الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 471
- بتاريخ: 13 - 07 - 1942
الحديث ذو شجون
للدكتور زكي مبارك
تأريخ عصر النبوة
قرأت في مجلة (الثقافة) مقالاً جيداً للأستاذ محمد مندور عن اتجاه رجال الأدب في العصر الحديث، فرأيت أن أخصه بشيء من التعقيب، عساه يلتفت إلى تحرير آرائه بعض الالتفات فهو صديقٌ عزيز وله علينا حقوق. واكتفى بالتعقيب على العبارة الآتية:
(ما بالُ معظم كتّابنا قد انتهوا بالكتابة عن (محمد)؟ أهو إيمان من يشعر باقترابه من اليوم الآخِر؟ ذلك ما نرجوه. ولكن ثمة أمرٌ لا شك فيه، وهو أننا قد وصلنا من التزمت حدّاً نبرّئُ منه كل الأديان على السواء)
ومعنى هذه الفقرة أن الكتابة عن الرسول ضربٌ من المتاب، وأنها دليل على ابتلاء الجمهور المصري بالتزمت والجمود.
وأقول إن هذا التصور المنحرف ليس بجديد، فقد سبقته أوهامٌ تزعم أن الحديث عن الرسول بابٌ من الرجعية، وأن الاشتغال بأخبار النبي وأصحابه فنٌّ من التودد إلى الجماهير، وهي تحب الإفاضة في أمثال هذه الشؤون (؟!)
والحق أن عصر النبوّة الإسلامية يحتاج إلى دراسات كثيرة، وأن ما كُتب فيه لهذا العهد ليس إلا تباشير لدراسات تستغرق مئات المجلدات، لأن ذلك العصر كان مطلع نهضة إنسانية تركت أعظم الآثار الروحية والعقلية في المشرق والمغرب، وصبغت التفكير الإنساني بألوان تحتاج إلى من يدرسون عناصرها الجوهرية بتعمق واستقصاء
وإذا جاز اتهام المهتمين بتأريخ عصر النبوة بالغايات الدنيوية أو الأخروية، فلن يجوز القول بأن ذلك العصر قد وضّح في أذهان الجماهير وضوحاً يغنيهم عن التأليف الكاشف لما فيه من أسرار وآيات
ولو نظرنا في ما كتب الأوربيون في مدى عشرين سنة عن شاعر من شعراء الأساطير مثل هوميروس لوجدنا عنايتهم به تفوق عناية العرب بتأريخ حياة الرسول في مدى أجيال، مع العلم الوثيق بأن الرسول العربي ترك في الوجود آثاراً تفوق آثار من سبقه من الأنبياء، بّلْه الشعراء
لم يقلٌ أحد إن هيكل كان رجعيّاً حين ترجم لجان جاك رُوسُّو، ولم يقل أحدٌ إن العقاد كان رجعيّاً حين ترجم لابن الرومي، ولا قال قائل برجعية طه حسين حين ترجم لأبي العلاء، ولكن الرجعية أصابت هؤلاء الأساتذة حين شغلوا أنفسهم بتأريخ عصر النبوّة، لأنه مصدر من المصادر الدينية، وأهل هذا الزمان يرون الحديث عن الديانات من المبتذلات!
أنا أبغض الرياء كل البغض، وأنا أسأل الله أن يصبّ جام غضبه الماحق على المرائين، ولكن ذهني لا يسيغ أن يكون ما كتب هيكل وطه والعقاد عن الرسول ضرباً من الرياء، لأن كتاباتهم في هذا الموضوع كتابة أصيلة، والكتابة الأصيلة لا تصدُر إلا عن ذوق وروح وإيمان
وقد حدثتكم مرة أن الدكتور طه حسين ليس له من (هامش السيرة) غير قصة الراهب في الجزء الأول. والأمانة توجب أن أحدثكم أن ناساً في العراق أخبروني أن في الجزء الثاني فصولاً أفاضت عيونهم بالدمع، فهل يبكي القارئ قبل أن يبكي المؤلف؟
أرجوكم أن تذكروا أن في الأدب العربي المصري لهذا العهد أصالة روحية وذوقية تستحق الإعجاب، ولو أعفتنا الخطوب مما يعوّق النهضة الأدبية في مصر لرجونا أن يكون للبيان العربي عصرٌ جديد يفوق في روعته أجمل ما أُثِر عن عصر بني أُمية وبني العباس، ونحن قد تفوقنا بلا ريب، ومحصولُنا الأدبي وصل إلى غاية من الروعة لم تخطر لأحد من القدماء في بال
وخلاصة القول أن تاريخ عصر النبوة لم يأخذ من عنايتنا كل ما يستحق، لأنه ليس مصدر ثروة روحية فحسب، وإنما هو مصادر لثروات أدبية واجتماعية وتشريعية. وتاريخنا الأدبي أجاز أن تؤلف رسالة في إعراب (جاء زيْدٌ) فكيف يُنكَر أن تؤلف رسائل في حياة الرسول؟
وهنا مَلْحَظٌ آخر: هو صدور المباحث الدينية في هذه الأيام من رجال ثقافتهم مدنية. فما معنى ذلك؟ معناه أن الإسلام بريء من الصبغة الكهنوتية، وأن كل مسلم مسئول عن شرح أغراض الدين الحنيف، ولو جهل موقع البلد الذي تقوم فيه إدارة الأزهر الشريف
حدثني أستاذنا الشيخ المراغي قال: (الإسلام خسارة في هؤلاء المسلمين). وهي كلمة هزّت قلبي حين سمعتها من هذا الرجل العظيم، فلو كان الإسلام دين أمة مثل الأمة الإنجليزية أو
الأمة الألمانية لاستقلّ أتباعه أن يُنشر عنه في العام الواحد عشرات المجلدات
بين الأزهر والجامعة المصرية
نشرت (الرسالة) كلمة للدكتور محمد البهيّ عن المستوى الجامعي في مصر بين الأزهر والجامعة المصرية، وهي كلمة تؤكد المعنى الذي أراده أحد الشعراء حين قال:
اقتلوني ومالكاً
…
واقتلوا مالكاً معي
فقد أراد أن يحكم بالعُقم على الأزهر وهو من أبنائه ليسهل عليه الحكم على الجامعة المصرية بالإفلاس!
والحق أن الجامعة أدخلت في الحيَواتَ الأدبية والعلمية والتشريعية فنوناً جديدة متسمة بالقوة والإشراق. ومن الظلم أن يقال: (إن الكثير من مؤلفات الجامعيين يلازمه الغموض في التعبير عن الفكرة، ويندر أو تنعدم فيه شخصية المؤلف)، فهذا القول يشهد على قائله بالبعد عن مسايرة النشاط الجامعي في الميادين الأدبية والعلمية والتشريعية، ويضيفه إلى المتجنين على الجامعة بلا بينة ولا برهان
نحن لا نقول بأن كليات الجامعة المصرية وصلت إلى الكمال المطلَق، ولكننا نرفض القول بأنها خدعت (عقلية الرأي العام المصري) كما قال هذا الباحث المفضال، فقد صدرت عن الجامعة المصرية مؤلفات وأبحاث ودراسات لم تشهد مثلها اللغة العربية منذ أجيال طوال؛ والمنصفون من رجال الأزهر الشريف لا ينكرون ذلك المحصول النفيس
ليت وهل ينفع شيئاً ليت؟
ليت المنافسة العلمية تثور بين الأزهر والجامعة المصرية!
ليت الأزهريين يجارون الجامعيين في البحث والتأليف، وفي السيطرة الفكرية على شباب هذا الجيل؟
لو استطاع الأزهر أن يصاول الجامعة لضمنتُ للفكر الجديد جذوةً كريمة الروح، ولكن الأزهر مكتف بمكانته في التاريخ، والموت من نصيب من يكتفون بالتاريخ
الجامعة المصرية هي اليوم صوت مصر في الشرق، وهي التي تشرع المبادئ للمعاهد العالية في الأمم الشرقية، فليأخذ الأزهر من يدها هذا الصولجان إن استطاع، فهل يستطيع؟
ليت ثم ليت!! وهل ينفع شيئاً ليت؟!
روح الغزالي ينتقم
إن كان في قراء (الرسالة) من يرضى عن مقالاتي في هذه الأيام فأنا عن تلك المقالات من الساخطين، لأنها بعيدة عما أريد أن أقول، ولأنها تصورني بصورة من لا يشعر بما في الدنيا الحاضرة من هموم وأرزاء
وقد نظرت فعرفت أم روح الغزالي ينتقم مني، فقد جاء في (كتاب الأخلاق عند الغزالي) ما نصَّه بالحرف:
(بينما كان بطرس الناسك يقضي ليله ونهاره في إعداد الخطب وتحبير الرسائل لحث أهل أوربا على امتلاك أقطار المسلمين، كان الغزالي غارقاً في خلوته، منكبّاً على أوراده، لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة إلى الجهاد. ويكفي أن نذكر أن الإفرنج قبضوا على أبي القاسم الرملي الحافظ يوم فتح بيت مقدس، ونادوا عليه ليُفتَدى فلم يَفده أحد، ثم قتلوه وقتلوا معه من العلماء عدداً لا يحصيه إلا الله، كما ذكر السبكي في الطبقات. . .
وما ذكرنا هذه المأساة إلا لنعدّ القارئ لفهم حياة الغزالي، ولنقنعه بأنه ليس من الحتم أن يكون الرجل الممتاز بعلمه صورةً لعصره، فإن كُتب الغزالي لا تنبئنا بشيء عن تلك الأزمة التي عاناها المسلمون حين ابتدأت الحروب الصليبية. . . ومن الخطأ أن نقصِر الأخلاق على سلوك المرء كفردٍ مستقلّ عن الحياة الاجتماعية، فلكل ظرفٍ واجباتُه، ويتعسر وجود حالة لا تقضي فيها الأخلاق)
كذلك قلتُ في التثريب على الغزالي بلا ترفق ولا استبقاء، فأين أنا اليوم؟ وما صلة ما أكتب بظروف هذه الأيام؟ وماذا يقول الإخلاف إذا نظروا فرأوا أن مقالاتي في سنة 1942 خَلتْ من الحديث عن معترك المطامع الأوربية في الأقطار الإسلامية؟
هل يوجد في الإخلاف المنتظرين من يعتذر عني فيقول إن الأدب الصِّرف كان في سنة 1942 باباً من أبواب الجهاد، وإنه كان يجوز للأديب أن يصم أذنيه عن أصوات المدافع ليتسمّع صرير الأقلام؟
لو اعتذرتُ عن الغزالي لوجدت من يعتذر عني. وكما يدين الفتى يُدان!
تقاليد مصرية
لم يبق ريبٌ في أني مفتونٌ بوطني أعظم الفتون، ولهذه الفتنة أسبابٌ أهمُّها الشعور بأنه وطنٌ يمجد الذاتية، ويعين أهل الكرامة على الظفر بشرف الحرية والتفرد والاستقلال
وآيةُ ذلك أني قضيت من عمري ما قضيت في التمرد على أهل زماني، ولم أسمح لأحد بأن يأخذ بيدي في أي وقت، ولا رضيت بأن يكون زمامي في يد أي مخلوق، فكيف كانت العواقب؟
لم يضع مني شيء، ولا أُغلق في وجهي باب، ولا استجاز أحدٌ أن يتناسى أنني استغنيت بالله عن الناس. . . وهل أموت يوم أموت إلا بسبب الإفراط في الطعام والشراب؟
العزَّةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، وقد أكرم الله مصر فجعل للروح المصري خصائص لم يَهَبْها لأحدٍ من الشعوب
ولتوضيح جزئية من جزئيات هذا المعنى الكليّ أقول:
كانت مصر أول أمة انتفعت بالإذاعة اللاسلكية بين أمم الشرق، وقد رأت مصر أن يكون (القرآن) فاتحة إذاعات الصباح، وريحانة إذاعات المساء
فماذا وقع؟
رأت جميع الأمم الإسلامية أن تلاوة (القرآن) شرطٌ في صحة الإذاعة اللاسلكية
ثم ماذا؟
ثم رأى الإنجليز والألمان والطليان والفرنسيين أن إذاعاتهم العربية لا تصح إلا إذا افتُتحت بالآيات القرآنية
فما معنى ذلك؟!
معناه أن (مصر) وضعت شريعة للإذاعة اللاسلكية باللغة العربية
ومعناه أن مصر هي صوت العروبة والإسلام في الشرق والغرب
وطني. . .!
إن سنبلة القمح في أرضك أعظم من أختها في أي أرض!
وإن لوزة القطن في أرضك أعظم من أختها في أي أرض!
وما سطعت الشمس في سماء بأقوى مما تسطع في سمائك، ولا ازدان رأس بأكاليل المجد الأصيل كما ازدان رأسك، ولا ضُربَ المثل بالحلاوة والمرارة قبل المأثور من حلاوة
نهرك، ومرارة بحرك. . .
وطني. . .!
إن المسيحية تؤرِّخ في كل أرض بميلاد المسيح، وفيك وحدك تؤرَّخ المسيحية بعذاب الشهداء، لأنك وطن المعاني!
وفي الإسلام مذاهب لا تجتمع في بلد إلا ذاق بعضها بأس بعض، وفيك وحدك تلتقي جميع المذاهب الإسلامية بلا بغي ولا عدوان، لأنك وطن الإخاء!
وطني. . .!
إن جنى أحدٌ على نفسه بالغباوة والدمامة، فجنايتك على نفسك هي ذكاؤك وجمالك، يا معترَك الذكاء والجمال في كل عصر وفي كل جيل
وطني. . .!
ماضيك أعظم وأضخم وأشهر من أن يحتاج إلى بيان، فما أنت في حاضرك، وهو ما أعرف وتعرف؟!
هل استطاعت الخطوب الثقال أن تطفئ أنوارك، أو تخمد نيرانك، أو تذبل ازهارك، أو تغيض أنهارك، أو تصدّك عن التحليق في سموات العلم والفكر والبيان؟
لو عانت كبار الشعوب معشار ما عانيتَ، يا وطني، لشالت كفتها في ميزان التاريخ، فكيف استطعت أنت برغم ما عانيت أن تظل مصدر العقل في الشرق، وأن تهتدي بنورك في اللغة والدين مئات الملايين؟
لا إله إلا الله ولا وطن إلا مصر!
ذلك نشيدي في حبك يا وطني، ولن تراني إلا حيث تحب، ولن يراني أعداؤك إلا حيث يكرهون، ولو زعموا أنهم في طهر ملائكة السماء!
الدول تحترب من أجلك، فكيف لا أحترب من أجلك؟ وكيف أهادن خصمائي فيك، وأنت صرحٌ أقام أساسه واهب الخلود؟!
في يدي حسامٌ هو قلمي، وفيه الحتف لأعدائك يا وطني، ولو استظهروا بجيوش البر والبحر والهواء. . . اللهم أعني على الوفاء بالعهد للوطن الغالي
زكي مبارك
جيل وجيل
حيوية الفكر
للأستاذ محمود البشبيشي
حيوية الفكر وليدة الفطرة - تكوين الشخصية والحيوية -
الاتزان مع البيئة - الحيوية في الأدب - عبقرية محمد -
الأستاذ الزيات - آدم وحواء والدكتور مبارك - الحيوية في
الشعر - وأرواح وأشباح -
نصل حوارنا اليوم بفيض من الفكر، ينساب انسياب الطبيعة الحية في كل شيء، ويتألق تألق الشعاع اللماح يبيد غياهب الظلمات وتفتر مباسمه عن أنوار من الطفرات العقلية الطيبة الغاية، المأمونة العثار؛ فليس أحب إلى الكاتب المفكر من أن ينشر ما اضطرب في صدره من الخواطر، وجال في خاطره من المعاني. وحديث اليوم حديث الحيوية في الفكر
قلت لولدنا حسين: لنصل اليوم ما انقطع من حوارنا ففيه مسرح يروق عيني، ومستروح يبهج نفسي، مع ما في ذلك من مصابرة لمكاره الفكر المستغلقة، ومعالجة لأسرار الأمور. ولنرجع إلى حديث الحيوية الذي حدثني عنه في أول الأمر، فقد جدت أمور حركت ما كمن، وبعثت ما خمد
قال: أما العودة إلى الحوار فإني لأجد فيها من مباهج الفكر، ومراقي الإدراك، وفواتن المعاني. . . ما يسكن نفسي النفور، ويطرب قلبي المتطلع إلى مطالع المعرفة. وأما حديث الحيوية فأنا مشتاق إليه بما طبعت عليه نفسي، وانطوى عليه حسي، واضطرب به فكري. . . ولعلني اليوم أجد ما يثبت ما قلت بالأمس من أن الحيوية في كل شيء هي سر البقاء، وأن الرجل الحق من خلع على الحياة صور نفسه، وأخذ من صور الحياة ما يتجانس معه، ويساير حقيقته، ويلابس حدود حاجته
ولكن الحيوية يا سيدي الوالد وليدة الفطرة، مهما اختلفت صورها، وتباينت مناهجها، وتنافرت مقاصدها. وإن الحيوية الفكرية خاصة لأبعد من أن تنال بالاعتياد والدربة وان
من ظن ذلك فقد قرنها بالصنعة، وفرق بين الطبيعة والصنعة. أما الطبيعة ففيض من الروح ونور من الإلهام، وأما الصنعة فألفاظ مرصوصة وصور منحوتة. وهيهات أن يصل كاتب حرم حيوية الفكرة إلى مراتب الكمال، فإن ذلك أبعد من تحقيق حلم الخيال. وفي مصر كثير من صناع الألفاظ، ونقلة الأفكار. وإنك لترى العجب كلما قلبت مجلة من المجلات؛ فهنا كاتب بلغ الغاية فاطمأن وظن أن على القارئ أن يقرأ كل ما يكتب ولو كان من عبث العابثين. وهناك كاتب انسلخ من ماضيه وساير ركب الحياة الضارب في كل متاهة ومضلة
قلت: حق هذا يا بني؛ بل إن الحيوية الفكرية لتكسب الكاتب شخصيته، وشخصية الكاتب في أسلوبه، وطريقة عرضه لأفكاره، ونقده لأفكار غيره، ونظرته وتأمله إلى كل ما يضطرب حوله من صور الحياة. فهذا كاتب اختصت حيويته بالنظرة النافذة، والرأي العميق، والفكرة الفلسفية. . . فتراه في كل مظهر من مظاهر إنتاجه قد ساير طبعه، وجانس حيويته. إن من الأفكار ما يكون باقياً على الدهر، يتنافس الرواة في حفظه ونقله، وتلهج الألسنة بترديده والتمثل به، ولا يزيد على الأيام إلا جدة وقوة؛ لأنه وليد مشاعر حية إنسانية، وعصير قلوب ذابت فجرت نغما. ذلك النوع من الفكر هو ما قام على قواعد من الحيوية، تحس في كل لفظ من ألفاظه حياة لا تقيدها الكلمات، ولا تتحكم فيها العبارة؛ هذا النوع من الفكر يساير الحياة لأنه وليد الحياة، ويضرب في نواحيها المتباينة فيكون منطقه فصلاً، وحكمه نافذاً. . . لا يسأم الإنسان من تكراره، ولا تنفر الآذان من سماعه، لأنه نغم القلب وصدى الروح
قال: إذا صح أن الحيوية تكوِّن الشخصية. . . فإنه يصح أيضاً أن تكون الحيوية الأساس الأول للاتزان مع البيئة. وأقصد بالاتزان مع البيئة مسايرتها وملابستها أصدق المسايرة والملابسة. . . فترى الكاتب المفكر الذي يخضع لحيوية قوية يحس مواضع القول، ويجيد اختيار المناسبة؛ ولاختيار المناسبة موضع وحدود، وليس من الحيوية أن يتخطاها الكاتب أو يعجز عن إدراكها. . . فقد تتواري السحب وراء الأفق البعيد فيظن الكاتب الذي تعود أن يرسل نفسه على سجيتها أن السماء صادقة في صفوها فيندفع وراء ما يحس هو لا ما يحس غيره، ويجري وراء ما يراه هو لا ما يراه المجتمع. . . فإذا به يقف أمام الحقيقة
المرة، وإذا به يرى أن الأفق لم يك في صفائه صادقاً، وإذا به يطوي صفحة أفكاره وفي النفس حسرة وفي القلب ألم. . . ما الذنب الذي جنى؟ وما الشر الذي اقترف؟ الذنب الذي ارتكبه أنه لم يدرك معنى الاتزان مع البيئة فترك الأرض ليبحث في السماء. وما علم أن على الأرض من يجزع ويحقد على كل من يحاول الخلاص من قيود التراب الأرضي!!
قلت: هذا كلام يشعرني بأنك تريد أن تقول شيئاً وراء اللفظ، أو أنك تميل يا بني إلى توجيه القول لكاتب كبير فاضت حيويته وضاقت بقيود الأرض وكل ما يتصل بمعانيها. أكاد أشعر بهذا ولي الحق في أن أشعر به، بل أكاد ألمس غضبك كلما تذكرتَ اختناق تلك المعاني الرائعة التي انطلقت في غفوة من الزمن من روح هذا الكاتب الكبير. ولكن هذا الكاتب الكبير يعلم حق العلم أن الحيوية تفرض عليه الاتزان مع البيئة فلا محل للومه هو. . . بل اللوم كل اللوم لحيويته الدافقة التي ضاقت بالأرض فانطلقت إلى السماء. . .
الحيوية يا بني لها أكبر الخطر في الأدب. فالحيوية الفكرية ليست حبساً على غزارة مادة الكاتب أو الشاعر، ولا هي رهن بمقدار ما يروى عنه، وإنما هي سر من أسرار النفس والفطرة. يودعه الكاتب أو الشاعر قوله فيضمن له على الدهر الخلود. فإن من الشعر ما تزداد فيه الحيوية حتى لا تقف به عند حد الخلود، بل إنه ليضفي الحياة على ما يمسه من الموضوعات، ويكاد يبعث من طواهم الثرى من الناس بعثاً يختلف قوة وضعفاً، ويتباين سعادة وشقاء. فمن لا يذكر سيف الدولة كلما ذكر المتنبي؟ ومن لا يذكر كافوراً كلما تناول شعر أبي الطيب؟ ومن لا يذكر حرب البسوس كلما جال بخاطره رثاء مهلهل لأخيه كليب؟ ومن لا يذكر مالك بن نويرة كلما قرأ شعر أخيه متمم؟ ومن لا يرثي لمقتل (صخر) كلما سمع نواح الخنساء عليه؟ ومن لا يذوب أسى كلما ذكر قصيدة شوقي طيب الله ثراه في رثاء (مقدونية)؟ ولقد يكون من الشعر ما يُقوِّى عناصر الحياة حتى في الحقائق العلمية والاجتماعية، ومن حكم المتنبي ما هو أصدق شاهد على ما نقول، وليس بأقل منه قول شوقي في قصيدته (نهج البردة) يدفع عن الإسلام دعوى أنه قام على أعضاد السيوف:
قالوا: غزوت ورسل الله ما بعثوا
…
بقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة
…
فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم!
قال: ومن حيوية الكاتب العبقري أن يخلص من قيود الحياة المضطربة الثائرة فينطوي
على نفسه يراقبها ويحقق أغراضها، ويساير ميولها مهما كانت الظروف التي تحيط به. وخير دليل على هذا ما فعله الكاتب العبقري الأستاذ العقاد. . . إذا استطاع في مثل هذا الجو المضطرب بأحاديث الحرب، المرتعش في مهب المقادير. . . أن يبعث من نفسه صوراً حية تتناول أكبر شخصية حية تفخر بها الإنسانية وتعتز بها البشرية. . . أجل إن كتاباً روحياً صادقاً يخرج إلى الحياة في مثل هذه الأيام العجاف لهو كتاب جدير بالتأمل والإعجاب. بل إني لأرى في خروجه في مثل هذه الأيام لحكمة تصور صدق حيوية الأستاذ العقاد. فليس من شك في أنه أراد أن يقدم للإنسانية أروع المعاني الروحية تتألق حيوية في شخص الرسول. . . في زمن جنت فيه العقول، وتكلم لسان الدمار:
جنوا وعيَّ لسانهم فتفجرت
…
لسن الدمار قنابلاً وبرودا
قلت: هذا حق يا بني، فكتاب عبقرية محمد كتاب تعتز به العربية في دقة الفهم، وروعة العرض، وسلامة النسج، وإني لأطرب يا بني كلما ذكرت أن في مصر كتاباً يكتبون في سيرة أشرف الخلق. فكم هزني إعجاباً كتاب (محمد المثل الكامل) للأستاذ محمد جاد المولى بك، ففيه تحقيق العالم الخبير، كما غمرني طرباً كتاب (على هامش السيرة) للدكتور طه ففيه سهولة وطلاوة. . . وإني لأنتظر من صديقنا الدكتور مبارك أن يكتب في هذه الناحية الشريفة النبيلة، كما آمل أن يعرج عليها صاحب الرسالة بما عهد فيه من دقة وروعة. ولو سمحت لنا الظروف ولم تقطعنا الشواغل لقمنا بهذا الواجب الروحي الجليل في أقرب فرصة يسمح بها الزمان يا بني. . .
ومن حيوية الفكر يا بني أن يساير الكاتب المجتمع ويلابسه أصدق الملابسة حتى يصيب الهدف ويبلغ الغاية، ويكون مثابة حق ومنار وهداية. وما كان قصور بعض المصلحين إلا من شأن عجزهم عن إدراك معاني الاتزان مع البيئة. فحقيق بالمصلح المتأمل والكاتب الاجتماعي أن يعقد القلب على إدراك أسرار هذا القانون الطبعي، فتتيسر له أسباب الأمور، وتسهل أمامه الصعاب. وإن الأستاذ الجليل الزيات لصورة صادقة لمسايرة الكاتب للمجتمع وأحواله، وما يضطرب فيه من ألم وفرح. فما من مقال له إلا وهو يرمي إلى هدف مقصود، وغاية معلومة؛ وما من رأي له إلا وهو يعالج حالة خاصة، ويدل على مذهب خاص. . . ولعلك يا بني تذكر كيف غلبته حيويته الاجتماعية فتفرد بالكتابة (في عدد
الهجرة الخاص) في (مشكلة الفقر وعلاجه)، وكيف أسرع وكتب في (مشكلة الرغيف)، وكيف كان أول من كتب في الانتخابات وصورها تصويراً رائعاً. . .؟!
قال: و (آدم) و (حواء) يا والدي. . . إنها لأروع صورة لحيوية الفكرة المنطلقة التي لا تتقيد بشيء إلا بالحقيقة والضمير الحي. . . (آدم) و (حواء): بحث نابض بالحيوية، بل هو أعظم ما كتب الدكتور مبارك، فقد كانت الفكرة فيه تخرج في ثوب من الإيمان بالرأي والعقيدة، وفي لون من الفن الرائع لست أغالي إذا قلت إنه منقطع النظير في آداب العربية. . . وقرأتها لأول مرة، فابتسمت وقلت: إن الدكتور سيفترع فنٍّا جديداً يسد نقصاً كبيراً في أدبنا. . . وإني لأقول في صراحة إنني كنت أعتقد أن صاحب هذه الأفكار لا بد أن يكون من أبناء هذا الزمان، ولا بد أن يكون قرأ - على الأقل - فلسفة القرن التاسع عشر، ولا بد أن يكون في مثل حيوية دكتورنا المبارك، وليس في مثل حيوية (شيث)!
وإني لأذكر للدكتور المبارك أني جزعت كل الجزع عندما قرأت (ينبوع حلوان)! فقد أدركت منه ما لم يدركه غيري، وأحسست أن الفكرة التي انطلقت من الأرض قد قيِّدت!!
قلت: والحيوية في الشعر يا بني أن يكون في الشعر تجويد في اللفظ والمعنى. فإن ما يصدر عن الشاعر الموهوب العظيم لا بد أن يترك في النفوس آثاراً عظيمة، وما يصدر عن الشاعر الماجن الواهن الضعيف النفس، المستهتر بالملاهي، لا بد أن يحمل في طياته عناصر فنائه، وإن أغتر به صاحبه، وتناقلته أفواه الرواة الماجنين. إن النفس لتطرب بالنثر البليغ فهي بالشعر الجيد أشد طرباً. ولقوة الشاعرية، وغزارة المادة، وسعة الثقافة، وسلامة المنطق، أثر بعيد الغور في سلامة تفكير الشاعر، وجنوحه إلى الأسلوب المنطقي، وسوق القضايا في مساق الاستدلال كلما زاول معنى من المعاني، فهو لا يكتفي باللمحة العجلى يرسلها على المعنى فيجيء غامضاً فاتراً، أو يصل إلى النفوس قلقاً مضطرباً. فإذا قرأت للشاعر الحي شعراً رأيت لوناً واضحاً من الفكرة يسود القصيدة كلها، أو ينصّب على كل معنى من معانيها
قال: ما ظنك (بأرواح وأشباح) للأستاذ علي محمود طه. . . إنها لصورة لسعة الثقافة، وغزارة المادة، وسلامة المنطق والتغلغل في أسرار المعاني، افتن فيها الشاعر فجاءت فتنة، تصور الوجد اللاعج، والجوى المستعر، وانطلاق الشهوات من قيودها، وعبثها
بروعة الفن وقداسته. ذهب فيها الشاعر مذهباً جديداً من الفن الشعري، عرض فيه لسلطان الشهوات الكامنة، والنزعات الدفينة، والأحاسيس الملتهبة. وهو في عرضه لها صاحب نظرة صادقة لا يأخذ الحياة كما هي، بل يخلع عليها من إشعاع روحه ما يكيفها التكييف الذي يريد. . .
قلت: ومتى وصلت الحقائق والأخيلة إلى النفس على تلك الصورة المحكمة، وراضها بيان طيع، وصاغها شاعر ملهم، كان لها في النفس مستقر ومقام. وإنك لتدرك ذلك من نفسك فيما يقع لك من شعر بعض المعاصرين، فقد تقرع أذنك قصيدة أخاذة المظهر، رائعة العنوان، فلا تجد لها عاضداً من فكرة متحدة، ولا ضابطاً من منطق متماسك، فلا تنتهي منها حتى تصير عرضاً لفظياً يذهب مع الهواء، ولا يجد لنفسك مدخلاً. وقد تقع لك أبيات قليلة أو قصيرة فيها فكرة وفيها تماسك، فتحل من نفسك في الضمير، ولا يعييك أن تحتفظ بمعناها، بل لا يستعصي عليك متى (شئت) استظهارها
محمود البشبيشي
2 - شعر علي بن أبي طالب
للأستاذ السيد يعقوب بكر
على أننا وقد ذكرنا أقوال بعض المؤيدين نحب أن نعرّج على أحد المعارضين وهو الأب لامانس فنناقش مقالته وننقصها ليتم لنا بذلك وجه البرهان على الرأي الذي رأيناه.
فقد كان أنكر في كتابه (ص58) أن علياً كان شاعراً، واستشهد على ذلك بما ذُكر في الأغاني (ج4 ص137 ط دار الكتب) من أنه (كان يهجو رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة رهط من قريش: عبد الله بن الزبعري، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعمرو بن العاصي؛ فقال قائل لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه: أهج عنا القوم الذين قد هجونا؛ فقال علي رضى الله عنه: إن أذن لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فعلتُ؛ فقال رجل: يا رسول الله، ائذن لعلي كي يهجو عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا؛ فقال:(ليس هناك) أو (ليس عنده ذلك).
ثم إن المستشرق الإيطالي الدكتور عارض الأب لامانس في رأيه هذا في بحث نشره بمجلة (مجلد 4 ص536 - 547). فقد ذهب إلى أن معنى النص المذكور في الأغاني هو أن محمداً رأى أن هجاء قرشيّ كعلي لقريش ليس من الأمور التي يتطلّبها الهجاء ليكون نافذاً لاذعاً مؤثراً، فإن هجاء غير القرشي لقريش يكون شديداً عليها ذا واقع كوقع السهام أو أشد. واستدل هذا المستشرق الإيطالي على ما ذهب إليه في هذا النص بأن الشعراء الذين كانوا ينافحون عن الرسول ودعوته ويدفعون عنه عادية شعراء قريش كانوا كلهم من المدينة أي من الأنصار مثل: حسان بن ثابت وكعب بن مالك.
فردّ عليه الأب لامانس رداً طويلاً تجده في مجلة: (مجلد 7 سنة 1921، ص320311)، وكذلك في أول كتابه:(ص1 - 7). ونحن سننقض هنا هذا الرد؛ ولكننا قبل هذا نورد خلاصة كلام قدمه بين يدي رده ونقول رأينا فيه، وذلك لأنه يتصل بموضوعنا من قريب
يبدأ الأب لامانس كلامه هذا بأن يقول: إن مكة لم تنجب قبل الهجرة أي شاعر ملحوظ المكانة ذائع الصيت، وإن هذه الحقيقة تقوم دليلاً على زيف ما في سيرة ابن هشام من أشعار كثيرة، كهذه الأشعار المنسوبة إلى عبد المطلب جد علي بن أبي طالب وإلى أبي
طالب أبيه ثم إلى علي نفسه
ثم يقول بعد ذلك إن الشعراء كانوا في الجاهلية الحكماء وأصحاب الرأي، وإن الشعر كان فيها من الصفات اللازمة للرجل الكامل حتى يدعى كاملاً، وإنه قيل على هذا الأساس إن الخلفاء الأربعة الراشدين كانوا شعراء أو كانوا على الأقل أصحاب علم بالشعر العربي القديم. ولقد عنى أهل السنة بالنص على علم عمر الواسع بالشعر، وكان عمر منافساً لعلي ومنازعاً له، فكان أن قال الشيعة بعلم علي بالشعر وحاولوا تصويره لنا في مستوى عال جداً أو على الأقل في مستوى مساوي لمستوى منافسه الخليفة الثاني
ولقد أظهر علي أثناء حياته السياسة جهلاً تاماً بأساليب السياسة أو قل بأساليب الحياة، وجاء في الحديث وصفُه بأنه محدود، ووصفه معاصره غير المتشيعين له بأنه تلعابة
وعلى الرغم من ذلك كله، فإن الشيعة لم يدخروا جهداً في إطراء علم علي. ولقد كان أهل السنة يمجدون عمر ويرون فيه الرجل المطلق، والمتمم العبقري لعمل محمد، والخليفة الذي لا تأخذه الأحداث على غرة؛ ولذلك وجدنا الشيعة يصورون بطلهم مخرجاً لعمر من حيرته وحرَج موقفه في الوقت المناسب بحصيف رأيه وصادق نظره. وكان الشيعة يدَّعون أن الله حبا عليًّا بتسعة أعشار العلم الإنساني، وقد بثُّوا هذا الإدعاء في حديث وضعوه، وادعوا أيضاً أشياء أكثر من هذا
هذه خلاصة الكلام الذي قاله لامانس قبل رده على المستشرق الإيطالي؛ ورأينا فيه أنه كلام متهافت لا يسند أوله آخره ولا آخره أوله، ونبين هذا فيما يلي:
1 -
يشك لامانس في الشعر المنسوب إلى عليَّ في سيرة ابن هشام لما هو معروف من قلة شعراء مكة قبل الهجرة؛ ونحن إن قبلنا هذا الشك، فإننا لا نقبل الأساس الذي بُني عليه؛ وذلك لأننا نعرف أن علياً نشأ بنشأة الإسلام وترعرع في ظله فلم يكن وليد الجاهلية. وإنما كان وليد الإسلام. وعلى ذلك فإذا شككنا في الشعر المنسوب إليه في سيرة ابن هشام، لزم ألا يكون شكنا مبنيًّا على هذا الأساس الذي بنى لامانس عليه شكه، وإنما لزم أن يكون مبنيًّا على أساس آخر، كأن يكون مبنيًّا مثلاً على أن ابن اسحق الذي يروي عنه ابن هشام ممن لا يوثق بروايتهم للأشعار، أو يُعتمد عليها
2 -
يرى لامانس أن الخلفاء الأربعة الراشدين إنما زُعم إنهم شعراء، أو - على الأقل -
أصحاب علم بالشعر، لأن الشعر كان في الجاهلية من مستلزمات الكمال؛ وهذا الرأي لا أساس له، لأن الحياة العربية اختلفت مُثُلها في الإسلام عنها في الجاهلية، فأصبح العرب لا ينظرون إلى الشعر كما كانوا ينظرون إليه من قبل، وبعد أن كان الشعر من مستلزمات الكمال، أصبح وقد تحرّج من قوله كثير من الشعراء مثل لبيد
3 -
مهما قيل من أن الشيعة أضفوْا على عليّ أثواباً من الكمال والحكمة وقوة العقل والقدرة على حل المشكلات، فلسنا نستطيع أن ننفى عن عليّ صفات الرجل العاقل، إذ يكفيه ليكون كذلك أن يربَّى في حجر محمد ويشبّ في كنف الإسلام. فمحاولة لامانس تجريده من العقل الحصيف محاولة غير ناجحة، فضلاً عن أن النصوص التي يستند إليها في محاولته هذه مما لم تثبت صحته
بعد هذا التفنيد لكلام لامانس، نعرِّج على ردِّه على المستشرق الإيطالي، فنأتي بخلاصته ثم نقول رأينا فيه
يقول لامانس إن العبارة التي وردت في الأغاني وهي (ليس هناك؛ أو ليس عنده ذلك) مكونة من جزأين، فالجزء الأخير منها هو الأدلُّ على المعنى والأعمق في الأثر، وليس الجزء الأول منها إلا مؤكداً له ومقوِّياً. وهذا الجزء الأول أوجز وأكثر إمعاناً في البداوة من الجزء الثاني
وبعد ذلك يورد لامانس العبارة التي وردت في أسد الغابة وهي (إن علياً ليس عنده ما يراد من ذلك)، ويبين كيف أنها تؤكد ما فهمه هو من عبارة الأغاني
ثم يأخذ في محاولة تحديد معنى عبارة (ليس هناك) المرادفة لعبارة (ليس عنده ذلك)؛ وذلك بالرجوع إلى استعمالاتها الواردة فيما يرويه صاحب الأغاني. وقد استخلص من هذه الاستعمالات أن عبارة (ليس هناك) تشير حين يكون المدار حول الشعر إلى عجز من تقال فيه عن قول الشعر ونظمه
وأخيراً ينهي لامانس رده بأن يقول إن أي مستشرق لا يمكنه قبول الأشعار المنسوبة إلى علي، وإن الأقدمين أنفسهم أحسوا بانتحال هذه الأشعار أو خامرهم الشك فيها، ومنهم أبن هشام ويونس بن حبيب
هذه خلاصة رد لامانس، ونحن نرد على هذا الرد فيما يلي:
1 -
صحيح أن عبارة (ليس هناك) تشير حين يكون المدار حول الشعر إلى عجز من تقال فيه عن قول الشعر ونظمه، ولكن لا يمكن أن تشير إلى ذلك إذا كانّ المدار حول فن من فنون الشعر كالهجاء وحده أو المدح وحده، فإنها تشير حينئذ إلى عجز من تقال فيه عن هذا الفن وحده دون سواه. وهذه هي الحال بالضبط في القصة التي يرويها أبو الفرج، فإن رجلاً سأل الرسول أن يأذن لعلي كي يهجو قريشاً فقال له الرسول:(ليس هناك) أو (ليس عنده ذلك) أي ليس هو بالقادر على الهجاء
ويؤيد رأينا هذا أننا لا نجد في الصحيح من شعر علي بيتاً واحداً في الهجاء
ثم إنه لو لم يكن علي شاعراً حقاً لما سأل هذا الرجل الرسول أن يأذن لعلي بهجاء قريش، لأن سؤاله هذا مبني على علمه بأن علياً شاعر قادر على نظم القصيد.
2 -
إذا كان بعض الأقدمين شك في الأشعار المنسوبة إلى عليّ، فليس يمكن أن يكون هذا الشك حجة للامانس، لأن بعض الأقدمين أيضاً قال بأن علياً كان من الشعراء كما سبق أن بينّا
فعليّ إذن كان شاعراً، ولكن لا يمكن القول بأنه كان مكثراً، فهو كان في أغلب الظن مُقلاً، بدليل أنه لم يُرْو له شعر كثير في المراجع العربية المعتمدة؛ ولكننا على كل حال لا نسلم بأنه لم يقل غير بيتين كما يذكر ياقوت فيما سبق لأن نقلناه عنه وكما يذكر السيوطي فيما سبق أن نقلناه عنه كذلك. ونحن لا نسلم بهذا لأن المراجع العربية المعتمدة روت لنا أكثر من بيتين لعلي.
(للبحث بقية أخيرة)
السيد يعقوب بكر
كتاب الإمتاع والمؤانسة
الجزء الثاني
للأب أنستاس ماري الكرملي
توطئة
كان وقع بيدي الجزء الأول من كتاب الإمتاع والمؤانسة، لأبي حيان التوحيدي، فألفيتُهُ من أجلّ المصنفات لأنه اجتمع في صاحبه مزيتان، لم تجتمعا في الرجُل الواحد إلاّ نادراً، وهما: عُلُوّ النَّفَس والتفكير، وسمو النفس والتحرير، وفي مطاوي المطالعة، بدت لي بَدَوَاتٌ، أحببتُ إيداعها المَهارِق، قائلاً في نفسي: لعلها تفيد بعض الفائدة، مَنْ يقف عليها، أو لعلَّ المطالع ينبهني على غفلاتي، فيهديني إلى الصواب، فيكسب بعملِهِ الأجر والثواب، فبعثت بها إلى مجلة المقتطف، فنشر بعضها في المجلد 100: 245 إلى 250 ثم في 341 إلى 347 وبقي القسم الكبير منها، إلى أن يحين الوقت لنشره.
والآن وقع بيدي الجزء الثاني من الكتاب المذكور، فطالعته مسرعاً لأصِلَ بَدَوَاتي بعضها ببعض، من غير أن تفتر هِمَّة المطالع، ولإنشاطه فجئت بهذه النظرات، لعلَّ فيها بعض الفائدة، إن كان ما أبديه يستحق هذا الاسم؛ فأقول:
1 -
ملاحظات عامة
قبل أن أتعرض لما أراهُ في الكتاب مَا يُخالف نظري، أقول بعض كلماتٍ هي عامّة، تتعلق بطبع فصولهِ، أو مسامراتهِ من تحسين وتزيين:
وأول كل شيء، كان يحسن بالناشرَيْن أن يجعلا تحت كل عنوان من عناوين المسامرات فحواها. مثلاً أن يجعل تحت عنوان الليلة السابعة عشر:(ما يحفظ من تَفْعال المفتوح وتِفْعال المكسور).
وثاني الحسنات: أن يُكتَبَ في صدر الصفحة اليمنى: الإمتاع والمؤانسة. وبازائها في صدر الصفحة اليسرى: المسامرة الأولى، أو الثانية، أو نحو ذلك.
وثالث الحسنات: أن يجعل في آخر الكتاب فهرس المسامرات
والرابع، أن يجمع في معجم صغير، الألفاظ الخاصّة بالمؤلف وهي كثيرة.
والخامس، كان يحسن بهما أن يعارضا ما يجدانه من النصوص في هذا الكتاب بما يجدانهِ منقولاً في بعض الكتب. ففي هذا الجزء مثلاً نصوص منقولة في ابن القفطي، وابن أبي أصيبعة، وابن خلكان، والدميري، وقد نقل بعضاً منها الأمير شكيب أرسلان ونشره في مجلة المقتبس وشرح بعض الألفاظ.
والسادس كان يليق بالناشرين أن يهملا أغلب ما جاء من المسامرة في الليلة الثامنة عشر، فإن ما علقاهُ في الحاشية في ص50 (ولولا الأمانة العلمية والإخلاص للتاريخ لحذفنا أكثرها، واكتفينا بما لطف ودق، ولم ينب عنه الذوق) قلنا: (هذا عُذْر أقبح من ذنب) لأن أمانة العلماء والمخلصين للتاريخ هي أعظم في حفظ الآداب بين القراء من بث سمومها، وفحشها، ووبائها، فإذا لم يكن آداب، وحميد أخلاق في الناس، فالفحش مفسدة لها، ومهلكة. فالعلماء مكلفون بالمحافظة على مكارم الأخلاق، أكثر من المحافظة على الأمانة في نشر المجون وسخف الأقوال وسموم الآداب. هذا ما يتطلبه هذا العصر، وأهلوه ولو عاش التوحيديّ في هذا العهد، لما نطق بكلمة من هذه المُنْدِيات، المخزيات، المهلكات، المزيلات للأمم.
هذا رأينا، ولكلٍ رأي خاصً به.
2 -
الأوهام في الأعلام
جاء ذكر العوفيّ - بالفاءِ - في ص5 س1، لكن أُصلح في ص25 من الفهارس بقوله العوقي - بالقاف - والذي رأيناهُ في تاريخ الحكماء لابن القفطي ص83 من طبع الإفرنج العوفيّ بالفاء. ومثل هذا الضبط ورد في مجلة المقتبس 1؛ 572، ومثل هذا التحقيق ورد في مجلة المنار لرشيد رضا في كلامه على إخوان الصفا، ولا أتذكر السنة، ولا الصفحة، لأن مجلة خزانتنا سرقت في سنة1917، ولم يبق منها شيء، وإن كنا الآن اشترينا كتباً ومطبوعات جديدة غير التي كانت عندنا.
والعَوْفيّ لم يدخل في فهرست أعلام الكتاب، ولا العوقي وتجهل السبب.
وورد في ص14 (ابن الخمّار) وقد ضبط بتشديد الميم، وكذلك في ص38 و83 وجاء في ص25 من الفهارس؛ والصواب: ابن خمار بدون تشديد أي كسَحَاب
وقيل هناك: وكذلك يصحح ما جاء في ص38 و83. والذي ورد في ابن أبي أصيبعة،
وابن القفطي: ابن الخمار بتشديد الميم وبأل التعريف
ومن الأعلام التي لم نهتد إلى تحقيقها مقاريوس الوارد في ص37 ثم قيل مَنْقَاريوس، ثم مقاريوس، فاختلف اللفظ الواحد بين سطرين وسطرين، ولا جرم أن منقاريوس بميم ونون لا يعرف عند الأقدمين، لكن الثاني لم يصحح في الآخر، وهناك اسم آخر أعجمي ورد في ص37 و38 هو (ذيموس)، وفي كل صفحة ورد مرتين، ولم يذكر لنا الناشر إن ما يدلنا على زمنه ووطنه
ومن الأعلام التي صحفت قليلاً فقط: الصابئ، فإنه مهموز الآخر، ولا يجوز ترك همزه لئلا يخرج صاحبه من دينه ويجعله من أهل الصبا، لا من المنتمين إلى الصابئة
وليس من أعلم أتعبنا كل التعب مثل تيودسيوس وكنْتُسْ الواردين في ص153 و154 والأخير أُصلح في ص9 من الفهارس بقوله: (أيقوس الشاعر الإغريقي). وفي حاشية ص153 علَّقَا تعليقاً على يتودسيوس في (ا) قومودوس وفي (ب) تودورس؛ والصواب ما أثبتناه نقلاً عن كتب التاريخ). انتهى
قلنا: لم نجد في كتب التاريخ التي بأيدينا - وهي كثيرة - ملك يوناني اسمه تيودوسيوس. نعم كان للروم (وهم غير اليونانيين) تيودسيوس أول، وثان، وثالث، لكن التوحيدي يذكر أن ثيودسيوس هو ملك يونان (ص153) ثم كتب هذا الملك إلى كُنْتَس الشاعر) وصحح بايقوس الشاعر الإغريقي. . . ونحن لا نعرف شاعراً إغريقياً باسم كنتس، ولا باسم أبقوس؛ إنما نعرف معلم خطابة اسمه هيرودس أتيقوس أو أَتّقِس وهو روماني لا يوناني، فإذا كان الناشران يعرفان شيئاً ثبتاً عن ثيودسيوس الملك اليوناني، وأبقوس الإغريقي، فليذكرا لنا اسميهما بالحرف الإفرنجي، والعصر الذي عاشا فيه. والأسماء الإفرنجية يحسن أن تكتب بحروف الرومان، ليتمكن القارئ من مراجعة النصوص الإفرنجية عند محاولة تحقيق ما ينسب إلى أصحابها.
وجاء في ص 155 ذكر رجل اسمه أبو الحسن الفرضي، وصحح العرضي في ص26 من الفهارس والعرضي بضم العين، ويلي الاسم علامة الاستفهام أي (؟) كأنه يشك في صحة هذا العلم، والذي رأيناه في دواوين القوم: أبو الحسن أو أبو الحسين العروضي من العلماء الكبار وكان في أيام علي بن سينا؛ وآخر اسمه أبو الحسن المغربي، وكان معاصراً لويْجَن
بن رستم، وكان من العلماء المشاهير أيضاً. أما أبو الحسن الفرضي أو العرضي، فلم نسمع بشهرته هذه
ورد في ص 180 اسم كبل البقال. وجاء في الحاشية: (كذا ورد هذا الاسم في كلتا النسختين ولم نتبين وجه الصواب فيه بعد طول المراجعة)؛ والذي سمعناه في العراق مما يشبه هذا الرسم: كتل (بالفتح)، وكُتَيْل (بالتصغير)؛ وهذا ورد في التاج، وكتيلة وهو اسم والي صُور، وقد ذكر ابن الأثير في الكامل في 10: 180 من طبعة الإفرنج
نرد على ذلك أن في نعت هذا العلم بالبقال تصريحاً بصحة كلمة (البقال) خلافاً لقول اللغويين أنه يقال (البدَّال)، مع أنه لم يقل أحد من اللغويين (بدَّالاً) حتى من منع استعمال الأولى فقد جاء في القاموس: والبقَّال لبيَّاع الأطعمة عامية، والصحيح (البدَّال)
قلنا: ليس هذا من كلام العوام بل من كلام العلماء الخواص فلقد فسر اللغويون، وبينهم المجد نفسه، الكاسور والرُّدْحي بقولهم: بقال القرى ولم يقولوا بدَّال القرى
ووردت البقال في كتاب الحيوان للجاحظ 1: 376 من طبعة البابي، وقال اللغويون في شرح الكديح: الحانوت: الدكان أو متاع حانوت البقال. وقالوا في (فوم) الغامي: البقال
وممن أثبت البقَّال في تصانيفه السمعانّي، صاحب كتاب الأنساب، فقد قال في مادة البقال ما هذا نقله:(البقال بفتح الباء الموحدة، وتشديد القاف، وفي آخرها اللام: هذه الحرفة لمن يبيع الأشياء المتفرقة من الفواكه اليابسة وغيرها. والمشهور البهاء أبو سعيد بن المرزبان البقال، مولى حذيفة بن اليمان، وكان أعور من أهل الكوفة. . .) اهـ
زد على ذلك أن البقال نسبته إلى البقل نسبة قياسية كالحنَّاط والتّمار والطّحان إلى غيرها. وأما البّدال فإلى أي شيء ينسب؟ قال صاحب التاج: (والبدَّال كشدَّاد، بياع المأكولات من كل شيء منها. هكذا تقوله العرب. قال أبو حاثم: سمى به لأنه يبدل بيعاً بيَيْع، فيبيع اليوم شيئاً وغداً شيئاً آخر. قال أبو الهيثم: والعامة تقول: (بقَّال) انتهى
قلنا: لو صدق أبو حاثم في تعليله لقيل لكل من يبدل بيعاً ببيع بدال. وليس الأمر كما قال. والصواب أن البدال هنا هو البقال. والبقال، هو الأصل، والبدّال هو من كلام العوام، لأنهم قلبوا القاف دالاً، وهذا هو من لغة بعض العرب الأقدمين. فقد قالوا مثلاً في المِنقل: المِندل، وفي الممعوق: الممعود. وفي القنقورة: الفندورة، وفي احقوقف الرمل: احْدَوْدَبَ، وفي نَقَلَه:
نَدلَهُ إلى نظائرها. هذا فضلاً عن أن الأقدمين لم ينسبوا (رجلاً) إلى البدال. فليدون كل ذلك. وهذا كله نقلاً عن معجمنا الكبير المسمى بالمساعد.
(للبحث بقية)
الأب أنستاس ماري الكرملي
من أعضاء مجمع فؤاد الأول
للغة العربية
أحِبَّني لوجه الحُب
للشاعرة اليزابث باريت براوننغ
زوجة الشاعر الإنجليزي المشهور براوننغ
بقلم الأستاذ صفاء خلوصي
إذا كان لا بد أن تحبني فليكن حبك خالصاً لوجه الحب
لا تقل: (إنني أحبها من أجل ابتسامتها، أو من أجل نظراتها، أو من أجل أسلوبها الظريف في الكلام، أو من أجل اتفاق بين فكرينا، أو من أجل أشياء جلبت لي الشعور باللذة والراحة يوماً ما).
لأن هذه الأشياء وإن كانت محبوبة لذاتها فقد تتغيّر تغيّراً جوهرياً أو تغّيراً بالنسبة إليك؛ والحب الذي يبدأ هكذا قد ينتهي بمثل الصورة التي بدأ بها.
لا تحبني من أجل عاطفة مسح الدموع المنحدرة على خديّ. إذ قد ينسى المخلوق الذي ذاق الرفاه الذي تيِّسره له، معنى البكاء، وبذلك تنقطع صلة الحب بينكما! ولكن أَحِبَّني لوجه الحب حتى تستطيع أن تحب على الدوام بكل ما في الحب من خلود وأزلية.
(بغداد)
صفاء خلوصي
(ب. ع.) بدرجة الشرف في الآداب
من جامعة لندن
المؤلفات العربية القديمة وما طبع منها في سنة
1941
للأستاذ كوركيس عواد
نشرنا في هذه المجلة ثبتين بما تيسر لنا الوقوف عليه من المصنفات العربية القديمة التي تم طبعها في سنة 1939و1940، وهانحن أولاء نواصل ما بدأنا به، ذاكرين ما أتصل بنا من منشورات عام 1941، وقد رأينا أن نلحق بذلك أسماء بعض الكتب المطبوعة سنة 1940 مما لم نظفر به في حينه
أولا: مطبوعات 1941
1 -
الأمالي في الفقه: لمحمد بن الحسن الشيباني (187هـ) جزء منه نشرته مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن في الهند (70ص)
2 -
إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع: لتقي الدين المقريزي (845هـ) - الجزء الأول طبع على نفقة السيدة قوت القلوب الدمرداشية، بتصحيح وشرح الأستاذ محمود محمد شاكر مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة (686ص)
3 -
الإيضاح في علم النكاح: لجلا الدين السيوطي (911هـ) كتب على غلافه أنه طبع بمصر (38ص)
4 -
التاريخ الكبير: للإمام البخاري (256هـ) - الجزء الرابع، نشرته مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد (440 + 12ص) وهو يحتوي على 1916 من تراجم المحدثين مرتبة بحسب الهجاء، يبدأ هذا المجلد بمادة عباس بن عبد المطلب عم النبي، وينتهي بمادة مخلد بن هلال - سائر أجزاء الكتاب لمّا تطبع
5 -
ديوان ابن الفرض: لعمر بن الفارض (632هـ)، نشره الكتبي محمود توفيق (القاهرة 120 ص) ويبدو أن هذه الطبعة التجارية منقولة عن طبعة سبقتها أغفل الناشر الإشارة إليها
6 -
رؤيا اليمن: وهي الرحلة التي قام بها المستشرق يوسف هالوي (1828 -
1916) في بلاد نجران سنة 1870م. ألَّفها دليله حَيِّيم حبشوش باللهجة العربية الصنعانية، وكتبها بحروف عبرية. وقد نشرها بهذه الحروف مصدَّرةً بمقدَّمة إنكليزية مطَّولة ومعجم الألفاظ العامية الواردة فيها: المستشرق غوتين بعنوان (مط الجامعة العبرية بالقدس 138 + 102 ص)
7 -
السلوك لمعرفة دول الملوك: للمقريزي (845هـ). القسم الأول من الجزء الثاني، نشره الدكتور محمد مصطفى زيادة (مط لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة س + 305ص) في هذا المجلد حوادث السنين 804 - 728هـ. وهو نظير الأقسام المنشورة سابقاً (1934 - 1939) في التحقيق الواسع والعناية الفائقة
8 -
شرح أسماء العَقَّار: للشيخ الرئيس أبي عمران موسى بن ميمون الإسرائيلي القرطبي (605هـ). صححه ونشره الدكتور مكس مايرهوف في المجلد 41 من مذكرات المجمع العلمي المصري مع ترجمة ومقدمة فرنسيتين وفهارس (مط المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة)
9 -
كتاب الأمصار والعمران: وهو الباب الرابع من مقدمة ابن خلدون (808هـ). قدم له وضبطه وشرحه الأستاذ محمد سعيد العريان (طبع في القاهرة)
10 -
كتاب في علل اختلاف الناس في أخلاقهم وسيرهم وشهواتهم واختياراتهم: لقسطا بن لوقا البعلبكي (المتوفى نحو سنة 311هـ). نشره الأب بولس سباط في مجلة المجمع العلمي المصري ونقله إلى الفرنسية
11 -
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: للحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي (1067هـ). صححه على نسخة المؤلف، الأستاذان محمد شرف الدين بك يالتقايا، ورفعت بيلكه الكليسي. القسم الأول، فيه أسماء الكتب المبدوءة بالحروف من الألف إلى الراء، طبعته وكالة المعارف التركية في مطبعتها، في مجلد كبير قوامه 1008ص. وتمتاز هذه الطبعة عما تقدَّمها من طبعات لهذا الكتاب بمحاسن؛ منها أنَّ أسماء الكتب طبعت بحرف أكبر حجماً مخالف للمتن، ومنها أن كل كتابِ فيه جعل في راس سطر
12 -
كليلة ودمنة: لعبد الله بن المقفع (143هـ) أخرجته مطبعة المعارف ومكتبتها في مصر، تذكاراً لعيدها الخمسيني الذهبي في شهر إبريل سنة 1941م. وهي طبعة نفيسة
فاخرة نُقلت عن نسخة كتبت في أوائل المائة السابعة للهجرة وهي أقدم النسخ المعروفة لهذا الكتاب في وقتنا. وقد تولى درسها والتعليق عليها الدكتور عبد الوهاب عزام، وبها تصدير للدكتور طه حسين بك، وفيها 13 صورة ملونة رسمها ستريكالفسكي
13 -
مجالس السلطان الغوري: وهي صفحات من تاريخ مصر في المائة العاشرة للهجرة. اختار موادها الدكتور عبد الوهاب عزام من كتابين وهما:
الأول: نفائس مجالس السلطانية في حقائق أسرار القرآنية (كذا) لحسين بن محمد الحسيني (المائة 10 هـ)
الثاني: الجزء الأول من الكوكب الدري في مسائل الغوري: فرغ منه مؤلفه سنة 919هـ. (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 303ص)
14 -
مجموعة الوثائق السياسية في عهد النبي (ص) والخلفاء الراشدين: تضم جميع الوثائق والمعاهدات والمراسلات التي صدرت من الرسول والخلفاء الراشدين للقبائل والملوك والعمال وغيرهم. جمعها الدكتور محمد حميد الله الحيدر أبادي وقدم لها بمقدمة وأوضحها بتعليقات وشروح للألفاظ اللغوية وفهارس وتسع خرائط تبين مواقع الخرائط وخريطتين تبينان الأنساب العدبانية والقحطانية (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. القاهرة 23 + 407ص)
15 -
نزهة الألباء في طبقات الأدباء: لأبي البركات الأنباري (577هـ). طبعة الأستاذ علي يوسف طبعاً تجارياً في القاهرة (9 + 277). وقد تصرف الناشر بالعنوان فسماه (تاريخ الأدباء والنحاة)
2 -
المستدرك على مطبوعات سنة 1940
1 -
الإكليل: للحسن بن أحمد بن يعقوب بن الحائك الهمداني اليمني (334هـ). الجزء الثامن في وصف آثار اليمن وبقايا أبنيتها وقصورها وسدودها التي شاهدها المؤلف. نشره الأستاذ نبيه أمين فارس، بمقدمة وتعليقات وفهارس، مستنداً إلى الطبعة السابقة بعد معارضتها ببعض النسخ الخطية
وكان الأستاذ النبيه قد نقل هذا الجزء إلى الإنكليزية سنة 1935 وأرفقه بحواش تاريخية وبلدانية ولغوية (مطبعة جامعة برنستين بالولايات المتحدة الأمريكية 12 + 247)
2 -
حيّ بن يقظان: لابن طُفَيل الأندلسي (581هـ) قدم له بدراسة وتحليل الدكتوران جميل صليبا، وكامل عياد (الطبعة الخامسة، مطبعة الترقي بدمشق، 196ص).
3 -
الرعاية لحقوق الله (تصوّف): للحارث بن أسد المحاسبي (234هـ). النص العربي نشرته مع تمهيد ومقدمة بالإنكليزية، مرغريت سمث لندن 19 + 343ص).
4 -
العقد الفريد: لابن عبد ربه (328هـ) المجلد الثاني نشر بعناية الأساتذة أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأبياري (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. القاهرة 587ص).
5 -
نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر (882 - 904هـ) أو تسليم غرناطة ونزوح الأندلسيين إلى المغرب: أستخرجه من عدة مخطوطات، ونشره الأستاذ ألفريد البستاني، ونقله إلى الإسبانية المستشرق كارلوس كيروس (منشورات مؤسسة الجنرال فرنكو للأبحاث العربية الإسبانية في طنجة، السلسلة الثانية، الرقم 2 مطبعة الفنون المصورة، بوسكا العرائش (المغرب) 186ص).
تعليق
1 -
نشكر الأستاذ محمد أبو البهاء على تصحيحه المنشور في العدد 457 من الرسالة، لما أوردناه في لائحتنا السابقة عن كتاب (نصب الراية)
2 -
نثني الثناء العاطر على اقتراح الأستاذ عصام الشريف في العدد 456 من الرسالة، بأن تتولى إحدى المؤسسات الثقافية في العالم العربي، إعداد ثبتٍ سنوي بكافة ما تخرجه المطبعة العربية في سائر الأقطار، وهو اقتراح حسن نرجو أن يتحقق يوماً ما
(بغداد)
كوركيس عواد
رسَالة العلم
قلوب النجوم
للأستاذ خليل السالم
الكون كما يرى (إينشتين) قرص متحدب كحجر الطاحون، الشمسي قريبة من مركزه، وفي هذا القرص انتثرت النجوم دون نظام أو ترتيب، إلا أنك إذا نظرت في اتجاه أطراف الحجر تكون المسافة التي تنظر خلالها أكثر بعداً، فترى العدد الأكبر من النجوم المحتشدة في المجرة، وهذا سرها. أما إذا نظرت في اتجاه عمودي على الاتجاه الأول، رأيت تخلخلاً طبيعياً في عدد النجوم، ذلك لأننا ننظر خلال مسافة أقصر من الأولى، فيكون عدد النجوم أقل من العدد الأول. وليس نظامنا المجري هو كل الكون، فهناك عوالم أخرى من السدم المختلفة الأشكال والأحجام، وكل هذه تشغل حيزاً يتسع حتى لا يتسع له الخيال، فقطر القرص 180. 000 بليون ميل، وسمكه حوالي 30. 000 بليون ميل. وكل هذه أيضاً تشعرنا بضآلة الإنسان وحقارة شأنه، كما ترمز إلى جبروت عقله الذي يستوعب مثل هذه الأرقام الضخمة، ويتسع لهذه الصورة الزاخرة
أقرب النجوم إلينا نجم (رجل قنطورس) وبعده عنا 41 4 من
السنوات الضوئية، أي أن النور الذي يقطع 300. 000 ك.
م. في الثانية، في الزمن الذي يمضي بين ثلثي الساعة مرتين،
هذا المقدار العجيب يستغرق من الوقت 41 4 من السنوات
حتى يصل إلينا من أقرب النجوم في هذا الكون الشاسع الأبعاد
عدد النجوم كما يقدره الفلكيون يبلغ نحو 30 ، 000 مليون نجم من كافة المقادير، وقد توزع هذا العدد الضخم في ذلك الحيز المتسع البعيد الغور، بحيث أصبحت أبعاد النجوم عن بعضها كبيرة جداً. ولتأخذوا عن هذه الأبعاد فكرة، أعطيكم مثلاً بسيطاً ورد في أحد كتب العلامة الإنجليزي المشهور السر جيمز جينز قال: لو أطلقنا في جميع المحيطات التي على الأرض أربع سمكات، وسبحت هذه كيفما اتفق، لكانت النسبة بين أبعادها تعادل مع
الفارق الطبيعي أبعاد النجوم عن بعضها
وهذا العدد الكبير من النجوم توزع إلى أنواع عديدة: فهناك النجوم الكبار، والنجوم الجديدة، والنجوم المزدوجة، والنجوم المتغيرة، والنجوم القيفادية، والأقزام البيض، والعمالقة الحمر، والنجوم المجتمعة؛ ولكل من هذه الأنواع خواص تتميز بها وتختلف بها عن غيرها من النجوم
أكثف النجوم نجم فان ماتن، ومن أكثفها رفيق الشعري اليمانية، فكثافته تعادل كثافة الماء 53 ، 000؛ وهو نجم مشهور كثير ما يرد ذكره في أبحاث الفيزيفا النظرية الحديثة؛ وقد استخدم في إثبات أحد قوانين النسبية، أعني قانون ميل الطيف نحو اللون الأحمر عندما ينبعث النور من جسم ثقيل. وسنأتي على تعليل هذه الكثافة العجيبة بعد قليل
لعلنا قد خرجنا عن الصدد فلنعد إلى موضوعنا الأصيل أعني قلوب النجوم. ولا يخفى أن الوسيلة الوحيدة في درس هذه المصابيح الجميلة إنما هي تلك الرسائل التي يحملها منها إلينا النور، وهذه الرسائل مكتوبة بلغة خاصة واضحة طوراً وغامضة طوراً آخر؛ فنلجأ إلى المرقب والمطياف والمطياف المصوِّر والمجهر وغيرها من الأجهزة الدقيقة فنستعين بها على فك تلك الطلاسم والألغاز.
وقبل أن نعني بهذه الرسائل حق العناية لا بد لنا من الاطلاع على بعض الحقائق والمبادئ الأساسية التي أثبتها المختبر، وانطبقت تمام الانطباق على الظواهر الطبيعية التي تجري في الكون على اتساعه وكثرة أنماط المادة فيه. وسنبدأ بعلم الحل الطيفي.
علم الحل الطيفي
مما يؤثر عن الفيلسوف الألماني الشهير (كانت) قوله: ليس ثمة أمور لا بد من أن للإنسان يبقى جاهلاً حقيقتها مثل معرفة تركيب الشمس والأجرام السماوية من الناحية الكيميائية. ولا يستنكر من الفيلسوف العظيم تورطه في هذا الحكم الذي أثبتت الأيام بطلانه، فقد كان يعلم وهو من يقدر الحواس حق قدرها أننا لا نستطيع أن نفهم المادة إلا عن طريق الحواس؛ ونحن طبعاً لا نستطيع أن نلمس النجوم أو نذوقها أو نشمها أو نسمعها، وليس لنا إلا حاسة النظر العاجزة عندما ننتقل إلى دراسة النجوم البعيدة دراسة عميقة دقيقة. إلا أن الإنسان عمد إلى الحيلة، وبدل أن يصعد إلى النجوم قربها إليه بأجهزته وصورها وكبّر
تلك الصور ودرس الأطياف طبقاً لقوانين الحل الطيفي، تلك القوانين التي أثبتها المختبر، والتي ندين لها بكل التقدم العجيب في علم الفلك الحديث.
ورواية هذا العلم الجديد - أعني علم الحل الطيفي - ممتعة مدهشة. وسأذكر بإيجاز أشخاص المسرحية وملخص أدوارهم: أول ما يظهر على المسرح نيوتن الخالد الذي كانت اكتشافاته ولا تزال العامل المشترك الأعلى في جميع العلوم. ظهر على المسرح فأدهش الناس حين عرض عليهم نور الشمس وقد تحلل إلى ألوانه البديعة السبعة، تلك الألوان التي تبديها الطبيعة في أجمل مناظرها: قوس قزح. وتلاه في التمثيل العالم ولستن فأثبت أن لكل غاز طيفاً خاصاً وخطوطاً خاصة يتميز بها عن غيره من الغازات. هنا عرفنا أن بعض العناصر الموجودة على الأرض موجودة في السماء. ولعل الدور الحاسم كان دور فرنهوفر فقد دخل المسرح والناس قد اشرأبت أعناقهم لتتبع أحداث الرواية اللذيذة فاكتشف خطوط فرنهوفر التي تظهر في طيف الشمس وهي خطوط سوداء لا تتغير مواضعها، وسببها - كما عللها العالم الإنجليزي ستوكس - أن الغازات الموجودة في الشمس تمتص الأشعة الخاصة بها، فبدل أن تبدو خطوطها لامعة كما في طيفها المستقل تبدوا أماكن تلك الخطوط مظلمة سوداء. وهكذا تسنى للعالم كيرشوف أن يدرس الشمس في المختبر بعد الآن. وماذا كان عليه إلا أن يحلل النور القادم على متن الأثير ويقيس الأمواج ويقارنها بالأمواج التي يحصل عليها في المختبر من الشرارات الكهربائية والقوس الكهربائي والأنابيب المضيئة. ومن هنا أمكن كلا من العالمين (لُكير) و (جونسون) أن يكتشفا في وقت واحد غازاً جديداً في الشمس أسمياه باسمها (الهليوم)، وأثبتت الأيام صحة دعواهم فاكتشف الكيميائي رمزي غاز الهليوم على الأرض، وتبين أن له نفس الخواص الطيفية التي تنبأ العالمان لكير وجونسون من قبل باتصافه بها
بعدئذ أو بعد منتف القرن التاسع عشر إذا أردنا أن نعرف أين نحن من مر السنين، بدأت دراسة أطياف النجوم والأجرام السماوية دراسة واسعة النطاق. فقد فحص الأب أنجلو سيشي ما يقرب من أربعة آلاف نجم. وأحسن الدراسات الحديثة لأطياف النجوم وأعمقها وأكثرها شمولاً تمت على يدي الآنسة آني كانون فقد صنفت نحو ربع مليون نجم بحسب ترتيب خواصها الطيفية. وقد أسفر هذا التصنيف بكثير عن الحقائق عن
تركيب النجوم ونشوئها. ولا يتسع لي المقام لبحث هذه النتائج، ولكنني بإيجاز أورد هنا خط التصنيف من دون تعليق:
الأصناف
رموزها بالإفرنجية
لونها
الخطوط الطيفية التي تقوى فيها
درجة حرارتها
الصنف الأول
زرقاء بيضاء
الهليوم المتأين
30 ، 000ْ
الصنف الثاني
زرقاء بيضاء
الهليوم الحيادي
20 ، 000ْ
الصنف الثالث
بيضاء
الهيدروجين (الشعري اليمانية نجم منه)
11 ، 000
الصنف الرابع
وسطى
تزيد خطوط الهيدرجين قوة
7 ، 500
الصنف الخامس
صفراء
المعادن، الهيدروجين، الكالسيوم (الشمس)
6 ، 000
الصنف السادس
برتقالية
المعادن الحيادية
4 ، 200
الصنف السابع
حمراء
عصبة أكسيد التيتانيوم
3 ، 000
الصنف الثامن
حمراء
عصبة خطوط الكربون
3 ، 000
عالم الذرة
لا بد لما من معرفة بسيطة لتركيب الذرة لما لأبحاث الذرة الجديدة من علاقة وثيقة بعلم الفلك على وجه العموم، وقلوب النجوم على وجه الخصوص
عالم الذرة الذي انحصر في أصغر جزء من المادة عالم زاخر مملوء بالرؤى والأخيلة الواسعة. وهو معقد بشكل لا نستطيع معه أن نلم بدقائقه فلنرسم لهذا العالم صورة خاطفة سريعة لتفي بغرضنا الذي نتوخاه
الذرة نظام شمسي، النواة فيها تقوم مقام الشمس، والكهارب (الإلكترونات) تمثل دور السيارات، فتدور حول النواة بسرعة غريبة جداً، وتدور كالسارات في أفلاك أهلجية وربما في أفلاك دائرية، ولكن لا ضابط لهذا الدوران، فأنت لا تستطيع أن تعرف مكان الكهيرب وسرعته في آن واحد، كما تستطيع أن تحسب مكان الأرض مثلاً وسرعتها بحيث تتنبأ بوقت خسوف أو كسوف لأقل من عشر الثانية. أقول لا تستطيع أن تعرف سرعة الكهيرب ومكانه في آن واحد؛ فإن عرفت السرعة تعذر تعيين المكان، وإن عرفت المكان تعذر تعيين السرعة. ومن هنا تسرب إلى العلم الحديث مبدأ عدم التثبت أو مبدأ الاحتمال. فلا تزيد القوانين الطبيعية - التي كان العلماء يتشدقون بدقتها وضبطها وأحكامها - أن تكون احتمالات كبيرة فحسب. واضطر العلماء إلى رسم صورة جديدة لذرة بوهر التي نصفها. وتم التعديل على يدي العالمين شرودنجر وهيزنبرج
الذرة متعادلة كهربائياً. قطر البروتون أقل جداً من قطر الذرة، فيكاد يكون الفراغ في الذرة قدر المادة (100. 000) مرة وعل ضوء هذه الحقيقة سريعاً ما نحكم أن المادة بصورتها المألوفة فراغ كبير، فلو خطر ببالك أن تزيل الفراغ بين (100) طن من القمح مثلاً لوفرت على نفسك المخزن المتسع الذي يتطلبه هذا الحجم الكبير، ولما شغل الباقي من المادة أكثر من قبضة يدك وأستطيع أن أضع في يدي مليون طن من المادة المحشوكة حشك النواة في الذرة
أبسط الذرات ذرة الهيدروجين؛ فهناك كهيرب واحد يدور حول بروتون واحد، وهو يدور على أبعاد مختلفة من النواة تتناسب مع مربعات الأعداد البسيطة أعني 1، 4، 9، 16 الخ. . . يكون مرة في الفلك الأول، ثم يقفز إلى الثاني فالرابع، ثم إلى آخر، ثم يعود وهكذا. فإذا ما امتص الكهيرب قدراً من الطاقة تهيج وتفلت من المدار الذي يدور فيه وقفز إلى مدار أبعد، ومقدار هذا البعد يعتمد على مقدار الطاقة التي امتصها
وإذا سقط من مدار أبعد إلى آخر أقرب منه أطلق إشعاعاً خاصاً يدلك على المسافة التي
سقط فيها. والدخول في تفاصيل هذا الموضوع ينقلنا حتماً إلى نظرية الكم وهي نظرية جديدة في علم الفيزيقا لا تكفيها مقالات مسهبة لشرح قواعدها ومقرراتها.
بقى علينا أن نقول إن عدد الكهيربات حول النواة يكون في الفلك الأول اثنين، ثم ثمانية في كل فلك آخر، وفي الفلك الأخير يعين عدد الكهيربات تكافؤ العنصر كما تعلم في علم الكيمياء.
ماذا يهمنا من عالم الذرة؟ يهمنا أن درجة الحرارة تهيج الكهيرب فيبتعد عن النواة، ويبتعد كلما قويت الطاقة المؤثرة حتى إذا زادت عن قدر مخصوص ترك الذرة مطلقاً. ويهمنا أن نعلم أيضاً أن إشعاع الذرة يعتمد على مقدار التهيج ونوع الذرة كاملة الكهيربات كانت أو ناقصتها. وما دمنا في صدد الكلام عن الإشعاع ودرجة الحرارة فيجب أن نشير إلى قانون ستيفان - بولتزمان الذي ينص على أن إشعاع أي جسم يتناسب تناسباً طردياً مع القوة الرابعة لدرجة الحرارة المطلقة.
والآن ما هي الحقائق التي نستخلصها من رسائل النجوم البعيدة على ضوء هذه المعلومات الجديدة؟
(البقية في العدد القادم)
خليل السالم
(ب. ع) من الدرجة الأولى
في الرياضيات
ظُلم
عشقتُ فما كنت إلاّ المُنَى
…
تلوحُ بأنوارها الباسمة
وما كنتِ إلاّ ازدهار الصِّبا
…
ترعرعَ في جَنَّتِي الساهمة
وما كنتِ إلاّ جُنون الغرام
…
تَغَلْغَلَ في صبْوتي العارمة
رنوتُ إلى سحركِ العبقري
…
بعين مسَّهدةٍ هائمة
فما انطفأَتْ غُلَّتي من نواك
…
وما انتعشتْ مُهجتي الحالمة
تُرَاني أُحِب لأَلقي العذاب
…
وَأَنتِ مُدَلَّلةً ناعِمَة؟
ويمشي فؤادي وراء الخيال
…
يُمَنِّيه بالنَّشوة الواهمة
وهل يرسلُ النورَ بدرٌ بدا
…
جميلاً. . . وآفاقُه غائمة؟
إذا لم يَهَشَّ لعيني الصباحُ
…
فأنواره ظلمة قاتمة
كرهتُ من الناسِ طُغْيَانَهم
…
وأَحْبَبْتُ ظُلْمَكِ يا ظالمة
سلاح خدمة الجيش الملكي
أحمد إسماعيل المليجي
أشعار صينية
- 4 -
ورقة الصفصاف
للشاعر الصيني وان - تسي
(314 - ؟ م)
ورقة انفصلت عن صفصافة. وهي الآن تسبح فوق الماء.
وبقلبي، أيضاً، صنع الزمن ما صنع. فصلت عن سيدة جميلة أحبها كثيراً، وهأنذا أنتظر
مصيري في سلام
هأنذا أرقب ورقة الصفصاف. آه! إن الموج قد أعادها نحو الغصن الذي انفصلت عنه
- 5 -
أغنية مسافر
لشاعر صيني مجهول
(عاش حوالي عام 325 م)
عندما تملأ النسمة ثوبيك من الحرير، تشبهين ربة ترتدي بالسحاب
عندما تمرين، تتشمم عبيرك أزهار التوت. عندما تحملين الزنبق الذي جمعتِه، يرتعش
في يديم من الفرح
حلقات من الذهب تربط عقبيك. أحجار زرقاء تلمع حول خصرك. عصفور من اليشم قد
صنع عشه في شعرك. ورود خدودك تتراءى في حبات عقدك الكبيرة
عندما تنظرين إليّ، أرى نهر ليين يجري
عندما تخاطبيني، أسمع موسيقى الريح بين الصنوبر في وطني
عندما يلقاك فارس، عند الشفق، يعتقد أن الفجر هناك، ويوقف فرسه في قوة
عندما يلحظك ساغب، ينسى جوعه
- 6 -
في الجبل - عند نبع الربيع
للشاعر الصيني رانج - بو
(550 - 618م)
الحزام منحل، الرداء مفتوح للريح الرطبة، كنا نصعد في الطريق الوعرة الضيقة التي
توصل إلى نبع الربيع
جلسنا على الحصير التي بسطها لنا الخدم قرب النبع، وأنصتنا أولاً إلى هدير أشجار
الصنوبر. رائحة الزنبق تعطر الخمر الذي يجري في غزارة
عندما تطول الظلال وعندما تبدأ ظلمة الليل تتأرجح بين الأشجار، يفرغ حينذاك حديثنا،
ذلك لأن ناي الرعاة يتجاوب غناؤه في الجبل.
م. وهبة
عازفة القيثارة
للشاعر الإنجليزي ادموند وولر
(1605 - 1687)
مثل هذه الأنغام الشجية تثيرها لمسة خفيفة كهذه
لا تهمها هي في شيء أبداً، ولها في نفوسنا أبلغ الأثر!
فأي فن هذا الذي يستطيع - بمثل هذه الضربات البسيطة -
أن يملأ نفوسنا غبطة، ويستولي على مشاعرنا؟
حول أصابعها تزدحم الأوتار وهي ترتعش معبرة - عالياً - عن فرحها لكل قبلة،
قوة بسيطة تجعلها ترتعد هكذا
ومن ذا الذي لا تمسه هذه اليد، ولا يرتعش هو أيضاً؟
هنا يرابط إله الحب. وبينما تطرب هي السمع يفرغ هو كنانته على المستمع العزيز
هكذا فعل الموسيقى في الحس. ترهفه وتجرده من سلاحه حتى لا يستطيع أن يقاوم سهماً
واحداً
وهكذا تحتفل المستبدة الحسناء بغنيمتها
ممثلة لنفسها انتصار عينيها
كما كان نيرون ينظر إلى روما المشتعلة، والقيثارة في يده
وبينما كانت تحترق كان هو يعزف
عبد الحليم البشلاوي
البريد الأدبي
الصداقات بين الأدباء
جاء في آخر مقال (الصداقات بين الأدباء) للأستاذ العقاد المنشور في عدد الرسالة رقم (465) ما يلي:
(فهل يعني الأستاذ - يعني الأستاذ توفيق الحكيم - شعراء البحيرة في إنجلترا؟ هل يعني صداقة شلي وبيرون هناك؟ هل يعني صداقة جيتي وشلر بين شعراء الألمان؟ هل يعني صداقة تولستوي وتورجنيف وديستفسكي بين عظماء الأدب العالميين من الروسيين؟)
وقد وجدنا في هذه النهاية استرسالا يتجاوز الحقيقة نفصله فيما يلي:
1 -
لم يكن اللورد بيرون من شعراء البحيرة في إنجلترا. وكانت المدرسة الأدبية التي دعيت نسبة إلى منطقة البحيرة والتي أسسها الشاعر (وردز ورث) لوجود بيته في تلك المنطقة تضم (سوثي صموئيل تيلور كوليردج دي كوينزي
2 -
لم يكن شلي أيضاً من شعراء البحيرة، وإنما كان له اتصال غير مباشر بسبب وجود مسكنه في تلك المقاطعة، وكان بذلك مثل (سكوت، وكارليل، ومسز هيمانز، ومتيو أرنولد، وإدوارد فتزجرالد، وتنسون، وجري، وشارلس لامب)
3 -
إذا كان يعني الأستاذ العقاد بقوله (هناك)، أي (بإنجلترا) دون تحديد لمنطقة البحيرة، فهذا يتجاوز الحقيقة أيضاً؛ ذلك لأن الشاعرين بيرون وشلي لم يتفق لهما الالتقاء في أي مكان بإنجلترا، ثم لم يقم بينهما أي اتصال أدبي أو مراسلة تشير إلى معرفة أو صداقة. وما قدِّر لهما الالتقاء إلا في سويسرا أول مرة وذلك في شهر مايو سنة 1816، عندما كان بيرون قد ترك إنجلترا للمرة الأخيرة. وكلاهما لم يعد إلى وطنه بعد ذلك التاريخ. ذلك أن شلي توفي في إيطاليا سنة 1822، واللورد بيرون توفي في اليونان سنة 1824
والقضية الثانية تتعلق بما أورده عن صداقات تورجنيف وتولستوي ودستيوفسكي من مشاهير الأدب الروسي. وهذه الصداقة لا تنطبق على الواقع، بل لعلها أقرب إلى العداء بين بعضهم
1 -
لم تكن هنالك صداقة بين تولستوي وتورجنيف. ولم يتجاوز الأمر إعجاب تورجنيف تولستوي. غير أن تولستوي لم يبادله إعجاباً بإعجاب بل كافأه عليه بالإهمال والكره، ولعل
في العبارة التي كتبها تولستوي إلى (فث والتي قال فيها: (إني أحتقر الرجل) - يشير إلى تورجنيف ما يبدد أي زعم بقيام صداقة بينهما
2 -
وفي ناحية أخرى لم تقم أي صداقة بين ديستوفسكي وتورجنيف، بل وجد بينهما عداء لم تسبقه صداقة ولم تتله صداقة. وفي كتاب ديستوفسكي نراه يصف تورجنيف بجميع نقائصه بأسلوب شديد المبالغة، ثم يقول عن تورجنيف بأنه من أولئك الكتاب الذين يؤثرون علي في جيل واحد، ولكن مصيرهم مناظر رواية تمثيلية على الرف
3 -
وأخيراً لم تقم صداقة بين تولستوي وديستوفسكي، وليس ما يشير في تاريخ الأدب الروسي إلى التقاء هذين الأديبين. والفرصة الوحيدة التي أتاحت لتولستوي قضاء مدة طويلة في موطن ديستوفسكي - سان بطرسبورج، لننجراد الآن - كانت عندما ذهب تولستوي وهو شاب يدرس الحقوق في جامعتها، وصادف ذلك نفي ديستوفسكي مع جماعته إلى سيبريا
على أن ذلك لم يمنع إعجاب تولستوي بإنتاج ديستوفسكي، وليس في مقدورنا اعتبار الإعجاب صداقة، خصوصاً إذا كانت ذات طرف واحد.
(القدس)
علي كمال
حول إصلاح الأزهر
كنت آخر من تحدث في (الرسالة) عن الأزهر وإصلاحه بكلمة صريحة أغضبت بعض الناس، وقدّرها قدرها مفكرو الأزهر من المدرسين وغير المدرسين، وانتظروا أن تتبعها أخواتها حتى يتم الحديث. واليوم قرأت في الرسالة كلمة للزميل الفاضل الدكتور محمد البهي دفعه إليها فيما أعتقد عامل نبيل، إلا أني رأيت فيها عبارة أرسلها دون تحديد فلم تعبر فيما أظن عما أراد. إن حضرته يصف بعض الكتاب الأزهريين بالمغالاة (لأنهم - فيما يقول - من رجال العهود السابقة وهي عهود قريبة إلى الطبيعة الساذجة التي لم تلتو بعد)
للأستاذ الزميل رأي في الأزهر - يجهر به ولا يخفيه - لا يختلف عن رأينا، كما لا
نختلف أيضاً في تقدير الجامعة وجهودها ومبلغ ما أصاب رجالها من حظ من النجاح في تأدية الرسالة الجامعية العلمية، فلا أفهم بعد هذا كيف يكون من يكتب عن الأزهر مشخصاً لداء واصفاً الدواء مبالغاً ساذجاً من رجال العهود السابقة! لعل الزميل الفاضل لو وصف هؤلاء الكاتبين بالشجاعة والصراحة والرغبة في الإصلاح والعمل له لكان مصيباً. ليست السذاجة في تعرف الداء ليتأتى أن نطبّ له بل في كتمه حتى يصير معضلاً. وكم كان حكيماً (كونفشيوس) حينما جعل من أسس منهجه الفلسفي (تحديد الألفاظ) حتى لا يكون ضلال في الأحكام!
محمد يوسف موسى
مجمع فؤاد الأول للغة العربية
انتهت وزارة المعارف من إعداد مشروع قانون بإنشاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية، بدلاً من المرسوم الحالي الخاص به
وترجع الحكمة في إصدار القانون الخاص بالمجمع إلى جعله مؤسسة مستقلة ذات شخصية معنوية
وينص المشروع على بقاء أغراض المجمع على ما كانت عليه مع إضافة مهمة جديدة هي تشجيع الإنتاج الأدبي العربي الحديث وإقامة المسابقات الأدبية وتقدير الجوائز لها
وقد حدد عدد أعضاء المجلس بثلاثين لا يزيد الأجانب منهم على عشرة
ونص المشروع على أن يكون لوزير المعارف حق تعيين رئيس للمجمع من بين ثلاثة يرشحهم أعضاؤه لمدة ثلاث سنوات وينتخب له وكيل مصري لمدة سنة
وقد منح وزير المعارف وحده سلطة إصدار القرارات التي تمس مادة اللغة العربية وجوهرها.
التعاون الثقافي بين مصر والعراق
رفعت وزارة المعارف إلى مجلس الوزراء مشروعاً بإنشاء مكتب للتعاون الثقافي بين مصر والعراق تكون مهمته وضع الأسس لمعاهدة ثقافية بين البلدين، والدعوة إلى عقد مؤتمرات ثقافية تمثل فيها البلاد العربية المختلفة.
وسيعهد إلى هذا المكتب بإطلاع كل من وزارتي المعارف المصرية والعراقية على ما يحدث في الأخرى من تطور في شئون التربية والتعليم من حيث الأنظمة والقوانين والمناهج والكتب الدراسية وغيرها
ويبحث المكتب كذلك تبادل الطلبة والأساتذة الكتب والمطبوعات، ووضع نظام ثابت لذلك
وسيدعو المكتب إلى عقد مؤتمرات ثقافية عربية ويكون مقره متنقلاً بين القاهرة وبغداد وبالتناوب، ويرأسه وزير المعارف في البلد التي يكون بها، وأعضاء المجلس أربعة غير الرئيس، على أن يكون اثنان منهما عن كل بلد
وحين يتم عقد المعاهدة الثقافية بين البلدين يعهد إلى المكتب بتنفيذها.
وسيباح للبلدان العربية الانضمام للمكتب بعد موافقة الوزارتين المصرية والعراقية على ذلك
القصص الفائزة في مسابقة وزارة المعارف
وافق مجلس مجمع اللغة العربية الملكي على قرار لجنة مسابقة القصة لوزارة المعارف، وقدمه إلى معالي وزير المعارف فوافق عليه
وكان المقرر منح ثلاث جوائز: أولى وثانية وثالثة، ولكن اللجنة رأت العدول عن ذلك واختارت خمس قصص منحتها الجوائز دون مراعاة الأولية نظراً لامتياز كل منها من ناحية.
أما القصص الفائزة فهي: ملك من شعاع، للأستاذ عادل كامل؛ وزينات، للأستاذ حسين عفيف؛ وجهاد أو وا إسلاماه، للأستاذ علي أحمد باكثير؛ وعودة القافلة، للأستاذ يوسف جوهر؛ وكفاح طيبة، للأستاذ نجيب محفوظ
مسابقة الشعر العربي
أعلنت محطة الإذاعة المصرية أن الأستاذ محمد الأسمر الشاعر المعروف، قد فاز بالجائزة الأولى في مباراة الشعر العامة التي أقامتها محطة الإذاعة البريطانية.