الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 325
- بتاريخ: 25 - 09 - 1939
سيجفريد في الأدب
للأستاذ عباس محمود العقاد
أصبح خط سيجفريد مشهوراً في السنوات الأخيرة، وقد كان معروفاً في الحرب الماضية على غير الوصف الذي اشتهر به الآن، لأنهم كانوا يطلقونه يومئذ على مواقع الجيوش الألمانية خلف (السوم) ما بين كنتان ولاون، ولم يكن فيه حصون ولا أنفاق ولا مكامن كالتي بنوها في هذه السنوات محاكاة لخط (ماجينو) المعروف
وليس للتسمية مصدر من التاريخ ولا من فنون الحرب، وإنما مصدرها كله أساطير وأناشيد وخيال
خرافة شمالية قديمة نقلها الألمان عن أمم (الاسكندناف) ما بين أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر، وجاء (فاجنر) فأدار عليها بعض رواياته الموسيقية ومنها واحدة باسم البطل سيجفريد سليل ملوك البلاد الواطئة وسليل الأرباب العلويين من قبل ذاك
وقد سمى الخط بهذا الاسم لأن نشأة سيجفريد وتربيته كانت بين البلاد الواطئة ووادي الرين حيث يقوم الخط الآن
وهناك مشابه تجمع بين البطل والخط في مجاز الأساطير
فقد كان سيجفريد يملك طيلسان الإخفاء فيلبسه فيصبح في قوة أثنى عشر بطلاً ولا تراه عين الناظر من أبناء الفناء
وكان جلده منيعاً على طعن الحراب والسيوف، لأنه قتل التنين الحارس لذخائر الرين وسبح في دمه فنشأ له جلد خشن سميك في صلابة القرون التي كانت على التنين
وكان له سيف صاغه بيديه من سيف أبيه المكسور، يقصم كل شيء ولا يقصمه شيء من الأشياء
لكن الأسطورة لا تقف عند هذه المشاية بل تعدد صفات أخرى لسيجفريد ليست مما يرتضيه هتلر وتابعوه
فقد كان النحس مظلاً للبطل المحبوب من مولده إلى مماته
مات أبوه قبل ولادته وماتت أمه بعد ولادته بقليل، ورباه قزم بغيض كان هو أول العاقين له المبغضين لمرآه
وسبح في دم التنين فلصقت بين كتفيه ورقة من شجر الزيزفون فحالت بين الدم وجلده فبقى موضعها مقتلاً يعرف سره بعض شانئيه. وقد طعنه منافس له في هذا الموضع وهو يميل إلى نبع ليشفي غلته، فقضى عليه!
فهل في خط سيجفريد موضع مثل موضع هذه الورقة؟ وهل يهتدي إليه خصم فينفذ فيه ويقضي على البطل المنيع من كل مكان، إلا من ذلك المكان؟
وهل يلازم النحس هذا الخط كما لازم سميه في الأساطير؟
لقد وصف برناردشو سيجفريد كما مثلته الأساطير وكما مثله (فاجنر) في روايته فقال في كتابه (الفاجنري الكامل):
(كان لا يعرف قانوناً ولا شريعة غير هواه، كان يمقت القزم الدميم الذي رباه، ويتميز من الغيظ كلما تقاضاه حق الوفاء. وكان على الجملة مخلوقاً براء من الأخلاق ومن قيود العرف والآداب) أليست هذه هي النازية بعينها، أو الآرية كما يصفها فلاسفة هتلر المسخرون للأوامر العسكرية؟
أليس سيجفريد الحديث خليقاً بمصير سيجفريد القديم؟
على أننا لا ننسى نصيب سيجفريد من الفكاهة وقد أجملنا نصيبه من القصص والخيال
فالإنجليز يقولون فيما شاع من (قفشات) الحرب أن خط سيجفريد (ارساتز) كسائر ما يصنعه الألمان
وما (ارساتز) هذه يا ترى؟
كلمة تحتاج إلى تفسير في عرفنا الدارج. وأقرب تفسير لها في هذا العرف أنها تقابل كلمة (التقليد) أو الصناعي التي نقصدها حين نقول في معرض التهكم: (هذا إنسان تقليد!). . . أو نقصدها حين نقول في معرض الجد: (هذه زبده صناعية!)
ويروي (قفاشو) الإنجليز والعهدة عليهم أن رجلاً ألمانياً ضاقت به الدنيا فعمد إلى بخع نفسه، واستخف الموت شنقاً فاشترى حبلاً ووضع فيه عنقه وضرب الكرسي الذي يقف عليه بقدر ولكن الحبل كان (ارساتز) فانقطع ولم يصبه شيء
وفكر في السم فذهب إلى صيدلية فاشترى مقداراً من السم يكفي لقتل خمسة وتجرعه مرة واحدة ثم انتظر فإذا هو كأصح ما كان، لأن السم كان أيضاً (ارساتز) فأفاد من حيث أريد
به الإضرار، وانقلب إلى نوع من الدواء
واشترى من فرط يأسه رصاصاً فوجده بعد التجربة (ارساتز) لا ينطلق ولا تنقدح فيه نار
قال الرجل: لقد خلقت للحياة إذن، ولم أخلق للموت، وفي العمر بقية لا محالة
ومضى وهو ينوي أن يستمتع بالحياة جهد ما وسعته المتعة من طعام وشراب وسرور
وانحرف في طريقه إلى مطعم كبير فأمر بأصناف كثيرة وصحاف متعددة وأكواب مترعة، ومنادمة مشبعة، وأفرط ما شاء، وهو يحسب أنه قد امتلأ بالغذاء
ولكن ذلك كله كان أيضاً (ارساتز). . .
فمات!
قال القفاشون: وإن بين سيجفريد وماجينو من المشابهة لنظير ما بين زبدة الكيمياء وزبدة البقر والشاء، أو نظير ما بين الجلد (التقليد) والجلد الصحيح، أو نظير ما بين (الضولمة) الكذابة والضولمة الصادقة في لغة الآكلين!
عباس محمود العقاد
للتاريخ السياسي
قنبلة سياسية
للدكتور يوسف هيكل
في 22 أغسطس 1939 انفجرت قنبلة سياسية في برلين سمع دويها في جميع أنحاء العالم؛ فهاله الأمر وناله الفزع. ولما لم يكن يعلم ما تحتويه من مواد، أخذ يرجو أن تكون محتوياتها غير مبيدة ولا قتالة، وكانت تلك القنبلة إعلان اتفاق ألمانيا وروسيا على توقيع ميثاق عدم الاعتداء بينهما
فوجئ العالم بهذا النبأ واستغرب وقوعه، لما بين ألمانيا وروسيا من عداء مستحكم، وما لهتلر من مطامع في البلاد السوفيتية كان يعمل على تحقيقها تحت ستار مكافحة الشيوعية. ومما زاد الصدمة شدة وخطورة، انقطاع الأمل في انضمام الروسيا إلى (جبهة السلام) ليتحقق بذلك إيقاف دولتي المحور عند حدهما، ولتتم سلامة دول أوربا من اعتداءاتهما. على أن العالم فوجئ بنتيجة معاكسة للتي كان ينتظرها، فوجئ بانضمام الروسيا إلى ألمانيا تحت ستار ميثاق عدم الاعتداء، فكيف تم هذا الميثاق؟ وما هي محتوياته؟ وما هي الدواعي التي حدت بألمانيا إلى مصافاة عدوتها اللدود روسيا، وما الذي دفع السوفييت إلى مد يد المساعدة لمنشئ (جبهة مكافحة الشيوعية؟) وما هي نتائج هذا الانقلاب الخطير في الحالة الدولية؟
لم تصب الدول الديمقراطية في اتفاق مونيخ الهدف الذي كانت ترمي إليه من تهدئة الخواطر وتحقيق السلام بإنالة الهر هتلر ما دعاء (آخر مطالبه في أوربا). وسبب ذلك سوء نية زعيم ألمانيا، وعزمه على استعمال التهديد والقوة لنيله مطلباً بعد آخر. فالدول الديمقراطية لم تنل السلام في مونيخ، بل سبب لها ذلك الاتفاق مشاكل ومصاعب جساماً، كنا قد نوهنا عنها حينئذ على صفحات (الرسالة) الغراء. وما الميثاق الألماني - الروسي الذي هز أركان العالم وزج بأعظم أممه في حرب ضروس، إلا نتيجة طبيعية لتسامح الدول الديمقراطية في 30 سبتمبر عام 1938. وهذا الميثاق الذي نظر إليه العالم نظرة الدهشة والغرابة لم يكن ابن ساعته، بل كان نتيجة لمفاوضات بين برلين وموسكو بدأت منذ استقالة الرفيق ليتفينوف من وزارة الخارجية الروسية وأدت إلى توقيع الاتفاق الألماني
الروسي الاقتصادي في برلين في التاسع عشر من أغسطس هذا العام، ثم إلى توقيع ميثاق عدم الاعتداء الذي نحن بصدده
ولما تم التفاهم والاتفاق بين الدولتين ولم يبق عليهما غير توقيع الوثائق، أعلن النبأ في برلين في 22 أغسطس. وفي صباح اليوم التالي سافر الهر فون ريبنتروب، وزير خارجية ألمانيا إلى موسكو بطريق الجو يصحبه اثنان وثلاثون من كبار الموظفين في وزارة الخارجية الألمانية. وعلى أثر وصوله العاصمة السوفيتية بساعتين اجتمع بالرفيق مولوتوف رئيس وزارة الروسيا ووزير خارجيتها. وفي مساء اليوم نفسه وقع الوزيران ميثاق عدم الاعتداء بين الدولتين، وكان التوقيع بحضور الرفيق ستالين رئيس الدولة السوفييتية. وفي ظهر 24 أغسطس عاد الهر ريبنتروب إلى العاصمة الألمانية.
لم يكن ميثاق موسكو قليل الأهمية، كمواثيق عدم الاعتداء التي اعتادت بعض الدول إبرامها بسهولة والتخلص منها في أي وقت أرادت، كما أنه لم يكن تجديداً لميثاق (رابالو) الذي عقد عام 1922 وتجدد عام 1928 وعام 1923. بل كان ميثاقاً أقرب إلى معاهدة حربية منه إلى ميثاق عدم اعتداء. فبهذا الميثاق ضمنت كل من ألمانيا وروسيا عدم اعتداء إحداهما على الأخرى منفردة أو مشتركة، كما أن ألمانيا أزالت عنها خطر اشتراك الروسيا في أي حركة ترمي إلى تطويقها مباشرة أو بصورة غير مباشرة. وبذلك أزالت ألمانيا مفعول المعاهدة الفرنسية الروسية لعام 1935، تلك المعاهدة التي أثارت ثائر هتلر، ودفعت به إلى عمل ما في وسعه لحمل فرنسا على إلغائها، فلم يوفق حينذاك. وقد تمكنت ألمانيا في هذا الميثاق أيضاً من منع كل مساعدة روسية للدولة التي يكون معها الريح مشتبكاً في حرب، وخصت نفسها بالمساعدة الروسية الواسعة في الحرب وفي السلم. وفي الوقت نفسه هدمت السوفيت جبهة مقاومة الشيوعية، وباعدت ما بين ألمانيا واليابان
ومما هو جدير بالذكر أن الروسيا لم تضمن ميثاق موسكو المادة التي كانت حريصة عليها في المواثيق السابقة، والتي تخولها حق نقض الميثاق عند اعتداء المتعاقد معها على دولة ثالثة
ومن الأكيد أن مباحثات الهر ريبنتروب مع الرفيق مولوتوف لم تكن قاصرة على مضمون ميثاق عدم الاعتداء بل تعدتها إلى تحديد وضعية كل من الدولتين في أوربا وآسيا. وتقول
الدوائر السياسية في بعض العواصم إن الدولتين اقتسمتا بولندا، وتعهدت ألمانيا بالتنازل عن مطامعها في التوسع في أكرانيا، كما أن الروسيا تعهدت بالضغط على رومانيا وعلى تركيا لحملهما على الوقوف موقف الحياد حين نشوب الحرب
فميثاق موسكو لم يكن بعامل جديد على توطيد السلام، بل كان عاملاً مشجعاً للهر هتلر على المغامرة في إشعال نيران الحرب، باعتدائه العسكري على بولندا تلك البلاد التي كانت صديقته بالأمس والتي عقدت معه ميثاق عدم الاعتداء لمدة عشر سنوات
إن التقرب بين برلين وموسكو من الأحداث الدولية الخطيرة ولهذا الحادث أسباب هي في برلين تختلف عنها في موسكو. أما العوامل التي دعت الروس إلى قبول فكرة التقرب من ألمانيا فقد ذر قرنها منذ عقد مؤتمر مونيخ في 30 سبتمبر عام 1938
أصرت ألمانيا في أزمة سبتمبر من العام الفائت على إبعاد السوفييت من المجتمع السياسي الأوربي، ورفضت حينئذ الجلوس مع ممثليها رفضاً باتاً، وآثرت فشل المفاوضات وتعقيد حلها على أن تشترك في مؤتمر تكون السوفييت أحد أعضائه ولما رأت بريطانيا وفرنسا أن الهر هتلر جاد في ذلك، وأن إصرارهما على وجوب اشتراك السوفيت في مؤتمر مونيخ قد يؤدي إلى الحرب، رضيتا بالنزول على إرادة دكتاتور ألمانيا، وقبلتا ما طلبه حفظاً للسلام.
رأت الروسيا في تصرف دول مونيخ ضربة لنفوذها السياسي في أوربا، وسبباً في عزلتها، فعز ذلك عليها وأخذت تنتهز الفرص للتعويض عما أضاعه عليها مؤتمر مونيخ من نفوذ وأعوان.
لم يحافظ الهر هتلر على اتفاق مونيخ الذي ما تم إلا لإرضائه، ولم يعمل بتصريحاته الرسمية العديدة القائلة بأن ليس له مطالب إقليمية في أوربا بعد السوديت، بل برهن على أن لا قيمة لتوقيعاته ولا أقواله بضمه بلاد التشك والسلوفاك وميمل إلى الريخ.
عندئذ أيقنت بريطانيا وفرنسا بأن لا فائدة ترجى من سياسة تهدئة الخواطر، إذ أن زعيم ألمانيا يعتبر النيات السليمة والإنسانية ضعفاً، ويتخذ من حسن النية عاملاً مشجعاً على الاعتداء على الدول المجاورة للوصول إلى هدفه في السيادة على أوربا أولاً وعلى العالم أخيراً. أمام هذه النفسية الألمانية التي لا تعرف حداً لمطامعها عزمت بريطانيا وفرنسا على
إيقاف العدوان، فأمنتا سلامة بولندا ورومانيا ضد الاعتداء. وكان هذا التأمين واسع المدى حتى أنه ترك لبولندا الحكم فيما إذا كان استقلالها ومصالحها الحيوية في خطر. وعملتا على لإيجاد (جبهة سلام) قوية لا يستطيع العدوان أن يجد أمامها متسعاً. وكانت الغاية من هذه الجبهة المحافظة على السلام والتوكيد لهتلر أن بريطانيا وحليفاتها عازمات على إيقاف اعتداءاته عزماً صحيحاً لا محيد عنه.
ومن الطبيعي أن تفكر بريطانيا وفرنسا في ضم روسيا إلى (جبهة السلام) إذ أن الروسيا حليفة فرنسا، والنازية عدوة الشيوعية اللدود. يضاف إلى ذلك أن روسيا لها مكانتها في أوروبا الشرقية. فبدأت المفاوضات بين بريطانيا وفرنسا من جهة، والروسيا من جهة أخرى. غير أن هذه المفاوضات تعقدت وطالت لأسباب لا مجال لبحثها هنا. وقد أصرت بولندا على رفض مرور الجيوش الروسية في بلادها حين وقوع الاعتداء عليها والاكتفاء بمساعدة الروس لها بالأدوات الحربية. غير أن السوفييت رأت في رفض بولندا عدم ثقة بها وبجيشها
هذه الأسباب وغيرها أثرت في الحكومة السوفيتية وجعلتها تنشد سلامة بلادها عن طريق غير طريق التحالف مع بريطانيا وفرنسا، أي عن طريق التفاهم مع عدوها اللدود الذي يهدد بلادها ويؤلب عليها الدول تحت لواء (ميثاق مكافحة الشيوعية) وبذلك تكون أيضاً قد خرجت من العزلة الدولية التي فرضها عليها مؤتمر مونيخ، وأزالت خطر مطامع هتلر والتحارب معه
أما من الناحية الألمانية فإن الهر هتلر وجد بريطانيا وفرنسا عازمتين على وقف عدوانه، وأن سياستهما آخذة في النجاح شيئاً فشيئاً. ورأى في جبهتهما جبهة حصار لبلاده، إن تمت بدخول الروسيا فيها حيل بينه وبين ما يطمع من تحقيق مشروعاته في السيطرة على أوربا. . . أمام هذا الخطر، وأمام الصعوبات الداخلية من سياسية واقتصادية، رأى الهر هتلر أن يخرج من المأزق بعمل يزيده ثقة بتحقيق أطماعه من جهة، ويضعف القوى المقاومة لتلك المطامع من جهة ثانية. فتقدم إلى عدوته السوفييت وعرض عليها المصافاة والصداقة. فصادف ذلك هوى في نفسها ولم تتردد في قبول ما عرض عليها. وبذلك تم ما أسموه (ميثاق عدم الاعتداء) بين موسكو وبرلين
وكان لهذا الميثاق نتائج هامة غير الحرب التي تدور رحاها الآن في أوربا، في ميادين القتال الثلاثة، البر والبحر والجو
كانت النازية تعتمد في توحيد الصفوف الألمانية وفي إيجاد الحلفاء والأصدقاء على مبدأ (عداء الشيوعية). ولم يخل كتاب هتلر (كفاحي) ولا أية خطبة من خطبه من التنديد بالشيوعية وذكر أخطارها. وكان هذا السلاح الذي استعمله الفور هرر مفيداً ومساعداً له على الوصول إلى ما وصل إليه من توحيد الصفوف في ألمانيا وإيجاد حلفاء وأصدقاء له وقعوا على ميثاق (مكافحة الشيوعية). ولكن تغيير هتلر لاتجاه سياسته الخارجية تغييراً كليا أذهل الشعب الألماني وجعله يرى في تصرفات زعيمه ما يناقض المبادئ التي كان يحمله على الإيمان بها
وكان لتغيير سياسة هتلر الخارجية أسوأ الأثر في اليابان. فاجتاحتها موجة بغض شديد للألمان، كان من نتيجتها استقالة الوزارة في طوكيو وتغير سياسة اليابان الخارجية. وبدأ التقرب بين اليابان وصديقتها القديمة بريطانيا العظمى.
أما في بريطانيا فلم تكن الحكومة والشعب براضيين عما قام به الهر هتلر. وليس ذلك بغريب، لأن للحكومة الإيطالية كرامة عزيزة عليها. وهذه الكرامة تحول بين ألمانيا وبين مرادها في أن تكون إيطاليا أداة لتحقيق مطامعها، حتى على حسابها.
إزاء هذا التأثير السيئ، حاول الهر هتلر إقناع أصدقائه بأن (ميثاق عدم الاعتداء) بين ألمانيا وروسيا لا تأثير له قط على مفعول (ميثاق مكافحة الشيوعية). فكان ذلك مهزلة قبيحة في وسط مأساة مؤلمة.
وكما أن ميثاق موسكو أثر في وضعية ألمانيا الدولية، فقد أثر أيضاً في وضعية الروسيا ومبادئها الشيوعية. من موسكو تتلقى الأحزاب الشيوعية في البلدان الأخرى تعاليمها وروحها؛ وكانت هذه الأحزاب آخذه في الانتشار استناداً إلى الصراع المستمر بين الشيوعية والاشتراكية من جهة، والنازية والرأسمالية من جهة ثانية. ولما رأت الأحزاب الشيوعية في الدول المختلفة أن موسكو مصدر الشيوعية قد حالفت أكبر عدو لها داخلتها الريبة في حسن نية السوفيت، وغاض لديها التشيع لها والدعوة إليها. ولعل أبرز مثال لذلك موقف الحزب الشيوعي في فرنسا، وما استهدف له من فقدان نفوذه على الجماعات الفقيرة
وطبقات العمال
على أن أهم نتيجة كانت للتقرب بين موسكو وبرلين، هي نشوب الحرب الحالية باعتداء هتلر الجنوني على بولندا واقتحامه لبلادها دون داع ولا مبرر إلا طمعه في بسط سيادته عليها وعلى أوربا أولاً والعالم أخيراً، ذلك الاعتداء الذي قام به زعيم ألمانيا رغم الجهود العديدة الجبارة التي بذلت من كل جانب لصون السلام والإبقاء على المدنية. فما هي تلك الجهود، وماذا كان رد هتلر عليها وما هي الفصول التي مثلتها الدبلوماسية الألمانية لتبرر تعديلها على بولندا؟ هذا ما سنعرضه في مقال آخر.
يوسف هيكل
جناية أحمد أمين على الأدب العربي
للدكتور زكي مبارك
- 16 -
كان الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام شرع في الرد على الأستاذ أحمد أمين، فقلت في نفسي: يحسن ترك المسائل التي نقدها الدكتور عزام حتى لا يكون في هذه المقالات حديث معاد. وهل كان الغرض من هذه المقالات إيذاء الأستاذ أحمد أمين بالذات حتى نعيد القول فيما نقده الدكتور عزام؟ إن الغرض هو التنبيه على أغلاط الأستاذ أحمد أمين حتى لا يفتن بها من يثقون بكفايته العلمية من طلبة الآداب في مختلف المعاهد العالية، وقد حمل الدكتور عزام بعض تلك الأعباء
كذلك حدثت نفسي حين قرأت ما كتب الدكتور عبد الوهاب عزام في كشف أغلاط الأستاذ أحمد أمين
ولكني رجعت عن هذه النية فيما بعد حن رأيت أن لي مسالك في النقد تغاير مسالك الدكتور عزام وتجعل القراء في أمان من ضجر الحديث المعاد
زعم الأستاذ أحمد أمين أن علماء العرب (رفعوا من قيمة كل شيء جاهلي وغلوا في تقديره: فالماء الحقير في مستنقع جاهلي خير من دجلة والفرات والنيل وكل أنهار الدنيا، والجرادتان اللتان غنتا للنعمان كان صوتهما وغناؤهما خيراً من كل صوت وكل غناء، ودوسر كتيبة النعمان بن المنذر أقوى جيش عرفه التاريخ، وأيام العرب في الجاهلية ووقائعها الحربية لا يعادلها أي يوم من أيام المسلمين، وجبلا طيئ خير جبال الدنيا، وحاتم الطائي لا يساوي كرمه كرم. حتى الرذائل لا يصح أن يساوي برذيلتهم رذيلة، فليس أبخل من مادر، ولا أشأم من البسوس، ولا أسرف من شظاظ)
أتدرون ما الذي قال الدكتور عزام في نقد هذا الكلام الأجوف؟
قال إنه يقوم على أساس المبالغة والإغراق
وهذا نقد جارح: لأن اتهام أستاذ من أساتذة الجامعة بالمبالغة والإغراق له عواقب سود. وما الذي يبقى لأساتذة الجامعات إذا حرموا مزية التحديد في شرح المقاصد والأغراض؟
وهناك كلمة طواها الدكتور عزام وهي كلمة (الافتراء)، فقد افترى أحمد أمين على علماء
العرب حين زعم أنهم لا يرون أن أي يوم من أيام المسلمين يعادل أي يوم من أيام الجاهلية، ونحن نتحداه أن يثبت انه رأى شواهد هذا الرأي في أي مكان من كتب الأدب أو التاريخ. نتحداه، نتحداه، فلينطق إن كان من كلامه على يقين
وهل شغل المؤلفون بتدوين أخبار الحروب في الجاهلية كما شغلوا بتدوين أخبار الغزوات والفتوحات؟
وما هو النص الذي يشهد بأن الماء الحقير في مستنقع جاهلي كان عندهم خيراً من دجلة والفرات والنيل وسائر أنهار الدنيا؟ وما هي العبارة التي تنص على أن جبلي طي كانا عندهم خير جبال الأرض؟
وإذا كانت الجرادتان اللتان غنتا للنعمان كان صوتهما وغناؤهما خيراً من كل صوت وكل غناء فكيف استجار أدباء العرب أن يشغلوا أنفسهم بتقييد أخبار الأغاني والمغنين في عصر بني أمية وعهد بني العباس؟
إن أحمد أمين قد يستطيع النهوض من كبواته الكثيرة، ولكنه لن ينهض أبداً من هذه الكبوة. وستظل شاهداً على أنه يكيل الأدب والذوق بمكيال، مع أنه بحكم منصبه مسئول عن إدراك دقائق الفروق بين الألفاظ والمعاني
أترونني أقف عند الحد الذي اكتفى به الدكتور عزام حين قال: إن كلام الأستاذ أحمد أمين في هذه النقطة يقوم على أساس المبالغة والإغراق؟
هيهات، هيهات!!
سأقول إن كلام أحمد أمين صدق في صدق، وسأرجوه أن يتحمل الصدمة برباطة جأش
أفي الحق أن العرب يرون الماء الحقير في مستنقع جاهلي خيراً من دجلة والفرات والنيل؟
وهو كذلك. . .
ولكن ما رأيك إذا صارحتك بأن كلامك هذا هو الحجة عليك. . .؟
ألم تقل بأن العرب لم يحسوا الطبيعة في بلادهم؟
فكيف يصح هذا وكان الرجل منهم يتعلق بما يراه إلى الحد الذي عبته أنت على أولئك الرجال
المسألة تحتمل وجهين: الوجه الأول أن يكون العرب في كلامك هم أهل الجاهلية، والثاني
أن يكون العرب في كلامك هم المسلمون
ولا صحة للوجه الثاني لأن العرب بعد الإسلام تغنوا بأنهار مصر والشام والعراق والأندلس غناء يشهد بأنهم فتنوا أشد الفتون بأنهار تلك البلاد حتى صح لعمر بن أبي ربيعه أن يضرب المثل بعذوبة ماء الفرات فيقول:
أسُكَيْن ما ماءُ الفرات وطيبهُ
…
منى على ظمأ وَبرد شراب
بألذ منك وإن نأيت وقلما
…
يرعى النساء أمانة الغُيّاب
وحسان في جاهليته جعل ماء بردى يصفق بالرحيق. واتفق لبعض المسلمين أن يقول بأن بردى أنزه بقاع الأرض، فكيف يجوز مع هذا أن يحكموا بأن الماء الحقير في المستنقع الجاهلي أعذب من سائر المياه في الأرض؟
واتفق لأحد شعراء الأندلس، وهو ابن خفاجة أن يحكم بأن الأندلس هي جنة الخلد، ولذلك اتهم بالمروق من الدين، فهل يصح في ذهن ابن خفاجة أن تكون المستنقعات الجاهلية أطيب من المياه الأندلسية وهي تجري في رعاية الرياض والبساتين؟
وتحدث النويري والعمري عما عرف العرب من بحار وأنهار وغدران حديثاً يشهد بأن العرب بعد إسلامهم فتنوا بما رأوا من طيبات الوجود كل الفتون
يبقى الوجه الأول وهو أن يكون العرب في كلام أحمد أمين هم أهل الجاهلية
وأعترف بأن الجاهليين فضلوا مياههم على سائر مياه الأرض ولكن هل يدرك أحمد أمين سر هذا التفضيل؟
إن العربي في جاهليته كان يرى ماءه خير المياه، لأن كلمة (ماء) عند أهل الجاهلية ترادف كلمة (الوطن) ومن حق الرجل الكريم أن يرى وطنه خير الأوطان
وأتصدق على الأستاذ الناقد فأقول إن الكتب المؤلفة في (مياه العرب) لم يكن يراد بها وصف تلك المياه من وجهة طبيعية كأن يقال هذا ماء عذب وذاك ماء أجاج، وإنما كان يراد بالحديث عن (مياه العرب) وصف المواطن التي تجمع فيها العرب أيام الجاهلية، فهي دراسة لطبائع السكان في تلك البقاع، وتعريف بقواهم المعاشية
وإذا صح للشاعر الحضري أن يفضل أروند على بغداد فيقول:
وقالت نساء الحي أين ابن أختنا
…
ألا خبِّرونا عنه حيّيتُمُ وفدا
رعاه ضمان الله هل في بلادكم
…
أخو كرم يرعى لذي حسب عهدا
فإن الذي خلفتموه بأرضكم
…
فتىً ملأ الأحشاء هجرانه وجدا
أبغدادكم تُنسيه أَرْوَنْد مربعاً
…
ألا خاب من يشري ببغداد أروندا
فدتهن نفسي لو سمعن بما أرى
…
رمى كل جيدٍ من تنهده عقدا
فقد صح للشاعر البدوي أن يفضل ماء (الوشل) على جميع المياه فيقول:
أقرأ على (الوشل) السلام وقل له
…
كل المشارب مذ هُجِرت ذميمُ
سقياً لظلك بالعشيّ وبالضحى
…
ولبرد مائك والمياه حميم
لو كنت أملك منع مائك لم يذق
…
ما في قِلاتك ما حييت لئيم
وهذه الأبيات تبلغ الغاية من المعاني الوطنية، وفيها تتوقد جذوة الصدق
وقد أُغرم العرب بعد الإسلام بتقديس ما عرفوا من المياه والأنهار فزعموا أن النيل ينبع من الجنة، ولهم في ذلك أساطير يعرفها قراء كتب الأدب والتاريخ. وأروند التي ذكرناها آنفاً عرفت الأسطورة التي تقول بأن في جبلها عيناً تتفجر من الفردوس.
وما دخل العرب بلداً إلا رأوه خير البلاد: فمصر عند أهلها أطيب البلاد وهي كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء قصم الله ظهره. والعراق عند أهله أجمل بقاع الأرض وفي رحابه تنبت عرائس الشعر وتسيطر العيون السود. والشام عند أهله جنة الأرض وفي عرصاته يقوم الناس يوم الحساب. وهضاب فارس كانت في أنفس شعرائها ملاعب الأفئدة والقلوب. وتونس والجزائر ومراكش كانت مركز الجيش المرابط الذي صدَّ الغارات الأوربية حيناً من الزمان
ولو أردنا أن نستقصي أشعار العرب في وصف ما عرف المسلمون من البلاد لجمعنا من ذلك مجلدات ضخاماً تصور غرام العرب بما شهدوا من أطايب الوجود
فمن أين عرف أحمد أمين أن الماء الحقير في مستنقع جاهلي كان عند العرب خيراً من دجلة والفرات والنيل وسائر أنهار الدنيا؟
من أين استسقى مصدر هذا الحكم الخاطئ الأثيم؟
إن أحمد أمين يمزح في مواطن لا يُقبَل فيها المزاح. ولو كان ينتظر أن يتناول الناقدون كلامه وأحكامه بالتجريح والتزييف لأقلع عما تورط فيه من مبالغة وإغراق، فليلق جزاء ما
صنع، وكان لنفسه من الظالمين
ثم ماذا؟
ثم نسوق القول في أيام الجاهلية التي ندد بها أحمد أمين
إن أيام الجاهلية كان لها في الواقع صدى رنّان في أسماع العرب بعد الإسلام، وقد شُغِلَ بها كثير من المؤرخين، ولكن هل تدرون لأية غاية شُغِلَ العرب بذلك التاريخ؟
إن وقائع العرب في الجاهلية لها ألوان مختلفات، فبعضها يصور ما كان بين قبائل العرب من نزاع وشقاق قضت بهما منافع المعاش أو مَطالب المجد، وبعضها يصوَّر مغالبة العرب لطغيان الأحباش والفُرس والروم
أما التاريخ الذي يصور ما كان بين القبائل من حروب فكان الحرص عليه يرجع إلى غاية سياسية، ولتلك الغاية صورة هي اشتباك الأورمات العربية في الخصومات حول المناصب الرئيسية بعد أن مكّن لهم الإسلام من نواصي المجد والمعاش، وكذلك كانت القبائل تحيي وقائع الجاهلية لتأخذ منها وقوداً لأتُّون المنازعات حول الرياسة والملك. . . ولا يعاب على أمة أن تحيي ماضيها لتنتفع به في إذكاء العزائم والقلوب
وأما التاريخ الذي يصور وقائع العرب مع الأحباش والفُرس والروم فكانت له غاية قومية، هي تكذيب ما ادعاه الشعوبيون من أن العرب لم تكن لهم ذاتية قبل الإسلام وأنهم لم يذوقوا طعم المجد إلا بفضل الدين الحنيف
وما كان يؤذي العرب أن يعترفوا بنعمة الإسلام عليهم، ولكنهم كانوا يكرهون أن يقال إنهم كانوا في كل عهود الجاهلية أذلاّء
ومن هنا رأيناهم يبدءون ويعيدون في عدّ أيامهم الغُرّ حين أُتيح لأسلافهم أن ينتصروا في بعض المواقع التي نازلوا فيها أعداءهم الأشداء
وهذا يفسَر إكثارهم من الطنطنة في أشعارهم بيوم ذي قار الذي انتصر فيه العرب على الفُرس انتصاراً أشعرهم بما في قلوبهم وعزائمهم من صلابة ومتانة وحيوية. ويوم ذي قار في الجاهلية كان له فضل في إذكاء حمية العرب يوم القادسية، وهو اليوم الذي عرف فيه العرب أنهم قادرون على امتلاك ناصية الشرق.
وقد ظل يوم ذي قار يذكر في الأشعار بعد الإسلام بأجيال طوال، وأظنه سيذكر بعد هذه
الأيام، فإن وقائع التاريخ لها رجعات، والأحقاد الدفينة تنشرها الحوادث من زمان إلى زمان
فإن زعم أحمد أمين أن دوسر كتيبة النعمان بن المنذر كانت عند العرب أقوى جيش عرفه التاريخ فليعرف إن شاء أن تلك الكتيبة تستحق ذلك التهويل لأنها كانت نواة الجيش الذي:
به علمتْ صُهْب الأعاجم أنه
…
به أعربتْ عن ذات أنفسها العرْبُ
وليس يهمني بعد ذلك أن أنقض قول أحمد أمين إن العرب يرون فضائل الجاهليين خير الفضائل ورذائلهم شر الرذائل، لأن هذا الكلام لا يحتاج إلى نقض فهو أوهى من بيت العنكبوت. ولو صح أن العرب كانوا يرون حاتماً أكرم الناس جميعاً؛ ويعتقدون أن مادراً أبخل الناس جميعاً لما كان في ذلك بأس من الوجهة الذهنية، لأن تجسيم الصفات وتضخيمها من الأمور التي استساغها العُرف في جميع البلاد. وهل يعتقد أحمد أمين حقيقة أن العرب كانوا يريدون القول بأن حاتماً أكرم من جميع الناس في سائر بقاع الأرض، وأن ما دراً أبخل من كان ومن سيكون في المشرق والمغرب؟ ذلك غير معقول
لا يهمني أن أنقض هذا الجانب من كلام أحمد أمين فهو إغراق في التوهم والتخمين، وإنما يهمني أن أشرح مسألة نقدها الدكتور عزام بصورة تغاير الصورة التي عرضها بلطف ورفق مراعاة لمزاج الأستاذ أحمد أمين الذي يتأدب في معاملة الأحياء ويتمرد في محاسبة من أصبحوا في غيابه التاريخ!
إن أحمد أمين حكم بأن العرب في جاهليتهم انتزعوا صور التعبيرات والتشبيهات والمجازات والاستعارات من البيئة التي عاشوا فيها، فما يجوز لنا نحن أن نجاريهم في تشبيهاتهم ومجازاتهم واستعاراتهم لأننا نواجه بيئة غير بيئتهم
وهذا الحكم صحيح، ولكن يجب أن يفهم أحمد أمين الحقيقة الآتية:
في اللغة العربية تعابير كثيرة نشأت في الأصل مصبوغة بالصبغة البدوية، ولكنها صارت على الزمن ميراثاً حلالاً يملكه أبناء العرب من جيل إلى جيل، وقد نُسَي معناها الأول أو كاد بحيث لا يفطن الكاتب أو القارئ إلى أنها منقولة عن صورة بدوية
فالذي يقول: (دون ذلك خرط القتاد) لا يتصور الخرط ولا القتاد حين ينطق بهذا التعبير. والذي يقول: (هذه مشكلة أعقد من ذَنَب الضَّب) لا يتصور العُقَد في ذيل ذلك الحيوان، وإنما يأخذ هذا التعبير قوته من الصورة المرسومة في أذهان من تداولوه على اختلاف
الأحوال، وذلك معروف في اللغات الأجنبية ففيها تعابير منسية الأصول وهي تؤدي المراد منها بلا عناء
وهنا يزعم أحمد أمين أن الشاميين والعراقيين لم يروا الضب ولم يعرفوا عنه شيئاً؟
وأعتقد أن الصواب غير ما قال، فالشاميون والعراقيون عرفوا الصحراء وما فيها من ضباب ويرابيع
واستنكر أحمد أمين أن يقول المصريون والعراقيون والشاميون (عيون المها وجيد الغزلان) وتعجب من أن يقول ابن الجهم
عيون المها بين الرصافة والجسر
…
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ثم قال: وأين المها في بغداد أمام عليَّ بن جهم وأين المها في مصر والأندلس؟
وأنا لم أزر الأندلس حتى أقر أو أنكر كلام أحمد أمين، فقد لا يكون فيها غير الظباء الإنسية، وإنما أستطيع أن أحكم بأن أحمد أمين ينكر الواقع المحسوس حين يقول بأن أهل بغداد لا يرون الظباء، فقد رايتها بعيني تباع وتشترى في شارع الرشيد ولا يزال البغداديون يذهبون لصيد الغزال في نواح كثيرة منها سامراء. وعفا الله عن السيد حسين النقيب الذي مناني بالخروج لصيد الغزال ثم اعتذر بشواغل مجلس النواب
ومن تقاليد أهل بغداد أن يربّوا الظباء في دورهم كالذي رأيت في دار الشاعر ناجي القشطيني، أراني الله وجهه الأصبح في خير وعافية!
ومن أطعمة أهل بغداد لحم الغزال، وقد أكلته بشهية في دار ظمياء أعزها الحب!
والبصريون يرون الغزلان حين يشاءون، فمنها أسراب تمرح وتلعب بالقرب من بلدهم الجميل
والشاميون يعرفون الغزلان معرفة أكيدة لأنها تجاورهم في الصحراء الشامية
أم المصريون فهم يعرفون الظباء، وهي كثيرة جداً في الصحراء الغربية، وهم يطاردونها من وقت إلى وقت، وقد حدثنا الأستاذ محمد خالد بأنه اشترك في مطاردة غزال، وتلك إحدى الأعاجيب، فقد كنت أحسبه من طراز الأستاذ أحمد أمين
وكلمة (طراز) تدخل في الموضوع، فهي في الأصل علم الثوب، كما يعبر صاحب القاموس، ثم نسى ذلك الأصل وصار الغرض هو المماثلة في الشمائل والخصال
ومن حقنا أن نقول: إن أحمد أمين ينسج على منوال طه حسين في نكران الحقائق
وليس لأحد أن يعترض بأن المنوال لا تراه العيون إلا في قليل من الأحايين، لأننا حين نعبر بمثل هذه العبارة لا نفكر في ثوب ولا منوال، وإنما نسوق التعبير حيث وقع في كلام الأسلاف ونفهم المراد منه بلا عناء
وفي اللغة العربي تعابير لا نكاد نفهم الغرض منها بالتحديد، ولكنها في غاية من الانسياغ
ومن شواهد ذلك ما وقع بين الأستاذ سعد اللبان والدكتور هيكل باشا في مجلس النواب. فقد هجم الأستاذ سعد اللبان على إحدى كليات الجامعة المصرية هجوماً عنيفاً، فقال الدكتور هيكل باشا: هذا كلام يلقى على عواهنه!
ومن المؤكد أن أكثر النواب لم يفهموا المراد بالعواهن، ولكن هذه العبارة وقعت منهم موقع القبول، لأنها خير عبارة تقال في ذلك المقام الدقيق، وهي على عنفها لا تجرح الذوق
واعترض الأستاذ أحمد أمين على قولهم: (فلان يعرف من أين تؤكل الكتف) وعدها عبارة بدوية لا يجوز لحضري أن يدونها في مقال أو ينطق بها في حديث
والظاهر أن الأستاذ أحمد أمين يظن أن أهل الحضر لا يأكلون الحُملان إلا مقطعة بأيدي القصابين فهو لذلك يتوهم أنهم لا يحتاجون إلى الاحتراس عند أكل الكتف
فليعرف (إن شاء) أن الناس لا يزالون يدركون هذه العبارة في أصلها الأصيل، وقد رأيت الرجل البدوي الحضري عبد الستار بك الباسل يداعب أحد ضيوفه بتسليط تيار الكتف عليه، وهو تيار قد يسلَّط مرة على الأستاذ أحمد أمين فيعرف من أين تؤكل الكتف!
من حق أحمد أمين أن يرى الناس جميعاً مقلدين في الأخيلة والتعابير، لأنه من أبعد الناس عن مواجهة الحياة، وأكاد أجزم بأنه لا يساير الحياة الأدبية والفنية والاجتماعية إلا عن طريق القراءة أو السماع، وإلا فمن الذي رآه مرة يشهد رواية سينمائية أو يشهد حفلة من حفلات التمثيل؟
وأعيذكم أن تظنوا أني أتجنى على الأستاذ أحمد أمين، فهذا الرجل على فضله قليل الخبرة بألوان الوجود، وقد تقع منه أحياناً عبارات تضحك الحزين. أليس هو الذي يقترح أن (نميت العَرار ونحيي الزنبق، ونميت الكمأة ونحيي ألمانجو، ونميت القوس ونحيي القنابل، ونميت اُلخرثي ونحيي ما يدل على الموبليا)؟
ذلك كلامه بالحرف، وهو يدعو إلى النظر في الألفاظ المتماثلة أو المتقاربة، لنميت القديم ونحيي الجديد، ومن كلامه هذا تفهمون أن (الكمأة) نوع من الفاكهة، بدليل أنه يقابلها بألمانجو!
فهل سمعتم أن الكمأة اسم فاكهة قبل أن يحدثكم بذلك الأستاذ أحمد أمين؟
إن الكمأة معروفة لأهل الشام والعراق، ومعروفة لبعض أهل مصر من الذين يتصلون بالأُسر السورية واللبنانية والفلسطينية. وقد عرفتها في القاهرة قبل أن أعرفها في بغداد، فكيف جاز للأستاذ أحمد أمين أن يظنها من الفواكه؟ تلك والله إحدى الغرائب!
أما بعد، فقد كنت أرجو أن يترفق الأستاذ أحمد أمين بسمعته الأدبية فلا يعرَّضها لهذه المزالق، وكنت أتمنى أن يكف عن السخرية من ماضي الأمة العربية، ولكنه أراد أن يمضي في العناد وفي اللجاجة إلى آخر الشوط فيزعم أن شعراء العرب وكتابهم لم يعرفوا الثورة على المظالم، ولم يعرفوا تحليل المقاصد والأغراض في الشعر والإنشاء
وذلك كله ظنٌّ وترجيم، وسنحاسبه أشد الحساب، عساه ينتهي عن اللجاجة والعناد
وإني لواثق بأنه يطرب لهذه المباحث التي تكشف له آفاقاً من الحقائق الأدبية، وتعينه على فهم ما خفي عليه من مكانة العرب في التاريخ
(للحديث شجون)
زكي مبارك
صفحة من التاريخ المغربي المجهول
تاريخ سلطنة الطلبة
للأستاذ إدريس الكتاني
كان فتى شهياً تأكله العين، قوياً في ميعة الشباب، أرسله الوالد الزعيم من ساحة الثورة والزعامة إلى معهد العلم والثقافة، ليربي الفكر الناشئ، والعقل الطري، ويعلم النفس المستكينة سبيل المجد، وطريق الحياة.
سار الفتى يقطع الفيافي والقفار على متن الأفراس العربية إلى حيث الجامعة المغربية (القرويين) بفاس، ليكون طالباً من طلابها، يسكن إلى مدارسها، ويتعيش من هبات أوقافها، ويغمر فكره بهدي علمائها.
قال الراوي: وكان في المدرسة التي حط الفتى رحله بها شيخ زاهد، قالوا: إنه من الإبدال، فكان يقوم بخدمة طلبة العلم هناك، ويتعيش من فتات موائدهم وفضلات مآكلهم. واتفق ذات يوم أن أقام فريق من الطلبة مأدبة لعموم من بالمدرسة من الطلاب، فكان من الذوق أن يتصدر الشيخ الوقور مائدتهم، كوالد عطوف أو كخادم أمين.
ونصبت موائد الطعام، فكان الشيخ يتوسط واحدةً منها. وعلى فجأة من القوم أرسل الزاهد بَصرهُ، فما حطه إلا على وجه ذلك الفتى الناعم، وهو ما يزال حديث العهد بهذه المعالم، وأرسلها الشيخ نظرات متعاقبة كأنما كانت شعاعاً كشافاً أرسله إلى مجهول من الغيب ليعرف!
قال الراوي: وأخذ الارتياب يداخل نفوس الحاضرين من الطلاب في أمر الشيخ الزاهد، فتراشفوا بنظرات حادة فيها كثير من الكلام، كان الشيخ البريء يصاب منها في الصميم، ثم قطع هذه الحيرة واحد من أولئك كان له في الشيخ وثوق واعتقاد، إذ صاح به قائلاً: هل من نبأ وراء هذه النظرات يا عماه؟ ورفع الشيخ بصره ببطيء يتفرس في هذا الذي قطع عليه إلهاماً كان يتلقاه من السماء. وقال في شيء من التأفف والبغتة: نعم يا ولدي، أُلهمت الساعة أن هذا الطالب سيكون بعد حين ملكاً على المغرب من أقصاه لأقصاه، وسيؤسس دولة لها سلطان وأعوان، ورايات خافقات!. . .
ضج الطلبة وتصايحوا لهذا الخبر المباغت، وتعالت أصواتهم من هنا ومن هناك يصححون
النبأ العجيب عن زاهد المدرسة. أما الشيخ فكان يتكلم في هدوء ووداعة مؤمناً بقوله متأكداً منه، كأنما يخبر عن شيء يدرك بالبداهة من غير أن يكون للعقل فيع نقاش، وكان الفتى مأخوذاً بشيء من الدهشة والاستغراب كأنما يحاول ألا يصدق هذا الخبر الذي ما مر له بخاطر من قبل، ولكن نفسه كانت تميل إلى تصديقه مقتنعة بصلاح الشيخ وتقواه، ذاكرةً أنه لا شيء يدعوه إلى اختلاق فرية كهذه. وحدثته نفسه أن يقطع هذا الحديث عن الأفواه، فصاح في الطلبة يقول: إن صدق الشيخ في دعواه، فسأبتني لكم مدرسة تفوق هذه روعةً وجمالاً، وسأغمركم بهبات وعطايا لا ينضب معينها، وسأجعل لكم فوق ذلك سلطنة منكم تقوم دعائمها على كواهلكم في ربيع كل عام، وكأن الفتى النابه أراد بهذا كبح الغيرة التي رأى ملامحها تتسرب إلى نفوس بعض الطلبة، وفي الناس من تركبه الغيرة بمجرد الوهم والخيال.
كان هذا الطالب من أسرة شريفة نبيلة، وردت من الحجاز منذ أمد بعيد، وأقامت في جنوب المغرب ببلاد سجلماسة، وكان يدعى الرشيد بن الشريف بن علي، وأبوه هذا كان له وقتئذ مقام محمود ومنزل محترم بين أهالي البلاد، بفضل انتسابه للبيت النبوي ودعوته المخلصة للإصلاح والإرشاد.
قال الراوي: وجاء الزمن فطوى من التاريخ مراحل، وجعل في الأحوال الاجتماعية مشاكل، ومهد للساسة والعظماء سبلاً وطرائق، ولم يشعر القوم حتى كان الجالس على عرش المغرب، والمسيطر على دولته هو الرشيد، ذلك الفتى الذي كان طالباً في جامعة القرويين وتنبأ له الشيخ الصالح بالملك وهو في مطلع الشباب.
لم ينس السلطان مولاي الرشيد وعداً كان قطعه على نفسه للطلاب، وهو حول مائدة العشاء يوم كان طالباً عادياً لا أقل ولا أكثر. فلقد وفى بوعده خير وفاء، ولم تُنسه مشاغل الملك حياة الجامعة وملاهي الصبا.
فأما المدرسة، فالتاريخ نفسه يؤكد بناءَ الرشيد للمدرسة التي بحي الشراطين، والتي تدعى اليوم بمدرسة الشراطين، وكان الشروع في بنائها عام 1081، إلا أنها لم تتم إلا في عهد أخيه إسماعيل من بعده سنة 1089، وهذه المدرسة - كباقي المدارس الأخرى - كانت في القديم لدراسة العلم وسكنى طلابه في آن معاً، أما اليوم فهي لمأواهم ليس غير.
وقد جعل الرشيد لمدرسته هذه طبقات ثلاثاً تشتمل على 232 بيتاً وعلى قبة للصلاة، وكان قد صرف لها عنايته فجاءت آية من آيات الفن المعماري الجميل الذي ورثه المغرب فيما ورث عن الفردوس المفقود.
وأجمعت الأساطير وغير الأساطير على أن الرشيد هو أول من ابتكر (سلطنة الطلبة) بالمغرب وجعلها سنّة قائمة بفاس ومراكش.
فهذه الأطروفة التي قصصناها تستند في النتائج إلى شيء من الحقائق التاريخية، وقد كان حدثني بها واحد من أشياخي الطاعنين في السن قائلاً: إنه رواها عن بعض شيوخه الثقاة، وهي عندي رغم ذلك أسطورة تمت في الأغلب إلى عقلية الشعب وقتئذ بسبب من الأسباب، ولكيلا أكون متجنياً على رواة هذه القصة أو على القصة نفسها أراني مضطراً لأن أبين سخرية التاريخ من حوادثها.
قامت الدولة العلوية المالكة اليوم إثر الدولة السعدية التي تضعضعت أركانها وانحلت عراها بعد وفاة المنصور السعدي وتنازع أولاده من بعده على الملك، وتطاحنهم عليه، وكان طبيعياً أن ينقسم المغرب بين هؤلاء وغيرهم من الزعماء والرؤساء على شكل مقاطعات مستقلة يحكمونها كما شاءوا وكيف شاءوا من غير أن يكونوا مسؤولين أمام سلطان أعلى.
وعلى هذا النحو قصد أهل سلجماسة - قاعدة الصحراء - مولاي الشريف بن علي (والد الرشيد)، وسبق أنه كان لأسرته منزل محترم في قلوب هؤلاء - فطلبوا إليه أن يتولى أمورهم بكل حزم وعزم، وبايعوه ملكاً على الصحراء عام 1041 لكي يتأهب للذب عن بلادهم وصد هجمات المعتدين عليها، وكان الباعث لهم على هذا قيام محمد الحاج الدلائي واستيلاؤه على تادلة وسلا وجبل درن، ووصوله لنهر ملوية حيث امتدت أطماعه إلى بلاد الصحراء، والسلطان عبد الملك بن زيدان بمراكش على لهوه، ورأسه من حوادث البلاد فارغ أو هو كالفارغ، إذ لا مطمح له في القضاء على كل مناوئيه بالقوة وهي منه براء.
والشريف بن علي على هذا يعتبر أول ملوك الدولة العلوية وإليه يرجع انتسابها؛ أما الرشيد فكانت ولادته سنة 1040 أي قبل بيعة أهل الصحراء لوالده بعام فقط، ثم وقعت حوادث بين الشريف بن علي وبين أبي حسون السملالي الذي كان مستولياً على سوس
ودرْعة أدت إلى أسر الشريف وبقائه سجيناً بسوس سنة 1045، ولكن سرعان ما بلغ الخبر إلى ولده البطل المقدام محمد، فنهض هذا وتقدم إلى شيعته من أهل سجلماسة يستحثهم على إنقاذ والده والدفاع عن كرامتهم المهانة، ولم يلبث أن جمع جموعاً غفيرة، قادها بعد ذلك إلى معارك كثيرة، كان له النصر في أغلبها، ثم اجتمعت كلمة أهل الصحراء على مبايعته، فبايعوه بسجلماسة سنة 1050.
وحدث في سنة 1069 أن مات الشريف بن علي، وكان ابنه الرشيد يومئذ شاباً متوقداً يبلغ من العمر 29 سنة فخرج هذا من سجلماسة فاراً بنفسه إلى تدغة خوفاً من أخيه محمد الذي أصبح ينظر إليه بعين مرتابة، خشية أن يطمع في السلطان أو يصبح شريكاً له في الأمر. والحق أنه كان في نفس الرشيد ما كان يتوقعه أخوه محمد ويخشاه؛ فمنذ أن خرج الرشيد من حكومة أخيه وهو يجمع الجموع عليه، ويقوم بدعاوة واسعة لنفسه في طول البلاد وعرضها؛ متنقلاً بين الحواضر والبوادي، وأخوه في كل ذلك يراقبه عن كثب لا يستطيع أن يناله بسوء وهو عنه بعيد
فلما أحس الرشيد من نفسه القدرة على الحرب وشعر بتمكن مركزه من الناس، قام في سنة 1075 بأنفاد ودعا لنفسه بها، فاجتمع عليه عرب المعقل وأحلافهم من بني يزناتن وبايعوه ثم دخلوا مدينة وجدة. فلما وصلت هذه الأنباء إلى أخيه محمد توقع الشر منه، فخرج إليه من سجلماسة بمن معه من العرب والبربر وقصده بأنفاد فخرج الرشيد لملاقاته، والتقى الجمعان في حرب شعواء كان محمد أول ضحاياها بعد أن دخلت الهزيمة إلى جيشه. وخرج الرشيد منتصراً من المعركة يحمل جثة أخيه إلى مضجعها الأخير
ثم سار الرشيد إلى سجلماسة فحاصر ابن أخيه محمد تسعة أشهر حتى غلبه عليها، فدخلها ومهد أطرافها، ثم رجع لمدينة تازة. وتطايرت أنباء انتصاراته إلى فاس فتأهب أهلها لقتاله ولكنهم انهزموا أخيراً. وفي عام 1077 زحف إلى فاس فاتحاً ودخلها منتصراً بعد أن فر ولاتها، ثم عقدت له البيعة من رجال الحل والعقد بها
وبدخول الرشيد إلى فاس ومبايعة أهلها له أصبح السلطان الرسمي للبلاد المغربية وكل من عداه من رؤساء المقاطعات المستبدين هم ثوار في اعتبار الشريعة والأعراف. لهذا كان لزاماً على الرشيد أن يتتبع أعقاب الثائرين ويستأصل كل إمارة تريد الاستبداد بمقاطعتها.
ولقد فعل الرشيد كل هذا حتى أصبح سيد البلاد المطلق لا ينازعه في سلطانه ثائر أو أمير
ثم بعد أن ساد نفوذ الرشيد في عموم البلاد المغربية باستثناء بعض الشواطئ أخذ يهتم بالإصلاح الداخلي فعمر المساجد وبنى الجسور ومهد الطرق وأسس معاهد العلم وكان إذا دخل بلدة تعاهد جوامعها ومدارسها، وسأل عن مجالس العلم بها وعمن يحضرها، وكان إلى هذا محباً للعلماء مولعاً بمجالستهم، محسناً إليهم يفيض عليهم من عطاياه، ويغمرهم بعطفه وإحسانه، وفي أيامه كثر العلم، واعتز العلماء والأدباء على السواء
وأخيراً، وبعد كل هذا، كان الرشيد بمراكش يشم النسيم في بستان المسرة، وأبت ثقته بقوته إلا أن يركب فرساً جموحاً فطار الفرس به بين الأشجار المتعانقة وإذ بغصن من شجرة نارنج يهشم رأسه فيخر إلى الأرض صريعاً؛ وشاهد الناس مصرع هذا الملك العصامي آسفين في 11 من ذي الحجة سنة 1082، ودفن بمراكش إلى أن نقل منها إلى فاس وأقبر بروضة أبي الحسن علي ابن حرزهم بوصية منه بذلك
(للكلام بقية - فاس)
إدريس الكتاني
ملاحظة: وقع في المقال الأول المنشور في العدد (310) من
الرسالة لفظة (الذعيرة) وهي في اللهجة المغربية بمعنى
الغرامة، وقد فاتني التنبيه عليها وقتذاك.
استطلاع صحفي
فن التصوير الجوي
أهم أدوات الحرب الحديثة
(لمندوب الرسالة)
أنبأتنا التلغرافات بأن سلاح الطيران الفرنسي أمكنه أن يصور خريطة دقيقة لخط سيجفريد الأماني. وعلى ضوء هذه الخريطة يصبح من السهل على قيادة الجيش الفرنسي أن تحدد المناطق الضعيفة منه وتعين أماكن الاستحكامات فيه
ولدينا في مصر قسم خاص بالتصوير الجوي أنشئ سنة 1933 يستطيع رجاله أن يؤدوا نفس المهمة التي قام بها زميلهم الفرنسي. وفي هذا المقال يجد القارئ عرضاً عاماً لطرق التصوير الجوي ومدى فائدته في الأعمال العسكرية والمدنية، وما يحتاج إليه من خبرة ودراية.
عملية استكشاف
من النواحي الهامة في سلاح الطيران الحربي قسم التصوير؛ وهو لا يقل خطورة عن قسم المدفعية. فبواسطته يمكن تصوير سطح الأرض وتوضيح ما عليها من مرتفعات ومنخفضات تبين مسالك الأرض وطرقها فيسهل على القوات العسكرية كشف طريقها ومعرفة اتجاهاتها، كما يسهل معرفة إمتدادات خنادق العدو وتعيين مواقع مدافعه ومعداته فيتيسر للقوات الموالية تدمير هذه الاستحكامات وشق طريق للجيوش البرية وهذه العملية إحدى خطوات الاستكشاف في الحرب.
ولهذا كان من أهم التدابير التي تتخذها الحكومات ويقرها القانون الدولي منع الطيران أو التصوير فوق المناطق العسكرية، وأبيح لها حق تفتيش الطائرات التي تخالف هذه القاعدة كما أبيح لها حق إسقاطها بإطلاق النار عليها مما يعتبر عملاً عدائياً في المناطق المدنية.
مران وتضامن
وتختلف أدوات التصوير بالطائرات عنها في الحالات العادية. يضاف إلى ذلك ما تستلزمه
من مران وتضامن بين الطيار والمصور. فالتصوير من الجو نوعان: ففي الأول تثبت الآلة في أسفل الطائرة على قواعد خصصت لذلك فإذا أراد الطيار تصوير منطقة معينة يجب عليه أن يطير بسرعة ثابتة وعل ارتفاع ثابت حتى تكون المساحات الظاهرة في الصورة واحدة؛ فمن المعروف أنه كلما بعدت آلة التصوير شغل هذا الجسم مساحة أقل من مساحة الصورة، وبالتالي تزيد مساحة سطح الأرض التي تلتقطها الآلة؛ وعندئذ يتعذر تحديد أبعاد المكان فيظهر على الصورة مساحة كبيرة أو صغيرة تبعاً لارتفاع الطائرة وسرعتها
ويختلف عدد صور شريط تصوير هذه الآلة باختلاف الأغراض المطلوبة منه فأحياناً يكون 25 صورة وأحياناً 50 وأحياناً 125 صورة. ولا يحتاج المصور إلى تكرار الضغط على مفاتيح الصور عند تصوير كل منظر. فإن الآلة تسجل المناظر بطريقة آلية كل مدة من الزمن إلى أن ينتهي شريطها أو يقف المصور الآلة
وطريقة التصوير الجوي الأخرى هي المعروفة بالتصوير الجانبي إذ يمسك المصور بآلته ويلتقط الصور التي يريدها. وفي كلتا الحالتين يحتاج التصوير إلى طيار ماهر حتى لا تهتز الآلة، وغالباً يكون ارتفاع الطائرة مقدار ثلاثة آلاف قدم. وقد يبدو هذا البعد كثيراً على عين آلة التصوير، ولكن عدساتها برغم أنها عدسات عادية وليست مقربة تستطيع التقاط جميع تفاصيل الأرض لدقتها ولخلوها من الفقاعات الهوائية التي قد تفسد وضوح المرئي.
تأثير الضوء
فإذا انتهى المصور من التقاط المناظر التي يريدها هبطت الطائرة إلى الأرض وبدأت عملية ثانية لا تقل دقة عن سابقتها إذ يبدأ العمال بتحميض شريط الصور السالبة. ومن المسائل التي يجب مراعاتها أن يكون هذا التحميض مساوياً لجميع أجزاء الشريط، ثم تبدأ عملية الطبع وهي اكثر دقة من أية عملية أخرى، إذ يجب أن يحافظ العامل في طبع الصور الموجبة على أن تكون كلها من لون أسود واحد، فلا تظهر إحداها ضعيفة اللون والأخرى قوية، حتى إذا جمعت الصور بعضها إلى بعض ظهرت كأنها صورة واحدة.
وتحتاج هذه العملية إلى كثير من الخبرة فتوزيع كمية الضوء على الأرض لا يكون بنسبة
واحدة؛ ففي مناطق تكثر الظلال، وفي مناطق أخرى يكون سطح الأرض مكشوفاً لضوء الشمس؛ وهذا يؤثر على تشبع الصورة السلبية بالضوء فيظهر بعضها أسود والآخر أقل سواداً تبعاً لكمية الضوء التي تعرضت لها الصورة والتي لا يستطيع المصور ضبطها
وتجمع الصور الموجبة ويلصق بعضها إلى بعض حيث تكمل الصورة التي تليها حتى إذا تمت المجموعة ظهرت صفحة الأرض واضحة لعدة أميال. وقد تمكن قسم التصوير بسلاح الطيران الجوي المصري من تصوير جميع مناطق القطر المصري فيمكنه أن يقدم لمصالح الحكومة ولأقسامها المختصة صورة أي بلدة فيظهر عليها ما في تلك البلدة من مرتفعات ومنخفضات وما فيها من طرق مائية وبرية أو جسور
تحليل الصور
ويسهل على الأخصائيين في التصوير تحليل الصور كما يسهل على الكيميائيين تحليل المواد. فبعد أن ينتهي المعمل من صنع الصورة فإنها تحلل بأن توضع تحت مجهر خاص يكشف أسرارها فما يرى خطاً ضعيفاً بالعين المجردة قد يكشف عن خندق مسلح وما يظهر نقطة سوداء على الصورة قد يظهر مدفعاً بالتحليل الفني وأمام العين العسكرية والخبرة الحربية
ويتدرب كثير من رجال الطيران على فنون التصوير الجوي ومنهم من يتخصص فيه. ومن الضروري أن يلم كل طيار بمبادئه الأولية حتى يدرك مدى المعونة التي يقدمها للمصور إذا اشتغل أحدهما مع الآخر وحتى يدرك أهمية المناطق التي يمر بها أثناء انتقاله في الجو من جهة إلى أخرى
ولا تقتصر عملية التصوير الجوي على الفوائد العسكرية بل تتعدى إلى الفائدة العلمية؛ فبالتصوير الجوي نستطيع أن نحصل على صورة دقيقة للتعاريج الساحلية أو النهرية وضبط مواقعها ومسافاتها بالضبط. وقد أتيحت لي الفرصة فشاهدت مدينة القاهرة التي التقطها سلاح الطيران لبريطاني فرأيت فيها شوارع المدينة في أتم وضوح كما شاهدت جزر النيل وجسوره وإنحناءاته ظاهرة بكل تفصيل
4000 صورة في صورة
وفي آخر مرة زرت فيها قسم التصوير الجوي شاهدت العمال يعدون صورة لفرع رشيد بلغ طولها بعد لصق أجزاء الصور ما لا يقل عن عشرين متراً، كلف التقاطها وطبعها القسم 300 جنيه، إذ تتكون الصورة من 4000 جزء كان التقاطها بمعرفة سلاح الطيران الجوي البريطاني يكلف الحكومة المصرية أربعة آلاف جنيه.
وقد أنشئ قسم التصوير الجوي المصري سنة 1933 فعين فيه ثلاثة أفراد مصريان وصول إنجليزي، ثم ازداد عدد العمال تبعاً لنمو الجيش وحاجة سلاح الطيران. فاقتنى من آلات التصوير وأجهزته أدقها، وعين من الأخصائيين المهرة الذين حذقوا هذا الفن ودرسوه في بعثات أرسلت إلى البلاد الإنجليزية حتى أصبح استعداد القسم ينافس أحسن الأقسام في البلاد الأوربية
ففي استطاعة قسمنا المصري أن ينتهي من عمل خريطة مكونة من 65 صورة في مدة 24 ساعة بأي مقياس مطلوب رغم ما في هذه العملية من صعوبات فنية. وقد أثبت رجال القسم جدارتهم وسرعتهم في مناسبات كثيرة في الحفلات العسكرية الرسمية المختلفة، فأمكن إخراج الصور وتجفيفها ثم إهداؤها للزائرين في مدة نصف ساعة. وعند زيارة سمو الأمير محمد رضا ولي عهد إيران للكلية الحربية قدمت لسموه صور زيارته للكلية قبل أن يغادرها رغم بعد المسافة بين الكلية وبين مطار ألماظة مركز القسم
معامل متنقلة
وأعد القسم عدته حتى لا يقتصر نشاطه على منطقة واحدة، فجهز سيارات خاصة بجميع الأجهزة اللازمة حتى تكون معمل تصوير متنقلاً يستطيع تحميض الصور وطبعها وتكبيرها في أي زمان ومكان، وفي مختلف الظروف والأحوال. وخصص لكل سيارة عمالها كما وزع بعض رجاله في المناطق التي تمس الحاجة العسكرية إلى وجودهم فيها.
فمنذ سنة 1933 وقسم التصوير الجوي يؤدي مهمتين: أولاهما العمل الفني المطلوب، والثانية تعليم الجنود والضباط. فهو من هذه الناحية معمل ومدرسة يقضي فيه الطالب ثمانية أشهر يتلقى فيها جميع الفنون التي يحتاج إليها المصور البارع من نظريات لفهم التصوير وتركيب حوامض التحميض والطبع ثم التكبير وضبط الصور وتحليلها وتأثير
الحرارة على الأفلام والأحماض وبهذا المجهود الكبير أمكن لقسمنا المصري أن يسجل لنفسه طريقة جديدة في طبع الصور ذات الألوان المتعددة. وهي طريقة معقدة ولكنها أسهل من الطرق المتبعة في البلاد الأخرى وتحتاج إلى خبرة ودقة كبيرتين، ففي وسع قسم التصوير أن يقدم لك صورة أي منظر طبيعي أو صناعي بألوانه الأصلية مهما تباينت ألوانه. وهو يقدم للصحافيين الأجانب أحسن مناظر مصر الطبيعية بألوانها الأصلية، فأضاف إلى مهمته العسكرية مهمة جديدة هي الدعاية لمصر بتقديم صورة ناطقة عن الحياة وسحر الطبيعة فيها.
فوزي الشتوي
كان ما كان!.
. .
للأستاذ صلاح الدين المنجد
ترى لم تحط هذه الطيوف بمضجعي. . . في هذا الليل الوسنان، فتملأ نفسي حنيناً إلى أيام الطفولة اللاهية، ومرابع العيش الرغيد؟. . . ولم ترقص حولي، قافزة من حفافي السرير، رائعة في حنايا الستور. . . فتدفعني إلى إغماض جفني، أستشف من خلل الهدب الرفاف بالدمع، تلك المغاني الحبيبة، التي فارقتها منذ بعيد. . . فأضحت - يا رحمتا لها - خلاءً، لا البشر يضحك في جنباتها، ولا الأم الرؤوم تناغي فيها الوليد. . .!
لقد رأيت الآن. . . ذلك الطفل الذي درج بالأمس على قبلات الأهل، وبسمات الجيران؛ وتمثلته، وقد نبت بين الفضة الباهية والذهب الرّنان. . . ولمحت أمه تنظر إليه ضاحكة جذلى؛ ترى فيه منية النفس ورغيبة الشباب، ثم أراه. . . يرتع فوق الأرائك مع أخيه، في غرفة واسعة، وقد روّق الليل، وانتشر الظلام، وأرنو إليه يرسّ حديثاً في نفسه، كان قد سمعه من جارته الصغيرة تحت شجرة الليمون في النهار. . . ثم يسمع إلى أبيه يهمس في أذن أمه أن (سأودعه دار الشيخ غداً. . .!)، فلا يفهم الطفل عنه، ولا يحاول الفهم، على الرغم من حبه للاستطلاع، ورغبته في الكلام. . . فقد كان له في كرته الصغيرة، وفي أخيه الحبيب، غني عن السؤال، وغني عن الكلام!. . .
ويتهادى الصبح باسماً كغانية خلوب، فينتشر النور وينقشع الظلام. فإذا كان طفل الغداة، نادى الأب ابنه، ليرافقه إلى البستان. وتسرع الأم فتلبسه الرداء الفاخر والحذاء اللامع. لقد غضب آنئذ، وعلم أن الرداء يمزق فوق الغصون الدوالي. . . وأن الحذاء سيبلى في التراب الأحمر الناعم. ولكن الأب يمسك بيد ابنه ويمضي. . . وقد أطرق الوليد يفكر في الشجيرات التي يجعلها أرجوحة له، والفراشات التي سيطاردها في كل مكان. . . والعصافير التي سيقفز ليقبض عليها. . . فتفلت منه. . . والأزاهير التي يحملها إلى جارته الصغيرة إذا رجع إلى الدار مع المساء. ثم يحدث نفسه عن رفقائه المساكين الذين لم ينعموا بما ينعم به من عيش ليّن ولهو كثير؛ ولا ينسى أن يروّر في نفسه كلاماً يتأبه به عليهم إذا رآهم في الزقاق عند العشاة. ولكن الأب يمضي. . . لا يلتفت إلى ثرثرة الطفل، مسرعاً في مشيه، موفضاً في خطاه؛ والطفل يقفز وراءه كعصفور جذلان، ثم يقصد زقاقاً
مظلماً من تلك الأزقة التي تعج فيها رائحة العفن ويتعالى الغبار. . . فينقبض صدر الطفل. . . فقد حدثوه أن الشيخ كامل، وهو مصدر التقوى والعفة والصلاح - كما حدثه أبوه - ومصدر الخبث والشر والفساد - كما حدثه رفيقه - يقطن بهذا الزقاق. فيبكي الطفل بدموع غزَّر ويحاول الفرار، ولكن الأب ممسك بيد ابنه يجره ويدفعه ويغريه باللعب إذا بلغ البستان، وينفحه (بنصف مجيدي) لينقطع عن البكاء. حتى إذا بلغ غاية الزقاق، عرج به فطرق باباً غليظاً. ويقف الطفل، ما يدري لِمَ يجره أبوه وهو الذي يحبه، ولم يدفعه وهو الذي يؤثره على نفسه.! ويفتح الباب شيخ هم، كان كلما تمثله في خاطره بعد ذلك اليوم قف شعر رأسه، وأغمض عينيه من الاشمئزاز: فقد بقى في ذاكرته، أنه كان ذا قامة فارعة، مسنون الوجه أسمره، خفيف العارضين، لم تبق الأيام من لحيته إلا شعرات لا لون لها نبتت هنا وهناك، تقفز وتهتز كلما ضحك أو تكلم. وبقى في ذاكرته أيضاً أنه كان أدرد، إلا من بضعة أسنان ملتوية صفراء تبعثرت في فمه الذي حسبه مغارة الجن ومأوى الشيطان. أما عيناه فكانتا غائرتين صغيرتين. . . يرد الذباب على موقيهما ليرتشف الطيبات، وهو يذكر أيضاً تلك السبحة الطويلة التي علقها في عنقه. . . وحسب حباتها الكبيرة (دحاحل) رفقائه الصغار، وتلك الجبة التي حال لونها وسخف نسجها. ويبادره الأب بالسلام، فيهش الشيخ ويبش، ثم يرحب ويقول: ما شاء الله. . . ما شاء الله. . . ثم يربت على كتف الطفل مردداً كلمات وتعاويذ لم يفهم الطفل لها معنى وإن كانت أطربته فأنصت لها. ويدخل الأب ويتبعه الطفل قائلاً بصوت حزين: (أهنا البستان يا بابا؟) ولكن الأب يحتال عليه ويسلمه للشيخ ليطعمه من نقله المبارك. فيدخل الطفل تتنازعه الرهبة من أبيه والرغبة في نقل الشيخ، ويرى فيما يراه آنئذ غرفة مظلمة سوداء لقي فيها رفقاءه الصغار؛ وقد جلس أحدهم فوق قطعة من الحصير البالي، يردد كلمات أفزعته وأضحكته، منحنياً إلى الأمام وإلى الوراء؛ ووقف ثانٍ يحملق فاغراً فاه؛ وانحنى ثالث يبكي بكاء كعواء الكلاب؛ فتستولي الكآبة على الطفل وينقبض صدره، ويرتد راجعاً ليرى أباه، فإذا بأبيه قد فر، وإذا بالشيخ يلحق به ليرجعه وفي يده بضع (سكرات) يدفعها إلى فمه الصغير. ويجلس الطفل بجانب الشيخ على دكه من القش. لقد جال بصره في هذه الغرفة الحقيرة، فرأى أشياء أنكرها، ولم يكن له بها عهد من قبل: شعر بهذا الظلام الذي يرفرف فوق الغرفة فيجعلها
كالقبو الذي تضع فيه أمه ما رث من الأثاث، ورأى هذه العناكب التي امتدت في أعالي الجدران كأنما تريد أن تزّين الغرفة كما تزّين أمه الجدران بأوراق الشجر وأزاهير البستان، ولمس الحصير البالي فأبصر الخشب وقد نخره السوس، وحدق بتلك الخشبة المستديرة المستطيلة كبندقية خاله التي ودّ لو يحملها ليصبح جندياً فأبوا عليه ذلك، فتساءل لم عّلَّقها الشيخ ولم يهدد بها الصبيان؟
عندئذ ضاقت نفس الطفل فانفجر باكياً. . . ويقوم الشيخ ليخفف عن الطفل حزنه. . . ويكفكف دمعه، والصبيان يرمقونه دهشين، يحسدونه على ما يلقى من عطف، وما يظهره الشيخ من لطف، على حين يضربهم ضرباً ويصفعهم صفعاً. . . ولكن الطفل لا يهدأ، بل يزداد بكاءً وصراخاً، شأن الأطفال كلهم، فينادي الشيخ زوجته (الشيخة صفية)، التي علم الطفل أنها تجمع النساء يوماً في الأسبوع، ليقرأن معها (الوردُ)، وينقرن الدفوف، ويهززن الروادف والبطون ابتغاء مرضاة (الشاذلي) وتقرباً من الرسول. . . وما يكاد يراها طفل حتى يتولى عنها؛ فإن تلك الشعرات الطويلة التي تنبت على شفتها العليا، وتدلت فوق فمها الرخو أزعجته، على الرغم من دعائها له، وصلاتها على النبي، وقبلاتها التي اقشعر منها بدنه. . . فيعود إلى غرفة الشيخ يسأله عن أبيه، فإذا يجده يصرخ برفيق له، ثم يدفعه إلى الأرض ثم يعمد إلى تلك الخشبة المستديرة، فيجعل رجلي الطفل بين الحبل والخشب، ويفتل الخشبة مع صبي آخر. . . ويضربه بقضيب من خيزران ضربات موجعات فيصيح الصبي ويستعطف الشيخ، ويقسم لئن تركه ليحفظن الدرس ولكن الشيخ لا يلتفت إليه، فهو لاه عنه بعدّ الضرباتّ. . .
ويرأرئ الدمع في عيني الطفل - شفقة على رفيقه الصغير - فيهب منادياً: (هذا رفيقي. . . ليش تضربه؟)
فيحدق الشيخ في الطفل يوعده بالجزاء، فترعبه نظراته ويلجأ إلى البكاء. . . ويصرخ ويصيح. . . وينادي أمه وأباه، ويضرب وجهه بكفيه والأرض بقدميه، فيحوقل الشيخ ويرجع ويترك الصبي ليرضى الطفل، والطفل يبكي ويصيح. . . فيمضي الشيخ. . . ليأتي (بسكاكره) المحورة، فينقطع الطفل فجاءة عن البكاء. وينظر إلى رفاقه ويقول:
(راح. . . هيّا. . . تعالوا نهرب قبل أن يجئ. . . نغلق الباب. . . ألسنا أقوياء. . .
نختبئ في الزقاق. . . قوموا. . . قوموا. . .) ولكن الصبيان الذين ألفوا الذل واعتادوا الضرب، أنكروا ما قاله الطفل. . . فلم ينتظرهم بل تأبط حذاءه. . . وقام يعدو نحو صحن الدار. . . ثم فتح الباب وخرج إلى الزقاق يتنفس الصعداء. . .
ويعود إلى الدار كالقائد الظافر. . . فيستعيذ أبوه من الشيطان عند ما يراه، وتشهق أمه من العجب فتسأله كيف فرّ من الكُتاب! ولكنه يطأطأ رأسه ويسرع فينزع ثيابه. ثم يتسلق خشب العريشة، وينادي ابنة جاره الصغيرة فيسألها:
- أتلعبين بالدحاحل يا حسنا. . . لقد عدت من البستان! أما الأب فيعبس ويثور. وأما الأم فتضحك وتقول:
دعه. . . فإنه صغير
وانغمس في الفراش، وفي العين دمعة، وفي الصدر آهة، وفي النفس آلام
(دمشق)
صلاح الدين المنجد
رد على تعقيب
الجبر والاختيار
للأديب السيد محمد العزاوي
طالعت في البريد الأدبي لعدد الرسالة - 322 - ما تفضل بع عليّ الأديب الفاضل داود حمدان من ملاحظات قيمة على مقالي الأول في الجبرية والاختيار؛ وعنت لي ملاحظات على رده سيتسع صدره لها دون شك، والله المستعان
أما اعتراضه على أن المسلمين لم يقل منهم أحد بأن (الإنسان وأفعاله من خلق الله فلا يكون ثمة حساب أو عقاب) فواضح أن أحداً لم يقل بذلك. وما هو يخاف، ولكني أردت أن أذكر حدي القضية الذهنيين، بغض النظر عن أن الكلاميين تكلموا في الطرف الثاني أو لم يتكلموا. وهذا أسلوب واضح: أن يذكر الكاتب حدي القضية على السواء في ذلك المعقول وغير المعقول الممكن والمستحيل، ما تكلم فيه وما لم يتكلم فيه. ولعله فهم أني أريد أن المتكلمين قد تكلموا في هذا الوجه ما داموا قد تكلموا في الوجه الآخر، ويبدوا أن هذا ما بنى اعتراضه عليه
أما ذهابه إلى أن المسلمين قد أجمعوا على أن الله تعالى عالم بكل ما يحدث قبل حدوثه ففيه نظر؛ إذ قد اختلفت وجهات النظر بين الفرق اختلافاً لم يجعل وجهاً لادعائه بأن فرقة واحدة من القدرية هي التي قالت: (إن الله لا يقدر الأمور أزلاً، ولم يتقدم علمه بها، وإنما يأتنفها علماً حال وقوعها). فقد ذهب إلى ذلكم مفكرون عدة سأذكر بعضاً منهم على سبيل المثال. فالجهم بن صفوان رأس الجهمية قال: (لا يجوز أن (الله) يعلم الشيء قبل خلقه لأنه لو علم ثم خلق أفيبقى علمه على ما كان أو لم يبق؟ فإن بقى فهو جهل: فإن العلم بأن سيوجد غير العلم بأن قد وجد؛ وإن لم يبق فقد تغير، والمتغير مخلوق ليس بقديم. . وإذا ثبت حدوث العلم فليس يخلو إما أن يحدث في ذاته تعالى، وذلك يؤدي إلى تغير في ذاته، وأن يكون محلاً للحوادث، وإما أن يحدث في محل فيكون المحل موصوفاً به لا الباري تعالى فتعين أنه لا محل له. فأثبت علوماً حادثة بعدد المعلومات الموجودة)
وهشام بن الحكم قال بأن (الله سبحانه) لم يزل عالماً بنفسه، ويعلم الأشياء بعد كونها بعلم لا يقال فيه محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف
وهشام بن عمرو الفوطي كان يقول بأن الأشياء قبل كونها معدومة ليست أشياء، وهي بعد أن تعدم عن وجود تسمى أشياء ولهذا المعنى كان يمنع القول بأن الله تعالى قد كان لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها فإنها لا تسمى أشياء
فأي هذه الفرق - على قلة ما اخترت منها - يريد أن تكون الفرقة من القدرية؟ الجهمية أو الهشامية أو الفوطية، وغيرها كثير؟ ثم ألا يكفي كل هذا لأن أجعل هذا القول مقابلاً لقول سائر المسلمين، أو على الأقل لأن أدعي أن هذا كان تفكيراً لرجال الدين والمتكلمين؟ أم أن تكفير الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهم من الأمة لهذه الفرق يخرج بهذا التكفير عن أن يكون (إسلامياً): إن لم يكن بالمفكرين فيه فلا أقل من أن يكون بالموضوع الذي دار حوله هذا التفكير؟ صحيح أن النزاع في مسألة سبق علم الله بما يحدث أو ائتنافه له علماً حال وقوعه قد اندمج في (النزاع في أنه كما أن للعالم منا علماً هو عرض قائم به زائد عليه حادث، فهل لصانع العالم علم هو صفة أزلية قائمة به زائدة عليه، وكذا جميع الصفات) وتشعب القول بين الفرق في الأمر، وأصبح سبق علم الله أو ائتنافه حدا من الحدود هذه القضية. واختلف القول فيه إلى ما قد فرغت من إيراد بعضه، واتضح منه أن المسلمين لم تجمع كلمتهم على ما أورد الأديب الفاضل. ولنفرض جدلاً بأن طائفة واحدة من القدرية قالت بأن الله لم يتقدم علمه بالأشياء، أليس من العدل أن أذكر ذلك حتى أبين أقصى مدًى بلغته الفكرة، وأوسع عرض حازته هذه الدعوى؟
أما اعتراضه على اشتراك الجهمية والمعتزلة في نفس الصفات عن الله ففيه نظر كذلك؛ فقد طلب الأديب الفاضل أن أفصل قول المعتزلة حتى لا أوهم إنكارهم الصفات إنكاراً غير حميد، ولم يكن المقام مستلزماً أن افصل قول المعتزلة أو غيرهم فإني كنت أود أن أبين اشتراكهم والجهمية في اختصار أتحرز به تهويش ذهن القارئ حتى أستطيع بعد ذلك أن أطلعه على رأى أبي العلاء
على أن الجهمية وافقت المعتزلة في نفس الصفات الأزلية. فنفى جهم أن يكون لله صفات غير ذاته وزاد عليهم (على المعتزلة) بأشياء منها قوله لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه لأن ذلك يقتضي تشبيهاً. فنفى كونه حياً عالماً، وأثبت كونه قادراً فاعلاً خالقاً. . .
فنفى الجهمية للصفات ناشئ من أن التشبيه بالمخلوق مستحيل على الله فوجب أن يؤول ما يرد في القرآن بهذا المعنى، ويؤخذ على غير ظاهره. فالحياة والعلم الإلهيين - في رأى الجهمية - ليس حياة وعلماً كحياتنا وعلمنا تحرزاً منهم من التشبيه، فليس نفيه - والحال هذه - (يعطل الأسماء والصفات تعطيلاً يستلزم نفي الذات المقدسة.
ونفي المعتزلة للصفات ناشئ من أنهم لو أثبتوا الصفات، فإما أنها صفات قديمة قائمة به زائدة عليه فيلزم تكثر في الذات، وتعدد في القدماء والواجباتْ، ومن المستحيل تعدد الذوات القديمة. وإما أنها صفات محدثة فهي عرض لذات قديمة والعرض قابل للتغير والزوال، ومحال على الله التغير. فالمتغير مخلوق ليس بقديم. وإن كانت صفات قديمة أزلية، فإما أن تكون خارجة عن الذات فتعدد القدماء (وأنكره الفلاسفة والمعتزلة وزعموا أن صفاته عين ذاته بمعنى أن ذاته تسمى باعتبار التعلق بالمعلومات عالماً، والمقدورات قادراً ولصعوبة هذا المقام ذهبت المعتزلة، والفلاسفة إلى نفي الصفات، والكرامية إلى نفي قدمها، والأشاعرة إلى نفي غيريتها وعينيتها)
فالفرقتان كما ترى من المعطلة، قد اتفقتا في النتيجة، وإن اختلفتا في الأسباب. وقد كانت مشاركتهما في هذا الأصل داعياً إلى تلقيب المعتزلة بالجهمية (لا لأنهم وافقوا الجهمية في القدر. . . ولكن لأن المعتزلة وافقوا الجهمية في نفس الصفات عن الله،. . .،. . .، وقد ألف البخاري والإمام أحمد كتابين في الرد على الجهمية وعنيا بهما المعتزلة)
فهل رأيت إلى هذا التشارك الذي حلل أن تدعي المعتزلة بالجهمية؟ ذلك معناه أن الجهمية إن كانت من هذه (الطوائف الملحدة) فأنت مضطر إلى أن تعترف بأن المعتزلة من هذه الطوائف الملحدة كذلك. وهذا ما لا يسلم به الأديب الفاضل، وما لم يقل به أحد
هذا ما أحببت أن أوجه هم الأديب الفاضل إليه، وأرجو أن يتقبله بقبول حسن. على أني قبل كل شيء وبعد كل شيء أشكر له صنيعه هذا شكراً جزيلاً
السيد محمد العزاوي
نقل الأديب
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
502 -
ولكن لا نستطيع أن نتكلم
في (العقد): قال الرجل لهشام بن الحكم: أنت تزعم أن الله في فضله وكرمه وعدله كلفنا ما لا نطيق، ثم يعذبنا عليه.
قال هشام: قد (والله) فعل ولكن لا نستطيع أن نتكلم
503 -
ميمونة الزنجية تطيب بذلك
في (الموشح): قالت امرأة لكثيّر عزة: أأنت كثير عزة؟ قال: نعم. قالت: تبا لك! أتعرّف بامرأة؟! قال: وما يضيرني من ذاك؟ فوالله قد رفع الله بها ذكري، ونشر فيها شعري، وأغزر بحري. قالت: أفلستَ القائل:
فما روضةٌ بالحَزن طيبةُ الثرى
…
يمج الندى جَثجاثُها وعرارُها
بأطيب من أردان عزة موهناً
…
وقد أُوقدت بالمندل الرطب نارُها
قال: نعم، قالت: فض الله فاك! تالله ما رأيت شاعراً قط أقل عقلاً ولا لأضعف وصفاً منك. أرأيت لو أن ميمونة الزنجية بُخرت بمندل رطب، أما كانت تطيب؟ ألا قلت كما قال سيدك:
ألم ترياني كلما جئت طارقاً
…
وجدت بها طيباً وإن لم تَطيَّب
فنصرف كثير وهو يقول:
الحق أبلج لا يُخيلُ سبيله
…
والحقُّ يعرفه ذوو الأحلام
504 -
ضحكت على لحيته
في (طوق الحمامة) لابن حزم: كان لسعيد بن منذر بن سعيد صاحب الصلاة في جامع قرطبة (أيام الحكم المستنصر بالله) جارية يحبها حباً شديداً، فعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها فقالت له ساخرة به - وكان عظيم اللحية -: إن لحيتك أستبشع عظمها فإن حذفت منها كان ما ترغبه. فأعمل الجلمين فيها حتى لطفت، ثم دعا بجماعة شهود، وأشهدهم على عتقها ثم خطبها إلى نفسه فلم ترض به. وكان في جملة من حضر أخوه حكم
بن منذر فقال لمن حضر: أعرض عليها أني أخطبها أنا، ففعل، فأجابت إليه فتزوجها في ذلك المجلس بعينه، ورضى (سعيد) بهذا العار الفادح على ورعه ونسكه واجتهاده. . .
505 -
لا يحتاجون هذا منك
صلى الأعمش في مسجد قوم فأطال بهم الإمام. فلما فرغ قال له: يا هذا، لا تطل صلاتك؛ فإنه يكون خلفك ذو الحاجة والكبير والضعيف
قال الإمام: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)
فقال له الأعمش: أنا رسول الخاشعين إليك، لا يحتاجون إلى هذا منك
506 -
فيم تدخل الجنة أذن؟
في (تاريخ بغداد): قال بشير بن الخصاصية: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه، فقلت: علام تبايعني يا رسول الله؟
فمد يده ثم قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وتصلي الصلوات الخمس المكتوبة لوقتها وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله
فقلت: يا رسول الله، كُلاَّ أطيق إلا اثنتين: أما الزكاة فما لي إلا حمولة أهلي وما يقوون به، وأما الجهاد فإني رجل جبان فأخاف أن تجشع نفسي فأبوه بغضب من الله
فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال يا بشير، لا جهاد ولا صدقة، فيم تدخل الجنة إذن؟
قلت: يا رسول الله، أبسط يدك أبايعك، فبايعته عليهن
507 -
وبعثنا إليك بك
في (سمط اللآلي): أهدى شاعر نرجساً إلى غادة اسمها نرجس، وكتب مع الهدية:
كنت أبغيك في البسا
…
تين شوقاً لرؤيتك
فإذا نرجس ينا
…
دي بلفظ كلفظتك
أنا شبه لمن هوي
…
ت فخذني لبغيتك
فجنيناك ناضراً
…
وبعثنا إليك بك
508 -
لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ
في (مفاتيح الغيب) للرازي: (أتَدْعون بعلاً، وتذَرون أحسن الخالقين) كان الملقب بالرشيد الكاتب يقول: لو قيل أتدعون بعلاً، وتدعون أحسن الخالقين، أوهم أنه أحسن لأنه كان قد تحصل فيه رعاية معنى التحسين. وجوابه أن فصاحة القرآن ليست لأجل رعاية هذه التكاليف بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ
حينما تهجعين يا ملاكي.
. .
(نجوى حنين عاودتني بين دخان الغضب والملال!)
للأستاذ محمود حسن إسماعيل
حينما تَهجعين في مهدكِ الطا
…
هر والسحر متعَب في جفوِنكْ
حينما تُسلِمِينَ قَلبكِ للأحلا
…
م والفجرُ ذاهلٌ في سُكونك
حينما تَطَرحين شَعركِ في الدِّيباج
…
لحناً مبعثراً من شجونك
حينما تُغمضين عينيك للنَّوْ
…
م على جذوةٍ ذكَتْ من حَنينك
حينما يُصبِحُ المِهادُ خميلاً
…
في رُبَى الخُلد زهرُه في يمينك
حينما يُسبلُ الإله على وجهك
…
ستراً يصُون طهر جبينك
حينما تَسجدُ الملائكُ حوْليك
…
حياءً وهيْبةً من فُتونك
حينما تَسْهَرُ الغيوب لترعَى
…
صلوات النجوم حوْل عيونك
حينما تَنفضين عنكِ أَسى الدنيا
…
وتَنسْين نارها في أنينِك
حينما تُصبحين شَبَّابَةَ الفجر
…
وعمري يَطوفُ حول رنينك
حينما تَسبحينَ في كَوْنك العا
…
ليِ وروُحيِ مُعلَّق بسفيِنك
حينما يا نَبيَّة الحُبِّ تُغْفين
…
وأغدوِ عبادةً في يَقيِنك
لو تَسمَّعتِ خافِقي في دُجَى الليل
…
وشكوى جراحه في سكونك
لرأيتِ الغداة طيْراً شَقيَّاً
…
أقصتِ الريح عشَّه عن غصونك
شاردٌ في ربُاكِ لا جادَهُ الظلُّ
…
ولا جُرحُه ارتوى من معينك
(القاهرة)
محمود حسن إسماعيل
أنا.
. .
للأستاذ فؤاد بليبل
أنا مَنْ أنا؟. . . يا للَتْعا
…
سةِ منْ أنا؟ شَبَحُ الشقاءُ!
بَلْ زَهرةٌ فواَّحةٌ
…
عَبَثَتْ بِها أيْدِي القَضاءُ
عِنْدَ الصبَّاح تَفَتَّحَتْ
…
وَذَوَتْ وَلَمْ يَأتِ الْمساء
وَطَغَى الْفناءُ على الشَبا
…
بِ فَغَالَهُ قَبْل الْفناء
بِاْلأمْسِ كانَتّ مَلَعَب أل
…
عصفُورِ في ذاك العَراءُ
يِشفي الْعليلَ أريجُها
…
وبَهاؤها يُحْيي الرَّجاءُ
بَسَّامَةٌ لَمْ تدْر ما
…
مَعْنَى السآمةِ والْعنَاء
وَاليَوْمَ بَاتَتْ يا لتَعْـ
…
س نصيبها! هَدَف الْبَلاء
قد حَوَّلُوا عنها الغَد
…
يرَ فلا خريرَ ولا رِواءُ
فَذَوَتْ عَلى أكمامِها
…
عَطشاً وَبَعْثَرها الْهَوَاءُ
(دار الأهرام)
فؤاد بليل
النهر المتجمد
للأستاذ ميخائيل نعيمة
يا نهر هل نضبَتْ ميا
…
هك فانقطتَ عن الخريرْ؟
أم قد هرمتَ وخار عز
…
مك فاثنيت عن المسير؟
بالأمس كنت مرنحاً
…
بين الحدائق والزهور
تتلو على الدنيا وما
…
فيها أحاديث الدهور
بالأمس كنت تسير لا
…
تخشى الموانع في الطريق
واليوم قد هبطت علي
…
ك سكينة اللحد العميق
بالأمس كنت إذا أتي
…
تك باكياً سلَّيتني
واليوم صرتَ إذا أتي
…
تك ضاحكاً أبكيتني
بالأمس كنتَ إذا سمع
…
ت تنهدي وتوجعي
تبكي، وها أبكي أنا
…
وحدي ولا تبكي معي
ما هذه الأكفان؟ أم
…
هذي قيود من جليد
قد كبْلتك وذّللتك
…
بها يد البرد الشديد؟
ها حولك الصفصاف لا
…
ورق عليه ولا جمال
يجثو كئيباً كلما مرّت
…
بِهِ رِيحُ الشَّماَلْ
والحورُ يندب فوق رأ
…
سك ناثراً أغصانه
لا يسرح الحسّون فيه
…
مُرَدّداً ألحانه
تأتيه أسراب من الغر
…
بان تنعق في الفضا
فكأنه ترثى شباباً من
…
حياتك قد مضى
وكأنها بنعيها عند الص
…
باح وفي المساء
جوف يشيّع جسمك الصا
…
في إلى دار البقاء
لكن سينصرف الشتا
…
وتعود أيام الربيعْ
فتفك جسمك من عقا
…
ل مكّنته يد الصقيع
وتكرّ موجتك النقيّ
…
ة حرّة نحو البحارْ
حُبلى بأسرار الدجى
…
سكرى بأنوار النهار
وتعود تبسم إذ يلا
…
طف وجهك الصافي النسيمْ
وتعود تسبح في ميا
…
هك أنجم الليل البَهيم
والبدر يبسط من سما
…
هـ عليك سترا من لجينْ
والشمس تستر بالأزاهر
…
منكبيك العاريَيْن
والحور ينسى ما اعتراه
…
من المصائب والمِحنْ
ويعود يشمخ أنفه
…
ويميس مخضرّ الفَنَنْ
وتعود للصفصاف بع
…
د الشيب أيام الشبابْ
فيغرّد الحسون فوق غصونه
…
بدل الغراب
قد كان لي يا نهر قل
…
ب ضاحك مثل المروجْ
حرٌّ كقلبك فيه أه
…
واء وآمال تموج
قد كان يضحى غير ما
…
يمسي ولا يشكو المللْ
واليومَ قد جمدت كوج
…
هك فيه أمواج الأمل
فتساوتِ الأيام فيه
…
صباحها ومساؤها
وتوازنت فيه الحياة
…
نعيمها وشقاؤها
سيّان فيه غدا الربيع
…
مع الخريف أو الشتاءُ
سيان نوح البائسي
…
نِ وضحك أبناء الصفا
نَبَذَتهُ ضوضاء الحيا
…
ة فمال عنها وانفرَد
وغدا جماداً لا يحنّ
…
ولا يميل إلى أحد
وغدا غريباً بين قو
…
مٍ كان قبلاً منهمُ
وغدوتُ بين الناس لغ
…
زاً فيه لغز مُبهم
يا نهر، ذا قلبي، أرا
…
هـ كما أراك مكبّلا
والفرق أنك سوف تن
…
شط من عقالك، وهو لا
ميخائيل نعيمة
ابنتي كوثر
للأديب محمود إلهامي
أشهى إلى نفسي وأرضى لها
…
إذا تمنت غالياً كوثر
صغيرة لم يسر في طبعها
…
لؤم ولم يعلق بها منكر
فتانة الدَّل إذا ضوحكت
…
خِلت المنى من ثغرها تنثر
نبع من الإشفاق يروي صدى
…
نفس بأنواع الأسى تزخر
وطائر في السمع تغريده
…
لا العود يشأوه ولا المزهر
يشدو فيشدو القلب في إثره
…
ألحان صفو طيبها يسحر
إن كان لي في العمر من فرحة
…
فهي لعمري الفرح الأكبر
كل أمانيها وأحلامها
…
عطف إذا داعبتها يغمر
والمال، أغلى المال في زعمها
…
من دمُية تلهو بها، أحقر
يا ويح من يشقى به إنه
…
بكل خزي سافر يعبر
يحنو عليها وهي في لهوها
…
قلب بزخَّار الأسى يقطر
يخشى عليها بعض ما راعه
…
من قسوة الدهر وما يستر
والدهر لا يرحم أبناءه
…
يا ويل من في صخره يعثر
كم هدَّ من ركن أشم الذرى
…
وراح من أُسد الشرى يسخر
يا زينة الدار ولآلائها
…
وجنة يجري بها الكوثر
إني لأرجو أن تكوني غداً
…
مبينة يزهو بك المنبر
وثابة للمجد لا تنثني
…
لا تعرف الختل ولا تغدر
من اللواتي عند ذكر الحجى
…
والرأي فالوادي بها يفخر
محمود إلهامي
رسالة الفن
دراسات في الفن
خمسة أيام طاهرة
بين الفن والإسكندرية
للأستاذ عزيز أحمد فهمي
ليتني ما جئت القاهرة. بل أحمد الله لأني جئت. وأستغفرك اللهم إذ تمنيت غير ما كان من إرادتك. فقد رأيت القاهرة لوثتني ونسيت أنها علمتني، وقد حننت إلى الإسكندرية التي دللتني ونسيت أنها خلبتني. وهأنذا أعيش في القاهرة راضياً، وهاأنت ذا يا رحمن تأذن لنا أن نجتمع بين يديك يوماً أو أياماً كلما شئت فلا تحرمني من الإسكندرية يا رب كما يسرتها لأستاذي أحمد الشايب
يا رب!
عجيبة الإسكندرية! ولست أدري إذا كنت أحبها لأنها بلدي، أو أني لأحبها لأنها الإسكندرية. ولكني أشعر وأومن بأنها أقرب إليك. . .
وشتان ما بينها وبين القاهرة.
عندما يريد أهل الإسكندرية أن يسبوا واحداً منهم أو من غيرهم يعيرونه بأنه (صايع) وهو عندهم من لا يعمل عملاً شريفاً يأكل منه
وعندما يريد أهل القاهرة أن يمدحوا واحداً منهم أو من غيرهم ويعظموه، يصفونه بأنه (وجيه) وينعمون عليه برتبة (البيكوية) من عندهم. والوجيه في القاهرة هو من لا يعمل عملاً مطلقاً ويأكل ويشرب من حيث يعلم الله، و (البيك) فيها هو هذا الوجيه نفسه، أو ذاك الموظف في الحكومة الذي ينفق في الخلاعة مرتبه وزيادة تأتيه من حيث يعلم الله
وأهل الإسكندرية لا يصفون إنساناً بأنه (صايع) ويعدلون بهذا الوصف عن الحق إلا إذا تهاجموا، وفي التهاجي عداوة، والعداوة نكد، والنكد ضرر، فالعدول عن الحق في الإسكندرية ضرر فيه شر
وأهل القاهرة قد يصدقون حين يصفون إنساناً بأنه (وجيه أو بيك)، ولكنهم غالباً ما يصفون
بهذين الوصفين أناساً ليسوا أهلاً لهما فيعدلون بذلك عن الحق، ويصيبهم من هذا رضاء موصوفيهم، وعندما يرضى الإنسان يجود على الذي أرضاه ووصفه بغير الحق، فالعدول عن الحق في القاهرة نفع فيه خير
والذي يتجول في أحياء الإسكندرية لا في القاهرة المصطافة المتهتكة عند الشاطئ، لا يفتأ يسمع كلمة (صايع) تُردد مع خطاه. فالخلاف على الرزق في الإسكندرية كثير بحكم أنها بلد صيد وبيع وشراء وكفاح، ولكن هذا الخلاف صريح مكشوف لأنه نما وترعرع مع الأجيال، والخلاف لا يمكن أن ينمو وأن يتضخم وأن يظل مع نموه وتضخمه مكتوماً مستوراً، فإذا انكشف لم يكن غير معركة، والناس لا يستطيعون أن يتعاركوا ليلاً ونهاراً، فهم يعدلون عن العراك أحياناً إلى السب والتعبير، فإذا كثر سبهم بوصف من الأوصاف، كان ذلك دليلاً على أن هذا الوصف هو أبلغ السب عندهم، وأبلغ السب يكون بنعت المشتوم بأقبح النعوت في رأي الجمهور وأكره ما يكرهون، (فالصياعة) أذاً هي أكره ما يكره أهل الإسكندرية وضدها هو أحب ما يحبونه، وهو أن يكون الإنسان عاملاً
والعمل في الإسكندرية بطولة. لأن الناس محتاجون إليه فهم يقظون، عيونهم مفتحة، متصارعون عليه في لهفة واستماتة وإجادة، فإنه إذا لم يكن العامل قوياً خر في الميدان. وهذه البطولة لها قيود كان لا بد منها لأمان المجتمع، فإنها لو تحررت يسعى إليها كل إنسان بطريقته هو فاستباح بعض الناس الحرام، وأكلوا جهود غيرهم. وكل مجتمع تكونه الطبيعة يصنع قوانينه وقيوده بنفسه لأنها من أسباب حياته، ويحرص كل الحرص على صيانتها، ويثور كل الثورة على من يهم بخدشها. وقيود البطولة في الإسكندرية هي القوة الصريحة في العمل الجد.
فإذا انحدرنا إلى القاهرة سمعنا رتبة (البيك)، والوصف بالوجاهة ينعم بهما على كل من هب ودب حتى نحن. ومعنى هذا أن أهل القاهرة جميعاً يحبون أن يكونوا (بكوات) ووجهاء هكذا ويأكلون ويشربون من حيث يعلم الله ولا يعلم الناس.
وهم في هذا كما يكره أهل الإسكندرية أن يكون الواحد منهم هكذا
وهذه حال تستلزم أن نتنزع لها من الطبيعة قوانين تصونها، كما أنها تستلزم أن يكافح الجموع من أجلها، وأن يقاوم الخارج عليها الذي يهم بخدشها، والقانون الذي تلتزمه
الطبيعة في هذه الحال هو قانون (الستر) ما دام الناس لا يريدون أن يعلم غير الله من أين يأكلون ويشربون. و (الستر)، و (التستر)، و (الستائر) جميعاً تخفي وراءها ما لا يعلمه أيضاً إلا الله. وقد يعلم الناس منه الكذب والغش.
وأهل القاهرة يسترون هذا التلوث الخلقي لأنهم يسترون كل شيء، حتى أنفسهم يسترونها عن عيونهم.
فالكذب إذا حدث في الإسكندرية حاربه أهلها، وإذا كان في القاهرة حاباه أهلها. وهكذا يسري الكذب في القاهرة حتى يتغلغل في حياتها إلى أن يركب الفن. . . الفن العطية من الله. إذا ادعاها في الإسكندرية مدع قتلته الإسكندرية، فإذا ادعاها في القاهرة مدع سترته القاهرة
وقد يصبر أهل الإسكندرية على مدع في غير الفن، ولكن هذا الذي يتلف عليهم الوقت الذي يطلبون فيه متعتهم الروحية التي يشترونها بدمائهم ويكدحون طول النهار لها، هذا المدعي يضربه أهل الإسكندرية ضرباً بالأيدي وبالأرجل وبالكراسي وبالزجاجات الفارغة وهم يصيحون:(هاتوا فلوسنا)!
ومع هذا العنف في طلب الحق فإن في أهل الإسكندرية عيباً عجيباً هو أنهم يلينون لكل ما يجيء من القاهرة سواء أكان فناً أم غير فن، لا يفتحون عيونهم عليه، ولا يحاولون التفرس فيه وانتقاده، لا لشيء إلا أنه من العاصمة وأنهم لا يظنون بالعاصمة إلا خيراً، فلا يمكن أن يتصوروها أقل منهم فراسة وصدق نظر! وإلا فلماذا كانت القاهرة العاصمة؟ ليس من شك في أن الله جزى القاهرة ستراً بستر، إذ خيل لأهل الإسكندرية أنها ما استحقت أن تكون العاصمة إلا لأنها جديرة بأن تكونها. . ولولا هذه العقيدة لزحفت الإسكندرية على القاهرة. . .
صحيح! هذا هو إحساس الإسكندرية وتفكيرها، فهذه الثقة المتعامية بالقاهرة هي وحدها التي تروج بضائعها في الإسكندرية ومنها الفن. فإن لم يكن هذا فكيف ذاق سيد درويش الويل في الإسكندرية حتى اعترفت به، وكيف هللت الإسكندرية وكبرت للأستاذ عبد اللطيف ألبنا عندما استجلبه لها متعهدو الحفلات من القاهرة؟. . . القاهرة العاصمة!
والفن عند أهل الإسكندرية قد يسرع إلى أن يكون حرفة لأنه موهبة، والمواهب عند
العاملين رأس مال. ولا يمكن أن يحترف الفن في الإسكندرية إلا الفنان الصادق، ومتى ظهر صدقه في فنه وتمكنه منه، أقبل عليه الناس وشجعوه، ولكن إلى أن يظهر هذا الصدق، ويجوز رضاء أهل الإسكندرية، ثم يكون له بعد ذلك تعصبهم البلدي يذوق فنان الإسكندرية الأمرين من نقدهم القاسي الصريح الذي لا يمكن التغلب عليه إلا بعزم من فولاذ، وأكثر الناس تعرضاً لهذا النقد وهذا التهشيم هم أصحاب الفنون الجميلة، التي لا يأكلها الناس ولا يشربونها، فإذا لم تكن فنونهم إلهاماً من الله يهبط على الجمهور من خلال أرواحهم، فإن كل ما فيه من صنعة يتعرض للنقد، والصنعة ينفسح المجال في نقدها للعالمين والجاهلين، ما دام الأمر في النقد راجعاً إلى المنطق والحجج والبراهين والكلام، وما دام الأمر في هذا كله راجعاً إلى وجهات النظر الفردية. . . على العكس من إلهام الله وهو الحق الذي لا مراء فيه. والفن الملهم هو باعث الحق في الحس، والناس إذا أحسوا الحق لم ينكروه إلا كما ينكر المحروق شيّ النار.
ومع أن الفن الملهم هذا قد يسرع إلى أن يكون حرفة في الإسكندرية لإسراع الناس فيها إلى العمل والإنتاج بحكم الحاجة، فإنه لم يكن إلى اليوم فيها تجارة مثلما أصبح في القاهرة على أيدي إخواننا السوريين الذين تأصلت فيهم طبيعة التجارة منذ كان أجدادهم الفينيقيون يحملون لواءها في العالم القديم ووجدوا في القاهرة المتسترة ميدانهم. . . فأهل الإسكندرية صيادون يبيعون ما يجود الله به عليهم من سمك أو فن، ولكنهم لا يستطيعون تلفيق السمك ولا يستطيعون تلفيق الفن، كما أنهم لا يعرفون الإعلان عما عندهم إلا بعرضه، كما أنهم لا يوقتون مواسمه ولا ينظمونه، فالطبيعة هي التي توقته لهم وتنوعه، فأيام الصفاء لها سمك ولها فن، وأيام النوء لها سمك آخر ولها فن آخر. وما أكثر تقلبات البحر الذي يجود بالسمك! وما أكثر تقلبات الحياة التي تجود بالفن! وما أكثر تلون الصروف التي تجود بما بين السمك والفن. . .
أما القاهرة فكان من نتائج الاتجار بالفن فيها أن أصبح له أسواق منها شارع عماد الدين، كما أن للخردوات فيها أسواقاً منها شارع الموسكي. والأسواقيتسلل إليها السماسرة، ومتى دخل السماسرة دخل الزيف والبهرج اللذان لا صلة لهما بالفن وإن كانت لهما صلة بما هو دونه
هذا هو ما يختص بظهور الفن في كل من الإسكندرية والقاهرة. . . فما هي طبيعة فن الإسكندرية، وما هي طبيعة فن القاهرة؟
طبع الفن في الإسكندرية يشبه طبعها، وطبع الفن في القاهرة يشبه طبعها، وأصدق الفن في الإسكندرية ما كان صدقاً، وأصدق الفن في القاهرة ما كان غشاً وكذباً!
الإسكندرية تعاشر البحر في كنف الصحراء. . . وكل منهما مكشوف. وفيها منهما. والقاهرة يحتضنها جبل أغبر ليته ما كان فانطلقت صحراوية خالصة، وانكشف عنها هذا الرجم الثقيل الجاثم على صدرها وعينيها. . . فربما كانت تسمع وترى وتعي!. . .
لقد طبع البحر الإسكندرية وأهلها وفنها. فالأدب فيها نقد عنيف قاس يشبه أن يكون إعصار، فإذا رق فهو إخلاص البحر واستسلامه على جبروته وعظمته، والموسيقى فيها صفاء وصدق ما هدأت أو ثارت. والرسم فيها هو هذه الصور التي تعرض البحر وطيره وسمكه، والصيد ومراكبه ورجاله، وهي التي نرى فيها من نشاط الإسكندرية وتوثبها ما يميزها من غيرها. . .
وفن الإسكندرية فيه من روح أوربا أنقاها لا البراق الباطل منها، وذلك لاختلاط المصريين فيها بالأجانب اختلاطاً لا يشبه اختلاطهم بهم في القاهرة، فالأجانب في القاهرة يكادون يعيشون في أحياء خاصة، فيها بيوتهم ومتاجرهم وملاهيهم، أما في الإسكندرية فهم منبثون في أنحائها جميعاً يتخللون الوطنيين، ويعاشرونهم كأنهم منهم، وقد لا يشعر الأجنبي في الإسكندرية بالغربة، كما أن الوطني لا يشعر فيها بغرابة الأجنبي، وهذا راجع إلى أن الإسكندرية تصبغ سكانها جميعاً بصبغتها، وأنها تعدهم جميعاً لنوع واحد من الحياة يتعاون فيه سكانها. وقد يعجب القارئ إذا قلت له إني سمعت روميا يلعن روميا آخر ويلعن الباخرة التي قذفت به في بر مصر، وهذا لا يمكن أن يصدر إلا من وطني يغار على بلده ولا يريد أن ينهال عليها إلا من هو جدير بالحياة فيها، ولا يحابي في هذا من كان من وطنه الأول أو من كان من أهل البلاد نفسها. والأجانب في الإسكندرية كثيرون، وهم كما يعطونها أرواحهم يعطونها تفكيرهم، وإحساسهم، فيأخذ عنهم الوطنيون ألواناً من أساليب العرض الفني، كما يتعلمون منهم أشياء رقت بهم على المصريين وجودت فنونهم
هذا هو فن الإسكندرية
وأما فن القاهرة فأستره إرضاء للقاهرة.
عزيز أحمد فهمي
رسالة العلم
فَلْنَسْتَمر
خواطر الحرب - صوت العلم بين صليل السيوف ودوي المدافع - إستكناه الذرة وقضية الإلكترونات - جحافل العلم في ميدان التجارب - قصة مليكان - إذا عمت السكينة.
للدكتور محمد محمود غالي
كنا نتابع قصة الخليقة ونذكر عمل الإنسان، ونستعرض الخطوات الكبرى التي تمت في السنوات الخمسين الأخيرة، وبدأنا هذا العمل في يناير الماضي بدء العام السابع للرسالة، وما نعد أنفسنا إلا في منتصف الطريق، مهمتنا أن نعرض على القارئ صوراً من المراحل المختلفة التي بلغتها العلوم، تلك المراحل التي فتحت مجال الذهن وفتقت حواشيه وحولت التفاتاته إلى الناحية التي جعلت من الإنسان على مرَّ الأيام أنموذجاً أرقى ومثالاً أكمل. وقد تابع مقالاتنا هذه عدد غفير من القراء ما زالت تردنا رسائلهم من كل صوب.
وبينما نحن نتابع عملنا إذا بالعالم يُفاجأ بما يُغير مسرى الحياة الفكرية فيه، ويحولها من طريقها إلى آخر تكتنفه الآلام والمصائب، فمن اطمئنان وسلام، إلى حرب واصطدام، أكثر ما يُروَّعني فيهما أن يُقْضى خلالهما على الملايين من الأبرياء، وأن تهدم أسس الحضارة وتُدكَّ صروح المدنية، ولكن هذا التغيير في حالة العالم لم يك ليُقْعدني عن مهمتي في الكتابة ويصدني عن غرضي في التأليف؛ فإن النفوس الواجمة من شبح حرب مروعة، والأفكار المضطربة من صراع عنيف في حاجة من وقت إلى آخر أن نرفه عنها، ونعمد إلى تهدئتها ونبث روح السكينة فيها. لذلك أخذت على عاتقي أن أستمر في مهمتي العلمية حتى أساهم في الساعات التي أعطيها كل أسبوع لقراء الرسالة في دفع كابوس الحرب الجاثم على العالم في هذه الآونة.
لعل القارئ يشعر معنا أن نغمات حزينة تتجاوب أصداؤها الآن في آذان العالم نرى لزاماً علينا إبعاد الأذهان عنها، وأن فكرة تحمل في طياتها الدمار والخراب وتغيير معالم الحضارة والعمران تسري الآن سريان النار في الهشيم، نرى لزاماً علينا أن ندفعها بكل عناية وأن نحطمها بكل قوة
إن الظلام حالك مدلهم، والنجوم تنشر في الفضاء وتملأ، والمشتري والمريخ يطلان علينا
من علياء السماء، وكأن ما بهما من مخلوقات فرضية تشاهد مأساة الإنسان التي بدأت تعرض دورها في ثالث الكواكب فتعجب لها ولا تقف على الغرض منها. ألا بئس الطمع وشر ما يجلب! الآن بعض شروط من معاهدة وضعها نفر من الساسة منذ عشرين عاماً ولا يريد هذا النفر تغييرها، ولأن هذه لا تروق لبعض الزعماء تقع شعوب الأرض في حرب ضروس؟ الآن لقطر أشباراً من الأرض في قطر آخر تمتشق الأمم الحسام وتأبى التفاهم ويحمل الطيارون وسائل التهلكة وتتخيَّر الناس حد الظبى فاصل إشكالها، ونُساق إلى حيث لا نعرف المصير؟
ولو أنه يتأتى من هذا أنه يصبح في العالم خلف خيرا من السلف، لو أننا مسوقون حقاً إلى هدف أسمى يستجلي منه الإنسان عهداً أرقى في الحضارة وأبقى في العدالة وأعظم في التقدم، عهداً لم يعهده من قبل - لوجدنا أن الخير كل الخير في حمل السلاح وطرح الراحة، ولطاب لكل إنسان أن ينقلب مجاهداً بين المجاهدين. أما والبشر يتقاتلون لغير غاية مفهومة، أو مأرب معقول، فكل ما نتمناه أن تنحصر الكارثة وألا تطول هذه المحنة، وأن يتغلب حكم العقل على الهوى ويعود السلام فيرفرف على الربوع والأمصار من جديد، ونرى العلماء يتفرغون لاكتشافاتهم العلمية المجيدة ومباحثهم اللانهائية وتصبح المختبرات مخابر سلم ووسيلة للتعمير لا للتخريب
هذا السلام لبني الإنسان طُرّا، للفقير قبل الغني، للضعيف قبل القوي، هو أمنيتنا وله نعمل من قلوبنا، وهانحن أولاء نرقب عودة عهد هدوء العالم ورفاهيته ونتم للقراء قصة العلوم ففيها القسم الإيجابي من حظ البشر، أما القسم السلبي الذي يشغل الآن رجال الحرب ويندفع إليه فريق من بني الإنسان فهو ما سيأسف له العقلاء في النهاية
وبراً بما وعدنا نعود الآن إلى الكتابة في الموضوعات التي سرنا فيها شوطاً فليس أحب إلى نفوسنا من المضي في سرد قصص العلم والعلماء وفي تبسيط أهم ما وصل إليه الإنسان المفكر من اكتشاف واختراع، ذلك لأن أسعد الساعات عندنا هي تلك التي نسطر فيها مفاخر الإنسان العاقل الدارس، وأعمال الرجل الكاشف العالم: فهيا بالقارئ خطوة أخرى إلى الأمام نزيده فيها كلمة يخلق بنا أن ندعوها باسم العالم الذي هو بطلها فندعوها قصة (مليكان)
تكلمنا في مقالنا السابق عن الإلكترون أصغر جزئ في الكهرباء أو وحدة الكهرباء السالبة وزميله البوزيتون الوحدة الموجبة، وهما الشقيقان اللذان يلعبان دوراً هاماً في معارفنا الكهربائية بل يتصلان اتصالاً وثيقاً بمعرفتنا عن المادة وكل ما هو كائن، فالإلكترون هذا المهاجر الحائر، نعرفه في المادة على أشكالها الثلاثة الغازية والسائلة والصلبة، فذرة غاز الهيدروجين وهو أخف ما نعرفه من العناصر تحوي نواة وسطى كالشمس يدور حولها إلكترون واحد وتتميز به عن سائر العناصر وذرة الماء مكونة من ذرتين من الهيدروجين السابق الذكر وذرة واحدة من غاز الأكسيجين، وهذه الذرة الأخيرة مكونة من نواة وسطى يدور حولها ثمانية إلكترونات وذرة الأيرانيوم أثقل العناصر ذلك العنصر الصلب المشع الذي كان حجر الزاوية في اكتشاف عنصر الراديوم العجيب تتركب من عدة شموس يدور حول كل منها عدد معين من الإلكترونات، ويبلغ مجموع إلكترونات هذه الذرة اثنين وتسعين إلكترونا أي أكثر من ضعف ما يدور حول شمسنا من كواكب وأقمار، فهي مهما بلغت من الصغر عالم يتعين بعدد من الشموس وعدد من السيارات التي تجري في أفلاكها وتشبه عالمنا الشمسي، وما اختلاف العناصر إلا في اختلاف عدد الإلكترونات التي تدور حول شموسها، واختلاف المسافات التي تبتعد بها هذه الإلكترونات عن الشموس، بحيث يعد هدم النواة الوسطى، وطرد بعض الإلكترونات المحيطة بها تحولاً في المادة وانتقالاً من عنصر إلى عنصر آخر يتعين بالعدد الجديد من هذه الإلكترونات السابحة، وهذا ما استطاعه العلماء أخيراً يتقدمهم (رذر فورد) المتوفى منذ عامين في إنجلترا، والدوق موريس دي بروي في فرنسا، وبرايش في ألمانيا، والعالم الشاب فرمي في إيطاليا. . . وهو ما سنتبسط فيه عندما نتكلم عن التَّفتت الذري تحت تأثير الإشعاع.
وإذا كان هذا الإلكترون أصغر ما نعرفه من مادة لها وجود مادي، فهو أصغر ما نعرفه مما له وجود كهربائي، فهو المكون الأول للكهرباء، بل وجميع الإلكترونات هي التي تُحدث كل الظواهر الكهربائية التي أهم ما يعرفه الشخص غير المشتغل بهذه العلوم ظواهر الإلكترونات المهاجرة التي قدمنا أنها تكون الأساس في فن الراديو بل الأساس في كل الكهرباء اللاسلكية منها، والسلكية، والتي يهاجر منها عند المخاطبات التلفونية أو الإذاعة اللاسلكية ملايين الملايين في كل واحد على عشرة آلاف من الثانية. عندما تشتري من
التاجر بضعة أمتار من السلك لتوصيل جرس كهربائي في مكتبك، فإنك تشتري طريقاً صالحاً لهجرة بلايين البلايين من الموجودات الصغيرة التي أطلقنا عليها إلكترونات، وهي التي شغل العالم مليكان بدراسة أحدها والتي تسري في السلك من طرف إلى طرف. وعندما تشتري من التاجر ذاته صماماً - أي مصباحاً للراديو - من هذه المصابيح الخاصة التي منها الثلاثي الأقطاب (تريود) أو خماسي الأقطاب بنتود والتي تتفنن الصناعة الحديثة في تقديمها إليك بدل مصباح تالف، فإنك تشتري في الواقع مكاناً صالحاً لإحداث هذه الإلكترونات التي تهاجر بين الكاثود القطب السالب والأنود القطب الموجب بعدد لا يمكن أن يتصوره العقل.
ترى كيف يمكن العثور على جُسيم مادي يعلق به أحد هذه الموجودات الدقيقة التي تعد أصغر ما نعرفه من الكون؟ كيف يتسنى لنا أن نستوثق من ذلك؟ بل كيف يتسنى لنا أن نرفع ونخفض الجسيم الحامل لأحد هذه الإلكترونات وفق إرادتنا؟ وكيف نعلم علم اليقين أنه حامل إلكتروناً طليقاً كما نعلم أن سيارة تنساب في الشارع بسرعة عظيمة تحمل السائق ولا تحمل غيره من الركاب؟
لقد أمكن للأستاذ الكبير مليكان أن يقوم بتجارب دقيقة حصل فيها على إلكترون حر واحد، وتيقن فريق العلماء معه أن هذا الذي حصل عليه مليكان في تجاربه هو إلكترون حر واحد. وسأشرح للقراء تجربة مليكان وهي مهمة أحاول تبسيطها للقارئ رغم صعوبتها. وأمامي الآن المذكرات العديدة التي نشرها الأستاذ مليكان، وأهمها نشرته التي قدمها لمؤتمر عقد في وينبج في أغسطس سنة 1909 أي منذ ثلاثين عاماً، والمذكرة الإضافية التي ظهرت خلاصتها في المجلة الطبيعية ديسمبر من نفس السنة، ثم نشرته التي ظهرت في السنة التي تليها في الجريدة الفلسفية كذلك أمامي كتابه (الإلكترون) ' ولقد طالعنا هذه المذكرات في سنة 1928 عندما أتيحت لنا فرصة الاشتغال بالأبحاث الطبيعية في معامل البحث بالسوربون بباريس، وهأنذا أعيد مطالعتها كما أعيد مراجعة الكتاب المتقدم لنستطيع أن نحدث قراء (الرسالة) عن علم، بوصف تجارب مليكان الخالدة، تلك التجارب التي مهدت لها أعمال كثير من الباحثين أمثال تونسند وولسون وهم من أعلام مختبر كافاندش الشهير الذي يكون جزءاً من جامعة كامبردج المعروفة
وغني عن البيان أننا سوف لا ننقل للقارئ خلاصة هذه النشرات العديدة التي برزت في تاريخ المعارف والتي عدها الكثير من العارفين خطوة موفقة من أكبر مفاخر العلم الحديث، فليس المجال هنا أن نلخص مسائل علمية يعد الدخول في تفاصيلها من الموضوعات الفنية التي لا تروق غير المختصين، وإنما غايتنا أن نعرض على القارئ صورة سهلة واضحة هي تلك التي تبقى في الذهن بعد طول المطالعة وتمثل حقيقة هذه الأسطورة التي تعد من أعظم ما نعرفه في العلم التجريبي وتوضح هذه التجربة التي حاولنا إعادتها في يوم لا زال عهدنا به قريباً.
وموعدي إذن مع القارئ الأسبوع القادم إذ احتاج إلى سبعة أيام لمراجعة أعمال هي عندي نتاج الإنسان الراقي لا عمل الإنسان المتوحش. ولَشدَّ ما يغلب على النفس نوع من الاطمئنان عندما تسوقنا الكتب إلى أعمال هؤلاء الأعلام، وثمة فارق كبير بين ما نستشعره في أعماقنا حيال مجهوداتهم وبين ما نلحظه في مجهودات هؤلاء المقاتلين، مهما كان السبب الذي يناضلون من أجله. ما أكثر تعاقب الحوادث هذه الأيام كل أسبوع تدخل فيه أمة في الحرب، ويخيل إليّ أن سبعة أيام لمطالعة (مليكان) فترة طويلة في هذا الزمن الكثير المفاجآت، فإذا لم يقفنا عن عملنا ظرف مفاجئ؛ وإذا ظل السلام مخيماً على ربوع مصر والبلاد الشرقية ناشراً لواءه على ذلك المسكن الواقع في هذه الجزيرة الهادئة بين النيلين، وإذا ظل النيل السعيد بهذا البهاء أرصده من هذا المكان، وظلت الدور هادئة كعهدنا بها، وظلت السعادة ترفرف على الربوع ودامت لنا رؤية أطفالنا هانئين مرحين، ولم تلجئنا الظروف إلى أن نبعث بهم إلى الريف البعيد - فإني مُعط أوقات فراغي هذا الأسبوع لقارئ الرسالة، أحدثه في المرة القادمة عن مكنون هذه النشرات ودخائل هذه الكتب، وسر هذه الأسطورة العلمية، وبذلك ربما فزت بأن أجعله يعجب بهؤلاء العلماء إعجابي بهم ويشيد معي بذكرهم.
عندما نطالع العمل المضني الذي قام به هؤلاء الأعلام ونطالع بعد ذلك أخبار الفواجع التي تغمرنا بها الجرائد وتبعث بها إلينا محطات الإذاعة المختلفة أشعر براحة في الأولى وامتعاض في الثانية
فإلى العلوم هذه الأيام العصيبة نقص لك منها أحب سيرها ليزيد إيماننا وإيمانك بمستقبل
الإنسانية ومبادئ السلام والعدل. وعسى ألا تُفرَّقنا الأيام، فأظل أشتغل، وأظل أكتب إليك؟
محمد محمود غالي
دكتوراه الدولة في العلوم الطبيعية من السوربون
ليسانس العلوم التعليمية. ليسانس العلوم الحرة. دبلوم
المهندسخانة
-
من هنا ومن هناك
حلم ألمانيا
(عن (هاربرز مجازين))
قال هتلر في بعض أحاديثه: (إن ضربتي العاجلة ستكون كالنور ينتشر في الظلام). وقال جورنج وهو بصدد المفاخرة بالطيران الألماني في أزمة سبتمبر المنصرم: (أنتم معشر الألمان تعرفون أن قوة الطيران الألماني التي لا تقهر أبداً كانت على أتم استعداد، وكلمة واحدة كانت كافية لإشعال مارج من النيران تبتلع خصومنا، وما هي إلا ضربة عاجلة، ولكنها ضربة قاضية لا تبقي منهم باقية)!
ولا شك أن ألمانيا وضعت آمالاً كبيرة في طيرانها، واغترت كثيراً بقوتها الحربية، وقد آذن ذلك الغرور أن يلعب دوراً محزناً في تاريخها، على يد الريخ.
فقد وضع النازي كل همهم في كسب حرب سريعة قاضية بواسطة الطيارات والمصفحات الحربية (تانكس) والغواصات
وهكذا يطلبون النصر المعجل في تلك الحرب السريعة. وتبدأ هذه الحرب - كما يؤملون - بهجوم جوي عنيف تشترك فيه جميع قوات الطيران الألماني والإيطالي والياباني - إذا تيسر - على مواطن البحرية البريطانية والفرنسية في مختلف الجهات، حتى يدمر ذلك السلاح الذي يعطي الدولتين البحريتين السلطة والنفوذ في العالم. وفي أثناء هذه الغارة الجوية تنتشر الغواصات الألمانية في كل مكان؛ ويعجل بالهجوم على المطارات البريطانية والفرنسية، ومراكز القوة، ومصانع الأسلحة، والمواطن الآهلة بالسكان. ويتبع ذلك الغزو عن طريق الجو، هجوم عنيف على الأراضي الفرنسية من الناحية البرية في كل موضع وكل مكان
ولكن هل من الممكن أن يدمر أسطول حربي عظيم بواسطة الطيارات؟ لقد برهنت التجارب العديدة على أن المدافع المضادة للطيارات تقوم بعملها في مطاردة الطيارات على أكمل وجه. وقد أرصدت إنجلترا خمسين طراداً حربياً للمساعدة في مكافحة الطيارات وليس لهذه الطرادات القوية عمل غير هذا العمل. على أن الأسطول البريطاني مجهز بقوة من سلاح الطيران معدة لحمايته في كل وقت. فهل من المعقول أن تغرق جميع السفن
البريطانية والفرنسية في غزوة فجائية تنقذ ألمانيا ومن يعاونها من ذلك الموقف الضعيف الذي يجرعها غصص اليأس؟
إن قوة البحرية الألمانية ضعيفة جداً بالنسبة للقوتين الإنجليزية والفرنسية. فإذا قامت بمثل هذه التجربة فسترى أنها كانت واهمة، وأن القوة البحرية ما زالت تلعب دورها التقليدي في الحروب، وأن مركزها البحري سينتهي إلى اليأس المحقق
لقد جربت تلك الغزوة الجوية في برشلونة في 16 مارس 1938 فقد استمرت قوة الطيران الإيطالية الرابطة في ماجوركه تلقى عليها وابلاً من القذائف ثلاثة أيام وثلاث ليال، وكانت طياراتها تحمل أثقل أنواع القذائف وتلقي بها على تلك المدينة التي يسكنها مليونان من الأنفس، فماذا كان تأثيرها؟ لقد قتل في تلك الغارة ثلاثمائة نفس، ولم تنقطع حركة العمل بالمدينة، بل لقد ظلت دور السينما مفتوحة الأبواب للرائد فحلم ألمانيا بحرب جوية سريعة حلم خلاب ولكنه بعيد عن التحقيق
النازي وطبيعة المرأة
(عن مجلة (تايدين) استوكهلم)
قبل أن يستولي النازي على زمام الأمور في ألمانيا كان زعماؤه القائمون بالأمر الآن، ونذكر منهم على سبيل المثال دكتور جوبلز يقولون:(إن المكان الوحيد للمرأة هو المنزل، فقد خلقتها الطبيعة وأعدتها لحمل الأطفال والعناية بزوجها وبيتها) وذكر (ألفرد روزنبرج) في الكتاب الذي أخرجه تحت عنوان: (خرافة القرن العشرين) حديثاً عن المرأة قال فيه: (إن نفوذ المرأة في الدولة يحمل في طياته أسباب سقوطها، وكما أن اليهود في أنحاء العالم يدعون إلى المساواة، ولا هم لهم في الحقيقة إلا جلب المنفعة لأنفسهم، فالمرأة التي تطالب بالحرية لا تطلب المساواة في الحقوق كما قد يتراءى، ولكنها تنشد الصعود على ذمة الرجل. وفي اجتماع للنازي عام 1934 قال هتلر نفسه في حديث موجه إلى النساء والفتيات من حزبه: (إن الرجل عالمه الدولة والكفاح؛ أما المرأة فعالمها بيتها وأسرتها وأطفالها)
إلا أن هذه الكلمات وما تبعها من الأعمال لم يكن المقصود بها طبيعة المرأة ووظيفتها في
الحياة كما قد يبدو، ولكنها كانت سياسة مرسومة لمحاربة البطالة، إذ ما كادت تنصرم تلك الأيام حتى تغيرت الفكرة من الناحيتين النظرية والعملية فلم نعد نسمع أو نقرأ في ألمانيا كلمة واحدة عن الأمومة وطبيعة المرأة
لقد كان النساء يفصلن من أعمالهن بالمئات في المدة من سنة 1931 - 1935 بغير رحمة ولا شفقة، والآن أصبحنا نراهن يسقن إلى تلك الأعمال بالطريقة نفسها. فالنظرية القائمة في ألمانيا الآن هي نظرية الحرب وحاجة الحرب، فسواء كانت طبيعة المرأة تدعوها إلى ملازمة المنزل أولاً، فإن النظام القائم يدعو النساء إلى أن يحللن محل الرجال في أعمالهم التي تخلو باستدعائهم إلى الأعمال الحربية، سواء أكانوا مطلوبين للخدمة العسكرية أو للعمل في زيادة السلاح تلك الزيادة التي
لا تقف عند حد
وفي ألمانيا الآن كثير من النساء يشتغلن بالأعمال الزراعية الشاقة، حيث يسقن إليها بطريق العنف والقوة تحت أحكام قانون العمال. ومما يدعو إلى العجب أن بعض هؤلاء النسوة كن يطردن من أعمالهن التي ينشدن فيها الرزق لحماية أنفسهن بدعوى الرأفة بهن في عهد هؤلاء الذين يسوقونهن إلى الأعمال المرهقة بغير تدبر ولا رحمة
كل هذا يحدث في ألمانيا باسم الحرب والتأهب لها، فالنساء والرجال في ألمانيا يباغتون بقسوة وشدة، فيفصلون من أعمالهم ووظائفهم التي تعودوها وأحرزوا فيها قصب السبق والنجاح، ليلحقوا ببعض الأعمال الخاصة بالتسلح والتأهب للحرب، ولا عبرةً بما يقال عن إرهاق المرأة وتحميلها ما لا تطيق.
ومما قالته جريدة (أنجريف) في يوليه سنة 1938، وهي لسان حال الدكتور جوبلز:(يجب أن تشتغل النساء الآن مع الرجال في أعمالهم. فجسم المرأة مطالب بان يؤدي للدولة العمل الذي يؤديه جسم الرجل). ولا فرق بين الرجل والمرأة في ألمانيا إلا في أن المرأة تتقاضى 40 % من الأجر الذي يتقاضاه الرجل.
الساعة الرهيبة في آسيا
(عن مقال بقلم (مدام شيانج كاي شك))
نحن نخسر كثيراً من المواقع الحربية - ولكننا ولا شك سنكسب الحرب. هذه كلمة قالها أحد ضباط الصين في العام المنصرم، وهي كما تبدو كلمة كثيرة التناقض، ولكننا نعيش اليوم في عالم عجيب، فالنصر اليوم لا يعني النجاح، والتقهقر لا يعني الهزيمة. وقد يكون اللاشيء معناه الكثرة، وكل شيء قد لا يدل على شيء فالكلمات تفقد معناها على مر السنين والأيام، حيث تدركها الشيخوخة.
ونحن في الصين بعد أن خسرنا عدة وقائع ما زلنا نحس الانتصار على مقربة منا كأننا لم نصادف في هذه الحرب غير النجاح
ولكن هل يبقى العالم معصوب العينين أمام الحالة التي تعانيها الصين منذ سنتين؟ هل ينتظر حتى يفنى أبطال الصين على بكرة أبيهم في ميدان الحروب ثم يفتح عينيه فإذا العالم كله على أبواب خطر جسيم؟ لقد أفنت الحرب ملايين من أبناء الصين ولم يفطن أحد إلى المثل السامية التي ذهبوا في سبيلها
فالحرب اليابانية كما هي اليوم ليست إلا مقامرة كبيرة بين اليابان التي تعد نفسها دولة أوربية وبين القارة الغربية
وقد كان في وسع أوربا أن تقف تلك الحرب الأسيوية التي تنذرها بأشد الأخطار منذ اللحظة التي نشبت فيها بدلاً من تشجيعها وتقديم الوقود لإشعال نيرانها
لقد كان هذا في الإمكان، بل لقد كان أمراً سهل الوقوع؛ فكلمة واحدة كانت كافية لإنهاء كل شيء. ولكن أوربا لم تدرك بحصافتها أنه متى أذنت الساعة الرهيبة فقد فقدت مركزها في آسيا
إن الصين لا تستطيع أن تميز بين المبدأين المتقاتلين في أوربا، ولكنها تستطيع أن تقول اليوم إن أوربا إذا فقدت مركزها في آسيا لن تستطيع أن تستعيده مرة أخرى
إن الصين تكافح في حرب غير متعادلة. وهي وإن كانت لا تزال محتفظة بداخلية البلاد، فقد فقدت كثيراً من مدنها الجميلة، تلك المدن التي تدين لأوربا في أنظمتها ومظهرها قد سقطت في أيدي الأعداء
إننا ما زلنا نؤمل في أوربا أن تفطن إلى حقيقة الموقف. فقد تستطيع أن تقوم بعمل حاسم لإنقاذ الشرق مما يعانيه
البريد الأدبي
إلى الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني
السلام عليك ورحمة الله، وليس يعيب الرجل أن يروي خبراً عمن يظن به الثقة إذ الخبر غير صحيح؛ ولا يعيبه أن ينقد بناء على هذا الخبر ويلوم، وأن يشتد في النقد والملام؛ وليس يعيب الرجل الفاضل أن يسرع إلى بيان الحق متى عرفه، بل الذي يعيبه ويضع من قدره ألا يفعل، وهذه الخلة مع الأسف العظيم شائعة في كثير من نقدتنا، كأن يروعهم ويتعاظمهم أن يرجعوا عما مضوا فيه ولو إلى الحق الصريح
ولولا ما أعرف يا أخي من نزاهة قصدك وسعة فضلك. وتمكنك من نفسك وضنك بها على كتمان الحق، ما راجعتك في شأن ما كتبت من كتاب حضرة الدكتور أحمد عيسى بك، ولا أطلعتك على ما هو مسجل في الوثائق الرسمية
فالحمد لله الذي لم يخلف ظني ولم يخيب رجائي
وإنني أدعو الله جاهداً أن يكثر بين نقدتنا من أمثالك، ولا أقول إنني أسأل الله شططاً، وأستغفر الله، فإنني مؤمن بأن الله على كل شيء قدير
والسلام عليك والشكر أبلغ الشكر لك
عبد العزيز البشري
لكل سؤال بابتين جواب
1 -
اهتم الأستاذ محمود على قراعة بشرح آراء العلماء في نعيم الجنة ولم يفته أن يحاول إقناع الأستاذين داود حمدان ومحمد علي حسنين بأن نعيم الجنة تغلب عليه النزعة الروحية
وقد كان الأستاذ قراعة في غاية من اللباقة، فقد رجع بانتظام عن رأيه الأول الذي صرح فيه بأن نعيم الجنة روحي صرف وأن ما جاء في القرآن من أوصاف النعيم المحسوس ليس إلا رموزاً وإشارات
ونحن لم ننكر أن الجنة فيها نعيم روحي بجانب النعيم الحسي، وإنما أنكرنا أن تؤول نصوص القرآن تأويلاً تنكره أصول الشرع الشريف
والآن وقد اعترف الأستاذ قراعة بأن القرآن يشهد حقاً بأن المؤمنين سيكون لهم في الجنة
(أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى) الآن وقد اعترف بذلك هل يسمح له ذوقه بأن يحكم بأن الآيات التي تحدثت عن هذه الطيبات تعد من أدب المعدة الذي ينكره الأستاذ أحمد أمين؟
2 -
صال الأستاذ الغمراوي وجال في مجادلتنا بالتي هي أقبح، وشاء له أدبه أن يقول إننا غير متمكنين من علوم الدين، كأنه صار من علماء العصر والأوان! ونقول إن دعواه باطلة: فنحن بحمد الله وتوفيقه نعرف من علوم الدين أضعاف ما يعرف الذين يدعوهم الكبر الممقوت إلى مجادلتنا في شؤون الدين وهم لا يعرفون من أصوله بعض ما نعرف
3 -
قدم إلينا الأستاذ علي الطنطاوي أربعة أسئلة وهو ينتظر الأجوبة
وكنت أحب أن أسارع إلى إجابته، ولكني رأيت أن الأسئلة التي ساقها قد تعرض القراء لفتنة شديدة إن استبحنا الإجابة بلا ترفق وبلا رعاية للمأثور من الأفكار الدينية
وهو نفسه قال (إن مسألة اليوم هينة لا تمس جوهر الدين) فليترك هذه القضية إلى اليوم الذي نتعرض فيه لشؤون تمس جوهر الدين
وأنا لا أبالي أين يقع قلمي، ولكن لا بأس من التأسي بالحكمة التي تقول: أترك الشر ما تركك
وهل قلّت اعتراضات رجال الدين حتى تتطوع لتحريكهم يا سيد طنطاوي؟
على أنني أقول بصراحة إنني أضع كل شيء في الميزان مهما تقادم العهد عليه. ومن حقي شرعاً أن أنظر في القرآن نفسه بدون اعتماد على أقوال المفسرين، لأني مسئول رأساً أمام الله لا أمام الناس. وليس لأحد أن يطالبني بان أومن كما آمن. وهل منحنا الله العقل إلا لنواجه العقائد عن بصيرة ويقين؟ إنني راض عن طريقتي في درس الشؤون الدينية، والاحتكام في فهم الكتاب والسنة إلى المنطق والعقل، فليقل من شاء ما شاء، وبالله أعتصم من كيد الخائنين.
زكي مبارك
عود إلى اقتباس الكتاب
يذكر القارئ هذا الباب من الرسالة أني أخذت على الأستاذ إسماعيل أحمد أدهم اقتباسه
لبعض ما جرى على قلمي في حديث الرمزية معنى ومبنى (راجع الرسالة رقم 312 ص 1271) وقد تعذَّر على المقتبس أن ينكر ذلك، فقال يتعذر:(إنني حين أكتب بالعربية فأنا أكتب بلغةٍ غير لغتي الأصلية، ومن هنا بعض ما يجئ على قلمي من التعابير الخاصة لكتاب اليوم استدراكا للمعنى الذي في ذهني. . .)(الرسالة رقم 313 ص 1331)
والحق أن الأستاذ أدهم يقتبس المعنى فضلاً عن المبنى. ومن مقتبساته الأخيرة أنه أغار على نقدي لكتاب صديقي محمود تيمور وعنوانه (فرعون الصغير) فقد كتبت في مقتطف يولية الأخير (ص 252 أول باب المكتبة): (في فرعون الصغير تخف وطأة الواقعية بحيث لا تملك على بعض القصص مداخلها ومخارجها. ففي القصة الأولى وعنوانها (فرعون الصغير) يشغل خيال المكان الأول حتى إنه يردّ القصة إلى لون معروف هو اللون التخيلي وفي القصة (المخ العجالي) يسطو اللون الباطني المستمد من علم النفس الفرويدي على المجري الواقعي للحوادث والأحوال). ثم كتبت: (بهذه المجموعة من الأقاصيص تأخذ طريقة الأستاذ محمود تيمور، على ما يبدو للناقد، في جهة جديدة. وذلك أن تيمور كان منصرفاً إلى طريقة الواقعية)
وإليك الآن ما نشره الأستاذ أدهم في الرسالة (العدد 319 ص 1621 و1622): (. . . وأقصوصة فرعون الصغير يبرز فيها اللون التخيلي حيث يتغلب على بناء الأقصوصة الجو الخيالي. وفي الأقصوصة الثانية وهي (غريم) تجد تيمور بك يقيم هيكل أقصوصته على أساس من تنازع العواطف. وهذا اللون الباطني، وإن كان خفيفاً في هذه الأقصوصة، فهو يعود إلى علم النفس الحديث، والتأثر بالفرويدية واضح فيها) (ص 1622 ع1 س 9 - 12؛ 20 - 24). ثم كتب:(وهكذا يمكنك أن ترى من مجري حوادث الأقاصيص أن التخيلية من جهة والباطنية من جهة أخرى أخذت تطغى على الواقعية الساذجة ولكن بدون أن تفوقها وهذا التطور عند تيمور بك طبيعي. . .)(ص1622 ع2 س3 - 6) ذلك ما جاء على قلمي في أول يولية وما جرى به قلم أدهم في الرابع عشر من أغسطس. والموازنة ميسورة للقارئ
على أني أظن أن فطنة المقتبس حدثته بأن يبدَّل من الأصل فمسخه. ألا تراه ينسب (اللون الباطني) الذي أصبته في قصة (المخ العجالي) إلى قصة (غريم)؟ ثم ألا تراه يجعل الكلمة
الإفرنجية إزاء التعبير العربي (اللون التخيلي) على حين جعلت إزاءه كلمة وكأني بالمقتبس أراد أن يستر طرفاً من اقتباسه فيأتي بشيء من عنده، شأنه مع حديثي في الرمزية إذ كتب:(لوامع النفس وبوادرها)، وفي الأصل:(اللوامع والبواده) فأجرى البوادر مجرى البواده (راجع الرسالة رقم 312 ص 1272). وكما أنه مسخ هذا التعبير من قبل كذلك مسخ نقدي لفرعون الصغير
وبيان ذلك أن قصة (غريم) لا شأن لها باللون الباطني. وأظرف من هذا استبدال الكلمة الفرنسية في نقدي. ذلك أن الكلمة التي تنظر إلى اللغة الألمانية هي وأما التي أتى بها المقتبس فتدل على شيء آخر. وحسبك أن تعرف أنها تقع صفةً للغات المنحدرة من اللاتينية كالإيطالية والبرتغالية والرومانية، وصفةً لفن العمارة في البلدان اللاتينية من المائة الخامسة إلى الثانية عشرة
والآن دعني أقص عليك كيف زلَّ قلم المقتبس هنا، والقصة مُلحة، والملح في هذه الأيام السود من نعم الله
قرأ المقتبس في المقتطف كلمة إزاء هذا التعبير: (اللون التخيلي)، فقال في نفسه: أُغير على التعبير العربي، لأن العربية ليست لغتي الأصلية وفي ذلك معذرة، ولكني أبدل الكلمة الفرنسية. وإذ المقتبس لا يعرف من الفرنسية إلا الشيء القليل كما بينت في الرسالة (رقم 314) والمقتطف (أغسطس 1939) طلب معنى الكلمة الفرنسية في معجم إنجليزي، ظناً منه أن الكلمة بمعنى واحد في اللغتين لأن هجاءها واحد فيهما. ولكن كيف يأتي المقتبس بشيء من عنده وهجاء الكلمتين واحد؟ فتحول إذن إلى اللغة الألمانية وطلب في معجم من معجماتها ما ينظر إلى الكلمة الإنجليزية: له كلمة وذلك لأن الإنجليزية تقع فيما تقع صفةً لفن العمارة المذكور فوق هذا الكلام، وللغات المنحدرة من اللاتينية
بشر فارس
بين الدكتورين بشر وأدهم
أرسل إلينا منذ أسبوعين الدكتور إسماعيل أدهم رداً مسهباً على الدكتور بشر فارس جعله فصل المقال فيما شجر بينهما من خلاف، ولعلنا نستطيع أن ننشر منه في العدد المقبل.
حول الشراة
جاء في الرسالة عدد 318 في (خليل مردم بك) لأستاذ جليل هذه الكلمة
(لولا أن يغضب أو أن يشرى صاحبنا الأستاذ أبو اسحق اطفيش نزيل القاهرة، ومن علماء إخواننا الأباضية وفضلائهم لشننا على (الشراة) غارات، وفندنا (مقالاتهم) الخارجية بمقالات في (الرسالة الغراء) متلاحقات)
أيها الأستاذ الجليل - إني أنزهكم أن تتركوا ما تعتقدونه حقاً لغضب أستاذ أو صاحب. وهل يصح للموازين والنقاد الذين يسخطهم تفضيل شاعر على شاعر بباطل أو باعتقاد أنه باطل - إهمال فريق من الأمة له تاريخه وماضيه المبنيان على أساس مفند؟ سامح الله الأستاذ زكي مبارك فقد باع جميع أصدقائه لقوله حق يقولها أو فكرة يعتقد صوابها: فأرادنا كيف تنبذ الصداقات وتتضاءل قيم الرجال بجانب الحقائق
أنا أعتقد أن الأستاذ أبا اسحق لن يغضبه ما تكتبه، كما أعتقد أنه سيرد عليك إن تنكبت السبيل السوي
إن الأستاذ إبراهيم اطفيش كغيره من الأباضية ليسوا فئة متعصبة لرجال أو طوائف على بطلان وضلال؛ وإنما يتعصبون لحق يرونه مع إمام أو طائفة، فإذا اتبعوا مذهباً أو أخذوا بقول إمام - فلأنهم درسوه فوجدوه صحيحاً فاتبعوه. ولو أبنت لهم اليوم بطلان ما يذهبون إليه لنبذوه ورجعوا إلى الحق. ولا تخش أن تلاقي منهم عناداً ومكابرة؛ وإنما عليك بالحجة تجدهم لك أطوع من البنان
فأقدم أيها الأستاذ على عملك، ولا تخش غضباً، ما دمت مع الحقيقة والواقع
الشراة - يا أستاذ - طائفة من الناس حيروا العالم ودوخوا الدنيا وملئوا التاريخ ولم تخلص حقيقة القول فيهم إلى اليوم. ولقد يسرنا جداً أن تكتب فيهم مقالات متلاحقات تظهر ما أنبهم من أمرهم وجار من حكمهم وزاغ من عقائدهم، فتكون بذلك من المحسنين إلى التاريخ والحقيقة، ومن المحسنين إلى الشراة واتباع الشراة
ولقد يسرون - وهم في الأجداث - بما تكتبونه لأنكم تطلبون حقا - وقد كان شعارهم طلب الحق؛ فإن فعلتم أسديتم إليهم والينا جميلاً تطوق به الأعناق إلى يوم يحاسب على الجميل و (لا حكم إلا لله). وهل أجمل من إظهار حق غمطته السنون وغمرته (مقالات خارجية)
مدة ثلاثة عشر قرناً؟
أراني قد أطلت وجرني الحديث إلى ما ليس من غايتي، فهل تسمحون أن أطلب إليكم إظهار اسمكم، فلطالما رغبت في معرفتكم، وكيف لا أرغب وقد كشفتم لنا ببحوثكم القيمة أنواعاً من حقائق أخفاها الدهر مما يدل على عظيم اطلاعكم وحسن تمحيصكم. . . وتقبلوا خالص احترامي. . .
القرارة: (جنوب الجزائر)
علي معمر الطرابلسي
برنامج وزارة الشئون الاجتماعية
وافق حضرة صاحب المعالي الأستاذ عبد السلام الشاذلي باشا وزير الشئون الاجتماعية على برنامج هذه الوزارة. ونحن نذيع نصه الكامل فيما يلي لاتصاله الوثيق ببرنامج الرسالة وهو:
1 -
وضع تشريع لإلغاء البغاء ومحاربة الدعارة السرية
2 -
العمل على إنقاذ الفلاح وإسعاده من طريق التعاون الإجباري وإنشاء بنك للتعاون المركزي
3 -
وضع تشريع لحماية الطفولة المشردة يراعى فيه سلب الولاية من الآباء غير الصالحين للإشراف على أولادهم
4 -
وضع تشريع لصيانة النسل وذلك بوضع رقابة خاصة على الحالة الصحية للأزواج قبل عقد الزواج بقصد العمل على إعداد جيل قوي شديد
5 -
وضع تشريع لمنع الأطفال والبنات إلى سن معينة من التردد على السينما إلا في حالة عرض أفلام تعليمية تهذيبية أو أفلام خالية مما يؤثر تأثيراً سيئاً في الخلاق ومنعهم من ارتياد محلات الخمور وصالات اللهو وأمكنة القمار ومنتدياتها
6 -
وضع تشريع لمقاومة التسول والقضاء على أسبابه
7 -
الانتفاع الكامل بالإذاعة والعناية بنشرها في القرى لكي تتصل الحكومة بالفلاحين اتصالاً مباشراً وذلك بأن يخصص لهم برنامج خاص يبدأ بالقرآن الكريم ثم بنصائح صحية
وزراعية وأخلاقية واجتماعية، وكذلك بعض أسباب التسلية التي تسري عنهم وتتفق مع حالتهم
8 -
العمل على توحيد موارد الإحسان وجمعها وتوجيهها الوجهة النافعة، وتنظيم الجمعيات الخيرية والاجتماعية بما يكفل إنعاشها وبقاءها وتوجيهها الوجهات الخيرية الملائمة لحالة البلاد الاجتماعية
9 -
محاربة البطالة وتوجيه الشباب إلى العمل الحر وتحسين حالة العمال وتنظيم شؤونهم ورفع مستوى معيشتهم
10 -
بحث حالة السجون وتوجيه نظمها وجهة اجتماعية صحيحة، واستخدام المسجونين في أعمال التعمير كإصلاح الأراضي الحكومية والعمل على عدم عودتهم للإجرام وذلك بمعاونتهم بعد انتهاء مدة العقوبة على كسب عيشهم من طريق شريف
11 -
توجيه الشعب توجيهاً يحقق وحدة البلاد وتمكين روح الإخلاص والتضحية للوطن والعرش والعمل على سلامة الأخلاق وتقوية الروح القومية وروح التعاون والاقتصاد بين طبقات الشعب بوسائل الدعاية المختلفة كالصحافة والخطابة والتمثيل والسينما
12 -
الأخذ بالروح الصحيحة للتعاليم الإسلامية للوصول إلى مقاومة فوضى العلاقات الزوجية وما يترتب على هذه الفوضى من تفكك روابط الأسرة وانهيار العائلة
13 -
تنظيم النشاط الرياضي للشعب وتنظيم أوقات الفراغ واستثمارها
14 -
توجيه بوليس الآداب للعمل على صيانة الآداب العامة ومحاربة البدع السيئة والمنكرات في غير تعسف ولا جمود وزيادة قوته ليستطيع مواجهة هذه الأعمال
15 -
بحث توحيد الزي وتحسينه بما يلائم أحوالنا وعاداتنا وجو بلادنا
لا تقولي نسيت
في قصيدتي (لا تقولي نسيت) التي تفضلتم فنشرتموها برسالة الأسبوع الفائت ورد هذا البيت:
من له. . . آه. . . من لأنغامه السود
…
إذا شبت الليالي شجونه؟
والبيت يا سيدي ليس لي إلا قافيته، بل هو لصديقنا شاعر الشباب الأستاذ محمود حسن إسماعيل. . . وقد نسيت أن أقوس عليه. لذلك وجب التنبيه
عبد العليم عيسى
سؤال؟
إلى (الأستاذ الجليل) اللغوي الكبير
تحية طيبة؛ وبعد فهذا سؤال في نظري عويص سألنيه صديق فعجزت عن الجواب عنه بعد أن بحثت فيما لدي من المعاجم، فلم يسعني إلا أن ألجأ إليكم للإجابة عليه وهو:
تسمى العرب فاقد البصر أعمى، وفاقد السمع أصم، وفاقد الشم أخشم. فماذا يسمى فاقد الذوق؟
أرجو الجواب على صفحات رسالتنا المحبوبة ولكم الشكر
ع. م. ح
كتاب البستان
أعاد الناشر المعروف (مكميلان) طبع كتاب البستان لأديب العربية الأستاذ الجليل والعلامة المحقق محمد إسعاف النشاشيبي بك. فرأينا أن نطرف قراء الرسالة بمقدمته ليعرفوا طريقته فيه وغايته منه. على أن من قرأ مقالات النشاشيبي لا ينكر علمه وفضله، ومن تتبع نقل الأديب للنشاشيبي لا يجهل ذوقه وعقله
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد
ما الكبير بأحق بالعناية بشأنه من الصغير. وليس الشادي بأحوج إلى كتب في العلم والأدب يحتفل فيها العلماء من البادي. بل الثاني في هذا الأمر هو الأول، (والأهم مقدَّم) وإن على الذي يُلقنه في بدء تثقيفه المعوّل. وقد فطن لذلك فريق من عرب الدهر القديم وإفرنج هذه العصور، فخصوا تلك الطائفة من الطلاب بكتب جمة محكمة، وشرعوا لها في التهذيب شرائع بينة؛ فمشى الطالب في طريق معبد حافظ. وإني لما تقربت إلى عربيتي بتأليف مجموعتي (مجموعة النشاشيبي) لكي يرويها نشءُ العرب، ويستظهرها الشادون من الطالبين، ورأيت أن أجمع (لتلاميذ المدارس الأولية والابتدائية) أقوالاً قديمة عربية غير منقولة عن لغة غربية (ومن ورد البحر استقل السواقي، ومن لقي جالينوس استجهل الرواقي) وقد تحريت أن يدنو إليهم منالها، وتسهل لهم معانيها، ولا يلؤُم نظمها وسبكها.
والكلام يلؤم (يا فتى) كما يلؤم المرء، واللؤم شر الخلائق، واللئيم شر الناس، ولا خير في قول لم يكرم لفظه وتأليفه، وإن اجتافته حكمة الحكيم. وقد ضل السبيل جل الجامعين ولم يسلك النهج إلا الأقل. وظني أن سينشط ذهن الطالب الصغير لما أطرفته إياه فلا يجهد يوم الاستظهار نفساً ولا يدهمه ما لا يفهمه إلا من بعد سنين. ولله (القاضي أبو بكر بن العربي) الذي عيَّب في (كتاب رحلته) سنة المؤدبين في تدريس الصغار (الكتابَ) الكريم المعجز ودلهم على المهيع المستبين. فقد تنبه على هذا الأمر الجلل والقوم رقود، وهدى إلى الحق وهم في ضلال بعيد.
محمد إسعاف النشاشيبي
المسرح والسينما
من التاريخ
النهضة المسرحية في مصر
ونصيب الفرقة القومية منها وواجبها حيالها
رواية الذبائح
كانت رواية غادة الكاميليا خيراً وبركة على المسرح المصري وبسببها اتجهت الأنظار إلى فرقة رمسيس، وارتفع قدرها وكبر شأنها، فازداد النشاط فيها وعظم الإنتاج.
ولا نتعرض للعدد الوفير من الروايات التي أخرجتها، فإن هذا ليس سبيلنا، وإنما يكفي أن نضع أمام نظر القارئ أسماء بعض هذه الروايات:
غادة الكاميليا، المجنون، كرسي الاعتراف، الاستعباد، الذبائح، ناتاشا، الجبار، راسبوتين، توسكا، الصحراء، فيدورا، انتقام المهراجا، القضية المشهورة، ملك الحديد، النسر الصغير، الولدان الشريدان، الذهب، في سبيل التاج، عطيل، يوليوس قيصر، المائدة الخضراء، جاك الصغير، الشرك، البرنس جان، نيرون، لوكاندة الأنس، حانة مكسيم، الرئيسة، القبلة القاتلة، الفريسة. . .
وليست هذه الروايات إلا قليلاً من كثير أخرجته الفرقة في أعوامها الأولى التي نالت فيها نجاحاً منقطع النظير في تاريخ المسرح المصري
وكما كانت (غادة الكاميليا) سبباً من أسباب اهتمام الجمهور بالمسرح كذلك كانت رواية (الذبائح)، بيد أنه كان لهذه أثر يخالف تلك، ونتائج خطيرة غيرت من اتجاه سير النهضة وقلبتها رأساً على عقب.
لم تكن الذبائح رواية عادية، بل كانت حدثاً في تاريخ التأليف المسرحي، فاللغة التي كتبت بها غريبة كل الغرابة، هي لغة عامية صيغت في ألفاظ ومعانٍ عربية، أو دخلت عليها ألفاظ ومعان أرقى من مستواها اللفظي ولهجتها الشاذة، وهي بعد ذلك ذات رنين عجيب، أحياناً تراها كأنها نوح النائحات، وأحياناً تسمعها كأنها شدو الحمائم، وأحياناً أخرى تنظرها فكأنها حكم وأمثال للحكيم سليمان أو لغيره من الحكماء، ثم لا ترى بعد هذا أنك في جو
تعرفه، ولا تشعر أنك في حياة ألفتها، بل أنت في دنيا غريبة وحياة غريبة، وبين أشخاص غرباء، وكأنهم خارجون من القبور، أو آتون من بعيد حيث الظلام الدامس يعم الأرجاء، والغموض والإبهام يلابس الأشياء. هم مخلوقات آدميون في الظاهر لكنهم ليسوا من أهل هذه الدنيا. لعلهم من سكان المريخ، ولعلهم من سكان غير المريخ من هذه العوالم التي تجري في نظامها الرائع مع أرضنا سيدة هذه العوالم بلا منازع.
فلم يكن غريباً أن يكون لهؤلاء الأشخاص أثر في الجمهور، ولم يكن غريباً أن يفتتن بهذه الرواية الناس، وأن يترنم بعضهم بألفاظها الغريبة في منتدياتهم، حتى في الطرقات كان البعض ينادي أمينة رزق وفتوح نشاطي بطلي الرواية بتلك اللهجة الغريبة التي تقرع الأسماع.
وكما أثرت الذبائح في عقول الجمهور، كذلك أثرت في عقول أصحاب المسرح وسادة النهضة فيه، وبدأ يوسف وهبي ينسج على منوالها، فكتب (الصحراء)، بيد أنه حاول إخفاء الحقيقة فكتبها بلغة عربية ليدخل في روع الناس أنه غير مقلد على حين أن كل شيء فيها قد نم عن تأثر صاحبها بالذبائح وأسلوبها ولهجتها وما فيها من بكاء وعويل.
(للكلام بقية)
ملاحظات
اختيار الروايات في الفرقة القومية
نعود إلى هذا الموضوع فنقول إن الرواية (محمد علي الكبير) التي قبلتها لجنة القراءة وقبض أصحابها ثمنها قد رفضها أفراد الفرقة لعيوب فنية وموضوعية لمسوها فيها، فالرواية عبارة عن عرض تافه لسيرة منشئ مصر الحديثة، وهو عرض غير جدير بذلك البطل الذي أظهره المؤلفان بمظهر السفاح الذي يجتذب إليه أعداءه ليغدر بهم، هذا إلى أنها من الوجهة المسرحية لا قيمة لها
وهنيئاً للمؤلفين ما قبضا من ثمن!
خطوة مباركة
علمنا من مصدر نثق به أن لجنة من الممثلين والمخرجين بالفرقة القومية قد عهد إليها
بصفة غير رسمية قراءة الروايات التي تقدم للفرقة وانتخاب ما يصلح منها لعرضه على اللجنة الرئيسية. هذا بلا شك يعد خطوة مباركة لها ما بعدها من نتائج حاسمة في اختيار الروايات الذي يعد عقدة العقد ولغز الألغاز في هذه الفرقة. ونحن نرحب بهذا العمل ونرجو أن يصبح رسمياً على أن ينضم إلى هذه اللجنة التمهيدية فريق من النقاد للانتفاع بخبرتهم ودرايتهم بشئون المسرح.
سراج منير
ترامى إلينا أن الأستاذ فتوح نشاطي توسط في الصلح بين الأستاذ سراج منير وإدارة الفرقة القومية، فعاد سراج إلى عمله كمخرج وبدأ فعلاً في إخراج (مصرع كليوبطرة)، ونحن نحمد هذه الروح التعاونية بين أفراد الفرقة ونتمنى دوامها.
الفرقة الموسيقية
يقولون إن هناك فكرة لتوفير أكبر عدد ممكن من أفراد الفرقة الموسيقية التي تعمل مع الفرقة القومية.
وبهذه المناسبة نذكر أن عدد أفراد هذه الفرقة 15 عازفاً، وهم يكلفون الفرقة القومية ألفاً من الجنيهات كمرتبات
وفي الواقع أن الفرقة القومية ليست في حاجة إلى فرقة موسيقية بهذه الضخامة لأنها لا تخرج روايات أوبرا أو أوبريت
مصر الخالدة
قدم الأستاذ فتوح نشاطي إلى إدارة الفرقة القومية، رواية (مصر الخالدة)، وهي مأساة فرعونية أشاد فيها بالعبقرية المصرية القديمة
الإخراج في الفرقة القومية
بدأ العمل في إخراج الروايات وتوزيع الأدوار على النحو الآتي:
عهد إلى الأستاذ فتوح نشاطي إخراج الروايات الآتية:
(ماريا)، وهي درامة إسبانية عنيفة تصور رجلين يتنازعان حب امرأة.
(الأمل)، وهي رواية مقتبسة بقلم الأستاذين: سليمان نجيب وعبد الوارث عسر، وهي
عبارة عن تصوير للجيل الحاضر الذي يريد أن يشق طريقه إلى الحياة بصدق وعزم، دون أن يأبه للتقاليد الموروثة.
وعهد إلى الأستاذ عمر جميعي بإخراج (امرأة تستجدي)
كما عهد إلى الأستاذ سراج منير بإخراج (مصرع كليوبطرة)
وبهذه المناسبة نذكر أن الروايات الثلاث (ماريا) و (مصرع كليوبطرة) و (الأمل) قد وزع أدوارها المسيو فلاندر
ثقافة مخرج
كتب أحد المخرجين كلمة يدافع بها عن السيدة فاطمة رشدي في نوعها الجديد حيث هبطت إلى فن الصالات فقال: إن موليير حين طرد من فرقة الكوميدي فرانسيز افتتح مقهى أمام المسرح وكان الممثلون يأتون إليه ذرافات ووحداناً يتناولون عنده شرابهم وطعامهم، فلما سويت الأمور بينه وبين إدارة الفرقة بعد سنوات عاد إليها ولم يكن فنه قد تأثر بإدارة المقاهي
وللحقيقة والتاريخ نقول: إن موليير مات قبل إنشاء فرقة الكوميدي فرانسيز ببضعة أعوام لعلها خمسة، وأن موليير لم يفتح مقهى وإنما كان صاحب مسرح اسمه (مسرح موليير)
ولسنا نعيب على مخرجنا الجهل، وإنما نعيب عليه التبجح في إيراد هذا الدفاع وهذا الدليل الذي لا يأتيه الباطل!
(فرعون الصغير)
أخبار سينمائية
(شارل بواييه وجريتا جاربو) في رواية (ماري والوسكا) التي قام فيها شارل بدور (نابليون) وجريتا بدور (صديقته). وقد زعم بعض النقاد ان شارل تغلب على جريتا في هذه الرواية والصحيح أن شخصية نابليون كانت أقوى من شخصية مارى والوسكا. وبهذا طغت شخصية شارل على شخصية جريتا.
كارول لومبارد
يقول أصدقاء وصديقات كارول لومبارد إنها ستعتزل السينما لتكون زوجة كلارك جابل
ومع أن للحياة الزوجية جمالها إلا أننا نشك كثيراً في أن ممثلة عظيمة مثل كارول لومبارد في إمكانها أن تستعيض عن مجدها بحياة منزلية مهما بلغ من سعادتها. إنها إحدى ملكات السينما فكيف ترضى بالنزول عن عرشها بهذه السهولة. لقد جربت كثيرات غيرها هذه التجربة فعدن بالفشل الذريع
(كونستانس بينيت) نجمة متروجولدوين ماير. وكانت يوماً ما الممثلة الأولى في هوليود وما زالت تحتفظ ببعض مكانتها فيها وتظهر في روايات قوية.
وهي تعد في الطليعة بين قائدات المودة في مدينة السينما
نلسون أدي وجانيت ماكدونالد نجما شركة مترو جولدوين ماير ومن أبرع المغنين في العالم ظهرا معاً في روايات موسيقية كثيرة آخرها (روزالي) التي عرضت في بداية الموسم الماضي.
وأشهرها (أيام الربيع) التي ما توال تعرض حتى الآن في دور السينما الصيفية
جمال الساق
جمال الساق في عالم هوليود من شرائط الجمال الأولى. والمقاييس لجمال الساق تحتم أن تكون كما يأتي:
الكاحل: ثماني بوصات ونصف - سمانة الرجل: اثنتا عشرة بوصة ونصف - الفخذ: تسع عشرة بوصة ونصف
ويقولون إن سر جمال السيقان هو في رياضة المشي العادي
والشهيرات بجمال السوق في هوليود هن: كلوديت كولبيرت جنجر روجرز: أليس فاي. ألينورا باول. بيتي جرايل. مارلين ديتريش
(ماجوري ويفر) التي نالت عقداً سينمائياً عن طريق التربع على عرش الجمال. فقد تسارعت إليها الشركات السينمائية بعد أن أصبحت ملكة للجمال في أمريكا، واستطاع دافيد زانيخ أن يقتنصها ويعطيها دوراً في رواية (شهر العسل الثاني)