الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من أهداف دارة الملك عبد العزيز التي أنشئت من أجلها تحقيق الكتب التي تخدم تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها وآثارها الفكرية والعمرانية، وترجمتها ونشرها، وكذلك تاريخ وآثار الجزيرة والبلاد العربية والإسلامية بشكل عام.
وقد سعت الدارة بخطوات متعددة من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير، وأخرجت في هذا المضمار عددًا من الكتب التي سدت بها فراغًا في المكتبة العربية، وأسهمت في خدمة الباحثين والدارسين بما وضعت بين أيديهم من كتب ودراسات متنوعة.
وإيمانًا من الدارة بأهمية الكتب التاريخية المخطوطة لكونها من المصادر التي يكثر البحث عنها وتزداد الرغبة في تداولها، ويحول بين الباحثين وبينها مكوثها حبيسة في أرفف المكتبات، فقد قامت بإصدار سلسلة تختص بنشر مصادر تاريخ الجزيرة العربية المخطوطة.
ويأتي كتاب «التعريف بما أَنْسَت الهجرة من معالم دار الهجرة» لجمال الدين المطري أحد الكتب التي تنشر ضمن هذه السلسلة، وذلك لأسباب كثيرة، أبرزها ارتباطه بتاريخ المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة
والسلام، وعنايته بوصف معالمها البارزة، وتحديد مواقعها، وإشارته إلى زوال بعضها وبقاء بعضها الآخر.
وعلى الرغم من كثرة الكتب التي صنفت عن المدينة المنورة إلا أن هذا الكتاب تزداد قيمته بمعاصرة مؤلفه لعدد من الحوادث المسجلة فيه، ووقوفه على بعض المعالم، ولاعتماد عدد من المؤلفين التالين له عليه.
وقد سبق طبع الكتاب سنة 1373 هـ، ثم أعيد طبعه عام 1402 هـ. وحيث توفرت أربع نسخ أخرى للكتاب المخطوط، ونظرًا لما بذله المحقق من جهد في تحقيقه وتدقيق أسمائه، وتوضيح معالمه، وتخريج أحاديثه، والعناية به بصورة عامة، فقد رأت الدارة نشر هذا التحقيق.
نسأل الله أن ينفع به من يطلع عليه، وأن يحقق الأهداف المرجوة من وراءِ نشره والعناية بتحقيقه.
والله الموفق.
دارة الملك عبد العزيز
المقدمة
الحمد لله العلي القدير ذي الفضل والمهابة، والصلاة والسلام على ساكن طابة، وعلى آله وأصحابه، أما بعد:
فقد عني العلماء بتاريخ المدينة قديمًا وحديثًا، وسجلوا أحداثها، ودونوا أخبارها، وعنوا بتراجم أعلامها، ووصفوا معالمها، وسجلوا آثارها، حتى غدت المكتبة المدنية التاريخية من أغنى مكتبات تواريخ المدن وأثراها، وما زالت المؤلفات تترى حولها، فهذا كتاب يتناول تاريخ مسجدها، وآخر يتتبع معالمها، وثالث يدرس عقيقها، ورابع يرصد المؤلفات حولها
…
وهكذا.
وما من قرن إلا وحظيت فيه المدينة بمؤلف أو أكثر، ففي القرنين السابع والثامن الهجريين مثلًا ظهرت كتب عدة في تاريخ المدينة مثل: كتاب التعريف بما أَنْست الهجرة من معالم دار الهجرة لجمال الدين المطري.
وتعود صلتي بهذا الكتاب إلى أكثر من عشر سنوات عندما اعتمدت عليه في بعض أبحاثي المتعلقة بالمدينة، وأدركت منذ ذلك الوقت أن هذا الكتاب يحتاج إلى دراسة وتحقيق، فقد خلت النسخة المطبوعة منذ قرابة خمسين عامًا (1372 هـ) باعتناء الأستاذ أسعد درابزوني من أي تحقيق أو ضبط أو دراسة، بل زيد فيها نصف صفحة (ص 60) ليست من الكتاب، حتى إنه حذفه عندما أعيد طبعه مرة أخرى عام 1402 هـ. كذلك زيدت كلمة «دار» في عنوانه، حيث كررت
مرتين ثم حذفت بعد إعادة طبعه، كما اشتملت على العديد من الحذف والأخطاء والتصحيفات الكثيرة.
كما عمل أحد طلبة الدراسات العليا وهو الأستاذ عبد الله بن سليمان اللهيب على تحقيق الكتاب ضمن متطلبات رسالة الماجستير في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز عام 1408 هـ ولم ينشره. واعتمد في تحقيقه على نسخة واحدة من مخطوطاته؛ لذا جاء متنه خلوًا من أي مقابلة بنسخ أخرى له، أو ضبط لنصوصه، وقد نص الباحث على ذلك وذكر أنه اعتمد على نسخة وحيدة للكتاب، واطلع على نسخ لها في أماكن مختلفة؛ ولذا نص على أنه لم يجد بينها اختلافًا (ص 30)، هكذا.
ونتيجة لاعتماده على هذه النسخة فقط وعدم اطلاعه على نسخ الكتاب الأخرى ومقارنة نصه بها وتحريره في ضوئها فإنه لم يشر في هوامشه إلى أي مقارنة أو تحرير للنص على الرغم مما في تلك النسخة من أخطاء وتصحيفات لا يمكن قبولها لا سيما أن هذه ليست نسخة المؤلف مما يحتم ضرورة مقابلتها على نسخ أخرى من الكتاب كما هو معروف في منهج التحقيق.
وصدَّره بدراسة في ثلاثين صفحة عن حياة المؤلف، ونسبة الكتاب إليه والمصادر التي اعتمد عليها، وأهمية كتابه ووصف النسخة التي اعتمد عليها في تحقيقه. كما عقد فصلًا لمؤرخي المدينة حتى وفاة المؤلف، وجاء في (52) صفحة، وهو عبارة عن وصف وتلخيص لما ذكره هؤلاء في كتبهم دون تحليل لمناهجهم أو الاطلاع على دراستهم مِن قِبَل مَنْ سبقوه. وقد جاء نص الكتاب في (196) صفحة غلبت عليها تراجم أسانيد المؤلف الكثيرة.
وقد وقع الباحث في أخطاء منهجية كبيرة في تحقيق الكتاب منها أنه لم يقم بتخريج عدد من الأحاديث الواردة فيه في رسالته كما في ص 220، ص 221، ص 231، ص 232، ص 233، ص 241، ص 276، ص 314. كذلك نسب
حديثًا ضعيفًا في ص 150 إلى صحيح مسلم. وأيضًا لم يخرج قول الإمام مالك لأبي جعفر المنصور ص 157 باستقبال القبر عند الدعاء فهو لا يجوز باتفاق، والإمام مالك لا يقرّه، ولم يثبت عنه هذا القول، فالرواية ضعيفة والسند فيها منقطع.
أما التعريف بالمعالم والمواقع في الكتاب فقد خالفه الصواب في المنهج فيها فقد اعتمد على مصادر عامة أو قديمة في ضبطها وتحديد أماكنها. وأغفل الرجوع فيها إلى مراجع حديثة عن المدينة وآثارها ومعالمها التاريخية، أو أنه لم يفد منها بما فيه الكفاية، فضلًا عن عدم الوقوف عليها أو بعضها بنفسه كما فعل المؤلف.
ومن ثم معرفة أوضاعها وأحوالها وما بقي منها أو أزيل أو عرف أو جهل موقعه
…
وغير ذلك مما ينبغي أن يقرره كل باحث في عصره في هذا المجال، ويحتاج القارئ إلى معرفته في هذا العصر. انظر مثلًا ص 251، ص 310، ص 315، ص 324، ص 325، ص 355، ص 356.
وهناك الكثير من المساجد والآبار في الكتاب لم يعرف بها، أو عرف بها وأهمل ذكر حالها في هذا العصر. كما أن عددًا من المواقع وردت في الكتاب ولم يعرف بها مثل شعب علي وورقان ص 233، والجرف ص 261، وحارة الدوس ص 262، والنازية ص 328، وتلعة ص 330، وبيت الحية ص 347.
كما عرف ببعض المواقع والمعالم خطأ ومنها: الضبوعة ص 310 قال عنها بأنها تقع قرب الصفراء والصحيح أنها قرب المدينة وبعيدة عن وادي الصفراء ومن ذلك أيضًا نسب أبيار علي إلى علي رضي الله عنه ص 316 وهذا غير صحيح. كذلك ذكر أن وادي الصفراء يقع جنوب المدينة بمسافة (54) كيلًا ص 329، والصحيح أنه يقع غربها على مسافة (90) كيلًا.
ومنها أيضًا وصفه موضع مبرك ص 333 هـ 4 بأنه مبرك ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا خطأ معيب، فهو هنا موضع في الطريق إلى مكة.
وكذلك ذكر أن «عصر» يقع بين المدينة ووادي الفرع، والصحيح أنه يقع بين المدينة وخيبر.
وهذا كله على سبيل المثال لا الحصر مما لا يتسع المجال لذكره هنا.
وقد ظللت أرقب هذا الكتاب لعل أحدًا يتصدى لتحقيقه كما ينبغي أو يقرب من ذلك حتى قيض الله تعالى لي من الوقت والجهد فقُمت بذلك، وتوفرتُ على جمع أقدم نسخة المخطوطة بعد نسخة المؤلف، ومنها ثلاث نسخ تعود إلى الثلاثين سنة التي أعقبت وفاة المؤلف عام 741 هـ.
وعلى الرغم من أن المطري مؤلف مقل، وليس له شهرة مؤرخي المدينة الآخرين كابن النجار والفيروزآبادي والسمهودي، إلَّا أن معاصرته لبعض الأحداث ووقوفه بنفسه ميدانيًّا على كثير من المعالم، واعتبار كتابه أحد المصادر المبكرة التي اعتمد عليها من جاء بعده جعلت له أهمية وقيمة تاريخية لا يمكن إغفالها. ثم هو- وقد أدركنا- جدير بالعناية والاهتمام اللذين حظيت بهما مؤلفات في تاريخ المدينة أقل منه قيمة في المعنى والمبنى.
راجيًا أن أكون قد وفقت في تحقيقه وإخراجه بصورة هي أقرب ما تكون إلى الصورة التي كتبها بها مؤلفه، وخدمتها بتخريج أحاديثها، والتعريف بأعلامها ومعالمها، بإيجازٍ وتوازن لا يخل أو يطغى على المتن وغير ذلك مما يتطلبه منهج التحقيق، وبالذات المعالم وهي ما قصدها المؤلف من تأليف كتابه، وأترك لأهل الاختصاص والقراء الحكم والتمييز بين هذا الجهد والجهود السابقة المبذولة نحو هذا الكتاب، ولا أزعم الكمال فهناك هفوات وقصور لا يخلو منها مثل هذا العمل.
وفي الختام أشكر كل من قدم لي خدمة أو ساعدني في معلومة، أو أبدى رأيًا في مراحل تحقيق الكتاب المختلفة. ولا يفوتني أن أشكر دارة الملك عبد العزيز بالرياض على نشر الكتاب ووضعها كشافات للأحاديث والأماكن به حرصًا من الجميع على خدمة طيبة الطيبة وخدمة تاريخها فجزاهم الله خيرًا وأمتع ناظرهم بكل مفيد لها، وجعلها في موازين الأعمال يوم الدين، ورزقنا شفاعة ساكنها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
المحقق
الأستاذ الدكتور سليمان الرحيلي
المدينة المنورة
رمضان المبارك 1423 هـ
حياة المؤلف
مولده ونشأته:
هو محمد بن أحمد بن محمد بن خلف بن عيسى بن عباس بن يوسف بن علي بن عثمان المطري، ومن ألقابه أيضًا الأنصاري والسعدي والعبادي والمدني، وكثيرًا ما يوصف بها أو أحدها
(1)
. وكنيته أبو عبد الله، ولقب بجمال الدين، والجمال المطري.
عاش جده خلف في الطور في سيناء، ومنها انتقل إلى مدينة المَطَرية
(2)
في مصر وعاش فيها، ثم انتقل ابنه أحمد والد المؤلف إلى المدينة فعاش فيها وعرف بالمطري
(3)
. وفي المدينة ولد له ابنه محمد في سنة 671
(4)
، ورجح ابن حجر أنه ولد في سنة 676 هـ لوجوده بخط ابنه
(5)
. وفيها نشأ وتعلم، وأصبح أحد العارفين بالمواقيت حيث ورثها عن والده
(6)
.
(1)
ابن فهد: لحظ الألحاظ ص 110؛ السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 466.
(2)
المطرية: مدينة مصرية قديمة ذكرها ياقوت وغيره كانت على مشارف القاهرة، وقد أصبحت في العصر الحديث إحدى ضواحيها الشمالية، وينسب إليها عدد من الأعلام ومنهم والد المؤلف.
(3)
السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 466.
(4)
ابن فرحون: نصيحة المشاور وتعزية المجاور ص 151.
(5)
ابن حجر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ج 3 ص 315.
(6)
نفسه.
كما تولى الأذان بالمسجد النبوي وكان من أحسن الناس صوتًا فأصبح فيه من المؤذنين الرؤساء
(1)
. ويذكر ابن فرحون أنه ناب في القضاء والخطابة والإمامة في المدينة
(2)
، وقد كان حسن الخلق، جامعًا للفضائل
(3)
، محبًا للإحسان مثل رعايته لابن فرحون وإخوانه الذي يقول عنه: لم نجد بعد والدنا مثله في الإحسان إلينا والشفقة بنا، ولي تربيتنا وتعليمنا، والسعي في مصالحنا كأبينا، وكان لكل قادم في المدينة كالأهل في الإسكان والكسوة والتعريف
(4)
.
كما كان على دراية بأنساب العرب، ويقرض الشعر أحيانًا
(5)
.
شيوخه:
تتلمذ على يد أبي اليمن عبد الصمد بن عساكر وهو أحد علماء الحجاز نزل مكة نحوًا من أربعين سنة ثم نزل المدينة وتوفي بها سنة 686 هـ، لذا يلقب بنزيل الحرمين
(6)
. له تصانيف عدة واشتهر في علم الحديث، وله مؤلف عن جبل حراء
(7)
. وآخر اسمه تحفة الزائر
(8)
ويبدو أن المؤلف أدركه في آخر حياته عندما نزل المدينة، وروى عنه في كتابه.
وكذلك روى عن شرف الدين أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الذي كان عالمًا بالفقه والأنساب والحديث وصنف كتاب الترغيب
(1)
نفسه.
(2)
ابن فرحون: نصيحة المشاور ص 128.
(3)
ابن فهد: لحظ الألحاظ ص 110.
(4)
ابن فرحون: نصيحة المشاور ص 149، السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 468.
(5)
السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 467.
(6)
السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 18.
(7)
الكتبي: فوات الوفيات ج 1 ص 275.
(8)
السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 467.
والترهيب، واختصار صحيح مسلم، وكتاب الخيل والصلاة. وتوفي سنة 705 هـ
(1)
.
وكذلك أخذ عن التاج علي بن أحمد العراقي أحد علماء التفسير والحديث بمصر وتلقى عنه المؤلف بالإسكندرية عند زيارته لها كما سيأتي، وتوفي عام 704 هـ
(2)
.
وكذلك عن عفيف الدين عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن عرفة، نزيل المدينة، أصله من البصرة، وهو أحد محدثي المدينة في القرن السابع، وتوفي بها سنة 699 هـ
(3)
، وهو ممن أثبت أن جبل ثور المذكور في حدود الحرم جبل معروف بالمدينة، واعتمد عليه المؤلف في ذلك
(4)
.
ومنهم أيضًا الشيخ سراج الدين عمر بن أحمد الخضري المشهور بالسراج، أحد قضاة المدينة وقتذاك، وكان جمال الدين المطري يتلقى عنه ويحضر دروسه
(5)
.
كما تتلمذ المطري على آخرين مثل أحمد بن إسحاق الأبرقوهي المتوفى في مكة سنة 701 هـ ودرس عليه الحديث، وكان مجيدًا في الحديث والسيرة النبوية
(6)
.
(1)
السيوطي: طبقات الحفاظ ج 1 ص 505.
(2)
الذهبي سير أعلام النبلاء ج 9 ص 84؛ ابن فهد: لحظ الألحاظ ص 94.
(3)
السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 17.
(4)
نفسه.
(5)
ابن فرحون: نصيحة المشاور ص 214.
(6)
الفاسي: العقد الثمين ج 3 ص 15؛ ابن فهد: لحظ الألحاظ ص 110.
وكذلك أخذ المطري عن محمد بن القطب القسطلاني المتوفى عام 704 هـ بمكة، وكان أحد علماء الحديث فيها
(1)
، ومنهم أيضًا تقي الدين الحسين بن علي بن ظافر المالكي، والعز الفارقي. كما تتلمذ عليه وروى عنه نفر من العلماء مثل ابنه عفيف الدين عبد الله، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن فرحون
(2)
، ومحمد بن يحيى الخشني أحد مؤذني المسجد النبوي وقتذاك
(3)
.
رحلاته:
عاش جمال الدين المطري حياته في المدينة منذ أن استقرت أسرته فيها، ولم يذكر له المؤرخون رحلات سوى ما ذكره هو في كتابه هذا من أنه سافر إلى مكة لأداء الحج والعمرة، وهناك التقى بعض علمائها.
وفي طريقه إليها وقف على القليل من مساجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خارج المدينة ومعالم غزواته، ولهذا وصفها بأنها غير معروفة، وهو وصف غير دقيق بالتأكيد.
كما رحل إلى الطائف في سنتي 696 هـ و 727 هـ، مما أتاح له الوقوف على بعض معالمها المتعلقة بكتابه، وبالذات في موضوع مساجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هناك. كما رحل إلى الإسكندرية مرتين إحداهما في سنة 697 هـ وقابل خلالها التاج علي بن أحمد العراقي وتتلمذ عليه. كما زارها مرة أخرى في سنة 727 هـ. واقتصاره في رحلاته على مصر يفهم في ضوء صلاته الاجتماعية بها فأصله من هناك
(4)
.
(1)
ابن فهد: لحظ الألحاظ ص 110.
(2)
ابن فرحون: نصيحة المشاور وتعزية المجاور ص 80، 81، 110، 151.
(3)
السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 467.
(4)
أورد المؤلف أخبار رحلاته في ثنايا كتابه.
مؤلفاته:
نص المؤلف على عنوان كتابه هذا في مقدمته وسماه «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» وجاء ضبط كلمة «أنست» بفتح الهمزة وسكون النون وفتح السين مضبوطًا بهذا الشكل في عنوان نسخة الأصل التي اعتمدنا عليها، ثم ذكر المؤلف ما يوحي بهذا الضبط ويبرر قبوله بقوله: «وقد خلت- أي المدينة- ممن يَعرف معالمها وأخبارها ويعرف معاهدها وآثارها فذكرت في هذا المختصر من ذلك ما عرفته
…
وسميته التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» فكأن المؤلف يريد أن يعرف بما ناله الهجر والنسيان والاندثار من معالم المدينة، وهذا كله يصحح ما شاع من أن اسم الكتاب هو التعريف بما آنست .. أي بمد الهمزة من الأنس، ويظهر أن هذا الخطأ أول ما ظهر كان من أحد النساخ في كتابة عنوان إحدى نسخ مخطوطاته ثم شاع في فهارس المخطوطات ونسخة الكتاب المطبوعة وتابع ذلك كثيرون دون تمعن في دلالة العنوان وإيماء المؤلف إلى مراده منه.
ويشير ابن حجر إلى كتاب «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» للمطري بقوله: «وصنف تاريخًا مفيدًا»
(1)
، ويقول السخاوي:«وصنف تاريخًا للمدينة مفيدًا»
(2)
، وهذا من باب الوصف له، وليس النص على عنوانه بينما نص ابن فهد عليه فقال:«وألف لها- أي المدينة- تاريخًا سماه التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة»
(3)
ولم نجد في المصادر التي ترجمت لجمال الدين المطري ذكرًا لمؤلفات له عدا كتابه هذا، كما لم يشر المؤلف نفسه في ثنايا كتابه إلى رسائل أو كتب أخرى له عدا النص على كتابه هذا بالعنوان ذاته. وهذا يجعل ما ذكره حاجي خليفة من أن للمطري
(1)
ابن حجر: الدرر الكامنة ج 3 ص 315.
(2)
السخاوي: التحفة اللطيفة ج 3 ص 473.
(3)
ابن فهد: لحظ الألحاظ ص 110.
كتابًا آخر اسمه إتحاف الزائر
(1)
أمرًا مشكوكًا فيه، حيث إن هذا الكتاب ثابت النسبة لشيخه أبي اليمن ابن عساكر. ويبدو أن هناك لبسًا عند حاجي خليفة حول هذا الكتاب فمرة نسبه لأبي اليمن ابن عساكر، ومرة لتلميذه المطري، وثالثة لأبي اليمن البغدادي الدمشقي
(2)
.
وقد توفي المؤلف- رحمه الله تعالى- بالمدينة سنة 741 هـ ودفن بالبقيع
(3)
، ولم أجد خلافًا في ذلك بين المؤرخين.
(1)
كشف الظنون ج 1 ص 6.
(2)
نفسه.
(3)
ابن فرحون: نصيحة المشاور وتعزية المجاور ص 151؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ج 3 ص 315؛ ابن فهد: لحظ الألحاظ ص 110.
منهج المؤلف
كان منهج المطري في كتابه هذا واضحًا، فقد اعتمد فيه على الرواية بالسند، وطالت سلاسل بعض الأسانيد عنده، حتى استغرقت أسطرًا كثيرة واستوى في ذلك الخبر الطويل أو القصير، حتى إن إحدى نسخ الكتاب المخطوطة ملّ صاحبها من ذلك وحذف أسانيدها.
كما اعتمد على كثير من المصادر الأصيلة العامة أو الخاصة بتاريخ المدينة، ومثال الأولى الصحيحان، وبعض كتب السنة، وكتب الأنساب والتاريخ، مثل مؤلفات الزبير بن بكار والطبري وابن خلكان وابن كثير.
ومثال الثانية الاعتماد على ابن زبالة في تاريخه عن المدينة. ومحب الدين ابن النجار (ت 641 هـ) في كتابه «الدرة الثمينة في تاريخ المدينة» الذي اعتمد عليه كثيرًا، حتى إن حاجي خليفة وصف كتاب المطري بأنه ذيل على كتاب ابن النجار. كما أورد عددًا من المصادر الأخرى رجع إليها في الغالب مرة واحدة أو سمعها من أصحابها.
ويمكن رصد ملامح منهج المطري بما يأتي
- أنه يبدي رأيه في محاربة كثير من البدع التي تمارس داخل المسجد النبوي، ويصف مَنْ يقوم بها بالعامة أو الجهال، أو يصعفه بذكره بصيغة:«يقول عوام الناس» ، وأحيانًا يقول:«لا يصح ذلك» ، أو «كل هذا لم يرد به نقل فلا يعتمد عليه» .
- أن سكناه بالمدينة ومعايشته لكثير من أحداثها في عصره أتاحت له معرفة تاريخها ومعالمها عن قرب وكثب، مما أضفى على معرفته بها ومعلوماته حولها بعدًا تميز به عمن كتب عنها من المؤرخين الذين عاشوا خارجها أو الرحالة الذين زاروها في أوقات قصيرة، وإن لم يوظف ذلك بما فيه الكفاية.
- الوقوف بنفسه على كثير من المعالم والآثار الواردة في كتابه دون الاكتفاء بما ورد من وصفها في المصادر السابقة عليه، كما أتاحت له بعض رحلاته الوقوف على بعض المساجد والمعالم في طرق الحج والغزوات. وهي صفة ما زالت تعد مطلبًا مهمًا في الباحث؛ ولهذا نجده يقف ويعاين ويشاهد كثيرًا من الأماكن والمعالم من مساجد وآبار وقصور، ويعمد أحيانًا إلى قياس مسافاتها وأطوالها بذراعه.
- كان كثيرًا ما يميز كلامه من وصف أو شرح أو نقد عن المنقول عمن قبله بقوله: «قلت» ، وهو ما سيدركه القارئ بوضوح.
- لم يذكر المؤلف شيئًا عن الأحوال السياسية والاقتصادية والإدارية في المدينة خلال عصره التزامًا بمقصده من تأليف كتاب يعنى بوصف معالمها وتحديد مواقعها وبقائها أو زوالها في عصره.
نسخ الكتاب
توجد للكتاب نسخ متفرقة بين دور المخطوطات، وقد اعتمدت في تحقيقه على أقدم ثلاث نسخ منها، كتبت كلُّها خلال الثلاثين سنة التي تلت وفاة المؤلف عام 741 هـ، وأقدمها كتبت بعد وفاته بسنتين، أما الرابعة فهي تعود إلى القرن الثاني عشر، وهي نسخة نفيسة إلّا أنها متأخرة ومحذوفة الأسانيد، وقد نُص على ذلك في أولها، ولذلك فإنني لم أعتمد عليها وعددتها نسخة ثانوية. أما ما أشارت إليه نسخة الكتاب المطبوعة في آخرها بما يوحي أنها معتمدة على نسخة المؤلف بعبارة «قال المؤلف» وأن تاريخها هو 741 هـ فهو مصحف عن 743 لكي يتوافق مع وفاة المؤلف، فلم يثبت لدي ما أُشير إليه في ذيل النسخة، فيما اطلعت عليه من نسخ الكتاب، ويقيني أنه مجانبٌ للحقيقة.
والنسخ التي اعتمدتها في تحقيق الكتاب هي:
النسخة الأولى:
وهي نسخة مُذهَّبة كتبت بخط معتاد، ويعود تاريخ نسخها إلى يوم الإثنين الخامس من شهر شوال سنة 743 هـ أي بعد وفاة المؤلف بسنتين، وقد تمت مقابلتها وقتذاك كما ظهر في آخرها، وعليها عدد من التملكات وعدد صفحاتها (168) صفحة في كل منها خمسة عشر سطرًا، وهي محفوظة في مكتبة الشيخ عارف حكمت برقم (3815) ضمن مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة وظهر ختم مكتبة الشيخ عارف حكمت عليها في أكثر من ورقة مؤرخًا بعام 1267 هـ.
وهي أقدم نسخ الكتاب المتوافرة، وقد خلت من النقص والخرم وأجيزت مقابلة وسماعًا وقتذاك على نسخة المؤلف لقرب تاريخ نسخها فيما يبدو، وقد اعتمدت عليها وجعلتها أصلًا وأشرت لها بذلك في ثنايا الكتاب.
النسخة الثانية:
وهي نسخة خزائنية كتبت بخط نسخ جيد بعناوين كبيرة ملونة يبلغ عدد صفحاتها (163)، وعدد أسطر كل منها (15) سطرًا وشكل كثير من كلماتها. تم نسخها في القاهرة في يوم الأربعاء الرابع من شهر ربيع الأول سنة 759 هـ وفي السنة التالية تمت مقابلتها بأصلها بالمسجد النبوي بالمدينة على يد ابن المؤلف عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطري في يوم الأربعاء الخامسِ عشر من شهر شوال سنة 760 هـ.
وهي في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (9316) وقد اعتمدت عليها في كل مراحل تحقيق الكتاب وأفدت منها كثيرًا في ضبط كثير من كلماته ورمزت لها بحرف (ب) في ثنايا الكتاب.
النسخة الثالثة:
وهي نسخة تعود إلى أواخر سنة 772 هـ وقد نسخت في البداية بالمدينة المنورة على يد أبي محمد عبد الله الأصفهاني وذيلت بما يفيد قراءتها في مجلس واحد بغرض المقابلة وطلب الثواب للمؤلف فيما يبدو. وقد كتبت بخط معتاد، ثم تعرضت إلى خرم في مواضع كثيرة فأكملت بخط آخر معتاد أصغر حجمًا. يبلغ عدد صفحاتها (140) صفحة تراوح عدد أسطر صفحاتها بين (19) و (21) سطرًا، عليها عدد من الأختام الحديثة تُثبت وقف السيد الصافي لها على المكتبة بالمدينة سنة 1327 هـ.
كما توجد صور منها في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، ومركز بحوث ودراسات المدينة بالمدينة المنورة، وقد استعنت بها في تحقيق كتاب ورمزت لها بحرف (ص).
والنسخ الثلاث قليلة الاختلاف كما سيلحظ القارئ وهذا يعود إلى حسن مقابلتها وإجازتها وقتذاك، إلّا أنها تتفاوت في إيراد التتمة التي نص على عدم دخولها في السماع فقد وردت في النسخة الأولى في آخر الكتاب وجاءت في النسخة الثانية والثالثة في مناسبتها في وسط الكتاب، إلَّا أنني التزمت بإيرادها وفق مكانها في النسخة الأولى عندما جعلتها أصلًا كما أن نسخًا متأخرة للكتاب سارت على ذلك.
النسخة الرابعة:
وهي نسخة نفيسة الشكل مُذَهَّبة خطها نسخ إلّا أنها متأخرة، وتعود إلى القرن الثاني عشر الهجري فيما يبدو. عليها أختام عدة لمكتبة الشيخ عارف حكمت تعود إلى عام 1267 هـ باستثناء ختم صفحة العنوان فهو يعود إلى سنة 1266 هـ. وما زالت محفوظة في مكتبته ضمن مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة. وهي محذوفة الأسانيد الأصلية في الكتاب، وقد نص على ذلك في ورقتها الثانية، وتكرر فيها إيراد تتمة الكتاب المشار إليها آنفًا مرة في وسطها ومرة في آخرها، كما ذيلت بتعليق ذكر أنه يضاهي موضوع الكتاب. وقد عددتها نسخة ثانوية رجعت لها في أحيان قليلة في رسم بعض الكلمات أو شكلها.
منهج التحقيق
اتبعت في تحقيق الكتاب القواعد العامة في تحقيق المخطوطات وبالذات التاريخية، وقمت بالخطوات الآتية:
- أولًا: إخراج نص الكتاب على أقرب مراد للمؤلف بالاعتماد على أقدم نسخة وهي التي تعود إلى عام 43 هـ أي بعد انتهاء المؤلف من كتابه بثلاث سنوات ووفاته بسنتين، ومقابلتها على النسخ الأخرى، وهي نسخ أيضًا قريبة منها جدًّا كما سبقت الإشارة، وأثبتُ الاختلاف بينها في الهوامش.
- ثانيًا: رجعت إلى المصادر التي نقل منها المؤلف، ووثقت معلوماته عنها بالجزء والصفحة وقابلت ما أخذه بمصادره الأصلية، وقد ساعدني في ذلك أن المؤلف اعتمد اعتمادًا كبيرًا على ابن النجار (ت 643 هـ) في كتابه الدرة الثمينة.
- ثالثًا: خرجت الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب، وقد استغرق ذلك وقتًا وجهدًا، فقد تساهل المؤلف في ذكر كثير من الأحاديث الضعيفة في فضائل الأمكنة والمعالم، وقد اكتفيت بالحكم على نصوص الروايات الواردة في المتن، ولم أُعْن بتراجم رجال السند الواردين في تلك الروايات بعد معرفة حال متونها، وهي سلاسل طويلة أثقلت متن الكتاب مما دعا إلى حذفها من إحدى نسخه المخطوطة. ولم أشأ أن أثقل بها هوامشه.
- رابعًا: عرَّفت ببعض الأعلام وبالأمكنة الواردة في النص وقارنت بين مواقعها وأسمائها القديمة والحديثة وما آلت إليه في هذا العصر، وألحقت به خرائط عدة في الملحق تساعد في تصور المعالم التي ذكرها المؤلف ووقفتُ على العديد منها سواء في داخل المدينة أم خارجها.
- خامسًا: شرحت كثيرًا من المصطلحات والألفاظ التي تصعب على القارئ، وبيَّنت معانيها ودلالاتها، ومناسبتها في المتن.
- سادسًا: ضبطت كثيرًا من كلام النص الصعبة أو التي تحتمل أن تقرأ بصور عدة وكذلك بعض الأعلام وأسماء المواقع، وأشرت أحيانًا في الهوامش إلى طريقة كتابتها في الأصل.
- سابعًا: ورد في المتن مواطن غموض أو زيادة إيضاح أو احتياج رابط ونحو ذلك مما يتطلبه السياق فوضعت ما يناسبه في المتن بين قوسين معقوفتين بالاعتماد على مصادر المؤلف في الغالب.
- ثامنًا: حررت النص وفق ضوابط الكتابة الحديثة المعهودة للقارئ في هذا العصر، واستخدمت الكثير من الفواصل والنقاط وبداية الفقرات وغيرها من علامات الترقيم.
- تاسعًا: أبقيت عناوين الكتاب وترتيب مادته كما وضعها مؤلفه دون تغيير حتى إنني التزمت بحجم بعض أسماء المعالم أو الكلمات بحروف أكبر من سواها تبعًا لما وردت به في الأصل.
وقد بذلت كل خطوة أو مرحلة من مراحل تحقيق الكتاب جهدي قدر الإمكان، واعتمدت على مصادرها المتخصصة التزامًا بالمبدأ المنهجي الثابت وهو أخذ المعلومة المناسبة من المصدر المناسب.
وحرصت ألَّا أثقل الكتاب بهوامش وشروح وتراجم تثقل متنه وتطغى عليه، فقد اختصرت في التخريج والتعريفات بما يتناسب وحجم المتن، ويكون محققًا للفائدة دونما إسهاب، وهو ما أراه في منهج تحقيق الكتب التاريخية والأدبية ونحوها.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وحده، وبه نستعين
(1)
.
الحمد لله
(2)
الذي شرف طَيْبَةَ الطيِّبَةَ بحلول مصطفاه، وخصها بشريف سَكنِه، ووَرِيفِ ظل وطنه، وكريم مثواه، وجعلها دار هجرته الذي يأرِزُ
(3)
الإيمان إليها عند اقتراب الأمر وبلوغ منتهاه، وأراه بثبات أوسها، ووثبات خَزْرَجِهَا، من النصر ما قَرَّتْ به عيناه، وأظهر فيه دينه الذي أتم به نعمته على خلقه، وأكمله لهم وارتضاه. أحمده ولا يحمد على النعم سواه، وأشكره على ما خَوّله من جزيل كرمه وأسداه، وأشهد أن لا إلَهَ إلَّا الله وحده لا شريك له نعم الرب ونعم الحسب نِعْمَ الإلَه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي اختاره مِنْ خَلقه واجتباه، وكَرّمه بعظيم خُلقه وحَبَاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة بدوام ملك الله.
(1)
في (ب) بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد، وفي (ص) حذفت عبارة الحمد لله وما بعدها.
(2)
بدئت كل من (ب) و (ص) بعبارة قال الشيخ الإمام العالم العامل، ثم ذكر أربعة أسطر في أوصاف المؤلف وذكر كنيته واسمه ولقبه والدعاء له بالرحمة.
(3)
يأرز: أي ينضم إليها، ويجتمع بعضه إلى بعض فيها، كما جاء في هامش صفحة الأصل وهو صحيح، واللفظة مأخوذة من الحديث كما سيأتي بعد قليل.
وبعد فإن العناية بالمدينة الشريفة متعينة، والرعاية لعظيم حرمتها لكل خير متضمنة، والوسيلة بنشر شرفها شافعة، والفضيلة لأشتات معاهدها جامعة، لأنها طابة
(1)
ذات الحجرة المُفَضلة، ودار الهجرة المُكَمَّلة، وحَرَم النبوة المُشرفة بالآيات المُنزَّلة، والمسجد الذي تشد إليه الرِّحال المُرقِلَة
(2)
. والبقعة التي تهبط
(3)
الأملاك عليها، والمدينة التي يأْرِزُ الإيمان إليها
(4)
، والمسجد الذي تفوح أرواح نجد من ثياب زائريه
(5)
، والمورد الذي لا يَروى
(6)
من الشوق غُلّة
(7)
واردِيه، والعَرصة
(8)
التي خَصَّها الله تعالى عز وجل بالنبي الأطهر، والحُوْمة
(9)
التي فيها الروضة المُقدسة، بين القبر والمنبر، والتربة التي سَمت بساكنها على الآفاق، وفَضُلَتْ بِقاعَ الأرض على الإطلاق
(10)
، فهي كما قيل:
جَزَم الجميع بأنّ خيرَ الأرض ما
…
قد حاط ذاتَ المُصطفى وحَواها
(1)
طابة: بتخفيف الباء اسم من أسماء المدينة بمعنى طيِّبة، وطابة وطيبة بإسكان الوسط وطيبة بتشديده كلها من أسمائها متشابهة في اللفظ والمعنى، وفي الحديث الصحيح «إن الله سمى المدينة طابة». مسلم: صحيحة ج 2 ص 1007؛ السمهودي ج 1 ص 16.
(2)
المرقلة: أي المسرعة.
(3)
في أيمن هذه الصفحة بالأصل تعليق باللغة التركية، وإشارة إلى أصل الفعل يأرز في الصحاح للجوهري.
(4)
هذه الجملة مأخوذة من الحديث الصحيح «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها» . البخاري: ج 2 ص 663
(5)
اشتهرت نجد عند العرب بروائح زهورها البرية من خُزامى ونَفْل ونحوها، والمؤلف يشير إلى ذلك.
(6)
في (ب) و (ص) لا تروي.
(7)
غلة: أي عطش. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ج 3 ص 412.
(8)
العرصة: الأرض الواسعة بين الدور والجبال ونحوها ومعناها هنا البقعة.
(9)
الحومة: تأتي بالفتح وصف للرمل الكثير أو أشد موضع فيه أي بؤرته، وتأتي بالضم بمعنى البِلَّور. المصدر السابق ج 3 ص 746.
(10)
بالغ المؤلف هنا في الوصف، وكان ينبغي عليه أن يستثني مكة، فالثابت شرعًا أنَّها أحب البقاع إلى الله.
وَنَعَمْ لَقد صَدَقوا بِساكنها عَلَتْ
…
كالنفسِ حين زكتْ زكا مأواها
(1)
وَقد خلتْ مِمنْ يَعرِفُ معالمَها وأخبارَهَا، ويعرِفُ معاهِدَهَا وآثارَها، فَذكرتُ في هذا المُختصر
(2)
من ذلك ما عرفتهُ، وبعض ما ورد في فضلِها وأسندته، رجاء ثواب الله العميم، وشفاعة نبيه الكريم، وأن يجعلنا من خِيار أمته ويحشرَنا معه في زمرته، غير خزايا ولا نادمين، ولا مُغيّرِين، ولا مبدلين آمين آمين آمين، وسميته التعريفَ بما أَنْسَتْ الهجرةُ من مَعَالِمِ دار الهِجرةَ
(3)
.
(1)
هذان البيتان من قصيدة طويلة مطلعها:
دار الحبيب أحق أن تهواها
…
وتحن من طرب إلى ذكراها
لعبد الله بن عمران البسكري نسبة إلى بسكرة بلدة بالجزائر، جاور بالمدينة مدة وتوفي بها سنة 713 هـ. ابن حجر: الدرر الكامنة ج 2 ص 385. وانظر القصيدة كاملة عند السمهودي: وفاء الوفاء ج 4 ص 1420
(2)
وصف المؤلف كتابه بأنه مختصر تواضعًا كعادة العلماء. وفي هذا رد على من يقول بأنه ذيل على كتاب الدر الثمينة لابن النجار، إذ إن المؤلف لم يذكر ذلك البتة.
(3)
هذا هو اسم الكتاب كما أراده له مؤلفه، وهو يتفق مع ذكره في صفحة العنوان في الأصل، ولم ترد فيه لفظة كتاب كما جاء في نسخة (ب) كما أنه لا يتفق مع وصف بعضهم له بتاريخ المطري.
ما جاء في فضل المدينة من صحيح البخاري
حدثنا الشيخ الإمام العالم أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن أبي الحسن عبد الوهاب بن عساكر رحمه الله ثنا الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي البغدادي حدثنا شيخ الإسلام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب، ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداوودي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حَمويْه السرخسي، ثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن يوسف ابن بشر بن مطر الفَرْبري، ثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا
(1)
مالك عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمرت بقرية تأكل القُرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكيرُ خبَثَ الحديد»
(2)
. وبه
(3)
إلى البخاري
(4)
، حدثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الرحمن، ثنا شيبان
(5)
، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال:«ما عندنا شيء إلَّا كتاب الله وهذه الصحيفة» .
(1)
في (ب) و (ص) أنا. أخبرنا مختصرة.
(2)
البخاري ج 2 ص 662.
(3)
وبه أي بالصحيح.
(4)
هكذا بالأصل، وفي (ب) بدون كلمة البخاري وهو الأقرب.
(5)
في الأصل شيبان وهو خطأ وصوابه سفيان أي سفيان الثوري العالم المشهور كما في صحيح البخاري.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «المدينة حَرمٌ ما بين عير إلى كذا
(1)
، من أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرف ولا عدل»
(2)
. وبه
(3)
قال: ثنا خالد بن مخلد، ثنا سليمان، حدثني عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل بن سعد، عن أبي حميد، قال: أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك
(4)
حتى أشرفنا على المدينة فقال: «هذه طابةٌ» وبه قال: ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا أنس بن عياض حدثني عبيد الله عن خبيب
(5)
بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها»
(6)
وبه
(7)
قال: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان ابن أبي زهير عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يفتح اليمن فيأتي قوم يُبِسون
(8)
فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يُبِسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون»
(9)
. وبه قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثني أخي عن سليمان، عن عبيد الله، عن سعيد
(1)
هكذا في الصحيح (ج 3 ص 1157) ولكن هذا الحديث جاء برواية أخرى وفيه «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور
…
». البخاري ج 6 ص 2482.
(2)
البخاري ج 3 ص 1157.
(3)
وبه أي بالصحيح.
(4)
تبوك: اليوم مدينة كبيرة معروفة تنسب لها الغزوة المشهورة، وتبعد عن المدينة 720 كيلًا إلى الشمال.
(5)
في الأصل جندب والصواب خبيب كما ورد في الصحيح الذي ينقل عنه المؤلف.
(6)
البخاري ج 2 ص 663. وفي (ب) إلى حجرها تصحيف.
(7)
وبه أي بالصحيح.
(8)
يبسون: أي يزين لهم ومن ثم يسيحون، ويخرجون منها إلى غيرها. ابن منظور ج 1 ص 212؛ ابن حجر: فتح الباري ج 4، ص 93.
(9)
البخاري ج 2 ص 663، وقد وردت تفتح بالأصل يفتح بالياء في كل الحديث والصواب ما أثبتناه كما جاء في الصحيح.
المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«حُرِّم ما بين لَابَتَي المدينة على لساني»
(1)
وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني حارثة، وقال:«أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم» ثم التفت، فقال:«بل أنتم فيه»
(2)
، وبه قال: وحدثنا عبد العزيز ابن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد عن جده
(3)
عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يدخل المدينة رُعْب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان»
(4)
.
وبه قال وحدثنا إبراهيم بن المنذر ثنا الوليد ثنا أبو عمرو ثنا إسحاق حدثني أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليس من بلد إلّا سيطؤه الدجال إلّا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب
(5)
إلّا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث
(6)
رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق»
(7)
. وبه قال حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثًا طويلًا عن الدجال، فكان فيما حدثنا به أنْ قال: «يأتي الدجال- وهو مُحرّمٌ عليه أن يدخلَ نِقاب المدينة- ينزل بعض السباخ التي بالمدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنك حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر، فيقولون: لا، فيقتله ثم
(1)
البخاري ج 2 ص 663.
(2)
نفسه.
(3)
هكذا في الأصل وصواب السند عن جده عن أبيه عن أبي بكرة كما ورد في الصحيح.
(4)
البخاري ج 2 ص 664.
(5)
النقب هنا معناه الطريق. ابن منظور ج 6 ص 698.
(6)
في الأصل ثلاثة. وفي (ب) كما أثبتناه والحديث بهذا السند بدون إليه، وتوجد بسند آخر وكلاهما صحيح.
(7)
أورد المؤلف الحديث بحذف له وكلمة نقب.
يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنتُ قط أشد بصيرة مني اليوم فيقول الدجال: أَقتلُه فلا أسلط عليه»
(1)
.
وبه قال حدثني عبد الله بن محمد ثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال: سمعت يونس عن ابن شهاب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَيْ ما جعلت بمكة من البركة»
(2)
، وبه قال ثنا قتيبة ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات
(3)
المدينة أوضع
(4)
راحلته، وإن كان على دابة حرَّكها من حبها
(5)
. وبه قال ثنا عبيد بن إسماعيل ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنه ا قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وُعِك أبو بكر وبلال رضي الله عنه ما، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى
(6)
يقول:
كل امرئ مُصبَّح في أهله
…
والموت أدنى من شراك نعله
(7)
وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته فيقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً
…
بوادٍ وحَولي إذخرٌ
(8)
وجَليلُ
(9)
(1)
البخاري ج 2 ص 665. وقد سقط عنك من السند والصحيح ما أثبتناه كما جاء عند البخاري، ومثلها أسلط جاءت في الأصل يسلط.
(2)
البخاري ج 2 ص 666.
(3)
هكذا في كل النسخ وفي رواية أخرى درجات المدينة. البخاري ج 2 ص 638.
(4)
أوْضَع راحلته: أي يحملها على السير السريع. ابن منظور ج 6 ص 942.
(5)
البخاري ج 2 ص 666.
(6)
في الأصل الحما. وفي (ب) الحمى.
(7)
هذا البيت لشاعر اسمه حنظلة بن يسار قاله في يوم ذي قار، وهو أحد أيام العرب المشهورة قبيل الإسلام. وقد تمثل به أبو بكر الصديق رضي الله عنه هنا عندما أخذته الحمى. الزرقاني: شرح موطأ الإمام مالك ج 5 ص 212.
(8)
الإذخر نبات عشبي يرتفع نحو الذراع أوراقه على هيئة خيوط ناعمة، وله أزهارٌ بِيضٌ ورائحة ذكية، إذا ما فُرك، وله استخدامات طبية قديمة. ويكثر في الحجاز وما زال يعرف باسمه في المدينة ومكة. انظر: الغساني: حديقة الأزهار ص 29. انظر الرسالة ص 101.
(9)
جليل: هو نبات الثمام، وهو نبات تحشى به الأرائك. ابن منظور: لسان العرب ج 1 ص 488.
وهل أَرِدَنْ يومًا مياه مَجنّةٍ
(1)
…
وهل يَبْدُوَنْ لي شامةٌ
(2)
وطفيلُ
(3)
اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف
(4)
كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا، وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة»
(5)
قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله قالت/: فكان بطحان
(6)
يجري نجلًا، تعني ماء آجنًا
(7)
.
(1)
مياه مجنة: موضع ماء بالقرب من مر الظهران على بريد من مكة كانت تكثر به الآبار والبساتين. البكري: معجم ما استعجم ج 3 ص 892، ج 4 ص 1187.
(2)
شامة: جبل شمال مكة.
(3)
طفيل: جبل بالقرب من جبل شامة السابق ذكره وهو إلى الخبت أقرب جنوب غرب عقبة هرشى المشهورة المعروفة إلى اليوم. البكري: معجم ما استعجم ج 4 ص 1351.
(4)
هؤلاء الثلاثة من زعماء قريش وكبار مشركيها في مكة كانت له صولة وجولة، وفيهم شدة وتعذيب للمسلمين في مكة وعلى رأسهم بلال رضي الله عنه، كما حرصوا على إخراجهم من أرضهم، وقد قتل ثلاثتهم في غزوة بدر سنة 2 هـ.
(5)
البخاري ج 2 ص 667. والجحفة هي الميقات المعروف لأهل الشام ومصر وهي قرية قديمة كانت تسمى مَهْيعة ثم تعرضت لسيل كبير دمرها واجتحفها فسميت الجحفة وما زالت كذلك إلى اليوم بالقرب من مدينة رابغ. ياقوت: معجم البلدان ج 2 ص 111.
(6)
بطحان: هو أحد أودية المدينة المشهورة ينحدر من حرة شوران في الجنوب وما جاورها ويمر بشرقي قباء ثم يمر بالمدينة من غربي المصلى حتى منطقة الخندق أو المساجد السبعة حاليًا وكان إذا سال يشق المدينة مجرى مائه، ويحدث أضرارًا أحيانًا، وكانت تقوم على جنباته في الجنوب البساتين الغناء، أما الآن فقد اندرس هذا الوادي وأتى عليه العمران والشوارع والأحياء السكنية، ولم يبق إلّا اسمه، وسد كبير في أعلاه يسمى سد بطحان. وقد وصفَته أكثر تواريخ المدينة.
(7)
هكذا في البخاري ج 3 ص 667 وفي الأصل يعني ماء، وفي (ب) و (ص) يعني ماء آجنًا
…
وآجن أي متغير الطعم والرائحة. ابن منظور ج 1 ص 26.
أخبار
(1)
من صحيح مسلم
حدثنا الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، ثنا الشيخان الزكيان أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز التميمي وأبو البقاء صالح بن شجاع بن سيدهم المدلجي قالا: قال: حدثنا الإمام أبو المفاخر سعيد بن الحسين بن محمد الهاشمي المأموني قال: ثنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد الصاعدي الفراوي قال: ثنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفاسي قال: ثنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قال: ثنا الشيخ الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سيفان النيسابوري عن الإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله قال: ثنا قُتيبة بن سعيد، ثنا عبد العزيز يعني ابن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلَي
(2)
ما دعا به إبراهيم لأهل مكة»
(3)
.
وبه قال: ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير أن مروان بن الحكم
(4)
خطب الناس، فذكر مكة وأهلها
(1)
هكذا في الأصل وفي (ب) و (ص) بحذف كلمة أخبار.
(2)
في الأصل بمثل وفي (ب) و (ص) بِمثلَي، وهو موافق لرواية مسلم.
(3)
مسلم ج 2 ص 991.
(4)
مروان بن الحكم أحد أعلام البيت الأموي، ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بثلاث، شهد معركة الجمل ثم صفين مع معاوية، ثو ولي في خلافته إمارة المدينة له، تولى الخلافة مدة قصيرة قرابة ستة أشهر ثم توفي عام 65 هـ. ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 6 ص 258 - 259.
وحرمتها [ولم يذكر المدينة وأهلها وحرمتها]
(1)
فناداه رافع بن خديج فقال: ما لي أسمعك ذكرت مكة وحرمتها، ولم تذكر المدينة وأهلها وحُرمتها؟ قد حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتيْها. وذلك عندنا في أديم خولاني
(2)
إن شئت أَقرأتُكَه
(3)
. قال: فسكت مروان، ثم قال: قد سمعتُ بعضَ ذلك
(4)
. وبه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير
(5)
ثنا أبي ثنا عثمان بن حكيم حدثني عامر بن سعد عن أبيه
(6)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يُقطع عضاهها
(7)
أو يقتل صيدها، وقال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلّا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجَهدها إلّا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة»
(8)
.
وبه قال: وحدثنا ابن أبي عمر ثنا مروان بن معاوية ثنا عثمان بن حكيم الأنصاري أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر مثل حديث ابن نمير، وزاد في الحديث «ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلّا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء»
(9)
وبه قال:
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبتناه من أصل الحديث عند مسلم الذي ينقل عنه المؤلف.
(2)
أديم خولاني: الأديم هو الجلد المدبوغ، وأديم خولاني نسبة إلى خولان إقليم باليمن، وفيه دلالة على أن بعضهم كان يكتب الحديث وقتذاك غداة سماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفيه أيضًا أن بعض سلع اليمن ومنها الأدم كانت تجلب إلى المدينة.
(3)
أقرأتُكَه: أي جعلتك تقرأه. وفيه أسلوب إنكار وتحد للمخاطب.
(4)
مسلم ج 2 ص 991.
(5)
في الأصل حدثنا عبد الله بن نمير والصواب ما أثبتناه كما جاء عند مسلم.
(6)
في الأصل عن ابنه. وفي (ب) و (ص) عن أبيه وهو الصحيح.
(7)
في الأصل عِضَلُها والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(8)
مسلم ج 2 ص 992.
(9)
مسلم ج 4 ص 94.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، عن الشيباني، عن يسير بن عمرو، عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: أهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده إلى المدينة، وقال: إنها حرمٌ آمن وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبده
(1)
عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنه ا قالت: قدمنا المدينة وهي وَبِيئَة
(2)
فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شكوى أصحابه قال:«اللهم حببْ إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد وصَحِّحْها وباركْ لنا في صاعها، ومدها، وحول حماها إلى الجحفة»
(3)
.
وبه قال: وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «على أنقاب المدينة ملائكة
(4)
لا يدخلها الطاعون ولا الدجال»
(5)
. وبه قال وثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعًا عن إسماعيل بن جعفر أخبرني العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«يأتي المسيح من قبل المشرق وهِمَّته المدينة، حتى ينزل دُبر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قِبَل الشام، وهنالك يهلك»
(6)
.
وبه قال، وثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قُرِئَ عليه عن يحيى ابن سعيد قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون: يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد»
(7)
. وبه قال: ثنا قتيبة بن
(1)
في (ب) عبدة.
(2)
في الأصل وبية والصحيح ما أثبتناه.
(3)
مسلم ج 2 ص 1003.
(4)
في الأصل ملئيكة بالهمز والياء. والتصحيح من (ص).
(5)
مسلم ج 2 ص 1005، وفي الأصل يحرسونها لا يدخلها. والصواب ما أثبتناه.
(6)
مسلم ج 2 ص 1005، وفي الأصل وهمته المدينة بزيادة الواو، والصواب ما أثبتناه.
(7)
مسلم ج 2 ص 1006.
سعيد، وهناد بن السري، وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إن الله سمى المدينة طابة»
(1)
، وبه قال: حدثني محمد بن حاتم، وإبراهيم بن دينار، قالا: ثنا حجاج بن محمد، وحدثني محمد بن رافع، ثنا عبد الرزاق، كلاهما عن ابن جريج، أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن يُحَنَّس، عن أبي عبد الله القرَّاظ
(2)
أنه قال: أشْهَدُ على أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم: «من أراد أهل هذه البلدة بسوء يعني المدينة أذابه الله كما يذوب الملح في الماء»
(3)
. وبه قال: وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة، وابن نمير، عن هشام بهذا الإسناد نحوه. وحدثني زهير بن حرب، ثنا عثمان بن عمر، نا عيسى بن حفص بن عاصم، ثنا نافع، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من يصبر على لأْوَائها كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة»
(4)
وبه قال: حدثنا قتيبة بن سعد، عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم- عليه السلام - عبدُك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه»
(5)
، ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر. وبه قال: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عبد العزيز بن محمد المزني، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي بأول الثمر فيقول:
(1)
مسلم ج 2 ص 1007.
(2)
في الأصل القراط. وفي (ب) و (ص) القراظ وهو الصحيح.
(3)
مسلم ج 2 ص 1007.
(4)
مسلم ج 2 ص 1004. ولفظ الحديث «من صبر
…
».
(5)
مسلم ج 2 ص 1000.
«اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدنا، وفي صاعنا بركة مع بركة» . ثم يعطيه أصغر من يحضره من الوِلدان
(1)
.
وحدثنا السيد الشريف الإمام العالم العدل تاج الدين أبو الحسن علي بن أبي العباس أحمد بن عبد المحسن الحسيني العراقي- رحمه الله - بقراءتي عليه بثغر الإسكندرية في شهر رمضان سنة سبع وتسعين وست مئة، حدثنا الشيخ الإمام العالم الحافظ العلامة محب الدين
(2)
أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل محمود بن الحسن بن هبة الله بن النجار البغدادي في شهر الله المحرم سنة أربع وثلاثين وست مئة بالمدرسة المستنصرية
(3)
من بغداد، أنبأ
(4)
أبو القاسم الزَّنْدَوَردِي، عن أبي علي المَقَّرِي، عن أبي نُعيْم الحافظ، عن جعفر الخواص، أنبأ أبو محمد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بن زيد، عن أبيه في قول الله عز وجل:{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}
(5)
، قد جعل اللهُ مدخلَ صدقٍ المدينةَ، ومخرجَ صدقٍ مكةَ، وسلطانًا نصيرا للأنصار. وحدثنا السيد تاج الدين، ثنا الشيخ محب الدين، أنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الحسن في كتابه، أنا أبو البركات بن المبارك، أنا
(1)
نفسه.
(2)
هو محب الدين بن النجار: عالم مدينة بغداد ومؤرخها محب الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن هبة الله البغدادي، ولد عام 573 هـ، زار كثيرًا من حواضر العالم الإسلامي في عصره ودرس في مدارس بغداد، وتتلمذ عليه كثيرون. ومن أشهر مؤلفاته الكافي في أسماء الرجال، وكنز الأيام، وغرر الفوائد، وذيل تاريخ مدينة السلام وكتب أخرى عن مكة والمدينة وبيت المقدس، ومنها كتابه الدرة الثمينة في أخبار المدينة الذي اعتمد عليه المؤلف اعتمادًا كبيرًا.
(3)
المدرسة المستنصرية: تنسب هذه المدرسة إلى منشئها الخليفة العباسي المستنصر (623 - 640 هـ) وكانت إحدى منارات العلم والمعرفة في العالم الإسلامي، وبمثابة جامعة تدرس فيها علوم كثيرة منها الفقه والطب، ودرس فيها عدد من مشاهير علماء المسلمين مثل رشيد الدين الفرغاني، وابن النجار البغدادي. ابن كثير: البداية والنهاية ج 13 ص 139 - 140، حسين أمين: المدرسة المستنصرية.
(4)
في (ب) أنبأنا.
(5)
سورة الإسراء، الآية:80.
أبو عاصم بن الحسن أنا عبد الواحد بن محمد، ثنا ابن السماك، ثنا إسحاق بن يعقوب، ثنا محمد ابن عباد، ثنا أبو حمزة
(1)
، عن عبد السلام بن أبي الجنوب، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن مَعقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المدينة مهاجري، فيها مضجعي، وفيها مبعثي، حقيق على أمتي حفظ جيراني ما اجتنبوا الكبائر، مَنْ حَفظَهم كنت له شهيدًا، أو شفيعًا يوم القيامة، ومَنْ لم يحفظهم سُقي من طينة الخبال»
(2)
. قيل للمُزني: ما طينةُ الخبال؟ قال: عصارة أهل النار.
وذكر الشيخ محب الدين بن النجار في كتابه أيضًا
(3)
عن محمد بن إبراهيم ابن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «غبار المدينة شفاء من الجذام»
(4)
، وروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه ا/، قالت: كل البلاد افتتحت بالسيف وافتتحت المدينة بالقرآن
(5)
. وحدثنا الشيخ الإمام العالم أمين الدين أبو المعالي محمد بن الشيخ الإمام الحافظ قطب الدين أبي بكر محمد بن العباس أحمد بن علي القسطلاني بمكة المشرفة سنة ست وتسعين وست مئة، قال: ثنا الشيخ الإمام شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل السلمي المرسي رحمه الله، في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وست مئة بمكة شرفها الله تعالى، قال:
(1)
تكرر هذا السطر في الأصل فشطب عليه من قبل مَنْ قام بمقابلتها قديمًا.
(2)
من رواة الحديث عبد السلام وهو متروك، ومن رواته عمرو بن عبيد معتزلي مشهور، كان يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وطرق هذا الحديث لا يعول عليها، انظر: ابن حبان: المجروحين ج 2 ص 69؛ الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضل المدينة ص 252 - 253.
(3)
ابن النجار: الدرر الثمينة ص 28. ولم ترد (أيضًا) في (ب) و (ص).
(4)
رواه ابن الجوزي: مثير الغرام الساكن ج 1 ص 233، وقال ابن حجر في (التقريب 358): إسناده ضعيف جدًا، وقال الألباني: حديث ضعيف. ضعيف الجامع ج 3 ص 3904.
(5)
هذا الحديث رواه ابن حبان في المجروحين فهو يرد من طريق ابن عزية وهو ممن يسرق الحديث، ويروي عن الثقات الموضوعات. ابن حبان: المجروحين ج 2 ص 289. ويرد أيضًا عن طريق ابن زبالة وقد كذبوه.
ثنا الشيخ الإمام الزاهد أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبيد الله الحَجري، عن أبي الحسن يونس بن محمد بن مغيث، عن أبي عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع، سماعًا، عن القاضي عن أبي الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث، عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى، عن عم أبيه أبي مروان عبيد الله بن يحيى، عن أبيه، عن الإمام مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسًا وقبرٌ يُحفر بالمدينة، فاطَّلع رجل في القبر، فقال: بئس مضجع المؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بئس
(1)
ما قلت»
(2)
قال: إني لم أُردْ هذا يا رسولَ الله إنما أردتُ القتل في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا مثلَ
(3)
أو لا شبه للقتل في سبيل الله، ما على الأرض بقعةٌ هي أحبُّ إليّ أن يكون قبري بها منها»
(4)
ثلاث مرات.
وروى ابن النجار
(5)
بإسناده إلى سالم بن عبد الله بن عمر، قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اشتد الجهد بالمدينة، وغلا السعر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«اصبروا يا أهل المدينة وأبشروا فإني قد باركتُ على صاعِكم ومدكم، كلُوا جميعًا ولا تفرقوا فإنَّ طعام الرجل يكفي الإثنين، فمن صبر لأوائها، وشدتها كنت له شفيعًا، وكنت له شهيدًا يوم القيامة، ومن خرج عنها رغبة عما فيها أبدل الله عز وجل فيها من هو خير منه، ومن بغاها أو كادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء»
(6)
.
(1)
في الأصل بيس والصحيح ما أثبتناه من (ص).
(2)
مالك: الموطأ ج 2 ص 462.
(3)
في الأصل لا شك تصحيف والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(4)
الموطأ ج 2 ص 462. قال ابن عبد البر في التمهيد ج 4 ص 93: هذا الحديث لا أحفظه مسندًا، ولكن معناه موجود من رواية مالك وغيره، إسناده ضعيف لأنه مرسل. الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضل المدينة ص 322.
(5)
في الأصل ابن البخاري، وفي (ب) و (ص) ابن النجار وهو الصحيح، وقد وردت عنده في الدرر الثمينة ص 32.
(6)
هكذا ورد عند ابن النجار في الدرة الثمينة ص 32، ورواه البزار في مسنده ج 1 ص 240 مطولًا، وهو ضعيف الإسناد. الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضل المدينة ص 212.
ورَوَى أيضًا
(1)
عن الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عمرو ابن سليم الزَّرقي، عن عاصم بن عمرو، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان بحرة السقيا
(2)
التي كانت لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«إيتوني بوضوء» ، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة، ثم كبر، ثم قال:«اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليك، دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك، أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم، مثل ما باركت لأهل مكة ومع البركة بركتين»
(3)
./
وحدثنا السيد العدل أبو الحسين بن العباس بن عبد المحسن، قال: حدثنا الإمام أبو عبد الله بن أبي الفضل بن محاسن، أخبرنا ذاكر بن كامل، قال: كتب إِليَّ أبو علي الحداد أن أبا نعيم الحافظ أخبره إجازة عن أبي محمد الخلدي، أنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا الزبير بن بكار، ثنا محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن أبي يحيى قال للمدينة في التوراة أحد عشر اسمًا: المدينة، وطيبةَ، وطابة، والمسكينة، وجابرة، والمجبورة، والمرحومة، والهذراء
(4)
، والمحبة، والمحبوبة، والقاصمة
(5)
.
(1)
أي ابن النجار ص 30.
(2)
في الأصل بالسقيا والصحيح ما أثبتناه والسقيا: هي إحدى آبار المدينة المشهورة منذ زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد عرض عندها جيش بدر وتقع في باب العنبرية حاليًا، وسيعرف بها المؤلف في باب الآبار كما سيأتي.
(3)
سنن الترمذي ج 5 ص 718 وقال: حديث حسن صحيح؛ الهيثمي: مجمع الزوائد ج 3 ص 305 ورجاله رجال الصحيح.
(4)
الهذراء: الهذر بكسر المعجمة هو كثير الكلام، ويقال يوم هاذر أي شديد الحر، وربما يكون المعنى هنا أنها كذلك أو أنها كثيرة البركة كما يفيده سياق بقية أسمائها. انظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط ج 4 ص 495. إلّا أن الفيروزآبادي (ت 817 هـ) في كتابه عن المدينة الموسوم بـ «المغانم المطابة في معالم طابة» نفى أن يكون الهذراء من أسماء المدينة، وقال: «وتصحف على بعض المصنفين هذه اللفظة فأثبت مكان العذراء الهذراء، فلا تغتر بها فإنها زلة ناسخ أو عثرة راسخ» ج 1 ص 316.
(5)
انظر هذه الأسماء وغيرها ومعانيها وشرحها بالتفصيل عند الفيروزآبادي: المغانم المطابة في معالم طابة ج 1 ص 261 - 353.
وذُكر عن ابن زبالة، عن عبد العزيز بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن كعب
(1)
، قال: نجد في كتاب الله الذي نزل على موسى صلى الله عليه وآله وسلم، أن الله قال للمدينة: يا طَيْبة يا طابة يا مسكينة، لا تقبلي الكنوز أَرفع أجاجيرك
(2)
، عن أجاجير القرى. قال عبد العزيز بن محمد: وبلغني أن لها في التوراة أربعين اسمًا
(3)
.
قلتُ: وقد كره العلماءُ تسميتها يثرب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يقولون يثرب وهي المدينة» ، ولِم رواه الإمام أحمد في مسنده
(4)
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هي طابة»
(5)
وتسميتها في القرآن يثرب
(6)
حكاية عن قول من قالها من المنافقين والذين في قلوبهم مرض./
وقال عيسى بن دينار
(7)
: مَنْ سماها يثرب كتبت عليه خطيئة، وهو مأخوذ من الثرب وهو الفساد، أو التثريب وهو المؤاخذة بالذنب. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحب الاسم الحسن فلذلك سماها طيبة وطابة لما في اسم طيبة من الطيب، وهو
(1)
أي كعب الأحبار.
(2)
أجاجيرك: جمع إجَّار وهي السطوح وبالذات غير ذات السترة. ابن منظور: لسان العرب ج 1 ص 24.
(3)
ذكر الفيروزآبادي وهو أحد مؤرخي المدينة المشهورين وكان معاصرًا للمؤلف أن للمدينة ثلاثًا وستين اسمًا وشرحها بالتفصيل. انظر المغانم المطابة ج 1 ص 259 - 316.
(4)
ج 4 ص 285.
(5)
مسند الإمام أحمد ج 4 ص 285.
(6)
المقصود قوله تعالى حكاية عن المنافقين: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} الآية. سورة الأحزاب آية 13.
(7)
عيسى بن دينار: أبو محمد الغافقي أحد فقهاء الأندلس المشهورين يذكر عنه أنه كان أفقه من يحيى بن يحيى الليثي. توفي عام 210 هـ: الذهبي: سير أعلام النبلاء ق 1 ج 10 ص 440.
موجود في المدينة، ذكروا أنه يوجد أبدًا في رائحة هوائها أو تربتها أو سائر أمورها، وقيل لموافقتها من قوله تعالى:{بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}
(1)
، وقيل لطهارتها من الكفر، من قوله تعالى:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ}
(2)
، والطيب والطاب لغتان بمعنى [واحد]
(3)
، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى
(4)
: يثرب اسم أرض، ومدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ناحية منها.
قلتُ: وهي
(5)
اليوم معروفة بهذا الاسم، وفيها نخيل كثير مُلكٌ لأهل المدينة وأوقاف للفقراء وغيرهم، وهي غربي مشهد أبي عمارة حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشرقي الموضع المعروف بالبِرْكَة
(6)
، مصرف عين الأزرق
(7)
، ينزلها الراكب الشامي في وروده، وصدوره، وتُسميها الحجاج عيون حمزة.
(1)
سورة يونس، الآية:2.
(2)
سورة النور، الآية:2. وقد سقطت الواو في الأصل.
(3)
الزيادة من (ص).
(4)
معمر بن المثنى أبو عبيدة التيمي علامة نحوي بصري، ولد عام 110 هـ قدم بغداد في عهد الرشيد ودرس فيها علومًا كثيرة، وأخذ عنه كثيرون، له عناية بأخبار العرب والأمكنة والخيل، توفي عام 210 هـ. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ج 13 ص 251 - 257.
(5)
الضمير في هي يعود إلى يثرب.
(6)
البركة موضع يقع شمالي بئر رومة شمال شفير مجرى السيل هناك، وكانت تنتهي إليه مياه العين الزرقاء في القديم، وتقع فيه بعض المزارع الغناء، وما زال يعرف باسمه إلى اليوم، ويطلق على محلة هناك.
(7)
عين الأزرق هي العين التي أجراها مروان بن الحكم عندما كان واليًا عليها للخليفة معاوية بأمر منه، وسميت كذلك أو العين الزرقاء الذي هو اسمها الحالي نسبة إلى زرقة في عين مروان حيث كان يلقب بالأزرق. وأصل هذه العين ينبع من غربي مسجد قباء، وقد كانت المدينة تعتمد عليها في سقياها لعصور عدة حتى العصر الحديث ولها في داخلها عدة مناهل وقد أدركنا بعضها إلّا أنه قد جفت بعض منابعها واستغني عنها بمشروع تحلية مياه البحر في سقيا المدينة، وقد تحدث عنها المؤلف في بابها في آخر الكتاب، كما وصفها السمهودي ج 2 ص 982 - 988 وألف فيها السيد أحمد ياسين الخياري رسالة سماها «التحفة الشماء في تاريخ العين الزرقاء» .
وكانت يثرب منازل بني حارثة بن الحارث بطنٌ من طَخْم
(1)
للأوس، ونقل ابن زبالة أنها كانت في قديم الزمان، وقبل نزول الأوس والخزرج أم قُرى المدينة، وبها كان معظم اليهود الغالبين على المدينة بعد العماليق، ونقل أنه كان بها ثلاث مئة صائغ من اليهود
(2)
، والله أعلم. وفي بني حارثة نزل قوله تعالى في يوم الأحزاب:{وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}
(3)
، ونزل فيهم وفي بني سلمة من الخزرج في يوم أحد:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}
(4)
، حتى قال عقلاؤهم وأهل الرأي منهم: ما كرهنا نزولها لِتَولِّي الله إيانا والمنة لله تعالى، لأن قريشًا في يوم الأحزاب، وفي يوم أحد كانت منازلهم هم ومَنْ معهم مِن كنانة، وغيرهم من أسَد وغَطفان، بين منازل بني سلمة وبني حارثة برومة
(5)
من وادي العقيق، موضعٌ متسعٌ. وكان الفريقان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس الحرب، وخافوا على ذراريهم وديارهم من العدو، فدفع الله عنهم ببركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصدق نياتهم رضي الله عنه م، والوارد في فضل المدينة المشرفة أكثر مما ذكرتُ في الصحاح وغيرها.
(1)
هكذا في كل النسخ وطخم الشيء مقدمته أو هو السواد في المقدمة. وربما تعني هنا فرعًا من الأوس. أو أنها تعني تخمًا أي حد أرض للأوس. أو وقع لها تصحيف عن ضخم أي بطن كبير.
(2)
يبدو أن هذا في أوج ازدهار يثرب وما بلغته من مكانة تجارية، إلّا أن هذا العدد من الصاغة كان من قبيل علو المكانة والثراء للبلدة، أما إن كان على حقيقته فهو لا يخلو من مبالغة لأنه إذا كان عدد الصاغة هكذا فكم يكون أعداد أصحاب المهن الأخرى فيها، ومساحة الموقع أصلًا على الطبيعة ضيقة، وحتى عبارة المؤلف «والله أعلم» قد توحي بهذا الشك.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:13.
(4)
سورة آل عمران، الآية:122.
(5)
رومة ناحية بأسفل وادي العقيق في شمالي المدينة اشتهرت باسم بئر رومة وما زالت وسوف يذكرها المؤلف بالتفصيل عند ذكره للآبار التي تنسب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ما جاء في فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
-
حدثنا الشيخ الإمام العالم الحافظ أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن أبي الحسن عبد الوهاب بن عساكر -رحمه الله تعالى-
(1)
قال: قرأت على الشيخ الإمام العالم إمام العصر وفقيه أهل الشام ومصر عز الدين أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي رحمه الله في آخرين
(2)
بالمعزية
(3)
. وأبي العباس أحمد بن عبد الله المقدسي المعروف بصاحب البدوي العبد الصالح ببيت المقدس، أخبركم
(4)
أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طَبرَزد قراءة
(5)
عليه فأقروا به، قالوا: ثنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين، أنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الشافعي، ثنا أحمد بن عبد الله وهو ابن إدريس، ثنا يزيد، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«لا تشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام والمسجد الأقصى»
(6)
، متفق على صحته.
(1)
في (ص) رحمة الله عليه.
(2)
في آخرين أي في جماعة.
(3)
المعزية أي مدينة القاهرة نسبة إلى مؤسسها الخليفة المعز.
(4)
هكذا في كل النسخ، وربما الأصح أخبره.
(5)
في الأصل قراه، وفي (ص) قرأة. والصحيح ما أثبتناه.
(6)
البخاري ج 2 ص 659؛ مسلم ج 2 ص 1014، وقد سقطت كلمة هذا من الأصل وزيدت ألف ولام في المسجد الحرام.
وحدثنا الشيخ أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب، أنا الشيخ أبو البقاء يعيش بن أبي السرايا الموصلي شيخ النحاة بحلب قراءة عليه بها أخبرنا
(1)
أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي خطيب الموصل بها، أنا أبو الفرج محمد بن محمود بن حاتم القزويني، ثنا أبو أحمد القرطي ببغداد، ثنا القاضي أبو عبد الله المحاملي، ثنا علي بن شعيب، ثنا ابن أبي فديك، ثنا عبد بن يزيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا المسجد الحرام/، ومنبري على ترعة من تُرَع الجنة، وما بينَ بيتي ومِنبري روضةٌ من رياض الجنة»
(2)
.
وحدثنا الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين بن خلف بن أبي الحسن، ثنا الشيخان أبو الفضل أحمد وأبو البقاء صالح قالا: ثنا الإمام أبو المفاخر سعيد، ثنا الإمام أبو عبد الله محمد، ثنا الحسين بن عبد الغافر، قال: ثَنا أبو أحمد محمد، ثنا أبو إسحاق إبراهيم، ثنا أبو الحسين مسلم، قال: حدثني محمد بن رافع، وعبد بن حميد قال: عبد: أنا وقال ابن رافع: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام»
(3)
.
وبه إلى مسلم قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم، ثنا عيسى بن المنذر الحمصي، ثنا محمد بن حرب، ثنا الزبيدي عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي عبد الله الأغر مولى الجهنيين، وكان من أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه، أنهما سمعا أبا هريرة رضي الله عنه يقول: صلاة في مسجد رسول
(1)
في الأصل وفي (ب) أخبرك. هكذا. وفي (ص) أخبرنا وهو الأقرب.
(2)
يبدو أن المؤلف يكتب أحيانًا من حفظه فيجمع بين ألفاظ عدة أحاديث. انظر مسلم ج 2 ص 1012، النسائي: سننه ج 2 ص 35.
(3)
مسلم ج 2 ص 1012.
الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخر الأنبياء، وأن مسجده آخر المساجد، قال أبو عبد الله
(1)
: لم يُشكَّ أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث، حتى إذا توفي أبو هريرة تذكرنا ذلك، وتَلَاوَمنا، أن لا نكون كَلَّمنا أبا هريرة في ذلك حتى يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن كان سمعه منه، فبينا نحن على ذلك جَالسَنا عبد الله بن إبراهيم بن قارض، فذكرنا ذلك الحديثَ الذي فَرّطنا فيه من نَصِّ أبي هريرة عنه، فقال لنا عبد الله بن إبراهيم: أشهد أَني سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد»
(2)
. وبه إلى مسلم رحمه الله قال، وحدثني عمرو الناقد، وزهير بن حرب جميعًا، عن ابن عيينة قال عمرو: ثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«لا تشد الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى»
(3)
، وبه إليه- رحمه الله - قال: حدثني محمد بن حاتم، ثنا يحيى بن سعيد، عن حميد الخراط قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مرَّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: قلتُ له: كيف سمعتَ أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟
(4)
قال: قال لي أبي: دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت بعض نسائه فقلتُ: يا رسول الله، أيُّ المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من الحصباء فضرب به الأرض ثم قال: «هو مسجدكم هذا
(5)
»، لمسجد المدينة. قال: قلت له: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره.
(1)
هكذا في الأصل وفي (ب) و (ص) قال أبو سلمة وأبو عبد الله.
(2)
مسلم ج 2 ص 1012.
(3)
مسلم ج 2 ص 1014.
(4)
مسلم ج 2 ص 1015.
(5)
في الأصل مسجدكم هذا، بدون هو والصحيح ما أثبتناه كما جاء عند مسلم.
وبه إلى مسلم- رحمه الله - قال: وحدثني هارون بن سعيد الأبلي، ثنا ابن وهب، حدثني عبد الحميد بن جعفر، أن عمران بن أبي أنس حدثه، أن سلمان الأغر حدَّثه، أنه سمع أبا هريرة يُخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«إنما يُسافر إلى ثلاث مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيليا»
(1)
.
وحدثنا الإمام العالم أبو اليمن بن الإمام العالم أبي الحسن، حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الله بن المبارك السلامي، ثنا شيخ الإسلام أبو الوقت عيسى السجزي، ثنا أبو الحسن بن محمد الدَّرَاوَرْدي، ثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد السرخسي، ثنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف الفَرْبَرِي، ثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، ثنا علي، ثنا سفيان، عن الزُّهرِي، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«لا تشد الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومسجَد الأقصى»
(2)
.
وبه إلى البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك عن زيد بن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«صلاة في مسجد هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام»
(3)
، وحدثنا السيد العدل تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن، ثنا الشيخ الإمام العالم أبو عبد الله محمد بن الفضل محمود بن محاسن، أنا أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي أنا
(4)
أحمد الحسنا باذي، أنا الحسن بن عمر الأصفهاني، أنا الحسن بن محمد البغدادي، حدثنا محمد بن
(1)
مسلم ج 2 ص 1015، وإيليا: هي بيت المقدس.
(2)
البخاري ج 1 ص 398، وعند مسلم (ج 2 ص 1014)«لا تشد الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى» .
(3)
البخاري ج 1 ص 398.
(4)
في الأصل ابن والصحيح ما أثبتناه من (ص).
علي الهمذاني، ثنا محمد بن عمران، ثنا بحر بن نصر، ثنا موسى بن عبيد، عن داود بن مُدرك، عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنه ا، قالت: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا خاتم الأنبياء، ومسجد خاتم مساجد الأنبياء، أحق المساجد أن يُزار، وأن ترُكب إليه الرواحل، صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام»
(1)
.
وحدثنا أبو الحسن علي بن العباس، ثنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل، أنا أبو القاسم البقال، عن أبي علي الأصفهاني، عن أب نُعيم الحافظ، عن أبي محمد الخَلَدِي، عن أبي يزيد المخزومي، عن أبي عبد الله الزبير بن بكار، عن أبي عبد الله محمد بن الحسن، عن أبي الفداء إسماعيل بن المعلا، عن أبي يعقوب يوسف بن طَهْمان، عن أبي أُمامة بن سَهل بن حُنيف رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«من خرج على طهر لا يريد إلّا الصلاة في مسجد حتى يصلي فيه كان بمنزلة حَجَّة»
(2)
. وحدثنا الشريف أبو الحسن، ثنا الشيخ أبو عبد الله، أخبرنا القاسم بن علي، أنا عبد الرحمن بن الحسن قال، أنا منهال بن بشر، أنا علي بن محمد الفارسي، أنا الرُّميلي، أنا ابن عبدوس، ثنا يعقوب بن حميد، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«مَنْ دخل مسجدي هذا يتعلمُ خيرًا أو يُعلِّمه كان بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومَنْ دخله لغير ذلك من أحاديث الناس كان كالذي يرى ما يعجبه وهو لغيره»
(3)
.
(1)
الهيثمي: مجمع الزوائد ج 4 ص 4. ومن رواته موسى بن عبيد وهو ضعيف.
(2)
روي هذا الحديث هنا من طريق ابن زبالة وسنده منقطع كما أنهم كذبوه. وروي مطولًا من طريق آخر موصولًا أخرجه البخاري: التاريخ الكبير ج 8 ص 378. وجاء في سنده إسماعيل بن المعلى ويوسف بن طهمان ضعيفين. الذهبي: ميزان الاعتدال ج 4 ص 467.
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج 6 ص 165. قال الهيثمي: فيه يعقوب بن كاسب وثقه البخاري وابن حبان. مجمع الزوائد، ج 1، ص 123.
ما جاء في فضل ما بين القبر والمنبر
حدثنا الشيخ الإمام أمين الدين عبد الصمد، ثنا الإمام أبو عبد الله الحسين ابن المبارك، ثنا شيخ الإسلام أبو الوقت عبد الأول عيسى، ثنا الشيخ أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر، ثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد السرخسي، ثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفَرْبري، ثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»
(1)
. قال الإمام أبو عبد الله، وحدثنا مُسَدد عن يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي»
(2)
.
وحدثنا الشيخ الإمام عفيف أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع البصري، ثنا الشيخ الإمام شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي المفضل السلمي المرسي، عن الإمام بن الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي، عن الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي، عن الإمام أبي الحسين عبد الغافر الفارسي، عن أبي أحمد محمد بن عيسى بن محمد الجلودي، عن الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن
(1)
البخاري ج 1 ص 399.
(2)
نفسه.
محمد بن سفيان النيسابوري، عن الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري رحمه الله، قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس، فيما قُرئ عليه، عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»
(1)
. وبه
(2)
إلى مسلم رحمه الله
(3)
، قال: وحدثني يحيى بن يحيى، أنا عبد العزيز بن محمد المدني، عن يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة»
(4)
.
وحدثنا الشيخ أبو اليمن عبد الصمد بن أبي الحسن، أنا المشايخ أبو عبد الله محمد بن غسان بن عاقل بن نجاد الأنصاري، والحاكم أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد الفقيه المفتي، وأبو البركات بن أبي عبد الله بن أبي محمد السجاد رحمه الله قراءة
(5)
عليهم قالوا: أنبأنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسين، أنا أبو القاسم علي بن إبراهيم أنا أبو القاسم الحسين بن إبراهيم بن محمد الحناي، ثنا أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسين بن الوليد الكلابي، أخبرنا سعيد بن عبد العزيز، ثنا قاسم بن عثمان الجوعي، ثنا عبد الله بن نافع المدني، ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه ما قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة»
(6)
.
(1)
نفسه.
(2)
وبه، أي وبهذا الباب بعض الفضائل عند الإمام مسلم في صحيحه.
(3)
من قوله وبه إلى آخر الحديث غير موجود في (ص).
(4)
مسلم ج 2 ص 1010.
(5)
في الأصل قرأة.
(6)
أخرجه أحمد في مسنده بهذا اللفظ (ج 3 ص 64)؛ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج 4 ص 6 بطريق آخر وضعفه.
وحدثنا أيضًا الشيخ أمين الدين عبد الصمد قال: أنا المشايخ أبو عبد الله محمد بن أحمد المؤرخ الأديب شيبي
(1)
، وأبو الحسن محمد بن أحمد المفيد، وأبو الغنائم سالم بن أبي المواهب بن هبة الله العدل قراءة
(2)
عليهم، قال أبو عبد الله: أنا أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن، وقال الآخران: أنبا أبو المجد الفضل بن الحسين بن إبراهيم، قالا: أنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين، أنا أبو محمد عبد الله بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن سعدان، أنا أبو بكر يوسف بن القاسم بن يوسف، أنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، أنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد، ثنا هشيم عن علي بن زيد بن جدعان، عن محمد بن المُنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما بين حجرتي إلى منبري روضة من رياض الجنة وإن منبري على تُرعة من تُرَع الجنة»
(3)
. وفي بعض طرق الصحيحين: «ومنبري على حوضي» . قلت
(4)
: وقبره صلى الله عليه وآله وسلم في بيته، وهي حجرة عائشة رضي الله عنه ا، فقد اتفقت الروايات ولله الحمد والمنة.
وحدثنا أيضًا أمين الدين أبو اليمن بن أبي الحسن، أنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله العلامة الجوال قراءة
(5)
، رحمه الله أخبرنا أبو روح عبد العزيز ابن أبي الفضل بهراة
(6)
وأجازنيه منها؛ أنا أبو القاسم الجرجاني، أنا
(1)
هكذا في الأصل وفي (ص)، وفي (ب) نسيبي.
(2)
في الأصل قرأة، وفي (ب) قرأةً والصحيح ما أثبتناه.
(3)
لفظ حجرتي لم يرد في الأحاديث الصحيحة، وما ورد صحيحًا هو ما بين بيتي ومنبري. كما مر من قبل.
(4)
قلت القول هنا للمؤلف.
(5)
قراءة في الأصل قرآة.
(6)
هراة: مدينة مشهورة تقع بخرسان والنسبة إلى هروي وكانت إحدى حواضر العلم المشهورة، حتى دمرها الغزو المغولي سنة 618 هـ وما زالت قائمة معروفة في شمال غربي أفغانستان. ياقوت الحموي: معجم البلدان ج 5 ص 396.
أبو الحسن البحاثي، أنا محمد بن أحمد الحاكم، أنا أبو حاتم الحافظ، أنا أحمد بن علي بن المثنى، ثنا أبو خيثمة، ثنا بن مهدي ثنا سفيان عن عمار الذهبي، عن أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنه ا، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«قوائم المنبر رواتب في الجنة»
(1)
، وقد استحب العلماءُ رحمهم الله للقادم إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقصد أول دخوله الحرم الشريف إلى ما بين القبر والمنبر، فَيُصلي فيه ركعتين، ثم ينهض إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(2)
(1)
أحمد بن حنبل: المسند ج 6 ص 318؛ ابن حبان: صحيحه ج 9 ص 64. وإسناده صحيح.
(2)
الحق أن شد الرحال والقدوم مقصود فيه زيارة المسجد النبوي بنص الحديث المعروف «لا تشد الرحال
…
»، ومن ثم يأتي السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه تبعًا لذلك.
ذكر زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
-
كان الناس إذا وقفوا للسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الروضة الشريفة، قبل أن تدخل الحجرات في المسجد يستقبلون السارية، التي فيها الصندوق الخشب، وثَمَّ قائم
(1)
من خشب مُجددُ، وهي لاصقة بحائط الحجرة الغربي، الذي بناه عمر بن عبد العزيز
(2)
حول بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(3)
ويستدبرون الروضة وأسطوان التوبة. ورُوي ذلك عن زين العابدين علي
(4)
بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه م أنه كان إذا جاء يُسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف عند الأسطوانة التي تلي الروضة، ويستقبل السارية التي تلي
(5)
الصندوق اليوم
(6)
، فيُسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنه ما، ويقول: ها هنا رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أُدخل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد، وأُدخِلت حجرات أزواجه
(1)
في (ص) وفوق الصندوق قائم
…
(2)
أي عندما كان واليًا على المدينة للخليفة الوليد قبل ولايته الخلافة.
(3)
في (ب) صلى الله عليه وآله وسلم تسليما.
(4)
زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد حوالي عام 38 هـ وعاش بالمدينة. كان كثير الورع والتقوى وأفقه أهل المدينة في زمانه وكان يسمى زين العابدين لحسن عبادته وتوفي بالمدينة سنة 93 هـ. الذهبي: سير أعلام النبلاء ج 4 ص 386، ص 400.
(5)
في (ب) التي فيها.
(6)
كان ذلك الصندوق موجودًا زمن المؤلف أما اليوم فلا يوجد.
-رضي الله عنه ن
(1)
، وقف الناس مما يلي وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستدبروا القبلة للسلام عليه، والدعاء عنده
(2)
ورضوانه على صاحبيه وسلامه وبركاته.
واستدبار القبلة للسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستحب، كما هو في خطبة الجمعة، والعيدين، وسائر الخطب المشروعة. ومن ذلك ما
(3)
ورد أن أبا جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الثاني من خلفاء بني العباس المعروف بالمنصور عند وقوفه للسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال له جعفر: يا أبا عبد الله أستقبلُ القبلة وأدعو؟ أم أستقبلُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدعو؟ فقال له مَالِكٌ: وَلِمَ تصرفُ وجهك، وهو وسيلتُك ووسيلةُ أبيك آدم عليه الصلاة والسلام إلى الله عز وجل يوم القيامة
(4)
.
وحدثنا الإمام عبد الصمد بن عبد الوهاب، ثنا الإمام العالم أبو عبد الله محمد بن محمود بن هبة الله، أخبرنا يحيى بن الحسين بن الأواني، أخبرنا أبو الكرم عبد الكريم الشهرزوري، أخبرنا أبو بكر الخياط، أنا أبو عمر بن دوست، ثنا الحسين بن صفوان، ثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا سعيد بن عثمان
(1)
أدخلت الحجرات في زمن إمارة عمر بن عبد العزيز للمدينة للخليفة الوليد بن عبد الملك عندما وسع المسجد النبوي وزاد في عمارته.
(2)
وللدعاء عنده علقت في هامش الأصل أثناء المقابلة الأولى، وفي (ب) غير موجودة. والأصل في الدعاء هنا أن يكون المرء مستقبل القبلة.
(3)
في (ص) ولِمَا بحذف ومن ذلك.
(4)
روى هذه القصة القاضي عياض: الشفا ج 2 ص 40 - 41 عن طريق ابن حميد عن مالك، وابن حميد ضعيف والإسناد بينه وبين مالك منقطع. كما أن الثابت عن مالك أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء. ابن حجر: التقريب ص 475؛ ابن عبد الهادي: الصارم ص 259 - 260. إذ تستقبل الحجرة فقط عند التسليم كما يقول بذلك مالك والشافعي وأحمد. ابن تيمية: الفتاوى ج 27 ص 330.
الجرجاني، أنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، أخبرني عمر بن حفص، أن ابن أبي مليكة كان يقول: من أحب أن يقوم وُجَاهَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فليجعلِ القنديلَ الذي في القبلة عند القبر الشريف على رأسه.
وقال الشيخ أمين الدين أبو اليمن رحمه الله قال: أنا شيخنا أبو عمرو رحمه الله، وذكرَ بعضَ مَنْ أدركنا زمانه من مشايخ مكة من علماء وقته بها، أن الزائر\ المُسلِّم يأتي القبر المقدس من ناحية قبلته، فيقف عند محاذاة تمام أربع أذرع من رأس القبر بعيدًا، ويجعل القنديل على رأسه، ناظرًا إلى أسفل ما يستقبل من جدار القبر المقدس. غاضَّ الطّرف، في مقام الهيبة والإجلال. ثم يُسلِّم ولا يرفع صوته بل يقتصد فيقول: السلام عليك يا رسولَ الله، السلام عليك يا نبيَّ الله، السلام عليك يا حبيبَ الله
(1)
.
قلت: حدثني الشيخ العدل العارف القدوة أبو محمد عبد الله بن عمران البسكري
(2)
رحمه الله، أن الشيخ العدل الإمام أبا الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي الحسني
(3)
رحمه الله ونفع به وببركته قال، عند وقوفه تجاه الحجرة الشريفة: السلام عليك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - كما أخبره بعض الفقراء مِمَّنْ كان معه- السلامُ عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك يا رسول الله، صلى الله عليك يا رسول الله أفضل وأزكى وأنمى وأعلى صلاة صلاها على أحد من أنبيائه وأصفيائه، أشهد يا رسول الله أنك بلغتَ ما أُرسلتَ به، ونصحتَ أمتك وعبدتَ ربك حتى أتاك اليقين، وكنتَ كما نَعَتَكَ
(1)
هذه الصيغة غير معروفة ومتأخرة. وانظر هامش رقم (2) في الصفحة الآتية.
(2)
في الأصل البكري والصحيح ما أثبتناه من (ب).
(3)
علي بن عبد الله الشاذلي: ولد في إفريقية عام 591 هـ ونشأ في تونس وفيها تفقه وتصوف حتى أصبح رأس الطريقة الصوفية المنسوبة إليه، وكان ضريرًا، ورحل إلى الشرق فزار مصر والحجاز والعراق ثم سكن الإسكندرية حتى توفي بالقرب من عيذاب في طريقه إلى الحج عام 656 هـ. الزركلي: الأعلام ج 5 ص 120.
الله في كتابه، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}
(1)
. فصلواتُ الله وملائكته وأنبيائه ورسله، وجميع خلقه، من أهل سماواته وأرضه، عليك يا رسول الله.
السلامُ عليكما يا صاحبَيْ رسولِ الله يا أبا بكر ويا عمر ورحمة الله وبركاته فجزاكما الله عن الإسلام وأهله، أفضل ما جازى به وزيرَيْ نبي في حياته، وعلى حسن خلافته في أمته بعد وفاته، فلقد كنتما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزيرَيْ صدقٍ في حياته وخلفتماه بالعدل والإحسان بعد وفاته. فجزاكما الله عن ذلك مرافقته في جنته، وإيانا معكما برحمته، إنه أرحم الراحمين. اللهم إني أُشهدك وأُشهد رسولَك وأبا بكر وعمر، وأُشهد الملائكة النازلين على هذه الروضة الكريم والعاكفين عليها، أني أشهد أن لا إِله إلّا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله. وأشهد أن كل ما جاء به من أمرٍ أو نهي وخبرٍ عما كان ويكون، فهو حق لا كذب فيه، ولا امتراء، وإني مُقرٌ لَك يا إلهى بجنايتي ومعصيتي في الحضرة والفكرة والإرادة والغفلة، وما استأثرت به عني مما إذا شئت أخذتَ به، وإذا شئت عفوت عنه، مما هو متضمن للكفر، أو النفاق، أو البدعة، أو الضلالة، أو المعصية، أو سوء الأدب معك ومع رسولك ومع أنبيائك، وأوليائك من الملائكة، والجن والإنس وما خَصصتَ من شيء في ملكك، فقد ظلمت نفسي بجميع ذلك، فاغفر لي وامنُنْ عليَّ بالذي مننتَ به على أوليائك فإنك المنان الغفور الرحيم
(2)
.
(1)
سورة التوبة، الآية:128.
(2)
هذه الصيغة من السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى صاحبيه رضي الله عنه ما التي أوردها المؤلف فيها غلو وتوسل لا يجوز إذ لا يلزم في التسليم والدعاء صيغة معينة، وأفضله ما جاء في كتاب الله أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنه م، حتى كره أكثر السلف إطالة الدعاء عند زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: ومن أفضل ما يُسلِّم به المُسلِّم: السلام عليك يا خاتم النبيين، السلام عليك يا شفيع المذنبين، السلام عليك يا إمام المتقين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك يا رسول
(1)
رب العالمين، السلام عليك يا منة
(2)
الله على المؤمنين/. السلام عليك يا طه، السلام عليك يا يس، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات المبرآت أمهات المؤمنين، السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عنا يا رسولَ الله أفضل الجزاء، وصلى عليك أفضل الصلوات.
وإن اتسع لك الوقتُ فَمِن أحسن السلام أن تقول: السلام عليك يا مَنْ سفرت لوامعُ مجده، السلام عليك يا من هَمَرت هوامعُ
(3)
رفده، السلام عليك يا من طَهُرت أنوار علاه، السلام عليك يا من بهرت آثار سناه، السلام عليك يا نتيجة الشرف الباذخ، السلام عليك يا سلالة المجد الراسخ، السلام عليك يا جوهرة الشرف الأعلى، السلام عليك يا واسطة العقد المُحلّى، السلام عليك يا إمام الأنبياء، السلام عليك يا صفوة الأصفياء، السلام عليك يا معنى الوجود
(4)
، السلام عليك يا منبع الكرم والجود، السلام عليك يا دُرة لؤي
(5)
، السلام عليك يا غُرة قصي
(6)
، السلام عليك يا نبعة المكارم، السلام
(1)
في الأصل يرسول.
(2)
في الأصل هكذا «يا امنة» وفي (ص) منة وهو الصحيح.
(3)
هوامع: دموع، وتأتي همع بمعنى سال أيضًا. ابن منظور ج 6 ص 830.
(4)
عبارة يا معنى الوجود لا تخلو من معنى أو صدى صوفي، وقد يكون اقتضاها أسلوب السجع.
(5)
هو لؤي بن غالب بن فهر الجد الثامن للنبي عليه الصلاة والسلام.
(6)
هو قصي بن كلاب واسمه زيد، وسمي بذلك لأن أمه عاشت في مكان قصي عن قومه بمكة فلما عاد إليهم سادهم وجمع شملهم وكان له فيهم السدانة والحجابة واللواء، وأسس دار الندوة. ابن كثير، السيرة النبوية ج 1 ص 187.
عليك يا سلالة الأكارم، السلام عليك يا ذا المحامد يا أبا القاسم، السلام عليك يا مَنْ عَظُمت هباته، السلام عليك يا من بَهرت آياته، السلام عليك يا مَنْ ظهرت آياته
(1)
، السلام عليك ورحمة الله وبركاته:
سلام تَضوَّعَ عن مِسْكه
…
يَجُر بِدارِين
(2)
ذيلًا طويلا/
وينفحُ عن نسمةٍ لم تزلْ
…
تعيدُ عليك الثناءَ الجميلا
وتتلو
(3)
أحاديثَ قُربٍ غدتْ
…
تَبلُّ العليلَ وتروِي الغليلا
والحمد لله الذي أقر عيني برؤيتك، وأَحلَّني بِشَرفِ روضتك، وقضى لي أن أفوز بزورتك
(4)
وأُحرزَ سابق السعادة بحلول بلدتك.
حيث النبوة جرّت من ذوائبها
…
فضلًا وأجرت ينابيعًا من الحكم
حيث السنا مشرق
(5)
والعز مُنْبَسِقٌ
(6)
…
والجود مُغْدَوْدِق بالبارد الشَّبِمِ
حيث الضريحُ وما ضمتْ صفائحُه
…
من النبي الرَّضِي الطاهرِ الشيمِ
أنواره غرةٌ في المجد نَيِّرَةٌ
…
وفخره شَممٌ في مَعْطِس الكرم
درتْ عليه ينابيعُ الرِّضَا وسرَتْ
…
عليه
(7)
نفحةٌ سِر القُرْب في القِدَم
ولاح من نُوره معنى أضاء به
…
مَقام آدم فخرًا وهو في العَدَم
إنسانُ عينِ العلا سرُّ الكمال سنى
…
فخرُ النبوة نورُ اللَّوح والقلم
يا آخِرًا عند خاتم الأنبياء وأوّ
…
لُ الرسل عند الله في القِدم
يا غرة أوضحت طه أسْرتُها
…
ودرةً جُليَتْ في نونِ، والقلم
(1)
جملة «يا من ظهرت آياته» غير موجودة في (ص) وهو الأقرب.
(2)
دارين: هي مدينة بجزيرة البحرين فتحها المسلمون سنة 12 هـ وقد اشتهرت بأنها ميناء مزدهر لكثير من السلع الهندية وعلى رأسها المسك. ياقوت: معجم البلدان ج 2 ص 432.
(3)
وردت في الأصل هكذا (تلو) وفي (ب) يتلوا وفي (ص) تتلو وهو الصحيح.
(4)
بزورتك هكذا أي بزيارتك.
(5)
في الأصل مشرقًا والتصحيح من (ب) و (ص).
(6)
في (ص) متسق.
(7)
في (ب) و (ص) إليه.
كانت حياتك ما بين الأنام حيًا
…
سقا ثراهم بغيثٍ واكف الدِّيمِ
وكان فَقْدك خطبًا شاك أنفسهم
…
لما ألَمَّ بصدعٍ غير ملتئم/
فالآن ليس سوى قبرٍ حللتَ به
…
منجى الطريد
(1)
وملجا كل معتصم
وقد حططنا لديه الرحلَ همتُنا
…
على الصدى نَهلةٌ من مورد الكرم
نُقبِّلَ التربَ إجلالًا لساكنه
…
فكل موطئ أقدامٍ مَقرُّ فمِ
هذا عطاؤك فاغمرنا بِمنهلِه
…
فقد مددنا أكفَّ الفقرِ والعدم
وإن رمتنا الخطايا وسط مَهْلَكَةٍ
…
فأنت ملجأُ خلق الله كلِّهمِ
(2)
حسبي شفاعتك العظمى إذا صَفُرت
(3)
…
يداي أو أسفرتْ عن زلة قدم
فالعفو شيمتك العظمى التي شهُرت
…
إذْ كانت الموبقات الدُّهْم
(4)
من شيم
صلى عليك إله العرش ما حملتْ
…
عنك الثناء المُزجَّى ألسنُ الأمم
وناسم المسك أنفاس السلام
(5)
على
…
هذا الضريح وهذا البيت والحرم
(6)
وبالإسناد إلى ابن أبي فديك، قال: سمعت بعض من أدرك، يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتلا هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}
(7)
(1)
في (ب) الطريف. وهنا فيه مبالغة لا تجوز فالمنجي هو اللجوء إلى الله واتباع سنة نبيه وليس اللجوء إلى قبره. والقصيدة عمومًا فيها من الغلو والإطراء ما لا يخفى.
(2)
التوجه واللجوء ينبغي أن يكون لله.
(3)
في الأصل صغرت بالغين المعجمة، وفي (ب) و (ص) صفرت أي خويت وهو الأصح.
(4)
في (ب) اليوم.
(5)
في الأصل السلم.
(6)
أورد المؤلف هذه القصيدة غير منسوبة لأحد وكذلك أيضًا أوردها الفيروزآبادي وهو معاصر للمؤلف في المغانم المطابة ج 1 ص 183، ولم أعثر على قائل هذه القصيدة في المصادر المتاحة، وأستبعد أن تكون من نظم المؤلف، وكثير من أبيات القصيدة فيها غلو من نحو ذكر تقبيل التراب ووضع الفم موضع القدم، ووصف الرسول بالمنجي، وغير ذلك من العبارات التي تتعارض مع العقيدة الصحيحة.
(7)
سورة الأحزاب، الآية:56.
وقال: صلى الله عليك يا محمد، حتى يقولها سبعين مرة، ناداه مَلَك: صلى الله عليك يا فلان لم تُسقط لك حَاجة
(1)
.
قلت: وما ذكر من القيام تحت القنديل تجاه الحجرة الشريفة للسلام، كان قبل احتراق المسجد الشريف فإنه لم يكن يقابل وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلّا قنديل واحد، ولما جُدد جُعل هناك عدة قناديل، وإنما علامة الوقوف تجاه الوجه الكريم اليوم مسمارُ فضةٍ مضروبٌ في رخامةٍ حمراء
(2)
. إذا قابلها الإنسان ناظرًا إلى أسفل ما ينظرُ من الحائط، كان مواجهًا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ينتقل عن يمينه قدرَ ذراع، فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه. ثم ينتقل أيضًا عن يمينه قدرَ ذراع، فيسلم على عمر رضي الله عنه. ومما يقوله إنْ شاء
(3)
: السلام عليك يا مَنْ بادر بالإيمان من غير توقّف، السلام عليك يا مَنْ لم تستمله
(4)
الدنيا بزخرف، السلام عليك يا مَنْ أنفق في ذات الله ورسوله ماله قليلَه وجليلَه، ولم يترك لنفسه ولا لأهله إلّا الله ورسوله، السلام عليك يا مَنْ تشرَّف بجميل المصاحبة في الغار والعريش والطريق
(5)
، السلام عليك يا أفضل الخلفاء يا أبا بكر الصديق.
ومما يُسلم به على عمر إنْ شاء: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مَنْ أيَّد الله به الدين وختَم به الأربعين
(6)
، السلام عليك يا مَنْ آزر الإسلام فتمهد بعزائمه واتضح، ومصر الأمصار وللأقاليم افتتح، السلام عليك يا من لا تأخذه في الله لومة لائم فلم يَدعِ الحقُّ له صديقًا، السلام
(1)
لا يخلو هذا المفهوم والعدد من روحٍ صوفية فهو مردود.
(2)
كان ذلك في زمن المؤلف أما الآن فهو غير موجود.
(3)
أي عند السلام على أبي بكر رضي الله عنه.
(4)
في الأصل لم تستميله.
(5)
الإشارة هنا إلى غار ثور وعريش بدر والهجرة.
(6)
يشير هنا إلى إسلام عمر حيث كان رضي الله عنه تمام الأربعين.
عليك يا مَنْ مَا لَقيَهُ الشيطان سالكًا طريقًا إلَّا اتخذ غير طريقه طريقًا، السلام عليك يا مُحدَّث
(1)
هذه الأمة الناطق بالصواب، السلام عليك يا أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب، أشهد أنكما خَلفتُمَا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته بأحسن الخلف، وسلكتما طريقته، وشيدتما شريعته، وكنتما له خليفتيْ صدقٍ وإماميْ عدلٍ وحق، فجزاكما الله عن نبيكما، وعن الإسلام وأهله خير جزاء، وأبدلكما أشرف منازل الصِّديقين والأولياء، وأنالكما أفضل ما أَنَالَه أحدًا من خلفاء الأنبياء، ونفعنا بهذه الزيارة والمحبة، وحشرنا مع نبينا ومعكما وسائر الأحبة، السلام عليكما ورحمة الله وبركاته
(2)
.
وموقف الناس اليوم للسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو عرصة
(3)
بيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنه ما لأن حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت مُطيفة
(4)
بالمسجد إلّا من جهة الغرب فلم يكن فيها شيء من حجراته صلى الله عليه وآله وسلم فموقف الناس من داخل الدرابزين
(5)
، ومن خارجه من جهة القبله هو بيت حفصة رضي الله عنه ا.
قلت: وينبغي للزائر إذا قضى زيارته أن يقصد الآثار والمساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيتبركُ بها، ويدعوا عندها، ويُصلي فيها، تأسيًا به صلى الله عليه وآله وسلم، والتماسًا لبركته. وعلى فعل هذا واستحبابه
(6)
أجمع المسلمون
(7)
، وما أحسن قول كُثيِّر:
(1)
أي المصيب، وقد تعني الملهم.
(2)
لم تثبت صيغة محددة في السلام على النبيّ وصاحبيه.
(3)
عرصة أي فناء.
(4)
مطيفة أي محيطة.
(5)
الدرابزين: كلمة فارسية، يقال بأنها ذات أصل يوناني بمعنى الحاجز، وتكون حول الشرفات وبجانب السلالم للمساعدة في صعودها. دهمان: معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي ص 73.
(6)
في الأصل واستحابّة. والتصحيح من (ب) و (ص).
(7)
وقد شاعت زيارة تلك الآثار في عصر المؤلف وما بعده حتى أصبحت كأنها سنة لازمة لمن يزور المسجد النبوي ولا سيما عند العوام بينما هذا كله لا سند له وغير مقترن بزيارة مسجده صلى الله عليه وآله وسلم فإن زارها أو بعضها قبله أو بعده أو لم يفعل أساسًا فلا شيء في ذلك.
خلَيليَّ هذا ربعُ
(1)
عزة فاعقلا
…
قُلُوصَيْكُمَا
(2)
ثم انظرا حيث حلّتِ
ومُسَّا ترابًا طالما مسَّ جلدَها
…
وظِلَّا وبِيتا حيث باتت وظلَّتِ
ولا تيأسا أن يمحوَ الله عنكما
…
ذنوبًا إذا صليتما حيث صلَّتِ
(3)
(1)
ربع: أي دار أو محلَّة.
(2)
اعقلا قلوصيكما: أي اربطا جمليكما. والقلوص من الإبل هي الجذعة من إناث الإبل. الصحاح. والعقل للجمل يكون بثني أحد يديه أو الاثنتين وربطهما.
(3)
كثير عزة: ديوانه ص 95.
ذكر منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومصلاه وفيه ذكر احتراق الحرم الشريف وعمارته وحدود المسجد القديم
ذكر الشيخ محب الدين بن النجار
(1)
، عن محمد بن الحسن بن زَبَالة قال: كان طول منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأول ذراعين في السماء، وثلاثة أصابع. وعرضه ذراع راجح، وطول صدره وهو مستند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذراع. وطول رمانتي
(2)
المنبر اللَّتين كان يُمسكهما صلى الله عليه وآله وسلم بيديه الكريمتين إذا جلس شبر
(3)
وإصبعان. وعرضه ذراع في ذراع أو يزيد، وتربيعه سواء. وعدد درجاته ثلاث بالمقعد، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة.
قلت: هذا ما كان عليه في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنه م. فلما حج معاوية
(4)
رضي الله عنه في خلاته كساه قبطية
(5)
ثم كتب إلى مروان وهو عاملة على المدينة، أنِ ارفع المنبرَ عن الأرض، فدعا له النجارين، ورفعوه عن الأرض، وزاد من أسفله ست درجات، ورفعوه عليها، فصار للمنبر تسع درجات بالمجلس. قال ابن زبالة: لم يزد فيه أحد قبله ولا بعده.
(1)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 82.
(2)
رمانتي المنبر: نتوآن مدورين في جانبي المنبر يصنعان من الخشب لتزيينه، وكذلك لتساعدا في صعوده والجلوس عليه.
(3)
في الأصل شبرًا.
(4)
في الأصل معوية.
(5)
قبطية: أي مصنوعة في مصر نسبة في الأصل إلى القبط هناك، ومنها كساء قباطي.
قلت: هذا في زمان محمد بن الحسن بن زبالة. ورَوَى أيضًا عن ابن زبالة أن طول منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما زيد فيه أربعة أذرع، ومن أسفل عتبته
(1)
إلى أعلاه تسعة أذرع وشبر. وذكر ابن زبالة أيضًا أن المهدي بن المنصور لما حج سنة إحدى وستين ومئة قال للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه: أُريد أن أُعيد منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى حالته الأولى، فقال له مالك إنما هو طرفاء
(2)
وقد شُدَّ إلى هذه العيدان، وسُمِّر
(3)
فمتى نزعتَه خفتُ أن يتهافت، فلا أرى تغييره. فتركه المهدي على حاله
(4)
ورجع عما أراد. قلتُ: ذكر بعض طلبة العلم من أولاد المجاورين بالمدينة، مِمَّن أدركتُه، يسمى يعقوب بن أبي بكر بن أوحد، كان أبوه أبو بكر فراشًا من قُوَّام المسجد الشريف هو الذي كان حريق المسجد الشريف على يديه. فاحترق هو في حاصل
(5)
المسجد ليلتئذ، إنَّ هذا المنبر الذي زاده معاوية، ورفَعَ منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه تهافت على طول الزمان. وإنَّ بعض خلفاء بني العباس
(6)
جدَّده، واتخذ من بقايا أعواد منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمشاطًا للتبرك بها، وعمل المنبر الذي ذكره ابن النجار أولًا، فإنه قال في تاريخ المدينة
(7)
: وطول المنبر ثلاثة أذرع وشبر وثلاثة أصابع، والدَّكة
(8)
التي هو عليها من
(1)
عبارة «ومن أسفل عتبته» غير موجودة في (ب) و (ص).
(2)
طرفاء: نوع من الأشجار من فصيلة الأثل رمادي اللون ما زال معروفًا في منطقة المدينة يتميز بقوة احتمال سيقانه.
(3)
سمر: أي ثبت.
(4)
سقطت من الأصل وأثبتت في (ب).
(5)
حاصل المسجد: حاصل الشيء بقيته، وحاصل المسجد هنا معناه خزينته ومستودعه الذي يوضع فيه بقايا زيته أو أثاثه وزوائده من قديم وحديث.
(6)
الخليفة المستعصم: هو أبو أحمد عبد الله المستعصم آخر الخلفاء العباسيين قتله المغول بقيادة هولاكو أثناء تدميرهم مدينة بغداد سنة 656 هـ. وكان أحد الخلفاء الضعفاء، وكثيرًا ما تنفذ بالأمور دونه وزيره ابن العلقمي.
(7)
هذه إشارة إلى اسم آخر لكتاب الدرة الثمينة، ولعلها من باب الوصف له.
(8)
الدكة: هي ما ارتفع من الأرض قليلًا، أو كان على هيئة بناء يسطح أعلاه للجلوس عليه. فهي كل مرتفع في أرض البناء عما حوله، وأحيانًا تكون على هيئة كرسي من البناء يجلس أو ينتظر عليه، وقد تكون غرفة في البيت مرتفعة قليلًا عن الغرف الأخرى وبدون جدار من إحدى جهاته الداخلية فتسمى الدكة والاسم معروف مستخدم في المدينة إلى اليوم. انظر لسان العرب ج 2 ص 999.
رخام، طولها شبر وَعقْده من رأسه إلى عَتَبة خمسة أذرع وشبر وأربع أصابع؛ وقد زِيد فيه اليوم عتبتان، وجُعل عليه باب يُفتَح يوم الجمعة.
قلت: فدل ذلك على أن المنبر الذي احترق، غير المنبر الأول الذي عمله معاوية رضي الله عنه وجعل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوقه. قال الفقيه يعقوب بن أبي بكر المحترق: سمعتُ ذلك من جماعة ممنْ أدركتُ من المجاورين بالمدينة ممنْ يُوثق بهم أنهم سمعوا ذلك ممَّن أدركوا، وأن بعض الخلفاء جَدَّد المنبر وأخذ بقايا أعواد منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتبرك بها. فإن المنبر المحترق هو الذي جدده الخليفة المذكور، وهو الذي أدركه الشيخ محب الدين بن النجار قبل احتراق الحرم الشريف، لأن وفاة الشيخ محب الدين في شهر شعبان من سنة ثلاث وأربعين وست مئة، واحتراق المسجد الشريف في ليلة الجمعة أول شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وست مئة، فَكُتِبَ بذلك إلى الخليفة المستعصم بالله أبي أحمد عبد الله ابن الإمام المستنصر من المدينة في شهر رمضان المذكور، فوصل الصناعُ والآلات صحبة حجاج العراق، وابتُدِئَ بالعمارة فيه من سنة خمس وخمسين وست مئة.
واستولى الحريق على جميع سقوفه، حتى لم يبقَ فيه خشبة واحدة، وبقيت السواري قائمة كأنها جذوع النخل، إذا هبت الرياح تتمايل كما تتمايل جذوع النخل، وذاب الرصاص من بعضها فسقطت، حتى السقف الذي كان على الحجرة المقدسة وقع على سقف بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فوقعا على القبور المقدسة ولما ابتدؤوا بالعمارة قصدوا إزالة ما وقع من السقوف على القبور المقدسة، فلم يجسروا على ذلك، واتفق رأي صاحب المدينة يومئذ وهو الأمير
منيف
(1)
بن شيحة بن هاشم بن القاسم بن المهنا، ورأي أكابر أهل الحرم الشريف من المجاورين والخدام، أن يُطالع الإمام المستعصم بذلك، ويُفعل فيه ما يَصل به أمره ورأيه، فأرسلوا بذلك وانتظروا الجواب فلم يصل إليهم الجواب. وحصل للخليفة شغل ولأرباب الدولة، بإزعاج التتار
(2)
لهم، واستيلائهم على البلاد تلك السنة
(3)
، فترك الرَّدم
(4)
على ما كان عليه، ولم ينزل أحدٌ هناك ولا حركوه وأعادوا سقفًا فوقه على رؤوس السوراي التي حول الحجرة الشريفة، فإن الحائط الذي بناه عمر بن عبد العزيز- رحمه الله - حول بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بَيْن هذه السواري التي حول بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ به السقف الأعلى، بل جعلوا فوق الحائط وبين السواري شباكًا من خشب من الحائط إلى السقف الأعلى يظهر لمن تأمله من تحت الكسوة التي على الحائط على دوران الحائط جميعه. وسَقَّفوا في هذه السنة وهي سنة خمس وخمسين وست مئة الحجرةَ الشريفة وما حولها إلى الحائط القِبلي، وإلى الحائط الشرقي، إلى باب جبريل عليه السلام المعروف قديمًا بباب عثمان رضي الله عنه
(5)
. ومن جهة المغرب الروضة الشريفة جميعها إلى المنبر الشريف.
ثم دخلت سنة ست وخمسين وست مئة فكان في الحرم منها واقعة بغداد وقتل الخليفة المذكور رحمه الله
(6)
فوصلت الآلات من مصر وكان المتولي
(1)
الأمير منيف بن شيحة: هو أبو الحسين منيف بن شيحة تولى إمارة المدينة (649 - 657 هـ) وقد آزره أخوه جماز بن شيحة، وقد اشتد في جمع المكوس ولاقى أهل المدينة منه عنتًا في ذلك. ابن فرحون: نصيحة المشاور ص 248.
(2)
التتار: هنا هم المغول بقيادة هولاكو حيث دمروا بغداد وأسقطوا الخلافة العباسية سنة 656 هـ ..
(3)
أي سنة 655 هـ.
(4)
الردم: هو ما تهدم من تراب وحجر وتكوم في مكان واحد.
(5)
باب عثمان رضي الله عنه ما زال إلى اليوم يعرف بباب جبريل ويقع في الجدار الشرقي للمسجد باتجاه ركن البقيع الشمالي.
(6)
الخليفة المذكور يقصد المستعصم آخر الخلفاء العباسيين في بغداد الذي قتله هولاكو سنة 656 هـ.
تلك السنة بها الملك المنصور نور الدين علي
(1)
بن الملك المعز عز الدين أيبك الصالحي. ووصل أيضًا من صاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف
(2)
بن الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول آلات وأخشاب، فعملوا إلى باب السلام المعروف قديمًا بباب مروان بن الحكم، ثم عُزل صاحب مصر المذكور وتولى مكانه مملوكُ أبيه، الملك المظفر سيف الدين قطز
(3)
المعزي، واسمه الحقيقي محمود بن ممدود، وأمه أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه
(4)
وأبوه ابن عمه، وقع عليه السبي عند غلبة التتار، فَبِيعَ بدمشق ثم انتقل بالبيع إلى مصر، وتُمُلِّك سنة ثمان وخمسين وست مئة.
وفي شهر رمضان من السنة المذكورة كانت واقعة عين جالوت
(5)
التي أعز الله فيها الإسلام وأهله، وخذل الكفر وأهله على يديه. ولم يستكمل في ملكه السنة بكمالها بل قتل بعد الواقعة بشهر وهو داخل إلى مصر. فكان العمل في المسجد الشريف تلك السنة من باب السلام إلى باب الرحمة المعروف قديمًا
(1)
نور الدين علي: هو السلطان المملوكي المنصور نور الدين علي (655 - 657 هـ).
(2)
الملك المظفر يوسف: هو ثاني ملوك الدولة الرسولية باليمن تولى الملك فيها من سنة 647 هـ حتى وفاته سنة 694 هـ، وكان له عناية بالعلوم والطب وعمارة المسجد الحرام وكسوة الكعبة، وتجديد مسجد الخيف بمنى، ومسجد عبد الله بن عباس بالطائف، وكان يوصف بحسن السيرة والكف عن أموال الرعية. الخزرجي: العقود اللؤلؤية ج 1 ص 388 - 389.
(3)
الملك المظفر سيف الدين قطر هو أحد سلاطين دولة المماليك في مصر تولى سنة 657 هـ.
(4)
جلال الدين خوارزم شاه: هو آخر حكام الدولة الخوارزمية في بلاد ما وراء النهر حيث قضى عليه المغول سنة 628 هـ عندما دمروا خوارزم وقضوا على جلال الدين على الرغم من استماتته في الوقوف في وجه الزحف المغولي. بوزورث: الأسر الحاكمة في الإسلام ص 158 - 159.
(5)
عين جالوت: هي المعركة الفاصلة المشهورة التي انهزم فيها المغول على يد المماليك لأول مرة منذ دخولهم العالم الإسلامي، على صعيد عين جالوت بالقرب من نابلس بفلسطين، وذلك سنة 658 هـ/ 1258 م.
بباب عاتكة ابنة عبد الله بن يزيد بن معاوية، كانت لها دار تُقابل الباب فنسب
(1)
إليها كما نُسب باب عثمان وباب مروان.
وتولى مصر آخر تلك السنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي
(2)
ويعرف بالبندقداري
(3)
، فعمل بأيامه باقي المسجد الشريف، من باب الرحمة إلى شمالي المسجد، ثم إلى باب النساء. وكَمُل سقف المسجد كما كان قبل الحريق سقفًا فوق سقف، ولم يزل على ذلك حتى جددوا السقف الشرقي والسقف الغربي في سنَتَيْ خمس وست وسبع مئة في أوائل دولة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون
(4)
الصالحي، خلد الله ملكه؛ فَجُعِلَا سقفًا واحدًا نُسبة
(5)
السقف الشمالي، فإنه جعل في عمارة الظاهر كذلك.
وكان الملك المظفر صاحب اليمن قد عمل منبرًا فأرسله في سنة ست وخمسين [وست مئة]، ونصب في موضع منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم يزل إلى سنة ست وستين وست مئة، عشر سنين يخطب عليه. رُمَّانتاه من الصندل، فأرسل الملك الظاهر هذا المنبر الموجود اليوم، فقلع منبر صاحب اليمن، وحُمل إلى حاصل الحرم، وهو باق فيه، ونصب هذا مكانه، وطوله أربع أذرع، ومن رأسه إلى عتبته سبعة أذرع تزيد قليلًا، وعدد درجاته سبع بالمقعد.
والمنقول أن ذرع ما بين المنبر ومصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي نُقِلَ بالتواتر، والذي كان يصلي فيه إلى أن تُوفي صلى الله عليه وآله وسلم أربع عشرة ذراعًا وشبر. وإن ذرع ما بين القبر المقدس والمنبر الشريف، ثلاثة وخمسون ذراعًا.
(1)
في الأصل ينسب، وفي (ص) فنسب وهو الصحيح.
(2)
بيبرس الصالحي هو السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري (658 - 676 هـ) قائد معركة عين جالوت مع السلطان قطز، وكانت له عناية بالجيوش والعمارة والبريد.
(3)
في الأصل بالبندقدار، وفي (ب) و (ص) كما أثبتناه وهو الصحيح. أي الرامي بالبَنْدق وهو أحد أنواع الأسلحة.
(4)
السلطان الناصر محمد بن قلاوون (693 - 694 هـ) أحد سلاطين المماليك في مصر تولى السلطنة أكثر من مرة وما يذكره المؤلف تم في المدة الثانية من حكمه (698 - 708 هـ).
(5)
نسبة السقف: أي في مستواه.
ونقل الشيخ محب الدين ابن النجار
(1)
رحمه الله قال أهل السير: بَنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسجده مرتين بناه حين قَدم أقل من مئة في مئة، فلما فَتح الله عليه خيبر بناه وزاد عليه في الدور مثله، وصلى فيه صلى الله عليه وآله وسلم متوجهًا إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثم أُمر بالتحول إلى الكعبة، فأقام رهطًا
(2)
على زوايا المسجد ليُعدلَ القبلة، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا رسول الله ضع القبلةَ وأنت تنظر إلى الكعبة، ثم مال بيده هكذا فأماط كل جبل بينه وبين القبلة، فوضع القبلة وهو ينظر إلى الكعبة لا يحول دون نظره شيء، فلما فرغ قال جبريل: هكذا، فأعاد الجبال والشجر والأشياء على حالها، وصارت قبلته إلى الميزاب
(3)
.
وأخبرنا الشيخ تاج الدين، أنا الشيخ الإمام محب الدين
(4)
، أخبرنا أبو القاسم الطُغري والأزجي في كتابيهما، عن أبي علي الأصفهاني، عن أبي نعيم الحافظ، عن أبي محمد، عن أبي محمد الخلدي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا محمد بن الحسن، حدثني عبد العزيز بن أبي حازم، عن هشام بن أبي هلال، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت قبلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشام، وكان مصلاه الذي يُصلي فيه بالناس إلى الشام من مسجده، [وهو] أن تضع الأسطوانة المُخلَّقة
(5)
اليوم خلفَ ظَهرِك ثم تمشي مستقبل الشام وهي خلف ظهرك، حتى إذا كنتَ محاذيًا باب عثمان رضي الله عنه المعروف اليوم بباب جبريل عليه السلام، والباب على منكبك الأيمن،
(1)
الدرة الثمينة ص 70.
(2)
أي جماعة.
(3)
سنده ضعيف ومتنه منكر، انظر سعيد بن منصور ج 2 ص 672؛ وانظر محمد بن يوسف الصالحي: سبل الهدى والرشاد ج 3 ص 491 حيث أورد الخبر مطولًا.
(4)
محب الدين: هو ابن النجار: الدرة الثمينة في محاسن المدينة ص 70.
(5)
الأسطوانة المخلقة أي التي كان يوضع عليها الخلوق وهو الطيب والبخور وهي أقرب الأسطوانات إلى محرابه صلى الله عليه وآله وسلم وتسمى أحيانًا الأولى وما زال مكتوبًا عليها اسمها.
وأنت في صحن المسجد كانت قبلته في ذلك الموضع/، وأنت واقف في مصلاه صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: يعني الأسطوانةُ المخلقةُ هي التي عن يسار الإمام المُصلِّي في مُصلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلف ظهره. وسيأتي ذكرها عند ذكر الأساطين.
وذكر الشيخ محب الدين رحمه الله
(1)
أن حدودَ مسجدِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأول المشار إليه من القبلة، الدَّرابِزينات
(2)
التي بين الأساطين التي في قبلة الروضة. ومن الشام الخشبتان المغروزتان
(3)
في صحن المسجد، هذا طوله. وأما عرضه من المشرق إلى المغرب فهو من حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأسطوانة التي بعد المنبر، وهو آخر البلاط.
قلت: أما الدرابزينات التي ذُكرتْ من جهة القبلة فهي متقدمة عن موضع الحائط القبلي، لأن الحائط القبلي كان محاذيًا لمصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لِما ورد أن الواقف في مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تكون رمانة المنبر الشريف حذو منكبه الأيمن فمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يغير باتفاق، وكذلك المنبر لم يؤخر عن منصبه الأول. وإنما جعل هذا الصندوق الذي في قبلة مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سترة بين المقام وبين الأسطوانة. وورد أيضًا أنه كان بين الحائط القبلي وبين المنبر ممر شاة، وبين المنبر والدَّرَابِزين اليوم مقدار أربعة أذرع وربع ذراع.
وفي صَحن المسجد الشريف اليومَ حَجَران يُذكر أنهما حد مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشام والمغرب، ولكنهما ليسا على سمت
(4)
المنبر
(1)
الشيخ محب الدين المقصود به هنا هو ابن النجار في كتابه الدرة الثمينة ص 109 والمؤلف ينقل عنه ثم يعقب عليه بعبارة قُلت.
(2)
الدرابزينات: جمع درابزين وقد تقدم تعريفه.
(3)
عند ابن النجار الخشيبات المغروزات.
(4)
على سمت: على محاذاة.
الشريف، بل هما داخلان إلى جهة المشرق، بمقدار أربعة أذرع أو أقل، والله أعلم.
وكذلك متقدمان إلى القبلة بمثل ذلك، لأَني اعتبرتُ ذلك بالذرعة
(1)
، فوجدتهما ليسا على حد ذرعة المسجد الأول.
وذكر محب الدين بن النجار
(2)
أن طول مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الزيادات كلها مئتا ذراع وأربعة وخمسون ذراعًا، .. وعرضه من مؤخره مئة ذراع وخمسة وثلاثون ذراعًا، ينقص مؤخره عن مقدمه خمسة وثلاثون ذراعًا. وذكر محمد بن الحسن ما يقارب هذا أو مثله، لاختلاف الأذرعة. وكل ذلك بذراع اليد المتوسطة بين الطول والقصر
(3)
.
(1)
بالذرعة: أي بالذراع والقياس وهو ما يؤكد دقة المؤلف ووقوفة بنفسه على كثير مما يذكره.
(2)
الدرة الثمينة ص 108.
(3)
في كل من (ب) و (ص) جاءت بعد ذلك «تتمة لهذا الباب غير داخلة في السماع» ، بينما جاءت في الأصل في آخر الكتاب كما سيأتي، وقد التزم المحقق بترتيبها في الكتاب حسب الأصل.
ذكر الأسطوانات المشهورة في الروضة الشريفة
منها الأسطوانة المُخلَّقة، وهي التي صلى إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المكتوبة، بعد تحويل القبلة بضع عشرة يومًا، ثم تقدم إلى مصلاه مصلَّى اليوم المذكور فيما تقدم. وهي الثالثة من المنبر والثالثة من القبر الشريف، وكانت أيضًا الثالثة من رحبة المسجد قبل أن يزاد في القبلة رُواقان وسيأتي ذكرهما، وهي متوسطة في الروضة. وتعرف بأسطوان المهاجرين وكان أكابر الصحابة رضي الله عنه م يصلون إليها، ويجلسون حولها. وتسمى أيضًا بأسطوانة عائشة رضي الله عنه ا للحديث الذي روته فيها أنها لو عرفها الناس لاضطربوا على الصلاة عندها بالسُّهمان
(1)
. وهي التي أسرَّت بها إلى ابن أختها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ما، فكان أكثر نوافله إليها. ويقال: إن الدعاء عندها مستجاب.
ومنها أسطوانة التوبة، وهي التي ارتبط
(2)
فيها أبو لبابة بشير بن عبد المنذر الأنصاري الأوسي رضي الله عنه
(3)
. نقل أهل السير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اعتكف في رمضان طُرِحَ له فراشه ووُضِع له سريره وراء أسطوانة التوبة.
(1)
السهمان: جمع سهم. والمعنى أي استهموا عليها.
(2)
ارتبط: أي ربط فيها نفسه انظر قصته عند ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ج 4 ص 196.
(3)
أبو لبابة بشير بن عبد المنذر الأنصاري الأوسي رضي الله عنه: صحابي جليل أمَّره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة أثناء خروجه منها لغزوة بدر، وضرب له بسهم من الأجر والغنائم فيها. عاش طويلًا حتى أدرك خلافة علي رضي الله عنه. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ق 2 ج 7 ص 349.
قلت: هي الثانية من القبر الشريف، والثالثة من القبلة، والرابعة من المنبر، والخامسة من رحبة المسجد اليوم، وهي التي تلي أسطوانة المهاجرين التي تقدم ذكرها آنفًا من جهة الشرق، في الصف الأول الذي خلف الإمام المُصلِّي في مَقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخلفها من جهة الشمال أسطوان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتُعرف بالمحرَس، لأنه رضي الله عنه كان يجلس إليها لِحراسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهي مُقابلةُ الخوخة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج منها من بيت عائشة رضي الله عنه ا إلى الروضة الشريفة للصلاة.
وخلفها من جهة الشمال أسطوان الوفود، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلس إليها لوفود العرب إذا جاءته، وكانت مما يلي رحبة المسجد، قبل أن يُزاد في السقف القِبلي الروقان
(1)
، وكانت تُعرف أيضًا بمجلس القلادة، يجلس إليها سرواة
(2)
الصحابة وأفاضلهم رضي الله عنه م.
(1)
في (ب) و (ص) الرواقان المستجدان.
(2)
هكذا في كل النسخ وسروات وسراة بمعنى واحد.
ذكر الجذع الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب إليه
حدثنا الشيخ أبو الحسن بن علي، حدثنا الإمام أبو عبد الله بن محمود، أخبرنا عبد الرحمن بن علي، أخبرنا يحيى بن علي، أخبرنا جابر بن ياسين، أخبرنا المخلص، حدثنا البغوي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا المبارك بن فضالة، حدثنا الحسن عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب اليوم إلى جمب خشبة، مسندًا ظهره إليها، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبرًا فبنوا له منبرًا له عتبتان، فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
(1)
. قال أنس، وأنا في المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله
(2)
، فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكتت. فكان الحسن رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث بكى، وقال: يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شوقًا إليه لمكانته
(3)
إلى الله عز وجل، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه
(4)
. وفي الصحيحين من حديث الجذع ما فيه كفاية
(5)
. وكان هذا الجذع عن يمين مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لاصقًا بجدار المسجد القِبْلِي في موضع كرسي الشمعة اليمنى، التي توضع عن يمين الإمام المُصلِّي في مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأسطوانة قِبلِي الكرسي وهي متقدمة عن موضع الجذع فلا يُعتمد
(1)
ابن خزيمة: صحيحه ج 3 ص 139، وقد صححه.
(2)
الواله: هو مَنْ اشتد وجده وحزنه على مفارقة ولده أو وليفه. ابن منظور ج 6 ص 984.
(3)
في الأصل لمكانة، وفي (ب) لمكانه، والأقرب ما أثبتناه.
(4)
ابن عبد البر: الاستيعاب ج 4 ص 437؛ ابن المبارك: كتاب الزهد ص 361.
(5)
انظر مثلًا البخاري ج 3 ص 1413 - 1414 هـ.
على قول مَنْ جعلها موضع الجذع. وفيها خشبة ظاهرة سدادة مثبتة بالرصاص لموضع
(1)
كان في حَجَرٍ من حجارة الأسطوانة مفتوح، وقد حُوِّط عليه بالبياض، والخشبة ظاهرة، يقول العامة هذا [هو] الجذع الذي حَنَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وليس كذلك، بل هذا من جملة البدع التي تجب إزالتها، لئلا يَفتتن بها الجُهَّال كما أزيلت الجَزْعة
(2)
التي كانت في المحراب القِبْلي فإن الشيخ أبا حامد
(3)
لما ذَكر مُصلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الروضة حققه بقوله إذا وقف المُصلّي في مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكون رُمانة المنبر حذو منكبه الأيمن، ويجعل الجزعة التي في القبلة بين عينيه فيكون واقفًا في مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: وذلك قَبل حريق المسجد، وقبل أن يُجعل هذا اللوح القائم في قِبلة مُصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما جُعل بعد حريق المسجد. وكان يحصل بتلك الجزعة فتنةٌ كبيرة وتشويش على مَنْ يكون بالروضة الشريفة من المجاورين وغيرهم. وذلك أنه يجتمع إليها النساء والرجال، ويقال هذه خرزة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت عالية لا تنال بالأيدي، فتقف المرأة لصاحبتها حتى ترقى على ظهرها وكتفيها حتى تصل إليها، فربما وقعت المرأة وانكشفت عورتها، وربنا وقعتا معًا، فلما كان في سنة إحدى
(4)
وسبع مئة جاور الصاحب زين الدين أحمد بن محمد بن علي بن محمد المعروف بابن حنا، فرأى ذلك فاستعظمه وأمر بقلع الجِزعة، فقُلِعت، وهي الآن في حاصل الحرم الشريف، ثم توجه إلى مكة في أثناء السنة فرأى أيضًا ما يقع من الفتنة
(1)
وردت هذه الجملة في (ب) وفي (ص) كالتالي: وفيها خشبة ظاهر مثبتة بالرصاص سدادة لموضع.
(2)
في الأصل الجزعة، وفي (ب) و (ص) الجذعة من الجذع وهو خطأ. والجزعة هي ضرب من الخرز اليماني فيه سواد وبياض. ابن منظور ج 1 ص 455.
(3)
أبو حامد: والإمام الغزالي صاحب الإحياء السمهودي: وفاء ج 1 ص 372.
(4)
في الأصل أحد.
عند دخول البيت الحرام، وتعلق
(1)
الناس بعضهم ببعض، وحمل الناس على أعناق الرجال للاستمساك بالعروة الوُثقى بِزعمهم فأمر بقلع ذلك المثال، وزالت تلك البدعة أيضًا، والمنة لله تعالى.
(1)
في الأصل وتعليق، والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
ذكر العود الذي كان في الأسطوانة التي عن يمين مصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
-
وهي الجذع تَقدّم ذِكره قبل هذا، الذي كان يخطب إليه صلى الله عليه وآله وسلم قال الشيخ محب الدين بن النجار
(1)
روى أهل السير عن مصعب بن ثابت بن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: طلبنا علَم العود الذي في مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقدر
(2)
على أحد أن يذكر لنا منه شيئًا، حتى أخبرني محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة
(3)
، قال: جلستُ إلى أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: أتدري لم صُنع هذا العود، وما أصله؟
(4)
فقلت: لا أدري، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع عليه يمينه، ثم يلتفتُ إلينا، فيقول: استووا، عدلوا
(5)
صفوفكم. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سُرق العود فطلبه أبو بكر رضي الله عنه فلم يجده، حتى وجده عمر رضي الله عنه عند رجل من الأنصار بقباء، قد دفن في الأرض، فأكلته الأرضة، فأخذ له عود فشقه وأدخله فيه، ثم شعبه ورده إلى الجدار، فهو العود الذي وضعه عمر بن عبد العزيز في القبلة، وهو الذي في المحراب اليوم باق. قال مسلم بن حباب: كان ذلك العود من طرفاء الغابة
(6)
وكان في الحائط،
(1)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 89. والمؤلف ينقل بالنص عنه كثيرًا.
(2)
هكذا في الأصل وفي (ب) نقدر وهو الأقرب. وعند ابن النجار فلم نجد.
(3)
محمد بن مسلم بن السائب بن الخباب المدني، ذكره ابن حبان في الثقات، ظل حيًا حتى عهد عمر بن الخطاب. المزي: تهذيب الكمال ج 26 ص 411.
(4)
في الأصل ما أسله، وفي (ب) غير مقروءة وفي (ص) وما أساله والكلمة هي ما أصله أبدِلت الصاد سينا نتيجة لحن.
(5)
في الأصل اعتدلوا والتصحيح من (ب).
(6)
الغابة: منطقة كثيفة الأشجار كالأثل والطرفاء تقع شمالي مجتمع السيول في شمال المدينة إلى الغرب من جبل أحد، وقد كانت فيها بعض المزارع والبساتين وما زالت إلّا أن العمران الحديث بدأ يمتد إليها واخترقتها عدد من الطرق المعبدة الكبيرة مثل طريق الجامعات وطريق العيون الخليل. انظر السمهودي ج 4 ص 1275؛ الخياري: تاريخ معالم المدينة المنورة ص 243.
وقيل: بل كان في الجذع المذكور، قلت: وهذا فيما قبل حريق المسجد والله أعلم
(1)
.
(1)
انظر تفاصيل خبر العود عند السمهودي ج 1 ص 381.
ذكر مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الليل
قال الشيخ محب الدين بن النجار رحمه الله
(1)
: روى عيسى بن عبد الله، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطرح حصيرًا كل ليلة إذا انكفَّتِ
(2)
الناس وراء بيت علي رضي الله عنه، ثم يُصلي صلاة الليل. قال عيسى: وذلك موضع الأسطوان الذي مما يلي الدورة
(3)
على طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: وهذه الأسطوانة خلف بيت فاطمة رضي الله عنه ا، والواقف المُصلِّي إليها يكون باب جبريل المعروف قديمًا بباب عثمان على يساره، وحولها الدرابزين الدائر على حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيت فاطمة رضوان الله عليها، وقد كتب فيها بالرخام: هذا مُتهَجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(4)
، قال رحمه الله
(5)
: ورُوي عن سعيد بن عبد الله بن فُضيل: قال: مَرَّ بِي محمد بن الحنفية رضي الله عنه، وأنا أصلي إليها، فقال لي: أراك تلزم هذه الأسطوانة، هل جاءك فيها أثر؟ قلت: لا، قال: فالزمها فإنها كانت مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الليل، ثم قال
(6)
: قلتُ: هذه الأسطوانة وراء بيت فاطمة رضوان الله عليها، من جهة الشمال، وفيها محراب إذا توجه المُصلي إليه، كانت يساره إلى باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل.
(1)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 76.
(2)
انكفَّت: أي توقفت حركة الناس.
(3)
هكذا في كل النسخ وعند ابن النجار الدور وهو الأقرب.
(4)
وهو غير معروف اليوم.
(5)
قال رحمه الله أي ابن النجار: الدرة الثمينة ص 76.
(6)
أي ابن النجار.
ذكر الخُوَخ والأبواب التي كانت في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
-
اعلمْ أن الخوخة التي تحت الأرض، التي لها شباك في القبلة، وطابقٌ مقفل يُفتح أيام الحجاج، هي طريق آل عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما إلى دارهم، التي تُسمى اليوم دار العَشرة، وإنما هي دار آل عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وكان بيت حفصة رضي الله عنه ا قد صار إلى آل عبد الله بن عمر رضي الله عنه. فلما عمر بن عبد العزيز المسجدَ، وهو عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة وأُدخل بيتُ حفصةَ في المسجد، جعل لهم طريقهم إلى المسجد وفتح لهم بابًا في الحائط القِبلي، يدخلون منه إلى المسجد. فلما حج الوليد ودخل المدينة وطاف في المسجد رأى الباب في القبلة فقال لعمر: ما هذا الباب؟ فذكر له ما جرى بينه وبين آل عمر في بيت حفصة، وكان قد جرى بينه وبينهم فيه كلام كثير وجرى الصلح على أن فَتح لهم هذا الباب، فقال له الوليد: أراك قد صانعتَ أخوالَك.
ولم تزل تلك طريقهم، حتى عَمل المهدي بن المنصور
(1)
المقصورة على الرواق القِبْلي فمنعوهم الدخول من بابهم، فجرى أيضًا في ذلك كلام كثير، فاصطلحوا على أن يُسد الباب، ويُجعل لهم شباك حديد، ويُحفر لهم من تحت الأرض طريقُ يُخرج منها إلى خارج المقصورة، فهي هذه الموجودة اليوم. وهي بيد آل عبد الله بن عمر إلى اليوم.
(1)
المهدي بن المنصور هو الخليفة العباسي المعروف (158 - 169 هـ). وقد كانت توسعته للمسجد النبوي سنة 161 هـ.
وأما خوخة أبي بكر رضي الله عنه
(1)
فإن الشيخ محب الدين بن النجار قال
(2)
: قال أهل السير: إن باب أبي بكر كان غربي المسجد، ونَقَل أيضًا أنه كان قريب المنبر، ولما زادوا في المسجد إلى حده من الغرب، نقلوا الخوخة وجعلوها في مثل مكانها أولا.
كما نقل باب عثمان إلى موضعه اليوم. قلت: وباب خوخة أبي بكر رضي الله عنه اليوم هو باب خزانةٍ لبعض حواصل المسجد، إذا دخلت من باب السلام المعروف قديمًا بباب مروان كانت على يسارك، قريبًا من الباب. وكذلك أُدخِل باب فاطمة رضي الله عنه ا الذي في المسجد، وهو شمالي بيت عائشة رضي الله عنه ا الذي فيه قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه رضي الله عنه ما. وبنى عمر بن عبد العزيز على بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حائطًا ولم يُوصله إلى سقف المسجد، بل دُوَين
(3)
السقف، بمقدار أربعة أذرع، وأدار عليه شباكا من خشب، من فوق الحائط إلى السقف، يراه مَنْ يتأمله من تحت الكسوة التي على الحجرة الشريفة، فإنه أعيد بعد احتراق المسجد على ما كان عليه قبل ذلك.
وأدخل عمر بن عبد العزيز بعضَ بيت فاطمة رضي الله عنه ا من جهة الشمال في الحائز
(4)
الذي بناه مُحرَّفًا على الحجرة الشريفة، يلتقي على ركن واحد، لئلا تكون الحجرة الشريفة مُربعة كالكعبة فيتصور جُهَّال العامة الصلاة إليها كالصلاة إلى الكعبة. وبقي بقيةُ البيت من جهة الشمال وفيه اليوم صندوق مربع من خشب فيه أسطوانة وخلفه محراب.
(1)
لا يزال في الرواق الغربي من التوسعة العثمانية شمالي باب السلام لوحة باسم خوخة أبي بكر الصديق رضي الله عنه تشير إلى موقعها الأصلي.
(2)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 83.
(3)
دوين: تصغير دون.
(4)
الحائز هكذا في كل النسخ أي الحاجز. وفي هذا إشارة مهمة للوضع المعماري الذي ينبغي أن يكون عليه وضع الحجرة للمحذور المذكور من قبل. وكيف حاول أن يتلافاها عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
ذكر أبواب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
-
لما بَنى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم مسجدَه جعلَ له ثلاثَةَ أبواب، بابًا في مؤخره، وباب عاتكة
(1)
في غربيه، وهو باب الرحمة، والباب الذي كان يدخل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل.
قال محب الدين بن النجار
(2)
: روى إبراهيم بن محمد، عن ربيعة بن عثمان قال: لم يبقَ من الأبواب التي كان يدخل منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلّا باب عثمان المعروف بباب جبريل. قلتُ: فلما بَنى الوليد بن عبد الملك المسجدَ، ووسعه جَعل له عشرين بابًا
(3)
ثمانية من جهة الشرق، والقِبلِيّ منها باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسميةً. لا إنه
(4)
دخل منه، ولكن لمقابلته بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الحائط الشرقي، وقد سُدَّ عند تجديد الحائط، وجعل منه شباك يقف الإنسان عليه من خارج، فيرى حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والثاني باب علي رضي الله عنه كان يقابل بيته، خلف بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سُدَّ أيضًا عند تجديد الحائط، والثالث
(1)
عاتكة: هي عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية وبابها يقع في غربي المسجد وسمي بباب السوق في فترة من الفترات كما سمي باب الرحمة وما زال كذلك إلى اليوم، وقد رأيته مكتوبًا عليه. انظر: السمهودي، وفاء، ج 2 ص 697 - 698.
(2)
الدرة الثمينة ص 109.
(3)
كثرة الأبواب بهذه الصور تدل على عظم توسعة الخليفة الوليد للمسجد، حيث بلغت حوالي 2370 مترًا مربعًا.
(4)
في الأصل لأنه والصحيح ما أثبتناه من (ب) أو أن لا النافية سقطت. والأسلوب فيه ضعف.
باب عثمان رضي الله عنه، وهو المتقدم ذكره، أنه نُقل عند بناء الحائط الشرقي قُبَالة الباب الأول الذي كان يدخل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو باب جبريل عليه السلام، وهو مقابل لدار عثمان رضي الله عنه. ثم اشترى عثمان رضي الله عنه ما حولها إلى القبلة والشرق
(1)
. وشماليها الطريق من باب جبريل إلى باب المدينة الأول، الذي مِن عمل جمال الدين الأصفهاني
(2)
ومنه يخرج إلى البقيع، فالذي يُقابل باب جبريل عليه السلام منها اليوم رباط أنشأه جمال الدين محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني وزير بني زنكي وَقَّفه على فقراء العجم وجُعِل له فيها مشهد
(3)
فلما تُوفي حملوه إلى المدينة، ودفن فيه، وكان قد جَدّد أماكن كثيرة بمكة والمدينة من المشاهد والمشاعر، منها باب إبراهيم بالمسجد الحرام وزيارته، ومنها المنائر التي بالمسجد الحرام واسمه عليها، وعلى الباب مكتوب، وكان قد جَدَّد باب الكعبة المعظمة وأخذ الباب العتيق وحمله معه إلى بلده، وعمل منه لنفسه تابوتًا حُمِل فيه إلى المدينة بعد موته.
وعَمِل للمدينة الشريفة سورًا متقنًا بأبواب حديد، ولكنه كان على ما حول المسجد، فلما كثُر الناس بالمدينة، ووصل السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد محمود بن زنكي بن آق سنقر ملك الشام إلى المدينة للزيارة، ولقصد آخر مذكور فيما بعد، [عندما] رأى الناس قد نزلوا خارج السور من كل ناحية، وشكوا إليه حالهم، فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم، وذلك في
(1)
في (ب) والشرقي.
(2)
جمال الدين الأصفهاني: هو محمد بن أبي منصور الملقب بالجواد الأصفهاني أحد وزراء بني زنكي قام بعدة إصلاحات بالمدينة ومكة منها بناء سور للمدينة سنة 540 هـ وتوفي في سنة 559 هـ وأوصى بأن يدفن في المدينة فحمل إليها. السمهودي: وفاء ج 2 ص 689 - 690، 766، 767.
(3)
مشهد هنا تعني قبر أو مدفنًا وربما يفهم منها مزار في بعض البلاد والاسم لا يخلو من بدعة محدثة حول القبور. لكن المؤلف يكتب بأسلوب عصره وروحه، وهو مما لا يخفى على القارئ الآن.
سنة ثمان وخمسين وخمس مئة، واسمه مكتوب على باب المدينة من جهة البقيع. وفي قبلة الرباط المذكور من دار عثمان رضي الله عنه تُربةٌ اشترى عرصتَها أسد الدين شيركوه
(1)
بن شادي عم السلطان الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف بن أيوب رحمه الله، وعملها تُربةً نقُل إليها هو وأخوه نجم الدين أيوب بعد موتهما، ودفنا فيها.
والرابع
(2)
باب ريطة
(3)
ابنة أبي العباس السفاح
(4)
، ويُعرف بباب النساء، وفي علاه من خارج لوح من الفسيفساء، مكتوبٌ فيه آية الكرسي من بقية بناء المسجد القديم، الذي بناه عمر بن عبد العزيز. ودار ريطة المقابلة له كانت دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ونقل أنه تُوفي فيها، وهي الآن مدرسة الحنفية بناها ياز كوج أحد أمراء الشام. وتعرف الآن بالياز كوجية، وعَمل له فيها مشهدًا نُقل إليه من الشام، ودفن فيه. والطريق إلى البقيع بينها وبين دار عثمان رضي الله عنه، نقل ذلك ابن زبالة محمد بن الحسن، وذَكر أن الطريق سبعة أذرع، وهي اليوم قريبٌ من هذا.
والخامس باب يُقابل دار أسماء بنت الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه م، وكانت لبعض الأنصار من جملة داره يُسمَّى
(1)
شيركوه: هو أسد الدين شيركوه عن صلاح الدين الأيوبي، وقائد مشهور في قتال الفرنج، وزر للخليفة الفاطمي العاضد في أواخر أيامه مما مهد لمجيء صلاح الدين والقضاء على الدولة الفاطمية.
(2)
الرابع أي الباب الرابع للمسجد النبوي وقتذاك.
(3)
هي بنت أبي العباس أول الخلفاء العباسيين وتزوجها المهدي، وكان الخليفة المنصور يثق فيها ودفع إليها كتاب مبايعة ابنه المهدي عند سفره للحج في السنة التي توفي فيها وهي سنة 158 هـ الطبري ج 4 ص 541.
(4)
السفاح: هو عبد الله بن محمد بن علي أول خليفة عباسي (132 - 136 هـ)، ولقب السفاح بمعنى السفاك هو أقرب إلى عمه عبد الله بن علي منه، ثم إن السفاح تعني فيما تعني كثرة الكرم والسخاء وهو ما يتفق مع مقولته المشهورة في إحدى خطبه.
جَبلة بن عمرو الساعدي، ثم صارت لسعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان رضي الله عنه، ثم صارت لأسماء المذكورة، وقد سُد هذا الباب أيضًا عند تجديد الحائط الشرقي من المنارة الشرقية الشمالية إلى هذا الباب المذكور، في أيام الإمام الناصر لدين الله
(1)
سنة تسع وثمانين وخمس مئة، ودار أسماء المذكورة اليوم رباط للنساء
(2)
.
والسادس باب يقابل دار خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد دخل في بناء الحائط المذكور. وهي الآن رباط للرجال ومعها من جهة الشمال دار عمرو بن العاص رضي الله عنه. والرباطان المذكوران بناهما قاضي القضاة كمال الدين أبو الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرَزَوَرِي
(3)
.
والباب السابع كان يُقابل زقاق المناصع
(4)
بين دار عمرو بن العاص ودار موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، والزقاق اليوم ينفذ إلى دار الحسن بن علي العسكري رحمه الله
(5)
، وكان الزقاق نافذًا
(1)
الناصر لدين الله هو الخليفة العباسي الرابع والثلاثون واسمه أحمد بن المستضيء (575 - 622 هـ) كان حكمه ضعيفًا على الرغم من طوله. القلقشندي: الأناقة ج 2 ص 56 - 57.
(2)
كان يقوم في المدينة أربطة للرجال وأخرى للنساء في زمن المؤلف، وهذه إشارة مهمة.
(3)
كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري قاضي القضاة بدمشق في عهد السلطان الأيوبي نور الدين زنكي، أسس عددًا من المدارس في الموصل ونصيبين، توفي سنة 571 هـ، ابن كثير: البداية والنهاية ج 12 ص 296 - 297.
(4)
المناصع: جمع منصع، وهي مواضع يذهب إليها ويتخلى فيها لقضاء الحاجة في الأماكن أو الأحياء التي ليس في كُنُف في الدور، وقد كانت تقع في المدينة شرق المسجد النبوي محاذية للبقيع من ناحية الشمال. ابن منظور ج 6 ص 649؛ السمهودي: وفاء الوفاء ج 4 ص 1313.
(5)
الحسن بن علي بن موسى العسكري أحد أئمة الشيعة الإمامية، توفي سنة 260 هـ. الذهبي: سير أعلام النبلاء ق 2 ج 13 ص 121.
إلى المناصع خارجًا
(1)
عن المدينة وهو متبرز النساء بالليل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودار موسى بن إبراهيم المخزومي اليوم رباط للرجال أنشأه القاضي الفاضل محيي الدين أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي البيساني العسقلاني ثم المصري دخل هذا الباب أيضًا في الحائط عند تجديده.
والباب الثامن كان يقابل أبيات الصوافي
(2)
دور كانت بين موسى بن إبراهيم المذكور وبين عبيد الله بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه دخل في الحائط أيضًا. وموضع هذه الدور اليوم دار اشتراها الشيخ صفي الدين بن أبي بكر بن أحمد رحمه الله، وأوقفها السلامي
(3)
وأوقفها على قرابته السلاميين، فهذه ثمانية أبواب.
وفي شمالي المسجد أربعة أبواب سدت أيضًا عند تجديد الحائط الشمالي، وليس في شمالي المسجد باب اليوم، إلّا باب سقاية عَمّرتها أمُّ الإمام الناصر
(4)
للوضوء في سنة تسعين وخمس مئة.
ومما يلي المغرب ثمانية أبواب، منها بابان مسدودان، وبقية باب ثالث سُد وبقي منه قطعة، ودخل باقيه عند تجديد الحائط من باب عاتكة اليوم، ثم باب عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية، وهو باب الرحمة، يقابل دار عاتكة المذكورة، ثم صارت بعدها ليحيى بن خالد بن برمك وزير الرشيد. وبابان
(1)
في الأصل خارج. والصحيح ما أثبتناه من (ب).
(2)
الصوافي: أي آل الصافي وهم أسرة كانت تسكن بالمدينة وقتذاك وما زالت.
(3)
السلامي هو صفي الدين بن أبي بكر بن أحمد السلامي عاش في المدينة سواد عمره، وانقطع فيها للعبادة والزهد وعمارة الأوقاف، فبنى رباطين أوقف أحدهما على الرجال والآخر على النساء، كما بنى فيها وقفًا على جماعته السلاميين، وتوفي سنة 715 هـ. ابن فرحون: نصيحة المشاور ص 112 - 113.
(4)
الناصر: أي الخليفة العباسي أبو العباس أحمد (575 - 622 هـ).
سُدَّا أيضًا عند تجديد الحائط، ما بين باب عاتكة هذا وبين خوخة أبي بكر رضي الله عنه، ثم الخوخة وقد تقدم ذكرُها.
ثم
(1)
الثامن باب مروان بن الحكم، وكانت داره تقابله من المغرب ومن القبلة، ويعرف الآن بباب السلام، وباب الخشوع. ولم يكن في القبلة إلى اليوم باب إلّا خوخة آل عمر المتقدم ذكرُها
(2)
، وخوخة كانت لمروان عند داره في ركن المسجد الغربي شاهدناها عند بناء المنارة الكبيرة المستجدة في سنة ستٍ وسبع مئة [التي] أمر بإنشائها السلطان الملك الناصر خلد اللهُ ملكَه، وكان بابها عليها، وهو من الساج
(3)
فلم يَبلَ إلى هذا التاريخ، كان يدخل من داره إلى المسجد منها، وقد انسدت
(4)
بحائط المنارة الغربي. ولم يكن قبل حريق المسجد ولا بعدَه على الحجرة الشريفة قبة، بل كان ما حول حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حظيرًا في السطح مبنيًّا بالآجر، مقدار نصف قامة، تتميز الحجرة الشريفة [به] عن السطح، إلى سنة ثمان وسبعين وست مئة في دولة السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي والد السلطان الملك الناصر عز نصره عُمِلت هذه القبة
(5)
وهي أخشاب أقيمت وسُمِّر عليها ألواح، وسُمِّر على الألواح الخشب،
(1)
ثم غير موجودة في (ب).
(2)
علق السمهودي على قول المطري بأنه لم يكن في القبلة إلى وقته باب إلّا خوخة لآل عمر. علق عليه بأنه مردود (ج 1 ص 704 - 705) وذكر أن فيها بابًا ناحية دار مروان، ويظهر أنه لا تعارض بين الرأيين، حيث أشار المطري نفسه بعد قليل أنه يوجد في جهة القبلة خوخة كانت لمروان عند داره يدخل منها إلى المسجد وهو ما نص عليه السمهودي. وأشار أنه كان يدخل منه الأمراء منذ وقت مبكر قبل عصر المطري. إلّا أن إيجاز المطري في كتابه عمومًا لا يرقى للشمول والتفصيل عند السمهودي.
(3)
الساج: نوع من الخشب، تتخذ ألواحه للسقوف كثيرًا. الملك المظفر: المخترع ص 99، 104.
(4)
في الأصل استدت، وما أثبتاه من (ص).
(5)
وهكذا يتضح أن السلطان قلاوون هو أول من أحدث القبة.
بألواح الرصاص، وعمل مكان الحظير الآخر شباك خشب، وتحته بين السقفين أيضًا شباك خشب يحكيه، وفي سقف الحجرة الشريفة بين السقفين ألواح قد سُمِّر بعضها إلى بعض، وسُمر عليها ثوبٌ مشمع
(1)
. وفيه طابق مقفل
(2)
إذا فتح كان النزول منه إلى ما بين حائط بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين الحائز الذي بناه عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وباب بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الشام، هكذا نقَل أهلُ السير.
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه ا قد بَنَتْ بعد موت عمر رضي الله عنه ودفنه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر رضي الله عنه حائطًا بينها وبين القبور، وبقيت في بقيّة البيت من جهة الشام، وقالت إنما كان أبي وزوجي، فلما دفن عمر تحفظت في لباسها ثم بنت الحائط المذكور بينها وبين القبور. ولم يرد أن أحدًا دخل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد بناء عمر بن عبد العزيز لهذا الحائز، إلّا ما حكاه الشيخ محب الدين بن النجار
(3)
في تاريخه، أنه في سنة ثمان وأربعين وخمس مئة سمع من داخل الحجرة الشريفة هدّة
(4)
، وكان الوالي على المدينة الشريفة يومئذ الأمير قاسم بن المهنا بن الحسين بن المهنا الحسيني
(5)
، وكان ممن له إلمام بالعلم فذكروا له ذلك، فقال: ينبغي أن ينزل هناك شخص من أهل الدين والصلاح، فلم يجدوا يومئذ في الجماعة الموجودين من المجاورين أمثل حالًا من الشيخ
(1)
ثوب مشمع: أي ثوب غليظ مغموس في الشمع المذاب ونحوه، ومنه في زماننا قماش الأشرعة والخيام.
(2)
في الأصل يقفل، والصحيح ما أثبتناه من (ص).
(3)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 142.
(4)
هَدّة: رجفة أو صوت سقوط شيء.
(5)
هو أبو فليتة أمير المدينة في أيام الخليفة العباسي المستضيء، وكان السلطان صلاح الدين يستصحبه في غزواته وكان يقربه ويجلسه على يمينه، وقد تولى إمرة المدينة خمسة وعشرين عامًا، ووصف بأنه جميل النقيبة ذو رأي سديد. السخاوي: التحفة اللطيفة، ج 3 ص 404.
عمر النسائي
(1)
شيخ شيوخ الصوفية بالموصل كان
(2)
[مجاورًا بالمدينة]، فكلموه في ذلك عن الأمير فامتنع واعتذر وتوقف لمرض كان به يحتاج معه إلى الوضوء في غالب
(3)
الوقت، فألزمه الأمير قاسم بذلك. وقال: ما يدخل غيرك. فقال: أمهلوني أُرَوِّض، ويقال: إنه امتنع عن الأكل والشرب مدة وسأل إمساك المرض عنه بقدر ما يبصر ويخرج، فأنزلوه بالحبال من بين السقفين من الطابق المذكور، فنزل بين حائط بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين الحائز ومعه شمعة يستضيء بها، ومشى إلى باب البيت ودخل من الباب إلى القبور المقدسة فرأى شيئًا من الردم، إما من السقف أو من الحيطان، قد وقع على القبور المقدسة، فأزاله وكنس ما على القبور المقدسة من التراب بلحيته، وكان مليح الشيبة، وأمسك الله عنه المرض بقدر ما دخل وخرج، وعاد إليه وجعه
(4)
.
وذكر الشيخ محب الدين
(5)
أيضًا أنه في سنة أربع وخمسين وخمس مئة في أيام قاسم المذكور، وُجِد من داخل الحجرة الشريفة رائحةٌ متغيرة، فذكروا ذلك للأمير قاسم المذكور، فأمر بالنزول هناك بِمَنْ يصلح فأَنزل الطواشي بيان الخادم أحد خدام الحجرة الشريفة ونزل معه الصفي الموصلي متولي عمارة المسجد الشريف، ونزل معهما هارون الشادي
(6)
الصوفي، بعد أن سأل
(1)
في الأصل و (ب) النساي والصحيح ما أثبتناه من (ص).
(2)
هكذا في كل النسخ وفيه عدم وضوح ولذلك أثبتنا الزيادة بين قوسين مربعين عن ابن النجار، المنقول النص عنها لإزالة الغموض والإفادة أن الشيخ عمر كان وقتها مجاورًا بالمدينة ولم يُستدع من الموصل.
(3)
في الأصل ذلك، هو لا معنى له، والتصحيح من (ب) و (ص).
(4)
سواء ثبتت هذه الرواية أو لم تثبت فهي غير مقبولة وفعل من الخضوع مبالغ فيه، والإسلام دين عزة ووضوح بعيد عن المبالغة والغلو. أما إمساك المرض عن الرجل فالله قادر عليه لكنها دعوى تحتاج إلى إثبات.
(5)
أي محب الدين بن النجار: الدرة الثمينة ص 142.
(6)
هكذا في الأصل، وفي (ب) و (ص) الشاذي، وعند ابن النجار ص 143 الشاوي وهو الأقرب.
الأمير في ذلك وراجعه، وبذل جملة من المال. فوجدوا هِرًا قد سقط من الشباك الذي في أعلى الحائز، بين الحائز وبيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأجاف فأخرجوه، وطيبوا مكانه، وكان نزولهم يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر، ثم قال
(1)
: ومن ذلك التاريخ إلى يومنا هذا لم ينزل أحد هناك، فاعلم ذلك.
قلت: وتوفي الرجل الصالح عمر النسائي بمكة شرفها الله تعالى، وكان قد استقر بها بعد نزوله المذكور، بتسع سنين في سنة ست وخمسين وخمس مئة.
ومما أُحدِث على الحجرة الشريفة أنه لما حج السلطان الملك الظاهر
(2)
، في سنة سبع وستين وست مئة، اقتضى رأيه أن يديرَ على الحجرة الشريفة درابزينًا من خشب، فقاس ما حولها بيده وقدره بحبال، وحملها معه
(3)
، وعمل الدرابزين وأرسله في سنة ثمان وستين، وأداره عليها، وعمل له ثلاثة أبواب قبليًا وشرقيًا وغربيًا، ونصبه ما بين الأساطين التي تلي الحجرة الشريفة إلَّا من ناحية الشمال، فإنه زاد فيه إلى مُتهجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وظن أنه في ذلك زيادة حرمة الحجرة المقدسة فحجر طائفة من الروضة الكريمة، مما يلي بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنع الصلاة فيها مع فضلها وفضل الصلاة فيها، فلو عكس ما حجَرهُ وجعله من الناحية الشرقية، وألصَقَ الدرابزين بالحجرة الشريفة مما يلي الروضة لكان أخف، إذ الناحية الشرقية ليست من الروضة، ولا من المسجد المُشار إليه، بل مما
(4)
زيد في أيام الوليد، ولم يبلغني أن أحدًا من أهل
(1)
أي ابن النجار ص 143.
(2)
الظاهر: هو السلطان الظاهر بيبرس وقد سبق تعريفه.
(3)
وحملها معه، أي عندما عاد إلى مصر ليقيس عليها طولًا وعرضًا ما سيصنعه من درابزين للحجرة النبوية.
(4)
في الأصل والزيادة من (ب).
العلم والصلاح، مِمَنْ حضر ذلك، ولا ممن رآه بعد تحجيره أنكر ذلك، ولا تفطَّن له، ولا ألقى له بالًا، وهذا من أهم ما يُنظر فيه والله أعلم.
وكان الذي عمله الملك الظاهر نحو القامتين، فلما كان في تاريخ سنة أربع وتسعين وست مئة، زاد عليه الملك العادل زين الدين كتبغا
(1)
شباكًا دائِرًا
(2)
عليه، ورفعه حتى وصله بسقف الحجرة الشريفة والله المستعان.
ومما أُحدث في صحن الحرم الشريف قبة كبيرة عمرها الناصر لدين الله في سنة ست وسبعين وخمس مئة لحفظ حواصل الحرم، وذخائره، مثل المصحف الكريم العثماني، وعدة صناديق كبار متقدمة التاريخ، صنعت بعد الثلاث مئة من الهجرة، جميعها فيها سالمة إلى اليوم
(3)
، ولما احترَقَ
(4)
المسجد سَلِم جميع ما كان فيها ببركة المصحف الكريم، ولكونها في وسط المسجد، الحمد لله وحده.
ومما أُحدث أيضًا في صحن الحرم الشريف من جهة القبلة رواقان أمر بإنشائهما السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون عز نصره، وذلك في سنة تسع وعشرين وسبع مئة فاتسع ظل السقف القبلي بهما، وعم نفعهما، وأزيلت المقصورة التي كانت تظل الحجرة الشريفة للاستغناء عنها بهما.
واعلم أن المسجد الشريف في دار بني غُنم بن مالك بن النجار [وكان كما ورد مربدًا لسهل وسهيل ابني رافع بن عمر وابن مالك بن عباد بن ثعلبة بن مليك
(1)
الملك العادل: هو السلطان المملوكي زين الدين كتبغا (694 - 696 هـ).
(2)
في الأصل داير.
(3)
إلى اليوم أي إلى زمن المؤلف.
(4)
في الأصل أحرق والتصحيح من (ب) و (ص).
ابن النجار]
(1)
فجاؤوا فقال: يا بني النجار ثامنوني
(2)
بحائطكم هذا فقالوا: لا والله ما نطلب ثمنه إلَّا إلى الله، والحديث مذكور في الصحاح
(3)
.
قلت: ظاهر الحديث أنهم لم يأخذوا لم ثمنًا وذكر محمد بن سعد في تاريخه الكبير
(4)
عن الواقدي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبًا دفعها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك والله أعلم- أنه لما كان لليتيمين لم يقبله من بني النجار إلّا بالثمن، وكانت دار بني النجار أوسط دور الأنصار، وأفضلها. وبنو النجار أخوال عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمه سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«خير دور الأنصار دار بني النجار»
(5)
. روى الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن بن زبالة عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عتبة، عن أبيه، قال: اختار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عينيه فنزل منزله وتَخيَّره، وتَوسط الأنصار.
قلت: ولا يُنافي ذلك ما ورد أنه لما ركب من قُبا يوم الجمعة، كان كلما حاذى أو مَر على دارٍ من دور الأنصار يدعونه إلى المقَام عندهم، يا رسول الله هُلُّم إلى القوة والمَنعة، فيقول لهم: خلوا سبيلها، يعني ناقته، فإنها مأمورة، وهو قد أرخى لها زمامها، وما يحركها، وهي تنظر يمينًا وشمالا، حتى بركت حين بركت، على باب مسجده، ثم ثارت وهو عليها فسارت حتى بركت على باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ثم التفتت يمينًا وشمالًا ثم ثارت وبركت في
(1)
ما بين القوسين المربعين سقط من الأصل، وأثبت من (ب) و (ص).
(2)
ثامنوني: ثمنوه أي قدروا ثمنه.
(3)
انظر البخاري ج 1 ص 165، ج 2 ص 742، مسلم ج 1 ص 373.
(4)
أي في كتابه الطبقات الكبرى ج 1 ص 239.
(5)
البخاري ج 3 ص 1380.
مبركها الأول، وألقت جرانها
(1)
بالأرض ورزمت
(2)
، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال: هذا المنزل إن شاء الله، فاحتمل أبو أيوب رحله وأَدخلَه بيته، وذلك أن الله عز وجل اختار له ما كان يختاره صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في بيت أبي أيوب ينزل عليه الوحي، ويأتيه جبريل عليه السلام حتى ابتنى مسجده ومساكنه صلى الله عليه وآله وسلم. وورد من حديث المربد والمثامنة
(3)
عليه ما هو معلوم في الصحاح
(4)
.
ودار أبي أيوب رضي الله عنه هي مقابلة لدار عثمان رضي الله عنه من جهة القبلة، والطريق بينهما، وهو اليوم مدرسة للمذاهب الأربعة اشترى عرصتها الملك المظفر شهاب الدين الغازي
(5)
ابن الملك العادل سيف الدين بن أبي بكر بن أيوب بن شادي، وبناها ووقفها على أهل المذاهب الأربعة من أهل السنة والجماعة ووقف عليها أوقافًا بِميًا فَارقين
(6)
، وكان مقيمًا بها، هي دار ملكه، وبدمشق أيضًا وقفٌ آخر. وتليها من جهة القبلة عرصة كبيرة تحادها
(7)
من القبلة، كانت دارًا لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضوان الله عليهم المعروف بالصادق، وفيها الآن قبلةُ مسجدِه وفيها أثر المحاريب، وهي الآن ملك للأشراف المنايفة بني الأمير منيف بن شيحة بن هاشم بن القاسم المذكور فيما تقدم ابن منهال الحسيني، وللمدرسة قاعتان كبرى وصغرى، وفي إيوان الصغرى الغربي خِزانة صغيرة جدًا مما يلي القبلة فيها محراب، يقال إنها مَبرك ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(1)
جرانها: عنقها أو رقبتها. ابن منظور ج 1 ص 447.
(2)
رزمت: أي حنت، وقيل الإرزام هو صوت دون الحنين تخرجه الناقة من حلقها بدون فتح فيها. ابن منظور ج 2 ص 1161.
(3)
المثامنَة: أي تقدير ثمنه.
(4)
انظر البخاري ج 1 ص 165، ج 2 ص 742؛ مسلم ج 1 ص 373.
(5)
الملك المظفر شهاب الدين غازي (617 - 628 هـ) أحد ملوك الأيوبيين في أقليم الجزيرة.
(6)
ميافارقين: مدينة تقع في منطقة ديار بكر في أعلى إقليم الجزيرة بالقرب من نصيبين.
(7)
في الأصل كتبت هكذا «بحاذاها» وما أثبتناه من (ب) والصحيح تحدها.
ذكر البقيع وما ورد في فضله وذكر من يعرف من الصحابة وأهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين
حدثنا الشيخ الإمام أبو محمد عبد السلام بن محمد البصري، قال: أنا الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله السلمي المرسي، ثنا الإمام أبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي، ثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن المفضل الصاعدي العراوي، عن الإمام أبي الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي، عن أبي أحمد محمد بن عيسى الجلودي، عن الإمام الزاهد أبي إسحق إبراهيم بن محمد النيسابوري، عن الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري قال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، ويحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد، قال يحيى بن يحيى: أنا، وقال الآخران، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن شريك، وهو ابنُ أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن عائشة رضي الله عنه ا أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يخرج من آخر الليل، إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدًا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد
(1)
، ولم يُقم
(2)
قتيبة قوله وأتاكم
(3)
.
(1)
الغرقد: شجر صغير قريب الشبه بشجر العوسج، والمقصود هنا بقيع المدينة الواقع شرقي المسجد النبوي في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما زال كذلك، وقد اشتهر بإضافة اسمه إلى هذا الشجر.
(2)
أي: لم يثبته.
(3)
مسلم ج 2 ص 669.
وبه إلى مسلم، وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، ثنا عبد الله بن وهب، أنا ابن جريج، عن عبد الله بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول: سمعتُ عائشة رضي الله عنه ا تُحدّث فقالت: ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنِّي؟ قلنا: بلى، ح
(1)
، وحدثني مَنْ سمع حجاجًا الأعور واللفظ له، ثنا حجاج بن محمد، ثنا ابن جريج، أخبرني عبد الله رجل من قريش، عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، أنه قال يومًا: ألا أحدثكم عني وعن أُمي؟ قال: فظننا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة رضي الله عنه ا: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلنا: بلى، قال: قالت: لما كان ليلتي التي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، واضطجع، فلم يلبث إلّا ريثَ ما ظَنَّ أن قد رَقدتُ، فأخذ رداءه رويدًا، وانتعل رويدًا، وفتح الباب فخرج ثمّ أجافه
(2)
رويدًا، وجعلت درعي
(3)
في رأسي، واختمرت
(4)
، وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرعَ وأسرعتُ، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ فسبقته فدخلت، فليس إلّا أنِ اضطجعتُ فدخل فقال: مالك يا عائش
(5)
حَشْيًا
(6)
رابية، قالت: قلتُ: لا شيءَ، قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلتُ: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته قال: فأنتِ السواد الذي رأيتُ أمامي، قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة
(1)
(ح) رمز للتحويل في الإسناد.
(2)
أجافه: أي رده.
(3)
درعي: أي قميصي.
(4)
اختمرت: أي لبست خماري.
(5)
هكذا في الأصل وفي (ب) وفي (ص) يا عائشة.
(6)
حشيًا: الحشي هو النهيج الذي يعرض للمسرع في مشيته من ارتفاع النَّفَس وتواتره. ابن منظور: لسان العرب ج 1 ص 646.
أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، قال: نعم، قال:«فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك، وقد وضعتِ ثيابك وظننتُ أن قد رقدتِ فكرهتُ أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إنَّ ربك يأمُرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلتُ: فيكف أقول لهم يا رسول لله؟ قال: قولي: السلامُ عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون»
(1)
.
وحدثنا الشريف العدل تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن ثنا الإمام محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن محاسن، أنا القاسم بن علي، أخبرنا أبو محمد الداراني، أنا أبو الفرج الإسفراييني، أنا محمد بن الحسين، ثنا أبو الطاهر القاضي، أنا محمد بن عبدوس، ثنا سعيد بن زياد، وأبو عاصم قال: زعم مولاي، قال: حدثتني أم قيس بنت محصن قالت: لو رأيتني ورسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيدي في سكة المدينة، حتى انتهى إلى البقيع، بقيع الغرقد، فقال:«يا أم قيس، فقلتُ: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ترين هذه المقبرة؟ قلتُ: نعم يا رسول الله، قال: يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفًا على صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب»
(2)
.
وبه قال الشيخ محب الدين
(3)
أنا أبو محمد بن أبي القاسم في كتابه، أنا أبو القاسم السوسي، أنا جدي أبو محمد، أنا أبو الحسن الربعي: إجازة، أنا
(1)
مسلم ج 2 ص 670.
(2)
هذا الحديث ضعيف الإسناد بسبب لين أبي عاصم راويه، وقد ورد برواية أبي هريرة في الصحيح وليس فيه أنهم يبعثون من البقيع. الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضائل المدينة ص 606.
(3)
محب الدين: الدرة الثمينة ص 151.
عبد الوهاب بن جعفر، ثنا أبو هاشم الإمام، ثنا معاوية بن محمد، ثنا الحسن بن جرير الصوري، ثنا محمد بن عثمان، ثنا أبي، عن عبد الرحمن بن أبي الزياد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«إني أول مَنْ تنشق عنه الأرض، فأكون أول مَنْ يُبعث فأخرج أنا، وأبو بكر، وعمر، إلى أهل البقيع فيبعثون، ثم يبعث أهل مكة فأحشر بين الحرمين»
(1)
.
وبه قال رحمه الله
(2)
، أنا أبو القاسم بن كامل، عن أبي علي الحداد، عن أبي نعيم الحافظ، عن أبي محمد الخُلدي، أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا الزبير بن بكار، ثنا محمد بن الحسن، عن محمد بن إسماعيل، عن حكام أبي عبد الله الشامي، عن أبي عبد الملك، أنه حدثه حديثًا يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: مقبرتان تُضيئان لأهل السماء، كما تضيء الشمس والقمر لأهل الدنيا، البقيع بقيع المدينة، ومقبرة بعسقلان
(3)
.
وبه إلى الزبير بن بكار قال: ثنا محمد بن الحسن، عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه قال: قال كعب الأحبار: نجدها في التوراة كقبة محفوفة بالنخيل، فيوكل بها ملائكةٌ كلما امتلأت أخذوا بأطرافها فكفؤوها في الجنة. قلت: يعني البقيع، وروى بسنده إلى محمد بن الحسن، عن عبد الله بن نافع، عن سليمان بن زيد، عن شعيب وأبي عبادة، عن ابن كعب القرظي، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«من دفناه في مقبرتنا هذه شفعنا له»
(4)
.
(1)
هذا الحديث ضعيف جدًا. الرفاعي: المرجع السابق ص 611.
(2)
أي ابن النجار ص 151. وأكثر هذا الباب نقله المؤلف عنه.
(3)
الحديث مروي عن ابن زبالة وقد كذبوه، وعسقلان مدينة مشهورة بفلسطين.
(4)
رواه أيضًا ابن شبة: تاريخ المدينة ج 1 ص 97، وابن زبالة هنا وكلاهما عن طريق محمد بن كعب القرظي وهو من ثقات التابعين. ابن حجر: التقريب ص 504، وقد ورد الحديث بنص آخر هو: من دفن
…
وكلاهما ضعيف الإسناد. الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضائل المدينة ص 611.
قلت: وأكثر الصحابة ممن تُوفي في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته مدفونون بالبقيع، وكذلك سادات أهل البيت والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين، وكذلك أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمهات المؤمنين غير خديجة فإنها بمكة، وميمونة بِسَرف
(1)
غير أن قبورهم لا يعرف منها اليوم إلّا قبر أبي الفضل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه م، وقد وَرد أن الحسن بن علي رضي الله عنه حين أحس بالموت، قال: ادفنوني إلى جنب أمي فاطمة. فيكون قبره عند قبرها رضوان الله عليهما ورحمته وبركاته. وجاء من طريق آخر أن قبر فاطمة رضي الله عنه ا في بيتها، الذي أدخله عمر بن عبد العزيز في المسجد.
وذكر الشيخ محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى
(2)
من تأليفه رحمه الله، قال: أخبرني أخٌ لي في الله تعالى، أن الشيخ أبا العباس المرسي كان إذا زار البقيع، وقف أمام قبلة قبة العباس، وسلَّم على فاطمة رضي الله عنه ا، ويذكر أنه كُشف
(3)
له عن قبرها هناك، والله أعلم. ومع الحسن رضي الله عنه ابنُ أخيه علي بن الحسين زين العابدين، وابنه الباقر، وابنه جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه م، وعليهم قبة عالية البناء، بناها الخليفة الناصر أبو العباس أحمد بن المستضيء.
ثم قبر عقيل بن أبي طالب، ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه م، وعليهم قبة، والمنقول أن قبر عقيل في داره، ثم قبر إبراهيم بن
(1)
سَرف: موضع على مشارف مكة من ناحية الشمال، بينها وبين مر الظهران، وفيه بنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزوجته ميمونة بنت الحارث، وبه توفيت أيضًا. الحربي: كتاب المناسك ص 465 - 466، وهامش رقم (1) في الأخيرة.
(2)
محب الدين الطبري: ذخائر العقبى في فضائل القربى ص 54.
(3)
إن كان قصد هذا الرجل بقوله كُشف له أي اكتشف وعرف موضع القبر فهذا لا بأس به من حيث العموم أمَّا ما عدا ذلك فهو من ألفاظ البدع ومواقفهم التي لا تجوز.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعليه قبة فيها شباك من جهة القبلة، وهو مدفون إلى جنب عثمان بن مظعون رضي الله عنه كما ورد في الصحيح
(1)
، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين مات إبراهيم عليه السلام أنهم قالوا: أين نحفر له؟ قال: عند فَرَطنا عثمان، وورد أيضًا عن عبد الرحمن بن عوف، حين نزل به الموت، أرسلت إليه عائشة رضي الله عنه ا، أنْ هَلُمَّ إلى أصحابك، يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبا بكر وعمر رضي الله عنه ما، فقال: لستُ بمُضيقٍ عليك بيتكِ إني كنتُ قد عاهدتُ ابن مظعون أيُّنا مات دُفن إلى جَنب صاحبه. ادفنوني إلى جنب عثمان فدفن إلى جانبه، فعلى هذا يُزار
(2)
مع إبراهيم عليه السلام.
وفي [قبلة]
(3)
قبة عقيل رضي الله عنه حظير
(4)
مبني بالحجارة، يُقال فيه قبور أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيُسلم عليهن هناك. ثم قبر أمير المؤمنين أبي عمرو عثمان بن عفان رضي الله عنه شرقي البقيع في موضع يعرف بِحِش كوكب
(5)
، وعليه قبة عالية بناها أسامة بن سنان الصلاحي، أحد أمراء صلاح الدين يوسف بن أيوب، سنة إحدى وست مئة.
ثم قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنه وعنها، في آخر البقيع، شمالي قبة عثمان رضي الله عنه، في موضع يُعرف بالحمام وعليها قبة صغيرة.
(1)
لم أجده في الصحيحين.
(2)
هكذا في الأصل، وفي (ب) و (ص) يزاران وكلاهما صحيح.
(3)
الزيادة من (ب) و (ص) وهو الأقرب للصواب.
…
إذ إن سياق النص أن الحظير المشار إليه خارج القبة وليس داخلًا فيها.
(4)
حظير: هو حائط دائري صغير قليل الارتفاع في الغالب.
(5)
حش كوكب: هو الموضع الذي دفن عثمان بن عفان رضي الله عنه فيه، وكان يقع في الشمال الشرقي من البقيع قبل توسعته الحديثة ويعرف بخضراء أبان، وهو ابن عثمان، ويسمى أيضًا بالروحاء، وقد أدخلت هذه المنطقة في البقيع منذ بداية العصر الأموي. السمهودي: وفاء الوفاء ج 3 ص 913 - 914؛ العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 316 - 317.
ثم قبر أم الزبير صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنه ا، على يسار الخارج من باب المدينة، ويُقال إنها دُفنت عند موضع الوضوء عند دار المغيرة بن شعبة رضي الله عنه
(1)
وعليها بناء من حجارة أرادوا أن يعقدوا عليه قبةً صغيرة فلم يتفق ذلك، لقربها من السور والباب.
ثم قبر الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة، في قبة صغير إذا خرج الإنسان من باب المدينة كان مواجهًا
(2)
له من جهة الشرق.
ثم قبر إسماعيل بن جعفر الصادق، في مشهدٍ كبير مُبيَّض، غربي قبة العباس رضي الله عنه، هو ركن سور المدينة من جهة القبلة والشرق. وبابه من داخل المدينة، بناه بعض ملوك مصر العبديين
(3)
. ويُقال إن هذه العرصة التي فيها هذا المشهد، وما حولها من جهة الشمال إلى الباب، هي كانت دار زين العابدين علي بن الحسين رضوان الله عليهم أجمعين، وبين الباب الأول وباب المشهد بئر منسوبة إلى زين العابدين، وكذلك بجانب المشهد الغربي مسجد صغير مهجور يُقال إنه أيضًا مسجد زين العابدين. وليس بالبقيع قبر معروف للسلف الصالح غير ما ذُكر وسُمي.
وفي شمال المدينة على طريق الحجاج الشاميين من خارج سور المدينة قبر النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه م المقتول في أيام أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس شرقي جبل سَلْع
(4)
، وعليه بناء كبير بالحجارة، أرادوا أن يعقدوا عليه
(1)
في (ب) عنها.
(2)
في الأصل موجهًا ولعله خطأ من الناسخ. والصحيح ما أثبتناه من (ب).
(3)
في الأصل العبديين، وفي (و) و (ب) و (ص) العيبديين وهو الصحيح نسبة إلى عبيد الله.
(4)
جبل سلع: بفتح السين المهملة وإسكان اللام جبل كبير معروف بالمدينة لا يبعد كثيرًا عن المسجد النبوي ناحية الغرب يحده شرقًا باب الشامي وغربًا مسجد الفتح (السبع مساجد) وجنوبًا درب بلي وجهينة أو ما يعرف الآن بباب الكومة وشمالًا طريق سلطانة. وهو جبل يميل إلى السواد والخضرة وقد ذكره الشعراء كثيرًا، وتقوم عليه عدة قلاع حجرية أكثرها يعود إلى العصر العثماني، وفي الوقت الحالي يقوم في سفحه الجنوبي خزان مياه كبير موقع لمدفع الإفطار في رمضان وقد أحاطت به الأحياء السكنية من جميع جهاته. وله ذكر يطول في تواريخ المدينة ووصف معالمها وما قيل فيها من أشعار.
قبة فلم يتفق، وهو داخل مسجد كبير مهجور، فيه محراب، وفي قبلة المسجد منهل عين الأزرق الخارجة من المدينة، عليه بناء مُدرَّج بدَرج من جهة الشرق والغرب، والعين في وسطه تجري إلى مَفيضها من البركة التي ينزلها الحجاج، عند ورودهم وصدورهم.
ذكر ما ورد في فضل أحد وذكر الشهداء به
حدثنا الشيخ الإمامُ العالمُ الحافظ شرفُ الحفاظ، أبو محمد عبد المؤمن بن خلف، ثنا الشيخان العالمان، أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز التميمي، وأبو التقى صالح بن شجاع بن سَيّدهم المَدلَجي. قال: وثنا أبو المفاخر سعيد ابن الحسين الهاشمي المأموني. حدثنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي، ثنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، ثنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجُلودي، عن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله، قال: ثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعًا عن إسماعيل، قال ابن أيوب: ثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي طلحة
(1)
رضي الله عنه: التمسْ لي غلامًا من غلمانك يخدمني، فخرج بي أبو طلحة يُردفني وراءه فكنتُ أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كلما نزل وقال في الحديث: ثم أقبل حتى إذا بدا له أحدٌ قال: «هذا جبل يحبنا ونحبه»
(2)
، فلما أشرف على المدينة، قال: «اللهم إني أحرِّم ما بين جَبَلَيْها مثل ما حَرَّم به
(1)
أبو طلحة: اسمه زيد بن سهل بن الأسود الخزرجي الأنصاري صحابي جليل اشتهر بكنيته، شهد عددًا من الغزوات وكان أحد الرماة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يرفع نحره عاليًا حتى يمنع به سهام المشركين أن تصيبه. عاش طويلًا ومات غازيًا في البحر مع المسلمين في العهد الأموي حوالي عام 50 هـ ابن حجر: الإصابة ق 1 ج 2 ص 608.
(2)
مسلم ج 2 ص 993.
إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم»
(1)
، ورواه أيضًا البخاري
(2)
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أحد جبل يحبنا ونحبه» ، وحدثنا العدل السيد أبو الحسن علي بن أحمد، ثنا الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمود بن هبة الله البغدادي، أنا أبو غالب محمد بن المبارك الكاتب وعبد العزيز بن أحمد الناقد قالا: أنا محمد بن عمر الفقيه، أنا جابر بن ياسين، أنا عمر بن أحمد المقرئ، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، ثنا إسحاق، ثنا عبد الله بن جعفر، حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أحد ركن من أركان الجنة»
(3)
.
وبه قال الشيخ محب الدين رحمه الله
(4)
، كتب إلى محمد بن أبي القاسم الحافظ، أن عبد الرحمن بن أبي الحسين أخبره، أنا سهل بن بشير، أنا الحسين بن ميسرة، أنا أبو طاهر محمد بن عبد الله الذهلي، ثنا موسى بن هارون، ثنا يعقوب، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن طلحة بن خراش، عن ابن جابر بن عتيك، عن أبيه جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خرج موسى وهارون عليهما السلام حاجين، أو معتمرين، فلما كانا بالمدينة مرض هارون عليه السلام، فَثقُلَ فخاف عليه موسى اليهود فدخل به أحد، فمات فدفنه فيه»
(5)
. وروى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لما تجلى الله عز وجل لجبل طور سيناء
(6)
تَشظَّى منه
(1)
نفسه.
(2)
البخاري ج 3 ص 1058، ج 5 ص 2069.
(3)
ذكر الألباني أنه ضعيف. سلسلة الأحاديث الضعيفة ج 4 ص 297 - 298.
(4)
أي ابن النجار: الدرة الثمينة ص 49.
(5)
هذا الحديث على الرغم من تعدد طرقه فهو مضطرب الإسناد وفي رواته من هو كثير الوهم أو ضعيف عن نكارة متنه. الرفاعي ص 579. وذكر ابن كثير أن الذي عليه الجمهور أن هارون توفي في تيه بني إسرائيل في سيناء. البداية والنهاية ج 1 ص 352.
(6)
طور سيناء: سيناء هي صحراء كبيرة تمتد في المنطقة المعروفة بشبه جزيرة سيناء بين رأسي البحر الأحمر في الجنوب والبحر المتوسط في الشمال، وجبل الطور يقع في جنوبها، وهو الجبل الذي تجلى الله عز وجل عنده لموسى عليه السلام وتوجد باسمه سورة في القرآن الكريم.
شظايا، فنزلت بمكة ثلاث، حراء
(1)
، وثبير
(2)
، وثور
(3)
. وبالمدينة أحد وعير
(4)
وورقان
(5)
»
(6)
.
قلت: فأحد هذا المعروف، وعير مقابله من قبلة المدينة، والمدينة بينهما. وورقان قِبْلِي شِعب علي
(7)
، ما بين الشعب والروحاء
(8)
إلى القبلة، وفي قبلة
(1)
حراء: أحد جبال مكة المشهورة يقع إلى الشمال بالقرب من بئر ميمونة وهو الذي يقع فيه غار حراء الذي كان يتعبد فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما زال معروفًا باسمه إلى اليوم.
(2)
ثبير: بفتح أوله جبل يقع شرق مكة يشرف على منى من الشرق كما يسمى جبل مزدلفة بجبل ثبير، ويذكر ياقوت أن في مكة جبالًا عدة تسمى بثبير، والمقصود هنا هو هذا وسمي في القديم باسم رجل من هذيل. ياقوت الحموي ج 8 ص 73 - 74.
(3)
ثور: جبل كبير يقع جنوبي مكة، وفيه الغار الذي اختبأ به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو وصديقه عن أعين قريش عندما قرر الهجرة إلى المدينة. وما زال معروفًا إلى اليوم، وهو غير ثور الجبل الصغير الواقع بالمدينة حدًا لحرمها من الشمال.
(4)
عير: بلفظ مذكر الحمار جبل متوسط الارتفاع يمتد من الغرب إلى الشرق يقع إلى الجنوب من المدينة وهو حدها الجنوبي، ويشرف على الميقات (آبار علي) من الشرق، ويشكل أعلاه حدًا مستويًا كأنه ظهر عير، وربما أوحى باسم الجبل.
(5)
ورقان: بفتح أوله أو كسره، وكسر ثانيه أو إسكانه أحد جبال الحجاز المشهورة، وهو جبل عظيم الارتفاع، يرى عن عرق الظبية في فج الروحاء جنوبًا صخوره نارية حادة الشعاف يرى ارتفاعه من مسافة بعيدة، وينتمي إلى سلسلة جبال السروات المعروفة، ويقرن ذكره كثيرًا بأُحد ورضوى.
(6)
أورد المؤلف هذا الحديث باختلاف في نصه مع تقديم وتأخير. قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع لا أصل له. الموضوعات ج 1 ص 120. كما ذكر الألباني بأنه موضوع. سلسلة الأحاديث الضعيفة ج 1 ص 193.
(7)
شعب علي: يقع في أعلى وادي بني سالم، وهو غير معروف اليوم وربما هو الموضع المعروف هناك باسم الشعب يمين الطريق للقادم إلى المدينة.
(8)
الروحاء: من الراحة والروح والاستراحة، وبقعة روحاء أي ذات راحة وانبساط، وهي هنا فج طويل ووادٍ ضيق في أوله واسع في أوسطه يبدأ في تعريف مؤرخي الأماكن من محطة السيالة القديمة بالقرب من قرية الفريش، وينتهي عند المنصرف (المسيجيد)، أما اليوم فيطلق على القرية العامرة هناك في أسفله، ويطلق على أعلاه وادي السدارة، وهو وادي بني سالم في القديم، وفي الروحاء مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعالم وآثار أخرى. ابن هشام: السيرة ج 2 ص 286؛ السمهودي ج 3 ص 1007 - 1009؛ الرحيلي: الطريق النبوي ص 23 - 28.
جبل أحد قبور الشهداء الذين قُتلوا يوم أحد، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليس منها قبر معلوم، إلّا قبرُ حمزة رضي الله عنه، ومعه في القبر ابن أخته عبد الله بن جحش، وعليه قُبة عالية، ومشهد محكم البناء
(1)
، بنته أم الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء في سنة تسعين وخمس مئة.
وشمالي مشهد حمزة رضي الله عنه آرام
(2)
من حجارةٍ يُقال إنها من قبور الشهداء وكذلك غربي المشهد أيضًا آرام من حجارة يقال إنها من قبور الشهداء. ولم يثبت ذلك بنقل صحيح، وقد ورد في بعض كتب المغازي أن هذه القبور قُبورُ أناس ماتوا عام الرمادة
(3)
في خلافة عمر رضي الله عنه.
ولا شك أن قبور الشهداء رضي الله عنه م حولَ قبر حمزة رضي الله عنه، إذْ لا ضرورةَ أن يبعدوا عنه. وعند رجلي حمزة رضي الله عنه قبرٌ لا يتوهم من يراه أنه من قبور الشهداء، بل هو قبر رجل تركي كان مُوَليًا
(4)
عمارة المشهد الكريم، يُقال له سنقر تُوفي فدُفن هناك، وكذلك في صحن المشهد قبرٌ قريب من الباب دفن فيه بعض الأشراف من أمراء المدينة الشريفة. تحت جبل أحد من جهة القبلة لاصقًا بالجبل مسجدٌ صغير
(5)
قد تهدم بناؤه يقال إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى فيه الظهر والعصر يوم أحد بعد انقضاء القتال. وفي جهة القبلة من هذا المسجد موضع
(1)
وقد أزيلت كثير من هذه البدع في العهد السعودي.
(2)
آرام: جمع مفردة إرم وهي حجارة تنصب أعلامًا على طريق أو قبر ونحوه. ابن منظور ج 1 ص 50.
(3)
عام الرمادة: هو عام جدب وقحط وقع في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه هلك فيه الناس والأموال وسمي بذلك لترمد الناس حتى صارت ألوانهم مثل الرماد، وقيل إنها عدة أعوام تتابعت في عهده، فأعفى الناس من دفع الصدقات تخفيفًا عنهم.
(4)
في (ب) و (ص) متوليًا.
(5)
هذا المسجد هو مسجد الفسح، وقد ذكره السمهودي باسم القبيح، ويبدو أنه وقع في اسمه تصحيف، إذ يقال إنه نزلت فيه آية:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} وكان يقع بعد ميدان المعركة يمينًا باتجاه الشعب الواقع هناك نحو الشمال لاصقًا بالجبل. السمهودي ج 3 ص 848.
منقور في الجبل على قدر رأس الإنسان
(1)
، يقال إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلس على الصخرة التي تحتها. وكذلك شمالي المسجد غارٌ في الجبل تقول عوام الناس إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخله. ولا يصح ذلك، وكل هذا لم يرد به نقل، فلا يعتمد عليه.
وقِبْلي مشهدِ حمزة رضي الله عنه جبلٌ صغير يسمى عنيين
(2)
بالعين المهملة المفتوحة وبكسر نون الأولى، والوادي بينهما، كان عليه الرماة يوم أحد، عنده مسجدان أحدهما مع ركنه الشرقي، يقال إنه الموضع الذي طُعن فيه حمزة رضي الله عنه، وقد تجددت هناك عين ماء، جدده الأمير بدر الدين وُدي بن جماز
(3)
صاحب المدينة، مفيضها بالقرب من هذا المسجد. والمسجد الآخر، شمالي هذا المسجد، على شفير الوادي، يُقال إنه مصرع حمزة رضي الله عنه، وإنه مشى بطعنته إلى هناك فَصُرع رضي الله عنه. وبين مشهد حمزة رضي الله عنه وبين المدينة، ثلاثة أميال
(4)
، ونصف ميل، أو ما يقاربه وإلى جبل أحد ما يقارب أربعة أميال من المدينة، والله تعالى أعلم.
(1)
على الرغم من أنني وقفت على موضع شبيه بهذا الوصف إلّا أنني لم أجد له أصلًا فهو من الموضوعات والبدع كما أشار المؤلف بعد قليل.
(2)
عَنِيين هكذا ورد اسم هذا الجبل رسمًا وضبطًا في الأصل على الرغم أن ذلك هو من خطأ الناسخ حيث نقل السمهودي ضبطًا صحيحًا له عن المطري، كما يدل على ذلك أيضًا وروده عنده صحيحًا فيما بعد، وعلى أية حال هذا خطأ فهو عينين بمسمى تثنية عين على الراجح هو جبل الرماة حيث صعد عليه رماة المسلمين في غزوة أحد، وهو جبل صغير يقع قرب قبر حمزة رضي الله عنه من الجنوب، وعليه بعض آثار لمبانٍ قديمة، ويذكر أن صخرة وحشي تقع في شرقيه. السمهودي: وفاء الوفا، ج 4 ص 848، 1171؛ الأنصاري: آثار المدينة ص 201 - 202؛ العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 531 - 532.
(3)
ودي بن جماز: تولى إمارة المدينة بعد نزاع وغارات عليها ثم سجن أربع سنوات ثم تولى الإمارة ما بين عامي 741 هـ و 743 هـ، وتوفي بعد ذلك بقليل عام 745 هـ وكان ذا عقل ورأي وشجاعة. ابن فرحون: نصيحة المشاور ص 254 - 255.
(4)
أميال: جميع ميل. والمسافة بين المسجد النبوي وموقع المعركة عند سفح أحد الجنوبي ستة أكيال.
ذكر المساجد المعروفة بالمدينة الشريفة
(1)
منها مسجد قباء، في بني عمرو بن عوف، وكان مربدًا لكلثوم بن الهدم، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبناه مسجدًا وأسسه وصلى فيه قبل أن يأتي المدينة، حدثنا السيد علي بن أحمد، ثنا أبو عبد الله محمد بن محمود، أنا عبد الرحمن بن علي بن أبي منصور، أنا محمد بن أحمد، ثنا عبد الملك بن محمد، ثنا دعلج بن أحمد، ثنا محمد بن خزيمة، ثنا محمد بن يحيى، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي عن شرحبيل بن أسعد عن عُويْم بن ساعدة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأهل قباء: «إن الله قد أحسن الثناء عليكم في كتابه العزيز، فقال:{رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ} إلى آخر الآية
(2)
. ما هذا الطهور»، فقالوا: ما نعلم شيئًا إلّا أنه كان لنا جيران من اليهود كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا
(3)
.
وثنا الشيخ الإمام عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع البصري أنا الشيخ الإمام شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل السلمي، حدثنا الشيخ الإمام أبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي، عن أبي عبد الله محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي،
(1)
في الأصل معروفة منها. ولم تذكر في النسخ الأخرى.
(2)
سورة التوبة، الآية:108.
(3)
صحيح ابن خزيمة ج 1 ص 45. وقد صححه؛ كما أخرجه أحمد في مسنده ج 3 ص 422، وابن ماجة في سننه ج 1 ص 127. وفيه شرحبيل وقد ضعفه مالك وابن معين. الفتح الرباني ج 1 ص 284.
عن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي، عن أبي أحمد محمد بن عيسى الجلودي، عن الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري، عن الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن منيع، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه ما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يزور قباء راكبًا وماشيًا.
قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة، عن عبيد الله، وحدثنا ابن نُمير، ثنا أبي، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا، يصلي فيه ركعتين
(1)
.
قال: وحدثني زهير بن حرب، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن دينار، أن ابن عمر كان يأتي مسجد قباء كل سبت، ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتيه كل سبت، وحدثنا الإمام الحافظ أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن أبي الحسن، ثنا الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين بن المبارك، ثنا شيخ الإسلام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شُعيب الهروي، ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد المظفر الداوودي، ثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حَمويْه السرخسي، ثنا أبو عبد الله بن محمد بن يوسف بن مطر الفربري، ثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما قال:«كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا»
(2)
، وكان ابن عمر يفعله، قال: وحدثنا مُسدِّد، ثنا يحيى عن عبيد
(1)
مسلم ج 2 ص 1016.
(2)
البخاري ج 1 ص 399.
الله، حدثني نافع، عن ابن عمر قال:«كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي قبا راكبًا وماشيًا»
(1)
زاد ابن نمير.
وحدثنا عبيد الله، عن نافع فَيُصلي فيه ركعتين ونقل ابنُ النجار
(2)
(3)
. وروى البخاري في الصحيح
(4)
قال: كان سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه ما يؤُم المهاجري الأولين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورضي عنهم أجمعين في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر.
وروى أبو أمامة بن سهل بن حُنيف، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«من توضأ فأسبغ الوضوء، وجاء مسجد قباء، وصلى فيه ركعتين، كان له أجر عمرة»
(5)
وروت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن أبيها قال:«والله لأن أُصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إليَّ من أن آتي بيتَ المقدس مرتين، ولو يعلمون ما فيه لضربوا إليه أكباد الإبل»
(6)
.
(1)
البخاري ج 1 ص 399، ولم يرد في المتن زيادة غير وهي فيصلي فيه ركعتين وزاد البخاري كل سبت ج 3 ص 68.
(2)
الدرة الثمينة ص 112.
(3)
انظر طرقه عند البخاري: تاريخه ج 1 ص 401 - 402؛ وذكر الرفاعي ص 534 - 535 أن في سنده اضطرابًا شديدًا.
(4)
البخاري ج 6 ص 2625.
(5)
عبارة فأسبغ الوضوء لم ترد. الحاكم: المستدرك ج 3 ص 12، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
(6)
صحح إسناده ابن حجر: فتح الباري ج 3 ص 69. وهذا لا يعني أنه أفضل من المسجد الأقصى أو أنه يجوز أن تشد الرحال إليه.
وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى إلى الأسطوان الثالث في مسجد قُباء التي في الرَّحبةَ.
قلت: والوارد في فضل مسجد قباء أكثر مما ذُكر، ولم يزلْ مسجد قباء على ما بناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن بناه عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند بناء مسجد المدينة على هذه الحالة التي هو عليها اليوم، فَتَشعثَ على طول الزمان وتهدم، فجدده الوزير جمال الدين محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني وزير بني زنكي المدفون في رباطه المعروف، بإنشائه قبالة باب عثمان المعروف بباب جبريل، والرباط المذكور من بعض دار عثمان رضي الله عنه وذلك في سنة خمس وخمسين وخمس مئة.
وقباء على ثلاثة أميال من المدينة، وقال الباجي
(1)
: هو على ميلين، وقال القاضي عياض
(2)
: بنو عمرو بن عوف، على ثُلثيْ فرسخ
(3)
والصحيح الأول، وهو مروي عن مالك رحمه الله.
وأما مسجد الضرار
(4)
فلا له أثرٌ ولا نعرف له مكانًا
(5)
فيما حول مسجد قباء، ولا في غير ذلك، من جهة المدينة. وما ذكره الشيخ محب الدين بن
(1)
هو عبد الله بن محمد بن علي الباجي الإشبيلي فقيه ومحدث ينسب إلى مدينة باجة في الأندلس، توفي عام 378 هـ الذهبي: سير أعلام النبلاء ج 6، ص 377.
(2)
القاضي عياض بن موسى بن عياض فقيه مالكي مشهور له عدد من المصنفات مثل كتاب الشفاء، توفي عام 544 هـ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 2 ص 212.
(3)
الفرسخ: وحدة مسافة مشهورة قديمًا كانت تساوي ثلاثة أميال أي قرابة خمسة أكيال.
(4)
مسجد ضرار: مسجد كان يقع في شمال مسجد قباء أسس على النفاق والمنافسة وتفريق المؤمنين، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ} إلى أن يقول: {هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا} سورة التوبة، الآية: 108 ومن ثم أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهدمه وحرقه. السمهودي ج 2 ص 816 - 818.
(5)
في الأصل مكان.
النجار
(1)
أنه موجود قريب من مسجد قباء، وهو كبير وحيطانه عالية، وكان بناؤه مليحًا فهذا وهم
(2)
. ولا أصل له، والله أعلم. وبين مسجد قبا وبين المدينة ثلاثة أميال، هكذا ذكره القاضي عياض، ومحيي الدين النووي رحمهما الله تعالى وغيرهما
(3)
.
ومسجد الجمعة أخبرنا الشيخ الفقيه العالم الصالح شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الإمام أبي محمد إسحاق بن المؤيد الأبرقوهي الهمذاني، قال: أنا أبو البركات عبد القوي بن عبد الله بن الحباب التميمي السعدي سنة عشرين وست مئة، أنا أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي، أنا أبو الحسن الخَلعي، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن النحاس، أنا أبو عبد الله بن جعفر بن محمد بن الورد، ثنا أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، ثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام، ثنا زياد بن عبد الله البكاري، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس. وأسس مسجده ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنّه مكث فيهم أكثر من ذلك والله أعلم.
قلت: وفي صحيح مسلم أنه أقام فيهم أربع عشرة ليلة
(4)
. قال ابنُ إسحاق
(5)
فأدركَتْ رسول الله الجمعةُ في بني سالم بن عوف فصلاها في
(1)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 118.
(2)
من قوله وبين مسجد قباء حتى قوله وغيرهما، غير موجود في (ب) و (ص).
(3)
وصف المؤلف لمقولة ابن النجار بأنها وهم غير دقيق، فقد شوهد في عصر أبي جعفر المنصور، ووصفه ابن جبير في رحلته، ووصف ابن النجار يؤكد رؤيته ووقوفه عليه. السمهودي: وفاء ج 2 ص 818.
(4)
صحيح مسلم ج 1 ص 373.
(5)
ابن هشام: السيرة النبوية ج 3 ص 22.
بطن الوادي، وادي رانوناء
(1)
فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة، قلت: وهذا المسجد عن يمين السالك إلى مسجد قباء
(2)
شماليه أطم خراب يُقال له المُزدلف، أطم عتبان بن مالك
(3)
، وهو في بطن الوادي كما تقدم، وهو مسجد صغير جدًّا مبني مُحوَّط بحجارةٍ قَدر نصف القَامة، وهو الذي كان السيل يحول بينه وبين عتبان بن مالك إذا سال، لأن منازل بني سالم بن عوف كانت غربي هذا الوادي على طرف الحرة، وآثارهم باقية هناك. فسأل عتبان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي له في بيته في مكان يتخذه مصلى، ففعل صلى الله عليه وآله وسلم.
ومسجد الفَضِيخ ويُعرف الآن بمسجد الشمس، وهو شرقي مسجد قباء على شَفير الوادي، على نشز من الأرض، مرضوم بحجارة سود، وهو صغير جدًّا. ذُكر عن محمد بن الحسن عن عبد الله بن الحارث بن الفُضيل، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حاصر بني النضير ضرب قبته في موضع مسجد الفضيخ، وأقام بها ستًا، وقال: جاء تحريم الخمر وأبو أيوب في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في موضعه، معهم رَاويةُ خمرٍ من فضيخ،
(1)
وادي رانوناء: هو أحد أودية المدينة يقع في الجنوب الغربي منها، وغربي مسجد قباء، ينحدر أعلاه من جبيلات وحرات تقع شرق جبل عير، في الحي المعروف اليوم بالشيبية ويقع في أوسطه مزارع العصبة، ولها ذكر قديم يعود إلى صدر الإسلام، ويلتقي أسفله ويصب في وادي بطحان في جنوب باب قباء. وقد كان يقوم في أعلى هذا الوادي سد عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان في شمال الحديقة المركزية الحالية فيما يبدو. وقد عثر الأستاذ الأنصاري على نقوش وكتابات عدة في أعلى هذا الوادي. انظر السمهودي ج 3 ص 1072، ج 4 ص 1216. عبد القدوس الأنصاري: آثار المدينة المنورة ص 229 - 232.
(2)
ما زال يقع في هذه الناحية بقرابة ثلاث مئة متر شمال مسجد قباء يمين طريق قباء النازل بمسافة قليلة مسجد يعرف بمسجد الجمعة.
(3)
عتبان بن مالك: صحابي جليل من الأنصار آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين عمر بن الخطاب حين قدم المدينة، شهد بدرًا وأحدًا والخندق، وتوفي في خلافة معاوية. ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 3 ص 550.
فأمر أبو أيوب رضي الله عنه بِعَزْلاء المزادة
(1)
ففُتحت فسال الفضيخُ فيه، فسُميَ مسجد الفضيخ
(2)
.
ومسجد بني قريظة، وهو شرقي مسجد الشمس، بعيدًا عنه، بالقرب من الحرة الشرقية، على باب حديقة تُعرف الآن بحاجِزة، وقف للفقراء
(3)
بين أبيات خراب، هي بعض دور بني قريظة، شمالي باب الحديقة، وحوله أُناس نزول من أهل العالية، وكان بناؤه مليحًا على شكل بناء مسجد قباء، وطوله نحو من خمسة وأربعين ذراعًا، وعرضه كذلك، وكان فيه أساطين وعقود ومنارة، في مثل موضع منارة قباء. قال الشيخ محب الدين بن النجار
(4)
: وكان فيه نحو من ست عشرة أسطوانة، فتهدم على طول الزمان، ووقعت منارته، وأثرها اليوم باقٍ يُعرف به، وأُخِذت أحجاره جميعها.
قلت: وبقي أثره إلى العشر الأُول بعد السبع مئة، فجدد وبني عليه حظير
(5)
مقدار نصف قامة./
وكان قد نُسي فمن ذلك التاريخ عُرف مكانه، وكان الذي بناه عمر بن عبد العزيز- رحمه الله - عند بناء مسجد قباء بأمر الوليد بن عبد الملك، وهو واليه على المدينة. ونقل محمد بن الحسن عن المعلى بن عيسى من ولد
(1)
عزلاء المزادة: المزادة هي السقاء الكبير، والعزلاء هي ثقب أو فم في أسفله. السيوطي: الديباج ج 2 ص 322؛ الأبادي: عون المعبود ج 10 ص 123.
(2)
مسجد الفضيخ: الفضيخ هو عصير العنب ويطلق أيضًا على شراب من البسر المفضوخ أي المشدوخ أو المكسر. ولا يزال هذا المسجد في الموضع الذي ذكره المؤلف مبنيًا بالحجارة السوداء وذا عقود وقبة في وسطه وفناء، وقد وقفت عليه. وصوره بعض مؤرخي المدينة المحدثين. انظر أيضًا: ابن منظور ج 4 ص 1104؛ السمهودي ج 3 ص 821 - 822؛ الخياري: تاريخ معالم المدينة ص 123 - 124.
(3)
في الأصل الفقراء، والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(4)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 116.
(5)
في الأصل حضير.
أبي الحكم عن محمد بن عقبة بن أبي مالك، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في بيت امرأة من الخفر
(1)
في بني قريظة فَأدخَل الوليد بن عبد الملك ذلك
(2)
البيت في المسجد حين بناه، وذكر محب الدين بن النجار
(3)
قال: رُوِي عن علي بن رفاعة عن أشياخ من قومه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في بيت امرأة من بني قريظة، فأدخلَ ذلك البيت في مسجد بني قريظة
(4)
.
ومِشربةُ أُم إبراهيمَ قال الشيخ محب الدين
(5)
روى إبراهيم بن محمد بن يحيى بن محمد بن ثابت، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مشربة
(6)
أم إبراهيم عليه السلام.
قلت: وهذا الموضع شمالي مسجد بني قريظة، قريب من الحرة الشرقية، في موضع يُعرف بالدُّشت، بين نخل يُعرف بالأشراف القواسم من بني قاسم بن إدريس بن جعفر أخي الحسن العسكري، يقال لهم القواسم لأن آل شعيب بن جَمَّاز منهم.
(1)
هكذا في الأصل، وعليها تصحيح في الهامش أنها من الحضر، وفي (ب) من الخصر.
(2)
ذلك تكررت في الأصل هنا وقبل كلمة الوليد.
(3)
الدرة الثمينة ص 116.
(4)
مسجد بني قريظة: يقع في أول حرتهم شرق مسجد الفضيخ بمسافة والأرجح أنه أقيم في الموضع الذي كان يصلي فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بجيشه أثناء محاصرتهم أو أنه صلى في هذا المكان في مواضع عدة وربما أيضًا في أوقات مختلفة فضمت إلى بعضها فجاء هذا المسجد كبيرًا بلغت أطواله فيما بعد ثلاثة وأربعين ذراعًا في أربعة وأربعين ذراعًا وله ست عشرة أسطوانة. السمهودي: وفاء ج 3 ص 824 - 825.
(5)
الدرة الثمينة ص 116.
(6)
مشربة أم إبراهيم: المشربة بالفتح الغرفة العالية عما حولها، وهي هنا غرفة كانت تقع في بستان تقع في شمال بني قريظة في أقصى العوالي في مكان يعرف بالدشت كانت تسكن فيها مارية القبطية، وولدت فيها إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وأقيم في مصلاه هناك مسجد عرف بمسجد مشربة أم إبراهيم، كانت أطواله في أيام السمهودي أحد عشر ذراعًا في أربعة عشر ذراعًا، وظل قائمًا حتى العصر الحديث بالقرب من دار للمسنين هناك، ثم أزيل نتيجة لفتح شارع جديد. السمهودي: وفاء الوفاء ج 3 ص 825 - 826؛ الخياري: تاريخ معالم المدينة المنورة ص 122 هامش رقم (1) من تعليق أ. عبيد الله كردي.
وبالقرب من دار بني الحارث بن الخزرج التي كان أبو بكر رضي الله عنه نازلًا فيها بزوجته حبيبة ابنة خارجة، وقيل مُلَيكة أخت زيد بن خارجة المتكلم
(1)
بعد الموت موضع يُعرف بِصُعيْب في بطن وادي بطحان
(2)
في ركن الماجشونية
(3)
الشرقي الشمالي في حفرة في بطن الوادي المذكور، يؤخذ من ترابها فَيُجعل في الماء ويُغسل به من الحمى. حدثنا السيد أبو الحسن قال: حدثنا الإمام أبو عبد الله، أخبرتنا عفيفة الفارقانية
(4)
في كتابها عن علي المقري، عن أبي نعيم الحافظ، عن أبي محمد الخواص، أنا أبو يزيد المخزومي، ثنا الزبير بن بكار، ثنا محمد بن الحسن، عن محمد بن فضالة، عن إبراهيم بن الجهم، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بالحارث بن الخزرج فإذا هم رَوْبَى
(5)
فقال: مالكم يا بني الحارث رَوبا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، أصابتنا هذه الحمى، قال: فأين أنتم عن صُعيب
(6)
؟ قالوا: يا رسول الله، ما نصنع به؟ قال:
(1)
يشير المؤلف إلى هذا الصحابي الذي تكلم بعد الموت، وهو بدري. ابن حجر: الإصابة ق 1 ج 2 ص 603.
(2)
وادي بطحان: وادٍ كبير يشق المدينة من الجنوب إلى الشمال إذ ينحدر من حرات في جنوب قباء ويمر مسيله شرقي مسجد قباء حتى يصل إلى المصلى (مسجد الغمامة) غرب المسجد النبوي فيمر من غربيه ويتجه نحو السيح حتى يخرج ويلتقي بمجمع السيول في شمال المدينة، إلا أن هذا الوادي اندرس الآن بفعل العمران والطرق وانتهى ولم يبق إلّا سد في أعلاه يعرف باسمه. انظر السمهودي ج 3 ص 1071 - 1072، العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 442.
(3)
بستان كانت هناك وهي المعروفة حتى عهد قريب بالمدجشونية.
(4)
عفيفة الفرقانية هي أم هاني عالمة ومحدثة، توفيت عام 606 هـ كحالة: أعلام النساء ج 3 ص 299.
(5)
في الأصل رَوْبا، وما أثبتناه من (ب) و (ص)، وعند ابن النجار الذي ينقل عنه المؤلف روبا أيضًا، وتصح كتابتها روباء بضم الراء والواو مثل خثراء وكذلك تصح على نحو ما أثبت في المتن، ومعنى كلمة أنهم أثخنهم المرض وأعياهم علاجه. انظر: ابن منظر: لسان العرب ج 2 ص 1247.
(6)
صعيب: تصغير صعب موضع أو حفرة على شفير وادي بطحان الشرقية عند بستان كان يسمى الماجشونية في أول قربان. وقد كان الناس في الأزمنة القديمة يأخذون من طينه للشفاء من الحمى. واستمروا في ذلك حتى العصر الحديث. وهو بدعة لا تجوز ولم يثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد أصحابه، وما يشار إليه من حديث فيه فهو مرسل. انظر السمهودي ج 1 ص 68؛ الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضل المدينة ص 637 - 638. أما الدعاء في قوله «بسم الله، تراب أرضنا، بريق بعضنا، شفاء لمريضنا بإذن ربنا» فصحته: «بسم الله تراب أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربنا» فقد أخرجه البخاري، واللفظ له. وقريبًا من ذلك عند مسلم ورواياه من طريق سفيان بن عيينة عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد بأرضنا فيه جملة الأرض وقيل أرض المدينة أما أرض صعيب فلم تخصص البتة. البخاري ج 5 ص 2168؛ مسلم ج 4 ص 1724، الرفاعي ص 639.
(1)
قال الشيخ محب الدين
(2)
، قال الشريف أبو القاسم طاهر بن يحي بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صُعيب وادي بطحان، دون الماجشونية وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه، وهو اليوم إذا وَبِيَ إنسانُ أخذ منه، وقال رحمه الله
(3)
: رأيت هذه الحفرة اليوم الناس يأخذون منها، وذكروا أنه قد جربوه فوجدوه صحيحًا، ثم قال رحمه الله
(4)
: وأخذت منها أنا أيضًا.
ومسجدُ بني ظَفَر من الأوس، وهو شرقي البقيع، مع طَرَف الحرة الشرقية، ويُعرف اليوم بمسجد البَغلة
(5)
. روى الزبير بن بكار قال:
(1)
انظر هامش (5) من الصفحة السابقة.
(2)
محب الدين بن النجار: الدرة الثمينة ص 28.
(3)
وقال رحمه الله أي ابن النجار: نفسه.
(4)
وقال رحمه الله أي ابن النجار: نفسه. وعلى أية حال فإن ذلك التبرك من البدع المحرمة التي كانت منتشرة وقتذاك، انظر هامش (6) من الصفحة السابقة.
(5)
مسجد البغلة: كان معروفًا حتى النصف الثاني من القرن الرابع عشر، ولكثرة البدع التي كانت ترتكب فيه والتمسح بحجارته والاعتقاد بأنها أثر حافر بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها ما زالت هناك وقد هدم وأقيم في مكانه مقر إدارة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة. انظر أيضًا السمهودي ج 3 ص 827.
حدثني محمد بن الحسن، عن إدريس بن محمد بن يونس بن محمد بن أنس بن فضالة الظفري، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلس على الحجر الذي في مسجد بني ظفر، وأن زياد بن عبيد الله
(1)
أمر بقلعه حتى جاءت مشيخة بني ظفر، فأعلموه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلس عليه فرده، قال: فَقَلَّ امرأةٌ يَزِر
(2)
ولدها تجلس عليه إلّا حَملَت
(3)
. وعنده آثار في الحرة، يُقال أنها آثار حافر بغلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة القبلة، ومن غربيه أثر على حجر كانه أثر مِرفَق، وعلى حجر آخر أثر أصابع، والناس يتبركون بها والله تعالى أعلم.
ومسجد بني معاوية بن مالك بن النجار من الخزرج، رَوينا بسندنا المتقدم إلى الموطأ قال مالك: ثنا عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتبك، عن عتيك بن الحارث أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما في بني معاوية، وهي قرية من قُرى الأنصار، فقال: هل تدرون أين صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مسجدكم هذا؟ قلتُ: نعم، وأشرت له إلى ناحية منه، قال: فهل تدري ما الثلاث التي دعا بهن؟ قلت/: نعم، قال: فأخبرني بهن، قلتُ: دعا أنْ لا يَظهر عليهم عدو من غيرهم، فأعطيها، وأن لا يُهلكهم بالسنين فأعطيها، وأن لا يجعل بأسهم بينهم فمُنِعها، قال عبد الله بن عمر: صدقتَ فلم يَزَلِ الهرج إلى يوم القيامة
(4)
.
(1)
زياد بن عبيد الله الحارثي، خال أبي جعفر المنصور وأحد ولاته على المدينة وظل على أمرتها حتى سنة 141 هـ.
(2)
هكذا في الأصل وفي (ب) و (ص) نزر أي قل، وهو الأقرب.
(3)
هذا من الأوهام. وفي سنده محمد بن الحسن بن زبالة وقد كذبوه. ومثل ذلك أثر حافر البغلة، أو أثر المرفق والأصابع كلها من الأوهام والبدع المحدثة. وعصر المؤلف شاع فيه التبرك والتمسح بمثل هذه الأشياء.
(4)
مالك: الموطأ ج 1 ص 216، والحديث صحيح أخرجه مسلم عن طريق عامر بن سعد عن أبيه ج 4 ص 2216.
قلت: ويعرف هذا المسجد اليوم بمسجد الإجابة وهو شمالي البقيع، على يسار طريق السالك إلى العُريْض
(1)
وسط تلول، وهي آثار قرية بني معاوية، وهو اليوم خراب
(2)
.
ومسجد الفتح، ثنا أبو الحسن علي بن أحمد، ثنا أبو عبد الله محمد بن محمود، أنا حنبل بن عبد الله الرصافي، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي الهمذب، أنا أبو بكر القُطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أبو عامر، ثنا كثير يعني ابن زيد، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: حدثني جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا
(3)
في مسجد الفتح يوم الإثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعُرِف البِشر في وجهه صلى الله عليه وآله وسلم
(4)
. وحدثنا السيد تاج الدين، ثنا الإمام محب الدين، أنا أبو نعيم بن علي، أنا هبة الله بن أحمد، أنا أبو المنصور ابن شكرويه، أنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا أبو عبد الله المحاملي،
(1)
العُريض: يطلق على وادٍ أو حرة وهو الأقرب كانت منازل لبني حارثة من الأوس على طريق العراق عند خروجه من المدينة في الشمال الشرقي من المسجد النبوي على مسافة أربعة أكيال ونصف منه تقريبًا، بالقرب من تقاطع الدائري الثاني مع شارع المطار جنوبًا، وقد عدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم داخلة في حدود الحرم. ويقوم بها مسجد مهجور يعرف بهذا الاسم ربما أقيم في القديم بالقرب أو على أنقاض مسجد بني حارثة في منازلهم بالعريض والله أعلم. انظر: السمهودي: وفاء الوفاء ج 3 ص 865، 1265، العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 525.
(2)
مسجد الإجابة: كان يقع في وسط قرية بني معاوية من الأوس، وهو اليوم أحد المساجد المشهورة يقع إلى الشمال الشرقي من المسجد النبوي بمسافة أربع مئة متر تقريبًا على الخط الدائري الأول. وقد تعرض للخراب خلال القرنين السابع والثامن وهو ما أشار له ابن النجار والمطري ثم رمم في أيام السمهودي ثم هدم وأعيد بناؤه ووسع كثيرًا في عام 1419 هـ وأصبحت عمارته شامخة في العهد السعودي.
(3)
في الأصل دعى.
(4)
رواه ابن شبة ج 1 ص 58، والإمام أحمد في المسند ج 3 ص 332. وقال الهيثمي ج 2 ص 21 ورجال أحمد ثقات.
ثنا علي بن سالم، ثنا إسماعيل بن أبي فديك عن معاذ بن سعيد السلمي، عن أبيه، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بمسجد الفتح الذي على الجبل وقد حضرت صلاة العصر، فرقى فصلى فيه صلاة العصر
(1)
.
وروى هارون بن كثير عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا يوم الخندق على الأحزاب في موضع الأسطوانة الوسطى من مسجد الفتح، الذي على الجبل
(2)
.
قلت: هذا المسجد على قِطعة من جبل سَلْع من جهة الغرب، وغربيه وادي بطحان، وفيه عيون تجري بعضها، وبعضها ليس فيها ماء، ويُعرف الموضع بالسَّيح
(3)
بسين مُهملة وياء مثناة من تحت، يُصعد إليه من درجتين شمالية وشرقية، وكان في ثلاث أسطوانات قبل هذا البناء الذي هو عليه اليوم، من بناء عمر بن عبد العزيز، فلذلك قال في الحديث المتقدم موضع الأسطوانة الوسطى، فتهدم على طول الزمان، حتى جدد بناءه الأمير سيف الدين الحسين بن أبي الهيجا أحد وزراء العبيديين بمصر في سنة خمس وسبعين وخمس مئة.
وكذلك جَدد بناء المسجدين اللذين تحته من جهة القبلة، يعرف الأول الذي يلي القبلة مسجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والثاني يلي الشمال ويعرف بمسجد سلمان الفارسي رضي الله عنه، جددهما في سنة سبع وسبعين وخمس مئة
(4)
.
(1)
في سنده معاذ بن سعيد وهو مجهول. ابن حجر التقريب ص 536.
(2)
لم نعثر عليه في المصادر المتاحة.
(3)
السيح محلة معروفة بالمدينة إلى اليوم في الجهة التي ذكرها المؤلف إلّا أنها أصبحت أوسع من ذلك جنوبًا.
(4)
أي جددهما ابن أبي الهيجاء السابق ذكره، والمسجدان لا يزالان معروفين.
قال الشيخ محب الدين بن النجار
(1)
أنه كان معهما مسجد ثالث قبلته خراب، وقد أخذت أحجاره وتهدم. فهذا لم يبقَ له أثر، وقال الشيخ محب الدين رحمه الله
(2)
: ورَوَى عن مُعاذ بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، صلى في مسجد الفتح في الجبل، وفي المساجد التي حوله ومسجد القبلتين.
ذكر مسجد القبلتين:
وقال رحمه الله
(3)
: روى عثمان بن محمد بن الأخنس قال: زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من مَسلمة، يُقال لها أم بشر في بني سلمة، فصنعت له طعامًا فحانت الظهر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في مسجد القبلتين الظهر، فلما صلى ركعتين أُمِر أن يتوجه إلى الكعبة، فاستدار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة
(4)
، فَسُمي بذلك مسجد القبلتين. وكانت الظهر يومئذ أربع ركعات منها اثنتان إلى بيت المقدس، واثنتان إلى الكعبة. قال سعيد بن المسيب: صُرفَت القبلة قبل بدر بشهرين، والثابت عندنا أنها صرفت في الظهر في مسجد القبلتين.
قلت: وهذا المسجد بعيدٌ عن مسجد الفتح من جهة الغرب، على رابية على شُفير وادي العقيق، وحوله خَراب عَتيق على الحرة، ويُعرف موضعه بالقاع وحوله آبار ومزارع، تعرف بالعَوص
(5)
في قبلة مزارع الجرف
(6)
المعروف، والمسجد المذكور في قرية بني سلمة ويقال لها خرباء
(7)
.
(1)
الدرة الثمينة ص 114.
(2)
نفسه، ولم يذكر ابن النجار عبارة ومسجد القبلتين.
(3)
الدرة الثمينة ص 115.
(4)
صحيح البخاري ج 1 ص 502.
(5)
هكذا في الأصل، وفي (ص) العرض.
(6)
الجرف من معالم المدينة المنورة القديمة وما زال يعرف باسمه إلى اليوم فهو حي مشهور يقع غرب بئر رومة وشرق طريق تبوك الحالي، وقد اتسع شمالًا حتى طريق الجامعات. إلّا أن الجرف القديم يقع في أوله من ناحية المدينة على شفير وادي العقيق هناك.
(7)
خرباء: وقيل خربى بضم الخاء المعجمة على وزن فعلى، منزلة لبني سلمة في المدينة تقع في غربي مسجد الفتح عند أطم كان لهم هناك يسمى المذاد يقع ما بين سلع والمنزلة المعروفة في الوقت الحالي باسم العنابس. السمهودي: وفاء الوفاء ج 4 ص 1200.
قلت: وفي هذا المسجد وهو مسجد بني حرام من بني سلمة رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نُخامة فحكها بعرجون
(1)
كان في يده، ثم دعا بِخلَوق
(2)
فجعله على رأس العرجون، ثم جعله على موضع النُخامة فكان أول مسجد خُلِّق
(3)
.
(1)
عرجون: أي عرجون التمر، ويسمى أيضًا العذق.
(2)
خلوق أي طيب.
(3)
اللفظ هنا لأبي داود في سننه ج 1 ص 378، وحديث النخامة بمختلف ألفاظه رواه البخاري في صحيحه ج 1 ص 605 - 607.
ذكر مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصلى العيد بالمدينة الشريفة
رَوى الزبير بن بكار، عن محمد بن الحسن بن زَبالة، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فُديك، عن هشام بن سعد، عن إبراهيم بن أبي أمية، وعن شيخ من أهل السن أن أول عيد صلَّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى
(1)
في حارة الدوس
(2)
، عند بيت ابن أبي الجنوب، ثم صلى العيد الثاني بفناء دار حكيم بن العدَّاء عند دار جَفْرة
(3)
داخلًا في البيت الذي بفنائه المسجد. ثم صلّى العيد الثالث عند دار عبد الله بن دُرة المازني، داخلا بين الدارين، دار معاوية ودار كثير بن الصِّلْت. ثم صلى العيد الرابع عند أحجار كانت عند الحناطين
(4)
بالمصلى، ثم صلى داخلا في منزل محمد بن عبد الله بن كثير بن الصلت، ثم صلى حيث يُصلي الناس اليوم.
ورَوى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أول فطر أو أضحى جَمعَ فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفناء دار حكيم ابن العدَّاء عند أصحاب المحامل
(5)
. أيضًا عن محمد بن
(1)
هكذا في كل النسخ والأصح أن تكون صلاه.
(2)
حارة الدوس: غير معروفة على وجه التحديد، ووقوعها عند بيت ابن أبي الجنوب يشير إلى أنها كانت تقع على شفير مجرى وادي بطحان غربي المصلى في مقابل مبنى الهاتف غربًا فيما يبدو. انظر أيضًا السمهودي: ج 3 ص 1206.
(3)
دار جفرة بالأصل حفرة وما أثبتناه من (ب). ويبدو أنها تقع في قبلي المصلى.
(4)
الحناطين: أي سوق بائعي الحنطة أو بائعي الحبوب على العموم وكان موقعهم في طرف سور المدينة في شمال المصلى.
(5)
أصحاب المحامل: هم الذين يقومون بصناعة المحامل وبيعها من هوادج وحبال وآلات تتعلق بمراكب الإبل والنقل بواسطتها، وكانت سوقهم إلى الجنوب من سوق الحناطين في سوق المدينة وقتذاك.
عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسلك إلى المصلى من الطريق العظمى على أصحاب الفساطيط
(1)
. ويرجع من الطريق الأخرى، على دار عمار بين ياسر رضي الله عنه. ورَوَى أيضًا عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ما بين مسجدي إلى المصلى روضة من رياض الجنة»
(2)
. وروى عن عَمْرةَ عن عائشة رضي الله عنه ا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يذبح أضحيته بيده إذا انصرف من المُصلى على ناحية الطريق التي كان يَنصرف منها، وتلك الطريق والمكان الذي يذبح فيه مقابل المغرب، مما يلي طريق بني زُريق.
قلت: أما الطريق العظمى، فهي طريق الناس اليوم، من باب المدينة إلى مسجد المُصلى، وهو الذي ذكره، وقال: ثم صلَّى حيث يُصلي الناس اليوم ولا يُعرف
(3)
من المساجد التي ذَكَر لصلاة العيد إلّا هذا الذي يُصلي فيه العيد اليوم. وهو المشهور
(4)
، ومسجد شماليه وسط الحديقة المعروفة بالعُريض
(5)
المتصلة بقبة عين الأزرق. وهي تُسقى من العين المذكورة، ويُعرف اليوم بمسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولعله صلى فيه في خلافته
(6)
. ومسجد كبير شمالي الحديقة
(1)
أصحاب الفساطيط: هم الذين يبيعون الخيام والبسط المصنوعة وقتذاك من الشعر والوبر ونحوهما. وكانت تقع في آخر سوق المدينة من ناحية الجنوب مما يلي المصلى، حول ما يعرف الآن بمسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(2)
لم نعثر عليه في الصحاح وله نظائر ضعيفة.
(3)
في (ب) و (ص) ولا نعرف. أي في زمن المؤلف.
(4)
وهو المعروف بالمدينة إلى اليوم بمسجد الغمامة. وإلى عهد قريب كانت تقام فيه الجمعة والجماعة ومن أشهر أئمته في زماننا الشيخ سيف اليماني رحمه الله.
(5)
العريض هكذا في الأصل، وفي (ب) العريضي، وفي (ص) غير واضحة. وهو غير معروف اليوم وليس بالناحية المشهورة في المدينة باسم العريض إلى اليوم الواقعة في الشمال الشرقي منها.
(6)
ما زال هذا المسجد معروفًا بهذا الاسم وقد جددت عمارته في العهد السعودي عام 1412 هـ.
متصل بها، يسمى مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولم يرد أنه رضي الله عنه صلى بالمدينة عيدًا في خلافته
(1)
. فتكون هذه المساجد الموجودة اليومَ من الأماكن التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العيد سنة بعد سنة، وعيدًا بعد عيد، إذ لا يَختص أبو بكر وعلي رضي الله عنه ما بمسجدين لأنفسهما، ويتركان المسجد الذي صلى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والنَّقا
(2)
المذكور في الأشعار، هو من غَربِي المُصلَّى إلى منزلة الحجاج، غَربي وادي بطحان. والوادي يفصل بين المصلى والنَّقا. ومن أجل مجاورة المكانين قال بعضهم مُوريا
(3)
عن الشيب ومُصلى الجنائز:
ألا يا سائرًا في قَفْرِ عُمْرٍ
…
تُكابِد في السُّرى وعرًا وسهلا
بَلغتَ نَقا المشيب وجُزتَ عنه
…
وما بَعد النقا إلا المُصلَّى
(4)
وحاجر
(5)
المذكور أيضًا في الأشعار من غربي النقا، إلى منتهى الحرة من وادي العقيق. وليس في المدينة الشريفة مسجد يُعرف غير ما ذُكِر إلّا مسجد على ثنية الوداع عن يسار الداخل للمدينة من طريق الشام. ومسجدٌ آخر صغير جدًا على طريق السافلة وهي الطريق اليمنى الشرقية إلى مشهد حمزة عن يسار
(1)
هذا المسجد لم يتغير موقعه ولا يزال يعرف بهذا الاسم وقد جددت عمارته في العهد السعودي عام 1413 هـ.
(2)
النقا: هو كما وصفه المؤلف يقع غربي المصلى ويمتد غربًا حتى بئر السقيا أي حتى باب العنبرية في هذا الوقت، وبعده يقع نقب بني دينار حتى العقيق. الأنصاري: آثار المدينة ص 170.
(3)
في الأصل مرويًا، خطأ. والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(4)
انظر البيتين عند السمهودي: وفاء الوفاء ج 4 ص 1322، ومحمد كبريت: الجواهر الثمينة ج 1 ص 336 غير منسوبين.
(5)
حاجر: بمعنى حاجز هو نقب بني دينار يبدأ من النقا شرقًا حتى وادي العقيق غربًا ومدلول اسمه بمعنى الحاجز أو الفاصل أو الأرض الحجرية ينصرف على أعلاه فقد كان كذلك حاجزًا بين المدينة والعقيق.
السالك إلى حدائق السافلة وإلى مشهد حمزة رضي الله عنه يقال إنه مسجد أبي
(1)
ذر الغفاري رضي الله عنه. ولم يرد فيهما نقلٌ يعتمد عليه والله أعلم
(2)
./
(1)
مسجد أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ما زال يقع في الناحية التي حددها المؤلف ويعرف باسمه أيضًا وتقام في الجماعة. وجددت عماته في العهد السعودي.
(2)
كلام المؤلف أنه ليس بالمدينة مسجد معروف غير ما ذكره محمول على عصره ربما لتهدم بعضها أو اندراسه وعدم وقوف المؤلف عليه، وهو تعميم غير دقيق فمن سبقه كابن النجار أو جاء بعده مثل السمهودي يذكرون عددًا أكبر من المساجد مما ذكره.
ذكر الآبار التي تنسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
-
منها بئر أريس بقباء غربي المسجد الشريف، في حديقة الأشراف الكبرى من بني الحسين بن علي رضي الله عنه ما. أخبرني الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، بقراءتي وقراءة الفقيه نجم الدين بن محمد بن محمد بن يحيى الواسطي عُرِف بابن المَقْرِي عليه في شهور سنة سبعة وتسعين وست مئة، بالمدرسة الظاهرية
(1)
من القاهرة المعزية
(2)
، قال: ثنا الشيخان أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله التميمي، وأبو البقا صالح بن شجاع بن سيدهم المَدْلجي، بسماعهما عن أبي المفاخر سعيد بن الحسين بن محمد الهاشمي المأموني بسماعه، عن الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي، عن الشيخ الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري، عن الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله
(3)
، قال: حدثنا محمد بن مسكين اليمامي، ثنا يحيى بن حسان، ثنا سليمان وهو ابن بلال عن شُريك بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه توضأ في بيته ثم خرج فقال: لألْزَمنَّ
(1)
المدرسة الظاهرية: هي إحدى مدارس العلوم الإسلامية المشهورة، أنشأها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في القاهرة فنسبت له.
(2)
القاهرة المعزية: هي مدينة القاهرة المعروفة التي أسسها جوهر الصقلي عند استيلاء الفاطميين على مصر عام 358 هـ في عهد الخليفة الفاطمي المعز.
(3)
صحيح مسلم ج 4 ص 1868.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأكُونَن معه يومي هذا. فجاء إلى المسجد فسأل [عن] النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: خرج وجهة
(1)
ههنا.
قال: فخرجتُ على أثره أسأل عنه صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل بئر أريس قال: فجلستُ عند الباب، وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاجته وتوضأ. فقمتُ إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قُفها
(2)
وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر. قال: فسلمتُ عليه ثم انصرفتُ فجلستُ عند الباب، فقلت: لأكونَنَّ بوَّاب رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم اليومَ. فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه م فدفع الباب، فقلت: مَنْ هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلتُ: على رَسْلِك، قال: ثم ذهبت فقلتُ: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن
(3)
له، وبشره بالجنة، قال: فأقبلتُ حتى قلت لأبي بكر رضي الله عنه: ادخل، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبشرك بالجنة. قال: فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه في القُف، ودَلَّى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكشف عن ساقيه.
ثم رجعتُ فجلستُ وقد تركتُ أخي يتوضأ ويلحقني فقلتُ: إنْ يردِ اللهُ بفلان خيرًا يأتِ به، فإذا إنسان يُحرك البابَ فقلتُ: مَنْ هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلتُ: على رسلك، ثم جئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسلمتُ عليه، وقلتُ: هذا عمر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فجئت عمر رضي الله عنه وقلت: ادخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، قال: فدخل وجلس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعتُ فجلستُ فقلت: إنْ يردِ اللهُ بفلان خيرًا- يعني أخاه- يأت به فجاء إنسانٌ فحرَّك الباب، فقلتُ: مَنْ
(1)
هكذا في الأصل وفي (ب) و (ص) وجه بتشديد الجيم، والأقرب أن تكون وجهه أي خرج باتجاه ها هنا.
(2)
قفها: أصل القف ما غلظ من الحجارة وارتفع، وقف البئر أي رقبتها أو دكتها المبنية من الحجارة حول فوهتها، وتسمى أحيانًا الخرزة.
(3)
في الأصل ايذن.
هذا؟ فقال: عثمان بن عفان، فقلتُ: على رَسْلك، وجئتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال: ائذنْ له وبشره بالجنة، مع بلوى تُصيبه، فجئتُ فقلت: ادخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك. قال: فدخل فوجد القُف قد مُلِئ فجلس وِجاههم من الشِّق الآخرة. قال شُريكٌ: قال سعيد بن المسيب: فأوَّلتُها قبورهم.
وروى البخاري في الصحيح
(1)
من حديث أنس قال: كان خاتمُ رسولِ الله في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر. قال: فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان، فنزح البئر فلم يجده.
قلت: وكان ذلك لتمام ست سنين من خلافته فمن ذلك اليوم حصل في خلافته من اختلاف الأمر لفوات بركته في خاتمه صلى الله عليه وآله وسلم والله أعلم
(2)
.
قال ابن النجار
(3)
: ذرعتُ طولَها فكان أربع عشرة ذراعًا وشبرًا، منها ذراعان ونصف ماء. وعرضها خمسة أذرع، وطول قُفِّها الذي جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحباه ثلاثة أذرع تشف كفا
(4)
.
قلت: وهي تحت أطم كان عاليًا من أعلى آطام المدينة
(5)
/، وهو من جهة القبلة وقد بُني في أعلاه مسكنٌ يسكنه مَنْ يقوم بالحديقة، ويخدم مسجدَ قُباء، وحولها دور الأنصار وآثارهم رضي الله عنه م. وقد جدد لها الشيخ صفي الدين أبو بكر بن
(1)
البخاري ج 5 ص 2205.
(2)
ليس صحيحًا أن الاختلاف في زمن الخليفة عثمان رضي الله عنه يعود إلى ما أشار إليه المؤلف في المتن، ولم يقل بذلك أحد من العلماء ففقدان الخاتم لا يقدم ولا يؤخر أو يضر أو ينفع.
(3)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 43.
(4)
تشف كفًا: أي تنقص عرض الكف.
(5)
في (ص) خراب ريادة. وفي (ب) و (ص) بدون أعلى.
أحمد السلامي رضي الله عنه درجًا يَنْزلُ إليها منه مَنْ يريد الشربَ والوضوء من الزوار وغيرهم. وعلى الدرج قَبْو، وذلك في سنة أربع عشرة وسبع مئة
(1)
.
ثم بئر غُرْس حدثنا أبو الحسن بن أحمد، نا أبو عبد الله بن محمود، نا أبو زكريا بن أسعد بخطه، أنا أبو علي الحداد، عن أبي نعيم الأصفهاني، قال: كتب إليَّ أبو محمد الخواص، أن محمد بن عبد الرحمن، أخبره أن الزبير بن بكار، نا محمد بن الحسن عبد العزيز بن محمد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش. قال: جاءنا أنس بن مالك رضي الله عنه بقباء فقال: أين بئركم هذه؟ يعني بئر غرس، فدللناه عليها، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءها وإنها لتُسنى
(2)
على حمار بِسحر
(3)
. فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدلو من مائها، فتوضأ منه، ثم سكبه فيها، فما نزفت
(4)
بعد
(5)
. وحدثنا الشريف تاج الدين، نا الشيخ محب الدين بسنده، إلى محمد بن الحسن، نا القاسم بن محمد عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رأيتُ أني أصبحت على بئر من الجنة، فأصبح على بئر غُرْس فتوضأ منها وبزق فيها، وغُسل منها حين تُوفي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الشيخ محب الدين
(6)
، بينها وبين مسجد قبا نحو نصف ميل.
(1)
وبئر أريس هذه أسهب السمهودي في وصفها، وذكر أنها منسوبة إلى رجل يهودي اسمه أويس، ومعناه الفلاح، وذكر أن ذرعها في عهده تسعة عشر ذراعًا، وأن عمق ماءها أربعة أذرع وذلك بعد أن رفعت خرزتها، وعمقت أكثر. (وفاء الوفا ج 3، ص 942 - 949). وهي معروفة إلى اليوم بالقرب من باب مسجد قباء الغربي، إلّا أن التوسعة الحديثة للمسجد جاءت عليها، وقد صورها بعض مؤرخي المدينة المحدثين مثل عبد القدوس الأنصاري والخياري.
(2)
تسنى: أي يرفع ماؤها وتأتي بمعنى يسقى منها. ابن منظور: لسان العرب ج 3 ص 225.
(3)
بسحر: أي وقت السحر.
(4)
نزفت: غارت.
(5)
هذا الحديث والذي يليه ورد في سندهما محمد بن الحسن بن زبالة وقد كذبوه.
(6)
محب الدين: أي ابن النجار: الدرة الثمينة ص 46.
قلت: وهذه البئر شرقي مسجد قباء إلى جهة الشمال، هي بين النخيل، ويُعرف مكانها اليوم
(1)
وما حولها بالمَغْرس
(2)
وهي اليوم ملك لبعض أهل المدينة. وكانت قد خَربت فَجُددت بعد السبع مئة، وهي كثيرة الماء، وعرضها عشرة أذرع وطولها يزيد على ذلك، وأكثر مائها يغلب الخضرة، وهو طيب عذب
(3)
.
ثم بئر البُصَّة حدثنا الشريف العدل علي بن العباس، نا الشيخ أبو عبد الله بن الفضل، أنا ذاكرُ الحذاء، عن الحسن بن أحمد الأصفهاني، عن أحمد بن عبد الله الحافظ، عن جعفر بن محمد، أنا محمد بن عبد الرحمن، نا الزبير بن بكار، نا محمد بن الحسن، عن محمد بن موسى عن سعيد بن أبي زيد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي الشهداء وأبناءَهم، ويتعاهد عيالاتِهم، قال: فجاء يومًا أبا سعيد الخدري، فقال: هل عندك من سدرٍ أغسل به رأسي فإن اليومَ الجمعة، قال: نعم فأخرجَ له سدرًا، وخرج معه إلى البُصَّة، فغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه، وصب غُسالة رأسه، ومُراقة شعره في البُصة
(4)
.
قلت: وهذه البئر قريبة من البقيع، على يسار السالك إلى قباء، وهي في حديقة كبيرة مُحوَّطٌ عليها بحائط، وعندها في الحديقة أيضًا بئر أصغر منها، والناس مختلفون فيهما، أيتهما بئر البُصة، إلّا إن ابن النجار
(5)
رحمه الله
(1)
أي زمن المؤلف.
(2)
هكذا في الأصل، وفي (ب) و (ص) بالغرس وهو الأصح.
(3)
بئر غرس بضم العين المعجمة وفتحها وقد فصل في ذكرها السمهودي (ج 3 ص 978 - 981) ولا تزال تقع إلى الشرق من قباء في شارع في جنوب قربان أمام معهد دار الهجرة.
(4)
في سنده محمد بن الحسن بن زبالة وقد كذبوه.
(5)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 46 - 47، إلّا أنه لم يقطع بأنها الكبرى القبلية، وذكر ذرعها فقط إلّا أن يكون المؤلف قد رجع إلى نسخة أخرى من الكتاب غير النسخة التي وصلتنا.
قطع بأنها الكبرى القِبلية، وذكر أن عرضها تسعة أذرع وأن طولها أحد عشر ذراعًا، والصغرى عرضُها ستة أذرع، وهي التي تلي الأطم من شرقيِّه وهو أطم مالك بن سنان أَبِ
(1)
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ما. وسمعتُ بعض من أدركتُ من أكابر خدام الحرم الشريف وغيرهم، من أهل المدينة، يقولون إنها الكبرى القبلية، وإن الفقيه الصالح القدوة، أبا العباس أحمد بن موسى بن عجيل رحمه الله، وغيره من صلحاء اليمن إذا جاؤوها للتبرك
(2)
بها، لا يقصدون إلّا البئر الكبرى القبلية، والحديقةُ التي فيها اليومَ وقفٌ على الفقراء والمساكين والواردين والصادرين لزيارة سيدنا
(3)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقفها الشيخ عزيز الدولة ريحان البدري الشهابي، شيخ خُدام الحرم الشريف، كان قبل وفاته بعامين أو ثلاثة، وتوفي سنة سبع وتسعين وست مئة
(4)
.
ثم بئر حاء حدثنا الشيخ الإمام العالم الحافظ أمين الدين أبو اليمن، عبد الصمد بن أبي الحسن عبد الوهاب بن عساكر، نا الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي، نا شيخ الإسلام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب، نا عبد الرحمن بن المظفر الداودي، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن حمويه، أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفَرْبرَي، أنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري
(5)
نا أبو محمد عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان أبو طلحة أكثر
(1)
في كل النسخ أبو، والصحيح ما أثبتناه.
(2)
على الرغم أن التبرك جاء هنا على الحكاية والخبر عن حال أولئك إلّا أنه لا يجوز بحال.
(3)
هكذا في الأصل، ولم ترد كلمة سيدنا في (ب) و (ص).
(4)
بئر البُصَّة بضم الباء وتشديد الصاد وفتحها ما زالت معروفة إلى عهد قريب على يمين طريق العوالي من ناحية الحرم، جنوب البقيع وعرفت ببئر البوصة، وقد زالت ولعل عمارة الوقف المقام هناك تشير إليها وإلى اسم صاحبه. انظر أحمد ياسين الخياري: تاريخ معالم المدينة ص 188 وهامش رقم 1 لعبيد الله أمين كردي.
(5)
البخاري ج 2 ص 814.
أنصارِيْ المدينة مالًا من نخلٍ، وكان أحب أمواله بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخلها، ويشرب من ماءٍ فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الله عز وجل يقول:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ}
(1)
وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو بِرَّها وذُخرَها عند الله، فضعْها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بخٍ بخٍ، ذلك مالٌ رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أبو طلحةَ: أَفعَلُ يا رسول الله فقسمها أبو طلحةُ في أقاربه وبني عمه
(2)
.
قلت: هذه البئر وسط حديقةٍ صغيرة فيها نخل جيد وهي شمالي سور المدينة الشريفة بينها وبين السور الطريق وتعرف الآن بالنويرية
(3)
اشتراها بعض نساء النويريين
(4)
ووقَفها على الفقراء، والمساكين، والواردين، والصادرين لزيارة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وهي كما ورد فيها مستقبلة المسجد، قال الشيخ محب الدين بن النجار رحمه الله
(5)
: ذرعتها، فكان طولها عشرين ذراعًا، منها أحد عشر ذراعًا ماء، والباقي بناء، وعرضها ثلاثة أذرع وشيئًا يسيرًا
(6)
.
(1)
سورة آل عمران، الآية:92.
(2)
انظر الحديث وقصة تبرع أبي طلحة ببئر حاء في البخاري ج 2 ص 814.
(3)
النويرية: أي في عصر المؤلف أما في هذا الوقت فهي غير معروفة فقد ذهبت عند إعادة تخطيط المنطقة المركزية حول الحرم وفتح شوارع جديدة تؤدي إليه.
(4)
في (ب) و (ص) فراغ.
(5)
ما ذكره ابن النجار من أن طولها هو أربعة عشر ذراعًا ونصف ماء والباقي بنيان، وعرضها ثلاثة أذرع وشبر، وليس كما ذكر المؤلف. الدرة الثمينة ص 41.
(6)
بئر حاء: اختلف في اسمها ورسمها فمنهم من ينسبها إلى رجل أو امرأة كان في القديم له، ومنهم من يرى أن اسمها مركب، ومنهم من يراه يتألف من مضاف ومضاف إليه، وأيضًا يقصرون الحاء ويمدونها، ورجح غير واحد أنها بلفظ حرف المعجم أي بحاء ممدودة (السمهودي ج 3 ص 561 - 965)، وهي- كما وصفها المؤلف- كانت تقع شمال المسجد النبوي، خارج سور المدينة بقليل وقد أدركها بعض المحدثين في أواخر القرن الرابع عشر ثم ذهبت في التوسعة الحديثة للحرم. عبد القدوس الأنصاري: آثار المدينة المنورة ص 248.
ثم بئر بُضاعة حدثنا أبو الحسن بن أبي العباس العراقي، نا أبو عبد الله ابن أبي الفضل البغدادي، أنا أبو القاسم الصموت، عن الحسن بن أحمد، عن أحمد بن عبد الله بن جعفر بن محمد، أنا أبو يزيد المخزومي، نا الزبير بن بكَّار، نا محمد بن الحسن، عن حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبي يحيى، عن أمه قالت: دخلت على سهل بن سعد في نسوة فقال: لو أنني سقيتُكُنَّ من بئر بضاعة لكرِهتنَّ ذلك. وقد والله سقيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي منها. وروى أبو داود في السنن
(1)
، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يُقال له، إنه يُستقي لك من بئر بُضاعة وهي بئر تُلقى فيها لحوم الكلاب، والمحايض، وعُذَرُ النساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«إن الماء طهورٌ لا ينجسه شيء»
(2)
.
وبإسناد أبي عبد الله بن النجار إلى محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى، عن مالك بن حمزة بن أبي أُسيد، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا لبئر بضاعة. وبإسناده إلى محمد بن الحسن، نا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بَصق في بئر بُضاعة، وروى أبو داوود السجستاني في السنن
(3)
قال: سمعتُ قتيبة بن سعيد يقول: سألتُ قَيِّم بئر بُضاعة عن عمقها، فقال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى
(1)
سنن أبي داود ج 1 ص 17 - 18.
(2)
قال الترمذي: هذا حديث حسن ج 1 ص 95، وقال ابن حجر: صححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. التلخيص الكبير ج 1 ص 12 - 13.
(3)
رواه ابن شبة في تاريخ المدينة ج 1 ص 154، وفي سنده محمد بن الحسن بن زبالة وقد كذبوه وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 6 ص 323: رجاله وثقوا كلهم، وفي بعضهم ضعف.
العانة، قلتُ: فإذا نقص؟ قال: دون العورة، قال أبو داود: قدرتُ بئر بُضاعة بردائي مددتُه عليها، ثم ذرعتُها فإذا عرضه ستة أذرع. وسألت الذي فتح باب البستان فأدخلني إليه: هل غُيِّر بناؤُها عما كانت عليه؟ قال: لا
(1)
.
قلت: هذه البئر اليومَ في جانب حديقة شمالي سور المدينة، وغربي بئر حا إلى جهة الشمال. يَستقِي منها أهلُ الحديقة والحديقة في قبلة البئر، ويستقي منها أهل حديقة أخرى شمالي البئر، والبئر وسط بينهما، وهي بئر مليحة طيبة الماء، قال الشيخ محب الدين
(2)
: ذرعتها فكان طولها أحد عشر ذراعًا وشبرًا منها ذراعان راجحان ماء والباقي بناء، وعرضها ستة أذرع كما ذكر أبو داوود رحمه الله
(3)
.
ثم بئر رومة، حدثنا الشيخ الإمام أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد، نا الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين، نا الشيخ الإمام أبو الوقت عبد الأول، نا الشيخ أبو الحسن عبد الرحمن، نا الإمام أبو محمد عبد الله، نا الشيخ الإمام، أبو عبد الله محمد، نا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، قال: وقال عبدان: أخبرني أبي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان رضي الله عنه حيث حُوصر أشرف على الناس، وقال: أنشدكم الله ولا أنشُدُ إلّا أصحابَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألستُم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ يحفر بئر رُومة فله الجنة»
(4)
؟ فحفرتُها. ألستم تعلمون أنه قال: «من جَهَّز
(1)
أبو داود: سننه ج 1 ص 18 وقد صححه الألباني.
(2)
ابن النجار: الدرة الثمينة، ص 45.
(3)
وبئر بضاعة فصل أوصافها السمهودي ج 2 (ص 956 - 959) وكانت تقع حتى نهاية القرن الرابع عشر شمالي شارع السحيمي عند مروره بسقيفة بني ساعدة، وكانت لها طريقان إحداهما من ناحية باب المجيدي والأخرى من ناحية الشارع المذكور، ثم أزيلت عند إعادة تخطيط تلك المنطقة فيما بعد.
(4)
نصه في البخاري ج 3 ص 1351، والسند الذي أورده المؤلف عند الدارقطني ج 4 ص 199، بلفظ: من حفر
…
جيشَ العُسرة
(1)
فله الجنة»
(2)
؟ فجهزتُهم قال: فصدقوه بما قال. وحدثنا العدل الشريف أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن، نا الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن محاسن، قال: كتبَتْ إليَّ عفيفةُ الأصفهانية أن أبا علي الحداد أخبرها بخطه عن أبي نعيم قال: كتب إلي جعفر الخلدي أن أبا يزيد المخزومي، أخبره عن الزبير بن بكار، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن طلحة، عن إسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«نعم الحفيرة حفيرة المزني»
(3)
يعني رومة، فلما سمع بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه ابتاع نصفها بمئة بكرة، وتصدق بها، فجعل الناسَ يَستقون منها، فلما رأى صاحبُها أن قد امتنع منه، ما كان يُصيب عليها، باع من عثمان النصفَ الباقي بشيء يسير، فتصدق بها كلها.
وذكر أبو عمر بن عبد البر
(4)
أن بئر رومة كانت رَكية ليهودي يبيع منَ المسلمين ماءها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ يشتري رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم، وله بها مشرب في الجنة»
(5)
فأتى عثمان اليهودي فساومه بها، فأبى أن يبيعها كلَّها، فاشترى عثمان نصفَها باثني عشر ألف درهم، فجعله للمسلمين فقال له عثمان رضي الله عنه: إن شئت جعلت لنصيبي قرنين
(6)
، وإن شئت فلي يومٌ ولك يوم، فقال: بل لك يوم ولي يوم، فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين، فلما رأى ذلك اليهودي قال: أفسدتَ علي ركيتي، فاشترِ النصف الآخر فاشتراه بثمانية آلاف درهم.
(1)
جيش العسرة هو جيش غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وتبوك بعيدة المسافة عن المدينة فهي تبعد عنها (720) كم شمالًا.
(2)
الدارقطني ج 4 ص 199.
(3)
سنده ضعيف ففيه ابن زبالة وقد كذبوه.
(4)
ابن عبد البر: الاستيعاب ج 8 ص 1039 - 1040. وانظر أيضًا الترمذي ج 5 ص 637.
(5)
صحيح البخاري ج 5 ص 29.
(6)
قرنين: أي حدين أو علامتين يميزانه.
قلت: هذه البئر وسَط العقيق من أسفله، في براح
(1)
واسعٍ من الأرض، وعندها بناءٌ عالٍ بالحجارة والجص منهدم، يقال إنه كان ديرًا لليهود
(2)
شمالي مسجد القبلتين، بعيدًا منه وحولها آبار كثيرة، ومزارع، وهي قبلي الجُرف المعروف بالمدينة وقد خُربت ونُقِضت حجارتها، وأُخذت، وانطَمَتْ ولم يبقَ اليومَ منها إلّا أثرها
(3)
. قال الشيخ محب الدين بن النجار
(4)
رحمه الله: وقفتُ على بئر رومة وقد انتقضت خَرزتها
(5)
وأعلامها، إلّا أنها بئر مليحة جدًا مبنية بالحجارة الموجّهة، وذرعتها فكان طولها ثمانية عشر ذراعًا منها ذراعان ماء، وباقيها مطموم بالرمل الذي تسفيه الريح. وعرضها ثمانية أذرع، وماؤها طيبٌ حلو. ثم قال: واعلم أن هذه الآبار المذكورة قد يزيد ماؤها في بعض الزمان عما ذكرنا، وقد ينتقص، وربما بقي منها ما كان مطمومًا.
(1)
في الأصل مراح والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص) أي في فسحة واسعة من الأرض كما هو واقعها على الطبيعة.
(2)
هذا من الإشارات القليلة النادرة أنه كان لليهود دير بالمدينة، على الرغم من كثرتهم عند مهاجر المسلمين الأوائل إليها. ومن الأصح أن يذكره المؤلف باسم معبد لأن الدير للنصارى في الغالب.
(3)
وبئر رومة قد جُددت بعد عصر المؤلف مرات عدة، وما زالت معروفة إلى اليوم في شمال حي الأزهري على شفير الوادي من جنوب بجوار الوحدة الزراعية القديمة. انظر: المراغي: تحقيق النصرة ص 175؛ الخياري: تاريخ معالم المدينة ص 184.
(4)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 48. والمؤلف يبدو أنه يرجع إلى نسخة من كتاب ابن النجار أوفى من النسخة التي وصلتنا حيث إن العبارة الأخيرة غير موجودة فيها.
(5)
خزرتها: الخرزة عبارة عن حجارة تطوى بها لتكون رقبة للبئر ترتفع عن مستوى الأرض حتى لا تدفنها السيول.
ذكر عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم
-
حدثنا السيد تاج الدين عن الشيخ محب الدين
(1)
، أنا يحيى بن أسعد، عن الحسن بن أحمد، عن أبي نعيم، عن جعفر بن محمد، نا محمد بن عبد الرحمن، نا الزبير، نا محمد بن الحسن، عن موسى بن إبراهيم بن بشير، عن طلحة بن خراش، قال: كانوا أيام الخندق يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويخافون البَيات
(2)
فيدخلون به كهفَ بني حرام، فيبيت فيه، حتى إذا أصبح هبط، قال: ونقر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العيينة التي عند الكهف، فلم تزلْ تجري حتى اليوم، ثم قال: وهذه العين في ظاهر المدينة، وعليها بناء، وهي مقابلة المُصلى.
قلت: وأما الكهف الذي ذكره
(3)
رحمه الله فهو معروف في غربي جبل سَلع عن يمين السالك إلى مساجد الفتح، من الطريق القبلية. وعلى يسار السالك إلى المدينة إذا زار المساجد، ثم سلك إلى المدينة مستقبلَ القبلة، يُقابل حديقة نخلٍ تُعرف بالنعيمية
(4)
في بطن وادي بطحان غربي الجبل، جبل سَلع، وفي الوادي عينٌ تأتي من عوالي المدينة تَسقِي ما حول المساجد من المزارع والنخيل، تعرف بعين الخيف، خيف شامي، وتعرف تلك الناحية بالسيح
(5)
، وقد تقدم ذكرها، فأما العين التي ذكرها الشيخ محب الدين،
(1)
أي محب الدين بن النجار في كتابة الدرة الثمينة ص 49.
(2)
البيات الهجوم الليلي وهي خطة عسكرية ما زالت معروفة.
(3)
أي ابن النجار: الدرة الثمينة ص 49.
(4)
كذا بالأصل وفي (ص)، وفي (ب) بالغنيمية بالمعجمة.
(5)
السيح ما زال محلة معروفة بالمدينة إلى اليوم غربي باب الكومة وشرقي أرض محبة.
المقابلة للمُصلى، فهي عين الأزرق وهو مروان بن الحكم التي أجراها، بأمر معاوية رضي الله عنه، وهو واليه على المدينة. وأصلها من قباء معروف، من بئر كبير غربي مسجد قباء، في حديقة نخل، وهي تجري إلى المصلى، وعليها في المصلى قُبةٌ كبيرة مقسومة نصفين، يخرج الماء منها في وجهين مدرجين، وجه قِبلي ووجه شمالي، وتخرج العين من القُبة من جهة المشرق، ثم تأخذ إلى جهة الشمال وأخذ الأمير سيف الدين الحسين بن أبي الهيجاء في حدود الستين وخمس مئة منها شعبةً من عند مخرجها من القبة، فساقها إلى باب المدينة باب المصلى، ثم أوصلها إلى باب الرحمن
(1)
التي عند مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة باب السلام، المعروف
(2)
قديمًا بباب مروان وبني لها منهلًا بدرج من تحت الدور، يَستقي منه أهلُ المدينة، وينتفعون بها. وجعل لها مصرفًا من تحت الأرض يشق وسط المدينة على البلاط، ثم يخرج إلى ظاهر المدينة من جهة المشال، شرقي الحصن الذي يسكنه أمير المدينة، وكان قد جعل منها شعبة صغيرة تدخل إلى صحن المسجد، وجعل لها درجًا على عقدٍ يخرج الماء إليه من فوارة، يتوضأ منها مَنْ يحتاج إلى الوضوء، فحصل في ذلك انتهاك حرمة المسجد من كشف العورات والاستنجاء في المسجد، فَسُدت لذلك.
وإذا خرجت العين من القبة التي بالمصلى سارت إلى جهة الشمال، حتى تصل إلى سور المدينة، فتدخل من تحته، فتصل إلى منهل آخر بوجهين مدَرَّجين، عند قبر النفس الزكية
(3)
، ثم تخرجُ من هنالك، وقد تقدم ذكر
(1)
في الأصل باب الرحبة والأقرب بحذف كلمة باب كما في (ب) و (ص).
(2)
من قوله المعروف حتى قوله على البلاط غير موجود في (ب).
(3)
النفس الزكية هو محمد بن عبد الله بن حسن أحد أعلام البيت العلوي في بداية العصر العباسي كان يلقب بالنفس الزكية لتقواه وحسن سيرته. ثار على أبي جعفر المنصور وخلع طاعته وجرت بينهما مراسلات وجدل سياسي حتى تمكن المنصور من القضاء على ثورته وقتله في المدينة سنة 145 هـ انظر الطبري ج 7 ص 553 - 609.
ذلك، وتجتمعُ هي وما يتحصل من مصلها
(1)
، في قناة واحدة إلى البركة التي ينزلها الحجاج وقد تقدم ذكرها قبل هذا، والله أعلم.
فأما عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي ذكرها ابن النجار فليست تُعرف اليوم، وإن كانت كما قال عند الكهف المذكور، فقد دثُرت وعفا أثرها، والله أعلم.
والآبار المذكورة ست والسابعة لا تعرف اليوم إلّا بما يُسمع من قول العامة أنها بئر جَمل، ولم يُعلم أين هي، ولا مَنْ ذكرَها، غير ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أقبلَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نحو بئر جمل
(2)
. وروى ابنُ زَبالة أيضًا فيها، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله وأسامة بن زيد قالا: ذهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بئر جمل، وذهبنا معه فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودخل معه بلال فقلنا: لا نتوضأ حتى نسأل بلالًا، كيف توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومسح الخفين والخمار
(3)
. ولم تذكر بئر جمل في السبع المشهورات والله أعلم. إلّا أني رأيت حاشية بخط الشيخ أمين الدين أبو اليمن
(4)
ابن عساكر رحمه الله على نسخة من الدرة الثمينة في أخبار المدينة، للشيخ محب الدين بن النجار، ما مثاله العدد، ينقص عن المشهور بئرًا واحدة. لأن المثبت ست والمأثور
(1)
هكذا في الأصل إلّا أن الكلمة غير مفهومة والأقرب أن تكون مصلبها كما في (ب) أي منبعها.
(2)
بئر جمل ورد ذكرها عند من هو أهم من ابن زبالة وهو البخاري في حديث: «أقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه» . (ج 1 ص 87) ورجح السمهودي أنها تقع بالقرب من بئر أبي أيوب الأنصاري في بني النجار شرقي المسجد النبوي في موضع يعرف بالمناصع. (وفاء الوفاء ج 3 ص 960)، بينما وصفها الفيروزآبادي بأنها تقع من ناحية الجرف في آخر العقيق وذكر احتمال تسميتها برجل حفرها اسمه جمل، أو سميت بجمل سقط فيها. المغانم المطابة ج 2 ص 628. وهذه البئر غير معروفة الآن.
(3)
مسلم: صحيحه ج 1 ص 231.
(4)
أبو اليمن سقطت من (ص).
المشهور سبع، والسابعة اسمها بئر العِهن بالعالية يزرع عليها اليوم، وعندها سدرة ولها اسم آخر مشهورة به.
قلت: بئر العِهن هذه معروفة بالعوالي انتقلت بالشراء إلى الشهيد المرحوم علي بن المطرف العُمري رحمه الله
(1)
، وهي بئر مليحة جدًا منقورة في الجبل، وعندها سدرة كما ذكر. ولا تكاد تنزف أبدًا
(2)
. وذكر ابن زبالة محمد بن الحسن في تاريخه عدة آبار المدينة، وسماها في دور الأنصار ونقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاها، وتوضأ من بعضها، وشرب منها، لا يعرف اليوم منها شيء، ومن جملة ما ذَكرَ بئر بالحرة الغربية في آخر منزلة النَّقا على يسار السالك إلى بئر علي المحَرَم
(3)
، وعلى جانبها الشمالي بناءٌ مستطيل مُجصص، يُقال لها السقيا كانت لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ونُقِلَ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرض جيش بدر بالسقيا، التي كانت لسعد، وصلى في مسجدها، ودعا هنالك لأهل المدينة، أن يُبارك لهم في مدهم، وصاعهم، وأن يأتيهم بالرزق من ههنا، وههنا، وههنا. وشرب صلى الله عليه وآله وسلم من بئرها ويقال لأرضها الفُلجان
(4)
؛ وهي اليوم معطلة خراب. وهي بئر مليحة كبيرة منقورة في الجبل
(5)
.
(1)
علي بن مطرف العُمري ينسب إلى آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاش في جماعة عرفوا باسم العمريين كانت لهم شوكة وحرمة بالمدينة في القرن السابع، وكان علي هذا شيخهم حتى قتل خنقًا في عام 728 هـ، وكان المؤلف على علاقة وصلة طيبة بهم. ابن فرحون: نصيحة المشاور وتعزية المجاور ص 187.
(2)
بئر العهن بالكسر من العهن وهو نوع من الصوف ورجح السمهودي أنها بئر العسرة كانت تسمى في الجاهلية العسرة فغير اسمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتسمى أيضًا بئر بني أمية لوقوعها في منازلهم (وفاء ج 3 ص 978 - 982) شمالي المسجد النبوي. وأنها زالت أو تغير اسمها منذ زمن.
(3)
أي على يسار السالك إلى الميقات، وسمي وقتذاك أحيانًا بئر علي. والمعروفة في زماننا بآبار علي.
(4)
الفلجان: هي سواقي الزرع وقنوات الماء وسميت أرض السقيا الآتي تعريفها بذلك لكثرة سواقيها.
(5)
بئر السقيا: هي أحد آبار المدينة المشهورة، استعرض الرسول عندها جيشه في طريقه إلى بدر واستعداده لها، وشرب من مائها ودعا لأهل المدينة. وكانت لسعد بن أبي وقاص فهناك أرضه المعروفة باسم الفلجان وظلت هذه البئر معروفة حتى عهد قريب جنوبي أول سكة حديد الحجاز غير بعيدة غربًا عن مسجد السلطان عبد الحميد المعروف حاليًا باسم مسجد العنبرية، ثم أزيلت لمجيء الطريق المؤدي إلى عروة عليها فذهبت وذهبت فلجانها. السمهودي: وفاء ج 3 ص 972 - 973؛ عبد القدوس الأنصاري: آثار المدينة ص 251.
ونقل الحافظ عبد الغني أنه عرض جيشه على بئر أبي عنبة بالحرة، فوق هذه البئر إلى المغرب، ويقال إنها على ميل إلى المدينة. ومنها بئر أخرى إذا وقفت على هذه المذكورة وأنت على جادة الطريق وهي على يسارك كانت هذه على يمينك، ولكنها بعيدة عن الطريق قليلًا، وهي في سند من الحرة قد حُوّط عليها ببناء مجصص. وكان على شَفيرِها حوضٌ من حجارة تكسَّر. لم يزل أهل المدينة قديمًا وحديثًا يتبركون بها، ويشربون من مائها، ويُنقل إلى الآفاق منها، كما ينقل ماء زمزم، ويسمونها زمزم أيضًا لبركتها، .. ولم أعلم أحدًا ذكرَ فيها أثرًا يعتمد عليه. والله أعلم أيتهما هي السقيا، الأولى لقربها من الطريق، أمْ هذه لتواتر التبرك بها
(1)
، أو لعلها البئر التي احتفرتها فاطمة بنت الحسين بن علي زوجة الحسن بن الحسن بن علي حين أُخرِجت من بيت جدتها فاطمة الكبرى في أيام الوليد بن عبد الملك، حين أَمر بإدخال حجرات أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبيت فاطمة رضي الله عنه ا في المسجد، فإنها بنت دارَها بالحرة، وأمرت بحفر بئر فيها، فطلع لهم جبل فذكروا ذلك لها، فتوضأت وصلت ركعتين، ودعت ورشت موضع البئر بفضل وضوئها، وأمرتهم فحفروا، فلم يتوقف عليهم من الجبل شيء حتى ظهر لهم الماء، والله أعلم
(2)
، فالظاهر أنها هذه
(3)
وأن السقيا هي الأولى لأنها على جادة الطريق، وهو الأقرب، والله أعلم.
(1)
بالطبع كان ذلك زمن المؤلف، أما اليوم فلم يعد أحد يتبرك بهذه المواضع لحسن اعتقاد الناس والحمد لله.
(2)
هذه دعوى ليس عليها إثبات وتخالف العقل وطبائع الأشياء. وقد تكون من الأخبار المكذوبة.
(3)
أي أن بئر زمزم المشار إليها هي بئر فاطمة المذكورة. والباحث يرجح الأخيرة فقد كانت هذه البئر معروفة حتى وقته، وكان بعض العامة يتبرك بمائها.
ذكر أودية المدينة وأسمائها وجهاتها
منها وادي العقيق، وأصل مسيله
(1)
من النقيع
(2)
بالنون والقاف والياء المثناة من تحت، قِبلي المدينة المشرفة، وهو طريق المشيان
(3)
، بينه وبين قباء مقدار يوم ونصف، ويُعرف اليومَ بوادي النقيع، ويصل إلى بئر علي العليا المعروفة بالخليقة بالقاف والخاء المعجمة، ثم يأتي على غربي جبل عَيْر، ويصل إلى بئر علي ذي الحليفة محرم الحاج، ثم يأتي مشرقًا إلى قريب الحرة التي يُطلع منها إلى المدينة، ثم يُعرِّج يسارًا. ومن بئر المحرم يسمى العقيق فينتهي إلى غربي بئر رومة.
وادي رانونة
(4)
يأتي من شمالي جبل عير المذكور، إلى غربي مسجد قباء موضعٍ يُعرف بالعُصبة
(5)
وهي منازل بني جَحْجَبَا من الأوس، ينتهي
(1)
أي أصل مبتدأ مجراه.
(2)
النقيع وادٍ عظيم يقع في أعالي العقيق وتنحدر منه كثير من سيوله، وكان أحد الأحمية المشهورة في صدر الإسلام، ولا يزال يعرف باسمه إلى اليوم إلى الجنوب من قرية أبيار الماشي. ويمتد جنوبًا حتى قرب اليتمة مسافة (70) كيلا.
(3)
طريق المشيان أي طريق المشاة بين المدينة ومكة وهو يختلف عن طريق القوافل المشهور باسم الطريق السلطاني. ويمر ببيار الماشي على طريق مكة المعبد الحديث ثم يسلك وادي ريم ثم يسلك ريع الغاير، ويحف جبل ورقان المشهور من الجنوب ثم يواصل حتى يصل مكة ويلتقي بالطريق السلطاني في بعض المنازل إلّا أنه أقصر منه وأصعب مسلكًا وسمي بذلك كناية عن القصر والسرعة.
(4)
هكذا في الأصل والمشهور رانوناء بالهمزة المدودة.
(5)
موضع معروف باسمه إلى الآن في وادي رانوناء تقوم فيه بساتين شرقي تقاطع طريق مكة مع الخط الدائري في غربي قباء.
إلى مسجد الجمعة، منازل بني سالم بن عوف من الخزرج، ثم يصب في بطحان.
ثم وادي جَفاف وهو أعلى موضع بالعوالي شرقي مسجد قباء.
ثم وادي مذينب وهو شرقي جفاف يلتقي وهو جفاف فوق مسجد الشمس، المعروف قديمًا بمسجد الفضيخ، ثم يصبان في بطحان، يلتقيان هما ورانوناء ببطحان، فيمران بالمدينة غربي المصلى، ويصلان إلى مساجد الفتح سيلًا واحدًا، ويلتقي هو والعقيق عند بئر رومة.
ثم وادي مهزور وهو أيضًا شرقي العوالي، شمالي مذينب، ويشق في الحرة الشرقية إلى العُريض
(1)
، ثم يصب في وادي الشظاة.
ثم وادي الشظاة يأتي من شرقي المدينة من أماكن بعيدة عنها، إلى أن يصلَ إلى السد، الذي أحدثته النار نار الحرة، التي ظهرت في المدينة الشريفة في جمادى الآخرة من سنة أربع وخمسين وست مئة. ظهرت من وادٍ يقال له وادي أَحْيَلَين
(2)
في الحرة الشرقية، وسارت من مخرجها إلى جهة الشمال،
(1)
العريض: تصغير عرض وهو طرف الحرة مما يلي وادي قناة، وكانت تسمى حرة بني حارثة وتقع في الشمال الشرقي من المدينة، وأحيانًا يطلق على آخر وادي مهزور عند مصبه في وادي قناة، وما زال في المنطقة مسجد قديم يسمى مسجد العريض. السمهودي ج 3 ص 1265.
(2)
أحيلين: مثنى أَحْيَل، وقد ذكرهما السمهودي أيضًا بالرسم نفسه ولم يذكره ياقوت، وقد ذكر العياشي أنهما حرفا فيما بعد إلى ما هو معروف بحلية المزيَّن الشرقية وحلية المزين الغربية وتثنيان بالحليتين، والعياشي- رحمه الله - باحث في خبر الأمكنة والبقاع بالمدينة، إلّا أن المهم أن هذه النار (البركان) ظهرت بؤرته في الوادي المشار إليه في أقصى عوالي حرة قريظة في قاع يعرف بقاع الهيلاء على الطريق من المدينة إلى السوارقية القديم جنوبي طريق القصيم الجديد بجنوب العاقول وكانت بؤرتها تبعد مسافة نصف يوم أي قرابة ثلاثين كيلًا عن المسجد النبوي. وكان طول مجرى حممه من الجنوب إلى الشمال في منطقة العاقول قرابة ثمانية أكيال مكونة حوافها الغربية المشاهدة هناك في هيئة حرات متوسطة الارتفاع حادة الحجارة صعبة المسلك. انظر عن هذه النار بالإضافة إلى ما ذكره المؤلف عنها: السمهودي: وفاء الوفا ج 1 ص 139 - 148؛ العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر 497 - 510؛ الرحيلي: نار الحرة. دراسة تاريخية. الكتاب السنوي لقسم التاريخ والحضارة. جامعة الإمام. العدد الأول سنة 1408 هـ ص 229 - 247.
مدة ثلاثة أشهر تدب دبيب النمل، تأكل كل ما مرت عليه من جبل وحجر ولا تأكل الشجر
(1)
فَتُثير كلما مرت عليه فيصير سدًا لا مسلك فيه، لإنسان ولا دابة، إلى منتهى الحرة من جهة الشمال، فقطعت في وسط وادي الشظاة المذكور إلى جهة جبل وعيرة، فسدت الوادي المذكور بسد عظيم بالحجر المسبوك بالنار، ولا كسد ذي القرنين، لا يصفه إلّا من يراه طولًا وعرضًا وارتفاعًا، وانقطع وادي الشظاة، بسببه وصار السيل إذا سال ينحبس خلف السد المذكور، وهو واد عظيم فتجتمع خلفه المياه حتى يصير بحرًا مد البصر عرضًا وطولًا، كأنه نيل مصر عند زيادته، شاهدته
(2)
كذلك في شهر رجب من سنة سبع وعشرين وسبع مئة.
وأخبرني الشيخ صالح علم الدين سنجر العزي، من عتقاء الأمير عز الدين منيف بن شيحة صاحب المدينة رحمه الله، قال: أرسلني مولاي الأمير المذكور بعد ظهور النار بأيام، ومعي شخص من العرب يسمى خطيب بن سنان، وقال لنا، ونحن فارسان: اقْرُبَا من هذه النار فانظرا هل يقدر أحد على القرب منها، فإن الناس هابوها لعظمها، فخرجت أنا وصاحبي إلى أن قربنا منها، فلم نجد لها حرًا، فنزلت عن فرسي، وسرت إلى أن وصلت إليها، وهي تأكل الصخر والحجر فأخذت سهمًا، من كنانتي ومددت بيدي
(1)
هذا من المبالغات ولم يثبت هنا أن النار تخلت عن خواصها في أكل الشجر، وليس ذلك الزمن أو المكان- وهو تلك الحرة- بزمن أو مكان معجزات على الرغم من تعليل المؤلف بعد قليل.
(2)
الضمير في شاهدته يعود إلى نيل مصر حيث كان المؤلف في مصر بتلك السنة.
إلى أن وصل النصل إليها فلم أجد لذلك ألمًا، ولا حرًا فحرق النصل، ولم يحترق العود. فأدرت السهم فأدخلت فيها الريش فاحترق ولم يؤثر في العود. وأخبرني بعض مَنْ أدركتها من النساء أنهن كنَّ يغزلنَ على ضوئها بالليل على أسطحة البيوت بالمدينة، وظهرت بظهورها معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي ما ورد في الصحيح عنه
(1)
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببُصرى»
(2)
فكانت هي هذه النار إذ لم يظهر قبلها من أيامه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بعدها نار مثلها، وظهر لي في معنى أنها كانت تأكل الحجر ولا تأكل الشجر أن ذلك لتحريم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شجر المدينة، فمنعت من أكل شجرها إكرامًا له، لوجوب طاعته صلى الله عليه وآله وسلم على كل مخلوق. وهذه أيضًا من واضح معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم
(3)
.
وانخرق هذا السد من تحت في سنة تسعين وست مئة لتكاثر الماء من خلفه فجرى في الوادي المذكور سنة كاملة سيلًا يملأ ما بين جانبي الوادي وسنة دون ذلك، ثم انخرق مرة أخرى في العشر الأول بعد السبع مئة، فجرى سنة كاملة أو أزيدْ، ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، وكان ذلك بعد تواتر أمطار عظيمة في الحجاز في تلك السنة، وكثر الماء وعلا من جانبي السد، ومن دونه مما يلي جبل وعيره وتلك النواحي، فجاء
(1)
البخاري ج 6 ص 2605.
(2)
بصرى قرية مشهور بالشام تقع الآن في جنوب سوريا، وقد مر عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خلال مرافقته لتجارة قريش قبيل البعثة. ابن هشام ج 1 ص 310؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان ج 1 ص 441.
(3)
جَزْم المؤلف بأن هذه النار هي النار التي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنها ستظهر في الحجاز قبل قيام الساعة فيه نظر، فينبغي أن نتوخي الدقة واليقين في تفسير معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم وتحديد زمانها، إذ يبدو أنه لا الزمان ولا المكان هنا يطابقان ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سيكون. انظر أيضًا: العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 504 - 506.
سيلٌ طامٍ لا يوصف ومجراه على مشهد حمزة رضي الله عنه، وحفر واديًا آخر قبلي الوادي ومشهد حمزة
(1)
، وقبلي جبل عينين وبقي المشهد الشريف وجبل عينين في وسط السيل أربعة أشهر أو نحو ذلك، لا يقدر أحد على الوصول إلى قبر حمزة ولا إلى الجبل المذكور إلّا بمشقة، ولو زاد مقدار ذراع آخر وصل إلى المدينة الشريفة. وكنا نقف عند باب البقيع على التل الذي هناك فنراه ونسمع خريرَه، ثم استقر في الوادي بين القبلي الذي أحدثه، والشمالي قريبًا من سنة. وكشف عن عينٍ قديمة قِبلي الوادي، فجددها الأمير وُدِّي صاحب المدينة. ويصب
(2)
وادي الشظاة أيضًا في رومة بمجتمع السيول فيها: سيل بطحان، والعقيق، والزغابة
(3)
، والنَّقَمى
(4)
وسيل غراب من جهة الغابة، فيصير سيلًا واحدًا، ويأخذ في وادي الضيقة
(5)
إلى إضَم
(6)
جبل
(1)
في (ص) سقطت عبارة وحفر واديًا آخر قبلي الوادي ومشهد حمزة.
(2)
هكذا في الأصل، وفي (ب) و (ص) وينتهي. وهو الأقرب.
(3)
الزغابة سواء كانت في القديم هي الغابة أم هي منطقة متصلة بها فهي منطقة مجمع السيول القادمة من شرق المدينة عن طريق وادي قناة والسيول القادمة من غربها عن طريق وادي إضم بما فيها سيل العقيق، وتقع شمال غربي جبل أحد في شمالي المدينة في آخر المنطقة المعروفة الآن بالعيون، ويفهم من كلام المؤلف أن لها سيلًا والصحيح أنه مجمع سيول. انظر: السمهودي وفاء ج 3 ص 1227؛ الأنصاري: آثار المدينة المنورة ص 179، الخياري: تاريخ معالم المدينة ص 243.
(4)
النقمي ينطق بالفتح في الأول والثاني وألف مقصورة واد يقع إلى الشرق من وعيرة ما زال معروفًا باسمه إلى اليوم. يمتد بين مطار المدينة وجبل وعيرة وتقع بعض فروعه داخل المطار. انظر: السمهودي: وفاء ج 4 ص 1323؛ العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 491.
(5)
الضيقة: تقع في أعلى وادي اضم الآتي، ويبدو أن اسمها جاء من طبيعتها الضيقة.
(6)
إضم وادي يبدأ بعد اجتماع السيول في زعابة في شمال المدينة وهذا هو أعلاه، أي أنه يبدأ ناحية طريق الجامعات المعروف هناك اليوم عند التقائه بطريقه الخليل بالتصغير. وربما أخذ الوادي اسمه من صفته حيث تنضم وتتجمع السيول فيه ثم تتجه نحو وادي الحمض فالبحر، وعلى أية حال فواد إضم من أكبر أودية الحجار، ذكر ياقوت أن أعلاه هو وادي قناة دُوين المدينة بينها وبين أحد ومن هناك حتى البحر يسمى إضمًا. انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان ج 1 ص 214 - 215؛ السمهودي ج 3 ص 1080 - 1081. أما جبل غراب فكما كان معروفًا زمن المؤلف فما زال معروفًا كذلك إلى اليوم ناحية طريق تبوك.
معروف ثم إلى منزلة أكرا
(1)
من طريق مصر، وتصب في البحر المالح
(2)
، فهذه جميع أودية المدينة الشريفة.
(1)
أكرا: محطة قوافل على طريق الحج على ساحل البحر الأحمر بالقرب من مدينة أملج. ويبدو أنها تحمل اسم ميناء بحري دارس كان ميناءً مزدهرًا لمدينة العلا في التاريخ القديم، وللدكتور علي إبراهيم غبان أبحاث مهمة حوله.
(2)
البحر المالح هو البحر الأحمر.
ذكر الخندق
حفر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخندق يوم الأحزاب، حين بلغه قدوم بني النضير من اليهود على قريش ومظاهرتهم لهم ومخالفتهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وذلك بعد أن أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة وقدموا معهم
(1)
لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم سعى حيي بن أخطب
(2)
حتى قطع الحلفَ الذي كان بين بني قريظة وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واشتد الحصار على المسلمين ونجم النفاق، وكان في ذلك ما قَصَّ الله في كتابه العزيز في قوله:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ}
(3)
. يعني بني قريظة، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} ، يعني بني أسد وغطفان. وكانوا نازلين ما بين طرف وادي النقمي، إلى أحد، وقريش وكنانة ومن معهم من الأحابيش برومة، من وادي العقيق. فحفره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طولًا من أعلى وادي بطحان غربي الوادي مع الحرة، إلى غربي المُصلى مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم العيد، ثم إلى مسجد الفتح، ثم إلى الجبلين الصغيرين اللذين في غربي الوادي، يقال لأحدهما رابح، وللآخر جبل بني عبيد. وجعل المسلمون ظهورهم إلى جبل سَلْع، وضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قُبَّته على القَرْن الذي في غربي جبل سلع، موضع مسجده الذي ذكرناه قبل، والخندق بينهم وبين المشركين، وقد عفى
(1)
في الأصل معه والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(2)
حيي بن أخطب: أحد زعماء يهود بني النضير بالمدينة، وكان فيهم سيدًا مطاعًا، وقتل مع نفر من قومه قبل إجلائهم عن المدينة، وهو والد صفية زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ابن كثير: البداية ج 2 ص 212.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:10.
أثر الخندق اليوم ولم يبق منه شيء يعرف إلّا ناحيته، لأن الوادي وادي بطحان استولى على موضع الخندق وصار مسيلُه في موضع الخندق
(1)
.
(1)
تعليل المؤلف لاندراس الخندق ليس دقيقًا فوادي بطحان لا يأتي إلّا على بعض الأجزاء الجنوبية من الخندق، ولكن طول الأمد، واستخدام المنطقة منازل ومزارع هو الذي قضى على بقية معالمه.
ذكر وادي العقيق وفضله
رَوَى البخاريُّ في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم بوادي العقيق يقول: «أتاني الليلةَ آتٍ مِنْ ربي عز وجل فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرةً في حَجة»
(1)
. حدثنا الشيخ تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد نا الإمام محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود قال: نا يحيى بن أسعد قال: كتب إلى أبو علي المَقِرِّي، عن أحمد بن عبد الله الأصفهاني، أنا جعفر بن محمد إجازةً، أنا أبو يزيد المخزومي، نا الزبير بن بكار، نا محمد بن الحسن، عن عمرو بن عثمان بن موسى، عن أيوب بن سلمة، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى العقيق ثم رجع فقال: «يا عائشة جئنا من هذا العقيق فما ألين موطأه وما أعذب ماءه»
(2)
قالت: أفلا ننتقل إليه، فقال: وكيف وقد ابتنى الناس؟ ونقل الشيخ محب الدين بن النجار
(3)
قال أهل السير: وُجد قبرُ إرَمِي
(4)
عند جماء أم خالد بالعقيق، مكتوبٌ عليه أنا عبد الله رسولُ رسول الله سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، إلى أهل يثرب، ووُجد مكتوبًا أيضًا في حجر، على
(1)
البخاري: الصحيح ج 2 ص 823؛ ج 6 ص 2673.
(2)
هذا الحديث ضعيف الإسناد فمن رواته ابن زبالة وقد كذبوه، وأيوب بن سلمة مجهول. الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضل المدينة ص 628.
(3)
الدرة الثمينة ص 38.
(4)
ورد في الأصل بدون ضبط، والشكل (ب). وإرمي نسبة إلى إرم أو أرامي أي أنه قديم.
قبر آخر، أنا أسود بن سوادة رسول رسولِ الله عيسى بن مريم صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أهل هذه القرية.
والجماوات أربعة أجبل
(1)
غربي وادي العقيق، وابتنى الناس بالعقيق من خلافة عثمان رضي الله عنه، ونزلوه وحفروا به الآبار، وغرسوا به النخل والأشجار، من جميع نواحيه على جَنْبَتَيْ وادي العقيق إلى هذه الجماوات، وسميت كل جماء منها باسم من بنى فيها، ونزل فيه جماعة من الصحابة رضي الله عنه م منهم سعد بن أبي وقاصل، وسعيد بن زيد، وأبو هريرة، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية
(2)
الجواد المشهور.
ومات فيه سعدُ بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وهما من العشرة رضي الله عنه م جميعًا، وكذلك مات [فيه] سعيد بن العاص المذكور، وحملوا إلى المدينة، ودفنوا بالبقيع.
وكانت فيه قصورٌ مَشِيدة، ومناظر رائقة، وآبار عديدة، وحدائق ملتفة، فَخَرِب على طول الزمان، ولم يبقَ فيه اليوم إلّا آثار، كما قال الشيخ محب الدين -رحمه الله تعالى-
(3)
. ووادي العقيق اليوم ليس فيه ساكنٌ وفيه بقايا بنيان خراب، وآثار تَجِدُ النفس برؤيتها أنسًا كما قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
(1)
قول المؤلف والجماوات أربعة أجبل غير صحيح فالثابت أنها ثلاث هي جماء تضارع، وجماء أم خالد، وجماء العاقر. وما زالت معروفة إلى اليوم فالتي تشرف على العقيق عند مروره ببئر عروة هي جماء تضارع، وتلصق بها من الشمال وتشرف على عرصة العقيق جماء أم خالد، أما الثالثة فهي جماء العاقل وتقع إلى الشمال من السابقتين ومفصولة عنهما بثنية يسلكها في الوقت الحالي طريق الجامعات، وتشرف على وادي مخيض من الغرب.
(2)
في الأصل بن أبيه والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(3)
ابن النجار، الدرة الثمينة ص 40.
ما ربعُ ميةَ معمورًا يطيفُ به
…
غيلانُ أبهى ربًا من ربعها الخربِ
ولا الخدودُ وإن أميْنَ من خجلٍ
(1)
…
أشهى إلى ناظري من خدها التربِ
(2)
قلت: وذكر ابن زبالة أن تبعًا لما وصل إلى المدينة، كان منزله بقناة، وأنه أراد خراب المدينة، فجاءه حَبْران
(3)
من بني قريظة يقال لهما سُخَيت ومنبه، فقالا: أيُّها الملك، لا تفعلْ، انصرفْ عن هذه البلدة، فإنها محفوظة، وإنها مُهاجَر نبي من بني إسماعيل اسمه أحمد، يخرج في آخر الزمان. فأعجبه ذلك من قولهما، وكفَّ عما أراد ولم يزل بعد ذلك يَحوطُ المدينةَ ويكرمُها ويعظِّمها، كما نقل عنه أهل الأخبار. وذكر أيضًا أنه لما شخص عن منزله بقناة، قال: هذه قناة الأرض فسميت قناة، فلما مر بالجرف قال: هذا جرف الأرض فسمي الجرف، ثم مر في العرصة وكانت تسمى السليل
(4)
فقال: هذه عرصة الأرض فسميت العرصة
(5)
، ثم مر بالعقيق فقال: هذا عقيق الأرض فسمي العقيق
(6)
.
قلت: ورمل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمل من العرصة هذه، يسيل
(7)
من الجماء الشمالي
(8)
إلى الوادي، فيحمل منه، وليس بالوادي رمل
(1)
في (ب) و (ص) من نظر.
(2)
أبو تمام هو حبيب بن أَوس الطائي الشاعر المشهور إلّا أن المؤلف نقلهما عن ابن النجار، الدرة الثمينة ص 40.
(3)
حبران: أي عالمان يهوديان.
(4)
في الأصل التليل تصحيف والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(5)
العرصة في الأصل كل أرض براح متسعة لا بناء فيها، وهي هنا أرض واسعة في أسفل العقيق ذات أرض حمراء تقع حاليًا في الجامعة الإسلامية وقصر الإمارة وتميل شرقًا ناحية الجرف، وكانت تنقسم إلى عرصتين إحداهما تسمى العرصة الكبرى أو عرصة البقل، والأخرى العرصة الصغرى أو عرصة الماء وتقع غرب السابقة. السمهودي: وفاء ج 3 ص 1055.
(6)
من الملاحظ أن المؤرخين لمنطقة المدينة ينسبون كثيرًا من مسمياتها إلى تبع.
(7)
يسيل أي ينحدر ويتجمع فالرمل لا يسيل.
(8)
هكذا في الأصل وصحته الشمالية، والجماء المشار إليها هنا هي جماء العاقر.
أحمر غيره يسيل من الجبل. وذكر ابن الأثير في جامع الأصول
(1)
عن أبي الوليد، قال: سألت ابن عمر رضي الله عنه ما عن الحصباء الذي كان في المسجد، فقال: إنا مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يجيء بالحصباء في ثوبه فيبسطه تحته، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال:«ما أحسن هذا» ، ثم قال: أخرجه أبو داود
(2)
. وحدثنا ابن العراقي، نا ابن النجار، أخبرتنا عفيفة الفارقانية
(3)
في كتابها، عن الحسن بن أحمد، عن أحمد بن عبد الله، عن جعفر بن محمد، أنا ابن عبد الرحمن، نا الزبير بن بكار، نا محمد بن الحسن، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن الضحاك ابن عثمان، عن بشر بن سعيد أو سليمان ابن يسار، يشك الضحاك، أنه حدثه أن المسجد كان يُرَشُّ في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وزمان أبي بكر، وعامة زمان عمر، فكان الناس يتنخمون فيهِ ويبصقون، حتى قدم ابن مسعود الثقفي
(4)
فقال لعمر: أليس قربكم وادٍ؟ قال: بلى، قال: فمر بحصباء تطرح فيه، فهو أكَفُّ للمخاط والنُّخامة، فأمر عمر به. وذكر أيضًا عن محمد بن سعد، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألقى الحصباء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم من التراب، فجيء بالحصباء من العقيق من هذه العرصة فَبُسط في المسجد
(5)
.
(1)
ج 11 ص 187.
(2)
أبو داود: سننه ج 1 ص 315 - 316. والحديث ضعيف. الألباني: ضعيف سنن أبي داود ص 43.
(3)
عفيفة الفارقانية: لم أعثر لها على تعريف.
(4)
ابن مسعود الثقفي: هو عروة من أكابر قومه ثقيف، حتى قيل إنه المقصود بـ {رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ، وكانت له يد بيضاء في إجراء الصلح بين المسلمين وقريش في الحديبية، قتل لما حاول دعوة قومه للإسلام بعيد فتح الطائف. ابن حجر: الإصابة ج 4 ص 492 - 493.
(5)
ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 3 ص 284.
وروينا في سنن أبي داود
(1)
عن القاسم، قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أُمَّه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه رضي الله عنه ما، فكشفتْ لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة، ولا لاطِئة
(2)
مبطوحة من بطحاء العرصة الحمراء.
(1)
ج 3 ص 215.
(2)
هكذا في الأصل أي ولا واطئة أي منخفضة، وفي (ب) و (ص) ولا لاطية. وعلى الرغم من وضوح المعنى إلّا أن هذا التركيب لم يرد عند صاحب اللسان.
ذكر حدود الحرم
حدثنا الشيخ عفيف الدين بن عبد السلام بن مزروع، أنا الشيخ الإمام شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل السلمي، نا أبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي، عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل الفراوي، عن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، عن أبي أحمد محمد بن عيسى الجلودي، عن أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن أبي الحسين مسلم بن الحجاج، نا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب جميعًا، عن أبي معاوية قال أبو كريب: نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن إبراهيم التميمي، عن أبيه قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: مَنْ زعم أن عندنا شيئًا نقرؤه إلّا كتاب الله وهذه الصحيفة، قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفِه فقد كذب، فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات، وفيها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى مُحدثًا، فعليه لعنة الله والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا. وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة اللهِ والملائكةِ والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا»
(1)
.
(1)
مسلم ج 2 ص 1147. وانظر بلفظ مختلف البخاري ج 3 ص 1160.
قال المازري
(1)
رحمه الله: نَقلَ بعض أَهل العلم أنَّ ذِكْر ثور هنا وَهْمٌ من الراوي لأن ثورًا بمكة، والصحيح إلى أحد. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام
(2)
عير وثور جبلان بالمدينة، وأهل المدينة لا يعرفون بها جبلًا يُقال له ثورًا؛ إنما ثور بمكة. فنرى أن الحديث أصله ما بين عير إلى أحد.
قلت: بلى خلف جبل أحد من شماليه، تحته جبلٌ صغير مُدور يسمى ثورًا، يعرفه أهل المدينة، خلفٌ عن سلفٍ، ووعيرةُ شرقيّة، وهما حد الحرم، كما نُقل، ولعل هذا الاسم لم يبلغ أبا عبيد
(3)
، ولا المازري، ولو لم يكن معروفًا، لم يسمه الخلف عن السلف والله أعلم
(4)
. وحدثنا علي بن أحمد الحسيني، نا محمد بن محمود، نا القاسم بن علي، نا محمد بن إبراهيم، أنا سهل ابن بشر، أنا علي بن منير قال، أنا الذهلي، نا موسى بن هارون، حدثنا إبراهيم بن المنذر، نا عبد العزيز بن أبي ثابت، حدثني أبو بكر بن النعمان بنَ عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن جده كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشجر بالمدينة بريدًا في بريدْ
(5)
، وأرسلني فأعلمتُ على
(1)
المازري: أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المالكي عرف بلقب الإمام المازري، أصله من مأزر مدينة في جزيرة صقلية، تصدر للفتيا في وقته، ولم يكن أحد أفقه منه في الفقه المالكي في أفريقية، له عدد كبير من المؤلفات من أشهرها شرح كتاب مسلم. وأخذ عند عدد من العلماء. توفي سنة 536 هـ ابن فرحون: الديباج المذهب ص 279 - 281.
(2)
أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله إمام كبير وحافظ مجتهد له عدد من المؤلفات الموثوقة في عدد من الفنون منها كتاب الأموال، وكتاب فضائل القرآن وغيرها. كان أعلم أهل عصره بأيام الناس والنحو واللغة والفقه، توفي بمكة سنة 224 هـ. ابن حجر: سير أعلام النبلاء ج 10 ص 490 - 507.
(3)
كيف لم يبلغ هذا الاسم أي ثور أبا عبيد، والمؤلف نفسه ذكر له قبل قليل قوله إن عيرًا وثورًا جبلان بالمدينة. ويؤيده قول أبي عبيد أيضًا في كتابه الجبال: بلغني أن بالمدينة جبلًا يقال له ثور. السمهودي: وفاء الوفاء ج 1 ص 94.
(4)
وجبل ثور اليوم معروف تمامًا في الموقع الذي وصفه المؤلف، وشمالي طريق الجامعات عند مروره شمالي أحد، شمالي سوق الأغنام القائم هناك.
(5)
البريد يساوي 12 ميلًا قديمًا أي قرابة 24 كيلًا. انظر السمهودي: وفاء ج 1 ص 103؛ وكتابي: الطريق النبوي إلى بدر ص 5 - 6.
الحرم على شَرَف ذات الجيش
(1)
، وعلى مُشيرب
(2)
، وعلى أشراف المُجتهر
(3)
، وعلى تيم
(4)
. وبإسناده
(5)
إلى النعمان بن عبد الله، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلِّم على أشراف حرام المدينة، فأعلمتُ على شرف ذات الجيش، وعلى مشيرب، وعلى أشراف المخيض
(6)
، وعلى الحفياء
(7)
، وعلى ذي العشيرة
(8)
، وعلى تَيَم.
فأما ذات الجيش، فنقب ثنية الحُفَيرة من طريق مكة والمدينة. وأما مُشِيْرب فما بين جبال في شامي ذات الجيش، بينهما وبين خلائق الضبوعة. وأما
(1)
ذات الجيش تقع على طريق الحاج بين ذي الحليفة والمفرحات، ووصفها الهجري بأنها تقع بمحاذاة الحفيرة بالتصغير وهي ثنية تقع على يمين الطريق، وذكر الإمام الحربي أنها تبعد عن ذي الحليفة ستة أميال أي حوالي 12 كيلًا. وما زالت تلك الثنية المرتفعة مشاهدة هناك يسلكها الطريق المعبد. انظر: الحربي: كتاب المناسك ص 33؛ السمهودي: وفاء ج 1 ص 99، ج 4 ص 1161.
(2)
مشيرب تصغير مشرب وهو السيل الصغير ولم يعرف به مؤرخو المدينة. والراجح أنه يقع شمالي ذات الجيش ناحية أول الضبوعة من جهة المدينة.
(3)
أشراف المُجتهر: غير معروف ورجح السمهودي أنه تصحيف لأشراف المخيض الآتي لمجيئه بدله في روايات كثيرة (وفاء ج 1 ص 100). وعلى أية حال إن لم يكن هو فسياق النص يفهم منه أنه موضع قريب منه يقع بمحاذاته إلى الشرق بينه وبين الحفياء الآتي تعريفها.
(4)
تَيَم: بفتحتين جبل مرتفع يقع وراء العاقول من ناحية الشرق، ويرد أحيانًا باسم ثيبْ. السمهودي: وفاء ج 1 ص 100 - 101.
(5)
بإسناده أي علي بن أحمد راوي الخبر السابق.
(6)
أشراف المخيض: المخيض وادٍ يقع شرقي جماء العاقر على يمين طريق القادم من الشام إلى المدينة، وأشرافه أي أعلاه وهي جبيلات وثنايا في أعلاه تنحدر مياهها في وادي مخيض حيث تلتقي مع سيل العقيق ويدلف الجميع نحو وادي إضم.
(7)
الحفياء: بالمد والقصر تقع شمالي الغابة في شمال المدينة بالقرب من البركة وهي محلة معروفة هناك تبعد عن ثنية الوداع الشمالية حوالي 12 كيلًا. انظر السمهودي: وفاء ج 1 ص 100، ج 4 ص 1193.
(8)
ذو العشيرة: من شجر العشر بعد تصغيرها على الأرجح وليس من تصغير عدد العشرة كما ذكر السمهودي (وفاء ج 1 ص 100) وهي موضع على هيئة نقب أو ريع شرقي الحفياء.
أشراف مخيض، فجبال مخيض من طريق الشام. وأما الحفياء فبالغابة من شامي المدينة. وأما ذو العشيرة فنقب في الحفياء. وأما تَيَم فجبل في شرقي المدينة. وذلك كله يشبه أن يكون بريدًا في بريد.
وفي السنن لأبي داود
(1)
، من حديث عدي بن زيد قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلَّ ناحية من المدينة بريدًا في بريد، ألّا يُخبط شجرُها، ولا يعضد، إلّا ما يُساق به الجمل. وروى الزبير بن بكار، نا محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن حبيش، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم ما بين أحد وعير. قال أيضًا: نا محمد بن الحسن، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن حزام بن عثمان ابني جابر، عن أبيهما رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل دافعة دفعت
(2)
علينا من هذه الشعاب فهي حرامٌ أنْ يُعضد، أو يُخبط، أو يُقطع، إلّا لعصفور قتب
(3)
، أو مسد محالة
(4)
، أو عصا جديدة»، وقال أيضًا: نا محمد بن الحسن عن إبراهيم بن محمد، عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه حمى الشجر ما بين المدينة وعيرة
(5)
،
(1)
سنن أبي داود ج 2 ص 217.
(2)
دفعت إلينا أي اتجه سيلها نحو مدينتنا، وبما أن المدينة في موقع منخفض ومن ثم فهي بمثابة حوض فالملاحظ في حدود الشجر لها أن المواقع المعلمة كل سيولها تدفع وتنحدر نحوها، أي حدودها مما أحاط بها من جبال ووديان هو ما انحدر ماؤه نحوها فهو من حدودها وما سواه فلا وهو ضابط ومعيار لا يختلف على مر الزمن واللطيف أن هذا المفهوم لا يزال مرعيًا في العرف المحلي فيها في تحديد الجبال والشعاب، وذلك بقولهم في العقود «حدودها مردُ مائها» .
(3)
عصفور قتب: القتب بتحريك المعجمتين هو رحل يوضع حول سنام البعير للركوب عليه شبيه بالرحل المعروف باسم الشداد. والعصفور هنا هو أحد أعواده. ابن منظور: لسان العرب ج 5 ص 15.
(4)
مسد محالة: المسد الحبل يتخذ من الغزل والليف ونحوهما. والمحالة بكرة تصنع وقتذاك من خشب يسنى بها الماء من الآبار.
(5)
وعيرة جبل أحمر مرتفع معروف يقع إلى الشمال الشرقي من أحد، وغربي مطار المدينة في هذا الوقت وتتصل به جبال من شماليه ولكنه أدناها نحو المدينة.
وإلى ثنية المُحدث
(1)
، وإلى أشراف مخيض وإلى ثنية الحفيا. وإلى مضرب القبة
(2)
، وإلى ذات الجيش من الشجر أن يقطع، وأذن لهم في متاع الناضح
(3)
أن يقطع من حمى المدينة
(4)
. وعنه أيضًا حدثني محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن محمد، عن ابن حزم، عن عبد الله بن سليمان ابن الحكم الديناري، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بِمَضْرب القُبة، فقال:«ما بيني وبين المدينة، حِمًى لا يُعضد شجره»
(5)
، فقالوا: إلّا المسد فأذن لهم.
قلت: وليس مضرب القبة اليوم معروفًا، ولا يعلم في أي جهة هو من جهات المدينة الشريفة، والله أعلم. والذي يظهر أنه ما بين ذات الجيش من غربي المدينة إلى مخيض، وجبل مخيض هو الذي على يمين القادم من طريق الشام حين يُفضي من الجبال إلى البِرْكة، وهي مورد الحجاج من الشام، ويسمونها عيون حمزة، وقد تقدم ذكرها، وروى الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الحسن، عن عيسى بن سبرة بن حيان، عن موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بَعثتْني عَمتي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستأذنه في مَسَد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أقرئ عمتك السلام،
(1)
ثنية المحدث: تعجب السمهودي من عدم التعريف بها من قبل مؤرخي المدينة، ولكنه تابعهم في ذلك (ج 1 ص 101)، وسياق النص يدل على أنها غرب وعيرة ما بينها وبين مخيض في شمالي المدينة وقد رأيت عددًا من الثنايا هناك. وأرجح أنها إحداها.
(2)
مضرب القبة: موضع يقع بين جبل أعظم غربي ذي الحليفة ومخيض على طريق الشام فجهته معروفة وليس كما ذكر المؤلف فهو يبعد عن وسط المدينة قرابة عشرة أكيال أو يزيد، ولكن تحديد مكانه لا يزال غير معروف. السمهودي وفاء ج 1 ص 101.
(3)
متاع الناضح: هي الأدوات التي تؤخذ للبعير ويُستعان بها للتحميل عليه مثل الخابور والشداد ونحو ذلك. ابن الأثير: النهاية ج 4 ص 292.
(4)
وهذا الحديث ضعيف جدًا وانظر طرقه والحكم على رواته: الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضائل المدينة ص 111 - 114.
(5)
قال الرفاعي: هذا الحديث واهٍ جدًا، وانظر طرقه عنده. الأحاديث الواردة في فضل المدينة ص 110.
وقل: لو أذنت لكم في مسد، طلبتم ميزابًا
(1)
ولو أذنت لكم في ميزاب، طلبتم خشبةً، ثم قال: حِماي
(2)
مِنْ حيث انتسقت
(3)
بنو فزارة لِقاحي»
(4)
.
قلت: وكانت لقاحه صلى الله عليه وآله وسلم ترعى بالغابة، وما حولها، فأغار عليها عيينة ابن حصن الفزاري
(5)
يوم ذي قَرَد
(6)
، كما ورد في الصحاح
(7)
، واتفق لسلمة بن الأكوع ما اتفق من استنقاذ اللقاح، ووصول الفرسان إليه، وهو يقاتلهم، ويرميهم بالنبل أبو قتادة، وعكاشة بن محصن، وسعيد بن زيد، وهو أميرهم، والمقداد بن عمرو وغيرهم. وفي ذلك اليوم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجَّالتنا سلمة بن الأكوع رضوان الله عليهم، ولحقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس بعد أن استنقذوا اللقاح، وقتلوا مَنْ قتلوا. وسُميت غزوة ذي قَرَد بالموضع الذي كان في القتال.
والحفياء شمالي الغابة، وثور كما تقدم جبل صغير شمالي أحد، ووعيرة شرقي جبل ثور، وهو أكبر من جبل ثور، وأصغر من جبل أحد، وتَيَم جبل كبير شرقي المدينة، وهو أبعد جهات الحرم، وعير وهو الجبل الكبير الذي
(1)
الميزاب: هو آلة تستخدم في تصريف مياه أسطح المنازل، وتصنع من الخشب والحديد.
(2)
حماي: أي حمى حرمي وقد فصل المؤلف بعد قليل كل ذلك.
(3)
انتسقت بمعنى ساقت وأخذت.
(4)
إسناده ضعيف جدًا وفيه موسى بن محمد وكان منكر الحديث. الرفاعي: الأحاديث الواردة في فضل المدينة ص 115.
(5)
عيينة بن حصن الفزاري: كان قائد غطفان وتولى الإغارة على لقاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج لملاقاتهم في غزوة ذي قرد الآتية، ثم أسلم وشهد مع رسول الله فتح مكة وغزوة حنين. ابن هشام: السيرة النبوية ج 3 ص 323، ج 4 ص 223.
(6)
يوم ذي قرد: ذي قرد ماء كان لغطفان ما بين المدينة وخيبر على مسافة يومين قرابة ثمانين كيلًا عن المدينة. وهو هنا غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضد غطفان عندما أغارت على لقاحه في الغابة شمالي المدينة. ابن هشام: السيرة النبوية ج 3 ص 323؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان ج 4 ص 321.
(7)
انظر الإشارة إلى أنها كانت ترعى بذي قرد. عند مسلم ج 3 ص 1432.
من جهة قبلة المدينة الشريفة. وذات الجيش هي في وسط البيداء، والبيداء هي التي إذا رحل الحُجاج بعد الإحرام من ذي الحليفة استقبلوها مصعدين إلى جهة الغرب، وهي التي ورد فيها حديث عائشة رضي الله عنه ا حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش
(1)
، وفيها نزلت آية التيمم
(2)
، وشماليها جبل كبير يسمى أَعظَم، وهي على جادة الطريق، وورد في تاريخ المدينة
(3)
ما برقت السماء على أعظم إلّا استهلت، ويقال إن في أعلاه نبيًا مدفونًا أو رجلًا صالحًا، وهو جبل كبير مسطح، ليس بالشاهق، وإذا نزل الغيث أيام الربيع حصل لأهل المدينة بما فيه من العشب والنبات رفق كبير
(4)
، وشماليه جبل مخيض إلى جهة طريق الشام كما تقدم، ويليه من الشام الحفياء. فهذا الذي يُعلم اليوم من حدود الحرم ويعرف باسمه.
: واتفق الشافعي
(5)
، مالك
(6)
، وأحمد
(7)
رحمهم الله تعالى، على تحريم صيد المدينة، واصطياده، وقطع أشجارها. وقال أبو حنيفة
(8)
: لا يحرم شيء .... ذلك، واختلفت الرواية عن أحمد هل يُضمن صيدها وشجرها بالجزاء
(1)
مر تعريفها قبل قليل.
(2)
آية التيمم هي: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} الآية. سورة النساء، الآية:43.
(3)
لم يجدد المؤلف لِمَنْ، ويظهر أنه لابن شبة أو لأبي علي هجري، والأقرب أنه للأخير فهناك رواية عند السمهودي (ج 4 ص 1128) منقولة عن الهجري قريبة مما نقله المؤلف هنا وإن كان هذا الوصف يطلقه المؤلف على كتاب الدرة الثمينة لابن النجار إلّا أن نسخته الحالية لا تتضمن ما ذكره والله أعلم.
(4)
جبل أعظم: أو عظم كما في بعض الروايات التاريخية جبل كبير شمالي ذات الجيش إلى الشمال الغربي من البيداء وغرب الحي المعروف باسم العزيزية. وذكر العياشي أنه يوجد في المنطقة جبل آخر يسمى عظيم أصغر من عظم. انظر السمهودي ج 4 ص 1228؛ العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 455.
(5)
روضة الطالبين ج 3 ص 168.
(6)
الشرح الصغير ج 2 ص 111.
(7)
المغني ج 5 ص 190.
(8)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 256.
بالحرم، أو لا؟ فروي عنه أنه لا جزاء فيه، وبه قال مالك. ورُوي أنه يُضمن، وللشافعي قولان كالروايتين، قال في الجديد
(1)
: لا شيء عليه، وقال في القديم
(2)
يسلب
(3)
القاطع والصائد، وهل يكون السلبُ للسالب، أو يتصدق به على فقراء المدينة قولان، وقال مالك: لا شيء فيه. وقال ابنُ نافع المالكي: فيه الجزاء كحرم مكة. وعن أحمد روايتان
(4)
، في سلب القاتل. ومن أدخل إلى الحرم المحرَّم صيدًا لم يجب عليه رفع يده عنه، ويجوز له ذبحه، وأكله. وبه قال مالك؛ وقال أبو حنيفة وأحمد: إذا دخله حيًا وجب رفع يده عنه
(5)
، والله أعلم. ويجوز أن يؤخذ من شجرها ما تدعو الحاجة إليه، للرَّحل، والوسائد، ومن حشيشها ما يحتاج إليه للعلف، بخلاف مكة، والله أعلم.
(1)
إعلام الساجد ص 243 - 244.
(2)
نفسه.
(3)
في الأصل تسلب، وما أثبتناه من (ب) و (ص).
(4)
الإنصاف ج 5 ص 560.
(5)
انظر حاشية ابن عابدين ج 2 ص 256؛ المغني ج 5 ص 193؛ الإنصاف ج 3 ص 559؛ روضة الطالبين ج 3 ص 168 - 169.
ذكر المساجد التي نقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى فيها بين مكة والمدينة
وإنما أخرنا ذكرها عن المساجد، لكونها خارجةً عن أحكام المدينة، وقصدنا بذكرها تتميم الفائدة والحمد لله، منها مسجد ذي الحليفة وهي مَحرَمُ الحاج، وميقات أهل المدينة، ومَنْ مَرَّ بها كما ورد في الصحيح
(1)
. حدثنا الشيخ الإمام العالم شرف الحفاظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن العفيف شرف الدمياطي رحمه الله قال: حدثني الشيخان الزَّكِيَّان أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحباب التميمي، وأبو التقى صالح بن الشجاع بن سيدهم المدلمجي، عن أبي المفاخر سعيد بن الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي، عن أبي أحمد بن محمد بن عيسى الجلودي، عن الشيخ الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج قال: حدثني حرملة وأحمد بن عيسى قال أحمد: نا وقال حرملة، أنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخبره، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما أنه قال: بات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذي الحليفة مبداه
(2)
، وصلى في مسجدها
(3)
. وبالإسناد إلى مسلم
(4)
قال: ونا أبو بكر بن أبي شيبة، نا علي بن مسهر، عن
(1)
البخاري ج 2 ص 554.
(2)
مبدأه: أي في أوله.
(3)
أي مسجد ذي الحليفة ويسمى مسجد الشجرة، وسيعرف به المؤلف بعد قليل.
(4)
صحيح مسلم ج 2 ص 845.
عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا وضع رجله في الغَرْز
(1)
وانبعثت به راحلته قائمة، أَهلَّ من ذي الحليفة. وروى الزبير بن بكار، قال: حدثني محمد بن الحسن، عن أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما، أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينزل بذي الحُليفة حين يعتمر، وفي حجته حين يحج تحت سَمُرة
(2)
في موضع المسجد الذي بذي الحليفة.
قلت: هذا المسجدُ هو المسجد الكبيرُ الذي هنالك، وكان فيه عقودٌ في قِبلته، ومنارة في ركنه الغربي الشمالي فتهدم على طول الزمان، البئر من جهة شماليه. وهو مبني في موضع الشجرة التي كانت هنالك، وبها سُمي مسجد الشجرة. وروى الزبير أيضًا عن محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن أبي يحيى عمَّن سمع ثابت بن مُسحِل يُحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الشجرة إلى جهة الأسطوانة الوسطى استقبلها، وكان موضع الشجرة التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى إليها
(3)
.
وبالإسناد إلى مسلم رحمه الله قال: وحدثنا محمد بن عباد، نا حاتم يعني بن ابن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، ونافع مولى عبد الله بن عمر، وحمزة بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا استوت به راحلتُه قائمةً عند مسجد ذِي الحُلَيفة أهلَّ فقال: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك
(1)
الغرز: هو ركاب الرَّحْل، وكل ماسك للرجلين في المركب فهو غرز. ابن منظور ج 4 ص 976.
(2)
سمرة واحدة السمر نوع من الشجر متعدد السيقان يكثر في منطقة المدينة وما زال يعرف هناك باسمه إلى اليوم.
(3)
صحيح مسلم ج 2 ص 842.
والملك، لا شريك لك»
(1)
. وكان عبد الله بن عمر يقول: هذه تلبيةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال نافع: كان عبد الله بن عمر، يزيد مع هذا: لبيك لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك لبيك، والرغباء إليك والعمل
(2)
. وفي بقية الحديث أن عبد الله بن عمر كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمةً عند مسجد ذي الحليفة أهلَّ بهؤلاء الكلمات. وكان عبد الله بن عمر يقول: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هؤلاء الكلمات، ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل.
قلت: فينبغي للحاج إذا وصل ذي الحليفة أن لا يتعدى في نزوله المسجد المذكور، وما حوله من القبلة والغرب والشام، بحيث لا يبعد عن النزول حول المسجد المذكور.
وفي قبلة هذا المسجد مسجد آخر أصغر منه، ولا يبعد أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم صلّى فيه أيضًا، بينهما مقدار رمية سهم، أو أكثر قليلًا
(3)
، ورأيتُ كثيرًا من الحجاج يتجاوزون ما حول المسجد، إلى جهة الغرب، ويصعدون إلى البيداء فيتجاوزون الميقات بيقين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَهلُّ أهل المدينة من ذي
(1)
صحيح مسلم ج 2 ص 842.
(2)
نفسه.
(3)
هذا المسجد هو مسجد المَعْرس من مَعرس القوم أي مبيتهم، وذكر الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج من طريق الشجرة بذي الحليفة، فإذا رجع دخلها من طريق المعرس، فدأب الناس اتباعًا له الصلاة في مكان مبيته، وحدده المؤرخون بأنه كان قبلي مسجد الشجرة برمية سهم بيسرة على شفير وادي العقيق. وقد ظل معروفًا حتى زماننا ثم دخل في توسعة مسجد الميقات الحديثة وميادينه الجنوبية. انظر عنه قديمًا: البخاري ج 1 ص 124، الحربي ص 428، السمهودي: وفاء ج 3 ص 1004.
الحليفة»
(1)
، والذي ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم أحرم من ذي الحليفة، فلما علت به راحلته على البيداء أهل بالحج، وكذلك قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما: بيداؤكم هذه التي
(2)
تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما أهل رسول الله إلّا من عند المسجد، يعني ذا الحليفة
(3)
. كل ذلك يؤيد أن لا يتعدى الإنسان إذا أراد الإحرام المسجد وما حوله، من الجهات الأربع، والله أعلم.
قال ابن عمر رضي الله عنه ما: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من حج أو عمرة- وكان بذي الحليفة- هبط بطن الوادي وادي العقيق، وإذا ظهر من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية، عرَّس
(4)
ثَمَّ، حتى يصبح، فيصلي الصبح ليس عند المسجد الذي هنالك، ولا على الأكمة التي عليها المسجد، كان ثّمَّ خليج، يُصلي عنده عبد الله في بطنه كثيب، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي، ثم قد جاء السيل فيه بالبطحاء، حتى دفن ذلك المكان الذي كان عبد الله يصلي فيه.
ومسجد بشرف الروحاء، قال الزبير: نا محمد بن الحسن، عن القاسم ابن عبد الله، عن أبي بكر بن عمر، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه، قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشرف الروحاء عن يمين الطريق وأنت ذاهب إلى مكة، وعن يسارها وأنت مقبل من مكة.
قلت: وشرف الروحاء هو آخر السيالة
(5)
وأنت متوجه إلى مكة، وأول السيالة إذا قطعتَ فرش ملل وأنت مغرب، وكانت الصخيراتُ صخيرات
(1)
نص الحديث هو: «مهل أهل المدينة ذو الحليفة» البخاري ج 2 ص 555.
(2)
في الأصل الذي. والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(3)
مسلم ج 2 ص 843. حديث 1186.
(4)
عرس أي بات، ومعرس القوم مبيتهم، وقد تقدم قبل قليل تعريف مسجد المَعْرَس والأصح في العبارة أن يقول عرَّس من ثَمَّ.
(5)
السيالة: هي أول محطة للمسافر بعد المدينة نحو مكة، وتبعد عن المدينة قرابة خمسين كيلًا، وقد نزلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه إلى غزوة بدر، وفي طريق حجه، وهناك كان أحد مساجده. وقد اندرست هذه القرية وبقيت الآن آثارها. السمهودي: وفاء ج 4 ص 1240؛ ابن هشام: السيرة ج 2 ص 252، الرحيلي: الطريق النبوي ص 20 - 22.
اليمام
(1)
عن يمينك، وهبطت من ملل ثم رجعت على يسارك، واستقبلت القبلة فهذه السيالة، وكانت قد تجدد فيها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيون وسكان، وكان لها والٍ من جهة والي المدينة، ولأهلها أخبار وأشعار، وبها آثار البناء والأسواق، وآخرها الشرف المذكور، والمسجد عنده، وعنده قبور قديمة، كانت مدفن أهل السيالة.
ثم تهبط في وادي الروحاء مستقبل القبلة، ويعرف اليوم بوادي بني سالم بطن من حرب عرب الحجاز
(2)
فتمشي مستقبلَ القبلة، وشعب علي
(3)
رضي الله عنه على يسارك، إلى أن تدور الطريق بك إلى المغرب وأنت مع أصل الجبل الذي على يمينك، فأول ما يلقاك مسجدٌ على يمينك، كان فيه قبور كثيرة في قبلته، فتهدم على طول الزمان، صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعرف ذلك المكان بعرق الظبية
(4)
ويبقى جبل ورقان على يسارك. وفي
(1)
صخرات اليمام: صخيرات جمع صخرة بعد تصغيرها واليمام طائر الحمام، فكأنه كان يتخذها له موقعًا، وهي صخيرات قائمة داكنة اللون وكانت تقع على يمين الطريق النبوي إلى بدر بعد فرش ملل، وما زالت تعرف باسم الصخيرات إلى اليوم. ابن هشام: السيرة ج 2 ص 252؛ الرحيلي: الطريق النبوي ص 20.
(2)
وما زال هم سكانه إلى اليوم وأقيمت مدارس ومساجد في هذا العهد في بعض نواحيه ومشهور الآن باسم السدارة.
(3)
شعب علي: يقع في أعلى وادي بني سالم، وهو غير معروف اليوم وربما هو الموضع المعروف هناك باسم الشعب يمين الطريق للقادم إلى المدينة.
(4)
عرق الظبية: موضع يقع في نهاية وادي بني سالم المعروف بالسدارة على يمين الطريق للقادم المدينة، يبعد عن المدينة 68 كيلًا قبيل قرية الروحاء، ومنه يرى جبل ورقان شامخًا جنوبًا. وكان عنده مسجد صلى فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلّا أنه اندرس وبقيت أكوام من الحجارة هناك ربما تشير إلى مكانه. السمهودي: وفاء ج 4 ص 1233؛ الرحيلي: الطريق النبوي ص 25.
المسجد الآن حجر قد نقش عليه بالخط الكوفي عند عمارته الميل الفلاني من البريد الفلاني.
قال الزبير: نا محمد بن الحسن، عن أخيه، عن كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عوف، عن أبيه، عن جده، قال أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه غزوة الأبواء
(1)
، حتى إذا كان بالروحاء، عند عرق الظبية قال: «أتدرون ما اسم هذا الجبل؟ يعني ورقان هذا حَمْت
(2)
، اللهم بارك فيه، وبارك لأهله فيه، أتدرون ما اسم هذا الوادي؟ يعني وادي الروحاء، هذا سجاسج لقد صلى في هذا المسجد قبلي سبعون نبيًا، ولقد مر بها، يعني الروحاء، موسى بن عمران صلى الله عليه وآله وسلم في سبعين ألفًا، من بني إسرائيل عليه عباءتان قطوانيتان
(3)
على ناقة له ورقاء، ولا تقوم الساعة، حتى يمر بها عيسى بن مريم حاجًا أو معتمرًا أو يجمع الله له ذلك»
(4)
. وذكر أبو عبيد البكري
(5)
أن قبر مُضر بن نزار بالروحاء على ليلتين من المدينة بينهما أحد وأربعون ميلًا.
(1)
الأبواء: سميت بذلك لأن السيول كانت تتبوأها أي تحل بها وتخترقها، ويظهر أن الاسم كان يطلق على الجبل والوادي هناك فلما قامت قرية هناك سميت بذلك، وهي قرية قديمة، تقع تقريبًا في منتصف الطريق القديم بين مكة والمدينة، وتعود إلى قبل الإسلام، وكان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم مسجد هناك. إلّا أن كل ذلك اندرس الآن وأصبح غير معروف وحتى اسم القرية لم يعد مشهورًا وتعرف الآن أكثر باسم الخريبة. وعلى الرغم من إجحاف اسمها الذي يبدو أنه وصف لمرحلة من الخراب مرت بها إلّا أنها اليوم عامرة فيها مدارس ابتدائية ومسجد محدث، ومزارع كثيرة.
(2)
حمت: أي شديد الحر (ابن منظور ج 1 ص 712) وهذا اللفظ لم يرد في بعض طرق الحديث.
(3)
قطوانيتان: مثنى قطوانية هي ضرب من الكساء.
(4)
الطبراني: المعجم الكبير ج 17 ص 16. وقد رواه من طريق كثير بن عبد الله، وهو ضعيف عند الجمهور، وبقية رجاله ثقات. الهيثمي مجمع الزوائد ج 6 ص 68.
(5)
البكري: معجم ما استعجم ج 2 ص 683.
وفي صحيح مسلم
(1)
أن ما بين الروحاء والمدينة ستة وثلاثون ميلًا، والله أعلم.
ومسجد في آخر وادي الروحاء مع طرف الجبل، على يسارك وأنت ذاهبٌ إلى مكة، لم يبقَ فيه اليوم إلّا عقدُ الباب، يُعرف الآن بمسجد الغزالة. وهو من المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
(2)
. وعن يمين الطريق إذا كنتَ بهذا المسجد، وأنتَ مستقبل النازية
(3)
موضع كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما ينزل فيه، ويقول: هذا منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ثَمَّ شجرة. وكان ابنُ عمر إذا نزل هذا المنزل وتوضأ، صب فضلَ وضوئه في أصل الشجرة، ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل، وورد أنه كان يدور بالشجرة أيضًا، ثم يصب الماء في أصلها، اتباعًا للسنة
(4)
.
(1)
صحيح مسلم ج 1 ص 290.
(2)
مسجد الغزالة: يقع في قرية المنصرف (المسيجيد) بعد قرية الروحاء باتجاه الغرب بسبعة أكيال، وكان يقع في سند الجبل على يسار الطريق، وإلى الآن يسمى طرف الجبل أي أدناه نحو الوادي هناك بِطُريف- بالتصغير- الغزالة، وكان فيه سبيل ماء قديم إلى عهد قريب، ومسجد الغزالة أحد المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه إلى الغزوة، ويبدو أنه أصبح علمًا على القرية فسميت بالمسجد ثم صُغر وهكذا وهو من المساجد التي روى البخاري أن النبي صلى فيه. ج 1، ص 679. وانظر السمهودي: وفاء ج 3 ص 1010، الرحيلي: الطريق ص 30 - 31.
(3)
النازية- بفتح الياء- فج كبير ذو أرض بيضاء مستوية تقع بعد قرية المنصرف (المسيجيد) مباشرة، وقد مر بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه إلى بدر فسلك غرب ناحية رحقان ومر بها في طريقه إلى الحج فسلك جهتها الشرقية بمحاذاة التلاع المعروفة هناك باسم الأشاعب وما زالت تعرف باسمها إلى اليوم ابن هشام: السيرة ج 2 ص 252. السمهودي: وفاء ج 4 ص 1417.
(4)
لم يرو البخاري هذه القصة في خبر هذا المسجد على الرغم من ذكره عبد الله بن عمر في مناسبته كما ذكر في المتن، ولم أعثر عليها في المصادر المتقدمة، أن المطري هنا ومعاصره الفيروزآبادي في المغانم من أول من ذكرها. وعلى الرغم على ما فيها من مبالغة في التأسي وما عرف عن ابن عمر في هذا المجال فإنه ليس عليها دليل ثابت. انظر: الفيروزآبادي: المغانم المطابة ج 2 ص 572، السمهودي: وفاء ج 3 ص 1010.
وليس اليوم بطريق مكة مسجدٌ يُعرف غير هذه الثلاثة مساجد. وإذا كان الإنسان عند هذا المسجد، المعروف بمسجد الغزالة، كانت طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة على يساره مستقبل القبلة، وهي الطريق المعهودة من قديم الزمان، تمر على بئر يقال لها السقيا
(1)
، ثم على ثنية هرشى
(2)
، وهي طريق الأنبياء عليه السلام م
(3)
. والطريق اليوم
(4)
من طَرف الروحاء على النازية إلى مضيق الصفراء. والمساجد التي من الروحاء إلى مكة مذكورة في كتب الصحاح وغيرها
(5)
، وليس منها اليوم شيء يُعرف
(6)
، والله أعلم.
(1)
السقيا: كانت قرية عامرة ومنهلًا عذبًا، لها شهرة قديمة، كانت تقع على الطريق السلطاني بين مكة والمدينة وتبعد عن المدينة قرابة 120 كيلًا، وقد مر بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حجه وبعض غزاوته، وصلى فيها فثمة مسجد له هناك. وتعرف اليوم باسم أم البرك لكثرة ما أنشئ فيها من برك لسقيا الحجاج والمسافرين وتقوم بها بعض المدارس. البلادي: قلب الحجاز ص 130.
(2)
ثنية هرشى: في الأصل هرشا وهي ثنية صعبة المنحدر كان يمر بها الطريق السلطاني بين مكة والمدينة بالقرب من الجحفة شرقًا يقول الشاعر:
خذ أنف هرشى أو قفاها فإنما
…
كلا جانبي هرشى لهن طريق
وعندها أحد المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان معروفًا لابن عمر وما زالت معروفة إلى اليوم، وتقع في منتصف الطريق القديم (التاريخي) بين مكة والمدينة. الحربي: كتاب المناسك ص 456.
(3)
أي أن هذا الطريق هو الذي سلكه الأنبياء بين مكة والمدينة، وسمي في بعض العصور الإسلامية باسم الطريق السلطاني لكثرة من سلكه من الخلفاء والسلاطين.
(4)
إشارة مهمة إلى بداية تحول الطريق عن مروره بالسقيا وهرشى وما وراءهما إلى وادي الصفراء وبدر وقتذاك وفي العصور الأخيرة ظل الطريقان مسلوكين بين المدينة ومكة وأن أول سيارة وصلت إلى المدينة في العصر الحديث سلكت الطريق الأول.
(5)
البخاري ج 1 ص 184.
(6)
هذا وصف ليس بدقيق من المؤلف أو ممن نقل عنه، فقد كان أكثرها معروفًا من قبل ومن بعد فقد حدد كثيرًا منها الإمام إبراهيم الحربي في كتابه النفيس المناسك ص 442 - 464، والسمهودي في كتابه وفاء الوفاء ج 3 ص 1007 - 1020 وغيرهما، قديمًا وحديثًا.
قلت: ذكر البخاريُّ رحمه الله في صحيحه
(1)
وغيره، وكذلك ابنُ زبالة منها عدة مساجد في أماكن معروفة، لكن المساجد لا يُعرف منها مسجد كان عن يمين الطريق المذكورة، في مكان سهل ذي بطحاء، تجده حين تفضي من أكمة دون الرويثة
(2)
بميلين، تحت سرحة ضخمة قد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها وهي قائمة على ساق. قلت: والرويثة معروفة هناك.
ومنها مسجدٌ بِطرف تَلْعة
(3)
من وراء العرج
(4)
.. وأنت ذاهب إلى مكة، عن يمين الطريق، على رأس خمسة أميال من العرج، إلى هضبة هناك، عندها ثلاثة أقبر ورضم من حجارة، بين سلمات هناك، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة، فيصلي الظهر في هذا المسجد، والعرج معروف.
(1)
البخاري ج 1 ص 184.
(2)
الرويثة: هي أول محطة للطريق بعد انصرافه من المنصرف نحو مكة، وهي غير معروفة اليوم إلّا أن المنطقة كانت تقطن فيها قبيلة من حرب تحمل الاسم نفسه ولعلها المحطة التي عرفت إلى اليوم باسم خلص في ذات المنطقة. أما المسجد المشار إليه فهو من المساجد المشهورة التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه إلى مكة إلّا أنه اليوم غير معروف. البخاري ج 1 ص 184؛ السمهودي: وفاء ج 3 ص 1012، البلادي على طريق الهجرة ص 228 - 229.
(3)
تلعة والجمع تلعات أو تلاع يطلق في الغالب على واد أو شعب يأخذ في الجبل فتتجمع سيوله فيه، والاسم معروف متداول في منطقة المدينة، وهو هنا موضع يقع على الطريق بين المدينة ومكة بعد الأبواء، وبالقرب من عقبة هرشى، ولعلها إحدى التلاع المعروفة هناك قديمًا باسم تلاع اليمن. وإن كان وصف المؤلف يشير إلى أنها أقرب إلى العرج من تلك التلاع وهو الأقرب حيث تقع عدة تلاع إلى الشمال من الأبواء. الحربي: كتاب المناسب ص 454؛ البلادي: قلب الحجاز ص 126.
(4)
العرج: وادٍ طويل يقع بعد الرويثة على الطريق بين المدينة ومكة، وسمي بذلك لتعرجه ينحدر بتعرج من الشرق إلى الغرب، وقد سلكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجه وبعض غزواته، فيذكر هناك أحد مساجده، وما زال هذا الوادي معروفًا إلى اليوم ويسمى المعيرج والملف. ومن روافده بينة، والوهيق وفشغة. السمهودي: وفاء الوفاء ج 3 ص 1011؛ البلادي: قلب الحجاز ص 133 - 134.
ومسجد عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة، في مسيل دون ثنية هرشى، إلى سرحة هي أقرب من السرحات [الأخرى] إلى الطريق، وهي أطولهن. وعقبة هرشى معروفة سهلة المسلك
(1)
وفيها طول.
ومنها مسجد بالإثاية
(2)
، وليست معروفة اليوم. ومنها مسجد في المسيل
(3)
الذي بوادي مَرِّ الظهران حين تهبط من الصفراء
(4)
، وأنت عن يسار الطريق، وأنت ذاهب إلى مكة، ومر الظهران هو بطن مَرّ المعروف، وليس المسجد بمعروف اليوم.
ومنها مسجد بِذي طُوى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينزل بذي طوى، ويبيت فيه حتى يصلي الصبح، ووادي طوى هو المعروف بمكة بين الثنيتين ومصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أكمة سوداء، تدعُ من الأكمة عشرةُ أذرع أو نحوها يمينًا، ثم تصلي مستقبل الفَرضتين من الجبل الطويل، الذي بينك وبين الكعبة.
وليست بمعروفةٍ اليومَ هذه المساجد في طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليسرى، إذا خرجت من وادي الروحاء ثم تياسرت واستقبلت القبلة إلى مكة
(5)
.
(1)
قول المؤلف سهلة المسلك خطأ فهي صعبة المنحدر كما تقدم.
(2)
في الأصل الاثاثة والصحيح ما أثبتناه، فقد ذكره ياقوت وأشار إلى خطأ من قال بذلك. معجم البلدان ج 1 ص 90.
(3)
مسجد المسيل المشهور بمسجد مر الظهران ويقع في أول مسيل مر الظهران من ناحية المدينة عن يسار الطريق باتجاه مكة بمسافة رمية حجر، وهو غير بعيد عن قرية الجموم، وقد جدد بعد عصر المؤلف عدة مرات، بمعنى أنه كان معروفًا، وليس كما ذكر، والصفراء التي ذكرها المؤلف موقع هناك يجمع أحيانًا فيذكر باسم الصفراوات، وهو غير وادي الصفراء المعروف بالقرب من بدر. السمهودي: وفاء الوفاء ج 3 ص 1019.
(4)
الصفراء هذه غير الصفراء المذكورة بوادي الصفراء شرقي بدر.
(5)
أي الواقعة على الطريق النبوي بين المدينة ومكة، ومنهج المؤلف أنه تتبع مساجده صلى الله عليه وآله وسلم وبدأ بالواقعة أولًا على الطريق إلى مكة ثم الواقعة على بعض طرق غزواته مثل بدر وتبوك وهو منهج جيد. أما قوله ليست بمعروفة على العموم هكذا ففيه نظر كما سبقت الإشارة إليه.
وذكر أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بالدبّة دبة المستعجلة من المضيق، واستُقِي له من بئر الشُّعبة
(1)
الصابة أسفل من دبة. فهو لا يفارقها ماء أبدًا.
قلت: والمستعجلة هي المضيق الذي يصعد إليه الحاج إذا قطع النازية وهو متوجه إلى الصفراء، وذكر ابن إسحاق
(2)
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بِشِعْب سِيَر وهو الشعب الذي بين المستعجلة والصفراء. وقسم به غنائم أهل بدر ولا يزال فيه الماء غالبًا
(3)
.
وذكر ابنُ زبالة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد الصفراء، وفي مسجد آخر بموضع يسمى ذات أجدال
(4)
من مضيق الصفراء، وفي مسجد آخر بِذِفْران
(5)
واد معروف يصب في الصفراء من جهة الغرب، وأنهم حفروا بئرًا في موضع سجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووجدوا الماء بها فضلًا من العذوبة على ما حولها.
قلت: ومات عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف من جراحته التي أصابته ببدر بالصفراء فدفنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها وكان أسن بني عبد مناف يومئذ رحمه الله و رضي الله عنه
(6)
.
(1)
بئر الشعبة يبدو من وصف المؤرخين لها أنها تقع ما بين الخيف وسير الآتي في أعلى وادي الصفراء أو المضيق على الأصح، وقد رأيت آثار بركة كبيرة هناك. السمهودي ج 3 ص 1023.
(2)
ابن هشام: سيرة النبي ج 3 ص 193.
(3)
سِيَر شِعب معروف باسمه إلى اليوم يقع على مسافة كيل واحد غرب جنوب المستعجلة خلف مجرى سيل الوادي الرئيس في أعلى وادي المضيق بالقرب من سد الترعة المقام حديثًا هناك.
(4)
في الأصل أحكال، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص). وذات أجدال يقع بالقرب من القرية المعروفة بالحِسنية على مسافة عشرين كيلًا شرقي بدر، وهي غير معروفة اليوم، ولا المسجد الذي كان فيها.
(5)
وادي ذفران هو كما وصفه المؤلف ولا يزال معروفًا باسمه إلى اليوم ويقع إلى الشمال من قرية الحمراء إلّا أن المسجد والقبر المشار إليهما لا يعرفان. وقد سلكته فلم أعثر عليهما فقد تغيرت معالمه ولا سيما في عصرنا.
(6)
مات عبيدة بن الحارث رضي الله عنه متأثرًا بجراحه في غزوة بدر عند مبارزته عتبة بن ربيعة عند بداية المعركة وقد توفي والمسلمون في طريق عودتهم للمدينة منتصرين عندما وصلوا إلى ذفران شمال قرية الحمراء بوادي الصفراء، وظل قبره معروفًا لقرون تالية وأقيم عنده مسجد ثم اندرس الجميع. ويبدو من السياق والقياس في مثل هذه الأماكن أن المسجد أقيم أصلًا في موضع مصلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المكان، ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ج 2 ص 265؛ المراغي: تحقيق النصرة ص 163.
وذَكر أيضًا أنه صلى الله عليه وآله وسلم نزل في موضع المسجد الذي بالبرود
(1)
من مضيق الفرع، وصلى فيه، وصلى صلى الله عليه وآله وسلم مطلعه
(2)
من طريق مَبْرك
(3)
في مسجد هناك بين وبين زعان
(4)
ستة أميال. فهذه المساجد التي ذُكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى فيها بين مكة والمدينة، وذكر [ها] محمد بن إسحاق في سيرته
(5)
، وكذلك محمد بن الحسن بن زبالة
(6)
، والحافظ عبد الغني رحمهم الله تعالى.
(1)
البرود موضع يقع في المضيق بوادي الفرع. السمهودي ج 3 ص 1026.
(2)
أي مشرقه أو أول صعوده من ناحية طريق مبرك.
(3)
مبرك: موقع بالقرب من العرج المتقدم تعريفه من ناحية الغرب، وهو غير مبرك الواقع ناحية ينبع النخل.
(4)
زعان: موقع بين العرج والأبواء لكنه غير معروف لي على وجه التحديد.
(5)
انظر ابن هشام ج 2 ص 251 - 265.
(6)
كتابه لا يزال مفقودًا.
المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المدينة وتبوك
منها مسجد تبوك
(1)
، قال ابن زبالة: ويسمى مسجد التوبة، قلت: هو من المساجد التي بناها عمر بن عبد العزيز رحمه الله. ومسجد بثنية مدران
(2)
بفتح الميم وكسر الدار المهملة تلقاء تبوك. ومسجد بذات الزراب
(3)
بتشديد الزاي وكسرها وبعدها راء مهملة على مرحلتين من تبوك. ومسجد بالأخضر على أربع مراحل من تبوك. ومسجد بذات الخَطيم
(4)
بفتح الخاء المعجمة ثم طاء مهملة
(5)
، على خمس مراحل من تبوك. ومسجد بِلالا
(6)
بفتح أوله وثانيه على خمس مراحل أيضًا من تبوك.
(1)
الأصح أن يبدأ بذكر هذه المساجد ابتداء من ناحية المدينة، ولكن المؤلف ربما تابع غيره.
(2)
ثنية مدران تقع على مشارف تبوك من ناحية الجنوب، وتبعد عنها قرابة 45 كيلًا. العطوي: تبوك ص 62.
(3)
ذات الزارب: الزراب جمع زرب، وهو الكوم من الحجر، وتقع على مسافة ستين كيلًا تقريبًا جنوب تبوك.
(4)
هكذا في الأصل وفي (ب) الخطمة.
(5)
ذات الخطيم: وردت عند السمهودي (ج 3 ص 1029) نقلًا عن المطري أنها ذات الخطم وجاءت هنا بصيغة التصغير، وتقع على قرابة 120 كيلًا جنوب تبوك.
(6)
في الأصل بألَّا، وهكذا في (ص) وغير موجود في (ب) وجاء عند السمهودي بألى. والصحيح ما أثبتناه فهو يعرف إلى اليوم بهذا الاسم وربما يكون محرفًا عن الاسم القديم. وهو مكان صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ملتقى طريق غزوة تبوك بطريق الشام، قريبًا من ذات الخطم، في قاع فسيح هناك، وصفه ابن زبالة بأنه نقيع، أي منقع مياه. السمهودي: وفاء ج 3 ص 1029؛ العطوي: تبوك ص 62.
ومسجد بطرف البتراء
(1)
تأنيث أبتر، قال ابن إسحاق من ذَنب
(2)
كواكب، وقال أبو عبيد البكري
(3)
، إنما هو كوكب والله أعلم، وهو جبل في تلك الناحية، في بلاد بني الحارث بن كعب. ومسجد بشق تارار
(4)
بالتاء المثناة من فوق ثم راء مهملة، قال ابن إسحاق وابن زبالة: ومسجد بذي الحليفة
(5)
. وقال الحافظ عبد الغني
(6)
عن الحاكم: ومسجد بالشوشق
(7)
. ومسجد بصدر حوض
(8)
بالحاء المهملة والضاد المعجمة مقصور. ومسجد بالحِجر
(9)
، ومسجد بالصعيد
(10)
صعيد قزح. ومسجد بوادي القرى، قال الحافظ: قال الحاكم في مسجد الصعيد المذكور: وهو اليوم مسجد وادي القرى. ومسجد بالرُّقعة على لفظ رُقعة الثوب قال أبو عبيد البكري
(11)
: أخشى أن يكون بالرقمة
(1)
البتراء: اسم البتراء كثير في بلاد العرب، ومنه مدينة الآن تقع في غربي القصيم وأخرى مشهورة بالأردن. لم يحدد السمهودي والعطوي موقعه، فهو جبل يقع بآخر منطقة كانت معروفة بالكواكب ويبعد عن تبوك مسافة مئتين كيل جنوبًا تقريبًا. وهي أيضًا غير البتراء التي تقع على الطريق نفسه بالقرب من المدينة على مسافة مرحلة منها.
(2)
ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ج 5 ص 213.
(3)
معجم ما استعجم ج 1 ص 224.
(4)
تارا هكذا بالأصل، وأوردها ياقوت والسمهودي بالممدودة ولم يعرفا بها. وترتيبها بين محطات الطريق يقتضي أن تكون على قرابة 20 كيلًا من تبوك على طريق الغزوة.
(5)
ذو الحليفة، تصغير حلفا اسم لنبات مشهور، وهي هنا موقع مسجد صلى فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في طريق غزوة تبوك ذكره ابن إسحاق.
(6)
هو الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي له عدد من المؤلفات في الحديث ورجاله، توفي عام 409 هـ. ابن خلكان: وفيات الأعيان ج 3 ص 223.
(7)
الشوشق لم أجد له تعريفًا.
(8)
صدر حوض يقع بين تبوك ووادي القرى، ومفهوم النص أن المسجد كان يقع في أعلاه.
(9)
الحجر هي العلا المدينة المشهورة، وهو اسم من أسمائها القديمة. ياقوت: معجم البلدان ج 2 ص 221، السمهودي: وفاء ج 3 ص 1030.
(10)
صعيد قزح موضع بوادي القرى بالقرب من العلا إلّا أنه غير معروف لي، ورجح السمهودي أنه يقع في قرية عذرة التي كانت معروفة هناك. وسياق النص يدل على أنه بعيد المسجد السابق باتجاه المدينة. السمهودي: وفاء ج 3 ص 1530.
(11)
معجم ما استعجم ج 2 ص 666.
بالميم من الشُّقة شقة بني عذرة، ومسجد بذي المروة
(1)
. قلت: وهي من أعمال المدينة وبينها وبين المدينة ثمانية بُرُد كان بها عيون ومزارع وبساتين، أثرها باق إلى اليوم. ومسجد بالفيفاء فيفاء الفَحلتين قلت: وهي أيضًا من عمل المدينة، كان أيضًا بها عيون وبساتين، لجماعة من الصحابة وغيرهم رضي الله عنه م، منهم أزهر بن مكمل بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي الزهري
(2)
، كان فاضلًا ناسكًا، وكان يُذكَر أنه سئلَ الخلافة. وأبوه ابن عم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه م، مات بفيفاء الفَحْلتيْن، وتولى دفنه بها ابن عمه حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف. والفيفاء ممدودة بفاءين. ومسجد بِذي خُشُب
(3)
بضم الخاء والشين المعجمتين وياء موحدة، على مرحلة من المدينة، ثم نزل صلى الله عليه وآله وسلم بذي أوَان
(4)
، موضع بينه وبين المدينة ساعة من نهار، ولم يَذكر أنه صلى فيه والله أعلم.
(1)
المروة: أو ذو المروة تقع على قرابة (200) كيل تقريبًا شمال المدينة على طريق تبوك، وكانت قرية عامرة بالعيون والبساتين وقد مر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه إلى تبوك وكان سكانها وقتذاك قبيلة رفاعة من جهينة، وقد أقطعهم إياها. ويقع فيها أحد مساجده التي صلى فيها. البكري: معجم ما استعجم ج 3 ص 1318؛ السمهودي ج 3 ص 1031.
(2)
أورد هذا الخبر ابن حجر في الإصابة ق 1 ج 1 ص 180، وذكر أن أزهر توفي في خلافة عبد الملك بن مروان إلّا أنه لم يشر إلى مكان وفاته، إلّا أن مفهوم النص يدل على أنه على طريق الشام من المدينة.
(3)
ذو خشب: وادٍ كبير يصب في وادي إضم شمالي المدينة بمسافة أربعين كيلًا تقريبًا، كان عامرًا بالزراعة والبساتين، وبه عدة منازل لبني أمية. السمهودي ج 4 ص 1201.
(4)
أوان: موضع غير معروف إلا أن تحديد المؤلف يفهم منه أنه يقع شمالي المدينة على قرابة سبعة أكيال.
[المساجد غير المعروفة بالمدينة]
(1)
قلت: وذَكر ابنُ زَبالة عدة مساجد بالمدينة لا تُعرف اليوم ويُعرف بعضُ أماكِنها يذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى فيها. وهي في قرى الأنصار رضي الله عنه م، وإنما أخرنا ذكرَها عن مساجد المدينة لكونها مجهولة العين، وإنما قصدنا تمام الفائدة بالتعريف بمواضعها، وجهات القُرى التي كانت فيها والحمد لله، فمنها مسجد بني زُريق من الخزرج نَقل أن
(2)
أول مسجد قُرِئَ فيه القرآن بالمدينة مسجدُ بني زُريق، قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن نافع بن مالك الزُّرَقي رضي الله عنه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة أعطاه ما نزل عليه من القرآن بمكة شرفها الله تعالى، إلى ليلة العقبة، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توضأ فيه ولم يُصلِّ، وعجب من اعتدال قبلته.
قلت: وقرية بني زريق قِبْلي سور مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليوم، وقِبْلي المصلى
(3)
، وبعضها كان من داخل السور اليوم، بالموضع المعروف بِذَروان أو ذي أروان التي وضع لبيد بن الأعصم
(4)
وهو من يهود بني زريق السحر في
(1)
هذه المساجد ذكرها المؤلف متصلة بالمساجد بين المدينة وتبوك دون أن يميزها بعنوان، ولما كانت مختلفة موضعًا وموضوعًا عقدتُ لها عنوانًا. وحقها أن يلحقها المؤلف بحديثه عن مساجد المدينة.
(2)
في (ب) أنه، وهو الأصح.
(3)
أي مصلى العيد وقتذاك المعروف اليوم باسم مسجد الغمامة.
(4)
لبيد بن الأعصم يهودي سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمرض والتبس بصره وعاده أصحابه حتى أخبره جبريل عليه السلام بذلك فكشفه وشفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك بعد رجوعه من غزوة الحديبية، وكان لبيد مقيمًا في المدينة حليفًا لبني زريق وليس منهم كما ذكر المؤلف. ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 2 ص 197 - 198.
راعوفة
(1)
بئرها. والحديث مشهور
(2)
، وذَكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني ساعدة من الخزرج، رهط سعد بن عبادة وجلس في السقيفة. روَى عبد المهيمن ابن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه عن جده قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سقيفتنا التي عند المسجد، واستسقى فَخُضَّتْ
(3)
له وطبة
(4)
فشرب ثم قال: زدني، فخضت له أخرى فشرب، ثم قال: كانت الأولى أطيب
(5)
/.
قلت: وفي هذه السقيفة كانت بيعة أبي بكر الصديق الأولى رضي الله عنه
(6)
، وقرية بني ساعدة عن بئر بضاعة، والبئر وسط بيوتهم، وشمالي البئر اليوم إلى جهة المغرب بقيةُ أُطم من أطام المدينة، نُقل أنه في دار أبي دجانة رضي الله عنه
(7)
الصغرى التي عند بضاعة، وأبو دجانة من بني ساعدة. ورَوى
(8)
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في بقيع الزبير ركعات صلاة الضحى، فقال له أصحابه: إن هذه لصلاةٌ ما كنتَ تُصليها! فقال: إنها لصلاة رَغَب ورَهَب، فلا تَدعوها. قلت: وليسَ هذا المكان اليوم بمعروف
(9)
. ورَوى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في المسجد الذي
(1)
راعوفة البئر: صخرة تترك في أسفل البئر ليجلس المستقي عليها، وتكون أحيانًا في أعلاها ليجلس عليها المستقي منها. الفيروزآبادي: القاموس المحيط: مادة رعف.
(2)
انظر نص الحديث في البخاري ج 5 ص 2176.
(3)
فخضت: أي رجت.
(4)
وطبة: سقاء اللبن.
(5)
لم نعثر على تخريجه في المصادر التي بين أيدينا.
(6)
ابن هشام: السيرة ج 6 ص 80.
(7)
أبو دجانة: صحابي جليل اسمه سماك بن خرشة شهد بدرًا وأحدًا واليمامة سنة 12 هـ واستشهد يومئذ. ابن سعد: الطبقات ج 3 ص 556.
(8)
رَوَى وردت في الأصل بدون ضبط، وفي (ب) جاءت بضم أوله مبنية للمجهول، وهو خطأ فهي مبنية للمعلوم فالمؤلف ما زال يروي عن ابن زبالة، وقد وردت الرواية مسندة بالنص لابن زبالة عند السمهودي ج 3 ص 855.
(9)
بقيع الزبير: كان يقع ما بين البقيع والمسجد في الناحية الجنوبية الشرقية في حارة كانت تعرف باسم الرستمية التي كانت امتدادًا لحارة الأغوات، وقد دخلت كل هذه الناحية في توسعة المسجد النبوي أو فنائه الجنوبي الشرقي.
عند بيوت المُطرّفي عند خيام بني غفار، وأن تلك المنازل كانت منازل آل أبي رُهْم كلثوم بن الحصين الغفاري رضي الله عنه. وليست الناحية بمعروفة اليوم.
وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خط المسجد الذي لجهينة، ولمن هاجر من بِلى
(1)
، وقال: نا إبراهيم بن عمر، عن سمعان، عن خارجة بن الحارث بن رافع بن مُكيث الجهني، عن أبيه، عن جده قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعود رجلًا من أصحابه الربعَةَ
(2)
من جهينة يقال له أبو مريم، فعاده بين منزل بني قيس العطار الذي فيه الأراكة
(3)
، وبين منزلهم الآخر الذي يلي دار الأنصار، فصلى في المنزل، فقال نفر من جهينة لأبي مريم: لو لحقتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسألته أن يخط لنا مسجدًا، فقال: احملوني فحملوه فلحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما لك يا أبا مريم؟ فقال: يا رسول الله، لو خططتَ لنا مسجدًا. قال: فجاء إلى مسجد بني جهينة وفيه خيام لبلى فأخذ ضِلعًا أو محجنًا
(4)
، فخط لهم به، فالمنزل لِبلى، والخِطَّة لجهينة.
قلت: وهذه الناحية اليوم معروفة، غربي حصن صاحب المدينة والسور القديم، بينها وبين جبل سَلْع المعروف المشهور، وعندها أثر باب من أبواب المدينة خراب، ويعرف إلى تاريخ هذا الكتاب وهو وآخر سنة أربعين وسبع مئة
(1)
بلى وجهينة قبيلتان عربيتان مشهورتان وما زالتنا معروفتين ومتجاورتين في المدينة وفي شمال غربي الحجاز، وقد كان يطلق على باب الكومة الحالي في المدينة حتى عصر المؤلف درب جهينة كما سيأتي بعد قليل في المتن.
(2)
الربعة: فخذ من جهينة وقتذاك.
(3)
الأراكة واحدة شجر الأراك الذي يتخذ منه المساويك.
(4)
محجن: عصا غليظة معقوفة الرأس بحيث يمكن أن يهش بها أو يتناول بها الأشياء عن بعد.
بِدَرب جهينة، والناحية من داخل السور، وبين حصن الأمير صاحب المدينة. ونقل قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان
(1)
أن هذا السور القديم بناه عضد الدولة بن بويه بعد الستين وثلاث مئة من الهجرة في خلافة الإمام الطائع
(2)
لله بن المطيع، ثم تَهدَّم على طول الزمان وخَرُب بخراب المدينة، ولم يبقَ إلّا آثاره ورسمه، حتى جدد لها جمال الدين محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني سورًا محكمًا حول مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأس الأربعين وخمس مئة من الهجرة. ثم كَثُر الناس من خارج السور، ووصل السلطان الملك العادل نور الدين محمود
(3)
بن زنكي بن آقسنقر في سنة سبع وخمسين وخمس مئة إلى المدينة الشريفة بسبب رؤيا رآها، ذكرها بعضُ الناس، وسمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر المُحترِق أبوه ليلة حريق المسجد، عمّن حدّثه من أكابر مَنْ أدرك أن السلطان محمودًا المذكور، رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول له في كل واحدة منها: يا محمود أنقذني مِن هذيْن الشخصيْن أشقريْن تجاهَه، فاستحضر وزيره قبل الصبح، فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حدثَ في مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس له غيرُك. فتجهَّز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها، من خيل وغير ذلك، حتى دخل المدينة على غفلةٍ من أهلها والوزير معه، وزار وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع، فقال له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟
(1)
لم نعثر على ذلك في أخبار عضد الدولة عند ابن خلكان في وفيات الأعيان.
(2)
الطائع هو الخليفة العباسي عبد الكريم بن الفضل (363 - 381 هـ) وكان مغلوبًا على أمره من قبل المسيطر عليه عضد الدولة البويهي، ومن دلائل ذلك لقبه ولقب أبيه المطيع.
(3)
نور الدين محمود بن زنكي (511 - 569 هـ) أشهر ملوك آل زنكي الذين قامت دولتهم في بلاد الشام والجزيرة ومصر والحجاز واليمن، اشتهر بحبه للجهاد ومحاربة الصليبيين، وعمر عددًا من الجوامع والمدارس والحصون والأسوار في عدد من المدن الإسلامية. انظر سيرته وأخباره في: أبو شامة: كتاب الروضتين؛ وعماد الدين خليل: عماد الدين محمود زنكي.
قال: نعم، فطلب الناس عامةً، وفرق عليهم ذهبًا كثيرًا وفضة، وقال: لا يَبقيَنَّ أحدٌ بالمدينة إلّا جاء. فلم يبقَ إلّا رجلان مجاوران من أهل الأندلس، نازلان
(1)
في الناحية التي تلي قبلة حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خارج المسجد، عند دار آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التي تُعرف اليوم بدار العشرة، فطلبهما للصدقة فامتنعا، وقالا: نحن على كفاية ما نقبل شيئًا، فجد في طلبهما فجِيءَ بهما، فلما رآهما قال للوزير: هما هذان، فسألهما عن حالهما، وما جاء بهما، فقالا: لمجاورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اصدقاني، وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما، فأقرا أنهما من النصارى، وأنهما وصلا لكي ينقلا مَنْ في هذه الحجرة المقدسة، باتفاقٍ من ملوكهم. ووجدهما قد حفرا نقبًا من تحت الأرض، من تحت حائط المسجد القبلي، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة، ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الذي هما فيه. هكذا حدثني عَمنْ حدثه. فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خارج المسجد، ثم أحرقا بالنار آخر النهار
(2)
. وركب متوجهًا إلى الشام فصاح له مَنْ كان نازلًا خارج السور واستغاثوا، وطلبوا أن يبني عليهم سورًا لحفظ أبنائهم وماشيتهم، فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم فَبُني في سنة ثمان وخمسين، وكتب اسمه على باب البقيع، فهو باقٍ إلى تاريخ هذا الكتاب
(3)
والله أعلم.
(1)
في الأصل فلم يبق إلّا رجلين مجاورين
…
نازلين، والصحيح ما أثبتناه من (ب).
(2)
أول من أورد هذه القصة جمال الدين المطري في كتابه هذا بعد مضي قرابة قرنين على عهد نور الدين محمود زنكي. وعلى الرغم من أن السمهودي ذكر تعدد رواياتها وتفاصيلها (وفاء ج 2 ص 648 - 652) إلّا أنه أول من تعجب من عدم ذكرها في المصادر التي ترجمت لنور الدين، ثم اختلف الباحثون بعد ذلك ما بين مثبت وناف لها. وعلى رأس من أنكرها إبراهيم العياشي في كتابه: المدينة بين الماضي والحاضر ص 161 - 164. كذلك انظر: إبراهيم محمد المزيني: رواية صب الرصاص حول قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عهد السلطان زنكي، مجلة الدارة عدد 4 سنة 1417 هـ ص 95 - 121.
(3)
وهو سنة 740 هـ كما ذكر المؤلف قبل قليل.
وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد دار النابغة
(1)
، وصلى في مسجد عدي بن النجار
(2)
، قلت: وهذه الدار غربي مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي دار عدي بن النجار، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يليه من جهة المشرق، دار غنم بن مالك بن النجار. وروى عن القاسم بن عبيد الله، عن أبي بكر بن عمر، عن هشام بن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني خُدرة
(3)
. ويَروي
(4)
عن يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى في بعض منازل بني خُدرة، فهو المسجد الصغير الذي في بني خُدرة، مقابل بيت الحية
(5)
.
قلت: ودار بني خدرة عند بئر البُصَّة، وعندها أطم مالك بن سنان أَبي
(6)
سعيد الخدري، وآثاره باقية إلى اليوم، وروي أيضًا عن إبراهيم بن محمد بن عمرو بن يحيى، عن عمارة، عن أبيه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وضعَ مسجد بني مازن بن النجار
(7)
بيده وهيأ قبلته، ولم يُصل فيه. وروي عن محمد بن
(1)
مسجد دار النابغة. كان يقع إلى غربي المسجد النبوي بالقرب من ممر كان هناك يسمى إلى عهد قريب زقاق الطوال، وقد دخلت كل هذه المنطقة في توسعة المسجد النبوي الغربية.
(2)
مسجد دار عدي بن النجار قريب من موقع المسجد السابق حيث كانت دار النابغة ودار عدي متجاورتين. السمهودي: وفاء ج 3 ص 867.
(3)
مسجد بني خدرة وبنو خدرة هم آل الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري، ومسجدهم كان يقع بجوار بئر البُصة في أول طريق العوالي، حول عمارة وقف البوصة والنشير الحالي.
(4)
ما زال المؤلف ينقل عن ابن زبالة.
(5)
بيت الحية: أي بيت الحنش السام المعروف باسم الحية كان يقع أيضًا بالقرب من بئر البصة، ولهذا الاسم قصة عجيبة أوردها الإمام مسلم في صحيحه تتلخص في أن فتى من الأنصار كان حديث عهد بزواج فخرج مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة الخندق فكان هذا يستأذن أنصاف النهار ويذهب إلى أهله، وفي أحد الأيام ذهب إليهم فوجد زوجته قائمة على الباب فأنكر عليها ذلك وهو المتعود منها لزوم بيتها وعدم الظهور للناس، فأهوى عليها برمحه غيرة عليها، ولكنها أشارت عليه بدخول الدار لينظر ما الذي أخرجها، فدخل فرأى حية كبيرة في فراشهما، فأهوى عليها برمحة فقتلها فقرب منها وفيها بقية حياة فنهشته فمات الرجل والحية في وقت واحد وسمي ذلك البيت بيت الحية. انظر: صحيح مسلم ج 4 ص 1756.
(6)
ف كل النسخ أبو.
(7)
مسجد بني مازن كان يقع إلى الجنوب الشرقي من منازل بني زريق في جنوب غرب المسجد النبوي، وعده الخياري من المساجد الأثرية غير المعروفة، وقد دخلت هذه المنطقة في الوقت الحالي في توسعة ميادين المسجد النبوي ومواقفه الجنوبية. الخياري: تاريخ معالم المدينة ص 153.
موسى بن أبي غزية، عن يعقوب بن محمد بن أبي صَعْصعة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى في بيت أم بُردة في بني مازن، قلت: ودار بني مازن بن النجار قبلي بئر البُصّة ودار بني خُدرة المذكورة قبلُ، وتُسمى الناحية اليوم أبا مازن غَيَّرها أهلُ المدينة، وأما العقود القديمة فمكتوب فيها بنو مازن. وكان إبراهيم ابنُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسترضعًا فيها كما ورد
(1)
، عند امرأة أبي سيف القين
(2)
، ورُوي عن القاسم بن عبد الله عن أبي بكر بن عمر، عن يوسف الأعرج وربيعة بن عثمان، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني حُدَيلة بالحاء المهملة وهو مسجد أبي بن كعب رضي الله عنه.
قلت: ودار بني حُديلة عند بئر حاء شمالي سور المدينة من جهة المشرق، قد صارت بئر حاء لأُبي بن كعب وحسان بن ثابت، حين دفعها إليهما أبو طلحة، كما ورد في الصحيحين وغيرهما
(3)
من الكتب الصحاح. وبنو حديلة هم بنو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار بن الخزرج. وذَكر أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد
(4)
بني دينار عند الغسالين، وأن
(1)
لم يذكر المؤلف أين ورد، وانظر الخبر عند ابن حجر: الإصابة ق 2 ج 7 ص 197.
(2)
أبو سيف القين بفتح القاف أنصاري كان يعمل حدادًا في المدينة، وهو زوج أم سيف مرضعة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ابن حجر: الإصابة ق 2 ج 7 ص 197.
(3)
البخاري ج 3 ص 1011، مسلم ج 2 ص 694.
(4)
مسجد بني دينار: مفهوم كلام المؤلف أن مسجد بني دينار يقع إلى الشمال الشرقي من المسجد النبوي غير بعيد عن مسجد الإجابة حيث منازل بني دينار من بني النجار، ولكن الثابت أن مكان الغسالين كان يقع غربي وادي بطحان عند مروره بغربي المصلى، وأنه كان لبني دينار نقب هناك يقع في بداية طريق العقيق، ولهذا صرح ابن زبالة بخلاف وصف المؤلف من قديم، وما زالت بالمدينة محلة بالوصف المذكور تسمى المغيسلة تصغير مغسلة تقع جنوبي باب العنبرية وخلف المحلة المعروفة بالزاهدية من ناحية الجنوب الغربي، ويقع في أولها مسجد أقرب ما يكون إلى موقع مسجد بني دينار حتى إن السمهودي رأى في عصره حجرًا في هذا الموقع مكتوبًا عليه مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ج 3 ص 866، 867.
أبا بكر الصديق رضي الله عنه تزوج امرأة من بني دينار بن النجار، فاشتكى، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوده فكلموه أن يصلي لهم في مكان يصلون فيه، فصلى في المسجد الذي في بني دينار عند الغسالين. ودار بني دينار بن النجار بين دار بني حُديلة، وبين دار معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أهل مسجد الإجابة المتقدم ذكره في المساجد. فهذه بطون بني النجار كلها، ودورهم هذه المذكورة بالمدينة اليوم، وما حولها من جهة الشمال، إلى مسجد الإجابة. وهم بنو غنم بن مالك بن النجار، وبنو عدي بن النجار، وبنو مازن بن النجار، وبنو دينار بن النجار، وبنو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، أخي غنم بن مالك رضي الله عنه، وفيهم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«خير دور الأنصار دور بني النجار»
(1)
.
وذكر أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى في المسجد الذي بأصل المنارتين
(2)
من طريق العقيق الكبرى.
قلت: وهذا المسجد لا يُعرف، وهو على طريق العقيق كما ذَكر. وذَكر أيضًا أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني حارثة من الأوس، وقضى فيه في شأن عبد الرحمن بن سهل
(3)
، أخي عبد الله بن سهل، ابني عم حُويصة ومُحَيِّصة
(4)
المقتول بخيبر.
(1)
نص الحديث: «خير دور الأنصار بنو النجار» ، البخاري ج 4 ص 1949.
(2)
مسجد المنارتين: هذا المسجد معروف وليس كما ذكر المؤلف فهو يقع في الطريق إلى العقيق قبل جبل الأنعم، ولا زال متهدمًا ومعروفًا وأول من عرفه وحدده بدقة العباسي صاحب كتاب عمدة الأخبار سنة 972 هـ ويقع اليوم يمين الطريق قبيل محطة العواجي بستين مترًا. وعسى أن يدركه الاهتمام والعمارة قبل أن يندرس مرة أخرى. السمهودي: وفاء ج 3 ص 878. وقد كان حتى عهد قريب متهدمًا ثم عمر حديثًا ينفس المكان والاسم والمنارتين.
(3)
هو عبد الرحمن بن سهل الأنصاري، صحابي شهد أحد والخندق وعاش طويلًا حتى أدرك إمارة معاوية في الشام وقد تعرض في حياته صلى الله عليه وآله وسلم لعدة مواقف منها مقتل أخيه عبد الله في خيبر، وأسر قريش له، ونهش حية فأمر صلى الله عليه وآله وسلم أحد أصحابه أن يرقيه. ثم مراجعة معاوية حول قافلة خمر. ابن حجر: الإصابة ق 1 ج 4 ص 312، 313، 314.
(4)
هو حويصة بن مسعود بن كعب بن عامر الأنصاري صحابي جليل شهد أحدًا والخندق شارك أخاه محيصة في قتل كعب بن الأشرف اليهودي في غزوة خيبر. أما محيصة فكان أصغر من أخيه حويصة، وأسلم قبله. ابن حجر: الإصابة ق 1 ج 2 ص 43، ق 2 ج 6 ص 45.
قلت: ودار بني حارثة بيثرب
(1)
وقد تقدم ذكرها. وذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني عبد الأشهل، رهط سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير رضي الله عنه ما، وأن أم عامر بن يزيد بن السَّكن أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بِعَرْقٍ
(2)
فتعرَّقَه، وهو في مسجد بني عبد الأشهل، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ. ورُوي أيضًا أنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى بني عبد الأشهل أو بني ظَفَر وهم بنو عم بني عبد الأشهل أهل مسجد البَغْلة المتقدم ذكره فأُتي بخبز ولحم، فأكل ثم صلى، ولم يتوضأ.
قلت: ودار بني عبد الأشهل قِبْلي دار بني ظَفَر المذكورة، مع طرف الحرة الشرقية
(3)
، وتعرف بحرة واقم
(4)
، وهي التي كانت فيها وقعة الحرة في أيام يزيد بن معاوية في سنة ثلاث وستين من الهجرة، وقُتل فيها مَن قُتل من الصحابة وأبنائهم من المهاجرين والأنصار، وقبائل العرب رضوان الله عليهم ورحمته وبركاته
(5)
.
(1)
دار بني حارثة تقع شمال دار بني عبد الأشهل في آخر حرة واقم شمالًا وكانت في سند منها خشية سيول الأودية هناك، وليس كما ذكر المؤلف، وأول من استدرك ذلك عليه السمهودي في كتابه وفاء الوفا ج 3 ص 865.
(2)
عَرْق بفتح أوله وإسكان أوسطه هو العظم إذا أخذ عنه معظم لحمه ولم يبق عليه سوى طبقة رقيقة من اللحم، وقيل هو الفدرة من اللحم، وجمعه عراق. ابن منظور ج 4 ص 751.
(3)
ما زالت إلى اليوم تعرف بهذا الاسم.
(4)
واقم: هو اسم أحد العماليق القدماء الذين سكنوا المدينة في التاريخ القديم فنسبت هذه الحرة إليه عندما سكنها. وسواء نسبت له أو لأحد آطامها الذي عرف بهذا الاسم فالمعنى واحد. (ياقوت: معجم البلدان ج 5 ص 249). أما اليوم فتعرف باسم الحرة الغربية وقد أتت المباني والأسواق والطرق عليها.
(5)
انظر تفاصيل أخبارها عند الطبري حوادث سنة 63 هـ.
روى ابن زبالة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه قال: مُطرت السماء على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال لأصحابه: هل لكم بنا
(1)
في هذا الماء الحديث العهد بالعرش، لنتبرك به، ولنشرب منه، فلو جاء من مجيئه راكب لتمسحنا به، فخرجوا حتى أتوا حرة واقم وشراجها
(2)
تَطّرِد فشربوا منها، وتوضؤوا، فقال كعب: أما والله يا أمير المؤمنين لتسيلن هذه الشراج بدماء الناس كما تسيل بهذا الماء، فقال عمر رضي الله عنه: أيّها الإنسان
(3)
دعنا من أحاديثك، فقال: فدنا منه ابن الزبير، فقال: يا أبا إسحاق ومتى ذلك؟ وفي أي زمان؟ فقال له كعب: إياك يا عبيس أن يكون ذلك على رجلك أو يدك؛ وروى أيضًا عن كعب الأحبار أنه قال: إنا نجد في كتاب الله حرة بشرق المدينة يُقتل فيها مقتلة، تُضيء وجوههم يوم القيامة، كما يضيء القمر ليلة البدر
(4)
، وفي هذه الحرة قال عبد الرحمن بن سعيد بن زيد أحد العشرة أبوه
(5)
، وحضرها مع عبد الله بن مطيع
(6)
ومحمد بن حنظلة
(7)
.
(1)
هكذا في كل النسخ، ويبدو أن فيها لبسًا وصوابها أن تكون هلموا بنا إلى هذا
…
(2)
شراجها أي شقوقها وشعابها.
(3)
هكذا في الأصل وفي (ب) و (ص) إيهًا الآن.
(4)
هذه الرواية عن كعب الأحبار وهناك رواية عن عبد الله بن سلام بنفس المعنى. والملاحظ أن مصدر هذه الروايات الكتب القديمة وبالذات كتب اليهود كما أشار ابن سلام نفسه. انظر السمهودي: وفاء الوفاء ج 2 ص 1188.
(5)
أي أن أباه كان أحد العشرة المبشرين بالجنة. والأسلوب ضعيف.
(6)
عبد الله بن مطيع ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وذهب والده إليه فحنكه، كان من رجال قريش المعدودين شجاعة ونجدة، وكان قائد المهاجرين في معركة الحرة في عهد يزيد بن معاوية، ولما غلب جيشه فر منها ثم لحق بعبد الله بن الزبير حتى قتل في حصار الحجاج لمكة سنة 74 هـ. ابن سعد: الطبقات الكبرى ق 1 ج 5 ص 25 - 26.
(7)
محمد بن حنظلة: هنا وهم المؤلف فالذي حضر مع عبد الله بن مطيع موقعة الحرة في عهد يزيد هو عبد الله بن حنظلة، وكان فيها أميرًا على الأنصار، وبايعه خلق كثير منهم على خلع يزيد فقاتله جيشه في معركة الحرة واستبسل حتى قتل فيها سنة 63 هـ. ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 5 ص 66 - 68.
فإن تقتلونا يومَ حرةِ واقمٍ
…
فنحنُ على الإسلام أولُ مَنْ قَتَلْ
ونحن قتلناكم ببدرٍ أذلةً
…
وأُبنا بأسلابٍ لنا منكم نَفَلْ
فَإنْ يَنجُ منها عائِذُ البيت سالمًا
…
فَكُلُّ الذي قَد نَابَنا منكم جَلَلْ
(1)
يعني عبد الله بن الزبير، وكان قد سمى نفسه عائِذ البيت رضي الله عنه.
وذَكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني الحُبلى وهم
(2)
رهط عبد الله بن أُبي ابن سلول وصلى في مسجد بني الحارث بن الخزرج. قلت: ودار بني الحُبلى بين قُباء، وبين دار بني الحارث بن الخزرج. ودار بني الحارث شرقي وادي بطحان، وشرقي صُعيب الذي يؤخذ من ترابه للحُمَّى، ويعرف اليوم بالحارث بإسقاط بني.
وكذلك ذَكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني أمية بن زيد بالعوالي في الكَبا
(3)
عن مال نهيك بن أبي نهيك. قلت: ودارهم شرقي دار بني الحارث بن الخزرج، وفيهم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه نازلًا بامرأته الأنصارية، أم عاصم بنت أو أخت عاصم
(4)
بن ثابت بن أبي أفلح رضي الله عنه
(5)
، حين كان يتناوب النزول إلى المدينة، هو وجاره من الأنصار كما جاء في الصحيح
(6)
.
(1)
هذه الأبيات لمحمد بن بحرة الساعدي، وقد ورد عجز البيت الأخير عند ياقوت بلفظ مختلف ج 2 ص 249. ولا مناسبة لإيراد المؤلف هذه الأبيات فلا مقارنة بين قتلى بدر وقتلى معركة الحرة لا سيما فيها روح القتل والتشفي وهو مما لا ينبغي، وحفاظًا على النص أثبتناها.
(2)
في الأصل وهو، خطأ والصحيح ما أثبتناه من (ب) و (ص).
(3)
الكبا: بالفتح وتشديد الباء المقصورة، موضع في بطحان مما يلي العوالي بجنوب المدينة. الفيروزآبادي: المغانم ج 3 ص 55.
(4)
شك المؤلف هنا والصحيح أنها بنت عاصم.
(5)
عاصم بن ثابت بن أبي أفلح: صحابي من السابقين الأولين من الأنصار قتل شهيدًا في سرية بئر معونة التي بعثها النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة 3 من الهجرة. البخاري ج 3 ص 1108، ابن حجر: الإصابة ق 1 ج 3 ص 569.
(6)
ابن حجر: فتح الباري ج 13 ص 322.
وذَكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني خدارة إخوة بني خُدرة، عند الأطم الذي بجرار سعد
(1)
، ووضع يده صلى الله عليه وآله وسلم على الحجر الذي في أطم سعد بن عبادة صلى الله عليه وآله وسلم. قلت: وهذه الدار قبلي دار بني ساعدة وبئر بضاعة، مما يلي سوق المدينة، وكان سوق المدينة عُرضَه
(2)
ما بين المصلى إلى جرار سعد المذكورة، وهي جرار كان يَسقي الناس فيها الماء، كما ورد عنه، بعد وفاة أمه رضي الله عنه وعنها.
وذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد النور
(3)
ولا يُعلم اليوم مكانه، وكذلك صلى في مسجد بني واقف، وهو موضع بالعوالي كانت فيه منازل بني واقف من الأوس رهط هلال بن أمية الواقفي رضي الله عنه، أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في تخلفهم عن غزوة تبوك، ولا يُعرف مكان دارهم اليوم إلّا أنها بالعوالي
(4)
. وذُكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في المسجد الذي في دار سعد بن خيثمة رضي الله عنه بقباء، وجلسَ فيه. قلت: وبيت سعد بن خيثمة أحد الدور التي قبلي مسجد قباء، يدخلها الناس إذا زاروا مسجد قباء، ويصلون فيها ويتبركون بها. وهناك أيضًا دار كلثوم بن الهدم، وفي تلك العرصة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نازلًا قبل خروجه إلى المدينة، وكذلك أهله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل أبي بكر رضي الله عنه حين قدم بهم علي بن
(1)
بجرار سعد أي سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهي مجموعة من الجرار كان يملؤها بالماء ليشرب الناس منها بمثابة السبيل بالقرب من سوق المدينة وقتذاك.
(2)
عرضة أي السوق.
(3)
مسجد النور: في رواية للأسدي أنه يقع ناحية قباء. ولا يعرف سببٌ لتسميته بهذا الاسم إلّا أن يكون من حادثة عصا أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنه ما التي أضاءت لهما عند مسراهما من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إحدى الليالي الظلماء حتى وصلا إلى دارهما. (البخاري ج 3 ص 1384). وعندئذ سيكون موقعه في منازل عبد الأشهل شامي بني ظفر في طرف حرة واقم الشرقي. وكل ذلك مبني على الظن وليس على التقرير. انظر السمهودي: ج 3 ص 877.
(4)
وقد عاب السمهودي هذا الكلام من المؤلف فقال: «لا دار أعرف من دارهم» وحددها بأنها تقع في قبلة مسجد الفضيخ. وعلل عدم معرفة المطري بأنه من قلة اعتنائه بذلك. وفاء الوفاء ج 3 ص 875.
أبي طالب رضي الله عنه، بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة، وهن سودة بنت زمعة، وعائشة وأمها أم رومان، وأختها أسماء وهي حامل بعبد الله بن الزبير فولدته بقباء، قبل نزولهم إلى المدينة فكان أول مولود ولد من المهاجرين بالمدينة.
والمنازل المذكورة اليوم خراب ليس فيها إلّا حيطان قائمة، وآثار يُتَبركُ بها
(1)
.
وذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد التوبة
(2)
بالعصبة عند بئر هُجَيم
(3)
وليست اليوم بمعروفة، قلت: أما العصبة فهي غربي مسجد قباء، فيها مزارع وآبار كثيرة، وهي منازل بني جَحجبا بن كُلفة بطن من الأوس، وذُكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني أُنيف روى عاصم بن سويد عن أبيه، قال: سمعت مشيخة أنيف يقولون: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما كان يعود طلحة بن البراء رضي الله عنه قريبًا من أطمهم، قال عاصم: قال أبي، فأدركتهم يرشون ذلك المكان ويتعاهدونه، ثم بنوه بعدُ، فهو مسجد بني أُنيف بقباء.
قلت: دار بني أُنيف وهم بطن من الأوس أيضًا بين قرية بني عمرو ابن عوف بقباء وبين العصبة والله أعلم.
(1)
هذا من وصف الواقع وقتذاك، وهو ما يفعله العامة، أما في الوقت الحالي فلا يوجد شيء من ذلك، بل إن تلك الدور قد أزيلت ودخلت في توسعة مسجد قباء وميادينه الجنوبية.
(2)
مسجد التوبة: كان يقع بجوار أطم الهجيم حتى ربما سمي بذلك، وأكد كل من المطري والسمهودي أنه غير معروف، وذكر العياشي أنه عثر عليه مبنيًا بالحجارة في الجنوب الغربي من العصبة في أحد البساتين هناك لرجل اسمه إبراهيم التركي. العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 296. إلّا أنه غير معروف لماذا سمي بهذا الاسم. السمهودي: وفاء ج 3 ص 876.
(3)
في الأصل هجم وكذلك في (ب). وجاء في (ص) أنه صلى في بئرهم فكأن هجم مصحفة عن هم، الملحقة ببئر. وذكر السمهودي أن أحد الأطم هناك يسمى الهجيم وأن البئر مضافة إليه، ج 3 ص 876.
وذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في المسجد الذي عند الشيخين، قلت: وهو موضع بين المدينة وبين جبل أحد على الطريق الشرقية، مع الحرة إلى جبل أحد
(1)
. وذُكر أنه من هناك غدا إلى أحد، يوم أُحد. لأن نزول قريش يوم أحد بالمدينة كان يومَ الجمعة بالمدينة، ثم لبس لأمته
(2)
وخرج هو وأصحابه على الحرة الشرقية حرة واقم المذكورة، وبات بالشيخين الموضع المذكور، وغدا صبح يوم السبت إلى أحد، ففيه كانت وقعة أحد في النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة.
وذكر
(3)
أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني خُطمة وأنه صلى في مسجد العجوز ببني خطمة، وهي امرأة من سُلَيم، وصلى في مسجد بني وائل قبيلتان من الأوس. قلت: ومنازلهم لا يُعرف مكانُها، إلّا أن الأظهر أنهم كانوا بالعوالي، شرقي مسجد الشمس
(4)
، لأن تلك النواحي كلها ديار للأوس، وما سَفُل من ذلك إلى المدينة ديار الخزرج، والله أعلم.
وذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد بني بَيَّاضة من الخزرج، قلت: وكانت ديارهم فيما بين دار بني سالم بن عوف بن الخزرج، بوادي رانوناء عند مسجد الجمعة، إلى وادي بطحان قِبلي دار بني مازن بن النجار، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين صلى الجمعة في بني سالم بن عوف برانوناء، ركب راحلته فانطلقت به حتى وازنت دار بني بياضة، تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن
(1)
مسجد الشيخين: يسمى هذا المسجد مسجد البدائع، أو العدوة، ويقع في الطريق الشرقي إلى أحد قبل الوصول إلى مجرى وادي قناة. وقد صلى فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو في طريقه إلى غزوة أحد. فهو أقرب إلى جبل أحد إلى الشمال من حارة السحمان حاليًا.
(2)
لأمته: أي خوذته.
(3)
ما زال المؤلف ينقل عن ابن زبالة، ويورد ذلك بعبارة ذكر ثم يعقب عليه بعبارة قلت.
(4)
الراجح أن مسجد بني خطمة ومسجد العجوز هما مسجد واحد تعددت مناسبات تسميته، كان يقع شرقي مسجد الشمس في شامي البستان المعروف هناك بالماجشونية، وقد رأى السمهودي آثارًا وآطامًا هناك رجح أنه يقع بينها. وفاء الوفاء ج 3 ص 873.
عمرو في رجال بني بياضة. ونقل عن محمد بن طلحة، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وكذلك رَوى عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه أبي أمامة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وروينا أيضًا في سنن أبي داود
(1)
قال: كنتُ قائد أبي بن كعب بن مالك حين ذهب بصره، فكنتُ إذا خرجتُ به إلى الجمعة فَسمع الأذان بها، صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة فمكثت حينًا على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلّا صلى عليه، واستغفر له، فقلتُ في نفسي: والله إنَّ هذا أبي، لَعجْزٌ أنْ لا أسألَه، ما لَه إذا سمع الأذان يوم الجمعة صلى على أبي أُمامة أسعد بن زرارة؟ قال: فخرجتُ به يوم الجمعة كما كنتُ أخرج، فلما سمع الأذان بالجمعة صلى عليه واستغفر له، قال: فقلتُ له: يا أبه
(2)
ما لَكَ إذا سمعت الأذان بالجمعة صليتَ على أبي أمامة؟ فقال: أي بُني كان أول من جمع بنا بالمدينة في هَزْم النَّبيت
(3)
من حرة بني بيَّاضة بموضع يقال له بقيع الخطمات
(4)
، قال: قلتُ كم كنتم؟ قال: أربعون رجلًا
(5)
.
ومن المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسجد بِفَيْفَاء الخبار
(6)
ذكر محمد بن
(1)
سنن أبي داود ج 1 ص 280.
(2)
هكذا في الأصل وفي (ص)، وفي (ب) يا أبة.
(3)
هزم النبيت: جاء في رواية أخرى في هزم الحرة أي في منخفض حرة بني بياضة وإذا علمنا أن الانخفاض فيها يكون في شرقها نتيجة الانحدار التضاريسي للمنطقة أدركنا أن موضع مصلاه صلى الله عليه وآله وسلم كان في تلك الناحية.
(4)
بقيع الخطمات: غير معروف الآن إلّا أن سياق الرواية يفيد أنه يقع حول مسجد بني بياضة إن لم يكن في موقعه.
(5)
مسجد بني بياضة: يبدو أنه الموقع الذي عرف بعد ذلك بمسجد بني بياضة في حرتهم إلى الغرب عن المصلى في منطقة الكاتبية حاليًا.
(6)
فيفاء الخبار: الفيفاء الصحراء وهي أرض منبسطة تقع في أصل جماء أم خالد أي الوسطى من الجماوات الثلاث، ولهذا روى بن شبة جزم الزبير بأنها من جماء أم خالد، وهذا الوصف ينطبق على الحي المعروف بالفيصلية، إلّا أن هذا الوصف يشمل المنطقة المعروفة باسم الدعيثة إلى الغرب من ذلك. إذا قصد من الوصف السابق لها بأنها تقع في أصل جماء أم خالد الغربي وهو ما يؤيده رأي المؤلف بعد قليل. السمهودي ج 3 ص 879، 1064.
إسحاق في سيرته، في غزوة العشيرة
(1)
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلك على نقب بني دينار، ثم على فيفاء الخبار، ونزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر
(2)
، يُقال لها ذات الساق، فصلى عندها فَثمَّ مسجده، وصُنِعَ له طعام عندها، فأكل منه، وأكل
(3)
الناس معه، فموضع أثافي البُرمة معلوم هناك، واستُقيَ له من ماء يُقال له المشيرب
(4)
.
قلت: وفيفاء الخبار غربي الجماوات المذكورة قبلُ، وهي الجبال التي في غربي وادي العقيق، وهي أرض فيها سهولة، وفيها حَجرَة وحفاير. والفيفاء بفاءين بينهما ياء مثناة من تحت، والخبار بخاء معجمة وباء موحدة ثم ألف وراء مهملة، وهو الموضع الذي كانت ترعى فيه إبل الصدقة ولقاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه ورد في رواية أنها إبل الصدقة، وفي أخرى أنها لقاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها كانت ترعى بذي الجُدُر
(5)
غربي جبل عير، على ستة أميال من المدينة، والروايتان صحيحتان، ووجه الجمع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت له
(1)
غزوة العشيرة: العشيرة تصغير لواحدة شجر العُشَر، وهو شجر يكثر في الحجاز، وهي هنا موقع بالقرب من ينبع النخل، تنسب له غزوة العشيرة، وقد كان مسجده معروفًا في زمن السمهودي، والعشيرة اليوم قرية معروفة هناك. انظر السمهودي: وفاء ج 3 ص 1026.
(2)
بطحاء بني أزهر: لم أجد لها تعريفًا وأرجح أنها أول فيفاء الخبار، ووصفها بأنها بطحاء يرجح أنها أرض سهلة، وهذا ينطبق على حي الفيصلية المعروف.
(3)
في الأصل فأكل، وما أثبتناه من (ب) و (ص).
(4)
المشيرب: يبدو أنه غدير أو مجرى ماء يقع في فيفاء الخبار، وهو غير المشيرب الواقع في شمال ذات الجيش لبعد الأخير.
(5)
ذو الجدر: قاع أو وادٍ بدليل ما يفيده النص حيث كانت ترعى فيه الإبل، وقد حدده المؤلف بأنه يقع غربي جبل عير، وحدده العياشي بأنه في أعلى بطحان قرابة أربعة أكيال جنوب مسجد قباء حيث يوجد قاع هناك ينطبق عليه الوصف، والموقعان محتملان إلّا أن رأي العياشي أرجح على أن يفهم رعي إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه بمعزل عن غزوة العشيرة المشهورة لأنه يقع في ناحية بعيدة عن اتجاهها. إلّا أن يكون ذلك تعمية من القوم حيث أخذوها من جنوب المدينة وساقوها طويلًا واتجهوا بها إلى أقصى غرب المدينة.
إبل من نصيبه من المَغْنم، وكان يشرب ألبانها، وكانت ترعى مع إبل الصدقة، فَأُخبِر مرة عن إبله، ومرة عن إبل الصدقة، وأن النفر من عُكْل
(1)
أو من عُرينة
(2)
اجتووا
(3)
المدينة فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها فلحقوا بها، فلما سمتوا وصَحُّوا قتلوا الراعي، وكان اسمه يسارًا من موالي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستاقوا الإبل، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارسًا، واستعمل عليهم كُرْز بن جابر الفِهري. ونقل ابن سعد
(4)
عن ابن عقبة أن أمير الخيل يومئذ سعيد بن زيد، أحد العشرة رضي الله عنه م. فأدركوهم وأحاطوا بهم، فربطوهم وأردفوهم على خيلهم، وردوا الإبل، ولم يفقدوا منها إلّا لُقحة واحدة من لِقاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تدعى الحِنَّا، فسأل عنها فقيلَ نحروها، فلما دخلوا بهم المدينة، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغابة أسفل المدينة، فخرجوا ..... فلقوه بالزغابة، وهو راجع إلى المدينة، وهو موضع معروف اليوم يجتمع فيه سيل قناة، وسيل بُطحان. فأَمر بهم صلى الله عليه وآله وسلم فقُطعت أيديهم، وأرجلُهم، وسُملت
(5)
أعينهم، وصُلبوا هناك، هذه المساجد المذكورة بالمدينة التي لا تُعرف إلّا نواحيها
(6)
.
(1)
عكل: قبيلة عربية من الرباب.
(2)
عرينة: قبيلة كانت لها منازل على طريق تبوك بالقرب من المدينة ولذلك لما أخذوا إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذهبوا في ذلك الاتجاه، والله أعلم.
(3)
اجتووا: أي كرهوا الإقامة في المدينة لعدم موافقة جوها لهم فأصابهم الجوى أي داء الجوى لذلك. ابن منظور ج 1 ص 539.
(4)
ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 2 ص 94، ولم يرد عنده في هذه النسخة أن أمير الخيل كان سعيد بن زيد كما أشار المؤلف.
(5)
سملت: أي فقئت. وإن صح هذا فهو من النادر لأن السمل لم يشتهر عند المسلمين.
(6)
هذا في حدود معلومات المؤلف أما من جاء بعده مثل السمهودي فقد حدد كثيرًا منها وعرف مواقعها، ولا يزال بعضها معرفًا إلى الآن. كذلك أغفل المؤلف ذكر بعض المساجد التي ذكرها ابن زبالة الذي ينقل عنه مثل مسجد بني عمرو بن مبذول، ومسجد السنح، ومسجد بني وائل، ومسجد عتبان بن مالك، ومسجد صدقة الزبير، ومسجد القرصة وغيرها. وقد نقل السمهودي بإسهاب مرويات ابن زبالة حولها. وفاء الوفاء ج 3 ص 854 - 875.
ذكر المشهور من المساجد في الغزوات وغيرها
منها مسجد بعِصْر
(1)
، وهو موضع على مرحلتين من المدينة، صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند خروجه إلى خيبر. ومنها مسجد بالصَّهباء
(2)
، وهي من أدنى خيبر، رَوى مالك رحمه الله بسنده
(3)
إلى سويد بن النعمان رضي الله عنه، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء، وهي من أدنى خيبر، نزل فصلى العصر، ثم دعا بالزاد فلم يؤتَ إلّا بالسّويق
(4)
، فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ، ومسجده بها معروف. ومنها مسجد ببدر، كان عند العريش الذي بني لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر، وهو معروف اليوم ببدر، يُصلى فيه بِبطْن الوادي بين النخيل، والعينُ قريبة منه. ومنها مسجد بالعشيرة من بطن ينبع، مسجد كبير هناك. ومنها مسجد بالحُديبية
(5)
لا يُعرف اليوم.
(1)
في الأصل بعص والصحيح ما أثبتناه بكسر أوله وسكون ثانيه موضع شمال المدينة على طريق خيبر، وذكر ابن إسحاق أن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مسجدًا هناك، ووصفه المؤلف بأنه يبعد عند المدينة قرابة (80) كيلًا في الطريق نحو خيبر. ياقوت: معجم البلدان ج 4 ص 128.
(2)
الصهباء: موضع قبل خيبر بقرابة 24 كيلًا جنوبًا، وما زال معروفًا إلى اليوم وربما أخذ اسمه من الجبل الأحمر القائم هناك.
(3)
مالك: الموطأ ج 1 ص 26.
(4)
السويق: يصنع من القمح المحمص بعد طحنه ولته بالسمن ونحوه وكان يعتمد عليه المسافرون والجند في زادهم وما زال معروفًا في المدينة.
(5)
الحديبية: بالتشديد والتخفيف، والأخير أصح، نسبة إلى بئر أو شجرة محدودبة، تقع على مشارف مكة، على طريق المدينة، واختلف هل هي داخلة في حدود الحرم أم خارجه، عسكر فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الغزوة المشهورة وهناك تم صلح الحديبية بينه وبين قريش، وتعرف الآن بالتنعيم، وهناك يقع أحد مساجده، وكان يعرف بمسجد التنعيم. ياقوت الحموي: معجم البلدان ج 1 ص 229؛ السمهودي: وفاء الوفاء ج 3 ص 1020.
قلت: ولم أرَ في أرض مكة شرفها الله تعالى أحدًا اليوم يعرف الحديبية، ولا يتحقق مكانها أين هو، إلّا الناحية لا غير. ومنها مسجد بِلَيَّة
(1)
من أرض الطائف، وهي وادي الطائف، ووادي لَيَّة قريب من ثمانية أميال أو نحوها. قال ابن إسحاق: سلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فرغ من حُنين متوجهًا إلى الطائف على نخلة اليمانية، ثم على قَرْن وهو مَهل أهل نجد، ثم على المُلَيح
(2)
ثم على بَحْرة الرُّغاء
(3)
من لية، فابتنى بها مسجدًا وصلَّى فيه.
قلت: وهذا المسجد اليوم معروف وسط وادي لية رأيتُهُ، وعنده أثرٌ في حَجَر يُقال إنه أثر خف ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقادَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ببحرة الرّغا حين نزلها بدمٍ، وهو أول دم أُقيد في الإسلام، رجل من بني ليث، قتل رجلا من هذيل فقتله له، قال ابنُ إسحاق
(4)
: ثم سلك من لَيّة على نَخِب
(5)
وهي عقبة في الجبل حتى نزل تحت سدرة، يُقال لها الصادرة. ثم ارتحل فنزل بالطائف، وكان قد نزل قريبًا من حصن الطائف، فقُتل جماعة من أصحابه بالنبل، فانتقل منه إلى موضع مسجده الذي بالطائف اليوم. قلت: وهو جامعٌ كبيرٌ فيه منبر عال، عُمِل في أيام الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء.
(1)
لية: وقد فصل المؤلف وصفه وما زال معروفًا باسمه إلى اليوم في شمال الطائف.
(2)
المليح: غير معروف.
(3)
بحرة الرغا: في الأصل بدون همز. وهي موضع من أعمال الطائف قرب وادي لَيَّة شمال الطائف.
(4)
ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ج 5 ص 154.
(5)
نخب بفتح أوله وكسر الخاء المعجمة وادٍ يقع شمالي الطائف بمسافة ثلاثين كيلًا تقريبًا. مر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثم خرج من عقبة في أعلاه فنزل الطائف وربما انصرف اسم الوادي في زمن المؤلف على تلك العقبة كما ذكر في المتن. انظر أيضًا ياقوت الحموي: معجم البلدان ج 5 ص 275.
وفي ركنه الأيمن القِبْلي قبر أبي العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ما، في قبة عالية، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحن هذا الجامع، بين قبتين صغيرتين، يُقال إنهما بُنيتا في موضع قبتي زوجتيه صلى الله عليه وآله وسلم اللتين كانتا معه عائشة وأم سلمة رضي الله عنه ما
(1)
.
قلتُ: ورأيت بالطائف شجرات من شجر السدر عمريَّات
(2)
يُذكر أنهن من عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ينقل ذلك خلفُ أهل الطائف عن سلفهم، فمنهن واحدة دور جذرها خمسة وأربعون شبرًا، وأخرى تزيد على الأربعين، وأخرى سبعة وثلاثون، وكل ذلك شبرتُه. وأخرى يُذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم مر بها، وهو على راحلته، فانفرق جذرها نصفين، يدخل الراكب بينهما، يذكرون أن ناقته صلى الله عليه وآله وسلم دخلتْ من بينهما وهو ناعس، والله أعلم بصحة ذلك
(3)
. رأيتها قائمةً وجذرها مفترق يدخل الراكب منه، لا يلحق رأسه، وذلك في سنة ست وتسعين وست مئة، وأكلتُ من ثمرها، وحملتُ منه إلى المدينة للبركة
(4)
، ثم دخلتُ الطائف في سنة تسع وعشرين وسبع مئة، فرأيتُها قد وقعت، ويبِست وجذرُها ملقًى لا يمسه أحد، ولا يُغيره من مكانه لحرمته بينهم.
وذكر ابنُ زَبالة أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين وصل إلى خيبر نزل بين أهل الشِّق
(5)
وأهل النَّطاة
(6)
وصلى إلى عوسجة
(7)
هنالك، وجعل
(1)
وما زال هذا الجامع يعرف باسم جامع عبد الله بن عباس، وقد اشتمل على المسجد الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هناك منذ عصر المؤلف، ثم جُدد بناؤه وتمت توسعته في العهد السعودي في هذا العصر.
(2)
أي معمرة.
(3)
هذا من الموضوعات وتهويمات العامة فهو مما لم يثبت.
(4)
مفاهيم التبرك ونحوها كانت بدعة شائعة في زمن المؤلف.
(5)
الشق: حصن بخيبر. ويطلق اليوم أيضًا على وادٍ هناك.
(6)
النطاة: يبدو أنه حصن كان معروفًا أما اليوم فهو حصن ووادٍ بمدينة خيبر.
(7)
عوسجة: شجرة قصيرة تتكور حول بعضها خضراء اللون، تثمر حبيبات حمراء تكثر في بلاد العرب، وتنبت على حواف الأودية وفي أسافل الجبال.
حول مصلاه أحجار ليُعرف بها، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على رأس جبل بخيبر، يُقال له شمران
(1)
، ويُعرف اليوم شمران فثم مسجد من ناحية سهم بني النزار. قلتُ: ويعرف هذا الجبل اليوم بِمَسْمَران بالسين المهملة. ورَوى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ميلان في ميلين من خيبر مقدس»
(2)
، وأنه قال صلى الله عليه وآله وسلم:«نعم القريبة في سُنَيات المسيح خيبر» يعني الدجال
(3)
، ورَوى أيضًا عن عبد العزيز بن محمد، عن عكرمة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عكرمة، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خيبر مقدسة، والسوارقية
(4)
مؤتكفة
(5)
»
(6)
. ورُوي عن مروان بن معاوية، عن كبير المؤذن، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنه ا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من بنى لله بيتًا بنى الله له بيتًا في الجنة، ولو مثل مفحص القطاة، قالت: قلتُ: يا رسول الله، والمساجد التي بين مكة والمدينة؟ قال: نعم»
(7)
. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى الأمين، وعلى آله المجتبين، وصحبه الأكرمين، وسلم عليه وعليهم أجمعين/. وحسبنا الله ونعم الوكيل
(8)
.
(1)
شمران: جبل بخيبر، ويشير المؤلف أن اسمه تعرض لتعريف كما ذكره في المتن.
(2)
هذا من الموضوعات رواه ابن زبالة وقد كذبوه.
(3)
هذا من الموضوعات كالسابق.
(4)
السوارقية: قرية قديمة ما زالت معروفة وعامرة إلى اليوم تقع بالقرب من مهد الذهب على مسافة (170) كيلًا جنوب المدينة.
(5)
مؤتفكة: أي ذات أشجار كثيفة والمعنى أنها واحة زراعية تنعم بالماء والخضرة. وهو ما يوافق واقعها في كثير من العصور.
(6)
من الموضوعات رواه ابن زبالة وقد كذبوه.
(7)
هذا الحديث من رواية ابن زبالة وقد كذبوه، وفيه كثير بن عبد الرحمن ضعيف أيضًا، إلّا أن صدره صحيح وقد ورد بطرق وألفاظ مختلفة. مسلم ج 4 ص 2287.
(8)
هكذا تم الكتاب بهذه العبارة في كل النسخ التي اعتمدت عليها في التحقيق.
فُرِغ من تعليق إتمامه نهار الاثنين، خامس شهر شوال سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، بدمشق المحروسة، ولله الحمد على كل حال، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العزيز الحكيم
(1)
/.
(1)
جاء في الأصل في هامش هذه الصفحة الأيمن عبارتا بلغ مقابلة، بلغ سماعًا، واسم الناسخ بنفس خط المتن وهو محمد بن أبي الفتح محمد بن أحمد الحسني علي. كما ختمت الصفحة بأسماء بعض المتملكين للكتاب، وختم عارف حكمت مؤرخًا بعام 1266 هـ.
تتمة
(1)
لهذا الباب غير داخلة في السماع
(2)
قال ابنُ النجار
(3)
: بنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسجده مربعًا، وجعلَ قبلته إلى بيت المقدس، وطوله سبعين ذراعًا في ستين ذراعًا، أو يزيد. وجعل له ثلاثة أبواب، باب في مؤخره، وباب عاتكة، هو باب الرحمة. والباب الذي كان يدخل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو باب عثمان.
ولما صرفت القبلة إلى الكعبة سد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الباب الذي كان خلفه، وفتح بابًا حذاه
(4)
، فكان المسجد له ثلاثة أبواب: باب خلفه، وباب عن يمين المصلى، وباب عن يساره. وقال الحافظ أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمران العبدري الأندلسي رحمه الله في كتابه، في ذكر دار الهجرة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسَّمِيط
(5)
لبنةً
(1)
وردت هذه التتمة في الأصل وكذلك في بعض النسخ المتأخرة للكتاب في هذا الموضع بخط مختلف وهُمشت بما يفيد مقابلتها على أصلها. أما في (ب) و (ص) فقد جاءت متقدمة بُعيد ذكر منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه، وبين الأسطوانات المشهورة في الروضة، وهي أقرب وألصق إلى هناك، ونظرًا لحرص الأقدمين عليها، وتتمة للفائدة أوردتها وأبقيتها في موضعها كما وردت في أصل النسخ التي اعتمدت عليها في التحقيق على الرغم من أننا ندرك أن تأخيرها إلى هذا الموضع هو من عمل مالكها الأول أو من قبل أحد النساخ، ريثما تتم إجازتها.
(2)
غير داخلة في السماع أي غير مجازة أو مقابلة.
(3)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 69.
(4)
حذاه: أي بمحاذاته.
(5)
السميط: هو الآجر بعضه فوق بعض. ابن منظور ج 3 ص 202.
على لبنة، ثم بالسعيدة
(1)
لبنة ونصف أخرى، ثم كثروا فقالوا: يا رسول الله، لو زيد فيه، ففعل فبنى بالذكر والأنثى، وهي لبنتان مختلفتان. وكانوا رفعوا أساسه قريبًا من ثلاثة أذرع بالحجارة، وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مئة ذراع، وكذا في العرض فكان مربعًا. وفي رواية جعفر، ولم يُسطَّح فَشكَوا الحر، فجعلوا خَشبَه وسواريه جذوعًا، وظللوا بالجريد ثم بالخصف. فلما وكف
(2)
عليهم طينوه بالطين، وجعلوا وسطَه رحبة، وكان جداره قبل أن يظلل قامة وشبرًا. وحُولت القبلة بعد الهجرة بستة عشر شهرًا قبل بدرٍ بشهرين في مسجد بني سلمة، الذي يُقال له مسجد القبلتين في صلاة الظهر، وقيل: كان ذلك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة العصر يوم الإثنين في النصف من رجب، على رأس سبعة عشر شهرًا من الهجرة، وحُولت إلى الكعبة فطأطأ له جبريل الجبال حتى أبصر ميزاب الكعبة، فعدل قبلته إلى موضع الميزاب، قال رزين عن أنس: لم يزد أبو بكر رضي الله عنه في المسجد شيئًا لأنه اشتغل بالفتح ثانيًا.
فلما وَلي عمر رضي الله عنه قال: إني أريد أن أزيد في المسجد، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«ينبغي أن يُزاد في المسجد»
(3)
ما زدتُ فيه شيئًا. وعن ابن عمر قال: كثر الناس في عهد عمر، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، لو وسَّعتَ في المسجد، فزاد فيه عمر، وأدخل فيه دار العباس، فجعل طوله أربعين ومئة ذراع، وعرضه عشرين ومئة/، وبدَّل أساطينه بأُخر من جذوع النخل، كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسقفه بجريد، وجعل سترة المسجد فوق ذراعين، أو ثلاثة، وكان بنى أساسه بالحجارة إلى أن بلغ قامة، وجعل له ستة أبواب بابين عن يمين القبلة، وبابين عن يسارها، وبابين خلفها.
(1)
السعيدة: هي اللِّبن يبنى به. ابن منظور ج 3 ص 147.
(2)
وكف: أي خرَّ. وفي المثل كلٌّ له من زمانه واكف.
(3)
لم أعثر له على حكم.
فلما فرغ من زيادته قال: لو انتهى بناؤه إلى الجبانة
(1)
لكان الكل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال أبو هريرة: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لو زيد في هذا المسجد ما زِيد كان الكل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
(2)
فلو مد إلى باب داري، ما عدوتَ الصلاة فيه»
(3)
، وعن ابن أبي ذئب أن عمر بن الخطاب قال: لو مُد مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذي الحليفة لكان منه، وقال عمر بن أبي بكر الموصلي بلغني عن ثقاتٍ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ما زيد في مسجدي فهو منه، ولو بلغ ما بلغ»
(4)
. قال ابن النجار
(5)
: قال أهل السير، زاد عمر من جهة القبلة إلى موضع المقصورة اليوم، وزاد عن يمين القبلة وذكر الأذرع المتقدمة، قال: وجعل طول السقف أحد عشر ذراعًا، وسقفه جريدًا ذراعين
(6)
، وبنى فوق ظهره سترةً ثلاثة أذرع.
قال رزين: ولما كان سنة أربع من خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، كلمه الناس أن يزيد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشكوا إليه ضيقه، فشاور عثمان أهل الرأي، فأشاروا عليه بذلك، فصعد المنبر فخطب، ثم أعلمهم بذلك، كالمستشير والمعلِّم لهم بما يُريد، قال: وقد تقدمني إلى مثل ذلك عمر بن الخطاب فحسَّنوا له ذلك، فدعا العمال وجَدَّ فيه، فأمر بالقُصة
(1)
الجبانة: المقبرة وهي هنا موضع كان في شمالي المدينة عند جبل ذباب الذي عليه مسجد الراية أما اليوم فهو في حارة النصر ويبعد عن المسجد النبوي قرابة كيلين. انظر أيضًا: السمهودي: وفاء ج 4 ص 1173، 1214.
(2)
في (ب) كان الكل مسجدي، بحذف كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(3)
بهذا اللفظ لم نعثر عليه في مظانه.
(4)
كالسابق.
(5)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 94.
(6)
في الأصل وسقفه جريد ذراعان.
فأُتِي بها من بطن نخل
(1)
، فبناه بالحجارة المنقوشة والقصَّة، وجعل العمد منقوشة، وسقْفه ساجًا. وجعل طوله ستين ومئة ذراع، وعرضه خمسين ومئة ذراع. وجعل الأبواب ستة كما كانت. قال ابن النجار
(2)
: وكان عمل عثمان في أول شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين، وفرغ منه لهلال المحرم سنة ثلاثين، وزاد من القبلة إلى موضع الجدار اليوم، وزاد فيه من المغرب أسطوانًا بعد المربعة.
قلت: أراد الأسطوانة التي رَفع أسفلها مربعًا قدر الجلسة، وهي منتهى زيادة عمر رضي الله عنه، وقبالة الأسطوانة التي زادها عثمان رضي الله عنه في الحائط القبلي طرازٌ آخذ من العصابة السفلى إلى سقف المسجد، وهو حد زيادة عثمان. قال
(3)
: وزاد فيه من الشام خمسين ذراعًا، ولم يزد فيه من المشرق شيئًا. وبنى المقصورة بِلبن وجعل فيها كُوة ينظر الناس منها إلى الإمام، وكانَ يُصلي فيها، خوفًا من الذي أصاب عمر، وكانت صغيرة. وجعل في عُمد المسجد أعمدةَ الحديد فيها الرصاص.
وباشر رضي الله عنه العمل بنفسه وكان يصوم النهار، ويقوم الليل، وكان لا يخرج من المسجد.
قال رزين: ثم لم يُزَد في المسجد شيء، حتى كان الوليد بن عبد الملك، وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة ومكة، فبعث إلى عمر بمالٍ وقال
(1)
بطن نخل: قرية كانت تقع على طريق البصرة من المدينة، وتبعد عنها قرابة 80 كيلًا، وكانت مشهورة بخصوبة أرضها وكثرة مائها حتى إنه ذكر أن فيها أكثر من ثلاث مئة بئر. ولعلها القرية المعروفة اليوم بالنخيل تصغير نخل فهي ما زالت بالوصف نفسه. ولكن أستبعد أن تكون هذه لبعد شقتها ومشقة نقل طينها إلى المدينة، وهي المليئة بالأطيان الصالحة للبناء، ومن ثم يكون المراد مكانًا أقرب والله أعلم.
(2)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 97.
(3)
قال أي ابن النجار نفسه.
له: زِدْ في المسجد، ومَنْ باعك فأعطِه ثمنَه، ومَنْ أبى فاهدمْ عليه، وأعطه المال، فإن أبى أن يأخذه فاصرفه إلى الفقراء. وأرسل الوليد إلى ملك الروم
(1)
فقال: إنا نريد أن نُعمر مسجد نبينا الأعظم، فأعنّا بعمال، وفسيفساء
(2)
، فبعث إليه بثمانين عاملًا، أربعين عاملًا من الروم، وأربعين من القبط، وبثمانين ألف مثقال
(3)
، وبأحمال من الفسيفساء، وبأحمال من سلاسل القناديل
(4)
.
واشترى عمر بن عبد العزيز الدور، وأدخلها مع حجرات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد، وأدخل القبر الشريف فيه، قال: فبينما أولئك العمال من الروم يعملون يومًا، خلا لهم المسجد، فقال أحدهم لأصحابه لأبولن على قبر نبيهم، فنهوه فأبى، فتهيأ لذلك فأُلقي على رأسه فانتثر دماغه/، فأسلم بعض أولئك الروم لذلك
(5)
.
وكان عمر [قد] خَمّر النورة التي تعمل بها الفسيفساء سنة، وجعل العمدَ حجارةً حشوها عمدَ الحديد والرصاص. وكان أولئك العمال يصنعون بالفسيفساء في الحيطان قصورًا وأشجارًا، فصور أحدهم خنزيرًا، فأمر به عمر فضُربت عنُقه
(6)
.
ووضع عمر القبلة بعد أن دعا مشيخة أهل المدينة من قريش والأنصار والعرب والموالي، وقال: احضُرُوا قبلَتكم فوضعوها على ما كانت عليه،
(1)
ملك الروم وقتذاك هو الإمبراطور جستنيان الثاني في فترة حكمه الثانية.
(2)
الفسيفساء: هي قطع صغيرة ملونة من الرخام والخزف تزين بها الجدران والأسقف والمداخل، ويضرب بتعدد ألوانها المثل. والكلمة أعجمية.
(3)
المثقال: حدة وزن.
(4)
أي سلاسل حديدية تعلق بها.
(5)
هذه الأخبار من مرويات ابن زبالة، وكتابه لا يزال مفقودًا، وقد نقلها عن بالتفصيل السمهودي ج 2 ص 519.
(6)
نفسه.
وجعل للمسجد أربع مناراتٍ في كل ركن واحدة، وفرغ عمر من بنائه في ثلاث سنين، وجعل عمر بنيان الحجرة الشريفة على خمس زوايا، لئلا يستقيم لأحدٍ استقبالها بالصلاة، لتحذيره صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك، قال ابن النجار
(1)
: وجعل طولَه مئتي ذراع، وعرضَه في مقدمه مئتين، وفي مؤخره مئة وثمانين.
قلت: وهذه الذرعة التي ذكرها ابن النجار في عرضه غير صحيحة، وفي كتابه في ذكر ذرع المسجد ما يُبطلها، على أن ما ذكره في ذكر ذرع المسجد، وهو المنقول عنه فيما تقدم قبل هذه التتمة غير صحيح أيضًا. وذلك أني اعتبرت ذرعته فوجدت طوله من القبلة إلى الشام بعد اعتبار جانبيه، فكانا سواء مئتين وأربعين ذراعًا ونصف ذراع، ووجدت عرضه من جهة القبلة مئة واثنين وستين ذراعًا، ومن جهة الشام مئة وتسعة وعشرين ذراعًا، يزيد مُقدمه على مُؤخره ثلاثة وثلاثين ذراعًا، الجميع بذراع المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وهو ذراع اليد المتوسطة
(2)
.
قال
(3)
: وكانت المنارة الرابعة مُطلة على دار مروان، فلما حج سليمان ابن عبد الملك أذن المؤذن وهو في الدار، فأمر بتلك المنارة فهدمت إلى ظهر المسجد
(4)
. قلت: ولم يزل المسجد الشريف على ثلاثة منارات، إلى أن جددت المنارة الرابعة المذكورة في التاريخ الآتي ذكره بعد هذا.
(1)
الدرة الثمينة ص 100.
(2)
يبدو أن المؤلف ذرع أطوال المسجد النبوي في وقته بينما قصد ابن النجار أطوال المسجد بعد توسعة الوليد له، وفات المؤلف أن تلك الأطوال زادت بعد ذلك بفضل زيادة الخليفة المهدي وتوسعته للمسجد النبوي ولو أنها أيضًا جاءت مختلفة عما ذكره ابن النجار عن أطوال المسجد بعد توسعة المهدي على الرغم من أن كلًا من ابن النجار والمطري يذكر أنه قاسها بنفسه.
(3)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 100.
(4)
لم أجد في أخبار الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي كان واليه على المدينة في هذا الوقت عمر بن عبد العزيز ما يؤيد هذه الرواية.
قال ابن النجار: لما حج المهدي سنة ستين ومئة، فقدم المدينة منصرفًا من الحج، استعمل عليها جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، سنة إحدى وستين، وأمره بالزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فزاد في المسجد من جهة الشام إلى منتهاه اليوم، فكانت زيادته مئة ذراع ولم يزد فيه من غيرها من جهاته شيئًا.
قلت: وهذه الذرعة أيضًا لا تصح يعارضها ما تقدم له في بناء عثمان والوليد، وما ذكره أيضًا في ذكر ذرع المسجد، وكذلك أيضًا لا تصح له ما تقدم، من أن عثمان رضي الله عنه زاد من جهة الشمال خمسين ذراعًا، لأنه اتفق هو ورَزينُ على أن عمر رضي الله عنه جعل طول المسجد مئة وأربعين ذراعًا، وأن عثمان رضي الله عنه جعل طوله مئة وستين، وكذلك أيضًا لا يَصح ما ذكره رزين مِن أنّ عثمان رضي الله عنه جعل عرض المسجد مئة وخمسين، وفساد هذا ظاهر، لأن عثمان لم يدخل أبيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وانتهت زيادته من جهة المغرب إلى الطراز الذي تقدم ذكره، يَتَحصّل مما اتفق عليه رزين وابنُ النجار- رحمهما الله- أن زيادة الوليد من شامي المسجد أربعون ذراعًا، وزيادة المهدي أربعون ذراعًا، والله أعلم.
قال ابن النجار
(1)
: وطول المسجد في السماء خمس وعشرون ذراعًا، وذكر ابنُ زبالة أن طول منائره خمس وخمسون ذراعًا، وعرضهن ثمانية أذرع، قال: وكان المطر إذا كثُر في الصحن يغشى القبلة، فَجُعل بين القبلة والصحن حجاز من حجارة يمنع الماء
(2)
.
قلت: لعل هذا سبب ارتفاع القبلة على مصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والله أعلم. هذا آخر التتمة والحمد لله وحده
(3)
.
(1)
ابن النجار: الدرة الثمينة ص 108.
(2)
ابن النجار: ص 105.
(3)
عبارة والحمد لله وحده لم ترد في (ب)، وكذلك لم ترد في (ص) عبارة هذا آخر التتمة وما بعدها.