المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 430 - بتاريخ: 29 - 09 - 1941 - مجلة الرسالة - جـ ٤٣٠

[أحمد حسن الزيات]

فهرس الكتاب

‌العدد 430

- بتاريخ: 29 - 09 - 1941

ص: -1

‌عبرة من (نظام أوربا الجديد)

للأستاذ محمد توحيد السلحدار بك

(نظام أوربا الجديد) عنوان إن هو إلا زواق خادع، خلعته الدعاية النازية على سياسات شيطانية تؤسسها القوة الألمانية في أوربا، لتستغل بها الشعوب المغلوبة وتستفحل، فتمد رواق سيادتها حيث توجد مطامعها من العالم القديم إلى الجديد، إن هي خرجت ظافرة من هذه الحرب الضروس.

وقد استعار إينتسج ذلك العنوان لكتابٍ فند به (ما تدعيه النازية من أن الدول الأوربية التي تخضع لسلطان ألمانيا ستتمتع برخاء منقطع النظير في تاريخ البشرية) في ظل هذا النظام، وكشف (عن الخطط المحتملة التي تدل التجارب على أن النازيين سوف يتبعونها في المستقبل). فلله دره!

دعاية تحارب دعاية! لكن (إينتسج) جاء بحقائق وعبر يجب أن يتأملها الناس، عسى أن تستنير بها بصائر، وترتفع أوهام، ويتبين مآل كل حال. وحسب الشرقيين موعظة قوله:(الشرط السياسي الأساسي لقيام نظام أوربا الجديد هو وجود جيش ألماني. . . بحال تمكنه من غزو البلاد التي يريد غزوها من غير أن يلقى مقاومة تستحق الذكر، يكفي لقيام الأحوال السياسية التي يحتاجها إنشاء النظام الجديد).

ولذلك فإننا غير واثقين من أن البلاد التي يشملها هذا النظام ستحتلها قوى ألمانيا العسكرية بصفة دائمة. . . وأكبر ظننا أن بعض أجزاء من البلاد المفتوحة ستضم بالفعل إلى الدولة الألمانية. . . لكن ألمانيا قد تجد من الملائم لها مع ذلك أن تقيم عدداً من الدول الخاضعة لسلطانها مستقلة بالاسم عنها، ولكنها خاضعة لها خضوعاً تاماً. . .

ولن ينقضي أجل الاحتلال الألماني للبلاد المفتوحة حتى يقاوم فيها نظام للحكم موال لألمانيا. ولربما اتخذوا من وعدهم بجلاء الجيوش الألمانية وسيلة يحصلون بها على تأييدهم في إنشاء نظم للحكم صورية تكون ألعوبة في أيديهم. أما الأمم التي تظهر عدم رغبتها في قبول (حقائق الموقف)، فستنذر بالضم إلى الدولة الألمانية. . .

إن قيام هذه الحكومات المحلية بالأعمال الإدارية العادية يوفر على برلين عناء كبيراً، ويمكنها من أن تتفرغ لوضع قواعد سياستها العامة. يضاف إلى هذا أن جزءاً من العداء

ص: 1

الذي يوجه إلى ألمانيا إن أدارت هي شؤون البلاد، سيتحول تياره نحو هؤلاء الحكام، فإذا لم يطق الناس حكمهم لشدة كرههم إياه، استبدلت بهم طائفة أخرى من الخونة الذين لا يستنكفون أن يخدموا المصالح الألمانية. . .

وليس من المحتم أن يكون الذين يقبلون الاشتراك في هذا العمل الإداري خونة، فقد يشعرون بأنهم يخدمون أمتهم إذا قاموا بالعمل العادي الضروري لحياة المجتمع الحديث.

ولكن الذي نرجحه أن تقوم سياسة ألمانيا في البلاد التي تحت سلطانها على إيجاد طوائف من الخونة مختلفين، نازيين أو غير نازيين يعارض بعضهم بعضاً. وقد تكون الأحزاب النازية المحلية المتنافسة أصلح الطوائف لهذا الغرض، فإذا لم تكن كذلك فإن ألمانيا لن تتردد في أن تقدم معونتها لأي نظام يخضع لمشيئتها وإن لم يكن قائماً على المبادئ النازية. . .)

تلك إذن هي السياسة النازية العاملة في البلاد الأوربية، وهي من ظواهر المنطق الألماني الذي يوهم صاحبه أنها سياسة يعمل بها حتى غير الألمان، فيقول استي مثلاً في كلام على التوسع الإمبراطوري البريطاني في مصر:(وجد لسوء الحظ في مصر، كما وجد في الهند، خونة للوطن ظنوا أنهم بعون الإنجليز يستطيعون الاستيلاء على الحكم، وبهذا نجحت في البقاء بمصر سلطة أجنبية ما كانت أبداً لتستطيع التسلط على بلد متحد حول الفكرة القومية).

لو وقع ذلك في مصر لكانت حالها حينئذ عين الحال التي يضربها الألمان من الآن على أمم أوربا المغلوبة وهي ليست بأقل منهم إنسانية، وإن أنكرت ذلك النازية المتغطرسة حتى على الآريين من غير الجرمان.

وإذا كان شأن الألمان مع الأوربيين أنفسهم هو ما علمت فما الظن بما يستحلون في استعباد الشرق واستغلاله واستيعاب ثروته، إن قدر لهم النصر في النهاية؟

حقاً إن في بيان إينتسج لعبرة يجب أن يعتبرها كل مخدوع أو مخادع وهو غافل عن الحقائق.

محمد توحيد السلحدار

ص: 2

‌الحديث ذو شجون

للدكتور زكي مبارك

الدراسة الجامعية كما يفهمها الأستاذ أحمد أمين - كيف

تغترب ومعك قلمك؟ - الشكوى إلى ضريح الإمام الشافعي

تصور يأس الناس من العدل في الأرض، فهم يلتمسونه في

السماء - إلى وزير الأوقاف - مسابقة الأدب العربي لطلبة

السنة التوجيهية. . .

الدراسة الجامعية

للأستاذ أحمد أمين آراء تظهر من وقت إلى وقت، فتدل على مبلغ فهمه للحياة الأدبية والاجتماعية، وهي آراء لا تحتمل النقض، لأنها في الأغلب واهية البنيان، والمعول لا ينقض إلا على البناء المتين.

وآخر ما صدر من تلك الآراء، هو حكمه على الدراسة الجامعية، فهو يرى أنها (تجعل من الحبة قبة، ومن الهزل جداً، وإن شاءت فمن الجد هزلاً)؛ ثم يقرر بعبارة صريحة أن الدراسة الجامعية: (تميت الحي وتحي الميت، فهي تحيي اللاتينية واليونانية والحبشية والأكادية وقد ماتت، وهي تميت الحي، فتدرس اللغات الحية دراسة تميتها وتفقدها روحها، وتبعد عن تذوقها، ولذلك قل أن تخرج الجامعة أديباً شاعراً أو كاتباً، وإنما تخرج أديباً ناقداً أو أديباً عالماً؛ ومن كان أديباً من رجال الجامعة فمن طبعه ونفسه، لا من الدراسات الجامعية، وإن شئت فقل إنه أديب برغم الدراسات الجامعية، لا بفضل الدراسات الجامعية)

ذلك ما قاله الأستاذ أحمد أمين في العدد 142 من مجلة الثقافة الغراء، وهو اعجب ما صدر عن هذا الرجل المفضال.

وقبل أن أنقض رأيه في الدراسة الجامعية أقرر أن كلية الآداب لا تطوق بهذا الرأي، ولن يكون حجة على أساتذتها وطلابها وخريجيها، فيشمت فيهم الدرعميون والكلغريون.

فكلية الآداب هي صوت مصر الأدبي في الشرق، ولن يضيرها أن يخطئ أحد المنتسبين

ص: 3

إليها بكلمة يكتبها في وقت لم يكن يصلح فيه لجد ولا لعب، كما صرح بذلك في تلك الكلمة الواهية ثم أواجه الموضوع فأقول:

أتكون مهمة الدراسة الجامعية أن تجعل من الحبة قبة؟ أم تكون مهمتها أن تمنع الحبة من أن تصير قبة، وأن تحمى القبة من أن تصير حبة؟

المنطق يوجب أن تكون مهمة الدراسة الجامعية هي إقرار الحقائق في نصابها الصحيح، بلا تزيد ولا تحيف، وإلا كانت دراسة بهلوانية!

ثم أقول: كيف يكون واجب الدراسة الجامعية أن تجعل من الهزل جداً، ومن الجد هزلاً؟

يصح أن يقال إن الدراسة الجامعية ترى كل شيء صالحاً للدرس ولو كان من الهزل، لأن العلم جده جد وهزله جد، ولكن كيف يصير الجد هزلاً بفضل الدراسة الجامعية؟

ثم يحكم بأن الدراسة الجامعية (تدرس اللغات الحية دراسة تميتها، وتفقدها روحها، وتُبعد عن تذوقها)

فمن أين أخذ هذا الرأي؟ وعمن سمع هذا القول؟

أتكون الحالة كذلك في كلية الآداب لهذا العهد؟

ثم يرى الأستاذ أحمد أمين أنه يقل أن تخرج الجامعة أديباً، شاعراً أو كاتباً، وإنما تخرج أديباً ناقداً أو عالماً. فهل يستطيع أن يدلنا كيف تستطيع الجامعة أن نخرج الأديب الناقد أو العالم وهي تدرس اللغة دراسة تميتها وتفقدها حيويتها وتبعد عن ذوقها؟

إن الأصل للمتفق عليه أن النقد هو إدراك الصلات الوثيقة بين الألفاظ والمعاني والأغراض، فإذا صح أن الدراسات الجامعية تنحرف بالأستاذ والطالب عن ذلك الأصل فكيف تخرج الجامعة أديباً ناقداً وقد تعلّم على أساس منخوب؟

والأصل في العلم أن يصل بصاحبه إلى فهم الحقائق على ما هي عليه، فكيف تخرج الجامعة أديباً عالماً وقد أُبعد عمداً عن تذوق الجمال الأدبي؟

كيف تغترب ومعك قلمك

قرأت خطابك يا صديقي، وعزّ عليّ أن يقع في حياتك ما يزعجك، ولو شئت لنصصت على اسمك وبلدك لتكون المواساة جهيرة الصوت، لا يصدها تهيب، ولا يسترها حجاب، ولكن حرصي على استقلالك يمنع من هذه المواساة الجهرية، فما أحب لأرباب الأقلام أن

ص: 4

يحتاجوا إلى أسندة من العطف والإشفاق على صفحات الجرائد والمجلات، وإن كان ذلك من الأساليب المألوفة في العصر الحديث.

إن الذي يعوزك هو الثقة بنفسك، لتأنس بقلمك، فلا تشعر بضجر الاغتراب في بلدك وبين قومك، فقد كتب الله الغربة على أهل الفكر والعقل، ولو عاشوا في رحاب عشيرتهم الأقربين. . . ألا تذكر قول أبي تمام في اغتراب أحد الفضلاء: غربته العُلا على كثرة الأهل فأمسى في الأقربين جنيبا فليطل عمرهُ فلو مات في (مَرْوَ) مقيماً بها لمات غريباً.

فما رأيت أصدق من هذين البيتين في وصف ابتلاء أهل الفضل بالغربة والتوحد، وإن كانوا محفوفين بالمئات من الأصحاب والسجراء، ولا نظرت في هذين البيتين إلا حمدت الأقدار التي قضت بأن يكون في ماضينا الأدبي معانِ كهذه المعاني. . . طيب الله ثراك يا حبيب!

على أنه لابد من لومك على ما استجزت من إعلان التبرم بالناس، ففي رسائلك إلى ما يشهد بأنك على جانب من الغفلة، فقد كنت تتوهم أن الناس سيقيمون لك التماثيل في حياتك، لأنك واجهتهم بالطرائف الروحية والذوقية، وفاتك أن تذكر أن (كل ذي نعمة محسود) وأن الفضل قد يعد من أكبر الذنوب، لأنه يمنح أصحابه سلطاناً لا يزول، ولأنه الآية الباقية على الزمان، الآية التي تشهد بأن لله حكمة في إعزاز أرباب المواهب، ولو كانوا فقراء الجيوب، والفقر فقر القلب لا فقر الجيب. . .

يجب أن تعرف أن الذين يحاربونك لأنك جهرت بهذا الرأي أو ذاك، لا يحاربونك مجاهدين، وإنما يحاربونك مغتاظين، فهم حطب جهنم، ولو غطوا أقوالهم بألف رداء من أردية الرياء هل تفهم قول أبي فراس؟

ومن شرفي أن لا يزال يعيبني

حسود على الأمر الذي هو عائب

افهم هذا البيت، فما وجدت من يفهمه على الوجه الصحيح معنى هذا البيت أن الشاعر يؤخذ بأقوال وأعمال يتمنى عائبوه أن تكون من زادهم المكسوب، وكذلك يتمنى خصومنا أن تخلع عيوبنا عليهم، لأنهم يعرفون أنها عيوب رجال، وعيوب الرجل هي العسف والسيطرة والاقتحام في ميادين لا يطيقها غير الفحول.

فإن صدقت فراستي فيك فستكون لك أنصبة ضخام مما يجيده صاغة الزور والبهتان،

ص: 5

وسيكون حاضرك وماضيك هدفاً لكل أفاك أثيم، إلا أن ترى الأقدار أنك جدير بالرحمة من حمل الأمانة الفكرية والعقلية، فتردك شبحاً لا يثور عليه حاقد ولا حاسد ولا جهول.

أسمع، يا صديقي!

في كل ميدان تقوم جماعة من أهل الشجاعة والاستبسال، فهذه جماعة تقاتل في ميدان الوطنية، وتلك جماعة تخاطر في ميدان الاقتصاد، إلى آخر ما أعرف وتعرف من أنواع الجماعات، فكيف يخلو ميدان (الفكر الحُر) من جماعة تصاول في سبيل حمايته من طغيان أهل الغفلة والجمود؟

وكيف يخلو زماننا من رجال يضحون بمنافعهم في سبيل الحرية الفكرية؟

وبأي وجه نلقى الله إذا تراجعنا وبأيدينا أسياف الحق وهي أقلامنا؟

الجبن جائز على أي مخلوق، إلا أن يكون من حملة القلم أو السيف، فإن كنت منا فأقدم غير هياب، وإلا ففي ميدان السلام الرخيص متسع للجبناء.

أخوف ما يخافه المفكرون من أبناء هذا العصر هو أن تصبح أعراضهم مضغة في أفواه الغافلين والجاهلين، وما خطر ذلك وهو هباء في هباء؟

إن لحومنا لحوم الأسود، ولا تدخل مضغة منها جوف رجل إلا مزقته أفظع تمزيق، وسوف يعلم المرجفون نبأ هذا النذير بعد حين.

ثم اسمع، يا صديقي

هل تعرف الأثر الذي يقول (من مات غريباً مات شهيداً)؟ كان المفهوم أن المراد هو الغربة الجسمية، كأن يموت الرجل في بلد غير بلده، فكيف يصير من يموت وهو في غربة روحية أو عقلية؟

عند الله ندخر الجزاء على هذا الاغتراب، وكيف يغترب من يأنس الله ويكاد يراه في كل وقت وفي كل مكان؟

إليك أوجه أشواقي، أيها المحبوب، وذلك هو اسمك عند الصوفية. إليك أوجه أشواقي، فلولا الإيمان بسمو حكمتك في خلق الوجود على هذا الأسلوب لكانت الإقامة في بعض نواحيه جحيماً لا يطاق.

وأنا مع ذلك عاتب، فما الذي يمنع من أن ترفع الحجاب لأعرف بعض ما أجهل من أسرار

ص: 6

هذا الوجود.

لقد هديتني فعرفت أن لك حكمة في خلق (الكوبرا) وهي أشرس الحيات، لأن سمها ينفع في دفع أشرس الأمراض وهو السرطان.

فمتى تهديني لأعرف حكمتك في خلق الدساسين والنمامين والمفسدين والمرجفين من صاغة الزور والبهتان؟

أيكونون من (الكوبرا) الآدمية؟!

العدل بين الأرض والسماء

كتب أحد الوعاظ كلمة في إحدى المجلات رداً على ما قلت في الوعاظ وقد أراد ذلك الواعظ أن يذكرني بأهمية الوعظ فذكر أشياء يجب أن ينزه عنها الجمهور المصري، ومن تلك الأشياء تقديم العرائض إلى ضريح الإمام الشافعي، لينصف المظلومين من الظالمين.

وكلام هذا الواعظ حديث معاد، فقد قيل هذا الكلام قبل مئات السنين، وهو لا يدل على فكر ولا عبقرية، لأن أصغر متعلم يدرك أن الأمر بيد الله وحده، وأن الشافعي لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً أو نفعاً، فجهاد الوعاظ في مثل هذا الشأن التافه جهاد في غير ميدان. ولكن هذه العرائض لها مغزى فلسفي لا يفطن إليه ذلك الواعظ اللبيب، وذلك المغزى هو اليأس من العدل بين أبناء الأرض، والشعور بأن العدل لا يصدر إلا عن السماء.

ومن هم المحتكمون إلى الإمام الشافعي؟

هم جماعات من العوام عجزوا عن تقديم غرمائهم إلى ساحات القضاء، لأنهم لم يجدوا الرسوم، أو لأنهم لم يجدوا الشهود، أو لأن حقوقهم على غرمائهم بلغت من الخفاء مبلغاً لا يفصل فيه غير السماء، لأن قضاة الأرض لا يحكمون إلا بعد ظهور الأدلة والبراهين، وهي لا تظهر في جميع الأحيان.

هل سمعتم أن وزارة العدل كلفت أحد رجالها درس تلك الشكايات؟

كل ما يقع هو اهتمام الشيخ القائم على الضريح بتمزيق تلك العرائض حتى لا يجدها الشاكون في أماكنها عند رجوعهم إلى الضريح، وبذلك يفهمون إن الإمام الشافعي أخذها بيديه الكريمتين ليدرسها بعناية، وليصدر حكمه الصارم على الظالمين.

وإنما يفعل ذلك شيخ الضريح ليضمن عودة أولئك العوام بالنذور والهبات، فهل أدبته وزارة

ص: 7

الأوقاف ليكف عن عمله (المقبول)؟

وكيف نعيب على العوام أن يستعينوا بالإمام الشافعي، وجمهور المتعلمين في مصر يؤمن بأن لا تقديم ولا تأخير بغير الوساطات والشفاعات؟

التفتوا مرة واحدة إلى هذه المعاني، يا جماعة الوعاظ، ولا تكتفوا بإعادة الدروس التي تلقيتموها عن أشياخكم، وهي دروس لم تصل بهم ولن تصل بكم إلى يقين.

إلى وزير الأوقاف

وزير الأوقاف لهذا العهد هو أستاذ الفلسفة الإسلامية بالجامعة المصرية من قبل، والتفاتاته الذهنية تجعل الفرصة مواتية لدرس هذا الموضوع الدقيق.

وأنا أقترح أن يؤلف لجنة لدرس الشكايات التي توجه إلى المزارات المصرية لنعرف فهم الشعب لقدسية العدل، ولنعرف أسباب يأسه من إنصاف القضاء.

فإن أجاب - وسيجيب - فقد نظفر بفكرة فلسفية تؤكد القول بأن لا جديد تحت الشمس، وأن الذين يقدمون شكاياتهم إلى المزارات الإسلامية كان لهم أجداد يقدمون شكاياتهم إلى المزارات الوثنية، والمعنى واحد عند أولئك وهؤلاء، ومرجعه الأول هو اليأس من عدل الأرض، والشواهد تنطق بأن لهذا المعنى وشائج في الحياة المصرية.

يجب أن تصادق سكرتير الوزير لتصل إلى الوزير.

ويجب أن تصافي سكرتير الوكيل لتصل إلى الوكيل.

فما ذنب العوام في أن يتوهموا أن الحضرة السماوية لها سكرتارية أرضية، وهم يشهدون تأثير الشفاعات والوساطات في جميع الشؤون؟

ما ذنبهم وهم بفطرتهم من أهل القياس؟

وهل يفهم هذا الكلام بعض من يتصدرون لهداية هذا الجيل؟

افتحوا عيونكم وقلوبكم وعقولكم، يا قادة الرأي في هذه البلاد، فإن لم تفعلوا فسيكون للقلم معكم تاريخ.

مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية

كتب إلينا جماعة من الناجحين في امتحان الثقافة العامة يرجون أن تلتفت مجلة الرسالة إلى

ص: 8

تشريح الكتب المقررة لمسابقة الأدب العربي، على نحو ما صنعت في السنة الماضية. وأجيب بأن شواغل هذه الأيام لن تصرفنا عن ذلك الواجب، وسنشرع في تأديته بعد أسبوع أو أسبوعين، بحيث يستطيع طلبة السنة التوجيهية أن يدركوا أسرار تلك المؤلفات قبل الامتحان.

وأنا أعيد الرجاء الذي وجهته إلى أصدقاء الرسالة في السنة الماضية، وهو التفضل بمشاركتي في أداء هذا الواجب، رعايةً لحقوق أولئك الأبناء.

أما الذين فازوا في مسابقة العام الماضي فلهم منا أطيب التهاني، ثم أصدق الرجاء في أن يظلوا أمناء للحياة الأدبية، ولو اتجهوا إلى العلوم والرياضيات. والله عز شأنه ولى التوفيق.

زكي مبارك

ص: 9

‌من أخلاقنا:

حق الضيافة

للأستاذ علي الطنطاوي

قد أكون على موعد يفوتني بفواته خير عظيم، ولا يبقى بيني وبينه إلا مقدار ما ألبس ثيابي وأمشي إليه، فيجيئني ضيف لا حاجة له عندي، ولا خير له في زيارتي، ولا يبتغي مني إلا أن يدفع الملل عن نفسه بالبقاء ساعتين أو ثلاثاً عندي، فيسقط في يدي، وأحار في أمري: إن استقبلته ضيعت موعدي، وإن رددته أضعت (حق الضيافة) وتعرضت لسوء الأحدوثة؛ ثم أختار أهون الشرين: فأرحب به وأدعوه، وآمل أن أفهمه حقيقة حالي وأعجل له بالقهوة فينصرف. . . وأجلس بين يديه متململاً متضايقاً، وأتلطف في إفهامه والاعتذار إليه، فلا يحفل بي ولا بموعدي، ولا ينظر إلا إلى نفسه ورغبته في قطع الوقت بهذه الزيارة، فيقعد آمناً مطمئناً، يحدثني حديث السياسة، ويسألني عن الروس واليابان، والصين وتركستان، ويعرض عليّ رأيه في الأنظمة التي ستعم العالم بعد الحرب. . . ويفيض ويسهب، وأنا أتقلب على النار، ويبقى على ذلك حتى لا يبقى لي منفعة من الذهاب، ولا يمكن تدارك ما فات، فينصرف ليتحدث عني بأني لقيته بجفاء وخشونة، وكلمته باقتضاب وإيجاز، ولم أوفه (حقوق الضيافة)!

وقد أكون مستغرقاً في مطالعة، أو منصرفاً إلى كتابة قد جمعت لها ذهني. . . فيجيئني ضيف، فأنزل إليه لأسمع منه لغو الحديث، فيفترق ما أجتمع من ذهني، وتفسد على مطالعتي، وإن أنا بعثت من يقول له:(ليس هنا) أكون قد كذبت، وإذا اعتذرت إليه بمطالعتي أو كتابتي أكون قد قصرت في (حقوق الضيافة)!

وقد يأتي الضيف ومعه ولده، فيعبث بالكراسي والمناضد ويكسر الكأس، وربما أمره أبوه بأن يتسلى باللعب مع أولاد الدار، فينطلق كالجن. . . فيفسد كل ما يمر عليه ويزعج الأهل ويأتي كل كريهة، فإذا زجرته أو كففته أو أفهمت أباه أنه ليس من الذوق ولا من التهذيب أن يحمل أبنه - أعني عفريته - إلى بيوت الناس، أكون قد فرطت في (حقوق الضيافة)!

وإن كانت وليمة أو عقد ودعوت عشرين رجلاً، جاءوك ومعهم عشرون ولداً، فتنقلب الدار إلى مدرسة أو إلى مارستان ويتحول المضيف إلى معلم أو قاضي أولاد، وقديماً قال المثل

ص: 10

العامي: (قاضي الأولاد شنق نفسه). . . فإذا وقفت على الباب خادماً يمنع دخول الأولاد، غضب الآباء المدعوون، وانصرفوا ساخطين على هذا الذي لا يعرف (حقوق الضيافة)!

وقد يكون لك عدو تعرض لك بأنواع الأذى، وأراك فنون العدوان. . . ثم نشأت له حاجة عندك، فزارك في دارك، وأبى أن يشرب قهوتك حتى تقضى حاجته، وربما كانت حاجته أن تنجح أبنه في الامتحان. . . فإذا قضيتها خنت أمانتك وعاد إلى مضارتك. . . وإن أبيت عليه وأعرضت عنه، وأفهمته أن الامتحان أمانة، وأن ابنه ضعيف كسلان لا يجوز نجاحه، كنت الملوم المعاتب، لأنك لم تحفل (بحقوق الضيافة)!

والضيف يزورك حينما يحلو له لا حين يحلو لك، ويبقى ما طاب له البقاء عندك، ولا شأن له بفراغك ولا بشغلك، ولا بضيق وقتك ولا بتعب أهلك، ففي الغداة تجوز الزيارة، وفي الضحى وعند الزوال ساعة الغداء، وفي الظل وقت الراحة، وفي الأصيل وفي الليل. وقد يصل الزائر هذه الأوقات كلها بعضها ببعض، فيشرفك بزيارته من الصباح ويلبث (يؤنسك) إلى وقت النوم، وقت منامه هو لا منامك أنت، وربما زارك أقرباؤك، أو أقرباء أقربائك بنسائهم ورجالهم وأطفالهم؛ وأقاموا عندك (صلة للرحم) أياماً وليالي، ونغصوا عليك عيشك، وافسدوا نظام دارك، وأنت مضطر إلى السكوت لا تستطيع أن تقول شيئاً يمس (حق الضيافة). وربما زارك الزائرون في محل عملك، فشغلوك عنه وأكسبوك غضب رؤسائك، وسخط زملائك.

ولقد كان الكرم والشجاعة عماد الأخلاق عند العرب وشعارها وجماع أمرها، لمكان البداوة من حياتهم، فقد كانوا يعيشون في قفار قاحلة وقرى كالقفار، لا فندق فيها ولا مطعم ولا خان، وما للنازح فيها عن داره إلا أن ينزل ضيفاً على كريم يؤويه ويقريه، ولم يكن في بلادهم شرطة ولا نيابة ولا سجن فلم يكن للرجل إلا سيفه يعتصم به، فتعودوا الشجاعة والكرم حتى صار ذلك طبعاً لهم وخلقاً، وبالغوا فيهما وجانبوا القصد، فبلغوا التبذير وقاربوا التهور، وكان عذرهم في ذلك أن الرجل منهم يطعِم حتى يطعَم، ويقري الطارق الغريب كي يقرى هو طارقاً غريباً، وأستمر ذلك إلى الإسلام، بل لقد بولغ فيه بعده حتى أتى القوم بهذه العجائب التي نقرأ أخبارها في الكتب. وانتهى ذلك إلينا فنشأنا على تقديس (حق الضيافة) وتقديمه على سائر الحقوق، ورفعه مكاناً عالياً لا يناله النقد ولا التقويم، واتهام من

ص: 11

يقول فيه مثل مقالتي باللؤم والبخل. لذلك أقدمت عليها متردداً يدفعني إليها أننا في مطلع حياة جديدة يجب في مثلها تمحيص الأخلاق والعادات وتقويمها والإبقاء على النافع منها وطرح مالا فائدة منه بعد ما تغير الزمان، ولا يكون ذلك إلا بالخروج من ربقة التقليد الذي لا يفيد، ومنه تقليد أجدادنا الأولين في هذا الكرم القبيح الذي ذمه الله وسماه تبذيراً، وجعل أهله إخوان الشياطين، والقصد في الأمر والتوسط فيه، ووضع الأمور في مطارحها ولو أن حاسباً مستقرياً نظر فيما ينفق عندنا في كل سنة على الولائم والأعراس والمآتم من الأموال لهاله الحساب، ولرأى أن هذه الأموال التي تنفق فيما لا طائل تحته، ولا موجب له إلا التقليد الضار، يمكن أن ينشأ بها من المدارس والمصانع ما يرفع أمتنا درجات في سلم الارتقاء في آن قريب، فضلاً عما يكون فيه من راحة البال، واضطراد الأعمال، ودفع المكاره التي ذكرت أمثلة عليها في مطلع هذه المقالة.

وإذا كانت الحاجة هي التي علمت أجدادنا هذا الكرم، فأي حاجة تدفعنا إلى الاستمرار عليه؟ وما هو الضرر الذي ينال الضيف إن قلت له: أنا الآن مشغول فزرني إن شئت في وقت آخر؟ ولم تخاف من ذلك وهو من آداب ديننا، وقد كان من خلائقنا قبل أن يتخلق به الإفرنج؟ وماذا يضر الأهل والأقربين أن يهنئوا بالمولود فلا يشربوا (الكراوية)، وأن يحضروا (العرس) فلا يأكلوا الرز واللحم والبقلاوة، وما هم في صحراء كصحراء العرب يحتاج فيها إلى القرى، ولا هم جياع قد حضروا للطعام، وليس المقصد إلا الاجتماع وقد حصل؟ لقد خبرني صديق صادق مطلع أن نفقات عشر ولائم فقط من أوسط ما يكون في الأعراس أو المآتم تكفي لفتح مدرسة ابتدائية تتسع لمائتي تلميذ، فما قولك بنفقات الولائم كلها وسكاكر الأعياد وهدايا الولادة والعرس؟

أنا لا أرتقب من الأمة أن تقرأ هذه المقالة وتنام ليلتها فتصبح وقد نبذت هذه العادات وحددت آداب الزيارة، وتنكبت سبيل التبذير، فإن هذا مالا يكون، وإنما أرتقب أن أجد من القراء من وهبه الله الجرأة في الحق، والرغبة في الإصلاح فيسن للناس سنة (قي هذا الباب) حسنة يكون أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، كما صنع في دمشق شيخها الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله، وعادات الإفرنج في الزيارات والولائم أصلح في الجملة مما نحن عليه اليوم، وتقديرهم للوقت أشد، وهذا كله من آداب الإسلام، والسلف كلهم كانوا

ص: 12

على مثله، فلنقتبسه عن الإفرنج إذا كنا لا نتبع فيه سلفنا الصالح، ولنجعل للزيارة آداباً وأوقاتاً، ولنعلم أن (حق الضيافة) لا يقدم على حق المواعيد، ولا حق العمل، ولا حق الأهل؛ وأن رد الضيف أهون من احتمال الأذى، وإخلاف الوعد، وترك العلم، وإضاعة الأشغال ولنجعل إمامنا قول الله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ولله بما تعملون عليم). صدق الله العظيم

علي الطنطاوي

ص: 13

‌نشيد الانتقام

شاعر الجرمان الأعظم

لأستاذ جليل

ألا إن قصيداً عبقرياً يصوغه (أبو محرز خلف) راوية العرب ومبدع تلك الطائفة من عبقرياتهم، ويختاره (أبو تمام حبيب ابن أوس الطائي) أكبر شعراء العرب ومختار تلك الدواوين للفائقات من أشعارهم، ويطلع عليه (ولفغنغ غوث) أعظم شعراء الجرمان ومفكريهم فيروقه ويطربه بل يبهره فينظمه، وإنما يعرف العبقري - لحقيق جد حقيق بالرواية في (الرسالة) كتاب العرب، وديوان العلم والأدب. فخذوا هذا النشيد، وخذوا هذي السطور في ابن غوث.

وقد نقلت شرح لهذه القصيدة في ديوان الحماسة وأضفت إليه ما لم يفسره التبريزي وأبو العلاء، وما رأيت فائدة في إيراده راجعاً في ذلك إلى هذه الكتب: المصباح، الإفصاح، الصحاح التاج، اللسان، المخصص، النهاية، الفائق، الأساس، تهذيب الألفاظ، كامل المبرد، بلوغ الأرب، مجمع الأمثال، كتاب سيبويه، شرح المفصل، شرح الكافية، مبهج ابن جني، خزانة الحموي، شرح المتنبي للعكبري، شرح شواهد سيبويه، شرح المقصورة الدريدية.

والمأمول أن تكافأ (الرسالة) بما تصنع فيكلف الأساتذة الكرام في كل إقليم عربي الطلاب في أعلى صف ابتدائي وفي الصفوف الثانوية، وفي الصفوف في الكليات - استظهار (نشيد الانتقام). وإنه لمن الكفر في دين الأدب ألا يحفظ شعراً عربياً أدهش شاعر الدنيا - جميع أدباء العرب.

نشيد الانتقام

قال ثابت بن جابر:

(إن بالشَّعب الذي دون سَلعٍ=لقتيلاً، دُمه ما يُطلُّ)

(الطل) مطل الدم والدية وأبطالهما. دمه لا يذهب هدراً قلت: (الشعب) الطريق في الجبل، والجمع الشعاب

(خلْف العبءَ عليّ وولّى=أنا بالعبء له مُستِقل)

ص: 14

(العبء) الثقل، والمراد به ههنا طلب دمه. قلت: أقل الشيء واستقله: رفعه وحمله. ومن المجاز هو لا يستقل بهذا الأمر: لا يطيقه.

(ووراء الثأر مني ابن أخت=مَصِعٌ، عقدته ما تحل)

(المصع) الشديد المقاتلة، الثابت ههنا.

قلت: يقال: إنه لمصع بالسيف. والمماصعة المجالدة بالسيوف، والمجالدة: المضاربة.

(مُطرقٌ يرشح سَمَّا كما أط_رق أفعى يَنفثُ السمِ صل)

قلت: أطرق: أرخى عينيه ينظر إلى الأرض، ورجل مطرق: كثير السكوت. وفي حديث أم سلمة: نهش الرقشاء المطرق. (الصل) الحية الدقيقة الصفراء. يشبه الرجل بالصل إذا كان داهية، قال النابغة:

ماذا رزئنا به من حية ذكر

نضناضة بالرزايا، صل أصلال

(خبرٌ ما نابنا مُصْمَئِلُّ=جلّ حتى دق فيه الأجلُّ)

(مصمئل): شديد

(بْزنى الدهر - وكان غشوما -=بأبيْ، جارُه ما يُذَلْ)

(بأبي) الباء للتأكيد زائدة، ويجوز أن يكون عذى (بزني) بالباء لما كان معناه فجعني، فيكون من باب ما عدى بالمعنى دون اللفظ.

قلت: بزه غلبه وغصبه، وبز الشيء: انتزعه، وأصل البزة (أي اللباس) من بززت الرجل أبزه إذا سلبته، فسمى اللباس بما يؤول إليه من السلب. . .!

(شامس في القُرِّ حتى إذا ما=ذكت الشعرى فبردٌ وظل)

أي هو كريم، وشامس أي ذو شمس، يعني أن من لجأ إليه في الفر وجده كالشمس التي تدفئ المقرور، ومن لجأ إليه في القيظ وجد لديه برداً وظلاً.

قلت: الشعري: كوكب نير، طلوعه في شدة الحر (ذكت) اشتد حرها ومراده طلوعها. وذكت الشمس ذكاء، ومنه قيل لها ذكاء والصبح ابن ذكاء لأنه من ضوئها، واشتقاق ذكاء من ذكو النار وهو تلهبها.

(يابسُ الجنبين من غير بؤس=وندى الكفين، شهم مدل)

يريد أنه يؤثر بالزاد غيره على نفسه، ومن عادتهم التمدح بالهزال. (الشهم) الذكي الحديد

ص: 15

(المدل) هو الواثق بنفسه وآلاته قلت: (البؤس): الشدة والفقر (الشهم) الذكي الفؤاد والشهم السيد النافذ النجد.

معنى (يابس الجنبين من غير بؤس) - كما أراه - أنه يتفحل ويخشوشن - غير مفتقر - كلفاً بالرجولية والفحولة ومقتا للتخنث والتأنث والتترف. وهل يفسد المرء بل الأمة كلها جمعاء إلا الترف، إلا فرط التنعم والدعة. وأقوال ابن خلدون وغيره في هذا المعنى مشهورة.

كتب عمر (رضى الله عنه) إلى أهل حمص لا تنبطوا في المدائن، ولا تعلموا أبكار أولادكم كتاب النصارى، وتمعززوا، وكونوا عرباً خشنا.

(لا تنبطوا. . .) أي لا تتشبهوا بالأنباط في سكنى المدائن والنزول بالأرياف، أو في اتخاذ العقار واعتقاد المزارع، وكونوا مستعدين للغزو، مستوفزين للجهاد (الأبكار) الأحداث (تمعززوا) من المعز وهو الشدة والصلابة. وقد نهى (رضى الله عنه) عما نها عنه لأن القوم وقتئذ بعوث لإبلاغ الرسالة، فاليوم في حمص وغداً في الصين أو الأندلس.

أين عمر، أين أبو حفص عمر، أين تلميذ محمد؟!!

(ظاعنٌ بالحزم حتى إذا ما=حل حل الحزم حيث يحل)

(غيث مْزنٍ غامرٌ حيث يُجدي=وإذا يسطو فليث أبَلْ)

(الإبل) المصمم الماضي على وجهه لا يبالي ما لقي.

(مسِبلٌ في الحي أحوى، رفلُّ=وإذا يغزو فسِمعٌ أزلٌّ)

(مسبل) من أسبال الإزار والبرد لأنهم يصفون ذا النعمة بذلك، وإنما يحمدون ذلك في حال الدعة والأمن، فأما في الشدائد وعند الحرب فإنهم يمدحون الرجل بالتشمير. (الرفل) الطويل الذيل. (أحوى) الذي به حوة، وهي سواد في الشفتين محمود، أو مسبل شعراً أحوى أي أسود لأنهم كانوا يوفرون لممهم، ويصفون الشاب بحسن اللمة. (أزل) الزلل خفة العجز، وذلك خلقته

قلت: السمع سبع مركب لأنه ولد الذئب من الضبع، وفي المثل:(أسمع من سمع) ويقال أيضاً: (أسمع من السمع الأزل) -: (أي الخفيف الوركين، قليل لحم العجز والفخذين) لأن هذه الصفة لازمة له كما يقال للضبع العرجاء. قال:

ص: 16

تراه حديد الطرف أبلج واضحاً

أغر طويل الباع، أسمع من سمع

وليس في الحيوان شيء عَدْوه كعدو السمع لأنه أسرع من الطير، يقال: وثبات السمع تزيد على عشرين أو ثلاثين ذراعاً. .

(وله طعمان أرْىٌ وَسرْىٌ=وكلا الطعمين قد ذاق كل)

(الأرى) يراد به العسل، وإن كان في الأصل عمل النحل

قلت: (الشرى): الحنظل، وفي المقصورة الدريدية:

ليَ التواء إن معادي التوى

ولي استواء إن مولى استوى

طعميَ شرى للعدو تارة

والراح والأرى لمن ودي ابتغى

(يركب الهولَ وحيدا ولا يص_حبُه إلا اليماني الأفل)

قلت: سيف أفل: ذو فلول، وفلوله كسور في حده. وسيف أفل: ذم لما به من الخلل الظاهر، ومدح لما ضرب به كثيراً. سأل عروة بن الزبير عبد الملك أن يرد عليه سيف أخيه عبد الله، فأخرجه في سيوف منتضاة، فأخذه عروة من بينها، فقال له عبد الملك: بم عرفته؟

فقال: بما قال النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

(وفُنُوٍ هجّروا ثم أسْروا=ليلهم حتى إذا إنجاب حلّوا)

(فتو) جمع فتى (هجروا) ساروا في الهاجرة. يريد أنهم وصلوا السير بالسرى

(كلُ ماض قد تردى بماض=كسنى البرق إذا ما يسل)

ارتدى بسيفه، وتردى، واعتطف به، ويسمى السيف الرداء والعطاف

قلت: (السنى): الضوء. كل رجل ماض قد تردى بسيف ماض. (الماضي) الجسور المقدم، والماضي الأسد لجرأته والسيف لنفاذه في الضريبة. مضى السيف مضاء قطع

(فأّدركنا الثأرَ منهم ولما=ينج ملْحيّين إلا الأقل)

قلت: (ملحيين) من الحيين، حذف النون لسكونها وسكون اللام من الحيين كما قالوا في بلعنبر وبلحارث - يريدون بني العنبر وبني الحارث - ونحو من هذا قول قطري:

غداة طفت عَلْماءِ بكرُ بن وائل

وعجنا صدور الخيل نحو تميم

أراد على الماء، ولا يقولون مثل هذا في بني النجار؛ لأنهم لو قالوا: بنجار لحذفوا النون،

ص: 17

وقد أعلموا اللام بالإدغام، فكان ذلك إجحافاً بالحرفين.

ومن طريف ما وجدته في باب الاختصار أو الاختزال. . . في الألفاظ ما ورد في حديث ابن مسعود (رضى الله عنه): أن امرأة ابن مسعود سألته أن يكسوها، فقال: إني أخشى أن تدعي جلباب الله الذي جلببك به!

قالت: وما هو؟

قال: بيتك

قالت: أجنك من أصحاب محمد تقول هذا. .!!

أجنك أصله من أجل أنك أو لأجل أنك

(فاحتسوا أنفاسَ نوم فلما=هوّموا رعتَهمُ فاشمعلّوا)

(اشمعلوا) جدوا في المضي، رجل مشمعل أي جاد خفيف

قلت: حسا المرقة واحتساها وتحساها. (النفس) الجرعة. ومن المجاز احتسوا أنفاس النوم، (هوموا) إذا كان النوم قليلاً فهو التهويم. وفي حديث رقيقة: بينما أنا نائمة أو مهومة: التهويم أول النوم وهو دون النوم الشديد:

(فأن قلت هذيل شباه=لبما كان هذيلاً يفل)

(الشباة) حد الشيء، إن كانت هذيل تمكنت منه فكسرت حده فهو بما كان يؤثر من قبل في هذيل

قلت: في قصيدة أعشى بأهله التي يرثي بها المنتشر:

إمّا يصبك عدو في مُباوأة

يوماً فقد كنت تستعلي وتنتصر

إما سلكت سبيلاً كنت سالكها

فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر

في مباوأة: يقول في وتر

(وبما أبركها في مُناخ=جَعْجَع ينقَب فيه الأظل)

(الجعجع) مناخ سوء، وهو الأرض الغليظة (الأظل) باطن الخف (ينقب) يحفى. والمراد فيما كان ينال منهم ويحملهم على المراكب الصعبة.

قلت: (المناخ) أصله الموضع الذي تناخ فيه الإبل. وأناخها: أبركها فبركت. واستناخت بركت، ومن المجاز: هذا مناخ سوء: للمكان غير المرضي.

ص: 18

(وبما صّبحها في ذَراها=منه بعد القتل ذهب وشلّ)

قلت: (ذراها) مأواها، مكانها. الذرى كل ما استترت به، يقال: أنا في ظل فلان وفي ذراه، أي في كنفه. (الشل): الطرد، ومر فلان يشلهم بالسيف أي يكسؤهم - يتبعهم ويطردهم -

صِلَيت مني هذيل بخِرق

لا يملّ الشر حتى يملوا

قلت: الخرق: السخي الكريم الجواد يتخرق في السخاء ويتسع فيه. والكريم الجواد شجاع، والشجاعة أخت الكرم، والخرق: الفتى الكريم الخليقة

(ينهل الصعدة حتى إذا ما=ما نهلت كان لها منه عل)

(الصعدة): القناة تنبت مستوية، وجمعها صعدات - بفتح العين - لأنها أسم، ثم قيل في المرأة المستوية القامة والأتان الطويلة. . صعدة، وهي وصف لهما، ويجمع حينئذ على صعدات - بسكون العين - لكونها صفة.

قلت: النهل: الشرب الأول وقد نهل وأنهلته أنا، والعل والعلل: الشربة الثانية؛ وقيل الشرب بعد الشرب تباعاً، ومن المستعار عله ضرباً أي تابع عليه الضرب.

(حلت الخمر وكانت حراماً=وبلأي ما ألّمت تحل)

(ما ألمت) يجوز أن تكون (ما) صلة، ويجوز أن تكون مع الفعل بعده في تقدير المصدرية. (بلأي) ببطء. ألمت حلالاً أو إلمامها حلالاً (الإلمام) الزيارة الخفيفة، وتوسع فيه فأجرى مجرى حصلت عندي.

قلت: في حديث أم أيمن (رضى الله عنها) فبلأي ما استغفر لهم، أي بعد جهد ومشقة وإبطاء. ويقولون: لأياً عرفت. وبعد لأي فعلت. قال زهير:

فلأياً بلأي ما حملنا وليدنا

على ظهر محبوك ظماء مفاصله

نصبه على المصدر موضع الحال، والتقدير حملنا وليدنا مبطئين ملتئين. (المحبوك) الشديد الخلق (الظماء) القليلة اللحم، وهو المحمود منها، وأصل الظمأ العطش.

قالوا: إن من عادتهم تحريم الخمر على أنفسهم حتى يدركوا ثأرهم، قال امرؤ القيس:

حلت لي الخمر وكنت امرأ

عن شربها في شغل شاغل

فاليوم أشرب غير مستحقب

إثماً من الله ولا واغل

يقول هذا حين قتل أبوه ونذر ألا يشرب الخمر حتى يثأر به، فلما أدرك ثأره حلت له.

ص: 19

أشرب: سكنت الباء ضرورة، ومن يرد هذا ينشد: فاليوم أسقى أو فاليوم فاشرب (الواغل) الداخل على الشرب ولم يدع.

فاسقنيها يا سوادَ بنَ عمرو

إن جسمي بعد خالي لخل (الخل) المهزول. (سواد) رخمه عن

سوادة، ولك أن ترويه: يا سواد بن عمرو

قلت: في (يا زيد بن عمرو، ويا هند ابنة فاطمة) يجوز في زيد وهند وجهان: الضم على الأصل والفتح للاتباع، وحق الصفة أن تتبع الموصوف، وههنا قد تبع الموصوف الصفة، والفتح يختار ولا يجب، وقد ذهب بعضهم إلى وجوبه

هذا البيت يذكرنا ببيتين في (الجناس المعنوي) لأبي بكر ابن عبدون، فقد قال وقد اصطبح بخمرة ترك بعضها إلى الليل فصار خلاً:

ألا في سبيل اللهو كأس مدامة

أتتنا بطعم عهده غير ثابت

حكت بنت بسطام بن قيس صبيحة

وأمست كجسم الشنفري بعد ثابت

بنت بسطام بن قيس كان اسمها (الصهباء) والشنفري قال: (اسقنيها. . . البيت) والخل هو الرقيق المهزول فظهر من كناية اللفظ الظاهر جناسان مضمران في صهباء وصهباء، وخل وخل، وهما في صدر البيت وعجزه. والجناس المعنوي المضمر هو أن يضمر الناظم ركني التجنيس، ويأتي في الظاهر بما يرادف المضمر للدلالة عليه، فإن تعذر المرادف أتى بلفظ فيه كناية لطيفة تدل على المضمر بالمعنى كقول أبى بكر السابق، وهو أحسن ما سمع من هذا النوع

أنا ممن يقول: عوذ بالله من هذا (البديع) وأهله، وما سطرت ما سطرت إلا إكراماً لتأبط شراً وابن أخته الشنفري وخلف الفرغاني وغوث الجرماني.

(تضحك الضبع لقتلى هذيل=وترى الذئب لها يستهل)

استعار الضحك للضبع، والاستهلال للذئب، وأصل التهلل والاستهلال في الفرح والصياح.

(وعتاق الطير تغدو بطانا=تتخطاهم فما تستقل)

يروي: تهفو بطانا وهفت بمعنى تطير، يقال: هفت الصوفة في الهواء: إذا ارتفعت. بمعنى يعتاق الطير أكلة اللحمان وعافية الجيف.

قلت: العتيق: الخيار من كل شيء: النمر والماد والبازي، وعتاق الطير الجوارح منها،

ص: 20

والجوارح من الطير والسباع ذوات الصيد لأنها كواسب أنفسها من قولك: جرح واجترح الواحدة جارحة. (بطاناً) ممتلئة البطون. (تتخطاهم) تخطو عليهم وتخطى الناس واختطاهم، ركبهم وجاوزهم. (تستقل) استقل الطائر في طيرانه: نهض للطيران وارتفع في الهواء، واستقلت الشمس في الهواء: ارتفعت وتعالت.

تم القصيد العبقري، وكمل شرحه الذي رجعت فيه إلى ما سميت في المقدمة، وسأنشر الكلمة الموجزة في ناظمه باللسان الجرماني في الجزء المقبل إن شاء الله تعالى.

(* * *)

ص: 21

‌ناحية من طاغور

يجب أن نفهمها نحن. . .

للأستاذ حسين مروة

لم ترتعش روحي ارتعاشة الجزع في تلك اللحظة وحدها: لحظة أذاع الأثير نبأ وفاة طاغور، بل قد سرت فيها الرعشة كموجة الكهرباء منذ استطار في العالم أن طاغور يعاني آلام المرض الخطير، إذ اختلج في إحساسي - حينذاك - أن هذه الإنسانية الكاملة التي تجتمع كلها في شخص هذا العظيم، قد أشرفت على ساعة الانتقال من دنيانا هذه إلى دنياها الجميلة في ملكوت الله، حيث تبلغ روح طاغور قمة الفرح الأسمى التي نشدتها بالحب الإلهي، وبالتأمل في جمال الأكوان التي (تحلها) روح الله.

قد اختلج في إحساسي - حينذاك - أن إنسانيتنا المسكينة تكاد تلتهمها لجة اليأس بانقطاع هذا الخيط الجميل من النور الأمل الذي يمتد إليها من صوت طاغور.

قد اختلج في إحساسي - حينذاك - أن أرضنا المعذبة تكاد تفقد فضلة إيمانها بالعدل والحق والخير، بانطفاء هذا القبس الوهاج من إيمان طاغور.

قد اختلج في إحساسي، كذلك أن ناس هذا الجيل تكاد تسكت في جوانب ضمائرهم أصداء هذه الأنشودة الرخيمة التي يترعها قلب طاغور رحمة ودعوة صالحة للسلام، فلا تتجاوب في ضمائرهم - من بعد - إلا أصداء أنشودة واحدة تتعالى في جوانب هذه الأرض من كل صوب، يوقعها قلب ماردٍ جبار يحدو بالإنسانية إلى هاوية الخراب والدمار: تلك أنشودة الحرب التي تجلجل اليوم في الضمائر أكثر مما تجلجل في الآذان.

ويا سرعان ما صدق القدر كل هذا الذي اختلج في إحساسي منذ تأذن الأثير باشتداد وطأة المرض على جسم طاغور، ويا سرعان ما أزفت لحظة القدر، فإذا هذا الإنسان العظيم يصعد إلى القمة العليا لينعم بحبه في كنف الحبيب الأعلى، تاركاً هذه البشرية تزحف في السفح الرهيب بين الآثام والأرجاس كما تزحف الحشرات الدنيا في الأقذار والأنجاس.

وبعد: لقد مات طاغور، فمن هو طاغور؟

أهو شاعر؟ أجل: ولكن شاعر يتغنى بأشواق الروح ليطهر أشواق الجسد، ويعلن نداء الخير ليسكت صرخة الشر، ويشهد بجمال الموت ليسمو بجبال الحياة، ويهدهد أحلام القلب

ص: 22

ليزين جلال العقل، ويعقد أفراح الأمل ليهدم أبراج اليأس.

أهو فيلسوف؟ نعم: ولكن فيلسوف يتسامى إلى ما وراء الطبيعة لا لكي يهجر بيت الطبيعة، بل لكي يستجلي أسرارها على هدى من الإشراق الإلهي، ويستخرج كنوزها بعونٍ من القدرة العليا المبدعة، ويستكشف فضائلها وخيراتها على ضوء من صفاء الروح، وسمو النفس، وبساطة الفطرة، ووضوح العقيدة، وحرارة الإيمان، وهذه هي خلاصة فلسفة الشرق القديم مجلوة بروح جديدة، هي روح طاغور الصافية، الطليقة، السمحة.

أهو صوفي؟ أجل: هو كذلك، ولكن أية صوفية هذه التي يلبس (جبتها) طاغور؟

هي لون جديد في دنيا التصوف، لون محبب للنفس ومحبب للعقل معاً، لأنها صوفية جميلة أنيقة مترفة، لا تتقشف ولا تتزهد ولا تتزمت، وهي - حين تسمو بروح طاغور عن دنيا البشر لتفنيها في ذات الله فناء مطلقاً - لا تذهلها نشوة الفناء عن آلام بني الإنسان وشقاء أبناء التراب، وإنما هي تستمد من حبها الإلهي السامي، ومن نشوتها الروحية العليا - فيضاً من الحب للإنسانية جمعاء، بل هي كلما أمعنت في الاقتراب من الحبيب الأعلى أمعنت في الاقتراب من الإنسانية: تتلمس آلامها، وتتحسس أحزانها، وتتأثر مواطن شقائها، ذلك لكي تقيم الدليل، بأسلوب من إلهام الروح، على أن رابطة الحب السامي بين الله والإنسانية هي أسمى روابط الحب، وهي أهدى طرق النجاة من هذه الآلام والأحزان وهذه الضروب المختلفة من الشقاء التي يعانيها الإنسان على هذه الأرض، ولكي ترى هذه الصوفية العذبة على وضح الإدراك الصحيح - يجب أن تقف بفكرك لحظة عند هذه الأغنية من أغاني (البستاني) التي يستهلها طاغور بنداء يهتف به أن:(قد آذنت شمسك بالمغيب واشتعل رأسك شيباً، فحسبك غناء وإنشاداً، بل آن لك أن تصغي وتصيخ إلى داعي (الغد) فتقول: لبيك)

فبماذا يجيب طاغور هذا النداء؟:

(. . . من للقلوب وعواطفها، وللعيون وأسرارها إذا أنا تبوأت من ساحل الحياة صخرة صماء ولبثت شاخصاً إلى أكمة الموت وما وراءها)

أتراه الآن صوفياً كهؤلاء الصوفية المتزمتين الغارقين في لذاذة الفناء بالله حتى لا يحسون الحياة ولا تحسهم الحياة؟

ص: 23

لا: بل إنك لتراه إنساناً طفحت نفسه بالحياة حتى تملاها إحساساً، وتملكته رسالتها إيماناً وعشقاً، واتحد فيها حبه الإلهي وحبه الإنساني معاً، وما الحياة - في فلسفة طاغور - إلا مجلي من مجالي الروح الإلهية العليا، ومن هنا كان طاغور (الصوفي) منسجماً مع طاغور (القصصي) أو (الروائي) إذ تراه في قصصه ورواياته يتناول صغائر حياة الناس ودقائقها يحللها ويجلوها صوراً إنسانية قوية الحركة والحيوية، تثير في النفس ألواناً من العواطف والاحساسات النبيلة. ومن هنا أيضاً كان طاغور (الصوفي) منسجماً مع طاغور (الشاعر) ذلك الانسجام نفسه، فتصوف الرجل لا يعني - في الواقع - إلا الحب بأرحب معانيه: الحب المنبثق من نفس رحبة تحب الله لكونه هو الله، وتحب الإنسان لكونه إنساناً؛ وإنك إذا رأيت إنساناً يدعي الإغراق في حب الذات الكلية العظمى، ثم ينأى عن أخيه الإنسان ويضن عليه بحبه؛ فقل: إن هذا لا يعرف الله حقاً، ولا يحبه حقاً، وإنما هو يحب نفسه ليس غير: يشفق عليها من العذاب الخالد، أو يرجو لها النعيم الخالد.

ومن هذا كله ترى طاغور الشاعر، والفيلسوف، والصوفي، والقصصي - يأتلف وينسجم مع طاغور (المصور) و (الموسيقي) أجل وأتقن ما يكون الائتلاف والانسجام، ذلك لان شاعريته الرحبة، وفلسفته المشرقة، وصوفيته السمحة، وفنه القصصي الحي - ليست هي كلها سوى مظهر من مظاهر رسالته الروحية التي شاء الله أن يلقيها إلى إنسان تتسع نفسه للتعبير عنها بكل ضربٍ من ضروب التعبير الجميل.

أما طاغور (الإنساني) فهو هو نفسه ذلك الإنسان المتعدد الجوانب، المتنوع (الشخصيات)، وليست إنسانيته (شخصية) مستقلة مندمجة في (شخصياته) تلك، لأن الروح الإنساني الشامل هو مركز قوة لكل ناحية من نواحيه، بل تكاد تنحصر عظمة هاتيك النواحي بما تمدها به هذه الإنسانية الكبيرة من معاني السمو، والسباحة، والصفاء، والشمول؛ وبكلمة واحدة: إن جوانب طاغور المتعددة، وإن مواهبه المتنوعة لتجتمع كلها في هذه (الإنسانية) الرحبة فتؤلف منها شخصية واحدة تشبه الكل البسيط الذي لا يتجزأ ولا يقبل التحليل والتفكيك.

بقيت ناحية واحدة غفلت ذكرها فيما سبق عمداً لأنها هي الناحية التي أقصد إليها في عنوان هذا المقال، ولذلك أردت أن أتحدث عنها منفردة لكي أبلغ القصد الذي ارمي إليه،

ص: 24

وإن كانت هذه الناحية ليست إلا وجهاً من وجوه الصفة الإنسانية الغالبة على روح طاغور، وأعني بهذه الناحية وطنية الرجل، أو مفهوم الوطنية في تفكيره، وفي اتجاهه الروحي، وهنا أحب أن أعترف للقارئ الكريم بأنني - حين أقدمت على التعبير عما أحسست من جزع لفقد هذا الإنسان العظيم - لم أطمح لدراسته دراسة (تستوعب نواحي عظمته جميعاً، وهي لأبعد من أن تنال بهذه الكلمات الطائرة، ولكنني أردت أن أستعين بهذا القدر الضئيل الذي أملك من الطاقة الروحية والذهنية على الوفاء بواجب ذي وجهين: وجه يتعلق بهذا العظيم الذي بلغ نشوته الكبرى بلقاء الروح الكلي الأعظم، ووجه يتعلق بهذا الوطن العربي الذي يتقاضانا استخلاص العبرة، واستخراج ناحية الانتفاع العملي من سيرة هذا العظيم، وإذا كانت نواحي طاغور كلها موضع الانتفاع لكل وطن، وكل قوم، وكل فرد - فإن ناحيته الوطنية أشد لصوقاً بما نحن فيه اليوم من أحوال وظروف، لأننا اليوم أحوج ما نكون إلى تفهم معنى الوطنية على ضوء جلي من تفكير وإلهام هذا الإنسان الملهم، فلقد كادت تنقلب عندنا مقاييس الوطنية انقلاباً غريباً، حتى كادت تكون الوطنية التي نفهمها هذه الأيام لا تعني سوى ارتقاب واغتنام أقصر الفرص لكسب الرزق أو الشهوة أو الحكم، سواء أكان في ذلك خير الوطن أم جلب الضر إليه، وسواء أكان في ذلك تخفيف الشقاء عن أهليه أم إنزال الشقاء عليهم أضعافاً مضاعفة.

إن طاغور (الإنساني) الذي يشمل الإنسانية جمعاء بحبه وحنوه وصفاء قلبه، هو نفسه طاغور (الوطني) الذي أفاض على الهند من هذا الحب والحنو والصفاء ما عرفه الهنود أنفسهم وقدروه قدره، وقابلوه بفيض مثله من الحب والإكبار والإيمان، وهل هذا غريب؟

كلا: ليس شيء أقرب للاتساق مع الطبيعة والمنطق من أن يكون طاغور الإنساني وطنياً صادقاً، عميق الإخلاص، يؤثر مواطنيه بقسط كبير مما وهب قلبه الكبير من الحب الدافق والحنان الشامل، ولكن ما هو مفهوم هذه الوطنية التي تتسق ذلك الاتساق مع نزعة إنسانية تتخطى الحدود والمعالم، وتتخطى العرف والتقاليد والأوضاع؟!

نترك الحديث عن وطنية طاغور وعن حدود هذه الوطنية في ذهنه - إلى سيرته العملية أولاً، ثم إلى آثاره الأدبية ثانياً أما سيرته العملية فتتجلى فيها وطنيته من نواح عدة: فلقد عنى طاغور برفع مستوى شعبه العقلي والروحي والاجتماعي عناية تظهر آثارها العظيمة

ص: 25

فيما أسس من مدارس لتطبيق تعاليمه الفكرية والروحية والاجتماعية: تعاليمه التي يؤمن بها إيماناً منقطع النظير، وتتملكه رسالتها النبيلة تملكاً يشبه من وجوه كثيرة حالات القديسين، تلك التعاليم التي كانت في عقيدته خير وسيلة لإنقاذ الشعب الهندي من صغاره وعبوديته، ومن شقائه وبلائه، ومن ضعته وانحطاطه، ولعل أروع ظاهرة في سيرته العملية هذه، هي محاولته التخفيف من حدة التقاليد البرهمية التي كانت توسع شقة الفوارق والحواجز بين طبقات الشعب وطوائفه، وأنبل مظاهر هذه المحاولة تأسيس طاغور مدرسة عالية لطائفة المنبوذين ليثقفهم تثقيفاً عقلياً وروحياً يغرس في نفوسهم الاعتزاز بكرامتهم الإنسانية، ويشعرهم بأقدارهم في الوجود، ولقد أفاد طاغور من هذه المحاولة أن بث في روحية هؤلاء المنبوذين الخامدة لهباً من روحه كاد يقربهم منزلة من الطبقات الأخرى المترفعة عنهم، وفي هذه المحاولة - كما ترى - مظهر رائع للوطنية الحق، بمقدار ما فيها من نزعته الإنسانية النبيلة، وفي سيرته العملية مظهر آخر للوطنية يتجلى في دعوته إلى إخماد لهب الأحقاد بين المسلمين والهندوس، وإطفاء ثائرة البغضاء بين جميع الطوائف التي تؤلف شعوب الهند، ولقد كانت له في هذا السبيل صيحات كريمة نافعة.

فها أنت ترى أن الوطنية في عرف طاغور ليست عملاً سلبياً مبنياً على الصراخ والتهويش والادعاء الفارغ والتشدق بالألفاظ الفخمة المجنحة، بل هي عمل إيجابي صامت يبني وينشئ ويتناول بالبناء والإنشاء عقل الأمة وروحها قبل كل شيء، لأن الأمة في رأيه ليست أمة حقاً إذا لم تكن ذات عقل ناضج وروح سام، وذات وحدة عقلية وروحية شاملة، على أن تكون في وحدتها العقلية والروحية مجتمعة على الإيمان بمثلها العليا، إيماناً يلهب وجدانها بنزعة التأمل في جمال هذه المثل الكريمة، وبنزعة التقديس لمظاهر الألوهة في هذا الكون العظيم.

هذه أروع مجالي الوطنية في سيرة طاغور العملية، وهي في ذاتها أمثلة عالية للاعتبار والاحتذاء، وهي كذلك حدود واضحة لمعنى الوطنية الصحيح. أما ما تحدثنا به آثار هذا الرجل الأدبية عن مفهوم الوطنية في ذهنه، فحسبك أن تقف من ذلك على بعض رواياته التي يدير فيها الحوار على ألسنة أشخاصها مشبعاً بالآراء والأفكار السامية حول موضوع الوطنية وحدودها، ولعل في روايته (البيت والعالم) أعظم آرائه وأفكاره في هذا الباب، فلقد

ص: 26

دارت هذه الرواية كلها حول هذه النقطة، وهي حدود معنى الوطنية كما تستقر في ذهني شخصين يختلفان كل الاختلاف بالاتجاه الفكري وبالمزايا النفسية وبالنزعات الخلقية أما أحدهما (سانديب)، فهو زعيم وطني يثير حماسة الجماهير ببلاغة منطقه وبقوة إيحائه النفسي، وبهذا الأسلوب نفسه، يلهب حقد الشعب على الأجانب، ويدفعه إلى مقاطعة بضائعهم، ويغريه بإيذاء المواطنين المتخلفين عن تنفيذ تعاليمه بكل وسيلة من وسائل الإيذاء، بل يغريه في سبيل ذلك باستباحة كل جريمة وبارتكاب كل منكر؛ وأما ثانيهما (نيكهل)، فهو من راجات الهند، مثقف ثقافة عالية، ومهذب تهذيباً نفسياً سامياً عجيباً، وبسمو تهذيبه هذا استطاع أن يطهر نفسه من الأحقاد والأضغان، وأن يحملها على الهدوء والصفاء والتسامح في وجه الأزمات والرجات النفسية، وفي وجه الأشخاص الذين يحدثون هذه الأزمات والرجات في مجرى حياته، وجاهد في أن يطهر نفسه أيضاً من نوازع الأنانية العمياء التي تضحي بهناء الآخرين وشخصياتهم في سبيل هناء وشخصية صاحبها، ثم يصوره لنا طاغور رجلاً قوي السلطان على نفسه إلى غاية استطاع عندها أن يكون إنساناً سامياً حقاً، ثم يصوره رجلاً وطنياً يحب هناء شعبه ورخاءه وصون كرامته، ولكنه لا يتبجح بوطنيته هذه، بل يعمل لها بهدوء وصمت: ينشئ المعامل لتشغيل العمال وتوفير الحاجات الصناعية الوطنية، ويقتني لبيته الأثاث الوطني ويتغذى الأغذية الوطنية، ويستعمل أدوات الزينة الوطنية، ولكنه - مع كل ذلك - لا يحاول إيذاء الأجنبي بإخراج بضائعه من مقاطعته، أو إحراقها كما يفعل (سانديب)، ولا يحاول أن يقهر أحداً من مواطنيه على استعمال بضاعة معينة، لكي لا يكون في ذلك حرج أو ضرر عليه، وهو - من أجل هذا - يقف من حركة (سانديب) موقف التحفظ والحذر، وقد يحاول أن يجادل (سانديب) في أساليب حركته العنيفة، مصطنعاً في جداله الهدوء والمنطق الرزين، مبتعداً في هذا الجدال أيضاً عن التأثر بالعصبية لرأيه رغم إيمانه به كل الإيمان. أما (سانديب)، فيصوره طاغور على النقيض من صورة (نيكهل) هذه، إذ يرينا نفسه تصطخب بدوافع ونوازع هائلة مخيفة، ويرينا شخصيته لا تعتمد في تزعم الحركة الوطنية إلا على بلاغة المنطق وقوة الاستهواء، بل لقد صوره طاغور رجلاً خداعاً ماكراً يستبيح لنفسه السرقة باسم الوطنية، ولا يجد حرجاً في إغراء زوجة (نيكهل) بالتمرد على حياتها الزوجية

ص: 27

الوادعة المطمئنة، المغمورة بسعادة الحب الجميل، مستغلاً نزعتها الخيالية ليستفيد من أموالها، يروي بها شهوات نفسه المتعطشة للزعامة لذاتها كغاية لا وسيلة، وهكذا يستمر طاغور متتبعاً خطوات (سانديب) في حركته الطاغية العنيفة حتى يستحل في سبيلها خداع زوجة (نيكهل)، وهدم هناءتها الزوجية، وهدم أحلامها العظيمة التي بناها هو لها في خيالها الملتهب، وحتى ينهي حياة هذه الأسرة الطيبة بفاجعة مروعة على حساب وطنيته المموهة.

بهذا التصوير البارع يحدد لنا طاغور حقيقة الوطنية كما يرتضيها هو، وكما يؤمن بها كوسيلة للعمل المنتج في سبيل الأوطان، ولعل هذا العرض يبقى ناقصاً إذا لم نشفعه ببضعة آراء وأفكار خطيرة أدارها على لسان (نيكهل) الذي يبدو لنا أنه هو الشخص المختار في هذه الرواية لتمثيل آراء طاغور نفسه في الوطنية، وأنا أعرض هذه الآراء والأفكار لا لأجل إيضاح معنى الوطنية عند طاغور وحسب، بل لأجل أن تكون أمثالاً عليا نؤمن نحن بها، ونحفر لها مستقراً أميناً في قرارات وعينا، لعلها تكون عوناً لنا في هذه الظروف والأحوال التي تحيط بنا اليوم:

قال (نيكهل) بعد أن أخرج المربية الأجنبية من قصره بتأثير ضغط الحركة الوطنية التي يقودها (سانديب)، وقد شيعها بنفسه في عربته فانتقدته الصحافة الوطنية المتطرفة لأجل ذلك مر الانتقاد:(إنني أخدم بلادي ولكني لا أعبدها، فإني أعبد الحق وهو أعظم من بلادي، أما من يعبد بلاده كما يعبد الله فهو يسئ إليها ويتوهم أنه من المحسنين).

وكان نيكهل يجادل سانديب في بعض آرائه الوطنية فقال له: (. . . أما حقيقة رأيي - الكلام لنيكهل - فهي أن الذي لا يستطيع أن يتحمس لبلاده كما هي حقيقة، والذي لا يستطيع أن يحب إنساناً لمجرد كونه إنساناً، والذي يريد تأليه وطنه بالهتاف والهياج - فهو يحب الهياج أكثر مما يحب وطنه).

وحين شاع أن خزينة المهراجا قد سرقت جاء إلى (نيكهل) أستاذه الحكيم، وفيما هذا يتحدث عن (سانديب) وأتباعه قال هذه الكلمة العظيمة يعني بها رجال الحركة المتطرفين:(لقد وضعوا الوطن حيث طردوا الضمير)

وقال (نيكهل) وهو في نقاش مع (سانديب):

(إني أقول لك الحقيقة (يا سانديب): إنك تجرح عواطفي حين تدعو الظلم واجباً، وتطلق

ص: 28

على البغي اسم الخيال الأدبي، فليس العقل هو الذي يمنعني عن السرقة بل الذي يمنعني عنها عاطفة تدعوني إلى احترام نفسي)

اكتفى بهذا القدر لأن الإطالة قد بلغت حداً لم أكن أقصد إليه. أما بعد: فيا أيها الإنسان العظيم الناعم الآن بفرحة الحب الأسمى، لقد بلغت رسالتك الجميلة، وأسكرت الدنيا بترانيمك المترعة رحمة ومحبة، ودعوة للسلام والألفة، فمن حقك أن تهنأ الآن بلقاء حبيبك الأعظم، ومن حقك على الدنيا هذه أن تذكر فضلك، وأن تهتدي بهدى روحك العظيم يوم تصحو من هذا الجنون المطبق، وهي لابد أن تصحو يوماً.

(بغداد)

حسين مروة

ص: 29

‌أدباء ومدرسون!.

. .

(حديث ذو شجون إلى وزارة المعارف وإلى الدكتور زكي

مبارك. . .)

للأستاذ محمد سعيد العريان

تلطف الدكتور زكي مبارك فتناول في حديث الأسبوع الماضي موضوع (الترقية إلى المدارس الثانوية)؛ وهو موضوع من حق صديقنا الدكتور زكي مبارك أن يتحدث عنه، لأنه بسبيل من عمله الرسمي في وزارة المعارف، وعمله الأدبي في مجلة (الرسالة)؛ فليس من حق أحد أن يدهش للأسلوب الذي تناول به موضوعه، أو الطريق الذي سلكه لإبداء الرأي فيه؛ وإنه لمن الغبن أن يكون الدكتور زكي مبارك ملوماً على ما في حديثه ذاك من التناقض وفساد الحكم؛ إذ كان يملي عليه الرأي حين يحكم شخصيتان لا تجتمعان على فكرة واحدة: شخصية زكي مبارك المفتش بوزارة المعارف، وشخصية زكي مبارك المؤلف المحقق الأديب؛ ومن أين لهاتين الشخصيتين أن تجتمعا على رأي وبينهما ما بينهما من الفوارق العقلية، ولكل منهما مقياسه في موازين الأشياء. . .!

والموضوع الذي تناوله الدكتور زكي مبارك حقيق بالبحث والدراسة، لأنه موضوع عام يتصل من قريب بشأن من أخص شؤوننا الأدبية، إذ كان المعلم هو فكرة الشعب، وأماني الغد، ومستقبل الثقافة، ولكن هذا الموضوع على عمومه يتصل بجانب من حياتي الخاصة يحرجني أن أتخذه موضوعاً للحديث، ولعل كثيراً من الذين يقرءون لي في الرسالة منذ سنين، لم يدر في خلد أحد منهم أن يسأل عن عملي الذي أتكسب منه ووظيفتي الرسمية التي أعيش بها قبل أن يعرف بي الدكتور زكي مبارك. .

ومعذرة إلى طائفة من القراء، فإن الرأي العام في مصر وفي الشرق ما زال يقيس منازل الرجال على قدر منازلهم في مناسب الحكومة أو منازلهم في دولة المال!

على أنه لا مندوحة لي اليوم عن الحديث في موضوع كنت أتنكبه فراراً من التهمة، ولست أطمع بعد في كلمة عطف أو أخشى كلمة ملام، فإني لقوي بنفسي عن استجداء العطف أو خوف الملام، ومن وجد في نفسه الطاقة فليس له عذر من التقصير؛ وليغضب من يغضب

ص: 30

لنفسه أو للحق، فليس بي إلى أحد حاجة، وليس لي في سبيل الحق أن أخاف سطوة إنسان!

وأبدأ حديثي لأصحح للدكتور زكي مبارك قوله: (الترقية إلى المدارس الثانوية) فإن كلمة (الترقية) هنا لا تؤدي معناها اللغوي كما يفهمه أهل التحقيق، وليس في نقل معلم من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الثانوية أي معنى من معاني (الترقية) وليس ثمة فرق بين معلم هنا ومعلم هناك، لا في الدرجة العلمية، ولا في العمل، ولا في المال، ولكن الفرق كل الفرق في التلميذ وفي المكان. . .

هذا حق يعرفه زكي مبارك (المفتش بوزارة المعارف)، كما يعرفه وزير المعارف نفسه، وكما يعرفه المعلمون جميعاً في المدرستين الابتدائية والثانوية؛ ولكن لماذا، لماذا - والأمر كذلك - تصر وزارة المعارف على تسمية هذه النقلة (ترقية)؟ ولماذا يشكو طوائف من المعلمين فيطلبون حقهم في هذه (الترقية)؟

جواب ذلك: أن هذه (النقلة) هي مظهر من مظاهر (الثقة العلمية) بالمعلم المنقول، وهي (اعتراف رسمي) بأن لهذا المعلم أهمية لتعليم طائفة من التلاميذ أنضج عقلاً من إخوانهم في المدرسة الابتدائية؛ وهذه (الثقة العلمية) وهذا (الاعتراف الرسمي) هما كل جزاء المدرس المنقول، وهما حسبه وكفايته؛ وأهل العلم دائماً هم أقنع الناس بالقليل!

. . . وقد سنت وزارة المعارف سنة منذ عامين: أن تسبق بين المعلمين في امتحان سنوي عام، لتمنح أسبقهم ثقتها العلمية واعترافها الرسمي.

لقد كثر ما تحدث المربون عن عيوب الامتحان، واختلال ميزانه، وجنايته على شخصية التلميذ. . . أفلم تجد الوزارة - بعد تجارب السنين - وسيلة لاختيار كفاية المعلم غير الامتحان وقد قالت ما قالت فيه وسمعت ما قيل؟

أليس لدى وزارة (المعارف) من وسائل (المعرفة) في ذلك غير امتحان (المعلمين)؟ بلى! هكذا قالت وزارة المعارف منذ سنتين وما تزال تقول: الامتحان!

الامتحان؟ بالله كيف صارت عيوبه حسنات، واختلال ميزانه دقة، وجنايته على (شخصية التلميذ) سبيلاً إلى تحديد (شخصية المعلم)؟

ولكن لا علينا من ذاك؛ فليس يعنينا ما تكون وسيلة وزارة المعارف إلى اختيار معلميها، ولو كانت المباراة بين المعلمين في حمل الأثقال. . .!

ص: 31

ولكن، لأي شيء سنت الوزارة سنة الامتحان؟

الوزارة تقول أنها تقصد من ذلك إلى استثارة القوى والكشف عن (الكفايات المغمورة)؛ هذا كلامها؛ فما بالها تصر على امتحان ذوي القوى العاملة و (الكفايات المشهورة) إذا لم يكن القصد من الامتحان إلا الكشف أو الاستكشاف؟ ما قيمة المصباح تشعله في النهار والشمس طالعة؟ وما عمل المظلة ترفعها على رأسك في الظلام ولا مطر ولا غمام؟ وماذا يقول المعلم يوم الامتحان إذا كانت مؤلفاته وأعماله الأدبية هي موضوع الامتحان؟

هنا مشكلة أدبية عامة، هي مشكلة (النفر الستة) الذين قصر عليهم الدكتور زكي مبارك حديثه في العدد الماضي.

ليت شعري ما شأنك وشأنهم يا صديقي؟ إنك لتعرف هؤلاء النفر الستة معرفة الرأي والنظر، وتعرف كم أبلوا في جهادهم للعلم منذ سنين؛ وأراك لم تنكر أقدارهم العلمية والفنية على طول ما تعتبت عليهم وتجنيت.

هؤلاء النفر الستة يا صديقي - وأنا منهم - لم يرجوا وزارة المعارف أن ترقيهم إلى المدارس الثانوية كما ظننت، فإنهم أصدق نظراً من أن تخدعهم الفروق الصغيرة بين الأسماء فتحملهم على الرجاء والاستجداء. . .

بلى، نحن لم نطلب هذه (الترقية)، ولم نسع لها، ولا نعرف لها طعماً مما يمر في الأفواه ويحلو؛ وإن لنا من الإيمان بأنفسنا ومن الإيمان بمعنى الأدب ما يرتفع بنا عن ذلك المستوى، ولكنا كتبنا لننبه وزارة المعارف إلى معنى أدبي كان ينبغي ألا تغفل عنه أو يغفل عنه القائمون بشؤونها؛ - كتبنا لننبهها إلى أنها بما أكثرت من الحديث والنشر عن امتحان المسابقة، ونتائج المسابقة، قد ألقت في وهم الناس أن معلم المدرسة الابتدائية ليس له من العلم مثل حظ المعلم في المدرسة الثانوية، وليس له تحصيله وكفايته. . . . . .

هذا المعنى يا صديق يسوءني ويسوءك، ولكنه يسئ إلى وزارة المعارف أكثر مما يسوءني ويسوءك حين يعرف الناس أن بين المعلمين في المدارس الابتدائية طائفة من أهل التأليف والتحقيق يدوي صوتهم في آذان الشرق العربي ويملأ حديثهم نوادي الأدب هنا وهناك ولا تكاد تحس بهم وزارة المعارف. .!

أي تهمة يا صديقي تنال وزارة المعارف في سمعتها، وماذا يقول الناس عن كفايتها وحسن

ص: 32

تقديرها للآثار العلمية، وهي تجهل أقدار العاملين من معلميها وما أنتجوا من بحوث وما استحدثوا من فنون؟

. . . هذا المعنى يا صديقي هو الذي رفعنا من أجله الصوت إلى وزارة المعارف - ووزيرها من أهل التأليف والتحقيق - نطلب إليها أن ترد إلينا الاعتبار العلمي، فتعترف بنا أدباء ومؤلفين ومحققين.

ولكنك تقول يا صديقي: (إن هذا الباب إن فُتح فسيتيح فرصاً كثيرة لأدعياء التأليف والتحقيق. . .)

وأعيذك يا صاحبي أن تكون قصدت إلى المعنى الذي تشير إليه عبارتك؛ فأي عمل لوزارة المعارف إن كانت لا تدرك الفرق بين المدعي والأصيل من أهل التأليف والتحقيق؟

ويذكرني قولك هذا يا صديقي كلمة قالها لي الدكتور فلان منذ بضعة أشهر، قال:(لو كنت موظفاً في مصلحة التنظيم لوجدت من وزيرها اعترافاً بمجهودك الأدبي أكثر مما أنت واجد اليوم في وزارة المعارف. . .!)

على أن للمسألة يا صديقي وجهاً أخطر من ذلك وأبعد أثراً في أدب الجيل؛ فإن إنكار الفضل على (ستة نفر) استعلنوا بجهودهم بين ألف ومائتي معلم في المدارس الابتدائية، جدير بان يفقد هؤلاء (النفر الستة) حلاوة الإيمان بمعنى الأدب، ويردهم آلات لا يعملون إلا (الواجب)، الواجب الذي يؤجرون عليه بالطعام والشراب واللباس وزخرف الحياة، وأعوذ بالله من سوء الخاتمة!

ومالي أبعد في الظن وأقدر وأتوقع وأترك الواقع الملموس؟ ألست تعرف كما اعرف يا صديقي مَن الذي (يؤلف) أكثر الكتب المدرسية في وزارة المعارف ومن الذي (يشرفها) باسمه الكريم؟. . . أحسبك لا تطالبني بالتصريح بأكثر من ذلك، لأنك لا تحاول أنت أن تنكره ولا أحاول أنا أن أخفيه. . . . . .

وتسألني: ما لهذا وللمشكلة التي نعالجها اليوم وتلك قضية من قضايا الأخلاق وهذه مشكلة من مشاكل الأدب؟

وأقول: إنه ما دام الاعتبار الأول عند وزارة المعارف في الحكم على الآثار الأدبية هو (وظيفة المؤلف) فما بد أن يكون هناك تعاون بين ذوي (العلم) وذوي (الجاه) شبيهه

ص: 33

بالتعاون بين (رأس المال) و (جهد العامل) في تكوين (شركة) من شركات (الربح والتثمير)!

أتريد أمثلة يا صديقي أم كفاك ما تعرفه وأعرفه مما لا تحاول أنت أن تنكره ولا أحاول أنا أن أخفيه!

ولكني أراك لم تقنع بعد بالعلاقة بين ما ذكرت وبين المشكلة التي نحن بسببها؛ إذن فاعلم يا صديقي أن جرثومة ذلك الداء هي تلك (الأرستقراطية العلمية) التي تأبى أن تعترف بقيمة الإنتاج الأدبي لأحد من (صغار المعلمين) إلا. . . إلا ماذا؟. . . معذرة فقد نسيت!

أتراك يا صديقي قرأت قصة (من أدباء الجيل)؟ نعم، إنني أذكر ذلك، فقد كانت موضوع حديث بيننا يوماً، ولكني أشير عليك أن تعود إليها فتقرأها مرة ثانية، فلعلك واجد فيها متاعاً ولذة يرفهان عنك بعض ما تجد من ثقل هذا الحديث!

وأعود إلى ما كنا فيه، فأسألك يا صديقي: أترى حقاً وصدقاً أنه لا بد من امتحان (المسابقة) للترقي في الوظائف حين تكون كفاية الموظف في حاجة إلى دليل؟. . .

ففي أي مباراة سبقت أنت حتى صرت (مربياً كبيراً) تحكم على أقدار (صغار المعلمين)؟ وفي أي مباراة سبق فلان وفلان ليكونوا أعضاء في لجان الامتحان وحكاماً في مباريات المعلمين؟. . .

وأبادر فأعتذر إليك وإلى فلان وفلان؛ فما أردت أن أغض من أقداركم العلمية، وإنكم لأدباء من أهل التأليف والتحقيق. . .

. . . ولكني رأيتك في بعض ما ساقتك إليه شجون الأحاديث، تنكر قيمة كل المقاييس العلمية إلا مقياس الامتحان، فرأيت أن أعرف أين أنت هناك؟. . .

أهذا ما تسميه الزهو البغيض؟

الهم إني أستغفرك وأستهديك، وأسألك إلا ما جنبتني من الكبرياء، أن تزيدني ثقة بنفسي، ويقيناً بحقي، وإيماناً بعملي!. . .

وإنه لعلى الرغم مني - يا صديقي - ألا تتهيأ لي العوامل النفسية التي تسمح لي أن أقبل على الامتحان، وإن كانوا:(في أوربا وأمريكا يتقدمون إلى المسابقات بعد الخمسين، ولهم في ميدان المجد الأدبي والعلمي مكان). . .

ص: 34

تسألني: لماذا؟

وأسألك: لماذا؟

وتعرف وتسكت، وأعرف وأغضي، وتفتر الشفاه عن بسمات حين تتراءى صورة فلان وفلان. . . (وأنت تعرف ما أريد)!

محمد سعيد العريان

المدرس بالمدرسة الابتدائية

ص: 35

‌الوضع الصحيح للإصلاح الاجتماعي في مصر

للأستاذ محمد عبد الرحيم عنبر

- 2 -

ذكرنا في العدد 418 من هذه المجلة الغراء أن الوضع الصحيح للإصلاح الاجتماعي في مصر يقتضينا ألا ننظر إلى الفقر كمشكلة قائمة بذاتها؛ لأنه - كما قلنا - نتيجة لمشاكل أخرى كثيرة. وعلى ذلك يجب علينا أن نبين مدى مساهمة تلك المشاكل في خلقه ومضاعفة آثاره المحزنة. وهي كلها مشكلات اجتماعية خطيرة ملحة. واستمرار وجودها واستفحالها يجعلها تتفاعل بعضها مع بعض، وتنتج عصير الشقاء الذي تتجرع كأسه الأغلبية الساحقة من سكان هذه البلاد.

والذين يتحدثون عن (الفقر) وحده مخطئون كل الخطأ، إذ لا يحلمون إلا بإعادة توزيع الأراضي على جميع أفراد الشعب على السواء وملء جيوب الفقراء بالمال. وهو أمر مستحيل وضار من الوجهة الاجتماعية ومناقض للبداهة السليمة والقوانين السماوية كلها ومنافٍ لمنطق الأشياء. فلو تحول الشعب يوماً ما إلى أغنياء بمثل هذه الطريقة لاضطرب المجتمع من جديد بعنف لتعيد الطبيعة توازنها الفطري، وعاد معظم الفقراء إلى ما هو أشد وأنكى من فقرهم الأول. فللطبيعة قوانين خفية تسري من تلقاء نفسها وتحطم كل ما يقف في سبيلها. والفقر ظاهرة طبيعية، ولكنه عندما يتجاوز حده يصبح ظاهرة اقتصادية اجتماعية.

وإذا كنا قد تحدثنا في المقال السابق عن صلة الحالة الاقتصادية بالفقر، فلنحاول اليوم أن نرسم صورة سريعة للصلة الوثيقة بين مشكلتي الجهل والفقر.

مشكلة الجهل في مصر

كثير من الناس ما زالوا يخلطون بين الجهل والأمية، ولا يفرقون بينهما. فالأمية ضد التعليم بمعناه الضيق. أما الجهل فهو عكس الثقافة التي تستلزمها الحضارة والتربية العامة للشعب. وهي أوسع معنى من التعليم وأشد لزوماً منه. فالنبي عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه كان مثقفاً، نير الفكر، واسع الإدراك، ولهذا تمكن من

ص: 36

الاضطلاع برسالته العظيمة. وكم من رأسماليين عالميين وعظماء ومخترعين دوليين معروفين لم ينالوا قسطاً وافراً من التعليم. ويقابل هؤلاء متعلمون، ومنهم من درسوا في الجامعات، تراهم يتكلمون أو تقرأ لهم ما يكتبون فتشعر أن على شخصياتهم الباهتة سمات الجهل المطبق والمنطق السقيم. وعلى هذا يصح أن نقول: وكم في المتعلمين من جهلاء!

وقد كان الغرض من التعليم في الماضي هو تأهيل الشبان للأعمال الحكومية الآلية، ولا شئ غير ذلك، عندما كانت تسيطر على دفة الحكومة والتعليم عقليات إنجليزية ركزت بين أناملها تصريف الأمور، وصار تبعاً لذلك الطلبة نسخاً متشابهة مكررة من أصل واحد! ثم انتهى هذا العهد، وظهرت في الوجود نظريات جديدة تربوية نادت بوجوب الاهتمام بشخصية الفرد، وإنماء ملكات الابتكار المودعة في جهازه البشري الدقيق. وقد تطورت تلك النظريات، وصارت توائم بين حاجات الفرد وحاجات الجماعة التي لا غنى عن المحافظة عليها، ولا مفر من تنسيق نشاط أفرادها مع زيادة نفعها لهم؛ وبذلك صار التعليم تربية وثقافة حرة مرنة لا مجرد تلقين معلومات جافة، وحشو الأدمغة بدراسات ميتة لا غناء فيها ولا طائل تحتها. وصارت التجارب العلمية والعملية الكثيرة التي تطبق اليوم في أوربا وأمريكا توحي دائماً بالبرامج النافعة التي تكون أكثر انطباقاً على حاجات الفرد الغريزية والاجتماعية والمادية. وليس في نيتي أن أعتدي على اختصاص الفنيين وأخوض في شروح وفروق تلك النظريات التربوية الحديثة، فأنا أمر عليها بقدر ما يسمح لي بحث اجتماعي كهذا، وإنما أذكر أن هدف التربية الحديثة هو الإكثار من الكفايات الاجتماعية. وهي - أي الكفايات الاجتماعية - وحدها القادرة على الحياة والكفاح وكسب القوت المحترم الشريف في عصر مضطرب بالشهوات الماحقة والصوالح المتعارضة، والنظريات العلمية المتجددة على الدوام. والتربية الحديثة توحي بالتعليم الذي يناسبها ولا يعطل آثارها. وهي إذا سارت في مجراها العلمي المنتج كانت أقوى درع ضد الفقر، وأيسر السبل إلى الثروة والغنى والمجد.

ومصر لم تعمل بعد بهذه النظريات، وإن كانت قد عرفتها وأرسلت البعثات تلو البعثات لدراستها، ولم تأخذ بنصيبها من رسالة التربية الحديثة وإن كانت تنادي بها وتعطف عليها وتشترك في مؤتمراتها. ويخطئ بل يكذب من يقول غير هذا عن وزارة المعارف. فهي

ص: 37

نفسها إلى اليوم حائرة ضالة طريقها مرتبكة لم تعلم بعد رسالتها، ولم تفهم مهمتها على وجه التحديد!! وهو أمر لو كان في بلد آخر غير مصر لكان جريمة لا تغتفر، ولاتهمت وزارة المعارف بإفساد حياة الناس، ولرفعت عليها القضايا من أولياء أمور الطلبة، ولثار عليها الرأي العام. وذلك لأن التعليم في عصرنا هذا فريضة وطنية، والتربية العامة واجب مقدس. ووزارة المعارف هي وحدها الأمينة عليها؛ فإذا هي اضطربت في تأدية رسالتها كان الأمر نكراً، واضطربت معها حياة الناس، وارتبك سير الآلة الاجتماعية. وإذا كنا نعلم أن جهالة فرد قد تطوح بمستقبل أسرة أو عدة أسرات أمكننا أن نتصور مدى الخطورة في جهالة شعب بأسره!!

ولنسرد الآن شيئاً من التفصيل عن هذه الناحية. فقد جاء في الإحصاءات الأخيرة أن نسبة المتعلمين بين الصغار الذين بلغوا سن التعليم هي 12 % ولتبيان ضآلة هذه النسبة نذكر أنها في السويد 98 %، وفي تشيكوسلوفاكيا 60 %، وفي اليونان 31 %، مع أن المعروف عن هذه الدول أنها من الصف الثاني والثالث من حيث التعليم.

أما نسبة الأمية - ولا نقول الجهالة فأمر هذه أفدح وأنكى - فيمن فاتوا سن التعليم من الذكور فهي 79 %. وإن هذه النسبة المخجلة جداً لتصبح أشد هولاً لو أسقطنا من الحساب عاصمتي القطر (القاهرة والإسكندرية) إذ نجدها في أسوان وأسيوط وجرجا 91 %، ثم تتراوح في باقي المديريات بين ذلك وبين 70 %.

فإذا أردنا أن ندلف من التعميم إلى التخصيص وجدنا عار الأمية متفشياً بين أرباب المهن الحرة والفلاحين، مع أن هذه الطبقات في أشد الحاجة إلى التعليم، بل وإلى نوع معين بالذات من التعليم.

ومن الغريب، بل من المضحك المبكي، أن مصر التي تشكو الأمية مر الشكوى بها أزمة بطالة بين المتعلمين. وهما مشكلتان متناقضتان، وقلما تجتمعان في بلد متحضر. وسر هذا التناقض أن المشرفين على التعليم - في الماضي - لم يراعوا حاجة البلاد إلى التعليم، ولم يحسبوا للضرورات الاجتماعية حساباً. ونحن اليوم ندفع ثمن هذه الجريمة الوطنية من كرامتنا وثروتنا القومية، ونعاني تأخراً مخجلاً في حضارتنا العقلية والأدبية والمادية.

ولو أردنا تشخيص مرض الأمية المتفشية في مصر لوجدنا أسبابه كما يأتي مجتمعه وبلا

ص: 38

ترتيب:

1 -

ضآلة ما ينفق على التعليم بالنسبة لحاجة الشعب إليه،

والرغبة في مسايرة العصر: فميزانية التعليم لا تزيد عن 21

9 % من الميزانية العامة مع أن المستر كلاباريد - الخبير

السويسري الذي استقدمته الحكومة المصرية منذ أكثر من

اثني عشر عاماً - أوصى برفع هذه النسبة إلى 12 % على

الأقل، لأن إنقاذ مشروعات الإصلاح التي تتطلبها البلاد

تتوقف على محو الأمية، ونوع التعليم الذي يعطى لأفراد

الشعب. ولكي ندلل على ضآلة ميزانية وزارة المعارف قد

يكفي أن نضرب الأمثال. فنسبة ميزانية التعليم في النرويج

إلى الميزانية العامة 13. 7 %، وفي الدانمارك 14. 2 %،

وفي هولندا 19. 3 %، وفي سويسرا 30 % مع أن شعوب

هذه البلاد على درجة عالية من حيث التعليم.

2 -

سوء توزيع ميزانية التعليم

بدأت الحكومة المصرية بالاهتمام بالتعليم الإلزامي منذ سنة 1917 حين وضع المغفور له عدلي يكن باشا وزير المعارف في ذلك الوقت تقريراً وافياً عن ضرورة التوسع في هذا النوع من التعليم بحيث يكفل تعليم 80 % من الذكور، 50 % من الإناث، وهاهو ذا قد مر ما يقارب من ربع قرن والحالة آخذة في الانحطاط ووزارة المعارف تسأل نفسها كل يوم: ما هي مهمة هذا التعليم، وما هي أهدافه وبرامجه؟ مع أنه في يقيني أن مهمة وزارة المعارف لو اقتصرت على ذلك النوع من التعليم، وقامت بها جاهدة ناجحة لأدت رسالتها

ص: 39

الشعبية على أكمل وجه، ولكنها مضطربة موزعة الفكر بين هذا التعليم وغيره من أنواع التعليم الأخرى. وأعتقد - غير مغال - أنها قد فشلت فيها جميعاً! وقد ترتب على ذلك أن صار هذا الجيل إلى فشل خطير. أصبح معه عاجزاً عن الكفاح في الحياة من أجل كسب القوت.

ثم إن وزارة المعارف تضاعفت ذلك الخطأ بإغفالها الحاجات الفردية والاجتماعية في ميداني التعليم والتربية، واهتمامها بالتعليم النظري القليل الثمرة في عصرنا هذا أكثر من اهتمامها بالتعليم المهني الغزير الفائدة. فقد بلغت نسبة إنفاقها على النوعين 4: 1 مع أن العكس هو الأولى والأحجى. نعم إن مصر شعب زراعي ولكن المزارع المصري ما زال يعيش بعقلية آبائه وأجداده حتى أصبح عاجزاً عن متابعة تقلبات الأسواق المحلية والعالمية التي يصّرف فيها محصولاته، فقد سيطرت العقلية الجديدة المثقفة على كل شئ: على الحقل والمصنع والمتجر والسوق. ومصر ككل شعب زراعي لا تستطيع أن تعتمد في معاشها على الزراعة وحدها وخاصة أن في جوف تربتها مواد أولية ثمينة، وجوها مناسب لصناعات عديدة، وبها فعلاً نهضة صناعية متوثبة.

ووزارة المعارف تأبى إلا أن تخطئ في كل شئ. فمصر برغم كونها بلداً ديمقراطياً يعيش على فأس الفلاح وجهد العامل، وبرغم أن الشعب المصري (يتمتع) بنسبة من الأمية لا مثيل لها في العالم، فإن وزارة المعارف لا تبذل من الجهد، ولا من المال على التعليم الأولى والإلزامي الخاص بهاتين الطبقتين قدر ما تبذله منهما على التعليم الخاص بأبناء الطبقات الميسورة والراقية. ومعنى ذلك أن في مصر الديمقراطية تعليماً أرستقراطياً! وهو أمر من الأمور الكثيرة المعكوسة في بلادنا العزيزة!

3 -

فساد البرامج التعليمية

من أبسط القوانين البديهية أن الوسائل تخضع للغايات وتخدمها، وليس العكس، لأن الوسائل فانية متغيرة، أما الغايات فمن صفاتها الثبات والدوام. ومن المعروف أن البرامج الدراسية ليست بذاتها غاية مقدسة، وإنما هي وسيلة لغاية اجتماعية وقومية. ولكن مصر جرى فيها العرف على أن تفنى الغايات في الوسائل. وهذه القاعدة مطبقة على التربية والتعليم. فقد ضحيت التربية على مذبح التعليم دون أن يستفيد التعليم من هذه التضحية!

ص: 40

فوزارة المعارف لم تستطع إلى الآن أن تكون وزارة تربية، وإنما ظلت وزارة تعليم بمعناه الضيق القديم: أي وزارة تلقين معلومات جافة، ودراسات ميتة لا أثر للتجديد والابتكار فيهما. وبرامجها الدراسية أصدق شاهد على هذا؛ فهي كل يوم في شأن، ولها في نهاية وبداية كل عام دراسي ضحايا يعدون الآن بالآلاف يبتلعهم المجتمع المضطرب القاسي والكفاح الذي لا يرحم. فإذا شبهنا المجتمع بصرح مشيد، أو بناء قائم، كان فيه ألئك الطلبة الفاشلون كأنقاض الهدم! فكل شاب متعلم فاشل هو (شهادة فقر حية) لنفسه ولأسرته. وهو جزء خَرِب في آلة المجتمع. فهل أحست وزارة المعارف بمسئوليتها في هذا الخلل الخطير الكائن بجسم المجتمع؟؟ أم هي مشغولة بكبار موظفيها وترقياتهم وأغراضهم، ذاهلة عن رسالتها، حائرة في تحديد مهمتها!؟

محمد عبد الرحيم عنبر

بوزارة الشؤون الاجتماعية

ص: 41

‌7 - المصريون المحدثون

شمائلهم وعاداتهم

في النصف الأول من القرن التاسع عشر

تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين

للأستاذ عدلي طاهر نور

تابع الفصل الأول - الملابس

أما ملابس الطبقة السفلى فهي جد بسيطة: يلبسون سروالاً فوقه قميص طويل فضفاض، أو ثوباً أزرق طويل الأكمام من الكتان أو القطن أو من الصوف الأسمر؛ ويسمى الأول (عريا) والآخر (زعبوطاً)، وهو يشق ابتداء من الرقبة إلى الوسط تقريباً. ويتمنطق البعض بمنطقة بيضاء أو حمراء من الصوف؛ والخدم يتحزمون بحزام عريض أحمر اللون من الصوف أو من الجلد وبه عادة كيس لحفظ النقود. وعمامة العامة شال من الصوف أبيض أو أحمر أو أصفر، أو قطعة من غليظ القطن أو الحرير الموصلي تلف حول طربوش تحته لبدة بيضاء أو سمراء. وبعض الفقراء لا يملكون غير اللبدة؛ فلا عمامة ولا سراويل ولا نعل. إنما يرتدون الجلباب الأزرق أو الأسمر أو أسمالاً بالية. وعلى النقيض من ذلك يرتدي الكثيرون صدرياً تحت الجلباب الأزرق؛ ويلبس بعضهم وعلى الأخص خدم العظماء، جلباباً أبيض وصدرياً وقفطاناً وجبة، أو أحدهما ثم (العرى) الأزرق أخيراً. وتشد أكمام (العرى) الواسعة إلى أعلى بحبل يمر حول كل من الكتفين ويشبك خلف الظهر ويعقد. وقد تعود الخدم (والسواسن خاصة) هذه الطريقة، ويستعملون لها حبالاً من الحرير الأحمر أو الأزرق القاتم. ويرتدي الكثير من أفراد الشعب في الشتاء عباءة كالتي وصفناها من قبل، ولكنها أغلظ منها، وبدلاً من اللون الأسود تكون أحياناً ذات خطوط عريضة سمراء وبيضاء أو زرقاء. وهناك نوع آخر من الأكسية كثير الاستعمال يتخذ من الصوف الأسود أو الأزرق القاتم، وهو أوسع من العباءة ويسمى (دفية). أما النعال فهي من الجلد المراكشي الأحمر أو الأصفر أو من جلد الخراف. ونعال السواس تكون من الجلد

ص: 42

المراكشي الأحمر القاتم، ولكن أحذية البوابين والسقائين تكون عادة من الجلد الأصفر.

وتمتاز عمامة المسلم باللون عن عمامة القبطي واليهودي وغيرهما من رعايا الباب العالي، فهؤلاء يعتمون بالأسود أو الأزرق أو الرمادي أو الأسمر الخفيف، ويلبسون عامة الثياب القاتمة. ويرجع استخدام الألوان للتمييز بين المذاهب والعشائر والأسر المالكة إلى عهد بعيد. فإن الإمام إبراهيم بن محمد لما قتله الخليفة الأموي مروان اتخذ بنو العباس الثياب السود لباساً لهم حداداً عليه، ومن هنا أصبح سواد اللباس والعمامة الزي المميز للعباسيين وولاتهم. حتى أنهم كانوا إذا غضبوا على عامل حكموا عليه بلبس أبيض. أما اللون الأبيض فقد أختاره مدعي النبوة (المقنع) ليميز حزبه عن العباسيين، كما أختاره فواطم القاهرة لعدائهم لبني العباس. وكان سلطان مصر الملك الأشرف شعبان الذي حكم من سنة 764 إلى 778 هجرية - 1362 إلى 1376 ميلادية أول من أمر بتمييز الأشراف بالعمامة الخضراء. ومن الدراويش الرفاعيين من يلبسون عمامة من الصوف الأسود أو من الموصلي الزيتوني القاتم. أما عمامة الأقباط واليهود وغيرهم. فهي عادة من الموصلي أو الكتان الأسود أو الأزرق. والعمامة الغالبة الآن في مصر لا تختلف أشكالها كثيراً. فعمائم الخدم معقدة ذات تلافيف حلزونية مدرجة، وكذلك عمائم كبار التجار والمتوسطين منهم وغيرهم من سكان العاصمة والمدن الكبيرة، إلا أنها أقل حجماً منها. والعمامة التركية في مصر أكثر أناقة؛ والعمامة السورية تمتاز بسعتها. وكان العلماء ورجال الدين والأدب يلبسون العمامة الواسعة الكبيرة ويسمونها (مُقلة) كما ترى في شكل 16. والعمامة موضع الاحترام والإجلال؛ فلها في منازل الموسرين كرسي توضع عليه ليلاً ولا يستعمل لغير هذا الغرض. وكثيراً ما يعد هذا الكرسي في جهاز العروس؛ كما كان من المعتاد أيضاً أن يكون للمرأة كرسي آخر لغطاء رأسها. وتحضرني حكاية قصها عليّ صديق أسوقها إليك مثالاً لمقدار الاحترام الذي يكنه الشعب للعمامة. فقد رووا أن عالماً سقط من فوق حماره في شارع من شوارع المدينة فتدحرجت مقلته بعيداً عنه. فتجمع المارون وأخذوا يجرون وراء العمامة صائحين: ارفعوا تاج الإسلام! ارفعوا تاج الإسلام! بينما كان العالم المسكين طريح الأرض يناديهم مغتاظاً: (أنهضوا أولاً شيخ الإسلام).

تنتقل الآن إلى وصف هيئة النساء العامة وملامحهن. فالمصريات منذ بلوغهن سن الرابعة

ص: 43

عشرة حتى العشرين، هن من حيث الجسم مثال الجمال؛ ومحياهن يسر العين، ويجذب النفس. ولكن سرعان ما يذوى هذا الجمال بعد أن يستحير الشباب ويستكمل الجسم نموه. وطبيعة الجو تؤثر على طبيعة الصدر قبل الأوان، فترتخي هيئته وتستوي أجزاءه؛ بينما يحتفظ الوجه بكل فتنته. وبالرغم من أن تراخي الزمن لا يذهب رواءهن، فإن كثيرات منهن متى بلغن الأربعين يصبحن، ولو كن جميلات في شبابهن، قبيحات الصورة كريهات المنظر. وأنوثة المصريات يبدأ نموها عند التاسعة أو العاشرة تقريباً؛ فتبلغ عنفوانها في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة. ويلاحظ أن سحن النساء كسحن الرجال؛ إلا أن الشمس لاحتجابهن لا تسفعهن، ويمتزن بمحياهن البيضى الجميل، وقد يعرُض في بعضهن. أما العيون فدعجاء، نجلاء، لوزية الشكل، وطفاء الأهداب، تفيض وداعة تملك النفوس، وسحراً يسبي القلوب، ولم أر فيما رأيت عيوناً أجمل من العيون المصرية. ويزيدها جاذبية احتجاب الملامح بالنقاب. وتأثيرها في النفوس يزيده كحل الجفون كما ترى في شكل 17. والكحل سناج اللبان العطري المحروق. ويصنع أيضاً من سناج قشر اللوز. وهذان النوعان مع الاعتقاد بفائدتهما للعين يستعملان للزينة فقط. إلا أن هناك أنواعاً أخرى تستعمل لخواصها الطبية الحقيقية، وأخصها مسحوق الرصاص، المضاف إليه العنزروت وعرق الذهب وسكر النبات ومسحوق الذهب البندقي، وأحياناً مسحوق اللآلئ ويقال إن الأثمد كان يستعمل قبلاً لتكحيل أصول الأهداب. وتكحل العين بمِرْود صغير من الخشب أو العاج أو الفضة، دقيق الطرف كليل الحد، يبلّ أحياناً بماء الورد ثم يغمس في المسحوق ويمرر بين الجفنين. والوعاء الزجاجي الذي يوضع فيه الكحل يسمى (مُكْحَلة) كما ترى في شكل 18.

وعادة التكحل كانت شائعة بين الجنسين في مصر القديمة؛ وهي ظاهرة في نقوش المعبد والمقابر المصرية ورسومها. وكثيراً ما أكتشف في المقابر القديمة مكاحل فيها آثار الكحل ومراودها، (شكل 19).

ولكن طريقة التكحل القديمة تختلف بعض الاختلاف عن الطريقة الحديثة كما ترى في شكل 20. وقد رأيت في ضواحي القاهرة نساء يكحلن أعينهن على الطريقة القديمة، ولم أصادف ذلك إلا مرتين.

ص: 44

وهذه الطريقة نفسها كانت شائعة في عقائل الإغريق ونساء اليهود في قديم الزمن. وعين المصرية على الجملة أجمل ما في وجهها. ويلاحظ أن جمال الملامح في المصريات أقل من جمال الهيئة؛ ولكني بصرت بوجوه يميزها نوع من الحسن ينم عن حلاوة العذوبة ويعبر عن فتنة الأنوثة؛ فيأخذ بمجامع القلب إلى حد ينكر الإنسان وقتاً ما أن الله لم يخلق للمصريات مثيلات في أي بلد آخر. والقليل من النساء يسفرن أمام الغريب مدفوعات إلى ذلك بالرغبة في إظهار جمالهن وإن ادعين غير ذلك. ومن ثم لا يستطيع الأجنبي أن يبنى رأياً صحيحاً من هؤلاء النسوة. ولكن مثل هذه العيون لا يمكن أن تخلق إلا في الوجه الحسن ولو كانت تقاطيعه متوسطة الجمال؛ أما الأنف فمستقيم القنا؛ والشفاه أغلظ من شفاه الرجال دون أن تصل إلى غلظة شفاه الزنوج؛ غير أن الفم وغيره من قسمات الوجه تقرب من الجنس الحبشي. وأما الشعر فهو من ذلك الأسود الحالك المصقول الذي يناسب السحن كلها غير السحنة البيضاء، وقد يكون غليظاً بعض الشيء، ذا حلق من دون تجعيد. ويخضب نساء الطبقات الراقية والوسطى والكثير من الفقيرات أيديهن وأقدامهن بأوراق الحناء، فتكتسب أطرافهن لوناً أحمر مشرباً بالصفرة، أو برتقالياً قاتماً. والكثيرات منهن لا يصبغن غير أظافر الأصابع، وبعضهن لا يتعدين عقود الأنامل، والبعض الآخر يرسمن خطأ على وصف العقود التالية؛ وغير ذلك من الأشكال الغريبة الأخرى. إلا أن الطريقة الغالبة هي تخضيب أطراف الأيدي والأرجل حتى المفاصل الأولى، وكذلك راحة الكف وبطن القدم؛ وأحياناً يضاف خط بجانب المفاصل الوسطى وآخر فوق أصابع القدم بقليل، والخضاب يكون بسحق أوراق الحناء وعجنها بالماء، ثم تبسط على راحة الكف وأجزاء اليد الأخرى، ثم تثنى الأصابع وتقبض اليد، وتربط برباط من الكتان ليلة بطولها؛ وكذلك القدم. ولا ينصل الخضاب إلا بعد أيام، فيجدد كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. وعادة الخضاب ليست قاصرة على مصر، بل تتعداها إلى بلدان الشرق التي يمونها شاطئ النيل بالحناء.

والحناء على الأظافر تكون أكثر لمعاناً وأشد صفاء وأطول بقاء. كما أن تخضيبها أو تخضيب الأصابع يعتبر بحق زينة للنساء، إذ يحسن لون البشرة ويكسبه رقة. بيْد أن بعض النساء يعمدن إلى طرق لا يستسيغها الذوق الأوربي، فيُعقبن الحناء بمعجون من

ص: 45

الجير والسناج وزيت بذر الكتان فيتحول لون الحناء الجميل إلى لون اسود أو زيتوني مشرب بالسواد. وكثيراً ما يلاحظ ميل النساء إلى هذه الطريقة فيُريْنَ مخضبات الأظافر أو الأصابع بهذا اللون القاتم، إلا أنهن يتركن العقود الوسطى بحمرة الحناء؛ والكف على النقيض من ذلك يتوسطه خط عريض أسود؛ وبعضهن يتبعن ابسط الطرق فيسودن الأنامل وراحة الكف كلها.

(يتبع)

عدلي طاهر نور

ص: 46

‌ليالي القاهرة

الدمعة الخرساء!. . .

للدكتور إبراهيم ناجي

عَرفْتُ الذِي تُخْفِينَ عِرفانَ مُلْهَمِ

إذا الدّمْعَةُ الْخرْسَاءُ لم تَتَكَلمِ

وَأنْتِ سَمَاءٌ يَعْشَقُ الْمرَْءُ نُورَها

ويَعشْقُ مَا في أُفقِها مِنْ تَجَهُم

وإنَي إذا عَيناكِ بالدَّمعِ غامَتا

جدَيرٌ بِأنْ يَمشِي عَلى هُدبِها فَمِي

دَعيني أُحلقْ في سمَائِكِ طائَراً

وَيَسبحْ خيَالِي في سَناكِ المُعظّم

ألا إنّ ضوَء البدْرِ إحسان مُحسنٍ

لهُ أيْنمَا يَسرِى تفَضلُ مُنعِم

يطوفُ به في النّاضِر المُتبسّمِ

وَينشُرهُ في الدّارِسِ المُتهدَّم

ويَا ربُمّا يَغشَى الَخِميلةَ ضَاحِكاً

فتَحْلمُ في جوٍ مِنَ السّحرِ مُبَهمِ

وَيَنشرُ في الأطْلالِ ظِلاًّ كأنهُ

خَيالُ الأمَاني في مَحَاجرِ نُوّم

إبراهيم ناجي

ص: 47

‌من غربة الروح

في وادي التيه!. . .

للأديب عبد الرحمن الخميسي

شَرّدتَني بَينَ الْمجَاهلِ أيّا

مي فَصَاحتْ في وجَهيَ الفَلواتُ:

أيُها التّائهُ المُنقلُ في الرَّمْ

لِ خُطاهُ ضَاقتْ بِكَ العَثراتُ

قَدْكَ! إنَّ الَمسِيرَ أنْهَكَ أقدَا

مَكَ وَالأفْقُ غائمٌ وَالسماءُ

وَالأعاصِيرُ نَائِحاتٌ حَوَاليْ

كَ وبَينَ الْقِفَارِ عاشَ المَمَاتُ

أيْنَما سِرْتَ فاَلخَرابُ مقيمٌ

أنِقِذيهِ مِنَ الْبِلَى يا حَيَاةُ!

وَخُذيهِ إلى الذي يَبْتنِيهِ

حَوْلكِ الشّعرُ وَالهَوى وَالغِناَءُ

وَكَأنَّ الرَّيَاحَ تَسْألُنيِ: مَا

تَرْتَجيهِ لمَ السُّرَى وَالعَناءُ؟

قُلتُ: أهْوَى أسِيرُ إني أرَاها

هاتِهِ وَاحَةٌ! وَثمَّ ضِيَاءُ!

وَتَغرّبتُ في المَهَامِهِ عَطْشَا

نَ وَلكنْ عَلىَّ عَزَّ الَماءُ

أحْمِلُ الْفَرحَةَ الكَبِيرَةَ بالآ

مَالِ هَانَتْ حِيَالَها الأعْبَاءُ

وَأغَنّي عَلَى اَلجدِيبِ كَأنّي

بُلبُلٌ رَاقَهُ الشّذَى والنّباَتُ

أقُتلُ اُلجوعَ والصّدَى في فُؤَادي

بالأمَاني. . . وَكلهُنَّ هَبَاءُ

وَبَلْغتُ السّرَابَ لَمْ أَلْقَ شَيْئاً

أيْنَ مَا كُنْتُ أرْتَجي ياَ سَمَاءُ

ضَاقَ بي اْلكوْنُ كلّهُ ياَ إلهي

بَعْدَ أُمّي وَقَطّبَتْ لي اَلْحيَاةُ

ياَ عُوَاَء الذّئابِ في الْبَلْقَع الَمْجرُو

دِ! ياَ مَعْنًى قَدّسَتْهُ الْفَلاةُ!

كُفَّ عَنْ مَسْمَعي فلمْ يَبْقَ غَيْريِ

وَأنَا مَيّتٌ كما قَدْ مَاتُوا!

عبد الرحمن الخميسي

ص: 48

‌عيناها.

. .

للأديب أحمد العجمي

إِنّ في عَيْنَيْكِ مِنْ سِحْرِ الْهَوَى

فِتَناً تَرْقُصُ في قلبي سُكاَرَى

كُلّماَ أَرْسَلْتِ مِنْهاَ فِتْنَةً

تَتَهاَدَى أَشْعَلَتْ في الْقَلبِ ناَرَا

وَإذا أَمْعَنْتُ سِرّا فِيهِماَ

قَتَلَتْنيِ عَيْنُكِ الوَسْنَى جهِاَرَا

أَنتِ ياَ فاتِنَةَ الدُّنيا، وَياَ

باَبِلَ السّحْرِ وَيا قَيْدَ الأسَارَى

لم تَكُنْ عَيْنُكِ إلاّ قَبَساً

كابِتسَامِ الفَجْرِ يَفتَرُّ افتِرَرا

وَهِيَ الآن سِهاَمٌ وَظباً

تَقتُلُ الصّبّ وَتحْيِيهِ مِرَارَا

فاصْنَعِي مَا شِئْتِ ياَ فاتِنَتي

إنّ في عَيْنَيْكِ ليْلاً وَنَهارَا!

هَدّئيِ رَوْعِي! وَقُولِي لِدَمِي

وَيْكَ ياَ ظَمْآنُ لَا تَشْكُ الأوَارَا

هَذِهِ عَيْنيِ! وَذَيّاكَ فَمي

وَإذا الوَرْدُ رَأى خَدّي تَوارَى

ثمَّ تَشْكُو ظَمَأ الرُّوحِ مَعي

وَأنَا أسْقِيكَ مِنْ عَيْنِي عُقاَرَا

آهِ لَوْ تَرْجِعُ أيام الْهَوَى

إذ خَلَعْنَا في لَياَلِيهاَ الْعِذَارَا

وَقَضَيْناَهَا وَلَا نَدْرِي بِهاَ

بَيْنَ أحْلَامٍ كَأنفاَسِ الْعَذَارَى

أحمد أحمد العجمي

ص: 49

‌البريدُ الأدبي

حول التعليم في العراق

ألقى الأستاذ فاضل الجمالي مدير التربية والتعليم في العراق

في مساء الثلاثاء 991941 محاضرة قيمة عن التعليم في

العراق على جمهرة من رجال التربية والتعليم في مصر بنادي

المعلمين.

وقد تحدث الأستاذ عن سياسة العراق التعليمية، وكان من بين المشكلات التي أثارها مشكلة الامتحانات، وذكر أن العراق - علاجاً لهذه المشكلة - تتجه إلى أن تكون المدرسة هي صاحبة الرأي الأول في نجاح الطالب إلى أن يصل إلى الامتحانات العامة وهي التي تعقدها وزارة المعارف، ثم أملَ الأستاذ أن يتعاون رجال التعليم في مصر والعراق في بحث هذه المشكلة.

ومشكلة الامتحانات قديمة في مصر وغيرها، وأذكر أن كثيراً من اللجان عقدت في مصر وطال فيها بحثها. ولا شك أنها اهتدت إلى نتائج، ولكننا لا نرى أثراً لهذه النتائج في مدارسنا؛ فالامتحانات هي هي، مقياسها خاطئ وميزانها معتل.

وقد يكون من وضع الأمور في مواضعها أن نقول إن هذا الرأي الذي تتجه إليه العراق - وهو أن تكون المدرسة هي صاحبة الرأي الأول في نجاح الطالب - هو الرأي الذي رآه من قبل أستاذنا القباني بك وأشار إليه في كثير من بحوثه القيمة في التربية، بل انه وضعه موضع التنفيذ في المدرسة النموذجية الملحقة بمعهد التربية فنجح أي نجاح.

والطريقة المتبعة في هذه المدرسة أن يجتمع المدرسون بعد امتحان الفترة الأخيرة ونصب أعينهم نتائج الفترات الثلاث لكل تلميذ وما حصل عليه في اختبار الذكاء وسن التلميذ، وأخيراً رأى كل مدرس فيه، ومن كل هؤلاء يوضع التلميذ موضعه من النجاح أو البقاء في فرقته أو نصح ولي أمره بتوجيهه إلى الوجهة التي يصلح لها إن لم يكن يرجى منه في وجهته خير، وقد يشرك ولي أمر التلميذ - في بعض أحوال خاصة - في نجاحه أو بقائه.

ص: 50

ويظهر انه قد تبين لأولياء الأمور، عند بحث هذه المشكلة في مجلس النواب، وصواب هذا العلاج لمشكلة طال عليها الأمد فعزموا على الأخذ به في بعض الفرق الأولى، ولعلنا نراه قريباً في جميع الفرق وفي جميع مراحل التعليم ناجحاً نجاحه في المدرسة النموذجية.

محمد محمود رضوان

المدرس بالمدرسة النموذجية

1 -

حول كتاب الأستاذ الرافعي عن فريد بك

قرأت في العدد (429) من (الرسالة) كلمة للأديب لبيب السعيد عن هذا الكتاب أختلف فيها مع نفسه ونقض في آخرها ما أثبته في أولها؛ إذ قال عنه: (إن الشباب سيجدون فيه كتاب تاريخياً دقيقاً)، ثم قال بعد ذلك عن المؤلف:(إنه يتعقب زعيماً بعينه فيبحث له عن زلات! ويفسر تصرفاته بما يسئ إلى سيرته). وهذا كلام لا يمكن لقارئ منصف أن يقبله؛ لأن الدقة في التأريخ تتنافى مع البحث عن الزلات وتلمس المساوئ؛ ويلوح لي أنه كتب هذه الكلمة قبل أن يقرأ الكتاب؛ أو هو قرأه ولم ينتبه إلى ما فيه من الحقائق والوثائق! وآية ذلك أنه لم يذكر لنا شيئاً من مواضع الإحسان ولا مثلاً من مآخذ الإساءة. ولو ذكر لنا ولو حادثة واحدة غيرتها حزبية المؤلف عن وضعها الطبيعي وردها هو إلى حقيقتها التاريخية لوجدنا في كلامه ما يستحق النظر.

ولعل هذه هي المرة الأولى التي يُرمى فيها الأستاذ الرافعي بالميل مع الهوى. ولعله كذلك الرجل الوحيد الذي أجمع مخالفوه في الرأي والسياسة على نزاهته وعفته. وقد كان المغفور له (سعد زغلول باشا) يفاخر بمعارضته في مواقفه البرلمانية، ويتخذها مثلاً للمعارضة النزيهة.

ولست أرى بعد هذا من أين جاء لبيب أفندي بما ادعاه على الأستاذ وهو شئ ليس في كتابه ولا في أي كتاب من كتبه.

2 -

أدعياء الشعر

تصفحت عدد السياسة الأسبوعية رقم 239 فلفت نظري فيه قصيدة منشورة في صفحة الشعر تحت عنوان (أفي الحق أن أنسى بلادي سلوة؟) وهي قصيدة مشهورة من عيون

ص: 51

شعر الأستاذ معروف الرصافي شاعر العراق. وقد نشرت في الصحف والمجلات منذ أكثر من عشرين سنة! وهي مطبوعة في كثير من كتب المحفوظات المدرسية. وهي موجودة أيضاً في ديوان الرصافي ومطلعها:

هو الليل يغري بالأسى فيطول

ويرخي وما غير الهموم سدول.

أبيت به لا الغاربات طوالع

علي ولا للطالعات أفولُ.

لفت نظري أن أقرأ هذه القصيدة منشورة في السياسة الأسبوعية في العدد الماضي بإمضاء (صلاح الدين الضيف، من تمى الأمديد). ولم أعجب لجرأة هذا المتشاعر على انتحال شعر غيره لعلمي أن لصوص الشعر والأدب كثيرون ولكن الذي عجبت له، هو غفلة هذا المسكين وحرصه على ألا يضع توقيعه الكريم إلا على قصيدة معروفه لشاعر مشهور!

فإذا كان هذا المتشاعر قد أرضى شهوته بنشر أسمه تحت هذه القصيدة. فماذا يكون حاله حين يعرف الناس أنه رقيع، وليس له من هذه القصيدة غير التوقيع؟.

(المنصورة)

علي عبد الله

على هامش القاموس السياسي - (أفغانستان)

من الكتب القيمة التي ظهرت في هذه الأيام كتاب: (القاموس السياسي)، ولست أنكر ما تحمله الأستاذ أحمد عطية الله في وضع هذا الكتاب من التعب والنصب، وقراء العربية يشكرونه على ما جمعه فيه من المعلومات القيمة المختصرة عن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف البلدان المعمورة وإن كنت أعترض في كلمتي هذه على بعض ما كتبه في قاموسه عن بلادي، فذلك ذكراً للحقيقة وخدمة للقراء الكرام

1 -

يقول الأستاذ في صفحة 32 من قاموسه (واستولى على العرش أمان الله خان الذي شن غارات ضد إنجلترا، انتهت بعقد صلح في عام 1921)؛ ولقد لفت نظري تسمية حرب استقلال أفغانستان بشن غارات، والله اعلم أنها لم تكن شن غارات، بل حرباً نظامية في ثلاث جبهات وعسى أن يوفقني الله إلى شرح هذا الموضوع في المستقبل

2 -

يقول الأستاذ في نفس الصفحة السابقة أيضاً: (وفي عام 1926 لقب نفسه بالملك أمان

ص: 52

الله)؛ وأعتقد أن الأستاذ يوافقني على أن هذه الجملة تتعارض مع كتاباته السابقة التي قال فيها: إن أمان الله خان استولى على العرش عام 1919، وإن إنجلترا اعترفت باستقلال أفغانستان عام 1921

فإذا كان أمان الله خان لقب نفسه بالملك عام 1926، فبماذا كان يلقب من عام 1921 إلى ذلك التاريخ؟

إن ما عمله أمان الله خان عام 1926، هو إنشاؤه مجلساً عاماً للأمة برياسته كان يسمى (لوي جركة) جمع فيه أعيان الأمة ونوابها وعلماءها ومفكريها ليستشيرهم ويتباحث معهم في الإصلاحات الداخلية للمملكة

3 -

قال الأستاذ في صفحة 33 من كتابه عن العلم الأفغاني إنه أخضر وأحمر وأسود بنقوش في وسطه وليس العلم الأفغاني كما قال الأستاذ، بل هو أسود وأحمر وأخضر. أما النقوش التي في وسطه والتي ذكرها الأستاذ، فهي رسم للجزء الداخلي من الجامع بالمحراب والمنبر

محمد هارون المجدوي

إلى الأستاذ النشاشبي

جاء في مختار الصحاح مادة (سخف)، السخف بوزن القفل رقة العقل وبابه طرب فهو سخيف، وقد استوقفتني عبارته (من باب طرب)، لان الأوزان القياسية التي تأتي من باب فعِل في الصفة المشبهة لم يذكر فيها هذا، ومع أني لا أنكر أن باب الصفة المشبهة كثيراً ما يعتمد على السماع، إذ قد ورد من باب فَعِل أوزان سماعية منها: سعيد وسقيم وأسيف ومريض. . . إلى غير ذلك. فقد حاولت أن اقف على الحقيقة كاملة، فاتجهت إلى معاجم اللغة الكبرى كلسان العرب والقاموس والأساس فلم أجد من نص على أن سخف من باب فعل بل ضبطت في كل المعاجم المذكورة بالضم على أنها من باب فعل

جاء في القاموس: سخف ككرم سخافة فهو سخيف، وجاء في الأساس: وقد سخف الثوب سخافة وهو السخيف النسج والصحاح للجوهري مع انه الأصل لكتاب مختار الصجاج وجدت الكلمة فيه أيضاً مضبوطة بالضمة. قال الصحاح: سخف الجوع رقته وهزاله يقال

ص: 53

به سخف من جوع. والسخف بالضم رقة العقل. وقد سخف الرجل بالضم سخافة فهو سخيف. الجزء الثاني مادة سخف

هذا ما قدرت على بحثه ومراجعته وهو وإن كان يخول لي تخطئة المختار إلا أني لا أزال أتوجه إلى الأستاذ النشاشيبي راجياً أن يبين لنا وجه الحق في هذا؛ وإني لفي لهفة وشوق للتزود من معارفه وآفاقه الواسعة التي وعتها مجلة الرسالة الغراء.

وبمناسبة ما جاء في مختار الصحاح، أنقل كلمة للمرحوم الشيخ نصر الهوربني في مقدمته لكتاب الصحاح للجوهري، يقول:(اختصر هذا الكتاب ابن الصائغ الدمشقي والجوابي والرازي).

ومن بينهم المولى محمد المعروف بالقيسي المتوفى سنة 1016 ومختصره أنفع وأفيد من مختار الصحاح. كذا قيل لكنه لم يشهر وإذا كان هذا الكلام صحيحاً فما الذي منع وزارة المعارف عن طبع هذا المختصر؟. . . لعل الأستاذ يذكر لنا شيئاً عنه، ويعرفنا به؛ فلعل الوزارة تسمع صوته فتقوم على طبعه؛ وللأستاذ منا أصدق الشكر والمحبة

(بستان دمياط)

عبد المنعم سليمان مسلم

تعقيب

رأيت الأستاذ (الكاتب الكبير) حفظه الله يقول في مقاله (أحاديث التلاميذ المصريين) الرسالة رقم 428 (. . . إن عيشنا رتيب رتيب) وفي قصيدة الشاعر حافظ إبراهيم العجيبة (أذنت شمس حياتي بمغيب) يقول الشارحون الفاضلون للبيت:

لا ولا يسئمه ذاك الذي يسئم الأحياء من عيش رتيب (الذي وجدناه في كتب اللغة بهذا المعنى: الراتب لا الرتيب). الجزء الثاني من الديوان طبعة عام 1937

قلت: وكثيراً ما اجتهدت أن أقع على كلمة رتيب فيما أقرأه من الشعر والأدب القديمين ولكني إلى اليوم لم أظفر بذلك.

والذي جعلني أخوض في ميدان التعقيب اللغوي، وهو ميدان وعر المسالك لا أحب لنفسي الخوض فيه، هو اضطراري أحياناً إلى استعمال هذه الكلمة في الشعر فانكب عنها لعدم

ص: 54

اطمئناني إليها

فهل للكاتب (المبارك) أن يبين لي رأيه في ذلك أو يظهرني على ورود هذه الكلمة في قول قديم، فيفيدنا من علمه وأدبه، أعز الله قلمه فيما يصول ويجول؟

(نابلس)

فدوى عبد الفتاح طوقان

في اللغة

أشكر للأستاذ العلامة الكبير وحيد بك جوابه عن سؤالي الخاص بكلمة (هناء) ومع ثقتي بعلمه وإطلاعه أرجو أن يسمح لي بسؤال أخر في سبيل الخدمة اللغوية العامة:

بحثت أنا وبعض أصدقائي من الأدباء عن (هناء) في لسان العرب وتاج العروس والمحيط للفيروزابادي والأساس للزمخشري.

حتى. . . المصباح المنير ومختار الصحاح، فلم نجد هذه الكلمة

فهل يتفضل السيد العلامة الكبير وحيد بك بأن يرشدنا - أنا والأصدقاء المنضمين إلي في هذا السؤال - إلى المرجع الواردة فيه الكلمة المذكورة؛ والذي نعتقد من تحقيق العلامة الكبير أنه من المراجع الموثوق بها.

(ح. ح)

ص: 55