الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعليق على الرحيق المختوم
محمود بن محمد الملاح
الطبعة: الأولى (للتدمرية)، 1438 هـ - 2017 م
كانت أول طبعة للكتاب عن الدار العالمية للنشر والتوزيع، الإسكندرية - مصر، 1431 هـ - 2010 م
مقدمة فضيلة الشيخ عبد الله بن مانع الروقي -حفظه الله-
للطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه طبعة جديدة، منقحة، ومزيدة من كتاب التعليق على الرحيق المختوم، وما أحوجنا إلى النظرة في السيرة النبوية العطرة؛ لتزكو نفوسنا، وتطهر أفئدتنا، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى القدوات الصادقة المخلصة، ولن تجد نفساً أطهر ولا أصدق من نفس نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو القدوة الذي زكى الله خلقه، قال تعالى:(وإنك لعلى خلق عظيم)(القلم: 4)، نفوس الأتباع تحتاج إلى تصحيح ومقابلة على تلك النفس الصادقة الصحيحة؛ فيحصل لها القرب، وتحصل لها الحظوة، اللهم ارزقنا صدق الاقتداء، وحسن الاتباع، وأحيينا على سنته، وأمتنا على طريقته، واحشرنا في زمرته، يا رحيم يا ودود، والحمد لله رب العالمين ..
وكتب
أبو محمد 26 صفر 1438 هـ
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالسيرة النبوية هي الميدان العملي للإسلام فمنذ نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء إلى وفاته صلى الله عليه وسلم نزلت الأحكام، وشرعت الشرائع، وأسس الدين، ونصبت القبلة، وعرف الحلال والحرام، وصححت العقائد؛ وذلك من خلال المواقف والأحداث التي مر بها الرسول صلى الله عليه وسلم مع المحيطين به من الصحابة، والكفار، وأهل الكتاب وغيرهم سواء أكان ذلك في الحرب أم في السلم؛
لذا قال الخطيب البغدادي-رحمه الله: (تتعلق بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام كثيرة، فيجب كتبها والحفظ لها)، وقال الزهري-رحمه الله:(في علم المغازي علم الآخرة والدنيا).
(1)
لذا حرص الصحابة-رضي الله عنهم والسلف الصالح على مدارسة السيرة النبوية ومغازي الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفة حياته وهديه وقد وصف عبيد الله بن عتبة مجلس ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (ولقد كنا نحضر عنده فيحدثنا العشية كلها في المغازي).
(2)
(1)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 195)، والبداية والنهاية (3/ 242).
(2)
مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن الزبير ص (23).
ومما يدل على اعتناء السلف بالمغازي ما ذكره الخطيب البغدادي-رحمه الله عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: (كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا وسراياه، ويقول: يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها).
وروى أيضاً عن علي بن الحسين أنه كان يقول: (كنا نُعَلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نُعَلَّم السورة من القرآن).
(1)
وقد كتب العلماء السيرة ودونوا أحداثها ووثقوا مواقفها بصورة لا توجد لبشر إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيها (ما يعينهم على فهم كتاب الله تعالى؛ لأنها هي المفسرة للقرآن الكريم في الجانب العملي، ففيها أسباب النزول، وتفسير لكثير من الآيات فتعينهم على فهمها، والاستنباط منها، ومعايشة أحداثها، فيستخرجون أحكامها الشرعية، وأصول السياسة الشرعية، ويحصلون منها على المعارف الصحيحة في علوم الإسلام المختلفة، وبها يدركون الناسخ والمنسوخ وغيرها من العلوم، وبذلك يتذوقون روح الإسلام ومقاصده السامية، ويجد فيها الزهاد معاني الزهد وحقيقته ومقصده، ويستقي منها التجار مقاصد التجارة وأنظمتها وطرقها، ويتعلم منها المبتلون أسمى درجات الصبر والثبات، فتقوى عزائمهم على السير في طريق دعوة الإسلام وتعظم ثقتهم بالله عز وجل، ويوقنوا أن العاقبة للمتقين).
(2)
ومن ينظر في القرآن الكريم يجد الإشارة إلى كثير من أحداث السيرة وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم مثل:
سورة العلق إشارة إلى بدء الوحي وأول ما نزل من القرآن الكريم.
سورة المدثر إشارة إلى التكليف بالرسالة والنذارة عن الشرك والدعوة إلى التوحيد.
سورة الضحى إشارة إلى فترة الوحي.
(1)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 195)، والبداية والنهاية (3/ 242).
(2)
انظر: مدخل لدراسة السيرة ص (14)، د. يحيى اليحيى.
سورتا النجم والإسراء إشارة إلى الإسراء والمعراج.
سورة الأنفال إشارة إلى غزوة بدر الكبرى.
سورة آل عمران إشارة إلى غزوة أحد.
سورة الحشر إشارة إلى غزوة بني النضير.
سورة الأحزاب إشارة إلى غزوة الأحزاب والخندق.
سورة المنافقون إشارة إلى غزوة بني المصطلق.
سورة النور إشارة إلى حادثة الإفك.
سورة الفتح إشارة إلى صلح الحديبية وغزوة خيبر.
سورة التوبة إشارة إلى الهجرة وغزوة حنين.
سورة النصر إشارة إلى فتح مكة وقرب وداع الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولو دققت النظر وأمعنت الفكر لوجدت إشارات كثيرة إلى أحداث السيرة في سور القرآن الكريم كالممتحنة والتحريم والمائدة والفرقان وغيرها.
ومن ينظر في كتب السنة من الصحاح والسنن والمسانيد يجد من أفرد للمغازي والسير كتباً كما فعل البخاري ومسلم وأصحاب السنن يجد فيها تفاصيل لكثير مما أجمل ذكره في القرآن الكريم.
وقد اعتبر العلماء السيرة من العلوم التي يتساهل في ذكر أحداثها ورواية الضعيف فيها كما فعل ابن إسحاق في سيرته، والواقدي في مغازيه، وغيرهم ممن جمع الأخبار الواردة بإسنادها دون تمحيص وتحقيق لها كما فعل المحدثون في رواية السنة النبوية.
قال عبد الرحمن بن مهدي-رحمه الله: (إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال).
(1)
(1)
دلائل النبوة للبيهقي (1/ 34).
قال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله: (ثلاثة كُتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير).
(1)
وقد اختلف في تفسير كلام الإمام أحمد على أقوال منها ما ذكره الإمام الخطيب حيث فقال: "وهذا الكلام محمولٌ على وجه، وهو أنّ المراد به كُتُبٌ مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها، لسوء أحوال مُصنّفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصّاص فيها. فأما كتب الملاحم، فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة، والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول-صلى الله عليه وسلم من وجوه مَرضية، وطرق واضحة جلية. "
وقد فسرها الحافظ ابن حجر رحمه الله بكثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذه العلوم حيث ثم قال
(2)
: " وقال الإمام أحمد: ثلاثة كتب ليس لها أصول: وهو المغازي، والتفسير، والملاحم، قلت: ينبغي أن يُضاف إليها الفضائل، فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة، إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي، وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي، وفي الملاحم على الإسرائيليات، وأما الفضائل فلا تُحصى. كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت، وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية، بل بفضائل الشيخين، وقد أغناهما الله وأعلى مرتبتهما عنها".
بالرغم من هذا فقد انتقد المحققون من أهل العلم صنيع هؤلاء في ذكر الضعيف والمنكر والموضوع في السيرة النبوية.
(1)
رواه الخطيب بإسناد صحيح عنه في الجامع (2/ 162)، ومما يحسن التنبيه عليه أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة أصول التفسير رواها بالمعنى مما أوقع في اللبس فقال:(ثلاثةُ أمورٍ ليس لها إسناد: التفسيرُ، والملاحمُ، والمغازي، ويروى: ليس له أصلٌ، أي: إسناد).
(2)
مقدمة كتاب لسان الميزان (1/ 13)، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1390 هـ/ 1971 م.
فقد قال الإمام الذهبي-رحمه الله تعليقاً على سيرة ابن إسحاق
(1)
: (وَلَا ريب ابْنَ إِسْحَاقَ كثَّرَ وَطوَّلَ بِأَنْسَابٍ مُسْتَوْفَاةٍ، اخْتصَارُهَا أَملحُ، وَبأَشعَارٍ غَيْرِ طَائِلَةٍ، حَذفُهَا أَرْجَحُ، وَبآثَارٍ لَمْ تُصحَّحْ، مَعَ أَنَّهُ فَاتَهُ شَيْءٌ كَثِيْرٌ مِنَ الصَّحِيْحِ، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، فَكِتَابُهُ مُحْتَاجٌ إِلَى تَنقِيحٍ وَتَصْحِيْحٍ، وَرِوَايَةِ مَا فَاتَهُ).
وقال الإمام الذهبي تعليقاً على القاضي عياض في كتابه الشفا
(2)
: (تَوَالِيفُه نَفِيْسَةٌ، وَأَجَلُهَا وَأَشرفُهَا كِتَابُ "الشفَا" لَوْلَا مَا قَدْ حشَاه بِالأَحَادِيْث المفتعلَة، عَمَلَ إِمَامٍ لَا نَقد لَهُ فِي فَن الحَدِيْث وَلَا ذَوْق، وَاللهُ يُثيبه عَلَى حسن قصدهِ، وَيَنْفَع بِـ"شِفَائِهِ"، وَقَدْ فَعَلَ، وَكَذَا فِيْهِ مِنَ التَّأْوِيْلَات البعيدَة أَلوَان، وَنبينَا -صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ وَسلَامه- غنِيٌّ بِمدحَه التنزِيل عَنِ الأَحَادِيْث، وَبِمَا تَوَاتر مِنَ الأَخْبَار عَنِ الآحَاد، وَبِالآحَاد النّظيفَة الأَسَانِيْد عَنِ الوَاهيَات، فَلِمَاذَا يَا قَوْم نَتشبع بِالمَوْضُوْعَات؟ فَيتطرق إِلَيْنَا مَقَالُ ذَوِي الْغل وَالحسد، وَلَكِن مَنْ لَا يَعلم مَعْذُور).
قال الدكتور عمر بن سليمان الاشقر رحمه الله
(3)
: (إن تنقية السيرة مما شابها واجب كفائي مناط بالعلماء، فالمسلمون كانوا وما يزالون يرجعون إلى كتب السير، وفيها الصحيح والضعيف والموضوع، ويأخذون تلك الروايات أخذ المصدق بها المذعن لها، ونتج عن هذا أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ولم يفعله، ولم يحدث في زمانه.
وانتشرت روايات السيرة التي ضمتها كتب السيرة صحيحة وضعيفة في مؤلفات العلماء، وحدث بها الدعاة والوعاظ، واستدل بها العوام وطلبة العلم، وكل هذا أحدث خللًا كبيرًا عند هؤلاء جميعًا، ومن هنا كانت
(1)
سير أعلام النبلاء للذهبي (6/ 267)، طبعة دار الحديث، عام 1427 هـ.
(2)
سير أعلام النبلاء (15/ 51).
(3)
مقدمة كتاب صحيح السيرة للعلي (ص: 6)، ط. دار النفائس، الأردن، الأولى 1425 هـ.
الحاجة كبيرة وملحة لتنقية السيرة مما شابها، تصحيحًا للمسار، ونصحًا لله ولرسوله والمؤمنين، وإعانة للعلماء وطلبة العلم والدعاة والوعاظ).
ويقول الدكتور أكرم ضياء العمري- حفظه الله-
(1)
:
(أما اشتراط الصحة الحديثية في قبول الأخبار التاريخية التي لا تمس العقيدة والشريعة ففيه تعسف كثير، والخطر الناجم عنه كبير، لأن الروايات التاريخية التي دونها أسلافنا المؤرخون لم تُعامل معاملة الأحاديث، بل تم التساهل فيها، وإذا رفضنا منهجهم فإن الحلقات الفارغة في تاريخنا ستمثل هوّة سحيقة بيننا، وبين ماضينا مما يولد الحيرة والضياع والتمزق والانقطاع
…
لكن ذلك لا يعني التخلي عن منهج المحدثين في نقد أسانيد الروايات التاريخية، فهي وسيلتنا إلى الترجيح بين الروايات المتعارضة، كما أنها خير معين في قبول أو رفض بعض المتون المضطربة أو الشاذة عن الإطار العام لتاريخ أمتنا، ولكن الإفادة منها ينبغي أن تتم بمرونة آخذين بعين الاعتبار أن الأحاديث غير الروايات التاريخية، وأن الأولى نالت من العناية ما يمكنها من الصمود أمام قواعد النقد الصارمة).
أقول: لا مانع في ذكر الروايات الضعيفة في السيرة
• ما لم تتعلق بالعقائد.
• أو بالحلال والحرام.
• أو يستدل بها على صحة بعض الأفعال، أو الأقوال.
• أو ما لم يكن فيها نقص لمقام النبوة والرسالة.
• أو إساءة لصحابي.
• أو نشر للبدع والمحدثات.
• أو الترويج لمنهج ضال منحرف.
(1)
دراسات تاريخية، ص (27).
والأفضل مع ذكر الروايات الضعيفة في السيرة أن يتبعها بيان ضعفها؛ فكم من القصص الباطلة والمكذوبة انتشرت بين الناس من خلال السيرة وصار إنكارها من الصعوبة بمكان؛ لشهرتها، وللجهل بالصحيح الوارد في موطنها.
وينبغي للدارس للسيرة النبوية أن يفرق بين ضعف نسبة الكلام للرسول صلى الله عليه وسلم وبين وجود ما يدل على أصل الحدث التاريخي.
مثال: حديث: " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ضعيف على شهرته في كتب المغازي كما قرر الألباني في السلسلة الضعيفة حديث (1163) ولا يعني ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعف عن أهل مكة، أو أنهم لا يسمون الطلقاء؛ لما ثبت في البخاري (4333)، ومسلم (1059) واللفظ له عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان، وغيرهم بذراريهم ونعمهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف، ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه، حتى بقي وحده، قال: فنادى يومئذ نداءين، لم يخلط بينهما شيئا، قال: فالتفت عن يمينه، فقال: "يا معشر الأنصار" فقالوا: لبيك، يا رسول الله، أبشر نحن معك، قال: ثم التفت عن يساره فقال: "يا معشر الأنصار" قالوا: لبيك، يا رسول الله، أبشر نحن معك، قال: وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: "أنا عبد الله ورسوله"، فانهزم المشركون، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئاً، فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا، فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة، فقال: "يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني عنكم؟ " فسكتوا، فقال: "يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم؟ " قالوا: بلى، يا رسول الله، رضينا، قال: فقال: "لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار شعباً، لأخذت شعب الأنصار".
مثال آخر: المقاطعة الاقتصادية من قريش للرسول صلى الله عليه وسلم-والمسلمين ومن تعاطف معهم في خيف بني كنانة.
ورد في الصحيح ما يدل على المقاطعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر، وهو بمنى:"نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر" يعني ذلك المحصب، وذلك أن قريشا وكنانة، تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب، أو بني المطلب: أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ سَلَامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ، وَيَحْيَى بْنُ الضَّحَّاكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ. وَقَالَا: بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: بَنِي الْمُطَّلِبِ أَشْبَهُ.
(1)
لكن تفاصيل المقاطعة وتعليق الصحيفة في جوف الكعبة والسعي في نقضها من قبل جماعة من قريش وأن الأرضة أكلتها ماعدا ما فيه ذكر الله وردت من مراسيل كما قال الدكتور العمري-حفظه الله-
(2)
: (وقد ورد الخبر مفصلاً من مرسل أبي الأسود ومرسل الزهري
(3)
، كما ورد من مرسل عروة بن الزبير
(4)
، ونظراً لأن الزهري وأبا الأسود من تلاميذ عروة، فإن ثمة احتمالاً قوياً أنهما يرويان الخبر عنه، مما يجعل المرسل
(5)
لا يقوى بالتعدد لوحدة مخرجه.
وإذا لم تثبت رواية في تفاصيل دخول المسلمين شعب أبي طالب، فإن أصل الحادث ثابت، كما أن ذلك لا يعني عدم وقوع تفاصيل الحادث
(1)
متفق عليه، رواه البخاري (ح 1590) واللفظ له، ورواه مسلم (ح 1314).
(2)
السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/ 181)، مكتبة العلوم والحكم بالمدينة، الطبعة السادسة، 1415 هـ.
(3)
بإسناد حسن إلى أبي الأسود والزهري (دلائل البيهقي (2/ 311 - 314) والدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر (27 - 30).
(4)
بإسناد ضعيف إليه فيه محمد بن عمرو بن خالد الحراني لم أقف له على ترجمة وابن لهيعة ضعيف. (الدلائل لأبي نعيم (1/ 357 - 362)، والدلائل للبيهقي (2/ 314)).
(5)
يعني مرسل أبي الأسود والزهري، إذ هما أقوى سنداً إليهما من مرسل عروة الذي لم يثبت عنه من طريق صحيحة.
تأريخياً، فإن عروة رائد مدرسة المغازي، وهو إنما يروي عن الصحابة في الغالب).
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله
(1)
: (وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ اكْتَفَى بِإِيرَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى أَصْلِ الْقِصَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَوْرَدَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي مِنْ ذَلِكَ كَالشَّرْحِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: "تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ").
الجديد في الطبعة الثانية:
1 -
تصحيح الأخطاء الواقعة في الطبعة الأولى وأهمها السقط ص (153) حيث سقط تخريج إرسال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للتثبت من موقف المشركين، وسقط ذكر موقف سعد بن الربيع رضي الله عنه يوم أحد، وبقي تخريجه.
2 -
المقارنة بين طبعتي كتاب الرحيق المختوم القديمة والجديدة، وإثبات ما بينهما من فروق، وما عدله المؤلف رحمه الله في الطبعة الجديدة.
3 -
إضافة تعليقات جديدة على كتاب الرحيق المختوم لم تكن موجودة بالطبعة الأولى.
4 -
كتابة مقدمة للطبعة الثانية ذكرت فيها فوائد دراسة السيرة النبوية وكيفية التعامل مع مروياتها.
5 -
كتابة مختصر لكتاب التعليق على الرحيق المختوم في آخر الكتاب بلغ مئة وخمسين تعليقاً.
6 -
زيادة عدد صفحات الكتاب مئة وخمسين صفحة تقريباً عن الطبعة الأولى مما جعله كأنه كتاب جديد.
(1)
فتح الباري (7/ 193)، دار المعرفة، بيروت، عام 1379 هـ.
وختاماً:
هذا الكتاب ليس تحذيرا من كتاب الرحيق المختوم، أو انتقاصاً من مكانته، أو تحقيقاً له كما كتب على غلاف الطبعة الأولى من قبل الناشر، وإنما عبارة عن جمع لأقوال أهل العلم وتعليقات على الرحيق المختوم كتبتها لنفسي ومن شاء من المسلمين، استفدت غالبها من كتب العلامة الألباني رحمه الله، والدكتور أكرم العمري -حفظه الله-، وكتاب ما شاع ولم يثبت في السيرة للشيخ محمد العوشن-حفظه الله-، وكتب أخرى تجدون الإشارة إليها في موطنها، وأسأل الله أن ينفع به ويكتب له القبول ويجعله من العلم النافع الذي يعود علي نفعه في حياتي وبعد مماتي، ورحم الله مسلماً وجد في كتابي خللاً فسده، ونقصاً فأكمله، وعيباً فدلني عليه وله مني الشكر والدعاء، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه أبو عبد الرحمن
محمود بن محمد الملاح
غفر الله له ولوالديه ولذريته والمسلمين
السعودية - مدينة الرياض العامرة حرسها الله من كل سوء
00966508457570
يوم السبت 20 من صفر عام 1438 هـ
الموافق 20/ 11/ 2016 م
مقدمة فضيلة الشيخ: عبدالله بن مانع الروقي- حفظه الله
-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الله - جل في علاه- قص على نبيه بعض ماكان من الحوادث التي سلى بها نبيه وصبره، حتى بلغ دعوة ربه.
وهذا القصص القرآني هو أحسن القصص وأكمله وأجمله كما قال جل وعلا: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)(يوسف: 3) وفي آخر السورة قال جل وعلا: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء هدى ورحمة لقوم يؤمنون)(يوسف: 111)
قال ابن سعدي-رحمه الله في تفسيره: ((أحسن القصص) وذلك؛ لصدقها وسلامة عباراتها ورونق معانيها
…
- إلى أن قال-: وأنها أحسن القصص على الإطلاق، فلا يوجد من القصص في شيء من الكتب مثل هذا القرآن). اهـ
ومن القصص الحسنة قصص خاتم النبيين- صلى الله عليه وسلم وأخباره في تبليغ رسالة ربه وما حصل له إزاء ذلك من قومه، وهو ما اصطلح عليه بالسيرة النبوية له عليه الصلاة والسلام.
ولما كان الله - تبارك وتقدس- قد تكفل بحفظ كتابه كما في قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(الحجر: 9) وكان هذا متضمناً
(1)
1 -
لحفظه عند إنزاله.
2 -
وحفظه بعد إنزاله، فالأول حفظه من مسترقي السمع من كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله إيداعه في قلب نبيه صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك في قلوب أمته.
3 -
ويتضمن حفظ ألفاظه من التغيير، أو التبديل، أو النقص.
4 -
ومتضمناً لحفظ معانيه؛ وكان هذا مستلزماً لحفظ السنة النبوية وما يحصل به حفظ الكتاب، فهذا القدر محفوظ، إذ السنة تكمل القرآن وتشرحه وتفسره وتبينه، والسيرة النبوية داخلة في هذا الالتزام، والله يتولى حفظه، وما كان خارجاً عن ذلك حيث يقوم الدين وتثبت الملة بدونه فهذا قدر يسير
…
وقد نقب علماء الإسلام وبحثوا في أسانيد الحديث والأخبار النبوية، وضربوا أروع الأمثلة في التثبت، وبيان صحيح الأخبار من سقيمها، وقعدوا قواعد محكمة، وأسسوا أصولاً ثابتة حفظت - بفضل الله- ما حفظت من دواوين الحديث والسنة وأخبار النبي- صلى الله عليه وسلم وأخبار أصحابه- رضي الله عنهم.
ولما كانت الأخبار التي لا تتضمن أحكاماً يحتاج إليها المرء في دينه مثل كثير من أخبار السيرة وحوادثها رواها الإخباريون وتناقلوها وألفوا فيها المؤلفات، وقد حرص كثير من محبي السنة وحملتها على الفحص والتدقيق لجملة الأخبار وتطبيق قواعد المحدثين عليها؛ نصحاً للمسلمين، وذباً عن أخباره عليه الصلاة والسلام.
وأقول: إن الأئمة المتقدمين لهم نظر في الأحكام والسنن، ونظر آخر
(1)
انظر تفسير السعدي لسورة الحجر آية (9).
في الأخبار المحضة التي هي من مكملات السيرة، وسادة لما فقد من حلقاتها، فشددوا في الأول، وتسامحوا في الثاني.
(1)
وإتماما وإفادة لقراء السيرة، والمتلذذين بسماعها؛ فحص جماعة من حملة العلم من الفضلاء ونقبوا في كل أخبار السيرة وهم كثر: كالألباني، والطرهوني، والعمري، والعوشن
…
ومنهم صاحب الفضيلة الشيخ: محمود بن محمد الملاح أحد طلاب العلم وحملته، فنقب على كتاب الرحيق المختوم لفضيلة الشيخ: صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله وكشف عن أخباره، وعلق عليه؛ فصار الكتاب - بعد هذا البحث - مرجعاً سليماً، وبحراً آمناً لمرتاديه والغائصين فيه، فجزاه الله خير الجزاء وأوفاه على ما نصح به .. وسدد قلمه وفكره ..
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه أبو محمد
عبدالله بن مانع الروقي
عشية الخميس غرة شعبان 1430 هـ
(1)
وهذا التسامح في الرواية والنقل شريطة ألا تكون الحادثة تتضمن نكارة يحيلها العقل، أو تردها الأخبار الصحيحة الأخرى، أو تتضمن شيناً أو عيباً على مسلم، أو مخالفة لقاعدة من قواعد الدين أو آدابه.
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد،
فإن قراءة السيرة النبوية ومدارستها تساعد المسلم على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم عن قرب؛ وهذا يؤدي إلى زيادة محبته واتباعه، وخصوصاً المطلعين على أخبار الدعوة وقصصها، وما لاقاه الرسول- صلى الله عليه وسلم من: مصاعب وأهوال وتكذيب وعناد من كفار قريش والطائف وغيرهم، وكيف صبر على أذاهم؛ حتى اضطروه للهجرة للمدينة، واستطاع أن يبني دولة جديدة، ويرفع قواعدها مع كثرة الأعداء والمنافقين المناوئين لها، واستطاع في ثمانية أعوام أن يعود لمكة فاتحاً منتصراً في عشرة آلاف مجاهد، و تحقق النصر، وجاء الفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ورفعت راية التوحيد في أرجاء الجزيرة،
…
كل هذه الأحداث العظيمة وغيرها حين تطالعها من كتاب الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري رحمه الله تشعر وكأنك تعيشها بنفسك؛ لما تميز به الكتاب من أسلوب رائع في عرض أحداث السيرة وتسلسلها مع سهولة في الألفاظ وجمال في العبارات.
ولكن المتأمل في الكتاب يجد بعض الملحوظات التي تحتاج إلى تعليق وإيضاح ومن هنا كان هذا الكتاب.
لماذا اخترت كتاب الرحيق المختوم
؟
اخترت كتاب الرحيق المختوم لدراسته والتعليق عليه لأسباب عدة منها ما يلي:
1 -
شهرة كتاب الرحيق المختوم فهو يعد من أشهر كتب السيرة حالياً، وقد انتشر بصورة كبيرة جداً، بل لو أحصيت عدد طبعاته لحاز المركز الأول على مستوى العالم الإسلامي في كتب السيرة النبوية.
2 -
كون كتاب الرحيق المختوم مرجعاً لكثير ممن يدرس السيرة النبوية، بل صار الكتاب المعتمد تدريسه في مقرر السيرة لكثير من المعاهد العلمية، والجامعات الإسلامية، والدورات الشرعية.
3 -
فوز الكتاب بالمركز الأول في مسابقة السيرة النبوية العالمية التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي، وأعلنت عنها عقب أول مؤتمر للسيرة النبوية الذي عقدته دولة باكستان في شهر ربيع الأول عام 1396 هـ، وهذا مما زاد الثقة بالكتاب، وأن ما جاء به لا اعتراض عليه.
4 -
وجود كثير من الملحوظات على كتاب الرحيق المختوم؛ وهذا دفعني إلى التعليق على الكتاب حرصاً على صفاء السيرة النبوية، وصحة ما يذكر فيها.
5 -
الاقتداء بعلمائنا فيما كتبوه من تعليقات على الكتب وخصوصاً المشهورة منها، وذات الأثر في واقع الناس، كما فعل العلامة الألباني رحمه الله مع كتاب فقه السيرة للغزالي وكذلك للبوطي أيضاً؛ وخصوصاً أن المباركفوري قد أفاد من الغزالي بصورة كبيرة في الأسلوب والمفردات والعبارات كما أفدت من كتب الألباني- رحمهم الله جميعاً-.
6 -
صلتي القوية بكتاب الرحيق المختوم؛ فقد درسته بتكليف من شيخي الفاضل: إبراهيم بن محمد عبدالعزيز رحمه الله وذلك في عام 1413 هـ، وسجلت حينها الملحوظات على نسختي الخاصة، وقد انتظرت أن يعلق على كتاب الرحيق المختوم غيري طوال هذه الفترة، أو أن
يصلح المؤلف- رحمه الله ذلك في الطبعة الجديدة، ولكن لم يكن شيء من ذلك، ومع إلحاح بعض من يظن فينا خيراً على إخراج هذه الملحوظات؛ استعنت بالله وحده على جمع مادة هذا الكتاب.
عملي في هذا الكتاب
1 -
قراءة كتاب الرحيق المختوم مرة أخرى، وقد سجلت ما رأيته من ملحوظات تحتاج إلى تعليق.
2 -
المقارنة بين الطبعة القديمة والجديدة، وقد أثبتت ما بينهما من فروق، وخصوصاً ما يتعلق بالملحوظات.
3 -
ذكر ترجمة مختصرة لمؤلف الرحيق المختوم الشيخ: صفي الرحمن المباركفوري-رحمه الله في أول الكتاب؛ حتى يعرفه القراء عن قرب، ويعلم الله عز وجل مدى حبي له، وتقديري لكتابه الرحيق المختوم، وأسأل الله أن يسقيه من الرحيق المختوم يوم القيامة؛ لتقريبه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين.
4 -
ذكر كلام المؤلف من الرحيق المختوم بنصه، وقد التزمت بذكر العنوان الذي جاء تحته؛ حتى يسهل الرجوع إليه بغض النظر عن اختلاف الطبعة، وصدرت كلام المؤلف بلفظ:(قوله:)، ثم ذكرت كلام أهل العلم على كلام المؤلف، موضحاً الخطأ والصواب حتى يكون القارئ على بينة.
…
5 -
تخريج الآيات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الآية بعدها مباشرة.
6 -
بيان أحكام الأحاديث الواردة في الكتاب من حيث الصحة والضعف معتمداً على كلام أهل العلم من السابقين والمعاصرين ناسباً القول لقائله، وستجد في الكتاب أقوالاً لابن القيم، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر، والشنقيطي، والألباني، وغيرهم.
7 -
ذكر معلومات المراجع كاملة مثل: اسم الكتاب، والمؤلف،
ودار النشر، والطبعة
…
وذلك عند ذكرها أول مرة مكتفياً بذلك عن ذكر المراجع في آخر الكتاب.
8 -
التعليق على كتاب الرحيق المختوم على ثلاثة أقسام:
الأول: عبارات للمؤلف، الأولى استعمال غيرها.
الثاني: أحاديث ضعيفة.
الثالث: حوادث وقصص في السيرة لم تثبت.
وحرصت على تعقبها، والتعليق عليها وفق تسلسل الكتاب؛ حتى يكون أسهل للقارئ.
9 -
وقد جعلت الكتاب من مقدمة وبابين وخاتمة على النحو التالي:
مقدمة: وضحت فيها سبب تأليف الكتاب.
الباب الأول: وفيه فصلان:
الفصل الأول: ترجمة المؤلف.
الفصل الثاني: أخطاء عدلها المؤلف في الطبعة الجديدة.
الباب الثاني: التعليق على كتاب الرحيق المختوم.
الخاتمة:
وقد سميت الكتاب (التعليق على كتاب الرحيق المختوم)
10 -
قد عرضت بعض مباحث الكتاب على شيخنا الأستاذ الدكتور: ناصر بن عبدالكريم العقل- حفظه الله-، وقد تفضل شيخنا الفاضل: عبد الله بن مانع الروقي- حفظه الله- بمراجعة الكتاب كاملاً، وعلق عليه، وقد أثبت تعليقاته منسوبة إليه، وقد كتب مقدمة للكتاب؛ و قد راجع الكتاب أيضاً أخونا الفاضل الشيخ: محمد بن عبد الله العوشن- حفظه الله- مؤلف كتاب (ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية)، وأبدى بعض الملحوظات وقد نفذتها، فجزاهم الله خيراً عن العلم وأهله.
ولا يظنن أحد أني بهذا أحذر من قراءة كتاب الرحيق المختوم، أو أني أنتقص من قدر المؤلف- رحمه الله وكتابه، وإنما كتبت ذلك؛ لعلمي بقيمة الكتاب وحرصي على كماله؛ ولأنه من أفضل ما كتب في السيرة في العصر الحاضر، أسأل الله أن يجزي مؤلفه خير الجزاء.
هذا، وما كان من خطأ، أو نسيان، أو زلل فأسال الله أن يعفو عنا، وأن يعاملنا بلطفه، وجزى الله خيراً من دلنا عليه، وما كان من صواب فأسأله سبحانه ألا يحرمنا الأجر، وأن يجعله من العلم النافع، ويكتب له القبول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
كتبه
.. أبوعبدالرحمن
محمود بن محمد الملاح
السعودية، مدينة الرياض
شهر رجب 1430 هـ
الباب الأول
وفيه فصلان:
الأول: ترجمة المؤلف.
الثاني: أخطاء عدلها المؤلف في الطبعة الجديدة.
الفصل الأول
ترجمة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري-رحمه الله
-
هذه جوانب موجزة من ترجمة علمٍ من أعلام أهل الحديث بالهند، الشيخ العلامة المحدث الفقيه صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
نسبه:
هو صفي الرحمن بن عبد الله بن محمد أكبر بن محمد علي بن عبد المؤمن بن فقير الله المباركفوري الأعظمي.
ولادته:
ولد الشيخ في 6 من يونيو 1943 م حسب ما دون في شهادته الصادرة بقرية من ضواحي مباركفور وهي معروفة الآن بقرية حسين آباد، الواقعة في مقاطعة أعظم كده.
أسرته:
تنتسب أسرة الشيخ إلى الأنصار وتعرف بهذا، ومن ينتسب إلى الأنصار كثيرون في الهند، ويزعم عامة هؤلاء ممن ينتمي إلى الأنصار هناك أنهم من ولد الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه والله أعلم.
تعليمه ودراسته:
تعلم في صباه القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة دار التعليم في
مباركفور سنة 1948 م وقضى هناك ست سنوات دراسية أكمل فيها دراسة المرحلة الابتدائية.
ثم انتقل إلى مدرسة إحياء العلوم بمباركفور في شهر يونيو سنة 1954 م، حيث بقي هناك خمس سنوات يتعلم اللغة العربية وقواعدها والعلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه وأصوله وغير ذلك من العلوم، حتى تخرج منها في شهر يناير سنة 1961 م، ونال شهادة التخرج بتقدير ممتاز.
كما حصل على الشهادة المعروفة بشهادة «مولوي» في فبراير سنة 1959 م.
ثم حصل على شهادة (عالم) في فبراير سنة 1960 م من هيئة الاختبارات للعلوم الشرقية في مدينة الله أباد بالهند.
ثم حصل على شهادة الفضيلة في الأدب العربي في فبراير سنة 1976 م.
جوانب من سيرة الشيخ العلمية والدعوية:
بعد تخرجه من كلية (فيض عام) اشتغل بالتدريس والخطابة وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الله في مقاطعة (الله آباد) وناغبور.
ثم دعي إلى مدرسة فيض عام بمئو وقضى فيها عامين.
ثم درس سنة واحدة بجامعة الرشاد في أعظم كده.
ثم دعي إلى مدرسة دار الحديث ببلدة مؤ في فبراير سنة 1966 م، وبقى هناك ثلاث سنوات يدرس فيها، ويدير شؤونها الدراسية والداخلية نيابة عن رئيس المدرسين.
ثم نزل ببلدة سيوني في يناير سنة 1969 م يدرس في مدرسة فيض العلوم، ويدبر جميع شؤونها الداخلية والخارجية نيابة عن الأمين العام ويشرف على المدرسين، إضافة إلى الخطابة في جامع سيوني، كما كان
يقوم بجولات في أطرافها وضواحيها لإلقاء المحاضرات بين المسلمين ودعوتهم إلى تعاليم الإسلام وفق الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح، ومحذراً من الشرك والمحدثات في الدين، وقضى هناك أربعة أعوام دراسية.
ولما رجع إلى وطنه في أواخر سنة 1972 م، درس في مدرسة دار التعليم، كما تولى إدارة شؤونها التعليمية، وقضى فيها سنتين دراسيتين.
ثم انتقل إلى الجامعة السلفية ببنارس بطلب من الأمين العام للجامعة سنة 1974 م، واستمر في القيام بالمسؤوليات التعليمية والتدريسية والدعوية فيها، لمدة عشر سنوات.
وفي تلك الفترة أعلنت رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عن عقد مسابقة عالمية حول السيرة النبوية الشريفة، وذلك في المؤتمر الإسلامي الأول للسيرة النبوية الذي عقد بباكستان سنة 1976 م، فألف الشيخ على إثر ذلك كتاب (الرحيق المختوم) وقدمه للجائزة، ونال به الجائزة الأولى من رابطة العالم الإسلامي.
ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ليعمل باحثاً في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية عام 1409 هـ الموافق (1988 م). وعمل فيه إلى نهاية شهر شعبان 1418 هـ الموافق (1997 م) ـ
ويقول الدكتور عاصم القريوتي: وكان أثر الشيخ المباركفوري رحمه الله في مجال السيرة النبوية متميزاً خلال عمله في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، وكان ذلك جلياً في الخطط التي وضعت من قسم السيرة الذي كان ركنه الأساس، ومن خلال نقده وتقاريره للكتب والبحوث التي كانت تحال إليه في السيرة النبوية للتحكيم، كما كان له التقدير والاحترام من الباحثين في المركز المذكور ومن أهل العلم والمسؤولين في الجامعة الإسلامية بالمدينة.
ثم انتقل إلى مكتبة دار السلام بالرياض، وعمل فيها مشرفاً على قسم البحث والتحقيق العلمي إلى أن توفاه الله عز وجل.
من أهم مناصبه:
تولى الشيخ في حياته مناصب عدة أبرزها:
1 -
تدريسه في الجامعة السلفية ببنارس الهند.
2 -
تعيينه أميناً عاماً لجمعية أهل الحديث المركزية بالهند فترة من الزمن.
3 -
تعيينه باحثاً في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
4 -
توليته الإشراف على قسم البحث والتحقيق العلمي في مكتبة دار السلام بالرياض.
5 -
رئاسته لتحرير مجلة (محدث) الشهرية باللغة الأردية بالهند.
من أخلاق الشيخ:
(والشيخ رحمه الله، كان متواضعاً سهلاً ليناً، يداعب الصغير والكبير، لا يحب الإطراء والمدح بعيداً عن الأضواء. حتى إنه كان ليناً مع خصمه، وأذكر أنه في عام 1420 هـ وفي إحدى محاضراته والحضور بالمئات فسئل الشيخ عن حكم صلاة الوتر على صفة صلاة المغرب؟ فقال الشيخ: إن الصلاة بهذه الصفة منهي عنها كما في حديث: "ولا تشبهوا بصلاة المغرب"
(1)
. فقام رجل من الحاضرين وقاطع كلام الشيخ أمام الملأ وقال: ليس كما قلت بل ثبت عن عائشة أنها صلت مثل المغرب. فسكت الشيخ، وفي قرارة الشيخ أن ما ذكره الرجل خطأ، ثم قال: لا أعلم إلا هذا الحديث والذي ذكرته لم أطلع عليه، ثم التفت إلى والدي وهو بمنزلة طلبته وسأله عن الحديث أمام الحاضرين متثبتاً ......
فقلت متأملاً: كيف يقوم رجل بين مئات الحاضرين وفي مجلس يضم
(1)
رواه ابن حبان في صحيحه (2429)، والدار قطني في سننه (2/ 47)، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/ 558):(روي موقوفاً ومرفوعاً بنحوه بإسناد على شرط الشيخين)، وصححه الألباني في صلاة التراويح (100).
جمعاً من الدعاة وطلبة العلم، ويرد على الشيخ متجاوزاً حدود الأدب والاحترام مع العلماء بل مخالفاً لآداب المجلس وأدب الحديث، ويعترض بجهل، لكن ومع ذلك يرد عليه الشيخ بكل حلم: لا أعلم؛ ثم يبين له أن الحديث ليس بمعروف بين طلبة العلم فيسأل أحد طلبته، ولا يجد فيه غضاضة، فرحم الله الشيخ رحمة واسعة.
كان الشيخ ينصح طلبته والمشايخ باللين والرفق دائماً ففي لقائه المنشور في مجلة الاستقامة لما سئل عن تصدر بعض أنصاف الطلبة للفتوى والقدح في العلماء قال: ما ذكرته في سؤالك من تصدر الأحداث للدعوة والفتوى، وكذلك للجرح والتعديل
…
إلخ. هذه مصيبة عظيمة وخطورة كبيرة، وتقع المسؤولية المباشرة في ذلك على العلماء المتصدرين للتعليم والفتوى والتربية، فكل عالم عليه مسؤولية توجيه طلبته التوجيه السليم، وإلا فإثمهم عليه، لأنه لم يمنعهم من الوقوع في الأخطاء، لأنهم غير مؤهلين، بل (ترك لهم الحبل على الغارب)، وعلى أبناء الدعوة السلفية الإقبال على إصلاح أنفسهم، وتكميل تربيتهم على الحق والعدل والرحمة، والتأسي بمنهج الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في اللين والحكمة والعدل والإنصاف واحترام أهل العلم والدعوة، قال عليه الصلاة والسلام:"ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه")
(1)
من نتاج الشيخ العلمي:
للشيخ أشرطة كثيرة لدروسه ومحاضراته إلا أن الجزء الكبير منها باللغة الأردية وله بالعربية من الأشرطة:
1 -
فضل أهل الحديث.
2 -
أثر الإيمان في بناء دولة الإسلام.
وهي موجودة في موقع طريق الإسلام.
(1)
انظر مقال: المباركفوري .. سقاك الله من الرحيق المختوم كتبه كليم بن مقصود الحسن على موقع المسلم.
http:// www.almoslim.net/ node/ 83645
مؤلفاته:
للشيخ مؤلفات عديدة في التفسير والحديث النبوي والمصطلح والسيرة النبوية، والدعوة، وهي تربو على ثلاثين كتاباً باللغتين العربية والأردية،
ومن أشهرها وأهمها باللغة العربية:
1 -
الرحيق المختوم: (وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من خمس عشرة لغة مختلفة).
2 -
روضة الأنوار في سيرة النبي المختار.
3 -
منة المنعم في شرح صحيح مسلم.
4 -
إتحاف الكرام في شرح بلوغ المرام.
5 -
بهجة النظر في مصطلح أهل الأثر.
6 -
إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب.
7 -
الأحزاب السياسية في الإسلام، وقد طبع من قبل رابطة الجامعات الإسلامية.
8 -
تطور الشعوب والديانات في الهند ومجال الدعوة الإسلامية فيها.
9 -
الفرقة الناجية خصائصها وميزاتها في ضوء الكتاب والسنة ومقارنتها مع الفرق الأخرى.
10 -
البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في كتب الهند والبوذيين.
11 -
المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير.
وأما مؤلفاته باللغة الأردية فمن أهمها ما يلي:
12 -
ترجمة كتاب الرحيق المختوم.
13 -
علامات النبوة.
14 -
سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
15 -
نظرة إلى القاديانية.
…
16 -
فتنة القاديانية والشيخ ثناء الله الأمرتسرى.
17 -
لماذا إنكار حجية الحديث؟
18 -
إنكار الحديث حق أم باطل؟
19 -
المعركة بين الحق والباطل.
20 -
الإسلام وعدم العنف.
المقالات:
وقد كتب الشيخ رحمه الله العديد من المقالات في موضوعات إسلامية مختلفة تبلغ المئات، وقد نشرت في مجلات وصحف مختلفة في بلاد متعددة.
تلاميذه:
للشيخ تلاميذ كثيرون من خلال تدريسه في مدارس الهند ومدارسها والجامعة السلفية ببنارس.
كما قرأ عليه عدد من طلبة العلم بالمملكة العربية السعودية كتباً عدة، إبان عمله بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالمدينة النبوية.
عنايته بالأسانيد:
امتاز علماء الهند بالعناية بالأسانيد والإجازات فيها، وكان للشيح عناية بذلك إقراءً وإجازةً، وممن قرأ عليه بالمدينة الشيخ المقرئ حامد بن أكرم البخاري، وقرأ عليه الدكتور
عبد الله الزهراني أطرافاً من صحيح الإمام البخاري مع أطراف الكتب الستة. وأما من استجازه في الحديث الشريف وعلومه فكثيرون.
كما حصل للشيخ ما يعرف في مصطلح الحديث بالتدبيج مع الدكتور عاصم بن
عبد الله القريوتي، وذلك بإجازة كل منهما للآخر، وحصول الرواية لهما بذلك.
أولاده:
وقد ترك الشيخ خلفه ثمانية أولاد: أربعة ذكور وأربع إناث، والذكور هم: طارق، والابن الثاني فيض الرحمن موظف في جدة، والابنان الآخران تخرجا من الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية ويقومان بمهمة الدعوة في الهند.
وفاته:
توفي الشيخ عقب صلاة الجمعة 10/ 11/ 1427 هـ الموافق 1/ 12/ 2006 م، في موطنه مباركفور أعظم كر بالهند، بعد مرض ألَمَّ به، جعل الله ذلك كفارة له ورفعاً لدرجته وتغمد الله الشيخ بالرحمة الواسعة، وأدخله فسيح جناته
(1)
(1)
كتبها: طارق بن صفي الرحمن المباركفوري، وهذبها وأضاف إليها بعض الإضافات د. عاصم بن عبد الله القريوتي.
وانظر مقال: المباركفوري .. سقاك الله من الرحيق المختوم كتبه كليم بن مقصود الحسن على موقع المسلم.
http:// www.almoslim.net/ node/ 83645
الفصل الثاني
الأخطاء في الطبعة القديمة التي عدلها المؤلف في الطبعة الجديدة
توجد بعض الأخطاء في الطبعة القديمة للرحيق المختوم
(1)
وقد عدلها المؤلف-رحمه الله في الطبعة الجديدة
(2)
، سأذكرها هنا مع توضيح التعديل؛ حتى لا ينسب للمؤلف ما تراجع عنه بنفسه، وحتى يعدلها القراء الذين لديهم الطبعات القديمة، وسأقتصر في التعليق هنا - غالباً- على كلام المؤلف.
لماذا عدل المؤلف رحمه الله الطبعة القديمة
؟
الجواب يظهر من خلال كلام المؤلف رحمه الله في المقدمة حيث يقول: (وكنت أعاني - مع ضيق الوقت والاشتغال بأعمال أخرى- قلة المصادر، وعدم القدرة على مراجعة كل ما هو موجود، وكانت الدقة مطلوبة عندي بصفة خاصة مع تجنب الحشو والزوائد، والإحاطة بالموضوع بقدر الإمكان، وقد مررت بأماكن شعرت فيها بشيء من الفجوة والفراغ، وبحاجة إلى إضافات لم تكن في مستطاعي في ذلك الحين. فكل ما كان بالإمكان هو التسويد السريع لما هو موجود، ثم نسخه أو استنساخه بغير مراجعة أو تنقيح.
(1)
اعتمدت طبعة دار الوفاء مع دار الحديث بالقاهرة لعام 1411 هـ - 1991 م.
(2)
اعتمدت طبعة دار الوفاء مع دار ابن الجوزي بالدمام لعام 1434 هـ.
وقد بقيت في النفس رغبة إلى ملء تلك الفجوة والفراغ وإضافة بعض الزيادات فيما بعد، ولكن مضت الأيام والأعوام ولم يقدر لي ذلك، حتى تَقادم العَهْدُ وانفلت الزمامُ، وكنت أحيانًا أثبت في الكتاب أشياء، وربما أقدم أو أؤخر، أو أضيف أو أعدل أشياء، وهي وإن لم تكن عين ما كانت تتحدث به النفس عند التأليف، لكنها مهمة ومفيدة في السيرة - إن شاء الله-، وكذلك اطلعت على مصادر قديمة أغنتني إلى حد كبير عما كنت أحَلْتُ إليه من المراجع الحديثة، فأدخلت كل ذلك في هذه الطبعة بتوفيق الله.
وقد كنت أرجو ظهور بعض الملحوظات العلمية القيمة، أستفيد بها في صلب بعض الموضوعات، لكن الذي وصلني منها لا يمس الجوهر، وإنما يمس بعض الأمور الجانبية التي لا تقدم ولا تؤخر، يضاف إلى ذلك أن معظمها خطأ واضح، بل تَخَبُّطٌ غريب لم يكن يُرْجَى مثله من عامة الدارسين، فضلًا عن أصحاب التخصص.
وهذه الطبعة التي تتضمن هذه الإضافات والتغييرات تكون أفضل وأكثر فائدة من الطبعات السابقة - إن شاء الله -، وهي الطبعة الشرعية الوحيدة مع تلك الإضافات والتعديلات. وقد طبع الكتاب قبل ذلك من جهة الرابطة عدة طبعات، كما طبعه بعض الإخوان بإذن من المؤلف، ولكن هناك عشرات الطبعات كلها غير شرعية قام بها الناشرون بغير إذن من المؤلف ولا إشعار له، مستغلين سمعة الكتاب.)
قلت: طبعات الكتاب التي تأخذ إذناً بالطباعة من رابطة العالم الإسلامي مازالت هذه الأخطاء موجودة فيها؛ لأنها تطبع الكتاب على النسخة الأولى التي تقدم بها المؤلف لمسابقة السيرة النبوية، وذلك مثل طبعة دار أولي النهى بالرياض عام 1426 هـ؛ ولذا أنصح القراء بشراء الطبعة الجديدة الشرعية التي تطبعها دار الوفاء بمصر صاحبة الحق الشرعي في نشر الكتاب كما يتضح من تفويض المؤلف رحمه الله للدار في آخر صفحات الكتاب ص (504).
أهم التعديلات التي أجراها المؤلف في طبعته الجديدة هي:
أولاً: الإحالة إلى المصادر الرئيسة من دواوين السنة وكتب السيرة والتاريخ كما هو واضح في الغالب من الحاشية في عموم الكتاب.
ثانياً: تعيين المبهم وتصحيح أسماء الرجال وضبطها، ومن ذلك:
الأول: تغييره (فاختار باذان رجلين ممن عنده) إلى (فاختار باذان رجلين ممن عنده أحدهما: قهرمانه بانويه وكان حاسبًا كاتباً بكتاب فارس. وثانيهما: خرخسرو من الفرس) ص 359.
الثاني: تغييره (الحارس بن الصمة) إلى (الحارث بن الصمة) ص 286.
الثالث: تغييره (ثميلة بن عبدالله الليثي) إلى (نميلة بن عبدالله الليثي) ص 333.
الرابع: تغييره (واستخلف على المدينة عويف أبا رهم الغفاري) إلى (عويف بن الأضبط الديلي، أو أبا رُهم الغفاري) ص 388.
الخامس: تغييره (وصرخ جبلة أو كلدة بن الجنيد) إلى (كلدة بن الحنبل) ص 418.
السادس: تغييره (يقال له القلس) إلى (الفُلْس) ص 428
…
إلخ
ثالثاً: ضبط أسماء الأماكن وتحديد مسافتها وكذلك تاريخ الأحداث والغزوات والسرايا ومن أمثلة ذلك:
الأول: تغييره:
(2 - بنو النضير،
3 -
بنو قريظة، وهاتان القبيلتان كانتا حلفاء الأوس، وكانت ديارهما بضواحي المدينة.)
إلى (2 ـ بنو النَّضِير: وكانوا حلفاء الخزرج، وكانت ديارهم بضواحى المدينة.
3 -
بنو قُرَيْظة: وكانوا حلفاء الأوس، وكانت ديارهم بضواحى المدينة.) ص 198.
الثاني: تغييره (وهو صنم لهذيل برهاط، على ثلاثة أميال من مكة) إلى (على قرابة 150 كيلو متر شمال شرقي مكة) ص 413.
الثالث: تغييره (ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان من نفس السنة 8 هـ) إلى (في شوال من نفس السنة 8 هـ) ص 413.
الرابع: تغييره (وكانت هذه الغزوة (غزوة بني سليم) في شوال سنة 2 هـ بعد الرجوع من بدر بسبعة أيام) إلى (بسبعة أيام، أو في المحرم للنصف منه) ص 249.
الخامس: تغييره (وفي أوائل سنة 7 هـ من الهجرة) إلى (في سنة 7 هـ) ص 353
…
إلخ
رابعاً: تغيير الأسلوب والألفاظ في التعبير عن الأحداث بما يليق بها مثل: (هدنة الحديبية) إلى (صلح الحديبية) انظر ص 354، 369، (وأخطر كسب عن فتح مكة) إلى (أعظم فتح) ص 415، (وهو دأبه تعالى) إلى (هي سنته تعالى) ص 438
…
إلخ
خامسا: ذكر معاني الكلمات الغريبة في الحاشية كما في ص 71، 72، 74، 184، 185، 204، 416، 417، 444
…
إلخ
وسوف أذكر أهم التعديلات التي أجراها المؤلف رحمه الله في الطبعة الجديدة مقارنة بالطبعة القديمة في الصفحات التالية:
الحالة الاجتماعية
1 -
قوله: (روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فكان منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر: كان الرجل
يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر: يجتمع الرهط دون العشرة. فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها. فإذا حملت، ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها. ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها. وهن البغايا، كنّ ينصبن على أبوابهن رايات، تكن علما لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم.)
قال في الهامش: أبو داود، كتاب النكاح، باب وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية.
التعديل: قال: (روى البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فكان منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح (يسمى) نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر: يجتمع الرهط دون العشرة. فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها. فإذا حملت، ووضعت ومر (ت) ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، (ف) تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان، (ف) تسمي من أحبت
(منهم) باسمه فيلحق به ولدها ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها. وهن البغايا، كنّ ينصبن على أبوابهن رايات، تكن علماً لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم هدم نكاح (أهل) الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم.
قال في الهامش: صحيح البخاري ح (5127)، وسنن أبي داود، كتاب النكاح، باب وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية. وما بين المعقوفين من سنن أبي داود.
قلت: أضاف البخاري في الرواية لكن الحديث رواه أبو داود في كتاب الطلاق حديث رقم (2272)، وليس كما ذكر المؤلف في كتاب النكاح، باب وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية. وصححه الألباني.
2 -
قوله: (روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قام رجل فقال:
يا رسول الله! إن فلاناً ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية. الولد للفراش وللعاهر الحجر"، وقصة اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة - وهو عبد الرحمن بن زمعة- معروفة (3).
قال في الهامش: (3) أبو داود باب الولد للفراش.
التعديل: قال: (روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قام رجل فقال: يا رسول الله! إن فلانا ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية. الولد للفراش وللعاهر الحجر" (3)، وقصة اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة- وهو عبد الرحمن بن زمعة- معروفة (4).
(3)
أبو داود باب الولد للفراش.، ومسند أحمد 2/ 207.
(4)
وانظر لهذه القصة: صحيح البخاري، ح (2053، 2218، 2421، 2533، 2745، 4303، 6749، 6765، 6817، 7182) فتح الباري 4/ 342.
قلت: وضع المؤلف رحمه الله رقم الهامش في آخر الكلام خطأ كما في الطبعة القديمة وإنما الصواب ما فعله في الطبعة الجديدة أن يكون في آخر الحديث «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية. الولد للفراش وللعاهر الحجر» رواه أبو داود حديث (2273)، كتاب الطلاق، باب الولد للفراش، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وقد رواه الإمام أحمد في مسنده (11/ 140) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال ابن حجر في فتح الباري (12/ 35): إسناده حسن.
وأما قصة اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة- وهو عبد الرحمن بن زمعة- معروفة.
قد أخرجها البخاري (2533)، ومسلم (1457) عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن عتبةَ بنَ أبي وقَّاصٍ، عَهِدَ إلى أخيه سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ: أن يَقْبِضَ إليه ابنَ وليدةِ زَمْعَةَ، قال: عتبةُ إنه ابني، فلما قَدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زمنَ الفتحِ، أَخَذَ سعدٌ ابنَ وليدةِ زَمْعَةَ، فأَقْبَلَ به إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلَ معه بعبدِ بنِ زَمْعَةَ، فقال سعدٌ: يا رسولَ اللهِ!، هذا ابنُ أخي، عَهِدَ إليَّ أنه ابنُه، فقال عبدُ بنُ زَمْعَة: يا رسولَ اللهِ!، هذا أخي، ابنُ وليدةِ زَمْعَةَ، وُلِدَ على فراشِه، فنَظَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى ابنِ وليدةِ زَمْعَةَ، فإذا هو أَشْبَهُ الناسِ به، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبدَ بنِ زَمْعَةَ. مِن أجل أنه وُلِدَ على فراشِ أبيه، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: - احتجبي منه يا سودةَ بنتَ زَمْعَةَ. مما رأى من شَبَهِهِ بعُتْبَةَ، وكانت سودةُ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. -
المولد
قوله: (وقد روي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك البيهقي ولا يقره محمد الغزالي).
التعديل: قال: (وقد روي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبري والبيهقي وغيرهما. وليس له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم مع قوة دواعي التسجيل).
قلت: أكد المؤلف رحمه الله أن هذا ليس له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم مع قوة دواعي التسجيل وهذا حق فقد قال الذهبي: هذا حديث منكر غريب كما نقله العمري في السيرة النبوية الصحيحة (1/ 100). وحذف المؤلف رحمه الله عبارة (ولا يقره محمد الغزالي) في الطبعة الجديدة.
فائدة:
وقد حذف المؤلف- رحمه الله الإشارة إلى محمد الغزالي في كل موطن أفاده من كتابه فقه السيرة وأبقى الكلام وكأنه من إنشائه، وإليك بعض الأمثلة من خلال المقارنة بين الطبعتين لكتاب الرحيق المختوم في المواطن الآتية:
الأول: إسلام عمر رضي الله عنه
-:
(كان رضي الله عنه معروفاً بحدة الطبع وقوة الشكيمة، وطالما لقي المسلمون منه ألوان الأذى، والظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة، احترامه للتقاليد التي سنها الآباء والأجداد، واسترساله مع
شهوات السكر واللهو التي ألفها، ثم إعجابه بصلابة المسلمين واحتمالهم البلاء في سبيل عقيدتهم، ثم الشكوك التي كانت تساوره- كأي عاقل- في أن ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل وأزكى من غيره، ولهذا ما إن يثور حتى يخور. قاله محمد الغزالي.) ص (120) من الطبعة القديمة، لكن المؤلف حذف (قاله محمد الغزالي) من الجديدة وأبقى كلامه ص (119).
الثاني: المؤاخاة بين المسلمين:
(ومعنى هذا الإخاء- كما قال محمد الغزالي- أن تذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقداً نافذاً، لا لفظاً فارغاً، وعملاً يرتبط بالدماء والأموال، لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر.) ص (218) من الطبعة القديمة، لكن المؤلف حذف (كما قال محمد الغزالي) من الطبعة الجديدة ص (202) وغير في صياغة كلام الغزالي.
الثالث: غزوة نجد:
(وبهذا النصر الذي أحرزه المسلمون- في غزوة بني النضير- دون تضحيات توطد سلطانهم في المدينة، وتخاذل المنافقون عن الجهر بكيدهم، وأمكن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتفرغ لقمع الأعراب الذين آذوا المسلمين بعد أحد، وتواثبوا على بعوث الدعاة يقتلون رجالها في نذلة وكفران.)
قال في هامش رقم (2) الطبعة القديمة ص (350): كلمة لمحمد الغزالي في فقه السيرة ص (214)، لكن في الطبعة الجديدة حذف الهامش ص (309).
الرابع: غزوة بدر الثانية:
(ولما خضد المسلمون شوكة الأعراب، وكفكفوا شرهم، أخذوا يتجهزون لملاقاة عدوهم الأكبر، فقد استدار العام، وحضر الموعد
المضروب مع قريش- في غزوة أحد- وحق لمحمد صلى الله عليه وسلم وصحبه أن يخرجوا؛ ليواجهوا أبا سفيان وقومه، وأن يديروا رحى الحرب كرة أخرى، حتى يستقر الأمر لأهدى الفريقين وأجدرهما بالبقاء.)
قال في هامش الطبعة القديمة ص (351): كلمة لمحمد الغزالي في فقه السيرة ص (315)، لكن في الطبعة الجديدة حذف الهامش ص (310).
جبريل ينزل بالوحي
قوله: (ولنستمع إلى عائشة الصديقة رضي الله عنها تروي لنا قصة هذه الوقعة التي كانت شعلة من نور اللاهوت، أخذت تفتح دياجير ظلمات الكفر والضلال حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ) ص (77)
التعديل: قال: (ولنستمع إلى عائشة الصديقة رضي الله عنها تروي لنا قصة هذه الوقعة التي كانت نقطة بداية النبوة، وأخذت تفتح دياجير ظلمات الكفر والضلال حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ) ص (85)
قلت: عدل المؤلف رحمه الله (شعلة من نور اللاهوت) إلى (نقطة بداية النبوة).
جبريل ينزل بالوحي
قوله: (وروى الطبري وابن هشام ما يفيد أنه خرج من غار حراء بعد ما فوجئ بالوحي ثم رجع وأتم جواره، وبعد ذلك رجع إلى مكة، ورواية الطبري تلقي ضوءاً على سبب خروجه وهاك نصها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر مجيء الوحي: «ولم يكن من خلق الله أبغض علي من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أن أنظر إليهما، قال: قلت: إن الأبعد- يعني نفسه- شاعر أو مجنون إلا تحدث بها عني قريش أبدا! لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها، فلأستريحن! قال: فخرجت أريد ذلك، حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا جبريل
في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فوقفت أنظر إليه، وشغلني ذلك عما أردت، فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفاً ما أتقدم أمامي، ولا أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، حتى بلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مقامي، ثم انصرف عني وانصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها (ملتصقاً بها مائلاً إليها) فقالت: يا أبا القاسم! أين كنت؟ فو الله لقد بعثت في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إليّ، ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن عم، واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم قامت فانطلقت إلى ورقة وأخبرته. فقال: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت، فرجعت خديجة وأخبرته بقول ورقة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف- إلى مكة- لقيه ورقة، وقال بعد أن سمع منه خبره: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى). ص (78، 79)
التعديل: حذف المؤلف رحمه الله هذا كله من الطبعة الجديدة.
جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية
قوله: (فلما تقلصت ظلال الحيرة، وثبتت أعلام الحقيقة وعرف- صلى الله عليه وسلم معرفة اليقين أنه أضحى نبياً لله الكبير المتعال
…
). ص (80)
التعديل: قال: (فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجيء الوحي أكرمه الله بالوحي مرة ثانية). ص (87)
قلت: حذف المؤلف رحمه الله عبارة (فلما تقلصت ظلال الحيرة، وثبتت أعلام الحقيقة) هنا، لكنه أشار مرة أخرى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم تعتريه الحيرة والدهشة، وذلك تحت عنوان (فترة الوحي) وسيأتي التعليق عليه في موطنه.
أمر القيام بالدعوة إلى الله، وموادها
قوله: (تلقى النبي- صلى الله عليه وسلم أوامر عديدة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)(المدثر: 1 - 7) أوامر بسيطة ساذجة في الظاهر، بعيدة المدى والغاية، قوية الأثر والفعل في الحقيقة ونفس الأمر). ص (83)
التعديل:
قلت: لقد أحسن المؤلف- رحمه الله أن حذف هذه العبارات (أوامر بسيطة ساذجة في الظاهر) في طبعته الجديدة، بل حذف العنوان السابق، وقدم وأخر، وأدخل التعليق على الآيات تحت العنوان الذي بعده، لكنه حذف الإشارة إلي المرجع الذي أفاد، ونقل غالب العبارات منه في الطبعة الجديدة، ألا وهو كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب في تفسيره لسورتي المزمل والمدثر مع الإشارة إليه في الطبعة القديمة.
عام الحزن
وذكر تحته: (وفاة أبي طالب، خديجة إلى رحمة الله، تراكم الأحزان) ثم قال:
(ولأجل توالى مثل هذه الآلام في هذا العام سماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم عام الحزن، وبهذا اللقب صار معروفاً في التاريخ). ص (139)
التعديل: قال: (ولأجل توالى مثل هذه الآلام في هذا العام سمي بعام الحزن، وعرف به في السيرة والتاريخ). ص (136)
قلت: لقد أحسن المؤلف- رحمه الله -إذ حذف ما ذكره في الطبعة السابقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي سماه عام الحزن، وأسند التسمية هنا
للمجهول؛ لأنه لا تثبت هذه التسمية عن الرسول- صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الخبر ضعيف لا يصح لكونه معلقاً دون إسناد.
انظر: كتاب دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني رحمه الله ص (18).
خديجة إلى رحمة الله
قوله: (وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة- على اختلاف القولين- توفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها.) ص (137)
التعديل: قال: (وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة أيام- على اختلاف القولين- توفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها). ص (134)
قلت: أضاف كلمة (أيام).
الإسراء والمعراج
قوله: (فرأى هنالك آدم أبا البشر فسلم عليه، فرحب به، ورد عليه السلام، وأقر بنبوته، وأراه الله أرواح الشهداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره.) ص (163)
التعديل: قال: (فرأى هنالك آدم أبا البشر، فسلم عليه، فرحب به ورد عليه السلام، وأقر بنبوته، وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره.) ص (155)
قلت: عدل (أرواح الشهداء) إلى (أرواح السعداء).
الإسراء والمعراج
قوله: (ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور.) ص (164)
التعديل: قال: (ثم رفع إلى سدرة المنتهى، فإذا نَبْقُها مثل قِلَال هَجَر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، ثم غشيها فراش من ذهب، ونور وألوان، فتغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها. ثم رفع له البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون. ثم أدخل الجنة، فإذا فيها حبائل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك. وعرج به حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صَرِيف الأقلام.) ص (156)
الإسراء والمعراج
قوله: (ورأى أربعة أنهار في الجنة: نهران ظاهران، ونهران باطنان، والظاهران هما: النيل والفرات، ومعنى ذلك أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة في النيل والفرات، وسيكون أهلها حملة الإسلام جيلا بعد جيل، وليس معناه أن مياه النهرين تنبع من الجنة.) ص (165)
التعديل: قال: (ورأي أربعة أنهار يخرجن من أصل سدرة المنتهى: نهران ظاهران ونهران باطنان، فالظاهران هما: النيل والفرات، عنصرهما. والباطنان: نهران في الجنة. ولعل رؤية النيل والفرات كانت إشارة إلى تمكن الإسلام من هذين القطرين، والله أعلم.) ص (157)
طلائع الهجرة
قوله: (ولما أراد صهيب الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت
…
) ص (185)
التعديل: قال: (وهاجر صُهَيْب بن سِنان الرومى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أراد الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت
…
) ص (171)
قلت: أضاف (بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليوضح أن هجرة صهيب رضي الله عنه كانت بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن من طلائع الهجرة كما ذكر).
في دار الندوة " برلمان قريش
"
قوله: (4 - النضر بن الحارث- وهو الذي كان ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلا جزور- عن بني عبد الدار.) ص (188)
التعديل: قال: (4 - النضر بن الحارث عن بني عبد الدار.) ص (175)
قلت: أحسن المؤلف- رحمه الله في هذا؛ لأن الصحيح أن عقبة بن أبي معيط أشقى القوم هو الذي ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلا جزور وليس النضر بن الحارث كما ثبت في الصحيحين: البخاري حديث رقم (3856) ومسلم حديث رقم (1794).
تطويق منزل الرسول صلى الله عليه وسلم
قوله: (قال ابن إسحاق: فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام، فيثبون عليه.) ص (192)
التعديل: قال: (وكان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام في أوائل الليل بعد صلاة العشاء، ويخرج بعد نصف الليل إلى المسجد الحرام، يصلي فيه قيام الليل، فأمر عليًا رضي الله عنه تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتسجى ببرده الحضرمي الأخضر، وأخبره أنه لا يصيبه مكروه.
فلما كانت عتمة من الليل وساد الهدوء، ونام عامة الناس جاء المذكورون إلى بيته صلى الله عليه وسلم سرًا، واجتمعوا على بابه يرصدونه، وهم يظنونه نائمًا حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه، ونفذوا ما قرروا فيه.) ص (178)
في الطريق إلى المدينة
أولا: قدم المؤلف قصة أم معبد الخزاعية على قصة سراقة بن مالك في الطبعة الجديدة في ترتيب أحداث الهجرة النبوية.
ثانيا: قوله: (5 - وفي الطريق لقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا بريدة، وكان رئيس قومه، خرج في طلب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر؛ رجاء أن يفوز بالمكافأة الكبيرة التي كان قد أعلن عنها قريش، ولما واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه أسلم مكانه مع سبعين رجلاً من قومه، ثم نزع عمامته، وعقدها برمحه، فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلاً وقسطاً.) ص (201).
رحمة للعالمين (1/ 101)
قلت: حذف المؤلف هذه الفقرة من الطبعة الجديدة وقد أحسن في هذا؛ فقد ضعفها العلامة الألباني- رحمه الله في السلسلة الضعيفة (11/ 711)، حديث (5450).
غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع
(في شعبان سنة 6 هـ)
قوله: (كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست من الهجرة على أصح الأقوال)(1)
قال في الهامش: (1) والدليل على ذلك ما ثبت في حديث الإفك من أن القضية كانت بعد ما أنزل الحجاب، وآية الحجاب نزلت في شأن زينب، وزينب إذ ذاك كانت تحته، فإنه صلى الله عليه وسلم سألها عن عائشة فقالت: أحمي سمعي وبصري. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأما ما وقع في حديث الإفك من أن سعد بن معاذ وسعد بن عبادة تنازعا في أصحاب الإفك، ومعلوم أن سعد بن معاذ مات
عقب غزوة بني قريظة، فالظاهر أن هذا وهم الراوي، فقد روى ابن إسحاق حديث الإفك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، فلم يذكر فيه سعد بن معاذ بل ذكر أسيد بن حضير، قال أبو محمد بن حزم: وهذا هو الصحيح الذي لا شك فيه، وذكر سعد بن معاذ وهم (وانظر زاد المعاد 2/ 115) والعجب من محمد الغزالي أنه نسب إلى ابن القيم أنه يعتبر هذه الغزوة من حوادث السنة الخامسة (فقه السيرة ص 223) مع أن كلامه في الهدى (2/ 115) يأبى عن ذلك. ص (385)
التعديل:
غزوة بني المُصطلق أو غزوة المريسيع
(في شعبان سنة 5 أو 6 هـ)
كانت هذه الغزوة في شعبان سنة خمس عند عامة أهل المغازي، وسنة ست على قول ابن إسحاق. (1)
قال في الهامش: واستدل على ذلك بما ثبت في حديث الإفك من أن القضية كانت بعد ما أنزل الحجاب وآية الحجاب نزلت في شأن زينب، وزينب إذ ذاك كانت تحته، فإنه صلى الله عليه وسلم سألها عن عائشة فقالت: أحمي سمعي وبصري، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عقد عليها النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر سنة خمس بعد غزوة بني قريظة، وأما ما وقع في حديث الإفك من أن سعد بن معاذ وسعد بن عبادة تسارعا في أعقاب الإفك، ومعلوم أن سعد بن معاذ مات عقب غزوة بني قريظة، فالظاهر أن هذا وهم من الراوي، فقد روى ابن إسحاق حديث الإفك عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن عائشة فلم يذكر فيه سعد بن معاذ، بل ذكر أسيد بن حضير، قال أبو محمد بن حزم: وهذا هو الصحيح الذي لا شك فيه، وذكر سعد بن معاذ وهم. (وانظر: زاد المعاد 2/ 115).
وأما الذين قالوا بوقوع هذه الغزوة سنة خمس هـ فقدموا عقده صلى الله عليه وسلم على زينب إلى السنة الرابعة، أو أوائل السنة الخامسة، وقالوا: إن ذكر سعد بن معاذ ليس بوهم بل هو ثابت تماماً، والله أعلم. ص (333)
بعض ما وقع في الطريق
قوله: (2 - وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً». صحيح البخاري 2/ 605. ص (433)
التعديل:
…
العود إلى المدينة
(ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العودة إلى المدينة، وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله» فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً». صحيح البخاري 2/ 605. ص (371)
قلت: نقل المؤلف هذه الواقعة من أحداث ما وقع بالطريق إلى غزوة خيبر إلى أحداث العود إلى المدينة بعد الفراغ من غزوة خيبر.
بقية السرايا والغزوات في السنة السابعة
قوله: (6 - سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر في شوال سنة 7 هـ في ثلاثين راكباً. وذلك أن أسيراً، أو بشيراً بن زرام كان يجمع غطفان لغزو المسلمين، فأخرجوا أسيراً في ثلاثين من أصحابه، وأطمعوه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستعمله على خيبر، فلما كانوا بقرقرة نيار وقع بين الفريقين سوء ظن أفضى إلى قتل أسير وأصحابه الثلاثين.) ص (454)
التعديل: أضاف بعدها: (ذكر الواقدي هذه السرية في شوال سنة ست قبل خيبر بأشهر.) ص (387)
قوله: (8 - سرية أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة. ذكرها ابن القيم في سرايا السنة السابعة قبل عمرة القضاء. وملخصها أن رجلاً من جشم بن
معاوية أقبل في عدد كبير إلى الغابة، يريد أن يجمع قيساً على محاربة المسلمين. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين فاختار أبو حدرد خطة حربية حكيمة، وهزم العدو هزيمة منكرة، واستاق الكثير من الإبل والغنم.) ص (454)
التعديل: أضاف المؤلف: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين ليأتوا منه بخبر وعلم، فوصلوا إلى القوم مع غروب الشمس، فكمن أبو حدرد في ناحية، وصاحباه في ناحية أخري، وأبطأ على القوم راعيهم حتى ذهبت فحمة العشاء، فقام رئيس القوم وحده، فلما مر بأبي حدرد رماه بسهم في فؤاده فسقط ولم يتكلم، فاحتز أبو حدرد رأسه، وشد في ناحية العسكر، وكبر، وكبر صاحباه وشدا، فما كان من القوم إلا الفرار، واستاق المسلمون الثلاثة الكثير من الإبل والغنم). ص (387)
الراية إلى سيف من سيوف الله
قوله: (وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان - اسمه ثابت بن أرقم- فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً). ص (463)
التعديل: قال: (وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان - اسمه ثابت بن أقرم - فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً). ص (394)
قلت: عدل المؤلف الاسم من (ثابت بن أرقم) إلى (ثابت بن أقرم) وهو الصحيح كما في الإصابة (1/ 190) ط. دار العلوم، وفتح الباري (7/ 584) لكن إسناد الحادثة ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر.
أخذ البيعة (بعد فتح مكة)
قوله: (وفي الصحيح: جاءت هند بنت عتبة فقالت: يا رسول الله! ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يغزوا من أهل خبائك. قال: (وأيضاً، والذي نفسي بيده) قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ قال: (لا أراه إلا بالمعروف). ص (411)
قلت: أضافها المؤلف في الطبعة الجديدة.
الجيش الإسلامي يباغت الرماة والمهاجمين
قوله: (وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم -جهة اليمين وهو يقول: هلموا إليّ أيها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله، ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين وأهل بيته.
وحينئذ ظهرت شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي لا نظير لها.) ص (493)
التعديل: الجيش الإسلامي يباغت بالرماة والمهاجمين
قوله: (ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين والأنصار. تسعة على قول ابن إسحاق، واثنا عشر على قول النووي، والصحيح ما رواه أحمد والحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا ولم نُوَلِّهم الدُّبُر، وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين، وما مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة رجل.
وحينئذ ظهرت شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي لا نظير لها .... ) ص (418)
قدوم وفد هوازن
قوله: (وبعد توزيع الغنائم أقبل وفد هوازن مسلماً، وهم أربعة عشر رجلاً، ورأسهم زهير ابن صرد، وفيهم أبو برقان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فسألوه أن يمن عليهم بالسبي والأموال، وأدلوا إليه بكلام ترق له القلوب، فقال: (إن معي من ترون، ...... ) ص (500)
التعديل:
قوله: (وبعد توزيع الغنائم أقبل وفد هوازن مسلماً، وهم أربعة عشر رجلاً ورأسهم زهير ابن صُرَد، وفيهم أبو بُرْقَان عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فأسلموا وبايعوا ثم قالوا: يا رسول اللّه، إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات، والعمات والخالات، وهن مخازي الأقوام:
فامنن علينا رسول اللّه في كرم
…
فإنك المرء نرجوه وننتظر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها
…
إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
وذلك في أبيات. فقال: (إن معي من ترون، ...... ) ص (424)
العمرة والانصراف إلى المدينة
قوله: (قال محمد الغزالي: لله ما أفسح المدى الذي بين هذه الآونة الظافرة بعد أن توج الله هامته بالفتح المبين، وبين مقدمه إلى هذا البلد النبيل منذ ثمانية أعوام!
لقد جاءه مطارداً يبغي الأمان، غريباً مستوحشاً ينشد الإيلاف والإيناس، فأكرم أهله مثواه، وآووه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، واستخفوا بعداوة الناس جميعاً من أجله، وها هو ذا بعد ثمانية أعوام يدخل المدينة التي استقبلته مهاجراً خائفاً، لتستقبله مرة أخرى وقد دانت له مكة، وألقت تحت قدميه كبرياءها وجاهليتها فأنهضها، ليعزها
بالإسلام، وعفا عن خطيئاتها الأولى (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90] (1). ص (501)
قال في الهامش: (1) فقه السيرة ص 303.
التعديل: حذف المؤلف كلمة محمد الغزالي كاملة.
الرجوع إلى المدينة
قوله: (وكان خروجه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في رجب وعوده في رمضان، واستغرقت هذه الغزوة خمسين يوماً. أقام منها عشرين يوماً في تبوك. والبواقي قضاها في الطريق جيئة وذهوباً. وكانت هذه الغزوة آخر غزواته صلى الله عليه وسلم.) ص (516/ 517)
التعديل:
قوله: (وكانت عودته صلى الله عليه وسلم من تبوك ودخوله في المدينة في رجب سنة 9 هـ (1)، واستغرقت هذه الغزوة خمسين يوماً، أقام منها عشرين يوماً في تبوك، والبواقي قضاها في الطريق جيئة وذهوبًا. وكانت هذه الغزوة آخر غزواته صلى الله عليه وسلم.)
قال في الهامش (1): وهذا هو الحق دون ما قاله ابن إسحاق من أن عودته صلى الله عليه وسلم -كانت في رمضان؛ لأنه يقتضي خروجه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في الخميس الثاني من شهر رجب، وذلك الخميس يوافق الخامس والعشرين من شهر أكتوبر، وهو من الأيام المعتدلة القريبة من البرد، ولاسيما في الصباح والمساء، وتأتي بعد جداد التمر بزمان، بينما الخروج إلى تبوك كان في شدة الحر وفي أيام جداد التمر، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان موجوداً في المدينة في شهر شعبان من هذه السنة حين توفيت ابنته أم كلثوم، فالصحيح أنه صلى الله عليه وسلم رجع إلى المدينة في شهر رجب، وكان خروجه قبل ذلك بخمسين يوماً، أي: في شهر جمادى الأولى). ص (437/ 438)
المخلفون
قوله: (ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فأما المنافقون- وهم بضعة وثمانون رجلاً (1) - فجاؤوا يعتذرون بأنواع شتى من الأعذار .... )
قال في الهامش:
(1)
ذكر الواقدي أن هذا العدد كان من منافقي الأنصار. وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضا اثنين وثمانين رجلاً من بني غفار وغيرهم. وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء، وكانوا عدداً كثيراً. (انظر فتح الباري 8/ 119). ص (517)
التعديل: قلت: حذف المؤلف الهامش كاملاً من الطبعة الجديدة.
الوفود
قوله: (9 - رسالة ملوك اليمن (
…
وبعث إليهم رجالاً من أصحابه أميرهم معاذ بن جبل.) ص (531)
التعديل: قال: ( .... وبعث إليهم رجالاً من أصحابه أميرهم معاذ بن جبل، وجعله على الكورة العلياء من جهة عَدَن بين السَّكُون والسَّكَاسِك، وكان قاضياً وحاكماً في الحروب، وعاملاً على أخذ الصدقة والجزية، ويصلي بهم الصلوات الخمس، وبعث أبا موسي الأشعري رضي الله عنه على الكورة السفلى: زُبَيْد ومأرب وَزَمَع والساحل، وقال: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا). وقد مكث معاذ باليمن حتى توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. أما أبو موسي الأشعري رضي الله عنه فقدم عليه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.) ص (451)
قلت: أضاف المؤلف- رحمه الله زيادة بيان في إرسال معاذ وأبي موسى- رضي الله عنهما إلى اليمن ومكان ومهام كل منهما إلا أنه لم يخرج
الحديث المذكور: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا) علماً أن الحديث متفق عليه فقد رواه البخاري حديث رقم (3038)، ورواه مسلم حديث رقم (1733).
حجة الوداع
قوله: (وبعد أن فرغ النبيّ صلى الله عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)[المائدة: 3] وعندما سمعها عمر بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان) ص (544)
قال في الهامش: رواه البخاري عن ابن عمر
…
انظر رحمة للعالمين 1/ 265.
التعديل: قوله: (وبعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، ولما نزلت بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك؟) قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص، فقال:(صدقت). ص (461)
قال في الهامش: رواه ابن أبي شيبة وابن جرير، انظر تفسير ابن كثير 2/ 15، والدر المنثور 2/ 456.
قلت: لو أبقى المؤلف رواية البخاري لكان أحسن وأصح.
قبل يوم
قوله: (و
قبل يوم من الوفاة
- يوم الأحد- أعتق النبيّ صلى الله عليه وسلم غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته، وفي الليل استعارت عائشة الزيت للمصباح من جارتها، وكانت درعه صلى الله عليه وسلم مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من الشعير.) ص (552)
التعديل: قال: (وقبل يوم من الوفاة -يوم الأحد - أعتق النبي صلى الله عليه وسلم غلمانه، وتصدق بستة، أو سبعة دنانير كانت عنده
(1)
، ووهب للمسلمين أسلحته، وفي الليل أرسلت عائشة بمصباحها امرأة من النساء وقالت: أقطري لنا في مصباحنا من عُكَّتِك السمن
(2)
، وكانت درعه صلى الله عليه وسلم مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من الشعير (
(3)
. ص (470/ 471)
قلت: خرج المؤلف الروايات كما ترى في الهامش، أما تصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بسبعة دنانير واستعارة عائشة رضي الله عنها الزيت من جارتها،
قال الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 322): (إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال المنذري (2/ 42)، ثم الهيثمي (3/ 124):" رواه الطبراني في " الكبير " ورواته ثقات محتج بهم في (الصحيح) ".
آخر يوم من الحياة
أضاف المؤلف تحت هذا العنوان في الطبعة الجديدة: (وقد طرح خَمِيصَة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال -وهو كذلك وكان هذا آخر ما تكلم وأوصى به الناس -: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد - يحذر ما صنعوا ـ- لا يبقين دينان بأرض العرب). صحيح البخاري مع فتح الباري 1/ 634، ح (435، 1330، 1390، 3453، 3454، 4441، 4443، 4444، 5815، 5816)، وطبقات ابن سعد 2/ 254. ص (472)
(1)
طبقات ابن سعد 2/ 237، وتفيد بعض الروايات أنه تصدق بها ليلة الاثنين أو يوم الاثنين، أي: في آخر يوم من حياته.
(2)
طبقات ابن سعد 2/ 239.
(3)
انظر: صحيح البخاري ح (2068، 2096، 2200، 2251، 2252، 2386، 2509، 2513، 2916، 4167)، وفي أواخر المغازي: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة، وعند أحمد: فما وجد ما يفتكها به (فتح الباري 5/ 169).
البيت النبوي
قوله: (2 - سودة بنت زمعة، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة عشر من النبوة، بعد وفاة خديجة بأيام، وكانت قبله عند ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو، فمات عنها.
3 -
عائشة بنت أبي بكر الصديق، تزوجها في شوال سنة إحدى عشرة من النبوة، بعد زواجه بسودة بسنة، وقبل الهجرة بسنتين وخمسة أشهر، تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر في المدينة، وهي بنت تسع سنين، وكانت بكراً ولم يتزوج بكراً غيرها، وكانت أحب الخلق إليه، وأفقه نساء الأمة، وأعلمهن على الإطلاق.
4 -
حفصة بنت عمر بن الخطاب، تأيمت من زوجها خنيس بن حذافة السهمي بين بدر وأحد، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 3 هـ.
5 -
زينب بنت خزيمة من بني هلال بن عامر بن صعصعة، وكانت تسمى أم المساكين، لرحمتها إياهم ورقتها عليهم، كانت تحت عبد الله بن جحش، فاستشهد في أحد، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 4 هـ. ماتت بعد الزواج بشهرين أو ثلاثة أشهر.
6 -
أم سلمة هند بنت أبي أمية، كانت تحت أبي سلمة، فمات عنها في جمادى الأخرى سنة 4 هـ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال من نفس السنة.
7 -
زينب بنت جحش بن رباب من بني أسد بن خزيمة، وهي بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تحت زيد بن حارثة- الذي كان يعتبر ابناً للنبيّ صلى الله عليه وسلم فطلقها زيد، فأنزل الله تعالى يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها)، وفيها
نزلت من سورة الأحزاب آيات فصلت قضية التبني- وسنأتي على ذكرها- تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة.
8 -
جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من خزاعة، كانت في سبي بني المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم -كتابتها، وتزوجها في شعبان سنة 6 هـ.
9 -
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، كانت تحت عبيد الله بن جحش، هاجرت معه إلى الحبشة، فارتد عبيد الله وتنصر، وتوفي هناك، وثبتت أم حبيبة على دينها وهجرتها، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري بكتابه إلى النجاشي في المحرم سنة 7 هـ. خطب عليه أم حبيبة فزوجها إياه وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة.
10 -
صفية بنت حيي بن أخطب من بني إسرائيل، كانت من سبي خيبر، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، فأعتقها وتزوجها بعد فتح خيبر سنة 7 هـ.
11 -
ميمونة بنت الحارث، أخت أم الفضل لبابة بنت الحارث، تزوجها في ذي القعدة سنة 7 هـ، في عمرة القضاء، بعد أن حل منها على الصحيح.) ص (558/ 560)
التعديل:
2 -
سودة بنت زمعة، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة عشر من النبوة، بعد وفاة خديجة بنحو شهر، وكانت قبله عند ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو، فمات عنها. توفيت بالمدينة في شوال سنة 54 هـ.
3 -
عائشة بنت أبي بكر الصديق، تزوجها في شوال سنة إحدى عشرة من النبوة، بعد زواجه بسودة بسنة، وقبل الهجرة بسنتين وخمسة أشهر، تزوجها وهي بنت ست سنين، وبني بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر في المدينة، وهي بنت تسع سنين، وكانت بكراً ولم يتزوج
بكراً غيرها، وكانت أحب الخلق إليه، وأفقه نساء الأمة، وأعلمهن على الإطلاق، فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. توفيت في 17 رمضان سنة 57 هـ أو 58 هـ ودفنت بالبقيع.
4 -
حفصة بنت عمر بن الخطاب، تأيمت من زوجها خنيس بن حذافة السهمي بين بدر وأحد، فلما حلت تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة 3 هـ توفيت في شعبان سنة 45 هـ بالمدينة، ولها ستون سنة، ودفنت بالبقيع.
5 -
زينب بنت خزيمة من بني هلال بن عامر بن صعصعة، وكانت تسمى أم المساكين، لرحمتها إياهم ورقتها عليهم، كانت تحت عبد الله بن جحش، فاستشهد في أحد، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 4 هـ. ماتت بعد الزواج بنحو ثلاثة أشهر في ربيع الآخر سنة 4 هـ، فصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ودفنت بالبقيع.
6 -
أم سلمة هند بنت أبي أمية، كانت تحت أبي سلمة، وله منها أولاد، فمات عنها في جمادى الآخرة سنة 4 هـ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال بقين من شوال من السنة نفسها، وكانت من أفقه النساء وأعقلهن. توفيت سنة 59 هـ، وقيل: 62 هـ ودفنت بالبقيع، ولها 84 سنة.
7 -
زينب بنت جحش بن رباب من بني أسد بن خزيمة، وهي بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تحت زيد بن حارثة - الذي كان يعتبر ابناً للنبي صلى الله عليه وسلم فطلقها زيد، فلما انقضت العدة أنزل الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]، وفيها نزلت من سورة الأحزاب آيات فصلت قضية التبني - وسنأتي على ذكرها - تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة. وقيل: سنة 4 هـ، وكانت أعبد النساء وأعظمهن صدقة، توفيت سنة 20 هـ ولها 53 سنة. وكانت أول أمهات المؤمنين وفاة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى عليها عمر بن الخطاب، ودفنت بالبقيع.
8 -
جويرية بنت الحارث (سيد بني المصطلق) من خزاعة، كانت في سبي
بني المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم -كتابتها، وتزوجها في شعبان سنة 6 هـ. وقيل: سنة 5 هـ، فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق، وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أعظم النساء بركة على قومها. توفيت في ربيع الأول سنة 56 هـ، وقيل: 55 هـ. ولها 65 سنة.
9 -
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، كانت تحت عبيد الله بن جحش، فولدت له حبيبة فكنيت بها، وهاجرت معه إلى الحبشة، فارتد عبيد الله وتنصر، وتوفي هناك، وثبتت أم حبيبة على دينها وهجرتها، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري بكتابه إلى النجاشي في المحرم سنة 7 هـ. خطب عليه أم حبيبة فزوجها إياه وأصدقها من عنده أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة. فابتنى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من خيبر. توفيت سنة 42 هـ، أو 44 هـ، أو 50 هـ.
10 -
صفية بنت حيي بن أخطب (سيد بني النضير) من بني إسرائيل، كانت من سبي خيبر، فاصطفاها رسول الله -صلى الله وعليه وسلم- لنفسه، وعرض عليها الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها بعد فتح خيبر سنة 7 هـ، وابتنى بها بسد الصهباء على بعد 12 ميلاً من خيبر في طريقه إلى المدينة. توفيت سنة 50 هـ وقيل: 52 هـ، وقيل 36 هـ ودفنت بالبقيع.
11 -
ميمونة بنت الحارث، أخت أم الفضل لبابة بنت الحارث، تزوجها في ذي القعدة سنة 7 هـ، في عمرة القضاء، بعد أن حل منها على الصحيح.
وابتنى بها بسرف على بعد 9 أميال من مكة، وقد توفيت بسرف سنة 61 هـ، وقيل: 63، وقيل: 38 هـ ودفنت هناك، ولا يزال موضع قبرها معروفا.) ص (476/ 478)
قلت: لعلك تلحظ التعديل الكبير الذي أجراه المؤلف رحمه الله في تراجم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن فهو لا يكاد يخلو منه سطر واحد إلا وفيه زيادة.
(قيادة تهوى إليها الأفئدة)
(الصفات والأخلاق)
قوله: (
…
وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر). ص (566)
ذكر المؤلف هذه العبارة مرتين في الكتاب كما هو موضح تحت العناوين المذكورة.
التعديل:
(
…
وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يحبب عادة لم يرزق بمثلها بشر). ص (483)
قلت: عدل (يعشق) إلى (يحبب) وذلك لأن الحب لفظ شرعي وارد في الكتاب والسنة، وعبادة أمرنا بها، أما العشق فهو حب مع شهوة ومن ألفاظ الصوفية، وشتان ما بينهما، لكن المؤلف استخدم عبارة الهيام مع حب الرسول صلى الله عليه وسلم وسيأتي التعليق عليها في موطنها.
الباب الثاني
التعليق على كتاب الرحيق المختوم
هذه تعليقات على الأخطاء الموجودة في كتاب الرحيق المختوم في جميع طبعاته القديمة والجديدة على حد سواء، ولم يتعرض لها المؤلف رحمه الله في طبعته الجديدة، وقد عرضتها وفق تسلسل الكتاب، ملتزماً ذكر العنوان الذي جاءت تحته؛ حتى يسهل على القارئ متابعتها وتصحيحها من نسخته من كتاب الرحيق المختوم، وإليك البيان:
من المقدمة
قوله: (
…
وكان من حديث هذا الكتاب أني لم أطلع على إعلان الرابطة عن المسابقة في وقته، ولما أخبرت به بعد حين لم أمِلْ إلى الإسهام فيها، بل رفضت هذا الاقتراح رفضًا كليًا إلا أن القدر ساقني إلى ذلك
…
).
وقال أيضاً تحت عنوان: السيرة الإجمالية قبل النبوة
قوله: (
…
ولاشك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع الدنيا، وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحمودة تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها).
وقال أيضاً تحت عنوان: الهجرة إلى الحبشة
قوله: (وقيضت لهم الأقدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة)
التعليق: ألفاظ الأولى تركها.
قوله: (إلا أن القدر ساقني إلى ذلك
…
)، (ولاشك أن القدر حاطه بالحفظ
…
)
(وقيضت لهم الأقدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة)
الأولى ترك ذلك اللفظ لأن القدر لا يسند إليه الأفعال أو المشيئة وغيرها، وقد سألت شيخنا الأستاذ الدكتور/ ناصر بن عبدالكريم العقل-حفظه الله- عن هذا؟ فقال:(هذا تساهل من المؤلف رحمه الله، وإن كان الأولى ترك استعماله حتى لا يوهم الخطأ).
وقد سئل الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله- في شرحه للطحاوية:
س: (ما حكم قول البعض شاءت الأقدار، ساقته الأقدار، اقتضته حكمة الله، شاءت إرادة الله، ونحو هذه العبارات؟ فأجاب - حفظه الله-:
ج: شاءت الأقدار، الأقدار جمع قدر، والقدر تبع المقدِّر وهو الله عز وجل، والذي يشاء القدر هو الله سبحانه وتعالى، فقول القائل: شاءت الأقدار وأشباه ذلك، فإنّ هذا غلط؛ لأن الأقدار ليس لها مشيئة، المشيئة لله عز وجل هو الذي شاء القدر وشاء القضاء سبحانه وتعالى.
وساقته الأقدار هذه محتملة، محتملة لهذا وهذا، وتجنبها أولى.
اقتضت حكمة الله، هذه صحيحة لا بأس بها استعملها أهل العلم؛ لأن الاقتضاء خارج عن الشيء؛ يعني حكمة الله نشأ عنها شيء هو مقتضاها، اقتضت حكمة الله أن يكون كذا وكذا؛ يعني من القضاء الذي حصل؛ يعني أن ما حصل موافق لحكمة الله عز وجل.
شاءت إرادة الله، هذا أيضا مثل ما سبق فإنّ الإرادة الكونية هي المشيئة، فقول القائل: شاءت إرادة الله كقوله: شاءت مشيئة الله، وهو تكرار لا وجه له).
وأضاف شيخنا عبدالله بن مانع الروقي-حفظه الله- قائلاً:
(الألفاظ في الشرع على أقسام منها:
1 -
لفظ وارد في الشرع له معنى واحد صحيح، فهذ أمره جلي في إطلاقه؛ لوروده ولأن معناه صحيح.
2 -
لفظ وارد في الشرع له معنى واحد صحيح وآخر موهم أو مشكل، فهذا لا بأس بإطلاقه؛ لوروده ولا يلتفت إلى المعنى المتوهم.
3 -
لفظ غير وارد في الشرع وهو محتمل لمعنى صحيح وآخر غير صحيح.
4 -
لفظ غير وارد في الشرع ومعناه فاسد. فهذا والذي قبله لا يطلقان، والذي ذكره المؤلف من القسمين الأخيرين).
(1)
أقوام العرب
قوله: (وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم -كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول: (كذب النسابون)، فلا يتجاوزه، وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان؛ مضعفين للحديث المشار إليه، ولكنهم اختلفوا في هذا الجزء من النسب اختلافاً لا يمكن الجمع بين أقوالهم، وقد مال المحقق الكبير العلامة القاضى محمد سليمان المنصورفورى رحمه الله إلى ترجيح ما ذكره ابن سعد - والذي ذكره الطبري والمسعودي وغيرهما في جملة الأقوال - وهو أن بين عدنان وبين إبراهيم عليه السلام أربعين أباً بالتحقيق الدقيق).
التعليق: الحديث موضوع.
أشار المؤلف رحمه الله إلى ضعف الحديث وزيادة في الإيضاح نقول:
إن الحديث موضوع وإليك البيان:
قال العلامة الألباني-رحمه الله
(2)
: (كذب النسابون، قال الله تعالى: "وقروناً بين ذلك كثيراً").
موضوع.
(1)
انظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين-رحمه الله (المناهي اللفظية)(3/ 131) جمع وترتيب فهد بن ناصر السليمان، طبعة دار الوطن عام 1413 هـ.
(2)
سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 228) حديث رقم (111).
أورده السيوطي في (الجامع) من رواية ابن سعد، وابن عساكر عن ابن عباس، وأورده فيما بعد بلفظ: (كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبته معد بن عدنان بن أد ثم يمسك ويقول: كذب النسابون
…
) وقال: رواه ابن سعد عن ابن عباس.
وسكت عليه شارحه المناوي في الموضعين، وكأنه لم يطلع على سنده، وإلا لما جاز له ذلك، وقد أخرجه ابن سعد في (الطبقات) (1/ 1/ 28) قال: أخبرنا هشام قال: أخبرني أبي عن أبي صالح، عن ابن عباس مرفوعاً بتمامه.
قلت: وهشام هذا هو ابن محمد بن السائب الكلبي النسابة المفسر، وهو متروك كما قال الدارقطني وغيره، وولده محمد بن السائب شر منه، قال الجوزجاني وغيره: كذاب، وقد اعترف هو نفسه بأنه يكذب، فروى البخاري بسند صحيح عن سفيان الثوري قال: قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب!.
قلت: كذا في (الميزان) وفيه سقط أو اختصار يمنع نسبة الاعتراف بالكذب إلى الكلبي، كما سيأتي بيانه في الحديث (5449).
وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه يروي عن أبي صالح، عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به؟!، و من هذه الطريق أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق"(1/ 197/ 1، 198/ 2) من مخطوطة ظاهرية دمشق).
فائدة:
قال العلامة الألباني رحمه الله
(1)
في بيان السقط الموجود في الميزان: (روى ابن حبان (2/ 254): أخبرنا عبد الملك بن محمد قال: حدثنا عمر بن شبة
(1)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (5449).
قال: حدثنا أبو عاصم قال: قال لي سفيان الثوري: قال لي الكلبي: ما سمعته مني عن أبي صالح عن ابن عباس؛ فهو كذب.
ورجال هذا الإسناد ثقات؛ على ضعف في عبد الملك هذا - وهو الرقاشي -، وليس لفظه صريحاً بالاعتراف المذكور، لاسيما وقد رواه ابن أبي حاتم (3/ 271): أخبرنا عمر بن شبة بلفظ: زعم لي سفيان الثوري قال: قال لنا الكلبي: ما حدثت عني عن أبي صالح عن ابن عباس؛ فهو كذب؛ فلا تروه.
وهذا إسناد صحيح؛ فهو يحتمل أن الكذب من أبي صالح؛ وهو المسمى (باذام) أو (باذان) مولى أم هانئ وهو صاحب التفسير الذي رواه عن ابن عباس، ورواه عنه الكلبي هذا؛ كما في "طبقات ابن سعد"(6/ 296)، وهو ضعيف، أو أشد. انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة"(رقم 225)، فكأن الكلبي يتهم بذلك أبا صالح نفسه! ويرجح هذا رواية أخرى عند ابن حبان أيضاً (2/ 255) بإسناده المتقدم بلفظ: .. عن سفيان قال: قال لي الكلبي: قال لي أبو صالح: كل ما حدثتك فهو كذب.
ويقويه رواية يحيى بن سعيد عن سفيان قال: قال لي الكلبي: قال لي أبو صالح: كل شيء حدثتك؛ فهو كذب.
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 1/ 101): قال لنا علي: حدثنا يحيى بن سعيد. وكذلك رواه في "التاريخ الصغير"(ص 158).
وهذا إسناد صحيح غاية؛ فهو أصح من الأول، لاسيما والرواية الأخرى منه بمعناه؛ فهو المعتمد.
وقد سقط من رواية "الميزان"(تحقيق البجاوي) قوله: "قال لي أبو صالح"؛ فصارت العبارة فيه: كل ما حدثتك عن أبي صالح؛ فهو كذب!
والخلاصة: أن القائل: "كل شيء حدثتك فهو كذب"؛ إنما هو أبو صالح؛ وليس هو الكلبي، وإنما هو الراوي لذلك عن أبي صالح، ولذلك؛ حذر من التحديث بذلك بقوله للثوري: فلا تروه.
ومن البداهة في مكان: أن أبا صالح -على ضعفه- لا يدان بذلك؛ لوهاء الكلبي؛ فتنبه، ولا تتورط بما وقع في "الميزان"؛ كما وقع لي فيما تقدم من الكلام على الحديث (111) من هذه "السلسلة"، والمعصوم من عصمه الله تعالى!).
أقوام العرب
قوله: (وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا).
رواه الترمذي، كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل النبي- صلى الله عليه وسلم ح (3607، 3608).
التعليق: حديث ضعيف.
عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله! إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم: من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً، وخيرهم بيتاً ". رواه الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم (3607)، قال أبو عيسى:(هذا حديث حسن، وعبد الله بن الحارث هو أبو نوفل). ورواه الترمذي أيضاً برقم (3608) قريباً منه.
ورواه الإمام أحمد في مسنده، مسند العباس بن عبدالمطلب، حديث رقم (1788).
وقال شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره. وصحح إسناده أحمد شاكر في المسند (3/ 224).
وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1472) ثم تراجع عن
ذلك وضعفه في ضعيف الترمذي، والسلسلة الضعيفة حديث رقم (3073) حيث قال متعقباً الترمذي: (كذا قال! ويزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي مولاهم قال الحافظ: "ضعيف، كبر فتغير، صار يتلقن".
قلت: وقد اضطرب في إسناده، فرواه هكذا، وقال مرة: عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله
…
الحديث نحوه.
أخرجه الترمذي أيضاً.
ومرة قال: عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب عن ربيعة قال:
…
فذكره نحوه.
أخرجه الحاكم (3/ 247) وسكت عليه هو والذهبي!).
أقول: ويغني عنه ما رواه مسلم في صحيحه
(1)
عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
الملك بالحيرة
قوله: (
…
وهذا أول يوم انتصرت فيه العرب على العجم، وهو بعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.)
روى ذلك مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة بن خياط في مسنده ص 24، وابن سعد 7/ 77.
التعليق: " هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم. يعني يوم ذي قار ".
ضعيف.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم:(2776).
قال العلامة الألباني رحمه الله
(1)
: (رواه ابن قانع في " معجم الصحابة " (12/ 2) عن سليمان بن داود المنقري حدثنا يحيى بن يمان: حدثنا أبو عبد الله التيمي عن عبد الله بن الأخرم عن أبيه - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا سند موضوع، سليمان هذا هو الشاذكوني كذاب، كذبه في الحديث ابن معين وصالح جزرة. ويحيى بن يمان ضعيف. وشيخه أبو عبد الله التيمي لم أعرفه. وقد رواه الشاذكوني بإسناد آخر أقرب إلى الصواب من هذا فقال الطبراني في " المعجم الكبير " (62/ 2): حدثنا أبو مسلم الكشي: أخبرنا سليمان بن داود الشاذكوني أخبرنا محمد بن سواء: حدثني الأشهب الضبعي: حدثني بشير بن يزيد الضبعي - وكان قد أدرك الجاهلية - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي قار فذكره. قال الهيثمي (6/ 211) بعد أن عزاه للطبراني:
" وفيه سليمان بن داود الشاذكوني وهو ضعيف ". قلت: بل كذاب كما عرفت، ولكني وجدت له متابعاً قوياً، فقال خليفة بن خياط في " كتاب الطبقات " (12/ 1): حدثني محمد بن سواء به. وخليفة هذا ثقة احتج به البخاري وهو أخباري علامة.
والأشهب الضبعي مجهول أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(1/ 1/ 1342) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وبشير بن يزيد الضبعي، قال ابن أبي حاتم عن أبيه:" أدرك الجاهلية له صحبة " وقال البغوي: " لم أسمع به إلا في هذا الحديث ".
ثم ساقه من طريق الأشهب الضبعي به. وقال الحافظ في " الإصابة ": " وأخرجه بقي بن مخلد في " مسنده " من هذا الوجه، وكذلك البخاري في " تاريخه " وذكره ابن حبان في التابعين فقال: شيخ قديم أدرك الجاهلية يروي المراسيل. قلت: وليس في شيء من طرق حديثه له سماع ".
(1)
السلسلة الضعيفة (2/ 47 وما بعدها) حديث رقم (579).
ثم رواه خليفة من الطريق الأول فقال: وحدثني أبو أمية عمر بن المنخل السدوسي قال: حدثنا يحيى بن اليمان العجلي عن رجل من بني تيم اللات عن عبد الله بن الأخرم به.
قلت: فالظاهر أنه لم تثبت صحبته، وعليه فالحديث له علتان: الإرسال والجهالة. والله أعلم.
فائدة:
قال الحافظ: " ويوم ذي قار من أيام العرب المشهورة كان بين جيش كسرى وبين بكر بن وائل لأسباب يطول شرحها، قد ذكرها الإخباريون، وذكر ابن الكلبي أنها كانت بعد وقعة بدر بأشهر، قال: وأخبرني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: ذكرت وقعة ذي قار عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ذاك أول يوم انتصف فيه العرب من العجم، وبي نصروا ".
قلت: هذه الكلمة " وبي نصروا " رواها الطبراني من طريق خالد بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده فذكر قصة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى بكر بن وائل وعرضه الإسلام عليهم وفيه: قالوا: حتى يجيء شيخنا فلان - قال خلاد: " أحسبه قال: المثنى بن خارجة - فلما جاء شيخهم عرض عليهم أبو بكر رضي الله عنه، قال: إن بيننا وبين الفرس حرباً فإذا فرغنا مما بيننا وبينها عدنا فنظرنا، فقال أبو بكر:
أرأيت إن غلبتموهم أتتبعنا على أمرنا؟ قال: لا نشترط لك هذا علينا، ولكن إذا فرغنا فيما بيننا وبينهم عدنا فنظرنا فيما نقول، فلما التقوا يوم ذي قار هم والفرس قال شيخهم: ما اسم الرجل الذي دعاكم إلى الله؟ قالوا: محمد، قالوا: هو شعاركم فنصروا على القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بي نصروا. قال الهيثمي (6/ 211): " ورجاله ثقات رجال الصحيح غير خلاد بن عيسى وهو ثقة ".
(تنبيه): بلغ جهل بعض الناس بالتاريخ والسيرة النبوية في هذا العصر
أن أحدهم طبع منشوراً يرد فيه على صديقنا الفاضل الأستاذ علي الطنطاوي طلبه من الإذاعة أن تمتنع من إذاعة ما يسمونه بالأناشيد النبوية، لما فيها من وصف جمال النبي صلى الله عليه وسلم بعبارات لا تليق بمقامه صلى الله عليه وسلم، بل فيها ما هو أفظع من ذلك من مثل الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم من دون الله تبارك وتعالى، فكتب المشار إليه في نشرته ما نصه بالحرف (ص 4): " وها هي (!) الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يستصحبون بعض نسائهم لخدمة أنفسهم في الغزوات والحروب، وكانوا يضمدون (!) الجرحى ويهيئون (!) لهم الطعام، وكانوا يوم ذي قار عند اشتداد وطيس الحرب بين الإسلام والفرس كانت النساء تهزج أهازيج وتبعث الحماس في النفوس بقولها: إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق. أو تدبروا نفارق فراق غير وامق. فانظر إلى هذا الجهل ما أبعد مداه!.
فقد جعل المعركة بين الإسلام والفرس، وإنما هي بين المشركين والفرس، ونسب النشيد المذكور لنساء المسلمين في تلك المعركة! وإنما هو لنساء المشركين في غزوة أحد! كن يحمسن المشركين على المسلمين كما هو مروي في كتب السيرة! فقد خلط بين حادثتين متباينتين، وركب منهما ما لا أصل له ألبتة بجهله، أو تجاهله ليتخذ من ذلك دليلاً على جواز الأناشيد المزعومة، ولا دليل في ذلك - لو ثبت - مطلقاً إذ أن الخلاف بين الطنطاوي ومخالفيه ليس هو مجرد مدح النبي صلى الله عليه وسلم بل إنما هو فيما يقترن بمدحه مما لا يليق شرعاً- كما سبقت الإشارة إليه- وغير ذلك مما لا مجال الآن لبيانه، ولكن صدق من قال:" حبك الشيء يعمي ويصم " فهؤلاء أحبوا الأناشيد النبوية وقد يكون بعضهم مخلصاً في ذلك غير مغرض فأعماهم ذلك عما اقترن بها من المخالفات الشرعية).
الصابئية
قوله: (أما الصابئية - وهي ديانة تمتاز بعبادة الكواكب وبالاعتقاد في أنواء المنازل وتأثير النجوم وأنها هي المدبرة للكون - فقد دلت الحفريات
والتنقيبات في بلاد العراق وغيرها أنها كانت ديانة قوم إبراهيم الكلدانيين، وقد دان بها كثير من أهل الشام وأهل اليمن في غابر الزمان، وبعد تتابع الديانات الجديدة من اليهودية والنصرانية، تضعضع بنيان الصابئية وخمد نشاطها، ولكن لم يزل في الناس بقايا من أهل هذه الديانة مختلطين مع المجوس أو مجاورين لهم في عراق العرب وعلى شواطئ الخليج العربي.)
التعليق: حقيقة الصابئة
قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله
(1)
- بعد أن ذكر الخلاف الوارد في حقيقة الصابئة-: (
…
وأظهر الأقوال- والله أعلم- قول مجاهد ومتابعيه، ووهب بن منبه:
أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي، أي: أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك. وقال بعض العلماء: الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم).
قال القرطبي-رحمه الله
(2)
في تفسير سورة البقرة الآية (62): (وَاخْتُلِفَ فِي الصَّابِئِينَ، فَقَالَ السُّدِّيُّ: هُمْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ إِسْحَاقُ: لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِ الصَّابِئِينَ لِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَةِ نِسَائِهِمْ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُمْ قَوْمٌ يُشْبِهُ دِينُهُمْ دِينَ النَّصَارَى، إِلَّا أَنَّ قِبْلَتَهُمْ نَحْوُ مَهَبِّ الْجَنُوبِ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ نُوحٍ عليه السلام. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: هُمْ قَوْمٌ تَرَكَّبَ دِينُهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ،
(1)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 290)، تحقيق سامي السلامة ط. دار طيبة، الإصدار الثاني.
(2)
أحكام القرآن للقرطبي (1/ 435)، تحقيق أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، ط. دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية 1964 م.
لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ. ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَقَتَادَةُ هُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَقْرَءُونَ الزبور ويصلون الخمس، رآهم زياد بن أَبِي سُفْيَانَ فَأَرَادَ وَضْعَ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ حِينَ عَرَفَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ. وَالَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ- فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا- أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ مُعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ وَأَنَّهَا فَعَّالَةٌ، وَلِهَذَا أَفْتَى أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ الْقَادِرُ بِاللَّهِ بِكُفْرِهِمْ حِينَ سَأَلَهُ عَنْهُمْ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
(1)
: (الصابئة الحنفاء الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحاً، فأولئك هم سعداء في الآخرة.
كما قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (البقرة: 62)
وأما الصابئة المشركون، الذين يعبدون الكواكب والأوثان، ونحوهم من الفلاسفة المشركين، فهؤلاء كفار كسائر المشركين).
قال ابن القيم
(2)
: (الصابئة أمة كبيرة فيهم السعيد والشقي وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر فإن الأمم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم نوعان:
نوع كفار أشقياء كلهم ليس فيهم سعيد كعبدة الأوثان والمجوس،
ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي وهم اليهود والنصارى والصابئة. وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 62) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ
(1)
درء تعارض النقل والعقل (7/ 334)، تحقيق د/ محمد رشاد سالم، ط. جامعة الإمام، الطبعة الثانية 1411 هـ.
(2)
أحكام أهل الذمة (1/ 236)، تحقيق يوسف البكري وشاكر العروري، نشر رمادي للنشر، الدمام، الطبعة الأولى 1418 هـ.
آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (المائدة: 69).
وقال في سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج: 17) فلم يقل ها هنا: من آمن منهم بالله واليوم الآخر لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا فذكر ست أمم منهم: اثنتان شقيتان، وأربع منهم منقسمة: إلى شقي وسعيد، وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا. ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم فعلم أن الصابئين فيهم: المؤمن، والكافر، والشقي، والسعيد وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى وهم أنواع: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون.
وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح، ولهم كتب وتآليف وعلوم، وكان في بغداد منهم طائفة كبيرة منهم: إبراهيم بن هلال الصابئ صاحب الرسائل وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين وأكثرهم فلاسفة ولهم مقالات مشهورة ذكرها أصحاب المقالات .... )
وبهذا يتحصل عندنا أن الصابئة نوعان: صابئة موحدة من الحنفاء مدحهم الله في كتابه، وصابئة مشركون وهم الموجودون الآن.
وفي الموسوعة الميسرة
(1)
: (أن طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم، والتي تعتبر يحيى نبياً لها هي طائفة المندائية، ويقدسون الكواكب والنجوم.
ومن معالم دينهم الاتجاه نحو القطب الشمالي، وكذلك التعميد في المياه الجارية
…
(1)
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2/ 714 وما بعدها) إشراف د/ مانع الجهني، نشر دار الندوة العالمية، الطبعة الرابعة 1420 هـ.
الجذور الفكرية والعقائدية:
- تأثر الصابئة بكثير من الديانات والمعتقدات التي احتكوا بها.
- أشهر فرق الصابئة قديماً أربعة هي: أصحاب الروحانيات، وأصحاب الهياكل، وأصحاب الأشخاص، والحلولية.
- لقد ورد ذكرهم في القرآن مقترناً باليهود والنصارى والمجوس والمشركين (انظر الآيات 62/ البقرة - 69/ المائدة، 17/ الحج)، ولهم أحكام خاصة بهم من حيث جواز أخذ الجزية منهم أو عدمها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.
- عرف منهم الصابئة الحرانيون الذين انقرضوا والذين تختلف معتقداتهم بعض الشيء عن الصابئة المندائيين الحاليين.
- لم يبق من الصابئة اليوم إلا صابئة البطائح المنتشرون على ضفاف الأنهر الكبيرة في جنوب العراق وإيران).
حفر بئر زمزم ووقعة الفيل
قوله: (وخلاصة الأول: أنه أمر في المنام بحفر زمزم ووصف له موضعها، فقام يحفر، فوجد فيه الأشياء التي دفنها الجراهمة حين لجأوا إلى الجلاء، أي: السيوف، والدروع، والغزالين من الذهب، فضرب الأسياف بابًا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين صفائح من ذهب، وأقام سقاية زمزم للحجاج).
التعليق: قال الدكتور أكرم ضياء العمري
(1)
:
(وأما الآثار التي زعم أنه عثر عليها في البئر: كالغزال الذهبي، والسيوف القلعية فلم تصح بها الرواية
(2)
، لأنها من طريق عبدالأعلى بن
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 92).
(2)
محمد بن حبيب: المنمق 334 من طريق عبد الأعلى بن أبي المساور وهو متروك (تقريب التهذيب).
وعبد الرزاق: المصنف 5/ 314 من طريق الزهري مرسلًا، ومراسيله ضعيفة.
وابن سعد: الطبقات 1/ 85 بإسناد فيه ضعف إلى أبي مجلز السدوسي (ت 109 هـ) بسبب خالد بن خداش فإنه صدوق يخطيء مرسلًا، ومن طريق هشام الكلبي وهو متروك.
وابن هشام: السيرة 1/ 134 - 136 من رواية ابن إسحاق بدون إسناد.
وأبو عبيد: غريب الحديث 4/ 26 بالحاشية بإسناد حسن إلى سعيد بن المسيب الذي لم يحدد سنده إلى عبد المطلب.
أبي المساور وهو متروك (تهذيب التهذيب (332))، ورغم ذلك فإن تعدد مخارج الخبر:(ابن المسيب، والزهري) ينهض لدعم الحدث التاريخي ما دام لا يتعلق بالعقيدة، أو الشريعة).
عبدالله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
قوله: (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا ابن الذبيحين) يعني إسماعيل، وأباه عبدالله).
التعليق: هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ.
قال الألباني- رحمه الله
(1)
: (لا أصل له بهذا اللفظ. وفي (الكشف)(1/ 199): قال الزيلعي وابن حجر في (تخريج الكشاف): لم نجده بهذا اللفظ. قلت: الحديث في التخريج (4/ 141) ونص ابن حجر فيه. قلت: بيض له - يعني الزيلعي - وقد أخرجه.
قلت: كذا قال، والظاهر أنه ترك بياضاً في الأصل بعد قوله: أخرجه، لإملائه فيما بعد فلم يتمكن، وكأنه كان يظن أن له أصلاً فلم يجده، والله أعلم.
وقد وجدت الحاكم قد علق هذا الحديث مجزوماً بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال في (المستدرك)(2/ 559) بعد أن روى أثرين عن ابن عباس وابن مسعود أن الذبيح هو إسحاق: وقد كنت أرى مشايخ الحديث قبلنا وفي
(1)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (331).
سائر المدن التي طلبنا الحديث فيه وهم لا يختلفون أن الذبيح إسماعيل، وقاعدتهم فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أنا ابن الذبيحين) إذ لا خلاف أنه من ولد إسماعيل وأن الذبيح الآخر أبوه الأدنى عبد الله بن عبد المطلب، والآن فإني أجد مصنفي هذه الأدلة يختارون قول من قال: إنه إسحاق.
قلت: فلعل الحاكم يشير بالحديث المذكور إلى ما أخرجه قبل صفحات (2/ 551) من طريق عبد الله بن محمد العتبي، حدثنا عبد الله بن سعيد (عن) الصنابحي قال:
حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم، فقال بعضهم: الذبيح إسماعيل، وقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح، فقال معاوية:
سقطتم على الخبير، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه الأعرابي فقال: يا رسول الله! خلفت البلاد يابسة، والماء يابساً، هلك المال وضاع العيال، فعد علي بما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين وما الذبيحان؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم
لعبد الله، فأراد ذبحه، فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك، قال: ففداه بمئة ناقة، قال: فهو الذبيح، وإسماعيل الثاني.
وسكت عليه الحاكم، لكن تعقبه الذهبي بقوله: قلت: إسناده واه.
وقال الحافظ ابن كثير في (تفسيره)(4/ 18) بعد أن ذكره من هذا الوجه من رواية ابن جرير: وهذا حديث غريب جدا.
(1)
وأما ما في (الكشف) نقلاً عن (شرح الزرقاني) على (المواهب): والحديث حسن بل صححه الحاكم والذهبي لتقويه بتعدد طرقه،
(1)
انظر كتابي: الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حكم عليها الحافظ ابن كثير في تفسيره. طبعة مكتبة العلوم والحكم بمصر.
فوهم فاحش، فإنما قال الزرقاني: هذا في حديث (الذبيح إسحاق) وفيه مع ذلك نظر كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى-.
ثم إن صاحب (الكشف) عقب على ما سبق بقوله: وأقول: فحينئذ لا ينافيه ما نقله الحلبي في سيرته عن السيوطي أن هذا الحديث غريب، وفي إسناده من لا يعرف.
قلت: وقد عرفت أن الطرق المشار إليها في كلام الزرقاني ليست لهذا الحديث، فقد اتفق قول الذهبي والسيوطي على تضعيفه).
(1)
المولد
قوله: (ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له. واختار له اسم محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفًا في العرب - وخَتَنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون).
التعليق: (
…
وخَتَنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون).
قال الألباني-رحمه الله
(2)
: (من طريق يحيى بن أيوب العلاف قال: نا محمد بن أبي السري العسقلاني: نا الوليد بن مسلم، عن شعيب بن أبي حمزة، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ:
أن عبدالمطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم -يوم سابعه، وجعل له مأدبة، وسماه محمداً.
(1)
انظر:
- تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (3/ 177) ط. دار ابن خزيمة بالرياض حديث رقم (1089) تحقيق الشيخ عبدالله السعد.
- السلسلة الضعيفة للألباني حديث رقم (1677).
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس حديث رقم (606)، إسماعيل بن محمد العجلوني، ط. دار إحياء التراث العربي.
(2)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (6270).
قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد؛ إلا عند ابن أبي السري.
قلت: قال الحافظ في (التقريب): (صدوق عارف، له أوهام كثيرة).
وقال في (التهذيب): (أورد ابن عدي من مناكيره حديثه عن معتمر عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً: من سئل عن علم
…
).
وذكره الذهبي أيضاً في (الميزان) وقال هو والحافظ: (وقال ابن عدي: كثير الغلط).
وأقول: لقد سقطت ترجمة محمد بن أبي السري هذا وحديثه في العلم من النسخة المطبوعة من كتابه (الكامل)؛ فقد راجعت منه باب من اسمه (محمد)، وفهرسه في الأسماء والأحاديث؛ فلم أجد لذلك كله ذكراً. فلتراجع مخطوطاته.
ثم إن في إسناد الحديث علتين أخريين:
إحداهما: تدليس الوليد بن مسلم؛ فإنه كان يدلس تدليس التسوية.
والأخرى: عطاء الخراساني - وهو: ابن أبي مسلم - قال الحافظ:
(صدوق يهم كثيراً، ويرسل ويدلس)). ا. هـ
وقال ابن القيم رحمه الله
(1)
: (الفصل الثالث عشر: في ختان النبي صلى الله عليه وسلم وقد اختلف فيه على أقوال:
أحدها: أنه ولد مختوناً.
والثاني: أن جبريل ختنه حين شق صدره.
الثالث: أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم.
(1)
تحفة الودود في أحكام المولود (201 وما بعدها) تحقيق عبدالقادر الأرناؤوط، مكتبة البيان، دمشق، الأولى 1971 م.
ونحن نذكر قائلي هذه الأقوال وحججهم
فأما من قال: ولد مختوناً؛ فاحتجوا بأحاديث:
أحدها: ما رواه أبو عمر بن عبد البر فقال: وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: ولد رسول الله- صلى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً -يعني مقطوع السرة- فأعجب ذلك جده عبد المطلب، وقال: ليكونن لابني هذا شأن عظيم.
ثم قال ابن عبد البر: ليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم، قال: وقد روي موقوفاً على ابن عمر ولا يثبت أيضاً.
قلت: حديث ابن عمر رويناه من طريق أبي نعيم حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن خالد الخطيب، حدثنا محمد بن محمد بن سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن أيوب الحمصي، حدثنا موسى بن أبي موسى المقدسي، حدثنا خالد بن سلمة، عن نافع، عن ابن عمر قال: ولد النبي مسروراً مختوناً. ولكن محمد بن سليمان هذا هو الباغندي وقد ضعفوه، وقال الدارقطني: كان كثير التدليس يحدث بما لم يسمع، وربما سرق الحديث.
ومنها: ما رواه الخطيب بإسناده من حديث سفيان بن محمد المصيصي حدثنا هشيم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كرامتي على الله أني ولدت مختوناً، ولم ير سوءتي أحد).
(1)
قال الخطيب: لم يروه فيما يقال غير يونس عن هشيم، وتفرد به سفيان بن محمد المصيصي، وهو منكر الحديث.
قال الخطيب: أخبرني الأزهري قال: سئل الدارقطني عن سفيان بن
(1)
راجع تخريجه موسعاً في السلسلة الضعيفة للعلامة الألباني رحمه الله حديث رقم (6270).
محمد المصيصي، وأخبرني أبو الطيب الطبري قال: قال لنا الدارقطني: شيخ لأهل المصيصة يقال له: سفيان بن محمد الفزاري كان ضعيفاً، سيء الحال. وقال صالح بن محمد الحافظ: سفيان بن محمد المصيصي لا شيء.
وقد رواه أبو القاسم بن عساكر من طريق الحسن بن عرفة حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: (من كرامتي على ربي عز وجل أني ولدت مختوناً لم ير أحد سوءتي). وفي إسناده إلى الحسن بن عرفة عدة مجاهيل.
قال أبو القاسم بن عساكر: وقد سرقه ابن الجارود وهو كذاب. فرواه عن الحسن بن عرفة.
ومما احتج به أرباب هذا القول: ما ذكره محمد بن علي الترمذي في معجزات النبي- صلى الله عليه وسلم فقال: ومنها أن صفية بنت عبد المطلب قالت: أردت أن أعرف أذكر هو أم أنثى؟ فرأيته مختوناً. وهذا الحديث لا يثبت، وليس له إسناد يعرف به ....
وما حكاه عن صفية بقولها: (فرأيته مختوناً) يناقض الأحاديث الأخرى وهو قوله: (لم ير سوءتي أحد) فكل حديث في هذا الباب يناقض الآخر، ولا يثبت واحد منها، ولو ولد مختوناً فليس من خصائصه فإن كثيراً من الناس يولد غير محتاج إلى الختان.
قال: وذكر أبو الغنائم النسابة الزيدي أن أباه القاضي أبا محمد الحسن بن محمد بن الحسن الزيدي ولد غير محتاج إلى الختان، قال: ولهذا لقب بالمطهر. قال: وقال فيما قرأته بخطه: خلق أبو محمد الحسن مطهراً لم يختن، وتوفي كما خلق ....
قال: وقد ورد في حديث رواه سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي- صلى الله عليه وسلم قال:(ابن صياد ولد مسروراً مختوناً). وسيف مطعون في حديثه
…
وقيل: إن الختان من الكلمات التي ابتلى الله بها خليله فأتمهن وأكملهن، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد عد النبي- صلى الله عليه وسلم الختان من الفطرة، ومن المعلوم أن الابتلاء به مع الصبر مما يضاعف ثواب المبتلى به وأجره، والأليق بحال النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يسلب هذه الفضيلة، وأن يكرمه الله بها كما أكرم خليله؛ فإن خصائصه أعظم من خصائص غيره من النبيين وأعلى.
وختن الملك إياه -كما رويناه- أجدر من أن يكون من خصائصه، وأولى هذا كله كلام ابن العديم، ويريد بختن الملك ما رواه من طريق الخطيب عن أبي بكرة (أن جبريل ختن النبي حين طهر قلبه) وهو - مع كونه موقوفاً على أبي بكرة- لا يصح إسناده؛ فإن الخطيب قال فيه: أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن عثمان بن محمد البجلي، أنبأنا جعفر بن محمد بن نصير، حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن عيينة البصري، حدثنا علي بن محمد المدائني، حدثنا مسلمة بن محارب بن سليم بن زياد، عن أبيه، عن أبي بكرة وليس هذا الإسناد مما يحتج به.
وحديث شق الملك قلبه قد روي من وجوه متعددة مرفوعاً إلى النبي- صلى الله عليه وسلم، وليس في شيء منها (أن جبريل ختنه) إلا في هذا الحديث فهو شاذ غريب.
قال ابن العديم: وقد جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع.
قال: وهو على ما فيه أشبه بالصواب وأقرب إلى الواقع.
ثم ساق من طريق ابن عبد البر حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن أحمد- قراءة مني عليه- أن محمد بن عيسى حدثه قال: حدثنا يحيى بن أيوب بن زياد العلاف، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني، حدثنا الوليد بن مسلم، عن شعيب بن أبي حمزة، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس (أن عبد المطلب ختن النبي يوم سابعه وجعل له
مأدبة وسماه محمداً). قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري، وهو محمد بن المتوكل بن أبي السري، والله أعلم).
وقال ابن القيم أيضاً
(1)
: (وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاضِلَيْنِ صَنَّفَ أَحَدُهُمَا مُصَنَّفًا فِي أَنَّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا، وَأَجْلَبَ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا خِطَامَ لَهَا وَلَا زِمَامَ، وَهُوَ كمال الدين بن طلحة، فَنَقَضَهُ عَلَيْهِ كمال الدين بن العديم، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خُتِنَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبُ، وَكَانَ عُمُومُ هَذِهِ السُّنَّةِ لِلْعَرَبِ قَاطِبَةً مُغْنِيًا عَنْ نَقْلٍ مُعَيَّنٍ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.)
وقال الألباني رحمه الله
(2)
: (وهذا الذي ذهب إليه الكمال بن العديم رحمه الله هو الذي تطمئن إليه النفس، وينشرح له الصدر، وهو الذي يبدو أنه مال إليه ابن عبدالبر؛ فإنه قال عقب الحديث المشار إليه: (وفي حديث ابن عباس عن أبي سفيان في قصته مع هرقل - وهو حديث ثابت من جهة الإسناد - دليل على أن العرب كانت تختتن، وأظن ذلك من جهة مجاورتهم في الحجاز اليهود).
قلت: وحديث أبي سفيان في أول (صحيح البخاري) رقم (7 - فتح)، وفيه أن هرقل سأل أبا سفيان عن العرب؟ فقال:(هم يختتنون)).
(3)
(1)
زاد المعاد (1/ 81) ط. مؤسسة الرسالة.
(2)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (6270).
(3)
انظر:
- السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/ 100).
- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (1/ 171)، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ، تحقيق: خليل الميس.
- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد (1/ 347)، محمد بن يوسف الصالحي الشامي.
في بني سعد
قوله: (قال ابن إسحاق: كانت حليمة تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء. قالت: وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا، قالت: فخرجت على أتان لي قمراء، ومعنا شارف لنا، والله ما تَبِضّ بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك، فلقد أذَمَّتْ بالركب حتى شق ذلك عليهم، ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله، إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه وأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة!، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شئ من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك! أرْبِعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأنًا، قالت: ثم قدمنا
منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعًا لبنًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعًا لبنًا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا. قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا؛ لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا.
التعليق: القصة ضعيفة وهي مما يتساهل في ذكرها.
قال الألباني- رحمه الله
(1)
: (إن القصة لم تأت بإسناد تقوم به الحجة، وأشهر طرقها ما رواه محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم، عن عبد الله بن جعفر، عن حليمة بنت الحارث السعدية
أخرجه أبو يعلى (ق 128/ 1)، وعنه ابن حبان (2094 - موارد)، وأبو نعيم في (دلائل النبوة)(1/ 47)، عن ابن إسحاق به، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (1/ 108) عنه أيضاً إلا أنه قال: حدثنا جهم بن أبي الجهم - مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب، وكان يقال: مولى الحارث بن حاطب - قال: حدثنا من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول: حدثت عن حليمة بنت الحارث
قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه علتان:
الأولى: الاضطراب في إسناده -كما هو ظاهر- ففي الرواية الأولى عنعنة ابن إسحاق من جميع رواته، وفي الأخرى تصريحه بالتحديث مع تصريح الجهم بأنه لم
(1)
دفاع عن الحديث النبوي و السيرة ص (39 - 40).
يسمعه من عبد الله بن جعفر، وتصريح هذا بأنه لم يسمعه من حليمة فعلى الرواية الأولى فيه انقطاع بين ابن إسحاق والجهم؛ لأن الأول مشهور بالتدليس، وعلى الرواية الأخرى الانقطاع في موضعين منه، ومنه تعلم وهم الحافظ في (الإصابة) حيث قال (4/ 266):(وصرح ابن حبان في (صحيحه) بالتحديث بين عبد الله وحليمة) فإنه لا أصل لهذا التحديث عند ابن حبان ولا عند غيره ممن ذكرنا، ويستبعد جداً أن يدرك عبد الله بن جعفر حليمة مرضعة الرسول- صلى الله عليه وسلم -فإنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان عبد الله ابن عشر سنين وهي -وإن لم يذكروا لها وفاة- فمن المفروض عادة أنها توفيت قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
وسواء كان الراجح الرواية الأولى أو الأخرى فالإسناد منقطع لا محالة.
والعلة الأخرى: أن مداره على جهم بن أبي الجهم، وهو مجهول الحال، قال الذهبي في (الميزان):(لا يعرف، له قصة حليمة السعدية).
وأما ابن حبان فذكره في (الثقات)(1/ 31) على قاعدته في توثيق المجهولين وللقصة عند أبي نعيم طريقان آخران مدارهما على الواقدي وهو كذاب:
أحدهما: عن شيخه موسى بن شيبة وهو لين الحديث كما قال الحافظ في (التقريب). والأخرى: عن عبد الصمد بن محمد السعدي، عن أبيه، عن جده قال: حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة
…
وهؤلاء مجهولون).
وقال الدكتور/ أكرم ضياء العمري
(1)
: (وقد تساهل النقاد في تحسين الخبر على الرغم من العلل في سنده فقال الذهبي: (هذا حديث جيد الإسناد)(السيرة النبوية: 8)، وقال ابن كثير: هذا الحديث قد روي من طرق أخر!!، وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السيرة والمغازي (السيرة 1/ 228) وكان ابن عبد البر قد ذكر شهرته أيضًا (الاستيعاب مع الإصابة) 12/ 261.
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 102).
وقد وردت له شواهد واهية من حديث ابن عباس كما في (دلائل البيهقي 1/ 139 - 145) وابن عساكر: السيرة: 1/ 384 - 388 والمتهم به محمد بن زكريا الغلابي وفي المسند مجاهيل أيضًا.
ويعقوب بن جعفر غير مشهور في الرواية، والمحفوظ من حديث حليمة ما تقدم قبل من رواية عبد الله بن جعفر. وله شاهد من حديث أسلم العدوي (ابن سعد: الطبقات 1/ 151 - 152) لكنه من طريق الواقدي وهو متروك.
وابن عساكر قال: (هذا حديث غريب جداً، وفيه ألفاظ ركيكة لا تشبه الصواب).
وقد تعقب الشيخ عبدالله بن محمد الدويش الشيخ الألباني -رحمهما الله- في تضعيف الخبر فقال
(1)
: (في تضعيفه نظر؛ فإن رواته ثقات، وأما قوله: ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه فهو بالنظر إلى رواية البيهقي وقد صرح بالتحديث كما رواه عمر بن شبه في أخبار المدينة.
وأما قوله: وجهم بن أبي الجهم مجهول فإنما اعتمد في ذلك على كلام الذهبي الذي نقله. وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان فقال بعد قول الذهبي: روى عن محمد بن إسحاق لا يعرف، له قصة حليمة السعدية. انتهى.
وقد روى عنه أيضًا عبد الله العمري والوليد بن عبد الله بن جميع ذكره ابن أبي حاتم فقال: مولى الحارث بن حاطب القرشي ولم يذكر فيه جرحًا وذكره ابن حبان في الثقات، وأفاد أنه روى أيضًا عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
فائدة:
بالرغم من الخلاف الواقع في قصة حليمة السعدية -كما مر معنا-
(1)
تنبيه القارئ لتقوية ما ضعفه الألباني (1/ 50)، الناشر: دار العليان للنشر والنسخ والتصوير والتجليد، بريدة، الطبعة الأولى، 1411 هـ.
فإن من أهل العلم: كالذهبي، وابن كثير، وابن حبان، وابن حجر، والدويش قبل الخبر، وعلى القول بضعفه من: ابن عساكر، والألباني، والعمري فإنه مما لا يتعلق به أحكام، أو شرائع وهذا مما يتساهل في روايته وذكره، وبخاصة أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مسترضعاً في بني سعد بن بكر من أحاديث أخرى منها:
روى ابن إسحاق عن نفر من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له: أَخبِرْنا عن نفسِك؟ قال: نعم، أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ، وبُشرى عيسى عليهما السلام
(1)
ورأَتْ أمي حين حملتْ بي أنه خرج منها نورٌ أضاءت له قصورُ الشام، واستُرضِعْتُ في بني سعدِ بنِ بكرٍ، فبينا أنا في بَهمٍ أتاني رجلان: عليهما ثيابٌ بِيضٌ معهما طَستٌ من ذهبٍ مملوءٍ ثلجًا فأضجعاني فشقَّا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقَّاه، فأخرَجا منه علقةً سوداءَ، فألقَياها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلجِ حتى إذا أَلقياه ردَّاه كما كان، ثم قال أحدُهما لصاحبه: زِنْه بعشرةٍ من أمَّتِه فوزنَني بعشرةٍ فوزنتُهم، ثم قال: زِنْه بمائةٍ من أمَّتِه فوزنني بمائةٍ فوزنتُهم، ثم قال: زِنْه بألفٍ من أمتِه فوزنني بألفٍ فوزنتُهم، فقال: دَعْه عنك فلو وزنتَه بأمَّتِه لوزنَهم.
أورده الحافظ ابن كثير في " البداية "(2/ 275) فقال: وقال ابن إسحاق:
حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك. قال: نعم أنا .. إلخ. ثم قال: " وهذا إسناد جيد قوي ".
وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 1/ 146، والطبري ج 1/ 128، والحاكم في المستدرك 2/ 600 وقال: صحيح الإسناد. وصححه العلامة الألباني في الصحيحة حديث رقم (1545)، وانظر الصحيحة حديث رقم (373)، والضعيفة حديث رقم (2085).
(1)
وأما دعوة إبراهيم فقوله: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم)(البقرة: 129)، وبشارة عيسى قوله:(ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)(الصف: 6).
قال الحافظ ابن كثير
(1)
: (وَالْمَقْصُودُ أَنَّ بَرَكَتَهُ عليه الصلاة والسلام حَلَّتْ عَلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ وَأَهْلِهَا وَهُوَ صَغِيرٌ، ثُمَّ عَادَتْ عَلَى هَوَازِنَ بِكَمَالِهِمْ فَوَاضِلُهُ حِينَ أَسَرَهُمْ بَعْدَ وَقْعَتِهِمْ وَذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِشَهْرٍ فَمَتُّوا إِلَيْهِ بِرَضَاعِهِ فَأَعْتَقَهُمْ، وَتَحَنَنَّ عَلَيْهِمْ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ).
وقد نقله عنه الألباني بتمامه في صحيح السيرة ص (19)، ط. المكتبة الإسلامية، عمان، الطبعة الأولى.
قال العمري
(2)
: (وأما خبر إرضاع حليمة السعدية له في ديار بني سعد، وما ظهر عليه من البركة فهو خبر مستفيض في كتب السيرة قديمها وحديثها، وأقدم من أورده من كتاب السيرة ابن إسحاق (ت 151 هـ) وإذا كان خبر حليمة الطويل المشتهر حول رضاعة لم يحظَ بتصحيح المحدثين لعلل إسنادية، فإن رضاعه صلى الله عليه وسلم في بني سعد من قبل حليمة السعدية ثابت من طرق أخرى).
(3)
إلى أمه الحنون
1 -
قوله: (وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين).
التعليق:
روى أحمد في مسنده، مسند الشاميين حديث (17196) من طريق بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن ابن عمرو السلمي عن عتبة بن عبد السلمي أنه حدثهم: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: كانت حاضنتي من بني سعد بن
(1)
البداية والنهاية (3/ 419)، ط. دار هجر، الطبعة الأولى.
(2)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 102)، ط. مكتبة العلوم والحكم بالمدينة.
(3)
انظر: تحذير الداعية من القصص الواهية للشيخ علي بن إبراهيم حشيش ص (42 - 48).
بكر ..... -وذكر حادثة شق الصدر- وفرقت فرقا شديدا ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد التبس بي، فقالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيرا لها فجعلتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها ذلك وقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام)، ورواه الحاكم في المستدرك من طريق بقية بن الوليد: حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن ابن عمرو السلمي، عن عتبة فذكره بتمامه. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ورواه الدارمي في مسنده في المقدمة باب كيف كان أول شأن النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم (13) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (373)، وقال البوصيري: هذا حديث حسن، وبقية ثقة وإن كان مدلسا، ورواه من هذا الوجه بالعنعنة فقد صرح بالتحديث فى بعض طرقه.
وعلى القول بضعف الرواية وأنه لم تثبت هذه الأخبار برواية صحيحة لكنه مما يتساهل فيه عادة.
(1)
2 -
قوله: (ورأت آمنة - وفاء لذكرى زوجها الراحل- أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها اليتيم محمد- صلى الله عليه وسلم وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرًا ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت بالأبْوَاء بين مكة والمدينة).
التعليق: (لم تثبت هذه الأخبار برواية صحيحة، ولكنها مما يتساهل فيه عادة).
(2)
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 105).
(2)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 105).
إلى جده العطوف
1 -
قوله: (قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني هذا، فوالله إن له لشأنًا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع).
التعليق: سنده منقطع.
(روى ابن إسحاق قال: حدثني العباس بن عبدالله بن معبد عن بعض أهله قال: فذكره
…
)
والعباس بن عبدالله بن معبد بن العباس بن عبدالمطلب ثقة من السادسة كما في التقريب، وهو يروي الخبر عن بعض أهله ولا يمكن أن يكون هؤلاء- فضلاً عن جهالتهم - من الصحابة، فالسند فيه انقطاع. ومن طريق ابن إسحاق ذكرها البيهقي في الدلائل (2/ 21)، ورواه ابن سعد في الطبقات (1/ 117) بنحوه عن شيخه الواقدي، وهو متروك. وقال الذهبي في السيرة من تاريخ الإسلام ص (53):
(وقال عبدالله بن شبيب - وهو ضعيف- ثنا أحمد بن محمد الأزرقي سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول:
…
وذكر القصة).
وابن شبيب قال عنه الذهبي: (إخباري علامة لكنه واه). لسان الميزان (3/ 299) وكذا في السيرة (64). وذكرها ابن كثير (البداية والنهاية (2/ 281) عن ابن إسحاق، وسكت عنها).
(1)
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة للشيخ محمد بن عبدالله العوشن- حفظه الله- ص (10).
2 -
قوله: (ولثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى الله عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه).
التعليق: إسناد ضعيف.
(رواه ابن إسحق بسند منقطع، والسيرة للذهبي بإسناد ضعيف جداً، طبقات ابن سعد (1/ 117 - 119)، والواقدي متروك).
(1)
وقال محقق سيرة ابن هشام (1/ 220) طبعة دار الصحابة. طنطا: (إسناد ضعيف).
حرب الفِجَار
قوله: (وسميت بحرب الفِجَار؛ لانتهاك حرمة الشهر الحرام فيها، وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ينبل على عمومته؛ أي يجهز لهم النبل للرمي).
التعليق: إسناد ضعيف.
(وابن إسحاق ذكر القصة بدون إسناد. وذكرها الذهبي عنه كما في السيرة من (تاريخ الإِسلام) وابن كثير كما في (البداية والنهاية).
ورواه ابن سعد عن الواقدي وفيه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الفجار- فقال: قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم، وما أحبُّ أني لم أكن فعلت ". والواقدي متروك.
وسكت عنها الشيخ الألباني-رحمه الله في تعليقه على (فقه السيرة) للغزالي- رحمه الله لكنه لم يدرجها في (صحيح السيرة النبوية). ولم يذكرها الشيخ محمَّد بن رزق الطرهوني -حفظه الله تعالى- في (صحيح السيرة)
(1)
السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/ 105 - 106).
فدلّ على عدم صحتها عندهما. وقال الدكتور أكرم العمري -حفظه الله تعالى-: (ولم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدها).
(1)
زواجه بخديجة
قوله: (
…
وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة
…
).
وقوله: تحت عنوان: البيت النبوي
(كان البيت النبوي في مكة قبل الهجرة يتألف منه عليه الصلاة والسلام، ومن زوجته خديجة بنت خويلد، تزوجها وهو في خمس وعشرين من سنه، وهي في الأربعين).
التعليق: الخلاف في عمر خديجة رضي الله عنها
قال الشيخ محمد بن عبدالله العوشن-حفظه الله-
(2)
:
(وقال البيهقي في الدلائل (2/ 70): (قال أبو عبدالله - الحاكم- قرأت بخط أبي بكر بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب بن عبدالله الزبيري قال:
…
ثم بلغت خديجة خمساً وستين سنة، ويقال: خمسين سنة. وهو أصح).
وقال الحافظ ابن كثير-رحمه الله
(3)
: (
…
وهكذا نقل البيهقي عن الحاكم أنه كان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمساً وعشرين سنة، وكان عمرها إذ ذاك خمساً وثلاثين، وقيل: خمساً وعشرين).
وقال -أيضاً - عند الحديث عن زوجاته صلى الله عليه وسلم في البداية والنهاية (5/ 293): (وعن حكيم بن حزام قال: كان عمرها أربعين سنة. وعن ابن عباس: كان عمرها ثماني وعشرين سنة. رواهما ابن عساكر).
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (16).
(2)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (18).
(3)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 111).
قال الدكتور أكرم العمري- حفظه الله-
(1)
: (وقد أنجبت خديجة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرين وأربع إناث مما يرجح رواية ابن إسحاق (أي أنها في الثامنة والعشرين)، فالغالب أن المرأة تبلغ سن اليأس من الإنجاب قبل الخمسين).
السيرة الإجمالية قبل النبوة
قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول الله بيني وبينه، ثم ما هممت به حتى أكرمني برسالته، قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب، فقال: أفعل، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفًا، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: عرس فلان بفلانة، فجلست أسمع، فضرب الله على أذني فنمت، فما أيقظني إلا حر الشمس. فعدت إلى صاحبي فسألني، فأخبرته، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة
…
ثم ما هممت بسوء).
اختلفوا في صحة هذا الحديث فصححه الحاكم والذهبي وضعفه ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 287.
التعليق: ضعيف.
قال الألباني رحمه الله
(2)
: (حديث ضعيف، أخرجه الحاكم: 4/ 245، من طريق ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الله بن مخرمة، عن الحسن بن محمد بن علي، عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
…
فذكره، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 111).
(2)
تخريج فقه السيرة ص (71).
قلت: وهو وهم منهما معاً لأمرين:
الأول: أن ابن إسحاق إنما يروي له مسلم مقروناً بغيره، كما ذكر ذلك الذهبي نفسه في الميزان، والحاكم لم يروه عنه مقروناً بغيره كما ترى، فليس هو على شرط مسلم.
الثاني: أن محمد بن عبد الله بن قيس ليس مشهور العدالة، فلم يوثّقه غير ابن حبان. وتوثيقه عندما ينفرد به لا يوثق به، لأن من قاعدته أن يوثق المجهولين، كما أفاده المحققون كالحافظ ابن حجر في (اللسان)؛ ولهذا لما أورد الحافظ ابن قيس هذا في (التقريب) لم يوثقه، بل قال فيه: مقبول: يعني: أنه لين الحديث، حيث لا يتابع كما نص على هذا في مقدمة الكتاب. ثم هو ليس من رجال مسلم خلافاً لمن وهم. وقد ضعف هذا الحديث الحافظ ابن كثير
(1)
، بعد أن ساقه بالسند المذكور من رواية البيهقي، حيث قال:(وهذا حديث غريب جداً، وقد يكون عن علي نفسه (يعني: موقوفاً عليه)، ويكون قول:"حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته" مقحماً، والله أعلم.
وشيخ ابن إسحاق هذا ذكره ابن حبان في الثقات، وزعم بعضهم أنه من رجال الصحيح، قال شيخنا في تهذيبه:(ولم أقف على ذلك. والله أعلم).
ثم وجدت الحديث في تاريخ مكة، ص (7)، للفاكهي؛ وتاريخ ابن جرير:(2/ 34) من الطريق المذكور. ورواه الطبراني في المعجم الصغير ص (190)، من حديث عمار بن ياسر، وفي سنده جماعة لم أعرفهم، وذكر نحو هذا الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد:(8/ 226).
فترة الوحي
1 -
قوله: (أقول: فهذا يفيد أن الوحي الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفترة إنما نزل في أول يوم من شهر شوال بعد نهاية شهر رمضان الذي
(1)
البداية والنهاية: (2/ 287).
تشرف فيه بالنبوة والوحي؛ لأنه كان آخر مجاورة له بحراء، وإذا ثبت أن أول نزول الوحي كان في ليلة الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان فإن هذا يعنى أن فترة الوحي كانت لعشرة أيام فقط. وأن الوحي نزل بعدها صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولى من النبوة. ولعل هذا هو السر في تخصيص العشر الأواخر من رمضان بالمجاورة والاعتكاف، وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد، والله أعلم).
التعليق: من جهتين:
الأولى: خطأ في التاريخ.
لا يخفى الخطأ الموجود في كلام المؤلف، كيف ينزل القرآن في ليلة الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان ثم ينقطع لعشرة أيام، وينزل صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولى من النبوة؛ مما يدل أنه حصل خطأ في تاريخ نزول القرآن، و الصواب أنه في الحادي والعشرين من رمضان على حسب كلام المؤلف وحساباته.
فقد قال رحمه الله في الهامش قبل ذلك تحت عنوان جبريل ينزل بالوحي:
(وإنما رجحنا أنه اليوم الحادي والعشرون مع أنا لم نر من قال به؛ لأن أهل السيرة -كلهم أو أكثرهم- متفقون على أن مبعثه صلى الله عليه وسلم -كان يوم الاثنين، ويؤيدهم ما رواه أئمة الحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: " فيه ولدت، فيه أنزل علي، وفي لفظ: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل عليّ فيه" (صحيح مسلم (1/ 368)، أحمد (5/ 297، 299)، البيهقي (4/ 286، 300)، الحاكم (2/ 602) ويوم الاثنين في رمضان من تلك السنة لا يوافق إلا اليوم السابع، والرابع عشر، والحادي والعشرين، والثامن والعشرين، وقد دلت الروايات الصحيحة أن ليلة القدر لا تقع إلا في وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان وأنها تنتقل فيما بين هذه الليالي، فإذا قارنا بين قوله تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وبين رواية أبي قتادة أن مبعثه صلى الله عليه وسلم كان
يوم الاثنين وبين حساب التقويم العلمي في وقوع يوم الاثنين في رمضان من تلك السنة تعين لنا أن مبعثه صلى الله عليه وسلم -كان في اليوم الحادي والعشرين من رمضان ليلاً.)
ثم وجدت في كتاب روضة الأزهار في سيرة النبي المختار للمؤلف
(1)
أنه يقول: (وحيث إن ليلة القدر تقع في وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان، وقد ثبت علمياً أن يوم الاثنين في رمضان من تلك السنة إنما وقع في اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة إحدى وأربعين من مولده صلى الله عليه وسلم). وبهذا يتضح الخطأ الموجود في الرحيق المختوم (الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان)، وأن الصواب ما ذكره المؤلف في كتابه روضة الأزهار (الاثنين الحادي والعشرين من شهر رمضان)؛ فليصحح.
الثانية: قوله: (
…
ولعل هذا هو السر في تخصيص العشر الأواخر من رمضان بالمجاورة والاعتكاف، وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد، والله أعلم).
أخطأ المؤلف في جعل نزول الوحي بعد فترته سبباً في تخصيص العشر الأواخر من رمضان بالمجاورة والاعتكاف، وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد؛ وإنما كان يعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر كما في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " اعتكَف رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشرَ الأُوَلِ من رمضانَ، واعتكفْنا معَه، فأتاه جبريلُ فقال: إن الذي تطلُبُ أمامَك، فاعتكَف العشرَ الأوسَطَ فاعتكَفْنا معَه، فأتاه جبريلُ فقال: إن الذي تطلُبُ أمامَك، قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم طيبًا، صبيحةَ عِشرينَ من رمضانَ، فقال: مَن كان اعتكَف معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فليَرجِعْ، فإني أُريتُ ليلةَ القدْرِ وإني نُسِّيتُها وإنها في العشرِ الأواخِرِ، وفي وِترٍ، وإني رأيتُ كأني أسجدُ في طينٍ وماءٍ. وكان سقفُ المسجدِ جريدَ
(1)
ص (28)، الطبعة الخامسة، من مطبوعات وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف بالسعودية.
النخلِ، وما نرى في السماءِ شيئًا، فجاءتْ قزَعةٌ فأُمطِرْنا، فصلَّى بنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى رأيتُ أثرَ الطينِ والماءِ على جبهةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأرنبتِه، تصديقَ رؤياه.
(1)
وجعلَ الشرعُ أولَ شوال عيداً ليس بسبب عودة نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فترته كما ذكر المؤلف؛ وإنما بسبب إتمام نعمة الله على المسلمين بإكمال عدة شهر رمضان والفرح بالفطر منه كما صح في الحديث: " للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه ".
(2)
وعن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قال: نَهى عن صيامِ هذينِ اليومينِ، يومِ الفطرِ ويومِ الأضحى، أمَّا يومُ الفطرِ، فيومُ فطرِكم من صيامِكم، ويومُ الأضحى، تأْكلونَ فيهِ من لحمِ نسُككم.
(3)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ:" قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ ".
(4)
2 -
قوله: (وقد بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام الفترة كئيبًا محزونًا تعتريه الحيرة والدهشة، فقد روى البخاري في كتاب التعبير ما نصه:
وفتر الوحي فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا- حزنًا عدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوْفى بذِرْوَة جبل لكي يلقي
(1)
رواه البخاري حديث (813).
(2)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. البخاري (1805)، ومسلم (1151).
(3)
رواه البخاري (1990)، ومسلم (1137)، وأحمد (163)، وأبو داود (2416)، وابن ماجه (1722).
(4)
رواه أحمد (12006)، وأبو داود (1134)، والنسائي (1556)، وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 442)، والألباني في الصحيحة حديث (2021).
نفسه منه تَبدَّى له جبريل فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقًا، فيسكن لذلك جأشه، وتَقَرّ نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك).
التعليق: لا تصح محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم التردي من رؤوس الجبال.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله
(1)
:
(وقوله هنا: (فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا-) هذا وما بعده من زيادة معمر على رواية عقيل ويونس. وصنيع المؤلف يوهم أنه داخل في رواية عقيل، وقد جرى على ذلك الحميدي في جمعه فساق الحديث إلى قوله:"وفتر الوحي" ثم قال: انتهى حديث عقيل المفرد عن ابن شهاب إلى حيث ذكرنا، وزاد عنه البخاري في حديثه المقترن بمعمر عن الزهري فقال:(وفتر الوحي فترة حتى حزن) فساقه إلى آخره، والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر، فقد أخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول الكتاب بدونها، وأخرجه مقروناً هنا برواية معمر وبين أن اللفظ لمعمر وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر، وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضاً من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها، ثم إن القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا.
وقال الكرماني: هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور، ووقع عند ابن مردويه في التفسير من طريق محمد بن كثير عن معمر بإسقاط قوله:(فيما بلغنا) ولفظه: (فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم منها حزناً غدا منه) إلى آخره، فصار كله مدرجاً على رواية الزهري وعن عروة عن عائشة، والأول هو المعتمد
…
).
(1)
فتح الباري (12/ 359 - 360).
قال الألباني رحمه الله
(1)
:
(هذا العزو للبخاري خطأ فاحش ذلك لأنه يوهم أن قصة التردي هذه صحيحة على شرط البخاري وليس كذلك وبيانه أن البخاري أخرجها في آخر حديث عائشة في بدء الوحي الذي ساقه الدكتور (1/ 51 - 53) وهو عند البخاري في أول (التعبير)(12/ 297 - 304 فتح) من طريق معمر: قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة
…
فساق الحديث إلى قوله: (وفتر الوحي) وزاد الزهري: (حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا - حزناً غدا منه مرارا، كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل؛ لكي يلقى منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد! إنك رسول الله حقاً؛ فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي، غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك)
وهكذا أخرجه بهذه الزيادة أحمد (6/ 232 - 233)، وأبو نعيم في (الدلائل)(ص 68 - 69)، والبيهقي في (الدلائل)(1/ 393 - 395) من طريق عبد الرزاق عن معمر به.
ومن هذه الطريق أخرجه مسلم (1/ 98) لكنه لم يسق لفظه، وإنما أحال به على لفظ رواية يونس عن ابن شهاب، وليس فيه الزيادة، وكذلك أخرجه مسلم، وأحمد (6/ 223) من طريق عقيل بن خالد: قال ابن شهاب به دون الزيادة، وكذلك أخرجه البخاري في أول الصحيح عن عقيل به.
قلت: ونستنتج مما سبق أن لهذه الزيادة علتين:
الأولى: تفرد معمر بها دون يونس وعقيل؛ فهي شاذة.
الأخرى: أنها مرسلة معضلة؛ فإن القائل: (فيما بلغنا) إنما هو الزهري كما هو ظاهر من السياق وبذلك جزم الحافظ في (الفتح)(12/ 302) وقال: (وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا)
قلت: وهذا مما غفل عنه الدكتور، أو جهله فظن أن كل حرف في
(1)
دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص (40 - 41).
(صحيح البخاري) هو على شرطه في الصحة، ولعله لا يفرق بين الحديث المسند فيه والمعلق، كما لم يفرق بين الحديث الموصول فيه والحديث المرسل الذي جاء فيه عرضا كحديث عائشة هذا الذي جاءت في آخره هذه الزيادة المرسلة، واعلم أن هذه الزيادة لم تأت من طريق موصولة يحتج بها).
قال الألباني رحمه الله
(1)
: (وخلاصة القول: أن هذا الحديث ضعيف لا يصح، لا عن ابن عباس، ولا عن عائشة، ولذلك نبهت في تعليقي على كتابي (مختصر صحيح البخاري)(1/ 5) على أن بلاغ الزهري هذا ليس على شرط البخاري كي لا يغتر أحد من القراء بصحته لكونه في (الصحيح). والله الموفق).
قال الشيخ محمد أبو شهبة رحمه الله
(2)
: (وهذه الرواية ليست على شرط الصحيح لأنها من البلاغات، وهي من قبيل المنقطع، والمنقطع من أنواع الضعيف، والبخاري لا يخرج إلا الأحاديث المسندة المتصلة برواية العدول الضابطين، ولعل البخاري ذكرها لينبهنا إلى مخالفتها لما صح عنده من حديث بدء الوحي، الذي لم تذكر فيه هذه الزيادة.
ولو أن هذه الرواية كانت صحيحة لأوّلناها تأويلاً مقبولاً، أما وهي على هذه الحالة فلا نكلف أنفسنا عناء البحث عن مخرج لها ...... وليس أدل على ضعف هذه الزيادة وتهافتها من أن جبريل كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم-كلما أوفى بذروة جبل:"يا محمد! إنك رسول الله حقاً" وأنه كرر ذلك مراراً، ولو صح هذا لكانت مرة واحدة تكفي في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وصرفه عما حدّثته به نفسه كما زعموا، وقد نحا إلى ما نحوت بعض كتاب السيرة المحدثين المسلمين).
(3)
(1)
السلسلة الضعيفة (3/ 163) حديث رقم (1053).
(2)
السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة (1/ 165)، دار القلم، دمشق، الطبعة الثامنة 1427 هـ.
(3)
انظر:
- السلسلة الضعيفة والموضوعة للألباني حديث رقم (4858).
- السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/ 127).
- رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء السنة النبوية الشريفة رسالة دكتوراه لعماد السيد محمد إسماعيل الشربيني ط. دار اليقين.
أقسام الوحي
قوله: (الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته).
التعليق: المؤلف لم يخرج الحديث
(أخرجه رزين، وقد رواه أبو نعيم في " الحلية " (10/ 27) من حديث أبي أمامة، وابن حبان، والحاكم، وابن ماجه من حديث جابر، والحاكم من حديث ابن مسعود، والبزار من حديث حذيفة، وابن حبان، والبزار، والطبراني عن أبي الدرداء، وأبو يعلى عن أبي هريرة، وابن ماجة عن أبي حميد الساعدي مطولاً ومختصراً، وهو حديث صحيح).
(1)
وحسنه الألباني فقال
(2)
: (وبالجملة فالحديث حسن على أقل الأحوال).
الرعيل الأول
قوله: (جَمْعٌ عُرِفوا في التاريخ الإسلامي بالسابقين الأولين، وفي مقدمتهم زوجة النبي- صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومولاه زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي (1) وابن عمه علي بن أبي طالب - وكان صبيًا يعيش في كفالة الرسول صلى الله عليه وسلم وصديقه الحميم أبو بكر الصديق. أسلم هؤلاء في أول يوم الدعوة).
(1)
تخريج جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الأثير (10/ 117)، طبعة دار البيان.
(2)
السلسلة الصحيحة حديث (2866).
(1)
قال في الهامش: كان قد أسر ورق، فملكته خديجة، ووهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه أبوه وعمه ليذهبا به إلى قومه وعشيرته، فاختار عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبناه حسب قواعد العرب، وكان لذلك يقال: زيد بن محمد، حتى جاء الإسلام فأبطل التبني. قتل شهيداً يوم مؤتة في جمادى الأولى سنة 8 هـ، وهو أمير جيش المسلمين.
التعليق: ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
الأول: تفاصيل قصة وقوع زيد بن حارثة في الأسر والرق لم تصح.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كَانَ حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيلَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي طَيِّئٍ مِنْ نَبْهَانَ فَأَوْلَدَهَا جَبَلَةَ وَأَسْمَاءَ وَزَيْدًا، فَتُوُفِّيَتْ وَأَخْلَفَتْ أَوْلَادَهَا فِي حِجْرِ جَدِّهِمْ لِأَبِيهِمْ، وَأَرَادَ حَارِثَةُ حَمْلَهُمْ، فَأَتَى جَدُّهُمْ فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، فَتَرَاضَوْا إِلَى أَنْ حَمَلَ جَبَلَةَ وَأَسْمَاءَ وَخَلَّفِ زَيْدًا، وَجَاءَتْ خَيْلٌ مِنْ تِهَامَةَ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ فَأَغَارَتْ عَلَى طَيِّئٍ، فَسَبَتْ زَيْدًا فَصَيَّرُوهُ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَبْلِ أَنِ يُبْعَثَ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ رضي الله عنها:"يَا خَدِيجَةُ، رَأَيْتُ فِي السُّوقِ غُلَامًا مِنْ صِفَتِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ"- يَصِفُ عَقْلًا وَأَدَبًا وَجَمَالًا- لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَاشْتَرَيْتُهُ" فَأَمَرَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ فَاشْتَرَاهُ مِنْ مَالِهَا، فَقَالَ: "يَا خَدِيجَةُ، هَبِي لِي هَذَا الْغُلَامَ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِكِ" فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَى غُلَامًا وَضِيئًا وَأَخَافُ أَنْ تَبِيعَهُ أَوْ تَهِبَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا مُوَفَّقَةُ، مَا أَرَدْتُ إِلَّا لَأَتَبَنَّاهُ" فَقَالَتْ: نَعَمْ- يَا مُحَمَّدُ- فَرَبَّاهُ وَتَبَنَّاهُ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ فَنَظَرَ إِلَى زَيْدٍ فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: أَنْتَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، قَالَ: لَا، أَنَا زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَا، بَلْ أَنْتَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْ صِفَةِ أَبِيكَ وَعُمُوَمَتِكَ وَأَخْوَالِكَ كَيْتَ وَكَيْتَ، قَدْ أَتْعَبُوا الْأَبْدَانَ وَأَنْفِقُوا الْأَمْوَالَ فِي سَبِيلِكَ، فَقَالَ زَيْدٌ:
أَحِنُّ إِلَى قَوْمِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِيًا
…
فَإِنِّي قَطِينُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ
وَكُفُّوا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي قَدْ شَجَاكُمْ
…
وَلَا تَعْمَلُوا فِي الْأَرْضِ فِعْلَ الْأَبَاعِرِ
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهَ فِي خَيْر أُسْرَةٍ
…
خِيَارَ مَعْدٍ كَابِرًا بَعْدَ كَابِرِ
فَقَالَ حَارِثَةُ لَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ خبره:
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ
…
أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الْأَجَلْ
فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِلٌ
…
أَغَالَكَ سَهْلُ الْأَرْضِ أَمْ غَالَكَ الْجَبَلْ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَكَ الدَّهْرَ رَجْعَةٌ
…
فَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لِي بَجَلْ
تُذَكِّرُنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا
…
وَيَعْرِضُ لِي ذِكْرَاهُ إِذْ عَسْعَسَ الطَّفَلْ
وَإِن هَبَّتِ الْأَرْوَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ
…
فَيَا طُولَ أَحْزَانِي عَلَيْهِ وَيَا وَجَلْ
سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا
…
وَلَا أَسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ
فَيَأْتِيَ أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي
…
وَكُلُّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الْأَمَلْ
فَقَدِمَ حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيلَ إِلَى مَكَّةَ فِي إِخْوَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي فَنَاءِ الْكَعْبَةِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى زَيْدٍ عَرَفُوهُ وَعَرَفَهُمْ وَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِمْ إِجْلَالًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا لَهُ: يَا زَيْدُ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ هَؤُلَاءِ يَا زَيْدُ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبِي، وَهَذَا عَمِّي، وَهَذَا أَخِي، وَهَؤُلَاءِ عَشِيرَتِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قُمْ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ يَا زَيْدُ" فَقَامَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالُوا لَهُ: امْضِ مَعَنَا يَا زَيْدُ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدَلًا وَلَا غَيْرِهِ أَحَدًا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا مُعْطُوكَ بِهَذَا الْغُلَامِ دِيَاتٍ، فَسَمِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّا حَامِلُوهُ إِلَيْكَ، فَقَالَ:"أَسْأَلُكُمْ أَنْ تَشْهَدُوا أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي خَاتَمُ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَأُرْسِلُهُ مَعَكُمْ» فَتَابُوا وَتَلَكَّئُوا وَتَلَجْلَجُوا، فَقَالُوا: تَقْبَلُ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّنَانِيرِ، فَقَالَ لَهُمْ: "هَا هُنَا خَصْلَةٌ غَيْرُ هَذِهِ قَدْ جَعَلْتُ الْأَمْرَ إِلَيْهِ، فَإِنْ شَاءَ فَلْيَقُمْ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدْخُلْ" قَالُوا: مَا بَقِيَ شَيْءٌ؟ قَالُوا: يَا زَيْدُ، قَدْ أَذِنَ لَكَ الْآنَ مُحَمَّدٌ فَانْطَلِقْ مَعَنَا، قَالَ:
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ مَا أُرِيدُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدَلًا وَلَا أُؤْثِرُ عَلَيْهِ وَالِدًا وَلَا وَلَدًا، فَأَدَارُوهُ وَأَلَاصُوهُ وَاسْتَعْطَفُوهُ وَأَخْبَرُوهُ مِنْ وَرَائِهِ مِنْ وُجْدِهِمْ، فَأَبَى وَحَلَفَ أَنْ لَا يَلْحَقَهُمْ، قَالَ حَارِثَةُ: أَمَّا أَنَا فَأُوَاسِيكَ بِنَفْسِي أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَبَى الْبَاقُونَ "
رواه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، ذكر مناقب زيد، حديث (5013، 5012)، وحذفه الذهبي من التلخيص لضعفه،
فالحديث ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في التهذيب (11/ 79): (بعد أن عزاه إلى تمّام في فوائده: "حديث منكر جدًا، وقد أورده الحافظ أبو عبد الله بن مندة في معرفة الصحابة في ترجمته، وقال: إنه لا يُروى إلا بهذا الإسناد. ثم رأيته في المستدرك للحاكم لكنه لم يصرّح بتصحيحه)، ورواه ابن سعد في (الطبقات) بسنده عن هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي عن أبيه
…
وهما متروكان، وذكر قصته ابن إسحاق في السيرة دون إسناد. وأخرجه ابن عبد البر في (الاستيعاب) من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: قيل لجبلة بن حارثة أنت أكبر أم زيد؟ قال: زيد خير مني وأنا وُلدت قبله. ثم ذكر قصة وقوع زيد في الأسر مختصرةً، وليس فيها قدوم أبيه وعشيرته وما بعدها. قال أبو عمر بن عبد البر قبل ذكره للقصة:"وبعضهم يُدخل بين أبي إسحاق وجبلة بن حارثة فروة بن نوفل". وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (التهذيب (2/ 61)) في ترجمة جبلة: " الصحيح عن أبي إسحاق عن فروة عنه ".
(1)
الثاني: أن الذي جاء لأخذ زيد أخوه جبلة بن حارثة رضي الله عنه، وليس كما ذكر المؤلف أنه أبوه وعمه، ويتضح ذلك بمراجعة سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه، حديث رقم (3815) عن أبي عمرو الشيباني قال: أخبرني جبلة بن حارثة أخو زيد قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ابعث معي أخي زيداً. قال: هو ذا.
(1)
ما شاع ولم يثبت للعوشن -حفظه الله- ص (23).
قال: فإن انطلق معك لم أمنعه. قال زيد: يا رسول الله! والله لا أختار عليك أحداً. قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي. قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن الرومي، عن علي بن مسهر). وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ورواه الحاكم في المستدرك حديث (5014) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الذهبي.
الثالث: تبني الرسول صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة فهذه ثابتة في القرآن الكريم وصحيح السنة.
قال تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما)(الأحزاب: 40)
روى البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)، حديث (4782) عن ابن عمر رضي الله عنه أن زيد بن حارثة مولى رسول الله-صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن:(ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله). ورواه مسلم (2425).
الصلاة
1 -
قوله: (وروى الحارث بن أبي أسامة من طريق ابن لَهِيعَة موصولًا عن زيد بن حارثة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل، فعلمه الوضوء، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه، وقد رواه ابن ماجه بمعناه، وروي نحوه عن البراء بن عازب وابن عباس، وفي حديث ابن عباس: وكان ذلك من أول الفريضة).
التعليق: الحديث ضعيف.
رواه الإمام أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث زيد بن حارثة رضي الله عنه، حديث رقم (17515)، وقال شعيب الأرناؤوط ومعاونوه في تحقيق المسند: (حديث ضعيف، في إسناده ابن لهيعة وهو سيئ الحفظ
وقد اضطرِب في إسناده ومتنه. قال ابن أبي حاتم في "علله"(1/ 46) قال أبي: هذا حديث كذبٌ باطل.
وأخرجه عبد بن حميد (283) عن الحسن بن موسى، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي عاصم (258)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 1468)، والدار قطني (1/ 111) من طرق عن كامل بن طلحة الجحدري، عن ابن لهيعة، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 168)، وعنه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(259) عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم أخذ كفًّا من ماء فنضح به فرجه.
وأخرجه ابن ماجه (462) من طريق حسان بن عبد الله، حدثنا ابن لهيعة به بلفظ:"علّمني جبرائيل الوضوء، وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء".
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(4657) عن عبد الله بن أحمد، عن كامل ابن طلحة، عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن أسامة بن زيد، عن أبيه: أن جبريل عليه السلام نزل
…
فذكر الحديث هكذا مرسلاً.
وأخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 300)، وأبو الحسن القطان في زياداته على "سنن ابن ماجه" عقب الحديث (462)، والطبراني (4657)، والبيهقي (1/ 161) من طريق عبد الله بن يوسف التنِّيسي، عن ابن لهيعة، مرسلاً، إلا أن أبا الحسن القطان لم يسق إسناد الحديث ومتنه.
(1)
(1)
بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (2/ 81) طبعة دار طيبة، الرياض. قال أبو الحسن ابن القطان:(وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث زيد بن حَارِثَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي أول مَا أُوحِي إِلَيْهِ أَتَاهُ جِبْرِيل- عليه السلام فَعلمه الْوضُوء، فَلَمَّا فرغ أَخذ حفْنَة من مَاء فنضح بهَا فرجه. ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عبد الله بن لَهِيعَة، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم، وَقد رُوِيَ أَيْضاً من طَرِيق رشدين بْن سعد بِسَنَدِهِ إِلَى زيد بن حَارِثَة، وَهُوَ ضَعِيف).
وقد رواه رِشْدِين بن سعد- وهو ضعيف سيئ الحفظ- عن عقْيل، فجعله من حديث أسامة بن زيد، لا من حديث أبيه، ورواه عن رشدين الهيثم بن خارجة، فاختُلف عليه: فأخرجه الإمام أحمد وابنه عبد الله كما سيأتي (5/ 203) عن الهيثم بن خارجة، عن رشدين بن سعد، عن عقيل، عن الزهري، عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبريل عليه السلام لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فعلّمه الوضوء، فلما فرغ من وضوئه أخذ حفنةً من ماء، فرشَّ بها نحو الفرج، قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرشُ بعد وضوئه.
وأخرجه الدار قطني (1/ 111) من طريق حمدان بن علي، عن هيثم بن خارجة، عن رشدين، عن عقيل وقرة، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد: أن جبريل
…
فذكره هكذا مرسلاً.
وفي الباب من حديث الحكم بن سفيان، قال: رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالَ، ثم توضأَ، ونضح فرجه. وقد سلف برقم (15384)، وهو حديث ضعيف أيضاً).
* * * *
2 -
قوله: (وقد ذكر ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، وقد رأي أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وعليّا يصليان مرة، فكلمهما في ذلك، ولما عرف جلية الأمر أمرهما بالثبات).
التعليق: ضعيف.
قال محقق سيرة ابن هشام (1/ 317): (ضعيف. أورده تعليقاً، وأخرجه الطبري (2/ 313) بسنده عن ابن إسحق).
الدعوة في الأقربين
قوله: (ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو
خمسة وأربعين رجلًا. فلما أراد أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بادره أبو لهب وقال: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم في ذلك المجلس.
ثم دعاهم ثانية وقال: (الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له).
ثم قال: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا).
فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك. وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به. فوالله، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
فقال أبو لهب: هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا).
التعليق: مرسل ضعيف.
قال العلامة الألباني-رحمه الله
(1)
: (لم أجد في الرواة هذا الراوي (أي: جعفر بن أبي الحكم)، وإنما فيهم (جعفر بن عبدالله بن الحكم)، وهو أنصاري أوسي تابعي صغير، يروي عن أنس والتابعين فإذا كان هو هذا، فالإسناد مرسل ضعيف، ولم أقف على إسناده إليه، وإن كان غيره فلم أعرفه). وضعفه الدكتور أكرم العمري في السيرة الصحيحة (1/ 142).
(1)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (97) ط. دار القلم. دمشق. الطبعة الثالثة.
المجلس الاستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة
قوله: (
…
وتفيد بعض الروايات أن الوليد لما رد عليهم كل ما عرضوا له، قالوا: أرنا رأيك الذي لا غضاضة فيه، فقال لهم: أمهلوني حتى أفكر في ذلك، فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم رأيه الذي ذكر آنفًا.
وفي الوليد أنزل الله تعالى ست عشرة آية من سورة المدثر (من 11 إلى 26) وفي خلالها صور كيفية تفكيره، فقال:{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 18: 25]
التعليق: الحديث ضعيف.
هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، تفسير سورة المدثر حديث (3914) بإسناده عن أبي عبدالله محمد بن علي الصنعاني بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن الوليد بن المغيرة -فذكر القصة- وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. ورواه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 199): (هكذا حدثناه موصولا، ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة
…
وقال: وهذا فيما رواه يوسف بن يعقوب القاضي، عن سليمان بن حرب، عن حماد، هكذا مرسلاً، وكذلك رواه معمر، عن عباد بن منصور، عن عكرمة، مرسلاً. وأيضاً معتمر بن سليمان عن أبيه .... فذكره أتم من ذلك مرسلاً وكل ذلك يؤكد بعضه بعضاً).
قال العلامة مقبل بن هادي الوادعي-رحمه الله
(1)
: (هكذا رواه البيهقي
(1)
الصحيح المسند من أسباب النزول ص (251) ط. مكتبة ابن تيمية.
عن الحاكم أبي عبد الله
(1)
عن محمد بن علي الصنعاني بمكة عن إسحاق به وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا)
وقال أيضاً: (والظاهر ترجيح المرسل؛ لأن حماد بن زيد أثبت الناس في أيوب، وأيضاً معمر قد اختلف عليه في كما في دلائل النبوة للبيهقي ج 2 ص 199 فالحديث ضعيف، والله أعلم). وذكره الوادعي أيضاً في الأحاديث المعلة (190).
وحكم عليه أنه مرسل كل من: الذهبي في تاريخ الإسلام (1/ 154)، والشوكاني في فتح القدير (5/ 467).
الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن
قوله: (وكان النضر بن الحارث، أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقول: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني.
وفي رواية عن ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً، فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ} [لقمان: 6].
التعليق: ضعيف جداً.
قال الألباني رحمه الله
(2)
: (ما أخرجه جويبر عن ابن عباس: أنها نزلت في النضر بن الحارث؛ أنه اشترى قينة فكان لا يسمع أحداً يريد
(1)
الذي في البداية والنهاية عن عبد الله بن محمد الصنعاني، والذي في المستدرك هو ما أثبتناه، وكذا في الدلائل للبيهقي. (قاله الوادعي- رحمه الله).
(2)
تحريم آلات الطرب ص (173)، طبعة مؤسسة الريان، بيروت، الطبعة الثالثة.
الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه. كما في الدر 5/ 159. فأقول: وهو ضعيف جداً؛ جويبر هذا قال الدار قطني وغيره: متروك. ومثله ما ذكره الواحدي في أسباب النزول ص (259): قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث، وذلك أنه كان يخرج تاجراً إلى بلاد فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً ويقول لهم: إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون سماع القرآن، فنزلت فيهم هذه الآية.
قلت: والكلبي، ومقاتل متروكان أيضاً متهمان بالكذب مع ما في روايتهم من المخالفة لرواية جويبر، وعزاه السيوطي للبيهقي عن ابن عباس بنحو روايتهما في شعب الإيمان، ولم يتيسر لي الوقوف عليه فيه لأنظر في إسناده، وما أراه يصح، ولعله لذلك لم يذكره: ابن جرير، وابن كثير، وغيرهما من الحفاظ المحققين، بل أشار القرطبي إلى تضعيفه بقوله (14/ 52)، وقيل: نزلت في النضر بن الحارث
…
وكذلك قال الزمخشري من قبل (3/ 210) ولم يتعقبه الحافظ ولا تعرض له بتخريج، وكذلك فعل سلفه الزيلعي في تخريج الكشاف).
قريش يهددون أبا طالب
قوله: (وجاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين.
عَظُم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي
كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال:(يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر -حتى يظهره الله أو أهلك فيه- ما تركته)، ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قال له: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشيء أبدًا وأنشد:
والله لن يصلوا إليك بجَمْعِهِم
…
حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينًا
فاصدع بأمرك ما عليك غَضَاضَة
…
وابْشِرْ وقَرَّ بذاك منك عيونًا
وذلك في أبيات).
التعليق: إسناده ضعيف.
قال الألباني رحمه الله
(1)
: (وهذا إسناد ضعيف معضل، يعقوب بن عتبة هذا من ثقات أتباع التابعين، مات سنة ثمان وعشرين ومائة. وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى بسند حسن لكن بلفظ: (ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك، على أن تستشعلوا لي منها شعلة يعني: الشمس). وقد خرجته في (الأحاديث الصحيحة) رقم (92).
قريش بين يدي أبي طالب مرة أخرى
قوله: (ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في عمله عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك، فذهبوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة وقالوا له: يا أبا طالب!، إن هذا الفتى أنْهَدَ فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدًا فهو لك، وأسْلِمْ إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو
(1)
السلسلة الضعيفة (2/ 311) حديث (909).
رجل برجل، فقال: والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدًا.
فقال المطعم بن عدى بن نوفل ابن عبد مناف: والله يا أبا طالب! لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا، فقال: والله ما أنصفتموني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علىّ، فاصنع ما بدا لك).
التعليق: مرسل بلا إسناد.
(هذا مرسل ساقه ابن إسحاق بدون إسناد. ورواه ابن سعد في الطبقات عن شيخه محمد بن عمر الواقدي. ذكرها الذهبي في السيرة عن ابن إسحاق).
(1)
اعتداءات على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله: (قال ابن إسحاق: كان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدي بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلي -وكانوا جيرانه- لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم -حجرًا ليستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: (يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟)، ثم يلقيه في الطريق).
التعليق: الحديث موضوع.
قال الألباني رحمه الله
(2)
: (كنت بين شر جارين، بين أبي لهب وعقبة بن
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (32).
(2)
السلسلة الضعيفة (9/ 175) حديث رقم (4151).
أبي معيط، إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي؛ حتى إنهم ليأتون ببعض ما يطرحونه من الأذى فيطرحونه على بابي).
موضوع: أخرجه ابن سعد في (الطبقات)(1/ 201) قال: أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعاً، وزاد:(فيخرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: يا بني عبد مناف! أي جوار هذا! ثم يلقيه بالطريق).
قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته محمد بن عمر -وهو الواقدي-؛ كذبه الإمام أحمد وغيره).
الهجرة الأولى إلى الحبشة
1 -
قوله: (وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة. كان مكونًا من اثني عشر رجلًا وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: (إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام).
التعليق: الحديث منكر.
قال الشيخ أبو إسحاق الحويني - حفظه الله-
(1)
: (إن عثمان أول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط). منكر. أخرجه يعقوب بن سفيان في (المعرفة)(3/ 255)، وابن أبي عاصم في (السنة)(2/ 596)، وفي (الأوائل)(ق 15/ 1)، والطبراني في (الكبير)(143/ 1/ 47)، والبيهقي في (الدلائل) - كما في (البداية والنهاية)(3/ 66) - وكذا أبو يعلى في (مسنده)، وابن مردويه - كما في (الدر المنثور)(5/ 144) - من طريق بشار بن موسى الحفاف، ثنا الحسن بن زياد، إمام مسجد محمد بن واسع، قال: سمعت قتادة يقول: ثنا النضر بن أنس، عن أنس قال: خرج
(1)
النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة، ط. دار الصحابة للتراث، حديث رقم (33).
عثمان مهاجراً إلى أرض الحبشة ومعه ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما احتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم فكان يخرج فيتوكف عنهم الخبر، فجاءته امرأة فأخبرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صحبهما الله، إن عثمان
…
فذكره.
قلت: وسنده ضعيف جداً. فأما بشار بن موسى فضعفه الأكثرون. قال ابن معين، والنسائي:(ليس بثقة). وزاد ابن معين (من الدجالين)! وضعفه أبو زرعة، وأبو داود، وابن المديني، وعمرو بن علي وقال البخاري:(منكر الحديث، قد رأيته، وكتبت عنه، وتركت حديثه). وأما أحمد فكان حسن الرأي فيهِ، هذا لا يقدم إِلى قول الجارحين وإن جنح إليه ابن عدي. والحسن بن زياد ليس هو اللؤلؤي الكذاب، صاحب أبي حنيفة، وإنما هو البرجمي، قال الهيثمي في (المجمع) (9/ 81):(لم أعرفه). وله شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت:(كنت أحمل الطعام إلى أبي وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغار، فاستأذنه عثمان في الهجرة، فأذن له في الهجرة إلى الحبشة، فحملت الطعام فقال لي: ما فعل عثمان ورقية؟ قلْتُ: قدْ سارا، فالتفت إلى أبي بكر وقال: (والذي نفسي بيده، إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط). (أخرجه ابن منده في (الصحابة) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عنها قالَ الحافظ في (الإصابة) (7/ 649 - 650): (سنده واه، وفي هذا السياق من النكارة أن هجرة عثمان إِلى الحبشة كانت حين هجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا باطل؛ إلا أن كان المراد بالغار غير الذي كانا فيه لما هاجرا إلى المدينة!!، والذي عليه أهل السير أن عثمان رجع إلى مكة من الحبشة مع من رجع، ثم هاجر بأهله إلى المدينة، ومرضت بالمدينة لما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر، فتخلف عثمان عليها عن بدر، فماتت يوم وصول زيد بن حارثة مبشراً بوقعة بدر
…
). أ. هـ.
قلت: وهذا تحقيق بديع من الحافظ رحمه الله، غير قوله: (إلا أن كان المراد بالغار
…
)
فهذا احتمال فيه تعسف وتكلف، لأنه يخالف الحقائق الثابتة في السيرة. والله أعلم.
وبالجملة: فالحديث منكر. ولا يغتر بإيراد الحافظ له في (الفتح)(7/ 188) ساكتاً عليه، بل كأنه احتج به!! فإنه خلاف التحقيق. والذي تحرر عندي أنه ليس كل حديث يسكت عليه الحافظ في (الفتح) يكون حسناً أو نحوه كما صرح هو بذلك، فقد أخل بشرطه هذا في مواضع كثيرة
…
وعذره: أن الشارح قد يشترط على نفسه شرطاً فيوفى به زمناً، ثم لا ينشط لتحقيق كل حديث لاسيما في مثل (فتح الباري) فإن فيه جمهرة كثيرة من الأحاديث، وتحري إيراد الثابت منها أمر لعله يصعب حتى على مثل الحافظ ابن حجر مع سعة دائرة حفظه، وجودة علمه، والإحاطة لله -تعالى- وحده. ولعله يكون عذراً مقبولاً. والله تعالى أعلم). وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة حديث (3181).
سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين
قوله: (وسَقَطَ في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لَوَّى زمامهم، فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال عنها ما كانوا يرددونه هم دائماً من قولهم: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى)، جاءوا بهذا الإفك المبين ليعتذروا عن سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وليس يستغرب هذا من قوم كانوا يألفون الكذب، ويطيلون الدس والافتراء.
وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشًا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة، فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش).
التعليق: قصة الغرانيق لا تصح.
قال العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
(1)
:
(اعلم: أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعاً، ودلالة القرآن على بطلانها لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج، وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب، والمفسرون يروون هذه القصة عن ابن عباس من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ومعلوم أن الكلبي متروك، وقد بين البزار-رحمه الله: أنها لا تعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير، مع الشك الذي وقع في وصله، وقد اعترف الحافظ ابن حجر مع انتصاره لثبوت هذه القصة بأن طرقها كلها: إما منقطعة، أو ضعيفة إلا طريق سعيد بن جبير.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن طريق سعيد بن جبير، لم يروها بها أحد متصلة إلا أمية بن خالد، وهو -وإن كان ثقة- فقد شك في وصلها.
فقد أخرج البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -فيما أحسب-، ثم ساق حديث القصة المذكورة، وقال البزار: لا يروى متصلاً إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد، وهو ثقة مشهور، وقال البزار: وإنما يروى من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. والكلبي متروك.
فتحصل أن قصة الغرانيق، لم ترد متصلة إلا من هذا الوجه الذي شك راويه في الوصل، ومعلوم أن ما كان كذلك لا يحتج به لظهور ضعفه،
ولذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: إنه لم يرها مسندة من وجه صحيح.
وقال الشوكاني في هذه القصة: ولم يصح شيء من هذا، ولا يثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته، بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله كقوله:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} [الحاقة: 44]، وقوله:
(1)
أضواء البيان (5/ 286 - 288) ط. دار الفكر. بيروت.
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]، وقوله:{وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [الإسراء: 74] فنفي المقاربة للركون فضلاً عن الركون، ثم ذكر الشوكاني عن البزار: أنها لا تروى بإسناد متصل، وعن البيهقي أنه قال: هي غير ثابتة من جهة النقل، وذكر عن إمام الأئمة ابن خزيمة: أن هذه القصة من وضع الزنادقة، وأبطلها ابن العربي المالكي، والفخر الرازي، وجماعات كثيرة، وقراءته صلى الله عليه وسلم سورة النجم وسجود المشركين ثابت في الصحيح، ولم يذكر فيه شيء من قصة الغرانيق. وعلى هذا القول الصحيح وهو أنها باطلة فلا إشكال.
وأما على ثبوت القصة كما هو رأي الحافظ ابن حجر فإنه قال في فتح الباري:
(إن هذه القصة ثابتة بثلاثة أسانيد كلها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذلك من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها، دل ذلك على أن لها أصلاً.)
فللعلماء عن ذلك أجوبة كثيرة أحسنها، وأقربها: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة ترتيلاً تتخلله سكتات، فلما قرأ {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم: 20] قال الشيطان- لعنه الله- محاكياً لصوته: تلك الغرانيق العلى
…
إلخ فظن المشركون أن الصوت صوته صلى الله عليه وسلم، وهو بريء من ذلك براءة الشمس من اللمس، وقد أوضحنا هذه المسألة في رحلتنا إيضاحاً وافياً، واختصرناها هنا، وفي كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب.
والحاصل: أن القرآن دل على بطلانها، ولم تثبت من جهة النقل، مع استحالة الإلقاء على لسانه صلى الله عليه وسلم لما ذكر شرعاً، ومن أثبتها نسب التلفظ بذلك الكفر للشيطان. فتبين أن نطق النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك الكفر، ولو سهواً مستحيل شرعاً، وقد دل القرآن على بطلانه، وهو باطل قطعاً على كل حال، والغرانيق: الطير البيض المعروفة واحدها: غرنوق كزنبور وفردوس، وفيه لغات غير ذلك، يزعمون أن الأصنام ترتفع إلى الله كالطير البيض، فتشفع عنده لعابديها قبحهم الله ما أكفرهم).
قال العلامة المفسر محمد الطاهر بن عاشور التونسي
(1)
: (وكذلك تركيب تلك القصة على آية سورة الحج. وكم بين نزول سورة النجم التي هي من أوائل السور النازلة بمكة وبين نزول سورة الحج التي بعضها من أول ما نزل بالمدينة وبعضها من آخر ما نزل بمكة.
وكذلك ربط تلك القصة بقصة رجوع من رَجع من مهاجرة الحبشة. وكم بين مدّة نزول سورة النجم وبين سنة رجوع من رجع من مهاجرة الحبشة.
فالوجه: أن هذه الشائعة التي أشيعت بين المشركين في أول الإسلام، إنما هي من اختلاقات المستهزئين من سفهاء الأحلام بمكة مثل: ابن الزبعرى، وأنهم عمدوا إلى آية ذُكرت فيها اللات والعُزّى ومناةَ فركّبوا عليها كلمات أخرى لإلقاء الفتنة في الناس وإنما خَصُّوا سورة النجم بهذه المرجَفة لأنهم حَضروا قراءتها في المسجد الحرام وتعلقت بأذهانهم وتطلباً لإيجاد المعذرة لهم بين قومهم على سجودهم فيها الذي جعله الله معجزة النبي صلى الله عليه وسلم وقد سرى هذا التعسف إلى إثبات معنى في اللغة
…
)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله
(2)
: (قد ذكر كثير من المفسرين ههنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم).
قال العلامة الألباني رحمه الله بعد أن ساق روايات قصة الغرانيق كاملة وبين ضعفها
(3)
: (بيان بطلان القصة متنًا:
تلك هي روايات القصة، وهي كلها كما رأيت مُعَلَّة بالإرسال
(1)
التحرير والتنوير (17/ 306)، طبعة الدار التونسية للنشر، 1984 م. من تفسير سورة الحج، الآية:(52) وما بعدها.
(2)
تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (5/ 441)، تحقيق: سامي السلامة، ط. دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420 هـ.
(3)
نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق للألباني ص (35/ 36)، ط. المكتب الإسلامي.
والضّعف والجَهالة، فليس فيها ما يصلُح للاحتجاج به، لاسيّما في مثل هذا الأمر الخطير.
ثم إن مما يؤكد ضَعفها بل بطلانها، ما فيها من الاختلاف والنّكارة مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، وإليك البيان:
أولًا: في الروايات كلها، أو جُلها، أن الشيطان تكلم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الجملة الباطلة التي تمدح أصنام المشركين، "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى".
ثانيًا: وفي بعضها كالرواية الرابعة: "والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاء به عن ربهم ولا يتهمونه على خطأ " ففي هذا أن المؤمنين سمعوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم، ولم يشعروا بأنه من إلقاء الشيطان، بل اعتقدوا أنه من وحي الرحمن!! بينما تقول الرواية السادسة:"ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان" فهذه خلاف تلك.
ثالثًا: وفي بعضها كالرواية "1 و 4 و 7 و 9": أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي مدة لا يدري أن ذلك من الشيطان، حتى قال له جبريل:"معاذ الله! لم آتك بهذا، هذا من الشيطان!! ".
رابعًا: وفي الرواية الثانية أنه صلى الله عليه وسلم سها حتى قال ذلك! فلو كان كذلك، أفلا ينتبه من سهوه؟!
خامسًا: في الرواية العاشرة الطريق الرابع: أن ذلك ألقيَ عليه وهو يصلي!!
سادسًا: وفي الرواية "4 و 5 و 9" أنه صلى الله عليه وسلم تمنّى أن لا ينزل عليه شيء من الوحي يَعيبُ آلهة المشركين، لئلا ينفروا عنه!!
سابعًا: وفي الرواية "4 و 6 و 9" أنه صلى الله عليه وسلم قال عندما أنكر جبريل ذلك عليه: " أفتريتُ على الله، وقلتُ على الله ما لم يقل، وشركني الشيطان في أمر الله!! ".
فهذه طامّات يجب تنزيه الرسول منها لاسيّما هذا الأخير منها فإنه لو كان
صحيحًا لصدق فيه عليه السلام -وحاشاه- قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44 - 46].
فثبت مما تقدم بطلان هذه القصة سندًا ومتنًا. والحمد لله على توفيقه وهدايته).
إسلام حمزة رضي الله عنه
-
قوله: (خلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان ظهر برق أضاء الطريق، وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة، والأغلب أنه أسلم في شهر ذي الحجة.
وسبب إسلامه: أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا عند الصفا فآذاه ونال منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فَشَجَّهُ حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم، وكانت مولاة لعبد الله بن جُدْعَان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة من القَنَص مُتَوَشِّحًا قوسه، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة - وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة - فخرج يسعى، لم يقف لأحد؛ معدًا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد قام على رأسه، وقال له: يا مُصَفِّرَ اسْتَه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة، فثار رجال من بني مخزوم - حي أبي جهل -وثار بنو هاشم- حي حمزة - فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا.
وكان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل، أبى أن يهان مولاه، ثم شرح الله صدره فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتز به المسلمون أيما اعتزاز).
التعليق: مرسل.
قال الحافظ الهيثمي-رحمه الله
(1)
: عن محمد بن كعب القرظي
(1)
مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي حديث رقم (15460)، ط. دار الفكر. بيروت.
فذكره
…
(رواه الطبراني مرسلاً ورجاله رجال الصحيح)، وذكر بعده حديث رقم (15461) عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة فذكره
…
(رواه الطبراني مرسلاً ورجاله ثقات).
قصة إسلام حمزة مرسلة؛ والمرسل من أقسام الضعيف؛ لذا قال الدكتور العمري -حفظه الله-
(1)
: (
…
ولكن تفصيل قصة إسلامه لم تثبت من طريق صحيحة).
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
-
1 -
قوله: (وخلاصة الروايات - مع الجمع بينها - في إسلامه رضي الله عنه: أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة {الْحَاقَّةُ} ، فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال: فقلت- أي في نفسي-: هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال: فقرأ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 40، 41] قال: قلت: كاهن. قال: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} إلى آخر السورة [الحاقة: 42، 43]. قال: فوقع الإسلام في قلبي.
التعليق: ضعيف.
أخرجه الإمام أحمد (1/ 17) حديث رقم (107)، وضعفه العلامة أحمد شاكر رحمه الله. وقال الهيثمي رحمه الله
(2)
: (رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر). وكذلك قال الدكتور أكرم العمري - حفظه الله -
(3)
.
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 146).
(2)
مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي (9/ 62).
(3)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 180).
وضعفه الألباني رحمه الله
(1)
فقال: (وذكر في إسلام عمر رضي الله عنه عدة روايات لا يصح شيء من أسانيدها -مع وضوح التعارض بينها-، ومن أحسنها إسناداً مع الاختصار ما أخرجه أحمد (1/ 17)، ومن طريقه ابن الأثير في " أسد الغابة" (3/ 644) من طريق شريح بن عبيد قال: قال عمر رضي الله عنه: فذكره
…
ورجال إسناده ثقات، فالإسناد صحيح، لولا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر بن الخطاب).
..
2 -
قوله: (كان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج يومًا متوشحًا سيفه يريد القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل من بني مخزوم فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا. قال: كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر! إن أختك وخَتَنَكَ قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر دامرًا حتى أتاهما، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها:[طه] يقرئهما إياها- وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن- فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، وسترت فاطمة -أخت عمر- الصحيفة. وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ فقالا: ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما. فقال له ختنه: يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأً شديدًا. فجاءت أخته فرفعته عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها - وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها- فقالت، وهي غضبى: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
(1)
السلسلة الضعيفة للألباني (14/ 74) حديث رقم (6531).
فلما يئس عمر، ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه، فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ:{بسم الله الرحمن الرحيم} فقال: أسماء طيبة طاهرة. ثم قرأ {طه} حتى انتهى إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه؟ دلوني على محمد. فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس:(اللّهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا.
فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب، فرآه متوشحًا السيف، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر؟ فقال: وعمر؟ افتحوا له الباب، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان جاء يريد شرًا قتلناه بسيفه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة شديدة فقال:(أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهم، هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب)، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. وأسلم، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد.
كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام، وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين، وشعوراً لهم بالذلة والهوان، وكسا المسلمين عزة وشرفًا وسرورًا
…
فروى مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام - ثم قص عليه قصة إسلامه. وقال في آخره: قلت - أي حين أسلمت-: يا رسول الله،
ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: (بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم)، قال: قلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إلي قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله-صلى الله عليه وسلم (الفاروق) يومئذ.
التعليق: قصة إسلام عمر بن الخطاب-رضي الله عنه ضعيفة، ومتنها منكر بالرغم من شهرتها.
قال الألباني رحمه الله
(1)
: (منكر: أخرجه أبو نعيم في (الحلية)(1/ 40) من طريق إسحاق بن عبد الله، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: سألت عمر رضي الله عنه: لأي شيء سميت (الفاروق)؟
(2)
قال:
أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة هي أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن [أبي]
(3)
الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نتره نترة فما تمالك أن وقع على ركبتيه، فقال:
(ما أنت بمنته يا عمر؟) قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك محمداً عبده ورسوله. قال: فكبر أهل الدار
(1)
السلسلة الضعيفة للألباني (14/ 74) حديث رقم (6531).
(2)
أما حديث: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرق به بين الحق والباطل). ضعفه الألباني، لكن الشطر الأول من الحديث صحيح مخرج في "المشكاة" (6042). انظر: الضعيفة حديث رقم (3063).
(3)
مابين المعقوفتين ليست في أصل الشيخ رحمه الله، تبعاً لـ "الحلية".
تكبيرة سمعها أهل المسجد، قال: فقلت: يا رسول الله! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال:
(بلى! والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم) قلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن! فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر ولي كديد
(1)
ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (الفاروق)، وفرق الله بي بين الحق والباطل)
(2)
.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، إسحاق بن عبد الله - وهو: ابن أبي فروة -، قال البخاري:(تركوه). وقال أحمد: (لا تحل - عندي - الرواية عنه). وكذبه بعضهم.
ثم أخرجه أبو نعيم، وكذا البزار (3/ 169 - 171) من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني: ثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن جده قال: قال لنا عمر رضي الله عنه: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم. قال:
…
فذكر قصة إسلامه مطولة جداً، وليس فيها سبب تسميته بـ (الفاروق)، ولا ذكر لـ (الصفين)، واختصر منها أبو نعيم قصته قبل إسلامه مع أخته وزوجها، وقال البزار عقبه:
(لا نعلم رواه بهذا السند إلا (الحنيني)، ولا نعلم في إسلام عمر أحسن من هذا الإسناد، على أن (الحنيني) خرج من المدينة، فكف واضطرب حديثه).
قلت: هو نحو ابن أبي فروة -أو قريب منه-، قال البخاري: (في
(1)
الكديد: التراب الناعم فإذا وطيء ثار غباره، أراد أنهم كانوا جماعة وأن الغبار كان يثور من مشيهم. النهاية (4/ 155).
(2)
(وفيه أبان بن صالح ليس بالقوى، وعنه إسحاق بن عبد الله الدمشقي متروك) كما في كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي حديث رقم (35742) ط. مؤسسة الرسالة.
حديثه نظر). وقال النسائي: (ليس بثقة). وقال ابن عدي: (ضعيف، ومع ضعفه يكتب حديثه).
ومن طريقه أخرجه عبد الله بن أحمد في (فضائل الصحابة)(1/ 285)، وذكر في إسلام عمر رضي الله عنه عدة روايات لا يصح شيء من أسانيدها- مع وضوح التعارض بينها-
…
(تنبيه): عزا الحافظ حديث ابن عباس لأبي جعفر بن أبي شيبة، وحديث عمر للبزار، وسكت عنهما في "الفتح"(7/ 48) فما أحسن، لأنه يوهم - حسب اصطلاحه- أن كلاً منهما حسن، وليس كذلك -كما رأيت-، ولعل ذلك كان السبب أو من أسباب استدلال بعض إخواننا الدعاة على شرعية (المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنها كانت من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة! ولا تزال بعض الجماعات الإسلامية تتظاهر بها، غافلين عن كونها من عادات الكفار وأساليبهم)
(1)
.
قال الذهبي رحمه الله
(2)
عن القاسم بن عثمان البصري: (حدث عن إسحاق الأزرق بمتن محفوظ، وبقصة إسلام عمر، وهي منكرة جداً).
قال العمري-حفظه الله-
(3)
: (إسناد البيهقي، وابن سعد فيه: القاسم بن عثمان البصري ضعيف، ومتنه منكر جداً).
وقال أيضاً: (أما قصة استماعه القرآن يتلوه الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاته قرب الكعبة وعمر مستخف بأستارها، وكذلك قصته مع أخته فاطمة حين لطمها لإسلامها وضرب زوجها سعيد بن زيد، ثم اطلاعه على صحيفة فيها آيات، وإسلامه، فلم يثبت شيء من هذه القصص من طريق صحيحة).
(4)
(1)
انظر: تحقيق الشيخ علي حشيش -حفظه الله- لقصة إسلام عمر وبيان ضعفها، وحكم المظاهرات في الشريعة فإنه جيد. مجلة التوحيد. العدد (260).
(2)
لسان الميزان (4/ 463).
(3)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 180).
(4)
وقد توسع الشيخ محمد بن رزق الطرهوني-حفظه الله- في السيرة الذهبية (2/ 319 - 329) في ذكر الطرق والروايات الواردة في قصة إسلام عمر وبين ما فيها من ضعف، فليراجع.
(وفضلا عن ضعف سند القصة، ففي المتن اضطراب:
- مرة أن قريشاً بعثته.
- وفي أخرى أنه خرج ابتداء.
- وفي بعضها أنه قرأ وكان كاتباً (عن أنس عند ابن سعد، والدار قطني).
-وفي أخرى (حتى دعا قارئاً فقرأ عليه وكان عمر لا يكتب) مرسل الزهري)
(1)
ومن النكارة في المتن: أن فاطمة أخت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما رفضت إعطاءه الصحيفة التي فيها سورة (طه) حتى يغتسل؛ لأنه مشرك نجس، وهل إذا اغتسل المشرك قبل إسلامه يصير طاهراً، ويبيح إعطاءه الصحيفة؟؛ لأن نجاسة المشرك معنوية وليست حسية ولا تزول إلا بالإسلام.
عزم أبي جهل على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
قوله: (ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم خاطبهم أبو جهل في كبريائه وقال: يا معشر قريش، إن محمدًا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدًا، فامض لما تريد.
فلما أصبح أبو جهل، أخذ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل،
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية للعوشن ص (57).
فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزمًا ممتقعًا لونه، مرعوبًا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فَحْلٌ من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هَامَتِه، ولا مثل قَصَرَتِه ولا أنيابه لفحل قط، فَهَمَّ بى أن يأكلنى.
قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه).
التعليق: منكر بهذا اللفظ.
قال الشيخ: محمد بن عبدالله العوشن-حفظه الله-
(1)
: (قال البيهقي-رحمه الله: (ابن إسحاق إذا لم يذكر من حدث عنه لم يفرح به).
ومن النكارة في هذه الرواية قول أبي جهل: (وإني أعاهد الله!) في حين تجد في رواية مسلم الآتية أنه أقسم باللات والعزى. وقد أخرج الحاكم نحواً من هذه القصة من طريق عبدالله بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد عن إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة، عن أبان بن صالح، عن علي بن عبدالله بن عباس، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب، ثم قال الحاكم: صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: (قلت: فيه عبدالله بن صالح وليس بعمدة، وإسحاق بن عبدالله بن أبي فروة متروك).
وقد روى مسلم رحمه الله في صحيحه
(2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (49).
(2)
كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب قوله:(إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)، حديث رقم (2797).
ليطأ على رقبته قال: فما فجئهم منه إلا هو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً). ورواه البخاري في صحيحه
(1)
مختصراً عن ابن عباس-رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ النبي -صلى الله علبه وسلم- فقال:(لو فعل لأخذته الملائكة).
…
مساومات وتنازلات
قوله: (روى ابن إسحاق بسنده، قال: اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة - الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل السهمي -وكانوا ذوي أسنان في قومهم- فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله -تعالى- فيهم:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} السورة كلها.
وأخرج عَبْدُ بن حُمَيْد، وغيره عن ابن عباس أن قريشًا قالت: لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك. فأنزل الله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} السورة كلها.
وأخرج ابن جرير وغيره عنه أن قريشًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فأنزل الله:{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64].
التعليق: لا يصح سبب نزول سورة الكافرون.
(1)
كتاب التفسير، باب (كلا لئن لم ينته لننسفعن بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة)، حديث رقم (4675).
قال الدكتور: عبدالحكيم بن عبدالله القاسم
(1)
: (وأورد ابن جرير في سبب نزول سورة الكافرون روايتين:
الأولى: قال في تفسيره (30/ 331) حدثني محمد بن موسى الحرشي قال: حدثنا أبو خلف قال: حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما: إن قريشًا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكف عن شتم آلهتنا فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة فهي لك ولنا فيها صلاح. قال صلى الله عليه وسلم:"مَا هِيَ؟ " قالوا: تعبد آلهتنا سنة- اللات والعزى- ونعبد إلهك سنة. قال: "حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَأتي مِن عندِ رَبِّي". فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: (قل يا أيها الكافرون) السورة. وأنزل الله: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ
…
) إلى قوله: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ)(الزمر 64 - 66)
وضعف الطبراني في معجمه الصغير (ج: 2 ص: 44 ح 751) ما رواه بإسناد الطبري نفسه فقال: (لم يروه عن داود بن هند إلا عبد الله بن عيسى، تفرد به محمد بن موسى، وخالف ما عليه الثقات، وأحاديثه أفراد كلها)، وضعفه الحافظ في الفتح (8/ 733).
(2)
والثانية: قال الطبري: حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن ميناء مولى البختري قال: لقي الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد
(1)
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض، موقع الإسلام اليوم.
(2)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (8/ 733): (وقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: كفّ عن آلهتنا فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فنزلت" وفي إسناده: أبو خلف عبد الله بن عيسى، وهو ضعيف).
ونشركك في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرًا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرًا مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت منه بحظك. فأنزل الله:(قل يا أيها الكافرون) حتى انقضت السورة.
قلت: سعيد بن ميناء تابعي ولم ينسب سبب النزول عن الصحابي-رضي الله عنه ولم يعتضد برواية أخرى عن تابعي مثله فيكون سبب النزول مرسلًا ضعيفًا.
ولم أقف على سبب نزول صحيح في سورة الكافرون. فالله أعلم.
(1)
وأما أن حصار النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب كان بعده نزول سورة الكافرون فلم أقف عليه مطلقًا.
والذي ينبغي على طالب العلم في التعامل مع أسباب النزول أن يكون بتوثق وتحرّ كبيرين؛ لأن سبب النزول له حكم الرفع، ولا يعتبر سبب النزول عن الصحابي إلا إذا كان بإسناد صحيح، وبصيغة صريحة، ولا يعتبر سبب النزول عن التابعي إلا بأربعة شروط: صحة الإسناد، والصراحة في السببية، وأن يعرف التابعي بالأخذ عن الصحابي، وأن يعتضد برواية تابعي آخر. وينظر في تقرير ذلك كتب علوم القرآن. والله أعلم).
حيرة قريش وتفكيرهم الجاد واتصالهم باليهود
قوله: (فقرروا أن يتصلوا باليهود حتى يتأكدوا من أمره صلى الله عليه وسلم، فلما نصحهم النضر بن الحارث بما سبق كلفوه مع آخر، أو آخرين ليذهب إلى يهود المدينة، فأتاهم، فقال أحبارهم: سلوه عن ثلاث، فإن أخبر فهو نبى مرسل، وإلا فهو متقول؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان
(1)
انظر الروايات الواردة في سبب نزول سورة الكافرون وبيان ضعفها في كتاب الاستيعاب في بيان الأسباب (3/ 571 - 572) لسليم الهلالي ومحمد آل نصر، طبعة دار ابن الجوزي بالدمام، الطبعة الأولى 1425 هـ.
أمرهم؟ فإن لهم حديثًا عجبًا، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح، ما هي؟ فلما قدم مكة قال: جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، وأخبرهم بما قاله اليهود، فسألت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمور الثلاثة، فنزلت بعد أيام سورة الكهف، فيها قصة أولئك الفتية، وهم أصحاب الكهف، وقصة الرجل الطواف، وهو ذو القرنين، ونزل الجواب عن الروح في سورة الإسراء. وتبين لقريش أنه صلى الله عليه وسلم على حق وصدق، ولكن أبى الظالمون إلا كفورًا).
التعليق: سبب نزول سورة الكهف لا يصح.
قال الأخ جودة محمد
(1)
: (أخرجه ابن إسحاق كما في "السيرة" (4/ 182، رقم 257/ ت حميد الله) - ومن طريقه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(15/ 143)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 269)، وابن حجر في "موافقة الخبر" (2/ 70 ـ 71) - قال ابن إسحاق: حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،
…
فذكر الخبر.
إلا أنه وقع عند الطبري رجل من أهل مصر قدم مصر
…
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" لابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عباس، به.
وما أظن أن ابن المنذر، وأبا نعيم جاوزا طريق ابن إسحاق.
قال البيهقي: كذا في هذه الرواية أنهم سألوه عن الروح أيضاً، وحديث ابن مسعود يدل على أن سؤال اليهود عن الروح ونزول الآية فيه كان بالمدينة، والله أعلم.
قلت: وكأن البيهقي رحمه الله بهذا يشير إلى نكارة الخبر، وقد أفصح
(1)
موقع الألوكة، مجالس العلوم الشرعية، مجلس الحديث وعلومه، تخريج القصة الواردة في سبب نزول سورة الكهف للأخ جودة محمد -وفقه الله-، الرابط: 122543/ http:// majles.alukah.net/ t
الحافظ ابن حجر العسقلاني عن هذا، فقال -كما في الموضع السابق من كتابه-:(هذا حديث غريب لولا هذا المبهم لكان سنده حسناً، لكن فيه ما ينكر وهو السؤال عن الروح ونزول الآية فيها وأن ذلك وقع بمكة، والثابت في الصحيحين أن ذلك كان بالمدينة وقع مصرحاً به في رواية ابن مسعود).
قلت: يشير الحافظ ابن حجر العسقلاني إلى ما أخرجه البخاري (125 و 4721 و 7297 و 7456 و 7462) ومسلم (2794) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث، وهو متكئ على عسيب، إذ مر اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رأيكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئاً، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي فلما نزل الوحي، قال:{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]
ويحتمل أن قريشاً سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح في قصة أخرى مشابهة لما في الصحيحين فقد جاء في جامع الترمذي من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، فقال: سلوه عن الروح، فسألوه عن الروح، فأنزل الله -تعالى- {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]، قالوا: أوتينا علماً كثيراً أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزلت {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر} [الكهف: 109] إلى آخر الآية. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(1)
(1)
رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل، حديث (3140) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/ 253):(رجاله رجال مسلم)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3140).
فالمتأمل لتلك القصتين يستنكر ما جاء عن ابن إسحاق في سبب نزول سورة الكهف مع ضعف إسنادها أيضاً، وثمة خلاف آخر على ابن إسحاق -إن صح ذلك النقل عنه- فقد ذكر أبو القاسم الأصبهاني في "دلائل النبوة" (ص: 216) نقلاً عن ابن إسحاق سندين فقال: روى محمد بن إسحاق عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنه،
…
فذكر الخبر.
وهذا ضعيف جداً؛ فقد عنعنه ابن إسحاق، والكلبي هو محمد بن السائب متهم بالكذب، وأبو صالح هو باذام مولى أم هانئ ضعيف الحديث، ولم يسمع من ابن عباس أيضاً.
ثم أعقبه أبو القاسم الأصبهاني بسند آخر نقله عن ابن إسحاق فقال:
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه
…
وذكر القصة
قلت: ومحمد بن أبي محمد مجهول الحال، قال الذهبي: لا يعرف.
هذا فيما وقفت عليه من طرق؛ فالخبر منكر متناً، ضعيف سنداً، والله أعلم).
وقال الشيخ مصطفى العدوي: (إسناده ضعيف، فيه شيخ لم يسم)
(1)
.
تراكم الأحزان
قوله: (قال ابن إسحاق: لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: (لا تبكي يا بنية، فإن الله مانع أباك). قال: ويقول بين ذلك: (ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب).
(1)
التسهيل لتأويل التنزيل لمصطفى العدوي، سورة الكهف (20 - 21).
التعليق: مرسل عن عروة بن الزبير
قال الذهبي: (غريب مرسل).
(1)
قال الألباني: (حديث ضعيف، أخرجه ابن إسحاق (1/ 258) بسند صحيح عن عروة ابن الزبير مرسلاً).
(2)
قيادة تهوى إليها الأفئدة
قوله: (وكان أبو جهل يقول: يا محمد، إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] قال في الهامش: رواه الترمذي في تفسير سورة الأنعام 5/ 243 ح (3064).
وقد كرر المؤلف ذلك مرة أخرى في آخر عنوان بالكتاب (كمال النفس ومكارم الأخلاق).
التعليق: إسناده ضعيف.
رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب (ومن سورة الأنعام) حديث رقم (3064) حدثنا أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي.
وقال: (حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن ناجية أن أبا جهل قال للنبي -صلى الله عليه و سلم-: فذكر نحوه ولم يذكر فيه عن علي وهذا أصح).
وقال الترمذي: (سألت مُحمدًا-يعني: البخاري- عن هذا الحديث؟ فقال: الصحيح عن أبي إسحاق، عن ناجية، عن النبي -صلى الله عليه و سلم- مرسل).
(3)
(1)
تاريخ الإسلام (1/ 235).
(2)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (123).
(3)
العلل الكبير للترمذي ص (354) حديث رقم (430).
قال الألباني: (حديث علي: ضعيف الإسناد، وحديث ناجية: ضعيف أيضاً).
(1)
ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 315) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: ناجية بن كعب لم يخرجا له شيئاً.
قال العلامة المفسر محمد الطاهر بن عاشور
(2)
: (
…
ولا أحسب هذا هو سبب نزول الآية؛ لأنّ أبا جهل إن كان قد قال ذلك فقد أراد الاستهزاء، كما قال ابن العربي في العارضة: ذلك أنّه التكذيب بما جاء به تكذيب له لا محالة، فقوله: لا نكذّبك، استهزاء بإطماع التصديق).
البشارات بالنجاح
قوله: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يقوم بمثل هذه البشارات بين آونة وأخرى، فكان إذا وافى الموسم، وقام بين الناس في عُكاظ، ومَجَنَّة، وذي المَجَاز لتبليغ الرسالة، لم يكن يبشرهم بالجنة فحسب، بل يقول لهم بكل صراحة: (يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فإذا متم كنتم ملوكًا في الجنة). قال في الهامش: ابن سعد 1/ 216.
التعليق: رواية ابن سعد ضعيفة، لكنه ورد بإسناد صحيح عند أحمد وغيره.
قال الألباني رحمه الله
(3)
: (إن الحديث عند ابن سعد من طريق شيخه محمد بن عمر فقال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أيوب بن النعمان
…
فذكر له عدة أسانيد وكلها مرسلة ومع إرسالها فشيخه المذكور
(1)
ضعيف الترمذي، حديث رقم (3064) بتصرف.
(2)
التحرير والتنوير لابن عاشور (7/ 200)، ط. الدار التونسية للنشر، عام 1948 م.
(3)
دفاع عن الحديث والسيرة ص (20).
متهم بالكذب وهو الواقدي المشهور صاحب كتاب (المغازي) المطبوع في الهند، ثم في مصر.
وظني أن الدكتور-البوطي- لا يعلم أن محمد بن عمر هذا هو الواقدي وإن كان يعلم ذلك فظني أنه لا يعرف شيئاً من ترجمته عند أهل الحديث؛ ولذلك أنقل شهادة حافظين من حفاظ المحدثين المشهورين، فقال الإمام الذهبي في كتابه (الضعفاء والمتروكين):
(محمد بن عمر بن واقد الواقدي قال النسائي: يضع الحديث، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه).
وقال الحافظ ابن حجر في (التقريب): (متروك مع سعة علمه) يعني أنه شديد الضعف في الرواية
(1)
.
وإنما ظننت أن الدكتور لا يعلم ذلك للأمر بحسن الظن بالمسلم وإلا فهل يعقل أن يعرف الدكتور حال الواقدي هذه وسقوط روايته
…
ويشهد لما أقول: أن هذا الحديث قد أخرجه الإمام أحمد
(2)
في (المسند)(3/ 492 و 4/ 63 و 341 و 5/ 376) والبيهقي بأسانيد عن غير واحد من الصحابة وأحدهما عند ابن إسحاق في (السيرة)(2/ 64 - 65) بنحوه وأحد إسنادي أحمد صحيح وأخرجه البيهقي أيضاً كما في (البداية)(3/ 139) وطرفه الأول له شاهد في (المستدرك)(2/ 624) من حديث جابر مطولاً وصححه ووافقه الذهبي.
قلت: فلو أن الدكتور كان يعلم هذه الطرق ويعلم ذلك الضعف
(1)
قال الألباني: (ولذلك لا ينبغي أن يغتر أحد بما ذهب إليه ابن سيد الناس في مقدمة كتابه (عيون الأثر) من توثيق الواقدي فإنه خالف ما عليه المحققون من الأئمة قديماً وحديثاً ولمنافاته علم المصطلح على وجوب تقديم الجرح المفسر على التعديل وأي جرح أقوى من الوضع؟ وقد اتهمه به أيضاً الإمام الشافعي الذي يزعم البوطي أنه يقلده وأبو داود وأبو حاتم، وقال أحمد: كذاب).
(2)
قال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (3/ 492): (صحيح لغيره وهذا إسناد حسن عبد الرحمن بن أبي الزناد ينزل عن رتبة الصحيح وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح).
الشديد الذي في طريق ابن سعد بسبب الواقدي المتهم أفتظن أيها القاريء أنه يؤثر هذا الطريق على تلك الطرق وهو يعلم؟ أما أنا فلا أظن إلا خيراً).
الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف
قوله: (
…
دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا مما لقي من الشدة، وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد، قال:
(اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا يقال له: عَدَّاس، وقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب، واذهب به إلى هذا الرجل. فلما وضعه بين يدى رسول الله-صلى الله عليه وسلم مد يده إليه قائلًا:(باسم الله) ثم أكل
…
).
التعليق: ضعيف.
قال الألباني رحمه الله
(1)
: (ضعيف. رواه الطبراني في (المعجم الكبير)(13/ 73/ 181)، وعنه الضياء في (المختارة)(56/ 128/ 1 - 2)، وابن عدي (284/ 2)، وعنه ابن عساكر (14/ 178/ 2): حدثنا القاسم بن الليث الراسبي -أملاه علينا حفظاً- قال: أخبرنا محمد بن أبي صفوان الثقفي إملاء قال: حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر قال:
لما توفي أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ماشياً على
(1)
السلسلة الضعيفة (6/ 488) حديث رقم (2933).
قدميه، قال: فدعاهم إلى الإسلام، قال: فلم يجيبوه، قال: فانصرف، فأتى ظل شجرة، فصلى ركعتين ثم قال: فذكره. وقال ابن عدي:
(هذا حديث أبي صالح الراسبي، لم نسمع أن أحداً حدث بهذا الحديث غيره، ولم نكتبه إلا عنه).
قلت: كذا في نسختنا من ابن عدي (الراسبي)، وفي (التاريخ)(الراسني)، وفي (التهذيب) وغيره (الرسعني، وكذا في الطبراني) ولعله الصواب. ومن طريق القاسم هذا رواه -بل روى بعضه- ابن منده في (التوحيد)(79/ 1) وقال: محمد بن عثمان ابن أبي صفوان.
قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات، وعلته عنعنة ابن إسحاق عند الجميع؛ وهو مدلس، ولم يسق إسناده في (السيرة) وإنما قال (2/ 61):
(فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- فيما ذكر لي-: اللهم إليك أشكو
…
).
والحديث قال في (المجمع)(6/ 35): (رواه الطبراني، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات). من طريق ابن إسحاق معنعناً أخرجه أيضاً الأصبهاني في (الحجة)
(ق 166/ 2)، والرافعي في (تاريخ قزوين)(2/ 82). ا. هـ
وضعفه الألباني أيضاً في تخريجه فقه السيرة للغزالي ص (126)، وضعيف الجامع حديث رقم (1182). وضعفه شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط في تخريجهما لزاد المعاد (1/ 99).
وضعفه العمري وقال
(1)
: (وأما دعاؤه على ثقيف بقوله: (اللهم إليك أشكو
…
) ولقاؤه بعداس لم يثبت من طريق صحيحة فقد ساقها ابن إسحاق بدون إسناد.
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 186 - 187).
أسانيد قصة عداس: البيهقي
: الزهري (مرسلاً)
: موسى بن عقبة (مرسلاً)
: محمد بن إسحق (مرسلاً)
وهذه المراسيل لا تقوى ببعضها إذ الظاهر أن مخرجها واحد لأن ابن اسحاق وموسى بن عقبة تلميذان للزهري).
الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف
قوله: (وخلال إقامته صلى الله عليه وسلم هناك بعث الله إليه نفرًا من الجن ذكرهم الله في موضعين من القرآن: في سورة الأحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 29: 31].
وفي سورة الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} إلى تمام الآية الخامسة عشرة [الجن: 1: 15].
ومن سياق هذه الآيات -وكذا من سياق الروايات التي وردت في تفسير هذا الحادث- يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم-لم يعلم حضور ذلك النفر من الجن حين حضروا وسمعوا، وإنما علم بعد ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات، وأن حضورهم هذا كان لأول مرة، ويقتضى سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مرارًا).
التعليق: استماع الجن للقرآن الكريم بعد رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف لم يكن أول مرة كما ذهب إليه المؤلف، وإنما سبقه استماع الجن للقرآن الكريم في بدء الوحي ونزول القرآن الكريم كما يتضح من مطلع
سورة الجن، وهو ما ذهب إليه الحافظان: ابن كثير، وابن حجر -رحمهما الله- كما يتضح من النقول الآتية:
قال الحافظ ابن كثير
(1)
: (
…
قال: فلما انصرف عنهم بات بنخلة فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين، وهذا صحيح، ولكن قوله: إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر، فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور، وخروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف كان بعد موت عمه، وذلك قبل الهجرة بسنة، أو سنتين كما قرره ابن إسحاق وغيره، والله أعلم
…
فهذه الطرق كلها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الجن قصداً فتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله عز وجل وشرع الله -تعالى- لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن لم يشعر بهم، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، وأما ابن مسعود رضي الله عنه فإنه لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال مخاطبته للجن ودعائه إياهم، وإنما كان بعيداً منه ولم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم أحد سواه ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة، هذه طريقة البيهقي، وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه صلى الله عليه وسلم ابن مسعود رضي الله عنه ولا غيره، كما هو ظاهر سياق الرواية الأولى من طريق الإِمام أحمد، وهي عند مسلم، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى، والله أعلم، كما روى ابن أبي حاتم في تفسير {قل أوحي إِلي} من حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذي لقوه بنخلة فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين، وتأوله البيهقي على أنه يقول: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم على غير ابن مسعود رضي الله عنه ممن لم يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم إلى الجن، وهو محتمل على بعد، والله أعلم).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله
(2)
: (وذكر ابن إسحاق أن استماع الجن
(1)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (7/ 296).
(2)
فتح الباري ط. دار الفكر (7/ 172).
كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف لما خرج إليها يدعو ثقيفاً إلى نصره، وذلك بعد موت أبي طالب، وكان ذلك في سنة عشر من المبعث، كما جزم ابن سعد بأن خروجه إلى الطائف كان في شوال، وسوق عكاظ التي أشار إليها ابن عباس كانت تقام في ذي القعدة. وقول ابن عباس في حديثه "وهو يصلي بأصحابه" لم يضبط ممن كان معه في تلك السفرة غير زيد بن حارثة، فلعل بعض الصحابة تلقاه لما رجع، والله أعلم.
وقول من قال: إن وفود الجن كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف ليس صريحاً في أولية قدوم بعضهم. والذي يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب لحراسة السماء من استراق الجن السمع دال على أن ذلك كان قبل المبعث النبوي وإنزال الوحي إلى الأرض، فكشفوا ذلك إلى أن وقفوا على السبب، ولذلك لم يقيد الترجمة بقدوم ولا وفادة، ثم لما انتشرت الدعوة وأسلم من أسلم قدموا فسمعوا فأسلموا وكان ذلك بين الهجرتين، ثم تعدد مجيئهم حتى في المدينة).
قال شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط
(1)
: (تابع ابن القيم ابن إسحق في كون استماع الجن للقرآن كان تلك الليلة، مرجعه من الطائف، وفيه نظر، فإن استماعهم كان في ابتداء المبعث قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين، نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 162)، وقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس ما يؤيد ذلك).
القبائل التي عرض عليها الإسلام
قوله: (قال الزهرى: وكان ممن يسمى لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم وعرض نفسه عليهم: بنو عامر بن صَعْصَعَة، ومُحَارِب بن خَصَفَة، وفزارة، وغسان، ومرة، وحنيفة، وسليم، وعَبْس، وبنو نصر، وبنو البَكَّاء، وكندة، وكلب، والحارث بن كعب، وعُذْرَة، والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد).
(1)
تخريج زاد المعاد (3/ 33).
قال في الهامش: ابن سعد 1/ 216.
التعليق: ضعيف.
قال الأرناؤوط
(1)
: (أخرجه ابن سعد في الطبقات من طريق الواقدي وهو مجمع على ضعفه)، وهذا مما يتساهل في ذكره.
سويد بن الصامت
قوله: (كان شاعرًا لبيبًا، من سكان يثرب، يسميه قومه [الكامل] لجلده وشعره وشرفه ونسبه، جاء مكة حاجًا أو معتمرًا، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فقال: لعل الذي معك مثل الذي معي. فقال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم: (وما الذي معك؟) قال: حكمة لقمان. قال: (اعرضها عليَّ). فعرضها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن هذا لكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا؛ قرآن أنزله الله -تعالى- عليّ، هو هدى ونور)، فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فأسلم، وقال: إن هذا لقول حسن. فلما قدم المدينة لم يلبث أن قتل في وقعة بين الأوس والخزرج قبل يوم بعاث. والأغلب أنه أسلم في أوائل السنة الحادية عشرة من النبوة).
التعليق: يوجد خلاف في صحبة سويد.
رواه ابن هشام في السيرة (1/ 425) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ الظَّفَرِيُّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: فذكره.، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 419) بإسناده عن ابن إسحق أيضاً، وقال الدكتور العمري
(2)
: (إسناد حسن من رواية عاصم بن عمر بن قتادة ثقة (ت 120 هـ) يرويه عن أشياخ من قومه الأنصار).
(1)
تخريج زاد المعاد (3/ 43).
(2)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 195).
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله
(1)
: (سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة الأوسي ذكره ابن شاهين وقال: شك في إسلامه. وقال أبو عمر: أنا أشك فيه كما شك غيري. ذكره بعضهم معتمداً على ما روى ابن إسحاق
…
قلت: فإن صح ما قالوا لم يعد في الصحابة؛ لأنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً).
طُفَيْل بن عمرو الدَّوْسي
قوله: (كان رجلًا شريفًا، شاعرًا لبيبًا، رئيس قبيلة دوس، وكانت لقبيلته إمارة، أو شبه إمارة في بعض نواحي اليمن، قدم مكة في عام 11 من النبوة، فاستقبله أهلها قبل وصوله إليها، وبذلوا له أجل تحية وأكرم تقدير، وقالوا له: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، يفرق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمعن منه شيئًا.
حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفًا؛ فرقًا من أن يبلغني شيء من قوله، قال: فغدوت إلى المسجد فإذا هو قائم يصلى عند الكعبة، فقمت قريبًا منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني رجل لبيب شاعر؛ ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته، فمكثت حتى انصرف إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فعرضت عليه قصة مقدمي، وتخويف الناس إياي، وسد الأذن بالكرسف، ثم سماع بعض كلامه، وقلت له: اعرض عليّ أمرك، فعرض عليّ الإسلام، وتلا عليّ
(1)
الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 305) ط. دار الجيل، بيروت.
القرآن. فوالله ما سمعت قولًا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت له: إني مطاع في قومي، وراجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية، فدعا.
وكانت آيته أنه لما دنا من قومه جعل الله نورًا في وجهه مثل المصباح، فقال: اللهم في غير وجهي. أخشى أن يقولوا: هذه مثلة، فتحول النور إلى سوطه، فدعا أباه وزوجته إلى الإسلام فأسلما، وأبطأ عليه قومه في الإسلام، لكن لم يزل بهم حتى هاجر بعد الخندق، ومعه سبعون أو ثمانون بيتًا من قومه، وقد أبلى في الإسلام بلاء حسنًا، وقتل شهيدًا يوم اليمامة).
التعليق: ضعيف.
رواه ابن هشام في السيرة (1/ 382) قال ابن إسحاق: -فساق القصة هكذا بدون إسناد-. قال الحافظ ابن كثير
(1)
: (
…
هكذا ذكر محمد بن إسحاق قصة الطفيل بن عمرو مرسلة بلا إسناد، ولخبره شاهد في الحديث الصحيح).
وقال الحافظ ابن حجر
(2)
: (
…
وذكرها ابن إسحاق في سائر النسخ بلا إسناد، وأخرجه ابن سعد أيضاً مطولاً من وجه آخر، وكذلك الأموي عن ابن الكلبي بإسناد آخر
…
). وضعفها الألباني.
(3)
الإسراء والمعراج
قوله: (ثم عرج به إلى الجبّار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مرّ على موسى فقال له: بم أمرك ربك؟ قال:
(1)
البداية والنهاية (3/ 100) ط. مكتبة المعارف.
(2)
الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 522) ط. دار الجيل.
(3)
صحيح السيرة ص (216).
(بخمسين صلاة). قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إلى جبريل، كأنه يستشيره في ذلك، فأشار أن نعم إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى، وهو في مكانه -هذا لفظ البخاري في بعض الطرق - فوضع عنه عشرًا، ثم أنزل حتى مر بموسى، فأخبره، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله- عز وجل، حتى جعلها خمسًا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال:(قد استحييت من ربي، ولكني أرضى وأسلم)، فلما بعد نادى مناد: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي. انتهى.
ثم ذكر ابن القيم خلافًا في رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى، ثم ذكر كلامًا لابن تيمية بهذا الصدد، وحاصل البحث أن الرؤية بالعين لم تثبت أصلًا، وهو قول لم يقله أحد من الصحابة. وما نقل عن ابن عباس من رؤيته مطلقًا ورؤيته بالفؤاد فالأول لا ينافي الثاني.
ثم قال: وأما قوله تعالى في سورة النجم: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] فهو غير الدنو الذي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، كما قالت عائشة وابن مسعود، والسياق يدل عليه، وأما الدنو والتدلي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه، ولا تعرض في سورة النجم لذلك، بل فيه أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى. وهذا هو جبريل، رآه محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين: مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى، والله أعلم).
التعليق: نسبة الدنو والتدلي لله عز وجل من أغلاط شريك بن عبدالله وأوهامه
قال الأرناؤوط
(1)
: (هذه الجملة، التي أخرجها البخاري في صحيحه (13/ 399، 406) من طريق شريك بن عبدالله وهي من أوهامه التي تفرد بها فكان على المؤلف-رحمه الله أن ينبه على ذلك.
(1)
تخريج زاد المعاد (3/ 35).
فقد قال الخطابي: (إن الذي وقع في هذه الرواية بالنسبة للتدلي للجبار-عز وجل مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر، وقد روي هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك فلم يذكر فيه هذه الألفاظ الشنيعة، وذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من جهة شريك.
وقال عبدالحق الإشبيلي في الجمع بين الصحيحين: (زاد فيه شريك زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى الإسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك وهو ليس بالحافظ).
وقال الحافظ ابن كثير
(1)
: (هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد، ورواه في صفة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه أبي بكر عبد الحميد، عن سليمان بن بلال. ورواه مسلم عن هارون بن سعيد، عن ابن وهب، عن سليمان قال: فزاد ونقص وقدم وأخر، وهو كما قال مسلم فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه كما سيأتي بيانه -إن شاء الله- في الأحاديث الأخر، ومنهم من يجعل هذا مناماً توطئة لما وقع بعد ذلك، والله أعلم. وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها، على مذهب من زعم أنه-صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل يعني قوله:{ثُمَّ دَنَا} الجبار رب العزة {فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} .
قال: وقول عائشة، وابن مسعود، وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح. وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق، فإن أبا ذر قال: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه) وفي رواية: (رأيت نوراً) أخرجه مسلم، وقوله:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} إنما هو جبريل عليه السلام، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم
(1)
تفسير القرآن العظيم (5/ 7 - 8) ط. دار طيبة.
عن أبي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا).
قال الحافظ ابن رجب
(1)
: (قد تفرد به شريك بهذه الألفاظ في هذا الحديث، وهي مما أنكرت عليه فيه). وكذلك ضعفه شيخنا ابن باز رحمه الله.
(2)
انظر:
- تفسير ابن كثير في مطلع سورة الإسراء فإنه قد أجاد وأفاد بما لا يوجد في مكان آخر.
- الإسراء والمعراج وذكر أحاديثهما وتخريجها وبيان صحيحها من سقيمها للألباني.
اثنا عشر نقيبًا
قوله: (ولما تم اختيار هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقًا آخر بصفتهم رؤساء مسؤولين.
قال لهم: (أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي) - يعنى المسلمين - قالوا: نعم).
التعليق: مرسل ضعيف.
قال الألباني
(3)
: (
…
وأما قوله في آخر القصة: (فقال لهم الرسول: أنتم على
…
) فأخرجه ابن إسحاق (1/ 277) عن عبدالله بن أبي بكر مرسلاً؛ فهو ضعيف، ورواه ابن جرير (2/ 93) من طريق ابن إسحاق).
(1)
فتح الباري (2/ 214).
(2)
الفوائد العلمية من الدروس البازية (8/ 19).
(3)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (150).
في دار الندوة [برلمان
(1)
قريش]
قوله: (ولما جاءوا إلى دار الندوة حسب الميعاد، اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بتلة
(2)
، ووقف على الباب، فقالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا. قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم.
وبعد أن تكامل الاجتماع بدأ عرض الاقتراحات والحلول، ودار النقاش طويلًا.
قال أبو الأسود: نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا، ولا نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت.
قال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب، ثم يسير بهم إليكم ـ بعد أن يتابعوه ـ حتى يطأكم بهم في بلادكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيًا غير هذا.
قال أبو البختري: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله ـ زهيرًا والنابغة ـ ومن مضى منهم، من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم.
قال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه -كما تقولون- ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم، فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره.
(1)
كلمة برلمان: تعني مجلس الشعب، وهي كلمة أجنبية وقد تكررت هذه الكلمة في الكتاب، والأولى تجنبها.
(2)
البتلة: الكساء الغليظ.
وبعد أن رفض البرلمان هذين الاقتراحين، قدم إليه اقتراح آثم وافق عليه جميع أعضائه، تقدم به كبير مجرمي مكة أبو جهل بن هشام. قال أبو جهل: والله إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد. قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نَسِيبا وَسِيطًا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعَقْل، فعقلناه لهم.
قال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي الذي لا رأي غيره.
ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فورًا.
التعليق: القصة واهية، وأسانيدها لا تصح.
قال الشيخ: علي بن إبراهيم حشيش- حفظه الله -
(1)
:
(الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة)(ص 63 - 64)، والطبري في (تفسيره)(6/ 251، 252 ح: 15979)، والبيهقي في (دلائل النبوة)(2/ 466 - 468)، وابن أبي حاتم في (التفسير)(5/ 1686)(ح 1994)، وابن سعد في (الطبقات)(1/ 109).
التحقيق:
القصة واهية، وأسانيدها لا تصح، تزداد بها وهنًا على وهن.
1 -
قال ابن سعد في (الطبقات): أخبرنا محمد بن عمر.
أ- قال: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
(1)
مجلة (التوحيد)، العدد (409)، (ص 53 وما بعدها).
ب- قال: وحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين بن أبي غطفان، عن ابن عباس.
جـ- قال: وحدثني قدامة بن موسى، عن عائشة بنت قدامة.
د- قال: وحدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي.
هـ- قال: وحدثني معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن مالك بن جُعْشم، عن سراقة بن جعشم.
قلت: بهذا يتبين أن ابن سعد أخرج القصة في طبقاته عن: عائشة، وابن عباس، وعائشة بنت قدامة، وعلي، وسراقه بن جعشم، ولكن من رواية محمد بن عمر وهو الواقدي.
قال الإمام ابن حبان في (المجروحين)(2/ 290): (محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي المدني، كان ممن يحفظ أيام الناس وسيرهم، وكان يروي عن الثقات المقلوبات وعن الأثبات المعضلات حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك، كان أحمد بن حنبل يكذبه.
ثم قال: سمعت محمد بن المنذر، سمعت عباس بن محمد: سمعت يحيى بن معين يقول: الواقدي ليس بشيء.
ثم قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن: سمعت أبا غالب بن بنت معاوية بن عمرو: سمعت علي بن المديني يقول: الواقدي يضع الحديث. ا. هـ.
قلت: وأورده
(1)
الإمام البخاري في (الضعفاء الصغير) ترجمة (334) وقال: (محمد بن عمر الواقدي متروك الحديث). اهـ.
وأورده الإمام النسائي في (الضعفاء والمتروكين) ترجمة (531) وقال: (محمد بن عمر الواقدي، متروك الحديث).
(1)
قال الشيخ عبدالله بن مانع- حفظه الله-: (الأولى أن نقول: ترجمه الإمام البخاري، وكذا النسائي في الضعفاء و المتروكين).
قلت: وهذا المصطلح عند النسائي له معناه حيث قال الحافظ ابن حجر في (شرح النخبة) باب (68) مراتب الجرح: (كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه).
2 -
قال أبو نعيم في (دلائل النبوة): حدثنا حبيب بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن يحيى المروزي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد أبي الحجاج، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وحدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: حدثنا الفضل بن غانم، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر المكي، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
قال: وحدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قلت: بهذا يتبين أن أبا نعيم أخرج القصة في (دلائل النبوة) من ثلاثة طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الطريق الأول: فيه علتان:
الأولى: تدليس محمد بن إسحاق.
فقد أورده الحافظ ابن حجر في (طبقات المدلسين) في الطبقة الرابعة رقم (9) وقال: (محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، صاحب المغازي، مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم، وصفه بالتدليس ابن حبان). ا. هـ.
قلت: حكم رواية أصحاب هذه الطبقة: قال الحافظ ابن حجر في مقدمة كتاب (طبقات المدلسين): (الرابعة: من اتفق على أنه لا يُحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل).
قلت: وابن إسحاق في هذا الطريق عنعن ولم يصرح بالسماع.
الثانية: جهالة شيخ ابن إسحاق.
يتبين ذلك من السند: (عن محمد بن إسحاق عن من لا يتهم من أصحابنا)، وهذا النوع من أنواع المجهول يسمى (المبهم) وهو من لم يصرح باسمه (ومبهم ما فيه راوٍ لم يُسم)، ومن أبهم اسمه، جهلت عينه وجهلت عدالته من باب أولى، فلا تقبل روايته.
وكما بينا آنفًا من أقوال أئمة الجرح والتعديل: أن ابن إسحاق مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم.
قلت: ولذلك نقل الحافظ ابن حجر في (التهذيب)(9/ 36) عن يعقوب بن شيبة قال: سمعت ابن نمير يقول: (إنما أُتِيَ- يعني ابن إسحاق- من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة). ا. هـ.
قلت: وهذه القصة منها حيث حَدَّثَ فيها عن مجهولين فهي باطلة كما بينا آنفًا.
الطريق الثاني: وفيه علتان أيضًا:
العلة الأولى: سلمة بن الفضل:
أ- قال الإمام البخاري في كتاب (الضعفاء الصغير) رقم (149): (سلمة بن الفضل بن الأبرش سمع ابن إسحاق، عنده مناكير وفيه نظر). ا. هـ.
قلت: وهذا المصطلح عند البخاري له معناه، يظهر هذا من قول السيوطي في «تدريب الراوي» (1/ 349):(البخاري يطلق: فيه نظر، وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه، ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه)
(1)
.
(1)
قال الشيخ عبدالله بن مانع - حفظه الله-: (عبارة فيه نظر عند البخاري تطلق على من عنده مناكير، ولم يصل إلى حد الترك. قال ابن حجر في بذل الماعون: إن البخاري يطلقها على من يكون وسطاً. هذا ما تحرر لي).
قلت: وبهذا يتبين أن سلمة بن الفضل متروك الحديث فلا يصلح حديثه للاحتجاج ولا المتابعات ولا الشواهد.
ب- قال الإمام النسائي في (الضعفاء والمتروكين) رقم (241): (سلمة بن الفضل بن الأبرش: أبو عبد الله ضعيف، يروي عن ابن إسحاق المغازي).
جـ- أورده الحافظ ابن حجر في (التهذيب)(4/ 135) وقال: (سلمة بن الفضل بن الأبرش الأنصاري مولاهم أبو عبد الله الأزرق، قال البخاري: عنده مناكير وهَّنه علي بن المديني قال علي: ما خرجنا من الري حتى رمينا بحديثه، قال البرذعي عن أبي زرعة: كان أهل الري لا يرغبون فيه لمعان فيه من سوء رأيه وظلم فيه، وأما إبراهيم بن موسى فسمعته غير مرة وأشار أبو زرعة إلى لسانه يريد الكذب). ا. هـ.
قلت: ولذلك أشار الحافظ ابن حجر إلى سوء حفظه في (التقريب)(1/ 318): فقال: (كثير الخطأ). ا. هـ.
قلت: لذلك قال الحافظ العراقي في (فتح المغيث)(ص 7):
(من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك وإن كان عدلاً).
فانظر إلى الترابط الشديد بين قول الإمام البخاري: «فيه نظر» ومعناه وبين قول الحافظ العراقي وتلميذه ابن حجر.
العلة الثانية: الفضل بن غانم: أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (3/ 357) وقال: (الفضل بن غانم الخزاعي قال يحيى: ليس بشيء، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال الخطيب: ضعيف).
قلت: ومصطلح (ليس بشيء) يقوله يحيى بن معين في الكذابين والمتروكين، كذلك في أهل الغفلة والاضطراب الذين يُرد حديثهم، وفي المبتدعة والمقلين. كذا في (التهذيب)(1/ 509).
الطريق الثالث: وفيه أيضًا علتان:
العلة الأولى: الكلبي: أورده الإمام الذهبي في (الميزان) ترجمة (7574) وقال: (محمد بن السائب الكلبي، أبو النضر الكوفي المفسر النَّسَّابَة الإخباري، قال ابن معين: (الكلبي ليس بثقة)، وقال الجوزجاني وغيره: كذاب. وقال الدارقطني وجماعة: متروك).
قال النسائي في (الضعفاء والمتروكين) ترجمة (514): (أبو النضر الكلبي: متروك الحديث). وقال البخاري في (الضعفاء الصغير) ترجمة (322): (أبو النضر الكلبي تركه يحيى بن سعيد).
العلة الثانية: أبو صالح.
قال الإمام ابن حبان في (المجروحين)(2/ 255): (محمد بن السائب الكلبي يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئًا، ولا سمع الكلبي من أبي صالح، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به؟). ا. هـ.
قلت: بهذا يتبين أن الطرق الثلاثة التي أخرجها أبو نعيم تزيد القصة وهنًا على وهن لما فيها من: كذابين، ومتروكين، ومجهولين، ومدلسين.
3 ـ ابن جرير الطبري في (التاريخ)(1/ 566) أخرج القصة من ثلاثة طرق:
الأول: نفس طريق سلمة بن الفضل بن الأبرش الذي أخرجه أبو نعيم وبينا أنه طريق تالف.
والثاني: من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
قلت: ولقد بينا آنفًا أن هذا الطريق أوهى من سابقه.
والثالث: من طريق سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس.
قلت: وهذا الطريق تالف فيه سلمة بن الفضل وهو متروك كما بينا آنفًا، والحكم بن عتيبة مدلس كما في (التقريب)(1/ 192) وقد عنعن.
4 ـ وأخرج القصة ابن جرير الطبري في (التفسير)(6/ 251 - 252 ح 15979) من طريقين:
الأول: هو نفس الطريق الأول الذي أخرجه أبو نعيم والذي بينا ضعفه آنفًا.
الثاني: من طريق الكلبي عن باذام مولى أم هانئ عن ابن عباس.
قلت: وباذام مولى أم هانئ هو أبو صالح كما في (التقريب)(1/ 93).
وهذا هو الطريق الثالث الذي أخرجه أبو نعيم وهو طريق تالف كما بينا آنفًا.
ملحوظة: وقع تصحيف في السند في تفسير ابن جرير حيث جاء اسم أبي صالح (زاذان مولى أم هانئ)، ويجب أن يصحح إلى (باذام مولى أم هانئ) كما في (التقريب) (1/ 93) وقال الحافظ ابن حجر:(ضعيف مدلس)، وقد عنعن فيزداد الطريق ضعفًا على ضعفه.
5 ـ وأخرج القصة ابن أبي حاتم في (التفسير)(5/ 1686)(ح 1994) من نفس الطريق الواهي
(1)
الذي أخرجه أبو نعيم من طريق ابن إسحاق من حديث مجاهد عن ابن عباس ويظهر فيه التدليس والاضطراب.
6 ـ وأخرجه البيهقي في (الدلائل) عن محمد بن إسحاق من نفس الطرق التي بينا ضعفها من: مدلسين، ومجهولين، وكذابين، ومتروكين
…
). انتهى كلام الشيخ علي حشيش - حفظه الله- وحرصت على نقله كاملاً؛ لأهميته ونفاسته.
قال الشيخ محمد بن عبدالله العوشن
(2)
: (وهذه القصة لم أرَ -حسب علمي- من صحّح أسانيدها من أهل العلم، على أنها مشهورة في كتب
(1)
قال الشيخ عبدالله بن مانع - حفظه الله-: (الأصح: من الطريق الواهي نفسه).
(2)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (72 - 77).
السيرة، لكن الشهرة لا تغني عن صحة الإسناد. ومال الدكتور سليمان السعود
(1)
إلى تقوية القصة بأمور ثلاثة:
1 -
أن لها أصلًا في كتاب الله في قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: 30] وبهذه القصة فسرها الطبري.
2 -
أنها وردت من عدة طرق يشد بعضها بعضًا.
3 -
شهرة هذه القصة واستفاضتها عند أئمة السير).
وقال الشيخ محمَّد الصادق عرجون رحمه الله
(2)
عن هذه القصة ومشاركة إبليس إنه ضرب من الخيال المجنون: "لأنه لم يثبت فيه خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما جاء فيه رواية مرسلة عن ابن عباس لم يثبت لها سند يمكن التشبث به والاعتماد عليه .. ".
وتعقبه الدكتور مهدي رزق الله بقوله: "قلت: جاءت القصة بطريق صحيح عند ابن إسحاق والطبري إضافة إلى أن ابن إسحاق والزهري والواقدي وابن سعد والأموي من أئمة المغازي والسير، واتفقوا على ذكر القصة مما يدل أن لها أصلًا، خاصة حديثهم -إذا استثنينا قصة النجدي- ورد مضمونه في أحاديث صحيحة، مثل الأحاديث التي وردت في تفسير الآية: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
…
} ".
(3)
وهذا التعقب يحتاج إلى تعقب، فالقول بأن هذه القصة جاءت من طريق صحيح، غير صحيح وقد سبق أن الرواية لهذه القصة إما من طريق الواقدي وهو متروك، أو من طريق ابن إسحاق وفيه جهالة شيخه، وما ذكر
(1)
أحاديث الهجرة جمع وتحقيق ودراسة ص 114، مركز الدراسات الإِسلامية، برمنجهام، بريطانيا، الطبعة الأولى، 1411 هـ، والكتاب رسالة ماجستير.
(2)
محمَّد رسول الله- صلى الله عليه وسلم، منهج ورسالة (2/ 498)، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1405 هـ.
(3)
السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص 265، الطبعة الأولى 1412 هـ، مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث.
من أن ابن إسحاق قد صرح بالسماع في رواية الطبري لا يفيد لأن شيخ الطبري كما سبق كذّبه العلماء وهو -والله أعلم- المتّهم بتسوية السند، وكل ذلك قد مرّ قريبًا).
تطويق منزل الرسول صلى الله عليه وسلم
-
قوله: (أما أكابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في الإعداد لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرمها برلمان مكة (دار الندوة) صباحاً، واختير لذلك أحد عشر رئيساً من هؤلاء الأكابر، وهم:
1 -
أبو جهل بن هشام.
2 -
الحكم بن أبي العاص.
3 -
عقبة بن أبي معيط.
4 -
النضر بن الحارث.
5 -
أمية بن خلف.
6 -
زمعة بن الأسود.
7 -
طعيمة بن عدي.
8 -
أبو لهب.
9 -
أبيّ بن خلف.
10 -
نبيه بن الحجاج.
11 -
أخوه منبه بن الحجاج.
قال ابن إسحاق: فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام، فيثبون عليه.
وكانوا على ثقة ويقين جازم من نجاح هذه المؤامرة الدنية، حتى وقف أبو جهل وقفة الزهو والخيلاء، وقال مخاطباً لأصحابه المطوفين في
سخرية واستهزاء: إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، ثم جعلت لكم نارا تحرقون فيها.
وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل، فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر، ولكن الله غالب على أمره، بيده ملكوت السماوات والأرض، يفعل ما يشاء، وهو يجير ولا يجار عليه، فقد فعل ما خاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد:(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)[الأنفال: 30].
الرسول صلى الله عليه وسلم يغادر بيته
ومع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فقد فشلوا فشلاً فاحشاً. ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: «نم على فراشي، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، واخترق صفوفهم، وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم، وقد آخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو:(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)[يس: 9] فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه تراباً، ومضى إلى بيت أبي بكر، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلا حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن.
وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل، فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمداً. قال: خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم، وذر على رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته، قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا علياً، فقالوا: والله إن هذا لمحمد نائماً، عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا. وقام عليّ عن الفراش، فسقط في أيديهم، وسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا علم لي به).
التعليق: مرسل
روى ابن إسحاق تفاصيل حصار بيت الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل الهجرة على نحو ما ذكره المؤلف، فقال: فحدثني يزيد بن زياد عن محمَّد بن كعب القُرظي قال: فذكره.
قال الدكتور العمري: (وقد بينت رواية ضعيفة - بسبب الإرسال - قصة اجتماع المشركين على باب الرسول صلى الله عليه وسلم وذره التراب على رؤوسهم.
(1)
كما بيَّنَ ابن عباس حصار المشركين لبيته ابتغاء قتله، ومبيت علي على فراشه، ولحاقه صلى الله عليه وسلم بالغار، ولما علم المشركون ذلك في الصباح اقتصوا أثره إلى الغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت فتركوه. ولكن هذه الرواية لا تصح للاحتجاج بها وهي "أجود ما روي في قصة نسيج العنكبوت على فم الغار"
…
وقال أيضاً: وعلى أية حال فإن ائتمار المشركين لقتله ثابت بنص الآية فلا يبعد أن يحاصروا بيته).
(2)
روى الإمام أحمد في مسنده حديث (3251) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، أَنَّ مِقْسَمًا، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِهِ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال: 30]، قَالَ: " تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ، فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ، يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ، فَأَطْلَعَ اللهُ عز وجل نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى
(1)
سيرة ابن هشام (1/ 483) بسند صحيح إلى محمد بن كعب القرظي لكنه مرسل.
(2)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 207).
لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا، يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا، رَدَّ اللهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ، فَمَرُّوا بِالْغَارِ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا، لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ " وقال أحمد شاكر:(في إسناده نظر، من أجل عثمان الجزري). وضعفها محققو المسند طبعة الرسالة (5/ 301) وقالوا: (إسناده ضعيف).
وقال الحافظ ابن كثير
(1)
: (وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى فَمِ الْغَارِ، وَذَلِكَ مِنْ حِمَايَةِ اللَّهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم).
وتعقبه العلامة الألباني في الضعيفة (3/ 262) حديث (1129) فقال: (كذا قال، وليس بحسن في نقدي، لأن عثمان الجزري إن كان هو عثمان بن عمرو بن ساج الجزري فقد قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3/ 1/ 162) عن أبيه: " لا يحتج به ". وأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " تكلم فيه ".
وإن كان هو عثمان بن ساج الجزري ليس بينهما عمرو، فقد جنح الحافظ في " التهذيب " إلى أنه غير الأول، ولا يعرف حاله، ولم يفرق بينهما في " التقريب "، وقال:" فيه ضعف ".
وابن عمرو لم يوثقه أحد غير ابن حبان، ومن المعروف تساهله في التوثيق، ولذلك فهو ضعيف لا يحتج به كما قال أبو حاتم.
وقال الهيثمي في " المجمع "(7/ 27): " رواه أحمد والطبراني، وفيه عثمان بن عمرو الجزري، وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
(1)
البداية والنهاية للحافظ ابن كثير (4/ 451) تحقيق عبدالله بن عبدالمحسن التركي، الطبعة الأولى 1418 هـ، دار هجر للطباعة.
ولذلك قال المحقق أحمد شاكر في تعليقه على " المسند ": " في إسناده نظر ".
ثم إن الآية المتقدمة (وأيده بجنود لم تروها)(التوبة: 40) فيها ما يؤكد ضعف الحديث، لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا ترى، والحديث يثبت أن نصره صلى الله عليه وسلم كان بالعنكبوت، وهو مما يرى، فتأمل.
والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في " تفسيره " (4/ 174) للآية:" وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته ").
قال الشيخ محمد بن عبدالله العوشن
(1)
: (ولهذا لم يعرِّج أكثر أئمة التفسير إلى ذكر هذه الأحاديث عند تفسيرهم للآيات السابقة من سورة يّس، مع عنايتهم بذكر سبب النزول، كالطبري، والقرطبي، وابن الجوزي، والزمخشري، وأوردها ابن كثير نقلًا عن ابن إسحاق، بل ذكر أكثرهم سببًا آخر للنزول لم يثبت هو الآخر.
واعلم أن في قصة الهجرة تساؤلات كثيرة، ففي صحيح البخاري في حديث الهجرة عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، وهي ساعة لم يكن يأتيه فيها، وأخبره بأنه قد أُذن له في الخروج، قالت: فجهزناهما أحثَّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب
…
ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال "
(2)
. فمتى حاصر المشركون بيته؟ -على القول بصحة القصة- هل كان قبل ذهابه إلى بيت أبى بكر؟ فأين قضى-صلى الله عليه وسلم هذا الوقت الذي استغرق ليلة ونصف نهار قبل أن يذهب إلى بيت صاحبه الصديق رضي الله عنه؟ أو كان بعد عودته من بيت أبي بكر وإخباره له بالهجرة؟ وهذا لا يستقيم مع رواية البخاري، فإن ظاهرها أن التوجه إلى الغار كان من بيت أبي بكر
…
).
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة (65 - 66).
(2)
صحيح البخاري (ح: 3905).
فائدة
(1)
: أخرج البيهقي في سننه (6/ 289) من طريق ابن إسحاق:
"وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثلاث ليالٍ وأيامها- يعني: بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه- حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم". قال ابن حجر: رواه ابن إسحاق بسند قوي (التلخيص 3/ 112)، وحسنه الألباني في (إرواء الغليل 5/ 384 رقم 1546).
فائدة:
قصة العنكبوت والحمامتين عند الغار قد حكم عليها بالضعف كل من:
- العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (حديث 3251) قال: (في إسناده نظر، من أجل عثمان الجزري).
- العلامة الألباني في الضعيفة تحت الأحاديث رقم: (1128، 1129، 6334).
- العلامة ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (2/ 525).
- الدكتور أكرم العمري في " السيرة النبوية الصحيحة "(1/ 208).
- الشيخ علي حشيش في تحذير الداعية ص (70 - 77).
إذ هما في الغار
قوله: (ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به، وبقي منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن (77).
حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(ما لك يا أبا بكر؟) قال: لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب ما يجده).
التعليق: موضوع.
قال الشيخ علي بن إبراهيم حشيش-حفظه الله-
(1)
:
(وقد أورد هذه القصة التبريزى فى (مشكاة المصابيح)(3/ 1700) ح (6034)
مناقب أبى بكر ح (16) تحقيق الشيخ الألبانى رحمه الله.
قلت: بالنظر إلى حاشية الكتاب لم نجد لهذه القصة تخريجاً ولا تحقيقاً.
المسالة الثانية: تخريج القصة.
الحديث أورده البيهقي في (دلائل النبوة)(2/ 476، 477)
قال: " أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد، قال: حدثنا أحمد بن سلمان النجار الفقيه إملاء قال: قرئ على يحيى بن جعفر وأنا أسمع، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي، قال: حدثني فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ضبة بن محصن العنزي، عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه فذكر القصة.
المسألة الثالثة: تحقيق القصة:
القصة (موضوعة)، والموضوع هو الكذب المختلق المصنوع المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مع بيان سبب وضعه (كذا في التدريب)(1/ 274).
(1)
تحذير الداعية من القصص الواهية ص (7 - 9) ط. دار العقيدة. الإسكندرية.
وآفات القصة:
(1)
عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي.
أورده الإمام الذهبي في " الميزان "(2/ 545) ترجمة (4804) ثم قال:
(عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي عن مالك أتى بخبر باطل طويل، وهو المتهم به، وأتى عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ضبة بن محصن، عن أبي موسى بقصة الغار - و هو يشبه وضع الطرقية).
قلت: وأقر الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان)(3/ 491) ترجمة (602/ 4953) قول الإمام الحافظ الذهبي في قصة الغار بأنه شبه وضع الطرقية.
(2)
فرات بن السائب
أورده الإمام الذهبي في (الميزان)(3/ 341) ترجمة (6689) ثم قال: (فرات بن السائب عن ميمون بن مهران).
قال البخاري: منكر الحديث.
وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال الدارقطنى وغيره: متروك.
وقال أحمد بن حنبل: قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذلك)، قلت: وأقر الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان)(4/ 503، 504) ترجمة (11/ 6522) قول الإمام الذهبي ثم قال: (وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، منكر الحديث.
وقال الساجي: تركوه.
وقال النسائي: متروك الحديث).
قلت: وقول النسائي في فرات: (متروك الحديث) أورده في (الضعفاء والمتروكين) ترجمة (488) وحسبك قول الحافظ ابن حجر في (شرح النخبة) ص (69): (كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه)
قلت: وما نقله الذهبي عن البخاري في فرات أنه منكر الحديث وإقرار الحافظ ابن حجر له في " اللسان " حققناه فوجدناه في التاريخ الكبير " (7/ 130) حيث قال البخاري: "فرات بن السائب أبو سليمان عن ميمون بن مهران تركوه منكر الحديث".
قلت: وهذا التحقيق يحسبه القارئ الكريم أنه هين، ولكنه عند علماء هذا الفن العظيم، خاصة في علم الحديث التطبيقي في مثل هذه المسائل.
حيث يظهر هذا من تنبيهات السيوطي في " التدريب "(1/ 349) حيث قال: " البخاري يطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه ".
قلت: وزيادة للفائدة لطالب هذا الفن نبين ما نقله الذهبي عن ابن معين في فرات أنه " ليس بشيء ".
قال ابن أبى حاتم فى كتابه " الجرح والتعديل "(3/ 321) ترجمة (1439): " عن يحيى بن معين أنه قال: لا شيء. يعني: ليس بثقة ".
قلت: بهذا التحقيق في فرات يتضح ما أورده الإمام ابن حبان فى" المجروحين "(2/ 207) حيث قال: " الفرات بن السائب الجزرى، يروي عن ميمون بن مهران، كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويأتي بالمعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه، ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاختبار ".
قلت: وهذا التحقيق له فائدة عظيمة لطالب هذا الفن، وعندما يقارن بين قول ابن حبان الذي ذكرناه آنفاً في فرات بن السائب، وبين ما قاله الحافظ ابن حجر في:" التقريب "(1/ 292) في ميمون بن مهران حيث قال: " ميمون بن مهران الجزرى، أبو أيوب - أصله كوفي، نزل الرقة، ثقة فقيه، ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز ". ا. هـ
إذ هما في الغار
قوله: (ولما لم يحصلوا من عليّ على جدوى جاءوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر، فقالوا لها: أين أبوك؟ قالت: لا أدري والله أين أبي؟ فرفع أبو جهل يده ـ وكان فاحشًا خبيثًا ـ فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها
…
وقال تحت عنوان في الطريق إلى المدينة:
وأصبح صوت بمكة عاليًا يسمعونه ولا يرون القائل:
جزى الله رب العرش خير جزائه
…
رفيقين حَلاَّ خيمتي أم مَعْبَدِ
هما نزلا بالبِرِّ وارتحلا به
…
وأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقُصَي ما زَوَى الله عنكم
…
به من فعال لا يُحَاذى وسُؤْدُد
لِيَهْنِ بني كعب مكان فَتاتِهم
…
ومقعدُها للمؤمنين بَمْرصَد
سَلُوا أختكم عن شاتها وإنائها
…
فإنكم إن تسألوا الشاة تَشْهَد
قالت أسماء: ما درينا أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة فأنشد هذه الأبيات، والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه حتى خرج من أعلاها. قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن وجهه إلى المدينة).
التعليق: القصة ليست صحيحة.
قال الشيخ علي بن إبراهيم حشيش-حفظه الله-
(1)
:
(القصة ليست صحيحة. رواها ابن إسحاق كما في "السيرة" (2 - 109) لابن هشام. حيث أوردها في "سيرة النبي"(2 - 109)(ح 513) فذكر أن ابن إسحاق قال: "فَحُدِّثْتُ عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
…
" القصة.
(1)
تحذير الداعية من القصص الواهية ص (306 - 313) ط. دار العقيدة.
قلت: فسند القصة منقطع، يشهد لذلك صيغة الرواية في قول ابن إسحاق:"فَحُدّثتُ" التي جاءت بصيغة المبني للمجهول، التي تدل على أن هناك سقطًا في الإسناد.
ويشهد لانقطاع السند أيضًا قول الحافظ ابن حجر في "التقريب"(2 - 144): "محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر، المطلبي، مولاهم المدني، نزيل العراق، إمام المغازي صدوق يدلس".
قلت: ورواية السند بصيغة المبني للمجهول فيها إسقاط في السند، وهذا أشد من تدليس الشيوخ، حيث يتسبب في تضييع المروي عنه، وتوعير طريق معرفته على السامع.
قال الإمام الذهبي في "الميزان"(3 - 468 - 7197): "محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر، المخرمي، مولاهم المدني. ما له عندي ذنب إلا قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة".
قلت: وذكر الإمام المزي في "تهذيب الكمال"(16 - 78 - 5644): أن يعقوب بن شيبة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير، وذكُر ابن إسحاق فقال: إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أُتي من أنه يحدّث عن المجهولين أحاديث باطلة.
قلت: وبهذا التحقيق تصبح هذه القصة باطلة؛ حيث يُحدّث فيها ابن إسحاق عن المجهولين.
طريق آخر للقصة
هذا الطريق ذُكر فيه الرجل من الجن الذي أقبل من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب، ولم يُذكر فيه لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر.
والقصة من هذا الطريق جاءت من حديث زيد بن أرقم، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجهه فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل
فتيان قريش، من كل بطن رجل، بأسيافهم وعصيهم وهراواتهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعًا، نظر أولهم فرأى الحمامتين فرجع فقال له أصحابه: ما لك لم تنظر في الغار؟ قال: رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد. قال: فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله، فعرف أن الله قد درأ عنه بهما، ...... قالوا: وكانت لأبي بكر منيحة غنم يرعاها عامر بن فهيرة، وكان يأتيهم بها ليلاً فيحتلبون، فإذا كان سَحَر سرح مع الناس، قالت عائشة: وجهزناهما أحب الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب، وقطعت أخرى فصيرته عصامًا لفم القربة، فبذلك سميت ذات النطاقين، ومكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، واستأجر أبو بكر رجلاً من بني الديل هاديًا خريتًا يقال له: عبد الله بن أريقط، وهو على دين الكفر، ولكنهما أمناه فارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة، فأخذ بهم ابن أريقط يرتجز، فما شعرت قريش أين وجّه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حتى سمعوا صوتًا من جني من أسفل مكة ولا يرى شخصه يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه
…
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم تروَّحا
…
فأفلح من أمسى رفيق محمد
التخريج
القصة من هذا الطريق وبهذا اللفظ، أخرجها ابن سعد في "الطبقات"(1 - 110)، حيث قال: "أخبرنا مسلم بن إبراهيم، أخبرنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي، أخبرنا أبو مصعب المكي قال: أدركت زيد بن أرقم، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم
…
" فذكر القصة.
(1)
(1)
انظر: تخريجه في السلسلة الضعيفة للألباني (3/ 259) حديث (1128). وقال الدكتور العمري في السيرة النبوية الصحيحة (1/ 208): (وقد ورد حديث ضعيف جداً يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بات في غار ثور أمر الله شجرةً، فنبتت في وجه الغار، وأمر حمامتين وحشيتين، فوقعتا بفم الغار. وأن ذلك سبب صدود المشركين عن الغار. ومثل هذه الأساطير تسربت إلى مصادر كثيرة في الحديث والسيرة).
التحقيق
القصة من هذا الطريق ليست صحيحة، وسندها لا يصلح للمتابعات والشواهد، وفي السند علتان:
الأولى: عون بن عمرو القيسي.
أورده الذهبي في "الميزان"(3 - 306 - 6535) حيث قال: "عون بن عمرو، أخو رياح بن عمرو، بصري، قال ابن معين: لا شيء، وقال البخاري: عون بن عمرو القيسي جليس لمعتمر، منكر الحديث مجهول".
قلت: 1 - من أشد صيغ الجرح عند البخاري قوله: "فلان منكر الحديث".
يظهر ذلك من قول السيوطي في "التدريب"(1 - 349): "البخاري يطلق (فيه نظر)، و (سكتوا عنه) فيمن تركوا حديثه، ويطلق (منكر الحديث) على من لا تحل الرواية عنه".
2 -
قول ابن معين: (لا شيء)، فسره الإمام ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (3 - 321) حيث قال:"معنى قول ابن معين: "لا شيء": ليس بثقة".
قلت: ولقد أورد الإمام الذهبي في "الميزان"(3 - 307) هذه القصة وبهذا الطريق وجعلها من مناكير عون بن عمرو، حيث قال: "مسلم بن إبراهيم، حدثنا عون بن عمرو، سمعت أبا مصعب المكي يقول: أدركت زيد بن أرقم وأنسًا والمغيرة بن شعبة وسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار قال: أمر الله شجرة نبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار
…
" الحديث. وأبو مصعب لا يعرف.
قلت: وهذه هي العلة الثانية.
فمتن القصة يدور حول ثلاث جمل:
الأولى: لطم أبي جهل لأسماء، وقد أثبتنا أن هذه الجملة "واهية" كما بيّنا في التحقيق آنفًا.
الثانية: عدم دراية بنت أبي بكر بمكان رسول اللَّه-صلى الله عليه وسلم، وقد أثبتنا أن هذه الجملة غير صحيحة، ومنكرة، كما هو مبيّن في التحقيق، وسنبين البديل الصحيح دراية بنت أبي بكر بمكان الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيامهم بالإمداد والتمويه والإخبار.
الثالثة: إقبال رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر من غناء العرب.
وهذه الجملة أثبتنا أنها باطلة، وأن الطريق الآخر الذي جاءت فيه باطل، لا يصلح للمتابعات والشواهد، لما فيه من متروكين ومجهولين.
قلت: وهناك روايات أخرى يذكر فيها هذا الشعر دون ذكر لجملة لطم أبي جهل لأسماء، ودون ذكر للرجل من الجن أقبل والناس يتبعونه، كما في الرواية التي أخرجها الطبراني في "الكبير"(4 - 48)(ح 3605).
وهذه أيضًا رواية (غير صحيحة)، حيث أوردها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5 - 58) وقال:"وفي إسناده جماعة لم أعرفهم"). انتهى كلامه.
فائدة: قصة مرور النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه بأم معبد في طريق الهجرة.
- قال الحافظ ابن كثير
(1)
: (وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضاً).
- قال الحافظ ابن حجر
(2)
: (أخرجها الطبراني من حديث قيس بن النعمان بسند صحيح وسياق أتم).
(1)
البداية والنهاية (3/ 190).
(2)
الإصابة (5/ 605).
- قال الألباني
(1)
: (ضعيف وقد يرتقي إلى درجة الحسن بتعدد طرقه).
- وحسنه الأرناؤوط في تخريجهما لزاد المعاد (3/ 57).
- وقال الدكتور العمري
(2)
: (وكذا لا يخلو من طريق من طرقها من العلل القادحة، وهي بمجموع طرقها لا تصلح للاحتجاج بها في موضوعات المعجزات، ولكن حديثي التابعي الكبير عبد الرحمن بن أبي ليلى، والصحابي جابر بن عبد الله هما أمثل طرق قصة أم معبد يعتضدان إلى الحسن لغيره، لكنهما لا يقويان على مناهضة حديث قيس بن النعمان من طريق الطيالسي؛ فإنه حسن لذاته، بل يرى ابن حجر أنه صحيح).
في الطريق إلى المدينة
قوله: (5 - وعن عبد الله بن بريدة أن النبي-صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل ولا يتطير، فركب بريدة في سبعين راكبًا من أهل بيته من بني سهم، فلقي النبي-صلى الله عليه وسلم، فقال له: (ممن أنت؟) قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: سلمنا، ثم قال:(مِنْ بني مَنْ؟) قال: من بني سهم. قال: (خرج سهمك).
قال في الهامش: أسد الغابة 1/ 209.
التعليق: ضعيف جداً
قال الألباني رحمه الله
(3)
: (ضعيف جداً. رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ" (ص 21 - مصورة الجامعة الإسلامية)
(4)
، وابن عبدالبر في "التمهيد"(24/ 73)، وابن عدي في "الكامل"(ق 28/ 2)، والخطابي في
(1)
تخريج المشكاة حديث رقم (5943).
(2)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 212 - 215).
(3)
السلسلة الضعيفة (11/ 772) حديث رقم (5450).
(4)
قلت: التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة طبعته دار الفاروق بتحقيق صلاح فتحي هلل، ودار الكتب العلمية بتحقيق عماد بن ربيعي عبدالحميد.
"غريب الحديث"(ق 33/ 1 - ظاهرية و 1/ 180 - 181 - جامعة أم القرى) عن الحسين بن حريث: حدثنا أوس بن عبد الله بن بريدة: حدثني الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: فذكره
…
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أوس هذا متروك؛ كما قال الدارقطني. ونحوه قول البخاري: "فيه نظر".
وله طريق أخرى، ولكنها واهية أيضاً؛ لأنها من رواية عبد العزيز بن عمران: حدثنا أفلح بن سعيد عن سليمان بن فروة، عن أبيه، عن بريدة الأسلمي به مختصراً؛ أخرجه البزار في "مسنده"(2/ 301 - 302 - كشف الأستار)، وقال:"لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا نعلم له إلا هذا الطريق"!
كذا قال! والطريق الأولى ترد عليه. وقد أعل هذه الهيثمي في "المجمع"(6/ 55) بقوله: "وعبد العزيز بن عمران الزهري متروك".
(تنبيه): كان الداعي إلى تخريج الحديث: أنني شرعت قريباً في أواسط شهر الله المحرم سنة (1404 هـ) في اختصار كتاب ابن قيم الجوزية: "تحفة المودود في أحكام المولود"، فمر بي هذا الحديث، وقد عزاه في موضع لابن أبي خيثمة، وفي آخر لأبي عمر بن عبدالبر في "الاستذكار"؛ ساكتاً عليه فيهما، فتذكرت أن شيخه ابن تيمية كان قد ذكر طرفاً منه في كتابه "الكلم الطيب" الذي كنت حققته وخرجت أحاديثه، ثم طبعته سنة (1385 هـ) في المكتب الإسلامي، ذكره مع أحاديث أخرى (ص 125 - 127) قائلاً:
"هذه الأحاديث في (الصحاح) ".
فعلقت عليه يومئذ بأنني لم أعثر عليه، وأبديت شكي في كونه في "الصحاح"! والآن تأكدت من خطأ عزوه إليها، وتبينت أن إسناد الحديث ضعيف جداً: والله تعالى هو الموفق الهادي.
واعلم أن ابن أبي خيثمة: هو الحافظ أحمد بن زهير بن حرب النسائي البغدادي صاحب "التاريخ الكبير"، فالظاهر أن ابن القيم منه نقله، ومن طريقه: أخرجه ابن عبدالبر في "الاستذكار"؛ فقد رأيته أخرجه
في "الاستيعاب" أيضاً في ترجمة بريدة بن الحصيب رضي الله عنه من رواية قاسم بن أصبغ قال:
أخبرنا أحمد بن زهير: قال: أخبرنا حسين بن حريث، عن الحسين بن واقد به، وزاد في أوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير، ولكن يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكباً
…
وهكذا أورده ابن القيم أيضاً في "مفتاح دار السعادة" - من رواية "الاستذكار" -:
"الحسين بن حريث عن الحسين بن واقد"؛ ليس بينهما (أوس بن عبد الله) المتروك! وكأنه سقط من بعض النساخ، بدليل أنه زاد فيه- أعني:"الاستذكار"- عقب الحديث: "قال أحمد بن زهير: قال لنا أبو عمار [قلت: هو الحسين بن حريث]: سمعت أوساً يحدث هذا الحديث بعد ذلك عن أخيه سهل بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن بريدة، فأعدت ثلاثاً: من حدثك؟ قال: سهل أخي".
قلت: فهذا صريح في أن ابن حريث سمع الحديث أولاً من أوس يحدث به عن ابن واقد، ثم سمعه بعد منه عن أخيه سهل بن عبد الله، وهو متروك أيضاً.
فهذا يدلنا على أمرين:
الأول: أن مدار الحديث عند ابن عبدالبر في كتابيه على أوس.
والآخر: أن أوساً كان يضطرب في إسناده: فمرة يرويه عن ابن واقد - وهو صدوق -، وأخرى عن أخيه سهل المتروك.
ويؤيد الأول: أن السيوطي أورد الزيادة التي عند ابن عبدالبر في كتابه "الجامع الصغير" من رواية الحكيم، والبغوي عن بريدة.
فقال المناوي في "شرحه" عليه:
"ورواه عنه قاسم بن أصبغ، وسكت عليه عبدالحق مصححاً له.
قال ابن القطان: وما مثله يصحح؛ فإن فيه أوس بن عبد الله بن بريدة، منكر الحديث".
وقد عرفت أن الحديث عند ابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ؛ ففيه إذن أوس بن عبد الله؛ وهو متروك
…
ثم إن مما يؤكد ضعف هذا الحديث: أن أوس بن عبد الله قد خالفه في متنه قتادة - الإمام الثقة - فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً بلفظ آخر، تراه مخرجاً في الكتاب الآخر:"الصحيحة"(762)، فليراجعه من شاء).
(1)
الدخول في المدينة
قوله: (ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم بعد الجمعة حتى دخل المدينة - ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعبر عنها بالمدينة مختصرًا - وكان يومًا مشهودًا أغر، فقد ارتجت البيوت والسكك بأصوات الحمد والتسبيح، وتغنت بنات الأنصار بغاية الفرح والسرور:
طلع البدر علينا
…
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
…
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
…
جئت بالأمر المطاع)
التعليق: ضعيف.
(1)
الموجود في السلسلة الصحيحة (2/ 400) حديث رقم (762): " كان لا يتطير من شيء و كان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها، فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه ". أخرجه أبو داود (2/ 859) وابن حبان (1430) وتمام في " الفوائد "(109/ 2) وأحمد (5/ 347 - 348) وابن عساكر (2/ 136/ 1) عن هشام، عن قتادة، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
قال الألباني رحمه الله
(1)
: (ضعيف. رواه أبو الحسن الخلعي في " الفوائد " (59/ 2) وكذا البيهقي في " دلائل النبوة "(2/ 233 - ط) عن الفضل بن الحباب قال: سمعت عبد الله
(2)
بن محمد بن عائشة يقول فذكره. وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات، لكنه معضل سقط من إسناده ثلاثة رواة أو أكثر، فإن ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد وقد أرسله.
وبذلك أعله الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء "(2/ 244). ثم قال البيهقي كما في تاريخ ابن كثير (5/ 23): " وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك ". وهذا الذي حكاه البيهقي عن العلماء جزم به ابن الجوزي في " تلبيس إبليس "(ص 251 تحقيق صاحبي الأستاذ خير الدين وانلي)، لكن رده المحقق ابن القيم فقال في " الزاد " (3/ 13): وهو وهم ظاهر لأن " ثنيات الوداع " إنما هي ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام ".
ومع هذا فلا يزال الناس يرون خلاف هذا التحقيق، على أن القصة برمتها غير ثابتة كما رأيت!
(تنبيه): أورد الغزالي هذه القصة بزيادة: " بالدف والألحان " ولا أصل لها كما أشار لذلك الحافظ العراقي بقوله: " وليس فيه ذكر للدف والألحان ". وقد اغتر بهذه الزيادة بعضهم فأورد القصة بها، مستدلاً على جواز الأناشيد النبوية المعروفة اليوم! فيقال له:" أثبت العرش ثم انقش! " على أنه لو صحت القصة لما كان فيها حجة على ما ذهبوا إليه كما سبقت الإشارة لهذا عند الحديث (579) فأغنى عن الإعادة).
(1)
السلسلة الضعيفة (2/ 63) حديث رقم (598).
(2)
قلت: عبدالله خطأ مطبعي فإن صوابه (عبيدالله) كما ذكر الألباني نفسه في حديث رقم (6510) من السلسلة الضعيفة حيث قال: (واسمه: عبيد الله بن محمد بن حفص .. القرشي التيمي، يعرف بـ (العيشي) وبـ (العائشي) وبـ (ابن عائشة)، لأنه ولد عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وهو راوي قصة "طلع البدر علينا
…
"، ومضت (2/ 63).
قال الألباني رحمه الله
(1)
: (فلما قدم المدينة، جاءت الأنصار برجالها ونسائها، فقالوا: إلينا يا رسول الله! فقال: دعوا الناقة؛ فإنها مأمورة، فبركت على باب أبي أيوب، قال: فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدفوف وهن يقلن:
نحن جوار من بني النجار
…
يا حبذا محمد من جار
فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتحبوني؟ فقالوا: إي والله يا رسول الله قال: وأنا والله أحبكم، وأنا والله أحبكم، وأنا والله أحبكم)
منكر بهذا التمام. أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 508) من طريق أبي عبد الله الحاكم بسنده عن محمد بن سليمان بن إسماعيل بن أبي الورد قال: حدثنا إبراهيم بن صِرمة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال:
…
فذكره.
قلت: وهذا إسناد واهٍ، آفته إبراهيم بن صِرمة - وهو: الأنصاري -، قال ابن عدي في "الكامل" (1/ 252 - 253):"حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري بنسخ لا يحدّث بها غيره، ولا يتابعه على حديث منها". ثم قال: "وعامة أحاديثه، إما أن تكون مناكير المتن، أو تنقلب عليه الأسانيد، وبيّن على أحاديثه ضَعفُه".
وفي "اللسان": "وقال ابن معين: كذاب خبيث" والرواي عنه محمد بن سليمان بن إسماعيل بن أبي الورد، لم أجد له ترجمة. وفي "الجرح والتعديل" (3/ 269) ما نصه:
"محمد بن سليمان الأنصاري، روى عن
…
(كذا الأصل، يشير إلى أنه لا يُقرأ) سمعت أبي يقول: وهو مجهول". فيحتمل أن يكون هو هذا. والله أعلم.
ولقصة الجواري، والضرب بالدف شاهد من حديث أنس، ولكن
(1)
السلسلة الضعيفة (14/ 19) حديث رقم (6508).
ليس فيه أن ذلك كان عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، بل في رواية أن ذلك كان في عرس، -وهو الراجح- كما تقدم بيانه في تخريج حديث أنس برقم (3154)، من المجلد السابع من "الصحيحة"-. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما ما ذكره الغزالي في "الإحياء"(2/ 277) من إنشاد النساء على السطوح بالدف والألحان، عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع * * * وجب الشكر علينا مادعا لله داع
فهو مما لا أصل له، وإنما رواه البيهقي وغيره من طريق ابن عائشة، قال
…
فذكره مختصراً، دون ذكر السطوح والدف والألحان، ثم هو تضعيف معضل - كما تقدم بيانه في المجلد الثاني برقم (598) -، وأزيد هنا فأقول: قال الحافظ في "الفتح"(4/ 262): "وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك".
وإن مما يؤكد نكارة ذكر الدفوف في قصة استقباله صلى الله عليه وسلم قول البراء بن عازب رضي الله عنه: ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جعل الإماء يقُلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (3925) وغيره، وهو مخرج في "تخريج فقه السيرة" (ص 169 - دار القلم). ومثله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُون: جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا ثُمَّ يَقُولُونَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا قَالَ: حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكُنَّا فِي بَعْضِ حِرَارِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ بَعَثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خَمْسِ مئة مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ:
أَيُّهُمْ هُوَ؟ أَيُّهُمْ هُوَ؟ قَالَ: فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا مُشْبِهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا وَيَوْمَ قُبِضَ فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ شبيهاً بِهِمَا.
أخرجه البخاري في "التاريخ الصغير"(ص 6 - هندية)، والبيهقي في "الدلائل"(2/ 507)، وأحمد (3/ 222) من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس. وأخرجه أحمد (3/ 122) من طريق آخر عن ثابت مختصراً.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 251) رضى به -كما في قاعدته -.
وتابعه عبد العزيز بن صهيب عن أنس به نحوه مطولاً. أخرجه البخاري (3911)، وأحمد (3/ 211).
والمقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة تؤكد نكارة ذكر الدفوف والغناء في حديث الترجمة ونحوه.
ويمكن أن يقال مثل ذلك في قصة الناقة، وبخاصة في بروكها على باب أبي أيوب، فإن المعروف في كتب السيرة، أنها بركت حين أتت دار بني مالك بن النجار على باب مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار، هكذا ساقه ابن هشام في "السيرة"(2/ 112 - 113) عن ابن اسحاق معضلاً بدون إسناد مطولاً، وفيها تكرار جملة:
"خلوا سبيلها، فإنها مأمورة" كلما مر صلى الله عليه وسلم بدارٍ من دور الأنصار، وقالوا له: أقم عندنا في العدد والعُدّة والمنعة. ومن رواية ابن إسحاق هذه ساقها بطولها ابن كثير في "البداية"(3/ 198 - 199) ولم يسندها.
(تنبيه): عزا الحافظ في "الفتح" حديث الترجمة في موضعين منه (7/ 245، 261) إلى الحاكم، وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير، ولكنه قرنه بتحفظ غريب غير معتاد، فقال بعدما ساقه من رواية البيهقي بإسناده (3/ 200):
"هذا حديث غريب من هذا الوجه، لم يروه أحد من أصحاب "السنن" وقد أخرجه الحاكم - كما يروى -"!
فقوله: "كما يروى" لعله يعني رواية البيهقي عنه، وحينئذ فلا فائدة تذكر منه. وعلى كل حال، فهذا القول-أو القيد- منه خير من إطلاق الحافظ عزوه للحاكم، لأنه يوهم أنه في "مستدركه" وليس فيه، ثم إنه سكت عنه، فأوهم حسنه على الأقل عنده، وليس كذلك -كما تقدم-. ولقد كان هذا من الدواعي على إخراجه، والكشف عن علته، واقترن مع ذلك الاستطراد لذكر أحاديث صحيحة تدل على نكارته. والله ولي التوفيق).
(1)
سكان المدينة وأحوالهم عند الهجرة
قوله: (وكان أصحابه (عبدالله بن أبي بن سلول) - من الرؤساء الذين حرموا المناصب المرجوة في ملكه- يساهمونه ويدعمونه في تنفيذ خططه، وربما كانوا يتخذون بعض الأحداث، وضعاف العقول من المسلمين عملاء لهم؛ لتنفيذ خططهم.) ص (211)
التعديل: قال: (وكان أصحابه- من الرؤساء الذين حرموا المناصب المرجوة في ملكه -يساهمونه ويدعمونه في تنفيذ خططه، وربما كانوا يتخذون بعض الشباب وسذجة المسلمين عميلًا لتنفيذ خطتهم من حيث لا يشعر.) ص (197)
قلت: لم يوفق المؤلف- رحمه الله في التعبير عن وصف الصحابة رضي الله عنهم في الطبعتين: القديمة (بعض الأحداث، وضعاف العقول من المسلمين)، وكذلك في الجديدة (بعض الشباب وسذجة المسلمين)، ومن الأدب مع الصحابة رضي الله عنهم ألا نصفهم بأوصاف لا تليق بهم، وهذا من أعظم حقوقهم علينا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) ".
(2)
(1)
انظر: تحذير الداعية من القصص الواهية لعلي حشيش ص (192 - 199).
(2)
رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا، حديث (3470)، ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، حديث (2540).
سكان المدينة وأحوالهم عند الهجرة
قوله: (ويظهر ذلك جليًا بما رواه ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قال ابن إسحاق: حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت: كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي؛ حيى بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب مُغَلِّسِين، قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت: فأتيا كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهُوَيْنَى. قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما التفت إلي واحد منهما، مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت). قال في الهامش: ابن هشام 1/ 518، 519
التعليق: منقطع
رواه ابن إسحاق في السيرة (3/ 52) ومن طريقه رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 533) قال: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ أَنَّهَا قَالَتْ: فذكره. والحديث بهذا الإسناد منقطع؛ لأن عبد الله بن أبي بكر بن حزم روى عن مجهول وهو الواسطة بينه وبين صفية، حيث قال: حدثني محدث. قال الحافظ العراقي
(1)
: (وهو منقطع).
قال أبو عمر محمد بن حمد الصوياني
(2)
: (وقد ورد اسم هذا الشيخ عند أبي نعيم، وهو جد عبد الله بن أبي بكر
…
واسمه محمَّد بن عمرو بن
(1)
تخريج أحاديث الإحياء (4/ 1843).
(2)
الصَّحيِحُ من أحاديث السّيرة النبوية ص (170)، ط. مدار الوطن، 1432 هـ.
حزم قال الحافظ في (التقريب 2/ 195): له رؤية وليس له سماع إلا من الصحابة، وحفيده تابعي صغير وثقة من رجال الشيخين (1/ 405 التقريب)، وله شاهد عن الزهري عند البيهقي (2/ 532)؛ لذا يرى أن الحديث سنده قوي).
وقال الدكتور/ إبراهيم بن محمد المدخلي
(1)
: (فالآيات والواقع الملموس من هذه الطائفة تؤيده وقد دل كتاب الله على معنى هذا الحديث في أكثر من آية منها علي سبيل المثال قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: 187/ 188)
قال الحافظ ابن كثير
(2)
: (هَذَا تَوْبِيخٌ مِنَ اللَّهِ وَتَهْدِيدٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، الَّذِينَ أخَذ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْ يُنَوِّهُوا بِذِكْرِهِ فِي النَّاسِ لِيَكُونُوا عَلَى أهْبَة مِنْ أَمْرِهِ، فَإِذَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ تابعوه، فَكَتَمُوا ذَلِكَ وَتَعَوَّضُوا عَمَّا وَعَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِالدُّونِ الطَّفِيفِ، وَالْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ السَّخِيفِ، فَبِئْسَتِ الصَّفْقَةُ صَفْقَتُهُمْ، وَبِئْسَتِ الْبَيْعَةُ بَيْعَتُهُمْ).
أثر المعنويات في المجتمع
قوله: (ويقول: (أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عُري كساه الله من خُضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم).
(1)
مرويات غزوة الخندق ص (89/ 90) للدكتور إبراهيم بن محمد المدخلي.
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 181)، ط. دار طيبة.
قال في الهامش: سنن أبي داود، مشكاة المصابيح 1/ 169، وجامع الترمذي 4/ 546 ح (2449).
التعليق: إسناده ضعيف.
قال العلامة الألباني-رحمه الله
(1)
: (إسناده ضعيف؛ أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيراً ويدلس. واستغربه الترمذي من طريق أخرى).
إسناده: حدثنا علي بن الحسين [بن إبراهيم بن إشْكاب]
(2)
: ثنا أبو بدر: ثنا
أبو خالد- الذي
…
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وعلته أبو خالد هذا- واسمه: يزيد بن عبد الرحمن
الدّالاني-، وهو مختلف فيه، والراجح ما قاله الحافظ؛ وهو الذي ذكرته آنفاً.
ولكونه مدلساً لا يتقوى برواية عطية العوفي عن أبي سعيد
…
به.
أخرجه أحمد (3/ 13 - 14)، والترمذي (2451) وقال:" حديث غريب، وقد روي عن عطية عن أبي سعيد موقوفاً؛ وهو أصح ".
قلت: والعوفي أيضاً ضعيف ومدلس، وأبو بدر: هو شجاع بن الوليد السكوني الكوفي).
وضعفه الألباني أيضاً في السلسلة الضعيفة حديث رقم (4554)، وضعيف الترغيب حديث رقم (1279).
معاهدة مع اليهود
قوله: (بنود المعاهدة
1 -
إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بني عوف من اليهود.
(1)
ضعيف أبي داود- الأم (2/ 135) حديث رقم (300).
(2)
زيادة من نسخة الدعاس وغيرها.
2 -
وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم.
3 -
وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
4 -
وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.
5 -
وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه.
6 -
وإن النصر للمظلوم.
7 -
وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
8 -
وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
9 -
وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10 -
وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
11 -
وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب
…
على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
12 -
وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم).
التعليق: ليس لها إسناد
قال الألباني
(1)
: (روى هذه الوثيقة ابن إسحاق (2/ 16 - 18) بدون إسناد).
وقال العمري
(2)
: (المعاهدة مع يهود المدينة تصلح للدراسة التأريخية، لكنها لا تصلح دليلاً شرعياً لعدم ثبوتها حديثياً.
فليس كل ما في الوثيقة على درجة واحدة من الصحة، لأن بعضها ورد بشكل أحاديث متفرقة في المصادر الحديثية مثل البخاري ومسلم، وبعضها أوردته كتب السيرة والتأريخ دون أسانيد أو بأسانيد معلولة).
(1)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (185).
(2)
مرويات السيرة النبوية بين قواعد المحدثين وروايات الإخباريين للعمري ص (64)، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة.
وقال أيضاً
(1)
: (الحكم بوضع الوثيقة مجازفة، ولكن الوثيقة لا ترقى بمجموعها إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة، فابن إسحق في سيرته رواها دون إسناد مما يجعل روايته ضعيفة وأوردها البيهقي من طريق ابن إسحق أيضاً بإسناد فيه سعد بن المنذر -وهو مقبول فقط-، وابن أبي خيثمة أوردها من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو المزني - وهو يروي الموضوعات - وأبو عبيد القاسم بن سلام رواها بإسناد منقطع يقف عند الزهري - وهو من صغار التابعين فلا يحتج بمراسيله -.
ولكن نصوصاً من الوثيقة وردت في كتب الأحاديث بأسانيد متصلة، وبعضها أوردها البخاري ومسلم، فهذه النصوص هي أحاديث صحيحة، وقد احتج بها الفقهاء وبنوا عليها أحكامهم. كما أن بعضها ورد في مسند أحمد وسنن أبي داوود وابن ماجة والترمذي.
وهذه النصوص جاءت من طرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة، وإذا كانت الوثيقة بمجموعها لا تصلح للاحتجاج بها في أحكام الشريعة سوى ما ورد منها في كتب الحديث الصحيحة - فإنها تصلح أساساً للدراسة التاريخية التي لا تتطلب درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية خاصة أن الوثيقة وردت من طرق عديدة تتضافر في إكسابها القوة، كما أن الزهري علم كبير من الرواد الأوائل في كتابة السيرة النبوية. ثم إن أهم كتب السيرة ومصادر التاريخ ذكرت موادعة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود وكتابته بينه وبينهم كتاباً
(2)
. كما ذكرت كتابته كتاباً بين المهاجرين والأنصار أيضاً.
كذلك فإن أسلوب الوثيقة ينم عن أصالتها "فنصوصها مكونة من
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 275 - 276).
(2)
البلاذري: أنساب الأشراف (1 - 286، 308)، والطبري: تاريخ (2 - 479)، والمقدسي: كتاب البدء والتاريخ (4 - 179)، وابن حزم: جوامع السيرة ص (95)، والمقريزي: إمتاع الأسماع (1 - 49)، وابن كثير: البداية والنهاية (4/ 103 - 104) نقلاً عن موسى بن عقبة، وفيه أن بني قريظة مزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد، والأثر موقوف عليه بدون إسناد، ولكن مجموع الآثار تتقوى ببعضها وتصل إلى درجة الحسن لغيره.
جمل قصيرة بسيطة وغير معقدة التركيب، ويكثر فيها التكرار، وتستعمل كلمات وتعابير كانت مألوفة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قل استعمالها فيما بعد حتى أصبحت مغلقة على غير المتعمقين في دراسة تلك الفترة. وليس في هذه الوثيقة نصوص تمدح أو تقدح فرداً أو جماعة، أو تخص أحداً بالإطراء أو الذم لذلك يمكن القول بأنها وثيقة أصلية وغير مزورة"
(1)
. ثم إن التشابه الكبير بين أسلوب الوثيقة وأساليب كتب النبي صلى الله عليه وسلم الأخرى يعطيها توثيقاً آخر
(2)
.
انظر وجهة نظر أخرى ترى عدم صحة المعاهدة مع اليهود:
- كتاب ما شاع ولم يثبت للعوشن ص (91 - 99).
- بيان الحقيقة في الحكم على الوثيقة، ضيدان اليامي، مكتبة المعارف الرياض، ط الأولى، 1408 هـ.
مبلغ قوة الجيش الإسلامي وتوزيع القيادات
قوله: (وكان معهم سبعون بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيراً واحداً).
التعليق: أخطأ المؤلف في اسم الصحابي.
الصحابي الذي كان يتعاقب على بعير واحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه هو أبو لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه وليس مرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه-كما ذكر المؤلف-رحمه الله ويتضح ذلك بمراجعة ما ورد في أصول كتب السنة مثل:
مسند أحمد حديث (3901)، وصحيح ابن حبان حديث (4733)،
(1)
صالح العلي: تنظيمات الرسول الإدارية في المدينة ص (4 - 5).
(2)
يراجع للمقارنة كتاب "مجموعة الوثائق السياسية".
وأخرجه الحاكم (3/ 23) حديث (4299)، والبيهقي (5/ 285) من طريق أبي الوليد الطيالسي، بهذا الإسناد. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: كنا يومَ بدرٍ ثلاثةً على بعيرٍ كان أبو لبابةَ، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ زميلَي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: وكانت عقبةُ
(1)
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: فقالا: نحن نمْشي عنكَ. فقال: "ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجرِ منْكما ". وحسنه الألباني
(2)
، وشعيب الأرناؤوط
(3)
.
مشكلة قبائل بني بكر
قوله: (ولما أجمع هذا الجيش على المسير ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة والحرب، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف، فيكونوا بين نارين، فكاد ذلك يثنيهم، ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجي- سيد بني كنانة - فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه.
إبليس ينسحب عن ميدان القتال
ولما رأى إبليس -وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت- فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام -وهو يظنه سراقة- فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربًا، وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا،
(1)
أي: نوبته في المشي، كانوا يتعاقبون البعير: يركبون واحداً بعد واحد.
(2)
السلسلة الصحيحة حديث (2257)، وتخريج فقه السيرة ص (219).
(3)
تحقيق المسند (7/ 17) وقال: (إسناده حسن، عاصم -وهو ابن أبي النجود- روى له الشيخان مقروناً وهو صدوق، وباقي رجاله ثقات رجال مسلم).
لا تفارقنا؟ فقال: {إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر).
التعليق:
(اشتهر في كتب التفسير والسيرة أن الشيطان كان حاضراً معركة "بدر"، وأنه تشكَّل على صورة "سراقة بن مالك"، ويُذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(الأنفال/ 48).
ولكن ذلك لم يثبت بإسنادٍ صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي إسناده نظر؛ فهو من رواية علي بن أبي طلحة عنه.
روى الطبري في تفسيره (13/ 7) قال: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ إِبْلِيسُ يَوْمَ بَدْرٍ فِي جُنْدٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَعَهُ رَأَيْتُهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ لِلْمُشْرِكِينَ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ، فَلَمَّا اصْطَفَّ النَّاسُ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. وَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ إِلَى إِبْلِيسَ، فَلَمَّا رَآهُ، وَكَانَتْ يَدُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، انْتَزَعَ إِبْلِيسُ يَدَهُ، فَوَلَّى مُدْبِرًا هُوَ وَشِيعَتُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا سُرَاقَةُ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَنَا جَارٌ؟ قَالَ: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وَذَلِكَ حِينَ رَأَى الْمَلَائِكَةَ.
وقد روى الطبراني في "المعجم الكبير"(5/ 47) عن رفاعة بن رافع الأنصاري نحو رواية ابن عباس، وإسناده ضعيف؛ فيه "عبد العزيز بن عمران"، وهو ضعيف، وقد ضعفه الهيثمي بسببه في "مجمع الزوائد"(6/ 82).
ولعله مما يقوِّي معنى ما في الأثرين: حديثٌ مرسل، رواه مالك في "الموطأ" (944) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا رُئِيَ إِبْلِيسُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَذَلِكَ مِمَّا يَرَى مِنْ تَنْزِيلِ الرَّحْمَةِ وَالْعَفْوِ عَنِ الذُّنُوبِ، إِلاَّ مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ.
(1)
وقوله: (يزع الملائكة) أي: يرتبهم، ويسويهم، ويصفهم للحرب.
فهذه القصة -لتعدد طرق ورودها- يحتمل أن تكون صحيحة مقبولة).
(2)
الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بعملية الاستكشاف
قوله: (وهناك قام صلى الله عليه وسلم بنفسه بعملية الاستكشاف مع رفيقه في الغار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبينما هما يتجولان حول معسكر مكة إذا هما بشيخ من العرب، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريش وعن محمد وأصحابه -سأل عن الجيشين زيادة في التكتم - ولكن الشيخ قال: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أخبرتنا أخبرناك)، قال: أو ذاك بذاك؟ قال: (نعم).
قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به جيش المدينة. وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به جيش مكة.
ولما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب حديث (739).
(2)
موقع الإسلام سؤال وجواب بتصرف يسير: http:// islamqa.info/ ar/ 142577
(نحن من ماء)، ثم انصرف عنه، وبقي الشيخ يتفوه: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟).
التعليق: القصة فيها انقطاع.
القصة فيها انقطاع؛ لأن الراوي لها هو محمد بن يحيى بن حَبان، وقد توفي (121) هـ وهو ابن أربع وسبعين سنة، فبين مولده والقصة قرابة خمس وأربعين سنة.
(1)
(القصة المذكورة أخرجها ابن إسحاق، كما في "سيرة ابن هشام" (2/ 194 - 195): حدثني محمد بن يحيى بن حَبان به، وهي معضلة، وعنه ابن كثير في "البداية والنهاية"(3/ 263)، وابن الجوزي في الأذكياء (140 - 141)، وذكرها ابن القيم في "الطرق الحكمية"(ص 41)).
(2)
الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي
قوله: (
…
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: (هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها).
التعليق: إسناد صحيح لكنه مرسل.
قال العلامة الألباني
(3)
: (أخرجه ابن هشام (2/ 65) عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير بهذه القصة. وهذا إسناد صحيح لكنه مرسل. وقد رواه أحمد رقم (948) من حديث علي بن أبي طالب دون قوله: (ثم قال لهما
…
) وسنده صحيح، ورواه مسلم (5/ 170) مختصراً من حديث أنس).
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (105).
(2)
تحقيق الموافقات للشاطبي، المحقق: مشهور بن حسن آل سلمان-حفظه الله- (4/ 442)، ط. دار ابن عفان.
(3)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (222).
-عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَصَبْنَا مِنْ ثِمَارِهَا، فَاجْتَوَيْنَاهَا وَأَصَابَنَا بِهَا وَعْكٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَبَّرُ عَنْ بَدْرٍ، فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَقْبَلُوا، سَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَدْرٍ، وَبَدْرٌ بِئْرٌ، فَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا، فَوَجَدْنَا فِيهَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَمَّا الْقُرَشِيُّ فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُقْبَةَ فَأَخَذْنَاهُ، فَجَعَلْنَا نَقُولُ لَهُ: كَمِ الْقَوْمُ؟ فَيَقُولُ: هُمْ وَاللهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ. فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، حَتَّى انْتَهَوْا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ:" كَمِ الْقَوْمُ؟ " قَالَ: هُمْ وَاللهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ فَجَهَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخْبِرَهُ كَمْ هُمْ، فَأَبَى ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ:" كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجُزُرِ؟ " فَقَالَ: عَشْرًا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" الْقَوْمُ أَلْفٌ، كُلُّ جَزُورٍ لِمِائَةٍ وَتَبِعَهَا ". رواه أحمد حديث (948) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
-عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فندَب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ فانطلقوا، حتى نزلوا بدراً، وورَدتْ عليهم رَوَايا قريش، وفيهم غلام أسودُ لبني الحجَّاجِ، فأخذوه، فكان أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان، وأصحابه؟ فيقول: مالي علم بأبي سفيان، ولكنْ هذا أبو جهل، وعُتبةُ، وشَيْبَةُ، وأُميَّةُ بنُ خَلف في الناس، فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم أنا أُخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه قال: ما لي بأبي سفيان عِلْم، ولكنْ هذا أبو جهل، وعتبةُ، وشيبةُ، وأُمَيَّةُ بنُ خلف في الناس، فإِذا قال هذا أيضاً ضربوه، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائم يُصلِّي، فلما رأى ذلك انصرف، وقال: والذي نفسي بيده، لَتَضْرِبونه إذا صَدَقَكم، وتتركونَهُ إذا كذبكم، قال: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: هذا مَصْرَعُ فلان -ويضع يده على الأَرض هاهنا، وهاهنا - قال: فما مَاطَ أحدُهم عن موضع يدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم (1779)، وأخرجه أبو داود (2681).
* * * *
الجيش الإسلامي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية
قوله: (وتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر كخبير عسكري وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة).
قال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم - قريش -فننزله ونغوّر-أي نُخَرِّب- ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لقد أشرت بالرأي).
التعليق: ضعيف على شهرته في كتب المغازي.
وقال الحافظ ابن حجر
(1)
: (
…
وروى ابن شاهين بإسناد ضعيف من طريق أبي الطفيل قال: أخبرني الحباب بن المنذر قال: - فذكر القصة -).
قال العلامة الألباني
(2)
: (رواه ابن هشام (2/ 66) عن ابن إسحاق قال: (فحدثت عن رجال من بني سلمة؛ أنهم ذكروا أن الحباب
…
)، وهذا سند ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة. وقد وصله الحاكم (3/ 126 - 127) من حديث الحباب، وفي سنده من لم أعرفه. وقال الذهبي في تلخيصه:(قلت: حديث منكر وسنده) كذا بالأصل، ولعله سقط منه (واه) أو نحوه، ورواه الأموي من حديث ابن عباس كما في البداية (3/ 267)، وفيه الكلبي وهو كذاب). وقال الألباني أيضاً:(ضعيف على شهرته في كتب المغازي).
(3)
(1)
الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 10) ط. دار الجيل.
(2)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (224).
(3)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (3448).
الهجوم المضاد
قوله: (وكذلك سأله عوف بن الحارث وهو ابنُ عفراءَ قال: يا رسولَ اللهِ، ما يُضحِكُ الربَّ من عبدِهِ؟ قال: غَمْسُهُ يدَهُ في العدوِّ حاسرًا، فنزعَ درعًا كانت عليه فقَذَفَهَا، ثم أخذَ سيفَهُ فقاتلَ حتى قُتِلَ).
التعليق: منكر
قال العلامة الألباني رحمه الله
(1)
: (أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " (2/ 268): حدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن عوف بن الحارث - وهو: ابن عفراء - قال: يا رسول الله! ما يضحك .. إلخ، فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل، رحمه الله.
ورواه ابن أبي شيبة في " المصنف "(5/ 338): حدثنا يزيد بن هارون: أنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: قال معاذ بن عفراء ..
كذا قال (معاذ بن عفراء)، وهو خطأ، والظاهر أنه سقط منه:" الحارث، وهو أخو .. ".
وأخرجه أبو نعيم في " المعرفة "(2/ 129/ 1) من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق به معنعناً مثل رواية " السيرة ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، وفيه علتان، إحداهما ظاهرة: وهي الإرسال؛ فإن (عاصم بن عمر) تابعي لم يدرك القصة، فالله أعلم بمن أخبره بها.
والأخرى ظاهرة أيضاً: في رواية (يزيد بن هارون) و (إبراهيم بن سعد)، وهي عنعنة ابن إسحاق؛ فقد كان مدلساً معروفاً بذلك، إلا أنه قد صرح بالتحديث في رواية "السيرة "، لكنها من رواية (زياد بن عبد الله
(1)
السلسلة الضعيفة (14/ 340) حديث (6643).
البكائي) عنه، وهو مختلف فيه، وثبته بعضهم في روايته عن ابن إسحاق في (المغازي)، وهذه منها، فهو حجة فيها لولا المخالفة للثقتين المذكورين، فإن سلمت من التدليس؛ فما هي بسالمة من الإرسال. والله أعلم.
وإذا ثبت ضعف إسناد الحديث، فقد جاء دور بيان نكارة متنه، فإن قوله:
" حاسراً " يعني: ليس على بدنه درع ولا مغفر - كما في " النهاية "-، فمن المستبعد جداً أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان عليه درع أن ينزعها؛ وأن يقاتل العدو حاسراً، فإن هذا ينافي كل المنافاة مبدأ الأخذ بأسباب الوقاية الممكنة، والإعداد المأمور به في الآية الكريمة:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (الأنفال: 60)، كما ينافي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العملية في الجهاد، وقتاله للأعداء، مع كونه أشد الناس شجاعة وتوكلاً على الله، فقد صح عنه أنه كان يضع البيضة (الخوذة) على رأسه. (البخاري: 2902) وأنه هشمت على رأسه يوم أحد. (البخاري: 2911)، كما صح (فيه: 2901) أنه تترس بالترس، وأنه تدرع بالدرع يوم أحد. (2915) بل ثبت في " السنن" أنه تظاهر فيه بين درعين. (صحيح أبي داود: 2332)، ودخل مكة يوم الفتح وعليه مغفر. متفق عليه (مختصر الشمائل: رقم 91).
وليس هذا فقط؛ بل صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه استعار من صفوان بن أمية مئة درع وما يصلحها من عدتها. (الإرواء: 5/ 345). وهذا من اهتمامه بالأخذ بالأسباب، والمحافظة على حياة المجاهدين معه صلى الله عليه وسلم.
فليس من المعقول -إذن- أن يصدر منه صلى الله عليه وسلم الحض على مخالفة هديه صلى الله عليه وسلم، وهو القائل:"وخير الهدي هدي محمد ". رواه مسلم.
فثبت بما تقدم أن متن الحديث منكر، وهو ظاهر جداً.
وفي القصة نكارة أخرى، وهي قذف عوف رضي الله عنه للدرع؛ فإنه يدخل في باب إضاعة المال المنهي عنه في حديث المغيرة رضي الله عنه في " الصحيحين " وغيرهما، وما كان للنبي- صلى الله عليه وسلم، ولا أن يقر ذلك؛ بله أن يحض على ما ينتج، أو يكون سبباً لذلك.
نعم؛ يمكن أن يقع نحوه من بعض المجاهدين باجتهاد منه مأجور أجراً واحداً، أو لغلبة حب الاستشهاد في سبيل الله، والنكاية في أعداء الله؛ كما جاء في قصة استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة (مؤتة)، حين اقتحم عن فرسه وعقرها، ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه. (صحيح أبي داود: 2318)، فهذا مغتفر منه؛ لأنه كان عن اجتهاد منه؛ كما قال الحافظ في " الفتح "(6/ 97)، واستدل على ذلك بقوله:"والأصل عدم جواز إتلاف المال؛ لأنه يفعل شيئاً محققاً في أمر غير محقق ".
قلت: وهذا هو العلم والفقه الصحيح، وقد أشار إلى ذلك الإمام البخاري بقوله في " صحيحه ": باب: من لم ير كسر السلاح عند الموت". وإن مما لا شك فيه أن القذف المذكور في القصة يدخل في هذا الباب وفي الأصل المتقدم عن الحافظ؛ كما هو جلي ظاهر.
هذا؛ ولقد كان من البواعث على تخريج هذا الحديث أنني قرأت في " جريدة السبيل "(العدد 121 - السنة الثالثة) مقالاً كتبه دكتور في الجامعة، ساق هذا الحديث مستدلاً به على بعضِ المسائل، قائلاً:
"وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدخول في مواجهة العدو للقتل من أرفع أنواع الجهاد عندما قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله قائلاً: ما الذي يضحك الرب من عبده؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أن يغمس يده في العدو حاسراً حافراً (كذا). أي: أن يتوجه إلى العدو من غير درع يقيه السهام والرماح ".
قلت: لما قرأت هذا الحديث استغربته؛ لعدم وروده في دواوين السنة المشهورة، ولأن ظاهره مخالف للأدلة القاضية بوجوب الأخذ بوسائل القوة في الجهاد - كما تقدم -، ولكني لما كنت أرى أن هذا لا يكفي في رد الحديث وتضعيفه؛ لاحتمال أن يكون ثابتاً في بعض كتب الحديث، وأن يكون له وجه من المعنى غير ظاهر لنا، كما أنه لا يكفي أن يحكم على الحديث بالصحة لمجرد صحة معناه؛ بل لابد في كل من الحالتين من الرجوع إلى علم الحديث وقواعده، والبحث عن إسناده؛
خلافاً لبعض الكتاب المعاصرين العقلانيين الذين يصححون ويضعفون بعقولهم وأهوائهم؛ كما فعلوا بحديث البخاري:
" ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ [والخمر] والحرير والمعازف .. " الحديث، وبغيره.
ومنذ أيام قريبة قيض لي أن أرى في التلفاز والمذيع يعلن عن وفاة شيخ مصري مشهور، صورة ذاك الشيخ وهو يلقي كلمة في بعض المؤتمرات؛ يقول فيها: وقد صح - أو قال: ثبت - عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحِبُّوا الله لما يغذوكم من نعمه
…
". ثم رأيته بكى واضطرب، فقطع البث.
وكان هو قد بيَّن وجهة نظره في تصحيح الحديث في مقدمة كتاب له في " السيرة ": أنه يكفي عنده أن يكون معناه " متفقاً مع آية من كتاب الله، أو أثر من سنة صحيحة "! وقد كنت رددت عليه في بعض لقاءاتي معه: أن هذا لا يكفي عند أهل العلم في تصحيح المتن، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، خشية الوقوع في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم:" من قال عليَّ ما لم أقل؛ فليتبوأ مقعده من النار ".
ورجوت منه أن يعيد النظر في موقفه هذا، فوعد خيراً، ولكنه لم يفعل؛ بل إنه استمر على ما عاش عليه. غفر الله له!
من أجل ذلك بادرت إلى البحث عن الحديث، والنظر في سنده؛ لنكون على بينة من أمره، فكان ما رأيت من الضعف في سنده، والنكارة في متنه، ومخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ويرى القراء أن الدكتور الفاضل لم يذكر جملة: " فنزع درعاً كانت عليه فقذفها "، فلا أدري أسقطت من قلمه أو حافظته، أو أنه لاحظ ما تقدم بيانه من النكارة؛ فلم يستجز روايتها، وفي جريدة سيّارةٍ.
وعلى كل حال؛ فهنا سؤال يطرح نفسه - كما يقول بعضهم اليوم -: هل يجوز رواية مثل هذا الحديث المنكر سنداً ومتناً، ونشره على الناس
دون أي تنبيه على ضعفه، وعزوه لمصدر من كتب السنة التي تروي الأحاديث بأسانيدها ليتيسر لطالب العلم الرجوع إليها إذا أراد التثبت منها؛ لاسيما وفي آخره لفظ:"حافراً "، وليس له ذكر في شيء من المصادر الثلاثة المتقدمة، ولا فهمت له معنى مناسباً هنا.
وأقول الآن: لعل أصل الحديث ما رواه الإمام أحمد في " مسنده "(5/ 287) بإسناد صحيح عن نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " الَّذِينَ إِنْ يُلْقَوْا فِي الصَّفِّ لَا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ فِي الْغُرَفِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ ". وقد سبق تخريجه في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " برقم (2558) من المجلد السادس، وهو تحت الطبع، وهو وشيك الصدور إن شاء الله تعالى
(1)
.
قلت: فهذا يغني عن حديث الترجمة الضعيف، ويقوم مقامه في الاستدلال لمواجهة الأعداء للقتل بنية الجهاد في سبيل الله، والنكاية بهم؛ دون أن يكون فيه نكارة ما.
ونحوه قصة عمير بن الحُمام الأنصاري في غزوة بدر من حديث أنس بن مالك قال:
…
فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ". قال عمير: يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؛ قال: بخٍ بخٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يحملك على قولك: بخٍ بخٍ؟ ".
قال: لا والله يا رسول الله! إلا رجاء أن أكون من أهلها. فأخرج تمرات من قَرنه، فجعل جمل منهن، ثم قال: لئن أنا حَيِيتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة! قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل رضي الله عنه. أخرجه مسلم (6/ 44).
(1)
صدر في حياة الشيخ رحمه الله وبإشرافه، والسابع منها - وهو الأخير - طبع بعد وفاته بأقسامه الثلاثة. (الناشر: دار المعارف بالرياض).
فهذا ليس انتحاراً يأساً من الحياة، وإنما هو استشهاد في سبيل الله، وشوقاً إلى لقائه في جنة عرضها السماوات والأرض).
مصرع أبي جهل
قوله: (ولما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ينظر ما صنع أبو جهل؟) فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أأعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل قتلتموه؟ وقال: فلو غير أكَّار قتلني، ثم قال: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ورسوله، ثم قال لابن مسعود - وكان قد وضع رجله على عنقه-: لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رُوَيْعِي الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة.
وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال:(الله الذي لا إله إلا هو؟) فرددها ثلاثًا، ثم قال:(الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه)، فانطلقنا فأريته إياه، فقال:(هذا فرعون هذه الأمة).
التعليق: سنده منقطع.
قال الألباني
(1)
: (رواه بنحوه ابن هشام (2/ 72) عن ابن إسحاق بدون إسناد، وبعضه في المسند (رقم 4246)، والبيهقي (9/ 62) عن ابن مسعود بسند منقطع، وقصة قتل ابن مسعود لأبي جهل صحيحة رواها: البخاري (7/ 235)، ومسلم (5/ 183 - 184)، وأحمد من حديث أنس (3/ 236، 129، 115)).
(1)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (230).
وقال شعيب الأرناؤوط
(1)
: (إسناده ضعيف؛ لانقطاعه، أبو عبيدة - وهو ابن عبد الله ابن مسعود -لم يسمع من أبيه، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين).
قلت: والانقطاع الذي أشارا إليه هو أن أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه رضي الله عنه.
وهذا أمر مشهور ومعلوم بين أهل العلم؛ فقد (قال جماعة من العلماء بأنه لم يسمع من أبيه، منهم: أبو حاتم الرازي، ابن سعد، قال: (ذكروا أنه لم يسمع من أبيه)، الترمذي، النسائي في (السنن)(3/ 105)، البيهقي - كما في (نصب الراية)(1/ 146)، المنذري، العراقي، الحافظ ابن حجر، البوصيري في (الزوائد)، نور الدين الهيثمي في (المجمع) انظر مثلاً (2/ 60 و 6/ 71 و 7/ 193)، النووي في (المجموع)(3/ 69)، الشيخ أحمد شاكر في مواضع كثيرة من (المسند). وانظر (6/ 4، 23، 24، 32، 44، 45، 67، 68، 81، 89، 95، 99، 119، 123، 124، 125، 156، 181، 199، 201) وكذا في تعليقه على (الروضة الندية)(ص 173).
شيخنا الألباني في مواضع، منها (الضعيفة) رقم (175، 334، 615، 965).
(2)
بالرغم من ذلك ورد عن بعض أهل العلم قبول رواية أبي عبيدة عن أبيه مع إقرارهم بأنه لم يسمع منه، قال الحافظ ابن رجب
(3)
: (وخرَّج الإمام أحمد من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: لمَّا نزلت على رسول الله (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)[النصر: 1] كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، إنك أنت التواب الرحيم) - ثلاثاً-. وأبو عبيدة، لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة). وقال أيضاً
(4)
: (وأبو عبيدة، لم يسمع من أبيه،
(1)
المسند (7/ 278) حديث رقم (4246 - 4247).
(2)
النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة للشيخ أبي إسحاق الحويني (1/ 26 - 31) حديث رقم (6).
(3)
فتح الباري لابن رجب (5/ 60).
(4)
فتح الباري لابن رحب (6/ 14).
لكن رواياته عنه أخذها عن أهل بيته، فهي صحيحة عندهم).
قال الشيخ عبد الله بن مانع -حفظه الله-: (وقرر الحافظ ابن رجب نحوه في شرح العلل، ونقل عن الأئمة ما يدل على ذلك، وقد قال الدار قطني في سننه في كتاب الديات
(1)
: (لما رواه أبو عبيدة عن أبيه بالسند الصحيح الذي لا مطعن فيه ولا تأويل، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه وبمذهبه من خُشَيف بن مالك ونظرائه). والأصل في رواية أبي عبيدة عن أبيه القبول إذا استقام الإسناد والمتن).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
(2)
: (ويقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه؛ لكن هو عالم بحال أبيه، متلق لآثاره من أكابر أصحاب أبيه، وهذه حال متكررة من عبد الله رضي الله عنه فتكون مشهورة عند أصحابه، فيكثر المتحدث بها، ولم يكن في أصحاب عبد الله من يتهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة؛ فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل: إنه لم يسمع من أبيه).
الخلاصة: أن قصة مقتل ابن مسعود لأبي جهل صحيحة فقد وردت في البخاري (رقم 3141، 3964، 3963، 3962، 3961)، وصحيح مسلم (رقم 1800).
دون هذه اللفظة (هذا فرعون هذه الأمة)، وقد عرفت الخلاف الوارد فيها؛ لأنها من رواية أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود وهو لم يسمع منه.
ولمزيد من البحث انظر:
- النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة للشيخ أبي إسحاق الحويني (1/ 26 - 31) حديث رقم (6).
(1)
سنن الدار قطني (2/ 173).
(2)
مجموع الفتاوى (6/ 404).
- رسالة ماجستير نوقشت بجامعة أم القرى للباحث عبدالله بن عبد الرحيم البخاري عنوانها: (مرويات أبي عبيدة عن عبدالله بن مسعود جمع ودراسة وتخريج) طبعت في دار أضواء السلف المصرية.
من روائع الإيمان في هذه المعركة
قوله:
1 -
روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتَرِيّ بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهًا)، فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه -أو لألجمنه- بالسيف، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب:(يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف)، فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق.
فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفرها عنى الشهادة. فقتل يوم اليمامة شهيدًا).
التعليق: إسناده ضعيف.
قال عبد السلام بن محسن آل عيسى
(1)
: (رواه ابن إسحاق/ سيرة ابن هشام (1/ 224)، قال: حدّثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس.
وهذا السند رجاله ثقات، ولكن فيه إبهامُ بالبعض الذين يروي عنهم العباس بن عبد الله بن معبد، ورواه جميع من رواه من طريق العباس بن
(1)
دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية-رضي الله عنه، (1/ 76) الأولى 1423 هـ/ 2002 م
عبد الله بن معبد وهم: ابن سعد/ الطبقات (4/ 11)، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك (2/ 34)، البيهقي/ دلائل النبوة (3/ 140، 141).
ورواه الحاكم في المستدرك (3/ 223) أيضاً من طريق محمّد بن إسحاق عن العباس بن معبد غير أنه قال فيه: عن أبيه عن ابن عباس فيكون السند متصلاً لكن الحاكم خالف في ذلك جميع من روى الخبر، ورجال سنده هم رجال السند عند البيهقي وغيره بل رواه البيهقي من طريق الحاكم وهو شيخه، فإن ثبت ما في سند الحاكم كان السند متصلاً والأثر حسناً
(1)
، وإلا فإن السند ضعيف لإبهام الراوي عن ابن عباس.
وأمّا ما وقع في سند الحاكم من تسمية شيخ محمّد بن إسحاق بالعباس بن معبد فقد خالف فيه أيضاً جميع من روى الأثر، حيث إنهم قالوا:(العباس بن عبد الله بن معبد). والذي اتضح لدي بعد الرجوع إلى كتب التراجم وكتب المؤتلف والمختلف في الأسماء أنه رجلٌ واحدٌ وقد نسبه الحاكم لجده، لأن العباس بن عبد الله بن معبد يروي عن أبيه كما في رواية الحاكم، ويروي عن بعض أهله كما نصّ على ذلك المزي في تهذيب الكمال. والله أعلم).
قوله: 2 - (وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه)
التعليق: ضعيف
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله
(2)
: (منقطع وهو كالمشهور).
وقال علوي السقاف
(3)
: (ضعيف. رواه ابن إسحاق بإسناد منقطع. انظر: (السيرة النبوية)(2/ 336)).
وما يجدر الإشارة إليه أن ما يشاع أن أبا عبيدة بن عامر بن الجراح رضي الله عنه
(1)
قال الذهبي: (معبد عن ابن عباس مجهول) المغنى في الضعفاء (2/ 418). مستفاد من كتاب: ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (112).
(2)
مسند الفاروق (2/ 464).
(3)
تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن للسقاف حديث رقم (437).
قتل أباه يوم بدر وفيه نزل قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ
…
} (المجادلة: 22) غير صحيح.
قال العوشن
(1)
: (قال الحافظ ابن حجر (في الفتح) في مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: (وقُتل أبوه كافرًا يوم بدر، ويقال: إنه هو الذي قتله، ورواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلًا).
(2)
وقال رحمه الله في (التلخيص): (روى الحاكم والبيهقي منقطعًا عن عبد الله بن شوذب قال: (جعل أبو عبيدة بن الجراح ينعت الآلهة لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله) وهذا معضل، وكان الواقدي ينكره ويقول: مات والد أبي عبيدة قبل الإِسلام).
(3)
وقال في (الإصابة) في ترجمته: (ويقال: إنه قتل أباه يوم بدر ونزلت فيه {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ
…
} وهو فيما أخرجه الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن شوذب قال: (جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فيحيد عنه، فلما أكثر قصده فقتله فنزلت).
(4)
وأقوال الحافظ الثلاثة في (الفتح)، وفي (التلخيص)، وفي (الإصابة) ووصفه للخبر بأنه مرسل، وفي الأخرى بأنه معضل، وفي الثالثة بأنّ سند جيد لا تعارض بينها عند التأمل.
وعبد الله بن شَوْذب أكثر الأئمة على توثيقه، لكن الخبر منقطع، وابن شوذب وُلد سنة 86 هـ، ومات سنة 144 هـ، وقيل: 156 هـ.
(5)
ولذا قال ابن الملقِّن: (وهذا مرسل على قول الأكثر، وعلى قول من زعم أن المرسل
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (125).
(2)
فتح الباري (7/ 93).
(3)
التلخيص الحبير (4/ 113)، التهذيب (5/ 73).
(4)
الإصابة (2/ 244) دار الكتاب العربي.
(5)
تهذيب التهذيب (5/ 255).
لا يكون إلا من التابعين يكون معضلًا؛ لأن عبد الله هذا إنما يروي عن التابعين).
(1)
قوله: 6 - (ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على بابه يحرسه متوشحًا سيفه، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له: والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ قال: أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلي من استبقاء الرجال).
التعليق: إسناده ضعيف.
قال علوي السقاف
(2)
: (إسناده ضعيف. رواه ابن إسحاق معلقاً، ومن طريقه الطبري.
انظر: (تفسير الطبري)(14/ 471 ـ شاكر)، (السيرة النبوية)(2/ 324)).
قوله:
7 -
(وانقطع يومئذ سيف عُكَّاشَة بن مِحْصَن الأسدي، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جِذْلًا من حطب، فقال: (قاتل بهذا يا عكاشة)، فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه، فعاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى للمسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العَوْن، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده).
التعليق: ليس له إسناد.
قال الأرناؤوط
(3)
: (انظر سيرة ابن هشام بغير سند).
(1)
البدر المنير (9/ 79).
(2)
تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن حديث رقم (430).
(3)
تخريج زاد المعاد (3/ 186).
قال العوشن
(1)
: (قال الإمام الذهبي-رحمه الله: (هكذا رواه ابن إسحاق بلا سند، وقد رواه الواقدي قال:
…
)
(2)
. والواقدي متروك. ومن طريقه أيضاً رواه البيهقي في (الدلائل)
(3)
.
قوله: (8 - وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين، مر به وأحد الأنصار يشد يده، فقال مصعب للأنصاري: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب: أهذه وصاتك بي؟ فقال مصعب: إنه -أي: الأنصاري- أخي دونك).
التعليق: ضعيف.
- قال علوي السقاف
(4)
: (رواه ابن إسحاق عن نبيه بن وهب عن أبي عَزِيز
(5)
بن عمير، وهذا سند منقطع، نبيه لم يسمع من أبي عزيز. ومن هذا الطريق رواه الطبراني في (الكبير) و (الصغير).
- تنبيه: أورد ابن حجر في (الإصابة) إسناد ابن إسحاق، وعنده الواسطة التي بين نُبيه وأبي عزيز مجهولة، فقال: (قال ابن إسحاق: فحدثني نبيه بن وهب؛ قال: سمعت من يذكر عن أبي عزيز
…
).
انظر: (السيرة النبوية)(2/ 349)، (المعجم الصغير)(1/ 250)، (مجمع الزوائد)(6/ 86)، (الإصابة)(4/ 133)، (ضعيف الجامع)(رقم 832).
قوله: (9 - ولما أمر بإلقاء جيف المشركين في القَلِيب، وأخذ عتبة بن
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (116).
(2)
المغازي ص (101).
(3)
دلائل النبوة (3/ 99).
(4)
تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن حديث رقم (442).
(5)
أبو عَزِيز (بِفَتْح الْعين وَكسر الزَّاي) كما في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/ 150)، والتنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (2/ 347)، واسمه: زرارة، وقد أسلم فيما بعد، وروى الحديث كما قال السهيلي، الروض الأنف (5/ 187).
ربيعة فسحب إلى القليب، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه ابنه أبي حذيفة، فإذا هو كئيب قد تغير، فقال:(يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟) فقال: لا والله، يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأيًا وحلمًا وفضلًا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرًا).
التعليق: حديث ضعيف.
قال العلامة الألباني
(1)
: (حديث ضعيف. رواه ابن هشام (2/ 75) عن ابن إسحاق بلاغاً).
قتلى الفريقين
قوله: (ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم -حتى وقف على القتلى فقال: (بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس).
التعليق: ضعيف.
قال العلامة الألباني
(2)
: (حديث ضعيف. رواه ابن هشام (2/ 74) عن ابن إسحاق قال: حدثني بعض أهل العلم. وهذا إسناد متصل وقد رواه أحمد (6/ 170)
(3)
من طريق إبراهيم عن عائشة مرفوعاً بلفظ: (جزاكم الله شراً
(1)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (231).
(2)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (232).
(3)
رواه أحمد في مسنده حديث (25372)، وقال محققو المسند طبعة الرسالة (42/ 230):(إسناده ضعيف لانقطاعه، إبراهيم - وهو ابن يزيد النخعي- لم يسمع من عائشة، ورواية مغيرة بن مِقْسم عنه ضعيفة. هُشيم: هو ابن بشير السلمي. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 90)، وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات، إلا أن إبراهيم لم يسمع من عائشة، ولكنه دخل عليها).
من قوم نبي، ما كان أسوأ الطرد، وأشد التكذيب) رجاله ثقات لكنه منقطع بين إبراهيم -وهو النخعي- وبين عائشة).
قال الشيخ عبدالله بن مانع- حفظه الله-: (إبراهيم النخعي رأى عائشة ولم يسمع منها
…
قال أبو حاتم: لم يلق أحداً من الصحابة إلا عائشة ولم يسمع منها).
الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة
قوله: (وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث- وكان هو حامل لواء المشركين يوم بدر، وكان من أكابر مجرمي قريش، ومن أشد الناس كيدا للإسلام، وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عنقه علي بن أبي طالب.
ولما وصل إلى عِرْق الظُّبْيَةِ أمر بقتل عُقْبَة بن أبي مُعَيْط- وقد أسلفنا بعض ما كان عليه من إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي كان ألقى سَلا جَزُور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، وهو الذي خنقه بردائه وكاد يقتله، لولا اعتراض أبي بكر رضي الله عنه فلما أمر بقتله قال: من للصِّبْيَةِ يا محمد؟ قال: (النار). فقتله عاصم بن ثابت الأنصاري، ويقال: علي بن أبي طالب).
التعليق: ضعيف.
قال العلامة الألباني
(1)
: (ضعيف. رواه البيهقي (9/ 64) عن الشافعي: أنبأ عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم أسر النضر بن الحارث العبدي يوم بدر وقتله بالبادية أو الأثيل صبراً، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتله صبراً ". قلت: وهذا معضل كما ترى. وقال ابن إسحاق في سياق قصة بدر:
(1)
إرواء الغليل حديث رقم (1214).
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً إلى المدينة ومعه الأسرى من المشركين وفيهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث
…
حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي طالب كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة. ثم خرج حتى إذا كان عرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط. فقال عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله: فمن للصبية يا محمد! قال: النار. فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري أخو بني عمرو بن عوف كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر. ذكره ابن هشام في " السيرة "(2/ 297 - 298) ثم قال: "ويقال قتله علي بن أبي طالب فيما ذكر لي ابن شهاب الزهري وغيره من أهل العلم ". وفي " البداية " للحافظ ابن كثير (3/ 305 - 306): " وقال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: " لما أمر النبي-صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال: نعم. أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران وجاء مرة أخرى بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي ".
قلت: وهذا مرسل. وجملة القول إني لم أجد لهذه القصة إسناداً تقوم به الحجة على شهرتها في كتب السيرة وما كل ما يذكر فيها ويساق مساق المسلمات يكون على نهج أهل الحديث من الأمور الثابتات.
نعم قد وجدت لقصة عقبة خاصة أصلاً فيما رواه عمرو بن مرة عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقاً. فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان؟! فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود - وكان في أنفسنا موثوق الحديث- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبيك قال: من للصبية؟ قال: النار. فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود (2686) والبيهقي (9/ 65) من طريق عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرني عبد الله بن عمرو بن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو ابن مرة. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات كلهم رجال الشيخين).
القرآن يتحدث حول موضوع المعركة
قوله: (وحول موضوع هذه المعركة نزلت سورة الأنفال، وهذه السورة تعليق إلهي- إن صح هذا التعبير- على هذه المعركة، يختلف كثيراً عن التعاليق التي ينطق بها الملوك والقواد بعد الفتح).
التعليق: وصف المؤلف-رحمه الله سورة الأنفال أنها تعليق إلهي تعبير- إن صح هذا التعبير- فيه تجوز الأولى أن يصان كلام الله عنه.
النشاط العسكري بين بدر وأحد
قوله: (وقد لعب المسلمون دوراً هاماً للقضاء على هذه الأخطار، تظهر فيه عبقرية قيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من غاية التيقظ حول هذه الأخطار، وما كان عليه من حسن التخطيط للقضاء عليها).
التعليق: من ناحيتين:
الأولى: قوله: (وقد لعب المسلمون دوراً .. )
لو استخدم المؤلف كلمة أخرى بدلاً من (لعب المسلمون دوراً) لكان أولى فهي غير لائقة لمكانة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وما فعلوه كما ذكر.
وهذه الكلمة كثر استعمالها الآن وبخاصة من قبل أهل الفساد من الممثلين في أعمالهم الساقطة كالمسرحيات وغيرها، وبالرجوع إلى معاجم اللغة تجد أن اللعب ضد الجد، قال ابن منظور
(1)
: (لعب: اللَّعِبُ واللَّعْبُ ضدُّ الجِدِّ،
…
ويقال: لكل من عَمِلَ عملاً لا يُجْدي عليه نَفْعاً إِنما أَنتَ لاعِبٌ
…
).
(1)
لسان العرب (1/ 739) ط. دار صادر.
وهذا لا يتناسب مع ما قام به المسلمون من الجهاد في سبيل الله؛ فالأولى أن يقول:
(ولقد جاهد المسلمون جهاداً كبيراً
…
).
الثانية: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبقرية. قد تكرر من قبل المؤلف أكثر من مرة: هنا في هذا المثال، وقوله ص (378) تحت عنوان (نظرة على الغزوات):
(وأشدهم وأعمقهم فراسة وتيقظاً، إنه صاحب عبقرية فذة في هذا الوصف
…
وقد تجلت عبقريته صلى الله عليه وسلم في هاتين الغزوتين (أحد وحنين) عند هزيمة المسلمين
…
)
التعليق: العبقري والعبقرية نسبة إلى "عبقر"، وقال الزبيدي "تاج العروس" (12/ 514): (
…
نَسَبُوا إليه كلَّ شيْءٍ تَعَجَّبُوا من حِذْقِه أَو جَوْدَةِ صَنْعَتِه وقُوَّتِه).
وقد ورد الوصف بالعبقرية في السنة النبوية؛ روى البخاري في صحيحه (3676، وغيره)، ومسلم (2393) من حديث عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُرِيتُ في الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ على قَلِيبٍ فَجَاءَ أبو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أو ذَنُوبَيْنِ نَزْعًا ضَعِيفًا وَاللَّهُ يَغْفِرُ له، ثُمَّ جاء عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فلم أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ حتى رَوِيَ الناسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ. والحديث مروي عن غير ابن عمر في الصحيحين وغيرهما.
قال ابن الأثير
(1)
: (عبقري القوم سيدهم وكبيرهم وقويهم، والأصل في العبقري - فيما قيل - أن عبقر قرية يسكنها الجن، فيما يزعمون، فكلما رأوا شيئًا فائقًا غريبًا مما يصعب عمله ويدق، أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها فقالوا: عبقريٌّ).
(1)
النهاية في غريب الأثر (ج 3/ ص 173).
وعلى ذلك فاستعمال وصف العبقريِّ، بمعنى كبير القوم وسيدهم وقويهم في حق النبي صلى الله عليه وسلم، لا شيء فيه، ولم يرد في الشرع ما يمنع من وصف النبي صلى الله عليه وسلم به.
لكن هناك أمر مهم ولطيف أشار إليه شيخنا الأستاذ الدكتور: ناصر بن عبد الكريم العقل-حفظه الله-
(1)
في فصل مزاعم المدرسة العقلية في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان المؤلف هنا لا يقصد ذلك، وإنما نبهت عليه لانتشار استعمال هذا اللفظ من قبلهم-: (وأكثر ما اهتمت به المدرسة العقلية من شخص النبي صلى الله عليه وسلم، جانب العبقرية، فهي تريد أن تضيف كل ما قاله، أو فعله صلى الله عليه وسلم إلى عبقريته الفردية الفذة، بدعوى أن جانب الوحي والنبوة والرسالة أمور غيبية روحية، لا تثبت أمام البحث العلمي، والموضوعية، ولا قيمة لها في نظر العلم الحديث الذي قذف بها في عالم الأساطير والخرافات.
أما العبقرية -على حد زعمهم- فهي صفة إنسانية يقرها العلم ويحترمها ويقدسها ويمكن للمسلمين أن يثبتوها علميًا حسب مقررات العلم الحديث (كذا يزعمون). وكل ذلك انهزامية وضعف إيمان بالله ورسالاته، وجهل بكتاب الله وسنة رسوله.
وأكبر دليل على ذلك أن غالب مؤلفات العقلية الحديثة تحمل في عناوينها اسم الرسول (محمد) مجردة دون اعتبار للنبوة والرسالة ويحيدون عن وصفه بالنبوة والرسالة التي هي أهم خصائصه صلى الله عليه وسلم (بأبي هو وأمي).
وذلك مثل: "عبقرية محمد" للعقاد، و"إنسانيات محمد" لخالد محمد خالد، و"حياة محمد" لهيكل، و"محمد والقوى المضادة" لمحمد أحمد خلف الله، و"محمد" لمصطفى محمود، و"محمد" لتوفيق الحكيم، وهم يفعلون ذلك باسم العلمية ومسايرة الرقي العقلي الذي وصلت إليه
(1)
الاتجاهات العقلانية الحديثة (ص 224 - 225).
الإنسانية، ذلك الرقي الذي يكبر العبقرية ويعظمها، أما النبوة فلم تعد تهمه بل وصل ببعضهم الانهزام الفكري والعقدي إلى أن جعل العبقرية مساوية للنبوة ولها نفس الخصائص التي في النبوة).
وعلى ذلك فلابد من النظر إلى الوصف بالعبقرية في سياقه، ومراعاة ممن صدر، وما هدفه من ذلك؟
مؤامرة لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم
-
قوله: (جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحِجْر بعد وقعة بدر بيسير - وكان عمير من شياطين قريش ممن كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة - وكان ابنه وهب بن عمير في أساري بدر، فذكر أصحاب القَلِيب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش بعدهم خير.
قال له عمير: صدقت واللّه، أما واللّه لولا دَيْن على ليس له عندي قضاء، وعيال أخشي عليهم الضَّيْعةَ بعدي لركبتُ إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قِبَلَهُمْ عِلَّةً، ابني أسير في أيديهم.
فاغتنمها صفوان وقال: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي، أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم.
فقال له عمير: فاكتم عني شأني وشأنك. قال: أفعل.
ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذَ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم به المدينة، فبينما هو على باب المسجد ينيخ راحلته رآه عمر بن الخطاب -وهو في نفر من المسلمين يتحدثون ما أكرمهم الله به يوم بدر- فقال عمر: هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء إلا لشر. ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحاً سيفه، قال:(فأدخله علي)، فأقبل إلى عمير فلَبَّبَهُ بحَمَالة سيفه، وقال لرجال من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا
الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه - قال:(أرسله يا عمر، ادن يا عمير)، فدنا وقال: أنْعِمُوا صباحاً، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم:(قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة).
ثم قال: (ما جاء بك يا عمير؟) قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه.
قال: (فما بال السيف في عنقك؟) قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً؟
قال: (اصدقني، ما الذي جئت له؟) قال: ما جئت إلا لذلك.
قال: (بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك).
قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم تشهد شهادة الحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره).
وأما صفوان فكان يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر. وكان يسأل الركبان عن عمير، حتى أخبره راكب عن إسلامه فحلف صفوان ألا يكلمه أبدًا، ولا ينفعه بنفع أبداً.
ورجع عمير إلى مكة وأقام بها يدعو إلى الإسلام، فأسلم على يديه ناس كثير).
التعليق: مرسل جيد عن عروة.
رواه ابن هشام في السيرة (1/ 661): (قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر - فذكرهِ-).
ورواه الطبراني في الكبير حديث رقم (13587) عن عروة بن الزبير.
قال الهيثمي
(1)
: (رواه الطبراني مرسلاً وإسناده جيد).
وقال الدكتور العمري
(2)
: (ابن حجر: الإصابة (3/ 36) من مرسل عروة بن الزبير والزهري، وفي الغالب فإن الزهري يرويها عن عروة فيتحد المخرج ولا يقوي المرسل).
نموذج من مكيدة اليهود
قوله: (قال ابن إسحاق: مر شاس بن قيس - وكان شيخاً [يهودياً] قد عسا، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم - على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بُعَاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جَذَعَة - يعني الاستعداد لإحياء الحرب الأهلية التي كانت بينهم - وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحَرَّة -السلاح السلاح، فخرجوا إليها [وكادت تنشب الحرب]. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه
(1)
مجمع الزوائد (8/ 284) حديث رقم (14063).
(2)
السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 373).
المهاجرين حتى جاءهم فقال: (يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم)
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس).
التعليق: ضعيف.
رواه الطبري من طريق ابن إسحاق عن شيخ مبهم لم يسمه، والواحدي من مرسل عكرمة.
وروى القصة الطبراني عن ابن عباس- رضي الله عنهما من طريق إبراهيم بن أبي الليث؛ قال عنه الهيثمي: (متروك).
ولكن صحَّ قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها؛ فإنها منتنة)، لما ضرب رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين!) وذلك من حديث جابر-رضي الله عنه المتفق عليه.
انظر: (تفسير الطبري)(7/ 55 - شاكر)، (مجمع الزوائد)(6/ 326)، (أسباب النزول) للواحدي (ص 149)، (الفتح السماوي)(1/ 390)، (اللؤلؤ والمرجان)(3/ 194)(تخريج الكشاف)(29/ 243).
(1)
بنو قَينُقَاع ينقضون العهد
قوله: (روي أبو داود وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر، وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع. فقال: (يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب
(1)
انظر: تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (144).
قريشاً). قالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله تعالى:{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} [آل عمران 12، 13].
التعليق: إسناده ضعيف.
رواه أبوداود، كتاب الخراج والإمارة والفيْءِ، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة؟ حديث رقم (3001) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال العلامة الألباني
(1)
: (إسناده ضعيف؛ محمد بن أبي محمد مجهول لا يعرف).
إسناده: حدثنا مصرف بن عمرو الإيامي: ثنا يونس- يعني: ابن بكير- قال: ثنا محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت
…
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ محمد بن أبي محمد مجهول؛ كما قال الحافظ.
وفي " الميزان ": " لا يعرف ". ومع ذلك ذكره ابن حبان في "الثقات "(7/ 392)! وأشار الذهبي في "الكاشف " إلى تليين توثيقه.
وأعله المنذري بمحمد بن إسحاق! فما أصاب؛ لأنه قد صرح بالتحديث. وشيخه مجهول- كما عرفت-، فالعجب من الحافظ كيف حسن إسناده في "الفتح "(7/ 332)!
والحديث أخرجه ابن جرير في "تفسيره "(3/ 128)، والبيهقي فى "السنن "(9/ 183) من طريقين آخرين عن يونس بن بكير
…
به .. ).
(1)
ضعيف أبي داود - الأم، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1423 هـ.
قوله: (روى ابن هشام عن أبي عون: أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها - وهي غافلة - فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله - وكان يهودياً - فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع).
التعليق: إسناده ضعيف.
قال العلامة الألباني
(1)
: (إسناده مرسل معلق فإن ابن هشام قال (3/ 51): (وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال
…
) فذكره.
وأبوعون اسمه: محمد بن عبد الله الثقفي الكوفي الأعور، مات سنة (116 هـ) فهو تابعي صغير فلم يدرك الحادثة، وعبد الله بن جعفر المخرمي من شيوخ الإمام أحمد، مات سنة (170 هـ) فبينه وبين ابن هشام مفاوز، فهو إسناد ضعيف ظاهر الضعف
…
).
وضعفه أيضاً في تخريج فقه السيرة ص (241)، وضعفه العمري.
(2)
* * * *
تكتيب الجيش الإسلامي وخروجه إلى ساحة القتال
قوله: (وقسم النبي صلى الله عليه وسلم جيشه إلى ثلاث كتائب:
1.
كتيبة المهاجرين، وأعطي لواءها مصعب بن عمير العبدري.
2.
كتيبة الأوس من الأنصار، وأعطي لواءها أسيد بن حضير.
3.
كتيبة الخزرج من الأنصار، وأعطي لواءها الحُبَاب بن المنذر).
(1)
دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص (26 - 27).
(2)
السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/ 301).
التعليق: لم تصح رواية في موضوع الألوية.
انظر: مغازي الواقدي (1/ 33)، الاستيعاب لابن عبدالبر (3/ 450)، السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 381).
* * * *
الرسول صلى الله عليه وسلم ينفث روح البسالة في الجيش
قوله: (وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه حتى جرد سيفاً باتراً ونادى أصحابه: (من يأخذ هذا السيف بحقه؟)، فقام إليه رجال ليأخذوه -منهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب - حتى قام إليه أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: (أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني). قال: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إياه.
وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت. فلما أخذ السيف عصب رأسه بتلك العصابة، وجعل يتبختر بين الصفين، وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن).
التعليق: إسناده فيه جهالة وانقطاع.
(رواه محمد بن إسحاق (انظر مختصر السيرة لابن هشام: 3/ 16)، ومن طريقه: الطبري في التاريخ (2/ 511)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 233) بسندٍ فيه جهالة وانقطاع.
وله شاهد رواه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 54). والطبراني في المعجم الكبير (7/ رقم 6508) عن خالد بن سليمان بن عبد الله بن خالد بن سماك، عن أبيه، عن جده: أن سماك فذكره
…
قال الهيثمي في المجمع (6/ 109): (فيه مَنْ لم أعرفه).
(1)
(1)
مستفاد من هامش الشرح الممتع لابن عثيمين (2/ 217).
أما عرض السيف على الصحابة فقد ثبت في صحيح مسلم حديث رقم (2470) ولكن دون قوله: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن).
وإن كان يصح مثل ذلك في الحرب لإغاظة الكفار كما ورد في الحديث: (
…
وأما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل في القتال، واختياله عند الصدقة، وأما الخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في البغي والفخر). رواه أبو داوود (2659) وغيره. وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (2221).
(1)
* * * *
تبدد المسلمين في الموقف
قوله: (ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار، وهو يتَشَحَّطُ في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمداً قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بَلَّغ، فقاتلوا عن دينكم).
التعليق: مرسل.
أورد هذه القصة البيهقي في الدلائل (3/ 248) من مرسل أبي نجيح يسار المكي والد عبد الله، وهو تابعي ثقة.
(2)
* * * *
أحرج ساعة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
-
قوله: (
…
وجاء فارس عنيد هو عبد الله بن قَمِئَة
(3)
، فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر إلا أنه لم يتمكن من
(1)
انظر: ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (153 - 154).
(2)
انظر: تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (171).
(3)
ابن قمئة: قمئة بكسر القاف وسكون الميم فهمزة، وقيل: بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة ياء فيه على وزن سفينة وهو من قميء بمعنى ذليل وصغير. انظر: هامش الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، نشر دار الفيحاء، عمان، الطبعة الثانية، 1404 هـ.
هتك الدرعين، ثم ضرب على وجنته صلى الله عليه وسلم ضربة أخرى عنيفة كالأولى حتى دخلت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجْنَتِه، وقال: خذها وأنا ابن قمئة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه: (أقمأك الله).
قال في الهامش: وقد سمع الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عائذ أن ابن قمئة (انصرف إلى أهله، فخرج إلى غنمه، فوافانا على ذروة جبل، فدخل فيها، فشد عليه تيسها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع) فتح الباري (7/ 373) وعند الطبراني: فسلط الله عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة. فتح الباري (7/ 366).
التعليق: ضعيف.
رواه الطبراني في المعجم الكبير حديث رقم (7596) عن أبي أمامة رضي الله عنه، وقال الهيثمي
(1)
: (رواه الطبراني، وفيه حفص بن عمر العدني، وهو ضعيف).
قال الألباني
(2)
: (
…
حفص بن عمر العدني، ضعيف جداً، قال ابن معين والنسائي:(ليس بثقة). وقال العقيلي: (يحدث بالأباطيل). وقال الدار قطني: (متروك).
قال الحافظ ابن حجر
(3)
: (وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَمِئَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فَشَجَّ وَجْهَهُ وَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا بن قَمِئَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يمسح الدَّم عَن وَجهه مَالك: "أَقَمْأَكَ اللَّهُ " فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَيْسَ جَبَلٍ فَلَمْ يَزَلْ يَنْطَحُهُ حَتَّى قَطَّعَهُ قِطْعَةً قِطْعَةً. وَأخرج ابن عَائِذٍ فِي الْمَغَازِي عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ عَنْ جَابِرٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُنْقَطِعًا).
(1)
مجمع الزوائد (6/ 117).
(2)
السلسلة الضعيفة (2/ 385) حديث رقم (963).
(3)
فتح الباري لابن حجر (7/ 366).
قال الزرقاني
(1)
: (وهو منقطع، كما قال الحافظ: فإن أردت الترجيح، فرواية الطبراني موصولة، فتقدم على المنقطع، ولذا اقتصر عليها المصنف، وإن أردت الجمع فيمكن أنه لما نطحه تيس غنمه، وقع من هاشق الجبل إلى أسفل، فسلط الله عليه تيس الجبل، فنطحه حتى قطعه قطعاً زيادة في نكاله وخزيه ووباله).
* * * *
بداية تجمع الصحابة حول الرسول صلى الله عليه وسلم
-
قوله: (روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق: لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت بين يديه رجلاً يقاتل عنه ويحميه، قلت: كن طلحة، فداك أبي وأمي، كن طلحة، فداك أبي وأمي، [حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجل من قومي أحب إلي] فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح، وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني، فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا طلحة بين يديه صريعاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دونكم أخاكم فقد أوجب)، وقد رمي النبي صلى الله عليه وسلم في وَجْنَتِهِ حتى غابت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجنته، فذهبت لأنزعهما عن النبي-صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر، إلا تركتني، قال: فأخذ بفيه فجعل ينَضِّضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استل السهم بفيه، فنَدَرَت ثنية أبي عبيدة، قال أبو بكر: ثم ذهبت لآخذ الآخر، فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر، إلا تركتني، قال: فأخذه فجعل ينضضه حتى اسْتَلَّه، فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دونكم أخاكم، فقد أوجب)، قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه، وقد أصابته بضع عشرة ضربة. وفي تهذيب تاريخ دمشق: فأتيناه في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وستون أو أقل أو أكثر، بين طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت إصبعه، فأصلحنا من شأنه).
(1)
شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (2/ 426)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
التعليق: ضعيف.
رواه: ابن حبان في صحيحه حديث رقم (6980)، والحاكم حديث رقم (5610)، والبزار في مسنده (63)، وغيرهم من طريق إسحاق بن يحيى بن طلحة.
وقال البزار: (وهذا الحديث لا نعلم أن أحداً رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر الصديق، ولا نعلم له إسناداً غير هذا الإسناد، وإسحاق بن يحيى قد روى عنه عبد الله بن المبارك وجماعة، واحتمل حديثه وإن كان فيه ولا نعلم شاركه في هذا الحديث غيره).
وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وتعقبه الذهبي في التلخيص:(لا، والله). وعلق الذهبي في التلخيص متعقباً للحاكم في الحديث رقم (3557): (بل إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك. قاله أحمد).
قال الهيثمي
(1)
: (رواه البزار، وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة وهو متروك).
قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله
(2)
: (وَرَوَاهُ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيب، وَالطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بِهِ. وَعِنْدَ الْهَيْثَمِ: فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنْشُدُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَّا تَرَكْتَنِي؟ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ السَّهْمَ بِفِيهِ، فَجَعَلَ يُنَضْنِضَه كراهيةَ أَنْ يُؤْذِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اسْتل السَّهْمَ بِفِيهِ فَبَدَرَتْ ثَنِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ.
وَذَكَرَ تَمَامَهُ، وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ ضَعّف عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى هَذَا، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ
(1)
مجمع الزوائد (6/ 112).
(2)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 142)، تحقيق سامي السلامة، طبعة دار طيبة، الطبعة الثانية 1420 هـ.
فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَأَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرعة، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ). وضعفه الألباني
(1)
، والأرناؤوط
(2)
.
أما لفظ (أوجب طلحة) فقد صححها الألباني في الصحيحة حديث رقم (945) عَنِ
الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ عَلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ فَنَهَضَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَعَدَ طَلْحَةُ تَحْتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الصَّخْرَةِ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَوْجَبَ طَلْحَةُ".
رواه الترمذي (3738)، وفي " الشمائل "(ص 85)، وابن حبان (2212)،
والحاكم (3/ 374)، وأحمد (1/ 165)، وابن هشام في " السيرة "(3/ 91 - 92).
* * * *
البطولات النادرة
1 -
قوله: (فعن قتادة بن النعمان: أن رسول الله رمي عن قوسه حتى اندقت سِيتُها
(3)
، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عينه حتى وقعت على وَجْنَتِه، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فكانت أحسن عينيه وأحَدَّهُما).
التعليق: ضعيف.
قال الهيثمي
(4)
: (رواه الطبراني وأبو يعلى ولفظه: عن قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا
(1)
فقه السيرة ص (263)، التعليقات الحسان حديث (6941).
(2)
تحقيقه لابن حبان (15/ 438)، ولزاد المعاد.
(3)
سيتها: طرف القوس.
(4)
مجمع الزوائد (8/ 245).
أن يقطعوها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا". فدعا به فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت.
وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم، وفي إسناد أبي يعلى يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف).
قال الحافظ العراقي
(1)
: (ففي رواية البيهقي أنه كان ببدر، وفي رواية أبي نعيم أنه بأحد وفي إسناده اضطراب، وكذا رواه البيهقي من حديث أبي سعيد الخدري).
قال العوشن
(2)
: (وقد أسهب في تخريج هذا الخبر بما لا مزيد عليه، الشيخ مساعد الراشد الحميد -وفقه الله- في تحقيقه لكتاب: (دلائل النبوة للأصبهاني)
(3)
وبَيّن ضَعْف الحديث).
وقد صححه الألباني
(4)
بتعدد طرقه: (في إسناده يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف لكنه عند أبي نعيم من طريقين أخريين فهو يتقوى بهما).
* * * *
2 -
قوله: (وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته صلى الله عليه وسلم حتى أنقاه، فقال: (مُجَّه)، فقال: والله لا أمجه، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)، فقتل شهيداً).
التعليق: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
رواه سعيد بن منصور في سننه حديث رقم (2573) قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرنا عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه: (أنه بلغه فذكره
…
).
(1)
تخريج الإحياء حديث (2346).
(2)
ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (121).
(3)
دلائل النبوة للأصبهاني (3/ 1031).
(4)
بداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم ص (41).
وقال الحافظ ابن حجر
(1)
: (وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ بَلَغَهُ
…
).
وجاء في البدر المنير لابن الملقن (1/ 481): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه (بِسَنَد (الإِمام) أَحْمد بن حَنْبَل إِلَيْهِ)، قَالَ: " لمَّا أُصِيب وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم أُحد، استَقْبَلتُه، (فمصصت) جرحه، ثمَّ (ازدردته)
(2)
، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحبَّ أَن ينظرَ إِلَى من خالطَ دمي دَمه، فَلْينْظر إِلَى مَالك بن سِنَان".
وَفِيه مَجَاهِيل لَا أعرفهم بعد الْكَشْف عَنْهُم.
وقال الذهبي: إسناده مظلم. انظر: تلخيصه على هامش (المستدرك)(3/ 563).
(3)
* * * *
3 -
قوله: (وقاتلت أم عمارة فاعترضت لابن قَمِئَة في أناس من المسلمين، فضربها ابن قمئة على عاتقها ضربة تركت جرحاً أجوف، وضربت هي ابن قمئة عدة ضربات بسيفها، لكن كانت عليه درعان فنجا، وبقيت أم عمارة تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحاً).
التعليق: ضعيف جداً.
أوردها ابن سعد في الطبقات (8/ 412) عن شيخه الواقدي، ورواها ابن هشام (3/ 118) بسند منقطع. وضعفه العمري.
(4)
* * * *
(1)
التلخيص الحبير (1/ 170) حديث رقم (19).
(2)
ازدردته: ابتلعه. لسان العرب (3/ 194).
(3)
انظر:
- مختصرُ استدرَاك الحافِظ الذّهبي على مُستدرَك أبي عبد اللهِ الحَاكم لابن الملقن (5/ 2274) حديث (783)، تحقيق اللحيدان والحميد، دار العاصمة، الأولى 1411 هـ.
- تخريج أحاديث وآثار في ظلال القرآن للسقاف ص (88).
(4)
السيرة الصحيحة (2/ 390). وانظر: تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (161).
مقتل أبي بن خلف
قوله: (قال ابن إسحاق: فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوتُ إن نجا. فقال القوم:
يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دعوه)، فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله وأبصر تَرْقُوَتَه من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه فيها طعنة تدأدأ - تدحرج- منها عن فرسه مراراً. فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشاً غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد، قالوا له: ذهب والله فؤادك، والله إن بك من بأس، قال: إنه قد كان قال لي بمكة: (أنا أقتلك)، فو الله لو بصق علي لقتلني. فمات عدو الله بسَرِف وهم قافلون به إلى مكة. وفي رواية أبي الأسود عن عروة، وكذا في رواية سعيد بن المسيب عن أبيه: أنه كان يخور خوار الثور، ويقول: والذي نفسي بيده، لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا جميعاً).
التعليق:
ورد في كتاب الاستيعاب في بيان الأسباب
(1)
: (أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 327)، والواحدي في "أسباب النزول"(ص 156) من طريق إبراهيم بن منذر الحزامي، ثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه (فذكره).
وعزاه في "الدر المنثور"(4/ 41) لعبد بن حميد، والطبري عن سعيد.
وعزاه الحافظ ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"(2/ 308) للطبري، ولم نجده فيه بعد طول بحث، وهما كما ترى عزوا الحديث وجعلاه عن سعيد، والذي في "المستدرك" عن أبيه.
(1)
الاستيعاب في بيان الأسباب (2/ 217) سليم بن عيد الهلالي و محمد بن موسى آل نصر، دار ابن الجوزي، السعودية، الأولى، 1425 هـ.
قلنا: وهذا إسناد حسن.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه"، ووافقه الذهبي.
قلنا: الحزامي وشيخه لم يخرج لهما مسلم شيئاً
وقال الحافظ ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"(2/ 308): "روى ابن جرير والحاكم في "مستدركه" بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب والزهري قالا
…
(فذكره) ".
ثم قال: "وهذا القول غريب جداً".
قلنا: الذي ذكره ابن كثير عن الزهري: أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره"(2/ 256، 257) -وعنه الطبري في "جامع البيان"(9/ 136، 137) -: نا معمر عن الزهري.
قلنا: وهذا ضعيف؛ لإرساله.
ومرسل سعيد: أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(5/ 1673 رقم 8910) من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد به.
وهذا مرسل صحيح الإسناد.
وذكر هذا المرسل السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 40) وزاد نسبته لابن المنذر).
وقد حكم عليه بالإرسال كل من: العراقي
(1)
، وابن كثير
(2)
، والألباني
(3)
، والأرناؤوط
(4)
.
وروى ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ
(5)
قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الحسين حدثنا
(1)
تخريج أحاديث الإحياء (1/ 873).
(2)
تفسير ابن كثير (4/ 32).
(3)
تخريج فقه السيرة ص (256).
(4)
تخريج زاد المعاد (3/ 199).
(5)
(2/ 520) طبعة دار التراث، 1387 هـ.
أحمد بن الفضل حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ - فذكر القصة بطولها وفيها مقتل أبي بن خلف-
…
) وعلق عليها الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية
(1)
: (وهذا غريب جدا، وفي بعضه نكارة).
وقد تلقى كثير من العلماء هذه القصة بالقبول منهم شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال
(2)
: (والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة التي هي المقصودة في أئمة الحرب، ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف قتله يوم أحد ولم يقتل بيده أحداً لا قبلها ولا بعدها
…
).
قال العمري
(3)
: (ووصله الواحدي في أسباب النزول ص (56) والخبر تواردته كتب السيرة).
* * * *
تشويه الشهداء
قوله: (وكان هذا آخر هجوم قام به المشركون ضد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم يكونوا يعرفون من مصيره شيئاً -بل كانوا على شبه اليقين من قتله- رجعوا إلى مقرهم، وأخذوا يتهيأون للرجوع إلى مكة، واشتغل من اشتغل منهم - وكذا اشتغلت نساؤهم - بقتلى المسلمين، يمثلون بهم، ويقطعون الآذان والأنوف والفروج، ويبقرون البطون. وبقرت هند بنت عتبة كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، واتخذت من الآذان والأنوف خَدَماً - خلاخيل- وقلائد).
التعليق: قصة تمثيل هند بنت عتبة لجسد حمزة لا تصح.
قال الشيخ عبدالله بن خميس- حفظه الله -
(4)
: (ذكر المرويات الضعيفة في الموضوع:
1 -
روى موسى بن عقبة، أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند
(1)
(5/ 377)، طبعة دار هجر، الأولى، 1418 هـ.
(2)
منهاج السنة النبوية (8/ 78) تحقيق محمد رشاد سالم، طبعة جامعة الإمام، الأولى، 1406 هـ.
(3)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 92).
(4)
موقع ملتقى أهل الحديث رابط: http:// www.ahlalhdeeth.com/ vb/ showthread.php? t=58780
بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (158) دون إسناد، فهو ضعيف.
2 -
وروى ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، وزاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال وأنفهم خدماً (أي: خلاخل) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطيها وحشياً. ابن هشام (159) بإسناد منقطع موقوف على شيخه ابن كيسان، فهي ضعيفة.
3 -
وروى الواقدي أن وحشياً عندما قتل حمزة حمل كبده إلى مكة ليراها سيده جبير بن مطعم. المغازي (160)، والواقدي متروك، فروايته ضعيفة جداً.
وذكر الشامي أن الواقدي والمقريزي -في الإمتاع - رويا أن وحشياً شق بطن حمزة وأخرج كبده وجاء بها إلى هند فمضغتها ثم لفظتها، ثم جاءت معه إلى حيث جثة حمزة، فقطعت من كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه، ثم جعلت مَسَكَتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة. سبل الهدى والرشاد (161).
ولعل رواية الواقدي والمقريزي التي أشار إليها الشامي تفيد الجمع بين روايتي ابن عقبة وابن إسحاق، وتوافقهما في المضمون. وهي ضعيفة.
وختاماً نستطيع أن نقول: أنه من خلال الجمع بين الروايات الصحيحة والضعيفة، نخرج بملاحظتين: -
الأولى: أن التمثيل بجثة حمزة فقد ثبت بطرق صحيحة كما ذكرنا، مما يدل على أن قصة بقر بطن حمزة -التي ذكرها أهل المغازي والسير- لها أصل.
الثانية: أن هنداً بريئة من هذا الفعل المشين، وذلك لضعف جميع الطرق التي جاءت تفيد بأن هنداً هي التي قامت ببقر كبد حمزة والتمثيل بجثته).
قال الشيخ عبد الله بن مانع - حفظه الله-: (وأيضاً عادة النساء الضعف والقصور عن مثل هذا، فلا السند صحيح، ولا القدرة صالحة،
ولم يكن من عادة العرب فعل هذا في التشفي، ولم يكن موتورهم يفعل ذلك فكيف بنسائهم؟).
(1)
* * * *
التثبت من موقف المشركين
قوله: (ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم -علي بن أبي طالب، فقال: (اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ وما يريدون؟ فإن كانوا قد جَنَبُوا الخيل، وامْتَطُوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة. والذي نفسي بيده، لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم).
قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووَجَّهُوا إلى مكة). قال في الهامش: ابن هشام 2/ 94، وفي فتح الباري أن الذي خرج في آثار المشركين هو سعد بن أبي وقاص (7/ 347).
التعليق: بدون إسناد.
قال الألباني
(2)
: (رواه ابن هشام (2/ 40) عن ابن إسحاق بدون إسناد).
تفقد القتلى والجرحى
قوله: (وفرغ الناس لتفقد القتلى والجرحى بعد منصرف قريش. قال زيد بن ثابت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع، فقال لي: إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
انظر: ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (147 - 152).
(2)
تخريج فقه السيرة ص (259).
(كيف تجدك؟) قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو بآخر رمق، وفيه سبعون ضربة: ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت: يا سعد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك:(أخبرني كيف تجدك؟) فقال: وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، وفاضت نفسه من وقته).
التعليق: ضعيف، وسنده معضل.
قال الألباني
(1)
: (وهذا إسناد معضل وقد روي موصولا كما بينته في (تخريج فقه السيرة للغزالي)(289 - 290)
قال أيضاً
(2)
: (أخرجه (ابن إسحاق) من طريق محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة المازني مصرحاً بسماعه منه مرفوعاً به، كما في سيرة ابن هشام (2/ 140 - 141) وهذا إسناد معضل، وقد رواه الحاكم (3/ 201) من طريق محمد بن إسحاق أن عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة حدثه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأنا أخشى أن يكون سقط من السند (محمد) بن عبدالله بن عبدالرحمن بن إسحاق، وعبدالله بن عبدالرحمن، فإنهم لم يذكروا ابن إسحاق في الرواة عن عبدالله بن عبدالرحمن، وعليه يكون الحديث مرسلاً وبه أعله الذهبي؛ لأن عبدالله هذا تابعي، وأما أبوه عبدالرحمن بن أبي صعصعة فصحابي، فلو أن سند الحاكم سلم من السقط لكان الحديث متصلاً ولما أعله الذهبي بالإرسال، والله أعلم.
والحديث رواه مالك
(3)
عن يحيى بن سعيد معضلاً، ونقل السيوطي
(1)
دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص (29).
(2)
تخريج فقه السيرة (289).
(3)
الموطأ (1/ 378) حديث (962)، تحقيق بشار معروف ومحمود خليل، مؤسسة الرسالة، 1412 هـ.
في (تنوير الحوالك) عن ابن عبد البر
(1)
قال: (هذا الحديث لا أحفظه ولا أعرفه إلا عند أهل السير، فهو عندهم مشهور معروف).
قلت: قد رواه الحاكم أيضاً من حديث زيد بن ثابت قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع
…
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وفي سنده: أبو صالح عبد الرحمن بن عبد الله الطويل، ولم أجد الآن ترجمته).
(2)
* * * *
تفقد القتلى والجرحى
1 -
قوله: (ووجدوا في الجرحى قُزْمَان وكان قد قاتل قتال الأبطال؛ قتل وحده سبعة أو ثمانية من المشركين ـ وجدوه قد أثبتته الجراحة، فاحتملوه إلى دار بني ظَفَر، وبشره المسلمون فقال: والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت، فلما اشتد به الجراح نحر نفسه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له: (إنه من أهل النار) ـ وهذا هو مصير المقاتلين في سبيل الوطنية أو في أي سبيل سوى إعلاء كلمة الله، وإن قاتلوا تحت لواء الإسلام، بل وفي جيش الرسول والصحابة).
(1)
التمهيد (24/ 94). وقال أيضاً: (وَهَذَا الْخَبَرُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق فِي (السِّيَرِ) بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ هَذَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْمَازِنِيُّ أَحَدُ بَنَى النَّجَّارِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُشْتَهِرٌ مُسْتَفِيضٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ عُلَمَائِهَا). انظر: الاستذكار لابن عبدالبر (5/ 131)، تحقيق سالم محمد عطا ومحمد علي معوض، دارالكتب العلمية، الأولى 1421 هـ.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: (هذا حديث مُرسلٌ، والحديثُ صحيحٌ من وجوهٍ، خرّجه الأئمة: مسلم والبخاري، وغيرهما في الصّحيح)، قال المعلقان عليه:(لم نجده في مسلم والبخاري، وفيه ما يشهد لبعضه من حديث أنس كما صرَّح بذلك ابن حجر في الإصابة: (4/ 144). انظر: المسالك في شرح موطأ مالك (5/ 108) علق عليه: محمد بن الحسين السليماني وعائشة بنت الحسين السليماني، دار الغرب الإسلامي، الأولى، 1428 هـ.
(2)
انظر: ما شاع ولم يثبت في السيرة، العوشن ص (137).
التعليق: الراجح أن القصة لم تكن بغزوة أحد.
حادثة قتل أحد المقاتلين نفسه بعد ما قاتل الكفار وأتعبهم وذلك في إحدى غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة فقد ثبت في الصحيحين
(1)
عن سهل بن سعد رضي الله عنه " أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْتَقَى هو والمشرِكون فاقْتَتَلوا، فلما مالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عَسكرِهِ ومالَ الآخرون إلى عسكرِهِم، وفي أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلٌ لا يَدَعُ لهم شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا اتَّبَعَها يَضربُها بسيْفِهِ، فقيل: ما أجْزَأَ منا اليومَ أحدٌ كما أجْزَأَ فلانٌ، فقال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم:(أمَا إنه مِن أهلِ النار)، فقال رجلٌ مِنَ القومِ: أنا صاحِبُه، قال: فخرَجَ معه كلما وقَفَ وقَفَ معه، وإذا أسرعَ أسرعَ معه، قال: فجُرِحَ الرجلُ جُرحًا شديدًا، فاستعجلَ الموتَ، فوضع سيفَهُ بالأرضِ وذِبابَهُ بين ثدْيَيْهِ، ثم تَحامَلَ على سيفهِ فقتَلَ نفسَه، فخرَج الرجلُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: أشْهدُ أنَّك رسولُ اللهِ، قال:(وما ذاكَ؟). قال: الرجلُ الذي ذَكَرتَ آنِفًا أنه مِن أهلِ النار، فأَعْظَمَ الناسُ ذلك، فقلتُ: أنا لكم به، فخرَجْتُ في طلَبِه، ثم جُرِحَ جُرحًا شديداً، فاستَعجلَ الموتَ، فوضعَ سيفَه في الأرضِ وذبابَه بين ثدييه، ثم تحاملَ عليه فقتَلَ نفسَه. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجلَ لَيعملُ عملَ أهلِ الجنةِ؛ فيما يبدو للناسِ، وهو مِن أهلِ النارِ، إن الرجلَ ليعملُ عملَ أهلِ النارِ، فيما يبدو للناسِ، وهو مِن أهلِ الجنةِ).
ورواية البخاري في الصحيح تبين أن القصة وقعت في غزوة خيبر، وكذلك الطبراني في الأوسط (3/ 365) صرح أنها في خيبر.
وروى ابن حبان في صحيحه (10/ 378) حديث رقم (4519) عن أبي هريرة أنها في حنين وكذلك الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 216) روى
(1)
رواه البخاري (2898) في الجهاد: باب لا يقول: فلان شهيد، و (4202) و (4207) في المغازي: باب غزوة خيبر، و (6493) في الرقاق: باب الأعمال بالخواتيم، و (6607) في القدر: باب العمل بالخواتيم، ومسلم (112) في الإيمان: باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وفي القدر: باب كيفية الخلق الآدمي.
عن كعب بن مالك أنها في غزوة حنين لكنه قال: فيه محمد بن خالد الواسطي ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ ويخالف. وقال ابن معين: رجل سوء كذاب. ورواه بإسناد آخر وفيه جماعة لم أعرفهم.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، والمحفوط في هذا "خيبر"، وكأن الحامل للراوي على قوله "حنين" ما عرف من أن أبا هريرة لم يشهد خيبر، وإنما حضر بعدما فرغ القتال. وقال في الفتح (7/ 473): أراد جيشها من المسلمين، لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر.
والهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 119) عن سهل بن سعد أنها في غزوة أحد وقال: رجاله رجال الصحيح.
قال الحافظ ابن حجر
(1)
: (جزم ابن الْجَوْزِيِّ فِي مُشْكِلِهِ بِأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي حَكَاهَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَقَعَتْ بِأُحُدٍ قَالَ: وَاسْمُ الرَّجُلِ قُزْمَانُ الظُّفُرِيُّ وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ فَعَيَّرَهُ النِّسَاءُ فَخَرَجَ حَتَّى صَارَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ ثُمَّ صَارَ إِلَى السَّيْفِ فَفَعَلَ الْعَجَائِبَ فَلَمَّا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: الْمَوْتُ أَحْسَنُ مِنَ الْفِرَارِ. فَمَرَّ بِهِ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فَقَالَ لَهُ هَنِيئًا لَك بِالشَّهَادَةِ. قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي مَا قَاتَلْتُ عَلَى دِينٍ وَإِنَّمَا قَاتَلْتُ عَلَى حَسَبِ قَوْمِي. ثُمَّ أَقْلَقَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ أَخَذَهُ مِنْ مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ لَا يَحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ، فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ، نَعَمْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَازِمٍ حَدِيثَ الْبَابِ وَأَوَّلُهُ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا أَبْلَى فُلَانٌ لَقَدْ فَرَّ النَّاسُ وَمَا فَرَّ، وَمَا تَرَكَ لِلْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً -الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عَلَى نَحْوِ مَا فِي الصَّحِيحِ وَلَيْسَ فِيهِ تَسْمِيَتُهُ- وَسَعِيدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَمَا أَظُنُّ رِوَايَتَهُ خَفِيَتْ عَلَى الْبُخَارِيِّ
(1)
فتح الباري (7/ 471).
وَأَظُنُّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ أُحُدٍ لِأَنَّ سَهْلًا مَا كَانَ حِينَئِذٍ مِمَّنْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ لِصِغَرِهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مَوْلِدَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ فَيكون فِي أحد ابن عشرَة أَو إِحْدَى عشرَة على أَنه قد حَفِظَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ أُحُدٍ مِثْلَ غَسْلِ فَاطِمَةَ جِرَاحَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم).
* * * *
قوله: (هذا كان في القتلى رجل من يهود بني ثعلبة، قال لقومه: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم حق. قالوا: إن اليوم يوم السبت. قال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالي لمحمد. يصنع فيه ما شاء، ثم غدا فقاتل حتى قتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُخَيرِيق خير يهود).
التعليق: ضعيف
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي
(1)
: (روى ابن سعد ذلك بأسانيد متعددة، وفيها ضعف، والله أعلم).
وقال العمري
(2)
: (ولم يصح في إسلامه حديث ولكن نص على ذلك ابن إسحاق والواقدي دون إسناد، ويؤيده أن ابن حجر ترجم له في الصحابة. الإصابة (6/ 57)).
لكن ذكر ابن حجر له في كتابه فليس فيه إثبات الصحبة فقد ذكره في القسم الأول وهو من وردت صحبته من طريق صحيحة، أو حسنة، أو ضعيفة، وسكوته كما لا يفيد الجزم بعدم إسلامه لا يفيد جزمه بصحبته.
(وعلى فرض صحة القصة فإن المراد بخير يهود أي: في تلك الغزوة، وإلا فإن خير من أسلم من يهود هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه
(1)
فتح الباري (2/ 485).
(2)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 389).
وقد أخرج البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه قال: "ما سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحدٍ يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنّة إلاَّ لعبد الله بن سلام).
(1)
الرجوع إلى المدينة، ونوادر الحب والتفاني
قوله: (لقيته في الطريق حَمْنَة بنت جحش، فَنُعِي إليها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن زوج المرأة منها لبِمَكان).
التعليق: ضعيف.
رواه ابن ماجة في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في البكاء على الميت، حديث رقم (1590) قال: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثنا عبدالله بن عمر، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش، عن أبيه، عن حمنة بنت جحش أنه قيل لها: قتل أخوك. فقالت: رحمه الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. قالوا: قتل زوجك. قالت: واحزناه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للزوج من المرأة لشعبة
(2)
ما هي لشيء)، ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 68) حديث رقم (6906) وسكت عنه الذهبي في التلخيص، وكذا ابن سعد في الطبقات (8/ 175)، وابن إسحاق في السيرة بلفظ:(إن زوج المرأة منها لبمكان)، وضعفه البوصيري
(3)
وقال: (في إسناده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف)، وضعفه الألباني
(4)
، والعمري
(5)
.
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن -حفظه الله- ص (159).
(2)
(لشعبة): الشعبة بالضم غصن الشجرة وقطعة من الشيء، والمراد النوع من المحبة والتعلق.
(3)
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة (2/ 47)، تحقيق محمد المنتقى الكشناوي، دار العربية، الثانية، 1403 هـ.
(4)
ضعيف ابن ماجه حديث رقم (347)، والسلسلة الضعيفة حديث رقم (3233).
(5)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 395).
* * * *
قوله: (وجاءت إليه أم سعد بن معاذ تعدو، وسعد آخذ بلجام فرسه، فقال: يا رسول الله أمي، فقال: مرحبا بها. ووقف لها. فلما دنت عزاها بابنها عمرو بن معاذ. فقالت: أما إذا رأيتك سالماً، فقد اشتويت المصيبة أي: استقللتها. ثم دعا لأهل من قتل بأحد وقال: يا أم سعد أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعاً، وقد شفعوا في أهلهم جميعا. قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: يا رسول الله، ادع لمن خلفوا منهم، فقال: "اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا". السيرة الحلبية (2/ 47)
التعليق:
هذا الحديث لا يوجد في دواوين السنة المعروفة، ولم أعثر عليه إلا في مغازي الواقدي (1/ 316)، وهذا مما يدل على عدم صحته.
* * * *
غزوة حمراء الأسد
1 -
قوله: (قال أهل المغازي ما حاصله: إن النبي صلى الله عليه وسلم نادى في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو -وذلك صباح الغد من معركة أحد، أي يوم الأحد الثامن من شهر شوال سنة 3 هـ - وقال: (لا يخرج معنا إلا من شهد القتال)، فقال له عبد الله بن أبي: أركب معك؟ قال: (لا)، واستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد، والخوف المزيد، وقالوا: سمعاً وطاعة. واستأذنه جابر بن عبد الله، وقال: يا رسول الله، إني أحب ألا تشهد مشهداً إلا كنت معك، وإنما خلفني أبي على بناته فائذن لي أسير معك، فأذن له).
التعليق: مرسل.
قال الألباني
(1)
: (رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير مرسلاً كما في البداية، وذكره ابن هشام عن ابن إسحاق بدون سند).
(1)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (272).
* * * *
2 -
قوله: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد- بعد مقدمه يوم الأحد- الاثنين والثلاثاء والأربعاء - 9، 10، 11 شوال سنة 3 هـ - ثم رجع إلى المدينة، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الرجوع إلى المدينة أبا عَزَّة الجمحي- وهو الذي كان قد منّ عليه من أساري بدر؛ لفقره وكثرة بناته، على ألا يظاهر عليه أحداً، ولكنه نكث وغدر فحرض الناس بشعره على النبي- صلى الله عليه وسلم والمسلمين، كما أسلفنا، وخرج لمقاتلتهم في أحد- فلما أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد، أقلني، وامنن علي، ودعني لبناتي، وأعطيك عهداً ألا أعود لمثل ما فعلت، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعت محمداً مرتين، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، ثم أمر الزبير أو عاصم بن ثابت فضرب عنقه).
التعليق: ضعيف.
مغازي الواقدي (1/ 110 - 111)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 65) من طريق الواقدي، وأخرجه ابن إسحاق، ابن هشام (2/ 60)، عن شيوخه ومنهم الزهري.
قال العلامة الألباني
(1)
:
(ضعيف. ذكره ابن إسحاق بدون إسناد قال: " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره ببدر ثم من عليه فقال: يا رسول الله أقلني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعت محمدا مرتين، اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه " ذكره ابن هشام في " السيرة " (3/ 110) ثم قال: " وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه). قلت: وهذا مع بلاغه مرسل وقد وصله البيهقي (9/ 65) من طريق محمد بن عمر حدثني محمد بن عبد الله عن
(1)
إرواء الغليل حديث رقم (1215).
الزهري عن سعيد بن المسيب به مطولاً. قلت: وإسناده واه جداً من أجل محمد بن عمر وهو الواقدي وهو متروك.
وأما حديث: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) فصحيح اتفق الشيخان على إخراجه وأما سببه المذكور فلا يصح وإن جزم به العسكري ونقله عنه المناوي في " فيض القدير " ساكتاً عليه غير مبين لعلة! وتبع العسكري آخرون كابن بطال والتوربشني كما نقله الحافظ في " الفتح "
(1)
(10/ 440) وأشار إلى ضعفه فراجعه إن شئت).
قال الحافظ ابن حجر
(2)
: (وَفِي إسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ).
* * * *
سرية أبي سلمة
قوله: (أول من قام ضد المسلمين بعد نكسة أحد هم بنو أسد بن خزيمة، فقد نقلت استخبارات المدينة أن طلحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعون بني أسد بن خزيمة إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون مقاتلاً من المهاجرين والأنصار، وأمر عليهم أبا سلمة، وعقد له لواء. وباغت أبو سلمة بني أسد بن خزيمة في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم، فتشتتوا في الأمر، وأصاب المسلمون إبلاً وشاء لهم فاستاقوها، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لم يلقوا حرباً.
كان مبعث هذه السرية حين استهل هلال المحرم سنة 4 هـ. وعاد أبو سلمة وقد نفر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات).
(1)
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/ 530): (وَأَخْرَجَ قِصَّتَهُ ابن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي بِغَيْر إِسْنَاد).
ط. دار المعرفة، بيروت، 1379 هـ.
(2)
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (4/ 202) طبعة مؤسسة قرطبة، مصر، الأولى، 1416 هـ.
التعليق: ضعيف.
قال الألباني
(1)
: (ذكر هذه السرية ابن كثير في البداية (4/ 61 - 62) من طريق الواقدي بإسناد له معضل، والواقدي متروك).
تعبير المؤلف عن غزوة أحد بقوله: (نكسة أحد)
(2)
تعبير فيه تجوز، وكذلك قوله تحت عنوان مأساة بئر معونة:(تذكر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد).
وارجع إلى كلام المؤلف نفسه عن غزوة أحد، وهل تعد هزيمة أم لا؟ والدروس المستفادة منها فإنه قد أفاد و أجاد- رحمه الله وذلك تحت عنوان (غزوة حمراء الأسد)، وما بعدها.
* * * *
غزوة الأحزاب
قوله: (وسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عقد مجلس استشاري أعلى، تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن كيان المدينة، وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشورى اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي-رضي الله عنه.
قال سلمان: يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خَنْدَقْنَا علينا. وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك).
التعليق: القصة بلا إسناد.
أقدم من أشار إلى ذلك أبو معشر السندي ت (171) هـ بدون إسناد كما في فتح الباري (7/ 393)، وذكرها الواقدي بدون إسناد.
(1)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (274).
(2)
جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 2282) د/ أحمد مختار، عالم الكتب، الأولى 1429 هـ.
(نَكْسَة [مفرد]: ج نَكَسات ونَكْسَات:
1 -
اسم مرَّة من نكَسَ: "لم يَذق نكسةً في حياته".
2 -
معاودة المرضِ بعد البُرْء "نكْسةُ المرض".
3 -
إخفاق، هزيمة، انكسار "نكسة عسكريَّة").
انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 420).
فائدة: قال الطبري والسهيلي: (أول من حفر الخنادق منوشهر بن أيرج بن أفريدون وكان في زمن موسى عليه السلام. البداية والنهاية لابن كثير (4/ 97).
* * * *
قوله: (وجاءت أخت النعمان بن بشير بحفنة من تمر إلى الخندق ليتغدى أبوه وخاله، فمرت برسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب منها التمر وبدده فوق ثوب، ثم دعا أهل الخندق فجعلوا يأكلون منه. وجعل التمر يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه يسقط من أطراف الثوب).
التعليق: منقطع.
رواه ابن إسحاق وقال: "وحدثني سعيد بن مَيْنا أنه حُدّث: أن ابنة لبشير بن سعد، أخت النعمان بن بشير قالت: فذكرته ......
قال الحافظ ابن كثير
(1)
: "هكذا رواه ابن إسحاق وفيه انقطاع، وهكذا رواه الحافظ البيهقي من طريقه ولم يزد ".
* * * *
قوله: (وكره فوارس من قريش أن يقفوا حول الخندق من غير جدوى في ترقب نتائج الحصار، فإن ذلك لم يكن من شيمهم، فخرجت منها جماعة فيها عمرو بن عبد وُد
(2)
وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب وغيرهم، فتيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فاقتحموه، وجالت بهم خيلهم في السَّبْخة بين الخندق وسَلْع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، ودعا عمرو إلى المبارزة، فانتدب له علي بن أبي طالب، وقال كلمة حمي لأجلها
(1)
البداية والنهاية (6/ 25) تحقيق عبد المحسن التركي، طبعة دار هجر، الأولى 1418 هـ.
(2)
(وَفِي (كتاب الْعين) وَد بِفَتْح الْوَاو صنم كَانَ لقوم نوح عليه الصلاة والسلام، وَبِضَمِّهَا صنم لقريش، وَ بِه سمي عَمْرو بن عبد وُد). عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (19/ 262)، دار إحياء التراث، بيروت.
- وكان من شجعان المشركين وأبطالهم- فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتجاولا وتصاولا حتى قتله علي رضي الله عنه، وانهزم الباقون حتى اقتحموا الخندق هاربين، وقد بلغ بهم الرعب إلى أن ترك عكرمة رمحه وهو منهزم عن عمرو).
التعليق: قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمرو بن عبد وُد مشهورة لكن تفاصيلها وردت بأسانيد ضعيفة.
قال الدكتور أكرم العمري
(1)
: (السيرة النبوية (2/ 224)، والطبقات الكبرى (2/ 68)، وأورد الطبري مبارزة علي لعمرو بن عبد ودّ من مرسل الزهري ومراسيله ضعيفة، ومن مرسل عكرمة بإسناد رجاله ثقات (تاريخ الأمم والملوك (3/ 48)، وكنز العمال (10/ 455) ولكن لا يحتاج لإثبات صحة المبارزة إلى درجة الصحة الحديثية؛ لأن مثل هذه الأخبار تشتهر وتعرف بين الناس، وقد شاهد المعركة ألوف المقاتلين).
وقد سكت عنها العلامة الألباني ولم يتعقبها في تعليقه وتخريجه لأحاديث كتاب فقه السيرة للغزالي ص (301).
قال أبوعمر الصوياني
(2)
: (هذا الجزء من الحديث حسن وهو ما صح من قصة علي مع عمرو بن عبد ود .. رواه الحاكم (3/ 32) وسنده ضعيف لأن الحكم لم يسمع هذا الحديث من مقسم لكن هذا الجزء من الحديث له شاهدان مرسلان .. عند البيهقي (3/ 435) عن عروة .. وعن محمد بن كعب القرظي فقتل علي لعمرو ثابت بهذه الأسانيد .. أما تفاصيل المبارزة وما جرى من حديث فلم أجد سوى مراسيل وهي لا تتقوى ببعضها لاحتمال توحد المصدر).
(3)
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 429).
(2)
السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة للصوياني (3/ 97)، مكتبة العبيكان، الأولى، 1424 هـ.
(3)
انظر:
- مرويات غزوة الخندق لإبراهيم بن محمد المدخلي ص (295)، طبعة الجامعة الإسلامية، الأولى، 1421 هـ.
- الصحيح من أحاديث السيرة لأبي عمر محمد بن حمد الصوياني ص (326)، طبعة مدار الوطن، الأولى 1432 هـ.
* * * *
قوله: (قال ابن إسحاق: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت، وكان حسان فيه مع النساء والصبيان، قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في غور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إن أتانا آت، قالت: فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي كما تري يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا مَنْ وراءنا مِنْ يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله.
قال: والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت: فاحتجزت ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن وقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سبله إلا أنه رجل، قال: ما لي بسلبه من حاجة).
قال في الهامش: ابن هشام 2/ 228، وذكر الحافظ ابن حجر أن أحمد رواه بإسناد قوي عن عبدالله بن الزبير، فتح الباري (6/ 285) شرح كتاب فرض الخمس، باب 18 من صحيح البخاري.
التعليق: من ناحيتين:
الأولى: هذه الرواية لا تصح جاءت بخمسة أسانيد ذكرها الشيخ سليمان بن صالح الخراشي -حفظه الله- في كتابه: حسان بن ثابت رضي الله عنه لم يكن جباناً بلغت صفحاته (145) من القطع الصغير واستوعب الكلام عليها وذكر ما فيها من العلل وأنها لا تصح فأفاد وأجاد بما لا تراه مجموعاً في مكان واحد ثم وجدت كتاباً آخراً تناول الموضوع يحسن الرجوع إليه أيضاً: نقض افتراءات المؤرخين والنقاد حول شخصية حسان بن ثابت لأحمد بن مسفر العتيبي وخصوصاً أن اتهام حسان بن ثابت رضي الله عنه بالجبن منتشر بصورة كبيرة فيما يعرف بكتب الأدب ويحتاج إلى بيان وتوضيح لهذه التهمة الباطلة.
تُرد هذه الفرية من وجوه عدّة
(1)
:
الوجه الأول: أن هذه القصة لا تصحّ؛ لأن سندها منقطع، وأحسن ما ورد فيها:
ما أخرجه الحاكم في "المستدرك"(4/ 51) من طريق يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن صفية بنت عبد المطلب، قال: عروة وسمعتها تقول: فذكرت القصة
…
والطبراني في "المعجم الكبير"(24/ 319/ 804): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(10/ 41): أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
…
هذه الطرق تدور على "عروة بن الزبير"، وقال الذهبي
(2)
: (عروة لم يدرك صفية)، فالإسناد منقطع، وأيضاً وقع الاضطراب في تحديد الغزوة أهي غزوة أحد أم الخندق.
وقال ابن إسحاق
(3)
: (وحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، قَالَ:
…
وهذا إسناد ضعيف، للانقطاع بين "عباد" وبين أحداث القصة.
يقول الإمام السهيلي رحمه الله
(4)
: (محمل هذا الحديث عند الناس على أن حسّاناً كان جباناً شديد الجبن، وقد دفع هذا بعض العلماء وأنكره، وذلك أنّه حديث منقطع الإسناد).
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله
(5)
: (كرهت ذكرها لنكارتها).
(1)
مستفاد من كلام الشيخ أبي معاذ محمد مرابط -حفظه الله- بتصرف خصوصاً في الوجه الأول، انظر الرابط: http:// www.startimes.com/ f.aspx? t=34229651
(2)
تلخيص المستدرك (4/ 51).
(3)
السيرة النبوية لابن هشام (3/ 155).
(4)
الروض الأنف (3/ 432 - 433).
(5)
الاستيعاب (192).
الوجه الثاني:
أنه لو صحّ ذلك عن هذا التقيّ لما قوي شعره وجهاده ضد كفار العرب وذلكم أن الشعراء لا تجد واحداً منهم يُغفل مثل هذه الخصال المذمومة حتى يهجو من كان خصماً له وخصوصاً من شعراء الإسلام.
يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله
(1)
ناقلاً عن بعض من أنكر ذلك: (وقالوا: لو كان حقاً لهجي به، فإنه قد هجا قوماً فلم يهجه أحد منهم بالجبن، ولو كان ذلك لهجي به).
يقول الإمام السهيلي رحمه الله
(2)
ناقلاً عن بعض الأئمة: (وقال: لو صحّ هذا لهجي به حسّان، فإنّه كان يهاجي الشعراء كضرار وابن الزبعريّ وغيرهما، وكان يناقضونه ويردون عليه، فما عيّره أحد منهم بجبن، ولا وسمه به، فدلّ هذا على ضعف حديث ابن إسحاق).
وأدق من ذلك أن تلكم الفرية -لو صح خبرها- لهجي حتى ابنه عبد الرحمن فقد كان معروفاً بالشعر أيضاً.
يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله
(3)
: (و لو صحّ ذلك لهُجي بذلك ابنه عبد الرحمن، فإنه كان كثيراً ما يهاجي الناس من شعراء العرب مثل النجاشي وغيره).
الوجه الثالث:
ولو سلمنا جدلاً وقلنا بصحة هذا الخبر تنزلاً: لما جاز لأحد أن يصف هذا الصحابي الشجاع والتقيّ المقدام بهذه الصفة المشينة التي تردها الطباع الحسنة.
(1)
الاستيعاب (192).
(2)
الروض الأنف (3/ 432 - 433).
(3)
انظر: الدرر في المغازي والسير لابن عبد البر ص (175).
ولقد قرر أئمة السنة وانعقد على ذلك إجماعهم أن منزلة الصحابة رفيعة لا تمسّ بحال:
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله
(1)
: (والكف عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير ما يُذكرون به، فإنهم أحق الناس أن تُنشر محاسنهم ويُلتمس لهم أفضل المخارج ويُظن بهم أحسن المذاهب).
فدونك يا عبد الله! حبل السلامة فاعقد نفسك به لعلك تنجو من أمواج فتن أهل الجهل، الذين لا يرفعون رأساً بكلام الأئمة الجهابذة.
وإذا مثّلنا بقضية حسان رضي الله عنه على هذه القاعدة النيّرة التي قررها ابن عبد البر رحمه الله نخلص إلى أن هذه الفرية لو ثبتت لما جاز لنا نشرها لأن ذلك حتماً يعد من نشر مساوئ الصحابة وقد نهينا عن ذلك.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (26/ 44) السؤال الثالث من الفتوى رقم (6581)
س 3: (يقول البعض: بأن حساناً بن ثابت رضي الله عنه (جبان) ويستشهدون بقول ابن حجر ذلك في الإصابة. ما رأيكم في ذلك؟
ج 3: الذي ينبغي للمسلم نحو الصحابة رضي الله عنهم أن يذكر محاسنهم، ويثني عليهم بما هم أهل له، ويكف عن مساوئهم، وما ذكر عن حسان بن ثابت في كتب التاريخ والتراجم من أنه كان جبانًا فعلى تقدير صحته يكون ذكره بذلك غيبة، ولا خير يستفاد من ذكره بذلك، وإن كان كذبًا كان وصفه بذلك غيبة وزورًا، وكان الكف عن ذلك أوجب، وصيانة اللسان عنه ألزم).
الوجه الرابع:
بناء على تلكم القاعدة الزكية السالفة الذكر، يقال: إن حساناً من
(1)
الجامع (147).
أحق الناس أن يلتمس له أحسن المخارج لو صح ذلك، ومن المخارج التي التمست ما ذكره الإمام السهيلي رحمه الله حيث قال
(1)
: (وإن صحّ فلعلّ حسّاناً أن يكون معتلاّ في ذلك اليوم بعلّة من شهود القتال، وهذا أولى ما تأول).
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله
(2)
: (وقيل: إنما أصابه ذلك الجبن منذ ضربه صفوان بن المعطل بالسيف).
لو نازع أحدٌ في إثبات القصة فإنها تدلّ على امتناع حسان مِن قتل اليهودي فقط، وليس فيها بيان سبب امتناعه، فلا يصح أنْ نحملَ ذلك على الجبن.
ولقد كفانا الله عناء التكلف في البحث لمخارج لهذا الصحابي الجليل- رضي الله عنه و ذلك لعدم صحة الخبر والحمد لله أولاً وآخراً.
الوجه الخامس:
أن حساناً رضي الله عنه قد كان من المجاهدين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وليس بلسانه فقط وبرهانه:
أن ابن عباس رضي الله عنهما -قال
(3)
: (قد جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ولسانه).
فعقب الإمام الذهبي رحمه الله بعد هذا الأثر
(4)
: (قلت: هذا دال على أنه غزا).
وقالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
(5)
: (لا تسبوا حساناً فإنه قد أعان نبي الله صلى الله عليه وسلم بلسانه ويده).
(1)
الروض الأنف (3/ 432 - 433).
(2)
الاستيعاب (192).
(3)
السير (2/ 518)، وتاريخ دمشق (13/ 283).
(4)
السير (2/ 518).
(5)
تاريخ دمشق (13/ 28).
الثانية: قول المؤلف إن هذه القصة رواها الإمام أحمد تبعاً للحافظ ابن حجر كما نقل عنه قوله: (إن أحمد رواه بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير، فتح الباري (6/ 285) شرح كتاب الخمس، باب 18 من صحيح البخاري).
والصحيح أن الإمام أحمد لم يخرج القصة في مسنده وإنما أخرج حديث رقم (1423) من طريق عبد الله بن الزبير، قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ مَعَ النِّسَاءِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ، يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً، فَلَمَّا رَجَعَ قُلْتُ: يَا أَبَتِ رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ. قَالَ: وَهَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ يَأْتِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِيَنِي بِخَبَرِهِمْ؟ " فَانْطَلَقْتُ فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ فَقَالَ: " فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ". وإسناد أحمد صحيح ويوافق ما في البخاري حديث رقم (3720) ولا يوجد فيه ذكر لقصة حسان-رضي الله عنه.
والغريب أن المؤلف صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله قد أشار إلى ضعف القصة في الطبعة القديمة بقوله: (يحمل هذا الحديث على أن حساناً كان جباناً، وقد دفع هذا بعض العلماء وأنكره، وذلك أن الحديث منقطع الإسناد، ولو صح لهجي به حسان، - وإن صح الحديث- فربما كان حسان معتلاً في ذلك اليوم، وهذا أولى ما تأول).
ثم حذف هذا التعليق، وكتب ما نقله عن الحافظ ابن حجر في الطبعة الجديدة.
* * * *
قوله: (ثم إن الله عز وجل وله الحمد - صنع أمراً من عنده خذل به العدو وهزم جموعهم، وفَلَّ حدهم، فكان مما هيأ من ذلك أن رجلاً من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي رضي الله عنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أنت رجل
واحد، فَخذِّلْ عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة "، فذهب من فوره إلى بني قريظة - وكان عشيراً لهم في الجاهلية - فدخل عليهم وقال: قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت. قال: فإن قريشاً ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم، قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد أشرت بالرأي.
ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش وقال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي لكم؟ قالوا: نعم، قال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك).
التعليق: ضعيف جداً.
قال العلامة الألباني
(1)
: (ذكر هذه القصة ابن إسحاق بدون إسناد، وعنه ابن هشام: (2/ 193 - 194)، لكن قوله صلى الله عليه وسلم:(الحرب خدعة)، صحيح متواتر عنه صلى الله عليه وسلم، رواه الشيخان من حديث جابر وأبي هريرة وغيرهما، انظر: الجامع الصغير مع شرحه (فيض القدير)، للمناوي).
وقال أيضاً
(2)
: (ضعيف جداً. أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 109/ 226)، وأبو عوانة (4/ 82)، والديلمي (2/ 111 - 112) عن يعقوب بن محمد: حدثنا عبد العزيز بن عمران: حدثنا إبراهيم بن صابر الأشجعي، عن أبيه، عن أمه بنت نعيم بن مسعود الأشجعي، عن أبيها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
(1)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (309).
(2)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (3777).
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد العزيز بن عمران هو المعروف بابن أبي ثابت الزهري المدني، وهو متروك.
ومن فوقه لم أعرفهم، وبنت نعيم اسمها زينب، ونعيم صحابي مشهور قالوا: وهو الذي أوقع الخلاف بين الحيين (قريظة وغطفان) في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضاً ورحلوا عن المدينة، والقصة رواها ابن إسحاق بغير إسناد؛ وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال له:"فخذل عنا إن استطعت؛ فإن الحرب خدعة".
انظر: "تاريخ ابن كثير"(4/ 111)، ورواها الطبري (1/ 114/ 236) عن الزهري مرسلاً؛ دون حديث الترجمة.
(تنبيه): "إبراهيم بن صابر" هكذا وقع في "تهذيب الطبري"، ووقع في "مسند أبي عوانة":" .. هانئ" مكان "صابر"، وفي "الديلمي":"جابر". وهذا تحريف شديد، أضاع علينا معرفة هوية إبراهيم هذا، وقد ذكر الحافظ المزي في شيوخ عبد العزيز بن عمران ثلاثة باسم إبراهيم:
الأول: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة.
الثاني: إبراهيم بن حويصة.
الثالث: إبراهيم بن أبي الصقر.
ولم أعرف من هؤلاء إلا الأول؛ وهو أشهلي أنصاري مولاهم، ولم يذكروا له رواية عن أبيه، ثم هو ضعيف. والله أعلم.
واعلم أنني إنما خرجت الحديث هنا من أجل طرفه الأول: "خذل عنا"، وإلا؛ فبقيته صحيح، بل متواتر، أخرجه ابن جرير عن عشرة من الصحابة، وبعضها في "الصحيحين"، وخرجه السيوطي في "الجامع الصغير" عن أربعة عشر صحابياً، ليس فيهم أبو الطفيل وأسماء بنت يزيد، وقد أخرجهما الطبري، فيصير العدد (16). وقد أخرجته عن بعضهم في "الروض النضير"(770)، وغيره، فانظر "صحيح الجامع الصغير"(3171).
ثم وقفت على الكتاب الذي سماه مؤلفه الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله: "تنبيه القاري على تقوية ما ضعفه الألباني"! ومما قواه هذا الحديث! فقد ساقه من رواية البيهقي في "دلائل النبوة"(3/ 445 - 446) من طريق أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس، عن ابن إسحاق قال: فحدثني رجل، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني قد أسلمت؛ ولم يعلم بي أحد من قومي، فمرني أمرك
…
إلخ.
قلت: كذا صورة الأصل، وهي بخطه؛ كما أخبرني من أهداه إلي، وهذا من أوهامه رحمه الله! لأنه كان عليه أن يذكر جواب النبي صلى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود؛ لأن موضع استشهاده أو انتقاده علي إنما هو فيه، وهو:
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت؛ فإنما الحرب خدعة". فانطلق نعيم بن مسعود
…
الحديث.
قلت: فهنا محل تلك اللفظة: "إلخ" كما هو ظاهر.
ثم ساقه من رواية البيهقي أيضاً من الطريق ذاتها، عن ابن إسحاق قال: حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة قالت: كان نعيم بن مسعود رجلاً نموماً، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
…
، فذكر القصة مختصرة جداً، وفيه:
فلما ولى نعيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الحرب خدعة".
وقال الدويش عقبه: "وهذا إسناد حسن، وقد أشار إليه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 403) بأطول من هذا، وسكت عليه. والله أعلم". كذا قال! غفر الله له، وفيه أوهام عجيبة!
أولاً: قوله: "وقد أشار إليه الحافظ .. " إلى قوله: "وسكت عنه".
فأقول: الذي سكت عنه الحافظ ليس هذا الذي ساقه الدويش من رواية البيهقي عن عبد الله بن كعب المرسلة، ورواية عروة عن عائشة المسندة، وإنما سكت عن رواية ابن إسحاق في "السيرة"(3/ 247 - 250)
مطولة جداً، ساقها الحافظ ملخصة، وسبب سكوته واضح؛ لأن ابن إسحاق لم يسندها، فهي ظاهرة الإعضال، ككثير من روايات سيرته؛ كما هو معروف عند أهل العلم.
ثانياً: قوله: "وهذا إسناد حسن"! خطأ واضح؛ لأنه إن أراد به الطريق الأول الذي فيه موضع الشاهد: "خذل عنا"؛ ففيه ثلاث علل:
الأولى: الإرسال؛ لأن عبد الله بن كعب بن مالك تابعي لم يدرك القصة.
والثانية: فيه الرجل الذي لم يسم!
والثالثة: أحمد بن عبد الجبار -وهو العطاردي -؛ قال الحافظ في "التقريب": "ضعيف".
وإن أراد به الطريق الآخر؛ فليس فيه موضع الشاهد أولاً، ثم هو من طريق أحمد بن عبد الجبار الضعيف ثانياً. وإذا كان مدار الطريقين عليه؛ فعدم ذكره في الطريق الآخر موضع الشاهد إن كان قد حفظه؛ فهو يدل على ضعف الشاهد، وإن كان لم يحفظه؛ فهو يدل على ضعفه هو؛ لأنه مرة ذكره، ومرة لم يذكره.
وبالجملة؛ فانتقاد الرجل تضعيفي للحديث برواية البيهقي هذه على ما فيها من الاضطراب والضعف؛ لهو من الأدلة الكثيرة على أنه لا يحسن هذه الصناعة الحديثية، ولا الكتابة فيها).
وقال الدكتور العمري
(1)
: (قصة نعيم بن مسعود الأشجعي لا تثبت من الناحية الحديثية، ولكنها اشتهرت في كتب السيرة).
قال إبراهيم بن محمد المدخلي
(2)
: (إن دور نعيم رضي الله عنه في هذه الغزوة عظيم، خاصة إذا عرفنا أنه في أول أيام دخوله في الإسلام. وقد
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 430).
(2)
مرويات غزوة الخندق ص (371).
اشتهر هذا الدور عند المؤرخين. بيد أني رغم ذلك لم أجد سنداً يؤكده ويؤيده، ولكنه مستفيض عند المؤرخين).
وقال أيضاً ص (384): (هكذا جاءت هذه القصة في كتب المغازي وهي مشهورة جداً ولكنها بدون إسناد يعتمد عليه إلا أن أهل المغازي والسير تناقلوها عن ابن إسحاق).
فائدة: قال النووي
(1)
: (قَوْله صلى الله عليه وسلم: (الْحَرْب خُدْعَة):
فِيهَا ثَلَاث لُغَات مَشْهُورَات اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَفْصَحهنَّ (خَدْعَة) بِفَتْحِ الْخَاء وَإِسْكَان الدَّال، قَالَ ثَعْلَب وَغَيْره: وَهِيَ لُغَة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
الثَّانِيَة: بِضَمِّ الْخَاء وَإِسْكَان الدَّال.
وَالثَّالِثَة: بِضَمِّ الْخَاء وَفَتْح الدَّال).
انظر: تهذيب الآثار للطبري في ذكر روايات حديث (الحرب خدعة) فإنه أفاد وأجاد.
* * * *
غزوة بني قريظة
قوله: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات).
التعليق: قوله: (من فوق سبع سموات) هذا ضعيف.
أما قصة تحكيم سعد بن معاذ-رضي الله عنه في يهود بني قريظة صحيحة أخرجها البخاري (2/ 258، 3/ 10، 99 و 4/ 175 ـ 176)، ومسلم (5/ 160)، والنسائي في " الكبرى "(48/ 2)، وأحمد (3/ 22، 70) من طرق عن شعبة به، وليس فيه " فوق سبع سماوات ".
(1)
شرح مسلم للنووي (12/ 45)، دارإحياء التراث، بيروت، الثانية، 1392 هـ.
ولكن بلفظ: (لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وربما قال: بحكم الملك).
(1)
* * * *
قوله: (واستوهب ثابت بن قيس، الزَبير بن باطا وأهله وماله- وكانت للزَبير يد عند ثابت
(2)
- فوهبهم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له ثابت بن قيس: قد وهبك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي، ووهب لي مالك وأهلك فهم لك. فقال الزَبير بعد أن علم بمقتل قومه: سألتك بيدي عندك يا ثابت إلا ألحقتني بالأحبة، فضرب عنقه، وألحقه بالأحبة من اليهود، واستحيا ثابت من ولد الزَبير بن باطا عبد الرحمن بن الزَبير
(3)
، فأسلم وله صحبة).
التعليق: مرسل ضعيف.
قال الشيخ العوشن
(4)
: (وعن ابن إسحاق أخرجه البيهقي في الدلائل (4/ 23)، ومرسل الزهري لا يفرح به. وأخرجه في السنن الكبرى (9/ 66) من مرسل عروة، وفي سنده ابن لهيعة. وعزاه الهيثمي (6/ 141 - 142) إلى الطبراني في الأوسط وقال:(فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف) ....
(1)
انظر: تخريج فقه السيرة للألباني ص (337)، والسلسلة الصحيحة (6/ 557)، الإرواء حديث (1453).
(2)
(قال الطبري في "تاريخه" 2/ 102: حدثنا ابن حميد، حدثنا سلمة، حدثني محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: أتي الزَبير بن باطا القرظي، وكان يكنى أبا عبد الرحمن وكان الزَبير قد مَن على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية. قال محمد: مما ذكر لي بعض ولد الزَبير أنه كان من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله؛ فجاءه وهو شيخ كبير؛ فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك؟! قال: إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي. قال: إن الكريم يجزي الكريم، ثم أتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
) وانظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 261 - 262، "عيون الأثر" 2/ 301، "البداية والنهاية" 4/ 125). هامش التوضيح شرح الجامع الصحيح لابن الملقن (27/ 654) تحقيق دار الفلاح، نشر دار النوادر، دمشق، الأولى، 1429 هـ.
(3)
(عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْبَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الزَّبِيرُ بْنُ بَاطَا، وَيُقَال: بَاطَيَا وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَحَابِيًّا، وَالزَّبِيرُ قتل يَهُودِيّا فِي غَزْوَة بني قُرَيْظَة). قاله السيوطي في حاشيته على النسائي (6/ 147)، طبعة مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الثانية، 1406 هـ.
(4)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (174 - 175).
وسؤال الزبير أن يلحقه ثابت بمن قتل من زعماء يهود، يخالف ما عرف عنهم من حب الدنيا، وكراهية الموت، واستمع قول الله عنهم:(ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون)(البقرة: 96).
* * * *
غزوة بني المصطلق
قوله: (وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال: لقد رحت في ساعة منكرة؟ فقال له: (أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟) يريد ابن أبي، فقال: وما قال؟ قال: (زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، قال: فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخَرَز ليتوجوه، فإنه يرى أنك استلبته ملكاً). ثم مشى بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصَدْر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مَسَّ الأرض فوقعوا نياماً. فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث).
التعليق: مرسل.
(رواه: ابن إسحاق مرسلاً، ومن طريقه الطبري، والبيهقي في (الدلائل).
(1)
(الحديث رجاله ثقات، ولكنه مرسل. وأورده ابن جرير الطبري من هذه الطريق نفسها.
(2)
وله شاهد عند ابن أبي حاتم من مرسل عروة بن الزبير، وعمر بن ثابت الأنصاري.
(1)
انظر: السيرة النبوية (3/ 404)، تخريج أحاديث وآثار في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (757).
(2)
تاريخ الطبري (2/ 605).
وهو مرسل جيد كما قال ابن حجر.
(1)
وهو أيضا عند ابن أبي شيبة من مرسل عروة وحده.
(2)
وأصله في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم، وجابر بن عبد الله. وبهذا يكون الحديث حسناً لغيره).
(3)
فوائد:
1 -
قصة زيد بن أرقم مع عبدالله بن أبي صحيحة. وردت في البخاري ومسلم وغيرهما.
روى البخاري حديث (4900)، ومسلم حديث (2772) عن زيد بن أرقم، قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي، يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي أو لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك؟ فأنزل الله -تعالى-: {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] فبعث إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فقال: (إن الله قد صدقك يا زيد).
2 -
صحة قصة عبد الله بن أبي بن سلول مع ابنه عبد الله حيث منعه من دخول المدينة حتى يقر أنه الذليل ورسول الله هو العزيز كما رواها الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المنافقين، حديث (3315) وفيه: فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: (والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز ففعل). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني.
(4)
(1)
فتح الباري (8/ 649)، وانظر تفسير ابن كثير (4/ 371).
(2)
الدر المنثور للسيوطي (6/ 225).
(3)
مرويات غزوة بني المصطلق لإبراهيم قريبي (ص: 190).
(4)
انظر: صحيح سنن الترمذي (3/ 120)، مرويات غزوة بني المصطلق (ص: 193).
3 -
أما رواية ابن إسحاق التي فيها قوله: (يا رسول الله! إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت لابد فاعلاً؛ فمرني به؛ فأنا أحمل إليك رأسه؛ فوالله؛ لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر، فأدخل النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا). رواه الحاكم في مستدركه (3/ 679) ومن طريقه رواه البيهقي في دلائل النبوة (4/ 62) فقال: أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: -فذكره-
إسنادها ضعيف؛ لأن راويها عاصم بن عمر بن قتادة تابعي لم يدرك القصة فهو مرسل.
لكن ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَهُوَ فِي ظِلِّ أَجَمَةٍ فقَالَ: قَدْ غَبَّرَ عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ. فقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَئِنْ شِئْتَ لَآتِيَنَّكَ بِرَأْسِهِ. فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا، وَلَكِنْ بِرَّ أَبَاكَ وأحسِنْ صُحبته).
أخرجه ابن حبان في "صحيحه "(2029) -من طريق شبيب بن سعيد-، والبزار (3/ 260/ 2708) - من طريق عمرو بن خليفة- عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة. حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث (3223).
* * * *
حديث الإفك
قوله: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي: اقتله، لأرعدت له آنف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته).
قال عمر: قد والله علمتُ، لأمْر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري).
التعليق: مرسل.
قال الدكتور إبراهيم بن إبراهيم قريبي
(1)
: (الحديث رجاله ثقات، ولكنه مرسل. وأورده ابن جرير الطبري من هذه الطريق نفسها
(2)
.
وله شاهد عند ابن أبي حاتم من مرسل عروة بن الزبير، وعمر بن ثابت الأنصاري.
وهو مرسل جيد كما قال ابن حجر
(3)
. وهو أيضا عند ابن أبي شيبة من مرسل عروة وحده
(4)
.
وأصله في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم وجابر بن عبد الله. وبهذا يكون الحديث حسناً لغيره).
(5)
* * * *
عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة 6 هـ
قوله: (عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة 6 هـ)
التعليق: الأفضل تسميتها بغزوة الحديبية.
إن المتأمل للأسماء التي أطلقها المؤلف-رحمه الله لهذه الحادثة يجد ما يلي: (وقعة الحديبية)، و (عمرة الحديبية)، و (صلح الحديبية)، و (هدنة الحديبية).
(1)
مرويات غزوة بني المصطلق (ص 187 - 190).
(2)
تاريخ الطبري 2/ 605.
(3)
فتح الباري 8/ 649، وانظر تفسير ابن كثير 4/ 371.
(4)
الدر المنثور للسيوطي 6/ 225.
(5)
انظر: (السيرة النبوية)(3/ 404)، تخريج أحاديث وآثار في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (759).
قال الدكتور حافظ بن محمد الحكمي
(1)
: (بعد دراسة وتأمل لتلك العناوين رأيت أن العنوان المناسب لهذه الحادثة هو: (غزوة الحديبية) وذلك للأمور التالية:
أولاً: أنه موافق لاصطلاح أهل السير والمحدثين.
قال الزرقاني
(2)
: (وقد جرت عادة المحدثين وأهل السير واصطلاحهم غالباً أن يسموا كل عسكر حضره النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة (غزوة)، وما لم يحضره بل أرسل بعضاً من أصحابه إلى العدو (سرية)، أو (بعثاً)).
ثانياً: ما يحمله لفظ (غزوة) من إيحاءات عميقة تعطي الحادثة اعتباراً خاصاً في شعور المسلم ولا توجد في مثل: لفظ (قصة) و (أمر)؛ ذلك لأن لفظ (غزوة) أصبح ملازماً لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تكاد ترى أو تسمع هذه اللفظة حتى يسرح بك الخيال من وراء تلك الأجيال المتعاقبة لترى تحركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأبرار يزلزلون الطغاة وأتباعهم.
ثالثاً: شمول هذا العنوان لجميع تحركات الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة ابتداء من إحرامه بالعمرة ومروراً بالبيعة والصلح إلى رجوعه للمدينة.
رابعاً: ورود عدة أحاديث تصرح بأن الصحابة -رضوان الله عليهم -كانوا يسمونها (غزوة) ومن تلك الأحاديث ما يلي:
عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه قال:"غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات فذكر خيبر، والحديبية، ويوم حنين، ويوم القرد، قال يزيد: ونسيت بقيتهم".
(3)
(1)
مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة ص (14 - 16)، مطابع الجامعة الإسلامية بالمدينة، الأولى، 1406 هـ.
(2)
شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 1/ 387.
(3)
رواه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة، حديث (4024)، وأخرجه أحمد في مسنده 4/ 54.
عن عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الحديبية، قال: فأهلوا بعمرة غيري
…
(الحديث).
(1)
إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان
قوله: (واحتبسته قريش عندها -ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم في الوضع الراهن، ويبرموا أمرهم، ثم يردوا عثمان بجواب ما جاء به من الرسالة - وطال الاحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغته الإشاعة: (لا نبرح حتى نناجز القوم)، ثم دعا أصحابه إلى البيعة
…
).
التعليق: ضعيف.
قال الألباني
(2)
: (ضعيف. أخرجه ابن إسحاق؛ وعنه ابن هشام (2/ 229) عن عبدالله بن أبي بكر مرسلاً).
قال الدكتور حافظ بن محمد الحكمي
(3)
: (أما سبب هذه البيعة فما رواه ابن إسحاق قال: فحدثني عبد الله
(4)
بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: "لا نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة".
وأخرجه ابن جرير والبيهقي كلاهما من طريق ابن إسحاق: قال ابن جرير
(5)
: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر فذكره.
(1)
رواه مسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، حديث (1196).
(2)
تخريج فقه السيرة (329).
(3)
مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة ص (134)، مطابع الجامعة الإسلامية بالمدينة، الأولى، 1406 هـ.
(4)
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني القاضي، ثقة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وهو ابن سبعين سنة.
(5)
تفسير ابن جرير 26/ 86.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم: فذكر نحوه.
هذا الأثر مرسل وسنده إلى عبد الله بن أبي بكر حسن).
(فالخلاصة أنه لم يثبت -والله أعلم- أن سبب البيعة كان إشاعة مقتل عثمان رضي الله عنه).
(1)
* * * *
مكاتبة الملوك والأمراء
قوله: (الكتاب إلى المقوقس ملك مصر.
الكتاب إلى كسرى ملك فارس.
الكتاب إلى المنذر بن سَاوِي.
الكتاب إلى هَوْذَة بن على صاحب اليمامة.
الكتاب إلى الحارث بن أبي شَمِر الغساني صاحب دمشق
…
).
التعليق: نصوص الكتب من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء لم تثبت من الناحية الحديثية.
قال الدكتور العمري
(2)
: (نصوص الكتب من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء لم تثبت من الناحية الحديثية، أما مكاتبة الملوك وغيرهم فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله -تعالى- وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف نص الكتاب الذي كتبه لهرقل عظيم الروم فقد ورد في البخاري ومسلم.
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (179).
(2)
السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 258) وما بعدها.
وقد أشار البخاري إلى إرسال كتاب النبي- صلى الله عليه وسلم إلى كسرى دون أن يذكر نص الكتاب. لكنه بيّن أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل كتابه مع عبد الله بن حذافة السهمي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين المنذر بن ساوي العبدي، وأن المنذر دفعه إلى كسرى الذي مزقه بعد أن قرأه وقد دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمزقهم الله كل ممزق، وقد مَزَّق الله ملك كسرى فقتله ابنه واستولى على عرشه وتمزقت الإمبراطورية الفارسية ثم زالت من الوجود، وأما نص الكتاب إلى كسرى فلم يثبت من طريق صحيحة وإنما أورده الطبري وغيره بأسانيد ضعيفة.
(1)
وقد ثبت في صحيح مسلم
(2)
إرسال كتاب النبي- صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، وبين الإمام مسلم أنه ليس بالنجاشي الذي أسلم، ولم يثبت نص الكتاب فقد أورده ابن إسحق بدون إسناد.
وأما نصوص الكتب التي وجهت إلى المقوقس حاكم مصر وهي كتابان وكذلك ردود المقوقس وهي كتابان أيضاً فلم تثبت من طريق صحيحة، وكذلك لم تثبت نصوص الكتب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني حاكم دمشق
(3)
وهوذة بن علي الحنفي حاكم اليمامة وجيفر وعباد ابني الجلندي حاكمي عمان والمنذر بن ساوي في البحرين
(4)
من الناحية الحديثية، ولا يعني ذلك نفي إرسال الكتب إلى هؤلاء الملوك والحكام كما أنه لا يعني الطعن التاريخي
(1)
قال الألباني في تخريج فقه السيرة ص (360): (حديث حسن، رواه ابن جرير في تاريخه: 2/ 295 - 296، عن يزيد بن أبي حبيب مرسلاً، وأبو عبيد في (الأموال)، ص 23، عن سعيد بن المسيب مرسلاً نحوه).
(2)
عن أنس: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله -تعالى-، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم-إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل، حديث (1774).
(3)
قال الألباني في تخريج فقه السيرة ص (358): (ذكره الواقدي بدون إسناد كما في (البداية): 4/ 268).
(4)
قال الألباني في تخريج فقه السيرة ص (361): (رواه الواقدي في آخر كتاب (الردة) بسنده، عن أبي حنتمة كما في (نصب الراية) للزيلعي: 4/ 419 - 420).
بالنصوص إذ يمكن أن تكون صحيحة من حيث الشكل والمضمون، ولكنها لا ترقى إلى مستوى الاحتجاج بها في السياسة الشرعية. ومن ثم يبقى نص كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل هو الوحيد الذي يصح حديثياً ويمكن اعتباره نموذجاً تقارن به بقية الكتب لغرض النقد التاريخي.
وإن هذا الحكم يسري على معظم وثائق العهد النبوي الأخرى إذ لا مجال لتصحيحها من الناحية الحديثية ولم تُعنَ الكتب الستة بتخريجها سوى كتاب هرقل في البخاري وكتاب عمير ذي مران في (سنن أبي داوود)
(1)
، رغم أن الكثير منها يمكن أن يكون صحيحاً من الناحية التاريخية، ولكنه يبقى دون الاحتجاج به في موضوعات العقيدة والشريعة).
* * * *
بدء المعركة وفتح حصن ناعم
قوله: (ثم خرج ياسر أخو مرحب، وهو يقول: من يبارز؟ فبرز إليه الزبير، فقالت صفية أمه: يا رسول الله، يقتل ابني، قال: (بل ابنك يقتله)، فقتله الزبير).
التعليق: ضعيف.
قال الألباني
(2)
: (أخرجه ابن هشام (2/ 239)، من طريق ابن إسحاق، عن هشام بن عروة معضلاً).
* * * *
قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد
قوله: (وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالاً كثيراً، غيبا مَسْكًا فيه مال وحُلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير.
(1)
رواه أبو داوود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض اليمن، حديث (3027).
(2)
تخريج فقه السيرة للغزالي ص (344).
قال ابن إسحاق: وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكِنَانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتي رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة:(أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟) قال: نعم، فأمر بالخربة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه. فدفعه إلى الزبير، وقال: عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بمحمود بن مسلمة - وكان محمود قتل تحت جدار حصن ناعم، ألقي عليه الرحي، وهو يستظل بالجدار فمات-).
التعليق: ضعيف
قال الدكتور أكرم ضياء العمري
(1)
: (ويذكر ابن إسحق دون إسناد أن الذي أخفى الكنز وسئل عنه هو كنانة بن الربيع
(2)
، ويذكر ابن سعد كنانة وأخوه الربيع
(3)
، وفي إسناد ابن سعد محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو صدوق سيئ الحفظ جداً
(4)
.
(فإن هذا الحديث غير صحيح، إذ لم نقف عليه في أي من الكتب التي تعنى بتصحيح الحديث، وإنما روي عن ابن إسحاق غير مسند، كما قال الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة.
ومن المعلوم أن جهالة السند تدل على ضعف الحديث، إضافة إلى أنه تضمن ما تقرر في الشريعة خلافه وهو الأمر بتعذيب الأسير، ومعروف أن الشارع أمر بالإحسان إلى الأسرى).
(5)
* * * *
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (1/ 326).
(2)
ابن هشام - السيرة 3/ 449.
(3)
ابن سعد: الطبقات 2/ 112.
(4)
تقريب التهذيب 2/ 184.
(5)
موقع مركز الفتوى: درجة قصة تعذيب كنانة بن الربيع، انظر الرابط: http:// fatwa.islamweb.net/ fatwa/ index.php? page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=119021
عمرة القضاء
قوله: (قال الحاكم: تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هَلَّ ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وألا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان).
التعليق: تسمية العمرة
ذكر المؤلف رحمه الله أن عمرة القضاء سميت بذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وهذا أحد الأقوال في المسألة ولعل الصواب أن عمرة القضاء سميت بذلك؛ لأنها هي التي قاضى عليها قريشاً فإن من جملة الشروط التي وقعت بينهم في الصلح أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمر من العام القادم، وقد فعل- عليه الصلاة والسلام كما ذكر شيخنا ابن عثيمين رحمه الله
(1)
.
قال الحافظ ابن حجر
(2)
:
(واختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء فقيل: المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، فالمراد بالقضاء: الفصل الذي وقع عليه الصلح؛ ولذلك يقال لها: عمرة القضية، قال أهل اللغة: قاضى فلاناً عاهده، وقاضاه عاوضه، فيحتمل تسميتها بذلك لأمرين قاله عياض. ويرجح الثاني تسميتها قصاصاً قال الله -تعالى-: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) قال السهيلي: تسميتها عمرة القصاص أولى؛ لأن هذه الآية نزلت فيها.
قلت: كذا رواه ابن جرير وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن مجاهد، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه. وقال ابن إسحاق: بلغنا عن ابن عباس فذكره، ووصله الحاكم في الإكليل عن ابن عباس لكن في إسناده الواقدي.
(1)
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (24/ 38).
(2)
فتح الباري (7/ 500).
وقال السهيلي: سميت عمرة القضاء؛ لأنه قاضى فيها قريشاً لا لأنها قضاء عن العمرة التي صد عنها؛ لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها، بل كانت عمرة تامة؛ ولهذا عدوا عمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً- كما تقدم تقريره في كتاب الحج -
وقال آخرون: بل كانت قضاء عن العمرة الأولى، وعدت عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر فيها، لا لأنها كملت، وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت: فقال الجمهور: يجب عليه الهدي ولا قضاء عليه. وعن أبي حنيفة عكسه. وعن أحمد رواية: أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء، وأخرى: يلزمه الهدي والقضاء.
فحجة الجمهور قوله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)، وحجة أبي حنيفة: أن العمرة تلزم بالشروع فإذا أحصر جاز له تأخيرها، فإذا زال الحصر أتى بها، ولا يلزم من التحلل بين الإحرامين سقوط القضاء. وحجة من أوجبها: ما وقع للصحابة فإنهم نحروا الهدي حيث صدوا، واعتمروا من قابل وساقوا الهدي، وقد روى أبو داود من طريق أبي حاضر قال:(اعتمرت فأحصرت فنحرت الهدي وتحللت ثم رجعت العام المقبل) فقال لي ابن عباس: ابذل
(1)
الهدي؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك
(2)
. وحجة من لم يوجبها: أن تحللهم بالحصر لم يتوقف
(1)
الأصل في نص الحديث كما في سنن أبي داوود حديث (1864)، ومستدرك الحاكم، أول كتاب المناسك، حديث (1806)(أبدل)، وتحرفت هنا إلى (ابذل).
(2)
رواه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب الإحصار، حديث (1864) عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أبي ميمون بن مهران قال: خرجت معتمراً عام حاصر أهلُ الشام ابن الزبير بمكة، وبعث معي رجال من قومي بهدي، فلما انتهينا إلى أهل الشام؛ منعونا أن ندخل الحرم، فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت، ثم رجعت، فلما كان من العام المقبل، خرجت لأقضي عمرتي. فأتيت ابن عباس فسألته؟ فقال: أبدِل الهدي؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء.
قال الألباني في ضعيف أبي داود -الأم حديث رقم (325): (إسناده ضعيف؛ لعنعنة ابن إسحاق).
إسناده: حدثنا النفيلي: ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات معروفون؛ إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه.
وأبو حاضر: اسمه عثمان بن حاضر.
وخالف ابن إسحاق أبو بكر بن عياش فقال: عن عمرو بن ميمون عن أبي حاضر الأزدي عن ابن عباس قال: قلت الإبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن ينحروا البقر. قلت: وهذا أصح، وصححه البوصيري في " الزوائد"(3/ 224 - بيروت).
على نحر الهدي بل أمر من معه هدي أن ينحره ومن ليس معه هدي أن يحلق. واستدل الكل بظاهر أحاديث من أوجبهما، قال ابن إسحاق خرج النبي -صلى الله عليه و سلم- في ذي القعدة مثل الشهر الذي صد فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها، وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة وسليمان التيمي جميعاً في مغازيهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة، وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن ابن عمر قال: كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع. وفي مغازي سليمان التيمي: لما رجع من خيبر بث سراياه وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة.
وقال ابن إسحاق خرج معه من كان صد في تلك العمرة إلا من مات أو استشهد. وقال الحاكم في الإكليل: تواترت الأخبار أنه -صلى الله عليه و سلم- لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية فخرجوا إلا من استشهد وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان
(1)
. قال: وتسمى أيضا عمرة الصلح. قلت: فتحصل من أسمائها أربعة القضاء والقضية والقصاص والصلح).
قال الحافظ ابن كثير
(2)
: (عمْرَة الْقَضَاء، وَيُقَالُ الْقِصَاصِ. وَرَجَّحَهُ السُّهَيْلِيُّ.
وَيُقَالُ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ، فالأولى: قَضَاءٌ عَمَّا كَانَ أُحْصِرَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ.
(1)
ذكره الحاكم في الإكليل دون إسناد. راجع السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 464).
(2)
السيرة النبوية (3/ 428).
وَالثَّانِي: من قَوْله تَعَالَى: " والحرمات قصاص ".
وَالثَّالِثُ: مِنَ الْمُقَاضَاةِ الَّتِي كَانَ قَاضَاهُمْ عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُ هَذَا ثُمَّ يَأْتِي فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَلَا يَدْخُلَ مَكَّةَ إِلَّا فِي جلبان
(1)
السِّلَاح وَألا يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
وَهَذِهِ الْعُمْرَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى- فِي سُورَةِ الْفَتْحِ الْمُبَارَكَةِ: " لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمين مُحَلِّقِينَ رءوسكم وَمُقَصِّرِينَ لَا تخافون " الْآيَة).
سبب المعركة (مؤتة)
قوله: (وسبب هذه المعركة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَى. فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني- وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر- فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه).
التعليق: لا يصح.
قال الدكتور العمري
(2)
: (انفرد به الواقدي وهو لا يعتمد عليه خاصة إذا انفرد بالخبر.
(3)
والحق أن البحث عن الأسباب المباشرة لغزو القبائل العربية في أطراف الشام لا يؤثر على تفسير الأحداث كثيراً، لأن تشريع الجهاد يقتضي الاستمرار في إخضاع القبائل العربية وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية بصرف النظر عن الأسباب المباشرة. فكان لابد من إخضاع الدويلات العربية النصرانية الموالية للروم، وبالتالي سبق الروم في التحرك في المنطقة قبل قيامهم بعمل ضد الدولة الإسلامية الفتية).
(1)
الجلبان: شبه الجراب من الْجلد يوضع فِيهِ السَّيْف.
(2)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 467).
(3)
ابن سعد: الطبقات 1/ 2/ 17، وابن حجر: الإصابة 1/ 589، وفتح الباري 7/ 511.
الراية إلى سيف من سيوف الله
قوله: (وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان - اسمه ثابت بن أقرم - فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً).
التعليق: إسناد ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر
(1)
: (وقال ابن إسحاق في (المغازي): حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: ثم أخذ الراية- يعني في غزاة مؤتة- ثابت بن أقرم بعد قتل ابن رواحة، فدفعها إلى خالد بن الوليد. الحادثة رواها ابن مندة من حديث أبي اليسر بإسناد ضعيف).
وقال الهيثمي
(2)
: (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ).
أما رواية (فَأَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَحَدُ بَلْعَجْلَانَ
(3)
، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ، قَالُوا: أَنْتَ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ .. )
وقال أيضاً
(4)
: (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.)
ثابت بن أرقم رضي الله عنه ممن شهد بدرًا كما عند الطبراني في الكبير (2/ 77) حديث (1345) عن عروة: (فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْأَنْصَارِ، ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ).
(1)
الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 190) ط. دار العلوم الحديثة.
(2)
مجمع الزوائد (6/ 157) حديث (10219).
(3)
أي: بني عجلان.
(4)
مجمع الزوائد (6/ 160) حديث (10221).
فائدة: رواية ابن إسحاق عن عروة أن الناس قد صاحوا في وجوههم لما عادوا إلى المدينة (يا فرار فررتم في سبيل الله فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله).
قال ابن كثير
(1)
: (وهذا مرسل من هذا الوجه، وفيه غرابة
…
).
قال الألباني
(2)
: (هذا منكر بل باطل ظاهر البطلان إذ كيف يعقل أن يقابل الجيش المنتصر مع قلة عَدده وعُدده على جيش الروم المتفوق عليهم في العَدد والعُدد أضعافاً مضاعفة كيف يعقل أن يقابل هؤلاء من الناس المؤمنين بحثو التراب في وجوههم ورميهم بالفرار من الجهاد وهم لم يفروا بل ثبتوا ثبوت الأبطال حتى نصرهم الله وفتح عليهم كما في حديث البخاري: (
…
حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)
ومن العجائب أن الدكتور بعد أن ذكر هذا الحديث الصحيح وأتبعه بقوله:
(وهذا الحديث يدل كما ترى أن الله أيد المسلمين بالنصر أخيراً). فإنه مع ذلك أورد هذه الزيادة المنكرة فقال (2/ 180):
(وأما سبب قول الناس للمسلمين بعد رجوعهم إلى المدينة: يا فرار
…
فهو أنهم لم يتبعوا الروم ومن معهم في هزيمتهم
…
)
فنقول: إن هذا التأويل بعيد جداً ثم إن التأويل فرع التصحيح كما هو مقرر في (الأصول) فهلا أثبت هذه الرواية يا فضيلة الدكتور حتى يسوغ لك أن تتأولها لتقضي به على هذا المعنى المستنكر الظاهر منها؟ وإلا فالواقع أن الأمر كما تقول العامة: هذا الميت لا يستحق هذا العزاء
…
).
(3)
(1)
البداية والنهاية (4/ 248).
(2)
دفاع عن الحديث والسيرة ص (31).
(3)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (183 - 184).
سبب الغزوة (فتح مكة)
قوله: (
…
وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي، فخرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس فقال:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نصرت يا عمرو بن سالم)، ثم عرضت له سحابة من السماء، فقال:(إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب) ....
التعليق: مرسل.
قال الهيثمي
(1)
: (أخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 395) بدون إسناد، وابن سعد في الطبقات (2/ 134) بدون إسناد، والطبري في تاريخه (3/ 45).
وأخرجه الطبراني في الكبير (23/ 433)، وفي الصغير (2/ 73 - 75) من حديث ميمونة بنت الحارث نحوه، إلا أن فيه: يحيى بن سليمان بن نضلة وهو ضعيف).
قال الزيلعي
(2)
: (روي مرسلاً). وقال الألباني
(3)
: (ضعيف).
قال الحافظ ابن حجر
(4)
: (قَالَ ابن إِسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ). فَكَانَ ذَلِكَ مَا هَاجَ فَتْحَ مَكَّةَ. وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْضَ الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ حَسَنٌ مَوْصُولٌ، وَلَكِنْ رَوَاهُ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُرْسَلًا. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا مُطَوَّلًا).
(1)
مجمع الزوائد (6/ 163 - 164).
(2)
تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف (2/ 55)، تحقيق سلطان بن فهد الطبيشي، دار ابن خزيمة، الأولى، 1414 هـ.
(3)
تخريج فقه السيرة ص (373).
(4)
فتح الباري (7/ 520).
وقد حسن القصة الدكتور العمري فقال
(1)
: (ابن كثير: البداية والنهاية (4/ 278) من طريق ابن إسحق بإسناد حسن لذاته، وقد صرح ابن إسحق بالتحديث
(2)
، وله شاهد ضعيف في الطبراني: المعجم الصغير (2/ 73)؛ لضعف يحيى بن سليمان الخزاعي، وشاهد آخر في مسند أبي يعلى الموصلي (4/ 400)، وفي سنده حزام بن هشام الخزاعي شيخ محله الصدق، وأبوه تابعي مجهول الحال، وقد وثقهما ابن حبان (الهيثمي: مجمع الزوائد 6/ 162).
قال الدكتور حافظ بن محمد الحكمي
(3)
: (والحديث بهذا الإسناد حسن؛ لأن ابن إسحاق صرح فيه بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح. وللحديث شواهد يرتفع بها إلى درجة الصحة).
* * * *
أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح
قوله: (وقدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله-صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس. فقال: والله لقد أصابك بعدي شر).
التعليق: ضعيف.
قال الألباني
(4)
: (ضعيف. رواه ابن إسحاق بدون إسناد، كما في سيرة ابن هشام (2/ 265)، وابن جرير (2/ 325 - 326).
وأخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 79) قال: (أخبرنا محمد بن
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 473).
(2)
محمد بن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم أنهم حدثاه جميعاً قالا:
…
(3)
مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة ص (195).
(4)
تخريج فقه السيرة ص (373).
عمر، حدثنا محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب
…
القصة).
وفيه: الواقدي متروك، ومن مرسل الزهري، ويكفي هذا في رد القصة.
قال الشيخ علي بن إبراهيم حشيش
(1)
: (قرائن تدل على عدم صحة القصة:
1 -
إن أبا سفيان ما قدم المدينة إلا ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيد في هدنة الحديبية، وقام فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقال اللَّه تعالى:(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)(لقمان: 15).
فهل من المعروف أن تمنع أم حبيبة أباها من الجلوس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطوي الفراش وتنهر أباها وتقول لأبيها: هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك؟!
2 -
وفعل أم حبيبة (وهو طيها الفراش)، وقولها (أنت امرؤ نجس مشرك) يوهم من لا يعرف أن القصة واهية بأن النجاسة في المشرك نجاسة البدن، والصواب أن نجاسة المشركين معنوية.
قصة صحيحة تبين نكارة القصة:
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت عَليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: «نعم صلي أمك).
قلت: وهذا اللفظ للبخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب الهدية للمشركين، ح (2477).
(2)
(1)
مجلة التوحيد، الحلقة (70)، العدد (413)، جمادى الأولى، 1427 هـ.
(2)
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ح 2620، 3183، 5978، 5979)، ومسلم في «صحيحه» (1003).
وبوَّب الإمام البخاري بابًا في كتاب «الأدب» سمَّاه باب «صلة الوالد المشرك» ، ح (5634).
قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (5/ 277): قوله: «في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» في رواية حاتم: «في عهد قريش إذا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وأراد بذلك ما بين الحديبية والفتح. اهـ.
قلت: قول الحافظ: «في رواية حاتم» هو حاتم بن إسماعيل وهو الذي روى عنه شيخ البخاري قتيبة بن سعيد (ح 3183)
مما سبق يتبين:
1 -
أن قصة أم حبيبة وسب أبيها أبي سفيان قصة واهية منكرة.
2 -
وأن قصة أسماء بنت أبي بكر وصلتها لأمها المشركة اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات الصحة.
3 -
ومما يدل على نكارة متن قصة أم حبيبة أن مقدمات القصتين واحدة فلابد وأن تكون النتيجة واحدة في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه القصة الواهية المنكرة تجعل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مخالفًا لهديه.
4 -
وبهذا يتبين للقارئ الكريم الأثر السيئ للقصص الواهية ومخالفتها للقرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة.
5 -
ومن الآثار السيئة لهذه القصة الواهية نسف الاستفادة دعويًا وتربويًا من القصة الصحيحة والتي فيها:
أ- جواز صلة القريب المشرك. كذا قال النووي في شرح مسلم.
ب- وفيها موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة.
جـ- وفيها السفر في زيارة القريب.
د- وفيها تحري أسماء في أمر دينها وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير رضي الله عنهما).
* * * *
التهيؤ للغزوة ومحاولة الإخفاء
قوله: (يؤخذ من رواية الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عائشة- قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثلاثة أيام- أن تجهزه، ولا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال: يا بنية، ما هذا الجهاز؟ قالت: والله ما أدري. فقال: والله ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد رسول الله؟ قالت: والله لا علم لي، وفي صباح الثالثة جاء عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكباً، وارتجز: يا رب إني ناشد محمداً
…
الأبيات. فعلم الناس بنقض الميثاق، وبعد عمرو جاء بديل، ثم أبو سفيان، وتأكد عند الناس الخبر، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، وقال:(اللّهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها).
التعليق: ضعيف
قال الألباني
(1)
: (ضعيف. رواه ابن إسحاق بدون إسناد، ومعناه في حديث ميمونة المخرج آنفاً).
الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة
قوله: (ولعشر خلون من شهر رمضان المبارك 8 هـ، غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة متجهاً إلى مكة، في عشرة آلاف من الصحابة رضي الله عنهم، واستخلف على المدينة أبا رُهْم الغفاري.
ولما كان بالجُحْفَة -أو فوق ذلك- لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً).
التعليق: متى أسلم العباس رضي الله عنه؟
(1)
تخريج فقه السيرة ص (374).
قال الدكتور العمري
(1)
: (وفي الجحفة - قرب رابغ الآن- قدم العباس بن عبد الطلب على الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجرا
(2)
، وكان العباس قد أسلم قبل فتح خيبر
(3)
، وقد وردت روايات ضعيفة تبين إسلامه قبل بدر
(4)
. بل قبل الهجرة إلى المدينة
(5)
. ويردُّ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طالبه بأن يفتدي عندما أسر ببدر ولا شك أن العباس قدم خدمات جليلة للإسلام قبل دخوله فيه فقد كان يوافي الرسول صلى الله عليه وسلم بأخبار قريش، وكان ملاذاً للمسلمين المستضعفين بمكة).
أما استخلافه على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري- رضي الله عنه فقد ورد في (سيرة ابن هشام 2/ 399 من رواية ابن إسحاق بإسناد حسن لذاته، وقد صححه الحافظ ابن حجر (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية 4/ 248). وصححه الحاكم وقال: إنه على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي (المستدرك 3/ 44) ولكن ابن إسحق ليس على شرطهما وقد أخرج له مسلم في المتابعات فقط).
(6)
* * * *
الجيش الإسلامي بذي طُوَى
قوله: (أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضي حتى انتهى إلى ذي طوى - وكان يضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل).
(1)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 476).
(2)
ابن هشام: السيرة النبوية (2/ 400) نقلاً عن الزهري دون إسناد.
(3)
عبد الرازق: المصنف (5/ 466) وأحمد: المسند (21/ 122) والفسوي: المعرفة والتاريخ (1/ 507، 508، 509)، وقال ابن كثير: هذا الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى النسائي (البداية والنهاية 4/ 217).
(4)
طبقات ابن سعد (4/ 10)، وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف، و (4/ 11) وفي إسناده: الواقدي متروك، وابن أبي سبرة لا يحتج به.
(5)
طبقات ابن سعد (4/ 31)، وفي إسناده: الواقدي متروك، وابن أبي حبيبة ضعيف، والسند منقطع.
(6)
السيرة النبوية الصحيحة (2/ 475).
التعليق: ضعيف.
قال الألباني
(1)
: (ضعيف؛ رواه ابن هشام (2/ 269) عن ابن إسحاق: حدثني عبدالله بن أبي بكر مرسلاً. ووصله الحاكم (3/ 47) وكذا أبو يعلى من حديث أنس بنحوه. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي! وهو من أوهامهما؛ فإن في سنده عبدالله بن أبي بكر المقدمي وهو ضعيف كما قال ابن عدي ثم ساق له هذا الحديث كما في الميزان، وهذا المقدمي غير عبدالله بن أبي بكر شيخ ابن إسحاق؛ فإن هذا متأخر من طبقة الإمام أحمد؛ وذاك تابعي صغير يروي عن أنس رضي الله عنه وهو ثقة).
* * * *
لا تثريب عليكم اليوم
قوله: (ثم قال: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال:(فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لَا تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ} اذهبوا فأنتم الطلقاء)
مفتاح البيت إلى أهله
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام إليه عليّ رضي الله عنه، ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك، وفي رواية:
أن الذي قال ذلك هو العباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له، فقال له: هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء، وفي رواية ابن سعد في الطبقات أنه قال حين دفع المفتاح إليه: خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف).
(1)
تخريج فقه السيرة ص (381).
التعليق: هذا الحديث على شهرته ليس له إسناد ثابت.
قال الألباني
(1)
: (ضعيف. رواه ابن إسحاق في " السيرة " (4/ 31 - 32)، وعنه الطبري في" التاريخ " (3/ 120) قال: فحدثني بعض أهل العلم فذكره
…
ونقله الحافظ ابن كثير
(2)
ساكتاً عليه.
وهذا سند ضعيف مرسل؛ لأن شيخ ابن إسحاق فيه لم يسم، فهو مجهول. ثم هو ليس
صحابياً، لأن ابن إسحاق لم يدرك أحداً من الصحابة، بل هو يروي عن التابعين
وأقرانه، فهو مرسل أومعضل).
و قال أيضاً
(3)
: (ضعيف؛ رواه ابن إسحاق معضلاً كما في (ابن هشام)(2/ 274)؛ وقد ذكره الغزالي في (الإحياء)(3/ 158) من حديث أبي هريرة دون قوله: (اذهبوا) وقال الحافظ العراقي في تخريجه: (رواه ابن الجوزي في (الوفاء) من طريق ابن أبي الدنيا وفيه ضعف) ثم ذكره الغزالي من حديث سهيل بن عمرو، فقال العراقي: لم أجده).
وقصة مفتاح الكعبة وقوله: خذوها خالدة تالدة
…
وردت بإسناد آخر (رواه الطبراني (11/ 120)(11234)، وفي "الأوسط"(1/ 155 - 156)(488)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 224)، وذكره الهيثمي في "المجمع" (3/ 285) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه: عبد الله بن المؤمل، وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ، ووثقه ابن معين في راوية، وضعفه جماعة، وقال السخاوي في "كشف الخفاء" ص (374) (1197): رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه بسند فيه: عبد الله بن المؤمل، وثقه ابن معين في رواية، وابن حبان
(1)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (1163).
(2)
البداية والنهاية (4/ 300 - 301).
(3)
تخريج فقه السيرة ص (382).
وقال: يخطئ وضعفه آخرون).
(1)
وضعفه ابن عدي
(2)
، وابن القيسراني
(3)
، والذهبي.
(4)
فائدة: قال الحافظ ابن كثير
(5)
في تفسير الآية 58 من سورة النساء:
(وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة، عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري، حاجب الكعبة المعظمة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وأما عمه عثمان بن أبي طلحة، فكان معه لواء المشركين يوم أحد، وقتل يومئذ كافراً. وإنما نبهنا على هذا النسب؛ لأن كثيراً من المفسرين قد يشتبه عليهم هذا بهذا، وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح، ثم رده عليه).
* * * *
إسلام صفوان بن أمية، وفضالة بن عمير
قوله: (وكان فضالة رجلاً جريئاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الطواف؛ ليقتله، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما في نفسه فأسلم).
التعليق: حديث ضعيف
قال الألباني
(6)
: (حديث ضعيف؛ رواه ابن هشام (2/ 276) بإسناد معضل).
(1)
هامش التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (11/ 305)، تحقيق دار الفلاح.
(2)
الكامل في الضعفاء (5/ 244).
(3)
ذخيرة الحفاظ (2/ 775).
(4)
ميزان الاعتدال (2/ 510).
(5)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 340).
(6)
تخريج فقه السيرة ص (383).
وقال أيضاً
(1)
: (روى ابن هشام أن فضالة بن عمير الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح
…
ولم أجد ترجمة لفضالة هذا في (الإصابة) ولا في (الاستيعاب).
قلت: فيه أولاً: أن هذا الحديث كالأحاديث السابقة لا يصح لأن ابن هشام لم يذكر له إسناداً متصلاً لينظر في رجاله فإنه قال (4/ 59): (وحدثني (يعني من يثق به من أهل الرواية في إسناد له كما في حديث قبله) أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد
…
)
وثانياً: أن فضالة هذا قد ترجم له في (الإصابة)(ج 3 ص 201 - 202 رقم الترجمة 6996 طبعة مصطفى محمد بمصر) وهي الطبعة التي يحيل الدكتور عليها فلا أدري كيف لم يجدها فيه لعله لا يحسن حتى المراجعة أو كلف بها بعض طلابه الذين لا يحسنونها أو هم على الأقل لا ينشطون لها وقد ترجمه مصدر آخر أقدم منه وهو ابن أبي حاتم فقال في (الجرح والتعديل)(23/ 77/ 234) وسبقه البخاري في (التاريخ الكبير)(4/ 1/ 124): (فضالة الليثي أدرك الجاهلية روى عنه ابنه عبد الله بن فضالة)
وساق له البخاري حديثاً يدل على صحبته لكنه من رواية ابنه عبد الله ابن فضالة ولم يوثقه غير ابن حبان (1/ 137)، وقيل: له صحبة).
* * * *
أخذ البيعة
قوله: (وحين فتح الله مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، تبين لأهل مكة الحق، وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام، فأذعنوا له، واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس، وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا).
(1)
دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص (34).
التعليق:
البيعة على الإسلام رواها الإمام أحمد بإسناد حسن، مسند المكيين، حديث الأسود بن خلف رضي الله عنه، حديث (15005) أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس يوم الفتح. قال: جلس عند قرن مسقلة فبايع الناس على الإسلام والشهادة. قال: قلت: وما الشهادة؟ قال: أخبرني محمد بن الأسود بن خلف أنه بايعهم على الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما البيعة على السمع والطاعة فيما استطاعوا رواها ابن جرير (2/ 327) بدون إسناد، أو من حديث قتادة مرسلاً والطريق إليه ضعيف.
(1)
أخذ البيعة
قوله: (وفي المدارك: روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها؛ لما صنعت بحمزة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئاً)، فبايع عمر النساء على ألا يشركن بالله شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ولا تسرقن) فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات؟ فقال أبو سفيان: وما أصبت فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها، فقال:(وإنك لهند؟) قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك.
فقال: (ولا يزنين). فقالت: أو تزني الحرة؟
فقال: (ولا يقتلن أولادهن). فقالت: ربيناهم صغاراً، وقتلتموهم
(1)
انظر: تخريج فقه السيرة للألباني ص (386). بتصرف.
كباراً، فأنتم وهم أعلم ـ وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدرـ فضحك عمر حتى استلقى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: (ولا يأتين ببهتان) فقالت: والله إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق.
فقال: (ولا يعصينك في معروف) فقالت: والله ما جلسنا مجلسناً هذا وفي أنفسنا أن نعصيك.
ولما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول: كنا منك في غرور).
التعليق: غريب بهذا اللفظ لكن أصل مبايعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم ثابتة في الصحيح بغير هذا اللفظ.
قال الزيلعي
(1)
: (غريب بهذا اللفظ). وقال الحافظ ابن حجر
(2)
: (لم أره بسياقه).
ومما يدل على ضعفها قوله: (فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها؛ لما صنعت بحمزة). وقد مر معنا عدم صحة ذلك.
السرايا والبعوث
قوله: (ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان - سنة 8 هـ - ليهدمها وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة وهي أعظم أصنامهم. وكان سدنتها بني شيبان، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسًا حتى انتهى إليها، فهدمها. ولما رجع إليها سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل رأيت شيئاً؟) قال:
(1)
تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف (3/ 462)، تحقيق سلطان بن فهد الطبيشي، دار ابن خزيمة، الأولى، 1414 هـ.
(2)
الكافي الشاف (287).
لا. قال: (فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها) فرجع خالد متغيظًا قد جرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:(نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبداً).
التعليق:
رواه النسائي في السنن الكبرى رقم (11483)، وأبو يعلى في مسنده رقم (902)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 77) كلهم عن أبي الطفيل، وأورده ابن سعد في الطبقات (2/ 111)، ورواه الواقدي في مغازيه (3/ 873)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 127) عن سعيد بن عمرو الهذلي، والطبري في تاريخه (3/ 65)،
قال الزيلعي
(1)
: (وهذا مرسل).
وقال الهيثمي
(2)
: (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ يَحْيَى بْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ).
قلت: وهذا خطأ، والصواب كما في رواية النسائي فيه علي بن المنذر وهو ثقة، وثقه النسائي، وابن أبي حاتم، وليس يحيى بن المنذر كما ذكر الهيثمي رحمه الله.
وقال الهيثمي أيضاً عن حديث (10256) من رواية أبي عبد الرحمن السلمي: (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ).
وقد ضعف محسن الدوم هذه الروايات وغيرها وبعضها يتقوى بمثله.
(3)
لكن يرى إبراهيم قريبي أن الحديث حسن فيقول
(4)
: (
…
والحديث
(1)
تخريج الكشاف (3/ 382).
(2)
مجمع الزوائد (6/ 176) حديث (10255) من رواية أبي الطفيل.
(3)
انظر: مرويات غزوة فتح مكة ص (196).
(4)
مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (1/ 65).
بهذا يكون حسناً لغيره، وهو نص في أن الذي تولى هدم العزى هو خالد بن الوليد رضي الله عنه. وقد ذكره ابن إسحاق معضلاً، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن أبي الهذيل مرسلاً، وأطبق على ذلك علماء المغازي والتفسير).
وصححه حسين سليم أسد محقق مسند أبي يعلى (2/ 196) حديث رقم (902).
الغنائم
قوله: (كانت في السبي الشيماء بنت الحارث السعدية، أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فلما جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت له نفسها فعرفها بعلامة فأكرمها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، ثم منّ عليها، وردّها إلى قومها).
التعليق: مرسل
قال الشيخ العوشن
(1)
: (رواه ابن إسحاق
…
وشيخ ابن إسحاق (يزيد بن عبيد) ثقة لكنه تابعي لم يدرك القصة فالخبر مرسل. ورواه البيهقي في الدلائل (5/ 199) من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة قال:
…
وذكر الخبر بنحوه. وأورده الذهبي في المغازي ص (610) ثم قال: " الحكم ضعّفه ابن معين " وقتادة ولد عام 60 هـ فهو مرسل).
وكذلك ما جاء أن أمه من الرضاعة حليمة السعدية قدمت عليه أيضاً ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (42)، وضعيف الأدب المفرد (43)، وضعيف موارد الظمآن (44).
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 364): (وقد ورد حديث مرسل فيه أن أبويه من الرضاعة قدما عليه، والله أعلم بصحته).
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (208).
غزوة الطائف
1 -
قوله: (ونصب النبي صلى الله عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف، وقذف به القذائف، حتى وقعت شدخة في جدار الحصن).
التعليق: مرسل
(قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص الحبير (4/ 116): (روى أبو داود في المراسيل عن ثور عن مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف المنجنيق. ورواه الترمذي فلم يذكر مكحولًا، ذكره معضلًا عن ثور.
وروى أبو داود من مرسل يحيى بن أبي كثير قال: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -شهرًا. قال الأوزاعي: فقلت ليحيى أَبَلغك أنه رماهم بالمجانيق؟ فأنكر ذلك، وقال: ما نعرف هذا"
ثم قال ابن حجر: (ورواه ابن سعد عن قبيصة عن سفيان عن ثور عن مكحول مرسلًا، وأخرجه أبو داود أيضًا، ووصله العقيلي من وجه آخر عن علي).
وروى البيهقي في السنن الكبرى (9/ 84) رميهم بالمنجنيق، وإنكار أبي قلابة ذلك. وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس رحمه الله منه قال:" .. ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة " وليس فيه رميهم بالمنجنيق.)
(1)
2 -
قوله: (استشار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نَوْفَل بن معاوية الدِّيلي فقال: هم ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك).
التعليق: ضعيف جداً.
قال الألباني
(2)
: (ضعيف جداً؛ رواه الواقدي كما في البداية (4/ 350) وهو متهم بالكذب).
(1)
انظر: كتاب ما شاع ولم يثبت في السيرة للشيخ العوشن-حفظه الله- ص (204).
(2)
تخريج فقه السيرة ص (398).
3 -
قوله: (وقيل: يا رسول الله ادع على ثقيف، فقال: " اللهم اهد ثقيفاً وآت بهم").
التعليق: ضعيف.
رواه الترمذي في سننه حديث رقم (3947)، كتاب المناقب، باب في ثقيف وبني حنيفة. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
قال الألباني
(1)
: (أخرجه الترمذي: (3/ 379)، عن أبي الزبير عن جابر، وقال:"حديث حسن صحيح"؛ قلت: أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه؛ وقد تابعه عبد الرحمن بن سابط عند أحمد:(3/ 343)، ولكنه لم يسمع من جابر: كما قال ابن معين.)، وضعفه في ضعيف الترمذي حديث (3942).
وقال أيضاً
(2)
: (إسناده على شرط مسلم، لكن أبو الزبير مدلس وقد عنعنه).
وقد أشار الحافظ ابن حجر
(3)
إلى أنه مرسل.
قال إبراهيم قريبي
(4)
: (
…
والخلاصة أن الدعاء لثقيف رواه ابن سعد من مرسل الحسن البصري، وساقه مرة أخرى بدون إسناد، ورواه الترمذي وأحمد مسنداً من حديث أبي الزبير، ورواه عنه ابن أبي شيبة مرسلاً.
وأبو الزبير مدلس وقد عنعن.
وتابعه عبد الرحمن بن سابط عند أحمد، ولكن جزم ابن معين بأن عبد الرحمن لم يسمع من جابر، فيكون الحديث منقطعاً.
وساقه ابن إسحاق بدون إسناد.
(1)
تخريج فقه السيرة ص (398).
(2)
تخريج مشكاة المصابيح حديث (5941).
(3)
فتح الباري (7/ 641).
(4)
مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (1/ 343).
ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلاً. وفيه أيضاً أبو علاثة.
فالحديث له ثلاث طرق:
طريق أبي الزبير وقد عنعن وهو مدلس. وابن إسحاق ساقه بدون إسناد، وهو من صغار التابعين فيكون الحديث معضلاً. وطريق البيهقي، وفيها الإرسال، وراو لم توجد ترجمته.
وطريق ابن سعد من مرسل الحسن البصري، ومرسله ضعيف عند العلماء، فالحديث بجميع طرقه ضعيف).
* * * *
قسمة الغنائم بالجعرانة
قوله: (أعطي أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل، فقال: ابني يزيد؟ فأعطاه مثلها، فقال: ابني معاوية؟ فأعطاه مثلها،
…
)
التعليق: لا يصح إعطاء معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما
قال الشيخ العوشن- حفظه الله-
(1)
: (ومنها ما ذكره الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مائة من الإبل، وأربعين أوقية. أي من غنائم حنين.
قال الإِمام الذهبي رحمه الله لما أورد ذلك في سير أعلام النبلاء (3/ 122): (قلت: الواقدي لا يعي ما يقول: فإن كان معاوية كما نقل قديم الإِسلام
(2)
، فلماذا يتألفه النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولو كان أعطاه، لما قال عندما خطب فاطمة بنت قيس:"أما معاوية فصعلوك لا مال له").
(1)
ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (201).
(2)
ذكر الواقدي أن معاوية أسلم بُعيد الحديبية، وأخفى إسلامه.
بعض الوقائع المهمة في هذه السنة
قوله: (وفي هذه السنة وقعت عدة وقائع لها أهمية في التاريخ:
4 -
توفيت أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم، فحزن عليها حزنا شديدا، وقال لعثمان: لو كانت عندي ثالثة لزوجتكها).
التعليق: سنده ضعيف
قال الهيثمي
(1)
: (رواه الطبراني، وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف).
ورواه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 481) حديث رقم (782) عن عبدالله بن الحسن.
وعلق عليه الحافظ ابن حجر
(2)
: (قال أبو موسى: هذا مرسل أو معضل، وهو عبد اللَّه بن الحسن بن علي، وهو تابعي صغير). أي: لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال سعود بن عبدالعزيز الخلف
(3)
: (أخرجه الطبراني الكبير (17/ 184) عن عصمة بن مالك رضي الله عنه ولفظه: "زوجوا عثمان لو كان لي ثالثة لزوجته
…
"، وهو ضعيف جداً؛ فإن في إسناده الفضل بن المختار أبو سهل البصري. قال أبو حاتم: " أحادثيه منكرة يحدث بالأباطيل"، وقال الأزدي: "منكر الحديث جداً ". ميزان الاعتدال (3/ 358)، وفي فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/ 481) من حديث عبد الله بن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أبو أيم ألا أخو أيم يزوج عثمان لو كانت عندي ثالثة لزوجته
…
"، وهو منقطع. وفيه أيضاً (1/ 508) من حديث
(1)
مجمع الزوائد (6/ 86) حديث رقم (14511).
(2)
الإصابة (5/ 143).
(3)
محقق كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (3/ 883) طبعة أضواء السلف.
عبد الله بن الحر الأموي وهو منقطع أيضاً، وفيه أيضاً 1/ 159، وعند ابن أبي عاصم في السنة (2/ 592) من كلام عثمان رضي الله عنه لمحمد بن أبي بكر، وقال فيه:"يا ابن أخي أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه. إحداهما بعد الأخرى ثم قال: فذكر نحو حديث عبد الله بن الحسن". وهذا أثر باطل فإنه من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه. قال الذهبي عن الدار قطني: "هما ضعيفان"، وقال أبو حاتم:"متروك"، وقال ابن حبان:"يضع الحديث" الميزان (2/ 666))
قدوم كعب بن زهير بن أبي سلمى
قوله: (كان من بيت الشعراء، ومن أشعر العرب، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف سنة 8 هـ، كتب إلى كعب بن زهير أخوه بُجَيْر بن زهير أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قتل رجالاً بمكة ممن كانوا يهجونه ويؤذونه، ومن بقي من شعراء قريش هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فَطِرْ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحداً جاء تائباً، وإلا فانج إلى نجاتك، ثم جرى بين الأخوين مراسلات ضاقت لأجلها الأرض على كعب، وأشفق على نفسه، فجاء المدينة، ونزل على رجل من جُهَيْنَةَ، وصلى معه الصبح، فلما انصرف أشار عليه الجهني، فقام إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال: يا رسول اللّه، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال: (نعم).
قال: أنا كعب بن زهير، فوثب عليه رجل من الأنصار يستأذن ضرب عنقه، فقال:(دعه عنك، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه).
وحينئذ أنشد كعب قصيدته المشهورة التي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم مَتْبُول
…
مُتَيَّمٌ إثْرَهَا، لم يُفْدَ مَكْبُول
قال فيها - وهو يعتذر إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويمدحه:
نبئت أن رسول الله أوعدني
…
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ
…
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذن بأقوال الوشاة ولم
…
أذنب، ولو كثرت فيَّ الأقاويل
لقد أقوم مقاماً ما لو يقوم به
…
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد إلا أن يكون له
…
من الرسول بإذن الله تنويل
حتى وضعت يميني ما أنازعه
…
في كف ذي نقمات قيله القيل
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه
…
وقيل: إنك منسوب ومسؤول
من ضيغم بضراء الأرض مخدرة
…
في بطن عثر غيل دونه غيل
إن الرسول لنور يستضاء به
…
مهند من سيوف الله مسلول
ثم مدح المهاجرين من قريش؛ لأنهم لم يكن تكلم منهم رجل في كعب حين جاء إلا بخير، وعرض في أثناء مدحهم على الأنصار لاستئذان رجل منهم في ضرب عنقه، قال:
يمشون مَشْي الجمال الزُّهْرِ يعصمهم
…
ضَرْبٌ إذا عَرَّد السُّودُ التَّنَابِيل
فلما أسلم وحسن إسلامه مدح الأنصار في قصيدة له، وتدارك ما كان قد فرط منه في شأنهم، قال في تلك القصيدة:
من سره كَرَمُ الحياة فلا يَزَلْ
…
في مِقْنَبٍ من صالحي الأنصار
ورثوا المكارم كابراً عن كابر
…
إن الخيار هم بنو الأخيار)
التعليق: لا تصح.
(وهذه القصيدة وقصتها برغم شهرتها فليس لها إسناد يصح، ويبدو أن لإبراهيم بن المنذر الحزامي فيها مؤلفاً، فقد قال الحاكم في "المستدرك" (3/ 583): "هذا حديث له أسانيد قد جمعها إبراهيم بن المنذر الحزامي".
ومن أشهر طرقها: ما أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2706)، والحاكم في "المستدرك"(3/ 579)، وعنه البيهقي في "سننه"(10/ 243)، كلاهما من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير، عن أبيه، عن جده.
وصحح الحاكم هذا الطريق، وفيه الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير، ولم أجد له ترجمة، ولا لأبيه وجده.
وله طرق أخرى معضلة ومرسلة تجدها عند الحاكم والبيهقي في "السنن" و"دلائل النبوة"(5/ 207 ـ 211)، وعند ابن حجر في "الإصابة"(8/ 289 ـ 292).)
(1)
قال ابن كثير
(2)
: (هذا من الأمور المشهورة جدًّا، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه، فالله أعلم، وقد روي أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قال له لما قال بانت سعاد: ومن سعاد؟ قال: زوجتي يا رسول الله. قال: لم تبن. ولكن لم يصح ذلك، وكأنه على ذلك توهم أن بإسلامه تبين امرأته، والظاهر أنه إنما أراد البينونة الحسية لا الحكمية، والله تعالى أعلم)
قال الشوكاني
(3)
: (قال العراقي: وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء، وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع وعلى تقدير ثبوت هذه القصيدة عن كعب وإنشادها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد أوغيره فليس فيها مدح الخمر وإنما فيها مدح ريقها وتشبيهه بالراح).
قال الحافظ ابن حجر
(4)
: (غريب تفرد به إبراهيم بن المنذر بهذا الإسناد).
(1)
مستفاد من هامش كتاب الاعتصام للشاطبي (2/ 112) تحقيق: الشقير والحميد والصيني، طبعة دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1429 هـ.
(2)
البداية والنهاية (4/ 374)، ط. مكتبة المعارف، بيروت.
(3)
نيل الأوطار (2/ 166).
(4)
النتائج (1/ 306).
وقد ضعفها:
1 -
الشيخ ناصر الفهد في رسالة خاصة بها.
2 -
الشيخ عبدالعزيز المانع، في مجلة مجمع العلمي العراقي، مجلد (33) رجب 1403 هـ.
3 -
الشيخ سعدي أبو جيب في مجلة الأديب البيروتية، عدد إبريل 1971 م.
4 -
الشيخ محمد بن عبدالله العوشن في كتاب ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (109) وما بعدها.
5 -
الشيخ أبو محمد الألفي السكندري في الأجوبة المرضية عن الأسئلة الأدبية، منشور في ملتقى أهل الحديث.
(1)
ومع ذلك فقد صحَّح بعض أهل العلم هذه القصيدة منهم:
1 -
الشيخ: إسماعيل الأنصاري رحمه الله في رسالةٍ له مطبوعة بعنوان: القول المستجاد في صحة قصيدة بانت سعاد.
2 -
الشيخ: سعود النفيسان في رسالة أسماها: توثيق بانت سعاد في المتن والإسناد، ط. مكتبة الرشد، 1420 هـ.
* * * *
وفد بني فَزَارَة
قوله: (قدم هذا الوفد سنة 9 هـ بعد مرجعه صلى الله عليه وسلم من تبوك، قدم في بضعة عشر رجلاً جاءوا مقرين بالإسلام، وشكوا جدب بلادهم، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فرفع يديه واستسقي، وقال: (اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحْي بلدك الميت، اللهم اسقنا غَيْثاً مُغِيثاً، مريئًا مَرِيعاً، طَبَقاً واسعاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار، اللّهم سقيا
(1)
راجع الرابط: http:// www.ahlalhdeeth.com/ vb/ showthread.php? t=23575
رحمة، لا سقيا عذاب، ولاهَدْم ولا غَرَق ولا مَحْق، اللّهم اسقنا الغيث، وانصرنا على الأعداء).
التعليق: مرسل.
رواه البيهقي في دلائل النبوة، باب استسقاء النبي- صلى الله عليه وسلم (6/ 143) عَنْ أَبِي وَجْزَةَ يَزِيدَ بْنِ عُبَيْدٍ السُّلَمِيِّ. ورواه في السنن الكبرى حديث (6443) عن المطلب بن حنطب وقال: مرسل.
وأشار الحافظ ابن حجر إلى إرساله في فتح الباري (2/ 586)، وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (6/ 94) لبعضه شواهد.
وأشار الألباني في تمام المنة ص (266) إلى أن الدعاء: (اللّهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا هَدْم ولا غَرَق ولا مَحْق. غير صحيح).
…
* * * *
وفد طيء
قوله: (وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن زيد: (ما ذكر لي رجل من العرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه، إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما فيه)، وسماه زيد الخير).
التعليق: لا يصح
رواه البيهقي في دلائل النبوة، باب وفد طيء (5/ 337)، والحديث في كتب السير والتراجم في ترجمة زيد وهي رواية ضعيفة ذكرها ابن إسحاق بغير إسناد وذكرها هشام بن الكلبى بإسناد مجهول كما قال الحافظ فى الإصابة (1/ 572) برقم (2941)، وقال أيضاً في الكافي الشاف (241): روي بأسانيد مقطوعة. وقد حكم الألباني عليه بالوضع كما في السلسلة الضعيفة حديث (4443)، وضعيف الجامع حديث (5068).
وقد روى ابن عدي في الكامل في الضعفاء (2/ 183) في ترجمة رقم (260) - بشير مولى بني هاشم قصة قدوم زيد الخيل على الرسول صلى الله عليه وسلم وتسميته بزيد الخير وقال بعده: (وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ
وَبَشِيرٌ هَذَا وَإِنْ لَمْ يُنْسَبْ فَإِنَّمَا أَخْرَجْتُهُ فِيمَنْ اسْمُهُ بَشِيرٌ؛ لأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الذي رواه منكر عن الأَعْمَش.)
* * * *
حجة الوداع
قوله: (وقد خطب في بعض أيام التشريق أيضاً، فقد روي أبو داود بإسناد حسن عن سَرَّاءِ بنت نَبْهَانَ قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس، فقال: (أليس هذا أوسط أيام التشريق). وكانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته يوم النحر، ووقعت هذه الخطبة عقب نزول سورة النصر).
قال في الهامش: أبو داود: باب أي يوم يخطب بمنى 1/ 269.
التعليق: ضعيف.
رواه أبو داود، كتاب المناسك، باب أي يوم يخطب بمنى، حديث رقم (1953) قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين، حدثتني جدتي سراء بنت نبهان -وكانت ربة بيت في الجاهلية- قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال: أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم؟ قال: أليس أوسط أيام التشريق؟ قال أبو داود: وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي: إنه خطب أوسط أيام التشريق.
قال الألباني
(1)
: (وهذا إسناد ضعيف؛ ربيعة هذا- وهو: الغنوي- قال الذهبي في " الميزان ": " تابعي فيه جهالة، عن جدة له- اسمها: سراء بنت نبهان-، لا يعرفان إلا في حديث عند أبي عاصم، عنه في الخطبة يوم الرؤوس. نعم لسراء حديث [آخر] في قتل الحية، روته عنها مجهولة، اسمها ساكنة بنت الجعد ".
والحديث أخرجه ابن سعد في "الطبقات "(8/ 310): أخبرنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم
…
به.
(1)
ضعيف أبي داود حديث رقم (335).
وأخرجه البخاري في " التاريخ "(2/ 1/ 287/ 977)، والبيهقي (5/ 151) من طريق أخرى عن أبي عاصم
…
به.
336 -
قال أبو داود:
" وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي: إنه خطب أوسط أيامِ التشريقِ ". (قلت: وصله الإمام أحمد بسند فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف).
قلت: وصله الإمام أحمد (5/ 72 - 73) من طريق حماد بن سلمة: أنا علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال:
كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود الناس عنه، فقال: " أيها الناس
…
" فذكر خطبته صلى الله عليه وسلم بطولها.
وقد أخرج المصنف طرفاً يسيراً منها في "باب في ضرب النساء " من "النكاح " وعلي بن زيد- وهو ابن جدعان- ضعيف). وقال ابن القطان
(1)
: (لم يصح عنها).
* * * *
طلائع التوديع
قوله: (وخرج ليلة - في منتصفها - إلى البَقِيع، فاستغفر لهم، وقال:
(السلام عليكم يا أهل المقابر، لِيَهْنَ لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، والآخرة شر من الأولي)، وبشرهم قائلاً:(إنا بكم للاحقون).
التعليق: ضعيف.
قال الألباني
(2)
: (ضعيف. أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" (4/ 320)، ومن طريقه البخاري في (كنى التاريخ)(73 - 74)، والدارمي (1/ 36 - 37)،
(1)
بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (5/ 67).
(2)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (6447).
والدولابي في "الكنى"(1/ 57)، والحاكم (3/ 55)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 162 - 163)، وأحمد (3/ 389)، والبزار (1/ 408/ 863) - مختصراً-، والطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 346 - 347) - بتمامه-، كلهم من طريق ابن إسحاق قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعَبْلِيُّ عن عُبَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ- مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ:
…
فذكره، وزاد:
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ. فَبدأ برَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعه الَّذِي قبَضَهُ اللَّهُ فِيهِ. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، إلا أنه عجب بهذا الإسناد، فقد حدثناه
…
".
ثم ساق إسناده من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن ربيعة عن عبيد بن عبدالحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص
…
نحوه. وسكت عنه الذهبي، وهو متعقب من وجوه:
الأول: أن تصحيحه إياه على شرط مسلم وهم، لسببين:
أحدهما: أنه وقع عنده شيخ ابن إسحاق: (عبيد الله بن عمر بن حفص) .. وهو العمري المصغر، وهو وهم منه أو من أحد رواته، لمخالفته لما في "السيرة"، ولكل المصادر المذكورة، فإنه فيها -كما رأيت -، (عبد الله بن عمر)، أي: المكبر، وهذا ضعيف، وذاك (الصغير) ثقة. وإن مما يؤكد الوهم عنده من طريق عمر بن عبد الوهاب الرياحي، وهي عند البيهقي أيضاً (7/ 163) لكن قال:(عبد الله بن عمر) فوافق رواية الجماعة.
والآخر: أن عبيد بن جبير، وقع عنده:(عبيد بن حنين) وكذلك وقع في بعض المصادر المذكورة كالبخاري وغيره، فتوهم الحاكم أنه:(عبيد بن حنين المدني أبو عبد الله) .. وليس به، فإن هذا مولى آل زيد بن الخطاب، وهو ثقة من رجال الشيخين، - هذا الذي أظن-، فإن كان غير ذلك، فهو وهم أيضاً، لأنه وثقه وجعله من رجال مسلم، وهو غير
معروف البتة إلا في هذه الرواية، وقد اضطربوا فيها على وجوه سأذكر بعضها، ومن ذلك اختلافهم في ضبط اسم والد (عبيد) هذا، فقيل:(جبير) -كما تقدم -، وقيل (حنين) - كما ذكرت قريباً-، وقيل:(عبدالحكم) - كما مضى آنفاً في رواية يونس بن بكير- عند الحاكم، وفي نقل الحافظ عنه في "الإصابة":(أبو الحكم)، وقال:"كذا فيه، والصواب: (عبيد مولى أبي الحكم) -كما تقدم - "
(1)
.
وبعضهم أطلقه ولم يسم أباه، وإنما نسبه لمولاه أبي الحكم. وكما أشار إلى ذلك الحافظ من قريب، وهي رواية الدارمي. وقد رجح الحافظ من هذه الأقوال القول الأول، وذكر أن من قال:(حنين)، فهو تصحيف، قال:"وإنما هو: (عبيد بن جبير) .. بجيم وموحدة، ونبَّه على ذلك ابن فتحون".
قلت: فثبت يقيناً خطأ تصحيح الحاكم لهذا الحديث على شرط مسلم.
الوجه الثاني: إذا عرفت مما تقدم أن الراجح في: (عبيد) هذا أنه: (ابن جبير)، فما حاله في الرواية؟
الجواب: أنه غير مشهور، إلى درجة أن ابن أبي حاتم لم يذكره في كتابه مطلقاً، وقد ذكره البخاري (1/ 1/ 445) - وتبعه ابن حبان (5/ 135) - برواية يعلى بن عطاء عنه - أعني: عبيد بن جبير- عن أبي مويهبة. وهذا يوصلنا إلى التحدث عن وجه آخر من وجوه التعقب لتصحيح الحاكم، وهو:
الوجه الثالث: الاضطراب في إسناده، فقد رواه الحاكم بن فضيل: ثنا يعلى
ابن عطاء عن عبيد بن جبير عن أبي مويهبة.
أخرجه أحمد (3/ 488)، والطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 347 - 348).
(1)
قلت: ويؤيده رواية البيهقي (7/ 163) من طريق الرياحي المتقدم، ففيها:(عبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص).
وهذا إسناد حسن إلى عبيد بن جبير، خير من الإسناد السابق لضعف عبد الله بن عمر العمري المكبر. وقد أشار إليه البخاري وابن حبان - كما نقلته عنه آنفاً -، وقد أسقط منه:(عبد الله بن عمرو بن العاص).
ثم تنبهت لشيء كاد أن يفوتني، وهو أن تحديدي لهوية عبد الله بن عمر- أنه العمري المكبر- كان نتيجة تأثري برواية الحاكم التي وقع فيها مصغراً:(عبيد الله)، فتنبهت لكون:(عبد الله بن عمر) جاء في رواية الدارمي بزيادة في نسبه هكذا: (عبد الله بن عمر بن علي بن عدي)، كما جاء في "المسند" و"المعجم" منسوباً هكذا:(عبد الله بن عمر العَبَلي)، فتيقنت أنه ليس:(عبد الله بن عمر العمري).
أقول هذا بياناً للحقيقة وتراجعاً عن الخطأ، وإلا، فليس هو بخير من (العمري)، بل هو مجهول العين، لا يعرف إلا برواية ابن إسحاق هذه -كما في كتابي البخاري وابن أبي حاتم و"ثقات ابن حبان"(7/ 36). وفي نسبه أقوال أخرى تجدها في تعليق الشيخ المعلمي رحمه الله على هذه الترجمة في "الجرح والتعديل"(2/ 2/ 108 - 109).
وثمة نوع آخر من الاضطراب على ابن إسحاق: فقال محمد بن سلمة عنه
عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن عبد الله ابن عمرو بن العاص
…
به. أخرجه الدولابي (1/ 58)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 27).
ورجاله ثقات، غير أبي مالك هذا: فلم يوثقه أحد حتى ولا ابن حبان، وذكره البخاري في "الكنى" وكذا ابن أبي حاتم، من رواية ابن إسحاق فقط، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وابن إسحاق: مدلس وقد عنعن.
وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى، ولكنها لا تساوي فلساً. فقال ابن سعد (2/ 204): أخبرنا محمد بن عمر: حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره.
قلت: وإسحاق هذا ضعيف، ومحمد بن عمر - وهو: الواقدي -: متروك متهم بالكذب.
ومن تخاليط (الدكتور) البوطي قوله في كتابه "فقه السيرة"(ص 334 - دار الفكر) في الحاشية: "رواه ابن إسحاق وابن سعد وأحمد في مسنده، وروى نحوه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة"!
أقول: ليس عند هؤلاء الثلاثة ولا حرف واحد من حديث عائشة، بل هو حديث تفرد به أبو مويهبة من بين الصحابة، فعزوه لحديث عائشة خطأ فاضح واضح من أخطاء الدكتور الكثيرة، التي كنا قد كشفنا عن كثير منها في نقدي إياه
(1)
، ولكنه يأبى ويستكبر، ولا يرجع إلى الصواب!
وها هو الآن يكتفي بسوقه لحديث أبي مويهبة موهماً القراء صحته بعزوه- أولاً - إياه في صلب الكتاب لابن إسحاق وابن سعد! وأعاده في التعليق مضيفاً إليه ذاك العزو الباطل!!
(تنبيه): من تناقض الهيثمي في تخريج هذا الحديث أنه قال في "الجنائز"(3/ 59):
"رواه أحمد مطولاً، ويأتي إن شاء الله في (الوفاة) في (علامات النبوة)، ولفظه عند البزار
…
". فذكره، وهومختصر - كما سبقت الإشارة إلى ذلك -، وقال عقبه: "وإسناد أحمد والبزار ضعيف " فأصاب. وفي (الوفاة) قال (9/ 24): "رواه أحمد والطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات". وقد علمت: أن الإسناد عندهما واحد، مداره على (عبيد)، إلا أن الرواة اختلفوا في اسم أبيه. ولكنه مجهول، ولم يوثقه غير ابن حبان، وهو شديد الاعتماد والثقة بتوثيقه، خلافاً للمحققين من الحفاظ كالذهبي وابن عبد الهادي والعسقلاني وغيرهم).
(1)
وهو مطبوع بعنوان "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة" في الرد على جهالات الدكتور.
التجهيز وتوديع الجسد الشريف إلى الأرض
أضاف المؤلف هذا في الطبعة الجديدة: (وقد غسل ثلاث غسلات بماء وسِدْر، وغسل من بئر يقال لها: الغَرْس لسعد بن خَيْثَمَة بقُبَاء وكان يشرب منها).
التعليق: مرسل جيد قاله الحافظ ابن حجر- رحمه الله
(1)
.
وبئر غرس في المدينة قريبة من مسجد قباء بنحو نصف ميل قال ابن النجار (المتوفى: 643 هـ)
(2)
: (وهذه البئر بينها وبين مسجد قباء نحو نصف ميل، وهي في وسط الشجر، وقد خربها السيل وطمها، وفيها ماء أخضر إلا أنه عذب طيب، وريحه الغالب عليه الأجون، وذرعتها فكان طولها سبعة أذرع شاقة، منها ذراعان ماء، وعرضها عشرة أذرع).
قال المناوي (المتوفى: 1031 هـ)
(3)
: (بئر بينها وبين مسجد قباء نحو نصف ميل شرقي المسجد إلى جهة الشمال بين النخيل وتعرف ناحيتها بها، وكانت خربت فجددت بعد السبعمئة، وماؤها غزير).
أما وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه رواها ابن ماجة في سننه، كتاب الجنائز، بَابُ مَا جَاءَ فِي غُسْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حديث رقم (1468) قال: حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلُونِي بِسَبْعِ قِرَبٍ مِنْ بِئْرِي، بِئْرِ غَرْسٍ".
قال الإمام البوصيري في الزوائد: (هذا إسناد ضعيف؛ لأن عباد بن يعقوب قال فيه ابن حبان: كان رافضياً داعياً، ومع ذلك كان يروي المناكير
(1)
التلخيص الحبير (2/ 653).
(2)
الدرة الثمينة في أخبار المدينة ص (61).
(3)
فتح القدير شرح الجامع الصغير (6/ 286).
عن المشاهير؛ فاستحق الترك. وقال ابن طاهر: هو من غلاة الروافض مستحق الترك؛ لأنه يروي المناكير في المشاهير. والبخاري - وإن روى عنه حديثاً واحداً- فقد أنكر الأئمة في عصره عليه روايته عنه. وترك الرواية عنه جماعة من الحفاظ. وقال الذهبي: روى عنه البخاري مقروناً بغيره. وشيخه مختلف فيه.). وضعفه العلامة الألباني
(1)
.
أما حديث: (نعمَ البئرُ بئرُ غَرْسٍ، هو من عيونِ الجنَّةِ، وماؤها أطيبُ المياه).
أخرجه ابن سعد في " الطبقات "(1/ 504) عن عمر بن الحكم مرسلاً.
فقد حكم عليه الألباني أنه موضوع
(2)
، والثابت هو كما في صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، حديث رقم (195): وكانتْ عائشةُ رضي الله عنها تُحَدِّثُ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال بعدَ ما دخَل بيتَه واشتَدَّ وجعُه: هَريقوا عليَّ من سبعِ قِرَبٍ، لم تُحلَلْ أَوكِيَتُهنَّ، لعلِّي أعهَدُ إلى الناسِ. وأُجلِسُ في مِخضَبٍ لحَفصَةَ، زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم طَفِقْنا نَصُبُّ عليه تلك، حتى طَفِق يُشير إلينا: أن قد فَعَلتُنَّ. ثم خرَج إلى الناس).
البيت النبوي
قوله: (أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، كانت تحت عبيد الله بن جحش، فولدت له حبيبة فكنيت بها، وهاجرت معه إلى الحبشة، فارتد عبيد الله وتنصر، وتوفي هناك، وثبتت أم حبيبة على دينها وهجرتها
…
)
التعليق: تحقيق دعوى ردة عبيد الله بن جحش
(1)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (1237)، وضعيف الجامع حديث رقم (399).
(2)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (2683)، وضعيف الجامع حديث رقم (2347).
قال الشيخ محمد بن عبد الله العوشن
(1)
: (اشتهر في كتب السيرة أن عبيد الله بن جحش قد تنصّر في أرض الحبشة، وكان قد هاجر إليها مع زوجه أم حبيبة رضي الله عنها؛ فهل ثبتت ردّته بسند صحيح؟
قال ابن إسحاق رحمه الله في ذكر بعض من اعتزل عبادة قريش للأصنام، وهم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان ابن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، فقال بعضهم لبعض: «تعلمون والله! ما قومكم على شيء. لقد أخطؤوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطيف به؛ لا يسمع ولا يبصر، ولا يضرّ ولا ينفع؟! التمسوا لأنفسكم؛ فإنكم والله! ما أنتم على شيء. فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية، دين أبيهم إبراهيم، فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية
…
وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة، فلما قدمها تنصّر وفارق الإسلام، حتى هلك هناك نصرانياً».
(2)
.
وشيخ ابن إسحاق هنا محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، مات سنة بضع عشرة ومائة، من الطبقة السادسة، وهي طبقة لم يثبت لأحد منها لقاء أحد من الصحابة، فالخبر مرسل.
ثم ذكره - ابن إسحاق - في قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة فقال: «حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال: «خرج عبيد الله بن جحش مع المسلمين مسلماً، فلما قدم أرض الحبشة تنصَّر، قال: فكان إذا
(1)
انظر: ما شاع ولم يثبت في السيرة ص (37 - 42).
(2)
الروض الأنف، (2/ 347).
مر بالمسلمين
…
»
(1)
، وذكر نحو ما سبق. وهذا سند صحيح لكنه مرسل، وهو أصحّ ما ورد في تنصُّر عبيد الله بن جحش.
وذكره أيضاً في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة رضي الله عنها -فقال: «ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زينب، أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قبله عند عبد الله [عبيد الله] بن جحش .. فمات عنها بأرض الحبشة، وقد تنصر بعد إسلامه»
(2)
، والخبر هنا بدون إسناد.
(3)
، ورواه أيضاً في ذكر عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عند ذكر أم حبيبة رضي الله عنها:«وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عبيد الله بن جحش، وكان قد أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم ارتد، وتنصّر، فمات هناك على النصرانية»
(4)
، وشيخ ابن سعد في الخبرين هو الواقدي، وهو متروك على سعة علمه.
ورواه الحاكم في «المستدرك» عن الزهري مرسلاً، وفيه:«ثم افتتن وتنصّر فمات وهو نصراني، وأثبت الله الإسلام لأم حبيبة، وأبت أن تتنصّر»
(5)
، ورواه موصولاً من طريق الواقدي، وفيه رؤيا أم حبيبة
(6)
،
(1)
الروض الأنف، (6/ 538).
(2)
سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمد حميد الله، ص 241.
(3)
طبقات ابن سعد، (8/ 97).
(4)
طبقات ابن سعد، (8/ 218).
(5)
المستدرك (4/ 21).
(6)
(4/ 22).
كرواية ابن سعد. «ومراسيل الزهري ضعيفة»
(1)
(2)
.
وروى الخبر الطبري في تاريخه، في:«ذكر الخبر عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم» عن هشام بن محمد مرسلاً، وفيه عند ذكر أم حبيبة:«فتنصّر زوجها، وحاولها أن تتابعه فأبت، وصبرت على دينها، ومات زوجها على النصرانية»
(3)
، والخبر فضلاً عن إرساله؛ فإنه عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهو رافضي متروك، قال الإمام أحمد رحمه الله:«إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدِّث عنه»
(4)
. ونقله ابن الأثير في تاريخه
(5)
عن ابن الكلبي أيضاً.
ورواه البيهقي في «الدلائل» من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: «ومن بني أسد بن خزيمة: عبيد الله بن جحش، مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة»
(6)
، والخبر فيه علتان: الإرسال، وضعف ابن لهيعة. والمتن هنا فيه غرابة. قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ: «وأما قول عروة إن عثمان زوّجها
(1)
قاله الحافظ في «التلخيص الحبير» (4/ 111).
(2)
سير أعلام النبلاء، (5/ 338 ـ 339).
(3)
تاريخ الطبري، (2/ 213).
(4)
لسان الميزان، (6/ 196).
(5)
الكامل في التاريخ، (2/ 210).
(6)
دلائل النبوة، (3/ 460).
منه فغريب؛ لأن عثمان كان قد رجع إلى مكة قبل ذلك ثم هاجر إلى المدينة، وصحبته زوجته رقية»
(1)
.
وعبيد الله بن جحش لم يترجم له ابن عبد البر في «الاستيعاب» ، ولا ابن الأثير في «أُسد الغابة» ، ولا ابن حجر في «الإصابة» ، وفي ترجمة أخيه عبد الله رضي الله عنه في «الإصابة» لم يذكر ابن حجر شيئاً، أما ابن عبد البر فقد قال في «الاستيعاب» في ترجمة عبد الله:«وكان هو وأخوه أبو أحمد عبد بن جحش من المهاجرين الأولين ممن هاجر الهجرتين، وأخوهما عبيد الله بن جحش تنصّر بأرض الحبشة، ومات بها نصرانياً، وبانت منه امرأته أم حبيبة»
(2)
، وكذا ذكر ابن الأثير في ترجمة عبد الله.
وفي ترجمة أم حبيبة رضي الله عنها في «الإصابة» قال ابن حجر: «ولما تنصر زوجها عبيد الله، وارتد عن الإسلام فارقها، فأخرج ابن سعد من طريق إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأموي قال
…
»
(3)
، وذكر القصة التي رواها ابن سعد عن الواقدي، وسبقت.
وفي ترجمتها في «التهذيب» لم يذكر الحافظ تنصّر عبيد الله بل قال: «هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش هناك، ومات، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي هناك، سنة ست، وقيل سنة سبع»
(4)
، وقال الذهبي في «السير» في ترجمة أم حبيبة رضي الله عنها:«ابن سعد: أخبرنا الواقدي: أخبرنا .. » ، وذكر رؤياها رضي الله عنها وردّة زوجها، ثم قال (الذهبي):«وهي منكرة»
(5)
. ولم يبيّن رحمه الله وجه النكارة.
ومما يرجّح أن خبر ردته غير صحيح: أن الروايات الصحيحة في نكاحه صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة رضي الله عنها لم تذكر شيئاً من ذلك؛ فقد روى
(1)
البداية والنهاية، (4/ 143).
(2)
الاستيعاب (بهامش الإصابة، 2/ 263).
(3)
الإصابة، (4/ 299).
(4)
(12/ 419).
(5)
سير أعلام النبلاء، (2/ 221).
الإمام أحمد بسند صحيح من طريق الزهري عن عروة عن أم حبيبة رضي الله عنها: «أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، وكان أتى النجاشي فمات، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وهي بأرض الحبشة، زوّجها إياه النجاشي، وأمهرها أربعة آلاف»
(1)
، ورواه أيضاً أبو داود
(2)
، والنسائي
(3)
.
مما سبق يتبين - والله أعلم - أن قصة ردة عبيد الله بن جحش لم تثبت، لعدة أدلة منها:
1 -
أنها لم تُروَ بسند صحيح متصل، فالموصول من طريق الواقدي. والمرسل جاء عن عروة بن الزبير، ولا يمكن أن نحتج بالمرسل (عند من يرى الاحتجاج به) في مسألة كهذه؛ فيها الحكم على أحد السابقين الأولين رضي الله عنهم بالردة.
2 -
أن الروايات الصحيحة في زواجه صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة لم تذكر ردة زوجها السابق، كما في الرواية السابقة عند أحمد، وأبي داود، والنسائي.
3 -
أنه يبعد أن يرتد أحد السابقين الأولين للإسلام عن دينه، وهو ممن هاجر فراراً بدينه مع زوجه، إلى أرض بعيدة غريبة. خاصة أن عبيد الله بن جحش ممن هجر ما عليه قريش من عبادة الأصنام، والتماسه مع ورقة وغيره الحنيفية- كما في رواية ابن إسحاق (بدون سند) الواردة أول هذا البحث - وفي رواية ابن سعد (عن الواقدي) أنه كان قد دان بالنصرانية قبل الإسلام. ومعلوم أن البشارة ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت معروفة عند أهل الكتاب من يهود، ونصارى؛ فكيف يُتصور من رجل يترقب الدين الجديد أن يعتنقه ثم يرتد عنه لدين منسوخ؟! كما أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة كان في
(1)
الفتح الرباني، (16/ 170).
(2)
كتاب النكاح، باب الصداق (رقم 2093)، عون المعبود، (6/ 137).
(3)
كتاب النكاح، القسط في الأصدقة، (6/ 119)، وصححه الألباني، صحيح النسائي، (2/ 705).
سنة ست، وقيل سبع، وردة عبيد الله المزعومة قبل ذلك بمدة، وهي مرحلة كان الإسلام قد علا فيها وظهر حتى خارج الجزيرة العربية، بل أصبح هناك من يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر؛ كحال المنافقين.
4 -
في حوار هرقل مع أبي سفيان وكان إذ ذاك مشركاً أنه سأله - ضمن سؤالاته -: «هل يرتد أحدٌ منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فأجاب أبو سفيان: لا» . ولو كان عبيد الله قد تنصّر لوجدها أبو سفيان فرصة للنيل من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، كما فعل لما سُئل:«فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها؟ قال: ولم تمكنِّي كلمة أُدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة»
(1)
، ولا يمكن القول بأن أبا سفيان لم يعلم بردّة عبيد الله - لو صحت - لأنه والد زوجه أم حبيبة.
وبعد؛ فالمسألة متعلقة بأحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ومن السابقين الأولين، فإن صحّ السند بخبر ردّته فلا كلام، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. أمَا والسند لم يثبت؛ فإن نصوص الشريعة حافلة بالذبّ عن عِرْض المسلم؛ فكيف إذا كان هذا المسلم صحابياً بل ومن السابقين؟! والله أعلم)
(2)
. انتهى بحروفه من كلام العوشن - حفظه الله-.
قال الشيخ عبدالله بن مانع- حفظه الله-: (عدول الأئمة عن ترجمته في الصحابة كما تقدم يدل على الأقل التوقف في خاتمته، فمن مشى على الأصل جعله صحابياً- حتى يصح خلافه- ومن رأى الآثار في ذكر خاتمته تحدث قوة- أوجبت له التوقف في عده صحابياً، فالله أعلم بحاله-رضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(1)
فتح الباري، كتاب بدء الوحي (1/ 42).
(2)
راجع المسألة أيضاً في الدرر المرجانية في نفي وفاة الصحابي الجليل عبيد الله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية لأبي العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري. موقع الألوكة،
رابط: http:// majles.alukah.net/ t 6169/
الصفات والأخلاق
قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز من جمال خَلْقه وكمال خُلُقه بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، والرجال تفانوا في حياطته وإكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام، ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظُفْر، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يحبب عادة لم يرزق بمثلها بشر).
التعليق: قول المؤلف (فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام) وصف غير لائق في التعبير عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل الصحابة؛ وذلك لأن الهيام نوع من الحب والعشق الذي قد يصيب صاحبه بالحيرة بل والجنون، وهذا ينزه عنه كل من أحب الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال ابن منظور
(1)
: (والهُيامُ: كَالْجُنُونِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: كَالْجُنُونِ مِنَ الْعِشْقِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الهُيامُ نَحْوُ الدُّوارِ جنونٌ يأْخذ البعيرَ حَتَّى يَهْلِك،
…
والهَيمُ: داءٌ يأْخذ الإِبلَ فِي رؤوسها. والهَائِمُ: المتحيِّرُ
…
؛ يُقَالُ: هَامَ فِي الأَمر يَهِيمُ إِذَا تَحَيَّرَ فِيهِ، وَهُوَ أَيضاً الذاهبُ عَلَى وَجْهِهِ عِشْقاً
…
وَالِاسْمُ الهُيامُ. وَرَجُلٌ هَيْمانُ: مُحِبٌّ شديدُ الوَجْدِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الهَيْمُ مصدرُ هَامَ يَهِيمُ هَيْماً وهَيَماناً إِذَا أَحَبَّ المرأَةَ. والهُيَّامُ: العُشّاقُ).
ووصف حب الله عز وجل أو حب الرسول صلى الله عليه وسلم بالعشق أو الهيام من ألفاظ الصوفية وهي ألفاظ حادثة لا تعرف لدى السلف الصالح، وإنما يقال حب الله وحب الرسول وهذا ما ورد في القرآن والسنة وما تعبدنا الله به.
قال ابن القيم رحمه الله
(2)
: (فإن العبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا لله عز وجل وحده.
(1)
لسان العرب (12/ 626) طبعة دار صادر، الطبعة الثالثة، 1414 هـ.
(2)
إغاثة اللهفان (2/ 133).
ولما كانت المحبة جنساً تندرج تحته أنواع متفاوتة فى القدر والوصف، كان أغلب ما يذكر فيها فى حق الله تعالى: ما يختص به ويليق به، كالعبادة والإنابة والإخبات، ولهذا لا يذكر فيها لفظ العشق والغرام، والصبابة، والشغف، والهوى، وقد يذكر لها لفظ المحبة، كقوله:{يحُبُّهُمْ وَيحُبُّونِهُ} [المائدة: 54]، وقوله {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبْبِكْمْ اللهُ} [آل عمران: 31]، وقوله {وَالّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبا للهِ} [البقرة: 165].
ومدار كتب الله تعالى المنزلة من أولها إلى آخرها على الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهى عن محبة ما يضادها وملازمتها، وضرب الأمثال والمقاييس لأهل المحبتين، وذكر قصصهم ومآلهم، ومنازلهم، وثوابهم، وعقابهم، ولا يجد حلاوة الإيمان، بل لا يذوق طعمه، إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).
وقالَ ابنُ القيمِ أيضاً
(1)
في فصلٍ لهُ عن جوازِ إطلاقِ الشوقِ على اللهِ: (والصوابُ أنهُ يقالُ: إطلاقهُ - أي الشوق - متوقفٌ على السمعِ، و لم يرد به؛ فلا ينبغي إطلاقهُ، وهذا كلفظِ العشقِ أيضاً، فإنهُ لم يرد به سمعٌ، فإنهُ يمتنعُ إطلاقهُ عليهِ سبحانهُ، واللفظُ الذي أطلقهُ سبحانهُ على نفسهِ وأخبر بهِ عنها أتمُ من هذا و أجلُ شأناً، هو لفظُ المحبةِ
…
وهكذا المحبةُ وصف نفسهُ منها بأعلاها وأشرفها فقال: " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [المائدة: 54]، " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [البقرة: 222]، " يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [البقرة: 195]، و " يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " [آل عمران: 146]، ولم يصف نفسهُ بغيرها من العلاقةِ والميلِ والصبابةِ والعشقِ والغرامِ ونحوها، فإن مسمى المحبةِ أشرفُ وأكملُ من هذه المسمياتِ، فجاء في حقهِ إطلاقه دونها).
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك - حفظه الله -: (وأما لفظ العشق فلم يرد في القرآن ولا في الحديث، وإنما يطلقه الجهلة بالله من الفلاسفة والصوفية فإن من عبارات الفلاسفة عن الله: "عشق، وعاشق،
(1)
طريقِ الهجرتين ص (537).
ومعشوق"، ومن عبارات الصوفية أن يقول أحدهم: "إنه عاشق لله"، وهذا لفظ مبتدع لا يجوز التعبير به عن محبة الله:
أولاً: أنه لم يرد في شيء من النصوص.
والثاني: أنه يدل على الحب المفرط الذي دافعه الشهوة، إذاً العشق إنما يليق ويعبر به عن الحب الذي يكون بين بعض الناس وبعض، وأكثر ما يستعمل في الحب الذي بين الرجل والمرأة.
إذاً فلا يجوز استعمال هذا اللفظ في حب العبد لربه، ولا في حب الرب لعبده، بل نقول: إن الله يُحَب ويُحِب، كما قال سبحانه وتعالى:(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)[المائدة: 54].
وذهب الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله إلى عدم جواز إطلاق العشق على الله عز وجل أو على الرسول صلى الله عليه وسلم راجع كتابه معجم المناهي اللفظية.
جمال الخَلْق
1 -
قوله: (وقال على بن أبي طالب- وهو ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يكن بالطويل المُمَغَّطِ، ولا القصير المتردد، وكان رَبْعَة من القوم، ولم يكن بالجَعْد القَطِطِ، ولا بالسَّبْط، رَجِلاً، ولم يكن بالمُطَهَّم، ولا بالمُكَلْثَم، وكان في الوجه تدوير، وكان أبيض مُشْرَبًا، أدْعَج العينين، أهْدَب الأشْفَار، جَلِيل المُشَاش والكَتَدِ، دقيق المسْرُبَة، أجْرَد، شَثْنُ الكفين والقدمين، إذا مشي تَقَلّع كأنما يمشي في صَبَب، وإذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لَهْجَة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عَريكَة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، صلى الله عليه وسلم.
التعليق: ضعيف.
رواه الترمذي في سننه، كتاب المناقب عن رسول الله -صلى الله عليه و سلم-،
باب ما جاء في صفة النبي -صلى الله عليه و سلم-، حديث رقم (3638) وقال أبو عيسى:
(هذا حديث حسن غريب ليس إسناده بمتصل). ورواه أيضا في الشمائل المحمدية، حديث رقم (7).
ضعفه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية ص (16)، والمشكاة حديث رقم (5791).
فائدة: قد صحح الألباني بعض الألفاظ الواردة في هذا الحديث في (صحيح سنن الترمذي) برقم (2877) عن علي رضي الله عنه.
2 -
قوله: (وقالت الرُبَيع بنت معوذ: لو رأيته رأيت الشمس طالعة).
التعليق: ضعيف
رواه الدارمي (1/ 204) حديث رقم (61)، وقال محققه حسين سليم أسد: إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن موسى الطلحي التيمي.
ورواه الطبراني في المعجم الأوسط (4/ 369) حديث رقم (4458) وقال: لا يروى هذا الحديث عن الربيع إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الله بن موسى.
3 -
قوله: (وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرض تُطْوَي له، وإنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث).
التعليق: ضعيف.
رواه الترمذي في سننه، كتاب المناقب عن رسول الله -صلى الله عليه و سلم-، باب ما جاء في صفة النبي -صلى الله عليه و سلم-، حديث رقم (3648) وقال أبو عيسى:(هذا حديث غريب).
وضعفه الألباني في مختصر الشمائل حديث رقم (100)، وانظر السلسلة الضعيفة حديث رقم (4213).
4 -
قوله: (وعرق مرة وهو عند عائشة، فجعلت تبرق أسارير وجهه، فتمثلت له بقول أبي كبير الهذلي:
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه
…
برقت كبرق العارض المتهلل).
التعليق: لا يصح
رواه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 694) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ قَاعِدَةً أَغْزِلُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْصِفُ نَعْلَهُ، فَجَعَلَ جَبِينُهُ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُهُ يَتَوَلَّدُ نُورًا، فَبُهِتُّ فَنَظَرَ إِلِيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" مَالَكِ يَا عَائِشَةُ! بُهِتِّ؟ " قُلْتُ: جَعَلَ جَبِينُكَ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُكَ يَتَوَلَّدُ نُورًا، وَلَوْ رَآكَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ لَعَلِمَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِشِعْرِهِ. قَالَ:" وَمَا يَقُولُ أَبُو كَبِيرٍ؟ " قَالَتْ: قُلْتُ يَقُولُ:
وَمُبَرَّأٌ مِنْ كُلِّ غَيْرِ حَيْضَةٍ
…
وَفَسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءٍ مُغَيِّلِ
فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ
…
بَرَقَتْ كَبَرْقِ الْعَارِضِ الْمُتَهَلِّلِ
قَالَتْ: فَقَامَ إِلِيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنِيَّ وَقَالَ: " جَزَاكِ اللهُ يَا عَائِشَةُ عَنِّي خَيْرًا مَا سُرِرْتِ مِنِّي كَسُرُورِي مِنْكِ".
قال الحافظ الذهبي في المهذب (6/ 3023): (منكر لا يعرف إلا بهذا الإسناد). وعده المزي من غرائب حديث معمر بن المثنى في تهذيب الكمال (18/ 276)، وحكم عليه الألباني بالكذب والوضع في السلسلة الضعيفة، حديث (4144).
والصواب (تبرق) كما أثبته المؤلف في الطبعة الجديدة، وليس (تبرك) كما ذكر في الطبعة القديمة؛ لما جاء في البخاري حديث (3555)، ومسلم حديث (1459) عن عائشة رضي الله عنها أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دخل عليها مَسْرورًا، تَبرُقُ أساريرُ وجْهِهِ. فقال:(ألم تسمعي ما قال المُدْلِجيُّ لزيدٍ وأسامَةَ، ورأى أقدامَهما: أن بعض هذه الأقدامِ مِن بعضٍ).
قال محمد فؤاد عبدالباقي رحمه الله: (تبرق أسارير وجهه) قال أهل اللغة: تبرق أي: تضيء وتستنير من السرور والفرح، والأسارير هي الخطوط التي
في الجبهة، واحدها: سر وسرر، وجمعه أسرار، وجمع الجمع أسارير).
5 -
قوله: (كان أبو بكر إذا رآه يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو
…
كضوء البدر زايله الظلام.
وكان عمر ينشد قول زهير في هرم بن سنان:
لو كنت من شيء سوى البشر
…
كنت المضيء لليلة البدر
ثم يقل كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم).
التعليق: لا يصح.
رواه البيهقي في دلائل النبوة عن عائشة رضي الله عنها (1/ 298) وقال: ((فيه) صبيح بن عبد الله الفرغاني ليس بالمعروف). وقال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (6/ 329): (لم أجد له إسناداً)، وبالرغم من هذا فإن الموجود في الرواية وكان ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كثيرا ما ينشد قول زهير بن أبي سلمى حين يقول لهرم بن سنان: لو كنت من شيء سوى بشر كنت المضيء لليلة البدر، فيقول عمر ومن سمع ذلك: كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ولم يكن كذلك غيره.
ويلحق به ما ذكره المؤلف في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم فهو جزء من هذه الرواية: (وأما عنقه فكأنه جيد دمية في صفاء الفضة، وكان في أشفاره غطف، وفي لحيته كثافة، وكان واسع الجبين، أزج الحواجب في غير قرن بينهما، أقنى العرنين، سهل الخدين، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، أشعر الذراعين والمنكبين، سواء البطن والصدر، مسيح الصدر عريضه، طويل الزند، رحب الراحة، سبط القصب، خمصان الأخمصين، سائل الأطراف، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا ويمشي هوناً).
6 -
قوله: (وقال جابر بن سَمُرَة: كان في ساقيه حُمُوشة، وكان لا يضحك إلا تَبَسُّماً. وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكْحَل العينين، وليس بأكحل).
التعليق: ضعيف.
رواه الترمذي في سننه، كتاب المناقب عن رسول الله -صلى الله عليه و سلم-، باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (3645) وقال أبو عيسى:(هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه).
وضعفه الألباني في مختصر الشمائل حديث رقم (193)، ضعيف الجامع الصغير (4474)، وقال في تخريج مشكاة المصابيح حديث (5733):(فيه عنعنة الحجاج بن أرطأة وهو مدلس. لكن ضحكه تبسماً له شاهد مرسل صحيح فهو حسن). وضعفه الأرناؤوط في تحقيقه للمسند حديث رقم (20955).
7 -
قوله: (قال ابن عباس: كان أفْلَجَ الثنيتين، إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه).
التعليق: ضعيف جداً.
قال الألباني
(1)
: (ضعيف جداً. أخرجه الترمذي في "الشمائل" (رقم 14)، والبيهقي في "الدلائل"(1/ 163)، والضياء المقدسي في "المختارة" (67/ 107/ 1) عن عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري: حدثني إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى بن عقبة، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد العزيز هذا؛ قال الحافظ: "متروك، احترقت كتبه؛ فحدث من حفظه فاشتد غلطه".
(1)
السلسلة الضعيفة حديث رقم (4220).
ومن طريقه أخرجه الطبراني في "الأوسط"؛ كما في "المجمع"(8/ 279)، و"مجمع البحرين"(ص 322 - نسخة الحرم). وضعفه في مختصر الشمائل حديث رقم (13).
وضعفه المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 448)، ونقل عن الهيثمي قوله:(وفيه عبد العزيز بن أبي ثابت وهو ضعيف جداً) وذلك في فيض القدير حديث رقم (6482).
8 -
قوله: (وقال جابر: لم يسلك طريقاً فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عَرْفِه. أو قال: من ريح عرقه).
التعليق: ضعيف.
رواه الدارمي في سننه، باب في حسن النبي -صلى الله عليه و سلم-، حديث رقم (66) أخبرنا مالك بن إسماعيل، ثنا إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي، أنا المغيرة بن عطية، عن أبي الزبير، عن جابر فذكره
…
قال الألباني
(1)
: (هذا إسناد ضعيف، أبو الزبير مدلس وقد عنعنه. والمغيرة بن عطية مجهول، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4/ 1/ 227) من هذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وإسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي أورده الطوسي في " رجاله " (ص 149) في أصحاب جعفر الصادق رقم (134) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً كغالب عادته! وزاد على ما في هذا الإسناد أنه مدني. ذكره في أصحاب الباقر (ص 104 رقم 17):" إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب ثقة من أهل البصرة ". وذكر المعلق عليه أنه هو الأول المدني، وتبع في ذلك الحافظ ابن حجر في " اللسان " وهو بعيد عندي لاختلاف اسم جدهما، ونسبتهما. والله أعلم).
فائدة: قد حسن الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (2137) وذلك بمجموع طرقه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف بريح الطيب إذا أقبل).
(1)
السلسلة الصحيحة حديث رقم (2137).
كمال النفس ومكارم الأخلاق
1 -
قوله: (وكان لا يثبت نظره في وجه أحد).
التعليق: لم أجد له إسناداً.
قاله ابن السبكي رحمه الله في طبقات الشافعية الكبرى (6/ 322).
2 -
قوله: (خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة).
التعليق: ضعيف.
هذا جزء من حديث هند بن أبي هالة الآتي.
4 -
قوله: (روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله تعالى فيهم: " فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ، وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ " [الأنعام: 33]).
التعليق: ضعيف الإسناد.
وقال الترمذي في العلل حديث رقم (430): (سألت مُحمدًا (البخاري) عن هذا الحديث؟ فقال: الصحيح عن أبي إسحاق، عن ناجية، عن النبي -صلى الله عليه و سلم- مرسل).
قال الألباني في ضعيف الترمذي حديث (3064): ضعيف الإسناد.
ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 315) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: ناجية بن كعب لم يخرجا له شيئاً.
وقد مر معنا سابقاً في الكتاب تحت عنوان قيادة تهوى إليها القلوب.
3 -
قوله: (ولنترك هند بن أبي هالة يصف لنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم؛ قال هند فيما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه -لا بأطراف فمه- ويتكلم بجوامع الكلم، فصلاً، لا فضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة وإن دقت، لايذم شيئاً، ولم يكن يذم ذواقاً -ما يطعم- ولا يمدحه، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها -سماحة- وإذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام.
وكان يخزن لسانه إلا عما يعنيه، يؤلف أصحابه ولا يفرقهم، يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره.
يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه إلى غيره.
الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن-لا يميز لنفسه مكاناً- إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحق متقاربين، يتفاضلون عنده بالتقوى، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم-لا تخشى فلتاته-
يتعاطفون بالتقوى، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويؤنسون الغريب.
كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صَخَّاب، ولا فحاش، ولا عتاب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يقنط منه. قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا. لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق، يقول: إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يطلب الثناء إلا من مكافئ).
التعليق: ضعيف جداً.
رواه الترمذي في الشمائل (1/ 135)، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 286)، والطبراني في الكبير (22/ 155)، وضعفه الألباني في فقه السيرة ص (212) فقال:(حديث ضعيف، أخرجه بطوله الترمذي في (الشمائل): (1/ 38)، من طريق جميع بن عمرو بن عبد الرحمن العجلي، قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله، عن ابن لأبي هالة، عن الحسن بن علي. وهذا سند ضعيف، وجميع بن عمرو هذا ضعيف، وقال أبو داود:«أخشى أن يكون كذّاباً» . وأبو عبد الله التميمي مجهول، كما في (التقريب)، وابن أبي هالة اسمه هند بن أبي هالة، وهو مستور، ترجمه ابن أبي حاتم:(4/ 2/ 117)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. ونقل الحافظ في ترجمة أبيه من (التهذيب) عن أبي داود: أنه قال في هذا الحديث: «أخشى أن يكون موضوعاً» ، وأشار البخاريّ إلى أنّه لا يصح. راجع ترجمة هند بن أبي هالة في (الجرح والتعديل) مع التعليق عليه)، وضعفه جداً في مختصر الشمائل حديث رقم (6)، وضعيف الجامع حديث (4470).
هل الحزن مطلوب شرعاً؟
قال ابن القيم
(1)
: (وَأَمَّا حَدِيثُ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ كَانَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ فَحَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ.
وَكَيْفَ يَكُونُ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، وَقَدْ صَانَهُ اللَّهُ عَنِ الْحُزْنِ عَلَى الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا، وَنَهَاهُ عَنِ الْحُزْنِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَمِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ الْحُزْنُ؟.
بَلْ كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ، ضَحُوكَ السِّنِّ، كَمَا فِي صِفَتِهِ " الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ "
(2)
صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ "
(3)
فَلَا يُعْرَفُ إِسْنَادُهُ، وَلَا مَنْ رَوَاهُ، وَلَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ.
وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْحُزْنُ مُصِيبَةٌ مِنَ الْمَصَائِبِ، الَّتِي يَبْتَلِي اللَّهُ بِهَا عَبْدَهُ، فَإِذَا ابْتَلَى بِهِ الْعَبْدَ فَصَبَرَ عَلَيْهِ، أَحَبَّ صَبْرَهُ عَلَى بَلَائِهِ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ الْآخَرُ " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَصَبَ فِي قَلْبِهِ نَائِحَةً، وَإِذَا أَبْغَضَ
(1)
مدارج السالكين (1/ 378).
(2)
لا يوجد في كتب السنة، وإنما ذكره بعض أهل العلم مثل: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلاميذه: كالذهبي في أعلام النبلاء (1/ 153)، وابن القيم في مدارج السالكين، وابن كثير في تفسيره (3/ 136)، وعلق عليه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله:(ذكره الحافظ ابن كثير في تفسير سورة التوبة، وذكره شيخ الإسلام في السياسة الشرعية. ولم أجده في شيء من كتب السنة).
(3)
رواه الحاكم في مستدركه حديث (7884) قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، ثَنَا الْمُغِيرَةُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه فذكره وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: (مع ضعف أبي بكر، منقطع). وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة حديث (483).
عَبْدًا جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِزْمَارًا " فَأَثَرٌ إِسْرَائِيلِيٌّ، قِيلَ: إِنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ حَزِينٌ عَلَى ذُنُوبِهِ، وَالْفَاجِرَ لَاهٍ لَاعِبٌ، مُتَرَنِّمٌ فَرِحٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ إِسْرَائِيلَ {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84] فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ بِمُصَابِهِ بِفَقْدِ وَلَدِهِ، وَحَبِيبِهِ، وَأَنَّهُ ابْتَلَاهُ بِذَلِكَ كَمَا ابْتَلَاهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
وَأَجْمَعَ أَرْبَابُ السُّلُوكِ عَلَى أَنَّ حُزْنَ الدُّنْيَا غَيْرُ مَحْمُودٍ إِلَّا أَبَا عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْحُزْنُ بِكُلِّ وَجْهِ فَضِيلَةٌ، وَزِيَادَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، مَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ، قَالَ: لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُوجِبْ تَخْصِيصًا، فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَمْحِيصًا.
فَيُقَالُ: لَا رَيْبَ أَنَّهُ مِحْنَةٌ وَبَلَاءٌ مِنَ اللَّهِ، بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ، وَأَمَّا إِنَّهُ مِنْ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ فَلَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ).
مختصر كتاب التعليق على الرحيق المختوم
هذا مختصر للتعليق على كتاب الرحيق المختوم، يشمل أهم النقاط بصورة بسيطة بدون تفصيل وبيان، ليسهل مراجعتها من حين لآخر، وهو على النحو التالي:
1 -
قول المؤلف: (ساقني القدر، وحاطه القدر، وقيضت لهم الأقدار) عبارات فيه تجوز، والأولى عدم إسناد هذه الأفعال إلى القدر.
2 -
حديث: (كذب النسابون) حديث موضوع كما في السلسلة الضعيفة للألباني ح (111).
3 -
حديث: (إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم: من خير فرقهم، وخير الفريقين
…
). ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ح (3073).
4 -
ما ورد عن يوم ذي قار: (هذا أول يوم انتصرت فيه العرب على العجم) ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ح (579).
5 -
الصابئة نوعان: أمة موحدة مدحها الله في كتابه، والأخرى كافرة مشركة تعبد الكواكب والنجوم كما قرره ابن تيمية وابن القيم.
6 -
ما روي أن عبد المطلب وجد عند حفره لبئر زمزم السيوف، والدروع، والغزالين من الذهب لم يثبت من الناحية الحديثية كما قال العمري.
7 -
حديث: (أنا ابن الذبيحين) لا أصل له بهذا اللفظ كما قرر ابن حجر، والزيلعي، والألباني، راجع السلسلة الضعيفة ح (331).
8 -
لم يصح حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم وُلِدَ مختوناً، أو أن جبريل ختنه، ولكن الأقرب أن جده ختنه يوم سابعه كما قرر ذلك المؤلف، وابن القيم، وابن العديم والألباني.
9 -
قصة حليمة السعدية وأخذها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتيم لإرضاعه فإن من أهل العلم قبل الخبر: كالذهبي، وابن كثير، وابن حبان، وابن حجر، والدويش، وعلى القول بضعفه من: ابن عساكر، والألباني، والعمري فإنه مما لا يتعلق به أحكام، أو شرائع، وهذا مما يتساهل في روايته وذكره، وبخاصة أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مسترضعاً في بني سعد بن بكر كما قرر الحافظ ابن كثير في البداية.
10 -
أن حليمة خافت على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد حادثة شق الصدر فردته لأمه مما اختلف في سنده، وكذلك أن أمه ماتت في طريق عودتها من زيارة قبر زوجها، وأن جده عهد به لعمه أبي طالب بعد وفاته
…
كل هذا لم يثبت من الناحية الحديثية لكن مما يتساهل في ذكره.
11 -
اشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم وهو شابّ قبل البعثة في حرب الفِجَار، وأنه كان يجهز النبل لأعمامه، لم ترِد بسند صحيح.
12 -
عمر خديجة رضي الله عنها عند زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم-ورد فيها من الروايات أنها 25، أو 28، أو 35، أو 40 سنة، ولعل الأرجح أنها 28 سنة لإنجابها ذكرين وأربع إناث.
13 -
حديث: (ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين
…
) ضعيف، ضعفه الألباني في فقه السيرة، ورجح الحافظ ابن كثير وقفه على علي بن أبي طالب-رضي الله عنه، وأن قول:(حتى أكرمني الله بالنبوة أو الرسالة) مقحم في الرواية.
14 -
أخطأ المؤلف في قوله: إن أول نزول الوحي كان في ليلة الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان ولكن الصواب كما قرره في الرحيق
في موطن آخر وكذلك في كتابه روضة الأنوار أنها في ليلة الاثنين الحادية والعشرين من شهر رمضان، وكذلك أخطأ في قوله:(وأن الوحي نزل بعدها صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولى من النبوة. ولعل هذا هو السر في تخصيص العشر الأواخر من رمضان بالمجاورة والاعتكاف، وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد، والله أعلم). والصواب أن سبب الاعتكاف لتحري ليلة القدر، وأن سبب الفرح بأول شوال لأنه عيد الفطر.
15 -
حديث: (وفتر الوحي فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا- حزنًا عدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال
…
) ضعفه الحافظ ابن حجر لأنه من زيادة معمر على رواية عقيل ويونس عن الزهري، كما أنه من بلاغات الزهري وليست موصولة، وضعفها الألباني في السلسلة الضعيفة ح (1053).
16 -
حديث: (إن روح القدس نفث في رُوعي أنه لن تموت نفس
…
) لم يخرجه المؤلف وهو حديث حسن على أقل الأحوال كما قال الألباني في الصحيحة ح (2866).
17 -
تفاصيل قصة وقوع زيد بن حارثة رضي الله عنه في الأسر لم تصح، وأن الذي جاء لأخذه أخوه كما صح عند الترمذي، وليس كما ذكر المؤلف أباه أو عمه.
18 -
حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل، فعلمه الوضوء، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه) ضعفه ابن القطان، وشعيب الأرناؤوط ومساعدوه في تحقيق المسند.
19 -
حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم) ضعفه محقق سيرة ابن هشام.
20 -
حديث: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة
…
) مرسل ضعيف كما قال الألباني.
21 -
وفي الوليد أنزل الله -تعالى- ست عشرة آية من سورة المدثر (من 11 إلى 26) حديث مرسل كما قال الذهبي، والشوكاني، والوادعي.
22 -
أن النضر بن الحارث كان قد اشترى قَيْنَةً، فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} [لقمان: 6].
ضعيف جداً كما قال الألباني في تحريم آلات الطرب.
23 -
حديث: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر -حتى يظهره الله أو أهلك فيه- ما تركته) ضعيف، لكن قال الألباني: وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى بسند حسن لكن بلفظ: (ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك، على أن تستشعلوا لي منها شعلة يعني: الشمس). وقد خرجته في الأحاديث الصحيحة رقم (92).
24 -
عرض قريش على أبي طالب عمارة بن الوليد مقابل أن يسلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم مكانه
…
هذا مرسل ساقه ابن إسحاق بدون إسناد.
25 -
حديث: (يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟) موضوع كما قرر الألباني في الضعيفة ح (4151).
26 -
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن عثمان ورقية-رضي الله عنهما: (إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام) منكر كما قرر الألباني في الضعيفة ح (3181)، و الحويني في النافلة ح (33).
27 -
سجود المشركين لما تلا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم سورة النجم ومدح آلهتم بقول: (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) قصة باطلة لم ترو بإسناد متصل ضعفها كل من: البزار، وابن كثير، وابن خزيمة، وابن العربي، والبيهقي، والشوكاني، والشنقيطي، والألباني. راجع نصب المجانيق.
28 -
قصة إسلام حمزة بن عبدالمطلب-رضي الله عنه مرسلة لم تثبت من طريق صحيح.
29 -
قصة إسلام عمر بن الخطاب-رضي الله عنه وضربه لأخته وقراءة سورة طه إسنادها ضعيف جداً وفيها نكارة. ضعفها الذهبى، والألباني في الضعيفة ح (6531). وأما استماعه للرسول صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وهو يقرأ من سورة الحاقة رواه أحمد بسند صحيح إلى شريح بن عبيد لكنه مرسل ضعيف؛ لأن شريحاً لم يدرك عمر. كما قرره الهيثمي، وأحمد شاكر، والألباني.
30 -
عزم أبي جهل على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله: (وإني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله
…
) منكر بهذا اللفظ فقد ثبت في الصحيح بخلافه خصوصاً قوله: (إني لأعاهد الله) والذي في مسلم قوله: (واللات والعزى).
31 -
سبب نزول سورة الكافرون وأن الكفار عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم عبادة آلهتهم سنة على أن يعبدوا الله السنة الأخرى لم يصح؛ لأن رواياتها مرسلة وأشار إلى ضعف بعضها الحافظ ابن حجر في الفتح.
32 -
سبب نزول سورة الكهف منكر متناً، ضعيف سنداً، وأشار الحافظ ابن حجر والبيهقي إلى ضعفه.
33 -
حديث: (ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب) مرسل عن عروة كما قرر الذهبي والألباني.
34 -
(وكان أبو جهل يقول: يا محمد، إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] إسناده ضعيف. ضعفه البخاري، والترمذي، والذهبي، والألباني في ضعيف الترمذي، ح (3064).
35 -
حديث: (يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم
…
) رواية ابن سعد ضعيفة، لكنه ورد بإسناد صحيح عند أحمد وغيره كما قرر الألباني في فقه السيرة.
36 -
حديث: (اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس
…
) وقصة لقائه بعداس
…
ضعفه الألباني في الضعيفة ح (2933).
37 -
استماع الجن للقرآن الكريم بعد رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف لم يكن أول مرة كما ذهب إليه المؤلف، وإنما سبقه استماع الجن للقرآن الكريم في بدء الوحي وعند نزول القرآن الكريم كما يتضح من مطلع سورة الجن، وهو ما ذهب إليه الحافظان: ابن كثير، وابن حجر -رحمهما الله-.
38 -
(قال الزهرى: وكان ممن يسمى لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم وعرض نفسه عليهم: بنو عامر بن صَعْصَعَة، ومُحَارِب بن خَصَفَة، وفزارة، وغسان، .... ) أخرجه ابن سعد في الطبقات من طريق الواقدي وهو مجمع على ضعفه.
39 -
قصة إسلام سويد بن الصامت إسنادها حسن إلى عاصم بن عمر بن قتادة ثقة (ت 120 هـ) يرويه عن أشياخ من قومه الأنصار. هو مرسل.
40 -
قصة إسلام طفيل بن عمرو الدوسي- رضي الله عنه رواها ابن إسحاق مرسلة بدون إسناد، وضعفها ابن كثير، وابن حجر، والألباني.
41 -
نسبة الدنو والتدلي إلى الله في حديث المعراج من أغلاط شريك بن عبدالله النمري كما قرر ذلك كل من: ابن حجر، وابن رجب، وابن كثير، وابن باز، والألباني وغيرهم. وأن الصواب في قوله:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} إنما هو جبريل عليه السلام، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا.
42 -
حديث: (أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي). رواه ابن إسحاق عن عبدالله بن أبي بكر مرسلاً؛ فهو ضعيف كما قرر الألباني.
43 -
قصة اجتماع قريش في دار الندوة لتبادل الرأي في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وحضور الشيطان في صورة شيخ نجدي. القصة واهية وأسانيدها لا تصح.
44 -
قصة اجتماع المشركين على باب الرسول صلى الله عليه وسلم وذره التراب على رءوسهم، ومبيت علي على فراشه. لم تصح ضعفها أحمد شاكر، والألباني.
45 -
ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك،
…
) موضوع.
46 -
قصة العنكبوت والحمامتين عند الغار لم تثبت فقد حكم عليها بالضعف كل من: أحمد شاكر، والألباني، وابن عثيمين، والعمري.
47 -
لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وسماع صوت من الجن يخبر بمكان الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الهجرة. رواها ابن إسحاق بسند منقطع.
48 -
قصة مرور النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه بأم معبد في طريق الهجرة. حسنها كل من: ابن كثير، وابن حجر، والألباني وغيرهم.
49 -
قدوم بريدة الأسلمي على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: (ممن أنت؟) قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: سلمنا، ثم قال:(مِنْ بني مَنْ؟) قال: من بني سهم. قال: (خرج سهمك). إسنادها ضعيف جدا كما قرر الألباني في الضعيفة ح (5450).
50 -
نشيد طلع البدر علينا من ثنيات الوداع عند مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة في الهجرة. ضعيف كما قرره العراقي، وابن القيم، والألباني في الضعيفة ح (598).
51 -
عبر المؤلف عن الصحابة تعبيراً غير لائق حيث قال: (بعض الأحداث، وضعاف العقول من المسلمين عملاء لهم؛ لتنفيذ
خططهم.) في الطبعة القديمة ثم عدله في الجديدة إلى (وربما كانوا يتخذون بعض الشباب وسذجة المسلمين عميلًا لتنفيذ خطتهم من حيث لا يشعر) وهذا يتنافى مع حق الصحابة من ذكر محاسنهم والترضي عنهم.
52 -
عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت: كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .... رواه ابن إسحاق بسند منقطع كما قرر العراقي.
53 -
حديث: (أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عُري كساه الله من خُضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة
…
) رواه أبوداود والترمذي وضعفه الألباني في الضعيفة ح (4554).
54 -
المعاهدة مع يهود المدينة رواها ابن إسحاق بدون إسناد وهي تصلح للدراسة التأريخية، لكنها لا تصلح دليلاً شرعياً لعدم ثبوتها حديثياً.
فليس كل ما في الوثيقة على درجة واحدة من الصحة، لأن بعضها ورد بشكل أحاديث متفرقة في المصادر الحديثية مثل البخاري ومسلم، وبعضها أوردته كتب السيرة والتأريخ دون أسانيد أو بأسانيد معلولة. كما قرره العمري والألباني.
55 -
(وكان معهم سبعون بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيراً واحداً).
الصواب: أبو لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه وليس مرثد بن أبي مرثد الغنوي-رضي الله عنه-كما في المسند وغيره، وحسنه الألباني في الصحيحة ح (2257).
56 -
حضور الشيطان غزوة بدر في صورة سراقة بن مالك وتحريضه على
حرب المسلمين وفراره لما رأى هزيمة المشركين لم يثبت بإسنادٍ صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي إسناده نظر.
57 -
(
…
قال: ممن أنتما؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن من ماء)، ثم انصرف عنه، وبقي الشيخ يتفوه: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟). فيه انقطاع.
58 -
(هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها). أخرجه ابن هشام (2/ 65) عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير بهذه القصة. وهذا إسناد صحيح لكنه مرسل. وقد رواه أحمد رقم (948) من حديث علي بن أبي طالب دون قوله: (ثم قال لهما
…
) وسنده صحيح، ورواه مسلم (5/ 170) مختصراً من حديث أنس. كما قرر الألباني في فقه السيرة.
59 -
قصة مشورة الحباب بن المنذر يوم بدر وقوله: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال:(بل هو الرأي والحرب والمكيدة). ضعيف على شهرته كما قرر ابن حجر، والألباني.
60 -
سأل عوف بن الحارث وهو ابنُ عفراءَ قال: يا رسولَ اللهِ، ما يُضحِكُ الربَّ من عبدِهِ؟ قال: غَمْسُهُ يدَهُ في العدوِّ حاسرًا، فنزعَ درعًا كانت عليه فقَذَفَهَا، ثم أخذَ سيفَهُ فقاتلَ حتى قُتِلَ). منكر فيه علتان: الإرسال، وعنعنة ابن إسحاق كما في الضعيفة للألباني ح (6643).
61 -
قصة مقتل ابن مسعود لأبي جهل صحيحة فقد وردت في البخاري ومسلم، لكن قول:(هذا فرعون هذه الأمة) اختلف فيها للخلاف في قبول رواية أبي عبيدة عن أبيه
عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه.
62 -
حديث: (إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحدًا من بني هاشم فلا يقتله،
ومن لقي أبا البَخْتَرِيّ بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهًا) رواه ابن إسحاق ورجاله ثقات، ولكن فيه إبهامُ بالبعض الذين يروي عنهم العباس بن عبد الله بن معبد.
63 -
(وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه). سنده منقطع كما قال ابن كثير.
وكذلك قتل أبي عبيدة لأبيه يوم بدر ونزول الآية (لا تجد قوماً .... )(المجادلة: 22) لا يصح كما قرره الحافظ ابن حجر.
64 -
حديث: (والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ قال: أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلىّ من استبقاء الرجال). إسناده ضعيف. رواه ابن إسحاق معلقاً.
65 -
(وانقطع يومئذ سيف عُكَّاشَة بن مِحْصَن الأسدي، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جِذْلًا من حطب، فقال: (قاتل بهذا يا عكاشة) ليس له إسناد كما قرر الذهبي.
66 -
(وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين، مر به وأحد الأنصار يشد يده، فقال مصعب للأنصاري: شد يديك به
…
) رواه ابن إسحاق بسند منقطع.
67 -
(يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟) فقال: لا والله، يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأيًا وحلمًا وفضلًا
…
). ضعيف. رواه ابن إسحاق بلاغاً كما قرر الألباني.
68 -
(بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس). ضعيف، وروى أحمد
بلفظ: (جزاكم الله شراً من قوم نبي، ما كان أسوأ الطرد، وأشد التكذيب) رجاله ثقات لكنه منقطع؛ لأن إبراهيم النخعي لم يسمع من عائشة رضي الله عنها.
69 -
فلما أمر بقتل النضر بن الحارث قال: من للصِّبْيَةِ يا محمد؟ قال: (النار). فقتله عاصم بن ثابت الأنصاري، ويقال: علي بن أبي طالب. ضعيف لكن ورد ما يدل على أن لها أصلاً عند أبي داود كما قال الألباني في إرواء الغليل حديث رقم (1214).
70 -
قول المؤلف: (وحول موضوع هذه المعركة نزلت سورة الأنفال، وهذه السورة تعليق إلهي-إن صح هذا التعبير- على هذه المعركة، يختلف كثيراً عن التعاليق التي ينطق بها الملوك والقواد بعد الفتح). قوله: تعليق إلهي عن القرآن الكريم تعبير فيه تجوز الأولى تركه.
71 -
قول المؤلف: (وقد لعب المسلمون دوراً هاماً للقضاء على هذه الأخطار، تظهر فيه عبقرية قيادة النبي صلى الله عليه وسلم
…
).
التعبير باللعب لا يتناسب مع ما قام به المسلمون من الجهاد في سبيل الله؛ فالأولى أن يقول: (ولقد جاهد المسلمون جهاداً كبيراً
…
)
ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبقرية لا يوجد ما يمنع منه شرعاً، لكن لا يكون بديلاً عن وصفه بالنبوة والرسالة.
72 -
قصة محاولة عمير بن وهب قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد اتفاقه مع صفوان بن أمية. مرسل جيد عن عروة كما قرر ابن حجر، والهيثمي.
73 -
محاولة اليهودي شاس بن قيس إثارة الفتنة بين المهاجرين والأنصار ضعيفة.
74 -
قوله- صلى الله عليه وسلم ليهود بني قينقاع: (يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً) وردهم عليه ونزول الآيات {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
…
} [آل عمران 12، 13]. إسناده ضعيف كما قرر الألباني في ضعيف أبي داود.
75 -
سبب غزوة بني قينقاع (أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت
…
) إسناده مرسل معلق.
76 -
(وقسم النبي صلى الله عليه وسلم جيشه إلى ثلاث كتائب:
1 -
كتيبة المهاجرين، وأعطي لواءها مصعب بن عمير العبدري.
2 -
كتيبة الأوس من الأنصار، وأعطي لواءها أسيد بن حضير.
3 -
كتيبة الخزرج من الأنصار، وأعطي لواءها الحُبَاب بن المنذر). لم تصح رواية في موضوع الألوية.
77 -
عرض السيف على الصحابة يوم أحد وإعطاؤه لأبي دجانة ومشيته في تبختر وكبر وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن). إسناده فيه جهالة وانقطاع، أما عرض السيف على الصحابة فقد ثبت في صحيح مسلم حديث رقم (2470) ولكن دون قوله:(إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن). وإن كان ورد في السنة ما يدل على جواز فعل ذلك.
78 -
(ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار، وهو يتَشَحَّطُ في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمداً قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بَلَّغ، فقاتلوا عن دينكم). مرسل.
79 -
محاولة ابن قمئة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله: خذها وأنا ابن قمئة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه: (أقمأك الله). ضعيف رواه الطبراني وضعفها ابن حجر، والهيثمي، والألباني في الضعيفة ح (963).
80 -
(عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق: لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت بين يديه رجلاً يقاتل عنه ويحميه، قلت: كن طلحة
…
) ضعيف كما قرر البزار، وابن كثير، والهيثمي، والألباني في
التعليقات الحسان حديث (6941)، أما لفظ:(أوجب طلحة) فقد صححها في الصحيحة ح (945).
81 -
رد عين قتادة بن النعمان إلى مكانها بعد إصابته فيها يوم أحد فكانت أحسن عينيه. ضعيف رواه الطبراني وغيره وضعفه الهيثمي، والعراقي ومال الألباني إلى تقويته.
82 -
امتص مالك بن سنان الدم من وجنتي الرسول صلى الله عليه وسلم
…
فقال: (من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)، فقتل شهيداً). مرسل كما قرر الحافظ ابن حجر، والذهبي، وابن المنير.
83 -
(وقاتلت أم عمارة فاعترضت لابن قَمِئَة في أناس من المسلمين، فضربها ابن قمئة على عاتقها ضربة تركت جرحاً أجوف
…
). سنده منقطع.
84 -
قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بن خلف أمر مشهور في السيرة لكنه مرسل كما قرر ابن كثير، لكن رواية الحاكم في المستدرك جاءت عن سعيد بن المسيب، عن أبيه وسندها حسن.
85 -
قتل وحشي لحمزة رضي الله عنه صحيح وكذلك التمثيل بجثته، ولكن لم يثبت أن هنداً بنت عتبة بقرت بطنه وجدعت أنفه
…
إلخ.
86 -
(ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم -علي بن أبي طالب، فقال: (اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ وما يريدون؟ فإن كانوا قد جَنَبُوا الخيل، وامْتَطُوا الإبل، فإنهم يريدون مكة
…
) رواه ابن إسحاق بدون سند.
87 -
قال سعد بن الربيع في آخر رمق من حياته: (قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، وفاضت نفسه من وقته). ضعيف وسنده معضل.
88 -
حادثة قتل أحد المقاتلين نفسه (قزمان) بعد ما قاتل الكفار وأتعبهم وذلك في إحدى غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة ولكن الخلاف في تحديد الغزوة والأرجح أنها في خيبر وليست أحد كما رجحه الحافظ ابن حجر.
89 -
حديث: (مُخَيرِيق خير يهود). ضعيف كما قرر الحافظ ابن رجب.
90 -
حديث: (إن زوج المرأة منها لبِمَكان) ضعيف كما قرر البوصيري، والألباني.
91 -
حديث: (يا أم سعد أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعاً، وقد شفعوا في أهلهم جميعا
…
). لا يوجد في دواوين السنة.
92 -
حديث: (لا يخرج معنا إلا من شهد القتال) في غزوة حمراء الأسد. مرسل.
93 -
حديث: (لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعت محمداً مرتين، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) رداً على أبي عزة الجمحي. ضعيف كما قرر ابن حجر، والألباني ولكن قول:(لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) متفق عليه.
94 -
سرية أبي سلمة في مئة وخمسين مقاتلا إلى بني أسد بن خزيمة لم تصح؛ لأنها من طريق الواقدي. وتعبير المؤلف عن غزوة أحد بالنكسة والنكبة فيه تجوز.
95 -
مشورة سلمان الفارسي-رضي الله عنه بحفر الخندق ليس لها إسناد.
96 -
(وجاءت أخت النعمان بن بشير بحفنة من تمر إلى الخندق ليتغدى أبوه وخاله، فمرت برسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب منها التمر وبدده فوق ثوب، ثم دعا أهل الخندق فجعلوا يأكلون منه
…
). ضعيف؛ كما قرر ابن كثير لانقطاع السند.
97 -
قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمرو بن عبد وُد مشهورة لكن تفاصيلها وردت بأسانيد ضعيفة.
98 -
قصة حسان بن ثابت-رضي الله عنه يوم الخندق واتهامه بالجبن لا تصح؛ لأن عروة لم يدرك صفية-رضي الله عنها، ولهجي به حسان، ولأنه من المجاهدين والمدافعين عن الإسلام بلسانه ويده، ولو صح فلا يجوز وصفه بالجبن احتراماً لمكانة الصحابة رضي الله عنهم والنهي عن سبهم.
99 -
حديث: (إنما أنت رجل واحد، فَخذِّلْ عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة) لنعيم بن مسعود وتخذيله بين الأحزاب أمر مشهور في السيرة لكن لم يثبت، لكن قول:(الحرب خدعة) متفق عليه.
100 -
تحكيم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة ثابت في الصحيح لكن قول: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات) ضعيف، والصواب (لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وربما قال: بحكم الملك).
101 -
قصة ثابت بن قيس- رضي الله عنه مع الزبير بن باطا من يهود بني قريظة وطلب الزبير أن يقتل مثل أصحابه. مرسل.
102 -
صحة قصة زيد بن أرقم رضي الله عنه مع المنافق عبدالله بن أبي في غزوة بني المصطلق ونزول الآيات من سورة المنافقون، وكذلك صحة قصة اعتراض عبدالله بن عبدالله بن أبي لأبيه ومنعه من دخول المدينة حتى يقر أنه الذليل ورسول الله العزيز.
103 -
(كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي: اقتله، لأرعدت له آنف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته) مرسل.
104 -
تسمية عمرة الحديبية بالصلح والهدنة والأولى تسميتها بغزوة الحديبية.
105 -
سبب بيعة الرضوان إشاعة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه لم تثبت.
106 -
نصوص الكتب من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك لم تثبت من الناحية الحديثية، أما مكاتبة الملوك وغيرهم فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله -تعالى- وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف نص الكتاب الذي كتبه لهرقل عظيم الروم فقد ورد في البخاري ومسلم.
107 -
(ثم خرج ياسر أخو مرحب، وهو يقول: من يبارز؟ فبرز إليه الزبير، فقالت صفية أمه: يا رسول الله، يقتل ابني، قال: (بل ابنك يقتله)، فقتله الزبير) مرسل.
108 -
إخفاء كنانة بن الربيع كنز بني النضير وقتل الرسول صلى الله عليه وسلم له بعد تعذيبه. رواه ابن إسحاق بدون إسناد.
109 -
تسمية عمرة القضاء بهذا الاسم واختلاف العلماء في تسميتها على أربعة أقوال: القضاء، والقضية، والقصاص، والصلح.
110 -
لا يصح أن (سبب هذه المعركة (مؤتة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَى. فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني- وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر- فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه).
111 -
(وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان - اسمه ثابت بن أقرم - فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً). ضعيف كما قرر الحافظ ابن حجر.
وكذلك ما ورد عن عروة أن الناس قد صاحوا في وجوههم لما عادوا إلى المدينة (يا فرار فررتم في سبيل الله فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله). مرسل كما قرر الحافظ ابن كثير، والألباني.
112 -
(نصرت يا عمرو بن سالم) مرسل كما قرر الزيلعي، وابن حجر، والهيثمي، والألباني.
113 -
الحوار بين أم حبيبة وأبيها أبي سفيان: (بل هو فراش رسول الله-صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس. فقال: والله لقد أصابك بعدي شر). ضعيف.
114 -
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عائشة- قبل أن يأتي إليه خبر نقض
الميثاق بثلاثة أيام- أن تجهزه، ولا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال: يا بنية، ما هذا الجهاز؟ قالت: والله ما أدري
…
). ضعيف.
115 -
الخلاف في تحديد زمن إسلام العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ولعل أرجحها أنه أسلم قبيل غزوة خيبر.
116 -
(
…
حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل). ضعيف.
117 -
(اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وكذلك قول:(خذوها خالدة تالدة) لعثمان بن طلحة ضعيف على شهرته في كتب السيرة كما قرر الألباني في الضعيفة ح (1163) علماً أن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عن أهل مكة وكانوا يسمون الطلقاء كما في الصحيح.
118 -
(وكان فضالة رجلاً جريئاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الطواف؛ ليقتله، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما في نفسه فأسلم). ضعيف.
119 -
أخذ البيعة على الإسلام بعد فتح مكة رواه أحمد (3/ 415، 4/ 168) من حديث الأسود بن خلف وسنده حسن.
أما البيعة على السمع والطاعة فيما استطاعوا رواها ابن جرير (2/ 327) بدون إسناد، أو من حديث قتادة مرسلاً والطريق إليه ضعيف.
120 -
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها؛ لما صنعت بحمزة،
…
) منكر بهذا اللفظ لكن بيعة النساء صحيحة، و هند بريئة من التمثيل بجثة حمزة رضي الله عنهما.
121 -
(هدم خالد بن الوليد رضي الله عنه للعزى وخروج امرأة سوداء
…
). مرسل كما قرر الزيلعي، والهيثمي لكن حسنه إبراهيم قريبي وحسين أسد.
122 -
قدوم أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه وكذلك أخته الشيماء. مرسل كما قرر ابن كثير، والألباني.
123 -
نصب المنجنيق لضرب الطائف. مرسل كما قرر الحافظ ابن حجر.
124 -
(استشار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نَوْفَل بن معاوية الدِّيلي فقال: هم ثعلب في جحر
…
). مرسل كما قرر الألباني.
125 -
(وقيل: يا رسول الله ادع على ثقيف، فقال: (اللهم اهد ثقيفاً وآت بهم). ضعيف كما قرر الحافظ ابن حجر، والألباني.
126 -
إعطاء معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما من الغنائم. لا يصح كما قرر الذهبي.
127 -
قال صلى الله عليه وسلم لعثمان: (لو كانت عندي ثالثة لزوجتكها). ضعيف كما قرر ابن حجر، والهيثمي.
128 -
قدوم كعب بن زهير على الرسول صلى الله عليه وسلم وإنشاده قصيدة بانت سعاد. ليس لها إسناد صحيح كما قرر ابن كثير، والعراقي، وابن حجر، والشوكاني.
129 -
(اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غَيْثاً مُغِيثاً، مريئًا مَرِيعاً، طَبَقاً واسعاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار، اللّهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا هَدْم ولا غَرَق ولا مَحْق، اللّهم اسقنا الغيث، وانصرنا على الأعداء). مرسل كما قرر الحافظ ابن حجر، والألباني.
130 -
(ما ذكر لي رجل من العرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه، إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما فيه). لا يصح كما قرر الحافظ ابن حجر، والألباني.
131 -
عن سَرَّاءِ بنت نَبْهَانَ قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس، فقال:(أليس هذا أوسط أيام التشريق). ضعيف أبي داود ح (335).
132 -
(السلام عليكم يا أهل المقابر، لِيَهْنَ لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، والآخرة شر من الأولي)، وبشرهم قائلاً:(إنا بكم للاحقون). ضعيف. ضعفه الألباني في الضعيفة ح (6447).
133 -
(وقد غسل ثلاث غسلات بماء وسِدْر، وغسل من بئر يقال لها: الغَرْس لسعد بن خَيْثَمَة بقُبَاء وكان يشرب منها). مرسل جيد كما قرر الحافظ ابن حجر.
134 -
تحقيق ردة عبيدالله بن جحش إلى النصرانية لم ترد بسند متصل.
135 -
التعبير عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم بالهيام أو العشق لا يجوز؛ لأنه خلاف اللفظ الشرعي الوارد في الكتاب والسنة وهو الحب، ولأن الهيام والعشق مما يتعلق بالنساء، ويدفع صاحبه إلى الحيرة والجنون، ومن ألفاظ الصوفية.
136 -
(قال على بن أبي طالب- وهو ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يكن بالطويل المُمَغَّطِ، ولا القصير المتردد، وكان رَبْعَة من القوم، ولم يكن بالجَعْد القَطِطِ، ولا بالسَّبْط، رَجِلاً
…
). ضعفه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية ص (16).
137 -
(وقالت الرُبَيع بنت معوذ: لو رأيته رأيت الشمس طالعة). ضعيف.
138 -
(وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه
…
). ضعفه الألباني في الضعيفة ح (4213).
139 -
وعرق مرة وهو عند عائشة، فجعلت تبرق أسارير وجهه، فتمثلت له بقول أبي كبير الهذلي:
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه
…
برقت كبرق العارض المتهلل). لا يصح. ضعفه الألباني في الضعيفة ح (4144).
140 -
(كان أبو بكر إذا رآه يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو
…
كضوء البدر زايله الظلام.
وكان عمر ينشد قول زهير في هرم بن سنان:
لو كنت من شيء سوى البشر
…
كنت المضيء لليلة البدر
ثم يقل كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال السبكي: لا أجد له إسناداً.
141 -
(وقال جابر بن سَمُرَة: كان في ساقيه حُمُوشة، وكان لا يضحك إلا تَبَسُّماً. وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكْحَل العينين، وليس بأكحل). ضعفه الألباني في مختصر الشمائل حديث رقم (193).
142 -
(قال ابن عباس: كان أفْلَجَ الثنيتين، إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه).
ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ح (4220).
143 -
(وقال جابر: لم يسلك طريقاً فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عَرْفِه. أو قال: من ريح عرقه). ضعفه الألباني راجع الصحيحة حديث رقم (2137).
144 -
(وكان لا يثبت نظره في وجه أحد). قال السبكي: لا أجد له إسناداً.
145 -
(خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة). ضعيف.
146 -
(روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله تعالى فيهم: " فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ، وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ " [الأنعام: 33]). مرسل ضعفه البخاري، والترمذي، والألباني في ضعيف الترمذي حديث (3064).
147 -
(قال هند بن أبي هند: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت،
…
). ضعيف. كما قرر ابن القيم، والألباني في مختصر الشمائل حديث رقم (6).
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه،
أما بعد:
فأرجو الله أن يكون هذا العمل- وهو التعليق على كتاب الرحيق المختوم- خالصاً لوجهه الكريم، وأن أكون قد حققت الهدف من تأليفه وهو:
تنقية السيرة النبوية من الحوادث التي لا تصح، والأحاديث الضعيفة، وكذلك العبارات التي لا ينبغي استعمالها مع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
وأدعو المسلمين إلى قراءة السيرة النبوية الصحيحة للتعرف على أحوال النبي- صلى الله عليه وسلم والتأسي به، والاقتداء بهديه، واتباع سنته قال تعالى:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)(الأحزاب: 21)
وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(الحشر: 7)
وأن يتخلق المسلمون بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن
وبخاصة ونحن في زمن نعاني فيه من افتقاد الخلق الحسن الذي قال عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)
(1)
(1)
(حديث صحيح) رواه أبوداود (4798)، وأحمد (24639)، وصححه الألباني والأرناؤوط.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتبه: أبو عبد الرحمن
محمود بن محمد الملاح