؤمر بالفراق. قاله ابن بشير وابن شاس، واختلف الشيوخ في الجبر، على أربعة أقوال، أحدها: الجبر مطلقا، ثانيها: أنه لا يجبر مطلقا، ثالثها: إن أجابته بما يقتضي الحنث فالجبر، وإلا فلا. رابعها: لعبد الحميد: إن قصد نفس لفظها فلا طلاق عليه إذا جاوبته بما لا يقتضي الحنث، وإن علقه بما في قلبها فهو من باب وقوع الطلاق بالشك، واختلف هل مذهب المدونة عدم الجبر مطلقا أو التفصيل، وإلى ذلك أشار بقوله: وهل مطلقا يعني أن الشيوخ اختلفوا في مذهب المدونة هل هو عدم الجبر مطلقا؟ سواء أجابته بما يقتضي الحنث أو لا ويشمل ما لو سكتت، أو مذهب المدونة أنه لا يجبر على الطلاق إلا أن تجيب بما يقتضي الحنث، فإن قال لها: أنت طالق إن كنت تحبيني، فقالت: أحبك أو قال لها أنت طالق إن كنت تبغضيني، فقالت: أبغضك فينجز عليه الطلاق حينئذ، وأما إن أجابت بما لا يقتضي الحنث، بأن قالت: أحبك في جواب إن كنت تبغضيني، أو سكتت أو قالت: أبغضك في جواب إن كنت تحبيني، أو سكتت، فإنه لا ينجز عليه الطلاق، وإنما يؤمر بالفراق من غير جبر، وفي بعض النسخ: فيجبر أي ينجز عليه الطلاق جبرا. وقوله: تأويلان مبتدأٌ حذف خبره أي في ذلك تأويلان نقلهما عياض عن بعض الأشياخ، والتأويل الأول أعني قوله: وهل مطلقا هو المذهب، كما قاله الشبراخيتي، وغيره، وقال الشيخ الأمير: ولا ينجز بقضاء، ولو أجابت بما يقتضي الحنث على الأرجح مما في الأصل. انتهى. وقوله: وأمر بالفراق في إن كنت لخ قد مر أن من هذا ما لو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فقالت دخلت لخ، ومنه أيضا ما لو قال لها: أنت طالق إن كتمتني أو كذبتني لشيء سألها عنه فتخبره فلا يدري أكتمته أو كذبته، فليفارقها بلا قضاء، وفي نوازل أصبغ قال أصبغ في رجل قال لامرأته: أنت طالق البتة إن كنت حائضا، فقالت أنا حائض، قال: أرى أن يخلي سبيلها وأن الطلاق وقع عليها، ولو

ص: 276

قالت: لست حائضا أرى أن لا يصدقها ولا يقبل منها ولا ينتفع بذلك وليخل سبيلها؛ لأن ذلك شك لا يدري ما عليه منها أصادقة هي أم كاذبة، فلا يقيم على الشك إلا أن ينكشف له ذلك بأسباب يقع بها على يقين. انتهى. واعلم أن المتبادر من قولهم في الدولابية: إنها لا تحل له ولا سبيل له إليها، الجبر على الفراق، مع أنه من باب الطلاق بالشك؛ قال عياض: وهذا كله أصل متلف فيه في الإجبار في الطلاق المشكوك فيه؛ وفيها ما يدل لهما يعني أن في المدونة ما يدل للتأولين المذكورين، يشير بذلك إلى قوله فيها: وإن قال لها: إن كنت تبغضيني فأنت طالق، فقالت: لا أبغضك فلا يجبر على فراقها ولكن يؤمر به، وإن قال: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق، فقالت: أحبك، ثم قالت: كنت كاذبة فارقها ولا يقيم عليها، فكلامه أولا يقتضي عدم الجبر فيما إذا أجابت بما لا يقتضي الحنث، وكلاهه ثانيا محتمل. انتهى. قاله الشارح. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: أي وكلامه أولا يقتضي بمفهومه الجبر، والله سبحانه أعلم. وقوله: إن كنت تحبيني لخ، قد مر أن من هذه المسألة ما إذا قال لها: إن كنت دخلت الدار فأنت طالق، فقالت: دخلت وحينئذ فإن صدقها في جوابها بما يقتضي الحنث جبر على الفراق في المثال الذي ذكره المص، وفي هذا المثال الذي ذكرته وإن كذبها جرى التأويلان في المثالين. انظر حاشية الشيخ بناني. فإنه رد على عبد الباقي والله سبحانه أعلم. وبالأيمان المشكوك فيها معطوف على قوله بالفراق بحذف مضاف؛ أي: وأمر بالفراق في كذا وبإنفاذ الأيمان المشكوك في عينها؛ يعني أن من تحقق أنه حلف وحنث ولم يدر بم حلف هل بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة ونحو ذلك، يطلق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدق بثلث ماله ويمشي إلى مكة ويؤمر بذلك كله من غير قضاء؛ ابن ناجي: فهم شيخنا أبو مهدي قولها: يومر على اللزوم وجوبا، وإنما أراد نفي الجبر؛ وفهم شيخنا حفظه الله قولها على الاستحباب، والصواب هو الأول لقرينة قولها: من غير قضاء؛ انتهى. وهذا يجري في قوله: وأمر بالفراق في إن كنت تحبيني؛ وقول المدونة فليطلق نساءه لخ. قال ابن محرز: لم يذكر كم يطلق زوجته ولا كم يمشي إلى مكة وإن كان الشك لا يتناول عددا قائما يلزمه طلقة واحدة، والمشي مرة واحدة وإنما قال يتصدق بثلث ماله؛ لأنه شك هل حلف بصدقة جميع ماله، ولو شك هل حلف بصدقة أم لا فليخرج أقل ما يصدق عليه الاسم

ص: 277

مدا أو درهما، وما قررت به المصنف هو الصواب، وقرره الشارح ومن تبعه على أن معناه أنه حلف بالطلاق أنه لا يكلم زيدا ثم شك هل كلمه أم لا وهو بعيد بل غير صواب، وما مشى عليه الشارح هو طريقة أبي عمران وابن الحاجب أن المشهور الحنث، ويأتي الكلام على ذلك قريبا عند قوله ولا يؤمر إن شك هل طلق أم لا يعني أن الزوج لا يؤمر بالفراق إذا شك هل حصل منه ما يوجب الطلاق أم لا وشمل ذلك شكه هل قال لها أنت طالق أو لم يقل وشكه هل حلف وحنث أو لم يحلف ولم يحنث وشكه في تيقن حلفه على فعل غيره هل فعل أم لا، وشكه في تيقن حلفه هو على فعل نفسه هل فعل أم لا، وهي التي قرر بها الشارح كلام المصنف: وقد مر أن فيها ثلاثة طرق، إحداها: ما قاله الشارح وهي لأبي عمران وابن الحاجب: أن المشهور الحنث، الثانية: لابن رشد: أنه يؤمر بالفراق من غير جبر إن كان شكه لسبب قام له وإلا فلا يؤمر، وعزاه لابن القاسم في المدونة وحكى عليه الاتفاق، ونقله أيضا صاحب الجواهر وابن عرفة، الطريقة الثالثة: لأبي محمد واللخمي: أن المشهور عدم الحنث وأنه لا يؤمر بالفراق بقضاء ولا فتيا. انتهى. انظر حاشية الشيخ بناني. وجعلت قوله: ولا يؤمر إن شك لخ، شاملا لما إذا تيقن الحلف على فعل نفسه وشك هل فعل أم لا، لما نقله المواق عن ابن رشد: أن الشك في الطلاق على خمسة أقسام، قسم منه يتفق على أنه لا يؤمر به ولا يجبر عليه وذلك مثل أن يحلف أن لا يفعل هو أو غيره فعلا، ثم يقول: لعله قد فعل أو شك في نفسه من غير سبب يوجب الشك في ذلك، انتهى المراد منه. ومن تيقن دخول دار مثلا وشك هل حلف أن لا يدخلها أم لا، فلا شيء عليه. كما يفيده عموم المص هنا، وأما لو شك هل أعتق أم لا فإنه يقع عليه العتق والفرق تشوف الشارع للحرية وبغضه للطلاق، كما في شرح عبد الباقي. إلا أن يستند يعني أن محل كون الزوج لا يؤمر بالفراق في الشك إنما هو إذا لم يستند في شكه لشيء يدل على فعل المحلوف عليه، وأما إن استند لأمر يدل على فعل المحلوف عليه، وهو أي والحال أنه سالم الخاطر من الوسوسة، ومثل للأمر الذي يدل على فعل المحلوف عليه، بقوله: كرؤية شخص داخلا لداره شبهه بزيد المحلوف عليه؛ فهل في كونه: أي الداخل زيدا المحلوف عليه أن لا يدخل الدار أو هو غير زيد وغاب عنه بحيث يتعذر تحقيقه، فيؤمر بالفراق حينئذ، وإذا أمر بالفراق وأبى منه فهل يجبر على الطلاق وينجز عليه، كما عند أبي عمران وجماعة أنه المشهور، أو يؤمر بالفراق من

ص: 278

غير جبر، وهو المشهور عند ابن أبي زيد، والمعروف عند اللخمي، وبه قال ابن القاسم ومطرف وعبد الملك، في ذلك تأويلان على المدونة لابن أبي زيد وأبي عمران كما مر، ومفهوم قوله: وهو سالم الخاطر أنه لو لم يكن سالم الخاطر بأن كان موسوسا؛ أي مستنكحا له الشك، أنه لا يؤمر ولا يلزمه شيء وهو كذلك، سمع عيسى في رجل توسوسه نفسه، فيقول: قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه؟ فقال: يضرب عن ذلك ويقول للخبيث صدقت ولا شيء عليه، ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن الموسوس لا يلزمه طلاق وهو مما لا خلاف فيه لأن ذلك إنما هو من الشيطان، فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه، كالمستنكح في الوضوء والصلاة فإنه إذا فعل ذلك أيس منه الشيطان، فكان ذلك سببا لانقطاعه، وفي التهذيب: من لم يدر أحلف بطلاق أو غيره أمر من غير قضاء، وكذلك إن حلف بطلاق ثم لم يدر أحنث أم لا أمر بالفراق، وإن كان هذا وسوسته فلا شيء عليه. وقال عز الدين: الوسوسة ليست من نفس الإنسان وإنما هي صادرة من فعل الشيطان ولا إثم على الإنسان فيها؛ لأنها ليست من كسبه وصنعته، ويتوهم الإنسان أنها من نفسه لما كان الشيطان يحدث بها قلبه ولا يلقيها إلى السمع، فيوهم الإنسان أنها صادرة منه فيتحرج لذلك ويكرهه. وفي لطائف المنى وكان الشيخ أبو العباس يلقن من به وسواس سبحان الملك الخلاق {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}. وقال الشيخ محمد بن الحسن: ومن كان شكه بغير سبب أصلا قالظاهر أنه ذو وسوسة. وسئل الحطاب عمن جزم أنه طلق بكلامه النفسي وشك هل تلفظ بذلك أم لا؟ فأجاب بأنه على القول بلزوم الطلاق بالكلام النفسي وهو أحد المشهورين لاشك في لزوم الطلاق له، وعلى المشهور الآخر فالظاهر أنه بمنزلة من شك هل طلق أم لا، والمشهور أنه لا يلزمه شيء. انتهى. وقوله: ولا يؤمر إن شك هل طلق أم لا، قال الشارح: هكذا في البيان عن أصبغ، وعن ابن القاسم أنه يؤمر. انتهى.

تنبيهات: الأول: قال ابن رشد: الشك في الطلاق ينقسم على خمسة أقسام، قسم منها يتفق على أنه لا يؤمر ولا يجبر، وذلك مثل أن يحلف الرجل أن لا يفعل فعلا، ثم يقول: لعله قد فعل من غير سبب يوجب عليه الشك في ذلك، وقسم منه يتفق على أنه يؤمر ولا يجبر، وذلك مثل أن

ص: 279

يحلف أن لا يفعل فعلا ثم يشك هل حنث أم لا لسبب أدخل عليه الشك، وقسم يتفق على أنه لا يجبر ويختلف هل يؤمر أم لا وذلك مثل أن يشك الرجل هل طلق امرأته أو لم يطلق، أو يشك هل حنث في يمينه فيها أم لا؟ فقال ابن القاسم: إنه يؤمر ولا يجبر، وقال أصبغ: لا يؤمر ولا يجبر، وقسم يختلف فيه هل يجبر أو لا يجبر، وذلك مثل أن يطلق فلا يدري أكان طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، أو يحلف ويحنث ولا يدري أكان حلف بالطلاق أو بمشي، أو يقول: امرأتي طالق إن كانت فلانة حائضا، فتقول: لست بحائض، أو إن كان فلان يبغضني، فيقول: أنا أحبك، وقسم يتفق فيه على أنه يجبر، وذلك مثل أن يقول: امرأته طالق إن كان أمس كذا وكذا لشيء يمكن أن يكون وأن لا يكون ولا طريق إلى استعلامه، ومثل أن يشك في أي امرأة من امرأتين طلق، فإنه يجبر على فراقهما جميعا، ولا يجوز له أن يقيم على واحدة منهما. انتهى. ولما نقل ابن عرفة كلام ابن رشد هذا قال: وللخمي عن ابن حبيب عن ابن القاسم: من شك في طلاق امرأته ابتداء، يقول: لا أدري حلفت فحنثت أم لا، أو يحلف بطلاق امرأته لا تخرج، ثم يشك هل خرجت أم لا، أو لا أكلم فلانا ثم يشك هل كلمه، هذا لا يؤمر بالفراق بقضاء ولا فتيا، قلت: هذا خلاف نقل ابن رشد عن ابن القاسم. انتهى؛ يعني: في القسم الثالث من الأقسام الخمسة المتقدمة. قال مصطفى: هو جار على نقل اللخمي، وكان الأولى للمولف الجري على نقل ابن رشد لتقدمه عند الشيوخ على اللخمي عند التعارض. انتهى باختصار. وفيه نظر، بل كلام المص موافق لنقل ابن رشد، فإن ما ذكره ابن رشد في القسم الثالث عن ابن القاسم من أنه يؤمر إن شك هل طلق أم لا؟ خلافا لأصبغ، محله إذا كان الشك لسبب، وإلا لم يؤمر اتفاقا كما يدل عليه ما ذكره في القسمين الأولين، بل الاتفاق هنا أولى من الاتفاق في القسم الأول، كما يظهر بالتأمل، فابن رشد قد استغنى عن التقييد في هذا بالقيد الذي في مقابله، فإن حمل كلام اللخمي على غير ذي السبب انتفى التعارض بينه وبين ابن رشد. والله أعلم. قاله الشيخ بناني. وسيأتي الكلام على الشك في الطلاق إن شاء الله تعالى بأتم من هذا عند الكلام على الدولابية. الثَّاني نظم بعضهم الأوجه الخمسة المتقدمة عن ابن رشد فقال:

ص: 280

ذو الشك في الحنث بلا مستند

لا أمر لا جبر اتفاقا قيد

لا جبر بل يؤمر من يستند

بالاتفاق قال من يعتمد

من شك في الحنث وفي أن حلفا

لا جبر بل في أمره هذا اختلفا

ثم الذي في جبره يختلف

ذو المشي والعدد والحيض اعرفوا

ذو الشك في الزوجة فعل أمس

بالاتفاق الجبر دون لبس

الثالث قول ابن رشد في القسم الثالث: أو يشك هل حنث في يمينه فيها، لخ، قال أبو الحسن: معناه هل حلف وحنث أم لا؟ فهذا محل الاختلاف هل يؤمر أم لا يؤمر، وليس المراد ظاهره من تحقق الحلف والشك في الحنث، ليلا يناقض ما قدمه في القسمين الأولين من الاتفاق على الأمر بالفراق إن كان شكه لسبب، والاتفاق على عدم الأمر به إن كان شكه لغير سبب، وقد نقل المص في التوضيح كلام ابن رشد المذكور بالمعنى الذي بينه به أبو الحسن، فقال: لما تكلم على الأقسام ما نصه: وأما الوجه الذي لا يجبر فيه على الطلاق واختلف هل يؤمر به أم لا؟ فهو أن يشك هل طلق أم لا، وهل حلف وحنث أو لم يحلف، فقال ابن القاسم: لا يؤمر بالطلاق، وقال أصبغ: يؤمر به. انتهى. قاله محمد بن الحسن. وقال: وبما ذكرناه تعلم أن قول مصطفى: إن المص في التوضيح أخطأ في التصوير لكلام ابن رشد، وأن الصواب أن يقول: هل حنث أم لا؟ لخ قصور، نعم اعتراضه عليه بأنه عكس في عزو القولين حيث نسب لابن القاسم عدم الأمر بالطلاق ونسب لأصبغ الأمر به، فالصواب العكس صحيحٌ والله أعلم. انتهى.

وإن شك أهند هي أم غيرها يعني أن من له زوجتان إحداهما تسمى هند مثلا والأخرى تسمى عمرة، وأوقع الطلاق على إحداهما بعينها، وشك هل هند هي التي أوقع الطلاق عليها أو عمرة، فإن كلا منهما تطلق عليه، وكذا لو حلف بطلاق إحداهما معينة وحنث ثم شك، فإنهما يطلقان معا ناجزا أي بلا استئناف طلاق. ابن عرفة: الصقلي: وابن رشد: اتفاقا، القرافي: إجماعا، قلت: فإن تذكر عين المطلقة يكون أحق بغير من ذكر عينها ويكون فوت هذا الغير كامرأة المفقود. انتهى. وما مر من أن المرأتين تطلقان عند الشك هو من غير وقف، وهذا هو المذهب، وقيل:

ص: 281

يمهل ليتذكرها، فإن ذكرها لم يطلق غيرها؛ قاله في الشامل. وقوله: وإن شك أهند هي أم غيرها، وكذا الحكم لو كن أكثر من اثنتين، وقال الشبراخيتي عند قوله: وإن شك أهند هي أم غيرها: والمذهب أنهما تطلقان بمجرد الشك، وتفصيل اللخمي ضعيف، وهو أنه يوقف ليتذكر، اللخمي: والصبر أحسن لأنه يرجو أن يتذكر، فإن طال فكالمولي، فإن طلق ناويا التي لم تطلق حلتا معا لغيره: وإلا أوقعه الحاكم ونواها لتحل للأزواج: وإن ارتجع ونوى المطلقة حلتا له إن لم تنقض العدة، وإلا فبعقد جديد، وإن كان طلاقه ثلاثا فبعد زوج انتهى.

تنبيهان: الأول: سئل ابن عرفة بتونس عمن أشرفت إحدى زوجاته الأربع من طاقة ولم يعرفها، فقال لها: إن لم أطلقك ثلاثا، فباقي نسائي طوالق ثلاثا، وغابت ولم يعلم عينها، وأنكرت كل واحدة أن تكون المشرفة، فأجاب بطلاق الأربع ثلاثا، ووافقه جماعة وأجاب الأبي بطلاق ثلاث ويمسك واحدة؛ لأنها إن كانت هي المشرفة فقد طلقت صواحبها، وإن كان المشرف غيرها من الثلاث فقد طلقها، وبطلاقها لا يطلق غيرها، ورجع إلى فتواه ابن عرفة والجماعة.

الثاني: من له أربع زوجات حوامل فقال لهن: من وضعت منكن فصواحبها طوالق، فعلى مذهب ابن القاسم يطلقن كلهن ثلاثا وتتنجز، وعلى قول سحنون تطلق التي وضعت أولا ثلاثا؛ لأن الأولى تطلق بوضع من بعدها فتطلق بوضع كُلّ طلقةً، والرابعة تطلق أيضا ثلاثا لأنها تطلق بوضع من قبلها فتطلق بوضع كُلِّ طلقةً، والثانية تطلق طلقة واحدة لأنها تطلق بوضع من قبلها وبوضعها تنقضي عدتها، والثالثة تطلق اثنتين لأنها تطلق بوضع من قبلها وبوضعها تنقضي عدتها، ووجه الأول أنه معلق على الوضع فهو لا ينتظر فيتنجز، ووجه الثاني أن سحنونا في مثل ذلك ينتظر فيأتي ما قاله. نقله الشبراخيتي. أو إحداكما طالق يعني أن الزوج إذا قال لزوجتيه أو لزوجاته: إحداكما أو إحداكن طالق ولم ينو معينة أو نواها ونسيها طلقتا معا في الأولى وطلقن كلهن في الثانية، ولا يختار على المشهور، بخلاف العتق فله الاختيار حيث لا نية، وما مر من قولي: على المشهور إنما هو فيما إذا لم ينو معينة، وأما إن عينها ونسيها فلا خلاف أنه يلزمه طلاق الجميع، وكذا العتق، وأما طلاق الجميع حيث لا نية فهو قول المصريين وروايتهم؛ وقال المدنيون ورووا: يختار واحدة للطلاق كالعتق. قوله: أو إحداكما طالق أي لم ينو معينة أو نواها ونسيها ولو نوى معينة ولم ينسها فيصدق في الفتوى بغير يمين مطلقا، وكذا في القضاء، إن

ص: 282

نوى بطلاقه الشابة أو الجميلة أو من يعلم ميله لها وإلا فبيمين، وهذا إذا كانتا حيتين فإن ماتت إحداهما بعد الطلاق صدق بغير يمين إن ادعى طلاق الحية ولا مال للميتة، فإن كان لها مال لم يصدق لاتهامه على الإرث، وقال اللخمي: الأصل قبول قوله ويستظهر عليه باليمين، وإن قال: المطلقة الميتة قبل قوله بيمين، ولو قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق، وقال: نويت الأجنبية لم يصدق وتطلق زوجته، ولو قال: نسائي طوالق وله أربع نسوة قبل منه في الفتوى أنه نوى فلانة وفلانة وفلانة، ولو قال: جميع نسائي طوالق لم يُنوَّ أنه أراد بعضهن لنصه على جميعهن إلا أن يقول: قد استثنيت فقلت: إلا فلانة فيصدق في الفتوى على المشهور، قاله الشبراخيتي. أو أنت طالق بل أنت يعني أن الزوج إذا قال لإحدى زوجتيه: أنت طالق، ثم قال للأخرى: بل أنت طالق؛ فإنهما يطلقان بذلك ناجزا من غير استئناف طلاق؛ لأنه أوجب طلاق الثانية، وإضرابه عن الأولى لا يرفع الطلاق عنها.

وعلم مما قررت أن قوله طلقتا جواب الشرط فهو راجع للمسائل الثلاث؛ وعبارة الشبراخيتي عند قوله: طلقتا جواب عن المسائل الثلاث.

تنبيهات: الأول: قد مر أنه إن قال: إحداكما طالق يصدق إن نوى معينة، ومحله إن أقر بما قال فإن جحده وشهد عليه كان كمن لا نية له. قاله الحطاب. الثاني قوله: إحداكما طالق مثله ما لو قال: امرأته طالق وله امرأتان قاله ابن الحاجب. قاله الحطاب. الثالث قال في المدونة: من قال إحدى نسائي أو امرأة من نسائي طالق أو كان ذلك في يمين حنث بها، فإن نوى واحدة طلقت التي نوى خاصة وصدق في القضاء والفتوى، فإن لم ينوها أو نواها فنسيها طلقن كلهن من غير استئناف طلاق، فإن جحد وشهد عليه كان كمن لا نية له. انتهى. قال ابن ناجي: قوله: صدق لخ، ظاهره بغير يمين. قاله الغربي وابن عبد السلام. قال اللخمي: واختلف في يمينه وأرى إن لم تكن عليه بينة لم يحلف على كل حال، وإن كانت عليه بينة، فإن قال: أردت فلانة وكان كلامه نسقا صدق بغير يمين، وإن لم يكن نسقا وكانت منازعة معها صدق بلا يمين، وإن لم تكن ثم منازعة فإن عين الحسناء أو التي يعلم أنه يميل لها لم يحلف، وإن عين الأخرى حلف.

ص: 283

وإن قال: أو أنت خير يعني أن من له زوجتان وقال لإحداهما: أنت طالق، وقال للأخرى: أو أنت، فإنه يخير في طلاق أيتهما أحب؛ اللخمي: إلا أن يحدث نية بعد تمام قوله: أنت طالق، فإن الأولى تطلق عليه خاصة لأنه لا يصح رفع الطلاق عنهما، ولا تطلق الثانية لأنه جعل طلاقها على خيار، وهو لا يختار طلاقها لما طلقت الأولى. قاله عبد الباقي. ومما يناسب هذا ما في سماع يحيى من الأيمان بالطلاق في رسم الصبرة في الرجل يقول: امرأته طالق أو غلامه حر إن فعل كذا وكذا فحنث، قال: إنه يخير، ويقال له: أوجب حنثك في أيهما شئت إن شئت فأعتق العبد وإن شئت فطلق المرأة، قال ابن رشد: وهذا كما قال لأن موضع أو في اللسان في الماضي الشك وفي المستقبل التخيير، فوجب إذا قال الرجل: امرأتي طالق أو غلامي حر إن فعلت كذا ففعله أن يخير فيما شاء من ذلك، إلا أن يقول ولا خيار لي في ذلك أو يريد ذلك فيلزمه عتق الغلام وطلاق المرأة وقال في رسم العارية: وسئل عن رجل قال لامرأته: طالق البتة أو غلامه حر إن لم يفعل شيئا سماه فلم يفعل حتى مات، قال: ترثه امرأته ويعتق الغلام من ثلثه، قال ابن رشد: وهذا كما قال لأن الحالف ليفعلن فعلا هو على حنث حتى يفعل، فإذا لم يفعل حتى مات وقع عليه الحنث بعد الموت بالطلاق أو بالعتق، فوجب أن ترثه المرأة، لأن الطلاق بعد الموت لا يصح، وأن يعتق الغلام في الثلث على حكم العتق بعد الموت احتياطا للعتق، ولأنه لو وقع عليه الحنث في حياته لخير بين العتق والطلاق، فلما وقع عليه الحنث بعد الموت حمل على أنه لم يرد إلا العتق إذ لا يطلق أحد امرأته بعد موته. انتهى. نقله الحطاب. ونقل عن ابن عرفة توهيم ابن رشد في تعليله هذا فانظره فيه. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وإن قال أو أنت خير"، قال الشبراخيتي عنده: خير في طلاق أيتهما أحب، أي: والفرض أنه لا نية له وإلا طلقت من نوى طلاقها، وهذا إذا كان نسقا وإلا طلقت الأولى قطعا والثانية بإرادته، إلا أن يحدث نية بعد تمام قوله: أنت طالق، فإن الأولى تطلق عليه لخ. ولا أنت طلقت الأولى يعني أن الزوج إذا قال لإحدى زوجتيه: أنت طالق، وقال للأخرى: لا أنت، فإنه تطلق عليه الأولى دون الثانية لأنه نفى الطلاق عن الثانية: إلا أن يريد الإضراب يعني أن محل كونه لا تطلق عليه إلا الأولى إنما هو حيث لم يرد الإضراب، وأما إن أراد بلا النافية الإضراب أي نفي الطلاق عن الأولى وإثباته للثانية فإنهما يطلقان معا، وكذا يطلقان معا إن أراد بأو الإضراب هو راجع للمسألتين، فمحل التخيير في الأولى

ص: 284

ما لم يرد الإضراب بأو وإلا طلقتا، ومحل طلاق الأولى فقط في الثانية ما لم يرد الإضراب بلا وإلا طلقتا معا. والله سبحانه أعلم. وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين يعني أن الزوج إذا تحقق وقوع الطلاق وشك فيما صدر منه، هل طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فإن تلك المرأة لم تحل له مناكحتها إلا بعد زوج لاحتمال كون الطلاق ثلاثا. وصدق إن ذكر يعني أن هذا الذي شك هل طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إذا ادعى أنه تذكر أن طلاقه كان قاصرا عن الغاية فإنه يصدق في ذلك وله أن يرتجعها إن كان تذكره في العدة بغير عقد، وأما إن ذكر بعد انقضاء العدة فلا يرتجع إلا بعقد ولا يمين عليه فيهما، فقوله: في العدة ليس متعلقا بذكر، بل بارتجع مقدرا؛ لأنه يصدق بعد العدة أيضا لكنه يصير خاطبا من خطابها، قاله الشيخ عبد الباقي وغيره. وقال الشبراخيتي: والأولى أن يقول: وصدق مطلقا وارتجع إن ذكر في العدة. ثم إن تزوجها وطلقها فكذلك يعني أن هذا الرجل الذي حكمنا بأن هذه المرأة لا تحل له إلا بعد زوج فإنه إذا تزوجها بعد زوج وطلقها طلقة واحدة لا تحل له إلا بعد زوج، لاحتمال أنه كان قد طلقها اثنتين وهذه ثالثة، ثم إن تزوجها بعد زوج وطلقها واحدة لم تحل له إلا بعد زوج لاحتمال أنه كان قد طلقها واحدة، ثم إن تزوجها بعد زوج وطلقها ثالثة لم تحل له إلا بعد زوج لاحتمال أنه كان قد طلقها ثلاثا، وهذه عصمة جديدة قد كملت، وهكذا أبدا ولو بعد مائة زوج. قاله في المدونة. وقال عياض: ولو بعد ألف زوج؛ لأنها بسبب شكه المذكور لا تخلو من احتمال أن تكون مبتوتة كما لا يخفى، وقيد ذلك في التوضيح بأن يطلقها واحدة واحدة أو اثنتين اثنتين، قال: ولا يحصل الدوران مع الاختلاف، وإن كان ظاهر كلام جماعة حصوله وبيان ذلك أنه إذا طلقها في الثانية طلقتين وفي الثالثة طلقة وفي الرابعة طلقة فإن فرض المشكوك فيها ثلاثا، فهذه الأخيرة هي أول عصمة مستأنفة وإن فرض اثنتين فهذه الأخيرة ثانية، وكذلك إن فرض واحدة فاعلمه. انتهى؛ يعني: أن ما زاد على النصاب يلغى ويصير الأمر فيه كمن طلق زوجة أربعا. قاله ابن غازي. نقله بناني. وقوله: وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لخ، هذه المسألة هي التي تعرف عند الفقهاء بالدولابية إلان يبت يعني: أن محل الدوران المذكور إنما هو حيث لم يبت المرأة أي يطلقها ثلاثا دفعة، وأما إن بتها بأن طلقها ثلاثا دفعة فإنه إذا تزوجها بعد زوج وطلقها واحدة أو اثنتين

ص: 285

فإنه يحل له نكاحها قبل زوج، وقوله: فكذلك، خالف في ذلك أشهب، فقال: ينقطع الشك بعد ثلاثة أزواج، قال يحيى بن عمر: تدبرته فوجدته خطئا، وقال الفضل أيضا: هو خطأ واضح، وصور الشك في العدد أربع، مسألة المصنف هذه والشك في واحدة أو اثنتين، والشك في واحدة أو ثلاث، والشك في اثنتين أو ثلاث. وضابط ما تحرم فيه قبل زوج إن طلقها بعد أن تزوجها بعد زوج طلاقا دون البتات كلما لم ينقسم مجموع عدد طلاقه بعد زوج مع عدد طلاق كل شك بانفراده على ثلاث لم تحرم، وإن انقسم ولو في صورة واحدة حرمت، قال الطرطوشي: إن شك في عدد طلاقه لزمه أكثره، ولو تيقن واحدة وشك في الثانية لم تلزمه إلا واحدة؛ قلت: لأن الأول شك في عدد ما وقع، والثاني شك في الوقوع. انتهى. نقله بناني عن ابن عرفة. قال بناني: ومنه يعلم أن الدوران مخصوص بمسألة المصنف. وهي المذكورة في المدونة وغيرها، وأما غيرها من مسائل الشك فلا دوران فيها. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: قوله: فلا دوران فيها أي ولكن في بعضها الحرمة قبل زوج، والدوران إنما هو في مسألة المصنف كما هو واضح. والله سبحانه أعلم. وقال مقيد هذا الشرح أيضا: لابد من تحرير مسائل الشك في الطلاق، فأقول معترفا بالتقصير معتصما باللطيف الخبير: أقسام الشك في الطلاق خمسة كما مر عن ابن رشد، أحدها ما يتفق على أنه لا يؤمر بالطلاق ولا يجبر عليه، وذلك مثل أن يحلف أن لا يفعل هو أو غيره فعلا، ثم يقول لعله قد فعل من غير سبب يوجب عليه الشك في ذلك: ويشمله قول المصنف ولا يؤمر إن شك هل طلق أم لا. ثانيها: ما يتفق على أنه يؤمر ولا يجبر: وذلك مثل أن يحلف أن لا يفعل فعلا، ثم يشك هل حنث أم لا؟ لسبب أدخل عليه الشك، وهذه طريقة ابن رشد، وهي إحدى طرق ثلاث، ثانيتها لأبي عمران وابن الحاجب أن المشهور الحنث، قال ابن يونس: وذكر عن أبي عمران أن ذلك يؤخذ من المدونة، فقد قالت في الذي حلف بطلاق زوجته إن كلم فلانا ثم شك بعد ذلك فلم يدر أكلمه أم لا: أن زوجته تطلق عليه فظاهر هذا أنه على الجبر، الثالثة لأبي محمد واللخمي. أن المشهور عدم الحنث، وأنه لا يؤمر بالفراق بقضاء ولا فتيا، ذكر الطرق الثلاث في التوضيح؛ وقد اتفقت الأولى والأخيرة على عدم الجبر. وإلى الطرق الثلاثة أشار المصنف بقوله بعد هذا: كرؤية شخص داخلا شك في كونه المحلوف عليه وهل يجبر تأويلان. انظر حاشية الشيخ بناني. ثالثها ما يتفق على أنه لا يجبر ويختلف هل يؤمر أم لا، وذلك مثل أن

ص: 286

يشك الرجل هل طلق امرأته أو لم يطلق، أو يشك هل حلف وحنث أم لا، أي وهو مع ذلك مستند لسبب، كما نص عليه بناني؛ وإلا لم يؤمر اتفاقا. أي عند ابن رشد، وهو قول المصنف "ولا يؤمر إن شك هل طلق أم لا"، والقائلُ هنا إنه يؤمر بالطلاق ولا يجبر: ابنُ القاسم، وقال أصبغ: لا يؤمر ولا يجبر، وفي هذا القسم شك هل حلف وحنث أو لم يحلف ولم يحنث، وفي الذي قبله حلف وشك هل حنث أو لم يحنلث وقد مر كلام اللخمي فيه، وأنه قال: لا يؤمر بالفراق بقضاء ولا فتيا. قال بناني: فإن حمل كلام اللخمي على غير ذي السبب انتفى التعارض بينه وبين ابن رشد والله أعلم. رابعها ما يختلف هل يجبر أو لا يجبر وذلك مثل أن يطلق فلا يدري أكان طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، أو يحلف ويحنث ولا يدري أكان حلف بالطلاق أو بمشي، أو يقول: امرأتي طالق إن كانت فلانة حائضا، فتقول: لست بحائض، أو إن كان فلان يبغضني، فيقول: أنا أحبك، أو إن لم يخبرني بالصدق، فيخبره أو يزعم أنه قد صدقه ولا يدري حقيقة ذلك، والخلاف في المسألة الثانية بين ابن القاسم وأصبغ. قاله بناني عن ابن رشد. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: المسألة الثالثة أعني: قوله: أو يقول: امرأتي طالق إن كانت فلانة حائضا لخ، هي المشار إليها بقول المصنف: وأمر بالفراق في إن كنت تحبيني لخ، والثانية هي قوله: وبالأيمان المشكوك فيها، والأولى هي الدولابية، وظهر مما مر عن الطرطوشي وبناني أن معنى قول المصنف: وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لخ، شك هل أوقع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة أو الكلمة التي صدرت منه طلقة واحدة أو اثنتان، وأما لو صدرت منه طلقة واحدة تحقق وقوعها منفردة ثم بعد ذلك شك هل زاد عليها شيئا أم لا؟ فهذا لا يتناوله قول المصنف:"وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا"، بل هو قوله:"ولا يؤمر إن شك هل طلق أم لا". والله سبحانه أعلم. خامسها ما يتفق على أنه يجبر وذلك مثل أن يقول: امرأته طالق إن كان أمس كذا وكذا لشيء يمكن أن يكون وأن لا يكون ولا طريق إلى استعلامه، ومثل أن يشك في أي امرأة من امرأتين طلق، فإنه يجبر على فراقهما جميعا ولا يجوز له أن يقيم على واحدة منهما، هذا هو تحرير الشك في الطلاق؛ والله سبحانه أعلم.

ص: 287

مسألة إذا أقر على نفسه بالطلاق فادعت عليه الزوجة من عدد الطلاق أكثر مما أقر به يجب عليه أن يحلف، بخلاف ما إذا ادعت عليه أنه طلق وأنكره وتغلظ عليه اليمين بالحلف على المنبر في الطلاق، وهي أحرى من المال؛ لأن حرمة الفرج أكثر من حرمة المال نقله الحطاب.

مسألة أخرى، اعلم أن شهادة السيد على عبده بطلاق زوجته لا تجوز كما قاله في المدونة. قاله الحطاب وإن حلف صانع طعام على غيره لابد أن تدخل يعنى أن من صنع طعاما مثلا ودعا الناس إلى الدخول وحلف بطلاق أو غيره على شخص معين لتدخلن مع الناس، فحلف الآخر الذي هو المحلوف عليه لتدخلن، لا دخلت حُنِّث الأول. وهو صانع الطعام أي قضى الشرع بتحنيثه، وقوله: حنث بضم الحاء وتشديد النون المكسورة ونائبه الأول، وسواء حلف المدعو قبل حلف صاحب الطعام أو بعده، فلو عبر بالواو بدل الفاء لكان أشمل، وإنما قضي بتحنيث الأول لأنه حلف على ما لا يملكه، بخلاف الآخر فإنه حلف على أمر يملكه، فإن طاوعه الآخر وحنث نفسه فلا حنث على الأول، هذا هو الصواب، خلاف ما قرر به الشارح من أن الأول يحنث ولو دخل الثاني؛ واستظهره التتائي في كبيره. قال الرماصي: ونصوص المذهب مصرحة بخلافه ومطبقة على عدم الحنث عند الفعل حتى كاد يكون من المعلوم بالضرورة. انتهى. ولو أكره المدعو على الدخول لم يحنث واحد منهما فيبر الصانع لوجود الدخول ولا يحنث الدعو لوجود الإكراه في صيغة بر، إلا أن تكون يمينه لا دخله طائعا ولا مكرها فيحنث بالإكراه كما مر قاله عبد الباقي.

تنبيهات: الأول: قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان والنذور في رجل حلف أن لا ينفق على امرأته حقى تستأذن عليه يعني ترفعه للقاضي، وقال: أنت حرام إن أنفقت عليك حتى تستأذني علي، وقالت هي: مالي صدقة إن استأذنت عليك؛ قال مالك: اليمين عليهما، فإن شاءت أن تقيم وتنفق على نفسها فعلت فإن استأذنت فلتخرج ثلث مالها فتتصدق به، قيل له: فإذا استأذنت فهل على زوجها بأس إن أنفق عليها أكثر من قوتها؟. قال: لا بأس بذلك إلا أن يكون نوى بذلك حين حلف أن لا ينفق عليها أكثر من قوتها، فإن لم تكن له نية فلا [أرى]

(1)

ذلك عليه إذا استأذنت عليه. قال ابن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما حلف

(1)

في الأصل أدري والمثبت من البيان ج 3 ص 104 والحطاب ج 4 ص 575 ط دار رضوان.

ص: 288

على الإنفاق ولم يكن حلف على الإفضال؛ إذ ليس مما يستأذن فإذا استأذنت عليه في الإنفاق لم يكن عليه شيء في الإفضال. انتهى. نقله الحطاب.

الثاني: سئل أبو الحجاج بن العربي

(1)

عمن له حلي وثياب فكساهما زوجته، ثم شاجرها فأزالهما، ثم أعاد ذلك عليها ثم شاجرها فأزالهما ثم أعادهما، وفعل ذلك مرة أخرى فحلفت بصوم العام لا لبستهما، وحلف بالطلاق لتلبسنهما فمن يلزمه الحنث منهما؟ وهل يلزمها إن أراد ذلك أم لا؟ وهل تحنث بهذا الإكراه أم لا؟ فأجاب: ليس له إجبارها على ذلك، فإن أكرهها فأرى أن لا يمنعها من الصوم، البرزلي: إذا كان الإكراه عنده غير شرعي فَلِمَ لمْ يعذرها به على أحد القولين فيه، لكن المشهور عند ابن رشد أنها تعذر به، وفيه قول آخر بخلاف إذا حلفت لتفعلن فمنعها من الفعل فالمشهور الحنث، وأما لو كان الإكراه شرعيا فالمشهور أنها لا تعذر به. نقله الحطاب.

الثالث: سئل أبو عمران الفاسي عمن حلف لامرأته بطلاقها البتة لا خَدَمَتْكَ إلا خادمي، وحلفت بعتق خادمها أو صدقة ثلث مالها لا خدمها إلا خادمها، من أولى بالحنث منهما؟ فأجاب: بأن الزوج أولى بالحنث، البرزلي: لما تقرر أن الزوجين إذا اختلفا فيمن يخدم الزوجة هل خادمها أو خادمه فإنه يقضى لها بخادمها؛ لأنها أعرف بمصالحها، وأما إن لم يكن لها خادم فهو بالخيار بين أن يخدمها بنفسه أو يكتري من يخدمها أو يشتري لها خادما يقضى عليه بأحد الأمور الثلاث. انتهى. قاله الحطاب.

الرابع: قال في كتاب الهبات من المدونة: ومن لزمه دين لرجل أو ضمان عارية يغاب عليها فحلف بالطلاق ثلاثا ليودين ذلك، وحلف الطالب بالطلاق ثلاثا إن قبله، فأما الدين فيجبر الطالب على قبضه ويحنث ولا يجبر في أخذ قيمة العارية، ويحنث المستعير إن أراد ليأخذنه مني، فإن أراد ليغرمنه له قبله أو لم يقبله لم يحنث واحدٌ منهما والفرق أن الدين لزم ذمته والعارية إنما ضمنها لغيبة أمرها، فإنما يقضى بالقيمة لمن تركها في ظاهر الحكم وله تركها وقد تسقط أن لو قامت بينة بهلاكها، انتهى. قاله الحطاب.

(1)

في الحطاب ج 4 ص 575 ط دار الرضوان: أبو العرب.

ص: 289

الخامس: قال في المدونة: ومن قال لرجل: امرأته طالق لقد قلت لي كذا وكذا، وقال آخر: امرأته طالق إن كنت قلته، فَلْيدَيَّنَا ويتركا إن ادعيا يقينا قال ابن ناجي: ما ذكره هو المعروف؛ ونقل ابن التلمساني عن مالك أن كلا منهما حانث لأن في نفس الأمر واحد منهما حانث ويتوهم معارضتها بما إذا اختلطت ميتة مع مذكاة فإنهما يحرمان، فكان المناسب على هذا طلاقهما وأجاب بعض المشارقة بتعيين المحكوم عليه في الذكاة، ولذلك لو تعدد مالك الشاتين وكل منهما يدعي ذكاة شاته لكان لكل منهما أكل شاته، وفي كتاب العتق الأول في العبد بين شريكين، فقال أحدهما: هو حر إن دخل المسجد وقال الآخر: هو حر إن لم يدخله، فَليدَيَّنا ويتركا إن ادعيا يقينا، فإن شكا عتق عليهما؛ قال ابن القاسم: بغير قضاء، وقال غيره: بل بالقضاء، الغربي ويجري القولان هنا. انتهى.

السادس: من حلف على رجل ليأكلن، يبر بثلاث لقم؛ وقيل: إن كان أول الطعام لا يبر بالثلاث وإن كان في آخره أَبرَأَتْه. قاله الحطاب. وإذا حلف لغريمه بالطلاق على حقه لابد أن يأخذد فعثر له على قدر حقه فأخذه بر في يمينه إن لم يؤتمن عليه. انتهى نقله الحطاب. وإذا حلف لابنه لا يكلمه حتى يطلق زوجته، يبر بطلقة واحدة لكن لا يكلمه حتى تنقضي عدتها. البرزلي: ظاهر المذهب أن مطلق الطلاق كاف وإن ارتجعها لأن المقصود وقوع ثلم في العصمة، وقد حصل. انتهى قاله الحطاب.

وإن قال: إن كلمت إن دخلت لم تطلق لم تطلق إلا بهما يعني أن الزوج إذا علق الطلاق على مجموع أمرين، كما إذا قال لزوجته: أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار، فإنها لا تطلق إلا بحصول الأمرين جميعا من الدخول والتكلم. فعلتهما على الترتيب أو لا، خلافا للشافعي القائل: إن الحنث إنما يكون إذا فعلتهما على عكس الترتيب لأنه علق الأول على الأخير، فإذا فعل الأول قبل الأخير فلغو، والإنصاف احتمال العكس فاحتيط، ولم يجعلوه مثل إن دخلت الدارين يحنث بإحداهما لتعدد التعليق، وإذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كانت لزيد فلا تطلق إلا بهما معا، كما في المسألة المسابقة، ولا تطلق بأحدهما، وقوله: وإن قال: إن كلمت إن دخلت، هذه المسألة هي مسألة تعليق التعليق، واعلم أن مذهب الشافعي مبني على أن استقبال الفعل الأول باعتبار زمن الثاني لتوقفه عليه، ومذهبنا مبني على أن استقبال كل من الفعلين

ص: 290

باعتبار زمن التكلم وهو الظاهر؛ لأن التوقف على الثاني إنما هو لزوم حكم التعليق لا المعلق عليه، ولما فرغ من مسائل التعليق شرع فيما تلفق فيه الشهادة وما لا تلفق فيه من إنشاء وتعليق، ومحصل كلامه أن التلفيق يكون في الأقوال ولو اختلفت لفظا مع اتفاقها معنى، وفي الفعل المتفق لا المختلف منه ولا في القول والفعل، ويلفق القولان المتفقان في المعنى، كانا خبرين أو إنشاءين، ولا يلفق خبر لإنشاء، ولذا أفتى ابن رشد فيمن سأله عدل عن زوجته؟ فقال: لا تحل لي لأني طلقتها ثلاثا، وشهد عليه آخر أنه قال: الأيمان تلزمني إن كنت لي زوجة أبدا بأنه لا تلفق الشهادتان، ويحلف على تكذيبهما ويبقى معها.

وإن شهد شاهد بحرامٌ وآخر ببتةٌ يعني أن الزوج إذا شهد عليه شاهد بأنه قال لزوجته: أنت علي حرام: وشهد عليه شاهد آخر بأنه قال لها: أنت طالق البتة أو بالثلاث، فإنه تلفق شهادتهما فتلزمه الثلاث، وكذا لو شهد عليه شاهد بأنه قال الحلال علي حرام وآخر بالأيمان اللازمة لاتفاق الألفاظ في المعنى على البينونة، وقوله: بحرام بالرفع خبر مبتدإ محذوف بعد حذف معمول الباء؛ أي بقوله لها: أنت حرام، وكذا يقال في قوله: ببتة. قاله الشبراخيتي. أو بتعليقه على دخول دار يعني أن الزوج إذا شهد عليه شاهد بأنه علق الطلاق على دخول دار في شهر معين، كما إذا شهد عليه أنه قال في رمضان: إن دخلت دار زيد فامرأتي طالق، وشهد عليه آخر بأنه علق الطلاق على دخول تلك الدار في شهر عينه غير الأول، كما إذا شهد عليه بأنه قال في ذي الحجة: إن دخلت دار زيد فامرأتي طالق، وثبت الدخول بهما أو بغيرهما أو بإقراره فإن شهادتهما تلفق، فتطلق عليه. قاله في المدونة. وقد شهدا في هذه بقول واحد وهو تعليق، فقوله: في رمضان متعلق بتعليق أو بدخولها فيهما يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إن دخلت الدار مثلا، وشهد عليه شاهد بأنه دخلها في رمضان، وشهد عليه آخر بأنه دخلها في ذي الحجة، وثبت التعليق بإقراره أو بهما أو بغيرهما فإن شهادتهما تلفق، فتطلق عليه وشهادتهما في هذه على فعل واحد أو بكلامه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إن كلمت زيدا وشهد عليه شاهد بأنه كلم زيدا في السوق، وشهد عليه آخر بأنه كلمه في المسجد، وثبت التعليق بهما أو بغيرهما فإن شهادتهما تلفق، فيلزمه الطلاق، وقد اختلف المكان هنا

ص: 291

والزمان فيما قبلها. أو بأنه طلق يوما بمصر ويوما بمكة يعني أن الزوج إذا شهد عليه شاهد بأنه طلق زوجته يوما بمصر في رمضان، وشهد عليه آخر بأنه طلقها يوما بمكة في ذي الحجة، فإن الشهادة تلفق فيقع عليه الطلاق وفهم من المثال الذي ذكرته أنه يشترط أن يكون بين الشهادتين زمن يمكن فيه وصول المشهود عليه من أحد الموضعين إلى الآخر، وهو كذلك، وشهادتهما هنا على قول اختلف زمانه ومكانه والعدة من يوم الحكم بشهادتهما في القضاء، وأما في الفتوى فمما تعتقده الزوجة من تاريخ الطلاق، فإن لم تعتقد شيئا فينبغي من يوم الحكم، واعلم أن محل المصنف إنما هو حيث لم تنقض العدة قبل شهادة الثاني، وإلا فلا ضم؛ كما حققه الرماصي والأمير؛ ولا يشكل هذا بما قررت من أن العدة من يوم الحكم الخ؛ لأن الحكم بشهادتهما فرع صحتها ولو تبين أن أحدهما وقع بعد العدة ما حكم به.

وعلم مما قررت أن قوله: لفقت جواب الشرط، أعني قوله: وإن شهد فهو راجع للمسائل الخمس، ومعنى لفقت ضمت إحدى الشهادتين للأخرى، وفرض المصنف المسألة في شيئين متفقين مشعر بأنه لو اختلف كما إذا شهد أحدهما بالكلام والآخر بالدخول لم تلفق وهو كذلك انظر الشبراخيتي. كشاهد بواحدة وآخر بأزيد يعني أن الزوج إذا شهد عليه شاهد بأنه طلق زوجته طلقة واحدة، وشهد عليه شاهد آخر بأنه طلقها أكثر من واحدة، فإن شهادتهما تلفق فيما اتفقا عليه وهي الواحدة، فتلزمه الواحدة، وصف على الزائد؛ يعني: أنه لا يلزمه أكثر من واحدة ولكنه يحلف لأجل إسقاط الزائد؛ أي يحلف ما طلق واحدة ولا أكثر فعلى تعليلية، قاله غير واحد. فإن حلف خُلِى سبيلُه، وإلا أي: وإن لم يحلف بأن نكل سجن أي: جعل في السجن حتى أي: إلى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو على أنه ما طلق واحدة ولا أكثر، كما في الشيخ سالم؛ قاله عبد الباقي. وقال محمد بن الحسن: صورة يمينه أن يقول بالله الذي لا إله إلا هو ما طلقت البتة فينتفع بيمينه في سقوط اثنتين وتلزمه الواحدة، وقوله: حتى يحلف فإن طال سجنه دين: قاله الأمير. لا بفعلين يعني أن الزوج إذا شهد عليه شاهد بأنه حلف لا دخل الدار وأنه دخلها وآخر لا ركب الدابة وأنه ركبها، فإن شهادتهما لا تلفق، فلا يلزم الزوج طلاق ويحلف على كذب ما شهد به عليه في الفتوى والقضاء، فإن نكل حبس، وإن طال دُيّن، ولم تلفق شهادتهما هنا لأن الفعلين مختلفا الجنس، ولو اتفقا قبلت كما مر، كشهادة أحدهما أنه

ص: 292

حلف لا دخل دار زيد وأنه دخلها في رمضان وشهادة أحدهما أنه حلف لا دخلها وأنه دخلها في ذي الحجة، وكما مر في قوله: أو بدخولها فيهما، وقوله: لا بفعلين، قال عبد الباقي عنده: فإن قلت: الشهادة من كل منهما بقول وفعل، قلت غلب جانب الفعل لأنه المقصود، ومن حلف لا كلم زيدا وعمرا، ثم شهد عليه شاهد أنه كلم زيدا وآخر أنه كلم عمرا، فهل تلفق أم لا؟ الظاهر نعم، وقوله: لا بفعلين أي: ما لم يستلزم أحدهما الآخر وإلا لفقت، كشهادة أحدهما بريح خمر وآخر بشربها فيحنث ويحد، وقوله: لا بفعلين، هذا هو المشهور ومقابله أنها تلفق، قال ابن رشد: تلفيق الشهادة على أربعة أوجه الوجه الأول: تلفق باتفاق وهو إذا اختلف اللفظ واتفق المعنى وما يوجبه الحكم مثل أن يشهد أحدهما بالثلاث والآخر بالبتة أو البرية أو الخلية، الثاني لا تلفق باتفاق، وهو إذا اختلف اللفظ والمعنى وما يوجبه الحكم مثل أن يشهد أحدهما بالثلاث والآخر أنه حلف إن دخلت الدار فأنت طالق الثالث اختلف في تلفيقها، والمشهور التلفيق، وهو إذا اتفق اللفظ والمعنى وما يوجبه الحكم واختلفت الأزمنة والأماكن، كمصر ومكة، ورمضان وذي الحجة، الرابع: اختلف في تلفيقها والمشهور عدم التلفيق، وهو أن يختلف المعنى واللفظ ويتفق ما يوجبه الحكم، قال أبو الحسن: مثل أن يشهد أحدهما أنه حلف أن لا يدخل الدار وأنه دخل، وشهد الآخر أنه حلف إن كلم فلانا وكلمه. انتهى. نقله بناني. وإذا شهد الشاهدان على الحنث وشكا هل حلف بالأيمان اللازمة، أو بالحلالُ علي حرام، فقال البرزلي: كان شيخنا الإمام يفتي بعدم اللزوم لشك الشهود في اليمين، وظاهره أنه لا يمين، وأعرف للخمي في باب تلفيق الشهادة ما يدل على اليمين. انتهى. قاله الحطاب. وقوله: لا بفعلين: قد مر أنه يحلف، فإن نكل حبس، وإن طال دين، وهو القول المرجوع إليه، وهو الموافق لما مشى عليه المصنف في باب الشهادات، وأما على القول المرجوع عنه فيلزمه حيث نكل طلقتان، كما ذكره الحطاب قاله الشبراختي. أو بفعل وقول يعني أن الشهود لا تلفق شهادتهم فيما إذا شهد بعضهم بقول كتعليق، وشهد بعضهم بفعل ما علق عليه، ومثل لذلك بقوله: كـ شاهد واحد شهد بتعليقه أي الزوج أو الطلاق بالدخول لدار زيد مثلا، أي شهد عليه واحد بأنه علق الطلاق على دخول دار زيد، بأن قال: أنت طالق إن دخلت دار زيد مثلا، شهد عليه شاهد آخر بالدخول؛ أي

ص: 293

بأنه دخل دار زيد المعلق على دخولها الطلاقُ، فلا يلزمه طلاق ولا يمين عليه، وإنما لم تلفق شهادتهما لأنهما لم يجتمعا على شيء واحد، وفي المدونة إن شهد واحد أنه طلقها البتة، وشهد آخر أنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وشهد هو وآخر أنه دخلها لم تطلق؛ لأن هذا شهد على فعل وهذا شهد على قول، وقوله: بتعليقه، يحتمل كما تقدمت الإشارة إليه أن يكون من إضافة المصدر إلى الفاعل فيعود الضمير على الزوج، ويحتمل أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول فيعود الضمير على الطلاق. والله سبحانه أعلم. وقول المصنف:"لا بفعلين أو بفعل وقول"؛ أي لا تلفق الشهادتان كما علمت، وقيل: تلفقان ويقضى بهما، وقيل: إن كانتا على فعلين لم تلفقا وإن كانتا على فعل وقول ضمتا؛ حكى ذلك اللخمي. قاله الشارح والله سبحانه أعلم.

وإن شهدا بطلاق واحدة ونسياها لم تقبل يعني أن الزوج إذا شهد عليه شاهدان بأنه طلق واحدة معينة من نسائه ونسي الشاهدان المرأة المطلقة، فإن شهادتهما لم تقبل بل تبطل ولا يلزمه طلاق لعدم ضبطهما؛ لأن الشهادة إذا بطل بعضها بطل كلها. قاله الأمير. وظاهر المصنف كالمدونة ولو تذكراها وهما مبرزان، ومقتضى ما يأتي في باب الشهادات قبول قولهما في نحو هذا إن كانا مبرزين؛ قال عبد الباقي: وهو الذي ينبغي إن تذكرا في العدة لو اعتدت. وحلف ما طلق واحدة يعني أن هذا الذي شهد عليه الشهود أنه طلق واحدة معينة من نسائه ونسيها الشهود يحلف إن أنكر ما شهدت عليه البينة به، وصورة يمينه أن يقول: بالله الذي لا إله إلا هو ما طلقت واحدة من نسائي قاله ابن القاسم في المدونة. فإن نكل حبس وإن طال دين، كذا يفيده أبو الحسن. قاله عبد الباقي. وقال محمد بن الحسن: لفظ أبي الحسن: لو نكل، يتخرج على روايتين لمالك: هل يسجن أبدا حتى يحلف؟ أو يطلقن كلهن؟ اللخمي: وأرى أن يحال بينه وبينهن ويسجن حتى يقر بالمطلقة، لأن البينة قطعت بأن واحدة عليه حرام. انتهى. وقال ابن عرفة: مقتضى مشهور المذهب طلاق جميعهن؛ وقوله: وحلف ما طلق واحدة، خالف في ذلك ابن المواز؛ وقال: لا يمين عليه: وقد علمت أن محل كلام المصنف حيث أنكر الزوج الطلاق، وأما لو صدق الشهود وادعى النسيان مثلهم طلقن كلهن، فإن عين واحدة صدق، ولو شهد أحدهما أنه طلقها على عبد وشهد أحدهما أنه طلقها على ألف لم تطلق، والظاهر أن مثل المصنف ما إذا شهدا على رجل من رجلين بطلاق زوجته ونسياه فيحلف كل لرد شهادتهما أنه ما طلق وإلا سجنا، فإن طال دينا.

ص: 294

قاله عبد الباقي وقال الحطاب عن البرزلي: ونقل عن الرماح أنه إذا كان بحضرة رجلين وسمع من أحدهما الطلاق وشك في أحد الرجلين، فلا يشهد حتى يتحقق أنه أحد الرجلين وظاهره أنه لا يمين على واحد منهما. قال البرزلي: وأعرف للخمي في باب تعليق الشهادة ما يدل على اليمين، فعلى هذا يَرْفَع ويُوجِب اليمين قِبَلَهُما معا.؛ إن شهد ثلاثة بيمين ونكل فالثلاث يعني أن من شهد عليه ثلاثة نفر كل واحد شهد عليه بيمين حنث فيها، وليس واحد منهم مع صاحبه، فإنه يؤمر بالحلف على تكذيب كل واحد من الثلاثة، فإن حلف فظاهر أي لم يلزمه طلاق، وإن نكل فإنه تلزمه الثلاث، وأما لو كان في غير يمين لزمه طلقة لاجتماعهم عليها، ويحلف لرد الآخر، فإن نكل لزمته اثنتان. قوله: وإن شهد ثلاثة لخ. هو تأويل القابسي مسألة ربيعة الواقعة في المدونة، ونص المدونة: قال ربيعة ومن شهد عليه ثلاثة نفر كل واحد بطلقة ليس معه صاحبه فأمر أن يحلف فأبى فليفرق بينهما وتعتد من يوم نكل وقضي عليه. انتهى. عياض: قال القابسي: معناه أن كل واحد شهد عليه بيمين حنث فيها، فلذلك إذا نكل طلق عليه بالثلاث، فظاهر هذا أنه يحلف على تكذيب كل واحد، قال: وأما لو كان في غير يمين لزمه طلقة، يريد لاجتماعهم عليها ويحلف لرد الآخر، فإن نكل لزمته اثنتان، فعلى هذا يكون وفاقا للمذهب على أحد القولين لمالك في التطليق عليه بالنكول، فالصنف مشى على تأويل القابسي بالوفاق بدليل قوله: بيمين، قال الشيخ محمد بن الحسن: وحينئذ فيتعين حمله على خصوص التعاليق المختلفة، وقوله: ونكل جملة حالية، وقوله: ونكل فالثلاث، هذا على قول مالك المرجوع عنه، وما مر من أنه يسجن فإن طال دين هو المرجوع إليه. انتهى. وذهب غير القابسي إلى أن قول ربيعة مخالف لقول مالك؛ لأن ظاهره أنه إن حلف لم يلزمه شيء ومالك يلزمه واحدة لاجتماع اثنين عليها وهو قول مطرف وأصبغ وعبد الملك، وجعل ابن يونس قول ربيعة مخالفا لقول مالك؛ لأن مالكا لا يحلفه ويلفق عليه الشهادة، فيلزمه واحدة لأنه من وجه الإقرار، فابن يونس حمل كلام ربيعة على العموم، بحيث يشمل الطلقات دون تعليق والتعاليق المتفقة والمختلفة، فيكون خلافا للإمام في التلفيق في الأولين؛ وتعبير المصنف بيمين يمنع أن يحمل على تأويل ابن يونس، ويعين الحمل على تأويل القابسي. والله تعالى أعلم. وعلم من

ص: 295

التقييد بكون الثلاثة ليس واحد منهم مع صاحبه أنه لو سمع اثنان طلاقها في آن واحد لزمته طلقة اتفاقا. واعلم أن المذهب لزوم طلقة واحدة في غير التعاليق وفي التعاليق التفقة والحلف على الزاند في المسألتين، وأما المختلفة فيحلف ولا تلزمه واحدة، فإن نكل في ذلك كله حبس وإن طال دين، مثال التعاليق المتفقة شهادة كل واحد منهم أنه حلف لا دخل دار زيد أو أنه دخلها، ومثال التعاليق المختلفة شهادة أحدهما أنه حلف لا دخل الدار ودخلها، وشهادة أحدهما أنه حلف لا ركبها وأنه ركب، وآخر أنه حلف لا ألبسُ هذا الثوب وأنه لبسه.

ص: 296

‌فصل: في التفويض

وهو ينقسم إلى توكيل وتخيير وتمليك، فالتوكيل جعل إنشاء الطلاق بيد الغير باقيا منع الزوج منه، والتمليك جعل إنشاء الطلاق حقا لغيره راجحا في الثلاث يخص بما دونها بنية، والتخيير جعل الزوج إنشاء الطلاق الثلاث حكما أو نصا عليه حقا لغيره، والفرق بين هذه الحقائق أمر عرفي للفقهاء فينعكس بانعكاس العرف. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب: الفرق بين الوكيل وغيره أن الوكيل يفعل ذلك على سبيل النيابة عن من وكله، والملك والخير إنما يفعلان ذلك عن أنفسهما لأنهما ملكا ما كان يملكه الزوج، وأما الفرق بين التخيير والتمليك فقيل أمر عرفي لا مشاركة للغة فيه، فقولهم في المشهور كما سيأتي: إن للزوج أن يناكر الملكة دون المخيرة إنما هو أمر مستفاد من العرف، وعلى هذا ينعكس الحكم بانعكاس العرف، وقيل: هو وإن كان تابعا للعرف إلا أن العرف تابع للغة أو قريب منها؛ لأن التمليك إعطاء ما لم يكن حاصلا، فلذلك قلنا: إن للزوج أن يناكرها لأن الأصل بقاء ملكه بيده فلا يلزمه إلا ما اعترف بأنه أعطاه، وأما التخيير فقال أهل اللغة: خير فلانا بين شيئين إذا جعل له الخيار، فيكون تخيير الزوج معناه أن الزوج فوض إليها البقاء على العصمة والذهاب عنها، وذلك إنما يتأتى لها إذا حصلت على حال لا يبقى للزوج عليها حكم فيها وإنما يكون ذلك بعد الدخول في إيقاع الثلاث، قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: يتحصل من كافى مهم هنا أن التوكيل ما دل على أن الزوج جعل الغير نائبا عنه في إنشاء الطلاق مع أن للزوج منعه من ذلك قبل إيقاعه له بأي لفظ كان، وأن التخيير ما دل على أن الزوج جعل للمرأة أحد أمرين إما أن تبين منه أو تقيم معه بأي لفظ كان، وأن التمليك وهب لها ما له من إنشاء الطلاق؛ والأصل أن ملك الإنسان لا ينتقل عنه إلا بمحقق فلذا ناكر مطلقا، والمعتبر ما دل على ذلك بأي لفظ كان. والله أعلم. واعلم أن الشافعي وأبا حنيفة وأحمد اتفقوا على أن التخيير كناية لا يلزم فيه شيء إلا بالنية؛ لأن لفظ التخيير يحتمل التخيير في الطلاق وغيره، وإن أراد الطلاق فيحتمل الوحدة والكثرة، والأصل بقاء العصمة حتى ينوي. القرافي: والصحيح الذي يظهر أن قول الأئمة الثلاثة هو مقتضى اللفظ لغة لا مرية في ذلك، وأن مالكا رحمه الله أفتى بالثلاث بناء على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم فصار صريحا فيه، ويلزم على هذا بطلان الحكم اليوم

ص: 297

ووجوب الرجوع إلى اللغة ويكون كناية محضة كما قاله الأئمة لتغير العرف حتى لم يصر أحد يستعمل هذا اللفظ إلا في غاية الندور، والقاعدة أن اللفظ متى كان الحكم فيه مضافا لنقل عادي بطل ذلك الحكم عند بطلان العادة وتغيره إلى حكم آخر إن شهد له عادة أخرى، هذا هو الفقه المتجه. ابن الشاط: ما قاله من أن مالكا رضي الله عنه إنما بنى على عرف زمانه هو الظاهر وما قاله من لزوم تغير الفتوى عند تغير العرف صحيح انتهى إن فوضه لها توكيلا فله العزل التفويض هو رد الأمر إلى الغير، يقال: فوض الأمر إليه إذا رده إليه؛ يعني أن الزوج إذا فوض أمر عصمته إلى زوجته نظر إلى ذلك فإن كان تفويضه ذلك إليها على جهة الوكالة فإن له أن يعزلها عن ذلك، أي: له أن يبطل ما بيدها قبل أن تطلق نفسها لا بعد ذلك؛ لأنها نائبة عنه.

وعلم مما قررت أن المفوض إلى المرأة هو الطلاق، فالضمير المستتر في فوضه يعود على الزوج، والمراد به هنا الزوج المسلم المكلف ولو سكر حراما، وهل إلا أن لا يميز؟ إلى آخر ما مر؛ والضمير الظاهر عائد على الطلاق. وقوله: توكيلا، قال محمد بن الحسن: الصواب إعرابه مفعولا مطلقا أو حالا على تقدير مضاف فيهما؛ أي تفويض توكيل أو ذا توكيل. والله تعالى أعلم. إلا لتعلق حق يعني أن محل كون الزوج له أن يعزل الزوجة حيث وكلها إنما هو حيث لم يتعلق لها حق بذلك، وأما إن تعلق لها بالتوكيل حق فليس له عزلها، كما إذا قال لها عند العقد: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك توكيلات أو أمر الداخلة عليك بيدك توكيلا؛ لأنها تعلق لها بذلك حق وهو رفع الضرر عنها. لا تخييرا عطف على قوله: توكيلا؛ يعني: أن الزوج إذا فوض أمر عصمته إلى زوجته على جهة التخيير فإنه لا يجوز له عزلها ولا يصح؛ وقوله: لا تخييرا، صيغة التخيير نحو: اختاريني، أو اختاري نفسك، أو طلقي ثلاثا، أو اختاري أمرك انتهى. قاله الحطاب. أو تمليك يعني أن الزوج إذا فوض لزوجته طلاقها على جهة التمليك فإنه ليس له عزلها ولا يصح، وصيغة التمليك نحو: أمرك بيدك، وملكتك أمرك، وطلقي نفسك: وأنت طالق إن شئت، أو كلما شئت، وطارقك بيدك، ووليتك أمرك، والاستثناء هنا أي في التوكيل والتخيير والتمليك كما في الشبراخيتي. بإن شاء الله ونحوها كالطلاق لغو، والهزل هنا كالهزل في الطلاق سواء، وأما ما في ابن عرفة: سمع القرينان من قال لامرأته: وليتك أمرك إن شاء الله، فقالت: فارقتك، لزمه فراقها، فإن أرادا بقولهما اللعب لا الطلاق حلفا ولا شيء عليهما، فمقابل للمشهور كما قاله

ص: 298

محمد بن الحسن. قال: كما يدل عليه كلام ابن عرفة، ونقله المواق والحطاب عند قوله: ولزم ولو هزل، واعلم أن في السماع المذكور أن الإمام قال لسائل: إن لم ترد طلاقا بذلك وكان منك على وجه اللعب فلا أرى عليك فيه شيئا، وإن كنت أردت به طلاقا وإن كنت لاعبا فهو الطلاق، قال ابن رشد: قوله: فهو الطلاق صحيح على قولهم: إن الطلاق هزله جد، من ذلك ما وقع في آثار المدونة وغيرها. انتهى. ففصل بين هزل إيقاع الطلاق فهو طلاق وهذا متفق عليه، وبين هزل إطلاق لفظه وهذا محل الخلاف، والمشهور فيه اللزوم، وهو خلاف ما في السماع؛ قال ابن عرفة: هزل إيقاع الطلاق لازم اتفاقا، وهزل إطلاق لفظه عليه المشهور لزومه، ثم نقل كلام السماع المذكور كالمقابل. والله أعلم. ثم رأيت في السماع المذكور بعد هذه المسألة أن الإمام سئل مرة أخرى عن مثلها؟ وأجاب بأنه يحلف وتلزمه طلقة واحدة، قال ابن رشد: المعنى في هذه أن البينة قامت على ذلك فلم يصدق الرجل على ما ادعاه من أنه لم يرد بذلك الطلاق، ثم قال: ولو أتى مستفتيا ولم تقم على أمرها بينة لصدق أنه لم يرد بذلك الطلاق ولم يكن عليه شيء على ما مضى في أول الرسم انتهى كالأم بناني.

فرع: إن ادعى التوكيل وادعت هي التخيير أو التمليك فإنه يصدق. ولو قال: فوضت إليك أمرك سئل عما أراد؟ فإن قال: لا نية لي أخذ بالأشد وهو التخيير، ولو أراد الاستمتاع بها مع بقاء توكيلها فالظاهر أنه يتعين أن استمتاعه بها عزل لها. قاله عبد الباقي. وحيل بينهما يعني أن الزوج يحال بينه وبين زوجته في التخيير والتمليك والتوكيل الذي تعلق به حق لغيره، وأما التوكيل الذي لم يتعلق به حق للغير فلا يحال بينهما فيه لقدرته على عزلها، وإذا وطئها مكرحة كان ذلك عزلا فلم يقع في عصمة مشكوك فيها، ومحل الحيلولة التي ذكر المصنف إنما هي حيث لم يعلق التخيير أو التمليك على أمر لا ينجز فيه الطلاق، كقوله: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، أو إن قدم زيد فأمرك بيدك، فلا حيلولة في نحو هذا قبل حصول المعلق عليه، بخلاف إن جاء غد فأمرك بيدك ونحو ذلك، فإنه يحال بينهما، كما يأتي عند قوله: وهما في التنجيز لتعلقهما لخ، وقوله:"وحيل بينهما"، والنفقة زمن الحيلولة عليها لأن الامتناع منها، قال عبد الباقي: والظاهر أن الحيلولة كما يأتي في الظهار. انتهى. حتى نجيب يعني أن الزوج يمنع من

ص: 299

الزوجة في التخيير والتمليك والتوكيل الذي تعلق به حق لغيره إلى أن تجيب بما يقتضي إسقاط ما بيدها فتبقى في العصمة، أو بالطلاق فيجري فيها ما يذكره بعد؛ وقوله:"وحيل بينهما حتى تجيب"، قال الشارح: وليس لها أن تطول على الزوج وإنما ذلك في المجلس وما قرب منه. ووقفت وإن قال إلى سنة يعني أن الزوجة توقف في التخيير والتمليك أي يوقفها الحاكم ويمهلها وسواء أطلق فيهما أو قيد بأجل، كقوله: أمرك بيدك إلى سنة، أو أنت مخيرة إلى سنة؛ فيجب على السلطان أو من يقوم مقامه أن يوقفها. متى علم أي يوقفها السلطان أو من يقوم مقامه في الوقت الذي علم فيه بالتخيير أو التمليك، ومثل قوله:"إلى سنة" ما إذا قيد بزمن أبعد منها يبلغه عمرهما ظاهر

(1)

)، وقوله: متى علم، متعلق بوقفت: وإذا أوقفها الحاكم فإنها تقضي بإيقاع الطلاق أو رد ما بيدها وإلا تقض برد ولا بإيقاع طلاق أسقطه الحاكم أي أسقط الحاكم ما بيدها أي أبطله، فتبقى زوجة له وإن رضي الزوج أو هي بالبقاء لحق الله تعالى، إذ فيه التمادي على عصمة مشكوك فيها، وهذا مرتب على ما قبله، أعني قوله: ووقفت، فالحيلولة الأولى المراد بها منعهما من المقاربة، والحيلولة الثانية التي هي الوقف المراد بها طلبها بأن تقضي برد أو غيره، وبهذا يتضح أن الواو في قوله وإن قال إلى سنة للمبالغة؛ قال الإمام: ولو قال لها: أمرك بيدك إلى سنة فإنها توقف متى علم بذلك ولا تترك تحته وأمرها بيدها حتى توقف فتقضي أو ترد. ابن الحاجب: أو يسقط الحاكم؛ وقوله وإن قال: إلى سنة، ما قبل المبالغة حيث قيد بأمد قريب، ورد المصنف بالمبالغة ما في بعض الروايات: لا يجوز أن يجعل لها الخيار في نفسها إلى أجل بعيد إلا في اليوم وشبهه نقله الشارح، وفي المدونة: وإن قال لها: إذا جاء غد فقد خيرتك وقفت الآن فتقضي أو ترد، وإن وطئها قبل غد فلا شيء بيدها، وقال الشبراخيتي عند قوله:"ووقفت وإن قال": إلى سنة، ما نصه: وكلام المصنف يشمل التخيير المطلق على القول بأن الخيار لها بعد انقضا" المجلس ما لم توطأ. وعمل بجوابها الصريح في الطلاق يعني أن الفوض لها يعمل بجوابها الصريح في الطلاق؛ أي ما هو صريح في الطلاق يعمل به في جوابها، كأنا طالق منك، أو طلقت نفسي، أو أنا بائنة، أو أنت بائن مني، والمراد بالصريح هنا ما يشمل الكناية الظاهرة، وأما الخفية فتُبْطِلُ ما بيدها. كما نقله في التوضيح عن ابن يونس. نقله محمد بن الحسن. قال: ونقل

(1)

كذا في الأصل.

ص: 300

الحطاب أول الظهار عن ابن رشد في سماع أبي زيد: أن جوابها في التمليك بصيغة الظهار إذا نوت به الطلاق لزم، قال محمد بن الحسن: لزم في هذا مع أنه كناية خفية، كطلاقه قال عبد الباقي: تشبيه فهو مصدر مضاف لفاعله أي كصريح طلاقه أي صريح طلاقها مثل صريح طلاقه. انتهى وفي بعض النسخ كطلاقها، ولها نصف الصداق إن طلقته قبل البناء، بخلاف المعتقة تحت العبد تختار نفسها قبل البناء فلا نصف لها. والفرق أن التفويض من جهته فكأنه هو الموقع بخلاف مسألة المعتقة فإنه مجبور عليه. ورده عطف على قوله في الطلاق: يعني أنه يعمل بجوابها أيضا فيما إذا أجابت برده أي الطلاق فتبقى في العصمة، ومثل لذلك بقوله: كتمكينها يعني أنه لا فرق في سقوط ما بيدها بين أن تأتي بما يدل على ردها من قول، كلا أقبل ما ملكتني، أو فعل، كتمكينها من وطء أو مقدماته، وإن لم يحصل شيء منهما حال كونها طائعة عالة بما جعل لها من تخيير أو تمليك فيسقط خيارها ولو جهلت الحكم، ومفهوم قوله: طائعة أنه لو مكنته من ذلك مكرهة لم يسقط ما بيدها، وكذا لو مكنته جاهلة بما جعل لها من تخيير أو تمليك فلا يسقط خيارها ولو وطئت، وهي محمولة على عدم العلم بما جعل لها إن نوزعت، وأما الوكلة فقد مر أن وطأها مكرهة عزل لها عن وكالتها، وقد مر أنه لا يحال بينهما، وإذا مكنت الوكلة من نفسها سقط ما بيدها، فقوله: كتمكينها أي الفوض إليها تخييرا أو تمليكا أو توكيلا، وفي المدونة: وإن ملك أمرها أجنبيا فخلى بينه وبينها وأمكنه منها زال ما بيده بمجرد التمكين دون وطء، كالوطء فإن ادعى التمكين وأنكرته صدق مع ثبوت خلوته بها بامرأتين، وإن ادعت الإكراه فالقول قولها بيمين إلا في الوطء فيصدق هو بيمين لأنه على هيئة خاصة يبعد الإكراه عليها. قاله غير واحد. وقوله: كتمكينها طائعة، سواء كان التفويض منجزا أو معلقا وحصل المعلق عليه، نحو أنت مخيرة في نفسك، أو مملكة أمرك إن دخلت الدار، ودخلتها، فيسقط ما بيدها بتمكينها طائعة عالمة بما جعل لها، وأما إن مكنته قبل دخول الدار فقد مر أنه لا يحال بينهما وذلك واضح وعلم مما مر أنه لو قال لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فتزوج، ثم مكنته طائعة عالمة فإنه يسقط ما بيدها، وللناصر اللقاني كلام نقله عبد الباقي هنا فيه نظر. ومضى يوم تخييرها يعني أنه إذا قيد التفويض بأجل فانقضى فإنه يسقط ما بيدها، ففي المدونة:

ص: 301

وإن قال اختاري اليوم كله، فمضى اليوم ولم تختر فلا خيار لها، والموضوع هنا أنها لم توقف، ولو وقفت ولم يسقط الحاكم ما بيدها لكان الحكم كذلك، والمراد باليوم القطعة من الزمن يوما أو أقل أو أكثر، على حد قوله تعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ، ولا مفهوم لقوله: تخييرها، وإذا حصل بها جنون أو إغماء زمن التفويض إليها فهل للحاكم النظر أم لا؟ وإذا خيرها وملكها ثم أبانها ثم تزوجها سقط خيارها لأن مضمون التزويج الرضى بالإصابة، وإلى هذا أشار بقوله وردها بعت بينونتها يعني أنه إذا أبانها كما لو خالعها والحال أن البينونة حصلت بعد أن فوض إليها ثم ردها لعصمته فإنه يسقط ما بيدها لتضمن التزويج للرضى بالإصابة، ولو راجعها بعد طلاقها الرجعي لم يسقط ما بيدها، وقوله: وردها بعد بينونتها، محله ما لم يعلق بأداة تقتضي التكرار، ككلما تزوجتك فأمرك بيدك وإلا فلا. والله سبحانه أعلم. وهل نقل قماشها ونحوه طلاق يعني أن المتأخرين اختلفوا فيما إذا نقلت المفوض إليها قماشها ونحو ذلك من خروجها من منزلها واستتارها عنه وتخمير وجهها والبعد عنه: هل يكون ذلك طلاقا؟ أي اختلفوا هل يكون ذلك دليلا على إرادة الطلاق، وعليه اقتصر ابن شأس. وقاله مالك أو لا يكون ما ذكر دليلا على إرادة الطلاق، حتى تريد به الطلاق، واقتصر عليه في المقدمات، وقاله مالك، وبه قال ابن وهب، ومحمد، وقوله: تردد مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تردد، وقوله: ونحوه، بالرفع أي نحو نقل القماش، ومحل التردد حيث لم ترد به الطلاق فإن نوته به لزم اتفاقا، ومحله أيضا حيث لم تجر العادة بنقله عند إرادة الطلاق وإلا كان طلاقا قطعا. قاله عبد الباقي. وعلى أنه طلاق قطعا فهو ثلاث في التخيير وواحدة في التمليك، والظاهر رجحان القول الثاني من التردد لأنه اقتصر عليه ابن رشد في المقدمات، وبه قال ابن وهب ومحمد وهو لمالك كما مر، وقال الشيخ الأمير: والظاهر أن نقل قماشها وتغطية وجهها ليس طلاقا إلا لنية أو عرف. انتهى. قوله: وهل نقل قماشها، نقل بعضه كنقل كله، وفي المتيطية: فإذا لفظ بالتمليك فلا تخلوا الملكة من أن تجيبه بالطلاق بواحدة، أو البتات، أو بلفظ يدل عليه، أو بجواب يحتمل أن [يريد]

(1)

به بعض الطلاق، أو كله، أو شيئا غيره، أو تسكت عنه، فأما إجابتها بصريح الطلاق الثلاث، أو بلفظ يدل عليه، مثل أن تقول: قبلت نفسي، أو اخترتها. أو أبنتها أو حرمتها، فينفذ عليه إن سكت أو أنكره

(1)

في الحطاب ج 4 ص 479 دار الرضوان تريد.

ص: 302

ولم يدع نية، ولا تحل له أبدا إلا بعد زوج، ولا يلتفت إلى قولها، إنها أرادت واحدة، وأما إجابتها بلفظ يشكل فلا يدرى أرادت به الطلاق كله أو بعضه، أو لم ترد به شيئا، فإنها تسئل، وكذلك إن قالت وهي غير مدخول بها خليت سبيلك، فإنها تسئل كم أرادت؟ انتهى. نقله الحطاب. وفي المتيطية أيضا: وإذا وقع طلاق المملكة قبل الدخول فلها النصف من صداقها، بخلاف المعتقة تختار نفسها قبل البناء فلا صداق لها، والتخيير مثله، والطلاق بالتمليك إذا كان بعد البناء رجعي، إلا أن يملكها على مال فيكون بائنا كالخلع، وفي الشامل في ذلك قولان، ونص في أول التخيير من المدونة على أن له الرجعة، وأشار المصنف إلى القسم الذي تسئل عنه بقوله: وقبل تفسير قبلت يعني أن المفوض إليها إذا قالت ما يحتمل الرد وغيره، كما إذا قالت: قبلت فقط، فإنه يقبل منها ما فسرته به من رد لما جعل بيدها فتبقى في عصمته، أو طلاق فتبين به على ما يأتي، أو بقاء في العصمة على أن تتروى أو قبلت أمري يعني أن مثل قولها: قبلت فقط، قولها: قبلت أمري، فإنه يقبل منها ما فسرته به من رد لما جعله لها فتبقى في العصمة، أو طلاق تبين به على ما يأتي، أو بقاء في العصمة على أن تتروى، أو ما ملكتني يعني أن المرأة المفوض إليها إذا أجابت الزوج بقولها: قبلت ما ملكتني فإنه يقبل منها تفسيرها له برد لما بيدها فتبقى في العصمة ويبطل ما بيدها، أو طلاق، ويجري فيه ما يأتي من المناكرة، وبطلان ما بيدها إن قضت بدون الثلاث وغير ذلك، أو بقاء على أن تتروى في أمرها.

وعلم مما قررت أن المجرور وما عطف عليه متعلق بقوله: تفسيرها، فهو راجع للمسائل الثلاث. أعني بالمجرور قوله: برد يعني أنه يقبل تفسير المرأة المجيبة بما ذكر بأنها أرادت به رد ما بيدها فتبقى في العصمة ويبطل ما بيدها. أو طلاق عطف على رد أي: وكذلك يقبل تفسيرها لما ذكر بالطلاق فيجري فيه ما يأتي من قوله: وناكر مخيرة لم تدخل الخ، أو بقاءٍ أي وكذا يقبل منها تفسير ذلك بأنها أرادت به بقاء في العصمة تتروى في أمرها، هل تفارق أو تبقى معه، وكذا يقبل منها تفسير اخترت، واخترت أمري، أو شئت، أو فرغت، وإنما قبل منها تفسير قبلت بالرد؛ لأنه لما كان الرد من آثار قبول النظر في الأمر صح تفسيره به مجازا، من إطلاق السبب وهو القبول على المسبب وهو الرد، وهل قبلت نفسي مثل قبلت أمري فيقبل تفسيرها برد أو

ص: 303

طلاق أو بقاء أو هو طلاق؟ ولا يقبل تفسيرها بغيره، قولان في الشارح وذكر الحطاب: أنها مثل اخترت نفسي فطلاق ثلاث قاله عبد الباقي. وقوله: وقبل تفسيرها، فإن لم تفسر حتى خرجت من العدة بأقراء أو وضع، فقالت: أردت طلقة قبل منها بغير يمين، ولا رجعة له لتفريطه بكونه لم يوقفها ولم يستفسرها قبل انقضاء العدة، وإن ماتت قبل أن تفسر أي في مسائل المص لم يرثها إن كانت غير مدخول بها، لاحتمال أن تفسر بالطلاق، وهو يقع بائنا ولا إرث بالشك، وكذا إن كانت مدخولا بها وهي مخيرة لاحتمال أن تفسر بالطلاق الثلاث للشك الحاصل، فإن كانت مملكة وهي مدخول بها ورث إن ناكر وإلا فلا، وإن مات هو فترثه حيث لم تقصد بقبلت الطلاق وقد علم أن المراد قبول تفسيرها، فإن مات أحدهما زمن الحيلولة قبل النظر بشيء ورثه الآخر والحاصل أن المرأة تسئل في جوابها بما له وجوه في الخيار والتمليك، ويقبل منها ما فسرت به، وأما المناكرة وبطلان ما بيدها فشيء آخرة وفي الحطاب: قال في المنتقى: فإن قالت قبلت أمري في المجلس ولم تفسر ذلك حتى حاضت ثلاث حيض، أو وضعت حملها، ثم قالت: أردت بذلك طلقة واحدة قبل قولها بغير يمين ولا رجعة للزوج عليها، قاله في النوادر ومعنى ذلك أن قولها: قبلت أمري، محتمل للطلاق، فإذا فسرته بالطلاق قبل ذلك منها، ولم يكن عليها يمين، كما لو فسرته في العدة، وإذا فسرته بعد العدة فقد انقضى وقت الرجعة، والزوج ضيع حقه حين لم يوقفها ولم يستفسر قولها، ولو أجابت المرأة بغير ألفاظ الطلاق عند ما ملكها لم يقبل منها أنها أرادت بذلك الطلاق؛ لأنها مدعية، وكذلك تمليك العتق. انظر ابن يونس. انتهى كلام الحطاب. وقال الشارح عند قوله برد أو طلاق أو بقاء ما نصه: وهذا هو المشهور، وقيل: لابد من الطلاق إذا قالت: قبلت أمري، وهل قبلت نفسي كقبلت أو لابد من الطلاق؟ وذلك قولان. انتهى. وقوله: قبل تفسير قبلت لخ؛ فإن قالت: لم أرد شيئا فانظر ما الحكم؟ قاله مقيده عفا الله عنه. وناكر مخيرة لم يدخل يعني أن الزوج له أن يناكر المرأة المخيرة حيث لم يدخل بها، ومعنى له أن يناكر أي له أن لا يرضى بما أوقعت من الطلاق بالشروط الآتية، ومملكة مطلقا يعني أن الزوج كما له أن يناكر المخيرة التي لم يدخل بها، له أن يناكر المملكة، أي له أن لا يرضى بما أوقعت من الطلاق مطلقا، أي كانت مدخولا بها أم لا بالشروط الآتية، ومثل المخيرة التي لم يدخل بها مخيرة مدخول بها وكان التخيير بخلع لأنها تبين بواحدة، ومحل المناكرة إن زادتا على

ص: 304

الواحدة، وفي نسخة: على طلقة، هذا هو محل المناكرة وهي عدم رضى الزوج بالزائد الذي أوقعته المرأة، فإن لم تزيدا على الواحدة فليس له التكلم إن نواها، يعني أن الزوج إنما يكون له رد الزائد على الواحدة حيث نوى الواحدة عند التفويض، فلو لم ينوها إلا بعد التفويض، أو لم ينو شيئا لزمه ما أوقعته، وكذا إن نوى أكثر، والظاهر أن الموكلة ليست كالخيرة والمملكة ولو تعلق بالتوكيل حق لها؛ لأن القول قول الموكل في الإذن، وفي صفته، ومنها العدد، قاله الشبراخيتي. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: وما قاله هذا الرجل ظاهر، إلا قوله: ولو تعلق بالتوكيل حق لها مع حكمه بأن القول قول الزوج فغير ظاهر، وإنما لم يعطف هذا الشرط على الأول لأن هذا شرط في زادتا، والأول شرط في ناكر، ويأتي عن الشبراخيتي عند قوله إلا أن ينوي التأكيد أنه يناكر فيما نوى به التأكيد فتلزمه اثنتان مثلا ويناكر في الثالثة. والله سبحانه أعلم. ابن رشد: اختلف قول مالك في الرجل يملك امرأته أو يخيرها على شيء تعطيه له، فمرة رأى التخيير في ذلك جاريا على سنته فإذا ملكها أو خير وجب له المال وكان لها في ذلك سنة الخيار والتمليك، فإن خيرها فقضت بالثلاث لم يناكرها، وإن قضت بدونها لم يكن لها شيء، وإن ملكها فقضت بما فوق الواحدة كان له أن يناكرها، وتكون له الرجعة، ومرة رآها بما أعطته من المال في حكم المملكة أو المخيرة قيل الدخول؛ لأنها تبين بالواحدة بسبب المال الذي أعطته كما تبين المطلقة قبل الدخول بواحدة، وعلى هذا القول له أن يناكر المخيرة بعد الدخول كما يناكر المملكة بعده. والله سبحانه أعلم. انظر الحطاب. مسألة قال البرزلي في مسائل الأيمان: وسئل ابن أبي الدنيا عمن خالع زوجته وقال لها إثر الخلع: أمرك بيدك؟ فأجاب إن نسق كلامه بذلك لزمه وإن كان بعد انقضاء كلامه فلا شيء عليه، البرزلي: يريد إيقاع طلاق آخر إن أرادته انتهى وبادر يعني أنه يشترط في رده للزائد على الواحدة أيضا أن يبادر بالمناكرة؛ أي يسرع بها حين أوقعت أكثر من واحدة وإلا سقط حقه، ولو ادعى الجهل. قاله عبد الباقي. وقوله: وبادرت قال ابن القاسم: من ملك امرأته فقضت بالبتة فلم يناكرها وادعى الجهل وأراد مناكرتها حين علم فليس له ذلك، وقال الحطاب عند قوله: وبادر: ولا يدخله الخلاف الذي في المرأة ببطلان خيارها في المجلس لأن سكوت الزوج التزام لما قضت. قاله في التوضيح. انتهى. وقال الأمير عند

ص: 305

قوله: ونواها ما نصه: وظاهر أن النية إنما تقبل إذا احتملها اللفظ لا إن أتى بأداة تقتضي التكرار، نحو كلما شئت فأمرك بيدك فلا نكرة كما نص عليه ابن الحاجب. حلف يعني أنه إنما يكون له أن يرد الزائد على الواحدة بشرط أن يحلف أنه لم ينو إلا واحدة. قال الشبراخيتي: فإن نكل وقع ما أوقعت، ولا ترد عليها اليمين وتعجل يمينه وقت المناكرة. انتهى. وقال الشارح: فإن لم يحلف ففي المبسوطة يلزمه ثلاث. انتهى إن دخل يعني أن محل حلفه إنما هو حيث دخل بالمرأة المفوض إليها، وإلا يدخل بها فإنه يحلف عند إرادة الارتجاع لها بعقد جديد، فالمراد بالارتجاع هنا الارتجاع اللغوي، وهو العقد، فعند العقد عليها يحلف، وأما إن لم يرد تزوجها فلا يحلف إذ لعله لا يتزوجها، ويصح أن يراد بالارتجاع حقيقته والتقدير، وحلف إن دخل وأراد رجعتها، وإلا يرد رجعتها فعند الارتجاع. ابن رشد: ذهب مالك إلى أن التمليك يفترق من التخيير، فأخذ في التمليك بقول عبد الله بن عمر: إذا ملك الرجل امرأته فالقضاء ما قضت، إلا أن ينكر عليها فيقول: لم أرد إلا واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما دامت فإذا قال: أمرك بيدك فقد جعل بيدها ما كان بيده من طلاقها، هذا هو ظاهر اللفظ، ويحتمل أن يريد به واحدة أو اثنتين أو ثلاثا. فإن كانت له نية في ذلك قبلت منه مع يمينه، وإن لم تكن له نية فالقضاء ما قضت به من واحدة أو ثلاث أو اثنتين، وذهب في التخيير إلى أنه ثلاث، وإن اختارت واحدة أو اثنتين فلا يكون شيئا، وإن كانت غير مدخول بها كان حكمها حكم المملكة في المناكرة، ولم يكرر أمرها بيدها أن الزوج إنما تكون له المناكرة حيث لم يكرر للمرأة أمرك بيدك، وأما إن كرر أمرها بيدها مرتين فلا مناكرة له ويلزمه الثلاث التي أوقعت المرأة. إلا أن ينوي بتكريره لأمرك بيدك التأكيد، فهو استثناء من المفهوم، فله حينئذ أن يناكر إن بادر وحلف، ففي المدونة: إن قال لها: أمرك بيدك، أمرك بيدك، أمرك بيدك، فطلقت نفسها ثلاثا، سئل الزوج عما أراد؟ فإن نوى واحدة حلف وكانت واحدة، وإن نوى الثلاث فهي الثلاث، وإن لم تكن له نية فالقضاء ما قضت من واحدة أو أكثر، ولا مناكرة له. محمد: إذا ملكها فقالت: كم ملكتني، فقال: مرة، ومرة، ومرة، فإن قال: أردت واحدة حلف وصدق، وعلم مما مر أنه لو قال المص عقب قوله:"فعند الارتجاع": ولم يأت بأداة تقتضي التكرار، ويأتي بدل قوله: ولم يكرر أمرها بيدها بما هو بصيغة المبالغة بأن يقول: وإن كرر أمرها

ص: 306

بيدها ويحذف قوله: إلا لنية تأكيد لكان أحسن؛ لأن هذا أعني قوله: ولم يكرر، لا مفهوم له فحكمه حكم ما إذا كرر. والله سبحانه أعلم وتقرير كلام المص بحسب ظاهره، له أن يناكر إن نوى واحدة ولم يكرر أمرها بيدها، وأما إن كرر فلا يناكر إلا أن ينوي التأكيد؛ أي ينوي واحدة مثلا، وهذا فيه ما فيه. وفي الشبراخيتي: إلا أن ينوي التأكيد فينوَّى فيما نوى به التأكيد. انتهى. أي ثانية أو ثالثة أو هما، وقوله: ولم يكرر أمرها بيدها، اعلم أنه لا فرق بين أن يكرره بعطف نحو أمرك بيدك وأمرك بيدك وأمرك بيدك، وأن يكرر بغير عطف، وقد مر أنه لا تنفعه نية التأكيد مع حرف العطف فكذا هنا. والله تعالى أعلم. كنسقها هي أشار بهذا إلى ما في المدونة: إن ملكها قبل البناء ولا نية له فطلقت نفسها واحدة ثم واحدة ثم واحدة فإن نسقتهن لزمته الثلاث إلا أن تنوي هي واحدة، كطلاقه إياها إذا كان نسقا قبل البناء. انتهى. وحيث كان الموضوع أنه لا نية له فلا مناكرة له فقوله: كنسقها هي، محله حيث لم تكن له نية، وإلا ناكر لأنه تشبيه فيما قبله أي فيما أفاده المفهوم من عدم المناكرة ولزوم ما نسقه إلا لنية تأكيد.

وعلم مما قررت أن قوله: كنسقها هي، أنه لو لم يكن نسقا لم يلزم إلا أن تكون مدخولا بها فلا فرق بين أن يكون نسقا وغير نسق، ولم يشترط في العقد يعني أن محل كون الزوج له أن يناكر المملكة مطلقا والمخيرة قبل البناء إنما هو حيث لم يكن التخيير والتمليك مشترطين في العقد، فإن اشترط ما ذكر في العقد فلا مناكرة للزوج فيما أوقعت المرأة من الطلاق، بل يلزمه الزائد على الواحدة بنى بها أم لا، فإن أوقعت البتات فالأمر واضح وإن أبقت شيئا فله أن يرتجعها إن بنى بها، وقال سحنون: لا رجعة له فيها لرجوعه إلى الخلع لأنها أسقطت من صداقها للشرط، وفي المدونة: إن شرط لها في عقد النكاح إن تزوج عليها فأمرها بيدها فتزوج فقضت بالثلاث فلا مناكرة له بنى بها أم لا، وفي حمله على الشرط إن أطلق قولان يعني أنه لو كتب العاقد: أمرها بيدها إن تزوج عليها ونحو ذلك من الشروط، ولم يعلم هل وقع ذلك في العقد أو بعده، واختلفا في ذلك: فقال الزوج: إنها كانت على الطوع، وقالت هي أو وليها: بل في العقد، فإنه اختلف في ذلك على قولين، فحكى ابن العطار في وثائقه أن ذلك يحمل على الطوع فللزوج حينئذ أن يناكر، وقال محمد بن عبد الله بن مقبل: إنه محمول على أن النكاح انعقد عليه فليس له أن يناكر.

ص: 307

واعلم أن الشروط الواقعة في العقد لها حكم المشترطة ولو تطوع بها، كما نص عليه غير واحد. وقوله:"وفي حمله على الشرط إن أطلق قولان"، قال بعض الموثقين: ينبغي أن ينظر في ذلك إلى عرف الناس في ذلك البلد فيكون القول قول مدعيه، فإن لم يكن عرف فالقول قول الزوج، وإنما يختلف حكم الطوع وغيره في التمليك خاصة، فإن له أن يناكرها فيه إذا أوقعت أكثر من واحدة فيما طاع به من الشروط إن ادعى نية ويحلف على ذلك فيما انعقد عليه النكاح، وأما تعليق الطلاق والعتق فلا يختلف فيه الطوع من غيره وهو المشهور من قول مالك وأصحابه. انتهى. نقله بناني. وقبل إرادة الواحدة بعد قوله لم أرد طلاقا يعني أن المملكة مطلقا أو المخيرة قبل البناء إذا قضت بأكثر من واحدة فقال: لم أرد بالتخيير أو بالتمليك الطلاق فقيل له مثلا إذا لم ترد به ذلك يلزمك ما أوقعت، فرجع وقال: إنما أردت طلقة واحدة فإنه يقبل منه إرادة الواحدة فتصح مناكرته ولا يلزمه إلا واحدة بالشروط المتقدمة، وإنما قبل منه إرادة الواحدة بعد إنكاره لاحتمال وقوع قوله: لم أرد طلاقا سهوا، ثم تذكر أنه قصد طلقة واحدة، قاله في سماع ابن القاسم. أصبغ: هذا وهم ولا تقبل نيته بعد قوله: لم أرد شيئا، والقضاء ما قضت به من البتات، واختاره غير واحد من الأشياخ. وإلى قول أصبغ واختيار من ذكر له أشار بقوله: والأصح خلافه ابن رشد: قول أصبغ: وهم غير صحيح، بل الرواية بذلك ثابتة، والقولان قائمان من المدونة، وقوله: والأصح خلافه؛ ضعيف، وإن كان جاريا على المشهور في إنكار المودع الوديعة وقامت عليه البينة فقال: رددتها فلا تسمع دعواه ولا بينته، وعلى إنكار المشتري الشراء وقامت بينة عليه فادعى الوفاء فلا تسمع دعواه ولا بينته، ولا نكره له إن دخل في تخيير مطلق يعني أن المدخول بها إذا خيرها الزوج تخييرا مطلقا أي عاريا عن التقييد بعدد سواء قيد بأمد أو لا فأوقعت البتات فإنه ليس له أن يناكرها بل يلزم ما أوقعته من البتات فقوله: في تخيير مطلق معناه لم يقيد بطلقة أو طلقتين؛ وأما إن قيد بطلقة أو طلقتين فليس لها أن تزيد على ما جعل لها: فإن قضت بأقل مما خيرها فيه بطل ما بيدها كما يأتي، وقوله: ولا نكرة له إن دخل الخ، هو مفهوم قوله: وناكر مخيرة لم يدخل، وكون الزوج إذا حصل الأمران الدخول والتخيير المطلق لا نكرة له هو مذهب المدونة واختيارها ثلاث وإن لم ينوها وإن قضت بدونها فلا حكم له، وعن مالك أن اختيارها واحدة بائنة واختاره اللخمي. وقال ابن الجهم: له المناكرة في الثلاث والطلقة بائنة، عياض وهو الظاهر

ص: 308

عندي وظاهر قول سحنون أن له المناكرة، والطلقة رجعية قاله الشارح وإن قالت طلقت نفسي سنلت يعني أن المملكة أو المخيرة إذا قالت: طلقت نفسي أو زوجي فإنها تسئل بالمجلس الذي قالت فيه ذلك وبعده ما أرادت بقولها ذلك، فإنه محتمل فإن أرادت الثلاث أي قالت: أردت بقولي ذلك ثلاث تطليقات لزمت الثلاث الزوج في التخيير فلا تحل له إلا بعد زوج حيث دخل إذ لا نكرة له حينئذ، وناكر الزوجة في التمليك مدخولا بها أم لا وفي التخيير إن لم يدخل، وإن قالت: أردت بقولي ذلك طلقة واحدة بطلت تلك الواحدة في التخيير لبطلان التخيير من أصله بسبب قضائها بواحدة لأنها خرجت عما خيرها فيه بالكلية لأنه أراد أن تبين منه وأرادت هي أن تبقى في عصمته، وهذا إن دخل وإلا لزمته كالتمليك، وهل يحمل على الثلاث أو الواحدة عند عدم النية يعني أن المخيرة أو المملكة إذا قالت: طلقت نفسي وسئلت عن ذلك ما أرادت به؟ فقالت: لم أنو بذلك عددا فإن الشيوخ اختلفوا في فهم المدونة في ذلك، فذهب ابن رشد إلى أن مذهب ابن القاسم في المدونة أنه يحمل قولها ذلك على الثلاث، فتلزم في المخيرة إن دخل وفي المملكة إلا أن يناكر كالخيرة إن لم يدخل، وتأول عبد الحق المدونة على أن قول المرأة ذلك يحمل على الواحدة عند عدم نية عدد فتلزم في المملكة مطلقا وفي المخيرة إن لم يدخل، فإن بنى سقط ما بيدها، ومفهوم قوله: عند عدم النية أنها لو نوت عددا معينا فهو ما قدمه بقوله: فإن أرادت الثلاث لزمت في التخيير وناكر لخ. وقوله: عند، متعلق بقوله: يحمل، وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان متساويان، الأول لابن رشد والثاني لعبد الحق كما مر، وفي بعض النسخ قولان، وقوله:"أو الواحدة"، قال بناني: في الخرشي: أنه على حمله على الواحدة يناكر في المملكة مطلقا وفي المخيرة إن لم يدخل لخ. وهو سهو منه، فتلزمه في المملكة مطلقا وفي المخيرة إن لم يدخل، وقد صرح أبو الحسن بذلك. انتهى المراد منه. وقوله: وهل يحمل على الثلاث أو الواحدة لخ، وقال عبد الملك: تلزم في التمليك واحدة ويسقط في التخيير. وقد كان ابن زرب يتوقف عن الجواب في هذه المسألة إذ لم يجد فيها في المدونة ولا في العتبية شيئا. نقله الشارح. والظاهر سؤالها إن قالت اخترت الطلاق يعني أن المفوض إليها إذا أجابت بقولها: اخترت الطلاق فالذي رأى ابن رشد أنها تسئل ما أرادت بقولها؟ لأنه يحتمل الطلاق

ص: 309

السني فتقع واحدة لكون أل للعهد، ويمكن أن تكون استغراقية فتقع ثلاث. قوله: والظاهر صوابه وظهر، لأنه أشار به إلى قول ابن رشد في المقدمات: وأما إن قالت: اخترت الطلاق، فالذي أرى فيه على أصولهم أن تسأل في التخيير والتمليك لأن هذه الألف واللام قد يراد بهما الجندى فيكون ثلاثا ويراد بها العهد وهو الطلاق السني المشروع فيكون واحدة، فإذا احتمل اللفظ هذين الوجهين وجب أن تسئل أيهما أرادت؟ انتهى. وعلى هذا فإن قالت: ثلاث لزمت في التخيير إن دخل وفي المملكة مطلقا إلا أن يناكر، وكذا المخيرة إن لم يدخل، وإن قالت: واحدة بطلت في التخيير إن دخل ولزمت في المملكة مطلقا، كالمخيرة إن لم يدخل، وهل يحمل على الثلاث أو الواحدة عند عدم النية تأويلان مخرجان على التأويلين المتقدمين؛ أي خرجهما المصنف. ومعنى قوله أيضا أنها تسئل في هذه كما سئلت في التي قبلها، وقوله: وإن قالت: اخترت الطلاق، قال: ابن غازي كذا في بعض النسخ وهو الصواب. انتهى. وأما نسخة والظاهر سؤالها إن قالت: طلقت نفسي فقد مر الكلام عليها في قوله: وإن قالت: طلقت نفسي، وليس فيه قوله: والظاهر سؤالها وفي جواز التخيير وكراهته قولان يعني أنه اختلف في جواز التخيير وكراهته على قولين، والراجح الجواز، قال الأمير: الراجح جواز التخيير والتمليك لأن الثلاث غير مجزوم بها على أن الغالب أن النساء يخترن أزواجهن. انتهى كلام الشيخ الأمير. وقال أبو عمران: لا يكره للرجل أن يخير زوجته كما يكره له التطليق ثلاثا، وإنما يكره ذلك للمرأة أن تطلق نفسها ثلاثا، فقيل له: إنما صار ذلك إليها بسببه، فقال: ليس من يقصد إلى البدعة كالذي لا يقصد إليها، فقيل له: ما ذكره أبو محمد عن بعض البغداديين أنه يكره التخيير كما يكره التطليق ثلاثا، فقال: هذا شيء ذكره بكر القاضي؛ وما في الحديث يرده. انتهى. وفي شرح عبد الباقي: وينبغي جري القولين في التمليك إذا قيد بالثلاث وإلا فمباح، والظاهر كراهة التوكيل قطعا حيث قيد بالثلاث. انتهى. وحلف في اختاري في واحدة يعني أن الزوج إذا قال لزوجتك: اختاري في واحدة فقضت بالثلاث فإنه يحلف بلا خلاف أنه أم يرد إلا واحدة ولم يلزمه غيرها وتكون رجعية في المدخول بها، وإنما حلف لاحتمال كون في للظرفية، فيكون المراد بقوله: في واحدة في مرة واحدة، مع احتمال كون في للسببية فتكون الواحدة صفة لطلقة؛ وقوله: وحلف فإن نكل لزمه ما أوقعته ولا يمين عليها ولا خلاف أنه لا يمين عليه إن قال: اختاري من الطلاق

ص: 310

واحدة أو من الطلاق طلقة أو اختاري طلقة. قاله الحطاب. أو في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: اختاري في أن تطلقي نفسك تطليقة واحدة أو تقيمي فإنه يحلف أنه لم يرد إلا واحدة ونسبه اللخمي لابن القاسم، قال: وعدم اليمين أصح. انتهى. واعلم أن المصنف يقال عليه كيف حذف أو تقيمي ولولا أن الزوج زادها لما حلف وذلك أنه لما قابل بقوله: أو تقيمي دل على أنه لم يرد حقيقة المطلقة الواحدة فإن حلف لزمته واحدة وهي رجعية في المدخول بها، وإن نكل لزمه ما قضت به لا اختاري طلقة يعني أن الزوح إذا قال لزوجته: اختاري طلقة فقط فقضت بأكثر فإنه لا يلزمه إلا واحدة ولا يمين عليه بلا خلاف كما مر عن الحطاب، وتكون رجعية في المدخول بها. قال عبد الباقي في قوله طلقة: هو منصوب على نزع الخافض. انتهى. أي اختاري نفسك بسبب طلقة توقعينها. قاله مقيده عفا الله عنه. وبطل إن قضت بواحدة في اختاري تطليقتين أو في تطليقتين يعني أن الزوجة يبطل ما قضت به إن قضت بواحدة في قول الزوج لها: اختاري تطليقتين أو اختاري في تطليقتين؛ أي اختاري نفسك بسبب تطليقتين قال عبد الباقي: وأما ما جعل بيدها فلا يبطل في المسألتين بقضائها بواحدة بل يستمر ما جعله لها بيدها لأنها لم تخرج هنا عن اختيار ما جعل لها بالكلية وهو المطابق للنقل، وتبع في هذا عليا الأجهوري. قال مصطفى: ولم أر هذا النقل الذي زعم أنه يطابقه بل ظاهر كلامه أو صريحه خلاف ما زعمه، ففي المدونة: وإن قال لها: اختاري تطليقتين فاختارت واحدة أو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فقالت طلقت نفسي واحدة لم يقع عليه شيء انتهى فتسويتها بين اختاري طلقتين أو طلقي نفسك ثلاثا دليل على بطلانه من أصله لأن طلقي ثلاثا علم بطلانه من أصله. انتهى نقله بناني. وقال الحطاب: مفهوم قوله: إن قضت بواحدة أنها لو قضت بأكثر مما عين لها لا يبطل ما لها من التخيير وهو كذلك، إلا أنه يلزمه ما عينه ويلغى ما زادته، قال ابن عسكر في الإرشاد: وإن عين لها عددا فزادت ألغى الزائد، قال التتائي في شرحه لهذا المحل: كما إذا قال: اختاري تطليقتين أو في تطليقتين فطلقت ثلاثا ألغي الزائد. انتهى. والله سبحانه أعلم. وقال الشيخ زروق في شرحه لهذا المحل: كما لو قال: اختاري طلقة أو تطليقتين فطلقت ثلاثا ألغي الزائد انتهى. والله أعلم. انتهى كلام الحطاب. ومفهوم قوله: اختاري، أن التمليك

ص: 311

ليس كذلك ففي الشامل: ولها القضاء بواحدة في ملكتك طلقتين وكذا ثلاثا ولا يبطل على الأصح. انتهى. ذكره أحمد نقله عبد الباقي. ومن تطليقتين فلا تقضي إلإ بواحدة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: اختاري من تطليقتين فإنه لا يجوز لها أن تتعدى ذلك فلا تقضي إلا بطلقة واحدة، فإن قضت بأكثر لزمت واحدة فقط كما في النص وبطل في المطلق إن قضت بدون الثلاث الضمير في بطل راجع لما جعل بيدها لا لما قضت به فقط والمراد بالمطلق ما لم يقيد بعدد قيد بزمان أو مكان أم لا كاختاري أو خيرتك وهي مدخول بها؛ يعني أن الزوج إذا خير زوجته تخييرا مطلقا رأوقعت على نفسها دون البتات فإنه يبطل ما قضت به وما جعل بيدها، وهذا في المدخول بها لا في غيرها، ومحل البطلان لا قضت به ما لم يجزه الزوج فإن أجازه لزم لأن قصاراه أنه فضولي أجازد وذلك يلزم؛ ومثل الثلاث ما يحصل به تكملتها، وقوله: وبطل أي وإذا بطل يصير معها على ما كان عليه قبل قوله ذلك وما مشى عليه المص هو المشهور، وقال محمد متمما للمشهور: ما لم يتبين منه الرضى بما أوقعت فيلزم وتكون رجعية إن لم تتم لها ثلاث، ومقابل المشهور ما قال أشهب: لا يبطل ولها بعد ذلك أن تقضي بالثلاث واستحسنه اللخمي، وفي المتيطية: أنها إذا أوقعت دون الثلاث وكان سبق له فيها من الطلاق ما يكمل الثلاث أن ذلك كإيقاع الطلاق الثلاث وهو ظاهر. نقله الحطاب. ونقل نحوه عن غير واحد، وقال أبو الأصبغ: هذا عندي صحيح لا يتوجه فيه خلاف، والله أعلم. وقوله:"وبطل في المطلق إن قضت بدون الثلاث" هو مذهب المدونة وقد مر أنه المشهور. قال ابن ناجي إثر كلام المدونة: ويقوم منها أن الحاضنة إذا رضيت بأخذ بعض الأولاد دون بعض فإنه ليس لها ذلك، ووجه الإقامة أنه جعل هنا الجزء من الجملة لا يستقل فيلزم اطراده انتهى. قاله الحطاب. مسألة قال في المدونة: قال مالك: وإن قال لها: اختاري أباك أو أمك أو كانت تكثر التردد إلى الحمام أو الغرفة فقال لها: اختاريني أو اختاري الحمام أو الغرفة فإن لم يرد بذلك طلاقا فلا شيء عليه. انتهى. قال ابن ناجي: يريد بقوله: لا شيء عليه أي مع يمينه كما قال في كتاب محمد، ثم قال: في المدونة: وإن أراد بذلك الطلاق فهو الطلاق، قال ابن القاسم: ومعنى قوله: إن أراد به الطلاق، إنما ذلك إذا اختارت الشيء الذي خيرها فيه بمنزلة أن لو خيرها في نفسها فإن لم تختر ذلك فلا شيء لها. انتهى. قال ابن ناجي: ولم يبين ما الذي يلزمه من الطلاق، وقال اللخمي إن أراد الطلاق ولم ينو عددا لزمه

ص: 312

الثلاث، وإن قال: نويت واحدة، فقيل: يلزمه الثلاث؛ قاله ابن القاسم. وقيل: واحدة؛ قاله أصبغ، وهو أشبه. انتهى. نقله الحطاب. وفي الحطاب ما نصه: قال فيها: وإن قال لها: أمرك بيدك وأراد ثلاثا فطلقت نفسها واحدة فذلك لها وتلزمه طلقة وله الرجعة. نقله الحطاب. وقد مر. تنبيه: عورضت هذه المسألة أعني قوله وبطل في المطلق الخ، بمن طلق بعض طلقة فإنها تكمل عليه وفي التخيير يبطل مع أن كلا منهما أوقع بعض المسمى، وأجيب بأن التخيير ليس موضوعا للطلاق فلذا لا يقع بإيقاعه على المرأة حتى توقعه والطلاق يلزم بمجرد إيقاعه على المرأة قبلته أو ردته، فلذا كان الطلاق أقوى من التخيير في الدلالة على فك العصمة فلم يلغ فيه تبعيض المطلقة وألغي في التخيير. قاله الشبراخيتي. كطلقي ثلاثا تشبيه في بطلان ما جعل لها وعدم لزوم ما أوقعت؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: طلقي نفسك ثلاثا ولم يقيد بمشيئتها فقضت بأقل من الثلاث فإنه يبطل ما بيدها وما قضت به مدخولا بها أم لا، فليس بمنزلة التخيير لأن المخيرة إذا لم تكن مدخولا بها وقضت بأقل لابد أن تلزم واحدة، وقولي: ولم يقيد بمشيئتها، قلته تبعا لعبد الباقي، وأما إن قيد بمشيئتها فقال: طلقي نفسك ثلاثا إن شئت أو كلما شئت فقد مر عند قول المصنف: أو تمليكا ما يفيد أنه يكون حينئذ تمليكا أي وإذا كان تمليكا فيكون لها أن تقضي بدون الثلاث؛ والله سبحانه أعلم. وفي شرح عبد الباقي: وليس مثل المصنف ملكتك ثلاثا على أحد قولين واستحسن لأن التمليك يقتضي تصرفها كالمالك ونحوه للحطاب في مسألة أخرى وهي: أمرك بيدك ونوى ثلاثا فطلقت واحدة فلها ذلك وتلزمه وتكون رجعية في المدخول بها وقد مر عن الشامل ما هو صريح في ذلك عند قوله: أو في تطليقتين. ووقفت إن اختارت بدخوله على ضرتها يعني أن الزوج إذا خير زوجته أو ملكها ولم يقيد ذلك بدخوله على ضرتها فاختارت هي الفراق بدخوله على ضرتها بأن قالت: إن دخلت على ضرتي فقد اخترت نفسي مثلا فإن الحاكم يوقفها وقت اطلاعه على ذلك فتقضي ناجزا برد أو بقاء ولا ينتظر دخوله على ضرتها لأنه يقول: إنما جعلته لها ناجزا، وهذا إن لم يرض الزوج بتعليقها وإلا انتظر دخوله على ضرتها فتطلق من غير خيارها في هذا المثال، ولها في هذه الحالة الرجوع قبل وقوع المعلق عليه إذا رضي

ص: 313

الزوج بالرجوع؛ كما نص عليه اللخمي، ونقله الحطاب. ونصه: فإن لم توقف حتى وقع الدخول على ضرتها وقع الطارق في الاختيار المتقدم وإن وطئها قبل ذلك ما لم تسقط الحكم المتقدم، وإن أرادت بعد قولها الأول أن تنظر الآن لم يكن لها ذلك إلا برضى الزوج إذا كان قد أجاز قولها الأول، والفرق بين صحة التعليق منه وعدم صحته منها مع عدم رضي الزوج به من وجهين أحدهما: أن الله تعالى جعل الطلاق بيده، الثاني: تعليقها على دخول ضرتها غير لازم لها إذ لها رفعه بحيث ألا يقع عليه طلاق بدخوله، بخلاف تعليق الرجل فلازم، وقد مر أن محل جواز رفعها التعليق إنما هو قبل وقوع المعلق عليه، وهذا إن لم يرض الزوج بما علقته وإلا لم يكن لها رجوع إلا إذا رضي برجوعها، وقد مر أن وطأه لها لا يسقط حقها وسواء في ذلك رضي بتعليقها أم لا، ومثل تعليقها بدخوله على ضرتها تعليقها على محتمل غير غالب لا بغالب فينجز كما يأتي، وقد مر في حل المصنف أنه في التخيير والتمليك وأما لو وكلها فعلقت الطلاق على دخوله على ضرتها فيلزم ذلك ولا توقف رضي الزوج أم لا. قاله عبد الباقي.

تنبيه: إنما وقفت هنا وبطل ما بيدها في المطلق إن قضت بدون الثلاث لأن هذه لم تبطل شيئا من حقها بل اختارته على صفة، والأولى أبطلت بعض حقها فبطل كله كالعفو عن بعض الدم فيسقط كله. قاله غير واحد ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق يعني أنه اختلف قول مالك في تخيير الزوج وتمليكه لزوجته الحاضرة معه حين التخيير والتمليك والحال أنهما مطلقان أي عاريان عن التقييد بالزمان والمكان سواء قيدا بعدد أم لا، فكان يقول: إنهما إذا تفرقا من المجلس أو طال المجلس بهما حتى يرى أنهما قد تركا ذلك وخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره بطل ما جعله لهاهـ وأما إن ملكها وأسرع القيام فلا يسقط خيارها بلا خلاف، ثم إن الإمام رجع عن هذا القول إلى أنهما يبقيان بيدها ما لم توقف أي يوقفها الحاكم فتقضي وإلا أسقط ما بيدها كما مر. أو توطأ أي وما لم توطأ أو تمكن من الوطء أو الاستمتاع طائعة عالمة بما جعل لها وإلا بطل ما بيدها كما مر. كمتى شئت يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أمرك بيدك متى شئت فإنه يبقى بيدها ما لم توقف أو توطأ أو تمكن وهو تشبيه في المرجوع إليه من غير خلاف. وأخذ ابن القاسم بالسقوط هذا مقابل قوله: "ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق ما لم توقف أو توطأ" يعني أن ابن القاسم أخذ بالقول المرجوع عنه وهو سقوطهما أي التخيير والتمليك المطلقين بانقضاء المجلس

ص: 314

أو الخروج عنه لكلام غيره. المتيطى: وبه القضاء وعليه جمهور أصحاب مالك، ورجع له الإمام ثانيا وبقي عليه إلى أن مات، وهو الراجح، فلو اقتصر عليه المصنف لكان أحسن، وكلام المصنف يقتضي عدم رجوع الإمام لقوله الأول وأن الراجح هو المرجوع إليه وليس كذلك، ومحل الخلاف ما لم تقل عند التمليك: قبلت أمري أو رضيت ونحوه مما يدل على أنها لم تترك ما بيدها، فإن قالت ذلك بقى بيدها ما لم توقف أو توطأ؛ قال ابن رشد: اتفاقا، وسمع ابن القاسم: مَن ملَّكَ امرأته فقالت: قبلت النظر في أمري، وقال: ليس لك ذلك، أو قال: فانظري الآن وإلا فلا شيء لك، قال مالك: ذلك بيدها حتى يوقفها السلطان؛ وجعل ابن رشد محل الاتفاق حيث لم يرد الزوج قولها، وأما لو رد الزوج قول المرأة لجرى القولان. وذكر ابن عرفة عن الباجي أن ظاهره خروجه من الخلاف ولو رد قولها، خلاف ما قاله ابن رشد. ابن عرفة: وقدر المجلس فيها أن يقعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله فإن وثب حين ملكها يريد قطع ذلك عنها لم ينفعه، ومثله في المدونة. ونص الحطاب: كان مالك يقول: إنهما إذا تفرقا من المجلس أو طال المجلس بهما حتى يرى أنهما قد تركا ذلك وخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره بطل أي ما جعله لها، وأما إن ملكها وأسرع القيام عنها فلا يسقط خيارها بلا خلاف. انتهى. ولو نص الخير أو المملك على أن ذلك لا يكون للمرأة إلا إن اختارت في الحال، أو نص على أن ذلك بيدها وإن تفرقا أنه يعمل على ذلك. قاله الحطاب. وقوله:"ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق ما لم توقف" لخ، كان الأولى أن يذكره عقب قوله: ومضى يوم تخييرها؛ لأنه قسيمه؛ قاله بناني. وفي جعل إن شئت أو إذا شئت كمتى شئت أو كالمطلق تردد يعني أن ابن بشير حكى عن المتأخرين أنهم اختلفوا فيمن قال لزوجته: أمرك بيدك إن شئت أو إذا شئت هل هما كما إذا قال لها: أمرك بيدك متى شئت؟ فيكون أمرها بيدها ما لم توقف أو توطأ أو تمكن طائعة من غير خلاف، أو هما كالمطلق من تخيير وتمليك فيأتي فيهما قولا الإمام المتقدمين، وحكى ابن رشد فيهما ثلاثة أقوال أحدها: قول مالك أن ذلك كالتمليك المطلق سواء. الثاني: قول ابن القاسم إن الأمر بيدها ما لم توقف خلاف قوله في المطلق. الثالث: قول أصبغ: إنه إن قال: إن شئت كان الأمر بيدها في المجلس، وإن قال: إذا شئت كان الأمر بيدها حتى توقف. انتهى. انتهى. ووجه

ص: 315

مساواة إن لإذا على القول بتساويهما أن إذا، وإن دلت على الزمان بجوهريتها، فقد دلت عليه إن بتضمنها؛ لأنها وإن دخلت على ماض صرفته للاستقبال، فتكون كإذا لأنها للزمن المستقبل وضعا، ووجه التفرقة بينهما أن إذا ظرف زمان مستقبل غير محصور ولا محدود فوجب أن يكون ذلك بيدها ما لم توقف أو يكون منها ما يدل على إسقاطه، وليس هذا المعنى في إن لأنها لا تدل على زمان، وإنما هي للشرط خاصة قال الشيخ عبد الباقي والراجح من التردد الأول، وهو نصها. كما إذا كانت غائبة وبلغها ما مر من قوله: ورجع مالك إلى بقائهما لخ، في الحاضرة معه حين التخيير أو التمليك، وهذا فيما إذا كانت غائبة عمة حين خيركما أو ملكها. والله سبحانه أعلم. يعني: أن الزوج إذا خير المرأة أو ملكها وهي غائبة عنه فبلغها الخبر أي بلغها وهي غائبة أنه ملكها أو خيرها فإنه يجري في ذلك التردد هل يبقى ذلك بيدها ما لم توقف أو توطأ، وهي طريق ابن رشد: وحكى عليها الاتفاق أو يجري فيها القولان المتقدمان من قوله: ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق ما لم توقف أو توطأ؛ وأخذ ابن القاسم بالسقوط وهي طريق اللخمي، فالتشبيه تام، وكلام عبد الباقي غير صحيح. انظر حاشية الشيخ بناني. والله سبحانه أعلم. وقوله: كما إذا كانت غائبة وبلغها قال الشبراخيتي: وليس في كلام المصنف تشبيه في التردد إلا في هذه. انتهى. وإن عين عند تعين يعني أن الزوج إذا عين عند التفويض لزوجته أمدا من زمان أو مكان كما لو قال: أمرك بيدك إلى سنة مثلا أو أمرك بيدك ما دمت في مصر أو اختاري نفسك إلى سنتين أو ما دمت في الشام مثلا أو خيرتك أو ملكتك في هذا اليوم مثلا أو في هذا المكان أو أمرك بيدك متى شئت في هذا اليوم أو في هذا المكان فإن ذلك الذي عينه من الزمان والمكان يتعين لها، فمتى فارقت فيه فلها ذلك، وقد مر قوله: ومضى يوم تخييرها والأمد المذكور زمانا أو مكانا مقيد بما إذا لم يوقفها الحاكم فتقضي وإلا أسقطه الحاكم وبما إذا لم توطأ أو تمكن طائعة عالمة بما جعل لها كما مر، وقوله: أمدا بالدال كما يفيده غير واحد وهو الغاية. وفي الشبراخيتي ما يفيد أنه بالراء وسكون الميم، فإنه قال: وإن عين الزوج أمرا أي شأنا وحالا كان زمانا أو مكانا أو وصفا كخيراتك أو ملكتك في هذا اليوم أو الجمعة أو الشهر أو هذا المكان أو المجلس أو ما دمت طاهرة أو قائمة أو نحو ذلك. انتهى والله سبحانه أعلم. وقوله: وإن عين أمدا تعين، هو مفهوم قوله:"ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق". وتحصل مما مر أن المطلق من تخيير أو تمليك

ص: 316

على قسمين: أحدهما في الحاضرة حين التخيير أو التمليك فيه الخلاف المذكور، أعني قوله: ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق ما لم توقف أو توطأ، وأخذ ابن القاسم بالسقوط، وأنه إن قيد بمتى شئت كان بيدها ما لم توقف أو توطأ اتفاقا، وإن شئت أو إذا شئت اختلف فيهما هل هما كمتى شئت فيكون ما جعل لها بيدها ما لم توقف أو توطأ اتفاقا أو هما كالمطلق المذكور في الحاضرة فيجري القولان، أعني قوله: ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق لخ. وأنه إن قيد: بأمد تعين ما لم توقف أو توطأ أو تمكن فإن وقفت قضت وإلا أسقطه الحاكم وأنه يسقط ما بيدها بمضي الأمد. والله سبحانه أعلم. ثانيهما: في الغائبة وهو المشار إليه بقوله: "كما إذا كانت غائبة وبلغها" ولما تكلم على ما إذا أجابت المرأة بمعين أو محتمل ذكرما إذا أجابت بمتنافيين فقال: وإن قالت اخترت نفسي وزوجي أو بالعكس فالحكم للمتقدم يعني أن الزوجة إذا فوض الزوج إليها الطلاق فأجابت بمتنافيين، بأن قالت: اخترت نفسي وزوجي أو عكست بأن قالت: اخترت زوجي ونفسي فإن الحكم للمتقدم من اللفظين ويعد الثاني ندما فتطلق فيما إذا قالت اخترت نفسي وزوجي، ولم يقع طلاق فيما إذا قالت اخترت زوجي ونفسي، فإن قالت: اخترتهما فكتقديم نفسها في الاختيار؛ أي فتطلق ولا ينظر للمتقدم في مرجع الضمير الواقع من الزوج تغليبا لجانب التحريم، كذا يظهر فإن شك في أيهما المتقدم لم يؤمر بالطلاق، كمن شك أطلق أم لا، وكذا إن تحققت النطق بأحدهما وشكت في عينه. انظر الشبراخيتي والزرقاني. وكما في التخيير لتعليقهما بمنجز وغيره كالطلاق خبر عن قوله وهما، وفيه حذف الواو مع ما عطفت أي في التخيير وغيره وقول المص: وغيره، عطف على منجز وفي التخيير يظهر لي أنه متعلق بقوله: كالطلاق أي بالكاف يعني أن الزوج إذا علق التخيير أو التمليك بأمر فإنه ينظر إلى ذلك الأمر فإن كان مما ينجز به عليه الطلاق لو علقه به فإنه ينجز عليه التخيير أو التمليك حينئذ، وإن كان مما لا ينجز عليه الطلاق فيه لو علقه به فإنه لا يتنجز عليه ما ذكر من التخيير والتمليك، فقوله: بمنجز، أي بما يوجب التنجيز وهو بضم الميم وتشديد الجيم، فينجز عليه التخيير أو التمليك إذا علق بما يوجب تنجيز الطلاق من قوله:"ونجز إن علق بماض ممتنع" لخ، كما أنهما أي التخيير والتمليك لا ينجزان إذا علقا بغيره أي غير منجز أي بما لا يوجب

ص: 317

تنجيز الطلاق من كل محتمل غير غالب ونحوه من كل ما لا يوجب تنجيز الطلاق، وإن علق عليد من غير فرق يا فتى فإذا قال لها: أنت مخيرة أو مملكة بعد سنة أو عين زمنا يبلغه عمرهما ظاهرا فإنه ينجز عليه التخيير والتمليك من حين النطق بذلك ولا ينجزان عليه إذا قال لها: أنت مخيرة أو مملكة إن دخلت الدار فإن دخلت الدار لزمه ما ذكر ولا شيء عليه إن قال: إن لمست السماء فأمرك بيدك أو فأنت مخيرة؛ وليقس ما لم يقل على ما قيل، ومقتضى التشبيه أنه إذا قال: كل امرأة أتزوجها فأمرها بيدها أنه لا يلزمه شيء، وكذا لو قال: إن دخلت الدار فكل امرأة أتزوجها أمرها بيدها، ولكنهم استثنوا التعميم هنا فيلزم لعدم الجزم بالطلاق لأن الغالب أن النساء لا يخترن الفراق بحضرة العقد، فإذا قال: كل امرأة أتزوجها فأمرها بيدها أو إن دخلت الدار فأمرها بيدها فإنه يلزمه ذلك لما علمت، وهنا مسألة من هذا الباب وهي: إذا ملكها فقالت: أشهدكم على أنه إن تزوج علي فقد اخترت نفسي فذلك لازم بخلاف قول الأمة: إن عتقت وأنا تحت هذا العبد فقد اخترت نفسي، وسأل ابن الماجشون عن الفرق بينهما فقال له مالك: أتعرف دار قدامة؟ وهي دار كان يلهو بها، يعرض به بأنه اشتغل بذلك عن التعلم، فلم يعرف الفرق بينهما. والله سبحانه أعلم ولو علقهما بمغيبه شهرا فقدم ولم تعلم وتزوجت فكالواليين يعني أن الزوج إذا علق التخيير أو التمليك على مغيبه شهرا مثلا بأن قال لها: إن غبت شهرا عنك فأنت مخيرة أو مملكة أو فقد خيرتك أو ملكتك أو نحو ذلك، ثم إن الزوج غاب فقدم من مغيبه ذلك قبل انقضاء الشهر ولم تعلم بقدومه فاختارت نفسها بعد إثبات غيبته وحلفها أنه لم يقدم عليها المدة المذكورة لا سرا ولا جهرا واعتدت وانقضت عدتها فتزوجت أو تلذذ بها سيدها حيث كانت أمة فإنها تفوت بدخول الثاني أو تلذذه بها بلا علم منها ووليها والثاني، وأما إن تلذذ بها الثاني عالما بقدوم الأول فهي لزوجها الأول، وكذا لو علم وليها بقدوم الأول قبل تلذذ الثاني بها، وكذا لو علمت هي بذلك قبل التلذذ. وإذا قلنا: إنها لا تفوت حيث علمت بقدوم الأول فالظاهر أنها تحد ولا تعذر بالعقد الفاسد، كما قالوا فيمن طلق زوجته ثلاثا وتزوجها قبل زوج ودخل بها بأنه يحد ولم يعذروه بالعقد الفاسد، قاله الشارح. وإنما يكون علمها بقدومه قبل الشهر معتبرا حيث ثبت ببينة إقرارها بعلمها قبل عقد الثاني وقبل تلذذه، وإلا لم يلتفت لدعواها العلم أي لأنها تتهم على فسخ نكاح الثاني. قاله عبد الباقي. إلا قولي أي لأنها تتهم لخ

ص: 318

فقد نقله بناني عن ابن عبد السلام. ولو حذف المصنف قوله: ولم تعلم، لكان أحسن من وجوه. الأول أنه أخصر لعلمه من قوله فكالوليين، الثاني أنه يقتضي أنها لا تشبه ذات الوليين إلا عند عدم علمها مع أنها شبيهة لها حال العلم أيضا، الثالث إفادة أن علم وليها كعلمها على نحو ما مر في ذات الوليين. قاله غير واحد. وقال الشبراخيتي: وأما علم الزوج فيعمل بقوله فيه وإن لم تشهد على إقراره بينة قبل التلذذ، وقوله: فكالوليين هو المشهور، وقيل: لا تفوت. قاله الشارح. وبحضوره ولم تعلم فهي على خيارها يعني أن الزوج إذا علق التخيير أو التمليك على حضور شخص أجنبي بأن قال لها: إن حضر فلان من سفره فأمرك بيدك أو فأنت مخيرة ثم حضر من سفره ولم تعلم بحضوره فهي باقية على خيارها ولو وطئها زوجها قبل علمها بحضور ذلك الأجنبي. ولا يسقط خيارها حتى تمكنه عالمة بقدومه واعتبر التنجيز قبل بلوغها يعني أن الزوج إذا فوض إلى زوجته تخييرا أو تمليكا أو توكيلا وهي صبية فنجزت الطلاق أي أو قعته قبل بلوغها فإنه يعتبر أي يعتد بما أوقعته من الطلاق ولا يمنع ذلك كونها لم تبلغ. قاله مالك في الموازية. وزاد إذا بلغت في حالها، واختلف في معنى قول الإمام: بلغت في حالها كل معناه بلغت حد التمييز وعرفت ما ملكت فيه؛ قال في البيان: إن مالكا وقع له لزوم الطلاق وإن لم يوطأ مثلها إذا كانت قد عقلت وعرفت ما ملكت فيه ومثله في سماع ابن القاسم، وإلى هذا القول أشار المصنف بقوله: إن ميزت أي وهل معنى قول الإمام: بلغت في حالها، بلغت حد العقل والتمييز أو معنى قول الإمام: بلغت في حالها، بلغت حد الوطء أي مع التمييز قال الشارح: قال ابن القاسم: يريد بلغت حد الوطء فيما ظننتُ. انتهى. وعلى هذا فبلوغها في حالها يحصل في الوقت الذي أطاقت الوطء فيه مميزة، وإلى هذا القول أشار المصنف بقوله: متى توطأ جملة شرطية عطف على جملة شرطية وقوله: قولان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك قولان، وهما متفقان على عدم اعتبار تنجيزها قبل التمييز وعلى اعتباره مع التمييز والإطاقة ويختلفان عند التمييز وعدم الإطاقة. قاله غير واحد. وقوله: وهل إن ميزت: قال بناني: أدخل هل على شرط [التمييز]

(1)

مع أنه ليس محل القولين، فلو قال: قبل بلوغها إن ميزت وهل وبلغت الوطء قولان لأوضح. انتهى.

(1)

في الأصل التنجيز والمثبت من بناني ج 4 ص 138.

ص: 319

وقال الشبراخيتي: والصواب أن التمييز فهم الخطاب ورد الجواب، وهذا أعم مما قال الشارح: أنه إن تعقل معنى التمليك فلا ينافيه. انتهى. وفي المنتقى: ومن خير امرأته وهي مغمورة جاز قضاؤها عليه لأنه رضي بذلك لنفسه ولو كانت مفيقة ثم أصابها ذلك لم يلزمه قضاؤها. قاله عبد الملك. ووجهه أنه إنما رضي قضاءها على ما علم من حالها وعقلها فلما ذهب ذلك لم يلزمه ما قضت به على غير تلك الصفة. نقله الحطاب. وقال: ورجح في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك التفسير الأول، وعبر المصنف بالتخيير لأن الخلاف إنما هو في التيير، وأما التخيير والتمليك فثابتان مطلقا ميزت أم لا وطئت أم لا. وله التفويض لغيرها يعني أن الزوج له أن يفوض الطلاق إلى غير زوجته بأنواعه الثلاثة أي تخييرا أو تمليكا أو توكيلا، سواء كان هذا الغير قريبا لها أو أجنبيا منها بالغا أو صغيرا مميزا مسلما أو ذميا، ولو لم يكن من شرعه طلاق النساء وسواء شركها مع ذلك الغير أم لا على مذهب المدونة وهو المشهور، والعبرة بما قضى به الغير حالة الانفراد والعبرة بها حالة الاجتماع، ولو قال الأب للمفوض إليها: أنا أدرى بمصالحها، وظاهر المصنف هنا جواز التخيير للغير، وهو أحد قولين كما مر في خيارها هي، وقوله: وله التفويض لغيرها، هو المشهور وهو مذهب المدونة كما علمت، وقال أصبغ: ليس له تفويض أمر امرأته لغيرها ويرجع الأمر إليها فإما قضت وإما ردت، قاله الشارح. وهل له عزل وكيله يعني أن الزوج إذا وكل شخصا أن يفوض الطلاق للمرأة تخييرا أو تمليكا فإنه اختلف هل له أن يعزله أو ليس له أن يعزله؟ في ذلك قولان. والضمير في وكيله للتفويض، ومقتضى التوضيح أن الراجح عدم عزله، وأما لو وكل الزوج وكيلا على طلاق امرأته فله عزله ما لم يوقع الطلاق اتفاقات ولا يفسر المصنف بما إذا قال الزوج لغيره: طلق امرأتي وقد اختلف فيها هل تحمل تلك القالة على التمليك فليس له العزل؟ أو على التوكيل فله العزل؛ لأن هذا يحتاج إلى ما يسفر عنه وهنا خمسة أقسام، أحدها: أن يوكل الزوج غيرها على أن يفوض إلى المرأة تخييرا أو تمليكا أو توكيلا، أما إذا وكله على أن يفوض إليها تخييرا أو تمليكا ففيه قولان، هل له عزله أم لا؟ والراجح على مقتضى التوضيح أنه ليس له أن يعزله وهذا هو أحسن ما يقرر به المصنف، قال الشبراخيتي: ويقاس عليهما التفويض توكيلا انتهى؛ يعني أنه إذا وكله على أن يفوض إليها توكيار كما إذا وكله على أن يفوض إليها تخييرا أو تمليكا ويحتاج إلى تأمل، ثانيها: أن يوكل

ص: 320

الزوج غيرها على أن يطلقها، وهذا له عزله، بلا خلاف ما لم يوقع الطلاق كما صرح به غير واحد، فلا يفسر به المصنف؛ وأما ما في الحطاب عن اللخمي وعبد الحق من ذكر الخلاف في عزل الوكيل ففيه نظر إذ الخلاف الذي ذكره اللخمي إنما ذكره فيما إذا قال الزوج لغيره: طلق امرأتي هل يحمل على التمليك فليس له العزل أو على التوكيل فله العزل؟ وحمل المصنف على هذا يحتاج إلى وحي يسفر عنه، ثالثها: أن يملك غير الزوجة أمرها وهذا فيه قولان هل له عزله أم لا؟ والراجح أنه ليس له عزله، وقد نص في المدونة على أنه ليس له عزله رابعها: أن يخير غيرها في عصمتها، وسكت في المدونة عن مساواة المخير للمملك والظاهر استواؤهما في ذلك، وحمل الشارح المصنف على أن المراد بقوله: وهل له عزل وكيله، من فوض إليه أمر امرأته من أجنبي، فقال: وله التفويض لغيرها، هذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، وقال أصبغ: ليس له تفويض أمر امرأته لغيرها، ويرجع الأمر إليها فإما قضت وإما ردت، وعلى الأول فهل له عزل الوكيل إذا أراد ذلك؟ وهو قول مالك في المبسوط، ونحوه في المدونة أو لا ونحوه لعبد الملك، وإلى ذلك أشار بقوله: وهل له عزل وكيله؟ قولان. انتهى. وقوله: ونحوه لعبد الملك، وقوله: ونحوه في المدونة، هذا العزو على العكس مما قاله كما صرح به غير واحد، فإن الذي في المدونة: أنه ليس له عزله، وقال عبد الملك: له عزله، قاله فيمن قال لأم زوجته إن تكاريت لابنتك وخرجت بها من القرية فأمرها بيدك، فتكارت لها لتخرجها، فأبى وبدا له، فقال: ذلك له ولا شيء عليه، وتأول الباجي قول عبد الملك على الوفاق أي له أن يمنعها من الخروج بها ولو أخرجتها لم يكن له الرجوع في التمليك. والله سبحانه أعلم. خامسها: إذا قال الزوج للغير طلق زوجتي وفيها خلاف من ذكره تنبيه: قد علمت أن الراجح أن الزوج إذا ملك الأجنبي أمر زوجته أو خيره أنه ليس له عزله، قال أبو الحسن: انظر إذا قالت الزوجة أسقطت حقي في التمليك هل للزوج أن يعزل الملك لأنهم عللوا عدم العزل للوكيل بتعلق حق الغير وها هي قد أسقطته أو يقال للوكيل حق في الوكالة قد ترجح فيه. انتهى. وذكر أيضا في الكبير ما نصه: انظر إذا لم يكن له عزل

ص: 321

الملك فإن كان لما تعلق بذلك من حق الزوجة فمنقوض بالوكيل على ذلك، وإن كان مما تعلق بذلك من الحق للمملك لأنه أنزله منزلته فمنقوض بالوكيل المفوض إليه في جميع الأمور، إذ له أن يعزله متى شاء. انتهى. نقله بناني. وله النظر يعني أن الأجنبي الذي فوض الزوج إليه طلاق زوجته له النظر في أمر الزوجة أي يجب عليه في أمر الزوجة رعي المصلحة في بقائها أو فراقها. قال عبد الباقي: فإن لم ينظر بالمصلحة نظر الحاكم، واللام في له بمعنى على وقال الشبراخيتي: فلا يرد إلا إذا كان في الرد مصلحة وإلا قام الحاكم مقامه، ولا يُمضي إلا إذا كان في الإمضاء مصلحة وإلا قام الحاكم مقامه، انتهى. وبحث الرهوني فيما قالاه وقال: إنه لا يصح ومعنى المص: وله النظر قبل الإيقاع لا بعده. وصار كهي يعني أن الزوج إذا فوض أمر امرأته إلى غيرها فإن ذلك الغير يصير مثلها في التخيير والتمليك ومناكرة المملكة مطلقا والمخيرة قبل الدخول وفي جواز التخيير وكراهته؛ وفي قوله: ورجع مالك إلى بقائهما بيدها، إلخ. وغير ذلك مما مر؛ إن حضر شرط في قوله: وله التفويض لغيرها يعني أن الزوج إنما يكون له التفويض لغير زوجته بشرط أن يكون المفوض إليه حاضرا لتفويض الزوج له، أو كان غائبا يعني أنه له التفويض لغير الزوجة في أمرها بشرط أن يكون الغير حاضرا لتفويض الزوج له: وكذا إن لم يحضر لكنه غائب على مسافة قريبة؛ ومثل للمسافة القريبة بقوله: كاليومين والثلاثة. قاله في سماع عيسى. قال عبد الباقي: ذهابا فيما يظهر، وقال ابن القاسم في الواضحة: كاليوم وشبهه، نقله الشارح. لا أكثر يعني أن الزوج ليس له أن يفوض لغير زوجته أمرها إذا كانت مسافته أكثر من كيومين؛ فإن فوض أمر زوجته للغير وهو على مسافة أكثر من كيومين فإن النظر يكون لها أي للمرأة النظر في أمر نفسها ولا نظر للأجنبي المفوض له في شأنها حينئذ إذ في انتظارها له ضرر عليها، وجعله بيد أجنبي آخر أو إبطاله لا موجب له، إلا أن تمكن من نفسها مستثنى من قوله: وله النظر يعني أن محل كون النظر للغير المفوض له إنما هو حيث لم تمكن من نفسها، وأما إن مكنت الزوت من نفسها فيسقط نظر الأجنبي المفوض له، ولو مكنت بغير علمه على الأصح، قاله في الشامل. ونحوه في التتائي والسنهوري وهو الصواب؛ ومثله في التوضيح. قاله بناني. وقال محمد: إذا مكنت بغير علم الأجنبي لا يسقط ما بيده واستحسنه اللخمي. وقال الشيخ الأمير: وهل يسقط تمكينها ما فوضه لغيرها أو إن رضي خلاف. انتهى وقال الشارح: قال في النوادر عن عبد الملك:

ص: 322

إذا قال لها أمرك بيد أبيك فغاب الأب فأمكنته من وطئها فلا يزيل ذلك ما بيد الأب إلا أن يرده هو أو يوقفه السلطان، أو يغيب حاضر ولم يشهد ببقائه عطف على الاستثناء يعني أن الزوج إذا فوض أمر الزوجة لغيرها فإنه يسقط ما بيده بتمكينها كما عرفت، ويسقط ما بيده أيضا حيث فوض إليه الزوج وهو حاضر وغاب ولم يشهد عند غيبته بأنه باق على حقه؛ لأن ذلك دليل على تركه لحقه، وقوله: أو يغيب حاضر لخ، قال عبد الباقي: يسقط حقه ولو قربت غيبته؛ لأن غيبته مع ما جعل له دليل على تركه، ولا ينتقل الحق لها، والفرق بين هذه وبين المسابقة أنه هنا ظالم بغيبته بعد توكيله بحضوره، والسابقة غائب حال التوكيل. انتهى. قوله: ولو قربت غيبته، هو ظاهر المصنف كابن شأس وابن بشير؛ وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن يفرق بين قرب الغيبة وبعدها كالذي قبله؛ فإن أشهد ففي بقانه بيده أو ينتقل للزوجة قولان هذا مفهوم قوله: ولم يشهد ببقائه؛ يعني أن الأجنبي المفوض إليه إذا غاب بعد أن فوض إليه الزوج أمر زوجته وأشهد عند غيبته بأنه باق على حقه، فإن الشيوخ اختلفوا في بقائه على حقه وانتقال ما بيده للزوجة، على قولين، الأول للموازية والثاني للجواهر، وعلى أنه يبقى بيده يثبت له ذلك قربت غيبته أو بعدت ويمنع منها، وإن رافعته ضرب لها أجل الإيلاء إن رجي قدومه واستعلام ما عنده، وتطلق بعد الأجل، فإن لم يرج قدومه فهل يضرب لها أجل الإيلاء أو تطلق عليه بلا أجل الإيلاء لكن بعد التلوم والاجتهاد على نحو ما يأتي من قوله واجتهد وطلق في لأعزلن لخ؟ قولان، وعلى انتقال ما بيد الغير للزوجة فإنها ذلك في الغيبة البعيدة فقط، وأما القريبة فإنه يبقى فيها بيده كالقول الأول، ومعنى ذلك أنه يكتب إليه بإسقاط ما بيده أو إمضاء ما جعل له ولا ينتقل للزوجة إن أسقط ما بيده وعبارة الأمير وفي بقائه في البعيدة وانتقاله لها خلاف. انتهى. وكذا الذي ذكرته خلاصة غير واحد.

تنبيه: قال عبد الباقي: وانظر لو مات من فوض له أمرها ولم يوص به لأحد فهل ينتقل لها وهو الظاهر أم لا فإن أوصى به لأحد انتقل له. انتهى. قال محمد بن الحسن هذا قصور وقد نقل ابن عرفة فيه إذا مات ولم يوص روايتين عن الإمام إحداهما: أنه ينتقل للزوجة، والأخرى: أنه يبطل انظره. انتهى. وإن ملك رجلين فليس لأحدهما القضاء يعني أن الزوج إذا ملك أمر امرأته

ص: 323

لرجلين مثلا فإنه لا يصح قضاء أحدهما بالطلاق دون الآخر، فلا يقع طلاق إلا باجتماعهما، لأنهما بمنزلة الوكيل الواحدة مثال ذلك ما لو قال: ملكتكما أمرها أو أمرها بأيديكما أو طلقاها إن شئتما، فهما كالوكيلين في البيع والشراء لا يستقل أحدهما دون الآخر، فإن أذن له أحدهما في وطئها زال ما بأيديهما، فإن مات أحدهما فليس للثاني تمليك، وفي النوادر: ولو ملكها وشرط معها أباها أوأمها فليس لأحدهما قضاء إلا باجتماعهما، وإن أوقع أحدهما البتة والآخر طلقة فقال عبد الملك: لزمته طلقة فإن أوقع واحد من الثلاثة طلقة وآخر طلقتين وآخر ثلاثا، لزمت واحدة لاجتماعهم عليها. نقله الشبراخيتي. إلا أن يكونا رسولين الاستثناء منقطع أي لكن إن كانا رسولين يقع الطلاق وإن لم يعلماها والحاصل أن المسائل ثلاث، إحداها: أن يقول لرجلين: أمر امرأتَيَّ بأيديكما، فهذا تمليك لا يقع طلاق إلا باجتماعهما معا عليهما معا أو على إحداهما اتفاقا. الثانية: أن يقول أعْلِمَا امرأتيَّ بطلاقهما وهذا رسالة، فالطلاق واقع وإن لم يحصل إعلام اتفاقا، الثالثة: أن يقول: طلقا امرأتي، يحتمل الرسالة والوكالة والتمليك ففي حمله على الرسالة حتى يريد غيرها فيلزم الطلاق وإن لم يعلماها أو الوكالة كذلك فلا يلزم طلاق إلا بتبليغ من بلغها إياه منهما وله منعه: ثالثها على التمليك كذلك؛ أي: يحمل على التمليك حتى يريد غيره، الأول للمدونة، والثاني لسماع عيسى، والثالث لأصبغ، ولما أنهى الكلام على الطلاق ذكر ما قد يكون بعد ثبوته فقال:

ص: 324

‌فصل: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الرجعة

بفتح الراء وكسرها. قال الجوهري: والفتح أفصح وأنكر غيره الكسر، وكسرها أكثر عند الأزهري، وهي لغةً المرةُ من الرجوع، وشرعا قال ابن عرفة: رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة لطلاقها، فتخرج المراجعة يريد بالمراجعة العقد عليها بعد بينونتها كما عليه أكثر الفقهاء والموثقين، وخبر (مره فليراجعها

(1)

) وارد بحسب اللغة، وهذا اصطلاح للفقهاء: ابن عرفة: وعلى رأي رفع إيجاب الطلاق حرمة المتعة بالزوجة بعد انقضاء عدتها انتهى ويشير بذلك إلى الخلاف في الرجعية هل هي محرمة زمن العدة كما هو المشهور أو مباحة كما في القول الشاذ؟ فالحد الأول جار على المشهور والثاني على الشاذ، وقوله: بعد انقضاء عدتها، متعلق بقوله: حرمة، ويتعلق بالرجعة أربعة أمور، المرتجع، والمرتجعة، وسبب الرجعة، وأحكام المرتجعة، وبدأ المصنف بالأول وهو: المرتجع، فقال: يرتجع من ينكح يعني أن الذي فيه أهلية النكاح وهو العاقل البالغ له أن يرتجع، والظاهر أن الرجعة تجري فيها أحكام النكاح على ما مر في قوله: ندب لمحتاج ذي أهبة، وبما قررت به كلام المصنف من ينكح اتضحت المبالغة في قوله: وإن بكإحرام يعني أن المحرم والعبد والمريض ولو مخوفا والسفيه والمفلس لهم الرجعة فتصح رجعتهم لأن فيهم أهلية النكاح لكن قام بهم المانع، فلذا بالغ عليهم، وقوله: وإن بكإحرام أي لمن فيه أهلية النكاح أن يرتجع وإن تلبس بكإحرام، فالأهلية إنما تتوقف على العقل والبلوغ، وأما الإحرام وما معه فإنما هي موانع. قاله ابن عاشر. وخرج بمن فيه أهلية النكاح من طرأ له الجنون بعد طلاقه فلا تصح رجعته، وأما الصبي فلا يصح طلاقه إلا بالخلع من وليه، فإذا خالع له كان بائنا، ولو أجزنا طلاقه لم تصح رجعته لأن وطأه كلا وطء، وقوله: وإن بكإحرام، سواء كان منها أو من الزوج أو منهما. وعدم إذن سيد يعني أن العبد له أن يرتجع بغير إذن سيده وكذا لا يشترط في السفيه والمفلس إذن الحاجر لأن الإذن في النكاح إذن في توابعه. وفي الحطاب: اعلم أن الذين يُمنَعون من النكاح ولا يمنعون من الرجعة خمسة، المحرم، والعبد، والمولى عليه، والمريض، والمديان إذا قام عليه غرماؤه. قاله ابن فرحون. ولا يحتاج في الرجعة إلى ولي ولا صداق ولا رضي من المرتجعة، وسئل ابن أبي زيد عمن طلق امرأته طلقة رجعية ثم تزوجها بنكاح جديد بشروط في العدة ودخل بها؛ فأجاب: تزويجها رجعة، فلا

(1)

البخاري، كتاب الطلاق. رقم الحديث 3231. مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث 1471.

ص: 325

صداق ما إلا الأول ويرجع عليها بالثاني، قلت: تجري على مسألة من عوض صدقته ظنا أن ذلك يلزمه فإن فات الصداق فلا يرجع به على هذا؛ والله أعلم. نقله الحطاب عن البرزلي. وأشار للثاني، وهو: المرتجعة بقوله: طالقا مفعول ليرتجع يعني أنه إنما يرتجع امرأة وقع عليها الطلاق؛ واحترز به من الزواج ابتداء فلا يقال فيه: رجعة. قاله الخرشي. وقال الشبراخيتي: لا يحترز به لأنه لا يرتجع إلا طالقا وإنما ذكره توطئة لا بعده والمعتبر تحقق الطلاق في نفس الأمر لما في اعتقاد المرتجع، فمن ارتجع زوجته معتقدا أنه وقع عليه الطلاق لأنه شك هل طلق أم لا؟ فإن رجعته غير معتد بها فإذا تبين له بعد الرجعة وقوع الطلاق فلابد من رجعة غير الرجعة التي وقعت منه لأنها مستندة لاعتقاده أنه لزمه الطلاق بالشك وهو غير لازم له وليست مستندة للطلاق الذي تبين أنه وقع منه، هكذا ينبغي. انتهى. وقوله في نفس الأمر: الظاهر أن المراد به حكم الشرع ألا الخارج عن الذهن. قاله بناني. غير بائن صفة لقوله: طالقا، قال الحطاب: احترز بغير البائن من المطلقة طلاقا بائنا فإنه لا رجعة له عليها وله أن يتزوجها في عدتها منه بعقد جديد إذا لم يبلغ الثلاث. قال في كتاب إرخاء الستور من المدونة: والخلع طلقة بائنة سماها أو لم يسم طلاقا، وتعتد عدة المطلقة، وله أن ينكحها في عدته إن تراضيا؛ لأن الماء ماؤه بوطء صحيح إلا أن يتقدم له فيها طلاق يكون به هذا ثلاثا للحر أو اثنتين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج. انتهى. وذكر أبو الحسن أن له الرجعة ولو كانت حاملا إلا أن تثقل بالحمل فلا يجوز له ولا لغيره لأنها تصير كالمريضة. انتهى. قاله الحطاب. وفي المتيطية: فإذا رجع الزوج زوجة المختلعة منه أو المفتدية فلابد في ذلك من رضاها وولي يعقد عليها وصداق يبذل لها، كالنكاح المبتدإ سواء؛ لأنها قد ملكت بالطلاق أمر نفسها فصار هو في ذلك بمنزلة غيره، إلا أنه ينفرد بتزويجها في العدة دون من سواه؛ لأن العدة منه والماء ماؤه، فلا حرج عليه في ذلك إلا أن تكون مريضة أو حاملا مثقلا قد بلغت ستة أشهر فحكمها حكم المريضة لا يجوز له العقد عليها حتى يزول ذلك المانع منها. انتهى. فخرج بقوله: غير بائن المختلعة والمطلقة قبل البناء والطلاق المحكوم به والثلاث. قاله الحطاب. وقوله: غير بائن، قال بناني: هذا يغني عن جميع القيود التي بعده فذكرها معه زيادة بيان. انتهى. ويأتي للشبراخيتي أنه لا يغني عن قوله: في عدة صحيح يعني أن المطلقة طلاقا غير بائن إنما ترتجع ما دامت في العدة؛ فتصح الرجعة إذا وضعت أحد التوأمين قبل وضع الآخر

ص: 326

وتصح أيضا إذا خرج بعض الولد قبل خروج البعض الآخر، فإذا انقضت عدتها فلا تراجع إلا بالنكاح أي بعقد وولي وصداق مع مراعاة شروط النكاح وانتفاء موانعه، ولابد أن تكون العدة المذكورة عدة نكاح صحيح لازم، واحترز بالصحيح من النكاح الفاسد، قال ابن بشير: وقد يشترط أن يكون النكاح صحيحا، فإن كان فاسدا نظرت فإن كان مما يفسخ بعد الدخول لم تكن فيه رجعة وإن كان مما لا يفسخ ثبتت الرجعة. انتهى نقله الحطاب. وقال: هذا داخل في كلام المصنف لأن الرجعة لا تكون إلا بعد الدخول وهذا بعد الدخول لا يطلق عليه أنه فاسد. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: وقوله في عدة لخ، لا يغني عنه قوله: طالقا غير بائن؛ لأن من طلقت طلاقا رجعيا وانقضت عدتها لا يقال فيها: إنها مطلقة طلاقا بائنا بل غير بائن فلذلك ذكر هذا القيد، وقولي: لازم يدل عليه قوله: حل وطؤه لأن النكاح الذي فيه خيار يحرم وطؤه؛ يعني أن العدة من وطء حرام لا تصح الرجعة فيها، فمن وطئ في حيض أو دبر أو اعتكاف أو نحو ذلك ولم يحصل من فاعله وطء حلال فطلق فلا رجعة له، وكذا من وطئ في نكاح فيه خيار، كالنكاح بغير إذن الحاجر ولم يحصل من فاعله وطء مباح فطلق فلا رجعة له، وكذا من نكح نكاحا فاسدا يثبت بالدخول ولم يحصل منه وفى حلال بعد الوطء الذي ثبت به النكاح فطلق فلا تصح رجعته، قال الشيخ الأمير عند قوله: حل، لا أول وطء فاسد يتقرر بالدخول ولا في صوم ولو لم يجب الإمساك بناء على أن النزع ليس بوطء، كما في الأجهوري ومن تبعه عن ابن عرفة. انتهى. وقال اللخمي في إرخاء الستور: والرجعة تصح في النكاح الصحيح، والإصابة الصحيحة، إذا كان الطلاق بالطوع من الزوج ليس بحكم أوجب ذلك عليه، وكذلك إذا كان فاسدا مما الحكم فيه أنه يفوت بالدخول فطلق بعد أن دخل، وإن كان مما يفسخ بعد الدخول فطلق قبل أن يدخل أو بعد أن دخل وقبل أن يفسخ لم تكن فيه رجعة. انتهى. وقال ابن راشد

(1)

في اللباب: الرجعة رد المعتدة عن طلاق قاصر عن الغاية ابتداء غير خلع أوقعه الزوج في نكاح صحيح ووطء جائز أو أوقعه الحاكم لسبب ثم زال ذلك السبب في العدة وأقرت الزوجة ببقائها، فلا رجعة له على المبتوتة ولا على المختلعة ولا على التي لم يدخل بها ولا على المنكوحة نكاحا فاسدا ولا على التي طلقها بعد أن وطئت وطئا فاسدا كالتي وطئها وهي حائض، وله رجعة من طلقها عليه

(1)

في الأصل رشد والمثبت عن الحطاب ج 4 ص 489 ط دار الرضوان.

ص: 327

الحاكم بالإيلاء أو لوجود العيب أو لعدم النفقة؛ إذا أصاب في العدة أو زال العيب أو أيسر فيها. انتهى. وقوله: ابتداء؛ يعني أن كونه قاصرا عن الغاية إنما يفيد إذا كان الطلاق ابتداء وأما إن كان قد أوقع قبله من الطلاق ما كمل بالأخير ثلاثا فإنها تبين. انتهى. وقوله: ولا على التي طلقها بعد أن وطئها وطئا فاسدا يريد ولم يطأها وطئا صحيحا لا قبله ولا بعده وأما لو وطئها قبله أو بعده وطئا صحيحا فله الرجعة، وقوله: أو لوجود العيب، هذا قول [ابن القاسم

(1)

). التونسي]: إن طلاق العيب طلقة رجعية، وهو خلاف المشهور العلوم في المذهب. قال ابن عرفة في عيوب الزوجين: وطلاق العيب واحدة بائنة ولو كان بعد البناء حيث تصور، وسمع يحيى ابن القاسم: إن طلقت امرأة المجنون نفسها فهي طلقة بائنة، ابن رشد: هذا معلوم المذهب لأن كل طلاق يحكم به الإمام فهو بائن إلا الولي والعسر بالنفقة، وقال التونسي: تطليق الإمام على المجذوم والمبروص والمجنون رجعي، والإرث بينهما قائم في العدة، ومن صح من دائه فله الرجعة، وقوله صحيح: إلا أنه خلاف المعلوم في المذهب، وهو نحو سماع عيسى في الأمة تختار نفسها فيموت في عدتها: ترجع لعدة الوفاة. ابن عرفة في قوله: المبروص نظر صوابه الأبرص أو المبرص: الجوهري برص الرجل فهو أبرص وأبرصه الله. انتهى. ووافق التونسيَّ على قوله اللخميُّ ونقله ابن عرفة في باب الرجعة واقتصر عليه، ونصه: ولمن طلق عليه لعسر النفقة أو عيبٍ الرجعةُ إن أيسر في العدة أو ذهب عيبه، وإلا فلا إن لم ترض: ويختلف إن رضيت فيهما أو في الإيلاء بعد إصابته، ففي صحة رجعته قولا ابن القاسم مع الأخوين في الإيلاء، وسحنون فيه وفي العسر. انتهى. نقله الحطاب وقال عند قول المصنف: حل وطؤه؛ خرج به الوطء المحرم كالوطء في الحيض والصوم خلافا لابن الماجشون، وكالوطء في الدبر ووافق عليه ابن الماجشون، قاله في التوضيح وغيره. وقال اللخمي: وإن أصابها في صوم تطوع أو في اعتكاف غير منذور أو منذور في الذمة كانت له الرجعة لأن ذلك الصوم والاعتكاف قد بطل بأول الملاقاة ولا يجب إمساك بقيته فكان تماديه بمنزلة من ليس في صوم ولا اعتكاف. انتهى. وقال في التوضيح بعد أن ذكر كلام اللخمي: وذهب الباجي إلى أن الخلاف مطلق. انتهى. قاله الحطاب، وقال الشارح مشبها على ما لا رجعة فيه: وكذلك إذا وطئها وطئا فاسدا كالوطء في الحيض أو في نهار رمضان أو في إحرام أو في نحو ذلك فإنه لا تكون

(1)

كذا في الأصل والذي في الحطاب ج 4 ص 489 ط دار الرضوان أبى إسحاق التونسي.

ص: 328

له الرجعة بذلك كما لا يقع به الإحلال والإحصان لأنه كلا وطء إذ المعدوم شرعا كالمعدوم حسا، وهذا هو المشهور. وقال عبد الملك: يحل ويحصن، اللخمي: فعلى هذا يملك الرجعة انتهى. وأشار إلى الأمر الثالث وهو سبب الرجعة بقوله: بقول مع نية يعني أن الرجعة وهي رفع حرمة التمتع بالزوجة لطلاقها تحصل بأحد أمور أربعة على خلاف في بعضها، أحدها: قول محتمل مع نية وقصرته على المحتمل تبعا للشبراخيتي وغيره لا سيأتي، ومثل للمحتمل بقوله: كرجعت يعني أنه إذا قال: رجعت، ونوى بذلك الرجعة، فإنه تصح رجعته وكون رجعت من المحتمل صحيح إذ يحتمل رجعت عنها ويحتمل رجعتها للنكاح، وقيل: رجعت من الصريح. قال عبد الباقي: فالصريح كرجعت زوجتي وارتجعتها وراجعتها ورددتها لنكاحي. انتهى. وعطف على قوله: رجعت قوله: وأمسكتها فهو من المحتمل فإنه يحتمل أن معناه أمسكتها في عصمتي ويحتمل أمسكتها في العدة تعذيبا لها، ثانيها: أشار إليه بقوله: أو نية يعني أن الرجعة تصح بالنية كما خرجه اللخمي على أحد قولي مالك بلزوم الطلاق واليمين بالنية، وقد علم مما مر أن المراد بالنية الكلام النفسي بأن يجري الطلاق أو اليمين أو الرجعة على قلبه كما يجريها على لسانه لا مجرد التصميم فقط، وصحح هذا القول الخرج صاحب المقدمات، وهو ابن رشد، ولهذا قال: على الأظهر، وعليه فهي رجعة في الباطن فقط لا الظاهر؛ وفائدة ذلك إذا انقضت عدتها له أن يعاشرها معاشرة الأزواج فيما بينه وبين الله، فإن رفع للقاضي وأقام بينة أنه أقر بأنه راجعها بالنية قبل انقضاء العدة منعه القاضي منها، وإذا ماتت بعد انقضائها وأقام بينة بإقراره في العدة أنه راجعها بالنية حل له إرثها فيما بينه وبين الله تعالى، فإن رفع للقاضي منعه منه. وصحح خلافه يعني أن محمدا قال: لا تصح الرجعة بالنية، وصححه ابن بشير، وجعله المذهب، ورد تخريج اللخمي.

وعلم مما قررت أن قوله: وصحح خلافه، هو المنصوص وأن الأول مخرج، قال محمد بن الحسن بناني عند قوله: وصحح خلافه: هذا هو المنصوص في الموازية والمصحح له هو ابن بشير، فإنه جعله المذهب والأول صححه في المقدمات، وهو مخرج عنده وعند اللخمي على أحد قولي مالك بلزوم الطلاق واليمين بمجرد النية. انتهى. ثالثها: أشار إليه بقوله: أو بقول يعني أن الرجعة تحصل بالقول الصريح مع النية؛ كراجعت زوجتي وارتجعتها ورددتها لنكاحي وراجعتها بل

ص: 329

تصح رجعته بالقول الصريح ولو كان هزلا أي مجردا عن نية الرجعة فالصريح المجرد عن النية هو الهزل والجد هو ما فيه النية ولا يتصور الجد مع فقد النية، وهذا الذي شرحت به المصنف حسن وهو الذي ينتفي معه التكرار قال محمد بن الحسن: الذي يظهر في المصنف أن قوله: بقول مع نيه مخصوص بالمحتمل بدليل مثاله بأمسكت ورجعت، بدون زوجتي. فإنه من المحتمل. وقوله: أو بقول ولو هزلا؛ أي بقول صريح مع نية بل ولو مجردا عنها وهو الهزل؛ إذ ظاهر كلام ابن رشد أن الصريح المجرد عن النية هو الهزل وبهذا ينتفي التكرار في كلام المصنف: وقد ألم الخرشي بهذا إلا أنه جعل الواو في ولو للحال زعما منه أن المبالغة لا تصح حينئذ مع أنها صحيحة كما علمت. والله أعلم. انتهى. في الظاهر يعني أن الهزل إنما يكون رجعة في الظاهر فتلزم الرجل الكسوة والنفقة بعد العدة وبقية أحكام الزوجة من قسم مع أخرى وغير ذلك ولا يكون الهزل رجعة في الباطن كما أشار إلى ذلك بقوله: لا الباطن فلا تحل له فيما بينه وبين الله. وقول المصنف: ولو هزلا هو المشهور وقال أشهب لا يكون الهزل رجعة. لا بقول محتمل بلا نية يعني أن الرجعة لا تصح بقول يحتمل الرجعة وغيرها إذا كان بلا نية أي بلا نية ردها لعصمته، وأما قول محتمل مع نية فتصح معه الرجعة كما قدمه بقوله: بقول مع نية أي مقارنة فلو تأخرت النية بكثير لم تصح الرجعة وبيسير فقولان. قاله الشبراخيتي. واعلم أن أقسام القول بالنسبة إلى الرجعة خمسة: أحدها: القول الصريح مع النية، تصح الرجعة في الظاهر والباطن، ثانيها: القول الصريح بلا نية وهو الهزل: تصح الرجعة في الظاهر لا الباطن، ثالثها: القول المحتمل بنية، صحت رجعته كما مر، رابعها: القول المحتمل بلا نية، لا تصح رجعته، خامسها: القول غير المحتمل مع نية كاسقني الماء ونحوه، قال عبد الباقي: فهل تحصل به الرجعة وهو ظاهر ابن رشد بالأولى من قوله: النية وحدها كافية أو لا؟ وربما يفيده ابن عرفة. انظره. انتهى. ومثل المصنف للقول المحتمل بقوله: كأعدت الحل يعني أن من طلق زوجته طلاقا رجعيا وقال: أعدت الحل، فإن هذا القول يحتمل أن يكون رجعة أي أعدت الحل لي؛ أي ارتجعتها فحل لي وطؤها: ويحتمل أن يكون معناه: أعدت الحل لغيري أي يحل لغيري زواجها إذا انقضت عدتها كما كان ذلك حلالا له قبل أن أتزوجها، أو رفعت التحريم هو من المحتمل أيضا أي رفعت تحريمها علي بسبب رجعتي لها، ويحتمل رفعت تحريمها على غيري بسبب طلاقي لها فيباح

ص: 330

نكاحها إذا انقضت عدتها، وإذا كان هذان اللفظان من القول المحتمل فلا تحصل بهما الرجعة إلا بالنية، وإن قال: أعدت حلها أو رفعت تحريمها، فإن ذلك يكون رجعة لأن فيه دلالة ظاهرة على الرجعة وإن احتمل غيرها. قاله عبد الباقي. وألا بفعل دونها كوطء يعني أن الرجعة لا تحصل بفعل دون نية كما لو وطئ الرجعية ولم ينو ارتجاعها بذلك الوطء فإنها لا تكون مرتجعة بذلك الوطء المجرد عن النية وأحرى المقدمات المجردة عن النية؛ وقوله: كوطء، ظاهره ولو صحب ذلك قول بلا نية محتمل أو غير محتمل قاله عبد الباقي يعني كاسقني الماء كما مر له قريبا واعلم أن وطء المطلقة المذكور بلا نية ارتجاع حرام يجب الاستبراء منه ولا رجعة له إلا في بقية العدة الأول، لا في الاستبراء. قاله ابن المواز. فإن انقضت العدة الأولى فلا ينكحها هو أو غيره حتى ينقضي الاستبراء فإن عقد عليها قبل انقضاء الاستبراء فسخ ولا تحرم عليه تأبيدا، فليس الاستبراء من مائة كالعدة؛ إذ من عقد على المعتدة منه لا يفسخ عقده بل هو صحيح، ويكون رجعة، كما في الشامل عن ابن رشد. والسبب الرابع من أسباب الرجعة هو الفعل مع النية فلو تلذذ بها أو وطئها ونوى بذلك التلذذ أو الوطء الرجعة لصحت رجعته، وقوله: ولا بفعل دونها كوطء، هو مذهب المدونة. ابن يونس: لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى

(1)

) وقال ابن وهب: الوطء رجعة. قاله الشارح. وقال عبد الباقي: والفرق بين النية فقط تكون رجعة بخلاف الفعل، أن النية موضوعة للرجعة بخلاف الفعل، وإنما كان وطء المبيعة بخيار اختيارا ولم ينوه؛ لأن المبتاع جعل له البائع الخيار وأباح له الوطء ففعل مباحا وتم به ملكه. انتهى. وفي الحطاب: اللخمي: وإذا لم تصح الرجعة بمجرد النية ثم أصاب بعد ذلك بغير نية لم تصح الرجعة أيضا إذا بعد ما بين النية والفعل إلا أن يحدث نية عند الإصابة، وقال محمد: إن نوى الرجعة ثم قبل أو باشر أو ضم فإن فعل ذلك بمكان ما نوى فهو رجعة، يريد إذا أصاب ساهيا عن الطلاق المتقدم لم يكن وطؤه رجعة إذا لم تقارنه نية؛ وقد اختلف في النية للطهارة هل من شرطها مقارنة الفعل؟ انتهى. وهذا إذا أصاب زوجته وهو ذاهل عن الرجعة، وأما لو أصابها وهو يرى أن رجعته بالنية صحيحة وأنها رجعت إلى عصمته فلا شك أن هذه الإصابة رجعة محدثة صحيحة لاقتران الفعل بالنية؛ لأن وطأه وهو يرى أنه مرتجع رجعةٌ.

(1)

صحيح البخاري، رقم الحديث 1944. صحيح مسلم، رقم الحديث، 1907.

ص: 331

ولا صداق يعني أنه إذا وطئ الرجعية ولم ينو بذلك ارتجاعها فإنه لا صداق لها في ذلك الوطء، وأحرى إن نوى بالوطء ارتجاعها، ولا حد إن لم ينو، ويلحق به الولد، ويرجعها ما دامت العدة الأولى؛ ومن طلق امرأته طلقة رجعية ثم تزوجها بنكاح جديد بشروطه في العدة ودخل بها فتزويجها رجعة، كما أجاب به ابن أبي زيد، ولا صداق لها إلا الأول الذي وقع قبل الطلاق، ويرجع عليها بالصداق الثاني. نقله الحطاب عن البرزلي. وقال عنه: قلت: تجري على مسألة من عوض صدقته ظنا أن ذلك يلزمه فإن فات الصداق لم يرجع على هذا والله أعلم. انتهى. وإن استمر وانقضت لحقها طلاقه يعني أن الرجعية إذا استمر زوجها المطلق لها على وطئها ولم ينو بذلك الموطإ الرجعة وانقضت عدتها من الطلاق فطلقها، أو حنث بالطلاق، فإن ذلك الطلاق الذي أوقعه عليها أو حنث به فيها يلزمه؛ كما قاله أبو عمران مراعاة لقول ابن وهب: إن الوطء بلا نية ارتجاع يكون رجعة، وعلى ما قال أبو محمد لا يلزمه الطلاق، قال الشارح: والأول أظهر؛ ابن عبد السلام: وهو الصحيح؛ وإلى هذا أشار بقوله على الأصح وحجة أبي محمد أنها قد بانت منه ولا مفهوم لقول المصنف: استمر، الذي معناه: دام، بل مثله ما إذا وطئها مرة واحدة. وأما أبو عمران فعلل لحوق الطلاق بأنه كالطلاق في النكاح المختلف فيه، ومحل الخلاف إذا جاء مستفتيا فإن أسرته البينة لحقها اتفاقا. قاله الوانشريسي. وظاهر المصنف أن التلذذ بها بغير وطء بلا نية لا يلحقها طلاقه وهو ظاهر الشارح أيضا، والتعين أن هذا الطلاق لا يكون إلا بائنا ولا يصح أن يكون رجعيا؛ لأن القائل بلحوق الطلاق هنا هوأبو عمران، وقد علله بأنه كالطلاق في النكاح المختلف فيه، والطلاق في النكاح الفاسد لا يكون إلا بائنا، فلا نفقة لها ولا كسوة، واستظهر عبد الباقي أنها تأتنف لهذا الطلاق عدة، وقال أيضا: ثم إذا طلقها طلاقا يكمل الثلاث بعد هذا الطلاق اللاحق لم تحل له إلا بعد زوج، فإن تزوجها قبل زوج فينبغي ألا يفسخ لأن الخلاهـ لا يراعى مرتين كما قالوا فيمن طلق ثلاثا في مختلف في فساده. انتهى. وقوله: لحقها طلاقه على الأصح، قد علمت أنه قول أبي عمران مراضيا لمذهب ابن وهب؛ قال بناني: ومراعاة مذهب ابن وهب إنما وقعت في مجرد لحوق الطلاق لما في تصحيح الرجعة بالفعل دون نية. انتهى. أي فهو بائن كما مر. والله سبحانه أعلم. وقوله: وإن استمر وانقضت لخ، قد علمت أن هذا الفرع لأبي عمران وذلك أنه سئل عمن طلق امرأته واحدة ثم تمادى على وطئها من غير إرادة

ص: 332

الرجعة حتى مضت ثلاث حيض ثم حنث بطلاقها ثلاثا هل يلزمه ذلك الطلاق؟ قال: يلزمه ذلك كالنكاح المختلف في فساده يطلق فيه؛ وعن أبي محمد: أنه لا يلزمه الثلاث قاله الشارح. ولا إن لم يعلم دخول يعني أن الزوج إذا طلق زوجته ولم يعلم دخول بينهما وأراد رجعتها فإنه لا تصح رجعته إذ يشترط في صحة الرجعة ثبوت بنائه بها. قال ابن عرفة: وشرطها ثبوت بنائه بها ومُثبتُه ما تقدم في الإحلال. انتهى. والذي تقدم أنه يثبت بشاهدين على النكاح وامرأتين على الخلوة وتقارهما على الإصابة. انتهى. نقله غير واحد. وقد مر أنه يكفي تقارهما على الوطء، ومثله إذا لم يحصل منهما إقرار ولا إنكار، وكذا تصح رجعته إذا ظهر بها حمل ولم ينفه. وقوله: ولا إن لم يعلم دخول بأن دلت قرينة على عدمه أو تصادقا على عدمه أو لم يعلم شيء، فكلام الشارح صحيح، واعتراض البساطي والتتائي عليه غير صحيح، والله سبحانه أعلم. وبالغ على عدم صحة الرجعة حيث لم يعلم دخول بقوله: وإن تصادقا على الوطء قبل الطلاق يعني أن الزوج إذا طلق زوجته ولم يعلم دخول بينهما وارتجعها فإنه لا تصح رجعته ولو تصادقت هي وهو قبل الطلاق على أنه وطئها، ومن باب أحرى لو تصادقا بعد الطلاق على أنه وطئها قبل الطلاق؛ وإنما لم تصح الرجعة حيث لم يعلم دخول؛ لأنها لو صحت لأدى ذلك إلى ابتداء نكاح بلا عقد وولي وصداق.

وعلم مما قررت أن قوله: قبل، متعلق بتصادقا، وقول عبد الباقي: ومثل تصادقهما قبله عليه لخ، فيه تشبيه الشيء بنفسه. انظر حاشية الشيخ بناني.

وأخذا بإقرارهما قرره بناني تبعا لابن عاشر على أن معناه أن أحد الزوجين إذا أقر بالوطء أخذ بمقتضى إقراره صدقه الآخر أم لا، فإن أقر هو وصدقته أخذت بمقتضى إقرارها وإلا أخذ هو فقط، فإذا أقر الزوج بالوطء تعلق به حقان حق الله من منع نكاح خامسة ونكاح محرمها هي وحرمة بناتها تأبيدا، وحق الزوجة من نفقة وكسوة وتكميل صداق، وحق الله يتعلق به بمجرد إقراره؛ وحقها هي تعلقه به مشروط بتصديقها له، كما يأتي في قوله:"وللمصدقة النفقة" وإذا أقرت هي بالوطء تعلق بها حق الله من العدة ومنعها من نكاح غيره ما دامت في العدة.

وعلم مما قررت أن المصنف هنا محمول على مجرد الإقرار بالوطء. بذلك قرره عبد الباقي والتتائي والسنهوري وجدُّ علي الأجهوري، وهو الصواب. قاله محمد بن الحسن فالمواخذة هنا

ص: 333

بالإقرار مختصة بزمان العدة، وحمله علي الأجهوري على أن المؤاخذة بالإقرار هنا في العدة وما بعده وذلك إنما يصح إذا حمل المصنف على أنه أقر بالوطء وادعى الرجعة، فحينئذ يصح ما قاله من التعميم ويسقط الاعتراض عنه، وقوله: أخذا بإقرارهما، قد علمت أن معناه: من أقر منهما بالوطء أخذ بإقراره صدقه الآخر أم لا، وقرره عبد الباقي وغيره على أنه مرتب على قوله: وإن تصادقا فقال وأخذا بإقرارهما بالوطء، أي حكم عليهما بمقتضاه بالنسبة لغير الارتجاع من نفمة وكسوة وتكميل صداق وحرمة بناتها عليه وجمع من يحرم جمعه معها وتزوج خامسة حتى تنقضي عدتها وتؤاخذ الزوجة بالعدة ومنع نكاحها حتى تنقضي. انتهى.

كدعواه لها بعدها تشبيه في أنهما يؤاخذان بإقرارهما وعدم صحة الرجعة؛ يعني: أن الزوج إذا طلق زوجتة المدخول بها طلاقا رجعيا فلما انقضت عدتها ادعى أنه راجعها في عدتها فإنه يؤاخذ بإقراره فيجب لها عليه ما يجب للزوجة إن صدقته، وإن حكم عليه في الظاهر بعدم صحة رجعته فلا يمكن واحد منهما من صاحبه، وكذا تؤاخذ هي بإقرارها أيضا إن ادعت ذلك فتمنع من نكاح غيره أبدا؛ إن تماديا على التصديق شرط فيما بعد الكاف؛ يعني: أن محل مؤاخذة الزوجين بإقرارهما حيث ادعى الزوج الرجعة بعد العدة إنما هو إن استمر كل منهما على إقراره، فالمراد بالتمادي على التصديق التمادي على الإقرار، ومفهومه أن من رجع منهما لا يؤاخذ؛ أي لا يلزمه شيء، وقد مر أن حق الله يلزم بمجرد الإقرار وقع من الآخر تصديق أم لا، وإن حمل قول المصنف: وأخذا بإقرارهما، على أنه ادعى الرجعة مع أنه أقر بالوطء كان الشرط راجعا لما بعد الكاف وما قبلها، وهذا التقرير لبناني: وقول الشبراخيتي: إن الشرط راجع للمسألتين، فالمراد بالتصديق التصديق على الوطء من غير علم دخول في الأولى وعلى الرجعة بعدها في الثانية، كما قال الطخيخي أما لو رجعا أو أحدهما وأكذب نفسه سقطت مؤاخذة الراجع منهما، وجعله بعضهم شرطا فيما قبل الكاف، لكن بالنسبة للنفقة والكسوة لا بالنسبة لما هو حق دقه كالعدة. انتهى. فيه أن تصويب عبد الحق الآتي إنما هو في دعوى الرجعة كما يأتي وفيه أيضا أنه لا فائدة حينئذ في قوله:"وللمصدقة النفقة". والله سبحانه أعلم. وقوله: إن تماديا على التصديق، قاله بعض القرويين، وقال غيره من القرويين: يؤاخذان بما تقدم من إقرارهما إلا أن يستحدث الزوج طلاقا، عبد الحق: والأول أصوب، وإلى تصويب عبد الحق أشار بقوله على الأصوب. قال

ص: 334

بناني: وإنما قلنا إن الشرط لا يرجع لما قبل الكاف من قوله: وأخذا بإقرارهما حيث حمل على إقرارهما بالوطء ولم يدع الزوج الرجعة؛ لأن تصويب عبد الحق قبول رجوعهما عن قوليهما إنما هو في دعوى الرجعة، ولذلك إن حمل على أنه ادعى الرجعة مع إقراره بالوطء كان الشرط راجعا لما قبل الكاف ولما بعده، وللمصدقة النفقة يعني أن الزوج تلزمه النفقة والكسوة للزوجة المصدقة له في مسألة "وأخذا بإقرارهما" وفي مسألة "كدعواه لها بعدها" وتلزمها العدة في الأولى وتمنع من نكاح غيره أبدا في الثانية كالأولى إن حملت على ما إذا ادعى المراجعة مع إقراره بالوطء، ومفهوم قوله للمصدقة أنها لو كذبته فلا شئ لها ولا عليها من ذلك شيء وهو كذلك في المسألتين، كما أنها إذا رجعت عن تصديقها يكون لها أن تتزوج غيره في الثانية كالأولى إن انقضت العدة، وأما قبل انقضائها فلا تتزوج غير زوجها الذي طلقها كما هو ظاهر، قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: لابد من تحرير هذه المسائل، فأقول: هنا تسع مسائل إحداها: أن يقر بالوطء فقط وتكذبه، فإنه يؤاخذ بإقراره بالنسبة لحق الله تعالى، فلا يتزوج كأختها ما دامت العدة في زعمه، ولا عدة عليها لأنه لم يعلم دخول، وتحرم عليه بناتها، ولا يتزوج خامسة. الثانية: أن تقر هي بالوطء فقط ويكذبها فتؤخذ بإقرارها بالنسبة لحق الله تعالى من لزوم العدة لها ومنعها من نكاح غيره ما دامت العدة، وهذا لازم لهما في هاتين المسألتين، رجعا عن إقرارهما أم لا، وهاتان الصورتان داخلتان في قول المص: وأخذا بإقرارهما. الثالثة أن يقر هو بالوطء وتصدقه هي، فهذا يؤخذ بحق الله وبحق الزوجة من نفقة وكسوة، كما قال المصنف، وللمصدقة النفقة، وهذه مأخوذة من قول المص: وأخذا بإقرارهما، ومن قوله: وللمصدقة النفقة، أفاد أنه يؤخذ بحق الله بقوله: وأخذا بإقرارهما، وأنه يؤخذ بحق الزوجة به، وبقوله: وللمصدقة النفقة؛ فقوله: وللمصدقة النفقة، تقييد لقوله: وأخذا بإقرارهما؛ أي محل أخذه بإقراره بالنسبة لحق الزوجة إنما هو إن صدقته لا إن كذبته، ومحل أخذه بحقها أيضا حيث صدقته إنما هو إن تمادى على إقراره لا إن رجع وقال عبد الباقي: إنه يؤخذ بحقها في هذا الفرض ما دامت العدة، لا بعدها، وهذه الأقسام الثلاثة في الإقرار بالوطء المجرد. الرابعة: أن يدعي أنه وطئها وأنه راجعها وتكذبه فلا عدة عليها، ويؤاخذ هو بإقراره بالنسبة لحق الله تعالى. فلا يتزوج خامسة، وتحرم عليه بناتها تأبيدا ولا يتزوج كأختها. الخامسة: أن يدعي أنه وطئها وراجعها وتصدقه، فيؤاخذان معا

ص: 335

بإقرارهما فلها النفقة والكسوة وتمنع من نكاح غيره أبدا في العدة وبعدها، ولا يتزوج هو كأختها ولا خامسة، وإنما يؤاخذان بإقرارهما هنا حيث استمرا على إقرارهما، كما قال: إن تماديا على التصديق: أي استمرا على إقرارهما، وهاتان المسألتان يشملهما قوله: وأخذا بإقرارهما، إن حمل على أنه ادعى رجعتها مع إقراره بالوطء، فالأولى منهما مأخوذة منه، والثانية مأخوذة منه، ومن قوله: إن تماديا على التصديق، السادسة: أن تقر هي بالوطء وتدعي الرجعة فيكذبها تؤخذ بإقرارها من لزوم العدة ومنعها من نكاح غيره أبدا إن دامت على إقرارها، ويشملها قوله: وأخذا بإقرارهما على أن المراد به ما يشمل دعوى الرجعة مع الإقرار بالوطء فإن رجعت سقط عنها ذلك كما صوبه عبد الحق، ومقابله قول بعض القرويين: إنها تؤخذ بما تقدم من إقرارها، وكذا يقال في القسمين قبل هذا كما مر فإذا أحدث الزوج طلاقا سقط ما كان لازما لهما. السابعة أن يدعي بعد العدة أنه راجعها في العدة وتكذبه فيؤخذ بإقراره بالنسبة لحق الله تعالى فلا يتزوج كأختها وألا خامسة، كحا قال: كدعواه لها بعدها ما دام مقرا فإن رجع عن إقراره سقط عنه ذلك، كما قال: إن تماديا على التصديق. الثامنة: أن تدعي هي بعد العدة أنه راجعها في العدة ويكذبها فتؤخذ بإقرارها، فتمنع من نكاح غيره أبدا ما دامت مقرة، كما قال:"كدعواه لها إن تماديا على التصديق"؛ أي الإقرار، وعلى هذا فالضمير في دعواه لأحد الزوجين كما يفيده بناني. التاسعة: أن يدعي بعد العدة أنه راجعها في العدة فتصدقه فيؤخذ بإقراره بالنسبة لحق الله تعالى وبالنسبة لحقها أيضا، لقوله: وللمصدقة النفقة، فلها ذلك ما دام مقرا وتؤخذ هي أيضا بحق الله فلا تتزوج غيره أبدا فمن رجع منهما سقط عنه ما كان لازما له، كما قال: إن تماديا على التصديق، أي الإقرار.

وعلم مما قررت أن قوله: وللمصدقة النفقة، لا يغني عنه قوله: إن تماديا على التصديق، والله سبحانه أعلم. هذا هو تحرير المسألة. والله أعلم. فرع: إذا طلق الرجل امرأته وادعى بعد انقضاء عدتها أنه قد كان راجعها قبل أن تنقضي عدتها وأتى برجعة مكتوبة قبل ذلك بمدة

(1)

لا يعلم إن كانت قبل الطلاق أو بعده، فيقول: بعد الطلاق، وتقول المرأة: قبله من طلاق آخر، فيدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في البراءة التي لا يعلم إن كانت متأخرة عن ذكر الحق أو متقدمة

(1)

في الأصل: بعدة، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 491 ط دار الرضوان.

ص: 336

عليه. انتهى. نقله الحطاب. ولا تطلق لحقها في الوطء هذا إنما يرجع لقوله: كدعواه لها بعدها، ولا يرجع لقوله: وأخذا بإقرارهما إلا إذا حمل على أنه ادعى الرجعة مع إقراره بالوطء فيرجع له أيضا؛ يعني أن الزوجة إذا أخذت بإقرارها بالرجعة فمنعت من النكاح فإنها لا تطلق لحقها في الوطء لأنه لم يقصد ضررها، والتعليل بأنه يمكنها الرجوع لا يظهر إذا علمت صدقه: قاله الأمير. وقوله: ولا تطلق لحقها في الوطء، هو المعروف من المذهب. وقيل: لها ذلك، قاله اللخمي. نقله الشارح. وله جبرها على تجديد عقد بربع دينار الضمير في جبرها يرجع للمصدقة، يعني أن الزوج له أن يجبر الصدقة له على الرجعة على أن يجدد له عقدها بربع دينار، وكذا له جبر وليها وسيدها إن كانت أمة وأقر بارتجاع الزوج لأنها في عصمته على مقتضى إقرارهما، وإنما منع منها لحق الله في ابتداء نكاح بغير شروطه وذلك يزول بالعقد المذكور، فإن أبى الولي أو السيد عقد السلطان ولو أبت هي.

تنبيه: قال عبد الباقي عند قوله: وله جبرها على تجديد عقد بربع دينار ما نصه: وكلام المصنف هذا حيث لم ترجع قبل جبره حيث كان يعمل برجوعها وذلك في الثانية أبدا وفي الأولى بعد انقضاء العدة، وأما فيها فيجبرها ولو رجعت لأن رجوعها لا يعمل به كذا ينبغي. انتهى قوله: وكلام المصنف هذا حيث لم ترجع لخ، قال محمد بن الحسن: فيه نظر إذ قبول رجوعها ينافي جبرها، وفي ابن عرفة ما نصه: مقتضى منع تزويج أختها أنه لا يقبل رجوعه عن قوله: راجعتها. ومقتضى قولهم: يجبرها له إذا أعطاها ربع دينار، عدم قبول رجوعها عن تصديقه، ونقل عبد الحق عن بعض القرويين قبول رجوعهما عن قوليهما واختاره، وعن بعضهم: لا يقبل رجوعهما. انتهى. باختصار. وإلى تصويب عبد الحق أشار المصنف قبل هذا بقوله إن تماديا على التصديق على الأصوب، وقوله: وفي الأولى بعد انقضاء العدة، هذا تفصيل علي الأجهوري وفيه نظر: لأنه إذا حملنا المسألة الأولى على مجرد الإقرار بالوطء كما قرره هو فيها كانت المؤاخذة فيها مختصة بالعدة كما مر ولا يتصور فيها الجبر الذي هنا لأن محله إذا ادعى الرجعة، وإن حملت على الإقرار بالوطء ودعوى الرجعة جرى فيها الخلاف المتقدم عن عبد الحق في قبول الرجوع، ولا فرق فيها بين العدة وغيرها. قاله بناني. ولا إن أقر به فقط في زيارة يعني أن الزوج

ص: 337

إذا أقر بالوطء في خلوة الزيارة أي زيارته لها وكذبته المرأة وراجعها فإنه لا تصح رجعته ولها كل الصداق وعليها العدة. قاله عبد الباقي، وغيره. قوله: ولها كل الصداق، قال محمد بن الحسن: نقله ابن ناجي عن أبي عمران كما في الحطاب، وهو في المدونة، وقال سحنون: لا يكمل لها حتى ترجع لتصديقه، واختلف هل هو تفسير أو خلاف؟ تأويلان، وهما المشار إليهما بقول المصنف:"وهل إن أدام الإقرار الرشيدة" لخ انتهى. وقوله: فقط وأما لو أقرا به معا فتصح رجعته، قال عبد الباقي: وأما في زيارتها له فيصدق إذا أقر به فقط كخلوة البناء، هذا على تسليم قوله: بخلاف خلوة البناء، ولكنه ضعيف والمذهب أنه لا فرق بين خلوة الزيارة وخلوة البناء. انتهى المراد منه. قوله: بخلاف البناء، معناه أنه إذا قام على النكاح عدلان وامرأتان على الخلود وأقر هو فقط بالوطء فإنه تصح رجعته، كما أن ذلك هو موضوع قوله: ولا إن أقر به فقط في زيارذة قال محمد بن الحسن: قول عبد الباقي: ولكنه ضعيف والمذهب أنه لا فرق لخ، انظر من ذكر هذا. وظاهر المواق عن المدونة هو ما ذكره المصنف هنا، والذي في الحطاب: هذا القول هو الذي رجحه في التوضيح هنا وذكر في العدة أنه إذا أقر أحد الزوجين فقط فلا رجعة له، وظاهره من غير تفصيل بين الزيارة والاهتداء وهو أحد الأقوال. انتهى باختصار. فلم يذكر الحطاب ترجيحا. وقال ابن عرفة: وظاهر قول ابن القاسم تصح في خلود البناء لا الزيارة انتهى. وقال الأمير وشرطها: يعني الرجعة ثبوت الدخول ولو بامرأتين والتصادق على الوطء، قال في الشرح: ظاهره لا يكفي إقراره في خلوة الاهتداء وهو أرجح راجحين كما في حش وغيره، والثاني في الأصل. انتهى. وقال الشبراخيتي. ومفاد كلام ابن عرفة أن الراجح أنه لابد في صحة الرجعة من إقرارها بالوطء في خلوة البناء أو خلوة الزيارة، وأنه لا يكفي إقراره فقط فيها، ومثل إقرارها ما إذا أتت بولد ولم ينفه، ولكن ذكر صاحب الشامل أن المشهور أنه يكتفى بإقراره فقط في خلوة البناء، كما ذكره المصنف. انتهى والله سبحانه أعلم. وفي إبطالها إن لم تنجز كغد أو الآن فقط؛ يعني أنه اختلف في الرجعة إذا لم تنجز بأن كانت إلى أجل كقوله: إذا كان غد فقد ارتجعتك فقال الإمام مالك لا تكون رجعة، وقال ابن القاسم: لا تكون رجعة الآن؛ بل في غد؛ لأنه حق له فله تنجيزه وله تعليقه، والذي في المدونة أنها لا تكون رجعة. واختلف الأشياخ هل هو على ظاهره؟ فيكون

ص: 338

قول الإمام مخالفا لقول ابن القاسم، وإلى حملها على ظاهرها ذهب عبد الحق في النكت أو ما في المدونة محمول على أنها لا تكون رجعة الآن وتكون رجعة غدا؛ لأنه حق له فكان له تنجيزه وتعليقه، وإليه ذهب ابن محرز، وعلى هذا يكون ما لابن القاسم موافقا لما للإمام، والله سبحانه أعلم. وقوله: تأويلان مبتدأ وخبره قوله: في إبطالها لخ، وعلى أنها لا تكون رجعة الآن وتكون رجعة غدا تبطل الرجعة إذا انقضت العدة قبل مجيء غد بوضع، وكذا تبطل لو كان الأجل أبعد من غد وتمت بوضع أو حيض أو تم زمنها إن كانت بالأشهر، ويأتي على التأويلين أنه إذا وطئ وهو يرى أن رجعته صحيحة كان وطؤه رجعة لأنه فعل قارنه نية، وحينئذ فله وطؤها والاستمتاع بها على التأويل الثاني حيث كان يرى أن رجعته صحيحة.

تنبيه: التعليق على الفعل المستقبل كالتعليق على الزمن المستقبل، فإذا قال لمطلقته: إن دخلت الدار فقد ارتجعتك جرى فيها التأويلان، قاله عبد الباقي وبناني. ولا إن قال من يغيب إن دخلت فقد ارتجعتها يعني أن من علق طلاق زوجته على دخولها لدار مثلا وأراد أن يغيب وخاف أن تحنثه في غيبته، فقال: إن دخلت أي هذه المرأة الدار فقد ارتجعتها فإن هذه الرجعة لا تصح لأن الرجعة لابد لها من نية تحدث بعد الطلاق، لقوله تعالى:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} والفرق بين صحة الطلاق قبل النكاح في إن تزوجت فلانة فهي طالق، وبين عدم صحة الرجعة قبل الطلاق، أن الطلاق حق على الرجل والرجعة حق له، فالحق الذي عليه يلزمه بالتزامه والحق الذي له ليس له أخذه قبل أن يجب، ولو أشهد به إنما اختلف في إسقاطه قبل وجوبه، وما قررت به المصنف هو المتعين. والله سبحانه أعلم. كاختيار الأمة نفسها أو زوجها بتقدير عتقها تشبيه في البطلان يعني أن الأمة التي تحت عبد إذا قالت إن عتقت فقد اخترت زوجي فإن ذلك لا يلزمها، فإن عتقت فلها أن تفارقه، وكذا لو قالت إن عتقت فقد اخترت نفسي، فلها أن تبقى تحته إذا عتقت، فالحاصل أن قولها ذلك لغو، ولو أشهدت بذلك، ولها ضد ما كانت اختارته في التعليق؛ لأن ذلك لم يجب لها، ولأنه خلاف عمل الماضين بخلاف ذات الشرط تقول: إن فعله زوجي فقد فارقته يعني أن الزوجة ولو أمة إذا شرط لها زوجها شرطا يلزم كما إذا قال لها: إن تزوجت عليك أو إن تسريت عليك فأمرك بيدك أو نحو

ص: 339

ذلك، فتقول: إن فعل زوجي ذلك فقد فارقته أو بقيت معه فإن ذلك يلزمها ولا كلام لها إن فعل ذلك. وهذه المسألة هي التي سأل ابن الماجشون مالكا عن الفرق بينها وبين التي قبلها أعني قوله. كاختيار الأمة لخ: فقال: أتعرف دار قدامة وكانت دارا يلعب فيها بالحمام معرضا له بقلة التحصيل فيما سأل عنه وتوبيخا له على إهماله نظره وذلك حتى لا يسئل إلا في أمر مشكل؛ وهذا من نحو قوله لابن القاسم في شيء سأله عنه: أنت حتى الساعة هاهنا تسئل عن مثل هذا. انتهى. قال عياض: قال ابن حارث: كانت لابن الماجشون نفس أبية كلمه مالك يوما بكلمة خشنة فهجره عاما [كاملا وذلك أنه استقصى على مالك في الفرق]

(1)

بين مسألتين، فقال له: أتعرف دار قدامة وكانت دارا يلعب فيها الأحداث بالحمام وقيل: بل عرض له بالعجز انتهى. واعلم أن ما ذكره المصنف من الفرق بين المسألتين هو معروف قول مالك كما ذكره ابن عرفة: ونصة: حصل ابن زرقون في التسوية بين المسألتين في لزوم ما أوقعتاه قبل حصول سبب خيارهما وعدمه، ثالثها: التفرقة المذكورة، الأول: لابن الحارث عن أصبغ مع رواية ابن نافع، والثاني: للباجي عن المغيرة مع فضل عن أبي حازم، والثالث: لمعروف قول مالك. انتهى. والفرق بين المسألتين على ما مشى عليه المصنف أن اختيار الأمة قبل العتق فعل الشيء قبل وجوبه بالشرع، وأما الزوجة ذات الشرط فلما أقامها مقامه بتمليكه لها ما يملكه وهو يلزمه ما التزم قبل أن يفعل كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، فكذلك هي. قاله الصقلي. ابن عرفة: ينتج من هذا لزوم ما أوقعته من طلاق لا ما أوقعته من اختيارها لزوجها، وفرق ابن رشد بأنه في الأولى خيار وجب بالشرع بشرط، وفي الثانية خيار جعله الزوج باختياره بشرط. ابن عرفة: ومن أنصف علم أن سؤال ابن الماجشون ليدر عن أمر جلي، ولذا سوى مالك بينهما مر وبعض أصحابه انتهى. وصحت رجعت إن قامت بينة على إقراره هذا شروع منه رحمه الله في الأماكن التي تصح فيها الرجعة؛ يعني أن الزوج إذا ثبتت الخلوة بينه وبين زوجته بامرأتين ثم طلقها فلما انقضت العدة أقام بينة تشهد له على إقراره في العدة بالوطء فيها وادعى بعد العدة أنه نوى به الرجعة فإنه

(1)

في الأصل: كاملا اعتصى استعصى عليه الفرق، والمثبت من المدارك ج 3 ص 139 ط وزارة الأوقاف.

ص: 340

تصح رجعته وينبغي أن التلذذ

(1)

به كالوطء قاله عبد الباقي. وفي الشارح احتمالان آخران أحدهما أن المعنى: وصحت رجعته في العدة إن قامت بينة على إقراره بالوطء قبل الطلاق، وهذا غير صحيح؛ لأنه إن ثبتت الخلوة بامرأتين صحت الرجعة بتقارهما على الوطء قبل الطلاق أو بعده كما مر، ولا يشترط قيام بينة على الإقرار به قبل الطلاق، وإن لم تثبت الخلوة فلا عبرة بإقراره بالوطء كما مر، ثانيهما هو أن يكون المعنى أن قيام البينة على الإقرار بالرجعة في العدة تصح به الرجعة، وهو وإن صح في نفسه قليل الجدوى. قال بناني: فالصواب ما حمله عليه عبد الباقي وغيره وهو كذلك في ابن عرفة. انتهى. وما حمله عليه عبد الباقي وغيره هو ما قررته به أولا. تنبيه: قال الحطاب وأحمد الزرقاني: لو دخل على مطلقته وبات عندها ثم مات ولم يذكر أنه ارتجعها فلا تثبت بذلك الرجعة ولا ترثه ولا عدة وفاة عليها. انتهى. وقوله: ثم مات أي بعد انقضاء العدة إذ لو مات قبل انقضاء العدة في الرجعي لورثته وإن لم تحصل رجعة أو ما يدل لها. قاله عبد الباقي وغيره. وقوله: وصحت رجعته، علم من قوله: رجعته أنه ادعاها. قاله الشبراخيتي. وقوله: وصحت رجعته لخ، هذه المسألة من تعلقات قوله:"كدعواه لها بعدها"، فلو ذكرها عقبها كما فعل ابن الحاجب كان أحسن، لكن في هذه أقام بينة على إقراره بالوطء فيها وادعى أنه نوى به الرجعة، والسابقة لم يقم بينة على إقراره بالوطء فيها. قاله الشبراخيتي. أو تصرفه يعني أن الزوج إذا أقام بعد العدة بينة تشهد له على معاينة تصرفه على زوجته في العدة التصرف الخاص، وادعى أنه ارتجعها، فإنه تصح رجعته، فالمراد بالتصرف الخاص وهو ما يفعله الزوج مع زوجته كأكلها معه وغلق باب عليها معه دون أحد معهما ونحو ذلك، أو مبيته يعني أن الزوج تصح رجعته إذا أقام بعد العدة بينة تشهد له على معاينة مبيته معها في العدة وادعى أنه ارتجعها، فإنه تصح رجعته؛ وفي المدونة: أن المبيت وحده كاف.

وعلم مما قررت أن قوله: فيها راجع للفرعين قبله والضمير راجع للعدة، وفي نسخة: ومبيته بالواو، فيكون المراد بالتصرف غير الخاص وهو ما يفعله غير الزوج بغير زوجته وهو لا يكفي وحده، فلابد من انضمامه إلى المبيت، وقد مر أن المبيت وحده كاف. أو قالت حضت ثالثة يعني

(1)

انظر عبد الباقي ج 4 ص 145.

ص: 341

أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم بعد ذلك بمدة قال: ارتجعتها. فلما قال ذلك، قالت: حضت ثالثة فانقضت عدتي فلا تصح رجعتك، فـ لما قالت ذلك أقام الزوج بينة تشهد على قولها أي كلام لها تقدم قبله أي قبل قولها حضت ثالثة، وشهدت البينة المذكورة بما يكذبها في قولها: حضت ثالثة بأن قالت: لم أحض ثانية، فإن رجعته تصح حيث لم يكن بين قوليها ما يمكن أن تتم فيه عدتها، فإن لم يقمها لم تصح رجعته، ولو رجعت لتصديقه. قاله أشهب. والظاهر أن المراد بالبينة هنا الرجال لا النساء؛ لأن الشهادة على إقرارها بالحيض لا على رؤية أثر الحيض. قاله عبد الباقي. وقولي: بأن قالت: لم أحض ثانية هو الظاهر لا ثالثة كما لعبد الباقي. انظر حاشية بناني. وحاصل ما أشار إليه المصنف في هذه المسألة أن الزوج تصح رجعته إذا قالت له الزوجة عند ارتجاعه لها: حضت ثالثة وتمت عدتي فلا رجعة لك علي، فأتى عند ذلك ببينة تشهد أنها قالت له قبل هذا القول ما يكذبها، بأن تكون المدة التي بين قوليها لا يمكن أن تنقضى فيها العدة، وأشار بهذا إلى ما في المدونة. قال أشهب: إذا قالت حضت ثلاثا في شهرين؛ فقال لها الزوج: قد قلت بالأمس أو قبله إنك لم تحيضي شيئا فصدقته، فلا يقبل قولها الثاني، إلا أن يقيم الزوج بينة أنها قالت ذلك، فيكون له الرجعة إن لم يمض من يوم القول ما تحيض فيه ثالثة. انتهى. وقوله: بما يكذبها متعلق بقولها قاله الشبراخيتي. أو أشهد برجعتها فصمتت ثم قالت كانت انقضت يعني أن الزوج تصح رجعته فيما إذا أشهد أنه ارتجعها فسكتت ولم تكذبه، ثم قالت بعد سكوتها يوما أو بعضه: كانت عدتي قد انقضت، كما في المدونة. قاله عبد الباقي وغيره. وقال الحطاب: أفاد بقوله: ثم قالت: كانت انقضت، أن قولها كان متراخيا عن إشهاده برجعتها انتهى. وقال الأمير: فإن بادرت صدقت ما أمكن. انتهى. ولو تزوجت وولدت لدون ستة أشهر ردت برجعته يعني أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم إنه راجعها فادعت عند مراجعته لها أنها انقضت عدتها فمكنت من التزويج فتزوجت فأتت بولد لدون ستة أشهر من عقد لثاني، فإنها ترد إلى الأول برجعته لتبين صحتها لأنه ارتجعها وهي حامل منه والولد ولده إذ قد تبين كذبها، وأنها حاضت مع الحمل، وفي بعض النسخ: أو ولدت، وأجود منها الأولى؛ لأنه عطف على ما تصح فيه الرجعة فيكون قوله: وردت برجعته حشوا ولم تحرم على الثاني يعني أنها ترد للأول برجعته لتبين صحتها ولا تحرم على الزوج الثاني إذا وطئها

ص: 342

تحريما مؤبدا لأنه لم يطأ معتدة وإنما وطئ ذات زوج، ويصح تقرير المصنف بما لعبد الباقي وغيره من أنه ادعى بعد انقضاء العدة أنه كان راجعها في العدة وكذبته، فإنه لا يصدق في ذلك فمكنت من التزويج فتزوجت بغيره ثم ولدت ولدا لدون ستة أشهر من وطء الثاني، فإنه يلحق بالأول، وترد إليه برجعته التي لم يصدق فيها لتبين أنها كانت على الصحة لظهور كون الحمل منه، قال عبد الباقي: وأخل بأمرين، أحدهما: تقييد قوله: أو ولدت لدون ستة أشهر بأن يكون الولد على طور لا يكون إلا بعد هذه المدة، فإن كان على طور يكون في هذه المدة لم تصح رجعة الأول وتكون للثاني ويلحق به. ثانيهما تقييد قوله: وردت برجعته، بما إذا كان الولد يلحق بالأول، فإن لم يلحق به كما إذا كان بين طلاقها وولادتها أكثر من أقصى أمد الحمل لم ترد برجعته. وألغيت قاله علي الأجهوري. ولا ينافي القيد الثاني قول المص "أو ولدت لدون ستة" لأن المراد من نكاح الثاني بعد تأخر انقضاء عدتها من الأول أقصى أمد الحمل مثلا، وتزوجت الثاني إما معتمدة على حيض معتقدة أنها غير حامل أو متعمدة تبين كذبها. انتهى. وعلى نسخة أو المتقدمة يكون المعطوف محذوفا، وهو معطوف على فصمتت؛ أي أشهد برجعتها فقالت: انقضت، ثم تزوجت وولدت لخ، قاله الشبراخيتي.

تنبيهات الأول: من قال لزوجته في العدة: كنت راجعتك أمس صدق وإن كذبته لأن ذلك يعد مراجعة الساعة. الثاني: قوله: ولم تحرم ظاهر على كلا التقديرين لأنه إنما وطئ زوجة على كليهما. الثالث: اعلم أن المنكوحة في العدة وهي مطلقة طلاقا رجعيا لا يتأبد تحريمها على قول ابن القاسم؛ وقال غيره في المدونة: يتأبد تحريمها كالبائن وهو ظاهر كلام المصنف أول النكاح. والله سبحانه أعلم. وإن لم تعلم بها حتى انقضت وتزوجت يعني أن الزوج إذا راجع زوجته التي طلقها طلاقا رجعيا ولم تعلم بأنه ارتجعها إلا بعد أن انقضت عدتها وتزوجت فإن حكمها كحكم ذات الوليين فتفوت على زوجها الذي راجعها بوطء الزوج الثاني وتلذذه غير عالمين، فإن لم يحصل إلا عقد الثاني لم تفت على من ارتجعها إلا أن يحضر عقدها على الثاني فتفوت لأنها زوجت بحضرته وهو ساكت، وحينئذ فيكون عقد الثاني صحيحا، بخلاف قوله المتقدم: كبيعها أو تزويجها، فإن عقد الثاني يفسخ ويعد طلاقا من الأول وصح عقد الثاني هنا؛ لأن حضور الأول عقد الثاني يكذب بينته الشاهدة بالرجعة، أو وطئ الأمة سيد يعني أن الزوج إذا طلق زوجته

ص: 343

الأمة طارقا رجعيا ثم ارتجعها ولم تعلم بأنه ارتجعها إلا بعد أن انقضت عدتها ووطئها سيدها أو تلذذ بها غير عالمين فإنها تفوت بذلك على الأول وتكون للثاني، فهي كذات الوليين المتقدمة.

وعلم مما قررت أن قوله: فكالوليين جواب الشرط أعني قوله: وإن لم تعلم: فهو راجع للمسألتين، ووجه التشبيه أن هذه تفوت بتلذذ الثاني من زوج أو سيد غير عالمين كما أن ذات الوليين تفوت بتلذذ الثاني غير عالمين. والله سبحانه أعلم. وعلم مما مر أن عقد الثاني لا يبطل رجعة الأول إلا أن يحضر عقد الثاني ويسكت فتبطل رجعته ويصح عقد الثاني، وخالف اللخمي في ذلك فقاس تزوج الرجعية هنا على التي تزوجت بحضرة زوجها في نفي اللزوم، وقد مر أن المشهور خلاف قوله: والمختار نفي اللزوم فيهما، على أنه قد يفرق على تسليم كلامه هناك بأن المقيس عليه لم يحصل في عصمتها خلل بخلافها هنا، والله سبحانه أعلم. وما مشى عليه المصنف من أن هذه الرجعية كذات الوليين هو المشهور، وقيل: لا تفوت بدخول الثاني وترجع إلى الأول، والقولان منصوصان هنا وأشار في المدونة إليهما قاله الشارح. وقال الحطاب: قال أبو بكر. لست آخذ به؛ يعني القول بفواتها بتلذذ الثاني بها لأن الله (جعله

(1)

) مالكا لرجعتها. انتهى. وفي الموطإ: أنها تفوت على الأول بالعقد الثاني دخل الثاني بها أو لم يدخل، وأشار إلى الأمر الرابع بقوله: والرجعية كالزوجة يعني المطلقة طلاقا رجعيا حكمها حكم الزوجة التي في العصمة فتجب لها النفقة والكسوة والسكنى ويثبت التوارث بينهما وغير ذلك من أحكام الزوجية، فيلزم فيها الظهار واللعان والطلاق، فلو قال: زوجاتي طوالق اندرجت الرجعية في ذلك ولا يجوز له أن يتزوج من يحرم جمعه معها ما دامت في العدة، ولا يتزوج رابعة ما دامت فيها.

وعلم مما قررت به قوله: والرجعية كالزوجة أنه ليس فيه تشبيه الشيء بنفسه لأن معناه كالزوجة التي في العصمة إلا في تحريم الاستمتاع يعني أن الرجعية تفارق الزوجة التي في العصمة في أنها أي الرجعية يحرم الاستمتاع بها بجميع أنواعه قبل المراجعة والزوجة التي في العصمة يحل التمتع بها غير داخل دبرها. وقوله: إلا في تحريم الاستمتاع أي ولو النظر. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: إلا في تحريم الاستمتاع بها قبل المراجعة بنظرة وغيرها انتهى.

(1)

ما بين المعكوفين ساقط من بعض التسخ (ميم) المجلدة ومقابله من خط المؤلف فيه طمس والمثبت من الحطاب ج 4 ص 492.

ص: 344

والدخول عليها يعني أن الرجعية تفارق الزوجة أيضا في أن الرجعية يحرم الدخول عليها، وأما الزوجة فلا يحرم الدخول عليها والمراد بالدخول الخلوة بها. قاله الشبراخيتي. ويأتي عن عبد الباقي ما فيه نوع مخالفة له. والأكل ما يعني أن الرجعية تفارق الزوجة أيضا في أنها أي الرجعية يحرم الأكل معها، وأما الزوجة فلا يحرم الأكل معها وحرمة الدخول على الرجعية والأكل معها حاصلة، ولو كان معها من يحفظها وكذا يحرم عليه كلامها ولو كان نيته ارتجاعها بعد ذلك، وإنما منع له الكلام وجاز للأجنبي إلا لقصد تلذذ أو خشية فتنة ليلا يتذاكرا ما كانا عليه. قاله عبد الباقي. ولا بأس أن يرى وجهها وكفيها اتفاقا.

وعلم مما قررت به قوله: والدخول عليها، من أن المراد بالدخول الخلوة بها أنه تجوز له السكنى معها في دار جامعة لها وللناس، وهو كذلك، وأقام أبو محمد صالح من المدونة جواز سكنى الأعزب بين المتأهلين، لكن قال بعده: وهذا عند أهل فاس منكر عظيم. انتهى. ابن ناجي: وهو كذلك عندنا بإفريقية أيضا ولا ينبغي أن يختلف في منعه سواء كان العرف باستعظامه أو لا والواجب على القضاة أن يقدموا من ينظر في ذلك. انتهى. قاله بناني. وتفترق الرجعية من الزوجة أيضا في أنها إذا خرجت من منزلها بغير رضاه لم تسقط نفقتها بخلاف الزوجة لأن النفقة للزوجة في مقابلة الاستمتاع، ولا يجوز التمتع بالرجعية.

تنبيه: قال الشبراخيتي عند قول المصنف: والدخول عليها والأكل معها، ما نصه: وكذا كلامها ولو كان معها من يحفظها بخلاف الأجنبية في الثلاث. انتهى. وصدقت في انقضاء عدة القرء والوضع يعني أن الزوجة تصدق في أنها انقضت عدتها سواء كانت تعتد بالأقراء أو بالوضع حرة أو أمة خالفها الزوج أم لا، وعبارة الشارح أي: وصدقت إن قالت: قد انقضت عدتي بثلاثة قروء أو وضع حمل. انتهى. وهو قاصر على الحرة، ونص غير واحد على الأمة. قال الشبراخيتي: وصدقت المعتدة حرة أو أمة على ظاهر كلامه، وظاهر المدونة خالفها الزوج أم لما في دعوى انقضاء عدة القرء وعدة الوضع. انتهى. وقال عبد الباقي: وظاهر المصنف كغيره كان الوضع سقطا أم لا، خالأفا للرجراجي. انتهى. بلا يمين يعني أنها تصدق في دعوى انقضاء عدة القرء وعدة الوضع بلا يمين؛ أي لا يمين عليها فيما ادعته من انقضاء العدة، ما أمكن ما مصدرية ظرفية كما في الشبراخيتي أي مدة إمكان تصديقها بأن يمضي من الزمان ما يمكن انقضاؤها فيه، كما إذا

ص: 345

قالت: حضت ثلاثة في ثلاثة أشهر، والظاهر أن الظرف يتعلق بانقضاء والله سبحانه أعلم.

وقوله: وصدقت في انقضاء لخ؛ أي فلا تصح رجعته بعد قولها: انقضت، حيث كان الطلاق رجعيا فتحل للأزواج، وفي المدونة: فإن مضت مدة تنقضي في زمن مثلها صدقت بغير يمين وإلا لم تصدق. يسئل النساء؛ يعني أن المعتدة إذا ادعت انقضاء عدة القرء في مدة يمكن انقضاؤها فيها نادرا ولا يمكن غالبا كدعواها تمام الأقراء في شهر فإنه يسئل النساء هل يحصل للنساء مثل هذا أم لا؟ فإن شهدن بذلك عمل بقولها، وهل تحلف أو لا؟ قولان، فإن ادعت انقضاء عدة القرء في مدة لا يمكن انقضاؤها فيها كحضت ثلاثة في نصف شهر لم تصدق لأن ذلك لا يمكن غالبا ولا نادرا. وبالله تعالى التوفيق. والحاصل أن الأقسام أربعة، أولها وثانيها: أن تدعي ما يمكن انقضاء عدتها فيه على وفق الغالب أو استوى الأمران فتصدق في انقضائها في هذين ولا يمين عليها ولا يسئل النساء لأنها إذا صدقت لا حاجة لسؤالهن. ثالثها أن يشكل الأمر بأن تدعي ما لا يمكن غالبا ويمكن نادرا كحضت ثلاثة في شهر، فإنه يسئل النساء فإن لم يصدقنها لم يلتفت إلى قولهات وإن صدقنها أي شهدن أن النساء تحيض ثلاثا في مثل هذا عمل بقولهاث وهل تحلف أو لا؟ قولان، وبيان أن ذلك يمكن نادرا أن يطلقها في أول ليلة من الشهر قبل طلوع الفجر هي طاهر ويأتيها الحيض وينقطع عنها قبل الفجر فتمكث خمسة عشر يوما، ثم يأتيها الحيض في الليلة السادسة عشر، وينقطع عنها قبل الفجر، ويستمر كذلك ثم ياتيها الحيض عقب غروب آخر يوم من الشهر، لأن العبرة بالطهر في الأيام، فلا يضر إتيانه في أول ليلة من الشهر وانقطاعه قبل فجرها، وكذا في سادس عشر ليلة منه وانقطاعه قبل فجرها، وهذا على القول بأن أقل الطهر نصف شهر وهو المشهور وأما على القول بأن أقله عشرة أيام أو ثمانية أيام فتصوره ظاهر انظر الشبراخيتي. رابعها أن تدعي ما لا يمكن غالبا ولا نادرا كحضت ثلاثة في نصف شهر فلا تصدق. انتهى.

تنبيه: قد مر لي تبعا لغيري قولها: حضت ثلاثا في شهر ولا شك أن ذلك فيه مسامحة إذ الحيضة الثالثة وقعت في أول الشهر الثاني. والله سبحانه أعلم. ولا يفيد تكذيبها يعني أن المرأة تصدق في انقضاء عدتها إذا ادعت ما أمكن وحينئذ فلا يفيد تكذيبها نفسها بعد ذلك، فإذا قالت بعد دعواها انقضاء عدتها في مدة تصدق فيها: لم تنقض عدتي وأنا كاذبة فيما قلت لم

ص: 346

تصدق في قولها: إنها لم تنقض، فلا تصح رجعتها لبينونتها ويعد قولها ذلك ندما لأنه داعية إلى النكاح بلا ولي وصداق وشهود، فلابد من عقد جديد بشروطه. ولا أنها رأت أول الدم وانقطع يعني أن المرأة إذا ادعت أنها انقضت عدتها لدخولها في الحيضة الثالثة مثلا فإنها تصدق في ذلك كما مر، وتبطل رجعة الزوج الحاصلة بعد ذلك: فإذا قالت: إنما صدر مني ذلك لأني رأيت أول الدم فانقطع وأنا كنت أظن أنه يدوم دواما يعتبر في العدة وهو يوم أو بعضه كما يأتي، فوقع الأمر بخلاف ما كنت أظن، فإن قولها ذلك لا يفيد في صحة الرجعة فتبطل لبينونتها منه بالقول المذكور، وما ذكره المصنف نحوه لابن الحاجب. وقال ابن عرفة: المذهب كله على قبول قولها: إنها رأت أول الدم وانقطع، أي فلها النفقة والكسوة وكذا له الرجعة؛ وقال أحمد لا تثبت له الرجعة، ويحمل ابن عرفة على ما عداها فانظره. قاله عبد الباقي. وقال الأمير عاطفا على ما تصدق فيه: وأنها رأت الدم فانقطع قبل المدة المعتبرة في العدة على الراجح، خلافا لما في الأصل. وفي أبي الحسن عن عياض ما نصه: والذي ذهب إليه جمهور الشيوخ أنه إن لم يتماد بها الدم أنها لا تحتسب به حيضة، ثم قال عياض: واختلفوا إذا راجعها عند انقطاع هذا الدم وعدم تماديه ثم رجع الدم بقرب هل هي رجعة فاسدة؟ لأنه قد استبان أنها حيضة ثالثة صحيحة وقعت الرجعة فيها فتبطل وهو الصحيح، وقيل: لا تبطل، رجع الدم عن قرب أو بعد، ثم ذكر أبو الحسن عن عبد الحق في النكت أنه حكى القولين، وقال بعدهما: والقول الأول -يعني التفصيل- عندي أصوب، فتدبره، انتهى. وبين أن القرب هو أن لا يكون بين الدمين طهر تام. انتهى. نقله بناني. ولا رؤية النساء لها يعني أن المرأة إذا قالت: حضت ثالثة، فإنها تصدق في ذلك وتفوت رجعتها كما مر فلا يفيد تكذيبها نفسها بعد ذلك كما عرفت ولا رؤية النساء لها ولو رأينها طاهرا، وكذا لو قالت: إنها وضعت فكذبت نفسها ونظر إليها النساء فلم يجدن بها أثر وضع فإنها قد بانت وفاتت رجعتها، ولو ذكر هذه عقب قوله: ولا يفيد تكذيبها نفسها بأن يقول: ولا يفيد تكذيبها نفسها وإن رأتها النساء نقية كان أحسن؛ لأن هذه كالمتممة لها. انظر شرح عبد الباقي؛ يعني أنها في هذه صرحت بتكذيبها نفسها. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح مفسرا للمصنف: أي وكذلك لا يفيدها رؤية النساء لها إن لم ينظرن أثر حيض ولا وضع، وذكر ذلك في المدونة بالنسبة إلى الحيض. انتهى. ولو مات زوجها بعد كسنة فقالت لم أحض إلا

ص: 347

واحدة فإن كانت غير مرضع ومريضة لم تصدق يعني أن المطلقة طلاقا رجعيا إذا مات زوجها بعد سنة من طلاقه لها أو سنتين فطلبت الإرث منه، وقالت: عدتي لم تنقض، فأنا أستحق الإرث لكوني لم أحض إلا واحدة أو اثنتين، فالمراد لم تتم عدتي، فإن كانت غير مرضع ولا مريضة لم تصدق في قولها: إن عدتها لم تتم، فلا ميراث. هذا إذا لم تكن تظهر احتباس الدم، وأما إن كانت تظهر احتباس الدم بأن كانت تذكره في حياة المطلق فإنها تصدق بيمين، فترثه حينئذ، ولو في أكثر من عامين، وإلى ذلك أشار بقوله: إلا إن كانت تظهره ومفهوم قوله: مات أنها لو ادعت وهو حي طول عدتها وعدم انقضائها فيما تنقضي فيه على عادتها كانت بعد سنة أو قبلها صدقت إن كانت بائنا لأنها معترفة على نفسها، فإن كانت رجعية لم يمكن من رجعتها مطلقا ولها النفقة ونحوها مما للمعتدة إن صدقها لا إن كذبها، ولو ماتت بعد انقضاء عدتها المعتادة فادعى بقاءها وتأخر حيضها ليرثها لم يقبل إلا لقرينة على صدقه فيقبل، وانظر هل بيمين أم لا؟ فإن ادعى حملها وعدم وضعها قُيل قولُه وورثها، وعلى من أراد منعه منه البينة على عدم حملها أو على وضعها قبل موتها، إلا أن تكون اعتدت في منزلة ثم تحولت منه لانقضاء عدتها، وذكرت ذلك فلا يرثها، قاله الشارح والتتائي عن مالك، قاله عبد الباقي، وقال عبد الباقي: ومفهوم قوله: غير مرضع ومريضة تصديق المرضع والمريضة مدتهما بلا يمين، وتصديق المرضع أيضا في عدم انقضائها بعد الفطام بالفعل ولو تأخر عن مدته الشرعية، فإلى عام بيمين ولا تصدق بعد عام كذا في النص. قاله علي الأجهوري. وفي الشارح الوسط ما يفيد خلافه عن ابن مزين، والظاهر أن المريضة مرضا شأنه منع الحيض كالمرضع في التفصيل المذكور، وحيث لم تصدقا فإنما ذلك حيث لم يظهرا عدم الانقضاء وإلا صدقا بيمين. انتهى كلام عبد الباقي، قوله عن علي الأجهوري: ولا تصدق بعد عام، قال محمد بن الحسن: فيه نظر؛ إذ الذي في المواق عن ابن رشد: أن حكم المرضع من بعد الفطام كالتي لا ترضع من يوم الطلاق وارتفاع الحيض مع الرضاع ليس بريبة اتفاقا. انتهى. وحينئذ فتصدق بعد الفطام سنة فأكثر إذا كانت تظهره كما مر. انتهى. وفي المواق عن ابن رشد: أنها بعد الفطام تصدق أنها لم تحض فيما بينها وبين سنة مع يمينها ولها الميراث ولا تصدق إن انقضت السنة فطلبت الميراث وزعمت أنها لم تنقض لأن بها حسا تجده في بطنها حتى يراها النساء ويصدقنها فيما ادعته من ذلك. انتهى.

ص: 348

وما قررت به المصنف قرره به بناني، ومفهوم قوله: بعد كسنة أشار له بقوله: وحلفت في الستة يعني أن المطلقة طلاقا رجعيا إذا مات زوجها بعد ستة أشهر ونحوها مما دون السنة من يوم الطلاق وادعت أن عدتها لم تنقض، فإنها تحلف أن عدتها لم تنقض وترثه، وسواء وافقت عادتها أو خالفت وإن لم تذكر ذلك في حياته.

لا في كالأربعة أشهر يعني أن المرأة المذكورة إذا مات زوجها بعد كالأربعة الأشهر فإنها ترثه ولا يمين عليها أنها لم تنقض عدتها وافقت عادتها أو خالفت، وهذه النسخة التي شرحت عليها المصنف هي الصواب، وأما نسخة لما في كالأربعة أشهر وعشر فالصواب إسقاط قوله: وعشر، لاستفادته من الكاف، وتبع المصنف في هذا التفصيل بحث ابن رشد، والذي في سماع عيسى: أنها تصدق بيمين مطلقا كانت تظهر احتباس الدم أو لا، وفي الموازية: أنها لا تصدق إلا إذا كانت تظهر احتباس الدم، وسواء على ما فيها ما قبل السنة وما بعدها، وقوله: لا في كالأربعة أشهر فيه شيء من جهة العربية قال ابن مالك في الكافية.

وإن تعرف ذا إضافة فمع

آخر اجعل أل وغير ذا امتنع

والحاصل أن هذه المسألة على ستة أقسام، أحدها: أن يموت بعد سنة من طلاقه لها فأكثر وهي غير مرضع ولا مريضة ولم تكن تظهر احتباس الدم في حياة زوجها وتدعي أن عدتها لم تنقض، فإنها لا تصدق في ذلك ولا ترثه؛ ثانيها: أن تظهر احتباس الدم في حال حياته والحال أنه مات بعد سنة فأكثر وهي غير مرضع ولا مريضة وتدعي أن عدتها لم تنقض فتصدق وترثه، ثالثها: أن يموت قبل تمام سنة من يوم الطلاق وهي غير مرضع ومريضة وتدعي أن عدتها لم تنقض ولم تكن تظهر احتباس الدم فإنها تصدق وترثه، وحلفت في كالستة مما دون السنة، ولا تحلف إن كان الذي مضى لها أربعة أشهر وعشر ليال، هذا على ما درج عليه المصنف. قال عبد الباقي: وما ذكره المصنف من هذا التفصيل تبع فيه بحث ابن رشد، وظاهر السماع حلفها فيما دون العام، وأحرى في التصديق لو كانت تظهر احتباس الدم. رابعها: أن تكون مرضعا فتصدق في عدم انقضائها مدة الرضاع بلا يمين. خامسها: أن تكون مريضة فتصدق مدته بلا يمين، قال عبد

ص: 349

الباقي: وتصدق الرضع بعد الفطام بالفعل ولو تأخر عن مدته الشرعية، فإلى عام بيمين ولا تصدق بعد عام؛ كذا في النص. قاله الأجهوري. وفي الشارح الوسط ما يفيد خلافه عن ابن مزين، والظاهر أن المريضة مرضا شأنه منع الحيض كالمرضع في التفصيل المذكور، وحيث لم تصدقا فإنما ذلك حيث لم يظهرا عدم الانقضاء وإلا صدقا بيمين. انتهى. قوله في المرضع: ولا تصدق بعد عام لخ، قال محمد بن الحسن: فيه نظر؛ إذ الذي في المواق عن ابن رشد: أن حكم المرضع من بعد الفطام كالتي لا ترضع من يوم الطلاق وارتفاع الحيض مع الرضاع ليس بريبة اتفاقا، وحينئذ فتصدق بعد الفطام سنة فأكثر إذا كانت تظهره، كما تقدم. انتهى. سادسها: مفهوم قوله مات وهو أن تدعي وهو حي طول عدتها أو عدم انقضائها فيما تنقضي فيه على عادتها كانت بعد سنة أو قبلها لم يمكن من رجعتها مطلقا ولها النفقة ونحوها مما للمعتدة إن صدقها لا إن كذبها، ولو ماتت بعد انقضاء عدتها المعتادة فادعى بقاءها وتأخر حيضها ليرثها لم يقبل إلا لقرينة على صدقه فيقبل وانظر هل بيمين أم لا؟ فإن ادعى حملها وعدم وضعها قبل قوله وورثها، وعلى من أراد منعه منه البينة على عدم حملها أو على وضعها قبل موتها إلا أن تكون اعتدت في منزلة ثم تحولت منه لانقضاء عدتها وذكرت ذلك فلا يرثها، قاله الشارح. نقله عبد الباقي. وعلم مما مر أنها لو طلقت طلاقا بائنا وادعت عدم انقضاء عدتها أنها تصدق، وهو ظاهر؛ لأنها معترفة على نفسها، ونص عليه عبد الباقي فيما إذا لم يمت؛ وقال الأمير: وإن مات فقالت: لم أخرج منها صدقت بيمين إن عرفت باحتباس الدم أو لم يمض من الطلاق لموته سنة وصدقت المرضعة والمريضة بلا يمين كإن مات بعد كأربعة أشهر، وإن ادعت طولها وهو حي أخذت بإقرارها، كهو إن صدقها ولا رجعة. والله سبحانه أعلم. وندب الإشهاد يعني أنه يندب للرجل إذا راجع مطلقته الرجعية أن يشهد على رجعته، وقيل يجب، والأول هو المشهور، ويستحب إعلام المرأة بها؛ وأصابت من منعت له أي الإشهاد يعني أن المطلقة طلاقا رجعيا إذا ارتجعها زوجها ومنعت نفسها منه حتى يشهد الزوج على أنه ارتجعها فإنها تكون بسبب منعها لنفسها مصيبة أي فاعلة لصواب ورشد ولا تعد بذلك عاصية لزوجها، بل تؤجر على المنع؛ لأنه حق لها خشية أن ينكر المراجعة والوطء، ولا تسقط بذلك نفقتها وكسوتها. وشهادة السيد كالعدم يعني أن الأمة

ص: 350

إذا كانت مطلقة طلاقا رجعيا وشهد سيدها على أن زوجها ارتجعها فإن شهادة السيد لها على ذلك كالعدم في تحصيل الندب لاتهامه، وكذا الولي مجبرا أم لا ولو مع غيره والمندوب إشهاد عدلين غير الولي والسيد، وعبارة الأمير: وندب إشهاد عدلين غير الولي سيدا أو غيره. انتهى. وشهادة الولي لا تثبت بها الرجعة إذا حصلت المنازعة بعد العدة ولو مع غيره، والمتعة يعني أن المتعة مندوبة على المشهور، قال الشبراخيتي: وهي ما يعطيه الزوج المطلق ولو عبدا؛ لأن الإذن في النكاح إذن له في توابعه، للزوجة جبرا لألم فراقها، ولا يقضى بها، ولا يحاص بها الغرماء. انتهى. وقال عبد الباقي: وهي ما يؤمر الزوج ولو عبدا بإعطائه للزوجة ليجبر بذلك الألم الذي حصل لها بطلاقه إياها ولا يقضى بها ولا تحاص. انتهى. وقال بناني: عن تكميل التقييد: عن ابن سعدون: قال: قولهم: المتعة للتسلي فيه اعتراض؛ لأن المتعة قد تزيدها أسفا على زوجها بتذكرها حسن عشرته وكريم صحبته فالظاهر أنها شرع غير معلل، وقد قال ابن القاسم: إن لم يمتعها حتى ماتت ورثت عنها فهذا يدل على أنها ليست للتسلي. انتهى. وما مر من أن المتعة مندوبة هو المشهور كما مر وقيل بالوجوب لقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وقال أيضا: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} والأصل في الأمر الوجوب، ولأن: حقا وعلى، من ألفاظ الوجوب، والجواب عن ذلك أن المراد بالحق الثابت القابل للباطل، والمندوب ثابت، وأن الأمر بالندب لقيده بالمتقين والمحسنين لأن الواجبات لا تتقيد بهما، وإلى الوجوب ذهب ابن مسلمة وابن حبيب واختاره السيوري، وفي ضياء التأويل: وأما المتعة فمستحبة عند مالك وأوجبها أبو حنيفة والشافعي وأحمد. انتهى. على قدر حاله يعني أن المتعة إنما تكون على قدر حال الزوج ولا حد لها فليس الغني كالفقير. قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} والمقتر الفقير، ولا يراعى فيها حال الزوجة، وظاهر ابن عرفة أن كونها على قدر حاله مندوب آخر، قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: والذي يفيده كلام ابن شأس أن المتعة مستحبة وكونها على قدر حاله مستحب آخر، فلو قال: وعلى قدر حاله لأفاد ذلك. انتهى. وما ذكره المصنف من أن المتعة تكون على قدر حال الزوج فقط هو المشهور، وقيل على قدر حالها هي فقط؛ قاله أبو عمران؛ وقيل: على قدر حالهما.

ص: 351

تنبيه: قال ابن عرفة: ابن محرز: عن ابن وهب وأشهب: إن لم يمتعها حتى ارتجعها سقطت، وقوله: على قدر حاله أي فلا حد لها وهو المشهور، لقوله تعالى:{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وقال ابن عباس: أعلاها خادم أو نفقة، وأدناها كسوة، قال عبد الباقي: وما اقتضاه ظاهره من أن النفقة أعلى من الكسوة فيه بعد إلا أن يريد نفقة مدة يزيد قدرها على الكسوة. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: والأولى من جهة الأدب أن يقال الظاهر أن المراد بالنفقة نفقة مدة يزيد قدرها على الكسوة، والله سبحانه أعلم. بعد العدة للرجعية يعني أن المطلقة طلاقا رجعيا لا تمتع إلا بعد انقضاء عدتها؛ لأن المتعة إنما تستحق بالبينونة فتسقط عنه إذا ارتجعها كما مر، وإنما كانت تستحقها بالبينونة لأنها ما دامت في العدة ترجو الرجعة فلا كسر عندها ولو دفع المتعة للرجعية ثم ارتجعها لم يرجع بها، وقيل: يرجع بها، ومفهوم قوله: للرجعية أن المطلقة طلاقا بائنا تدفع لها إثر طلاقها لحصول الوحشة بألم الفراق، أو ورثتها يعني أن المطلقة إذا ماتت قبل أن تمتع، تدفع المتعة لورثتها لقيامهم مقامها، وسواء في ذلك البائن والرجعية، وقوله: أو ورثتها، هو لابن القاسم، وقال أصبغ: لا تدفع لهم لأنها تسلت عن الطلاق ولو مات الزوج سقطت، وكذا لو رد البائن لعصمته بعقد ولأحمد إن ردها بعقد بصداق ففي سقوط ندبها قولان، وقوله: أو ورثتها قال الشبراخيتي: ولما كان الألم يلحق ورثتها كما يلحقها قال أو ورثتها ككل مطلقة فيه تشبيه الشيء بنفسه فهي عبارة قلقة، والعبارة السلسة أن لو قال: والمتعة على قدر حاله لكل مطلقة لخ، قاله ابن عاشر نقله بناني؛ يعني أن المتعة تكون لكل مطلقة، حرة أو أمة مسلمة أو كتابية، فارقها عن مشاورة أم لا، طلقت واحدة أو اثنتين أو ثالأثا، طلقت بعد البناء أو قبله، إلا ما يستثنى في نكاح لازم يعني أن المتعة إنما تكون في نكاح لازم سواء كان صحيحا أو فاسدا وفات، فتكون فيه المتعة إذا طلقت، فإن لم يفت فلا متعة فيه إذا طلق، وكذا لا متعة في نكاح فيه خيار؛ لا في فسخ يعني أن المفسوخ نكاحها لا متعة لها إلا لرضاع كما ذكره ابن عرفة، وظاهره كان لها نصف الصداق كما إذا ادعاه فأنكرته أم لا، اللخمي: ولا متعة لمن فسخ نكاحها ولو لعارض حادث. ابن يونس: وكل ما فسخ لصداقه فلا متعة فيه ولا متعة للمرتدة ولو عادت للإسلام، ونظر عبد الباقي في ردة الزوج قتل أو عاد للإسلام، وعبارة الأمير: ولا متعة في ردة فتعم ردته وردتها وهو الظاهر؛ لأنه إن قتل على ردته

ص: 352

فقد مر أنها تسقط بموت الزوج مع أن النكاح قد فسخ، وإن عاد للإسلام فهو مما يشمله قوله: لا في فسخ، والله سبحانه أعلم قاله مقيد هذا الشرح عفا الله عنه. وقوله: لا في فسخ، مفهوم قوله: مطلقة، قاله الشبراخيتي. وقوله: كلعان مثال لما يفسخ؛ يعني: أن من لاعن زوجته لا يمتعها لحصول شين لا تجبره المتعة.

تنبيه: قال ابن القاسم: إن طلق فيما يفسخ بطلاق قبل فسخة فلا متعة عليه. وملك أحد الزوجين عطف على قوله: كلعان، فهو مثال ثان لما فيه فسخ؛ يعني: أن الزوجين إذا ملك أحدهما كل الآخر فإن النكاح يفسخ كما مر ولا متعة لها في المسألتين؛ لأنه إن كان هو المالك لها فلم تخرج عن حوزه، وإن كانت هي المالكة له فهو وماله لها، وأما لو ملك أحدهما بعض الآخر فإنه يمتعها لأن ملك الكل لا يمنع الوطء حيث كان هو المالك، وإن كانت هي المالكة فقد حصل لها الجبر بملكه على أنها قادرة على عتقه فيتزوجها.

تنبيه: قال الشبراخيتي: وظاهر كلامه يعني المصنف ندب المتعة ولو كان الزوج مريضا مرضا مخوفا وهو كذلك؛ إذ ليست كتبرعه، مراعاة للقول بوجوبها في المذهب، واختيار بعض الأشياخ له، ولأنها وقعت في مقابلة عوض في الجملة وهو كسرها بالطلاق. انتهى. قال عبد الباقي: ثم استثنى من قوله: ككل مطلقة، وهو متصل بالنسبة لبعض المستثنيات ومنقطع بالنسبة إلى الآخر ولا مانع من ذلك، تقول: جاء القوم إلا زيدا وحمارا. قاله أحمد. فقال: إلا من اختلعت يعني أن المختلعة بعوض دفعته من عندها أو دفع عنها برضاها فإنها لا تمتع فإن دفع عنها بغير رضاها متعت، وفهم من قوله: اختلعت بالبناء للفاعل أنه لو طلقها طلاق الخلع بغير عوض أنه يمتعها وهو كذلك، وما قدمته مما نقله عبد الباقي عن أحمد أن الاستثناء منقطع متصل، قال فيه الشبراخيتي: كونه متصلا منقطعا مما لم يقله أحد من علماء العربية، والمثال الذي ذكره من وضعه. انتهى المراد منه. أو فرض لها وطلقت قبل البناء يعني أن المرأة إذا نكحها رجل نكاح تسمية أو نكاح تفويض وفرض لها وطلقها قبل البناء فإنه لا متعة في المسألتين؛ لأنها أخذت نصف الصداق مع بقاء سلعتها، وأما إن لم يفرض لها وطلقت قبل البناء فإنها تمتع، وإذا خلا بزوجته وأرخى الستر وقد سمى لها وطلقها، وقال: لم أمسها، وقالت: مسني، فالقول قولها في الصداق ولا متعة لها. قاله في المدونة. نقله الحطاب: وقال بعده قال ابن ناجي: قال أبو عمران:

ص: 353

إذا قال: أصبت وأكذبته فينبغي أن يكون لها جميع المهر مع المتعة. انتهى. ومفهوم قوله: قبل البناء، أنها لو طلقت بعد البناء لكانت لها المتعة وهو كذلك. ومختارة لمعتقها عطف على من كما أن ما قبله عطف على اختلعت؛ يعني أن الأمة التي كمل عتقها وهي تحت عبد واختارت فراقه فإنها لا تمتع، وأما المختارة نفسها لأجل تزويج أمة عليها أو ثانية أو علمها بواحدة فألفت أكثر فإنها تمتع، كما نص عليه غير واحد. أو لعينه يعني أن الزوج إذا ظهر العيب به وردته زوجته بسبب عيبه فإنها لا متعة لها، والصور أربع: هذه، عيبهما معا واختارت هي الفراق، عيبها فقط وردها لا متعة لها فيهما، عيبهما معا واختار هو الفراق متعت، فالحاصل أنها لا تمتع في ثلاث، وتمتع في واحدة. ومخيرة يعني أن المخيرة إذا فارقت زوجها لا متعة لها لأن تمام الفراق جاء من قبلها، ومملكة يعني أن المملكة إذا فارقت زوجها لا متعة لها لأن تمام الفراق جاء من قبلها، وما مشى عليه المصنف في المخيرة والمملكة هو المشهور؛ قال الشارح: وأما المخيرة والمملكة فقد اختلف فيهما قول مالك فعنه لا متعة [لهما]

(1)

، وهو المشهور، نص عليه ابن بشير وابن شأس، قالا: وروي عن مالك ثبوت المتعة، وهو شاذ، ولهذا اقتصر على الأول. انتهى. قال عبد الباقي: ولما كان طلاق المولي رجعيا على المشهور كما مر ويأتي ناسب لذلك ذكر الإيلاء عقب الرجعة، وقول بعضهم: عقبه للرجعة لتسبب الرجعي عنه فيه بحث، إذ تسبب الرجعي عنه يقتضي تقدمه على الرجعة فقال:

(1)

في الأصل: لها، والمثبت من بهرام الوسط؛ ج 3 ص 237.

ص: 354

‌باب: في الإيلاء

قال الإمام الحطاب: اختلف في مدلول الإيلاء لغة، فقال عياض: أصل الإيلاء الامتناع، قال الله تعالى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} ، ثم استعمل فيما كان الامتناع منه بيمين: وقال الباجي الإيلاء في اللغة اليمين. وقاله ابن الماجشون. ولذلك قال الفضل: ويقال: آلى وتألى وائتلى وءالى وهو المستعمل عند الفقهاء، يقال: آلى يولي إيلاء، والاسم منه الألية والجمع الألايا على وزن العطية والعطايا، قاله في تهذيب الأسماء. قال كثير في عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:

قليل الألايا حافظ ليمينه

وإن ندرت منه الألية برت

يصفه بقلة الحلف. انتهى. وأما في الشرع فحده ابن عرفة بأنه: حلف زوج على ترك وطء زوجته يوجب خيارها في طلاقه. انتهى. قوله: يوجب خيارها، صفة لحلف، وقوله: يوجب خيارها، هو من التعريف بالحكم؛ إذ ثبوت الخيار المذكور فرع عن وجود ماهية الإيلاء، فإذا توقفت معرفة الإيلاء عليه دار، وقد تكرر صدور هذا من ابن عرفة في حدوده، مع أنه يؤاخذ ابن الحاجب في هذا بأدق من هذا. انتهى. قاله ابن عاشر. وقوله: يوجب خيارها، خرج بهذا القيد ما لا يوجب خيارا كالأمثلة الآتية في المتن من قوله:"أو لا وطئتها ليلا ولا نهارا"، وما بعده فإن قلت كيف أوجب خيارها والموجب للخيار إنما هو تلوم القاضي في الوطء؟ فالجواب أنه لما كان التلوم سببا عن الحلف صح ذلك لأن سبب السبب سبب انظر الشبراخيتي. وكان كل من الإيلاء والظهار طلاقا بائنا في الجاهلية فغير الشرع حكمهما واختلف العلماء هل عمل بهما في أول الإسلام أم لا؟ وصحح بعضهم أنه لم يعمل بهما. والله تعالى أعلم وعرف المص الإيلاء بقوله الإيلاء يمين مسلم مكلف يعني أن الإيلاء هو يمين مسلم مكلف حر أو عبد فقوله يمين جنس وقوله مسلم نعت لمحذوف تقديره زوج واحترز بقوله مسلم عمن آلى في حال كفره ثم أسلم فإنه لا يلزمه إيلاء واحترز بقوله مكلف من الصبي والمجنون ونحوهما فإنه لا يصح إيلاؤهم وأما إيلاء الأجنبي فالمشهور أنه يلزم كما يأتي عند قوله وإن تعليقا والله سبحانه أعلم وقوله يمين مسلم مكلف سواء كان حلفه بالله أو بصفة من صفاته أو بما فيه التزام من عتق أو صدقة ونحو ذلك من الالتزامات وشمل النذر المبهم نحو علي نذر إن وطئتك وشمل قوله مكلف السفيه والسكران بحرام

ص: 355

وأما بحلال فكالمجنون وشمل الأخرس إذا أفهم بإشارة أو كتابة والأعجمي بلسانه قاله الشبراخيتي.

تنبيه قال عبد الباقي ما نصه وشمل يعني المصنف النذر البهم نحو علي نذر إن وطئتك أو لا أطؤك فمول عند ابن القاسم وقيل غير مول لأنه نذر معصية كقوله علي نذر لا أكلمك كما في الحطاب قلت ليس النذر معصية وإنما علق على معصية ولو بحسب المعنى وما كان كذلك يلزم انتهى قال محمد بن الحسن قول الزرقاني نحو علي نذر إن وطئتك لخ ما ذكره من الخلاف في هذد المسألة غير صحيح وإنما ذكر في التوضيح هذا الخلاف في نحو علي نذر أن لا أطأك وأن لا أقربك ونصه وإن قال علي نذر أن لا أقربك فهو مُول وقال يحيى بن عمر ليس بمول وهو بمنزلة قوله علي نذر أن لا أكلمك وهو نذر في معصية انتهى ووجه القول الثاني فيما ذكره ظاهر لأن قوله أن لا أقربك مؤول بمصدر مبتدأ وما قبله خبره وكأنه قال عدم مقاربتك نذر علي ولا شك أن هذا ليس بتعليق وإنما هو نذر معصية وأما إن صرح بالتعليق فهو علي نذر إن وطئتك فليس من محل الخلاف وليس للخلاف فيه وجه أصلا لأن المعلق نذر مبهم مخرجه كفارة اليمين ولا معصية فيه والله أعلم انتهى.

تنبيه آخر: قد مر أن المجنون لا يصح إيلاؤه وذلك حيث آلى مجنونا فإن آلى عاقلا ثم جن فقال عبد الباقي يوكل الإمام من ينظر له فإن رأى أن لا يفيء طلق عليه وإن رأى أن يفيء كفر عنه أو أعتق إن كانت يمينه بعتق قاله أصبغ فإن وطئ حال جنونه فهل هو فيئة ويحنث ويكفر عنه نظرا لحال اليمين وهو قول أصبغ أو لا يحنث ويسقط حقها في الوقف ويستأنف له أجل إذا عقل وهو قول اللخمي نظرا لحال الحنث وعلى قوله يلغز ويقال: لنا مول حصلت منه فيئة وسقط طلبه بها مع بقاء الإيلاء عليه، واقتصر المواق على ما للخمي وهو المذهب، وكلام أصبغ ضعيف خلافا لصنيع الشارح المقتضي أنه المذهب. انتهى. قوله: ويستأنف له أجل؛ إذا عقل وهو قول اللخمي لخ فيه نظر إذ لم يقل اللخمي يستأنف له أجل وكلام اللخمي: وطء المجنون لا يوجب حنثه ولكنه يسقط حقها في الوقف. ابن عرفة: ظاهره لا وقف لها بعد ذلك وهذا خلاف ما لابن رشد. انتهى. فقد فهم ابن عرفة من كلام اللخمي أنه لا يستأنف أجل بحال، وإنما الذي قال بالأجل هو ابن رشد، لكن لم يقل من يوم عقل بل من يوم وطئها، والذي لابن رشد بعد قول

ص: 356

أصبغ في نوازله إذا كان يمينه بالله فوطئها في جنونه أن وطأه فيئة يحنث به ويكفر عنه وليه يمينه إن كان حلفه في حال صحته، هو ما نصه: قوله: يحنث في وطئه في حال جنونه قول ضعيف؛ لأن فعله في حال الجنون كلا فعل، فإذا وطئ في حال جنونه وجب أن لا يحنث بذلك وأن لا تجب عليه الكفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث

(1)

) فذكر فيهم المجنون حتى يفيق، ويكون ذلك مسقطا لحق زوجته في توقيفه حتى تمر به أربعة أشهر من يوم وطئها لأنها قد نالت بوطئه إياها في حال جنونه ما تنال به في حال صحته، وما تمادى به الجنون فلا توقيف فيه بحال. انتهى. قاله بناني. وقال: والظاهر أن كلام اللخمي يحمل على ما قاله ابن رشد، خلاف ما فهمه ابن عرفة منه. انتهى.

تنبيه آخر: قال بناني: ذكر في التوضيح مثل هذا الخلاف إذا طرأ الجنون في الأجل ولم يطأ، ونصه: فإن آلى وهو صحيح ثم جن عند تمام أجل الإيلاء، فقال أصبغ: يوكل السلطان عليه من يكون ناظرا في أمره فإن رأى له أن لا يفيء ويطلق عليه فعل ويلزمه ذلك، وإن رأى أن يكفر عنه فعل، واختار اللخمي أن لا يكون لامرأته مقال لأن امتناعه في حال الجنون ليس لليمين، وإذا لم يكن لها مقال إذا قطع ذكره [فالجنون أقوى]

(2)

لأنه إن لم يصب الآن أصاب بعد. انتهى. يتصور بضم التحتية: والنائب قوله: وقاعه؛ يعني: أن الإيلاء إنما يصح من الزوج المسلم المكلف الذي يتصور وقاعه؛ أي يمكن جماعة، فخرج المجبوب والخصي والشيخ الفاني والحصور فلا ينعقد منهم، وشمل كالأم المصنف ما إذا كانت الزوجة غير مطيقة أو غير مدخول بها ولا يضرب له أجل الإيلاء حتى تطيقه ولو مدخولا بها، وحتى يدعى لدخول مطيقة ويمضي مدة التجهيز، قاله اللخمي. انظر ابن عرفة، فالمراد يتصور وقاعه من جانبه كما يفيده ضمير المذكر لا من جانبهما معا. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي عند قوله: يتصور وقاعه: صفة لمسلم أيضا يخرج به المجبوب والخصي والشيخ الفاني والعنين فلا ينعقد منهم الإيلاء، والمراد يتصور وقاعه حالا ومئالا لا من يتصور منه الوطء حالا لا مئالا، كمن حلف على الوطء ثم قطع ذكره ونحوه انتهى وقال الشارح عند قوله: يتصور وقاعه، أخرج الخصي والمجبوب والشيخ الفاني، وقال

(1)

ابن ماجه، كتاب الطلاق، رقم الحديث 2041. النسائي، كتاب الطلاق رقم الحديث 3432.

(2)

كذا في النسخ والبناني والذي في التوضيح ج 4 ص 484 فالمجنون أولى.

ص: 357

أصبغ في الخصي: يريد والمجبوب هو مول لأن للزوجة فيما آلى منه منفعة في المباشرة والاستمتاع. اللخمي: وقوله في المجبوب حسنٌ لأنها تستمتع منه، قال: وكذلك العنين والحصور انتهى. وإن مريضا يعني أن الزوج المسلم المكلف الذي يتصور وقاعه يصح منه الإيلاء وإن كان مريضا حين آلى. قال الحطاب: وإيلاء المريض لازم إن لم يقيده بحد مرضه، وإلا فلا، الأول نص ابن شأس وغيره، والثاني نص ابن رشد وغيره. انتهى. وقال الشارح: يريد أن حكم المريض في الإيلاء حكم الصحيح، ابن عبد السلام: وهو ظاهر المذهب، وقال عبد الباقي: وإن كان الزوج الموصوف بما ذكر مريضا مرضا لا يمنع الوطء فإن منعه فلا إيلاء عليه، كما أنه إذا قيد بمدة المرض غير المانع لا إيلاء عليه، فمحل كلامه إذا أطلق، فإن ادعى الحالف أنه حلف لضرر الوطء به لم يقبل إن كان صحيح البنية، ويقبل إن كان ضعيفها حال الحلف وصح أثناء المدة المحلوف على الترك فيها؛ لأن زمن ضرره به كزمن رضاع الولد، وما زاد عليه كما زاد على موت الولد. انتهى. وقوله: مرضا لا يمنع الوطء فإن منعه فلا إيلاء لخ، فيه نظر، ففي التوضيح عن ابن عبد السلام ما نصه: وظاهر المذهب مثل ما ذكره المصنف يعني ابن الحاجب من لحوق الإيلاء للمريض مطلقا، ورأى بعضهم إذا كان عاجزا عن الجماع أنه لا معنى لانعقاد الإيلاء في حقه، ألا ترى أنه لو آلى الصحيح ثم مرض لما طلب بالفيئة بالجماع؟ انتهى. فدل على أن التفصيل خلاف ظاهر المذهب. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: وإن مريضا ولو طال المرض، وهذا إن أطلق، وأما لو قيد بمدة المرض فلا يكون موليا. انتهى. مع وطء زوجته هكذا في بعض النسخ وهي نسخة الشارح، وعليها فالباء بمعنى على متعلقة بيمين، بمعنى الحلف ومعنى المنع الترك، يعني أن الإيلاء هو حلف الزوج الموصوف بما ذكر على ترك وطء زوجته واحترز بقوله: منع عما لو لم تكن يمينه على ترك الوطء، كوالله لأطأنها، وفي نسخة بالمضارع المبدو بالمثناة التحتية أو الفوقية، بناء على أن اليمين مونثة أو مذكرة، قال الشبراخيتي: وهي أحسن، ومفهوم زوجته أنه لو حلف على ترك وطء سريته أوأم ولده أكثر من أربعة أشهر، فإنه لا يلزمه بذلك إيلاء، إلا أنه يمنع من الضرر لاسيما أم الولد إذ ليس فيها منفعة إلا الوطء، وحلفه يضر بها. وإن تعليقا مبالغة في صحة الإيلاء فيصح أن يكون مبالغة في اليمين؛ أي وإن كانت اليمين تعليقا أي ذات تعليق، فإن اليمين تكون منجزة نحو: والله لا أطؤك، وغير منجزة وهي ذات التعليق كوالله لا أطؤك إن

ص: 358

دخلت الدار، ويصح أن يكون مبالغة في المنع أي وإن كان ترك الوطء معلقا، كوالله لا أطؤك حتى تسئلنيي، فاليمين هنا منجزة، وترك الوطء معلق على عدم السؤال؛ لأن المعنى لا أطؤك إن لم تسئليني، ويصح أن يكون مبالغة في زوجته أي وإن كانت الزوجة معلقة كإن تزوجت فلانة فوالله لا أطؤها، وهذا الاحتمال الثالث هو الظاهر، ولهذا قال الرماصي: الظاهر أن مراد المؤلف هو التعليق المختلف فيه، وهو التعليق على التزويج ظاهرا أو حكما، كقوله لأجنبية: والله إن تزوجتك لا وطئتك أو قوله لها ابتداء: والله لا وطئتك، فإذا تزوجها لزمه الإيلاء في الصورتين على المشهور وهو مذهب المدونة، خلافا لابن نافع محتجا بقوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} انتهى. فكان حق المصنف أن يعبر بلو دفعا للخلاف المذكور، قاله بناني. وقد علمت لزوم الإيلاء حيث علقه على التزويج ومثله الظهار كما في المدونة، وقال عبد الباقي: في المدونة أيضا: إن الإيلاء غير المعلق يلزم في الأجنبية دون الظهار، وفرق اللخمي بينهما بأن الأجنبية حال الظهار محرمة عليه قبل العقد فهي كظهر أمه قبل نطقه فلم يزد نطقه شيئا حيث لم يعلقه على تزوجها، بخلاف الإيلاء فإنه حلف على ترك الفعل فمتى وجد منه كان حانثا. انتهى. غير المرضعة يعني أنه يشترط في لزوم الإيلاء أن تكون الزوجة المولى منها غير مرضع وأما المرضع فلا إيلاء عليه بحلفه لا يطأ مرضعا حتى تفطم ولدها، وهذا هو المشهور. قاله في الموطإ والمدونة وغيرهما. وقال أصبغ: هو مول، اللخمي: وهو أقيس لأن لها حقا في الوطء، ومحل المشهور إن قصد مصلحة الولد فإن قصد الامتناع من وطئها فمول من يوم اليمين سواء كانت صيغة يمينه لا يطؤها ما دامت ترضع ولدها أو حتى تفطمه أو مدة الرضاع أو الحولين، فيلزمه الإيلاء في الصور الأربع، فإن مات الولد قبل تمام رضاعه حل له وطؤها في الصيغة الأولى من الأربع لانحلال الإيلاء عنه: كالثانية والثالثة إلا أن ينوي فيهما الزمن فكالرابعة، فعليه الإيلاء إن بقي بعد موته مدة الإيلاء للحر أو للعبد، وإلا فلا، ورضع الولد غيرها أثناء المدة كموته أثناءها في التفصيل فإن كان له ابتداء مرضعة غير أمه فكحلفه عليها وهي غير مرضع فمول، قاله عبد الباقي. وفي الشبراخيتي: أن المرضعة فيها تفصيل أي على القول بأنه لا يلزم فيها الإيلاء، فإن قصد بحلفه الامتناع من غير رعي مصلحة الولد فإنه يكون موليا من يوم الحلف سواء كانت صيغة يمينه لا يطؤها حتى تفطم ولدها، أو ما دامت ترضعه، أو لا يطؤها مدة الرضاع، أو الحولين، وإن قصد

ص: 359

بحلفه مصلحة الولد، أو لم يقصد شيئا؛ فإنه لا إيلاء عليه ما دام الولد حيا في الصور كلها، وكذا لا إيلاء عليه إن مات في الصور كلها، إلا إذا كانت صيغة يمينه: لا يطؤها في الحولين أو مدة الرضاع، حيث قصد الحولين وقد كان بقي بعد موت الولد أكثر من أربعة أشهر للحر وشهرين للعبد فإنه يكون موليا، وإذا رضع الولد غيرها أثناء المدة جرى فيه التفصيل الذي جرى في موته أثناء المدة. انتهى. وفي الحطاب: وعلى المشهور فقال في كتاب ابن سحنون: إن حلف بطلاقها البتة أن لا يطأها حتى يفطم ولدها فمات الولد قبل انفطامه حل له الوطء ولا حنث عليه إن كانت نيته إصلاح ولده: وإن كانت نيته أن لا يمسها حولين فهو مول وتطلق عليه إن أوقفه السلطان بعد أربعة أشهر لأنه لا يقدر أن يمسها ولا يفيء لأن يمينه بالبتة. انتهى. وإن رجعية مبالغة في قوله: بمنع وطء زوجته؛ يعني أنه لا فرق في لزوم الإيلاء للرجل بين التي في عصمته وبين الرجعية، فإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا، وقال لها بعد الطلاق: والله لا أطؤك، فإنه يكون موليا يضرب له الأجل ويؤمر بعد انقضائه بالفيئة، فيرتجع ليصيب أو يطلق عليه أخرى، وصح الإيلاء من الرجعية لأنها كالزوجة، واعترضه اللخمي بأنه لا حق لها في الوطء، والوقف إنما يكون لمن لها حق فيه ولا خلاف أن الرجعة حق له لا عليه، فكيف يجبر عليها ليصيب أو يطلق عليه طلقة أخرى، وأجاب ابن محرز وغيره بأنه إنما لزمه الإيلاء خيفة أن يكون ارتجع وكتم. انتهى. أو أن هذا مبني على القول الضعيف بأن الرجعية لا يحرم الاستمتاع بها فما هنا مشهور مبني على ضعيف. قاله عبد الباقي. وقال أيضا: قال في الشامل: فلو آلى من رجعية ثم قال لأخرى: أشركتك معها ونوى الإيلاء لزمه فيهما أيضا ويجري مثله في الظهار؛ قاله علي الأجهوري. قلت: قول الشامل: ونوى الإيلاء أي فقط فإن نوى الشركة في الطلاق لزمه فقط، وفيهما لزماه فيها أيضا: كما يظهر مما مر في الطلاق. انتهى. قوله: قال في الشامل: فلو آلى من رجعية لخ، لزوم الإيلاء في الثانية بلفظ أشركتك مشكل؛ لأنه لا يلزمه فيها يمين قطعا. فتأمله. انتهى. قاله بناني. قال مقيد هذا الشرح: والجواب عما قاله محمد بن الحسن ما نقل عن ابن عرفة وفي لزوم اليمين بالله مرادة بلفظ مباين للفظها كالطلاق نظر، وأخذه ابن رشد من نقله عنها: من قال: لا مرحبا، يريد به الإيلاء مول، قال: وقيل: معناه والله لا مرحبا بك إذ لا يعبر عن اسم الله بغير اسمه، والأظهر كاليمين بالنية. انتهى. وهو ظاهر. قاله الحطاب. أكثر من

ص: 360

أربعة أشهر الظرف يتعلق بمنع يعني أن الإيلاء هو أن يحلف الزوج المذكور على ترك وطء زوجته المذكورة مدة أكثر من أربعة أشهر، للحر عندنا وعند الشافعي وأحمد ومفهومه أنه لا يكون موليا إن حلف على ترك الوطء أربعة أشهر وهو كذلك. وروى عبد الملك أنه مول ونحوه لأبي حنيفة وحجة المشهور ما تعطيه الفاء من قوله تعالى:{فَإِنْ فَاءُوا} فإنها تستلزم تأخر ما بعدها عما قبلها فتكون الفيئة مطلوبة بعد الأربعة، ولأن إن الشرطية تصير الماضي بعدها مستقبلا، ورأي المقابل أن الفاء ليست إلا لمجرد السببية والغالب مقارنة السبب للسبب ورأى أيضا أنه حذف كان بعد حرف الشرط، والتقدير فإن كانوا فاءو، والقرينة على الحذف ما دلت عليه اللام من قصد التربص على أربعة أشهر، ومثل هذا المحذوف مصرح به في قوله تعالى:{إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وقوله: أكثر من أربعة أشهر؛ يعني ولو قَلَّت الزيادة على الأربعة كيوم، وهو ظاهر المدونة مع نص أبي عمران والقاضي لأن هذه المدة غاية صبر المرأة على ترك الجماع، وقد طاف عمر رضي الله عنه بالمدينة وكان يفعل ذلك كثيرا فسمع امرأة تنشد:

تطاول هذا الليل واسود جانبه

وليس إلى جنبي خليل ألاعبه

أشاهده طورا وطورا كأنما

به قمر في ظلمة الليل حاجبه

يسر به من كان يلهو بقربه

لطيف الحشا ما تجتويه أقاربه

فوالله لولا الله لا رب غيره

لزعزع من هذا السرير جوانبه

ولكنني أخشى رقيبا موكلا

بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه

مخافة ربي والحياء يصدني

وأكرم زوجي أن تنال مراتبه

ص: 361

ثم تنفست الصعداء، وقالت: أهان على ابن الخطاب وحشتي في بيتي وغيبة زوجي وقلة نفقتي، فقال لها عمر: يرحمك الله أين زوجك؟ فقالت: بعثته إلى الغزو، فلما أصبح بعث لها نفقة وكسوة، وكتب إلى عامله يسرح إليها زوجها، ودعا بنسوة، وقال: إلى كم تشتاق المرأة إلى الزوج؟ قلن: في شهرين، ويقل الصبر في ثلاثة، ويفنى في أربعة، فجعل مغازي الناس أربعة أشهر، وشهرين للعبد يعني أن العبد لا ينعقد عليه الإيلاء إلا إذا حلف على ترك وطء زوجته أكثر من شهرين ولو بيوم؛ كما في الحر وبه صرح في الموازية والمدنية خلافا لقول عبد الوهاب لابد من زيادة على الأربعة والشهرين موثرة.

تنبيه: اعلم أن الإيلاء الحلف على ترك الوطء أكثر من المدة المذكورة للحر والعبد، وأما قيام الزوجة بطلب الفيئة فإنما يكون بعد أربعة للحر وشهرين للعبد، فالأجل المحلوف على الترك فيه غير الأجل الذي لها القيام بعده قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: أو أكثر من شهرين للعبد كما في المدونة: وصوب أنه كالحر. وقيل: شهران، فكان ينبغي للمصنف التصريح بأكثر ليلا يوهم هذا الأخير بجعله عطفا على أكثر، ولا ينتقل بعتقه بعده يعني أن العبد إذا حلف على ترك الوطء أكثر من شهرين يكون لزوجته المطالبة بالفيئة عند انتهاء الأجل المضروب له وهو شهران، فإذا عتق بعد أن تقرر عليه أجل الإيلاء وهو عبد فإنه لا ينتقل لأجل الحر، ويأتي للمصنف أن الأجل يتقرر في الصريح بتقرر الحلف وفي غيره بالحكم، فلو كانت اليمين محتملة وعتق قبل الحكم فإنها تنتقل لأجل الحر لعتقه، وفاعل ينتقل ضمير يعود على العبد، والضمير في بعدد عائد على الإيلاء؛ أي بعد تقرر أجل الإيلاء، كما مر، والله سبحانه أعلم. ثم شرع في المثل التي يلزم فيها الإيلاء والتي لا يلزم فيها، وبدأ بالأولى فقال: كوالله لا أراجعك يعني أن الرجعية إذا قال لها زوجها: والله لا أراجعك فإنه يكون موليا إن مضت أربعة أشهر من يوم الحلف وهي معتدة، فإن لم يف ولم يرتجع طلق عليه أخرى [وتبقى على عدتها]

(1)

الأولى وتحل بتمامها، وإن قل ما بقي منها ولو يوما أو ساعة، فلو انقضت العدة قبل الطلاق فلا شيء عليه. أو لا أطؤك حتى تسئليني يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لا أطؤك حتى تسئليني فإنه يكون موليا وقوله: تسئليني منصوب بحذف النون والناصب له أن مضمرة، أو تأتيني هو منصوب

(1)

سقط هنا من ص 106 س الأخير.

ص: 362

بحذف النون كالذي قبله لا بالفتحة؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لا أطؤك حتى تأتيني فإنه يكون موليا، وعد موليا في المسألتين لمشقة السؤال والإتيان لذلك على النساء، ولمعرة إتيانها إليه عندهن، ولأن شأن النساء الحياء، ولا يكون رفعها للسلطان سؤالا يبرئه، وليس عليها أن تأتيه، وعليه هو أن يأتيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه، وظاهر المصنف أنه يكون موليا في المثالين، ولو كان سؤالها أو الإتيان منها له للوطء لا يزري بها ولا تتكلفه، فإن سألته أوأتته انحل عنه الإيلاء، خلافا لما في شرح عبد الباقي، قال بناني: أصله للشارح والتتائي، قال مصطفى: ولا وجه له لأنها إن سألته بر في يمينه فينحل عنه الإيلاء كما يؤخذ من كلام سحنون وابنه ومن كلام المصنف. انتهى. وقوله: أو لا أطؤك حتى، لخ، هو قول ابن سحنون، ومقابله قول سحنون ليس بمول وعاب قولَه ولَدُه حين عرضه عليه، وإنما درج المؤلف على الأول لأن ابن رشد قال: لا وجه لقول سحنون. قاله بناني. والله سبحانه أعلم. أو لا ألتقي معها يعني أن الزوج إذا حلف على ما يلزم منه نفي الوطء فإنه يلزمه الإيلاء، سواء لزم منه نفيه عقا، كوالله لا ألتقي معها فيكون موليا أطلق في يمينه أو قيد بمدة زائدة على أكثر من أربعة أشهر للحر أو شهرين للعبد، وإنما يكون موليا إن لم يقصد نفي الوطء في مكان بعينه، وأما إن قصد نفيه بمكان بعينه فلا يكون موليا في الفتوى ولا تنفعه نية ذلك في القضاء، كما نقله ابن عبد السلام عن بعضهم وقبله. وقال ابن عرفة: ظاهر كلام عبد الحق أنه إذا قال: إنما أراد عدم الالتقات معها في موضع معين يقبل منه مطلقا، نقله بناني أو لزم منه نفي الوطء شرعا كوالله لا أغتسل من جنابة؛ يعني أن الزوج إذا قال: والله لا أغتسل من جنابة فإنه يكون موليا لاستلزام ذلك نفي الوطء شرعا، وهل يحنث بالوطء؟ لأنه كناية عن ترك الوطء والأجل من اليمين أو على ظاهره فيحنث بالغسل، وعليه فيختلف هل يضرب له الأجل قبل الجماع؟ أو لا يضرب له حتى يجامع على حسب اختلافهم في المولي إذا كان امتناعه من الوطء خوفا أن ينعقد عليه يمين فيها أو في غيرها، مثل أن يقول: إن وطئتك فوالله لا أطؤك، ومثل أن يحلف أن لا يطأ امرأته في هذه السنة إلا مرة واحدة، ومثل أن يقول: إن وطئتك فكل مملوك أشتريه من الفسطاط حر انتهى نقله بناني. وقال عبد الباقي عند قوله: أو لا أغتسل من جنابة وهل حلفه المذكور كناية عن ترك الجماع فيحنث بالوطء وأجله من يوم اليمين أو على ظاهره ويكون المراد نفي الغسل، إلا أنه لما

ص: 363

استلزم شرعا نفي الجماع لزمه الإيلاء، فيحنث بالغسل وأجله من يوم الرفع تأويلان، انظر الشامل وشرحه، ومحل التأويلين كما يستفاد منه إذا لم ينو الحالف شيئا بعينه فإن نوى به لا أطأ أو استعمله في مدلوله عمل بذلك قال التتائي: وظاهر المصنف ولو كان فاسقا بترك الصلاة. انتهى. قوله: تأويلان، نقده بناني بما مر عن ابن عبد السلام، وقال: إنهما احتمالان، قال: وهكذا ذكر اللخمي الاحتمالين وكلام بناني عقب ما مر، وبه تعلم أن نقله الزرقاني عن شرح الشامل من أن أجله من الرفع على الثاني غير صحيح، وكذا عدهما تأويلين، وقال ابن عرفة: ظاهر المدونة هو الاحتمال الأول وهو أصوب، إن لم يكن الحالف فاسقا بترك الصلاة؛ لأن وطء الفاسق غير ملزوم للغسل، فلا يكون نفي غسله كناية عن نفي وطئه لعدم اللزوم، فلا يلزم من وطئه حنثه لكنه يلزم منه انعقاد يمينه على عدم الغسل، ولو كان حين حلفه جنبا لم يلزمه الإيلاء إذ لا أثر لوطئه معقد يمينه على الغسل لانعقاده قبل وطئه. انتهى. أو لا أطؤك حتى أخرج من البلد إذا تكلفه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لا أطؤك حتى أخرج من هذه البلدة أو من هذا المصر فإنه يكون موليا إذا تكلفه؛ أي الخروج من هذه البلدة؛ أي إنما يكون موليا إذا كان في الخروج من البلدة المذكورة كلفة عليه بالنسبة لحاله وكثرة ماله بأن يكون في الخروج عليه مؤنة ومشقة، ولو قال: والله لا أطؤك في هذه البلدة فكما إذا قال لا أطؤك حتى أخرج من هذه البلدة؛ قال عبد الباقي عند قوله: أو لا أطؤك حتى أخرج لخ، ويضرب له الأجل من يوم الحلف لأن يمينه صريحة في ترك الوطء وكذا في الآتية، وظاهره ولو رضي بتكلفه فإن لم يتكلف في انتقاله لأخرى لقربها أو لكونه لا متاع له وهي قادرة على المشي معه [بلا كلفة]

(1)

فليس بمول، إلا أنه لا يترك، بل يقال له: طأ إن كنت صادقا بعد خروجك. انتهى. وقال الشبراخيتي عمد قوله: إذا تكلفه: أي تكلف الخروج من البلد بالنسبة لحاله أو كثرة ماله فهو مول، ولو خرج بالفعل وتكلف بالخروج فإن كان لا مؤنة عليه ولا كلفة فلا يكون موليا. انتهى. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح: قال في المدونة: وإذا قال لها: لا أطؤك في هذا المصر أو هذا البلد فهو مول. وقال غيره: وكأنه قال: لا أطؤك حتى أخرج منها، فإن كان خروجه يتكلف فيه المؤنة والكلفة فهو مول ونحوه في المقدمات، والضمير في تكلفه عائد على الخروج. انتهى. والله

(1)

في النسخ: بالكلفة، والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 153.

ص: 364

سبحانه أعلم. وقال الأمير عاطفا على ما ينعقد به الإيلاء: أو لا يطؤها حتى يفعل كذا، كالسفر مما فيه مشقة. انتهى. والله تعالى أعلم. أو في هذه الدار يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لا أطؤك في هذه الدار فإنه يكون موليا بشرط أشار إليه بقوله: إذا لم يحسن خروجها أي الدار أي الروج منها له أي لأجل الوطء؛ أي إنما يكون موليا إذا لم يحسن الخروج من الدار لأجل الوطء بالنسبة لحاله أو لحالها أو لحالهما معا للمعرة، فيراعى حال كل منهما اجتماعا وانفرادا لا حالها فقط، وظاهر المصنف أنه يكون موليا، ولو قال: من تلحقه المعرة أنا أخرج ولا أبالي بالمعرة، ومفهوم المصنف أنه إن حسن خروج كل للوطء بأن كان لا معرة في الخروج للوطء على واحد منهما فليس بمول وظاهره ولو امتنع من الخروج لأنه بمنزلة عدم الحلف على ترك الوطء. أو إن لم أطأك فأنت طالق يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إن لم أطأك فأنت طالق، فإنه يكون موليا حيث ترك وطأها، وإلا فلا إيلاء عليه لأن بره في وطئها قال الشيخ عبد الباقي: وكلام المصنف هنا بعد تقييده ضعيف، والمذهب أنه ليس بمول وعلى تسليم كلام المصنف تطلق عليه عند عزمه على الضد أو عند ضررها، وانظر على أنه مول ما الذي يفعل إذا مضى الأجل فإن مطالبتها بالفيئة لا تتأتى؛ إذ هو لم يحلف على ترك الوطء أو إن وطئتك يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق واحدة أو اثنتين أي ما دون البتات فإنه يكون موليا ويحنث بمجرد الملاقاة، وهل لا يحنث إلا بمغيب جميع الحشفة؟ أو يحنث ولو ببعضها بناء على التحنيث بالبعض تردد، ويأتي البحث في هذا الأخير، ويمكن منها وإذا مكن منها فما زاد من الوطء على ما يحنث به حرام، وإنما يتخلص من هذه الورطة إذا نوى ببقية وطئه وبما زاد على الحشفة أو على بعضها على ما مر من التردد أو بنزع الحشفة الرجعة مفعول نوى وهو خبر بمعنى الأمر. واعلم أنه يمنع وطؤه لها إذا لم ينو الرجعة، وفي كلام عبد الباقي نظر والله سبحانه أعلم. وإن غير لمدخول بها يعني: أنه إذا نوى ببقية وطئه الرجعة صحت رجعته وسلم من تلك الورطة، وإن كانت الزوجة التي علق الطلاق على وطئها غير مدخول بها لأنها بنفس الملاقاة صارت مدخولا بها، والدخول إنما يحصل بتغييب جميع الحشفة، ويقال عليه حينئذ: حصل الحنث فوقع الطلاق بتغييب بعض الحشفة وبانت فلا تصح رجعتها بما ذكر لأنها بانت بمجرد تغييب البعض: وأجاب بعضهم بأن هذا مشهور مبني على ضعيف وهو عدم التحنيث بالبعض.

ص: 365

انظر شرح عبد الباقي. وقال بناني: قد يقال: إن تغييب البعض لا يسمى وطئا لعدم ترتب الأحكام عليه من الغسل وغيره. انتهى. ومحل كلام المصنف إن علق بأداة لا تقتضي التكرار. فإن علق بأداة تقتضي التكرار ككلما وطئتك فأنت طالق لم يمكن من الوطء ولها حينئذ القيام بالضرر، قاله عبد الباقي. وقوله: وإن وطئتك ونوى لخ. يلغز بها فيقال: رجل وطئ امرأته فحرمت عليه بذلك الوط، وحلت، وفي تعجيل الطلاق إن حلف بالثلاث يعني أن الزوج إذا حلف على ترك وطء زوجته بالطلاق الثلاث، كما إذا قال لها: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا فإنه اختلف هل يعجل عليه الطلاق الثلاث بعد الرفع للحاكم ولا يضرب له أجل الإيلاء وهو قول مالك وابن القاسم؟ وقال ابن القاسم رفعته قبل أربعة أشهر أو بعدها وهو الأحسن عند سحنون وغيره أو لا يعجل عليه الطلاق؛ بل يحكم له بما يحكم به للمولي من ضرب الأجل، أي الأجل الذي يضرب للمولي ولا يعجل عليه الطلاق لعلها ترضى بالمقام معه بلا وطء في ذلك قولان، كائنان فيها أي المدونة، والقول الثاني مروي عن مالك كما روي عنه الأول وعلى كلا القولين لا يمكن منه أي من الوطء، وعلى القول الثاني تطلق بعد أجل الإيلاء طلقة واحدة من غير طلب فيئة لأنه لا يمكن منها، وهل يمكن من الرجعة على هذا وهو الذي يؤخذ من كلام ابن محرز، وعليه فيكون موليا إذا رجعها وجرى الخلاف في التعجيل وعدمه حتى تتم العصمة، فإذا تزوجها بعد زوج لم تعد عليه اليمين، أو لا يمكن من الرجعة لكونه لا يمكن من الوطء، وهو الذي قاله ابن رشد، تردد؛ ومحل التأويلين حيث لم تكن الثلاث بأداة تقتضي التكرار، فإن اقتضت ككلما وطئتك فأنت طالق اتفق على أنه تعجل عليه طلقة على القول بالتعجيل لأن المعلق طلقة واحدة تنيبه: نقل بناني عن الشيخ سالم أنه قال: وفي تعجيل الطلاق وإن لم تقم به وهو قول مالك وابن القاسم واستحسنه سحنون وغيره انتهى قال بناني عن مصطفى وهو غير صواب لأن القول بالتعجيل وإن لم ترفعه إنما هو لمطرف كما عزاه له ابن رشد وغيره. انتهى. والله سبحانه أعلم. كالظهار يعني أن الزوج إذا قال لزوجته إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، فإنه لا يمكن من وطئها، ومقتضى كالأم غير واحد أن التشبيه إنما هو في أنه لا يمكن منها وأنها إنما لها الطلب بالطلاق بعد أجل الإيلاء أو تبقى معه بلا وطء، وعلى هذا فهو غير تام؛ وقال محمد بن الحسن عند قول عبد الباقي: تشبيه في أنه لا يمكن من الوطء لخ: ظاهره أن القولين السابقين لا يجريان

ص: 366

هنا وأن التشبيه غير تام، والذي رأيته في مناهج التحصيل للرجراجي أنه صرح بالقولين هنا، فيفيد أن التشبيه تام، ونصه بعد أن ذكر الأقوال الأربعة في تمكينه من الوطء: وعلى القول بأنه لا يمكن من الوطء جملة هل يعجل عليه بالطلاق أو يضرب له أجل المولي؟ فالمذهب على قولين قائمين من المدونة. انتهى. والأقوال الأربعة التي أشار إليها حكاها اللخمي، أحدها: قول محمد: أنه يمنع منها جملة، ثانيها: قول عبد الملك: أنه يغيب الحشفة ثم ينزع، ثالثها: يطأ ولا ينزل، رابعها: أن له ذلك وإن أنزل: نقله بناني. وقال: قال يعني: اللخمي: وظاهر المدونة أن له الإصابة التامة وهذا خلاف ما مر لعبد الحق وابن محرز، فكان اللائق أن لو قال: وهل كذا في الظهار أم لا تأويلان، على عادته في مثل ذلك. انتهى. قوله: كالظهار، وإذا قلنا: إنه لا يمكن منها فإن تجرأ ووطء سقط إيلاؤه ولزمه الظهار، ولا يقربها حتى يكفر قاله ابن القاسم في المدونة. وقوله: كالظهار، إنما منع من الوطء في هذه لأنه بنفس الملاقاة ينعقد عليه الظهار، وما زاد فهو وطء مظاهر منها قبل الكفارة وهو حرام وهو بيمينه مول، ويأتي أن كفارة الظهار لا تجزئ قبل العود؛ قال المصنف بعد أن ذكر أنه لا يمكن منها: وانظر لو كان له عبد حاضر وقال: أنا أطأ وأعتقه عن ظهاري إذا أولجت، هل يتفق على تمكينه من الوطء حينئذ؟ وهو الظاهر أم لا. انتهى. لا كافر بالجر عطف على مسلم من قوله: الإيلاء يمين مسلم؛ يعني أن الإيلاء هو يمين زوج مسلم لا كافر فلو آلى كافرا ثم أسلم وقرر عليها فلا إيلاء عليه، وقال الإمام الشافعي: بلزوم الإيلاء للكافر مستدلا بعموم قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يمنع ذلك لعدم حصول المغفرة للكافر بالفيئة، وإن أسلم يعني أن الكافر لا يصح منه الإيلاء وإن أسلم بعد حلفه فالعبرة بحال اليمين كما قدمته قريبا، إلا أن يتحاكموا إلينا مستثنى من قوله لا كافر يعني أن الكفار لا نلزمهم الإيلاء إلا أن يتحاكموا إلينا فنحكم بينهم بحكم المسلمين، فينظر حينئذ في يمينه فتجري على ما مر، وقال الشارح عند قوله:"لا كافر وإن أسلم" أي فإن الإيلاء يلزمه. نص عليه في المدونة، وقيل: يلزمه إذا آلى في كفره ثم أسلم. وقال صاحب الكافي: إذا رضي الذمي بحكمنا حكمنا عليه، وإليه أشار بقوله: إلا أن يتحاكموا إلينا. انتهى. ولا لأهجرنها يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لأهجرنك، فإنه لا يكون موليا، وقيده اللخمي بما إذا كان يمسها وإلا فمول، والهجران عدم

ص: 367

الكلام. قاله الشبراخيتي. وقال الشارح: أي فإن حلف ليهجرنها فلا يكون موليا. وقاله في المدونة، أو لا كلمتها يعني أنه إذا حلف لا كلمتها وهو مع ذلك يمسها فلا إيلاء عليه، وإلا فمول. قال الشارح: وفيها: وإن حلف لا يكلمها وهو مع ذلك يمسها فليس بمول. انظر كيف أهمل قولد: وهو مع ذلك يمسها، ومفهومه أنه إذا لم يمسها مع ذلك يكون موليا، وكلام الشيخ يوهم الإطلاق، ولابد من التقييد بذلك، وممن قيد به اللخمي وغيره انتهى وقال الشبراخيتي عند قوله: ولا كلمتها، زاد في المدونة وهو مع ذلك يمسها، وجعله اللخمي قيدا فيما قبله أيضا. ووجد الدليل أنه إذا كان يمسها كان ذلك دليلا على أنه أراد بيمينه غير الوطء. انتهى. وقوله: وألا لأهجرنها أو لا كلمتها، إنما لم يكن عليه في الصيغتين إيلاء لأنهما لا يمنعان الوطء. وقوله: لا كلمتها، هو من الضرر الذي لها القيام به ويطلق عليه بلا أجل. أو لا وطئتها ليلا يعني أن الزوج إذا قال في زوجته: والله لا وطئتها ليلا: فإنه لا يلزمه إيلاء لأنه لم يعم الزمن، فقوله: أكثر من أربعة أشهر حيث عم الزمن وهنا لم يعم الزمن أو نهارا يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لا وطئتك نهارا، فإنه لا إيلاء عليه للعلة المتقدمة واجتهد هو مستأنف متعلق بالمسائل الأربعة بعده. وليس من تتمة ما قبله خلافا لما في الشارح. وطلق هو معطوف على ما قبله، فهو متعلق بالمسائل الأربع أيضا؛ يعني أن الإمام يجتهد في الطلاق فورا أو في قدر مدة يتلوم بها للزوج وبعد انتهائها يطلق عليه في هذه المسائل الآتية، ومعنى الاجتهاد في الطلاق عليه فورا أو بعد التلوم أنه إن علم لدده وإضراره طلق عليه فورا وإلا أمهله باجتهاده، فلعله يترك ما هو عليه. في لأعزلن يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لأعزلن عنك ماءي فإن الإمام أو نائبه يجتهد في الطلاق عليه فورا أو بعد مدة يتلوم بها له لأن ذلك يمنع كمال اللذة فهو إضرار، وهذه هي إحدى المسائل الأربع، ثانيتها أشار إليها بقوله: أو لا آبيتن يعني أن الزوج إذا حلف لا يبيت عند زوجته فإنه لا إيلاء عليه بحال، ولكنه ضرر بيّن فيتلوم له الحاكم أو نائبه بالاجتهاد ويطلق، أو يطلق عليه فورا لما يدخل عليها من الوحشة ومن مخالفة العادة وكون غيرها من جيرتها تأوي إليهن أزواجهن، وأما إن حلف لا يبيت معها في فراش وهو مع ذلك يبيت معها في بيت أو دار فإنها لا تطلق عليه؛ وأكد المصنف المضارع المنفي في جواب قسم وجوزه بعضهم شذوذا كقوله:

تالله لا يحمدن المرء مجتنبا

فعل الكرام ولو فاق الورى حسبا

ص: 368

وأما إن لم يكن في جواب قسم فالأصح جوازه. والله سبحانه أعلم. ثالثتها أشار إليها بقوله أو ترك الوطء يعني أن الزوج إذا ترك وطء زوجته فإن الحاكم أو نائبه يطلق عليه فورا إن رأى ذلك أو بعد أن يتلوم له بمدة يجتهد في قدرها. وقوله: ضررا مفعول لأجله وهو معمول لترك فيفيد قصد الضرر، وأما لو لم يطأ لعذر فلا تطلق، هذا هو التحقيق. وأما قول عبد الباقي: وهو معمول لطلق المتقدم؛ أي اجتهد وطلق على من ترك وطء زوجته وتطلق عليه لأجل الضرر بذلك الترك، لا لترك لاقتضائه أنها لا تطلق عليه إلا إذا كان تركه لأجل إضرارها فإن تركه لغير ذلك لم تطلق عليه ولو تضررت، وليس كذلك، بل يجتهد ويطلق عليه لأجل ضررها كمن أراد استحدادا فترامت به الموسى حتى قطعت ذكره انتهى فغير صحيح. انظر الرهوني فقد أتى في ذلك بما لا مزيد عليه. وقوله: كمن أراد استحدادا لخ، قال محمد بن الحسن عنده: الذي في التوضيح هو ما نصه: اختلف فيمن قطع ذكره لعلة نزلت به أو قطعه خطئا، فقال مالك مرة: لا مقال لها، وقال في كتاب ابن شعبان: لها القيام، فإن تعمد قطعه أو شرب دواء ليقطع منه لذة النساء أو شربه لعلاج علة وهو عالم أنه يذهب بذلك أو شاك كان لها الفراق باتفاق. انتهى. وكلام البناني يوهم استواء القولين وليس كذلك، بل قول ابن شعبان لها القيام شاذ والقول بأن لا قيام لها هو المشهور وهو مذهب المدونة. انظر الرهوني. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: ويرشح كون قوله ضررا معمول لترك ما مر عند قول المص: لا بكاعتراض، والله سبحانه أعلم. انتهى. وقال الزرقاني: أما لو تركه غير مضار فلا شيء عليه ويصدق في ذلك إن ظهر وجهه وإلا لم يصدق. قاله بعض شيوخنا. انتهى. نقله الشبراخيتي. وقوله: أو ترك الوطء، قال الشبراخيتي: ظاهر كلامه أنه لا يشترط طول مدة [الترك]

(1)

وهو ظاهر المدونة، وقال أبو الحسن: إذا ترك ذلك سنة فأكثر، وقال الغرياني وابن عرفة: إذا ترك ذلك مدة تزيد على ثلاث سنين، وظاهر المدونة وابن الحاجب وغيرهما استواء الحاضر والغائب، ولهذا قال: وإن غائبا وكتب عمر بن عبد العزيز لقوم غابوا بخراسان: إما أن يقدموا أو يرحلوا نساءهم إليهم أو يطلقوا؛ أصبغ: فإن لم يطلقوا طلق عليهم إلا أن يرضين بذلك. انتهى كلام الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: هذا في حق الحاضر، وأما الغائب

(1)

في الأصل: ترك، والمثبت من الشبراخيتي مخطوط.

ص: 369

فالسنتان والثلاث ليست بطول عند الغرياني وابن عرفة، بل لابد من الزيادة، وعند أبي الحسن: وهو ظاهر المدونة، فالسنة فأكثر طول، وعلم من هذا أن لنا في قوله: وإن غائبا، مقامين: أحدهما: هل يشترط طول مدة السفر أم لا؟ الثاني: ظاهر المدونة والمصنف والأول للغرياني وأبي الحسن وابن عرفة. الثاني إذا رفعت للحاكم لا يضرب أجل الإيلاء كما قال المصنف. انتهى. قال مقيد هذا الشرح: تأمل قول عبد الباقي: الثاني ظاهر لخ فإنه غير بين بالنسبة لا قدمه. والله سبحانه أعلم.

تنبيه: قال عبد الباقي: قال البرزلي طلاق امرأة الغائب أي المعلوم الموضع ليس بمجرد شهوتها الجماع بل حتى تطول غيبته جدا أي سنة فأكثر على ما لأبي الحسن، أو أكثر من ثلاث سنين على ما للغرياني وابن عرفة، فيكتب إليه إن كانت تبلغه الكتابة إما قدم أو يرحل امرأته إليه أو تطلق عليه، كما كتب عمر بن عبد العزيز لقوم غابوا بخراسان إما أن يقدموا أو يرحلوا نساءهم إليهم أو يطلقوا، أصبغ: فإن لم يطلقوا طلق عليهم إلا أن ترضى النساء بعدمه. انتهى. ولا يجوز أن يطلق على أحد قبل الكتب إليه، ثم إذا امتنع من القدوم تلوم له الحاكم بحسب اجتهاده ثم طلق عليه حينئذ واعتدت، فإن لم تبلغه المكاتبة طلق عليه لضررها بترك الوطء وهي مصدقة في هذه وفي بلوغ المكاتبة إليه في دعواها التضرر بترك الوطء وفي خوف الزنى لأنه أمر لا يعلم إلا منهات كدعواها نفي العيب في دائها وكدعواه أنه لا يطؤها في خلوة الاهتداء ونحو ذلك، كما يدل عليه قول النسوة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سؤاله كم تشتاق المرأة إلى الزوج؟ قلن: في شهرين ويقل الصبر في ثلاثة ويفنى في أربعة، فجعل للمغازي أربعة أشهر، وقد استدل به أئمتنا على أن أجل الولي أربعة أشهر أي الأجل الذي يضرب له، وهذا كله إذا دامت نفقتها حقيقة أو حكما كما إذا كان لها ما تنفق منه وإن لم يعيثه لها، لقول المصنف في النفقات: وفرض في مال الغانب لخ، وإلا طلق عليه لعدم النفقة، وسيذكر المصنف حكم امرأة المفقود في بابه. وفي العيار عن المازري: رد الحكم بطلاقها لتضررها بالوطء، ويمكن الجمع بحمله على من لم يظن منها خشية الزنى، وحمل ما للبرزلي على من ظن بها خشية الزنى. انتهى. وقال الحطاب: قال الفاكهاني في شرح الرسالة: قوله تعالى {فَإِنْ فَاءُوا} الآية، قال ابن العربي: يقتضي أنه تقدم ذنب وهو الإضرار بالمرأة في منع الوطء، ولهذا قلنا: إن الضارة دون يمين توجب من الحكم ما

ص: 370

توجب اليمين إلا في أحكام المدة. انتهى. وقال الشارح: أي وكذا تطلق إذا ترك الوطء ضررا وعرف دلك منه وسواء كان غائبا أو حاضرا، قال في المدونة: ومن ترك وطء زوجته لغير عذر ولا إيلاء لم يترك فإما وفى أو طلق، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى قوم غابوا بخراسان لخ، وقال الحطاب: قال في المتيطية: اعلم أن الغائبين عن أزواجهم خمسة، الأول: غائب لم يترك نفقة ولا خلف مالا ولا لزوجته عليه شرط في المغيب فإن أحبت زوجته الفراق فإنها تقوم عند السلطان بعدم الإنفاق، والثاني: غائب لم يترك لزوجته نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب فزوجته مخيرة في أن تقوم بعدم الإنفاق أو بشرطها وهو أيسر عليها لأنه لا يضرب له في ذلك أجل، والثالث: غائب خلف نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب فهذه ليس لها أن تقوم إلا بالشرط خاصة وسواء كان الغائب في هذه الثلاثة الأوجه معلوم المكان أو غير معلوم المكان إلا أن معلوم المكان، يعذر إليه إن تمكن من ذلك، والرابع: غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته وهو مع ذلك معلوم المكان فهذا يكتب إليه السلطان إما إن يقدم أو يحمل امرأته إليه أو يفارقها وإلا طلقت عليه، والخامس: غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته عليه وهو مع ذلك غير معلوم المكان فهذا هو المفقود. انتهى. وما ذكره في الرابع من أنه يكتب إليه السلطان لخ، وإلا طلقها عليه ولم يبين كم ينتظر قال ابن رشد في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: لم [يَحُدَّ هاهنا]

(1)

يعني في هذا الرسم في الطول حدا وقال في رسم شهد من سماع عيسى: إن السنتين والثلاث في ذلك قريب وليست بطول، وهذا إذا بعث إليها نفقة وأما إن لم يبعث إليها نفقة، ولا علم له مال فإنها تطلق عليه بعد الإعذار إليه والتلوم، وأما إن علم أنه موسر بموضعه فتفرض لها النفقة عليه تتبعه بها ولا يفرق بينهما هذا ظاهر قول ابن حبيب في الواضحة، ومعنى ذلك: ما لم يطل على ما قال هنا. والله أعلم. انتهى كلامه في رسم الشريكين. انتهى. أو سرمد العبادة يعني أن الزوج إذا سرمد العبادة يطلق عليه بعد التلوم من الحاكم أو نائبه بالاجتهاد أو فورا كذلك ولم ينه عن تبتله، ففي المدونة: من سرمد العبادة لم ينه عن تبتله، وقيل له: إما وطئتها أو فارقتها إن خاصمته، ابن حبيب: إن كان زاهدا قامت عليه امرأته لم يحل بينه وبين عبادته، وقيل له: تخلوا معها في كل أربع ليال ليلة وهو قسم المرأة مع ضرائرها، وأخرج الزبير بن بكار في

(1)

في النسخ: يحد: والمثبت من الحطاب ج 4 ص 551 ط دار الرضوان.

ص: 371

الموفقيات عن محمد بن معن قال: أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت: يا أمير المؤمنين إن زرجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه إليك وهو يقوم بطاعة الله، فقال لها: جزاك الله خيرا من مثنية على زوجها، فجعلت تكرر عليه القول، فقال له كعب: يا أمير المؤمنين اقض بينها وبين زوجها، فقال: وهل فيما ذَكَرَتْ (قضاء

(1)

)، فقال: إنها تشكو مباعدة زوجها لها عن فراشها وتطلب حقها، فقال له عمر: أما إن فهمت ذلك فاقض بينهما، فقال كعب: علي بزوجها. فأحضر، فقال: إن امرأتك هذه تشكوك، قال: أقصرت في شيء من نفقتها؟ قال: لا، فقالت المرأة:

ألهى خليلي عن فراشي مسجده

نهاره وليله ما يرقده

فلست في حكم النساء أحمده

زهده في مضجعي تعبده

فاقض القضا يا كعب لا تردده

فقال زوجها:

زهدني في فُرْشِها وفي الحجل

أني امرؤ زهدني ما قد نزل

في سورة النور وفي السبع الطول

وفي كتاب الله تخويف جلل

فقال كعب:

فإن خير الفاصلين من عدل

ثم قضى بالحق جهرا وفصل

إن لها حقا عليك يا بعل

تصيبها في أربع لمن عقل

قضية من ربنا عز وجل

فافعل لها ذاك ودع عنك العلل

ثم قال إن الله قد أباح لك من النساء أربعا، فلك ثلاثة أيام تعبد فيها ربك ولها يوم وليلة، فقال عمر والله لا أدري من أي أمريك أعجب؟ أمن فهمك أمرها؟ أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد

(1)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل والمثبت من الشبراخيتي.

ص: 372

وليتك قضاء البصرة. قاله في الدر المنثور. ونسب التتائي القضية لعمر بن عبد العزيز. انظر الشبراخيتي. وقوله: بلا أجل راجع للمسائل الأربع؛ يعني أنه يطلق عليه في المسائل الأربع بلا ضرب أجل الإيلاء فلا ينافي ما مر من أنه يطلق عليه بعد التلوم من الحاكم أو نائبه إن رأى ذلك سواء كان قدر أجل الإيلاء أو أقل أو أكثر على الأصح أي: لا يضرب عليه أجل الإيلاء في المسائل الأربع على القول الأصح، ولا إن لم يلزمه بيمينه حكم يعني أن الزوج لا يلزمه إيلاء إذا لم يتعلق بيمينه حكم اللزوم، كما لو قال: إن وطئتك فكل مملوك أملكه حر أو ما أملكه صدقة أو فعليَّ المشي للسوق أو هو يهودي أو نصراني، وإنما لم يلزمه الإيلاء في هذه لأن هذه اليمين غير لازمة. أو خص بلدا قبل ملكه منها يعني أن الزوج إذا حلف على ترك وطء زوجته وكانت يمينة بعتق وخص بها بلدا بعينه ككل مملوك أملكه من بلد مصر مثلا فهو حر إن وطئتك فإنه لا يكون موليا قبل أن يملك رقيقا من تلك البلدة التي عينها، ومفهومه أنه يكون موليا إلا أن يكون وطئها ثم ملك منها فلا إيلاء عليه ويعتق منها كل ما ملك بعد الوطء، ففي مفهوم الظرف تفصيل، وأما إن كان مالكا منها حين التعليق فلا يلزمه شيء إلا إذا خرج عن ملكه ثم ملكه، وقوله: قبل، يتعلق بعامل محذوف، كما يظهر من الحل. والله سبحانه أعلم. قال الشارح مفسرا للمصنف: وإن خصص فقال أملكه من بلد كذا قبل أن يملكه فهو الآن لم يملكه وهو لا يلزمه شيء قبل أن يملكه؛ أي فإن ملكه كان من ساعته موليا. وقاله في المدونة. ولهذا كان قوله: قبل ملكه منها، متعلقا بمحذوف أي: لا يلزمه الإيلاء قبل ملكه من تلك البلدة، وقال الغير في المدونة: إنه يلزمه الإيلاء قبل الملك. وقاله أيضا ابن القاسم. أو لا وطئتك في هذه السنة إلا مرتين يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لا وطئتك في هذه السنة إلا مرتين، فإنه لا إيلاء عليه لأنه يترك وطنها أربعة أشهر ثم يطأ ثم يترك أربعة أشهر ثم يطأ، فلا يبقى من السنة إلا أربعة أشهر وهي دون أجل الإيلاء، وهذا هو المشهور، وقال أصبغ: هو مول، محمد: وهو غلط؛ إذ لا وجه له. نقله الشارح. وقوله: إلا مرتين ما لم يطأها مرتين ويبقى أكثر من أربعة أشهر، كما سيذكره المصنف قريبا. أو مرة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: والله لا وطئتك في هذه السنة إلا مرة فإنه لا يدخل عليه الإيلاء وقوله: حتى يطأ وتبقى المدة راجع للمسألتين يعني أنه لا إيلاء عليه في المسألتين حتى يطأ في أثناء السنة المرتين في الأولى أو المرة في الثانية وتبقى المدة التي توجب

ص: 373

الإيلاء، وقد مر أنها أكثر من أربعة أشهر على المشهور، انظر الشبراخيتي. وقوله أو مرة لخ، هكذا في المدونة عن ابن القاسم، وعنه أنه يكون موليا من حين الحلف فإذا مضت أربعة أشهر ولم يطأ وقف، فإما فاء وإلا طلق عليه. قاله الشارح. وقال الأمير: ولا أطؤك في هذه السنة إلا مرة: مضار إن امتنع ابتداء، وإن فعلها وبقي أجل الإيلاء فهو على حكم المرتين. انتهى. ولا إن حلف على أربعة أشهر يعني أن الزوج إذا حلف على ترك وطء زوجته أربعة أشهر بأن قال: والله لا وطئتك في هذه الأشهر الأربعة فإنه لا إيلاء عليه وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، وروى عبد الملك أنه مول بذلك. أو إن وطئتك فعلي صوم هذه الأربعة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إن وطئتك فعلي صوم هذه الأربعة الأشهر وهو حر، أو إن وطئتك فعلي صوم هذين الشهرين وهو عبد، فإنه لا إيلاء عليه، ومفهومه أنه لو قال: علي صوم هذه الخمسة إن وطئتك، فإنه يكون موليا، فلذلك لو قال لها في رمضان: إن وطئتك فعلي صوم صفر فإنه يدخل عليه الإيلاء؛ لأنه بمنزلة لا أطؤك حتى ينسلخ صفر، فإن عين شهرا بينه وبين آخره أربعة أشهر فأقل فلا إيلاء عليه، كقول هذا: فعلي صوم المحرم أو ما قبله، فلا إيلاء عليه، وأما إن حلف بصوم ولم يعين زمنه فإنه يكون موليا ولو كان صوم يوم نحو إن وطئتك فعلي صوم يوم. قاله الشبراخيتي. نعم إن وطئ صام بقيتها هذا جواب عن سؤال يستشعر مما قبله؛ أي ما يلزمه من الصيام إذا حصل منه وطء؛ يعني أنه إذا قال: إن وطئتك فعلي صوم هذه الأشهر الأربعة فإنه إذا وطئ في أثناء تلك الأشهر يلزمه صوم ما بقي منها واحدا أو أكثر أو أقل فإن لم يطأ إلا بعدها فلا شيء عليه، ولو وطئ قبل مجيء الشهر الذي عينه لزمه صومه إذا جاء فإن لم يطأ إلا بعده فلا شيء عليه، ولما ذكر أن أقل أجل الإيلاء أكثر من أربعة أشهر أو شهرين ذكر أن ابتداء الأجل المضروب يختلف باختلاف الصريح وغيره بقوله: والأجل لمن اليمين يعني أن الأجل الذي يضرب للمراة في الإيلاء وهو أربعة أشهر للحر وشهران للعبد يبتدأ من وقت اليمين؛ أي الحلف على ترك الوطء، وإن لم يحصل رفع ويكون لها القيام بعده وهذا إن كانت يمينه التي دخل عليه الإيلاء بسببها صريحة في ترك الوطء المدة التي هي أكثر من أربعة أشهر للحر وشهرين للعبد، سواء صرح بالمدة المذكورة أو أطلق في يمينه، كوالله لا أطؤك وأطلق فإن هذه كالصريح، وهذا في المدخول بها مطيقة، وأما غير المطيقة فالأجل فيها من يوم الإطاقة، وغير المدخول بها من يوم

ص: 374

دعائها له مع إطاقتها، ومضي تجهيز كل عادة، ومثل الإطلاق لا أطؤك حتى أموت أو تموتي لأن يمينه تتناول بقية عمره أو عمرها، فكأنه قال: لا أطؤك وأطلق، والمراد باليمين هنا يمين البر لأنها التي تتعلق بترك الوطء، وقوله: من اليمين فائدته أنها إذا رفعته بعد مضي أربعة أشهر للحر وشهرين للعبد لا يستأنف له الأجل، وإن رفعته قبل مضي ذلك حسب ما بقي من الأجل ثم طلق عليه إن لم يعد بالوطء وإلا اختبر مرة ومرة كما يأتي. لا إن احتملت مدة يمينه أقل يعني أن الزوج إذا حلف على ترك وطء زوجته واحتملت مدة يمينه أقل من مدة الإيلاء كوالله لا أطؤك حتى يموت عمرو فإن الأجل الذي للمرأة القيام بعده في هذه اليمين يبتدأ من يوم الرفع والحكم، ودلت مقابلة المصنف بهذا لما قبله أن المراد بالصراحة الصراحة في المدة التي توجب للمرأة ضرب أجل الإيلاء، فلابد من صرف المصنف عن ظاهره لاقتضائه أن يمينه إن دلت على ترك الوطء التزاما كوالله لا ألتقي معها يكون الأجل فيها من يوم الرفع والحكم وليس كذلك، هذا والمنصوص أنه متى دلت يمينه على ترك الوطء صريحا أو التزاما بأي يمين كانت فالأجل من اليمين، وإن احتملت مدة اليمين أقل، وأنه إنما يكون من الرفع إذا حلف على فعل بصيغة حنث نحو: إن لم أدخل الدار فأنت طالق فيمنع من زوجته حتى يدخل، وإن رافعته ضرب لها أجل الإيلاء من يوم الحكم، وأما في غير هذا فلا. قال ابن رشد: الإيلاء على ثلاثة أقسام، قسم يكون فيه موليا من يوم حلفه وذلك الحلف على ترك الوطء بأي يمين كانت، وقسم لا يكون فيه موليا إلا من يوم ترفعه، وذلك الذي يحلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا فلا يكون موليا حتى يضرب له الأجل من يوم ترفعه، وقسم يختلف فيه وهو الإيلاء الذي يدخل على الظاهر. انتهى. نقله بناني. وصرح غير واحد بما قال بناني، وقوله:"لا إن احتملت مدة يمينه أقل"، من أمثلته: والله لا أطؤك حتى يقدم زيد، ومحله إذا علم تأخر قدوم زيد عن مدة الإيلاء، فإن شك في تأخر قدومه عنها لم يكن موليا كما في النقل، خلاف ما يوهمه المصنف، ويوهم أيضا أن من حلف لا يطأ زوجته حتى يدخل زيد الدار أو حتى يقدم يكون موليا الآن، والذي يفيده الجواهر وابن عرفة أنه لا يكون موليا إلا بعد ظهور كون الأمد أكثر من مدة الإيلاء. قاله عبد الباقي. وقال محمد بن الحسن: ما ذكره الزرقاني هنا عن الجواهر هو كذلك فيها، ونصها: ولو قال: والله لا أطؤك حتى يقدم زيد

ص: 375

وهو بمكان يعلم تأخر قدومه [عن]

(1)

أربعة أشهر فهو مول، ولو قال: حتى يدخل زيد الدار فمضت أربعة أشهر فهو مول، ولو قال: حتى يدخل زيد الدار فمضت أربعة أشهر فلم يدخل فلها إيقافه: ولو قال: إلى أن أموت أو تموتي فهو مول، ولو قال: إلى أن يموت زيد، فهو كالتعليق بدخول زيد الدار. انتهى. ابن عرفة: ما ذكره من الحكم في المسائل الأربع صحيح، وظاهر قوله في مسألة التعليق على القدوم وموت أحد الزوجين إنه إيلاء أن التعليق على الدخول وعلى موت زيد غير إيلاء، ويجب فهمه على أن مراده: الأول إيلاء بنفس الحلف؛ والثاني إنما هو إيلاء باعتبار المآل وظهور كون أمد الترك أكثر من أربعة أشهر. انتهى. قال الرماصي: فاستفيد من ذلك أن ما احتملت مدته أقل وإن كان الأجل من يوم الحلف هو مول باعتبار المآل حين يظهر كون امتداد الترك من حين يمينه أكثر من أربعة أشهر. فتأمل. ثم قال: فقد صحت التفرقة مع استواء الجميع في كون الأجل من يوم اليمين. انتهى. وقال الشبراخيتي: المصنف تبع ابن الحاجب، والمذهب أن الأجل من اليمين كما قال ابن عرفة، وصرح في المدونة بأن الأجل من يوم اليمين في قوله: والله لا أطؤك حتى يموت زيد؛ ولا فرق بينه وبين قوله: حتى يقدم زيد؛ وقد صرح التتاني باستوائهما، وعلى هذا فالأجل في يمين البر سواء احتملت أقل أم لا من اليمين. انتهى. ولو قال: والله لا وطئتك حتى يقدم زيد وقد علم تأخر قدومه عن أجل الإيلاء ثم قدم قبله انحل عنه أجل الإيلاء كما مر في مسألة لا وطئتك حتى تسئليني. أو حلف على حنث يعني أن الزوج إذا حلف على حنث كإن لم أدخل الدار فأنت طالق فإنه يدخل عليه الإيلاء إن رافعته المرأة ويضرب لها أجل الإيلاء، من الرفع والحكم.

وعلم مما قررت أن قوله: من الرفع والحكم، راجع للمسألتين؛ أي لقوله:"لا إن احتملت مدة يمينه أقل"، ولقوله:"أو حلف على حنث"، ومعنى قوله: من الرفع من قيام المرأة لحقها ورفعها الزوج للقاضي، ومعنى قوله: الحكم، حكم الحاكم بضرب الأجل، واعلم أن المعتبر الحكم، فإذا تأخر الحكم عن الرفع فالمعتبر يوم الحكم، وقد علمت مما مر أن قوله:"أو حلف على حنث"، مسلم؛ وأما قوله: لا إن احتملت مدة يمينه أقل فقد مر أن المصنف تبع فيه ابن الحاجب، والمذهب أن الأجل فيه من اليمين كما نص عليه غير واحد، والله سبحانه أعلم.

(1)

في النسخ والبناني ج 4 ص 156: على، والمثبت من الجواهر ج 2 ص 219.

ص: 376

تنبيه: اعلم أن فائدة كون الأجل من الحكم أنه إذا آلى ثم رفعته ضرب لها الأجل من يوم الحكم، وقوله: والأجل من اليمين لخ، قد علمت أن المراد به الأجل الذي للمرأة القيام بعده، وهو أربعة أشهر للحر وشهران للعبد، وهو غير الأجل الذي يترتب على الزوج الإيلاء بسببه كما مر، والله سبحانه أعلم. وقال الشارح مفسرا للمصنف: يريد أن المولي تارة تكون يمينه صريحة في ترك الوطء مدة أجل الإيلاء، كقوله: والله لا وطئتك أكثر من أربعة أشهر ونحوها، فالأجل من اليمين، وتارة تكون محتملة لأقل من الأجل، كقوله: والله لا أطؤك حتى يقدم زيد أو حتى يموت عمرو ونحو ذلك، أو تكون يمينه على حنث، كقوله: إن لم أدخل دار زيد أو لأدخلن فأنت طالق، فالأجل من يوم الرفع والحكم على المشهور، وقيل: كالأول. انتهى. وقد مر أن الإيلاء ثلاثة أقسام، قسم يكون فيه موليا من يوم حلفه وذلك الحلف على ترك الوطء بأي يمين كانت، وقسم لا يكون فيه موليا إلا من يوم ترفعه، وقسم يختلف فيه وهو الإيلاء الذي يدخل على المظاهر، وإليه أشار بقوله: وهل المظاهر إن قدر على التكفير يعني أن المظاهر الذي لم يعلق ظهاره على الوطء، بل قال لها: أنت علي كظهر أمي، وهو يقدر على رفع تحريم الظهار بالكفارة والحال أنه امتنع من التكفير فإنه يكون موليا، واختلف الأشياخ في ابتداء أجل إيلائه فقيل: هو كالأول أي الذي يمينه صريحة في ترك الوطء، فيكون ابتداء أجله من يوم الظهار، قاله مالك؛ وعليه اختصرت أي على هذا القول اختصر البرادعي وغيره المدونة قال ابن القاسم: فإن كفر زال عنه حكم الإيلاء وإن لم يطأ، أو كالثاني يعني أن من الأشياخ من ذهب إلى أن هذا الظاهر ليس كالأول بل هو كالثاني؛ أي كمن كانت يمينه على حنث فيضرب له أجل الإيلاء من يوم الحكم، وروي هذا القول عن مالك أيضا، وهذا القول هو الأرجح عند ابن يونس، قال الشارح: قال ابن يونس: وهو أحسن، ولهذا قال: وهو الأرجح. انتهى. وقال الشبراخيتي: وهو الأرجح عند ابن يونس كما عزاه له في توضيحه لاْنه لم يحلف على ترك الوطء صريحا إنما هو لازم شرعا. انتهى. وقال بناني: في المواق لم أجد لابن يونس ترجيحا هنا انتهى ونحوه لابن غازي قلت: لم يستوعب المواق ولا ابن غازي كلام ابن يونس وفيه الترجيح، ونصه بعد كلام في المسألة: وروى غيره: إن وقفه لا يكون إلا بعد ضرب السلطان له الأجل، وكل لمالك، والوقف بعد ضرب الأجل أحسن. انتهى منه. ثم بعد زمان وجدت هذا الكلام بنصه في تهذيب البرادعي

ص: 377

فعلمت أنه ليس لابن يونس وإنما هو لسحنون في المدونة وإليه نسبه الرجراجي في مناهج التحصيل. وحينئذ فكان صواب المصنف لو قال وهو الأحسن بدل قوله: وهو الأرجح، والله سبحانه أعلم. انتهى.

أو من تبين الضرر يعني أن من الأشياخ من ذهب إلى أن الأجل المذكور يبتدأ من يوم تبين الضرر وهو يوم الامتناع من التكفير، وعليه تؤولت يعني أن بعض شيوخ ابن يونس تأول المدونة على أن هذا الأجل يبتدأ من وقت تبين ضرر المرأة بامتناع زوجها من التكفير، وقوله: أقوال مبتدأ حذف خبره أي في ذلك أقوال، واعلم أن من حصل له الإيلاء بسبب الظهار ففيئته بالتكفير. وسيأتي فيئة غيره إن شاء الله. وقولي: المظاهر الذي لم يعلق ظهاره على الوطء، احترزت به عن الظاهر الذي علق ظهاره على الوطء، فإنه لا يطلب بالفيئة وإنما يطلب بالطلاق، أو تبقى معه بلا وطء، فإن تجرأ ووطئ سقط عنه الإيلاء ولزمته كفارة الظهار، ومفهوم قوله: إن قدر أن العاجز عن التكفير لا يدخل عليه الإيلاء، وقيده اللخمي بما إذا طرأ العجز له بعد عقد الظهار وأما إن عقد الظهار، وهو عالم بعجزه عن الصيام وغيره فإنه يدخل عليه الإيلاء لأنه قصد الضرر، ثم يختلف هل يطلق عليه الآن أو يؤخر إلى انقضاء أجل الإيلاء رجاء أن يحدث لها رأي في ترك القيام. انتهى. قاله غير واحد. والله سبحانه أعلم.

كالعبد لا يريد الفيئة تشبيه في لزوم الإيلاء فقط لا فيه وجَرْيُ الأقوال الثلاثة؛ يعني أن العبد إذا ظاهر من زوجته وهو لا يريد الفيئة أي التكفير بالصوم مع قدرته عليه فإنه يدخل عليه الإيلاء، أو يمنع الصوم بوجه جائز قوله: يمنع، عطف على قوله: لا يريد، يعني أن العبد يدخل عليه الإيلاء في هذه الصورة أيضا، وهي ما إذا كان يقدر على التكفير بالصوم لكن منعه السيد من الصوم بوجه جائز لكونه يضر به من جهة الخدمة أو من جهة الخراج، وأما لو عجز عن الصوم فلا يدخل عليه الإيلاء كما مر في الحر، وأما لو قدر على الصوم ومنعه السيد بوجه غير جائز فلا يمكن من ذلك ويرده الحاكم عنه، فعلم أن صور العبد الظاهر أربع: قدر على التكفير بالصوم وتركه اختيارا، قدر عليه ومنعه منه السيد بوجه جائز، يدخل عليه الإيلاء في هاتين الصورتين، والأجل فيهما من يوم الرفع، قدر على التكفير ومنعه السيد بوجه غير جائز، لا يمكن من ذلك ويرده الحاكم، عجز عن التكفير لا إيلاء عليه؛

ص: 378

وما قررت به المصنف من أن التشبيه في دخول الإيلاء لما في جري الأقوال الثلاثة هو الصواب.

وأما تقرير ابن غازي أن التشبيه في الإيلاء وجري الأقوال الثلاثة فإنه معترض، اعترضه التتائي بأن جريان الأقوال يحتاج إلى نقل، قال الشيخ محمد بن الحسن بناني: وهو ظاهر، فالحق أن التشبيه في الإيلاء فقط، وللشارح أن التشبيه في مفهوم الشرط إن قدر على التكفيرة أي فإن لم يقدر على التكفير فلا يلحقه إيلاء كما أن العبد لا يلحقه إيلاء إذا ظاهر ولم يرد الفيئة أو أرادها ومنعه سيده بوجه جائز لكونه يضر به في عمله، ونحوه لابن الحاجب والموطإ، وللمرأة حينئذ القيام بالضرر فترفعه للحاكم إما فاء وإما طلق، قال بناني: وتقرير الشارح بعيد من لفظ المؤلف جدا، وهو وإن تبع ابن الحاجب والموطأ فقد قال ابن ناجي: ظاهره وإن أذن السيد له في الصوم، ولا يوجد هذا لمالك ولا لأحد من أصحابه ثم تأول عبارة الموطإ كما في التوضيح وابن عرفة، ولما أنهى الكلام على ما ينعقد به الإيلاء وما لا ينعقد به شرع في الكلام على ما ينحل به بعد انعقاده، فقال: وانحل الإيلاء بزوال ملك من حلف بعتقه يعني أن الرجل إذا قال لزوجته إن وطئتك فعبدي صانع حر مثلا فإنه يدخل عليه الإيلاء وينحل عنه إذا خرج صانع الذي حلف بعتقه عن ملكه سواء خرج عن ملكه ببيع أو عتق أو هبة أو غير ذلك، فإن ترك وطء زوجته بعد ذلك فهو مضار، وسواء خرج عن ملكه ببيعه باختياره أو ببيع سلطان عليه بفلس ونحوه. قاله ابن القاسم. وقال ابن بكير:

(1)

لا يعود عليه ولو أخرجه باختياره، وقال أشهب وغيره: إن خرج باختياره عاد وإلا فلا، وكذا ينحل عنه الإيلاء بموت العبد وينحل عنه أيضا بمضي الزمن الذي حلف على ترك الوطء فيه قبل قيامها وهو أكثر من أربعة أشهر، وقوله: بعتقه، متعلق بحلف إلا أن يعود بغير إرث يعني أن المولي الذي زال عنه الإيلاء بزوال ملك من حلف بعتقه يعود عليه الإيلاء إذا عاد العبد إلى ملكه كما لو اشتراه أو وهب له أو نحو ذلك من وجوه العود، ما عدا عوده له بإرث فإن عاد إليه بإرث فإنه لا يعود عليه الإيلاء، وقوله: إلا أن يعود بغير إرث، سواء عاد له كله أو بعضه، فإن وطئها عتق كله في المسألتين لأنه يعتق عليه البقية في الثانية بالتقويم، وقوله: إلا أن يعود بغير إرث، محل كونه يعود عليه الإيلاء بعوده لملكه إنما هو حيث كانت يمينه غير مؤقتة أو مؤقتة وبقي من المدة بعد عوده لملكه أكثر من أربعة أشهر وأجل الإيلاء

(1)

كذا في نسخة: نمير، وفى أخرى: ابن عرفة، والمؤلف غير مقروء، والمثبت من الشارح ج 3 ص 252.

ص: 379

من يوم العود، سواء كانت يمينه صريحة أو محتملة على المذهب، وأما على كلام المصنف السابق فمن العود في الصريحة ومن الحكم في غيرها، وكما لا يعود عليه الإيلاء إن عاد له بإرث لا يعود عليه إن عاد إليه بشراء بعد عتقه وردد الغرماء، وإذا عاد له بشراء لم يعتق عليه بالعتق السابق كما يفيده ابن رشد، وقال أحمد: يعتق عليه بالعتق السابق، قال عبد الباقي: ومثل عوده له بإرث عوده له بعد عتقه بملكه بعد لحوقه بدار الحرب، فلا يعود عليه الإيلاء فيما يظهر؛ فعلم أنه ينحل عنه الإيلاء بزوال ملك من حلف بعتقه ويعود عليه الإيلاء إن عاد لملكه إلا بإرث أو شراء بعد عتقه في رد غريم عتقه أو لحوقه بدار حرب. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: والظاهر أن هذا فيما إذا أعتقه وهو كافر، وأما إذا أعتقه وهو مسلم ولحق بدار الحرب فكيف يشتريه؟ لأنه يجري على حكم المرتد فإن قتل على ررته فواضح وإن عاد للإسلام فلا يملكه، فكيف يعود لملكه. والله سبحانه أعلم.

كالطلاق القاصر عن الغاية في المحلوف بها؛ تشبيه في العود والحل؛ يعني أن من له زوجتان حلف بطلاق إحداهما على ترك وطء الأخرى، نحو زينب طالق إن وطئت عزة، فزينب محلوف بها أي بطلاقها وعزة محلوف عليها أي على ترك وطئها، فإنه إذا طلق زينب طلاقا قاصرا عن الغاية وبانت به لكونه خلعا أو قبل البناء أو رجعيا وانقضت العدة فإنه ينحل عنه الإيلاء في عزة فإذا أعاد زينب لعصمته بعد زوج أو قبله عاد عليه الإيلاء في عزة ما دام طلاق زينب قاصرا عن الغاية، فإذا طلق زينب طلاق البتات أو تكملة الثلاث ثم أعادها لعصمته بعد زوج فإنه لا يعود عليه الإيلاء في عزة لأنها بعد الغاية كالأجنبية، والأجنبية لا يلزم فيها طلاق إلا بالتعليق والفرض عدمه في هذه الصورة. والله سبحانه أعلم. وسواء في عود الإيلاء عليه كانت يمينه مطلقة أو مقيدة بأجل وعادت زينب لعصمته وقد بقي من الأجل أكثر من أربعة أشهر، كقوله: إن وطنت عزة إلى سنة فزينب طالق ثم طلق زينب دون الغاية فإنها ببينونتها ينحل عنه الإيلاء في عزة، فإذا تزوجها أي زينب بعد زوج أو قبله عاد عليه الإيلاء في عزة بشرط أن يكون قد بقي من الأجل أكثر من أربعة أشهر، وإلا فلا. لا لها أي عليها فاللام هنا بمعنى على كقوله تعالى:{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} أي عليها، ولا يصح هنا بقاء اللام على بابها لأن المحلوف لها، ككل امرأة أتزوجها عليك طالق لا يصح تعلق الإيلاء بها؛ يعني أن المحلوف على ترك وطئها وهي عزة في

ص: 380

المثال السابق لا يتقيد عود الإيلاء عليه فيها بطلاقها القاصر عن الغاية، بل كلما طلقها ثم أعادها لعصمته فإنه يلزمه الإيلاء فيها، فإذا طلقها أي عزة المحلوف على ترك وطئها طلاق البتات ثم تزوجها بعد زوج فإنه يكون موليا فيها ما بقي من عصمة زينب المحلوف بطلاقها شيء؛ وهكذا أبدا.

تنبيه: قال عبد الباقي عند قوله: لا لها؛ أي عليها، لخبر عائشة في بريرة (اشتريها واشترطي لهم الولاء

(1)

) أي عليهم. انتهى. وأشار بهذا إلى الحديث الذي في البخاري أن عائشة رضي الله عنها أرادت أن تشتري بريرة لتعتقها فأبى أهلها إلا أن يكون الولاء لهم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) وفي هذا الحديث إشكالان أحدهما: أن اشتراط الولاء لهم مفسد للعقد لأنه مناقض للمقصود من البيع، ثانيهما: أن ظاهره الخداع حيث يشترط لهم الولاء ولا يحكم لهم به بدليل (إنما الولاء لمن أعتق) وأجيب عن الإشكالين بثلاثة أجوبة، أحدها: أن اللام بمعنى على نظير قوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي عليها، وهذا الوجه بعيد لأن أهل بريرة كانوا كرهوا أن يشترط عليهم ذلك لأنهم أبوا عن بيعها بذلك إلا أن يكون الولاء لهم، ثانيها: أن معناه اشترطي لهم أو لا تشترطي، الشرط باطل على كل حال، فالأمر ليس على حقيقته، وفيه نظر؛ لأن هذا الشرط مبطل للعقد فلا يكون وجوده وعدمه سواء، ثالثها: وهو الأحسن أن الأمر سيق مساق الزجر والتغليظ وأن المقصود به النهي لما ألح أهل بريرة وأبوا إلا أن يشترط لهم الولاء، كقوله تعالى {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} . انظر حاشية الشيخ بناني.

وبتعجيل الحنث يعني أن المولي ينحل عنه الإيلاء بتعجيل مقتضى الحنث، كعتق العبد المحلوف بعتقه أن لا يطأ؛ ففي المصنف حذف مضاف، وينحل عنه أيضا بفوات دراهم معينة محلوف بالتصدق بها وبفوات زمن صوم معين كحلفه بصوم المحرم مثلا المعين لا وطئ زوجته زينب ستة أشهر مثلا أو خمسة ونحو ذلك ثم مضى المحرم ولم يصم، واعلم أن هذا ليس من تعجيل الحنث ولا من تكفير ما يكفر، وبإطلاق الحنث في المص على الخلوص من عهدة اليمين يشمل ما ذكر، ومن تعجيل الحنث طلاق المحلوف بها بتاتا، ومنه تعجيل صوم الزمن المعين أو

(1)

البخاري، كتاب الهبة، رقم الحديث 2578. مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث 1504.

ص: 381

الصدقة المعينة. قوله وبتعجيل الحنث، قال محمد بن الحسن عنده ما نصه: قد وقع في كلام المصنف تداخل في هذه المعطوفات لأن هذا يصدق على بعض ما صدق عليه الذي قبله من العتق والطاهق ويزيد بصدقه على الصوم كما يزيد الأول على هذا بصدقه على البيع. انتهى. وبتكفير ما يكفر يعني أن الإيلاء ينحل عن المولي إذا كانت يمينه مما يكفر قبل الحنث، كاليمين بالله والنذر المبهم، وكفر قبل الحنث، فإذا قال: والله لا أطؤك، أو إن وطئتك فعلي نذر، وقدم الكفارة قبل الحنث فينحل عنه الإيلاء، وقوله: وبتكفير ما يكفر، هو المشهور، وقال أشهب: لا ينحل عنه الإيلاء بالتكفير قبل الحنث إذ يمكن أن يكون عن يمين سبقت، قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: والظاهر أن قوله: وبتكفير ما يكفر، تكرار مع ما قبله كما يدل له قول بناني الذي سبق قريبا وهو: قد وقع في كلام المصنف تداخل في هذه المعطوفات. والله سبحانه أعلم.

وعلم مما قررت أن قوله: وبتكفير ما يكفر، معناه يكفر قبل الحنث، وقول التتائي: أو بعده، فيه شيء؛ لأن حل اليمين حاصل بالحنث وتخلدت الكفارة في ذمته، فلا يتوقف حل اليمين عليها. قاله الشبراخيتي. وإلا أي: وإن لم ينحل عنه الإيلاء بوجه من الوجوه التي ينحل بها فلها؛ أي: يثبت لها أن تطالبه بالفيئة بعد مضي الأجل والطلب لها وحدها إن كانت حرة كبيرة أو صغيرة مطيقة سفيهة أو رشيدة عاقلة أو مجنونة، لأن الحرة إذا رضيت بترك الوطء لا كلام لوليها أبا أو غيره؛ وقولي: مجنونة، أي حيث كان رضاها به بعد عقلها، إذ في حال جنونها لا ينسب إليها رضي كالمغمى عليها، وليس لوليهما كلام حال الجنون والإغماء فيما يظهر بل تنتظر إفاقتهما. قاله عبد الباقي. أما إن كانت المولى منها أمة ومضى الأجل ولم ينحل عن زوجها الإيلاء بوجه من الوجوه التي ينحل بها فإنه يثبت لها ولسيدها معها المطالبة بعد الأجل بالفيئة، فإن تركت حقها فلسيدها المطالبة كما في سماع ابن القاسم، وإن لم يقم هو فلها هي المطالبة. قاله أصبغ. وهذا إذا كان سيدها له حق في الماء، لما في أمة كالجد ولا في العقيمة ولا فيمن زوجها عقيم ولا في الحامل ولا في التي لا تلد لصغر أو كبر، فالمطالبة حينئذ تختص هي بها. والله سبحانه أعلم. إن لم يمتنع وطؤها يعني أن المطالبة المذكورة إنما تثبت لمن ذكر حيث لم يمتنع وطء المرأة المولى منها لرتق أو مرض أو حيض، وأما إن امتنع لشيء من ذلك فإنه لا تثبت المطالبة للمرأة الحرة ولا للأمة ولا لسيدها؛ وتبع المصنف في هذا القيد ابنَ شاش وابنَ

ص: 382

الحاجب وأنكر ذلك ابنُ عرفة، والعول عليه أن المطالبة بالفيئة ثابتة مطلقا. قاله عبد الباقي وغيره. وهو الموافق لما مر في القسم. قول عبد الباقي: وأنكر ذلك ابن عرفة، قال بناني: نص كلام ابن عرفة: وقول ابن شأس وابن الحاجب وقبولُه ابنُ عبد السلام ولا مطالبة للمريضة المتعذر وطؤها ولا الرتقاء ولا الحائض لا أعرفه، ومقتضى قولها في الحائض ينافيه، وأشار بذلك لقوله قبل هذا: وإن حل أجله وهي حائض وقف، فإن قال: أنا أفيء أمهل، وإن أبى ففي تعجيل طارقه روايتا ابن القاسم وأشهب في لعانها. انتهى. وعلى رواية ابن القاسم جرى المصنف أيضا في فصل طلاق السنة بقوله: والطلاق على المولي، وأجاب في التوضيح عن هذه المعارضة بقوله والطلاق في الحيض يقتضي أن يكون مطالبا بالفيئة في تلك الحال، قيل: لا يبعد أن تكون الفيئة على هذا القول بالوعد كما في نظائر المسألة حيث تتعذر الفيئة بالوطء ويكون التطليق عليه إنما هو إذا امتنع من الفيئة بالوعد. انتهى. وعلى جوابه تنتفي المعارضة ويكون المؤلف كابن الحاجب وابن شأس موافقا للمدونة ولما تقدم؛ إذ على جوابه يصير المعنى: لها المطالبة بالوطء إن لم يمتنع الوطء، أما إن أمتنع فلا تطالبه بالفيئة بالوطء مع مطالبتها بغيرها وهو الوعد، فيقع الطلاق إن أباه، والمعارضة إنما أتت على نفي المطالبة رأسا. انتهى. قال مصطفى: وبه يندفع قول الحطاب عقب كلام التوضيح ما نصه: وقاله في التوضيح، لا يدفع الإشكال لأن كون الفيئة بالوطء أو بالوعد وإلزامه الطلاق إن امتنع فرع المطالبة بها وقد نفى المطالبة بها فتأمله. انتهى. لأنه ليس المراد هنا نفي المطالبة رأسا بل نفي المطالبة بالوطء ولها المطالبة بالوعد، وعليها يتفرع الطلاق السابق. والله أعلم. انتهى. المطالبة بعد الأجل بالفيئة.

وعلم مما قررت أن قوله: المطالبة، مبتدأ وخبره قوله: فلها ولسيدها، والظرف والمجرور يتعلقان بالمبتدإ أي: فإن لم ينحل عنه الإيلاء إنما تثبت لها المطالبة بالفيئة بعد أن يتم الأجل المضروب الذي هو أربعة أشهر للحر وشهران للعبد، ومعنى قوله: المطالبة بعد الأجل بالفيئة أنه لا يقع عليها الطلاق بمجرد انقضاء الأجل المذكور، بل ولو مرت عليه سنون فلا يقع عليه الطلاق حتى يوقف فإما فاء وإما طلق، وفسر المصنف الفيئة بقوله: وهي تغييب الحشفة في القبل يعني أن الفيئة في غير من يمتنع وطؤها شرعا وفي غير المريض والمحبوس هي تغييب الحشفة كلها في القبل، ولا يشترط الانتشار فيها لقول ابن عرفة: وهي مغيب الحشفة حسب ما مر في الغسل،

ص: 383

وقال بعض شيوخ علي الأجهوري، ينبغي [اشتراطه]

(1)

كالتحليل، والظاهر حينئذ الاكتفاء بانتشاره ولو داخل الفرج، والظاهر عدم الاكتفاء بتغييبها مع لف خرقة تمنع اللذة أو كمالها كالغسل على ما يفهم من ابن عرفة فقدرها كهي. قاله عبد الباقي. وقولي: في غير من يمتنع وطؤها شرعا، احتراز عن تغييبها في الحيض، فإنه لا يكون فيئة كما يأتي قريبا. وقال الشبراخيتي مفسرا للفيئة: وهي لغير المظاهر والمريض والمحبوس والغائب ومن يمتنع وطؤها تغييب لخ، وافتضاض البكر يعني أن ما مر من أن الفيئة هي تغييب الحشفة في القبل محله حيث كانت ثيبا وأما الفيئة في البكر فهي اقتضاضها، قال ابن شأس: الفيئة مغيب الحشفة إن كانت ثيبا والاقتضاض إن كانت بكرا. انتهى. قال عبد الباقي: ولما لم يلزم من تغييب الحشفة اقتضاض البكر وكان الوطء المعتبر فيها اقتضاضها قال: واقتضاض البكر: فلا يكفي تغييبها في الفرج مع عدمه كصغير الحشفة. انتهى. وفي كلام بعض الشراح: ولا يلزم من تغييب الحشفة اقتضاض البكر لأن من النساء من هي غوراء مع صغر حشفته. انتهى. وقال بناني: الذي لابن عرفة أن تغييبها في البكر يستلزم الافتضاض وأن الأول يغني عن الثاني. انتهى.

تنبيه: قال عبد الباقي: إذا غيبها في القبل ثم نزعها ولم يتم الوطء وصار يفعل ذلك على رأس كل أربعة أشهر لم يطلق عليه للإيلاء لحصول الفيئة وإنما يطلق عليه لحصول الضرر؛ هذا هو الظاهر. قاله ابن وهبان. انتهى قوله: في القبل، قال الشارح: احترز به من الدبر فإن الإيلاء لا ينحل عنه بتغييب الحشفة فيه، ووقع في كتاب الرجم من المدونة أنه ينحل به الإيلاء إلا أن يكون نوى القبل. انتهى. ويأتي قريبا هذا مع زيادة: وقال الشبراخيتي: قوله: في القبل يصدق بتغييبها في محل البول وهذا كتغييبها في الدبر فلا ينحل به الإيلاء. انتهى. والله سبحانه أعلم. وقال الأمير: والفيئة تغييب حشفة حل مع اقتضاض البكر بلا حائل وفي الانتشار خلاف. انتهى.

تنبيه آخر: قد مر أن طلب المرأة الوطء عند الحاكم لا يناقض الحياء الممدوح في النساء ولا المروءة المستحسنة فيهن وأنه إذا تعذر جاز للنساء طلبه دينا وحسن مروءة. والله سبحانه أعلم. إن حل يعني أن تغييب الحشفة واقتضاض البكر إنما ينحل بهما الإيلاء حيث كان الحاصل منهما

(1)

في الأصل اشتراطها والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 159.

ص: 384

حلالا، فإن لم يحل كفي حيض أو صوم أو دبر أو نحو ذلك لم ينحل عنه الإيلاء وإن وقع الحنث، كالوطء بين الفخذين فلا تسقط المطالبة بالفيئة في المسألتين وإن وقع الحنث، وقال الشبراخيتي: فيئة المظاهر التكفير كما مر، وفيئة المريض والمحبوس والغائب ومن يمتنع وطؤها ما ينحل به، ثم شرط فيه الإباحة بقوله: إن حل ما ذكر وهو تغييب الحشفة واقتضاض البكر لا في حيض أو صيام أو إحرام، وأما الوطء في الدبر فهل تحصل به الفيئة، وهو ما في كتاب الرجم من المدونة، ولذا قال المص فيما يأتي: لا بوطء بين الفخذين، ولم يقل: لا بوطء بغيره أو لا تحصل به الفيئة، وهو ما في كتاب الإيلاء منها، وهل ما في المحلين خلاف؟ وعليه فالظاهر التعويل على ما يذكر في بابه وفي الشامل ما يفيده، أو وفاق فيحمل الأول على ما إذا كفر والثاني على ما إذا لم يكفر، كما أشار إليه أبو الحسن وهذا إنما يكون في يمين تكفر وأما في غيرها فلا يتأتى إلا الخلاف. انتهى. وقال الشارح: واحترز بقوله: إن حل، مما إذا وطئها حائضا أو محرمة أو في نهار رمضان فإن الإيلاء لا ينحل عنه، وقيل: ينحل. انتهى. وقال عبد الباقي: إن الوطء في الدبر لا ينحل به الإيلاء على المشهور. انتهى. قال بناني: وقع في المدونة ما نصه: إن جامع المولي امرأته في الدبر حنث وسقط إيلاؤه إلا أن ينوي الفرج بعينه. انتهى. ونقله المواق، وقال عياض: وطرح سحنون قوله: وسقط إيلاؤه بوطئها في الدبر ولم يقرأه، قال ابن عرفة: وهو أي طرح سحنون له هو الجاري على مشهور المذهب في حرمته. ولو مع جنون يعني أن الزوج المولي إذا فاء حال جنونه بأن غيب الحشفة أو اقتض البكر وهو مجنون فإن ذلك يكون فيئة معتبرة فتسقط المطالبة بالفيئة، قال الشارح مفسرا للمصنف: أي فلا تتوقف فيئة المولي على كونه عاقلا بل ينحل الإيلاء ولو في حال جنونه. وقاله أصبغ ومحمد، وحكى ابن شأس قولا باشتراط العقل. انتهى. وقال الشبراخيتي: مع جنون من الزوج لنيلها بوطئه في جنونه ما تناله في صحته، ولو قال: جنونه كان أولى أو نكر ليشمل جنونها، وعليه حمله بعض الشراح، فقال: من الزوجة أو من الزوج. انتهى. وقال عبد الباقي: ولو مع جنون للزوج بخلاف جنونها، فلا ينحل به الإيلاء وإن كانت تنحل به اليمين كما سبق، انظر أحمد وقوله: فلا ينحل به الإيلاء أي حكمه وهو المطالبة بالفيئة، وقوله: وإن كانت تنحل به اليمين؛ أي الحلف فاندفع الاعتراض عليه. قال مقيده: أي حنث ولم تبق عليه يمين بالنسبة للحنث لا بالنسبة للمطالبة بالفيئة فهي

ص: 385

باقية. والله سبحانه أعلم. انتهى. وقال بناني عند قوله: ولو مع جنون ما نصه: هذا أي كون وطء المجنون في حال جنونه فيئة هو الذي نص عليه ابن المواز وأصبغ ونقله ابن رشد واللخمي وعبد الحق. لكن قال أصبغ: يحنث به؛ وهو ضعيف، والمذهب كما لابن رشد وغيره أنه لا يحنث به وإن كان فيئة كما مر، ورد المص بلو قول ابن شأس وابن الحاجب: أن وطء المجنون ليس فيئة لكن لا يطالب بها قبل إفاقته لعذره فالأقوال ثلاثة، والفرق بين الأخيرين أنه على المذهب من أنه فيئة مع بقاء اليمين يستأنف له الأجل، وعلى ما لابن شأس وابن الحاجب يكتفى بالأجل الأول. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: قوله: يستأنف له الأجل، يعني أنه قد فاء فقد سقط عنه الأجل المضروب له ويمينه على ترك الوطء باقية فيستأنف له أجل، الإيلاء. والله سبحانه أعلم.

تنبيهان الأول: قال عبد الباقي: واعلم أنه قد تنحل عنه اليمين ولا ينحل الإيلاء كالوطء الحرام وقد تسقط المطالبة بالفيتة ولا تنحل اليمين كوطئها مكرها فلا تنحل به اليمين. انتهى المراد منه. وقال بناني: قال ابن الحاجب وابن شأس: وطء المكره كالمجنون ليس بفيئة كما لا تنحل به اليمين، وجزم به ابن عرفة في المكره واعترض عليهما المص في التوضيح بأن النصر في المجنون أن وطأه فيئة وإن كانت اليمين باقية، وقياس ما قاله أهل المذهب في المجنون أن يكون وطء المكره فيئة بل أولى. انتهى. وطء كلام عبد الباقي هنا من التخليط ما لا يخفى وقوله في بحث التوضيح: إنه ضعيف غير ظاهر، بل ما في التوضيح أظهر. قاله بناني. والله سبحانه أعلم. الثاني قال عبد الباقي: فلو ظاهر عاقلا ثم جن وطلبت الفيئة وفاء حال جنونه سقطت مطالبتها به؛ واليمين باقية عليه، فإذا صح يستأنف له أجل. انتهى. قوله: فلو ظاهر لخ، قال بناني: صوابه فلو آلى عاقلا لخ؛ لأن صورة الإيلاء هي التي وقع فيها الخلاف المتقدم؛ بخلاف صورة الظهار؛ لأن مقتضى قوله: وفاء حال جنونه، أنه وطئ مع أن وطأه لا يفيده وفيئته هي التكفير، فلها مطالبته بالكفارة ولو وطئ مجنونا، كما مر؛ وأيضا وطؤه في صورة الظهار حرام من جهتها لأنه غير مكلف فيحرم عليها تمكينه فلا ينحل به لقول المصنف: إن حل بخلاف وطء المولي في حال جنونه. انتهى. بوطء بين الفخذين؛ يعني أن الفيئة لا تحصل بوطء بين الفخذين فلا ينحل عنه الإيلاء وكذا القبلة والمباشرة واللمس فإن ذلك لا يكون فيئة لا قبل الوقف ولا بعده،

ص: 386

وهذا الذي ذكره المصنف في كتاب الإيلاء من المدونة، وفي كتاب الرجم: إذا وطئها بين الفخذين فكفر زال الإيلاء. قاله الشارح. وظاهره أن ما في البابين مختلف، ويأتي كلام عبد الباقي وبناني. وحنث يعني أن الوطء بين الفخذين وإن كان لا ينحل به الإيلاء يحنث به الزوج فتلزمه الكفارة، قال عبد الباقي: فإن كفر سقط عنه الإيلاء بمجرد تكفيره. قاله ابن عرفة عن المدونة. وإن لم يكفر بقي موليا على حاله، وإذا حنث ثم كفر ففي تصديقه أن الكفارة عن يمين الإيلاء لا عن يمين أخرى أو لا عن يمين بالكلية قولان، انظر الشامل؛ وظاهر التوضيح اعتماد ما للباجي من تصديقه فيما بينه وبين الله دون ما بينه وبين الزوجة في كفارة يمين بالله. انتهى. قال بناني: قول الزرقاني: فإن كفر سقط؛ أي لأنه لو كفر قبل أن يطأ سقط إيلاؤه فكيف إذا وطئ ثم كفر؟ وقول الزرقاني: وإذا حنث ثم كفر ففي تصديقه قولان، هذان القولان هكذا ذكرهما ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم، وقال: إنهما قائمان من المدونة. انتهى. وقال الشبراخيتي: وحنث بما ذكر. قال فيها: وعليه الكفارة وإذا حنث سقط عنه حكم اليمين مع المطالبة بالفيئة لأن حنث اليمين يسقطها، وهذا يفيد أن اليمين تسقط مع المطالبة بالفيئة وهو كذلك. انتهى. إلا أن ينوي الفرج يعني أن محل حنثه بالوطء بين الفخذين إنما هو حيث لم يقصد خصوص الفرج، وأما إن قصد بقوله: والله لا أطؤك خصوص الفرج فإنه لا يحنث بالوطء بين الفخذين لمطابقة نيته لظاهر اللفظ، ولو مع قيام البينة، فلا تلزمه كفارة، والإيلاء باق عليه على كل حال، إلا أن تفهم البينة أنه أراد الاجتناب فلا تقبل نيته حينئذ.

تنبيه: إذا جامع المولي امرأته في الدبر حنث إلا أن ينوي الفرج. والله سبحانه أعلم. وطلق إن قال لا أطأ يعني أن المولي إذا انقضى الأجل الذي ضرب له وطلبت منه الفيئة وامتنع منها بأن قال: لا أطأ، فإنه يقال له: لابد من أن تطأ أو تطلق فإن امتنع من الوطء والطلاق طلق عليه الحاكم أو صالحو البلد إن لم يكن به حاكم. قاله في الشامل. والظاهر أن القولين المتقدمين في المعترض يجريان هنا أيضا فيقال: هل يطلق الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم؟ قاله عبد الباقي. ففوله: وطلق أي طلق عليه الحاكم أو صالحو البلد إن لم يكن حاكم بعد أن يؤمر بالطلاق فيمتنع. بلا تلوم يعني أن الطلاق الذي يوقعه الحاكم أو صالحو البلد على المولي يكون بلا تلوم على الصحيح إذ قد ضرب له الأجل، وإن كان بعضهم قد ذهب إليه؛ إذ لا معنى للتلوم بعد انقضاء

ص: 387

الأجل قاله الشبراخيتي. وقال الشارح مفسرا للمصنف: أي فإن طالبته المرأة أو سيد الأمة أي المولي بالفيئة فقال: لا أطأ، طلق عليه الحاكم ولا يتلوم له خلافا لبعضهم. انتهى وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية أي وإن لم يقل: لا أطأ بل وعد بالوطء فقال: أنا أطأ، وكلام المصنف شامل لما إذا سكت والأول هو المنصوص. قاله الشبراخيتي. اختبر؛ أي فحص عن أمره هل يطأ أو لا مرة ومرة؛ أي اختبر مرة بعد مرة أي وقتا بعد وقت. فيكون منصوبا على الظرفية أو اختبارا مرة بعد مرة فيكون مفعولا مطلقا، ولابد من مرة ثالثة كما في النقل، فلو قال: اختبر ثلاث مرات لوافق النقل، وهي غاية الاختبار، كما في الشبراخيتي؛ ويكون ذلك الاختبار قريبا بعضه من بعض ولو أسقط الواو من مرة الثانية وصار على حد قوله تعالى:{وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} أي صفا بعد صف، وعلى حد قوله تعالى:{إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} أي دكا بعد دك لتوهم شموله لما زاد على الثلاث مع أنها هي الغاية؛ ابن رشد: والمعلوم من مذهب مالك في المدونة وغيرها أن يختبر المرتين والثلاث؛ اللخمي: وروى ابن وهب أنه يؤخر وإن أقام في الاختبار حتى حاضت ثلاث حيض وأكثر ويوقف أيضا فإن قال: أفيء خلي بينه وبينها إلا أن يكثر ذلك فيطلق عليه، وروى أشهب أنه يخلى بينه وبينها فإن لم يفئ حتى انقضت عدنها من يوم قال: أفيء، طلقت عليه بائنة. قاله الشارح. والله سبحانه أعلم. وصدق مع يمينه؛ يعني أن المولي إذا اختبر وادعى أنه جامع المولى منها وكذبته فإنه يصدق بيمين، ففي المدونة: وإن قال وطئتها وأنكرته صدق مع يمينه فإن نكل حلفت هي وطلق عليه إن شاءت وسواء البكر والثيب، وعبارة عبد الباقي: وصدق بيمين إن ادعاه بكرا كانت أو ثيبا فإن نكل حلفت وبقيت على حقها فإن نكلت بقيت زوجته، ومحل يمينها إن كانت بالغا ولو سفيهة فإن كانت صغيرة مطيقة، فانظر هل تطلق عليه الآن لتعذر اليمين منها وهو الظاهر أم لا؟ قاله أحمد. أي: فلا يحلف وليها، والفرق بينها وبين ما مر في العيوب من قوله: وحلفت هي أو أبوها إن كانت سفيهة أن هذا أمر لا يعلم إلا منها وينبغي أن المجنونة كذلك تسقط عنها اليمين كوليها. انتهى. وإلا بأن مضت مدة الاختبار ولم يدع الوطء أو ادعاه وأبى الحلف وحلفت أمر بالطلاق أي أمره الحاكم بالطلاق إذا طلبته الزوجة أو سيدها، ومثل الحاكم صالحوا البلد، ولا يدخل هنا أعني: في قوله: وإلا، ما إذا قال: لا أطأ؛ لأنه قدمه في قوله وطلق إن قال: لا أطأ بلا تلوم، كذا في الشرح. قاله الشبراخيتي. وقال: قال في الحاشية:

ص: 388

قوله: وإلا، وقول الشارح: أي وإن لم يعد بالفيئة من غير إباية بأن سكت. انتهى. قوله: وإلا أمر بالطلاق فإن طلق فواضح وإلا يطلق بأن امتنع من الطلاق طلق عليه؛ أي: طلق الحاكم أو صالحو البلد إن عدم ولو حكما، وتقدم أنه يجري هنا ما جرى في المعترض، قاله عبد الباقي. يعني قوله: فهل يطلقها الحاكم لخ، فإن رضيت بإسقاط حقها فلها القيام متى شاءت، وقيل: تحلف ما أسقطته للأبد. قاله عبد الباقي. وقال الأمير: وصدق إن ادعاها أي الفيئة إلا أن تحلف بعد نكوله وإن وعد بها انتظر بالاجتهاد وإلا أمر بالطلاق، فإن أبى طلق عليه. انتهى. وقوله: وهي تغييب الحشفة لخ، هو فيمن لا عذر له يمنعه من الوطء، وأشار إلى فيئة المعذور بقوله: وفيئة المريض والمحبوس بما ينحل به يعني: أن الفيئة في حق المريض العاجز عن الوطء والمحبوس العاجز عن خلاص نفسه بما لا يجحف بماله والغائب البعيد الغيبة تحصل بما ينحل به الإيلاء، فتحصل الفيئة منهم بتعجيل مقتضى الحنث، وبزوال ملك من حلف بعتقه، وكذا كل من في معنى ما ذكر من كل ذي عذر منه أو منها كالحائض، فإن أبى المريض أو المحبوس أو الغائب من الفيئة بما ينحل به الإيلاء طلق عليه، وأما المريض القادر على الوطء أو المحبوس القادر على الخلاص بما لا يجحف بماله ففيئة كل منهما تغييب الحشفة في القبل. قاله عبد الباقي. ومر عن بناني أن الفيئة في الحائض الوعد بالوطء، وعبارة بهرام: أي فلا يطلب منهما الحل بالوطء لعدم قدرتهما عليه في تلك الحالة، ويكفي في فيئة كل واحد منهما تكفير يمينه وهو مراده بما ينحل به. انتهى. وقوله: بما ينحل به، هذا إذا كانت يمينه مما يكفر قبله، وإلا فهو ما أشار إليه بقوله: وإن لم تكن يمينه مما تكفر قبله يعني أنه إذا لم تكن يمين المريض والمحبوس مما تكفر قبل الحنث لكون التكفير فيها لا فائدة له فإن الفيئة في حقهما الوعد بأن يعد كل منهما بالوطء بعد زوال المانع؛ وأفرد المصنف الضمير العائد على المريض والمحبوس لأن الواو بمعنى أو أو بتأويله بما ذكر. قاله عبد الباقي. ومثل المصنف لما لا يكفر قبل الحنث بقوله: كطلاق فيه رجعة يعني أنه إذا قال لها: إن وطئتك فأنت طالق، أو إن وطئتك فزينب طالق، فإن هذا مما لا يمكن أن يكفر قبل الحنث لأنه طلاق رجعي، فإذا طلق المحلوف بطلاقها طلاقا رجعيا فإنه بنفس وطئه للمحلوف على ترك وطئها يقع عليه طلقة أخرى، فإذا كان القائل هذا مريضا لا يقدر على الوطء أو محبوسا لا يقدر على خلاصه بما لا يجحف بماله ومن في حكمهما

ص: 389

فإن الفيئة في حقهم تكون بالوعد بالوطء بعد زوال المانع، وسواء كانت المحلوف بطلاقها هي المحلوف على ترك وطئها نحو إن وطئتك فأنت طالق، أو غيرها كما لو قال: زينب طالق إن وطئت عزذتة، فزينب محلوف بطلاقها وعزة محلف على ترك وطئها فيها أو غيرها أي سواء كان الطلاق الذي فيه رجعة فيها أي المولى منها، نحو إن وطئتك فأنت طالق أو في غير المولى منها، نحو إن وطئت عزة فزينب طالق، وصوم لم يأت يعني أنه إذا قال لها: إن وطئتك فعلي صوم المحرم، ودون ذلك عشرة أشهر مثلا، فضرب لها أجل الإيلاء ثم انقضى أجل الإيلاء وهو بالصفة المتقدمة من السجن والمرض ونحوهما وطولب بالفيئة؛ والمحرمُ الذي حلف بصومه لم يأت، فإن الفيئة في حقه بالوعد بالوطء عند زوال المانع؛ لأنه إذا صام لم يقع موقعه فلو فعل الصوم قبل مجيء المحرم لأعاده مرة أخرى إذا وطئ. وعتق غير معين؛ يعني أنه إذا قال لها: إن وطئتك فعلي عتق رقبة فضرب له أجل الإيلاء ثم انقضى وهو بالصفة المتقدمة من السجن والمرض ونحوهما، وطولب بالفيئة فإن فيئته الوعد بالوطء عند زوال المانع لأنه إذا أعتق رقبة لم ينحل عنه الإيلاء لأن هذا مما لا يفيد فيه التكفير قبل الحنث، ومفهوم غير معين أنه لو كان معينا لكان يكفر قبل الحنث وهو كذلك، نحو: إن وطئتك فعبدي صانع حر، فقوله: فالوعد مبتدأ أو خبر أي ففيئته الوعد أو فالوعد فيئته، والجملة جواب الشرط، أعني قوله: وإن لم تكن يمينه مما تكفر قبله، الشامل للأمثلة الأربعة وغيرها، وقد مر تحرير ما يكفر قبل الحنث وما لا يكفر قبله عند قول المصنف: وأجزأت قبل حنثه، فراجعه إن شئت؛ ولا يحنث كل بالوعد وإنما يحنث بالجماع. قاله عبد الباقي: ومفهوم قوله: فيه رجعة، أنه إن لم يكن فيه رجعة بأن كان قبل البناء أو بلغ الغاية فإن الإيلاء ينحل عنه؛ وظاهر قوله: وصوم لم يأت، أنه لو قال: فعلي صوم شهر، لم يكن الحكم كذلك، وظاهره أيضا أنه إذا أتى المعين لا يكون الحكم كذلك، والحكم في الأول لا يصوم حتى يطأ، وفي الثاني إذا انقضى قبل وطئه فلا شيء عليه لأنه معين قاله عبد الباقي. وبعث الغائب؛ يعني أن الزوج المولي إذا ضرب له أجل الإيلاء ثم انقضى ووجد غائبا عند انقضاء الأجل وهو معلوم الموضع فإنه يبعث إليه ليعلم ما عنده ولا يبعث إليه إلا بعد انقضاء الأجل، وقد مر أن فيئته بما ينحل به إن كانت يمينه مما يكفر قبل الحنث وإلا فالوعد وإنما لم يبعث إليه قبل انقضاء الأجل لأنه لا كلام لها قبل انقضائه. وإن بشهرين؛ يعني أن الغائب

ص: 390

المعلوم الموضع يبعث إليه ليعلم ما عنده ولا يطلق عليه قبل البعث وإن كانت مسافته على شهرين مع الأمن واثنا عشر مع الخوف وأجرة الرسول عليها لأنها المطالبة، ومحل البعث ما لم ترفعه للحاكم قبل غيبته ويأبى إلا السفر وإلا طلق عليه من غير بعث، وأما إن كانت مسافته على أبعد من شهرين فإنه يطلق عليه من غير بعث، لكن بعد مضي الأجل، وقد مر أن هذا في الغائب العلوم الموضع، فإن لم يكن معلوم الموضع فحكمه حكم المفقود فيطلق عليه بغير الإيلاء، بل يطلق عليه بعدم النفقة ونحو ذلك، وليجر على حكم المفقود؛ لأن الإيلاء مع الفقد ساقط. قاله غير واحد. وقوله: وبعث للغائب وإذا رفعته للحاكم عند إرادة السفر قبل مضي الأجل فإنه يمنعه منه، فإن أبى أخبره أنه يطلق عليه إذا حل الأجل؛ ففائدة إخبار الحاكم أنه لا يبعث له إذا جاء الأجل وطلبت الفيئة؛ وعلم مما قدمت أن اثنا عشر يوما مع الخوف يقومان مقام شهرين مع الأمن لأن كل يومين مع الخوف يقومان مقام عشرة مع الأمن كما يأتي في الشهادات. انظر شرح الشيخ عبد الباقي والشبراخيتي. وقوله: وإن بشهرين؛ أي فدون: قاله الشبراخيتي. وقال: الباء للظرفية وفي الكلام حذف مضاف أي وإن كان الغائب في بلد مسافته شهران، أو الملابسة أي وإن كان الغائب متلبسا بشهرين أي بمسافة شهرين،

وعلم مما قررت أن الغائب له ثلاثة أحوال، الأول: أن لا يعلم موضعه وهذا كالمفقود فلا تطلق عليه بالإيلاء، وإنما تطلق عليه بغيره؛ الثاني: أن يعلم موضعه وتكون مسافته على شهرين فدون، فهذا يبعث له، الثالث: أن يعلم موضعه وتكون مسافته على أكثر من شهرين؛ فهذا يطلق عليه من غير بعث. قاله الشبراخيتي. وقال الشارح عند قوله: وبعث للغائب وإن بشهرين ما نصه: هو كقوله في المدونة: ويكتب إلى الغائب وإن كانت بلده مسيرة شهر أو شهرين. وقيده الباجي بما إذا عرف مكانه وإلا فهو مفقود، والإيلاء مع الفقد ساقط ولها أن تقوم بغير الإيلاء: وفي اللباب: إن كان ببلد يبلغه فيه الكتاب بعث إليه وإن كان لا يبلغه فيه أو يبلغه ويتعذر إتيانها ومعرفتها أو معرفة من ينقل الشهادة عنه كان لها أن تقوم بالفراق؛ وعن عبد الملك: أنه يطلق عليه قربت غيبته أو بعدت ونحوه في السليمانية. انتهى. ولها العود إن رضيت يعني أن المرأة المولى منها إذا رضيت بالمقام مع زوجها المولي بالوطء وأسقطت حقها من الفيئة وقد كان ضرب له أجل الإيلاء ثم رجعت عن ذلك الرضا فإن لها ذلك، فتعود لحقها متى شاءت، فإما فاء وإلا طلق عليه؛ لأنه أمر لا صبر للنساء عنه.

ص: 391

ولا يضرب لها أجل ثان بل يكتفى بالأجل الأول، وإنما يكون لها ذلك إن لم تقيد الإسقاط بمدة. وإلا لزمها الصبر إليها، ثم تقوم بلا أجل وبلا رفع للحاكم وبلا تلوم، كامرأة المعترض، كما مر من قوله: ولها فراقه بعد الرضا بلا أجل بخلاف امرأة المعسر فإنها إذا أسقطت نفقتها لزمها إسقاطها، كما قاله غير واحد، أي لخفة ضرر النفقة بالنسبة لضرر عدم الوطء، وقوله: ولها العود إن رضيت قال بناني عنده ما نصه: لما ذكر في العتبية أن لها القيام من غير ضرب أجل قال ابن رشد ما نصه: وذلك بعد أن تحلف ما كان تركها على الأبد ولا رضي بإسقاط ذلك والمقام معد إلا على أن تنظر وتعاود ثم يوقف مكانه بغير أجل فيفيء أو يطلق قاله أصبغ في كتاب ابن المواز. ولو قالت: أنا أتركه أو أوخره إلى أجل كذا لكان لها أن توقفه عند انقضاء الأجل الذي أنظرته إليه دون يمين انتهى من سماع [القرينين]

(1)

. انتهى. (وتتم رجعته إن انحل) يعني أن الزوج المولي إذا طلق عليه الحاكم زوجته التي دخل بها وارتجعها فإن رجعته أي المولي تتم أي تصح ويعتد بها بشرط أن ينحل عنه الإيلاء بزوال ملك من حلف بعتقه أو بتكفير لا يكفر أو غير ذلك مما يحل الإيلاء، كوطئها في العدة. (وإلا) مركب من إن الشرطية ولا النافية أي: وإن لم ينحل إيلاؤه بأن ارتجع في العدة ولم يفعل شيئا مما مر (لغت) رجعته أي بطلت، ومحل بطلانها ما لم ترض المرأة بالمقام معه بلا وطء، فإن رضيت بالمقام معه بلا وطء صحت رجعته عند ابن القاسم والأخوين مطرف وابن الماجشون، وهو المذهب خلافا لسحنون؛ وفي تصدير التتائي به نظر قاله عبد الباقي. وقال الشارح: يريد أن الحاكم إذا طلق على المولي المدخولَ بها طلقة فإن الرجعة تتم له بشرط انحلال اليمين في العدة بالوطء أو الكفارة أو انقضاء الأجل وتعجيل كعتق معين ونحوه، واختلف إذا ارتجع في العدة ولم يصب ورضيت الزوجة بذلك فأجازه ابن القاسم ومطرف وعبد الملك ومنعه سحنون. انتهى.

(وإن أبى الفيئة في: إن وطئت إحداكما فالأخرى طالق: طلق الحاكم إحداهما) يعني أن الرجل إذا كان له زوجتان وقال إن وطئت إحداهما فالأخرى

طالق فإنه يكون موليا من واحدة غير معينة فيضرب عليه أجل الإيلاء، ومتى وطئ إحداهما تطلق الأخرى، فإن أبى أن يطأ إحداهما طلق الحاكم عليه إحداهما وهذا خلاف ما قال الشبراخيتي فإنه قال: ما ذكره المص من أنه ليس بمول منهما ولا من إحداهما تبع فيه ابن الحاجب وابن

(1)

في الأصل القرويين والمثبت من بناني ج 4 ص 169.

ص: 392

شأس تبعا لما في وجيز الغزالي ظنا منهم جريانه على قواعد المذهب من عدم الإيلاء منهما ومن إحداهما وليس كذلك، والمذهب ما استظهره ابن عرفة أنه مول منهما، وذكر صاحب الكافي ما يفيده انتهى. قال الشبراخيتي: وإذا ثبت أنه مول منهما فإن رفعتاه أو رفعته إحداهما ضرب له أجل الإيلاء من يوم الرفع والحكم، وإذا مضى الأجل فإن قامت إحداهما أو قامتا فإن فاء في إحداهما طلقت الأخرى وإن لم يفئ في واحدة منهما طلقتا عليه جميعا، ولا يتصور شرعا أن يفيء فيهما إذ بوطء إحداهما ينجز طلاق الأخرى فلا يجوز وطؤها، وحينئذ فقوله: طلق الحاكم إحداهما مشكل؛ إذ القاعدة تقتضي أنه إذا أبى الفيئة فيهما يأتي في قوله: وطلق إن قال: لا أطأ بلا تلوم لخ، وإن طاع بالفيئة فلا يمكن من الفيئة فيهما وإنما يمكن من الفيئة في إحداهما وإذا فاء في إحداهما، طلقت الأخرى. قال في التوضيح: ينبغي أن يفهم على أن القاضي يجبره على طلاق واحدة أو يطلق واحدة بالقرعة وإلا فطلاق واحدة غير معينة منهما أي بغير قرعة ترجيح بلا مرجح، ومن قامت بحقها من هاتين المرأتين كان الحكم ما ذكره المص، ولا يشترط قيامهما معا، ابن عبد السلام: وذكر بعضهم في نظير هذه المسألة قولين هل يكون موليا منهما جميعا أو لا يكون موليا إلا من إحداهما. انتهى. قوله: على طلاق واحدة أي واحدة شاءها الزوج كما يفيده بناني. والله سبحانه أعلم. وبما مر عن المص يجاب عما يقال: من أن طلاق إحداهما حكم بمبهم، والأول من جوابي المص لابن عبد السلام ورده ابن عرفة بأنه خلاف المشهور فيمن طلق إحداهما غير ناو تعيينها، وأجاب القلشاني بأنه قد يفرق بينهما بأنه في صورة التعليق التي كلامنا فيها ما يظهر في ثاني حال فلا يلزمه الطلاق إلا فيمن حنث فيها، ولا يضره الإبهام وقت التعليق بخلاف إنشائه في واحدة مبهمة. انتهى. وما مر من أنه مول منهما عند ابن عرفة وأنه في الكافي ما يفيده صحيح، خلافا لابن غازي في قوله: إنه ليس في الكافي، فإنه غير ظاهر. والله سبحانه أعلم. قال مقيده: وما مر عن الشبراخيتي من أن المص مشى على أنه لا إيلاء عليه يبعده قول المص: وإن أبى الفيئة فإنه ظاهر في أنه مول. والله سبحانه أعلم. انتهى. ومر عنه أيضا أن الأجل من يوم الرفع والحكم، ونحوه لعبد الباقي تبعا للكافي، قال بناني: وهو مشكل لأن يمينه صريحة في ترك الموطء. انتهى. وقال الشارح مفسرا للمص: يريد أن من له زوجتان فقال لهما: إن وطئت إحداكما فالأخرى طالق وأبى الفيئة أي أبى أن يطأ فإن الحاكم يطلق عليه إحداهما، ولعله يريد بالقرعة أو يجبر الزوج على طلاق أيتهما شاء إلا أنه بعيد من لفظه. انتهى.

ص: 393

(وفيها فيمن حلف لا يطأ واستثنى: أنه مول) يعني أنه وقع في المدونة أن من حلف على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر واستثنى يكون موليا، فإذا قال لها: والله لا أطؤك إلا أن يشاء الله أو إن شاء الله فهو مول قاله مالك. وله الوطء من غير كفارة عليه، هذه تتمة ما في المدونة؛ ومنها جاء الإشكال الآتي تبيينه، وقال غير مالك: لا يكون موليا، واستشكلت المسألة من وجهين، أحدهما: كيف يكون موليا مع الاستثناء؟ وهو حل لليمين أو رافع للكفارة، الثاني: كيف يكون موليا ويطأ من غير كفارة؟ وأجاب: عن الأول بقوله: (وحملت على ما إذا روفع ولم تصدقه) هذا جواب عن الإشكال الأول؛ يعني أن المدونة حملت أي حمل قول الإمام فيها على أن محله فيما إذا رافعت المرأة الزوج ولم تصدقه في أنه أراد بالاستثناء حل اليمين وإنما أراد به التبرك، وامتناعه من الوطء يدل على أنه لم يقصد حل اليمين بل أراد التبرك إذ لو قصد حلها لوطن، فالاستثناء يحتمل الحل وغيره ولو جاء مستفتيا لم يكن عليه شيء، فارتفع الإشكال الأول وفي كلام البساطي هنا نظر، وأورد لو كفر عن يمينه ولم يصدقه؛ يعني أن هذا الحمل الذي رفع به الإشكال لم يسلم، بل أورد عليه قول مالك في مسألة أخرى غير السابقة وهي: ما لو حلف بالله لا يطؤها وضرب له أجل الإيلاء فكفر عن يمينه فإنه ينحل عنه الإيلاء، ولو لم تصدقه المرأة في أن هذه الكفارة عن يمين الإيلاء وإنما هي عن يمين أخرى فلا عبرة بتكذيبها له، فالإيلاء منحل عنه على كل حال. صدقته أو كذبته، في القضاء والفتوى، فلم لا ترتفع عنه التهمة في الأولى كهذه أو يتهم في هذه كالأولى، وفرق بشدة المال يعني أنه أجيب عن الإيراد المذكور بالفرق بين الاستثناء وإخراج الكفارة بأن إخراج المال في الكفارة شديد على النفس، وفي معناه الصوم، فكان أقوى في رفع التهمة فانحل عنه الإيلاء وإن لم تصدقه، والاستثناء خفيف لا كلفة فيه، وهذا الجواب لابن عبد السلام. قاله الشبراخيتي.

أجيب عن الإيراد المذكور أيضا بجواب آخر، وهو الفرق بين النطق بالاستثناء وإخراج المال في الكفارة بأن الاستثناء الواقع في المسألة الأولى محتمل غير الحل، أي غير حل اليمين احتمالا ظاهرا والكفارة تحل اليمين بلا شك وإن كنا لا نعرف هل قصد بها حل هذه اليمين أو غيرها؟ فلما كانت الكفارة تسقط اليمين على كل حال كانت التهمة فيها أبعد، وإلى الفرق الثاني ذهب عبد الحق وابن يونس، فإن قيل: المرافعة خاصة بالطلاق. والعتق؛ فالجواب أن اليمين هنا وإن كانت بالله آئلة إلى الطلاق. قاله عبد الباقي. وقال: وفي الفرق الأول نظر لأنه يلزم من عدم تصديقها له في إرادة الحل

ص: 394

لزوم الكفارة فيرجع لشدة المال فيبطل أن الاستثناء مجرد لفظ لا كلفة فيه. انتهى. قوله: في الفرق الأول نظر لأنه لخ، في نظره نظر إذ لا يلزم من عدم تصديقها له في الحل لزوم الكفارة لأن له حل اليمين بالوطء ولا كفارة عليه فيما بينه وبين الله سبحانه. تأمله. قاله بناني.

وذكر المصنف الجواب عن الإشكال الأول لتصريحه به، ولما لم يصرح بالثاني لم يشر لرفعه، والظاهر في الجواب عنه أي الإشكال الثاني أنه موكول في ذلك إلى أمانته فلا تلزمه الكفارة، كما أنا لا نلزمه فيما استثنى فيه من اليمين بالله وصفته أن يخرج عنه الكفارة بل يصدق في ذلك أو يوكل إلى أمانته. فائدة: قال القرافي في أوائل فروقه: سمعت بعض الفضلاء يقول: فرقت العرب بين فرق بالتخفيف وفرق بالتشديد فالأول في المعاني والثاني في الأجسام، ووجه المناسبة فيه أن كثرة الحروف عند العرب تقتضي كثرة المعنى أو زيادته أو قوته، والمعاني لطيفة والأجسام كثيفة فناسبها التشديد وناسب المعاني التخفيف، مع أنه قد وقع في كتاب الله تعالى خلاف ذلك قال تعالى:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} وهو جسم وقال تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} وجاء على القاعدة: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} وقوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} و {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} ، ولا يكاد يسمع من الفقهاء إلا قولهم: ما الفارق بين المسألتين، ولا يقال: ما المفرق بينهما بالتشديد ومقتضى هذه القاعدة أن يقول السائل: افرق لي بين المسألتين ولا يقول: فرق لي ولا بأي شيء يفرق، ومع أن كثيرا يقولونه بالأفعال دون اسم الفاعل. انتهى.

قلت: قد يجاب عما جاء على خلاف ما ذكر بأن البحر لما كان جسما لطيفا لأن الماء شفاف لا يحجب ما وراءه يتلون بلون إنائه ناسب فيه التخفيف، وكذا التفريق بينهم وبين القوم الفسقين لا بالذات، والفسق معنى من المعاني كالتقوى والإيمان يتحلى بهما الشخص وذاته كذات المتصف بضدهما متحدة بالنوع بدليل:{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} قاله عبد الباقي. قال الشبراخيتي: ولما كان الظهار مشبها بالإيلاء في أن كلا منهما يمين يمنع الوطء ويدفع ذلك الكفارة وكانا طلاقا في صدر الإسلام، وإن تفارقا في بعض الأحكام أعقبه به فقال:

ص: 395

‌باب في الظهار وما يتعلق به

يقال: ظاهر من امرأته وتظاهر بمعنى؛ الجوهري: الظهار قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي. انتهى. وهو مأخوذ من الظهر لأن الوطء ركوب والركوب غالبا إنما يكون على الظهر، وعادة كثير من العرب وغيرهم المجامعة على حرف من جهة الظهر ويستقبحون سواد ذهابا إلى الستر والحياء، وأن لا يجتمع الوجوه وهي كانت سيرة الأنصار حتى نزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} على إحدى الروايتين في سبب نزولها. والأخرى أنها نزلت ردا لقول اليهود: إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول، وفي التوضيح: واعلم أن الظهار كان في الجاهلية وأول الإسلام طلاقا حتى أتت خولة بنت ثعلبة على ما رواه أبو داوود وغيره تشكو زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت وجادلت النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. واختلف الأحاديث في نص مجادلتها ففي بعضها أنه أكل شبابي وفرشت له بطني فلما كبر سني ظاهر مني، (ولي صبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا وهو عليه الصلاة والسلام يقول لها: (اتق الله فإنه ابن عمك

(1)

) فما برحت حتى نزل قول الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} فقال صلى الله عليه وسلم (ليعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فيطعم ستين مسكينا، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قال: فإني سأعينه بفرق من تمر، ثم قالت يا رسول الله: وإني سأعينه بفرق آخر، قال: قد أحسنت فاذهبي وأطعمي ستين مسكينا وارجعي ابن عمك)

(2)

والفرَق بالتحريك ستة عشر رطلا وبالتسكين سبع مائة وعشرون رطلا، وذكر بعضهم أنهم كانوا في الجاهلية إذا كره أحدهم امرأة ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى مننها وظاهر، فتصير لا ذات زوج ولا خالية فتنكح، قال الشبراخيتي: وفيه نظر: والصواب قصره على الإيلاء، ومر بهذه المرأة المذكورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار، فاستوقفته طويلا ووعظته، وقالت: يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك: عمر ثم قيل لك: أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، إنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن

(1)

أبو داود، كتاب الصلاق، رقم الحديث 2214. ابن ماجه، كتاب الطلاق، رقم الحديث 2063.

(2)

أبو داود، كتاب الطلاق، رقم الحديث 2214. ولفظه بعرق.

ص: 396

بالحساب خاف العذاب، وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف، فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زُلْتُ إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ والسورة اثنان وعشرون آية وفي كل آية منها اسم الله مرة أو مرتين أو ثلاثا وليس لها في ذلك نظير في القرآن. قاله الشبراخيتي. وقال الحطاب: قال القاضي عبد الوهاب: والظهار محرم بالكتاب كما أخبر الله عز وجل {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} ولنصه في الآية على أنه منكر وزور: ولقوله في آخر الآية: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} الشيخ أبو إسحاق: ويؤدب من ظاهر، وقال ابن عرفة القاضي: هو محرم لأنه منكر وزور، وروى ابن شعبان: يؤدب الظاهر. وَنَقْلُ الباجيِّ روايةَ المبسوط: الظهار يمين تكفر، يحتمل الجواز والكراهة أرجح. انتهى. وعرف ابن عرفة الظهار بقوله: تشبيه زوج زوجته أو ذي أمة حل وطؤه إياها يمَحْرَمٍ منه أو بظهر أجنبية في تمتعه بهما، والجزء كالكل والمعلق كالحاصل، وأصوب منه تشبيه ذي حل متعة حاصلة أو مقدرة بآدمية إياها أو جزئها بظهر أجنبية أو بمن حرم أبدا أو جزئه في الحرمة. انتهى. قوله: بمَحرم بفتح الميم وسكون الحاء والراء المفتوحة المخففة ولذا قال: منه، ولم يقل: عليه، ويرد عليه أنه فاسد العكس لعدم شموله التشبيه بالملاعنة والتشبيه بين الجزءين وبين الجزء والكل، ولا يقال: هذا دخل في قوله: والجزء كالكل؛ لأنه يقال: ليس هذا من تمام التعريف لأنه تصديق والتعريف تصور قاله غير واحد. وقوله: إياها قال الرصاع معمول لقوله: وطؤه وهذا على نسخته من تذكير ضمير وطؤه والذي في النسخ وطؤها بضمير المؤنث من إضافة المصدر لمفعوله وإياها مفعول بتشبيه وهو أحسن. قاله بناني. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عند: قوله: حل غير منون، مضاف إلى متعة، وقوله: بآدمية متعلق بمتعة، وقوله: إياها، مفعول تشبيه. انتهى. قال الشبراخيتي: فإن قلت: قوله: وأصوب منه، يقتضي أن الأول صواب وليس كذلك، إذ هو غير جامع لعدم شموله لما إذا شبه من تحل بالملاعنة والموطوءة في العدة ونحوهما مع أنه ظهار ولعدم شموله ما إذا شبه جزء من تحل بمن تحرم أو بجزئها؛ قلت: مراده بأصوب أنه صواب. انتهى. وعرف المؤلف الظهار بقوله: تشبيه مصدر مضاف إلى فاضله وهو قوله: المسلم زوجا أو سيدا المكلف أي العاقل البالغ الطائع من تحل له من زوجة أو أمة، ومَنْ مفعولٌ لقوله:

ص: 397

تشبيه، (أو جزأها) عطف على من، (بظهر) متعلق بالمصدر وهو تشبيه، وهو مضاف إلى قوله: محرم بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة أي المحرم أصالة، (أو جزءه) عطف على بظهر، وقوله ظهارٌ خبر عن قوله: تشبيه يعني أن الظهار هو أن يشبه المسلم زوجا أو سيدا حرا أو عبدا المكلف امرأة يحل له التمتع بها زوجة أو أمة أو بعضها حلا أصليا ولا عبرة بالتحريم الطارئ كالحيض بمن يحرم عليه التمتع به أو بعضه، فقوله: المسلم يشمل الزوج والسيد كما علمت، واحترز به من الكافر فلا يصح منه الظهار ويكفر عن السفيه وليه بالعتق إن كان موسرا بعد أمر له بالعود، فإن لم يعتق عنه لإجحافه بماله أو لأنه لا يأمن من عوده للظهار أو لمصلحة يراها كما إذا كان مطلاقا لم يجزه الصوم، ولزوجته الطلاق، وإن لم يكن له مال صام من غير منع وليه، فإن أبى فمضار، وفهم من قوله: من تحل أو جزءها، أن الظهار إنما يلزم من الذكور وهو كذلك، فلو ظاهرت امرأة من زوجها لم يلزمها شيء لا كفارة ظهار ولا كفارة يمين خلافا للزهري في الأول، ولإسحاق في الثاني، ولو جعل أمرها بيدها فقالت: أنا عليك كظهر أمك لم يلزمه ظهار وسقط ما بيدها إلا أن تقول: أردت الطلاق فيكون ثلاثا، إلا أن يناكرها الزوج فيما زاد على الواحدة. قاله في سماع أبي زيد. وإذا أمضى الزوج ظهار الفضولي فالظاهر لزومه. قاله الحطاب. واحترز بمن تحل عن الأجنبية فلا يصح فيها الظهار إلا إذا كان معلقا على تزويجها. كقوله لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي؛ فيلزمه الظهار فيها إن تزوجها، فقوله: من تحل إما تحقيقا أو تعليقا، فهو كقول ابن عرفة: والمعلق كالحاصل، وقوله: من تحل، أي حلا أصليا فيلزم الظهار في الحائض والنفساء والمُحْرِمة والرجعية. وأفاد بقوله: من تحل أو جزءها، أنه لا فرق بين تشبيه الكل والبعض. نحو: أنت أو رأسك أو يدك أو رجلك أو ريقك أو كلامك أو شعرك علي كظهر أمي أو كالأجنبية، فيلزم في ذلك كله ونحوه من كل جزء متصل لا منفصل كالبصاق، وقد مر أن قوله: من تحل، يشمل الزوجة والأمة، فإذا ظاهر السيد من أمته لزمه الظهار. وهذا هو المشهور، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} خرج مخرج الغالب واستدل ابن التين المالكي للعموم بخبر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، والزائد على التسع مارية وريحانة، قال في الفتح: وتعقب بأن الإطلاق المذكور للتغليب فليس فيه حجة. انتهى. فإن قلت: لابن التين أن

ص: 398

يدعي التغليب في الآية، قلت: التغليب خلاف الأصل فلا يكون حجة إلا بقرينة عليه كالحديث، ولا قرينة في الآية، قاله بناني. وقوله: بظهر محرم، أراد به التحريم الأصلي مؤبدا، أو غير مؤبد فيشمل المحرم بفتح الميم والأجنبية والملاعنة والمدخول بها في العدة والدابة، فإذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمتي المبعضة أو المكاتبة أو المعتقة لأجل أو المشتركة أو المتزوجة فإنه يلزمه الظهار، وكذا لو قال: هي علي كظهر الدابة لزمه الظهار على قول ابن القاسم لا على قول مطرف؛ ولو حذف لفظ ظهر لدخوله في قوله: أو جزئه، لكان أحسن؛ إذ يوهم أن الخالي من ظهر ليس بظهار وليس كذلك، فكان على المص أن يقول: بمحرم أو جزئه، ومشهور المذهب أن الظهار يلزم بدواعي الوطء فإذا قال: مضاجعتك أو ملامستك أو قبلتك علي كظهر أمي لزمه الظهار، وقد اشتمل كلام المص على أوجه الظهار الأربعة، وهي: تشبيه جملة بجملة، وبعض ببعض، وبعض بجملة، وجملة ببعض، وهي كلها في الحكم سواء، إلا أن يكون البعض الذي شبه من زوجته أو شبه به زوجته مما ينفصل عنها أو عن الشبه بها من ذوات المحارم، كالكلام أو المشعر: فيجري ذلك على الاختلاف فيمن طلق ذلك من زوجته.

تنبيهات: الأول: سئل ابن عبد السلام عمن قال لرجل: أنت علي حرام كأمي وأختي وزوجتي؟ فقال: لا أعرف فيها نصا والظاهر عندي لزوم التحريم فيها لاحتمال عطفها على المبتدإ الذي هو أنت ويحتمل عطفها على المجرور بالكاف، لكن على الأول يلزم الظهار لا الطلاق، وعلى الثاني الطلاق، ويكون من عكس التشبيه، ولعل الأقرب تحليف القائل بأنه ما نوى الطلاق ويكلف يحكم الظهار. انتهى. نقله الحطاب. الثاني: قال ابن عبد السلام هنا: لابد من أداة التشبيه كلفظة مثل أو الكاف، وأما لو حذفها فقال: أنت أمي لكان خارجا عن الظهار ويرجع إلى الكناية في الطلاق، وإن كان محمد نص في هذه اللفظة على أنه مظاهر. انتهى. وسلمه الحطاب. وهو غير مسلم إذ قد نص ابن يونس وغيره على أن أنت أمي ظهار، ونصه: قال سحنون في العتبية: إن قال: أنت أمي في يمين أو غير يمين فهو مظاهر؛ محمد: إلا أن ينوي به الطلاق فيكون البتات ولا ينفعه إن نوى واحدة. انتهى. وقد نقل الحطاب عند قول المؤلف في الكناية: أو أنت أمي، أن ابن القاسم في سماع عيسى يقول: إن أراد به الطلاق فطلاق وإلا فظهار، وأن الرجراجي ذكر في المسألة قولين، أحدهما: رواية عيسى هذه والثانية رواية أشهب أنه الطلاق

ص: 399

البتات ولا يلزمه ظهار. انظره. ولهذا مشى المص فيما يأتي على أنه ظهار، وبه تعلم أن في لفظ تشبيه إجمالا، لأنه إن أريد به الأخص خرج نحو أنت أمي وإن أريد به الأعم شمل الاستعارة، نحو يا أمي ويا أختي وليس بظهار. قاله الرصاع. الثالث: قد مر أن الكافر لا يلزمه ظهار فإذا ظاهر الذمي من امرأته ثم أسلم لم يلزمه ظهار كما لا يلزمه طلاق في الشرك. زاد في المدونة: وكل يمين كانت عليه من طلاق أو عتاق أو صدقة أو نذر أو شيء من الأشياء فموضوع عنه إذا أسلم. قاله الشبراخيتي. وقال الأمير: لا كافر ولو ترافعوا لأن كفارته لا تكون إلا قربة وليس من أهلها، والأن الله تعالى قال:{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} وهذا خير مما في الخرشي وغيره. وشمل قوله: المكلف، السكران. واعلم أن أركان الظهار أربعة: مشبه بالكسر والفتح، ومشبه به: والصيغة؛ وقوله: أو جزءها قال الشبراخيتي: حسا كان كاليد: أو عرفيا كالشعر والريق: أو حكميا كاللمس والقبلة والمباشرة؛ وقوله: المكلف، احترز به من المجنون والصبي غير المراهق فإن ظهارهما لا يصح، وكذا المراهق على المشهور، وقال ابن كنانة: إن حلف قبل البلوع وحنث بعده لزمته الكفارة. الرابع: قد علمت أن الظهار يلزم في الزوجة والأمة بخلاف الإيلاء فلا يلزم من السيد في أمته: قال بناني: فإن قلت لِمَ لمْ يحمل لفظ النساء عندنا في آية الإيلاء على التعميم كما قلنا في الظهار قلت: قوله تعالى بعده: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} الآية هو قرينة قصره على الزوجات. انتهى. (وتوقف) الظهار؛ أي وقوعه، (إن تعلق) أي وقع معلقا (بكمشيئتها) أو رضاها أو إرادتها أو اختيارها؛ يعني أن الزوج إذا علق الظهار على مشيئة زوجته أو اختيارها أو رضاها، نحو أنت علي كظهر أمي إن شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو مهمى شئت، فإنه يتوقف لزوم الظهار على حصول ذلك منها، قال عبد الباقي: وهذا إن ميزت وإن لم تطق الوطء فيما يظهر. انتهى. وقال بناني في التقييد بالتمييز نظر. بل يتوقف على مشيئتها وإن لم تميز، نعم إن اختارت شيئا مضى إن ميزت، وقيل: إن وطئت فإن لم تطق ولم تميز استوني بها، هذا الذي يؤخذ مما تقدم كما نقله ابن رشد عن ابن القاسم، ونقله المواق هنالك فانظره. انتهى.

يعني أن الظهار إذا علقه الزوج على كمشيئة الزوجة فإنه يكون بيدها ما لم يوقفها الحاكم، وأما إن أوقفها الحاكم فإما أن تقضي أو ترد، وظاهرُ المص أنه يبطل ما بيدها بمجرد الإيقاف وليس كذلك، فلو قال: وهو بيدها ما لم تقض أو يبطله الحاكم لسلم من هذا، وكذا يبطل ما بيدها إن

ص: 400

وطئت طائعة عند ابن القاسم خلافا لأصبغ، ويجري في دعوى الإكراه هنا ما جرى في مسألة التفويض التي قدمها بقوله: كتمكينها طائعة. قاله عبد الباقي. قوله: ويجري في دعوى الإكراه لخ؛ أي من أن القول للزوج بيمين في الوطء وللزوجة بيمين في مقدماته. قاله بناني. وفي التوضيح عن السيوري: لا يختلف في إذا شئت أو متى شئت أن لها ذلك بعد المجلس ما لم توقف أو توطأ، بخلاف إن شئت، فقيل: كذلك، وقيل: ما لم يفترقا. انتهى. ونحوه في الشامل؛ قلت وهو مخالف لما تقدم في التفويض في قوله: "وفي جعل إن شئت أو إذا شئت كمتى أو كالمطلق تردد"، فتأمله. قاله بناني وقد مر الاعتراض على قوله: ما لم توقف، لاقتضائه أن ما بيدها يبطل بمجرد الإيقاف وليس كذلك، قال محمد بن الحسن: عبارة المؤلف كعبارة المدونة، قال بعض الشيوخ، وكأن معنى ذلك أنه بيدها تؤخره أو تقدمه ما لم توقف فليس لها هذا الاختيار وإنما لها إمضاء ما جعل بيدها أو تركه من غير تأخير أصلا. والله أعلم انتهى. وقال الشارح مفسرا للمصنف: يريد أن من علق الظهار بمشيئه الظاهر منها فإنه يتوقف على مشيئتها، فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت، كان مظاهرا إن شاءت، وكذا إن اخترت أو رضيت، ولهذا قال: بكمشيئتها، قال في المدونة: وذلك لها ما لم توقف، قال غيره: إنما هذا على اختلاف قول مالك في التمليك في الطلاق، وقال مرة: ما دامت في المجلس، وكذلك الظهار. وبمحقق تنجز؛ يعني أن الزوج إذا علق الظهار على محقق وقوعه فإنه يتنجز، فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي بعد سنة أو زمن يبلغه عمرهما ظاهرا فإنه يتنجز عليه الظهار فلا يقربها حتى يكفر، ويجري هنا قوله:"ومما لا صبر عنه كإن قمت، أو غالبا كإن حضت، أو محتمل واجب كإن صليت، أو بمحرم كإن لم أزن، أو لم تعلم مشيئة المعلق بمشيئته، وكإن لم تمطر السماء غدا" وغير ذلك؛ فلا فرق بين هذا الباب وباب الطلاق، كما يدل عليه كلام ابن عرفة، وصرح به في المقدمات. وبوقت تأبد؛ يعني أن الزوج إذا قيد الظهار بوقت كأنت علي كظهر أمي في هذا اليوم أو في هذا الشهر أو في هذا العام أو شهرا أو سنة فإنه يتأبد ولا يختص بالوقت الذي قيده به ومعنى تأبد انسحب عليه حكمه في جميع الأزمنة المستقبلة؛ ولا يختص بالوقت الذي خصه به، وليس منه قول المحرم بحج أو عمرة لزوجته: أنت علي كظهر أمي ما دمت محرما لأنها عليه الآن كظهر أمه، فهو بمنزلة من ظاهر ثم ظاهر فلا يلزمه الثاني، وإن قال: أنت علي كظهر أمي

ص: 401

ولم يقيد بقوله: ما دمت محرما، لزمه الظهار لأن يمينه مع الإطلاق تتضمن جميع الأزمنة، ومثل المحرم المعتكف والصائم. قاله بناني. وقوله: تأبد، معناه أنه ينسحب على جميع الأزمنة إلا أن يرفعه بالكفارة، وليس المراد أنه يتأبد في جميع الأزمنة المستقبلة ولو كفر، وبعدم زوج فعند اليأس؛ يعني أن الزوج إذا علق ظهار زوجته على عدم الزواج، بأن قال لها: إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر ألي فإنه لا يكون مظاهرا إلا عند اليأس من الزواج عليها، واليأس يكون بموت المعينة المحلوف ليتزوجنها فيكون حينئذ مظاهرا من زوجته؛ لا إن تزوجت بغيره أو غابت بمكان لا يعلم خبرها؛ قال مصطفى: ومحل وقوع الحنث بالموت إذا فرط وإلا فلا؛ لأن هذا مانع عقلي كما تقدم في الأيمان. نقله بناني. ويحصل اليأس بانقضاء المدة التي عينها للزواج وبهرمه المانع للوطء، فيدخل عليه الظهار حينئذ لا ما لا يمنع الوطء فليس بمظاهر وإنما دخل عليه بالهرم المانع للوطء لأن زواجه حينئذ كلا زواج؛ إذ مقصود الزواج الأعظم الوطء، ألا ترى: من حلف ليتزوجن لا يبر إلا بالوطء في مشبهة نسائه، فإن كانت يمينه أو بساطها التزوج لأجل الخدمة فقط فلا يكون الهرم موجبا للظهار، وقوله: وبعدم زواج فعند اليأس، أي ويمنع من وطء زوجته من وقت الحلف لأنه نفى ولم يؤجل. أو العزيمة؛ يعني أن هذا الرجل الذي علق ظهاره على عدم الزواج كما يكون مظاهرا عند اليأس يكون مظاهرا عند العزم على الضد أي عزم على عدم الزواج، فإذا أراد أن يكفر ليحل له وطؤها الآن حين عزم على عدم الزواج فله ذلك، وإنما لزمه الظهار عند العزيمة لحنثه بها، وقد مر في باب اليمين: وبعزمه على ضده، وفي الموازية: من قال: إن لم أفعل كذا فأنت علي كظهر أمي، فإن ضرب أجلا فله الوطء إليه وإلا فلا. وقوله: وبعدم زواج فعند اليأس أو العزيمة، قال بناني: عبارة المؤلف كعبارة ابن الحاجب وابن شأس، فقال في التوضيح: لم يتعرض المؤلف لكونه هل يمنع من الوطء كالطلاق أو لا؟ ونص الباجي على أن الظهار كالطلاق وأنه يحرم عليه الوطء إذا كانت يمينه على حنث ويدخل عليه الإيلاء ويضرب له الأجل من يوم الرفع. انتهى. وفهم ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب على أنه لا يمنع من وطئها. قال في التوضيح. وليس بظاهر؛ لأن كلام ابن الحاجب ليس فيه تعرض لجواز الوطء ولا عدمه. انتهى. وقد اعترض ابن عرفة على ابن الحاجب لفهمه منه ما فهمه ابن عبد السلام، ورد عليه الحطاب بكلام التوضيح فانظره. واعلم أن مصطفى اعترض على المص في قوله:

ص: 402

أو العزيمة؛ فقال: لم أر من ذكر وقوع الحنث بالعزيمة غير ابن شأس وابن الحاجب، ولا حجة في كلام القرافي في كفاية اللبيب لأنه يتبع ابن شأس مقلدا له. انتهى. قلت: وهو غفلة منه عن كلام ابن المواز الذي نقله ابن عرفة، ونقله عنه الحطاب؛ ونقله مصطفى بنفسه ولم ينتبه له، ونص ابن عرفة: الشيخ في الموازية: من قال إن لم أفعل كذا فأنت علي كظهر أمي، فإن ضرب أجلا فله الوطء إليه وإلا فلا، فإن رفعته أجل حينئذ ووقفت لتمامه فإن فعل بر، وإن قال: ألتزم الظهار وأخذ في كفارته لزمه ذلك ولم يطلق عليه بالإيلاء حين دعي للفيئة كمسجون أو مريض فإن فرط في الكفارة صار كمول يقول: أفيء فيختبره المرة بعد المرة ويطلق عليه بما لزمه من الإيلاء انتهى فقوله: وإن قال ألتزم لخ، صريح في الحنث بالعزيمة ونقل الحطاب عن سماع أبي زيد عند قوله:"وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر" ما يدل على عدم الحنث بها، فإنه قال فيمن قال: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك: أنه إذا صام أياما من الكفارة ثم أزاد أن يبر بالتزويج سقطت عنه الكفارة إذا تزوج، فسقوطها عنه بعد فعل بعضها المفيد للعزم على الضد يفيد أن الحنث لا يقع بالعزم عليه فيها، لكن تقدم في باب اليمين عن ابن عرفة أن مقتضى المذهب عدم الحنث. والله أعلم. انتهى كلام بناني. ولم يصح في المعلق تقديم كفارته قبل لزومه يعني أن الزوج إذا علق ظهاره على صيغة بر كإن دخلت دار زيد فأنت علي كظهر أمي فإن تقديمه للكفارة قبل لزوم الظهار له بسبب دخول الدار لا يصح لأن الظهار لا يلزمه قبل دخول الدار المذكورة، وأما بعد دخول الدار فيصح تقديمها إن نوى العود كما يأتي، وإلا فلا، ففي مفهوم الظرف تفصيل، وأما الظهار المعلق على صيغة حنث فيصح تقديمه كفارته قبل لزومه كما مر قريبا، قال ابن رشد: فلو حلف بالظهار على شيء أن يفعله ولم يضرب لذلك أجلا لجاز له أن يقدم الكفارة ويبر بذلك؛ لأنه على حنث، وهذا يفهم من قول المص: أو العزيمة وصح من رجعية يعني أن الرجل إذا ظاهر من مطلقته الرجعية فإن ظهاره يصح لأنها كالزوجة، وأما تشبيه من في عصمته بمطلقته الرجعية فإنه كتشبيه زوجته بزوجته الأخرى الحائض كما يفيده قول ابن عرفة: بظهار أجنبية أو من حرم أبدا، وجعله ابن عبد السلام محل تردد. قاله عبد الباقي. وقال الشارح عند قوله: وصح من رجعية، يريد لأنها في حكم الزوجة، ولا إشكال فيه على القول بأنها غير محرمة، وأما على القول بتحريمها فإنهم عدوا التحريم كأنه لعارض لأن

ص: 403

زواله بيده، ولو قيل إن ظهاره منها قرينة في إرادة ارتجاعها لم يبعد. انتهى. ومدبرة يعني أن السيد إذا ظاهر من أمته المدبرة فإن الظهار يلزمه فيها، كأم الولد لحل وطئها، بخلاف المبعضة والمشتركة، والمعتقة لأجل والمتزوجة لحرمة وطئهن، ولزم الظهار في الأمة دون تحريمها؛ لأن الظهار فيه إلزام نفسه الكفارة بخلاف تحريمها حيث لم ينو به العتق لأنه تحريم ما أحل الله وتحريم ما أحل الله لغو في غير الزوجة، وكذا المعتق بعضها والمكاتبة، فالظهار فيهما لغو. ومحرمة يعني أن الظهار يصح من المحرمة بحج أو عمرة وكذا الحائض والنفساء يلزم فيهما الظهار ما لم يقيد بمدة الإحرام أو الحيض وإلا فلا يلزم فيهما كما مر. والله سبحانه أعلم. (ومجوسي أسلم ثم أسلمت) يعني أن المجوسي إذا ظاهر من زوجته المجوسية بعد أن أسلم ثم بعد الظهار أسلمت هي في زمن يقر عليها بأن قرب كالشهر وهل إن غفل إلى آخر ما مر فإنه يصح ظهاره منها، وكذا يصح ظهاره من أمة كتابية أو أمة مجوسية عتقت كلتاهما ولم يبعد لخ فإن قيل: ظاهر كلام المص يوهم أنه ظاهر وهو مشرك، فالجواب أن ذلك الإيهام يرده قوله: تشبيه المسلم، وأما إن أسلمت في زمن لا يقر عليها فيه فإنه لا ظهار عليه. وقوله: ومجوسي أسلم قاله في المدونة ابن المواز، ولا يلزمه ذلك عند أشهب. (ورتقاء) يعني أن الظهار يصح من الرتقاء ونحوها من قرن وعقلاء وبخراء وغيرها من ذوات العيوب، لأنه وإن تعذر الاستمتاع بموضع خاص لم يتعذر استمتاعه منها بسائر جسدها. قال بناني: ما ذكره يعني المص من صحة الظهار من الرتقاء هو مذهب المدونة، ولذا اقتصر عليه مع أن في الرتقاء ونحوها الخلاف الذي في المجبوب. قال ابن رشد: فإن كان الوطء ممتنعا على كل حال كالرتقاء والشيخ الفاني ففي لزوم الظهار اختلاف، فمن ذهب إلى أن الظهار يتعلق بالوطء وما دونه ألزمه الظهار، ومن ذهب إلى أنه يتعلق بالوطء خاصة لم يلزمه الظهار. انتهى. والأول هو المذهب، قال ابن عرفة: وعزى الباجي الثاني لسحنون وأصبغ انتهى. كلام بناني. (لا مكاتبة) يعني أن من ظاهر من أمته المكاتبة حال كتابتها لا يلزمه فيها ظهار قولا واحدا، فإذا أدت كتابتها وتزوجها فله وطؤها من غير كفارة، وكذا الحكم. (ولو عجزت) عن أداء كتابتها ورجعت إليه أمة، فله وطؤها من غير تكفير (على) القول (الأصح) وهو قول سحنون، وروي عن ابن القاسم لأن عودها له كابتداء ملك، ومقابل الأصح يلزمه الظهار، وظاهر المص أنه لا يلزم فيها الظهار، ولو عجزت بالقرب لأنها كالأجنبية، بخلاف

ص: 404

المجوسية يسلم زوجها ثم يظاهر منها ثم تسلم بعد ذلك بقرب في زمن يقر عليها، كما مر. وقوله: ولو عجزت أتي ما لم ينو ذلك الظاهر، وأما لو نوى إن عجزت فإنه يلزمه فيها الظهار كما للخمي؛ واقتصر عليه الجلاب. ومثل المكاتبة الأمة المتزوجة، فإذا طلقها زوجها بعد أن ظاهر منها سيدها وهي متزوجة فللسيد بعد العدة وطؤها من غير تكفير، وينبغي جري قيد المكاتبة فيها. قاله عبد الباقي. وأما المحبسة فوطئها محرم دائما فالظهار لا يصح منها، وأما الخدمة فقد نص أبو الحسن على حرمة وطئها لكن الظاهر أن حرمتها لعارض وهو خوف ولادتها منه فتبطل الخدمة العطاة فيصح الظهار منها كصحته من الحائض والمحرمة. قاله بعض. والله أعلم. قاله بناني. وفي شرح عبد الباقي خلاف ذلك فإنه قال: ولا يصح الظهار من مخدمة لحرمة وطئها وبه جزم الأمير حيث قال: لا في أمة لا توطأ كمبعضة ومؤجلة ومحبسة ومخدمة انتهى. وفي صحته أي الظهار من غير قادر على الوطء كمجبوب وخصي وشيخ فان ومعترض وعدم صحته تأويلان مبتدأ وخبره مقدم عليه وهو قوله: في صحته؛ يعني أنه اختلف في صحة الظهار من هؤلاء وعدم صحته على تأويلين، قال ابن عرفة: الأول مقتضى قول ابن القاسم والبغداديين باقتضاء الظهار منع التلذذ بالمظاهر منها بوطء أو غيره، وعزى الباجي الثاني لسحنون وأصبغ. قاله ابن محرز وغيره. ابن عبد السلام: الأول قول العراقيين من أصحابنا. نقله الرماصي. قاله بناني. قال الرماصي: قلت: هذا يقتضي أنه نص للعراقيين ولا أعرفه إلا إجراء كما تقدم لابن محرز. انتهى. قال الرماصي: فكان على المؤلف الاقتصار على الثاني لأنه المنصوص. انتهى. قال بناني: كلام ابن رشد المتقدم عند قوله: ورتقاء، يفيد أن الأول هو الراجح لأنه سوى الشيخ الفاني بالرتقاء والأول في الرتقاء هو مذهب المدونة فتأمله. وبكلام ابن عرفة المذكور تعلم ما في عزو المواق. انتهى. وقال الشبراخيتي: الأول هو المذهب وذكر الشارح في الكبير عند قول المص: "وحرم قبلها الاستمتاع"، أنه المشهور، وكان ينبغي للمص أن يجزم به ويقول: ويصح من كمجبوب، ويترك غيره. انتهى. وقال: أي الشبراخيتي عند قوله تأويلان: مبنيان على ما يحرم على الظاهر هل هو الوطء والاستمتاع معا؟ وهو المذهب أو الوطء فقط. وسيأتي للمص: وحرم قبلها الاستمتاع فكان ينبغي له هنا أن يقتصر على المبني عليه. انتهى. وقال عبد الباقي: والأول أقوى انتهى. قال الشبراخيتي: ولما كانت ألفاظ الظهار صريحة وكناية والصريح

ص: 405

ما فيه ظهر مؤبدة التحريم كظهر أمي أو عمتي، وكنايته الظاهرة ما سقط منه أحدهما كأمي أو ظهر فلانة الأجنبية، والخفية كاسقني الماء مرادا به الظهار أشار إلى ذلك بقوله وصريحه بظهر مؤبد تحريمها؛ يعني أن ألفاظ الظهار قسمان صريح وكناية فالصريح ما اجتمع فيه أمران الظهر والمحرم المؤبدة التحريم كالأم والعمة والخالة ونحوها وهذا لا خلاف فيه، والمشهور قصر الصريح على ما ذكر ابن رشد صريحه عند ابن القاسم وأشهب ما ذكر فيه الظهر في ذات محرم وعند ابن الماجشون ما ذكر فيه ذات محرم ولو لم يذكر الظهر ولا كناية عنده للظهارة أو عضوها يعني أن تشبيه المسلم المكلف زوجته أو بعضها بعضو محرم من محارمه هو من صريح الظهار، هذا مقتضاه وليس الأمر كذلك؛ لأنه صرح في الجواهر بأنه إذا شبه بعضو من ذوات المحارم فإنه من الكناية الظاهرة. وقال في التوضيح: ونص في الجواهر على أنه يلحق بقوله: كأمي في كونه كناية ظاهرة ما لو قال: أنت كفخذ أمي أو رأسها أو عضو من أعضائها.

تنبيهات: الأول: يدخل في الصريح على ما قال المص ما إذا شبه بظهر ملاعنته. وقد أدخله المص في كلام ابن الحاجب، وقال: إنه تناول الملاعنة وليست محرما إذ المحرم من حرم نكاحها على التأبيد لحرمتها. فقوله: لحرمتها، احترز به من الملاعنة لأن تحريمها ليس لحرمتها بل لعارض انتهى ويدخل في الكناية الظاهرة (ما إذا شبه بظهر أخت زوجته أو عمتها أو خالتها وقال في الجواهر ونصه ولو شبه بمحرم لا على التأبيد فإن ذكر الظهر فهو من الكناية الظاهرة وقد تقدم حكمها

(1)

) انتهى قاله الحطاب. الثاني: لا فرق بين أن يقول: أنت علي كظهر أمي أو أنت كظهر أمي ويحذف علي. قاله في اللباب. نقله الحطاب. الثالث: اعلم أن القسمة رباعية، تارة يذكر الظهر مع مؤبدة التحريم، وتارة يذكر الظهر من غير مؤبدة التحريم، وتارة يذكر مؤبدة التحريم من غير ظهر، وتارة يذكر غير مؤبدة التحريم من غير ظهر، والقسم الأول هو الصريح، والثاني والثالث هما الكناية الظاهرة، وبقي القسم الرابع. وسيذكر المص حكمه. وأنه يلزم فيه البتات إلا أن ينوي به الظهار. قاله الحطاب. أو ظهر مثلا يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر زيد مثلا أي شبهها بظهر ذكر فإن هذا من صريح الظهار على مقتضى المص. وفي الحطاب: وأما إذا قال كظهر ذكر فاختلف هل هو من ألفاظ الظهار أم لا ومذهب ابن الفاسم أنه

(1)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من الحطاب ج 4 ص 503 ط دار الرضوان.

ص: 406

ظهار ولكن غايته أن يكون كالكناية الظاهرة وفي التوضيح إشارة إلى ذلك. والله سبحانه أعلم. فصواب قول المص: أو عضوها أو ظهر ذكر لا عضوها أو ظهر ذكر. قاله غير واحد. فهما من الكناية الظاهرة فيلزم بهما الظهار قطعا، كأنت علي كيد أمي أو رأس أختي أو ظهر ابني أو أبي أو غلامي أو فلان الأجنبي. قال الحطاب: وفي التوضيح لما تكلم على القسم الرابع: فإن قلت: المسألة وما بعدها من أي الأقسام هي؟ فإنها ليست من صريح الظهار قطعا ولا من الكناية الخفية والمص يعني ابن الحاجب قد أخرجها من الكناية الظاهرة، قيل: هي كالمترددة بين الظاهرة والخفية، ولذلك ذكرها المص بينهما. انتهى. وقوله: وما بعدها؛ يعني به مسألة التشبيه بظهر الذكر، ومسألة قوله: كابني أو غلامي، ومسألة أنت حرام كظهر أمي أو كأمي، وهذا الكلام صريح في أن التشبيه بظهر الغلام ليس من الصريح قطعا. والله أعلم. انتهى. وقال في الذخيرة: قال أي اللخمي: التشبيه بالذكور ظهار عند ابن القاسم، وطلاق عند عبد الملك، ويلغى عند مطرف؛ لأنه خلافهما قاله الشبراخيتي، ولا ينصرف صريح الظهار للطلاق يعني أن صريح الظهار لا ينصرف للطلاق بحيث يكون طلاقا فقط فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي. وقال: أردت به الطلاق، لم يكن طلاقا ويكون ظهارا وهل يؤخذ بالطلاق معه إذا نواه مع قيام البينة مقتضى كلام المص أنه إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي مثلا ونوى به الطلاق أنه اختلف فيه على تأويلين هل يؤخذ في القضاء وهو مراده بقوله مع قيام البينة بالطلاق والظهار أو لا يؤخذ إلا بالظهار فقط؟ وأما في الفتوى فلا يؤخذ إلا بالظهار فقط، هذا معناه بحسب ظاهره. ومثله في التوضيح وليس كذلك، وتحرير المسألة أن تقول: اعلم أن رواية عيسى عن ابن القاسم في صريح الظهار أنه إذا نوى به الطلاق ينصرف للطلاق فيلزمه الطلاق فقط في الفتوى، ويلزمه الظهار والطلاق في المرافعة، وعلى هذه الرواية تأول ابن رشد المدونة، وروى أشهب عن مالك أنه إنما يؤخذ بالظهار فقط في الفنوى والقضاء، وعلى هذه الرواية تأول بعض الشيوخ المدونة فالصواب، ولا ينصرف للطلاق، وتأولت بالانصراف لكن يؤخذ بهما في القضاء. انتهى. أي وأما في الفتوى فلا يؤخذ إلا بالطلاق فقط، وبهذا التصويب تعلم أن عدم الانصراف هو الأرجح مطلقا أي في الفتوى والقضاء؛ وقد نقل في التوضيح عن المازري أن المشهور عدم الانصراف، وعليه فلا يؤخذ إلا بالظهار فقط في الفتوى والقضاء، والضمير في معه للظهار والبارز في نواه للطلاق، وصرح أبو

ص: 407

إبراهيم الأعرج أن المشهور في المذهب أن صريح الظهار لا ينصرف إلى الطلاق وأن كل كلام له حكم في نفسه لا يصح أن يضمر به غيره كالطلاق فإنه لوأضمر به غيره لم يصح، ولم يكن يخرج عن الطلاق. انتهى. ونقله هكذا أبو الحسن عن ابن محرز وزاد عنه: وكذا لو حلف بالله وقال: أردت بذلك طلاقا أو ظهارا لم يكن ذلك له ولا يلزمه إلا ما حلف به وهو اليمين بالله تعالى. قاله بناني. وعزا هذا التحرير للناصر اللقاني في حواشي التوضيح، قال: وكذلك الحطاب وقد أطال في بيان ذلك وأصلح عبارة المص بقوله: وهل ينصرف للطلاق فيؤخذ بهما مع البينة أو لا يؤخذ إلا بالظهار مطلقا تأويلان وأصلحها ابن عاشر بقوله: ولا ينصرف للطلاق وتأولت بالانصراف لكن يؤخذ بهما في القضاء. انتهى. وهذا أحسن لإفادته أن عدم الانصراف مطلقا أرجح وقد نقل في التوضيح عن المازري أنه المشهور وكذا قال أبو إبراهيم الأعرج: المشهور في المذهب أن صريح لخ، كأنت عليّ كظهر أمي أو كأمي تشبيه في جريان التأويلين يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت حرام كظهر أمي أو أنت حرام كأمي، فإن نوى به الطلاق فهل يؤخذ بالطلاق والظهار في الفتوى والقضاء أو لا يؤخذ إلا بالظهار فقط؟ فإن لم ينو به الطلاق فهو ظهار باتفاق، وما قررت به كلام المص تبعا لغير واحد هو الصواب، وقرره السنهوري والخرشي على أنه تشبيه في التأويل الأول فقط فيؤخذ بهما معا إذا نواهما، فإن نوى أحدهما لزمه ما نواه فقط وإن لم تكن له نية لزمه الظهار. انتهى. وأصله لابن الحاجب وابن شاس وتعقبه في التوضيح. نقله بناني. والفرق بين هذا وما يأتي من قوله: أو تأخر كانت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي حيث سقط عنه الظهار لبينونتها أنه لما عطف الظهار على الطلاق الثلاث لم يعتبر لبينونتها بالأول، وأما هذا فجعل قوله: كظهر أمي أو كأمي، كالحال فما قبله غير ثلاث لكونه قيدا فيه كما يدل له قول المدونة لأنه جعل للحرام مخرجا حيث قال: مثل أمي انتهى. وقوله: وهل يؤخذ بالطلاق إلى هنا، اعلم أنه حيث قلنا بقبول قوله في إرادة الطلاق فاللازم البتات ولا ينوى فيما دونها، وقول المص: تأويلان جواب عن الاستفهام وما بعد الكاف من المسألتين مشبه في جريان التأويلين فيه كما مر. والله سبحانه أعلم. وأشار إلى الكناية الظاهرة بقوله وكنايته كأمي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت كأمي فإن هذا من الكناية الظاهرة وقد علمت أن الكناية الظاهرة ما سقط منه الظهر من مؤبدة التحريم لمحرميتها وما فيه الظهر من المحرم لا لمحرميته. والله سبحانه أعلم.

ص: 408

أو أنت أمي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته أنت أمي فإن الظهار يلزمه، فاللفظان المذكوران من ألفاظ الظهار التي يلزم بها وفي الحطاب قال في رسم القسمة من سماع عيسى من كتاب الظهار: قال ابن القاسم: من قال لامرأته أنت أمي يريد بذلك الطلاق فهو الطلاق وإن كان لا يريد به الطلاق فهو ظهار وإن كان لا يريد به الطلاق ولا الظهار فهو ظهار. انتهى وذكر الرجراجي فيه قولين أحدهما رواية عيسى هذه والثانية رواية أشهب أنه الطلاق الثلاث ولا يلزمه الظهار وعلى رواية عيسى مشى المص انتهى. والله سبحانه أعلم. إلا لقصد الكرامة يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت كأمي أو أنت أمي فإن ذلك ظهار ومحل كونه ظمارا إذا لم يقصد كرامتها عليه بذلك، وأما إن قصد كرامتها عليه بذلك فإنه لا يكون ظهارا، ومعنى قصد الكرامة أن يعني بذلك أنها مثل أمه في الشفقة والحنانة ونحو ذلك ومثل قصد الكرامة قصد الإهانة مثل أن يقصد أنه لا يلتذ بها إلا كما يلتذ بأمه. وفي الشبراخيتي عند قوله:"إلا لقصد الكرامة" ما نصه أي أو الإهانة أو كلام أهل السفه أو كبر السن. انتهى. أو كظهر أجنبية يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر زينب مثلا وهي أجنبية منه فإنه يلزمه الظهار لأنه من كنايته الظاهرة.

تنبيه: من قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت علي كظهر فلانة الأجنبية ثم تزوج فلانة الأجنبية ثم فعل المحلوف عليه فلا شيء عليه عند سحنون، والراجح ما للخمي أنه يلزمه الظهار وهما مبنيان على اعتبار يوم الحنث أو يوم اليمين، فمن راعى يوم اليمين ألزمه الظهار لكونها أجنبية ومن راعى يوم الحنث لم يلزمه الظهار لأنها صارت زوجة، ولو قال: إن فعلت كذا فأنت علي كظهر فلانة زوجته، ثم طلقها أي فلانة ثم فعل فلا شيء عليه والله سبحانه أعلم. ونوى فيها في الطلاق يعني أن الكناية الظاهرة بقسميها إن ادعى الزوج أنه نوى بها الطلاق فإنه ينوى في ذلك في الفتوى والقضاء، فقوله في الطلاق بدل اشتمال من الضمير المجرور قبله أي نوي في إرادة الطلاق بها أي يصدق في ذلك، فإن ادعى أنه أراد بها الطلاق فاللازم له البتات أي الطلاق الثلاث أو تكملتها في المدخول بها ولا ينوى في إرادة ما دون البتات ويلزمه البتات أيضا في غير المدخول بها إن لم ينو أقل فإن نواه قبلت نيته وقال الشارح مفسرا للمص: أي وصدق في الكناية فيما ادعاه من نية الطلاق أي الطلاق الثلاث أو ما بقي من العصمة، ولهذا قال: فالبتات، ولا يصدق أنه نوى طلقة واحدة أو طلقتين. وقال سحنون: يصدق وهو الأظهر. انتهى. وقال الحطاب

ص: 409

عند قوله: فالبتات: قد تقدم أن الكناية نوعان الأول إذا شبه بذوات المحارم ولم يذكر الظهر فتنويته في الطلاق هي المشهور، وقال ابن الماجشون: هو ظهار ولا يصدق في دعوى الطلاق، قال في التوضيح وعلى المشهور إذا نُوِى في الطلاق فهو البتات ولا ينوى فيما دونها إلا أن تكون غير مدخول بها فينوى، وقال سحنون: ينوَّى أيضا في المدخول بها: قال صاحب المقدمات: وهو أظهر؛ لأنه ليس من ألفاظ الطلاق فوجب أن يوقف الأمر على ما نوى وأما النوع الثاني: إذا قال: أنت كظهر فلانة الأجنبية فم قاله من أنه ظهار إلا أن ينوي به الطلاق فيكون كما نوى هو مذهب المدونة. انتهى. ثم شبه أربع مسائل اختار فيها القول بالبتات فقال: كأنت كفلانة الأجنبية؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت كفلانة وهي أجنبية ولم يذكر الظهر فإنه يلزمه ثلاث مدخولا بها، أم لا فإن ادعى أنه نوى أقل من ثلاث لم ينو في المدخول بها وينوى في غيرها وإن ادعى أنه لم يقصد بذلك الطلاق وإنما قصد به الظهار فلا ينوى، إلا أن ينويه أي الظهار مستفتيا؛ فاعل ينويه أي لا يصدق في إرادة الظهار في قوله: أنت كفلانة الأجنبية إلا أن يجيء مستفتيا فيصدق في إرادة الظهار حينئذ والحاصل أنه يلزمه البتات في قوله: أنت كفلانة وهي أجنبية حيث لم تكن له نية أو نوى به الطلاق إلا في غير المدخول بها فينوى في إرادة أقل من ثلاث، فإن نوى به الظهار نوي في المدخول بها وغيرها إن جاء مستفتيا، وفي كلام عبد الباقي نظر وأما في القضاء فيلزمه البتات وإذا نوي في الظهار في الفتوى فلا يقربها حتى يكفر كما يأتي، وإذا لم تقبل نيته في إرادة الظهار في القضاء فإنها تطلق عليه ثم إن تزوجها لزمه الظهار لنيته السابقة؛ وقال الشارح عند قوله:"كأنت كفلانة الأجنبية" أي وكذا يلزمه البتات إذا شبهها بالأجنبية ولم يذكر الظهر بل قال: أنت علي كفلانة الأجنبية أو أنت فلانة الأجنبية وهو المشهور، وقيل: ظهار ولو نوى به الطلاق؛ وقيل: طلاق ولو نوى به الظهار. وقيل: يكون ظهارا إلا أن ينوي الطلاق. وقيل: بعكس هذا القول، وخرج اللخمي عدم اللزوم فيهما من قول ابن حبيب في التشبيه بالذكر: لا يكون ظهارا ولا طلاقا، وقال عند قوله: إلا أن ينويه مستفت، هذا تقييد للمشهور انتهى. علي كابني؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت علي كابني فإنه يلزمه البتات في المدخول بها ولا ينوى ويلزمه البتات أيضا في غيرها إلا أن ينوي أقل، أو غلامي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت علي كغلامي فإنه يلزمه البتات في المدخول بها وغيرها إلا أن

ص: 410

ينوي أقل في غير المدخول بها، ومن العتبية ما نصه: قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول في الذي يقول لامرأته: أنت علي كظهر أبي أو غلامي إنه ظهار، ابن رشد: ولو قال كأبي أو غلامي ولم يسم الظهر لم يكن ظهارا، حكى ذلك ابن حبيب من رواية أصبغ واختاره، وقال مطرف: لا يكون ظهارا ولا طلاقا لأنه منكر من القول، والصواب إن لم يكن ظهارا أن يكون طلاقا وهو ظاهر قول ابن وهب لأنه قال في ذلك: لا ظهار عليه فكأنه رأى عليه الطلاق. انتهى. من رسم الوصايا من سماع أصبغ، وبه تعلم أن ما ذكره المص هو قول ابن القاسم واختاره ابن حبيب على ما صوبه ابن رشد. قاله بناني. وقال الشارح عند قول المص: أو كابني أو غلامي: ما نصه: هو تحريم لها على مذهب ابن القاسم، الشيخ: وهو مقتضى الثلاث. انتهى. وفي المواق عن ابن يونس: الصواب قول ابن القاسم: إن قال: أنت علي كأبي أو غلامي ظهار. انتهى. واقتصر عليه وظاهره التعقب به على المص، وما نقله عن ابن يونس ليس هو لفظه بل نص ابن يونس، قال ابن القاسم: وإن قال أنت علي كظهر أبي أو غلامي فهو مظاهر، وقاله أصبغ، وقال ابن حبيب: لا يلزمه ظهار ولا طلاق انتهى المراد منه. أو ككل شيء حرمه الكتاب يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت علي ككل شيء حرمه الكتاب أي قال هذا اللفظ فإنه يلزمه البتات في المدخول بها ولا ينوى ويلزمه البتات أيضا في غيرها إلا أن ينوي أقل، وقوله: كابني أو غلامي أو ككل لخ، ظاهره ولو نوى الظهار وهو مستفت، وقوله: كابني أو غلامي مفهومه أنه لو قال: كظهر ابني أو قال: كظهر غلامي لكان ظهارا كما مر، وما ذكره المص من لزوم البتات في: أنت ككل شيء حرمه الكتاب هو مذهب ابن القاسم وابن نافع، وفي المدونة: قال ربيعة: من قال أنت مثل كل شيء حرمه الكتاب فهو مظاهر. انتهى. واقتصر عليه المواق. ابن يونس: وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، واختلف الشيوخ هل هو خلاف ابن القاسم وإليه ذهب ابن أبي زمنين أو هو وفاق وهو الذي في تهذيب الطالب قائلا يكون قول ربيعة بمعنى أنها تحرم عليه بالبتات ثم إذا تزوجها بعد زوج كان مظاهرا. ابن يونس: والقياس عندي أنه يلزمه الطلاق ثلاثا والظهار وكأنه قال: أنت علي كأمي والميتة انتهى. نقله بناني وأشار إلى الكناية الخفية بقوله: ولزم بأي كلام نواه به يعني أن الظهار يلزم بكل كلام نواه الزوج به نحو: كلي واشربي واخرجي واسقني الماء، والمراد بالكلام ما يشمل نعيق الغراب وشبهه من كل صوت فإذا حصل ما ذكر فإنه يلزمه الظهار

ص: 411

والفعل الدال عليه عرفا كالقول الدال عليه كما في الطلاق، لا بفعل لم يدل عليه عرفا فلا يلزم به ظهار إذا نواه به، وإذا قال لامرأته: أنت طالق وقال نويت به الظهار ألزم الظهار بما أقر به من نيته والطلاق بما ظهر من لفظه، ذكر ابن رشد في المقدمات: أن ذلك مذهب ابن القاسم، والضمير البارز في قوله: نواه للظهار، والمجرور بالباء يعود على الكلام؛ والمستتر عائد على الزوج، وقد مر أن من نوى الظهار صريح الطلاق لا يلزمه ظهار خلاف ما ذكر ابن رشد هنا، وتَحصَّل مما مر أقسام ستة، قِسْمَا صريحِ الظهار أي عضو المحرم المؤبدة ظهرا أو غيره وظهر الذكر على مقتضى المص، وقِسْمَا الكنايةِ الظاهرة فتلك أربعة؛ وخَامِسٌ مختلف في كونه طلاقا وظهارا وهو المسائل الأربع التي أولها: كأنت كفلانة الأجنبية؛ القسم السادس الكناية الخفية المشار إليها بقوله: ولزم بأي كلام نواه به والله سبحانه أعلم.

لا أعود مسك حتى أمس أمي؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إن وطئتك وطئت أمي ولم ينو به طلاقا ولا ظهارا فإنه لا شيء عليه. نقله ابن عبد السلام. وقال ابن عرفة: وسمع يحيى ابن القاسم من قال لجاريته: لا أعود لمسك حتى أمس أمي لا شيء عليه، ابن رشد: لأنه كمن قال: لا أمس أمتي أبدا، قلت: انظر حل هذا مثل قوله: إن وطئتك فقد وطئت أمي، نقل ابن عبد السلام أنه لا شيء عليه، ولم أجده لغيره، وفي النفس من نقلِهِ الصقليُّ عن سحنون شيءٌ لعدم نَقْلِه الشيخُ في نوادره، وانظر هل هو مثل قوله: أنت أمي، سمع عيسى أنه ظهار وهذا أقرب من لغوه لأنه إن كان معنى قوله: إن وطئتك وطئت أمي لا أطؤك حتى أطأ أمي فهو لغو، وإن كان معناه: وطئي إياك كوطء أمي فهو ظهار وهذا أقرب كقوله تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} ليس معناه حتى يسرق أخ له من قبل وإلا لما أنكر عليهم يوسف عليه السلام بل معناه كسرقة أخ له من قبل ولذا أنكر عليهم انتهى وما ذكره ابن عرفة من جهة البحث ظاهر فإن المتبادر من قوله. إن وطئتك فقد وطئت أمي أن وطئي إياك مثل وطء أمي، وأما من جهة النقل فذكره ابن عبد السلام كما قال: وقبله، ونقله في التوضيح أيضا وقبله، ونقله ابن يونس في أوائل الظهار كما قال وقبله؛ ونصه قال سحنون: وإن قال إن وطئتك وطئت أمي فلا شيء عليه. انتهى. وكلام ابن عرفة متدافع لأنه قال أولا: لم أجده لغير ابن عبد السلام، ثم قال: إن الصقلي ذكره عن سحنون، وقوله: وفي النفس شيء من نقله الصقلي لخ: غير ظاهر لأن إمامة ابن

ص: 412

يونس وجلالته وثقته معروفة فلا ينبغي أن يطعن في نقله، وكون الشيخ لم يذكره ليس فيه حجةٌ لأن من حفظ حجةٌ على من لم يحفظ، على أن الشيخ لم ينف وجوده. قاله الحطاب. قال: وهذا إذا لم ينو الظهار وأما إذا نوى به الظهار فلا خلاف أنه يلزمه. انتهى. أو لا أعود لمسك حتى أمس أهب يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: لا أعود لمسك حتى أمس أمي فإنه لا شيء عليه لا طلاق ولا ظهار. قاله ابن القاسم. ومحل ذلك حيث لم يرد به طلاقا ولا ظهارا وإلا لزمه ما نوى، أو لا أراجعك حتى أراجع أمي يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: لا أراجعك حتى أراجع أمي فلا شيء عليه ذكره ابن يونس عن مالك، قال الشارح: وقال مالك في امرأة طلقها زوجها فقال: والله لا أراجعك حتى أراجع أمي: فلا شيء عليه إن فعل إلا كفارة يمين. انتهى. وهذا إن لم ينو شيئا وإلا لزمه ما نوى، فمحل عدم لزوم شيء في هذه المسائل الثلاث حيث لم يرد طلاقا ولا ظهارا وإلا لزمه ما نوى، كما قاله غير واحد. والله سبحانه أعلم. وليس شيء من هذه الألفاظ في المدونة خلافا لبعضهم، وقوله: لا بإن وطئتك لخ، متعلق بمقدر معطوف على قول مقدر قبل قوله: كأمي؛ أي وكنايته الظاهرة بقوله: كأمي، لا بقوله: إن وطئتك وطئت أمي. قاله بعضهم. وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر يعني أن الظاهر تتعدد عليه الكفارة في مسائل إحداها: أن يعود فيكفر ثم يظاهر بعد ذلك، الثانية: أن يطأ بعد ظهاره ثم يظاهر ثانيا بعد وطئه، فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي ثم عاد فكفر أو أخرج الجل ثم ظاهر فإنها تتعدد، وهكذا أبدا ويأتي تفسير العود، وإذا قال: أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار فدخلت ثم وطئها، ثم قال ذلك، ثم وطئ تعددت بتعدد الظهار، وهكذا أبدا، فيشترط في حصول التعدد الوطء أو إخراج الكفارة أو جلها قبل الظهار الثاني أو الثالث مثلا، ولا تتعدد بمجرد العود كما هو ظاهره؛ فإذا ظاهر ثم عاد ثم ظاهر ثم عاد ثم ظاهر فلا تتعدد، وهكذا أبدا فلا تتعدد بمجرد العود من غير وطء ولا أَخراج كفارة أو جلها، ومحل كونها لا تتعدد بتعدد الظهار حيث لم يحصل وطء ولا إخراج كفارة أو جلها إنما هو فيما إذا لم يكن الظهار معلقا وفيما إذا كان التعليق بمتحد كان التعليق يمينين أو أكثر، وأما إن علق الظهار بمتعدد فإنه يكون لكل يمين كفارة كما أنها تتعدد فيما إذا كان الأول منجزا والثاني معلقا، قال الأمير: وتعددت إن ظاهر بعد الوطء أو أخرج الجل أو قال: من دخلت أو علقه بمختلف وكذا إن كان الأول منجزا والثاني معلقا على ما قاله بناني؛ فقول

ص: 413

المص: إن عاد صوابه إن وطء أو كفر وحملُ المص على ظاهره حمل له على خلاف المعتمد. أو قال لأربع: من دخلت يعني أن من له أربع زوجات وقال لهن: من دخلت الدار منكن فهي علي كظهر أمي تتعدد عليه الكفارة بعدد من دخلت منهن. قاله في المدونة. نقله الشارح، أو كل من دخلت يعني أن من له زوجات أربع وقال لهن: كل من دخلت الدار منكن فهي علي كظهر أمي تتعدد عليه الكفارة بعدد من دخلت منهن أوأيتكن يعني أن من له زوجات أربع وقال لهن: أيتكن دخلت الدار فهي علي كظهر أمي تتعدد عليه الكفارة بعدد من دخل منهن، وقوله: أو قال لأربع، اعلم أنه لا خصوصية للأربع بما ذكر بل لا فرق بين الأربع وغيرها في الفروع الثلاثة، وإنما تعددت الكفارة بتعدد الداخلة لتعلق الحكم بكل فرد من الأفراد.

تنبيه: لو قال: يا حفصة فأجابته عمرة فقال: أنت علي كظهر أمي لزمه الظهار في المدعوة لا المجيبة، وفيهما مع المرافعة كما في الطلاق، ولو قال لامرأة من نسائه: أنت علي كظهر أمي، ثم قال لأخرى: وأنت شريكتها، ونوى الظهار لزمه فيهما، ولو اطلعت إحدى نسائه من كوة فقال: إن لم أظاهر منك فصواحبك علي كظهر أمي لم يلزمه الظهار في واحدة ولزمه في البواقي على ما لأبي في الطلاق؛ لأنه إن أبقى التي اطلعت فقد ظاهر من غيرها وإن أبقى غيرها فقد ظاهر من ثلاث وهي من جملتهن، ولو قال: إن لم أظاهر منك فنساءي علي كظهر أمي فإنه إذا لم يعرفها لزمه الظهار في الجميع لشمول لفظ النساء لها ولغيرها. لا إن تزوجتكن يعني أن من قال لنسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، ثم تزوجهن في عقد أو عقود لم يلزمه غير كفارة واحدة فإن تزوج واحدة لزمته كفارة واحدة ولا يقرب المرأة حتى يكفر، فإن كفر ثم تزوج البواقي فلا شيء عليه. قاله في المدونة. ابن رشد: ولا خلاف في ذلك، بخلاف ما لو قال لأربع نسوة: من تزوجت منكن فهي علي كظهر أمي؛ قاله ابن رشد. وعزاه في آخر سماع ابن القاسم لابن المواز. قاله الحطاب. ولو قال لنسائه: إن دخلتن الدار فأنتن علي كظهر أمي فدخلت واحدة أو الجميع إلا واحدة فلا شيء عليه حتى يدخل جميعهن. قاله اللخمي عن ابن القاسم. وقيل: يحنث بواحدة على قاعدة التحنيث بالبعض، ففرق في هاتين المسألتين بين التي في العصمة والأجنبية، وعلم مما مر عن الحطاب أنه لو قال: من تزوجتها منكن فهي علي كظهر أمي فإنه يلزمه لكل من تزوجها منهن كفارة لإيهام يمينه خطاب كل واحدة، أو كل امرأة يعني أن من قال: كل امرأة أتزوجها

ص: 414

هي علي كظهر أمي لا تتعدد عليه الكفارة وإنما تلزمه كفارة واحدة في أول من يتزوجها. قاله ابن المواز. ولو قال لزوجته: كل من أتزوجها عليك فهي علي كظهر أمي فلا يلزمه إلا كفارة واحدة وتلزمه بتزوج واحدة على المعتمد كما يفيده المواق؛ أي وأولى إن لم يقل: عليك، والفرق بين الطلاق والظهار أن له في الظهار الخرج بالكفارة بخلاف الطلاق. قاله عبد الباقي. قال: وما نقله الأجهوري عن المواق هو المعتمد لا ما نقله عن الجلاب وأبي الحسن من أنه إذا قال: كلما تزوجت فالتي أتزوجها علي كظهر أمي فإنه يلزمه في كل من يتزوجها كفارة. انتهى. وفي الحطاب عند قوله: كل امرأة؛ أي إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فإنما عليه كفارة واحدة، وكذلك إذا قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها عليك فهي علي كظهر أمي، بخلاف ما لو قال: من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي. قاله ابن المواز. نقله في البيان. انتهى. وقال: (أو كل امرأة) قال ابن رشد: لم تعجب أبا إسحاق تفرقة ابن المواز بين كل امرأة أتزوجها وبين من تزوجت من النساء، وكذا أيٌّ ليس بينهما فرق في المعنى. قال ابن عرفة: قال عياض: الفرق أن أصل وضع من وأي للآحاد فعرض لها

(1)

العموم فعمت الآحاد من حيث إنها آحاد، وأصل وضع كل للاستغراق فكانت كاليمين على فعل أشياء يحنث بفعل أحدها فحاصل كلام عياض أن من وأي لكل فرد فرد لا يفيد الجمعية ومدلول كل يفيد الجمعية منضما إلى التحنيث بالأقل. انتهى. وقال بناني عند قوله: أو كل من دخلت، درج في هذا على التعدد نظرا لمعنى الكلية، وفي قوله: أو كل امرأة على عدمه نظرا للكل المجموعي مع أنه قد قيل في كل من المسألتين بمثل ما درج عليه في الأخرى فكان من حق المص أن يحكي الخلاف في الفرعين معا أو يقتصر على التعدد فيهما أو على عدمه فيهما، وإلا فكلامه مشكل، وما ذكره من التعدد في: كل من دخلت، قال الباجي؛ هو ظاهر المذهب، وما ذكره من عدم التعدد في: كل امرأة، مثله في المدونة. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: لأجل هذا مشى على التعدد في كل من دخلت وعلى عدمه في كل امرأة فإنه يتبع المشهور حيث وجده فاتبع المدونة في كل امرأة وتبع قول الباجي: التعدد هو ظاهر المذهب فيمن دخلت فلله دره. والله سبحانه أعلم. أو ظاهر من نسائه يعني أن من له زوجات أربع أو أقل إذا ظاهر منهن دفعة بأن قال: أنتن علي كظهر أمي، فإنه لا تتعدد عليه

(1)

في البناني ج 4 ص 169: فعرض لهما العموم.

ص: 415

الكفارة بتعددهن بل تجزئه عن جميعهن كفارة واحدة، فإن صام عن إحداهن جهلا منه حيث كان يكفر بالصوم أجزأه عن جميعهن اتفاقا. قاله ابن رشد. قاله عبد الباقي وغيره. وعبارة الشبراخيتي: أو ظاهر من نسائه بلفظ واحد، كأنتن علي كظهر أمي فكفارة واحدة، وقد أهمل المص القيد ولابد منه، وإذا جهل فظن أن عليه لكل واحدة كفارة وصام عن إحداهن أجزأه عن جميعهن، ابن رشد: اتفاقا انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: معنى قوله: اتفاقا، إنما هو على القول بعدم التعدد لا على القول بالتعدد في هذه المسألة أي في قوله: أو ظاهر من نسائه، قال الشارح مفسرا للمصنف: أي ظاهر من نسائه المتعددات بكلمة واحدة، وقيل: تتعدد، والأول هو المذهب. انتهى. أو كرره يعني أن من كرر الظهار لامرأة واحدة بغير تعليق لم يلزمه إلا كفارة واحدة وسواء كرره لها في مجلس أو مجالس وكذا لا تتعدد عليه الكفارة إذا كرره لأكثر من واحدة في غير تعليق بمجلس ولم يفرد كل واحدة بخطاب، فإن أفرد كل واحدة بخطاب تتعدد بتعدد من خاطبها، فإن كرره لأكثر من واحدة في مجالس فإن أفرد كل واحدة بخطاب تعددت بتعدد المخاطبة، وإن لم يفرد كل واحدة بخطاب فقد قال عبد الباقي: الذي تدل عليه المدونة عدم التعدد، وقال بناني: تعدد الكفارة بتعددهن حيث كن في مجالس أفرد كل واحدة بخطاب أم لا هو الذي في المدونة، وهو الصواب، ونص المدونة: ومن تظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة تجزئه كفارة، وإن تظاهر منهن في مجالس مختلفة أو كان في مجلس واحد يخاطب كل واحدة بالظهار دون الأخرى حتى أتى على الأربع، أو قال لإحدى امرأتيه: أنت علي كظهر أمي ثم قال للأخرى: وأنت علي مثلها فعليه في ذلك كله لكل واحدة منهن كفارة. انتهى. ونص ابن يونس في اختصار المدونة: ومن تظاهر من أربع نسوة في كلمة فكفارة واحدة تجزئه وإن تظاهر منهن في مجالس مختلفة ففي كل واحدة كفارة، وإن كان في مجلس واحد فقال لواحدة: أنت علي كظهر أمي، ثم قال للأخرى: وأنت علي كظهر أمي، ثم أتى على الأربع فعليه لكل واحدة كفارة. انتهى بلفظه. نقله بناني. وقال: فقول المدونة وإن تظاهر منهن لخ: ليس مبالغة فيما قبله بل شرط مستأنف بدليل عطف ما بعده عليه، وقد أوضح ذلك ابن يونس في اختصاره المدونة ونصه: ومن تظاهر من أربع نسوة لخ، وقوله: أو كرره، مفهوم قوله: وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر، أو علقه بمتحد يعني أن الزوج إذا علق الظهار بمتحد وكرره لواحدة نحو أنت علي كظهر

ص: 416

أمي إن دخلت الدار أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار فدخلها فكفارة واحدة، قال ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الظهار: ومذهب ابن القاسم أن الرجل إذا ظاهر من امرأته ظهارا بعد ظهار أنهما إذا كانا جميعا بغير فعل أو جميعا بفعل في شيء واحد أو الأول فعل والثاني بغير فعل فليس عليه فيهما جميعا إلا كفارة واحدة إلا أن يريد عليه في كل ظهار كفارة فيلزمه ذلك، وإن كانا جميعا بفعلين مختلفين أو الأول منهما بغير فعل والثاني فعل فعليه في كل واحدة منهما كفارة. انتهى. نقله الإمام الحطاب وغيره. والحاصل أنه إن كرره معلقا بمتحد أو غير معلق فحصل التكرار فيهما مثلا لا تتعدد عليه الكفارة إلا إذا كرره بعد أن وطئ أو أخرج الكفارة أو جلها، وأما إن علقه بمتعدد: كأنت علي كظهر أمي إن لبست الثوب، ثم قال: أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار فتتعدد الكفارة عليه بتعدد الحنث ويتفق على ذلك إن حنث ثانيا بعد إخراج الأولى، وأما قبل إخراجها فقال اللخمي: ظاهر المدونة كذلك، وقال المخزومي وابن الماجشون: تجزئه واحدة. انتهى. إلا أن ينوي كفارات يعني أن محل إجزاء الكفارة الواحدة في المسائل الخمس إنما هو حيث لم ينو كفارات، وأما إن نوى كفارات بعدد ما كرر في الأخيرتين أو بعدد النسوة في الثلاث الأول فإن الكفارات تلزمه بحسب ما نوى وجملة تلزمه تظهر لها فائدة إن جعل الاستثناء مفهوما؛ والله تعالى أعلم. ولفظ الشارح: وأما إن نوى تعدد الكفارة فيما تقدم فإن ذلك بحسب ما نوى، وله المس بعد واحدة يعني أن الرجل إذا لزمته كفارات في امرأة واحدة فإنه يجوز له الاستمتاع بها بوطه وبغيره بعد إخراج كفارة واحدة قاله القابسي. وصوبه ابن يونس وإلى تصويب ابن يونس أشار بقوله: على الأرجح وقال ابن أبي زيد: لا يجوز له وطؤها حتى يكفر جميع الكفارات التي نواها، وإنما كان له المس بعد واحدة على ما للقابسي وأبي عمران لأنها هي كفارة الظهار والباقي كطعام نذره، قال: وإن مات فأوصى بهذه الكفارة وضاق الثلث قدمت هذه الكفارة على كفارة اليمين بالله، وتقدم كفارة اليمين على ما بقي لأنه نذر، وعلى ما لهما لا يشترط العود في غير الأولى، وحرم قبلها الاستمتاع يعني أن الظاهر يحرم عليه قبل أداء جميع الكفارة أن يستمتع بزوجته التي ظاهر منها، فلا يجوز له أن يجامعها كما لا يجوز له أن يستمتع منها بغير الجماع، فلا يقبل ولا يباشر ولو مجبوبا على القول بصحته منه، وقد أجمعوا على أن الظاهر إن لم يجد الرقبة ولم يطق الصوم ولم يجد الإطعام لا يجوز له أن يطأ زوجته

ص: 417

حتى يجد واحدا من تلك الأصناف، إلا الثوري وابن صالح فإنهما قالا يطؤها من غير كفارة نقله بناني. وقوله: وحرم قبلها الاستمتاع أي بجميع أنواعه كما علمت وهو الذي عليه الأكثر حملا لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} على عمومه وهو الذي عليه الأكثر ومقابله منصوص وهو أن الظهار إنما يحرم الوطء ولا يحرم الاستمتاع بغير الوطء. انظر الشبراخيتي. وقال أبو حنيفة: يجوز أن يطأ المظاهر قبل أن يطعم إذا كان فرضه الإطعام لأن الله تعالى قيدها قبله بأنه يكون قبل المسيس وأطلق في الإِطعام، وقال الشارح: ولعبد الملك جواز القبلة والمباشرة والنظر إلى الشعر والمحاسن، وخرج بعض الشيوخ على قول سحنون بعدم صحة ظهار المجبوب جواز الاستمتاع قبلها لكون الظهار عنده إنما يظهر في تحريم الفرج فقط. انتهى. (وعليها منعه) يعني أنه يجب على المرأة الظاهر منها أن تمنع زوجها من الوطء ومقدماته حتى يكفر لما في تمكينها له من الإعانة على المعصية. قال الشبراخيتي: والظاهر أنه ليس لها قتله، (ووجب إن خافته رفعها للحاكم) يعني أن المرأة يجب عليها إن خشيت على نفسها أن يستمتع بها الزوج المظاهر منها ولو بغير وطء من ترفعه للحاكم ليمنعه منها، وقوله: خافته تحقيقا أو ظنا، وانظر في الشك والوهم قاله عبت الباقي. قال: ولا يجري هنا قوله في الطلاق: "وفي جواز قتلها له عند محاورتها" لأنها هنا زوجة غير مطلقة. انتهى. وقوله: ووجب إن خافته لخ، محل وجوب الرفع عليها إن لم تقدر على منعه من الاستمتاع بها وجوز كونه معها في بيت من أمن؛ يعني أن الزوج المظاهر يجوز أن يكون في بيت مع زوجته المظاهر منها بشرط أن يكون مأمونا عليها، ونحوه في المدونة، ففيها: وجائز أن يكون معها في بيت ويدخل عليها بلا إذن إذا كان تؤمن ناحيته، يريد فإن لم يؤمن عليها بأن خيف أن يقع في المحظور لم يجز له أن يكون معها في بيت خشية الوقوع في الممنوع ولد النظر لوجهها ورأسها وأطرافها بغير قصد لذة وإن لم توجد لا لصدرها، وفيها: ولا لشعرها أي ولو لغير قصد لذة، وقيل: يجوز ويلزمها خدمته قبل أن يكفر بشرط الاستتار، وأما الرجعية فلا يكون معها في بيت واحد وإن أمن؛ لأن الرجعية منحلة النكاح والمظاهر منها في العصمة صحيحة النكاح. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: إن أمن عليها وإلا لم يجز، ويحرم عليه النظر لصدرها مطلقا وأما النظر نلوجه والرأس والأطراف فيجوز بغير لذة لا بها انتهى. (وسقط إن تعلق) يعني أن الرجل إذا علق الظهار بأمر كدخول دار مثلا بأن قال لها: إن دخلت الدار فأنت

ص: 418

علي كظهر أمي ثم إنه طلقها ثلاثا فلا يخلو ذلك من أن يكون بعد أن تنجز عليه الظهار أو قبله، فإن وقع ذلك بعد أن تنجز عليه الظهار بأن دخلت الدار قبل الطلاق الثلاث فإن الظهار لا يسقط عن الزوج فمتى عادت لعصمته فلا يجوز له أن يقربها حتى يكفر، وأما إن طلقها ثلاثا والحال أن الظهار لم يتنجز بأن طلقها ثلاثا قبل دخول الدار فإن الظهار يسقط عنه بسبب إيقاع الطلاق الثلاث قبل فعل المعلق عليه، والمراد بالثلاث ما يحصل به البتات كان ثلاثا أو تكملتها أو اثنتين للعبد أو تكملتهما، فإذا قال لها إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا أو ما يكملها، أو قال لها: أنت بائنة أو برية ونحو ذلك مما يوجب البتات فإن الظهار يسقط عنه إذا عادت له بعد زوج ودخلت الدار بعد عودها لعصمته، وأولى إن دخلت الدار حال بينونتها وقوله: بالطلاق، متعلق بسقط ومفهوم إن تعلق أنه لا يسقط بالطلاق الثلاث إن نجز، ومفهوم قوله: بالطلاق الثلاث، أنه لو طلقها دون الثلاث قبل تنجز الظهار أي قبل دخولها للدار مثلا فإنه لا يسقط عنه الظهار إذا عادت لعصمته ودخلت الدار. قال فيها: وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت الدار وهي في غير ملكه لم يحنث بدخولها فإن تزوجها فدخلت وهي تحته عاد عليه الظهار، وأراد المص بالسقوط عدم اللزوم أو أراد سقط حكمه واعتباره أو أراد سقط تعليق الظهار.

تنبيهات: الأول: قال في المقدمات ومن ظاهر من أمته ثم باعها ثم اشتراها فإن اليمين ترجع عليه على مذهب ابن القاسم، وإن بيعت عليه في الدين، وإنما لا تعود عليه اليمين إذا عادت إليه بميراث. انتهى. قال اللخمي: وعلى قول ابن بكير لا يكون مظاهرا؛ يعني إذا عادت إليه بشراء، ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل. قاله الحطاب.

الثاني: قال اللخمي: وإن كان نكاحان بينهما ملك فحلف وهي زوجة ولم يحنث حتى طلق ثم اشتراها ثم باعها ثم تزوجها عادت على العصمة الأولى، فإن حنث كان مظاهرا، وإن كان ملكان بينهما نكاح لم يبن الملك الثاني على الأول لأن النكاح الذي بينهما صحح البيع، قال: وإن حلف وهي زوجة ثم اشتراها فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم حنث لم يكن مظاهرا لأن العصمة الأولى زالت، وهذا نكاح مبتدأ بمنزلة من قال: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم اشتراها

ص: 419

فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم دخل، لم تطلق عليه لأن العصمة التي حلف لها زالت، وهذا نكاح مبتدأ، ولم يحنث بالطلاق وأوقع عليها طلقة كان قد بقي له فيها طلقتان. انتهى. نقله الحطاب. وقال: ففرق بين أن يكون اشتراها بعد طلقة أو قبل طلقة. انتهى المراد منه.

الثالث: اعلم أن جميع ما تقدم في هذين التنبيهين من عدم عود الظهار عليه في المحل الذي لا يعود عليه فيه إنما هو حيث كان الظهار بيمين وأما الظهار المنجز فإنه يعود عليه حيث عادت إليه رجعت بإرث أو شراء أو زواج أو غير ذلك.

الرابع: إذا ظاهر من زوجته وهي أمة بيمين ثم اشتراها قبل أن يحنث باليمين، ذهب بعض الشيوخ إلى أن اليمين لا تعود عليه وهو الذي مر، وذهب بعضهم إلى أن اليمين تعود عليه. انتهى. قال ابن يونس: وهو أصوب، قال أبو الحسن: ونكتة الخلاف أن الفسخ هل يتنزل منزلة طلقة واحدة أو منزلة ثلاث؟ انتهى؛ فإن ظاهر منها ظهارا مجردا عن اليمين عاد إليه الظهار باتفاق القولين كما يعود عليه لو طلقها ثلاثا. قاله بناني. ونقل عن أبي الحسن عن المقدمات ما نصه: وأما من ظاهر من أمته ثم باعها ثم اشتراها فإن اليمين ترجع عليه على مذهب ابن القاسم لأنه يتهم في إسقاط اليمين على نفسه وإن بيعت عليه في الدين واشتراها ممن بيعت منه وإنما لا تعود عليه اليمين إذا رجعت إليه بميراث يرثه كمن حلف بحرية عبده أن يفعل فعلا فباعه ثم اشتراه والاختلاف الذي يدخل في ذلك يدخل في هذا. انتهى. أو تأخر عطف على تعلق؛ يعني أن الزوج يسقط عنه الظهار إذا وقع مؤخرا في اللفظ عن الطلاق الثلاث كـ قوله لها: أنت طالق ثلاثا ونحو ذلك مما يحصل به البينونة؛ بعد أن أوقع عليها ذلك قال لها: أنت علي كظهر أمي فيسقط عنه الظهار لعدم وجود المحل الذي هو العصمة لانقطاعها بالبينونة كقوله لغير مدخول بها، تشبيه في سقوط الظهار لانعدام المحل الذي يقع عليه الظهار بالبينونة؛ يعني أن الزوج إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها: أنت طالق وأنت علي كظهر أمي فإنه إذا تزوجها يكون له أن

يطأها من غير كفارة لأن الظهار لم يصادف محلا لأن الزوجة غير مدخول بها فتبين بوقوع

الطلاق عليها فلم يأت الظهار إلا بعد بينونتها فلذلك سقط، وكذا يسقط أيضا الظهار في المدخول

بها إذا كان الطلاق بائنا وهو دون الثلاث، كطلاق الخلع، كما لو قال لها: أنت مخالعة وأنت

ص: 420

علي كظهر أمي، وأورد على مسألة المص الأخيرة ما إذا قال لغير مدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق: نسقا، فإن المشهور لزوم الثلاث. وأجاب: أبو محمد وغيره: بأن الطلاق لما كان جنسا واحدا عد كوقوعه في كلمة واحدة ولا كذلك الطلاق والظهار إذ لا يمكن جمعهما في كلمة واحدة، لا إن تقدم يعني أن الظهار إذا تقدم عن الطلاق فإنه لا يسقط عن الزوج، فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي، وأنت طالق ثلاثا، فإنه لا يسقط عنه الظهار فإذا تزوجها بعد زوج فلا يقربها حتى يكفر لعموم الآية، وكذا لو ظاهر من زوجته الأمة ثم طلقها ثم اشتراها أو اشتراها قبل أن يطلقها أو كان علقه ثم حنث قبل الشراء فإن الظهار لازم له. قاله اللخمي. وهو في المدونة. قاله الحطاب. أو صاحب يعني أن الظهار إذا صاحب الطلاق الثلاث بأن كانا معلقين على شيء واحد فإنه لا يسقط، ومثل للمصاحبة بقوله: كأن يقول لها: إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي فتطلق عليه ثلاثا بمجرد العقد فإذا تزوجها بعد زوج فهو مظاهر منها فلا يقربها حتى يكفر لأن أجزاء المعلق يقع بعضها مع بعض ولا ترتيب بينها في الوقوع وكذا لا يسقط عنه الظهار إذا قال لزوجته التي في العصمة: إن دخلت الدار فأنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي فهو بمنزلة ما إذا قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي، ولو عطف بما يفيد الترتيب لسقط الظهار، فإذا قال: إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ثم هي علي كظهر أمي أو قال لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم أنت علي كظهر أمي لم يلزمه ظهار لأنه حينئذ وقع على غير زوجة؛ ومن هذا المعنى ما لو قال: عبدي حر وزوجتي طالق ثلاثا إن دخلت الدار فيقع العتق والطلاق في آن واحد ولا ترتيب بينهما وذكر الظهار مؤخرا عن الطلاق في اللفظ يفهم منه عكسه بالأولى، وعلم مما مر أنه إذا قال: إن كلمت، إن دخلت فأنت علي كظهر أمي، لم يكن مظاهرا إلا بحصولهما معا، كالطلاق، وما قدمته من أنه إذا عطف بما يفيد الترتيب يسقط عنه الظهار هو الصحيح، ففي أبي الحسن ما نصه ولو أنه قال: إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ثم هي كظهر أمي، أو قال لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا، ثم أنت علي كظهر أمي، لم يلزمه الظهار لأنه حينئذ وقع على غير زوجة انتهى. ونقله الحطاب أيضا. وقال ابن عرفة: قال ابن محرز: إنما لزماه معا في الأولى لأن الواو لا ترتب ولو عطف الظهار بثم

ص: 421

لم يلزمه ظهار لأنه ومع على غير زوجة. انتهى. وبه تعلم أن ما قاله عبد الباقي غير صحيح. والله سبحانه أعلم. انظر حاشية الشيخ بناني، وقوله: أو صاحب قال عبد الباقي معللا للزوم الظهار فيه: إما بناء على أن المعلق والمعلق عليه يقعان معا والمعلق مجموعهما يشتركان في الوقوع وإذا وقعا معا وجد الظهار محلا والواو لا ترتب أو أن وقوع أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح. انتهى. قوله: بناء على أن المعلق والمعلق عليه يقعان معا لخ، لا دخل لهذا في مصاحبة أحد المعلقين في الوقوع للآخر بل المصاحبة بينهما واقعة سواء قلنا بوقوع المعلق مع المعلق عليه أو بعده، ونص القرافي في الفرق الحادي عشر إذا قال: إن دخلت الدار فامرأتي طالق وعبدي حر فدخل الدار فإنه لا يمكننا أن نقول لزمه الطلاق قبل العتق ولا العتق قبل الطلاق بل وقعا مرتبين على الشرط الذي هو دخول الدار من غير ترتيب فلم يتعين تقديم أحدهما ثم قال فلذلك إذا قال: إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي لا نقول إن الطلاق متقدم على الظهار حتى يمنعه بل الشرط اقتضاهما اقتضاء واحدا فلا ترتيب في ذلك. انتهى. قاله بناني. والله سبحانه أعلم. وقوله: أو صاحب كإن تزوجتك فأنت لخ، قاله في المدونة. (وإن عرض عليه نكاح امرأة فقال: هي أمي فظهار) يعني أن الرجل إذا عرض عليه نكاح امرأة بعينها كما إذا قيل له: ألا تزوجت فلانة، فقال: هي أمي؛ فإن قوله المذكور يكون موجبا للظهار عليه إذا تزوجها حيث نوى الظهار أو لا نية له لأنه مستند إلى ما عرض عليه من نكاحها فكأنه قال: إن نكحتها فهي أمي، فإذا تزوجها كان مظاهرا منها. فلا يقربها إلا بعد الكفارة ولا يكون مظاهرا إن أراد وصفها بالكبر أو أراد الكرامة أو الإهانة، ومفهوم قوله: عرض عليه أنه إذا قال لأجنبية: لم يعرض عليه نكاحها هي أمي لم يلزمه ظهار إن تزوجها بخلاف الإيلاء، كما مر، والفرق أن الأجنبية حال الظهار وقبله محرمة عليه فهي كظهر أمه قبل نطقه فلم يزد نطقه به شيئا حيث لم يعلقه على تزوجها، بخلاف الإيلاء فإنه حلف على ترك فمتى وجد كان حانثا؛ وقوله: وإن عرض عليه نكاح امرأة لخ، هكذا نقل عن مالك. قاله الشارح. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: والمعلق بالقرينة كالصريح كالطلاق، وروى الباجي: من ذكر له نكاح امرأة فقال هي أمي فظهار إن تزوجها. انتهى. وتجب بالعود يعني أن الكفارة تجب بالعود، ومعنى وجوبها بالعود صحتها

ص: 422

وإجزاؤها بدليل سقوطها بموت أو فراق كما يأتي، وبدليل قوله: ولا تجزئ قبله أي العود يعني أن كفارة الظهار لا تجزئ قبل العود وتتحتم بالوطء يعني أن الكفارة إنما تتحتم بالوطء، ومعنى تتحتم تجب الوجوب الذي لا يسقط، فلذلك يأثم إن لم يكفر سواء بقيت في عصمته أو ماتت أو طلقها قامت بحقها في الوطء أم لا، والحاصل أنها لا تصح إلا بعد العود ولا تتحتم إلا بالوطء الحاصل في الظاهر منها ولو نسيانا، وفي تعبير المص بالوجوب عن الصحة مخالفة لاصطلاحهم، تبع فيه ابن عبد السلام، فلو قال: وتصح بالعود كان أحسن. والله سبحانه أعلم. وهذه النسخة التي شرحت كلام المص عليها وهي وتجب بالعود ولا تجزئ قبله وتتحتم بالوطء، قال ابن غازي فيها: كذا في النسخ التي وقفنا عليها بلا تكرار ولا لبس. انتهى. وقوله: وتتحتم بالوطء قال في المتيطية: فإن وطئ قبل الكفارة فقد ثبت وجوبها عليه ويعاقب جاهلا كان أو عالما وعقوبة العالم أشد. انتهى. نقله الحطاب. وقوله: ولا تجزئ قبله، نقل عبد الحق والباجي عن أبي عمران أن ابن القاسم لا يراعي العودة وإنما يراعيها ابن الماجشون وسحنون وأنكرت نسبة ذلك لابن سحنون. قاله الشارح. وقوله: ولا تجزئ قبل العود، العود هو المذكور في قوله تعألى:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} وأشار إلى تفسيره بقوله وهل هو العزم على الوطء يعني أنه اختلف في معنى العود المذكور في الآية وهو العود الذي لا تجزئ الكفارة قبله هل هو العزم على الوطء؟ أي الإجماع عليه والتصميم، أو هو العزم على الوطء مع نية الإمساك أي إمساك المرأة في العصمة، وهما روايتان عن مالك، واختلف فيما تقتضيه المدونة من الروايتين ففهمها اللخمي على العزم على الوطء وفهمها عياض على العزم على الوطء مع نية الإمساك وصرح بأنه المشهور؛ قال الرماصي: يؤاخذ المص بالمطالبة بمن شهر مقابله إذ لم أر من شهره ولم أر من نبه عليه من الشراح نقله بناني. وقال: قلت: هذا المقابل وهو التأويل الأول رجحه ابن فتحون ونقله المتيطى وابن سلمون عنه في اختصار المتيطية لابن هارون، واختلف في العود المذكور في الآية فقيل هو الموطإ، وقيل: العزم على الإمساك هو إرادة الوطء، قال ابن فتحون: وهو الأظهر. انتهى. لا يقال: المطلوب هنا هو التشهير وهذا استظهار فقط لأنا نقول: كلام الحطاب عند قول المص أول الكتاب: وحيث قلت خلاف لخ، يدل على أن ذلك يكفي في التشهير، ونصه وسواء كان اختلافهم في التصريح

ص: 423

بلفظ التشهير أو بما يدل عليه كقولهم: المذهب كذا أو الظاهر أو الراجح أو المفتى به كذا أو العمل على كذا أو نحو ذلك. انتهى. وإلى فهم اللخمي وعياض أشار بقوله: تأويلان وإلى تشهير عياض وابن فتحون أشار بقوله: وخلاف قال عبد الباقي: وعلى التفسيرين السابقين حمل قوله تعالى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} أي لنقيض قولهم الذي هو التحريم ونقيضه التحليل أي بالعزم على الموطإ أو مع الإمساك، ومعناه أن لا يفارقها على الفور أي يمسكها مدة تنافي الفور. انتهى. ونقل أبو الحسن عن عبد الحميد الصائغ وجها آخر وهو أن تكون اللام بمعنى في أي ثم يعودون فيما قالوا لمثل قوله تعالى:{لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} أي في وقتها. نقله بناني. والله سبحانه أعلم. وسقطت إن لم يطأ بطلاقها أو موتها يعني أن الظاهر إذا لم يطأ زوجته التي ظاهر منها عاد أو لا فإن الكفارة تسقط عنه بسبب طلاقها طلاقا بائنا لا رجعيا، ومعنى سقوطها عنه أنه لا يؤمر بالكفارة ما دام لم يتزوجها، وأما إن أعادها لعصمته فلا يقربها حتى يكفر، ولا منافاة بين ما هنا وبين ما تقدم من عدم السقوط في قوله: لا إن تقدم أو صاحب: لأن ذلك حيث أعادها لعصمته، وما هنا حيث لم يعدها لعصمته، وكذلك تسقط عن المظاهر الكفارة بسبب موت المظاهر منها إن لم يطأها عاد أم لا، فالواو بمعنى أو، ومثل موتها موته، قال الشارح عند قوله:"وسقطت إن لم يطأ بطلاقها وموتها" ما نصه: هذا مذهب المدونة وهو ظاهر مما قدمناه ولمالك وأصبغ: لزومها إذا نوى العودة طلقها أو ماتت قبل التكفير، وهل تجزئ إن أتمها يعني أن الظاهر إذا عاد فشرع في الكفارة ثم طلق قبل أن يمس وقبل أن يتمها، طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت العدة فأتم الكفارة في حال بينونتها ثم أعادها لعصمته ففي المدونة: لم يلزمه إتمامها، وقال ابن نافع: إن أتمها أجزأه، واختلف الشيوخ في فهم المدونة هل هي موافقة لقول ابن نافع؟ وعليه فتجزئه الكفارة إن أتمها في حال بينونتها على مذهب المدونة كما قال ابن نافع لأنه إنما نفى في المدونة اللزوم وإلى هذا التأويل ذهب اللخمي، أو هي مخالفة لقول ابن نافع وعليه فإن أتمها في حال البينونة لم تجزه على مذهب المدونة فلابد من كفارة أخرى إذا أعادها لعصمته وليس له وطؤها قبلها، وإليه ذهب صاحب تهذيب الطالب والبيان.

ص: 424

وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، الأول للخمي والثاني لابن رشد وصاحب تهذيب الطالب كما مر، ومحل التأويلين إذا أتمها قبل عودها لعصمته وإلا أجزأته باتفاقهما، وفي أبي الحسن: إن تزوجها وكانت الكفارة صوما ابتدأها وإن كانت طعاما بنى على ما كان أطعم قبل أن تبين منه لجواز تفرقة الطعام. قال ابن المواز: وهو قول مالك وابن القاسم وابن وهب وأصح ما انتهى إلينا. انتهى. ومحل التأويلين أيضا في الطلاق البائن أو الرجعي بعد انقضاء العدة؛ قال الحطاب: هذان التأويلان في الطلاق البائن أو الرجعي بعد العدة، وأما الرجعي قبل انقضاء العدة فإن أتمها أجزأته باتفاق. قاله في تهذيب الطالب. وقيده صاحب البيان بما إذا نوى رجعتها وعزم على الوطء وإن لم ينو فيكون كالطلاق البائن. قاله في التوضيح. انتهى. فرع: قال في الشامل: فإن قصد البراءة في الرجعي ارتجع ثم كفر فإن كفر قبل الرجعة في العدة ففي الإجزاء قولان. انتهى. ومحل التأويلين أيضا حيث فعل بعضها وهي في العصمة وأما لو استأنفها بعد الطلاق فلا تجزئ باتفاق عند المص قاله الخرشي. وقوله: وهل تجزئ إن أتمها، قال الشارح وغيره: إن الخلاف جار في الإطعام والصيام، وقال عبد الباقي: محل التأويلين في الإطعام، وأما الصيام فيتفق فيه على عدم الإجزاء وناقشه بناني فقال: فيه نظر، بل ما في الشارح هو الذي نقله في التوضيح بشرط تتابع الصيام ونحو ما لعبد الباقي للشبراخيتي. والله سبحانه أعلم.

تنبيهان: الأول: تحصل مما مر أن محل التأويلين في الطلاق البائن والرجعي بعد انقضاء العدة وفي عدة الرجعي ولم ينو ارتجاعها وفيما إذا أخرج بعض الكفارة في العصمة وأتمها في حال البينونة، وهل هما في الإطعام والصيام؟ كما للشارح وغيره أو في الإطعام فقط كما لعبد الباقي والشبراخيتي. الثاني: اعلم أن الأرجح من التأويلين تأويل عدم الإجزاء وفي كتاب الأمير: ولا تجزئ على الأرجح إن وقع بعضها بعد البينونة. انتهى. وقال الشبراخيتي: كان ينبغي له يعني المص أن يقول: وهل لا تجزئ إن أتمها تأويلان، ليأتي بالشهور ويطوي مقابله جريا على عادته من تقديم المشهور وطي مقابله، وهي إعتاق رقبة أشار بهذا وما بعده إلى الترتيب المذكور في كفارة الظهار بقوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}

ص: 425

يعني أن الذي يباح به للمظاهر الاستمتاع بالمظاهر منها أحد ثلاثة أنواع، أولها: أن يعتق رقبة ولا ينتقل عنه إلى النوعين الأخيرين إلا بعد العجز عن النوع الأول الذي هو العتق كما سيذكر ذلك: وقوله: إعتاق رقبة من إضافة المصدر إلى مفعوله، قال عبد الباقي: وعبر بإعتاق دون عتق ليفيد أنه لابد من إيقاع العتق عليها فلا يجزئ بدونه، كما إذا علق عتقه على دخول دار مثلا. انتهى. قال بناني: لا حاجة للاحتراز عن هذا لأن العتق لم يقع للظهار حتى يتوهم فيه الإجزاء. انتهى. قوله: وهي، مبتدأ والضمير لكفارة الظهار، وقوله: إعتاق، خبر مبتدإ محذوف أي أحد أنواعها إعتاق رقبة والجملة خبر المبتدإ. انظر الشبراخيتي، لا جنين يعني أنه من أعتق جنينا عن ظهاره لا يجزئه لأنه لا يصدق عليه رقبة والجنين هو الذي في بطن أمه، وعتق بعد وضعه يعني أنه إذا أعتق الجنين عن ظهاره فإنه لا يجزئه عن ظهاره ويعتق الجنين بعد وضعه أي يكون حرا بعد خروجه من بطن أمه أتي ينفذ فيه العتق السابق لتشوف الشارع للحرية، ولا يحتاج إلى استئناف عتق جديد بعد وضعه؛ وعبارة ابن الحاجب: فلو أعتق جنينا عتق ولم يجزه. انتهى. وعبارة المص كعبارة المدونة، وقوله:"وعتق بعد وضعه" جملة استئنافية لبيان الحكم وهي جواب عن سؤال مقدر، كأن قائلا قال له ما حكم الجنين إذا أعتق عن الظهار ولم يجز؟ فقال: وعتق بعد وضعه، ومنقطع خبره يعني أن الرقيق المنقطع خبره لا يجزئ إعتاقه في الظهار لأنه ليس برقبة محققة إذ لا تعلم حياته، وعلى تقدير حياته لا تعلم سلامته، قال فيها: ومن أعتق آبقا عن ظهاره لم يجزه إذ لا يدري أحي هو أو ميت أو معيب أو سليم؟ إلا أن يعرف في الوقت موضعه وسلامته من العيوب فيجزئه أو يعلم بعد عتقه ذلك فيجزئه وإن جهله أو لا. انتهى. وعلم من هذا صريحا أن كلام المصر مقيد بما إذا لم تعلم سلامة العبد المنقطع خبره بعد عتقه وهذا بخلاف الجنين فلا يجزئ ولو علم أنها وضعته بعد العتق بصفة من يجزئ. قال الحطاب: والفرق بينه وبين الجنين أن هذا رقبة والجنين ليس برقبة. والله أعلم انتهى. وعلم مما مر أن معنى قوله: ومنقطع خبره: لا يجوز له الاستمتاع قبل تبين خبره، لا أن معناه أن عتقه باطل. قاله الشبراخيتي. وينبغي إذا أعتق حمل أمته عن ظهاره ظانا عدم وضعها ثم تبين أنها وضعته قبل العتق فإنه يجزئه. قاله الشارح وهو ظاهر؛ والعيب الخفي كالإباق لا يمنع

ص: 426

الإجزاء في الظهار اتفاقا؛ ولو كان في ذمته دين فقيل: يمنع الإجزاء، وقال الجزولي: كنت أسمع أنه يجزئه، قاله الأقفهسي. نقله عبد الباقي.

وعلم مما قررت أن قوله: ومنقطع عطف على جنين مؤمنه؛ بالجر صفة لرقبة؛ يعني أنه يشترط في الرقبة التي يجزئ عتقها في الظهار أن تكون مؤمنة لأن الله عز وجل وصف الرقبة في كفارة القتل بالإيمان وأطلق في كقارة الظهار والمطلق يحمل على المقيد لأن القصد القربة والكفر ينافيها، وفي حديث السوداء ما يدل على ذلك إذ قال سيدها للنبي صلى الله عليه وسلم: (علي رقبة أفأعتقها

(1)

)، ولم يذكر عما ذا لزمته ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بعتقها حتى سألها (أين الله؟ فقالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقها فإنها مؤمنة)

(2)

قال أبو الحسن: وترك الاستفصال، في حكاية الأحوال، مع الاحتمال، يتنزل منزلة العموم في المقال، وقول السوداء: في السماء، معناه العلو والارتفاع وأنه تعالى منزه عن صفات الحوادث، وقوله عليه السلام: أين الله؟ هذا الحديث فيه تأويلات، وهو من المتشابه لأن الله تعالى لا يسئل عنه بأين. نقله بناني. وقال ابن غازي لأبي القاسم السهيلي عليه كلام حسن، ومن كلامه فيه: السؤال بأين ينقسم إلى ثلاثة أقسام: اثنان جائزان وواحد لا يجوز، الأول: السؤال على جهة الاختبار للمسؤول ليعرف مكانه من العلم والإيمان كسؤاله عليه السلام للأمة، والثاني: السؤال عن مستقر ملكوت الله وموضع سلطانه كعرشه وكرسيه وملائكته مثل سؤال السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء

(3)

) فهذا سؤال فيه حذف كما ترى، وإنما سأل عن مستقر الملائكة والعرش وغير ذلك من خلقه والعماء هو السحاب وإذا جاز أن يعبر عن إذاية أوليائه بقوله {يُحَارِبُونَ اللَّهَ} و {يُؤْذُونَ اللَّهَ} جاز أن يعبر أيضا باسمه عن ملائكته وعرشه وسلطانه وملكه. قلت: هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه عن أبي رزين

(4)

قال: (قلت يا رسول الله) الحديث، قال الترمذي: قال أحمد بن منيع: قال يزيد بن هارون:

(1)

الموطأ ج 2 ص 488 - 489.

(2)

مسلم، كتاب المساجد، رقم الحديث 537.

(3)

الترمذي، كتاب تفسير القرآن، رقم الحديث 3109. مسلم أحمد، ج 4 ص 11. ابن ماجه، كتاب السنة، رقم الحديث 182.

(4)

كذا في الأصل والذي في البنانى ج 4 ص 175 عن أبي رزين.

ص: 427

العلماء أي ليس معه شيء. انتهى. وهذا يغني عن تأويل السهيلي، ثم قال السهيلي: والثالث السؤال بأين عن ذات الرب سبحانه فهذا سؤال لا يجوز وهو سؤال فاسد لا يجاب عنه سائله وإنما سبيل المسئول أن يبين له فساد السؤال، كما قال علي كرم الله وجهه حين سئل أين الله؟ فقال الذي أين الأين لا يقال فيه: أين فبين للسائل فساد سؤاله بأن الأينية مخلوقة والذي خلقها لا محالة قد كان قبل أن يخلقها ولا أينية له وصفات نفسه لا تتغير فهو بعد أن خلق الأينية على ما كان قبل أن يخلقها، وإنما مثل هذا السائل كمن سأل عن لون العلم وعن طعم الظن والشك، فيقال له: من عرف حقيقة العلم أو الظن ثم سأل هذا السؤال فهو متناقض؛ لأن اللون والطعم من صفات الأجسام وقد سألت عن غير جسم فسؤال محال أي متناقض. قاله بناني. وفي الأعجمي تأويلان يعني أن الكافر إذا كان يجبر على الإسلام كالمجوسي صغيرا أو كبيرا ومن لم يعقل دينه من أهل الكتاب اختلف في عتقه في الظهار هل يجزئ أم لا؟ قال في المدونة: ويجزئ عتقه عن كفارة الظهار، واختلف الشيوخ في قول المدونة هل هو محمول على عمومه فيجزئ عتقه في الظهار وإن لم يسلم؟ أو لا، فيحمل قولها على أن محل الإجزاء إذا دخل في الإسلام، تأولها أبو محمد على الإجزاء وإن لم يسلم، وتأولها غيره على عدم الإجزاء إن لم يسلم، وما قدمته من تعميم الخلاف هو الصواب؛ وتحصل من هذا أن محل التأويلين فيمن لم يسلم فإن أسلم أجزأ اتفاقات وعلى القول بأنه يجزئ عتق من يجبر على الإسلام ففي الوقف حتى يسلم قولان يعني أنه جرى قولان في الوقف أي منع المظاهر من زوجته حتى يسلم العجمي الذي أعتقه وعدم منعه منها، والقولان مرتبان على القول بإجزاء الأعجمي، وعلى القول بالوقف فإن مات قبل أن يسلم لم يجزه، والقول بالوقف حكاه ابن يونس عن بعض أصحابه، والقول بعدم الوقف لابن يونس، وعليه فيجزئه وإن مات قبل أن يسلم، كما للشارح لأنه على دين من اشتراه ويجبره على الإسلام ولا يأباه في غالب أمره فكأنه مسلم، وقوله: وفي الوقف لخ، ظاهره أن الوقف واجب. سليمة من قطع إصبع يعني أنه يشترط في الرقبة المذكورة أن تكون سليمة من قطع إصبع وإن زائدا إن أحس وساوى غيره في الإحساس، كذا ينبغي، قاله عبد الباقي. وانظر إذا ذهب أنملتان والظاهر الإجزاء لأن الخلاف في الإصبع نقله عبد الباقي عن الحطاب. ومن المدونة وغيرها: من اشترى عبدا فأعتقه في ظهاره أو بعيرا فقلده وأشعره ثم أصاب به عيبا لا يجوز به العبد في الرقاب ولا البعير

ص: 428

في الهدايا يرجع بقيمة العيب ولا يرده لفواته بالعتق أو بالهدي ويجعل ما يأخذ في قيمة العيب فيما عليه من بدله. نقله الحطاب. فرع: من أعتق رقبة في ظهار فاستحقت الرقبة فرجع العتق على بائعها بالثمن وهو ثمن واسع، قال ابن القاسم: يشتري به كله رقبة ولا يشتري ببعضه لأن مالكا سئل عن الرجل يعتق الرقبة عن ظهاره ثم يطلع على عيب؟ قال: يرجع به على بائعه ويجعله في رقبة فإن لم يجد به رقبة أعان به في رقبة يتم به عتقها، قال ابن القاسم: فمن هنا رأيت ما قلت لك قال: والعيب الذي أصيب بالعبد ليس هو مما إذا كان في العبد لم يجز في الرقاب ولكنه إذا كان بالعبد جاز العبد به وأجزأه، قلت: فلو كان في تطوع؟ قال: يرجع بالعيب ويصنع به ما شاء. قاله في سماع سحنون. نقله الحطاب وقوله: إصبع سواء كان إبهاما أو خنصرا أو غيره من يد أو رجل، ومثله الشلل والإقعاد وذهاب الأسنان كلها ويجزئ ذاهب بعض الأسنان. قاله الشبراخيتي. قال: وتعبيره بقطع لا محترز له بل نقصه خلقة كذلك، ولو عبر به كان أحسن. نقله الشبراخيتي عن الأجهوري. وقال الشارح مفسرا للمص: أي فلا يجزئ المقطوع الإصبع على المشهور وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقال غيره فيها: يجزئ، وعمى يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار أن تكون سالمة من العمى ومثله غشاوة لا يبصر معها إلا بعسر، لا خفيفها وأعشى وأجهر فيجزئ؛

تنبيه: قال ابن عرفة والدين المانع سعيه لنفسه لصرفه في قضاء دينه وزمانة الشيخوخة يمنعان إجزاءه، بخلاف الصغير لاستقباله، ولذا جاز بيعه. انتهى. نقله الحطاب. وبكم يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار أن تكون سالمة من البكم أيضا والبكم هو عدم فصاحة النطق بالكلام. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: هو الذي لا ينطق، وجنون يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار مع ما تقدم أن تكون سالمة من الجنون حيث كثر، بل وإن قل زمن جنونه كأن يصرع في الشهر أو في الشهرين مثلما مرة؛ قوله: وإن قل، قاله مالك وابن القاسم؛ وقال أشهب: إن كان يأتي في كل شهرين فلا يمنع من الإجزاء نقله الشارح فائدة: في نوازل ابن هلال وسئل عمن يعالج الجان ويداوي المصاب هل يجوز له أخذ شيء على ذلك وإن جاز فهل يلزم تعيينه أم لا؟ فأجاب: إن جرب نفعه وعلمت فائدته ومصلحته ورقى بأسماء الله أو بالقرآن فذلك حسن، وله عليه أجرة بحسب شرطه أو يكون موكولا إلى ما تسمح به نفس المعمول

ص: 429

له وليس فيه محدود. انتهى. ومر من الشرط؛ يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار مع ما مر من الشروط أن تكون سالمة من مرض مشرف، والمراد به الذي بلغ صاحبه حد النزع لا مطلق الإشراف كما هو ظاهره كقوله في البيع، لا كمحرم أشرف، وقوله: مشرف، قال الشبراخيتي: أصله مشرف صاحبه، فحذف المضاف فانفصل الضمير المضاف إليه على حد:{عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} انتهى. وفيه نظر، وصوابه: فارتفع الضمير. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح: قال ابن المواز: وذلك إذا بلغ صاحبه النزع، ويجزئ ما لم يبلغه. انتهى. وقطع أذنين يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار مع ما مر أن تكون سالمة من قطع أشراف الأذنين ويأتي الكلام على الواحدة إن شاء الله. وأولى في عدم الإجزاء قطعهما من أصلهما. وصمم هو انسداد الأذن أي عدم السمع أعاذنا الله من البلاء؛ يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار أن تكون سالمة من الصمم وكذا ثقل السمع الشديد، وقوله: وصمم، هو مذهب المدونة، وقال أشهب: لا يمنع من الإجزاء، وينبغي أن يجري في البكم الذي ليس معه صمم ما جرى من الخلاف في الصمم. قاله الشارح. وهرم يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار أن تكون سالمة من الهرم وهو كبر السن. وعرج يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار مع ما مر من الشروط أن تكون سليمة من العرج وهو الظلع في المشي، وإنما يمنع الهرم والعرج الإجزاء بشرط أن يكونا شديدين وقد مر قول ابن عرفة: زمانة الشيخوخة تمنع الإجزاء، وقال الشارح مفسرا للمص: أي فلا يمنع الخفيف منهما الإجزاء، وقد قال في المدونة: ويجزئ العرج الخفيف، مالك: ولا يجزئ البين منه، وقال أشهب: لا يجزئ، ابن شاس: ولا يجزئ الهرم العاجز. وجذام يعني أنه يشترط فيها أيضا مع ما مر أن تكون سالمة من الجذام قل أو كثر. وبرص يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار أن تكون سالمة من البرص وإن قل، وحكى اللخمي عن أشهب: أن الخفيف من البرص لا يمنع الإجزاء. قاله الشارح. وفلج يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار مع ما مر من الشروط أن تكون سالمة من الفلج، قال الشبراخيتي: فسره في المدونة بيبس الشق، لكن قال في الحاشية المراد بالفلج هنا يبس بعض الأعضاء ويبس الشق ليس شرطا، ولو اطلع المشتري على عيب بعد عتقه لا يجزئ رجع بالأرش واستعان به في رقبة وأرش عيب لا يمنع الإجزاء يفعل به ما شاء. انتهى. وانظره مع ما مر عن الحطاب عند قوله: سليمة من قطع إصبع، وقال الشارح عند قوله: وجذام وبرص

ص: 430

وفلح ما نصه هكذا نص في المدونة على أن كلا من هذه الثلاثة يمنع الإجزاء. انتهى. بلا شوب عوض يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار أن تكون خالية من شوائب العوض فلا يعتقه عن ظهاره على دينار في ذمة العبد، وأما بما في يده فيجزئه لأن له انتزاعه. قاله في المدونة. وكعتقه عن ظهار غيره على جعل يأخذه من ذلك الغير فإن وقع فله الجعل ويعتق والولاء للمعتق عنه ولا يجزنه عن ظهاره، وعلله في المدونة بأنه كمن اشترى رقبة بشرط العتق. قال الشبراخيتي: لا هنا اسم بمعنى غير، ظهر إعرابه فيما بعدها لكونها على صورة الحرف؛ أي إعتاق رقبة متلبسا بغير شوب عوض، لا مشتري للعتق عطف على قوله: بلا شوب عوض فهو من جملة محترزاته، يعني أن من اشترى رقبة واشترط عليه البائع العتق فأعتقها المشتري عن ظهاره فإنها لا تجزئه لما فيها من شائبة العوض لأنها غير كاملة لأن البائع قد وضع من قيمتها لأجل العتق. قاله غير واحد. وقال الشارح: كمن اشترى الرقبة بشرط أن يعتقها عن ظهاره فإنه لا يجزئه. انتهى. وقوله: لا مشترى للعتق، هذه المسألة عارضها أبو إسحاق بمن أعتق عبده عن ظهار رجل فإن مذهبها الإجزاء، وأجيب بأن المشتري لا دخل مع البائع على العتق فكأنه ترك له من ثمنها شيئا لكان العتق فلا يحصل عتق الرقبة بكمالها. والواهب قد خرجت عن ملكه بكمالها قاله الشبراخيتي. وقوله: مشترى، ذكره على تأويل الرقبة بالمملوك، وأتى المص بالأوصاف للرقبة غير متعاطفة لأن الأصل في الصفات للشيء الواحد أن لا يعطف بعضها على بعض نحو:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ونحو: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} الآية، لاتحاد محل الصفات، ولأن الصفة تجري مجرى الموصوف، وإنما خولف ذلك في حق:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} لأن كل اثنين منها متقابلان بحسب أصل الوضع فرفع توهم امتناع اجتماعهما بالعطف ولذلك عطفت الصفة الثامنة في: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} وفي: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} لأن مطلوب الأمر إيجاد والنهي عدم وخولف في: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} إشارة إلى أن محل الأول غير محل الثاني؛ إذ المعنى أنه يغفر الذنوب لمن مات مصرا غير تائب إن شاء وأما من قبل توبته فمغفور له بلا إشكال، خلافا في الأول للفئة الباغية وهو صريح في أن الصفة إنما تعطف على الأخير. انظر حاشية الشيخ بناني. وحينئذ فقوله: لا مشترى للعتق عطف على قوله: بلا شوب عوض لأنها محترزه لا على قوله: سليمة. والله سبحانه أعلم. محررة له أي

ص: 431

لأجل الظهار يعني أنه يشترط في الرقبة التي يكفر بها المظاهر أن تكون محررة له أي معتقة لأجل الظهار، فلذلك لا يجزئه من اشتراه ليعتقه عن ظهاره وهو يعتق عليه بقرابة؛ لأن عتقه بسبب القرابة لا الظهار، وكذا من يعتق عليه بالتعليق، نحو إن اشتريته فهو حر، فإنه إذا اشتراه ليعتقه عن ظهاره لا يجزئه لأنه يعتق بنفس الشراء فلم يصادف عتقه للظهار محلا يقع عليه لما عرفت. ولو اشترى من يعتق عليه بقرابة أو تعليق وهو لا يعرفه فأعتقه عن ظهاره ثم تبين بعد ذلك أنه يعتق عليه بشيء مما ذكر فإنه لا يجزئه لعتق من ذكر بنفس الشراء، ويدخل في كلام المص ما لو اشترى زوجته حاملا منه كما في المدونة لأنها تكون بذلك أم ولد، قال أبو الحسن: ومعنى المسألة إذا كان الولد ممن لا يعتق على السيد، أما إن كان ممن يعتق عليه فيجوز، كما إذا تزوج أمة والده أو أمه فتحمل منه فيبتاعها حاملا كما في المدونة، وهذا إذا نزل وأعتقه وأما ابتداء فلا يجوز لأن فيه استثناء الجنين لكونه يعتق على البائع. نقله الشبراخيتي. وأفاد بقوله: من يعتق عليه أي بالفعل أن من كان للغرماء منعه من شراء من يعتق عليه ورده يجزئه عتقه إذا أذنوا له في الشراء، والعتق أو في العتق بعد الشراء وهو كذلك كما قاله اللخمي. وفي إن اشتريته فهو حر عن ظهاري تأويلان؛ يعني أن الإمام قال في المدونة: لا يجزئه أن يعتق عبدا قال: إن اشتريته فهو حر، فإن اشتراه وهو مظاهر فلا يجزئه. انتهى. وقال ابن المواز عن ابن القاسم: ولو قال: إن اشتريت فلانا فهو حر عن ظهاري فاشتراه فهو يجزئه، واختلف الشيوخ في فهم المدونة فابن يونس حملها على العموم فيكون ما لابن المواز خلافا لما في المدونة، والباجي حملها على ما إذا لم يقل عن ظهاري فيكون ما له وفاقا لما في المدونة، فمعنى كلام المص: وفي حمل كلام المدونة على العموم فيكون ما لابن المواز خلافا، وحينئذ فمذهب المدونة عدم الإجزاء فيما إذا قال: إن اشتريته فهو حر، قال: عن ظهاري أو لم يقل ذلك، وحملها لا على العموم بل على ما إذا لم يقل عن ظهاري، وأما لو قال: إن اشتريته فهو حر عن ظهاري لأجزأ على مذهب المدونة، كما لابن المواز عن ابن القاسم، تأويلان، تأويل الخلاف وهو لابن يونس، وتأويل الوفاق وهو للباجي، قال عبد الباقي: ومحل التأويلين حيث علق بعد ما ظاهر، وأما إن علق ثم ظاهر فيتفق التأويلان على الإجزاء. انتهى. وقال محمد بن الحسن: هذا التقييد لأبي عمران لكن خالفه ابن يونس قائلا المسألتان هما سواء. انتهى. وفرق بينهما بأن

ص: 432

المظاهر التزم عتقه للكفارة في وقت يستقر ملكه عليه فيه لو ملكه لأنه قاله قبل ظهاره، وأما لو قاله بعد الظهار فإنه التزم عتقه للكفارة في وقت لا يستقر ملكه عليه فيه لو ملكه لأنه قاله قبل ظهاره، وأما لو قاله بعد الظهار فإنه التزم عتقه للكفارة في وقت لا يستقر ملكه عليه فيه إذا ملكه. والله سبحانه أعلم. ومحل التأويلين فيمن لا سبب فيه للعتق إلا التعليق المذكور كما هو واضح. والعتق عطف على عوض أي وبلا شوب العتق يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار أن تكون خالية من شوائب العتق، وأما من فيه شائبة العتق فإنه لا يجزئ عتقه في الظهار كمكاتب ومدبر ونحوهما كمعتق لأجل ومبعض وهذا إذا أعتق المكاتب أو الدبر سيدهما، وأما إن اشترى شخص واحدا منهما وأعتقه عن ظهاره وقلنا بإمضاء البيع كما صرح به المص في باب التدبير، حيث قال: وفسخ بيعه إن لم يعتقه كالكاتب فقيل يجزئه وقيل: لا يجزئه. قاله عبد الباقي. وشمل قوله: ونحوهما، أم الولد ويدخل فيها ما لو اشترى زوجته حاملا منه لأنها تصير به أم ولد؛ قال أبو الحسن: ومعناه أن الحمل لا يعتق على سيد أمه فإن كان يعتق عليه أجزأ عن ظهاره ولا يجوز ابتداء وقد مر هذا. والله سبحانه أعلم. أو أعتق نصفا فكمل عليه يعني أنه يشترط في الرقبة المحررة للظهار مع ما مر أن يكون عتقها دفعة فلذلك إذا أعتق جزءا له من عبد والباقي لغيره فكمل عليه بعتق حصة شريكه بأن كان الظاهر موسرا وحكم عليه الشرع بدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه وعتق عليه فإنه لا يجزئه عن ظهاره، وكذا لو أعتق جزءا من عبده الذي يملكه كله نصفا أو غيره ثم أعتق هو الجزء الباقي فإن ذلك لا يجزئه لما علمت من أن شرط الإجزاء في الرقبة التي تعتق عن الظهار أن تعتق دفعة، ولأن الحكم لما كان يوجب عليه التتميم في الباقي صار ملكه غير تام فلو أعتق من يملك جزء عبد جميعه عن ظهاره، فهل يجزئه؟ بناء على أنه ليس لشريكه عتق حصته حيث كان العتق مليا، أو لا يجزئه بناء على مقابله أن لشريكة عتق نصيبه، وهو الصواب؛ لأنه لكل الرواة غير ابن القاسم قولان؛ وقررت المص بأن قوله: فكمل عليه، فيما إذا كان العبد مشتركا، وقوله: أو أعتقه، فيما إذا كان العبد له فأعتق نصفه ثم أعتق النصف الآخر، تبعا لعبد الباقي، وجعله الحطاب فيما إذا كان العبد كله له فإنه قال شارحا لقوله:"أو أعتق نصفا فكمل عليه أو أعتقه": يعني أنه إذا أعتق نصف عبده عن ظهاره ثم كمل عليه الحاكم نصفه الثاني أو أعتق نصفه عن ظهاره ثم أعتق نصفه الثاني عن ذلك

ص: 433

الظهار فإنه لا يجزئه، أما الأولى فظاهرة، وأما الثانية فما ذكره المص هو قول ابن الماجشون وأصبغ؛ وقال ابن عبد السلام: هو ظاهر المدونة. انتهى. وكذا الشارح جعل المسألتين فيما إذا كان يملك العبد كله فإنه قال شارحا لقوله: أو أعتق نصفا فكمل عليه: أو أعتقه، ما نصه: وكذا لا تجزئه إن أعتق نصف رقبة ولو أعتق عليه الحاكم النصف الباقي أو أعتقه هو بعد ذلك، وهذا هو المشهور، ولابن القاسم قول بالإجزاء. انتهى. وعمم الشبراخيتي في الأولى فقال: أو أعتق نصفا في رقبة والباقي لغيره أو له. انتهى. وحينئذ فيرجع قوله: أو أعتقه للمسألة الثانية وهي ما إذا كان العبد كله للمظاهر. والله سبحانه أعلم. أو أعتق ثلاث عن أربع؛ يعني أن من أعتق ثلاث رقاب عن أربع نسوة ظاهر منهن وشركهن في الثلاث فإن ذلك لا يجزئ عن واحدة منهن لأنه ناب كل واحدة ثلاثة أرباع رقبة والعتق في الظهار لا يتبعض، وحيث قصد التشريك في كل كفارة فإن العتق لا يجزئ، ولو أعتق أربعا عن أربع بل وإن زاد ما أعتقه عما لزمه كأربع عن ثلاث قاصدا التشريك في كل واحدة منها عما لزمه من كفارتين أو أكثر لم يجزه، فإن عين لكل واحدة رقبة حللن أو أطلق حللن أيضا عند ابن القاسم لا عند أشهب، ولو أعتق واحدة عن واحدة معينة من اثنتين وأبهم عن الأخرى بأن قال: هذا حر عن واحدة من زوجتيَّ، حلت المعينة مطلقا كالأخرى إن تعينت بأن تأخرت وإلا فلا، قال مقيده هذا ما ظهر لي ورأيت معزوا للنفراوي أن معنى وإلا فلا: وإلا بأن كان عنده ثلاث زوجات أو أربع أن معنى إن تعينت بتعينه هو بأن يقول: هي فلانة من زوجتيه ولم يكن له سواها. انتهى والله سبحانه أعلم. ولو نسي التي أعتق عنها كفر عن الأخرى وأجزأه ومنع حتى يكفر عن الأخرى. ابن عرفة: وصرف عدد كفارة لمثله من ظهار مجزئ ولو دون تعيين إن لم يقتض شركة في رقبة أو في شهري صوم أو في مسكين للزوم تتابع الصوم وصحة تفريق إطعام المساكين، فإن تساوى العددان فواضح وإن قل عدد الكفارة منع الوطء ما لم يبلغ عدد الظهار، ولو لم يبق إلا واحدة لغلبة الحرمة فيما احتملها مساويا انتهى نقله بناني. ويجزئ الأعور؛ قد مر أن الأعمى لا يجزئ في الظهار والكلام هنا في الأعور يعني أن من أعتق عبدا أعور عن ظهاره يجزئه ولا يمنعه عوره من الإجزاء، والأعور هو فاقد ضوء إحدى العينين، وأما إن فقد من كل واحدة بعض نظر فالظاهر أنه يجزئ أيضا، قاله عبد الباقي وغيره. وأما الذي خرجت عينه فعند الكافة يجزئ وقال عبد الملك: لا يجزئ وقوله: ويجزئ أعور هو

ص: 434

مذهب المدونة وحكى محمد عن مالك نفي الإجزاء. انتهى. قاله الشارح ومغصوب يعني أن الظاهر إذا غصب منه عبد فأعتقه عن ظهاره فإنه يجزئه وإن لم يقدر على خلاصه. قاله في التوضيح. أي لأنه باق على ملكه فعدم قدرته على التصرف فيه لا يزيل ملكه عنه. قال عبد الباقي: ويجوز ابتداء على ظاهر صنيع المواق، وناقشه بناني. وقال: ليس في المواق ما يدل على ذلك، ومرهون يعني أن الظاهر إذا أعتق عن ظهاره عبدا له مرهونا فإنه يجزئه، وجان يعني أن المظاهر إذا أعتق عن ظهاره عبدا له جانيا فإنه يجزئه عن ظهاره، وإنما يجزئ عتق المرهون والجاني عن الظهار إن افتديا بأن خلص المرهون من الرهنية والجاني من المجني عليه، وإلا فلا يجزئ عتقهما، والحاصل أن المظاهر إذا أعتق عبده المرهون أو الجاني ثم بعد ذلك خلص المرهون من الرهنية والجاني من المجني عليه فإن عتقهما يجزئ، وأما إذا أعتقا عن الظهار ثم بعد ذلك رد عتقهما لكون المرهون بيع للمرتهن في قضاء دينه ولكون الجاني أسلم في الجناية فلا إشكال في عدم الإجزاء، هذا ويتعين فداؤهما إن أمكن ويحصل الإجزاء حينئذ. ومرض يعني أن المرض الخفيف في رقيق الظهار لا يمنع من الإجزاء. وعرج يعني أن العرج وهو الظلع في المشي لا يمنع من الإجزاء في رقيق الظهار بشرط أن يكون خفيفا؛ ولهذا قال خفيفا أي لابد من من كون كل من المرض والعرج خفيفا، فقوله: ومرض الظاهر أنه عطف على المعنى أي لا يمنع الإجزاء في انتفاء عمى وفي مرض خفيف وعرج خفيف، فهو من عطف المحترزات على اللف والنشر. والله أعلم. والواو في وعرج بمعنى أو، وانظر لو اجتمعا خفيفين، وأما الشديدان فقد مر اشتراط السلامة منهما في قوله: ومرض مشرف، وفي قوله: وهرم وعرج شديدين وأنملة يعني أن من أعتق رقيقا عن ظهاره وهو ناقص أنملة لا يمنعه ذلك من الإجزاء بل تجزئ ولو كانت أنملة إبهام، قال الحطاب: وانظر إذا ذهبت أنملتان والأشبه الإجزاء لأن الخلاف في الإصبع. انتهى. وجدع في أذن يعني أن الجدع في الأذن لا يضر بل لا يضر جدع الأذن كلها فلو حذف في كان أحسن. حرره غير واحد. وعتق الغير عنه يعني أن المظاهر إذا أعتق غيره عنه عبدا في كفارة ظهاره فإنه يجزئه، فله وطؤها من غير تكفير، ولو لم يأذن يعني أن الإجزاء المذكور لا يشترط فيه إذن المظاهر للغير في أن يعتق عنه بل يجزئ ولو لم يأذن له في ذلك، ولابد في الإجزاء المذكور من شرطين، أحدهما: أشار إليه بقوله: إن عاد هذا هو قول عبد الحق: معنى قوله في المدونة:

ص: 435

أجزأه، إنما ذلك إذا كان الرجل قد وطئ فوجب عليه الكفارة أو كان قد أراد العودة، فأما إن أعتق عنه قبل أن يطأ أو قبل إرادة العودة فلا يجزئ ذلك بلا خلاف، وأشار إلى الشرط الثاني بقوله: ورضيه أي لابد في الإجزاء المذكور أيضا من أن يرضى الزوج المظاهر بعتق الغير عنه عند بلوغ العتق له، وأولى قبله مع إذنه أو عدمه، فقوله: إن عاد شرط فيما قبل المبالغة وما بعدها، وقوله: ورضيه شرط فيما بعدها لا فيما قبلها، وينتفي الإجزاء بانتفاء أحد الشرطين، إلا أن يكون عن ميت فنية العود منه أو الوطء قبل موته كافية لتعذر الرضى بعد الموت، ولا يضر الجدع في الأنف أو نقص بعض الأسنان. الباجي عن ابن حبيب والضرس ويجزئ ولد الزنى اتفاقا. قاله الحطاب. وكره الخصي يعني أنه يكره للمظاهر أن يعتق عن ظهاره الرقيق الخصي مع أنه يجزئ. قال الشارح: وانظر هل حكم المجبوب والعنين كذلك؟ أو لا. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: والظاهر في العنين الإجزاء من غير كراهة لشمول الظواهر له. والله سبحانه أعلم. ونص الأمير على كراهة المجبوب، ونصه: وكره الخصي والمجبوب. انتهى. وقوله: وكره الخصي هو مذهب المدونة، وقيل: لا يجزئ. انظر الشارح. وندب أن يصلي ويصوم يعني أن الصغير يجزئ في الظهار ولكنه يندب له أن يعتق عن ظهاره من يصلي ويصوم أي يعقل أن من فعلهما يثاب ومن تركهما يعاقب، وظاهره وإن لم يبلغ من من يؤمر بالصلاة. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: أي يعقل الصلاة والصوم. قاله الشارح. أي عقل ثواب الصلاة والصوم أي بلغ التمييز وإن لم يحتلم. انتهى. وقال الأمير: وندب المميز وبه فسر قول الأصل: وندب أن يصلي ويصوم. انتهى. وقال الشارح: أي ويستحب أن يكون المعتَق في الظهار ممن يصلي ويصوم، وهذا كقوله. في المدونة: وعتق من صلى وصام أحب إلينا، قال ابن القاسم: يريد من عقل الصلاة والصيام أي بلغ التمييز وإن لم يحتلم، وكلام ابن عبد السلام يدل على أن المراد عند ابن القاسم من بلغ الحلم. انتهى. وقوله: وندب أن يصلي ويصوم أي فيجزئ الصغير وإن رضيعا كما في جميع الكفارات فإن أعتقه كذلك فكبر أخرس أو أصم أو مقعدا أو مطبقا فليس عليه بدله، وكذا لو ابتاعه فكبر على مثل هذا لا يرد البيع ولا يلحق البائع شيء من ذلك. قاله عبد الباقي وفي الحطاب: وأما عتق الرضيع فيجزئ. قاله كل أهل المذهب. وقال في المدونة: ويجوز عتق الرضيع والأعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة، قال ابن ناجي: ما ذكره في الصغير متفق

ص: 436

عليه ويريد بقوله: يجزئ أن نفقته عليه إلى أن يبلغ الكسب ولو بالسؤال وبه كان شيخنا حفظه الله يفتي، ويذكر أن أبا حفص العطار نص على ذلك، وأخذ ابن رشد مثله من قوله في كتاب التجارة: ومن أعتق ابن أم الصغير فله بيع أمه ويشترط على المبتاع نفقة الولد ومؤنته. انتهى. وقوله في المدونة: إذا كان من قصر النفقة، قال في التوضيح: قال أبو عمران: هو على الاستحباب، وأما الإجزاء فإنه يجزئ وإن كان مع سعة النفقة، وقال ابن عبد السلام: وقيل: إنه شرط ينتفي الإجزاء بانتفائه، والأول أولى؛ لأنه لا يعلم شيء من مسائل هذا الباب وما يقرب مند يجزئ الفقير ولا يجزئ الغني. انتهى. وفي سماع أصبغ: قيل: أرأيت من أعتق في رقبته منفوسا فكبر أخرس أو أصم أو مقعدا أو مطبقا عليه أعليه بدلها؟ قال: ليس ذلك عليه، وهذا شيء يحدث، وكذا لو ابتاعه فكبر على مثل هذا لم يلحق البائع شيء من ذلك، ابن رشد: وتعليله لإجزاء ذلك في الكفارة وأنه لا رجوع في ذلك على البائع بأن هذا شيء يحدث ليس بعلة صحيحة؛ لأن ما يقدم ويحدث من العيوب إذا أمكن أن يعلم يحلف البائع فيه يمينا ولا يجزئ عن المكفر في الكفارة إذا كان العيب مما لا يجوز في الرقاب، فالعلة في ذلك هي أن هذا مما يستوي البائع والمبتاع في الجهل بمعرفته، ولا يمكن أن يعلمه أحد، فلم يكن له حكم البيع في قيام المبتاع على البائع ولا في عدم الإجزاء في الكفارة لأن المكفر قد أدى ما يجب عليه باجتهاده ولم يقصر فلا رد عليه. والله أعلم. ثم لمعسر عنه هذا هو النوع الثاني من أنواع الكفارة وهو الصيام؛ يعني أن المظاهر إذا عجز عن التكفير بالعتق فإنه يكفر بالصيام الآتي قدره ونعته، فالضمير في عنه يرجع للعتق، والدليل على أن الكفر في الظهار لا ينتقل للصيام إلا بعد العجز عن العتق فوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ويعتبر العسر وقت الأداء أي إخراج الكفارة وضمن قوله: لمعسر، معنى عاجز، فلذلك عداه بعن، وقيل: إن المعتبر في العسر وقت الوجوب وطء في العود، وفهم منه بالأحروية أنه يصوم حيث أعسر في الوقتين معا. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي عند قوله: وقت الأداء: أي إخراج الكفارة لا وقت الظهار ولا وقت الوجوب وهو العود، فمن ظاهر معسرا ثم أيسر لزمه العتق وبالعكس سقط عنه العتق، كمضيع صلاة قادرا على القيام ثم عجز عن أدائها قائما أو العكس، وكذا في القادر على الماء وعكسه، وذكر مفهوم لمعسر بقوله: لا قادر يعني أن من قدر على التكفير بالعتق في الظهار لا

ص: 437

ينتقل للصوم وهذا واضح، وإنما أتى به لقوله وإن بملك محتاج يعني أن المظاهر إذا قدر على العتق ولو بالنفقة الواجبة عليه لا ينتقل إلى الصوم، وكذا لو كانت قدرته على العتق حاصلة بسبب ملك يحتاج إليه من عبد أو عين أو غيرهما لـ أجل كمرض واقع أو متوقع أو سكنى مسكن لا فضل فيه؛ ومنصب أي رتبة مرتفعة، أدخلت الكاف نحو ذلك من مسكن لا فضل فيه كما مرة أو كتب فقيه محتاج لها. ولا يترك له ما يترك للمفلس لإتيانه بمنكر من القول وزور، والدين وإن كان معصية بعض أحواله أو صرفه في فساد لا يصل إلى ذلك في كل حالاته. قاله عبد الباقي. أو بملك رقبة فقط ظاهر منها يعني أن من ظاهر من أمة لا يملك غيرها فإنه قد لزمه الظهار فيها وحينئذ فلا يجوز له أن يكفر عن ظهاره فيها بالصوم، بل يلزمه أن يعتقها، فإذا تزوجها بعد الحرية حلت له من غير كفارة، واستشكل هذا بأن عتقها لأجل الظهار يشترط في إجزائه العزم على الوطء ووطؤها ملزوم لملكها وملكها مناقض لعتقها فلزم مناقضة الشرط مشروطه، ويجاب بأن الملك المناقض لعتقها هو المقارن له والملك اللازم للعزم على الوطء سابق على العتق، وأحد شروط التناقض اتحاد الزمن. انظر حاشية الشيخ بناني. وفي كتاب الأمير: أو بأمة ظاهر منها فيكفر بها عنها والعزم على الوطء ولو بنكاح بعد، وهذا خير من قول الخرشي، بعزم عليه وإن كان حراما، وفي بناني عن ابن عرفة: العزم على الوطء يقتضي الملك حاله وهو سابق على التكفير المقتضي عدمه لأنه شرطه وشرط التناقض اتحاد الزمن فليتأمل. انتهى. صوم شهرين مضاف إليه ومبتدأ خبره لمعسر من عطف الجمل أو خبر معطوف على إعتاق، وكذا قوله الآتي: ثم تمليك أي وهي أي الكفارة أنواع ثلاثة مرتبة أحدها إعتاق ثم صوم ولمعسر يتعلق به، وقوله: صوم شهرين أي للحر والعبد. وقوله: بالهلال؛ متعلق بصفة محذوفة أي محسوبين أو كائنين بالهلال؛ يعني أنه إذا بدأ بالصوم من أول الشهر فإن الشهرين يحسبان بالهلال فيكتفي بالشهر الذي ابتدأ الصوم من أوله وتاليه ناقصين أو كاملين أو مختلفين؛ منويَّ التتابع؛ حال من صوم؛ يعني أنه يشترط في إجزاء الصوم المذكور أن يكون منوي التتابع أي لابد أن ينوي أنه يتابع صوم شهرين. والكفارة يعني أنه يشترط في إجزاء صوم الشهرين المذكورين عن الكفارة أن ينوي المظاهر بالصوم التكفير عن ظهاره، ويكفي أن ينوي ذلك في أول ليلة من الشهرين، وكذا كل كفارة واجبة فإنه لابد أن ينوي بصومه التكفير عن ذلك الأمر المكفر عنه؛ وعبارة الأمير: وافتقرت الكفارة مطلقا أي صوما

ص: 438

أو غيره لنية. انتهى. وإذا وجبت عليه كفارة واحدة عن أربع مثلا فتكفي نية الصوم عن واحدة منهن إن نسي غيرها، لا إن ذكرها وأخرجها، كما يفيده ابن عرفة، قال عبد الباقي: وكذا إن ذكرها ولم يخرجها فيما يظهر لأن نية واحدة بعينها مع ذكر غيرها قد يتضمن إخراجها. انتهى. قال بناني: ما استظهره هنا خلاف ما قدمه في الوضوء عند قوله: أو نسي حدثا لا أخرجه، مع أن هذه المسألة مقيسة على ما تقدم هناك، كما يفيده ابن عرفة، ونصه: فلو نوى واحدة مخرجا غيرها من الكفارات فسدت للتناقض كالأحداث، وفي المدونة: كالحالف بالله في أشياء يفعل أحدها فكفارته تجزئ عن جميعها، وإن نوى بالكفارة الشيء الذي به حنث ناسيا لباقيها أو ذاكرا. انتهى. وقد مر عن غير واحد عند قول المص:"أو ظاهر من نسائه"، أنه إذا جهل فظن أن عليه لكل واحدة كفارة وصام عن إحداهن أجزأه عن جميعهن. ابن رشد: اتفاقا. انتهى. وتمم الأول إن انكسر من الثالث يعني أنه إذا ابتدأ بالصوم في أول الشهر فإنه يكتفي بالشهر ناقصا كان أو كاملا، فإن ابتدأ الصوم في أثناء الشهر وهو المراد بالانكسار فإنه يكتفي بالشهر الذي ابتدئ بالصوم في أوله وهو الثاني ويتمم الشهر الذي ابتدئ بالصوم في أثنائه وهو الأول من الشهر الثالث ثلاثين، والحاصل أنه إن ابتدئ بالصوم في أول الشهر وأردفه بالثاني من غير فصل فإنه يكتفي بهما ناقصين أو كاملين أو أحدهما ناقص والآخر كامل، فإن لم يبدأ بالصوم من أول الهلال تمم الأول من الثالث ثلاثين واجتزئ بالثاني ناقصا أو كاملا إن لم يقع فصل، وأما إن وقع فصل في أحدهما أو فيهما لمرض فإنه يتمم ما وقع فيه ذلك منهما أو من أحدهما ثلاثين، ولو كان الذي صام منه البعض تسعة وعشرين، فلو صام من المحرم مثلا عشرين وصام صفرا بالهلال كمل من ربيع الأول ما بقي من المحرم عشرة أيام كان المحرم ناقصا أو كاملا، وما أحسن عبارة الأمير حيث قال: وعول على الهلال إن صامه كله وإلا فالثلاثون. انتهى. وسواء في ذلك الحر والعبد وإنما لزم في الكفارة حيث صام بعض شهر ناقص إتمام ثلاثين ولزم في رمضان الإتيان بعدد ما أفطر منه؛ لأن الشهرين في الظهار لم يقيدا بزمن معين فحملا على الشهرين الكاملين حيث لم يبدأ بالهلال بخلاف رمضان فإنه معين فاقتصر فيه على لا يظهره الله من العدد. وللسيد المنع يعني أن السيد له أن يمنع عبده المظاهر من التكفير بالصوم وإنما يكون له ذلك إن أضر بخدمته حيث كان من عبيد الخدمة، كذا للسيد أن يمنع عبده من

ص: 439

التكفير بالصوم حيث كان من عبيد الخراج ولم يؤد خراجه بسبب الصوم لكونه يضعفه عن أن يأتي بخراجه.

وعلم مما قررت أن الواو بمعنى أو فإن كان من عبيد الخدمة والخراج وحصل بالصوم ضرر في أحدهما فله المنع كما يفيده ابن عرفة، ومفهوم المص أنه إن لم يضر الصوم بعمل العبد من خدمة أو خراج فليس لسيده المنع من التكفير بالصوم، وتعين الصوم لذي الرق يعني أن العبد المظاهر إذا أراد أن يكفر عن ظهاره فإن الصوم يتعين في حقه، وكذا كل كفارة غير الظهار وسيأتي في المكاتب:"وكفر بالصوم"، وإنما يتعين عليه التكفير بالصوم حيث قدر عليه أو عجز ولم يأذن له سيده في الإطعام، ومعنى تعينه على العاجز أنه يطالب به حيث قدر عليه، وقوله: وتعين لذي الرق أي بالنظر للعتق فلا يعتق وإن أذن له السيد، وأما الإطعام فله أن يكفر به إن أذن له السيد فيه، وعلل عدم تكفيره بالعتق مع إذن السيد له فيه بأن من لوازم العتق الولاءَ ولا ولاء للرقيق. قال بعض الشراح: قلت: قالوا: إن الذي لا ينتزع السيد ماله كالكاتب وأم الولد والمدبر إذا مرض السيد والمعتق لأجل إذا قرب الأجل لهم ولاء ما أعتقوه، ويرد قولهم هنا إذ لا ولاء له ولو حمل قولهم: إذ لا ولاء له على أنه لا ولاء له في الحال صح لأنه لا يكون لهم الولاء إلا إذا أعتقوا. انتهى. قال الشيخ أحمد: ولو أخر قوله: وللسيد المنع، عن قوله: وتعين لذي الرق، كان أحسن؛ لأنه إذا حكم بالتعين يتشوف إلى كون السيد له المنع أو لا فهو كالفرع عليه، واعلم أن السفيه المظاهر العاجز عن غير الصوم كالعبد، وكذا القادر على غيره ويضر به في ماله لا إن لم يضر قاله عبد الباقي.

وعلم مما قررت أن قوله لذي الرق شامل لذي الشائبة وغيره. وقال الشبراخيتي: وأما السفيه فقال ابن عرفة: والسفيه المظاهر إن كان واجد العتق ففي لزوم كفارته به كغيره وصرف النظر لوليه، ثالثها: إن لم يجحف به، ورابعها: الثاني في أول ظهار له فإن ظاهر ثانيا لم يكفر عنه وليه ولو آل ذلك للفراق، الأول لعبد الحق عن أصبغ قائلا إن لم يكن له مال وأبى الصوم فمضار، والثاني لابن رشد عن ابن القاسم مع عبد الحق عن سحنون، والثالث سماع عبد الملك عن ابن وهب قائلا له أن يعتق بغير إذن وليه، والرابع لابن رشد عن ابن كنانة. انتهى. ولمن طولب بالفيئة يعني أن التكفير بالصوم يتعين على المظاهر الذي طولب بالفيئة وهي هنا كفارة

ص: 440

الظهار، وإنما يتعين عليه الصوم حيث طولب بالفيئة إذا كان قد التزم قبل الظهار أو بعده عتق من يملكه بأن قال: كل مملوك أملكه لعشر سنين ونحوها من كل مدة يبلغها عمره ظاهرا فهو حر، وأجزأ عتق الغير عن الملتزم المذكور إن عاد ورضيه إن لم يسأله لا إن سأله، كذا ينبغي قاله عبد الباقي، وعبارة الأمير: وصح عتق الغير عنه بلا علمه ثم يرضاه قبل مضي المدة، وإنما تعين الصوم في حق الملتزم المذكور لأنه يشترط في رقبة الظهار أن تكون محررة للظهار والعتق في السنين العشر لليمين لا للظهار، وقوله:"ولمن طولب بالفيئة" مفهومه: لو صبرت الزوجة إلى مضي الأجل فإنه لا يصوم. قاله سحنون. نقله الشبراخيتي. ونحوه لبناني، ونصه: ابن شاس: ولو لم تطالبه لما أجزأه الصوم وصبر لانقضاء الأجل فأعتق. وإن أيسر فيه تمادى يعني أن المظاهر إذا عجز عن العتق وشرع في الصوم ثم إنه أيسر في أثناء الصوم أي في اليوم الرابع منه فما بعده وقدر على التكفير بالعتق فإنه يجب عليه أن يتمادى في الصوم ولا يرجع للتكفير بالعتق كما يفيده النقل. إلا أن يفسده أي الصوم يعني أن محل وجوب تماديه على الصوم إنما هو حيث لم يفسده فإن أفسد صومه وجب عليه التكفير بالعتق ولو لم يبق منه إلا يوم واحد. قاله ابن القاسم. ولا فرق بين أن يفسده متعمدا أو غير متعمد، ولو قال: إلا أن يفسد مطاوع أفسد، لأفاد هذا. قاله الزرقاني أي أحمد. نقله غير واحد. والله أعلم. ونداب العتق في كاليومين يعني أن المظاهر إذا شرع في التكفير بالصوم ثم إنه لما صام يومين أو ثلاثة أيسر وقدر على العتق فإنه يندب له أن يكفر بالعتق ولو تمادى على الصوم لأجزأه، والندب حاصل بعد إتمام الثالث وقبل الدخول في اليوم الرابع، وأما بعد الدخول في اليوم الرابع فقد مر أنه يجب عليه أن يتمادى على الصوم ولا يرجع للعتق، ووجب الرجوع للتكفير بالعتق قبل تمام صوم يوم أو بعده وقبل دخوله في الثاني وإلا ندب لتمام الثالث، وتَحَصَّل مما مر أن الصور أربع، إحداها: أن يوسر قبل الدخول في اليوم الثاني وجب الرجوع للعتق، الثانية: أن يوسر وقد دخل في صيام اليوم الثاني إلى تمام الثالث ولم يدخل في الرابع ندب الرجوع للعتق ولا يقطع الصوم أثناء اليوم بل يتمه، الثالثة: أن يوسر بعد ما دخل في اليوم الرابع وفي هذه يجب عليه التمادي على الصوم وفي هذه الصور الثلاث لم يفسد الصوم، الصورة الرابعة: أن يفسد الصوم ولو في آخر يوم من الكفارة والحال أنه موسر بالعتق فيجب عليه التكفير بالعتق وإنما وجب عليه التكفير بالعتق حيث فسد الصوم لأن المعتبر

ص: 441

حال الأداء كما مر وهو لما فسد صومه خوطب بأدائها وهو الآن موسر لا يجزئه الصوم. (ولو تكلفه المعسر جاز) يعني أن المظاهر المعسر إذا لم يكفر بالصوم وتكلف العتق بأن تداين في ذمته واشترى رقبة وأعتقها عن ظهاره فإن ذلك يمضي ويجزئه عن ظهاره؛ فالجواز هنا بمعنى المضي، فيشمل التكلف الممنوع وغيره ومن التكلف الممنوع ما إذا كان لا يقدر على وفاء الدين ولم يعلم أربابه بالعجز عنه وقد يكون تكلف العتق مكروها كما إذا كان بسؤال لأن السؤال مكروه كان من عادته السؤال أم لا كام إذا سأل

(1)

يعطى أم لا. وانقطع تتابعه بوطئ المظاهر منها؛ يعني أن المظاهر إذا وطئ المظاهر منها حال تكفيره عنها بالصوم فإنه ينقطع تتابع الصوم ويلزمه أن يبتدئ الكفارة أواحدة من نسوة فيهن كفارة؛ يعني أن الصوم في كفارة الظهار ينقطع تتابعه بوطء واحدة من نسوة فيهن كفارة واحدة كما إذا قال لهن أنتن علي كظهر أمي ويلزمه حينئذ أن يبتدئ الكفارة كالتي قبلها ولو حصل هذا في آخر يوم وإن ليلا ونهارا؛ يعني أنه لا فرق في بطلان تتابع الصوم في المسألتين بين أن يطأها ليلا ونهارا كان وطؤه لها ليلا أو نهارا نسيانا أو جهلا أو غلطا، يظنها أمته أو عمدا، واحترز بالمظاهر منها عن وطء غير المظاهر منها ليلا فإنه لا يبطل، واحترز بقوله: أو واحدة ممن فيهن كفارة عما إذا وطئ واحدة ممن فيهن كفارات متعددة ليلا في الصوم والموطوءة لغير الصائم عنها فلا ينقطع بوطئه لها ليلا كما لا ينقطع بوطئه ليلا لغير المظاهر منها؛ وقوله: أو واحدة ممن فيهن كفارة من عطف الخاص على العام؛ أتى به للنكتة التي ذكرها عبد الباقي عن البساطي، قال عنه: فإن قلت الواحدة من الجماعة مظاهر منها فيلزم التكرار، قلت: نعم لكن فيه غموض قد لا يهتدى إليه أو ينازع فيه فذكره. انتهى. واعلم أن مثل الوطء المقدمات على المشهور فيبطل تتابع الصوم بمقدمات الوطء للمظاهر منها أو واحدة ممن فيهن كفارة واحدة وإن ليلا ناسيا أو غالطا هذا قول مطرف وشهره الزناتي؛ ومقابله لسحنون أن الاستمتاع بغير الوطء لا يقطع وهو الموافق لظاهر المص وشهره يوسف بن عمر، وإلى ذلك الخلاف أشار في الشامل بقوله: وفي القبلة والمباشرة قولان. انتهى. ولو وطئ غير المظاهر منها أو واحدة ممن فيهن كفارات متعددة نهارا فإن ذلك يقطع التتابع، وقوله: وانقطع تتابعه بوطء لخ، إنما أبطل التتابع الوطء لقوله تعالى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ثم شبه مختلفا فيه بمتفق عليه فقال بطلان الطعام؛ يعني أن

(1)

في الأصل سئل وما أثبت من عبد الباقي ج 4 ص 180 وهو الذي يقتضيه السياق.

ص: 442

المظاهر إذا وطئ المظاهر منها أو واحدة ممن فيهن كفارة واحدة بعد أن أخرج بعض طعام الكفارة حيث كان يكفر بالإطعام فإن ذلك يبطل الإطعام، ويلزمه أن يبتدئ الكفارة ولو لم يبق من لكفارة إلا إطعام مسكين واحد، كان ذلك الوطء عمدا أو نسيانا أو جهلا أو غلطا ليلا أو نهارا، هذا هو المشهور؛ وقال ابن الماجشون: الوطء لا يبطل الإطعام المتقدم مطلقا والاستئناف أحب إلي لأن الله تعالى إنما قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} في العتق والصوم، ولم يقله في الإطعام، ومثل الوطء المقدمات على المشهور كما مر في الصوم، لكن مقتضى المص أن التلذذ بغير الوطء لا يبطل في الصوم ولا في الإطعام وشهره يوسف بن عمر كما مر في الصوم، وعبر المص في الصوم بالتتابع وفي الإطعام بالبطلان لأن الإطعام لا يوصف بالتتابع لكونه لا يجب فيه حتى يقال انقطع. وبفطر السفر يعني أن المظاهر إذا كفر بالصوم ثم سافر في أثناء الكفارة سفرا تقصر فيه الصلاة فأفطر لأجل سفره المذكور فإن تتابع صومه يبطل ويلزمه أن يبتدئ الكفارة لأن رخصة السفر مختصة برمضان، وقوله: وبفطر السفر، الإضافة بمعنى في، قاله عبد الباقي. وقال الشارح مفسرا لقوله: وبفطر السفر، ما نصه: وكذا ينقطع تتابع صومه إذا سافر قبل تمامه فأفطر فيه، ويستأنفه لأن فطر السفر اختياري. انتهى. أو بمرض هاجه يعني أن المظاهر إذا أفطر لأجل مرض هاجه الشخص المظاهر أي أدخله على نفسه بسبب اختياري منه سفرا أو غيره، كأكل شيء يعلم من عادته أنه يضر به فإنه ينقطع تتابع صومه ويبتدئه، فالضمير المنصوب في هاجه للمرض، والمستتر يعود على الشخص المظاهر، وهذا التقرير الذي قررت هو لبناني وقرره غيره على أن الضمير المستتر عائد على السفر قال بناني عند قول عبد الباقي: هاجه؛ أي حركه السفر: هذا فرض مسألة فقط، والمدار على أنه أدخل على نفسه المرض بسبب اختياري سفرا أو غيره، كأكل شيء يعلم من عادته أنه يضر به ثم أفطر، وعلى هذا فيجعل الضمير في هاجه للشخص أي هاجه الشخص بسفر أو غيره والله أعلم. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله: هاجه، أي حركه السفر: ولو وهما. انتهى. لا إن لم يهجه يعني أن المظاهر إذا تحقق أن المرض لم يهج من فعله بل هاج بنفسه أو لم يحصل هيجان أصلا بأن قال الأطباء: إنه هاج من غير ذلك الفعل فأفطر لأجل المرض فإنه لا ينقطع التتابع، بل يبني على صومه إذا صح على المشهور.

ص: 443

تنبيه: يقال: هاج الشيء بنفسه ثار وهاجه أثاره لازم متعد ثم شبه في عدم القطع في كفارة الظهار عدم قطع كفارة غير الظهار لعدم تصوره من امرأة ولو ملكها الزوج أمرها، فقال: كحيض يعني أن المرأة إذا وجب عليها صوم متتابع ككفارة قتل ومنذور متتابع فشرعت في ذلك الصوم ثم إنها طرأ عليها الحيض أو النفاس في أثناء ذلك الصوم فأفطرت لأجله فإنه لا ينقطع تتابع صومها. بل تبني عقب زوال المانع. وإكراه يعني أن الفطر لأجل الإكراه لظاهر أو غيره ممن لزمته كفارة بشيء مما مر في قوله: بخوف مؤلم لخ؛ لا يقطع التتابع فيما يجب فيه بل يبني بعد زوال الإكراه. وظن غروب يعني أن الفطر لأجل ظن الغروب لا يقطع التتابع فيما يجب فيه بل يبني، وظن استصحاب الليل أحرى، وقد صرح به في المدونة، وهذا من أمثلة الخطإ، وفيه وفي السهو، ثلاثة أقوال، قيل: لا ينقطع بهما وهو المشهور، وقيل: ينقطع بهما، وقيل: ينقطع بالسهو، ومن صام تسعة وخمسين ثم أصبح مفطرا معتقدا التمام فقد أدخله المص في التوضيح في الخطإ فلا يقطع التتابع؛ قال الحطاب: وهو من التفرقة نسيانا. انتهى. قال محمد بن الحسن بناني: والتفرقة نسيانا تقطع التتابع، لما فيها من تبييت الفطر على المشهور في المذهب كما صرح به ابن رشد ونقله الحطاب، وكذا في أبي الحسن عن أبي عمران ونصه المخطئ في العدد حتى يظن أن هذا اليوم هو الموفي إحدى وستين فيفطره فإذا هو الموفي ستين وناسي اليوم وجب عليه أن يصله بصومه ففصله، فهذان يجب عليهما الاستئناف لأنهما بيتا الفطر بخلاف من بيت الصوم فأكل ناسيا فهذا لا يلزمه الاستئناف. انتهى كلامه. فتبين أن صورة التوضيح من التفرقة نسيانا كما قال الحطاب. وأنها تقطع التتابع على المذهب، ومفهوم ظن غروب، أن فطره مع شك غروب يقطع، كتعمده ولعل محل القطع بالشك حيث استمر عليه أو ظهر فطره نهارا لا إن أفطر ليلا. قاله عبد الباقي. وفيها ونسيان يعني أنه وقع في المدونة: أنه لا ينقطع التتابع بالفطر نسيانا، قال فيها: من أكل ناسيا في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع أو أكره على الفطر أو تقيأ أو ظن أن الشمس قد غربت فأكل أو أكل بعد الفجر ولم يعلم، أو وطئ نهارا غير التي تظاهر منها ناسيا فليقض في ذلك يوما يصله بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله. انتهى. قال ابن ناجي في شرحها: ما ذكره في النسيان والإكراه لا أعلم فيه خلافا. انتهى. ولابد من قضاء الصوم الذي أفطره لإكراه أو ظن غروب أو نسيان واصلا له بصومه فإن لم يصله ابتدأ الصوم كله،

ص: 444

وقوله: وفيها ونسيان هو في غير وطء المظاهر منها أو واحدة ممن فيهن كفارة واحدة كما مر، وأما هما فقد مر أن وطء واحدة منهما يقطع التتابع وإن ليلا ناسيا والله سبحانه أعلم. ويأتي زيادة بيان لهذا عند قول المص: وشهر أيضا القطع بالنسيان. وبالعيد إن تعمده يعني أن من تعمد صوم شهرين يعلم أن العيد فيهما صامه عمدا أو نسيانا أو لم يصمه أصلا فإن ذلك التعمد يقطع التتابع فلابد من أن يستأنف صوم شهرين متتابعين، فإذا تعمد صيام ذي القعدة وذي الحجة لظهار عليه فإنه ينقطع تتابع صومه فيستأنف. لا جهله يعني أن من جهل أن العيد يأتي في صومه لظهاره مثلا لا يبطل تتابعه بسبب العيد فيبني، وأما جهل أن العيد يحرم صومه واعتقاد حله فيبطل تتابعه عند جمع على ما يفيده نقل التتائي عن التوضيح عن عياض عن المبسوط والمدونة، وقال أبو الحسن: لا يبطل كجهل العين وهو أظهر. قاله عبد الباقي. وقال الشارح: وفي المدونة: ومن صام ذا القعدة وذا الحجة لظهار عليه لم يجزه، قال مالك: إلا من فعله بجهالة وظن أن ذلك يجزئه فعسى أن يجزئه، ونحوه لابن حبيب: إن كان عالما ابتدأ وإن كان جاهلا أجزأه، وقال أشهب وسحنون: لا يجزئه. انتهى. وهل إن صام العيد وأيام التشريق يعني أن الشيوخ اختلفوا في قول الإمام في المدونة: إلا من فعله بجهالة وظن أن ذلك يجزئه فعسى أن يجزئه، فمنهم من حمله على أن محل الإجزاء مع الجهل إنما هو حيث صام العيد وأيام التشريق وهي الأيام الثلاثة بعد يوم العيد، ويقضيها كلها متصلة بصيامه ويبني على ما صامه قبلها. وإلا يصم العيد وأيام التشريق بطل تتابعه، واستأنف أي ابتدأ الصيام من أوله أو يفطرهن يعني أن من الأشياخ من ذهب إلى أن قول الإمام المذكور غير مقيد بصيام الأيام المذكورة، بل قوله بالإجزاء في حالة الجهل مطلق سواء صام الأيام المذكورة أو أفطرها، فله أن يفطرهن وإذا أفطرهن فإنه يبني قضاءها متصلا بصومه. وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره؛ أي في ذلك تأويلان، الأول لابن المكاتب فإنه صرح بأنه يصومها ويقضيها كلها متصلة بصيامه ويبني على ما صامه قبلها، والثاني لابن أبي زيد وهذا الذي ذكرته تقرير للمص بحسب ظاهره، وفي كلامه أمور، أحدها: أن تأويل ابن المكاتب أضعف من تأويل ابن أبي زيد فعليه مشاحة في تقديمه لأنه يقتضي قوته ومساواته للثاني وليس كذلك والمراد بصوم يوم العيد على القول به الإمساك فيه لا حقيقة الصوم، ثانيها: أنه يقتضي جريان التأويلين في رابع النحر وليس كذلك، بل هما متفقان على أن فطره يقطع

ص: 445

التتابع، ثالثها: أن ظاهر قوله: أو يفطرهن، أنه مطلوب بفطر الثاني والثالث مع أن التأويلين متفقان على طلب صوم اليومين المذكورين، وانظر هل وجوبا أو ندبا؟ وهو المظاهر. قاله غير واحد. وإنما محل الخلاف إذا أفطرهما هل يبني أو يستأنف، فلو قال: لا جهله إن صام ثاني النحر وثالثه وإلا فهل يبني أو يستأنف؟ تأويلان؛ لمسلم من هذه الإيرادات الثلاثة. والله سبحانه أعلم. وقوله: تأويلان، تأول المدونة أيضا ابن القصار على أنه أفطر يوم النحر فقط، قال ابن عرفة: في حعل المدونة على أنه وإن أفطر أيام النحر أو على أنه أفطر يوم النحر فقط: ثالثها على أنه صام أيام النحر كلها، الأول لابن أبي زيد، والثاني لابن القصار، والثالث لابن المكاتب. انتهى. زاد ابن يونس في الثالث: أنه يقضيها ويبني، قال: وهذا أي الثالث أضعف الأقوال. انتهى. قاله بناني. وقال الأمير: وأبطل العيد التتابع إن تعمده وعلم أنه يقطع التتابع وإلا فلا، ولو لم يمسك فيه على الراجح وصام تاليي النحر وأجزأ، وهل يقطع فطرهما خلاف. انتهى. وجهل رمضان كالعيد يعني أن حكم جهل رمضان كحكم جهل العيد في أنه لا يقطع التتابع؛ فإذا ظن أن شعبان، رجب وظن أن رمضان شعبان فإنه يصوم رمضان لفرضه ويقضيه لظهاره متصلا بصيام فرضه بأن يصوم شوالا ولا يصوم أوله بل يقضيه؛ وقوله: وجهل رمضان المراد بالجهل هنا هو المراد به فيما سبق؛ أي هل المراد جهل الحكم أو جهل العين؟ وقوله: وجهل رمضان كالعيد هذا قول ابن حبيب ورجحه ابن يونس، قال: لأن الجهالة عذر، ولهذا قال: على الأرجح ومقابله لبعض القرويين أنه لا يجزئ لأنه تفريق كثير، وقوله: وجهل رمضان وأما إن علمه وصامه عن ظهاره لم يجزه وكذا لو شرك فيه فرضه وظهاره. فاله الشبراخيتي. وبفصل القضاء يعني أن الكفر إذا أفطر لمرض فإنه إذا صح يبني كما مر فيجب عليه أن يصل قضاء ما أفطر فيه بصيامه فإذا فصله عامدا أو ناسيا بطل تتابعه ويبتدئ الصوم من أوله. قال عبد الباقي: وانقطع تتابعه بفصل القضاء بما يجوز أداء الصوم فيه وأفطره، وأما إن فصله بما لا يجوز الأداء فيه وأفطره عمدا فإنه لا يقطع التتابع كيوم العيد، أشار له التتائي وقوله: القضاء. أي قضاء ما يبني مع فطره كحيض وإكراه؛ أي إذا لم يصل ما وجب عليه قضاؤه بصيامه فإن ذلك يكون قاطعا لتتابعه. وسواء فصله عمدا أو نسيانا، ويبتدئ الصوم من أوله قال أبو الحسن: ولم يعذره بالنسيان الثاني كما مر فيمن نسي شيئا من فروض الوضوء والغسل ثم تذكره فلم يغسله حين ذكره فإنه يبتدئ

ص: 446

الطهارة نسي ذلك أو تعمده. انتهى. قوله: ولم يعذره بالنسيان الثاني هذا يقتضي أنه إن أكل ناسيا مرة ثانية ينقطع التتابع وليس كذلك، والظاهر في الفرق بين الأكل ناسيا وفصل القضاء ما ذكر أبو الحسن عن أبي عمران من أن فصل القضاء لم يبيت فيه الصيام بخلاف النسيان. قاله بناني. والله سبحانه أعلم. وشهر أيضا القطع بالنسيان يعني أن ما مر من قوله: وفيها: ونسيان، هو الذي شهره ابن الحاجب وحكى ابن راشد القفصي عليه الاتفاق، لكن شهر ابن رشد على ما في التوضيح خلافه، وهو أن التتابع يقطع بالفطر نسيانا كما قال هنا، وشهر أيضا القطع بالنسيان وشرحت المص بهذا؛ لأنه عزا في التوضيح التشهير بالقطع نسيانا لابن رشد ونازعه الحطاب بأن ابن رشد إنما ذكر التشهير في فصل القضاء نسيانا، وقال الحطاب بعد جلب نقول عن ابن عرفة واللخمي: فبان من كلامهما أنهما لم ينقلا الخلاف إلا في تفرقة النسيان لا فيمن أفطر ناسيا كما قال المص في التوضيح، والحاصل أن من أفطر في يوم من الكفارة ناسيا بعد أن بيت الصوم لا ينقطع تتابعه بل يبني بأن يصل قضاء ما أفطر فيه ناسيا بصيامه وكون هذا لا ينقطع تتابعه، إما متفق عليه، وإما هو العول عليه، وأما التفرقة نسيانا في فصل القضاء فالمشهور أنها تقطع التتابع، ومحمد بن عبد الحكم يرى أنه يعذر في فصل القضاء بالنسيان لأنه أمر غالب كالمرض، وأما من اعتقد أنه صام ستين يوما فبيت الفطر ثم تبين أنه صام تسعة وخمسين يوما، فقد قال الحطاب: أدخله المص في التوضيح في الخطإ وهي من التفرقة نسيانا، واعلم أن هنا ثلاثة أمور، الخطأ والنسيان أي الفطر في النهار ناسيا وفصل القضاء نسيانا، فالخطأ كظن غروب كالفطر في النهار نسيانا فلا يقطعان التتابع على المشهور، وفيهما ثلاثة أقوال كما مر، قيل: لا يقطعان وهو المشهور، وقيل: يقطعان التتابع، وقيل: يقطع النسيان التتابع دون الخطإ؛ وقد مر عن ابن راشد: أن الفطر نسيانا لا يقطع التتابع اتفاقا، وأما فصل القضاء نسيانا فإنه يقطع التتابع على المشهور، خلافا لابن عبد الحكم، وفي حكم فصل القضاء نسيانا في أنه يقطع التتابع من اعتقد أنه صام ستين يوما فبيت الفطر ثم تبين أنه صام تسعة وخمسين يوما خلافا لما في التوضيح. والله سبحانه أعلم. وحمل عبد الباقي قول المص:"وشهر أيضا القطع بالنسيان"، على أن معناه بفصل القضاء نسيانا فهو متصل بما قبله من قوله:"وبفصل القضاء"، قال: وهذا عطف على محذوف قبله تقديره: وبفصل القضاء غير نسيان، وشهر أيضا القطع بالنسيان، ويكون

ص: 447

قوله: أيضا، متعلقا بانقطع لا بفصل، لاقتضاته أن هنا قولا شهر بأن فصل القضاء ناسيا لا يقطع وليس كذلك. انتهى. قال بناني: حمله على هذا وإن كان فيه تكلف لأن هذا هو الذي وقع فيه تشهير ابن رشد. انتهى. وقوله: وشهر أيضا القطع بالنسيان، اعلم أن ابن الحاجب لم يشهر هذا كما قال عبد الباقي، وإنما شهر ما تقدم، وهو قوله: وفيها ونسيان، قاله بناني. والله سبحانه أعلم. فإن لم يدر بعد صوم أربعة عن ظهارين موضع صامهما وقضى شهرين يعني أن المظاهر لو صام أربعة أشهر عن ظهارين وتذكر قبل فطره في اليوم الذي بعدهما أنه نسي يومين ولم يعلم موضع اليومين اللذين نسيهما هل هما من الأولى أو الثانية أو آخر الأولى وأول الثانية؟ مع علمه باجتماعهما، فإنه يصوم الآن يومين لاحتمال كونهما من الثانية، ويلزمه أن يصوم شهرين لاحتمال كونهما من الأولى أو مفترقين واحد من الأولى وآخر من أول الثانية. وإن لم يدر اجتماعهما صامهما والأربعة يعني أن ما مر من اكتفائه بيومين وشهرين محله إنما هو حيث علم أن اليومين مجتمعان، وأما إن لم يعلم اجتماعهما من افتراقهما فإنه يصوم يومين الآن لاحتمال كونهما من الثانية، ولا ينتقل عنها حتى يكملها ويقضي الأشهر الأربعة؛ قال بناني: وما ذكره المص من التفصيل بين أن يعلم اجتماعهما وأن لا يعلم مفرع على القول الشاذ من أن الفطر نسيانا يقطع التتابع وهو قول شاذ، ووجه التفريع أنه إن علم اجتماعهما لم تبطل على كل احتمال إلا كفارة واحدة؛ لأنهما إن كانا من الأولى في أولها أو وسطها أو آخرها بطلت وحدها، وإن كانا من الثانية في أثنائها بطلت وحدها، وإن كان الأول من آخر الأولى والثاني من أول الثانية لم تبطل إلا الأولى، فلذا لم يقض الأربعة؛ وأما إن لم يعلم اجتماعهما فيحتمل ما ذكر، ويحتمل أيضا أن يكون أحدهما من الأولى والثاني من أثناء الثانية فتبطلان معا فيقضي الأربعة، فتحصل أن التفصيل بشقيه مفرع على القول الشاذ أن النسيان يقطع التتابع، وأما إن فرعنا على المشهور من أن الفطر ناسيا لا يقطع التتابع وأن فصل القضاء يقطع التتابع فلا يقضي إلا شهرين فقط مع صوم يومين علم اجتماعهما أم لا، وعلى هذا فرع ابن رشد، وهو الصواب، وعليه فرع ابن عرفة مرضا عن تفريع ابن الحاجب الموافق له تفريع المص. انظر حاشية الشيخ بناني. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: ما قاله بناني ظاهر إن أراد بفطر اليومين أنه أفطر في النهار ناسيا، وأما إن كان المعنى أنه بيت الفطر نسيانا فلا يتجه ما قال. والله سبحانه أعلم. وقوله: "صامهما

ص: 448

والأربعة" يظهر أنه لا وجه لصوم اليومين مع قضاء الأربعة. والله سبحانه أعلم. وقوله: وقضى شهرين لعل هذا فيمن ينوي كل ليلة وإلا صام الأشهر الأربعة؛ لأن تتابعه انقطع على هذا القول، قال بناني: وصوم الأربعة عند من يقول به مقيد كما في التوضيح بما إذا شك في أمسه هل هو من اليومين الذين ذكرهما؟ وأما إن تحقق أنهما سابقان فليحتسب بالعدد الذي تحقق أنه صامه ولم يتخلله فطر ويبني عليه بقية الأربعة. انتهى. وقوله: فليحتسب بالعدد الذي لخ، يعني بالعدد الأخير، والله سبحانه أعلم. ثم تعليل هذا هو الثالث من أنواع الكفارة وهو الإطعام، وقوله: تمليك، بمعنى إعطاء وهو معطوف على صوم شهرين؛ يعني أن المظاهر إذا عجز عن التكفير بالعتق والصوم فإنه يكفر بتمليك أي إعطاء ستين مسكينا، وزمن العجز المذكور وقت أداء الكفارة؛ وقيل: وقت الوجوب، كما مر في الصوم أحرار في بعض النسخ بالجر صفة لستين وفي بعضها بالنصب صفة لمسكين لأنه بمعنى مساكين كما في قول الشاعر:

فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم

مسلمين يعني أنه يشترط في الستين المذكورين أن يكونوا أحرار مسلمين، وحذف المفعول الثاني للعلم به من قوله: لكل مد وثلثان يعني أن الإعطاء المذكور هو أن يعطي كل واحد من الستين مدا وثلثين، ويعتبر الد والثلثان بمده صلى الله عليه وسلم، وما ذُكر من مده صلى الله عليه وسلم وثلثين منه مد بمد هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي أسلم جده هشام بن الوليد المذكور يوم الفتح، وهو أخو السيد خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهشام صاحب المد تزوج عبد الملك ابنته فولدت له هشام بن عبد الملك المشهور، وهو الذي مدحه الفرزدق ومدح معه خالة إبراهيم بن هشام بقصيدة منها قوله:

وما مثله في الناس إلا مملكا

أبو أمه حي أبوه يقاربه

وكان هشام المذكور عاملا لعبد الملك بن مروان على المدينة، وعدل المص عن أن يقول مد هشام لأن مالكا كان يكره أن يقال: مد هشام كما في ابن عرفة، ولأن بعضهم أنكر كون الإطعام بمده، قائلا: متى كان هشام حتى يعتبر مده ويخص بالذكر؟ قاله غير واحد. وإنما كان المشهور أنه لا

ص: 449

يكفي إلا مد وثلثان لأنها مطلقة في القرآن لم تقيد بالوسط ككفارة اليمين فحملت على الشبع الكامل كفدية الأذى، وما ذكره المص هو المشهور وهو مذهب المدونة، وقيل: لكل مسكين مدان، وقيل مد وثلث، وقيل: مد ونصف. قاله الشارح. وقوله: تمليك عبر به كما عبر به ابن شاس إشارة إلى أن الإطعام في الآية غير مقصود بل الواجب التمليك، قال الزرقاني: كان المناسب على ما تقدم أن يقول: ثم لمن لم يستطع تمليك لخ، والجواب أن ثم تقيد ذلك، وإنما ذكر فيما تقدم لأجل أن يرتب عليه قوله: وقت الأداء واعترض ذلك بأن المعتبر هنا أيضا وقت الأداء فكان ينبغي أن يذكر الأمرين، وأجيب بأن وقت الأداء لم يقع فيه نزاع هنا فلذلك لم يحتج للتعرض له. قاله الشبراخيتي. وهو مخالف لما قدمته. والله سبحانه أعلم. وقوله: ستين. اعلم أنه لا خلاف عندنا أن العدد المذكور معتبر فلا يجزئ ما دونه ولو دفع إليهم مقدار إطعام ستين. قاله الشارح. وقال الشبراخيتي عند قوله: ستين، لما يتوقع في الجمع الكثير من إجابة الدعاء ومصادفة وَليٍّ، خلافا لأبي حنيفة في إجزاء إطعام مسكين ستين يوما، ولو تناهبها المساكين ابتدأها إن كانوا أكثر من ستين؛ وإلا بنى على واحد وكمل. قاله في الشامل. فلو انتهبها ستون بنى على واحد، وقوله: تمليك: مصدر مضاف لمفعوله: والمراد بالسكين ما يعم الفقير لا خصوص مسكين الزكاة. انتهى. وقوله: تمليك، أي بغير عوض احتراز عن العوض، وقوله: أحرار احترز به عن العبيد فلا يعطون منها لأن العبد غني بسيده، واحترزا بمسلمين عن غير المسلم فلا يعطى منها الكافر لأنه ليس من أهل القرب. برا يعني أنه لابد في الأمداد المذكورة والأثلاث أن تكون من البر وهو القمح ونصب قوله: برا، على التمييز، فالبر هو الذي يخرج منه بالأصالة؛ ومحل لزوم إخراج البر إنما هو حيث كان مقتاتا لأهل بلد المكفر، وأما إن اقتاتوا أي أهل بلد المكفر أو جلهم تمرا أو مخرجا في الفطر أي ما تقدم أنه يخرج في زكاة الفطر فيخرج من المقتات غير البر عدله أي عدل البر، أي يخرج من ذلك المقتات ما يعادل البر في الشبع لا في الكيل، خلافا للباجي، ومعنى العدل في الشبع أن يقال فيمن يشبع بمد حنطة وثلثين: كم يشبعه من غيرها؟ فيقال: كذا، فيخرج ذلك القدر، وقوله: أو مخرجا في الفطر، من عطف العام على الخاص بأو، وهو جائز على ما في الدماميني وعكسه، كما في خبر (إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو

ص: 450

امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه

(1)

) وأفرد التمر بالذكر ولم يكتف عنه بما بعده لدفع توهم أنه لما كان هو الأصل الذي ورد في الحديث لا يدفع منه عدل البر وإنما يدفع منه الكيل، والمخرج في الفطر الأصناف التسعة، وهي: الشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والزبيب والأقط والبر والتمر، وإذا اقتيت غير هذه كاللحم والقطاني أجزأ في الظهار، وظاهره أنه لا يراعى في المخرج من هذه التسعة ما يغلب اقتياته، وظاهره أيضا أنه إذا اقتيت غيرها يخرج منه ولو مع وجود شيء من التسعة، ولا يجزئ عرض ولا ثمن فيه وفاء بالقيمة، وإن أعطى الدقيق بريعه أجزأه، وقال بعضهم: لا يجزئ ولو أخرجه بريعه. انتهى. وعدمُ إجزاء القيمة في كفارة الظهار هو الذي في المدونة، وكذلك الحكم في كفارة اليمين، ولكن هذا أصل مختلف فيه في الزكاة، وأجراه كثير من الشيوخ في باب الكفارات.

تنبيه: يعتبر عدل البر إذا أخرج من غيره في الشبع المحل الذي وقع فيه الإخراج، فإذا ظاهر شخص بالمدينة وكفر بمصر مثلا بغير بر وكان ما يعدل مما أخرج بمصر يزيد على ما يعدل به لو أخرج بالمدينة فإنه يعتبر محل الإخراج. قاله الشبراخيتي. وقوله: فعدله، سواء زاد على المد أو نقص ولا أحب الغداء والعشاء يشير إلى قوله في المدونة: ولا أحب أن يغدي ويعشي في الظهار لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلغ مدا بالهاشمي، وصوابه: بالهشامي، ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى أيضا. نقله الشارح وغيره، وإلى قوله فيها: ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى أيضا، أشار بقوله: كفدية الأذى قال بناني: حاصل ما في الحطاب أن قول المدونة: لا أحب الغداء والعشاء في الظهار ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى، حمله أبو الحسن على الندب مستدلا بقول ابن المواز يجزئ ذلك فيهما، وحمله ابن ناجي على التحريم مستدلا بقول المدونة: لا أظنه يبلغ مدا لخ وبقولها: ويجزئ ذلك فيما سواهما من الكفارات، فمفهومه عدم الإجزاء في الظهار والفدية فتأمله. انتهى. وقوله: كفدية الأذى، اعلم أنه إن حملناه أي المص على ما لابن ناجي من التحريم فيكون التشبيه في التحريم وعدم الإجزاء عند عدم تحقق بلوغ ذلك مدين لقول المص في الحج، ولا يجزئ غداء وعشاء إن لم يبلغ مدين. قال الشبراخيتي: ولما كان الانتقال إلى كل مرتبة مشروطا بالعجز عما قبلها وكان الانتقال عن العتق إلى الصوم يكفي فيه العجز بالعسر عنه وقت الأداء ولم

(1)

البخاري، كتاب التوحيد، رقم الحديث:1.

ص: 451

يشترط أحد اليأس من القدرة عليه في المستقبل وكان الانتقال من الصوم إلى الإطعام مختلفا في سببه هل هو اليأس من القدرة على الصوم؟ أو يكفي فيه الشك في المستقبل والعجز عنه في الحال فقط، أشار إلى ما وقع في المدونة من ذلك بقوله: وهل لا ينتقل المظاهر إذا عجز عن الصوم إلى التكفير بالإطعام إلا أن أيس في المستقبل من قدرته على التكفير بالصوم بأن علم أو غلب على ظنه عدم قدرته ولا يكفي شكه في ذلك، أو لا يشترط في الانتقال إلى الإطعام الإياس، بل ينتقل إلى التكفير بالإطعام إن عجز عن الصوم في الحال وشك هل يقدر عليه في المستقبل أو لا، وأولى إن ظن عدم القدرة أو أيس منها لا إن ظنها، في ذلك قولان، فيها أي في المدونة وفيها صفة لقولان، والقول الأول لابن القاسم، والقول الثاني لأشهب، والقولان في الحقيقة في الشك، وفي المدونة: أن المظاهر إذا مرض بعد أن صام شهرا لم يكن له أن يطعم وينتظر إفاقته، فإذا صح صام إلا أن يعلم أن ذلك المرض لا يقوى صاحبه على الصوم بعده فيصير حينئذ من أهل الإطعام، وفيها أيضا: وكل مرض يطول بصاحبه ولا يدري أيبرأ منه أم لا فليطعم ويجزئه ذلك إن صح. انتهى. واعلم أن المرض المانع من الصوم على أربعة أوجه قريب البرء يغلب على الظن معه القدرة على الصوم وبعيد البرء لاكن يظن فيه القدرة على الصوم في المستقبل ومأيوس من البرء ومشكوك فيه، فالقريب لم يجزه الإطعام فيه ويجوز مع اليأس، واختلف إذا كان يرجى بَعْدَ بُعْدٍ أو شك فيه، فقال ابن القاسم: لا يجوز له الإطعام، وأجازه أشهب وهذان هما القولان في المدونة وتؤولت المدونة، على أن القولين مختلفان وهو لبعض القرويين، وتأولت أيضا على أنهما متفقان وهو لابن شبلون فإنه تأولها على أن المظاهر الأول وهو الذي حكم عليه بأنه لا ينتقل للتكفير بالإطعام إلا إذا أيس من القدرة على الصوم في المستقبل قد دخل في الكفارة بالصوم ثم طرأ له مرض يمنعه من إتمامه، فلا ينتقل عنه إلا باليأس لأن للدخول تأثيرا في العمل بالتمادي، وأن الثاني الذى حكمنا عليه بأنه ينتقل للإطعام مع الشك لم يدخل في الكفارة بالصوم فهو أضعف من الأول، لأّن الأول من أهل الصوم بالفعل، والثاني من أهل الصوم بالقوة، وما بالقوة أضعف مما هو بالفعل، وعلم من المصنف أن التأويلين في الشك وأما في حالة اليأس من القدرة فيتفقان على الانتقال يعنى سواء عجز عنه لمرض أو غيره، واستحسن قول أشهب لكونه أسعد بظاهر قوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} ويصدق على المريض أنه غير مستطيع، وقياسا على الرقبة فلو روعي حال المستقبل لزم

ص: 452

أن لا يكفر أحد بالصوم لأنه ما من أحد إلا وهو يرجو أن يملك رقبة في المستقبل أو ما يساويها، وإن أطعه مائة وعشرين فكاليمين يعني أن المظاهر إذا نقص في القدر الواجب، بأن أعطى كل واحد من ستين نصف الواجب له، وأعطى لكل واحد من ستين آخرين نصف الواجب له، بأن أطعم مائة وعشرين، فإن الحكم في ذلك على ما تقدم في اليمين إذا أطعم عشرين فإن ذلك لا يجزئ، وله نزع ما بيد ستين هنا منهم إن بين أنه كفارة بالقرعة ويكمل لستين، وهل إن بقي ما بأيديهم؟ تأويلان، وظاهر المصنف سواء علم الآخذ بعد الستين أو لا وهو كذلك، واستظهر ابن عرفة من عند نفسه أنه إن علم الآخذ بعد الستين تعين رد ما بيده، قال بعضهم ولم أر هنا ما في اليمين من أنه يستحب لمن بغير المدينة زيادة ثلث الهشامي أو نصفه، ولو تناهبت المساكين الكفارة فالظاهر أو التحقيق أنه إنما يبني على ما تحقق من العدد الذين حصل لكل واحد منهم مد، فإن لم يتحقق شيئا فلا يصح له البناء. انظر حاشية الشيخ بناني. وللعبد إخراجه إن أذن سيده قد مر قوله: وتعين لذي الرق؛ يعني أن المظاهر إذا عجز عن الصوم وأذن له سيده في إخراج الطعام في الكفارة فإن له أن يخرجه في الكفارة وله أن يترك التكفير بالإطعام حتى يتمكن من الصوم في المستقبل، إما لفراغ عمل سيده أو بتأدية خراجه، أو بإذن سيده له فيه، والضمير في إخراجه للقدر السابق من الإطعام، وبهذا التقرير لا يحتاج إلى جعل اللام بمعنى على. نقله الشبراخيتي عن الأجهوري. وقرره غير واحد على أن اللام بمعنى على أو للاختصاص. وقوله: وللعبد أي العاجز كما قررت، وأما القادر على الصوم فلا يجزئه الإطعام وإن أذن له السيد فيه. وفيها أحب إليَّ أن يصوم وإن أذن له في الإطعام يعني أن الإمام قال في المدونة: وإذا ظاهر العبد من امرأته فليس عليه إلا الصوم ولا يُطعِمُ وإن أذن له سيده، والصوم أحب إلي، والواو في قوله: وإن أذن في الإطعام للحال وليست للمبالغة؛ أي والحال أن السيد أذن له في الإطعام، وهل هو وهْم؟ يعني أن الشيوخ اختلفوا في قول الإمام في المدونة: والصوم أحب إليَّ، فمنهم من حمله على الوهم بفتح الهاء أي الغلط اللساني، قال ابن القاسم: بل الصوم هو الواجب عليه ولا يطعم، وقال: لا أدري ما هذا ولا يطعم أحد يستطيع الصوم، وما أرى جواب مالك فيها إلا وَهَما بفتح الهاء أي غلطا لسانيا، والضمير في قوله لأنه للصوم؛ أي لأن الصوم هو الواجب على العبد المظاهر وإن أذن له السيد في الإطعام، وإلى مثل قول ابن القاسم نحا سحنون لأنه طرح هذا الكلام، واللام

ص: 453

في قوله لأنه لام العلة وقد مر ضبط قوله: وهم بفتح الهاء، وهو الذي اقتصر عليه التتائي، وهو الأدب من ابن القاسم في حق الإمام ومنهم من ضبطه بسكون الهاء، وهو سبق القلب إلى الشيء مع إرادة غيره؛ أي سبق قلب مالك إلى ذلك مرادا غيره لاعتقاده أن المسائل سأله عن كفارة اليمين، وفي المصباح: وهَمت إلى الشيء وهما من باب وعد سبق القلب إليه مع إرادة غيره، ووهِم في الحساب يوهَم مثل غلط يغلط غلطا وزنا ومعنى. انتهى نقله الشبراخيتي. قال: وقد علم أن الواجب ضبط كلام المصنف بالسكون، ومن الأول ما سرى للمعتزلة في فهم أن معنى سبحان من تنزه عن الفحشاء أنه تنزه عن خلقها. مع أن هذا ليس بمراد عند أهل السنة وإنما المراد أنه تنزه عن التلبس بها، ومن الثاني التلفظ بعمرو مثلا مع إرادة التلفظ بزيد وقد نظمت ما أشار إليه الدماميني الموافق لما ذكرناه عن المصباح فقلت:

إذا سرى الوهم لشيء والمراد

سواه ذا وهم بتسكين يراد

ووهم بالفتح معناه الغلط

والماض من هذا بكسر انضبط

والآت بالفتح وفعل الأول

بعكس ذا على القياس المنجلي

أو أحب للوجوب يعني أن من الشيوخ من ذهب إلى أن قول الإمام ليس بوهم، وإليه ذهب الأكثرون، فمنهم من قال: أحب، للوجوب؛ أي المختار عندي وجوب الصوم على العبد وهو تأويل أبي عمران وغيره، أو أحب للسيد عدم المنع يعني أن من الشيوخ من تأول قول الإمام على أن الأحبية ترجع للسيد؛ أي الأفضل للسيد أن لا يمنع عبده القادر على الصوم منه أي إذنه له في الصوم أحب من إذنه له في الإطعام، ومحل هذا التأويل حيث كان له كلام في منعه من الصوم بأن أضر به في خدمته أو خراجه وإلا وجب عليه عدم منعه منه، وهذا التأويل للقاضي إسماعيل، ومال إليه الأكثرون. قاله الشارح. أو لمنع السيد له الصوم يعني أن من الشيوخ من تأول الأحبية على أنها ترجع للعبد، أي إذا أذن له السيد أي يندب للعبد إذا أذن له السيد في الإطعام ومنعه من الصوم أن يصبر لعله يأذن له في الصوم بعد ذلك، وهذا أيضا حيث كان للسيد

ص: 454

المنع لكون الصوم يضر به في عمله، وإلا فيجب على العبد الصوم، وهذا التأويل للقاضي عياض، قال: وهو قول محمد، فإنه قال: إذا أذن سيده في الإطعام ومنعه الصوم أجزأه الإطعام، وأصوب أن يكفر بالصيام. قاله الشارح. ومثله في التوضيح وهو الصواب ونحوه لابن عرفة، وفي توهيم مصطفى للشارح وتسليم بناني لذلك التوهيم نظر ظاهر، ولا يخفى ذلك على من تأمل كلام الشارح. والله سبحانه أعلم. قاله مقيده عفا الله عنه. أو على العاجز يعني أن من الأشياخ من أبقى الأحبية على حالها إلا أنه حملها على العبد العاجز. حينئذ؛ أي حين الإذن في الإطعام فقط أي هو عاجز عن الصوم في الحال فقط لا في المستقبل، فإنه يرجو القدرة على الصوم فيه، وهذا التأويل للأبهري. قال الشارح: وذهب الأبهري إلى أن قوله: الصوم أحب إلي، محمول على ما إذا كان عاجزا في الحال قادرا على الصوم في الاستقبال، فإن أذن له السيد في الإطعام فأحب إلي أن يصبر حتى يكفر بالصيام. انتهى وعارض ابن محرز هذا التأويل بالحر العاجز عن الصوم في الحال ويقدر عليه في المستقبل فلا ينتقل عنه بل يلزمه التأخير على قول ابن القاسم، وأما على قول غيره فلا يلزمه. تأويلات خمس على ظاهر المص من أن قوله: وهل هو وهم، من التأويلات، وقال الشارح والتتائي: هي أربع فظاهرهما أن قوله: وهل هو وهم، ليس من التأويلات، قال عبد الباقي: وزاد في الشامل تأويلا آخر، وهو: أن جواب الإمام في كفارة اليمين بالله، وقد يقال: إن قوله: وهل هو وهم، شامل له أي أن مالكا وهم إما في الحكم أو في الاعتقاد أن السائل سأل عن كفارة اليمين بالله كما مر، وفي الشامل ما يفيد ذلك. انتهى. وفيها إن أذن له أن يطعم في اليمين أجزأه وفي قلبي منه شيء يعني أن الإمام مالكا قال في المدونة: إن أذن السيد للعبد أن يطعم أو يكسو في اليمين بالله تعالى عشرة مساكين أجزأه وفي قلبي منه شيء والصوم أبين عندي. انتهى كلام الإمام. ومعنى قوله: شيء ثقل، ولا يشك أن الشيء الذي في قلب الإمام من جهة الإطعام إنما هو عدم صحة ملك العبد أو الشك في ذلك، قال محمد بن دينار: ليس على العبد المظاهر عتق ولا إطعام ولو كان يجد ما يعتق وما يطعم ولكن يصوم. انتهى. وقوله: وفيها إن أذن له أن يطعم لخ، محله حيث كان عاجزا عن الصوم أو منعه السيد بوجه جائز وإلا لم يجزه، ولا يجزئ تشريك كفارتين في مسكين يعني أنه لا يجزئ التشريك في الكفارتين أو أكثر للمساكين، كأن يجعل حظ كل مسكين مأخوذا من كفارتين، بأن أطعم مائة وعشرين طعام

ص: 455

كفارتين ونوى كُلُّ ما وصل لمسكين منهم فهو عن الكفارتين أي نوى أن كل مد نصفه مثلا عن كفارة ونصفه الثاني عن كفارة أخرى، وفهم من المصنف بالأولى عدم إجزاء تشريك كفارتين في الصوم لأن التتابع فيه شرط بخلاف الإطعام، وظاهر المصنف عدم إجزاء ما وقع فيه التشريك لمسكين سواء كان مدا أو جميع الأمداد وهو كذلك، قوله: ولا يجزئ تشريك كفارتين في مسكين محله إذا لم تعرف أعيان المساكين، وأما لو عرفت فإنه ينظر إلى ما يقع لكل واحد منهم فيكمل عليه تمام المد. قاله في التوضيح. نقله الحطاب. والله سبحانه أعلم.

تنبيه: علم مما مر أن كفارة الظهار تفتقر للنية، قال الأمير: وافتقرت الكفارة مطلقا صوما أو غيره لنية. انتهى. ولا تركيب صنفين يعني أنه لا يجزئ في الكفارة أن يركبها من صنفين، كأن يصوم ثلاثين يوما ويطعم ثلاثين مسكينا، وأما لو ركبت من صنف واحد كأن يعشي ويغدي ثلاثين ويعطي ثلاثين آخرين ثلاثين مدا، وكأن يعطي ثلاثين رجلا من البر وثلاثين آخرين من الشعير، فإن ذلك جائز، كذا يظهر. قاله عبد الباقي. وقال ابن عبد السلام: وإدا منعنا التلفيق بين نصفي رقبتين فلأن نمنع نصف رقبة ونصف صوم أحرى. قاله الشبراخيتي. ولو نوى لكل عددا أو عن الجميع كمل يعني أن من لزمه أكثر من كفارة راحدة في الظهار وأخرج دون الواجب من غير تشريك فإن ذلك المقدار كاف في نفسه فيكمل القدر الواجب ويبرأ، فإذا أطعم مثلا مائة وثمانين مسكينا عن أربع نسوة ظاهر من كل واحدة منهن فإنه يجزئه ذلك عن مقدار ثلاث كفارات ويكمل بالرابعة، وسواء في ذلك نوى لكل واحدة من النسوة عددا من المائة والثمانين وهي المسألة الأولى أو نوى أن المائة والثمانين عن جميع النسوة الأربع ولم ينو التشريك وهي المسألة الثانية، فقوله: لكل؛ أي لكل واحدة من الزوجات أو الزوجتين، وقوله: عددا، أي قدرا من المخرج في الكفارات، وقوله: عن الجميع؛ أي جميع النسوة المظاهر منهن، وقوله: كمل؛ جواب عن المسألتين أي كمل على ما نواه في الصورة الأولى وعلى ما ينوب كل واحدة في الثانية، فعلم بهذا أن قوله: ولو نوى لكل عددا لخ، استئناف مشتمل على صورتين خاصتين بالإطعام؛ ولو نوى عن كل واحدة قدرا معينا ثم نسي ذلك فالظاهر أنه يكمل على كل قدر عينه باقي الكفارة ولا يضره الجهل بعين من عينه له؛ وربما يشعر به قوله: أو عن الجميع كمل، قاله غير واحد. وفي المدونة: ولو صام ثمانية أشهر متتابعات عن الأربع ونوى لكل واحدة منهن لم يعينها كفارة

ص: 456

أجزأه، وكذلك الإطعام فإن شركهن في كل يوم من الصيام أو في كل مسكين في الإطعام لم يجزه إلا أن ينوي يه مدا لكل مسكين في كفارته، وإن لم ينو امرأة بعينها ولا كفارة كاملة فيجزئه ذلك إلا أن الإطعام يجوز أن يفرق فيه، يطعم اليوم هذه هذه أمدادا وفي غد عن الأخرى أمدادا ثم يتم بعد ذلك كفارة لكل واحدة فيجزئه وإن كانما متفرقا، بخلاف الصوم لأن فيه شرط التتابع، فإن ماتت منهن واحدة وقد أطعم عن جميعهن مائة وعشرين مسكينا ولم ينو ما لكل واحدة من ذلك ولا شركهن في كل مسكين سقط حظ الميتة من ذلك، وجبر على ما بقي بعد ذلك تمام ثلاث كفارات. انتهى. وإلى هذا أشار المصنف بقوله: ولو نوى لكل عددا أو عن الجميع لخ. قاله الحطاب. ولو نوى لكل عددا أو عن الجميع وماتت واحدة من الأربع في الصورتين قبل التكميل سقط حظ من مات فلا يكمل لها ولا يحتسب بما أخرجه لها عن كفارة غيرها؛ أي ليس له نقل حظها لمن بقي حيا ويسقط حظها إن كان بَيَّنه سواء كان أقل من غيرها أو أكثر أو مساويا، فلو نوى لكل من ثلاثة خمسين وللميتة ثلاثين سقط حظها وكمل للثلاث عشرة عشرة، ولو نوى للميتة ستين وللبواقي أربعين أربعين سقط مناب الميتة وكمل للثلاث عشرين عشرين وهكذا، وإن أطعم مائة وثمانين عن أربع ولم يبين ما لكل واحدة فإنه يسقط ربع المائة والثمانين، ولو نوى أن لكل واحدة غير معينة عددا ولأخرى غير معينة أقل منه ولأخرى أقل منه وماتت واحدة جعل لها الأكثر من جميع ذلك؛ وفاعل مات ضمير يعود على من روعي فيه اللفظ، ولو روعي المعنى لقال من ماتت بالتأنيث؛ وقوله: وسقط حظ من مات مثل الموت الطلاق البائن ومحل السقوط بالموت والطلاق البائن، إنما هو حيث لم يطأ الميتة أو البائن وإلا لم يسقط حظها لقوله: وسقطت إن لم يطأ بموتها أو طلاقها. ولو أعتق ثلاثا عن ثلاث من أربع لم يطأ واحدة حتى يخرج الرابعة يعني أن من له أربع نسوة ظاهر من كل واحدة منهن وأراد أن يكفر عنهن فأعتق ثلاث رقاب عن ثلاث منهن ولم يعين من أعتق عنهن لا يجوز له أن يطأ واحدة منهن حتى يخرج الكفارة الرابعة، لاحتمال كون التي يريد وطأها هي التي لم يكفر عنها، ولا يباح له وطء واحدة منهن قبل إخراج الكفارة الرابعة بموت واحدة منهن أو طلاقها بل يستمر المنع وإن ماتت واحدة منهن أو اثنتان أو ثلاث. قاله الشبراخيتي. أو طلقت إلى أن تخرج الكفارة الرابعة، قال الشبراخيتي: ولو قال وإن مات ثلاث أو طلقت لكان أولى ولو عين العتق أو غيره عن واحدة حل له وطء من

ص: 457

أعتق عنها، وكلام المصنف يشعر بأن من عجز عن كفارة الظهار ليس له الوطء وإن طال أمد الظهار ويدخل عليه الإيلاء، وقد ذكر التتائي عن ابن عرفة ما يفيد أن الذي تجب به الفتوى أنه لا يجوز للمظاهر الوطء قبل التكفير، وإن عجز عن أنواع الكفارة الثلاث فإنه قال: نقل ابن العطار عن النوادر الإجماع على أن الظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يطق الصوم ولم يجد الإطعام لم يطأ زوجته حتى يجد واحدة من تلك الأصناف. إلا الثوري وابن صالح فإنهما قالا: يطأ انتهى. وفي شرح عبد الباقي أنه يدخل عليه الإيلاء، وما ذكراه مخالف لما مر من أن المظاهر إذا عجز لا يدخل عليه الإيلاء. والله سبحانه أعلم. وقوله: ولو أعتق لخ، لا مفهوم للعتق بل حكم ما إذا كفر بالصوم أو الإطعام بثلاث عن أربع كذلك، ولا يعارض هذا ما مر من قوله: وسقطت إن لم يطأ بطلاقها أو موتها لأن ما هنا فيه احتمال أن يكون بعض الكفارة التي أخرجها عن من طلقها أو ماتت والحية التي يريد وطأها لم تستكمل كفارتها. ولما أنهى الكلام على الظهار المحرم للاستمتاع قبل التكفير أتبعه بالكلام على اللعان المؤبد للتحريم فقال:

ص: 458

‌باب: في اللعان

وهو مشتق من اللعن ومعناه البعد فمعنى لعنه الله أبعده الله، وكانت العرب إذا تمرد الشرير منهم طردوه وأبعدوه ليلا يؤاخذوا بجرائره وسموه لعينا، فلما كان اللعن مذكورا في حق الزوج سمي التحالف الواقع بين الزوجين لعانا وملاعنة ولم يسم غضبا مع ذكره في حلف المرأة تغليبا للذكر ولسبقه وكونه سببا في لعانها، أو سمي لعانا لبعد الزوجين بسببه عن النكاح بتأبيد تحريمه؛ وعرف ابن عرفة اللعان في الشرع بقوله: حلف الزوج على زنى زوجته ونفي حملها اللازم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاض، فخرج بقوله: اللازم، حمل غير لازم له كما إذا أتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم العقد أو كان خصيا فلا لعان فيهما ولو وقع اللعان بينهما لنفي حمل فأتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم العقد بطل المهر ولم يتأبد عليه تحريمها بذلك اللعان لكون الحمل غير لازم له قال ابن عاصم:

وإن تضع بعد اللعان لأقل

من ستة الأشهر فالمهر بطل

وليس للتحريم من تأبيد

إذ النكاح كان كالمفقود

وخرج بقوله: وحلفها لخ، ما إذا حلف ونكلت ولم يوجب نكولها حدها كثبوته ببينة فلا لعان عليها ويلتعن هو لنفي الحمل، وخرج بقوله: بحكم قاض، لعان الزوج والزوجة من غير حكم فإنه ليس بلعان شرعي وحكى عياض الإجماع على أن من صفة اللعان أن لا يكون إلا بحضرة سلطان ونائبه الكبير بمعناه. انتهى. نقله الشبراخيتي. ابن عتاب: لاعَنَ ابنُ الهندي فعوتب فقال: أردت إحياء سنة قد دثرت. انتهى قال البرزلي: قول ابن الهندي: سنة قد أميتت، يعني صفة اللعان وقد أغنى الله عنه بما ذكر في القرآن والستر أولى، وإنما تستر بهذا الكلام حين عوتب وكانت ملاعنة ابن الهندي في المسجد الجامع بقرطبة سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة، وقد وقع اللعان في زمن الأمير يحيى بجامع الزيتونة ثم وقع مرة أخرى، ولا غرابة في وقوع سببه في هذا الزمان لكثرة المفاسد، فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. نقله الحطاب. واعلم أن حكم اللعان أنه إن كان لنفي نسب وجب وإلا فالأولى تركه بترك سببه، فإن وقع بأن ترك الأولى صدقا وجب لوجوب دفع معرة القذف والحد ولا أنزل الله سبحانه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآية كان هذا الحكم عاما في الزوجات والأجنبيات ثم جعل الله

ص: 459

للأزواج مخرجا في حد القذف في اللعان لأن الزوج يلحقه العار ويفسد النسب بزنى زوجته فلا يمكنه الصبر عليه وتوقيف أمره على البينة كالمتعذر بخلاف الأجنبي فإنه لا يلحقه عار بزنى غير زوجته، وفي الحديث عن ابن عباس أنه قال (لما نزلت هذه الآية:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} قال سعد بن عبادة: أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ لو أتيت لكاع وقد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه وأخرجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ فقالوا: لا تلمه فإنه رجل غيور ما تزوج فينا قط إلا عذراء ولا طلق امرأة فاجترأ واحد منا أن يتزوجها، قال سعد: يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله إني لأعرف أنها من الله وإنها لحق؛ فوالله ما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية فرأى بعينه وسمع بأذنه فأمسك حتى أصبح ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إني جئت أهلي عشاء فرأيت رجلا مع أهلي رأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وثقل عليه حتى عرفت الكراهة في وجهه، فقال هلال: يا رسول الله إني أرى الكراهة في وجهك بما أتيت به والله يعلم إني لصادق وإني لأرجو أن يعجل

(1)

الله لي فرجا، فقالوا: ابتلينا بما قال سعد يجلد هلال وتبطل شهادته في المسلمين، فهم رسول الله بضربه صلى الله عليه وسلم وإنه لكذلك يريد أن يضربه إذ نزل عليه الوحي، فأمسك أصحابه عن الكلام حين عرفوا أن الوحي ينزل عليه حتى فرغ، نزل الله:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر يا هلال فإن الله قد جعل فرجا، فقال: أرجوا ذلك من الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها فجاءت فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاعنوا بينهما، فقيل لهلال: يا هلال أتشهد بالله أربع شهادات إنك لمن الصدقين؛ فقيل عند الخامسة: يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وروي. فإن عذاب الله أشد من عذاب الناس وإنها الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال هلال: والله لا يعذبني عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد عليها الخامسة أن لعنة الله عليه إن

(1)

في الشبراخيتي ج 7 مخطوط في دار الرضوان: يجعل.

ص: 460

كان من الكذبين، ثم قيل لها: اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكذبين، فقيل لها عند الخامسة: فإن عذاب الله أشد من عذاب الناس وإن هذه هي الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت أنها سترجع فقالت: والله لا أفضح قومي سائر اليوم فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصدقين، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى بأن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها

(1)

) انتهى. ولم يُعَرف المصنف اللعان بل اعتنى بأركانه ومنها الزوج المسلم المكلف فقال: إنما يلاعن زوج يعني أن اللعان لا يكون إلا بين الزوجين، وأما الأجنبي فالبينة أو حد في ظهره، ولا يلاعن السيد بل إما يلحق به أو ينتفي عنه بغير لعان على ما سيأتي في باب أم الولد إن شاء الله. ابن عرفة: شرط اللعان ثبوت الزوجية لقول المدونة مع غيرها: واللعان بين كل زوجين، ثم ذكر عن ابن لبابة أن ذلك ما لم يكونا طارئين وإلا فيجب اللعان وإن لم تثبت الزوجية، ونقل المتيطى أنه وقع للشيخ أبي عمران الفاسي في أسئلة الباجي له أن اللعان يكون مع شبهة للنكاح وإن لم تثبت الزوجية إذا درأ الحد عنهما، قال في التوضيح: وهذا مما يشكل به قول المصنف يعني ابن الحاجب: زوجا، نقله بناني. وقال الشبراخيتي: إنما يلاعن زوج حرا أو عبدا دخل بالزوجة أم لا لا سيد، وأغناه عن ذكر شرط التكليف قوله فيما يأتي، أو هو صبي حين الحمل، ويدخل في كلام المص العنين والهرم والأخرس والمجبوب والخصي بقسميه وهو كذلك في الجميع في الرؤية والقذف، وأما في الحمل فلا لعان في المجبوب كما في الجلاب، ويأتي ذلك في كلام المصنف وأما الخصي فسيأتي ما فيه عند قوله: أو مجبوب والمذهب أن الواطئ بشبهة يلاعن للشبهة ولا يشمله كلام المص إلا بتأويل أي زوجا

(2)

حقيقة أو حكما فإنه لما كان الولد لاحقا به ودرئ عنه الحد كان في حكم الزوج، وقوله: زوج أي متصف بالزوجية سواء كان زوجا الآن أو زوجا فيما مر لما يأتي أنه يلاعن في العدة وإن من بائن. انتهى. وإن فسد نكاحه يعني أن اللعان ثابت بين الزوجين وإن فسد نكاحهما ولو كان مجمعا على فساده لثبوت النسب فيه قال الشارح معللا للمص: أي لأنه يلحق فيه الولد كما في الصحيح فاحتيج إلى اللعان لنفيه. قاله في كتاب محمد والنوادر والجواهر

(1)

أبو داود، كتاب الطلاق، رقم الحديث 2256. البيهقي، ج 7 ص 394. فتح الباري، ج 9 ص 455.

(2)

في الشبراخيتي ج 2 مخطوط: زوج.

ص: 461

وغيرها. وزاد في المقدمات: وكذا إن كان حراما لا يقران عليه، وكذا في العتبية عن ابن القاسم فيمن تزوج أمة أو أخته ونحوهما ولم يعلم ثم علم وقد حملت وأنكر الولد فإنهما يتلاعنان. انتهى والله سبحانه أعلم. وقال الشبراخيتي: ظاهره يعني المص ولو كان فساده مجمعا عليه وهو كذلك فإن نكح ذات محرم أم أو أخت ولم يعلم ثم علم وقد حملت وأنكره فليتلاعنا، وإن نكلت حدت وإن نكل حد للقذف ولحق به الولد. انتهى. أو فسقا يعني أن الزوجين يتلاعنان ولو كانا فاسقين أو رقا يعني أن الزوجين يتلاعنان وإن كانا رقيقين، وقوله: أو فسقا أو رقا قال ابن رشد: خلافا لأبي حنيفة وأصحابه في أنه لا يلاعن العبد ولا المحدود في القذف لأن المراد بالآية من تجوز شهادته من الأزواج لأن الله تعالى استثناهم من الشهداء بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} فسماهم شهداء بذلك لأن المستثنى من المستثنى منه وقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} فدل على أن اللعان شهادة والعبد والمحدود ليسا من أهلها. قال عبد الباقي: وأجيب بأن الاستثناء منقطع ولم يكن لهم شهداء غير قولهم كما قالوا: الصبر حيلة من لا حيلة له والجوع زاد من لا زاد له. قاله البرموني. انتهى. قال بناني: وجوابه بأن المستثنى منقطع مشكل من جهة الصناعة لأن المنقطع في غير الإيجاب يجب نصبه في لغة الحجازيين ويترجح في لغة تميم: وفي الألفية:

وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال وقع

فيلزم حمل الآية على ممنوع أو ضعيف وهو لا يجوز فتأمله. والمتعين على مذهبنا أن تكون إلا بمعنى غير صفة لشهداء أي ولم يكن لهم شهداء غير أنفسهم، ولا يلزم منه تقييد أبي حنيفة لا يقال: شرط كون إلا بمعنى غير عند ابن الحاجب تعذر الاستثناء وقد أمكن هنا لأنا نقول التحقيق عند الرضى أن مذهب سيبويه جواز ذلك سواء صح الاستثناء أو تعذر خلافا لابن الحاجب. انتهى. وقال عبد الباقي: قال الوانوغي: انظر لو رمى الزوج زوجته بالزنى وأتى على ذلك ببينة كاملة فجمهور العلماء أن له أن يلاعن أو يترك؛ وظاهر القرآن أن اللعان مع عدم البينة لا معها، وأجاب البلقيني الشافعي بأن الآية نزلت على سبب فجرت مجرى الغالب فلا مفهوم. قال المشدالي: أراد مفهوم {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} ومن شرط إعمال المفهوم أن لا يكون

ص: 462

خرج مخرج الغالب. انتهى. ولا يقال: كيف تكون لهما الملاعنة مع وجود البينة الشرعية بزناها؟ إذ الواجب حينئذ رجمها لأنا نقول يمكن ذلك في فقد الزوجة شرطا من شروط الإحصان، فإن قلت: ما فائدة لعانها مع إقامة البينة التي توجب رجمها، قلت: سقوط الحد عنها إن كانت ممن تحد أو الأدب فيمن تودب والظاهر تأبيد حرمتها بلعانها مع البينة كما هو المتبادر من كلام البلقيني وكلام المص الآتي، ويحتمل عدم تأبيدها لنسبة الزنى لرؤية البينة قبل اللعان. انتهى. قوله: قال الوانوغي لخ قال بناني: ما نقله عن الوانوغي هو كذلك فيه ونقله في تكميل التقييد وسلمه وهو مشكل لأنها تحد للبينة وإن كانت غير محصنة ولأنه لا فائدة في لعان الزوج لكون قذفه لا يوجب حدا مع البينة، اللهم إلا أن يقال فائدة لعانه أن ينتفي يه ما ولد لستة كما يفيده الحافظ بن حجر في فتح الباري ونصه: استُدِلّ بقوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية: (البينة [وإلا فحد]

(1)

في ظهرك)

(2)

على أن اللعان لا يشرع إلا لمن ليست له بينة وفيه نظر؛ لأنه لو استطاع إقامة البينة على زناها ساغ له أن يلاعنها لنفي الولد، وبه قال مالك والشافعي ومن تبعهما انتهى منه. وإذا كان لعانه لنفي الولد تعين أنه يلاعن وحده، وأما الزوجة فلا فائدة في لعانها لأنه لا ينفي حدها الذي وجب بقيام البينة ولهذا لم يذكر الوانوغي ولا غيره إلا أن الزوج له أن يلاعن ولم يذكر لعان الزوجة، وبه يسقط ما ذكره الزرقاني بعده والله أعلم انتهى. واستدل أبو حنيفة على مذهبه أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: (أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والأمة لعان وليس بين الحرة والعبد لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان وليس بين المسلم والنصرانية لعان

(3)

) أخرجه الدارقطني، وأجيب بأن الحديث؛ ضعيف عند أهل الحديث وفي المدونة: واللعان يين كل زوجين كانا مملوكين أو أحدهما أو محدودين أو كتابية تحت مسلم إلا الكافرين فلا لعان بينهما فأما الكتابية والأمة فلا يلاعن الزوج في قذفهما بغير رؤية كان حرا أو عبدا إذ لا يحد قاذفهما ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملا وادعى الاستبراء أو ادعى رؤية لم يمس بعدها لخوف الحمل، ولو شاء أن يلاعن في قذفهما ليحقق ذلك عليهما لم أمنعه. انتهى.

(1)

كذا في الأصل والذي في البخاري الحديث 4747 وفتح الباري ج 9 ص 463 ط دار الفكر وإلا حد.

(2)

البخاري. كتاب التفسير، رقم الحديث 4747.

(3)

الدارقطني، ج 3 ص 163. ابن ماجه، كتاب الطلاق، رقم الحديث 2071.

ص: 463

قوله في المدونة: فأما الأمة والكتابية فلا يلاعن لخ، قال الشيخ أبو الحسن: أي لا يلزمه لعان يدل عليه قوله فيما يأتي: ويلاعن فيهما إن أحب. انتهى. وظاهر هذا الكلام أنه إذا لم يلاعن لا يؤدب وليس كذلك لأن المص سيقول وحكمه رفع الحد والأدب في الأمة والذمية. والله أعلم. انتهى. قاله الحطاب. وانظره مع ما يأتي من لزومه لنفي نسب. لا كفرا يعني أن الزوجين الكافرين لا لعان بينهما إلا أن يترافعا إلينا راضيين بحكمنا فنحكم بينهما بحكم الإسلام فإن نكلت رجمت على قول عيسى وحدت عند البغداديين لفساد أنكحتهم ولو كان الزوج مسلما لاعن لنفي الحمل أو الولد لزوما، وأما للرؤية فلا يلزم بل يجوز ولو كان كافرا وهي مسلمة كما إذا أسلمت تحته أو غرها أو تزوجها على القول بأنه غير زنى، كما قال اللخمي: تلاعنا فإن نكل هو حد وإن حلف الأيمان ونكلت فلا حد عليها وهي مخصصة لقوله الآتي وإيجابه على المرأة إذا نكلت لأنها أيمان كافر وهي قائمة مقام الشهادة ولا شهادة لكافر على مسلم. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: قال في المدونة: لا لعان بين كافرين فإن ترافع هو وزوجته ورضوا أن يحكم بينهم بحكم الإسلام حكم بينهم بحكم الإسلام فإن نكلت رجمت على قول عيسى: يريد لوجود الإحصان لأن أنكحتهم صحيحة عنده وهو ضعيف، وعلى قول البغداديين يحد من نكل وقول عيسى: رجمت، ضعيف؛ ومفهوم كفرا أن المسلم يلاعن النصرانية واليهودية وهو كذلك في الجلاب لكن لعانه لنفي الحمل أو الولد لا للرؤية إن قذفها بزنى يعني أن الزوج إنما يلاعن للقذف بالزنى أو لنفي نسب فإذا قال: رأيتها تزني فإنهما يتلاعنان سواء كان في قبل أو دبر وادعى حصوله منها طوعا، ولابد أن ترفعه للحاكم فلو لم ترافعه فلا لعان عليها لأن لعانها من حقها وإنما يبقى النظر هل يلاعن أو يحد، ولابد من كونه قذفا صريحا لا تعريضا على المعروف وأدب فيه فقط على الراجح، ومقابله يلاعن انظر شرح الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب: يريد سواء كان في قبل أو دبر صرح بذلك ابن القصار وتبعه ابن الحاجب وغيره، قال ابن عرفة: وهو مقتضى المذهب وقال القرطبي إذا قذف بالوطء في الدبر لاعن. وعن أبي حنيفة: لا يلاعن، وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد وهو فاسد لأن الرمي به معرة انتهى. وقررت قوله: بزنى بأنه ادعى حصوله منها طائعة فإن رماها بغصب فسيذكره المص بقوله: "وتلاعنا إن رماها بغصب"، وقال عبد الباقي: وفي المدونة: التعريض كالتصريح. انتهى. قال بناني: ما في المدونة

ص: 464

عزاه الباجي لقذفها وجعله ابن عرفة مقابلا للقول المعروف من المذهب، ونصه: وفي لغو تعريضه ولعانه قولا المعروف ونقل الباجي مع عياض عن قذفها. انتهى. وبه يبطل ما أشار إليه الزرقاني من الجمع بينهما، وذكر في التوضيح أن القولين معا في المدونة وأن عياضا أشار إلى الجمع بينهما بنحو ما ذكر الزرقاني، وأن ابن عبد السلام رده فانظره. والله أعلم. انتهى. في نكاحه صفة لزنى أي زنا كائن في نكاحه أي إنما يلاعن إن قذفها بزنى واقع في نكاحه. قاله بناني. ولابد من أن يكون القذف حاصلا في النكاح ومثل قذفها في النكاح قذفها في توابعه كالعدة، فإذا قذفها في النكاح أو في العدة فإنهما يتلاعنان ولو لم ترافعه إلا وهي في عصمة غيره وإلا بأن رماها بزنى ولم تكن في نكاحه بأن كانت أجنبية أو خرجت من عدته ثم قذفها أو قذفها وهي في نكاحه بزنى تقدم عقد النكاح فليس له أن يلاعن، وحد في الصور الثلاث، وخالف أبو حنيفة في الأخيرة ورأى أنه يصدق عليه أنه رام لزوجته بالزنى فيدخل تحت عموم آية اللعان، وما في شرح عبد الباقي من أنه يلاعن في الصورة الأخيرة إنما يتمشى على مذهب أبي حنيفة لا على مذهب مالك، ففي المواق عن الباجي: إن قال: رأيتك تزنين قبل أن أتزوجك حد اتفاقا. انتهى. وفي الجواهر: وإن قذفها في النكاح بزنى قبل النكاح لم يلاعن وحد ونحوه لابن الحاجب ونقل عليه في التوضيح كلام الباجي، وقال ابن عبد السلام في شرحه له: قال مالك: يحد ولا يلاعن انتهى. وإذا قذف أجنبية أو قذف زوجته بعد خروجها من العدة فإنه يحد ولا يلاعن كما عرفت وذلكَ ثابت ولو تزوجها القاذف، وقال الشارح عند قوله: في نكاحه، ما نصه: احترازا مما إذا رماها بزنى قبل نكاحه فإنه يحد، ولهذا قال: وإلا حد. الباجي: ولا خلاف في ذلك في المذهب. تيقنه أعمى يعني أن الزوج إذا كان أعمى فإنه أي إنما يلاعن إذا تيقن زنى زوجته، ويحصل له اليقين بالجس بفتح الجيم أي اللمس، ويحصل بالحس بكسر الحاء المهملة، ويحصل بالإخبار المفيد للقطع ولو من غير مقبول الشهادة، وقوله: تيقنه أعمى أتى بصيغة العموم، ففيه رد على ابن القصار القائل بأن الأعمى إنما يلاعن إذا وضع يده على الفرج. انظر الشبراخيتي. وقال الشارح مفسرا للمص: أي فلا يعتمد الملاعن في القذف في الزنى إلا على أمر يقوى عنده فإن كان أعمى اعتمد على يقينه: والمشهور في الأعمى ما ذكره وهو مذهب المدونة، وعن مالك: لا يجوز له اللعان إلا أن يقول: مسست الفرجين انتهى ورءاه غيره يعني أن الزوج البصير إنما يلاعن إن رآه

ص: 465

يزني بها بأن رأى فرجه في فرجها ولا يشترط وصفه كالشهود، هذا هو المشهور وقيل: كالشهود وهو ظاهر المدونة ونصها: وذلك أن يدعي أنه رآها تزني كالمرود في الكحلة. انتهى. ويدخل في قوله: رآه غيره، الأصم.

تنبيه: قال عبد الباقي: المراد بالرؤية في كلام المص العلم وإن لم يبصره فلو قال: تيقنه ولو بصيرا. انتهى. قوله: المراد بالرؤية في كلام المص العلم وإن لم يبصره لخ، قال بناني: كلامه غير صحيح بل مراده هنا حقيقة الرؤية كما هو ظاهر المدونة وغيرها، وأما العلم دون رؤية فسيذكر المص ما فيه من الخلاف، ونص ابن الحاجب: ويعتمد على يقينه بالرؤية، وقيل: كالشهود، وقيل: يعتمد على يقينه كالأعمى على المشهور فيه. انتهى. قوله: فيه أي الأعمى، التوضيح: يعني قيل: إذا تحقق وقوع الزنى منها جاز له اللعان وإن لم يرها تزني كالمشهور من القول في الأعمى. انتهى. وانتفى به ما ولد لستة أشهر يعني أنه ينتفي بلعان الرؤية وما في حكمه من تيقن الأعمى لا ولد كاملا لستة أشهر فأكثر من يوم الرؤية أو أنقص منها بخمسة أيام بأن يتوالى ثلاثة على النقص والرابع كامل ثم اثنان ناقصان، هذا ما عليه الأكثر وهو الصحيح، وقيل: نقص الستة الأيام كالخمسة. ابن ناجي: ووقعت قديما بفاس في امرأة أتت بولد لخمسة أشهر وأربعة وعشرين يوما فاختلف فيها فقهاؤنا على قولين، والصحيح عدم الإلحاق إذ لا يصح توالي ستة أشهر نقص، وبه قال أحمد بن لقاضي وعبد الله بن المسلم، وخالف أبو علي القيسي قاله الشبراخيتي. وإلا تلد لستة أشهر بل ولدت لأقل من ستة أشهر وما في حكمها من يوم الرؤية لم ينتف الولد باللعان المذكور، ولحق حتى به لأن لعانه في الحقيقة إنما هو للرؤية وما في حكمها لا لنفي الحمل. والله سبحانه أعلم. إلا أن يدعي الاستبراء لما كان قوله: لحق شاملا لما إذا ادعى الاستبراء قبل الرؤية ولما إذا لم يدعه أخرج من ذلك ما إذا ادعى الاستبراء قبل الرؤية بقوله: إلا أن يدعي الاستبراء؛ يعني أن محل لحوق الولد بالزوج في لعان الرؤية وما في حكمه من التيقن إنما هو حيث لم يدع الاستبراء، فإن ادعى الآن الاستبراء قبل الرؤية لم يلحق به الولد بل ينتفي باللعان الأول، وهو قول أشهب؛ وقال عبد الملك وأصبغ: إنما ينفيه بلعان ثان وإن ادعى الاستبراء عند لعانه للرؤية انتفى عنه الولد بإجماع، ومحل كلام المص حيث أتت بالولد لستة أشهر وما في حكمها فأكثر من يوم الاستبراء فإن أتت به لأقل من ذلك من يوم الاستبراء لحق.

ص: 466

ابن ناجي: وقعت بتونس مسألة امرأة تزوجت قبل حيضة فأتت بولد لخمسة أشهر ثم بآخر لشهر، وصدرت الفتوى بأن الأول للأول والثاني للثاني، قال بعض: في البطن زوايا فقد يتأخر الولد في إحداها، قاله عبد الباقي عن التتائي. قال: وقوله: قبل حيضة، صوابه بعد حيضة، وأما قبلها فيلحق ما أتت به بالأول ولو لأقصى أمد الحمل، قال: والظاهر ضعف هذا الفرع لما يأتي من أن الولدين بينهما أقل من ستة أشهر توأمان وبطن واحدة وكون البطن لها زوايا لا يقتضي وجود حمل على حمل انتهى. قوله: وانتفى به ما ولد إلى هنا، يأتي تحريره إن شاء الله عند قوله: وإن لاعن لرؤية وادعى الوطء قبلها لخ، وبنفي حمل الأول من المتضايفين عطف على قوله: بزنى قاله الشارح؛ يعني أن الزوج إذا رمى زوجته بنفي حملها الظاهر فإنه يلاعنها إن بادر على ما يأتي، وقوله: بنفي حمل، لا مفهوم للحمل عن الولد، فلو قال: وبقطع لنسب لكان أشمل، واقتصر على الحمل لكونه الغالب، وإلا فلا فرق بين الحمل وغيره، وقد مر قولي: حملها الظاهر، قال عبد الباقي: وبنفي حمل ظاهر بشهادة امرأتين فيلاعن كما يدفع لمطلقة نفقة حمل ظهر بها وترد جارية ظهر حملها بعد الشراء. انتهى. وإن مات قال الشارح مفسرا للمص: أي الولد أو الحمل، قال في المدونة: وإن ولدت ولدا ميتا أو مات بعد الولادة ولم يعلم به الزوج لغيبة أو غيرها ثم نفاه إذا علم به فإنه يلاعن لأنه قاذف. انتهى. وقال عبد الباقي: وإن مات الولد بعد وضعه أو ولدته ميتا ولم يعلم به الزوج لغيبته أو غيرها فيلاعن، وفائدة لعانه سقوط الحد عنه، ولو انفش الحمل بعد لعانه لم تحل له أبدا، كما يأتي آخر الباب انتهى. أو تعدد الموضع اعلم أن مقتضى كلام غير واحد أنه يقدر بعد قوله: وبنفي حمل واتحد أو نحوه، فترجع له المبالغة الكائنة في قوله: أو تعدد الوضع أو التوأم وما بعدها، وعبارة الأمير: واتحد إن تعدد، وتقرير المص على هذا أن تقول: وبنفي حمل حيث حيي واتحد، بل وإن مات أو تعدد لخ، والله سبحانه أعلم؛ يعني أن من قدم من غيبته فوجد امرأته ولدت ولدين أو أكثر فأنكرهم يبرأ منهم بلعان واحد معجل، ومحل ذلك إن أمكن إتيانه لها سرا وإلا انتفوا عنه بغير لعان، كما يأتي في قوله: أو ادعته مغربية على مشرقي، سمع عيسى ابن القاسم: من قدم من غيبته سنين فوجد امرأته ولدت أولادا فأنكرهم، وقالت: بل هم منك لم يبرأ منهم ومن الحد إلا بلعان. ابن رشد: هذا إذا أمكن إتيانه إليها سرا لمسألة المدونة في دعواها ذلك قبل البناء. قاله الشبراخيتي وغيره.

ص: 467

وقوله: أو التوأم من عطف الجمل أي أو حصل التوأم انظر حاشية الشيخ بناني: يعني أنه يكتفي بلعان واحد معجل فيما إذا ولدت المرأة توأمين فأكثر فينتفي النسب به عنه كالتي قبلها، وقد علمت أن قوله: أو تعدد الوضع في حمل متعدد، وقوله: أو التوأم هو الولد المتعدد في حمل واحد، وفي الشبراخيتي: ولا شك أن قوله: أو تعدد الوضع، يغني عن قوله: أو التوأم، وقوله: بلعان معجل متعلق بمحذوف تقديره وانتفى الحمل والولد، ولا يصح تعلقه بنفي حمل؛ يعني أنه ينتفي النسب في جميع الحور من قوله: وبنفي حمل لخ: بلعان واحد معجل: ويأتي مفهوم معجل في قوله: وإن وطئ أو أخر لخ، ويعجل اللعان ولو كان الزوجان مريضين أو أحدهما وأما الحائض والنفساء فتؤخران، وقوله: كالزنى والولد تشبيه في الاكتفاء بلعان واحد يعني أن الزوج إذا قال: رأيتها تزني وهذا الولد الذي معها أو الحمل الذي في بطنها ليس مني، فإنه يكتفى لذلك بلعان واحد سواء كانت رؤية الزنى بها قبل الولادة أو بعدها، قرره بهذا غير واحد، وقرره أحمد عن بعض شيوخه بأن قوله: والولد معطوف على الحمل، ومعنى ذلك أنه إذا نفى الولد بأن قال: ما هذا الولد مني والحال أنه لم يعلم حمل فإنه يلاعن وينتفي عنه الولد كما أنه يلاعن إن قذفها بنفي حمل. انتهى. قال مقيده: وفيه ما فيه، وعبارة الشارح عند قوله: كالزنى والولد أي فإنه يكفي فيهما لعان واحد؛ لأن قوله: ما هذا الحمل مني وقد زنت قبل الحمل أو بعده، بمنزلة ما لو قذفها بالزنى مرات. انتهى. إن لم يطأ بعد وضع مقتضى كلام غير واحد أو صريحه أنه شرط في قوله: إنما يلاعن بالنظر لأحد موضعيها وهو بنفي حمل أي وإنما يلاعن في نفي الحمل والولد إن لم يطأ بعد وضع لخ؛ يعني أن ما مر من أن الزوج يلاعن لنفي الحمل والولد مقيد بأن يعتمد الزوج في لعانه على واحد من هذه الأمور، أحدها: أن يقول: أنا ما وطئتها من حين وضعت الحمل الأول الذي قبل هذا الحمل المنفي، وبين الوضعين ما يقطع الثاني عن الأول وهو ستة أشهر فأكثر، فإنه حينئذ يلاعن، وأما لو كان بينهما أقل من ستة أشهر لكان الثاني من تتمة الأول فهما توأمان فيكونان ولدين له، ثانيها وثالثها: أشار إليهما بقوله: أو وطئها بعد رضع الأول بشهر مثلا وأمسك عنها وأتت بولد بعد هذا الوطء لمدة لا يلحق لولد فيها بالزوج، إما لقلة كخمسة أشهر فأقل بين الوطء والولادة فإنه يعتمد على ذلك ويلاعن؛ لأن الولد ليس للوطء الثاني لنقصه عن ستة أشهر ولا من بقية الأول لقطع الستة له عنه، أو لكثرة عطف على

ص: 468

لقلة يعني أنه إذا وطئها بعد وضع الأول وأمسك عنها ثم أتت بولد لمدة لا يلحق الولد فيها بالوطء الذي بعد الوضع لأجل كثرة كخمس سنين أو أكثر فإنه يعتمد على ذلك ويلاعن، رابعها أشار إليه بقوله: أو استبرأ بحيضة عطف على قوله: لم يطأ؛ يعني أن الزوج إذا وطئ زوجته ثم استبرأها بحيضة بعد وطئه ولم يطأ بعد ذلك الاستبراء وأتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم الاستبراء فإنه يعتمد على ذلك في نفي الولد ويلاعن وإن لم يدع رؤية، وهو المشهور، وقيل: ليس له أن يلاعن حينئذ، وهو مقابل للمشهور، وتشهير الشارح له منتقد، ومقتضى المص وغيره أنه لا يعتمد على عقمه حتى يلاعن بل إنما يلاعن لاعتماده على غيره، وقد علمت أن المشهور أن لم أن يعتمد على الاستبراء بحيضة واحدة، وقال عبد الملك: ثلاث حيض، وحكى عنه ابن عبد السلام إن كانت أمة فحيضة وإن كانت حرة فثلاث، وقيل: لا يعتمد على الاستبراء بالحيض مطلقا واحدة أو أكثر. انظر الشارح. ولو تصادقا على نفيه مبالغة في مقدر؛ أي وانتفى الحمل والولد بلعان معجل لا بغيره ولو صدقت المرأة الرجل على أن الحمل أو الولد ليس منه. ابن يونس: ويكون اللعان من الزوج وحده دون الزوجة لحق الولد، فلو لاعنت فلا يفيدها لأنها مصدقة، فإن لم يلاعنها لحق به ولا حد عليه لأنه قذف غير عفيفة سواء كان ذلك قبل البناء أو بعده، كما قاله أكثر الرواة، ومقابله رواية الأقل: لا يحتاج نفي الولد للعان حيث تصادق الزوجان بعد البناء على أن الولد ليس منه، ابن عبد السلام: قلت: الأظهر ما ذهب إليه الأكثرون من الرواة أنه لا ينتفي النسب بتقارِّ الزوجين لأنه إقرار على الغير فلا يقبل. انتهى. وللخمي تخريج أنه ينتفي بلا لعان حيث تصادقا على نفيه قبل البناء. والله سبحانه أعلم إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر مستثنى من المقدر المذكور؛ أي وانتفى الحمل والولد بلعان لا بغيره إلا أن تأتي لخ؛ يعني أنه لا يحتاج في نفي الولد إلى لعان حيث أتت به لأقل من ستة أشهر من يوم العقد قلة زائدة عما يمكن أن تنقصه الشهور كستة أيام، وهذا إذا اتفق الزوج والمرأة على المدة المذكورة فإن اختلفا في تاريخ العقد لم ينتف إلا بلعان ويقول في يمينه، وما تزوجتها إلا من خمسة أشهر مثلا، وتقول هي: ولقد تزوجتني أكثر من ستة أشهر مثلا والولد منك. أو هو صبي حين الحمل عطف على قوله: لأقل؛ يعني أن المرأة إذا حملت وزوجها صبي حين الحمل فإن الحمل منتف عن الزوج بلا لعان ولو كان يقدر على الوطء حين الحمل لأن الصبي لا يولد له، أو

ص: 469

مجبوب يعني أن المرأة إذا حملت وزوجها مجبوب حين الحمل فإن الحمل ينتفي عنه بلا لعان والمجبوب هو المقطوع الذكر والأنثيين معا، وقوله: أو مجبوب ظاهره ولو كان ينزل، وكذا لو كان خصيا أو مقطوع البيضة اليسرى لفساد منيه. قاله المحقق الأمير. وفي الشبراخيتي ناقلا عن ابن القاسم وابن حبيب: أنه إذا أتت زوجة الخصي بقسميه يعني مقطوع الذكر أو الأنثيين بولد فلا لعان عليه إذ لا يلحق به، ومشى عليه في الجلاب، فقال: ولا لعان على خصي. انتهى. وفي الشبراخيتي أيضا عن ابن حبيب: أن من ذهبت بيضته اليسرى لا يلاعن لنفي الحمل لأنها تطبخ المني فإذا فقدت فقد الولد واليمنى لنبات الشعر. انتهى. وفي الشبراخيتي أيضا عن القرافي: أن الخصي والمجبوب إذا كانا لا ينزلان لم يلحق بهما ولد وإن أنزلا لاعنا كغيرهما. انتهى. وقال الشبراخيتي أيضا: وقال في الشامل عاطفا على من ينتفي عنه الولد بلا لعان: أو مجبوب وذاهبُ الأنثيين يلاعن حيث أنزل وكذا مقطوع الذكر والبيضة اليمنى وأما قائم الذكر مقطوع الأنثيين أو اليسري فقط فإنه ينتفي عنه الولد بلا لعان. انتهى. أو ادعته مغربية على مشرقي معطوف على المستثنى يعني أن الولد ينتفي بلا لعان في هذه الصورة، وهي ما إذا ادعت زوجة مغربية مثلا على زوجها المشرقي مثلا في ولد أتت به أنه منه وأنه طرقها ليلا مثلا، وكل منهما ببلده، وليس المدار على المسافة المذكورة، وإنما المدار أن تدعيه زوجة على زوج وبينهما مدة لا يمكن عادة مجيئه إليها مع خفائه، مثال ذلك: ما لو عقد عليها وهو غائب وبينهما من المسافة ما لو قدم بعد العقد كان الباقي أقل من ستة أشهر وكذا لو كان أكثر، ويشهد من هو بينهم أنه لم يغب طول المدة أو غاب ما لا يكون مدة لذهابه ورجوعه؛ نقله ابن عرفة عن اللخمي. وقوله:"أو ادعته مغربية على مشرقي"، قال عبد الباقي: وهذا بخلاف من أقام بينة على شخص أنه في وقت كذا قتل فلانا وشهدت بينة أخرى أنه في ذلك الوقت بعينه في مكان آخر بعيد فإن بينة القتل مقدمة لأنها مثبتة، والفرق بين المسألتين أن اللعان ليس فيه إلا دعواها والبينة أقوى ومحل تقديم بينة القتل ما لم يكثر الشاهدون بأنه كان في ذلك الوقت في مكان آخر، بحيث يفيد خبرهم العلم الضروري فيعمل بشهادتهم. انتهى. وفي حده بمجرد القذف ولعانه خلاف مبتدأ وخبره في حده وهذا مفهوم قوله: ورءاه غيره؛ يعني أنه لو قذفها بالزنى دون رؤية ولا نفي حمل، أو نفي حمل دون استبراء، فإن الشيوخ اختلفوا في ذلك على قولين، فأكثر الرواة يحد ولا

ص: 470

يلاعن وهو قول ابن القاسم والمخزومي وابن دينار، قال في المقدمات: وهو الأصح، وقال ابن نافع: يلاعن ولا يحد، وهو قول ابن القاسم أيضا واختاره كبار المتأخرين وشهره في الإرشاد، والقولان في المدونة قاله الشارح. وحجة القول الثاني عموم آية اللعان فإنه لم يذكر فيها رؤية زنى ولا نفي حمل ولا ولد وإن لاعن لرؤية وادعى الوطء قبلها وعدم الاستبراء يعني أن الزوج إذا ادعى أنه رأى زوجته تزني وادعى أنه وطئها قبل أن يراها تزني وادعى مع ذلك أنه لم يستبرئها من وطئه الحاصل قبل الرؤية ولاعنها ثم أتت بعد ذلك بولد فقد ثبت لمالك ثلاثة أقوال في إلزامه أي الزوج به أي بالولد، ومعنى هذا أن الولد يكون لاحقا به أي لا ينتفي عنه أصلا لا بلعان ثان ولا بغيره إذ عدوله عن دعوى الاستبراء رضي منه باستلحاقه، وإذا استلحقه فليس له أن ينفيه بعد ذلك؛ وهذا مفاد ما قاله أبو الحسن. وعدمه عطف على قوله: في إلزامه، والضمير فيه عائد على الإلزام أي أن الإمام قال مرة بالإلزام ومرة قال بعدم الإلزام؛ أي أن الولد لاحق به إلا أن ينفيه بلعان. قاله أحمد بابا. ونفيه أي الولد أي أن الإمام قال مرة أيضا: إنه منتف عنه باللعان الحاصل لأنه موضوع لنفي الحد والولد فإن ادعاه بعد ذلك حد ولحق به. قاله غير واحد. وقوله: أقوال مبتدأ وخبره قوله: لمالك، أو فاعل للثبوت والاستقرار الذي تضمنه المجرور، كما أشرت إليه في الحل، وبهذا التقرير ظهر لك الفرق بين الأقوال الثلاثة؛ إذ القول الأول هو أن الولد لاحق به ولا ينتفي عنه أصلا لا بلعان ثان ولا بغيره، والقول الثاني أن الولد لاحق به إلا أن ينفيه بلعان ثان، والقول الثالث أنه منتف عنه باللعان الحاصل ولا يحتاج إلى لعان ثان فإن استلحقه بعد ذلك لحق به وحد، ولابد من تحرير هذه المسألة وتحرير قوله قبل:"وانتفى به ما ولد لستة أشهر"، فأقول طالبا من الله التوفيق، والإرشاد والتحقيق:

اعلم أن موضع هذه الأقوال مطلق سواء ولدته لستة فأكثر أو لأقل منها. قاله بناني. وهذه المسألة داخلة في عموم قوله: وانتفى به ما ولد لستة أشهر، قاله الحطاب. ولهذا قال بعض الشيوخ: ينبغي أن يكون القول الأخير هو الراجح لما تقدم من قوله: وانتفى به ما ولد لستة أشهر. والحاصل أن اللعان للرؤية له حالتان، إحداهما: أن يدعي الاستبراء وفيها صورتان، الأولى: أن يدعي الآن أنة كان استبرأها قبل الرؤية فينتفي عنه الولد بذلك اللعان ولا يحتاج إلى لعان ثان وهو قول أشهب، وقال عبد الملك وأصبغ: إنما ينفيه بلعان ثان، قال في المقدمات: وفي المدونة ما

ص: 471

يدل للقولين. نقله بناني وغيره؛ الصورة الثانية: أن يدعي الاستبراء عند لعانه للرؤية فينتفي عنه الولد بذلك اللعان إجماعا ومحل انتفائه في الصورتين إن أتت به لستة أشهر وما في حكمها من يوم الاستبراء وإلا لحق به؛ الحالة. الثانية: أن لا يدعي الاستبراء، قال الإمام الحطاب عن ابن رشد: وإن لم يدع الاستبراء فاختلف هل ينتفي الولد بذلك اللعان أم لا؟ على ثلاثة أقوال، أحدها: أن الولد ينفيه اللعان على كل حال وإن ولدته لأقل من ستة أشهر وهو أحد قولي مالك في المدونة؛ والثاني: أنه لا ينفيه بحال وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر ويلحق به الولد وهو قول عبد الملك وأشهب والثالث: التفرقة بين أن يولد لأقل من ستة أشهر أو لأكثر منها وهو القول الثاني لمالك في المدونة، وظاهر كلام المص وابن رشد أن الحكم كذلك سواء كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية أم لا، ويأتي للمص عن ابن القاسم أنها إذا كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية فإنه يلحق به، وهو ظاهر فيقيد به ما هنا والله أعلم انتهى كلام الحطاب عند قوله:"وانتفى به ما ولد لستة أشهر وإلا لحق إلا أن يدعي الاستبراء"، فإذا عرفت هذا عرفت أن المص مشى في قوله وانتفى به ما ولد لستة أشهر وإلا لحق فيما إذا لم يدع الاستبراء، على القول الثالث في كلام ابن رشد بالتفصيل بين أن تلده لستة أشهر من يوم الرؤية فأكثر فلا يلحق به أو تلده لأقل فيلحق به. كما قاله الحطاب. فإذا عرفت هذا عرفت أن قوله: وانتفى به ما ولد لستة أشهر وإلا لحق، حيث لم يدع الاستبراء، شامل بحسب ظاهره لما إذا ادعى الوطء قبل الرؤية وادعى مع ذلك عدم الاستبراء ولما إذا لم يدع ذلك، بأن سكت، وقوله وإن لاعن لرؤية لخ، خاص بما إذا ادعى الوطء قبل الرؤية وادعى مع ذلك عدم الاستبراء وهي المسألة المعهودة في المدونة، واختلف الشيوخ فيها فمنهم من فهم قول المدونة: اختلف قول مالك فمرة ألزمه الولد ومرة لم يلزمه الولد ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملا. انتهى. على قولين، كابن رشد وابن لبابة جعلوا قوله: ومرة قال بنفيه، تأكيدا لقولها: ومرة لم يلزمه، ومنهم من فسرها بثلاثة، وهو ما للمص، وعدلت عما في التوضيح تبعا لما عزوه لأبي الحسن في الأول ولأحمد بابا في الثاني؛ لأن ما قالاه هو المظاهر إذ به يتميز كل قول. والله سبحانه أعلم.

تنبيه: قد مر قول أحمد بابا عند قول المص، وعدمه: أن معناه أنه لاحق به إلا أن ينفيه بلعان، واللعان حينئذ لنفي الولد كما هو ظاهر وفي كلام عبد الباقي نظر. والله تعالى أعلم.

ص: 472

ابن القاسم: ويلحق إن ظهر يوميا يعني أن ابن القاسم فصل فقال: إن كانت حاملا يوم الرؤية فإنه يلحق به الولد وإن تعدد ولا يصح نفيه، وتفصيله ظاهر لأنه لا يلزم من لعانه لنفي الحد عنه نفي حمل ظاهر، وقوله: إن ظهر المراد بظهور الحمل تحققه وثبوت وجوده بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الوطء، وكلام المص يوهم أن هذا لابن القاسم وليس كذلك، بل هو لمالك، وإنما لابن القاسم فيه الاختيار.

تنبيهان: الأول: هذا الخلاف أعني قوله: فلمالك في إلزامه به لخ، جار سواء كانت يوم الرؤية ظاهرة الحمل أم لا، ولهذا قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلي إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا يشك فيه أن الولد لاحق، قال في التوضيح: وتفصيل ابن القاسم ظاهر. انظر الحطاب. وكلام المدونة هو: وقد اختلف قول مالك فمرة ألزمه الولد ومرة لم يلزمه إياه ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملات وأحب ما فيه إلي أنه إذا رآها تزني وبها حمل ظاهر لا يشك في أنه يلحق به الولد إذا التعن للرؤية.

الثاني: قال في التوضيح: فإن قيل في قول ابن القاسم أخب إلي نظر إذ هو موضع الجزم لعظم أمر الأنساب، وإنما يقال أحب في باب العبادات قيل إنما حمله على ذلك اضطراب مدرك الإمام فلم يستطع الجزم بمخالفته. انتهى قاله الحطاب. ولما ذكر ما يعتمد عليه ذكر ما لا يعتمد عليه بقوله: ولا يعتمد فيه على عزل يعني أن الزوج إذا وطئ زوجته وعزل عنها ماءه ثم أتت بولد فإنه لا يجوز له أن ينفيه بلعان معتمدا فيه على عزله لأنه قد يخرج منه من الماء ما لا يشعر به فيكون عنه الولد. قاله غير واحد. وأشار بعض الأشياخ إلى اعتبار ذلك في الإماء. قاله الشارح. ولا مشابهة لغيره يعني أن المشابهة في هذا الباب لم يلتفت إليها الشرع كما التفت إليها في باب القافة، بل نص على إلغائها فلا عبرة بها، وإن كانت المشابهة حاصلة بسواد في الولد وأبواه أبيضان كالعكس فمخالفة الولد لأبيه ومشابهته لغيره ملغاة في هذا الباب فلا تكون معتمدا شرعيا يعتمد عليه في نفي الولد، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل لك من إبل؛ قال: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: فهل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هو؟ قال يا رسول الله لعله يكون

ص: 473

نزعة عرق له

(1)

)؟ ولم يرخص له في الانتفاء منه ففهم الأئمة من هذا الحديث أن الاشتباه لا يعتمد عليه في اللعان وأنه مما لا يصلح مظنة في ذلك ولا علة وقوله صلى الله عليه وسلم (فهل فيها من أورق) الأورق هو الذي فيه بياض وسواد ومنه قيل للرماد أورق وللحمامة ورقاء وجمعه ورق بضم الوار وإسكان الراء كأحمر وحمر، وقال في الصحاح: الأورق من الإبل الذي لونه بياض إلى سواد وهو أطيبها لحما وليس بمحمود عندهم في عمله وسيره، والمراد بالعرق هنا الأصل من النساء شبهها بعرق الثمرة؛ ومعنى نزعه أشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه وأصل النزع الجذب، ولا وطء بين الفخذين إن أنزل يعني أنه لا يعتمد الزوج في اللعان لنفي الولد على أنه كان يطؤها بين الفخذين إن أنزل، لأنه يحتمل أن يكون وصل من مائة شيء إلى الفرج، وكذا لا يعتمد أيضا في نفي الولد على أنه كان يطأ في الدبر، واستشكل الباجي هذا أي الوطء بين الفخذين والوطء في الدبر كما في الحطاب، فقال: ويبعد عندي أن يلحق الولد من الوطء في غير الفرج، فلو صح هذا لما جاز أن تحد امرأة ظهر بها حمل وليست متزوجة لجواز أن تكون وطئت في غير الفرج، فلا يجب به حد وإن وجبت به عقوبة، قال ابن عبد السلام: وكلامه هذا صحيح. والله تعالى أعلم ولا وطء بغير إنزال إن أنزل قبله ولم يبل يعني أن الزوج لا يعتمد أيضا في نفي الولد على أنه وطئ ولم ينزل، بشرط أن يكون قد أنزل قبل هذا الوطء في وطء آخر أو ملاعبة والحال أنه لم يبل بعد إنزاله حتى وطئ هذا الوطء الذي لم ينزل فيه لاحتمال بقاء شيء من المني في قصبة الذكر خرج في هذا الوطء فحملت منه المرأة؛ ويلحق به الولد في المسائل الأربع، ولا حد عليه لعذره، وظاهره ولو عالما بتلك المسائل، ومفهوم قوله: إن أنزل أنه لو لم يحصل منه إنزال أصلا أنه يعتمد على ذلك ويلاعن، ومفهومه أيضا أنه إن أنزل قبل هذا الوطء وبال ثم وطئ ولم ينزل لكان ذلك معتمدا يلاعن بسببه، ولاعن في الحمل مطلقا يعني أن الرجل له أن يلاعن في نفي الحمل معتمدا على شيء مما تقدم مطلقا سواء كانت المرأة حية أو ميتة وسواء كانت في العصمة أو مطلقة، كان الطلاق رجعيا أو بائنا، في العدة أو بعدها، إلا أن يتجاوز أقصى أمد الحمل فإنه ينتفي عنه حينئذ بلا لعان، وقد مر: أو لمدة لا يلحق الولد فيها لكثرة، وتقدم هناك أنه يلاعن، ولا يعارض هذا لأن ما مر هي زوجة فيه، وفي الرؤية يعني أن الزوج إذا قذف المرأة بأنه رآها

(1)

البخاري، كتاب الاعتصام، رقم الحديث 7314. مسلم، كتاب اللعان، رقم الحديث 1500.

ص: 474

تزني فإنه يلاعنها إذا ادعى ذلك وهي في عصمته، وإن لم تكن في عصمته فإنما يلاعن بشرط أن تكون الرؤية مدَّعاة في العدة بأن قال لها وهي معتدة منه: رأيتك تزنين، فقوله: في العدة، متعلق بكون خاص صفة للرؤية أي الرؤية الدعاة في العدة كما أشرت إليه في الحل. وقاله غير واحد. ولفظ عبد الباقي: أي إنما يلاعن إذا ادعى في العدة أنه رأى. انتهى. وهو صادق بصورتين: أن يراها تزني في العدة، والثانية أن يدعي في العدة أنه رآها تزني وهي في عصمته. والله سبحانه أعلم، ويلاعن في الرؤية الدعاة في العدة حيث كانت العدة من طلاق رجعي، بل وإن كانت العدة التي ادعى فيها أنه رآها تزني من طلاق بائن، فيلاعن في العدة وبعدها؛ وهذا الذي ذكره في البائن قول ابن القاسم ورواه ابن وهب عن مالك، وقال محمد: يحد من غير لعان، يريد لأنها أجنبية، وقال المغيرة: لا حد ولا لعان، ومال إليه سحنون. قاله الشارح. وحد بعدها يعني أن الرجل إذا رمى من كانت زوجة له بعد انقضاء عدتها منه بأنه رآها تزني فإنه يحد، وهو صادق بصورتين، إحداهما: أن يقول لها بعد العدة: رأيتك تزنين في زمن عدتك، الثانية: أن يقول لها بعد العدد رأيتك تزنين بعد انقضاء زمن عدتك، فلا يمكن من اللعان بل يحد فيهما. قاله غير واحد وقال الشارح عند قوله: وحد بعدها؛ أي بعد العدة إذا رماها بزنى بعد خروجها منها ولا خلاف في ذلك. انتهى. وهو صادق بما إذا رماها بعد العدة بزنى رآه وهي في عصمته. والله سبحانه أعلم كاستلحاق الولد يعني أن الزوج إذا انتفى ولده باللعان ثم استلحقه فإنه يحد، وسواء كان هذا اللعان المنتفي به الولد بنفي حمل أو ولد ثم استلحق أو لرؤية فقط ثم استلحق، وهذا الإطلاق هو ظاهر الجلاب، وعلى نقله اقتصر المواق، وهو خلاف ظاهر المدونة فإن ظاهرها كما قال ابن عرفة: إنما يحد إذا لاعن لنفيه فقط أو لنفيه مع الرؤية وأما إذا لاعن للرؤية فقط ثم استلحق ما ولدته لستة أشهر فلا حد عليه، وقال ابن المواز: لا يحد إلا إذا لاعن لنفيه فقط، ونص ابن عرفة بعد نقول: فالحاصل إن لاعن لنَفْي حملها فقط حد باستلحاقه وإلا فثالثها إن لاعن لنفي حملها مع رؤية أو قذف، للجلاب ومحمد وظاهرها. انتهى. نقله بناني. وقوله: كاستلحاق الولد ولو استلحق واحدا بعد واحد قال عبد الباقي: فحد واحد للجميع إلا أن يستلحق واحدا بعد ما حد من استلحقه قبله فيتعدد فيما يظهر. انتهى. قال بناني: فيه نظر، والظاهر أنه لا يتعدد مطلقا لأنه قذف واحد. والله أعلم. انتهى. وقوله: كاستلحاق الولد أي

ص: 475

فيحد إذا استلحقه سواء كان حيا أو ميتا إلا أن تزني بعد اللعان مستثنى من قوله: كاستلحاق الولد يعني أنه إذا استلحق الولد بعد أن نفاه بلعان وقلنا: إنه يحد فإنما ذلك حيث لم يثبت عليها الزنى، وأما إن ثبت أنها زنت فإنه لا يحد لأنه قذف غير عفيفة وسواء زنت بعد اللعان أو قبله فلا مفهوم لقوله بعد. قاله بناني. وتسمية الزني بها يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: رأيت فلانا يزني بك فإنه يلاعن زوجته ويحد للأجنبي الذي قذفه فإن حد له قبل اللعان سقط عنه حد اللعان أي إن نكل، فإن لاعن قبل أن يحد للأجنبي فإنه يحد له، وإن حد للزوجة ابتداء سقط حده للرجل قام بحقه أم لا، ومفهوم قوله:"وتسمية الزاني بها" أنه لو لم يسمه كقوله: رأيت رجلا يزني بك لكفاه اللعان، قوله: وتسمية، عطف على قوله: كاستلحاق: ومعناه كما مر أن لعانه لا يسقط حده المرتب عليه من جهة غيرها وإنما يسقط الحد المرتب عليه من جهتها كما عرفت. وقوله وتسمية الزاني بها عورض هذا بحديث البخاري وغيره عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن [سحماء]

(1)

لخ، الحديث، فسمي الزاني بها ولم ينقل أن هلالا حد من أجله؛ فقال الداوودي: إن مالكا لم يبلغه الحديث، وأجاب بعض المالكية بأن المقذوف لم يطلب حقه، وذكر عياض أن بعض الأصحاب اعتذر عن ذلك بأن شريكا كان يهوديا. قاله ابن حجر. وذكر قبل هذا في شريك خلافا وأن البيهقي نقل عن الشافعي أنه كان يهوديا. قاله بناني. قوله: وتسمية الزاني بها، قال ابن الحاجب: وهو المشهور ولم يوجد مقابل المشهور. قاله الشارح. واعلم بحده يعني أن هذا الذي سماه الزوج في قوله: رأيت فلانا يزني بك، يعلم بحده الذي ترتب له على الزوج، بأن يقال له: فلان قذفك بزوجته وترتب لك عليه حد القذف، فقد يعترف أو يعفو لأجل إرادة الستر، وظاهر نقل المواق أن إعلامه واجب، وأن الوجوب متعلق بالحاكم وهو ظاهر إن علم الحاكم بذلك ويجري فيه قوله: وبعده إن أراد سترا فإن علم به عدلان فالظاهر وجوب إعلامهما المقذوف أيضا:

تنبيه: هذه المسألة ليست من النميمة لأن النميمة هي نقل كلام الغير على وجه الإفساد، وهذه ليست على وجه الإفساد لوجوب الإعلام بها، وقوله: وأعلم بحده، هذا مبني على أن الحد

(1)

في الأصل: سمحا، والمثبت من البخاري وغيره.

ص: 476

للقذف حق لآدمي، وقيل: ليس عليه إعلامه بناء على أنه حق لله تعالى قاله الشارح، وقوله: وأعلم بحده عبارة الأمير وجب إعلامه على الراجح فيحد أو يعفو سترا كما سيأتي لا إن كرر قذفها به أي بما رماها به أولا؛ يعني أن الزوج لا حد عليه فيما إذا كرر قذف زوجته بعد اللعان بما رماها به أولا، كقوله: ما كذبت عليها، وكقوله: زنيت بزيد، ثم لاعنها، ثم قال لها: زنيت بزيد: واحترز بقوله: به، عما إذا رماها بعد اللعان بأمر آخر كنفي حمل بعد قذف برؤية، وعما إذا رماها بأعم من الأول كزنيت مع كل الناس بعد لعانه لها بسبب قوله لها: زنيت بزيد، فإنه يحد ثانيا، وانظر هل تحصل المغايرة في قوله لها: زنيت بزيد بعد قوله لها: زنيت بعمرو؟ وانظر أيضا هل تحصل المغايرة في قوله: زنيت بفرجك بعد لعانه في زنيت بدبرك؟ وعكسه. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: لا إن كرر الزوج قذفها به أي بما لاعنها بسببه فلا يحد، كقوله: ما كذبت عليها، فإن قذفها بأمر آخر أو بأعم حد، فالأول: كأن يقذفها ثانيا بنفي النسب: والثاني: كقوله: أنت تزني مع كل الناس بعد أن قال لها أولا: زنيت بفلان، والفرق بين ما إذا كرر قذفها وبين من قذف شخصا فحد له ثم قذفه ثانيا فإنه يحد له ثانيا على الأصح، أن أحد التلاعنين كاذب ولا يدرى من هو، فإذا قال لها الزوج: ما كنت إلا صادقا لم يحد إذ لعله كان صادقا، والقاذف إنما حد تكذيبا له فيحد ثانيا. انتهى المراد منه. وما مشى عليه المص هو الأصح وهو قول محمد، وفي المدونة لربيعة: يحد، ومثله في الموازية لابن شهاب، وقال الشارح: وفي المدونة وإذا لاعن ثم قال: والله ما كذبت عليها أو قذفها به فإنه لا يحد لأنه إنما لاعن لقذفه، وقال ابن شهاب يحد لأنه قذفها وليست بزوجة، واختاره التونسي. انتهى. وورث المستلحق الميت قوله: المستلحق بكسر الحاء مرفوعا فاعل ورث وهو صفة الأب، وقوله: الميت بالنصب يتنازعه ورث والمستلحق وهو صفة الابن؛ يعني أن الأب إذا استلحق ميتا فإنه أي الأب يرث ذلك المستلحق الميت ويضرب الحد، ولا يقال: كيف ورثه وقد نفاه باللعان واللعان من موانع الإرث؟ لأنه لما جعل له الشرع الاستلحاق فكأنه لم يلاعن أصلا، وإنما يرث المستلحق بكسر الحاء المستلحقَ بالفتح الميت بشرط أشار له بقوله: إن كان له أي للمستلحق بالفتح ولد ذكر أو أنثى حر سلم صفتان لولد، واحترز بهما عما إذا كان ولد المستلحق بالفتح عبدا أو

ص: 477

كافرا، فإنه لا يرثه لقوة التهمة لكونه لا يزاحمه في الإرث، قال ابن غازي: ولم أر التقييد بالحرية والإسلام لغيره ممن يقتدى به. والذي في أنقالهم: حتى هو في التوضيح تبعا لابن عبد السلام أنه إذا كان الولد الذي للولد الميت عبدا أو نصرانيا صدق الأب في الاستلحاق ولحق به أي وورثه. انتهى. قال عبد الباقي: والأول هو المعقول، ويقال: وإن لم يقع في كلامهم التصريح به لكنه مراد لهم لدفع تقوي التهمة. انتهى. قال محمد بن الحسن: تعبير المص بورث، يفيد أن التفصيل إنما هو في الميراث، وأما النسب فثابت باعترافه مطلقا، وهذا هو الذي نقله ابن عرفة عن أبي إبراهيم وغيره من الفاسيين، ونقل قبله عن ابن حارث أن التفصيل في لحوق النسب وعدمه وأنه حكى عليه الاتفاق، ونص ابن عرفة بعد كلام ابن حارث: وما ذكره ابن حارث من الاتفاق على عدم لحوقه إن لم يترك ولدا مثله لابن المواز وابن القاسم وأصبغ، وقال أبو إبراهيم وغيره من الفاسيين: إنما يتهم إن لم يكن له ولد في ميراثه فقط وأما نسبه فثابت باعترافه. انتهى.

أو لم يكن وقل المال يعني أن الأب يرث ولدا استلحقه بعد الموت وإن لم يكن للمستلحق بالفتح ولد ولكن قل المال الذي تركه الميت المستلحق بالفتح لضعف التهمة لقلة المال. ولو استلحقه في حياته فإن استلحقه في صحته ورثه مطلقا، وأما استلحاقه في مرضه فكاستلحاقه بعد موته. قاله عبد الباقي والشبراخيتي. وقوله: إن كان له ولد، قال ابن غازي: قال: يعني المص: إن كان له ولدت ولم يقل: إن كان له ابن، تبعا لقوله في المدونة: ومن نفى ولدا بلعان ثم ادعاه بعد أن مات الولد عن مال فإن كان لولده ولد ضرب الحد ولحق به، وإن لم يترك ولدا لم يقبل قوله لأنه متهم في ميراثه فيحد ولا يرثه وقد قال ابن عرفة ظاهره ولو كان الولد بنتا وقوله: أو لم يكن وقل المال، ذكره أبو إبراهيم الأعرج الفاسي عن فضل، ومفهوم قوله أو لم يكن وقل المال، أنه لو لم يكن له ولد وكثر المال لم يرثه.

وإن وطئ يعني أن الزوج إذا وطئ زوجته بعد علمه بوضعها أو حملها فإنه يمتنع لعانه وتبقى المرأة زوجتد مسلمة أو كتابية وحد للحرة المسلمة، أو أخر يعني أن الزوج إذا أخر لعانه الكائن لنفي الحمل أو الولد بعد علمه بوضعها أو حملها يوما أو يومين وكان تأخيره اللعان بلا عذر فإنه يمتنع لعانه وتبقى زوجته ويحد للحرة المسلمة.

ص: 478

وعلم مما قررت أن قوله: بعد يتنازعه الفعلان قبله أعني وطئ وأخر، وهو مضاف إلى علمه والضمير للزوج والمصدر مضاف إلى فاعله، وعلق بالمصدر قوله: بوضع أي بوضع المرأة للحمل أو حمل عطف على وضع فهو معمول للمصدر، وقوله: بلا عذر متعلق بأخر، وقوله: امتنع جواب الشرط أعني قوله: وإن وطئ أو أخر فعلم أن الصور أربع وأن اللعان ممتنع في جميعهن، وهي: وطؤه بعد أن علم بالوضع، وطؤه بعد أن علم بالحمل، تأخيره اللعان بعد أن علم بالوضع، تأخيره اللعان بعد أن علم بالحمل. وقد علمت أن اللعان ممتنع فيها كلها فيلحق به الولد وتبقى المرأة زوجته ويحد للحرة المسلمة كما مر، ومفهوم قوله: بلا عذر أنه لو كان تأخيره اللعان لأجل عذر فله القيام وليس من العذر تأخيره لاحتمال كون الحمل ريحا فينفش، وهذه الصور في نفي الولد والحمل كما عرفت، وأما الرمي بالرؤية فله القيام فيه ولو طال وإنما يمنع منه الوطء قال الحطاب: قال ابن عرفة: الباجي عن محمد وابن حبيب عن ابن الماجشون: وإن ادعى رؤية قديمة ثم قام الآن بها حد ولم يقبل. ابن عرفة: ظاهره ولو قال: لم أمسها بعد رؤيتها، وقال اللخمي: لم يختلف المذهب أنه إن رآها وسكت ولم يذكر ذلك إلا بعد مدة أو ظهور الحمل إلا أنه لم يصب بعد الرؤية أن له أن يلاعن. انتهى. نقله الحطاب. وقال: قلت: يقيد الأول بما إذا كان قد وطئ كما هو المتبادر منه ويتفق النقلان، ويفهم منه أنه إذا وطئ بعد الرؤية لم يكن له أن يلاعن ولا ينفي الولد وهو ظاهر، وقد صرح به ابن الحاجب وقبله في التوضيح. انتهى. وقال الشارح مفسرا للمص: يريد أن من شرط اللعان في نفي الولد أن لا يطأ امرأته بعد علمه بوضعها أو حملها لأن وطئه بعد علمه دليل على الرضى بالبقاء معها، وقوله: أو أخر أي ومن شرطه أيضا أن لا يؤخر رفعها بعد العلم بالوضع أو الحمل فإن أخر، قال في المدونة: يوما أو يومين يريد أو أكثر لم ينفعه نفيه ولحق به وتبقى له زوجة سواء كانت مسلمة أو كتابية ويحد للحرة المسلمة دون الأمة والكتابية، وإنما قال: بلا عذر لأن عبد الوهاب قيده به. انتهى والله سبحانه أعلم. وقال الأمير: وسقط إن أخره بعد علمه الحملَ أو وطئ ولو بعد رؤية. انتهى. وشهد بالله أربعا لرأيتها تزني يعني أن اللعان تارة يكون للرؤية وتارة يكون لنفي الحمل، فإن كان للرؤية فصفته أن يقول هو أربع مرات: أشهد بالله لرأيتها تزني، فيكرر الصيغة بتمامها أربع مرات، لا أنه يكرر أشهد بالله فقط، كما يوهمه، وهذا إذا كان بصيرا، وأما الأعمى فيقول أشهد بالله لعلمتها

ص: 479

أو تيقنتها تزني، ولا يشترط زيادة البصير كالمرود في المكحلة، وقيل: يزيد ذلك كالشهود، وقوله: وشهد بالله، أي يقتصر على لفظ الجلالة، ولا يأتي بعده إلا بقوله: لرأيتها تزني ونحوه، وقال محمد: يزيد الذي لا إله إلا هو، قال ابن الحاجب: صفة يمينه أن يقول أربع مرات: أشهد بالله، وقال محمد: يزيد الذي لا إله إلا هو. التوضيح: قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام المؤلف أنه اختلف ابتداء هل يزيد الذي لا إله إلا هو وظاهر ما حكاه غيره أنه يقوله وإنها الخلاف إذا تركه، خليل: وفيه نظر فقد ذكر المتيطى وابن شأس القولين كما ذكر المص. انتهى. قال الحطاب: المظاهر ما قاله ابن عبد السلام، وسيأتي للمؤلف في الشهادات واليمين في كل حق بالله الذي لا إله إلا هو فيحمل كلام المتيطي وابن شأس على ما قاله ابن عبد السلام. انتهى. ابن عرفة: اللخمي: في لزوم إني لمن الصادقين قولان للموازية ولها، والصواب الأول لوروده في القرآن. انتهى. نقله الحطاب. وقال بناني: والذي رأيته لابن يونس نسبة الأول للمدونة، ونصه: ومن المدونة قال مالك: ويبدأ الزوج في اللعان يشهد أربع شهادات بالله يقول في الرؤية: أشهد بالله إني لمن الصادقين لرأيتها تزني. انتهى. وفي الحطاب قال ابن عرفة: شرط اللعان ثبوت الزوجية إلا أن يكونا طارئين. انتهى. وقال الحطاب أيضا: قال المتيطى: إذا ثبتت مقالتهما وزوجيتهما سجنه الإمام. الباجي: اختلف في سجنه، وسألت أبا عمران بن عبد الملك؟ فقال: يسجن لقول مالك فيها: إنه قاذف. انتهى. ونقله في التوضيح. انتهى. وقال الشارح عند قوله: "وشهد بالله أربعا لرأيتها تزني"، وهذا على القول بأنه يعتمد على مطلق الرؤية، وأما على القول بأنه لا يعتمد إلا على الوصف كالشهود فإنه يقول لرأيتها تزني، يلج فرج الرجل في فرجها كالمرود في المكحلة، ابن المواز: ويزيد على قوله: أشهد بالله، في كل مرة، الذي لا إله إلا هو، وحكى اللخمي أنه يزيد على ذلك الرحمن الرحيم: وعن ابن كنانة: الذي لا إله إلا هو عالم المغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وقيل: يجوز أقسم بالله، وعن مالك: وأشهد بعلم الله وقيل: يجزئ بعزة الله: المازري: والمنصوص أنه لا يجزئ في أسمائه إلا بالله، وعن ابن القاسم: يقول في الرؤية: أشهد بالله إني لمن الصادقين لرأيتها تزني في كل مرة. انتهى. وقال الشبراخيتي: وزيادة ما عدا الذي لا إله إلا هو ضعيف، وظاهره يعني المصنف أنه لا يزيد وإني لمن الصادقين، وهو موافق لما في المدونة أو هذا الحمل مني يعني أن اللعان إذا كان لنفي الحمل فإن الزوج

ص: 480

يقول أربع مرات: أشهد بالله ما هذا الحمل مني؛ وهذا هو ما عليه ابن المواز وجماعة، ومذهب المدونة وهو المشهور: أنه يقول: لزنت، ويوافقها قوله في المرأة فيما يأتي: أو ما زنيت، ووُجّه ما في المدونة بأنهم شددوا عليه بالحلف على الزنى لاحتمال أن ينكل فيتقرر النسب، والشارع متشوف له، قاله عبد الباقي. ولا يلزمه أن يذكر السبب الذي يعتمد عليه، وقيل: لابد منه. واعلم أنه لا يلزم من كون الحمل من غيره زناها ولا يلزم من زناها كون الحمل من غيره كما في الشبراخيتي، قال: وانظر على المشهور لو قال: ما هذا الحمل مني هل يعيد الأيمان أو يكتفى به بعد الوقوع؟ والمطابق لما هنا أن تقول: هذا الحمل منه. انتهى. ووصل خامسته يعني أن الزوج إذا شهد الشهادات الأربع المتقدمة فإنه لابد أن يصل بها الشهادة الخامسة، فوصل متعلق بمحذوف؛ أي وصل اليمين الخامسة بالشهادات الأربع كما قررت؛ ثم بين خامسته بقوله: بلعنة الله عليه إن كان من الكاذبين الباء للتصوير يعني أن يمين الرجل الخامسة صورتها: أن يقول لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويرد الضمير الأول والثاني إلى نفسه، وقررت المص بأن الباء فيه للتصوير ليوافق مذهب الرسالة ومختار الجلاب والمحققين من أنه لا يأتي بالشهادة في الخامسة ولا يتعين في الخامسة أن يقول: أن وذكرها أولى ليوافق القرآن، وقوله من الكاذبين أولى ليوافق القرآن، وله أن يقول إني لمن الصادقين، انظر شرح عبد الباقي. وقوله: بلعنة يمكن أن يكون حالا من خامسته أي حال كون الخامسة كائنة بلعنة الله عليه لخ، وحملت المص على ما عرفت ليوافق المشهور كما حمله عليه غير واحد، وقال الحطاب: أشار بقوله: بلعنة الله إلى أنه لا يتعين أن يقول: أن لعنة الله، قال في التوضيح: ولكن ينبغي أن يكون ذكرها أولى، ومقتضى كلامه أن يحلف في الخامسة كما حلف في الأيمان قبلها ويزيد فيها اللعنة، وتفعل المرأة كذلك وتزيد الغضب، وهذا الذي صرح به في كتاب محمد خلاف ما قاله القابسي. انتهى. أو إن كنت كذبتها يعني أن الملاعن لى أن يقول في الخامسة: لعنة الله عليه، ويرد الضمير إلى نفسه إن كنت كذبتها أي كذبت عليها، فهو مخير بين أن يقول: إن كنت من الكاذبين، وأن يقول: إن كنت كذبتها، والأول أولى لأنه لفظ القرآن. قاله غير واحد. قال الشبراخيتي: وقوله: كذبتها أي كذبت عليها، كقوله كذبتك عينك البيت أي كذبت عليك. أصبغ: وأحب إلينا لفظ القرآن.

ص: 481

انتهى. وقال عبد الباقي: وظاهره يعني المص التخيير، ابن حبيب: يجزئ وأحب إلينا لفظ القرآن. قاله التتائي. والبيت الذي أشار إليه الشبراخيتي هو:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرباب خيالا

وأشار الأخرس يعني أن الأخرس ذكرا كان أو أنثى يلاعن بالإشارة المفهمة لصيغ لعانه كلها، وعبارة الشبراخيتي: وأشار الرجل الأخرس والمرأة الخرساء إلى ما يتعلق باللعان من رمي وأيمان ونكول واعتراف بما يفهم عنهما، أو كتب يعني أن الأخرس وهو الذي لا يستطيع النطق يكتب ما يفهم منه اللعان؛ أي لابد من لعان الأخرس ذكرا كان أو أنثى: فإما أشار أو كتب، ويكرر الكتب والإشارة كاللفظ، ويعلم قذفه أيضا بالكتب أو الإشارة، ولو قال بعد انطلاق لسانه ولو بالقرب: لم أرده لم يقبل، وإذا لاعن الأخرس ثم انطلق لسانه لم يعد عليه اللعان، ومن اعتقل لسانه قبل اللعان ورجي زواله عن قرب انتظر. قاله الشبراخيتي وغيره. وقال الشارح مفسرا للمص: يريد أن اللفظ المذكور في اللعان لا يطلب من غير القادر بل إن كان عاجزا عن ذلك كالأخرس لاعن بما يفهم منه من إشارة أو كتابة. وقاله في المدونة. انتهى. ولما أنهى الكلام على صفة لعان الرجل أتبعه بالكلام على صفة لعان المرأة فقال: وشهدت ما رآني أزني يعني أن الرجل إذا لاعن زوجته في الرؤية فإنها تكذبه بأربع شهادات بأن تقول: أربع مرات أشهد بالله ما رآني أزني أو ما زنيت يعني أنه إذا لاعنها لنفي حمل فإنها تكذبه بأربع شهادات أيضا بأن تقول: أشهد بالله ما زنيت، تكرر هذه الصيغة أربع مرات وهذا مطابق لمذهب المدونة، خلاف ما مر له من أنه يقول: ما هذا الحمل مني والمطابق له أن تقول: هذا الحمل منه، فمشىى الأول على قول ابن المواز وهنا على مذهب المدونة.

وعلم مما قررت أن أو للتفصيل لا للتخيير. كما قاله الشبراخيتي. أو لقد كذب يعني أنه لابد من تكذيبها له بأربع شهادات إما أن تقول ما تقدم وإما أن تقول: أربع مرات أشهد بالله لقد كذب فيهما أي في قوله: لرأيتها تزني، وفي قوله: لزنت، وجوز الشارح عود ضمير التثنية للعان الرؤية وللعان نفي الحمل. قاله عبد الباقي. وقال بناني: قال ابن عرفة: قول ابن الحاجب: أو لقد كذب ظاهره الاقتصار على هذا اللفظ وفيه نظر، على ما في الجلاب؛ لأن في لقد كذب علي فيما

ص: 482

رماني به، وقوله: كذب علي فقط يصدق بكذبه عليها في غير ما رماها به من الزنى. انتهى. ولعل المص عن هذا احترز بقوله: فيهما، وبه يترجح احتمال الزرقاني الأول. انتهى. قال مقيدة عفا الله عنه: أي لأنه على الاحتمال الأول يكون قوله: فيهما، متعلقا بكذب فيفيد عدم الاقتصار على قولها: لقد كذب، وأما على الاحتمال الثاني يكون قوله: فيهما، متعلقا بالقول، فيفيد الاقتصار على قولها: لقد كذب. والله سبحانه أعلم. وعلى هذا الأخير؛ ففيهما من كلام المص لا من كلام المرأة ومن كلامها على الأول. وفي الخامسة يعني أن المرأة لابد في لعانها من أن تصل شهاداتها الأربع بخامسة وصورة يمينها الخامسة أن تقول: غضب الله ما وترجع الضمير إلى نفسها إن كان الرجل الملاعن لها من الصدقين فيما رماني به بغير لفظ أن كما في الجلاب، وفي المدونة وغيرها: أن قبل غضب، وتصح قراءة غضب بالفعل وبالمصدر أي غضب بفتحتين، والزوج مدع ومدعى عليه، فلذلك حلف هو والمرأة؛ قال عبد الباقي: فإن قيل: لم خولفت القاعدة في اليمين هنا وفي القسامة لأن الزوج وأولياء المقتول مدعون، والقاعدة أنه إنما يحلف أولا المدعى عليه: قيل: أما الملتعن فإنه مدع ومدعى عليه، ولذلك يحلف هو والمرأة، وبدئ باليمين لأنه لما قذفها طالبته بحقها فاحتاج لذلك أن يحلف إذ صار مدعى عليه الحد، وأما أولياء المقتول فهم مدعى عليهم حكما وإن كانوا مدعين صورة، فإن المدعى عليه من ترجح قوله بمعهود أو أصل، وهم كذلك؛ إذ ترجح قولهم باللوث. انتهى. أصبغ: فإن قالت مكان إن كان من الصدقين: إنه لمن الكذبين أجزأها، ولفظ القرآن أحب إلي. قاله الشارح. ووجب أشهد يعني أن لفظ أشهد يجب في اللعان في حق الرجل والمرأة فلا يجزئ أحلف ولا أقسم ولا يعلم الله ولا غيرها من الألفاظ المغايرة لأشهد، وهذا هو المشهور. قال الشارح: أي ووجب أن يقول: كل من الزوجين في يمينه أشهد بالله، وهذا هو المشهور فلا يجزئه أحلف أو أقسم ونحوه، وقيل: يجزئ. انتهى. واللعن يعني أن الرجل يجب في خامسته اللعن لأنه مبعد لأهله وولده فناسبه ذلك إذ اللعن معناه لغة البعد كما مر. والغضب يعني أن المرأة يجب في خامستها الغضب، فلو عكس في المسألتين لم يفد خلافا لمن قال: إن أبدلت الغضب باللعن لم يُجْزِ، وإن أبدل اللعن بالغضب أجزأه؛ لأنه من اللعنة. قاله بعض أهل المعاني. قال: وإنما خصت به المرأة لأنها أصل الفجور لخيانتها، ولذلك قدمت في آية الجلد. وفي الشبراخيتي: فلو أبدل اللعن بالغضب أو عكس لم يجز. قاله عبد

ص: 483

الوهاب. وهو المذهب، ابن عبد السلام: وأشار بعض أهل المعاني إلى أن الغضب أشد، فعليه لو أبدلته المرأة لم يجزها وأعادت الخامسة على سنتها، وإن أبدل الرجل أجزأه، وفيه نظر لأن اللعن أشد من الغضب لحصوله لإبليس والغضب لعصاة هذه الأمة. انتهى. وبأشرف البلد يعني أنه يجب لحق الله تعالى إيقاع اللعان بأشرف موضع في البلد لأنها أيمان مغلظة. قاله التتائي. وظاهره أي جامع كان لخبر (أحب البقاع إلى الله تعالى مساجدها وأبغضها إلى الله أسواقها

(1)

)، وقال الشارح: المسجد الأعظم قاله ابن الجلاب وغيره. انتهى. لعله وقع للإمام في مسجد المدينة خاصة ونحوه المكي والمقدسي، وإلا فلا يتقيد بالأعظم، ولكن ما حل به هو ظاهر قول المص بأشرف البلد إذ أشرف مكان بالبلد حتى من بقية المساجد هو المسجد الأعظم، وأما تقرير التتائي فالمراد بأشرف البلد بالنسبة إلى الأسواق. قاله عبد الباقي. ولفظ الشارح: أي وكذا يجب أن يكون لعانها في أشرف أمكنة البلد وهو المسجد الأعظم. قاله في الجلاب وغيره. انتهى. وقال الشبراخيتي: ووجب إيقاعه بأشرف موضع في البلد كالجامع فلا يقبل رضاهما أو أحدهما بدونه ويؤخر لعانها لحيض أو نفاس ويعجل لعانه خوف نزول مانع به فيلزمه الولد، كما حمل ابن عبد السلام وابن هارون قول ابن الحاجب: وتؤخر لعانها على وجوب تعجيل لعانه ولكن تقدم أن اللعان يؤخر للحيض والنفاس وهو موافق لما للباجي وابن يونس. انتهى. وقوله: وبأشرف البلد نقل الحطاب عن القرطبي خلافه وأنه مستحب، فإنه قال: قال القرطبي في سورة النور: اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء عدد الألفاظ وهي أربع شهادات، والمكان وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلد، إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وبيت المقدس عند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، إن كانا يهوديين في الكنيسة أو مجوسيين فبيت النار، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين ففي مجلس حكمه، والوقت وذلك بعد صلاة العصر بالجامع، وجمع الناس وذلك أن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا فاللفظ وجمع الناس مشروطان، والزمان والمكان مستحبان. انتهى. وقال قبله: وإذا فرغ المتلاعنان من لعانهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد منهما من باب من المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه، ولو خرجا من باب واحد لم يضر

(1)

كشف الخفاء، ج 1 ص 52 وفي صحيح مسلم أحب البلاد إلى الله لخ. كتاب المساجد، رقم الحديث 671.

ص: 484

لعانهما ولا خلاف أنه لا يكون اللعان إلا في مسجد واحد تجمع فيه الجمعة بحضرة السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام. انتهى. انتهى. وبحضور جماعة أقلهما أربعة يعني أنه يجب إيقاع اللعان بحضور جماعة من المسلمين أقلها أربعة؛ لأن هذه شعيرة من شعائر الإسلام يطلب ظهورها، وأقل ما تظهر به تلك الشعيرة أربعة. قال الشارح: لاحتمال أن يحصل من المرأة نكول أو إقرار، وذلك لا يتم إلا بأربعة شهداء على أحد القولين عندنا. انتهى. وقال الشبراخيتي: ووجب كونه بحضور جماعة من الناس لوقوعه في زمنه صلى الله عليه وسلم كذلك، وتقدم في كلام ابن عرفة أنه إنما يكون بحكم قاض، أقلها أربعة من أشراف الناس، كما قال ابن المواز، لإظهار شعيرة الإسلام، وقول التتائي: لاحتمال نكولها أو إقرارها ولا يتم إلا بأربعة. انتهى. إنما يأتي على أحد القولين عندنا بناء على أن ثبوت الزنى بالنكول أو الإقرار بمنزلة الرؤية، وعلى هذا فلابد من كونهم عدولا، وأما على القول الثاني فإنه يثبت الإقرار والنكول باثنين واقتصر عليه في الحاشية. انتهى. وندب إثر صلاة يعني أنه يندب إيقاع اللعان إثر صلاة من الصلوات الخمس، ابن وهب: وبعد العصر أحب إلي لخبر (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يولم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماما فلم يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه شيئا سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال والله الذي لا إله إلا هو لقد أعطيت فيها كذا وكذا وصدقه

(1)

) والثالث هو الشاهد هنا وإن لم يكن لعان. نقله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وندب كونه إثر صلاة من الصلوات الخمس في أي ساعة شاء الإمام، وروى ابن وهب وبعد العصر أحب إلي. وسحنون: بعدها سنة، لأن ذلك وقت تجمع فيه ملائكة الليل وملائكة النهار

(2)

)، ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يعظمه ولهذا جاء في الحديث (ثلاثة لا يكلمهم الله

(3)

) لخ، ولأن ذلك الوقت كان معروفا عندهم بالتحليف، ولأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة فيه. انتهى. وقال الشارح: أي ويستحب أن يكون اللعان إثر صلاة من الصلوات، وهكذا نص عليه الباجي وغيره. وعن مالك: كان عندنا

(1)

البخاري، كتاب المساقاة، رقم الحديث 2358.

(2)

صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، رقم الحديث، 555، وصحيح مسلم، رقم الحديث، 632.

(3)

صحيح البخاري، كتاب الشهادات، رقم الحديث، 2672، وصحيح مسلم، كتاب الأيمان، رقم الحديث، 106.

ص: 485

بعد العصر وهو أحب إلي، وقال سحنون: هو بعد العصر سنة، وقال ابن شعبان: بعد العصر والصبح، وقيل: بعد الظهر والعصر، وظاهر كلام عبد الملك أن وقوعه بإثر صلاة شرط؛ تخويفهما يعني أنه يستحب للإمام أن يخوف المتلاعنين، يقول لكل منهما: تب إلى الله، ويذكرهما أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن أحدهما كاذب بلا شك. قال الشبراخيتي مفسرا للمص: وندب تخويفهما ابتداء قبل الشروع في اللعان عند الأولى، وعند الشروع في الثانية، وعند الشروع في الثالثة، وعند الشروع في الرابعة والمراد وعظهما. انتهى. وقال الحطاب عند قول المص: وتخويفهما لخ؛ نحوه لابن الحاجب وقبله شراحه، وقال ابن عرفة: ابن شعبان: يخوفان قبل اللعان ويذكران عذاب الآخرة، يقال للرجل: أنت تجلد ويسقط إثمك، ويقال لها: نحو ذلك: قلت: في صحيح مسلم في رواية ابن عمر فأنزل الله هؤلاء الآيات: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة

(1)

)، عياض: حديث مسلم سنة في وعظ المتلاعنين يعظ كلا منهما بعد تمام الرابعة قبل الخامسة. وخصوصا عند الخامسة يعني أنهما يخوفان ندبا أي يذكران ويوعظان ولاسيما عند الخامسة؛ لأنها هي المكملة للأيمان. قال ابن عرفة: عياض: حديث مسلم سنة في وعظ المتلاعنين يعظ كلا منهما بعد تمام الرابعة قبل الخامسة، وقول ابن الحاجب: يستحب تخويفهما وخصوصا عند الخامسة لا أعرفه إلا ما عزاه عياض للشافعي وظاهره أنه غير المذهب. انتهى. وقال الشبراخيتي: خصوصا بعد الرابعة وعند الخامسة أي وأخص الوعظ عند الخامسة خصوصا أي أحث عليه حثا، وكلام المص مساو لكلام ابن عرفة، واعتراض ابن عرفة على ابن الحاجب إنما هو لتخصيصه التخويف بالخامسة فلا يرد على المص خلافا للتتائي. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: يعسر الفرق بين عبارة المص وعبارة ابن الحاجب. تأمل. والله سبحانه أعلم. ولهذا قال عبد الباقي عند قول المص: وخصوصا عند الخامسة ما نصه: نحوه لابن الحاجب، ابن عرفة لا أعرف كونه عند الخامسة، وعزاه عياض للشافعي. انتهى. والقول بأنها موجبة لعذاب يعني أنه يستحب أن يقال لكل منهما عند خامسته: إنها موجبة للعذاب، لخبر النسائي وأبي داوود: (أمر عليه الصلاة والسلام رجلا حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة ويقول:

(1)

صحيح مسلم، كتاب اللعان، الحديث، 1492.

ص: 486

إنها موجبة

(1)

) العذاب ومعنى موجبة العذاب أن الله تعالى بمحض اختياره رتب العذاب عليها، أو بمعنى أنها متممة للأيمان، والمراد حينئذ بالعذاب الرجم أو الجلد على المرأة إن لم تحلف وعلى الرجل إن بدأت قبله على القول بعدم إعادتها. قاله عبد الباقي. وقال: وظاهره قصره على الرجل، وقرره الشارح والتتائي على ظاهره من أن القول لكل منهما وإن لم يضع يده على في كل مثهما، إما لدليل آخر فيه تخويفهما وفيه وضع يده على في كل منهما عند الخامسة أو بالقياس على الرجل. انتهى. وفي إعادتها إن بدأت خلاف مبتدأ وخبره المجرور بفي يعني أن المشروع في أمر المتلاعنين أن يبدأ الزوج فيلتعن أولا ثم تلتعن المرأة بعده، فلو خولف الأمر المشروع في ذلك فبدأت المرأة في اللعان قبله بأن التعنت ثم التعن هو بعدها فإن الشيوخ اختلفوا في وجوب إعادتها للعان، وهو قول أشهب واختاره ابن المكاتب ورجحه اللخمي ونقله القاضي عن المذهب كما قال ابن عرفة. وقال ابن عبد السلام: إنه الصحيح، قال الخرشي: وهو المذهب، كما لو حلف الطالب قبل نكول المطلوب فلا يجزئ وعدم إعادتها وهو قول ابن القاسم في الموازية والعتبية، قال بعض الشيوخ ولم أر من شهره أو رجحه بعد البحث وإنما الواقع في نقول الأئمة ترجيح قول أشهب انظر حاشية بناني: ومحل الخلاف حيث حلفت كما يحلف الرجل بأن قالت: أشهد بالله إني لمن الصادقين أو أن حملي منه، وفي الخامسة غضب الله عليها إن كانت من الكاذبين، وأما إن حلفت كما تحلف بعد الرجل بأن شهدت ما رآني أزني أو ما زنيت أو لقد كذب، فلا خلاف في إعادتها لأنها حلفت على تكذيبه وهو لم يتقدم له يمين، كذا قيده إمام المذهب ابن رشد.

تنبيه: قال الأجهوري: ظاهره يعني المص سواء حلفت كما يحلف الرجل أو حلفت كما تحلف

بعد الرجل خلاف تقييد ابن رشد محل الخلاف بالأول، قال عبد الباقي: وانظر كيف يقال خلاف؟ لخ، ويقدم ظاهر المص على تقييد إمام المذهب ابن رشد. انتهى. قوله: وانظر كيف يقال خلافا لتقييد ابن رشد لخ، قال بناني: اعتراضه على علي الأجهوري صحيح، وقد نقل المص في التوضيح تقييد ابن رشد وأقره وكذا ابن عرفة فيقيد به كلام المؤلف. والله سبحانه أعلم. انتهى. وفي الشبراخيتي أن تقييد ابن رشد حكى ابن رشد عليه الاتفاق. انتهى. وقال الأمير: وأعادت إن

(1)

أبو داود، كتاب الطلاق، رقم الحديث 2255. النسائي، كتاب الطلاق، رقم الحديث 3502.

ص: 487

بدأت على الراجح. انتهى. ولاعنت الذمية بكنيستها يعني أن الكافرة تلاعن حيث تعظم فاليهودية تلاعن بالكنيسة والنصرانية تلاعن بالبيعة والمجوسية ببيت النار والوثنية بمجلس الحكم، ويخير الزوج المسلم في الحضور مع الذمية، ولا تدخل هي معه المسجد، وبلعانها ينقطع نكاحها وكذا الكافرة مع زوجها الكافر حيث ترافعا إلينا فيبعثهما القاضي إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه. ولم تجبر يعني أن الذمية لا تجبر على اللعان إن امتنعت منه لأنها لو أقرت بالزنى لم تحد؛ قال أحمد: ولقائل أن يقول: اللعان لا يجبر عليه أحد، فما فائدة التعرض له في الذمية؟ ولعل التنبيه على ذلك ليلا يتوهم أن الذمية تجبر لحقه. انتهى. قاله عبد الباقي. وأدبت يعني أن الذمية إذا امتنعت من اللعان فإنها تؤدب لإذايتها زوجها المسلم وإدخالها اللبس في نسبه، وهذا هو الفرق بينها وبين الصغيرة التي توطأ فإنها لا تلاعن بل يلاعن الزوج فقط ولا تؤدب، والجامع بينهما أن كلا لا يحد لإقراره. قال الشارح مفسرا لقوله: ولم تجبر لخ؛ أي فإن امتنعت الذمية من اللعان لم تجبر عليه لأنها لو أقرت بالزنى لم تحد؛ مطرف: وتؤدب لإذايتها لزوجها، وردت لملتها يعني أن الذمية إذا أبت اللعان وأدبت فإنها بعد الأدب ترد لحكام أهل ملتها لاحتمال تعلق حدها عندهم بنكولها أو إقرارها، ولا يمنعون من رجمها إن كانوا يرونه. وفي بعض النسخ: وإن أبت أدبت وردت لملتها، وفيها نوع تكرار مع قوله: ولم تجبر إن فسر بما مر، ومنهم من فسره بأنها لا تجبر على اللعان في الكنيسة إن امتنعت منه ويكون قوله: وإن أبت أدبت، معناه أنها أبت عن أصل اللعان وهو حسن وعليه فلا تكرار. كقوله وجدتها مع رجل في لحاف يعني أن الزوج إذا قال: وجدت فلانة زوجتي مع رجل مضاجعة له في لحاف أو متجردة معه في لحاف فإنه يؤدب ولا حد عليه ولا لعان، ولو قال شيئا من ذلك لأجنبية حد ويعايى بها فيقال: قذف لأجنبية لا يحد فيه الزوج ولا يلاعن، قاله عبد الباقي. وقال: عبارته هنا تفيد أن تعريض الزوج بالقذف ليس كتصريحه وسيأتي أول القذف ما يفيد خلافه. انتهى. قال بناني عند قوله: ولو قال شيئا لخ؛ قال ابن المنير: والفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي في التعريض يقصد الإذاية المحضة والزوج قد يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب. انتهى. نقله ابن حجر. انتهى. وفي المدونة: إذا قال: وجدتها مع رجل في لحاف أو قد تجردت له أو ضاجعته أنه يؤدب: إلا أن يدعي رؤية الفرج في الفرج، فيلاعنها، ابن المواز: وهذا تعريض لو قاله

ص: 488

لأجنبية حد؛ ابن يونس عنه: وقيل: يحد ولا يلاعن. انتهى. نقله الشارح. كقوله: لأجنبية لخ، تشبيه في الأدب، وتلاعنا إن رماها بغصب يعني أن الزوج إذا رمى زوجته بوطء الغصب فإنهما يتلاعنان، أو وطء شبهة يعني أن الزوج إذا رمى زوجته بأنها وطئت شبهة، كما إذا قال لها: وطئك زيد مثلا وسكنت له لظنك أنه أنا، فإنهما يتلاعنان وسواء في ذلك أنكرت الوطء في الصورتين بأن كذبت قول زوجها أو صدقت زوجها على أنها وطئت غصبا أو شبهة، ولهذا قال: وأنكرته أو صدقته والضمير الأول للوطء والثاني للزوج وأعني البارزين، ولم يثبت الواو واو الحال يعني أن محل كونهما يتلاعنان في الصورتين إنما هو حيث لم يثبت ما ذكر من الغصب ووطء الشبهة بالبينة، ولم يظهر للجيران، قوله: ولم يثبت، هو الذي عبر به ابن شأس، وقوله: ولم يظهر، هو الذي عبر به ابن الحاجب، وكأنه أعم لأن الثبوت بالبينة والظهور ولو بالإشاعة أو القرينة، وجمع المص بينهما والمطابق للاختصار أن يقتصر على الثاني. قاله الشبراخيتي. ويأتي للمص قريبا مفهوم قوله: ولم يثبت ولم يظهر، وصفة لعانه هو أن يقول في الغصب: أشهد بالله لقد غُصبَتْ، وفي الاشتباه لقد وُطِئتْ بشبهة، ولا يحلف لقد زنت لأنه يدعي أنها غصبت أو وطئت بشبهة وصفة لعانها أشار إليها بقوله: وتقول ما زنيت ولقد غلبت يعني أن المرأة إذا صدقت الزوج في أنها وطئت بالشبهة، تقول: أشهد بالله ما زنيت ولقد غلبت، وأما في دعوى الغصب فتقول: ما زنيت بحال. قاله الشبراخيتي. وأما إن كذبته فتقول: ما زنيت بحال فيهما. قاله الشبراخيتي أيضا: فإن نكلت عن اللعان رجمت فيما إذا صدقته. قاله الشبراخيتي أيضا. ومقتضى ما لعبد الباقي أنها تقول: إن صدقته فيهما ما زنيت وقد غلبت، وإن أنكرته تقول فيهما: ما زنيت، وأنها إن نكلت رجمت صدقته أو أنكرته، وقال الأمير: إنها تقول إن صدقته في الغصب: لقد غصبت. والله سبحانه أعلم. وأشار إلى مفهوم قوله: ولم يثبت بقوله: وإلا بأن ثبت ما ذكر من الغصب ووطء الشبهة ولو بقرينة التعن فقط واحترز بقوله: فقط منها هي فإنها لا تلتعن لأنه يمكن أن يكون من الغاصب أو صاحب الشبهة؛ وعبارة الأمير: وإن رماها بغصب أو شبهة فإن ثبت ولو بقرينة التعن فقط لنفي الحمل، وإلا التعنت أيضا لدفع الحد، ولو صدقته فتقول: لقد غصبت. انتهى. وقال عبد الباقي: وظاهر كلامه لعانه فقط سواء كان بها حمل أم لا وهو ظاهر نقل المواق عن ابن يونس، وظاهر ابن شأس أنه إنما يلتعن إذا كان بها حمل وإلا فلا

ص: 489

ويمكن حمل ما لابن يونس على ما لصاحب الجواهر، ثم إن تصادقا على الغصب لا ينتفي عنه الولد إلا بلعان عند ابن القاسم، بخلاف ما إذا تصادقا على الزنى فينتفي بلا لعان، وفرق عبد الحق بأن الزانية لما كانت تحد لإقرارها بالزنى انتفت عنها التهمة بخلاف المقرة بالغصب فإنه لا حد عليها فلم تصدق في رفع النسب. انتهى. قوله: بخلاف ما إذا تصادقا على الزنى فينتفي بلا لعان، أي بلا لعان منها لأنها تحد قطعا وأما الزوج فلابد من لعانه عند أكثر الرواة، كما مر، قاله بناني. وأما هي فلا فائدة في لعانها، وقوله: وإلا التعن فقط، فإن نكل لم يحد.

تنبيه: قال بناني عند قوله: وأنكرته أو صدقته: ظاهره أنه يلاعنها سواء كان حمل أم لا، قال في التوضيح: وهو ظاهر الروايات خلافا لظاهر ابن الحاجب وابن شاس: أنه إن فقد الحمل فلا لعان، وحينئذ فوجه لعان الزوج نفي الولد والحد وهو الموافق لقوله في القذف: ومكرهة، وأما التعانها فلنفي الحد عنها لأنها بمنزلة من أقرت بالوطء وعقبته برافع، الحد ونكولها في صورة الإنكار يتنزل منزلة الإقرار في التصديق، وهذا قول محمد. قال اللخمي: والصواب إذا التعن الزوج أن لا لعان عليها لا في الإقرار ولا في الإنكار لأن الزوج إنما أثبت لعانه اغتصابا. انتهى. انظر التوضيح ومثله في نقل المتيطى وابن عرفة وغيرهما.

تنبيه: فإن نكل الزوج لم يحد وهو ظاهر إن ثبت الغصب أو صدقته، قال ابن عرفة: وكذا إن ادعى الغصب وأنكرت أن يكون أصابها أحد لم يحد الزوج لأن محمل قوله الشهادة لا التعريض، وقول الزرقاني: ويفرق بينهما وإن نكلت رجمت لخ: هو لمحمد أيضا، وصوب اللخمي أن لا لعان عليها كما مر قائلا: لا نعلم لرجمها وجها لأن الزوج لم يثبت عليها في لعانه زنى، وإنما أثبت عليها غصبا، فلا لعان عليها، كما لو ثبت الغصب بالبينة، ولو لاعنته لم يفرق بينهما لأنه إنما أثبت بالتعانها الغصب وتصديق الزوج، وهذا خارج عما ورد في القرآن مما يوجب الحد في النكول والفراق في الحلف. قال ابن عرفة: قبل التونسي قول محمد وساقه مساق تفسير المذهب. انتهى. ولعل المص لذلك اعتمده واقتصر عليه، وأما ابن عبد السلام فقبل قول اللخمي كله واقتصر عليه. انتهى كلام بناني. قوله: فوجه لعان الزوج نفي الولد والحد، هو مخالف لما نقله بعد عن ابن عرفة. والله سبحانه أعلم. قاله مقيده عفا الله عنه: وقوله وإلا التعن فقط، قال الشبراخيتي: وإن لم يكن حمل خوف ظهور حمل بها ولا يفرق بينهما لأنه إنما يفرق

ص: 490

بينهما بتمام لعانها. انتهى. وشبه في التعانه دونها قوله: كصغيرة توطأ يعني أن الزوج إذا رمى بالزنى زوجته الصغيرة عن سن من تحمل إلا أن مثلها يوطأ، بأن قال: رأيتها تزني فإنه يلتعن فقط ولا تلتعن هي، وقوله: توطأ معناه بلغت من من تطيق الوطء وطئت بالفعل أم لا فإن كانت في سن من تحمل فله الملاعنة اتفاقا إذا ادعى رؤية؛ وهل تجب؟ قولان. ووقفت فإن ظهر حمل لم يلحق به ولاعنت هي أيضا فإن نكلت حدت حد البكر، ولو لم يقم بحقه حتى ظهر حملها وجب لعانها اتفاقا فإن نكل حد ولحق به وإن نكلت حدت حد البكر، ولو لاعنت قبل ظهور الحمل ثم ظهر بحيث يعلم أنها كانت حين الملاعنة بالغا فالظاهر أنه يكتفى بذلك اللعان في نفي ذلك الحمل ولا يحتاج في نفيه للعان ثان. انظر شرح عبد الباقي. واحترز المص بقوله: توطأ، مما إذا لم تطق الوطء فإن الزوج لا حد عليه ولا لعان لأن قذفه إياها لم تلحق به معرة. قاله اللخمي. نقله الشارح. وإن شهد مع ثلاثة التعن ثم التعنت وحد الثلاثة يعني أنه لو شهد أربعة بزنى امرأة ثم اطلع قبل إقامة الحد عليها على أن أحدهم زوج لها فإن الزوج يلتعن ويسقط عنه الحد، ثم تلتعن هي، وإذا التعنت حد الثلاثة الباقون بعد الزوج لعدم تمام النصاب، ومن فوائد التعانها حد الثلاثة وتأبيد حرمتها، ولا حد على واحد من الثلاثة إن نكلت عن اللعان لأنهم قذفوا غير عفيفة وتحد هي وتبقى زوجة إن كان حدها الجلد، فإن كان الرجم بقيت بعده على حكم الزوجية فيرثها، إلا أن يعلم أنه تعمد الزور ليقتلها أو يقر بذلك فلا يرثها، وقوله: وإن شهد مع ثلاثة، قاله في المدونة. وقوله: لا إن نكلت، قاله ابن أبي زمنين. قال: وهكذا فسره ابن الماجشون. قاله الشارح. أو لم يعلم بزوجيته حتى رجمت يعني أنه إذا شهد أربعة بزنى امرأة وأحدهم زوج لها ولم يطلع على أنه زوجها حتى رجمت فإنه لا حد على واحد من الثلاثة ويلاعن الزوج فإن نكل حد دون الثلاثة وورثها، سواء نكل أم لا لأنها لم تلاعن، إلا أن يعلم أنه تعمد الزور ليقتلها أو يقر في لك فلا يرثها حينئذ وإنما لم يحد الثلاثة في حال نكوله لأن نكوله كرجوعه وهو بعد الحكم يوجب حد الراجع فقط ولا دية على الإمام لأنه مختلف فيه فليس بخطإ صريح؛ ومثل الرجم الجلد وحينئذ فلا حد على واحد من الثلاثة ويلتعن هو فقط، فإن نكل حد دون الثلاثة؛ لأن ظهور الزوجية في بعض الشهود كرجوع أحدهم، وهو هنا بعد الحكم فلا يحد إلا الراجع فقط، فلم يظهر بين الحكم بالجلد والحكم بالرجم فرق. انظر حاشية الشيخ

ص: 491

بناني والله سبحانه أعلم. وقوله: أو لم يعلم بزوجيته حتى رجمت، نحوه في الموازية، وزاد ويلاعن الزوج فإن نكل حد وورثها، قال: إلا أن يعلم أنه تعمد الزور ليقتلها أوأقر بذلك فلا يرثها. قاله الشارح. ولما قدم اللعان في الزوجة دون الأمة ذكر مسألة مركبة من القسمين، فقال: وإن اشترى زوجته فولدت لستة فكالأمة يعني أن الزوج إذا اشترى زوجته الأمة وليست ظاهرة الحمل حين الشراء ووطئها بعد الشراء واستبرأها من وطئه الحاصل بعد الشراء فأتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم الاستبراء، فإن حكمها حكم الأمة أي ينتفي عنه الولد بلا لعان ولا يمين، وأما إن اشتراها ووطئها بعد الشراء ولم يستبر فولدت لستة أشهر فأكثر من وطئه الحاصل بعد الشراء ونفاه فإنه لا ينتفي عنه ولا لعان لعدم شيء يعتمد عليه مما تقدم أنه يعتمد عليه، والحاصل أنه إن أقر أنه وطئ بعد الشراء فكالأمة، إن استبرأ انتفى عنه بلا لعان وإلا لم ينتف أصلا ولا لعان، وإن أقر أنه لم يطأ بعد الشراء فهو للنكاح، ولأقل فكالزوجة يعني أن الزوج إذا اشترى زوجته ووطئها بعد الشراء واستبرأها وأتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم الاستبراء، أو لم يستبرئها وأتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم الوطء، أو كانت ظاهرة الحمل يوم الشراء، أو لم يطأها بعد الشراء، فإن حكمها حكم الزوجة، فلا ينتفي عنه الولد إلا بلعان معتمدا فيه على شيء مما مر أنه يعتمد عليه، ويمنع منه ما تقدم أنه يمنع منه من تأخير أو وطء على ما مر. وأشار إلى ما يترتب على اللعان بقوله: وحكمه يعني أن حكم اللعان أي فائدته وثمرته وما يترتب عليه ستة أمور، ثلاثة مرتبة على لعان الزوج، أولها: رفع الحد يعني أن الزوج إذا لاعن زوجته فإنه يسقط عنه الحد للقذف حيث كانت الزوجة حرة مسلمة أو رفع الأدب عنه في الزوجة الأمة في في الزوجة الذمية وعلم مما مر في تفسير الحكم أنه ليس المراد به حكم الإقدام عليه لأنه لم يذكره، وقد مر حكم الإقدام عليه في أول الباب فراجعه إن شئت. وثانيها: إيجابه أي ما ذكر من الحد في الحرة والأمة والأدب في الذمية على المرأة إن لم تلاعن، فيجب الحد على الزوجة المسلمة بلعان الزوج حيث نكلت حرة كانت أو أمة ويجب الأدب على الزوجة الذمية بلعانه إن نكلت عن اللعان؛ لأن نكولها تصديق لأيمانه، وهذا في الزوج المسلم، وأما إن كان كافرا والزوجة مسلمة ولاعنها بناء على أنه ليس بزنى ولم تلاعن لم يجب عليها حد إذ لا يجب بأيمان كافر، بخلاف عبد وفاسق والثالث من الأمور التي تترتب على لعان الزوج: قطع نسبه

ص: 492

يعني أن الزوج إذا لاعن زوجته يترتب على ذلك قطع النسب لحمل ظاهر أو سيظهر أو لولد والثلاثة التي تترتب على لعان الزوجة أحدها أفاده بمفهوم قوله إن لم تلاعن وهو رفع الحد والأدب أي أنها إذا التعنت بعد لعانه يرتفع عنها الحد إن كانت مسلمة حرة أو أمة والأدب إن كانت ذمية والثاني والثالث أشار إليهما بقوله وبلعانها تأبيد حرمتها يعني أنه يجب بسبب لعان المرأة تأبيد حرمتها على زوجها الذي لاعنها، ومن لازم تأبيد تحريمها فسخ نكاحها، فعلم أن الثلاثة المترتبة على لعانها هي: رفع الحد أو الأدب، وفسخ نكاحها، وتأبيد تحريمها. والله سبحانه أعلم. وسواء في ذلك حصل اللعان قبل البناء أو بعده ولها النصف إن تلاعنا قبل البناء لأنه يتهم على إسقاطه باللعان. وإن ملكتْ يعني أن الزوجة يتأبد تحريمها بسبب لعانها وإن ملكها الزوج بعد اللعان، كما لو كانت أمة واشتراها أو ورثها أو نحو ذلك فلا يجوز له وطؤها بالملك فهو مبالغة في تأبيد تحريمها عليه. أو انفش حملها يعني أنه يتأبد عليه تحريمها بسبب لعانها لنفي حمل، ولو انفش حملها بأن ظهر أنها لا حمل بها لاحتمال أن تكون أسقطته، كذا علل في المدونة، وظاهره أنه لو تحقق انفشاشه بحيث لا يشك فيه كأن تلازمها بينة ولا تفارقها لانقضاء أمد الحمل لوجب أن ترد إليه لانكشاف الغيب عن صدقهما جميعا، وكذا نص عليه ابن عبد الحكم، بعض الشيوخ: هو ظاهرها، قاله ابن عبد السلام. ابن عرفة: من تأمل وأنصف علم استحالة ذلك عادة، وليس من شأن الفقهاء التكلم في خوارق العادة، وما عزاه لابن عبد الحكم وبعض الشيوخ لا أعرفه. انتهى. قلت: من حفظ حجة على من لم يحفظ. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشيخ بناني: قد يقال: يمكن أن ينفش بقرب اللعان بحيث تشهد النساء القوابل بعدم حملها فلا يلزم أن تصحب البينة أربعة أعوام. انتهى. وقوله: "وبلعانها تأبيد حرمتها"، ظاهره ولو انفردت باللعان كما إذا نكل والتعنت وكذا ظاهره ولو سبقت الرجل، وهو واضح على القول بعدم إعادتها، وأما على إعادتها فلا إذ لعانها الذي بدأت به كالعدم، ولو عاد إلبه قبل يعني أن الزوج إذا نكل عن اللعان ثم عاد إليه فإنه يقبل ذلك منه ويمكن من اللعان كالمرأة يعني أن المرأة إذا نكلت عن اللعان ثم عادت إليه فإنها يقبل منها ذلك وتمكن من اللعان على القول الأظهر. واعلم أن الطرق في هذه المسألة ثلاث؛ الأولى لابن شأس وابن الحاجب والمؤلف: أن الرجوع إلى اللعان مقبول في الرجل اتفاقا والخلاف في المرأة، والثانية لابن يونس: الخلاف

ص: 493

فيهما، والثالثة لابن رشد: الخلاف في المرأة، وأما الرجل فمتفق على عدم قبول رجوعه، والمص مشى في الرجل على الأولى وفي المرأة على ما لابن رشد، فكلامه ملفق من طريقين، ولو مشى على طريقة ابن رشد في الرجل والمرأة لكان أصوب؛ لأنها هي المذهب، ولوح المص بقوله:"على الأظهر": إلى تصحيح ابن رشد لقبول عود المرأة إلى اللعان بعد نكولها عنه بعد ما حكى الخلاف فيه، والفرق بين الرجل والمرأة أن نكول المرأة عن اللعان كالإقرار منها على نفسها بالزنى، ولها أن ترجع عن الإقرار به، ونكول الرجل عن اللعان كالإقرار منه على نفسه بالقذف، وليس له أن يرجع عن الإقرار به. واعلم أن المص مشى هنا على ما في التوضيح من تصحيح القول بقبول رجوع الرجل وهو وهم ولو سلك المص في الزوجين طريقة ابن رشد التي هي المذهب لقال مثلا: ولو عاد إليه لم يقبل لا للمرأة على الأظهر فيهما وإن استلحقى أحد التوأمين لحقا يعني أن حكم التوأمين حكم الولد الواحد فلا يمكن لحوق أحدهما وانتفاء الآخر، فإذا استلحق الزوج أحدهما بعد اللعان لحقا به معا، والتوأمان ما وُضِعَا معا أو كان بين وضعهما أقل من ستة أشهر، ولو لاعن لأحدهما انتفى عنه الآخر، كما أشار إلى ذلك بقوله: وإن تعدد الموضع أو التوأم، ويتوارث توأما الملاعنة على أنهما شقيقان كما في توأمي المستأمنة والمسبية، بخلاف توأمي الزانية والمغتصبة فإنهما يتوارثان على أنهما أخوان لأم على المشهور. وقوله:"وإن استلحق أحد التوأمين لحقا"، هذا هو المشهور خلافا للمغيرة. قاله الشارح. وفي التوضيح: وكذلك إذا لاعن لأولهما خروجا انتفى الثاني بذلك اللعان، ومتى استلحق أحدهما لحق الآخر وحد فإن نفى أحدهما وأقر بالآخر حد ولم ينتف شيء. انتهى. نقله الحطاب. وفي المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن أو وضعت ولدا ثم وضعت آخر بعده لخمسة أشهر فهو حمل واحد، فإن أقر الزوج بأحدهما ونفى الآخر حد وألحقا به جميعا. انتهى. نقله الحطاب. قال: والمسألة من كلام مالك كما في الأم وإن كان البرادعي عزاها لابن القاسم. انتهى. وإن كان بينيهما ستة فبطنان أفاد بمفهوم هذا أن التوأمين هما ما ليس بينهما ستة أشهر، وبمنطوقه أن الولدين بين وضعهما ستة أشهر فأكثر بطنان؛ أي ليسا بتوأمين، فإذا نفى أحدهما بلعان لا يكون ذلك نفيا للآخر، كما لا يكون استلحاق أحدهما بعد نفيهما باللعان استلحاقا للآخر، فإذا أقر بالأول ونفى الثاني، وقال: لم أطأ بعد ولادة الأول فإنه يلاعن للثاني. قاله مالك وإنما لاعن للثاني لأن كل واحد منهما حمل

ص: 494

مستقل، والموضوع كما علمت أنهما لامرأة واحدة. إلا أنه قال: إن أقر بالثاني وقال: لم يطأ بعد الأول سئل النساء يعني أن الإمام رحمه الله بعد أن قال: إنهما إن كان بينهما ستة أشهر فهما بطنان وفرع على ذلك الفرع الذي قدمته، وهو ما إذا أقر بالأول ونفى الثاني، ذكر هذا الفرع الثاني: وهو أنه إذا أقر بالثاني مع إقراره بالأول وقال: لم أطأ بعد وضع الأول والحال أن بينهما ستة أشهر فإنه يسئل النساء هل يتأخر الحمل هكذا؟ فإن قلن: إن الحمل لا يتأخر هكذا حد، وإن قلن إنه أي الحمل قد يتأخر هكذا أي ستة أشهر لم يحد وإنما لم يحد إذا قلن: يتأخر لعدم نفيه إياه بقوله: لم أطأها بعد وضع الأول، لجواز أن يكون ناشئا عن الوطء الذي كان عند الأول عملا بقولهن: يتأخر، وإذا قلن: لا يتأخر فيحد لنفيه بقوله: لم أطأها بعد وضع الأول والحال أن بينهما ستة أشهر وانضم إلى ذلك قول النساء؛ إن الحمل لا يتأخر هكذا، والموضوع في هذا الفرع الذي ذكره المص أنه أقر بالولدين جميعا، وقوله: وإن كان بينهما أي التوأمين بمعنى الولدين لا حقيقة التوأمين، ففيه شبه استخدام، وأشار المص بأداة الاستثناء إلى أن المسألة قد استشكلت، وتقرير الاستشكال أن الستة إن كانت قاطعة فيحد ولا يرجع للنساء، وإن لم تكن قاطعة فيرجع لهن ولا يحد، فأشكل الفرع الثاني الذي ذكره المص على الفرع الأول الذي لم يذكره، وهو ما قدمته قبل فرعه الذي ذكره، والجواب أن الستة قاطعة ما لم يعارضها أصل وهو درء الحد بالشبهة، والظاهر أنه إذا نفى الأول ولاعن فيه وأقر بالثاني وقال: لم أطأ بعد وضع الأول أنه يحد ولا يسئل النساء؛ لأن الولد الثاني قد أقر به بعد أن نفاه فيحد على كل حال، وهنا أربعة فروع، أحدها: أن يقر بالأول وينفي الثاني ويقول: لم أطأ بعد ولادة الأول، فإنه يلاعن للثاني، ثانيها: الفرع الذي ذكره المص بقوله: إلا أنه إن أقر بالثاني لخ، والموضوع فيه أنه أقر بالأول كما علمت فيسئل النساء كما قال المص وهو مسألة الإشكال، ثالثها: أن يقر بالثاني بعد أن نفى الأول ولاعن فيه، وهذا الفرض هو الذي صور به ابن عبد السلام مسألة الإشكال، أعني قوله: إلا أنه إن أقر بالثاني لخ، ورد ابن عرفة على ابن عبد السلام، قال الحطاب: والظاهر في المسألة التي فرضها ابن عبد السلام أنه إذا نفى الأول ولاعن فيه وأقر بالثاني وقال: لم أطأ بعد الأول أنه يحد ولا يسئل النساء؛ لأن الولد الثاني قد أقر به بعد أن نفاه فيحد على كل حال. والله أعلم، رابعها: مفهوم قول المص: إن أقر بالأول وقال: لم أطأ

ص: 495

بعد الأول وأتت بالثاني لستة فأكثر فإنه ينفي الثاني بلعان لأنهما بطنان ولا ينظر لقول النساء، رقوله: فإن قلن لخ، ابن عرفة: انظر لو شكت النساء في تأخره كذا وعدمه الأظهر أنه لا يحد قاله التتائي. نقله عبد الباقي.

ولما أنهى الكلام على النكاح وعلى ما يَحُله من طلاق وفسخ، شرع في الكلام على توابعه من عدة واستبراء ونفقة وسكنى وغيرها، وبدأ بالكلام على العدة فقال:

ص: 496

‌باب: في العدة

وهي لغة العدد قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وشرعا قال ابن عرفة: دليل براءة الرحم عدة واستبراء العدة مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه، فيدخل مدة منع من طلق رابعة نكاح غيرها إن قيل: هو له عدة، وإن أريد إخراجه قيل: هو مدة منع المرأة لخ: وقوله: فيدخل لخ، إذ قوله: منع النكاح، صادق بمنعه للرجل وبمنعه للمرأة ثم إن اقتصاره على دخول هذه فيه قصور؛ إذ تدخل بقية المسائل التي قيل: إن الرجل يعتد فيها، كأختها أو ضمتها أو خالتها، فلو قال: ونحوه، لكان أولى. قاله الشبراخيتي. وقال: قال الحطاب: ويظهر أن في حده للعدة دورا؛ لأن صرفة مدة منع النكاح تتوقف على معرفة العدة، فإنه قد تقدم أن من موانع النكاح كون المرأة معتدة، فتوقف معرفة كونها معتدة على معرفة كونها ممنوعة من النكاح دورٌ، فالأولى تعريفها بأنها المدة التي جعلت دليلا على براءة الرحم لفسخ النكاح أو لموت الزوج أو طلاقه؛ وأما تسمية مدة منع الزوج من النكاح إذا طلق الرابعة أو أخت زوجة أو من يحرم الجمع بينهما عدةً فلا شك أنه مجاز، فلا ينبغي إدخاله في حقيقة العدة الشرعية. انتهى. فإن قيل: يخرج من هذا الحد عدة الصغيرة التي لا يوطأ مثلها من الوفاة لتيقن براءة رحمها، وكذلك من علم أن الزوج لم يدخل بها، فالجواب أن أصل وجوب العدة إنما هو للدلالة على براءة الرحم، فلا يضر عدم وجود العلة في بعض الصور، ولا لم يكن في قدر من يوطأ مثلها حد يرجع إليه من كتاب ولا سنة حمل الباب محملا واحدا فوجبت على من في المهد حسما للباب، فعلم أن أصل وجوب العدة إنما هو للدلالة على براءة الرحم ولا يضر عدم وجود العلة في بعض الصور. فتأمله. والله أعلم. قول الحطاب: على براءة الرحم، قال بناني: يعني أن هذا أصل مشروعيتها وإن كانت قد تكون في برية الرحم، وقول ابن عرفة: لفسخه، اللام فيه بمعنى بعد لأن الفسخ وما بعده ليست أسبابا لمنع النكاح بل لإباحته، وأورد عليه الرصاع أنه غير جامع لعدم صدقه على مدة إقامة أم الولد بعد موت سيدها فإنها عدة على المشهور، كما في ابن عرفة نفسه، وهو مذهب المدونة كما يأتي في الاستبراء إن شاء الله. انتهى.

تنبيه: قال ابن عبد السلام: ويجب الاعتناء بالعدة؛ لأن الله سبحانه أكد ذلك بقوله: {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} واختلف المفسرون من المخاطب بالإحصاء هل الحكام أو المطلقون؟ وهو الأظهر، أو المطلقات، واختار

ص: 497

بعضهم أن الأمر بالإحصاء يتناول الجميع؛ لأن لكل واحد منهم تعلقا بذلك، ومعنى {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} احفظوها، ومعنى {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} أطيعوه في أمره ونهيه، ومعنى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} النهي عن الإخراج والخروج حتى تنقضي العدة، ومعنى أن يأتين بفاحشة مبينة بفتح الياء وكسرها أنهن إذا أتين بفاحشة كالزنى يخرجن لإقامة الحد عليهن. والله سبحانه أعلم. تعتد حرة يعني أن الحرد إذا طلقها زوجها المسلم أو فسخ نكاحه فإنها تعتد بثلاثة قروء ولا فرق في ذلك بين المسلمة والكتابية، ولهذا قال: وإن كتابية ومعنى تعتد تترك التزوج بغير المطلق حتى تنقضي تلك القروء الثلاثة وجوبا، وكذا تمكث الذمية ثلاثة قروء إذا طلقها زوجها الكافر وأراد مسلم تزوجها، إلا أن هذا استبراء لا عدة؛ لأن أنكحتهم فاسدة أطاقت الوطء الجملة صفة لحرة يعني أن الحرد مسلمة أو كتابية إنما تعتد من طلاق زوجها إذا كانت مطيقة للوطء، بأن كان مثلها يوطأ فتجب عليها العدة ولو كان لا يمكن حملها على المشهور، ولو لم تبلغ تسع سنين على المعتمد، ومفهوم قوله: أطاقت الوطء، أنها إن لم تطقه لا تخاطب بالعدة ولو وطئها زوجها لأن وطئها كالجرح؛ ابن عبد السلام: وهذا مما لا أعلم فيه خلافا. انتهى. وأما لو أرادت الكتابية أن تتزوج كافرا بعد مفارقة كافر لها فلا نتعرض لهم إلا أن يتحاكموا إلينا. قاله الشبراخيتي. وقال عند قوله: أطاقت الوطء، واختار ابن لبابة أن لا عدة عليها ولا على مسنة لا يخشى حملها وإطاقة الوطء تختلف باختلاف أحوال النساء. انتهى بخلوه بالغ الباء للسببية؛ يعني أن العدة تجب على الحرة المذكورة بسبب خلوة زوج بالغ، والمراد بالخلوة إرخاء الستور، واحترز بالبالغ عن غيره إذا خالع عنه وليه فلا تجب العدة بوطئه ولو قوي على الجماع؛ لأن دخوله ووطأه كلا شيء، والفرق بين الصغيرة التي تطيق الوطء تجب عليها العدة، والصغير الذي يطيق الوطء لا عدة في وطئه، أن الصبي لا ماء له قطعا، فلا يولد له قطعا ونفي الولد عن الصغيرة المطيقة للوطء لا يبلغ القطع فوجبت العدة للاحتياط. قاله ابن عرفة. وقاله اللخمي. وذكر بعض أهل العلم أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة، وعرفت أنا في بلاد مكة مثل ذلك كثيرا كاليمين. انتهى. نقله الحطاب. وقوله: بخلوة بالغ: أي سواء كانت خلوة اهتداء أو غيرها ولو كان الزوج مريضا، ولو كانت هي حائضا أو نفساء أو صائمة. قاله عبد الباقي. وقوله: بخلوة، احترز بذلك عمن طلقت دون خلوة فلا عدة عليها. غير مجبوب؛ يعني أنه يشترط

ص: 498

في لزوم العدد بسبب خلوة الزوج البالغ أن يكون غير مجبوب، وأما المجبوب وهو مقطوع الذكر والأنثيبن فلا توجب خلوته ولا وطؤه عدة على الراجح. خلافا لقول عياض والرجراجي: إن دنا المجبوب من النساء والتذ وعالج وأنزل ثم طلق زوجته فإنها تعتد. انتهى. وهذا معنى وطئه عندهما، وعلى ما لهما لابد أن يقول النساء: إنه يولد له من ذلك الماء. قاله عبد الباقي. ابن عبد السلام: مقطوع الذكر والخصيتين لا تجب على امرأته عدة في الطلاق، ولا خلاف منصوص في ذلك، وأما مقطوع الخصيتين فظاهر المذهب لزوم العدة، وقال ابن حبيب: لا عدة على امرأته وهو ظاهر؛ لأن الولد لا يلحقه عند ابن حبيب وابن القاسم، قال ابن حبيب: وكذلك ذاهب الخصية اليسرى، وقال ابن دينار الولد لا حق في الخصي كيف كان، قال بعض الشيوخ فعلى هذا تجب العدة كيف كان، وقال أبو حنيفة والشافعي: يلحق الخصي والمجبوب نسب ولد زوجته إن كان ينزل، أمكن شغلها منه صفة للخلوة. قاله الشبراخيتي؛ يعني أنه يشترط في لزوم العدد بسبب الخلوة المذكورة أن يكون وطء الزوج لها في تلك الخلوة ممكنا، فإنه إذا طلقها حينئذ تعتد، وأما لو لم يمكن شغل المرأة منه بالوطء فلا عدة عليها، كما لو كانت الخلوة لحظة، وكذا لا عدة عليها حيث لم تحصل خلوة كما مر، قال في المدونة: فلو كان معها نساء حين أقبل وانصرف بمحضرهن فلا عدة عليها، الباجي: وكذلك امرأة. انتهى. وقال ابن عبد السلام: إثر كلام الباجي وهو صحيح؛ لأن الخلوة قد فقدت. انتهى. ونقل الشيخ أبو الحسن في الكبير كلام الباجي عن ابن يونس ونصه: ابن يونس: قال بعض أصحابنا: وامرأة واحدة فأكثر في ذلك سواء لأن الخلوة لم تثبت؛ الشيخ: وهذا إذا كانت المرأة الواحدة أو النساء من أهل العفاف والصيانة، وأما إن كانت المرأة أو النساء من شرار النساء فعليها العدة لأنهن لا يمنعن الخلوة. انتهى. نقله الحطاب. وقوله: أمكن شغلها منه، بالوطء كما مر، وقول التتائي: بالحمل، مراده لو كان يمكن حملها فلا اعتراض عليه. قاله أحمد. أي لا اعتراض عليه بأنه يوهم خروج مطلقة العقيم مع أنها تعتد. قاله عبد الباقي. والضمير في شغلها عائد على المرأة، والضمير في منه عائد على الرجل.

تنبيه: الشغل فيه أربع لغات ضم أوله وتسكين ثانية وضمهما معا وفتح أوله وتسكين ثانية وفتحهعما معا. قاله في الصحاح. قاله الحطاب. وفي المدونة: ومن خلا بصغيرة يجامع مثلها في بيت أهلها وطلقها، ثم قال: لم أطأ فصدقته أو كذبته؛ فالقول قوله في طرح السكنى، كما أقبله

ص: 499

في نصف الصداق، وعليها العدة، وحيث يجب جميع الصداق يجب السكنى. وإن نفياه أي الوطء يعني أن العدة تجب بالخلوة المذكورة وإن تصادق الزوج والمرأة على عدم الوطء في الخلوة لأنها حق لله فلا تسقط باتفاقهما على نفي الوطء. وأخذا بإقراهما يعني أن الزوجين إذا نفيا الوطء في الخلوة فإنهما يؤخذان بإقرارهما بالنسبة لغير العدة، فتؤاخذ هي فيما هو حق لها بإقرارها، فلا نفقة لها ولا كسوة ولا يتكمل لها الصداق، ويؤاخذ هو بإقراره فلا رجعة له في العدة لإقراره بنفي الوطء،

فعلم مما قررت أن معمول المصدر محذوف؛ أي بنفي الوطء فهو أي قوله: وأخذا بإقرارهما، تفريع على قوله: وإن نفياه، والفرض بحاله أن الخلوة علمت بينهما، وبهذا قرره ابن غازي رحمه الله وهو أحسن من تقرير الشارح والتتائي، حيث قال التتائي: وإن ادعى أحدهما الوطء وأنكره الآخر. وقال الشارح: حيث لم يعلم دخول. انتهى. وقوله: وأخذا بإقرارهما، المعية ليست شرطا أي كل من أقر بأمر أخذ به أي أخذا بإقرارهما اجتماعا وانفرادا. قاله الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم لا بغيرها أي الخلوة وهو مفهوم قوله: بخلوة؛ يعني أن العدة لا تجب بغير الخلوة، فإن عدمت وطلقت قبل البناء أو عدمت أوصافها بأن يكون الزوج صبيا أو مجبوبا أو لا يمكن شغلها منه فيها فلا عدة عليها في ذلك كله، وقد مر أن الصداق لا يتكمل إلا بالدخول. وأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق)، وكذلك ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال:(من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل)، فحديثان ضعيفان عند الأئمة مع مخالفتهما لظاهر القرآن، وقوله: لا بغيرها، عطف على قوله: بخلوة؛ أي لا بغير الخلوة المقيدة بالقيود السابقة، فيشمل ما إذا لم تكن خلوة أصلا أو خلوة صبي أو مجبوب كما مر التنبيه عليه، انظر الشبراخيتي. إلا أن تقر به يعني أنه إذا لم تحصل الخلوة المذكورة بينهما فلا عدة عليها، حيث لم تقر المرأة بالوطء من بالغ، وأما إن أقرت به فتلزمها العدة، بخلاف ما لو أقر به وأنكرته ولم تثبت الخلوة فلا عدة عليها، وهذا كالتكرار مع قوله في الرجعة: وأخذا بإقرارهما، ويظهر أن ذلك هو مراد البساطي، وقوله: إلا أن تقر به: علم منه بالأولى أنه إذا ثبت الوطء لزمت العدة وإن لم تحصل خلوة، واعلم أن ما تقدم من قوله:"وهل إن أدام الإقرار الرشيدة" لخ، إنما هو في

ص: 500

تكميل الصداق كما مر، وأما النفقة والكسوة فلا يؤخذ بهما إلا إذا صدقته لقوله هناك: وللمصدقة النفقة، أي والكسوة، راجع ما تقدم. قاله بناني. والله سبحانه أعلم. أو يظهر حمل ولم ينفه عطف على المستثنى؛ يعني أنه إذا لم تحصل الخلوة لا عدة عليها حيث لم يظهر بها حمل، وأما إن ظهر بها حمل فإنها تلزمها العدة، فتعتد بالوضع، ومحل كونها تعتد بالوضع حيث لم ينف الزوج الحمل المذكور بلعان فترث وتورث وترتجع، ولها النفقة والكسوة، وأما إن نفى الحمل المذكور بلعان فتستبرأ بوضع الحمل ولا تعتد من الزوج لعدم البناء، فلا تلزمه نفقة ولا سكنى؛ والحاصل أنها تتربص بنفسها الوضع نفاه أو لم ينفه لكن إن لم ينفه، فهي معتدة منه تجري عليها أحكام الرجعية إن لم تَبن، وإن نفاه بلعان فإنها تُستبرأ بوضع حملها وهي غير معتدة منه لكونه لم يَبْن بها، فلا توارث، كما لو لم يصح استلتحاقه لكونها وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم العقد. وعلق بقوله: تعتد قوله: بثلاثة أقراء والباء للآلة وقول الشارح خبر عن قوله: تعتد حرة وإن كتابية، معناه متمم للفائدة لا أنه خبر حقيقة. والله سبحانه أعلم؛ يعني أن العدة اللازمة للحرة مسلمة أو كتابية تكون بثلاثة أقراء، والأقراء جمع قرء بفتح القاف وضمها لغتان حكاهما القاضي عياض وأبو البقاء، أشهرهما الفتح، وهو الذي قاله جمهور أهل اللغة واقتصروا عليه. قاله الحطاب. وقال عبد الباقي: بثلاثة أقراء ولو في مجمع على فساده حيث درأ وطؤه الحد وإلا فزنى، وسيأتي أنها تمكث قدر عدتها لكن لا يسمى عدة بل استبراء قاله عبد الباقي. قوله: ولو في مجمع على فساده حيث درأ وطؤه الحد لخ، صحيح نحوه قول التهذيب: وما فسخ من نكاح فاسد أو ذات محرم أو المنعي لها تنكح أو الأمة بغير إذن السيد فالعدة في ذلك كله كالعدة في الصحيح. انتهى. قال أبو الحسن في الأمهات: أو ذات محرم من الرضاع أو النسب جهل ذلك ولم يعلم ثم علم بذلك بعد ما دخل. وانظر قولها: جهل لخ، يدل على أنه لو علم لم يكن لها سكنى لأنه يحد ولا يلحق به الولد انتهى قاله بناني. ويجمع القرء أيضا على قروء، واعلم أن القرء يقال للطهر ويقال للحيض، ومذهب الأئمة الثلاثة أن المراد بالقروء في قوله تعالى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الأطهار، فلهذا قال: أطهار يعني أن الأقراء هي الأطهار التي بين الحيض، وذهب الإمام أبو حنيفة ومن وافقه إلى أن القروء هي الحيض، وبقول الأئمة الثلاثة قالت السيدة عائشة رضي الله عنها وزيد بن ثابت، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن

ص: 501

الحارث بن هشام: ما أدركنا أحدا من السلف إلا وهو يقول بهذا ومثله عن ابن عمر. وقاله القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وابن شهاب الزهري، وأبان بن عثمان، وأبو ثور، وداوود؛ وبقول الإمام أبي حنيفة قالت جماعة كبيرة، فروي عن أبي بكر وعمر وعلي وعثمان وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأبي موسى الأشعري وأنس؛ وقال الشعبي: قاله أحد عشر أو اثنا عشر من الصحابة، وقاله من التابعين ابن المسيب ومكحول وسعيد بن جبير وعطاء وطاووس وابن سيرين والحسن والشعبي وقتادة، وقال الأوزاعي: الجماعة على أن الأقراء الحيض، وقاله الثوري. انتهى. نقله ابن عبد السلام. واعلم أن الأقراء هي الأطهار في المذهب ولا يختلف في ذلك، وإن كان قد جاء في عبارات أهل المذهب إطلاق لفظ الحيض موضع الطهر، وإنما ذلك على التسامح كما في عبارة ابن عبد السلام: عدة الأمة في النكاح الصحيح والفاسد حيضتان. وقوله: أطهار، بدل من أقراء أو عطف بيان. وقوله بثلاثة أقراء؛ أي ولو في نكاح مجمع على فساده حيث درأ وطؤه الحد. قال في التهذيب: وما فسخ من نكاح فاسد أو ذات محرم أو المنعي لها تنكح أو الأمة بغير إذن السيد فالعدة في ذلك كله كالعدة في الصحيح. انتهى. وهذا هو مذهب المدونة كما علمت، وقيل: هذا في النكاح المختلف فيه، وأما المجمع على فساده فيكفي من ذلك حيضة، وأما إن لم يدرأ الحد فزنى؛ ويأتي إن شاء الله أنها تمكث قدر العدة لكن ألا يسمى عدة بل يسمى استبراء، واعلم أنه استدل لمذهبنا بوجوه، قال الشبراخيتي: منها تأنيث العدد في قوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} والعرب تؤنث مع المذكر وتذكر مع المونث والطهر مذكر والحيضة مؤنثة، قال مقيد هذا الشرح: وفي هذا الوجه نظر يعلم بالوقوف على ما قاله النحاة في العدد. والله تعالى أعلم. وعدة ذي الرق أي الشخص صاحب الرق من مكاتبة ومبعضة فمن دونهما قرآن اتفاقا؛ يعني أن الزوجة الأمة عدتها قرآن أي طهران، وإنما تعتد حيث أطاقت الوطء، بخلوذ بالغ إلى آخر ما اشترط معدة الحرة من غير فرق، فتعتد بطهرين ولو في نكاح مجمع على فساده إن درأ الحد وإلا فزنى؛ والحاصل أن الأمة كالحرة إلا أنها تعتد بطهرين لا بثلاثة، وإلا في الاستبراء فإنها تستبرأ في الزنى والاشتباه بحيضة وما عدا ذين هما فيه سواء، وذو وصف للشخص وهو يشمل المذكر والمؤنث. والجميع للاستبراء يعني أن الأقراء الثلاثة في الحرة أو الاثنين في الأمة إنما شرعت كلها لأجل أن تظهر براءة الرحم من الحمل، هذا

ص: 502

هو قول الأبهري ورجحه ابن يونس، ومقابله للقاضي، وعليه رد المص بقوله: لا لأول؛ يعني أنه ليس الأمر كما قال القاضي: من أن غير الأول إنما شرع تعبدا، والذي للاستبراء إنما هو القرء الأول فقط؛ ورجح عبد الحق قول القاضي، وإلى ترجيح ابن يونس لقول الأبهري الذي هو القول الأول أشار المص بقوله: على الأرجح فهو راجع لقوله: والجميع للاستبراء، وتظهر فائدة الخلاف في الذمية، فعلى القول بأن الثلاثة للاستبراء يلزمها الجميع، وعلى أن الأول للاستبراء والأخيران عبادة فإنه يختلف هل تلزمها الثلاثة بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة؟ أو لا يلزمها إلا الأول بناء على أنهم غير مخاطبين بها، وعليه يأتي ما قاله ابن القاسم في النصرانية إذا تزوجت بعد حيضة: أنها لا يفسخ نكاحها. انتهى. ولا فرق بين أن يكون زوجها الذي طلقه مسلما وأن يكون ذميا حيث أراد مسلم أن يتزوجها في هذا الأخير، فلا تتزوج إلا بعد ثلاثة أقراء، بناء على خطابهم بالفروع، على أن الأول للاستبراء والأخيرين عبادة، وهذا في المدخول بها، وأما إن لم تكن مدخولا بها فلا عدة عليها، هذا في الطلاق، وأما في الوفاة فتعتد بأربعة أشهر وعشر بناء على أنهم مخاطبون بها، وعلى أنهم غير مخاطبين بها كان عليها ثلاثة قروء إن كانت كلها للاستبراء، وإذا قلنا: إن اثنتين عبادة كان عليها حيضة، وهذا في المدخول بها، وإلا فيختلف على هذا الأصل هل هم مخاطبون بها أو لا؟ حكى ابن الجلاب عن مالك أنه لا عدة عليها قبل الدخول في الوفاة وأنها تخرج على روايتين، وكذلك ذكر عبد الوهاب. انتهى. قاله ابن السلام. وإنما قال المص لا الأول، ليلا يتوهم أن مقابل الأرجح يقول اثنتان للاستبراء وواحد

(1)

للتعبد. قاله الحطاب. وقوله: والجميع؛ أي جميع الأقراء بمعنى الحيض لا بمعنى الأطهار؛ لأن الذي للاستبراء إنما هو الحيض ففيه شبه استخدام. قاله. الباقي. وقوله: والجميع للاستبراء لخ، مما تظهر فيه فائدة الخلاف أيضا المتوفى عنها التي تعتد كعدة الطلاق لفساد نكاحها فعليها الإحداد في الثلاثة على القول الأول وهو المعتمد، وعلى الثاني لا يلزمها الإحداد إلا في الأول فقط. قاله عبد الباقي. قال بناني: هذا على أن المتوفى عنها في النكاح الفاسد عليها الإحداد، ويأتي قريبا إن شاء الله أنه لا إحداد عليها أصلا، ونقل المواق عنها ما يقتضي القولين. فتأمله. انتهى. وقال الشبراخيتي. قوله: والجميع للاستبراء، ما

(1)

في الحطاب ج 4 ص 534: وواحدة للتعبد.

ص: 503

نصه: ولا فرق بين الحرة والأمة. ولو اعتادته في كالسنة يعني أن المرأة إذا كانت عادتها أن لا يأتيها الحيض إلا في كل سنة أو أكثر منها مرة واحدة فإنها لا تعتد إلا بالأقراء ولا تخرج بذلك عن كونها من أهل الأقراء فتنتظر عادتها، لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك، وهذا هو المشهور؛ ورد المص بلو القول بأنها تحل بمضي سنة، حكاه ابن الحاجب، وأنكر ابن عبد السلام والمؤلف وابن عرفة وجوده. وقال طاووس: تعتد بثلاثة أشهر ولا تنتظر الحيض؛ ونقل كريم الدين والناصر اللقاني وأبو الحسن على المدونة عن أبي عمران: أنها لو اعتادته في كل خمس سنين أنها تنتظر الخمس، فإن لم تحض حلت، فإن حاضت انتظرت الحيضة الثانية عند الخمس الثانية، فإن لم تحض حلت؛ فإن حاضت عند الخمس انتظرت الثالثة لتمام خمس عشرة، فتحل حينئذ حاضت أو لم تحض؛ قال عبد الباقي: وأما من عادتها عشر سنين فانظر هل تعتد بسنة أو بثلاثة أشهر. قاله الأجهوري. قال بناني: لا وجه لهذا التنظير وكلام المدونة صريح في أنها تعتد بسنة، ونصها: ولو تقدم لها حيض مرة لطلبت الحيض فإن لم يأتها اعتدت بسنة من يوم الطلاق، مفهومه لو تقدم لها أكثر من مرة تعتد بسنة من باب أحرى. انتهى. وقال الأمير: وإنما يعتبر الحيض حيث اعتيد في خمس سنين وإلا فسنة بيضاء. انتهى. ونقل أحمد الزرقاني عن أبي عمران خلاف ما نقله عنه كريم الدين والناصر اللقاني وأبو الحسن؛ وهو: أنها تعتد بالأقراء ولو في كل عشر سنين مرة، فإن جاء وقت مجيئه وهو العشر ولم تحض حلت، فإن حاضت عند العشر انتظرت الثانية عند العشر الثانية، فإن لم تحض حلت؛ فإن حاضت الثانبة انتظرت الثالثة لتمام الثلاثين سنة؛ حاضت أو لم تحض. انتهى. وقال الحطاب: ما ذكره المص من انتظار هذه المرأة الحيض هو المشهور، وقيل: تحل بانقضاء السنة. وقد أنكره ابن عبد السلام والمص، وقال ابن عرفة: ابن رشد عن محمد: من حيضتها السنة أو أكثر عدتها سنة بيضاء إن لم تحض لوقتها وإلا فأقراؤها؛ ولا مخالف له من أصحابنا، وتعقب شارحي ابن الحاجب نقله عدم اعتبار انتظار الأقراء بانفراده به حسن. انتهى. وقال في التوضيح: ويمكن أن يريد به المص أنها تحل بثلاثة أشهر لكن هذا القول إنما حكاه أشهب عن طاووس. انتهى. قال في التوضيح: وعلى الانتظار فقال محمد: إن لم تحض عند مجيئها حلت، وإن حاضت من الغد. انتهى. وقال ابن عبد السلام: وإذا فرعنا على القول الأول يعني الانتظار، فقالوا: إذا طلقت تربصت سنة فإن

ص: 504

جاء فيها وقت الحيض ولم تحض حلت للأزواج، وإن لم يجئ وقتها في هذه السنة طلبت وقتها بعد السنة، فإن جاء وقتها أيضا ولم تحض حلت، وإن جاء وقتها فحاضت اعتدت بقرء واحد، ثم تفعل في الثاني والثالث كما في الأول؛ قال ابن المواز:[إذا أقرت]

(1)

حيضتها بعد تمام سنة فلم تحض عند مجيئه حلت وإن حاضت من الغد. قال اللخمي: وليس هذا أصل المذهب لأن الحيض يتقدم ويتأخر، وإنما قال هذا مراعاة للخلاف الذي ذكر أشهب في مدونته عن طاووس، قال: يكفيها ثلاثة أشهر. انتهى. انتهى كلام الحطاب. أو أرضعت عطف على ما في حيز لو، يعني أن المطلقة تعتد بالأقراء ولو كانت ترضع فتأخر حيضها بسبب الرضاعة لا ينقلها عن الاعتداد بالأقراء، والواجب عليها أن تنتظر الحيض حتى تفطم ولدها، فإن حاضت في زمن الرضاع ثلاثا حلت للأزواج، فإن لم تحض في مدة الرضاع لم تحل إلا بثلاث بعد مدة الرضاع، فإن مضت لها سنة بعد الرضاع ولم تحض حلت، فإن رأت الدم في آخرها انتظرته أو تمام سنة بيضاء فإن رأته انتظرت الثالثة أو تمام سنة بيضاء؛ وقوله: أو أرضعت لا فرق فيه بين الأمة والحرة. وقوله: أو أرضعت لو المقدرة فيه لدفع التوهم لا للخلاف لأن هذا حكى ابن الحاجب الاتفاق عليه، ونقل ابن عرفة عن ابن يونس الإجماع عليه، ونصه: ومتأخرته لرضاع بأقرائها، الصقلي: إجماعا. انظر الحطاب. أو استحيضت وميزت هذا أيضا معطوف على مدخول لو والخلاف فيه موجود؛ يعني أن المطلقة حرة أو أمة تعتد بالأقراء ولو كانت مستحاضة بشرط أن تميز دم الحيض من الاستحاضة برائحة أو لون، وهذا مروي عن مالك واختاره ابن القاسم، وروي عن مالك: أنه لا يعتبر الحيض المميز فتكون كالمرتابة فتعتد بالسنة، واختاره ابن وهب. نقله في التوضيح. وغيره. والله أعلم. قاله الحطاب. وقال: قال في التوضيح وغيره: وتميزه برائحته ولونه، وقال ابن المواز: بكثرته؛ أي أن دم الحيض كثير ودم الاستحاضة قليل. انتهى. وقال عبد الباقي: أو استحيضت وقد ميزت دم الحيض من الاستحاضة برائحة أو لون أو كثرة، فتعتد بالأقراء الثلاثة، والأمة كالحرة في هذا. انتهى. وقال الشبراخيتي:"أو استحيضت وميزت" بين دم الحيض والاستحاضة بقلة أو كثرة أو لون أو رائحة على المشهور عن مالك وابن القاسم، ولا فرق بين الحرة والأمة في المسائل الثلاث أي المعتادة في كالسنة والمرضع والمستحاضة المميزة.

(1)

كذا في الأصل ولفظ الحطاب إذا كان وقت ج 4 ص 534 ط دار الرضوان.

ص: 505

انتهى. فإن لم تميز اعتدت بالسنة باتفاق. قاله الشارح. وللزوج انتزاع ولد المرضع فرارا من أن ترثه يعني أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا وهي مرضع بكسر الضاد وتأخر حيضها عن عادتها لأجل الرضاع، فإن له أن ينتزع منها ولدها إذا ظهر في ذلك غرض بأن ينتزعه فرارا من أن ترثه أي انتزعه لينقطع عنها الرضاع فتتم عدتها الحاصلة بالأقراء قبل أن يموت على تقدير موته، فلا ترثه لانقضاء العدة بتمام الأقراء، وليس للأب أن ينتزعه منها إلا أن يتبين صدق قوله ويعلم أنه لم يرد بذلك الضرر. قاله ابن رشد. واحترز بذلك والله أعلم. عما إذا علم أن حيضها يأتي في زمنه المعتاد ولم يتأخر من أجل الرضاع، فليس له حينئذ انتزاعه لتبين أنه إنما أراد ضررها. قاله بناني. وللأب أن ينتزعه أيضا من باب أحرى إذا كان غرضه إسقاط النفقة والكسوة لأن مصلحة الميراث لغيره، ومصلحة النفقة والكسوة له، وإذا انتزع ولده أو مات فله أن يمنعها من أن ترضع ولد غيره بأجر أو بغير أجر لأن مقصوده لا يحصل إلا بمنعها من الرضاع جملة، وحقه مقد على حقها في النفقة والسكنى، وقوله: فرارا من أن ترثه، سواء كان مريضا أم لا، لأن الموت قد يأتي فجأة. قاله أحمد. نقله عبد الباقي. وقد ورد أن حبان بن منقذ طلق امرأته وهي مرضع فمكثت نحو ستة لا تحيض لأجل الرضاع فمرض فخاف أن ترثه إن مات فخاصمها إلى عثمان وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، فقال لهما: ما ترون؟ فقالا: نرى أن ترثه لأنها ليست من القواعد التي يئسن من المحيض، ولا من الأبكار التي لم يحضن، فهي عندنا على حيضها وما كان من قليل أو كثير لم يمنعها إلا الرضاع، فانتزع حبان ابنه فلما حاضت حيضتين مات حبان فورثته واعتدت عدة الوفاة، ولم ينكر أحد ممن حضر ذلك على عثمان رضي الله عنه نقله الشارح. أو ليتزوج أختها عطف على قوله: فرارا؛ يعني أن الزوج له أن ينتزع ولد المرضع التي طلقها طلاقا رجعيا وتأخر حيضها إذا كان انتزاعه ذلك لأجل أن يأتيها الحيض فتنقضي عدتها فيتزوج أختها مثلا أي ومثلها من يحرم جمعه معها. أو رابعة يعني أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا وهي مرضع وتأخر حيضها لذلك فله أن ينتزع ولدها ليأتيها الحيض فتنقضي عدتها فيتزوج رابعة غيرها، ومقتضى صنيع الشارح أن هاتين المسألتين مقيستان على الأولى، فإنه قال: وإذا كان له انتزاع الولد خوف الميراث فلا يكون له ذلك إذا أراد تعجيل حيضها لأجل تزويج أختها أو لأن يتزوج رابعة من باب الأولى؛ لأنه لا فائدة له في منعه

ص: 506

الإرث، وإنما ذلك لورثته، وأما كونه يتزوج من لا يحل له أن يجمعها معها فهي فائدة تختص به. انتهى. وكذلك انتزاعه لأجل إسقاط النفقة والكسوة كما هو مقتضى الحطاب. إذا لم يضر بالولد شرط في الانتزاع يعني أنه إنما يجوز له انتزاع الولد في جميع ما مر إذا لم يضر الانتزاع بالولد، كأن قبل غير أمه، فإن أضر الانتزاع بالولد كأن لا يقبل غير أمه لم يجز له انتزاعه منها؛ وفهم من كلام المص أن الطلاق رجعي إذ لو كان بائنا لما ورثته ولَحَلَّ له تزويج رابعة ومن يحرم جمعه معها، ومثل ولدها ولد غيرها التي

(1)

ترضعه، وله فسخ الإجارة ما لم يكن علم بالإجارة وأقرها قبل الطلاق؛ وفي الحطاب عن ابن رشد: أن الزوجة مثل الزوج لها طرح الولد له للحيض إن قبل غيرها، قال الحطاب: وهو مشكل، فإن الرجعية يجب عليها الرضاع كما صرح به في كتاب الرضاع من المدونة، وسيصرح المص به في باب النفقات. انتهى. قال عبد الباقي: ويمكن حمل ما لابن رشد على علية القدر، فإن قلت: علية القدر لها رده وإن لم يكن لها مصلحة في رده فلا يتم هذا الحمل، قلت: لم يقع في النقل تقييد رده لمصلحتها فليست كالزوج. انتهى.

تنبيه: عورضت هذه المسألة بقوله: ولو وجد من ترضعه عنده مجانا، ويمكن الجمع بأن تكون هنا أسقطت حضانتها أو أراد الأب السفر أو أن هذا مبني على أن الحضانة حق للولد لا للأم، وهذا وإن كان ضعيفا لا غرابة في بناء مشهور عليه، وكأن تلك المسألة خرجت عن المشهور من أن الحضانة حق للأم لما فيها من الإجماع السكوتي، كما في التتائي، أو أن هذا من الأعذار المسقطة للحضانة. انتهى. قوله في التنبيه: عورضت لخ، الظاهر في الجواب أن ما هنا عذر يسقط حقها في إرضاعه، وأما حضانتها فباقية، وعلى الأب أن يأتيها بمن يرضعه عندها. والله أعلم. ويسقط جميع الأجوبة التي في الزرقاني. قاله بناني. وإن لم تميز هذا مفهوم قوله: أو استحيضت وميزت؛ يعني أن المطلقة المستحاضة إذا لم تميز بين الدمين أي دم الحيض ودم الاستحاضة فإنها تمكث تسعة أشهر لأجل زوال الريبة لأنها مدة الحمل غالبا، ثم بعد التسعة تعتد بثلاثة أشهر، وعبارة الشبراخيتي: وإن لم تميز المطلقة المستحاضة بين الدمين تربصت سنة تسعة ثم ثلاثة بلا خلاف، وظاهره سواء كانت السنة كلها استحاضة أو بعضها استحاضة وبعضها ريبة،

(1)

كذا في الأصل وعبد الباقي.

ص: 507

وأنها تضم زمن الاستحاضة إلى الربية، وسواء تقدمت الاستحاضة على الريبة أو تأخرت. انتهى. وقال الشارح مفسرا لقوله: وإن لم تميز: أي وإن لم تكن المستحاضة مميزة بين الدمين تربصت تسعة أشهر استبراء ثم ثلاثة عدة، وهذا مما لا خلاف فيه كما سبق. انتهى. وقال الحطاب عند قوله: وإن لم تميز: أي تربصت سنة ولا خلاف في ذلك. أو تأخر بلا سبب يعني أن المرأة المطلقة إذا تأخر حيضها بلا سبب مما تقدم أو لحق فإنها تتربص تسعة أشهر لأجل براءة رحمها لأنها مدة الحمل غالبا ثم تعتد بثلاثة أشهر، قال عبد الباقي: كمن حاضت مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين كثيرة ولدت أو لم تلد ثم طلقت ولم تر حيضا. انتهى. قول عبد الباقي: كمن حاضت مرة في عمرها لخ، قال بناني: هذا ذكره في المدونة، ونقله التوضيح والحطاب، ويتبادر إشكاله مع قوله الآتي: ثم إن احتاجت لعدة لخ، وأشار أبو الحسن إلى الجواب بأن ما هنا محله إذا لم تعتد بالسنة من زوج قبله، وإلا فتصير ممن عدتها ثلاثة أشهر فلا تنتقل عنها إلا أن يعاودها حيض. وقاله ابن يونس. ونقله الحطاب. انتهى. وقال الحطاب مفسرا للمص: يعني أن المرأة إذا رأت الحيض ولو مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين ثم طلقت فإن عدتها الأقراء، فإن أتتها وإلا تربصت سنة. قاله في التوضيح. وقال في كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا بلغت المرأة الحرة عشرين سنة أو ثلاثين ولم تحض فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر، ولو تقدم لها حيضة مرة لطلبت الحيض، فإن لم يأتها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة أشهر براءة لتأخير الحيض ثم ثلاثة أشهر عدة؛ قال أبو الحسن: قال ابن المواز: إلا أن تعتد بالسنة من زوج قبله فتصير ممن عدتها ثلاثة أشهر حتى يعاودها حيض فتطالب به أو تعاود السنة، ابن يونس: وجهه أنها لما جلست أولا تسعة أشهر للريبة غالب مدة الحمل صارت من أهل الاعتداد بالشهور فلا تنتقل عنها إلا أن يعاودها حيض. انتهى. أو مرضت يعني أن المطلقة إذا تأخر حيضها بسبب مرض فإنها تتربص تسعة أشهر لبراءة رحمها لأنها أقل الحمل وبعد التسعة تعتد بثلاثة أشهر؛ قال الشارح: واختلف في المريضة هل حكمها كذلك؟ أي تعتد بسنة وهو قول ابن القاسم وابن عبد الحكم؛ أصبغ وروي مثله عن مالك، وقال أشهب هي كالمرضع واختاره ابن المواز. انتهى. وقال الشبراخيتي: أو مرضت عند ابن القاسم وأصبغ وابن عبد الحكم، وقال أشهب: هي كالمرضع واختاره ابن المواز، وفرق ابن القاسم بينهما بأن المرضع قادرة على إزالة مانع الحيض فكانت

ص: 508

قادرة على الأقراء، بخلاف المريضة فليست قادرة فأشبهت الآيسة، قال في الحاشية: هل المراد خصوص المرض أو حصول أمر عارض من غير رضاع؛ وهو المظاهر فيشمل ما إذا تأخر لجوع من قحط أو نحوه أو طربة. انتهى. وقال عبد الباقي: أو مرضت قبل الطلاق أو بعده ولو بلا سبب فانقطع حيضها. انتهى. وقوله: تربصت تسعة جواب الشرط فهو راجع للمسائل الثلاث؛ وهل تعتبر التسعة في المسائل الثلاث من يوم الطلاق أو من يوم ارتفعت حيضتها؟ قولان. قاله الزناتي. والذي في المدونة أن التسعة من يوم الطلاق ومثله في سماع عيسى، ونص المدونة: ولو تقدم لها حيضة مرة لطلبت الحيض فإن لم يأتها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة براءة لتأخير الحيض ثم ثلاثة أشهر عدة. انتهى. نقله بناني. ثم اعتدت بثلاثة عطف على تربصت تسعة وهو راجع للمسائل الثلاث أيضا أي تعتد بسنة في المسائل الثلاث. تنبيه: اعلم أنهم ذكروا خلافا هنا في كون العدة ثلاثة أشهر والتسعة لزوال الريبة وفي كون التسعة مع الثلاثة عدة، والصواب أنه خلاف لفظي كما تفيده عبارة الأئمة. قاله محمد بن الحسن بناني. وقال عبد الباقي: وقد وقع خلاف في تزوجها زمن الريبة في الوفاة هل هو كالتزوج في العدة في الفسخ وتأبيد التحريم إن دخل بعد تمام أربعة أشهر وعشر وقبل زوال الريبة؟ أو لا فسخ أصلا وإنما يكره فقط قولان نقلهما ابن عمر على الرسالة، ونقل ابن عرفة الثاني عن ابن أبي زيد. انتهى. وحاصل ما أشار إليه المص من أول الباب إلى هنا أن المعتدة بالأقراء قسمان، معتادة ومرتابة، فالمعتادة هي التي لم يتأخر حيضها، والمرتابة خمسة أصناف، من تأخر حيضها لرضاع تتنظر تمام سنة بيضاء بعد مدة الرضاع فتحل بها إن لم تحض وإلا انتظرته على ما مر، مستحاضة مميزة فيها روايتان لمالك كما مر أي تعتد بالأقراء على ما اختاره ابن القاسم وبالسنة كما اختاره ابن وهب، مستحاضة لم تميز، من تأخر حيضها بلا سبب، من تأخر حيضها لمرض كلها تعتد بالأقراء فإن أتتها وإلا تربصت سنة كعدة من لم تر الحيض تشبيه في أنها تعتد بثلاثة أشهر فقط يعني أن من لم تر الحيض لصغر مع إطاقتها الوطء أو لكونها لم يأتها دم ويقال لها: بغلة، عدتها ثلاثة أشهر، لقوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} . ومعنى إن ارتبتم شككتم في عدتهن، والمحيض بمعنى الحيض، وعدل المص عن أن يقول: كعدة الصغيرة واليائسة، لشمول ما ذكره للكبيرة إذا لم تحض والحكم فيها كالحكم في

ص: 509

الصغيرة. قاله الحطاب. وقال: قال ابن الحاجب والتي لم تحض وإن بلغت الثلاثين كالصغيرة، قال في التوضيح: يريد وأكثر من الثلاثين، وقد صرح في أصل المدونة بأن الأربعين كذلك، قال علماؤنا: وأما لو حاضت مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين لمرض أو غيره وقد ولدت أو لم تلد ثم طلقت فإن عدتها الأقراء حتى تبلغ من من لا تحيض فإن أتتها الأقراء وإلا تربصت سنة كما تقدم. انتهى. واليائسة يعني أن اليائسة من الحيض عدتها ثلاثة أشهر، وسيأتي تبيين اليائسة. ولو برق الظاهر أن الباء للملابسة أي ولو كانت المطلقة متلبسة برق؛ يعني أن الأمة كالحرة في كونها تعتد بثلاثة أشهر حيث لم تر الحيض أو كانت يائسة، هذا هو مقتضى الشارح أن المبالغة راجعة لما بعد الكاف. فإنه قال بعد قوله: كعدة من لم تر الحيض واليائسة ما نصه: ولا خلاف أن عدة هاتين ثلاثة أشهر لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} إلى قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} . وسواء كانت المرأة حرة أو أمة، ولهذا قال: ولو برق، وهو المشهور وحكى ابن بشير قولين، أحدهما: أن عدتها شهر ونصف، والآخر: أنها شهران. انتهى. وقال الحطاب عند قوله: "ولو برق"، مقابل المشهور قولان، أحدهما: أن عدتها شهر ونصف، والثاني: أنها شهران. حكاهما ابن بشير. والله أعلم انتهى. وصرح غير واحد بأن المبالغة راجعة لما قبل الكاف ولما بعدها، ولفظ الشبراخيتي: راجع لجميع ما تقدم من قوله: ولو اعتادته في كالسنة وما بعده يعني أن الحرة والأمة في انتظار الأقراء وفي السنة والأشهر مستويان

(1)

ونحوه لعبد الباقي، وقوله: ولو برق. وجه بأن الحمل لما كان لا يظهر في أقل من ثلاثة لم تشطر كالأقراء. قاله في التوضيح. وتمم من الرابع في الكسر يعني أن المطلقة التي تعتد بالأشهر تحتسب بها كلها ناقصة أو كاملة إن وقع الطلاق في أول ليلة من الشهر بأن طلقت فيها قبل طلوع الفجر، فإن وقع الطلاق في أثناء الشهر فإنها تحتسب بشهرين ناقصين أو كاملين وتكمل الذي وقع الطلاق في أثنائه من الشهر الرابع ثلاثين؛ أي تضيف إلى بقية الأول من الرابع ما يكملها ثلاثين، قال الشارح: لا إشكال أن ذات الأشهر إذا ابتدأت العدة من أول الأشهر أنها تعمل على الأهلة، وأما إن وقع طلاقها في أثناء الشهر وهو الذي أشار إليه هنا فإنها تعمل أيضا على الأهلة في الشهر الثاني والثالث، وتكمل الشهر الذي وقع فيه من الشهر الرابع، وهذا مذهب المدونة، ذكره في أكرية الدور وصرح

(1)

كذا في الأصل ولعلها مستويتان.

ص: 510

بمشهوريته بعض الأشياخ، وفي بعض روايات المدونة أنها تكمل الأشهر الثلاثة ثلاثين ثلاثين انتهى وألغي يوم الطلاق يعني أن المرأة إذا طلقت في أثناء اليوم وهي تعتد بالأشهر فإنها تلغي ذلك اليوم الذي وقع فيه الطلاق إن سبق بالفجر وتحتسب به إن وقع الطلاق قبل فجره، وكذا يقال في الوفاة، وقيل لا يلغى وتعتد إلى مثل الساعة التي طلقت فيها أو توفي عنها فيها، وهذا قول مالك الذي رجع عنه إلى ما ذكره المص، والقول المرجوع عنه هو القياس؛ إذ لا اختلاف في أنه يجب عليها أن تبتدئ العدة من الساعة التي طلقها فيها أو توفي فيها زوجها، ولا يصح بإجماع أن تلغي بقية ذلك اليوم فتبتدئ العدة من غروب الشمس، فإذا وجب عليها بالإجماع أن تبتدئ العدة من تلد الساعة وتجتنب الطيب والزينة من حينئذ إن كانت عدة وفاة وجب أن تحل في تلك الساعة من النهار. فتأمله. والله أعلم. قاله الحطاب. وإن حاخمت في السنة انتظرت الثانية يعني أن التي أمرت بسنة تسعة استبراء وثلاثة عدة إذا حاضت في السنة ولو في آخر يوم منها فإنها تعتد بالأقراء بأن تنتظر الحيضة الثانية فإن مضت لها سنة ولم تحض ثانية حلت، وإن حاضت ثانية فيها ولو في آخر يوم منها انتظرت الحيضة الثالثة، فإن حاضت حلت وإن لم تحض انتظرت تمام سنة بيضاء فتحل بمضيها وإن لم يحصل حيض، وليس مرادد أنها تنتظر الحيضة ولو مضت لها سنة بيضاء، وهذا في الحرة وأما الأمة فتحل بالحيضة الثانية أو مضي سنة بيضاء، والحاصل أن كلا منهما تنتظر أقصر الأجلين من الحيض أو تمام سنة بيضاء، وما ذكره في انتظار الثانية والثالثة هو المشهور، وقال ابن نافع: إذا حاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع وكانت ممن تحيض انتظرت أقصى أمد الحمل خمس سنين وإن كانت ممن يئس مثلها اعتدت بالسنة. قاله الشارح. ثم إن احتاجت لعدة فالثلاثة يعني أن المرأة التي تتربص تسعة أشهر استبراء ثم تعتد بثلاثة أشهر إذا لم يأتها فيها دم فإنها إذا احتاجت لعدة بعد ذلك بأن تزوجت وطلقت بعد الدخول تعتد بثلاثة أشهر لأنها صارت يائسة، وقيل تنتظر سنة، وأما لو أتاها دم وانتظرت الثانية والثالثة فإنها إذا احتاجت إلى عدة بعد ذلك فتعتد بسنة بيضاء، فإن أتاها دم فيها انتظرت الثانية أو تمام سنة بيضاء، وكذا يقال في الثالثة ووجب إن وطئت بزض يعني أن الحرة إذا زني بها فإنه يجب عليها أن تستبرأ من ذلك الزنى بقدر ما تعتد به، على تفصيلها السابق من معتدة بالأقراء والأشهر الثلاثة والسنة فتمكث ثلاثة أقراء إن كانت حرة،

ص: 511

وقرأين إن كانت أمة، وثلاثة أشهر إن كانت ممن لم ير الحيض أو آيسة، أو سنة أو تأخر حيضها بلا سبب أو مستحاضة لم تميز أو مريضة، على ما سبق، وهذا هو المشهور من أن الحرة تستبرأ بثلاث حيض. انتهى. قاله الشارح. أو شبهة يعني أن الحرة إذا وطئت باشتباه بأن وطئت غلطا فإنه يجب عليها أن تستبرأ من ذلك الوطء بمقدار ما تعتد به على تفصيلها المسابق من معتدة بالأقراء والأشهر والسنة، ولا يمثل للشبهة بالنكاح المجمع على فساده لأن اللازم فيه يقال له: عدة الاستبراء؛ تنبيه: قال عبد الباقي عند قوله: أو شبهة، ما نصه: بغلط أو بنكاح فاسد مجمع عليه كمحرم بنسب أو رضاع. انتهى. قوله: أو بنكاح لخ، قال بناني: أي لا يدرأ الحد فإن درأ الحد فالواجب فيه عدة كما مر، وقد أجمل هنا تبعا لابن غازي، والحق ما ذكرنا من التفصيل كما تقدم على أن الصواب عدم ذكره هنا كما أسقطه المص وابن عرفة. والله أعلم. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: والذي لا يدرأ الحد زنى محض وليدى بشبهة. والله سبحانه أعلم. ولا يطأ الزوج؛ يعني أن هذه المرأة التي زني بها أو وطئت بشبهة يحرم على زوجها أن يطأها زمن استبرائها، ومثل الوطء أنواع الاستمتاع، ومحل الحرمة ما لم تكن ظاهرة الحمل منه، وإلا فقيل: يكره: وقيل: يجوز، وقيل: يندب تركه؛ ذكرها ابن عرفة. نقله عبد الباقي. قال بناني. هكذا ذكر هذه الأقوال ابن يونس، لكن في البيان ما يقتضي أن المذهب في ظاهرة الحمل هو التحريم. نقله الشيخ أبو علي. وبالتحريم وقع الجواب في البرزلي عن نوازل ابن الحاج، وفي المعيار آخر نوازل الإيلاء والظهار واللعان عن أبي الفضل العقباني وغيره، وعلله بأنه ربما ينفش الحمل فيكون قد خلط ماء غيره بمائه وهو ظاهر. انتهى. وفي نوازل ابن هلال أن من زنت زوجته وحملت من الزنى يستحب له أن لا يقربها حتى تفع، فإن فعل فقد أساء ولا يفسخ نكاحها لأنها زوجته قبل ذلك. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: ويأتي في الاستبراء أنه يحرم الاستمتاع بالأمة زمن الاستبراء سواء كانت حاملا من الزنى أو من غيره مسبية كانت أو لا وهو المعروف، ونقل المازري وابن شاس وغيرهما عن ابن حبيب أن الحامل من الزنى لا يحرم منها الاستمتاع ما عدا الوطء، وعنه أن الاستمتاع من السبية لا يحرم ما عدا الوطء، نقله في النوادر. قاله الشارح. فقول ابن هلال: يستحب له أن لا يقربها، يحمل على غير الوطء لأن فيه سقي زرع غيره بمائه، ولهذا النقل وإن كان يبعد هذا الحمل السؤال، وكلامه على أن المراد به غير الوطء خلاف

ص: 512

المعروف. والله سبحانه أعلم. ولا يعقد يعني أن هذه المستبرأة من زنى أو شبهة لا يجوز لأحد أن يعقد عليها زمن استبرائها، سواء كان الذي يريد أن يعقد عليها زوجا فسخ نكاحه، أو طلقها بائنا زمنه، أو أجنبيا؛ لأن القاعدة أن كل زمن امتنع فيه الاستمتاع امتنع فيه العقد، إلا الحيض والنفاس والصيام والاعتكاف، واستعمل المص الزوج في حقيقته ومجازه أو غاب غاصب يعني أن الحرة إذا غاب عليها غاصب غيبة يمكنه فيها الوطء فإنه يجب استبراؤها بمقدار عدتها المتقدمة على تفصيلها السابق، من معتدة بالأقراء أو الأشهر أو السنة، ولا يطأ الزوج ولا يستمتع بها زمن الاستبراء تحريما ولا يعقد عليها أحد زمن استبرائها أو ساب يعني أن الحرة إذا سباها العدو وغاب عليها غيبة يمكنه فيها الوطء فإنه يجب استبراؤها بمقدار عدتها المتقدمة على تفصيلها السابق، ولا يطأ الزوج ولا يلستمتع بها زمن الاستبراء تحريما، ولا يعقد عليها أحد زمن الاستبراء، وأما إن كانت غيبة الغاصب أو السابي عليها غيبة لا يمكنه فيها الوطء فلا شيء عليها. أو مشتر يعني أن الحرة إذا اشتراها مشتر جهلا أو فسقا وغاب عليها، فإنه يجب عليها أن تتربص مقدار عدتها على تفصيلها السابق، ولا يستمتع الزوج بها زمن استبرائها ولا يعقد عليها أحد زمنه أيضا، وإنما وجب عليها الاستبراء في هذه الثلاثة لأن غيبة كل مظنة الوطء. ولا يرجع لها يعني أنه لا يرجع لها أي للمرأة أي لقولها في واحد من الثلاثة؛ أي لا تصدق في دعواها عدم وطء واحد منهم ولو وافقها الغاصب ومن ذكر معه على عدم الوطء لحق الله عز وجل. وقوله: قدرها فاعل وجب؛ أي وجب على الحرة في المسائل الخمس أن تمكث مقدار عدتها على تفصيلها المتقدم.

تنبيهات: الأول: استشكل لزوم الاستبراء مع وجوب لحوق الولد، وأجيب بإفادته نفي الحد في تعريض من قال لذي نسب منه: يا ابن الماء المفاسد، فإن الماء المفاسد فيه تعريض في نفي النسب؛ لأنه يطلق على ماء الزنى أيضا، وأما من رماه بأنه ابن زنى فيحد على كل حال ولدته لدون ستة أشهر أو لأكثر، وفي كلام عبد الباقي نظر بخلاف من رماه بأنه ابن شبهة فلا يحد لأن الشبهة لا تستلزم نفي النسب، والضمير في وطئت للحرة المتقدمة في قوله: تعتد حرة، وهذا يجب المصير إليه لأن استبراء الأمة مما ذكر حيضة، كما نص عليه المواق عن المدونة، ومن حمل المص على شموله للحرة والأمة لا يعول عليه هنا؛ ونسبة بعضهم له للمدونة مردودة، وممن نص

ص: 513

على ما نص عليه المواق عن المدونة الجلاب، نصه: وإذا زنت الحرة أو غصبت وجب عليها الاستبراء من وطئها بثلاث حيض وإن كانت أمة استبرئت بحيضة كانت ذات زوج أو غير ذات زوج. انتهى. والعجب كيف غاب ذلك عن الحطاب. قاله بناني. وممن نص عليه أيضا ابن الحاجب وابن عبد السلام، ونصه: واستبراؤها أي الأمة في الزنى والاشتباه حيضة، وكذلك غيبة الغاصب والسابي والمشتري. الثاني: قول المص: قدرها، هو الشار إليه بقولهم: استبراء الحرة كعدتها، وقد استثنوا ممن ذلك استبراءها لإقامة الحد عليها في الزنى، واستبراءها للقتل في الردة، واستبراءها الذي يعتمد عليه الملاعن، فإنه بحيضة في هذه الثلاثة، ونظمها الشيخ علي الأجهوري بقوله:

الحرة استبراؤها كالعده

لا في لعان وزنى ورده

فإنها في كل ذا تستبرا

بحيضة فقط وقيت الضرا

وعلم منه ومن المص أن استبراء الحرة من زنى ونحوه له ثلاث حالات، الأولى: أن تستبرأ لوطء الزوج لها أو للعقد عليها فلابد من قدر العدة، الثانية: أن تستبرأ لإقامة حد الزنى عليها فحيضة فقط إن كانت ذات زوج كما يأتي والأمة في هذا مثلها، فإن حاضت وأقيم عليها غير الرجم لفقد شرطه لم يحل لزوج ولا لسيد وطؤها ولا تزوجها حتى تمضي حيضتان. قاله عبد الباقي. قال مقيده عفا الله عنه: وهذا ظاهر في الحرة لا والأمة والله سبحانه أعلم، الثالثة: زنت حرة وليست ذات زوج فيقام عليها الحد من غير تأخير لحيض ومثلها الأمة في هذه أيضا. الثالث: ظاهر قول المص: ولا يطأ الزوج، أن له الاستمتاع بغير الوطء. قال عبد الباقي عن أحمد عن بعض شيوخه: وهو مذهب ابن القاسم، نقله في التوضيح وكذا الشارح، ولا يخالف ما لابن القاسم هنا ما يأتي في الاستبراء من قول المص. وحرم وزمنه الاستمتاع؛ لأن ما يأتي في أمة تجدد ملكها ولم يسبق فيها استمتاع، وما هنا في زوجة سبق له فيها استمتاع؛ وانظر نقل التوضيح والشارح عن ابن القاسم الجواز مع نقل المواق عن ابن عرفة المنع، ولعل نقل ابن عرفة المنع هو المعتمد، وفرق أحمد المتقدم مبني على تسليم نقل التوضيح والشارح عن ابن القاسم. انتهى المراد

ص: 514

منه. قوله: نقله في التوضيح لخ، قال محمد بن الحسن: إنما نقل الجواز في التوضيح عن عياض ولم ينقله عن ابن القاسم، وما ذكر من أن المواق نقل عن ابن عرفة المنع فيه نظر، فإن سياق المواق يفيد أن كلام ابن عرفة في الأمة التي تجدد ملكها لا في مسألتنا. تأمله. والله أعلم. انتهى. وفي إمضاء الولي يعني أن المحجور إذا تزوج بغير إذن وليه ووطئ وأمضى الولي النكاح فإنه اختلف هل يجب الاستبراء من ذلك الوطء فلا يطؤها بعد الإمضاء حتى يستبرئها من الماء الفاسد الحاصل قبل الإمضاء أو لا يحتاج الزوج إلى استبراء من ذلك الماء بل له أن يطأ، وكذا لو زوج أجنبي امرأة شريفة القدر بولاية عامة مسلم مع وجود ولي غير مجبر ودخل بها الزوج ولم يطل، فإنه اختلف إذا أمضى وليها النكاح المذكور هل يجب الاستبراء من ذلك الماء الحاصل قبل الإجازة أو لا يجب بل له أن يطأ قبل الاستبراء، فعلم أن الولي هنا شامل لولي السفيه وسيد العبد وولي المرأة. أو فسخه يعني أنه اختلف أيضا إذا فسخ ولي المرأة المذكورة النكاح أو ولي السفيه أو السيد الذين وقع النكاح بغير إذنهم هل يجب الاستبراء حيث أرادوا العقد للزوج الأول ثانيا؟ أو لا يجب، والحال أن الزوج قد دخل. وقوله: تردد مبتدأ وخبره قوله: وفي إمضاء الولي أو فسخه، قال عبد الباقي: والراجح وجوب الاستبراء في الإمضاء وفي الفسخ، قال بناني: مقتضى نقل التوضيح والمواق أنهما في الفسخ تأويلان، وذكر ابن عرفة الخلاف في المسألة ونسب وجوب الاستبراء لسحنون وابن الماجشون، وعدمه لمالك وابن القاسم، ومقتضاه أنهما قولان، ويظهر منه أن عدم الوجوب هو الراجح، خلاف ما ذكره عبد الباقي. والله أعلم انتهى. ونحو ما لعبد الباقي للشبراخيتي، وقال الأمير وفي وجوبه بوطء المحجور ولو أجازه الولي أو فسخ وأراد العقد ثانيا خلاف، في عبد الباقي ترجيح الوجوب، وفي الرماصي وبناني وحش ترجيح عدمه. انتهى. وقد مر أن محل كلام المصنف مع الدخول فلو لم يدخل فلا استبراء في القسمين كما هو ظاهر، ويجب الاستبراء قولا واحدا فيما إذا فسخ الولي وأراد العقد عليها غير من فسخ نكاحه كما هو واضح، وقوله:"وفي إمضاء الولي أو فسخه تردد"، هذا الخلاف يجري في نكاح المغرور وفي كل عقد فاسد بعد البناء لا في فاسد لصداقه إذا مضى بالبناء ولا في وطء فاسد في نكاح صحيح لازم كحائض ومعتكفة، ولا فيما حصل فيه خيار بعد العقد كحدوث جذام بالزوج بعد البناء فلا استبراء لوقوع النكاح صحيحا لازما، وإنما طرأ فيه الخيار بعد، بخلاف المغرور فإن عقده غير

ص: 515

لازم ابتداء. والظاهر أن نكاح من فيه عيب فيه الاستبراء إن غر ذو العيب وإلا فلا استبراء. واعتدت بظهر الطلاق يعني أن الزوج إذا طلق زوجته وهي طاهر فإنها تعتد بذلك الطهر الذي طلقها فيه ولو مسها فيه كما نص عليه الشيخ ميارة بمعنى أنها تحسُبه من الأطهار الثلاثة، قوله: واعتدت بطهر الطلاق ولا خلاف في ذلك. قاله الشارح. وفيه نظر كما يأتي عن ابن شهاب وإن لحظه أي أنها تحسب طهرا لطلاق من الأطهار الثلاثة التي تعتد بها سواء طال أو قصر بأن أتاها الحيض عقب الطلاق بلحظة مثلا، فإن حاضت ثانية فقد تم لها قرآن، فإن حاضت ثالثة فقد تمت لها أقرات كاملة. فتحل بأول الحيضة الثالثة يعني أنه إذا طلقها طاهرا فإنها تحتسب بذلك الطهر، فإذا حاضت فقد تم لها قرء فإذا حاضت ثانية فقد تم لها قرآن فإذا حاضت ثالثة حلت بمجرد رؤية الدم من أول تلك الحيضة الثالثة. أو الرابعة يعني أن الزوج إذا طلق زوجته وهي حائض فإنها لا تحل إلا بأول الحيضة الرابعة، ومثل الحيض النفاس فإذا طلقها وهي نفساء فإنها تحسب الطهر الذي يلي نفاسها ويتم بحيضها بعد النفاس، فإذا حاضت ثالثة بالنسبة لدم النفاس فقد تم لها قرآن، فإذا حاضت رابعة فقد تم لها ثلاثة قروء، فتحل بأول تلك الحيضة الرابعة بالنسبة للنفاس، ولهذا قال: إن طلقت بكحيض، والكاف مدخلة للنفاس وقوله: واعتدت بطهر الطلاق؛ أي وإن مسها فيه كما قدمته عن الشيخ ميارة، ذكره في شرح القواعد، قوله: واعتدت بطهر الطلاق، خلافا لابن شهاب رحمه الله وهو ممن يقول إن القرء هو الطهر، لكن قال: إنها لا تعتد بطهر الطلاق، وأبو حنيفة ممن يقول: إن القرء هو الحيض لكن قال إنها لا تعتد بالحيض الذي طلقت فيه، وقوله: فتحل بأول الحيضة الثالثة؛ أي تحل عند ابن القاسم بمجرد رؤية الدم؛ لأن الغالب عدم انقطاعه بعد ظهوره، وقال أشهب: ينبغي أن لا تعجل التزويج برؤية أول الدم بل تصبر حتى تستمر الحيضة. وهل ينبغي أن لا تعجل برؤيته تأويلان مقتضى ما للشبراخيتي أن قوله: ينبغي، مبتدأ وخبره محذوف أي وفاق أو خلاف، وقوله: تأويلان، مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان؛ يعني أن الشيوخ اختلفوا في قول أشهب: ينبغي أن لا تعجل التزويج برؤية أول الدم، هل هو وفاق لقول ابن القاسم إنها تحل بأول الحيضة الثالثة أو الرابعة وعليه الأكثر؟ وذهب إليه ابن الحاجب بناء على حمل ينبغي على الاستحباب، أو خلاف بناء على حمل ينبغي على الوجوب، وإليه ذهب سحنون لقوله:

ص: 516

هو خير من رواية ابن القاسم، وإلى هذا التأويل ذهب غير واحد، وأوضح من عبارة المص لو قال: وفيها: وينبغي أن لا تعجل برؤيته، وهل هو وفاق؟ تأويلان. والله سبحانه أعلم. ويبين التأويل بالوجوب بتعليل أشهب حيث قال في المدونة: وينبغي أن لا تعجل بالتزويج لاحتمال أن ينقطع قبل استمراره حيضة فلا تعتد بها، واقتصر الشيخ المحقق الأمير على تأويل الوفاق فيفيد اعتماده. والله أعلم.

تنبيه: فإن عجلت برؤية أول الدم وتزوجت ولم ينقطع فتزوج في غير العدة اتفاقا، فإن انقطع فنبل يوم أو بعضه فتزوج في العدة لأنها لا تحتسب به حيضة عند الجمهور، وفي غير عدة عند ابن رشد وأبي عمران وغيرهما كما في التتائي والحطاب. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب: قال في التوضيح: اختلف القائلون بحمل قوله على الخلاف لو انقطع الدم ما الحكم عند ابن القاسم؟ فقال أبو عمران وابن رشد: لا يضرها ذلك وقد حلت للأزواج برؤيته أولا، ورأوا أن مذهب ابن القاسم في مقدار الحيض واحد في باب العبادات والعدد، ومنهم من قال: بل يضرها وإنما لم يطلب منها ابن القاسم ما طلبه أشهب لأن الأصل عدم انقطاع الدم وهو أيضا الغالب فلا يلزمها وجوبا ولا استحبابا رعيا لمخالفة الأصل في الغالب، وإلى هذا ذهب جمهورهم أنه إن لم يتماد بها لا تحتسب به حيضة. انتهى. ومشى المص على هذا في قوله: ورجع في قدر الحيض لخ، كما يأتي. والله سبحانه أعلم. تنبيه آخر: قال في التوضيح: إذا ماتت الزوجة بعد رؤية الدم وقبل التمادي فإنه يحمل أمرها فيه على التمادي ولا يرثها مطلقها، وإن مات الزوج حينئذ لم ترثه إن تمادى، وإن قالت قبل موته باليومين والشيء القريب: انقطع الدم عني وكان

(1)

مباشر قولها ذلك ورثته. نقله ابن عبد السلام. قاله الحطاب. وقال في التوضيح: قال عياض: اختلفوا إذا راجعها زوجها عند انقطاع هذا الدم وعدم تماديه ثم رجع الدم بالقرب، هل هي رجعة فاسدة إذ قد ظهر أنها حيضة صحيحة وقعت الرجعة فيها فتبطل؟ وهو الصحيح، وقد قيل لا تبطل رجع عن قرب أو بعد، خليل: وهذا الكلام يدل على أنها لو لم يعاودها الدم أن الرجعة صحيحة، وأن للزوج الرجعة وإن قالت قبل ذلك قد رأيت الدم ثم ادعت انقطاعه. انتهى. قاله الحطاب. ورجع في قدر الحيض هنا هل هو يوم أو بعضه يعني أنه قد مر قول ابن القاسم: إن المرأة تحل بأول

(1)

في الحطاب ج 4 ص 539: وكان موته بأثر قولها ذلك.

ص: 517

الحيضة الثالثة أو الرابعة، وتأوله الجمهور على أنه قال ذلك لأن أصل الحيض الاستمرار، وحينئذ إذا انقطع رجع فيه للنساء العارفات؛ أي رجع إلى قولهن فيما يدل على براءة الرحم من الحيض، هل هو يوم ومثله اليومان؟ كما في المدونة أو بعض يوم لاختلاف الحيض في النساء بالنظر إلى البلدان، فقد تعد النساء العارفات اليوم حيضا باعتبار بلدهن، ولم يعين البعض ولعل المراد بعض له بال، وعلى هذا التأويل مشى المص، فالحيض على هذا في باب العدد والاستبراء ليس كالحيض في باب العبادة، وتأول ابن رشد وأبو عمران وغيرهما قول ابن القاسم المذكور على ظاهره أنها تحل بأول الدم وإن انقطع، ورأوا أن مذهب ابن القاسم في مقدار الحيض هنا كالعبادة. ولم يجر عليه المص لقول المازري: مشهور قول مالك نفي التحديد وإسناد الحكم لا يقول النساء إنه حيض. انتهى. نقله ابن عرفة. قاله محمد بن الحسن بناني. والله سبحانه أعلم. وفي أن المقطوع ذكره أو أنثياه يولد له فتعتد زوجته أو لا يعني أنه كما يرجع لقول النساء العارفات في قدر الحيض هل هو يوم أو بعضه؟ يرجع إلى قولهن أيضا فيمن قطع ذكره أو أنثياه هل يولد له؟ فبسبب ذلك تعتد زوجته أو لا يولد له فلا تعتد زوجته؛ أي فإن قلن: يولد له، لزمت زوجتَه العدةُ في الطلاق، وإن قلن: لا يولد له، لم يكن على زوجته عدة في الطلاق.

تنبيه: قال عبد الباقي: هذان الفرعان ضعيفان، والراجح في الأول يعني المقطوع الذكر سؤال أهل المعرفة، وفي الثاني أي المقطوع الأنثيين أنها تعتد من غير سؤال أحد. انتهى. قال بناني: أما الاعتراض الأول فتبع فيه المواق إذ نقل نص عياض في أن الرجوع في المقطوع ذكره لأهل المعرفة ولم يقل: للنساء، وأجاب مصطفى بأن المعرفة ترجع للنساء لأن هذا شأنهن: فالمراد بأهل المعرفة النساء، ولا مخالفة بين المص وعياض، ويدل لذلك أن عياضا جعل قول ابن حبيب بالرجوع في ذلك لأهل الطب خلاف مذهب الكتاب، فلا يبقى إلا معرفة الولادة وهذا باب النساء، وكلامه في التوضيح يدل على أنه اعتمد كلام عياض، وأما الاعتراض الثاني فتبع فيه الحطاب حيث اعتمد فيد كلام صاحب النكت: إذا كان مجبوب الذكر والخصيتين فلا يلزمه ولد ولا تعتد امرأته. وإن كان مجبوب الخصيتين قائم الذكر فعلى المرأة العدة لأنه يطأ بذكره. وإن كان مجبوب الذكر قائم الخصى فهذا إن كان يولد لمثله فعليها العدة وإلا فلا، وهذا معنى ما في المدونة، ونحوه حفظت عن بعض شيوخنا القرويين. انتهى. قال الحطاب: والحق في ذلك الذي يجمع كلام المدونة هو

ص: 518

كلام صاحب النكت وإياه اعتمد الشيخ أبو الحسن. انتهى. وكلامه غير ظاهر لأن المؤلف اعتمد هنا كلام عياض: الخصي إن كان قائم الذكر أو بعضه وهو مقطوع الأنثيين أو باقيهما أو إحداهما فهذا الذي قال فيه في المدونة: يسئل عنه أهل المعرفة لأنه يشكل إذا قطع بعض ذكره دون أنثييه أو أنثياه أو إحداهما دون الذكر، هل ينسل له أم لا؟ انتهى. فنسب المسألة للمدونة كما ترى، وكأن الحطاب لم يقف على كلام عياض. انظر مصطفى. وكذا أبو الحسن اقتصر عليه. على أن الحطاب نقل من كلام المدونة ما يشهد للمص وهو قولها في كتاب طلاق السنة: والخصي لا يلزمه ولد إن أتت به امرأته إلا أن يعلم أنه يولد لمثله. انتهى. والعجب منه بعد نقله هذا قال: وليس فيها شيء يوافق ما ذكره المص وابن الحاجب. انتهى. والله أعلم. انتهى. وفي ما تراه اليائسة كمل هو حيض؟ يعني أنه كما يرجع فيما تقدم لقول النساء العارفات يرجع لقولهن أيضا في الدم الذي تره المرأة المشكوك في يأسها وهي من بلغت خمسين ولم تبلغ سبعين، كمل هو حيض؟ وإذا قلن: إنه حيض اعتدت بالأقراء، أو ليس بحيض وحينئذ فتعتد بالأشهر وتصوم وتصلي ولا تغتسل على أحد قولين، والآخر أن حكمها في الصلاة والصوم وغير ذلك حكم الحائض إلا العدة والله تعالى أعلم. وإذا أشكل الأمر عليهن فإنه يحمل على أنه حيض.

وعلم مما قررت به المص أن المراد باليائسة المشكوك في يأسها، وأما من تحقق يأسها كمن بلغت سبعين فدمها غير حيض قطعا، ومن لم تبلغ خمسين دمها حيض قطعا، ولا يسئل النساء فيهما، والظاهر أن المراد بذات السبعين الموفية لها قياسا على ما قيل في قوله في اليتيمة: وبلغت عشرا، لا الداخلة فيها؛ وأقسام النساء بالنسبة للحيض خمسة، أحدها: الصغيرة التي لا يشبه أن تحيض كبنت سبع ونحوها فما تراه ليس بحيض، ثانيها: من يشبه أن تحيض كبنت عشر ونحوها، ثالثها: البالغة التي لم تبلغ خمسين فما ترياه حيض قطعا ولا يسئل النساء في هذه الأقسام الثلاثة، رابعها: المشكوك في يأسها وهي من بلغت خمسين ولم تبلغ سبعين يرجع فيما تراه لقول النساء العارفات، فإن قلن: إنه حيض أو لا عملت على ذلك، وإن أشكل الأمر عليهن فهكو حيض خامسها: من تحقق يأسها وهي من بلغت سبعين ففوق فما تراه ليس بحيض ولا يسئل عنه النساء للنساء متعلق برجع وهو راجع للفروع الأربعة، والجمع فيه غير مقصود فيكتفى بواحدة لأنه من باب الخبر لا الشهادة بشرط سلامتها من جرحة الكذب. قاله غير واحد بخلاف

ص: 519

الصغيرة يعني أن الصغيرة تخالف اليائسة، فما تراه من الدم لا يرجع فيه لقول النساء بل هو حيض قطعا بشرط أشار إليه بقوله: إن أمكن حيضها وأما إن لم يمكن حيضها فما تراه دم علة وفساد كبنت ست أو سبع وانتقلت للأقراء يعني أن الصغيرة التي يمكن حيضها إذا كانت تعتد بالأشهر لكونها لم يأتها الحيض فإنها تنتقل إلى عدة الأقراء إذا أتاها الحيض ولو في آخر يوم من الأشهر ولم يرجع فيها لسؤال النساء لغلبة الظن أن ما تراه حيض لكون حيضها ممكنا، وقد روي عن الشافعي أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة، وأنها حاضت لاستكمال تسع، ووضعت لاستكمال عشر، فإن قلت ما الفرق بين الصغيرة واليائسة؟ وقد جمع الله في القرآن بينهما في الأشهر بل قدم اليائسة، فالجواب أن مع اليأس شك في كونها يائسة أو لا على حد سواء، فناسب أنا نرجع فيه لسؤال النساء ليترجح أحد المتساويين فنعمل به، ومع الصغر عندنا غلبة ظن من حيضها فنعمل على غلبة الظن ونحكم به فلا نرجع للنساء؛ لأن الفرض أن حيضها ممكن وسماها صغيرة مع إمكان الحيض تجوزا باعتبار ما كان لأن الحيض علامة البلوغ. قاله عبد الباقي. ولما لم تفترق العبادة والعدة إلا في قدر الحيض نبه على استوائهما في الطهر بقوله: والطهر كالعبادة يعني أن الطهر في باب العدة خمسة عشر يوما فهو كالطهر في باب العبادة، وإنما يختلفان في قدر الحيض فلا حد لأقله في العبادة وأقله في العدة يوم أو بعضه احتياطا في البابين. ولا يخالف كالأم المص هنا ما مر من قوله: واعتدت بطهر الطلاق وإن لحظة؛ لأن معناه: طلقت وقد بقي من طهر تم لحظة مثلا. وإن أتت بعدها بولد لدون أقصى أمد الحمل لحق يعني أن المرأة إذا طلقها زوجها وتوفي عنها واعتدت وانقضت عدتها ثم إنها أتت بولد بعدها أي العدة لدون أقصى أمد الحمل من يوم انقطاع وطئه لها فإن ذلك الولد يلحق بالزوج المطلق أو الميت وهذا إذا لم تتزوج أو تزوجت غيره قبل حيضة مطلقا أو بعدها وأتت به لدون ستة أشهر من عقد الثاني: وحينئذ يفسخ نكاح الثاني لأنه ناكح في عدة وترجع إلى الأول، وأما لو أتت به لستة أشهر فأكثر من عقد الثاني فهو لاحق بالثاني قطعا، وقوله: وإن أتت بعدها بولد لخ، علم منه أنه لا يضر إقرارها بأن عدتها قد انقضت لأن الحامل تحيض لأن دلالة الحيض على براءة الرحم أكثريه، ومفاد كالأم المص أنها إن وضعته قبل تمام خمس أو أربع يلحق به ولو بقدر ما وضعته فيه. إلا أن ينفيه بلعان يعني أن محل لحوق الولد الذي أتت به بعد العدة لدون أقصى أمد

ص: 520

الحمل بالزوج صاحب العدة إنما هو حيث لم ينفه الزوج الحي بلعان، وأما إن نفاه بلعان فلا يلحق به.

تنبيهات: الأول: قوله وإن أتت بعدها بولد لدون لخ، مثل دون أقصى أمد الحمل وضعها عقب تمعام الأقصى الثاني: قال ابن يونس قال مالك: وإن نكحت امرأة معتدة ودخل بها قبل حيضة ثم ظهر بها حمل فهو للأول وتحرم على الثاني، ولو نكحت بعد حيضة فهو للثاني إن وضعته لستة فأكثر من يوم دخل بها، وإن وضعته لأقل فهو للأول، هذا حكم النكاح، وإنما القافة في الأمة يطؤها السيدان في طهر واحد فتأتي بولد، قال: وكذلك من نكح في عدة وفاة بعد حيضة أو قبلُ في لحوق الولد. انتهى. فظاهره أن التفصيل خاص بالتي نكحت بعد حيضة وقال ابن شأس: إذا نكحت ثم أتت بولد لزمن يحتمل كونه من الزوجين ألحق بالثاني إن كانت وضعته يعد حيضة من العدة إلا أن ينفيه بلعان فيلحق ولا يلزمها لعان لأنه نفاه إلى فراش فإن نفاه الأول ولاعن أيضا لاعنت وانتفى منهما جميعا، وإن كانت وضعته قبل حيضة فهو للأول إلا أن ينفيه باللعان فيلحق بالثاني، وتلاعن هي فإن نفاه الثاني أيضا ولاعن لاعنت وانتفى منهما جميعا. انتهى. وقول ابن يونس: من يوم دخل بها الثاني هو المشهور خلاف ما في الزرقاني ونحوه في التوضيح: من أن الستة تعتبر من يوم العقد، ونص ابن عرفة: وفي كونه له بوضعه لستة أشهر من يرم نكحها بعد حيضة أو من يوم دخل بها قولان، الأول للخمي مع الجلاب، والثاني للصقلي عن أصبغ، والشيخ عن العتبية والموازية، وابن رشد مع الباجي وسماع أصبغ ابن القاسم، ونص المدونة وابن محرز قائلا: عقد الثاني دون وطئه لغو لفساده وصحة فراش الأول. انتهى. نقله بناني. الثالث قد مر عن ابن يونس: وإنما القافة في الأمة يطؤها السيدان في طهر واحد لخ، ولابد من بيان ذلك وتحقيقه، فأقول: قال في فتح الجليل الصمد، في شرح التكميل والمعتمد: قال ابن هارون في اختصار النهاية: اختلف العلماء في القضاء بالقافة على ثلاثة مذاهب، أثبته الشافعي في الحرائر والإماء، ورواه ابن وهب عن مالك، ونفاه أبو حنيفة فيهما لأنه حكم بالحدس وقد يخطئ ويصيب، والمشهور عن مالك أنه يقضى بها في الإماء دون الحرائر وبه القضاء. انتهى. أبو عمران: إنما اختصت القافة بالإماء دون الزوجات لأن القافة إنما يحكم بها مع تساوي الفراش وهذا إنما يوجد في الإماء، ولا كذلك الزوجة فإنها لا تكون لاثنين في حال واحد ولا يصح فيها

ص: 521

فراشان متساويان، وأيضا ولد الحرة لا ينتفي إلا بلعان. انتهى. ومرادهم بالحرائر الزوجة تتزوج في عدتها حرة كانت أو أمة، ومرادهم بالإماء الأمة الموطوءة لسيديها الشريكين أو المتبايعين، لا كل أمة فإن ولد الثانية تدعى له القافة وولد الأولى يلحق بزوجها الأول إن تزوجت قبل حيضة أو بعدها ووضعته لأقل من ستة أشهر من دخول الثاني وإلا فيلحق بالثاني، ولا تدعى له القافة هكذا ذكر المسألة في طلاق السنة من المدونة، وما عدا ما ذكر لا فرق فيه بين الحرائر والإماء، فتدخل القافة إذا كان لكل منهما زوج واختلط ولداهما حرتين كانتا أو أمتين أو مختلفتين، وكذا بين الأمتين من غير نكاح كل واحدة بسيدها وبين الحرة المتزوجة والأمة ذات السيد إذ ليس في هذا كله مزية لأحد الفراشين على الآخر، ذكر معنى هذا الشيخ مصطفى وغيره انتهى. وفي نوازل ابن هلال: أن من زنى بامرأة ثم تزوجها وأتت بولد فهو لاحق فيما حملت به بعد حيضة إن أتت به لستة أشهر من يوم نكاحها وما كان قبل حيضة فهو من الزنى فلا يلحق به. وقاله كله أصبغ انتهى نقله عن النوادر. وتربصت إن ارتابت به أي بالحمل قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر أن الباء بمعنى في ومعنى كلامه أن المعتدة من وفاة أو طلاق إذا حصلت لها ريبة بأن شكت في كونها حاملا فإنها تتربص أي تترك التزوج في حال ريبتها أقصى أمد الحمل، وأشار إلى بيان المدة التي تترك التزوج فيها وهي أقصى أمد الحمل بقوله: وهل تتربص لريبة الحمل خمسا من السنين؟ وهو مذهب المدونة في كتاب العدة؛ ابن شأس: وهو المشهور. قاله الشارح وقال الشبراخيتي: وشهره ابن شأس وغيره، وقوله: خمسا منصوب على الظرفية. قاله الشبراخيتي. أو تتربص أربعا، وهو قوله في العتق الأول من المدونة؛ عبد الوهاب: وهي الرواية المشهورة؛ ابن الجلاب: وهو الصحيح؛ وعن أشهب: أن أقصاه سبع سنين، وعنه: لا تحل أبدا حتى تتبين براءتها من الحمل، وعن ابن عبد الحكم: أن أقصاه تسعة أشهر ولا وجه له. قاله الشارح. وقوله: خلاف، مبتدأ حذف خبره أي وذلك خلاف، قال عبد الباقي: فإن مضت المدة المذكورة يعني خمسا أو أربعا ولم تزل الريبة مكثت حتى ترتفع الريبة من أصلها. كما لو مات الولد في بطنها. انتهى. قوله: ولم تزل الريبة، صوابه وزادت الريبة؛ إذ لو لم تزد لحلت وإن لم تذهب، ولهذا قال الحطاب: فإذا مضت الخمسة أو الأربعة على أحد القولين حلت ولو بقيت الريبة. انتهى. وفي المدونة: ولا تنكح مسترابة البطن إلا بعد زوال الريبة أو بعد خمس

ص: 522

سنين. انتهى. قال أبو الحسن: وإن قالت: أنا باقية على ريبتي لأن خمس سنين أمد ما ينتهي إليه الحمل. انتهى. قال ابن عبد السلام: وسواء كان ذلك في عدة الطلاق أو الوفاة. انتهى. والحاصل أنها تحل بعد المدة المذكورة ولو بقيت الريبة والحال أنها لم تزد، ومحل حليتها مع بقاء الريبة بعد المدة المذكورة إنما هو حيث شك هل هي حركة حمل أو ريح، أما إن تحقق أنها حركة حمل لم تحل أبدا، وكذا لو مات الحمل في بطنها. قاله غير واحد. وفي الحطاب: فإن مات في بطنها فلا تحل إلا بخروجه كما سيأتي، نقل ذلك المشدالي وابن سلمون. انتهى. وفيها: إن تزوجت قبل الخمس بأربعة أشهر فولدت لخمسة لم يلحق بواحد منهما وحدت يعني أنه وقع في المدونة أن المرأة لو تزوجت بعد انقضاء عدتها وقبل أن تتم خمس سنين من وطء صاحب العدة بل بقي من الخمس المذكورة أربعة أشهر، فأتت بولد بعد مضي خمسة أشهر من نكاح الثاني فإن الولد الذي أتت به لا يلحق بواحد منهما لا بالأول لإتيانها به لأكثر من خمس سنين بشهر ولا بالثاني لكونها وضعته لأقل من ستة أشهر من نكاحه؛ لأنه تبين أنه نكح حاملا فنكاحه مفسوخ وعدم لحوقه بالثاني واضح، وتحد المرأة رجما أو جلدا لأن الولد لم يلحق بواحد منهما. واستشكلت يعني أن بعض الشيوخ استشكل ما في المدونة من الحد وعدم لحوق الولد بالزوج الأول فنقلوا عن الشيخ أبي الحسن القابسي: أنه كان يستعظم أن ينفى الولد من الزوج الأول وأن تحد المرأة حين زادت المدة على الخمس شين شهرا، كأن الخمس سنين فرض من الله ورسوله، وهي لم يتفق عليها فقد اختلف مالك وغيره في مدة الحمل، فقال مرة: يلحق إلى سبع سنين، وقال: إلى دون ذلك فكيف ينفى الولد وترجم المرأة فيمن كان القول فيها على مثل هذا؟ وهكذا هو العزو في التوضيح وغيره، ثم اعلم أن المسألة فرضها في المدونة في المرتابة وهي محل الإشكال، وأما غيرها فتحد قطعا. قاله بعضهم. قاله بناني. وقال الشيخ عبد الباقي: والإشكال مفرع على القول بأن أقصى أمد الحمل خمس سنين، وأما على أن أقصاه أربع فلا إشكال. انتهع. ولما أنهى الكلام على عدة الحائل أتبعه بالكلام على عدة الحامل، فقال: وعدة الحاهل في وفاة أو طارق وضع حملها كله يعني أن عدة الحامل حرة أو أمة مسلمة أو كتابية كانت معتدة من وفاة أو طلاق هي وضع حملها اللاحق أو الذي يصح استلحاقه كالمنفي باللعان، ولا تنقضي عدتها حتى تضع حملها كله بعد الطلاق في المطلقة وبعد الموت في المتوفى عنها ولو بلحظة، ورد

ص: 523

بقوله: كله، قول ابن وهب: إنها تتم عدتها بوضع ثلثي حملها بناء على تبعية الأقل للأكثر، وإنما خولفت هنا للاحتياط، وقوله: وضع حملها سواء اتحد أو تعدد فلا تنقضي عدتها حتى يخرج الأخير كله فإن طلقت أو مات عنها بعد خروج بعضه حلت بخروج باقيه لدلالته على براءة الرحم، فإن شك هل وقع الطلاق أو الموت قبل خروج بقيته أو بعده فالظاهر الاستئناف للاحتياط، وله رجعتها قبل خروج باقيه أو قبل خروج الأخير فيما إذا كان في بطنها اثنان فأكثر، ففي النوادر: ولو طلقها بعد وضع الأول فله الرجعة إلى آخر ما تضع، وقد مر أن قوله: وضع حملها. محله في الحمل اللاحق أو الحمل الذي يصح استلحاقه، فإن لم يكن لاحقا بالزوج ولا يصح استلحاقه له فإن استند لوطء صحيح من غيره بنكاح أو ملك كالمنعي لها زوجها أو وطء شبهة فكذلك في الطلاق ويهذم أثر الشبهة أيضا، فإذا اعتدت وتزوجت ثم تبين أنه حي ردت له ولو ولدت الأولاد من الثاني، ولا يقربها إلا بعد العدة من ذلك الماء بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر أو وضع حمل، وأما في الوفاة فعليها أقصى الأجلين: وضعه وانقضاء عدة الوفاة، فتحل بالمتأخر منهما، وكذا إن استند لزنى في الوفاة كما لو كان الزوج صبيا أو ادعته مغربية على مشرقي: وأما في الطلاق فثلاثة أقرات، قال عبد الباقي: تعد نفاسها منها حيضة أولى إن لم تكن حاضت زمن الحمل وإلا فهل تعده من الثلاث أيضا أو إنما تعُد النفاس فقط: احتمالان أظهرهما الثاني، فلا تحسب ما حاضت قبل النفاس بحال. انتهى. قال بناني: قول الزرقاني: تعد نفاسها منها حيضة أولى، سيأتي إن شاء الله عند قول المص في التداخل: وبفاسد أثره وأثر الطلاق لخ، أن هذا قول ابن محرز، وجعله عياض محل نظر وأن الذي حكى ابن رشد الاتفاق عليه أنه لابد من ثلاث حيض بعد الوضع. انتهى. وإن داما اجتمع يعني أن الحامل تنقضي عدتها بوضع حملها كله وإن كان الحمل دما مجتمعا بحيث إذا صب عليه الماء الحار لم يذب فإذا خرج منها بعد الطلاق أو الوفاة حلت للأزواج لانقضاء عدتها، وكذا يقال في الغرة، وكذا يقال في أم الولد. قال أبو الحسن: وإن أشكل أمر الخارج منها أي من أم الولد هل ولد أو دم؟ اختبر بالماء الحار، فإن كان دما انحل وإن كان ولدا لا يزيده ذلك إلا شدة، وقوله: وإن دما اجتمع، هو قول ابن القاسم في كتاب الاستبراء من المدونة، وقال أشهب: لا تحل بوضع الدم المجتمع، وهذا النقل عنهما هو

ص: 524

المعروف وعكس القاضي عياض النقل عنهما في بعض تآليفه

(1)

)، فلعل لكل واحد منهما قولين. قاله الشارح. وقال: وإذا كان الدم المجتمع دليلا على براءة الرحم فأحرى المضغة والعلقة، وقاله في المدونة. انتهى. وقوله: وضع حملها كله، ظاهره ولو أبدا ولو لأزيد من أقصى أمد الحمل حيث تحقق أو غلب على الظن وجوده ببطنها ولو ميتا، وكذا إن لم يتحقق وجوده عند جمع، وصححه ابن العربي، وللشادلي في غير كفاية الطالب عن ابن ناجي: المشهور الاكتفاء يمضي الحمل في هذا الفرض. وقال أحمد: قوله: وضع حملها كله؛ أي ولو مات. قاله ابن سلمون عن ابن دحون. وتسقط النفقة لأنها للحمل وقد مات؛ ووقع لبعضهم أن العدة تنقضي بموته. انتهى. وانظر لو بقي في بطنها عضو من أعضائه كما لو مات بعد أن خرج بعضه وقطع، هل عدتها باقية حتى يخرج ما بقي؟ أم لا، قال بعض شيوخنا: لا عبرة بذلك وقد خرجت من العدة. انتهى. لأن ذلك يدل على براءة رحمها. انتهى كلام أحمد. وما استظهره بعض شيوخه يستفاد من الرجراجي، لكن في مسألة أخرى ذكر فيها قولين. انتهى. قاله عبد الباقي. وقوله: وإن دما اجتمع، خلافا لأبي حنيفة والشافعي فإنهما قالا: لابد فيما تنقضي به العدة وتكون به الأمة أم ولد أن يكون تام الحلقة. وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية؛ أي وإن لا تكن المتوفى عنها حاملا فلا تخلو من أمرين: إما أن يكون نكاحها مجمعا على فساده أو لا، فإن كانت مجمعا على فساد نكاحها فحكمها حكم المطلقة فتعتد بثلاثة قروء إن كانت حرة وبقرءين إن كانت أمة، هذا إن كانت من ذوات الأقراء وبثلاثة أشهر إن كانت آيسة أو صغيرة ولا إحداد عليها أي الزوجة حيث كان نكاحها مجمعا على فساده ولا مبيت، ومحل كونها تستبرأ بما ذكر إن كانت مدخولا بها وإلا فلا استبراء عليها.

وعلم مما قررت أن قوله: "وإلا" راجع للحامل في وفاة ولا يرجع للحامل في الطلاق إلى ما ذكر من أن عدة المتوفى عنها في النكاح المجمع على فساده وهي غير حامل كعدة المطلقة أشار بقوله: فكالمطلقة إن فسد أي عدتها كعدة المطلقة بشرط أن يكون نكاحها فاسدا، يريد المفاسد المجمع على فساده، وهذا هو المشهور، وقيل: تعتد بأربعة أشهر وعشر، وأما إن كان مختلفا فيد فإن دخل بها فهل تعتد بالأشهر أو بالأقراء؟ خلاف، وإن لم يدخل اعتدت عند من ورثها لا عند

(1)

في الأصل تواليفه والمثبت، من تحبير المختصر ج 3 ص 335.

ص: 525

غيره. قاله الشارح. وقال الشبراخيتي: إن فسد نكاحها أتي فسادا مجمعا عليه أو مختلفا فيه حيث لا إرث كنكاح المريض فإن لم يدخل بها فلا عدة عليها، وأما المختلف فيه الذي فيه الإرث فحكمه حكم الصحيح فيدخل تحت قوله: وإلا فأربعة أشهر وعنتر: لأن المذهب أن حكمه حكم الصحيح، فتعتد بأربعة أشهر وعشر دخل أم لا وفيه الإرث، وما في الشارح إنما هو لبيان حكاية الخلاف. انتهى. وجعل عبد الباقي المختلف في فساده كالصحيح، قال: ولو نكاح مريض كما في التوضيح والشارح. وأدخل ذلك تحت: وإلا فأربعة أشهر وعشر. والله سبحانه أعلم. وقال بناني: جَعْلُه يعني: عبد الباقي المختلف فيه كالصحيح كهو الذي استظهره والتوضيح وهو الجاري على قوله فيما سبق: وفيه الإرث. انتهى. كالذميمة تحت ذمي تشبيه في كونها كالمطلقة يعني أن الذمية الحرة التي ليست بحامل تحت ذمي مات أو طلق وأراد مسلم أن يتزوجها أو تحاكموا إلينا تمكث ثلاثة أقراء إن كانت مدخولا بها، فتحل للمسلم بثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها حلت مكانها من غير شيء، إجراء لنكاح الكفار مجرى المتفق على فساده، واحترز بقوله: تحت ذمي، عما لو كانت تحت مسلم فإنها تجبر على أربعة أشهر وعشر من وفاته دخل بها أم لا، وعلى ثلاثة أقراء من طلاقه إن دخل المسلم بها. أراد مسلم تزوجها أم لا، إما لعموم:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} ، وإما لأنه حكم بين مسلم وكافر، وما هذا شأنه يغلب فيه المسلم. قاله غير واحد. وهذا أي كونها في الوفاة تجبر على أربعة أشهر وعشر حيث كانت تحت مسلم هو المشهور، ابن شاس: وروي أنها تستبرأ بثلاث حيض يريد إذا كانت مدخولا بها وهكذا أشار إليه ابن الجلاب وغيره قاله الشارح. وإلا يكن نكاح المتوفى عنها مجمعا على فساده بأن كان صحيحا أو مختلفا في فساده ولو نكاح مريض كما مر والفرض بحاله أنها غير حامل دخل بها أم لا، كان الزوج المتوفى حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة مسلمة أو كتابيه، فعدتها أربعة أشهر وعشر أي عشر ليال بأيامها فلا يعقد عليها شخص إلا بعد غروب اليوم العاشر بعد الأشهر الأربعة، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} أي عشر ليال بأيامها وترك التاء من عشر لأن المراعى في التاريخ الليالي قال في الكافية:

ص: 526

وراع في تاريخك الليالي

لسبقها بليلة الهلال

أي تغلب الليالي، وإن كان المعدود مجموع الأيام والليالي، واعلم أنه إذا حذف المعدود يجوز تذكير العدد وتأنيثه، نحو رجال عشر وعشرة ونساء عشر وعشرة وقد مر أنه لابد من تمام اليوم العاشر، وجعلت العدة أربعة أشهر لأنها بها يتحرك الحمل، وزيدت العشر لأن الأشهر قد تنقص أو تبطئ حركة الجنين، وقال الحطاب بعد جلب نقول: فتلخص أن المشهور في المختلف فيه أن حكمها حكم المتوفى عنها. انتهى. أي في الصحيح. والله سبحانه أعلم. ابن فرحون: وأما المختلف فيه فهي على الميراث، فمن ورثها قال: تعتد بأربعة أشهر وعشر وعليها الإحداد، ومن نفى الميراث: فلا عدة عليها إن لم يدخل وعليها إن دخل ثلاثة أقراء ولا إحداد عليها. انتهى. وروي ابن المواز عن ابن القاسم فيمن تزوج في المرض ثم مات أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر، وقال أيضا: تعتد بثلاثة أقراء، والأول أظهر. انتهى. وما مر من أنه لابد من تمام اليوم العاشر هو مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي والكوفيين. قال ابن المنذر: ولو عقد عاقد عليها النكاح على هذا القول وقد مضت أربعة أشهر وعشر ليال كان باطلا حتى يمضي اليوم العاشر، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا انقضى أربعة أشهر وعشر ليال حلت لأنه تأول العدة على الليالي وهو مذهب الأوزاعي من الفقهاء وأبي بكر الأصم من المتكلمين، وروي عن ابن عباس أنه قرأ أربعة أشهر وعشر ليال، وتأول المبرد قوله تعالى:{وَعَشْرًا} على المدد فكل ليلة مع يومها مدة وهذا يأتي على مذهب الأولين. وإن رجعية مبالغة في أنها تعتد عدة وفاة؛ يعني أن المتوفى عنها عدتها أربعة أشهر وعشر، وإن كانت قد طلقت طلاقا رجعيا ومات المطلق قبل انقضاء عدتها فتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة حرة أو أمة، إلا أن عدة الأمة شهران وخمس ليال، كما يأتي؛ وتنهذم الأولى، واحترز بالرجعية عن البائن فإنها لا تنتقل لعدة الوفاة بل تستمر على عدة الطلاق حرة أو أمة، وقوله: وإن رجعية، هو المشهور، وقال سحنون: عليها أقصى الأجلين. قاله الشارح. إن تمت قبل زمن حيضتها يعني أن كون الحرة تكتفي بأربعة أشهر وعشر في الوفاة إنما هو إن تمت تلك المدة قبل زمن حيضتها بأن كانت تحيض في كل خمسة أشهر وتوفي عنها عقب طهرها، أو كانت مأمونة الحمل لصغر أو كبر أو لم تحض، وكذا من تأخرت حيضتها لرضاع أو مرض، ففي

ص: 527

التوضيح: اتفق على أن المرضع والمريضة تحل بمضي أربعة أشهر وعشر. قاله ابن بشير. انتهى. وور ذكر ابن رشد في البيان والمقدمات أن الراجح في المرض كونه ريبة تمكث معه تسعة أشهر. انظر الحطاب. قاله البناني. وقال الشبراخيتي مفسرا للمص: إن حاضت فيها أو تمت أي الأربعة الأشهر والعشر قبل زمن حيضتها أي حقيقة، كما لو كانت عادتها أن تحيض في كل خمسة أشهر وتوفي عقب طهرها، أو حكما كمن عادتها أن تحيض فيها لكنها لم تحض وهي مأمونة الحمل لعقمها أو عقم الزوج أو صغره، أو غير مأمونة الحمل وتأخرت للرضاع لأن تآخره للرضاع ليس للريبة، وهل تأخرها لمرض كتأخرها لرضاع، وحكى ابن بشير عليه الاتفاق، أو لا وهو الموافق لما ذكره ابن عرفة أن قول ابن القاسم وروايته عن مالك أنها تمكث تمام تسعة. انتهى. إلا أن ترى الدم قبلها وعليه فيدخل في قوله وإلا انتظرتها، وقال النساء: لا ريبة بها يعني أنه لابد مع الشرط المذكور من أن يقول النساء عند رؤيتهن لها: لا ريبة حمل بها، وإيضاح هذا أن تقول. إن الحرة إنما تكتفي بأربعة أشهر وعشر بشرطين، أحدهما: أن تتم المدة المذكورة قبل زمن حيضتها، ثانيهما: أن يقول النساء: لا ريبة بها، وقوله: وقال النساء: لا ريبة بها، قال الشبراخيتي: ومثل قول النساء: لا ريبة بها، ما إذا لم يقلن شيئا، كما يفيده كلام الحطاب وغيره فكان الأولى أن يقول المص: ولم يقل النساء بها ريبة. انتهى. وقال عبد الباقي: وقال النساء عند رؤيتها ألا ريبة حمل بها قيل أو لم يقلن شيئا. انتهى. وإلا تتم العدة قبل زمن حيضتها بأن كانت تحيض أثناءها ولم تحض، أو استحيضت ولم تميز، أو تأخرت لمرض، على ما مر عن ابن رشد أنه الراجح، أو تمت قبل زمن حيضتها، لكن قال النساء: بها ريبة حمل أو ارتابت هي من نفسها، انتظرتها أي الحيضة، فإن حاضت قبل تمام تسعة أشهر حلت، فإن مضت لها تسعة أشهر ولم تحض حلت إن لم تزد الريبة، فإن زادت ارتفعت إلى أقصى أمد الحمل. قاله الخرشي. وقال الشبراخيتي: انتظرتها أي انتظرت الحيضة أي حيضة واحدة أو تسعد أشهر، فإن زالت الريبة حلت، وإلا انتظرت أقصى أمد الحمل، إلا أن تزول الريبة قبله، ثم زمن الانتظار هل هو عدة؟ وهو ظاهر الرسالة أو لا، وهو قول، وينبني عليهما لو عقد عليها فيه، وكذا التزين ونحوه من الإحداد. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: قد مر ما يقوي قول الخرشي. حلت إن لم تزد الريبة لخ.

ص: 528

تنبيهان: الأول: لو كانت العدة إنما تتم بعد زمن حيضتها ورأت الحيض في الأربعة والعشر حلت بلا خلاف. الثاني: يلغى يوم الوفاة إن سبق بالفجر كما يلغى يوم الطلاق، وقيل: لا يلغى في الطلاق ولا في الوفاة، وتعتد إلى مثل الساعة التي طلقها فيها أو توفي عنها، وقد مر هذا، ونظمه من قال: يلفق بعض اليوم لليوم قبله

وقد صح لا تلفيق فاحفظه ترفع وقوله: إن دخل شرط في قوله: إن تمت قبل زمن حيضتها، وما بعده يعني أن المتوفى عنها تعتد بأربعة أشهر وعشر على التفصيل المتقدم حيث دخل بها الزوج قبل موته، وأما إن لم يدخل بها فعدتها أربعة أشهر وعشر مطلقا أي تمت الأربعة والعشر قبل زمن حيضتها أم لا، ولا تنتظر الحيضة لأنها إنما كانت تنتظر خشية الحمل وهو مأمون هنا. تنبيه: علم مما مر أن من عادتها تأخر زمن حيضتها عن زمن العدة تعتد بأربعة أشهر وعشر، سواء كانت مستحاضة مميزة، أو مستحاضة غير مميزة، أو غير مستحاضة، بخلاف ما لو كانت عادتها أن تحيض قيها واستحيضت ولم تميز، فإنها تنتظر حيضة أو تمام تسعة أشهر. وتنصفت بالرق يعني أن عدة الأمة في الوفاة على النصف من عدة الحرة، فتعتد بشهرين وخمس ليال، وهذا حيث لم تكن مدخولا بها مطلقا على أي حالة كانت، أو دخل بها وأتاها الحيض فيها أي المدة المذكورة وهي شهران وخمس ليال، وكذا لو دخل بها وهي صغيرة يؤمن حملها، وكذا لو دخل بها وكانت آيسة يؤمن حملها. وقوله: وإن لم تحض فثلاثة؛ يعني أن عدة الأمة في الوفاة ثلاثة أشهر حيث لم تحض، وذلك في خمس مسائل: في المدخول بها وهي صغيرة يمكن حملها، وآيسة يشك في حملها، وَمَن عادتها أن يتأخر حيضها، ومن تأخر حيضها لرضاع، والمسماة ببغلة. إلا أن ترتاب فتسعة يعني أن الأمة المتوفى عنها تعتد بتسعة أشهر فيما إذا كانت مدخولا بها وارتابت، وذلك في ثلاث: من تأخر حيضها لغير سبب، أو لمرض، ومستحاضة غير مميزة؛ فمعنى ترتاب: ترتاب بتأخر الحيض ولا يدخل في قوله: إلا أن ترتاب، المرتابة بحس بطن لأن هذه لابد فيها من زوال الريبة أو مضي أقصى مدة الحمل. حرر هذا الرهوني رحمه الله تعالى. ولمن وضعت غسل زوجها يعني أن المرأة إذا توفي عنها زوجها وهي حامل فوضعت بعد موته فلها

ص: 529

أن تغسله ولو وضعت بعد موته بلحظة ويقضى له بذلك. ولو تزوجت غيره أي لها تغسيله ويقضي لها به ولو تزوجت، فتكون تحت رجل حي وتغسل زوجها الميت، لكنه مكروه، كما مر في قوله: والأحب نفيه إن تزوج لخ، ولا بنقل العتق لعدة الحرة يعني أن عتق الأمة الحاصل في عدة وفاة أو طلاق لا ينقلها إلى عدة الحرة، بخلاف ما لو مات زوجها بعد عتقها في أثناء عدتها من رجعي فإنها تنتقل لعدة الحرة. واعلم أن جهل العبد والأمة بحريتهما لا تأثير له فيما يلزمهما من الأحكام، فلها عدة حرة وله طلاق حر ويحدان حد الأحرار ويرثان. ولا موت زوج ذميه أسلمت يعني أن الذمية إذا أسلمت بعد بناء زوجها الكافر بها ومكثت تستبرأ منه ثم مات في أثناء الاستبراء ولم يسلم فإنها لا تنتقل عن الاستبراء لعدة الوفاة، وإن كان أحق بها إذا أسلم في عدتها لأنها في حكم البائن، وإنما كان أحق بها ترغيبا له في الإسلام، فإن أسلم في استبرائها ثم مات انتقلت لعدة الوفاة؛ لأنه أحق بها حينئذ. قاله غير واحد. وإن أقر بطلاق متقدم يعني أن الزوج إذا أقر في صحته أنه طلق زوجة طلاقا متقدما عن إقراره فإنه يصدق في وجود الطلاق لا في إسناده للوقت السابق ولو صدقته المرأة؛ لأن العدة حق لله عز وجل فليس لأحد إسقاطها، فلأجل ذلك استأنفت هذه المرأة المقر بطلاقها العدة من وقت إقراره الزوج بالطلاق، كان الطلاق الذي أقر به رجعيا أو بائنا، وقوله: استأنفت جواب الشرط أي ابتدأت. ولم يرثها إن انقضت علي دعواه يعني أن هذا المقر بالطلاق لا يرث هذه المرأة إن انقضت عدتها على دعواه، ولا يصح له ارتجاعها حيث كانت حية فإن لم تنقض على دعواه ورثها وله ارتجاعها، ورثته فيها يعني أنها ترثه فيما إذا مات في العدة المستأنفة حيث كان الطلاق الذي أقر به رجعيا ولو كانت العدة انقضت على دعواه؛ لأنه إنما يؤاخذ بإقراره في نفسه لا في غيره، وقوله: وورثته فيها؛ يعني إلا أن تصدقه فلا ترثه إن انقضت على دعواه التي صدقته فيها، وقوله: فيها، متعلق بعامل من الموت إلا أن تشهد بينة له مستثنى من قوله: استأتفت، ومن قوله: وورثته، يعني أنه إذا شهدت بينة له على ما أقر به من الطلاق المتقدم فإن الحكم وذلك ليس كما مر فلا تستأنف العدة من إقراره، والمعتبر اليوم الذي أسندت إليه البينة الطلاق فهو الذي تبتدأ منه العدة ولا ترثه إن انقضت، قال فيها: وإن بلغها موت زوجها فعدتها من يوم مات، فإن لم يبلغها ذلك حتى انقضت عدتها فلا إحداد عليها وقد حلت، وكذلك إن طلقها وهو غائب

ص: 530

فعدتها من يوم طلق إذا قامت على الطلاق بينة، وإن لم تكن على ذلك بينة، إلا أنه لا قدم قال: كنت طلقتها، فالعدة من يوم إقراره. انتهى. وقوله: إلا أن تشهد بينة له وأما لو أنكر الطلاق أو قامت له البينة فالعدة من يوم الحكم، وذكر ابن عرفة في ذلك طريقين، ونصه: من شهدت بينة بطلاقه فعدته من يوم تاريخها إن لم ينكره

(1)

)، وإلا ففي كونه من يوم تاريخها إن اتحد أو من آخره إن تعدد أو من يوم الحكم مطلقا طريقا عياض عن المذهب مع الصقلي عن الشيخ وابن محرز. انتهى. ثم ذكر أن الطريق الثانية هي ظاهر المدونة. انتهى. نقله الشيخ بناني.

تنبيه: قد علمت أن المقر هنا صحيح، وقدم إقرار المريض بالطلاق في الخلع بقوله: والإقرار به فيه كإنشائه والعدة من الإقرار. انتهى. ولها الإرث فيها وبعدها، هذا هو الفرق بين الصحيح والمريض، وما يقال هنا من قوله: إلا أن تشهد بينة له، يقال هناك، وكذا لو قامت عليه بينة وهو منكر كما مر؛ والحاصل أن الصور ست: أقر الصحيح بطلاق متقدم وقامت له بينة فالعدة من اليوم الذي أسندت البينة إليه الطلاق، لم تقم له بينة فالعدة من الإقرار، أنكر الطلاق وقامت عليه بينة ففي العدة طريقان، هل هي من يوم الحكم أو من يوم التأريخ إن اتحد؟ ومن آخره إن تعدد، أقر المريض بطلاق متقدم وقامت له بينة فالعدة من اليوم الذي أسندت إليه البينة الطلاق، لم تقم له بينة فالعدة من الإقرار، أنكر الطلاق وقامت عليه بينة ففي العدة طريقان، هل هي من يوم الحكم أو من يوم التأريخ إن اتحد؟ ومن آخره إن تعدد، فتحصل من هذا أن الحكم في الصحيح والمريض متحد إلا أن المريض ترثه زوجته مطلقا، والصحيح إنما ترثه إن لم تنقض العدة؛ والمصنف هنا تكلم على ما إذا أقر الصحيح من حيث الإرث والعدة، قامت له بينة أم لا، ولم يتكلم على ما إذا أنكر وشهدت عليه بينة، وتكلم في باب الخلع على إقرار المريض بإيقاع الطلاق في صحته من جهة الإرث والعدة، ولم يتكلم على ما إذا أقر به، وشهدت بينة على ما أقر به ولا على ما إذا أنكر وشهدت عليه بينة بوقوعه في صحته من حيث الإرث والعدة، وقد علمت أحكام الجميع. وللشيخ علي الأجهوري رحمه الله:

طلاق من أقر فيه العدة

من يوم إقرار به قد أثبتوا

(1)

في الأصل: ينكرها، والمثبت من البناني ج 4 ص 209.

ص: 531

أما الذي فيه تقوم البينة

فاعمل بما نقوله

(1)

معينه

وقيل إن أنكر ما به حكم

فبدءها من يوم حكم قد رسم

ومن يقل من يوم فيه يشهد

ليس له فيما ادعى مستند

رذيله مر قال:

وهكذا قال مع ان الثاني

دعمه الرهوني والبناني

ولا يرجع بما أنفقت المطلقة يعني أن الإنسان إذا طلق زوجته وبعد طلاقه وقبل علمها به أنفقت من ماله شيئا فإنه لا يرجع عليها به باتفاق لعذرها بعدم علمها بالطلاق، ولا يعتبر في ذلك إلا من يثبت به الطلاق وهو عدلان ذكران فلو أعلمها بذلك عدل وامرأتان فإنه لا يرجع عليها بشيء، قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: ولا غرم عليها فيما أنفقت من ماله أو أُنفِقَ عليها منه من يوم الطلاق إلى يوم علمها به لأنه فرط إذ لم يعلمها بطلاقه. قاله الحطاب. ابن المواز: ولو قدم عليها رجل واحد يشهد بطلاقها أو رجل وامرأتان فليس ذلك بشيء حتى يشهد لها من يحكم به السلطان في الطلاق. انتهى. نقله الحطاب وقال في الرسم المذكور وتكون عدتها من يوم طلق إن اتفق الشاهدان على اليوم، فإن اختلفا اعتدت من الآخر، ولو لم يذكر اليوم الذي طلق فيد وفات سؤال المشهود كانت عدتها من يوم شهدا عند القاضي لا من يوم الحكم إن تأخر عن الشهادة. قاله الحطاب. وقوله: ولا يرجع بما أنفقت المطلقة؛ أي ولو أقام بينة تشهد بصدق دعواه كما علمت. ويغرم ما تسلفت يعني أن الزوجة إذا طلقت ثم تسلفت شيئا من عند احد وأنفقته على نفسها قبل علمها بالطلاق فإن الزوج يلزمه أن يغرم ما تسلفته، وكذا ما أنفقته من مالها قبل علمها بالطلاق قاله مالك في سماع أشهب. والمعلم إنما يحصل بعدلين لا بعدل وامرأتين كما مر. وقال ابن نافع: لا يغرم ما أنفقته من عندها ولا ما تسلفته ولا يلزم بالغبن

(1)

كذا في مايابي والأصل فيه طمس.

ص: 532

اتفاقا. مثل أن تشتري ما قيمته دينار بأكثر من دينار إلى أجل فتبيعه بدينار في نفقتها، فلا يلزمه ما ازدادت في الشراء على الدينار الذي باعته فيه باتفاق، وقوله: لا يرجع بما أنفقت المطلقة ويغرم ما تسلفت قد علمت أن قيد المعلم فيه إنما هو في ما إذا انقضت العدة أو كان الطلاق بائنا، بخلاف المتوفى عنها يعني أن المتوفى عنها تخالف المطلقة فيما ذكر، فيرجع عليها الورثة بما أنفقت على نفسها من مال زوجها الميت وكانت أنفقته قبل علمها بالموت، ويلزمها غرم ما تسلفتة، ولا ترجع بما أنفقت على نفسها من مالها لا نتقال الحق للورثة، فليس لها أن تختص دونهم بشيء من ماله. والوارث يعني أن الوارث إذا أنفق على نفسه من مال موروثه قبل علمه بموته فإن الورثة ترجع عليه بذلك ولا يختص به دونهم؛ لأن لزوم النفقة له إنما كان في حياته، وأما بعد موته فقد انتقل المال للورثة؛ وقوله: والوارث من كطف العام على الخاص، وقوله: بخلاف المتوفى عنها والوارث، إنما كان ذلك لأن الميت لم يحصل منه تفريط بخلاف ما مر. والله سبحانه أعلم. وإن اشتريت معتدة طلاق فارتفعت حيضتها حلت إن مضت سنة للطلاق وثلاثة للشراء يعني أن من اشترى أمة معتدة من طلاق زوجها وهي ممن تحيض ولم تحصل بها ريبة حلت إن مضى قرآن للطلاق وحيضة للشراء، فإذا اشتريت قبل أن تحيض شيئا من عدة الطلاق حلت بقرءين عدة الطلاق، وإن اشتريت بعد قرء حلت بالقرء الباقي، وبعد مضي القرءين حلت بحيضة ثالثة بعد الشراء، وهذه لم تبق لها عدة وإنما ذكرتها تتميما للمسألة؛ هذا كله إن لم ترتفع حيضتها، وأما إن ارتفعت حيضتها فإنها تحل بأقصى الأجلين أي المتأخر منهما، وهما سنة للطلاق عدة المسترابة كما مر وثلاثة أشهر استبراء انتقال الملك من يوم الشراء، فإذا اشتريت بعد تسعة أشهر من طلاقها حلت بمضي سنة من يوم الطلاق؛ أي حلت بمضي ثلاثة أشهر من يوم الشراء وقد تم الأجلان هنا معا، وإن اشتريت بعد عشرة أشهر حلت بمضي سنة من يوم الطلاق وشهر؛ أي حلت بمضي ثلاثة أشهر من يوم الطلاق، وبعد أحد عشر شهرا حلت بمضي سنة من يوم الطلاق وشهرين؛ أي حلت بمضي ثلاثة أشهر من يوم الشراء، وبعد سنة حلت بمضي ثلاثة أشهر من يوم الشراء، وهذه الأخيرة لا يقال فيها: اشتريت معتدة طلاق؛ إذ لم تبق عدة وإنما ذكرتها استيفاء لأقسام المسألة، ويستثنى من كلام المص من ارتفعت حيضتها لرضاع فإنها لا تخرج من العدة إلا بقرءين، وأما من استحيضت وميزت فإنها لم ترتفع

ص: 533

حيضتها، وتدخل في كلام المص من استحيضت ولم تميز لأنها ارتفعت حيضتها حكما، فتحل بمضي سنة للطلاق وثلاثة للشراء، وأما إن كانت ممن لا تحيض لصغر أو لإياس أو خلقت كذلك فعدة طلاقها ثلاثة أشهر كاستبرائها، ولا يتصور في هذه تأخرها عنه بك تساويهما أو تأخر زمن الاستبراء عن زمن العدة، وقوله: وإن اشتريت معتدة طلاق لخ، نحوه في المدونة. أو معتدة من وفاة فأقصى الأجلين يعني أن الأمة المتوفى عنها زوجها إذا اشتراها شخص فانها تحل بمضي المتأخر من الأجلين، وهما شهران وخمس ليال عدة الوفاة، وحيضة استبراء لنقل الملك، فإن حاضت قبل تمام عدتها انتظرت آخر المدة، فإن ارتابت تربصت تسعة أشهر من يوم الشراء، فإن زادت لم توطأ حتى تذهب الريبة، فإن قيل: لم خص المصنف المتوفى عنها بأقصى الأجلين مع أن المطلقة كذلك؟ فالجواب أنه لو أجاب عن المسألتين بذلك لم يفهم قدر الأجل الثاني الذي هو أجل الشراء وهو الاستبراء بثلاثة أشهر؛ لأنه لم يتقدم له ذكر ويكون إحالة على ما يأتي، فلذا بادر بإفادته في مسألة الطلاق، ومن ثم حسن تعبيره بأقصى الأجلين في مسألة الوفاة لعلمها مما قبلها. فتأمله. انتهى من خط سيدي أحمد بابا نقله محمد بن الحسن بناني. وفي الحطاب عند قوله: فأقصى الأجلين؛ أي إما العدة مع حيضة أو تسعة أشهر. والحاصل أن المشتراة المعتدة من وفاد عليها أقصى الأجلين وهما حيضة استبراء وشهران وخمس ليال، هذا إن لم يبن بها أو بنى بها ركان حيضها يأتيها كل شهر وأتاها، فإن تأخر لكونها اعتادته بعد ثلاثة حلت بها بعد الشراء إن لم تحض أثناءها فإن تأخرت لرضاع أو مرض لم تخرج من عدتها إلا بثلاثة أيضا، لكن منها شهران وخمس ليال عدة والباقي لزوال الريبة. قاله عبد الباقي. وقال الأمير: وإن اشتريت معتدة وجب استبراؤها وتداخل مع العدة فتنتظر الأقصى. انتهى. ولما أنهى الكلام على أقسام العدة وكان من متعلقات عدة الوفاة الإحداد أشار لد بقوله: وتركت المتوفى عنها يعني أن المعتدة من وفاة يجب عليها أن تترك التزين بالمصبوغ إلى آخر ما يأتي وهذا هو الإحداد، قال في الرسالة: والإحداد أن لا تقرب المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة بحلي، قال الشيخ زروق: والحلي الخاتم فما فوقه. انتهى. قالوا: ولو خاتما من حديد، وقال ابن عرفة: الإحداد ترك ما هو زينة ولو مع غيره، فيدخل ترك الخاتم فقط للمتبذلة أي يجب عليها أن تترك ما هو زينة وحدة كثوب الزينة، وكذا ما يتزين به مع غيره كالخاتم، فإن لبس الخاتم وحده ليس بزينة

ص: 534

معتادة ولكنه زينة مع غير، فيجب على المتبذلة التي لا زينة لها غيره طرحه. انظر الحطاب. والإحداد مأخوذ من الحد وهو المنع، يقال: حددت الرجل من كذا منعته منه، ومنه الحدود الشرعية لأنها تمنع، ويقال للبواب: حداد، ويقال: حدت المرأة وأحدت، وقوله: وتركت المتوفى عنها، أي الزوجة المتوفى عنها احترازا من أم الولد المتوفى عنها فليس عليها إحداد كما في الحطاب، وإن كانت معتدة من وفاة، وقوله: المتوفى عنها سواء كانت حرة أو أمة، فقط يعني أن المعتدة التي يلزمها الإحداد إنما هي المعتدة من وفاة، وأما المعتدة من طلاق فلا يلزمها الإحداد، وقوله: المتوفى عنها، ظاهره ولو اعتدت بالأقراء لكون نكاحها مجمعا على فساده، قال الشبراخيتي: وهو كذلك. انتهى. لكن مر عن المدونة أنه لا إحداد عليها. وإن صغرت يعني أن الإحداد يجب في حق المعتدة من وفاة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، لكن الوجوب يتعلق بالمكلفة وولي الصغيرة، والدوام كالابتداء فيجب عليها أو على وليها نزغ ما يأتي، ولا فرق في لزوم الإحداد بين الحرة والأمة؛ الباجي: وتؤمر الصغيرة بذلك إن عقلت الأمر والنهي وإلا جنَّبها أهلها ذلك، وقوله: وتركت المتوفى عنها لخ؛ أي وجوبا كما علمت. والله سبحانه أعلم. ولو كتابيه يعني أن الكتابية يجب في حقها الإحداد إن مات زوجها المسلم، هذا هو المشهور، وقال ابن نافع وأشهب وابن كنانة: لا إحداد على الكتابية، والحكمة في الإحداد أنه يمنع تشوف الرجال إلى المعتدة؛ لأنها إذا تزينت يؤدي ذلك إلى التشوف، وهو يؤدي إلى العقد عليها في العدة، وهو يؤدي إلى الوطء، وهو يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وهو حرام، وما أدى إلى الحرام حرام. أو مفقودا زوجها يعني أنه يجب في عدة الوفاة الإحداد ولو كانت الوفاة حكما كالمفقود زوجها؛ إذ هي تمويت لا موت، كما يأتي إن شاء الله، فإنها تعتد عدة وفاة بعد ضرب الأجل، ورد بلو القول بعدم وجوب الإحداد في حق المفقود زوجها، وما مشى عليه المص في الكتابية وامرأة المفقود هو قول مالك، وقال ابن الماجشون: لا إحداد عليها أي امرأة المفقود، وقال ابن نافع: ورواه أشهب عن مالك: لا إحداد على الكتابية، والأقرب إثباته لامرأة المفقود. التزين بالمصبوغ قوله: التزين، مفعول تركت؛ يعني أنه يجب على الزوجة المعتدة من وفاة أن تترك التزين بالمصبوغ أي التجمل به، وقوله: بالمصبوغ، قال عبد الباقي: من ثياب وجباب حرير أو كتان أو قطن أو صوف؛ ونحوه للشبراخيتي، وزاد الشبراخيتي: وربما أشعر الترك بنزع لابسته حين

ص: 535

الموت وهو كذلك، ولو قال: بكالمصبوغ كان أولى ليشمل الخلقي لأن من الألوان ما هو خلقي، والفرق بين الطلاق لم يجب فيه الإحداد والموت وجب فيه أن الزوج في الطلاق حي يذب عن نفسه وفي الوفاة الزوج مفقود فاحتيط له، وفي المدونة: وتلبس رقيق البياض كله وغليظه، قال في التوضيح: ومال غير واحد إلى المنع من رقيق البياض، ابن رشد: لو رجع في أمر اللباس إلى الأحوال لكان حسنا، فرب امرأة يكون شأنها لبس الخز والحرير فإذا لبست كتانا أي لون كان لا يكون زينة، خليل: فعلى هذا تمنع الناصعة البياض من السواد فإنه يزينها. انتهى. وهو يدل على أن المدار في ذلك على العوائد، ولذا قال في الكافي: والصواب أنه لا يجوز لبسها لشيء يتزين به بياضا ولا غيره. انتهى. قاله بناني. ولو أدكن يعني أنه يجب عليها ترك التزين بالمصبوغ ولو كان هذا المصبوغ أدكن، والأدكن ما لونه فوق لون الحمرة ودون السواد، والأدكن بالدال المهملة هو المسمي بالحمامي، وقوله: ولو أدكن، هكذا قال في المدونة، وفي الجلاب: جواز لبسها له. إن وجد غيره أي المصبوغ يعني أن محل وجوب تركها للمصبوغ إنما هو إن وجد غيره، وأما إن لم يوجد غيره فإنها تلبسه؛ وقوله: إن وجد غيره؛ أي ولو ببيعه واستخلاف غيره. قاله غير واحد. اللخمي: وكذا إذا قدرت على تغيير صبغه بالسواد، إلا الأسود مستثنى من المصبوغ يعني أن المعتدة من وفاة يجوز لها أن تلبس الثوب الأسود ما لم تكن ناصعة البياض، وإلا فلا تلبسه، وما لم تكن ممن زينتهن لبس الأسود، وإلا تركته كما مر، وقد مر أن الدار في ذلك على العوائد، وقال الشبراخيتي عند قوله: إلا الأسود أي فلا تتركه ما لم يكن زينة قومها كالتَّكَارِرَة، وما لم تكن اللابسة له ناصعة البياض، والأول ذكره الناصر اللقاني عن أبي الحسن، وفي شرح الحدود ما يفيده، والثاني ذكره غير واحد عن ابن رشد، وقال بعضهم في امرأة اسمها سعاد وهي ناصعة البياض توفيت وعليها ثوب أسود:

ما كنت أحسب أن الشمس قد غربت

حتى رأيت الدجى يلقى على القمر

ناشدتك الله في حفظ الوداد فقد

ماتت سعاد وهذا آخر الخبر

ص: 536

والتحلي يعني أنه يجب عليها أيضا أن تترك التحلي لأنه من الزينة، والإحداد هو ترك الزينة فلا تتحلى بخلخال ولا بسوار ولا بقرط ولا بخاتم ولو من حديد ونحوها مما هو زينة، وتنزع ما ذكر عند طرو الموت، وأخذ من هذا جواز ثقب أذن المرأة للبس القرط، ويؤيده أن سارة حلفت لتمثلن بهاجر حين علمت بوطء الخليل لها صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه بعد هبتها له فخفضتها وثقبت أذنيها بأمر الخليل، وفي الموطإ: ولا تلبس الحاد على زوجها شيئا من الحلي خاتما ولا خلخالا ولا غير ذلك من الحلي. انتهى. وكذا تترك التحلي برأسها وينبغي ما لم تخش على نفسها بنزعه ضررا والتطيب يعني أن المعتدة من وفاة يجب عليها أن تترك التطيب بالطيب ومعنى التطيب استعمال الطيب كالتبخير والتضمخ به، وعمله يعني أنه يجب عليها أن تترك العمل في الطيب، والتجر فيه يعني أنه يجب في حقها أيضا أن تترك التجر في الطيب وإن لم تكن لها صنعة غيره إذا كانت تباشره بنفسها، فإن كان يباشره غيرها بأمرها لم تمنع؛ قال ابن عبد السلام عند قول ابن الحاجب: ولا تتطيب، هذا هو المقصود الأعظم من الإحداد. انتهى. وقال ابن عرفة: قال في الموازية: ولا تحضر حاد عمل الطيب ولا تتجر فيه ولو كان كسبها، وقال أيضا في العتبية: ولا تمس طيبا إذا كانت حاملا حتى تضع حملها وإن قعدت سنتين

(1)

)، وإن كان عليها طيب فمات زوجها فقال مالك لا تنقض مشطها. انتهى. ابن رشد: معناه إن كانت امتشطت بغير طيب وإلا لموجب عليها أن تغسل الطيب، وقال بناني عند قول المص: والتطيب، فإن تطيبت قبل وفاة زوجها فقال ابن رشد بوجوب نزعه وغسله كما إذا أحرمت، وللباجي وعبد الحق عن بعض شيوخه أنها لا تنزعه وكذا نقل الشاذلي عن القرافي، وفرق عبد الحق بينها وبين من أحرمت بأن المحرمة أدخلته على نفسها. انتهى. والتزين يعني أنه يجب على المعتدة من وفاة أن تترك التزين في بدنها كما يجب عليها أن تترك التزين بالمصبوغ والتحلي، وبما فسرت به قوله: والتزين، يعلم أنه لا تكرار بينه وبين قوله التزين بالمصبوغ لخ، ويبين ذلك تفريعه عليه حيث قال: فلا تمتشط بحناء يعني أنه يجب عليها أن تترك الحناء في امتشاط رأسها، القاضي عبد الوهاب: الحناء مما تجتنبه الحاد ولا تستعمله إلا لضرورة. أو كتم بفتح أوله وثانيه وهو بمثناة فوقية، صبغ يذهب حمرة الشر ولا يسوده؛ يعني أنه يجب عليها

(1)

في البيان والتحصيل ج 5 ص 245: سنين.

ص: 537

أن تترك الامتشاط بالكتم، قال عبد الباقي: ولا تدهن أيضا بطيب زنبق بزاى مفتوحة فموحدة دهن مطيب، وفي الصحاح: دهن الياسمين زاد في القاموس وورد أبيض. ولا خيرى بكسر الخاء المعجمة بعدها مثناة تحتية نبت له رائحة بالليل دون النهار، قال الشاعر:

عجبت من الخيري إذا فاح في الدجى

فأصبح ريانا وفي الصبح يحجب

فخلت الريا لمن طبعه فكأنه

فقيه يراءي وهو بالليل يشرب

وفي المدونة: ولا تمتشط بدهن مربب ولا حناء ولا كتم ولا بما يختمر في رأسها ومربب بباءين من تحت هو الدهن المطيب. قاله الشارح. بخلاف نحو الزيت والسدر يعني أنه يجوز للمعتدة من وفاة أن تدهن بالزيت وتمتشط به وأن تمتشط بالسدر وأن تدهن بالشِّبرق وتمتشط به وكل دهن لا طيب فيه، والشبرق بكسر الشين المعجمة فباء موحدة ساكنة فراء مهملة مكسورة فقاف وتبدل جيما دهن السمسم. قاله عبد الباقي. وفي الشارح: فمثل الزيت والشبرق ونحوهما من الأدهان غير المطيبة لا تمنع منها. انتهى. وفي الشبراخيتي: قال في المدونة: ولا تدهن بزنبق ولا خيرى وقد مر أن الزنبق دهن الياسمين وورد أبيض، وعلى أنه ورد أبيض يجري قول بعضهم:

قد نشر الزنبق أعلامه

وقال: كل الزهري في خدمتي

لو لم أكن في الحسن سلطانه

ما رفعت من دونه رايتي

فقهقه الورد به هاذيا

وقال ما تحذر من سطوتي

وقال للأزهار ماذا الذي

يقوله الأشيب في حضرتي

فانتفض الزنبق من قوله

وقال للأزهار يا عصبتي

ص: 538

يكون هذا الحسن بي محدقا

ويضحك الورد على شيبتي

واستحدادها عطف على نحو الزيت؛ يعني أنه يجوز للمعتدة من وفاة أن تستحد أي تحلق شعر عانتها وإن كان زينة لكنه لم يظهر، والاستحداد استعمال الحديد في حلق العانة، هذا تفسيره في الاشتقاق، وقوله: واستحدادها قاله اللخمي وابن يونس وغيرهما. ولا تدخل الحمام يعني أنه لا يجوز للمعتدة من وفاة أن تدخل الحمام. قال الشيخ عبد الباقي: لا تدخله ولو لضرورة، وقال الشيخ محمد بن الحسن: قال ابن ناجي: اختلف في دخولها الحمام فقيل: لا تدخله أصلا، وظاهر قائله ولو من ضرورة، وقال أشهب: لا تدخله إلا من ضرورة. انتهى. ونحوه في التوضيح وهو يدل على ترجيح الثاني، فيجوز دخوله مع الضرورة لأن القول الأول ظاهر فقط لا صريح، وحينئذ فقول المص إلا لضرورة يرجع لهذا أيضا. انتهى. ولا تطلي جسدها يعني أنه لا يجوز للمعتدة أن تطلي جسدها بنؤرة ونحوها حكاه اللخمي وغيره عن أشهب. مالك: لا باس أن تحضر الحاد العرس ولا تتهيأ فيه بما لا تلبسه الحاد ولا تبيت إلا في بيتها، زاد غيره: ولا بأس أن تنظر في المرآة وتحتجم وتقلم أظفارها وتنتف إبطها. نقله الخرشي ولا تكتحل يعني أن المعتدة من وفاة ليس لها أن تكتحل وإن بغير مطيب لأنه زينة. إلا لضرورة يعني أن منع الاكتحال في حقها مشروط بأن لا تدعو إليه ضرورة، وأما إن دعت إلى الاكتحال ضرورة فإنه يجوز لها. قال الشبراخيتي: الاستثناء يرجع لمسألة الاكتحال كما هو ظاهر صنيعه في توضيحه، ورجحه الطخيخي لقوله: ولا تدخل الحمام وما بعده، واقتصر عليه في الحاشية. انتهى. وقوله: إلا لضرورة، وأما ما روي أن امرأة توفي زوجها فأتت أمها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي اشتكت عينها، قال (وإن انفقأت) وصححه عبد الحق فقد أجابوا عنه بأنه صلى الله عليه وسلم فهم من المرأة عدم الصدق. قاله الشبراخيتي. وإن بطيب مبالغة في المستثنى فقط أي يجوز الاكتحال للضرورة بمطيب وبغير مطيب، والمراد بالضرورة مطلق الحاجة، ويدل على ذلك قول أبي الحسن: ودين الله يسر، وقوله: ولا تكتحل إلا لضرورة وإن بطيب، هكذا قال في المدونة: وروي عن ابن عبد الحكم المنع من ذلك ولو مع الضرورة. قاله الشارح. وتمسحه نهارا يعني أن الإمام مالكا قال: إنها تكتحل ليلا لأجل الضرورة وتمسحه نهارا، والضمير في تمسحه للكحل.

ص: 539

وقوله: وتمسحه نهارا؛ أي إن كان به طيب وإلا لم يجب عليها المسح على ظاهر المذهب. قاله الأبي. نقلد عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وتمسحه نهارا سواء فعلته لضرورة أم لا انتهى. وقوله: تمسحه نهارا، نقله محمد عن مالك؛ وفي المختصر الصغير نحوه. قاله الشارح. وقال الأمير: ومسحته نهارا إن كان مطيبا انتهى. واتفق العلماء رضي الله عنهم على وجوب الإحداد من حيث الجملة إلا الحسن البصري. وجاءت فيه أحاديث صحيحة ففي الصحيح (عن زينب بنت أم سلت قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو بخور فدهنت منه ثم مست بعارضيها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر (لا يحل لامرأة تومن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا

(1)

) قالت زينب سمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا: مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا، ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر رقد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأسها حولا

(2)

) وخالف جماعة كثيرة منهم أبو حنيفة فأوجبوا الإحداد على المطلقة، وقال الشافعي: استحبه ولا أوجبه عليها، وتمسك مالك ومن وافقه بأن أصل الإحداد إنما هو الحديث المتقدم، وليس فيه ما يدل على شرعيته للمطلقة. وخالف أبو حنيفة أيضا في الأمة وقال: ليس عليها إحداد. ولما أنهى الكلام على العدة وكان سببها أمرين طلاقا ووفاة شرع فيما يحتملهما وهي عدة امرأة المفقود فقال:

(1)

مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث 1486. البخاري، كتاب الطلاق، رقم الحديث 5334.

(2)

البخاري، كتاب الطلاق، رقم الحديث 5336. مسلم، كتاب الطلاق، رقم الحديث 1488.

ص: 540

‌فصل: يذكر فيه حكم زوجة المفقود

والمفقود اسم مفعول من فقده بالفتح يفقده بالكسر إذا لم يجده، قال تعالى:{قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} ويقال: فقده فقدا وفقدانا بالكسر وفقدانا بالضم وفقدت المرأة زوجها فهي فاقد بلا هاء. قاله النووي. وعرف ابن عرفة المفقود بقوله: المفقود من انقطع خبره ممكن الكشف عنه، فيخرج الأسير، ابن عات: والمحبوس الذي لا يستطاع الكشف عنه، واعلم أن المفقود على أربعة أقسام: المفقود ببلد الإسلام، والمفقود بأرض الشرك في غير معترك فيهما، ومفقود المعترك بين المسلمين، ومفقود المعترك بين المسلمين والكفار، فأشار المص إلى حكم زوجة الأول بقوله: ولزوجة المفقود الرفع للقاضي يعني أن المفقود ببلد الإسلام بقرينة ما يأتي، لزوجته إن أحبت الفراق أن ترفع أمرها إلى القاضي، وسواء كان هذا المفقود حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا، كانت الزوجة حرة مسلمة أو كتابية أو أمة مسلمة صغيرة أو كبيرة، ولها أن لا ترفع وتبقى زوجته حتى يتضح أمره، وقوله: للقاضي، القاضي يتبين شرحه بقول المازري في شرح التلقين: القضاء ينعقد بأحد وجهين، أحدهما: عقد أمير المؤمنين أوأحد أمرائهم الذين جعل لهم العقد في مثل هذا، والثاني: عقد ذوي الرأي وأهل المعلم والمعرفة والعدالة لرجل منهم كملت فيه شروط القضاء، وهذا حيث لا يمكنهم مطالعة الإمام في ذلك ولا أن يستدعوا منه ولايته ويكون عقدهم له نيابة عن عقد الإمام الأعظم ونيابة عمن جعل الإمام له ذلك للضرورة الداعية إلى ذلك. انتهى. ولابد من ثبوت التولية والوالي يعني أن امرأة المفقود لها أيضا أن ترفع أمرها إلى الوالي أي حاكم البلد على معروف المذهب. قاله عبد الباقي. وقال الشارح: واختلف فيمن يتولى ضرب الأجل للمفقود فالمعروف أنه الخليفة والقاضي والوالي؛ وقال أبو مصعب: هو مختص بأمير المؤمنين، وقال عبد الملك: إذا كان الإمام الأعظم حاضرا لم يضرب غيره، وقال عبد الباقي عند قوله: والوالي؛ أي حاكم البلد على معروف المذهب، وكذا الشرطي أي حاكم السياسة على ما في ثاني نكاحها كما في ابن عرفة، وقول علي الأجهوري: لا الشرطي؛ أي فقط كما قصره عليه أحمد. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: والوالي: أي والي الشرط أي السياسة. انتهى. ويأتي قريبا إن شاء الله تبيين والي الشرطة. ووالي الماء يعني أن لها أيضا أن ترفع أمرها إلى والي الماء وهو الساعي وسمي جباة الزكاة ولاة الماء لأنهم يخرجون عند اجتماع المواشي على المياه، وإذا رفعت لمن ذكر أمرها فإنهم يكشفون لها عن خبر زوجها، ويأتي الكلام في أجرة البعث على من

ص: 541

تكون، وعبارة ابن الحاجب: ولامرأة المفقود دون الأسير مدخولا بها أم لا أن ترفع أمرها إلى الحاكم؛ قال ابن عبد السلام: أطلق القول في الحاكم، فيتناول القاضي والخليفة وأئمة البلدان. انتهى. وإلا يوجد واحد من الثلاثة القاضي والوالي ووالي الماء فلها أن ترفع أمرها لجماعة المسلمين من صالحي جيرانها وغيرهم العدول من معظم البلد لأنهم كالإمام؛ قال عبد الباقي: والواحد كاف. انتهى. قال بناني: قول الزرقاني والواحد كاف، تبع فيه عليا الأجهوري ولم أر من ذكره ولا أظنه يصح. قاله الشيخ أبو علي. انتهى. وظاهر المص أنها مخيرة في الرفع لأحد الثلاثة الأول؛ أي القاضي والوالي ووالي الماء، والنقل أنها حيث أرادت الرفع ووجدت الثلاثة رجب للقاضي، فإن رفعت مع وجوده للوالي ووالي الماء حرم ذلك وصح، وإن رفعت لجماعة المسلمين مع وجوده بطل، وأما إن لم يكن قاض فتخير فيهما، وإن رفعت لجماعة المسلمين مع وجودهما فالظاهر الصحة. قاله عبد الباقي.

تنبيهات: الأول: قال الشبراخيتي: قال ابن ناجي: الصواب أن أجرة البعث أي للمفقود على المرأة لأنها طالبة للفراق لاسيما إذا ادعى منع عدو له عن الإتيان لبلده، واختار شيخنا الغبريني أننهاس بيت المال. انتهى. ويمكن الجمع بين القولين بأنها عليها إن كان لها مال فإن لم يكن لهما مال فمن بيت المال. انتهى. الثاني: اعلم أن من سافر في البحر فانقطع خبره سبيله سبيل المفقود. قاله ابن عبد الحكم. وفي مسائل الشيخ أبي الحسن القابسي: وسئل عن مركبين مرسيين بجانب البر وفي أحد المركبين رجل يعرفه بعض من في الركب الآخر فمال عليهم البحر في الليل فسمع تكبير أهل المركب الذي فيه الرجل للغرق فأصبحوا فلم يجدوا للمركب خبرا ولا أثرا فهل يشهد الذين يعرفون الرجل أنه مات؟ فقال: يشهدون بصفة الأمر والحاكم يحكم بالموت في مثل هذا، قيل له. فلو كانوا في الموسطة؟ فقال: قد يكون هؤلاء رمتهم الريح إلى موضع آخر هؤلاء سبيلهم سببل المفقود. انتهى. وقال البرزلي لما تكلم على المفقود ومن فقد زمن الوباء أنه محمول على الموت: ومن هذا ما يوجد اليوم ممن يفقد من مراكب المسلمين فلا يدرى أغرق أو أخذه العدر ولم يظهر له خبر البتة، والصواب أنهم محمولون على الموت بعد الفحص عنهم بإخبار مراكب النصارى، وأما من أخذه العدو على ظهر البحر كما يجري اليوم فحكمه حكم الأسير. نقله الحطاب. واحترز المص بالزوجة عن أم الولد ومن في حكمها. الثالث: قوله المفقود؛ أي الذي له

ص: 542

مال بدليل قوله: إن دامت نفقتها ولا شرط لزوجته، وأما التي لها شرط كقوله: إن غبت عنك فأمرك بيدك فأخذها بالشرط أحسن، كان له مال أم لا، وأما ألذي لا مال له ولا شرط فتطلق لعدم النفقة.

الرابع: لابد هنا من ذكر شيء من بيان الولايات التي ترتب عليها الأحكام، وهي سبعة، إحداها: أصلها التي تنبني عليها الستة الأخرى وهي الخلافة العظمى، ويأتي الكلام عليها في باب القضاء إن شاء الله، ثانيتها: القضاء وهو أعظمها بعد الخلافة العظمى وقد مر ما يعلم منه شرح القاضي ويأتي الكلام عليه إن شاء الله، الثالثة: ولاية المظالم قال بعض شراح الزقاقية، والمتولي لرد المظالم بين الناس يكون نظره في تعدي الولاة وجور العمال ورد المغصوبات من أيدي المتغلبة إلى أربابها. انتهى. قال الماوردي: ونظر المظالم هو قود المتظالين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفة، قليل الطمع، كثير الورع، يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة، وتثبت القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفتي الفريقين، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين، ولم ينتدب للمظالم من الخلفاء الأربعة أحد لظهور الدين عليهم، ولما تجاهر الناس بالظلم والتغالب احتاجوا إلى ردع المتغلبين وإنصاف المتظلمين، فكان أول من أفرد للمظلمات يوما تصفح فيه قصص المتظلمين عبد الملك بن مروان، فكان إذا وقف على مشكل منها رده إلى قاضيه أبو إدريس الأودي فينفذ فيه أحكامه فكان أبو إدريس هو الباشر وعبد الملك هو الآمر، ثم زاد من جور الولاة وظلم العتاة ما لم يكفهم إلا أقوى الأيدي وأنفذ الأوامر، فكان عمر بن عبد العزيز أول من ندب نفسه للنظر في المظالم فردها، ورد مظالم بني أمية على أهلها، حتى قيل له وقد شدد عليهم فيها وأغلظ: إنما يخاف عليك من ردها العواقب، ثم جلس لها خلفاء بني العباس حتى عادت الأملاك إلى مستحقيها، ويجعل الناظر في المظالم لنظره يوما معروفا يقصده فيه المتظلمون ويراجعه فيه المتنازعون، ليكون ما سواه من الأيام لما هو موكول إليه من السياسة والتدبير، إلا أن يكون من عمال المظالم المنفردين فيها فيكون مندوبا للنظر في جميع الأيام، وليكن سهل الحجاب، نزيه الأصحاب ولابد لناظر المظالم من خمسة لا يستغني عنهم، ولا ينتظم نظره إلا بهم، أحدهم: الحماة والأعوان، الثاني: القضاة والحكام، الثالث: الفقهاء ليرجع إليهم فيما

ص: 543

أشكل، الرابع: الكتاب ليثبتوا ما جرى بين الخصوم وما توجه لهم وعليهم من الحقوق، الخامس: المشهود ليشهدهم على ما أوجبه من حق وأمضاه من حكم، فإذا استكمل ما ذكر من الأصناف الخمسة شرع حينئذ في نظره والذي يختص بنظر المظالم يشتمل على عشرة أقسام، الأول: النظر في تعدي الولاة على الرعية، فيكون لسيرة الولاة متصفحا ليقويهم إن ضعفوا، ويكفهم إن عسفوا، ويستبدل بهم إن لم ينصفوا. الثاني: جور العمال فيما يجبونه من الأموال: فيرجع به إلى القوانين العادلة من دواوين الأئمة، فيحمل الناس عليها ويأخذ العمال بها، وينظر فيما استزادوه، فإن رفعوه إلى بيت المال أمر برده، وإن أخذوه لأنفسهم استرجعه لأربابه. الثالث: كتب الدواوين لأنهم أمناء المسلمين على بيوت أموالهم فيما يستوفونه له ويوفونه منه، فيتصفح أحوال ما وكل إليهم، فإن عدلوا بحق من دخل ومن خرج إلى زيادة أو نقصان أعاده إلى قوانينه رقابل على تجاوزه. حكي أن المنصور بلغه عن جماعة من كتاب دواوينه أنهم زوروا فيه وعثروا، فأمر بإحضارهم وتقدم لتأديبهم فقال حدث منهم وهو يضرب:

أطال الله عمرك في صلاح

وعزك يا أمير المومنينا

بعفوك نستجير فإن تجرنا

فإنك عصمة للعالمينا

ونحن الكاتبون وقد أسأنا

فهبنا للكرام الكاتبينا

فأمر بتخليتهم ووصل الفتى وأحسن إليه؛ لأنه ظهرت منه الإنابة وتلوحت فيه النجابة، وهذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج والي المظالم في تصفحها إلى متظلم. الرابع: تظلم المسترزقة من نقص أرزاقنهم أو تأخرها عنهم وإجحاف النظار بهم، فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل فيجريهم عليه. الخامس: رد الغصوب وهي على ضربين: غصوب سلطانية وقد تغلب عليها ولاة الجور كالأملاك المقبوضة على أربابها، فإن علم بها والي المظالم عند تصفح الأمور أمر برده قبل التظلم إليه، وإن لم يعلم فهو موقوف على تظلم أربابه، والضرب الثاني من المغصوب: ما تغلب عليه ذوو الأيدي القوية وتصرفوا فيها تصرف الملاك بالقهر والغلبة فهو موقوف على تظلم أربابه،

ص: 544

فلا ينزع من أيديهم إلا بأحد أمور أربعة: إما باعتراف الغاصب، وإما بعلم والي المظالم فيجوز له أن يحكم عليه بعلمه، وإما ببينة تشهد على الغاصب بغصبه أو تشهد للمغصوب منه بملكه، وإما بتظاهر الأخبار التي ينتفي عنها التواطؤ ولا يختلج فيها الشكوك. السادس: مشارفة الأوقاف وهي ضربان: عامة فيتصفحها وإن لم يكن فيها متظلم يجريها على سبيلها ويمضيها على شروط واقفها إذا عرفها، وأما الخاصة فإن نظره فيها موقوف على تظلم أهلها عند التنازع فيها لوقفها على خصوم معينين، فيعمل عند التشاجر فيها على ما ثبتت به الحقوق عند الحكام. السابع: تنفيذ ما وقف من أحكام القضاة لضعفهم عن إنفاذه وعجزهم عن المحكوم عليه لتعذره وقوة يده، أو لعلو قدره فينفذ الحكم على ما يتوجه إليه بانتزاع ما في يده وبإلزام الخروج مما في ذمته الثامن: النظر فيما عجز عنه الناظرون في الحسبة من المصالح العامة كالمجاهدة بمنكر ضُعِف عن دفعه، وتعدٍّ عجز عن منعه والحيف فيمن لم يقدر على ردعه، فيأخذهم بحق الله تعالى في جميعه ويأمر بحملهم على موجبه وواجبه. التاسع: مراعاة العبادة الظاهرة كالجُمَع والأعياد والحج والجهاد من تقصير فيها أو إخلال بشروطها، وإن حقوق الله تعالى أولى أن تستوفى وفروضه أحق أن تودي. العاشر: النظر بين المتشاجرين والحكم بين المتنازعين، فلا يخرج في النظر بينهم عن موجب الحق ومقتضاه ولا يسوغ أن يحكم بينهم بما لا يحكم به الحاكم والقضاة. قاله الشيخ ميارة في شرح لامية الزقاق. رابعة الولايات: ولاية الحسبة وهي ولاية السوق قال بعض شراح الزقاقية: ووالي السوق يكون نظره في الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله. يكون هذا عليه بالولاية وعلى غيره بفرض الكفاية، ويدخل في فرض الكفاية أيضا ويكون طلبه أوكد من طلب غيره، ويكون نظره أيضا في المكاييل والموازين وبيع الفاكهة قبل أن تطيب والخبازين والجزارين والغش والتدليس. انتهى. وقال الشيخ ميارة: وهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله قال الله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وهذا واضح في كل مسلم، والفرق بين المولى المحتسب وغيره أن المحتسب فرضه ذلك بحكم الولاية وفرضه على غيره داخل في فرض الكفاية، وأيضا فإن عليه أن يبحث عن المنكرات الظاهرة ليصل إلى إنكارها، ويفحص عما ترك الظاهر ليأمر بإقامته، وليس على غيره من المتطوعة بحث ولا فحص، وأيضا فهو منصوب للاستعداء إليه فيما

ص: 545

يجب إنكاره، وليس المتطوع منصوبا للاستعداء، وأيضا فإن له أن يتخذ على الإنكار أعوانا لأنه عمل هو له منصوب وإليه مندوب، ليكون له أقهر وعليه أقدر، وليس للمتطوع أن ينصب لذلك، وأيضا فإن له أن يعزر على المنكرات الظاهرة ولا يتجاوزها إلى الحدود، وليس للمتطوع أن يعزر على منكر، ويجب أن يكون من ولي النظر في الحسبة فقيها في الدين، قائما مع الحق، نزيه النفس، علي الهمة، معلوم العدالة، ذا أناة وحلم وتيقظ وفهم، عارفا لجزءيات الأمور وسياسة الجمهور، لا يستفزه طمع، ولا تأخذه في الله لومة لائم، مع مهابة تمنع من الإدلال عليه. وتوافق الحسبة القضاء في وجهين، الوجه الأول: جواز الاستعداء إليه وسماعه دعوى المدعى عليه في حقوق الآدمي، وليس ذلك في عموم الدعاوي، وإنما يختص بثلاثة أنواع، أحدها: أن تكون فيما يتعلق ببخس أو تطفيف في كيل أو وزن، والثاني: فيما يتعلق بغش أو تدليس في مبيع أو ثمن، والثالث: فيما يتعلق بمطل أو تأخير لدين مستحق مع المكنة. والوجه الثاني. أن له إلزام المدعي عليه الخروج من الحق الذي عليه، وليس هذا على العموم في كل الحقوق، وإنما هو خاص بالحقوق التي جاز له سماع الدعوى فيها إذا وجبت باعتراف، وليس له سماع الدعاوي الخارجة عن ظهور المنكرات من الدعاوي في العقود والمعاملات وسائر الحقوق والمطالبات، ولا يجوز له النظر فيما يدخله التجاحد والتناكر؛ لأن الحكم فيها يتوقف على سماع البينات وإحلاف اليمين، ولا يجوز ذلك للمحتسب، وإنما ذلك للقضاة والحكام، ويجب أن يمنع الناس من الحكرة إذا أضرت بالناس وكانوا بحال ضيق وشدة، ويأمر في وقت الشدة بإخراج الأطعمة إلى السوق يباع فيه ولا يباع في الدور، ومن احتكر طعاما في وقت الرخاء وحدث غلاء السعر فهل يجبر على إخراجه للناس؟ قولان؛ وكان بالكوفة محتسب لم يترك مؤذنا يؤذن إلا معصوب العينين من أجل التكشف على دور الناس، ومن صفات المحتسب أن يستعمل اللين من غير ضعف، والشدة من غير عنف، حتى لا ترجى لكثرة التيقظ غفلته، ولا يؤمن على ذي منكر سطوتة، يكتفي في أدب الجاني أول مرة بالتوبيخ والزجر، وفي الثانية بالسجن والوعيد، وفي الثالثة بالضرب والشهرة، فإن استمر على سوء فعله تابعه في التنكيل وجعل أهم أموره تفقده لسقوط الثقة به حتى يتوب أو يرتفع عن سوق المسلمين، ويقدم من ثقات أهل السوق ووجوه أرباب الصنائع من تعرف ثقته وينفع المسلمين نصحه ومعرفته، يستظهر بهم على سائرهم

ص: 546

ويطلعونه على خفي أسرارهم وخبث سرائرهم، حتى لا يخفى من أمورهم كثير ولا قليل، ويتفقد أحوال رجاله، ولا يعين أحدا منهم لشغل معين كوزن الخبز على الخبازين ونحوه، ليلا يتقدم إلى ذلك الرجل بالرشوة، ولا يعلم رجاله أبدا خروجه لأمر معين من أمور الحسبة خشية أن يتقدم واحد منهم إلى أرباب ذلك الأمر الذي يخرج إليه ويشعرهم بقصده فيتغيب صاحب الدلسة أو يغيب عن الشيء المفاسد فلا تمكن إقامة الحجة، ويكسر الناقص الوزن والقليل الطبخ، ويريق الشيء الفاسد كاللبن، ويتولى ذلك بنفسه ولا يكله إلى رجاله، ويلزم عملة الخبز أن يصنع كل واحد منهم طابعا ينقش فيه اسمه ويطبع به على خبزه، ليتميز خبز كل واحد بطابعه وتقوم الحجة به عليه. الولاية الخامسة: ولاية الرد قال الشيخ ميارة: وأما ولاية الرد فلم أقف فيها الآن إلا على قول ابن عرفة أول باب القضاء عن ابن سهل: متعلق حكم والي الرد ما استرابه القضاة وردوه عن أنفسهم، وصاحب السوق يعرف بصاحب الحسبة لأن أكثر نظره فيها بالأسواق من غش وتفقد مكيال وميزان. قال بعض من لقيت: لا يجوز له الحكم في عيوب الدور ولا مخاطبة حكام البارد بالأحكام. انتهى. وقال بعض شراح الزقاقية: ووالي الرد هو الذي يكون نظره فيمن خالف صوابا مما حكم به أهل هذه الولايات غير القاضي؛ لأن حكمه لا يتعقب وحكم غيره يتعقب فما كان صوابا أمضي وما كان غيره رد، وهذا إنما يتولاه الإمام أو من يقدمه لذلك وقد يكون قاضيا. انتهى. الولاية السادسة: ولاية الشرطة قال الإمام الشهير أبو العباس سيدي أحمد الونشريسي: وأما ولاية الشرطة قال ابن الأمين القرطبي: وضع صاحبها لشيئين أحدهما: معونة الحكام لمن أصحاب المظالم وأصحاب الدواوين في حبس من أمروه بحبسه وإطلاق من أمروه بإطلاقه، وإشخاص من كاتبوه بإشخاصه، وإخراج الأيدي مما دخلت فيه وإقرارها. والثاني: النظر في الجنايات وإقامة الحدود على من وجبت إقامتها عليه. انتهى. وسموا بذلك لأن لهم شرطا أي علامات تميزهم. الولاية السابعة: ولاية المصر وهي الولاية على البلاد، قال بعض شراح الزقاقية: ولاية المصر هي الولاية على إقليم أو بلد، فإذا قلد الخليفة أميرا على إقليم أو بلد كان نظره في جباية الخراج وقبض الصدقات وتفريق ما يستحق منها، والإمامة في الجمعة والجماعات يقوم بها أو يستخلف عليها، وجهاد من يليه من الأعداء وقسم غنائمهم وأخذ أخماسها، ويشترط في هذه الولاية المشروط المعتبرة في الإمامة الكبرى إلا النسب وهو كونه قرشيا.

ص: 547

انتهى. وقال الشيخ ميارة: قال الماوردي: إذا قلد الخليفة أميرا على إقليم أو بلد كانت إمارته على ضربين، إمارة استكفاء بعقد عن اختيار، وإمارة استيلاء بعقد عن اضطرار، فأما إمارة استكفات فتشتمل على محدود ونظر مفهوم، والتقليد فيها أن يفوض إليه الخليفة إمارة بلد أو إقليم ولاية على جميع أهله ونظرا في المحدود من سائر أعماله، فيصير عام النظر فيما كان محدودا من عمل ومعهودا من نظر، فيشتمل نظره فيه على سبعة أمور، أحدها: النظر في تدبير الجيش وترتيبهم في النواحي وتقدير أرزاقهم، إلا أن يكون الخليفة قدركما فيدبرها عليهم. والثاني: النظر في الأحكام وتقليد القضاة والحكام. والثالث: جباية الخراج وقبض الصدقات وتقليد العمال فيها وتفريق ما يستحق منها. والرابع: حماية الحريم والذب عن البيضة ومراعاة الدين من تغيير وتبديل. والخامس: إقامة الحدود في حق الله تعالى وفي حق الآدمي. والسادس: الإمامة في الجُمعَ والجماعات حتى يقوم بها أو يستخلف عليها. والسابع: تسيير الحج من عمله ومن يسلكه من خير أهله حتى يتوجهوا منه معانين عليه، فإن كان هذا الإقليم ثغرا متاخما للعدو اقترن بها ثامن، وهو: جهاد من يليه من الأعداء وقسم غنائمهم في المقاتلة وأخذ خمسها لأهل الخمس، ويعتبر في هذه الإمارة الشروط المعتبرة في وزارة التفويض، ووزارة التفويض يشترط فيها شروط الإمامة الكبرى إلا النسب وحده، ويحتاج فيها إلى شرط زائد على شروط الإمامة، وهو: أن يكون من أهل الكفاية فيما وكل إليه من أمر الحرب والخراج، له خبرة بهما ومعرفة بتفاصيلهما؛ وأما إمارة الاستيلاء التي تعقد عن اضطرار فهو أن يستولي الأمير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة على إمارتها ويفوض إليه تدبيرها وسياستها، فيكون الأمير باستيلائه مستبدا بالسياسة والتدبير، والخليفة بإذنه منفذا لأحكام الدين ليخرج من الفساد إلى الصحة ومن الحظر إلى الإباحة، وأما الإمارة الخاصة فهو أن يكون الأمير مقصور الإمارة على تدبير الجيش وسياسة الرعية وحماية البيضة والذب عن الحريم، وليس له أن يتعرض للقضاء والأحكام ولا لجباية الخراج والصدقات، فأما إقامة الحدود فيما افتقر منها إلى اجتهاد لاختلاف الفقهاء فيها أو افتقر لإقامة البينة لتناكر المتنازعين فيه فليس له التعرض لإقامتها لأنها من الأحكام الخارجة عن خصوص إمارته انتهى وإلى الولايات الست دون الخلافة العظمى أشار الإمام الزقاق بقوله:

لها خطط ست قضاء مظالم

ورد وسوق شرطة مصر انجلى

ص: 548

وأعظمها قدرا وأكمل منظرا

قضاء نعم إن أم قاض علا على

الضمير في لها للأحكام في بيت متقدم، والخطط جمع خطة وهي الولاية، والضمير في أعظمها للخطط، وقوله: إن أم قاض؛ أي إذا اجتمعت للقاضي إمامة الصلاة مع القضاء علا أي ارتفع وعلى بضم العين منصوب على أنه مفعول مطلق. قاله الشيخ ميارة. فتؤجل أربع سنين يعني أن المرأة المفقود زوجها في بلاد الإسلام إذا رفعت أمرها للقاضي أو لمن ذكر معه فإنه يكلفها أن تثبت الزوجية وأن زوجها غائب وأنها بقيت في عصمته إلى غيبته، ثم بعد ذلك يسئل الحاكم عن معارف زوجها، ومَن جيرانُه وأهل سوقه، ثم يرسل إلى البلد الذي يظن أنه خرج إليه، ويكتب في كتابه صفة زوجها وحرفته واسمه واسم أبيه، فإذا عاد إليه الخبر بعدم معرفة موضعه ضرب لها الأجل، وهو أربع سنين للحر وأجرة البعث عليها لأنها الطالبة وقيل: من بيت المال، واستظهر أحمد الأول إن كان لها مال والثاني إن لم يكن لها مال. إن دامت نفقتها يعني أن التأجيل للحر أو للعبد في الفقد إنما هو إن دامت نفقة الزوجة، وإلا فتطلق لعدم النفقة، وهو أيضا في الذي لم يشترط لزوجته إن غبت عنك فأمرك بيدك، وإلا فأخذها بالشرط أحسن كان له مال أم لا كما مر، وقوله: إن دامت نفقتها؛ أي من ماله ولو غير مدخول بها أو غير داعية له قبل غيبته، ومثلها في فرض النفقة في ماله زوجة مطيقة لغائب غير مفقود، ولم يكن دخل بها، ولم يدع قبل الغيبة حيث طلبتها الآن قربت غيبته أو بعدت، فتجب على المعتمد؛ وأما ما يأتي في النفقات من اشتراط الدعاء إلى الدخول ففي الحاضر فقط؛ والظاهر أن المراد بها هنا ما يشمل المتوسطة وهي العشرة الأيام مع الأمن واليومان مع الخوف ذهابا. والعبد نصفها يعني أن العبد المفقود تؤجل زوجته سنتين فهو على النصف من الحر، هذا هو المشهور، وقيل: هو مساو لأجل الحر. ابن عبد السلام: وهو الأظهر؛ إذ سبب ذلك إنما هو الفقد ولا يفترق فيه الحال بالحرية والرق. وقوله: والعبد نصفها، قال المتيطى: وسواء كان مغيبه بإباق أو بيع فغاب به مشتريه وانقطع خبره. قاله الحطاب. وقوله: فتؤجل أربع سنين، اعلم أن التأجيل بالأربع تعبد لفعل عمر وإجماع الصحابة عليه، وقيل: لأنها أقصى أمد الحمل، ورد بأنه يضرب لها وإن أمن

ص: 549

حملها، بل وإن تقدم لها أقصى أمد الحمل على يوم الرفع، وأيضا لو صح لاستوى فيه الحر والعبد، وقيل: لأنها أمد وصول الكَتْبِ، ورد بأن ضرب هذا الأجل إنما يكون بعد المكاتبة وعدم علم خبره، وقيل: لأن الجهات أربع، ورد بما رد به القول الثالث، فالصواب القول الأول الذي هو القول بالتعبد وقوله: إن دامت نفقتها، يشمل ما لو أعسر ابتداء وما لو كان له مال لا يكفي في الأجل فإنها تطلق عليه قبل الأجل بعد فراغ ماله. واعلم أنه إذا ظهر موت المفقود يرجع عليها بما أنفق عليها من ماله من يوم مات، كما يعلم من قوله السابق: بخلاف المتوفى عنها والوارث. قاله الشبراخيتي. تنبيه: اعلم أن السلطان ينظر في مال المفقود ويجمعه ويجعله في يد من يرتضيه، وإن كان من ورثته من يراه لذلك أهلا أقامه له، وينظر في قراضه وودائعه ويقبض ديونة. ولا يبرأ من رفع من غرمائه إلى ورثته لأن ورثته لم يرثوه بعد، وما أسكن أو أعار أو آجر إلى أجل أرجئ إليه، وإن قارض إلى أجل فسخ وأخذ المال، وما لحقه من دين أو اعتراف أو عهده ثمن أو عيب قضي به عليه، ولا يقام له وكيل وتباع عروضه في ذلك، وإن أقام رجل البينة أنه أوصى له بشيء أو أسند إليه الوصية سمعت بينته، فإذا قضي بموته بحقيقة أو تعمير جعل الوصي وصية وأعطيتُ الموصى إليه وصيته إن كان حيا وحملها الثلث ولا أعيد البينة، وكذلك إن أقامت المرأة بينة أنه زوجها قضيتُ لها كقضائي على الغائب. انتهى. قاله في المدونة. نقله الحطاب. قال أبو الحسن: قوله: أو اعتراف؛ أي استحقاق، وقوله: أو عهدة ثمن؛ أي استحق ما باع فرجع عليه بالثمن، وقوله: أو عيب؛ أي باع سلعة فظهر بها عيب، وقوله: ولا يقام له وكيل، وجهه أن الوكيل لا يعلم حجج الغائب ويقوم بحجته إذا قدم. نقله الحطاب. وقال الشيخ أبو الحسن: القاعدة أن الإمام لا يتعرض لديون الغائب يقبضها إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه، أو يكون المدين حاضرا ويريد أن يبرئ ذمته ورب الدين غائب، وهذا بخلاف ما إذا أفسد شخص مال غائب فإن الإمام يأخذ منه القيمة ويحبسها للغائب. انتهى. ونحوه في النكت. قاله الحطاب. وقال في المتيطية: وأما مال المفقود فينبغي للإمام أن ينظر فيه ويجعله في يد من يرتضيه من أكمله أو من غيرهم ويقدمه للقيام بتمييز ماله والنظر في جميع أحواله، فإن كانت له أملاك اغتلها ورم ما وهى منها، وإن كان له عبيد في خراجهم ما يفضل عن نفقتهم وكسوتهم حبسهم له وإلا باعهم عليه، ويقتضي ديونه إن كانت له عند حلول آجالها، ويمكن من إثباتها والخصام

ص: 550

فيها، وما كانت عليه من ديون ثبتت قضاها عند حلول آجالها بعد أيمان أربابها، وما تراخى أجله منها ومن مهور نسائه فلا يحل إلا بانقضاء تعميره. انتهى. قوله: وما تراخى أجله؛ يعني تراخى أجله بعد مدة التعمير. قاله الحطاب. وقال في المتيطية. أيضا: وينفق من ماله على أزواجه ويخدمن إن كن مُخدَماتٍ وكان له مال يتسع لذلك، هذا إن كن مدخولا بهن، وأما غير المدخول بهن فالمشهور من المذهب والذي عليه العمل وقاله ابن القاسم من رواية المصريين عنه ورواه أيضا عيسى وبه قال ابن المواز ولم يذكر في ذلك اختلافا مع معرفته باختلاف أصحاب مالك: أن لها النفقة وإن لم يدخل بها المفقود. انتهى. نقله الحطاب. وقال في المتيطية أيضا: وينفق على فقراء صغار بنيه وأبكار يناته حتى يحتلم الذكر منهم وهو صحيح الجسم والعقل، ويدخل بالأنثى زوجها. انتهى. نقله الحطاب. وقال ابن عبد الحكم: من سافر في البحر فانقطع خبره فسبيله سبيل المفقود، وفي مسائل القابسي أن الريح إذا قام على المراكب في المرسي فلم يتبين لهم خبر يحكم بموتهم وغرقهم، لكن لا يشهد الشاهد إلا بصورة الحال، وإن كان في المواسطة فكالمفقود. اننهى. نقله الشبراخيتي. ومن شك في فقده هل في أرض الإسلام أو في أرض الشرك؟ ينبغي العمل فيه بالأحوط، فيعامل في زوجته معاملة مفقود أرض الشرك. قاله الشبراخيتي. من العجز عن خبره اللفظ الأول متعلق بتؤجل والثاني متعلق بالأول؛ يعني أن التأجيل بالأربع للحر وبالسنتين للعبد مبدؤه من عجز من ذكر من زوجة كل من الحر والعبد، ومن رفع إليه الأمر من قاض، ومن مر ذكره عن خبر المفقود بعد البحث عنه والمكاتبة في أمره، ودل كلام المص بالالتزام على أن رفعها يوجب البحث عن أمره وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ولم يعلم فيه في عصر الصحابة مخالف، وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والحسن بن صالح وأبو قلابة وإبراهيم والشعبي وجابر وابن زيد وابن سيرين والحكم وحماد: إن امرأة المفقود لا تنكح أبدا حتى يعلم موته أو طلاقه، وذكر الدارقطني من حديث محمد بن شرحبيل وهو متروك عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (في امرأة المفقود هي امرأته حتى يأتيها الخبر

(1)

). قاله ابن عبد السلام. وقوله: "من العجز عن خبره"، قاله في المدونة، وهو المشهور، وفي مختصر ابن عبد الحكم: من يوم الرفع إذا أثبتت الزوجة الغيبة، وبه قال ابن عبد

(1)

سنن الدارقطني ج 3 ص 312.

ص: 551

الحكم. قاله الشارح. وأجرة البعث عليها لأنها الطالبة، كما صوبه ابن ناجي. وقد مر ذلك. تم أي بعد مضي الأربع للحر ونصفها للعبد اعتدت كعدة الوفاة أي تعتد بأربعة أشهر وعشر إن كانت حرة وبشهرين وخمس ليال إن كانت أمة، بنى بها أم لا، وما زعم زاعم أنه لا عدة عليها إن لم يبن بها باطل، وإنما قال: كالوفاة، ولم يقل عدة وفاة؛ لأن هذا تمويت لا موت، واختلف هل يتكمل لها الصداق إن لم يبن بها بهذا التمويت؟ أم لا؛ قال ابن عرفة: قال مالك: لها جميعه، وقال ابن دينار: لها نصفه، وبعض أصحابنا إن دفعه لها لم ينزع منها وإلا دفع لها نصفه، وعلى الأول قال مالك: يعجل المعجل والمؤجل لأجله، وقال سحنون: بل يعجل لها الجميع. وللشيخ محمد بن أبي القاسم محمد بن عبد الجليل الفلالي:

وإن يكن قبل البناء فقدا

وأجلت زوجته ما عهدا

من السنين فالصداق مستحق

جميعه لها على القول الأحق

وإن أتى من بعد ما فاتت عليه

فلا تر نصف ذلك إليه

قال في شرحه لهذه الأبيات: قال في اختصار المتيطية: وإن فقد قبل البناء ففي الصداق روايتان، إحداهما: أن لها جميعه، قال ابن بطال في المقنع: وبهذه الرواية القضاء، والأخرى: أن لها النصف تأخذه عند تمام العدة ويبقى النصف الآخر إلى انقضاء تعميره. وقال عبد الملك. تعطى نصف صداقها وإن كانت قبضت الجميع لم ينزع منها، وعلى أنها تأخذ الجميع فقال مالك: يعجل لها المعجل ويبقى المؤجل إلى أجله. وقال سحنون: بل يعجل لها الجميع. ومنشأ الخلاف أن هذه المرأة فيها شائبتان شائبة الموت بدليل أنها تعتد عدة الوفاة وشائبة الطلاق بدليل أن دخول الثاني يوجب على الأول طلقة، وإذا قدم المفقود في الوقت الذي لا يكون أحق بها فهل ترد نصف الصداق؟ أم لا فيه روايتان عن مالك. قال بعض الموثقين والعمل على أنها لا ترد شيئا لأنه حكم نفذ. وقال اللخمي: القول بالرد أحسن لأنه طلاق قبل البناء انتهى. ونحوه في التوضيح والحطاب. انتهى. وقوله: ثم اعتدت كالوفاة، قد مر أنها تترك التزين بالمصبوغ إلى آخر ما سبق

ص: 552

وتلزم مسكنها ولا يعقد عليها. تنبيه: قوله: ثم اعتدت كالوفاة. قال علي الأجهوري: انظر لو كانت من ذوات الحيض ومضت عدة الوفاة ولم تنقض عدة الطلاق كمن تحيض كل خمس سنين هل تنتظر بقية عدة الطلاق؟ أم لا، وهو الملائم لقوله: كالوفاة، وليس هنا ريبة. انتهى. نقله عبد الباقي. وقال بناني: التنظير قصور، قال ابن عرفة: ابن عات على قول عبد الملك: لا إحداد عليها لابد من الحيض فيلزمها أقصى الأجلين، وعلى قول ابن القاسم لا تحتاج إلى حيض ويحتمل أن يكون الإحداد على وجه الاحتياط فيتعين مع ذلك الحيض فيلزمها أقصى الأجلين. انتهى. وسقطت بها النفقة يعني أن امرأة المفقود تسقط نفقتها بالعدة أي بالشروع فيها؛ لأن المتوفى عنها ولو حاملا لا نفقة لها، وهذه تعتد عدة وفاة، والباء في بها للسببية، وتحتمل الظرفية، وهي أولى، قال في المتيطية: وينفق على زوجة المفقود في الأربع سنين ويكسوها بعد أن تحلف أن زوجها لم يترك لها نفقة ولا كسوة ولا أرسل بشيء وصل إليها ولا يكلفها إثبات الزوجية لثبوتها عنده قبل الأجل، ويكلف بذلك غيرها من نسائه، ولا ينفق عليها في العدة، وينفق على صغار بنيه وأبكار بناته بعد ثبوت البنوة، وأنه لا مال لهم في علم الشهود، ثم قال في عقد الوثيقة: دفع فلان الناظر للمفقود إلى فلانة بعد أن ثبت عند القاضي أنها زوجة المفقود فلان، لم تنقطع عصمته عنها إلى حين قيامها عنده، وبعد أن ثبت عنده يمينها في المسجد الجامع أنه بموضع كذا ما ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا تمون به نفسها ولا أرسل إليها بشيء وصل إليها، ولا أسقطت ذلك عنه، ولا شيئا منه، كذا وكذا دينارا لخ. ثم قال: وإن كان له بنون قلت: إلى فلانة زوج المفقود وحاضنة بنيها منه فلان وفلان الصغيرين وفلانة البكر بعد أن ثبت عند الفقيه القاضي أنها زوجةُ، إلى آخره. وأن بنيها المذكورين هم من المفقود فلان، وأن فلانا وفلانا صغيران، وأن فلانة بكر، وأنهم لا مال لهم في علم من ثبت ذلك بشهادتهم. انتهى. نقله الإمام الحطاب. ولا تحتاج فيها لإذن يعني أن امرأة المفقود لا تحتاج في العدة بعد انتهاء

الأجل المضروب إلى أن يأذن لها الإمام فيها، ولا تحتاج بعد انقضائها أي العدد لإذن منه في

التزويج؛ لأن إذنه حصل أو لا بضرب الأجل، فبمجرد انتهاء الأجل تدخل في العدة، وقوله: ولا

تحتاج فيها لإذن. قاله في المدونة. وقولي: ولا تحتاج بعد انقضائها لخ، قاله عبد الوهاب. انظر

الشبراخيتي. وليس لها البقاء بعدها يحتمل أن الضمير في بعدها راجع للأربع، فيكون ماشيا

ص: 553

على قول أبي عمران وهو المعتمد؛ أي أن المرأة إذا انقضت السنون الأربع ليس لها أن تبقى في عصمة الزوج المفقود، وأما في أثناء الأجل فلها ذلك، وإنما لم يكن لها البقاء في العصمة بعد انتهاء الأجل لأنها بمجرد انقضاء الأجل تدخل في العدة، كما أفاده ابن عرفة؛ لأنها لا تحتاج لنية ولا لإذن من الإمام، وفي كلام عبد الباقي والشامل نظر، ويحتمل أن يكون ماشيا على قول أبي بكر بن عبد الرحمن: لها البقاء في العصمة ما لم تخرج من العدة وتحل للأزواج، وهو المتبادر من المص بجعل الضمير للعدة. انظر حاشية الشيخ بناني، وفي الشبراخيتي: وأما في الأربع سنين فلها ذلك، ومتى رفعت بعد ذلك ابتدئ لها الأجل. انتهى. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: أبو عمران. لها البقاء على عصمته في خلال الأربع سنين لأنها لم تجب لها عدة، ومتى رجعت للرفع للسلطان ابتدأ لها الضرب وليس لها ذلك إن تمت الأربع. انتهى. وقدر طلاق يعني أن الشرع يقدر وقوع طلاق من المفقود عند شروع امرأته في العدة لتفوت به على زوجها المفقود لاحتمال حياته، ولكن ذلك الطلاق إنما يتحقق وقوضه حكما بدخول الزوج الثاني بها، فإن جاء الأول قبل دخول الثاني كان أحق بها، وأما إن جاء بعد دخول الثاني فإنها تفوت على المفقود لبينونتها بدخول الثاني، وتأخذ من المفقود جميع المهر أو نصفه على الخلاف السابق إن لم يبن بها وقضي بكل منهما، وعلى القول بالنصف إن مضت مدة التعمير أو ثبت موته كمل لها، وهل تحل ديونه قبل أجلها؟ نقل فيه الحطاب قولين. قاله بناني. والمراد بدخول الثاني خلوته وإن أنكر التلذذ بها لأن الخلوة مظنته أو قائمة مقامه. قال الشبراخيتي: قال التتائي واستشكل هذا الطلاق لعدم جريانه على الأصول لوقوعه بدخول الثاني وهي في عصمته، وبأن العدة قبل وقوعه ولا نظير له قال بعض الشارحين: وإذا علمت أن الطلاق واقع حين أخذها في العدة وإنما دخول الثاني يحقق وقوعه وليس واقعا حين دخوله زال ذلك الإشكال وظهر التفريع الآتي، والمراد بالدخول الخلوة ولو مع إنكار تلذذه بها وكذا تلذذه بها، ولو بغير خلوة، ومحل ذلك في التلذذ ولو بغير الوطء حيث كان غير عالم والزوجة كذلك. كما يفيده قوله الآتي: فتحل للأول إن طلقها اثنتين يعني أنه إذا دخل بها الثاني فإنها تفوت على الأول كما علمت، فإذا طلقها الثاني أو مات عنها فإنها تحل للأول إن كان قد طلقها اثنتين، لكن يشترط في حلها للأول أن يحصل من الثاني ما يحل المبتوتة من إيلاج بالغ قدر الحشفة بلا منع ولا نكرة فيه بانتشار وعلم خلوة

ص: 554

بامرأتين؛ لأنها مبتوتة حكما؛ لأنه طلقها اثنتين وتحققت ثالثة بدخول الثاني، وأما إن طلقها الثاني أو مات عنها بعد أن دخل بها دخولا لا يحل المبتوتة فإنها لا تحل للأول. قاله غير واحد. وأشار بهذا أعني قوله: فتحل الخ، لرد قول أصبغ: إنها لم تنكح بعد الطلاق لأن الثالثة إنما تقع بدخول الثاني ولم يحصل بعده نكاح وحلها موقوف على نكاح بعد الثلاث. اللخمي: والأول أحسن. قاله الشبراخيتي. وقال ابن عبد السلام: قالوا فلو قدم الزوج الأول بعد أن دخل بها الثاني وزعم الثاني أنه لم يدخل بها لم تحل للأول لظهور أن الثاني أفاتها، ولا للثاني لإقراره أن الأول أحق بها، يعنون إلا أن يطلقها الثاني فيتزوجها الأول إن كان تقدم له فيها طلقة أو لم يتقدم له فيها طلاق، وإن كان قد تقدم له في هذا الفرع طلقتان فعلى المشهور تحل للأول ولا يضرها إنكار الثاني للدخول. وعلى قول أصبغ لا تحل له وإن أقر بوطئها. انتهى. وهو مخالف لما مر عن غير واحد، وهو الخرشي وعبد الباقي والشبراخيتي. والله سبحانه أعلم. فإن جاء يعني أن المفقود إذا جاء فإن حكم زوجته كحكم ذات الوليين، فقوله الآتي: فكالوليين، جواب الشرط أعني قوله: فإن جاء؛ أي فإن جاء المفقود فحكم زوجته كحكم ذات الوليين المتقدمة في قوله: وإن أذنت لوليين فعقدا لخ، وتحت قوله: فإن جاء فكالوليين سبع صور، إحداها: أن يجيء في العدة أعني المتقدمة في قوله: ثم اعتدت كالوفاة فهي له، الثانية: أن يجيء بعد العدة وقبل عقد أحد عليها فهي له أيضا، الثالثة: أن يجيء بعد عقد الثاني وقبل دخوله فهي للأول أيضا، الرابعة: أن يجيء بعد دخول الثاني مع علمه بمجيء الأول فهي للأول أيضا، الخامسة: أن يجيء بعد دخول الثاني بلا علم بمجيء الأول لكن في فاسد يفسخ بغير طلاق فتكون للأول أيضا. فهي للمفقود في هذه الصور الخمس، السادسة: أن يجيء بعد دخول الثاني بها في نكاح صحيح، السابعة: أن يجيء بعد دخول الثاني بها في نكاح فاسد يفسخ بطلاق فهي للثاني في هاتين الصورتين. أو تبين أنه حي يعني أن المفقود إذا لم يجيء لكن تبين أنه حي فإن حكم زوجته كحكم ذات الوليين أيضا، وتحت ذلك سبع صور أيضا، إحداها: أن يتبين أنه حي في العدة فهي للمفقود، الثانية: أن يتبين أنه حي بعد العدة وقبل عقد الثاني فهي للمفقود أيضا، الثالثة: أن يتبين أنه حي بعد عقد الثاني وقبل دخوله فهي للمفقود أيضا، الرابعة: أن يتبين أنه حي بعد دخول الثاني مع علمه بحياة الأول فهي للمفقود أيضا،

ص: 555

الخامسة: أن يتبين أنه حي بعد دخول الثاني بلا علم بحياة الأول لكن في نكاح فاسد يفسخ بغير طلاق فهي للمفقود أيضا، السادسة: أن يتبين أنه حي بعد دخول الثاني غير عالم بحياة الأول في نكاح صحيح، السابعة: أن يتبين أنه حي بعد دخول الثاني غير عالم بحياة الأول في نكاح فاسد يفسخ بطلاق، فهي للثاني في هاتين الصورتين، فهي للأول في خمس وللثاني في صورتين. أو مات عطف على حي لأنه اسم يشبه الفعل لأنه صفة مشبهة؛ يعني أن المفقود إذا تبين أنه مات فإن حكم زوجته كحكم ذات الوليين. وعلم مما قررت أن قوله فكالوليين جواب الشرط أعني قوله: فإن جاء لخ، فهو راجع للمسائل الثلاث. وقوله: أو مات، حاصل مسألة الموت أن لها حالتين، إحداهما: أن يتبين موته والحال أنه لم يعقد عليها أحد فإنها ترث المفقود قطعا، الحالة الثانية: أن يتبين أنه مات بعد عقد أحد عليها، وفيها ثلاثة أقسام، الأول: أن يعقد عليها في حياة المفقود، الثاني: أن يعقد عليها في عدتها منه، الثالث: أن يعقد عليها بعد العدة، وفي كل قسم صور، القسم الأول: أن يعقد عليها في حياته فإن لم يدخل أو دخل في حياته عالما بحياته أو دخل في عدته عالما بحياته وموته أو لا علم عنده، ورثت الأول في هذه الصور ولم تكن للثاني، فإن دخل في حياة الأول غير عالم بحياته كانت للثاني ولم ترث الأول، فإن عقد عليها قبل موته ودخل بعد العدة ورثت الأول وتأبد تحريمها على الثاني عند ابن أبي زيد لا عند اللخمي فتكون للثاني. القسم الثاني: أن يعقد في عدة المفقود فترث الأول على كل حال دخل أم لا علم أم لا ولا تكون للثاني، وتتأبد عليه إن دخل كان دخوله في العدة أو بعدها. القسم الثالث: أن يعقد عليها بعد العدة فهي للثاني وترث الأول دخل أو لم يدخل. والحاصل أنها ترث الأول في جميع هذه الأقسام إلا في صورة واحدة وهي إذا تبين أنه عقد ودخل في حياة الأول غير عالم، وهذا القسم الأخير واضح ويدخل في قوله: وورثت الأول إن قضي له بها كما قاله الشيخ بناني؛ يعني أن امرأة المفقود ترثه حيث قضي له بها وذلك في جميع الأقسام المذكورة إلا في الصورة المستثناة، وهي: ما إذا تبين أنه عقد ودخل في حياة الأول غير عالم. والله سبحانه أعلم.

تنبيهات: الأول: قال اللخمي: فإن جهلت التواريخ وقد دخل الثاني لم يفسخ نكاحه ولم ترث الأول لأنه لا يفرق بينها وبين الثاني بالشك، ولا ترث أيضا بالشك. نقله الإمام الحطاب. قال

ص: 556

مقيده عفا الله عنه: وهذا يفيده المص حيث قال: أو تبين، والله سبحانه أعلم. الثَّاني: لو عقد عليها الثاني ثم مات قبل أن يبني بها وورثته ثم ثبت موت الأول بعد أن نكحت ردت ميراث الثاني وورثت الأول. قاله غير واحد. الثالث: قال في المنتقى: قال ابن حبيب من تزوج امرأة لها زوج غائب لا يدرى أحي هو أم ميت ثم تبين أنه مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها قبل نكاحه أن نكاحه ماض. نقله الحطاب. الرابع: لو قدم المفقود بعد أن خلا بها الثاني فقال للأول: ما قربتها، لحرمت على الثاني لأنه أقر أنها زوجة للأول ولم تحل للأول لظهور الإبانة إلا أن يخطبها بعد ثلاث حيض، وجعل اعترافه كالطلاق وإن لم يطلق، فتحل لذلك الزوج ولا تحل لغيره إن اعترفت أن الثاني لم يصبها لأنها مقرة أنها زوجة للأول، وإن ادعت أنه أصابها حلت له ولغيره لأنه يعد ذلك منه طلاقا، وإن أنكرت أن يكون أصابها ولم يصدقها الأول ولا راجعها كان لها أن ترفع أموها إلى السلطان فيطلق على الأول لأنها تقول: لا أبقى بغير نفقة، ولو أنفق عليها لكان لها أن تقوم بعدم الإصابة؛ لأن إنكار الأول أن تكون صدقت وقوله: لا علم عندي، لا يعد طلاقا. انتهى. نقله في التوضيح عن محمد. ونقله ابن عرفة عن اللخمي عن محمد أيضا. قاله بناني. الخامس: ما مشى عليه المص مخالف لما في الموطإ من أنها إن تزوجت بعد انقضاء عدتها فهي للثاني دخل بها أم لا لا للأول. والله أعلم. ولو تزوجها الثاني في عدة فكغيره يعني أنه إذا تبين أن الثاني تزوج امرأة المفقود في عدتها منه فإنه يكون كغيره ممن تزوج في العدة فيفسخ نكاحه إن لم يدخل وكان خاطبا إن أحب، فإن تلذذ فيها أو وطئ ولو بعدها تأبد تحريمها عليه، وأشار المص إلى مسائل لا تفوت فيها المرأة بالدخول بقوله: وأما إن نعي لها جواب أما قوله الآتي: "فلا تفوت بدخول"؛ يعني أن المرأة إذا نعي لها زوجها أي أخبرت بموته من عدلين أو غيرهما كما لبناني فاعتدت وتزوجت ثم قدم الزوج المنعي فإنها لا تفوت على زوجها المنعي لها ولو ولدت الأولاد، فليست كامرأة المفقود تفوت بدخول الثاني بها غير عالم بحياة الأول ونحوها، وهذا هو المشهور. وقال القاضي إسماعيل: حكمها حكم امرأة المفقود، وقيل: تفوت بدخول الثاني إن حكم حاكم بموت الأول وإلا فلا. وقد علمت أن المشهور القول الأول: وهو أنها لا تفوت بدخول الثاني مطلقا حكم حاكم بموت الأول أم لا، علم الثاني حين الدخول أم لا والفرق للمشهور أن الحكم في المفقود استند إلى اجتهاد الحاكم بثبوت الفقد ولم يتبين خطؤه

ص: 557

لوجود الفقد، والمنعي لها زوجها حكم الحاكم بموته مستندا إلى شهادة تبين خطؤها وإن لم يحكم بذلك حاكم فواضح، وقوله: وأما إن نعي لها، المنعي هو الإخبار بالموت ونعي فعل ماض مركب والمنعي اسم مفعول وهو بفتح اليم وسكون النون وكسر المعين وتشديد الياء.

تنبيهان: الأول: إذا ردت إلى الأول فلا يقربها حتى تحيض أو تضع حملها إن كانت حاملا وتعتد في بيتها الذي كانت تسكن فيه مع الآخر ويحال بينه وبين الدخول عليها. عياض: لا إشكال في منع الثاني من النظر إليها لأنه أجنبي، وأما الأول فلا إشكال في منع الوط لاختلاط الأنساب، وأما ما عداه من الاستمتاع فمباح لأنها زوجته، وإنما حبسه لأجل اختلاط النسبين كما لو استبرأها من زنى، وبدليل لو كانت المغصوبة ظاهرة الحمل من زوجها لجاز له وطؤها إذ الإلد ولده عند ابن القاسم، وكرهه أصبغ كراهة لا تحريما. نقله الحطاب. وقال عبد الباقي عند قوله: وأما إن نعي لها، وتعتد من الثاني بثلاث حيض أو ثلاثة شهور أو وضع الحمل في بيته التي

(1)

كانت تسكن فيه معه ويحال بينه وبينها، فإن مات القادم فعدة وفاة ولا ترجم إن لم يكن موته فاشيا لأن دعواها شبهة. انتهى. وقوله: وأما إن نعي لها، قال الشارح عنده بعد أن حكى الأقوال الثلاثة: فإن لم يدخل بها الثَّانِي لم تفت بلا خلاف. الثاني: قال ابن الحاجب: قال أبو عمران: لو ثبت موته عندها برجلين ولم يظهر خلافه لم يفسخ إلا أن يكونا غير عدلين أو لم يعلم إلا بقولها. قال في التوضيح: ما ذكره عن أبي عمران لا يؤخذ منه جواز ذلك ابتداء، ونقل عنه ابن يونس وغيره أنه يجوز لها أن تتزوج بخبر العدلين. وليس عليها أن ترفع إلى الحاكم ولا يفسخ انتهى نقله الحطاب. أو قال: عمرة طالق مدعيا غائبة فطلق عليه ثم أثبته يعني أن الرجل إذا كان له زوجة تسمى عمرة لا يعرف له غيرها من امرأة تسمى باسمها، فقال: عمرة طالق وادعى أن له زوجة غائبة تسمى عمرة وأنها التي قصدها بالطلاق فلم يصدق وطلقت عليه الحاضر لعدم معرفة نكاحه غيرها، فاعتدت وتزوجت ودخل بها هذا الزوج الأخير، ثم إن الزوج الأول الذي قال: عمرة طالق أثبته أي أثبت نكاح امرأة غائبة تسمى عمرة، فإن الحاضرة ترد إليه ولا تفوت بدخول الثاني. قاله محمد. فالضمير في أثبته عائد على النكاح أي أثبت نكاح المرأة التي ادعى نكاحها. وقوله: غائبة، صفة لموصوف محذوف أي امرأة غائبة. قاله الشارح.

(1)

كذا في الأصل وعبد الباقي ج 4 ص 214.

ص: 558

وذو ثلاث وكل وكيلين يعني أن الرجل إذا كان له ثلاث زوجات في عصمته ووكل وكيلين على أن يزوجاه فعقدا له مترتبين وفسخنا نكاح الأولى ظنا منا أنها الخامسة فاعتدت وتزوجت ودخل بها الثاني ثم ثبت بالبينة أنها الرابعة فإنها لا تفوت بدخول الثاني على من فسخ نكاحها منه، ويفسخ نكاح التي أبقاها بلا إشكال ولو ولدت الأولاد؛ لأنها الخامسة، وقرر المص أيضا بأن ذا الثلاث زوجة كل من وكيليه زوجة وجهل تاريخ الأخيرة ففسخ نكاحهما لذلك وتزوجتا ودخل بهما، ثم ثبت سبق إحداهما للأخرى، فإن السابقة لا تفوت بدخول الثاني. والمطلقة لعدم النفقة ثم ظهر إسقاطها يعني أن المرأة إذا قامت بحقها في النفقة فطلقها الحاكم وتزوجت ودخل بها هذا الزوج الثاني ثم بعد دخول الزوج الثاني بها ظهر إسقاطها عن الزوج الذي طلقت عليه لعدم النفقة بأن أقام بينة أنه كان يرسلها لها وأنها وصلتها أوأنه تركها عندها مثلا فإنها لا تفوت بدخول الثاني، وهل إقامة بينة على أنها أسقطتها عنه في المستقبل كذلك؟ كما نقله أبو الحسن عن عبد الحق ولم يذكر خلافه، وهو ظاهر تقييد المص بإسقاط دون سقوط أو لا يلزمها ذلك؛ لأنه من إسقاط الشيء قبل وجوبه وهو ما للقرافي وأقره ابن الشاط خلاف. قاله، عبد الباقي. وقال الشبراخيتي بعد أن حكى الخلاف ما نصه: وأما لو ظهر إسقاطها بسبب علمها حين تزوجته أنه فقير أو أنه من السؤَّال فإنها لا تفوت بدخول أيضا ولو على ما ذكره القرافي. انتهى. وذات المفقود تتزوج في عدتها فيفسخ يعني أن زوجة المفقود إذا تزوجت في عدتها المقدرة لها في تمويته وأحرى لو تزوجت في الأجل المضروب لها وفسخنا نكاحها إعطاء للمقدر حكم المحقق فاستبرئت ثم تزوجت بثالث ودخل بها، ثم ظهر أن نكاحها في العدة المقدرة لها صحيح لكون المفقود قد مات قبل ذلك وانقضت عدتها منه قبل النكاح المذكور، فإنها لا تفوت على الثاني بدخول الثالث بل ترد إلى الثاني. أو تزوجت بدعواها الموت يعني أن المرأة إذا ادعت أن زوجها مات وتزوجت لذلك ولم يعلم ذلك إلا من قولها ففسخنا نكاح هذا الثاني لأجل ذلك ثم تزوجت بثالث ودخل بها، ثم ظهر أن دعواها موافقة لما في نفس الأمر وأن نكاح الثاني كان على الصحة، فإنها لا تفوت على الثاني بدخول الثالث، ولا حد عليها؛ لأن دعواها شبهة تدرأ عنها الحد. أو بشهادة غير عدلين يعني أن المرأة إذا غاب زوجها فشهد غير عدلين بموته، فتزوجت معتمدة على شهادتهما ففسخ نكاح هذا الثاني لعدم عدالتهما، ثم تزوجت ثالثا ثم يظهر أن نكاح من

ص: 559

تزوجته بشهادة غير عدلين كان على الصحة لكون عدلين أرخا بتاريخ تنقضي فيه عدتها قبل نكاح المتزوج بشهادة غير عدلين فإنها لا تفوت بدخول الثالث. فقوله: فيفسخ. راجع لهذه وللتي قبلها. وقوله: ثم يظهر أنه كان على الصحة راجع لهذه واللتين قبلها. وقوله: فلا تفوت بدخول. جواب أما فهو راجع للمسائل السبع، ومفهوم قوله: غير عدلين، أنه لو شهد عدلان لا يفسخ نكاح الثاني إلا أن يتبين نقض ما يوجب الحكم بشهادتهما، كمجيء المشهود بموته فإنها لا تفوت بدخول الثاني وترد للأول، كما قدمه بقوله: وأما إن نعي لها فإنه يشمل ما إذا أخبرها بموته عدلان وغيرهما، كما مر عن الشيخ بناني. وقوله: أو بشهادة غير عدلين، قدمت في أول الحل أنهما شهدا على الموت تبعا للخرشي وعبد الباقي والشبراخيتي والأمير؛ وأما لو شهدا على الطلاق ففسخ لكونهما غير عدلين وتزوجت ثالثا ثم ظهر أن نكاح الثاني كان صحيحا، لم تفت بدخول الثالث وترد إلى الثاني، فلا فرق بين الموت والطلاق، لقول ابن عبد السلام: إن عقود النكاح إذا ترتبت وكثرت فإن صحة الثاني مشروطة بخلو المرأة عن الزوج. وفيه أيضا ما يفيد ما ذكرته وهو واضح. قال بعضهم: بقي على المص مسألتان، الأولى: إذا أسلمت زوجة النصراني وتزوجت ثم ثبت أنه أسلم قبلها أو بعدها في العدة كان أحق بها من الثاني ولو ولدت. الثانية: الأسير يتنصر ولا يدرى أكان طائعا أم مكرها ثم تتزوج امرأته ثم يقدم فيثبت أنه كان مكرها فإنها ترد إليه وإن دخل بها الثاني. قال عبد الباقي: وهو ضعيف في المسألتين، والمذهب أنها تفوت بالدخول فيهما انتهى وقال الشبراخيتي بعد أن ذكر المسألتين ولكن مقتضى ما ذكر الحطاب وابن عرفة أن الراجح أنها تفوت بالدخول، فقد علم من هذا أن ترك المص لهاتين المسألتين في المسائل التي لا تفوت فيها بالدخول، موافق لما تجب به الفتوى واعلم أن المرأة إذا بلغها طلاق زوجها أو موته ولو بخبر من لا يثبت به ذلك فإنها تعتد من يوم طلق أو مات، فلذلك لو لم يبلغها الخبر حتى انقضت عدتها حلت للأزواج في الموت والطلاق. وقد نظمه بعضهم بقوله:

ألا قل لمن تاتيك تسئل عدة

بموت مُغيب أو طلاق ولم تدر

فإن فات قبل العلم مقدار عدة

فَحَسْبُهَـ ذاك حل بُضعهـ عن خبر

ص: 560

وإن قل ما قد فات تمكث ما بقي

من العدد المذكور في محكم الذكر

وفي المدونة: وإذا بلغها موت زوجها فعدتها من يوم الموت، فإن لم يبلغها ذلك حتى انقضت عدتها فلا إحداد عليها وقد حلت. انتهى. والضرب لواحدة ضرب لبقيتهن وإن أبين يعني أن من قام من نساء المفقود بعد ضرب الأجل لواحدة منهن مثلا لا يضرب للقائمة الآن أجل ثان بل يكفي أجل الأولى، وإن أبين من القيام وضرب الأجل حين قامت الأولى فلها أن تقوم بعد الإباية ويكتفى لها بأجل الأولى ولا تحتاج لضرب أجل آخر، حتى أن من قامت منهن بحقها بعد مضي الأجل وانقضاء العدة لا تحتاج لعدة، بل تتزوج إن أحبت وإن قامت قبل ذلك تنتظر ما بقي. والحاصل أن من قامت منهن بعد انقضاء العدة المقدرة في تمويته لها أن تتزوج في ذلك الوقت الذي قامت فيه من غير احتياج إلى شيء من تأجيل وعدة، فإن لم يقمن بحقهن وطلبن البقاء فلهن ذلك، وتستمر لهن النفقة ولا عدة عليهن. وليس معنى المصنف أن من قامت من نسائه فضرب لها الأجل ثم اعتدت أن الباقي منهن تلزمه العدة وتنقطع عنه النفقة. وقوله: وإن أبين، هو قول مالك وابن القاسم، وقيل: لا يكون ضربا لمن لم ترفع أمرها منهن. والأول هو الظاهر، ابن عبد السلام: والثاني أقرب. قاله الشارح. وبقيت أم ولده يعني المفقود تبقى أم ولده في ملكه لمضي التعمير وإن رفعت أمرها للحاكم ليضرب لها أجلا، فلا تجاب إلى ذلك، وهذا إن كان له ما تنفق منه وإلا نجز عتقها عند أكثر الموثقين وصوبه ابن سهل. وحلت بحيضة بعد أن تثبت أمومة ولدها وغيبة السيد، وعدم إمكان الإعذار فيها، وعدم النفقة، وما يعدى فيه، من غير يمين عليها أنه لم يخلف شيئا؛ وذهب ابن الشقاق وابن العطار وابن القطان إلى أنها لا تعتق وتسعى في معاشها حتى يثبت موته أو تمضي مدة التعمير. ذكر التتائي هذين القولين. قاله عبد الباقي. وقال محمد بن الحسن: ذكر يعني عبد الباقي عن التتائي في أم الولد يغيب عنها سيدها وتعدم النفقة قولين: تنجيز العتق، وسعيها في معاشها؛ وزاد ابن عرفة قولا ثالثا ونصه: معن أعسر بنفقة أم ولده فقيل: تزوج ولا تعتق. وقيل تعتق، وكذا إن غاب سيدها ولم يترك لها نفقة. انتهى. وماله يعني أن مال المفقود يبقى في ملكه ولا يورث عنه لمضي التعمير إذ لا ميراثظ

ص: 561

بالشك، فالتمويت المتقدم إنما هو بالنسبة للزوجة، وإذا مضت مدة التعمير ورث ماله ويقسم على ورثته حين الحكم بتمويته لمضي التعمير، فالمعتبر وارثه إذ ذاك لا يوم بلوغه سن التعمير وإن لم يحكم. كما قاله بناني رادا على عبد الباقي. ونص بناني: المعتبر وارثه يوم الحكم بتمويته. كما نقله الحطاب عن ابن عرفة. وأقوال المذهب واضحة بأن مستحق إرثه وارثه يوم الحكم بتمويته لا يوم بلوغه سن تمويته. انتهى. وقوله: وماله يعني ما لم يثبت موته فإن ثبت موت قسم حين ثبوته كما في المدونة. قال الشارح: قال في المدونة: أو يصح موته فيرثه ورثته يوم صح موته، وحكى ابن راشد قولا: إن ذلك يقسم بعد الأربعة أعوام. انتهى. فإن جاء المفقود بعد قسم تركته فإن القسم لا يمضي ويرجع له متاعه، ولا يقاس هذا على ما في آخر الاستحقاق أن الوصي لا يضمن ويمضي المبيع إن عذرت بينته؛ لأن ذلك بمعاوضة. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: وينفق من ماله على رقيقه وولده لا على أبويه إن لم يكن قضى بها قاض قبل الفقد انتهى. وقوله: وماله من عطف العام على الخاص لأن أم الولد مال. قاله الشبراخيتي. وزوجة الأسير يعني أن زوجة الأسير أي الذي أسره العدو أي الكفار لا يضرب لها الأجل المتقدم، بل تبقى في عصمته لمضي التعمير أو يثبت موته، سواء علم موضعه أم لا: وإنما لم يضرب لزوجة الأسير أجل لتعذر الكشف كن حاله والفحص عن خبره؛ لأن الإمام لا يصل إلى كشف حاله كما يفعل بالمفقود، وقاله في المدونة. قال: وسواء علمنا موضعه أم لا لأنه معلوم أنه قد أسر، وخرج اللخمي أن امرأته تطلق عليه، قياسا على أحد القولين فيمن قطع ذكره. ولا خلاف أنه متى عرف مكانه وثبتت حياته أن اسرأته لا تتزوج حتى يموت. ذكره ابن حارث. فلو هرب من بلاد العدو وجهل خبره فإن لم يثبت دخوله بلاد الإسلام فله حكم الأسير وإلا فكالمفقود قاله الشارح. ومفقود أرض الشرك هذا هو القسم الثاني من أقسام المفقود؛ يعني أن المفقود بأرض الشرك تبقى زوجته في عصمته لانقضاء أمد التعمير ولا يضرب لها الأجل المتقدم، ومحل بقاء زوجة الأسير ومفقود أرض الشرك للتعمير إنما هو إن دامت نفقتهما، وإلا فلهما الطلاق، وإذا ثبت لهما الطلاق بذلك فبخشية الزنى أولى؛ لأن ضرر ترك الوطء أشد من ضرر عدم النفقة، ألا ترى أن إسقاطها يلزمها؟ على ما مر وإسقاطها حقها في الوطء لها أن ترجع فيه، والنفقة يمكن تحصيلها بتسلف أو سؤال، بخلاف الوطء. وإذا مضت مدة التعمير حكم بموته واعتدت زوجة كل عدة وفاة وقسم ماله على

ص: 562

ورثته، فإن جاء بعد القسم لتركته لم يمض القسم ويرجع له متاعه، ومن شك في فقده بأرض الإسلام أو الكفر فينبغي أن يلحق بمفقود الكفر احتياطا في زوجته وماله. قاله عبد الباقي. وبحث فيه الرهوني عن شيخه بأنه لا يصح، وقد قال مالك وأصحابه فيمن وطئ مرة وانقطع ذكره: إن زوجته لا تطلق عليه ولو كانت تشتعل نارا من الشهوة. وجلب ما يتيسر به إبطال كلام عبد الباقي ولم يتسع هنا المحل لجلب بعضه. والله تعالى أعلم. وقوله للتعمير غاية للبقاء في المسائل الأربع؛ أي تبقى أم ولد المفقود وماله وزوجة الأسير ومفقود أرض الشرك إلى الحكم بالتمويت بعد مضي مدة التعمير. فقوله: للتعمير، فيه مقدر أي للحكم بالتعمير يدل عليه قوله: وإن اختلف الشهود لخ؛ لأن الشهادة لا تكون إلا عند حاكم، وبهذا يوافق ما أفتى به ابن عرفة. قاله الشبراخيتي. وأشار المص إلى أمد التعمير بقوله: وهو سبعون يعني أن نهاية مدة التعمير سبعون سنة من يوم ولد هذا الشخص، وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب، وتسميها العرب دقاقة الأعناق، وقوله: وهو سبعون لخبر (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين

(1)

) وقل من يجاوز ذلك. قاله الشبراخيتي. وقال الشارح: قال عبد الوهاب: وهو الصحيح. وقال ابن يونس: هو الظاهر لقوله عليه الصلاة والسلام: (أعمار أمتي) لخ، ولمالك وابن القاسم قول أيضا: أن أمد التعمير ثمانون سنة، وإليه أشار بقوله: واختار الشيخان ثمانين يعني أن الشيخين وهما أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني والشيخ أبو الحسن علي القابسي اختارا كون أمد التعمير ثمانين سنة وحكم بخمس وسبعين يعني أنه حكم ابن زرب وغيره بأن أمد التعمير خمس وسبعون سنة. قال الباجي في سجلاته: وبه القضاء. قاله الشبراخيتي. وقال الشارح: هكذا قال ابن العطار: إن الحكم به عندهم، وبه كان يحكم ابن زرب. وعن ابن الماجشون: تسعون، وعنه: مائة، ونحوه لأشهب وابن حبيب، وإليه رجع مالك. وعن ابن القاسم: هو الثمانون أو التسعون. وعن ابن عبد الحكم: أنه مائة وعشرون. انتهى. قال التتائي: وظاهر كلام المص ترجيح الأول. وإلَّا حَكَاها أقوالا على عادته. قال ابن عرفة: أخبرني بعض قضاة شيوخنا عن نفسه أو عن بعض شيوخه أنها نزلت بتونس فحكم القاضي حينئذ بتمويته بخمس وسبعين سنة، وأشهد القاضي على حكمه بذلك بعد ثبوت ما يجب في ذلك شهيدين، ورُفِع الرسم إلى سلطانها، فقيل:

(1)

الترمذي، كتاب الدعوات، رقم الحديث 3550. ابن ماجه، كتاب الزهد، رقم الحديث 4236.

ص: 563

هذا القاضي والشهيدان كل منهم جاز هذا السن، فألغي الإعمال به بعد ضحك أهل المجلس تعجبا من حكم القاضي وشهادة شهيديه. انظر الشبراخيتي. وفيه: ورُدَّ هذا بأن حكم الحاكم جزءي لا كلي، وأيضا النظر في السن للغالب من أحوال الناس. انتهى. وقال بناني: قال ابن عرفة: وعلى السبعين إن فقد لها زيد عشرة أعوام، أبو عمران: وكذا ابن الثمانين، وإن فقد ابن خمس وتسعين زيد له خمس سنين، وإن فقد ابن مائة اجتهد فيما يزاد له. انتهى. وقال الشبراخيتي: سئل أبو عمران عن الذي يفقد وهو ابن ثمانين سنة؟ قال: يضرب له عشر سنين، وكذلك إن كان ابن تسعين سنة. وأما إن كان ابن خمس وتسعين سنة فإنما يضرب له خمس سنين، وإن كان ابن مائة اجتهد فيما يضرب له قال غيره: كالسنة ونحوها. انتهى. ابن يونس: وفي كتاب ابن سحنون: إذا فقد ابن ثمانين أو تسعين أو مائة استحب أصحابنا أن يزاد على ذلك عشر سنين، وقال بعض أصحابنا: الأول أصوب؛ المتيطية: إن فقد وهو ابن مائة عمر بأعوام يسيرة بقدر الاجتهاد، وقيل: بعشر سنين، وقيل: بالعام والعامين، وإن كان ابن مائة وعشرين تلوم له بعام واحد. قاله الشبراخيتي. وفيه: أن من فقد وهو ابن سبعين أو ابن خمس وسبعين أو ابن ثمانين أو أكثر ينظر إلى حاله من قوة وضعف يوم فُقِدَ، فَقَد يكون صحيح البنية مجتمع القوى وعكسه. فيعتبر في الزيادة حاله، والذي ينبغي في جميع ذلك الرجوع لما يقوله أهل المعرفة بذلك.

فائدة: الشيخان قد عرفتهما، والقرينان: ابن نافع وأشهب، والأخوان: مطرف وابن الماجشون، والقاضيان: عبد الوهاب وإسماعيل، والمحمدان: محمد بن المواز ومحمد بن سحنون. وقال التتائي: محمد بن المواز ومحمد بن عبد الحكم. وإن اختلفت الشهود في سنه فالأقل يعني أن المفقود إذا اختلفت الشهود في سنة حين فقد، فقال بعضهم: سنة عشرون مثلا، وقال بعضهم سنة كذا، أقل أو أكثر، فإنه يعمل بقول الأقل من الشهادتين لأنه أحوط، ويشمل المصنف صورتين، إحداهما: أن تشهد بينة بأن سنه كذا وتشهد أخرى بأن سنه كذا أقل منه أو أكثر، الثانية: أن يشهد واحد أن سنة كذا ويشهد آخر أن شه كذا أقل أو أكثر. انظر. الشبراخيتي وتجوز شهادتهم على التقدير يعني أنه تجوز شهادة الشهود في سن المفقود على التقدير أي على ما يقدرونه في أنفسهم بغلبة ظنهم فلا يشترط التحقيق في قدره للضرورة بأن يقولوا: يغلب على

ص: 564

ظننا أنه فقد وسنه كذا. قاله الشبراخيتي. وحلف الوارث حينئذ أي حين الشهاة على التقدير يعني أنه إذا شهد الشهود على سن المفقود على التقدير فإنه لابد مع ذلك أن يحلف الوارث على البت على وفق ما ذكره الشهود. قال الشارح: لابد مع ذلك من يمين الوارث على وفق ما ذكر الشهود. انتهى. ومفهوم حينئذ أنه إن شهد الشهود على القطع فلا يمين على الوارث وهو كذلك، وإنما يحلف من الورثة من يظن به المعلم. وظاهر المص أنه لابد من حلف الوارث وإن لم يختلف الشهود في سنه. قاله عبد الباقي. وعلم منه أن قول المص: وإن اختلفت الشهود في سنة فالأقل، شامل لما إذا شهدت الشهود على التقدير. قاله مقيده عفا الله عنه. والله أعلم. وإن تنصر أسير فعلى الطوع يعني أن المسلم إذا أسره العدو ثم ثبت أنه تنصر أو تهود أو تمجس والعياذ بالله تعالى، فالمراد أنه ارتد عن ملة الإسلام أعاذنا الله من ذلك، فإنه يحمل في حكم الشرع عند جهل حاله على أنة كفر طائعا حتى يثبت الإكراه، نسئل الله السلامة، فتبين زوجته ويوقف ماله، فإن مات مرتدا كان للمسلمين، وإن أسلم كان له. قاله ابن يونس. ونحوه في المدونة، وكذا في المواق عن المتيطية. قاله بناني. ولو تزوجت زوجته ثم تبين أنه مكره فكامرأة المفقود، وقيل: كالمنعي لها زوجها. وقد مر أن المشهور هو الأول. وإذا علم الإكراه فكالمسلم تبقى زوجته في عصمته وينفق عليها من ماله، وإن شهدت بينة بالإكراه وأخرى بالطوع فبينة الإكراه مقدمة لأنها علمت ما لم تعلم الأخرى. وقوله: وإن تنصر أسير فعلى الطوع، قال الشبراخيتي: وهو مقيد بما إذا لم يكن من أسره ممن اشتهر عنهم أنهم يكرهون الأسير المسلم على الكفر، وإلا حمل على الإكراه، وهو تقييد متجه انتهى وقوله: وإن تنصر أسير فعلى الطوع، قال الشارح: هو مذهب المدونة وهو المشهور، وإنما حمل على الطوع مع جهل الحال لأنه الأصل فيما يصدر من العقلاء في الأفعال والأقوال؛ وعن مالك: أنه محمول على الإكراه لأنه الغالب من حال المسلم، أما إذا علم طوعه أو إكراهه عمل على ذلك بلا إشكال. وقاله في المدونة. انتهى. واعتدت في مفقود المعترك بين المسلمين بعد انفصال الصفين يعني أن من فقد في القتال الحاصل لأجل الفتن بين المسلمين وشهدت البينة العادلة أنه حضر المعترك أي موضع القتال تعتد زوجته بعد انفصال الصفين؛ أي من حين فراغ القتال، ويحمل أمر من فقد في ذلك القتال على أنه مات، وأما لو شهد البينة بأنه خرج في الجيش ولم يروه في المعركة فإن زوجته تكون كزوجة المفقود في بلاد

ص: 565

الإسلام، ويجري فيه ما مر. وما مشى عليه المص هو قول مالك فإنه قال: تعتد زوجته من يوم التقاء الصفين، وهذا يحتمل من الابتداء، ويحتمل من الانتهاء، فيحمل على الانتهاء للاحتياط في العدة والانتهاء هو انفصال الصفين أي الفراغ من القتال، وقال أصبغ: يضرب لامرأته بقدر ما يستقصى أمره ويستبرأ خبره، وليس لذلك حد معلوم. واختلف الشيوخ في فهم كلام الإمام، فمنهم من فسره بكلام أصبغ فيكون قول أصبغ موافقا له، ومنهم من فسره بظاهره فيكون قول أصبغ مخالفا له. إلى ذلك أشار بقوله: وهل يتلوم ويجتهد تفسيران يعني أن الشيوخ اختلفوا في فهم كلام الإمام فمنهم من فسره بكلام أصبغ فيكون قول أصبغ موافقا له، وعليه فالإمام مالك يقول: يتلوم له؛ أي تنتظر مدة يستقصى فيها أمره بعد انفصال الصفين تعتد بعدها ولا تعتد بمجرد انفصال الصفين ويجتهد في تلك المدة بقدر ما يستبرأ خبره، وعلى هذا حمله ابن عبد السلام فإنه جعل قول أصبغ تفسيرا لقول الإمام مالك، فقوله: ويجتهد، كعطف التفسير على: يتلوم، ومنهم من حمل قول الإمام على ظاهره، فتعتد الزوجة المذكورة بعد انفصال الصفين من غير تلوم، فيكون قول أصبغ خلافا لقول لمالك، وهذا تفسير ابن الحاجب، فأشار المص إلى تفسير ابن عبد السلام وابن الحاجب بقوله: وهل يتلوم ويجتهد تفسيران، وقوله: تفسيران، مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تفسيران. وقال الشارح: الأقرب أنَّه تفسير، وقال الحطاب: هذا إذا شهدت البينة العادلة أنه حضر المعترك، وأما إن كان إنما رأوه خارجا عن العسكر ولم يرود في المعترك فحكمه حكم المفقود في زوجته وماله باتفاق. انتهى من التوضيح ناقلا له عن المقدمات. انتهى. وورث ماله حينئذ يعني أنه يورث ماله حينئذ أي حين الشروع في العدة بعد انفصال الصفين وانقضاء التلوم على القول به، وقوله: واعتدت في مفقود لخ، وقيل: كالفقود، وقيل: تتربص سنة، قال الشارح: اللخمي: ومن جعل حكمه كالمفقود وأن الزوجة تتربص أربع سنين وقف ماله إلى التعمير. وقال: واختلف على القول بأنها تتربص سنة، فقيل: يقسم ماله في ذلك الوقت، وقيل: يوقف إلى التعمير. انتهى. وقال الشبراخيتي: على أن قول أصبغ خلاف تعتد وترث بعد انفصال الصفين ولو ماتت قبل الإمام والاجتهاد؛ وعلى الوفاق لا ترث إلا بعد الأمر بالاجتهاد ومضي قدره وكذا غيرها من ورثته. انتهى. كالمنتجع لبلد الطاعون الانتجاع هنا بمعنى التوجه والارتحال؛ يعني أن من ارتحل إلى بلد الطاعون يحمل على الموت. قال عبد الباقي: تعتد زوجته

ص: 566

بعد ذهاب الطاعون ويورث ماله حينئذ ويحمل على الموت ولا يضرب له أجل المفقود. قوله: بعد ذهاب الطاعون، قال بناني: الظاهر من نقل المواق خلافه. انتهى. وقال الشارح: اللخمي وغيره: ويحمل من فقد في زمن الطاعون أو في بلد توجه إليه وفيه طاعون على الموت. انتهى. ومثل الطاعون ما في حكمه مما يكثر عنه الموت كسعال ونحوه، فقد ذكر بعض أصحاب مالك: أنه كان بطريق مكة سعال وكان الرجل لا يسعل إلا يسيرا فيموت، فَفُقِدَ ناسٌ ممن خرج إلى الحج فلم يأت لهم خبر بحياة ولا موت، فرأى مالك أن تقسم أموالهم ولا يضرب لهم أجل المفقود ولا غيره للذي نقلوه من موت الناس من ذلك السعال. قالوا: وكذلك الشأن في أهل البوادي في الشدائد ينتجعون من ديارهم إلى غيرها من البوادي ثم يفقدون أنهم يحملون على الموت، وقد علم ذلك من حالهم. قاله ابن عبد السلام. أو في زمنه أي الطاعون يعني أن من فقد ببلده من غير انتجاع لكنه فقد في زمن الطاعون تعتد زوجته بعد ذهاب الطاعون. فائدة أخرج أبو نعيم في الحلية عن الشافعي: قال: أحسن ما يداوى به الطاعون البنفسج، وفي لفظ: لم أر للوباء أنفع من البنفسج يدهن به ويشرب، ومما يكتب للوباء ويعلق، اللهم سكن فتنة صدمة قهرمان الجبروت بألطافك الخفية الواردة النازلة من باب الملكوت حتى نتشبث بلطفك ونعتصم بك عن إنزال قدرتك، يا ذا القدرة الكاملة والرحمة الشاملة، يا ذا الجلال والإكرام. انظر الشبراخيتي. والطاعون أخص من الوباء الأنه طعن الجن، والوباء مرض عام، فكان الأولى بالص أن يقول: لبلد الوباء. قاله الشبراخيتي. وأشار إلى القسم الرابع من أقسام المفقود بقوله: وفي الفقد بين المسلمين والكفار بعد سنة بعد النظر يعني أن الزوج إذا فقد في القتال الواقع بين المسلمين والكفار فإن زوجته تعتد بعد مضي سنة من اليأس منه، وتكون تلك السنة بعد النظر في أمره من السلطان، ثم بعد مضي عدتها الكائنة بعد السنة الكائنة بعد النظر تتزوج ويورث ماله حينئذ، فالظرف الأول أعني قوله: بعد سنة، متعلق بما تعلق به المجرور قبله وهو قوله: في الفقد، والظرف الثاني أعني قوله: بعد النظر، صفة لسنة، فهو ظرف مستقر متعلق بالكون أو بالاستقرار أو نحوهما، فلا يحكم بموته إلا بعد أمرين: النظر في أمره، ثم سنة بعد ذلك. قال مقيده: ومعنى النظر الكشف عنه هل هو حي أو ميت؟ وبقي على المص من أقسام المفقود خامس، وهو: من فقد في توجهه لأرض الحرب أو حين وصوله، وفيه أربعة أقوال: قيل: كمفقود أرض الإسلام، وقيل: كالأسير، وقيل: كالأول إن

ص: 567

فقد قبل الوصول وكالأسير إن فقد بعده، وقيل: كالأول إن سافر ببحر وفقد قبل الوصول وببر فكالأسير. ابن عبد الحكم: من سافر في البحر فانقطع خبره فسبيله سبيل المفقود. وظاهره عذبا أو ملحا علم غرق المركب أم لا.

تنبيهان: الأول: قال الشارح عند قوله: وفي الفقد بين المسلمين والكفار لخ، ذكر في المقدمات فيها أربعة أقوال، روى ابن القاسم عن مالك أن حكمه حكمُ الأسير، وروى أشهب عنه أن حكمه حكم المعترك بعد أن يتلوم له سنة من يوم ترفع أمره إلى السلطان ثم تعتد، وقيل: حكمه حكم المفقود في جميع أحكامه، وحكاه محمد وعابه. وقال أحمد بن خالد: حكمه حكم المعترك في الزوجة فتعتد بعد التلوم وتتزوج، وحكمه حكم المفقود في المال، فلا يقسم حتى يعلم موته أو يأتي عليه من الزمان ما لا يحيى إلى مثله، وكلام الشيخ هنا نص عليه ابن الحاجب بهذه العبارة وتأول رواية أشهب عليه، وفيه بعدٌ. انتهى الثاني، قال بناني عند قوله:"بعد سنة بعد النظر": اعترضه مصطفى بأن الذي في عبارة المتيطي وابن رشد وابن شأس وابن عرفة ومعين الحكام وجميع من وقفت عليه من أهل المذهب سوى ابن الحاجب وتبعه المؤلف: أن السنة من يوم الرفع للسلطان لا بعد النظر، قال: ولم ينتبه ابن غازي ولا غيره شيء من هذا. والكمال لله. قلت: ما قاله المؤلف تبعا لابن الحاجب نقله في المتيطية عن بعض الموثقين ووقع القضاء به في الأندلس ونظمه صاحب التحفة رادا للقول الآخر:

وإن يكن في الحرب فالمشهور

في ماله والزوجة التعمير

وقد أتى قول بضرب عام

من حين يأس منه لا القيام

وذا به القضاء في الأندلس

لمن مضى فحققنه تأتس

قال ولده: وفي المتيطية: قال بعض الموثقين: ينبغي أن يكون ضرب السلطان للأجل من يوم اليأس من المفقود لا من يوم قيام الزوجة عنده على ما استحسن من الخلاف. انتهى. قال ولد الناظم عقبه: ولا تعارض بين نقل ابن رشد قول أشهب: إنه يتلوم من يوم الرفع مع ما تقدم عن

ص: 568

بعض الموثقين؛ لأن محمل نقل ابن رشد إنما هو من يوم اليأس لأنه يكون قريبا من يوم الرفع فعبر بالرفع عنه تجوزا. انتهى. فتأول عبارة ابن رشد وردها لما به القضاء. انتهى. وللمعتدة المطلقة يعني أن المعتدة المطلقة تجب لها السكنى مدة عدتها، سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا، فإن استمر الزوج حيا استمرت السكنى لها، فإن مات استمرت للبائن. وقال ابن نافع: تصير كالمتوفى عنها، وأما الرجعية فتكون كالمتوفى عنها اتفاقا. فيأتي فيها التفصيل الآتي في قوله: وللمتوفى عنها لخ، أو المحبوسة بسببه يعني أن السكنى تجب لكل امرأة محبوسة مدة تربصها على من حبست بسببه عن النكاح من مغتصبة ومزني بها غير عالة وكمعتقة ومن فسخ نكاحها لفساد أو قرابة أو رضاع أو صهر أو لعان لنفي حمل أو رؤية. وقوله: في حياته قرر على أنه متعلق بمقدر وعليه فالمعنى: أن المحبوسة بسببه إنما لها السكنى حيث اطلع على موجب الحبس في حياته، واحترز بذلك عما لو اطلع على موجب الحبس بعد موته أو قبله ولم يحصل فسخ فلا سكنى لها مدة استبرائها. قاله عبد الباقي. قال: والمعتمد أن لها السكنى في استبرائها من النكاح المفاسد ولو اطلع على فساده بعد موته. انتهى. وقال الشارح: المحبوسة بسببه من باب عطف العام على الخاص، وذكره واجب ليشمل من فسخ (نكاحُها لفساده

(1)

) لأنها محبوسة، وكذلك الملاعنة على المشهور. وقيل: لا سكنى لها. واختاره ابن رشد لانقطاع الزوجية وأسبابها بينهما. واحترز بقوله: في حياته، مما إذا لم يعثر على فساد النكاح إلا بعد ممات الزوج فإن المرأة حينئذ لا يكون لها في مدة الاستبراء سكنى. انتهى. وقال الشبراخيتي: إن للمحبوسة بسببه السكنى في حياته وبعدها، سواء عثرنا عليه وفسخناه في حياته أم لا، كما يفيده ما ذكره امن عبد السلام وكلام المدونة، وحينئذ فللمرأة السكنى في استبرائها من الماء الفاسد سواء اطلع على فساده في حياته أو بعد موته، وسواء فسخ ما يحتاج للفسخ في حياته أم لا، وعليه فيجب حذف قوله: في حياته، كذا في الشرح. انتهى. ونقل محمد بن الحسن عن مصطفى أنه قال: الصواب حذف قوله: في حياته، والله الموفق. انتهى. وقال بناني: إن جعل قوله: في حياته، متعلقا بالمحبوسة كما قرره به الزرقاني أي من حبست في حياته أي اطلع على موجب حبسها قبل الموت وفرق بينهما في حياته يجب لها السكنى ولو مات بعد ذلك صح كلام المؤلف

(1)

ساقطة من الأصل وأثبتت من الشارح ج 3 ص 354.

ص: 569

وكان جاريا على قول ابن القاسم في المدونة وموافقا لا يأتي. والله أعلم. انتهى؛ يعني قوله: واستمر إن مات. والله سبحانه أعلم. وقال الأمير: وللمحبوسة بغير الوفاة السكنى كبها إن كان السكن له أو نقد كراءه. انتهى. وعلم منه أن الصواب عنده حذف قول المص: في حياته، وقوله: السكنى مبتدأ وخبره: للمعتدة لخ، وللمتوفي ما يعني أن المتوفى عنها لها السكنى مدة عدتها بشرطين، أحدهما أشار له بقوله: إن دخل يعني أن الزوجة المتوفى عنها إنما تكون لها السكنى بشرطين، أحَدُهُمَا أن تكون مدخولا بها سواء مات عنها وهي في العصمة أو كانت رجعية وفهم من قوله: إن دخل بها، أنها مطيقة لأن الدخول بغير المطيقة كلا دخول، وسواء سكن معها أم لا، وشمل قوله: وللمتوفى عنها أم الولد فلها السكنى، وقال عبد الباقي عند قول المص: إن دخل، سواء كانت مطيقة أم لا، سكن معها أم لا وتقييد ابن ناجي بما إذا سكن معها إنما هو في غير الدخول بها. انتهى. وقال بنائي: الصواب تقييده يعني المص بالمطيقة، قال: لأن الدخول بغير المطيقة كعدمه، وحينئذ فغير المطيقة لا يكون لها السكنى إلا بالشرط الآتي. وهو إذا سكنها قبل الموت مطلقا دخل بها أم لا. يدل عليه قول المدونة ونقله المواق. ومن دخل بصغيره لا يجامع مثلها فلا عدة عليها ولا سكنى لها في الطلاق وعليها عدة الوفاة ولها السكنى إن كان ضمها إليه. وإن لم يكن نقلها اعتدت عند أهلها. ابن يونس: قال أبو بكر بن عبد الرحمن: وإن كان إنما أخذها ليكفلها ثم مات لم يكن لها سكنى. انتهى. فقد جعل موضوع القيد الآتي إذا دخل بها وأحرى إن لم يدخل، وحينئذ فتقييد ابن ناجي واقع في محله لأنه في غير المطيقة دخل بها أم لا. انتهى. ثانيهما أشار إليه بقوله: والمسكن له يعني أنه يشترط في كون السكنى للمتوفى كنها مع الدخول أن يكون السكن الذي هي ساكنة فيه وقت موته للميت أي يملك ذاته. أو نقد كراءة يعني أنه لابد أن يكون الميت يملك ذات البيت الذي هي ساكنة فيه وقت الموت أو يعملك منفعته كإجارة إذا كان الميت قد نقد الكراء؛ أي دفع الأجرة كلها لأهل المسكن الذي هي ساكنة فيه وقت موته؛ قال الشبراخيتي: إن دخل بها وكان المسكن الذي هي ساكنة فيه قبل موته لد أو نقد كراءه انتهى. وأما إن دفع بعض الأجرة سكنت بقدر ما نقد ولو أقل من مدة العدة، ويجري مثل ذلك في الوجيبة على القول بأنها كالنقد، فإن انقضت مدتها قبل تمام العدة لم يلزم الوارث سكناها بقيتها. قاله غير واحد. وقد مر أن هذا فيمن مات عنها وهي في العصمة أو

ص: 570

رجعية؛ وأما من طلقت طلاقا بائنا ثم مات عنها فإن لها السكنى مطلقا كان المسكن له أو نقد كراءه أم لا؛ لأنها مطلقة والمطلقة لها السكنى بلا شرط. قاله غير واحد. وما ذكره المص هو مذهب المدونة وهو المشهور، وروى ابن دينار عن ابن القاسم إن كان المسكن له فلها السكنى وإلا فلا وعن مالك: سقوط السكنى ولو كان السكن له أي لأن ملكه قد زال عنه وانتقل الحق للورثة. قاله الشارح. لا بد نقد يعني أن الميت إذا لم يكن قد نقد كراء المسكن المذكور فإن المتوفى عنها لا سكنى لها، وهذا تصريح بمفهوم قوله:"أو نقد كراءه"، أتى به ليرتب عليه ما بعده، قال الشبراخيتي: لا إن مات عنه بلا نقد، قال فيها: فلا سكنى لها في ماله وتودي الكراء من مالها، ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار، أو يطلب من الكراء ما لا يشبه. انتهى. وقال الشارح: لا بلا نقد. أي فلا سكنى لها. وقاله في المدونة. وزاد: ولو كان الزوج موسرا، وتؤدي ذلك من مالها ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار أو يطلب من الكراء ما لا يشبه. انتهى. وهل مطلقا؟ يعني أن ما مر من كون المتوفى عنها لا سكنى لها إذا لم ينقد الميت الكراء هو الذي في المدونة كما علمت، وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الكراء مشاهرة أي كل شهر بكذا، أو وجبية وهي المدة المعينة، وعلى هذا الظاهر حملها الباجي واللخمي؛ قال الشبراخيتي: هذا التأويل هو المذهب فكان ينبغي للمص الاقتصار عليه. انتهى. وقال الأمير: لا إن لم ينقد ولو وجيبة على الراجح مما في الأصل. انتهى. وقال عبد الباقي: وهو الراجح، كما يفيده الحطاب. انتهى. وقال الحطاب: وعلى هذا الظاهر حمل المدونة الباجي وغيره واحتجوا بأن المسألة وقعت لمالك كذلك في الموازية وهذا التأويل أرجح. انتهى. أو إلا الوجيبة يعني أن المدونة حملها بعض القرويين على المشاهرة، وأما الوجيبة فالمرأة أحق بالسكنى فيها سواء نقد الميت الكراء أم لا، واحتج له في تهذيب الطالب بأن أبا قرة روى عن مالك أنها تكون في الوجيبة مطلقا أحق بها، قاله الحطاب. وقال ابن عرفة بعد ذكره كلام بعض القرويين: وهو خلاف ما في الموازية وغيرها. انتهى. نقله الحطاب.

تنبيهان: الأول: قال الحطاب: إذا لم يكن لها السكنى في مال الميت فلا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار أو يطلب من الكراء ما لا يشبه. قال في المدونة: وإن كانت الدار بكراء ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسر فلا سكنى لها في ماله وتؤدي الكراء من مالها ولا تخرج إلا أن يخرجها رب

ص: 571

الدار أو يطلب من الكراء ما لا يشبه. انتهى. واحتج بعض القرويين على تأويله المتقدم بقوله: إلا أن يطلب منها رب الدار ما لا يشبه، فإن ذلك يدل على أنه لم يكن الكراء سنة بعينها؛ لأنه لو أكرى سنة بعينها كان الكراء قد لزم بما تعاقداه، وليدر لرب الدار أن يطلب غيره، وحمله الأولون على أن مدة الكراء قد انقضت. والله أعلم انتهى. الثَّاني: إذا كان الكراء وجيبة ولم ينقد وقلنا: لا سكنى لها، فتسكن في حصتها وتسلم الكراء. قاله الحطاب. وإذا قلنا بالسكنى لها في الوجيبة فكراء المسكن في مال الزوج. قاله الشبراخيتي. وقوله: تأويلان مبتدأ حذف خبره أي في ذلك تأويلان، وحاصل ما أشار إليه المص أن الصور أربع: نقد الكراء، فلها السكنى؛ كان الكراء وجيبة، أو مشاهرة لم ينقد، لا كراء لها في مال الزوج وعليها الكراء ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار أو يطلب من الكراء ما لا يشبه، حيث كانت الإجارة مشاهرة وإن كانت وجيبة فتأويلان، أحدهما: لها السكنى في مال الزوج، ثانيهما: تسكن بكراء تدفعه مما يخصها. ولا كلام لرب الدار إلا أن تنقضي المدة. والله سبحانه أعلم. ولا إن لم يدخل هذا مفهوم قوله: إن دخل، ذكره لما فيه من التفصيل؛ يعني أن المعتدة المتوفى عنها لا سكنى لها في مال الميت إن لم يدخل بها، إلا أن يسكنها يعني أن المعتدة من وفاة إذا لم تكن مدخولا بها لا سكنى لها إلا أن يكون الزوج قد أسكنها وضمها إليه في حياته فلها السكنى حينئذ؛ لأن سكناها عنده بمنزلة دخوله بها، وهذا إذا كان المسكن له أو نقد كراءه، والدخول بالصغيرة التي لم تطق الوطء كلا دخول، فلا سكنى لها إلا أن يسكنها معه ويضمها إليه. ففي المدونة: ومن دخل بصغيرة لا يجامع مثلُها فلا عدة عليها ولا سكنى لها في الطلاق، وعليها عدة الوفاة ولها السكنى إن كان ضمها إليه، وإن لم يكن نقلها اعتدت عند أهلها. نقله بناني. وقال الشارح عند قوله: ولا إن لم يدخل إلا أن يسكنها أي وكذا لا سكنى لها إن لم يكن الزوج قد دخل بها إلا أن يكون قد أسكنها قبل موته. بعض الأشياخ: وهو صحيح إن كان أسكنها معه لأنه كالدخول بها وتردد فيما إذا أسكنها في موضع له غير محل سكناه. انتهى.

وعلم مما قررت أن قوله: إلا أن يسكنها، عام في الصغيرة والكبيرة، فالتي لم يدخل بها إذا كانت كبيرة وأسكنها معه فلها السكنى، وكذا الصغيره مطيقة أم لا، وقد مر أن الدخول بالتي لا تطيق الوطء كلا دخول فلا سكنى لها إلا إذا أسكنها معه. إلا أن يكفلها استثناء من الاستثناء

ص: 572

يعني أن الزوج إذا أسكن الزوجة الصغيرة غير المطيقة معه لأجل أن يكفلها ثم مات فإنه لا سكنى لها، والصور أربع، اثنتان في المطيقة وهما: ما إذا أسكن المطيقة معه ليكفلها أو لا ثم مات فلها السكنى فيهما، واثنتان في غير المطيقة: فإن أسكنها معه لا ليكفلها فلها السكنى، وإن كان أسكنها معه ليكفلها فلا سكنى لها. وفي نسخة: إلا ليكفها أي عما يكره، والصواب النسخة الأولى؛ لأن المسألة مفروضة في الصغيرة التي لا تطيق الوطء إذ هي محل الخلاف، ومقتضى نسخة: ليكفها، أنه إذا أسكن المطيقة معه ليكفها عما يكره لا سكنى لها وقد علمت أن لها السكنى، وفي الأمير: لها السكنى إن أسكنها معه ولو لحفظها من كف وكفالة على الراجح خلافا لما في الأصل. وسكنت على ما كانت تسكن يعني أن المعتدة من وفاة أو طلاق تسكن على ما كانت تسكن في عصمة الزوج قبل فراقها له بموت أو طلاق شتاء وصيفا فلا تبيت إلا في مقصورتها ولا تصيف وتشتي إلا في مصيفها ومشتاها، ومعنى "ما": الحال والوصف؛ أي وسكنت على حسب الحال الذي كانت تسكن عليه كما في الشبراخيتي. وقال الشارح: أي فحالها في السكنى كحالها في الزوجية، وسواء كانت مطلقة أو متوفى عنها، ولهذا كانت التي لم تبوأ بيتا تعتد في بيت سيدها، ولا يجب على زوجها إسكانها لا في طلاق ولا غيره. انتهى. وقوله: وسكنت أي المرأة ولولا سكنى لها فالأجرة عليها. قاله الأمير. ورجعت له إن نقلها يعني أن المرأة إذا نقلها زوجها من مسكنها الذي كانت تعرف بالسكنى فيه ثم طلقها أو مات عنها فإن حكم الشرع فيها أن ترجع لمسكنها الذي نقلها منه لتعتد به. قاله عبد الباقي. واتهم بالبناء للمفعول يعني أن الشرع أمر برجوع المرأة للمنزل الذي نقلها منه لأنه يتهم أنه إنما نقلها ليسقط سكناها بذلك المنزل إذا طلقها أو مات. وما أحسن عبارة الأمير: وإن نقلها قبل اتهم ورجعت. انتهى.

وهذا الذي قررت به المص هو الذي يفهم من عبارة الأمير، وعليه فلا محترز لقوله: واتهم؛ إذ معناه يحكم باتهامه، وقال عبد الباقي والشبراخيتي: الواو واو الحال. ومقتضى ذلك أنه إذا لم يتهم لا يلزم الرجوع للمنزل الذي نقلها منه. وانظره وعبارة عبد الباقي: واتهم أنه إنما نقلها ليسقط سكناها به في العدة إذا طلقها أو مات من مرضه الذي نقلها فيه بقرينة واو الحال في واتهم كما في الشيخ سالم، قال الشارح: ولم يكتفوا منه هنا باليمين أي على أنه لم ينقلها لإسقاط السكنى بمسكنها؛ أي لم يطلبوا منه اليمين ليكتفوا بها للاحتياط في العدة؛ لأنها حق الله،

ص: 573

كإحداد الصغيرة. انتهى كلام عبد الباقي. أو كانت بغيره قوله: أو كانت، عطف على نقلها يعني أن المعتدة من طلاق أو وفاة ترجع إلى مسكنها الذي كانت تعرف بالسكنى فيه إن كانت مقيمة بغيره وقت الطلاق أو الموت، ولا فرق في ذلك بين أن تكون مختارة في إقامتها بغيره كزائرة أو لأجل شرط عليها كما قال: وإن بشرط في أجرة رضاع يعني أنها ترجع إلى مسكنها وإن كانت إقامتها بغيره لأجل شرط في معاقدة رضاع أي آجرها أهل رضيع على إرضاعه وهي في عصمة زوجها، واشترطوا عليها أن تقيم عندهم ثم مات زوجها أو طلقها فإنها ترجع إلى مسكنها الذي كانت تعرف بالسكنى فيه؛ لأنه حق لله، وحق الله آكد من حق الآدمي، كما ذكروا مثله فيمن قطع يمنى شخص وسرق فإنه يقطع للسرقة لا للقصاص. وانفسخت يعني أن الإجارة تنفسخ إذا لم يرض أهل الرضيع برضاعها في مسكنها ولو كانت قابلة أو ماشطة لم يجز أن تبيت في غير بيتها ولو محتاجة، كما يؤخذ من قوله في الإحداد: والطيب وعمله ولو محتاجة. قاله عبد الباقي. وقوله: وانفسخت أي حيث لم يرض أهل الطفل بإرضاعها في مسكنها، وأما إن رضي أهل الطفل بإرضاعها في بيتها فلا فسخ. قاله الشبراخيتي. ومع ثقة إن بقي شيء من العدة إن خرجت صورة يعني أن المرأة إذا خرجت إلى حجة الإسلام فمات زوجها أو طلقها بائنا أو رجعيا فإنها ترجع مع ثقة محرم أو غيره إلى منزلها الذي كانت ساكنة فيه إن كان يبقى شيء من العدة بعد وصولها لمنزلها الذي تعتد به. وظاهره ولو يوما وهو ظاهر المدونة أيضا، وقيدها اللخمي بما له بال، وإلا اعتدت بموضعها إن كان مستعتبا أي يمكن مقامها فيه، وإلا فبالموضع الذي خرجت له. قاله عبد الباقي. وقال الشارح: إن كان مستعتبا وإلا انتقلت إلى أقرب مستعتب إليه. انتهى. والصرورة هو الذي لم يحج الفرض، ومفهوم قوله: إن بقي شيء من العدة، أنه إذا لم يبق شيء منها بعد رجوعها إلى منزلها لم ترجع وهو كذلك، فتقيم بموضعها أو حيث شاءت. قاله الشبراخيتي. وقوله: في كالثلاثة الأيام متعلق برجعت أي ورجعت في بعدها من منزلها كالثلاثة الأيام مع ثقة لخ؛ يعني أن محل رجوعها المذكور إنما هو حيث كانت في بعدها من مسكنها الذي تؤمر بالرجوع له على مسافة كثلاثة أيام، أدخلت الكاف الرابع وهل يدخل الخامس؟ أم لا، وهذا ما لم تحرم، وأما لو أحرمت فإنها لا ترجع كما يأتي، وكذا لو سارت كثيرا فإنها لا ترجع بل تستمر في ذهابها إلى الحج واستشكل قوله: إن بقي شيء من

ص: 574

العدة مع فرض أنه مات أو طلق بعد ثلاثة أيام وبقاء شيء من العدة ضروري، وأجيب بأنه يتصور في الحامل المقرب وفيمن تقدم طلاقه أو موته وثبت ذلك بعد كالثلاثة إلا أن هذا ينافي قوله فمات أو طلقها ومثل حجة الإسلام المنذور قاله عبد الباقي. وفي التطوع هذا مفهوم قوله: صرورة، يعني أنها ترجع في الحج التطوع إذا مات زوجها أو طلقها ولو بعد سير كثير؛ يعني ما لم تحرم كما يأتي. وقوله: في التطوع متعلق برجعت على ما يفيده عبد الباقي وبخرجت عند الشبراخيتي. أو غيره يعني أنها إذا سافرت لغير الحج فإما أن تسافر لكرباط ونحوه، وإما أن تسافر للانتقال؛ فإن سافرت لكرباط فإنها ترجع ولو وصلت إلى الكان الذي خرجت إليه، ولهذا قال: إن خرج لكرباط أي إذا سافرت لغير حج التطوع من سفر القربة والإباحة كرباط وزيارة وتجارة فمات الزوج أو طلق، فإنها ترجع ولو وصلت إلى الكان الذي خرجت إليه؛ فقوله: إن خرج؛ أي الزوج معها ولو قال: إن خرجت لكان أظهر؛ إذ الدار على خروجها خرج هو أم لا، فقوله: إن خرج لخ، شرط في قوله: أو غيره، واحترز بذلك عن خروجها منتقلة، ولهذا قال: لا لمقام؛ أي لا يكون الحكم كذلك إن خرجت لمقام أي انتقال لرفض السكنى بالمحلّ الذي كانت هي وزوجها به، فإنها تعتد بالمكان الذي شاءت، كما يأتي قريبا إن شاء الله.

وعلم مما قررت أن قوله: وإن وصلت مبالغة فيما قبل لا لمقام. قاله غير واحد. وقال الشارح: وترجع في حج التطوع والخروج إلى الرباط ونحوه وإن وصلت إلى المكان المقصود. وقالى في المدونة. ومنهم من سوف بين حجة الفرض والتطوع، بخلاف الغزو والرباط. انتهى. وعبارة عبد الباقي: وإذا قلنا ترجع في كالرباط فترجع وإن وصلت للمكان الذي خرجت إليه. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولو حذف لا لمقام لكان أحسن؛ لأنه سيأتي حكم خروجها للمقام في قوله: وفي الانتقال الخ، انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: والجواب عما قال أنه أتى بقوله: لا لمقام، لإفادة أن المراد بقوله: لكرباط، ما عدا سفر النقلة. والله سبحانه أعلم.

والأحسن أي والقول الأحسن أنها ترجع بعد وصولها للمكان الذي خرجت إليه. ولو كانت قد أقامت به نحو الستة أشهر والمختار عند اللخمي خلافه يعني أن اللخمي اختار القول بأنها لا ترجع إذا أقامت نحو الستة الأشهر، بل تعتد بمحل إقامتها. هذا تقرير المص بحسب ظاهره وهو معترض؛ قال بناني: الذي في التوضيح: أن محمدا يعني ابن عبد الحكم استحسن الرجوع في

ص: 575

الأشهر وفي السنة خلاف ما يقتضيه المص وهو الموافق لعبارة التونسي وابن عرفة واللخمي، فلعل ما في المتن تحريف، وأن الأصل: ولو أقامت السنة أو الأشهر. انتهى. وقال الشارح مفسرا للمص: واختلف إذا أقامت به الأشهر أو السنة فذكر التونسي وغيره قولين، أحدهما وهو ظاهر المدونة: أنها ترجع، والآخر: أنها لا ترجع وهو قول مالك والموازية، ابن عبد الحكم: والأول أحسن. انتهى فالمستحسن للقول الأول ابن عبد الحكم، والمختار لقول مالك اللخمي. والله سبحانه أعلم. وقوله: أشهر بدل من الستة وليس مضافا إليه وقال الشبراخيتي: اعلم أن القول المستحسن أنها ترجع ولو أقامت العام، واختيار اللخمي أنها لا ترجع بعد ستة أشهر وكلام المؤلف لا يفيد ذلك. انتهى. وأشار إلى حكم المقام بقوله: وفي الانتقال تعتد بأقربهما أو بأبعدهما أو بمكانها أتى بهذا لبيان الحكم، وليس مفهوم قوله: لمقام، كما قيل. قاله مقيده عفا الله عنه. يعني أن الزوج إذا سافر بزوجته سفر نقلة فمات أو طلقها في أثناء الطريق فإنها مخيرة في الموضع الذي تعتد به، فتعتد بأقربهما أي الموضع الذي خرجت منه والموضع الذي خرجت إليه إن شاءت، أو بأبعدهما إن شاءت، أو بمكانها الذي هي به حين لزمتها العدة، فلها أن تعتد حيث شاءت، قال عبد الباقي: ولو عبر بتعتد حيث شاءت لكان أشمل وأخصر. انتهى. وإيضاح تقرير غيري أن تقول: ترجع ولو وصلت إن خرج للرباط غير منتقل، فإن انتقل اعتدت حيث شاءت. وعدلت عنه لقصوره على من خرج لكرباط منتقلا ولأن ما قررته به أحسن. والله أعلم.

وعليه الكراء راجعا يعني أنه إذا ألزمها الرجوع وكانت معتدة من طلاق فإن الزوج يجب عليه الكراء عنها في مسافة سفر الرجوع لإدخاله الطلاق على نفسه إن رجع معها فإنها ترجع لأجل رجوعه، كذا إن لم يرجع هو معها ولزمها الرجوع، ويلزمه أيضا كراء المنزل الذي ترجع إليه، فإن اعتدت بمحلها ولم ترجع أثمت ولم يلزمه كراء، كما أنه في موته لا كراء عليه في رجوعها للمسكن اللازم لها، لانتقال تركته للورثة، وكذا لا كراء عليه إذا كانت تعتد حيث شاءت قاله عبد الباقي.

وعلم مما قررت أن قوله: وعليه الكراء، مرتب على ما إذا لزمها الرجوع في عدة الطلاق، وليس مرتبا على قوله وفي الانتقال لخ؛ لأن الرجوع في هذه الحالة جائز، وقوله: راجعا، حال من الضمير في: عليه، وقد علمت أن المدار على رجوعها هي فيلزمه الكراء إذا لزمها الرجوع ورجعت

ص: 576

رجع أم لا. ومضت المحرمة يعني أن من أحرمت بحج أو عمرة ثم طرأت عليها عدة تمضي على إحرامها حتى تتم ما أحرمت به من حج أو عمرة، ويبطل حقها في المسكن فلا سكنى لها، وكذا إن أحرمت بحج أو عمرة ثم طرأ عليها اعتكاف فإنها تمضي على إحرامها حتى تتم ما أحرمت به. والمعتكفة يعني أن المعتكفة إذا طرأت عليها عدة فإنها تمضي على اعتكافها حتى تتمه ويبطل حقها في المسكن فلا سكنى لها، وكذا لو اعتكفت وطرأ عليها إحرام فإنها تمضي على اعتكافها حتى تتمه. أو أحرمت الضمير يعود على المعتدة والمعطوف محذوف أي ومضت التي أحرمت؛ يعني أن المرأة إذا أحرمت وهي معتدة من وفاة أو طلاق فإنها تمضي على إحرامها، ولكنها عصت ربها بسبب إحرامها وهي معتدة، وأشعر قوله: أو أحرمت، أن المعتدة لو اعتكفت لا تمضي على اعتكافها بل تتم بمسكنها عدتها السابقة على اعتكافها، والصور ست: طرو عدة أو اعتكاف على إحرام، طرو إحرام أو عدة على اعتكاف، طرو إحرام أو اعتكاف على عدة، فقد اشتمل كلام المص عليها. ونظمها بعضهم فقال:

عدة أو عكوف أو إحرام

سابقها قطعا له إتمام

وطارئ لمس بدافع لهُ

لكن مبيت ثالث أبطله

وقد مر ذكرها في باب الاعتكاف فراجعه إن شئت. وقوله: أو أحرمت وعصت، قال الشارح: وانظر هل يكون حكم من اعتكفت بعد موت زوجها أو طلاقه كذلك؟ أو لا. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: ولا وجه للتوقف في ذلك لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} ولقول المص فيما مر وأتمت ما سبق منه أو عدة، والله سبحانه أعلم. ولا سكنى لأمة لم تبوأ يعني أن الأمة المعتدة من وفاة أو طلاق لا سكنى لها إذا لم تبوأ أي لم يتخذ لها بيت مع زوجها، وأما من بوئت مع زوجها فلها السكنى. ولها حينئذ الانتقال مع ساداتها يعني أن الأمة التي لم تبوأ لها أن تنتقل مع ساداتها حين لزمتها العدة في الطلاق أو الموت، كما كان لها ذلك وهي في عصمته، كما مر. وقوله: حينئذ؛ أي حين لم تبوأ، وما مر من أن الأمة المبوأة

ص: 577

إذا كانت معتدة ليس لساداتها أن ينقلوها معهم هو الذي حمل عليه أبو عمران المدونة، ونظر فيه ابن عرفة بقولها: إن انتجع سيدها لبلد آخر فله أن يخرجها معه. انتهى. ومثله قول ابن يونس. يجبر سيدها على ردها حتى تنقضي عدتها إلا أن يخرجها من البلد. انتهى. قاله بناني كبدوية ارتحل أهلها تشبيه في الانتقال يعني أن المرأة البدوية إذا مات زوجها أو طلقها وارتحل أهلها فإن لها أن تتتقل معهم إذا كان يتعذر لحوقها لهم بعد انقضاء عدتها لو اعتدت بمحل زوجها وإلا لم ترتحل معهم، واحترز بقوله: فقط عما إذا ارتحل أهل زوجها فقط فلا ترتحل معهم وتعتد عند أهلها، فإن ارتحل أهل كل فمع أهلها إن افترقوا، وإلا فمع أهل زوجها كما إذا لم يكن لها أهل وارتحل أهل زوجها: واحترز بالبدوية عن الحضرية ولو حكما كأهل الأخصاص، فلا ترتحل مع أهلها بل تعتد بمحلها. قاله عبد الباقي. قوله واحترز بقوله: فقط ععا إذا ارتحل أهل زوجها لخ، قال بناني: نحوه في المواق عن اللخمي ونصه: وإن انتوى أهله خاصة لم تنتو معهم. انتهى. أي لا يقضى عليها بذلك، وظاهره سواء كان عليها مشقة في عودها لأهلها أم لا وهو الظاهر، خلاف ما يقتضيه أول كلام اللخمي من التفصيل، وجرى عليه الزرقاني قريبا؛ يعني قوله: واعلم لخ، واعلم أن الصور أربع؛ لأنه إذا ارتحل أهلها فإما أن يكون عليها إذا بقيت مع أهل زوجها مشقة في لحوقها بأهلها بعد العدة أم لا، ففي الأول ترتحل مع أهلها، وفي الثاني لا ترتحل معهم، وإذا ارتحل أهل زوجها فقط فإما أن يكون عليها إذا ارتحلت معهم مشقة في عودها لأهلها بعد العدة أم لا، ففي الأول لا ترتحل معهم، وفي الثاني ترتحل معهم. وكلام المص كما علمت في عدتها من طلاق أو موت؛ وأما الزوج فترتحل معه حيث ارتحل كما يفيده ما ذكروه في مسألة سفر الزوج بزوجته إذ لم يخصوا ذلك ببدوية ولا حضرية. انتهى كلام عبد الباقي. وقال بناني: قال في الجلاب: وإذا توفي الرجل البدوي عن امرأته ثم انتقل أهلها فلها أن تنتقل معهم، وإن انتقل أهل زوجها لم تنتقل معهم، وإن كانت في حضر وقرار لم يجز أن تنتقل مع أهلها ولا مع أهل زوجها حتى تنقضي عدتها. انتهى. ونحوه في الكافي. انتهى. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: وفيها إن كانت في قرار فانتوى أهلها لم تنتو معهم، وإن تبدى زوجها فمات رجعت للعدة في بيتها يدل على أنه لم ينتقل للبادية رفضا للإقامة ولو كانت رفضا

ص: 578

لها لكانت كالبدوية. انتهى. ابن عرفة: سئلت عمن ماتت وأراد زوجها دفنها بمقبرته وأرادت عصبتها دفنها بمقبرتهم؟ فأجبت بأن القول قول عصبتها أخذا من هذه المسألة؛ أي قوله: كبدوية، لعدم النص بها. انتهى. التتائي: ونسبه أبو القاسم العبدوسي للقصور فإنها منصوصة. كذلك قاله عبد الباقي. ونقله عنه أيفا ابن غازي في تكميله. قاله بناني. والله سبحانه أعلم. وقوله: كبدوية، فسرها الباجي وابن عبد السلام بساكنة العمود، واللخمي وعياض بساكنة العمود والخصوص. قال في توضيح: والأول أصح لأن أهل الخصوص تلزمهم الجمعة على الأصح. قاله الشبراخيتي. ولهذا قدمت أن الخصِّيَّة حضرية حكما. الذخيرة: البدوية: من البادية وهي الفلاة لأنها تبدي ما فيها أي تظهره، بخلاف القرى والمدن. انتهى. نقله الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح عند قوله:"كبدوية ارتحل أهلها فقط"، هكذا شبه في المدونة مسألة الأمة بمسألة البدوية، بعض الأشياخ: وهذا إذا ارتحل أهلها إلى المكان البعيد لانقطاعها عنهم، فأما ما قرب من ذلك بحيث لا تنقطع عنهم وترجع عند تمام عدتها إليهم فإنها تقيم مع أهل زوجها، واحترز بقوله: فقط من أهل زوجها ونحوهم فإنها لا تنتقل معهم وهذا إذا كان معها أهلها أو عشيرتها، وإلا فإنها تعتد مع أهل زوجها وترتحل معهم حيث ارتحلوا. انتهى. وفي الشبراخيتي: وهذا إذا كان لكلٍّ أهلٌ فإن لم يكن لها أهل اعتدت حيث كانت مع أهل زوجها، ولما ذكر ما يبيح الخروج للبدوية ذكر ما يبيحه لها وللحضرية بقوله: أو لعذر لا يمكن المقام معه يعني أنه لو طلقها أو مات عنها فأخذت في العدة ثم حصل لها ضرر في المكان الذي هي به لا يمكن المقام معه فإنها تنتقل إلى غيره بدوية أو حضرية حرة أو أمة لها السكنى. كسقوطه مثال للعذر الذي لا يمكن المقام معه يحتمل حقيقة السقوط ويحتمل مجاز الحذف أي خوف سقوطه كما لابن الحاجب قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: كسقوطه؛ أي خوف سقوطه وأولى مع سقوطه بالفعل. انتهى. وقوله: أو لعذر لا يمكن المقام معه، قال عبد الباقي في حضرية أو عمودية لا ترتحل لمشقة تحولها ولا تقدر على رفع ضررها بوجه: لا فيمن ترتحل من عمودية لا مشقة عليها فيه. انتهى. أو خوف جار سوء مثال ثان للعذر الذي لا يمكن المقام معه؛ يعني أن من الأعذار المبيحة لخروج المعتدة من مسكنها الخوف على نفسها أو مالها من جار السوء، وكذا

ص: 579

خوف اللصوص كما قاله غير واحد، وكذا انتقال جيرانها من حولها وتجد وحشة كما للأمير. فإنه قال: ولها الانتقال لما أحبت لعذر كوحشة لانتقال الجيران والخوف يؤتى بمؤنسة ولا تخرج، والمؤنسة تابعة للنفقة. انتهى. أي تلزمه المؤنسة إن كانت النفقة عليه وإلا فعليها، وفاعل تخرج ضمير يعود على المعتدة. والله سبحانه أعلم. ويأتي ذلك للمص أيضا حيث يقول: وإن اختلفا في مكانين أجيبت. والله سبحانه أعلم. وقوله: أو لعذر لا يمكن المقام معه؛ أي وتنتقل لما أحبت من الأمكنة ولو أراد الزوج خلافه إلا لغرض شرعي كصون نسبه. قاله الأمير. ولزمت الثاني يعني أنها إذا انتقلت لعذر وأتت مسكنا آخر فإنها تلزم ذلك المسكن الذي انتقلت إليه ولا تخرج عنه إلا لعذر لا يمكن المقام معه. والثالث يعني أنها إذا انتقلت من الثاني لأجل عذر لا يمكن المقام معه فإنها تلزم المسكن الثالث الذي انتقلت إليه وهكذا فإن انتقلت لغير عذر ردت بالقضاء ولو أذن المطلق؛ لأن بقاءها فيه حق لله تعالى. قال مقيده عفا الله عنه: وتحصل من هذا أن المعتدة تلزم المقام في المسكن الذي طلقت فيه أو توفي عنها فيه أي يلزمها المقام في المسكن الذي لها على زوجها أو المسكن الذي شرعت تعتد فيه حيث لا سكنى لها عليه، فإن حصل ما لا يمكنها المقام معه فيه انتقلت إلى حيث شاءت، ولو أراد الزوج خلافه إلا لغرض شرعي كصون نسبه، وإذا انتقلت إلى مسكن آخر لزمها المقام فيه إلا لعذر لا يمكن المقام معه، وهكذا إلى أن تنقضي عدتها. والله سبحانه أعلم. والخروج في حوائجها طرفي النهار يعني أن اللازم للمعتدة إنما هو المبيت في مسكنها، وأما ما عدا المبيت فإن لها أن تخرج في حوائجها أو غيرها جميع النهار، ولها أن تخرج في حوائجها أيضا طرفي الليل المكتنفين النهار، فالمراد بطرفي النهار في كلام المص قرب الفجر وما بين المغرب والعشاء، فهو مجاز علاقته المجاورة؛ قال عبد الباقي ما معناه: ولا تخرج في حوائجها بعد العشاء إذ يتعين عليها الرجوع بين المغرب والعشاء كما في النص، وفهم من المص عدم جواز خروجها طرفيه بغير حوائجها وجواز خروجها نهارا بالأولى ولو لغير حاجة ولو لعرس إذا دعيت إن شاءت، ولا تلبس زينة ولا تبيت إلا ببيتها. انتهى. وقال بناني: ابن عرفة: وفيها لها التصرف نهارا والخروج سحرا قرب الفجر وترجع ما بينها وبين العشاء الأخيرة، اللخمي قال مالك لا باس أن تخرج قبل الفجر وأرى أن يحتاط للأنساب فتؤخر

ص: 580

خروجها لطلوع الشمس وتأتي حين غروبها انتهى قال بعض العلماء وكلام اللخمي هو اللائق بعرف هذا الزمان فالمدار على الوقت الذي ينتشر فيه الناس ليلا يطمع أهل الفساد انتهى انتهى وقوله الخروج في حوائجها يعني سواء كانت معتدة من وفاة أو طلاق بائن قال في كتاب طلاق السنة من المدونة ولا تبيت معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن إلا في بيتها ولها التصرف نهارا والخروج سحرا قرب الفجر وترجع ما بينها وبين العشاء الأخيرة انتهى قاله الحطاب وقال ابن عرفة وسمع ابن القاسم: للمتوفى عنها الخروج للعرس ولا تبيت إلا في بيتها ولا تتهيأ بما لا تتهيأ به الحاد، ابن رشد هذا إن لم يكن فيه من اللهو إلا ما أجيز في العرس انتهى نقله الحطاب مسألة قال في المسائل الملقوطة: قال عيسى في كتاب ابن مزين إذا أنهي إلى الإمام أن المعتدة تبيت في غير بيتها أرسل إليها وأعلمها بما جاء في ذلك وأمرها بالكف فإن أبت أدبها على ذلك وأجبرها عليه (انتهى

(1)

) من تهذيب الطالب قاله الحطاب وعطف على قوله أو لعذر قوله لا لضرر جوار لحاضرة يعني أن الحضرية لا تخرج لأجل ضرر جوار وهذا فيمن يمكن رفعها للحاكم وقوله أو خوف جار سوء فيمن لا يمكنها بقرينة لا يمكن المقام معه وقوله لحاضرة أي بخلاف البدوية لأنهم في الغالب في غير مواضع الأحكام ولهذا لو كان حاكم ينصف لم تخرج فالمدار إذا على وجود الحاكم وعدم وجوده في الحضر والبدو ولهذا قال ورفعت للحاكم يعني أنها ترفع أمرها للحاكم فيرفع عنها الضرر فيزجرهم إن ظهو له ظلمهم فإن لم ينكفوا عنها أخرجهم أو هي زجرها فإن لم تنكف أخرجها فإن ثبت ببينة ظلم أحد أخرج المظالم وإن لم يثبت أقرع لمن يخرج من المعتدة وجيرانها إن أشكل أي التبس المظالم من المظلوم بسبب ادعاء كل من غير مرجح أو بإقامة كل بينة بالضرر ولم ترجح إحداهما وانتقد ابن عرفة القرضة وقال الصواب إخراج غير المعتدة لأن إقامتها بمسكنها حق لله، قال الحطاب وفيه نظر لأنه قد ثبت جواز إخراجها (لحديث فاطمة بنت قيس) انتهى، وقال بناني اللخمي كانت فاطمة بنت قيس لسنة على الجيران وتنظير الحطاب في بحث ابن عرفة إنما هو في العلة وإلا فلا يخفى أن الذي في الحديث إنما هو إخراج من تبين شرها وبحث ابن عرفة فيما إذا أشكل الأمر كما هو ظاهر فتأمله انتهى

(1)

ساقطة من الأصل وقد أثبتت من الحطاب ج 4 ص 560 ط دار الرضوان.

ص: 581

وقال الحطاب قال ابن عرفة وفيها لا تنتقل من مسكنها إلا لضرر لا قرار معه كخوف سقوط أو لصوص بقرية لا مسلمين بها، وإن كانت بمدينة لا تنتقل لضرر جوار، ولترفع زلك إلى الإمام. وقال ابن عرفة: قلت: ضابطه إن قدرت على رفع ضررها بوجهٍ مَّا لم تنتقل؛ وحملها ابن عات على الفرق بين القرية والمدينة لأن بها من ترفع إليه أمرها بخلاف القرية غالبا. اللخمي: وإن وقع بينها وبين من ساكنها شر فإن كان الشر منها أخرجت عنه، وفي مثله جاءت حديث فاطمة بنت قيس، وإن كان من غيرها أخرج عنها، فإن أشكل الأمر أقرع بينهم، قلت: إنما يقع الإخراج للشر بعد الإياس من رفعه بزجر من هو منه. وقبل ابن عات وابن عبد السلام وغيرهما قوله أقرع بينهم، والصواب إخراج غير المعتدة لأن إقامتها حق لله تعالى. وهو مقدم على حق الآدمي. انتهى المراد منه. وهل لا سكنى لمن سكنت زوجها ثم طلقها يعني أن المرأة إذا تبرعت لزوجها بالسكنى معها في منزلها الذي تملك ذاته أو منفعته ثم إنه طلقها فطلبت منه أجرة السكنى في مدة العدة فامتنع، فهل لا يلزمه ذلك ولا سكنى لها أو يلزمه أن يدفع لها كراء المسكن؟ لأن المكارمة قد انقطعت بالطلاق، في ذلك قولان: الأول لابن القطان والأصيلي وابن المكوى ورده ابن رشد، قال ابن عرفة: ابن عات: قال ابن رشد: قول ابن المكوى وهم، والثاني ذهب إليه ابن عات وابن زرب واللخمي. وقوله: قولان، حقه تردد. قاله غير واحد. لأنه لعدم نص المتقدمين. ومحل القولين عند الإطلاق، فإن طاعت له بالسكنى في العصمة وتوابعها فلا سكنى لهما قولا واحدا، وإن طاعت مدة عصمتها فقط فلها السكنى قولا واحدا، وأما إن شرطت له في العقد السكنى فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل ويسقط الشرط، وحينئذ فإذا طلقها فعليه السكنى، ومحلهما أيضا إذا اكترت المسكن قبل العقد أو كان ملكا لها قبل العقد، فإن اكترته بعد العقد أو ملكته بعد العقد فعليه قولا واحدا، ومفهوم طلقها أنه لو مات عنها فلا سكنى ليها في عدتها. قاله عبد الباقي. قال مقيده عفا الله عنه: تأمل هذا التحرير البديع، والتقرير الرفيع، وعبارة الأمير: ومن سكنته فطلقها فلها الأجرة على الراجح لانقطاع المكارمة. انتهى. وسقطت أجرة المسكن أن أقامت بغيره يعني أن المعتدة من وفاة أو طلاق إذا أقامت بغير منزلها الذي لزمها أن تعتد فيه فإنها لا تستحق أجرة السكنى إذا طلبت أجرتها في المنزل الذي

ص: 582

خرجت منه لأنها تركت ما كان واجبا لها فلا يلزمه بعُدولها عنه عوض، وسواء أكرى الزوج الموضع الذي هربت منه أو تركه خاليا كما هو ظاهر المص، وهو ظاهر المدونة وابن الحاجب، وقال اللخمي: لا شيء لها إلا إن أكراه فترجع بالأقل مما اكترت أوأكرى به ولها النفقة إن كان طلاقها رجعيا ولو خرجت بغير رضاه، والكراء في هذا بخلاف النفقة لأن المطلقة لا متعة له فيها، ولو ارتجعت فامتنعت من العود سقطت من حينئذ نفقتها. قاله عبد الباقي وغيره. كنفقة ولد هربت به يعني أن الولد إذا هربت به أمه المعتدة مدة ثم جاءت تطلب نفقته تلك المدة فإنها لا شيء لها لأجل هروبها به، وهذا إذا لم يعلم الزوج بموضعها أو علم وعجز عن ردها، وإلا لم تسقط وترد لتبيت بمسكنها إلى أن تنقضي عدتها. قاله عبد الباقي. فقوله: هربت، فاعله ضمير يعود على المعتدة. قال مقيده عفا الله عنه: وظاهر عبارة الأمير أن هذا الحكم جار في المعتدة وغيرها، فإنه قال: ولا شيء لمن انتقلت ولو أكرى موضعها كهاربة بولده فلا نفقة لها. انتهى. وللغرماء بيع الدار في المتوفي عنها يعني أن المعتدة من وفاة يجوز لغرماء زوجها أن يبيعوا الدار التي تعتد فيها لكن، بشرط أن يستثنوا مدة السكنى للمعتدة وهي أربعة أشهر وعشر. وقاله في المدونة. وقال ابن عبد الحكم: لا يجوز ذلك لأنه غرر لجواز الريبة. قاله الشارح. فإن لم يبين البائع ذلك على ما في المدونة فإن البيع صحيح ويثبت للمشتري الخيار لكنه لا يجوز ابتداء لأنه بمنزلة كتم العيب. وهي أحق من الغرماء لأن هذا حق تعلق بعين، ومفهوم قوله: للغرماء منع الورثة من بيعها وهو كذلك إذا كان البيع في غير دين، وأما في دين فيجوز. قاله غير واحد. أي يجوز مع استثناء سكناها مدة العدة، ومحل الجواز إذا طلب رب الدين ذلك. قاله عبد الباقي. وقال أبو الحسن: واختلف هل للورثة بيع الدار واستثناء العدة؟ فأجازه اللخمي ومنعه غيره، لأنه غرر لا يدري المشتري متى يتصل بقبض الدار، وإنما رخص فيه في الدين. انتهى. نقله الحطاب. وقال الشبراخيتي: ولم يتعرض المص لبيع الدار فيمن تعتد بالموضع والظاهر أنها كمن تعتد عدة الوفاة. انتهى. وقال الأمير: وجاز بيع الدار إن اعتدت بالأشهر لا بالوضع أو الأقراء للجهالة. انتهى. وما قاله هو الظاهر لا ما للشبراخيتي. والله سبحانه أعلم. وإن ارتابت فهي أحق يعني أنه إذا بيعت الدار بشرط مدة العدة في الوفاة فارتابت المرأة بحس بطن أو تأخير

ص: 583

حيض فإنها تكون أحق من الغرماء بالسكنى إلى انقضاء عدتها إذ لا مدخل لها في التطويل. قوله: فإن ارتابت فهي أحق، قاله مالك في الموازية. نقله الشارح. وللمشتري الخيار يعني أنها إن ارتابت فهي أحق إلى أن تنتهي عدتها كما عرفت، ويثبت الخيار للمشتري عند مالك، فإن شاء أمضى البيع وإن شاء رده؛ وقال ابن القاسم: يلزمه المبيع لدخوله على ذلك وهي مصيبة نزلت به فلا خيار له والقولان مرويان عن سحنون. قاله الشارح. وللزوج في الأشهر يعني أنه يجوز للزوج بيع الدار التي تعتد فيها زوجته المطلقة حيث كانت تعتت بالأشهر كالصغيرة واليائسة مع البيان، كمن باعها واستثنى سكناها ثلاثة أشهر فهو معلوم، وأما إن كانت تعتد بالأقراء أو الحمل فإنه لا يجوز للزوج أن يبيعها كما في الجواهر، لعدم العلم بأمدها، وقوله: وللزوج في الأشهر؛ أي وكذا الغرماء ومع توقع الحيض قولان يحتمل أن يكون الظرف متعلقا بمقدر هو الخبر أي وفي بيعه مع لخ، ويحتمل أن يكون الخبر هو الظرف، ومعنى كلامه: أنه لا إشكال في جواز بيع الزوج للدار فيمن تحقق أنها تعتد بالأشهر، وأما إذا كانت يتوقع حيضها وهي تعتد بالأشهر واشترط البائع أنها إن حاضت تمكث حتى تنقضي مدة الأقراء فإنه اختلف هل يؤثر هذا الشرط في البيع الفساد؟ أو لا، على قولين؛ هكذا قرره بناني والرماصي، وقال بناني هذا هو المراد بقول عبد الباقي: واستثناء مدة العدة؛ يعني عدتها في نفس الأمر وأصله لابن عبد السلام. انتهى. والقولان مبنيان على مراعاة الطواري والأحوال، فمن نظر إلى الطواري منع ومن نظر إلى الحال أجاز، وعلى القول بالجواز لا كلام للمشتري إذا حصل لها حيض وانتقلت للأقراء لأنه دخل مجوزا لذلك، وعلى القول بالمنع يفسخ البيع. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: وعلى هذا التقرير لو باع مع توقع الحيض واستثنى الأشهر فالظاهر أنه يصح ويكون للمشتري الخيار، كما يفيده الأمير، ولابد من تحرير هذه المسألة، فأَقُولُ متبرئا من القوة والحول معتصما بمن له المنة والطول: المعتدة هنا إما من وفاة أو طلاق، والبائع في الأولى إما الغرماء أو الورثة، وفي الثانية إما الغرماء أو الزوج فتلك أربع، والعدة في الأولى إما بالوضع أو بأربعة أشهر وعشر مثلا، وفي الثانية إما بالأشهر أو بالوضع أو بالأقراء، فتلك عشر صور، الأولى: أن تكون معتدة من وفاة بالأربعة وعشر مثلا والبائع الغرماء فلهم المبيع خلافا لابن عبد الحكم، وعلى الأول فإنما يجوز

ص: 584

بشرط أن تبين مدة العدة، فإن لم تبين لم يجز ذلك والبيع صحيح وللمشتري الخيار. الثانية: كذلك إلا أن البائع الورثة في غير دين، أجاز المبيع اللخمي ومنعه غيره، وهو مقتضى المص، وإن باع الورثة في دين جاز. الثالثة: أن تكون معتدة من وفاة بالموضع والبائع الغرماء فالمنع، كما مر عن الأمير وهو الظاهر، ومر عن الشبراخيتي استظهار الجواز. الرابعة: كذلك إلا أن البائع الورثة فالمنع، وإذا فرعنا على المشهور من أن للغرماء المبيع حيث اعتدت بالأربعة الأشهر وعشر وارتابت فهي أحق بالسكنى، وللمشتري الخيار عند مالك خلافا لابن القاسم. الخامسة والسادسة: أن تكون معتدة من طلاق بالأشهر ولا يتوقع حيضها والبائع الغرماء أو الزوج فالجواز فيهما، ومع توقع الحيض فالجواز للغرماء وفي الزوج القولان المتقدمان على ما مر. السابعة والثامنة: أن تكون معتدة من طلاق بالأقراء والبائع الزوج أو الغرماء فالمنع فيهما كما في الأمير. التاسعة والعاشرة: أن تكون معتدة من طلاق بالوضع والبائع الغرماء أو الزوج فالمنع فيهما. وعبارة الأمير: وجاز بيع الدار إن اعتدت بالأشهر، وقال في الشرح: لا بالوضع أو الأقراء للجهالة، وأتبعه في المتن بقوله: ولو توقع حيضها والبائع الغرماء، قال في الشرح: جملة حالية، وأتبعه في المتن بقوله: وفي الزوج خلاف وبين وإلا فللمشتري الخيار كإن حدثت ريبة وفسد بشرط زوالها. انتهى. وما مر من صور الجواز فيما إذا لم يبع بشرط زوال الريبة، وإلا فهو قوله: ولو باع إن زالت الريبة فسد وعبارة ابن الحاجب: والبيع بشرط زوال الريبة فاسد؛ يعني أن من ذكر من الغرماء في المتوفى عنها والزوج في الأشهر إذا باع الدار التي تعتد فيها المرأة، وقال في عقد البيع: إذا زالت الريبة فالبيع بيننا لازم وإن استمرت فالبيع مردود فإن هذا البيع الذي وقع فيه هذا الشرط فاسد، وقوله: إن زالت الريبة؛ يعني الحاصلة وقت البيع أو التي ستحصل. قاله عبد الباقي: وقوله: الحاصلة؛ أي زالت في زمن العدة. والله أعلم. قاله مقيده عفا الله عنه. وقال الشبراخيتي عند قوله: إن زالت الريبة: بأن لم تحصل أصلا أو حصلت وزالت قبل انقضاء العدة فالبيع لازم، وإن استمرت فهو مردود. انتهى. وقال الشارح مفسرا للمص: أي إن دخل البائعان على أن المرأة إن لم تحصل لها ريبة أو حصلت وزالت في زمن العدة فالبيع ماض، وإن استمرت بها فالبيع مردود كان البيع فاسدا؛ وهو مذهب الواضحة، واختاره ابن المواز، ويفسخ إن وقع،

ص: 585

وروى أبو زيد عن ابن القاسم أن المبتاع لا حجة له؛ قال سحنون: ولو تمادت بها الريبة خمسة أعوام لأنه قد علم أن ذلك أقصى أمد الحمل كأنه داخل على علم. انتهى. وفي الشبراخيتي نحوه. وما قررت به المص هو الذي قرره به غير واحد؛ قال بناني: ومثله في التوضيح، واعترضه الناصر اللقاني، ووضحه مصطفى قائلا: إنه تقرير غير صحيح، وإنما معنى كلام ابن الحاجب المبيع بشرط مكث المعتدة إلى زوال الريبة، هذا هو المفروض في كلام الأئمة وبه قرر المواق. قال في الجواهر: ولو وقع البيع بشرط زوال الريبة كان فاسدا، قال القاضي أبو الوليد: وهذا عندي على من يرى للمبتاع الخيار، وأما على قول من يلزم ذلك فلا تأثير للشرط. انتهى. وأبدلت في المنهدم يعني أن الزوجة المطلقة إذا انهدم المسكن الذي تعتد به فإنه يجب على الزوج أن يبدلها غيره من مسكن تعتد بد سواء كان ملكا للزوج أم لا، وكذا المتوفى عنها إن انهدمت مقصورتها فتبدل بمقصورة أخرى من دار الميت التي هي له أو نقد كراءها على ما مر، فإن انهدمت الدار بتمامها لم تبدل بغيرها ولو كان للميت دار أخرى، لانتقالها للورثة مع عدم تعلق حقها بها بخلاف الدار التي كانت مقصورتها بها فإنها وإن انتقلت للورثة للمرأة تعلق حق بها. وهو اعتدادها. والمعار يعني أن الزوجة المطلقة إذا كانت تعتد في منزل معار لزوجها وانقضت مدة الإعارة فإنه يجب على زوجها أن يبدلها مسكنا غيره. والمستأجر بفتح الجيم يعني أن الزوجة المطلقة إذا كانت تعتد في منزل استأجره زوجها وانقضت مدة الإجارة فإنه يجب على زوجها أن يبدلها مسكنا غيره ووصف المعار والمستأجر بقوله: المنقضي المدة أي الذين انقضت مدتهما فهو بفتح الياء الأولى بصيغة التثنية وأشعر قوله: المنقضي المدة، أنه إن لم يقيد بمدة فلربهما إخراجها ولها في الطلاق البدل قاله عبد الباقي. وقال الحطاب عند قوله: وأبدلت في المنهدم والمعار والمستأجر المنقضي المدة ما نصه: يريد إذا امتنع ربه من كرائه وكان لامتناعه وجه وإلا فليس له الامتناع. انظر التوضيح وغيره انتهى. وإن اختلفا في مكانين أجيبت مرتب على الإبدال؛ يعني أنه إذا انهدم المسكن أو انقضت مدة العارية أو الإجارة واختلفا أي المطلق والمطلقة في مكانين بأن دعت هي إلى محل ودعا هو إلى محل آخر ولا ضرر على واحد منهما بذلك فإن المرأة تجاب إلى السكنى في المكان الذي دعت إليه، ولا تجاب إلى المكان الذي فيه ضرر على الزوج، كجوارها

ص: 586

لغير مأمون أو بعدها عنه بمحل لا يمكنه التحفظ عليها فيه؛ لأن له التحفظ على نسبه، وكما لو كان عليه في المكان الذي دعت إليه ضرر بكثرة الكراء حيث لم تتحمل بالزائد. قاله اللخمي. وقال ابن عرفة: إنما يلزمها الزائد في الأكثر إن كان ما دعا إليه يليق بها. انتهى ملخصا من شرح عبد الباقي وحاشية بناني. وقال الحطاب: قال في المدونة: وإذا انهدم المسكن فدعت المرأة إلى سكنى موضع ودعا الزوج إلى غيره فذلك لها، إلا أن تدعوه إلى ما يضر به لكثرة كراء أو سكنى، فتمنع ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت. قال ابن يونس: قوله: أو سكنى؛ يعني بد مثل أن تدعو إلى موضع بعيد منه أو فيه جيران سوء ونحو ذلك؛ لأن له التحفظ لنسبه. وقوله: سكنت حيث شاءت، يريد حيث يعرف أنها معتدة في موضع لا يخفى عنه خبرها. انتهى. انتهى، وامرأة الأمير ونحوه لا يخرجها القادم يعني أن الدار المبنية من بيت المال لمن يكون أميرا ونحوه كأبيه والقاضي إذا سكنها أحد ممن ذكر فمات عنها في الدار المذكورة أو طلقها ثم عزل فإنه لا يجوز لمن قدم مكانه أن يخرجها من الدار المذكورة حتى تتم عدتها من طلاق أو موت، وقولي: من بيت المال، قال الشبراخيتي: وأما لو كانت بأجرة كبيت القاضي بمصر فله إخراجها ما لم تدفع الأجرة من عندها فتكون أحق بها حتى تنقضي العدة. وإن ارتابت أي لا يخرجها القادم وإن ارتابت بحس بطن أو تأخر حيض فلا تخرج حتى تمضي لها خمس سنين كالحبس حياته تشبيه في عدم الإخراج؛ يعني أن من حبست عليه دار حياته فيموت عن زوجته فيها تستمر امرأته على السكنى فيها حتى تتم عدتها ولا يخرجها من صارت إليه بحبس أو غيره ولو إلى خمس سنين، وكذا الحكم لو طلقها ثم مات فإنها تستمر على السكنى فيها حتى تتم عدتها ولا يخرجها من صارت إليه بحبس أو غيره ولو إلى خمس سنين، ولو أسقط المطلق حقه لم يكن للمستحق أن يخرجها لأن الإسقاط هبة وليس للمطلق هبة مسكن المعتدة وإخراجها منه، وكذا العمر بالفتح. كما في الشبراخيتي والأمير. وقال عبد الباقي: قال أحمد: مثل الحبس حياته ما إذا جعل الدار وقفا على ذريته بعده فإنها تستحق السكنى، وذلك لأن هذه الوقفة خارجة مخرج الوصية، والسكنى من توابع الملك. انتهى. وقوله: فإنها أي زوجة الواقف نفسه وكذا زوجة واحد من الذرية فتستحق السكنى في عدتها من موته أو طلاقه لدخولها في قوله

ص: 587

كالحبس حياته. قال التتائي: وفهم من قوله: حياته: أنه لو حبسها عليه سنين أي معلومة فطلق أو مات فانقضت فليس لها زيادة على ذلك وهو كذلك. ذكره ابن الحاجب. انتهى. قلت: وعليه فيلزمه فيما يظهر السكنى بمحل آخر بقية عدة طلاقه، ولا ينافيه قوله: فليس لها زيادة على ذلك؛ لأن المراد في الحبس وهو الموافق لقوله: أبدلت في المعار المنقضي المدة؛ لأن الحبس عليه مدة معينة كالمعار في المعنى. انتهى كلام عبد الباقي. وقال: وانظر لو أسقط المحبس حياته ولم يقيد بمدة معينة. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر أنه لا فرق بين هذه وبين الحبس عليه حياته. والله سبحانه أعلم. بخلاف حبس مسجد بيده يعني أنه إذا كانت دار موقوفة على المسجد وسكنها بعض خدمة المسجد كالإمام والمؤذن ثم مات عن زوجته فيها أو طلق فإنه للقادم أن يخرجها منها فليست كدار الإمارة، والفرق بينهما أن دار الإمارة من بيت المال فلها فيه حق بخلاف هذه فليست من بيت المال، وظاهر كلام المص سواء كانت الدار حبسا على المسجد حبسا مطلقا أو كانت محبسة على أئمة المسجد مثلا، والحبس المطلق هو الذي وقع من محبسه أن الأماكن المحبسة موقوفة على مصالح المسجد مثلا ولم يعين محلا للإمام ومحلا للمؤذن وهكذا، وأما إن عين فيه محلا للإمام ومحلا للمؤذن مثلا فليس هذا بمطلق. انظر الشبراخيتي. قال عبد الباقي: ونحو قول المص: بخلاف حبس مسجد بيده، لابن العطار، وقيده ابن زرقون بما إذا كانت الدار حبسا مطلقا، فإن كانت حبسا على خصوص إمام مثلا فكدار الإمارة أي لأن عدتها فيه من توابع تعلق الإمام عزل أو فرغ أو مات، وكذا ارتضى ابن عبد السلام التقييد المذكور، وشيخنا علي الأجهوري رادا بحث ابن عرفة في ارتضائه الإطلاق. انتهى. قول عبد الباقي: حبسا على خصوص إمام مثلا، صوابه حبسا على أئمة المسجد كما في عبارة غيره. قاله بناني. وقوله:"بخلاف حبس مسجد بيده"، الضمير في بيده يرجع للمطلق أو الميت وهو صفة أو حال من حبس. والله تعالى أعلم. وقوله: بخلاف حبس مسجد بيده، ظاهره أن للقادم أن يخرجها، قال بناني: والذي في كلام غيره أن الإخراج يتوقف على جماعة أهل المسجد، ففي المواق: وكذلك زوجة إمام المسجد الساكن في داره تعتد زوجته فيها إلا أن يرى جيران المسجد إخراجها من النظر فذلك لهم. قاله ابن العطار. انتهى. وقال ابن ناجي: واختلف إذا مات إمام المسجد

ص: 588

وهو ساكن في الدار المحبسة عليه فقيل كمسألة الأمير. قاله بعض القرويين. قاله ابن عات. وعليه جرى عمل قرطبة ولم يحك ابن شاس وابن الحاجب غيره. وقيل: تخرج منها إن أخرجها جماعة أهل المسجد. قاله ابن العطار. واقتصر على قوله أكثر الشيوخ. انتهى. ونحوه في عبارة ابن عرفة والمتيطي والجواهر وابن فتوح عن ابن العطار، فانظر لم ترك المص هذه الزيادة؟ انتهى. وفي المعيار أن ما حبس على المسجد لا يؤجر منه الإمام ونحوه كالمؤذن إلا بما فضل عن حصر المسجد وبنائه ونحو ذلك، وما حبس على الإمام يأخذه وحده على كل حال. انتهى قاله بناني. ولأم ولد يموت عنها السكنى يعني أن السيد إذا مات عن أم ولده فإنها تجب لها السكنى إن كان المسكن له أو نقد كراءه. نقله بناني عن أبي الحسن فقول عبد الباقي: والظاهر أنه لا يكون لها السكنى حيث مات إلا أن يكون المسكن له أو نقد كراءه قصور؛ إذ ظاهره أنه غير منصوص. اللخمي: اختلف في أم الولد يموت عنها سيدها أو يعتقها هل لها السكنى؟ فقال ابن القاسم في المدونة: لها السكنى، وقال في كتاب محمد: لا سكنى لها ولا عليها، وروى أشهب أن ذلك لها وعليها من غير إيجاب. نقله أبو الحسن. زاد في التوضيح: وحكى غيره قولا آخر أن السكنى حق لها إن شاءت، تركته، وقيل: تركه مكروه، وهو صريح في أن مذهب المدونة أن ذلك لها وعليها. قاله بناني. ونقل ابن رشد عن المذهب: أن لها المبيت في الحيضة في غير بيتها من عتق أو وفاة وهو خلاف قول المدونة قال مالك: ولا أحب لها المواعدة فيها ولا تبيت إلا في بيتها ولا إحداد عليها. انتهى. نقله بناني. وقال ابن يونس: قال ابن المواز: لها أن تبيت في غير بيتها مات السيد أو أعتقها. انتهى. نقله بناني. وقال الحطاب: قال في رسم سعد من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: قال مالك في أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل والحرة يتوفى عنها زوجها وهي حامل: ليس لواحدة منهما نفقة لا من جملة المال ولا من حصة الولد. ابن رشد: فأما الحرة فبلا خلاف وأما أم الولد فهو المشهور، وروي: لها النفقة من جملة المال. وقال الجزولي: وإذا مات وهي حامل فهل تعتق في الحال أو حتى تضع، والأول المشهور، وعليه فاختلف في نفقتها فقيل: على نفسها، وقيل: في التركة؛ وعلى القول الآخر: أنها لا تعتق حتى تضع فنفقتها في التركة. انتهى. انتهى. وقال الشبراخيتي عند قوله: ولأم ولد يموت عنها السكنى، ما نصه:

ص: 589

ومحل كون المسكن لها إذا كان المنزل له أو نقد كراءه أو لم ينقد وكان الكراء وجيبة على أحد التأولين. انتهى. وزيد مع العتق نفقة الحمل يعني أن أم الولد إذا نجز السيد عتقها في حياته فإن لها السكنى ويزاد لها على السكنى نفقة الحمل إن كانت حاملا. كالمرتدة يعني أن المرتدة إذا كانت حاملا تجب لها نفقة الحمل ولها السكنى أيضا. قال بناني: التشبيه إنما هو في النفقة لا في السكنى بدليل اشتراط الحمل؛ إذ السكنى لا يتوقف وجوبها على وجود الحمل لدخولها في قوله قبل: أو المحبوسة بسببه. انتهى. والمشتبهة يعني أن المرأة إذا وطئت بشبهة فحملت فإنه يجب لها النفقة والسكنى إلى حين الوضع، كمن نكح ذات محرم جهلا فحملت منه، فلو نكحها عالما بالتحريم دونها فحملت فلها السكنى دون النفقة؛ لأن الولد غير لاحق به إذ لا نسب لولد الزنى، فإن علمت فلا سكنى لها. إن حملتا قد علمت مما مر أنه قيد في المرتدة والمشتبهة أي إنما للمرتدة والمشتبهة، النفقة إن حملتا فإن لم تحملا فلهما السكنى على ما مر: وهذه النسخة للمواق بضمير التثنية: نقلها عنه الشبراخيتي. وفي نسخة إن حملت بضمير الإفراد. قال الشبراخيتي: وأفرد الضمير إعادة على من ذكر. وهل نفقة ذات الزوج إن لم تحمل عليها أو على الواطئ؟ قولان. يعني أن المرأة المتزوجة إذا لم يبن بها زوجها ووطئها رجل أجنبي غلطا ولم تحمل فإنه اختلف فيمن تلزمه نفقتها، فقيل: نفقتها عليها؛ أي هي التي تنفق على نفسها ولا ينفق عليها الزوج ولا الغالط الواطئ فتنفق على نفسها مدة استبرائها بثلاث حيض للحرة وحيضة للأمة، وقيل: نفقتها مدة استبرائها تجب على من وطئها، والقولان في النفقة، وأما السكنى فعلى الغالط، وعبارة ابن الحاجب نحو عبارة المص وهي: وفي الغالط بغير العالمة ذات الزوج قولان، قال ابن غازي لشراح ابن الحاجب في صفة هذين القولين ثلاث عبارات، الأولى: هل النفقة في العدة عليها نفسها أو على واطئها؟ كما هنا، وهي التي في التوضيح، وفيما وقفنا عليه من نسخ ابن عبد السلام. ولم أرها لغيرهما ممن قبلهما، ويبعدها أن الخلاف لو كان كذلك لم يختص بذات الزوج. الثانية: هل النفقة على زوجها أو على واطئها؟ وهو الذي نسبه ابن عرفة لابن عبد السلام ووهمه فيه الثالثة: هل النفقة على زوجها أو عليها؟ وهو الذي عند ابن عرفة اعتمادا على نقل ابن يونس في مسألة الأخوين إذا أدخلت على كل منهما زوجة أخيه، ونصه

ص: 590

عن أبي عمران: لا نفقة لكل واحدة في الاستبراء على زوجها لأنه لم يدخل بها ولا على الواطئ لأنها غير زوجته إلا أن يظهر حمل فترجع عليه بما أنفقت. انتهى. ثم قال ابن غازي: وإذا تأملت ما تقدم علمت أنه كان الصواب أن يقول المص: ونفقة ذات الزوج إن لم تحمل ولم يبق بها عليها لا على زوجها على الأرجح، وفهم من قوله: إن لم تحمل، أنها إن حملت من الواطئ تعينت نفقتها عليه وكذا السكنى. قال ابن عبد السلام: ولا أعلم في هذا خلافا في المذهب. انتهى. ويلحق به لأنه ذو شبهة، فإن كان وطؤه محض زنى لم يلحق به ولا نفقة لها في حمله وإنما لها السكنى إن لم تعلم، وموضوع المص أنه لم يبن بها الزوج، فإن بنى بها فعليه نفقتها وسكناها إن لم تحمل، وكذا إن حملت ولم ينفه بلعان فإن نفاه بلعان كان على الغالط فحكم هذه كحكم حملها من الغالط، حيث لم يبن بها الزوج فإن نفاه الثاني بلعان فلا نفقة عليه أيضا لأن اللعان يكون في وطء الشبهة.

ولما ذكر العدة من طلاق أو وفاة ذكر شبهها وهو الاستبراء فقال:

ص: 591

(فصل: في الاستبراء) وهو مشتق من التبري وهو التخلص ثم استعمل لغة في الاستقصاء والبحث والكنتحف عن الأمر الغامض، وفي الشرع في الكشف عن حال الأرحام عند انتقال الأملاك مراعاة لحفظ الأنساب. قاله في التوضيح. قاله الحطاب. وقال الشبراخيتي: السين للطلب أي طلب براءة الرحم مشتق من التبري وهو التخلص وهو لغة الاستقصاء والبحث والكشف عن الأمر الغامض، وشرعا قال في توضيحه: الكشف عن حال لخ، وقال ابن عرفة: الاستبراء مدة دليل براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق، فتخرج العدة ويدخل استبراء الحرة ولو للعان والموروثة لأنه للملك لا لذات الموت. وجعل القرافي جنسه طلب براءة الرحم لأنه استفعال يخرج استبراء اللعان لأنه لا يكون عن طلب. انتهى. وقوله: مدة دليل براءة الرحم؛ أي المدة التي ينتظر فيها ما يدل على براءة الرحم من الحمل وهو الحيض أو وضع الحمل أو الأشهر، وقوله: طلاق، قال الشبراخيتي: قال في الشرح: من جملة رفع العصمة، فيقيد قوله: لا لرفع عصمة بغير طلاق، ليلا يلزم جعل القسم قسيما ولو حذف أو طلاق لسلم من هذا. انتهى. أو يقال عطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام. انتهى كلام الشبراخيتي. وقال بناني: قال علي الأجهوري: لو حذف أو طلاق لسلم من جعل القسم قسيما لأنه من جملة ما يرفع العصمة. انتهى. وفيه نظر بين. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: كأنه يعني أن المراد بالرفع ما كان من غير سبب الرجل كالفسخ والموت فيكون الطلاق قسيما له، والظاهر ما للأجهوري لأن رفع العصمة يكون بالموت والفسخ والطلاق. والله سبحانه أعلم. قال بناني: ويرد على تعريف ابن عرفة أنه غير مانع لصدقه بمدة إقامة أم الولد بعد موت سيدها مع أنها عدة على المشهور كما ذكره ابن عرفة وهو مذهب المدونة. وقوله: والموروثة؛ يعني إذا مات شخص عن أمة فلا يقربها الوارث حتى يستبرئها؛ لأن ذلك لم يكن لرفع عصمة بالموت، وإنما هو لرفع الملك وهو ظاهر قاله الرصاع. وقال: ومراده باستبراء اللعان الاستبراء الذي يفعله الزوج بزوجته ليعتمد عليه في نفي ما عسى أن يحدث من حمل أو ولد بلعان، كما إذا أراد أن يغيب عنها وخاف من سوء تحدثه في غيبته، لا ما يكون لفرقة اللعان فإنه عدة لا استبراء كما هو منصوص عليه في باب العدة، وحد ابن عرفة لها صادق عليه أيضا ولأنه مطلوب شرعا كطلب ذلك من المطلقة ولا يتوجه اعتراضه على القرافي لو كان هذا الثاني هو المراد، بخلاف الأول فإنه غير مطلوب شرعا، وإنما الزوج يريد أن يفعله لا عسى أن يكون؛ لما

ص: 592

فيه من المصلحة، وقد يقال: مراد القرافي الطلب اللغوي وهو حاصل من الزوج في استبراء اللعان، فلا يخرج. وبما ذكرنا تعلم ما في كلام علي الأجهوري في شرحه فراجعه متأملا. انتهى كلام بناني. والله سبحانه أعلم. يجب الاستبراء بحصول الملك يعني أنه يجب على من حصلت في ملكه أمة أنما يستبرئها أي يجب عليه أن يترك وطئها حتى يستبرئها. قال ابن غازي: عبر بحصول الملك ولم يقل بنقل الملك ليشمل ما أخذ بالقسمة من أيدي الكفار مما أخذوه من أموال المسلمين بالقهر فإنهم إنما لهم فيه شبهة الملك على المذهب، ولهذا وجه هذه العبارة في التوضيح تبعا لابن عبد السلام، ولذا جاء بقوله: أو سبيت، منخرطا في سلك الإغياء، وبه يتضح الفرق بينه وبين قوله: أو علمت، فليس بمستغنى عنه كما قيل. انتهى. قال الأمير في حاشيته شيخنا لا تصدق فيه الجارية بحيض أو وضع حتى ينظرها النساء فليس كالعدة لأن الحرة مؤتمنة على بضعهما.

تنبيهات: الأول: قال بناني قال علي الأجهوري ما نصه: ثم إنه يجب الاستبراء بالشروط المذكورة اشتراها للوطء أو للخدمة. انتهى. وهو خلاف قول ابن عاشر: الذي يظهر لي أنه إنما يجب في التي يراد وطؤها أو تزويجها لو تكون علية أو مقرا بوطئها. انتهى. وما قاله ابن عاشر هو الظاهر من عبارة الأئمة، ففي الجلاب: من اشترى أمة يوطأ مثلها فلا يطؤها حتى يستبرئها بحيضة. انتهى. وفي المقدمات ما نصه: واستبراء الأمة في البيع واجب لحفظ النسب، ثم قال: فوجب على كل من انتقل إليه ملك أمة ببيع أو هبة أو بأي وجه من وجوه الملك ولم يعلم براءة رحمها أن لا يطأها حتى يستبرئها رفيعة كانت أو وضيعة. وفي التنبيهات ما نصه: الاستبراء لتمييز ماء المشتري من ماء البائع، ثم قال فيمن لا تتواضع ممن لا يقر البائع بوطئها وهي من وخش الرقيق: فهؤلاء لا مواضعة فيهن ولا استبراء إلا أن يريد المشتري الوطء فواجب عليه أن يستبرئ لنفسه مما لعلها أحدثته. انتهى. وفي المعونة ما نصه: من وطئ أمة ثم أراد بيعها فعليه أن يستبرئها قبل البيع وعلى المشتري أن يستبرئها قبل أن يطأها. انتهى. فتحصل أنه لا يستبرئ المشتري إلا إذا أراد الوطء والبائع لا يستبرئ إلا إذا وطئ، وكذلك سوء الظن لا يستبرئ المالك لأجله إلا إذا أراد الوطء أو التزويج كما يأتي. والله أعلم. انظر شرح أبي علي. انتهى. قال مقيدة عفا الله عنه: الظاهر أنه لا يتم الاعتراض على الأجهوري إلا لو قال أيضا: أم لا، وهو

ص: 593

إنما قال: اشتراها للوطء أو الخدمة تأمل. الثاني: قال الشارح: والأصل فيه أي الاستبراء قوله عليه الصلاة والسلام في سبي أوطاس (ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض

(1)

) وهو واجب كما قال ليلا يؤدي تركه إلى اختلاط الأنساب واسترقاق الأحرار في الإماء الموطوءات لساداتهن إذا خرجن عن ملكهم. انتهى. وأوطاس واد في بلاد هوازن وبه كانت غزوته عليه الصلاة والسلام هوازن يوم حنين قاله عبد الباقي عن النووي. الثالث: قوله: بحصول، معناه بحصول الملك إنشاء أو تماما لينطبق على الراجعة من غصب فإن الملك لم ينتقل لكنه لما لم يتمكن من التصرف فيها فكأن الملك ما تم إلا برجوعها. قاله الشبراخيتي. الرابع: في الشبراخيتي: أن رجلا أهدى إلى هارون جارية، وقال: إنها بريئة الرحم، فأراد هارون أن يمسها لحينه، فقيل له: إن عليك الاستبراء، فقال هارون لمالك: يا أبا عبد الله هل من حيلة؟ فقال: تعتقها، فتصدق أنها بريئة الرحم ففعل ذلك. انتهى. فيقال: إنها أرسلت لمالك عشرة آلاف دينار فردها، وقال: إنما أردت وجه الله. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: ويأتي للمص أن الاستبراء يجب بالعتق إلا أن يستبرئها المعتق قبل عتقه ثم بعد كتبي كذا، هذه الحكاية ضعيفة رواية وفقها، أما الأول فلأن الصحيح أن الذي أفتاه قاضيه أبو يوسف لا مالك، وأما الثاني فلأن المذهب وجوب الاستبراء وذكر المص أن الاستبراء، يجب بأربعة شروط، الأول: حصول الملك واحترز به عما لو تزوج أمة فإنه لا يجب عليه استبراؤها. قاله الحطاب وغيره. الثاني أن لا توقن البراءة وإليه أشار بقوله: إن لم توقن البراءة يعني أن الاستبراء إنما يجب إن لم توقن البراءة أي براءة الرحم من الماء، وأما إن تيقنت براءة الرحم من الماء فإنه لا يجب الاستبراء بأن غلب على الظن أو اعتقد براءة رحمها كالمودعة تحيض عنده فيشتريها ولم تخرج ولم يلج عليها سيدها، وكما لو اشتراها بائعها قبل غيبة المشتري عليها أو بعدها ولم يمكن شغلها منه لقصر المدة أو معه من لا يوطأ بحضرته، كما مر في العدة. الثالث: أن لا يكون وطؤها مباحا وإليه أشار بقوله: ولم يكن وطؤها مباحا يعني أنه يشترط في وجوب الاستبراء أيضا أن لا يكون وطء من حصلت في ملكه مباحا، وأما إن كان وطؤها مباحا فلا يجب الاستبراء كمن اشترى زوجته فإند لا يجب عليه أن يستبرئها كما بائني إن شاء الله تعالى. قال الشبراخيتي عند قوله: ولم يكن وطؤها مباحا، وإلا فلا

(1)

مسند أحمد، ج 3 ص 62. الحاكم ج 2 ص 195.

ص: 594

كمن اشترى زوجته أو أعتق وتزوج، والمراد كونه مباحا في نفس الأمر احترازا ممن انكشف أن وطئها حرام فقد سئل ابن أبي زيد عمن كان يطأ أمة فاستحقت منه فاشتراها ممن استحقها هل يستمر على وطئها أم يستبرئها؟ فأجاب لا يطؤها إلا بعد استبرائها، ويجري مثل هذا فيمن اشترى زوجته فاستحقت فيقيد به قول المص الآتي: أو اشترى زوجته. انتهى. ونحوه لعبد الباقي. وقوله: أو أعتق وتزوج، هو وإن كان صحيحا في نفسه ليس من صور حصول الملك بل من صور زواله، ولذا لم يذكره الحطاب. قاله بناني. وقوله: ويجري مثل هذا لخ، قال بناني فيه نظر؛ لأن وطئها كان مباحا في نفس الأمر لأنه كان بالنكاح استحقت أم لا، نعم إذا استحقت بعد أن وطئها بالملك فهي مسألة ابن أبي زيد بعينها. انتهى. قال مقيده: يجاب عما قاله بناني بغلبة فساد نكاح المستحقة ويمكن تصحيحه بأن تزوجها المالك. والله سبحانه أعلم الرابع: أن لا تحرم في المستقبل، وإليه أشار بقوله: ولم تحرم في المستقبل يعني أنه يشترط في وجوب الاستبراء أيضا أن لا تكون الأمة التي حصل ملكها له ممن يحرم في المستقبل عليه، وأما إن كانت ممن تحرم عليه فإنه لا يجب عليه استبراؤها كالمحرم بنسب أو رضاع أو صهر كأخت زوجته وكمتزوجة بغيره، ومعنى قوله: ولم تحرم في المستقبل، لم تستمر حرمتها في المستقبل وليس المراد ولم تتصف بالحرمة في المستقبل لأن جميع المستبرءات متصفة بالحرمة في الزمان المستقبل بالنسبة لزمان العقد حتى تحيض. قاله الأجهوري. نقله الشبراخيتي. وقوله: ولم تحرم في المستقبل، قال بناني: على القيد ذكره الأبهري وغيره، وبحث فيه ابن عاشر بأنه غير محتاج إليه لما تقدم أن الاستبراء إنما يجب عند إرادة الوطء وهذه لا يطؤها، وأيضا فإنها يجب استبراؤها للتزويج إلا أن يخبره البائع بالاستبراء، فدكرهم لهذا الشرط غير محرر. والله أعلم. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: لابد من الإتيان بهذا الشرط ليفيد أن من تحرم في المستقبل لا مواضعة فيها إذا كانت عليا لم يقر البائع بوطئها، ويأتي أن من لا استبراء فيها لا مواضعة فيها. والله سبحانه أعلم. وإن صغيرة أطاقت الوطء يعني أنه يجب الاستبراء بحصول الملك وإن كانت هذه الأمة التي تجدد ملكها صغيره، فيجب على من تجدد له ملكها أن يستبرئها بشرط أن تكون قد أطاقت الوطء، وأما إن لم تطق الوطء فلا استبراء كما سينص عليه. أو كبيرة يعني أنه يجب الاستبراء بحصول الملك وإن كانت هذه الأمة التي تجدد ملكها مسنة كبنت ستين سنة. لا تحملان عادة هذا هو

ص: 595

محط المبالغة وما قبل المبالغة الصغيرة التي يمكن حملها عادة كبنت ثلاث عشرة سنة، والكبيرة التي يمكن حملها عادة كبنت خمسين سنة، وقوله لا تحملان عادة صفة لصغيرة أو كبيرة أو حال منهما. قال ابن عبد السلام: والقياس أن لا يلزم فيهما استبراء لكنه لزم فيهما لئلا يتوسل بهما إلى غيرهما ممن هو أكبر من الصغيرة وأصغر من اليائسة.

تنبيه: المطيقة بنت تسع أكثر كما لعبد الباقي، وأما بمت ثمان فلا تطيقه. نص عليه المتيطي وعقد فيه وثيقة. قاله بناني. وما ذكره المص في الصغيرة المطيقة والكبيرة اللتان لا تحملان عادة هو رواية ابن القاسم، وروى ابن عبد الحكم أن الاستبراء لا يجب فيهما. قاله الشارح. أو وخشا يعني أنه لا فرق في وجوب الاستبراء بين الوخْش والعِلْيِ وهذا هو المشهور؛ وحكى المازري وغيره نفي الوجوب في الوخش. قاله الشارح. والوخش الحقير من كل شيء، وهو هنا ضد العِلْي أي الرائعة أي الجميلة، من وخشت الشيء وخشا أي خلطته فكأن الوخش هو الذي لا يعرف لدناءته إذ هو من أخلاط الرقيق. قاله الشبراخيتي. أو بكرا يعني أنه يجب استبراء الأمة بتجدد ملكها وإن كانت بكرا، وهذا هو المشهور؛ اللخمي: والمذهب أن الاستبراء في البكر واجب، قال: وأرى الاستبراء فيها استحسانا على وجه الاحتياط ولا يجب؛ لأن الغالب في بقاء البكارة عدم الوطء، ويستحسن ذلك لاحتمال أن تكون أصيبت خارج الفرج، وقد تحمل مع البكارة. قاله الشارح. وقد مر استشكال الباجي لعدم اعتماد الزوج في اللعان على الوطء بين الفخذين. فقال: يبعد عندي أن يلحق الولد من الوطء في غير الفرج، فلو صح هذا لما جاز أن تحد امرأة ظهر بها حمل وليست متزوجة لجواز أن تكون وطئت في غير الفرج، فلا يجب به حد وإن وجبت به عقوبة. وقوله: أو بكرا، أجيب عن مفهوم خبر: لا يأتين رجل ثيبا حتى يستبرئها، بأنه خرج مخرج الغالب. ابن عبد السلام: وجود البكارة دليل على عدم الوطء الذي يخشى منه الحمل وخوف حصول هذا الوطء هو الموجب للاستبراء، فإذا كان في المحل دليل على انتفائه فقد انتفت العلة فينتفي المعلول، فالبكر تستبرأ مع ضعف التهمة الموجبة للاستبراء فيها. انتهى. والتهمة في الوخش ضعيفة، الآن العادة جارية بنفور النفس من وطء الوخش، ومع ذلك يجب استبراؤها واحتمال الحمل في الوخش أقوى منه في الصغيرة واليائسة والبكر. وقال الشبراخيتي: قال ابن عرفة: ونقل ابن الحاجب سقوطه في البكر لا أعرفه، ويرد بحمل هذا على الشارح لأنه نقل فيها

ص: 596

الخلاف، ونقل البخاري عن ابن عمر أنه لا استبراء فيها ويدل له مفهوم خبر: لا يأتي رجل ثيبا حتى يستبرئها. انتهى. والجواب عن الحديث في تخصيصة الثيب أنه خرج مخرج الغالب. انتهى كلام الشبراخيتي. أو رجعت من غصب يعني أنه يجب الاستبراء في الأمة التي رجعت من غضبها يعد أن غاب عليها الغاصب البالغ غيبة يمكن شغلها منه، فيجب على سيدها بعد رجوعها أن يستبرئها حينئذ، ولا تصدق هي إن أنكرت ولا هو إن أنكر، فإن غصبها صبي وغاب عليها لم يجب علم سيدها استبراؤها، وتقرير كلام المص يجب الاستبراء بحصول الملك وإن رجعت من غصب، وهذا مشكل لعدم صدق ما قبل المبالغة على ما بعدها لأن هذه لم تخرج عن ملكه حتى يقال: حصلت فيه، والجواب ما مر من أن المراد يجب بحصول الملك إنشاء أو تماما لخ. أو سبي يعني أنه إذا سبى العدو أمة وغاب عليها غيبة يمكن شغلها منه فيها، ثم قدرنا عليه ورجعناها لمالكها فإنه يجب عليه استبراؤها، قال فيها: إذا سبى العدو أمة أو حرة لم توطأ الحرة إلا بعد ثلاث حيض ولا الأمة إلا بعد حيضة ولا يصدقن في نفي الوطء، وإن زنت الحامل فلا يطأها زوجها حتى تضع، واستشكل قوله: أو سبي، بما مر، وأجيب عنه بما مر وهو أن قوله: بحصول الملك؛ أي إنشاء أو تماما فينطبق على الراجعة من غصب أو سبي لأن الملك لم ينتقل وإنما حصل فيه خلل بعدم التصرف، فإذا رجعت منه فقد تم ذلك. انتهى. وهذا هو مراد التوضيح وابن عبد البر فيما مر.

تنبيه: في شرح عبد الباقي وضمان المغصوبة مدة استبرائها من الغاصب لاستيلائه وعدم تمكن ربها من وطئها قبل الاستبراء وكذا نفقتها عليه، ويلزم مثله فيمن وطئ أمة رجل طائعة أو مكرهة، وما ذكره المص من وجوب استبراء المغصوبة المغيب عليها يخالف ظاهر المدونة من استحبابه في هذه الحالة كالمبيعة بخيار غاب عليها مشتر، وحمل عياض المدونة على وجوب الاستبراء فيهما. والمص رحمه الله سلك مسلكا مخالفا لظاهر المدونة ولحمل عياض، فأوجب الاستبراء فيمن غاب عليها الغاصب، وجعله مستحبا فيمن غاب عليها المشتري في بيع الخيار كما سيذكره ولا سلف له فيه، قلت: قد يقال: لما كان حمل عياض ظاهرا في المغصوبة لتعديه بالغصب فيتعدى بالمس أيضا غالبا، تبعه المص بخلاف المشتري بخيار فإن الغالب عليه عدم مسها، ثم إن قوله: أو رجعت من غصب أو سبي شامل للمتزوجة ولغيرها، فاستبراء الأمة

ص: 597

المتزوجة من الغصب والزنى بحيضة وليس كعدتها، بخلاف الحرة كما مر انتهى كلام عبد الباقي. قوله: وكذا نفقتها عليه، قال بناني: غير صحيح بل نفقتها في استبرائها على سيدها كما يدل عليه ما مر لا على الغاصب ولو حملت لعدم لحوق الولد به. وقد قالوا: إن المدار في كون النفقة على الواطئ على كون الولد لاحقا به، كما أن المدار في السكنى على كونها محبوسة بسببه. والله أعلم. انتنهى. أو غنمت يعني أن المسلمين إذا غنموا كافرة من نساء العدو فإنه يجب استبراؤها للحديث الوارد في سبي أوطاس: (ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض

(1)

) قال الشارح: ولو استغنى عن هذا بقوله: يجب الاستبراء بحصول الملك، لكان أحسن لشموله لذلك وغيره من الأوجه السابقة. انتهى. وما قاله غير ظاهر لأن الاستغناء عنه بحصول الملك لا يضر لأن المبالغ عليه شأنه أن يندرج فيما قبله. انظر حاشية الشيخ بناني. أو اشتريت هذا أيضا داخل في حيز المبالغة يعني أن من اشترى أمة يجب عليه أن يستبرئها قبل أن يطأها. ولو متزوجة وطلقت قبل البناء يعني أن من اشترى أمة متزوجة بغيره أي المشتري وطلقها الزوج قبل أن يبني بها وبعد أن اشتريت يجب على مشتريها أن يستبرئها قبل أن يطأها عند ابن القاسم، ورد بلو قول سحنون لا يجب على المشتري استبراؤها حينئذ، والحجة لابن القاسم أنها لو أتت بولد لستة أشهر من يوم عقد النكاح فإنه يلحق بالزوج، وبأن الزوج إنما أبيح له وطؤها بإخبار السيد، المشتري لا يعتمد عليه أي السيد البائع اتفاقا. قال عبد الباقي: ولو حذف يعني المص قوله: ولو كان أخصر وأحسن؛ لأن قوله: أو اشتريت في حيز المبالغة. انتهى. وما قاله فيه شيء لأن لو هنا لرد قول سحنون، وهو يشير بلو إلى خلاف مذهبي، والمبالغة التي قبلها بإن. قاله مقيده عفا الله عنه. والواو في قوله: وطلقت، واو الحال. واحترز بقوله: قبل البناء، مما إذا طلقت بعد البناء فلا استبراء عليها وعليها العدد. كما يأتي. كالموطوءة إن بيعت يعني أن السيد إذا وطئ أمته فإنه لا يجوز له أن يبيعها حتى يستبرئها من وطئه، فمعنى إن بيعت أراد أن يبيعها. أو زوجت يعني أن السيد إذا وطئ أمته فإنه لا يجوز له أن يزوجها حتى يستبرئها، فمعنى زوجت أراد أن يزوجها. وفي حاشية بناني. ابن عرفة: وفيها: يجب لإرادة بيعها ربها من وطئه إياها وتزويجها إن وطئها أو زنت أو ابتاعها ممن لم ينف وطئها. انتهى.

(1)

مسند أحمد ج 3 ص 62. الحاكم ج 2 ص 195.

ص: 598

فقوله: إن وطئها أو زنت، إنما يرجع لقوله: وتزويجها، ولا يرجع لإرادة بيعها وإلا كان قوله: إن وطئها، تكرارا مع قوله: من وطئه إياها. الحاصل أنه لا يجب الاستبراء في المبيع إلا من وطء المالك وفي التزويج يجب من وطء المالك وغيره هذا الذي يدل عليه كالأمهم. والفرق أن النكاح لا يصح في المستبرأة مطلقا بخلاف البيع فإنه يجوز بيع المعتدة والمستبرأة من غير المالك، وتقدم: وإن اشتريت معتدة طلاق لخ، ويأتي قوله: ولا مواضعة في متزوجة لخ، تأمل. انتهى. تنبيهان:

الأول: وقع في شرح عبد الباقي عند قوله: إن بيعت أو زوجت؛ أي أراد السيد بيعها أو تزويجها لغيره فلا يفعله حتى يستبرئها إلا أن يقطع بانتفاء وطئه، كما يفيده قوله المار: أو ادعته مغربية على مشرقي، ومفهوم الموطوءة أنه إن لم يكن وطئها لم يجب عليه استبراؤها لبيعها، إلا إن زنت عنده أو اشتريت ممن لم ينف وطئها فيجب، كما لابن عرفة وغيره. ففي مفهوم موطوءة تفصيل. انتهى. قوله إلا أن يقطع بانتفاء وطئه لخ، قال بناني: الصواب إسقاط هذا الاستثناء لأن الموضوع أنها موطوءة، فإن أراد القطع بانتفاء وطئه بعد حيضها فهذا عين استبرائها، وقوله: فيجب كما لابن عرفة وغيره لخ، ما ذكره غير صحيح، وكلام ابن عرفة يخالفه. ونصه: وفيها يجب لارادة بيعها ربها لخ. الثاني: قال الشبراخيتي: قوله: كالموطوءة إن بيعت أو زوجت: تشبيه في قوله: يجب الاستبراء بحصول الملك، وهو من عكس التشبيه، أي كما يجب على السيد إذا وطئ أمته وأراد بيعما أو تزويجها استبراؤها، وإنما قلنا: إنه من عكس التشبيه؛ لأن الأول منصوص عليه فهو معلوم، والثاني غير منصوص عليه وإنما هو مخرج على الأول فهو مجهول انتهى المراد منه. وقال الحطاب: وقوله: الموطوءة، احتراز من غير الموطوءة فإن له أن يزوجها دون استبراء كما نقله ابن عرفة. والله أعلم. انتهى. وقبل قول سيدها يعني أن الأمة إذا وطئها سيدها وادعى أنه استبرأها فإنه يقبل قوله في ذلك بلا يمين ويصدق بالنسبة إلى إرادة التزويج فيباح تزوجها بذلك ويعتمد الزوج على كلامه ويطأ من غير استبراء، فهو راجع لقوله أو زوجت، ولا يرجع لقوله: إن بيعت، فلابد فيه من استبراء ثان فليس للمشتري وطؤها اعتمادا على قول السيد وإن قطع بصدقه كما في الشبراخيتي. تنبيه: قال عبد الباقي هنا ما نصه: ولو وطئ في جميع ما تقدم من وجب عليه الاستبراء قبله وأتت بولد لحق بالأول إن أتت به لأقل من ستة أشهر وما نقصها ولستة أشهر من وطء الثاني فأكثر فالقافة كأمة

ص: 599

الشريكين إذا وطآها بطهر. انتهى. نقله عن الأجهوري. قوله: فالقافة، كأمة الشريكين، قال بناني: فيه نظر بل؛ إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني لحق بالثاني من غير قافة إذ لا تدعى التافة في وطء النكاح كما يأتي. وصرح به ابن الحاجب في التداخل حيث قال: هذا حكم النكاح، وأما القافة ففي الأمة يطؤها السيدان. انتهى. انتهى. وقوله: إذ لا تدعى القافة في وطء النكاح، تقدم الكلام عليه عند قول المص في العدد لدون أقصى أمد الحمل لحق إلا أن ينفيه بلعان فراجعه إن شئت. وجاز للمشتري من مدعيه تزويجها قبله أي الاستبراء يعني أنه يجوز لمشتري أمة ممن ادعى استبراءها أن يزوجها اعتمادا على دعوى البائع، ويباح للزوج وطؤها اعتمادا على قول البائع. ومفهوم قوله: تزويجها، أنه لا يجوز للمشتري وطؤها اعتمادا على دعوى البائع فلا يجوز له وطؤها حتى يستبرئها ومفهوم قوله: تزويجها؛ أيضا أن المشتري لا يحتاج في بيعها إلى دعوى البائع الاستبراء فله أن يبيعها ولو لم يدع البائع الاستبراء. وفي كلام عبد الباقي نظر. واتفاق البائع والمشتري على واحد يعني أن السيد إذا وطئ أمته وأراد أن يبيعها فإنه يجوز أن يتفق هو والمشتري على استبراء واحد، ومعنى اتفاقهما عليه أن توضع تحت يد أمين قبل عقد الشراء حتى تحيض، وقال عبد الباقي: أو بعده، وقال بناني: الذي يتبادر من النقل أن المراد استبراؤها قبل عقد الشراء فقط وبذلك ينتفي تكراره مع المواضعة الآتية. ولا قاله بناني ظاهر. والله سبحانه أعلم.

تنبيه: قال في كتاب الاستبراء من المدونة: أفلا يزوجها ويكف عنها زوجها حتى تحيض؟ قال: لا، فإن زوجها وقد وطئها قبل أن تحيض حيضة ثم لم يطأها الزوج حتى حاضت فالنكاح مفسوخ. انتهى. اللخمي: ولا تحرم على الزوج. انتهى. نقله الحطاب. وكالموطوءة باشتباه عطف على قوله: كالموطوءة إن بيعت، قاله بناني؛ يعني أن الأمة إذا وطئت بشبهة أو زنى أو غصب أوأسر أو سبب فإنه يجب على مالكها استبراؤها قبل أن يطأها أو يزوجها، وله أن يبيعها قبل الاستبراء كما مر، واستشكل وجوب الاستبراء على السيد حيث كان مرسلا، عليها بأنه لا فائدة له؛ إذ الولد لاحق به، وأجيب بحمله على ما إذا لم يطأها أو وطئ واستبرأها قبل وطء الاشتباه ولم يطأ بعده أي الاستبراء، وبأن فائدته تظهر فيمن رمى الولد بأنه ابن شبهة فإن كان يلحق بوطء الشبهة لم يحد راميه وإلا حد، ومحل وجوب استبرائها إن لم تكن ظاهرة الحمل من السيد

ص: 600

قبل الاشتباه وما معه، وإلا لم يحرم وطؤها ولا الاستمتاع بها. قاله عبد الباقي. وقال الشارح مفسرا للمص: أي وكذا يجب استبراء الأمة إذا وطئت بشبهة وهو واضح؛ لأنه إذا وجب في الحرة فكذلك يجب في الأمة ولا خلاف في ذلك. انتهى. أوطء الظن يعني أن الاستبراء يجب لأجل حصول ظن الوطء وهو معنى سوء الظن أي ظن أنها وطئت لأجل سوء الظن بها. ومثل لذلك بقوله: كمن عنده تخرج؛ يعني أن من عنده أمة مودعة أو مرهونة تخرج من بيته وتدخل يجب عليه استبراؤها إذا ملكها. قال الشارح مفسرا للمص: أي وكذا يجب الاستبراء على المبتاع إذا كانت الأمة ممن يساء بها الظن، كمن عنده أمة تدخل وتخرج ثم يشتريها لأنه يخاف أن تكون قد حملت بغصب أو زنى وهذا مذهب ابن القاسم، ويسمى عنده استبراء سوء الظن، وقال أشهب: لا يجب، يريد لأنه لو وجب فيها لوجب في أمته التي تدخل وتخرج، وأجيب بأن ذلك يشق في الأمة لتكرره بخلاف المشتراة. انتهى. قوله: أو ساء معطوف على حصول الملك؛ لأن المراد به الحدث فيسوغ ذلك. قاله مقيده عفا الله عنه. وقوله: تخرج وكذا لو كان يُدْخَل عليها، وما فسر الشارح به المص نحوه للتتائي، قال بناني: ما حمله عليه الشارح والتتائي هو الصواب وهو نص المدونة، وقوله: كمن عنده تخرج، يأتي مفهومه في قوله: كمودعة، فليس هو تكرارا مع ما هنا؛ إذ الآتية لا استبراء فيها لأنها تيقنت براءة رحمها، وهذه ليست كذلك لأنها تخرج أو يُدخَل عليها؛ وقال عبد الباقي: وحمله يعني المص بعض آخر على أنه في المملوكة التي يريد وطئها فيجب استبراؤها إن ساء ظنه بها، وإنما يساء بغير المأمونة، وأما المأمونة فلا. كما قاله الأقفهسي. لمشقة ذلك عليه. وفي المجهولة قولان. انتهى. وفي كتاب الأمير: ولو أمة نفسه غير الأمينة وفي الأمينة خلاف. وقد علمت ما مر عن بناني أن الصواب التقرير الأول وأنه هو نص المدونة؛ وفي الشبراخيتي: أن ما حمله عليه هذا البعض حسن إن ساعده النقل ومقتضى كلامهم أنه لا يجب عليه ذلك. انتهى. أو لكغائب يعني أن من اشترى أمة لغائب لا يمكنه الوصول إليها يجب عليه أن يستبرئها قبل أن يستمتع بها بوطء أو غيره، وكذا لو كانت لصبي أو امرأة، وظاهر المص وإن كانت لا تخرج قاله الشبراخيتي. وقوله: أو لكغائب هو من أمثلة سوء الظن. أو مجبوب يعني أن من اشترى أمة لمجبوب يجب عليه استبراؤها إذا أراد أن يطأها، ظاهره وإن كانت لا تخرج. قاله الشبراخيتي. ومكاتبة عجزت هذا والذي قبله من أمثلة سوء الظن؛ يعني

ص: 601

أن المكاتبة التي تتصرف يجب على سيدها إذا عجزت ورجعت إلى ربها أن يستبرئها، فإن كانت لا تتصرف ولا تخرج فلا استبراء. قاله الشبراخيتي. أو أبضع فيها وأرسلها مع غيره يعني أن من أرسل مالا مع شخص ليشتري له به جارية فاشتراها البضع معه وأرسلها إلى المبضع بالكسر مع غيره فحاضت في الطريق لا يجوز للمرسل إليه أن يطأها قبل الاستبراء بحيضة على المشهور، ولا يجتزأ بتلك الحيضة في الطريق. ابن يونس: معناه أن المبضع معه تعدى بإرسالها، وبه يجاب عن اعتراض التونسي بأن الرسول أمين ويده كيده، فإن جاء بها المبضع معه أو أذن له السيد في إرسالها مع من يريد فلا استبراء إذا حاضت في الطريق، كما لا استبراء إذا علم السيد أنه لا يقدم بها البضع معه وإنما يرسلها مع غيره فيما يظهر. قاله عبد الباقي وغيره. فإن عين له من يرسلها معه فأرسلها مع غيره وجب استبراؤها. قاله عبد الباقي. ومعنى أبضع فيها دفع ثمنا لمن يشتريها له به. وقال الشارح: ولكغائب أو مجبوب ومكاتبة عجزت أو أبضع فيها وأرسلها مع غيره، هذا أيضا من باب استبراء سوء الظن، وهو أيضا مذهب ابن القاسم، ومثل الغائب في وجوب الاستبراء الأمة المشتراة من الصبي والمرأة والمحرم، وقاله في الجواهر. والمشهور ما ذكره في أمة المجبوب، وروى أبو الفرج: أن استبراءها لا يجب، ابن شأس: وأثبت ابن القاسم استبراء المكاتبة إذا كانت تتصرف ثم عجزت فرجعت لسيدها، وكذا نقل عن التونسي والمازري وغيرهما، وظاهره كما هنا الوجوب والذي في المدونة: أحببت الاستبراء. أبو الحسن الصغير: أحببت هنا على بابه لأنها لم تخرج عن ملكه، ونقل المازري وابن شأس عن أشهب نفي الاستبراء فيها. وقال ابن حبيب: يجب ومراده بأبضع إلى آخر كلامه، أن من دفع لشخص ثمنا يشتري له به أمة فاشتراها وأرسلها مع غيره إلى ربها فحاضت معه في الطريق فإنه لا يقربها حتى يستبرتها. وقاله في المدونة. وقال أشهب: يجزئه حيضها في الطريق أو عند الوكيل، ولا يستبرئ من سوء الظن. انتهى كلام الشارح. وبموت سيد يعني أن الاستبراء يجب بموت السيد، فإذا مات فإنه لا يجوز للوارث ولا لغيره ممن حصل له ملكها أن يطأها حتى يستبرئها، وسواء كان السيد الذي مات حاضرا أو غائبا أقر بوطئها أم لا، وسواء كانت قنا أو أم ولد. وفي الحطاب: إذا قلنا لابد من الاستبراء بموت السيد فمات وهي في أول الدم فإن كانت أم الولد لم تعتد به، وإن كانت أمة اعتدت به. قاله ابن الحاجب. انتهى. وإن استبرئت مبالغة في وجوب

ص: 602

الاستبراء؛ يعني أنه يجب الاستبراء بموت السيد وإن كانت الأمة قد استبرأها السيد قبل موته. قال الشبراخيتي: ولما كان الوارث له الخيار بين البيع والإبقاء بل ربما تعين البيع للدين إذا لم يوجد غير الأمة جعل الموجب للاستبراء زوال الملك. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: احتال بهذا على دفع ما يقال على المصنف إن هذا داخل في قول المصنف: بحصول الملك، وليس قسيما له والظاهر أنه لا يندفع بذلك. والله سبحانه أعلم. أو انقضت عدتها عطف على استبرئت فهو في حيز المبالغة؛ يعني أن الأمة إذا مات زوجها أو طلقها فاعتدت وانقضت عدتها من زوجها في حياة السيد بحيث تحل له قبل موته ثم مات سيدها فإنه لا يجوز لمن صارت إليه أن يطأها قبل أن يستبرئها لأنها حلت للسيد زمنا مَّا، وأما لو لم تنقض العدة قبل موت السيد فلا استبراء، وأحرى لو كانت ذات زوج لأنها لم تحل للسيد زمنا مَّا وحاصل ما أشار إليه بالمبالغة أنه لا يكفيها الاستبراء والعدة السابقان على الموت. وبالعتق يعني أن الاستبراء كما يجب بحصول الملك يجب بزواله، فإذا أعتق السيد أمته عِلْيا أو وخشا قنا أوأم ولد فليس لأجنبي تزوجها قبل استبرائها، وهذا إذا لم يستبرئها العتق قبل العتق، وإلا فلا استبراء في القن. قال في المدونة: ومن مات عن أمة أو باعها أو أعتقها فاستبراؤها حيضة وإن كانت مستبرأة قبل، إلا المعتقة المستبرأة فذلك يجزئها وتنكح. انتهى. نقله الشارح. ومحل وجوب الاستبراء بالعتق أيضا ما لم تكن الأمة أو أم الولد متزوجة أو معتدة، وأما إن كانت واحدة منهما كذلك فلا يجب الاستبراء. وقوله: وبالعتق، وإذا أثبت العتق فإنه يقبل قولها في الحيضة، وأما المعتق بالكسر فله أن يتزوجها من غير استبراء كما يأتي، وهذا إذا كان يطؤها قبل العتق، وأما إذا اشتراها فلا يكفي في إسقاط الحيضة عتقها عقب الشراء وعقده عليها على المذهب. وقيل: يكفي ذلك حيث ادعت أنها بريئة الرحم ويقبل قولها في ذلك. واستأنفت إن استبرئت يعني أن السيد إذا استبرأ أم ولده ثم أعتقها فإنها تستأنف الاستبراء بعد عتقه، وكذا لو انقضت عدتها من زوجها ثم أعتقها سيدها فإنها تستأنف الاستبراء بعد العتق دون القن في المسألتين، فلا استبراء عليها حينئذ بل يحل نكاحها أو غاب غيبة علم أنه لم يقدم يعني أن أم الولد إذا غاب سيدها عنهما غيبة علم أنه لم يقدم منها ولا يمكنه الوصول إليها، أو كان مسجونا ثم أرسل لها بالعتق أو مات عنها في المسألتين، فإنها تستأنف لعتقه أو موته حيضة ولو حاضت قبل ذلك بخلاف الأمة القن

ص: 603

فقوله أم ولد فاعل استأنفت، وقوله: فقط احترز به من الأمة القن فلا استبراء عليها فتكتفي بالاستبراء السابق.

تنبيهان: الأول: تحصل مما مر أن السيد إذا مات عن أمته وكان حاضرا فإنها تستأنف الاستبراء بعد موته، وإن استبرئت قبل موته، أو انقضت عدتها قبل موته بحيث تحل له زمنا مَّا، سواء كانت قنا أوأم ولد، وهذه أربع صور؛ ولو مات عنها وهي متزوجة أو معتدة فلا استبراء سواء كانت قنا أوأم ولد، وهذه أربع صور أيضا؛ فتلك ثمان صور في الموت، وأنه إذا أعتقها فإن كانت قد استبرئت أو انقضت عدتها قبله فإن أم الولد تستأنف الاستبراء بعد العتق بخلاف القن فإنه لا استبراء عليها بل تكتفي بالاستبراء السابق، وهذه أربع صور ولا استبراء على المتزوجة أو المعتدة بالعتق قنا أو أم ولد وهذه أربع أيضا، وأنه إذا غاب عنها غيبة علم أنه لم يقدم منها حتى حاضت ولا يمكنه أن يأتيها خفية، وفي حكمها ما إذا كان مسجونا فأرسل إليها بالعتق أو مات عنها فإن أم الولد تستأنف الاستبراء بعد الموت أو العتق، بخلاف الأمة فيها، فتلك أربع صور؛ والفرق بينهما أن أم الولد معتدة والأمة مستبرأة. قال ابن عرفة: وفي كون حيضة أم الولد بعد موت السيد عدة أو استبراء قول المشهور، ونقل الباجي عن القاضي مع ابن زرقون عن إحدى روايتيها: ليس إنكاحها فيها إنكاح عدة يحرم، وقول ابن القاسم: لها البيت فيها بغير بيتها. انتهى. الثاني: اختلف العلماء فيما يلزم أم الولد بموت سيدها، فقيل: عدتها حيضة. قاله مالك والشافعي وأحمد والليث وأبو ثور وأبو عبيد، وهو قول ابن عمر والقاسم والشعبي ومكحول، وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن حيي: عدتها ثلاث حيض، وهو قول علي وابن مسعود وعطاء وإبراهيم، وقال طاووس وقتادة: عدتها شهران وخمس ليال، وقال الأوزاعي وإسحاق: عدتها أربعة أشهر وعشر، وهو قول ابن المسيب والحسن وابن سيرين وابن جبير ومجاهد والزهري وعمر بن عبد العزيز. وقوله: بحيضة متعلق بالاستبراء من قوله: يجب الاستبراء بحصول الملك فهو راجع لجميع ما مر من أول الباب إلى هنا، ممن يمكن حيضها، ويرجع في قدرها هل هو يوم أو بعضه؟ للنساء العارفات، كما مر في العدة. ويأتي للمصنف استبراء الصغيرة واليائسة وأنواع الاستبراء ثلاثة: الحيض، والأشهر، والوضع، فأشار إلى الأول بقوله: بحيضة، وإلى الثاني بقوله: وان تأخرت جواب الشرط قوله الآتي: فثلاثة أشهر؛ يعني أن المستبرأة أم ولد أو غيرها

ص: 604

إذا تأخرت حيضتها بغير سبب عن زمنها المعتاد فإنها تستبرأ بثلاثة أشهر. أو أرضعت يعني أن المستبرأة إذا تأخرت حيضتها لأجل رضاع فإنها تستبرأ بثلاثة أشهر. أو مرضت يعني أن المستبرأة إذا تأخرت لمرض فإنها تستبرأ بثلاثة أشهر. أو استحيضت ولم تميز يعني أن المستبرأة إذا استحيضت ولم تميز بين دم الحيض والاستحاضة فإنها تستبرأ بثلاثة أشهر. قال الحطاب: وإذا استحيضت أم الولد في وفاة السيد أو أمة عتقت أو بيعت فثلاثة أشهر تبرئها، وكذلك في الريبة بتأخر الحيضة أو تأخر لرضاع أو مرض. انتهى. وخالف الاستبراءُ العدة في تأخر الحيض هنا عن الثلاثة، وفي تأخره في العدة لمعتادة الحيض في كالسنة أو الخمس سنين أو العشر على ما مر؛ لأن العدة ثبتت بالقرآن والاستبراء بخبر الآحاد المتقدم في سبي أوطاس، وقوله: بحيضة، لم يقل بقرء لأن القرء يطلق على الطهر، والمشهور في الاستبراء أنه حيضة، وقيل: طهر، ومقابل المشهور قال في التوضيح: لم أره منصوصا، وقوله: بحيضة هو في المعتادة لمقابلته له بالمرتابة في قوله: وإن تأخرت أو أرضعت لخ، وقوله: وإن تأخرت، قال بناني: اعلم أنها إن كانت عادتها أنها لا تحيض إلا بعد تسعة أشهر فلم يختلف قول ابن القاسم أنّها تستبرأ بثلاثة أشهر، وإن كانت لا تحيض إلا بعد ثلاثة أشهر فاختلف قول ابن القاسم هل تنتظر الحيضة أو تكتفي بثلاثة أشهر؟ ابن عرفة ومن لا تحيض إلا لأكثر من ثلاثة إلى لتسعة في كونها ثلاثة أو حيضتها، سماعا عيسى ويحيى ابنَ القاسم، ومن لا تحيض إلا لأكثر من تسعة أشهر فثلاثة فقط. انتهى. وعلى كل حال فلا يصدق به قول المصنف: وإن تأخرت، وإنما ينبغي تصويره بما إذا كانت تحيض في داخل الثلاثة الأشهر فتأخر عنها فتكتفي بالثلاثة، وإذا اكتفي بالثلاثة في هذه علم بالأحرى أنه يكتفى بها أيضا فيمن لم تر الحيض إلا من ستة أشهر، لتسعة أشهر، وبيان الأحروية أن عدم الحيض عند وقته مدخل في الريبة لأنه إنما يرتفع غالبا بالحمل. قال بعض الشيوخ: ويحتمل أن يراد بقوله: وإن تأخرت، المتأخر المعتاد للنساء وهو الحيض في كل شهر، فيشمل كلامه من تأخر حيضها عن وقته المعتاد ومن تأخر عن الثلاثة إلى تسعة، وبه يصح التعميم في كلام المصنف. والله أعلم.

تنبيه: قدمت التعميم في قوله: أو استحيضت ولم تميز، وخصه عبد الباقي بمن لم تتقرر لها عادة قبل الاستحاضة بأن كانت مبتدأة، قال: وأما من تقررت لها عادة فتكتفي برؤية الدم في

ص: 605

الاستبراء. انتهى. قال بناني: أصل هذا الكلام هو قول علي الأجهوري: والمستحاضة التي طرأ لها عدم التمييز بعد ما تقررت لها عادة تعمل على عادتها، فإن كانت عادتها أن لا تأتيها الحيضة إلا بعد ثلاثة أشهر تستبرأ بثلاثة أشهر وهكذا. انتهى باختصار. ولم أو من النقل ما يساعده. انتهى كلام بناني. وقد مر أن قوله: بثلاثة أشهر جواب الشرط فهو راجع للمسائل الأربع. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح: "وإن تأخرت أو أرضعت أو مرضت أو استحيضت ولم تميز فثلاثة أشهر"، هذا عام في أم الولد وغيرها، ومعنى كلامه أن المسترابة بتأخير حيضتها تمكث ثلاثة أشهر، وكذلك المرضع والمريضة والمستحاضة غير المميزة، وما ذكره في المرتابة بتأخير الحيض هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وروى عنه ابن وهب أنها تتربص تسعة أشهر، ولابن القاسم: إن كانت عادتها أن حيضها يتأخر ستة أشهر وسبعة ونحو ذلك فإنها تنتظر الحيضة، وإن كان من عادتها أن يتأخر أكثر من تسعة أشهر اكتفت بثلاثة أشهر، وإنما قيد المستحاضة بكونها غير مميزة لأن المميزة تكتفي بحيضة مما تميزه، وما ذكره فيها هو المشهور، وقيل: تتربص تسعة أشهر ولو ميزت. انتهى. وفي الحطاب: إذا كانت تحيض في كل ستة أشهر فاختلف هل تستبرأ بالحيضة أو تستبرأ بثلاثة أشهر؟ وهو الذي اختاره ابن رشد في رسم استأذن من سماع عيسى. انتهى. قال مقيده: فلهذا مشى عليه المصنف. والله سبحانه أعلم. كالصغيرة تشبيه في الاستبراء بثلاثة أشهر؛ يعني أن الصغيرة المطيقة للوطء تستبرأ بثلاثة أشهر. واليائسة يعني أن اليائسة وهي التي قعدت عن المحيض تستبرأ بثلاثة أشهر وهاتان هما اللتان بالغ عليهما المصنف أول الباب بقوله: وإن صغيرة أطاقت الوطء أو كبيرة لا تحملان عادة، فذكرهما قبل في أصل وجوب الاستبراء وهنا في أنهما يستبرآن بثلاثة أشهر. ونظر النساء قرره عبد الباقي على أن المسترابة إذا تأخر حيضها لغير رضاع أو مرض وكانت عادتها أن يأتيها قبل ثلاثة أشهر نظرها النساء، فإن لم يرتبن حلت، فهو خاص بهذه التي ذكرت، وهي من تأخر حيضها لغير رضاع أو مرض وكانت عادتها أن يأتيها قبل ثلاثة أشهر، ولا يرجع لمن كانت عادتها أن يأتيها بعد الثلاثة، ولا لبقية المسائل غيرها، فإن الثلاثة أشهر تكفي فيها من غير نظر النساء فهو خاص بأحد فردي قوله: وإن تأخرت، هذا هو النقل كما في المواق وابن عرفة، خلافا للشارح والطخيخي، فكأنه قال في هذه تحل بثلاثة أشهر بشرط أن ينظرها النساء بعد تمام الثلاثة.

ص: 606

انتهى. وقوله: فهو خاص بأحد فردي قوله: وإن تأخرت لخ، فيه نظر، بل الذي يدل عليه نقل المواق أنه يرجع للمستحاضة أيضا، ونصه: عن ابن رشد: وأما إن كانت الأمة ممن تحيض فاستحيضت أو ارتفعت حيضتها فروى ابن القاسم وابن غازي: أن ثلاثة أشهر تجزئ إذا نظرها النساء فلم يجدن حملا. انتهى. وهو ظاهر ما نقله بعده عن المدونة فانظره. انتهى. وتقرير الشارح هو قوله أي نظر النساء من تأخر حيضها، وكذا نص عليه ابن القاسم، وكذا هو المنصوص في المرضع والمريضة أن تمكث ثلاثة أشهر وينظرها النساء وكذا في المستحاضة، انتهى. فجعله عاما كما رأيت. وكذا الشبراخيتي فإنه قال: وهذا في غير الصغيرة واليائسة فهو راجع لما قبل الكاف، والمراد النساء العارفات وتقدم أن الجمع ليس بشرط. انتهى. فإن ارتبن فتسعة مرتب على قوله: ونظر النساء، وقد علمت تخصيص عبد الباقي له وتعميم غيره له؛ يعني أنه ينظر النساء بعد ما مضى ثلاثة أشهر على ما مر من تخصيص وتعميم، فإن لم يرتبن حلت وإن ارتبن بحس بطن فإنها تتربص تسعة أشهر أي ستة زائدة على الثلاثة، فإن لم تزد الريبة حلت، وإلا مكثت أقصى أمد الحمل قال الحطاب مفسرا للمصنف: يعني تسعة أشهر يؤخذ منها الثلاثة قبل أن ينظرها النساء، ابن عبد السلام وابن فرحون: فإن زالت الريبة قبل وفاء التسعة حلت، وإن استمرت بعد التسعة ولم تزد بحس ولا تحريك حلت أيضا. انتهى. وكذا في الجواهر. وإلى الثالث بقوله: وبالوضع، عطف على قوله بحيضة يعني أن الحامل تستبرأ بالوضع، فما مر من الاستبراء بالحيضة والأشهر إنما هو في غير الحامل وأما الحامل، فاستبراؤها بالوضع كالعدة التشبيه في قوله المار كله وإن دما اجتمع، وفي قوله: وتربصت إن ارتابت به وهل أربعا أو خمسا، وأما كونه لابد أن يكون لاحقا به أو يصح استلحاقه فلا يعتبر هنا كما هو ظاهر كلامهم وحرم في زمنه الاستمتاع يعني أن من ملك أمة ووجب عليه استبراؤها يحرم عليه في زمن استبرائها أن يستمتع بها؛ يعني يحرم الاستمتاع بجميع أنواعه، فلا يجوز أن يطأ ولا أن يقبل ولا أن يباشر ولا أن يخلو بها وإن لم يقربها، رائعة أو وخشا، مسبية أو غيرها، حاملا من زنى أو غيره، شابا أو شيخا، ما لم تكن ظاهرة الحمل من مالكها وحصل فيها ما يوجب الاستبراء فلا يحرم وطؤه لها ولا استمتاعه بها، وقد مر نحوه، وتقدم القول بتحريمه أيضا. وفي الحطاب: قال في المدونة: ولا ينبغي للمبتاع أن يطأ في الاستبراء، ولا يقبل أو يجس أو ينظر للذة، ولا بأس أن ينظر لغير لذة،

ص: 607

وإن وطئ المبتاع الأمة في الاستبراء قبل الحيضة نكل إن لم يعذر بجهل حاضت بعد ذلك أو لم تحض. انتهى. قال أبو الحسن معنى قوله: لا ينبغي؛ أي لا يجوز بدليل قوله: نُكِّلَ. انتهى وقال في المدونة: ومن اشترى جارية حاملا فلا يتواضعانها، ثم قال: ولا يطؤها حتى تلد. قال أبو الحسن: وتطهرَ، ولا يدخل النفاس في الاستبراء وله أن يتلذذ بها بما عدا الوطء. انتهى. والله أعلم. انتهى كلام الحطاب. وقوله: نكل، مع طرح شهادته. وقوله: ولا بأس أن ينظر بغير لذة؛ أي ولو بغير ضرورة. ولما ذكر شروط الاستبراء ذكر مفاهيمها غير مرتبة، فقال: ولا استبراء إن لم تطق الوطء هذا مفهوم قوله: أطاقت الوطء؛ يعني أن الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا يجب استبراؤها أي أن ما مر من موجبات الاستبراء إنما هو في المطيقة، وأما غير المطيقة فلا استبراء فيها. قال الشارح: هذا مما لا خلاف فيه. قاله في البيان وغيره. انتهى. وقال في التوضيح: ونص المتيطي على أن بنت ثمان سنين لا تطيق الوطء، والمطيقة كابنة العشر والتسع فإنه يمكن وطؤها. انتهى. نقله الحطاب. وقال: هذا والله أعلم يختلف باختلاف الناس. انتهى وقال الشبراخيتي عند قوله: إن لم تطق الوطء كبنت ثمان فأقل، أو حاضت تحت يده أي غير مالكها، وهو مفهوم قوله: إن لم تؤمن البراءة؛ يعني أن من عنده أمة لا يملكها كأمة زوجته أو ولده أو شريكه وهي لا تخرج ولا يولج عليها أو حاضت تحت يده لا استبراء فيها إذا ملكها، ومثل لذلك بقوله: كمودعة أي أن من عنده أمة مودعة أو مرهونة لم تخرج ولم يولج عليها وحاضت تحت يده لا استبراء فيها إذا ملكها لتيقن البراءة، وغلبة الظن في الفقه كاليقين، وقوله: كمودعة، يحتمل أنه للتشبيه أي أن المودعة والمرهونة إذا عادتا للمودع والراهن فإنه لا استبراء فيهما كما في المدونة. قاله عبد الباقي. ومبيعة بالخيار يعني أن من اشترى أمة بالخيار وقبضها وحاضت عنده أيام الخيار ولم تخرج للتصرف ولم يلج عليها سيدها أيام الخيار وأمضى من له الخيار البيع لا يجب عليه أي على من اشتراها استبراؤها ليتيقن البراءة، فهو من أمثلة مفهوم قوله: إن لم توقن البراءة، وعلى أن قوله: كمودعة مثال فيكون قوله: ولم تخرج ولم يلج عليها سيدها راجعا للمودعة والمبيعة بالخيار لأنهما مثالان، فإن انتفى القيدان أو أحدهما وجب الاستبراء لسوء الظن كما مر، وإذا رد من له الخيار البيع جاز لبائعها أن يطأها من غير استبراء لأنها لم تخرج عن ملكه، إلا أنه يستحب له الاستبراء كما قال المصنف يستحسن إذا غاب عليها مشتر بخيار،

ص: 608

وتؤولت على الوجوب، وأطلق في المودعة والمرهونة، وقال اللخمي: إن كان المودع والمرتهن غير أمين وجب في غير الوخش، وإلا سقط إن كان ذا أهل، وإلا استحب، وربما أشعر قوله: ومبيعة بالخيار، أن المحبوسة للثمن إذا حاضت عند البائع ليست كذلك، وهو كما أشعر، فتأتنف حيضة بعد نقد الثمن، فإن لم يحبسها البائع للثمن بل أمكنه منها فتركها عنده وذهب ليأتي بالثمن فإنه يكتفى بحيضتها عند البائع قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ويدخل في قوله: ومبيعة بالخيار، الخيار الحكمي وهو من اشترى أمة من فضولي وحاضت عنده ثم أجاز ربها البيع. قاله في المدونة، والغاصب إذا حاضت عنده الأمة ثم ضمنها بوجه أو اشتراها فلا استبراء عليه صرح به اللخمي. ابن عرفة: وفيها حيضتها بعد البيع بيد بائع حبسها بالثمن ولم يمنعها المبتاع ولا سأله وذهب ليأتي بالثمن لغو، ولو أمكنه منها فتركها ليأتي به أجزأ، ولو كانت رائعة لأنه أمين، اللخمي وكذا إن لم يمكنه ولم ينص على حبس والعرف التسليم والاتباع بالثمن. انتهى. أو أعتق وتزوج يعني أن من أعتق أمته الموطوءة له، له أن يتزوجها من غير استبراء؛ لأن الماء ماؤه، قال الشارح: أي وكذا لا يجب استبراء الأمة إذا أعتقها واطئها وأراد تزوجها؛ لأن الماء ماؤه وهو صحيح، ونقل بعض المتأخرين قولا بوجوب الاستبراء. الشيخ: ولم أره وهو ظاهر، ليفرق بين ولده من وطء الملك فإنه ينتفي بلا لعان، وبين ولده من وطء النكاح فإنه لا ينتفي إلا باللعان. انتهى. ونقله بناني أيضا، وزاد: أو لأنه اختلف إذا اشتراها وهي حامل في هذا الحمل هل تكون به أم ولد أم لا؟ انتهى. ومر أنه إذا اشتراها لا يكفي في إسقاط الحيضة عتقه إياها عقب الشراء على المذهب أو اشترى زوجته هذا مفهوم قوله: ولم يكن وطؤها مباحا؛ يعني أن من اشترى زوجته يباح له أن يطأها بالملك من غير استبراء، ولا فرق في ذلك بين أن يكون اشتراها قبل البناء وبعده، ولهذا قال: وإن بعد البناء، قال عبد الباقي: وكان الأولى أن يقول: وإن قبل البناء؛ لأنه المتوهم. انتهى قال بناني: أي لأن المقابل وهو ابن كنانة إنما يوجب الاستبراء إذا كان الشراء قبل البناء، بناء على ما لابن عرفة من أن خلافه قبل البناء فقط، وأما المصنف في التوضيح فقال: إن خلافه قبل وبعد، ولكنه اقتصر على ما قبل تنبيها على الأشد بالأخف، فإن فائدته بعد البناء أن يظهر كون الولد من وطء الملك فتكون به أم ولد اتفاقا، أو من وطء النكاح

ص: 609

فتكون به أم ولد باختلاف، وعلى هذا الفهم فلا يحتاج إلى تصويب عبارة المصنف لأن الاستبراء بعد البناء أحرى عند ابن كنانة وكلا الفهمين صحيح انتهى.

فإن باع المشتراة وقد دخل جواب الشرط لم تحل لسيد ولا زوج إلى آخره؛ يعني أن الزوج إذا اشترى زوجته وكان قد دخل بها قبل شرائه لها ثم باعها قبل أن يطأها بالملك فإنها لا تحل لسيدها الذي اشتراها من زوجها ولا لزوج يتزوجها إلا بعد مضي قرءين أي طهرين، عدة فسخ نكاحها أي الفسخ الذي نشأ عن شراء زوجها الذي باعها، ومفهوم قوله: وقد دخل، أنه لو لم يدخل لكان الحكم خلاف ذلك وهو كذلك، قال في استبراء المدونة: ومن اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم يستبر، وإن ابتاعها قبل البناء ثم باعها قبل أن يطأها أو بعد أن وطئها فليستبر المبتاع بحيضة. انتهى. قاله الحطاب. وقولي: عدة فسخ النكاح؛ أي لأن عدة فسخ النكاح تجري مجرى عدة الطلاق. قال الشارح: وإلى هذا رجع مالك وبه أخذ ابن القاسم، وكان قبله يقول: إن كل من اشترى زوجته ثم باعها أو أعتقها فإنه يستبرئها بحيضة حرا كان أو عبدا انتهى.

أو أعتق يعني أن الزوج إذا اشترى زوجته وكان قد دخل بها قبل شرائه لها، ثم إنه أعتقها قبل أن يطأها بالملك، فإنه لا يحل نكاحها لغير سيدها الذي اشتراها وأعتقها إلا بعد أن يمضي لها طهران، عدة فسخ نكاحها أي الفسخ الذي حصل بسبب شراء الزوج الذي أعتقها، ومفهوم قوله: وقد دخل أنه لو لم يدخل لم يكن الحكم كذلك، وهو كذلك فتستبرأ بحيضة. أو مات يعني أن الزوج إذا اشترى زوجته وكان قد بنى بها قبل الشراء، ثم إنه مات قبل أن يطأها بالملك فإنها لا تحل لمن حصلت في ملكه ولا لمن يريد نكاحها إلا بعد أن يمضي لها قرآن أي طهران عدة الفسخ الذي حصل بسبب شراء الزوج الذي مات لها، ومفهوم قوله: وقد دخل، أنها تكتفي بحيضة استبراء حيث لم يدخل.

أو عجز المكاتب يعني أن الزوج إذا كان مكاتبا واشترى زوجته بعد أن دخل بها، ثم إنه عجز قبل وطئه لها بالملك ورجع رقيقا، فإنه لا يحل وطؤها بالملك لسيد المكاتب ولا لسيد آخر اشتراها ولا لمن يريد نكاحها إلا بعد مضي قرءين أي طهرين عدة فسخ نكاح زوجها المكاتب، ومفهوم قوله: وقد دخل، أنه لو لم يدخل لم يكن الحكم كذلك، وهو كذلك فتكفي فيها حيضة استبراء.

ص: 610

وعلم مما قررت أن قوله: قبل وطء الملك يتنازعه الأفعال الأربعة: وهي باع، وأعتق، ومات، وعجز، وأن قوله: لم تحل جواب الشرط، فهو راجع للمسائل الأربع. وقوله: لسيد، متعلق بتحل وهو راجع لثلاث من الأربع وهي باع ومات وعجز، ولا يرجع لأعتق لأنها حرة. وقوله: ولا زوج عطف على سيد وهو راجع للأربع، وقوله: إلا بقرءين أي بطهرين كها مر وهو استثناء مفرغ له العامل فهو متعلق بتحل، وهو جار في الأربع. وقوله: عده فسخ النكاح الاسم الأول بدل من التثنية، والثاني مضاف إليه ما قبله كالثالث، وقد علمت أن مفهوم قوله: وقد دخل، أنه لو لم يدخل اكتفي بحيضة واحدة وقوله فإن باع المشتراة لخ، مفرع على قوله: أو اشترى زوجته، وقوله: عدة، يصح جره كما مر، ويصح نصبه بفعل محذوف أي أعني، ويصح رفعه على أنه خبر مبتدإ محذوف؛ أي وهما، انظر الشبراخيتي.

وبعده أي وطء الملك، وهذا مفهوم قوله: قبل وطء الملك؛ يعني أنه لو باع أو أعتق أو مات أو عجز المكاتب بعد أن وطئها أي الزوجة المشتراة بالملك فإنها تحل بحيضة؛ لأن وطء الملك هذم عدة فسخ النكاح، لكن في البيع يجب على كل من البائع والمشتري حيضة، ويجوز اتفاقهما على واحدة كما مر. كحصوله بعد حيضة قوله: كحصوله؛ أي ما ذكر من البيع أو العتق أو الموت أو عجز المكاتب، كما في قوله: وبعده؛ يعني أنه إذا حصل شيء من الأمور الأربعة بعد حيضة فإنها تكتفي بحيضة مستقبلة، ولا فرق في هذه بين أن يحصل وطء أم لا. وكذا قوله: أو حيضتين يعني أنه لو حصل شيء من الأمور الأربعة بعد حيضتين فإنها تكتفي بحيضة مستقبلة، وقد علمت أنه لا فرق بين أن يحصل فيها وطء أم لا كما في الشبراخيتي والأمير. ولفظ الأمير: فإن باعها أو أعتقها أو عجز المكاتب قبل الدخول أو بعد وطء الملك أو بعد حيضة وأولى حيضتين حلت بحيضة. انتهى وقوله: كحصوله بعد حيضة أو حيضتين؛ أي لأنه إن حصل بعد حيضة كانت الحيضة الثانية مكملة للعدة ومغنية عن حيضة الاستبراء، وإن حصل بعد حيضتين كانت الحيضة المطلوبة لمجرد الاستبراء، وقوله: أو حيضتين، راجع لما عدا المعتق، وأما إن أعتقها بعد حيضتين فإنها تحل من غير استبراء، لما مر من أن العتق لا يوجب الاستبراء إلا إذا لم يتقدم قبله استبراء، وإلا فإنه لا يوجبه، وهذا في القن وأما أم الولد فقد مر أن عتقها يوجب الاستبراء مطلقا تقدم استبراء أم لا. قاله بناني.

ص: 611

أو حصلت في أول الحيض يعني أن ما تقدم من أسباب الاستبراء من حصول الملك وغيره إذا حصل في أول الحيض فإنه لا استبراء حينئذ، فيكتفى بذلك الحيض في غير أم الولد، فقوله: أو حصلت، عطف على إن لم تطق الوطء؛ أي ولا استبراء إن حصلت الأشياء الموجبة للاستبراء في أول الحيض، وقوله: أو حصلت في أول الحيض، هو المشهور ومثله قول المدونة: ومن ابتاع أمة في أول دمها أجزأه من الاستبراء، وقال أشهب: لابد من حيضة أخرى، واختاره ابن شعبان. قاله الشارح. وهل الاكتفاء بالحيضة التي حصل موجب الاستبراء في أولها حاصل إلا أن يمضي حيضة استبراء؟ يعني أن الشيوخ اختلفوا فيما إذا حصل شيء من موجبات الاستبراء في أول الحيض. وقلنا: يكتفي بتلك الحيضة التي حصل موجب الاستبراء في أولها، هل الاكتفاء بها مقيد بأن لا يمضي قبل الموجب حيضة استبراء أي مقدار ما يكفي من الحيض في الاستبراء المتقدم وهو يوم أو بعضه، أو أكثرها أي الحيضة التي حصل موجب الاستبراء فيها، ومعنى الأكثر أقواها اندفاعا وهو اليومان الأولان من أيام الحيضة التي اعتادتها؛ لأن الدم فيهما يكون أكثر اندفاعا من باقي الحيضة.

وعلم مما قررته أن الضمير في أكثرها من باب: عندي درهم ونصفه؛ لأن المراد بحيضة استبراء يوم أو بعضه، وبالثانية الدم كما في الشبراخيتي.

وقوله تأويلان: مبتدأ حذف خبره؛ أي في ذلك تأويلان؛ وتفسير الأكثر باليومين ظاهر فيمن عادتها في الحيض أكثر منهما، وأما من عادتها يومان فأقل، فالظاهر أنه يعمل بقول أهل المعرفة في الأكثر. وعلم من المصنف ثلاثة أقسام، الأول: تقدم حيضة استبراء مع أكثره اندفاعا وزمنا على البيع، فلا يجزئ ما بقي اتفاقا. الثاني: تأخر جميع ذلك عن البيع مثلا فيجزئ ما بقي باتفاق التأويلين. الثالث: محل التأويلين وهو مضي حيضة استبراء قبل عقد البيع مع تأخر أكثره وأقواه اندفاعا. قال بناني: اعترض المصنف بأن الأول ليس بتأويل وإنما هو لمحمد، قيد به المشهور خارجا عن التأويلين، والتأويلان إنما هما في تفسير معظم الحيضة ما هو؟ ففسره ابن العطار عن ابن مناس بكثرة اندفاع الدم، وفسره أبو بكر بن عبد الرحمن بأكثر أيام الحيضة. انتهى.

ص: 612

أو استبرأ أب جارية ابنه عطف على ما لا استبراء فيه؛ يعني أن الأب إذا استبرأ جارية ابنه ثم وطئها ولم يكن الابن وطئها فإنه لا يجب عليه أن يستبرئها من وطئه الحاصل بعد استبرائها، بل له أن يطأها من غير استبراء، وقد وجبت عليه قيمتها؛ إذ بمجرد وضع يده عليها وجلوسه بين فخذيها حرمت على الابن، ولزمت الأب القيمة كان الأب موسرا أم لا، إلا أنها تباع عليه إن كان معسرا ولم تحمل، فإن حملت لم تبع، فلذلك لم تستبرأ لكونه وطئ مملوكة بعد استبرائها، وكذا لو استبرأها الابن ثم وطئها الأب. وقوله:"أو استبرأ أب جارية ابنه"، هو تأويل الأكثر على المدونة، وهو تأويل الخلاف. وتؤولت المدونة أيضا على وجوبه أي الاستبراء، أي تؤولت المدونة على أن الأب إذا وطئ جارية ابنه بعد أن استبرأها يجب عليه استبراؤها ثانيا إذا أراد وطأها ثانيا لفساد مائة، بناء على أنه لا يضمن قيمتها بالتلذذ ولو بالوطء، بل للابن التمسك بها في يسر الأب وعسره، وهذا التأويل هو الذي عليه الأقل من الشيوخ، وهو تأويل الوفاق، ومحل التأويلين إذا استبرأها الأب ابتداء، وأما لو وطئها ابتداء من غير استبراء فإنه يجب عليه أن يستبرئها من وطئه اتفاقا، وتحقيق ما أشار إليه المصنف أن ابن القاسم قال في المدونة ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها؛ وقال غيره: لابد أن تستبرأ لفساد وطئه وإن كانت مستبرأة عند الأب، قال ابن القاسم: وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ. انتهى.

وأكثر الشيوخ حملوا قول ابن القاسم على أنه مخالف للغير، ففهموا قوله: إذا لم يكن الأب عزلها عنده واستبرأها، على أنه لو استبرأها قبل الوطء لا يحتاج إلى استبراء بعده، وهذا تأويل ابن رشد واللخمي وابن الحاجب، وهو طريق الأكثر، وخالف ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب الأكثر وحملوا قول ابن القاسم على موافقة الغير، وفهموا قوله: فليستبرئ إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها، على أن المراد إذا قومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن عزلها عنده واستبرأها بعد وطئه الفاسد؛ واختار هذا التأويل [ابن زرقون]

(1)

شيخ ابن رشد. وقد رد الأكثرون قول الغير بأن وطء الأب بعد الاستبراء ليس بفاسد لأنه يملكها بمجرد التلذذ. قال الإمام الحطاب: القول بفساد وطء الأب بعد الاستبراء لا وجه له، ألا ترى أنه لو تلذذ بها ولم يطأها

(1)

في الحطاب ج 4 ص 568 ط دار الرضوان ابن رزق.

ص: 613

أليس أنه يلزمه قيمتها وتصير ملكا له على المعروف؟ وقال المصنف في التوضيح: وقول الغير ظاهر. انتهى فكأنه اختار قول الغير. وقد تبين أن قول ابن القاسم هو الراجح الظاهر المشهور والله أعلم. انتهى.

ويستحسن إذا غاب عليها مشتر بخيار له يعني أن من اشتري أمة بخيار له وغاب عليها وردها للبائع يستحب لبائعها الذي ردت إليه أن يستبرئها ولا يجب عليه، قال في المدونة: ومن ابتاع جارية بالخيار ثلاثا فتواضعاها أو كانت وخشا فقبضها فاختار الرد من له الخيار، فلا استبراء على البانع لأن البيع لم يتم فيها، وإن كان البائع أحب أن يستبرئ التي غاب عليها المشتري وكان الخيار له خاصة فذلك حسن؛ إذ لو وطئها المبتاع لكان بذلك مختارا وإن كان منهيا عن ذلك، كما استحب استبراء التي غاب عليها الغاصب انتهى.

وتؤولت علي الوجوب أيضا؛ يعني أن المدونة تؤولت على خلاف ظاهرها، وأنه يجب على البائع أن يستبرئ الأمة المبيعة بالخيار إذا غاب عليها المشتري والخيار له، وقوله: بخيار له، قال عبد الباقي وغيره: وكذا لو كان الخيار لغير المشتري، وقوله: وتؤولت أيضا على الوجوب، قال في التوضيح: وهو الأقرب، لا سيما إن كان الخيار للمشتري، وقال الحطاب: ظاهر المدونة وما نقله اللخمي عنها أن استحسان الاستبراء إنما هو إذا كان الخيار للمشتري فقط، وظاهر ما نقله أبو الفرج وجوب الاستبراء مطلقا، كان الخيار له أو للبائع أو للأجنبي، وكذلك أيضا ظاهر استحسانه هو الإطلاق؛ يعني في التوضيح، وعلى هذا الإطلاق حمل الشارح كلام المصنف في الكبير؛ يعني: ويستحسن الاستبراء إذا غاب على الأمة مشتر بخيار، يريد إذا كان الخيار للمشتري أو للبائع أو لأجنبي فإذا ردت إلى سيدها استحسن له أن لا يطأها حتى يستبرئها. انتهى. وقال عبد الباقي: بخيار له مثلا: وكذا لغيره. انتهى.

وقال بعض الشيوخ: كلام المدونة يدل على أن الاستحسان للاستبراء إنما هو حيث يكون الخيار للمشتري فقط وهو ظاهرها أو صريحها؛ لأن الخيار إذا كان لأجنبي أو للبائع وغاب عليها المشتري فإنه ممنوع من وطئها شرعا، ولا يتأتى فيه قولها: إذ لو وطئها لخ؛ لأنه لا خيار له أصلا، فإن لم يراعوا المانع الشرعي فيلزمهم أنها إذا كانت تحت يد أمين يلزمهم الاستبراء وهم لم يقولوا هذا، بل لو كان الخيار للمشتري مع غيره لم يستحسن الاستبراء في غيبة المشتري عليها

ص: 614

لأنه ممنوع منها شرعا، ولا يفيده اختياره بوطئه، هذا الذي فهمناه وهو ظاهر قول المتن: بخيار له. انتهى. قاله بناني.

واعلم أن في هذه المسألة ثلاث تأويلات: وجوب الاستبراء في غيبة المشتري والغاصب، الاستحباب فيهما، الوجوب في الغاصب والاستحباب في المشتري.

ولما كانت المواضعة نوعا من الاستبراء وإن خالفته في بعض الأحكام، كالنفقة فإنها زمن المواضعة على البائع وضمانها فيه منه وشرط النقد يفسد عقد بيعها بخلاف الاستبراء، أفردت بالكلام لبيان تلك الأحكام، ولا تجب إلا في أمتين، في التي ينقص الحمل من ثمنها، وفي التي وطئها البائع، وعرف ابن عرفة المواضعة بقوله: المواضعة جعل الأمة مدة استبرائها في حوز مقبول خبره عن حيضتها. واعترضه بعضهم بأنه يوهم اختصاص المواضعة بمن تحيض. وقد صرح ابن رشد بعمومها في الصغيرة واليائسة. ولو قال بدل قوله: عن حيضها، عن براءتها، لشمل ذلك، وأجيب بأنه اقتصر على الحيض لأنه الأصل أو الغالب، أو يجعل من باب الكناية عما ينقضي به تواضعها؛ فلا اعتراض. قاله الشبراخيتي.

وأشار المص إلى من تتواضع بقوله: وتتواضع العلية يعني أن من باع أمة علية أي رائعة أي جميلة يجب أن توضع عند أمين حتى تحيض، فيمضي بيعها حينئذ أو يظهر بها حمل فترد لبائعها، ولابد من مواضعتها مطلقا، أقر البائع بوطئها أم لا؛ ووجه ذلك أن الرائعة إنما وجبت فيها المواضعة لأن الحمل ينقص من ثمنها كثيرا، لا لأجل وطء البائع، فلذا وجبت فيها وإن لم يطأها البائع، وقوله: العلية، قال عياض: علية الجواري بسكون اللام يعني مع كسر العين وقيل بكسر اللام وتشديد الياء والأول أشهر. انتهى. وقال الشارح: والعلية واحد العلي بفتح المعين وكسر اللام المخففة وتشديد الياء. انتهى. والأول قاله بناني. والعلية هي الرائعة الجيدة التي تراد للفراش لا للخدمة.

وفي الجواهر: فلان من علية الناس جمع رجل علي أي شريف ورفيع مثل صبي وصبية، ويجوز في المتن ضبطه مفردا أي بفتح العين وكسر اللام وتشديد الياء، وضبطه جمعا أي بكسر العين وسكون اللام وفتح الياء مخففة. انظر حاشية الشيخ محمد بن الحسن. وقوله: وتتواضع، قال بناني: تتواضع بضم التاء مبنيا للمفعول، وقد استعمل هنا لفظ تفاعل متعديا وهو قليل. انتهى.

ص: 615

وقال الشبراخيتي: وتتواضع، بفتح التاءين والمفاعلة ليست على بابها، فالمراد أصل الفعل وهو الوضع؛ أي تجب مواضعتها أي وضعها عند أمين وهو خبر، ومعناه الطلب وأصله وليتواضع المتبايعان الأمة العلية. وقوله: وتتواضع العلية؛ أي ولو أسقط المشتري حقه من الرد بالعيب لاحتمال الحمل. انتهى. وقوله: وتتواضع العلية أي ولو بعد أن يستبرئها البائع. قال في المدونة: وإن وطئ أمته فلا يبيعها حتى يستبرئها ثم لابد إن باع الرائعة من المواضعة كان قد استبرأها أم لا. انتهى. وهذا بخلاف الوخش التي أقر بوطئها فلا مواضعة فيها إن استبرأها البائع، ولهذا قال ابن عرفة: أو وخش غير مستبرأة من وطء ربها. وقال أبو الحسن: إذا استبرأ الرائعة فلابد من مواضعتها، وأما الوخش إذا استبرأها فلا مواضعة فيها. قاله بناني. وقال ابن رشد في أوائل كتاب الاستبراء من البيان: ولا يرخص في تركها يعني المواضعة للمسافر والمجتاز، وهي أن توضع الجارية على يد امرأة أو رجل له أهل حتى تعرف براءة رحمها من الحمل، بحيضة إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن كانت يائسة من المحيض بكبر أو صغر ممن توطأ، بكرا كانت أو ثيبا، أمن منها الحمل أو لم يؤمن. وقد قيل: إذا أمن منها الحمل فلا مواضعة فيها. انتهى.

ثم قال: والضمان في ذلك من البائع والنفقة عليه، ولا يجوز أن يلتذ بشيء منها وإن كان الضمان منه والنفقة عليه من أجل أنه قد أوجبها لغيره، ولا يجوز ذلك للمشتري أيضا من أجل أن الضمان على غيره، وإن اشتراها في أول دمها أو معظمه فإن ذلك براءة رحمها ولم تكن فيها مواضعة. انتهى. وقال بعد هذا في سماع أشهب: أما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فلا اختلاف أنه لا مواضعة فيها ولا استبراء، وإنما اختلف في الصغيرة التي يوطأ مثلها ويؤمن الحمل منها، فذهب مالك وعامة أصحابه إلى وجوب الاستبراء فيها والمواضعة إن كانت من ذوات الأثمان فثلاثة أشهر لأن الحمل لا يستبين بأقل منها، وقيل: شهران، وقيل: شهر ونصف، وقيل: شهر. وذهب مطرف وابن الماجشون إلى أنه لا يجب فيها استبراء ولا مواضعة، وذلك عن جماعة من السلف، منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وسلمان

(1)

والقاسم بن

(1)

في الحطاب ج 4 ص 571 وسليمان.

ص: 616

محمد وابن شهاب وأبو الزناد وأبو رفيع وابن هرمز وغيرهم، وكذلك الكبيرة التي يؤمن منها الحمل. والله أعلم. قاله الحطاب.

أو وخش أقر البائع بوطئها يعني أن الوخش إذا بيعت فإنها تتواضع إذا أقر البائع بوطئها، وأما إن لم يقر البائع بوطئها فلا مواضعة فيها، وإنما يجب فيها الاستبراء فقط، كما قدمه بقوله: يجب الاستبراء بحصول الملك. والوخش الخسيس من كل شيء، ويقال للجارية التي لا تراد للفراش. قال عبد الباقي. والظاهر أنه يراعى في كونها علية أو وخشا عند الناس، وإنما عطف وخش بأو ولم يأت يكاف التشبيه ليلا يتوهم رجوع قوله: عند من يؤمن، للوخش خاصة مع أنه متعلق بهما أي بالعلية والوخش. والله سبحانه أعلم.

عند من يؤمن متعلق بتتواضع؛ يعني أن الأمة المواضعة إنما تجعل عند من يؤمن وهو من يقبل خبره عن حيضتها من رجال أو نساء. وقوله: عند من يؤمن، قال الشبراخيتي: أي ولو رجلا لا أهل له وهو ما حكاه اللخمي، وقال في الذخيرة: ومن شرطه أن يكون متزوجا، وقال في الحاشية: فلا يجوز، وضعها عند غير أمين، فإن وقع ونزل قبل خبره عن حيضها، فعلى هذا توضع عند أمين شرط في الجواز وانتفاء الإثم. انتهى. ونحوه لعبد الباقي، فإنه قال: وانظر إذا وضعاها عند غير أمين أو مأمون ولا أهل له على المنع وحاضت، هل يكفي؟ وهو الظاهر أم لا. انظر الحطاب. انتهى. قوله: هل يكفي؟ وهو الظاهر لخ، أصل هذا الاستظهار للحطاب؛ قال بعض الشيوخ: وفيه نظر، فإن الوضع عند غير المأمون غير معتبر شرعا، وذلك غير مواضعة، كما يدل عليه رسم ابن عرفة لها، وقول المقدمات: المواضعة أن توضع الأمة على يد امرأة عدلة حتى تحيض. انتهى. ونحوه في عبارة عبد الحق وعياض وأبي الحسن والمتيطي والمص وغيرهم. قاله بناني.

تنبيه: قال المتيطى: فإن ارتفعت حيضة الجارية وطال على المبتاع أمرها وأراد الفسخ، فقال في المدونة: لم يحد مالك فيما يكون للمبتاع فيه الرد شهرا ولا شهرين. وفي كتاب محمد: ترد بعد الشهرين، وفيه أيضا: بعد أربعة أشهر. ثم قال بعد أقوال: قال الباجي: والمشهور من المذهب أنه إذا أتى من ارتفاع الحيض ما فيه ضرر على المبتاع أن له الرد، وسيقول المص في العيوب:

ص: 617

ورفع حيضة استبراء. والشأن النساء يعني أن المواضعة لا تكون إلا عند من يؤمن من رجال أو نساء كما عرفت، ولكن الشأن أي المستحب أن توضع عند النساء، فتوضع عند امرأة مأمونة، ويجوز أن توضع على يد رجل إذا كان مأمونا وله أهل، ولا يجوز أن تكون على يد رجل غير مأمون كان له أهل أم لا، واختلف إذا كان مأمونا لا أهل له، فأجاز ذلك في كتاب محمد على كراهة، ومنعه أصبغ وهو أصوب. انتهى من اللخمي. قاله الحطاب. قال مقيده عفا الله عنه: وفهم من قول المص عند من يؤمن أنها لا توضع عند امرأة غير مأمونة. وقال الشبراخيتي مفسرا للمص: والشأن أي المستحب أو المطلوب أو السنة القديمة التي يؤمر بها عند أهل المذهب على جهة الاستحباب. انتهى.

وإذا رضيا بغيرهما فليس لأحدهما الانتقال؛ يعني أن البائع والمشتري إذا رضيا بأن توضع الأمة زمن مواضعتها عند غيرهما فإنه لا يجوز لأحدهما أن ينقلها عمن وضعت عنده بغير إذن صاحبه، وأما إن رضيا معا بنقلها من عنده فلهما ذلك، والقول للبائع فيمن توضع عنده حيث عين المشتري غيره؛ لأن الضمان منه لا من المشتري، وقوله فليس لأحدهما الانتقال؛ أي إلا لوجه كما قيد به ابن المواز، قال الشارح: أي إذا رضي المتبايعان أن يضعا الجارية على يد أجنبي فليس لأحدهما أن ينقلها عنه؛ قال في الموازية: إلا أن يرى لذلك وجه وينبغي أن يقيد كلامه هنا بمثل ذلك. انتهى.

ونهيا عن أحدهما يعني أن البائع والمشتري نهيا من جهة الشرع عن جعل الأمة زمن مواضعتها في حوز أحدهما، نهي كراهة إن كانا مأمونين. ونهي منع إن كانا غير مأمونين، وإنما نهيا خوف تساهل المشتري في إصابتها قبل الاستبراء نظرا لعقد البيع، أو البائع نظرا لأنها في ضمانه، المازري: وإن وضعاها عند أحدهما فمن أراد الانتقال أجيب إليه. قاله الشارح. وقال الحطاب: وأما إذا كانت في يد أحدهما فله الانتقال. انتهى. وقال الشبراخيتي: وأما إذا رضيا بأحدهما فلكل منهما الانتقال. قاله المازري:

وهل يكتفي بواحدة؟ أتى بصيغة السؤال المشعرة بوجود الخلاف، وأجاب بقوله: قال الإمام المازري: يخرج أي يقاس الخلاف في الاكتفاء بقول امرأة واحدة: إن الأمة المذكورة قد حاضت على الخلاف المذكور في الترجمان؛ أي المبلغ عن الحاكم هل يكتفى فيه بواحد؟ وعليه اقتصر

ص: 618

المص في باب القضاء، حيث قال:"والمترجم مخبر". انتهى. أو لابد فيه من اثنين لأنهما شاهدان بين الناس والحاكم، وهو المذهب في المترجم، خلافا لما يأتي في المص، والمذهب هنا أي في المواضعة الاكتفاء بواحدة، فلو قال: وكفت واحدة، لكان أحسن. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب: قال اللخمي: المواضعة تجوز على يُدِيِّ أهل الأمانة من النساء، والمرأة الواحدة تجزئ في الائتمان عليها، ويختلف هل يقبل قولها: إنهَا حاضت؟ فالمشهور من المذهب أن ذلك يجزئ. انتهى والله أعلم. انتهى.

وقال بناني: مقتضى المص أن التخريج للمازري من عنده، والذي في المواق عن ابن عرفة: وأجراه التونسي وابن محرز على الخلاف في القائف

(1)

والترجمان. انتهى. ولا شك أنهما قبل المازري. والترجمان بالفتح ثم الضم كريهقان وكجلجلان وزعفران. قاله بناني. وقال الشبراخيتي: وهل يكتفى عن خبر حيضها أو عدمه بواحدة؟ ولا فرق فيها بين أن تكون هي الأمينة أو مخبرة للأمين، وبه قال ابن الكاتب وابن عبد الرحمن واللخمي وهو المشهور، أو لابد من اثنتين، وهو قول أبي موسى بن مناس، وكان ينبغي للمص أن يجزم بالمشهور هنا، فيقول وتكفي واحدة. والترجمان هو الذي يفسر لغة بلغه. انتهى. والخلاف المذكور مبني على أن ذلك من باب الشهادة أو من باب الخبر.

ولا مواضعة في متزوجة؛ يعني أن الأمة المتزوجة إذا اشتراها غير زوجها فإنه لا مواضعة فيها سواء كانت مدخولا بها أم لا. وحامل؛ يعني أن الأمة الحامل من غير سيدها لا مواضعة فيها إذا اشتريت بل تستبرأ بوضع الحمل فقط، ومعتدة؛ يعني أن الأمة المعتدة من وفاة أو طلاق إذا اشتريت لا مواضعة فيها. وقوله: ومعتدة: فإن كانت معتدة من طلاق ولم ترتفع حيضتها أو ارتفعت لرضاع فلابد بعده من حيضها للعدة فلا معنى للاستبراء أو المواضعة مع العدة [لدخولها]

(2)

فيها، فهي تغني عنهما، فإن ارتفعت لغير رضاع لم تحل إلا بالمتأخر من سنة للطلاق وثلاثة للشراء، كما مر، وأما إن كانت معتدة من وفاة فلابد من مضي عدتها إن جاءتها حيضة قبل تمامها، وإن تأخرت عنها فلابد للمالك من رؤيتها الدم، وإن ارتفعت حيضتها فعدتها إما

(1)

في البناني ج 4 ص 223: على الخلاف في القائف الواحد والترجمان.

(2)

في الأصل لدخولها والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 223.

ص: 619

شهران وخمس ليال، وإما ثلاثة أشهر، فإن ارتابت فتسعة، والاستبراء كذلك، فإن اشتريت بعد مدة العدة فقد يتأخر زمن الاستبراء حينئذ عن زمن العدة، وقد يستوي معه إن اشتريت يوم الوفاة في هذه وسيشير لهذا في التداخل بقوله:"وكمشراة معتدة"، قال الشبراخيتي: وأنت خبير بأن النص على نفي المواضعة في المعتدة والمتزوجة غير متوهم؛ لأنه لا استبراء فيهما كما يفيده قوله سابقا: ولم تحرم في المستقبل، ونفي الاستبراء يستلزم نفي المواضعة، فكان المناسب للاختصار حذفهما. انتهى. ونحوه لعبد الباقي، وهذا صريح أو كالصريح في أن من اشترى أمة محرما ليس فيها مواضعة، فإن أقر البائع بوطئها فلابد من استبرائه أي البائع لها والله سبحانه أعلم.

وزانية يعني أنه لا مواضعة في أمة زانية إن اشتريت ولا في مغتصبة لأن الولد الناشئ عن الغصب والزنى لا يلحق بالمالك كما لا يلحق بغيره، وقال الشارح: قوله: "ولا مواضعة في متزوجة وحامل ومعتدة وزانية"، هذا هو المشهور، وقاله المازري. وقال غيره: اختلف في المعتدة والزانية ولم يختلف في الحامل لأن الحمل متحقق، ولا في ذات زوج لدخول المشتري على أن الزوج مرسل عليها، وقال ابن يونس: ولا مواضعة في الزانية والمعتدة إذا كان الزاني والزوج معروفين. انتهى. وقال الحطاب عند قوله: وزانية، يريد المستبرأة من زنى أو غصب، قاله اللخمي. واستحسن القول بالمواضعة. والله أعلم. انتهى.

كالمردودة بعيب تشبيه في نفي المواضعة؛ يعني أن من اشترى أمة رفيعة ثم ظهر بها عيب فردها إلى ربها قبل الغيبة عليها لا مواضعة فيها عليه فقوله الآتي، إن لم يغب المشتري، شرط في هذه واللتين بعدها، ومفهوم إن لم يغب المشتري، أنه لو غاب عليها لكانت فيها المواضعة. هذا تقرير المص بحسب ظاهره. وفيه إجمال، قال في المنتخب: قال سحنون: قال ابن القاسم: ومن اشترى جارية مرتفعة فردها بعيب فإن كانت خرجت من المواضعة وصارت في ضمان المشتري فعلى البائع أن يستبرئها والمواضعة فيها لازمة للمشتري وضمانها منه، وإن كان ردها قبل أن تخرج من المواضعة فلا مواضعة فيها وليس على البائع أن يستبرئها. انتهى. فظاهره وإن لم يغب عليها المشتري كظاهر المدونة وأبي الحسن، والوجه في ذلك أن الرائعة إنما وجبت فيها المواضعة لأن الحمل ينقص من ثمنها كثيرا، لا لأجل وطء البائع فلذا وجبت فيها وإن لم يطأها البائع.

ص: 620

وحاصل ما مر أنه لا مواضعة في المردودة بعيب ما دامت في ضمان البائع، ولو قبضها المبتاع على وجه الأمانة وغاب عليها، فإن خرجت من ضمانه فعلى المبتاع المواضعة إلا إن حصل الرد بالعيب في أول الدم، فيكفي عن المواضعة. والله أعلم. قاله بناني. فبان مما مر أن في منطوقه ومفهومه إجمالا.

أو فساد يعني أن من اشترى أمة شراء فاسدا ثم ردها إلى ربها قبل أن يغيب عليها فإنه لا مواضعة فيها، ومفهومه أنه لو غاب عليها لكانت فيها المواضعة. هذا تقرير المص بحسب ظاهره. وقال محمد بن الحسن: حاصل كلام علي الأجهوري أن المشتراة شراء فاسدا لها ثلاثة أحوال، الأولى: التي تدخل في ضمانه بالقبض اتفاقا، وهذه إن غاب عليها المشتري ففيها المواضعة وإلا فلا مواضعة الثانية: التي اختلف هل تدخل في ضمانه بالقبض أو لا تدخل في ضمانه إلا برؤية الدم، وهي التي تتواضع، فعلى الثاني إذا غاب عليها قبل رؤية الدم فإنه يجري فيها ما جرى في المقال منها والمعيبة؛ يعني فإن ردها قبل الحيض فلا مواضعة فيها، وإن ردها بعد رؤية الدم فعليها المواضعة، إلا إن حصل الرد بالفساد في أول الدم فيكفي عن المواضعة. والله تعالى أعلم. وعلى القول الأول فحكمها حكم الأولى في التفصيل؛ أي إن ردها قبل الغيبة عليها فلا مواضعة فيها، وإن ردها بعد الغيبة ففيها المواضعة. والله سبحانه أعلم. الثالثة: التي لا تدخل في ضمان المشتري أصلا كأم الولد، فهذه إن غاب عليها ففيها الاستبراء فقط ولا مواضعة فيها لعدم دخولها في ضمانه، وإن لم يغب عليها فلا شيء فيها، وأما المدبرة فليست كأم الولد بل فيها المواضعة. انتهى. وانظر النقل في ذلك. انتهى.

أو إقالة يعني أن من باع أمة وتقايل مع المشتري فيها فإنه لا مواضعة فيها على المشتري إن لم يغب عليها، ومفهومه أنه لو غاب عليها لكانت فيها المواضعة. هذا التقرير له بحسب ظاهره وفيه إجمال. قال بناني بعد جلب كلام المدونة وأبي الحسن:

حاصل ما تقدم أنه لا مواضعة في المقال منها ما دامت في ضمان البائع، ولو قبضها المبتاع على وجه الأمانة وغاب عليها، فإن خرجت من ضمانه فعلى المبتاع المواضعة إلا إن حصلت الإقالة في أول الدم فيكفي عن المواضعة. والله أعلم انتهى. وفي المدونة: ومن باع أمة رائعة ثم تقايلا قبل التفرق فلا استبراء عليه، وإن أقاله وقد غاب عليها المبتاع فإن أقامت عنده أياما لا يمكن فيها

ص: 621

الاستبراء فلا يطؤها البائع إلا بعد حيضة، ولا مواضعة على المبتاع فيها إذا لم تخرج من ضمان البائع، ولو كانت وخشا فقبضها على ثبات البيع والحوز ثم أقاله قبل مدة الاستبراء فليستبرئ البائع لنفسه أيضا، وإن كان إنما دفع الرائعة إليه ائتمانا له على استبرائها فلا يستبرئ البائع إذا ارتجعها قبل أن تحيض أو يذهب عظم حيضتها، ولو كانت عند أمين فلا استبراء عليه في الإقالة قبل الحيضة ولا بعد طول المدة عند الأمين، ولو تقايلا بعد حيضة عند الأمين أو في آخرها فللبائع على المبتاع فيها المواضعة بضمانه إياها إلا أن يقيله في أول دمها أو عظمه فلا استبراء عليه ولا مواضعة فيها كبيع مؤتنف من غيره، وكذلك في بيع الشقص منها والإقالة منه. انتهى.

قوله: وإن كان إنما دفع الرائعة لخ، هذا كلام بعد الوقوع والنزول، قال أبو الحسن: يدل عليه قولها بعده: وأكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء، وقوله: ولو تقايلا بعد حيضة عند الأمين لخ، قضيته أنها بمجرد دخولها في ضمان المبتاع تجب عليه المواضعة للبائع ولو لم يغب عليها المبتاع. قال أبو الحسن: قيل له: أوجبت فيها على البائع أن يستبرئ لنفسه وجعلت المواضعة على المبتاع إذا أقاله في آخر دمها وهي لم تحل للمشتري حتى تخرج من دمها. قال: لأنها إذا دخلت في أول الدم فمصيبتها من المشتري وقد حل له أن يقبل ويصنع بها ما يصنع الرجل بجاريته إذا حاضت، ولأنها قد تحمل إذا أصيبت في آخر دمها ولا أدري ما أحدثت. انظر ابن يونس. انتهى. وعلم مما قررت أن قوله: إن لم يغب المشتري شرط فيما بعد الكاف وقال عبد الباقي: كالمردودة بعيب أو فساد أو إقالة إن لم يغب المشتري فلا مواضعة لأنها إنما تكون حيث الاستبراء، ولا استبراء في هذه عند عدم الغيبة، كما يفهم من قوله: إن لم توقن البراءة. ومفهوم الشرط المواضعة في المعيبة والمقال منها حيث دخلتا في ضمانه بالقبض ثم ردهما بعده. قال بناني صوابه دخلتا في ضمانه، بأول الدم فإن حصلت الغيبة عليهما قبل دخولهما في ضمانه فإن كان قبضهما على وجه الملك ففيهما الاستبراء فقط، وإن قبضهما على وجه الأمانة فلا استبراء فيهما، وفي الغيبة على المردودة بفساد المواضعة إن دخلت في ضمان المشتري بقبضه باتفاق، فإن دخلت في ضمانه على أحد قولين والآخر برؤية الدم كالتي تتواضع فكالمردودة بعيب أو إقالة في التفصيل فيما يظهر. وشمل كلام المص أم الولد إن بيعت فيما تباع فيه ثم ردت بما

ص: 622

ذكر قبل الغيبة عليها فلا مواضعة ولا استبراء وبعدها فيها الاستبراء فقط، لا المواضعة إذ لو هلكت بيد المبتاع كان ضمانها من البائع. قاله ابن يونس. وشمل أيضا المدبرة فلا مواضعة فيها قبل الغيبة، وبعدها تتواضع لأنها لو حملت من المبتاع لكانت له أم ولد ونفقتها عليه، قاله ابن يونس أيضا. ومثلها المبيعة بخمر ونحوه.

وفسد إن نقد بشرط يعني أن الأمة المواضعة يفسد بيعها إذا اشترط عليه أن ينقد له الثمن ونقده، وكذا يفسد العقد المذكور إن اشترط النقد ولم ينقد المشتري الثمن، وإنما فسد للتردد بين السلفية والثمنية أي يكون سلفا إن رد البيع وثمنا إن مضى البيع، وإنما يفسد العقد المذكور بشرط النقد حيث شرطوا المواضعة أو جرى بها عرف، فإن لم تشترط ولا جرى بها عرف بل جرى بعدمها أو اشترط عدمها أو وقع البيع بينهما لم يفسد البيع بشرط النقد، ويحكم بالمواضعة، ويجري عليها أحكامها من الضمان ولو بعد الغيبة على الأمة، ويجبر البائع على رد الثمن للمشتري، ولو لم يطلبه، ولو طبع عليه، وإن اشترطوا إسقاط المواضعة صح البيع وبطل الشرط. كما قاله في البيع.

لا تطوعا يعني أن من اشترى أمة تتواضع وتطوع للبائع بعد العقد بنقد الثمن لا يفسد البيع بسبب ذلك؛ لأن التردد بين السلفية والثمنية إنما يوثر المنع مع الشرط لا في التطوع، واعلم أن التعليل بالتردد بين السلفية والثمنية إنما يظهر فيما لا يعرف بعينه ولكن الحكم كذلك فيما يعرف يعينه، فالنقد في الأمور المحتملة بشرط مفسد للعقد، كان المنقود مما يعرف بعينه أم لا. نقله الخرشي في الإجارة. وقوله: وفسد إن نقد بشرط لا تطوعا، قال في كتاب الاستبراء من المدونة: ومن ابتاع جارية وهي ممن تستبرأ لم يجز اشتراط النقد فيها في عقد البيع، وضعت على يد المبتاع أو على يد أجنبي، واشتراط النقد فيها يفسد البيع، وإن لم يشترط النقد ثم تبرع المبتاع بنقد الثمن في المواضعة جاز ذلك. قال أبو الحسن: معنى قوله: ممن تستبرأ، ممن تواضع احترازا ممن لا مواضعة فيها كالحامل والوخش التي لم توطأ. انتهى.

وقال في المدونة: وأكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأه، وإن قبضها على الأمانة وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها، فإن قبضها على شرط الحيازة وسقوط المواضعة كالوخش أو لم يشترط استبراء في المواضعة أو جهلا وجه المواضعة فقبضها كالوخش ولم

ص: 623

يتبرأ البائع من الحمل لم يفسد وألزمتهما حكم المواضعة. انتهى. قال أبو الحسن: إذا اشترطا إسقاط المواضعة أو وقع الأمر منهما ولم يشترطا إسقاطها ولا وجوبها عمدا أو جهلا ولم يتبرأ البائع من الحمل فالبيع صحيح على مذهب الكتاب، ويلزمهما حكم المواضعة. وفي كتاب محمد: أن البيع فاسد إذا شرطا ترك المواضعة. الشيخ: فعلى هذا إذا أبهما كان البيع صحيحا فيتفقان في هذا، وقال ابن يونس، قال أصبغ: وما بيع على المواضعة أو على معرفة المواضعة والاستبراء فإن اشتراط النقد فيه يفسخ البيع، إلا أن يتطوع به بعد العقد فيجوز، فأما ما بيع على البت ممن لا يعرف المواضعة مثل بيع أهل مصر ومن لا يعرفها من البلدان فيبيعون على النقد ولا يشترطون نقدا ولا مواضعة فهو بيع لازم ولا يفسخ ويقضى عليهما بالمواضعة.

وقال ابن عرفة: وفي صحة شرط إسقاطها في العقد وبطلانه، ثالثها: يبطلان معا، ورابعها: إن شرط نقد الثمن، وخامسها: إن تمسك بالشرط، لابن رشد عن ابن عبد الحكم، ولها، وللأبهري مع الموازية، وابن حبيب، واللخمي. وعلى الأول قال الباجي عن ابن حبيب: تخرج من يد المشتري للمواضعة. انتهى. وقال أبو إسحاق التونسي: وإذا باع بشرط البراءة من الحمل فالبيع فاسد في المرتفعات وقيل الشرط باطل والبيع جائز. ذكره في كتاب محمد. وفي كتاب ابن حبيب: وإن باع المرتفعات بشرط ترك المواضعة وأن يضمن المشتري بالعقد كما يضمن الوخش الرقيق وإن وجد حملا أو عيبا قام به فالشرط باطل والبيع جائز ويتواضعانها. هذا في المدونة، وفي كتاب محمد. قول: إن البيع فاسد. انتهى. وقال في المقدمات: الحكم بالمواضعة واجب في كل بلد جارية فيها أو لم تكن، لم يختلف قول مالك في ذلك، ويجب عنده على كل واحد حاضرا كان أو مسافرا. وقد سئل مالك عن ذلك في أهل منى وأهل مصر عند الخروج إلى الحج في الغرباء الذين يقدمون؟ فرأى أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو كرهوا. وسواء باع الأمة ربها أو وكيل له أو باعها عليه السلطان في الدين، وسواء باع بنقد أو إلى أجل، كان ممن يطأ أو لا يطأ، إلا أنه إن باع بنقد لم يجز البيع في المواضعة بشرط. ثم قال: فإن شرط البراءة من الحمل في الرفيعة فالبيع فاسد، والمصيبة فيها ممن اشترى إن تلفت بعد قبضه كالبيع الفاسد، وذلك بعد خروجها من عهدة الثلاث. هذا هو المشهور من قول مالك وأصحابه. وقيل: الشرط باطل والبيع جائز، وقع هذا القول في كتاب محمد. وقال ابن عبد الحكم: الشرط جائز والبيع جائز، وأما إن باعها بشرط

ص: 624

ترك المواضعة فالبيع جائز والشرط باطل، ويحكم بينهما بالمواضعة، وتخرج من يد المشتري إلى المواضعة ثم قال: وقد قال أبو بكر الأبهري: البيع على شرط ترك المواضعة فاسد، ومثله في كتاب ابن المواز في قول وهو على مذهب ابن عبد الحكم بيع لازم وشرط لازم، وأما إذا دفعها البائع جهلا بسنة المواضعة ولم يشترط إسقاطها فالبيع جائز باتفاق وتخرج إلى المواضعة، ثم قال: وأما إن باعها وتبرأ من حملها وهو مقر بوطئها، فجعله في المدونة بيعا فاسدا، وذهب ابن حبيب إلى أنه ليس بفاسد وتخرج إلى المواضعة. نقله الحطاب. وقال مالك في العتبية: ولو انصرف بها المبتاع وغاب عليها رد إلى المواضعة ولا حجة للمبتاع بغيبته عليها وهو قد ائتمنه عليها انتهى. نقله الحطاب.

فرع: فإذا قبضها المبتاع ثم جاء بها وقال: لم تحض، قبل قوله. قاله الحطاب.

ومصيبته ممن قضي له به أي الثمن؛ يعني أن ثمن الأمة المواضعة كان عينا أو عرضا أو حيوانا إذا ضاع تكون مصيبته ممن قضي له به، وهو البائع إن خرجت سالمة من الحمل والعيب، والمشتري إن هلكت أو ظهر بها حمل. ابن المواز: فإن ظهر بها حمل من غير البائع أو حدث بها عيب قبل الحيضة وقد هلك الثمن، فالمبتاع مخير في قبولها بالحمل أو العيب بالثمن، وتصير مصيبته من البائع، وإن شاء ردها وكان منه، فالأمة المواضعة إذا رأت الدم ألزمها البائع للمشتري، وإن لم تره ألزمها المشتري للبائع. قاله عبد الباقي. فلو كان الحمل من البائع فلا خيار للمشتري. قال عبد الباقي: ويمكن إدخال مسألة خيار المشتري في كلام المص بأن يجعل قوله: ممن قضي له به، شاملا لمن قضي له باختيار المشتري أو جبرا عليه. انتهى. ونسخة به بتذكير الضمير هي الصواب. قاله غير واحد. وهي التي شرحت المص عليها. وفي نسخة: بتأنيث الضمير، وهي نسخة الشارح والتتائي. ويمكن تصحيحها بحذف مضاف؛ أي ومصيبته ممن قضي له بها أي بثمنها، وهذا حذف لا دليل عليه، لكن ينتقل من الفساد إلى الخفاء. كما قاله الشبراخيتي. وقال: كان ينبغي للمص تأخير هذه المسألة عن قوله: وفي الجبر على لخ؛ لأن قوله: ومصيبته ممن قضي له به، مفرع على القول بالجبر على إيقاف الثمن بيد عدل، كما يفيده كلام ابن شأس، وظاهر كلام المواق أن هذا الحكم حيث حصل الإيقاف ولو على القول بعدم الجبر: أي أن قوله: ومصيبته لخ، إنما يتفرع على إيقاف الثمن سواء كان جبرا أو بتراضيهما،

ص: 625

وأما إن لم يخرج المبتاع الثمن من يده فلا يقال إن مصيبته من البائع بحال. انتهى. ونحوه لعبد الباقي. فإنه قال إنه مفرع على القول بالجبر، وأما على عدمه فظاهر نقل المواق أنه كذلك؛ أي أنه متى حصل وقفه ولو بتراضيهما فمصيبته ممن قضي له به، وأما إن استمر بيد المشتري فهو منه لا من البائع، ثم على القول بالجبر إن قبضه البائع وتلف كان ضمانه منه كالثمن في البيع الفاسد. وانظر لو قبضه على القول بعدم الجبر وتلفت الأمة أو ظهرت حاملا منه، وينبغي ضمانه له ضمان الرهان إن جعله المشتري عنده توثقا، وإن جعله وديعة لم يضمنه، وإن لم يعلم على أي وجه جعله عنده فانظر هل يحمل على الوديعة؟ أو لا. انتهى. وقال الحطاب عند قوله: وفي الجبر على إيقاف لخ، لو قدم هذا لكان أحسن؛ لأن الأول مفرع عليه. كذا جعله ابن عرفة وغيره. قال في الشامل: وجبر مبتاع على وقف الثمن عند عدل على المشهور، فإن تلف فهو ممن يصير له، وقيل: من المشتري، وعليه فإن خرجت سليمة لزمه ثمن آخر، وقيل: يفسخ، انتهى. وقوله: ومصيبته ممن قضي له به، في المدونة: فإن هلك الثمن قبل محيضها ارتقبت فإن خرجت من الاستبراء فهو من البائع، وإن لم تخرج حتى هلكت أو ظهر بها حمل فهو من المبتاع. انتهى. وقال في المدونة: ومن باع أمة رائعة مثلها يتواضع للاستبراء فظهر بها حمل فقبلها المبتاع به فذلك له، وليس للبائع ردها إلا أن يدعي أن الحمل منه. انتهى. نقله الحطاب.

وفي الجبر علي إيقاف الثمن قولان مبتدأ وخبره في الجبر؛ يعني أنه اختلف في إيقاف ثمن الأمة المواضعة هل يجبر مشتريها على أن يوقف الثمن بيد عدل؟ أو لا يجبر المشتري على ذلك، فالأول لمالك وهو ظاهر ما في البيوع الفاسدة من المدونة: أنه يوضع تحت يد عدل، ومثله لمالك في الواضحة والمجموعة، والثاني لمالك في العتبية: لا يجب على المشتري إخراج الثمن حتى تجب له الأمة بخروجها من الاستبراء، وهو ظاهر ما في الاستبراء من المدونة، والأول هو المشهور، كما نقله الحطاب عن الشامل، فإنه قال: قال في الشامل: وجبر مبتاع على وقف الثمن عند عدل على المشهور لخ، وقال الشارح مفسرا للمص: واختلف هل يجبر البائع على إيقاف الثمن؟ أم لا، على قولين. قال في البيان عن مالك يحكم على البائع بوضع الثمن على يدي عدل. ونقل المازري عن سحنون أن إيقافه جائز. المازري: فإن امتنع المشتري، قيل: يجبر، وقيل: لا؛ لأن المبيع لم يتعين للنقل. انتهى.

ص: 626

فرع: إذا باع الأمة بثمن مؤجل، حسب الأجل من يوم خروجها من الاستبراء. قاله أبو بكر بن عبد الرحمن. وهو المذهب. وقال أبو عمران: من يوم العقد. انتهى. قاله الشبراخيتي. ولما أنهى الكلام على المعدة مفردة والاستبراء كذلك، تكلم عليهما حيث اجتمعا وعلى اجتماع أكثر من واحد من نوع واحد، وسواء كانا من رجل واحد وفعل سائغ أم لا، وحاصل هذا أنه أربعة أقسام: طرو عدة على عدة، وطرو استبراء على استبراء، وطرو استبراء على عدة، وطرو عدة على استبراء ويسمى باب التداخل، وهو باب يمتحن به الفقهاء ويمتحنون به. وترجم له المص بقوله:

ص: 627

‌فصل: في تداخل العدد والاستبراء

وأشار إلى الضابط في ذلك بقوله: إن طرأ موجب قبل تمام عدة أو استبراء انهذم الأول وانتفت يعني أن المرأة إذا كانت في عدة أو استبراء ثم طرأ لها قبل تمام ما هي فيه موجب آخر فإنه ينهذم الأول وتستأنف أمرا آخر، تارة يكون الأمر الذي تستأنفه غير الأول، وتارة يكون شيئا مع الأول، والشيء مع غيره غيره لا مع غيره، فيشمل مسائل أقصى الأجلين؛ وبيان ذلك أن المعتدة من وفاة إذا طرأ عليها استبراء فإنه يجب عليها تمام عدتها أو تمام الأقراء، فتمام عدتها لما كان يصحبه تمام الأقراء كان بمنزلة غيره، وقوله: موجب بكسر الجيم، وقوله: انهذم بالذال المعجمة انقطع وبالمهملة نقض. ومثل لطرو عدة على عدة بقوله:

كمتزوج باتنته ثم يطلق بعد البناء؛ يعني أن الزوج إذا طلق زوجته التي بنى بها طلاقا بائنا دون الثلاث كما لو خالعها، ثم تزوجها قبل تمام عدتها، ثم طلقها أيضا بعد البناء، فإنه تنهذم العدة الأولى وتستأنف عدة طلاق النكاح الثاني. فقوله: بعد البناء، يتنازعه بائنته ويطلق، ومفهوم قوله: بعد البناء، بالنسبة لقوله: يطلق، أنه لو طلق في النكاح الثاني قبل أن يبني بها أنها تستمر على عدتها الأولى؛ إذ لم يطرأ موجب لكون الطلاق قبل البناء. وقوله: كمتزوج بائنته، يصح نصب بائنته وجره بالإضافة. أو يموت مطلقا، يموت عطف على يطلق؛ يعني أن من أبان زوجته التي دخل بها بدون الثلاث كطلاق الخلع، ثم تزوجها قبل تمام العدة، ثم مات عنها، تستأنف عدة وفاة وتنهذم عدة الطلاق. ومعنى قوله: مطلقا، بنى بها أم لا؛ قال عبد الباقي: وما ذكره المص من أنها تعتد عدة وفاة في موته عنها قبل البناء هو قول أبي عمران، والمعتمد كما يفيده ابن عرفة أن عليها أقصى الأجلين في الحائل، وأما الحامل فبالوضع. انتهى. قوله: المعتمد أن عليها أقصى الأجلين لخ، قال بناني: ضعف ابن الحاجب هذا، وعزا التوضيح التضعيف لأبي عمران، ونقل جوابه عن ابن يونس، ونص ابن الحاجب: وكالتزوج زوجته البائن ثم يطلقها بعد البناء أو يموت عنها قبله أو بعده، فإنها تستأنف. وروى محمد: إن مات قبله فأقصى الأجلين وضعف. انتهى.

وكمستبرأة من فاسد ثم يطلق هذا مثال لطرو عدة على استبراء؛ يعني أن المرأة المتزوجة إذا وطئت وطنا فاسدا كزنى أو غصب أو اشتباه، وقبل تمام الاستبراء طلقها زوجها فإنها تستأنف العدة من يوم الطلاق وينهذم الاستبراء الأول، فإن كانت من ذوات الحيض فثلاثة أقراء، وإن

ص: 628

كانت من ذوات الأشهر فثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا فبالوضع، ومفهوم قوله: يطلق، أنه لو مات فأقصى الأجلين كما يأتي. وكمرتجع وإن لم يمس طلق أو مات. هذا مثال لطرو عدة على عدة، وهو مفهوم قوله: بائنته؛ يعني أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم إنه ارتجعها قبل انقضاء عدتها، ثم طلقها أو مات عنها، فإنها تستأنف عدة طلاق من يوم طلقها بعد الارتجاع، وتنهذم العدة الأولى مسها بعد الارتجاع أم لا في الطلاق، وتستأنف عدة وفاة في الموت من يوم الموت مسها أم لا.

إلا أن يفهم ضرر بالتطويل؛ يعني أن محل كون هذه المرتجعة تستأنف عدة من يوم الطلاق الواقع بعد الرجعة إنما هو إذا لم يفهم من ارتجاع الزوج لها قصد الضرر بتطويل العدة عليها، وأما إن فهم منه ذلك فتبني المطلقة على عدتها الأولى إن لم يمس؛ أي إنما تبني على عدتها الأولى مع فهم الضرر حيث لم يطأها بعد الارتجاع، وأما إن وطئها بعد الارتجاع فإنها لا تبني على عدتها الأولى بل تستأنف العدة للطلاق الثاني، وتنهذم العدة الأولى، وإذا مسها فلا فرق بين قصد الضرر وعدمه، كما أنه لا فرق بين قصد الضرر وعدمه إذا مات، فتستأنف عدة وفاة من يوم موته، مسها أم لا؛ والمراد بالمس هنا الوطء، وفهم من قول المص: مرتجع، أن من طلق قبل الارتجاع لا تأتنف زوجته بل تبني على العدة الأولى إذا أردفها طلاقا، وأما إن مات عنها فتأتنف عدة وفاة كما مر. والفرق بين المرتجعة هنا تستأنف عدة إذا طلقت بعد الارتجاع وإن لم تمس، وبين المبانة التي تزوجها المطلق ثم طلقها قبل أن يبني بها تكتفي بعدتها الأولى كما مر في قوله: كمتزوج بائنته، أن المبانة كالأجنبية فطلاقها قبل الدخول لا يوجب عدة، والرجعية كالزوجة فالطلاق الواقع فيها بعد ارتجاعها طلاق زوجة مدخول بها،

وقوله: إلا أن يفهم ضرر بالتطويل، هو تقييد لابن القصار قيد به العموم الذي قبله، وتبعه عليه ابن شأس وابن الحاجب والقرافي وابن عبد السلام وابن هارون وهو المذهب قاله السخاوي شارح الشامل، وشيخ الحطاب، وخالف ابن عرفة فقال: وقول ابن شأس عن ابن القصار: إلا أن يريد برجعته تطويل عدتها فلا، وقبوله هو والقرافي وجعلُه ابنُ الحاجب المذهب، وقبولُه ابنُ عبد السلام وابنُ هارون لا أعرفه، بل نص الموطإ: السنة هذمها وقد ظلم نفسه إن كان ارتجعها ولا

ص: 629

حاجة له بها، وقبله شراحه. انتهى وقال الأمير: ولو قصد الضرر ولم يطأ على الأرجح وفاقا لابن عرفة وخلافا لما في الأصل. انتهى.

وكمعتمدة وطئها المطلق أو غيره فاسدا بكاشتباه يعني أن المعتدة من طلاق حرة أو أمة إذا وطئها مطلقها أو غيره وطئا فاسدا بكاشتباه أو بنكاح فاسد أو زنى، أو كانت مطلقة طلاقا رجعيا ولم ينو المطلق ارتجاعها؛ لأن النية شرط في صحة الارتجاع على المشهور، فإنه تنهذم العدة الأولى وتستأنف استبراء بثلاث حيض للحرة، أو بحيضة للأمة، وإذا وطئها مطلِّقها طلاقا رجعيا ولم ينو الرجعة وكان هذا الوطء بعد مضي قرءين مثلا وقلتم بانهذام الأول وتستأنف ثلاثة أقراء، فهل له عليها الرجعة إلى آخر هذه الثلاثة الأقراء التي هي استبراء؟ أو لا رجعة له عليها إلا إلى آخر العدة الأولى، وهو الظاهر؛ لأنها بآخر العدة تبين منه، فإذا راجعها قبل انقضاء العدة صح، لكن يحرم عليه وطؤها في بقية استبرائها، فإذا تم حل له وطؤها قاله عبد الباقي. قوله: وهو الظاهر، قد مر له عند قول المص: لا بفعل دونها كوطء، أنه لابن المواز. فتأمل. والله أعلم.

وما مر من أن هذا عام في الحرة والأمة هو لعبد الباقي، قال بناني فيه نظر، بل يجب تخصيصه بالحرة، الآن الأمة عدتها قرآن واستبراؤها حيضة، فإذا وطئت باشتباه عقب الطلاق وقبل أن تحيض فلابد من قرأين كمال عدتها ولا ينهذم الأول: تنبه. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: يقدح فيما قال بناني ويرشح ما لعبد الباقي ما مر من قول المص: وبعده بحيضة؛ إذ عللوه بأن العدة الناشئة عن فسخ النكاح وهي قرآن انهذمت بوطء الملك فتحل بحيضة استبراء. والله سبحانه أعلم. إلا من وفاة مستثني من قوله: وكمعتدة؛ يعني أن المعتدة من وفاة إذا وطئت في عدتها بشبهة أو بنكاح فاسد أو غصب أو زنى فإن عدتها أقصى الأجلين؛ أي أجل الأشهر وأجل الأقراء، فتتربص الحرة ثلاثة أقراء من الوطء الفاسد إن كملت قبلها عدة الوفاة، أو تمام عدة الوفاة من يوم الموت إن تمت قبلها الأقراء، وقد مر أن استبراء الأمة إما حيضة أو ثلاثة أشهر، وفي نسخة: لا من وفاة، وهي عطف على مقدر بعد قوله وكمعتدة؛ أي من طلاق لا من وفاة.

كمستبرأة من فاسد مات زوجها هذا مفهوم قوله: وكمستبرأة من فاسد ثم يطلق، وهو تشبيه في أقصى الأجلين؛ يعني أن المرأة المتزوجة إذا وطئت وطئا فاسدا بزنى أو شبهة أو غيرهما ثم مات

ص: 630

زوجها قبل تمام استبرائها، فعليها أقصى الأجلين، تمام أقراء الاستبراء من يوم شروعها فيه، وعدة الوفاة من يوم الموت، حرة أو أمة، وهذه عكس التي قبلها أي التي قبلها طرو استبراء على عدة، وهذه طرو عدة على استبراء، وفهم من قوله: وكمعتدة وطئها المطلق، إلى قوله: مات زوجها، مع قوله: قبله كمستبرأة من فاسد ثم يطلق، أنه متى اجتمع استبراء مع عدة طلاق انهذم الأول واستأنفت، ومتى اجتمع مع عدة وفاة كان عليها أقصى الأجلين، وسواء تقدم الاستبراء أو تأخر. قاله عبد الباقي.

وكمشتراة معتدة عطف على: كمستبرأة من فاسد فهو تشبيه في أقصى الأجلين؛ يعني أن من اشترى أمة معتدة من طلاق أو وفاة فإنها تحل بأقصى الأجلين، وقد مر شرح هذا الكلام عند قوله: وإن اشتريت معتدة طلاق فارتفعت حيضتها حلت إن مضت سنة للطلاق وثلاثة للشراء، أو من وفاة فأقصى الأجلين، وعبارته هنا وافية بالمراد، مختصرة سالمة من التكلف الواقع في عبارته السابقة، من تعبيره في عدة الوفاة بأقصى الأجلين، وفي الطلاق بقوله: إن مضت سنة للطلاق وثلاثة للشراء، وكونها عليها أقصى الأجلين ظاهر إن ارتفعت حيضتها في طلاق أو موت أو لم ترتفع، لكن في عدة وفاة وفي عدة الطلاق تندرج، فإن ارتفعت حيضتها في مسألة الطلاق حلت إن مضت سنة للطلاق وثلاثة أشهر من يوم الشراء، وإن اشتراها في الوفاة وهي ممن تعتد بتسعة انتظرت الأقصى منها ومن ثلاثة أشهر الاستبراء، فإن كانت تعتد بشهرين وخمس ليال أو بثلاثة أشهر حلت بمضي الاستبراء ثلاثة أشهر، وإن اشترى من لم يرتفع حيضها وهي معتدة من طلاق اكتفى بالعدة، ومن وفاة حلت بالأقصى من حيضة وشهرين وخمس ليال. والله سبحانه أعلم.

وهذم وضع حمل ألحق بنكاح صحيح غيره يعني أن المعتدة من وفاة أو طلاق إذا تزوجت في عدتها بغير زوجها وفسخ نكاحها بعد أن دخل بها الزوج الثاني، أو وطئت في عدتها بزنى أو غصب أو شبهة ثم أتت بولد، فإن ألحق بالنكاح الصحيح وهو الذي وطئت في عدته فإن وضع ذلك الولد يهذم استبراء الوطء الفاسد، وأولى نفسه فتحل بمجرد وضع حملها كله، مثال لحوقه بالنكاح الصحيح ما إذا وطئها الثاني قبل حيضة أو بعدها وأتت به كاملا لأقل من ستة أشهر من وطئه قلة لها بال كما مر، وإنما حلت بوضع هذا الحمل لأن الاستبراء إنما كان خيفة الحمل وقد أمن. وأما إن ألحق بفاسد من نكاح أو وطء شبهة كما لو وطئت بعد حيضة وأتت بولد لستة

ص: 631

أشهر من وطء الثاني فإن وضعه يهذم أثره أي الفاسد أي استبراءه ويهذم أيضا أثر الطلاق؛ أي يجزئها عن استبرائها وعن عدة الصحيح؛ قال عبد الباقي: إن كانت من طلاق سابق على الفاسد وأما إن كان الطلاق متأخرا عن الفاسد فلا يهدمه. انتهى. قال بناني: الذي عند غير واحد أنه لا فرق بين أن يكون الطلاق متأخرا أو متقدما قاله أبو علي. ونقل ما يشهد له، ويتصور الطلاق المتأخر في المنعي لها زوجها فتعتد لذلك ثم تتزوج فتحمل فيتبين حياة زوجها ويطلقها وهي حامل.

لا الوفاة؛ يعني أن وضع الحمل الذي ألحق بفاسد من شبهة أو نكاح لا يهذم عدة الوفاة، بل عليها أقصى الأجلين، عدة الوفاة ووضع الحمل.

تنبيه: قوله: بنكاح صحيح، مثاله واضح وهو: ما إذا تزوجت أو وطئت بشبهة قبل حيضة من عدتها أو بعدها وأتت بولد كامل لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني، ومثال ما إذا ألحق بنكاح فاسد أو وطء شبهة ما لو أتت بولد بعد حيضة من عدتها لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني، وهذا واضح في الطلاق السابق، وأما في الطلاق اللاحق والوفاة فيتصور في المنعي لها زوجها إذا اعتدت وتزوجت وحملت من الثاني ثم ثبت أنه لم يمت أو لا وإنما مات في أثناء مدة الحمل أو طلقها في أثنائه فإن وضعت قبل تمام أربعة أشهر وعشر، من موت الزوج الأول لم تحل حتى تنقضي أربعة أشهر وعشر وإن انقضت الأربعة أشهر وعشر قبل وضع الحمل لم تحل حتى تضع حملها، وقد مر عن الشيخ أبي علي أنه لا فرق بين الطلاق السابق واللاحق في أن وضع حمل ألحق بوطء نكاح فاسد أو وطء شبهة يهذم ذلك، ونقل ما يدل له: ويتصور ذلك أيضا في بقية المسائل المتقدمة التي لا تفوت بالدخول فيها وبيانه أن من قال: عمرة طالق، مدعيا غائبة وطلقت عليه الحاضرة، وتزوجت غيره، ثم أثبت ما ادعاه بعد أن حملت زوجته التي طلقت من الزوج الثاني، ثم مات الأول فقد تضع حملها من الثاني قبل تمام عدة الوفاة من الأول، أو طلقها في أثناء الحمل، وأن من وكل وكيلين وله ثلاث نسوة فزوجه كل من الوكيلين، ثم فسخ نكاح إحداهما بناء على أنها هي الخامسة، وتزوجت غيره وحملت منه، ثم ثبت أنها الرابعة فوجب ردها للأول، ثم مات فقد تضع حملها من الثاني قبل تمام عدة الوفاة من الأول، أو طلقها في أثناء الحمل، وبيان ذلك في الباقي واضح مما ذكر، ويتصور في الوفاة في زوجة الصبي أو المجبوب إذا تزوجها شخص ظانا

ص: 632

خلوهما من زوج وحملت منه ثم يثبت بقاؤهما في عصمة الصبي والمجبوب، ثم توفيا، فقد تضع حملها قبل تمام عدة الوفاة منهما وقوله: وبفاسد أي من نكاح أو وطء شبهة. قال عبد الباقي: وأما الزنى فلا تخرج بما نشأ عنه من الحمل من عدة طلاق ولا وفاة بوضعه، بل تعتد في الطلاق بثلاثة أقراء تعد منها الطهر الذي يلي نفاسها، وفي الوفاة بأقصى الأجلين وضع الحمل وعدة الوفاة انتهى.

قوله: تعد منها الطهر الذي يلي نفاسها، معناه تعده طهرا أول فلابد من ثلاث حيض بعد الوضع، كما صرح به ابن رشد، ونصه: لا خلاف في أن حمل الزنى لا يبرئها من عدة الطلاق، فلابد من ثلاث حيض بعد الموضع. انتهى. نقله الحطاب قائلا: ومثله في التوضيح. قلت: ونحوه في سماع أبي زيد. قال ابن عرفة: وسمع أبو زيد ابن القاسم: من غصبت امرأته فحملت منه لا يطؤها حتى تضع، فإن أبتَّها زوجها فلابد لها من ثلاث حيض بعد الوضع. انتهى. ثم قال ابن عرفة: قلت: قول ابن رشد وقول ابن القاسم في هذا السماع نص في أن دم نفاسها لا يعتد به حيضة خلاف قول ابن محرز؛ يعني: وتحسب دم نفاسها قرءا. انتهى. قاله بناني.

قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: تصور لحوق الولد بالزنى واضح في زوجة الصبي والمجبوب، وأما في الطلاق فانظر ما تصوره. والله سبحانه أعلم. ولما قدم الكلام على التداخل باعتبار موجبين ذكر ما إذا كان الوجب واحدا ولكنه التبس بغيره، وأنه يسلك في ذلك مسلك الاحتياط، والالتباس المذكور إما من جهة المحل الذي ينصب عليه الحكم وهو المرأة، وإما من جهة سبب الحكم؛ أي السبب الموجب له كموت الزوج والسيد وأشار المص إلى ذلك بقوله: وعلى كل الأقصي مع الالتباس؛ يعني أن إذا حصل موجب لعدة في امرأتين فأكثر وكانت تلك العدة تختلف فيهما أو فيهن، ككون لبعضهن نكاحها مجمع على فساده ونكاح بعضهن صحيح، وككون واحدة منهن مطلقة طلاقا بائنا والأخرى في العصمة، وجهلت كل من النسوة في المسألتين، أو حصل موجب لها في امرأة واحدة ولكن التبس بموجب آخر يوجب كل منهما غير ما يوجبه الآخر، فإنه يسلك في ذلك مسلك الاحتياط، فيكون عليها واحدةً فأكثرَ الأقصى من الأجلين، ومثل للقسم الأول بمثالين أشار لأولهما بقوله:

ص: 633

كامرأتين إحداهما بنكاح فاسد يعني أنه إذا تزوج امرأتين إحداهما مجمع على فساد نكاحها والأخرى نكاحها صحيح، كأختين أو عمة وبنت أخ أو خالة وبنت أخت، عقدتا على الترتيب ودخل بهما أو بإحداهما وجهلت، ثم مات الزوج ولم تعلم ذات النكاح الصحيح -وهي الأولى- من ذات النكاح الفاسد وهي الثانية، فإنه يجب على كل منهما أقصى الأجلين، فتعتد كل منهما بأربعة أشهر وعشر، لاحتمال كونها المتوفى عنها بنكاح صحيح، وتمكث ثلاثة قروء لاحتمال كونها المجمع على فساد نكاحها، فتنتظر الأخير منهما. وأشار إلى المثال الثاني بقوله:

أو إحداهما مطلقة؛ يعني أن الشخص إذا تزوج امرأتين كلتاهما بنكاح صحيح لكن إحداهما مطلقة طلاقا بائنا والأخرى في العصمة، ودخل بهما معا وجهلت المطلقة، أو بإحداهما وجهلت أيضا، كما جهلت المطلقة، فلم تعلم من التي هي في العصمة؟ ثم مات الزوج فإنه يجب على كل منهما أن تنظر أقصى الأجلين فتعتد كل منهما بأربعة أشهر وعشر، أو شهرين وخمس ليال، لاحتمال كونها المتوفى عنها، وتمكث ثلاثة قروء أو قرءين لاحتمال كونها المطلقة فتحل بمضي الأخير منهما، وأما لو علمت المنكوحة فاسدا لكانت كالمطلقة لا شيء عليها إن مات قبل البناء، وإن مات بعده تربصت ثلاثة قروء استبراء وأما إن لم يدخل بواحدة فعلى كل عدة وفاة، وإن دخل بإحداهما وعلمت مع جهل المطلقة كما هو الموضوع، فعلى معلومة الدخول أقصى الأجلين، وعلى التي لم يدخل بها عدة وفاة.

وعلم مما قررت أن قوله: ثم مات الزوج، راجع للمثالين أعني قوله كامرأتين إحداهما بنكاح فاسد أو إحداهما مطلقة.

والحاصل أن في كل من المسألتين بحسب المنطوق والمفهوم أربع صور، الأولى: أن تجهل ذات النكاح الفاسد من الأخرى وقد دخل بهما أو بإحداهما وجهلت، فتعتد كل منهما بأربعة أشهر وعشر أو شهرين وخمس ليال، وتمكث ثلاثة قروء أو قرءين؛ أي تحل بمضي الأخير منهما. الثانية: أن تجهل ذات النكاح الفاسد من غيرها ولم يدخل بواحدة، فعلى كل منهما عدة وفاة. الثالثة: أن تعلم ذات النكاح الفاسد من الأخرى وقد دخل بهما أو بإحداهما وعلمت، أو لم يدخل بواحدة، فلا عدة على ذات النكاح الفاسد إن لم يبن بها، وإلا فكالمطلقة، وعلى الأخرى عدة وفاة. الرابعة: أن تعلم ودخل بإحداهما وجهلت، فعلى ذات النكاح الصحيح عدة وفاة. قال

ص: 634

مقيده: والظاهر أن على الأخرى ثلاثة قروء. الخامسة: أن تجهل المطلقة ودخل بهما أو بإحداهما وجهلت، فعلى كل الأقصى أي تحل بمضي الأخير من الأقراء والأشهر وما معها السادسة: أن تجهل وقد دخل بإحداهما وعلمت أو لم يدخل بواحدة، فعلى معلومة الدخول الأقصى، وعلى من لم يدخل بها عدة وفاة السابعة: أن تعلم ودخل بهما أو بإحداهما وعلمت، فعلى من في العصمة عدة وفاة والأخرى على عدتها الأولى؛ أي إن بنى بها، وإلا فلا شيء عليها. الثامنة: أن تعلم ودخل بواحدة وجهلت، فعلى من في العصمة عدة وفاة قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر أن الأخرى تعتد عدة طلاق. والله سبحانه أعلم. وأشار إلى مثال القسم الثاني بقوله:

وكمستولدة متزوجة مات الزوج والسيد؛ يعني أن السيد إذا استولد أمته ثم بعد الاستيلاد زوَّجها لشخص، ثم إن السيد والزوج ماتا مترتبين ولكن لم يعلم السابق أي لم يعلم الأول منهما في الموت مع علم تقدم موت أحدهما على الآخر، فإنه ينظر في المدة التي بين موتهما، ولا يخلو ذلك من أربعة أحوال: فإن كان بينهما أكثر من عدة الأمة أو جهل فعدة حرة وما تستبرأ به الأمة، يعني أنه إذا كان بين موت السيد والزوج أكثر من شهرين وخمس ليال، أو جهل مقدار ذلك هل هو شهران وخمس ليال؟ أو أكثر أو أقل، فإنه يلزم هذه المستولدة أقصى الأجلين أي عدة حرة أربعة أشهر وعشر احتياطا، لاحتمال موت السيد أولا، فيكون الزوج مات عنها وهي حرة، وما تستبرأ به الأمة وهو حيضة، لاحتمال موت الزوج أولا، وقد حلت للسيد فمات عنها فلا تحل لزوج إلا بأقصى الأمرين، وهما حيضة وأربعة أشهر وعشر، فإن لم تر دما تربصت تمام تسعة أشهر، فإن لم تره ولم ترتب حلت مكانها، وإن زادت مكثت أقصى أمد الحمل.

وعلم مما قررت أن: كل، من قوله: وعلى كل، واقعة على جميع المعطوف والمعطوف عليه، وهذان حالان من الأحوال الأربعة. ثالثها: أشار إليه بقوله: وفي الأقل عدة حرة يعني أنه إذا علم تقدم موت أحدهما ولم يعلم السابق وكان بينهما أقل من شهرين وخمس ليال، فإنه يجب على تلك المستولدة عدة حرة، لاحتمال موت السيد أولا فيكون الزوج مات عنها وهي حرة، وعلى تقدير موت الزوج أولا عدتها شهران وخمس ليال، وهي مندرجة في عدة الحرة ولم تحتج لحيضة استبراء لأنها لم تحل للسيد بتقدير موت الزوج أولا. رابعها: أشار إليه بقوله:

ص: 635

وهل قدرها كأقل أو أكثر قولان يعني أن الشيوخ اختلفوا فيما إذا كان بين موت السيد والزوج قدر عدة الأمة شهران وخمس ليال، فذهب ابن شبلون إلى أن حكمه حكم إذا كان بين موتهما أقل من عدة الأمة، فتمكث عدة حرة إذ لم يمض لها وقت تحل للسيد فيه، وفسر ابن يونس المدونة بخلاف ذلك، وأن حكم ما إذا كان بين موتهما قدر عدة الأمة حكم ما إذا كان بين موتهما أكثر منها، فتنتظر أقصى الأجلين عدة حرة وما تستبرأ به الأمة قال بعض ولا ينبغي أن يختلف فيه، ولا يدخل في قوله: ولم يعلم السابق: ما إذا ماتا معا لأنهما إذا ماتا معا فالأصل أنها أمة لكنها تعتد عدة حرة احتياطا كما في النقل، واحترز بقوله مستولدة عما لو كانت غير مستولدة، ومات السيد والزوج والمسألة بحالها، فإن عليه في الأولى عدة أمة واستبراءها وفي الثانية عدة أمة فقط، وفي الثالثة هل عدة أمة فقط؟ أو عدة أمة واستبراؤها. قاله عبد الباقي. وقوله: غير مستولدة، يشمل القن والمدبرة إذا لم تعتق كلها من الثلث، فإن عتقت كلها منه فكالمستولدة، ويشمل المكاتبة والبعضة والمعتقة لأجل: لكن المكاتبة وما بعدها لا يحل للسيد وطؤها حيث لم تعجز المكاتبة، ولم يحل الأجل في المعتقة لأجل فلا يكون على واحدة منهن استبراء، وتقدم أن النقل أنهما إذا ماتا معا في مسألة المص أنها تعتد عدة حرة، والأحوط في القن عدة أمة، ولا استبراء لأنها لم تحل للسيد، وما مر من أن قوله: وما تستبرأ به الأمة، معناه حيضة هو مفاد الشارح والمواق والتتائي ومن تبعهم، وهو مشكل مع ما تقدم من أن من تأخر حيضها تستبرأ بثلاثة أشهر، سواء كانت عادتها أن تحيض فيها ولم تأت، أو عادتها أن تأتي بعدها. انتهى. قال بناني: هذا الإشكال ذكره ابن يونس: وأجاب عنه بأن ما تقدم في غير أم الولد. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه:

ولما أنهى الكلام على النكاح وموانعه من نسب وطلاق وعدة شرع في الكلام على الرضاع، وأخره لأجل تعلق الحضانة به فقال:

ص: 636

‌باب في الرضاع

والرضاع والرضاعة بفتح الراء فيهما وكسرها فيهما مصدران لرضع الصبي أمه، يقال: رضع الصبي أمه رضاعا مثل سمع سماعا وأهل نجد يقولون رضع يرضع رضعا مثل ضرب يضرب ضربا، ويقال: امرأة مرضع بلا تاء إذا كان لها ولد ترضعه، فإن وصفتها بإرضاعه قلت: مرضعة بالتاء، وعرف ابن عرفة الرضاع بقوله: الرضاع عرفا وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء آخر، لتحريمهم بالسعوط والحقنة، ولا دليل إلا مسمى الرضاع. انتهى. قوله: عرفا؛ أي في العرف الشرعي، وخصصه بذلك إشارة إلى أن الرضاع غلب في المعهود بين الناس، وهو ضم الشفتين على محل خروج اللبن من ثدي لطلب خروجه. والفقهاء حيث حكموا بأن الحقنة والسعوط يقع التحريم بهما، دل ذلك على أن الرضاع عرفا شرعيا صادق عليهما، وانظر قوله: لمحل مظنة غذاء مع قول المص الآتي: تكون غذاء، وقوله: لتحريمهم بالسعوط والحقنة، تعليل للوصول الشامل للوصول من الفم وغيره.

قال بناني: وينبغي أن يزاد في التعريف من منفذ واسع احترازا من المعين والأذن كما يأتي، ويقيد أيضا بغير الحقنة، أما هي فلابد فيها من الغذاء بالفعل، ولا تكفي المظنة كما يأتي، وقال عياض: ذكر أهل اللغة أنه لا يقال في بنات آدم لبن وإنما يقال لبان، واللبن لسائر الحيوان غيرهن، وجاء في الحديث كثيرا خلاف قولهم. انتهى. وأشار إلى نحو قوله صلى الله عليه وسلم:(لبن الفحل يحرم) لكن قال ابن عبد السلام: وعندي أنه إذا تتبع الحديث لا يبعد حمل لبن فيه على المجاز والتشبيه، والأصل في تحريم الرضاع قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

(1)

) وقوله: (إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة

(2)

).

حصول لبن امرأة يعني أن حصول لبن المرأة أي الأنثى من الآدميين في جوف الولد يحرم ما حرمه النسب والمعتبر وصوله للجوف ولو ظنا أو شكا احتياطا، لا لحلق ورُدَّ، ولا لبن جنية فلا ينشر الحرمة بين مرتضعيها قاله عبد الباقي. وقال بناني: ما ذكره من أن المعتبر في التحريم هو الوصول للجوف هو الواقع في عبارة الكثير من أهل المذهب، والذي في عبارة القاضي عبد الوهاب

(1)

البخاري، الحديث 2645.

(2)

مسلم، الحديث 1444.

ص: 637

وابن بشير هو الوصول إلى الحلق، واحترز بالمرأة من الرجل فإن لبنه لا يحرم ولو كثر على المشهور. وروى أهل البصرة عن مالك والشافعي كراهة نكاحها. وقال ابن اللبان: تقع به الحرمة ومال إليه بعض شيوخ المذهب قاله ابن عبد السلام. وقال الشارح: وحكى ابن شعبان عن مالك أنه كره لمن وضع صبية على ثدييه فرضعته أن يتزوجها، وفي المقدمات عن مالك: أنه أنكر أن يكون للذكر لبن. انتهى. وقوله: لبن، قال الشبراخيتي: والصحيح أنه يقال لما يخرج من الآدمي لبن ولبان، فقول المص: لبن، فصيح فلا اعتراض عليه. انتهى. وقد مر كلام عياض. وقوله: امرأة، قال الشبراخيتي: ولو احتمالا فيشمل الخنثى المشكل لأن لبنه محرم على الظاهر. انتهى. وإن ميتة يعني أن لبن الآدمية ينشر وصوله للجوف الحرمة، ولا فرق في ذلك بين الحية والميتة على المشهور في المذهب، والشاذ أن لبن الميتة لا ينشر الحرمة قاله ابن بشير. قال: لأن الحرمة لا تقع بغير المباح. قاله الشارح. وهو مذهب الشافعي ولا يقال إن الميتة خارجة من لفظ الآية، لقوله تعالى:{اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} والميتة لا ترضع؛ لأنا نقول: الوصف المذكور في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وفي المدونة: وإذا حلب من ثدي المرأة لبن في حياتها أو بعد موتها فوجر به صبي أو دَبَّ فرضعها وهي ميتة وعلم أن في ثديها لبنا فالحرمة تقع بذلك. انتهى. قال ابن ناجي: يريد وكذلك يحرم إذا شك هل هو لبن أم لا؟ لأنه أحوط. ابن راشد وابن عبد السلام: إنما يحرم إذا كان هناك لبن محقق وإلا فلا. انتهى. قال بناني: والظاهر انتفاء هذه المعارضة بأن يكون الشك الذي نفاه ابن راشد وابن عبد السلام هو الشك في وجود اللبن وعدمه، والشك الذي ثبت به التحريم هو الشك في الموجود هل هو لبن أم لا؟ فبينهما فرق واضح فتأمله. انتهى.

وصغيرة يعني أن لبن الصغيرة التي لا تطيق الوطء ينشر الحرمة، فلا فرق بينها وبين الكبيرة؛ هذا هو المشهور، وفي كتاب ابن الجلاب في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها: أن لبنها لا تقع به الحرمة، والصحيح أنه يحرم. انتهى. وقال ابن راشد: وكذلك الكبيرة التي لا توطأ من كبرها، والمعروف أن الكبيرة التي لا توطأ يحرم لبنها، والحاصل أن لبن الآدمية يحرم ولو حصل من غير وطء كالصغيرة والكبيرة اللتين لا توطئان لصغر وكبرة وأما الصغيرة التي تطيق الوطء فلبنها ينشر الحرمة اتفاقا على ما حكاه غير واحد، ووُهِّم من نسب الصغيرة التي تطيق الوطء إلى الخلاف، وكون المرضعة يشترط فيها أن تكون آدمية لا يعلم فيه خلاف قاله ابن عبد السلام. وقال ابن

ص: 638

عرفة: وقول ابن عبد السلام: قال ابن رشد: لبن الكبيرة التي لا توطأ من كبر لغو، لا أعرفه، بل ما في مقدماته: تقع الحرمة بلبن البكر والعجوز التي لا تلد وإن كان من غير وطء، إن كان لبنا لا ماء أصفر. انتهى. وقال الشارح: لا خلاف أن التحريم يقع بلبن الصغيرة إذا كانت في سن من تحيض. قاله ابن بشير. وحكى في التي نقصت عن سن المحيض هو وابن شأس وغيرهما قولين بوجور؛ يعني أن وصول اللبن إلى جوف الرضيع بالوجور يحرم، فهو كوصوله له بالرضع قال عبد الباقي: بوجور بفتح الواو ما يدخل في وسط الفم، وقيل: ما صب في الحلق ووصل للجوف على كليهما، فالباء للآلة أي أو كانت الآلة الموصلة للجوف وجورا. انتهى. وقال الشبراخيتي بوجور بفتح الواو ما يدخل من وسط الفم، أو ما صب في الحلق، وفعله وجر وأوجر أو سعوط يعني أن وصول لبن الآدمية لجوف الرضيع بسبب سعوط ينشر الحرمة، والسعوط بسين مهملة مفتوحة كما في الشارح ما صب من الأنف أي فيه، وكذا اللدود وهو ما صب من جانب الفم، ونبه المص بهذا على أنه لا فرق في التحريم بحصول اللبن في جوف الرضيع بين أن يصل إلى الجوف بمص الثدي وغيره، من وجور ونحوه، وقصد بذلك الرد على داوود الذي يقول: لا ينشر الحرمة ولا يحرم إلا ما يرضع من الثدي، والعلماء على خلافه؛ لكنهم اختلفوا هل تكفي في الحرمة المصة الواحدة؟ أو لا تكفي ولابد من ثلاث، أو لا تكفي ولابد من خمسة، أو لا تكفي ولابد من سبع، أو لا تكفي السبع ولابد من عشر.

وهذه المذاهب الثلاثة الأخيرة مروية عن عائشة رضي الله عنها، قيل: ومن اعتبر العدد فالمرة التقام الثدي، ولو حصل في تلك المرة مصات، والقول الأول هو مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي والليث والطبري، وحكي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجماعة كبيرة من التابعين، منهم ابن المسيب والحسن وعطاء وغيرهم، وقال الليث: إنه إجماع المسلمين، والقول الثاني هو مذهب ابن الزبير وسليمان بن يسار وابن جبير وأحمد وإسحاق وغيرهم، والقول الثالث هو مذهب الشافعي، والأولون تمسكوا بقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} . وهذا ظاهر ولكن ظهوره لا يمنع من تقييدها ببعض الأحاديث الصحيحة، (فخرج أبو داوود في حديث سهلة أنه أرضعته خمس رضعات، وأن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر

ص: 639

بنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها

(1)

). قاله ابن عبد السلام.

أو حقنة يعني أن الحقنة تنشر الحرمة، وهي دواء يصب في الدبر يصعد إلى الجوف والمراد حقنة بلبن في دبر لا في إحليل ذكر، ففي بعض الأمراض مرض يدفع البول من سد ونحوه، يحقن له من الذكر. تكون غذاء يعني أنه يشترط في نشر الحرمة بالحقنة دون ما قبلها أن تكون غذاء للصبي بالفعل؛ أي كافية للصبي في ذلك الوقت وإن كان يحتاج لغذاء بعد ذلك بالقرب، ولم يشترط المص في اللبن الذي يصل لجوف الرضيع من الأعالي أن يكون غذاء، بل وإن مصة، بخلاف الحقنة؛ لأن الأول أقرب إلى محل الطعام من الحقنة وذلك صحيح. ابن عبد السلام: وشرطه في الحقنة مع كونه واصلا إلى الجوف أن يكون غذاء وإلا لم يحرم. وما في الشارح والتتائي من اشتراط الغذاء في غير الحقنة غير صحيح؛ أي في المذهب وقال مصطفى: ولم أر من ذكر من أهل المذهب أن شرط الغذاء يكون في غير الحقنة سوى الشارح ومن تبعه، وما ذكره المص في الحقنة هو المشهور، وقال ابن المنذر عن مالك: إنها لا تحرم وهو اختيار غير واحد من شيوخ المذهب.

أو خلط يعني أن لبن الآدمية يحرم وإن كان مخلوطا بلبن غير عاقل أو بدواء أو بطعام إن ساواه أو غلب عليه. لا غلب يعني أن لبن المرأة إذا خلط بغيره من لبن غير عاقل أو بطعام أو غير ذلك واستهلك حتى لم يبق له طعم فإنه لا تقع به الحرمة؛ لأنه لا حكم له حينئذ لكونه مغلوبا، سواء بطل به حصول الغذاء أم لا، وما مشى عليه المص أن المغلوب لا يؤثر حرمة هو قول ابن القاسم وأبي حنيفة، وقال أشهب ومطرف وعبد الملك: يحرم، وهو مذهب الشافعي واختاره اللخمي، وأما إن خلط لبن آدمية بلبن أخرى فإنه يصير ابنا لهما تساويا أو غلب أحدهما على ما أخذ من المدونة. وهو قول مالك قاله حلولو وفي ابن عرفة الخلاف فيه أي إلغاء المغلوب واعتباره تخريجا، والظاهر تحريم لبن المرأة إن جُيّن أو سُمِن واستعمله الرضيع.

ولا كما أصفر يعني أن الذي يرضعه المولود من الثدي إن كان ماء أصفر أو أحمر لا تقع به الحرمة لأنه غير لبن. ابن عبد السلام: وهذا لا نعلم فيه خلافا. انتهى. وأما تغير طعم اللبن أو

(1)

أبو داود، كتاب النكاح، الحديث 2061.

ص: 640

ريحه فيحرم، وكذا تغير لونه يسيرا بغير صفرة أو حمرة. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ولا كماء أصفر أو غيره مما ليس بلبن، وهو محترز قوله لبن. انتهى. وبهيمة محترز قوله: امرأة، يعني أن لبن البهيمة لا ينشر الحرمة، فإذا ارتضع صبي وصبية لبن بهيمة فإنهما لا يكونان أخوي رضاع. وقد مر قول ابن عبد السلام: وكون المرضعة يشترط فيها أن تكون آدمية لا يعلم فيه خلاف. انتهى.

واكتحال به محترز قوله: بوجور أو سعوط؛ يعني أن اكتحال المولود بلبن الآدمية لا ينشر الحرمة، ومثل الاكتحال ما يشبهه مما لا يتأتى منه أن يفتق الأمعاء كالأذن ومسام الرأس ولو تحقق وصوله للجوف، وهذا داخل في كلام المص بالكاف المقدرة. وقوله: واكتحال به، رد به على ابن الماجشون القائل: إذا كحل الصبي بكحل خلط بلبن امرأة، فإن كان من الكحل الذي يصنع بالعقاقير التي تخرق إلى جوف الرضيع، مثل الصبر والحبة السوداء، وشبه ذلك مما يجري في عروق الصبي حتى يصل إلى الحلق فإنه يحرم؛ لأنه يصل إلى الجوف، وإن كان مما يبقى في العين ولا يصل إلى الجوف كالإثمد وشبهه فلا يحرم، واستضعفه بعض الشيوخ ورأى أن ما يدخل من المعين لا يحرم بوجه.

وقوله: محرم، اسم فاعل خبر حصول؛ أي ناشر للحرمة وذكر شرط التحريم بقوله: إن حصل في الحولين؛ يعني أنه يشترط في تحريم لبن المرأة أن يحصل في جوف الرضيع في الحولين، ويحسبان من يوم الولادة، أو لم يحصل في الحولين لكن حصل فيما قاربهما، بأن حصل بزيادة شهرين على الحولين؛ لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه، وأما ما حصل من الرضاع بعد الحولين والشهرين فلا يحرم، أستغنى المولود أم لا، وما مشى عليه المص في زيادة الشهرين هو المشهور؛ وقيل: يعتبر الحولان من غير زيادة. وروي عن مالك. وقيل: المعتبر بعد الحولين أيام يسيرة، رواه ابن عبد الحكم عن مالك. وقيل: شهر، رواه عبد الملك عن مالك. وقيل: المعتبر ثلاثة أشهر. وقال زفر: ما دام يجتزئ باللبن ولم يطعم فهو رضاع وإن أتى عليه ثلاث سنين.

إلا أن يستغني يعني أن محل نشر الحرمة بالرضاع في الحولين والشهرين بعدهما إنما هو حيث لم يستغن المولود عن لبن المرأة، وأما إن استغنى عن لبن المرأة فإن لبنها حينئذ لا ينشر الحرمة، وقوله: إلا أن يستغني، اعلم أن محله حيث فصل، وأما لو استمر يرضع فإنه يحرم لمدة الرضاع

ص: 641

مطلقا، استغنى أم لا. قال الأمير: يحرم رضاع من لم يجاوز حولين وشهرين ولم يستغن بينا عن اللبن بحيث لا يقوم به إذا رد له، فالموضوع أنه فطم فإن استمر الإرضاع حرم مطلقا لمدته. انتهى المراد منه. وقوله: إلا أن يستغني، معنى الاستغناء أن يصير اللبن غير غذاء له ولو أعيد إليه لم يكفه عن الطعام وهذا الحكم أي عدم التحريم الحاصل عند الاستغناء ثابت إن كان الاستغناء إنما حصل بعد الحولين بل هو ثابت ولو حصل الاستغناء فيهما أي في الحولين، وهذا هو المشهور، وهو مذهب المدونة. ورد بلو قول الأخوين وأصبغ: بإبقاء التحريم إلى تمام الحولين، فالاستغناء فيهما غير معتبر عند الأخوين وأصبغ. والأخوان: مطرف وابن الماجشون. وفهم من تفسير الاستغناء بما مر أنه إذا استغنى بالطعام بأن كفاه وكان إذا أعيد إلى اللبن غذاه واكتفى به فإنه يحرم. وعلم مما مر أن قوله: إلا أن يستغني، مقيد بوقوع الفطام، فما دام مستمرا على الرضاع في الحولين أو بزيادة شهرين فهو محرم، ولو كان بحيث لو فطم لاستغنى بالطعام، وهذا هو الذي يفيده نقل المواق وابن عرفة. والله أعلم. قاله بناني. وتقدم عن الأمير ذلك التقييد. واعلم أن الحق في الحولين للأبوين معا، فلو طلب أحدهما رضاعه فيهما لم يلتفت لمريد فطامه. قاله ابن العربي. فإن اتفقا على فطامه قبلهما كان لهما ذلك إلا أن يضر بالولد قاله عبد الباقي.

ما موصول بالفعل بعده مفعول محرم، حرمه النسب؛ يعني أن الرضاع يحرم نكاح الذوات التي حرم النسب نكاحها، فتحرم من الرضاع نسوة سبع، كما تحرم من النسب: الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وهي الأصول والفصول وفصول أول الأصول وهذا الأخير يشمل الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت وأول الفصول من كل أصل غير الأصل الأول، وهذا يشمل العمات وإن علون والخالات وإن علون: فهذا هو المحرم من النسب، والرضاع محرم ما حرمه النسب، فهو محرم من الرضاع كما أنه محرم من النسب، وقد تقدم ما يحرم من الصهر، وهو أصول الزوجة وفصولها على التفصيل المتقدم، وحلائل الأصول والفصول والمرأة كالرجل فيما ذكر واقتضى كلام المص كما تقدم التنبيه عليه أن ما كان من الرضاع بعد الحولين والشهرين لا يعتبر وهو كذلك على مذهب أكثر العلماء، وفي المدونة: رضاع الكبير لا أثر له ولو في الحجابة. وقال ابن المواز: لو أخذ به في الحجابة لم أعبه كل العيب. قال عبد

ص: 642

الحميد: وقد استحسن بعض شيوخنا الأخذ به في ذلك وفعل به متقدمو شيوخنا في أهليهم. قلت: وبه أفتى شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي فيما بلغني. انتهى. نقله الحطاب.

وقال ابن عبد السلام: قد اختلف العلماء هل للرضاعة في الكبير من تأثير في انتشار الحرمة؟ فالجمهور على أنه ليس لها في ذلك تأثير، وروي عن عائشة وعطاء أنها تحرم، وروي عن علي رضي الله عنه. قال أبو عمر: ولا يصح عنه، وقال الليث: أكره رضاعته إن أحل منها شيئا، ولابن علية مثله، وجاءت الليث امرأة فقالت: إني أريد الحج وليس لي محرم، فقال: اذهبي إلى امرأة رجل ترضعك فيكون زوجها أباك فتحجين معه. قال ابن المواز: ولو أخذ بحديث سهلة: (أرضعيه خمس رضعات

(1)

) في الحجابة خاصة لم أعب عليه وتركه أحب إلينا، واحتج الجمهور بما في الصحيح من حديث عائشة (فإنما الرضاعة من المجاعة

(2)

)، واحتج الآخرون بحديث عائشة رضي الله عنها وهو في الصحيح أيضا قالت: (جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حلفه كراهة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه، قالت: وكيف أرضعه وهو كبير؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة

(3)

) وفي رواية (أنه أبى لسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن أحد بتلك الرضاعة وقلن لعائشة رضي الله عنها: والله ما نرى هذه إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا راءينا

(4)

) انتهى. وقوله: ما حرمه النسب، اعلم أن آية تحريم النساء لم يذكر فيها صريحا من الرضاعة إلا الأمهات والأخوات، وأما البنت وغيرها من بقية السبع فإنما يؤخذ تحريمها من الحديث. إلا أم أخيك هذه نسوة تسع قال ابن دقيق العيد: إنها مستثناة من قوله صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، تبعه المص في ذلك، ويأتي البحث معهما؛ يعني أن أم أخيك من النسب حرام عليك؛ لأنها إما أمك

(1)

الموطأ، كتاب الرضاع ج 1، ص 385.

(2)

البخاري، كتاب الشهادات، رقم الحديث، 2647. صحيح مسلم، كتاب الرضاع، رقم الحديث 1455.

(3)

صحيح مسلم، كتاب الرضاع، رقم الحديث 1453.

(4)

صحيح مسلم، كتاب الرضاع، رقم الحديث 1454.

ص: 643

وإما حليلة أبيك، كلتاهما حرام عليك، وهي في الرضاع أي من أرضعت أخاك قد تحرم وقد لا تحرم، فإن كانت أرضعتك مثلا حرمت وإن كانت أجنبية لم ترضعك لم تحرم أو أختك؛ يعني أن أم أختك في النسب تحرم على كل حال؛ لأنها إما أمك أو حليلة أبيك، كلتاهما حرام عليك، وإن أرضعت أجنبية أختك فقد لا تحرم، وقد تحرم فإن أرضعتك مثلا حرمت وإلا فلا.

وأم ولد ولدك؛ يعني أن أم ولد ولدك من النسب تحرم عليك على كل حال؛ لأنها إما بنتك وإما حليلة ابنك، كلتاهما حرام عليك، وأما إن أرضعت أجنبية ولد ولدك فإنها لا تحرم بذلك بل يحل نكاحها إن لم يكن مانع. وجدة ولدك يعني أن جدة ولدك من النسب تحرم عليك على كل حال. لأنها إما أمك أو أم زوجتك، كلتاهما حرام عليك، وإن أرضعت أجنبية ولدك لم تحرم أمها إلا أن يكون مانع وأخت ولدك يعني أن أخت ولدك من النسب حرام عليك على كل حال، لأنها إما بنتك نسبا أو ربيبتك، كلتاهما حرام عليك، وإن أرضعت امرأة ولدك فبنتها لا تحرم إلا أن يكون مانع وأم عمك يعني أن أم عمك في النسب حرام عليك على كل حال؛ لأنها إما جدتك نسبا وإما حليلة جدك، كلتاهما حرام عليك، وإن أرضعت أجنبية عمك فقد تحرم، وقد لا تحرم، فإن لم يكن إلا مجرد رضاع عمك حلت، وإن كان مانع فلا. وعمتك يعني أن أم عمتك نسبا حرام عليك على كل حال؛ لأنها [إما

(1)

]، أم أبيك وإما حليلة جدك كلتاهما حرام عليك، وإن أرضعت أجنبية عمتك فقد تحرم وقد لا تحرم. وأم خالك يعني أن أم خالك في النسب حرام عليك على كل حال؛ لأنها إما أم أمك أو حليلة جدك، كلتاهما حرام عليك، وإن أرضعت أجنبية خالك لم تحرم بمجرد ذلك وقد تحرم لأجل مانع. وخالتك يعني أن أم خالتك في النسب حرام عليك على كل حال؛ لأنها إما أم أمك نسبا وإما حليلة جدك، كلتاهما حرام عليك، وامرأة أرضعت خالتك لم تحرم إلا لمانع ولهذا قال:

فقد لا يحرمن من الرضاع أي هذه النسوة قد لا يحرمن، وقد يحرمن، فإن لم يكن إلا مجرد هذا الرضاع لم يحرمن، وإن كان مانع حرمن. وفي قوله: من الرضاع، بحث لأنهن لا يحرمن من هذا الرضاع، فلو حذفه لكان صوابا. والجواب أن من بمعنى في كقوله تعالى:{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} . واعلم أن هذا الاستثناء أصله لابن دقيق العيد، واعترضه ابن عرفة قائلا: إنه غلط

(1)

ساقطة من الأصل.

ص: 644

واضح؛ لأن الاستثناء من العام بغير أداته وهو التخصيص إنما هو فيما اندرج تحت العام لا فيما لم يندرج تحته، والعام في مسألتنا هو قوله صلى الله عليه وسلم:(يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب)، والنسوة المذكورات المدعى تخصيص العام المذكور بهن لا شيء منهن مندرجا تحت ما يحرم من النسب بحال، ولا أعلم من ذكر هذه المسائل على أنها مخصصة للحديث كما زعمه إنما أشار ابن رشد بها إلى بيان اختلاف حكم مسمى اللفظ الإضافي، وهو أم أختك فإنه في المعنى النسبي التحريم وفي الرضاع ليس كذلك. ونص ابن رشد: فإذا قلنا إن حرمة الرضاع لا تسري من قبل الرضاع إلا إلى ولده وولد ولده من الذكران والإناث خاصة، فيجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من الرضاعة وأم ابنه وإن علت من الرضاعة، وأم أخته من الرضاعة؛ إذ لا حرمة بينه وبين واحدة منهن بخلاف النسب. انتهى. وعليه فكان الأنسب لو قال المص: لا أم أخيك لخ، بلا النافية عوض إلا. والله أعلم. قاله بناني. ثم قال: قال ابن عاشر: زيادة من الرضاع مضرة بل مخلة؛ لأن حاصل كلام ابن دقيق العيد أن موجب الحرمة اللازم لهؤلاء النسوة حيث يفرض في النسب قد يوجد إذا فرض في الرضاع وقد لا يوجد، فإن جدة ولدك نسبا حرام على كل حال، لأنها أمك أو أم زوجتك، وجدة ولدك من الرضاع إما أمك من الرضاع فتحرم كالنسب، وإما أم أجنبية أرضعت ولدك فلا تحرم، فقد جعل المنتفي في هذه الصور هو موجب الحرمة اللازم لها حيث تفرض في النسب، ولم يجعل المنتفي هو الحرمهّ من الرضاع. انتهى. قلت: جعل من في قوله: من الرضاع، ظرفية بمعنى في مثل قوله تعالى {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} أي فيها فينتفي بحثه. انتهى كلام بناني. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح عن بعض الأشياخ إن الحديث باق على عمومه ولا يُخص بالمسائل المذكورة، وبيانه أن كل مسألة منها مقدرة بتقديرين من جهة النسب ومن جهة الصهر، فجهة الرضاع مساوية لجهة النسب في الحرمة، وإنما حلت فيه المرأة نظرا إلى الجهة الأخرى فاعلمه. انتهى.

وقدر الطفل خاصة ولدا لصاحبة اللبن يعني أن الطفل الذي أرضعته امرأة يقدره الشرع ولدا لها، حرة أو أمة مسلمة أو كافرة، فيحرم عليه أصولها وفصولها نسبا ورضاعا، وأول فصول أصولها نسبا ورضاعا أيضا، وإنما يقدر ولدا لها هو خاصة أي دون إخوته وأخواته وأصوله، وأما فروعه فيقدرون أيضا أولادا لها فلم يحترز عنهم بقوله: خاصة، ولصاحبه؛ يعني أن الطفل كما يقدر

ص: 645

خاصة ولدا لصاحبة اللبن يقدر أيضا خاصة ولدا لصاحب اللبن، والمراد بصاحب اللبن من نشأ عنه الحمل الذي أرضعت من لبنه، ومن وطئها وهي ذات لبن، فالشرع قدر الولد ناشئا من بطن المرأة صاحبة اللبن التي رضعها الطفل ومن ظهر الرجل صاحب اللبن من وطئه متعلق بقوله: قدر؛ يعني أن الطفل إنما يكون ولدا لصاحب اللبن إن رضع المرأة المذكورة بعد أن وطئها الزوج وهي ذات لبن، وطئا أنزل فيه، وأما من أرضعته قبل وطئه المذكور ولو بعد العقد عليها فإنه لا يقدر ولدا له، فكونه يقدر ولدا له مبتدأ من وطئها وهي ذات لبن وطئا أنزل فيه، ولا عبرة بالمقدمات ولا بالوطء الذي لم ينزل فيه. قال مقيده عفا الله عنه: قوله: من وطئه، راجع لبعض مدلول صاحبه وهو الواطئ لها وهي ذات لبن. والله سبحانه أعلم. لانقطاعه يعني أن الطفل يقدر ولدا لصاحب الوطء الذي أنزل فيه إن رضع بعد وطئه، فكل من رضعها بعد وطئه وهي ذات لبن يكون ولدا له إلى أن ينقطع ذلك اللبن. ولو لم ينقطع إلا بعد سنين من غير حد كما في المدونة. ولو بعد طلاقها وتمادى بها اللبن لخمس سنين أو أكثر؛ وأرضعته حينئذ. وظاهر قوله: سنين، ولو كثيرة وهو ظاهر المدونة وكتاب ابن المواز، وقاله المتأخرون. وقيل: إلى أن تلد. ذكره في مختصر الوقار. وهو رواية ابن نافع. وفي الجواهر قول أنه منقطع بالحمل. وعن ابن وهب: بوطء الثاني، وعن سحنون: يحكم به للأول إلى خمس سنين، وفي الرسالة ومن أرضعت صبيا فبنات المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر إخوة له، ولأخيه نكاح بناتها انتهى. وكذا لأخيه نكاح نفسها، وكذا لأصوله لا فروعه فيحرم عليهم نكاحها ونكاح أصولها وفروعها القريبة، وأول فصول أصولها. واشترك مع القديم يعني أن المرأة إذا تزوجها رجل ووطئها فحملت منه ووضعت فحدث لها لبن وتزوجها بعده ثان ووطئها، فرضعها صبي بعد وطء الثاني لها، فإنهما يشتركان في ذلكَ الولد الذي رضعها بعد وطء الثاني. وكذا لو تزوجت ثالثا أو رابعا أو أكثر، فإنهم يشتركون في ذلك الولد، ومر في كلام المص أنه لا يكون ابنا إلا لمن رضع بعد وطئه؛ لأنه قد ثبت أن الوطء يدر اللبن، فلذا كان من وطئها يكون الطفل الذي رضع بعد وطئه ولدا له، فيكون ابنا للجميع إلى أن ينقطع اللبن كما مر. ولو بحرام يعني أن من نكح امرأة نكاحا فاسدا كمعتدة، ووطئها عالما بأنها معتدة أو حامل فحدث لها منه لبن، فرضع منه صبي فإنه يكون ابنا لذلك الواطئ. إلا أن لا يلحق به الولد يعني أن محل كونه ابنا له إنما هو إذا كان الوطء الحرام يلحق

ص: 646

الولد بصاحبه كما مثلت له، وأما لو كان الواطيء لا يلحق به الولد كما لو كان زانيا ورضع من لبن زناه ولد فإنه لا يكون ابنا له، وهذا الذي قررت به المص هو ظاهره، لكن قال ابن غازي: صوابه ولو بحرام لا يلحق به الولد بإسقاط إلا، وبه يستقيم الكلام ويجري على ما في توضيحه. انتهى. وقال عبد الباقي: قوله: إلا أن لا يلحق به الولد، هذا ضعيف والذهب نشر الحرمة به، ثم جلب كلام ابن غازي، ثم قال: فمن زنى بامرأة ذات لبن أو حدث لها لبن بوطئه صار من [شرب

(1)

] منه كابنه على المشهور. ابن يونس: قال ابن حبيب: اللبن في وطء صحيح أو فاسد أو زنى يحرم من قبل المرأة والرجل، فكما لا تحل له ابنته من الزنى لا يحل نكاح من أرضعته المزني بها من ذلك الوطء؛ لأن اللبن لبنه والولد ولده وإن لم يلحق به، وكان مالك يرى أن كل وطء لا يلحق فيه الولد لا يحرم بلبنه من قبل فحله، ثم رجع إلى أنه يحرم وذلك أصح. وقال عبد الملك: لا تقع بذلك حرمة حين لم يلحق به الولد ولا يحرم عليه الولد أي الذي رضع إن كان ابنة. قال سحنون: وهذا خطأ صراح، ما علمت من قاله من أصحابنا مع عبد الملك انتهى من نسخة صحيحة من ابن يونس. ومثله في التوضيح، نقله بناني. وقال الحطاب عند قول المص: إلا أن لا يلحق به الولد: هذا القول ذكره ابن حبيب عن مالك، قال: ثم رجع إلى أنه يُحَرِّم وهو الأصح وقاله أئمة من العلماء. وبالتحريم قال سحنون وغيره، وهو ظاهر المذهب قاله في التوضيح انتهى وقال الشارح مفسرا للمص: يريد أن الحرمة تقع بين الرضيع وصاحب اللبن ولو كان عن وطء حرام يلحق فيه الولد، كمن تزوج خامسة جاهلا أو أخته من الرضاع وما أشبه ذلك، واختلف إذا كان بحرام لا يلحق به الولد كالزنى والغصب، فقال ابن حبيب: تقع به الحرمة، وقال مالك: لا تقع به الحرمة، وسواء وجب على الواطئ فيه حد أم لا، وله أيضا مثل قول ابن حبيب أنه ينشر الحرمة، وصححه ابن يونس وغيره وقال بعضهم هو ظاهر المذهب، وبهذا يعلم أن قوله: إلا أن لا يلحق به الولد، ليس بظاهر. انتهى. وقال الأمير: وقدر ولدا لها ولواطئها من الوطء مع الإنزال ولو حراما لا يلحق حمله وهو له حتى ينقطع، واشتركا إن وطئها غيره. انتهى.

(1)

في الأصل شربه منه والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 241.

ص: 647

وحرمت عليه إن أرضعت من كان زوجا لها؛ يعني أن المرأة الكبيرة إذا ترْوجت بصغير بولاية أبيه ثم خالع عنه أبوه، ثم إنها تزوجت برجل كبير ودخل بها وأنزل فأرضعت ذلك الطفل فإنها تحرم على زوجها الذي رضعها الصبي بعد وطئه لأنها زوجة ابنه؛ يعني أنها حرمت على زوجها هذا لأجل كونها زوجة ابنه رضاعا، فالضمير في عليه، يرجع لصاحب اللبن، فالبنوة الطارئة بعد وطء الرجل لزوجته هي التي حرمت المرأة عليه، ويلغز بها، فيقال امرأة أرضعت فحرمت على زوجها، وقوله: لأنها زوجة ابنه؛ أي زوجة ابن الرجل الذي

(1)

هي تحته الآن؛ أي فكأنما أن زوجة الابن في النسب محرمة زوجة الابن في الرضاع محرمة أيضا، ولا يشترط دوام كونها حليلة الابن اتفاقا. وقوله: وحرمت عليه، حكم. وقوله: إن أرضعت لخ، تصوير، وقوله: لأنها، تعليل. فذكر الحكم والصورة والعلة. قاله الشبراخيتي.

كمرضعة مبانته يحتمل الإضافة وعدمها، وهو مشبه في التحريم؛ يعني أن من تزوج رضيعة ثم طلقها ثم تزوج امرأة كبيرة أو كانت تحته امرأة كبيرة فأرضعت واحدة منهما تلك الصبية التي أبانها، وطلاق الصغيرة التي لا توطأ لا يكون إلا بائنا، فإن زوجته التي أرضعت تلك الصبية تحرم عليه؛ لأنها أم زوجته والعقد على البنات يحرم الأمهات. ثم إن المص صادق بصورة ثالثة وهي أن ترضع المبانة المذكورة أجنبية ولم يتزوجها فإنه يحرم عليه نكاح تلك الأجنبية. أو مرنضع منها، اسم فاعل من ارتضع واقع على الصغيرة، وذكره باعتبار الشخص؛ يعني أن من طلق امرأة بعد أن بنى بها ثم تزوجت غيره وحصل لها لبن فأرضعت صبية، فإن تلك الصبية تحرم على زوج المطلقة، فإن كان قد تزوج تلك الصبية قبل الارتضاع فليفارقها وجوبا، وإن لم يتزوجها فنكاحها حرام عليه؛ لأنها حينئذ بنت زوجته من الرضاع، والدخول بالأمهات يحرم البنات. وكلامه مقيد بالمدخول بها كما علمت؛ لأن العقد على الأمهات لا يحرم البنات. قال الشبراخيتي مفسرا للمص: أو مرتضع منها؛ أي من المبانة المتلذذ بها لأن المرتضعة منها بنت زوجته المتلذذ بها، والتلذذ بالأمهات يحرم البنات، ولو تقدمت الأمومة وتأخرت البنوة كما لو تزوج امرأة وأبانها فكل ابنة سبقت لها أو لحقت حرام على الزوج الذي أبانها بعد التلذذ، ومن تزوج صبية فأرضعتها أمه أو أخته أو جدته أو ابنته أو ابنة ابنه أو امرأة أخيه أو بنت أخيه أو

(1)

في الأصل: التي.

ص: 648

بنت أخته حرمت عليه وسمع سحنون ابن القاسم في أخوين ولد لأحدهما جارية وللآخر غلام، فأرضعت أحدهما أم أبويهما لا يتناكحان أبدا. انتهى. أي فإن أرضعت الصبي صار عما للصبية وفي الصبية العكس، وهذا إذا كان الأخوان شقيقين أو لأم، فإن كانا لأب وأرضعت أحدهما أم أحد الأخوين فلا حرمة إلا لمانع كإرضاعها بلبن أبي الأخوين. والله سبحانه أعلم. وقوله: أو مرتضع منها أي بلبن غيره ليلا يكون تكرارا مع ما مر من قوله: ولصاحبه،

وإن ارضعت زوجتيه اختار؛ يعني أن من تزوج رضيعتين فأرضعتهما امرأة، له أن يختار واحدة منهما ويفارق الأخرى؛ لأنهما صارتا أختين، وكذا له أن يختار واحدة في أكثر من اثنتين أرضعتهن امرأة، قوله: وإن أرضعت زوجتيه؛ أي أرضعتهما امرأة يحل له نكاح بناتها، احترازا عن أمه أو أخته أو جدته أو ابنته أو ابنة ابنه أو امرأة أخيه، فلا اختيار بل يحرم عليه الجميع. وإن الأخيرة؛ أي له أن يختار واحدة منهما شاءها وإن كانت التي يختارها هي الأخيرة عقدا ورضاعا إن ترتبتا، وإن كانتا بعقد كان معنى كلامه اختار من شاء منهما وإن كانت هي الأخيرة رضاعا، وكان له أن يختار واحدة لأن العقد وقع صحيحا، وقوله: وإن أرضعت لخ، هذا إذا لم يتلذذ بالمرضعة. وإن كان قد بنى بها حرم الجميع؛ يعني أنه إذا كانت المرأة التي أرضعت زوجتيه قد بنى بها، فإنه يحرم الجميع أي جميع الرضعات فليس له أن يختار واحدة منهن أو منهما؛ لأن الدخول بالأمهات يحرم البنات. وقوله: بنى أي تلذذ، ولو قال: تلذذ بها، بدل بنى بها لكان أحسن قاله الشبراخيتي. وقال الشارح: وإن أرضعت زوجتيه اختار وإن الأخيرة، هذا هو المشهور، وهو مذهب المدونة؛ قال فيها ومن تزوج صغيرة بعد صغيرة فأرضعتهما أجنبية فليختر واحدة ويفارق الأخرى، ثم قال فيها: ولا يفسد نكاحهما كما فسد عقد متزوج الأختين في عقد، لفساد العقد فيهما وصحته في هاتين. وقال ابن بكير: الحكم متساو، فلا يختار عنده شيئا بل يفارقهما معا، فلو كانت المرضِع مع ذلك زوجتَه حرمت أيضا، إلا أنه إن كان قد بنى بها حرم الجميع عليه. انتهى. المراد منه. وأدبت المتعمدة للإفساد يعني أن الكبيرة المتعمدة للإفساد بإرضاعها للصبيتين أو بإرضاعها لذكر، كما في مسألة إن أرضعت من كان زوجا لها تؤدب لتعمدها للإفساد، فقوله: للإفساد، متعلق بالمتعمدة، وإنما تؤدب العالمة بحكم الرضاع لا الجاهلة بحكمه فلا أدب عليها، ويؤخذ ذلك من كلام المص، ولا غرامة عليها على المشهور،

ص: 649

ويفسخ بلا طلاق في الجميع. فإن لم تكن متعمدة للإفساد فلا أدب سواء كانت زوجة أو أجنبية. قاله الشارح. وفسخ نكاح المتصادقين عليه؛ يعني ان الزوجين إذا تصادقا على أنهما متراضعان قبل الدخول أو بعده ولو سفيهين، فإنه يفسخ نكاحهما قبل وبعد، لاتفاقهما على فساد النكاح، وهذا إذا كانا مكلفين، وأما إن كانا غير مكلفين فلا يفسخ لعدم الاعتداد بإقرارهما حينئذ كقيام بينة علي إقرار أحدهما قبل العقد؛ يعني أنه إذا قامت بينة على أن أحد الزوجين أقر قبل العقد بالرضاع، ولم يطلع على ذلك إلا بعد العقد، فإن النكاح يفسخ قبل الدخول وبعده، أقامها الآخر أو قامت احتسابا. والمراد بالبينة هنا البينة التي يثبت بها الرضاع على ما يأتي آخر الباب.

ولها المسمى بالدخول؛ يعني أنه إذا فسخ النكاح قبل الدخول في المسألتين فإنه لا شيء فيه، وأما إن فسخ بعد الدخول فلها المسمى الحلال في المسألتين، أو صداق المثل حيث علما بالرضاع أو جهلاه أو علم هو به وحده قاله غير واحد. فإن قيل: كيف يتصور جهلهما معا؟ فالجواب أنه يتصور جهلهما حين العقد في المتصادقين بعده. وهو واضح. انظر حاشية الشيخ بناني. وقال الشارح عند قوله: ولها المسمى بالدخول. ظاهره كان الفسخ لإقرارهما معا أو لإقرار أحدهما، أما إن كان المقر هو الزوج وقد دخل بالزوجة كان لها الصداق، اعترف قبل العقد أو بعده، قبل الدخول أو بعده، وإن لم يدخل وكان اعترافه قبل العقد لم يكن عليه صداق، فإن كان بعد العقد فعليه نصف الصداق، إلا أن تصدقه الزوجة فلا شيء لها. وإن كان المقر بذلك هو المرأة لم يكن لها شيء وإن دخل بها، وسواء أقرت قبل العقد أو بعده؛ لأنها غرت الزوج وأتلفت بضعها، إلا أن يعترف الزوج أنه كان عالما فيكون لها الصداق إن دخل. انتهى.

إلا أن تعلم فقط فكالغارة؛ يعني أن محل تبوت المسمى لها بالدحْول إنما هو حيث علما أو جهلا أو علم هو وحده، وأما إن علمت هي بالرضاع فإن لم يبن بها فسخ ولا شيء لها، وإن بنى بها فحكمها حكم الغارة بالعيب، فلها ربع دينار ويفسخ النكاح، وقد علمت أن قوله: إلا أن تعلم فقط، هو فيما إذا أقامت بينة على إقرارها قبل العقد أنهما متراضعان. وقولي: فكالغارة بالعيب، فسرته بذلك تبعا لبناني، فإنه قال: الظاهر أن المراد فكالغارة بالعيب لأنه هو الذي تقدم للمص، فيكون حوالة على معلوم لا على مجهول تأمل. انتهى. وقرره غير واحد على أن معناه: فكالغارة بانقضاء عدتها وتزوجت فيها عالمة بالحكم، فلها ربع دينار فقط، ليلا يعرى البضع عن الصداق.

ص: 650

وهذا يجرى في كل مسألة حصل فيها الفسخ بعد البناء. انتهى. وهذا لفظ عبد الباقي، ونحوه للشبراخيتي. وقال الشارح: قال ابن يونس: إن أصدقها وكان قد دخل يجب أن يرجع عليها بجميع الصداق إلا ربع دينار كالتي غرت من نفسها وتزوجت في العدة، وهذا معنى قوله: إلا أن تعلم فقط؛ أي المرأة دون الزوج فكالغارة؛ أي فيترك لها ربع دينار إن دخل وإن لم يدخل فارق ولا شيء عليه. انتهى. ابن عرفة: والفرقة بإقرارها تسقط مهرها. اللخمي: ولو دخلت لأنها غارة إلا أن يدخل عالما به فيجب. انتهى. ثم ذكر مفهوم: قبل العقد من قوله: كقيام بينة على إقرار أحدهما قبل العقد، بقوله:

وإن ادعاه فأنكرت أخذ بإقراره، يعني أن الزوج إذا أقر بالرضاع بعد العقد وأنكرته المرأة أو قالت: لا علم عندي، فإن الزوج يؤخذ بإقراره أي يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده. وينظر حينئذ فإن كان الفسخ قبل البناء فلها النصف؛ أي نصف المهر لأنه يتهم على إقراره ليفسخ النكاح بلا صداق، وإن كان قد بنى بها فلها المسمى، وعلم من قوله: ولها النصف، أن محل كلامه قبل البناء كما قررت، بهذا فسره غير واحد، وهذا الذي ذكره هنا مفهوم قبل العقد بالنسبة له، وأما بالنسبة لها فأشار إليه بقوله: وإن ادعته فأنكر لم يندفع؛ يعني أن الزوجة إذا ادعت بعد العقد على الزوج أنه أخوها من الرضاعة مثلا وأنكر هو ذلك لم يندفع النكاح؛ أي لم ينفسخ بقولها ذلك لأنها تتهم على إرادة الفراق، ولتفتد منه. قاله الأمير. ولا تقدر علي طلب المهر قبله؛ أي الدخول يعني أن هذه المرأة التي أقرت بعد العقد بالرضاع وأنكره الزوج إذا طلبت المهر لا تقدر على طلب المهر؛ أي لا تجعل قادرة على ذلك؛ أي لا تمكن من طلبه؛ أي المهر قبل الدخول؛ لأنها مقرة بفساد العقد فلا تستحق شيئا إلا بالدخول، وظاهر المص أنها لا تستحق بالموت شيئا، وإنما لم يقل المص: وليس لها طلب المهر قبله؛ لأن نفي القدرة أبلغ من نفي الطلب، وليس لهذه المرأة تخلص من هذا الرجل إلا بالفداء أو يطلق باختياره، فإن طلق قبل الدخول فلا نصف لها، كما يفيده ابن عبد السلام وابن عرفة، والتوضيح والشارح وحلولو وهو الموافق لقوله فيما مر: كطلاقه، تشبيها بقوله قبله: وسقط بالفسخ قبله، قاله عبد الباقي. وقوله: ولا تقدر على طلب المهر قبله أي الدخول، كما علمت، فلو بنى بها فمقتضى كلام غير واحد أن لها الصداق. قاله مقيده عفا الله عنه. والله تعالى أعلم. ولو قال الزوج أو الزوجة أو الأجنبي أو

ص: 651

الأجنبية: هو أخي أو هي أختي من غير أن يقول من ذكر من الرضاعة فإن ذلك لا يثبت إقرارا بالرضاعة، ففي سماع القرينين: من تزوج امرأة فشهد عليها أنها كانت تقول قبل نكاحهما: أخي أخي، لم تحرم عليه. من كلام الناس: قول المرأة أخي أخي ولا قرابة بينهما. ابن رشد: لأن المؤمنين بعضهم لبعض إخوة، ولقول الرجل لزوجته: يا أختي، لا تكون طالقا، ولقول الرجل لصبي لا يعرف نسبه: يا بني لا يكون استلحاقا، قال التتائي: ولا قذفا لمعلوم النسب، انتهى. والظاهر أن من هذا القبيل قول الرجل لعبده أو أمته: يا ولدي ويا بنتي، فلا يكون عتقا. خلافا للشافعي في كونه عتقا. انظر الشبراخيتي.

وإقرار الأبوين مقبول قبل النكاح؛ يعني أن الصغيرين من ذكر وأنثى إذا أقر أبواهما بالرضا وكان ذلك الإقرار قبل عقد النكاح فإن إقرارهما ذلك مقبول، فيثبت به رضاعهما فلا يتزوجها، وإن تزوجها فسخ ذلك النكاح أبدا، ولا يقبل إقرارهما في الكبيرين. وظاهر أحمد ولو سفيهين، وظاهر ابن عرفة أن السفيهين مثل الصغيرين، فيثبت الرضاع بينهما بإقرار أبويهما، والمراد بالأبوين أبو الصغير وأبو الصغيرة، أو أبو أحدهما وأم الآخر لا أمه وأمها، فإنهما يدخلان في قوله: وبامرأتين إن فشا. قاله عبد الباقي. وغيره. وقال بناني عن الرماصي: كلام المؤلف فيمن يعقد عليه بغير إذنه وهو الابن الصغير والابنة البكر. كذا النقل في المدونة وغيرها. فلا وجه للتقييد بالصغر في البنت وإن وقع في رواية ابن عرفة. انتهى وقال الشبراخيتي: وإقرار الأبوين بالرضاع بين ولديهما الصغيرين، وأما البالغان فلا يقبل قول أبويهما قبل النكاح ولا بعده ولو كانا سفيهين كما قرره بعض الأشياخ، وهو موافق لكلام الزرقاني. وظاهر كلام ابن عرفة أن السفيهين بمنزلة الصغيرين، وقوله: الأبوين، يشمل أباه وأباها وأبا أحدهما وأم الآخر، ولا يشمل أم كل منهما، ويدخل هذا في قوله: وبامرأتين إن فشا، فجعل بعضهم هذه داخلة في كلامه هنا غير ظاهر. انتهى. وقال الأمير: وعمل في غير الرشيد ولا رشد إلا بعد بلوغ بإقرار أحد الأبوين ولوأما على الراجح. خلافا لما في الأصل. وأولى هما قبل العقد فيفسخ إن وقع ولا يعتبر إقرارهما بعده. انتهى. وفي شرح ابن عبد السلام على ابن الحاجب ما يشهد له، ونقله اللخمي عن مالك. قاله الشارح. وقوله: وإقرار الأبوين، ظاهره أن الوصيين لا يثبت لهما هذا الحكم. قاله الشبراخيتي.

ص: 652

لا بعده؛ يعني أن أبوي الزوجين الصغيرين إذا أقرا بعد عقد النكاح بأنهما متراضعان فإن إقرارهما ذلك لا يعتبر، وهو كإقرارهما بالرضاع بين الكبيرين، فلا يعتبر مطلقا بعد العقد أو قبله على ما مر وقوله: لا بعده؛ أي ويصيران شاهدين فيعتبر فيهما ما يعتبر في الشهود على ما يأتي آخر الباب، وليس المراد: لا يقبل أصلا. قاله عبد الباقي عن أحمد عن ابن عرفة. وهو مخالف لا في الشارح، ونصه: وإن أقرا بذلك بعد عقد النكاح لم يقبل قولهما، قال في النوادر عن مالك: ولو كانا عدلين. انتهى.

كقول أبي أحدهما قال عبد الباقي: تشبيه تام فيقبل إقراره حيث كان ولده غير بالغ وكان إقراره قبل عقد النكاح لا بعده. انتهى. وقاله الشبراخيتي. ولا يقبل منه أنه أراد الاعتذار؛ يعني أنه إذا أقر الأبوان أو أحدهما بالرضاع قبل النكاح بحيث يكون الإقرار مقبولا ثم قالا أو أحدهما عند إرادة عقد النكاح مثلا: ما أقررت به ليس على حقيقته وإنما أردت الاعتذار لعدم إرادتي للنكاح، فإن ذلك لا يقبل وإن تناكحا فرق بينهما، وظاهر هذا ولو لم يتول الأب العقد بأن رشد الولد وعقد لنفسه، وهو كذلك على أحد أقوال ثلاثة، ذكرها ابن عرفة. ونصه: فإن رشد الولد ففي كونه كذلك، وصيرورته كأجنبي، ثالثها: إن كان أنكحه صغيرا؛ الأول لنقل اللخمي مع قول الصقلي كأنه المذهب، والثاني قاله اللخمي كأنه المذهب، والثالث لأبي حفص العطار مع قول عياض: إن لم يعقد الأب النكاح حتى رشد ابنه وابنته وجاز أمرهما فهو كأجنبي، واختلف إن فسخ نكاحهما بقوله ثم رشدا هل ذلك تأبيد تحريم كالحكم بصحة رضاعهما؟ وهو قول غير واحد أم لا. نقله بناني وغيره. وقال الشارح. قال في المدونة: وإذا قال الأب: رضع فلان وفلانة مع ابني الصغير أو مع ابنتي، ثم قال: أردت الاعتذار لم يقبل منه [فإن تناكحا]

(1)

فرق السلطان بينهما. انتهى.

بخلاف أم أحدهما؛ يعني أن قول أم أحد الصغيرين ليس كقول أبي أحدهما، فإذا قالت أم أحدهما قبل عقد النكاح: هذا رضع مني فالتنزه مستحب لا واجب، وظاهره ولو كانت وصية خلافا لأبي إسحاق. قال: لأنها تصير حينئذ كالأب فيقبل إقرارها على الصغير قبل النكاح، لأنها تصير حينئذ كالعاقد للنكاح. وفي الشبراخيتي: قال في الشرح: فجعل؛ أي التتائي كلام

(1)

في الأصل وإن تناكحوا والمثبت من التهذيب ج 2 ص 449.

ص: 653

المص فيما إذا رجعت عن قولها: إنها أرضعته، ونحوه في المواق، وفي السماع ما يفيد أن قولها لا يوجب تحريما ولو بقيت عليه، وقد ذكره ابن غازي في تكميله. انتهى. وأما أمهاتهما فيقبل قولهما، قبل النكاح إن فشا ذلك من قولهما وإن لم يفش فلا يقبل كما نقله ابن عرفة عنها، ونصه: فيها لابن القاسم: إن شهد برضاع الزوجين أمهاتهما لم تقبل شهادتهما إلا أن يكون فاشيا من قولهما قبل النكاح، قلت فهما كالأجنبيات في قول مالك. انتهى. وقال بناني: الفرق بينهما يعني بين الأب والأم أن العقد للأب فصار ذلك كإقراره على نفسه، وإلى هذا ينظر الخلاف في الأم إن كانت وصية وأنها تتنزل منزلة الأب كالوصي لأنه العاقد وإن كانت توكل. قاله الشيخ أبو زيد. انتهى. وقد مر قول الأمير: وعمل في غير الرشيد، ولا رشد إلا بعد بلوغ بإقرار أحد الأبوين ولو أمًّا على الراجح، خلافا لما في الأصل، وأولى هما قبل العقد، فيفسخ إن وقع ولا يعتبر إقرارهما بعده. انتهى. وقال الشارح: وفيها أي المدونة: وإن قالت الأم لرجل: أرضعتك مع ابنتي، ثم قالت: كنت كاذبة أو معتذرة لم يقبل قولها الثاني، ولا أحب تزويجها. أبو محمد: فإن تزوجها فلا يفرق القاضي بينهما، ففرق بين إقرار الأب وإقرار الأم؛ وحكى اللخمي التسوية بين إقرارهما عن مالك بوجوب التفرقة. أبو إسحاق: والأقيس ما في المدونة إلا أن تكون الأم وصية والوصية بمنزلة الأب، وقيل: ولو كانت وصية. انتهى.

ويثبت برجل وامرأة؛ يعني أن الرضاع يثبت بشهادة رجل واحد مع امرأة بشرط أن يكون الرضاع فاشيا أي منتشرا في الناس من قولهما قبل عقد النكاح. وبامرأتين؛ يعني أن الرضاع يثبت بشهادة امرأتين بشرط كونه فاشيا من قول المرأتين قبل عقد النكاح، وأولى لو فشا من قول غير من ذكرت ويشمل كلامه الأب والأم للبالغين والأمهتين للبالغين، فقوله: وبامرأتين، سواء كانتا أمهتين أو أجنبيتين. وإنما يثبت بشهادة من ذكر إن فشا قبل العقد؛ يعني أنه إنما يثبت بشهادة من ذكر إن كان فاشيا من قول من ذكر قبل العقد وأولى من غيرهم.

وعلم مما قررت أن قوله: إن فشا، قيد في المسألتين؛ قال الشارح: والمذهب أنه يثبت بهما، وقال ابن الجهم: لابد فيه من أربع نسوة ولا يقبل فيه دون ذلك من النساء، وعلى الأول فلابد من كونه فاشيا من قولهما قبل العقد، فإن لم يكن فاشيا من قولهما فالمشهور وهو مذهب المدونة أنه لا يثبت وقال مطرف وعبد الملك وغيرهما: إنه يثبت إذا كانتا عدلتين، وأما الرجل والمرأة

ص: 654

فقال بعضهم: كالمرأتين فإن فشا من قولهما قبل النكاح قُيلَ وإلا فلا على المشهور، ويأتي قول مطرف وعبد الملك بل هنا أولى، وكذلك اختيار اللخمي. فقوله: إن فشا قبل العقد، قيد في المسألتين. انتهى. كلام الشارح.

وهل تشترط العدالة مع الفشو؟ يعني أن الشيوخ اختلفوا في شهادة من ذكر من رجل وامرأة والمرأتين هل لابد في قبولها من اجتماع العدالة مع الفشو أو لا تشترط العدالة مع الفشو، وعليه فإذا فشا الرضاع من قول من ذكر لا تشترط عدالتهم، في ذلك تردد، الأول: للخمي، قال الشارح: ومقتضى ما نقله اللخمي الاشتراط. ابن عبد السلام: وهو ظاهر إطلاقاتهم. انتهى. والثاني: لابن رشد، قال: لا تشترط العدالة مع الفشو. قاله الشارح. قال مقيده عفا الله عنه: وقد تقرر أنه إذا تعارض كلام ابن رشد وكلام اللخمي فالعمل بقول ابن رشد. وقال الأمير: ولا يشترط حين الفشو عدالة على الراجح. انتهى. والله سبحانه أعلم.

وبرجلين يعني أن الرضاع يثبت بشهادة رجلين عدلين ولا خلاف في ذلك، ويثبت بهما حصل فشو أم لا، والمرأتان والرجل كالرجلين، فيثبت حصل فشو أم لا، وقال الشارح عند قوله وبرجلين ما نصه: نقل غير واحد أنه لا خلاف في ثبوته بشهادتهما. انتهى. وقال الشبراخيتي: ويثبت برجلين اتفاقا فشا أم لا، وأخره عما قبله ليلا يتوهم رجوع الفشو إليه، وللتنبيه على أن الأصل في هذا الباب النساء. انتهى. ونحوه لعبد الباقي وزاد: فإن لم يكونا عدلين لم يثبت وينبغي تقييده بعدم الفشو وإلا جرى التردد، قال أحمد: وأما المرأتان مع الرجل فكالرجلين كما يدل على ذلك قولهم: المرأتان فأكثر كالرجل، وحينئذ فتقبل شهادتهما مع الرجل وإن لم يكن فشو قبل العقد. انتهى.

لا بامرأة يعني أن الرضاع لا يثبت بشهادة امرأة واحدة إن لم يفش ذلك من قولها قبل العقد اتفاقاة بل ولو فشا الرضاع من قولها قبل العقد على المشهور. ولمالك: أن الفشو يقوم مقام امرأة أخرى. وقوله: لا بامرأة، مطلقا كانت أم أحدهما أم لا، وقوله: ولو فشا، هذا القول هو القياس، ولكن ظاهر الحديث خلاف هذا كله. قاله ابن عبد السلام. والحديث مذكور في الصحيح (عن عقبة بن الحارث أنه تزوج بنتا لأبي إهاب فأتت امرأة فقالت: إني أرضعت عقبة والتي تزوج،

ص: 655

فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني فأرسل إلى [آل]

(1)

أبي إهاب فسألهم، فقالوا: ما علمناها أرضعت صاحبتنا، فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف وقد قيل؟ وحكم بفراقهما ونكحت زوجا غيره

(2)

) وفي طريق آخر (قلت إنها كاذبة، قال: وكيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ دعها عنك

(3)

).

وندب التنزه مطلقا؛ يعني أنه إذا شهد بالرضاع شهادة لا توجب الفراق فإنه يندب التنزه أي فراق المرأة المشهود برضاعها الشهادة المذكورة، ومعنى الإطلاق في كل شهادة لا توجب الفراق سواء كانت شهادة امرأة واحدة أو شهادة رجل واحد ولو عدلا، وسواء كانت المرأة أما أو أجنبية، أو كانت شهادة امرأتين ولم يحصل فشو، ومعنى التنزه أن لا يتزوجها أو يطلقُها إن كانت زوجة لأنها مظنة للطعن. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وندب التنزه مطلقا عن كل نكاح شهد فيه بالرضاع ولم يثبت لأنه مظنة للطعن، (وقد تبسم صلى الله عليه وسلم حين أخبر برضاع امرأة وقال: كيف وقد قيل

(4)

) وقال: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه

(5)

). فندب صلى الله عليه وسلم ولم يحرمها وهذا منها. انتهى المراد منه. وقال الشارح: وندب التنزه مطلقا؛ أي في كل شهادة لا توجب الفراق كالمرأة الواحدة أو الرجل الواحد أو المرأتين إذا لم يحصل فشو من قولهما قبل العقد. انتهى. ورضاع الكفر معتبر؛ يعني أن الرضاع الواقع في حال الكفر معتبر، فلا فرق بين رضاع الكفر ورضاع الإسلام، وكذا الرق فلا فرق بين الرضاع في حال الرق وحال الحرية، فلو أرضعت كافرة صغيرا مسلما أو كافرا ثم أسلم فلا يحل له نكاح بنت تلك الكافرة التي أرضعته، فكما أن نسب الكفر معتبر رضاعه معتبر، وقال ابن عرفة: ورضاع الكفر والرق معتبر كنقيضهما. انتهى. فلو أرضعت ذمية صغيرا مسلما مع ابنة لها لم يحل له نكاح أخته ولو لم تسلم. قاله الشبراخيتي. وقال الشارح: ورضاع الكفر معتبر؛ أي فلا يرتفع حكمه بالإسلام كما لا يرتفع حكم النسب به. قال في المدونة: وحرمة الرضاع بين الأحرار والعبيد في الشرك والإسلام واحد. انتهى. والغيلة وطء المرضع الغيلة

(1)

ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل والمثبت من البخاري.

(2)

صحيح البخاري، كتاب الشهادات، رقم الحديث 2640.

(3)

صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم الحديث 5104.

(4)

صحيح البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث 2052.

(5)

صحيح البخاري، كتاب البيوع، ردم الحديث 2051. صحيح مسلم، كتاب المساقاة، رقم الحديث 1599.

ص: 656

بكسر الغين المعجمة وقيل بفتحها وقيل بالفتح المرة الواحدة. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: بكسر الغين المعجمة، وقيل: بالفتح. انتهى. قال بناني: كذا في التتائي، والذي في كلام عياض: جواز الكسر والفتح لا أنهما قولان. قال في المشارق: الغيلة بفتح الغين وكسرها، وقال بعضهم: لا يصح الفتح إلا مع حذف الهاء. وحكى أبو مروان وغيره من أهل اللغة الغيلة بالهاء والفتح والكسر معا، هذا في الرضاع وأما في القتل فبالكسر لا غير. وقال بعضهم: هو بالفتح من الرضاع المرة الواحدة، وجزم في الإكمال بأن الفتح للمرة وفي غيرها بالكسر. انتهى. ومعنى كلام المص أن الغيلة المذكورة في الحديث هي وطء المرضع، سواء كان معه إنزال أم لا، وقيل بقيد الإنزال. وفي الحديث: (هممت أن أنهى الناس عن الغيلة حتى سمعت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم

(1)

). فنهيه عليه الصلاة والسلام لأجل الضرر، وقيل: هي إرضاع الحامل والحكم فيها أنها تجوز، والأولى تركها إن لم يتحقق الضرر وإلا منع، وإن خشي كره. وقوله وتجوز؛ أي الغيلة التي هي وطء المرضع لا إرضاع الحامل فإنه مضر. قاله الشارح. وما ذكره المص في تفسير الغيلة هو الظاهر لأن المشاهدة تدل على ضرر إرضاع الحامل، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أن الغيلة لا تضر. أبو الحسن الصغير: معنى نفي ضرر وطء المرضع أي كل الضرر، وأما بعضه فحاصل. الشيخ: معنى بعض الضرر يحتمل ضرر بعضهم دون بعض، ويحتمل ضرر الجميع إلا أنه خفيف. انتهى. قاله الشبراخيتي. ولما أنهى الكلام على النكاح وشروطه وموانعه، شرع في الكلام على النفقات وبدأ بأقوى أسبابها وهو الزوجية، فقال:

(1)

صحيح مسلم، كتاب النكاح، رقم الحديث 1442.

ص: 657

‌باب: ذكر فيه النفقة والكسوة وأسبابها الثلاثة

النكاح والرق والقرابة. ابن عرفة: النفقة ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف. انتهى. فخرج ما ليس معتادا لآدمي، ومعتاد غير الآدمي وما هو سرف، فلا يسمى شيء من ذلك نفقة شرعا.

تنبيهان: الأول: اعلم أنه يجب أن تكون نفس الزوج طيبة بالنفقة عليها لأن ذلك من الواجبات فيؤجر عليها، فينفق بنية الامتثاك لأمر الله تعالى، ولا يفعل ذلك على استكراه وتكلف، فإن فعله كذلك أو على مقتضى العادة أو الهوى ونحو ذلك برئت ذمته خاصة، وإنما يؤجر على نية الامتثال، ولو كانت مع ذلك شهوة وهوي وفي الصحيح: (إذا أنفق الرجل [على أهله]

(1)

يحتسبها فهي له صدقة

(2)

) وفيه: (أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: إنك لمن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل [في فم]

(3)

امرأتك

(4)

) وفي الجامع: (ما أنفق الرجل في بيته وأهله وولده وخادمه فهو له صدقة

(5)

). المناوي: وهو حسن لشواهده. وروي بإسناد جيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة

(6)

).

الثاني: قال عبد الباقي: اعلم أن النفقة حيث كانت واجبة بالنكاح لزمته الكسوة باتفاق. ابن زرب وابن سهل: وكذا إن تطوع بها أو التزمها لربيب مثلا حيث قال: لم تكن لي نية بشيء، فإن قال: أردت المطعم فقط، قبل عند ابن سهل ولم يقبل عند ابن زرب وهو المعتمد، حيث لا عرف بتخصيصها بالإطعام. انتهى. واحتج ابن زرب على ما قال بقوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} . ابن سهل: في قوله نظر؛ لأن هذا إنما هو في النفقات الواجبة كنفقة الزوجة والأبوة والبنوة وعامل القراض، لا في المتطوع بها إذا قال المتطوع: لم أرد إلا المطعم، بدليل قوله في الرواحل: لا بأس أن يستأجر العبد على أن على الذي استأجره نفقته، وكذا الحر، فقلت لمالك: فإن اشترط الكسوة. قال: لا بأس بذلك. فكلام مالك يدل على أن النفقة لا

(1)

ساقط من الأصل والمثبت من البخارى.

(2)

صحيح البخاري، كتاب الإيمان، رقم الحديث 55

(3)

في الصحيحين في في.

(4)

صحيح البخاري، كتاب الإيمان، رقم الحديث 56.

(5)

الجامع الصغير 7844.

(6)

الجامع الصغير 7824.

ص: 658

تشمل الكسوة، وإلا لأجابه بقوله: النفقة تدخل فيها الكسوة ونحو ذلك. انتهى. نقله الشبراخيتي. ثم قال: قال في الشرح: والحاصل أنه إن كانت النفقة واجبة لزمته الكسوة أيضا باتفاقهما مطلقا، ؤكذا إن كانت متطوعا بها حيث قال: لم تكن لي نية بشيء، وأما إذا قال: أردت المطعم فقط فلا يقبل قوله عند ابن زرب، ويقبل عند ابن سهل قلت: ومحل كلام ابن زرب حيث لا عرف بتخصيصها بالإطعام كما ذكر ابن عرفة. انتهى.

يجب لممكنة يعني أن المرأة إذا مكنت زوجها من نفسها فإنه يجب لها النفقة. قال الإمام الحطاب: وظاهر كلامه أن مجرد تمكينها من نفسها يوجب النفقة على الزوج، وذلك يصدق بما إذا لم تمتنع من الدخول ولم تطلب به الزوج، وهذا قول عبد الملك، وظاهر المدونة أن النفقة إنما تجب على الزوج إذا دعي إلى الدخول، وهو المشهور من المذهب، قال في كتاب النكاح الثاني من المدونة: ولا يلزم من لم يدخل نفقة حتى يبتغى ذلك منه ويدعى إلى البناء، فحينئذ تلزمه النفقة والصداق. انتهى. قال أبو الحسن الصغير: قوله، يبتغى ذلك منه؛ أي يدعى إلى البناء. وظاهره أن النفقة لا تلزم حتى يدعى إليها. وقال ابن عبد الحكم: لها النفقة بالتمكين وإن لم تدعه إلى البناء. وفي الرسالة: ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها. وقال ابن الحاجب: تجب بالدخول أو بأن يبتغى منه الدخول. والله أعلم. وقيل: تجب بالعقد إن كانت يتيمة. انتهى كلام الحطاب. وقال عبد الباقي: يجب لمكنة من نفسها بعد دعائها أو دعاء مجبرها أو وكيلها للدخول ولو لم يكن عند حاكم، خلافا لأشهب، وبعد مضي زمن يتجهز فيه كل منهما عادة، لا بمجرد التمكين، خلافا لعبد الملك، كظاهر المص، ولا بدعائه هو له اتفاقا. ثم محل اعتبار الدعاء إن كان حاضرا، فإن غاب وجبت لها، وإن لم تدعه قبل غيبته قربت غيبته أو بعدت على المعتمد بشرط إطاقتها وبلوغه [من وطئها]

(1)

وطلبها الآن للإنفاق عند الحاكم، ويسألها هل تمكنه أن لو كان حاضرا؟ فإن قالت: نعم، فرض لها انتهى.

وقال الشبراخيتي: يجب لممكنة من نفسها بعد الدعاء إلى الدخول وبعد مضي الزمن الذي يتجهز فيه كل منهما، ولا تجب بمجرد التمكين خلافا لعبد الملك. ويكفي في وجوب النفقة الدعاء وإن لم يرفع الأمر لحاكم إذا لم يكن عذر فإن أشكل الأمر فلابد من إيقافه والحكم عليه. ولأبي البكر

(1)

ما بين المعقوفين ليس في عبد الباقي.

ص: 659

وسيد الأمة والوصي طلب الزوج بالدخول ولو لم تطلبه هي ولا كانت نفقتها على الأب، وأما غيرهم فلابد من طلبها أو توكيلها، ولزوجة الغائب النفقة إذا طلبتها ولو لم يدخل بها دعته إلى الدخول قبل مغيبه أم لا، قربت غيبته أو بعدت. هذا هو الذي تجب به الفتوى. وقوله: لممكنة، قال في الحاشية المراد بالممكنة هنا الداعية للدخول هي أو وليها المجبر إذا ثبت إذنها له في الدعاء، ولابد أن تمهل قدر ما يهيء مثلها أمره. انتهى.

وقال بناني: يجب لممكنة سواء كان الزوج حرا أو عبدا: ابن سلمون: وعلى العبد نفقة زوجته الحرة وكسوتها طول بقائها في عصمته من كسبه ولا يمنعه سيده من ذلك، وإن كانت الزوجة أمة فنفقتها كذلك على زوجها حرا كان أو عبدا بوأها السيد معه بيتا أم لا. انتهى. وانظر قوله: من كسبه إن كان ذلك لعرف جرى به فلا إشكال وإلا فهو خلاف قول المص: "ونفقة العبد في غير خراج وكسب إلا لعرف". انتهى. وقوله: لممكنة، احترز بذلك معا إذا منعت الاستمتاع أو الوطء فلا نفقة لها كما يأتي للمص. وفي النوادر: وإذا طلبت المرأة النفقة ولم يَبْنِ بها فإن فرغوا من جهازها حتى لم يبق ما يحبسها قيل له: ادخل أو أنفق، ولو قال الزوج: أنظروني حتى أفرغ وأجهز بعض ما أريد فذلك له، ويؤخر الأيام بقدر ما يرى. وهو قول مالك. انتهى. نقله الحطاب. وقال: إذا دعي الزوج إلى الدخول فامتنع فهل تلزمه النفقة بنفس الامتناع؟ وهو قول مالك أو بعد وقف السلطان له وفرضه النفقة، وهو قول أشهب، قال اللخمي: والأول أحسن إن علم أنه امتنع لددا وأنه لا عذر له، وإن أشكل أمره فحتى يوقفه السلطان. انتهى. ونقل ابن راشد القولين في اللباب ولم يذكر اختيار اللخمي، وعزا القاضي عياض قول أشهب لابن شهاب، فعلى قول مالك تلزمه النفقة بنفس الدعاء إذا شهدت بذلك بينة، والظاهر أيضا أن الكسوة كذلك تلزمه إذا طال الأمر ولم يدخل والله أعلم. انتهى.

مطيقة للوطء؛ يعني أن الزوجة الممكنة من نفسها إنما تجب لها النفقة بشرط أن تكون مطيقة للوطء، وأما غير المطيقة فلا نفقة لها، ومثلها مطيقة بها مانع كرتق إلا أن يدخل بها ويتلذذ، وأولى إن وطئ الصغيرة غير المطيقة قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: مطيقة للوطء صفة ثانية فلا نفقة لصغيرة لا تطيقه إلا أن يدخل بها لأنه يتمتع منها بغير الوطء. انتهى.

ص: 660

على البالغ؛ يعني أن الزوجة إنما تجب لها النفقة إذا كان الزوج بالغا، وأما إن لم يكن بالغا فلا نفقة لها، قال محمد بن الحسن بناني: ظاهوه أن هذه الشروط عامة في المدخول بها وغيرها، وبه قرر غير واحد، والذي قرر به ابن عبد السلام والتوضيح كلام ابن الحاجب هو اختصاصها بغير المدخول بها واستظهره الشيخ ميارة، ونصه: وجعل في التوضيح السلامةَ من المرض والبلوغَ في الزوج وإطاقة الوطء في الزوجة شرطا في الدعاء للدخول، فإذا دعا إليه وقد اختل شرط من هذه الشروط فلا تجب، وأما إن دخل فتجب النفقة بغير شرط، وجعلها اللقاني شروطا في الدخول والدعاء، فلا تجب نفقة الزوج ولو دخل إلا إذا بلغ الزوج وأطاقت الزوجة الوطء، ولم يعضده بنقل، والظاهر أنها شروط في الدعاء فقط كما في التوضيح. انتهى.

وقال الأمير: تجب نفقة الزوجة بدعائها للدخول إن حضر وإلا كفى إن لم تظهر الامتناع، ولا نفقة على صبي ولو دخل، ولا لمن لا يمكن وطؤها كرتقاء إلا أن يدخل؛ لأنه يستمتع بغير الوطء. انتهى. وقال في الشرح بعد قوله: ولو دخل: هذا ما للقاني وغير واحد، وفي التوضيح وابن عبد السلام السلامة من المرض والبلوغ في الزوج وإطاقة الوطء في الزوجة شروط في الدعاء للدخول، فإن دعي إليه وقد اختل أحد هذه الشروط فلا تجب إلا إن دخل فتجب النفقة من غير شرط. انتهى. وقال الشبراخيتي: وأما الصغير فلا تجب عليه النفقة ولو دخل بها وكانت بالغا وافتضها. ونحوه لعبد الباقي. وليس أحدهما مشرفا؛ يعني أن المرأة المذكورة إنما تجب لها النفقة بشرط أن لا يكون أحد الزوجين مشرفا على الموت أي بالغا حد السياق، فتجب لها النفقة مع المرض الممكن معه الاستمتاع، ومع الشديد الذي لا يمكن معه الاستمتاع ولم يبلغ صاحبه حد السياق؛ هذا مذهب المدونة، وخالف سحنون فيما إذا لم يمكن مع المرض الاستمتاع، وأما إذا بلغ أحدهما حد السياق فلا تجب لها النفقة، وبلوغ السياق هو الأخذ في النزع. قال عبد الباقي: وهذا الشرط يعني قوله: وليس أحدهما مشرفا فيما قبل البناء. قال في الأمهات: ودخول هذا وعدمه سواء، وكتب جد علي الأجهوري بطرته ما نصه: أخذ منه أنه إذا دخل بها في تلك الحالة ثم طلقها أنه لا يلزمه إلا نصف الصداق. انتهى. فإن وطئها تكمل عليه الصداق، كما أنه لا تسقط نفقتها عنه إذا بلغت حد السياق بعد أن بنى بها كما هو ظاهر. انتهى.

ص: 661

وقال الشبراخيتي: وليس أحدهما مشرفا؛ أي بلغ حد السياق وهو نزع الروح. قال في الحاشية: الواو للحال، وقوله: مشرفا، ظاهره ولو طال زمن إشرافه، وهو ظاهر لأنه في حكم الموتى، والميت لا تجب عليه نفقة ولا له نفقة. انتهى. وقال الشارح: يجب لممكنة مطيقة للوطء على البالغ وليس أحدهما مشرفا يريد أن نفقة الزوجة وكسوتها وأجرة مسكنها تجب على الزوج بشروط أربعة، الأول: أن تمكنه من الدخول بها فلو منعت من ذلك فلا شيء عليه لها. الثاني: أن تكون مطيقة للوطء فلا شيء للصغيرة من ذلك إذا لم تطق الوطء. الثالث: أن يكون الزوج بالغا فلا نفقة على الصغير ولو كانت بالغة على المشهور، وقيل: تجب عليه بإطاقة الوطء ويلزمه الدخول. حكاه ابن شأس وغيره. الرابع: أن لا يكون أحدهما مريضا مرضا أشرف معه على الموت فلا يكفي في الإسقاط مجرد المرض، وقال بعض الأشياخ: إن كانت مريضة يمكن منها الاستمتاع وجبت النفقة، وإن بلغت حد السياق لم تجب، وإن لم تبلغ حد السياق ولم يمكن منها الاستمتاع فمذهب المدونة الوجوب، خلافا لسحنون اللخمي، وقول سحنون أحسن. والمشهور أن النفقة لا تجب بمجرد العقد، وفهم جماعة من المدونة الوجوب، ولسحنون: إن كانت يتيمة وجبت وإلا فلا. انتهى. وقال الأمير: ومنع إشراف أحدهما ابتداءها لا استمرارها.

قوت فاعل يجب، والقوت هو ما تقوم به البنْية. وإدام عطف على قوت؛ أي يجب لها مع القوت الإدام، والإدام ما يؤتدم به. قال مقيده عفا الله عنه: أي ما يطيب الطعام ويصلحه من دهن وغيره. وكسوة؛ يعني أنه يجب للممكنة بالشروط المذكورة الكسوة مع القوت والإدام، والكسوة اللباس. ابن عاشر: إنما تجب الكسوة إذا لم يكن في الصداق ما يتشور به، أو كان لكن طال الأمد حتى خلقت كسوة الشورة. كذا في المتيطى. ومن جملة الكسوة عنده الغطاء والوطاء. انتهى. انظر حاشية الشيخ بناني. ومسكن؛ يعني أنه يجب للممكنة مع النفقة والكسوة المسكن، أي يجب عليه أن يجعل لها بيتا تسكن فيه، ويعتبر القوت وما عطف عليه من الإدام والكسوة والمسكن بالعادة؛ يعني أن هذه الأمور الأربعة تكون على حسب العادة؛ أي المتعارف عند الناس، فلا يجاب هو لأنقص منه ولا تجاب هي لأزيد، وإنما اعتبرت النفقة والكسوة بالعادة؛ لأن الشرع لم ينص فيها شيئا معلوما، بل أشار إلى العادة في قوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وكذلك (قوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة: خذي ما يكفيك

ص: 662

وولدك بالعروف

(1)

) وفي الحديث: (ابدأ بمن تعول، فقيل: من أعول يا رسول الله، قال: امرأتك، تقول: أطعمني أو فارقني، وخادمك تقول: أطعمني واستعملني، وولدك يقول: إلى من تدعني

(2)

) وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تطعمني أو تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني أو بعني، ويقول الولد: أطعمني إلى من تدعني. قالوا: يا أبا هريرة هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته، قال: لا هذا من كيس أبي هريرة

(3)

). ثم أبدل من العادة بدل مفصل من مجمل قوله: بقدر وسعه وحالها؛ يعني أنه يعتبر في جنس النفقة ومقدارها والكسوة والمسكن حال الزوج وحال المرأة من غنى وفقر؛ أي يعتبر الحالان معا، فلا يلزم الموسر أن ينفق على الفقيرة كنفقته على الغنية سواء، بل تكون نفقته على الغنية على ما يناسبها ونفقته على الفقيرة كذلك، ولا يكتفى من غير متسع الحال في إنفاقه على الغنية بما يكتفى به منه في الفقيرة، وكذا يراعى في الكسوة حالهما أيضا، وأما ما يأتي من قوله: لا إن قدر على القوت وما يواري العورة، ففي من بلغ حد الضرورة. قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه: والاعتبار في النفقات بقدر حال المرأة وحال الزوج في يسر أو إعسار. انتهى. ومثله لابن الحاجب وأقره المؤلف وغيره. ابن عرفة: وفي إرخاء الستور منها: لا حد لنفقتها هي على قدر يسره وعسره. اللخمي وغيره: المعتبر حالهما وحال بلدهما وزمنهما وسعرهما، ونحوه سمع عيسى. ونقل ابن عبد السلام اعتبار حال الزوج فقط لا أعرفه. انتهى. قاله بناني. وهذا التقرير الذي قرر المص هو ظاهر المص ودعمه بالنقل، فلذلك تبعته، وقال الأجهوري ومن تبعه: بقدر وسعه وحالها إن ساواها حاله فإن زاد حالها اعتبر وسعه فقط، فإن نقصت عن حالته وعن وسعه اعتبر وسعه متوسطا لا حالها فقط، ثم قال عبد الباقي: ولا يخفى أنه عند التحقيق إنما اعتبر وسعه وهو ظاهر القرآن: ({لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} انتهى. وقال الأمير ورفعت الفقيرة مع

(1)

البخاري، كتاب النفقات، الحديث 5364.

(2)

مسند أحمد، ج 2 ص 527.

(3)

البخاري، كتاب النفقات، الحديث 3355.

ص: 663

الغني لحالة وسطى. انتهى. وقوله: وسعه؛ أي طاقته أي حالته من يسر وعسر. والله سبحانه أعلم.

والبلد؛ يعني أنه يضم إلى حال الزوجين مراعاة البلد الذي هما به، فيراعى عادة أهله في مقدار النفقة والكسوة وجنسهما وفي المسكن أيضا وقال الإمام الحطاب: والبلد، فينفق عليها من الصنف الذي جرت عادة مثله ومثلها من أهل ذلك البلد بالإنفاق منه. قال ابن عرفة:(فصنف مأكولها)

(1)

جل قوت مثلهما ببلدهما يفرض لها من الطعام ما يرى أنه الشبع مما يقتات به أهل بلدهما؛ من

(2)

البلاد ما

(3)

لا ينفق أهله شعيرا بحال غنيهم ولا فقيرهم، ومنها

(4)

مَن ذلك

(5)

عندهم يستحق ويستجاز. انتهى.

والسعر؛ يعني أنه يضم إلى حال الزوجين مراعاة البلد والسعر أي الذي يقوم عليه الثمن، فليس زمن الرخص كزمن الغلاء، فيرجع في مقدار النفقة والكسوة وجنسهما إلى رخص الأسعار وغلائها، وتحقيق ذلك أن تقول: قوله: والبلد والسعر؛ أي ولابد مع ما تقدم من اعتبار مكانهما وزمانهما؛ إذ ليس العسر كالموسر، ولا بلد الجدب كبلد الخصب، ولا زمن الغلاء كزمن الرخاء؛ وقد قال تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} إلى آخر الآية. وقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . وقوله عليه الصلاة والسلام (لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).

وإن أكولة، مبالغة في قوله: يجب؛ يعني أنه يجب للزوجة نفقتها، والمعتبر في ذلك كفايتها وإن كانت أكولة وهي مصيبة نزلت به، فعليه كفايتها أو يطلقها، بخلاف من استأجر أجيرا بطعامه فوجده أكولا فله الخيار في فسخ إجارته، إلا أن يرضى بطعام وسط فلا خيار للمستأجر بل يدفع له طعاما وسطا: كما يأتي. وقيد كلامه هنا بما إذا لم يشترط كونها غير أكولة فله ردها إلا أن ترضى بالوسط. وقال الأمير: وللأكولة ما يكفيها أو يطلقها كما في (الحديث). انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: قد علمت أن هذا صريح أو كالصريح في أنه يلزمه شبعها، وقد نقل

(1)

ما بين المعكوفين ساقط من الأصل وأثبت من الحطاب: ج 4 من 580.

(2)

خبر.

(3)

مبتدأ.

(4)

خبر.

(5)

مبتدأ.

ص: 664

الشيخ الحطاب والشيخ ميارة في شرح التحفة عن ابن عرفة ما نصه: يفرض لها من الطعام ما يرى أنه الشبع مما يقتات به أهل بلدهما. انتهى. وفي الشرح المذكور: أن القادر بالكسب كالقادر بالمال ولا يجبر على التكسب. انتهى. وفي المواق عن ابن يونس: وأما إن تزوج امرأة أكولا خارجة عن عادة الناس فليس له فسخ نكاحها إما أشبعها أو طلقها وهو صريح في ذلك.

وتزاد المرضع ما تقوى به؛ يعني أنه يجب على الزوج أن يزيد في نفقة المرضع على غيرها بقدر ما تقوى على الرضاع مدته؛ لأنها تحتاج في ذلك إلى ما لا يحتاج إليه غيرها. وقوله: وتزاد المرضع ما تقْوى به؛ يعني سواء كان الولد من الزوج أو من غيره حيث رضي الزوج به. إلا المريضة، مستثنى من قوله: بالعادة، قاله الشبراخيتي؛ يعني أن الزوجة إذا كانت مريضة فإنه لا يلزم إلا ما تأكله ولو مشرفة بعد البناء، كما مر.

وقليلة الأكل، عطف على المريضة، فهو في حيز الاستثناء؛ يعني أن الزوجة إذا كانت قليلة الأكل فإنه لا يلزم إلا ما تأكله، فإذا طلبت المريضة أكثر مما تأكله في مرضها، أو قليلة الأكل أكثر مما تأكله، فإنهما لا تجابان إلى ذلك.

وعلم مما قررت أن قوله: فلا يلزم إلا ما تأكل، بالفعل راجع للمريضة وقليلة الأكل؛ أي فلا يلزم إلا ما تأكله المريضة حال المرض إذا نقص عما تأكله حال الصحة، ولا يلزمه في الزوجة القليلة الأكل إلا ما تأكله، ولا يقضى لكل بزيادة على ذلك، فليس لكل منهما ذلك؛ وهذا الذي ذكره المص هو الذي صوبه المتيطي فلذا قال:

على الأصوب، قال الشارح: يريد أن الزوجة إذا مرضت فقل أكلها أو كانت قليلة الأكل فطلبت قوتا كاملا فلا يكون لها إلا مقدار أكلها، المتيطى: وهو الصواب عندي وذلك أحق في المريضة من الصحيحة إذ النفقة في مقابلة الاستمتاع؛ وقال أبو عمران: يقضى لها بالوسط وتصْرف الفاضلَ في ما أحبت. وتردد في ذلك ابن سهل. انتهى. وقال الشبراخيتي: والمعتبر ما تأكله المريضة إلا أن يزيد ذلك عما تأكله حال الصحة أو عما جعل لها من الدراهم في نظير نفقتها فلا يلزمه الزائد، كما يفيده كلام المواق. انتهى. وقاله عبد الباقي. وزاد: وانظر ما الفرق بينها حينئذ وبين الأكولة؟ والقياس أنها أولى من الأكولة، ثم لزوم ما تأكله المريضة شامل لنحو سكر ولوز حيث كانا غذاءين لها لا دواء. انتهى. ولا يلزم الحرير يعني أنه لا يلزم الزوج أن يكسو زوجته حريرا

ص: 665

وما في حكمه كالخز ولو اتسع حاله وحالها. قاله الإمام مالك رضي الله عنه. فقوله: ولا يلزم، أي الزوج الحرير المراد به ما يشمل الخز، وظاهره ولو اعتيد واتسع حال الزوج وهو كذلك؛ فهو يقيد قوله: بالعادة. اشْهى. وقال الأمير: ولا يلزم الحرير ولو اعتيد على الراجح مما في الأصل. انتهى.

وحمل على الإطلاق؛ يعني أن الإمام نص على أن الزوج لا يلزمه الحرير وإن كان متسع الحال وأجراه ابن القاسم على ظاهره في سائر البلاد بالمدينة وغيرها، وتأول ابن القصار كلام الإمام على أن ذلك أي عدم لزوم الحرير للزوج خاص بمن سكن بالمدينة؛ أي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو من غير أهلها، إن تخلقت بخلقهن، لأجل قناعة أهل المدينة عن الدنيا أو عن الحريرة وإلى تأويل ابن القصار أشار بقوله:

وعلى المدينة، بتقديم النون على الياء، نسبة إلى المدينة كما أفاده الشبراخيتي. بقوله: وعند ابن القصار على المرأة المدنية. انتهى. واللام في قوله: لقناعتها، للتعليل؛ أي لأجل قناعة أهلها عن الدنيا أو عن الحرير. قال الشارح: وتأويل ابن القصار هو الصواب عند جماعة. انتهى. وقال الشبراخيتي: قال في الحاشية: وعلى المدنية لقناعتها. ضعيف، وإن صوبه جماعة. انتهى. وقال عبد الباقي: ولعل المص لم يجعل تأويل ابن القصار مساويا لابن القاسم وإلا لقال: تأويلان. وقوله: وعلى المدنية لقناعتها، لا يراعى ذلك في مكة شرفها الله فهي كغيرها من البلاد، وقوله وعلى المدنية لقناعتها: ظاهر أنه في الكسوة وأنه لا يراعى ذلك في الإطعام، وتقدم في باب اليمين مراعاة القناعة في الإطعام حيث قال المص:"وندب بغير المدينة زيادة ثلثه".

فيفرض الماء، هذا شروع منه رحمه الله في ذكر جزءيات داخلة في قوله: بالعادة، ذكرها لزيادة البيان؛ يعني: أنه يفرض للزوجة على زوجها أن يأتيها بالماء ويلزمه ذلك المفروض، فيفرض لها الماء لشربها ولوضوئها وغسلها، ظاهره ولو من جنابة في غير وطئه، ولشراح الرسالة فيه كلام، وشمل الغلط والزنى، وشمل احتلامها مع إنزالها، ولمستحب كغسل عيد ودخول مكة، ومسنون كالإحرام وجمعة تريد حضورها، كذا يظهر قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: فيفرض الماء للشرب والطبخ وغسل الثياب والوضوء والغسل. البساطي: ويفرض الماء لكرَشٍّ إن جرت به عادة. انتهى. وقال الشارح: فيفرض الماء لشربها ووضوئها وغسلها وغسل ثيابها. انتهى. وقال الأمير:

ص: 666

وعليه الماء ولو لغسلها من غيره ولو زنى. انتهى. وفي الحطاب: يفرض لها أجرة الطحن والخبز، كما صرح به في النوادر، ورواية المبسوط ليس عليه طحن المد، خلاف سماع عيسى: يفرض لها من النفقة ما فيه ماؤها وطحنها ونضج خبزها. ابن عرفة: لعل المنقي ولاية طحنه والمثبت أجره. انتهى.

والزيت؛ يعني أنه يفرض لها الزيت على الزوج لأكل، كالإدام ووقود وادهان، وقوله: والزيت، المراد ما يفتقر إليه سواء كان من الزيتون أو من القرطم أو غيرهما فتراعى العادة في ذلك. والحطب؛ يعني أنه يفرض للزوجة على الزوج الحطب للطبخ والخبز. والملح؛ يعني أنه يفرض للزوجة على الزوج الملح لأنه مصلح للطعام. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: والملح والخل للإصلاح. انتهى. واللحم يعني أنه يفرض للزوجة على الزوج اللحم ويفرض في الجمعة.

المرة بعد المرة، ومرجع هذا كله إلى العادة. قال ابن الحاجب: وإن وقع اختلاف فلتغيره. ابن عبد السلام: يعني أن ما وقع في المذهب من الخلاف في قدر النفقة وما أشبه ذلك فإنما هو لتغير السعر واختلاف الأماكن، لا أنه خلاف حقيقي، ولا يفرض لها عسل ولا سمن إلا أن يكونا إداما عادة، وحلوى وحالوم وهو ضرب من الأقط وليس بغليظ كالجبن الطري، ولا فاكهة لا رطبة ولا يابسة إلا أن يكونا إدامين عادة، كقثاء وخيار، وقوله: واللحم، ويعتبر ما يباح من اللحم عند الزوج لا عندها، كما يدل عليه ما تقدم في الزكاة من أن العبرة بمذهب الوصي، ولكن لا يمنعها من أكل ما يباح في مذهبها كلحم الخيل، كما قالوه في زوج الذمية من عدم منعه لها من أكل لحم الخنزير، ولكن لا يقضى به عليه إذ لا يلزم من عدم منع شخص آخر من شيء قضاؤه به، كما مر في صلاة الجماعة في خروج المتجالة للصلاة. نقله الشبراخيتي. وفيه عن الحاشية أن قوله: المرة بعد المرة؛ يعني في الجمعة الواحدة، ففي حق القادر ثلاث مرات يوما بعد يوم، والمتوسط مرتان، والمنحط الحال مرة. انتهى. وقد علمت أن هذا مرجعه العرف وحينئذ فالأمر فيه ظاهر ولا يفرض التمر ولا الحلوى.

وحصير؛ يعني أنه يلزم الزوج حصير لزوجته. قال عبد الباقي: وحصير تحت الفراش أو هو الفراش سواء كانت من حلفى أو بردى. وقاله الشبراخيتي: وقال الشارح: وحصير، ابن حبيب: والحصير من حلفى أو بردى يكون تحت الفراش، وزاد بعضهم اللبد على عادتهم. انتهى.

ص: 667

وسرير؛ يعني أنه يلزم الزوج لزوجته إن كان قد احتيج له، أي للسرير ليمنع عنها العقارب أو البراغيث ونحوها. قاله عبد الباقي. وقال الشارح: قال ابن القاسم: ويلزمه السرير في الوقت الذي يحتاج إليه لخوف عقارب وشبهها. ابن حبيب: أو براغيث أو فأر. ابن القاسم: وعليه ما يصلح للشتاء والصيف من قميص وجبة وخمار ومقنعة ووسادة وإزار وشبهه مما لا غنى عنه. انتهى كلام الشارح.

وأجرة قابلة؛ يعني أنه يلزم الزوج أجرة القابلة وهي التي تأخذ الولد عند الوضع، وفي مختصر الوقار: على الرجل أن يقوم بجميع مصلحة زوجته عند ولادتها وأجرة القابلة كانت تحته أو مطلقة، إلا أن تكون أمة مطلقة فيسقط ذلك عنه لأن ولدها رقيق لسيدها، وليس عليه أن ينفق على عبد سيدها وإن كان ولده، وقال عبد الباقي: وأجرة قابلة، ولو لمطلقة حرة أو أمة كالجد، ويجب لها عند الولادة ما جرت به العادة، بخلاف أمة غيره فعلى السيد ولو غير مطلقة. انتهى. وقال الشارح: وأجرة قابلة هذا هو الأصح وهو قول أصبغ، واختاره غير واحد؛ لأنها لا غنى لها عنها. وقيل: هي عليها، وقال محمد: إن كانت المنفعة لها فعليها، وإن كانت للولد فعلى الأب، وإن كانت لهما فبينهما. انتهى.

وزينة؛ يعني أنه يفرض على الزوج للزوجة من الزينة الزينةُ التي تستضر المرأة بسبب تركها، بأن يحصل لها شعث بتركها، ولا يشترط الاضطرار، ومفهوم قوله: تستضر بتركها، أن ما لا تستضر بتركه من الزينة لا يلزمه. قال ابن القاسم: لا يلزمه مصبوغ ولا صباغ ولا مشط ولا مكحلة. ابن وهب: ولا طيب ولا زعفران ولا خضاب ليديها أو رجليها إلا أن يشاء. قال: ومعنى ذلك عندي أنه ليس عليه من زينتها إلا ما تستضر بتركة كالكحل الذي يضر تركة ببصر معتادته، والمشط بالحناء لمن اعتادت ذلك لأن تركه يفسد شعرها ويمزقه، والذي نفى ابن القاسم إنما هو المكحلة ولم ينف الكحل، فيتضمن القولان أن الكحل يلزمه دون المكحلة، وعلى هذا يلزمه ما تمتشط به من الدهن والحناء دون الآلة التي تمتشط بها. انتهى.

ككحل، هذا من أمثلة الزينة التي تستضر بتركها؛ يعني أنه يقضى على الزوج لزوجته بأن يأتيها بكحل تكتحل به لأن الزوج يجب عليه القيام لزوجته بضرورياته

(1)

التي لا غنى عنها.

(1)

كذا في الأصل ولعلها: بضرورياتها.

ص: 668

ودهن، يعني أنه يقضى على الزوج لزوجته بأن يأتيها بدهن تدهن به أي لغير رأسها ليلا يتكرر مع ما يأتي، وقيد الكحل والدهن بأن يكونا معتادين، وأما إن لم يكونا معتادين فلا يلزمانه. وحناء؛ يعني أنه يقضى على الزوج لزوجته بالحناء لرأسها لا لخضاب يديها فلا يفرض عليه ولو جرى به عرف، وكذا الطيب لا يفرض ولو جرى به عرف لأنه من الزينة التى لا تستضر بتركها، والحاصل أنه لأهل كل بلد من الزينة المستضر بتركها ما جرت به عادتهم، وفي سماع يحيى: وأما الصبغ والطيب والزعفران والحناء لخضاب اليدين والرجلين بالحناء فإنا نقول: إنما هذا وشبهه للرجال يصلحون به نساءهم للذاتهم فمن شح به فليس يلزمه.

ومشط، بفتح الميم وهو ما يخمر به الرأس دهنا أو غيره؛ يعني أنه يقضى على الزوج لزوجته بأن يأتيها بما تمتشط به، وهذا من عطف العام على الخاص، وهنا ثلاثة أشياء: ما تمتشط به المرأة أي ما تخمر به رأسها يلزم الزوج، والثاني: الآلة وهي المشط بضم الميم على المرأة، والثالث: أجرة المتولي لذلك وهي عليها أيضا. وقوله: وحناء ومشط، لابد أن يكونا معتادين كما مر ما يفيده قال الإمام الحطاب: انظر لم أخر قوله: وحناء ومشط، عن قوله: معتادين، مع أن ذلك يوهم القضاء بهما وإن لم يكونا معتادين. وقد قال ابن رشد في رسم الجواب من سماع عيسى من طلاق السنة: أوجب في هذه الرواية على الرجل في فرض امرأته من الدهن ما تدهن به، ومن الحناء ما تمتشط به وذلك لعرف عندهم وعادة جرى عليها نساؤهم، ولا يفرض ذلك عندنا إذ لا يعرفه نساؤنا، ولأهل كل بلد من ذلك عرفهم وما جرت به عادتهم، وأما الصبغ والطيب والزعفران والحناء لخضاب اليدين والرجلين فلا يفرض على الزوج شيء من ذلك. قاله ابن وهب في رسم الأقضية من سماع يحيى. انتهى. ثم قال: فلا مفهوم لتقديم المص قوله: معتادين، والله أعلم. انتهى.

وإخدام أهله، قال عبد الباقي: إن الضمير يرجع للإخدام؛ يعني أن الزوج الذي هو متسع الحال يقضى عليه بأن يخدم زوجته التي هي أهل للإخدام، بأن تكون هي من ذوات القدر اللاَّتي خدمتهن في البيت الأمر والنهي. كما قال ابن عرفة، أو يكون هو ذا قدر تزري به خدمة زوجته، وقوله: وإخدام أهله، من إضافة المصدر لمفعوله وذلك يشمل الصورتين المتقدمتين، ويلزمه أيضا أن

ص: 669

يخدمها إذا لم يكن واحد منهما أهلا إلا أن في صداقها ثمن خادم، فإنها إذا طلبت ذلك تجاب له سواء كان الخادم أنثى أو ذكرا لا يقدر على استمتاع. قاله عبد الباقي. وقال: وانظر قول ابن عرفة: خدمة ذات القدر في البيت الأمر والنهي، هل هو إخبار بحكم؟ فإن تركته حتى تلف شيء لزمها، أو إخبار عن عادة بلده. والظاهر منه الأول. انتهى. وقوله: وإخدام أهله، فيه عود الضمير من المضاف إليه على المضاف. قال بناني: ولا أظنه يجوز في العربية. انتهى. واعلم أنه لا خلاف في استحباب خدمتها بنفسها تبرعا لأنها معونة للزوج وهي مندوب إليها. قاله القرطبي. نقله الحطاب. وإذا عجز عن الإخدام لم يطلق عليه لأجل ذلك على المشهور قاله غير واحد.

وإن بكراء؛ يعني أنه لا فرق في حصول الإخدام بين أن يخدمها بنفسه أو بخادمه المملوك له، أو يكري لها خادما أو ينفق على خادمها. ابن عرفة: ومنهن من إخدامها بكراء غضاضة عليها. انتهى. الباجي: وينفق على خادمها أو يخدمها هو بنفسه.

ولو بأكثر من واحد؛ يعني أن الزوج يلزمه أن يخدم زوجته التي هي أهل للإخدام ولو احتاجت إلى أكثر من واحدة، فيقضى عليه بذلك حيث لم تكف الواحدة، وهل يصدق إن ادعى العجز عن الإخدام؟ أم لا، قولان. وقد مر أنه لا يطلق عليه بالعجز عن الإخدام على المشهور من المذهب، وقد روى ابن المعذل عن ابن الماجشون أنه يطلق عليه لعجزه عن النفقة على خادم زوجته، كما يطلق عليه لعجزه عن النفقة على الزوجة، ولو تنازعا في كونها ممن تُخْدَمُ فهل البينة عليها أو عليه؟ قولان، وإذا أخدمها مملوكا له فالظاهر أنها لا تملكه إذا لم يملكه لها بصيغة هبة أو تمليك، وإن كان لا يحل له وطؤها إن كانت أمة لأنها مخدمة بالفتح، وإذا اشترط الإخدام في صلب العقد لم يضر إن وجب لها بأن كانت أهلا للإخدام أو كان هو أهلا له، وإلا فسخ قبل البنا، وصح بعده، وألغي الشرط كما في شرح عبد الباقي. وقوله: ولو بأكثر من واحدة، قال الشارح: هو قول مالك وابن القاسم، قيل: وهو الأظهر. وقال ابن القاسم أيضا: لا يلزمه أكثر من خادم. وقاله أصبغ. وقيل إن طالبها بأحوال الملوكية لزمه ذلك وإلا فلا. انتهى. وقال الأمير عاطفا على ما يلزم لها: والإخدام ولو تعدد وأجزأ بنفسه.

ص: 670

وقضي لها بخادمها؛ يعني أن المرأة لو قالت: تخدمني خادمي وتكون عندي ينفق عليها زوجي، وقال الزوج: خادمى هي هو الذي يخدمك، فالقول قول المرأة ويقضى لها بذلك. إن أحبت أن تخدمها خادمها، وهو قول مالك وابن القاسم، وقيد ابن شأس القضاء بخادمها بما إذا كانت مألوفة، وظاهر المص الإطلاق. ابن المواز: قال مالك وكذا إن أراد أن يكتري لها دارا ورضيت هي بالسكنى في دارها بمثل ما يكرى لها أو دون ذلك إن أحبت.

إلا لريبة؛ يعني أن ما مر من كونها يقضى لها بخادمها محله حيث لم تكن هناك ريبة، وأما إن كانت في الخادم ريبة أي تُهَمَةٌ في دينها أو سرقة ماله فإنها لا تجاب إلى ذلك. قال عبد الباقي: إلا لريبة ثابتة ببينة أو يعرفها جيرانها في دين العبد أو في سرقة ماله كما يفيده المواق عن المشاور. ولعل الفرق حينئذ بينها وبين ما يأتي في الأبوين مع الأمينة كثرة ترددها وبقائها مع الزوجة أكثر من الأبوين. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولا يقبل دعواه الريبة بمجردها بل بالبينة أو بظهورها للجيران، ويستحب لها خدمة زوجها بنفسها إذا كانت شريفة لفعل فاطمة رضي الله عنها. انتهى. وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية؛ أي وإن لم تكن المرأة أهلا للإخدام بأن لم تكن هي أو هو من أشراف الناس أو كان الزوج فقيرا وإن كانت هي أو هو أهلا للإخدام.

فالواجب عليها ولو كانت غنية وذات قدر الخدمة الباطنة في بيتها بنفسها أو بغيرها، بخلاف الخدمة الظاهرة، كما يأتي قريبا وبيَّن الخدمة الباطنة بقوله: من عجن؛ أي يجب عليها أن تعجن الدقيق، ومِنْ: بيانية، ويلزمها أيضا الطبخ. قال عبد الباقي: من عجن وطبخ له في جميع ذلك لا لضيوفه فيما يظهر، ويلزمها استقاء بالدار أو خارجها ولو من بحر في نساء عادتهن ذلك، وغسل ثيابه، ابن رشد: إلا أن يكون الزوج من الأشراف الذين لا يمتهنون أزواجهم في الخدمة فعليه الإخدام وإن لم تكن زوجته من ذوات الأقدار انتهى وهو مستغنى عنه بما مر من قوله: وإخدام أهله، انتهى. وقال الشبراخيتي: واستقاء ماء إن كانت عادة البلد، ولعله يريد من بير دارها أو ما قرب منها. انتهى. وقال الشارح: وكذلك الطبخ واستقاء الماء إن كان معها في الدار أو كانت عادة النساء ببلدها الاستقاء.

ص: 671

وكنس؛ يعني أنه يجب عليها الكنس وهو إزالة ما في البيت من القمامة قال عبد الباقي: له لا لضيوفه فيما يظهر. وفرش؛ يعني أنه يجب عليها أيضا أن تفرش البيت أي تبسط فيه الفراش، قال عبد الباقي: له لا لضيوفه فيما يظهر. انتهى. والمرجع في هذا للعادة، قال الأمير: وإلا فعليها الخدمة بالعادة. انتهى. بخلاف النسج؛ يعني أنه إنما تلزمها الخدمة الباطنة وأما الخدمة الظاهرة كالنسج فلا تلزمها لأنها تكسب وهي لا تلزم به.

والغزل؛ أي وكذا لا يلزمها الغزل أيضا لأنه من الخدمة الظاهرة. قال الشبراخيتي: بخلاف ما كان من جهة التكسب مثل النسج والغزل والخياطة والطرز فلا يلزمها عملها لتطعم نفسها أو لتكتسي، وظاهره كغيره ولو كانت عادة نساء بلدها، ولو أدخل الكاف على النسج ليشمل الخياطة والطرز لكان أحسن. انتهى. وقال عبد الباقي: بخلاف الخدمة الظاهرة مثل النسج والغزل له والخياطة والتطريز له ونحوهما مما هو من التكسب فلا يلزمها عمله له، ولو من قوم عادتهم ذلك؛ لأنه من التكسب للنفقة وهي واجبة عليه لها لا عليها له، وهو الجاري على ما في الفلس من قوله: ولا يلزم بتكسب، ونحوه للخرشي، وزاد: إلا أن تتطوع بذلك. انتهى. وقال الأمير لا التكسب كغزل ونسج. انتهى. وقال الشارح: أي فلا يلزمها ذلك، وكذا الخياطة ونحوها مما هو من أنواع التكسب إذ لا يلزمها التكسب الذي يجعل فيه الكحل.

لا مكحله؛ يعني أن الزوج إنما يلزمه لزوجته الكحل، وأما المكحلة وهي الوعاء الذي يجعل فيه الكحل فلا تلزمه قال الخرشي: يعني أن الرجل لا تلزمه لزوجته المكحلة وهي الوعاء الذي يجعل فيه الكحل، بخلاف الكحل فيلزمه. انتهى. وقال الشبراخيتي: لا مكحلة أي لا يلزمه آلة الكحل ويلزمه ما تكتحل به كما سبق. مالك: ولا يقضى بدخول الحمام إلا من سقم أو نفاس. ابن شعبان: يريد الخروج إليه لا أجرته. انتهى. وهنا ثلاثة: الكحل عليه، المكحلة والاكتحال، الأول ليس عليه، وكذا الثاني على مقتضى كلامهم. والله سبحانه أعلم.

ودواء؛ يعني أن الزوج لا يلزمه الدواء لزوجته عند مرضها ومنه أجرة الطبيب، فلا يلزمه عين الدواء ولا ثمنه ولا أجرة الحجام الذي يحجمها، وإلى ذلك أشار بقوله: وحجامة، وهي من الدواء. قاله الشبراخيتي. وقال الشارح: وأكثر نصوصهم أنه لا يلزمه الدواء ولا الحجامة وهو قول

ص: 672

ابن حبيب، وعن ابن عبد الحكم أنه يلزمه أجرة الطبيب والمداواة. انتهى. وفي الأمير ما يفيد أن الدواء إذا كان قوتا يقضى لها به قال مقيده عفا الله عنه: وهو ظاهر حيث جرت العادة بذلك. والله سبحانه أعلم. وثياب المخرج؛ يعني أن الزوج لا يلزمه لزوجته ثياب المخرج أي الثياب التي تتزين بها عند الخروج حين تذهب لزيارة أهلها أو عند فرح ولو غنيا. اللخمي: ظاهر المذهب أن لا شيء لها من ذلك؛ يعني ثياب المخرج. انتهى. وفي المبسوط من رواية ابن نافع: تلزم الغني، وقوله المخرج، اسم مصدر بمعنى الخروج، وعبارة الأمير: وثياب الخروج. وقال الخرشي عند قوله: وثياب المخرج؛ هذا هو المشهور.

وله التمتع بشورتها؛ يعني أن الزوج له أن يتمتع بشورة زوجته وحده أو معها، وتمتعه بها حق له، فله منعها من بيعها وهبتها، والشورة بفتح الشين المعجمة المتاع وما يحتاج إليه البيت، وبالضم الجمال، والمراد هنا الشورة بالفتح. قال الإمام الحطاب: وما ذكره من التمتع بشورتها هو كذلك. قال في الشامل: وله التمتع بشورتها التي من مهوها إن لزمها التجهيز بها وإلا فلا. انتهى. وكأنه يشير إلى ما ذكره في التوضيح ونقله صاحب الشامل في شرح المختصر: من أن هذا الحكم جار على المشهور أن المرأة يلزمها التجهيز بصداقها، وأما على الشاذ فلا. انتهى بمعناه. انتهى كلام الحطاب. وقال الخرشي عند قول المص:"ولزمها التجهيز على العادة"؛ أي للزوج أن يلزم زوجته أن تتجهز بذلك على العادة من حضر وبدو، حتى لو كان العرف شراء خادم أو دار لزمها ذلك. انتهى. وقال عبد الباقي عند قول المص: واختصت به إن أورد ببيتها؛ أي اختصت بالشوار الزائد على صداقها لا بقدره فقط. وقال عبد الباقي؛ أيضا: إن المراد بالشورة ما دخلت به بعد قبض صداقها، فإن لم تقبض منه شيئا وإنما تجهزت من مالها فليس له عليها إلا الحجر إذا تبرعت بزائد الثلث. انتهى. وقد مر أن تمتعه بها حق لى فله منعها من بيعها وهبتها. قاله عبد الباقي. قال بناني: ظاهره أبدا. والذي في المعيار أول النكاح عن ابن زرب: أن الشورة لا تبيعها الزوجة حتى يمضي من المدة ما يرى أنه ينتفع بها الزوج. قال: وقد ذكر ابن رشد فيما أظن: أن لها التصرف فيها بعد أربع سنين وهي في بيت زوجها. انتهى.

ص: 673

وقال ابن عرفة: ابن عات عن ابن زرب: ليس لها بيع شورتها من نقدها إلا بعد مضي انتفاع زوجها بها والسنة في ذلك قليلة. انتهى. وقوله: والمراد بها ما دخلت به بعد قبض صداقها، يشمل ما اشترته من صداقها أو من هدية مشترطة أو جرى بها عرف، ففي اختصار الطرر ما نصه وللزوج امتهان ما اشترت من الجهاز حتى يبليه إذا كان الشراء من نقدها. ثم قال: وإن كان معها كسوة من جهازها أو من هدية قد اشترطت عليه أو كانت عندهم معروفة كالمشترطة لم يلزم الزوج كسوتها حتى تخلقها، وقد مر عند قول المص: إن سبق البناء، أنه إذا سبق البناء القبض لم يلزمها أن تتجهز بما قبضته إلا لقبض أو عرف. انتهى.

قال مقيده عفا الله عنه: وإذا تأملت ما مر عن الخرشي من قوله: حتى لو كان العرف شراء خادم أو دار لزمها ذلك، بعد أن قال: على العادة من حضر وبدو، وقول المص:"ولزمها التجهيز على العادة"، علمت أن المراد بالشورة ما تجهزت به في مقابلة الصداق إذ يطلقون الشورة على الجهاز كما مر عن عبد الباقي عند قوله: واختصت به، فإنه قال: أي بالشوار الزائد والضمير عائد على الجهاز، وحينئذ فتدخل في الشورة لأمة والدار وغيرهما مما تجهزت به في مقابلة صداقها كجِمالها وأينُقها فللزوج التمتع بذلك والله سبحانه أعلم.

ولا يلزمه بدلها؛ يعني أن الزوج لا يلزمه أن يشتري لزوجته شورة بدل الشورة التي خلقت ولكن يلزمه أن يشتري من الشورة ما لا يستغنى عنه. قال الإمام الحطاب: قال في التوضيح: قال ابن حبيب: وإذا خلقت الشورة أو لم يكن في صداقها ما تتشور به فعليه الوسط من ذلك مما يصلح للشتاء والصيف. وكذلك قال أصبغ: يفرض الوسط لمن لا شورة لها. انتهى. وقال ابن عرفة في سماع عيسى ابن القاسم: يفرض لها اللحاف في الليل والفراش والوسادة والسرير إن احتيج له لخوف العقارب وشبهها. ابن سهل عن ابن حبيب: إن كانت حدثيه البناء وشورتها من صداقها فليس لها غيرها لا في ملبس ولا في مفرش وملحف: بل له الاستمتاع بذلك معها. بذلك مضت السنة وحكم الحكام، يريد إلا أن يقل صداقها عن ذلك أو كان عهد البناء قد طال فعليه ما لا غنى عنه، وذلك في الوسط فراش ومرفقة وإزار ولحاف ولبد تفترشه على فراشها في الشتاء،

ص: 674

وسرير لخوف عقارب أو حيات أو فار أو براغيث، وإلا فلا شيء عليه، وحصير حلفاء يكون عليه الفراش، [وحصير ثان

(1)

] أو بردي. انتهى.

وكلام الشارح يوهم أن المشهور أنه لا يلزمه أن يخلف شيئا من شورتها، وأن ابن الماجشون يقول: يلزمه أن يخلفها، ولم أقف على هذا الخلاف هكذا. فتأمله. والله أعلم. انتهى. وقال عبد الباقي: ولا يلزمه بدلها إن خلقت إلا الغطاء والوطاء. انتهى. وقوله: الغطاء ما يتغطى به من فرو ونحوه، والوطاء الفراش. والله سبحانه أعلم. وقال الأمير: ولا يلزمه بدلها بل ما لا غنى عنه بَعْدُ، وله منعها من بيع شورتها قبل مضي مدة يرى أنه حصل له فيها ما يقصد من الانتفاع، والسنة في ذلك قليلة كما في بناني. انتهى. وقال الخرشي: أي ولا يلزم الزوج بدل الشورة الأولى ويلزمه لها ما لا غنى عنه. انتهى.

وله منعها من أكل كثوم؛ يعني أن الزوج له أن يمنع زوجته من أكلِ أو شربِ ما له رائحة كريهة ويقضى له عليها بذلك كثوم وبصل وفجل ونحوها من كل ما له رائحة كريهة، إلا أن يستعمله معها أو يكون لا شم له، وليس لها منعه من ذلك فلا يدخل هذا تحت قوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} بل يدخل في قوله تعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} . انظر كتاب الأمير. وله منعها من قعل ما يضعف جسدها من الصنائع، وله منعها من الغزل إلا أن يقصد ضررها.

تنبيهات: الأول: اعلم أن الذي عليه أهل العلم أن السكنى للرجل يسكن حيث أحب من البلاد، فله السفر بزوجته لكن إنما يسافر بها لبلدة تجري فيها الأحكام وهو حر مأمون عليها، والطريق مأمونة والبلدة قريبة بحيث لا ينقطع خبرها عن أهلها ولا خبر أهلها عنها، وليس للعبد أن يظعن بزوجته حرة أو أمة إلا أن يكون الشيء القريب الذي لا يخاف عليها فيه ضرورة، وقد مر هذا. الثاني: اعلم أنه يجب على كلا الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف، فقد قال صلى الله عليه وسلم (لو كنت (ءامرا

(2)

) أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها

(3)

). رواه

(1)

في الحطاب ط دار الرضوان ج 4 ص 582: وحصيرتان.

(2)

في الأصل آمر والمثبت من عارضة الأحوذي ج 3 ص 92.

(3)

الترمذي، كتاب الرضاع، الحديث 1159.

ص: 675

الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه. وروى الترمذي أيضا عن سيدتنا أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة

(1)

). وروى الشيخان وأبو داوود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها

(2)

) زوجها وفي رواية: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح

(3)

)، وفي رواية: (حتى ترجع

(4)

) وعنه رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أي النساء خير؟ قال: (التي تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره

(5)

). رواه النسائي. وروى أبو داوود عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسئل الرجل فيما ضرب امرأته عليه

(6)

). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها

(7)

). وقد جرت سيدتنا فاطمة رضي الله عنها بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، فقال لها سيدنا علي رضي الله تعالى عنه لما أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بخدم: لو أتيت أباك فسألته خادما، فأتته فوجدت عنده خادما فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: ما كان حاجتك؟ فسكتت، فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله أنا أحدثك أنها جَرَّت بالرحى حتى أثرت في يدها، وحملت القربة حتى أثرت في نحرها، فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك تستخدمك خادما يقيها حر ما هي فيه فقال: (اتقي الله يا فاطمة وأدي فريضة ربك واعملي عمل أهلك وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين واحمدي ثلاثا وثلاثين وكبري أربعا وثلاثين فذلك مائة هي خير لك من خادم

(8)

) قالت رضيت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يخدمها، رواه الخمسة إلا النسائي، وروى الشيخان والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه

(1)

الترمذي، كتاب الرضاع الحديث 1161.

(2)

مسلم، كتاب النكاح الحديث 1436.

(3)

مسلم، كتاب النكاح الحديث 1436. البخاري، كتاب بدء الخلق، الحديث 3237 - 5193، كتاب النكاح. أبو داود، كتاب اللنكاح، الحديث، 2141.

(4)

البخاري، كتاب النكاح الحديث 5194.

(5)

النسائي في سننه الكبرى، الحديث 5343.

(6)

أبو داود، كتاب النكاح الحديث 2147.

(7)

أبو داود، كتاب الصيام الحديث 2459.

(8)

التيسير، ج 3 ص 10.

ص: 676

صلى الله عليه وسلم قال: (استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج

(1)

)، الثالث: روى الترمذي عن عمر بن الأحوص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن

(2)

) قوله: عوان، العواني جمع عانية وهي الأسيرة شبه المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير والمبرح الشديد والشاق.

لا أبويها، فيه عطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض وهو جائز عند الأقل؛ يعني أن الزوج ليس له أن يمنع أبوي زوجته من الدخول عليها، بل يقضى عليه بدخول أبويها أي أبيها وأمها عليها وإن كره هو ذلك لندب الشرع للمواصلة وقال الشبراخيتي: قال ابن رشد: ويلزم الرجل أن يأذن لامرأته في أن يدخل عليها ذات

(3)

رحمها من النساء ولا يكون ذلك في الرجال إلا في ذوي المحرم منها، والمراد الأبوان دنية من جهة النسب فيخرج الأبوان من جهة الرضاع والأجداد والجدات. انتهى.

وولدها من غيره يعني أن الزوج ليس له أن يمنع أولاد زوجته من غيره أن يدخلوا عليها بل يقضى عليه بدخولهم عليها، والمراد ولدها من جهة النسب لا من جهة الرضاع، والمراد أيضا ولد الصلب فيخرج ولد الولد. قاله الشبراخيتي. قوله: أن يدخلوا لها أي عليها أو لأجلها قاله مقيده وقوله: أن يدخلوا لها، بدل اشتمال من أبويها وولدها؛ أي ليس له أن يمنعهم من الدخول عليها لندب الشرع للمواصلة ولتفقدها لحال الأولاد وتفقد أبويها لحالها، والعادة جارية بذلك قال

(1)

التيسير، ج 3 ص 10.

(2)

التيسير، ج 3 ص 10.

(3)

في الشبراخيتى ج 2 مخطوط: ذوات.

ص: 677

الشارح: قوله: لا أبويها وولدها من غيره أن يدخلوا لها؛ أي فليس له منعهم من ذلك ولا خلاف فيه. انتهى.

وحنث إن حلف؛ يعني أن الزوج إذا حلف أن لا يدخل أبوا الزوجة عليها، فإنه يحنث بالبناء للمجهول وتشديد النون؛ أي يحكم بتحنيثه بدخولهم عليها وكذلك يحنث أيضا إذا حلف أن لا يدخل عليها ولدها من غيره، وإنما يحنث بالدخول لا بمجرد الحلف ولا بالحكم؛ لأن الحنث إنما يكون بفعل ضد المحلوف عليه، والصيغة هنا صيغة بر. قال هذا غير واحد. وقال الخرشي: واعلم أنه لا يحنث بمجرد الحلف ولا بطلب أبويها وولدها للدخول ولا الحكم لهم بذلك، وإنما يكون الحنث بحصول ضد المحلوف عليه. انتهى. ولا يشترط في تحنيثه أن يزيد: وأن لا تخرج إليهم، خلافا لابن حبيب قاله عبد الباقي. وقال: وقول التتائي: ظاهر المص الحنث بمجرد الحلف، مبني على ضبط حنث بفتح الحاء وكسر النون مخففة، وهو لا يوافق ما مر في اليمين. وقوله وهو قول مالك أي التحنيث لا قوله بمجرده. انتهى.

كحلفه أن لا تزور والديها، تشبيه في التحنيث؛ يعني أن الزوج إذا حلف على زوجته أن لا تزور والديها فإنه يحنث بفتح النون وتشديدها أي يحكم بتحنيثه في يمينه ويقضى عليه بإتيانها إليهما لزيارة أو لغيرها مما فيه مصلحة. إن كانت مأمون؛ يعني أنه إنما يحنث في حلفه أن لا تزور والديها إن كانت مأمونة قال عبد الباقي: ويحنث بخروجها لهما لا قبله، فإن أعطته مالا أو شيئا من مهرها ليأذن لها في زيارتها لهما

(1)

رجعت عليه فيما يقضى عليه بخروجها لهما إن كانوا ببلدها، لا إن بعدوا عن بلدها فلا ترجع عليه حيث وفى لها؛ إذ لا يقضى عليه به إذا بعدوا من بلدها، ولعل رجوعها بما وهبت حالة كونهما بالبلد مقيد بما إذا لم تعلم بلزوم ذلك للزوج، فإن علمت لم ترجع عليه لأنها كالمتبرعة. انتهى.

ولو شابة؛ يعني أنه يحنث في حلفه المذكور حيث كانت المرأة مأمونة ولا فرق في ذلك بين الشابة وغيرها، ورد المص بلو على ابن حبيب القائل: إن زوج الشابة إذا حلف لا تزور والديها لا يحنث في خروجها إلى أبويها، فالخلاف إنما هو في الشابة المأمونة، وأما المتجالة المأمونة فلا خلاف أنه يقضى لها بزيارة أبيها. ومفهوم المص أن غير المأمونة متجالةً أو شابةً لا يقضى

(1)

ساقطة من الأصل والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 248.

ص: 678

بخروجها. قال عبد الباقي: فإن لم تكن مأمونة لم تخرج ولو متجالة أو مع أمينة فيما يظهر ونحوه للشيخ كريم الدين، لتطرق فسادها عند خروجها مع أمينة بخلاف دخولهما معها، كما يأتي للمص، ولا يحنث بحلفه أن لا تزور ولدها من غيره لقصور مرتبته عن مرتبة والديها. انتهى. وقال بناني: يفهم منه يعني المص أن غير الشابة يشترط فيها أن تكون مأمونة، والأصل هو الأمن فيها وفي الشابة حتى يثبت خلافه، كما في التوضيح، والخلاف الذي أشار إليه هو قول ابن حبيب: لا يحنث في خروجها إلى أبويها قال ابن رشد: وإنما هذا الخلاف في الشابة المأمونة، وأما المتجالة فلا خلاف أنه يقضى لها بزيارة أبيها وأخيها. انتهى. فيؤخذ منه أن غير المأمونة لا يقضى بخروجها شابة كانت أو متجالة، والمأمونة يقضى بخروجها إلى أبويها، خلافا لابن حبيب في الشابة. انظر المواق. واعلم أن الصور ثمان لأن منع دخول أبويها وولدها من غيره صورتان، وفي كل منهما إما أن يحلف على ذلك الزوج أم لا، وصور زيارتها لولدها وأبويها أربع أيضا. قاله الشبراخيتي.

تنبيه: قال المتيطى: قيل لمالك في كتاب محمد: فإن حلف بطلاق أو عتاق أن لا تخرج أيقضى عليه في أبيها وأمها ويحنث؟ قال: نعم أرى ذلك عليه إذا حلف. قيل لمالك: فهل تزور في كل يوم أم كم حد الزيارة التي تجوز لها؟ قال في كل شهر مرة أو مرتين، فأما في كل يوم فذلك التبرج الذي كان في الجاهلية قبل ضرب الحجاب. قيل له: إن قوما يقولون: لها أن تزور في كل جمعة مرة فأنكر ذلك. انتهى. انتهى كلام بناني. وقوله:

لا إن حلف لا تخرج يعني به أن الزوج إذا حلف على زوجته أن لا تخرج وأطلق في يمينه فإنه لا يحنث، وسواء في ذلك اليمين بالله وغيرها، قالوا: لأنه لما عمم لم يظهر منه قصد الضرر، وقوله: لا إن حلف لا تخرج. قال عبد الباقي: لا إن حلف بعتق أو طلاق أو بالله لا تخرج وأطلق في يمينه لفظا ونية فلا يقضى عليه بخروجها لأبويها، والفرق بينه وبين التخصيص أنه يظهر منه قصد الضرر بخلاف حالة التعميم فإن نوى في المطلق تخصيصها فكالقسم المتقدم. انتهى. وقال الشبراخيتي: لا إن حلف عليها أنها لا تخرج وأطلق فإنه لا يحنث ولو في زيارة أبويها ونحوه للخرشي وغيره. وقال الحطاب: قال في المديان منها: وللرجل منع أم ولده من

ص: 679

التجارة في مالها، كما له انتزاعه، وليس له منع زوجته من التجارة، وله منعها من الخروج. قال أبو الحسن: يعني الخروج للتجارة وما أشبه ذلك، وأما في زيارة أبويها أو شهود جنازتهما فليس له منعها، وكذلك خروجها إلى المساجد. ويقوم من قوله: ليس له منعها من التجارة، أنه لا يغلق عليها. وهو منصوص في الوثائق المجموعة في كتاب الوصايا. انتهى.

فرع: قال المشدالي: قال سحنون في نوازله: لذات الزوج أن تدخل على نفسها رجالا تشهدهم بغير إذن زوجها، وزوجها غائب، ولا تمنع من ذلك، لكنه لابد أن يكون معهم محرم منها. ابن رشد: هذا كما قال: إنه من حقها أن تدخل من تشهده على نفسها بما تريد مما يجب عليها أو يستحب؛ لأنها في ذلك كالرجل، ولا يمنعها من شئ من ذلك، والاختيار كما قال: أنه لابد من ذي محرمها يكون معهم إن كان زوجها غائبا، فإن لم يكن فرجال صالحون. ونبه على ذلك أبو الحسن في كتاب الشركة في قوله: وتجوز الشركة بين النساء وبينهن وبين الرجال. وذكره ابن عرفة في أثناء الكلام على النفقة. قاله الحطاب.

وقضي للصغار كل يوم؛ يعني أن الزوج يقضى عليه لأولاد زوجته الصغار أن يدخلوا على أمهم كل يوم لتتفقد أحوالهم، وللكبار كل جمعة؛ يعني أن ذات الزوج يقضى لأولادها البالغين على زوجها بالدخول عليها في كل جمعة مرة. كالوالدين؛ يعني أن الوالدين يقضى لهما بالدخول عليها في كل جمعة مرة كالأولاد الكبار.

ومع أمينة إن اتهمهما يعني أن الزوج إذا اتهم الأبوين على إفساد زوجته فإنهما يدخلان عليها مع أمينة، وهما محمولان في زيارتهما لها على الأمانة وعدم الإفساد حتى يثبت خلاف ذلك، فإذا ثبت ذلك منعا من زيارتها إلا مع أمينة، والحاصل أن الزوج لا يصدق في دعوى الإفساد، بل لابد من البينة وإذا ثبت إفسادهما لها فهما ظالمان فالأجرة عليهما: وقوله: ومع أمينة إن اتهمهما، قال المواق: لعل الواو مقحمة أي لأن الذي في النقل أن دخول الأبوين كل جمعة مقيد بما إذا اتهمهما، وإلا فكل يوم، فلو حذف الواو وزاد وإلا فكل يوم كان أحسن.

وعلم مما قررت أن المراد اتهمهما على إفساد زوجته، فاتهامهما بأخذ ماله لا يوجب منعهما لإمكان التحرز منهما، وقوله: ومع أمينة، الظاهر أنه لا فرق في هذا بين حضور الزوج وغيبته لأن

ص: 680

الحاكم يقوم مقامه خلاف ما لعبد الباقي وغيره أن دخولهما مع الأمينة محله إن كان الزوج حاضرا؛ لأن الأمينة من جهته فليس لهما أن يأتيا مع أمينة إذا كان غائبا. قال بناني: قوله يعني عبد الباقي: وهو مقيد بما إذا كان الزوج حاضرا لخ، هذا المقيد وقع لصاحب الشامل وتبعه التتائي، وظاهره أن المراد به اشتراط حضور الزوج مع الأمينة في دخول الأبوين. قال مصطفى: ولا معنى لاشتراط حضوره مع الأمينة، والذي في التوضيح: فإن اتهمهما زاراها في كل جمعة مرة بأمينة تحضر معهما انتهى. فلعله وقع في نسخة الشارح من التوضيح يحضر معهما بالياء فجرى عليه في شامله. فتأمله. انتهى.

ثم قال بناني: على أني لم أر من ذكر هذا الشرط مع البحث عنه سوى صاحب الشامل ومن تبعه. انتهى. وقال الأمير: ومع أمينة إن خيف الإفساد، ولا فرق بين حضوره وغيبته والحاكم وكيله كما في بناني وغيره، ولا يعول على ما في الخرشي وغيره. انتهى. وفي شرح عبد الباقي أن أجرة الأمينة على الزوج. قال بناني: فيه نظر، بل الظاهر أن الأجرة على الأبوين واستدل على ذلك بما في المعيار: من أن الأبوين محمولان في زيارتهما على الأمانة وعدم الإفساد حتى يثبت ذلك، فإذا ثبت ذلك منعا من زيارتها إلا مع أمينة. انتهى. فأخذ منه أن الزوج لا يصدق في عدم الإفساد بل لابد من البينة وهو ظاهر، وأنه إذا ثبت إفسادهما لها فهما ظالمان وذلك مقتض لكون الأجرة عليهما، وأيضا زيارتهما لها لمنفعتهما وقد توقفت على الأمينة، فافهم. قاله بعض الشيوخ. انتهى. وقال عبد الباقي: والظاهر أن الأولاد مطلقا صغارا أو كبارا إن اتهمهما كالوالدين.

تنبيه: سكت المص عن غير الأبوين والأولاد من الأقارب، وقد نص عبد الملك على أنه لا يمنع أخاها وعمها وخالها وابن أخيها وابن أختها ولا يبلغ بمنعهم الدخول عليها وخروجها لهم مبلغ الأبوين في التحنيث. والله سبحانه أعلم. وقوله: ومع أمينة، معطوف على مقدر أي يقضى لهما بالدخول إليها كل جمعة بغير أمينة إن لم يتهمهما، ومع أمينة إن اتهمهما.

ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه؛ يعني أن الزوجة لها أن تمتنع من أن تسكن مع أقارب زوجها، والظاهر أن لها الامتناع من السكنى مع جواريه وأم ولده، كما يدل عليه تعليل ابن رشد وغيره عدم السكنى مع أهله بقوله: لما عليها من الضرر باطلاعهم على أمرها، وما تريد أن تستره

ص: 681

عنهم من شأنها. وقد نقل في المعيار عن المازري أن أم الولد لا يلزمها أن تسكن مع الزوجة، فتكون الزوجة أحرى بالامتناع من السكنى معها قاله بناني رادا على عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه في دار واحدة لما عليها من الضرر في اطلاعهم على أمرها وما تريد أن تستره عنهم من شأنها. وقوله ولها الامتناع؛ أي ابتداء وبعد ما رضيت بالسكنى مع أقاربه. انتهى. قوله: بعد ما رضيت فيه ما يأتي عند قوله: إلا الوضيعة، وقال عبد الباقي: وانظر لو تشاررت مع خدمه وجواريه ولم يندفع إلا ببعدهن عنها، هل يقضى عليه حيث تعين طريقا؟ انتهى. قال بناني: لا وجه لهذا التوقف مع ثبوت الضرر.

إلا الوضعية؛ يعني أن الزوجة إنما يكون لها الامتناع من أن تسكن مع أقارب زوجها حيث لم تكن وضيعة القدر، وأما الوضيعة فليس لها أن تمتنع من أن تسكن مع أقارب زوجها. قال عبد الباقي وغيره: وكذا الرفيعة إن اشترط عليها سكناها معهم. انتهى. وقال الشارح عند قوله: إلا الوضيعة، هكذا وقع لابن الماجشون الفرق بين ذات القدر فلها الامتناع وبين الوضيعة فلا امتناع لها. ابن رشد: ليس بخلاف لقول مالك. انتهى. محل ذلك فيهما ما لم يتطلعوا على عوراتها أو بعضها، كما يفيده أبو الحسن قاله عبد الباقي. وقال بناني عند قوله: إلا الوضيعة، قال المتيطي: إلا أن يتحقق الضرر فيعزلها عنهم. انتهى. قاله في الوضيعة وذات الصداق اليسير والتي شرط عليها ذلك. وأما غيرهن فلا يلزمهن السكنى مع أهله وإن لم يثبت ضرر، ومثل ما للمتيطى في البيان، ونقله ابن عرفة انتهى. وقال الأمير: ولغير الوضيعة أن لا تسكن مع أهله. انتهى. قال في الشرح: لا الوضيعة إلا لضرر أو شرط. انتهى.

كولد صغير لأحدهما؛ يعني أنه إذا كان لأحد الزوجين ولد صغير فإنه يجوز لأحدهما أن يمتنع من السكنى معه. قال الشبراخيتي: كولد صغير لأحدهما من غيره فلكل منهما الامتناع من كونه معه بمنزل. انتهى. إن كان له حاضن؛ يعني أنه إنما يجوز لأحدهما الامتناع من السكنى مع ولد الآخر الصغير حيث كان للولد حاضن، وأما إذا لم يكن له حاضن فليس له الامتناع من السكنى معه، بل يجبر على بقائه وإن لم يعلم به حين العقد.

إلا أن يبني وهو معه؛ يعني أنه إذا كان لأحدهما ولد صغير وبنى الزوج بها والولد مع والده وقت البناء والآخر عالم بالولد فليس له الامتناع من السكنى معه، بل يجبر على بقائه معه سواء

ص: 682

كان الولد للزوج أو للزوجة، والحاصل أن الصور أربع، اثنتان: فيما إذا كان للولد حاضن، إحداهما: له الامتناع فيها من السكنى معه، وهي ما إذا لم يبن بها والولد مع والده عالما به. الثانية: ما إذا بنى بها والولد مع والده عالما به الآخر، فليس له الامتناع من السكنى معه. واثنتان: فيما إذا لم يكن للولد حاضن سواء بنى بها وهو معه عالما به أم لا، يجبر على السكنى معه فيهما. والله سبحانه أعلم.

وهذا الذي قررت به المص قرره به غير واحد وأقره. وقال الشارح بعد أن فسر به كلام المص: هذا معنى كلامه وظاهر قوله: إن كان له حاضن أن ذلك في ولد الرجل وولد المرأة، وكذلك قوله: وهو معه ولم أر ذلك إلا في ولد المرأة، فقد قال مالك: ليس للرجل أن يسكن أولاده من امرأة مع امرأة أخرى ولا يجمعهما في مسكن واحد إلا برضاها، فإن كان للمرأة أولاد من غير زوجها وأراد إخراجهم عنه وأبت ذلك، فإن لم يكن لأولادها من يحضنهم فليس للزوج إخراجهم، وليس له إلا الإبقاء أو التطليق علم بهم أو لم يعلم، وإن كان للأولاد من يحضنهم فإن لم يعلم بهم فلا يلزمه أن يكونوا معه وله إخراجهم، وكذلك إذا علم بهم وأبى من البناء عليها لأجلهم، وأما إن علم بهم وبنى بالأم وهو عالم بأن لها ولدا ثم أراد إزالته عنها ففي ذلك قولان. ظاهر العتبية: ليس له ذلك، خلافا لعبد الملك. انتهى. وقدرت بحاله؛ يعني أن النفقة تقدر بحال الزوج أي يقضى عليه بتعجيل نفقة مدة وتكون تلك النفقة مقدرة أي معلوما قدرها، وتلك المدة التي يقضى بتعجيل نفقتها إنما يراعى فيها حال الزوج فقط، فالنفقة يعتبر قدرها وجنسها بحال الزوجين كما مر في قوله بقدر وسعه وحالها، والمدة التي يقضى بتعجيل نفقتها إنما يراعى فيها حال الزوج فقط. فقوله: وقدرت بحاله أي فرضت عليه نفقة زمن معلومة القدر، ويراعى في تحديد ذلك الزمن حاله كما يأتي تبيينه، وهذا القدر من النفقة المراعى هنا يعلم تحديده وجنسه من قوله السابق: بقدر وسعه وحالها، فما مر مراعى فيه حالهما وما هنا إنما يراعى فيه حاله فقط، وإيضاح هذا أن الزمن هنا هو المنظور فيه إلى حال الزوج فقط والمفروض فيه منظور فيه إلى حال الزوجين، وقد علم من قوله: بقدر وسعه وحالها لخ، فقوله: وقدرت النفقة أي زمنها الذي يدفع لها فيه ما ينوبه من النفقة ويدفع معجلا ويكون تحديد ذلك الزمن على حسب المدة التي يحصل له اليسر فيها، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس. والله سبحانه أعلم.

ص: 683

من يوم لابد من تقدير مضاف إما قبل حاله أي زمن حاله لأجل تبيينه بقوله: من يوم لخ، وإما قبل يوم ويكون بيانا لقوله: حاله؛ أي من يسر يوم؛ يعني أن المدة التي يقضى بتعجيل نفقتها وهي المدة التي يراعى فيها حال الزوج قد تكون يوما لكون رزقه مياومة كبعض أرباب الصنائع، فيفرض لها عليه كل يوم قدر معين يدفع لها عاجلا في أول اليوم. قاله غير واحد. وقال الخرشي: كأرباب الصياغة.

وهذا الذي قررت به المص هنا مأخوذ من كلام غير واحد.

أو جمعة؛ يعني أن المدة التي يقضى بتعجيل نفقتها قد تكون جمعة فيفرض لها عليه كل جمعة قدرا كافيا لها في تلك المدة ويدفعه لها في أول الجمعة، وقوله أو جمعة قال عبد الباقي: كبعض أرباب الصنائع، وقال الشارح: كأرباب الصنائع بمصر وقاله غيره. أو شهر؛ يعني أن المدة التي يقضى بتعجيل نفقتها قد تكون شهرا لكون رزقه مشاهرة. قال عبد الباقي: كبعض أرباب المساجد والمدارس وبعض الجند وخدمهم. وقاله غيره. فيفرض لها عليه كل شهر قدر معلوم معجل كافيا لها في ذلك الشهر.

أو سنة؛ يعني أن المدة التي يجب تعجيل نفقتها قد تكون سنة لكون حال الزوج يقتضي ذلك، فيفرض لها عليه كل سنة قدر معلوم معجل، كافيا لها في تلك السنة. وقوله: أو سنة، قال الشارح: كأرباب الرزق وجند الخليفة فيفرض عليهم بالسنة؛ وهو قول ابن القاسم. ومنعه سحنون بحوالة الأسواق. وإن لم يقدر إلا على خبز السوق فرض عليه كذلك. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله: أو سنة كأرباب الرزق والبساتين. انتهى. وقال الشبراخيتي: كأرباب الرزق والبساتين وجند القلعة والعلماء والشهود. والمراد أنها تدفع لها عاجلا أول اليوم والجمعة والشهر والسنة، كما يفيده كلام سحنون وذكره الزرقاني. انتهى. وقال عبد الباقي: وظاهر كلام المص أنها إذا تأخر قبضه لها تنتظر حتى يقبضها ولا يكون عدم قدرته الآن عسرا بالنفقة. انتهى. وقاله الخرشي. وعلم مما مر أن التعجيل واجب. وفي كلام عبد الباقي نظر.

والكسوة يعني أن الكسوة تقدر للمرأة في السنة مرتين، فتكسى بالشتاء كسوة تناسب الشتاء، وتكسى بالصيف كسوة تناسبه؛ أي تناسب كل عادة، والمراد بالشتاء فصله وما والاه، وبالصيف فصله وما والاه قاله الخرشي. وقال عبد الباقي بعد كلام: ثم المعنى بكل شتاء وبكل صيف إن

ص: 684

خلقت كسوة كل في العام الثاني، فإن لم تَخلُق بأن كانت تكتفي بها لأول عام أو قريبا منه اكتفت بها إلى أن تخلق. انتهى. ومثلها الغطاء والوطاء شتاء وصيفا قاله غير واحد. وعبارة الخرشي؛ يعني أن كسوة الزوجة والغطاء والوطاء يقدر لها ذلك مرتين في السنة، مرة في الشتاء ومرة في الصيف، لاختلاف مناسبة الزمانين من فرو ولبد وسرير وغيرها. حكاه اللخمي. ويكون بالأشهر والأيام، والمراد بالشتاء فصله وما والاه، وكذا يقال في الصيف. انتهى. وقال بناني عند قوله: والكسوة بالشتاء والصيف: عبارة المنتخب فعلى الزوج لها كسوتها الشتاء والصيف مما لا غنى للنساء عنه في ليلهن ونهارهن وصيفهن وشتائهن على أقدارهن وأقدار أزواجهن. انتهى. قال بعض الشيوخ: فهي في كل بلد بحسب عرف أهله وتأنقهم في اللباس، وبحسب يسر الزوج وشرف المرأة. انتهى. انتهى.

وضمنت بالقبض؛ يعني أن النفقة إذا قبضتها الزوجة فتلفت فإن ضمانها منها لا من الزوج، فإذا قبضت منه نفقة يوم أو شهر أو سنة ثم تلف ذلك فنفقتها في تلك السنة أو في ذلك الشهر أو في ذلك اليوم عليها لا على الزوج، وكذلك الكسوة إذا قبضتها ثم تلفت فإنه لا شيء على الزوج في تلك المدة التي دفع لها كسوتها فقوله: وضمنت؛ أي النفقة الشاملة للكسوة قاله غير واحد. مطلقا، قال الخرشي: المشهور من المذهب أن الزوجة ضامنة لكل ما قبضته من نفقة وكسوة وغيرهما لحق نفسها من أجرة رضاع وغيره، ماضية أو مستقبلة، قامت على ضياعه بينة أم لا، صدقها على ذلك الزوج أم لا، تلفت بسببها أم لا؛ لأنها قبضته لحق نفسها. انتهى. وقال عبد الباقي: ماضية أو حالية أو مستقبلة، قامت على الضياع بينة أم لا، صدقها الزوج على ذلك أم لا، تلفت بسببها أم لا؛ لأنها قبضتها لحق نفسها، ونحو ذلك للشبراخيتي وغيره. وقال الشارح: وضمنت بالقبض مطلقا؛ أي إذا قبضت نفقة نفسها لمدة مستقبلة ثم ادعت ضياعها فإنها تضمنها، كان الضياع بسببها أم لا، علم صدقها في ذلك بقيام البينة أم لا، وإلى هذا أشار بالإطلاق وهذا هو المعروف: وقيل: لا تضمنها. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه. ولهذا القول قيد بالاستقبال. والله سبحانه أعلم.

كنفقة الولد؛ يعني أن نفقة الولد الذي في حضانة المرأة تضمنها المرأة بالقبض ضمان الرهان، فإذا قبضتها وادعت تلفها فإنها لا تصدق في ذلك ويلزمها أن تنفق على الولد بقدر ما قبضته، وقيل:

ص: 685

لا تضمن، وقيل: هي مصدقة وتحلف. قاله الشارح. إلا لبينة على الضياع؛ يعني أن ضمان المرأة لما قبضته من نفقة الولد إنما هو كضمان الرهان والعارية، فلذلك إذا قامت البينة على أن ما قبضته من نفقة الولد تلف بغير تفريط منها لم يكن عليها ضمان. قال الخرشي: وكلام المؤلف فيما قبضته من نفقة الولد لمدة مستقبلة كما حمله عليه البساطي، وهو المتعين كما نبه عليه السوداني، وهو يفيد أن ما قبضته من نفقة الولد عن الماضي تضمنه مطلقا كنفقتها؛ لأنه دين لها قبضته. ومثل ما للبساطي للتوضيح [والشرح

(1)

] الكبير، وما في التتائي معترض، وقد أشار التتائي إلى أن ما تقبضه من أجرة الرضاع كنفقتها، تضمنه مطلقا، وهو صحيح مطابق للنقل، وكذا تضمن نفقة الولد مطلقا إذا اشترط عليها ضمانها. انتهى. وقال بناني: والصواب ما قاله الشيخ أحمد بابا، فإن ما قبضته عن الماضية إنما قبضته لحق نفسها، سواء أنفقت عليه من عند نفسها فهو دين لها على الأب، أو تحملت دينا للنفقة عليه فهو دين عليها، تتبع بمثله الأب، فما قبضته من الأب عن الماضية إنما هو مالها فتضمنه مطلقا بدليل تعليلهم في المستقبلة بأنها لم تقبضها لحق نفسها. انتهى.

فرع: قال في التوضيح: ويضم نفقة بنيه الأصاغر إلى نفقتها، إلا أن يكون مقلا فلا يضم نفقتهم معها وينفق على ولده بقدر طاقته، وإلا فهم من فقراء المسلمين، ولا يفرق بينهم وبين أمهم، وجد ما ينفق عليهم أم لا نقله الحطاب. ويجوز إعطاء الثمن عما لزمه؛ يعني أن الزوج يجوز له أن يعطي لزوجته عوضا عما لزمه من أعيان النفقة والكسوة المتقدمة في قوله فيفرض الماء والحطب لخ، واعلم أن الذي يفرض على الزوج ابتداء إنما هو أعيان النفقة والكسوة من الماء والحطب والزيت ونحو ذلك، وظاهر المذهب عند المص أنه يقضى عليه بالأعيان المفروضة لكن يجوز إعطاء الثمن عن تلك الأعيان المفروضة، وظاهر المذهب عند عياض أنه يقضى عليه بالثمن ابتداء. وفي المسألة أربعة أقوال، قال الشارح: وظاهره يعني المص أن الذي يقضى به عليه في الأصل هو ما فرض لها لا ثمنه، وقد اختلف في ذلك فقيل: يفرض الثمن، وقيل: العين، وقيل: إن كانت الأعيان مما يجوز بيعه قبل قبضه فرض لها الثمن، وإلا فرض لها الأعيان، وقيل: الإمام مخير.

(1)

في الأصل الشارح والمثبت من الخرشى ج 4 ص 190.

ص: 686

حكاه القاضي عياض. وظاهر كلام غيره تعرية ما عدا الطعام عن الخلاف وأن في الطعام قولين بجواز أخذ الثمن وعدمه. انتهى.

قوله: وقد اختلف في ذلك فقيل يفرض لخ، معنى الفرض في هذا وما بعده الحكم؛ أي الذي يحكم به على الزوج ويقضى عليه به كما يتضح لك إن شاء الله. وقال ابن عرفة: في كون الواجب في فرض النفقة ثمن ما فرض أو نفسه، ثالثها: الخيار فيها للزوج، رابعها: للحاكم. انتهى. وقال بناني: تقدير الأعيان أولا هو المتعين على كل قول من الأقوال الأربعة، ولا يتصور أن يقال بتقدير الثمن أولا؛ إذ لا يتصور فرض الثمن إلا بعد معرفة الأعيان المفروضة، لكن يجوز إعطاء الثمن. انتهى. وقال ابن الحاجب: ويجوز أن يعطي عن جميع لوازمها ثمنا إلا الطعام ففيه قولان. التوضيح: ظاهره أن الذي على الزوج في الأصل هو ما يفرض للمرأة لا أثمانه، وأن للزوج أن يعطي الثمن عن ذلك. وهو ظاهر المذهب. وقال ابن وهب: هو بالخيار إن شاء فرض ذلك وإن شاء فرض ثمنه، واستشكله عياض، وقال: القياس لا يكون له دفع الثمن إلا برضاها؛ لأنه إنما وجب عليه طعام وكسوة ولم تجب عليه قيمة. انتهى. وقال اللقاني: قوله وقال ابن وهب: هو بالخيار، الظاهر أن ضمير هو يعود على القاضي لا الزوج، فيكون هو القول الرابع؛ أي في نقل ابن عرفة؛ قال ويدل على ذلك استشكال القاضي عياض. انتهى.

قلت: وقوله في الأول وأن للزوج أن يعطي الثمن، لخ يحتمل أن المراد برضاها وهو الظاهر، فيكون إشكال القاضي عياض خاصا بالثاني، ويحتمل أن المراد جبرا عليها، وحينئذ فالإشكال يأتي عليهما معا، والاحتمالان معا يأتيان في كلام المص في المتن، وأولهما هو الثاني في كلام ابن عرفة، وثانيهما هو الثالث فيه. والله أعلم. قاله بناني.

تنبيه: قال المكناسي في مجالسه: الذي لا حيف فيه على الزوجين ما اختاره المتأخرون من فرض الطعام أي الحب وأثمان غيره دراهم، وعليه جرى الحكم عندنا. انتهى. قلت: وبه العمل بفاس منذ أزمان. قاله الشيخ محمد بن الحسن بناني.

فرع: فإذا دفعت نفقة الولد للمرأة وغلا السعر في خلال المدة فعليه أن يكملها؛ لأن المقاطعة إنما كانت على سعر وقتها، إلا أن تكون الحاضنة ابتاعت جميع القوت في وقت المقاطعة فليس على الأب زيادة، وإن رخص السعر أثناء المدة وسكت الأب عن القيام إلى آخر المدة فلا شيء له؛ لأن

ص: 687

سكوته على ذلك توسيع منه في الإنفاق على ابنه، وإن تكلم في خلال المدة حسب لباقيها نفقة مثله، وكان له ما فضل عن ذلك. انتهى. ببعض إيضاح. قاله الشيخ بناني. وقال الأمير: واللازم الأعيان وجاز فرض الأثمان.

والمقاصة بدنيه؛ يعني أنه يجوز للزوج أن يقاص الزوجة عما في ذمتها له بما لها عليه من النفقة والكسوة حيث فرض لها ثمنا أو كانت النفقة من جنس الدين. قاله غير واحد. وقال الشارح: والمقاصة بدينه، هذا إشارة إلى قوله في المدونة: وللرجل أن يحاسب امرأته بدينه الذي له عليها من نفقتها، ومن هنا أخذ أن الذي يقضى به في نفقتها العين لا الطعام لحكمه بالمقاصة، ومن شرطه

(1)

استواء الدينين في الجنس والصفة. انتهى. وقد مر في أول الحل ما يدفع هذا الأخذ، قاله مقيده عفا الله عنه. والله سبحانه أعلم.

إلا لضرر؛ يعني أن المقاصة المذكورة إنما تجوز حيث لم يكن على الزوجة ضرر فيها، وأما إن كان عليها فيها ضرر فلا تجوز المقاصة، فلو كانت فقيرة تخشى ضيعتها لم تجز، والأجير كالزوجة في التفصيل؛ لأن المدين يترك له قوته كما يأتي، بهذا فسروه. وقال الخرشي: وما يفيده ظاهر سياق المؤلف من جواز المقاصة لعطفه على الجائز صحيح، ولكنه مقيد بما إذا لم يحصل طلبها من أحدهما بدليل ما يأتي في باب المقاصة. انتهى؛ يعني أنها تجب حينئذ.

وسقطت إن أكلت معه يعني أن المرأة إذا أكلت مع زوجها فإن نفقتها المقدرة لها ولو دراهم تسقط ة وكذا تسقط المطالبة بها إن لم تكن مقدرة وأكلت معه، ومعنى ذلك أنه لا شيء لها عليه، ومثل النفقة الكسوة إن كانت رشيدة، وتسقط النفقة إن أكلت معه ولو سفيهة؛ لأن السفيه لا يحجر عليه في نفقته، ولا تسقط الكسوة بكسوتها معه إن كانت محجورا عليها مقدرة أو معتادة، وإن تنازعا في أنها أكلت معه فالظاهر قبول قوله. قاله عبد الباقي.

ولها الامتناع؛ يعني أن الزوجة لها أن تمتنع من أن تأكل مع زوجها، فلها أن تطلب الفرض وأعيانا تأكلها، وإن كانت تؤمر بالأكل معه من غير قضاء لما في ذلك من التودد وحسن العشرة، كما أنه هو لا يجبر على المبيت معها في فراش واحد، وإن كان يندب إليه لما يدخل عليها من المسرة، إلا أن يكون لقصد عدم الوطء لما يدخل عليه من الضرر في جسمه، أو تكون هي مائلة إلى

(1)

الذي في الشارح ج 3 ص 413 شرطها.

ص: 688

الكبر فمبيته معها مما ينحل بدنه. انتهى. نقله الحطاب. أو منعت الوطء، عطف على أكلت، يعني أن الزوجة تسقط نفقتها إذا منعت زوجها من الوطء لنشوزها والناشز لا نفقة لها. قال عبد الباقي: وهذا إذا منعته منعا معتبرا لا يسيرا، ولا إن منعته لعذر كمرض، وإذا ادعت أنها منعته لعذر وخالفها الزوج فلابد له هو من إثبات ذلك بشهادة امرأتين.

أو الاستمتاع الواو بمعنى أو؛ يعني أن الزوجة تسقط نفقتها إذا منعت زوجها من الاستمتاع بغير وطء وكان المنع لغير عذر، وإلا فلا تسقط، ولو اقتصر على الأول كان يتوهم عدم سقوطها بالثاني، ولو اقتصر على الثاني وجعل شاملا لهما كان يتوهم قصره على الأول. فلذا جمع بينهما، هذا هو الظاهر لا ما للشارح، وقوله: أو منعت الوطء أو الاستمتاع، قال عبد الباقي عقبه: ثم سقوط نفقتها بما ذكر في يوم منعها، كما هو ظاهره، ونحوه قول الشافعية: إن نشوز لحظة من يوم يسقط نفقته، فإن ادعت منع الوط أو الاستمتاع لعذر وأكذبها أثبته بشهادة امرأتين. قاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. وهو فيما لا يطلع عليه الرجال؛ كما هو سياقه. وأما ما يطلع عليه الرجال فلا يثبت إلا بشاهدين، كخروجها بلا إذن، ولا يقبل قول الزوج هي تمنعني من وطئها، حيث قالت: لم أمنعه، وإنما المانع منه لأنه يتهم على إسقاط حقها من النفقة. قاله الناصر اللقاني. انتهى.

وقال بناني عقب قوله: أو منعت الوطء والاستمتاع: قال في التوضيح ما نصه: ابن شأس: هذه الرواية المشهورة، وذكر ابن بشير أن الأبهري وغيره حكى الإجماع عليها وفيه نظر؛ لأن في الموازية: أنها لا تسقط به. المتيطي: وهو الأشهر: ثم قال: والسقوط هو اختيار الباجي واللخمي وابن يونس وغيرهم، وهو مقيد بما إذا لم تكن حاملا، نص عليه صاحب الكافي وغيره. انتهى. فعزو التتائي لهؤلاء الأشياخ اختيار عدم السقوط غير صواب. انظر مصطفى. انتهى. وقال الحطاب مفسرا للمص: يعني أن المرأة إذا منعت زوجها الوطء أو الاستمتاع فإن نفقتها تسقط، يريد إذا كان ذلك لغير عذر، فإن كان لعذر كسفرها للحج أو حبسها أو حبسه أو مرض ونحوه فلا تسقط، فإن أكذبها في العذر فيثبت ذلك بشهادة امرأتين. قاله ابن فرحون. وفي البرزلي ما يقتضي أن الزوج إذا كان ممنوعا من المرأة بحبس أو نحوه فلا يكون خروجها نشوزا، ونصه: وبقاء المرأة في الدار وخروجها سواء إذا كان ممنوعا منها، ولا فرق بين سجنه لزوجته أو لأجنبي.

ص: 689

وعن القاضي عبد الوهاب: لا يخلو حال المرأة إما أن يعدم الوطء من قبل الله، أو من قبل الزوج، أو من قبل نفسها، فالأول: كمرض الزوج أو مرضها أو حيضها فالنفقة واجبة، والثاني: كالسفر وترك الوطء فلا تسقط أيضا نفقتها، والثالث: كمنعها لزوجها من وطئها فهي ساقطة بالنشوز. وعن ابن عبد الحكم أنها غير ساقطة. انتهى. وقال الشارح عند قوله: أو منعت الوطء، قال في الجواهر: وهي الرواية المشهورة، وقيل: لا تسقط. المتيطي: وهو الأشهر، أبو عمران: وهو قول مالك، وأراه لابن القاسم. وقاله سحنون. وهو في الموازية، وإنما اقتصر هنا على القول بالسقوط ولم يحك الخلاف على عادته، في مثل هذا؛ لأن الأبهري حكى الإجماع عليه فترجح عنده لذلك، ولسحنون أيضا: إن كان منعها بغضا لها فيه لم تسقط، أو لكونها تدعي أنه طلقها فإنها تسقط. انتهى. ومنهم من فسر قوله: منعت الوطء فيمن يمكن وطؤها، وقوله: أو الاستمتاع، فيمن لا يمكن وطؤها كالرتقاء والظاهر الأول. والله سبحانه أعلم. ثم عطف على أكلت قوله:

أو خرجت بلا إذن؛ يعني أن الزوجة إذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه فإن نفقتها تسقط عنه. وعبارة الحطاب: يريد أن النفقة تسقط أيضا بخروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه. انتهى. وعبارة الشبراخيتي: أو خرجت من منزلة بلا إذن. وقال عبد الباقي والخرشي: أو خرجت من محل طاعته. قال مقيده عفا الله عنه: وهي أولى لشمولها للبيت وغيره، والله سبحانه أعلم.

ولم يقدر علي ردها يعني أن محل سقوط النفقة بما ذكر من الوطء والاستمتاع والخروج بلا إذن إنما هو حيث لم يقدر على ردها عن ذلك الفعل، وإلا فلا تسقط، وسقوط النفقة بالخروج يشترط فيه ستة أمور أحدها: أن يكون بلا إذن، ثانيها: أن لا يقدر على ردها بنفسه أو بإرساله لها أو بحاكم ينصف؛ أي ولم يقدر على منعها ابتداء، فإن قدر عليه ولم يمنعها لم تسقط. ثالثها: أن تكون ظالمة لا مظلومة ولا حاكم ينصفها. رابعها: أن يكون الزوج حاضرا. خامسها: أن تكون في عصمته فلا تسقط نفقة الرجعية بخروجها بلا إذن. سادسها: أشار إليه بقوله:

إن لم تحمل يعني أن محل سقوط النفقة بالنشوز إنما هو إن لم تحمل، وأما إن كانت حاملا فتجب لها النفقة بلا خلاف، كما في الحطاب عن ابن رشد.

ص: 690

وعلم مما قررت أن قوله: ولم يقدر على ردها، يرجع لصور النشوز الثلاث، كقوله: إن لم تحمل: ومن النواشز الهاربة إلى موضع معلوم أو مجهول، لكن الأولى قد يقدر على ردها بالحاكم، وفي المسائل الملقوطة: الهاربة من زوجها إلى وليها يسجن حتى يردها؛ وعلم مما مر أن ما ذكر من منع الوطء والاستمتاع والخروج بلا إذن مسقط للنفقة إذا كان لغير عذر، فإن كان لعذر كسفرها للحج أو حبسه أو حبسها أو مرض أحدهما لم تسقط به النفقة، فإن أكذبها في العذر أثبت هو ما ادعى بشهادة امرأتين في الوطء والاستمتاع، وبشاهدين في الخروج بلا إذن، وتسقط السكنى بخروجها بلا إذن ولو قدر على ردها لخفة ضرر السكنى بالنسبة لضرر النفقة.

أو بانت، عطف على أكلت؛ يعني أن الزوجة تسقط نفقتها ببينونتها، كخلع أو بتات أو طلاق قبل البناء، وبخروجها من عدة الرجعي، ومحل سقوط نفقة البائن إن لم تحمل، فإن حملت لم تسقط نفقتها، وينبغي تقديرها في البائن بحاله كما في الزوجة، وليس عليه إخدام الزوجة الحامل البائن وإن كانت أهلا نقله ابن فرحون عن ابن عات. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب يعني أن البينونة مسقطة للنفقة، وسواء كانت من الزوج أو كان الطلاق من الحاكم، فإنه قد تقدم أن طلاق الحاكم بائن إلا للإيلاء والعسر بالنفقة، ولذلك كانت لها النفقة في ذلك. قال في معين الحكام: وتجب النفقة لكل مطلقة مدخول بها في أيام عدتها إذا لم يكن الطلاق بائنا وكان الزوج يملك ارتجاعها فيه، سواء أوقعه الزوج أو الزوجة أو السلطان بإيلاء أو عدم نفقة إذا أيسر في العدة وفي المدونة: وجوب النفقة على المولي أيام العدة، ولمطرف وابن الماجشون وأصبغ: لا نفقة لها لأن رجعته لا تصح بالقول إلا أن يقترن به الفعل، وأما المبتوتة والمبارية والمختلعة وكل من لا يملك الزوج رجعتها فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملا. انتهى.

وقال في طلاق السنة من المدونة: وكل مطلقة لها السكنى، وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان ونحوه فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة، إلا في الحمل المبين فذلك لها ما أقامت حاملا، خلا الملاعنة فلا نفقة لها؛ لأنه لا يلحق بالزوج. انتهى. قال أبو الحسن: قوله: ونحوه؛ يعني المفسوخ. انتهى. ثم قال فيها: وكل طلاق فيه رجعة فلها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها حاملا كانت أو غير حامل، وكذلك امرأة المولي إذا فرق بينهما لأن فرقة الإمام فيها غير بائن، وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة، وتجب السكنى في فسخ النكاح الفاسد، أو

ص: 691

ذات محرم بقرابة أو رضاع، كانت حاملا أم لا؛ لأنه نكاح يلحق فيه الولد، وتعتد فيه حيث كانت تسكن، ولا نفقة عليه ولا كسوة إلا أن تكون حاملا فذلك عليه. انتهى. وفي سماع عيسى من طلاق السنة في مسألة النصرانية تسلم تحت النصراني: أنه لا نفقة لها عليه، وفي سماع أصبغ خلافه انتهى اللخمي: قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ على أن المعتدة التي تملك رجعتها لها السكنى والنفقة. انتهى.

ولها نفقة الحمل يعني أن الحامل لها نفقة الحمل وإن كانت ناشزا أو بائنا أو فسد نكاحها لأنه يلحق به، والحاصل أن الحامل تجب لها النفقة على من التحق به حملها، وقد مر أنه ليس عليه إخدام البائن الحامل وإن كانت أهلا للإخدام. قال الشبراخيتي: قال المص: وحيث ذكر أصحابنا نفقة الحمل فإنما يريدون به حمل البائن، لا من في العصمة ولا الرجعية ولا المتوفى عنها فلا نفقة لحملهن، أما الأوليان فلاندراج نفقة [حملهما]

(1)

في النفقة [عليهما]

(2)

)، وأما الأخيرة فحملها وارث وحيث وجبت النفقة وجبت الكسوة. انتهى. وقوله: ولها نفقة الحمل: قال الشبراخيتي عقبه: وأحْسنُ الكلام هنا كلام ابن غازي حيث قال: إنما تعرض هنا لوجوب نفقة الحمل للبائن، وأما ابتداء الإنفاق فإنما ذكره بعد هذا، حيث قال: ولا نفقة بدعواها بل بظهوره وحركته فتجب من أوله ولا شك أن ما يأتي يغني عن هذه. انتهى.

والكسوة؛ يعني أن الكسوة تلزم للبائن مع النفقة لأنها تجب حيث وجبت النفقة. وقوله: في أوله. متعلق ببانت، مقدرة وهو راجع للكسوة؛ أي ولها الكسوة بتمامها إن بانت في أول الحمل؛ أي لها الكسوة من أول الحمل إلى آخره حيث بانت في أول الحمل، ومفهوم قوله: في أوله، أنها لو لم تبن في أول الحمل بل بانت في أثناء الأشهر؛ أي أشهر الحمل لوجبت قيمة منابها؛ أي الأشهر، الباقية أي يكون لها من قيمة الكسوة ما ينوب تلك الأشهر الباقية من الحمل، فيقوم ما يصير لتلك الأشهر من الكسوة لو كسيت فتعطى تلك القيمة دراهم. قال الخرشي: وقوله في أوله، راجع للكسوة لا لنفقة الحمل، خلافا للتتائي؛ إذ لا فائدة فيه لأنه إن كان الحمل بدعواها فلا نفقة كما يأتي في قوله: ولا نفقة بدعواها، وإن كان بظهوره وحركته

(1)

في الأصل حملها والمثبت من الشبراخيتي ج 2.

(2)

في الأصل عليها والمثبت من الشبراخيتى ج 2.

ص: 692

فسيأتي في قوله: فتجب من أوله، انتهى. وقال الشارح: وفي الأشهر قيمة منابها؛ أي ولها في الأشهر قيمة ما ينوبها؛ يعني من الكسوة وهو معنى قول ابن القاسم: وإذا طلبت المبتوتة الحامل الكسوة فإن كانت في أول الحمل فذلك لها، وإن لم يبق من آخره إلا ثلاثة أشهر ونحوها قوم ما كان يصير لتلك الشهور من الكسوة لو كسيت في أول الحمل ثم أعطيت بتلك البقية دراهم. انتهى.

واستمر إن مات؛ يعني أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقا بائنا فإنه تجب لها السكنى كما مر، فإذا مات فإنه يستمر لها المسكن حاملا أم لا؟ فقوله: واستمر بالإفراد فاعله ضعير يعود على المسكن، والقرينة الدالة عليه قوله بعده:"وردت النفقة لا الكسوة بعد أشهر" فقطع برد النفقة وفصل في الكسوة، فدل على أن المستمر لهذه البائن عند موت زوجها إنما هو الإسكان لا النفقة والكسوة، وإن كانا أقرب مذكور، وهذا هو المساعد للمدونة السالم من مخالفة النصوص، ولا ينكر اعتماد المص في الاختصار على هذا القدار. وبالله تعالى التوفيق. قاله ابن غازي.

وقوله: واستمر؛ أي استمر المسكن لها لانقضاء عدتها كان المسكن له أم لا؟ نقد كراءه أم لا؟ والأجرة من رأس المال، وأما الرجعية والتي في العصمة فإنعا لهما السكنى إن كان المسكن له أو نقد كراءه، وأما النفقة والكسوة فيسقطان بالموت، وفي نسخة: واستمرا، بألف التثنية ويمكن تصحيحها بجعل الضمير في مات للولد أي واستمر المسكن والنفقة للحامل البائن إن مات الولد في بطنها إلى أن ينزل، واقتصر عليه في الشامل. قال عبد الباقي: وهو المعتمد، وقول علي الأجهوري: ما في الشامل غير معتمد، على ما يفيده شيخنا البدر، غفلة عما في الحطاب عن البرزلي: أنها وقعت وحكم فيها القاضي ابن الخراز بالنفقة، وأفتى به جميع الفقهاء. ومقابله لابن الشقاق وابن سلمون. انتهى. ورجح بناني والشبراخيتي ما للأجهوري، وقوله: واستمر إن مات، قال الشبراخيتي هذا تخصيص لقوله: وللمتوفى عنها إن دخل لخ؛ لأن هذه مطلقة طلاقا بائنا فيخص ما تقدم بعا عداها، وإنما سقطت نفقة حملها ولم تسقط سكناها لأن الحمل صار وارثا فلا نفقة له في مال الميت، بخلاف السكنى فإنها حق تعلق بذمة المطلق للمطلقة فلا يسقط بالموت كسائر الديون، وسواء كان المسكن له أم لا نقد كراءه أم لا، واعلم أن ما تقدم في سكنى من طلقت فقط أو مات عنها فقط، وما هنا فيمن حصل فيها الأمران. انتهى.

ص: 693

وقال الشبراخيتي أيضا: قال في الحاشية: البائن الحامل لها ثلاثة أشياء: النفقة، والكسوة، والمسكن، وإذا مات الزوج استمر المسكن وردت النفقة مطلقا والكسوة على تفصيل. وفتوى البساطي باطلة؛ أي بأن النفقة للحمل إذا مات الزوج؛ لأن الأسمعة وغيرها ترد عليه؛ وقوله: واستمر؛ أي واستمر إلى نزول الحمل وهو يرجي نزوله، فلوأيس من نزوله كما إذا مات في بطنها انقطع لأن بطنها صار مسكنا وقبرا له، لكن لا تنقضي العدة إلا بنزوله. انتهى. وقوله: فلو أيس من نزوله لخ، قد علمت أنه للأجهوري وهو يرجح سقوط النفقة في هذه الصورة كما مر قريبا. وقال الحطاب: قال البرزلي: وتقدم للشعبي أن عبد الرحمن بن عيسى أفتى في مطلقة طلاقا بائنا أن النفقة لها إذا كانت حاملا ما دام الولد حيا، فإذا مات في بطنها سقطت نفقتها ووقعت، وحكم فيها القاضي ابن الخراز بالنفقة، وأفتى فيها جميع الفقهاء، حتى طال على زوجها الإنفاق، فاستشارني في ذلك فأفتيته بالسقوط إذا أقرت المرأة بذلك؛ لأن بطنها صار له كفنا، وإنما كانت النفقة لها لأن الولد يتغذى بغذائها فلو تركت غذاءها مات، فإذا اعترفت بأنه مات فقد صار لا غذاء له وإنما صار داء في بطنها يحتاج إلى دفعه عنها بالدواء. انتهى.

وقال المشدالي في حاشيته على المدونة: لو مات في بطنها لم تنقض عدتها إلا بوضعه وهو ظاهر القرآن الكريم، وصريح في نوازل بعضهم. انتهى. وقال الشارح: وقد اختلف إذا طلق غير الحامل طلاقا بائنا فوجب لها بسببه السكنى ثم مات المطلق وهي في العدة، هل يستمر لها المسكن كما كانت في حياته، وهو المشهور؛ لأنه دين في ذمته، وقد نص في النفقات من المدونة عليه، أو يكون حكمها حكم المتوفى عنها سواء لا سكنى لها، وهو قول مالك أيضا، واختاره يحيى بن عمر وابن رشد: ولو كان الطلاق رجعيا سقط سكناها قولا واحدا؛ لأنها ترجع إلى عدة الوفاة ولا سكنى لها إلا أن تكون الدار له أو قد نقد كراءها. واختلف الأشياح في قول مالك: لا سكنى لها هل ذلك مطلق أو حيث لا سكنى للمتوفى عنها خاصة؟ فأما إذا كانت الدار له أو قد نقد كراءها فيجب لها السكنى كما يجب للمتوفى عنها وهو الظاهر. انتهى.

لا إن ماتت؛ يعني أن المرأة المطلقة إذا ماتت لا تستمر لها السكنى أي لا شيء لورثتها في كراء المسكن بائنا أو رجعيا، بهذا فسره غير واحد. وردت النفقة. بالبناء للنائب، فيتناول موته وموتها والبائن الحامل والرجعية والتي في العصمة، على أن كلامه ما زال في الحامل البائن بدليل

ص: 694

ما بعده، والحكم في رد النفقة والتفصيل في الكسوة عام كما في المدونة وغيرها. قاله ابن غازي. ومعنى كلام المص: أن المرأة التي في العصمة ترد النفقة التي قبضتها لموته أو موتها، وكذا لو كانت رجعية فإنها تردها لموته أو موتها، وكذا لو كانت بائنا وهي حامل فتردها لموته أو موتها، وكذا تردها لو كان كل منهما حيا وطلقها طلاقا بائنا، فتلك سبع صور اشتمل عليها كلام المص، كما يفيد ذلك التلفيق بين كلام ابن غازي والشبراخيتي، وعبد الباقي.

كانفشاش الحمل، تشبيه في رد النفقة؛ يعني أن من طلق زوجته طلاقا بائنا فادعت أنها حامل فأنفق عليها ثم ظهر انفشاش الحمل، فإنه يرجع عليها بالنفقة جميعها، فترد كلها، وكذا الكسوة ولو بعد أشهر، وسواء أخذت ما ذكر بحكم أم لا، ظن لزومه أم لا، أنفق بعد ظهوره أو قبله، وهذا هو الراجح. وقيل: لا رجوع له مطلقا، وهو قول مالك في الموازية، وقيل: إن أنفق بحكم رجع، وإلا فلا. وقال ابن وهبان: لا ترد ما أنفقه قبل ظهوره. وقال ابن حارث: اتفقوا أن من أخذ من رجل مالا يجب له بقضاء أو بغير قضاء ثم تثبت الحقيقة أنه لم يكن يجب عليه شيء أنه يرد ما أخذ. انتهى. وبه يترجح الأول. قاله بناني. وإن ادعت أن ما ببطنها ولدته، وادعى الزوج أنه ريح وانفش، صدقت بلا يمين، وقوله: كانفشاش الحمل، رد النفقة والكسوة في هذه من أول الحمل، ورد النفقة في التي قبلها من يوم الموت أو الطلاق البائن، واعلم أن المراد بانفشاش الحمل تبين أنه لم يكن ثم حمل بل كان علة أو ريحا. كما يفيده التوضيح وغيره، وليس المراد به فساده واضمحلاله بعد تكوينه.

لا الكسوة بعد أشهر؛ يعني أنها لا ترد الكسوة التي أخذتها وهي في العصمة أو للحمل ثم تموت هي أو هو بعد مضي ثلاثة أشهر فأكثر من يوم قبضتها، وكذا لو طلقها طلاقا بائنا بعد مضي ثلاثة أشهر من يوم قبضت الكسوة، فلا تردها له ولا لورثته، بل تكون لها وتورث عنها في حال موتها؛ لأن الكسوة تدفع في الغالب مرة واحدة، فكأن قبض أوائلها قبض لجميعها، ومفهوم أشهر أنه لو حصل الموت أو الطلاق البائن بعد شهرين أو أقل ردت الكسوة، وهو كذلك في المدونة وغيرها. وَنَقْلُ بعض الشراح في كتاب القذف منها: استحسن أن لا ترد الكسوة بعد الشهر أو الشهرين تصحيفٌ قاله عبد الباقي وبناني. والله سبحانه أعلم. بخلاف موت لولد يعني أن الوك إذا قبضت حاضنته كسوته لمدة مستقبلة ثم مات، فإن الأب يرجع على الحاضنة بكسوته،

ص: 695

أي فيأخذ الأب جميعها ولا حظَّ منها للأم، وهذا مقتضى عبارة الأئمة [ففي]

(1)

الوثائق المجموعة؛ إذا دفع الرجل إلى زوجته المطلقة نفقة وكسوة فمات البنون أو أحدهم قبل انقضاء المدة رجع بحصة من مات منهم من النفقة والكسوة وإن رثت لما بقي من المدة. انتهى. ونحوه في المفيد وابن سلمون ومعين الحكام وابن عرفة، وما وقع في المواق عن ابن سلمون: وكذلك ترد ما بقي من الكسوة وورثت انتهى تحريف. والذي في النسخ الصحيحة من ابن سلمون: وإن رثت، وكذا هو في ابن فتوح والمفيد وغير واحد، لا ورثت من الإرث، ولهذا قال مصطفى إن ما في الأجهوري عن بعض شيوخه يرجع في الكسوة بقدر ميراثه منها لأن الولد ملكها بخلاف النفقة لا يستحقها إلا يوما فيوما خطأ صراح، لمخالفته لكلام أهل المذهب. انتهى. نقله بناني. وقال قلت: ما ذكره الأجهوري عن بعض شيوخه هو مقتضى كلام ابن رشد في الهبة وذكره المواق، فقال: انظر هذا مع ما في الهبة من قول ابن رشد: ما كسا ابنه من ثوب فهو للابن، إلا أن يشهد الأب أنه على وجه الإمتاع. انتهى. فالتخطئة خطأ، ويمكن أن يوفق بحمل ما لابن رشد على غير الكسوة الواجبة. وما قبله على الواجبة والله أعلم. انتهى.

وإن خلقة، بفتح اللام يقال ثوب خلق بفتح اللام ولا يقال بكسرها. قاله الشبراخيتي. وهو مبالغة في قوله: فيرجع بكسوته؛ يعني أن الزوج يرجع في موت الولد بكسوته ولو مضت لها مدة كثيرة بأن خلقت، فليست كالكسوة التي قبضتها الزوجة ثم تموت أو يموت زوجها بعد أشهر فلا يرجع بها الزوج ولا ورثته، كما مر. وقوله وإن خلقة، رد به قول محمد: إنما يرجع إن مات الولد بالقرب، وأما إن تطاول فلا يرجع نقله الشارح. وقوله: بخلاف موت الولد فيرجع لخ، الظاهر من كلام غير واحد عمومه فيمن في العصمة وغيرها.

وإن كانت مرضعه فلها نفقة الرضاع أيضا؛ يعني أن البائن الحامل إذا كانت ترضع فإنها تجب لها مع النفقة والكسوة والمسكن نفقة الرضاع؛ أي أجرته؛ لأن الرضاع سبب آخر والبائن لا رضاع عليها لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فالضمير في: كانت، للبائن الحامل، وحق هذا أن يقدمه عند قوله: ولها نفقة الحمل، وقوله: فلها نفقة الرضاع. أبو الحسن: وتكون أجرة الرضاع نقدا لا طعاما. انتهى. ويأتي عند قول المص في الإجارة:

(1)

في الأصل في والمثبت من بناني ج 4 ص 252.

ص: 696

واسترضاع، أنه تجوز الإجارة على الإرضاع كانت الأجرة نقدا أو طعاما، ويشترط في كون الأجرة لها أن لا يضر رضاعها به وهي حامل، وإلا كانت أجرته لمن ترضعه لأنه لا حق للأم حينئذ في رضاعه، وللأم أجرة الرضاع، وإن قدرت عليه نفقة الحمل فقط بقاض ولم تطالبه بأجرة الرضاع إلا بعد مدة، وليست كنفقة الولد تسقط بمضي الزمن عن والده، ولا رجوع لها بالكسوة حيث كسته هي، لحملها على التبرع. وقوله مرضعة: قال الدماميني: قد تلحق التاء الوصف الذي يختص بالمؤنث وإن لم يقصد به معنى الحدوث، فيقال: مرضعة وحاملة وحائضة وطالقة وإن قصد الحدوث فأجدر، ومنه {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} انتهى. قاله بناني. وقال الشارح: وظاهره يعني المص أنها تأخذ النفقتين على الكمال، وبه صرح في العتبية، وفي المدونة ما ظاهره أن ليس لها إلا نفقة الحمل فقط. انتهى.

ولا نفقة بدعواها؛ يعني أن البائن إذا ادعت أنها حامل فإنها لا تستحق النفقة بسبب دعواها أنها حامل، بل تستحقها بظهور الحمل وحركته؛ يعني أن الحامل البائن إنما تستحق النفقة بظهور الحمل وحركته، والواو بمعنى مع أي إنما تستحق النفقة بظهور الحمل مع حركته. وقوله: بظهور الحمل؛ أي بشهادة امرأتين، ولا يظهر في أقل من ثلاثة أشهر. وقوله: وحركته، ولا يتحرك في أقل من أربعة أشهر. وحملته على أن الواو بمعنى مع تبعا لغير واحد ليوافق المشهور لكن ينبغي على هذا لو اقتصر على قوله: وحركته؛ إذ يلزم من حركته ظهوره، وقال الأجهوري: إن قوله: وحركته، عطف تفسير، وقال بعض الشراح: إن الواو بمعنى أو. قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر على هذا أنها أو المشيرة إلى الخلاف. انتهى.

وقال بناني: يتعين أن الواو بمعنى مع لأن المدار في المشهور على حركته. ابن عرفة: وفي وجوب نفقة الحمل بتحركه أو بعضه روايتا المشهور وابن شعبان، ثم رجع للأولى وقال المتيطى: الذي وقع لمالك في غير كتاب أن بظهور حملها تجب نفقتها. وفي الموازية: وتحركه فقال بعض شيوخنا: هذا قول ثالث. انتهى. ثم أيد كونه قولا ثالثا بقول ابن رشد: لا يظهر الحمل في أقل من ثلاثة أشهر، ولا يتحرك تحريكا بينا في أقل من أربعة أشهر وعشر انتهى وقد علمت أن الاعتماد على الظهور دون تحرك مقابل للمشهور. انتهى. وقال ابن عرفة: لابن عات عن ابن

ص: 697

رشد: لا يتبين الحمل في أقل من ثلاثة أشهر، ولا يتحرك تحريكا بينا يصح القطع على حركته في أقل من أربعة أشهر وعشر. انتهى.

وهو ظاهر حديث صحيح البخاري: (يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما أو أربعين صباحا نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح

(1)

). الحديث. وأما ما نقله ابن غازي عن قواعد المقري: من أن الولد يتحرك لمثل ما يتخلق له، ويوضع لمثل ما يتحرك فيه، وهو يتخلق في العادة تارة لشهر، فيتحرك لشهرين. ويوضع لستة، وتارة لشهر وخمسة أيام، فيتحرك لشهرين وثلث ويوضع لسبعة، وتارة لشهر ونصف، فيتحرك لثلاثة ويوضع لتسعة، فلذلك لا يعيش ابن ثمانية ولا ينقص الحمل عن ستة. انتهى. فهو للأطباء. واعترضه ابن الشاط بأن ما قاله الأطباء مستنده الحدس والتخمين فلا يعارض ظاهر الحديث. انتهى. أي فلا عبرة بما للأطباء حينئذ، على أن ما ذكر لم يتفق عليه الأطباء، بل نقل بعض شيوخنا أن ابن سيناء في القانون أشار إلى اعتراضه ورده على قائله. ونقل ابن حجر في الفتح عن الكرماني ما نصه: اعترف حذاق الأطباء في هذا الباب بالعجز والقصور. انتهى. انظر حاشية الشيخ بناني.

وقال الشبراخيتي: ظاهر ما ذكر المواق أن الراجح أنه لا يعتبر في وجوب النفقة غير ظهور الحمل بحركته. انتهى. وقال عبد الباقي عند قوله: وحركته، بمعنى أو. وفي الإرشاد والمواق ما يفيد

(2)

أن الواو بمعنى مع، وأنه المشهور، ولا يتحرك في أقل من أربعة أشهر، فيلزم من الحركة الظهور. انتهى. وقال الخرشي: يعني أن البائن إذا ادعت الحمل لم تعط نفقتها حتى يظهر، وظهوره بحركته. انتهى. وقال الأمير: ولا نفقة بدعواها بل بحركة الحمل. انتهى. وصح مما مر أن المعتمد أنها لا تجب بالظهور وإنما تجب بالحركة.

فتجب من أوله؛ يعني أن البائن لا تستحق النفقة إلا بتحرك الحمل، فإذا تحرك فإنها تجب لها من أول الحمل، وليس له أن يقول إنما تكون لها النفقة من الآن، فتحاسب بما مر من يوم الطلاق، فتعطى نفقة الأشهر الماضية، وتجرى عليها النفقة فيما بعدها إلى أن تضع، وما قبل الطلاق يندرج في نفقة الزوجية، وكذا الحكم في الكسوة، ولو استغنى بهذا عما مر لكفاه، وأجيب

(1)

صحيح البخاري، رقم الحديث، 3208، و 6594، و 7454.

(2)

في الأصل ما يفيد ما يفيد والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 253.

ص: 698

عنه بأن هذا في النفقة وما مر في الكسوة، وقوله: فتجب من أوله؛ أي فتجب النفقة من أول الحمل كما عرفت، ورد به على أبي حنيفة القائل بسقوط ما مضى. انظر الشبراخيتي.

ولا نفقة لحمل ملاعنة؛ يعني أن الزوج إذا لاعن زوجته لنفي حمل فإنه لا نفقة لحملها المنفي باللعان لعدم لحوقه به، ولها السكنى لأنها محبوسة بسببه، فإن استلحقه لحق به وحد ولزمته نفقته من أول الحمل، فترجع عليه بما أنفقته عليه قبل استلحاقه له، فإن رماها برؤية زنى وأتت به لدون ستة أشهر وما في حكمها من يوم الرؤية، أو كانت ظاهرة الحمل يوم رميها بالزنى فعليه النفقة للحوق الحمل به، وأما ما أتت به لستة أشهر وما في حكمها من يوم الرؤية فغير لاحق به، فلا نفقة له إلا أن يستلحقه فعليه النفقة من أوله، فترجع عليه بما أنفقت عليه قبل استلحاقه. وحد. وقال الحطاب عند قوله: ولا نفقة لحمل ملاعنة: يريد إذا كان اللعان لنفي الحمل، وإن كان للرؤية وهو مقر بالحمل كانت لها النفقة. كذا قيد أبو الحسن المدونة وهو ظاهر. انتهى. وقوله: ولا نفقة لحمل ملاعنة، معناه أنه يشترط في نفقة الحمل أن يكون لاحقا، وكذا يشترط فيه أن يكون حرا ولهذا قال:

وأمة؛ يعني أن حمل الأمة البائن ليس له نفقة على أبيه حرا كان الأب أو عبدا. قاله غير واحد. بل نفقة أمه على سيدها، بخلاف ما لو كانت رجعية فإن نفقتها على زوجها، كما يأتي للمص قريبا؛ لأن الرجعية كالزوجة، وإنما كان حمل الأمة البائن على سيدها لا على زوجها؛ لأن المالك مقدم على الأب لقوة تصرفه بالتزويج وانتزاع المال والعفو عن الجناية وحوز الميراث، دون الأب في ذلك كله، ولو أعتق السيد ما في بطن الأمة لم تسقط عنه النفقة لأنه لا يعتق إلا بعد وضعه، فإن أعتقها السيد أو كانت الأمة لكالجد فنفقته على أبيه الحر. قال عبد الباقي: وانظر لو تزوج شخص أمة وشرط بعد العقد حرية ولدها: وقلنا: يعمل بالشرط كما هو الراجح، هل لحملها إذا طلقها طلاقا بائنا نفقة أم لا؟ وهو الظاهر لأنه لا يعتق إلا بعد وضعه. انتهى. وقال الحطاب: ولا نفقة لحمل أمة، يريد والزوج حر بدليل قوله بعد: ولا على عبد. قال ابن عبد السلام: والمانع لها من النفقة كون ذلك رقيقا كما لو ولد لأنه إذا اجتمع موجبان من موجبات النفقة لشخص أخذ نفقة واحدة بأقوى الموجبين وسقط الموجب الآخر. انتهى. وقال في طلاق السنة منها: وليس للأمة الحامل نفقة على الزوج إذا طلقها إذ الولد رق لغيره، سواء كان الزوج

ص: 699

حرا أو عبدا، وكذلك حرة طلقها عبد وهي حامل منه. انتهى. ومن المدونة: من اشترى زوجته لم تكن له أم ولد بما ولدت قبل الشراء، إلا أن يبتاعها حاملا فتكون بذلك أم ولد، ولو كانت لأبيه فابتاعها لم تكن أم ولد بذلك الحمل لأن ما في بطنها قد عتق على جده، بخلاف أمة الأجنبي لأن الأب لو أراد بيع أمته لم يجز له ذلك؛ لأنه قد عتق عليه ما في بطنها والأجنبي لو أراد بيع أمته وهي حامل من زوجها جاز ذلك ودخل حملها في البيع معها، وقال غيره: لا يجوز للابن شراؤها من والده وهي حامل لأن ما في بطنها قد أعتق على جده، فلا يجوز أن تباع ويستثنى ما في بطنها؛ لأن ذلك غرر لأنه وضع من ثمنها بما استثنى، وهو لا يدري أيكون أم لا؟ فكما لا يجوز له بيع الجنين لأنه غرر فكذا لا يستثنى. انتهى. قال ابن يونس: وقول الغير كله ليس بخلاف لابن القاسم، وإنما تكلم ابن القاسم على ما إذا اشتراها وفات ذلك كيف يكون الحكم؟ وأما بدءا فليس له أن يبتاعها على قوله، فإن ابتاعها فسخ البيع إلا أن تضع الولد فيكون عليه قيمتها يوم قبضها على أن حملها حر؛ لأنه بيع فاسد فات بالوضع، ونحوه حكى بعض شيوخنا عن ابن القاسم، وكان يعيب قول من يجعله خلافا. انتهى. أبو الحسن الصغير: قول الغير هنا علل يكون المستثنى مشترى. الشيخ: وكذا لو كان المستثنى مبقي في هذه المسألة لما جاز لأنه لا يتصرف إلا بعد الوضع ففيه تحجير. انتهى. وقال عبد الباقي: يمنع زوج أمة الجد الحامل من شرائها منه قبل وضعها لأن ولدها جزء منها وهو حر، ولو استثناه السيد الجد؛ إذ لا يجوز استثناؤه، فإن نزل فسخ، إلا أن تضع فيفوت الفسخ به كالبيع الفاسد وعليه قيمتها يوم القبض على أن ولدها حر. هذا قول غير ابن القاسم في المدونة، وجعله ابن يونس تفسيرا، ولا تكون به أم ولد لأنه حر على الجد، وأم الولد هي الحر حملها من وطء مالكها، وكذا يمتنع عليه شراؤها من سيدها غير الجد، ولا يجوز لمالكها بيعها أي لغير الزوج إلا أن يرهقه دين. وقول الشيخ سالم: إلا إن غشيه دين أي لحقه، فيه نظر، وصوابه كما في الحطاب: إلا أن يرهقه دين سابق فيبيعها، فإذا اشتراها الزوج عادت نفقة الحمل عليه حينئذ وكانت به أم ولد، ولو كان أعتقه سيدها قبل، فإن قيل: كونها أم ولد بهذا الحمل يشكل بأن أم الولد هي الحر حملها من وطء مالكها، وفي هذة الصورة ليست حريته من وطء مالكها، وقد يجاب بأنه لما كان لا يعتق إلا بعد وضعه وقد ملكه أبوه قبل ذلك فكان بمنزلة من تحرر بوطء مالكها. انتهى. قوله: وكذا يمتنع

ص: 700

عليه شراؤها من سيدها غير الجد؛ يعني إذا أعتق سيدها حملها كما يدل عليه كلامه، على أن ما ذكره من المنع غير صحيح، بل شراء الزوج إياها جائز سواء أعتق سيدها حملها أم لا كما صرح به الحطاب نقلا عن ابن يونس. قاله بناني. وما قاله بناني صحيح والله أعلم.

ابن القاسم: ومن ابتاع زوجة والده حاملا انفسخ نكاح الأب إذ لا ينكح أمة ولده، ولا تكون أم ولد للأب وتبقى رقيقا للابن ويعتق عليه ما في بطنها، ولا يبيعها حتى تضع إلا أن يرهقه دين فتباع وهي حامل. وقاله أشهب. وقال غيرهما: لا تباع في الدين حتى تضع لأنه عتق بسنة لا باقتراب. انتهى. قال ابن يونس: وهذا بخلاف من اشترى زوجته الحامل وهي أمة لأبيه عند ابن القاسم تلك لا يرق حملها ولا يلحقه دين، والفرق بينهما عنده -والله أعلم- أن الولد في المسألة الأولى خلق حرا لم يمسه رق، وفي هذه قد مسه الرق في بطنها، وانما عتق باشتراء الولد لأمه فأشبه المعتق المستبدأ، وغيره لم يفرق لأنه كله عتق بسنة فوجب أن يتساوى الحكم فيهما. والله سبحانه أعلم. نقله الحطاب.

ولا عبد يعني أن زوجة العبد البائن إذا كانت حاملا فإنه لا نفقة لحملها على العبد الذي طلقها سواء كانت حرة أو أمة، فإن عتق زوجها العبد وهي حامل وجبت عليه إن كانت حرة أو أمة، عتقت من يوم عتق في الحرة ومن يوم عتق الأمة حيث عتق قبلها، وإلا فمن يوم عتق وتحصل من كلام المص ثلاثة شروط في لزوم نفقة الحمل للزوج، أحدها: أن يكون لاحقا. ثانيها: أن يكون حرا ثالثها: أن يكون أبوه حرا فعبر عن الشروط بذكر أضدادها بقوله: ولا نفقة لحمل ملاعنة لخ.

إلا الرجعية، الاستثناء راجع للفرعين قبله؛ يعني أن محل كون نفقة الأمة المطلقة الحامل على سيدها إنما هو إذا لم تكن رجعية، بأن كانت بائنا، وأما إن كانت رجعية فإن نفقتها على زوجها لأنها كالزوجة، وكذا العبد يلزمه نفقة زوجته الحامل إذا كانت رجعية حرة أو أمة لأنها كالزوجة.

وسقطت بالعسر؛ يعني أن الزوج تسقط عنه نفقة الزوجة وكسوتها بسبب العسر ولا ترجع الزوجة عليه إن أيسر، وتسقط ولو كانت مقدرة بحكم، وسواء كان غائبا أو حاضرا، وأراد بالسقوط عدم اللزوم، وقوله: وسقطت بالعسر قال الشارح مفسرا له: أي، وسقطت نفقة الزوجة

ص: 701

عن الزوج بعسره عنها ولو دخل لقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} ، وهذا لم يوته الله شيئا فلا يكلف بشيء ولا ترجع هي عليه بالنفقة مدة إعساره. انتهى.

لا إن حبست؛ يعني أن الزوجة إذا حبست في دين ترتب عليها فإنها لا تسقط نفقتها عن الزوج لأن المانع ليس من جهتها، وكذا المأسورة قاله أحمد. ووجهه أن المانع ليس من جهتها، ووجه أيضا بأنه قادر على طلاقها. انظر شرح الشيخ عبد الباقي.

أو حبسته يعني أن الزوجة إذا حبست زوجها في دين لها عليه فإنها لا تسقط نفقتها بذلك وأحرى إن حبسه غيرها. قاله غير واحد. وعبارة الشارح: وكذلك إذا حبس هو أيضا، وسواء كانت هي التي حبسته أو غيرها. ذكره ابن الجلاب وغيره. انتهى.

أو حجت الفرض؛ يعني أن الزوجة إذا خرجت إلى حجة الفرض مع محرم أو رفقة أمنت ولو بغير إذنه فإن نفقتها لا تسقط، وكذا التطوع إن أذن لها فيه أو لم يأذن لها فيه لكن قدر على ردها. قاله غير واحد. وله نفقة حضر؛ يعني أن الزوجة إذا خرجت إلى حجة الفرض فإنها لا تسقط نفقتها كما عرفت، بل تجب لها نفقة حضر حيث لم تنقص نفقة السفر عنها بأن زادت على نفقة الحضر أو ساوت، فإن نقصت لم يكن [لها

(1)

] سواها ولو كانت مقدرة قاله الشبراخيتي. فلو كانت تنفق في الجمعة مثلا سبعة دراهم في سفر الحج ومثلها في الحضر فالأمر واضح، ولو كانت في السفر تنفق في الجمعة أكثر من سبعة وفي الحضر سبعة فلها سبعة نفقة الحضر، وإن كانت تنفق في السفر خمسة في الجمعة وفي الحضر أكثر فلها نفقة السفر فقط، وقال عبد الباقي: أو حجت الفرض مع محرم أو رفقة أمنت ولو بغير إذنه كتطوع بإذنه فإن نفقتها لا تسقط ولها نفقة حضر فيما ذكر وذكرنا. وفي العجماوي: لها نفقة سفر في النفل بإذنه إن نقصت عن نفقة الحضر فإن زادت فلها نفقة سفر أيضا، ولو كانت نفقة الحضر مقدرة بقاض. انتهى. ومفهوم قوله: حجت الفرض أنها لو خرجت إلى حجة التطوع بغير إذنه فلا نفقة لها، وهو كذلك أي إذا لم يقدر على ردها. كما مر. وقال الأمير: وإن سافرت لحجة الفرض ولو بلا إذنه أو بإذنه في غير الفرض فلها الأقل من نفقة الحضر والسفر. انتهى. وقوله: أو حجت الفرض. قال

(1)

في الأصل له والمثبت من الشبراخيتى ج 2 مخطوط.

ص: 702

الشبراخيتي: أي بالأصالة احترازا عما إذا نذرته فإنه لا نفقة لها عليه فيه. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أنه لا ينحط عن حج التطوع فيفصل فيه كما مر. والله سبحانه أعلم.

وإن رتقاء، مبالغة في جميع ما تقدم من قوله: يجب لممكنة إلى هنا؛ يعني أن الرتقاء ونحوها من كل ذات عيب إذا دخل الزوج بها عالما بالعيب أو رضي به فإنها تكون كالسليمة ويلغى المانع المدخول عليه كالحيض والمرض والجنون، ويكون تلذذه بالرتقاء ونحوها بما دون الوطء كوطئه لها. وإت أعسر بعد يسر فالماضي في ذمته؛ يعني أن الزوج إذا كان موسرا في رجب مثلا ثم طرأ له العسر في شعبان مثلا ولم ينفق على زوجته في هذين الشهرين ثم أيسر بعد ذلك، فإن نفقة زمن اليسر الماضي وهو رجب في ذمته وأما زمن العسر وهو شعبان في المثال المذكور فإن نفقته تسقط عنه، والحاصل أن زمن اليسر نفقته مترتبة في ذمته فمتى أيسر دفعها لها ونفقة زمن العسر ساقطة عنه فلا يطالب بها، وتحقيق ما أشار إليه المص أن العسر المتجدد لا يسقط إلا نفقة زمنه لا زمن اليسر قبله. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح مفسرا للمص: أي فلها أن تطالب بنفقة زمان يسره لأنها ترتبت في ذمته، إلا أنها إن قامت عليه في زمن اليسر أخذتها وإلا أخرتها إلى يسره كسائر الديون. انتهى.

وإن لم يفرض حاكم؛ يعني أن نفقة زمن اليسر الماضي مترتبة في ذمته لا تسقط بالعسر المتجدد وإن لم يفرض النفقة حاكم. ورجعت بما أنفقت عليه؛ يعني أن الزوجة إذا أنفقت على زوجها فإنها ترجع بما أنفقته عليه حال كون ما أنفقته عليه. غير سرف؛ يعني أن الزوجة إذا وجب لها الرجوع بما أنفقت على زوجها أو على نفسها أو ولدها وكذا أجنبي أنفق على أجنبي ووجب له الرجوع عليه فإن جميع من ذكر إنما يرجع على من له الرجوع عليه بالمعتاد في حق المنفق عليه، فأما ما كان سرفا بالنسبة إليه فلا يرجع به المنفق لأن المفهوم من قصد المنفق بالسرف العطية، إلا أن تكون التوسعة في زمنها كالأعياد فيرجع بذلك. انتهى. قاله الحطاب عن التوضيح. وذكرت هذا هنا وإن كان سياق المص إنما هو فيما أنفقت المرأة على زوجها لما فيه من تتميم الفائدة والله أعلم. وقال الشبراخيتي: إن قوله: عليه، متعلق بأنفقت، وقال عند قوله: غير سرف، بالنسبة إليه وإلى زمن الإنفاق، ويشترط أن تحلف إلا أن تكون أشهدت أولا أنها أنفقت لترجع، وكذا من أنفق على أجنبي لابد من يمينه إلا أن يكون أشهد أولا أنه أنفق ليرجع،

ص: 703

وظاهر المدونة أن المنفق على أجنبي يرجع من غير يمين، وقوله: غير سرف، حال من ما أي حالة كونه غير سرف؛ وقال الشارح: ورجعت بما أنفقت عليه غير سرف، يريد إذا أنفقت على الزوج نفسه فإنها ترجع عليه بالمعتاد من ذلك؛ فلا ترجع عليه بما هو سرف كدجاج وخراف لأنها إنما قصدت بذلك التوسعة والعطية ولم تقصد الرجوع به إلا أن تكون التوسعة في المواسم والأعياد فإنها ترجع. ولم يذكر في ذلك خلافا لأن ذلك في زمانه غير سرف. انتهى. وقال عبد الباقي: غير سرف، بالنسبة إليه وإلى زمن الإنفاق إلا أن تقصد به الصلة له فلا ترجع كإنفاقها على نفسها حال عسره. كما مر. إلا أن تقول: أنفقت عليه لأرجع ويوافقها على ذلك فترجع عليه بالسرف. انتهى.

فائدة: قال عبد الباقي: قيل: السرف صرف الشيء زائدا على ما ينبغي والتبذير صرف الشيء فيما لا ينبغي. انتهى. وإن معسرا؛ يعني أنها ترجع على زوجها بما أنفقته عليه وسواء كان الزوج حين الإنفاق معسرا أو موسرا، كمنفق على أجنبي؛ يعني أن من أنفق على أجنبي كبير فإنه يرجع عليه بما أنفق عليه غير سرف سواء كان هذا الأجنبي المنفق عليه معسرا حين الإنفاق أو موسرا.

إلا لصلة، راجع لما قبل الكاف ولما بعدها؛ يعني أنها إنما ترجع على زوجها بما أنفقته عليه إذا لم يكن ذلك صلة، وأما إن قصدت بما أنفقته عليه الصلة فإنها لا ترجع عليه بشيء منه، وكذا لا يرجع الأجنبي المنفق بما أنفقه على أجنبي آخر حيث قصد بذلك الصلة، فإن اختلف المنفق والمنفق عليه في الإنفاق للرجوع وعدمه حلف المنفق زوجة أو غيرها أنه أنفق ليرجع، إلا أن يكون أشهد أنه أنفق ليرجع فلا يمين عليه. قاله عبد الباقي. وقال الشارح: ورأى بعض الشيوخ أن الأصل في إنفاقها على زوجها أن يكون بمعنى الصلة حتى يدل دليل على غير ذلك، وأن الأصل في الأجنبي على العكس. انتهى.

وعلم مما قررت أن الأجنبي لا يرجع عليه بالسرف، ولهذا قال عبد الباقي عند قوله: إلا لصلة: فيه احتباك حذف من هنا: غير سرف لدلالة ما قبله عليه، ومن هناك: إلا لصلة لدلالة هذا عليه، بناء على قاعدته الأغلبية من رجوع الاستثناء ونحوه لما بعد الكاف، وإلا فقد رجعه التتائي لهما. انتهى.

ص: 704

وعلى الصغير يعني أن من أنفق على صغير يرجع بما أنفقه بثمانية شروط أحدها: أشار إليه بقوله: إن كان له مال؛ يعني أن من أنفق على صغير إنما يرجع عليه حيث كان له أي للصغير مال موجود حين الإنفاق، وإلا فلا يرجع بشيء. ثانيها: أشار إليه بقوله: علمه المنفق؛ يعني أن من أنفق على صغير إنما يرجع عليه إذا كان يعلم بماله الموجود حين الإنفاق، وأما إن لم يعلم به فإنه لا يرجع عليه. ثالثها: أن يدعي أنه أنفق ليرجع. رابعها: أشار إليه بقوله:

وحلف أنه أنفق ليرجع؛ يعني أنه لابد في رجوع المنفق على الصغير من حلف المنفق أنه أنفق على هذا الصبي ليرجع بما أنفقه، فإن لم يدع أنه أنفق ليرجع أو ادعى ذلك ولم يحلف فلا رجوع له، ومحل حلفه أنه أنفق ليرجع حيث لم يكن أشهد أولا أنه أنفق ليرجع وإلا فلا يمين عليه. خامسها: أن يبقى مال الصغير إلى حين الرجوع فإن تلف لم يرجع ولو تجدد له غيره. سادسها: أن لا يكون للصغير نقد يتيسر الإنفاق منه بأن يكون عرضا أو نقدا يعسر وصوله له وإلا لم يرجع. قال فيها: وللوصي أن يسلف الأيتام ويرجع عليهم إن كان لهم يوم السلف عرض أو عقار ثم بيع ويستوفى. انتهى. قال في وثائق [أبي]

(1)

القاسم: ولو كان له بيده ناض لم يرجع عليه بما أسلفه لأنه متطوع. وفي المقدمات: فإن لم يكن لليتيم مال، وقال الوصي: أنا أسلفه فإن أفاد مالا رجعتُ عليه لم يكن له ذلك والنفقة عليه من يومئذ على وجه الحسبة فلا يرجع بشيء، وإن أفاد اليتيم مالا. قال أبو الحسن: وقال أشهب: ذلك له. انتهى. وفي المدونة: فإن تلف المال الذي علمه المنفق وكبر الصبي وأفاد مالا لم يرجع عليه بشيء.

سابعها: أن تكون النفقة غير سرف فإنما يرجع بالمعتاد بالنسبة للمنفق عليه كما مر. ثامنها: أن لا يكون الصغير ربيبا للمنفق وإلا فلا رجوع له عليه لأنه محمول على عدم الرجوع، وفي المعيار: الربيب كغيره مع الشروط، وقوله: إن كان له مال وكذا يرجع على الصغير إن كان له أب موسر واستمر يساره إلى حين الرجوع وعلم المنفق بيسر الأب. والحاصل أن يسر الأب كمال الولد فإن لم يعلم المنفق بمال الولد ولا بيسر الأب فلا رجوع له في المسألتين. وقيل: له الرجوع ويحلف الوصي والأب المنفقان. وقيل: لا يحلف الأب ولا يشترط علم المنفق إن تعمد الأب طرح الولد فيرجع عليه إن كان مليا علم ملاءه أم لا.

(1)

في الأصل ابن والمثبت من الحطاب ط دار الرضوان ج 4 ص 590.

ص: 705

تنبيهات: الأول: قال الشبراخيتي: وكلام المص يعني قوله: ورجعت بما أنفقت لخ، فيما إذا كان الزوج المنفق عليه كبيرا وإن كان صغيرا سواء كان زوجا أو غيره كان داخلا في قوله: وعلى الصغير؛ أي فيُرجَع عليه بالشروط المذكورة فيه.

الثاني: قال في مسائل الوصايا من نوازل ابن رشد في وصي على يتيمة أشهد عند موته أن لها عليه عشرين مثقالا، ولا يدعي هو أن له عليها شيئا، فيموت فتطلب اليتيمة الذهب، فيدعي ورثته أن لها عليه حضانة، ويثبتون أنها كانت في حضانته مدة نظره، فهل لهم أن يحاسبوا بها أم لا؟ فأجاب: إشهاد الوصي لها عند موته بالعشرين مثقالا يوجبها لها ويبطل دعوى الورثة عليها، ولا يلتفت إلى ما أثبتوه ولا يحاسبونها بشيء. نقله الحطاب. الثالث: قال في المسائل الملقوطة: إذا كان للأولاد مال فلا يلزم الأب نفقتهم سواء كان مالهم عينا أو عرضا، فإن أنفق من ماله وأبقى مالهم على حاله حتى مات فأراد الورثة محاسبتهم بالنفقة، فإن قال الأب: حاسبوا ولدي فعلى ما قال أي نوع كان المال، وإن قال: لا تحاسبوه فكذلك، ولا يشبه الوصية لأن الآباء ينفقون على أولادهم ولو كان لهم أموال، وإن سكت الأب فإن لم يكتب لم يحاسب الولد، وإن كتب وكان المال عينا فلا يحاسب أيضا لأنه لو شاء أنفق منه، ويحمل كتبه على الارتئاء والنظر، وإن كان عرضا حوسب بذلك. قال ذلك كله مالك وابن القاسم. فإن مات الابن في حياة الأب وورثه معه غيره وادعى أنه أنفق ليرجع، فروى ابن القاسم أنه إن كان الأب مقلا مأمونا صدق بغير يمين، وإن كان غنيا حلف، وهذا إذا لم يُشهِد عند الإنفاق، وإن أشهد فلا يمين، وسواء كان المال عينا أو عرضا. انتهى.

وهذه المسألة هي أول مسألة من طلاق السنة من سماع ابن القاسم ونصها: قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول في الرجل ينفق على ولده ولهم مال قد ورثوه من أمهم فكتب عليهم ما أنفق، فلما هلك أراد سائرهم من الورثة أن [يحاسبوهم]

(1)

ويحتجوا [عليهم]

(2)

بالكتاب، قال: إن كان مالهم عنده موضوعا فليس عليهم غرم ما أنفق عليهم إذا لم يقل ذلك عند موته، لأن الأب ينفق على ولده، وإن كان لهم مال ومن أمر الناس أن ينفق الرجل على ولده ولهم

(1)

في الأصل يحاسبهم والمثبت من البيان ج 5 ص 321.

(2)

في الأصل عليه والمثبت من البيان ج 5 ص 321.

ص: 706

المال، وإن كان مالهم في عرض أو حيوان رأيت أن [يحاسبوهم]

(1)

به لأنه كتبه، وإنما اختلف [ذلك]

(2)

لأن المال الموضوع بيده لم يكن يمنعه منه شيء، فلعله إنما كتبه يريد أن يلزمهم أو يتركه فتركه، وأما الذي كان في العروض والحيوان فإنما يرى أنه يمنعه من ذلك بيعه وكتبه عليهم. والله أعلم. قال ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت عنده. قال ابن رشد: هذه مسألة تتفرع إلى وجوه وقعت مفرقة في مواضع من هذا السماع، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى، وفي سماع أبي زيد من كتاب الوصايا ما يعارض بعضها بعضا في الظاهر، فكان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف في القول. وقولي: إنه لا اختلاف في شيء مما وقع من ذلك في هذه الروايات كلها، وبيان ذلك أن مال الابن لا يخلو من أربعة أحوال.

أحدها: أن يكون عينا قائما بيد الأب. والثاني: أن يكون عرضا قائما في يده. والثالث: أن يكون قد استهلكة وحصل في ذمته. والرابع: أن يكون لم يصل بعد إلى يده، فأما إن كان عينا قائما في يده وألفي على حاله في تركته فلا يخلو من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها فإن كان كتبها عليه لم تؤخذ من ماله إلا إن وصى بذلك قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد في كتاب الوصايا وأما إن كان المال عرضا بعينه ألفي في تركته فلا يخلو أيضا من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كان كتبها حوسب بها الابن وإن أوصى الأب أن لا يحاسب بها وهو ظاهر ما في هذه الرواية، ووجه ذلك أنه لما كتبها عليه دل على أنه لم يرد أن يتطوع بها، فوصيته أن لا يحاسب بها وصية لوارث، وهو قول أصبغ في الواضحة أن المال إذا كان عرضا لم تجز وصية الأب أن لا يحاسب بها. ومثله لابن القاسم في المدونة. وإن كان لم يكتبها عليه حوسب بها إلا أن يكون أوصى الأب أن لا يحاسب بها فتنفذ وصيته وهذا قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى.

وأما الحال الثالثة وهي: أن يكون الأب قد استهلك المال وحصل في ذمته فإن الابن يحاسب بذلك كتب الأب عليه النفقة أو لم يكتبها وهو قول مالك في رسم الشجرة بعد هذا، إلا أن يكون كتب لابنه بذلك ذُكْرَ حَقٍّ أشهد له به فلا يحاسب بما أنفق عليه. قال ذلك مالك في رواية زياد

(1)

في الأصل يحاسبهم والمثبت من البيان ج 5 ص 321.

(2)

في الأصل كذلك والمثبت من البيان ج 5 ص 321.

ص: 707

بن جعفر عنه؛ وهو تفسير لما في الكتاب. وأما الحال الرابعة. وهي: أن لا يكون قبض المال ولا كان بيده بعد سواء كان عينا أو عرضا هو بمنزلة ما إذا كان عرضا بيده وقد مضى الحكم في ذلك وما في رسم سلعة سماها ورسم كتب عليه ذكر حق يحتمل أن يكون تكلم فيهما على أن المال لم يصل إلى يده أو على أنه قد أخذه واستهلكه، وقد مضى الكلام على حكم الوجهين، ولا فرق بين موت الأب والابن فيما يجب من محاسبته بما أنفق عليه أبوه وبالله التوفيق. انتهى نقله الإمام الحطاب.

الرابع: قال ابن سلمون إن كان المنفق وصيا من أب أو قاض فله الرجوع بما أنفق في مال الصبي دون يمين ولا إثبات لأنهم مأمورون بالإنفاق، وقيل: عليه اليمين، وإن كان غير وصي فلابد من إثبات حضانته وكفالته ويمينه بعد ذلك، ولا يحتاج أن يشهد أن إنفاقه إنما هو ليرجع به، وروي أنه لابد أن يشهد. انتهى. نقله الحطاب. وقال بناني: قال ابن عرفة: قال المتيطى: إنما يحلف الأب إن لم يشهد عند الإنفاق، ولو أشهد أنه إنما أنفق ليرجع لم يحلف. انتهى باختصار. وقال ابن عرفة أيضا: عن المتيطي: إن أسقط من عقد الإنفاق ذكر الرجوع فلا رجوع له حتى يحلف أنه قصد الرجوع انتهى.

وقال الشيخ ميارة في شرح التحفة: وكذا إذا لم ينو رجوعا ولا عدمه بعد أن يحلف أنه لم ينو واحدا منهما نقله صاحب المعيار في نوازل الأحباس أثناء جواب للعبدوسي. قال الشيخ المسناوي: قلت: لم يقله العبدوسي في النفقة على الصغير كما يوهمه كلام الشيخ ميارة، وإنما قاله في نازلة من الحبس تتعلق بأحكام النظار كما يعلم بالوقوف عليه، وفي قياس هذه على تلك وقفة. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: وما قاله ميارة مخالف لقولهم: وحلف أنه أنفق ليرجع، فإنه كالصريح في أنه لابد من الإنفاق بقصد الرجوع. والله سبحانه أعلم. وقد مر القول: بأن الربيب كغيره. قال في المعيار: إلا أن تثبت الأم أنه التزم الإنفاق على الربيب فلا رجوع له، وإنما محل الرجوع إذا أنفق عليه من غير التزام، ومقابله عدم الرجوع مطلقا. ونقله ابن عرفة عن ابن عات.

ولها الفسخ إن عجز عن نفقة حاضرة، تبع المص في تعبيره بالفسخ ابن الحاجب وابن شأس، والذي في عبارة غيرهم هو التطليق؛ يعني أن الزوجة لها أن تفسخ نكاح زوجها بطلقة رجعية إذا عجز عن أن يعطيها نفقة حاضرة ومثل النفقة الكسوة. قال عبد الباقي: وكذا لها الفسخ إن عجز

ص: 708

عن نفقة مستقبلة حيث أراد سفرا. انتهى. قال بناني: قوله: كمستقبلة إن أراد سفرا، أصله للأجهوري وفيه نظر؛ إذ لم ينسبه لأحد؛ وقد ذكر المسألة ابن الحاجب وابن شأس والتوضيح وابن عرفة والشامل وابن سهل قبلهم، والمتيطي وأبو الحسن وغيرهم، ولم يذكروا هذا أصلا، إنما ذكروا أن لها الطلب عند السفر، ولا يلزم من الطلب التطليق، بل لا يصح. قاله بعض الشيوخ. أنتهى. وقال الشبراخيتي: ولها أي للزوجة ولو محجورا عليها الفسخ لنكاح زوجها عنها بطلقة رجعية كما يأتي. فمراده بالفسخ هنا الطلاق إن عجز عن نفقة حاضرة ولها البقاء. انتهى. وقال الشارح: ولها الفسخ إن عجز عن نفقة حاضرة؛ أي إن عجز عن الإنفاق عليها في الحال، فتخير حينئذ بين أن تقيم معه أو تفارقه لقوة الضرر الذي يلحقها من عدم الإنفاق. انتهى. وقال عبد الباقي: ولها أي وللزوجة ولو محجورا عليها الفسخ بطلقة رجعية إن عجز الزوج عن نفقة حاضرة. انتهى. وقال الأمير: وإن منعها نفقة الحال فلها القيام. انتهى.

لا ماضية؛ يعني أن الزوج إذا عجز عن قضاء نفقة لزوجته ماضية فإنه ليس لها أن تفسخ نكاحه لأنها ترتبت في ذمته وصارت دينا كسائر الديون، والعسر يجب إنظاره لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وقوله: لا ماضية، قال الشارح: أي لا نفقة ماضية فلا يثبت لها بها فسخ كسائر الديون وهو متفق عليه. انتهى. ولها الفسخ إن عجز عن النفقة الحاضرة حيث كانا حرين أو هو حر وهي أمة أو هو عبد وهي حرة، بل لها أن تفسخ وان كان الزوجان عبدين، فقد اشتمل كلامه على أربع صور.

وعلم مما قررت أن المبالغة راجعة لقوله: ولها الفسخ.

لا إن علمت فقره؛ يعني أن الزوج إذا عجز عن نفقة حاضرة لفقره الكائن عند العقد وكانت المرأة قد علمت عند عقد النكاح بفقره فإنه لا يكون لها أن تفسخ نكاحه ولو أيسر بعد ذلك نظرا للحالة الأولى. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: لا إن علمت عند العقد فقره وحاجته العظيمة، وعبارة غيره عجزه. انتهى. وقوله: لا إن علمت فقره أي لأنها كمن علمت بعيب زوجها ودخلت عليه، وهذا الذي ذكره المص قول مالك في المبسوط، وله في الموازية أنه يطلق عليه ولو علمت عند العقد أنه فقير.

ص: 709

أو أنه من السُّؤَّال جمع سائل؛ أي الطائفين بالأبواب؛ يعني أن الزوجة إذا علمت أن زوجها من الطائفين بالأبواب فإنها لا تطلق عليه لعجزه عن النفقة الحاضرة، وعلم من المص أن محل قوله: ولها الفسخ لخ، إنما هو حيث لم تعلم بفقره وأنه من السؤال، وأما إن علمت بأنه فقير أو أنه من السؤال فلا تطلق، وهي محمولة على العلم إن كان من السؤال لشهرة حاله، وعلى عدم العلم إن كان فقيرا لا يسئل. قاله غير واحد. وقال الشارح: لا إن علمت فقره أو أنه من السؤال؛ أي فإن علمت أنه فقير أو أنه ممن يسئل الناس فلا [فسخ لها]

(1)

بالعسر لدخولها على ذلك، كمن علمت بعيب زوجها ودخلت عليه، وهو قول مالك في المبسوط لخ.

إلا أن يتركه، مستثنى من المسألة الثانية؛ يعني أنها إذا تزوجته وهو من السؤَّال ثم ترك السؤَال فعجز عن النفقة فلها أن تطلق نفسها. قاله القابسي. نقله الشبراخيتي وغيره. وزاد الشارح: ومثله للخمي. أو يشتهر بالعطاء وانقطع، مستثنى من المسألة الأولى، ففيه لف ونشر غير مرتب، يعني أن المرأة إذا علمت أن زوجها فقير وهو ليس من السؤَّال إلا أنه كان مشهورا بالعطاء؛ أي يقصده الناس بالعطاء ودخلت عليه عالمة بذلك ثم انقطع العطاء عنه فعجز عن النفقة فإن لها الفسخ على ما سيبين إن شاء الله تعالى قال الشارح وينبغي أن يكون معذورا في هذا، بخلاف ما إذا ترك السؤَال. انتهى. وقوله: أو يشتهر بالعطاء وانقطع، نقله الشارح وغيره عن اللخمي، ولا ذكر أن لها الفسخ عند عجزه عن النفقة الحاضرة أشار إلى كيفيته بقوله:

فيأمره الحاكم إن لم يثبت عسره بالنفقة والكسوة أو الطلاق؛ يعني أن المرأة إذا لم ترض بالمقام مع زوجها العاجز عن نفقة حاضرة ورفعت أمرها للحاكم، فإن الحاكم يأمره بأحد أمرين؛ أي يوجب عليه واحدا منهما. قاله غير واحد. فيأمره إما بالنفقة إن شكت ضررها، أو بالكسوة إن شكت ضررها، أو بهما كذلك، وإما بالطلاق، هذا حيث لم يثبت عسره ببينة أو بتصديق من المرأة، فإن أنفق أو طلق فواضح، وإلا طلق عليه. قاله الأمير. وأشار إلى مفهوم إن لم يثبت عسره، بقوله: وإلا بأن ثبت عسره ابتداء أو بعد الأمر بالطلاق أو النفقة والكسوة تلوم، أي أعطي مدة لا يطلق عليه فيها، كائنة.

(1)

في الأصل يفسخ إما والمثبت من الشارح الوسط ج 3 ص 421.

ص: 710

بالاجتهاد من الحاكم في قدرها، وليست محدودة بيوم أو ثلاثة أو شهرين كما قيل بكل منها، وما ذكره المص من أنه إذا ثبت عسره يتلوم له هو المشهور، وقيل: إذا ثبت عسره يطلق عليه من غير تلوم قاله الحطاب. وقوله: وإلا تلوم بالاجتهاد، قد علمت أن محله حيث ثبت عسره، وحينئذ فلا نفقة لها زمن التلوم. وما قدمته من أنه حيث لم يثبت عسره وامتنع مما ذكر يطلق عليه من غير تلوم، كلام الأمير صريح أو كالصريح فيه؛ وفي كلام الحطاب: أنه يتلوم له، وبه قرر الشارح المص، حيث قال: وإلا بأن أبى من الإنفاق والطلاق تلوم له، وهو المشهور، وقيل: يطلق عليه من غير تلوم انتهى وقال عبد الباقي: عهدته عليه يعني الحطاب؛ إذ مقتضى التوضيح وابن عرفة عدم التلوم له. انتهى. وعلى أنه يتلوم له فلها النفقة في مدة التلوم ترجع بها عليه. والله سبحانه أعلم.

وقوله وإلا تلوم بالاجتهاد، قال عبد الباقي: فإن رضيت بالمقام بعد التلوم ثم قامت بعد ذلك فلا بد من التلوم ثانيا، بخلاف امرأة المعترض لا تحتاج إلى أجل ثان، والفرق أن أجل المعترض سنة لا مدخل للاجتهاد فيها، فإذا حكم بها ووجب للمرأة القضاء بتمام الأجل لم ينتقض الحكم الماضي بتأخيرها ما وجب عليه، بخلاف التلوم في النفقة إنما هو اجتهاد فإن رضيت بالمقام بطل. انتهى. واعلم أنه لا يحتاج ليمين الزوج أنه معسر حيث صدقته المرأة، ويحتاج لها مع بينة عسره.

تنبيه: اعلم أن من يقر بالملاء وامتنع من الإنفاق والطلاق يعجل عليه الطلاق على قول، ويسجن حتى ينفق عليها على قول آخر، حكاهما ابن عرفة كما في الحطاب. وعلى القول الثاني إذا سجن ولم يفعل فإنه يعجل عليه الطلاق، كما أنه يعجل عليه بلا تلوم إن لم يجب الحاكم بشيء حين رفعته فيما يظهر. وسيأتي في باب القضاء: أنه إذا لم يجب المدعى عليه بإقرار ولا إنكار حبس وأدب ثم حكم عليه بلا يمين قاله عبد الباقي وعلى القول الثاني إن كان له مال ظاهر أخذت النفقة منه كرها قاله الحطاب.

وزيد إن مرض؛ يعني أن الزوج إذا تلوم له التلوم المذكور ثم إنه مرض في أثناء المدة فإنه يزاد له في تلومه بقدر ما يرتجى له شيء، وهذا إذا كان برؤه يرتجى عن قرب وإلا طلق عليه. قاله عبد الباقي. أو سجن؛ يعني أن الزوج إذا تلوم له بالاجتهاد بعد ثبوت عسره ثم إنه سجن في أثناء

ص: 711

مدة التلوم، فإنه يزاد له في تلومه بقدر ما يرتجى له شيء، وهذا إذا كان يرجى خلاصه من السجن عن قرب وإلا طلق عليه قاله عبد الباقي. ثم طلق؛ يعني أن الزوجة إذا تلوم لها في شأن زوجها التلوم المذكور ولم توجد نفقة أو كسوة فإنه يطلق عليه طلاقا يجري فيه ما مر من قوله فهل يطلقها الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم؟

وإن غائبا؛ يعني أن حكم الزوج الغائب في الطلاق بعدم النفقة كحكم الزوج الحاضر، وهذا هو المشهور، وقال القابسي: لا يطلق على غائب لأنه لم يستوف حجته، وقوله: وإن غائبا، قرره غير واحد على أنه مبالغة في قوله: ثم طلق؛ أي وإن كان الذي ثبت عسره وتلوم له غائبا، ومعنى ثبوت العسر في الغائب عدم وجود ما يقابل النفقة بوجه من الوجوه. قال مقيده عفا الله عنه والأحسن أن يكون مبالغة في قوله: ولها الفسخ لخ، وعبارة الأمير: ولها القيام ولو غاب أو لم يكونا حرين. انتهى. وقال الشارح عند قوله: وإن غائبا أي إذا لم يكن له مال حاضر وهو المشهور، ولابن القاسم: أنه لا يطلق على غائب لأنه لم يستوف حجته، وعلى الأول فلا بد من إثبات الزوجية والغيبة بحيث لا يعلم موضعه أو يعلم ولكن يتعذر الإعذار إليه فيه وتشهد البينة أنه لم يترك لها في علمهم نفقة ولا كسوة ولا شيئا يعدى فيه بشيء من مؤنته ولا أنه بعث شيئا وصل إليها في علمهم إلى الحين، ثم يضرب لها الأجل بعد ذلك على ما تقدم، ثم يحلفها على ما شهدت به البينة لها، وحينئذ إن دعت إلى الطلاق طلقها أو أباح لها التطليق انتهى.

وقال عبد الباقي: والتلوم للغائب محله حيث لم يعلم موضعه أو كانت غيبته على كعشرة أيام، وأما إن قربت كثلاثة أيام فإنه يعذر إليه، وهذا لا ينافي قوله: ولها الفسخ؛ لأن معناه: لها القيام بأن تفسخ بطلاق، وهذا إنما يكون عند الحاكم. وذكر الشارح من جملة شروط الطلاق عليه أن يدخل أو يدعى، تبعا للتوضيح، ورده الحطاب والتتائي بأن شرط الدخول والدعاء خاص بالحاضر، وتصويب بعضهم ما للشارح ورده ما للتوضيح والتتائي ليس على ما بينبغي. انتهى. وقد مر أن معنى ثبوت العسر في الغائب عدم وجود ما بينفق عليها منه. ابن الحاجب: حكم الغائب ولا مال له حاضر حكم العاجز. ابن عبد السلام: يعني أن الغائب البعيد الغيبة وليس له مال أو له مال لا يمكنها الوصول إليه إلا بمشقة حكمه حكم العاجز الحاضر. ابن عرفة: قلت:

ص: 712

قوله: إلا بعد مشقة، خلاف ظاهر أقوالهم: إنه لا يحكم لها بطلاقه إلا إذا لم يكن له مال بحال دون استثناء. انتهى.

وما ذكره ابن عرفة نحوه لابن رشد، وذكر ابن فتحون: أنه إذا لم يكن للغائب مال حاضر أو له مال وفني بالإنفاق وثبت ذلك فإن للزوجة أن تطلق نفسها، ولم يعتبر حال الزوج في ملائه أو عدمه. نقله بناني. وقوله: وإن غائبا، سواء كان أسيرا أو فقيدا أو غيرهما. وقال الشبراخيتي: يعني أن الغائب إذا لم يكن له مال حاضر حكمه حكم الحاضر، فتطلق عليه، فتثبت الزوجية والغيبة بحيث لا يعلم موضعه أو لا يمكن الإعذار إليه فيه للطول أو لقطع الطريق ونحوه، وإلا فلا، وأنه لم يترك لها نفقة ولا كسوة ولا ما يعدى فيه بشيء من مؤنتها، ولا أنه بعث إليها بشيء فوصلها ثم تحلف على وفق الشهادة بعد التلوم، ثم يطلق عليه أو يمكنها من ذلك على الخلاف السابق. انتهى. وقال الحطاب عند قوله: وإن غائبا؛ يعني أن حكم الغائب في الطلاق بعدم النفقة كحكم الحاضر. قال في التوضيح: وهو المشهور، وقال القابسي: لا يطلق على غائب لأنه لم يستوف حجته، وعلى الأول فلا بد من أن تثبت الزوجية والغيبة بحيث لا يعلم موضعه أو علم ولم يمكن الإعذار إليه، وأما إن علم وأمكن الإعذار إليه فإنه يعذر إليه، ولا بد أن تشهد لها البينة بأنها لا تعلم أن الزوج ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا يعدى فيه بشيء من مؤنتها، ولا أنه بعث إليها بشيء وصل لها في علمهم إلى هذا الحين، ثم بعد ذلك يضرب لها أجل على حسب ما يراه كما تقدم، ثم يحلفها على ما شهدت عليه البينة، وحينئذ إن دعت إلى الطلاق طلقها أوأباح لها التطليق ونقل ابن عرفة نحو ما تقدم عن المتيطي ونصه: وعلى الأول يعني القول الأول، قال المتيطي: تثبت غيبته ببينة تعرف غيبته واتصال زوجيتهما وغيبته بعد بنائه أو قبله بموضع كذا، وبحيث لا يعلمون منذ كذا، ولا يعلمونه ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا تعول به نفسها ولا تعدى فيه بشيء من مؤنتها، ولا أنه آب إليها ولا بعث بشيء ورد عليها في علمهم إلى حين التاريخ، ثم يؤجل القاضي في الإنفاق عليها شهرا أو شهرين أو خمسة أو أربعين يوما، فإذا انقضى ولا قدم ولا بعث بشيء ولا ظهر له مال، ودعت إلى النظر لها أمر بتحليفها بمحضر عدلين، كعا يجب في صفة الحلف أنه ما رجع إليها زوجها المذكور من مغيبه الثابت

ص: 713

عند الحاكم إلى حين حلفها، ولا ترك لها نفقة ولا كسوة ولا وضعت ذلك عنه ولا وصل إليها شيء منه إلى الآن، فإذا ثبت عند القاضي حلفها طلقها عليه.

قلت: ولابن سهل في بكر قام أبوها بتوكيلها إياه قبل البناء بذلك، أفتى ابن عتاب: أنها تحلف، فإذا حلفت طلقت نفسها، وأفتى ابن القطان: لا يمين عليها ولا على أبيها ولها أن تطلق نفسها، وأفتى ابن رشيق فقيه المرية

(1)

بحلفها، وزاد فيه أن زوجيتهما لا تنقطع. ابن سهل: زيادة هذا في يمينها لا أعرفها لغيره. وقول ابن القطان: لا يمين عليها ولا على أبيها لا وجه له. وسئل السيوري عن المرأة تأتي وتذكر أن لها زوجا أو لابنتها، وقد غاب عنها ولم يخف شيئا، ولم يكن له شيء يعدى فيه بالنفقة، ولا يعرف ذلك إلا من قولها، وتكلف بالبينة فتعجز عن إثباته، وربما ذكرت غريبا أي زوجا غريبا، وربما أتت ببينة من سوقه أو غيره ولا تقدر على أكثر من ذلك، فإن أفتيت بإعمال هؤلاء فهل أسميهم بأسمائهم؟ أوأقول:. ثبت عندي ما أوجب الفراق، أو قبول قولها، وربما لم يوجد على توكيل الأم بينة إلا بقولها؟ فأجاب: إن كان الزوج معروفا ولم تعرف غيبته كلف القاضي رجلين يكشفان عنه، ويسئل جيرانه ومن يخالطه أو أقاربه عن الموضع الذي غاب إليه، فإن لم يكن أو لم يعلم حيث توجه، حلفت الزوجة أنه لم يخلف شيئا، وإن أقرت بشيء حلفت أنه لم يخلف سوى ما اعترفت به، ولم يصل إليها شيء من قِبَله وطلق عليه، ولو كان غير معروف سئلت المرأة عن صنعته ومن يعرفه، فيسئلون نحو الأول، وإن لم تكن له صنعة ولا من يخالطه كشف العدلان عن ذلك الاسم وعن تلك الصفة، هل هي بالبلد؟ فإن لم يوجد طلق عليه بعد يمين المرأة كما مر. ويذكر القاضي فيما يشهد به أنه رفعت إليه تلك المرأة، ويذكر أمرها وذكرت أن لها زوجا اسمه وصفته كذا، وذكرت أنه غائب عن البلد وأنه خلفها بلا نفقة وطلق عليه، فإن أتى الرجل واعترف بالزوجية وقع الطلاق موقعه، وإن أنكر لم يضر ذلك.

وسئل المازوري عن امرأة طارئة من المغرب ادعت أن زوجها تخلف في الطريق قبل وصوله إلى بجاية: وأرادت أن تطلق عليه وتأتي بشهود؟ فأجاب: لا يصح الحكم على زوج هذه المرأة بالفراق الآن لاعترافها بالزوجية وبقاء العصمة، وادعت غيبته فصارت مقرة بالعصمة مدعية ما

(1)

في الأصل المريه والمثبت من الحطاب ج 4 ص 595.

ص: 714

يوجب زوالها، وعلى الطريقة الأخرى لا تؤخذ بأكثر مما أقرت، وقد زعمت وجها يوجب الفراق فورا؛ لأنها ذكرت أنه فارقها قبل وصوله بجاية، ومن المكن أن يكون زوجها أخذ طريقا آخر قادما لهذا البلد طالبا لزوجته وعاقه عائق عن الوصول، فالواجب تسميته والبحث عن اسمه الذي تذكر في المواضع القريبة حتى يعلم أنه ليس بالقريب ليعذر إليه، وأنه لا شيء له ينفق عليها منه فينظر حينئذ بالفراق منه بالواجب، والشهود غير المقبولين لا يعول عليهم، والقول على إقرارها، وفيه ما ذكرنا عن المذهبين؛ قلت: الأصل الذي أشار إليه هو تبعيض الدعوى وإجمالها. فابن القاسم يبعض الدعوى فيصيره مقرا مدعيا، وأشهب لا يؤاخذه إلا بجملة كلامه. وسئل ابن حبيب عن المرأة تقدم المدينة مع الحاج، وتقول: خفت العنت وأرادت التزويج ولا يعلم هل لها زوج أم لا إلا من قولها وهي من ذوات القدر والأولياء، هل يزوجها السلطان أم لا؟ فأجاب: تزوج ولا تطلب ببينة بأنه لا زوج لها إذا كانت غريبة بعيدة الوطن، وأحب سؤال أهل معرفتها وبلدها ممن معها في الرفقة سؤالا من غير تكليف شهادة، فإن استَبْرأَت تركت تزويجها وإلا زوجها، وليس

(1)

كمن مكانها قريب

(2)

)، قال ابن وصول

(3)

: كلام ابن حبيب أصل مذهب مالك لما يتقى من زوج يكون لها، فإذا ظهر خلاف قولها لم يزوجها، وبيان ذلك أن الرجل يأتي بامرأة ومعه صداق فيقول: اشهدوا علي بما في هذا الصداق أنه حق قبلي لزوجتي هذه وقد ضاع صداقها. فقال مالك: إن [أتى]

(4)

بشاهدين عدلين على أصل الزوجية بينهما فليشهد الشهود الذين أشهدهم على نفسه، وإن لم يأت [بهما]

(5)

لم يقبل منه ليلا يكون نكاح بغير ولي، وهذا في حق الغرباء. قاله مالك في الديات من المدونة.

وسئل أبو عمران عن المرأة تقدم بلدا ولا يدرى من أي موضع قدمت، ولا من هي، وتطلب التزويج، فهل يزوجها السلطان من غير إثبات موجب، وكذا لو زعمت أنه كان لها زوج ومات

(1)

كذا في الأصل والذي في البرزلي ج 2 ص 366 والحطاب ج 4 ص 597 ط دار الرضوان فإن استراب ترك تزويجها وإلا زوجها وليست.

(2)

كذا في الأصل وينظر الحطاب ج 4 ص 597.

(3)

في البرزلى ج 2 ص 367 ابن دحون.

(4)

في الأصل أتوا والمثبت من البرزلى ج 2 ص 367 والحطاب ج 4 ص 397 ط دار الرضوان

(5)

في الأصل بها والمثبت من البرزلي ج 2 ص 367.

ص: 715

عنها أو طلقها، فأجاب: إن كان البلد قريبا يكتب إليه، وإن كان بعيدا يتعذر وصول الجواب أو يكون بعد أزمنة طويلة خُلِّيَ بينها وبين ما تريده إذا لم يتبين كذبها.

وسئل المازري عن امرأة مجهولة طارئة على بلد فأتت إلى قاضيه فذكرت أن زوجها غاب عنها في بلدها غيبة منقطعة ولا يعلم صدقها من كذبها وشكت الضيعة، فما ترى في أمرها هل تطلق وتزوج أم لا؟ فأجاب: أنه يثبت

(1)

في أمرها حتى ييئس من العثور على صدقها أو كذبها أو تثبت كونها طارئةمن بلد بعيد يتعذر معه الكشف عن حال الزوج، فتستحلف حينئذ اليمين الواجبة في مثل هذا، وأنها صادقة فيما ذكرت ويوقع الطلاق عليها، ويكتب لها الحاكم أنه أوقع عليها الطلاق بشرط أن يكون الأمر كما ذكرته. نقله الحطاب. وقال بعد جلب نقول كثيرة: فانظر هذا كله فإنه يقتضي أنه لا يحتاج إلى البينة إذا تعذرت، وأن القاضي يطلق على الغائب ولو كانت المرأة طارئة، وأن سفرها بعد زوجها حين لم يترك لها النفقة لا يكون نشوزا قاله ابن [الجلاب]

(2)

في كلامه على النفقة وغيره. انتهى.

فرع: قال الحطاب فإن لم يكن حاكم فإنها ترفع إلى العدول قال المشدالي في أول كتاب الصلح في خروج أحد الغريمين لاقتضاء دين لهما وأعذر إليه في الخروج وأشهد أنه يكفي الإشهاد ما نصه: جعل هنا جماعة العدول تقوم مقام السلطان ولو كان هناك سلطان، ومثله في أواخر النذور فيمن حلف ليقضين إلى أجل كذا، ومثله لابن مغيث في المرأة يغيب عنها زوجها أنها تثبت عند العدول ما تثبت عند القاضي فتطلق نفسها. وفي الحطاب عن السيوري في جواب عن سؤال إذا تحرج الناس لعدم القضاة أو لكونهم غير عدول فجماعتهم كافية في الحكم في جميع ما وصفته وفي جميع الأشياء، فيجتمع أهل الدين والفضل فيقومون مقام القاضي في ضرب الآجال والطلاق وغير ذلك انتهى.

مسألة: قال الحطاب: إذا قامت المرأة بالطلاق لعدم النفقة في غيبة الزوج فتطوع بها متطوع فذكر المشدالي في حاشيته على المدونة في كتاب الإجارة في ذلك قولين: قال ابن الكاتب: لها أن تفارق لأن الفراق قد وجب لها، وقال ابن عبد الرحمن لا مقال لها لأن عدم النفقة الذي أوجب لها

(1)

في الحطاب ج 4 ص 599 ط دار الرضوان: يتثبت.

(2)

في الأصل الحاجب والمثبت من الحطاب ج 4 ص 599 ط دار الرضوان.

ص: 716

القيام قد انتفى، وقول ابن عبد الرحمن هو الذي تقتضيه المدونة في النكاح الثاني، وفي أحكام ابن سهل: مملوكة غاب سيدها وأثبتت عدمه وملكه لها وأنه لم يخلف عندها ولا بعث لها ولا لها مال تنفقه ولا له مال يعدى فيه في علم من شهد بذلك، وأفتى ابن عات وابن القطان بأمر القاضي ببيعها، ويقبض ثمنها للغائب ويوقفه عند ثقة. انتهى. وقوله: ولا لها ما تنفقه، يدل على أنه إذا كان لها خراج يمكنها الأكل منه فإنها لا تباع وتأكل من خراجها، وقال في معين الحكام في كتاب الأقضية إثر كلام ابن سهل المتقدم.

تنبيه: ينبغي للحاكم أن يكلفها أنها عاجزة عن استعمالها فيما يستعمل فيه مثلها لتنفق على نفسها، وقال ابن عات: مثله في أم الولد التي غاب عنها سيدها والمملوكة أحرى. انتهى. وفي التوضيح.

فرع: ولو كانت هذه المرأة أم ولد غاب عنها سيدها وأثبتت مغيبه فإن الحاكم يتلوم لسيدها الشهر ونحوه ثم ينجز عتقها على الغانب هكذا قال ابن عات والقرشي، وروي ذلك عن ابن زياد، وقال ابن الشقاق وابن العطار: لا تعتق وتسعى في معاشها، وبه قال ابن القطان، وتبقى حتى يصح موت سيدها وينقضي تعميره. ابن رشد: والأول هو الصواب، وقال ابن عرفة: ومن أعسر بنفقة أم ولده فقيل: تزوج ولا تعتق، وقيل: تعتق، وكذلك إن غاب سيدها ولم يترك لها نفقة. انتهى. ابن عات: وإذا حكم بعتق أم الولد فإنها تعتد بحيضة. انتهى. وقال ابن عرفة: قال الصقلي عن بعض القرويين: إن لم يكن في خدمة المدبر ما يكفيه في نفقته وأعسر السيد بها عتق عليه، وانظر ما حكم المعتق لأجل؟ والظاهر أنه مثله. والله أعلم. انتهى.

أو وجد ما يمسك الحياة، عطف على المبالغة أي، وإن كان غائبا أو وجد ما يمسك الحياة، يعني أن الزوج إذا لم يقدر من القوت إلا على ما يمسك الحياة فإنه يصير حكمه حكم العاجز عن الإنفاق بالكلية فيطلق عليه لما يلحق المرأة في ذلك من الضرر الشديد لو ألزمناها المقام مع ذلك، ولا سيما إن لم يرج تغير حاله إلا بعد طول وقال الشبراخيتي: أو وجد ما يمسك الحياة فقط، على المشهور؛ لأن وجود مثل هذا ضرر شديد لا إن قدر على القوت؛ يعني أن الزوج إذا قدر من النفقة على قوت زوجته كاملا ولو من خشن المأكول أو خبزا بغير إدام فإنها لا تطلق عليه قاله

ص: 717

عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: لا إن قدر من النفقة على القوت كاملا من قمح أو شعير أو دخن أو ذرة أوأرز مأدوم أو غير مأدوم فلا تطلق عليه. انتهى.

وما يواري العورة؛ يعني أن الزوج إذا قدر من الكسوة على ما يواري العورة أي جميع بدنها لا السوءتان فقط، من صوف أو كتان أو جلد ولو دون ما يلبسه فقراء ذلك البلد، فإنه لا تطلق عليه زوجته. قاله عبد الباقي: وقوله لا السوءتان فقط؛ يعني أن المراد بالعورة في كلام المؤلف جميع الجسدة وليس المراد بها السوءتان فقط وإن غنية؛ يعني أنه إذا قدر على القوت وما يواري العورة بالمعنى المذكور فإنه لا تطلق عليه زوجته وإن كانت ذات قدر وغنى على المشهور، ولم يراع هنا حالها، وروعي حالهما فيما مر لأن ذلك من فروع القدرة على ما يفرض، وهذا من فروع العجز الموجب للفسخ ابن الحاجب والقادر بالتكسب كالقادر بالمال إن تكسب ولا يجبر على التكسب. انتهى. قال في توضيحه: وإذا لم يجبر الغرماء المديان على التكسب فأحرى الزوج؛ لأن الضرر اللاحق لرب الدين أقوى من ضرر الزوجة، فإنها قادرة على رفع ضررها بالطلاق بخلافهم. انتهى.

وذهب بعض الشيوخ إلى جبر الصانع على العمل ليوفي الدين لأنه على ذلك عومل فلا يبعد مثله في النكاح. انتهى. قال الشبراخيتي. وفهم من قوله: كالقادر، أنه لو لم ينفق في زمن تكسبه فإن النفقة في ذمته ولا يسقطها الإعسار. قاله الشبراخيتي. وقال الشارح مفسرا للمص: أي فإن كان قادرا على القوت خاصة وعلى ما يواري العورة فلا قيام للمرأة؛ لأن المعتبر فيما يوجب الفراق العجز عن النفقة والكسوة جملة وإن كانت ذات قدر وغنى. قاله مالك. وعن أشهب: إن عجز عما يشبهها فرق بينهما. انتهى. وقال الخرشي: وكذلك لا قيام لها إذا كان يقدر على ما يستر عورتها ويواريها من غليظ الكتان أو الجلد ولو كانت غنية، والمراد بالعورة جميع بدنها كله لا السوأتان فقط. وتُقدَّمُ على غيرها من الابن والأبوين، ولما علم أن كل طلاق أوقعه الحاكم بائن إلا طلاق المولي والمعسر بالنفقة، وقدم شرط تمام رجعة المولي بقوله: وتتم رجعته إن انحل وإلا لغت، شرع في شرط رجعة المطلق عليه لعسر النفقة. بقوله:

وله الرجعة إن وجد في العدة يسارا يقوم بواجب مثلها؛ يعني أن الزوج إذا طلقت عليه زوجته المدخول بها لعدم النفقة، فإن له أن يرتجعها إذا وجد في العدة يسارا أي ما ينفق به عليها،

ص: 718

بشرط أن يكون ذلك اليسار يقوم بواجب مثلها، والحاصل أنه إنما تصح رجعته إذا كان ما وجده من المال يقوم بما يجب لمثلها، قال عبد الباقي عند قوله: بواجب مثلها، لا دونه فليس له الرجعة بل لا تصح بالكلية؛ لأن المطلقة التي أوقعها الحاكم إنما كانت لأجل ضرر فقره فلا يمكن من الرجعة إلا إذا زال موجب ذلك، إلا إن رضيت بغير الواجب أو بدونه. ولسحنون: ليس له حينئذ والأول ظاهر من جهة المعنى. واختلف في قدر الزمن الذي إذا أيسر به تكون له الرجعة به

(1)

)، فلابن القاسم وابن الماجشون: نفقة شهر، وقيل: نصف، وقيل: إذا وجد ما لو قدر عليه أولا لم تطلق عليه. ابن عبد السلام: ينبغي أن تأول هذه الأقوال على ما إذا ظن أنه يقدر على إدامتها بعد ذلك، وقبله المص، واختلف إذا كان يجريها قبل الطلاق مشاهرة وقدر بعده على إجرائها مياومة، هل له الرجعة أم لا؟ على قولين لم يرجح واحد منهما، وظاهر المص يوافق الأول. انتهى. وقاله غير واحد. وقال الحطاب: وله الرجعة إن وجد لخ، فإن لم يجد فلا رجعة له، فلو رضيت الزوجة بالرجعة مع عدم اليسر كانت رجعة قاله في الواضحة وغيرها. وقال سحنون في السليمانية: لا تصح الرجعة. انتهى. من التوضيح. وقال الخرشي: وفهم من قوله: وله لخ، وقوله في العدة أن هذا في الدخول بها إذ غيرها لا عدة عليها. انتهى.

ولها النفقة فيها يعني أن الزوج إذا وجد في العدة يسارا يملك به الرجعة فإن زوجته التي طلقت عليه لعدم النفقة تكون لها النفقة عليه يقضى لها بذلك. وإن لم ترتجع؛ يعني أنه يلزمه أن ينفق عليها ارتجعها أم لا؛ لأن طلاقها رجعي والرجعية كالزوجة، فلها النفقة، وأما لو وجد في العدة يسارا لا يقوم بواجب مثلها فلا نفقة لها لأنه لا يملك بذلك رجعتها، وإذا كان طلاق المطلقة لعدم النفقة رجعيا فإنه يثبت لها أحكام الرجعية من إرث وغيره، وقوله: وإن لم ترتجع هو مذهب المدونة وهو الأصح، ورد بالمبالغة القول بأنها لا تجب نفقتها إن لم يرتجعها، وتأول بعضهم الواضحة عليه.

وطلبه عند سفره بنفقة المستقبل ليدفعها لها أو يقيم لها كفيلا؛ يعني أن الزوجة لها أن تطلب الزوج عند إرادة سفره بنفقة الزمن المستقبل الذي يريد أن يسافره، ولا بد له من أن يفعل معها أحد أمرين، إما أن يدفع لها نفقة الزمن الذي يريد أن يسافره معجلة، وإما أن يقيم أي يؤدي

(1)

ليست في عبد الباقي.

ص: 719

لها كفيلا أي ضامنا يدفعها لها على حسب ما كان الزوج يدفعها لها من يوم أو جمعة أو شهر لخ، فالضمير في لها في الموضعين للمرأة، وفي يدفعها للنفقة، أعني المنصوب، والمستتر للزوج، وكفيلا مفعول يقيم، وهو معطوف على يدفع، فهو منصوب، واللام في ليدفعها تعليلية قال عبد الباقي وغيره: وللبائن الحامل طلب نفقة الأقل من مدة الحمل والسفر، فإن كان حملها غير ظاهر وخافته فلم ير مالك ذلك عليه بحميل، ورءاه أصبغ، واختاره اللخمي إن قامت قبل حيضة، والأول إن قامت بعدها، فإن اتهم أن يقيم أكثر من السفر المعتاد حلف أو أقام حميلا. انمهى. وقوله: وطلبه، قال الشارح: معطوف على قوله: ولها الفسخ؛ أي ولها طلب الزوج بنفقتها أو نفقة ولدها في المستقبل إذا قصد السفر ليدفع لها مقدار ما تنفقه في غيبته، أو يقيم من يدفع لها ذلك كما كان هو يدفعها من مياومة ومشاهرة أو غيرهما، وهو مذهب المدونة، ولعبد الملك لا يقيم لها كفيلا وهي في العصمة إذا سافر. انتهى.

وفرض في مال الغائب؛ يعني أن الزوج إذا غاب عن زوجته فإنها تفرض لها النفقة في قاله أي الزوج الغائب قال الحطاب قال الشارح في الكبير: قال فيها يعني المدونة: ولا يفرض على الغانب النفقة لزوجته إلا أن يكون له قال يعدى فيه. انتهى. وقوله: يعدى، قال أبو الحسن الصغير: قال عياض في المشارق: والاستعداء طلب النصرة، وقيل: طلب الإعانة، ومعناه الحكم. انتهى من كتاب الزكاة الأول. وكلام المدونة هو في آخر النكاح الثاني. وقد يتبادر منه أنه إذا لم يكن للغائب قال يعدى فيه لا يفرض لها النفقة عليه، ولو علم أنه ملي في غيبته؛ كما نبه على ذلك ابن عرفة وسيأتي كلامه، وليس كذلك، بل إن علم أنه موسر في غيبته فرض لها عليه، وإن علم عسره أو جهل أمره لم يفرض لها عليه؛ قال في العتبية: وسألته عن الرجل يغيب عن أهله وله ولد صغار في حجر أمهم تلزمه نفقتهم، فإذا قدم ادعت امرأته وهي أمهم أنها أنفقت عليهم من مالها؛ أيلزمه ذلك أم يبرأ بمثل في يبرأ به من نفقتها إذا زعم أنه كان يبعث بها إليها ولا يكون لها عليه شيء إلا أن ترفع أمرها إلى السلطان؟ قال: حالها فيما تدعي من الإنفاق عليهم من قالها بمنزلة ما تدعي أنها أنفقت على نفسها إذا لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم لم تصدق. وإن رفعت ذلك إك السلطان فرض لها ولهم وحسبه لها عليه من يوم يفرضه وكان لها دينا تتبع به. قال ابن رشد: قوله: إن الرجل يبرأ من نفقة أولاده الذين في حجره مع زوجة

ص: 720

أمهم بما يبرأ به من نفقة زوجته صحيح؛ لأنه مؤتمن، وأما قوله: وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم إلى آخره، فمعناه: إذا عرف ملاءه في غيبته وذلك أنه لا يخلو في مغيبه من ثلاثة أحوال، أحدها: أن يكون معروف الملاء. الثاني: أن يكون معروف العدم. الثالث: أن تكون حاله مجهولة، فأما إن كان معروف الملاء فإن النفقة تفرض لها عليه على ما يعرف من ملائه فتتبعه بذلك دينا ثابتا في ذمته، وأما إذا كان معروف العدم فلا يفرض لها السلطان عليه نفقة إذ لا يجب على العدم لامرأته نفقة، ويفرق السلطان بينهما بعد التلوم، وإن أحبت الصبر عليه كتب لها كتابا بذلك اليوم من ذلك الشهر أنها قامت عنده طالبة لنفقتها، فإن قدم وعلم أنه كان له مال كان القول قولها إنها أنفقت على نفسها من ذلك اليوم، إن ادعى أنه خلف عندها أو بعث بها إليها، وأما إذا كان مجهول الحال لا يعرف ملاؤه في غيبته من عدمه فقال في المدونة: إن السلطان لا يفرض لها نفقة على زوجها في مغيبه حتى يقدم، فإن كان موسرا فرض عليه نفقة مثله لمثلها، وقال ابن حبيب في الواضحة: إنها إن أحبت الصبر عليه أشهد لها السلطان إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليا في غيبته أوجبنا عليه لامرأته فريضة مثله من مثلها. انتهى كلام الحطاب.

تنبيه: اعلم أن الأبوين لا تفرض لهما النفقة على الولد في مغيبه وإن كان موسرا إذا لم يكن له مال حاضر، ولا يؤمر

(1)

أن يتداينا عليه، وإن فعلا لم يلزمه من ذلك شيء، فلا يغرم ما تداينا عليه، ولا يغرم ما فرض عليه لهما في غيبته، بخلاف الزوجة في ذلك كله؛ لأن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها، ونفقة الأبوين ساقطة حتى يعلم وجوبها، ونفقتهما لا تجب إلا بفريضة من السلطان حين يجدهما يستحقانها ويجد له مالا يعديهما فيه وإلا فلا. قاله أصبغ. ومال الغائب الذي يباع في نفقة أبويه عروضه لا أصوله، وإذا حلفت المرأة لتستحق النفقة في غيبة زوجها حيث ادعت أنه لم يكن له مال سوى ربع وتأخر بيعه عن الحلف، فإن إعداءها بالنفقة من يوم الحلف لا من يوم انعقاد البيع. قاله الحطاب. وقد مر أنه يفرض لها من يوم الرفع، وقد مر أنه لا تباع أصول الغائب في نفقة أبويه أي حيث لم تفرض نفقتهما عليه قبل مغيبه، فإن

(1)

كذا في الأصل ولفظ الحطاب ح 4 ص 603 فإن لم يكن له مال أيؤمر أن أن يتداينا عليه ويقضى لهما بذلك قال أما الزوجة فنعم وأما الأبوان فلا الخ.

ص: 721

فرضت نفقتهما عليه قبل مغيبه فمقتضى الفرق المتقدم أن تباع أصوله في نفقة أبويه. انظر الحطاب. واعلم أن القياس أن لا تباع على الغائب عروضه في نفقة أبويه لاحتمال أن يكون حين الحكم عليه بذلك ميتا: وأن يكون دين يغترق عروضه إلا أن ذلك في العروض استحسان، ولهذه العلة قالوا: إن الغائب لا يؤخذ من ماله الناض الزكاة وكون الأصول لا تباع على الغائب في نفقة أبويه مما ليس فيه اختلاف. انظر الحطاب.

ووديعته: يعني أن الزوجة تفرض لها النفقة في وديعة لزوجها الغائب، ومثل الزوجة الأبوان والولد في هذه والتي قبلها، وقوله: ووديعته، هذا هو المشهور وعن ابن لبابة أن الوديعة لا يقضى منها دين ولا غيره؛ أي من النفقات. أبو عمران: وهو القياس إذ لو حضر الغائب وأنكرها لم يكن للغرماء إليها سبيل. قاله الشارح. ودينه؛ يعني أن الزوجة تفرض لها النفقة في دين لزوجها الغائب على غيره، وفي نسخة ديته بدال مكسورة فمثناة تحتية فمثناة فوقية أي دية وجبت له، إذ ليس له العفو وعليه دين، ومثل الزوجة في هذه الأبوان والولد أيضا، وعبارة عبد الباقي: ومثلها؛ يعني الزوجة الأبوان والولد في هذه الثلاثة، لا في قوله الآتي: وبيعت داره، فإنه خاص بها، كما عليه الناصر اللقاني، وذكر الحطاب قولين في بيعها لنفقة الولد والأبوين. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: جعلها الحطاب في معتمد نقله خاصة بالزوجة، وحكى في نقله أنه لا اختلاف في ذلك، وحكى عن الشيخ ابن عتاب أنه أفتى ببيع أصول الغائب في نفقة الأبوين. والله سبحانه أعلم.

وأقامت؛ بصيغة الفعل الماضي البينة، مفعول الفعل قبله على المنكر؛ يعني أن الزوجة إذا غاب زوجها وطلبت النفقة عند الحاكم وادعت أن لزوجها الغائب دينا على زيد مثلا وأنكر زيد أن لزوجها عليه دينا فإن لها أن تقيم بينة تشهد لها بدين لزوجها على زيد لينفق عليها منه، ويمكنها الحاكم من إقامة البينة، ومثل الزوجة في ذلك الأبوان والولد. قاله الشبراخيتي. ولو شهد لها شاهد واحد بالدين لحلفت معه تكملة للنصاب، وكذا يحلف الأبوان والولد. قاله الشبراخيتي. وقوله: بعد حلفها، يتنازعه الفعلان فرض وأقامت. وقوله:

باستحقاقها، متعلق بحلفها؛ أي إنما يفرض لها في مال الغائب ووديعته ودينه بعد أن تحلف على استحقاقها للنفقة في ذمته إلى يوم التاريخ، وأنها لم تسقطها ولا بعضها عنه، فلا يفرض لها

ص: 722

إلا بعد الحلف المذكور، وعطف الأخيرين من الأمور الثلاثة على أولها من عطف الخاص على العام، وتقدم أن قوله: وأقامت، بصيغة الفعل الماضي وهو الصواب، كما في بعض النسخ. كما قال ابن غازي، ونصه: في بعض النسخ هكذا أقامت بالفعل الماضي المتصل بعلامة التأنيث، ونصب البينة على المفعولية وهي خير من النسخ التي فيها: وإقامة البينة بالمصدر المضاف المعطوف، لما فيه من الفصل بين المعمول وهو بعد حلفها، وعامله وهو فرض، بأجنبي. انتهى. والظاهر تنازع الفعلين فيه كما أفاده تقرير الزرقاني. قاله بناني. والله سبحانه أعلم. وقال الشبراخيتي: وفرض الإنفاق أعم من أن يكون الفارض الحاكم أو جماعة المسلمين عند عدمه؛ لأن كل محل شرط فيه الحاكم قامت فيه جماعة المسلمين مقامه عند عدمه، في مال الغائب إذا طلبت ذلك، وفي وديعته وفي دينه الذي على الناس إذا ثبت حالا أو مؤجلا، لكن إن كان مؤجلا تولى الحاكم الإنفاق أو أمر غيره بالإنفاق، ويأخذ من الدين إذا حل، ونفقة الوالدين والولد كذلك. انتهى.

ولا يؤخذ منها بها كفيل، يعني أن الزوجة إذا فرض لها في مال الغائب وأخذت منه نفقتها، فإنه لا يؤخذ منها بالنفقة التي أخذتها من مال الغائب كفيل؛ أي ضامن يغرمها للزوج إذا قدم وأثبت ما يبرئه مها أخذته المرأة. وهو على حجته إذا قدم؛ يعني أن الزوج إذا قدم من غيبته ووجد المرأة قد أخذت من ماله شيئا في نفقتها فإنه يكون على حجته، فإذا ادعى مسقطا وأثبته فإن الزوجة ترد له ما أخذته من ماله ولا يكون حكم الحاكم لها بالنفقة مسقطا لحجته، وكذا لو طلقت على الغائب زوجته لعدم النفقة وأثبت أنه ترك لها النفقة فترد له زوجته ولو تزوجت ودخل بها الزوج الثاني عند أبي بكر بن عبد الرحمن، وقال ابن أبي زيد: لا ترد له بعد دخوله إلا أن الطلاق لا يلزم منه شيء متى تزوجها.

وبيعت داره؛ يعني أن زوجة الغائب تباع لها داره في نفقتها إن لم يكن له غيرها ولو احتاج إليها وإنما تباع بعد ثبوت ملكه؛ يعني أن دار هذا الغائب إنما تباع في نفقة زوجته بعد أن يثبت بالبينة أنها ملك له، وبعد أن تشهد هذه البينة الشاهدة بالملك أنها أي هذه الدار لم تخرج عن ملكه في علمهم؛ أي تقول البينة بعد أن شهدت بالملك: لم تخرج عن ملكه في علمنا، وليس لهم أن يشهدوا على القطع بأن يقولوا: لم تخرج عن ملكه قطعا؛ إذ لا يمكنهم ذلك، ولو قالوا ذلك

ص: 723

لبطلت شهادتهم؛ وقوله: في علمهم متعلق بتخرج، ومعناه: لم يكن في علمهم خروج الدار عن ملكه، فتكون الشهادة على نفي العلم، وليس معناه أن نفي الخروج عن الملك كائن في علمهم، فتكون حينئذ الشهادة على القطع وهي باطلة، وقوله: وأنها لم تخرج عن ملكه في علمهم، ظاهر المص أنه واجب وقد حكى في باب الشهادات خلافا في وجوبه قاله الشبراخيتي.

ثم بينة بالحيازة؛ يعني أنه يشترط بيع الدار في نفقة الزوجة مع ثبوت ملك الزوج لها بالبينة أن تشهد بينة بالحيازة؛ أي شهود يشهدون على حدود الدار، بأن يعينوها ويعينوا أطرافها وحيث انتهت، ويبينوا حدودها من حدود غيرها، وتطوف بينة الحيازة بالدار داخلها وخارجها، ولا يشترط في بينة الحيازة أن تكون غير بينة الملك، بل يكتفى ببينة الملك إذا شهدت بالحيازة، فلو لم تشهد بها كما لو غابت البينة بالملك عن الدار فذلك هو محل لزوم بينة الحيازة، وقد علمت أن معنى الحيازة ضبط حدود الدار أي تعيينها وتعيين أطرافها وحيث انتهت، وتعيين حدودها من حدود غيرها. والله سبحانه أعلم.

قائلة؛ أي تشهد بعد بينة الملك بينة بالحيازة؛ حال كون بينة الحيازة قائلة لمن يوجهه القاضي معها ممن يعرف العقار ويحده بحدوده والواحد كاف والاثنان أولى: هذا؛ أي العقار الذي حزناه أي حددنا حدوده، هي؛ أي الدار التي شهد، بالبناء للمجهول، فيشمل شهادة بينة الحيازة بالملك ويتعلق به، يملكها للغائب. قال الشارح عند قوله: ثم بينة بالحيازة؛ أي ولا بد مع الشهادة المذكورة من أن يبعث الحاكم شاهدين آخرين يشهدان بالحيازة ولم يشترط ذلك الموثقون. ابن أبي زمنين: والذي رأيت وأدركت عليه فقهاءنا اشتراطه. قال: وصفة ذلك أن تطوف البينة بالدار داخلا وخارجا وتقول: هذه الدار التي حزناها هي التي شهد بملكها للغائب. ابن العطار: ولم يكمل شيء حتى يقول الشهود بحضرة الحائزين عليهم: هذا الذي حزناه هو الذي شهدنا به عند فلان قاضي موضع كذا، فإن لم يقولوا كذلك لم تتم الشهادة والحيازة، وإلى هذا أشار بقوله: قائلة: هذا الذي حزناه هي التي شهد بملكها للغائب، انتهى. وقوله: وبيعت داره، هذا خاص بالزوجة كما مر، وإذا قدم الغائب بعد بيع داره فأثبت براءته مما بيعت لم ينقض البيع، إلا أن يجدها لم تتغير فيخير بين إمضاء البيع ورده، وفي الحطاب: يجب على من قام على غائب بدين إثبات الدين، وملك الغائب، وحيازته عن أمر القاضي، وثبوت الحيازة

ص: 724

عنده، وغيبة المطلوب، وأنه بعيد بحيث لا يعلم، ثم يحلف أنه ما قبض دينه، ثم يقضى له ببيع الملك، وترجى الحجة للغائب، فإذا قدم وأثبت أنه قضاه فلا سبيل إلى نقض البيع بحال، ويرجع على الطالب بما قبض من الدين، وحكى التونسي أن له نقض البيع ودفع الثمن للمشتري. واعلم أنه إذا كان شاهدا الحيازة هما اللذان شهدا بالملك احتيج إلى أربعة فقط، اثنان شهدا بالملك والحيازة، واثنان موجهان للحيازة، ولكن الوجه يكفي أن يكون واحدا، والاثنان أولى كما مر. وإن شهد بالحيازة غير شاهدي الملك احتيج إلى ستة إلا أنه يكفي في الموجه أن يكون واحدا كما علمت.

وإن تنازعا في عسره في غيبته اعتبر حال قدومه؛ يعني أن الزوج إذا غاب ثم قدم من سفره فطلبته الزوجة بنفقتها حال غيبته وادعت أنه موسر في غيبته، وقال هو: لا نفقة علي في مدة غيبتي لأني معسر فيها، ولا بينة لواحد منهما، فإنه يعتبر في تصديق أحدهما حال قدوم الزوج من غيبته، فإن قدم معسرا فالقول قوله بيمينه، وحينئذ فلا تطالبه بنفقة مدة الغيبة إن أيسر، وإن قدم موسرا فالقول قولها بيمينها، فيقضى عليه بأن يدفع نها نفقة مدة غيبته، ومحل كلام المص إن جهل حال خروجه، وإلا حمل عليه حتى يتبين خلافه؛ أي يثبت بالشهود مخالفة حاله في غيبته لحاله عند خروجه، ومثله إذا فرضت عليه النفقة في غيبته ليسره حيث أثبتته فإنه يحمل عليه أي على يسره حتى يتبين عسره قاله عبد الباقي. أي يحكم له في غيبته ولو طالت باليسر حتى يثبت عسره. قاله مقيده عفا الله عنه. والله سبحانه أعلم. ونفقة الأبوين والأولاد في هذا كالزوجة. قاله عبد الباقي. ونحوه للشبراخيتي، فإنه قال: وإن اختلفا في عسره في غيبته اعتبر حال قدومه من عسر ويسر، وعمل عليه إذا جهل حاله وقت خروجه، وأما إن علم حاله وقت خروجه من عسر أو يسر فيعمل عليه حتى يتبين خلافه ومثل ذلك نفقة الأبوين والأولاد، ومثله إذا فرض عليه في غيبته النفقة ليسره حيث ثبت يسره فإنه على اليسر حتى يتبين خلافه. انتهى. وقال الحطاب: وإن تنازعا في عسره في غيبته اعتبر حال قدومه. قال في الشامل: وإن تنازعا في عسره في الغيبة ولا بينة، فثالثها لابن القاسم إن قدم معسرا صدق وإلا صدقت. انتهى. فعلم أنه إنما يعتبر حاله إذا لم تكن بينة. والله أعلم. انتهى. وقوله: قال في

ص: 725

الشامل لخ: أي فقيل: يصدق، وقيل: تصدق، وقيل: إن قدم معسرا صدق وإلا صدقت. قاله مقيدة عفا الله عنه.

تنبيه: قال عبد الباقي عند قوله: اعتبر حال قدومه، ما نصه لا حال خروجه وهو غير صحيح، لأن الموضوع أن حال خروجه مجهول. انظر حاشية الشيخ بناني. وقال الشارح مفسرا للمص: يريد أن الزوج إذا قدم من سفره فطلبته المرأة بالنفقة فادعى أنه كان معسرا في غيبته، وقالت: كنتَ موسرات فإنه ينظر إلى حال قدومه فإن قدم معسرا فالقول قوله، وإلا فقولها، وهو قول ابن القاسم؛ ولابن كنانة وسحنون: أن القول قوله، وعن عبد الملك أن القول قولها، وقال بعض الأشياخ: لا خلاف إذا خرج موسرا وقدم كذلك أن القول قولها، وإذا خرج معسرا وقدم كذلك أن القول قوله، واختلف إذا اختلفت حالتاه وهي طريقة. انتهى.

وفي إرسالها فالقول قولها إن رفعت؛ يعني أن الزوج إذا قدم من سفره فطالبته زوجته التي هي في العصمة بنفقتها في حال غيبته، فقال: أرسلتها لك، أو قال: تركتها عندك، ولم تصدقه في ذلك، فإن القول قولها ولو سفيهة، ومثل النفقة في ذلك الكسوة وقوله فالقول قولها؛ أي بيمين. قاله الخرشي. وإنما يكون القول قولها إن كانت قد رفعت أمرها للحاكم. من يومئذ. متعلق بقولها، يعني أن القول قولها من يوم الرفع للحاكم؛ أي تطالبه بالنفقة فيما بعد الرفع لا فيما قبله لأنه يصدق فيه، والتنوين في يومئذ عوض عن جملة مضاف إليها أي من يوم إذ رفعت أمرها للحاكم. وقوله: لحاكم متعلق بفعل الشرط، وهو رفعت؛ أي يكون القول قولها بشرط أن ترفع أمرها للحاكم من سلطان أو نائبه، من قاض أو غيره، ومحل هذا حيث لم يجد له مالا يفرض فيه، فإنه يأذن لها حينئذ أن تنفق على نفسها أو تقترض وترجع عليه في المسألتين، وحكم أولاده الصغار فيما ذكر حكمها. وقولي: التي هي في العصمة، وأما المطلقة فالقول قولها مطلقا، بائنا أو رجعية، حاملا أم لا، والكسوة كالنفقة.

لا لعدول؛ يعني أن المرأة إذا غاب زوجها عنها ورفعت أمرها لجماعة المسلمين العدول في شأن نفقتها فإن ذلك لا يكون كرفعها للحاكم، فلا يكون القول قولها من يوم الرفع للعدول، بل القول قول الزوج في أنه أرسل إليها النفقة، أو في أنه ترك عندها ما تنفق منه، فرفعها لجماعة المسلمين العدول كلا رفع. هذا هو المشهور وعليه العمل وبه الفتيا، وروي قبول قولها إن رفعت للعدول؛

ص: 726

وقال به ابن الهندي. وغيره. وصوبه أبو الحسن اللخمي لثقل الرفع للحاكم على كثير، ولحقد الزوج عليها بذلك، وقوله: لا لعدول، محله مع تيسر الرفع للحاكم فإن تعسر الرفع له قام جماعة المسلمين العدول مقامه، وعبارة الشبراخيتي: بأن تعذر الوصول للقاضي أو كان غير عدل فإنه يقوم العدول مقامه في كل شيء. انتهى.

أو جيران؛ يعني أن رفع المرأة المذكورة للجيران كلا رفع فلا يكون القول قولها من يوم الرفع لهم، بل يصدق الزوج في إرسال النفقة لها في غيبته وفي أنه ترك عندها ما تنفق منه، وهذا هو المشهور وعليه العمل وبه الفتيا، وروي قبول قولها، وقال به ابن الهندي وغيره وصوبه أبو الحسن اللخمي. ومحل كلام المص مع تيسر الرفع للحاكم فإن تعسر الرفع له قام الجيران مقامه، وقوله: لا لعدول أو جيران، وقال ابن عرفة: الذي استمر عليه عمل قضاة بلدنا أن الرفع إلى العدول كالرفع إلى السلطان، والرفع إلى الجيران لغو. انتهى. نقله الحطاب وغيره. وإلا ترفع أمرها، أو رفعت لغير الحاكم من عدول أو جيران، مع تيسر الرفع للحاكم، فالقول قوله: أي الزوج بيمين في أنه أرسل إليها النفقة، وفي أنه ترك عندها ما تنفق، فلو رفعت بعد مدة لكان القول قولها من يوم الرفع، والقول قوله فيما قبل الرفع، وقوله: وإلا فقوله؛ أي يقبل قوله ولو سفيها، وحكم نفقة أولادها الصغار كذلك؛ أي فإن رفعت لحاكم فقولها: أنه لم يوصلها إليها من يومئذ، وإلا فقوله. قاله الخرشي.

كالحاضر؛ يعني أن الزوج إذا كان حاضرا وادعت زوجته أنه لم ينفق عليها مدة وادعى هو أنه أنفق عليها فإن القول قوله إنه أنفق عليها في تلك المدة التي ادعت أنه لم ينفق عليها فيها اتفاقا؛ ولا بد من يمينه، وكان القول قوله لشهادة العرف بصحة قوله، وهذا إذا لم تكن النفقة مقدرة، وإلا فالقول قولها لأنها حينئذ بمثابة الدين، ومحل كون الحاضر يقبل قوله حيث ادعى أنه كان ينفق أو يدفع النفقة في زمنها، وأما إذا تحصلت في ذمته لما مضى فلا يقبل قوله إجماعا، وكل هذا في حق من في العصمة وأما البائن الحامل فلا يقبل قوله، والكسوة في جميع ما مر كالنفقة. انتهى ملخصا من غير واحد. وقال الشارح عند قوله: كالحاضر، يشير [إلى]

(1)

أن الحاضر إذا تنازع مع زوجته في الإنفاق وعدمه فإن القول قوله، قال في البيان: ولا خلاف في

(1)

ساقطة من الأصل والمثبت من الشارح ج 3 ص 427.

ص: 727

ذلك؛ لأن العرف يشهد بصحة قوله، ولا بد له من اليمين. انتهى. وقال الشبراخيتي: كالحاضر، فالقول قوله مع يمينه اتفاقا والكسوة في ذلك كالنفقة، وينبغي أن يكون محل ذلك ما لم يشترط ولي المحجورة من صغيرة أو سفيهة الدفع إليه دونها، وإلا فلا يكون القول قوله حينئذ في الدفع لها، وكلام المص فيما إذا ادعى الزوج دفع النفقة في الزمن الذي قدرت فيه من يوم أو جمعة أو شهر أو سنة، وأما إذا ادعى دفع ما تجمد عليه مما فرض عليه فلا يقبل قوله إجماعا. قاله ابن رشد وكلام التتائي هنا غير ظاهر. انتهى. وحلف لقد قبضتها؛ يعني أن الزوج إذا كان القول قوله غائبا أو حاضرا فإنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد قبضتها منه، إن كان حاضرا ومن رسوله إن كان غائبا. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي عند قوله: وحلف لقد قبضتها؛ راجع لمسألة الإرسال، ويعتمد في حلفه: لقد قبضتها على كتابها ونحوه كما يفيده كلامه وغيره، ويصح أيضا رجوعه لقوله: كالحاضر. انتهى. وقال الحطاب عند قوله: وحلف لقد قبضتها، راجع إلى الغائب والحاضر. قاله في التوضيح والشامل وغيرهما. وقال في الشامل: ويعتمد في يمينه على كتابها أو رسولها. انتهى. وقال الخرشي: ويعتمد في يمينه على رسوله أو كتابه. انتهى. ونحوه لعبد الباقي. لا بعثتها يعني أنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد قبضتها، ولا يحلف لقد بعثتها إليها لاحتمال عدم وصول ما بعثه لها وهو الأصل.

وفيما فرضه فقوله إن أشبه؛ يعني أن الزوجين إذا تنازعا في القدر الذي فرضه الحاكم من النفقة ونسي الحاكم ما فرضه أو عزل أو مات فإن القول قول الزوج إن أشبه قوله، أشبه قولها هي أم لا. وإلا مركب من إن الشرطية ولا النافية؛ أي وإن لم يشبه قول الزوج فالقول قولها؛ أي المرأة إن كان قولها قد أشبه فقط. وإلا يشبه قول واحد منهما ابتدأ الحاكم الفرض للنفقة في المستقبل ولها نفقة المثل في الماضي، ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون اختلافهما فيما فرضه قاضي وقتهما أو قاض سابق عليه كما هو ظاهر المص، وقوله: وفيما فرضه، معطوف على قوله في عسره، كما أن قوله: وفي إرسالها كذلك، وفاعل فرض ضمير يعود على الحاكم. وقوله: وإلا ابتدأ الفرض، قد علمت أنه في المستقبل وأنه حيث لم يشبه واحد منهما، وأنه يكون القول للزوج حيث أشبها وللزوجة حيث أشبهت فقط. وصحح عياض أنه في المستقبل يبتدئ الفرض مطلقا أشبها أو أحدهما أو لم يشبه واحد منهما. انظر الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم.

ص: 728

وفي حلف مدعي الأشبه تأويلان؛ يعني أن الشيوخ اختلفوا في حلف أحد الزوجين حيث كان القول قوله، فمنهم من قال: لا بد من حلفه، فيحلف الزوج فيما إذا أشبها أو أشبه هو فقط، وتحلف هي فيما إذا أشبهت هي فقط، وتأول عليه المدونة، ورجحه عياض، وارتضاه ابن عبد السلام، ومنهم من قال: مذهب ابن القاسم: أنه لا يمين على من أشبه قوله منهما بل يكتفى بدعواه الشبه. وقال الأمير: والأظهر من التأويلين بيمين.

تنبيه: قال ابن فرحون تبعا لابن عبد السلام: ولو أقام أحدهما شاهدا بأن الحاكم فرض بينهما كذا وكذا فيجري على الخلاف في حكم القاضي هل يثبت بشاهد ويمين؟ انتهى. قال أبو الحسن في شرح هذه المسألة أواخر النكاح الثاني: ابن رشد: والمشهور أن حكم الحاكم في المال يثبت بالشاهد واليمين. انتهى. نقله الحطاب.

ولما أنهى الكلام على السبب الأقوى أتبعه بالكلام على السببين الباقيين فقال:

ص: 729

‌فصل: في الكلام على السببين الموجبين للنفقة

من قرابة ورق وما يتعلق بهما إنما تجب نفقة رقيقه؛ يعني أن الشخص لا يجب عليه من الإنفاق إلا نفقة رقيقه وما يعطف عليه واعلم أن هذا الحصر مُنصَبٌّ على جميع ما بعده؛ أي إنما تجب النفقة بعد الزوجة على هذه الأمور: الرقيق والدابة والولد والوالد، وحينئذ لا يرد عليه شيء. قاله بناني. وقوله: رقيقه، قال الشبراخيتي: شمل الجزء والكامل ومن فيه شائبة حرية، من مدبر ومعتق لأجل وأم ولد، ويستثنى من ذلك المخدَم بفتح الدال فإن نفقته على من له الخدمة على المشهور، والمكاتب فإن نفقته على نفسه، ومن وطئ أمة الغير فحملت منه فهي عليه لا على السيد، فقوله: تجب نفقة رقيقه أي في الجملة؛ وقوله: رقيقه، ومن أعسر عن نفقة أم ولده أو غاب عنها ولم يكن له ما ينفق عليها منه فالصواب أن ينجز عتقها، كما قال يحيى بن عمر وابن عبد الرحمن، وقال الباجي: تزوج، وقيل: تؤاجر. انتهى. وقوله: رقيقه، احترز به من رقيق غيره، فلا تجب نفقته ولو كان رقيقا لعبيده، فنفقة رقيق الرقيق إنما تجب على السيد العبد لا مالك مالكه، وقال عبد الباقي: وكذا لا يجب عليه نفقة رقيقه المخدَم بل نفقته على مخدَمه بفتح الدال فيهما على المشهور، والكاتب نفقته على نفسه، والأمة المستحقة برق وهي حامل نفقتُها على من استحقها عند ابن عبد الحكم. وقال يحيى بن عمر: على من هي حامل منه، وقول يحيى هو الجيد. قاله ابن عرفة. وقول اهن عبد الحكم. يتمشى على أن المستحق يأخذ قيمتها أو مع قيمة الولد، وكذا على أنه يأخذها أيضا لأن ولدها حر، فنفقتها في حال حمله فقط على أبيه. انتهى. وقوله: بفتح الدال على المشهور، هذا هو الذي شهره ابن رشد من أقوال ثلاثة لكنه خلاف ما تقدم في زكاة الفطر المقتضي أن نفقة زمن الخدمة على سيده. ونص ابن عرفة: وفي كون نفقة المخدم على سيده أو ذي الخدمة، ثالثها: إن كانت الخدمة يسيرة، لنقل ابن رشد، والمشهور عنده، ونقله أيضا. انتهى وقوله: وقول يحيى هو الجيد لخ. زاد ابن عرفة عقبه قلت: الأظهر إن كان في خدمتها قدر نفقتها أنفق عليها منها. قاله بناني. وقوله: يتمشى لخ، قال بناني: هكذا فيما رأيته من النسخ بالإثبات، والصواب: لا يتمشى بالنفي، وقوله: إنما تجب نفقة رقيقه، النفقة هنا تشمل الكسوة.

مسألة: قال الزناتي: يجوز للعبد أن يقول لسيده يا سيدي ويا مولاي، ولا يجوز أن يقول: ربي. انتهى. ومثل العبد قول الحر لشخص آخر ذلك. انظر الشبراخيتي. وقوله: رقيقه، ابن شأس:

ص: 730

وتجب عليه نفقة رقيقه بقدر الكفاية على ما جرت به العادة. نقله الشارح. وقال الحطاب: وقوله: تجب نفقة رقيقه، يريد وكسوته بالمعروف، كما قاله مالك في أواخر سماع أشهب من كتاب الأقضية، ونصه:

مسألة: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، [ولا يكلف من العمل]

(1)

ما لا يطيق

(2)

). انتهى. قوله في الحديث: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، هذا الحديث حديث الموطإ، ومعنى بالمعروف من غير إسراف ولا إقتار على قدر سعة حال السيد وما يشبه حال العبد أيضا، فليس الوغد الأسود الذي هو للخدمة والحرث كالنبيل التاجر الفاره فيما يجب لهما على سيدهما من الكسوة سواء، ويقضى للعبد على سيده إن قصر عن ما يجب له بالمعروف. قاله الحطاب. وقال: قال الباجي في شرح الموطإ: يلزم الرجل أن لا يجيع رقيقه عن شبعهم الوسط أو يبيعهم. انتهى. وقال ابن رشد إثر كلامه في بيان معنى المعروف: قوله في الحديث: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، في هذا دليل ظاهر على أنه لا يلزم الرجل أن يساوي بين نفسه وعبده في المطعم والملبس على ما ذهب إليه بعض أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسم: (أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون

(3)

). وقد روي عن أبي اليسر الأنصاري وأبي ذر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما كانا يفعلان ذلك. وهو محمول منهما على الرغبة في فعل الخير لا على أن ذلك واجب عليهما؛ إذ لم يقل صلى الله عليه وسلم أطعموهم مثل في تأكلون واكسوهم مثل ما تلبسون، فإذا أطعمه وكساه بالمعروف من بعض في يأكل من الخبز والإدام ويلبس من الصوف والقطن والكتان، فقد شاركه في مطعمه وملبسه، وامتثل بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإن تفضل عليه في ذلك فلم يكن ملبسه مثل ملبسه ومطعمه مثل مطعمه سواء، فعلى هذا تحمل الآثار ولا يكون بينها تعارض، وقد سئل مالك في سماع أشهب من كتاب الجامع أيصلح أن يأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه ويلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها؟ قال: إي والله إني لأراه من ذلك في سعة. فقيل له: أرأيت ما جاء من حديث أبي

(1)

في الأصل ولا يكلف العبد من العمل والمثبت من الموطأ، كتاب الاستئذان، الحديث، 40، ومسلم، كتاب الأيمان، الحديث، 1662.

(2)

الموطأ، ج 2 ص 614.

(3)

الإتحاف، ج 6 ص 323. الكنز 25666. مسلم، كتاب الزهد والرقائق، الحديث 3007.

ص: 731

الدرداء؟ قال: الناس يومئذ ليس لهم ذلك القوت. انتهى. نقله الحطاب. وقال: نفقة العبد المشترك على قدر الأنصباء، والمعتق بعضه كالمشترك، والمعتق إلى أجل كالقن.

ودابته؛ يعني أن الشخص تجب عليه نفقة دابته. قال الشبراخيتي: وتدخل في الدابة الهرة إذا عميت فإنها تجب نفقتها على من هي عنده. قاله حلولو. والظاهر أن المراد بمن هي عنده من انقطعت عنده، ولم تقدر على الانصراف من عنده وأما لو كانت تقدر على الانصراف من عنده فإنه لا يجب عليه نفقتها؛ لأن له أن يطردها. انتهى. وقال عبد الباقي: ويقضى عليه بالإنفاق على دابته لأن تركه منكر، وإزالته واجبة يقضى بها، خلافا لقول ابن رشد: يؤمر من غير قضاء. انتهى. وقال الشبراخيتي عن الأجهوري: وانظر هل تقيد نفقة المالك على الرقيق والحيوان ونفقة الوالدين على الولد وعكسه بأن لا يكون أحدهما مشرفا كما في نفقة الزوجين أم لا؟ فإني لم أر في ذلك نصا. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر من عباراتهم أنه لا يقيد بذلك. والله سبحانه أعلم. وقال ابن رشد: ويقضى لعبد على سيده إن قصر عما يجب له بالمعروف في مطعمه وملبسه، بخلاف ما يملكه من البهائم، فإنه يؤمر بتقوى الله في ترك ذلك عنها، ولا يقضى عليه بعلفها، وقد روي عن أبي يوسف أنه يقضى على الرجل بعلف دابته كما يقضى عليه بنفقة عبده، لما جاء (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائط رجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رق له وذرفت عيناه فمسح سروه وذفراه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سكن، ثم قال: من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله، فقال له: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه

(1)

). والفرق بين العبد والدابة أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجنايات وغيرها، فكما يقضى عليه يقضى له، والدابة غير مكلفة لا يجب عليها حق ولا يلزمها جناية، فكما لا يقضى عليها لا يقضى لها. انتهى كلام ابن رشد. ونقله ابن عرفة. وقال عقبه: قلت: تعذر شكوى الدابة يوجب أحروية القضاء لها. وذكر أبو عمر في العبد ما تقدم، وقال: ويجبر الرجل على أن يعلف دابته أو يرعاها إن كان في رعيها ما يكفيها، أو يبيعها، أو يذبح ما يجوز ذبحه، ولا يترك يعذبها بالجوع. قلت: ولازم هذا القضاء عليه لأنه منكر وتغيير المنكر واجب القضاء به، وهذا أصوب من قول ابن

(1)

أبو داود، كتاب الجهاد الحديث 2549. مسند أحمد ج 1 ص 204 - 205.

ص: 732

رشد. وقوله: مسح سروه أي ظهره، الجوهري: سراة كل شيء ظهره ووسطه والجمع سروات، والذفرى بالذال المعجمة، الجوهري: هو موضع خلف أذن البعير أول ما يعرق منه. انتهى كلام ابن عرفة بلفظه. والله أعلم. نقله الحطاب.

إن لم يكن مرعى؛ يعني أن الشخص محل وجوب نفقة دابته عليه إنما هو حيث لم يكن مرعى يكفيها، بأن لم يكن مرعى أصلا، أو كان ولا يكفيها، ووجب عليه جميع ما يكفي في الأول، وإتمام الكفاية في الثاني، فإن كان مرعى وجب عليه رعيها بنفسه أو بأجرة. وإلا؛ أي وإن لم ينفق الإنسان على رقيقه أو دابته بأن امتنع أو عجز عن الإنفاق عليه. بيع الملوك آدميا أو غيره إن وجد من يشتريه وكان مما يصح بيعه، فإن لم يوجد من يشتريه أو كان مما لا يصح بيعه أخرج عن ملكه بهبة أو غيرها، كذكاة ما يؤكل، ومما لا يباع كلب الصيد، وأما أم الولد فقيل: تزوج، وقيل: تعتق. واختير، وقيل: تسعى في معاشها. وقوله: وإلا، عبارة الشبراخيتي: بأن امتنع من الإنفاق أو عجز عنه بيع عليه ما يباع، ثم قال: واحترزنا بقولنا: ما يباع، عن أم الولد والمدبر والمعتق لأجل، أما أم الولد فتقدم أن الصواب أنه ينجز عتقها كما اختاره يحيى بن عمر، وأما المدبر والمعتق لأجل فيقال لهما: اخدما بما ينفق عليكما إن كان لهما خدمة وإلا عتقا.

تتمة: سكت المص عن حكم القيام بشجره، وقد ذكره الشيخ يوسف بن عمر فقال: من كان له شجر وضيعه وترك القيام بحقه فإنه يؤمر بالقيام به، فإن لم يفعل أثم ولم يسمع أنه يؤمر ببيعه حيث فرط في القيام به، زاد الجزولي: ويقال له: ادفعه لمن يخدمه مساقاة ولو بجميع ثمره. قال الحطاب: وإنما وجب القيام به أو دفعه مساقاة لما في ترك ذلك من إضاعة المال لا لحفظ حياتها، إذ حياة الجماد لا يجب حفظها. انتهى كلام الشبراخيتي وقال عبد الباقي: وسكت المص عن القيام بالشجر، وهو واجب أي سقيه أو دفعه لمن يخدمه مساقاة حتى بجميع ثمرته، لما في ترك سقيه من إضاعة المال المنهي عنه انتهى. وقال الحطاب: قال الشيخ يوسف بن عمر: ومن كانت له شجر فضيعها وترك القيام بحقها فإنه يؤمر بالقيام بها، فإن لم يفعل فإنه مأثوم ولم نسمع أنه يؤمر ببيع ذلك. انتهى. وقاله الجزولي. وزاد: ويقال له: ادفعها لمن يخدمها مساقاة بجميع الثمرة. انتهى. والله أعلم.

ص: 733

كتكليفه من العمل ما لا يطيق، الضمير في تكليفه للمملوك آدميا أو غيره. قاله الحطاب؛ يعني أن الإنسان إذا كلف مملوكه آدميا أو غيره من العمل ما لا يطيقه إلا بمشقة خارجة عن المعتاد زيادة على المرتين فإنه يباع عليه، وأما المرة والمرتان فلا يباع عليه بذلك، ومحل البيع ما لم يرفع الضرر وإلا فلا يجبر على البيع، وقبل التكرر ينهى.

وعلم مما قررت أن قوله: لا يطيق، ليس المراد به ما لا يطيقه أصلا؛ لأن ذلك لا يمكن أن يكلف به؛ قال الحطاب عند قوله: ما لا يطيق: يريد ما لا يطيقه إلا بمشقة خارجة عن المعتاد، لا ما لا يطيقه أصلا، ولذلك قال مالك: لا يكلف العبد الصغير الذي لا صنعة له الخراج؛ لأنه لا يجد ما يخدم، فيؤدي إلى أن يسرق، وكذلك الأمة لأنه يؤدي إلى أن تسعى بفرجها، وروي هذا عن عثمان؛ وسئل مالك هل للسيد أن يقيم عبده للطحن بالليل؟ فقال: إذا كان يخدم بالنهار فلا ينبغي لسيده أن يقيمه بالليل ليطحن إلا الشيء الخفيف: وإن كان لا يخدم بالنهار [يجوز

(1)

] ذلك. انتهى. ونقله ابن عرفة وقال: ولا يخدم بالليل إلا ما خف من الأعمال، وفي كتاب الإجارة من المدونة: ومن واجر أجيرا للخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة الليل والنهار، كمناولته إياه ثوبه أو الماء في ليله، وليس فيما يمنعه النوم إلا في أمر يعرض المرة بعد المرة فيستعمله فيه بعض ليلة، كما لا ينبغي لأرباب العبيد إجهادهم، فمن عمل منهم في نهاره ما يجهده فلا يستطحن في ليله إلا أن يخف عمل نهاره فليستطحنه في ليله إن شاء من غير إفداح، ويكره ما أجهد منه انتهى.

تنبيه: قال في الجواهر: لا يتعين ما يضرب على العبد من خراج، بل عليه بذل المجهود. انتهى. وفي التوضيح: إذا تبين ضرره بعبده في تجويعه وتكليفه من العمل ما لا يطيق وتكرر ذلك منه، بيعَ. انتهى. وتقدم حكم ما إذا أعسر السيد بنفقة أم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل، أو غاب وتركهم، وأما إن أضر بهم، فقال في النوادر: وقال: يعني أشهب في مدبر أضر به سيده ويؤذيه قال: يخرج من يده ويؤاجر عليه، قال أصبغ: ولا يباع لأن المدبر لا يباع عليه على حال في الحياة، ولا تنقض الضرورة التدبير لأنه عتق. قال ابن رشد: هذا بيِّنٌ على ما قاله، قياسا على مدبر النصراني يسلم أنه يؤاجر ولا يباع عليه، كما يباع عليه عبده إذا أسلم وبالله التوفيق.

(1)

ما في الأصل غير واضح والمثبت من الحطاب ج 4 ص 611.

ص: 734

انتهى. والظاهر أن المعتق إلى أجل مثله. وانظر أم الولد هل تؤاجر أو تعتق؟ والله أعلم. وأما الدواب فقال الشيخ يوسف بن عمر عند قول الرسالة: ويترفق بالملوك: والرفق بسائر الحيوان أيضا مطلوب، فلا يجوز أن يحمل على دابته ما لا تطيق، ولا يعري ظهرها، فإن لم يقم بحق الحيوان فإنه يقال له: إن لم تقم بحقها [وإلا تباع عليه

(1)

] انتهى. ونحوه قول الجواهر المتقدم: ولا يترك وتعذيبها بالجوع وغيره.

تنبيه: قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ويكره الوسم في الوجه، ويجوز أن يحمل على البغال والحمير، ويجوز ركوبها، قال ابن العربي: ولا خلاف في البقر أنه لا يجوز أن يحمل عليها، وإنما اختلف في ركوبها هل يجوز أو لا؟ قولان. الشيخ: وإنما كره ابن العربي الحمل عليها لا روي أن بعض الناس حمل على بقرة، فقالت له: ألهذا خلقت؟ انتهى. والله أعلم. انتهى كلام الحطاب. وقال الشبراخيتي: كتكليفه أي الملوك آدميا أو غيره من العمل في لا يطيق؛ أي ما لا يطيقه إلا بمشقة فادحة خارجة عن المعتاد، ومثله تجويعه، لكن لا بد من تكرر ذلك فيهما، وأما المرة والمرتان فلا يباع لذلك، ويجوز أن يحمل على البغال والحمير، ويجوز ركوبها. ابن العربي: ولا خلاف في البقر أنه لا يجوز أن يحمل عليها، وإنما اختلف في ركوبها هل يجوز أم لا؟ قولان. الشيخ وإنما كره ابن العربي الحمل عليها لما روي أن بعض الناس حمل على بقرة، فقالت له: ألهذا خلقت؟ انتهى. وفي الحديث: (للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق

(2)

). ابن رشد: معنى بالمعروف أي من غير إسراف ولا إقتار، بقدر سعة السيد وحال العبد، ليس الوغد الأسود الذي للخدمة والحرث كالنبيل التاجر الفاره فيما يجب لهما، وفيه دليل ظاهر على عدم مساواة العبد لسيده، وفعل أبي اليسر الأنصاري وأبي ذر ذلك محمول على الرغبة في الخير، لا أنه واجب عليهما، وللسيد أن يخص نفسه بطعام أجود من طعام عبيدة وظاهر كلام المص أنه يقضى على المالك إن قصر عما يجب عليه بالمعروف في الآدمي والدابة، وهو قول أبي عمر في العبد، وقال في الدابة: يجبر على علفها أو رعيها إن كان في رعيهاها يكفيها، أو يبيعها أو يذبح في يجوز ذبحه، ولا يترك يعذبها بالجوع، فقد جاء: (أنه صلى الله عليه

(1)

كذا في الأصل والذى في الحطاب، ج 4 ص 611 وإلا تباع عليك.

(2)

الموطأ ج 2 ص 614.

ص: 735

وسلم دخل حائط أنصاري فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رق له وذرفت عيناه، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سروه وذفراه حتى سكن، ثم قال: من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه

(1)

). وسرو كل شيء ظهره ووسطه، والذفرى من البعير خلف أذنه أول ما يعرق منه. انتهى كلام الشبراخيتي.

ويجوز من لبنها ما لا يضر بنتاجها؛ يعني أن المالك له أن يأخذ من لبن بهيمته ما لا يضر بنتاجها، وكذا يجوز له من لبن أمته ما لا يضر بولدها. قال الشبراخيتي: ويجوز لمالك الدواب الأخذ من لبنها ما لا يضر بنتاجها، لا ما يضر به لأنه من ترك الإنفاق عليه الواجب، وكذا الأمة يجوز من لبنها ما لا يضر بولدها، بل هي أولى من البهيمة بذلك. انتهى. ونحوه لعبد الباقي. وقال الخرشي: فإن كان يضر به تحقيقا أو شكا فإنه لا يجوز له الأخذ منه. انتهى. وقال الأمير: وله لبن لا يضر بالولد. انتهى. وقال الشارح: أي ويجوز لمالك الدواب أن يأخذ من لبنها ما لا يضر بولدها. وقال ابن شأس. فإن أضر ذلك بولدها فلا يأخذ منه شيئا. انتهى.

وبالقرابة على الموسر لنفقة الوالدين، قوله: وبالقرابة، قال الشبراخيتي: معطوف على رقيقه، لأنه في معنى إنما تجب النفقة بالرق، فهو من باب العطف على المعنى الذي عقد له في المغني ترجمة تخصه، كذا في الحاشية. انتهى؛ يعني أن الولد تجب عليه نفقة أبيه ونفقة أمه بشرط أن يكون الولد موسرا، وسواء كان الولد صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، واحدا أو متعددا، مسلما أو كافرا، صحيحا أو مريضا، وهو على الصغير من باب خطاب الوضع، وعلى الكافر لخطابه بفروع الشريعة، وينفق الولد على والديه بما فضل عن زوجاته ولو أربعا إذا كان ذكرا، لا عن نفقة خادمه ودابته، وينبغي إلا أن يحتاج لهما، ولا يلزم بتكسب لينفق عليهما، ويشترط في وجوب النفقة على الوالدين أن يكونا حرين ولو كافرين، أو أحدهما والولد مسلم، وكذا لو كان الجميع كفارا اتفق دينهم أو اختلف، والظاهر أن هذا من باب التظالم، فيجب الحكم بينهم فيه حيث رفع الوالدان ولو أبى الولد، فإن لم يرفعا لم يجبر ولو اتفق دينهم. قاله عبد الباقي: وقوله وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين؛ أي تلزم الولد ولو كان أنثى وامتنع زوجها من إنفاقها على

(1)

أبو داود، كتاب الجهاد، الحديث: 2549 ومسند أحمد ج 1 ص 204 - 205.

ص: 736

أبويها أو أحدهما، كما في الحطاب. وقال الخرشي: وسواء كان الأبوان صحيحين أو زَمِنَيْن، مسلمين أو كافرين أو مختلفين، انتهى. وقال الحطاب: وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين، يريد سواء كانا مسلمين أو كافرين، كان هو مسلما أو كافرا، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، كانت البنت متزوجة أم لا، رضي الزوج أو أبى؛ ثم قال: وهذا هو المشهور، وروى ابن غانم عن مالك أنه لا نفقة للأبوين الكافرين. نقله في التوضيح. وقال ابن عرفة: وتجب نفقة الوالد لفقره، على ولده ليسره، والكفر والصحة والصغر وزوج البنت وزوج الأم الفقير لغو. ابن حارث: روى ابن غانم: لا نفقة للأبوين الكافرين. المتيطي: بالأول العمل وهو قول مالك المشهور. انتهى.

تنبيهان: الأول: فإن كان للوالد مال فوهبه أو تصدق به، ثم طلب الابنَ بالنفقة، فللولد أن يرد فعله وكذا لو تصدق به على أحد ولديه، لكان للولد الآخر أن يرد فعله قاله اللخمي. ونقله في التوضيح. قاله الحطاب. وهذا لفظه. الثاني: قال ابن عرفة: وفي نوازل ابن رشد: من استلحقه رجلان وأنفقا عليه حتى كبر ثم افتقرا، لزمه نفقة رجل واحد يقسمانها، وإن افتقر أحدهما لزمه نصف ذلك نقله الحطاب.

المعسرين؛ يعني أنه يشترط في لزوم نفقة الوالدين للولد أن يكونا معسرين، وإن كان لهما خادم ودار لا فضل فيهما كالزكاة، وظاهر المص: ولو كانا قويين على التكسب، وهو للباجي ومن وافقه، فإنه قال: ونفقة الوالدين المعسرين تلزم الولد ولو قويا على العمل، وقال اللخمي: وإن كان للأب صنعة تكفيه وزوجته جبر عليها، وإن كانت بعض نفقته أكملها وقال في الجواهر: ويشترط في المستحق الفقر والعجز عن التكسب. انتهى. وهذا هو المعتمد، كما قاله غير واحد. والحاصل أنه اختلف هل يشترط في وجوب نفقة الوالدين المعسرين عدم قدرتهما على التكسب أم لا؟ وعلى أنه يشترط فاختلف أيضا هل تقيد بما لا يزري أم لا؟ والله سبحانه أعلم.

فرع: من له أب وولد فقيران وقدر على نفقة أحدهما، فقيل: يتحاصان. وقيل: يقدم الأب، كما في التتائي ولكن في الشارح وتبعه جد علي الأجهوري: وقيل يقدم الابن بدل الأب. ونحوه في تكميل التقييد، وتقدم الأم على الأب، والصغير من الولد على الكبير، والأنثى على الذكر عند الضيق، فلو تساوى الولدان صغرا وكبرا وأنوثة تحاصا، كذا ينبغي. قاله عبد الباقي. واعلم أنه لا

ص: 737

يجب على الولد أن يتكسب بصنعة إن كانت له صنعة أو غيرها لينفق على والديه، وكذا عكسه. قاله الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم.

وأثبتا لعدم؛ يعني أن الولد إذا طالبه الأبوان بالنفقة أو أحدهما وادعيا أو أحدهما العدم وادعى الولد اليسر فعليهما أن يثبتا أنهما فقيران، ولا يقضى عليه لهما بالنفقة إلا بعد أن يأتيا بعدلين يشهدان بفقرهما، ولا يثبت عدمهما بعدل وامرأتين أو أحدهما بيمين. لا بيمين. الباء بمعنى مع؛ يعني أنه إذا أقام الأبوان أو أحدهما على العدم عدلين فلا يمين عليهما مع ذلك، بل يقضى لهما بالنفقة من غير حلف، بخلاف الدين الذي ثبت عدمه بعدلين فلا بد من حلفه، كما يأتي في باب الفلس، والفرق عقوق الولد بيمينهما، ولا وجه للتردد في الشاهد واليمين هل يثبت بهما العدم أم لا؟ لأنهم صرحوا في باب الفلس بأن العدم لا يثبت إلا بشاهدين عادلين. وقال الحطاب: لو قال ولا يمين كان أحسن، والأول صواب وتردد ابن رشد في لحوق اليمين. واستظهر الحكم بوجوبها. والله أعلم. انتهى.

وهل الابن إذا طولب بالنفقة؛ يعني أن الولد إذا طالبه الأبوان بالنفقة، وادعى أنه معدم فتسقط عنه نفقة الوالدين، وادعيا أنه موسر فتلزمه فإن الشيوخ اختلفوا هل هو محمول على الملاء؟ أي اليسار، وهو قول ابن العطار وابن أبي زمنين، وعلى هذا القول فعلى الابن إثبات أنه معدم، فلا بد له من أحد أمرين، إما أن ينفق أو يثبت أنه معدم. أو هو محمول على العدم، وعلى هذا القول فعلى الأبوين إثبات أن الولد ملي، فلا يقضى عليه بنفقتهما حتى يثبتا أنه ملي، وهذا القول لابن الفخار. وقوله:

قولان: مبتدأ حذف خبره؛ أي في ذلك قولان.

وعلم مما قررت أن مثل الابن البنت. انظر الخرشي وظاهر المص أن القولين جاريان مطلقا تعدد الابن أو انفرد، ادعوا كلهم العسر أو ادعاه بعضهم، وقيده بعض الموثقين بما إذا اتحد الولد أو تعدد وادعوا العسر، فإن تعدد وادعى بعضهم العدم فعلى مدعي العدم إثباته لمطالبة أخيه، فلا ترجع جملتها على الواحد إلا بالحكم بعُدْم الآخر. انتهى. وناقشه ابن عرفة بأن تعليل ابن الفخار قبول قول الابن بأن نفقة الأب إنما هي في فاضل ماله لا في ذمته بخلاف الديون، يقتضي أن لا فرق بين انفراد الولد وتعدده. انتهى. وإذا طولب الأب بنفقة الابن هل يجري القولان أو

ص: 738

يحمل على الملاء قطعا؟ وهو مقتضى قولهم الناس محمولون على الملاء، والفرق أن الغالب وجوب نفقة الابن على الأب، وعكسه نادر، وقوله: أو العدم، دليله ما في البيان: أن نفقة الوالدين لا تجب إلا بفريضة من سلطان حتى يجدهما يستحقانها ويجد لهما مالا يعديهما فيه.

وخادمهما يعني أن الولد تجب عليه نفقة خادم الأبوين، وظاهره ولو تعدد الخادم وقدرا على خدمة أنفسهما لتأكد حقهما، وظاهره أيضا ولو كان الخادم رقيقا وهو كذلك، كما مر في زكاة الفطر، ولم يعدوا الأبوين موسرين بذلك نظرا لحاجتهما، وهذا بخلاف الولد، فلا يلزم الأب نفقة خادمه ولو احتاج إلى ذلك، وعلى الأب الملي إخدام ولده في الحضانة إن احتاج إلى ذلك، كما في المدونة؛ خلافا لإطلاق بعض القرويين بأنه ليس عليه ذلك في الحضانة وغيرها. قاله عبد الباقي. قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر أن معنى كلامه أنه لا تلزمه نفقة خادم ولده لسقوط نفقة الولد حينئذ، وعلى أن يخدمه في الحضانة إن احتاج لذلك، فإن سقطت حضانته لبلوغ الذكر زمِنا مثلا، فلا إخدام له. وقال الشارح: إن ما ذكره في خادم الأب هو المشهور؛ قال: وقال ابن عبد الحكم: لا يجب عليه أن ينفق على خادم الأب، وأحرى على مذهبه أن لا ينفق على خادم زوجة أبيه. انتهى.

وخادم زوجة الأب؛ يعني أن الولد الموسر يجب عليه نفقة خادم زوجة أبيه المتأهلة للإخدام، وظاهره ولو تعدد الخادم. وإعفافه بزوجة؛ يعني أن الولد يلزمه أن يعف أباه بزوجة واحدة، لا بأمة ولا بأكثر من واحدة، والظاهر أن الأب لا يلزمه قبول الأمة، وإنما أكد بواحدة ليلا يتوهم أن المراد بالزوجة الجنس. قاله الخرشي. وقال عبد الباقي: وظاهره يعني المص، ولو زائدة على واحدة حيث توقف إعفافه عليها. كما يشعر به لفظه، كذا يظهر. انتهى. وقال الشبراخيتي: وانظر لو كان معه واحدة لا تعفه هل يلزم الابن أن يزوجه واحدة تعفه أم لا؟ وظاهر كلام المص الأول. انتهى. وقال الشارح: أي ويجب عليه إعفاف والده بزوجة واحدة، وهو قول أشهب، واختاره ابن الهندي؛ قيل: وهو المشهور: ولهذا اقتصر عليه هنا، وإلا فالذي ذهب إليه مالك والغيرة وابن القاسم وابن عبد الحكم أنه ليس عليه ذلك. ابن رشد: ولو تحققنا حاجة الأب إلى النكاح لانْبَغَى أن لا يختلف في وجوبه على الابن، والاختلاف إنما هو عائد على تصديق الأب فيما يدعيه من الحاجة إلى النكاح. انتهى. وقال الحطاب هنا.

ص: 739

فرع: وسمع ابن القاسم الولد لا يجبر على إحجاج أبيه، ابن رشد هذا على أن الحج على التراخي، وعلى الفوريلزم ذلك، كما يجبر على شراء الماء لغسله ووضوئه. انتهى. وقوله: وإعفافه أي الأب، وأما الولد فقال اللخمي: وقول مالك إنه ليس على الأب أن ينفق على زوجة ولده، والقياس أن ذلك عليه قياسا على زوجة الأب أن على الابن أن ينفق عليها، ولأن الابن أحوج إلى الزوجة منه. انتهى. ونقله ابن عرفة عنه. وقال بعده: قلت: يرد بأن نفقة الابن تسقط ببلوغه، وأن فرض كونه بلغ زمِنا فالزمانة مظنة عدم الحاجة للزوجة. انتهى. والله أعلم. قاله الحطاب.

ولا تتعدد إن كانت إحداهما أمه؛ يعني أن الولد لا تتعدد عليه نفقة زوجتي الأب إن كانت إحداهما أم الولد المحكوم عليه بالنفقة، بل ينفق على أمه فقط للقرابة ولزوجيتها للأب، وأولى في عدم التعدد إن كانتا أجنبيتين، والقول للأب فيمن دعا للإنفاق عليها من أجنبيتين، ولو كانت التي دعا إليها نفقتها أكثر حيث كانت من مناكحه، ثم إن كانت إحداهما أمه تعين إنفاقه عليها ولو غنية لزوجيتها لأبيه. على ظاهرها؛ يعني أن عدم التعدد هو ظاهر المدونة، وقوله: ولا تتعدد إن كانت إحداهما أمه، قال الخرشي: هذا إذا كانت الأم تعف الأب، وإلا تعددت النفقة على الابن أمه بالقرابة والأخرى بالزوجية. انتهى. وقال الشارح: فلو كانت إحداهما أمه وهي فقيرة، فاختلف في ذلك هل تلزمه نفقتهما معا؟ أو إنما يلزمه نفقة أمه فقط؛ ابن يونس: وهو أشبه بظاهر الكتاب؛ إذ ليس عليه أن ينفق إلا على امرأة واحدة، وإليه أشار بقوله: على ظاهرها، وقال اللخمي: ينفق على أمه فقط، إلا أن تكون قد أسنت والأخرى شابة، وفي الأب بقية، فعليه أن ينفق عليهما جميعا، وعن ابن نافع: يجب عليه أن ينفق على أربع زوجات لأبيه. انتهى.

لا زوج أمه؛ يعني أن الولد لا تلزمه نفقة زوج أمه. وفي المواق عن الكافي: تلزم الأبناء نفقة أمهم ونفقة زوجها إن كان عديما لا يقدر على الإنفاق، وهذا إن كان عدمه قد لحقه بعد الدخول. انتهى. قال بناني: قال المواق: ونقله ابن عرفة ولم يعترضه ولم يزل الشيوخ يعترضونه. وفي المدونة لا ينفق على زوج أمه. انتهى. قلت: لما نقل أبو الحسن كلام الكافي قال عقبه ما نصه: وليس ببين؛ لأنه إنما أنفق على زوجة أبيه لأنه ودى شيئا لزمه، وهنا لا يلزم الأم الإنفاق على

ص: 740

زوجها. انتهى. وهو بين واضح. انتهى كلام بناني. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح: لا زوج أمه، وقيل: إن تزوجته الأم فقيرا لم تجب، وإن تزوجته موسرا ثم أعسر وجبت. انتهى.

ولا جد؛ يعني أن الجد لا تجب نفقته على ولد ولده كان الجد من قبل الأم أو من قبل الأب، وكذا لا تجب على ولد الولد نفقة الجدة مطلقا. قاله الشبراخيتي. وقوله: ولا جد، قال الشارح: ولم أر لأصحابنا في ذلك خلافا. انتهى. وولد ابن؛ يعني أن الجد لا تجب عليه نفقة ولد ولده، قال الشارح: ولم أر لأصحابنا في ذلك خلافا. انتهى.

ولا يسقطها تزوجها بفقير؛ يعني أن الأم لا تسقط عن ولدها نفقتها بسبب تزوجها من فقير. واعلم أن الأم تعود نفقتها على الابن إن تزوجت لغني

(1)

ثم افتقر، وكذا من التزم نفقة امرأة لا يسقطها تزوجها من فقير، وأما إن تزوجها غني فتسقط نفقتها عن اللتزم، ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، ومثل الأم في ذلك البنت يتزوجها فقير، فإن قدر الزوج على بعض النفقة ثم الابن أو الأب باقيها، ولو كان الابن ينفق على زوجة أبيه وعلى أمه التي ليست في عصمة أبيه لفقرها، ثم إن الأب تزوج الأم فالظاهر سقوط نفقة زوجة الأب غير الأم، كما يفيده قوله: ولا تتعدد إن كانت إحداهما أمه انظر شرح عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ولا يسقطها؛ أي لا يسقط نفقة الأم وكذا البنت عن الولد والوالد تزوجها بفقير، ولا من كان غنيا ثم افتقر، بل تستمر على ولدها، وإن قدر الزوج على بعضها ثم الولد أو الأب باقيها، ولو كان الزوج غنيا وقال: لا أنفق عليها وإلا فارقتها، فقال الباجي: ينفق الولد وخالفه اللخمي إلا أن تكون أسنت والزوج على غير ذلك. انتهى.

ووزعت على الأولاد؛ يعني أن نفقة الأبوين توزع على الأولاد؛ أي تفرق عليهم إذا كانوا موسرين اتفق يسارهم أو اختلف قاله عبد الباقي. وعبارة الشبراخيتي: ووزعت نفقة الأبوين أو أحدهما على الأولاد عند تعددهم اتفاقا. انتهى. وهل على الرءوس؟ يعني أن الشيوخ اختلفوا في كيفية هذا التوزيع، فمنهم من قال: هو على الرءوس أي العدد من غير نظر لذكورة وأنوثة ويسار وضده، وهذا القول نقله اللخمي عن ابن الماجشون، وعليه فالذكر والأنثى فيه سواء، وكذا من هو أكثر يسارا يستوي مع من هو دونه في اليسار. أو الإرث؛ يعني أن من الشيوخ من ذهب إلى أن تفريق

(1)

كذا في الأصل ولفظ عبد الباقي ولا يسقطها أي النفقة على الأم عن الابن تزوجها بفقير أو بغني ثم افتقر الخ.

ص: 741

نفقة الأبوين على الأولاد يكون على حسب الإرث، وهذا القول لابن حبيب ومطرف، وعليه فيُضَعَّفُ للذكر على الأنثى إن كانوا كلهم صغارا في مدة صغرهم، وإن كانوا كبارا أو صاروا كبارا فإنها تكون على الرءوس كالقول الأول، هكذا يقيد هذا القول، قال الشبراخيتي عند قوله: أو الإرث، وهذا مقيد بما إذا كانوا صغارا، وأما إن كانوا كبارا فإنها تكون على الرءوس، كما في الجواهر عند هذا القائل، ونحوه لعبد الباقي، إلا أنه لم يعز للجواهر فإن كان بعضهم صغارا وبعضهم كبارا، فما ناب الصغار على الإرث وما ناب الكبار على الرءوس. كذا ينبغي قاله عبد الباقي وغيره.

أو اليسار؛ يعني أن من الشيوخ من ذهب إلى غير ما ذكر بل ذهب إلى أن التوزيع يكون على قدر يسار الولد حيث اختلفوا في اليسار وهذا القول لمحمد وأصبغ وهو المذهب، وعليه فتكون النفقة موزعة عليهم على قدر أحوالهم؛ أي اختلافهم في الغني، فيجعل على الموسع أكثر من غيره، وعلى من هو دونه في الحال أقل مما على الموسع.

وعلم مما قررت أن القولين الأولين يشترطان اليسار من غير نظر إلى اختلاف حال الأولاد فيه، والقول الثالث يشترطه أيضا مع النظر لاختلاف الأولاد فيه، فيكثر ما على المتسع عمن هو دونه في اليسار والله سبحانه أعلم. وقوله: أقوال. مبتدأ حذف خبره؛ أي في ذلك أقوال. وقد تقدم عزو كل قول منها إلى قائله. قال بناني: وفي الحطاب عن البرزلي أن المشهور هو الثالث. انتهى وقال الأمير: والراجح توزيعها على يسار الأولاد وإن أخره الأصل. انتهى.

مسألة: قال ابن عرفة: في نوازل ابن رشد: من أنفق على أبيه العدم فلا رجوع له على إخوته الأملياء بشيء لأن نفقته لم تكن واجبة عليهم حتى يطلبوا بها بخلاف نفقة الزوجة، قلت: ويؤيده ما في سماع أصبغ من كتاب العدة، من يغيب ويحتاج أبواه وامرأته ولا مال له حاضر أيؤمر أن يتداينوا

(1)

عليه ويقضى لهم بذلك؟ قال: أما الزوجة فنعم، وأما الأبوان فلا؛ لأنهم لو لم يرفعوا حتى يقدم فأقر لهم غرم للمرأة لا للأبوين. انتهى. وقال أبو الحسن الصغير في أوائل كتاب الزكاة الأول في شرح قول المدونة في الأبوين والولد إذا أنفقوا ثم طلبوه لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا: يقوم من هنا مثل ما ذكر ابن رشد في الأجوبة فيمن أنفق على أبيه وله إخوة فأراد

(1)

كذا في الأصل والحطاب ج 4 ص 614.

ص: 742

الرجوع على إخوته بما ينوبهم فليس ذلك له وإن أشهد؛ إذ لا يجب للأب النفقة حتى يبتغيها. انتهى. وقال ابن رشد: إنها ساقطة عنهم حتى يطلبوا بها. انظر لو طلبوا بها وفرضها الحاكم والظاهر أنه إن أشهد أنه يرجع فله الرجوع، وإن لم يشهد فيحلف ويرجع. والله أعلم. نقله الحطاب.

تنبيهات الأول: اعلم أن عقوق الوالدين حرام، وهو من أكبر الكبائر، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قلنا: بلى قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت

(1)

). رواه في التيسير عن الشيخين والترمذي عن أبي بكرة رضي الله عنه. وفي التيسير أيضا: أنه سأله صلى الله عليه وسلم رجل عن الكبائر فقال (هن تسع: الشرك والسحر وقتل النفس وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات وعقوق الوالدين واستحلال البيت الحرام، قبلتكم أحياء وأمواتا

(2)

)، التولي يوم الزحف: الفرار من مصاف الجهاد ومقاتلة الكفار، والمحصنات جمع محصنة وهي العفائف ذوات الأزواج، وقذفهن رميهن بالزنى، وفيه أيضا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الكبائر أن يشتم الرجل أباه، قالوا: وهل يشتم الرجل والده، قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه

(3)

).

الثاني: برور الوالدين واجب مرغب فيه، ففي الصحيحين: (أنه جاء رجل فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك

(4)

). وفي أخرى قال: (أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك

(5)

). رواه في التيسير، وفيه أيضا عن أبي داوود نحوه، وفيه أيضا عنه وعن الترمذي نحوه، وفيه أيضا عن أبي داوود: (أنت ومالك لأبيك إن أولادكم من طيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم

(6)

). وفيه أيضا عن الترمذي ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنفه

(1)

التيسير، ج 4 ص 107.

(2)

التيسير، ج 4 ص 107.

(3)

التيسير، ج 4 ص 107.

(4)

التيسير، ج 1 ص 41.

(5)

التيسير، ج 1 ص 41.

(6)

التيسير، ج 1 ص 42.

ص: 743

رغم أنفه، رغم أنفه قيل من هو يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عنده الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة

(1)

). وفيه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه) وفيه أيضا عنه صلى الله عليه وسلم: (رضي الرب من رضي الوالد وسخط الرب من سخط الوالد

(2)

). وفيه أنه صلى الله عليه وسلم (استأذنه رجل في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم: قال: ففيهما فجاهد

(3)

). رواه الخمسة، وفيه أيضا أنه قال لرجل أراد الغزو: (هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة عند رجلها

(4)

). وفيه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه

(5)

). أخرجه الترمذي وصححه، وفيه أيضا: (عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال له: طلقها، يعني امرأة تزوجها كان عمر رضي الله عنه يكرهها وأمره بطلاقها، فأبى فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال له: طلقها

(6)

). وفيه أيضا عنه صلى الله عليه وسلم: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي

(7)

). رواه مسلم وأبو داوود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما. وفيه أيضا: (أن رجلا قال: يا رسول الله هل بقي من بر أبويَّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما

(8)

). أخرجه أبو داوود. وفيه أيضا: (أن رجلا أتاه صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أصبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أم؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالة، قال: نعم، قال فبرها). أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وزاد في أخرى عن البراء بن عازب:(الخالة بمنزلة الأم).

الثالث: العقوق معناه صدور ما يؤذي الوالد في غير معصية.

(1)

التيسير، ج 1 ص 42.

(2)

التيسير، ج 1 ص 42.

(3)

التيسير، ج 1 ص 42.

(4)

التيسير، ج 1 ص 42.

(5)

التيسير، ج 1 ص 42.

(6)

التيسير، ج 1 ص 42.

(7)

التيسير، ج 1 ص 43.

(8)

التيسير، ج 1 ص 43.

ص: 744

ونفقة الولد؛ يعني أن الأب تجب عليه نفقة ولده دِنْيةً بشرط أن يكون الولد حرا لا رقيقا، ولو ذا شائبة، ولابد أن يكون الولد فقيرا عاجزا عن التكسب، فإن كان غنيا لم تجب نفقته على ابنه، وإن لم يكن عاجزا عن التكسب لم تلزم نفقته أباه، إلا أن تكون قدرته عليه بعمل يزري به فلا تسقط بذلك نفقته عن الأب، بخلاف الأبوين على خلاف، ولا بد أيضا من كون الأب حرا، فالعبد لا تلزمه نفقة أولاده، ولابد أيضا من كون الأب موسرا بما فضل عن قوته وقوت زوجاته، فإن كان معسرا بالكلية لم يلزمه شيء، وإلا فعليه بقدر ما أيسر، ومن عجز كان على المسلمين من باب المواساة، وقوله: ونفقة الولد هو عام في الذكر والأنثى، وتفصيل منتهى النفقة أشار له بقوله: الذكر حتى يبلغ لخ، والأنثى حتى يدخل بها لخ، فيقف القارئ على الولد ويبتدئ بقوله:

الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب، انظر الشبراخيتي؛ يعني أن الأب المذكور تستمر عليه نفقة ولده الذكر الحر الفقير العاجز عن التكسب بما لا يزري بالولد إلى أن يبلغ الولد عاقلا قادرا على التكسب؛ أي بما لا يزري به، فمعنى الكسب هنا عمل يقوم بنفقته، والحاصل أنه يشترط في لزوم النفقة للوالد في صغر الولد، أن يكون الولد حرا فقيرا عاجزا عن التكسب بما لا يزري به، وهذا عام في الذكر والأنثى، وتستمر نفقة الذكر إلى بلوغه، فإذا بلغ عاقلا قادرا على التكسب بما لا يزري به سقطت عن الأب نفقته، فنفقة الولد الرقيق على سيده، والقادر على الكسب أو ذو المال ساقطة عن أبيه، كان في هذه الأحوال الثلاثة صغيرا أو كبيرا، وتكون في مال ذي المال إلا أن ينفد ماله قبل بلوغه فعلى الأب النفقة، وإلا أن يدفعه قراضا ويسافر به العامل ولا يوجد مسلف فتعود على الأب، ونفقة القادر على الكسب عليه إلا لمعرة عليه أو على أبيه أو عليهما به، أو تكسد صنعة فعلى الأب، وخرج بقيد العقل من بلغ مجنونا فإنها تستمر على الأب. قال عبد الباقي: وظاهره ولو جن حين بلوغه، ونقل عن البساطي أنه قال: ولا تسقط النفقة إذا كان يأتيه الجنون قبل البلوغ حينا بعد حين؛ أي لأنه صدق عليه أنه بلغ مجنونا، ويحتاج لنقل في لزومها في حين العقل، وخرج بالقادر العاجز عن الكسب جملة بزمانة أو غيرها، وأما لو اكتسب بعض كفايته لوجب عليه التتميم. انتهى. ولا تجب نفقة ولد فقير على أم غير رضاع على المعروف كما قاله ابن عرفة. وغير مكاتبة كما ذكره بقوله الآتي: وعلى المكاتبة لخ، قاله عبد

ص: 745

الباقي. وقال الحطاب: يعني أنه يجب بالقرابة أيضا على الأب الحر إذا كان له فضل عن قوته وقوت زوجته إن كانت له زوجة، نفقة الولد الذكر إذا لم يكن له مال ولا كسب بصنعة لا تلحقه فيها معرة، فإن كان له مال أو صنعة لم تجب على الأب إلا أن يمرض الولد أو تكسد صنعته، فتعود النفقة على الأب، وإن لم يكن فيها كفاية وجب على الأب التكميل، وتستمر نفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب، أو يحدث له مال أو صنعة، وحكم الأنثى كذلك في جميع ما تقدم، إلا أنها تستمر نفقتها حتى يدخل بها زوجها لخ، وقال الشبراخيتي: أما الولد الرقيق فعلى سيده، وانظر المبعض ما حكم جزئه الحر إذا عجز عن الكسب، ونحوه لعبد الباقي؛ وقال الشبراخيتي أيضا: ونفقة الولد القادر على الكسب في كسبه إلا أن يكون في كسبه معرة، وهذا القيد معتبر في الوالدين أيضا، والعبرة في كل قوم بحسب عرفهم. انتهى. وقال الخرشي: وأما الولد الرقيق فعلى سيده، ومن بلغ مجنونا أو زمنا أو أعمى فتستمر نفقته على الأب، ولو كان يفيق حينا بعد حين؛ لأنه صدق عليه أنه بلغ مجنونا؛ قال بعض: وتستمر نفقة العاجز عن الكسب جملة بزمانة أو غيرها، والقادر على البعض على الأب التتميم، ولو طرأ عجزه أو جنونه أو زمانته بعد البلوغ لم تعد. خلافا لعبد الملك. انتهى. وقال الأمير: ولا نفقة لولد ولد ورقيق وجد وزوج أم. انتهى.

والأنثى حتى يدخل بها زوجها؛ يعني أن الأنثى كالذكر في جميع ما مر من غير فرق يا فتى، إلا أنها تستمر نفقتها حتى يدخل بها زوجها، يريد أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها وهو بالغ، ولو قال: حتى تجب النفقة على الزوج كما قال في الجواهر لكان أحسن قاله الحطاب ويأتي كلام الجواهر قريبا، إن شاء الله تعالى. والحاصل أن نفقة الأنثى تجب على أبيها بالشروط المتقدمة في الذكر من غير فرق بينهما، إلا أن النفقة لها تستمر على الأب إلى أن يدخل بها الزوج مطيقة أم لا، صغيرين أو كبيرين أو مختلفين، أو يدعى إلى الدخول وهي مطيقة والزوج بالغ. ومقتضى كلام المص أن النفقة لا تسقط عن الأب إلا بالدخول، وليس كذلك بل تسقط عنه بذلك وبالدعاء إلى الدخول بشرط إطاقتها وبلوغ الزوج والله سبحانه أعلم.

وفي الجواهر: السبب الثاني: القرابة والمستحق بها أولاد الصلب والأبوان، ولا يتعدى الاستحقاق لولد الولد ولا للجد والجدة، ويشترط في المستحق عليه يسره بما يزيد على حاجته، ولا يباع عليه

ص: 746

عبده وعقاره إذا لم يفضلا عن حاجته، ولا يلزمه الكسب لأجل نفقة القريب، ولا يشترط المساواة في الدين، بل ينفق المسلم على الكافر، والكافر على المسلم، وتستمر النفقة في حق الأبوين للموت، أو لحدوث مال، وفي الولد الذكر لبلوغه صحيحا، والأنثى حتى تتزوج وتجب النفقة على زوجها، فمن بلغ وبه زمانة تمنعه السعي لم تسقط على المشهور، وقيل: تسقط. انتهى. نقله الحطاب. وقال: قوله: يشترط في المستحق عجزه عن التكسب، هو أحد القولين اللذين ذكرهما ابن عرفة، وتقدما، وقال المص في التوضيح وإنما تجب نفقة الولد على من قدر عليها، وإن لم يقدر عليها وقدر على حق الزوجة فلا درك عليه في ذلك؛ ونقله ابن عرفة وغيرهما، ونقله البرزلي وزاد: والولد من فقراء المسلمين إلا الذي يرضع فعلى أمه رضاعه في عسر أبيه مع قيامه لها بنفقتها، ونحوه في كتاب النفقات لابن رشيق، وفيه: أنهن لو كن أربع زوجات كن أحق من والديه وولده. انتهى.

فرع: قال ابن عرفة: اللخمي: ونفقة الأب فيما فضل للولد عن نفقته ونفقة زوجته، واختلف إن كان للولد ولد، فقيل: يتحاص الجد وولد الولد، وقال ابن خويز منداد: يبدأ الابن، وأرى أن يبدأ الابن إذا كان صغيرا لا يهتدي لنفقته، وسواء كان الأب صحيحا أو زمنا، وإن كان الولد كبيرا ترجح القولان، وكذا الولدان يبدأ الصغير على الكبير، والأنثى على الذكر، وكذا الأبوان تبدأ الأم على الأب. انتهى. نقله الحطاب.

تنبيه: لو رَشَّد الأب ابنته لم تسقط نفقتها بترشيدها وتلزمه نفقتها حتى يدخل بها زوجها.

قاله المتيطي. ونقله في المسائل الملقوطة. وقوله حتى يدخل بها زوجها، قال الشبراخيتي: والمراد بالدخول الخلوة وإن لم يحصل فيها وطء، ومن فسرها بالوطء لم يصب؛ لأن الدعوى للدخول بشرطها توجب النفقة على الزوج، وكذا الدخول فيمن لم تطق الوطء. انتهى. وعبارة الأمير: والأنثى ولو كافرة حتى تجب على الزوج بدخول أو دعاء له. انتهى.

وتسقط عن الموسر بمضي الزمن؛ يعني أن نفقة القرابة تسقط عن القريب الموسر بها من ولد أو والد بسبب مضي الزمن، فليست كنفقة الزوجة، فإذا تحيل المعسر من ولد أو والد وأخذ النفقة من غير من وجبت عليه فلا يرجع بها لأنها لسد الخلة وقد انسدت. إلا لقضية؛ يعني أن نفقة القرابة إذا حكم بها حاكم فإنها لا تسقط عمن حكم عليه بها بسبب مضي زمنها موسرا بها،

ص: 747

فإذا حكم بها حاكم وغاب المحكوم عليه مدة وهو موسر ثم قدم، فإن للقريب المحكوم له مطالبته بنفقة المدة التي غاب فيها وهو موسر، وياء قضية المشددة هي لام فعيلة وياؤها أدغمت المدة في اللام، وليست بياء النسب خلافا لما وقع في شرح الشيخ عبد الباقي مما هو سبق قلم. والله سبحانه أعلم.

أو ينفق غير متبرع عطف على المستثنى، فهو مستثنى أيضا؛ يعني أن نفقة القرابة إذا أداها من لا تلزمه النفقة من أجنبي غير متبرع فإنه يرجع بها بشرط أن يكون المنفق عليه صغيرا، فيرجع على أبيه لأن وجوده موسرا كالمال، وأما إن أنفق غير المتبرع على أب أو أم فلا يرجع على ولدهما إلا إذا كانت نفقتهما مفروضة عليه بقاض، فالاستثناء الأول في كلامه عام، والثاني خاص، وقوله غير بالرفع فاعل ينفق وهو بالنصب عطف على قضية، والناصب له أن مضمرة، قال في الألفية:

وإن على اسم خالص فعل عطف

نصبه أن ثابتا أو منحذف

وهذا الذي قررت به المص من التفصيل هو المتعين، وعبارة المص كعبارة ابن الحاجب، واعترضه ابن عرفة بأنه يقتضي أن نفقة غير المتبرع كحكم القاضي، وليس كذلك، بل إنما يرجع بها غير المتبرع إذا أنفق بعد الحكم بها، فلو آخر قوله: إلا لقضية لوفى بالقيد في غير المتبرع أيضا، وقريب من هذا لابن عبد السلام. قال الحطاب: وهذا الذي ذكره ابن عرفة بالنسبة إلى نفقة الوالدين ظاهر، وأما نفقة الولد فليس ذلك بظاهر. انظر الحطاب. فتبعه الزرقاني وشرح بهذا التفصيل وهو ظاهر. قاله بناني.

تنبيه: قال عبد الباقي: قال أحمد: إذا كانت النفقة لقضية، فهل تكون كنفقة الزوجة في قبول قوله في دفعها على التفصيل المتقدم أم لا؟ لأن نفقة الزوجة تشبه الدين لما كانت في مقابلة الاستمتاع، بخلاف نفقة الولد لأنها مواساة، وبه قال بعض شيوخنا. انتهى. وقوله: تشبه الدين أي في الجملة لا من كل وجه، لقبول قوله في دفعها حيث كان حاضرا والدين ليس كذلك، وقوله: لأنها مواساة؛ أي فيقبل قوله مطلقا في دفعها. انتهى. قال بناني انظر هذا وقد تقدم له قريبا أن محل كون القول قوله في دفعها ما لم تكن مقدرة، وإلا لم يقبل قوله أصلا. فتأمله.

ص: 748

انتهى. وفي نكاح المدونة. قلت: أرأيت إن أنفقت يعني الزوجة على نفسها وعلى ولدها والزوج غائب ثم طلبت نفقتها؟ قال: ذلك لها إن كان موسرا يوم أنفقت على نفسها وعلى ولدها منه، إذا كانوا صغارا أو جوارا أبكارا حضن أو لم يحضن. انتهى. وهو ظاهر في أن المنفق على صغير غير متبرع وله أب موسر يرجع عليه ولو لم يكن قضاء.

تنبيه: يحسن هنا إيراد قاعدة هي: كل من أوصل نفعا إلى غيره بغير إذنه كما لو سهل أرضه مثلا، فإن كان لا بد له من الاستئجار فله الأجرة، وإلا فلا. انظر نوازل ابن هلال.

واستمرت إن دخل زمنة ثم طلق؛ يعني أن الزوج إذا دخل بزوجته زمنة أي ضعيفة الأعضاء مريضة، ثم طلقها زوجها أو مات عنها وهي زمنة فإن نفقتها تستمر على أبيها، بمعنى أنها تعود عليه إذ حال دخول الزوج بها ليست على الأب، ففي قوله استمرت تجوز. والحاصل أنها إن عادت إليه زمنة بعد موت أو طلاق وكان الزوج دخل بها زمنة ولم يحصل لها برء فيما بين ذلك فإن النفقة تعود على الأب، سواء عادت إلى أبيها بعد البلوغ أو قبله، وكذا تستمر النفقة إن طرأ للولد مال قبل البلوغ ثم ذهب، أو بلغ زمنا ثم طرأ له مال وذهب، فإنها تعود على الأب. وكذا إذا رشدها تستمر نفقتها. قاله المتيطي. نقله بناني. وقوله: واستمرت لخ. تحقيقه أنه دخل بها الزوج وهي زمنة واستمرت زمانتها إلى أن رجعت إلى أبيها، وهي باقية على زمانتها المتصفة بها في الدخول، كما في الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم.

لا إن عادت بالغة؛ يعني أن المرأة إذا تزوجت وهي صحيحة صغيرة ثم إنها عادت إلى الأب وهي ثيب بالغ صحيحة قادرة على الكسب بلا معرة فإنها لا تعود نفقتها على أبيها، سواء دخل بها الزوج صحيحة أو زمنة، بخلاف ما لو عادت إلى الأب وهي صغيرة فلا تسقط نفقتها، وقوله: لا إن عادت بالغة، فرضه الشبراخيتي فيما إذا تزوجها صحيحة صغيرة كانت أو كبيرة وهو الذي شرحت عليه، وفرضه عبد الباقي فيما إذا كانت حين التزوج صغيرة صحيحة، والظاهر عندي شمولها للصغيرة والكبيرة، والصحيحة، وغيرها، كما يفيده الأمير وبناني. وقوله: بالغة، لا بد من تقييده بكونها ثيبا صحيحة قادرة على الكسب. كما قاله الشبراخيتي. أي بلا معرة.

ص: 749

أو عادت الزمانة؛ يعني أن الزوج إذا دخل بزوجته وهي صغيرة أو بكر بالغ زمنة فصحت، وثيبت وعادت لها الزمانة عند زوجها ثم تأيمت زمنة بالغا ثيبا، فإنه لا تعود نفقتها على أبيها، وأولى لو لم تعد لها الزمانة إلا بعد تأيمها، فلو عادت المرأة إلى أبيها صغيرة أو بكرا بالغا عادت عليه النفقة إلى أن تتزوج، لا إلى بلوغ الصغيرة فقط. خلافا لمن قال: إنها إذا عادت إلى الأب وهي صغيرة تعود على الأب نفقتها إلى بلوغها، ومقتضى المواق ترجيحه؛ والحاصل أن الأنثى إذا عادت إلى الأب صغيرة أو بكرا عادت عليه النفقة: وكذا لو دخل بها الزوج زمنة وعادت إليه قبل برئها، فإن عادت إليه ثيبا بالغا بعد برئها لم تعد على الأب نفقتها، ولو عادت لها الزمانة، وسواء عادت لها عند الزوج أو عند الأب، وعبارة الأمير: وعادت برجوعها بكرا أو صغيرة، أو دخل بزمنة وعادت بموت أو طلاق قبل برثها لا بعده ولو عادت الزمانة انتهى. وقال بناني عن ابن يونس: قال مالك: وعليه نفقة من بلغ من ولده أعمى أو مجنونا أو ذا زمانة لا حراك به. ابن يونس: لأن ذلك يمنع التكسب، فإن صح سقطت ثم لا تعود إن عاد ذلك لأن نفقتهم إنما تجب باستصحاب الوجوب، وهذا جار في الذكر والأنثى.

وعلى المكاتبة نفقة ولدها؛ يعني أن المكاتبة يجب عليها أن تنفق على أولادها الأرقاء الذين معها في الكتابة، بأن اشترط دخولهم في الكتابة، أو كانت حاملا بهم وقتها أو بعدها؛ لأنها أحرزت نفسها ومالها وولدها، وليس أنثى تجب عليها نفقة ولدها غير هذه، والتحقيق أن النفقة من السيد لأنه اشترط ذلك عليها، فكأنه من جملة الكتابة. ابن عرفة: والمعروف لا نفقة على الأم لولدها الصغير اليتيم الفقير، ولابن العربي في آخر سورة الطلاق: نفقة الولد على الوالد دون الأم، خلافا لابن المواز: أنها على الأبوين على قدر الميراث. وقال التونسي في كتاب الصيام: وقع في الموازية أن الأب إذا كان فقيرا أو لا لبن للأم أن عليها أن تستأجر له، وليس ببين.

إن لم يكن الأب في الكتابة؛ يعني أن محل لزوم نفقة ولد المكاتبة لها إنما هو حيث لم يكن الأب معها في تلك الكتابة بأن لم يكن في كتابة أصلا أو كان في كتابة أخرى، وأما إن كان معها في كتابتها فإن نفقة الولد ونفقتها هي عليه، وليس عجزه هو ولا عجزها هي عنها عجزا عن الكتابة؛ لأن الكتابة متعلقة برقبته، بخلاف النفقة لأنها مواساة بشرط اليسار، وإلى هذا أشار بقوله:

ص: 750

وليس عجزه عنها عجزا عن الكتابة؛ يعني أن عجز من ذكر من مكاتبة ومكاتب عن النفقة على الولد والزوجة لا يكون عجزا عن الكتابة؛ لأنها منوطة بالرقبة فكانت كالجناية، وأما النفقة فشرطها اليسار كما علمت.

وعلى الأم المتزوجة؛ يعني أن الأم المتزوجة بأبي الرضيع يلزمها أن ترضع ولدها بلا أجر تأخذه على إرضاعها لأنه عرف المسلمين على توالي الأعصار في كل الأمصار. والرجعية؛ يعني أن الأم الطلقة طلاقا رجعيا كالزوجة فيلزمها أن ترضع ولدها بلا أجر تأخذه على ذلك للعلة المتقدمة. فقوله: إرضا ولدها، مبتدأ خبره على الأم، والرجعية والمراد بولدها ولدها من الزوج الذي هي في عصمته أو الطلق طلاقا رجعيا. بلا أجر؛ أي لا أجرة للتي في العصمة والرجعية في إرضاعهما للولد المذكور، وقوله: بلا أجر، حال من إرضاع أو متعلق به، والباء للملابسة. والله سبحانه أعلم.

إلا لعلو قدر، مستثنى من قوله وعلى الأم المتزوجة والرجعية؛ يعني أن ما مر من لزوم الإرضاع للتي في العصمة والرجعية إنما هو في غير علية القدر، وأما علية القدر فلا يلزمها أن ترضع ولدها من الزوج الذي هي في عصمته، أو المطلق لها طلاقا رجعيا، ومعنى علو القدر كونها من أشراف الناس بحيث لا تقتضي العادة أن مثلها يرضع ولدها، وقال غير واحد: علو القدر بالعلم والصلاح، ولو رضيت الشريفة بالإرضاع فلها الأجرة من مال الأب، فإن أعدم فمن مال الصبي. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب: قال ابن عرفة: اللخمي: لذات الشرف إرضاعه بأجر انتهى وقال في التوضيح: نص عليه اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام، وأفتى بعض أشياخ شيخي بأن الشريفة إن تواضعت للإرضاع لا أجر لها، لإسقاط حقها ولا كبير مؤنة عليها في لبنها. انتهى. وقوله إلا لعلو قدر؛ أي وإلا لمرض أو قلة لبن فلا يلزمها رضاعه، بل هو على الأب وقابل الأمير علية القدر بالدنية ولم يبن لي ذلك من كلامهم. والله سبحانه أعلم.

كالبائن؛ يعني أن المطلقة طلاقا بائنا لا يلزمها أن ترضع ولدها سواء كانت مبتوتة أم لا، وسواء في ذلك الشريفة وغيرها، فيلزم الأب أجرة رضاعه، وهذا التفصيل الذي مشى عليه المص بين البائن وغيرها، وعلية القدر وغيرها، هو الذي ذهب إليه مالك؛ وقال أبو حنيفة والشافعي لا يلزمها ذلك في حال من الأحوال. وقال أبو ثور: يجب عليها الإرضاع في كل حال، ومال إليه

ص: 751

أحمد بن خالد، ولا دليل لأبي حنيفة والشافعي في قوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ؛ لأنه في المطلقات كما لا دليل فيه لأهل المذهب ولا لأبي ثور، وكذلك قوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} هي في المطلقات، ومستند أهل المذهب في إيجاب الرضاع على الزوجة إنما هو عرف المسلمين المستمر على دوام الأعصار وفي جميع الأمصار يرضعن أولادهن من غير طلب أجر على ذلك. قاله ابن عبد السلام.

إلا أن لا يقبل غيرها، مستثنى مما قيل الكاف، أعني قوله: إلا لعلو قدر، وما بعدها يعني أن الولد إذا لم يقبل غير أمه وهي شريفة أو بائن فإنه يلزمها أن ترضعه، كان الأب مليا أو عديما، وتجب لها في هذد الحالة الأجرة، كما في المدونة؛ أي من مال الأب، فإن أعدم فمن مال الصبي، وعبارة الشبراخيتي عند قوله: غيرها؛ أي الشريفة والبائن، فيجب عليها حينئذ لكن إذا كان للأب أو الصبي مال فلها الأجرة كما في المدونة، وإلا فمجانا. انتهى. أو بعدم. بالنصب عطف على لا يقبل الأب. فاعل يعدم؛ أي يفتقر يعني أن الشريفة والبائن يلزم كلا منهما أيضا أن ترضع ولدها حيث كان الأب عديما، والحال أن الولد قبل غيرهما ولا مال للصبي فيرضعانه مجانا أو بموت. عطف على المستثنى أيضا يعني أن الأب إذا مات ولا مال للصبي فإنه يلزم كلا سن البائن والشريفة أن ترضع ولدها مجانا، سواء مات الأب موسرا، أو تلف المال، أو معسرا، وإذا مات الأب موسرا ولم يتلف المال فإنه يكون للصبي مال بسبب إرثه منه، وحينئذ فلا يلزمها الرضاع بل يؤاجر للولد من يرضعه.

وعلم مما قررت أن قوله: ولا مال للصبي. قيد في المسألتين: وهما أو يُعْدِمَ الأب أو يَمُوتَ، ومفهومه أنه لو كان للولد مال لم يلزمهما أن يرضعاه، بل يؤاجر له من يرضعه، وقد علمت من هذا أن مال الأب في حياته مقدم على مال الصبي، وأما بعد الموت فلا مال للأب لانتقاله للورثة والله سبحانه أعلم وقال الحطاب عند قوله: أو يعدم الأب، يريد ولا مال للصبي، فإذا لم يكن لواحد منهما مال ولها ابن

(1)

كانت مخيرة بين أن ترضعه أو تسترضع له، إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر على رضاعه، فإن لم يكن لها لبن أجبرت على أن تسترضع له. قاله ابن رشد في شرح

(1)

كذا وفى الحطاب ج 4 ص 618: لبن.

ص: 752

أول مسألة من كتاب الرضاع، ثم قال: ولا رجوع لها على من أيسر من الأب والابن كانت أرضعت أو استرضعت له من مالها؛ لأنه قد سقط عنهما ذلك لعدمهما. انتهى كلام الحطاب.

واستأجرت إن لم يكن لها لبان؛ يعني أن المرأة يجب عليها الإرضاع عند عدم الأب أو موته ولا مال للصبي في المسألتين، سواء كانت علية القدر أو بائنا أو غيرهما، فترضعه إن كان لها لبن أو تسترضع له. فإن لم يكن لها لبان أو كان ولا يكفي فإنها تستأجر له من يرضعه، ولا ترجع عليه إن أيسر ولا على أبيه إن كان حيا، وأما المتزوجة بأبي الرضيع والرجعية غير عليتي القدر فقد مر أنهما إذا لم يكن لهما لبان أو كانتا مريضتين فإن أجرة الرضاع على الأب إن كان له مال، فإن لم يكن له مال ولا مال للصبي فهو مما هنا. والله سبحانه أعلم. واعلم أنه يشترط في المستأجرة للصبي ترضعه أن لا يكون فيها عيب يؤثر في اللبن، ككونها حمقاء أو جذماء، وعبارة الأمير: وإن أعدم الصبي والأب فعلى الأم إرضاعه وأجرته إن عدمت اللبن. انتهى. ولها إن قبل أجرة المثل؛ يعني أن الأم التي لا يلزمها الرضاع لعلو قدر أو لكونها بائنا إذا قبل الولد غيرها فإن لها أن ترضع ولدها بأجرة المثل؛ أي مثلها كما في المدونة من مال الأب أو من مال الولد إن لم يكن للأب مال، قال عبد الباقي: وظاهره ولو زادت على قدر وسعه، ومفهوم قوله: إن قبل، أنه لو لم يقبل غيرها لزمها أن ترضعه، ولها الأجرة إن كان للأب أو للصبي مال، وإلا فمجانا، كما مر.

ولو وجد من ترضعه عندها مجانا، يعني أن علية القدر أو البائن إذا قبل الولد غيرهما فإن لكل منهما أن ترضع ولدها وتأخذ أجرة مثلها، ولو كان الأب واجدا مرضعة ترضعه عند أمه مجانا أي بلا أجر، فليس له أن يقول لها: لا أعطيك أجرة لأني أجد من ترضع ولدي عندك بلا أجر، والحاصل أنه يقضى لكل منهما بالحضانة وأخذ الأجرة في إرضاع ولدهما، وليس للزوج أخذه لوجود متبرعة، ويدخل فيما قبل المبالغة ما إذا وجد متبرعة ترضع الولد عنده، ويوجد في بعض النسخ عنده بتذكير الضمير وهي غير صواب؛ لأن ترجيح ابن يونس لمذهب المدونة إنما هو على نسخة التأنيث.

على الأرجح يعني أن هذا الذي ذكره من أن لكل منهما أجرة مثلها في حال قبول الولد غيرهما ووجود متبرعة ترضع الولد عند أمه هو الذي رجحه ابن يونس، ونصه: قول مالك: الأم أحق به

ص: 753

بما يرضعه غيرها يريد بأجرة مثلها، وقاله بعض القرويين، وإليه رجع ابن الكاتب، وهو الصواب، وسواء وجد من يرضعه. عند الأم أم لا؛ لأنها وإن كانت عند الأم فهي التي تباشره بالرضاع والمبيت وذلك تفرقة بينه وبين أمه، فلذلك كانت الأم أحق به بأجرة مثلها وهذا أبين، وقوله: ولها إن قبل أي ولها أن لا ترضعه وحينئذ فإن الأب يستأجر له من ترضعه وليس عليه أن يكون ذلك عند أمه، وقوله: على الأرجح، مقابله يقول: القول قول الأب فتخير الأم إما أن ترضعه بغير شيء وإما أن تتركه. وقوله:

في التأويل. معناه أن هذا الذي ذكر المص هو الأرجح في تأويل المدونة عند ابن يونس، ومر مقابله قريبا، وقوله: ولو وجد من ترضعه عندها مجانا لخ، قال عبد الباقي: وهذه تقع بمصر، ومذهب مالك ينفع الأم المطلقة إذا حكمت في أخذها له بالحضانة مالكيا فلا يأخذه الزوج منها لوجود متبرعة عنده ويرفع الخلاف. انتهى.

وقال الحطاب: قال في المسائل الملقوطة ناقلا له من معين الحكام: وإذا أبت المرأة أن ترضع ولدها فإن الأب يستأجر له من ترضعه، وليس عليه أن يكون ذلك عند أمه، وأما إن وجد الأب من ترضعه باطلا أو بدون ما طلبته فعليه أن يرضعه عند أمه ولا يخرجه من حضانتها. انتهى.

ص: 754

ولما أنهى الكلام على النفقات شرع في الكلام على الحضانة، وهي بفتح الحاء وكسرها والفتح أشهر مأخوذة من الحضن بكسر الحاء، وهو ما تحت الإبط للكشح، وهو ما بين الخاصرة والضلع الخلف، وهي لغة كما في اللباب الحفظ والصيانة، وشرعا صيانة العاجز والقيام بمصالحه. انتهى. ابن عرفة: هي محصول قول الباجي: حفظ الولد في مبيته ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه. قاله غير واحد. ونواحي كل شيء وجوانبه أحضانه. قاله غير واحد. وقال الحطاب: والكشح بفتح الكاف وسكون المعجمة ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف. قاله في الصحاح. انتهى. وقال الحطاب: ابن رشد والمتيطي الإجماع على وجوب كفالة الأطفال الصغار لأنهم خلق ضعيف يفتقر لكافل يربيه حتى يقوم بنفسه، فهو فرض كفاية إن قام به قائم سقط عن الباقي، لا يتعين إلا على الأب والأم في حولي رضاعه إن لم يكن له أب ولا مال له، أو كان ولا يقبل غيرها، وأشار المص إلى حكم الحضانة بقوله عاطفا على فاعل تجب:

وحضانة الذكر؛ يعني أن حضانة الولد الذكر واجبة وهي حق للأم ويستمر وجوبها للبلوغ، فإذا بلغ ولو زمنا أو عاجزا عن الكسب أو مجنونا سقطت حضانة الأم، ولا تسقط النفقة عن الأب إلا ببلوغه عاقلا قادرا على الكسب بلا معرة كما مر، هذا هو الذي حرره ابن عبد السلام أن المشهور في غاية أمد الحضانة أنها البلوغ في المذكور من غير شرط، كما أن المشهور في غاية أمد النفقة في المذكور البلوغ بالشروط المتقدمة، ومقابل المشهور في الحضانة أن الحضانة للأم حتى يحتلم الذكر صحيح العقل والبدن، وقيل حتى يثغر قاله أبو مصعب. وقال ابن الحاجب: إن الحضانة في الذكر حتى يحتلم بشرط السلامة من الزمانة المانعة من التكسب، وقيل: حتى يحتلم من غير شرط. انتهى. ومقابل المشهور في النفقة سقوطها عن الأب باحتلام الذكر من غير شرط. وقوله: الذكر، وأما الخنثى المشكل فلا يخرج عن حضانة الأم ما دام مشكلا. قاله غير واحد.

تنبيه: قال عبد الباقي: ولا يعتبر البلوغ هنا بالإنبات. انتهى. قال بناني فيه نظر، فقد صرح في باب الحجر من التوضيح: أن المشهور في الإنبات كونه علامة، قال الحطاب: وظاهره مطلقا، وأيضا الخلاف الآتي في قوله: وهل إلا في حقه تعالى لخ، في حق الله، والحضانة حق مخلوق كما يأتي، فلا تدخل في الخلاف الآتي تأمله. انتهى. والأنثى؛ يعني أن حضانة الأنثى واجبة وهي حق للأم ويستمر وجوبها.

ص: 755

كالنفقة أي هي للأم وتستمر لها كما تقدم في لزوم نفقتها للأب؛ أي فهي للأم حتى يدخل بها زوجها ولو غير بالغ، فالحضانة والمنفقة يسقطان بدخول الزوج ولو غير بالغ، وتسقط النفقة بدعاء الزوج البالغ إلى الدخول دون الحضانة، فلا تسقط بدعاء زوج إلى الدخول ولو بالغا، وفهم من قول المص: كالنفقة أنه لو طلقها الزوج قبل البناء لاستمرت الحضانة للأم، كما تستمر النفقة على الأب، وهو كذلك، وفهم منه أيضا أنها لو دخلت زمنة ثم طلقت زمنة غير قادرة على الكسب ولو كان طلاقها بعد البلوغ أن الحضانة ثابتة لمن هي له، وفهم منه أيضا أن الزوج إذا دخل بها قبل إطاقتها تسقط حضانتها، إلا أن يقصد الأب بتزويجها فرارا مما فرض للأم وإسقاط الحضانة فلا يسقط الفرض ولا الحضانة بعد البناء حتى تطيق قاله الوانشريسي. والنكاح صحيح، وحرم على الأب قصد ذلك، بخلاف فعله لمصلحة أو بعد إطاقتها فلا كلام للأم فيهما، ولو التزمت الأم حضانة ابنتها فتزوجت الأم في زمنها فسخ نكاحها قبل البناء. قاله ابن عبد الغفور. وقال الأبهري: إنه شرط باطل ولا يجوز، وتتزوج إن أحبت، فإن حاضت زمن رضاعها ثلاث حيض ففي ابن عرفة: في منعها مطلقا من التزويج مدة الرضاع، وجوازه مطلقا، ومنعه إن كان شرطا: ومنعه إن أضر بالصبي، أقوال. قاله عبد الباقي.

للأم، قد مر أن قوله: وحضانة، عطف على فاعل تجب، وعليه فالظاهر أن قوله للأم خبر مبتدإ محذوف؛ أي وهي أي الحضانة للأم، وقوله: للبلوغ، في موضع الحال، وكذا قوله: كالنفقة، يعني أن حضانة الولد ذكرا أو أنثى ثابتة للأم مسلمة أو كافرة حيث كانت متأيمة أو في عصمة كأبي الطفل كما يأتي. ولو أمة عتق ولدها؛ يعني أن الأمة إذا كانت متزوجة بحر أو بعبد فطلقها أو مات عنها ومعها منه ولد فأعتقه سيده فإن حضانته لأمه، وقاله في المدونة. قال الشارح: واستشكل لأن الغالب في الأمة أنها مقهورة بأعمال ساداتها، وقد منعت الأم الحرة إذا تزوجت لما يتعلق بها من حقوق الزوج. انتهى. ونص على قوله: عتق ولدها، لدفع توهم أن الأمة لا تحضن الحر، وقوله: ولو أمة عتق ولدها؛ قال الشبراخيتي بعد أن حكى الاستشكال الذي حكاه الشارح ونسبه للخمي: وأجيب بأن الحرة إذا تزوجت بأحد حصل بينه وبين مطلقها بغض له ولولده فنزع منه لذلك، بخلاف الأمة فإنها وإن شغلت بساداتها لا يبغضون ولدها كما يبغضه الزوج، لا سيما إذا كانوا معتقين له. انتهى. ونحو هذا الاستشكال لابن رشد. وقوله: ولو أمة عتق ولدها،

ص: 756

قال الشبراخيتي عن الأجهوري: ما لم تكن سرية للسيد؛ أي ما لم تكن فراشا له فلا حضانة لها، كأن يكون لها أولاد من غيره مات أبوهم أو طلق ثم تسرى بها، فإن لم يتسر بها بأن كانت للخدمة مثلا فالحضانة لها. انتهى. ونحوه لعبد الباقي عن ابن عرفة، ونصه: ثم محل قوله: ولوأمة عتق ولدها، إلا أن يتسرى السيد بها بعد طلاق زوجها أو موته. قاله ابن عرفة. انتهى المراد منه. ونحوه للحطاب، فإنه قال: ولوأمة عتق ولدها، قال ابن عرفة: قلت: ذلك إن لم يتسررها. انتهى. وقوله: ولو أمة عتق ولدها سواء كان الزوج حرا أو عبدا. قال عبد الباقي: وفرضه في المدونة في الأب الحر نص على المتوهم. انتهى. وقال الإمام: وإذا أعتق ولد الأمة وزوجها حر وطلقها فهي أحق بحضانة ولدها، إلا أن تباع فتظعن إلى غير بلد الأب فالأب أحق به، أو يريد الأب انتقالا إلى غير بلد الأم فله أخذه. انتهى.

فرع: قال الحطاب: قال الباجي: مسألة إذا عتقت الأمة على أن تترك حضانة ابنتها أو ولدها فقد روى عيسى عن ابن القاسم أنه يرد إليها بخلاف الحرة تصالح الزوج على تسليم الولد إليه فإنه يلزمها، وروى أبو زيد أن الشرط لازم كالحرة. انتهى. من كتاب الأقضية في القضاء بالحضانة. ومقتضى الشبراخيتي وعبد الباقي ترجيح القول بعدم لزوم ذلك للأمة لاقتصارهما عليه، وعبارة الشبراخيتي إذا أعتق أم ولده أو أمته بشرط إسقاط حضانتهما فلا يلزمهما ذلك بخلاف الحرة. انتهى. وقال بناني: الذي في ابن عرفة ولو أعتقها على تركها حضانة ولدها ففي سقوط حضانتها نقل اللخمي روايتي عيسى وأبي زيد عن ابن القاسم. انتهى. فانظره. فظاهره التسوية بين القولين، فانظر من أين للزرقاني ترجيح عدم السقوط؟ انتهى.

أو أم ولد يعني أن أم الولد لها حضانة ولدها من سيدها بشرط أن تكون قد أعتقها سيدها أو مات عنها، لكن في هذا صارت حرة، فليس فيه حضن رقيق لحر، فلا يتوهم فيه المنع. قاله الشبراخيتي. وكذا لو كانت أم الولد متزوجة وتأيمت فلها حضانة ولدها ولو أعتقه السيد، كما أفاد ذلك بقوله: ولو أمة عتق ولدها، والحاصل أن الأمة لها الحضانة إلا فيما إذا كان الولد من سيدها ولم يعتقها، وإلا فيما إذا عتق ولدها أي القن وتسراها السيد. والله سبحانه أعلم. وقال الشارح: قال في المدونة: ولأم الولد تعتق ما للحرة من الحضانة، وهذا هو الأصح، وإليه أشار بقوله: أو أم ولد. وقال ابن وهب: لا حضانة لها.

ص: 757

وللأب تعاهده؛ يعني أن للأب وغيره من الأولياء أن يتعاهد المحضون الكائن عند أمه ذكرا أو أنثى، ومعنى تعاهده الإتيان إليه لتفقد أحواله، وقوله: وللأب، قال الشبراخيتي: لا خصوصية للأب، بل كل من له الولاية كذلك، إلا أنه نص على التوهم لأنه ربما يتوهم أنه ليس له تعهده لأنه يتهم على التواصل لأمه لما سبق بينهما من الألفة. انتهى. وأدبه؛ يعني أن للأب وغيره من الأولياء أن يؤدب المحضون. قال مقيده عفا الله عنه. والمراد بالأدب هنا التأديب أي العاقبة على أمر سيء ليرجع إلى الأدب الذي هو حسن السيرة.

وبعثه للمكتب؛ يعني أن للأب وغيره من الأولياء أن يبعث المحضون للمكتب أي موضع الكتابة، وله أن يبعثه لمن يعلمه، قال الحطاب هنا: هذا نحو قوله في المدونة: للأب تعاهد ولده عند أمه وأدبه وبعثه للمكتب، ولا يبيت إلا عند أمه. انتهى. قال ابن عرفة: قلت: يجب كون الظرف الذي هو عند أمه في موضع الحال من ولده لا أنه معمول للفظ تعاهد؛ لأن ذلك ذريعة لاتصاله بمطلقته مع زيادة ضرر زوجها بذلك. انتهى. وفي كلام ابن عرفة أعني قوله: مع زيادة ضرر زوجها بذلك نظر ظاهر؛ لأنها إذا تزوجت سقطت حضانتها. والله سبحانه أعلم. والحاصل أن للأب القيام بجميع أمور المحضون وله أن يختنه في داره ثم يرسله للأم، والحق في زفاف البنت للحاضنة مطلقا، أمًّا أو غيرها كما قاله بناني. فإذا قال الولي: تزف من عندي، وقالت الحاضنة: تزف من عندي، فالقول قول الحاضنة. وقوله: وبعثه للمكتب، قال الشبراخيتي: بفتح الميم والتاء، ويجوز كسرها، وكذا بقية الصنائع. ولو قال للمعلم كان أشمل. انتهى.

ثم أمها؛ يعني أن الأم إذا ماتت أو سقطت حضانتها بتزويج أو غيره فإن الحضانة تنتقل لأمها وهي جدة المحضون؛ لأن شفقتها وحنانها على ولد ابنتها تقرب من شفقة أمه وحنانها عليه. ثم جدة الأم؛ يعني أنه إذا لم يكن للمحضون أم ولا أم أم، أو كان من ذكر وسقطت حضانته، فإن الحضانة تنتقل لجدة أم المحضون أي الجدة من قبل أمها، أو من قبل أبيها، ولذا لم يقل ثم أمها لأنه لا يشمل جدة الأم من قبل أبيها. قاله الشبراخيتي. وقال الحطاب: قوله، ثم جدة الأم، ظاهره سواء كانت جدتها لأمها أو لأبيها وهو كذلك. قاله ابن عرفة عن اللخمي. قال: فإن اجتمعتا فأم أمها أحق من أم أبيها، فإن لم تكن واحدة منهما، فأم أم أمها أو أم أم أبيها، أو أم أبي أمها أو أم أبي أبيها، فإن اجتمع الأربع فأم أم الأم، ثم أم أبي الأم وأم أم الأب بمنزلة

ص: 758

واحدة، ثم أم أبي الأب. وعلى هذا الترتيب أمهاتهن ما علون، فإن لم تكن واحدة منهن فأخت الأم الشقيقة. انتهى. وقاله في المقدمات. انتهى كلام الحطاب.

إن انفردت بالسكنى عن أم سقطت حضانتها؛ يعني أنه يشترط في انتقال الحضانة إلى من ذكر من النسوة أن تنفرد هذه التي انتقلت الحضانة إليها بالسكنى عن الأم التي سقطت حضانتها بتزوج أو غيره، وإذا كان يشترط فيمن تنتقل الحضانة إليها أن لا تسكن مع الأم التي سقطت حضانتها، فاشتراط ذلك في غير الأم أولى كما لا يخفى؛ لأن شأن الأم الشفقة والحنان، واعلم أن هذا الشرط يجري في كل من تنتقل إليها الحضانة كائنة من كانت، قال عبد الباقي: ثم هذا الشرط هو المشهور عند المص، وذكر المواق أن المتيطي اقتصر على عدم اعتبار هذا الشرط، ابن الحاج: وبه أفتيت، وهو قول سحنون. انتهى. قال بناني بعد ما ذكر المواق ذلك نقل عن ابن سلمون أن المشهور، والذي به العمل خلاف ما قال المتيطي. انتهى. قلت: الذي في عبارة ابن سلمون ما نصه: الذي أفتى به ابن المواز أنه لا حضانة للجدة إذا سكنت مع ابنتها، قال: وهي الرواية المشهورة عن مالك، وبها العمل، واختاره المتأخرون من البغداديين وغيرهم. انتهى. وعلى هذا المشهور فللأب أخذه لا على ما لسحنون كما في ابن سلمون. والله سبحانه أعلم. مسألة: قال في المسائل الملقوطة: إذا كان للولد جدتان من قبل الأب ومن قبل الأم وليس له إلا دار قيمتها عشرون دينارا أو نحوها فقالت أم الأب: أنا أنفق عليه من مالي ويكون معي وتبقى له داره رفقا به، وأرادت جدة الأم بيعها لتنفق ثمنها، فجدة الأم أولى بالحضانة، ونقلها ابن عرفة عن بعض المفتين، وزاد: وقال المشاور: ينظر إلى الأرفق بالصبي. قال ابن عرفة: قلت: في كون الحضانة حقا للحاضن أو للمحضون، ثالثها: لهما، لروايتي القاضي واختيار الباجي مع ابن محرز، فعلى الثاني تقدم الجدة للأب. انتهى. والمشاور هو ابن الفخار كما قال ابن غازي هنا. انتهى كلام الحطاب.

ثم الخالة؛ يعني أنه إذا لم يكن للمحضون من ذكر أو كان وسقطت حضانته، فإن الحضانة تنتقل للخالة أخت الأم الشقيقة، ثم أختها للأم، ثم أختها للأب، هذا هو صريح ابن عرفة، وما في الشارح غير صحيح. انظر حاشية الشيخ بناني. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: وهذا؛ أي

ص: 759

قوله: ثم الخالة، كالصريح في أن الجدة إن لم تنفرد بالسكنى عن أم سقطت حضانتها، فإن الحضانة تنتقل للخالة، وهو مقتضى كلام غير واحد والظاهر أنه لا يخالف ما مر عن ابن سلمون. والله سبحانه أعلم. ثم خالتها؛ يعني أنه إذا لم يكن من ذكر من النساء، أو كان وسقطت حضانته، فإن الحضانة تنتقل لخالة الأم، وفي شرح الشيخ عبد الباقي: أنه لا حضانة لخالة الجدة: ولا حضانة لعمة الجدة قال الشيخ محمد بن الحسن بناني: انظر من أين له هذا الجزم؟ وظاهر ابن عرفة خلافه. انتهى. قال عبد الباقي: وأسقط مرتبة بعد خالتها وهي عمة الأم، وقوله: ثم خالتها، قد علمت أن الضمير للأم وهو بحسب ظاهره يشمل الشقيقة والتي للأم والتي للأب. والله سبحانه أعلم.

ثم جدة الأب؛ يعني أن الحضانة بعد قرابات الأم تنتقل لجدة المحضون من قبل الأب، فتنتقل لأم الأب وأمهاتها وإن علون، وأم أب الأب، وقوله: ثم جدة الأب، قال بناني: قدمها على الأب دون غيرها وهو مذهب المدونة. ابن عرفة: فإن لم تكن قرابات الأم ففي تقديم الأب على قرابته وعكسه، ثالثها: الجدات من قبله أحق منه، وهو أحق من سائرهن، لنقلي القاضي، ولها، وعزاه في البيان لابن القاسم. انتهى. وعلى الأول جرى في التحفة، وقول عبد الباقي عن أحمد: إن جدة الأب من قبل أمه لا حضانة لها لخ، ما ذكره أحمد وإن أفتى به بعض شيوخه قصور، بل غير صحيح، لقول المقدمات ما نصه: فإن انقطعت قرابات الأم فالجدة للأب، ثم أم جدة الأب، ثم أم أبي الأب، ثم أم أمه، ثم أم أم أبيه، ثم الأب. انتهى.

ثم الأب؛ يعني أن الحضانة تنتقل للأب أي أبي المحضون بعد من ذكر، وهذا هو مذهب المدونة. ثم الأخت؛ يعني أن الحضانة بعد من ذكر تنتقل لأخت المحضون الشقيقة ثم للأم ثم للأب. ثم العمة؛ يعني أنه إذا لم يكن أحد ممن ذكر أو كان وسقطت حضانته، فإن الحضانة تنتقل لعمة المحضون، وتليها عمة أبيه، وتليها خالة الأب، وذكر هنا العمة الشاملة لعمة الطفل ولعمة أبيه، وأسقط خالة الأب، وذكر فيما تقدم الخالة وخالة الأم، وأسقط عمة الأم. ففيه شبيه بالاحتباك. ثم؛ يعني أنه إذا فقد من ذكر، أو قام به مانع فإن الشيوخ اختلفوا هل التي تنتقل لها الحضانة بنت الأخ؟ شقيقا أو لأم أو لأب. قاله في المقدمات ومقتضى نقل المواق أنه الراجح.

ص: 760

أو التي تنتقل لها الحضانة بنت الأخت شقيقة أو لأم أو لأب، واختاره الرجراجي. أو الذي تنتقل إليه الحضانة الشخص الأكفى؛ أي الأشد كفاية منهن، في القيام بأمور المحضون.

وهذا القول هو الأظهر عند ابن رشد، وإنما ذكَّر صيغة التفضيل هنا وإن كان تلو أل لأن الموصوف الشخص كما قررت، ومن الداخلة على ضمير الإناث للتبعيض وهي ومتعلقها حال؛ أي حال كون الأكفى بعضهن، وليست هي من التي يوصل بها أفعل التفضيل؛ لأنه هنا تلو أل، ولفساد المعنى حينئذ لاقتضائه أن الأكفى غيرهما، مع أن المراد الأكفى الذي هو أحدهما، وجمع الضمير باعتبار كونها شقيقة أو لأم أو لأب، مع أن الراجح أن الأخ للأب والأخت للأب لا حضانة لهما، فبنتاهما كذلك. وقوله: الأكفى، معناه الأشد كفاية بقيام الصبي وطعامه وشرابه وتنظيفه وتنظيف ثيابه، وفي كلام المص ثلاثة أمور أحدها: التعبير بالأكفى ولم يقل الكفأى وأجيب عنه بما مرت الإشارة إليه أنه صفة للشخص وهو مذكر. ثانيها: وصل الأكفى بمن، وقد مر الجواب عنه بأن من هذه للتبعيض، وليست هي من التي يوصل بها أفعل التفضيل. ثالثها: جمعه للضمير وقد مر الجواب عنه أيضا بأنه جمع باعتبار الشقاقة والأخوة للأب والأم. والله تعالى أعلم. وقوله أقوال، مبتدأ حذف خبره أي في ذلك أقوال.

ثم الوصي؛ يعني أنه إذا فقد من ذكر أو قام به مانع فإن الذي تنتقل إليه الحضانة هو الوصي، أي الذي جعله أبو المحضون وصيا عليه، أو الذي قدمه القاضي عليه، سواء كان الوصي ذكرا أو أنثى، إن كان المحضون ذكرا، وكذا إن كان أنثى غير مطيقة والوصي ذكر، كمطيقة إن تزوج الوصي بأمها أو جدتها وتلذذ حتى صار محرما، وإلا فلا حضانة له على الراجح، وأراد المص بالوصي ما يشمل مقدم القاضي كما قررت، والظاهر أن وصي الوصي كهو، وقولي: فلا حضانة له على الراجح؛ أي على ما يفيده التوضيح ومن وافقه، وله الحضانة على ما يقتضي ابن عرفة أنه الراجح، فهما مرجحان، قاله عبد الباقي وغيره. وقال الشارح عند قوله: ثم الوصي، النصوص أنه مقدم على سائر العصبة، وقيل لا حق له. انتهى.

ص: 761

ثم الأخ؛ يعني أنه إذا فقد من ذكر أو قام به مانع فإن الحضانة تنتقل للأخ؛ أي أخي المحضون. ثم ابنه؛ يعني أنه يلي الأخ في المرتبة ابن الأخ، وهو متأخر عن الجد للأب، فهو متوسط بين الأخ وابنه، قال الشيخ علي الأجهوري:

بغسل وإيصاء ولاء جنازة

نكاح أخا وابنا على الجد قدم

وعقل ووسطه بباب حضانة

وسوه مع الآباء في الإرث والدم

والعقل الدية، والآباء هنا الإخوة أي ءاباء أبناء الإخوة، وهم الإخوة،

ثم العم؛ يعني أنه إن فقد من ذكر أو قام به مانع فإن الحضانة تنتقل للعم، ثم ابنه؛ يعني أنه إذا فقد من ذكر أو قام به مانع فإن الحضانة تنتقل إلى ابن العم، قرب كل من العم وابنه أو بعد، وعبارة عبد الباقي: ثم العم ثم ابنه، قرب كل أو بعدث إن أريد بالجد دِنْيَة، وكذا إن أريد به مطلقا فيما يظهر. انتهى. قال بناني: قول الزرقاني: قرب كل أو بعد. إن أريد الجد دنية؛ أي إن أريد بالجد المتوسط بين الأخ وابنه الجد دنية لكن حينئذ يكون أبو الجد متوسطا بين العم وابنه وهذا كما لابن عرفة. انتهى. لا جد لأم؛ يعني أن الجد للأم لا حضانة له، ونص في المقدمات على أنه لا حق له في الحضانة. وفي الوثائق المجموعة: إذا اجتمع الجدان فالجد للأب أولى من الجد للأم وهو قول ابن العطار.

واختار خلافه؛ يعني أن اللخمي اختار من عند نفسه أن الجد للأم تنتقل إليه الحضانة. قال الشارح: قال اللخمي: لم أر له نصا في الحضانة وأرى له فيها حقا لأن له حنانا وعطفا، ولهذا غلظت فيه الدية وسقط عنه القود. قال عليه الصلاة والسلام في الحسن: (إن ابني هذا سيد

(1)

)، ولا خلاف أنه داخل في عموم قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، وأن ابن الابن داخل في عموم قوله تعالى:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} . وقال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام اللخمي: قلت: قول ابن الهندي: الجد للأب أولى من الجد للأم دليل حضانته.

(1)

صحيح البخاري، كتاب الصلح، رقم الحديث، 2704.

ص: 762

انتهى. وعلى أن له حضانة فيلي مرتبة الجد للأب، كما فهم التتائي من قول الوثائق: إذا اجتمع الجدان فالجد للأب أولى من الجد للأم.

ثم المولى الأعلى؛ يعني أنه يلي آخر عصبة النسب وهو العم وابنه، المولى الأعلى وهو المعتق بكسر التاء وعصبته نسبا ثم ولاء، ثم لا حضانة لمولاة النعمة إذ لا تعصيب فيها. ابن عرفة: الأظهر تقديمها على الأجنبي؛ أي قياسا على استحقاقها لولاية النكاح، وتوكل كما قدم المص. قاله عبد الباقي. وقوله: إذ لا تعصيب فيها في إطلاقه نظر ظاهر؛ لأن المعتقة بالكسر وهي مولاة النعمة عاصبة الإرث، وعبارة ابن عرفة: ابن محرز لا حضانة لمولاة النعمة إذ لا تعصيب فيها كالذكر. قلت: الأظهر تقديمها على الأجنبي. انتهى. وقال الشارح: ثم المولى الأعلى، وقاله في المدونة، وهو المشهور. وقال ابن محرز: لا حق للمولى الأعلى في ذلك؛ إذ لا رحم له، وعليه فلا حق للأسفل من باب أولى. انتهى.

ثم الأسفل؛ يعني أنه إذا مات معتق بكسر التاء وترك ابنا لا حاضن له ممن تقدم ذكره فإن حضانة ذلك الابن تنتقل للمولى الأسفل، وهذا واضح ولا حاجة إلى تكلف بعض الشراح حيث يقول: صورتها: إنسان انتقل له حضانة وهو مولى أعلى، فوجد قد مات وله عتيق فإن الحضانة تنتقل إلى عتيقه، وقال الأمير: بأن انجر ولاؤه للمحضون أو أعتق عنه مثلا. وقدم الشقيق؛ يعني أن ما تقدم من المراتب مما يتصور فيه التساوي إذا استووا في الرتبة يقدم فيها بالشقاقة؛ أي فيما تمكن فيه الشقاقة كالإخوة وبنيهم، والأعمام وبنيهم احتراز من الوصي والمولى الأعلى ونحوهم، وقوله: وقدم الشقيق؛ أي الشخص الشقيق ذكرا كان أو أنثى. ثم للأم؛ يعني أن الشقيق يليه في الحضانة الذي للأم، فيقدم الأخ للأم مثلا على الذي للأب.

ثم للأب؛ يعني أنه يلي الأخ الذي للأم الأخ الذي للأب، وكذا من فيه الشقاقة من غير الإخوة كما عرفت، وفي الذخيرة: أسقط مالك وابن القاسم حق الأخت للأب لأن العادة تباغض أبناء الضرائر، وكذا الأخ للأب، وقيل: لهما الحضانة. انتهى. ونحوه في تكميل التقييد لكن قال ابن ناجي: ظاهر المدونة أن للأخت للأب الحضانة، وهو كذلك على أحد القولين، وكونه لها هو ظاهر المص كظاهر المدونة، كما قال ابن ناجي، ورجح بعض ما في الذخيرة. قاله عبد الباقي.

ص: 763

وقوله: في الجميع. متعلق بقدم أي جميع المراتب التي تمكن فيها الشقاقة، كما مر التنبيه عليه احترازا من الوصي والمولى الأعلى ونحو ذلك.

في المتساويين بالصيانة والشفقة؛ يعني أنه إذا حصل التساوي في المرتبة كأختين أو عمتين أو خالتين مثلا، فإنه يقدم من هو أكثر صيانة أي حفظا للمحضون وشفقة أي رأفة به، فإن تساووا فيهما قدم الأسن لأنه أقرب إلى الصبر والرفق بالمحضون من غيره، فإن استووا في ذلك فالظاهر القرعة، فإن كان في أحدهما صيانة وفي الآخر شفقة، فالظاهر تقديم ذي الشفقة، وربما يفيده الرجراجي. قال ابن عرفة: فإن تزوجت أمه عمة وأراد عم آخر أخذه لم يكن له ذلك؛ لأن كونه مع أمه وعمة أولى؛ أي وإن تزوجت خالته عمة فأراد أبوه أخذه لم يكن له ذلك؛ لأن الغالب من زوجة الأب عليه الجفاء إذا كانت أجنبية، والغالب أن يكله الأب إليها. نقله عبد الباقي. وصرح بناني بأنه لابن عرفة كما مر التنبيه عليه، وقوله بالصيانة نائب فاعل قدم مقدرا. ولما كانت الحضانة تفتقر إلى وفور الصبر على الأطفال في كثرة البكاء والتضجر وغيرهما من الهيئات العارضة لهم، وإلى مزيد الشفقة والرقة الباعثة على الرفق بهم، ولذا فرضت على النساء غالبا، لأن علو همة الرجال تمنعهم مما يليق بالصبيان من التكلف والعاملات وملازمة الأقذار وتحمل الدناءة. شرع في صفاتها المحصلة لذلك فقال:

وشرط الحضن للعقل؛ يعني أنه يشترط في الشخص الحاضن ذكرا كان أو أنثى أن يكون عاقلا، فلا حق في الحضانة لمجنون ولو غير مطبق، قال الشارح: وعندي أن الحكم كذلك إذا كان يجن أحيانا، دون أحيان ولا حق في الحضانة أيضا لمن به طيش، وقال عبد الباقي: وشرط الحاضن العقل، وما عطف عليه من الشروط الثمانية بعده التي آخرها قوله: وأن لا يسافر ولي، فيراعى العطف قبل الإخبار ليصح الإخبار كما أشار له الشنواني وغيره، وهي شروط استحقاقها لا مباشرتهات فدخل المسن إذا كان عنده من يحضن كما يأتي. انتهى. قوله: ليصح الإخبار كما أشار له الشنواني، فيه نظر، بل الإخبار هنا يصح وإن لم يراع العطف سابقا عليه؛ لأن لفظ المبتدإ في كلام المص مفرد لا جمع، والشنواني لم يقل ذلك في مثل هذا بل فيما المبتدأ فيه جمع. انتهى. وقال عبد الباقي: ومن شروطه يعني الحاضن أيضا عدم علم قسوته، فإن علمت قدم

ص: 764

الأبعد. انتهى. وقال عليه بناني: لفظ ابن عرفة في هذا هو ما نصه. اللخمي: إن علم جفاء الأحق لقساوته ورأفة الأبعد قدم عليه. انتهى. قلت: إن كان قسوة ينشأ عنها إضرار الولد قدم الأجنبي عليه وإلا فالحكم العلق بالمظنة لا يتوقف على تحقق الحكمة. انتهى.

والكفاية؛ يعني أنه يشترط في استحقاق الحضانة أن يكون الحاضن ذكرا أو أنثى فيه كفاية أي قيام بأمور المحضون، فلا حضانة لزمن أو كبير لا يمكنهما التصرف إلا بمشقة، ولهذا قال: لا كمسنة؛ يعني أن الذات المسنة ذكرا كانت أو أنثى لا تثبت لها الحضانة كبالغة ستين سنة، والسنة هي التي أقعدها السن عن القيام بأمور المحضون، ومحل كون المسنة لا حضانة لها حيث لم يكن عندها من يحضن، وأدخلت الكاف العمى والصمم والخرس والإقعاد. قاله عبد الباقي. وقوله: لا كمسنة عطف على مقدر أي فتثبت الخضانة لقادر لا كمسنة.

وحرز المكان في البنت يخاف عليها؛ يعني أنه يشترط في حق الحاضن أيضا ذكرا كان أو أنثى أن يكون المكان الذي سكن فيه بالنسبة إلى البنت حرزا أي حافظا مصونا إذا كانت البنت يخاف عليها الفساد؛ أي يخشى عليها من الزنى، ويعتبر خوف الفساد من وقت إطاقتها، فاشتراط حرز المكان إنما هو من وقت إطاقتها لا قبله ومثل البنت الابن يخاف عليه ذلك، إلا أن ذلك فيها أوكد، وأما البنت والابن اللذان لم يبلغا سنا يخاف عليهما الفساد فيها فلا يشترط فيهما ذلك، وقوله: يخاف عليها حال، قال عبد الباقي: إما مقارنة أو مقدرة منتظرة. انتهى. قال بناني: فيه نظر بل هي مقارنة قطعا لما بينه من أنه لا يشترط الحرز إلا من وقت الخوف، وقوله: يخاف عليها؛ أي الفساد إذا بلغت حد الوطء كما قررت، وكذا إذا خيف سرقة مالها مثلا فلا بد من الأمن على النفس والمال وكذا الابن، وقوله: يخاف عليها، اللخمي: إن كانت جميلة مطلقا، أو غير جميلة والموضع كثير الفساد، وإن لم تكن جميلة والموضع غير موضع فساد، والبنت مطيقة للوطء فالحرز مستحب. انظر الشبراخيتي.

والأمانة؛ يعني أنه يشترط في الحاضن ولو أبا أوأما أن يكون أمينا أي سالما من الفسق، فرب شريب يذهب يشرب ويترك ابنته يدخل عليها الرجال، فلا حضانة له ويأخذها الأبعد، وقال الشارح عند قوله: والأمانة، ما نصه: فإن عدمت صفة من هذه الصفات من الأقرب وهي في

ص: 765

الأبعد انتقل الحق إليه، وقاله في المدونة. انتهى. وقال الشبراخيتي: والأمانة بأن يكون صالحا لدينه بأن لا يكون فاسقا، ولا يحمل على أن يكون صالحا لدينه ودنياه، وإن كان هذا هو حقيقة الأمانة، ليلا يكون قوله: ورشد ضائعا، انتهى. ونحوه لعبد الباقي.

وأثبتها: يعني أن الحاضن محمول على الأمانة؛ لأن الأصل العدالة حتى ينسب لغيرها، فإذا نسب لغير الأمانة فعليه أن يثبت الأمانة، والأولى عوده على الشروط المتقدمة ما عدا العقل، وكذا يقال في الشروط الآتية إن نوزع في شيء منها أثبته، وهذا الذي قررت به المص هو ظاهره، وقرره به عبد الباقي، وقال بناني: قال المواق: لم أجد هذا في الحضانة؛ يعني بهذا قوله: وأثبتها، إنما هو في الولي يريد أن يسافر بالمحضون. انتهى. وفي ابن سلمون: أن من نفى الشروط فعليه إثبات دعواه والحاضن محمول عليها حتى يثبت عدمها، وبذلك تعلم ما في تقرير هذا الشارح، يعني عبد الباقي على ظاهر المص، وما في التوضيح معترض بمثل ما في المواق. انتهى كلام بناني. وقال الأمير: وشرط الحاضن الكفاية الشرعية، وتتضمن العقل والأمانة وحرز المكان حيث خيف على النفس أو المال وهو محمول عليها حتى يثبت خلافها: وعكس الأصل ضعيف. انتهى.

وعد كجذام مضر؛ يعني أنه يشترط في حق الحاضن ذكرا أو أنثى، كان المحضون ذكرا أو أنثى أن لا يكون به؛ أي بالحاضن جذام تضر ريحه أو رؤيته بالولد، ويخشى منه العدوى، ومثل الجذام كل عاهة يخشى بريحها أو برؤيتها على الولد، كبرص وجرب دامٍ وحكة، ولو كان بالمحضون مثله؛ لأنه قد يحصل له به زيادة، وكذا لو كان عنده من يحضن لاحتمال اتصاله بالمحضون.

واعلم أنه ورد في الحديث: (لا عدوى ولا طيرة

(1)

)، وفيه: (فمن أعدى الأول

(2)

)، وفيه: (فر من المجذوم فرارك من الأسد

(3)

)، وفيه: (لا يورد ممرض على مصح

(4)

). وهذا متعارض بحسب ظاهره، والجواب: عن هذه المعارضة أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها: لاكن الله سبحانه جعل مخالطة المريض للصحيح سببا لإعدائه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب، وهذا

(1)

صحيح البخاري، كتاب الطب، رقم الحديث، 5753.

(2)

صحيح البخاري، كتاب الطب، رقم الحديث، 5717.

(3)

صحيح البخاري، كتاب الطب، رقم الحديث، 5707، البيهقي ج 7 ص 218، مصنف ابن أبى شيبة، ج 6 ص 226.

(4)

صحيح مسلم، كتاب السلام، رقم الحديث، 2221.

ص: 766

الجواب لابن الصلاح، وهو الذي اختاره كثير من الأئمة، وقال الحافظ بن حجر: الأولى في الجمع بينها أن نفيه صلى الله عليه وسلم للعدوى باق على عمومه، وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم لمن عارضه (بأن البعير الأجرب يكون في الإبل الصحيحة فيخالطها فتجرب رادا عليه: فمن أعدى الأول)؟ يعني أن الله تعالى ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأ في الأول، وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع، ليلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء، لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج، فأمر بتجنبه حسما للمادة. والله أعلم.

واعلم أنه لا ينبغي التطير من شيء لأن ما قدر كان، فإن وقع التطير من شيء فالبعد عنه أولى، وفي الترمذي وابن حبان من حديث ابن مسعود: (الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل

(1)

) وقوله وما منا لخ، مدرج من كلام ابن مسعود، وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي الدرداء: (لا ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقسم أو رجع من سفره تطيرا

(2)

)، وفي الجامع الصغير: (لن يلج

(3)

) بدل لا ينال، والكهانة الإخبار عن المغيبات، والاستقسام طلب القسم الذي قسم له، وكانوا إذا أرادوا سفرا أو تزوجا أو نحو ذلك من المهمات ضربوا بالأزلام، وهي القداح وكان على بعضها مكتوب أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، وعلى الآخر غُفْلٌ، فإن خرج أمرني ربي مضى لشأنه، وإن خرج نهاني ربي أمسك، وإن خرج الغفل عاد لها وضرب بها حتى يخرج الأمر أو النهي، وحرم الله عز وجل ذلك بقوله:{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} .

ورشد؛ يعني أنه يشترط في الحاضن ذكرا كان أو أنثى أن يكون رشيدا أي حافظا للمال؛ لأن له قبض نفقة المحضون، وهذا إن لم يكن عنده من يحضن، فالصبي والسفيه إذا كان لهما ولي يحضن يكون لهما حق في الحضانة، وأفتى ابن هارون بأن السفيهة لها الحضانة، وصوب ابن عرفة فتواه، وقول عبد الباقي: وصوب المتيطي فتواه، قال بناني: غلط فاحش؛ لأن المتيطي توفي قبل ولادة ابن هارون بسنين، وقد اختصر ابن هارون كتابه النهاية، وهو مشهور عند الناس.

(1)

سنن أبي داود، كتاب الطب، رقم الحديث، 3910، صحيح ابن حبان، رقم الحديث، 6089، ج 7 ص 642.

(2)

شعب الإيمان للبيهقى، ج 7 ص 398.

(3)

الجامع الصغير الحديث، 7395.

ص: 767

انتهى. وقيدت المص بما مر لأنه لم يفرق في المدونة بين كون من يستحق الحضانة صغيرا أو كبيرا؛ لأن الصغير قد يكون له ضبط. انظر الشبراخيتي وغيره. وقال المشاور: وحضانة أولاد السؤَّال والفقراء ومن لا قرابة له ينظر في ذلك السلطان للأصاغر بالأحوط لهم وما يراه صلاحا من أحد الأبوين. انتهى. وقد مر أن المشاور هو ابن الفخار.

لا إسلام؛ يعني أنه لا يشترط في الحاضن أن يكون مسلما، فلا يشترط ذلك في أم ولا في غيرها بحال، وهذا هو المشهور، والشاذ لابن وهب: لا حق للكافرة. قال في المدونة: والذمية إذا طلقت أو المجوسية يسلم زوجها وتأبى هي الإسلام فيفرق بينهما، ولها من الحضانة ما للمسلمة إن كانت في حرز، وتمنع أن تغذيهم بخمر أو خنزير. نقله الشارح. ثم قال: وهذا هو المشهور وبه قال سحنون في الجد والخالة. وقال ابن وهب لا حق للأم النصرانية لأن الأم إذا كانت غير نصرانية يثنى عليها ثناء سوء ينزعون منها، فكيف بنصرانية؟ وهو أحسن وأحوط للولد. انتهى. ونحوه لعبد الباقي. وقال: قلت: يجاب للمشهور عن تعليله بما قيل في النكاح من عدم جواز خطبة المسلم الصالح على الكافر دون الفاسق من أن الكافر الأصلي على دين يقر عليه، بخلاف الفاسق لا يقر على فسقه مع مراعاة خبر:(ألا لا قوله والدة عن ولدها). وخبر: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبابه يوم القيامة). ذكره الحطاب عند قوله: كتفريق أم. انتهى. وقال الشبراخيتي: لا إسلام فإنه غير شرط في الحاضن ذكرا أو أنثى، وسواء كانت أما أو غيرها، وسواء انتقلت لها من مسلمة أو لا، وهو بالرفع عطف على العقل. انتهى.

وضمت إن خيف للمسلمين، متعلق بضمت؛ يعني أن الحاضن ذكرا أو أنثى إذا كان كافرا وخيف أن يغذي المحضون بخمر أو خنزير أو خيف على المحضون عنده الفساد، فإن ذلك الكافر يضم للمسلمين وقت الخوف عليه لا قبله، وليس الجمع قيدا بل يكفي الضم لمسلمة فتمنعه مما خيف منه. قال عبد الباقي: وضمت ذات حاضنة أصالة أو بطريق العروض، كما إذا كان الحاضن جدا أو ذكرا غيره وعنده أنثى تحضن كافرة، فلا حاجة لقول التتائي: أنث الضمير تبعا للمدونة، وإلا فلا فرق بين الذكر والأنثى، كما في التوضيح. انتهى. وقال الشبراخيتي: وضمت أي الحاضنة بطريق الأصالة أو العروض، كأن يكون الحاضن جدا مثلا وعنده أنثى تحضن، ففي

ص: 768

الحقيقة ليست الحضانة إلا للأنثى؛ لأنه يشترط للذكر أن يكون عنده من يحضن من الإناث كما يأتي، وبهذا يسقط الاعتراض بأنه أنث الضمير تبعا للمدونة انتهى وبالغ على استحقاق الكافرة للحضانة بقوله:

وإن مجوسية أسلم زوجها؛ يعني أن المجوسية إذا أسلم زوجها فإن حضانة ولدها الذي أسلم أبوه ثابتة لها.

وعلم مما قررت أن هذا ليس مبالغة في الضم للمسلمين، لكن إذا خيف على الولد فإن حاضنه الكافر يضم للمسلمين كائنا من كان، كما مر قريبا.

وعلم مما قررت أيضا أن قوله: وضمت لخ، شامل للحاضنة أصالة أو بطريق العروض، كما إذا كان الحاضن ذكرا وعنده أنثى تحضن، وقوله: وإن مجوسية أسلم زوجها، يريد وأبت هي الإسلام فيفرق بينهما ولها الحضانة، وتستحق المجوسية الحضانة أمًّا كانت أو غيرها.

وشرط ثبوت الحضانة للذكر أن يكون عنده من يحضن؛ يعني أن الحاضن إذا كان ذكرا فإنه لا يستحق الحضانة إلا أن يكون عنده من الإناث من يصلح للحضانة من زوجة مستوفية لشروط الحضانة أو سرية كذلك، أو أمة خدمة كذلك، أو مستأجرة كذلك، أو متبرعة، ويشترط في الحاضن الذكر أن يكون محرما للأنثى المحضونة إذا كانت مطيقة، ولو في زمن الحضانة، كأن يتزوج بأم المحضونة، وإلا فلا حضانة له ولو مأمونا ذا أهل عند مالك، وأجازه أصبغ. قاله عبد الباقي. وقال الأمير: لا بلوغ ولا حرية ولا إسلام، وضم الكافر إن خيف لمسلم، وشرط الذكر مصاحبة أنثى تحضن وكونه محرما للمطيقة. انتهى. وقوله: وللذكر من يحضن، فإن لم يكن عنده من يحضن فلا حق له. قاله الشبراخيتي. وقوله: من يحضن، عطف على العقل.

وللأنثى الخلو عن زوج؛ يعني أن الحاضنة إذا كانت أنثى حرة أو أمة أما أو غيرها، فإنه يشترط في استحقاقها الحضانة أن تكون خالية عن زوج دخل بها، فإن دخل بها ولو غير بالغ سقطت حضانتها، وإن لم يحكم حاكم بالسقوط لاشتغالها بأمره، وليس الدعاء للدخول كالدخول، ووطء السيد الأمة الحاضنة وإن لم يتخذها للوطء دائما كدخول الزوجة، ومحل المص إن لم يكن في نزع الولد من هذه الدخول بها ضرر عليه، وإلا لم تسقط، كما يفيده قوله الآتي: أو لا يقبل الولد غير

ص: 769

أمه؛ وارتضاه علي الأجهوري. وقوله: وللأنثى الخلو، يقال فيه ما قيل في قوله: وللذكر من يحضن؛ أي فقوله: الخلو، معطوف على العقل.

تنبيهات: الأول: اعلم أنه يشترط في ثبوت الحضانة للأنثى أن تكون ذات رحم ومحرم، فغير المحرم كبنت الخالة وبنت العم، والمحرم غير ذات الرحم كالمحرمة بالرضاع أو غيره لا حضانة لها. الثاني: قال الشيخ عبد الباقي: قال شيخنا النشمرلسي

(1)

: وكأن المص أتى باللام في هذين ليفيد أن الإضافة في قوله: وشرط الحاضن العقل، على معنى اللام. انتهى. قال بناني: قوله: أتى باللام ليفيد أن الإضافة لخ، ما أضعف هذه الفائدة وما أبعدها عن قصد المص. انتهى. الثالث: قال بناني: قول عبد الباقي: حرة أو أمة أو غيرهما الخ، صوابه إسقاط قوله: أو غيرهما؛ إذ لا غير. تأمل. انتهى. قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: انظر هذا فإن بيدي نسختين من شرح عبد الباقي، ونصهما ويشترط للأنثى الحاضنة حرة أو أمة أما أو غيرها الخلو عن زوج إلى آخر كلامه: وحينئذ فكلام عبد الباقي صحيح لا يعترض عليه، وكأن هذا الرجل قد سقط من نسخته لفظ أما ووقع فيها لفظ أو غيرهما بصيغة التثنية، وذلك يحمل على الناسخ لا على المؤلف. والله سبحانه أعلم. واستثنى ثماني مسائل لا يسقط التزويج فيها الحضانة على تفصيل في بعضها، إحداها: أشار إليها بقوله:

إلا أن يعلم، مستثنى من مفهوم قوله: الخلو عن زوج دخل؛ يعني أن من تنتقل له الحضانة بعد هذه المتزوجة إذا علم بتزوجها ودخول الزوج بها وعلم أن ذلك مسقط لحضانتها وسكت طويلا فإنه يبطل حقه في الحضانة؛ لأن سكوته طويلا بعد علمه يعد رضي منه بإسقاط حقه. ويسكت العام؛ يعني أن من انتقلت إليه الحضانة إذا علم بتزوج هذه المرأة وسكت طويلا بعد علمه بتزوجها ودخولها وأن ذلك مسقط لحضانة المتزوجة، فإنه يبطل حقه في الحضانة كما علمت، ومثال الطول الذي يسقط حقه بسببه عام، فإذا سكت بعد العلم بالدخول والحكم معا بلا عذر عاما من يوم العلم فلا تسقط حضانتها بالتزويج والدخول، بل تبقى حضانتها، فإن لم يعلم من انتقلت له الحضانة بالتزويج والدخول، أو علم به وجهل الحكم، أو سكت دون عام، أو سكت عاما لعذر: انتقلت له الحضانة، وسقط حق الدخول بها، إلا أن تتأيم قبل قيامه في سكوته دون

(1)

كذا والذي في عبد الباقي ج 4 ص 267: الشمرلسي.

ص: 770

عام، فليس له نزعه أيضا، كما يفيده في يأتي من قوله: أو لتأيمها قبل علمه؛ أي وأولى بعده وقبل نزعه منها، فلا مخالفة بين مفهوم قوله هنا: العام، ومفهوم قوله الآتي: قبل علمه؛ لأن مفهوم قبل أولى بالحكم من منطوقه كما علمت. فما هنا فيما إذا لم يزل المانع، والآتي فيما إذا زال قاله عبد الباقي. الثانية: أشار إليها بقوله:

أو يكون محرما، عطف على يعلم، واسمها عائد على الزوج، ومحرما خبرها؛ يعني أن الحاضنة لا تسقط حضانتها بتزوجها ودخولها إذا كان الزوج الذي دخل بها محرما للمحضون، حيث كان هذا الذي دخل بها تثبت له الحضانة كالعم، بل تبقى لها الحضانة حيث تزوجت بمحرم المحضون. وإن كان هذا المحرم الذي تزوجته ودخل بها لا حضانة له، ومثل للمحرم الذي لاحضانة له بقوله: كالخال؛ أي خال المحضون تتزوجه الحاضنة للصبي كعمة الصبي ونحوها، فتبقى لها الحضانة ولو كان ثم حاضنة فارغة أقرب منها أي من الحاضنة المتزوجة بالمحرم، وقوله: كالخال، وكالجد للأم على قول غير اللخمي والله سبحانه أعلم. وقوله: محرما؛ أي بالأصالة فيخرج الأجنبي المتزوج بأمه لعروض محرميته. أو وليا، عطف على قوله: محرما، يعني أن الحاضنة لا تسقط حضانتها بسبب تزوجها بولي للمحضون، وإن لم يكن محرما، ومثل له بقوله: كابن العم؛ أي ابن عم المحضون تتزوج به حاضنته ويدخل بها، فلا تسقط حضانتها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المحضون ذكرا أو أنثى، لكن يشترط فيها إذا كانت أنثى مطيقة للوطء أن يصير الزوج بتزوج الحاضنة محرما لها، كأن تتزوجه أمها، بخلاف خالتها الحاضنة لها، تتزوج ابن عم لها، فتنزع منها قاله اللخمي. وبقي قيد ثان لكنه عام في المحضون الذكر والأنثى، وهو أن لا يكون هناك حاضنة فارغة أقرب من المتزوجة، كما لو كانت الجدة ابتداء متزوجة بأجنبي حين تزوجت الأم، وانتقلت الحضانة للخالة، ثم طلقت الجدة، وتزوجت الخالة بابن عم المحضون، فإن الحضانة تنتقل لها، ولا يعارض هذا قوله الآتي: لا تعود بعد الطلاق؛ لأنه فيمن تقرر لها حق فيها وسقط بالنكاح، لا فيمن لم يتقرر لها حق فيها؛ وقوله: وليا؛ أي ولي حضانة ولو أبعد، أو ولي قال. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب: ذكر في السائل الملقوطة: أن بعضهم جعل من ذلك إذا كان زوجها وصي الطفل. انتهى.

ص: 771

تنبيه: قال عبد الباقي عند قوله: محرما، بالأصالة أو بالعروض، قال بناني: ما معناه: في قوله بالعروض نظر، لاقتضائه أن تزوج الأم لا يسقط حضانتها مطلقا لحصول المحرمية لزوجها بالعروض وإن كان أجنبيا، وليس كذلك، بل حصول المحرمية بالتزوج مقيد بأن تكون للزوج الحضانة في الجملة كابن العم، كما ذكره المص. انتهى. الثالثة: أشار إليها بقوله:

أو لا يقبل الولد غير أمه؛ يعني أن الأم إذا تزوجت ودخل بها زوجها ولم يقبل الولد غيرها، بأن امتنع من أن يرضع غيرها، فإن الحضانة تبقى لها؛ لأن كونه في رضاع أمه وإن كانت متزوجة أرفق له من أن يسلم إلى غيرها مع أنه لا يقبل إرضاع غير أمه، وتبقى الحضانة لأمه سواء تزوجت بمحرم المحضون، أو وليه، أو بغيرهما ممن ليس بمحرم ولا ولي للمحضون، ومثل الأم غيرها ممن له الحضانة إذا لم يقبل الولد غيرها فيما إذا تزوجت أجنبيا من المحضون. وعبارة عبد الباقي: أو لا يقبل الولد غير أمه أو نحوها ممن له حضانة، فلا تسقط بتزوجها. انتهى. وقال الشبراخيتي: أو لا يقبل الولد الرضيع غير أمه فيبقى في حضانتها لأن في نزعه هلاكه. انتهى. وقال بناني: أو لا يقبل الولد غير أمه؛ أي وهو رضيع، كما في التوضيح، ونصه: لا يسقط التزويج بالأجنبي الحضانة في ست مسائل، هذه أي الوصية على أحد القولين، وإذا كان الولد رضيعا لا يقبل غير أمه. انتهى المراد منه. وقال الخرشي: ولو قال أو لا يقبل الولد غير الحاضن لكان أشمل، وقوله أو لا يقبل بالنصب. انتهى. الرابعة: أشار إليها بقوله:

أو لم ترضعه المرضعة عند أمه. صوابه عندَ بدل أمِّه كما قاله غير واحد؛ يعني أن الأم إذا تزوجت بأجنبي أي من ليس بمحرم للمحضون ولَا ولي له والحال أن المحضون رضيع وأبت الرضعة أن ترضعه عند من انتقلت إليها الحضانة، بأن قالت: لا أرضعه إلا في بيتي أو عند أمه مثلا، فإن حضانة الأم لا تسقط، فقوله: عند أمه، على حذف مضاف؛ أي بدل أمه، وهو من له الحضانة بعد تزوج أمه، لكن لا دليل عليه وصواب العبارة كما مر أن يقول عندَ بدل أمِّه، وحمله بعضهم على أنها قالت: لا أرضعه إلا في بيتي، ولا دليل عليه أيضا، والنقل شَاهد للتقرير الأول، وظاهر كلامهم أن غير الأم كالجدة إذا أسقطت حضانتها بالتزويج، وقالت المرضعة: لا أرضعه إلا في بيتي وطلبت الجدة أن يكون عندها وترضعه، فإنها لا تكون أحق بحضانته من الخالة. قاله عبد الباقي. وأشار إلى الخامسة: بقوله:

ص: 772

أو لا يكون للوك حاضن؛ يعني أن الحاضنة لا تسقط حضانتها بسبب دخول زوج أجنبي بها حيث لم يكن للولد حاضن غيرها، لا من رجال ولا من نساء أمًّا كانت أو غيرها. وللسادس بقوله: أو غير مأمون؛ يعني أن الحاضنة لا تسقط حضانتها بسبب دخول زوج أجنبي بها إذا كان للمحضون غيرها من الأقارب يحضن لو توفرت فيه شروط الحضانة لكنه ليس بمأمون؛ لأن من شرط الحاضن الأمانة كما مر. السابعة: أشار إليها بقوله: أو عاجز؛ أي وكذلك لا تسقط حضانتها بسبب دخول زوج أجنبي من المحضون بها حيث كان له غيرها ممن يستحقها لو وجدت شروطها، لكنه عاجز عن القيام بأمور المحضون، فتبقى لها الحضانة أمًّا كانت أو غيرها، وكذا الحكم لو كان للمحضون حاضن غائب، فتبقى بيدها. قال عبد الباقي: وانظر لو وكل الغائب الذي يباشر الحضن كالأنثى هل تصح وكالته أم لا؟ لأنه من الأعمال البدنية، فإن كان الغائب ممن لا يباشره كالذكر فتصح وكالته لمن يباشرها فيما يظهر. انتهى. قوله: فتصح وكالته لمن يباشرها لخ، قال بناني: فيه نظر بل غير ظاهر. انتهى. الثامنة: أشار إليها بقوله: أو كان الأب عبدا وهي حرة؛ يعني أن أبا المحضون إذا كان عبدا وأمه حرة وكان قد فارقها بموت أو طلاق فتزوجت بعده أجنبيا من الولد ودخل بها فإن حضانتها لا تسقط، وكذا لو كانت أمة ولو تزوجت بحر، وكلام المص مقيد بقيدين، أحدهما: أن لا يكون العبد قائما بأمور سيده، فإن كان قائما بها انتقلت حضانته له بتزوج أمه، فلو قال: أو الأب عبد غير قائم بأمور سيده مطلقا أو حر والولد عبد لوفى بذلك مع زيادة، ثانيهما: أن لا يكون هناك من يستحق الحضانة سوى الأب، فإن كان ثم جدة أو خالة للولد انتقلت لها بتزوج أمه.

وفي الوصية روايتان؛ يعني أن الوصية إذا كانت حاضنة وتزوجت بأجنبي من المحضون ودخل بها فإنه ورد في سقوط حضانتها روايتان عن مالك، قال عبد الباقي: وهما في الأم وغيرها خلافا لقصر الشارح لهما على الأم، وهما أيضا جاريان، ولو قال الأب في إيصائه: إن تزوجتْ فانزعوهم منها؛ لأنه لم يقل: فلا وصية لها. رواه محمد. قاله أحمد. انتهى. قوله: وهما في الأم وغيرها لخ، هذا العموم هو ظاهر ابن عبد السلام والتوضيح، والصواب أنها مخصوصة بالأم لأنها مفروضة فيها في مواضع من العتبية، وفي كلام ابن أبي زمنين واللخمي ومعين الحكام وغيرهم. انظر مصطفى. انتهى. وقوله: وفي الوصية روايتان، الرواية بأنها أحق بالمحضون وقعت بها الفتوى

ص: 773

وحكم بها أحمد بن نصر واقتصر عليها ابن عرفة والقلشاني، وقال صاحب الفائق: إنها أولى لأن حق الوصية لا تسقطه الزوجية. انتهى. قاله بناني. وقوله: روايتان؛ أي عن مالك كما عرفت، فمرة قال: ينزعون منها؛ لأن المرأة إذا تزوجت غلبت على جل أمرها حتى تفعل ما ليس بصواب: ومرة قال: يبقون عندها إن جعلت لهم بيتا يسكنون فيه ولحافا وطعاما وما يصلحهم إلا أن يخشى عليهم، وينبغي أن تكون الوصية الأجنبية في مرتبة الأب لأنها بمنزلته. انظر شرح عبد الباقي. وقال عبد الباقي: قال التتائي: وعكس مسألة المص لو تزوجت الحاضنة بالوصي عليهم وجعلتهم في بيت نفقتهم وخادمهم لم ينزعوا منها. قاله ابن القاسم. انتهى. وقوله: قال التتائي: وعكس مسألة المص لخ، هذا وهم من التتائي ومن تبعه؛ لأن كلام ابن القاسم في مسألة المص لا في عكسها كما توهموه. قال مصطفى: وغره قول ابن عرفة في الوصايا: إن تزوجت الأم الوصي وجعلت الولد في بيت [بنفقتهم]

(1)

وخادمهم لم ينزعوا. وروى محمد: وإن قال في إيصائه: إن تزوجت فانزعوهم؛ لأنه لم يقل: فلا وصية لها. المازري: إلا أن يخاف ضيعتهم. انتهى. فإن التتائي في كبيره استدل بكلام ابن عرفة هذا على عكس المص توهم أن الوصي في كلامه مفعول تزوجت وليس كذلك، بل هو نعت للأم كما يدل عليه كلامه آخرا. والعجب منه كيف فهم ما فهم مع قول الرواية: وإن قال في إيصائه. انتهى. قال جميعه بناني. والله سبحانه أعلم. قال مقيده عفا الله عنه: ومسألة التتائي هي المتقدمة في قوله: أو وليا، كما مر التنبيه على ذلك.

وأن لا يسافر ولي حر عن ولد حر. قوله: وأن لا يسافر، عطف على العقل؛ يعني أنه يشترط في ثبوت الحضانة وبقائها للحاضن أن لا يسافر ولي حر من مكان ولد حر سفر نقلة، سواء كانت ولايته ولاية مال كأب أو وصي أو مقدم قاض، أو ولاية عصوبة بنسب كأخ أو عم ونحوهما، أو بسبب كمعتق بكسر التاء؛ وإنما يعتبر سفر ولي العصوبة حيث عدمت ولاية المال. واحترز بحرية الولي من العبد فإن سفره لا يسقط حق الحاضنة حرة أو أمة؛ لأنه لا قرار له ولا سكنى وقد يباع، وهذا إذا لم يكن ولي للولد حاضر يساويه في الدرجة، فإن وجد من يساويه درجة لم تسقط حضانتها بإرادة السفر من أحدهما. ومعنى قوله: أن لا يسافر: أن لا يريد سفرا. وقوله: ولد

(1)

في الأصل نفقتهم والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 270.

ص: 774

سواء كان ذكرا أو أنثى. وقوله: ولد حر احترز بحرية الولد من الولد العبد إذا سافر وليه فلا يأخذه معه لأن العبد تحت نظر سيده سفرا وحضرا.

وإن رضيعا؛ يعني أن الولي الحر إذا أراد السفر المذكور فإن الحاضنة أمًّا أو غيرها تسقط حضانتها وإن كان الولد رضيعا، ويأخذه الولي معه بشرط أن يقبل الولد غيرها، فهو مبالغة في مفهوم قوله: وأن لا يسافر؛ أي فإن سافر أخذه وإن رضيعا ولعل خبر: من فرق بين والدة وولدها، مخصوص بغير هذا وبغير سائر المسقطات. قاله عبد الباقي. وقال الشارح: وإن رضيعا هو المشهور، وقيد بأن يقبل غير أمه. ولابن القاسم: ليس له أخذه إلا بعد الفطام. ولمالك: لا يخرج بهم حتى يثغروا وفي المدونة: ليس للأم أن تنتقل بالولد من موضع الولي إلا لما قرب كالبريد ونحوه حيث يبلغه خبره، ولها أن تقيم هناك. انتهى.

أو تسافر هي، عطف على قوله: وأن لا يسافر؛ يعني أنه يشترط في حضانة الحاضنة أن لا تسافر أي تريد سفرا عن ولي المحضون سفر نقلة، حيث كان الولي حرا والولد حرا فإن سافرت السفر المذكور سقطت حضانتها، وتأنيث الفعل فرض مسألة أو تبع للمدونة أو لأن الأصل أن الحضانة للأنثى كما سبق. انظر الشبراخيتي. وقوله: سفر نقلة، يتنازعه الفعلان وهما وأن لا يسافر، وأو تسافر؛ يعني أنه يشترط في سفر كل من الحاضنة والولي أن يكون سفر نقلة؛ أي انقطاع عن ذلك البلد الذي سافر منه ومفهومه أنها لا تسقط حضانتها إن كان سفره أو سفرها سفر تجارة أو نزهة أو نحو ذلك، مما ليس سفر نقلة، فتأخذ الولد معها ولو بعد بإذن أبيه فيهما، أو وصية في البعيد، فإن لم يكن أب ولا وصي سافرت به إن خيف بتركها له ضيعة. قال الحطاب: بل الظاهر وإن لم تخف عليه. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: ومثل الأم غيرها ممن له الحضانة، وحاصل حكم السفر بالصغير أنه ليس للولي أبا أو غيره أن يسافر بمحجوره حيث كان يخاف عليه من السفر، وإن لم يخف عليه فللأب السفر به حيث كان ذلك نظرا له، وله تركه؛ وأما غير الأب فليس له السفر به إلا أن يخاف بتركه عليه ضيعة، فإن خاف عليه ذلك- ويدخل في ذلك ما إذا لم يجد من يكفله -حمله معه، والأم تسافر به إن كان ذا أب بإذنه، سواء قرب السفر أو بعد، وإن كان ذا وصي فتسافر به السفر القريب بلا إذنه، بخلاف

ص: 775

البعيد فإن لم يكن أب ولا وصي فتسافر به إن خيف عليه ضيعة. واستظهر الحطاب أنها تسافر به وإن لم تخف عليه ضيعة؛ وما قاله بعض الشراح غير ظاهر. انتهى كلام الشبراخيتي. وقال: ولو أدخل الكاف على تجارة لكان أحسن.

وحلف كل منهما؛ يعني أنه يحلف هو أن سفره سفر نقلة وإن لم يثبت قصد استيطان، وتحلف هي أنها تريد سفر تجارة ونحوها ليبقى بيدها، ولو طلبت الانتقال به إلى موضع بعيد فشرط الأب عليها نفقته وكسوته واحدا أو متعددا جاز ذلك، وكذا إن خاف أن تخرج بغير إذنه فشرط عليها إن فعلت ذلك كان عليها نفقتهم وكسوتهم لزمها ذلك، وظاهر قوله: حلف، أنه يحلف مطلقا سواء كان متهما أم لا، وقيل: إنما يحلف المتهم منهما دون غيره، واستحسنه بعض القرويين وارتضاه المواق، دون الأجهوري والتتائي والشيخ سالم قاله عبد الباقي. وقال: وحق المحضون باق حين خروج الحاضنة للتجارة على ظاهر المذهب. انتهى. وقال بناني عند قول المص: وحلف، ما نسب ابن عرفة لزوم اليمين إلا لابن الهندي، ونسب الاكتفاء بمجرد دعوى الاستيطان دون يمين لابن يونس وجماعة مع ظاهر المدونة لكن في المواق عن المتيطي ما يفيد ترجيح اليمين. انتهى.

ستة برد، يتنازعه يسافر وتسافر؛ يعني أنه يشترط في سفر النقلة منه أو منها أن يكون ستة برد فأكثر فتسقط به حضانتها، وهذا هو الراجح دون قوله: وظاهرها بريدين؛ يعني أن ظاهر المدونة أن سفر البريدين يكفي في قطع الحضانة، سواء سافرت هي أو سافر هو، وقوله: بريدين، قال الشبراخيتي: على حذف مضاف أي مسافة بريدين، فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه مجرورا من غير شرط، وما كان ينبغي له ذلك، وإلا كان الواجب أن يقول: بريدان بالألف؛ كذا في الحاشية. انتهى المراد منه قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: الظاهر ما قال المص: بريدين، ويكون معمولا ليسافر أو تسافر مضمرين على جهة التنازع. والله سبحانه أعلم. وقوله: بريدين، قال عبد الباقي عقبه كلاما قال فيه بناني: لا يخفى ما في هذا الكلام من الركاكة والتناقض. انتهى. والله سبحانه أعلم.

إن سافر لأمن؛ شرط في جواز السفر بالمحضون مطلقا كان السفر من الولي أو من الحاضن؛ يعني أن الولي إذا سافر سفر نقلة وقلنا: إنه يأخذ المحضون، فإنما يأخذه بشرط أن يكون الموضع

ص: 776

الذي سافر إليه مأمونا لا يخشى على الصبي فيه، وإذا سافرت هي للتجارة فإنما تذهب به إذا كان الموضع الذي سافرت إليه مأمونا.

وفهم مما قررت أن قوله: إن سافر، شرط في مقدر أي ولى أن يسافر به. وأمن في الطريق؛ أي وكذلك يشترط أيضا أن يأمن كل منهما في الطريق على نفسه وماله وعلى المحضون؛ أي تغلب السلامة في كل من الطريق والبلد، ولا يشترط القطع بذلك فيما يظهر، ونحوه للبدر، وإلا لم ينزعه الولي، ونزع من الحاضنة إن لم يخف عليه وقبل غيرها. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: إن سافر لأمن أي لموضع مأمون وأمن في الطريق على حريمه وماله، وهذان الشرطان يعتبران في سفر الزوج بزوجته، ويزاد عليهما كونه مأمونا في نفسه، وكون المكان المنتقل إليه قريبا بحيث لا يخفى أمرها على أهلها ويبلغهم خبرها، وغير معروف الإساءة عليها. انظر أبا الحسن. كذا في الشرح. انتهى. ونحوه لعبد الباقي، وزاد: كونه حرا، وقال الشارح عند قوله: إن سافر لأمن وأمن في الطريق، احترازا مما إذا كان الطريق غير مأمون والبلد كذلك فلا يسقط حق الحاضنة. وقاله غير واحد. وقوله: وأمن، عطف على: سافر.

ولو فيه بحر، اسم كان مضمرة بعد لو؛ يعني أنه إذا حصل الأمن في الموضع والطريق، يجوز السفر بالمحضون ولو كان في الطريق بحر، لقوله عز وجل:{هو الذي يسيركم في البر والبحر} . ويقيد بما إذا لم يغلب عطب البحر كما مر في الحج، وقوله: ولو فيه بحر، هو الأصح. قاله غير واحد. ومقابله يشترط أن لا يكون في الطريق بحر. إلا أن تسافر هي أي الحاضنة معه، وقوله إلا أن تسافر مستثنى من مفهوم قوله: وأن لا يسافر؛ يعني أن ولي المحضون إذا سافر السفر الذي مر أنه تسقط الحضانة لأجله، فإنما محل ذلك السقوط حيث لم تسافر الحاضنة معه، وأما إذا سافرت الحاضنة مع الولي فحضانتها باقية. واعلم أنه لا فرق بين الحاضن الذكر والأنثى فيما مر من قوله: وأن لا يسافر إلى هنا، وإنما أنث الضمير هنا وهناك لأن الغالب كون الحاضن أنثى، أو لأنه فرض مسألة، وقد مر هناك أنه يمكن أن يكون أنثه تبعا للمدونة، وقوله: معه؛ أي مع الولي أو مع المحضون. قاله عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: أي مع المحضون، ولما كان الضمير في سافر لأمن مفردا مذكرا عائدا على الولي أبرز الضمير العائد على الحاضنة للمغايرة بين الضميرين وإن لم يخش اللبس. انتهى.

ص: 777

لا أقل؛ يعني أن سفر النقلة الحاصل من الحاضن أو الولي إذا كان أقل من ستة برد فإن الولد يبقى بيد الحاضنة ولا تمنع من السفر به حينئذ، وإذا سافر ولي المحضون سفر نقلة وأخذ الولد ثم رجع فإن الحضانة تعود للأم، وإن سافرت هي ثم رجعت فإن كان سفرها اختيارا لم تعد، وإن كان بغير اختيارها عادت لها الحضانة، وتسقط حضانتها بالتزويج ولو ألجأتها إليه ضرورة. نقله الحطاب. وما قررته به هو على الراجح من أن سفر النقلة المسقط للحضانة هو ما كان مسافة ستة برد. وعبارة الشبراخيتي: لا أقل من ستة برد على الأول، ومن بريدين على الثاني. انتهى. والقول بستة برد قال ابن شعبان: به مضت الفتوى عند شيوخ المذهب. أبو إسحاق: وظاهر المدونة أن سفر البريدين يسقط حقها من ذلك، ونص أصبغ على أن سفر بريدين مسقط، ولأشهب الثلاثة برد بعيد. وقال مالك مرة: حد البعيد مرحلتان. وقيل. ما كان على رأس بريد بعيد، وروى ابن وهب في الموطإ: حتى يرتحل من المدينة، ونحوه عن أشهب. نقله الشارح.

ولا تعود بعد الطلاق؛ يعني أن الحضانة إذا سقطت بتزوج الحاضنة أمًّا أو غيرها ثم طلقت أو مات زوجها فإن الحضانة لا تعود لها بعد الطلاق أو موت الزوج، بل تستمر لمن انتقلت له، إلا أن تختار إسلامه لمن طلقت إن كانت أما فتعود لها، ولا مقال للأب، فإن كانت أختا فللأب المنع حينئذ. فقوله: لا تعود، أي جبرا على من انتقلت له، ويقيد كلامه أيضا بما إذا لم يمت من بعدها بدليل قوله: أو لموت الجدة والأم خالية؛ أي بعد طلاقها أو موت زوجها، وبما إذا تزوجت بمن يسقط حضانتها بتزوجه وإلا لم تسقط. كما مر. قاله عبد الباقي. وقوله: وبما إذا تزوجت بمن يسقط لخ، الظاهر أنه لا حاجة لذكر هذا القيد والله سبحانه أعلم. وقوله: وإن كانت أختا لخ؛ أي لأن الأب أقعد منها كما يأتي، فعلم منه أنها إذا وهبته لمن هو مقدم على الأب يمضي ذلك، ويأتي بحث ابن عرفة في ذلك إن شاء الله.

وأشعر قوله: لا تعود، أنها كانت واجبة لمن حدث لها التزوج والطلاق، فلو لم تجب لها ابتداء لتقدم غيرها عليها شرعا، ويتصور ذلك في غير الأم ثم طلقت تلك الغير، كانت لها الحضانة حيث أفضت

(1)

النوبة لها. قاله عبد الباقي؛ يعني كما لو تزوجت الأم وأمها متزوجة فانتقلت الحضانة لأخت الأم خالة المحضون، ثم تأيمت الجدة فإن الحضانة تنتقل لها، كما مر. قاله

(1)

في الأصل افتضت والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 272.

ص: 778

مقيده عفا الله عنه. وقوله: حيث [أفضت]

(1)

النوبة لها؛ أي حيث كانت النوبة لها أي كانت النوبة من الحضانة نوبتها. والله سبحانه أعلم وقوله: ولا تعود بعد الطلاق؛ أي بخلاف ما إذا رجع هو من سفر النقلة، وخلاف ما إذا رجعت هي من سفر النقلة إذا كان السفر بغير اختيارها؛ كما مر قريبا عن الحطاب. وقال الشارح ولا تعود بعد الطلاق، هذا هو المشهور وهو مذهب المدونة. وقال ابن وهب: تعود، وكذلك بعد موت الزوج الثاني، وهكذا الخلاف فيما إذا أسقطت حقها ثم أرادت القيام به فليس لها ذلك، خلافا لابن وهب، قال في المقدمات: وهذا الخلاف إنما هو على مذهب من يرى أن الحضانة حق للحاضن، وأما على قول ابن الماجشون الذي يرى أن الحق في ذلك للمحضون فلها أخذه متى خلت من الزوج انتهى كلام الشارح.

أو فسخ الفاسد يعني أن الحاضنة إذا تزوجت تزوجا فاسدا وفسخ نكاحها بعد البناء فإن حضانتها تسقط بسبب بناء الزوج بها في هذا النكاح، ولا تعود لها الحضانة بعد الفسخ، وهذا إذا درأ وطؤه الحد وإلا عادت. قاله غير واحد. قال مقيده عفا الله عنه: وانظره مع ما مر من أن شرط الحاضن الأمانة أي السلامة من الفسق، إلا أن يحمل هذا على ما إذا تأيمت وحسن حالها. والله سبحانه أعلم. وقوله: على الأرجح، خاص بهذه دون ما قبلها. قاله غير واحد؛ يعني أنه اختلف في عود الحضانة للحاضنة بعد فسخ النكاح الفاسد الذي درأ وطؤه الحد، فقيل: لا تعود، قال ابن يونس: وهو الصواب، وقيل: تعود؛ لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا، وإنما لم تعد لها الحضانة بعد الطلاق والفسخ لأنها لما اتصفت بالمانع انتقل الحق لمن بعدها.

أو الإسقاط معطوف على الطلاق؛ يعني أن الحاضنة إذا أسقطت حقها من الحضانة بعد وجوبها لغير عذر ثم أرادت أن تعود لها فإنها لا تعود لها بعد الإسقاط. قال عبد الباقي: بناء على أن الحضانة حق للحاضن وهو المشهور، ويجوز إقدامها عليه، وقيل: تعود بناء على أنها حق للمحضون، ولا يجوز لها إقدامها على هذا الإسقاط على هذا الضعيف، وهو مذهب الشافعي، وقولنا: بعد وجوبها، شامل لإسقاطها للأب وهي في عصمته لأن الحق لهما وهما زوجان، كما مر عن ابن عرفة، وأما إذا خالعها على إسقاطها فتسقط ولا تعود، وأما إن خالعها على إسقاطها

(1)

في الأصل اقتضت والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 272.

ص: 779

وإسقاط حق أمها بعدها لم يسقط حق أمها قطعا، فإن أسقطت حقها حال مخالعة بنتها ففي سقوطه وعدمه قولان مبنيان على لزوم إسقاط الشيء قبل وجوبه وعدمه، فإن أسقطتها بعد طلاق بنتها بالفعل لزمها الإسقاط لأنه بعد وجوبها بالفعل، فالأقسام ثلاثة. فتأمل. انتهى.

قوله: لم يسقط حق أمها قطعا، لما نقل المشدالي الخلاف فيما إذا أسقطت الجدة حقها عند مخالعة بنتها، قال: هذا إنما هو إذا حضرت الجدة أو الخالة وأشهدت على نفسها بإسقاط ما يرجع إليها من الحضانة، وأما إن لم تشهد على نفسها بذلك ففيه خلاف أيضا، قال المتيطي: الذي عليه العمل. وقاله غير واحد من الموثقين أن الأم إذا أسقطت حقها في الحضانة بشرط في عقد المبارأة كما ذكرنا أن ذلك يرجع إلى الجدة أو الخالة. وقاله أبو عمران. قال: القياس أن لا يسقط حق الجدة بترك الأم، وقال غيره من القرويين: يسقط بذلك حق الجدة والخالة ولا كلام لهما في ذلك. انتهى. انظر الحطاب وحاشية الشيخ بناني. وقال ابن عرفة: وفي إمضاء نقل ذي حضانة إياها لغيره على من هو أحق بها من المنقول إليه نقل ابن رشد مع أخذه من قولها: إن صالحت زوجها عن كون الولد عنده جاز وكان أحق به ظاهره ولو كان له جدة، ونقله قائلا كالشفعاء ليس لمن هو أحق بالشفعة تسليمها لشريك غيره أحق بها منه. اللخمي: إن تزوجت الأم وأخذته الجدة ثم أحبت أن تسلمه لأخته فلأبيه منعها لأنه أقعد منها، وإن أمسكته ثم طلقت الأم لم يكن له منعها من رده لأمه لأنه نقل لما هو أفضل. قلت: إنما يتم هذا على أن تزويج الأم لا يسقط حضانتها دائما بل ما دامت زوجة. انتهى كلام ابن عرفة. نقله الإمام الحطاب. وقال بعد جلب أنقال ما نصه: فعلم من هذا أن الراجح الذي عليه الفتوى في إسقاط الحضانة قبل وجوبها عدم اللزوم، وأن صورة ذلك أن يسقط من له الحضانة بعد الأم حضانته قبل وجوبها كالجدة والخالة مثلا، وأنه ليس من ذلك إسقاط الأم حقها من الحضانة في حال العصمة وإلا لكان حكمها حكم الجدة والخالة ولم يفرق بينهما، وأيضا فلا يمكن أن يقال إن الأم لا حضانة لها في حال العصمة لأنها إذا وجبت لها الحضانة بعد الطلاق فأحرى في حال العصمة، وقد صرح بذلك ابن عرفة، فقال لما تكلم على الحضانة ومستحقُّها وأبَوا الولد زوجان هما وفي افتراقهما أصناف، الأولى: الأم إلى آخره، ولا أعلم أحدا أجاز للأب أخذ ولده من أمه

ص: 780

في حال العصمة، بل ذكر اللخمي في الشروط المناقضة لمقتضى العقد أن يتزوج المرأة على أن لا يكون الولد عندها، وأنه إن تزوجها على ذلك فسخ النكاح قبل الدخول وصح بعده وسقط الشرط، وليس المراد ولدها من غيره لأن ذلك صحيح لازم إذا كان للولد من يحضنه كما ذكر ذلك المص في أول باب النفقات، حيث قال: كولد صغير لأحدهما إن كان له حاضن. والله أعلم. انتهى.

إلا لكمرض، مستثنى من الإسقاط وهو استثناء منقطع؛ لأن هذا سقوط والمستثنى منه إسقاط، والله سبحانه أعلم؛ يعني أن الحضانة إذا سقط حق الحاضن منها لمرض لا تقدر معه على القيام بأمور المحضون أو عدم لبن أو حج فرض أو سفر زوج بها غير طائعة فإن الحضانة تعود لها بعد زوال ما ذكر، وكذا رجوع ولي به من سفر نقلة كما مر، إلا أن تتركه بعد زوال جميع ما مر سنة ونحوها في الكثرة مختارة فلا تأخذ الولد ممن هو بيده، أو يكون الولد ألف من هو عندها وشق عليه نقله منها، ولو انتزع الولد الأب فرارا من أن ترثه وتمت عدتها لعادت لها الحضانة على المعتمد، ولو تركته بعد أن زال العذر حتى طال الأمر السنة وقلنا ليس لها أن تأخذه كما مر، فإذا مات الأب فإنه اختلف هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعد الأم أم لا؟ فقال في سماع أشهب: ليس لها أن تأخذه لأنه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها لحقها، وحجة المقابل أن تركها له عند أبيه إنما يحمل على إسقاط حضانتها للأب خاصة. قاله الحطاب.

أو لموت الجدة، عطف على قوله: إلا لكمرض، فهو في حيز الاستثناء؛ يعني أن الحضانة لا تعود بعد الطلاق أو موت الزوج إلا أن تموت من انتقلت إليها الحضانة من جدة وغيرها، فإن الحضانة تعود لمن سقطت حضانته من أم وغيرها وهذا إذا كانت الأم أو غيرها ممن سقطت حضانتها ليس لها مانع من نكاح مثلا، بل هي خالية بسبب موت زوجها أو طلاقه لها أو فسخ نكاحها، فإن الحضانة تعود لها، ولا فرق في ذلك بين الأم وغيرها، ولا بين موت الجدة وغيرها، فالمراد موت من انتقلت إليه الحضانة جدة أو غيرها، وتأيم من سقطت حضانتها أما أو غيرها. قرره غير واحد بما قررته به. قال الشارح: وفي الموازية: إذا تزوجت الأم فأخذت الجدة الولد، ثم فارق الزوج الأم، فإن للجدة أن ترد الولد إلى الأب، وقال ابن محرز: إذا ماتت الجدة وطلقت الأم فهي أحق من الأب، وإليه أشار بقوله: أو بموت الجدة والأم خالية؛ أي من زوج

ص: 781

وهي جملة حالية. انتهى. وقال الخرشي: يعني أن الأم إذا تزوجت ودخل بها زوجها فأخذت الجدة الولد، ثم فارق الزوج الأم، فإن للجدة رده إليهاة ولا مقال للأب: ولذلك إذا ماتت الجدة أو تزوجت والأم خالية من الموانع فهي أحق من الأب، ولا مفهوم للجدة ولا للأم ولا للموت، بل تزوج الجدة وبقية الموانع المسقطة للحضانة كذلك. فلو قال: أو لكموت من انتقلت له الحضانة وقد خلا من قبله لكان أشمل انتهى وقال عبد الباقي: أو لموت الجدة التي انتقلت لها الحضانة بتزوج الأم، وكالموت تزوج الجدة كما في أحمد عن معين الحكام، والأم خالية لموت زوجها أو طلاقه لها، وكالجدة والأم غيرهما، ثم قال عبد الباقي: وما ذكره أحد أقوال ثلاثة ذكرها ابن رشد: وصدر بعدم عودها للأم، وعزاه لظاهر المدونة. وانظر [لم]

(1)

اقتصر مع قوة هذا على غيره؟ انتهى. وبهذا قررد أيضا الشبراخيتي، فتحصل من هذا أن قوله: أو لموت الجدة والأم خالية، راجع لقوله ولا تعود بعد الطلاق أو فسخ الفاسد. وكذا قوله:

أو لتأيمها قبل علمه، عطف على ما في حيز الاستثناء؛ يعني أن الحاضنة تستمر لها الحضانة إذا تزوجت ودخل بها زوجها، ولم يعلم بذلك من انتقلت إليه الحضانة حتى تأيمت بموت أو طلاق من تزوجها، وهذا تقييد لقوله: وللأنثى الخلو عن زوج دخل؛ أي تسقط حضانة الحاضنة إذا تزوجت ودخل بها زوجها إلا أن تتأيم قبل أن يعلم من انتقلت إليه الحضانة بتزوجها ودخول الزوج بها، ومفهوم: قبل علمه أحروي؛ أي فإذا علم ولم يقم بحقه حتى تأيمت لم ينزع منها. واعلم أن قوله: إلا أن يعلم ويسكت العام، فيما إذا لم تتأيم، وهذا فيما إذا تأيمت، فالموضوع مختلف وقوله: أو لتأيمها قبل علمه، قد علمت أن تقدير كلامه ولا تعود بعد الطلاق إلا لتأيمها قبل علمه، فيقال عليه: إنه لم تنتقل عنها الحضانة حتى تعود إليها ففيه تجوز، والجواب عن المص أنه عود شرعي، بعد انتقال شرعي والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا، فلا تجوز فيه. أشار له عبد الباقي. قال عبد الباقي: وهذا وما قبله معطوفان على زوال المقدر قبل لكمرض كما قال البدر. انتهى. قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر لو قال: معطوفان على لكمرض، أو قال: المعطوف محذوف. والله سبحانه أعلم.

(1)

في الأصل لما والمثبت من عبد الباقي ج 4 ص 272.

ص: 782

وللحاضنة قبض نفقته؛ أي المحضون يعني أن الحاضنة أما أو غيرها لها على ولي المحضون أن يدفع لها نفقة محضونها فتقبضها منه، ويقضى لها بذلك وتكون باجتهاد الحاكم، ومعنى الاجتهاد في قبض نفقته أن الحاكم ينظر في حال الحاضنة وما يليق بها من إقباضها، فيقدر باليوم أو بالجمعة أو بالشهر أو بالسنة، فالاجتهاد متعلق بتقدير النفقة. انظر الشبراخيتي. وقوله: وللحاضنة قبض نفقته؛ أي فليس للولي أن يقول للحاضنة: ابعثيهم إليَّ يأكلون عندي ثم يعودون إليك؛ لأن في ذلك ضررا على الولد وعلى من هو في حضانته. انظر الشبراخيتي. أي ليس له أن يجبرها على ذلك. وقال عبد الباقي: وللحاضنة أمًّا أو غيرها قبض النفقة من أب أو وصي على مال، وقبض كسوته وغطائه ووطائه وجميع ما يحتاج إليه، وليس للأب أن يقول: ابعثيه يأكل عندي ثم يعود لك؛ لأن في ذلك ضررا على الولد وإخلالا بصيانته، وفيه ضرر أيضا على الحاضنة، وليس لها موافقة الأب على ذلك لضرر الولد إذ أكله غير منضبط في وقت، فاللام بمعنى على، كما هي في:{ويخرون للأذقان} أو للاختصاص، وضمنتها بالقبض إلا لبينة على الضياع كما قدمه، لأن الضمان ضمان تهمة تنتفي بإقامة بينة، لا ضمان أصالة. انتهى. وقال الحطاب: قال في التوضيح: ولمن الولد في حضانته من أم وغيرها أن تأخذ ما يحتاج إليه الولد من نفقة وكسوة وغطاء ووطاء، وإن قال هو: يأكل عندي ثم يعود إليك لم يكن له ذلك؛ لأن في ذلك ضررا على الولد وعلى الحاضنة؛ إذ الأطفال يأكلون في كل وقت. قاله غير واحد. وكتب شجرة لسحنون في الخالة الحاضنة إذا قال الأب: إنها تأكل ما أعطيه، وطلب الأب أنه يأكل عنده ويطعمه، فكتب إليه: القول للأب، فجعل للحاضنة أن يأوي إليها فقط، والأول هو الأصل، ولعله ظهر صدقه في السؤال، وقد ذكر ابن يونس عن مالك هذا التفصيل نصا في العتبية. انتهى. وما ذكره عن سحنون نقله الباجي أيضا في المنتقى ونصه: وإن شكا الأب ضياع نفقة ابنه فأراد أن يطعمه، فقد كتب سحنون إلى شجرة في الخالة تجب لها الحضانة، فيقول الأب: يكون الولد عندي لأعلمهم وأطعمهم لأن الخالة تأكل ما أرزقهم، وهي تكذبه، أن للأب أن يطعمه ويعلمه وتكون الحضانة للخالة، فجعل للحاضنة أن يأوي إليها وتباشر سائر أحواله مما لا تغيب عليه من نفقة. انتهى. ونقله ابن زرقون عن الباجي، قال ابن عرفة: هذا خلاف الروايات: أن إطعام

ص: 783

المحضون إنما هو عند حاضنته من كانت، والعجب من الباجي وابن زرقون وقبولهما هذا وتصديق الأب على الخالة أنها تأكل رزقهم. انتهى. وقرر الشارح كلام المص بما قرره به غير واحد ثم ذكر ما لسحنون.

والسكنى؛ يعني أن الحاضنة لها السكنى على الأب أي يعطيها أجرة ما يخص المحضون فقط من السكن، وتكون بالاجتهاد فيما ينوب المحضون من المسكن، فيقال مثلا: يكرى المسكن بتسعة، فإن أدى الحاكم اجتهاده إلى أنه ينوب المرأة ثلثان وينوب الولد ثلث، فإنه يدفع الأب للحاضنة ثلاثة. والله تعالى أعلم.

وما قررته به من أن الأب إنما يلزمه من السكنى ما يخص الولد هو المشهور المعمول به المذكور في المدونة وغيرها؛ سحنون: ويكون عليه من الكراء على قدر ما يجتهد فيه، وقول سحنون تفسير للمدونة، وقال يحيى بن عمر على قدر الجماجم، وروي: لا شيء على المرأة ما كان الأب موسرا. وقيل: إنها على الموسر من الأب والحاضنة؛ يعني أن الحاضنة إذا أيسرت دون الأب لم تكن على الأب سكنى على هذا القول. وحكى ابن بشير قولا: بأن السكنى كلها على الأب أي سكنى الولد والحاضنة، والقول بأنها على الموسر من الأبوين ثابت، وبذلك يرد ما في شرح عبد الباقي. وأما سكنى ما يخص المحضون فعلى الأب اتفاقا لخ؛ إذ الخلاف موجود وهذا التقرير لبناني. والله سبحانه أعلم.

وعلم مما قررت أن قوله: بالاجتهاد، راجع للنفقة والسكنى؛ أي يجتهد الحاكم في تقدير النفقة وفرضها، وفي تقسيط كراء المسكن على الأم وولدها وقربه أي المسكن من الأب والأم.

فرع: قال الحطاب: وللحاضنة الإخدام إن كان الأب مليا واحتاج المحضون لمن يخدمه، قال في كتاب إرخاء الستور من المدونة: وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب نفقتهم وكسوتهم وسكناهم ما بقوا في الحضانة، ويخدمهم إن احتاجوا إلى ذلك وكان الأب مليا ولحاضنتهم قبض نفقتهم. انتهى. وقال ابن وهب: ليس على الأب إخدام، نقله عنه اللخمي. ونقل أبو الحسن والمص في التوضيح وابن عرفة وغيرهم كلام اللخمي، ونص ابن عرفة: اللخمي: واختلف في خدمته: ففيها: إن كان لا بد لهم من الخادم لضعفهم عن أنفسهم والأب يقدر على إخدامهم

ص: 784

أخدمهم، ولابن وهب: لا خدمة عليه، به قضى أبو بكر على عمر، وأرى أن يفتى في الخدمة مثل ما تقدم في الإسكان. انتهى؛ يعني أن اللخمي رأى أن يفصل في الخدمة مثل ما تقدم في السكنى. والله أعلم. قاله الحطاب؛ يعني تفصيل للخمي في المسكن وهو: أنه إن كان في مسكن يملكه أو بكراء ولو كان ولده معه لم تزد عليه في الكراء فلا شيء عليه، وإن كان يزاد عليه وعليها لأجل الولد فعليه الأقل مما يزاد عليها. والله سبحانه أعلم. قوله: والسكنى، لهذه المسألة نظائر اختلف فيها هل هي على الجماجم أم لا؟ منها هذه؛ يعني أجرة المسكن الذي فيه المحضون، ومنها أجرة كاتب الوثيقة، ومنها كنس المرحاض، ومنها حارس الأندر، ومنها أجرة القسام، ومنها التقويم على المعتقين، ومنها الشفعة إذا وجبت لشركاء هل هي على الشركاء أو على قدر الانصباء، ومنها العبد المشترك في زكاة الفطر، ومنها النفقة على الأبوين، ومنها إذا أرسل أحد الصائدين كلبا والآخر كلبين، ومنها إذا أوصى لمجاهيل من أنواع. نقله الإمام الحطاب.

ولا شيء لحاضن لأجلها يعني أن الحاضنة لا تستحق بسبب حضانتها نفقة ولا أجرة مسكن، فار ينفق عليها من مال المحضون، ولا يكرى له منه مسكن تسكنه. قال الشيخ المحقق الأمير: ولا أجرة للحاضن على الحضانة. انتهى. وقال الشبراخيتي: ولا شيء لحاضن على الأب ولا في مال الولد لأجلها. انتهى. وقال عبد الباقي: ولا شيء لحاضن زيادة على أجرة المسكن، بدليل ما قبله لأجلها أي الحضانة، وإنما قال: لأجلها؛ لأن الحاضن قد تجب له النفقة كالأم الفقيرة على الولد الموسر، وقوله: ولا شيء لحاضن لأجلها، هو قول مالك المرجوع إليه، وبه أخذ ابن القاسم، وكان يقول: ينفق عليها من مال الغلام، والخلاف في غير الأم الفقيرة، وأما الأم الفقيرة فينفق عليها من مال ولدها لأجل عسرها لا لأجل الحضانة، والأصل في ثبوت الحضانة للأم وتصير لمن بعدها: حديث ابن عمر، قالت امرأة طلقها زوجها ومعها ابن منه: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني. فقال صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي ويدخل بك الزوج. انتهى.

ص: 785

وحجري بفتح الحاء والحواء اسم للمكان الذي يحوي الشيء ويجمعه. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب: قال اللخمي: واختلف إذا كانت الأم موسرة، فقال مالك: لا نفقة لها، وقال مرة: لها النفقة إذا قامت عليهم بعد وفاة الأب، وقال أيضا: تنفق بقدر حضانتها إذا كانت لو تركتهم لم يكن لهم بد من حضانة، فجعل لها في هذا القول الأجر دون النفقة. انتهى. واعلم أنه تجاذب الحضانة أمران لخ.

انتهى النصف الأول من لوامع الدرر في هتك أستار المختصر، للعبد الغني بالله تعالى عن خلقه المالكي الأشعري محمد بن محمد سالم بن محمد سعيد المجلسي العلوي الفاطمي الحسني الإدريسي، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وءاله وصحبه وسلم تسليما، وعلى جميع عباد الله الصالحين، اللهم صل وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل سيدنا محمد عدد معلوماتك وأضعاف ذلك، وأضعاف أضعاف ذلك، عدد ذلك، وسلم تسليما كذلك،

الله عظم قدر جاه محمد

وأناله فضلا عليه عظيما

في محكم التنزيل قال لخلقه

صلوا عليه وسلموا تسليما.

ص: 786