الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المُقَدِّمَةُ
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ مِنْ أَجَلِّ القُرُبَاتِ، وَبِهِ تُنَالُ الرِّفْعَةُ فِي الدَّارَيْنِ، وَالظَّفَرُ بِالعِلْمِ بِحِفْظِ أُصُولِهِ، وَلِذَا قِيلَ
(1)
(1)
القائل: الوالد رحمه الله.
وَقَدِ اجْتَهَدَ العُلَمَاءُ رحمهم الله بِوَضْعِ مُتُونٍ فِي كُلِّ فَنٍّ تَسْهِيلاً لِضَبْطِ العِلْمِ وَاسْتِحْضَارِ مَسَائِلِهِ، وَبِحِفْظِهَا انْتَشَرَ عِلْمُهُمْ فِي الآفَاقِ، وَسَارَ طُلَّابُهُمْ فِي الدِّيَارِ، فَانْتَفَعَتْ بِهِمُ الأُمَّةُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ.
وَلِأَهَمِّيَّةِ الحِفْظِ لِطَالِبِ العِلْمِ؛ جَمَعْتُ لَهُ مُتُوناً مِنْ أَشْمَلِ المُتُونِ وَأَنْفَعِهَا، بَلَغَتْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ (22) مَتْناً، قَسَّمْتُهَا إِلَى سِتَّةِ مُسْتَوَيَاتٍ، رَاعَيْتُ فِيهَا التَّدَرُّجَ فِي الحِفْظِ مَعَ تَنَوُّعِ الفُنُونِ.
وَقَدِ اعْتَمَدْتُ فِي تَحْقِيقِ نُصُوصِ مُتُونِ المُسْتَوَيَاتِ الخَمْسَةِ الأُولَى مِنْهَا عَلَى مِئَتَيْنِ وَثَلَاثِنَ (230) مَخْطُوطَةً، مُنْتَخَبَةً مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّ مِئَةِ (600) مَخْطُوطَةٍ، جَمَعْتُهَا مِنْ مَكْتَبَاتٍ وَخَزَائِنَ شَتَّى فِي العَالَمِ، وَأَثْبَتُّ وَصْفَ نُسَخِ كُلِّ مَتْنٍ فِي صَدْرِهِ.
كَمَا ضَبَطْتُ أَلْفَاظَهَا بِالشَّكْلِ، وَاعْتَنَيْتُ بِعَلَامَاتِ التَّرْقِيمِ، مُرَاعِياً مَعَانِيَ الأَلْفَاظِ فِيهَا.
وَسَمَّيْتُهَا: «مُتُونُ طَالِبِ العِلْمِ» يَحْتَاجُهَا الطَّالِبُ المُبْتَدِي، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الرَّاغِبُ المُنْتَهِي.
وَقَدْ جَرَّدْتُ هَذِهِ النُّسْخَةَ مِنْ حَوَاشِي الفُرُوقِ بَيْنَ نُسَخِ المَخْطُوطَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِيَسْهُلَ عَلَى الطَّالِبِ الحِفْظُ، وَأَثْبَتُّ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى.
وَبَيَانُ هَذِهِ المُتُونِ وَمُسْتَوَيَاتِهَا مَا يَلِي:
* المُسْتَوَى التَّمْهِيدِيُّ: الأَذْكَارُ وَالآدَابُ.
* المُسْتَوَى الأَوَّلُ: وَيَشْمَلُ المُتُونَ التَّالِيَةَ:
1 -
الأُصُولُ الثَّلَاثَةُ وَأَدِلَّتُهَا.
2 -
القَوَاعِدُ الأَرْبَعُ.
3 -
نَوَاقِضُ الإِسْلَامِ.
4 -
الأَرْبَعُونَ فِي مَبَانِي الإِسْلَامِ وَقَوَاعِدِ الأَحْكَامِ (الأَرْبَعُونَ النَّوَوِيَّةُ).
* المُسْتَوَى الثَّانِي: وَيَشْمَلُ المُتُونَ التَّالِيَةَ:
1 -
تُحْفَةُ الأَطْفَالِ وَالغِلْمَانِ فِي تَجْوِيدِ القُرْآنِ.
2 -
شُرُوطُ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانُهَا وَوَاجِبَاتُهَا.
3 -
كِتَابُ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى العَبِيدِ.
* المُسْتَوَى الثَّالِثُ: وَيَشْمَلُ المُتُونَ التَّالِيَةَ:
1 -
مَنْظُومَةُ البَيْقُونِيِّ.
2 -
مَنْظُومَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الإِلْبِيرِيِّ.
3 -
المُقَدِّمَةُ الآجُرُّومِيَّةُ.
4 -
العَقِيدَةُ الوَاسِطِيَّةُ.
* المُسْتَوَى الرَّابِعُ: وَيَشْمَلُ المُتُونَ التَّالِيَةَ:
1 -
الوَرَقَاتُ.
2 -
عُنْوَانُ الحِكَمِ.
3 -
بُغْيَةُ البَاحِثِ عَنْ جُمَلِ المَوَارِثِ (الرَّحْبِيَّةُ).
4 -
العَقِيدَةُ الطَّحَاوِيَّةُ.
* المُسْتَوَى الخَامِسُ: وَيَشْمَلُ المُتُونَ التَّالِيَةَ:
1 -
بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ أَدِلَّةِ الأَحْكَامِ.
2 -
زَادُ المُسْتَقْنِعِ فِي اخْتِصَارِ المُقْنِعِ.
3 -
الخُلَاصَةُ فِي النَّحْوِ (أَلْفِيَّةُ ابْنِ مَالِكٍ).
* المُسْتَوَى السَّادِسُ: وَيَشْمَلُ المُتُونَ التَّالِيَةَ:
1 -
الجَامِعُ لِمَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ.
2 -
أَفْرَادُ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.
3 -
الزَّوَائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ.
وَوَضَعْتُ بَعْدَ المُقَدِّمَةِ أَسْهَلَ طَرِيقَةٍ لِحِفْظِ المُتُونِ، وَمُرَاجَعَتِهَا، وَأَسْمَاءَ شُرُوحٍ مُقْتَرَحَةٍ لِمُتُونِ المُسْتَوَيَاتِ الخَمْسَةِ الأُولَى، وَأَسْمَاءَ كُتُبٍ مُقْتَرَحَةٍ لِلْقِرَاءَةِ مُرَتَّبَةً عَلَى تِلْكَ المُسْتَوَيَاتِ.
وَلِكِبَرِ حَجْمِ مُتُونِ «المُسْتَوَى الخَامِسِ» وَ «المُسْتَوَى السَّادِسِ» ؛ أَفْرَدْتُ كُلَّ مَتْنٍ فِيهِ عَلَى حِدَةٍ.
أَسْأَلُ اللَّهَ لِلْجَمِيعِ إِخْلَاصَ النِّيَّةِ، وَصَلَاحَ القَوْلِ وَالعَمَلِ، وَمُرَاقَبَتَهُ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَسْهَلُ طَرِيقَةِ لِحِفْظِ المُتُونِ
المُدَاوَمَةُ عَلَى حِفْظِ المُتُونِ، وَعَدَمُ الإِكْثَارِ مِنَ المَحْفُوظِ اليَوْمِيِّ، وَالتَّأَنِّي فِي الحِفْظِ: هُوَ نَهْجُ العُلَمَاءِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ رحمه الله:«إِنَّمَا جَمَعْنَا هَذَا العِلْمَ بِالحَدِيثِ وَالحَدِيثَيْنِ، وَالمَسْأَلَةِ وَالمَسْأَلَتَيْنِ» .
وَالمَتْنُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثاً عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَثْراً، أَوْ نَظْماً.
* وَمِقْدَارُ مَا تَحْفَظُ مِنَ المُتُونِ مَا يَلِي:
1 -
إِذَا كَانَ المَتْنُ المَحْفُوظُ مِنْ مُتُونِ الحَدِيثِ؛ فَاحْفَظْ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ.
2 -
وَإِذَا كَانَ نَثْراً؛ فَاحْفَظْ جُمْلَةً مُفِيدَةً مِنْهُ لَا تَزِيدُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْطُرٍ.
3 -
وَإِذَا كَانَ مَنْظُوماً؛ فَلَا تَزِدْ عَلَى حِفْظِ ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ.
وَبِهَذَا المَقْدَارِ المُتَأَنِّي مَعَ التَّكْرَارِ يَرْسَخُ المَحْفُوظُ - بِإِذْنِ اللَّهِ -.
* وَطَرِيقَةُ حِفْظِ المُتُونِ مَا يَلِي:
1 -
كَرِّرِ المِقْدَارَ الَّذِي تُرِيدُ حِفْظَهُ «عِشْرِينَ مَرَّةً» حِفْظاً، وَأَفْضَلُ وَقْتٍ لِلْحِفْظِ بَعْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ.
2 -
كَرِّرْ بَعْدَ العَصْرِ أَوْ بَعْدَ المَغْرِبِ مَا حَفِظْتَهُ فِي الفَجْرِ «عِشْرِينَ مَرَّةً» حِفْظاً.
3 -
مِنَ الغَدِ وَقَبْلَ أَنْ تَبْدَأَ فِي حِفْظِ المِقْدَارِ الجَدِيدِ؛ اقْرَأْ مَا حَفِظْتَهُ أَمْسِ «عِشْرِينَ مَرَّةً» حِفْظاً.
4 -
ثُمَّ اقْرَأْ حِفْظاً مَا حَفِظْتَهُ مِنْ أَوَّلِ المَتْنِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى مَوْطِنِ الحِفْظِ الجَدِيدِ.
5 -
بَعْدَ ذَلِكَ ابْدَأْ فِي حِفْظِ الدَّرْسِ الجَدِيدِ بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا.
6 -
كَرِّرْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ يَوْمِيّاً حَتَّى تَنْتَهِيَ مِنَ حِفْظِ المَتْنِ وَيَرْسَخَ المَحْفُوظُ.
وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ سِرْ فِي كُلِّ مَتْنٍ تَحْفَظُهُ، مَعَ ضَرُورَةِ مُدَاوَمَةِ مُدَارَسَةِ العِلْمِ حِفْظاً وَمُرَاجَعَةً وَقِرَاءَةً لِلْكُتُبِ، وَحُضُورِ دُرُوسِ العُلَمَاءِ وَمُلَازَمَتِهِمْ، وَالسُّؤَالِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ مَسَائِلِ العِلْمِ.
وَالحِفْظُ إِنَّمَا هُوَ بِالتَّكْرَارِ، وَرُسُوخُ المَحْفُوظِ بِكَثْرَةِ تَكْرَارِهِ، وَهَذَا دَأْبُ الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ
الشِّيرَازِيُّ رحمه الله يُعِيدُ مِقْدَارَ الحِفْظِ «مِئَةَ مَرَّةٍ» ، وَإِلْكِيَا الهَرَّاسِيُّ رحمه الله يُعِيدُ مِقْدَارَ الحِفْظِ «سَبْعِينَ مَرَّةً» ، وَإِلَيْكَ هَذِهِ القِصَّةَ الَّتِي تُظْهِرُ لَكَ أَنَّ قِلَّةَ التَّكْرَارِ سَبَبُ سُرْعَةِ النِّسْيَانِ:
(1)
.
(1)
الحث على حفظ العلم ص 36.
أَسْهَلُ طَرِيقَةِ لِمُرَاجَعَةِ المُتُونِ
إِذَا حَفِظْتَ مُتُوناً مُتَنَوِّعَةً فِي فُنُونِ العِلْمِ، فَرَاجِعْهَا؛ لِتَكُونَ أَرْسَخَ فِي الحِفْظِ، وَأَظْهَرَ فِي الِاسْتِحْضَارِ، وَأَسْرَعَ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى إِتْقَانِ المَحْفُوظِ: قِرَاءَتُهُ عَلَى غَيْرِكَ حِفْظاً.
* وَطَرِيقَةُ مُرَاجَعَةِ المُتُونِ مَا يَلِي:
1 -
رَاجِعْ كُلَّ يَوْمٍ صَفْحَتَيْنِ، وَاقْرَأْهَا حِفْظاً «عِشْرِينَ مَرَّةً» .
2 -
وَفِي الغَدِ وَقَبْلَ أَنْ تَبْدَأَ فِي المُرَاجَعَةِ الجَدِيدِةِ؛ اقْرَأْ حِفْظاً مَا رَاجَعْتَهُ أَمْسِ «خَمْسَ مَرَّاتٍ» .
3 -
ثُمَّ ابْدَأْ فِي المُرَاجَعَةِ الجَدِيدِةِ بِمِقْدَارِ صَفْحَتَيْنِ حِفْظاً «عِشْرِينَ مَرَّةً» ، وَهَكَذَا سِرْ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَى نِهَايَةِ المَتْنِ.
4 -
إِذَا انْتَهَيْتَ مِنْ مُرَاجَعَةِ المَتْنِ الأَوَّلِ؛ فَاقْرَأْ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ خَمْسَ صَفَحَاتٍ حِفْظاً حَتَّى تَنْتَهِيَ مِنْهُ.
5 -
إِذَا رَاجَعْتَ خَمْسَ صَفَحَاتٍ مِنَ المَتْنِ الأَوَّلِ؛ فَابْدَأْ فِي مُرَاجَعَةِ المَتْنِ الثَّانِي، كَمَا فَعَلْتَ فِي المَتْنِ الأَوَّلِ.
6 -
تَوَقَّفْ يَوْماً فِي الأُسْبُوعِ عَنِ المُرَاجَعَةِ الجَدِيدِةِ، وَاقْرَأْ حِفْظاً مَا رَاجَعْتَهُ فِي الأُسْبُوعِ.
7 -
إِذَا أَتْقَنْتَ المَحْفُوظَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؛ فَلَا يَمْضِ عَلَيْكَ شَهْرٌ إِلَّا وَقَدْ رَاجَعْتَهُ كُلَّهُ حِفْظاً.
* * *
شُرُوحَاتٌ مُقْتَرَحَةُ لِلْمُتُون
* المستوى الأوَّل:
1 -
الأصول الثَّلاثة وأدلتها. شرح ثلاثة الأصول؛ لمحمد بن إبراهيم
2 -
القواعد الأربع. شرح القواعد الأربع؛ لصالح الفوزان
3 -
نواقض الإسلام. شرح نواقض الاسلام؛ لصالح الفوزان
4 -
الأربعون النَّوويَّة. جامع العلوم والحكم؛ لابن رجب
* المستوى الثَّاني:
1 -
تحفة الأطفال. فتح الأقفال شرح تحفة الأطفال؛ للجمزوري
2 -
شروط الصَّلاة. شرح كتاب شروط الصلاة؛ لعبد العزيز ابن باز
3 -
كتاب التَّوحيد. حاشية كتاب التوحيد؛ لابن قاسم
* المستوى الثَّالث:
1 -
منظومة البيقوني. شرح منظومة البيقوني؛ لحسن المَشَّاط
2 -
منظومة أبي إسحاق الالبيري.
3 -
المقدِّمة الآجرُّوميَّة. شرح المقدِّمة الآجرُّوميَّة؛ لمحمد ابن عثيمين
4 -
العقيدة الواسطيَّة. شرح العقيدة الواسطيَّة؛ لمحمد بن إبراهيم
* المستوى الرَّابع:
1 -
الورقات. شرح الورقات؛ لعبد الله الفوزان
2 -
عنوان الحِكَم.
3 -
الرَّحبيَّة. حاشية الرَّحبيَّة؛ لابن قاسم
4 -
العقيدة الطَّحاويَّة. شرح العقيدة الطَّحاويَّة؛ لابن أبي العز
* المستوى الخامس:
1 -
بلوغ المرام. منحة العلاّم؛ لعبد الله الفوزان
2 -
زاد المستقنع. حاشية الروض المربع؛ لابن قاسم
3 -
ألفيَّة ابن مالك. شرح ابن عقيل
كُتُبٌ مُقْتَرَحَةٌ لِلْقِرَاءَةِ
المستوى الأوَّل:
1 -
التبيان في آداب حملة القرآن؛ للنووي.
2 -
الوابل الصيب من الكلم الطيب؛ لابن القيم.
المستوى الثَّاني:
1 -
الكبائر؛ للذهبي.
2 -
الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لابن كثير.
المستوى الثَّالث:
1 -
الجواب الكافي؛ لابن القيم.
2 -
العبودية؛ لشيخ الإسلام.
المستوى الرَّابع:
1 -
حادي الأرواح؛ لابن القيم.
2 -
صيد الخاطر؛ لابن الجوزي.
المستوى الخامس:
1 -
تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير.
2 -
زاد المعاد؛ لابن القيم.
* * *
ثم بعد ذلك قراءة بقية كتب شيخ الاسلام وابن القيم
وابن كثير وابن رجب والذهبي وغيرهم من علماء السلف
نَوَاقِضُ الإِسْلَامِ
لإِمَامِ الدَّعْوَةِ الشَّيْخِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّمِيْمِيِّ
رحمه الله (ت 1206 هـ)
* النسخ المعتمدة في تحقيق هذا المتن:
- نسخة خطِّية بمكتبة الملك عبد العزيز العامَّة بالرِّياض - السعودية - برقم (3687)، تاريخ نسخها: 1281 هـ.
- نسخة خطِّية بجامعة الملك سعود - السعودية - برقم (1091/ 2/م)، تاريخ نسخها: 1287 هـ.
- نسخة خطِّية بجامعة الملك سعود - السعودية - برقم (2334/ 2/م)، تاريخ نسخها: 1322 هـ.
- نسخة خطِّية بمركز الملك فيصل - السعودية - برقم (2938/ 10/ف)، تاريخ نسخها: 1325 هـ.
- نسخة خطِّية بمكتبة الملك عبد العزيز العامَّة بالرِّياض - السعودية - برقم (435)، تاريخ نسخها: 1327 هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
* اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ
نَوَاقِضِ الإِسْلَامِ
عَشَرَةً:
الأَوَّلُ: الشِّرْكُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} ، وَمِنْهُ: الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ كَمَنْ يَذْبَحُ لِلْجِنِّ، أَوْ لِلْقَبْرِ.
الثَّانِي: مَنْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ، يَدْعُوهُمْ، وَيَسْأَلُهُمُ الشَّفَاعَةَ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ؛ كَفَرَ إِجْمَاعاً.
الثَّالِثُ: مَنْ لَمْ يُكَفِّرِ المُشْرِكِينَ، أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ؛ كَفَرَ إِجْمَاعاً.
الرَّابِعُ: مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرَ هَدْيِ النَّبِيِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِ، أَوْ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ أَحْسَنُ مِنْ حُكْمِهِ - كَالَّذِينَ يُفَضِّلُونَ حُكْمَ الطَّوَاغِيتِ عَلَى حُكْمِهِ - فَهُوَ كَافِرٌ.
الخَامِسُ: مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ عَمِلَ بِهِ -؛ كَفَرَ إِجْمَاعاً؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .
السَّادِسُ: مَنِ اسْتَهْزَأَ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ اللهِ، أَوْ ثَوَابِهِ، أَوْ عِقَابِهِ؛ كَفَرَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
السَّابِعُ: السِّحْرُ - وَمِنْهُ: الصَّرْفُ وَالعَطْفُ - فَمَنْ فَعَلَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ؛ كَفَرَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} .
الثَّامِنُ: مُظَاهَرَةُ المُشْرِكِينَ وَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى المُسْلِمِينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
التَّاسِعُ: مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ يَسَعُهُ الخُرُوجُ عَنْ شَرِيعَتِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا وَسِعَ الخَضِرَ الخُرُوجُ عَنْ شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام؛ فَهُوَ كَافِرٌ.
العَاشِرُ: الإِعْرَاضُ عَنْ دِينِ اللَّهِ - لَا يَتَعَلَّمُهُ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ -؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ
أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}.
وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ النَّوَاقِضِ بَيْنَ الهَازِلِ وَالجَادِّ وَالخَائِفِ، إِلَّا المُكْرَهِ.
وَكُلُّهَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ خَطَراً، وَمِنْ أَكْثَرِ مَا يَكُونُ وُقُوعاً، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَهَا وَيَخَافَ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ.
نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مُوجِبَاتِ غَضَبِهِ، وَأَلِيمِ عِقَابِهِ.
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
* * *
تَمَّ بِحَمْدِ اللهِ
القَوَاعِدُ الأَرْبَعُ
لإِمَامِ الدَّعْوَةِ الشَّيْخِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّمِيْمِيِّ
رحمه الله (ت 1206 هـ)
* النسخ المعتمدة في تحقيق هذا المتن:
- نسخة خطِّية بمركز الملك فيصل - السعودية - برقم (5258)، تاريخ نسخها: 1307 هـ.
- نسخة خطِّية بمركز الملك فيصل - السعودية - برقم (5265)، تاريخ نسخها: 1338 هـ.
- نسخة خطِّية بالمكتبة المحموديَّة، بمكتبة الملك عبد العزيز - السعودية - برقم (1437).
- نسخة خطِّية بالمكتبة المحموديَّة، بمكتبة الملك عبد العزيز - السعودية - برقم (1921).
- نسخة خطِّية بمكتبة الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السّعدي بالقصيم - السعودية -.
بسم الله الرحمن الرحيم
أَسْأَلُ اللَّهَ الكَرِيمَ، رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ: أَنْ يَتَوَلَّاكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَنْ يَجْعَلَكَ مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنْتَ.
وَأَنْ يَجْعَلَكَ مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ.
اعْلَمْ - أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ -: أَنَّ الحَنِيفِيَّةَ - مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ -: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّاسِ، وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .
فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَكَ لِعِبَادَتِهِ: فَاعْلَمْ أَنَّ العِبَادَةَ لَا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلَّا مَعَ التَّوْحِيدِ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُسَمَّى صَلَاةً إِلَّا مَعَ الطَّهَارَةِ.
فَإِذَا دَخَلَ الشِّرْكُ فِي العِبَادَةِ فَسَدَتْ، كَالحَدَثِ إِذَا دَخَلَ فِي الطَّهَارَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}
فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الشِّرْكَ إِذَا خَالَطَ العِبَادَةَ أَفْسَدَهَا، وَأَحْبَطَ العَمَلَ، وَصَارَ صَاحِبُهُ مِنَ الخَالِدِينَ فِي النَّارِ: عَرَفْتَ أَنَّ أَهَمَّ مَا عَلَيْكَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ هَذِهِ الشَّبَكَةِ، وَهِيَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ.
وَذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ أَرْبَعِ قَوَاعِدَ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ:
القَاعِدَةُ الأُولَى
أَنْ تَعْلَمَ: أَنَّ الكُفَّارَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الخَالِقُ الرَّازِقُ، المُحْيِي المُمِيتُ، المُدَبِّرُ لِجَمِيعِ الأُمُورِ، وَلَمْ يُدْخِلْهُمْ ذَلِكَ فِي الإِسْلَامِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} .
القَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ
أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا دَعَوْنَاهُمْ وَتَوَجَّهْنَا إِلَيْهِمْ، إِلَّا لِطَلَبِ القُرْبَةِ وَالشَّفَاعَةِ.
فَدَلِيلُ القُرْبَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} .
وَدَلِيلُ الشَّفَاعَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا
فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وَالشَّفَاعَةُ شَفَاعَتَانِ: شَفَاعَةٌ مَنْفِيَّةٌ، وَشَفَاعَةٌ مُثْبَتَةٌ.
فَالشَّفَاعَةُ المَنْفِيَّةُ: مَا كَانَتْ تُطْلَبُ مِنْ غَيْرِ اللهِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا الله؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .
وَالشَّفَاعَةُ المُثْبَتَةُ: هِيَ الَّتِي تُطْلَبُ مِنَ اللَّهِ.
وَالشَّافِعُ مُكْرَمٌ بِالشَّفَاعَةِ.
وَالمَشْفُوعُ لَهُ: مَنْ رَضِيَ اللَّهُ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ بَعْدَ الإِذْنِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} .
القَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ظَهَرَ عَلَى أُنَاسٍ مُتَفَرِّقِينَ فِي عِبَادَاتِهِمْ:
مِنْهُمْ: مَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يَعْبُدُ المَلَائِكَةَ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يَعْبُدُ الأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يَعْبُدُ الأَشْجَارَ وَالأَحْجَارَ.
وَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمْ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} .
فَدَلِيلُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا
تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
وَدَلِيلُ المَلَائِكَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ}
وَدَلِيلُ الأَنْبِيَاءِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} .
وَدَلِيلُ الصَّالِحِينَ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}.
وَدَلِيلُ الأَشْجَارِ وَالأَحْجَارِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَرَءَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} ، وَحَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ، يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ.
فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَكْبَرُ! إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى:{اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} .
القَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ
أَنَّ مُشْرِكِي زَمَانِنَا أَغْلَظُ شِرْكاً مِنَ الأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّ الأَوَّلِينَ يُشْرِكُونَ فِي الرَّخَاءِ وَيُخْلِصُونَ فِي الشِّدَّةِ، وَمُشْرِكُو زَمَانِنَا شِرْكُهُمْ دَائِمٌ فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
الأُصُولُ الثَّلَاثَةُ وَأَدِلَّتُهَا
لإِمَامِ الدَّعْوَةِ الشَّيْخِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّمِيْمِيِّ
رحمه الله (ت 1206 هـ)
* النسخ المعتمدة في تحقيق هذا المتن:
- نسخة خطِّية بمركز الملك فيصل - السعودية - برقم (5258)، تاريخ نسخها: 1307 هـ.
- نسخة خطِّية بمركز الملك فيصل - السعودية - برقم (5265)، تاريخ نسخها: 1338 هـ.
- نسخة خطِّية بجامعة الملك سعود - السعودية - برقم (2328).
- نسخة خطِّية بجامعة الملك سعود - السعودية - برقم (3979).
- نسخة خطِّية بمكتبة الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السّعدي بالقصيم - السعودية -.
بسم الله الرحمن الرحيم
* اعْلَمْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ:
الأُولَى: العِلْمُ، وَهُوَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلَامِ بِالأَدِلَّةِ.
الثَّانِيَةُ: العَمَلُ بِهِ.
الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ.
الرَّابِعَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «لَوْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلَّا هَذِهِ السُّورَةَ، لَكَفَتْهُمْ» .
وَقَالَ البُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}، فَبَدَأَ بِالعِلْمِ» قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ.
* اعْلَمْ - رَحِمَكَ اللهُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، تَعَلُّمُ ثَلَاثِ هَذِهِ المَسَائِلِ، وَالعَمَلُ بِهِنَّ:
الأُولَى: أَنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا، وَرَزَقَنَا، وَلَمْ يَتْرُكْنَا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً، فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} .
الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحَدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} .
الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللَّهَ، لَا يَجُوزُ لَهُ مُوَالَاةُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ.
* اعْلَمْ - أَرْشَدَكَ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ -: أَنَّ الحَنِيفِيَّةَ - مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ -: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ، وَمَعْنَى «يَعْبُدُونِ»: يُوَحِّدُونِ.
وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ: التَّوْحِيدُ، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللَّهِ بِالعِبَادَةِ.
وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ: الشِّرْكُ، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .
* فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُولُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا؟
فَقُلْ: مَعْرِفَةُ العَبْدِ رَبَّهُ، وَدِينَهُ، وَنَبِيَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم.
[الأَصْلُ الأَوَّلُ]
فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟
فَقُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ الَّذِي رَبَّانِي، وَرَبَّى جَمِيعَ العَالَمِينَ بِنِعَمِهِ، وَهُوَ مَعْبُودِي لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ عَالَمٌ، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ العَالَمِ.
فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟
فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ.
وَمِنْ آيَاتِهِ: اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، وَالشَّمْسُ، وَالقَمَرُ.
وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ: السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} .
وَالرَّبُّ هُوَ المَعْبُودُ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ياأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} .
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «الخَالِقُ لِهَذِهِ الأَشْيَاءِ، هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ» .
وَأَنْوَاعُ العِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا: - مِثْلُ: الإِسْلَامِ، وَالإِيمَانِ، وَالإِحْسَانِ؛ وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ، وَالخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، وَالخُشُوعُ، وَالخَشْيَةُ،
وَالإِنَابَةُ، وَالِاسْتِعَانَةُ، وَالِاسْتِعَاذَةُ، وَالِاسْتِغَاثَةُ، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا - كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} .
فَمَنْ صَرَفَ مِنْهَا شَيْئاً لِغَيْرِ اللَّهِ؛ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} .
وَفِي الحَدِيثِ: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ» . وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .
وَدَلِيلُ الخَوْفِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} .
وَدَلِيلُ الرَّجَاءِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .
وَدَلِيلُ التَّوَكُّلِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ، وَقَوْلُهُ:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .
وَدَلِيلُ الرَّغْبَةِ، وَالرَّهْبَةِ، وَالخُشُوعِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} .
وَدَلِيلُ الخَشْيَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} .
وَدَلِيلُ الإِنَابَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} .
وَدَلِيلُ الِاسْتِعَانَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وَفِي الحَدِيثِ:«إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» .
وَدَلِيلُ الِاسْتِعَاذَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} .
وَدَلِيلُ الِاسْتِغَاثَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} .
وَدَلِيلُ الذَّبْحِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ} ، وَمِنَ السُّنَّةِ:«لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ» .
وَدَلِيلُ النَّذْرِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} .
الأَصْلُ الثَّانِي
مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلَامِ بِالأَدِلَّةِ، وَهُوَ: الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالِانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ.
وَهُوَ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: الإِسْلَامُ، وَالإِيمَانُ، وَالإِحْسَانُ.
وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ لَهَا أَرْكَانٌ.
* فَأَرْكَانُ الإِسْلَامِ خَمْسَةٌ: شَهَادَةُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الحَرَامِ.
فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
وَمَعْنَاهَا: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ.
«لَا إِلَهَ» نَافِياً جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
«إِلَّا اللَّهُ» مُثْبِتاً العِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
لَا شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ.
وَتَفْسِيرُهَا الَّذِي يُوَضِّحُهَا؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
وَدَلِيلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} .
وَمَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَاجْتِنَابُ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ، وَأَلَّا يُعْبَدَ اللَّهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ.
وَدَلِيلُ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَتَفْسِيرِ التَّوْحِيدِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} .
وَدَلِيلُ الصِّيَامِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
وَدَلِيلُ الحَجِّ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} .
* المَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الإِيمَانُ؛ وَهُوَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ.
وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الأَرْكَانِ السِّتَّةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} .
وَدَلِيلُ القَدَرِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} .
* المَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الإِحْسَانُ - رُكْنٌ وَاحِدٌ -، وَهُوَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} الآيَةَ.
وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ: حَدِيثُ جِبْرِيلَ المَشْهُورُ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ!
أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، قَالَ: صَدَقْتَ - فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ -.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟
قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟
قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟
قَالَ: مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟
قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى
الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ.
قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ! أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ».
الأَصْلُ الثَّالِثُ
مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ العَرَبِ، وَالعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ -.
وَلَهُ مِنَ العُمُرِ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً - مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ نَبِيّاً رَسُولاً -.
نُبِّئَ بِاقْرَأْ، وَأُرْسِلَ بِالمُدَّثِّرِ، وَبَلَدُهُ مَكَّةُ.
بَعَثَهُ اللَّهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{ياأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} .
وَمَعْنَى {قُمْ فَأَنذِرْ} : يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ.
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ.
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ.
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} الرُّجْزُ: الأَصْنَامُ. وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا، وَالبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلِهَا.
أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ العَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَصَلَّى فِي مَكَّةَ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَبَعْدَهَا أُمِرَ بِالهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ.
وَالهِجْرَةُ: الِانْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلَامِ.
وَالهِجْرَةُ فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلَامِ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} .
قَالَ البَغَوِيُّ رحمه الله: «سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: فِي المُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ لَمْ يُهَاجِرُوا، نَادَاهُمُ اللَّهُ بِاسْمِ الإِيمَانِ» .
وَالدَّلِيلُ عَلَى الهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ؛ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» .
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِالمَدِينَةِ؛ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلَامِ - مِثْلُ: الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ - أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ.
وَتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَدِينُهُ بَاقٍ، وَهَذَا دِينُهُ، لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَهَا مِنْهُ.
وَالخَيْرُ الَّذِي دَلَّهَا عَلَيْهِ: التَّوْحِيدُ، وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ.
وَالشَّرُّ الَّذِي حَذَّرَهَا مِنْهُ: الشِّرْكُ، وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَيَأْبَاهُ.
بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ - الجِنِّ وَالإِنْسِ -؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} .
وَأَكْمَلَ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} .
وَالنَّاسُ إِذَا مَاتُوا يُبْعَثُونَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} .
وَبَعْدَ البَعْثِ مُحَاسَبُونَ وَمَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَائُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} .
وَمَنْ كَذَّبَ بِالبَعْثِ كَفَرَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} .
وَأَرْسَلَ اللَّهُ جَمِيعَ الرُّسُلِ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} .
وَأَوَّلُهُمْ نُوحٌ عليه السلام.
وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُمْ نُوحٌ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} .
وَكُلُّ أُمَّةٍ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا رَسُولاً - مِنْ نُوحٍ إِلَى مُحَمَّدٍ - يَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} .
وَافْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ العِبَادِ: الكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ، وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «مَعْنَى الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ العَبْدُ حَدَّهُ - مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ -» .
وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرَةٌ، وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ: إِبْلِيسُ - لَعَنَهُ اللَّهُ -، وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ،
وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، وَمَنِ ادَّعَى شَيْئاً مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ، وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وَهَذَا مَعْنَى «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، وَفِي الحَدِيثِ:«رَأْسُ الأَمْرِ: الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ: الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
تَمَّ بِحَمْدِ اللهِ
الأَرْبَعُونَ في مَبَانِي الإِسْلَامِ
وَقَوَاعِدِ الأَحْكَامِ
(الأَرْبَعُونَ النَّوَوِيَّة)
لِلإِمَامِ أَبِيْ زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ شَرَفٍ النَّوَوِيّ
رحمه الله (ت 676 هـ)
مَعَ زِيَادَةِ ابْنِ رَجَبٍ الحَنْبَلِيّ
رحمه الله (ت 795 هـ)
*
النُّسَخ المعتمَدة في تحقيق هذا المتن:
- نسخة خطِّية بمكتبةِ نظام يعقوبي الخاصة - البحرين -، تاريخُ نسخِها: 710 هـ، وهي مقروءةٌ على تلميذ المصنِّف علاء الدّين ابن العطَّار رحمهما الله، وعليها إجازة منه للنَّاسخ.
- نسخة خطية بمكتبة راغب باشا - تركيا - برقم (1470)، بخط الحافظ البوصيري رحمه الله، تاريخ نسخها: 801 هـ.
- نسخة خطِّية بمكتبة فيض الله أفندي - تركيا - برقم (2160)، تاريخ نسخها: 832 هـ.
- نسخة خطِّية بمكتبة داماد إبراهيم باشا - تركيا - بريقم (396/ 7)، تاريخ نسخها: 866 هـ.
- نسخة خطِّية بمكتبة الحرم المكِّي - السعودية - برقم (12/ 3927)، تاريخ نسخها: 979 هـ.
- نسخة خطِّية بالمكتبة المحموديَّة، بمكتبة الملك عبد العزيز - السعودية - برقم (404/ 1)، تاريخ نسخها: 1069 هـ.
- نسخة خطِّية بجامعة الملك سعود - السعودية - برقم (3026)، تاريخ نسخها: 1085 هـ.
- نسخة خطِّية بدار الكتب والوثائق القوميَّة -مصر- برقم (166 حديث تيمور).
- نسخة خطِّية - لجامع العلوم والحكم - بمكتبة خدا بخش - الهند - برقم (471)، تاريخ نسخها 790 هـ، وهي النسخة المعتمدة في تحقيق زيادة ابن رجب رحمه الله على الأربعين، وهي مقابَلة بنسخة المصنف، ومقروءة عليه، وعليها إجازة منه للناسخ.
- نسخة خطِّية أخرى - لجامع العلوم والحكم - بجامع عنيزة - السعودية - برقم (73)، تاريخ نسخها: 1101 هـ.
- نسخة خطِّية أخرى - لجامع العلوم والحكم - بجامعة الملك سعود - السعودية - برقم (4051)، تاريخ نسخها: 1194 هـ، بخطّ عبد الله بن سليمان بن عبد الوهاب.
الحَدِيثُ الأَوَّلُ
عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، أَبِي حَفْصٍ - عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِاءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» رَوَاهُ إِمَامَا المُحَدِّثِينَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُغِيرَةِ بْنِ بَرْدِزْبَهْ البُخَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ، مُسْلِمُ بْنُ الحَجَّاجِ بْنِ مُسْلِمٍ القُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ رضي الله عنهما فِي صَحِيحَيْهِمَا - الَّلذَيْنِ هُمَا أَصَحُّ الكُتُبِ المُصَنَّفَةِ -.
الحَدِيثُ الثَّانِي
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَيْضاً - قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ!
أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ
سَبِيلاً، قَالَ: صَدَقْتَ - فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ -.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟
قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟
قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟
قَالَ: مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟
قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ.
قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ! أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الثَّالِثُ
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الرَّابِعُ
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ -: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ.
ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ.
فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ! إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا.
وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الخَامِسُ
عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ - أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ، عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ؛ فَهُوَ رَدٌّ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ» .
الحَدِيثُ السَّادِسُ
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.
فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ.
وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ؛ كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ.
أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ.
أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ السَّابِعُ
عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ، تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الثَّامِنُ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ.
فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ التَّاسِعُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ العَاشِرُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} ، وَقَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} .
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ، يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ، أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الحَادِي عَشَرَ
عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَيْحَانَتِهِ رضي الله عنهما قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:«حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» .
الحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ: تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ.
الحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِاءٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الخَامِسَ عَشَرَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ.
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ.
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: لَا تَغْضَبْ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
الحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ
عَنْ أَبِي يَعْلَى، شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، جُنْدُبِ بْنِ جُنَادَةَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:«حَدِيثٌ حَسَنٌ» ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ:«حَسَنٌ صَحِيحٌ» .
الحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ
عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَقَالَ: «يَا غُلَامُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ.
إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ.
وَاعْلَمْ: أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ.
وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ
الأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:«حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» .
وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ: «احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ.
وَاعْلَمْ: أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ.
وَاعْلمْ: أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً».
الحَدِيثُ العِشْرُونَ
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ البَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
الحَدِيثُ الحَادِي وَالعِشْرُونَ
عَنْ أَبِي عَمْرٍو - وَقِيلَ: أَبِي عَمْرَةَ -، سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْ لِي فِي الإِسْلَامِ قَوْلاً لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً غَيْرَكَ، قَالَ: قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الثَّانِي وَالعِشْرُونَ
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنهما:«أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئاً؛ أَأَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَعْنَى: «حَرَّمْتُ الحَرَامَ» : اجْتَنَبْتُهُ.
وَمَعْنَى: «أَحْلَلْتُ الحَلَالَ» : فَعَلْتُهُ مُعْتَقِداً حِلَّهُ.
الحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالعِشْرُونَ
عَنْ أَبِي مَالِكٍ، الحَارِثِ بْنِ عَاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ.
وَالحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ المِيزَانَ.
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ.
وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ.
كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الرَّابِعُ والعِشْرُونَ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلَا تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ.
يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ.
يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتكْسُونِي أَكْسُكُمْ.
يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،
وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ.
يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي.
يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ
مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ.
يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الخَامِسُ وَالعِشْرُونَ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَيْضاً -: «أَنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ.
قَالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟!
إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً.
وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ.
وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟!
قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلَالِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ السَّادِسُ وَالعِشْرُونَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ:
تَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ.
وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ.
وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ.
وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ.
وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ السَّابِعُ وَالعِشْرُونَ
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «البِرُّ: حُسْنُ الخُلُقِ. وَالإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، البِرُّ: مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ. وَالإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ - وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ -» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رُوِّيْنَاهُ فِي «مُسْنَدَيِ الإِمَامَيْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالدَّارِمِيِّ» بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
الحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالعِشْرُونَ
عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ؛ فَأَوْصِنَا.
قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافاً كَثِيراً؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:«حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» .
الحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالعِشْرُونَ
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ - وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ -: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ.
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حَتَّى بَلَغَ: {يَعْلَمُونَ} .
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ!
قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ: الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ: الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ: الجِهَادُ.
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا.
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:«حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» .
الحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ
عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ - جُرْثُومِ بْنِ نَاشِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ - رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ - فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ.
الحَدِيثُ الحَادِي وَالثَّلَاثُونَ
عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ: ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُ، بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ.
الحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، مُسْنَداً.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي «المُوَطَّأِ» - عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً، فَأَسْقَطَ أَبَا سَعِيدٍ.
وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضاً.
الحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ هَكَذَا، وَبَعْضُهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» .
الحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً.
المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَهُنَا - وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -.
بِحَسْبِ امْرِاءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ.
كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ.
وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً؛ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ.
وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ.
وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ.
وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ؛ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ.
الحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تبارك وتعالى قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ: فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا؛ كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً.
وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا؛ كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ.
وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا؛ كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً.
وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا؛ كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذِهِ الحُرُوفِ.
الحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ.
وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
الحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
الحَدِيثُ الأَرْبَعُونَ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
الحَدِيثُ الحَادِي وَالأَرْبَعُونَ
عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رُوِّيْنَاهُ فِي كِتَابِ «الحُجَّةِ» بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
الحَدِيثُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي.
يَا ابْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ.
يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً؛ لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:«حَدِيثٌ حَسَنٌ» .
* * *
الحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالأَرْبَعُونَ
(1)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ الفَرَائِضُ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
(1)
من هنا تبدأ زيادة الحافظ ابن رجب رحمه الله.
الحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالأَرْبَعُونَ
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الوِلَادَةُ» خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ الخَامِسُ وَالأَرْبَعُونَ
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ - وَهُوَ بِمَكَّةَ - يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ، وَالخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ.
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ قَالَ: لَا؛ هُوَ حَرَامٌ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ؛ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ، فَأَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ السَّادِسُ وَالأَرْبَعُونَ
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا؟ فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: البِتْعُ وَالمِزْرُ.
- فَقِيلَ لِأَبِي بُرْدَةَ: مَا البِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ العَسَلِ، وَالمِزْرُ: نَبِيذُ الشَّعِيرِ -.
فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ.
وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: «قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَمُعَاذٌ إِلَى اليَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ شَرَاباً يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ: المِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ: البِتْعُ مِنَ العَسَلِ، فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «فَقَالَ: كُلُّ مَا أَسْكَرَ عَنِ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَرَامٌ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ بِخَوَاتِمِهِ، فَقَالَ: أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنِ الصَّلَاةِ» .
الحَدِيثُ السَّابِعُ وَالأَرْبَعُونَ
عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:«حَسَنٌ» .
الحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالأَرْبَعُونَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً، وَإِنْ كَانَتْ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
الحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالأَرْبَعُونَ
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصاً، وَتَرُوحُ بِطَاناً» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي «صَحِيحِهِ» ، وَالحَاكِمُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:«حَسَنٌ صَحِيحٌ» .
الحَدِيثُ الخَمْسُونَ
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا، فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ؟ قَالَ: لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل» خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي «صَحِيحِهِ» بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:«حَسَنٌ غَرِيبٌ» .
وَكُلُّهُمْ خَرَّجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الكِنْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه.
وَخَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي «صَحِيحِهِ» وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: «آخِرُ مَا فَارَقْتُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ قُلْتُ لَهُ: أَيُّ الأَعْمَالِ خَيْرٌ وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل» .
* * *
تَمَّ بِحَمْدِ اللهِ