المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 448 - بتاريخ: 02 - 02 - 1942 - مجلة الرسالة - جـ ٤٤٨

[أحمد حسن الزيات]

فهرس الكتاب

‌العدد 448

- بتاريخ: 02 - 02 - 1942

ص: -1

‌صحة الفقير وثروة الغني

في هذه الأيام العِجاف يكثر الكلام في الغنى والفقر. والكلام في الغنى والفقر وما يتصل بهما يوشك أن يكون الوظيفة الطبيعية للسان الإنسان؛ ففي الرخاء يكون تعبيراً عن سخط مكظوم، وفي الشدة يكون تبريراً لسخط منفجر. فإذا وجدت في الفقراء من لا يسخط على الأغنياء فثق أنه من أتباع الفلسفة التي تؤمن بمبدأ التعويض في قانون الطبيعة وتقول:(إذا لم يكن للفقراء الأرض فلهم السماء، وإذا لم يُرزقوا المال فقد رُزقوا الصحة؛ والآخرة خير وأبقى من الدنيا، والعافية أعلى وأغلى من الثروة)

من هؤلاء الذين جعلوا القناعة فلسفة رجل من القُرَّاء المنكَري الصوت لا يملك في أكثر أوقاته غير قوت يومه، ولكنه مع ذلك موفور الحظ من السلامة؛ لا يتسخط ولايتبرم، ولا يجد في جسمه ما يشكوه، ولا في نفسه ما يرجوه، ولا في غده ما يخافه. رآني بالأمس جالساً في مكان ضاحٍ من القهوة أنقع في أشعة الشمس الفاترة جسديّ المقرور وعليَّ من ثياب الشتاء لفائف فوق لفائف، فأقبل إليَّ يطفر طفور الظبي بين المناضد المصفوفة وليس على جسمه غير غلالة بيضاء من التيل، وعباءة سوداء من الصوف قد رفع ذيلها إلى عاتقه؛ ثم جلس متهلل الوجه متماسك البدن مكتنز اللحم رفاف البشرة يكاد إهابه من فرط الرِّي وسورة المرح ينشق. فلما تكلم وجدته على ما عهدته من فراغ البال وسلامة الصدر وقلة المبالاة فلم أتمالك أن بدهته بهذا السؤال: أفِي هذه السن وفي هذه الأيام لا أرى للخبز المخلوط أثراً على وجهك، ولا أسمع للمجاعة المتوقعة ذكراً على لسانك؟

قال الشيخ منصور بلهجة الخِليِّ وضحكته: والله يا سيدي ما أكلت الخبز نقياً من قبل حتى أشكو خلطه اليوم. ومن تعود أن يأكل الخبز مخلوطاً بالحصى والتراب، لا يصعب عليه أن يأكله مخلوطاً بالذرة والرز. أما المجاعة التي يتوقعها الناس فلا تختلف عما أنا فيه. وإذا جاز لي أن أشكو، شكوت إلى الله طغيان الصحة؛ فإن للصحة الطاغية تكاليف أقلها النهَم والقَرَم وتحلب الريق وسُعار الجوف وسرعة الهضم. وتحقيق الشبع الدائم للشهوة الدائمة لا يمكن إلا بخزائن عاشور ومخازن عمرو. إني أسأم الصحة كما يسأم غيري المرض. وفي ساعة من ساعات الشرَه يقوم في نفسي أن الله قد منح الفقراء الصحة ليزيد ألمهم من الحرمان؛ ولكنني حين أُسكن أطيط أمعائي بفطيرة من الذرة وطبق من المش ورأس من البصل وحزمة من السريس، ينمحي ما صوره الخيال في ذهني من أطيب

ص: 1

الآكال وأعذب الأشربة؛ ثم تنتشر على بدني حرارة العافية فأرى الجمال في كل منظر، والنعيم في كل شيء، واللذة في كل عمل؛ وأُدرك بمشاعري السليمة القوية ما انبثَّ في عالم الحس من كل متاع؛ ويخيل إليَّ من فرط الشعور وفيض السرور أن الهواء الذي أنشقه هو مددٌ من الروح الخالق يبعث في جسمي النشاط وفي نفسي الغبطة.

أؤكد لك يا سيدي أن الغنيّ يجوع مثل جوعي، ولكنه لا يسبع مثل شبعي. أنا إن أصبت شِبْع بطني بأي لون من ألوان الطعام بدا عليَّ من دلائل الراحة والسعادة ما وصفته لك. أما الغني فإنه إذا جرؤ على معدته المترفة بالشبع قضى وقت هضمه العِسر الطويل وهو فاقد الشعور بالدنيا لشدة ما يلقي من حزَّة الحموضة وثقل الطعام وضيق النفس وضربات القلب. وهو في الكثير الغالب ممعود أو مفؤود أو مكبود أو ممروْر أو مصاب بالملح أو بالسكر، فلا بد له من الجرعات المختلفة التي تنيم الألم أو تكافح الداء أو تؤخر الخطر. وقد ينتهي به الأمر في الزمن القريب أو البعيد إلى الإمساك عن الطعام إلا ما يمسك الرمق.

كان لي عند الباشا ثمن أربعين مقطفاً ضفرتها لدائرته، فلما جئته اقتضيه الثمن أكبره وأنكره وتهدم عليَّ بالكلام العنيف وقال محتجاً لسبابه واغتصابه:(إن ضفر الخوص عمل العاجز، وإن رجلاً في مثل صحتك وقوتك لا يجدر بيديه غير الفأس والكُريك) فقلت له في مثل هذا الهدوء الذي أحدثك به: (يا باشا إن نصيحتك إياي على نفاستها وقداستها لا تبرر أكلك لحقي. ومن اليسير عليَّ أن أنزل لك عن هذه القروش ثم لا أنقص شيئاً؛ ولكنك قد تزيد شيئاً؛ وكلما زاد مالك ساء حالك. إنك قد بلغت أرذل الغنى، ثم انحدرت إلى أسفل الفقر؛ فأنا وأنت يا باشا سواء: أنا فقير لأني مصابٌ في جيبي، وأنت فقير لأنك مصاب في معدتك؛ فأنا أشتهي ولا أجد، وأنت تجد ولا تشتهي؛ ولكن حرماني مؤقت وحرمانك مؤبد، ونقصي يسده الرضا ونقصك يزيده السخط، وجيبي المفتوق يرتقه الرَّفاء بقرش، ومعدتك البالية لا يجددها الطبيب بمليون)

وكنت لا أزال أرسل الكلام على هِينَة وحذر مخافة أن ينفجر في وجهي على عادته مع الناس؛ ولكن المعجزة التي ظهرت على يده أو على يدي - لا أدري - هي أن الرجل استرخى وتليَّن وبدا على وجهه الأبكم سمات التفكير لأول مرة. ثم قال في لهجة لا تزال

ص: 2

فيها بقية حائلة من الشموخ: (ليتك تدلني على ما فتل عضلك وشد عصبك ودفق فيك هذا الدم الفوار الحار النقي، فليس ذلك من عمل طاهٍ ولا طبيب). فقلت له في شيء من الشماتة: ذلك يا باشا تعويض الفقر من الغني، وهو صنع الله ولا حيلة في صنعه. أما الطاهي فهو الذي يقدم للغني خيوط الكفن وهو ينسجه بأضراسه؛ وأما الطبيب فلا يعرفه من لا يشبع. ولقد قال أبو جعفر المنصور لأعرابي:(أما عندكم في البادية طبيب؟) فقال (يا أمير المؤمنين، حًمُر الوحش لا تحتاج إلى بيطار). والشبه بين حالنا وحال البدو في الخضوع لقانون الطبيعة واضح. . .

قطعت الحديث على الشيخ منصور بهذا السؤال: أتكره أن تكون في مكانه وهو في مكانك؟ فأجاب الخبيث: لا أقبل ثروة قارون إذا لم أحتفظ بمعدة منصور، ولا أرفض وزارة المالية إذا أسندوا إليّ معها وزارة الصحة!

أحمد حسن الزيات

في بناء الجيل الجديد

ص: 3

‌أعدى الأعداء!

للدكتور زكي مبارك

الخطر الذي يهدد البيت من جهل الزوجات وتخلف الأبناء - ما الموجب لتشجع الحركة النسوية؟ - لن يذوق الرجل طعم السعادة أو الشرف إلا إن كان السيد الأول والأخير في البيت - السر في تمرد بعض الزوجات على بعض الأزواج - أبناء اليوم بعد بنات اليوم - هل سمعتم أن الأسد يتعطر ويزدان؟

جاء في كلام منسوب إلى الرسول هذه الحكمة السامية:

(أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)

ولهذه الحكمة كثيرٌ من المرامي، وسنرجع إلى شرحها بعد حين.

والمهم في هذا الحديث هو التنبيه إلى خطر يهدد قوانا المعنوية، وهو الخطر الذي يصل إلينا من الزوجات ومن الأبناء، ولا سلامة من هذا الخطر ولا نجاة إلا أن قاومنا بعزائم لا تعرف التخاذل ولا النكوص.

والرجل الحق في نظري هو الرجل القادر على البطش بحقوق البيت، ولا أريد الحقوق المشروعة التي يوجبها العُرف والدين، وإنما أريد الحقوق المفتعلة التي تخلفها الزوجات الجاهلات، أو الأبناء المتخلفون.

والرجل لا يسمح لزوجته بافتعال الحقوق إلا عند الشعور بضعف الحيوية، فهو يرائيها لتكف عنه شرها المخبول. ولعل لهذا المعنى دخلاً في تهالك بعض الناس على تأييد الحركة النسوية، فما يسيغ ذهني أن يدعو الرجل إلى المساواة بين النساء والرجال، ولا يجوز عندي أن تصدر هذه الدعوة عن صدرٍ بريء من الأغراض.

وأقول بصراحة إني لم أجد شخصاً يساعد على طغيان الحركة النسوية إلا افترضته أحد رجلين: رجل ضعيف يستر ضعفه بالتظرف، أو رجل ماجن يرى هذه الدعوة من أنجح الأحابيل.

وإذا جاز للرجل أن يساير الباطل في المجتمع فلا يجوز له أن يساير الباطل في البيت، وإذا يجب وجوباً جازماً أن تذكر الزوجة في كل لحظة أن مصيرها إلى الهاوية، إن فكرت في الانتفاع بما أباحت المدنية الرخوة من تطاول النساء إلى منازل الرجال.

ص: 4

المرأة لن تكون إلا مرأة ولو طُوِّقت بالجوزاء، وعقل المرأة لن يكتمل ولو ثُقِّف بجميع ما عرفت الإنسانية من علوم وفنون، فما بال فريق من المخلوقات يبدئ ويعيد في الكلام عن حقوق النساء؟

لقد خُرِّبتْ أكثر البيوت في الغرب بفضل التلطف مع المرأة، فماذا تريدون بأنفسكم يا أبناء الشرق؟

إن الخراب ينتظر البيوت التي يسيطر عليها الجنس (اللطيف)، ونعوذ بالله من شر هذا الجنس، فهو في كل مكان وفي كل زمان مصدر البلاء.

وخلاصة القول أن الرجل لن يذوق طعم السعادة أو الشرف إلا إن كان السيد الأول والأخير في البيت. وهل سمّيت المرأة (سيدة) إلا في عصور الانحطاط؟

كان الزمام في أيديكم، فكيف أضعتموه؟

وكانت المرأة في مكانها وعند حدودها، فكيف استطالت، وما كانت إلا مخلوقاً أمض أسلحته البكاء؟

جفّ الدمع في عيون النساء، بعد أن خمد العزم في صدور الرجال، ولن يكون لبنات حواء غير التعاسة بعد لياذهنّ الأثيم إلى الغطرسة والكبرياء، ولن يون لبني آدم غير الذل بعد رضاهم الممقوت عن تطاول ربات الحجال!

أتريدون أن تعرفوا السر في تمرد بعض الزوجات على بعض الأزواج؟

يرجع السر إلى أن طبيعة المرأة كلبية، فهي لا تعيش بغير سيد يُخضِعها لهواه في جميع الشؤون، فإن شاء الزوج أن يجعلها سيدة ليصير من أبناء العصر الحديث فلن يقع الغُرم إلا عليه، ولعله يبحث فيعرف أن المرأة لا تتمرد على زوجها إلا بعد أن تصير أمة لرجلٍ سواه، ولو في حضانة الخيال؟

ومن أعجب العجب أن تكون هذه الحقيقة البديهية في احتياج إلى شرح، ولكن ما نصنع ونحن نعيش في زمنٍ قضتْ غباوتَه بتوضيح الواضحات؟

لقد بغتْ المرأة ثم بغت، واستطالت ثم استطالت، حتى صار من حقها أن تشترك في مباريات الجمال، ومع هذا لم يسمع أحدٌ أن مباراةً أُقيمت بين النساء في ميدان العقل.

وفي مصر مجلات تعرض وجوهاً نسائية من وقت إلى وقت لتحدثنا بالرمز والإيماء عن

ص: 5

تفوق الملاحة والصباحة في هذه البلاد.

وأقول إن المرأة لا تسمح بنشر صورتها إلا وهي منخوبة العقل والوجدان!

كان من العسير على الفتى أن يتمثل صورة فتاةٍ عارية قبل أن تظهر بعض الأفلام وقبل أن تظهر بعض المجلات، وكان من الصعب أن تهتدي المرأة إلى بيت أحد الأقارب بدون دليل. . . واليوم يجوز ما يكن يجوز فنسمع أن المراقص تدار في بيوت بعض الأعيان ثم تُنشر صورها في صحائف يقرأها الجاهل قبل الحليم، ونسمع أن حفلة أُقيمت لغرض لا نسميه، وفيها تراقصَ أُناس لا تجع بينهم لغة ولا جنس ولا دين.

ليكن ذلك، فنحن في (القرن) العشرين

ولكن البيت، البيت، البيت؟؟؟

احذروا ثم احذروا من أن ترقص المرأة في البيت!

واحذروا ثم احذروا من أن يكون للمرأة في البيت أي سلطان!

يرحمك الله، يا أبي، فقد كنت لا تدفع ثمن النعل إلا بعد أن تجربه على رؤوس زوجاتك، وكانت أحبهن إليك أصبرهن على أذاك.

اليوم يجوز ما لم يكن يجوز

اليوم تعارض المرأة زوجها في توافه الشؤون، وتنتصب أمامه كالحية النضناض، لتسأله كيف تأخر عن موعد الحضور دقيقة أو دقيقتين!

ثم ماذا؟

أترك الحديث عن سخافة المرأة وأنتقل إلى حماقة الأبناء فأقول: هل تعلمون أن من شباب اليوم من يظلَّ عالةً على أبيه إلى سن الثلاثين!

ولكن كيف؟

بحجة أنه لا يزال طالباً في أحد المعاهد العالية!

أسقط الله سقوف تلك المعاهد على رؤوسكم، يا جهلاء!

بأي حق يجوز أن يبلغ الفتى سن العشرين قبل أن يصلح للاضطلاع بأعباء المعاش؟

الجواب حاضر: لأنه يستبيح المشي في الشوارع وكأنه غادة بلا نقاب، ولأنه يعتمد على أمه في استغفال أبيه، فيصل إلى الثلاثين قبل أن يصلح لشيء من صالح الأعمال.

ص: 6

أحب أن أعرف كيف يجوز للفتى أن يتعطر ويزدان بإفراط وإسراف؟

أيفعل ذلك ليختلب لُبَّ امرأة؟

إن كان هذا ما يريد فقد أخطأ الصواب، لأن المرأة تشمَ الفتى الفحل، فتنجذب إليه ولو كان عاطلاً من الحُسن والرُّواء وبهذه المناسبة أقول:

هل فكرت الدولة في إحصاء ما ينفقه الفتيات والفتيان في التزين والتجمل؟

أكاد أجزم بأن (العِطر) في مصر هو سبب أزْمة (الفُول)!!!

وما هذه البدعة التي توجب أن يسير الشبان في الشوارع ورءوسهم عارية، برغم قسوة البرد في الشتاء؟

ألم أقل لكم إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يغطي رأسه من بين سائر الحيوان؟ فما زُهدُكم في تلك المزية الإنسانية؟

ولو كان ذلك التبرج لا يقع إلا من الشبان الوارثين لخفَّ الخطبُ وهان، ولكنه مع الأسف الموجع يقع من شبان يجهلون ما يعاني آباؤهم في تزويدهم بالقوت، فمن أين يجتلب أولئك الشبان نفقات الطلاء؟!

قد يقال إن تأنق الشبان صار بدعة عالمية.

وأقول إن ما يجوز في الغرب قد لا يجوز في الشرق، لأن الشرق في مطلع نهضة جديدة، وهي توجب أن يتخلق أبناؤه بأخلاق الأسود، وما سمعت ولا سمعتم أن الأسد يتعطر ويزدان.

أيها الناس

اسمعوا، وعُوا، وإذا وعيتم فانتفعوا

لا تسمحوا للمرأة بأن تتحكم في البيت، فما كان تحكُّمها إلا تحكم الضعفاء، وهو أشنع ضروب الاستبداد

ولا تسمحوا لأحد أبنائكم أن يستظل بظلكم بعد العشرين ولو كانت مواهبه تبشر بأن سيكون من أعلام الزمان

أما بعد فهذه كلمة عنيفة، ولكنها حجرٌ متين في بناء الجيل الجديد.

زكي مبارك

ص: 7

‌أبو سليمان المنطقي

للدكتور جواد علي

أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي شخصية من الشخصيات القوية الفذّة التي ظهرت في عالم بغداد في القرن الرابع للهجرة، فأثرت في مجتمعات عاصمة العباسيين العلمية وأنديتها الأدبية تأثيراً يشابه تأثير زميله في المهنة الأديب الفرنسي الفيلسوف (فولتير) في باريس عاصمة الفرنسيين. كان إذا تكلم أقنع، وإذا فاه أسمع، وإذا نطق أسكت، وإذا بحث في موضوع من الموضوعات حلله تحليلاً علمياً منطقياً، فلا يترك لأحد في الموضوع شبهة أو شكاً. وكيف لا يكون كذلك وسلاحه المنطق وهو سلاح اعتبر في عهد العباسيين من أمضى الأسلحة وأقساها، وهو رئيس مناطقة بغداد أيضاً، وزعيم كبير من زعمائهم لا ينازعه في ذلك منازع.

كان للمناطقة في بغداد في القرن الرابع للهجرة دولة ومقام. كانوا لسن الأندية وخطباء المجالس، وكانوا فقهاء القوم وأطباء المجتمع. كانوا كل شيء وبحثوا في كل شيء، ولذلك ميزهم الجمهور عن جماعة الفلاسفة الذين كانوا أكثر اتزاناً في باب العلم وأكثر من المناطقة في الكلام تحفظاً. وقد أطلق على كل واحد منهم لقب (المنطقي) ليميزّوهم بذلك عن الفلاسفة والمتكلمين. وكان عماد أسلحتهم المنطق: منطق اليونان، منطق أرسطو، وفورفوريوس صاحب كتاب (الأيساغوجي) الشهير.

وكان من زعماء الجماعة في القرن الرابع للهجرة صاحبنا (أبو سليمان السجستاني) الذي اشتهر بنبوغه في المنطق، على الأخص حتى عرف به، وحتى لقّب (بأبي سليمان المنطقي). وكان له منتدى يرتاده كثير من طلاب العلم وروّاد المجالس الأدبية من مختلف أنحاء الدنيا. قصده محمد بن عبدون الجبلي من الأندلس، وهو أحد الذين ابتلاهم الله بحب الفلسفة والمنطق ولاقي في سبيل غرامه العلمي ألواناً من القسوة والعذاب. وقصده كثير من أبناء سجستان وتركستان وبلاد الشرق حتى كان منزله مثابةً لأهل العلوم القديمة. وله أخبار وحكايات وأسئلة وأجوبة في هذا الشأن على الرغم من عور كان به، ووضح كان يمنعه من ارتياد منازل الوزراء وكبار رجال الدولة حتى قال في ذلك الشاعر البديهي الأبيات الشهيرة التالية:

ص: 9

أبو سليمان عالم فطن

ما هو في علمه بمنتقص

لكن تطيرتُ عند رؤيته

من عَورٍ موحش ومن بَرَص

ويأتيه مثل ما بوالده

وهذه قصة من القصص

انقطع أبو سليمان عن زيارة بيوتات الوزراء ودور أكابر بغداد على الرغم من ميل طبيعي كان فيه يدفعه دوماً إلى تتبع أخبار الدولة والحوادث العامة وسياسة ذلك الوقت، وما كانت تدبره الأحزاب من مؤامرات وفتن إلى غير ذلك من أمور كان كلفاً بها مشتاقاً إلى معرفتها حتى اتخذ له عيوناً وأرصاداً من تلاميذه وأصدقائه ومحبيه يأتونه بالأخبار أمثال أبى حيان التوحيدي صاحب (الإمتاع والمؤانسة)؛ وكان يغشى مجالس الرؤساء ويطلع على الأخبار، ومهما علمه من ذلك نقله إليه وحاضره به. ولأجله صنف كتاب الإمتاع والمؤانسة، نقل له فيه ما كان يدور في مجلس أبي الفضل ابن العارض الشيرازي عندما تولى وزارة صمصام الدولة بن عضد الدولة من أخبار. ولكنه لم ينقطع عن زيارة بعض بيوتات العلم والأدب أو الأنس والطرب، ولم يأنف أن يزور مثلاً رسل سجستان في أيام الجمعة وكان فيهم ابن جبلة الكاتب، وابن برمويه، وأبن الناظر أبو منصور وأخوه، وأبو سليمان وبندار المغنى، وغزال الراقص، وعلم وراء الستارة (جارية) وغيرهم من أمثال هذه الطبقة.

ولأبى سليمان نفس تمثل نفسية الموسوعيين (الأنسكلوبيديين) بكل معنى الكلمة؛ تراه يتحدث عن نظرية العلم والمعرفة فيقول: إن العلم صورة المعلوم في نفس العالم؛ وانفس العلماء عالمة بالفعل، وأنفس المتعلمين عالمة بالقوة. والتعليم هو إبراز ما بالقوة إلى الفعل؛ والتعلم هو بروز ما هو بالقوة. إلى الفعل. والنفس الفلكية عالمة؛ بالقوة. وكل نفس جزئية تكون أكثر معلوماً وأحكم مصنوعاً فهي أقرب إلى النفس الفلكية تشبهاً بها ونصيراً لها. وتراه يتكلم عن القرآن والحديث والأحكام بكل إمعان وإتقان وسعة إطلاع حتى كأنك أمام أحد المفسرين أو الفقهاء أو المحدثين. وقد أكسبته هذه الإحاطة العامة شهرة جعلت البعض يكتبون إليه يسألونه وهم في أقاصي البلاد. كتب إليه أبو جعفر ملك سجستان يسأله عن القرآن والعربية والشعر والأحكام.

وتراه يتحدث عن السياسة وصفات الملوك وأنظمة المملكة، فيجيد في الموضوع كل الإجادة ويأتي بنظريات تكاد تكون من أحدث النظريات. فيصل علم ذلك إلى الوزير أبى العارض

ص: 10

فيسأل تلميذه التوحيدي وهو من أعلم الناس بأحوال أبى سليمان هذا السؤال: كيف كان كلام أبى سليمان فينا؟ وكيف كان رضاه عنا ورجاؤه بنا، فقد بلغنا أنك جاره ومعاشره ولصيقه الخ؟ ولا يستغرب صدور مثل هذا السؤال من وزير، فلأبي سليمان مجلس له شأن، ولأبي سليمان دائرة ذات مكانة في البلد ومنزلة.

كانت حلقة أهل المنطق في بغداد حلقة كبيرة ضمنت نخبة كانت لهم ثقافية ممتزجة عالية، لم تكن عربية بحتة ولم تكن يونانية أو فارسية أو سريانية خالصة. كانت تجيد مختلف اللغات، وتحمل مختلف الثقافات. ولقد فضل أهل النظر صاحبنا السجستاني على كثير من زعماء هذه الدائرة ممن كانوا يشتغلون بنفس الموضوع الذي اشتغل فيه السجستاني أمثال ابن زرعة أبي علي عينسي ابن اسحق (ولد سنة 371 وتوفي سنة 448هـ)، وهو أحد المتقدمين في علم المنطق وعلوم الفلسفة والنقلة المجودين، نقل من السريانية بعض كتب أرسطوطاليس، وكانت له عناية خاصة على ما يظهر بكتب هذا الفيلسوف ومنطقه دون فلاسفة اليونان الآخرين. وكذلك أبو الخير الحسن بن سوار بن بابا بن بهرام المعروف بابن الخمّار، وابن السمح، والقومسي، ومسكويه، ونظيف ويحيى بن عديّ وعيسى بن علي. وكل هؤلاء من مشاهير بغداد في ذلك العهد ومن أدبائها الممتازين. فلا عجب بعد ذلك ولا غرابة أن رأينا أن عضد الدولة مثلاً كان يكرمه ويفخِّمه وينزله منزلة خاصة من بين الأدباء المنطقيين.

انتقلت شهرة السجستاني في المنطق من بغداد إلى الأندلس كما انتقلت فلسفة الفارابي والفلسفة الطبيعية أيضاً وكان الذي نقل هذه الشهرة وهذا المنطق محمد بن عبدون الجبلي من أهالي الأندلس، نقلها إلى الأندلس عام 360 الهجرية (971م) أي في السنة التي عاد فيها ثانية إلى وطنه الأصلي من العراق، وللسجستاني كلمات حكيمة تدل على أنه لم يكن يقنع بالحواس الخمس ولا بالتجارب وحدها وإنما كان يرى في العقل وحده القول الفصل شأن الفلاسفة العقليين الذين يرون في الحجج العقلية الدليل الأولى أمثال بار منيدس الفيلسوف العقلي الشهير وفلاسفة مدرسة الأليئاثن وفلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد، وعلى الأخص أمثال دبكارت وشبينوتزا ولايبنتز وولف وأولئك الذين أطلق عليهم الفيلسوف وند اسم المنطقيين المتطرفين وهؤلاء هم عكس الفلاسفة التجريبيين

ص: 11

الذين يعتقدون بصحة المعرفة إلا إذا جاءت عن طريق التجربة والمشاهدة والحواس أمثال: لوك وفرنسيس بيكن وجون ستيوارت ميل وغيرهم.

جواد علي

2 -

مطالعاتي حول المدفأة

ص: 12

‌حكومة الحدائق

للأستاذ صلاح الدين المنجد

ما عليّ وقد تهت بين الجبال في البحث عن المدينة الضائعة، ملبياً نداء المجهول، مبتعداً عن ثقل الحضارة؛ أن أنتقل مع (دوهامل) بين الأزاهير؛ فأستنشق العطر، وأرشف الحكمة، وأنعم بهدوء البال.

الحق أن ثقل المدنية يدفع إلى الهرب منها؛ وهذا ما فعله (دوهامل) حين فر إلى حدائق (فالموندوا) في (إيل دوفرانس) فتمتع بالزهر، وسكر بالأرَج، وحلم بحكومة الحدائق. . . فخط رسومها، وبين خططها. . .

هاهي ذي الطبيعة البكر، لم تلمسها يد ولم تطأها قدم تنمو على غير نسق، ودون نظام. فإذا امتدت إليها يد الإنسان ورعتها بالتهذيب، وجملتها بالترتيب، حَلَتْ ونَمتْ. وهاهي ذي الخُضارات والنباتات تربو بفن البستاني، وتزهر بالعناية والحرث والسقيا، ففنٌّه إذن يفيد. إنه حياة ثمرتها الإبداع والجمال. . . أفلا نستطيع أن نجني من ذلك عبرة تتبعها في حكومة الناس. . .!

هذا ما يبدأ به دوهامل كتابه. . . على أنه يصف بستانه الذي حكم بحكومته أنه ليس بالكبير ليقصر الإنسان عن العناية به، وليس بالصغير ليوجب إهماله، وليس بالخيالي كبستان الأب موريه، ولا بالبارع كبستان (بلوميه) الذي ابتدعه هوجو في البؤساء. لا. . . ولكنه وسط بين أولئك. ومهما يكن من أمر، فإن هذا البستان يوجب العناية ويدفع إلى العمل: إنه يتطلب جناناً بارعاً، وعملاً متواصلاً، ونظاماً سائداً؛ وعندئذ يطيب الغرس، ويتألق الزهر، ويحلو الثمر، ويربو القطف.

لا جرم أن النظام سر الإبداع وسر الجمال، وهو الذي يحيي النفوس ويرهف الأذواق، ويخلق النبلاء. ولابد لكل مخلوق منه، حتى النباتات؛ فينبغي أن تخضع لقانون تتبعه، وتسلك نهجاً تسير فيه. لكن ما الذي يكون إذا أُهمل البستان، فنسيه الفكرُ الذي ينظِّمه، وجَفتْه الأيدي التي تعتني به. . .؟

لاشك أن ذلك البستان يميد من الفرح في أيامه الأُول؛ فتسكره الحرية، وينطلق من النظام الذي كان يراه قيوداً فيعيش على هواه: نوم دائم، واستقرار طويل، وخمول لازب؛ وفجاءة

ص: 13

تعتلّ النباتات الضعاف لسعة حريتها، فتعبّ الماء الكثير. . . وتبلى. ثم تغرق الأزاهير الصحاح في الماء فتندى، ثم تروى، ثم يداخل سوقها الوهن، فتصبح كما أصبحت من قبل أخواتها؛ وتفسد الثمار التي تركت على أشجارها فلم تقطفها يد الجنّان، وينثر الهواء البذور في الأرض فتضيع، وتستولي الأعشاب الوحشية على الممرات، وتزاحم النباتات الطائشات الأزاهير الصغار. وعندئذ تسود الفوضى، ويحكم البستان ثلاثة أصناف من الأعاشيب، يرجع إليها الأمر، وتكون الحكم والخصم. ثم يتقاسمن البستان، وتنشأ حولهن أزاهير بورجوازية تكون من الأعوان والأنصار. ثم تغتنم هذه الأزاهير فرصة الفوضى فتنتشر هنا وهناك. فإذا مضى الشتاء وأقبل الربيع، وجاء في موكبه النور والجمال. . . لم تجد في البستان الحياة والرونق، ولا الجمال وبراعة النسق، ولا الحرية المهذبة والنظام. . . بل تجد الاضطراب والفوضى والظلام، وترى بضعة أعشاب أنانية، شرسة، تحكم بعنف، ولا تتراجع أمام شيء، لتشبع نهمها، وتغذي نفسها بالبطش والشر والانتقام.

على أن سلطة رعاع العشب لا تدوم. فهناك، على حفافي البستان تقوم برابرة الأشجار. . . في الغابة. وفيها تجثم قوة مخيفة لا تعرف ولا توصف. لقد كان فن البساتني يوقفها، لأن النظام الذي نراه رَّفافاً في جنبات الحديقة كان يخيفها، وكان يدفعها إلى احترام من يتبعون النظام. أما الآن. . . فلا شيء يمنعها عن التقدم.

ورويداً رويداً تتقدّم الغابة فتستعبد البستان بقوة لا تغالب، وجبروت لا يٌقهر؛ فتقضى على الثائرين الصغار، وتبطش بالفاسدين الكبار؛ ثم تنمو وتترعرع حتى يأتي يوم يمّحى فيه البستان ويغيب في ظلال الشجرات العتاق. . . ويعود عالمنا كما بدأ مضطرباً مظلماً موحشاً. فالنظام لا جرم سيد الكون، وإن فن الحكومة - حكومة الحدائق - يدل على أنه لابد من خضوع الطبيعة لسلطةٍ ما تقودها نحو النظام، لأن الطبيعة هي حياة أصناف وحشية عندها، وموت أصناف أخر، واستخدام أصناف ثالثة. أما فنّ الجنّان فهو الذي يقاوم قوى الطبيعة الجبارة. فيحمي الأزاهير الجميلة لأنها أرق النباتات، ويضع كلاً في موضعه، ويحدد ذلك الموضع والمكان؛ ويساعد الضعيفة منها؛ ويخفف من غلواء ذوات الطيش والإقدام، ويضع مجموعة من القواعد ملؤها الحكمة والانسجام تكون قابلة للتطبيق والاتباع.

ولابد من وقفة صغيرة. إن السلطة ضرورية، ولكن ينبغي التفريق بينها وبين العنف، وإلا

ص: 14

ما استطاع أحد قيادة الناس، لأن القوة الوحشية التي تسود بالحديد والجرانيت والرخام لا قيمة لها أمام الحياة. . . لأنها ستغلب يوماً. فالبستاني البارع يمارس سلطته باحترام أزاهيره ونباتاته والرفق بها، ويبدّل قواعده التي تستند إلى القوة بالإقناع، لأن الإقناع أشد تأثيراً في النفوس من الحديد. إنه يدفع إلى الهاوية، وإنه يحيى ويميت. فإذا كان ذلك أصبح البستان رقعة من رقاع الفردوس، ورفرف حوله العدل والانسجام والسلام.

(دمشق)

صلاح الدين المنجد

ص: 15

‌الأحلام

للعالم النفساني (يونج)

للدكتور محمد حسني ولاية

يقسم يونج العقل الباطن (اللاوعي) إلى قسمين:

1 -

اللاوعي الشخصي الذي يحتوي على كل ما هو منسي أو مكبوت مما اكتسب بواسطة الإنسان.

2 -

اللاوعي الشامل الذي يشمل محتويات غريبة عن الفرد وليس لها طابع شخصي، ويمكن استكشاف هذه المحتويات في هواجس الجنون وبدوات الأحلام التي تنتمي إلى العقل البدائي، فهي لم تكتسب ذاتياً ولكنها موروثة من الإنسان الفطري ومتماثلة على وجه العموم في كل الكائنات البشرية.

وقد قص يونج الحلم الذي سأذكره فيما يلي ليبين الفارق بين الأحلام الذاتية العابرة والأحلام الناشئة من اللاوعي الشامل، وهو يرى أن هذا الحلم قد طفا من مستوى أعمق بكثير من مستوى الأحلام العابرة:

(حلم طالب ديني أنه يصلي أمام شخص جميل أطلق عليه الساحر الأبيض وكان مرتدياً معطفاً أسود. ثم أقبل شبح آخر سماه الساحر الأسود مرتدياً جلباباً أبيض.

رغب الساحر الأسود في التحدث إلى سيده الساحر الأبيض، ولكنه تردد في الإدلاء بحديثه وهو في معية تلميذه (الطالب). وحينئذ قال الساحر الأبيض:(تكلم. إنه طاهر). فقص الساحر الأسود قصة عثوره على مفاتيح الجنة الضائعة ولم يتيسر له معرفة استعمالها. فجاء إلى الساحر الأبيض مستفسراً ثم قال: إن ملكه يبحث عن مقبرة ليوسد فيها حين يحين حينه، ولكن بينما كان أحد رعاياه يحفر الأرض عثر على مقبرة كبيرة تحتوي على بقايا عظام عذراء، ففتح الملك هذه المقبرة وألقى هذه العظام خارجها وأقفلها.

فما إن تعرضت العظام لنور النهار حتى دبت فيها الحياة، وأخذت شكل حصان أسود جرى إلى الصحراء.

فتبع الساحر الأسود هذا الحصان، وبعد صعوبات جمة وجد مفاتيح الجنة الضائعة)

ويرى يونج أنه لا يمكن تفسير هذا الحلم بالطريقة المختزلة لأن قيمته الحقيقية تكمن في

ص: 16

ذاته لأنه عبارة عن تجارب روحانية تتحدى أية محاولة لتبريرها.

وقد انتقد يونج نظرية فرويد الأحلام والعقل الباطن لأنها لا تعترف بوجود اللاوعي الشامل. ثم قال: إن الوارثة فقط تستطيع أن تفسر التماثل العجيب بين الأقاصيص الدينية الأزلية من ناحية، وبين الأحلام والهواجس من ناحية أخرى. وإن اللاوعي الشامل لا يظهر أثره إلا عند حدوث ظروف غير عادية تطلق سراح نشاطه المستقل.

أختم المقال بحلم شاب في العشرين من العمر مشفوعاً بتعليق يونج عليه:

(رأيتني في كاتدرائية (لورد) وقد شملها جو قاتم غامض ونور خاب وتوسطتها بئر عميقة كان مفروضاً على أن أتوجه إليها)

ثم عقب الحالم على هذا بقوله: (إن لورد هذه بئر للاستشفاء، وقد رأيتها في الحلم بمناسبة تفكيري في السعي إلى العلاج)

(إن كلمة كاتدرائية تعيد إلى ذاكرتي كاتدرائية كولونيا التي أغرمت بها في صباي، وكثيراً ما كانت أمي تستصحبني إليها وتحدثني عنها)

هنا يصف المريض اختبارات مهمة في صباه تعرب بنوع خاص عن صلته الوثيقة بالأم. وهذه الصلة تنطوي على علاقة سرية غير واعية، وقد عبر عن هذه العلاقة تعبيراً قد يعتبر واعياً في شكل إبطاء في نمو أخلاقه وبقاء مظاهر من الطفولة فيه. وقد برزت فيه بعض خصائص الأنوثة كما يبدو من طريقة تعبيره، وكانت علته التي التمس الشفاء منها حبه الذكور حباً جنسياً

تكافح الشخصية في تطورها لكي تنفصل عن العلاقة الطفلية غير الواعية بالوالدين، ولا شيء يعوق النمو الأخلاقي أكثر من بقاء نفسية طفلية غير واعية.

وتأتي أول فرصة لانفصال عن الأم عن طريق إرضاء الغريزة باستبدال الأم بموضوع آخر يماثل الأم

وإنا نرى في حالة هذا الشاب أن بدواته الطفلية متعلقة برمز الكاتدرائية بسبب حاجته القوية غير الواعية إلى بديل عن الأم، وتمثل الكنيسة هنا بدلاً روحانياً عن الصلة الطبعية بالوالدين.

كان القدماء يحتفلون بسن البلوغ ففيهم الشاب أسرار قبيلته الدينية، وكان الاحتفال مصحوباً

ص: 17

بكثير من الطقوس الدينية والعادات الفطرية ولا ريب في أن هذه تركت أثراً في عقلنا الباطن بل إنها أصبحت تقريباً عمليات غريزية منحوتة في اللاوعي كنماذج قديمة هذا وإن حب الجنس المماثل يرجع إلى وقائع تاريخية عند الإغريق وبعض الفصائل الفطرية، وكانت الرغبة فيه تعد نضوجاً ورجولة. فإذا رجعنا إلى خطة الحلم أمكننا أن نفهم أنها ترمي إلى رغبة المريض في العلاج وإلى إثبات معنى حب الجنس المماثل أو بعبارة أخرى الدخول إلى دنيا البالغين.

(للبحث صلة)

محمد حسني ولاية

ص: 18

‌الأزهر في عامه الجديد

بين الذكرى والأمل

للأستاذ عبد اللطيف محمد السبكي

فوق ما للأستاذ (الزيات) بين رجال الفكر والقلم من مكانة مرموقة؛ فإن له نزعة دينية تتمثل فيما يكتبه من حين إلى حين عن الثقافة الإسلامية وحاجة الناس إليها، وعن الأزهر وما يتصل بالأزهر من هذه الناحية. وبلاغة الزيات وروحه تقتضيان أن يقرأ له الناس إذا كتب، ويصغوا إليه إذا قال.

وقد تحدث الأستاذ في افتتاحية (الرسالة) لعامها العاشر عما يغشى الناس في هذه الآونة من ظلام: ظلام المطامع والشهوات، أو ظلام القسوة والطغيان؛ حتى عُمِّيت على الناس وجوه الرأي، وأغلقت دونهم أبواب الحيلة، واكفهرت أمامهم بوادر المستقبل.

وتعليل ذلك كله عند الأستاذ الزيات ظلمة السرائر من نور الهداية، وإقفار البصائر من روح الدين، حتى تكاثفت هذه الظلمات الباطنة؛ فكانت في الظاهر كذلك حلكاً غاشياً، وظلماً فاشياً؛ ثم كان ضجر الناس بالحياة، وسخطهم في هذا الوجود. ذلك معنى حديثه، وهو حديث حق لا ريب فيه (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً)

ولكن متى يستبين للناس وجه الرشاد من الغي فيرجوا إلى الدين فيما يتصل بهم أو يصل بينهم من أسباب، لتنجاب عن بصائرهم هذه الغشاوات، وتنكشف لأبصارهم مسالك الحياة؟! علم ذلك عند الله. . .

ولكن الأستاذ الزيات يتجه إزاء هذا السؤال نحو الأزهر، وهو يرى الأزهر في وضعه الصحيح كمحطة استقبال وإذاعة: يتلقى تعاليم الوحي من كتاب الله وسنة رسوله، ويذيع في الناس الحكمة الصادقة، والموعظة الحسنة، والقدرة الصالحة، ويمثل في سيرة أهله ما كان ماثلاً في سيرة السلف وأعمالهم للدنيا وللدين.

والنظر إلى الأزهر بعين كهذه ليس فيه إسراف ولا شطط، فقد قام الأزهر كما يقول الأستاذ - للدين وعاش بالدين - وليس يليق به أن يكون لغير هذا وإن تطاولت عليه السنون؛ ولا يليق به أن ينحدر من عليائه إلى الوضع الأدنى الذي خرطه في عداد المدارس، أو كاد.

ص: 19

ونحن إذ ننظر إلى الأزهر بهذه العين نقف به مع الأستاذ الزيات بين الذكرى والأمل، لترجع بنا الذكرى إلى أزهر القرن الرابع عشر، يوم كان حقاً يعيش للدين وبالدين، ولا تلويه الأحداث، ولا تستهويه المطامع فكان لقوله صولة، ولرأيه شأن وحساب.

وإذ تحولت نظم الحياة الاجتماعية، واقتضى الزمن نشاطاً في السير، ومتابعة للنهوض، فما كان ينبغي للأزهر أن يقنع بالعزلة ويتنحى عن مكان القيادة، ويقعد عن اجتذاب الجماهير إلى حوزة الدين، واشتمالهم بتعاليمه الفضفاضة.

وإن تكن هذه سيئة الزمن الماضي، فماذا صنع أزهر اليوم ليدرك الناس ما فاتهم، ويصل ما انقطع بينه وبينهم، ولا يترك الخرق يتسع، والشر يتفاقم؟

نعم بدأ يخطو الأزهر في عهده الحاضر خطوات لا بأس بها، ولكنها خطوات هينة إذا قيست بالأمانة العظمى التي يتحملها عن الأنبياء. والأمر يقتضي نشاطاً فوق هذا النشاط، ولا يتسع لتريث فوق الذي كان، وهنا مثار الأمل في الأزهر، فإلى من يتجه ذلك الأمل المنشود؟

يتجه إلى صاحب المقام الأعلى، إلى معقد الرجاء، إلى جلالة الملك فاروق، فجلالته حَريٌّ بين الملوك أن يحمل راية القرآن خفاقة على ربوع الإسلام، وأن يجعل القرآن - بتشجيعه وعطفه - منهلاً عذباً في وادي النيل، يصدر عنه الناس وإليه يردون، وهذا ما كشف اللثام عنه بين يدي جلالته شيخ الأزهر في مستهل العام الهجري، فأبان فضيلته عن أمل المسلمين في الأزهر وعن رجاء الأزهر والمسلمين في جلالة الفاروق.

ويتجه الأمل ثانياً إلى فضيلة الشيخ الأكبر وإلى من يؤازره من كبار العلماء، وما يريد المسلمون منهم إلا ما تحدث عنه الأستاذ الزيات:(أن يضعوا لثقافة الشعب أساساً من الدين، يقوى بقوة الله، ويثبت بثبوت الحق، ويدوم بدوام الدنيا، ثم يقيموا عليه من القواعد والأوضاع ما يقره العقل، ويؤيده العلم، ويتقبله العصر، وتقتضيه الحاجة)

ففي هذه الكلمات تتلخص حاجة الناس إلى الدين وتنحصر مهمة علماء الدين.

وقد نشط إلى الجهر بذلك منذ أيام شيخ متوثب، انتظم إلى جماعة كبار العلماء، فكان إحساسه يقظاً، وصوته ندياً. وإذا تجاوبت هذه الدعوى، ودخلت إلى مكتب الشيخ، وترامت إلى المسامع العلية، فبعيد أن تفتر هذه الحمية، وبعيد أن يركن الأزهر إلى تلك السياسة

ص: 20

الشكلية التي تؤخر أكثر مما تقدم.

أقول - السياسة الشكلية - وأنا في هذا التعبير من غيرة وخشية: غيرة على عهد المراغي أن يعلق به شيء مما لا نحب، وخشية من لائمة من لا يرضيهم ذلك التعبير.

ولكنه مقام تعوزنا فيه الصراحة أكثر من المجاملة، ويقتضينا الإنصاف ألا نشوب الإخلاص بالمداهنة، وإلا نطوي صفحة الولاء على غش ودخالة.

هي مشكلة إلى حد ما، ونحن نريدها عملية محصنة: عملية في التوجيه العلمي، وتزكير الروح الأدبي والكرامة في نفوس الناشئة. نريدها عملية في الموازنة بين المتصلين بالعمل: إداريّاً كان أو عملياً. وليس بعزيز على الشيخ الأكبر أن يتحسس هذا، ويوازن ويرجح، ويحْدِث ويجدد، بل ذلك فيما نعلم من الخطوات الأولى في إقامة الإصلاح.

فلينظر مولانا الشيخ الأكبر في الأدوات التي يؤدي بها الأزهر رسالته: قولاً كانت أو كتابة. ولينظر فيمن يساهمون في الإدارة؛ فليس يكفي أن يكون الرأس وحده سليماً حتى تسلم بقية الأعصاب والعضلات!

وأكبر الظن أن ينقضي العام الجديد على خير ما بدأنا من آمال، وما رجوناه من أعمال.

عبد الللطيف محمد السبكي

المدرس في كلية الشريعة

ص: 21

‌أدب الطف

عامل من عوامل نمو الشعر في العراق

للأستاذ عبد الكريم الدجيلي

كتب الدكتور زكي مبارك في أعداد سالفة من (الرسالة) عن (الأدب العربي الحديث في العراق)، ولا أريد بكلمتي هذه أن أناقشه فيما كتب، إذ أن وقت المناقشة قد بَعُد وتقادم، على أني معجب شديد الإعجاب ببعض ما كتب.

وقد كنت معتقداً بأنه سيكتب عن الشعر الذي رُثى به الحسين بن علي بن أبي طالب، فيكشف لقراء (الرسالة) صفحة مندثرة من الأدب العربي، ومنجماً مليئاً بغرر الشعر وأطايبه، فيُسجل له فضل الأسبقية في هذا الموضوع بعد أن زودته وزارة المعارف العراقية بأغلب الدواوين المطبوعة لشعراء العراق، وأغلبها ملآن بما رُثِيَ به الحسين، فعبدت له الوزارة بعض الطريق. على أن الرجل قد أشار إلى هذا الموضوع من طرف بعيد قد يخفى على كثير من القراء - وعلى الأخص أدباء الأمة المصرية - إذ أن سمعهم لم يطرقه هذا اللون من الأدب العربي إلا النادر منهم.

وكان الأجدر بالدكتور أن يقف عند هذا الموضوع ولو قليلاً، أو يَعِد القراء بالرجوع إليه، لأن رثاء الحسين، أو (أدب الطف) يعد (عاملاً من عوامل نمو الشعر في العراق). ولعل كلمتي هذه تحفز الدكتور إلى الكتابة في (أدب الطف)، والمراجع لديه كثيرة، والوقت يناسب الكتابة في هذا الموضوع، قبل أن ينقضي شهر محرم الحرام الذي قُتِل فيه الحسين بن علي بن أبي طالب. فالمناسبة إذن تشجع الكاتب على كشف هذا المنهل العذب الصافي من الأدب العربي لكل من تعنيه الدراسات الأدبية والاتجاهات الفكرية. على أن السبب الأول لكتابة هذا المقال، هو نفس السبب الذي دعاني أن أدعو الدكتور أن يكتب فيه.

ذكر الدكتور في المقال الذي كتبه عن (الأدب العربي الحديث في العراق) أن الخصومات الدينية، والخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة، قد عادت بالنفع والخير على الأدب والبيان في العراق. وهذا حق لا جدال فيه، فقد يكون بعض الخلاف خيراً وبركة من جهة، ونقمة وبلاء من جهة أخرى. ولو تصفحنا أدوار الأدب العربي من فجرها إلى يومنا هذا، لرأينا أجود ما فيه كان السبب في وجوده الخلاف: فقصيدة عمروا بن كلثوم، والاعتذار الذي

ص: 22

صاغه الذبياني في قصيدته الخالدة، وكثير من شعر حسان، وخطب علي ومعاوية، والمراسلات التي كانت من جراء هذا الخلاف، وشعر جرير والفرزدق والأخطل ومن شايعهم، وخطب عيسى بن علي والسفاح والمنصور؛ ثم الغالب من شعر المتنبي الذي يبرق فيه ويرعد، والرسالتان الجدية والهزلية لابن زيدون، والقصيدة السينية - ما على ظني يأس - كل هذا الإنتاج العقلي وألوف من أمثاله كان السبب المباشر في وجوده هو الخلاف (السعيد) - على حد تعبير الدكتور. وأنا وإن كنت لا أحب أن أذكر، حتى اسم الخلاف الذي يقع بين المسلمين ما دام المنهل واحداً - خصوصاً في بلد كالعراق لا يستغني فيه أحد الفريقين عن الآخر، فإني سأطرقه من ناحيته الأدبية لا غير.

تقام الاحتفالات التأبينية في العراق - وعلى الأخص في نواحيه الجنوبية - وتعقد النوادي فيه تأبيناً للحسين بن علي بن أبي طالب في كل أيام السنة، أما إذا هلَّ شهر المحرم، فإن الأشغال تكاد تعطل، والحوانيت تكاد تقفل طيلة شهري محرم وصفر، فتعقد مئات النوادي لذكرى قتيل الطف.

فإذ كان الأدب العربي يفخر بسوق عكاظ لأنها كانت السبب في رفع مستواه، وكانت السبب في احترامه وتعاليه؛ فإن الأدب العربي مدين كل الدين لهذه النوادي التأبينية، إذ أنها خير مدرسة وخير عامل لنمو الشعر في العراق. فالشاعر الذي تنشد قصيدته على رؤوس الأشهاد وتستحسن يستمر بحكم الضرورة على قرض الشعر حتى يستمر هذا الإعجاب والتقدير.

ثم هناك حافز آخر لخلق الشاعر في هذه الناحية ألا وهو الحافز الديني، فقد وردت أحاديث كثيرة، وأخبار مستفيضة تهب الثواب والجزاء لمن قال الشعر في آل محمد ولو بيتاً واحداً. ومهما كان نصيب هذه الأحاديث والروايات من الصحة فإنها كانت سبباً قوياً وباعثاً لخلق ألوف من الشعراء لا أظن أدبياً أو متأدباً ينضج ويكتمل ما لم يطلع على هذه الناحية من الشعر.

ومن الغريب أن أدباء الأمة العربية لم يعرفوا عن هذا المنجم الأدبي الضخم ولم يسبروا فيه من غور وعمق. ولو أنهم فعلوا ذلك لظهر لهم من شعر الطف ما يغذي العاطفة ويربي الذوق، ولأضيفت إلى الأدب العربي صفحة مليئة بنفائس الشعر الجيد الممتاز، ولفتحت

ص: 23

أمام حملة الأقلام والقوامين على سير الأدب العربي أبواب فيها من الشعر ما هو قمين بكل تقدير.

وإذا كانت الخصومات الدينية، والخلافات المذهبية في العراق هي السبب في حفظ كيان الأدب والبيان ولولاها لذهبت به تلك الأعاصير الهوج التي مرت عليه طيلة سنين عدة. فإن نفس تلك الخصومات كانت السبب الوحيد في انزواء هذه التحف الفنية والنوادر الأدبية.

ولعلي أوافي قراء الرسالة متى سنحت الفرصة عن بعض هؤلاء الشعراء الذين وقفوا أكثر حياتهم الأدبية على هذه الناحية من الشعر فأكون قد قمت بواجب الأدب والتأريخ معاً.

وإليك أبياتاً مقتطفة من قصيدة طويلة للسيد حيدر الحلي يرثى بها الحسين:

أيها الراغب في تغليسة

بأمون قط لم تشك الكلالا

أقتعدها وأقم من صدرها

حيث وفدُ البيت يلقون الرحالا

واحتقبها عن لساني نفثة

ضَرماً حوَّله الغيظ مقالا

فإذا أنديةُ الحيِّ بَدَتْ

تشعر الهيبة حشداً واحتفالا

قف على البطحاء واهتف ببني

شيبة الحمد وقل قوموا عجالا

كم رضاع الضيم! لا شب لكم

ناشئ أو تجعلوا الموت فصالا

كم وقوف الخيل لا كم نسيت

علكها اللجم ومجراها رعالا

كم قرار البيض في الغمد أما

آن أن تهتز للضرب انسلالا

قوّموها أسلا خطية

كقدود الغيد ليناً واعتدالا

وللحاج هاشم الكعبي من قصيدة مطولة في هذا الموضوع:

فوارس اتخذوا سمر القنا سَمَرا

فكلما سجعت ورق الغنا طربوا

يستعذبون الردى شوقاً لغايته

كأنما الضرب في أفواههم ضَرَب

حتى إذا سئموا دار البلى وبدت

لهم عياناً هناك الخرّد العرُب

فغودروا في العرا صرعى تلفهم

مطارف من أنابيب القنا قشب

وأفلتت زمر الأعداء ترفل والأح

قاد تسعر والأحشاء تضطرب

جلا لها ابن جلا عضب الشبا ذكرا

لا يعرف الصفح إذ يسنله الغضب

ص: 24

تأتي على الحَلَق الماذيِّ ضربته

ولا يقيم عليها البَيض واليلب

وللحاج كاظم الأزري مرثية من غرر الشعر تقتطف منها ما يلي

وضربة تتجلى من صوارمه

كالشمس طالعة من جانبي نهر

كأن كل دلاص منهم بَرَد

يرمى بجمر من الهندي مستعر

إذا انتضى بردة التشكيل تحسبه

لاهوت قدس تردى هيكل البشر

صالوا وصلتَ ولكن أين منك همو

النقش في الرمل غير النقش في الحجر

ما أنصفتك الضيا يا شمس دارتها

إذ قابلتك بوجه غير مستتر

ولا رعتك القنا يا ليث غابتها

إن لم تذب لحياء منك أو حذر

قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها

كالحمد لم تغن عنها سائر السور

أترى أن مثل هذا الشعر المتسامي في سبله ومتانته وجودة تراكيبه لا يعرف عنه أدباء الأمة العربية وبخاصة أدباء وادي النيل الذين منحهم الله الإحساس الأدبي والشعور الفني لمثل هذه القطع الأدبية والأساليب العربية التي تتجلى بهذا الشعر! وإذا كان هناك لوم يوجه إلى زمرة من الأدباء لأنهم أهملوا هذه الناحية الأدبية من الشعر.

فإلى أدباء العراق وحملة الأقلام فيه إذ أن الواجب الأدبي يحتم عليهم أن يعنوا بنشر أمثال هذا الشعر.

ولقد أذكر أنني قرأت كثيراً من هذا الشعر على نخبة من أدباء الأمة المصرية مثل الأستاذ هاشم عطية والأستاذ السباعي بيومي. ومما أذكره أن الأستاذ هاشم عطية قال لي بعد الانتهاء من قراءتي لهذا الشعر: إن هذا الشعر خلاصة تفكير أمة كاملة لا تفكير فرد. وإن مثل هذا الشاعر - ويعني السيد حيدر - لا يوجد في الأمة العربية مثله في كل وقت وحين؛ وإنما يجيء على رأس قرن أو قرنين. فالواجب عليك وعلى أدباء العراق الاتجاه نحو هذا المنجم الأدبي لتخرجوا منه لنا كتباً تكون خير متعة أدبية ولذة فنية.

ومن هنا عنيت بهذا الشعر ولعلي أخرج كتاباً فيه.

عبد الكريم الدجيل

المدرس بالثانوية العسكرية

ص: 25

‌الفرق السياسية في الإسلام

للدكتور رينولد نيكلسون

بقلم الأستاذ حسن حبشي

كانت مناهضة الأحزاب السياسية والفرق الدينية للبيت الأمويّ اللغمَ الذي أخذ يقوّض دعائمه شيئاً فشيئاً، حتى أنهار ولم تقم له قائمة بعد ذلك. وسنسوق بعض التفاصيل عن الأفكار التي أدّت إلى تطاحن هذه الطوائف، وعن العوامل التي دعتها إلى السخط على النظام القائم، ثم نُثّني ببضع كلمات قلائل عن الفرق الدينية وعقائدها كالمعتزلة والمرجئة والصوفية، ثم التكلم عن أدبهم الذائع الذي كان جُلُّه شعراً، وعن حملة لوائه البارزين.

كانت وجهة معارضي الأمويين سياسيةً بادئ ذي بدء، إذ كان معنى تولي معاوية الحكم انتصار الشام على العراق، ومن ثم أصبحت دمشق عاصمة الدولة، وحلت محل الكوفة، وقد لاحظ (فلهوزن):(أن أشد الصيحات خطراً على بني أمية كانت منبعثة من العراق، فلم تكن صيحة حزب خاص بذاته، ولكنها صدى صوت جميع العرب المقيمين هناك، والذين اتفقوا جميعاً على استنكار ضياع استقلالهم وعلى كراهية أولئك الذين آل إليهم الأمر). وفي هذا الوقت نفسه اصطبغت هذه المشاعر بروح دينية، واتخذت من الدين عوناً لها، وسقط النظام الجديد مذموماً موسوماً بسمة الشرك، وبناءً على مبلغ تقدير المسلمين لمعنى الواجب، كان لزاماً على كل رجل حرّ عاقل أن يعمل على إزالة أسباب ذلك المنكر، ومن بين الأحزاب العديدة التي نهضت بأعباء هذا الأمر، يمكننا أن نتبين أربع جماعات وحّد بينها غرض مشترك، وتعاونت في سبيل تنفيذ فكرتها، تلك هي:

(ا) المسلمون عامة المتمسكون بالدين، الذي كان يتألف منهم أهل السنة.

(ب) الخوارج ويمكن تسميتهم (بالمتطهرين) وهم شديدو التطرف في نزعتهم الدينية.

(ج) الشيعة أو أنصار عليّ وآل بيته.

(د) الموالي: وهم المسلمون من غير العرب.

ومن الجليّ الواضح أن الفريق الأول (الذي كان دعاته وأنصاره الفقهاء وحفظة القرآن وصحابة الرسول وتابعيهم)، كان هذا الفريق كارهاً للحكومة التي أرغم على طاعتها والخضوع لسلطانها. أما الاعتقاد بأن القوة التي كان يمثلها الطغاة ومؤيدهم قد وطأت الحق

ص: 27

كما جاء به القرآن والسنة، فقد جعل الكثيرين يقحمون أنفسهم في غمار ثورة هائلة؛ ويقال: إن خمسة آلاف قد لقوا مصرعهم في حادثة تخريب المدينة، كما عزف آخرون عن الدنيا أمثال الحسن البصري، وسلكوا سبيل الزهد بعد أن يئسوا من الإصلاح، وقد كان لهذا الاتجاه عواقب خطيرة الشأن كما سنرى.

لما رضي عليّ بعد (صِفّين) بالتحكيم فيما شجر بينه وبين معاوية من خلاف حول مشكلة الخلافة لأمه الكثيرون من جنده ورموه بخيانة العهد، إذ كان - كما يعدّونه - الخليفة المنتخب عن جدارة واستحقاق، فكان لزاماً عليه أن يستمسك بمنصبه السامي ويضحي من أجله بكل ثمين، وفي طريق العودة إلى أمصارهم أنسلخ الساخطون ويقدّر عددهم باثني عشر ألف رجل، وعسكروا في بلدة تدعى (حردراء) على مقربة من الكوفة وصاحوا جميعاً:(لا حكم إلا الله)، وبذلك أظهروا اعتراضهم على التحكيم بتلك العبارة ولم يجيزوه. وحاول عليّ - دون جدوى - أن يستميلهم إلى جانبه، فأبوا عليه ذلك، وانتخبوا خليفة من بينهم، واجتمع في (النهروان) أربعة آلاف من صناديدهم المغاوير ثائرين عليه، فلما أشرف عليهم على وسط جموع جيشه اللجب تفرّق أكثرهم خوف لقائه. أما الباقون، فقد ثبتوا في أماكنهم، وآثروا الموت في سبيل الذّب عن إيمانهم ومعتقداتهم، وأصبحت مكانة (النهروان) عند الخوارج بمنزلة (كربلاء) عند الشيعة الذين اعتبروهم منذ ذلك اليوم أعداءً لهم. وقد ظلت ثورات الخوارج قائمة طوال صدر دولة بني أمية، إلا أن الحركة بلغت أقصى شدّتها وعنفها في سنوات الاضطراب التي حدثت عقب موت يزيد، فانتشر (الأزارقة) في العراق وفي جنوبي فارس، على حين استطاعت شعبة أخرى - وهي النجدية - التسلط على جزء كبير من بلاد العرب وإخضاعها لنفوذها. ولقد ظلّ العُصاة زمناً طويلاً مقيمين على مناهضتهم ومقاومتهم لعبد الملك، ولم يقلعوا على التمرد، حتى قام الحجاج سنة سبع وتسعين وستمائة، فأخمد ثورتهم التي كانت تحت رئاسة زعيمهم شبيب.

ويقال إن كلمة (خارجي) ترجع إلى آية في القرآن جاء فيها (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسَعَةً، ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقعَ أجرُهُ على الله وكان الله غفوراً رحيماً) وعلى ذلك فالمقصود من كلمة (خارجي) ذلك الذي يهجر مُقامه بين الكفار ابتغاء مرضاة الله، وكذلك تتصل بلفظ (مهاجر)

ص: 28

الذي أطلق على المؤمنين من أهل مكة الذين صحبوا الرسول في هجرته إلى المدينة.

وهناك لقب آخر يُكْنَوْن به، وهو مُستمد من القرآن في أصله إلا وهو (الشراة) أي الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لقاء الجنة كما جاء في قوله:(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقْتُلون ويُقْتَلون وعْداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوْفى بِعَهده من الله فاستبشروا بِبَيْعِكُم به الذي بايَعْتمُ وذلك هو الفوز العظيم)، وأغلب الخوارج من الجند البدو الذين استقروا في الكوفة والبصرة عقب الحروب الفارسية. ولم تستطع الحياة المدنية أن تغّير كثيراً من طبعهم الشموس وخًلقهم الجاف، فلم يروا في قريش من الفضائل ما يجعلها تذهب بالأمانة وحدها، بل أرادوا اختيار رئيس من بين ظهرانيهم تجري في عروقه الدماء التي تجري في عروقهم ويطيعونه - كما جرى سنّة البدو - ما دام قائماً خير قيام بأعباء ما عهد إليه به. ومع ذلك فقد كان الدافع الرئيسي للحركة دافعاً دينياً، ويمكن ردّه - كما أشار فلهوزن إلى القراء الذين ذهبوا إلى تهويل شأن المسألة الخاصة بإلزام علي بالتفكير عن خطيئته الكبرى التي دفعه إلى إتيانها موقفهم المحزن الذي وقفوه حينذاك. وإنهم ليناهضون علياً لنفس السبب الذي دعاهم للوقوف ضد عثمان، ففي كلا الموقفين كانوا يتعلَّلون بالرجوع إلى أمر اله للقيام في وجه الخليفة الجائر. وإنه لمن المهم عند التعرض لذكر مبادئ الخوارج الرئيسية عدم إغفال هذين الرأيين التاليين وهما

ا - جواز الخلافة لكل عربيّ حر

ب - عزل كل خليفة لا يحسن القيام بأعباء سلطته أو قتله إذا حتمت الضرورة ذلك

وقد كتب المستورد بن علّيفة الخارجي قائد المؤمنين إلى سمّاك بن عُبَيْد وكان في المدينة العتيقة رسالة جاء فيها: (أما بعد فقد نقمنا على قومنا الجور في الأحكام وتعطيل الحدود والاستئثار بالقيء، وإنا ندعوك إلى كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وولاية أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما والبراءة من عثمان وعلي لإحداثهما في الدين وتركهما حكم الكتاب) ومن هذا يتضح لنا أن دعوة الخوارج كانت تتلخص في التمسك بما نادى به الإسلام من المساواة والإخاء الذي لم يعد يُعمل به بل تلاشى تماماً. أما من الناحية النظرية فنرى أن جميع المسلمين المتمسكين بدينهم قد اتفقت رغبتهم على إعادته إلى

ص: 29

نصابه، وعلى إدانة الحكومة القائمة، ولم يكونوا دون الخوارج في هذه الناحية وفي مَقْتِ تلك الدولة مقتاً شديداً تأصّل في حنايا النفوس؛ أما الفارق الذي كان يميِّز أفراد الحزب الأخير عن سواهم فهو صرامتهم الشديدة ودقتهم في تنفيذ مبادئهم ونشرها. وكان من آرائهم الجوهرية أنه يجب على الإمام أو زعيم المجتمع أن يحكم باسم الله وبمقتضى كتابه، وأنّ من سار على غير هذا الدرب فقد باع نصيبه في الحياة الأخرى، وأن النجاة الأبدية وقف على اختيار خليفة النبيّ. وكانوا يعدُّون المسلمين الذين يأبون سبّ عليّ وعثمان كفاراً مارقين، كما كانوا يرون من الضروري على كل مؤمن صادق الإيمان أن يساهم في (الجهاد المقدس) ضد هؤلاء وأمثالهم، وأن يقتلهم ويقتل زوجاتهم وأطفالهم أنّى ثقفتهم.

ولقد ارتدت هذه المبادئ الفظة على العصاة الذين سرعان ما وجدوا أنفسهم مهدّدين بخطر الانقراض، ومن ثم أخذت الآراء المعتدلة تنتشر بينهم فأحلَّ الأباضيون (أتباع عبد الله بن أباض) عيشهم بين المسلمين والاختلاط بهم في حدود التساهل المشترك بين الطرفين، ولم يكن التساهل في الواقع مناقضاً لما يريده الخوارج من إقامة مملكة الله على الأرض، ولكن حطّم منطقهم العنيد، كل دستور يوضع؛ فهم يقولون - كما لاحظ عليّ - (لا إمارة ولكن لابد من إمارة برة أو فاجرة) ومع ذلك فقد كانوا يحاربون بإيمان ثابت وعقيدة خالصة في سبيل مرميً شريف، ولم تكن لهم غاية دنيوية يسعون من اجلها على نقيض الأحزاب السياسية الأخرى.

تكلم الشهرستاني عن الإثني عشر ألفاً الأوائل الذين ثاروا ضد عليّ فوصفهم بقوله (إنهم أهل صيام وصلاة). وكان القرآن حكَمَهم في حياتهم والمهيمن على خواطرهم، حتى أن تاريخ اعتقادهم الأول، وتاريخ المضطهدين والشهداء والمؤمنين. . . كل ذلك غدا مأساة حقيقية واقعة كانوا هم أنفسهم أبطالها الذين قاموا بتمثيلها، كما أن خوفهم من الجحيم أثار فيهم حماسة صادقة وغيرة على إحقاق العدل، كما امتحنوا اعتقادهم الشخصي في دقة وخبروا إيمان جيرانهم. وويل للذين كانوا يجدونه ضعيف الإيمان، فهناك خطوة واحدة تقرب المخطئ من الإسلام، وعلى الرغم من أنه يمكن التجاوز عن الزلة وغفرانها بالتوبة الصادقة إلا أنهم كانوا يُسلكون أيّ مسلم ارتكب إحدى الكبائر ولو مرة واحدة في زمرة الكفّار المخلدين في النار، أو كان ذلك على الأقل في نظر الخوارج المؤمنين.

ص: 30

حسن حبشي

ظاهرات نفسية

ص: 31

‌في مسرحيات محمود تيمور

للأستاذ زكي طليمات

(تتمة)

نقدنا اليوم خاص بمسرحية (الموكب)، وهي المسرحية الثالثة التي كتبها تيمور باللهجة العامية وأصدرها في مؤلف واحد

وتنفرد هذه المسرحية عن المسرحيتين الأخريين بأنها شاهدت أنوار المسرح وطلعت على الجمهور في المكان اللائق بها. كان ذلك منذ سنتين وتسعة شهور، أيام المواكب والأعياد التي جرت في القاهرة احتفالاً بالمصاهرة السعيدة بين البيت الملكي في وادي النيل والبيت الإمبراطوري في إيران؛ وهو عهد اتجه فيه النشاط الاجتماعي - وذلك في بعض البيئات المصرية - وجهة خاصة لم تدم طويلاً. والأدب من الاجتماع، فكان أن كتب تيمور هذه المسرحية بإيذان تلك الساعات المشرقة، كتبها ليقدمها المسرح المسرحي لوزارة المعارف على مسرح الأوبرا الملكية في الحفلة التي أقامتها الوزارة احتفاء بهذه المناسبة السعيدة.

هي مسرحية سعيدة ولاشك، لأنها كتبت لمناسبة سعيدة، وقام بتأديتها نخبة من الفرق التمثيلية بالمدارس الثانوية، هم طلاب علم وثقافة لا يرون من الحياة إلا جانبها المشرق السعيد؛ فلا غرو أن جاءت مملحة بالمزاح المرح، فياضة بالفكاهة العذبة، تتوالى مشاهدها في إيقاع خفيف جذل.

وهي مسرحية (مناسبة) من حيث الباعث على كتابتها وإخراجها، وروايات المناسبات - كما يدل الاستقراء في تاريخ أدب المسرحية - لا يكون حظها كبيراً من القيمة الفنية ما عدا القليل، ومن هذا القليل هذه المسرحية؛ فقد استطاع كاتبها أن يسمو بها على أدب المناسبات، بأن جعل (المناسبة) شيئاً ثانوياً لا يستأثر بجوهرها، ولا يطغى على الناحية الإنسانية فيها، بل إن (المناسبة) في هذه المسرحية لا تتجاوز أن يكون مطية أحسن المؤلف اتخاذها لإبراز عرض إنساني تضطرب فيها شخصيات عريقة في إنسانيتها، هي تضطرب وتستقر، وتصطفق وتستكين، كاشفة عما بنفسها من ظاهر ومضمر.

الموكب؟

ص: 32

والموكب في هذه المسرحية حقيقة ومجاز. حقيقة باعتباره أنه كائن عادي يُسْمَعُ وَيُرَى جانب منه، يعج عجيجه وتصدح موسيقاه، وترتفع هتافاته فتسري الهزة في شخوص المسرحية، وينطلقون يتحركون ويعملون، كل منهم في الدائرة التي رسمها له المؤلف. والموكب مجاز باعتبار أنه دلالة معنوية على شيء في النفس، في نفوس أشخاص المسرحية. هو لون من ألوان الرغبة التي هي لدى بعض الأشخاص في المسرحية مكبوتة مقيدة، لا هي تهدأ وتستكين، ولا هي تنطلق من إسارها إلا بعد لأي ومداورة ومراوغة، ثم هي لدى البعض الآخر رغبة إيجابية في فورتها تعمل مباشرة للانطلاق ولتحقيق غايتها.

أسرة في بهو بيت من بيوتات القاهرة اجتمعت حول المذياع تنصت الفنية بعد الفنية إلى ما يقوله المذيع عن أوصاف الموكب الذي ينتظم في محطة العاصمة ليسير بالأمير إلى ساحات القاهرة وطرقاتها. اصطفاق الجماعات وهي تعبر بهذا البيت في طريقها إلى المحطة، ترتفع إلى آذان المجتمعين حول المذياع من وقت لآخر فتشيع الهزة فيهم. والمجتمعون هم (فضل الله باشا) رب الأسرة، والد شيخ مصاب بعصبة أمراض إلا المرض الذي يضعف الشهية ويلجم النهم، وزوجة له دونه سناً وفوقه نشاطاً وعافية، وابن وابنة لهما، في أول سني الشباب يلبسان أحدث الأزياء، ثم ابنة للوالد من سرير تقوض منذ زمن طويل، فهي في منحدر العمر، وزوج لها يكبرها بأعوام، الاثنان يتفقان في الحياء الذي لا سبب له، وفي نزعتهما التحشمية المتحفظة البادية على لباسهما. نماذج بشرية من أجيال مختلفة، وأمزجة مختلفة، إلا أنها تتفق في ناحية واحدة، وهي الرغبة التي تساورهم جميعاً لمشاهدة الموكب!!

الجميع يرغبون في الخروج ولكن. . .

ولكن الباشا (فضل الله) يكره الخروج لأنه يمقت الزحام كما أنه متعب من أوجاع داء المفاصل، وابنته الكبرى وزوجها (زهرية وبديع) يودان الخروج ولكنهما يكبتان الرغبة احتراماً للباشا. هذا في حين أن زوجة الباشا (نظيره) وولديها (بشاير وصفر) يتوقون جميعاً إلى الخروج ويجاهرون بهذا ويعملون على تحقيقه. . . مجتمع طريف ولاشك من حيث تباين النزعات، ومن حيث موقف النفوس أمامها.

الباشا لن يستطيع مشاهدة الموكب لأنه لا يريد أن يبرح مكانه باسم المرض، إذن فلا

ص: 33

خروج لواحد من أفراد الأسرة، ولا متعة إلا ما يستطيع أن يستمع بها هو قبل كل إنسان. الباشا قانع ومسرور بمشاهدة الموكب بعين الخيال الذي يبعثه صوت المذيع من الراديو، فواجب أن يقنع الجميع قناعته، وأن يسروا سروره. الباشا، بعبارة أخرى، أَثِرٌ بحب نفسه، الباشا تصرعه الأنانية. . .

بيد أن هذه الأنانية أو الأثرّةَ لدى الباشا غير ملحوظة بحقيقتها من وعيه الظاهر، لأنها من إيحاء المضمر الكامن في وعيه الباطن، والمرء قلما يشعر لأول وهلة بحالة نقص نفسي فيه. ولذلك نرى الباشا يلبس هذه النقيصة وهو لا يشعر حلة غير حقيقتها ويفسرها تفسيراً خاطئاً، وأداته في ذلك المنطق الكليل القاصر عن النفاذ إلى جوهر الأشياء، فنراه في حديثه يزجي حشداً من الأسباب لتبرير البقاء في البيت والاكتفاء بسماع الراديو، ويورد مبررات منطقية لها ظل من الحقيقة النسبية التي يريد فرضها على أفراد أسرته، وهو يأتي كل هذا بعقله الظاهر ليستر شيئاً مضمراً في ثنايا عقله الباطن، وليقيم صلة منطقية بين العقلين.

وأعجب من هذا أن الباشا، وهو أثر يحب نفسه، يفزع من سماع هذه الصفة ملتصقة به فنراه يصارحه بها ابنه (صفر) يتبرم ويتعثر ويأبى إلا أن يفسر هذه الصفة بأنها نزعة غضب أو استبداد!

ونعود إلى موضوع القصة. قلت إن (صفر وبشاير) ووالدتهما يتنزون شوقاً إلى مشاهدة الموكب وأنهم يجاهدون من أجل ذلك، فلا نلبث أن نرى صفر، وكأن وحياً هبط عليه فجأة، يصارح شقيقته وأمه بأنه وجد السبيل إلى الخروج من البيت، ثم ينحني عليهما ويأخذون بأسباب همس حار.

ويعترض سياق الهمس من جانب والحديث من جانب الباشا وابنته الكبرى وزوجها مشهد أورده، على ما أعتقد، ابتغاء تنشيط الحركة المسرحية التي أخذت تركد بعض الشيء، لا يخرج القارئ منه بشيء جديد أكثر من مطالعة شخصية جديدة هي (الشيخ كروان) وهو أفاق مشعوذ ممن يخلطون الجد بالهزل، ويمزجون العته بالذكاء، توسلاً إلى التقاط المال اليسير الذي يعيشون عليه. وقد يضيف هذا المشهد لوناً ثانوياً على شخصية الباشا فتنكشف لنا ناحية من نفسيته، وهي ناحية تلحظ عند كثيرين من البشوات السذج الذين ما برحوا يرون في التمرغ (بتراب الميري) ولو بطريق اقتعاد مقاعد البرلمان، أمنية محببة مرموقة.

ص: 34

وأغلب الظن أن المؤلف قصد بإيراد هذا المشهد أن يمهد للانقلاب النفسي الذي سيجريه على نفسية الباشا في نهاية المسرحية، وذلك بطريق إظهار الباشا ممن يهتمون بالمظاهر الرسمية وممن لا يتركون فرصة تسنح دون أن يذكروا الدولة ورجالاتها بشخصهم الكريم.

ويستأذن (صفر) في الخروج بعد أن أضمر أمراً مع شقيقته ووالدته فيسمح له. وبعد برهة قصيرة يبدو فيها الباشا أكثر اهتماماً يتسمع أقوال المذيع عن وصف الموكب، وكأنما قد بعثت في نفسه أقوال (الشيخ كروان) عما تتداوله الألسن عن قرب تعين الباشا عضواً بمجلس الشيوخ، يدق جرس التليفون. . .

صوت ناعم يتكلم ويرجو حرم الباشا أن تسارع بالمجيء من أجل مسألة هامة، والباشا يعارض؛ ولكن البيت الذي ستذهب إليه حرمه مجاور لبيته، والداعية صديقة حميمة لها، وزوجها (عبد الغفور بك) جار عزيز لدى الباشا، والمسألة خاصة بوضع تعجل أوانه، فلا يجد الباشا بداً من النزول على إرادة الداعية وإجابة التماس زوجته، فتخرج (نظيرة هانم) وابنتها (بشاير)، ويبقى الباشا ومعه ابنته الكبرى وزوجها.

وسرعان ما يقتحم بهو البيت حيث يتربع الباشا وفد يهتفون باسمه الكريم. الوفد هم أعضاء (جمعية الفتيان المصلحين) التي يتقلد رئاستها الفخرية الباشا ولا فخر.

ما أحذق تيمور في إيراد المتناقضات الخلقية في الشخصية الواحدة، تلك المتناقضات التي تثير الضحك في غير افتعال، وتبعث معين الرحمة في القلوب فتمتد أطرافها إلى تفاهات الإنسانية وضعفها العريق!

اغتنم الوفد فرصة مروره أمام دار الباشا فصعدوا ليذكروه بأن دار الجمعية ترحب بتشريفه لمشاهدة الموكب عن كثب ومن غير عناء. ثم يأخذ زعيم الوفد في الإشادة ببهجة الموكب وبجلال الموكب. فنرى الباشا يعتذر عن إجابة دعوة الوفد. ولا يعتذر، وإذا به نهبة لتيارات جديدة. . . وينصرف أعضاء الوفد هاتفين بحياة الباشا.

وتبدر بعد ذاك بادرة تنم على أن الباشا بدأت تعتلج نفسه بأشياء لم يكن يحسها من قبل. هاهو يطلب إلى ابنته الكبرى أن تفتح شباك الشرفة على مصراعيه، والشرفة تطل مباشرة على الشارع حيث تمر الوفود لتنتظم في سلك الموكب، هو يطلب هذا بدعوى أن الهواء محتبس في البهو.

ص: 35

وإذ ينتهي المذيع من قوله في وصف روعة الموكب وقد انتظمت صفوفه في الميادين، نسمع الباشا يصارح ابنته في قوته. وها هو يقوم ويطل من الشرفة فيرى جماعة من الشيوخ والنواب في ملابسهم الرسمية، وهم يطوون الطريق في سياراتهم. . . إنه ينادي الخادم، ولكن الخدم تركوا البيت لمشاهدة الموكب. . . إنه يطلب إلى ابنته أن تأتيه بالسترة الرسمية الخاصة بالتشريفة!. ولماذا. . .؟ إنه يخاف أن تكون العلة قد تطاولت عليها! بادرات ظاهرة تنم عن لمعات نفسية باطنة يأتيها الباشا وهو لا يحس بدوافعها الحقيقة!

المذيع يلهب الفينة بعد الفينة النزعة الجديدة التي أخذت تلبس الباشا وقد أخذ يرتدي سترته الرسمية بعد جهد وجهاد. هو يتمنطق سيفه ويتخطر أمام المرآة. إنه يتعجل ابنته أن تعيد تثبيت الأزرار التي انفرط عقدها، ثم. . .

ثم هاهو (عبد الغفور بك) جاره العزيز يقتحم البهو ويسأل الباشا أن يعيره ما يشد به (بنطلونه)!

وكيف تأتي أن يترك (عبد الغفور) زوجته وهي على أهبة الوضع؟

وإذ ذاك يسقط القناع عما دبره (صفر)، لقد تكلم باسم زوجة (عبد الغفور بك) واختلق مسالة الوضع اختلاقاً لييسر خروج والدته وشقيقته. . .

الباشا يتوعد ابنه، ولكن سرعان ما ينسى أمام صوت المذيع الذي يعلن وصول القطار للأمير إلى المحطة.

الباشا يدور على نفسه مصلحة هندامه، متعثراً بأثاث البهو، ثم ينطلق خارجاً ووراءه صديقه (عبد الغفور بك).

يبقي بديع وزوجته ابنة الباشا الكبرى. . .

وهنا يقول المؤلف (يراقب بديع الباشا في ذهول وهو يهرش رأسه، يبادل زوجته النظرات، ويقفز جارياً نحو الباب وهو يصيح: الله!! إشمعنا احنا؟ حصليني أوامك. . . بس اوعي تنسى البرقع)

وهكذا يبارح (فضل الله باشا) داره لمشاهدة الموكب بعد أن كان عاقداً العزم على البقاء فيه، وبعد أن حاول جهده احتجاز أفراد أسرته معه.

والآن نسأل هل كلن الباشا صادقاً في عزمه على البقاء في المنزل؟؟ ولئن كان كذلك فلماذا

ص: 36

بارح المنزل، وأين ذهبت آراؤه ومأثورات أقواله في الاكتفاء بسماع ما يذيعه المذياع عن أوصاف الموكب؟؟

نعم كان الباشا صادقاً في عزمته، وكان قانعاً بالبقاء أمام المذياع مؤثراً الراحة في جلبابه وعباءته على التعب في سترته المشدودة لأن نفسه كانت لا تختلج بلاعج يثير كامناً فيها يلوح له بأطراف أمان يصبو دائماً إلى تحقيقها. وكان كذلك مخلصاً في دعوة أفراد أسرته إلى البقاء في المنزل بل واحتجازهم حوله، لا خوفاً عليهم من أخطار الطريق المزدحم، وتطاول النظرات العابثة كما كان يجري لسانه بذلك، ولكن إجابة لداعي أنانية لابسته إذ ذاك، مردها - كما أسلفنا البيان - إلى ألا تكون متعة من جانب أفراد أسرته لا يريد، أو هو لا يقدر على أن يستمع بها أولاً!

ومرض الباشا؟. . . نعم إن الباشا مريض، ولكنه مرض لا يحجزه عن الخروج إذا أراد. أما إذا لم يرد فالمرض يقفز إلى الصف الأول من الأسباب التي يصح أن يعتذر بها عن الخروج. وقد كان الأمر كذلك في أول الرواية، ثم كان عكس ذلك في نهايتها!!

رأينا الباشا يصمد لإغراء أقوال المذيع عن بهجة الموكب وطرافته، ويتمسك برأيه في البقاء بالمنزل ويسفه كل رأي عداه. ولكن حدث أن هاج (الشيخ كروان) في نفسه أمنية اقتعاد مقعد في مجلس الشيوخ فلمعت نفسه بشيء خاطف ألهاه بعض الشيء عما كان موطناً النفس عليه، وأخذ أفراد أسرته يتركونه الواحد بعد الآخر بحجج لم يستطع دفعها، وجاءت هتافات جمعية الشبان ودعوتهم إياه إلى مشاهدة الموكب من مكان لائق مأمون فاتجهت أنانيته السابقة الذكر والتعليل ناحية أخرى هي التفرد بمشاهدة الموكب من مكان قد لا يوفق إليه غيره ممن خلفوه بالمنزل وخرجوا، فكان يشرف مباشرة على مسير الموكب.

اصطلحت كل هذه الواردات والتأثرات على الباشا العنيد فجعلته يلين وجعلت لأقوال المذيع منفذاً إلى مكانة الرغبة في نفسه فسعرتها فإذا هو يندفع خارجاً وفي لباس نالت منه الأيام فجعلته غير صالح للظهور به في حفل كبير!

حقاً إن الإنسان لكائن متغير كصفحة الماء لا يقيم على حال، وله في كل حال أراء ومنطق ومذاهب بفعل المؤثرات التي تطلق من أعماق النفس تيارات تسيطر عليه وتوجهه كما يريد.

ص: 37

وحقاً إن شخصية (فضل الله باشا) هذه تقدم لنا صورة من التقلقل والضعف اللذين لقحت بهما إنسانيتنا، واللذين يبدوان حتى في أتفه الأمور.

وهناك ظاهرات نفسية صادقة وطريفة تتصيدها العين الفاحصة في بعض شخصيات المسرحية. ولعل أعجبها ما يبدر من شخصية (بديع بك) صهر الباشا. هذا المتزمت المقنع يقع في تناقض عجيب حينما تندفع رغبته المكبوتة في مشاهدة الموكب وذلك بمجرد أن يرى والد زوجته يبارح البيت فلا يبالي أن يترك بدوره المنزل مخلفاً وراءه زوجته على أن تلحق به منفردة وبغير دليل وحارس لتخوض أمواجاً بشرية من الرجال المتدافعين بالمناكب!

هذه كلمتي الأخيرة عن كتاب (ثلاث مسرحيات في فصل واحد) لمحمود تيمور قصرتها على معالجة الناحية النفسية والإنسانية في أبطال هذه المسرحيات، وذلك باعتبار أنها الناحية الثابتة التي لا تتغير من الحقائق التي ضمنتها هذه المسرحيات، وأنها أجدر هذه الحقائق بالشرح والتبصرة، وأولاها باهتمام الناقد وبحكمه عليها من ناحية صدقها ومن ناحية مبلغ توفيق المؤلف في معالجتها. وقد أجريت قلمي في هذا بغير قليل من الإسهاب إرادة البيان والتبيين.

ولاشك في أن (تيمور) توخى فيما توخاه من كتابة مسرحياته هذه، أن يقربنا بعض الشيء مما تنغلق عليه نفوسنا تارة وتنفتح عنه أخرى، وهذا من صميم الأدب والفن، لأن الأدب الحق هو ما قرب الإنسان إلى معرفة نفسه.

زكي طليمات

هواجس مريض

ص: 38

‌على وشك الرحيل

للأستاذ علي عبد العظيم

حياة كالمنيَّةِ سوف تذوي

فتسلمني المنونُ إلى المنون

وما أخشى الردى لولا عيونٌ

سأتركها مقرَّحة الجفون

ووالهةٌ تذوب أسىً وهمّاً

ستهتك حرمة الخدر المصون

تكاد تضم من هلع ضريحي

وتسأله الحنو على الدفين

وتسكب فوقه أفلاذ قلب

مسلسلة مع الدمع الهتون

أحس بثكلها في جوف رمسى

فيوشك أن يُجّنَّ لها جنوني

وأسمع في الظلام لها أنينا

يردده على بعد أنيني

فيا أماه حان ارتحالي

إلى وادي الظلام فودعيني

خذيني نحو صدرك واهتفي لي

بلحن المهد في رفق ولين

وهاتي من حديثك وابسمي لي

وضميني إليك وقبليني

فَرُبَّتَ بسمة من فيك رفت

على قلبي رفيف الياسمين

سأقطف من جناها العذب زادي

وأرشف من مناهلها مَعِيني

وأجعلها إلى الأخرى دليلاً

يقود إلى مرافئها سفيني

غداة غد تخب بيَ المنايا

فتقذف بي إلى واد شَطون

تقنع بالظلام وحجَّبته

عن الدنيا مغاليقُ القرون

فلا شمسٌ ترف على دجاه

ولا أخلاف غادية هَتون

ظلام تعثر الألباب فيه

وتفزع منه طارقة الظنون

سميري فيه حصباء ومروٌ

ومهدي فيه من ماء وطين

ولكني ستؤنسني - إذا ما

دلفت إليه - أخلاقي وديني

(الإسكندرية)

علي عبد العظيم

ص: 39

‌أشعار صينية

كتاب الشعر من القرن 13 - القرن 8. ق. م

(إلى السيدة (ل))

للأستاذ م. وهبة

- 1 -

حبيبتي

عند باب المدينة الغربي، تقف فتيات صغيرات يتضاحكن، متمايلات خفيفات كسحاب الربيع. . . ولكني لا أبالي سحرهن، فحبيبتي في ردائها الأبيض وتحت نقابها الشفاف أكثر سحراً منهن.

عند باب المدينة الشرقي، تنام فتيات صغيرات يحلمن، جميلات ناضرات كزهور الربيع. . . ولكني لا أبالي عطرهن، فحبيبتي في ردائها الأبيض وتحت نقابها الشفاف أزكي عطراً منهن.

- 2 -

رسالة

حبيبي! لا تأت إليّ لتسأل عني، أضرع إليك. أنت ستكسر أشجار الصفصاف التي غرستها أمام غرفتي. أنا لا أستطيع أن أحبك أكثر مما أحببتك. يجب أن أذعن لوالديّ. قلت لهما: (كم أحبك وكم أنت كل شيء لدي، فأسمعاني كلاماً جارحاً

حبيبي! لا تتسلق حائطنا. أضرع إليك. أنت ستكسر أغصان الشجيرة الصغيرة التي أسقيها كل صباح. أنا لا أستطيع أن أعطيك قلبي؛ فإرادة أخي الأكبر صارمة، وهو لا يرديني أن أحبك.

حبيبي! لا تحطم الحاجز الذي اتكأنا عليه سويّاً مساء رحيلك؛ أضرع إليك. أنت ستنزع شجرة الورد التي أشم عبيرها عند الشفق.

- 3 -

ص: 40

وحدي

إنه الأقوى. إنه الأشجع. إنه الأجمل بين جميع المتحاربين: ذلكم من أحبه، ولكنه الآن في جيشه يسير نحو الشرق

هأنذا أرسل شعري للريح الآتية من الشرق، تداعبه! أنا أخشى الشمس والقمر والنجوم، ولا احب سوى مطر الشقاء المنهمر. فقطراته أطلبها لتطفئ ناري، ولكنها لا تستطيع.

أنا أعرف من أين أجمع الزهر الذي يلهمني النسيان. فمنزلنا الصغير يملأه عبيره؛ ولكنني قد أغلقته، لأني أريد أن أتألم

فإذا لم أتألم كما أتألم الآن، فسأكون أكثر بعداً عن حبيبي.

(م. وهبة)

ص: 41

‌وليم بليك

يمتاز شعر وليم بليك بطابع الطفولة التي غني بها في كثير من قصائده مثل: أغنية المربية، وأغاني المهد، والطفل الساهد، ويسمو أيضاً شعره في الخيال كما في قصيدة (النمر) لذلك أعتقد أنه جدير بأن يسمى (شاعر الطفولة والخيال)

دنيا الأحلام

اصح، اصح، يا ولدي الفريد!

كنتَ فرح أمك الوحيد

لماذا تبكي في النوم الجميل؟

اصح! والدك يرعاك يا طفلي

آه، ما دنيا الأحلام، ما دنياها؟

ما جبالها، وما أنهارها؟

رأيت أمي هنالك، يا أبتاه!

بين زهور الزنبق وأعذب المياه

بين الحملان، في ملابس بيضاء

ومشت مع ابنها ثومس في هناء

فبكيت من الفرح، ونُحت كالحمام الساجع

آه! متى أرجع ثانية، متى أنا راجع؟

طفلي العزيز، كنت مثلك بين المياه العذبة في هيام

إلى انتهاء الليل في دنيا الأحلام

ولكن، والنهر هادئ والماء دافئ فاتر

لم أستطع عبورها للجانب الآخر

أبتاه، يا أبتاه! ما نفعل ههنا

في دنيا الإلحاد والخوف هنا؟

إن دنيا الأحلام أجمل مسكناً

ص: 42

فوق نور الصبح، فوق نجومنا

ص: 43

‌الزهرة العليلة

أيتها الزهرة، أنت عليلة!

الحشرة في ثوب الخفاء،

التي تطير في جنح الظلام،

وفي الزوبعة الهوجاء،

وجدت فراشك

المملوء فرحاً قرمزياً كالدماء؛

وحباً مختفياً في حجاب الليل؛

فقست على حياتك بالغناء

(الخرطوم بحري السودان)

محمود محمد حسن

ص: 44

‌البريد الأدبي

إبراهيم حلمي العمر

لا يمرّ أسبوع بدون نعيم يزفّه إلى روحي بريد العراق، فإخواني في

بلاد الرافدّيْن لا ينسونني، ولا يفوتهم أن يطلعوني على ما يجدّ هنالك

من ثمار الآداب والفنون.

وكان المألوف أن أجد ما يسرني فيما يصل من الجرائد والمجلات، فماذا وقع اليوم؟

جاءت حزمة من أعداد (الأخبار والأحوال والزمان والشهاب) وعلى صدورها جميعاً صورة واحدة لأديبٍ من أصدقائي فعرفت أنه مات. وهل تهتم الجرائد في يوم واحد بنشر صورة لأديب إلا حين يموت؟!

لم يبق شكٌ في أن الأستاذ إبراهيم حلمي العُمَر قد مات، ولن أراه إن قُدِّرت لي زيارة قريبة أو بعيدة لأصدقائي في بغداد، فهو أنسٌ ذهب ولن يعود، وإني لذهابه لحزين، أحسن الله فيك عزائي، يا إبراهيم!

ذلك كاتبٌ مغامر، رضي عنه قومٌ وغضبتْ عليه أقوام، فكان ملكاً عند أولئك وشيطاناً عند هؤلاء، ولكنه في حدود ما عرفتُه كان أدبياً حلو التعبير، بارع الأسلوب، مع أريحية عربية قليلة الأمثال. وما أذكر أبداً أني رأيت منه غير الجميل

كان إبراهيم حلمي العُمَر من أوائل الأدباء الذين نهضوا بالصحافة العراقية كما قالت الجرائد التي لم تر مانعاً من إنصافه بعد الموت، وهل ينتفع الميت بالإنصاف؟!

وإبراهيم هو الذي أنشأ جريدة (لسان العرب) في دمشق منذ أعوام طوال. وقد يكون أول عراقي خلق لوطته صداقات في الديار المصرية قبل أن يصل تعارفُ العرب إلى ما وصل إليه اليوم. ألم يقل من رثوه إنه كان من مراسلي (المؤيد) و (اللواء)؟

سألت عن إبراهيم حين انقطع سؤاله عني فعرفت أنه مريض فغالبتُ وهج القيظ ومضيتُ لعيادته بعد الدرس الأخير في أحد أيام حزيران سنة 1938، فماذا رأيت في داره يومذاك؟

رأيت طفلاً وطفلة يتفاهمان بالتناغي قبل موعد التفاهم بالكلام، كما تتفاهم الحمائم الموصلية، وهما يتصاخبان ويتباغمان بصورة تشهد بأنهما يجهلان أن أباهما مريض

ص: 45

ومن المؤكد أن هذين الطفلين وصلا إلى التفاهم بالنطق، وأدركا معنى الحياة والموت، فأين من يواسي هذين الطفلين العزيزّيْن بعد انحسار ظل أبيهما الرفيق؟

الله عز شأنه هو المسئول عن الطب لجراح القلوب

زكي مبارك

1 -

من غلط لغوي كبير

في كتاب (نشوء اللغة العربية للأستاذ أنستاس الكرملي) في الصفحة 35: قال ابن فارس في كتابه الصاحبي ما هذا نصه بحروفه (زعم أهل العربية أن القرآن ليس فيه من كلام العرب شيء، وأنه كله عربي، يتأولون قوله جل ثناؤه: إنا جعلناه قرآناً مبيناً)

وفي جريدة الخطأ والصواب في آخر الكتاب نبه على أن (العرب) صوابها (العجم) ولكنه لم يصحح الآية القرآنية، وصوابها (إنا جعلناه قرآناً عربياً)

2 -

بَرقة

نشر الأستاذ النشار قصيدته (برقة) وضبطها بفتح الباء. وثم جاء الأديب محمود عزة عرفة فخطأ هذا القيد وقال إن الصواب (بُرقة) بالضم. فرجعت إلى القاموس المحيط فرأيته قال، والبَرقة الدهشة وبلدة بقم وبلدة تجاه واسط القصب وقلعة حصينة بنواحي دوان وإقليم أو ناحية بين الإسكندرية وأفريقية. وفي اللباب في الأنساب لأبن الأثير: البرقي بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون الراء. هذه النسبة إلى برقة وهي بلدة بالمغرب خرج منها جماعة كثيرة من العلماء في كل فن. . . الخ. وفي معجم البلدان لياقوت: برقة بفتح أوله والقاف أسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الإسكندرية وأفريقية. وفي (المبهج لابن جني) بسط القول في الأعلام المرتجلة والمنقولة

محمد أبو البهاء

كيف تنفح الأحاديث

طالعت ما كتبه الأستاذ محمود أبو رية تحت عنوان (رأي في تنقيح الأحاديث)؛ وإني أشكر للأستاذ الفاضل اهتمامه بهذا الموضوع الخطير، وأرى ما يراه من وجوب تنقيح ما تركه

ص: 46

لنا السلف من تلك الأحاديث، وتمييز الصحيح منها على أساس قوة السند وصحة المتن، ولكني أخالفه أن يكون ذلك بتغيير كتب الحديث القديمة، إذ يرى أن نبدأ بالحديث فننخل كتبه، ولا تبقى فيها غير الصحيح مما يخالف متواتر النقل، وصريح العقل، وما أثبته العلم، وشهد به الحس.

فهذه الكتب أصبحت أمانة تاريخية بأيدينا، فيجب أن نبقيها على حالها، لتشهد بحال رجال الحديث في تلك العصور، وتبين مقدار اجتهادهم في تمييز ما صح من الأحاديث، وقد جرت الأمم على صيانة تاريخها من التغيير والتبديل، وعملت على حفظ نواحيه كلها حتى ما يرجع منها إلى الأساطير، وهذا إلى أن عملنا سيقوم على أساس الاجتهاد، وهو يتغير بحسب المجتهدين، ويختلف باختلاف العصور والأحوال.

فيجب أن نبقي كتب الحديث على حالها، وأن نؤلف كتباً جديدة تنصرف فيها نشاء باجتهادنان، ونثبت فيها ما نرى إثباته من الأحاديث، ونحذف منها ما نرى حذفه، وقد يأتي من بعدنا فيعمل في كتبنا ما عملناه في كتب من سبقنا، فباب الاجتهاد مفتوح إلى ما شاء الله، والكمال لله تعالى وحده.

عبد المتعال الصعيدي

فتوى في المذاهب الصوفية

هناك ناحية أخرى من نواحي الإصلاح إلى الآن لم يتعرض لها أحد، وهي لا تقل لخطرها عن إصلاح الأزهر، تلك هي (الطرق الصوفية)

الطرق الصوفية مبثوثة في القرى والدساكر، وهي تلقن العوام وأشباه المتعلمين البدع والضلالات، ولو كنتم ممن يسكنون القرى أو لو كنتم ممن يتصلون برجال الطرق الصوفية عن كثب لجعلتم المجهود الذي توجهونه للأزهر وحده مناصفة بينهما.

وقد اطلعت على الفتوى المرسلة مع هذا في كتاب (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي) ج11 صفحة 237، 238 عند تفسير قوله تعالى:(قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) فعسى أن تنشروها بمجلة الرسالة الغراء ليطلع عليها الملأ رجاء أن يكون في نشرها ما ينفع

ص: 47

سئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله:

ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ وأعلم حرس الله مدته أنه اجتمع جماعة من رجال فيكثرون من ذكر الله تعالى وذكر محمد صلى الله عليه وسلم. ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم. ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشياً عليه. ويحضرون شيئاً يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين

الجواب

(يرحمك الله. مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلال وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله. وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون. فهو دين الكفار وعباد العجل.

وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى. وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأن على رؤوسهم الطير من الوقار.

فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها. ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعنيهم على باطلهم. هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي واحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين. وبالله التوفيق)

(كفر المندرة)

أحمد أحمد القصير

النابغة الذبياني في كتاب المنتخب

تركت الخدمة وشغلت نفسي بالزراعة، بعد أن أجهدتها في مراحل التدريس كلها خمساً وثلاثين سنة. ثم أراد الله أن ذهبت يوماً إلى العاصمة، واتفق أن جلست على مكتب لأحد الأصدقاء، فحنّت نفسي إلى ما ألِفَته قديماً، فمددت يدي إلى (المنتخب) الذي ينسب إلى ستة من فحول وزارة المعارف.

فكان من حظي أن وقع نظري على عشرين بيتاً (للنابغة) من عينيته المشهورة التي اشتهرت بشواههدها النحوية والبيانية، حتى تولى شرحها شراح الشواهد كالبغدادي والسيوطي. قرأتها فهالني ما عنَّ لي فيها من مآخذ في الشرح والشكل والإعراب، حتى

ص: 48

خيل إلى أن المؤلفات المدرسية التي توجت بأسماء هؤلاء الفحول ليس لهم فيها إلا الأسماء والأرباح، وإلا فكيف أوفق بين علمهم الغزير وخطئهم الكثير! وإليك البيان:

عفا ذو حسا من فرتني فالفوارع. ضبطوا الحاء بالفتح، والمعاجم والسروح تنص على ضمنها.

أتاني - أيبت اللعن - أنك لمتني

وتلك التي تستك منها المسامع

قالوا: تستك أي تضيق، والمعنى أتتني عنك ملامة يضيق عنها السمع ويأباها. أهـ

وليت شعري أسمع النعمان أم سمع النابغة؟ وأقول: إنما أراد النابغة تستك منها مسامعي فزعاً من هول وعيدك ولومك؛ وإذا كان الضيق من معاني الاستكاك فمن معانيه أياً الضم والانسداد، وهذا هو الذي يناسب مقام الفرع الأكبر الذي حل بالنابغة، فجعله يمعن في الاعتذار والاستعطاف.

مقالة أن قد قلت سوف أناله

وذلك من تلقاء مثلك رائع

ضموا تاء، قلت: والصواب فتحها. وقالوا: سوف أناله بهجاء أو بأذى، فجعلوا هذا وعيداً من النابغة، لأن التهديد بالهجاء إنما يكون من الشعراء لا من الملوك. وقالوا: تلقاء بمعنى لقاء، أي وذلك مفزع لي عن لقاء مثلك، وفاتهم أولاً أن قوله: أناله معناه أدركه على حد قوله تعالى: (وهموا بما لم ينالوا). وثانياً أن تلقاء هنا معناه جهة أو حذاء على حد قوله تعالى: (ولما توجه تلقاء مدين) وعلى هذا فالمعنى: أتاني وعيدك بأن سوف تدركني أينما اختفيت، وهذا الوعيد منك ومن مثلك من أهل القدرة والسلطان الواسع مخيف مزعج، لا تطمئن معه نفس بعدت عنك أم قربت منك كما قال: ولا قرار على زأر من الأسد.

أتاك بقول هلهل النسيج كاذب

ولم يأت بالحق الذي هو ناصع

جروا لفظ كاذب، وجعلوه صفة للقول مجازاً عقلياً إذ يقال: كذب الرجل، ولا أعرف كذب القول إلا على حد (عيشة راضية). والأقدمون ينصبونه حالاً من فاعل أتاك، وألمح في النصب إشعاراً بتعمد الكذب، وشاية وإيقاعاً بالنابغة، هذا أبلغ في المعنى.

بمصطبحات من لصاف وثبرة

يزرن ألالا سيرهن التدافع

كسروا لام لصاف، والصواب فتحها، فقد قالوا لصاف كحذام مكسورة غير منونة، أو كسحاب منونة معربة.

ص: 49

فإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المنتأي عنك واسع

قتل النحاة والبيانيون هذا البيت شرحاً وتحليلاً، وجعلوه من عيون التشبيهات الرائعة، شبه النابغة النعمان بالليل في أن كلاً منهما مع ما فيه من شديد الرهبة والوحشة يغشى مطلوبة بسرعة لا تدع له منحى مهما ظن الفرار ممكناً. أما شراح المنتخب فكل ما قالوه في شرح البيت:

فإن عقابك ومؤاخذتك كالليل؛ أي لا أنجو من عقابك مهما اتسعت أمامي مذاهب البعد عنك والهرب منك. وبهذا أذهبوا روعة التشبيه، إن لم نقل جانبوا غرض الشاعر.

خطاطيف حجن في حبال متينة

تمد بها أيد إليك نوازع

قالوا: خطاطيف خبر لمبدأ محذوف، أي لك خطاطيف!؟ وأنا أناشدهم الله أفيهم من يقبل من تلاميذ الابتدائي أن يقدروا المبتدأ جاراً ومجروراً!

أتوعد عبداً لم يخنك أمانة

ويترك عبد ظالم وهو ضالع

رفعوا يترك بعد الواو، والمدارس تعلم الطلبة أن الواو التي يليها المضارع للمعية إذا سبقها نفي أو طلب. ولست أجهل أن الرفع جائز، ولكن المعنى على الرفع غير المعنى على النصب، ولست أشك في أن المعية مقصودة هنا.

وأنت ربيع ينعش الناس سيبه

وسيف أعيرته المنية قاطع

أبى الله إلا عدله ووفاءه

فلا النكر معروف ولا العرف ضائع

وتستقى إذا ما شئت غير مصرد

بزوراء في حاناتها المسك كانع

يصف النابغة النعمان بالسخاء والشجاعة، وأن الله فطره على العدل والوفاء، لا يعرف المنكر، ولا ينسى الجميل، قد تهيأت له أسباب الرفاهية، يشرب ما شاء من أطيب الشراب في كأس من الفضة، كأنها لطيب ما فيها قد لصق المسك بحافاتها، وكل هذا خبر لا دعاء فيه ولا إنشاء؛ ولكن انظر كيف حار المؤلفون الستة في ضميري أبى الله إلا عدله ووفاءه، أهما لله جل شأنه أم للنعمان؟ فقالوا في الشرح:(أي أن الله عادل ليس المنكر مقبولاً عنده، ولا المعروف ضائعاً لديه، وهو جاعل النعمان بإرادته عادلاً، وإن قلنا إن الضمير يعود على النعمان كان المعنى ظاهراً. أهـ). ثم أنظر في البيت الأخير كيف حرفوا كلمة حافات فجعلوها حانات، وكيف غرهم بعض الكتب فاتبعوه؛ وقالوا في الشرح: زوراء دار كانت

ص: 50

بالحيرة للمناذرة. وكنع: تراكم ولزق، والبيت دعاء للنعمان!

وليت شعري كم حانة كانت بتلك الدار؟! وما الغرض من تراكم المسك في تلك الحانات؟ ولم جعلوا هذا دعاء للنعمان؟ ولو كان دعاء لفصله عما قبله لاختلافهما خبراً وإنشاء، والدعاء طلب غير الحاصل ليحصل. فهل كان عسيراً على النعمان أن يشرب أي مقدار شاء من الخمر في دار تراكم المسك في حاناتها حتى يتقرب إليه النعمان بالتضرع إلى الله أن يمن عليه بذلك. إن الأقدمين فسروا الزوراء بكأس مستطيلة من الفضة، وأرى أن البيت:

وتسقى إذا ما شئت غير مصرر

بزوراء في حافاتها المسك كانع

ويروى: في أكنافها المسك كارع

هذه مآخذي على المؤلفين في عشرين بيتاً لو كانت في المنتخب كله لعُدت كثيرة؛ فرجائي من صاحب المعالي وزير المعارف أن يضع حداً لفوضى تأليف الكتب المدرسية؛ فلا تقرر الوزارة كتاباً مهما علا شأن مؤلفه إلا بعد أن يعرض على لجنة من أساتذة دار العلوم الذين امتازوا بالتوسع في علوم اللغة العربية، ولا تقرره الوزارة إلا لمدة سنة على الأكثر.

عثمان أبو النصر

أستاذ بكلية دار العلوم سابقاً

ص: 51

‌الكتب

2 -

المؤلفات العربية القديمة

وما نشر منها في سنة 1940

للأستاذ كوركيس عواد

7 -

البخلاء

للجاحظ (255هـ)، الجزء الثاني. نشرته وزارة المعارف المصرية (طبعة مدرسية) بتحقيق الأستاذين أحمد العوامري بك وعلي الجارم بك. (مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 260ص) الجزء الأول صدر قبل هذا.

8 -

البداية والنهاية في التاريخ

لأبن كثير الدمشقي (774هـ) المجلد الرابع عشر (مطبعة السعادة، القاهرة 332ص) فيه حوادث السنين 698 - 767هـ، وبه ينتهي الكتاب. المجلدات 1 - 13 صدرت سابقاً

9 -

البديع في وصف الربيع

لأبي الوليد إسماعيل بن عامر الحميري الأشبيلي (المتوفى حوالي 440) علّق عليه ووضع له فهارس للرجال والأماكن والقوافي، المستشرق هنري بيريس المدرس بجامعة الجزائر. (المطبعة الرباطية - الجزائر)

10 -

تاريخ الشيخ عيسى حمادة المتوالي

للأب أغوسطين زنده الحلبي (كان حياً سنة 1777م). وهو قطعة من كتاب كبير في تاريخ لبنان في المائة الثامنة عشرة للميلاد. نشرها الأب بولس مسعد الحلبي اللبناني. في مجلة المشرق ببيروت (38 (1940) ص32 - 40)

11 -

التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق

الهالكين

لأبي المظفر الإسفراييني (471هـ) نشره الأستاذ عزت العطار الحسيني، بتعليقات

ص: 52

للأستاذ محمد زاهد بن الحسن الكوثري وكتب الدكتور محمود محمد الخضيري كلمة عن الصلة بين عِلم الفِرقَ وغيره من العلوم. (مطبعة الأنوار، القاهرة 135ص2، فيها الفهارس)

12 -

تحفة الأحباب في ماهية النبات والأعشاب

لمؤلف مجهول - من جنوب مراكش - ألَفه عند مختتم القرون الوسطى. طبعه وحل مشكلاته ونقله إلى الفرنسية: (هـ. ب. ج. رينو) و (جورج س. كولان)؛ لم أقف على خبره في غير ما أخبره به الدكتور بشر فارس في مجلة الثقافة (العدد 113ص282 - 284)

13 -

تخمبس همزية البوصبري في سيرة الرسول

للشيخ محمد الغلامي الموصلي (1186هـ). نشره الأستاذ محمد رؤوف الغلامي. (مطبعة محفوظ، الموصل، 120ص). البوصيري صاحب القصيدة الهمزية، توفي سنة 696هـ.

14 -

تراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر

لأحمد باشا تيمور (أنظر الرقم 1 من هذا الكشف). نشر هذا الكتاب سنة 1934 لأول مرة، متتابعاً في اثنى عشر عدداً من مجلة الرسالة (أنظر الرسالة في أعداها 47 - 58، ثم طبع سنة 1940 (القاهرة 164ص)

15 -

ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام

للشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمي الملقب بسلطان العلماء (660هـ). نشره الأستاذ أحمد سامح الخالدي (الديري)، (المطبعة التجارية، القدس 16ص)

16 -

تفضيل الأتراك على سائر الأجناد

للوزير أبى العلاء ابن حسول (450هـ) وهي رسالة ضمنها الرد على كتاب (التاجي)، لأبى إسحق الصابىء (384هـ) كما تكلم فيها على السلاجقة والديلم والجيل. النص العربي، نشره الأستاذ عباس العزاوي المحامي البغدادي، وكتب له مقدمة توسع فيها بترجمة المؤلف المقدمة (ص1 - 24) والمتن (ص25 - 51) طبعا بالزنكغراف، وقد

ص: 53

نقلهما إلى اللغة التركية محمد شرف الدين بك الأستاذ في كلية الآداب باستانبول ونشر للكل في مجموعة (تاريخ قورومي) التي تصدرها الحكومة التركية في استانبول ، 14 - 15 ، 235 - 266) وقد طبع من الترجمة مع الأصل نسخ قلائل على حدة.

17 -

التفهيم لأوائل صناعة التنجيم

لأبى الريحان البيروني (440هـ). ألفه سنة 421هـ، لأبي الحسن علي بن أبي الفضل الخاصي. وهو في الفلك والرياضيات. طبع بمقدمة وتعليقات (طهران 677ص)

18 -

جماع العلم

لإمام المذهب محمد بن إدريس الشافعي (204هـ) حققه الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر (مكتبة القاهرة 150ص)

19 -

الجمان المنضد في مدح الوزير أحمد

لمحمد الغلامي الموصلي نشره السيد محمود فوزي الغلامي، بشرح وتعليق الأستاذ محمد رؤوف الغلامي (مطبعة محفوظ - الموصل - ص344). الكتاب في مدح الوزير أحمد باشا ابن سليمان باشا الجليلي، الذي حكم الموصل تسع سنوات، وتوفي سنة 1239هـ.

20 -

الحدائق

لعبد الله بن محمد السيد البطليوسي (521هـ)، نشره المستشرق الأسباني آسين بلاسيوس مع ترجمة أسبانية بعنوان:

' -

في مجلة (الأندلس) الأسبانية في مدريد:

1 ، 45 - 154. ، -

النص العربي مطبوع بحروف مغربية، وهو مع الترجمة وقعا من المجلة المذكورة في 110 صحائف.

الكتاب في الحكمة والتصوف.

21 -

حديث الحكمة

ص: 54

لأبي الفرج المعروف بابن العبري (685هـ) نشره وصحح نقله لأول مرة البطريرك أغناطيوس أفرام الأول برصوم (مطبعة السلامة، حمص، ص66)، الأصل وضعه ابن العبري باللغة الإرمية، والترجمة المنشورة هذه قد تكون لأحد كتبه المائة الرابعة عشرة للميلاد. في هذا الكتاب لخص ابن العبري بعض مؤلفاته في المنطق والطبيعيات والإلهيات.

22 -

الحيوان

للجاحظ (255هـ) المجلد الرابع، نشره الأستاذ عبد السلام محمد هارون بعد أن بذل في تحقيقه وضبطه وشرحه ما لا مزيد عليه (مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، ص536) المجلدات 1 - 3 صدرت خلال 1938 - 1939 بمثل العناية التي لقيها هذا المجلد. الكتاب سيتم في سبعة مجلدات، هذا المجلد تناول الكلام على: النمل والقرد والخنزير والحيات والظليم وغير ذلك.

23 -

ديوان البارودي

لمحمود سامي باشا البارودي (1322هـ). المقدمة لمعالي الدكتور محمد حسين هيكل باشا، والشرح للأستاذين علي الجارم بك ومحمد شفيق معروف، نشرته وزارة المعارف المصرية في مطبعة دار الكتب بالقاهرة.

24 -

رحلة الوزير في افتكاك الأسير

لمحمد بن عبد الوهاب الغساني وزير مولاي إسماعيل وسفيره إلى ملك أسبانية نشره الأستاذ الفريد البستاني (طبع في طنجة).

25 -

الرسالة

للأمام الشافعي (204هـ) نشرها الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر بعد أن حققها على الأصول المخطوطة والمطبوعة، وأقدمها نسخة بخط الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي وراوي كتبه.

26 -

رسالة في صنعة القواد

ص: 55

للجاحظ (255هـ) نشرها الأستاذ عبد الرزّاق الحصّان، في (الملحق) الثاني من كتابه (نظرة عابرة في شمالي العراق). (مطبعة التفيّض الأهلية، بغداد، ص72 - 81)

27 -

رسالة في نصيحة ولي عهد مروان بن محمد، وفي

صفة تعبية الحروب، والحذر من العدو والمكيدة له وانتقاء

القواد، والاستعداد بالآلات والأموال

لعبد الحميد الكاتب (132هـ) نشرها الأستاذ عبد الرزّاق الحصان في (الملحق) الخامس من كتابه المذكور في الرقم 26 (ص104 - 134)

28 -

طبقات ابن سعد

لأبن سعد (230هـ)، القسم الثالث من المجلد التاسع، فيه فهرست أسماء الأشخاص الذين ذكرهم ابن سعد في متن كتاب الطبقات الكبير. رتَّبها المستشرق الألماني إدوار وحالت وفاته دون نشرها (مطبعة بريل في ليدن 258ص). جميع أقسام الكتاب ظهرت خلال السنوات 1917 - 1928، وقد استتمّ الآن.

29 -

لعقد الفريد

لأبن عبد ربه الأندلسي (328هـ) الجزء الأول. نشره الأساتذة أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الأبياري، بعد شرحه وضبطه وتصحيحه وعنونة موضوعاته، وترتيب فهارسه الوافية (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، س + 477ص). هذا المجلد يشتمل على ثلاثة أقسام بحسب تقسيم المؤلف لكتابه، وهي: كتاب اللؤلؤة في السلطان، كتاب الفريدة في الحروب، كتاب الزبرجدة في الأجواد والأصفاد. بقية مجلدات الكتاب تصدر بالتتابع، ولعَّله يتم في نحو ثمانية أو عشرة مجلدات.

30 -

العقد الفريد

لابن عبد ربّه الأندلسي (328هـ). حقه الأستاذ محمد سعيد العريان، ونشرته المكتبة التجارية الكبرى (مطبعة الاستقامة، القاهرة). صدر من هذه الطبعة ستة مجلدات، صحائفها

ص: 56

بالتوالي: 346، 367، 374، 343، 415، 350. وسيصدر الجزء السابع وبعده الثامن، وبهما يتم الكتاب.

31 -

غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر

لياسين أفندي ابن خير الله الخطيب العمري الموصلي (المولود سنة 1157هـ). عُني بنشره الدكتور صدّيق الجليلي (مطبعة أم الربيعين، الموصل، 128ص). في هذا التاريخ حوادث السنين 1200 - 1225هـ.

32 -

مسند عمر بن الخطاب

لأبى يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت البغدادي 262هـ. الجزء العاشر، عثر على مخطوطته الفريدة الدكتور سامي حدّاد (أستاذ الجراحة في جامعة بيروت الأمريكية)؛ فعني بدرسه ونشره المطبعة الأمريكية ببيروت، 238ص. فيها المقدمات والتعليقات والفهارس و4 لوحات مطبوعة على الفتوغراف تمثل بعض صحائف المخطوط. سائر أجزاء الكتاب لا تزال - على ما يظهر - في عداد الضائعات.

(له بقية)

كوركيس عواد

ص: 57