الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام الصف في الصلاة
تأليف
عبد الكريم بن محمد بن عبد الله العميريني
تقديم
أ. د. خالد بن علي المشيقح
و
د. عبد الله بن سليمان المطرودي
رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة/ جامعة القصيم
ح عبد الكريم بن محمد بن عبد الله العميرني 1432 هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
العميريني، عبد الكريم محمد عبد الله
أحكام الصف في الصلاة
/ عبد الكريم محمد عبد الله العميريني، بريدة 1431 هـ
292 ص؛ 17 × 24 سم
ردمك: 2 - 6097 - 00 - 603 - 978
1 -
الصلاة، أ- العنوان
ديوي: 252.2
…
8645/ 1431
رقم الإيداع: 8645/ 1431
ردمك: 2 - 6097 - 00 - 603 - 978
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
1432 هـ - 2011 م
دار الصميعي للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية الرياض ص. ب: 4967 الرمز البريدي 11412
المركز الرئيسي: الرياض السويدي - شارع السويدي
ت: 4262945 - 4251459: ف: 4245341
فرع القصيم: عنيزة - بجوار مؤسسة الشيخ ابن عثيمين الخيرية
ت: 3624428 ف: 3621728
مدير التسويق ت: 0555169051
daralsomaie@hotmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد قرأت في رسالة أحكام الصف في الصلاة للشيخ عبد الكريم بن محمد العميريني فألفيتها رسالة قيمة اجتههد مؤلفها في نقل كلام الأئمة وتحريرها، ونقل أدلتهم، وما ورد عليها من مناقشات.
نفع الله بها كاتبها وقارئها، وبالله التوفيق.
كتبه
أ. د. خالد بن علي المشيقح
18/ 11/ 1431 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن هذا السفر الذي كتبه الباحث (عبد الكريم بن محمد بن عبد الله العميريني) والذي بعنوان (أحكام الصف في الصلاة)، والذي نال به درجة الماجستير في الفقه المقارن بتقدير ممتاز لهو بحث نافع مفيد أتى فيه الباحث بما هو فريد في بابه وموضوعه مما يثري المكتبة الإسلامية ويضع بين يدي الباحثين مرجعًا نفسيًا يفيدهم في مجال البحث ولا سيما فيما يتعلق بأحكام الصف في الصلاة والذي يتعلق بأهم ركن من أركان الإسلام العملية وهي الصلاة التي يجب على كل مسلم أن يفقه أحكامها دراسة وتطبيقًا وأن يأتي بها على الصفة المشروعة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي. . ."، وقد وفق الباحث في كل مراحل بحثه ولا سيما المقارنات بين المذاهب الفقهية وأدلتها.
ومناقشتها مناقشة علمية ثم بين القول الراجح بدليله كما اعتنى بدراسة المسائل المستجدة دراسة فقهية تأصيلية مما يجعل القارئ والباحث على بصيرة من أمره.
هذا وأسأل الله تعالى له المزيد من التوفيق في أبحاث ومؤلفات أخرى وأن يجعل فيها خيرًا للعباد والبلاد إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمج وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
عبد الله بن سليمان المطرودي
رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
بجامعة القصيم
المقدمة
وتشتمل على:
أهمية الموضوع.
أسباب اختيار الموضوع.
الدراسات السابقة.
الخطة العامة للبحث.
منهج البحث.
شكر وتقدير.
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(1)
(2)
(3)
(4)
. أما بعد:
(1)
آل عمران: 102.
(2)
النساء: 1.
(3)
الأحزاب: 70 - 71.
(4)
هذه الخطبة تسمى (خطبة الحاجة)، والحديث له روايات فيها اختلاف يسير، والحديث أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح برقم (2118) 1/ 644، والترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب خطبة النكاح برقم (1105) 3/ 413، والنسائي في سننه، كتاب الجمعة، باب كيفية الخطبة برقم (1404) 3/ 104، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الجامع، باب خطبة الحاجة برقم (20206) 11/ 162، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب النكاح، باب ماقالوا في خطبة النكاح برقم (17508) 4/ 34، وأحمد في مسنده برقم (3720) 6/ 262، والدارمي في سننه، كتاب النكاح،
لما كانت الصلاة أحد أركان الإسلام، وأحد شعائره الظاهرة، ولما فيها من التآلف ووحدة الكلمة، وتقوية صف المسلمين، وغيرها من الحكم العظيمة، والمعاني الجسيمة، أمر الشارع الحكيم بإقامتها جماعة في بيوت الله.
كما أنه يجب على كل مسلم عرف قدر الصلاة، وعظم شأنها، أن يعرف أحكامها، ويبذل ما يستطيع لإقامتها كما يريدها الله تعالى.
ومن أحكام الصلاة التي ينبغي للمسلم معرفتها، والحرص عليها، وتوعية الناس بها ما يتعلق بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تسوية الصفوف، والأحكام المتعلقة بها، ونظرا لما نشاهده في الصلوات الخمس من إخلال في أحكام الصف، أحببت أن أكتب بحثا مفصَّلا في مسائله، ومستجداته، مقرونا بالأدلة ووسمتُه بـ (أحكام الصف في الصلاة).
باب في خطبة النكاح برقم (2202) 2/ 191، والطبراني في المعجم الكبير برقم (10080) 10/ 98، والحاكم في مستدركه، كتاب النكاح برقم (2744) 2/ 199، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجمعة، باب كيف بستحب أن تكون الخطبة برقم (5593) 3/ 214. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: إسناده من طريق أبي عبيدة ضعيف لانقطاعه ومن طريق أبي الأحوص صحيح على شرط مسلم (3720) 6/ 262، وقال الألباني:(صحيح) انظر: صحيح أبي داود 6/ 345.
أهمية الموضوع:
للموضوع أهمية كبيرة لما يلي:
الأول: لتعلقه بأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي (الصلاة).
الثاني: اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بشأنه، والتأكيد عليه.
الثالث: اهتمام العلماء به في مصنفاتهم، وذلك من خلال تبويبهم به.
أسباب اختيار الموضوع:
من الأسباب الداعية إلى اختيار هذا الموضوع مايلي:
الأول: حاجة الناس إلى معرفة أحكام الصفوف في المساجد، ولا سيما في الحرمين الشريفين.
الثاني: ظهور بعض المستجدات المتعلقة بأحكام الصفوف.
الثالث: الإخلال بكثير من أحكامه، والأثر المترتب على ذلك.
الرابع: عدم وقوفي على من أفرد أحكام الصف ببحث فقهي مقارن مستقل.
الدراسات السابقة:
لم أعثر على كتاب مستقل متوسع في بسط أحكام الصف ذاكر لأقوال الأئمة حسب المذاهب مقرون بالدليل، بل قد اطلعت على مؤلفات تطرقت
لبعض مسائل الصف، وإن كانت مختصرة من حيث المسائل، وذكر الأقوال والأدلة ومنها:
(1)
رسالة (بسط الكف في إتمام الصف)
(1)
، لمؤلفه الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله والكتاب يتلخص في كونه جوابًا لسؤال ورد عليه يتعلق بعدم إتمام الصفوف فأجاب رحمه الله عنه، وأورد الأحاديث الواردة في فضيلة إتمام الصف، وأورد كذلك خلاف العلماء في حكم التسوية مختصرا، والكتاب يقع في إحدى وعشرين صفحة.
(2)
كتاب (تنبيه الصحب إلى مشروعية تسوية الصف بالمنكب والكعب)
(2)
، لمؤلفه علي بن عبد العزيز موسى، وقد ذكر الأحاديث الواردة في فضل تسوية الصفوف وفوائدها، وحكم تسويتها، والكتاب يقع في إحدى وستين صفحة.
(3)
كتاب (أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة)
(3)
، لمؤلفه عبد المحسن المنيف، وتعرض فيه لبعض المسائل المتعلقة بالمصافة مثل: مصافة الرجل، ومصافة الصبي، ومصافة المرأة.
وخلاصة القول أن المؤلفات التي وقفت عليها في هذا الموضوع، لم
(1)
طبعة دار القبلة للثقافة الإسلامية، تحقيق عدنان أحمد مجود، الطبعة الأولى.
(2)
طبعة مكتبة السعيد، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
(3)
أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة، الطبعة الأولى، ط دار الفرزدق بالرياض.
تكن شاملة لأكثر مسائله، فلم تتعرض لتفاصيل الصف وأحكامه، ولا للنوازل فيه، ولا للأحكام التي تتعلق بالصف في الحرمين الشريفين، ولا للمخالفات المتعلقة بالصفوف، ووددت أن أضيف لهذا الموضوع المهم في حياة المسلم شيئا من التفصيل، مقرونا بأقوال الفقهاء وأدلتهم قدر الإمكان.
والخطة العامة للبحث تشتمل على تمهيد، وسبعة فصول، وخاتمة، وفهارس.
التمهيد: الحكمة من صلاة الجماعة، وتسوية الصف، وأهميتهما، ويشمل ثلاثة مباحث.
المبحث الأول: أهمية صلاة الجماعة والحكمة منها، ويشمل خمسة مطالب.
المطلب الأول: تعريف الصلاة لغة واصطلاحا.
المطلب الثاني: أهمية صلاة الجماعة في القرآن الكريم.
المطلب الثالث: مشروعية صلاة الجماعة من السنة.
المطلب الرابع: الآثار الواردة عن السلف في المحافظة على صلاة الجماعة.
المطلب الخامس: الحكمة من مشروعية صلاة الجماعة.
المبحث الثاني: حكمة الصفوف، وتسويتها في الصلاة.
المبحث الثالث: اهتمام العلماء في مصنفاتهم، بتسوية الصف.
الفصل الأول: حقيقة الصف، وحكم تسويته، وضابطها، ويشمل ثلاثة مباحث.
المبحث الأول: حقيقة الصف، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الصف.
المطلب الثاني: الألفاظ الواردة في تسوية الصفوف.
المبحث الثاني: حكم تسوية الصف، وأثره على صحة الصلاة.
المبحث الثالث: ضابط تسوية الصف، وما يلحق به، وفيه مطالب:
المطلب الأول: إذا كان المأموم واحدا.
المطلب الثاني: إذا كان مع الإمام صف واحد.
المطلب الثالث: إذا كان مع الإمام أكثر من صف.
المطلب الرابع: إذا كان مع المأمومين صبيان.
المطلب الخامس: إذا كان مع المأمومين صف نساء.
الفصل الثاني: أحكام صفوف الرجال،
ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: حكم مصافة المأموم الواحد.
المبحث الثاني: حكم مصافة الاثنين.
المبحث الثالث: حكم مصافة أكثر من اثنين.
المبحث الرابع: حكم من صف وحده خلف الصف، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: بالنسبة للرجال.
المطلب الثاني: بالنسبة للنساء.
الفصل الثالث: أحكام صفوف الصبيان والنساء، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم مصافة الصبيان، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: مصافة الصبي المميز في النافلة.
المطلب الثاني: مصافة الصبي المميز في الفريضة.
المبحث الثاني: أحكام صفوف النساء، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حكم صفوف النساء حال اجتماعهن مع الرجال، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أفضلية صفوف النساء وفيه فرعان:
الفرع الأول: إذا لم يختلطن بالرجال.
الفرع الثاني: إذا اختلطن بالرجال.
المسألة الثانية: أثرمصافة المرأة للرجال.
المطلب الثاني: حال انفرادهن عن الرجال وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم صلاتهن جماعة.
المسألة الثانية: موقف إمامتهن من صفهن.
الفصل الرابع: أحكام صفوف الجنائز، وأهل الأعذار، ويشمل أربعة مباحث:
المبحث الأول: أحكام الصف في الجنائز، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: موقف الإمام من جنازة الرجل والمرأة.
المطلب الثاني: قرب الجنائز من الإمام عند تنوع أجناسها.
المطلب الثالث: هيئة وضع الجنائز أمام الإمام.
المطلب الرابع: حكم تكثير صفوف الجنازة.
المطلب الخامس: عدد صفوف صلاة الجنازة، وحكم تسويتها.
المبحث الثاني: صفوف العراة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في حال إمكانية رؤية بعضهم لبعض.
المطلب الثاني: في حالة عدم رؤية بعضهم لبعض.
المبحث الثالث: العاجز عن القيام، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حكم الصلاة جالسا عند العجز.
المطلب الثاني: هيئة الجلوس، وضابط المصافة فيها، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الجلوس متربعا، وضابط المصافة فيها.
المسألة الثانية: الجلوس على الكرسي، وضابط المصافة فيها
وفيها فرعان:
الفرع الأول: الجالس على الكرسي في حالتي الركوع والسجود فقط.
الفرع الثاني: الجالس على الكرسي في جميع أفعال الصلاة.
الفصل الخامس أحكام الصف في الحرمين، ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: ضابط الصف الأول في الحرم المكي.
المبحث الثاني: ضابط الصف الأول في الحرم المدني.
الفصل السادس: أحكام معاصرة في الصفوف، ويشمل ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: استخدام الخط في تسوية الصف.
المبحث الثاني: الصفوف في وسائل النقل، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الصف في الطائرة.
المطلب الثاني: الصف في السفينة، وفيه مسألتان.
المسألة الأولى: المصافة في السفينة جلوسا بدل القيام.
المسألة الثانية: حصول المصافة، والإقتداء، بين أكثر من سفينة.
الفصل السابع: أحكام مخالفات الصفوف، ويشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول: حكم المخالفة في تخطي الصفوف.
المبحث الثاني: حكم المخالفة في حجز مكان في الصفوف، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أقوال الفقهاء في تحقق المخالفة في حجز المكان.
المطلب الثاني: ضابط مخالفة حجز المكان في الصف.
المبحث الثالث: حكم المخالفة في عدم اكتمال الصف، وتخلل الفرج.
المبحث الرابع: حكم المخالفة في الصف بين السواري، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: الصف بين السواري، إذا كان إماما أو منفردا.
المطلب الثاني: الصف بين السواري، إذا كان مأموما، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: إذا قطعت السارية الصف بسبب الضيق.
المسألة الثانية: إذا قطعت السارية الصف مع السعة.
المبحث الخامس: حكم المخالفة في تباعد الصفوف، وبيان المعتبر فيها.
الخاتمة: وتشتمل على أهم نتائج البحث.
الفهارس العامة وتشمل:
(1)
فهرس المصادر والمراجع.
(2)
فهرس الموضوعات.
منهج البحث:
المنهج الذي سرت عليه في هذا البحث يتلخص فيما يلي:
1 -
الدراسة المقارنة بين المذاهب في المسألة، وأذكر ما أجده من أقوال السلف في المسألة، وأقوال العلماء المتأخرين في بعض المواضع.
2 -
أذكر القول الأول، ثم من قال به من الفقهاء، مرتبًا أقوالهم ترتيبا زمنيا، ثم أدلته، ووجه الاستدلال، وما قد يرد عليه من مناقشة، إن وجدت ثم القول الثاني وهكذا، مبتدئا بالقول المرجوح، ثم الراجح، ثم الترجيح مع بيان سبب الترجيح.
3 -
أوثق النقول من المراجع الأصلية لكل مذهب، وما لم أعثر عليه أعزوه لبعض كتب المذهب المعتبرة.
4 -
أعزو الآيات إلى مواضعها في كتاب الله، وذلك بذكر السورة، ورقم الآية.
5 -
أقوم بتخريج الأحاديث من مصادرها، فما وجدته في الصحيحين أو أحدهما أكتفي به، وما لم يخرجاه أقوم بتخريجه من باقي كتب السنة الأخرى، على النحو الآتي:
أقدم أصحاب الكتب الستة على غيرهم مرتبا لهم حسب ترتيب أغلب من خرج الكتب الستة كالمزي رحمه الله، ثم حسب تأريخ الوفاة، مع بيان ما ذكره العلماء في درجة الحديث، ما أمكن.
6 -
العناية بقواعد اللغة العربية، والقواعد الإملائية، وعلامات الترقيم.
7 -
أقوم بتخريج الآثار الواردة من مصادرها، ما أمكن.
8 -
أترجم للأعلام الواردة في البحث ترجمة مختصرة.
9 -
التعريف بالمصطلحات وشرح الغريب.
10 -
الخاتمة عبارة عن ملخص للرسالة، وأهم النتائج.
11 -
أقوم بوضع فهارس متعددة في آخر البحث.
ولقد اقتصرت عند طباعة الكتاب على فهرس المصادر والمراجع وفهرس الموضوعات، كما أنني حذفت التراجم للأعلام طلبًا للاختصار.
وحيث إن هذه الطبعة هي الأولى آمل ممن قرأ الكتاب أو اطّلع عليه أن يزودني بالملاحظات أو المقترحات حتى يتم تلافيها في الطبعات اللاحقة.
وأكون له شاكرًا وبظهر الغيب له داعيًا، ورحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي.
المؤلف
Amo 1431@hotmail.com
شكر وتقدير:
أتقدم بالشكر لله على توفيقه وتيسيره وله الحمد أولاً، وآخرًا، وظاهرا، وباطنا.
ثم أقدم شكري وتقديري لجامعة القصيم، ممثلة بكلية الشريعة، والقائمين على قسم الفقه، والأساتذة الفضلاء، الذين لم يألوا جهدا في تقديم جميع ما ينفع الطالب في حياته العلمية والعملية.
كما أنني أقدم الشكر والدعاء للمشرف على هذه الرسالة، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: صالح بن إبراهيم الجديعي، الذي استفدت منه تربويا من خلال سماحة نفسه وتواضعه الجم، وعلميا بتوجيهاته وآرائه، ولم يتوان بتوفير وبذل ما أحتاجه من رأي ومرجع، مما كان له أكبر الأثر في إخراج هذه الرسالة، فجزاه الله خير ما جزى معلما عن طالبه، وزاده الله علما وعملا.
كما أشكر جميع من قدم لي مساعدة، خلال إعداد هذه الرسالة، وأسال الله جل شأنه، وتقدست أسماؤه، أن يجعل هذا العمل في ميزان الأعمال، وأن يرزقنا الإخلاص في القول، والعمل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
التمهيد
الحكمة من صلاة الجماعة، وتسوية الصف، وأهميتهما، ويشمل ثلاثة مباحث.
المبحث الأول: أهمية صلاة الجماعة والحكمة منها، ويشمل خمسة مطالب.
المطلب الأول: تعريف الصلاة لغة واصطلاحا.
المطلب الثاني: أهمية صلاة الجماعة في القرآن الكريم.
المطلب الثالث: مشروعية صلاة الجماعة من السنة.
المطلب الرابع: الآثار الواردة عن السلف في المحافظة على صلاة الجماعة.
المطلب الخامس: الحكمة من مشروعية صلاة الجماعة.
المبحث الثاني: حكمة الصفوف، وتسويتها في الصلاة.
المبحث الثالث: اهتمام العلماء في مصنفاتهم، بتسوية الصف.
المبحث الأول
أهمية صلاة الجماعة، والحكمة منها
للصلاة مكانة في الإسلام، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بفعلها جماعة؛ لما في ذلك من الحكم والفوائد العظيمة التي تعود على الفرد والمجتمع، وتظهر أهمية صلاة الجماعة، من النصوص الواردة في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الآثار الواردة عن سلف هذه الأمة رضي الله عنهم. وسأتطرق إلى أهمية صلاة الجماعة من خِلال المطالب الآتية:
المطلب الأول: تعريف الصلاة لغة واصطلاحا:
تعريف الصلاة لغة:
جاءت الصلاة في اللغة على عدة معان منها:
حسن الثناء
(1)
ومنه قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
(2)
.
(1)
انظر: جمهرة اللغة 2/ 1077، لسان العرب 14/ 464، المصباح المنير 1/ 346. وانظر الجامع لأحكام القرآن 2/ 468، 10/ 364، 17/ 169، 214، وتفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 76، 350، 667، 671.
(2)
البقرة: 157.
ومنها الدعاء، ومنه قول الله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
(1)
أي: ادع لهم.
ومنها الرحمة ومنه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}
(2)
.
ومنها الاستغفار ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
(3)
.
وقال في تاج العروس: "مشتركة بين الدعاء، والتعظيم، والرحمة، والبركة، ومنه: "اللهم صل على آل أبي أوفى"
(4)
أي بارك عليهم، أو ارحمهم"
(5)
.
وفي الاصطلاح:
من أشمل تعريفات الصلاة اصطلاحا أنها "التعبد لله بأقوال وأفعال
(1)
التوبة: 103.
(2)
الأحزاب: 44.
(3)
الأحزاب: 56.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية برقم (6332) 8/ 73، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة برقم (1078) 2/ 756.
(5)
انظر: تاج العروس 38/ 439.
مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم"
(1)
. ولقد عرفها فقهاء المذاهب، بتعريفات متقاربة لهذا التعريف نسبيا
(2)
وأما الجماعة، فإنها مأخوذة من قولهم: جمع الشيء إلى الشيء إذا ضمه إليه، فأصل الاجتماع الانضمام، وسميت الجماعة جماعة لانضمام أفرادها بعضهم إلى بعض
(3)
.
المطلب الثاني: أهمية صلاة الجماعة في القرآن الكريم:
شرع الله سبحانه وتعالى إقامة الصلاة جماعة، ويتضح ذلك من أمره بالركوع ـ الذي هو ركن من أركان الصلاة ـ مع الراكعين، فقال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}
(4)
.
قال القرطبي: " (مع) تقتضي المعية والجمعية، ولهذا قال جماعةٌ من أهل
(1)
الشرح الممتع 2/ 5.
(2)
قال في تبيين الحقائق 1/ 78: هي عبارة عن الأفعال المخصوصة المعهودة، وقال في مواهب الجليل 1/ 377: هي أقوال
وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة، وقال في مغني المحتاج 1/ 120: هي أقوال
وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة، وقال في الإنصاف 1/ 388: عبارة عن الأفعال المعلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم. وانظر: التعريفات 1/ 175 موسوعة فقه ابن تيمية 2/ 870.
(3)
انظر: مقاييس اللغة مادة (جمع) 1/ 479.
(4)
البقرة: 43.
التأويل بالقرآن، إن الأمر بالصلاة أولاً، لم يقتض شهود الجماعة، فأمرهم بقوله (مع) شهود الجماعة"
(1)
.
قال صاحب اللباب: "أي صلوا مع المصلين، ففي الأول أمر بإقامة الصلاة، وفي الثاني أمر بفعلها في الجماعة، فلا تكرار"
(2)
.
قال الكاساني: "أمر الله تعالى بالركوع مع الراكعين، وذلك يكون في حال المشاركة في الركوع، فكان أمراً بإقامة الصلاة بالجماعة، ومطلق الأمر لوجوب العمل"
(3)
.
وإن كانت الآية الكريمة، نزلت في أمر بني إسرائيل أن يركع بعضهم مع بعض، وشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافه
(4)
، وهنا ورد شرعنا بما يوافقه، قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}
(5)
.
ومن الأدلة على مشروعية الصلاة جماعةً، قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ
(1)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 348.
(2)
اللباب في علوم الكتاب 2/ 26.
(3)
بدائع الصنائع 1/ 155.
(4)
هذا من الأدلة المختلف فيها بين الأصوليين، للاستزادة انظر:(البرهان في أصول الفقه 1/ 331، روضة الناظر 1/ 160، البحر المحيط 4/ 346).
(5)
الأنعام: 90.
فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ}
(1)
حيث أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن يصلي بمن معه من الصحابة جماعة، وهم في حال الخوف، وملاقاة العدو، ففي حال الأمن من باب أولى، ولو كانت فرض كفاية لسقطت عن الطائفة الثانية، لإقامتها جماعة بالطائفة الأولى، وكذلك سوغ فيها، ما لا يجوز لغير عذر، كاستدبار القبلة، والحركة الكثيرة، والانصراف قبل الإمام، مع إمكانية صلاتهم فرادى.
(2)
المطلب الثالث: مشروعية صلاة الجماعة من السنة:
لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الجماعة، قولاً، وعملاً، وتحذيرًا لمن تخلف عنها، ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما يلي:
الدليل الأول:
حديثُ ابن عمر رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ، بسبع وعشرين درجة"
(3)
.
وجه الدلالة:
حث النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الجماعة، وذلك ببيان فضلها على صلاة الفذ، بسبعٍ وعشرين درجة، ولو كانت صلاة الجماعة، مثل صلاة
(1)
النساء: 102.
(2)
انظر: أحكام حضور المساجد ص 19.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، في كتاب الأذان، باب فضل الجماعة برقم (645) 1/ 131، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (650) 1/ 450.
المرء وحده، لما فُضِّلَت عليها.
الدليل الثاني:
حديثُ مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: "أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا، رقيقًا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمَّن تركنا من أهلنا فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذِّن لكم أحدُكم، ثم ليؤمكم أكبرُكم"
(1)
.
وجه الدلالة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، مالك بن الحويرث رضي الله عنه ومن معه، بالأذان، والصلاة جماعة في حال السفر، ففي حال الإقامة أولى، والأمر يقتضي الوجوب.
(2)
الدليل الثالث:
حديثُ عائشةرضي الله عنها، قالت: "ثَقُلَ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم برقم (6002) 8/ 9، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة برقم (674) 1/ 465.
(2)
انظر الصلاة مفهوم وفضائل ص 7.
أَصلى الناس؟ قلنا: لا، هم يَنْتَظِرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المِخْضَب
(1)
، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، والناس عكوفٌ في المسجد، ينتظرونه صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، قالت: فأرسل إلى أبي بكرٍ أن يصليَّ بالناس .... " الحديث
(2)
.
وجه الدلالة:
فعلُ النبي صلى الله عليه وسلم، يَدل على حِرصه على صلاة الجماعة، فسؤاله عن الصلاة بعد كل إغمائةٍ، وإعادة الاغتسال مرًة بعد أخرى، لمحاولة استعادة نشاطه ليقوم، ويصلي بهم، دليل واضحٌ وجليٌّ على اهتمامه بهذه الشعيرة العظيمة.
الدليل الرابع:
حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال:"لقد هممت أن آمر بالصلاة، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجالٍ معهم حُزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فَأُحَرِّق عليهم بُيوتهم بالنار"
(3)
.
(1)
المخضب هو: الإناء الذي يغسل فيه، شبه المركن والإجانة. انظر:(لسان العرب 1/ 359، المعجم الوسيط 1/ 239، غريب الحديث لابن سلام 3/ 91).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به برقم (687) 1/ 138، ومسلم في صحيحه كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر برقم (418) 1/ 311.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة برقم (644) 1/ 131، ومسلم بلفظه في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (651) 1/ 451.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، همَّ بإحراق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة بالنار، ولا يكون التهديد بالإحراق، إلا على تركِ واجبٍ، أو فعلِ محرم.
(1)
الدليل الخامس:
حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرَخِّصَ له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، قال: هل تَسْمَعُ النداء بالصلاة، قال: نعم قال: فأجب"
(2)
.
…
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يرخص لعبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، في التخلف عن صلاة الجماعة، مع وجود أعذار متعددة، دلت النصوص على اعتبارها، وهي كونه، أعمى، وعدم وجود مرافق يقوده إلى المسجد، وبعد داره عن المسجد، ووجود شجر، ونخل بينه وبين المسجد.
(3)
الدليل السادس:
حديثُ عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من
(1)
انظر: الصلاة وحكم تاركها لابن القيم ص 136.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653) 1/ 452.
(3)
انظر: أحكام حضور المساجد ص 25.
صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة، فكأنما قام الليل كله"
(1)
.
وجه الدلالة:
أن في الصلاة جماعة، أجورًا كثيرة، يعطيها الله لعباده، وذلك يدل على أهمية الصلاة ومشروعيتها مع جماعة المسلمين في بيوت الله (المساجد).
(2)
الدليل السابع:
حديثُ أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثةٍ في قرية، ولا بَدْو، لا تقام فيهم الصلاة، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية"
(3)
قال السائب: أحد
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة برقم (656) 1/ 454.
(2)
انظر: تحفة الأحوذي 2/ 11.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة برقم (547) 1/ 205، والنسائي في سننه بلفظه، كتاب الإمامة، باب التشديد في ترك الجماعة برقم (847) 2/ 106، وأحمد في مسنده برقم (21710) 36/ 42، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض الجماعة الأعذار التي تبيح تركها برقم (2101) 5/ 457، والحاكم في مستدركه، كتاب الصلاة، باب التأمين برقم (900) 1/ 374، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب فرض الجماعة في غير الجمعة على الكفاية برقم (4708) 3/ 54، قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: إسناده حسن من أجل السائب بن حبيش وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح 36/ 42، وحسنه الألباني انظر: صحيح أبي داود 3/ 58، مشكاة المصابيح 1/ 235.
رواة الحديث يعني بالجماعة (الجماعة في الصلاة).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالجماعة، وبين أن تركها من أسباب استحواذ الشيطان، ومظنة الهلاك، والخسران.
المطلب الرابع: الآثار الواردة عن السلف في المحافظة على صلاة الجماعة:
كان الصحابة رضي الله عنهم، من أشد الناس حرصًا على الصلاة مع الجماعة، وعدم التخلف عنها، ومن نماذج أفعالهم ما يلي:
أولا: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق، قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى، الصلاة في المسجد الذي يُؤَذَّنُ فيه"
(1)
.
ثانيا: قال البخاري: "كان الأسود بن يزيد رضي الله عنه إذا فاتته الجماعة، ذهب إلى مسجد آخر"
(2)
.
ثالثا: عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال: "كان حذيفة رضي الله عنه إذا فاتته الصلاة في
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى برقم (654) 1/ 453.
(2)
انظر: صحيح البخاري 1/ 131.
مسجد قومه، يُعَلِّقُ نعليه، ويَتَّبِعُ المساجد، حتى يصليها في جماعة"
(1)
.
رابعا:
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء، وصلاة الفجر، أسأنا به الظن"
(2)
.
خامسا:
كان عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه يقول: "ليس لأحد من خلق الله في الحضر، والقرية، رخصة إذا سمع النداء، في أن يدع الصلاة جماعة"
(3)
.
سادسا:
قال الأوزاعي: "لاطاعة للوالد في ترك الجمعة، والجماعات، يسمع النداء أولم يسمع"
(4)
.
(1)
أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب الرجل تفوته الصلاة في مسجد قومه برقم (5990) 2/ 21.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب في التخلف في العشاء، والفجر، وفضل حضورهما برقم (3353) 1/ 292، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب ذكر أثقل الصلاة على المنافقين برقم (1485) 2/ 370، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض الجماعة برقم (2099) 5/ 455، والطبراني في المعجم الكبير برقم (13085) 12/ 271، والحاكم في مستدركه، كتاب الإمامة، وصلاة الجماعة برقم (764) 1/ 330، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب ما جاء في التشديد في ترك الجماعة برقم (4773) 3/ 59، قال شعيب الأرنووط في تعليقه على صحيح ابن حبان:(إسناده صحيح على شرط مسلم 5/ 455) وقال الألباني (صحيح موقوف). انظر: (صحيح الترغيب والترهيب 1/ 100)
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب من سمع النداء برقم (1919) 1/ 499، وانظر: المحلى 4/ 196، وشرح السنة 3/ 349.
(4)
عون المعبود 2/ 180.
فيتضح من خلال الأدلة السابقة، من الكتاب والسنة وآثار السلف أن الجماعة مشروعةٌ في الصلاة، وعليه إجماع المسلمين.
قال النووي: "فالجماعة مأمور بها؛ للأحاديث الصحيحة المشهورة؛ وإجماع المسلمين"
(1)
.
المطلب الخامس: الحكمة من مشروعية صلاة الجماعة:
جعل الله في صلاة الجماعة حكمًا عظيمة، تعود على الفرد والمجتمع؛ فبها يتواصل الناس؛ وبها يتراحمون؛ وبها تتحقق أواصر المحبة؛ وفيها إعانة للضعيف؛ وتفريج كربة المكروب، إلى غير ذلك من الخيرات التي جعلها الله عز وجل في هذه الصلاة، وسأذكر في هذا المطلب بعض الفوائد، والمصالح، والحكم التي من أجلها شرعت صلاة الجماعة، ومنها ما يأتي:
أولا:
اجتماع الأمة، فكأن المصلين بهذا الاجتماع، يشعرون أنهم يدٌ واحدة، وجسدٌ واحد، فيحصل بذلك من الإحسان، والعطف، والرعاية، ونظافة القلوب، والدعوة إلى الله عز وجل الشيء الكثير.
ثانيا:
إيقاظ النفوس وَتَحْرِيك الهمم، فقد يكون أحد المصلين خاشعًا، باكيًا، في صلاته، مسابقًا لفعل الخيرات، فيكون بذلك مشجعًا، ومعينًا لجماعة المسجد، وقدوة في الخير، فأهل الإخلاص، والخشوع،
(1)
المجموع 4/ 161.
والمسابقة، قوم لايشقى بهم جليسهم.
ثالثا:
من الحكم العظيمة في صلاة الجماعة التعارف، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
(1)
؛ لأن الناس إذا صلوا جماعة حصل التعارف، والتآلف، ومعرفة ما يحتاجه المصلي من أمور دينه، ودنياه.
رابعا:
إظهارُ عِزّ الإسلام، ووحدة المسلمين، وحرصهم على التزام أوامر ربهم، وإظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، وذلك بمنظر دخولهم إلى المسجد، وخروجهم منه.
خامسا:
تعلم أحكام الصلاة، عن طريق ما يسمعه من توجيهاتٍ، أومن التطبيق العملي ممن بجواره، ويعرف الأذكار التي تُقَال بعد الصلوات، وتتحسن قراءته للقرآن، من جراء سماعه من إمام، أو مأموم.
سادسا:
متابعة المتخلف عن الجماعة، والقيام بإرشاده، وتوجيهه، والتواصي بالحق، والصبر عليه، فيكون من أثر صلاته مع الجماعة، سعادته في الدنيا، والآخرة.
سابعا:
عمارةُ بيوتِ الله الذي هو من الإيمان بالله واليوم الآخر قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
(1)
الحُجُرات: 13.
الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}
(1)
.
ثامنا:
إغاظة لأعداء المسلمين من الكفار والمنافقين، وفيه البعد عن التشبه بهم، فأعداء الإسلام كما قال تعالى {{لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}
(2)
.
(1)
التوبة: 18.
(2)
الحشر: 14.
المبحث الثاني
حكمة الصفوف، وتسويتها في الصلاة
لما كانت هذه الأمة أفضل الأمم، وخيرها، جعل الله من فضلها أن صفوفها في الصلاة، كصفوف الملائكة عند ربها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الخاصية، وَذَكَّرَ بها أصحابه فقال صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلنا على الناس بثلاث: جُعِلَت صفوفنا كصفوف الملائكة
…
"
(1)
.
فكان من الحكم العظيمة والأمور الجليلة، من التسوية ما يلي:
أولا:
تعديل الصف، وعدم اعوجاجه، فالتسوية والنظام في الصف، دليل على التوافق، والانسجام، مما يترتب عليه توافق القلب، والقالب، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يباشر ذلك بيده، كما في حديث البراء رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية، يمسح على صدورنا، ومناكبنا
(2)
، ويقول: لا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم"
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب مواضع الصلاة برقم (522) 1/ 371.
(2)
المَنَاكِب: كل مجمع عظم العضد والكتف من الإنسان والطائر، ونحوه. انظر: المحيط في اللغة 6/ 281، مقاييس اللغة 5/ 474، والقاموس المحيط 1/ 179.
(3)
أخرجه أبو داود بلفظه في سننه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف برقم (664) 1/ 234 والنسائي في سننه، كتاب الإمامة، باب كيف يقوم الإمام الصف برقم (811) 2/ 89، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب الصفوف برقم (2430) 2/ 45، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الإمامة في الصلاة، باب صلوات الرب وملائكته على واصلي الصفوف الأول برقم (1556) 3/ 26، وصحح إسناده الألباني انظر:(صحيح أبي داود 3/ 240.) وروي بألفاظ أخرى مقاربة.
ثانيا:
حسن الهيئة، والمظهر، مشابهة بصف الملائكة عند ربها، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها
…
"
(1)
.
ثالثا:
في التسوية، إقامة الصلاة، وحسنها، وتمامها، كما قال صلى الله عليه وسلم "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة"
(2)
.
رابعا:
أن تسوية الصف من أعظم المظاهر، على التواد، والتراحم فيما بين المسلمين، بخلاف عدم الاستواء والتَّراص، فإنه يدل على التَّنافر، والاختلاف، ويثمر التباعد كما دل على ذلك حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القداح
(3)
، حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه
(4)
ثم خرج يوما، فقام حتى إذا كاد يكبر فرأى رجلاً
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة، والنهي عن الإشارة باليد برقم (430) 1/ 322.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة برقم (724) 1/ 146.
(3)
القداح هي: خشب السهام حين تنحت وتبرى، وتهيأ للرمي. انظر: غريب الحديث لابن الجوزي 2/ 222.
(4)
عقلنا عنه: فهمنا ما أمرنا به من التسوية. انظر: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام 1/ 99.
باديا صدره
(1)
من الصف، فقال عباد الله: لَتُسَوُّن صفوفكم، أو لَيُخَالفن الله بين وجوهكم"
(2)
.
فجعل صلى الله عليه وسلم اختلاف المصلين في الصف؛ سببا في اختلاف قلوبهم، وانتشار العداوة، والبغضاء بينهم.
خامسا:
ألا يشتغل بعضهم بالنظر إلى من يصلي بجواره، فإذا اصطفوا غابت وجوه بعضهم عن بعض، فحصل الخشوع والتذلل، الذي هو روح الصلاة.
سادسا:
إظهار قوة المسلمين، وتكاتفهم، واجتماعهم، كما أن صفوف المسلمين بهذا الاعتدال، والمساواة، تورث هيبة لأعدائهم، وقذفا للرعب في قلوبهم
(3)
.
سابعا:
من أجل أن يتذكر الإنسان بها وقوفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة في ذلك الموطن المهول، والشفعاء من الأنبياء، والملائكة،
(1)
باديا صدره: ظاهرا صدره من الصف انظر: عون المعبود 2/ 257.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها برقم (717) 1/ 145، ومسلم في صحيحه بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، وإقامتها، وفضل الأول فالأول برقم (436) 1/ 324.
(3)
انظر: طرح التثريب في شرح التقريب 2/ 290، تنبيه المسلمين إلى وجوب تسوية صفوف المصلين، ص 11 ـ 14.
والمؤمنين، بمنزلة الأئمة في الصلاة يتقدمون الصفوف، وصفوفهم في الصلاة كصفوف الملائكة عند الله
(1)
.
(1)
انظر: بريقة محمودية 6/ 179.
المبحث الثالث
اهتمام العلماء في مصنفاتهم، بتسوية الصف
لقد اهتم العلماء رحمهم الله في مصنفاتهم بتسوية الصف، إما بإفراد بحثٍ مستقل يتناول مبحثًا أو أكثر لهذا الموضوع ـ تسوية الصف ـ كما ألف الإمام السيوطيرحمه الله تعالى، كتابه (بسط الكف في إتمام الصف) وأفرد جمع كبير منهم أبوابًا في مصنفاتهم، فلا يكاد بحث، أو مؤلف يتعرض لأحكام الصلاة، إلا وقد تناول هذا الموضوع، سواء في كتب المحدثين، أو الفقهاء، مما يدل على أهميته، والتأكيد عليه، وممن بوب في ذلك من العلماء على سبيل المثال:
1 ـ مالك في الموطأ
(1)
: (باب ما جاء في تسوية الصفوف).
2 ـ محمد بن الحسن في كتاب الآثار
(2)
(باب إقامة الصفوف).
3 ـ عبد الرزاق في مصنفه
(3)
(باب تسوية الصفوف عند الصلاة على الجنائز).
(1)
موطأ مالك 1/ 158
(2)
الآثار 1/ 117.
(3)
مصنف عبد الرزاق 3/ 529.
4 ـ الدارمي في سننه
(1)
: (باب في إقامة الصفوف).
5 ـ البخاري في صحيحه
(2)
: (باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها).
6 ـ ابن ماجه في سننه
(3)
(باب إقامة الصفوف).
7 ـ أبو داود في سننه
(4)
(باب تسوية الصفوف).
8 ـ الترمذي في سننه
(5)
(باب ما جاء في تسوية الصفوف).
9 ـ النسائي في سننه
(6)
(باب حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها).
10 ـ ابن خزيمة في صحيحه
(7)
(باب الأمر بتسوية الصفوف).
11 ـ البيهقي في السنن الكبرى
(8)
(باب إقامة الصفوف، وتسويتها).
(1)
سنن الدارمي 1/ 323.
(2)
صحيح البخاري 1/ 253.
(3)
سنن ابن ماجة 1/ 317.
(4)
سنن أبي داود 1/ 177.
(5)
سنن الترمذي 1/ 158.
(6)
سنن النسائي 2/ 92.
(7)
صحيح ابن خزيمة 3/ 20.
(8)
سنن البيهقي 3/ 99.
11 ـ البغوي في شرح السنة
(1)
(باب تسوية الصف، وإتمامه).
12 ـ النووي في شرحه لمسلم
(2)
(باب تسوية الصفوف، وإقامتها، وفضل الأول فالأول).
13 ـ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الفتاوى الكبرى (باب تسوية الصفوف)
(3)
.
14 ـ صديق حسن خان في كتاب الروضة الندية (باب على المؤتمين تسوية الصفوف)
(4)
.
(1)
شرح السنة 3/ 364.
(2)
شرح مسلم 1/ 323.
(3)
انظر الفتاوى الكبرى 4/ 416.
(4)
الروضة الندية 1/ 344.
الفصل الأول
حقيقة الصف، وحكم تسويته، وضابطها
ويشمل ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حقيقة الصف.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الصف.
المطلب الثاني: الألفاظ الواردة في تسوية الصفوف.
المبحث الثاني: حكم تسوية الصف، وأثره على صحة الصلاة.
المبحث الثالث: ضابط تسوية الصف، وما يلحق به.
وفيه مطالب:
المطلب الأول: إذا كان المأموم واحدا.
المطلب الثاني: إذا كان مع الإمام صف واحد.
المطلب الثالث: إذا كان مع الإمام أكثر من صف.
المطلب الرابع: إذا كان مع المأمومين صبيان.
المطلب الخامس: إذا كان مع المأمومين صف نساء.
المبحث الأول
حقيقة الصف
وفيه مطلبان
المطلب الأول: تعريف الصف:
الصَّفُّ: واحد الصفوف، وهو السَّطر المستوي من كل شيء معروف، و صففت القوم فاصطفوا إذا أقمتهم في صلاة، أو حرب، وصفَّ الطائر: إذا بسط جناحيه في طيرانه، وكل شيء مددته سطرا فهو صف، وَصَفَّت الإبل قوائمها فهي صَافَّة، و صواف، والصفصف: المستوي من الأرض
(1)
.
وَصَفَّ القوم يصفون صفا، واصطفوا وتصافوا - صاروا صفا وصففتهم - جعلتهم صفًّا والمُصف - موضع الصف، وكل سطر مستو من كل شيء صف
(2)
.
قال الأصفهاني: "الصفُّ أن تجعل الشيء على خطٍ مستوٍ، كالناس، والأشجار، ونحو ذلك
(3)
، ويقال هو - مُصَافِّي أي: صفته بحذاء صفتي،
(1)
انظر: جمهرة اللغة 1/ 142، معجم مقاييس اللغة 3/ 275، لسان العرب (صف) 9/ 194. مختار الصحاح 1/ 153.
(2)
انظر: المخصص 1/ 330، المحكم والمحيط الأعظم 8/ 272.
(3)
المفردات في غريب القرآن 1/ 282.
والتَّصاف: التَّساطر
(1)
.
وقد وردت المادة بهذا المعنى في القرآن الكريم في آيات عدة؛ منها قوله تعالى: {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}
(2)
أي: ائتوا الموضع الذي تَجتمعون فيهِ لعيدكم، وصلاتكم
(3)
، ويقال: أتيت الصف أي المصلى، قال: ويجوز ثم ائتوا صفًّا: أي مُصطفين ليكون أنظم لكم، وأشد لهيبتكم
(4)
. وقوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}
(5)
الصافات: الملائكةُ مُصطفون في السماء، يسبحون الله تعالى
(6)
، ومثله قوله تعالى:{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}
(7)
؛ لأن لهم مراتب يقومون عليها صفوفًا، كما يصطف المصلون
(8)
، وقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أي: باسطة أجنحتها
(9)
،
(1)
تاج العروس 24/ 29.
(2)
طه: 64.
(3)
انظر: تفسير فتح القدير 3/ 374.
(4)
انظر: تفسير البغوي 3/ 223.
(5)
الصافات: 1.
(6)
النور: 41، انظر: تفسير الطبري 23/ 33.
(7)
الصافات: 165.
(8)
انظر: التسهيل لعلوم التنزيل 3/ 177.
(9)
انظر: تفسير الجلالين 1/ 465.
وقوله تعالى {{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}
(1)
، قد صفت قوائمها، وقوله تعالى:{فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}
(2)
، أي: ملساء مستوية
(3)
.
ومعنى تسوية الصف: اعتدال القائمين به على سَمْتٍ واحدٍ، وخطٍّ مستقيمٍ، وسد الخلل الذي في الصف بإلزاق المَنْكِب بالمَنْكِب، والقدم بالقدم
(4)
.
والتسوية، والاعتدال، والاستقامة، والمحاذاة، بمعنى واحد.
فالسواء: المستوي يقال أرض سواء أي مستوية، ودار سواء أي: مستوية المرافق، وثوب سواء مستو عرضه وطوله، ويقال رجل سواء البطن إذا كان بطنه مستويا مع الصدر
(5)
.
والاستقامة: الاعتدال يقال استقام له الأمر، وقام الشيء واستقام اعتدل واستوى
(6)
.
والمحاذاة: الُموازاة، يقال: حاذى الشيء: وازاه، وحذوته: قعدت
(1)
الحج: 36.
(2)
طه: 106.
(3)
انظر: التبيان في غريب القرآن 1/، 351 غريب القرآن 1/ 299.
(4)
انظر: بسط الكف ص 12، عمدة القاريء 5/ 253. إحكام الأحكام 1/ 195.
(5)
انظر: لسان العرب 14/ 411.
(6)
انظر: لسان العرب 12/ 499، مختار الصحاح 1/ 232.
بحذائه، والحذاء الإزاء والمقابل
(1)
.
وفي الموسوعه الفقهية مادة (صَفَّ) أن معنى الصف الاصطلاحي، لا يخرج عن معناه اللغوي
(2)
.
مما سبق، يتضح أن معنى الصف في اللغة، يدور حول التسوية، والاعتدال، والاستقامة، والمحاذاة، وأن بينهما وبين الصف تلازمًا، فالصف في الحرب، يعني الاعتدال، والاستقامة، وبسط الطائر جناحيه يلزم منه تسويتهما، وصف الإبل لقوائمها، يلزم منه استواء قوائمها، والصَّفْصَفُ من الأرض: المستوي منها.
وكذلك الصف في الصلاة يعني: الاستواء، والاعتدال، والاستقامة، وهو الذي دلت عليه ألفاظ الحديث، كما سيأتي في المطلب الثاني، والمعتبر في ذلك المَنَاكِب في أعلى البدن والأَكْعُبِ
(3)
في أسفل البدن قال أنس رضي الله عنه: "وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه"
(4)
وهو المفهوم من إطلاق اللغويين وتعميمهم بأن كل سطر مستو من كل شيء يقال
(1)
انظر: لسان العرب 14/ 170.
(2)
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 27/ 35.
(3)
الكعبان هما: العظمان الناتئان في منتهى الساق، مع القدم مع الجانبين.
انظر: (الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، 1/ 42، تهذيب اللغة 1/ 211).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إلزاق المَنْكِب بالمَنْكِب، والقدم بالقدم في الصف برقم (725) 1/ 146.
له: صف. وقد وردت هذه اللفظة ومشتقاتها في سور عدة من سور القرآن الكريم
(1)
.
المطلب الثاني: الألفاظ الواردة في تسوية الصفوف:
لقد تنوعت ألفاظ المصطفى صلى الله عليه وسلم في تسوية الصفوف، وَسَأُوْرِدُ في هذا المبحث الألفاظ الثابتة، التي وقفت عليها من السنة، وَحَرِيٌ بكل إمام أن يقتدي بألفاظها، وأن ينوع العبارات، حينما يقوم بتسوية الصفوف؛ نشرًا للسنة، وتفهيمًا للمصلين بالنصوص الواردة في التسوية، كما هو الحال في كل سُنَّةٍ وردت على ألفاظ متعددة.
ومن تلك الألفاظ ما يلي:
الأول:
حديث أنس رضي الله عنه: "أَقِيمُوا صُفُوفَكم وتراصّوا"
(2)
.
الثاني:
حديث أنس رضي الله عنه: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة"
(3)
.
الثالث:
حديث أنس رضي الله عنه: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام
(1)
مثل سورة طه، النور، الصافات، الطور، الصف، الملك، الغاشية، الفجر.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف برقم (719) 1/ 145.
(3)
سبق تخريجه ص 26
الصلاة"
(1)
.
الرابع:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة"
(2)
.
الخامس:
حديث أبي مسعود رضي الله عنه: "استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم"
(3)
.
السادس:
حديث أنس رضي الله عنه: "أتموا الصفوف"
(4)
.
السابع:
حديث أنس رضي الله عنه: "أقيموا صفوفكم"
(5)
.
الثامن:
حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: "أقيموا صفوفكم ثلاثا" أي: قال تلك الكلمة ثلاثا
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم (433) 1/ 324.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة برقم (722) 1/ 145، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف برقم (435) 1/ 324.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم (432) 1/ 323.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم (434) 1/ 324.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الصلاة، باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف برقم (725) 1/ 146.
(6)
أخرجه أبو داود بلفظه في سننه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم (662) 1/ 234، وأحمد في مسنده برقم (18430) 30/ 378، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب مسح باطن الأذنين وظاهرهما برقم (160) 1/ 82، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2176) 5/ 549، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الوضوء، باب الدليل على أن الكعبين هما الناتيان في جانبي القدم برقم (362) 1/ 76. قال شعيب الأرنووط في تحقيق المسند:(صحيح) 30/ 378، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 3/ 236.
التاسع:
حديث ابن عمر رضي الله عنه: "أقيموا الصفوف، وحَاذوا بين المَنَاكِب، وَسُدوا الخلل، وَلِيْنُوا بأيدي إخوانكم، ولا تَذَرُوا فرجات للشيطان، ومن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله"
(1)
.
العاشر:
حديث أنس رضي الله عنه: "رصُّوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق"
(2)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف يرقم (666) 1/ 235، وأحمد في مسنده برقم (5724) 10/ 17، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الطهارة، باب إقامة الصفوف وتسويتها برقم (4967) 3/ 101، قال شعيب الأرنووط في تحقيق المسند:(إسناده صحيح) 10/ 17، وصححه الألباني انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/ 119، مشكاة المصابيح برقم (1102) 1/ 242.
(2)
أخرجه أبو داود بلفظه في سننه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم (667) 1/ 235. وابن حبان في صحيحه، بلفظ (وحاذوا بالأكتاف) كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2166) 5/ 539، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب إقامة الصفوف وتسويتها برقم (4960) 3/ 100، وصححه الألباني. انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/ 119، مشكاة المصابيح 1/ 240.
الحادي عشر:
حديث أنس رضي الله عنه: "أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر"
(1)
.
الثاني عشر:
حديث أنس رضي الله عنه: "استووا، استووا، استووا"
(2)
.
الثالث عشر: حديث أنس رضي الله عنه: "استووا، استووا"
(3)
الرابع عشر:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أحسنوا إقامة الصفوف"
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود بلفظه في سننه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف برقم (671) 1/ 236،، والنسائي في سننه، كتاب الإمامة، باب الصف المؤخر برقم (818) 2/ 93، وأحمد برقم (13439) 21/ 114، وابن حبان في صحيحه كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2155) 5/ 528، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب إتمام الصفوف المقدمة برقم (4972) 3/ 202، قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند:(حديث صحيح وإسناده قوي) 21/ 114، وصححه الألباني. انظر: مشكاة المصابيح 1/ 241، صحيح أبي داود 3/ 249.
(2)
أخرجه النسائي بلفظه في سننه، كتاب الإمامة، باب كم مرة يقول استووا برقم (813) 2/ 91. وصححه الألباني. انظر: مشكاة المصابيح 1/ 242.
(3)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (13838) 21/ 334. وقال شعيب الأرنووط في تحقيق المسند: اسناده صحيح على شرط مسلم. 21/ 334.
(4)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (10290) 16/ 199، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2179) 5/ 552، قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند:(إسناده صحيح على شرط مسلم) 16/ 199، وصححه الألباني. انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/ 120.
الخامس عشر:
حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها"
(1)
.
السادس عشر:
حديث أنس رضي الله عنه: "تَرَاصُّوا واعتدلوا"
(2)
.
السابع عشر:
حديث أنس رضي الله عنه: "اعتدلوا سووا صفوفكم"
(3)
.
فيظهر من تلك الألفاظ، أن تسوية الصف، تشمل عدة معان منها الإقامة، والاستواء، والمحاذاة، والتَّراص، وسد الفرج، وسأتناول هذه الضوابط في المبحث الرابع إن شاء الله تعالى بالتفصيل.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة برقم (430) 1/ 322.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (12255) 19/ 278. قال شعيب الأرنووط في تحقيق المسند (حديث صحيح وهذا إسناد قوي) 19/ 278.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف برقم (669) 1/ 236، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2168) 5/ 542، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب الإمام يعتمد على الشيء قبل افتتاح الصلاة وبعده برقم (5135) 3/ 130، وضعفه الألباني انظر:(مشكاةالمصابيح 1/ 241) وقال شعيب الأرنؤوط في تعيلقه على صحيح ابن حبان: إسناده ضعيف. 5/ 542.
المبحث الثاني
حكم تسوية الصف، وأثره على صحة الصلاة
اتفق الفقهاءُ على مشروعيةِ تسويةِ الصَّف، وذلك للأحاديث الواردة المتواترة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله، ولفعل الخلفاء الراشدين من بعده؛ وذلك لأن التسوية، تتعلقُ بركنٍ عظيم من أركان الإسلام ـ الصلاة ـ وقد نقلَ ابنُ عبد البر الإجماعَ، على مشروعية ذلك
(1)
.
واختلف الفقهاء في حكم التسوية، هل هو سنة، أو واجب، على قولين:
القول الأول: أن تسوية الصف سنة
.
وبه قال عامة الفقهاء، من الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
. واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
الدليل الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
…
وأقيموا
(1)
انظر: الاستذكار 2/ 288.
(2)
انظر: تبيين الحقائق 1/ 136، درر الحكام شرح غرر الأحكام 1/ 396.
(3)
انظر: الفواكه الدواني 1/ 211.
(4)
انظر: المهذب 1/ 95، المجموع 4/ 197، الحاوي للفتاوى 1/ 53، المنهج القويم 1/ 345، نهايةالزين 1/ 132.
(5)
انظر: المغني 1/ 638، الإنصاف 2/ 39. النكت والفوائد السنية 1/ 114.
الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة"
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن حسن الشيء زيادة على تمامه، فدل على أن الصلاة تامة، وأن تسوية الصف زيادة حسن وجمال.
ونوقش:
بأن رواية "فإن تسوية الصف من تمام الصلاة"
(2)
ترد هذا الاستدلال، بمعنى أن من لم يقم الصف، فإن صلاته ناقصة.
ويجاب عنه:
بأنه قد يؤخذ من قوله: "من تمام الصلاة" أنه مستحب، لأنه لم يذكر أنه من أركانها، ولا واجباتها، وتمام الشيء أمرٌ زائدٌ على حقيقته، التي لا يتحقق إلا بها في مشهور الاصطلاح .. )
(3)
.
الدليل الثاني:
حديث أنس رضي الله عنه حيث قال: "مَا أَنْكَرْتُ شيئًا، إلا أنكم لا تُقِيْمُون الصفوف"
(4)
.
وجه الاستدلال:
أن أنس رضي الله عنه لم يأمرهم بالإعادة ولو كان واجبًا لأمرهم بها.
(1)
سبق تخريجه ص 36.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحيه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم (435) 1/ 324.
(3)
انظر: طرح التثريب 2/ 289.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إثم من لم يتم الصفوف برقم (724) 1/ 146.
وَنُوْقِشَ:
بأن تسوية الصف إنما هو واجب للصلاة، خارج عن هيئتها، لا تبطل الصلاة بتركه.
(1)
القول الثاني: أن تسوية الصف، واجبة
.
وبه قال البخاري
(2)
، وابن حزم
(3)
، وشيخ الإسلام ابن تيمية
(4)
، والشوكاني،
(5)
واللجنة الدائمة
(6)
، وابن باز
(7)
، وابن عثيمين
(8)
وغيرهم، واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سووا صفوفكم"
(9)
.
الدليل الثاني:
حديث أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه، قبل أن يكبر فيقول: "تراصوا واعتدلوا"
(10)
.
(1)
انظر: الشرح الممتع 3/ 10.
(2)
انظر: صحيح البخاري 1/ 254.
(3)
انظر: المحلى 4/ 52.
(4)
انظر: الفتاوى الكبرى 4/ 416.
(5)
انظر: نيل الأوطار 3/ 230.
(6)
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة برقم 4172.
(7)
انظر: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 200
(8)
انظر: الشرح الممتع 3/ 10
(9)
سبق تخريجه في ص 26.
(10)
سبق تخريجه في ص 39.
الدليل الثالث:
حديثُ أنس رضي الله عنه قال: "أقيموا صفوفكم، وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري"
(1)
.
وجه الدلالة من الأحاديث:
أن الألفاظ الواردة فيها (سووا، تراصوا، اعتدلوا، أقيموا
…
) وردت بصيغة الأمر، والأمر يقتضي الوجوب، ما لم يوجد صارف عنه.
الدليل الرابع:
حديثُ النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَتُسَوُّن صفوفكم، أو لَيُخَالِفَن الله بين وجوهكم"
(2)
.
وجه الدلالة من الحديث من وجهين:
الوجه الأول:
أن (اللام) في قوله صلى الله عليه وسلم: (لَتُسَوُّن صفوفكم)، واقعة في جواب قسم مقدر، وتقدير الكلام: والله لَتُسَوُّن، فالجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات هي: القسم، واللام، والنون، وهذا خبر فيه تحذير
(3)
.
الوجه الثاني:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم به، وتوعده على مخالفته لا يكونان إلا على واجب.
الدليل الخامس:
أثر عن عمر رضي الله عنه ما يدل على الوجوب، فقد صح عنه رضي الله عنه
(1)
سبق تخريجه في ص 36.
(2)
سبق تخريجه ص 26.
(3)
الشرح الممتع 3/ 10.
"أنه كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا جاءوه فأخبروه أن قد استوت كبر"
(1)
وكان عثمان رضي الله عنه يفعل قريبا من ذلك
(2)
.
وجه الاستدلال
من وجهين:
الوجه الأول:
أمره رضي الله عنه بتسوية الصفوف، وعدم تكبيره حتى تعتدل الصفوف، والأمر يقتضي الوجوب.
الوجه الثاني:
أنه كان يقوم بتسوية الصفوف بنفسه، ويأمر غيره بالتسوية أيضًا، ففيه المبالغة، والمتابعة، والحرص على أن تكون الصفوف معتدلة، فدل ذلك على وجوب التسوية.
الدليل السادس:
حديثُ أنس رضي الله عنه حينما قدم المدينة، حيث قال:"ما أنكرت شيئًا، إلا أنكم لا تُقِيْمُونَ الصُّفوف"
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن الإنكار يستلزم الُمْنَكر، ولا يكون الإنكار غالبًا، إلا على ترك واجب، مع أنه قد يقع على ترك السُّنن
(4)
.
(1)
أخرجه مالك في الموطأ بلفظه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في تسوية الصفوف برقم (373) 1/ 158، وعبد الرزاق مصنفه، كتاب الصلاة، باب الصفوف برقم (2439) 2/ 47، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب لا يكبر الإمام حتى يأمر بتسوية الصفوف خلفه، برقم (2125) 2/ 21.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب الصفوف برقم (2440) 2/ 47.
(3)
سبق تخريجه ص 41.
(4)
انظر: فتح الباري 2/ 210.
ويجاب عنه:
بأن ذلك مجرد احتمال والظاهر من الأثر، الأمر بالتسوية، والنهي عن عدمها.
الدليل السابع:
أثر عن بلال رضي الله عنه ما يدل على الوجوب فقد ثبت عن سويد بن غفلة أنه قال: "كان بلال يضرب أقدامنا في الصلاة، ويسوي مناكبنا"
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن فعل بلال وتسويته المَنَاكِب، والمعاقبة على عدم الامتثال بالضرب، يدل على وجوب التسوية.
قال ابن حزم
(2)
: "فهذا بلال ما كان ليضرب أَحَدًا، على غير الفرض".
ونوقش:
بأنه كان رضي الله عنه يريد التعزير، على ترك السُّنة
(3)
.
الراجح: من خلال عرض الأقوال، والأدلة، والمناقشة، يتضح رجحان القول الثاني- القول بوجوب التسوية -؛ لقوة أدلتهم؛ وصراحتها؛ وسلامة غالبها من المناقشة، في مقابل ما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة والله أعلم.
(1)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف، كتاب الصلاة، باب الصفوف برقم (2435) 2/ 47، والمحلى 4/ 59.
(2)
المحلى 4/ 59.
(3)
انظر: فتح الباري 2/ 210.
وببيان القول الراجح، بوجوب التسوية، يحسن التعرض إلى فرعين:
الفرع الأول: أثر عدم التسوية على صحة الصلاة:
تتفق أقوال الفقهاء على أن الصلاة صحيحة، مع ترك التسوية. إلا ابن حزم فيرى البطلان
(1)
.
قال الحافظ في الفتح
(2)
: "ومع القول بأن التسوية واجبة، فصلاة من خالف، ولم يُسَوِّ صحيحة لاختلاف الجهتين. يؤيد ذلك أن أنسًا رضي الله عنه، مع إنكاره عليهم، لم يأمرهم بإعادة الصلاة".
قال الشيخ ابن عثيمين
(3)
رحمه الله حول هذه المسألة: " (بطلان صلاة من لم يسو الصف) فيه احتمال، قد يقال: إنها تبطل؛ لأنهم تركوا الواجب، ولكن احتمال عدم البطلان مع الإثم أقوى؛ لأن التسوية واجبة للصلاة، لا واجبة فيها، يعني أنها خارج عن هيئتها، والواجب للصلاة يأثم الإنسان بتركه، ولا تبطل الصلاة به، كالأذان مثلاً، فإنه واجب للصلاة، ولا تبطل الصلاة بتركه". ولأن الأصل صحة الصلاة، وترك التسوية، ليس من مبطلات الصلاة.
(1)
انظر: المحلى 4/ 52.
(2)
فتح الباري 2/ 210.
(3)
الشرح الممتع 3/ 10.
الفرع الثاني: حصول الإثم بترك التسوية
.
مما سبق ترجيحه بالقول بوجوب التسوية يظهر والله أعلم، أن إثم المخالفة بترك التسوية يقع على الإمام أولا إذا ترك الأمر بتسوية الصف؛ لأنه هو المأمور بذلك، وهو الذي يقابل المصلين، وينظر إليهم، ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده، كما في حديث النعمان رضي الله عنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القِدَاح، حتى إذا رأى أنّا قد عَقَلْنَا عنه، ثم خرج يوما، فقام حتى إذا كاد أن يكبر، فرأى رجلاً باديًا صدره، فقال: عباد الله لَتُسَوُّن صفوفكم، أو لَيُخَالِفَن الله بين وجوهكم"
(1)
، وكذلك ما أثر عن عمر رضي الله عنه، وغيره، وإذا قام بذلك واجتهد، ولم يقم المأموم بما أمر به فإن الذي يأثم هو المأموم، لعدم امتثاله.
كما ينبغي للمأمومين أن يجتهدوا في تسوية صفوفهم، والتّراص في الصف، وسد الفرج، وإكمال الصف الناقص، وغير ذلك من الأمور، التي هي من ضوابط تسوية الصف.
(1)
سبق تخريجه ص 26.
المبحث الثالث
ضابط تسوية الصف، وما يلحق به
المطلب الأول: إذا كان المأموم واحدا:
الضابط للتسوية في هذه الحال: هو الوقوف عن يمين الإمام ملاصقا له، واختلف في صورة هذه الوقفة على قولين:
القول الأول:
أن يتقدم الإمام قليلا؛ حتى يتميز عن المأموم، وتكره محاذاته.
وبه قال المالكية
(1)
والشافعية
(2)
.
قال النَّفراوي: "وَيُنْدَب له أن يتأخر عنه قليلاً، بحيث يتميز الإمام من المأموم، وتكره محاذاته"
(3)
.
وقال الأنصاري: "يُسْتَحَبُّ أن يقف الذكر ولو صبيًّا، إذا لم يحضر غيره، عن يمين الإمام، وأن يتأخر عنه قليلاً، استعمالاً للأدب، وإظهارًا لرتبة
(1)
انظر: الفواكه الدواني 1/ 210، حاشية العدوي 1/ 386.
(2)
انظر: أسنى المطالب في شرح روضة الطالب 1/ 222، حاشية الجمل 1/ 539، فتح المعين 2/ 22.
(3)
الفواكه الدواني 1/ 210.
الإمام، على رتبة المأموم، فإن ساواه، أو وقف عن يساره، أو خلفه كره"
(1)
.
وعللوا ذلك بما يلي:
الأول: حتى يتميز الإمام عن المأموم.
(2)
الثاني: استعمالاً للأدب مع الإمام؛ وإظهارًا لِرُتْبَتِهِ؛ وحتى يتم الاقتداء به.
(3)
وحتى يتم الاحتراز من الوقوع في المنهي عنه، وهو التقدم على الإمام.
ويناقش:
بأن هذه التعليلات في مقابل النصوص الثابتة
(4)
، فلم يبق في التعليلات حجة.
القول الثاني:
أن التسوية تكون بالمحاذاةِ
(5)
مع الإمام.
وبه قال الحنفية
(6)
، والحنابلة
(7)
، وهو اختيار البخاري
(8)
،
(1)
أسنى المطالب في شرح روضة الطالب 1/ 222.
(2)
انظر: الفواكه الدواني 1/ 210.
(3)
انظر: أسنى المطالب في شرح روضة الطالب 1/ 222.
(4)
ستأتي قريبا في أدلة القول الثاني.
(5)
وضابط المحاذاة: التساوي بالمَنَاكِب في أعلى البدن، والأَكْعُبِ في أسفل البدن، بحيث لا يتقدم عليه، ولا يتأخر، وهذا في حال الاعتدال، أما إذا كان الشخص مُحْدَوْدِبَ الظهر فلا عبرة بالمَنَاكِب، لعدم إمكانية تساويها، وإنما العبرة بالأكعب فقط، ولا ينظر إلى مقدمة القدم، لاختلافها في الطول والقصر. انظر: الشرح الممتع 3/ 10.
(6)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 159، تبيين الحقائق 1/ 136.
(7)
انظر: الإنصاف 2/ 39.
(8)
بوب البخاري رحمه الله في صحيحه "باب يقوم عن يمين الإمام بِحِذَائهِ، سواء إذا كانا اثنين" 1/ 141
وابن حجر
(1)
، وابن باز
(2)
، وابن عثيمين
(3)
.
قال الكاساني: "المختار هو الوقوف على يمين الإمام، إذا كان معه رجل واحد، ثم إذا وقف عن يمينه، لا يتأخر عن الإمام في ظاهر الرواية"
(4)
.
وقال في تبيين الحقائق
(5)
: "ويقف الواحد عن يمينه أي عن يمين الإمام مساويا له".
وقال في منار السبيل
(6)
: "ويقف الرجل الواحد عن يمينه، محاذيًا له" واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "نمت عند ميمونة رضي الله عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة، فتوضأ، ثم قام يصلي، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نَفَخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن، فخرج فصلى، ولم يتوضأ
(7)
.
(1)
قال ابن حجر: (أي مساويًا له في الموقف من غير تقدم، ولا تأخر) انظر: فتح الباري 2/ 190.
(2)
انظر: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 199.
(3)
انظر: الشرح الممتع 3/ 11.
(4)
بدائع الصنائع 1/ 159.
(5)
تبيين الحقائق 1/ 136.
(6)
منار السبيل 1/ 126.
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الأذان، باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام، فحوله الإمام عن يمينه، لم تفسد صلاتهما برقم (698) 1/ 141، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه برقم (763.) 1/ 525.
الدليل الثاني:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُصَلي، فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فَأَدَارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا، حتى أقامنا خلفه"
(1)
.
الدليل الثالث:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته قال: فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا"
(2)
.
وجه الدلالة من الأحاديث:
أن ظاهر فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس، وجابر، وأنس رضي الله عنه يدل على المحاذاة وعدم التأخر عنه صلى الله عليه وسلم إذ لو كان فيه تأخر لنقل، لتكرر الحادثة ولحرص الصحابة رضي الله عنه على فعل السنة ونقلها.
الدليل الرابع:
الأثر الذي رُوِيَ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنه قال: "دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوجدته يُسَبِّح، فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حذاءه، عن يمينه"
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، بطولة في آخر كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر برقم (3010) 4/ 2305.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير، وخمرة، وثوب، وغيرها من الطاهرات برقم (660.) 1/ 457.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ بلفظه، كتاب النداء للصلاة، باب جامع سبحة الضحى برقم (360.) 1/ 154، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب الرجلين يأتمان برجل برقم (4939) 3/ 96، وصحح إسناده ابن الأثير، انظر:(جامع الأصول 5/ 605)
الترجيح:
من خلال عرض القولين يظهر والله أعلم، أن القول الثاني هو الراجح _ أن التسوية تكون بالمحاذاةِ مع الإمام _؛ وذلك للأدلة الواضحة؛ ولموافقة فهم الصحابة، الذين هم خير القرون؛ ولما أورد على تعليلات القول الأول من مناقشة.
المطلب الثاني: إذا كان مع الإمامِ صفٌ واحدٌ:
إذا كان وراء الإمام صفٌّ واحدٌ فإن ضابط التسوية، وكمالها، في هذه الحال تكون بما يلي:
الضابط الأول: بالمحاذاة بين المأمومين، وذلك من الأعلى بالمَنَاكِب
، ومن الأسفل بالأكعب، وأدلة هذا الضابط:
الدليل الأول:
حديثُ النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ثلاثًا، والله لَتُقِيْمُنَّ صفوفكم، أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين قلوبكم، قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه"
(1)
.
(1)
أخرجه أبوداود في سننه كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم (622) 1/ 234، وأحمد في مسنده برقم (18430) 3/ 378، وابن خزيمة في صحيحه كتاب الوضوء، باب مسح باطن الأذنين وظاهرهما برقم (160) 1/ 82، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الطهارة، باب الدليل على أن الكعبين هما الناتئان في جانب القدم برقم (362) 1/ 76، قال الألباني (صحيح) انظر: صحيح أبي داود 3/ 236.
الدليل الثاني:
حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري"
(1)
"وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، ولو ذهبت تفعل ذلك لترى أحدهم كأنه بغل شُمُوس"
(2)
(3)
.
وجه الدلالة من الحديثين:
أن الصفة المذكورة في الحديثين تدل دلالة واضحة، وصريحة، على أن التسوية تكون بالمحاذاة، والمساواة، بدليل إلصاق المَنْكِب بالمَنْكِب، والركب بالركب، والقدم بالقدم.
الدليل الثالث:
عن عاصم عن أبي عثمان قال: "ما رأيت أَحَدًا كان أشد تعاهدًا للصف من عمر رضي الله عنه إن كان يستقبل القبلة، حتى إذا قلنا قد كبر، التفت فنظر إلى المَنَاكِب، والأقدام، وإن كان يبعث رجالاً يطردون الناس حتى يلحقوهم بالصفوف"
(4)
.
(1)
سبق تخريجه انظر: ص 36
(2)
الشموس: بضم المعجمة والميم: الفرس يستعصي على راكبه، انظر: المصباح المنير 1/ 322.
(3)
هذه الزيادة أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الصلاة، باب ما قالوا في إقامة الصف برقم (3524) 1/ 308.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الصلوات، باب قالوا في إقامة الصفوف برقم (3537) 1/ 309.
وجه الدلالة:
أن عمر رضي الله عنه كان يتعاهد الصفوف، وينظر إلى المَنَاكِب، والأقدام التي هي محل تسوية الصف، والضابط له.
الضابط الثاني:
التَّراص في الصف، وسد الفرج، والتقارب بين المأمومين
(1)
.
وأدلة هذا الضابط:
الدليل الأول:
حديثُ جابر بن سمرة رضي الله عنه قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تَصُفوُّنَ كما تصف الملائكة عند ربهم، قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: يتمون الصف الأول، ثم يَتَرَاصُوْنَ في الصف"
(2)
.
الدليل الثاني:
حديثُ ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المَنَاكِب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ للشيطان، ومن وَصَلَ صفًّا، وصله الله، ومن قطع صفًّا، قطعه الله"
(3)
.
الضابط الثالث: تفضيل ميمنة الصف، على يساره
، وذلك إذا تساوى
(1)
انظر: بريقة محمودية 6/ 179، الفتاوى الكبرى 2/ 443، إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام 1/ 195.
(2)
سبق تخريجه ص 25.
(3)
سبق تخريجه ص 38
ميمنة الصف مع يساره، أو تقاربا،
(1)
بحيث لا يظهر جليًّا الفرق بينهما، فإن اليمين أفضل، وذلك للأدلة العامة، ومنها:
الدليل الأول:
حديثُ عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التَّيَمُّنُ في تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِه، وَطُهُوْرِهِ، وفي شأنه كله"
(2)
.
الدليل الثاني:
حديثُ عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله، وملائكته، يصلون على مَيَامِنِ الصفوف"
(3)
.
الدليل الثالث:
حديث البراء رضي الله عنه قال: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: رب قني
(1)
انظر: الإنصاف 2/ 40، الشرح الممتع 3/ 15.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل برقم (168) 1/ 45، ومسلم في صحيحه كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره برقم (268) 1/ 266.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر برقم (676) 1/ 237، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب فضل ميمنة الصف بلفظ (ميامين الصفوف) برقم (1005) 1/ 321، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل ميمنة الصف برقم (4980) 3/ 103، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2160) 5/ 533، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 241، قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق صحيح ابن حبان: إسناده حسن 5/ 533.
عذابك، يوم تبعث، أو تجمع عبادك"
(1)
.
الدليل الرابع:
الذي أخرجه عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني غير واحد، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "عليكم بميامن الصفوف
…
"
(2)
.
المطلب الثالث: إذا كان مع الإمام، أكثر من صف:
أما إذا كان وراء الإمام صفوف، فإن ضابط التسوية يتضمن التالي:
الضابط الأول:
بـ (المحاذاة، والتَّراص في الصف، وتفضيل يمين الصف) وسبق بيانها، وأدلتها
(3)
.
الضابط الثاني:
إكمال الأول فالأول. وأدلة هذا الضابط:
الدليل الأول:
حديثُ سمرة رضي الله عنه قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم، قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال يتمون الصف الأول، ثم يتراصون في الصف"
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب يمين الإمام برقم (709) 1/ 492.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب فضل ميامن الصفوف برقم (2477) 2/ 58.
(3)
انظر: المطلب الأول ص 48، والمطلب الثاني ص 52.
(4)
سبق تخريجه ص 25.
الدليل الثاني:
حديثُ أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا الصف الأول، ثم الذي يليه، فإن كان نَقْصٌ فليكن في الصف المُؤَخَّرِ"
(1)
.
الضابط الثالث:
تقارب الصفوف فيما بينها، بحيث لا يكون هناك مسافة واسعة بين الإمام، والصف الأول، وبين الصف الأول والذي يليه، وهكذا بقية الصفوف
(2)
. وذلك لأمور:
الأول:
أنه أدعى للاجتماع، فإن المسافة إذا زادت بين الصف والذي يليه كثيرًا، كان ذلك خللا في حصول الألفة، والاجتماع، الذي هو من مقاصد صلاة الجماعة.
الثاني:
أن الصفوف كلما كانت متقاربة متراصة كان ذلك أحسن وأجمل في هيئتها، وزيادة في هيبتها لعدوها.
الثالث: حصول تمام الاقتداء، فإن التقارب بين الصفوف، أدعى أن
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، بلفظ (المقدم) كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف برقم (671) 1/ 236، والنسائي في سننه بلفظه، كتاب الإمامة، باب الصف المؤخر برقم (818) 2/ 93، وأحمد في مسنده برقم (12352) 19/ 355، والبيهقي في السنن الكبرى، بلفظ (المقدم) كتاب الصلاة، باب إتمام الصفوف المقدمة برقم (4972) 3/ 102، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 241، قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: حديث صحيح وإسناده قوي 19/ 355.
(2)
سيأتي مبحثا مستقلا ـ بإذن الله ـ في الفصل السابع في المبحث الخامس ص 192.
يقتدي كل صف بالذي يليه في أفعال الصلاة، فالصف الذي يلي الإمام يقتدي بالإمام، ومن خلفهم يقتدي بالصف الأول وهكذا، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:"تقدموا فائتموا بي وليائتم بكم من بعدكم"
(1)
.
وقد بوب البخاري على هذا فقال: (باب الرجل يائتم بالإمام و يائتم الناس بالمأموم)
(2)
.
المطلب الرابع: إذا كان مع المأمومين صبيان:
إذا اجتمع الرجال، مع الصبيان ـ المميزين ـ فالضابط في هذه الحالة، فيه قولان:
القول الأول:
ذهب جمهور الفقهاء على تقديم الرجال وتأخير الصبيان.
(3)
سواء حضروا جميعا، أو تقدم بعضهم على بعض.
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى"
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم (438) 1/ 325.
(2)
صحيح البخاري 2/ 124.
(3)
انظر: بداية المبتدي 1/ 16، تبيين الحقائق 1/ 136، الاستذكار 1/ 271، المجموع 4/ 252، تحفة المحتاج 8/ 142، الكافي 1/ 189، الإنصاف 2/ 283.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول، برقم (438) 1/ 323.
وجه الدلالة:
أن الحديث أمر من النبي صلى الله عليه وسلم، وأقل أحواله الاستحباب.
(1)
الدليل الثاني:
حديثُ قيس بن عباد رضي الله عنه قال: "أتيت المدينة لألقى أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولم يكن فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أُبي فأقيمت الصلاة، وخرج عمر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت في الصف الأول، فجاء رجل فنظر في وجوه القوم، فعرفهم غيري، فَنَحَّاني، وقام في مكاني، فما عَقَلْتُ صلاتي، فلما صلى قال: يا بُنَي، لا يَسُوءُك الله، فإني لم آتك الذي أتيتك بجهالة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: كونوا في الصف الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك. وكان الرجل أُبي بن كعب"
(2)
.
الدليل الثالث:
حديثُ أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: "ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأقام الصلاة، وصف الرجال، وصف خلفهم الغلمان"
(3)
.
(1)
انظر: الشرح الممتع 4/ 277.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده بلفظه، برقم (21264) 35/ 186. والحاكم في مستدركه كتاب الفتن والملاحم برقم (8604) 4/ 571. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح في تحقيق المسند 35/ 186، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 246.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب مقام الصبيان في الصف برقم (677) 1/ 237، والطبراني في المعجم الكبير يرقم (3416) 3/ 281، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الصلاة باب الرجال يأتمون بالرجال ومعهم صبيان ونساء برقم (4946) 3/ 97، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 246.
الدليل الرابع:
أثر عن حذيفة رضي الله عنه أنه "كان يفرق بين الصبيان في الصف، أو قال: في الصلاة"
(1)
.
وإعمال هذا الضابط إذا لم يحصل من اجتماعهم لعب، أو تشويش على المصلين.
أما في حالة الخوف من اجتماعهم حدوث لعب، وتشويش على المصلين، فإنه في هذه الحال، لا يجمعون في مكان واحد، وإنما يوزعون بين الرجال، فيوضع بين كل رجلين صبي
(2)
، وذلك إعمال للقاعدة الفقهية (الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من المتعلقة بمكانها)
(3)
وكذلك إذا تعارض مصلحة تقديم الرجال على الصبيان، ومفسدة ما قد يحصل منهم من تشويش، ولعب، فإنه في هذه الحال تعمل القاعدة الفقهية (دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح)
(4)
وذلك إذا تساوتا أو رجحت المفاسد.
الدليل الخامس:
أُثِرَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان "إذا رأى غلاما
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الصلوات، باب إخراج الصبيان من الصف برقم (4170) 1/ 363.
(2)
انظر: نيل الأوطار 3/ 224، الشرح الممتع 4/ 277.
(3)
انظر: المنثور من القواعد 3/ 54، الأشباه والنظائر ص 147.
(4)
انظر: شرح فتح القدير 1/ 476، روضة الناظر 1/ 313، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/ 37،.
في الصف أخرجه"
(1)
.
الدليل السادس:
أن وجود أصحاب العقول والنهى (الرجال) وراء الإمام قد يحتاج إليهم، في فتح، أو استخلاف.
القول الثاني:
أن الصبيان إذا سبقوا إلى الصف الأول، والمكان الفاضل فهم أحق به من غيرهم، ولا يؤخرون عنه، وأدلة وهو قول ابن باز، وابن عثيمين.
(2)
قال ابن باز: "إذا كان الصبي مميزًا، عاقلاً، فلا يؤخر من مكانه؛ لأنه قد سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فكان أولى؛ ولما فيه من التشجيع للصبيان على المسابقة إلى الصلاة، وإذا كان دون التمييز، أو غير عاقل فإنه يؤخر؛ لأنه صلاته غير صحيحة"
(3)
.
الدليل الأول:
حديثُ ابن عمر رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه قلت لنافع ـ أحد رواة الحديث ـ الجمعة قال: الجمعة وغيرها"
(4)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الصلوات، باب إخراج الصبيان من الصف برقم (4169) 1/ 363.
(2)
الشرح الممتع 4/ 279.
(3)
مجموع فتاوى ابن باز 4/ 416.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الجمعة، باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد فيه برقم (911) 2/ 8، ومسلم في صحيحه كتاب السلام، باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه برقم (2177) 4/ 1714.
وجه الدلالة:
قال القرطبي:
(1)
"نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يقام الرجل من مجلسه، إنما كان ذلك لأجل أن السابق لمجلس قد اختص به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه، فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه".
الدليل الثاني:
أنه قد يحصل في إبعاد الصبي ـ الصبيان ـ عن مكانه الذي سبق إليه تنفير له، وقد يؤدي أيضا إلى كره المساجد ومن فيها، ويقع في نفسه بغض الشخص الذي أخره، والحقد عليه، وهذا مخالف لمقاصد الصلاة من الألفة، والمحبة، وغيرها من المقاصد الشرعية
(2)
.
الدليل الثالث:
أن إبعاد الصبيان عن أماكنهم التي سبقوا إليها، لم يستفض نقله عن سلف الأمة، وأما ما ورد عن بعض الصحابة من تأخير الصبي، فهو محمول على الصبي الذي لا يعقل الصلاة، ويكثر العبث فيها.
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 5/ 509.
(2)
انظر: أحكام حضور المساجد ص 76.
المطلب الخامس: إذا كان مع المأمومين صفُّ نساءٍ: وضابط التسوية في هذه الحال:
الضابط الأول:
أخذهن بما تقدم من المحاذاة بالمَنَاكِب، والأكعب، والتَّراص، وإكمال الصف الأول فالأول
(1)
. وذلك لأن الأصل استواء الرجال، والنساء في الأحكام، إلا ما دل الدليل على خصوصيته.
الضابط الثاني:
بتأخيرهن عن صفوف الرجال، وبعدهن عنهم؛ درءا للفتنة، والاختلاط، وتحقيقا لمقصد العبادة
(2)
.
دليل هذا الضابط: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
…
وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"
(3)
.
(1)
سبق التفصيل في هذه الضوابط في المطالب السابقة وذكر أدلتها.
(2)
انظر: الشرح الممتع 3/ 16.
(3)
أخرجه مسلم، في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول، برقم (440) 1/ 326.
الفصل الثاني
أحكام صفوف الرجال
ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: حكم مصافة المأموم الواحد.
المبحث الثاني: حكم مصافة الاثنين.
المبحث الثالث: حكم مصافة أكثر من اثنين.
المبحث الرابع: حكم من صف وحده خلف الصف.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: بالنسبة للرجال.
المطلب الثاني: بالنسبة للنساء.
المبحث الأول
حكم مصافة المأموم الواحد
ذهب عامة الفقهاء
(1)
رحمهم الله، على مشروعية وقوف المأموم الواحد، عن يمين الإمام محاذيًا له، ومن نصوصهم ما يلي:
قال الزيلعي: "ويقف الواحد عن يمينه"
(2)
.
وقال في هذيب المدونة: "وإن صلى معه رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه"
(3)
وقال القيرواني: "والرجل الواحد مع الإمام يقف عن يمينه"
(4)
.
وقال الماوردي: "إذا أم رجلٌ رجلاً، فالسنة أن يقف عن يمين الإمام"
(5)
.
وقال ابن قدامة: "وإذا كان المأموم واحدا ذكرًا، فالسنة أن يقف عن يمين
(1)
انظر: تبيين الحقائق 1/ 136، المدونة 1/ 86، بداية المجتهد 1/ 148، المهذب 1/ 99،. الكافي 1/ 189.
(2)
تبيين الحقائق 1/ 136.
(3)
تهذيب المدونة 1/ 96، وانظررسالة القيرواني 1/ 36، الذخيرة 1/ 259، القوانين الفقهية 1/ 49.
(4)
رسالة القيرواني 1/ 36.
(5)
الحاوي الكبير 2/ 339.
الإمام، رجلاً كان أو غلامًا"
(1)
. واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
حديثُ ابن عباس رضي الله عنهم قال: "نمت عند ميمونة رضي الله عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة، فتوضأ، ثم قام يصلي، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نَفَخَ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن، فخرج فصلى ولم يتوضأ"
(2)
.
الدليل الثاني:
حديثُ جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فأخذ بأيدينا جميعًا، فدفعنا حتى أقامنا خلفه"
(3)
.
الدليل الثالث:
حديثُ أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا"
(4)
.
الدليل الرابع:
أُثِرَ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "دخلت
(1)
المغنى 2/ 24.
(2)
سبق تخريجه ص 50.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، بطولة في آخر كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، برقم (3010) 4/ 2305.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير، وخمرة، وثوب، وغيرها من الطاهرات، برقم (660.) 1/ 457.
على عمر بن الخطاب، فوجدته يُسَبِّح، فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حِذَاءَهُ، عن يمينه"
(1)
.
الدليل الخامس:
روى ابن جريج قال: قلت لعطاء: "الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه؟ قال: إلى شِقِّهِ الأيمن"
(2)
.
وجه الدلالة من الأحاديث والآثار:
أنها تدل صراحة، على أن المشروع للمأموم الواحد أن يقف عن يمين الإمام، وأنه ينبغي للإمام أن يحول من وقف عن يساره إلى يمينه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
واختلف الفقهاء، فيما إذا خالف المأموم الهيئة المشروعة المتفق عليها، فصلى المأموم عن يسار الإمام، فهل صلاته صحيحة أم لا؟ على قولين:
القول الأول:
لا تصح صلاته، إذا صلى ركعة كاملة، وهي رواية عند الحنابلة
(3)
.
قال في الفروع:
(4)
"ومن صلى عن يساره، ركعة فأكثر، مع خلو يمينه لم يصح".
(1)
سبق تخريجه ص 51.
(2)
انظر: فتح الباري 2/ 191.
(3)
انظر: الإنصاف 2/ 282، الفروع 2/ 24.
(4)
الفروع 2/ 24
وقال المرداوي: "فإن لم يكن عن يمينه أحد فالصحيح من المذهب أن صلاته لا تصح إذا صلى ركعة منفردًا"
(1)
. واستدلوا على ذلك بما يلي:
الدليل الأول:
حديثُ ابن عباس رضي الله عنهم السابق في الأدلة على مشروعية وقوف المأموم الواحد، عن يمين الإمام
(2)
.
الدليل الثاني:
حديثُ جابر بن عبد الله رضي الله عنهم السابق
(3)
.
وجه الاستدلال من الحديثين:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أدارهما من يساره إلى يمينه، فدل على أن اليسار غير موقف للمأموم الواحد، فإذا وقف فيه بطلت صلاته.
ونوقش الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول:
أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس، وجابر رضي الله عنهم، فعل مجرد، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب
(4)
.
الوجه الثاني:
أنه لو كان للوجوب، لقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: لا تعد لمثل هذا، كما قال ذلك لأبي بكرة رضي الله عنه عندما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع،
(1)
الإنصاف 2/ 282.
(2)
سبق تخريجه ص 50.
(3)
انظر: ص 50.
(4)
هذه من القواعد الأصولية انظر: موسوعة أصول الفقه 56/ 73، أصول الفقه على منهج أهل الحديث 1/ 54.
فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"زادك الله حرصا ولا تعد"
(1)
.
(2)
الوجه الثالث:
أن الصلاة إذا اكتملت شروطها، وواجباتها، وأركانها، فإنها صحيحة، حتى يوجد دليل صحيح صريح يدل على البطلان، ولا يوجد، وتحويل النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وجابر، يدل على الأفضلية فقط؛ لأنه لم ينه عنه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
(3)
ويناقش:
بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرة رضي الله عنه لأنه يحتاج لهذا البيان، ولم يقل لابن عباس رضي الله عنه، لأنه قد بين له بالفعل، وذلك بتحويله من جهة اليسار إلى اليمين.
القول الثاني:
أن صلاته صحيحة، مع الكراهة.
وبه قال الحنفية
(4)
والمالكية
(5)
والشافعية
(6)
وهو رواية عند الحنابلة، قال
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف برقم (783) 1/ 156.
(2)
ذكر الوجه الأول والثاني ابن عثيمين في الشرح الممتع 4/ 267.
(3)
انظر: السنن الكبرى للبيهقي 3/ 98، والمهذب 1/ 100.
(4)
انظر: المبسوط 1/ 43، وبدائع الصنائع 1/ 159. تبيين الحقائق 1/ 136.
(5)
انظر: المدونة 1/ 86. حاشية الدسوقي 1/ 331، بلغة السالك 1/ 290.
(6)
انظر: الأم 1/، 169، المهذب 1/ 100، المجموع 4/ 251، إعانة الطالبين 2/ 25.
في الفروع: وهو أظهر
(1)
، وهو اختيار عبد الرحمن بن سعدي
(2)
، وابن باز
(3)
، والشيخ ابن عثيمين
(4)
جاء في الفتاوى الهندية
(5)
: "ولو وقف على يساره جاز، وقد أساء".
وقال مالك:
(6)
"في رجلين صليا فقام الذي ليس بإمام عن يسار الإمام إن علم بذلك، قبل أن يفرغ من صلاته، أداره إلى يمينه، وإن لم يعلم بذلك حتى فرغ، فصلاته تامة".
وقال الشافعي: "وإذا أم رجلٌ رجلاً، فوقف المأموم عن يسار الإمام، أو خلفه كرهتُ ذلك لهما، ولا إعادة على واحد منهما، وأجزأت صلاته"
(7)
.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
الدليل الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهم قال: "نمت عند ميمونة رضي الله عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة، فتوضأ، ثم قام يصلي، فقمت عن يساره،
(1)
انظر: الفروع 2/ 24. الإنصاف 2/ 282.
(2)
انظر: المختارات الجليلة ص 45.
(3)
نقل عنه ذلك صاحب كتاب صلاة المؤمن 1/ 561.
(4)
انظر: الشرح الممتع 4/ 268.
(5)
الفتاوى الهندية 1/ 88.
(6)
المدونة 1/ 86.
(7)
الأم 1/ 169.
فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن، فخرج فصلى ولم يتوضأ"
(1)
.
الدليل الثاني:
حديثُ جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدراني، حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فأخذ بأيدينا جميعا، فدفعنا حتى أقامنا خلفه"
(2)
.
وجه الدلالة من الحديثين:
أن إدارة النبي صلى الله عليه وسلم لهما من اليسار إلى اليمين، إنما نقلهما إلى المكان الفاضل، فدل على صحتها، ولم يأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم باستئناف التحريمة، وهي ركن من أركان الصلاة.
ونوقش:
بأن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم كانا معذورين بالجهل، ولا تقوم الحجة على الجاهل، إلا بعد العلم.
(3)
الدليل الثالث:
أن العبادات عمومًا ومنها الصلاة إذا اكتملت شروطها، وأركانها، وواجباتها، فإن الأصل الصحة، ولا تبطل إلا بدليل، ولا دليل هنا على البطلان.
(1)
سبق تخريجه ص 50.
(2)
سبق تخريجه ص 51
(3)
انظر: فتح الباري 2/ 212، سبل السلام 2/ 31.
الدليل الرابع:
أن جانب الإمام الأيسر أحد الجانبين، فصحت الصلاة فيه كالجانب الآخر
(1)
.
ونوقش:
بأن هذا القياس يصح لو كان مسكوتا عنه شرعا، لكنه عليه الصلاة والسلام، لم يقر من وقف عن يساره، بل حوله إلى جنبه الأيمن، فاختلف الجانبان في الحكم.
(2)
الترجيح:
بعد التأمل في القولين، وأدلتهما يظهر والله أعلم أن الراجح منهما هو القول الثاني، وأن الموقف المشروع، والأفضل، وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام؛ لقوته وصراحة أدلته؛ ولأن الأصل صحة الصلاة، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل صريح؛ ولما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة.
(1)
انظر: انظر: الأم 1/ 169، المبدع 2/ 83.
(2)
انظر: مفردات الحنابلة في مسائل الصلاة (رسالة دكتوراة) 2/ 578.
المبحث الثاني
حكم مصافة الاثنين
ذهب عامة الفقهاء
(1)
على أن مصافة الاثنين سواء كانا خلف الإمام، أو كان أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، أن ذلك غير مبطل للصلاة.
واختلفوا في أي الصفتين أفضل، على قولين:
القول الأول:
أن الإمام يقف بينهما (وسطهما).
وبه قال ابن مسعود رضي الله عنه
(2)
وصاحباه عَلْقَمةُ، والأسود، وأبو يوسف
(3)
وبعض الكوفيين
(4)
واستدلوا على ذلك:
الدليل الأول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وسطوا الإمام، وسدوا الخلل"
(5)
.
(1)
انظر: المبسوط 1/ 42، المدونة 1/ 86، المهذب 1/ 99، المغني 2/ 24.
(2)
ذكره عنه في المبسوط 1/ 42 والهداية 1/ 308، والمغنى 2/ 27.
(3)
انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام 1/ 379.
(4)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 158، العناية شرح الهداية 2/ 69، إكمال المعلم شرح مسلم، 2/ 354. نيل الأوطار 3/ 221.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب مقام الإمام من الصف برقم (681) 1/ 238، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب مقام الإمام من الصف برقم (4984) 3/ 104. وضعفه الألباني انظر: مشكاة المصابيح 1/ 243.
وجه الاستدلال:
قالوا: المعنى أجعلوه وسط الصف، فيما بينكم غير متقدم، ولا متأخر
(1)
.
ونوقش:
بأن الحديث ضعيف كما سبق تخريجه وبيان الحكم عليه.
(2)
وأيضا زيادة على ضعفه يرد عليه احتمالات عدة منها:
أولا:
يحتمل أن المراد اجعلوه مقابلاً لوسط الصف، الذي تصفون خلفه.
ثانيا:
يحتمل أن يكون من قولهم: فلان وَاسِطَةُ قومه، أي: خِيَارُهم، ومع الاحتمال لا ينهض الاستدلال به، وأيضا هو مهجور الظاهر بالإجماع، لأن ابن مسعود ومن معه قالوا بتوسط الإمام في الثلاثة، لا فيما زاد عليهم، فيقفون خلفه، وظاهر الحديث عدم الفرق بين الثلاثة وأكثر منهم
(3)
.
الدليل الثاني:
حديثُ عَلْقَمَةَ والأسود رضي الله عنهم، قالا: "أتينا عبد الله بن مسعود في داره، فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: لا، قال: فقوموا فصلوا فلم يأمرنا بأذان، ولا إقامة، قال: وذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، قال: فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا، قال:
(1)
انظر: نيل الأوطار، 3/ 221.
(2)
انظر: المصدر السابق. 3/ 221.
(3)
انظر: المصدر السابق. 3/ 221.
فضرب أيدينا، وطبق بين كفيه، ثم أدخلهما بين فخذيه، قال: فلما صلى، قال: إنه ستكون عليكم أمراء، يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك، فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، وإذا كنتم ثلاثة، فصلوا جميعا، وإذا كنتم أكثر من ذلك، فليؤمكم أحدكم، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه، وليجنأ
(1)
وليطبق بين كفيه، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراهم"
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن فعل عبد الله بن مسعود يدل على أن موقف الإمام من الاثنين أن يكون بينهما.
ونوقش: من وجوه:
الوجه الأول:
أن فعل ابن مسعود رضي الله عنه، كان لضيق المكان
(3)
.
ويجاب عنه:
أنه ورد في نص الحديث (وذهبنا لنقوم خلفه) فهذا يدل
(1)
ليجنأ: معناه الانحناء والانعطاف في الركوع، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 17.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه مرفوعًا وأخرجه من التطبيق موقوفًا على ابن مسعود في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق برقم (534) 1/ 378.
(3)
انظر: شرح معاني الآثار 1/ 307.
على أن المكان واسع
(1)
.
الوجه الثاني:
أن حديث ابن مسعود رضي الله عنه يدل على جواز ذلك، وحديث جابر وجبار رضي الله عنهم يدل على الأفضل، لأنه جعلهما خلفه، ولا ينقلهما إلا إلى الأكمل
(2)
.
الوجه الثالث:
قال بعض العلماء: إن حديث ابن مسعود رضي الله عنه موقوف عليه، وأعله بعضهم، وقال بعضهم، إنه منسوخ.
(3)
قال ابن باز رحمه الله: "والصواب أنه موقوف من اجتهاده أومنسوخ"
(4)
.
القول الثاني:
أن موقفهما المشروع خلف الإمام.
وبه قال الحنفية،
(5)
والمالكية،
(6)
والشافعية،
(7)
والحنابلة
(8)
.
(1)
انظر: الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام 1/ 405.
(2)
انظر: المغنى 2/ 24.
(3)
انظر: نصب الراية 2/ 33
(4)
نقل عنه صاحب كتاب صلاة المؤمن 1/ 562.
(5)
انظر: المبسوط 1/ 42، بداية المبتدي 1/ 16، تبيين الحقائق 1/ 136، حاشية ابن عابدين 1/ 532.
(6)
انظر: المدونة 1/ 86. بداية المجتهد 1/ 107، القوانين الفقهية 1/ 49.
(7)
انظر: الأم 1/ 169، المهذب 1/ 99.
(8)
انظر: المغنى 2/ 27، المبدع 2/ 81.
قال البابرتي
(1)
: "وإن أم اثنين، تقدم عليهما".
وقال الحطاب: "يستحب وقوف الرجل عن يمين إمامه، واثنان خلفه"
(2)
.
وقال النووي
(3)
: "إذا حضر إمام ومأمومان، تقدم الإمام، واصطفا خلفه، سوا كانا رجلين، أو صبيين، أو رجلا وصبيا، هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة، إلا عبد الله بن مسعود، وصاحبيه عَلْقَمَةَ والأسود".
وقال البهوتي: "السنة أن يقف المأمومون، رجالاً كانوا أو نساء، إن كانوا اثنين فأكثر، خلف الإمام"
(4)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول:
حديثُ أنس بن مالك رضي الله عنه، أن جدته مُلَيْكَة رضي الله عنها، دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، فأكل منه، فقال:"قوموا فلأصلي بكم، فقمت إلى حصير لنا، قد اسود من طول ما لبث، فَنَضَحْتُهُ بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واليتيم معي، والعجوز من ورائنا، وصلى بنا ركعتين"
(5)
.
(1)
العناية شرح الهداية 2/ 69.
(2)
التاج والإكليل 2/ 129.
(3)
المجموع 4/ 251.
(4)
حاشية الروض المربع 2/ 332.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب و ضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل، والطهور، برقم (860) 1/ 171، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير برقم (658) 1/ 457.
الدليل الثاني:
حديثُ جابر رضي الله عنه قال " .. قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره، فأخذنا بيديه جميعًا حتى أقامنا خلفه." الحديث
(1)
.
الدليل الثالث:
حديثُ عتبان بن مالك رضي الله عنه قال عتبان: فَغَدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال أَيْنَ تُحِبّ أن أصلي من بيتك قال فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر فقمنا فصفنا فصلى ركعتين ثم سلم" الحديث
(2)
.
وجه الاستدلال من الأحاديث:
أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع رضي الله عنه أنس واليتيم، ومع جابر وجبار، ومع عتبان رضي الله عنهم، أدلة صحيحة، صريحة، على أن الموقف المشروع للاثنين خلف الإمام.
الترجيح:
بعد التأمل في القولين، وأدلتهما، يظهر والله أعلم بالصواب أن
(1)
سبق تخريجه ص 51.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب إذا دخل بيتا يصلي حيث شاء أو حيث أمر، برقم (426) 1/ 93، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر برقم (33) 1/ 454.
القول بأن موقف المأمومين الاثنين، خلف الإمام ـ القول الثاني ـ هو الراجح؛ وذلك لقوة الأدلة؛ وصراحتها؛ ولما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة واحتمالات.
أما إذا وقف الإمام وسطهما فإن الصلاة صحيحة.
قال الكاساني: "لو قام الإمام وسطهما لا يكره لورود الأثر وكون التأويل من باب الاجتهاد".
(1)
قال الشافعي: "وكذلك إن أم اثنين، فوقفا عن يمينه، ويساره، أو عن يساره معا، أو عن يمينه، أو وقف أحدهما عن جنبه، والآخر خلفه، أو قفا معا خلفه منفردين، كل واحد منهما خلف الآخر، كرهت ذلك لهما، ولا إعادة على واحد منهما، ولا سجود للسهو".
(2)
قال البهوتي: "ويصح وقوفهم معه، أي مع الإمام عن يمينه، أو عن جانبيه".
(3)
وكذلك إذا وقفا عن يمينه، أو وقفا عن يساره، مع خلو يمينه، فقد خالفا السنة، وصلاتهم صحيحة، جائزة، على القول الراجح كما سبق في موقف المأموم الواحد
(4)
.
(1)
بدائع الصنائع 1/ 158.
(2)
الأم 1/ 169.
(3)
الروض المربع 1/ 75.
(4)
انظر: المبحث الأول في حكم مصافة المأموم الواحد. ص 69.
المبحث الثالث
حكم مصافة أكثر من اثنين
إذا كان مع الإمام ثلاثة فما فوق، فمما تقدم من أن موقف الاثنين خلف الإمام؛ لأنهم جماعة، فما كان أكثر من ذلك، فإن وقوفهم خلف الإمام من باب أولى، وهذا ما نص عليه أكثر الفقهاء.
قال الكاساني
(1)
: "إذا كان سوى الإمام ثلاثة، يتقدمهم لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل الأمة بذلك".
وجاء في الخلاصة الفقهية
(2)
"ووقوف اثنين فأكثر خلف الإمام".
وقال ابن القيم: "الإمام يسن له التقدم، والمؤتمون يسن في حقهم الاصطفاف"
(3)
.
وقد نقل الإجماع ابن قاسم
(4)
على أن موقف الاثنين، فأكثر خلف الإمام فقال: "بإجماع المسلمين سواء كانوا رجلين فأكثر، أو صبيين فأكثر، أو
(1)
بدائع الصنائع 1/ 159.
(2)
الخلاصة الفقهية على مذهب السادة الملكية 1/ 111، حاشية العدوي 1/ 386.
(3)
إ علام الموقعين 2/ 40.
(4)
حاشية الروض المربع 3/ 315.
رجلا وصبيا، عند العلماء كافة، إلا ابن مسعود، وصاحبيه، فيكونون صفا".
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
حديثُ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال:"أقيموا صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري"
(1)
.
الدليل الثاني:
حديثُ جبار بن صخر رضي الله عنه قال: "فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه"
(2)
.
قال النووي
(3)
: "فيه فوائد منها أن المأمومين يكونون صفًا وراء الإمام كما لو كانوا ثلاثة أو أكثر، وهذا مذهب العلماء كافة، إلا ابن مسعود، وصاحبيه، رضي الله عنهم فإنهم قالوا: يقف الاثنان عن جانبيه".
الدليل الثالث:
حديثُ سمرة بن جندب: رضي الله عنه "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا"
(4)
.
(1)
سبق تخريجه ص 36.
(2)
سبق تخريجه ص 51.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 163.
(4)
أخرجه الترمذي في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي مع الرجلين برقم (233.) 1/ 452. والطبراني في المعجم الكبير برقم (6951) 7/ 228، وضعفه الألباني انظر: مشكاة المصابيح 1/ 245.
الدليل الرابع:
حديثُ أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: "ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأقام الصلاة، وصف الرجال، وصف خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم
…
"
(1)
.
(1)
سبق تخريجه ص 58.
المبحث الرابع
حكم من صف وحده خلف الصف
وفيه مطلبان
المطلب الأول: بالنسبة للرجال:
اختلف الفقهاء في صلاة المنفرد خلف الصف، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن الرجل إذا صف وحده خلف الصف، فصلاته صحيحة مطلقا.
وهذا قول الحنيفة،
(1)
والمالكية،
(2)
والشافعية،
(3)
ورواية عند الحنابلة،
(4)
وقال في المجموع "حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري، والأوزاعي وأصحاب الرأي"
(5)
.
(1)
انظر: المبسوط 1/ 192، بدائع الصنائع 1/ 146، شرح فتح القدير 1/ 355، البحر الرائق 1/ 374.، حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح 1/ 244.
(2)
انظر: المدونة 1/ 106، الاستذكار 2/ 271، الكافي 1/ 47، الذخيرة 2/ 261، القوانين الفقهيةص 49،. حاشية الدسوقي 1/ 334.
(3)
انظر: الأم 1/ 169، حلية العلماء 2/ 181، الشرح الكبير 4/ 341،. المجموع 4/ 255.
(4)
انظر: الفروع 2/ 24. المبدع 2/ 87.
(5)
المجموع 4/ 255 للاستزادة انظر: الحاوي الكبير 2/ 340، المهذب 1/ 100،. مغني المحتاج 1/ 247.
الأدلة:
الدليل الأول:
حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه دخل المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم، راكع، قال: فركعت دون الصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، "زادك الله حرصا ولا تعد"
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن جزءا من الصلاة وقع خلف الصف، فإذا جاز الجزء، جاز سائر الأجزاء، ولو لم تكن جائزة، لأمره صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
قال البغوي
(2)
: "في هذا الحديث أنواع من الفقه، منها أن من صلى خلف الصف منفردا بصلاة الإمام، تصح صلاته، لأن أبا بكرة ركع خلف الصف، فقد أتى بجزء من الصلاة، خلف الصف، ثم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة".
وقد نقل ابن عبد البر، وجه استدلال الشافعي بحديث أبي بكرة رضي الله عنه على صحة صلاة المنفرد خلف الصف، قال
(3)
: "وإذا جاز الركوع للرجل خلف الصف وحده، أجزأ ذلك عنه، فكذلك سائر صلاته، لأن الركوع ركن من أركانها".
ونوقش:
بأن الاستدلال في غير محل النزاع، إذ أن أبا بكرة رضي الله عنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم، قبل الرفع من الركوع، ولم يصل خلف الصف ولا ركعة، وعذره
(1)
سبق تخريجه ص 66.
(2)
شرح السنة 3/ 378.
(3)
الاستذكار 2/ 271.
فيما فعله لجهله بتحريمه، وللجهل تأثير في العفو
(1)
. ولا يطلق عليه أنه صلى خلف الصف منفردا.
قال ابن تيمية: "وأما حديث أبى بكرة، فليس فيه أنه صلى منفردا خلف الصف، قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، فقد أدرك من الاصطفاف المأمور به، ما يكون به مدركا للركعة، فهو بمنزلة أن يقف وحده، ثم يجيء آخر فيصافه في القيام، فان هذا جائز باتفاق الأئمة"
(2)
.
الدليل الثاني:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن جدته مُلَيْكَة، دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لطعام صنعته فأكل، ثم قال: "قوموا فأصلي لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز وراءنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم)
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن الحديث دل على صحة وقوف المرأة وحدها خلف الصف، فيدل على صحة وقوف الرجل وحده، قياسا عليها، لأن المرأة تشارك الرجل في أحكام الصلاة
(4)
.
(1)
انظر: الموسوعة الفقهية 27/ 184.
(2)
مجموع الفتاوى 23/ 397.
(3)
سبق تخريجه ص 74.
(4)
انظر: الأم 1/ 169.
ونوقش:
أنه قد اتفق الفقهاء، على صحة وقوفها منفردة، إذا لم يكن في الجماعة امرأة غيرها، كما جاءت به السنة، والرجل ورد أمره بالمصافة، والنهي عن انفراده وحده، فيكون القياس غير صحيح
(1)
.
واعترض عليه:
بأن حال من لم يجد أحدا يصافه، هو مثل حال المرأة إذا لم يكن في الجماعة امرأة غيرها، ومن ثم فالقياس صحيح.
الدليل الثالث:
عن ابن عباس رضي الله عنهم، قال:"نمت عند ميمونة رضي الله عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة، فتوضأ، ثم قام يصلي، فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن، فخرج فصلى ولم يتوضأ"
(2)
.
الدليل الرابع:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدراني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه"
(3)
.
وجه الاستدلال من الحديثين:
حديث ابن عباس، وجابر رضي الله عنهم حينما أدارهما النبي صلى الله عليه وسلم من وراء ظهره، فقد
(1)
انظر: الاستذكار 2/ 270، الفتاوى الكبرى 2/ 429، إ علام الموقعين 2/ 40.
(2)
سبق تخريجه ص 50.
(3)
سبق تخريجه ص 51.
صليا جزءا من الصلاة خلف الصف، ولم يأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، والمفسد للصلاة يستوي فيه الكثير، والقليل، كالحدث.
ونوقش الاستدلال بهما من وجهين:
الوجه الأول:
بأن هذا انفراد جزئي، ومن فعل كما فعل ابن عباس، وجابر رضي الله عنهم، لم يسم مصليا خلف الصف بهذه الصفة.
(1)
الوجه الثاني:
أن ما فعله المصلي قبل الركوع لا يؤثر، فإن الإمام يحرم قبل المأمومين، ولا يضر انفراده بما قبل إحرامهم، وكذلك المأمومون يحرم أحدهم قبل الباقين فلا يضر، ولا يلزم من العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة
(2)
.
الدليل الخامس:
أن هذا الداخل إلى المسجد يريد الصلاة مع الجماعة، وَفعَل ما أُمر به، وقد أدى أركان الصلاة، وواجباتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به"
(3)
وقد ائتم بإمامه فكبر حين كبر.
ونوقش:
بأن هناك واجبات أخرى يجب مراعاتها، مثل المصافة ولم يأت
(1)
انظر: الشرح الممتع 4/ 270.
(2)
انظر: الفروع 2/ 25، المغني 2/ 24.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة، برقم (733) 1/ 147، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام برقم (411.) 1/ 308.
بها هذا المصلي.
(1)
واعترض عليه:
بأن الواجبات تسقط بالعجز، وهذا الذي لم يجد من يصافه، عاجز عن الإتيان بواجب المصافة، فيسقط عنه فتصح صلاته.
القول الثاني:
أن الرجل إذا صف وحده خلف الصف، وصلى ركعة فأكثر، فصلاته باطلة مطلقا.
وبه قال: الحنابلة في المشهور عنهم،
(2)
وهو قول إسحاق، والنخعي، والحكم، والحسن بن صالح، وابن المنذر، وابن حزم
(3)
.
(4)
وهو اختيار ابن باز
(5)
.
قال ابن قدامة:
(6)
"ومن صلى خلف الصف وحده، أو قام بجنب الإمام عن يساره، أعاد الصلاة، وجملته أن من صلى وحده ركعة كاملة، لم تصح صلاته".
(1)
انظر: الشرح الممتع 4/ 270.
(2)
انظر: مسائل الإمام احمد رواية ابنه عبد الله 1/ 113، الكافي 1/ 190، المبدع 2/ 87، المغني 2/ 22، مختصر الخرقي 1/ 33. مطالب أولي النهى 1/ 686.
(3)
انظر: المحلى 4/ 52.
(4)
انظر: المغني 2/ 22.
(5)
انظر: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 219.
(6)
المغني 2/ 22.
وقال ابن حزم:
(1)
"وأيما رجل صلى خلف الصف، بطلت صلاته".
الأدلة:
الدليل الأول:
عن وابصة بن معبد رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد". قال سليمان: الصلاة
(2)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر الرجل الذي صلى خلف الصف وحده، بإعادة الصلاة، فدل على بطلانها.
قال ابن باز
(3)
: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر من صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة
(1)
المحلى 4/ 52.
(2)
أخرجه وأبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي خلف الصف وحده برقم (682) 1/ 239، والترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده برقم (230) 1/ 445، وابن حبان في صحيحه، برقم (2199) 5/ 576، وروي هذا الحديث بأسانيد كثيرة مختلفة، من رواية هلال بن سياف عن عمرو بن راشد عن وابصة، كما أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب صلاة الرجل خلف الصف برقم (1004) 1/ 321، أحمد برقم (18002) 29/ 530، والدارمي في سننه، كتاب الصلاة، باب في صلاة الرجل خلف الصف وحده برقم (1286) 1/ 333، والطبراني في المعجم الكبير يرقم (385) 22/ 143، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (4990) 3/ 104، من رواية هلال بن سياف عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة رضي الله عنهم، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 243، قال الحافظ في الفتح: صححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما 2/ 268.
(3)
مجموع فتاوى ابن باز 12/ 223.
ولم يسأله هل وجد فرجة أم لا. فدل ذلك على أنه لا فرق بين من وجد فرجة في الصف ومن لم يجد، سدا لذريعة التساهل في الصلاة خلف الصف منفردا".
ونوقش:
بأن الأمر بالإعادة محمول على الاستحباب، بقرينة حديث أبي بكرة، حينما ركع خلف الصف، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة
(1)
.
واعترض عليه:
بأن الأصل في الأمر الوجوب، وحمله على الاستحباب يحتاج إلى دليل، ينقله من الوجوب إلى الاستحباب، ولا دليل على ذلك؛ ولأن أبا بكرة صلى خلف الصف، أقل من ركعة وهذا خارج محل النزاع.
الدليل الثاني:
حديث علي بن شيبان
(2)
رضي الله عنه قال: "قال خرجنا حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلينا خلفه، ثم صلينا وراءه صلاة أخرى، فقضى الصلاة، فرأى رجلا فردا خلف الصف، قال: فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف قال: استقبل صلاتك، لا صلاة للذي خلف الصف"
(3)
.
(1)
انظر: نصب الراية 2/ 39.
(2)
هو علي بن شيبان بن محرز بن عمروبن عبد الله الحنفي، السحيمي، اليمامي، يكنى بأبي يحي كان أحد الوفد من بني حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه.
انظر: (الإصابة 4/ 564، تهذيب التهذيب 7/ 292).
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده برقم (1003) 1/ 320، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب السير، باب ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر برقم (36081) 7/ 280، وأحمد في مسنده برقم (16297) 26/ 224، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الزجر عن صلاة المأموم خلف الصف وحده برقم (1569) 3/ 30، وابن حبان في صحيحه برقم (2202) 5/ 579، وصححه الألباني في الإرواء 2/ 329
وجه الدلالة:
الحديث فيه الأمر بإعادة الصلاة، وهذا يقتضي أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة.
ونوقش من وجوه:
الوجه الأول:
أن هذه قضية عين، لا نجزم بأن السبب هو كونه صلى خلف الصف، فقد يكون هناك سبب آخر، أوجب الأمر بإعادة الصلاة.
(1)
ويجاب عنه:
أن الواجب حمل النص على ظاهره المتبادر منه، إلا أن يدل دليل على خلافه، والمتبادر هنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالإعادة، لكونه صلى منفردا خلف الصف، كما يفيده سياق الكلام، والأصل عدم ما سواه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليدع بيان ذلك، لو كان كما ادعوا.
والقاعدة الأصولية تقول: (بأن ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال)
(2)
.
الوجه الثاني:
على فرض التسليم بأن السبب في البطلان، كونه صلى
(1)
انظر: الشرح الممتع 4/ 269.
(2)
قاعدة أصولية انظر: المحصول 1/ 78، البحر المحيط في أصول الفقه 2/ 304، القواعد والفوائد الأصولية 1/ 234.
خلف الصف وحده، فإن النفي الوارد في الحديث، يحمل على نفي كمالها، كما ورد في حديث "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان"
(1)
ومعلوم أن الإنسان لو صلى بحضرة طعام فصلاته صحيحة، ولو صلى وهو يدافع الأخبثين، فصلاته صحيحة، فالنفي نفي الكمال، لا نفي الصحة.
ويجاب عنه:
بأن النفي إذا وقع فله ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى:
أن يكون نفيا للوجود الحسي.
والمرتبة الثانية:
أن يكون نفيا للوجود الشرعي، أي: نفي للصحة، كما في حديث المسيء في صلاته
(2)
.
المرتبة الثالثة:
أن يكون النفي للكمال.
والحديث الذي معنا لا يمكن أن يكون نفيا للوجود، لأنه من الممكن أن يصلي الإنسان خلف الصف منفردا، فيكون نفيا للصحة، والصحة هي
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، برقم (560) 1/ 393.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة لإمام والمأموم برقم (757) 1/ 152، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم (397) 1/ 298.
الوجود الشرعي، لأنه ليس هناك مانع يمنع نفي الصحة.
(1)
الوجه الثالث:
أن الحديث قد ضعفه كثير من أهل العلم
(2)
.
ويجاب عنه:
بأنه قد حسنه، وصححه، جمع من أهل العلم، فقد حسنه النووي
(3)
، والبوصيري
(4)
، وشيخ الإسلام
(5)
وصححه الألباني
(6)
فيبقى حجة في الموضوع.
واعترض عليه:
أن الحديث بما أنه تطرق إليه احتمال الضعف، فتبقى دلالته غير قوية في إثبات الحكم.
القول الثالث:
أن الرجل إذا صف وحده خلف الصف مع القدرة على الاصطفاف، فصلاته باطلة، ومع عجزه على الاصطفاف فصلاته صحيحة، فعلى من دخل ووجد الصف مكتملا، أن يحاول قدر المستطاع للدخول في الصف الذي أمامه.
(1)
ذكر المراتب الثلاث ابن عثيمين. انظر: الشرح الممتع 4/ 270.
(2)
انظر: نصب الراية 2/ 38.
(3)
انظر: المجموع 4/ 256. قال: (رواه ابن ماجه بإسناد حسن).
(4)
انظر: مصباح الزجاجة 1/ 122. قال: (هذا إسناد صحيح رجاله ثقات).
(5)
انظر: مجموع الفتاوى 23/ 393 قال: (وقد صحح الحديثين غير واحد من أئمة الحديث وأسانيدهما مما تقوم يهما الحجة).
(6)
انظر: الإرواء 2/ 329.
وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية
(1)
، وابن القيم
(2)
، والسعدي
(3)
، واختاره ابن عثيمين
(4)
والألباني
(5)
.
قال شيخ الإسلام: "ونظير ذلك أن لا يجد الرجل موقفا إلا خلف الصف، فهذا فيه نزاع بين المبطلين لصلاة المنفرد، والأظهر صحة صلاته في هذا الموضع، لأن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز"
(6)
.
الأدلة:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
(7)
.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}
(8)
.
وجه الدلالة من الآيتين:
أن هذا المصلي خلف الصف قد بذل ما يستطيعه في محاولة المصافة،
(1)
انظر: مجموع الفتاوى 20/ 559، والفتاوى الكبرى 2/ 445.
(2)
انظر: إعلام الموقعين 2/ 41.
(3)
انظر: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخبار 1/ 94. والفتاوى السعدية 1/ 171.
(4)
انظر: الشرح الممتع 4/ 267.
(5)
انظر: الإرواء 2/ 329.
(6)
مجموع فتاوى ابن تيمية 23/ 396، وانظر: القواعد النورانية 1/ 77.
(7)
التغابن: 16.
(8)
البقرة: 286.
ولم يجد إلا أن يصلي خلف الصف وحده، حتى لا تفوته الركعة، أو الصلاة مع الجماعة.
الدليل الثالث:
قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"
(1)
.
وجه الدلالة:
أن الداخل قد امتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالحضور إلى الصلاة، ولم يجد مكانا له في الصف فصلى خلف الصف، وهذه استطاعته.
الدليل الرابع:
القاعدة الشرعية (لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة)
(2)
وهذا المصلي لا يستطيع المصافة لاكتمال الصف، فلم يجد إلا أن يصلي وحده منفردا.
الترجيح:
أن القول الثالث ـ القائل بالتفصيل ـ هو الراجح؛ وذلك إعمالا للأدلة؛ وللأدلة العامة في سقوط الواجبات بالعجز، والله تعالى أعلم
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (7288) 9/ 94، ومسلم في صحيحه، بلفظ مقارب في كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم برقم (1337) 2/ 975.
(2)
انظر: إعلام الموقعين 2/ 41.
(3)
انظر: أحكام الإنفراد في الفقه الإسلامي تأليف أحمد بن محمد الرباني ص 53 وما بعدها. حاشية كتاب آداب المشي إلى الصلاة جمع وتعليق محمد آل إسماعيل ص 70 وما بعدها.
المطلب الثاني: بالنسبة للنساء:
نقل شيخ الإسلام ا تفاق العلماء، على أن المرأة إذا صلت منفردة وحدها، دون أن يكون معها غيرها من النساء فإن صلاتها صحيحة
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن جدته مُلَيْكَة دعت النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام صنعته فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصلي لكم قال أنس: فقمت إلى حَصِيْرٍ
(2)
لنا قد أسود من طول ما لبس، فنضحته
(3)
بالماء فقام عليه رسول الله وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف"
(4)
.
وجه الدلالة:
أن المرأة صلت خلف الصف وحدها، مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليها، فدل ذلك على صحة صلاتها.
كما أن المرأة إذا صلت خلف الصف بحضور النساء وبدون عذر، فإن
(1)
مجموع الفتاوى 23/ 395، وانظر: الصلاة وحكم تاركها 1/ 148.
(2)
الحصير: سفيفة تصنع من بردي وأسل سمى بذلك لأنه يحصر ما تحته من التراب. انظر: (المخصص 3/ 230، تهذيب اللغة 4/ 137).
(3)
النضح: الرش بالماء انظر: (لسان العرب 2/ 618، مختار الصحاح 1/ 688).
(4)
سبق تخريجه ص 74.
صلاتها باطلة، على ما تم ترجيحه في صلاة الرجل منفردا خلف الصف، وذلك لأن المرأة كالرجل، في أحكام الصلاة إلا ما استثناه الدليل، ولا يوجد دليل عليه.
(1)
(1)
مجموع الفتاوى 23/ 395، الشرح الممتع 4/ 275، أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية 1/ 259.
الفصل الثالث
أحكام صفوف الصبيان والنساء
. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم مصافة الصبيان.
المبحث الثاني: أحكام صفوف النساء.
المبحث الأول
أحكام مصافة الصبي المميز
(1)
وفيه مطلبان
المطلب الأول: حكم مصافة الصبي المميز في النافلة:
اتفق فقهاء الحنفية
(2)
والمالكية
(3)
والشافعية
(4)
والحنابلة
(5)
على جواز مصافة الصبي المميز في النافلة.
قال الكاساني
(6)
: "وأقل ما يتحقق به الاجتماع اثنان، وسواء كان ذلك
(1)
الصبي المميز هو: الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب ولا ينضبط بسن معين. انظر: (حاشية الدسوقي 5/ 205، مواهب الجليل 2/ 482، المجموع 7/ 23، المبدع 1/ 327، كشاف القناع 1/ 225، الموسوعة الفقهية الكويتية 2/ 178) قال ابن عثيمين: "لكن سبع سنوات غالبا هو الحد" انظر: الشرح الممتع 2/ 72.
(2)
انظر: البحر الرائق 1/ 474.
(3)
انظر: تهذيب المدونة 1/ 96.
(4)
انظر: المهذب 1/ 99، الشرح الكبير 4/ 340، روضة الطالبين 1/ 359، المجموع 4/ 250.
(5)
انظر: الكافي 1/ 190، المغني 2/ 18، الفروع 2/ 28، المبدع 2/ 86، الإنصاف 2/ 288، الروض المربع 1/ 260.
(6)
بدائع الصنائع 1/ 156.
الواحد رجلا، أو امرأة، أو صبيا يعقل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الاثنين مطلقا جماعة؛ ولحصول معنى الاجتماع بانضمام كل واحد من هؤلاء إلى الإمام".
وقال في المدونة
(1)
: "وإذا صلى رجلان أو رجل وصبي مع إمام قاما جميعًا خلفه إن كان الصبي يعقل الصلاة لا يذهب ويتركه".
وقال النووي
(2)
: "ولو حضر معه في الابتداء رجلان، أو رجل وصبي، اصطفا خلفه".
وقال المرداوي
(3)
: "تصح مصافته وإن لم تصح إمامته". الأدلة:
الدليل الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهم قال: "بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت أصلي معه، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه"
(4)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام ابن عباس رضي الله عنهم وهو غلام
(5)
عن يمينه فدل
(1)
المدونة 1/ 86.
(2)
روضة الطالبين 2/ 10.
(3)
الإنصاف 2/ 288.
(4)
سبق تخريجه ص 50.
(5)
بدليل رواية البخاري (أنه اضطجع في عرض وسادة، واضطجع صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها في صلاة الليل)
على صحة مصافة الصبي في النافلة.
الدليل الثاني:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن جدته مُلَيْكَة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصلي بكم قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم
(1)
وراءه، والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف"
(2)
وفي رواية "صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا"
(3)
.
وجه الدلالة:
أن أنس بن مالك رضي الله عنه صف ومعه اليتيم
(4)
، خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح إقرارا منه صلى الله عليه وسلم على جواز ذلك.
الدليل الثالث:
حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: "
…
صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني؛ لما كنت
(1)
اليتيم اسمه ضمير بن سعد الحميري (والعجوز) هي أم أنس أم سليم. انظر: صحيح مسلم 1/ 457.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة باب الصلاة على حصير برقم (380) 1/ 86.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأذان باب المرأة وحدها تكون صفا برقم (727) 1/ 146.
(4)
اليتيم هو من مات أبوه وهو دون البلوغ. انظر: (التعريفات 1/ 331).
أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست، أو سبع سنين"
(1)
.
وجه الدلالة:
أن عمرو بن سلمة رضي الله عنه صلى بقومه وهو ابن سبع سنين إماما، فدل على جواز مصافته من باب أولى.
المطلب الثاني: مصافة الصبي المميز في الفريضة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
أنها لا تصح مصافة الصبي في الفريضة.
وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، وعليه جماهير الأصحاب
(2)
.
قيل للإمام أحمد: الرجل يصلي وخلفه رجل وغلام؟ قال أما الفريضة فلا يصل حتى يدرك، وأما التطوع فلا بأس به
(3)
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
أن الأصل في العبادات الحظر - المنع - ما لم يثبت دليل،
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب (وقال اللَّيث حدثني يونس عن ابن شهاب) برقم (4302) 5/ 150.
(2)
انظر: الإنصاف 2/ 288.
(3)
انظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح 1/ 401.
وحيث إن مصافة الصبي للبالغ في الفريضة لم يثبت فيها دليل فلا تصح مصافته.
ويناقش:
أن ما ثبت في النفل يثبت في الفرض إلا بدليل خاص يستثني الفريضة من ذلك الحكم، ويدل لهذا قول ابن عمر:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة"
(1)
، وحيث لم يكن استثناء، فدل على صحة المصافة في الفريضة، والنافلة.
الدليل الثاني:
أن الصبي صلاته نفل، ولا يصح أن يصاف المتنفل المفترض، ومن ثم لا تصح مصافته.
ويناقش:
أنه ثبت في السنة ما يدل على جواز إمامة المتنفل بالمفترض، كما ثبت في قصة معاذ رضي الله عنه أنه "كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم"
(2)
. فجواز مصافته من باب أولى.
ويناقش أيضا:
بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "ألا رجل يتصدق على
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب ينزل للمكتوبة برقم (1098) 2/ 45، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر برقم (700) 1/ 486.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الأذان، باب إذا صلى ثم أم قوما برقم (711) 1/ 143، ومسلم في صحيحه كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء برقم (465) 1/ 339.
هذا فيصلي معه
(1)
في الرجل الذي دخل بعدما صلى الناس، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك للصحابة رضي الله عنهم فدل على جواز مصافة المتنفل بالمفترض.
الدليل الثالث:
حديث "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى"
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يليه أصحاب العقول، ويلزم من ذلك تأخير الصبيان.
ونوقش:
بأن الحديث ليس فيه دلالة على عدم جواز المصافة، وإنما المراد حث أولي الأحلام والنهى للتقدم والجلوس خلف الإمام.
(3)
(1)
أخرجه أبوداود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب في الجمع في المسجد مرتين برقم (574) 1/ 212، وعبد الرزاق في مصنفه، من طريق أبي عثمان النهدي كتاب الصلاة، باب الرجل والرجلان يدخلان المسجد برقم (3427) 2/ 294، وابن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي، كتاب الصلوات، باب في القوم يجيئون إلى المسجد وقد صلي فيه برقم (7098) 2/ 112، وأحمد في مسنده برقم (11408) 18/ 7، والدارمي في سننه، كتاب الصلاة، باب في صلاة الجماعة في مسجد صلي فيه مرة برقم (1368) 1/ 367، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب إعادة الصلاة برقم (2397) 6/ 157، والحاكم في مستدركه، كتاب الإمامة وصلاة الجماعة برقم (758) 1/ 328. والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب الاثنين فما فوقهما جماعة برقم (4786) 3/ 68. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه على المسند (صحيح) 18/ 7، وقال في نصب الراية:(إسناده جيد) 2/ 29، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 253.
(2)
سبق تخريجه ص 57.
(3)
انظر: أحكام حضور المساجد 1/ 59.
الدليل الرابع:
أن الصبي ليس من أهل الشهادة، فلم تصح مصافته.
ونوقش:
أن هذا قياس منقوض بالوالد مع ولده، فلا تصح شهادة الوالد لولده وتصح مصافته إياه.
(1)
القول الثاني:
أنها تصح مصافته في الفريضة.
وبه قال الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، ورواية عند الحنابلة، قال في الفروع وهو أظهر
(5)
. وهو اختيار ابن باز
(6)
وابن عثيمين
(7)
. الأدلة:
جميع الأدلة السابقة في جواز مصافة الصبي في النافلة.
وجه الاستدلال:
أن ما ثبت في النافلة يثبت في الفريضة، إلا بدليل يخص النافلة فقط.
(1)
مفردات الحنابلة في مسائل الصلاة (رسالة دكتوراة) 2/ 565.
(2)
انظر: المبسوط 1/ 43، تحفة الفقهاء 1/ 227، البحر الرائق 1/ 374.
(3)
انظر: المدونة 1/ 86. الذخيرة 2/ 260، التاج والإكليل 129.
(4)
انظر: التنبيه 1/ 39، المهذب 1/ 99، روضة الطالبين 1/ 359، المجموع 4/ 250، مغني المحتاج 1/ 246، نهاية المحتاج 2/ 192.
(5)
انظر: الفروع 2/ 289، المبدع 2/ 86، الإنصاف 2/ 288.
(6)
انظر: مجموع فتاوى ابن باز 12/ 197.
(7)
انظر: الشرح الممتع 4/ 285.
الترجيح.
من خلال عرض الأقوال والأدلة، يتضح والله أعلم أن القول بجواز مصافة الصبي المميز في الفريضة كما جاز في النافلة - القول الثاني - هو الراجح؛ وذلك لأن الأدلة واضحة في جواز المصافة في النافلة وما ثبت في النافلة يثبت في الفريضة حتى يرد ما يخصص النافلة فقط؛ ولورود المناقشة على أدلة المانعين.
(1)
أما الصبي غير المميز فلا تجوز مصافته مطلقا؛ لأنه لا يعقل الصلاة ولم يؤمر بها
(2)
.
(1)
انظر: أحكام الصبي المميز في الشريعة الإسلامية (رسالة دكتوراه) عبد العزيز فهد السعيد ص 283، وما بعدها.
(2)
انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 32/ 325.
المبحث الثاني
أحكام صفوف النساء
، وفيه مطلبان
المطلب الأول: حكم صفوف النساء حال اجتماعهن مع الرجال
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أفضلية صفوف النساء
وفيه فرعان:
الفرع الأول: إذا لم يختلطن بالرجال:
إذا كانت النساء في مصليات منعزلة، أو بينهن وبين الرجال حائل من قماش، أو غيره بحيث لا يرين الرجال ولا يرونهن، فإن خير صفوفهن الصف الأول كالرجال؛ وذلك لأن العلة التي من أجلها كانت خير صفوفهن آخرهن قد زالت فيكون خير صفوفهن أولها كالرجال. ونُقِل اتفاق الفقهاء على ذلك.
(1)
قال النووي
(2)
: "وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير
(1)
الموسوعة الفقهية الكويتية 27/ 38.
(2)
شرح مسلم للنووي 4/ 159. وانظر شرح سنن أبي داود للعيني 3/ 232.
صفوفهن أولها وشرها آخرها والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه".
ولأن الأصل في العبادات المسارعة والمسابقة، ولا فرق بين الرجال والنساء وحيث وجد الساتر والعازل عن الرجال فيتحقق في حقهن فضيلة التقدم إلى الصف الأول.
وقال الصنعاني: "وأما إذا صلين، وإمامتهن امرأة فصفوفها كصفوف الرجال أفضلها أولها
(1)
ولم أقف على من خالف هذا القول.
الفرع الثاني: إذا اختلطن بالرجال:
أما إذا صلت النساء مع الرجال في مصلى واحد بحيث تحصل الرؤية والسماع لأصواتهن فإن أفضل صفوفهن آخرها؛ لأن المرأة مأمورة بالستر، والبعد عن مواقع الفتنة، حتى في مواضع العبادة. وبه قال عامة الفقهاء.
(2)
الأدلة:
الدليل الأول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها
(1)
سبل السلام 2/ 31.
(2)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 239، تبيين الحقائق 1/ 136، المحيط البرهاني 2/ 356، المجموع 4/ 259، الحاوي 2/ 163، المغني 2/ 29، كشاف القناع 1/ 329، مطالب أولي النهى 1/ 416.
أولها"
(1)
.
قال النووي
(2)
: "وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم".
المسألة الثانية: أثر مصافة المرأة للرجال:
قد تصاف المرأة الرجل في الصلاة، أو تتقدم عليه في صف مستقل كما في الحرم المكي في أوقات الزحام كرمضان، أو الحج، أو غير ذلك.
لقد اختلف الفقهاء في حكم صلاتها، وصلاة من بجوارها، أو صفوف الرجال الذين يقفون خلف صفوف النساء على قولين:
القول الأول:
أن صلاتها صحيحة وصلاة من بجوارها من اليمين، واليسار، ومن خلفها باطلة.
وبه قال أبو حنيفة
(3)
وهي رواية عند الحنابلة
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها برقم (440) 1/ 326.
(2)
شرح مسلم للنووي 4/ 159، وانظر جامع أحكام النساء 1/ 343.
(3)
انظر: المبسوط 1/ 183، تحفة الفقهاء 1/ 229، بدائع الصنائع 1/ 239 تبيين الحقائق 1/ 137.، الدر المختار 1/ 572.
(4)
انظر: المحرر 1/ 112. المبدع 2/ 84، الإنصاف 2/ 287.
قال في المبسوط
(1)
: "فإن كان صف تام من النساء وراءهن صفوف من الرجال فسدت صلاة تلك الصفوف كلها استحسانا".
الأدلة:
الدليل الأول:
الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أخروهن حيث أخرهن الله"
(2)
يعني النساء".
وجه الدلالة:
أنه قول صحابي وهوحجة،
(3)
كما أن الأمر بالتأخير للوجوب، وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل؛ لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها
(4)
.
(1)
المبسوط 1/ 184.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بلفظه، كتاب الصلاة، باب شهد النساء الجماعة برقم (5115) 3/ 149، والطبراني في المعجم الكبير برقم (9484) 9/ 295، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب قيام المأمومين خلف الإمام، باب ذكر بعض أحداث بني اسرائيل برقم (1700) 3/ 99 بلفظ (أخروهن حيث جعلهن الله).
قال الزيلعي في نصب الراية 2/ 36 (حديث غريب مرفوعا) وتكلم فيه ابن حجر في تخريجه لأحاديث الهداية كتابه الدراية وقال: (لم أجده مرفوعا) 1/ 171، قال الألباني في مشكاة المصابيح (لا أصل له مرفوعا) 3/ 130. وانظر: كشف الخفاء 1/ 69.
(3)
انظر: اللمع في أصول الفقه 1/ 120، الموافقات في أصول الفقه 3/ 42.
(4)
انظر: فتح الباري 2/ 212.
ويناقش:
بأنه قول الصحابي حجة إذا لم يعارضه قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قول صحابي آخر،
(1)
وقد جاءت النصوص بما يعارضه، فلا يبقى حجة في الموضوع.
الدليل الثاني:
تعليل: بأن حال الصلاة حال المناجاة لله، فلا ينبغي أن يخطر بباله شيء من معاني الشهوة فيه، ومحاذاة المرأة للرجل في الصلاة لا يخلو من ذلك، فكان الأمر بتأخيرها من الواجبات، فإذا ترك الأمر تفسد صلاته، وإنما لا تفسد صلاتها؛ لأن الخطاب بالتأخير للرجل وهو يمكنه أن يؤخرها من غير أن يتأخر بأن يتقدم عليها
(2)
.
ويناقش:
بأن التعليل ولو كان وجيها إلا أنه يضعف بمقابلة الدليل، والأدلة ثابتة على صحة صلاة من بجوارها كما سيأتي في أدلة القول الثاني.
القول الثاني:
تصح مصافتها وصلاتها، وصلاة من بجوارها، أو من خلفها صحيحة.
وقال به المالكية
(3)
والشافعية
(4)
، و الصحيح من مذهب الحنابلة
(5)
، وهو
(1)
انظر: التوسل والوسيلة 1/ 104.
(2)
انظر: المبسوط 1/ 184.
(3)
انظر: المدونة 1/ 106، مواهب الجليل 2/ 107، شرح مختصر خليل 2/ 29.
(4)
انظر: المجموع 4/ 256.
(5)
انظر: المغني 2/ 24، المحرر 1/ 112، المبدع 2/ 84.
اختيار ابن عثيمين
(1)
.
قال في المدونة
(2)
:
"قلت لابن القاسم: إذا صلت المرأة وسط الصف بين الرجال، أتفسد على أحد من الرجال صلاته في قول مالك؟ قال: لا أرى أن تفسد على أحد من الرجال، وعلى نفسها".
وقال مالك
(3)
:
"وإن صلت امرأة بين صفوف الرجال، أو رجل خلف النساء، لضيق المسجد أجزأتهم صلاتهم).
وقال النووي
(4)
:
"صلاة المرأة قدام رجل، وبجنبه، مكروهة ويصح صلاتها، وصلاة المأمومين الذين تقدمت عليهم، أو حاذتهم عندنا وعند الجمهور".
وقال ابن قدامة
(5)
:
"وإن وقفت معهم في الصف في هذه المواضع، صح ولم تبطل صلاتها، ولا صلاتهم" الأدلة:
الدليل الأول:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام
(1)
انظر: الشرح الممتع 4/ 282.
(2)
المدونة 1/ 106.
(3)
تهذيب المدونة 1/ 104.
(4)
المجموع 4/ 256.
(5)
المغني 2/ 24.
بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح"
(1)
.
وجه الدلالة:
فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن المرأة لا تبطل صلاة الرجل إذا كانت أمامه، فتصح إذا كانت بجانبه أيضا.
ونوقش:
بأن عائشة رضي الله عنها لم تكن مصلية.
(2)
وأجيب:
بأنه إذا لم تبطل وهي في غير عبادة، فعدم بطلانها في العبادة أولى.
(3)
الدليل الثاني:
حديث عبد الله بن شداد قال سمعت ميمونة تقول: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا إلى جنبه نائمة، فإذا سجد أصابني ثوبه، وأنا حائض"
(4)
.
وجه الدلالة:
أنه لو كانت صلاة الرجل بجانب المرأة باطلة، لابتعد الرسول صلى الله عليه وسلم عن ميمونة رضي الله عنها، حال صلاته، كيف وهي حائض؟.
ويناقش:
بمثل مناقشة الدليل الأول، ويجاب عليه بمثل الإجابة على
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على فراش برقم (382) 1/ 86، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي برقم (512) 1/ 366.
(2)
انظر: المجموع 3/ 224.
(3)
انظر: المرجع السابق.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الصلاة، باب إذا صلى على فراش فيه حائض برقم (518) 1/ 109، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي برقم (513) 1/ 367.
المناقشة على الدليل الأول.
الدليل الثالث:
أن الأصل في العبادات إذا أديت على الوجه المشروع أن تكون صحيحة، ولا تبطل إلا بدليل صحيح صريح، وحيث لا يوجد، فتبقى على الأصل وهو الصحة.
الترجيح:
من خلال عرض القولين، وأدلتهما، وما ورد عليهما من مناقشة، يتضح رجحان القول الثاني _ أنه تصح مصافتها وصلاتها، وصلاة من بجوارها، أو من خلفها _؛ لقوة أدلته، وسلامتها من المناقشة، كما أن فيه تيسيرا على المسلمين، خاصة في مثل المسجد الحرام وموسم الحج، في مقابل ما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة. والله أعلم
(1)
.
المطلب الثاني: حال انفرادهن عن الرجال
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم صلاتهن جماعة:
اتفق الفقهاء على أن صلاة الجماعة لا تجب على المرأة
(2)
، ولكن
(1)
انظر: أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة، ص 291، رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور العلماء 1/ 223.
(2)
قال ابن حزم: وأما النِّساء فلا خلاف في أَنَّ شهودهن الجماعة ليس فرضا. المحلى 4/ 196.
حضورها الجماعة مع الرجال جائز؛ لما ثبت أن النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كن يصلين معه في مسجده صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات
(1)
بِمُرُوطِهِنَّ
(2)
ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الْغَلَسِ
(3)
(4)
.
بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن منعهن من الخروج إلى المسجد إذا أردن الخروج كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"
(5)
وأرشد صلى الله عليه وسلم أن بيت المرأة خير لها، لما فيه من الستر، والعفة، وعدم الفتنة كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهم قال صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا نساءكم المساجد
(1)
متلفعات: أي متلففات بأكسيتهن. انظر: النهاية في غريب الأثر 4/ 261.
(2)
بمروطهن: جمع مرط بكسر الميم وهي أكسية من صوف أو خز. انظر: غريب الحديث لابن الجوزي 2/ 353.
(3)
الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح. انظر: النهاية في غريب الأثر 4/ 277.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر برقم (578) 1/ 120، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب التبكير بالصبح في أول وقتها برقم (645) 1/ 445.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الأذان، باب هل على من لم يشهد الجمعة غُسْلٌ من النساء والصبيان وغيره، برقم (900) 2/ 5، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة برقم (442) 1/ 326.
وبيوتهن خير لهن"
(1)
.
وكما في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير مساجد النساء قعر بيوتهن"
(2)
.
وأيضا حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها"
(3)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد برقم (567) 1/ 210. وأحمد في مسنده برقم (5468) 9/ 337، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب اختيار صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد برقم (1684) 3/ 92، والحاكم في مستدركه، كتاب الصلاة، باب الإمامة وصلاة الجماعة برقم (755) 1/ 327، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب خير مساجد النساء قعر بيوتهن برقم (5142) 3/ 131. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين 9/ 337، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 234.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (26542) 44/ 164، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب اختيار صلاة المرأة في بيتها برقم (1683) 3/ 92، والطبراني في المعجم الكبير بلفظ (خير صلاة النساء) برقم (709) 23/ 313، والحاكم في المستدرك، كتاب الإمامة، وصلاة الجماعة برقم (756) 1/ 327، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب خير مساجد النساء قعر بيوتهن برقم (5143) 3/ 131، قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند:(حديث حسن بشواهده) 44/ 164، قال الألباني (حسن لغيره)، انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/ 82.
(3)
أخرجه أبوداود في سننه، كتاب الصلاة، باب التشديد في ذلك برقم (570) 1/ 211. والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب خير بيوت النساء قعر بيوتهن برقم (5144) 3/ 131، قال الألباني: (صحيح). انظر: صحيح أبي داود 1/ 211.
وعن أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، فقال صلى الله عليه وسلم: قد علمت، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاة في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك
…
"
(1)
.
ومع جواز خروجها، إلا أن كثيرا من الفقهاء قيدوا ذلك بكبيرة السن، وكرهوه إذا كانت شابة لما فيه من خوف الفتنة.
قال في الجوهرة النيرة
(2)
: "ويكره للنساء حضور الجماعات يعني الشواب منهن لما فيه من خوف الفتنة، ولا بأس أن تخرج العجوز .... وهذا عند أبي حنيفة".
وقال في التحفة
(3)
: "ويكره للنساء الشواب حضور الجماعة مطلقا ويباح للعجائز".
(1)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (27090) 45/ 37، وابن خزيمة في صحيحه كتاب الوضوء باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها برقم (1689) 3/ 95. وابن حبان في صحيحه برقم (2217) 5/ 595، وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد) وقال: رجاله رجال الصحيح 2/ 45. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: (حديث حسن) 45/ 37.
(2)
الجوهرة النيرة 1/ 244. وانظر: فتح القدير 1/ 366.
(3)
تحفة الملوك 1/ 90.
وقال في القوانين الفقهية: "ويكره للشابة الخروج إليه"
(1)
وقال في المجموع
(2)
: "فإن أرادت المرأة حضور المساجد مع الرجال فإن كانت شابة أو كبيرة تُشْتَهَى كره لها الحضور، وإن كانت عجوزًا لا تُشْتَهى لم يكره".
وقال المرداوي: "فأما صلاتهن مع الرجال جماعة فالمشهور في المذهب أنه يكره للشابة، قاله في الفروع، وقال: والمراد والله أعلم للمستحسنة واختاره القاضي، وابن تميم"
(3)
ولكن إذا خرجت إلى المسجد فلا بد أن يكون بضوابط منها:
أولا:
أن يكون خروجها بإذن زوجها، فلا يجوز للمرأة الخروج من منزلها حتى للعبادة إلا بإذن زوجها.
(4)
ثانيا:
ألا تكون متطيبة لما ورد عن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شهدت إحداكن المسجد، فلا تمس طيبا"
(5)
وحديث
(1)
القوانين الفقهية 1/ 38، وانظر: الاستذكار 2/ 470، وشرح مختصر خليل 2/ 35.
(2)
المجموع 4/ 171.
(3)
الإنصاف 2/ 213.
(4)
انظر: التاج والإكليل 2/ 116، غاية البيان شرح زيد بن رسلان 1/ 127، كشاف القناع 1/ 456.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد برقم (443) 1/ 328.
أبي هريرة رضي الله عنه "
…
ولكن ليخرجن وهن تفلات"
(1)
(2)
"ويلحق بالطيب ما هو في معناه من المحركات لداعي الشهوة، كحسن الملبس، والتحلي، والتجمل فإن رائحتها، وزينتها، وصورتها، وإبداء محاسنها فتنة لها وللرجال فيها"
(3)
.
ثالثا:
أن تكون متحجبة الحجاب الشرعي الساتر، غير مبدية زينتها، ولا ناظرة إلى الرجال الأجانب لقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
(1)
تفلات: غير متطيبات. (انظر: جمهرة اللغة 1/ 405، معجم مقاييس اللغة 1/ 349، تاج العروس 28/ 136).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد برقم (565) 1/ 210، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب شهود النساء الجماعة برقم (5121) 3/ 151، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب من رخص للنساء في الخروج إلى المسجد برقم (7609) 2/ 156، أحمد في مسنده برقم (9645) 15/ 405، والدارمي في سننه، كتاب الصلاة، باب النهي عن منع النساء عن المساجد وكيف يخرجن برقم (1279) 1/ 330، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الأمر بخروج النساء إلى المساجد تفلات برقم (1679) 3/ 90، والطبراني في المعجم الكبير برقم (5239) 5/ 248. وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2211) 5/ 589. قال الأرنؤوط بتحقيق صحيح ابن حبان: (إسناده حسن) 5/ 589. وقال الألباني: (حسن صحيح) انظر: صحيح أبي داود 3/ 101.
(3)
انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام 2/ 283، وأحكام حضور المساجد ص 278.
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
(1)
(2)
.
رابعا: ألا تختلط بالرجال في طريقها إلى المسجد، وعند خروجها منه، وأن يكون الطريق آمنا، خاليا من المفسدة، وأن تخرج عند انقضاء الصلاة بسرعة، درءا للفتنة.
(3)
خامسا: أن تخفض صوتها في طريقها، وفي مصلاها؛ لأن المرأة مأمورة بخفض الصوت وعدم إظهاره حتى داخل الصلاة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:"التسبيح للرجال والتصفيق للنساء"
(4)
(5)
.
قال ابن القيم
(6)
: "ويجب عليه - ولي الأمر- منع النساء من الخروج متزينات متجملات ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك".
(1)
النور: 31.
(2)
أحكام حضور المساجد ص 279.
(3)
أحكام حضور المساجد ص 279.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب التصفيق للنساء برقم (1203) 3/ 63، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة برقم (422) 1/ 318.
(5)
أحكام حضور المساجد ص 279.
(6)
الطرق الحكمية 1/ 406.
ومن خلال ما سبق يتبين أن المرأة مأمورة بالستر، وعدم إظهار الزينة للرجال الأجانب، وكذلك خفضها لصوتها، وغير ذلك مما فيه صيانة للمرأة وحفظها، ودرءًا للفتنة، وأسبابها.
واختلف الفقهاء في حكم إمامة المرأة للنساء وصلاتهن جماعة
على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن إمامتها لا تصح مطلقا في الفرض والنفل
.
وبه قال الحنفية
(1)
والمالكية
(2)
. وهو قول سليمان بن يسار والحسن البصري
(3)
.
جاء في الفتاوى الهندية
(4)
: "ويكره إمامة المرأة للنساء في الصلوات كلها من الفرائض، والنوافل، إلا صلاة الجنازة".
وقال النفراوي
(5)
: "ولا يصح أن تؤم المرأة في فريضة ولا نافلة لا رجالا ولا نساء".
(1)
انظر: البحر الرائق 1/ 372، الفتاوى الهندية 1/ 85.
(2)
انظر: المدونة الكبرى 1/ 84، الذخيرة 2/ 241، التاج والإكليل 2/ 92، شرح مختصر خليل 2/ 22، الثمر الداني شرح رسالة القيرواني 1/ 148.
(3)
انظر: المجموع 4/ 172.
(4)
الفتاوى الهندية 1/ 85.
(5)
الفواكه الدواني 1/ 205.
الأدلة:
الدليل الأول:
حديث أبي بكرة قال لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملَّكوا ابنة كسرى قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"
(1)
.
وجه الدلالة:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم رتب على تولى المرأة الأمر عدم الفلاح وهذا عام فتدخل فيه الصلاة.
ويناقش:
بأن المراد من الحديث الولاية العامة، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما ذكر له أن فارسا مَلَّكُوا ابنة كسرى، أما بالنسبة لإمامة المرأة بالنساء فهي ولاية صغري، وعلى جنسها فلا تدخل في عموم الحديث.
الدليل الثاني:
أن من شروط الإمامة الذكورية، وهو متفق عليه بين العلماء.
(2)
ويناقش:
أن الذكورة شرط بالنسبة لإمامة المرأة للرجال فلا يصح أن يؤم الرجال امرأة، أما بالنسبة للنساء فتصح إمامتها بمثلها لورود الدليل على ذلك.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر برقم (4425) 6/ 8.
(2)
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 6/ 204.
القول الثاني:
أن إمامتها وصلاتهن جماعة جائزة في النفل دون الفرض
.
قال ابن هبيرة: "وأجمعوا على أنه لا يجوز إمامة المرأة للرجال في الفرائض"
(1)
وبه قال الحنابلة في رواية
(2)
وهو قول الشعبي، والنَّخعي، وقتادة
(3)
. الأدلة
الدليل الأول:
الأثر عن ابن عمر رضي الله عنهم: "كان يأمر جارية له تقوم بأهله في شهر رمضان وأمرها أن تقوم في وسط الصف
…
"
(4)
.
الدليل الثاني:
الأثر عن الشعبي أنه قال: "تَؤُم المرأة النساء في صلاة رمضان تقوم معهن في صفهن"
(5)
.
وجه الدلالة:
أن الآثار الواردة في إمامة المرأة للنساء هي في النافلة دون الفريضة.
(1)
انظر: اختلاف الإئمة العلماء 1/ 133.
(2)
انظر: الإنصاف 2/ 212.
(3)
انظر: المجموع 4/ 172، المغني 2/ 17، الإشراف على مذاهب العلماء 2/ 149.
(4)
انظر: الأم 1/ 164.
(5)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب فضائل القرآن، باب المرأة تؤم النساء برقم (5084) 3/ 140. وابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له، كتاب الصلوات، باب المرأة تؤم النساء برقم (4955) 1/ 430.
وتناقش من وجهين:
الوجه الأول:
أنه ثبتت صلاتها جماعة في الفريضة كما في حديث أم ورقة رضي الله عنها، وسيأتي في أدلة القول الثالث.
الوجه الثاني:
أن الأصل استواء النافلة والفريضة في الأحكام إلا ما دل الدليل على خصوصيته.
(1)
القول الثالث:
أن إمامتها للنساء وصلاتهن جماعة صحيحة مطلقا
.
وبه قال الحنفية مع الكراهة
(2)
والشافعية
(3)
، والحنابلة في رواية
(4)
وهو قول عائشة، وأم سلمة، وعطاء، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن حزم
(5)
وابن القيم
(6)
.
قال الشافعي
(7)
: "وَتَؤُمُّ المرأة النساء في المكتوبة وغيرها".
(1)
انظر: التمهيد لابن عبد البر 20/ 79، الفتوحات المكية 1/ 549.
(2)
لأنها لا تخلو عن نقص واجب أو مندوب فإنه يكره لهن الأذان والإقامة، ويكره تقدم المرأة الإمام عليهن.
انظر: البحر الرائق 1/ 372، الفتاوى الهندية 1/ 85.
(3)
انظر: الأم 1/ 164.
(4)
انظر: المغني 2/ 17 الإنصاف 2/ 265. الروض المربع 3/ 296.
(5)
انظر: المحلى 4/ 219.
(6)
انظر: إعلام الموقعين 2/ 377.
(7)
الأم 1/ 164.
وقال ابن حزم
(1)
: "وصلاة المرأة بالنساء جائزة".
وقال النووي: "تسن الجماعة للنساء بلا خلاف عندنا"
(2)
.
وقال ابن القيم في فصل تخصيص القرآن بالسنة: "رد السنة الصحيحة المحكمة في استحباب صلاة النساء جماعة لا منفردات"
(3)
. الأدلة:
الدليل الأول:
حديث أم ورقة بنت نوفل: أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها"
(4)
.
(1)
المحلى 4/ 219.
(2)
المجموع 4/ 170، وانظر: مغني المحتاج 1/ 229، نهاية المحتاج 2/ 138.
(3)
انظر: إعلام الموقعين 2/ 377.
(4)
أخرجه وأبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب إمامة النساء برقم (592) 1/ 217، وأحمد في مسنده برقم (27283) 45/ 255،.، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب إمامة المرأة للنساء في الفريضة برقم (1676) 3/ 89. والطبراني في المعجم الكبير برقم (326) 25/ 134، والحاكم في المستدرك، كتاب الصلاة، باب فضل الصلوات الخمس برقم (730) 1/ 320 والبيهقي في السنن الكبرى برقم (5136) 3/ 130، وحسن إسناده الألباني في الإرواء 2/ 255. قال في التلخيص الحبير وفي إسناده عبد الرحمن بن خلاد وفيه جهالة (2/ 67). وقال الطريفي: رجاله ثقات إلا حجيرة وثقت وبها جهالة ولكن توبعت على ذلك. انظر: التحجيل في تخريج مالم يخرج في أرواء الغليل، كتاب الصلاة. ص 87.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها، ولو كانت غير جائزة، أو مكروهة لما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تصلي بأهل دارها.
الدليل الثاني:
الأثر الذي رواه الليث عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها "أنها صلت بنسوة العصر فقامت وسطهن"
(1)
، وفي رواية ريطة الحنفية "أن عائشة رضي الله عنها "أمتهن وقامت بينهن في صلاة مكتوبة"
(2)
.
الدليل الثالث:
حديث حُجيرة عن أم سلمة أنها "أمتهن فقامت وسطا"
(3)
.
وجه الدلالة:
أن فعل عائشة، وأم سلمة رضي الله عنهما، وهي قريبتان من النبي صلى الله عليه وسلم، دليل على مشروعية ذلك.
(1)
انظر: البدر المنير 4/ 516، الأم 1/ 164 المحلى 3/ 126.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء يرقم (5086) 3/ 141، المحلى 3/ 126. قال الطريفي:(رجاله ثقات إلا ريطة مجهولة وليس في النساء متهمة ولامتروكة) انظر: التحجيل في تخريج مالم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل كتاب الصلاة. ص 87.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى بلفظه، كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء فتقوم وسطهن برقم (5140) 3/ 131، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء برقم (5082) 3/ 140. بلفظ مقارب. قال الطريفي: ورجاله ثقات إلا حجيرة وبها جهالة ولكن توبعت على ذلك. انظر: التحجيل في تخريج مالم يخرج من الآحاديث والآثار في إرواء الغليل ص 89.
الدليل الرابع:
أنهن من أصحاب الفرض فأشبهن الرجال، ومن صحت صلاته صحت إمامته، والمرأة صلاتها صحيحة فإمامتها بجنسها صحيحة، حيث لا مانع من ذلك.
الدليل الخامس:
أن المصلحة والحاجة تقتضي مصافة النساء بعضهن مع بعض في الوقت الحاضر، حيث انفرادهن عن الرجال في المدارس والسجون ونحو ذلك، ولما يحصل من الخير والألفة والتعلم من فقه الصلاة، وذلك من أعظم مقاصد صلاة الجماعة
(1)
.
الترجيح.
من خلال عرض الأقوال
(2)
والأدلة، والمناقشات، يتضح رجحان القول الثالث؛ لأن في صلاتهن جماعة مصلحة دينينة، ودنيوية، وللأحاديث الدالة على فضل الجماعة، ولعدم ورود النهي عن صلاتهن جماعة، مع ما ورد على أدلة الأقوال الأخرى من مناقشات والله أعلم.
المسألة الثانية: موقف إمامتهن من صفهن:
ترجح من الأقوال السابقة مشروعية إمامة النساء وصلاتهن جماعة.
(1)
انظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد (55) ص 244، 245
(2)
روي عن أبي حنيفة وأصحاب الرأي، أن صلاتهن جماعة مكروه وإن فعلن أجزأهن. ولم أفرد هذا بقول لعدم وجود أدلة له فأشرت إليه إشارة. انظر: الاختيار لتعليل المحتار 1/ 65، العناية شرح الهداية 2/ 65، درر الحكام غرر الأحكام 1/ 377.
واختلف الفقهاء في موقف إمامة النساء من الصف على قولين:
القول الأول:
أن موقفها أمام صف النساء، كموقف إمام الرجال
.
وبه قال ابن حزم.
قال ابن حزم:
(1)
"ما نعلم لمنعها من التقدم حجة أصلا".
ودليله:
أن هذا هو الأصل في الإمامة، والتقدم لحاجة المأمومين؛ للاقتداء به ولا فرق بين الرجل والمرأة حيث لم يأت المنع لا في الكتاب، ولا في السنة.
ويناقش من وجهين:
الوجه الأول:
أن صلاة المرأة تختلف عن صلاة الرجل في كل ما من شأنه الستر.
الوجه الثاني:
أن فعل السلف يشهد بأن موقفها في وسط الصف كما سيأتي في أدلة القول الثاني.
القول الثاني:
أن إمامتهن تقف في وسط صف النساء، ولا تتقدم عليهن
.
(1)
المحلى 4/ 220.
قال به الحنفية
(1)
، والشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
، وهو اختيار ابن تيمية
(4)
، وهو اختيار ابن باز
(5)
، وابن عثيمين
(6)
.
قال الكاساني
(7)
: "وإن صلين بجماعة قامت إمامتهن وسطهن".
وقال الشيرازي: "السنة أن تقف إمامة النساء وسطهن"
(8)
.
وقال ابن قدامة
(9)
: "وإن صلت امرأة بالنساء قامت معهن في الصف وسطا
…
لا نعلم فيه خلافا بين من رأى لها أن تؤمهن".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا صلت بي نالنساء صلت بينهنن لأنه أستر لها".
(10)
(1)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 141، تبيين الحقائق 1/ 136، العناية شرح الهداية 2/ 66.
(2)
انظر: الحاوي الكبير 2/ 356، حلية العلماء 2/ 156، روضة الطالبين 1/ 340.
(3)
انظر: المغني 2/ 17، الشرح الكبير 1/ 468، المبدع 2/ 264، الروض المربع 1/ 256.
(4)
انظر: مجموع الفتاوى 23/ 246.
(5)
انظر: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 195.
(6)
انظر: الشرح الممتع 4/ 276.
(7)
بدائع الصنائع 1/ 141.
(8)
المهذب 1/ 100.
(9)
المغني 2/ 17.
(10)
مجموع الفتاوى 23/ 246.
الأدلة:
الدليل الأول:
عن أسماء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا اغتسال جمعة ولا تقدمهن امرأة ولكن تقوم في وسطهن"
(1)
.
الدليل الثاني:
الأثر عن حُجَيْرَة قالت: "أَمّتنا أم سلمة قائمة وسط النساء"
(2)
.
الدليل الثالث:
الأثر عن أم الحسن: "أنها رأت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تؤم النساء تقوم معهن في صفهن"
(3)
.
(1)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب ليس على النساء أذان ولاإقامة برقم (1780) 1/ 408. قال البيهقي:"هكذا رواه الحكم بن عبد الله الأيلي وهو ضعيف ورويناه في الأذان والإقامة عن أنس بن مالك موقوفا ومرفوعا ورفعه ضعيف" 1/ 408، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 269.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب المرأة تؤم النساء برقم (4952) 1/ 430. قال النووي: سنده صحيح، انظر: خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام 2/ 680، ونصب الراية 2/ 21.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب المرأة تؤم النساء برقم (4953) 1/ 430. قال الطريفي: رجاله ثقات، إلا أن أم الحسن بن أبي الحسن البصري فيها جهالة، ولا يعرف في النساء متهمة ولا متروكة. انظر: التحجيل في تخريج مالم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل كتاب الصلاة. ص 89.
قال ابن حزم: (هي خيرة، ثقة من الثقات، وهذا إسناد كالذهب) انظرالمحلى 4/ 220.
الدليل الرابع:
الأثر عن ابن عباس قال: "تؤم المرأة النساء تقوم في وسطهن"
(1)
.
الدليل الخامس:
الأثر عن صفوان بن سليم قال: "من السنة أن تصلي المرأة بنساء تقوم وسطهن"
(2)
.
الدليل السادس:
الأثر عن ليث عن عطاء عن عائشة: "أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقوم وسطهن"
(3)
.
الدليل السابع:
الأثر عن حميد بن عبد الرحمن أنه قال: "لا بأس أن تؤم المرأة النساء تقوم معهن في الصف"
(4)
.
الدليل الثامن:
أن في وقوفها وسط الصف سترا لها، وصيانة، فاستحب لها ذلك كالعريان.
(5)
(1)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء يرقم (5083) 3/ 140، البيهقي في السنن الكبرى كتاب الصلاة باب المرأة تؤم النساء فتقوم وسطهن برقم (5140) 3/ 131، قال الزيلعي في نصب الراية:(موقوف) 2/ 21.
(2)
انظر: معرفة السنن والآثار 2/ 410، البدر المنير 4/ 518،
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب أذان المرأة وإقامتها لنفسها وصواحباتها برقم (1781) 1/ 408. قال في نصب الراية (موقوف) 2/ 21.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب المرأة تؤم النساء برقم (4956) 1/ 430.
(5)
انظر: مجموع الفتاوى 23/ 246.
الترجيح:
من خلال عرض القولين والأدلة، والمناقشة، يظهر رجحان القول الثاني و هو أن وسط الصف هو موقف إمامة النساء؛ لما ورد على دليل القول الأول من مناقشة، ولكثرة الآثار المروية عن السلف ولزوم فعلهم هو الأرجح والأفضل، ولكن لا يوجد دليل على منع التقدم عليهن، والله تعالى أعلم.
الفصل الرابع
أحكام صفوف الجنائز، وأهل الأعذار
، ويشمل ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أحكام الصف في الجنائز.
المبحث الثاني: صفوف العراة.
المبحث الثالث: العاجز عن القيام.
المبحث الأول
أحكام الصف في الجنائز
، وفيه خمسة مطالب
المطلب الأول: موقف الإمام من جنازة
(1)
الرجل والمرأة:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في موقف الإمام عند الصلاة على الجنازة، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن الإمام يقف عند صدر الرجل والمرأة
.
وهو رواية عند الحنفية
(2)
.
(1)
الجنائز جمع جَنازة وجنازة، بفتح الجيم وكسرها، واللفظان للميت، أو للسرير وعليه الميت، ومنهم من يجعل الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، جنَازة للميت، وجنِازة للسرير.
انظر: (العين 6/ 70، تهذيب اللغة 10/ 329، المحيط في اللغة 7/)26.
(2)
وفيه رواية عن أبي حنيفة إذا كانوا من جنس واحد أنهم يوضعون شبه الدرج، وهو أن يكون رأس الثاني عند منكب الأول فحسن، لأن النّبي صلى الله عليه وسلم، وصاحبيه، دفنوا على هذه الصفة، فيحسن الوضع للصلاة على هذا الترتيب أيضا. انظر: بدائع الصنائع 1/ 316، شرح فتح القدير 2/ 127.
قال الكاساني:
(1)
"يَنبغي أن يقوم الإمام عند الصَّلاةِ بِحِذَاءِ الصَّدر من الرجل والمرأة".
وقال السرخسي
(2)
: "وأحسن مواقف الإمام من الميت في الصلاة عليه بحذاء الصدر، وإن وقف في غيره أجزأه".
الأدلة.
الدليل الأول:
حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها"
(3)
.
وجه الاستدلال:
أنه إذا ثبت ذلك في حق المرأة، فكذلك الرجل لأن الأصل استواءهم في الأحكام إلا ما دل الدليل على خصوصيته.
ويناقش من وجهين.
الوجه الأول:
أن هذا الحديث خاص بالمرأة، مع التسليم بأن الإمام يقف وسطها، وليس فيه حجة في شأن الرجل.
(1)
بدائع الصنائع 1/ 312.
(2)
المبسوط 2/ 65.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الجنائز، باب أين يقوم من المرأة والرجل برقم (1332) 2/ 89، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه برقم (964) 2/ 664.
الوجه الثاني:
أن لفظ الحديث فيه ذكر لفظ (وسطها)، وهذا لا يتعين بالصدر، فقد يحتمل غيره، وإذا تطرق الاحتمال إلى الدليل، سقط الاستدلال به.
(1)
الدليل الثاني:
أن الصدر وسط البدن، لأن الرِّجلين والرأس من جملة الأطراف، والقيام بِحِذَاءِ الوسط أولى، ليستوي الجانبان في الحظ من الصلاة.
(2)
الدليل الثالث:
أَن مَعْدن العلم والحكمة هو القلب، فالوقوف بحياله أولى
(3)
.
ويناقش الدليل الثاني والثالث:
بأنه لا يسلم بأن الصدر هو الوسط، وهي أيضا تعليلات في مقابل النص وهو الصلاة بحذاء رأس الرجل، كما سيأتي في أدلة القول الثالث.
القول الثاني:
يقف عند وسط الرجل، ومن المرأة عند منكبيها
.
قال به المالكية
(4)
، واستدلوا بما يلي:
(1)
انظر: أصول الفقه على منهج أهل الحديث 1/ 24، وموسوعة أهل الفقه 40/ 418، فيض القدير 1/ 370.
(2)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 312.
(3)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 312.
(4)
انظر: المدونة 1/ 175، رسالة القيرواني 1/ 55، التاج والإكليل 2/ 214، كفاية الطالب 1/ 536.
الدليل الأول:
الأثر الوارد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه "كان إذا صلى على جنازة رجل، قام عند وسطه، وإن كانت امرأة قام عند منكبيها"
(1)
.
الدليل الثاني:
الأثر الذي أخرجه عبد الرزاق عن إبراهيم قال: "يقوم الإمام عند صدر الرجل، ومنكب المرأة"
(2)
.
ويمكن أن تناقش الأدلة: بأنها آثار في مقابل دليل من السنة، فيقدم عليها.
القول الثالث:
يقف الإمام عند رأس الرجل، ووسط المرأة (عجيزتها)
.
وهو رواية عند أبي حنيفة
(3)
والصحيح من مذهب الشافعية
(4)
ورواية عند الحنابلة
(5)
وهو قول ابن حزم
(6)
وهو اختيار ابن باز
(7)
،
(1)
لم أجد هذا الأثر في كتب الآثار المتوفرة لدي وإنما نقله واستدل به بعض الفقهاء، انظر: المدونة 1/ 175، التاج والإكليل 2/ 214، عون المعبود 8/ 354.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الجنازة برقم (6351) 3/ 468.
(3)
ولأبي حنيفة رواية أخرى بعكس هذا فقال يقف بحذاء وسط الرجل وصدر المرأة. انظر: بدائع الصنائع 1/ 312.
(4)
انظر: المجموع 5/ 178، مغني المحتاج 1/ 348.
(5)
قال ابن قدامة: "فأما قول من قال يقف عند رأس الرجل فغير مخالف لقول من قال بالوقوف عند الصدر لأنها متقاربان فالواقف عند أحدهما واقف عند الآخر". المغني 2/ 198 وانظر: كشاف القناع 1/ 112. الإنصاف 2/ 518.
(6)
انظر: المحلى 5/ 123.
(7)
انظر: مجموع فتاوى ابن باز 13/ 139.
وابن عثيمين
(1)
.
قال النووي
(2)
: "وَالسُّنة أن يقف الإمام فيها - أي في صلاة الجنازة- عند رأسِ الرَّجل، وعند عَجِيزَةِ المرأة".
وقال ابن قدامة
(3)
: "والإمام يقوم عند صدر الرجل، ووسط المرأة" واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
حديث نافع أبي غالب قال: " .... فلما وضعت الجنازة، قام أنس فصلى عليها، وأنا خلفه، لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات، لم يطل، ولم يسرع، ثم ذهب يقعد فقالوا: يا أبا حمزة: المرأة الأنصارية فقربوها، وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها، فصلى عليها، نحو صلاته على الرجل، ثم جلس فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة كصلاتك، يكبر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم"
(4)
.
(1)
انظر: الشرح الممتع 5/ 315.
(2)
المجموع 5/ 178.
(3)
المغني 2/ 198.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه برقم (3194) 2/ 226، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجنائز، باب الإمام يقف على الرجل عند رأسه وعلى المرأة عند عجيزتها برقم (6714) 4/ 33. وصححه الألباني انظر: مشكاة المصابيح 1/ 378.
الدليل الثاني:
الأثر عن الحسن قال: "يقام من المرأة حيال ثدييها، ومن الرجل فوق ذلك"
(1)
.
وجه الدلالة:
أن في هذا الأثر دليل على أن الموقف من الرجل عند الرأس.
الدليل الثالث:
الأثر عن أبي منصور قال: قلت لأبي رافع: "أين أقوم من الجنازة؟ فخلع نعله ثم قال: هاهنا يعني وسطها"
(2)
.
الدليل الرابع:
لأن عَجُزها أعظم عورتها، فَاخْتَرنا أن يقف عنده ليستره
(3)
.
الترجيح:
بعد النظر في الأدلة، يترجح والله أعلم القول الثالث - وقوف الإمام عند رأس الرجل، ووسط المرأة (عجيزتها) _؛ لقوة دليلهم الأول وصراحته؛ ولما ورد على أدلة الأقوال الأخرى من مناقشة.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب في المرأة أين يقام منها برقم (11548) 3/ 6.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب في المرأة أين يقام منها برقم (11545) 3/ 6.
(3)
انظر: الحاوي 3/ 50، المجموع 5/ 225.
المطلب الثاني: قرب الجنائز من الإمام عند تنوع أجناسها:
اختلف الفقهاء في كيفية وضع الجنائز المتعددة والمختلفة الجنس أمام الإمام على ما يلي:
القول الأول:
يقدم النساء مما يلي الإمام، والرجال مما يلي القبلة
.
وهو قول الحسن البصري، والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله
(1)
.
الأدلة:
الدليل الأول:
ما أخرجه ابن أبي شيبة عن سالم والقاسم قالا: "النساء مما يلي الإمام، والرجال مما يلي القبلة"
(2)
.
ويناقش:
بأن هذا من قول غير الصحابة، وقول الصحابي حجة
(3)
فيقدم عليه.
الدليل الثاني:
ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناده قال: كان مسلمة بن مخلد
(1)
انظر: الأوسط 5/ 422، مختصر اختلاف العلماء 1/ 390، الاستذكار 3/ 49، حلية العلماء 2/ 296، بداية المجتهد 1/ 172، المجموع 5/ 182.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الجنائز، باب إذا اجتمع رجل وامرأة كيف يصنع في القيام عليهما برقم (11575) 3/ 8.
(3)
قول الصحابي فيما لا نص فيه، يعتبر حجة إذا لم يخالفه غيره، والقول بأن قول الصحابي حجة، هو قول الأئمة الأربعة. انظر: أصول الفقه على منهج أهل الحديث 1/ 65.
بمصر، فجاءنا برجال، ونساء فجعلوا لا يدرون كيف يصنعون، فقال مسلمة:"سنتكم في الموت، سنتكم في الحياة، قال: فجعل النساء مما يلي الإمام، والرجال أمام ذلك"
(1)
.
الدليل الثالث:
أن الصلاة جماعة في حال الحياة أن يصف النساء خلف صف الرجال إلى القبلة، فكذا في وضع الجنائز
(2)
.
ويناقش الدليل الثاني والثالث:
بأن الدليل العقلي يحتمل من وجه آخر، أن الرجال هم الأقرب في الصلوات إلى الإمام، فكذلك في الجنائز، فبطل الاستدلال بالقياس.
القول الثاني:
يقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء
.
قال به الحنفية،
(3)
والمالكية،
(4)
والشافعية،
(5)
والحنابلة،
(6)
وهو اختيار ابن
(1)
أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب إذا اجتمع رجل وامرأة كيف يصنع في القيام عليهما برقم (11577) 3/ 9.
(2)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 316.
(3)
انظر: الآثار لمحمد بن الحسن 1/ 317، بدائع الصنائع 1/ 159.
(4)
انظر: المدونة 1/ 182، القوانين الفقهية 1/ 65، التاج والإكليل 2/ 236.
(5)
انظر: الأم 1/ 275، المجموع 5/ 182.
(6)
انظر: الشرح الكبير 2/ 67، الإنصاف 2/ 518، كشاف القناع 2/ 112، زاد المستقنع 1/ 53.
باز،
(1)
وابن عثيمين
(2)
. الأدلة:
الدليل الأول:
حديث ابن جريج قال: سمعت نافعا يزعم أن ابن عمر "صلى على تسع جنائز جميعا، فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة، فصفهن صفا واحدا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي - امرأة عمر بن الخطاب - وابن لها يقال له زيد وضعا جميعا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عمرو وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت ما هذا؟ قالا: هي السُّنة"
(3)
.
الدليل الثاني:
ما أخرجه مالك في الموطأ، أنه بلغه أن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وأبا هريرة، رضي الله عنهم "كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة،
(1)
انظر: مجموع فتاوى ابن باز 13/ 139.
(2)
انظر: الشرح الممتع 4/ 277.
(3)
أخرجه النسائي في سننه، كتاب الجنائز، باب اجتماع جنائز الرجال والنساء برقم (1978) 4/ 71، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الجنائز، باب كيف الصلاة على الرجال والنساء برقم (6337) 3/ 465، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجنائز، باب جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت برقم (6710) 4/ 33، قال في جامع الأصول (إسناده صحيح) 6/ 231.
الرجال والنساء، فيجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة"
(1)
.
الدليل الثالث:
الأثر عن يونس عن هلال المازني قال: "رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يصلي على جنازة رجَال ونساء تسع، أو سبع، فقدم النساء مما يلي القبلة، وجعل الرجال يلون الإمام"
(2)
.
الدليل الرابع:
الأثر عن نافع عن ابن عمر "أنه كان إذا صلى على جنازة رجال، ونساء، جعل الرجال مما يليه، والنساء خلف ذلك مما يلي القبلة"
(3)
.
الدليل الخامس:
أن الرّجال يكونون أقرب إلى الإمام في حال الصلاة قبل الموت من النساء، فكذا بعد الموت.
الترجيح:
الذي يترجح والله أعلم هو قول الجمهور - يقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء. -؛ لأن السنة وردت بذلك؛ ولضعف أدلة القول الأول.
(1)
أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجنائز، باب جامع الصلاة على الجنائز برقم (542) 1/ 230.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب في جنائز الرجال والنساء من قال الرجل مما يلي الإمام والنساء أمام ذلك برقم (11561) 3/ 7.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب في جنائز الرجال والنساء من قال الرجل مما يلي الإمام والنساء أمام ذلك برقم برقم (11562) 3/ 7.
المطلب الثالث: هيئة وضع الجنائز أمام الإمام:
اتفق الفقهاء على أنه إذا اجتمعت جنائز جاز أن يصلى عليهم مجتمعين أو فرادى
(1)
.
واختلفوا في كيفية وضع الجنائز أمام الإمام على قولين:
القول الأول:
أن الجنائز توضع أمام الإمام صفًّا واحدا عرضا، رأس كل واحد عند رجل الآخر، ويقف الإمام عند محاذاة الأول منهم، ويقدم أفضلهم إذا اختلفوا في الفضل، وإن تساووا قام عند أسنهم، (أكبرهم سنا).
(1)
فقال الحنفية: فالإمام إن شاء صلى على كل واحدة على حدة، وإن شاء صلى على الكل دفعة واحدة بالنية على الجميع. انظر:(بدائع الصنائع 1/ 315، حاشية ابن عابدين 2/ 219).
وعند المالكية: إذا اجتمعت جنائز فيجوز أن يفرد كل واحد منها بصلاة، وأن يصلي عليها جميعا صلاة واحدة. انظر القوانين الفقهية 1/ 65.
وعند الشافعية: أن الإفراد أفضل من أن يصلي عليهم دفعة واحدة لأنه أكثر عملا وأرجى للقبول وفيه تعجيل الدفن، انظر:(المجموع 5/ 180).
والحنابلة في رواية أن جمع الموتى والصلاة عليهم، أفضل من الصلاة عليهم منفردين، محافظة على الإسراع، والتخفيف. انظر:(كشاف القناع 2/ 112) وفي رواية للحنابلة إن أمن التغير عليهم: فالأفضل أن يصلي على كل جنازة وحدها، فإن خيف عليهم التغير صلى عليهم صلاة واحدة. انظر: الإنصاف 2/ 518، الأحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام 2/ 109 وما بعدها.
وهو قول عند الحنفية
(1)
، ووجه عند الشافعية في الرجال خاصة
(2)
(3)
.
قال الكاساني
(4)
: "فإن شاؤوا جعلوها صَفًّا وَاحِدًا كما يَصْطَفّون في حال حياتهم عند الصلاة".
قال النووي: "وفي كيفية وضعهم وجهان وقيل قولان أصحهما يوضع بين يدي الإمام في جهة القبلة بعضها خلف بعض ليحاذي الإمام الجميع"
(5)
دليلهم:
القياس بأن الجنائز إذا تعددت، وكثرت، فتصف كما يصفون وهم أحياء عرضا.
(6)
ويناقش:
بأن هذا القياس لا يثبت أمام النصوص الواردة في صف الجنائز مما يلي القبلة، كما سبق في المطلب السابق
(7)
.
القول الثاني:
أن الجنائز توضع أمام الإمام بعضها خلف بعض مما يلي القبلة.
(1)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 316، حاشية ابن عابدين 2/ 219.
(2)
فإن كانوا رجالا ونساء، يتعين عند الشافعية القول بوضع بعضهم خلف بعض مما يلي القبلة. انظر: المجموع 5/ 180.
(3)
قال مالك: "أرى ذلك واسعا إن جعل بعضهم خلف بعض، أو جعلوا صفا واحدا، ويقوم الإمام وسط ذلك ويصلي عليهم" المدونة 1/ 182.
(4)
بدائع الصنائع 1/ 315، وانظر: حاشية ابن عابدين 2/ 219.
(5)
روضة الطالبين 2/ 123، المجموع 5/ 180.
(6)
انظر: حاشية ابن عابدين 2/ 219.
(7)
انظر: ص 125.
وهو رواية عند الحنفية
(1)
، والأصح عند الشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
قال الكاساني
(4)
: "وإن شاؤوا وَضعوا واحِدًا بعد واحد، مما يلي القبلة، ليقوم الإمام بِحذاء الكل".
الأدلة:
جميع الأدلة السابقة، في المطلب السابق في قرب الجنائز من الإمام، عند تنوع أجناسها
(5)
.
الترجيح: من خلال عرض الأقوال والأدلة، يظهر والله أعلم أن الراجح القول الثاني؛ وذلك لورود النص؛ ولقوة أدلته؛ مع ضعف دليل القول الأول.
(1)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 316، حاشية ابن عابدين 2/ 219.
(2)
انظر: المجموع 5/ 180.
(3)
انظر: الإنصاف 2/ 518.
(4)
بدائع الصنائع 1/ 316.
(5)
انظر: ص 125.
المطلب الرابع: حكم تكثير صفوف الجنازة:
إن معنى الصلاة على الجنازة الدعاء للميت بالمغفرة، والرحمة؛ لذا يستحب تكثير المصلين عليها؛ ولورود الأحاديث الدالة على أن كثرة العدد سبب لشفاعتهم للميت.
قال النووي
(1)
رحمه الله: "باب استحباب تكثير المصلين، على الجنازة، وجعل صفوفهم ثلاثة، فأكثر".
الأدلة على ذلك:
الدليل الأول:
حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ميت يصلي عليه أمة، من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه"
(2)
.
الدليل الثاني:
حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه"
(3)
.
(1)
انظر: رياض الصالحين 1/ 186.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه برقم (947) 2/ 654.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه برقم (948) 2/ 655.
أي قبل شفاعتهم فيه، وهذه بشرى للمؤمن إذا كثر المصلون على جنازته فشفعوا له عند الله، أن الله تعالى يشفعهم فيه
(1)
.
المطلب الخامس: عدد صفوف صلاة الجنازة وحكم تسويتها:
عامة أقوال الفقهاء من الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، الشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
، تقول بأنه يسن تكثير صفوف الجنازة، وألا تنقص عن ثلاثة.
قال النووي
(6)
: "ويستحب أن تجعل صفوف الجنازة ثلاثة فأكثر للحديث الصحيح فيه".
وقال في الفروع
(7)
: "وَيُستحب أن يصفهم ولا ينقصهم عن ثلاثة صفوف".
(1)
انظر: شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/ 1061.
(2)
انظر: مجمع الأنهر 1/ 270، حاشية ابن عابدين 2/ 214، الفتاوى الهندية 1/ 164.
(3)
انظر: الاستذكار 3/ 27، مواهب الجليل 2/ 216.
(4)
انظر: المهذب 1/ 132، روضة الطالبين 2/ 131، المجموع 5/ 164.
(5)
انظر: الكافي 1/ 256، الفروع 2/ 187، المبدع 2/ 251، كشاف القناع 2/ 111.
(6)
روضة الطالبين 2/ 131.
(7)
الفروع 2/ 187. المبدع 2/ 251.
الأدلة:
الدليل الأول:
حديث مرثد بن عبد الله اليزني رضي الله عنه قال: كان مالك بن هبيرة رضي الله عنه إذا صلى على جنازة، فَتَقَالَّ الناس عليها جزأهم ثلاثة أجزاء، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب"
(1)
.
الدليل الثاني:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على جِنَازَة، ومعه سبعة نَفَر، فجعل ثلاثةً صفًّا، واثنين صفًّا، واثنين صفًّا"
(2)
.
ويجب تسوية الصّفّ في الصّلاة على الجنازة على القول الراجح؛ لأنها
(1)
أخرجه الترمذي في سننه بلفظه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت، برقم (1028) 3/ 347، وأبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب في الصفوف على الجنازة برقم (3166) 2/ 219، وابن ماجة في سننه، كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمين برقم (1490) 1/ 478، وأحمد بلفظ (إلا غفر له) برقم (16724) 27/ 281،. البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجنائز، باب صلاة الجنازة بإمام وما يرجى للميت من كثرة من يصلي عليه برقم (6696) 4/ 30، قال الترمذي: حديث مالك بن هبيرة حديث حسن.
انظر: جامع الأصول 6/ 248، وضعفه الألباني انظر: مشكاة المصابيح 1/ 380.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (7785) 8/ 190. وضعفه الألباني في أحكام الجنائز ص 99.
صلاة؛ ولعموم الأحاديث الواردة في الأمر بتسوية الصفوف في الصلاة عموما؛ ولما ورد في الأمر بالتسوية في صلاة الجنازة خاصة كما في حديث الحكم بن فرّوخ رضي الله عنه قال: صلّى بنا أبو المليح على جنازة، فظننّا أنّه قد كبر، فأقبل علينا بوجهه فقال:"أقيموا صفوفكم، ولتحسن شفاعتكم"
(1)
. وقد سبق الخلاف في ذلك
(2)
.
(1)
أخرجه النسائي في سننه بلفظه، كتاب الجنائز، باب فضل من صلى عليه مئة برقم (1993) 4/ 76، وأحمد برقم (26812) 44/ 393. وأخرجه بلفظ (سووا صفوفكم) ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب في الميت ما يتبعه من صلاة الناس عليه، برقم (11623) 3/ 13، والطبراني في المعجم الكبير برقم (42) 24/ 20. قال الألباني (حسن صحيح) انظر: صحيح الترغيب والترهيب 3/ 205.
(2)
انظر: المبحث الثاني في الفصل الأول. ص 40.
المبحث الثاني
صفوف العراة
وفيه مطلبان
المطلب الأول: في حال إمكانية رؤية بعضهم لبعض:
اختلف الفقهاء في كيفية صلاة العراة مع إمكانية رؤية بعضهم لبعض على قولين:
القول الأول:
الأفضل في حقهم أن يصلي كل منهم منفردا
.
قال به الحنفية
(1)
والمالكية
(2)
والشافعية في القديم
(3)
.
وقال السرخسي
(4)
: "ويصلى العراة وحدانا قعودا بإيماء"؛ لأنهم عجزوا عن شرط الصلاة وهو ستر العورة فهم قادرون على أركانها فعليهم الإتيان بما قدروا عليه، وسقط عنهم ما عجزوا عنه؛ ولأن القعود والإيماء أستر لهم، وفي القيام، والركوع، والسجود زيادة كشف العورة، وذلك حرام في
(1)
انظر: المبسوط 1/ 187، بدائع الصنائع 1/ 141، شرح فتح القدير 1/ 264.
(2)
انظر: المدونة 1/ 95، الكافي لابن عبد البر 1/ 64.
(3)
انظر: روضة الطالبين 1/ 285. أسنى المطالب 1/ 209، مغني المحتاج 1/ 230.
(4)
المبسوط 1/ 187.
الصلاة وغير الصلاة، وإن صلوا جماعة قياما بركوع وسجود أجزأهم؛ لأن تمام الستر يحصل بالقعود فتركه لا يمنع جواز الصلاة.
وقال مالك
(1)
: "في العراة لا يقدرون على الثياب قال: يصلون أفذاذا يتباعد بعضهم عن بعض ويصلون قياما" واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
أن رؤية المسلم عورة أخيه المسلم محرم، والمسلم مأمور بغض بصره، ولا يتحقق في حق العراة إلا بصلاتهم منفردين بعضهم عن بعض.
(2)
ويناقش:
بأن ذلك متحقق بصلاتهم جماعة ووقوفهم صفا واحدا، وإمامهم في وسطهم فلا تحصل الرؤية وتتحقق الجماعة. كما أنه لا يلزم من الإنفراد عدم الرؤية خاصة مع وجود المتقدم والمتأخر أو مع ضيق المكان.
القول الثاني:
يصلون جماعة ويقف إمامهم في وسطهم
.
قال به الشافعية في الجديد
(3)
والحنابلة
(4)
. وهو اختيار شيخ الإسلام
(5)
.
(1)
المدونة 1/ 95.
(2)
انظر: المبسوط 1/ 187.
(3)
انظر: الأم 1/ 91، المهذب 1/ 100، الشرح الكبير 4/ 98، روضة الطالبين 1/ 285.
(4)
انظر: مسائل الإمام أحمد وابن راهويه 1/ 120، زاد المستقنع 1/ 37، شرح منتهى الإرادات 1/ 155.
(5)
انظر: مجموع الفتاوى 28/ 389.
جاء في الحاوي نقلا عن الشافعي
(1)
: "وإذا كانوا عراة ولا نساء معهم فأحب أن يصلوا جماعة ويقف الإمام وسطهم".
وقال صاحب المطالب
(2)
: "وتصلي العراة جماعة صفًّا واحدا وإمامهم وسطا".
وقال في زاد المستقنع
(3)
: "ويصلي العاري قاعدا بالإيماء استحبابا فيهما ويكون إمامهم وسطهم".
وقال شيخ الإسلام
(4)
: "والعراة يصلون جماعة ويقف إمامهم وسطهم". الأدلة:
الدليل الأول:
الأثر عن معمر عن قتادة قال: "إذا خرج ناس من البحر عراة فأمهم أحدهم صلوا قعودا وكان إمامهم معهم في الصف ويومئون إيماء"
(5)
.
الدليل الثاني:
لأنهم من أهل الجماعة، وهي واجبة عليهم.
(6)
(1)
الحاوي الكبير 2/ 176.
(2)
مطالب أولي النهى 1/ 340.
(3)
زاد المستقنع 1/ 37.
(4)
شرح العمدة 4/ 346.
(5)
أخرجه عبد الرزاق مصنفه، كتاب الصلاة، باب صلاة العريان برقم (4564) 2/ 583.
(6)
شرح العمدة 4/ 346.
الدليل الثالث:
لأن الجماعة مشروعة في الخوف مع ما فيها من العمل الكثير، ومفارقة الإمام وغير ذلك، فمشروعيتها في حق العراة أولى.
(1)
الدليل الرابع:
أن في اجتماع العراة في صف واحد وإمامهم في وسطهم تخفيفا من رؤية بعضهم لبعض في العورة المغلظة، وفي هذا درء لتلك المفسدة، مع تحصيل الجماعة، فكان العمل بهذه الحالة أولى من الإنفراد.
(2)
الترجيح:
الراجح والله أعلم القول الثاني، وذلك للأثر الوارد، مع ما أُوْرِدَ على دليل القول الأول من مناقشة.
المطلب الثاني: في حالة عدم إمكانية رؤية بعضهم لبعض:
إذا صلى العراة في مكان، أو زمان بحيث لا يرى بعضهم بعضا، كمن يصلون في ليل، أو ظلمة في نهار أو غار، صلوا جماعة وتقدمهم إمامهم.
قال به المالكية
(3)
والشافعية
(4)
والحنابلة
(5)
وابن حزم
(6)
، ولم أقف على
(1)
المصدر السابق 4/ 346.
(2)
انظر: الكافي 1/ 114، المغني 1/ 347، كشاف القناع 1/ 273.
(3)
انظر: الكافي لابن عبد البر 1/ 64 التاج والإكليل 1/ 507، شرح مختصر خليل 1/ 254.
(4)
انظر: الأم 1/ 91، المجموع 4/ 252
(5)
انظر: المغني 1/ 346. المبدع 1/ 373.
(6)
انظر: المحلى 3/ 226.
خلاف في هذا.
قال مالك:
(1)
"وان كانوا في ليل مظلم، لا ينظر بعضهم إلى عورة بعض، صلوا جماعة، وتقدمهم إمامهم".
وقال النووي:
(2)
"إن كانوا عميا، أو في ظلمة، بحيث لا يري بعضهم بعضا، استحب الجماعة بلا خلاف، ويقف إمامهم قدامهم".
وقال ابن قدامة:
(3)
"وإن كانوا في ظلمة، صلوا جماعة ويتقدمهم إمامهم".
وقال ابن حزم
(4)
: "فإن كانوا في ليل مظلم، صلوا في جماعة قياما، يقف إمامهم أمامهم".
والدليل:
لأنهم أصبحوا كالمستورين، فيجب عليهم الصلاة على هيئتها، من قيام، وركوع، وسجود، وجماعة، وتقدم إمام، وغير ذلك
(5)
.
(1)
المدونة 1/ 95، وانظر: منح الجليل 1/ 299.
(2)
المجموع 3/ 186.
(3)
المغني 1/ 346.
(4)
لمحلى 3/ 226.
(5)
انظر: حاشية الدسوقي 1/ 221.
المبحث الثالث
العاجز عن القيام
وفيه مطلبان
المطلب الأول: حكم الصلاة جالسا عند العجز:
أجمع الفقهاء
(1)
، على أن المصلي إذا عجز عن الصلاة قائما، فإنه يصلي على حسب قدرته، وإمكانيته، ولا يكلف نفسه مالا تستطيعه.
وقد وردت النصوص الدالة على ذلك، ومن تلك الأدلة ما يلي:
الدليل الأول:
قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن المسلم مطالب بأداء ما يمكنه أداؤه من الأوامر الشرعية، وبالكيفية التي يستطيعها، من غير إحراج، أو مشقة، ومادام المصلي من أهل الأعذار قادرا على الحضور إلى المساجد، ولا يمكنه القيام فإنه يصلي جالسا.
الدليل الثاني:
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير، فسألت
(1)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 221، رسالة القيرواني 1/ 42، المهذب 1/ 101، الروض المربع 1/ 270، المحلى 4/ 185.
(2)
البقرة: 286.
النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"
(1)
.
وجه الاستدلال:
أفاد الحديث مشروعية الجلوس لأداء الصلاة المفروضة لمن لم يستطع القيام، والقعود هنا جائز أن يكون على الأرض، وجائز أن يكون على الكرسي؛ لأنه لا مخصص في هذا الحديث لكيفية القعود، إلا الفهم والإدراك.
الدليل الثالث:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
…
"
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن المسلم مأمور بترك المنهي عنه، واجتنابه مطلقا، وبفعل المأمور بقدر المستطاع.
الدليل الرابع:
الإجماع على أن المصلي يصلي حسب قدرته، واستطاعته، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب برقم (1117) 2/ 48.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم برقم (7288) 9/ 94، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر برقم (1337) 4/ 1829.
قال ابن قدامة
(1)
: "أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام، له أن يصلي جالسًا".
وقال النووي
(2)
: "أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة، صلاها قاعدا، ولا إعادة عليه".
وقال شيخ الإسلام
(3)
: "وقد اتفق المسلمون على أن المصلي إذا عجز عن بعض واجباتها كالقيام، أو القراءة، أو الركوع، أو السجود أو ستر العورة، أو استقبال القبلة، أو غير ذلك، سقط عنه ما عجز عنه".
المطلب الثاني: هيئة الجلوس بدل القيام وضابط المصافة فيها
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الجلوس متربعا وضابط المصافة فيها:
يجلس المصلي متربعا على إليتيه، يكف ساقيه إلى فخذيه؛ لأن الساق والفخذ في الرجلين في هذه الحالة كلها ظاهرة؛ ولأن الافتراش تختفي فيه
(1)
المغني 1/ 443.
(2)
المجموع 4/ 266.
(3)
مجموع الفتاوى 8/ 438.
الساق في الفخذ، وأما التربع فتظهر كل الأعضاء الأربعة،
(1)
وتكون إلية ومقعدة المصلي جالسا مساوية للصف، بحيث إذا جلس من بجواره كان منكبه مساويا له.
الدليل على التربع:
الدليل الأول:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا"
(2)
.
الدليل الثاني:
ما روى عقبة أخو سعيد بن عبيد الطائي أنه "رأًى أنس بن مالك يصلي متربعا"
(3)
.
(1)
التربع سنة، فلو صلى مفترشا، فلا بأس، ولو صلى محتبيا فلا بأس؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فإن لم تستطع فقاعدا» ولم يبين كيفية قعوده. انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 4/ 327.
(2)
أخرجه النسائي في سننه، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف صلاة القاعد برقم (1661) 3/ 224 وابن خزيمة في صحيحه، كتاب جماع أبواب صلاة التطوع قاعدا، باب التربع إذا صلى المرء جالسا، برقم (1238) 2/ 236. والحاكم في المستدرك، كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، باب التأمين، برقم (947) 1/ 389، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب جماع أنواع الخشوع في الصلاة والإقبال عليها، باب ما روي في كيفية هذا القعود، برقم (3475) 2/ 305.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب من رخص في التربع في الصلاة برقم (6122) 2/ 32. البيهقي في السنن الكبرى، كتاب جماع أنواع الخشوع في الصلاة والإقبال عليها، باب ما روي في كيفية هذا القعود، برقم (3478) 2/ 305.
الدليل الثالث:
الأثر عن حميد الطويل قال: "رأيت بكر بن عبد الله يصلي متربعا ومتكئا"
(1)
.
الدليل الرابع:
أن التربع في الغالب أكثر طمأنينة وارتياحا من الافتراش، ومن المعلوم أن القيام يحتاج إلى قراءة طويلة أطول من الركوع والسجود؛ فلذلك كان التربع فيه أولى؛ ولأجل فائدة أخرى وهي التفريق بين قعود القيام، والقعود الذي في محله
(2)
.
المسألة الثانية: الجالس على الكرسي وضابط المصافة فيها
وفيها فرعان:
الفرع الأول: الجالس على الكرسي في حالتي الركوع والسجود فقط:
هي من الصفات التي يؤخذ بها في حالة العجز عن القيام في الصلاة، ويمكن قياس هذه الهيئة على هيئة الراكب على الدابة، وقد ثبتت صفة الصلاة على الدابة من خلال الأدلة التالية:
الدليل الأول:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة، نزل فاستقبل القبلة"
(3)
.
(1)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب جماع أنواع الخشوع في الصلاة والإقبال عليها، باب ما روي في كيفية هذا القعود، برقم (3481) 2/ 306.
(2)
انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 4/ 327.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان برقم (400) 1/ 89.
الدليل الثاني:
عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة، قِبل أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة"
(1)
.
الدليل الثالث:
حديث نافع قال: وكان ابن عمر رضي الله عنهم "يصلي على راحلته، ويوتر عليها، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله"
(2)
.
وجه الدلالة من الأحاديث:
أن الجلوس على ظهر الدابة، والجلوس على الكرسي، متقاربان في الهيئة؛ لأن كلا الفعلين جلوس المرء على مقعدته، وترك رجليه تتدليان إلى أسفل، فإن هذين الفعلين يشتركان في حكم شرعي واحد، وما ينطبق على أحدهما ينطبق على الآخر، هذا الحكم الشرعي هو الجواز والإباحة في صلاة التطوع ولو كان بدون عذر، فمن أراد أن يصلي تطوعًا ونافلةً جاز له ذلك وهو جالس على الكرسي، كما جاز له ذلك وهو جالس على ظهر دابة سواء بسواء، وتكون صلاته صحيحة.
أما بالنسبة للفريضة، فلا يجوز أداؤها على الكرسي، إلا من عذر، فمن
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت برقم (700) 1/ 486.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب صلاة التطوع على الدابة وحيثما توجهت برقم (1095) 2/ 44.
المصلين من لا يستطيع القيام بسبب المرض، فيضطر لأن يجلس على الكرسي، سواء أكان طيلة الصلاة، أم عند الركوع والسجود فقط، فمن لم يستطع الركوع، والسجود على الأرض، وكان مضطرا للجلوس على الكرسي، ولكنه قادر على القيام فإنه في هذه الحالة يجب عليه القيام، والجلوس على الكرسي في حالتي الركوع والسجود فقط، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، فالقاعدة في أركان الصلاة، وواجباتها، أن ما استطاع المصلي فعله وجب عليه فعله، وما عجز عن فعله، سقط عنه، وهذا من التيسير الذي جاءت به الشريعة.
(1)
وضابط المصافة في هذه الحالة:
بجعل أرجل الكرسي الأمامية محاذاة الصف، حتى لا يتقدم على المأمومين حال القيام، وذلك بشرط ألا يكون فيه مضايقة للصف الثاني إن وجد، والأفضل أن توضع الكراسي على جانبي الصفوف، وذلك من أجل المحافظة على استواء الصفوف؛ لأن الذي يصلي على الكرسي في الواقع يكون متقدما شكلا على الواقفين في الصف؛ ولكنه في نفس الصف حقيقة.
الفرع الثاني: الجالس على الكرسي في جميع أفعال الصلاة:
ذكر الفقهاء رحمهم الله أن العبرة فيمن صلى جالسًا، مساواة الصف
(1)
انظر: الجامع لأحكام الصلاة 2/ 101.
بمقعدته
(1)
، فلا يتقدم، أو يتأخر عن الصف بها؛ لأنها الموضع الذي يستقر عليه البدن، والجالس على الكرسي في جميع أفعال الصلاة يجب عليه أن يجعل أرجل الكرسي الخلفية هي التي بمحاذاة الصف فيكون الجالس عليه محاذيا للمأمومين بمنكبه دون قدمه.
وهو اختيار ابن عثيمين
(2)
وذلك للأمور الآتية:
الأمر الأول:
المحاذاة بالقدم توجب خروجه عن الصف ورجوعه عنه، مما يخل بانتظام الصف وتسويته، ويكون داخلاً في الوعيد ومستحقًا للإثم، لهذا قال صلى الله عليه وسلم:"أو ليخالفن الله بين وجوهكم"
(3)
.
والمعنى أن اختلاف الوجوه حامل على اختلاف القلوب والتباغض، وهذا يحصل عند من يجلس على كرسي محاذيا بقدمه لمن هو بجانبه فهو في الواقع بين الصفين، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء.
الأمر الثاني:
أن المحاذاة تكون بالمناكب والأكعب، فإن تعذر أحدهما قدم المنكب، فإن تعذر المنكب - لانحناء الجسم- مثلاً انتقلنا للمحاذاة بالكعب. لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يمسح المناكب بيديه، كما في حديث
(1)
انظر: أسنى المطالب 1/ 222، تحفة المحتاج 2/ 157، شرح منتهى الإرادات 1/ 279، الموسوعة الفقهية الكويتية 6/ 21.
(2)
انظر: فتاوى الإسلام سؤال وجواب برقم (9209) 1/ 6539.
(3)
سبق تخريجه ص 26.
أبي مسعود، وأمره بالمحاذاة بالمناكب دون ذكر الأكعب، أو الأقدام كما في حديث ابن عمر، فدل على اعتبار المنكب أصلاً في المساواة يتبعه الكعب، لا العكس.
(1)
(1)
انظر: الشرح الممتع 3/ 11.
الفصل الخامس
أحكام الصف في الحرمين
.
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: ضابط الصف الأول في الحرم المكي.
المبحث الثاني: ضابط الصف الأول في الحرم المدني.
المبحث الأول
ضابط الصف الأول في الحرم المكي
الإمام في الحرم المكي لا يكون في مكان واحد في كل فرض، بل ينتقل فيقترب من الكعبة في وقت، ويبتعد في أوقات أخرى، فيكون في حالة بعُدهِ متسعا لإقامة صفوف في غير جهة الإمام، ويكونون أقرب إلى الكعبة.
ذهب عامة الفقهاء على أنه إذا تقدم المأموم على إمامه فصلاته صحيحة إذا كان في غير جهته.
قال النووي
(1)
: "أما إذا صلوا في المسجد الحرام، فالمستحب أن يقف الإمام خلف المقام، ويقفوا مستديرين بالكعبة، بحيث يكون الإمام أقرب إلى الكعبة منهم، فإن كان بعضهم أقرب إليها في غير جهته فطريقان: المذهب القطع بصحتها وهو نصه في الأم، وبه قطع الجمهور".
وجاء في العناية شرح الهداية
(2)
: "وإذا صلى الإمام في المسجد الحرام، فتحلق الناس حول الكعبة، وصلوا بصلاة الإمام، فمن كان منهم أقرب إلى
(1)
المجموع 4/ 257.
(2)
العناية شرح الهداية 3/ 41، وانظرالفتاوى الهندية 1/ 65.
الكعبة من الإمام، جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام؛ لأن التقدم، والتأخر، إنما يظهر عند اتحاد الجانب".
وقال المرداوي
(1)
: "إذا استداروا حول الكعبة، والإمام منها على ذراعين، والمقابلون له على ذراع، صحت صلاتهم".
وجاء في المطالب
(2)
: "إذا استدار الصف حولها - أي حول الكعبة -؛ فلا بأس بتقديم المأموم، إذا كان في الجهة المقابلة للإمام فقط".
وحيث ثبت اتفاق الفقهاء على صحة الصلاة إلا أنهم اختلفوا في ضابط الصف الأول على قولين:
القول الأول:
أن الصف الأول، يختلف من مكان لآخر فالصف الأول من جهة الإمام هو الذي خلف الإمام مباشرة
، ومن غير جهة الإمام الصف الأول هو القريب من الكعبة.
وبه قال بعض الشافعية
(3)
.
قال الشرواني
(4)
: "والصف الأول صادق على المستدير حول الكعبة،
(1)
الإنصاف 2/ 281.
(2)
مطالب أولي النهى 1/ 683.
(3)
انظر: حواشي الشرواني 2/ 309، فتاوى الرملي 2/ 84.
(4)
حواشي الشرواني 2/ 309.
المتصل بما وراء الإمام، وعلى من في غير جهته وهو أقرب إلى الكعبة منه".
الدليل:
عللوا ذلك أخذا من قولهم الصف الأول هو الذي يلي الإمام؛ لأن معناه الذي لا واسطة بينه وبينه، أي ليس قدامه صف آخر بينه وبين الإمام.
(1)
القول الثاني:
أن الصف الأول في الحرم المكي وفي غيره من المساجد، هو الذي خلف الإمام مباشرة
.
وهو قول جماهير الفقهاء من الحنفية
(2)
والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
، وهو اختيار ابن العربي
(6)
، وابن حزم
(7)
، وابن حجر
(8)
.
قال الدمياطي: "وإذا صلى الإمام خلف المقام في المسجد الحرام،
(1)
انظر: حواشي الشرواني 2/ 309، إعانة الطالبين 2/ 23.
(2)
انظر: حاشية الطحاوي على مراقي الفلاج 1/ 336، حاشية ابن عابدين 1/ 569.
(3)
انظر: الاستذكار 2/ 310، شرح مختصر خليل 2/ 79.
(4)
انظر: الفتاوى الفقهية الكبرى 1/ 199، نهاية المحتاج 2/ 189، فتاوى الرملي 2/ 111.
(5)
انظر: الإنصاف 2/ 41، شرح منتهى الإرادات 1/ 183، كشاف القناع 1/ 328، مطالب أولي النهى 1/ 416.
(6)
انظر: أحكام القرآن 3/ 103.
(7)
انظر: المحلى 4/ 56.
(8)
انظر: فتح الباري 2/ 208.
واستدار المصلون حول الكعبة، فالصف الأول في غير جهة الإمام ما اتصل بالصف الذي وراء الإمام، لا ما قرب من الكعبة"
(1)
.
وقال في المنهج القويم
(2)
: "وإذا استداروا في مكة، فالصف الأول في غير جهة الإمام ما اتصل بالصف الذي وراء الإمام، لا ما قرب من الكعبة".
وقال النووي
(3)
: "واعلم أن الصف الأول، الممدوح الذي قد وردت الأحاديث بفضله والحث عليه، هو الصف الذي يلي الإمام، سواء جاء صاحبه متقدما، أو متأخرا، وسواء تخلله مقصورة، ونحوها أم لا، هذا هو الصحيح، الذي يقتضيه ظواهر الأحاديث، وصرح به المحققون".
وقال ابن حجر
(4)
: "ومن تأمل الأحاديث، علم أن المراد بالصف الأول الصف المقدم في المسجد، لا تحتمل غير ذلك".
وقال الخادمي: "والحق أن الصّف الأول، هو ما يلي الإمام، سواء جاء صاحبه متقدما، أو متأخرا وسواء تخلله مقصورة ونحوها، أو لم يتخلل"
(5)
.
(1)
إعانة الطالبين 2/ 23.
(2)
المنهج القويم 1/ 345.، وانظر: حاشية البجيرمي على منهج الطلاب 1/ 416.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 160.
(4)
فتح الباري 4/ 258.
(5)
بريقة محمودية 6/ 43.
الترجيح:
من خلال عرض القولين، يظهر والله أعلم أن ضابط الصف الأول في الحرم المكي وغيره، هو الصف الذي يلي الإمام - قول الجمهور - وذلك؛ لأنه هو الذي يطلق عليه الصف الأول شرعا، وهو الذي تدل عليه ظواهر الأحاديث ولأنه الصف المكتمل غالبا.
المبحث الثاني
ضابط الصف الأول في الحرم المدني
إذا تقرر في المبحث السابق أن الصف الأول هو الذي يلي الإمام، فإن الناس مختلفون في المكان الفاضل، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث توجد الروضة الشريفة والتي يزدحم الناس رغبة في الصلاة فيها حيث ورد في فضلها أحاديث منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي، ومنبري، روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي"
(1)
(2)
كما وردت أحاديث في فضل
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل مابين القبر والمنبر يرقم (1196) 2/ 61، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب مابين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة برقم (1391) 2/ 1011.
(2)
قال الحافظ ابن حجر: "فيه إشارة إلى الترغيب في سكنى المدينة"، انظر:(فتح الباري 4/ 100)
وقال ابن عبد البر: "اختلف العلماء في تأويل قوله عليه السلام ما بين بيتي، ومنبري، روضة من رياض الجنة، فقال منهم قائلون: ترفع تلك البقعة يوم القيامة فتجعل روضة من الجنة. وقال آخرون: هذا على المجاز.
وقال آخرون: يحتمل أن يكون الله تعالى يعيد ذلك المنبر بعينه، فيكون يومئذ على حوضه، والقول الأول أولى والله أعلم". انظر:(الاستذكار 2/ 463، التمهيد 2/ 287).
الصف الأول والذي يعتبر أمام الروضة في المسجد النبوي ومن الآحاديث الواردة في فضل الصف الأول مايلي:
الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة، والصبح، لأتوهما ولو حبوا"
(1)
.
الثاني:
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول، حتى يؤخرهم الله في النار"
(2)
.
الثالث:
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يصلي على الصف الأول ثلاثا، وعلى الذي يليه واحدة"
(3)
. فالتحقيق في أي المكانين
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأذان، باب الاستهام في الأذان برقم (615) 1/ 126، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها برقم (437) 1/ 325.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول برقم (679) 1/ 238، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب جماع أبواب موقف المأموم والإمام، باب كراهية التأخر عن الصفوف المقدمة برقم (4979) 3/ 103. وضعفه الألباني بهذا اللفظ، انظر مشكاة المصابيح 1/ 243، وصححه بدون لفظة"في النار" انظر: صحيح أبي داود 3/ 258.
(3)
أخرجه النسائي في سننه، كتاب الإمامة، باب فضل الأول على الثاني برقم (817) 2/ 92، وأحمد في مسنده برقم (17157) 28/ 389، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2158) 5/ 531، والبيهقي في السنن الكبرى واللفظ له، كتاب جماع أبواب موقف المأموم والإمام، باب فضل الصف الأول برقم (4975) 3/ 102. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند (2/ 92):(حديث صحيح)
أفضل على مايلي:
قال الإمام النووي)
(1)
رحمه الله تعالى:
"واعلم أن المراد بالصف الأول، الصف الذي يلي الإمام، سواء تخلله منبر ومقصورة وأعمدة وغيرها أم لا).
فيكون بناءً على هذا أن المكان الفاضل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أمام المحراب النبوي في الزيادة التي في قبلة المسجد، وليس ما يفهمه كثير من الناس، من أن المكان الفاضل هو في المسجد القديم، الذي كان في عهده دون ما زاده عمر، وعثمان، رضي الله عنهما والذي هو موضع المحراب اليوم.
إن عمر رضي الله عنه كان يقف في تلك الزيادة، ووراءه الصحابة رضي الله عنهم، وهم متوافرون، ومتفقون على أن هذا هو المكان الفاضل، وهل يظن بهم أنهم يتركون المكان الفاضل ويقفون في المكان المفضول؟.
والناس اليوم، يزدحمون على الروضة التي في المسجد القديم، اعتقادًا منهم أنها أفضل، فترى الصفوف تتكامل في ذلك الموضع دون الزيادة، وإن
(1)
المجموع 4/ 259.
كان الدافع لهم الحرص على المكان الفاضل، إلا أنه يترتب على ذلك محاذير، ومخالفات شرعية منها:
الأول:
ترك وصل الصفوف، وإتمام الأول فالأول، وقد ثبت ما يدل على الأمر بوصل الصفوف، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"ومن وصل صفّا وصله الله، ومن قطع صفّا قطعه الله"
(1)
.
الثاني:
تفويت الصلاة في الصف الأول، مع إمكانية ذلك، لمن يحضر مبكرا، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة بحضور المساجد والدنو من الإمام، كما تقدم في قوله:"ليلني منكم أولو الأحلام والنهى"
(2)
.
الثالث:
أن في ذلك مخالفة لهدي الصحابة رضي الله عنهم، فإن عمر رضي الله عنه أمَّ الصحابة في هذه الزيادة، ولا ريب أنهم كانوا يتسابقون للصلاة وراء الإمام، ويحرصون على الصف الأول.
فليحرص المسلم على الصف الأول في المسجد النبوي، كغيره من المساجد، ولا يغتر بمن يتأخر عنه ويصلي في موضع المسجد القديم.
ولا يقال: إن هذه الزيادة ليست من المسجد فإن صلاة الصحابة فيها دال على أنها في حكم المسجد قطعًا، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا،
(1)
سبق تخريجه ص 38.
(2)
سبق تخريجه ص 57.
خير من ألف صلاة، أو كألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا أن يكون المسجد الحرام"
(1)
فهذا لم يقصد به نفي مضاعفة الأجر في الإضافات الحادثة، ولكن المراد به - والله أعلم - نفي التضعيف في المساجد التي بناها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، كمسجد قباء، فأكد أن التضعيف خاص بمسجده بقوله:(هذا) ولم يقصد إخراج ما سيزاد فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد جاءت الآثار، بأن حكم الزيادة في مسجده صلى الله عليه وسلم حكم المزيد، تضعّف فيه الصلاة بألف صلاة، كما أن المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد، فيجوز الطواف فيه، والطواف لا يكون إلا في المسجد لا خارجًا منه، ولهذا اتفق الصحابة، على أنهم يصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر، ثم عثمان، وعلى ذلك عمل المسلمين كلهم، فلولا أن حكمه حكم مسجده، لكانت تلك صلاة في غير مسجده، والصحابة، وسائر المسلمين بعدهم، لا يحافظون على العدول عن مسجده إلى غير مسجده، ويأمرون بذلك"
(2)
.
ثم قال: "وهذا الذي جاءت به الآثار، وهو الذي يدل عليه كلام الأئمة
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1190) 2/ 60، و مسلم في صحيحه واللفظ له، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة برقم (1394) 2/ 1012.
(2)
مجموع رسائل وفتاوى وكتب ابن تيمية 26/ 146. وانظر: أحكام حضور المساجد ص 95.
المتقدمين، وعملهم، فإنهم قالوا: إن صلاة الفرض خلف الإمام أفضل، وهذا الذي قالوه هو الذي جاءت به السنة، وكذلك كان الأمر على عهد عمر، وعثمان رضي الله عنهما، فإن كليهما مما زاد من قبلي المسجد، فكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة، وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنة، والإجماع"
(1)
.
وقال النووي
(2)
: "فإذا عرفت حال المسجد فينبغي أن تعتني بالمحافظة على الصلاة في الموضع الذي كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فإن الحديث السابق (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة) إنما يتناول ما كان في زمانه صلى الله عليه وسلم، لكن إن صلى في جماعة فالتقدم إلى الصف الأول ثم يليه أفضل فليتفطن لهذا".
وقال في قرة عين العابد
(3)
: "الصلاة في الصف الأول في المسجد النبوي، أفضل من الصلاة في الروضة، ووجه الأفضلية: هو أن فعلها في الصف الأول، فضيلة تتعلق بنفس العبادة، بخلاف فعلها في الروضة فإنها فضيلة تتعلق بالمكان، والمحافظة على فضيلة نفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلتها، باعتبار المكان لقاعدة (الفضيلة المتعلقة بنفس
(1)
الرد على الأخنائي 1/ 125.
(2)
المجموع 8/ 206، وانظر: أحكام حضور المساجد ص 95، 96.
(3)
قرة عين العابد بحكم فرش السجاجيد في المساجد ص 23.
العبادة، أولى من المتعلقة بمكانها) "
(1)
.
على هذا ينبغي للمسلم أن يصلي النوافل المطلقة كقيام الليل، وسنة الضحى، وغيرها التي ليس فيها جماعة في مكان الروضة المحدد في الحديث الشريف، أما بالنسبة للفرائض، أو السنن التي يشرع فيها الجماعة، كصلاة التراويح، والقيام في رمضان ففي الصف الأول، ليدرك الفضائل المتعلقة بهما، ويدرك أجر الفضيلتين.
(2)
والله أعلم.
(1)
انظر: المنثور 2/ 368، الأشباه والنظائر 1/ 147.
(2)
انظر: التحقيق والإيضاح ص 47، 46، مجموع فتاوى ابن باز 16/ 102، فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم 15/ 111.
الفصل السادس
أحكام معاصرة في الصفوف
ويشمل ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: استخدام الخط في تسوية الصف.
المبحث الثاني: الصفوف في وسائل النقل.
المبحث الأول
استخدام الخط في تسوية الصفوف
إن ضبط صفوف المصلين بخط أو خطوط، كما يحصل في فرش المساجد، من الأمور المعاصرة، ويقصد بها المساعدة، على تسوية واستقامة الصف، وعدم اعوجاجه، خاصة في هذا الوقت الذي قل اهتمام المصلين من أئمة، ومأمومين، في مسألة تسوية الصف، إلا من رحم الله.
وحيث إن هذا الأمر- الخط في تسوية الصف - لم يكن مستعملا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اختلف العلماء في حكم استعماله، على قولين:
القول الأول:
أن استعمال الخط لا يجوز، وهو بدعة محدثة
.
وممن قال به من العلماء المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله تعالى
(1)
واستدل بما يلي:
الدليل الأول:
أن الحاجة إلى اتخاذ الخط كانت موجودًة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم، وهو تسوية الصف، ومع ذلك لم ينقل فعلهم له، فدل ذلك على عدم جوازه.
(1)
انظر: سلسلة الهدى والنور الشريط (251)
ويناقش:
بأن استعمال الخط، من الأمور التي هي خارج العبادة، ولا يزيد في العبادة شيئا حتى يقال ببدعيته، ولا يلزم من كل أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم أن يقال: إنه بدعة، إذا لم يتعلق بذات العبادة، وإلا لزم من ذلك تحريم كل ما من شأنه تيسير أمر العبادة، مما هو موجود في العصر الحاضر، مثل مكبّر الصوت؛ ولأن فيه مصلحة دينية
(1)
.
الدليل الثاني:
أن استعمالها، يترتب عليه محذور، وهو الاعتماد عليها، وترك الأمر بتسوية الصفوف، الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يبالغ في الحض عليه، حتى قال:"لتسوون صفوفكم أو ليخالفكن الله بين وجوهكم"
(2)
"سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من حسن الصلاة"
(3)
.
ويناقش:
أنه لا يلزم من وضع الخط، ترك الإمام تسوية الصف وتفقده، ولكنه يخفف الأمر، ولا يعفي الأئمة من القيام بواجب المتابعة، والعمل عليه في الوقت الحاضر، فلا محذور في ذلك.
القول الثاني:
أن اتخاذ الخطوط لتسوية الصفوف جائزة
.
(1)
انظر: فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين قسم فتاوى التفسير 2/ 364.
(2)
سبق: تخريجه ص 26.
(3)
سبق: تخريجه ص 36.
وهذا هو رأي اللجنة الدائمة للإفتاء
(1)
واختيار ابن عثيمين
(2)
واستدلوا بما يلي: الأدلة:
الدليل الأول:
أن استعمال الخطوط في فرش المساجد، أو في الصحراء، وسيلةٌ لأمرٍ مشروع، وهو استواء الصف، واستقامته؛ ولأنه ليس عبادة، وإنما هو وسيلة إلى عبادة.
(3)
الدليل الثاني:
أن استعمال الخطوط من المصالح المرسلة
(4)
، وذلك لأن السبب لم يكن موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم؛ لأن مسجده كان صغيرا، وامتثال الصحابة وحرصهم لا يقارن بهذا الزمن.
(5)
الترجيح:
يتبين من خلال عرض القولين، والأدلة، أن الأمر يحتاج إلى مزيد نظر، في تحقق المصالح، ودرء المفاسد، فمن وضع خطاً، والحاجة
(1)
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة رقم (6391) 6/ 316
(2)
انظر: فتاوى نور على الدرب فتاوى التفسير 2/ 364.
(3)
انظر فتاوى نور على الدرب، فتاوى التفسير 2/ 364.
(4)
المصلحة المرسلة هي: المصلحة المطلقة، فليس لها دليل يعتبرها ويقرها أو يلغيها ويبعدها.
انظر: المصالح المرسلة للشنقيطي 1/ 8.
(5)
انظر: ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين 1/ 39.
داعية إليه كأن يكون في المسجد انحراف عن القبلة، واضطر إلى تسوية الصفوف، بهذه الخطوط فإن الأمر واسع بالقول بالجواز، أما إذا لم تكن هناك حاجة متحققة، وحصل مخالف من جماعة المسجد، ممن لا يرى جوازه، ففي هذه الحالة الأولى تركه؛ إعمالا لقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)
(1)
.
قال في تيسير الوصول: "وينبغي أن يعلم أنه إذا تساوت مصلحة الفعل، ومفسدته، رُجِّحَ جانب المفسدة، فيُدرأ الفعل؛ لأن درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح"
(2)
. والله تعالى أعلم.
(1)
انظر: الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 121، قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/ 4.
(2)
تيسير الوصول 1/ 310.
المبحث الثاني
الصفوف في وسائل النقل
وفيه مطلبان
المطلب الأول: الصف في الطائرة:
الطائرات من جملة النعم، التي امتن الله بها على عباده، فهي نوع من أنواع المركوبات المذكورة في قوله تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
(1)
.
والصلاة في الطائرة حسب الاستطاعة، كما هو ظاهر من أقوال الفقهاء فيما يماثلها فمن كان مستطيعا الصلاة واقفا، فلا عذر له بالصلاة جالسا، ومن لم يستطع فعليه الصلاة جالسا، ومن كان لا يستطيع الصلاة جماعة، فلا حرج عليه بصلاته منفردا.
والأدلة على ذلك:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
(2)
.
(1)
النحل: 8.
(2)
التغابن: 16.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}
(1)
.
الدليل الثالث:
حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم"
(2)
، أما بالنسبة للصفوف، وإمكانية المصافة داخل الطائرة، فهو متوقف على تصميم، ونوع الطائرة، فبعض الطائرات يكون في خلفيتها أماكن للصلاة فيها، كما في بعض الطيران الدولي، وهو ظاهر في الطائرات لبعض خطوط الدول الإسلامية
(3)
، ويتسع لثمانية أشخاص تقريبا، فهنا لا إشكال في صفوف المصلين، وعلى الراكبين أن يصلوا جماعات، حسب العدد الذي يسعه المكان،
(4)
كلما انتهت جماعة تلتها جماعة أخرى، مع مراعاة وقت الصلاة، بحيث لا يخرج الوقت، وهم بانتظار الجماعات، لأن الطائرة المتجهة شرقا، غالبا مايكون الوقت قصيرا، خاصة في الصلاة التي لا تجمع كالفجر، وفي صلاة المسلمين جماعة، امتثال لأمر الله عز وجل، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالصلاة جماعة، مع أن في ذلك إظهارا لعزة الإسلام وأهله.
(1)
البقرة: 286.
(2)
سبق تخريجه ص 88.
(3)
هذا حاصل في الخطوط العربية السعودية في الطيران الدولي في بعض الطائرات الكبيرة.
(4)
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 120. و مجموع فتاوى ابن باز 11/ 99، و مجموع فتاوى ابن عثيمين 15/ 142.
المطلب الثاني: الصف في السفينة
. وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم المصافة في السفينة
(1)
جلوسا بدل القيام:
إذا أراد الراكبون على ظهر السفينة أن يصلوا جماعة، فإنه يلزم مراعاة تسوية الصف أثناء إقامتها، واختلفوا في صحة المصافة جلوسا بدل القيام في الفريضة على قولين:
القول الأول:
أنه يجوز أن يصلي في السفينة قاعدا، وهو قادر على القيام
.
وهو قول الحنفية
(2)
جاء في العناية
(3)
: "ومن صلى في السفينة قاعدا من غير علة، أجزأه". الأدلة:
الدليل الأول:
الأثر عن حصين، عن مجاهد قال: "كنا نغزو مع
(1)
السفينة معروفة، وتسمى الفلك، سميت سفينة لأنها تسفن وجه الماء؛ أي تقشره، وقيل: إنما سميت سفينة لأنها تسفن الرمل إذا قل الماء. وقيل: لأنها تسفن على وجه الأرض؛ أي تلزق بها. والجمع سفائن وسفن وسفين ويستعمل الفقهاء هذا اللفظ بالمعنى اللغوي نفسه، ويشمل اسم السفينة عندهم كل ما يركب به البحر، كالزورق والقارب والباخرة والبارجة والغواصة. انظر:(جمهرة اللغة 2/ 848، مقاييس اللغة 3/ 79، المحكم والمحيط الأعظم 8/ 523، لسان العرب 13/ 210).
(2)
انظر: بداية المبتدي 1/ 24، الهداية شرح البداية 1/ 78، العناية شرح الهداية 2/ 325.
(3)
العناية شرح الهداية 2/ 325.
جنادة بن أبي أمية، البحر فكنا نصلي في السفينة قعودا"
(1)
.
الدليل الثاني:
الأثر عن ابن سيرين قال: "خرجت مع أنس إلى بني سيرين في سفينة عظيمة، قال: فَأَمَّنَا فصلى بنا فيها جلوسا ركعتين، ثم صلى بنا ركعتين أُخْرَوَيْن"
(2)
.
الدليل الثالث:
الأثر عن عاصم بن سليمان: "أن أنس بن مالك صلى بأصحابه في السفينة قاعدا على بساط"
(3)
.
وناقش ابن حزم هذا الدليل فقال:
"وما يدريكم أنه كان قاعدا، وهو يقدر على القيام؟ حاشا لله أن يظن بأنس رضي الله عنه أنه صلى قاعدا، وهو قادر على القيام"
(4)
.
الدليل الرابع:
قياس الركوب على السفينة، على الركوب على الدابة،
(1)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بلفظ مقارب، كتاب الصلاة، باب الصلاة في السفينة برقم (4555) 2/ 582، وابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له، كتاب الصلاة، باب من قال:(صل في السفينة جالسا). برقم (6560) 2/ 68.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلاة، باب من قال:(صل في السفينة جالسا) برقم (6561) 2/ 68.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بلفظه، كتاب الصلاة، باب الصلاة في السفينة برقم (4554) 2/ 582. والطبراني في المعجم الكبير برقم (681) 1/ 243.
(4)
المحلى 4/ 185.
بجامع دوران الرأس غالبا عند الصلاة واقفا، فيسقط القيام
(1)
.
ونوقش:
بأنه قياس مع الفارق، حيث لا يستطيع المصلي الوقوف على الدابة، مع إمكانيته في السفينة، ولا يُسَلّم أن الوقوف سبب لِدَوَران الرأس غالبا، مع وجوده أحيانا.
القول الثاني:
لا تجوز صلاة المصلي فيها قاعدا وهو قادر على القيام
.
وهو قول المالكية
(2)
والشافعية
(3)
والحنابلة
(4)
.
قال مالك
(5)
: "إذا قدر على أن يصلي في السفينة قائما، فلا يصلي قاعدا".
وجاء في الحاوي الكبير: "من لزمه فرض القيام في غير السفينة، لزمه فرض القيام في السفينة .... لأنه ركن من أركان الصلاة فوجب ألا يسقط في السفينة كالركوع والسجود".
(6)
وجاء في الزاد
(7)
: "ولا تصح صلاته قاعدا في السفينة، وهو قادر على القيام".
(1)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 110.
(2)
انظر: المدونة 1/ 123.
(3)
انظر: الحاوي الكبير 2/ 381. حلية العلماء 2/ 190.
(4)
انظر: الشرح الكبير 2/ 89، المبدع 2/ 103، الإنصاف 2/ 311.
(5)
المدونة الكبرى 1/ 123.
(6)
الحاوي الكبير 2/ 382.
(7)
زاد المستقنع 1/ 55، وانظر: الروض المربع 1/ 270.
الأدلة.
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}
(1)
.
وجه الدلالة:
أن الآية تأمر بالقيام في الصلاة من غير تفريق بين صلاة السفينة، وغيرها.
الدليل الثاني:
حديث ابن عمر رضي الله عنهم قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصلي في السفينة؟ قال: صَلّ فيها قائما؛ إلا أن تخاف الغرق"
(2)
.
الدليل الثالث:
الأثر عن عبد الله بن مسلم قال: "سئل مسلم بن يسار عن الصلاة في السفينة قاعدا، فقال: إني لأكره، أو أبغض أن يراني الله أن أصلي له قاعدا، من غير مرض"
(3)
.
الدليل الرابع:
الأثر عن مروان بن معاوية عن حُميد قال: "سُئِل أنس عن الصلاة في السفينة، فقال عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس وهو معنا جالس:
(1)
البقرة: 238.
(2)
أخرجه الدار قطني في سننه، كتاب الصلاة، باب صفة الصلاة في السفر 1/ 394،. والحاكم في مستدركه، كتاب الإمامة، وصلاة الجماعة باب التأمين برقم (1019) 1/ 409. والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب القيام في الفريضة وإن كان في السفينة برقم (5277) 3/ 155.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب من كان يكره أن يصلي قاعدا إلا من عذر برقم (4606) 1/ 401.
سافرت مع أبي سعيد الخدري، وأبي الدرداء، وجابر بن عبد الله وقال حميد: وأناس قد سماهم، فكان إمَامُنَا يُصلي بنا في السفينة قائما، ونحن نصلي خلفه قياما، ولو شئنا لأرْفَأنَا
(1)
وخرجنا"
(2)
.
قال الشوكاني
(3)
: "فيه أن الواجب على من يصلي في السفينة القيام، ولا يجوز القعود إلا عند خشية الغرق، ويؤيد ذلك الأحاديث المتقدمة الدالة على وجوب القيام في مطلق صلاة الفريضة؛ فلا يصار إلى جواز القعود في السفينة، ولا غيرها، إلا بدليل خاص".
الترجيح:
من خلال عرض الأقوال والأدلة، يظهر والله أعلم، أن الراجح القول الثاني وهو أنه لا تجوز صلاة المصلي في السفينة قاعدا وهو قادر على القيام؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة، ولصراحة الحديث في ذلك، ومانقل عن الصحابة رضي الله عنهم من الصلاة قعودا، يحمل على عدم القدرة والعجز عن الصلاة قائمين وبهذا يزول التعارض.
(1)
بمعنى: اقتربنا من الشط. انظر: النهاية في غريب الأثر 2/ 241، لسان العرب 1/ 87.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بنحوه، كتاب الصلاة، باب الصلاة في السفينة، برقم (4557) 2/ 582، وابن أبي شيبة في مصنفه بلفظه، كتاب الصلوات، باب من قال:(صل في السفينة جالسا)، برقم (6564) 2/ 69.
(3)
نيل الأوطار 3/ 244.
المسألة الثانية: حكم المصافة، والاقتداء بين أكثر من سفينة:
إذا كان الإمام في سفينة، ويتبعه صفوف أخرى في سفينة تابعة للسفينة التي بها الإمام فقد اختلف الفقهاء في صحة المصافة والاقتداء في هذه الحال على قولين:
القول الأول:
تصح المصافة والاقتداء بشرط التقارب بحيث تحصل الرؤية أو السماع للإمام
، أو من وراءه.
وهوقول المالكية
(1)
. والشافعية
(2)
.
جاء في منح الجليل
(3)
: "وجاز اقتداء ذوي سفن متقاربة في المرسى بإمام واحد في بعضها يسمعون أقواله، أو أقوال من معه وفي سفينته من مأموميه".
وقال النووي
(4)
: "ولو كانا في البحر، والإمام في سفينة، والمأموم في أخرى، وهما مكشوفتان، فالصحيح أنه يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بينهما
(1)
انظر: جامع الأمهات 1/ 113، الذخيرة 2/ 259، القوانين الفقهية 1/ 49، شرح مختصر خليل 2/ 36، الشرح الكبير 1/ 336.
(2)
انظر: روضة الطالبين 1/ 364، المجموع 4/ 263، مغني المحتاج 1/ 251. واشترطوا ألا يزيد ما بينهما على ثلاث مائة ذراع.
(3)
منح الجليل 1/ 374.
(4)
روضة الطالبين 1/ 364.
على ثلاث مائة ذراع".
الدليل:
أن في قرب السفينتين بعضهما من بعض مع حصول الرؤية، أو السماع للإمام، أو للمأموم، كانتا كالدار ذات البيوت فيجوز الاقتداء والمصافة.
(1)
ويناقش:
أن تحديد القرب، لا يمكن ضبطه، مع تحركهما، وحصول الأمواج غالبا، ومن ثم لا تحصل المصافة والاقتداء.
القول الثاني:
لا تصح المصافة والإقتداء بين سفينتين ما لم يكن بينهما رابط
.
وهو قول الحنفية
(2)
وهو المختار عند الحنابلة
(3)
، وهو اختيار شيخ الإسلام
(4)
.
جاء في مراقي الفلاح
(5)
:
"ويشترط ألا يكون المقتدي في سفينة، والإمام في سفينة أخرى غير مقترنة بها؛ لأنهما كالدابتين وإذا اقترنتا صح للاتحاد الحكمي".
(1)
انظر: المصدر السابق 1/ 364.
(2)
انظر: المبسوط 1/ 308، البحر الرائق 2/ 127، حاشية ابن عابدين 2/ 102.
(3)
انظر: الفروع 2/ 29.
(4)
انظر: مجموع الفتاوى 23/ 407.
(5)
مراقي الفلاح ص 139.
وجاء في منتهى الإرادات
(1)
:
"أو كان المأموم في غير شدة خوف بسفينة، وإمامه في أخرى غير مقرونة بها، لم يصح الاقتداء؛ لأن الماء طريق، وليست الصفوف متصلة". الأدلة:
الدليل الأول:
أن في ربط السفينتين بعضهما مع بعض، يحصل الاتصال الحقيقي، مع قرب الإمام من المأمومين، فحصلت المصافة من غير خوف في التباعد بينهما.
(2)
الترجيح:
يترجح والله أعلم، أن القول الثاني هو الراجح، وهو اشتراط الاقتران أو الربط بين السفينتين؛ لأنهما يكونان كالسفينة الواحدة؛ والصلاة في السفينة الواحدةبإمام واحد لاخلاف فيه بين المذاهب.
(1)
شرح منتهى الإرادات 1/ 283.
(2)
انظر: المبسوط 2/ 3.
الفصل السابع
أحكام مخالفات الصفوف
ويشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول: حكم المخالفة في تخطي الصفوف.
المبحث الثاني: حكم المخالفة في حجز مكان في الصفوف
المبحث الثالث: حكم المخالفة في عدم اكتمال الصف، وتخلل الفرج.
المبحث الرابع: حكم المخالفة في الصف بين السواري
المبحث الخامس: حكم المخالفة في تباعد الصفوف وبيان المعتبر فيها.
المبحث الأول
حكم المخالفة في تخطي الصفوف
من المخالفات التي تحدث في الصفوف الأولى بعد اكتمالها
(1)
، تخطي بعض المصلين الصفوف، ورفع أرجله فوق رقاب المصلين، ورؤوسهم، ولا سيما في يوم الجمعة، أو في المساجد التي يكثر فيها المصلون في غير الجمعة؛ من أجل أن يتقدم إلى الصفوف الأولى مع حضوره متأخرا، وفي هذا الفعل مخالفة شرعية ورد النهى عنها.
واختلف الفقهاء في هذا الفعل هل هو مكروه مطلقا، سواء أخرج الإمام للخطبة يوم الجمعة أم لم يخرج، أم هو خاص بحال، دون حال، أم هو محرم؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
الكراهة مطلقا
.
وبه قال الشافعية
(2)
في المشهور عندهم، والحنابلة
(3)
.
(1)
من ترك فرجة في الصف خالية، فقد قصر في سدها والتراص في الصفوف، وأسقط حقه فلا حرمة له، ولابد من تخطيه لتكميل الصف الأول، أو لسد فرجة في الصفوف الأول.
(2)
انظر: الحاوي الكبير 2/ 455، المجموع 4/ 466، الحاوي للفتاوى 1/ 52، أسنى المطالب 1/ 185. وقيدوا التخطي بصف أو صفين فقط.
(3)
انظر: المغني 2/ 101، الشرح الكبير 2/ 210، الإنصاف 2/ 412، الروض المربع 1/ 302.
قال في أسنى المطالب: "ويكره لكل أحد تخطي الرقاب"
(1)
.
وقال النووي
(2)
: "ينهى الداخل إلى المسجد يوم الجمعة وغيره، عن تخطي رقاب الناس من غير ضرورة".
وقال ابن رجب: "وأكثر العلماء على كراهة تخطي الناس يوم الجمعة، سواء كان الإمام قد خرج، أو لم يخرج بعد"
(3)
.
الأدلة:
الدليل الأول:
حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال:
…
جاء رجل يتخطى رقاب الناس، يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اجلس، فقد آذيت"
(4)
(1)
أسنى المطالب 1/ 268.
(2)
المجموع 4/ 546.
(3)
فتح الباري لابن رجب 5/ 440.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة برقم (1118) 1/ 360، والنسائي في سننه، كتاب الجمعة، باب النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر برقم (1399) 3/ 103، وابن ماجة في سننه، عن جابر كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في النهي عن تخطي الناس يوم الجمعة برقم (1115) 1/ 354، وأحمد في مسنده برقم (17674) 29/ 221، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب الاعتماد على الفسي، أو العصي برقم (1453) 2/ 353. وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب صلاة الجمعة برقم (2790) 7/ 29، والحاكم في المستدرك، كتاب الصلاة، باب صلاة الجمعة برقم (1061) 1/ 424. والبيهقي في سننه، كتاب الجمعة، باب لا يتخطى رقاب الناس برقم (5678) 3/ 231. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند (إسناده صحيح على شرط مسلم) 29/ 221، وقال الألباني (صحيح) انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/ 175.
وفي رواية "وآنيت"
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن الحديث عام في النهي عن التخطي والأمر بالجلوس، وبيان علة النهي وهي الإيذاء فيشمل الوقتين ـ قبل دخول الإمام، وبعد دخوله ـ.
الدليل الثاني:
أن تخطي الصفوف بعد استكمالها، من غير حاجة فيه ضرر، وأذى على المصلين والقاعدة أن (الضرر يزال)
(2)
والضرر حاصل قبل
(1)
أخرجها ابن ماجة في سننه، عن جابر، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في النهي عن تخطي الناس يوم الجمعة برقم (1115) 1/ 354، وأحمد في مسنده برقم (17674) 29/ 221، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب الاعتماد على الفسي أو العصي برقم (1453) 2/ 353 وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب صلاة الجمعة برقم (2790) 7/ 29، والبيهقي في سننه، كتاب الجمعة، باب لا يتخطى رقاب الناس برقم (5678) 3/ 231. وصححها الألباني، انظر: صحيح أبي داود 4/ 282، وصحيح الترغيب والترهيب 1/ 175.
(2)
انظر: الأشباه والنظائر 1/ 51، أصول الفقه على منهج أهل الحديث 1/ 134. وأصلها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا ضرر ولا ضرار) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (268) 1/ 90، والدار قطني في سننه، كتاب البيوع برقم (288) 3/ 77.
دخول الإمام، وبعد خروجه.
القول الثاني:
التخطي مكروه بعد خروج الإمام فقط
.
وهو قول الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، وهو قول الثوري، والأوزاعي. الأدلة.
الدليل الأول:
حديث عبد الله بن بسر المتقدم: "اجلس، فقد آذيت" وفي رواية "وآنيت"
(3)
.
وجه الدلالة:
أن الرسول قال هذا القول، بعد صعوده المنبر، فتكون الكراهة مختصة به.
ويناقش:
بأن العلة من النهي، وهي الإيذاء موجودة أيضا قبل دخول الإمام وبعده، فيكون التفريق بين الوقتين غير متوجه.
القول الثالث:
أن التخطي محرم مطلقا
.
وبه قال الحنابلة في رواية عندهم
(4)
، وهواختيار النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
(1)
انظر: المدونة 1/ 159، الدر المختار 2/ 164، حاشية الطحاوي 1/ 339، حاشية ابن عابدين 2/ 163.
(2)
انظر: المدونة 1/ 159، الاستذكار 2/ 50، التاج والإكليل 2/ 175، مواهب الجليل 2/ 175.
(3)
سبق تخريجه ص 170.
(4)
انظر: الإنصاف 2/ 412.
قال النووي
(1)
: "إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة".
وقال في الإنصاف
(2)
: "والظاهر أن الذم إنما يتوجه إلى فعل محرم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(3)
: "ليس لأحد أن يتخطى رقاب الناس، ليدخل في الصف، إذا لم يكن بين يديه فرجة، لا يوم الجمعة، ولا غيره؛ لأن هذا من الظلم، والتعدي لحدود الله تعالى" واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
حديث ابن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا: "من لغا، أو تخطى، كانت له ظهرًا"
(4)
.
وجه الاستدلال:
أن الحديث يدل على أن التخطي للصفوف يحبط العمل، فدل على تحريمه، ولا يختص النهي بيوم الجمعة فقط، ويشمل قبل خروج الإمام، وبعده، وإنما جاءت في الحديث على مخرج الغالب، لاختصاص يوم الجمعة بكثرة الناس، بخلاف سائر الصلوات، ويؤيد ذلك
(1)
نقل الشوكاني عنه في نيل الأوطار 3/ 311.
(2)
الإنصاف 2/ 412.
(3)
الفتاوى الكبرى 4/ 440.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة برقم (347) 1/ 149، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الجمعة، باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة برقم (1810) 3/ 156، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجمعة، باب لا يتخطى رقاب الناس برقم (5679) 3/ 231، وحسنه الألباني انظر: صحيح سنن أبي داود 2/ 178. وصحيح الترغيب والترهيب 1/ 176. وقال في جامع الأصول (إسناده حسن) 9/ 429.
قوله: "فقد آذيت" فعلّل أمره بالجلوس بالأذية، فيشمل العموم في الحكم.
(1)
قال ابن وهب: ـ أحد رواة الحديث ـ أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة.
(2)
الدليل الثاني:
حديث عبد الله بن بسر المتقدم: "فقد آذيت، وآنيت"
(3)
.
وجه الدلالة:
أن الإيذاء محرم، ويشتد حرمة عندما يكون في المسجد، وفي وقت انتظار الصلاة.
الترجيح:
بعد عرض الأقوال، يظهر والله أعلم أن القول الثالث- التحريم- هو الراجح؛ لأن العلة من التحريم هو الإيذاء، وهو حاصل في يوم الجمعة وغيرها؛ ولأن حبوط العمل لا يكون إلا بفعل محرم.
(1)
انظر: أحكام حضور المساجد 1/ 170.
(2)
انظر: فتح الباري 2/ 414.
(3)
سبق تخريجه ص 170.
المبحث الثاني
حكم المخالفة في حجز مكان في الصفوف
وفيه مطلبان
المطلب الأول: أقوال الفقهاء في تحقق المخالفة في حجز المكان:
تتفق أقوال الفقهاء على أن ما يفعله بعض المصلين في يوم الجمعة، أو غيرها عند المشاحة في المكان الفاضل، من وضع سجادة، أوعصا، أو غيرها، لحجز مكان له في الصف أن ذلك مخالفة شرعية.
قال ابن الحاج: "وينبغي له أن ينهى الناس عما أحدثوه من إرسال البسط، والسجادات، وغيرها، قبل أن يأتي أصحابها"
(1)
.
وقال الشربيني
(2)
: "لو بسط شخص شيئا في مسجد مثلا ومضى، أو بُسِطَ له كان لغيره تنحيته".
وقال ابن قدامة
(3)
: "لأن السبق بالأجسام، لابالأوطئة، والمصليات".
(1)
المدخل 2/ 224.
(2)
مغني المحتاج 2/ 371.
(3)
المغني 2/ 102.
وقال شيخ الإسلام
(1)
: "ليس لأحد أن يفرش شيئا ويختص به مع غيبته، ويمنع به غيره، هذا غصب لتلك البقعة، ومنع للمسلمين مما أمر الله تعالى به من الصلاة، والسنة أن يتقدم الرجل بنفسه، وأما من يتقدم بسجادة فهو ظالم، ينهي عنه، ويجب رفع تلك السجاجيد، وَيُمَكَّنَ الناس من مكانها".
وقال السعدي: "إن التحجير في المساجد، ووضع العصا، والإنسان متأخر في بيته، أو سوقه عن الحضور لا يحل ولا يجوز؛ لأن ذلك مخالف للشرع، ومخالف لما كان عليه الصحابة، والتابعون لهم بإحسان"
(2)
.
المطلب الثاني: ضابط مخالفة حجز المكان في الصف
.
الشخص الذي يَحجز له مكانا في الصف لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى:
أن يتم الحجز في الصف، وهو يقضي وقته في منزله أو عمله، في أمور لا يحتاجها للصلاة، فهذه هي الحالة المذمومة التي ورد النهى عنها؛ وذلك لما يترتب عليها من أضرار منها:
الأول:
حصول المخالفة لما أمر به من التقدم إلى المسجد، والقرب من
(1)
مجموع الفتاوى 24/ 216.
(2)
الفتاوى السعدية ص 195.
الإمام بنفسه، بقوله صلى الله عليه وسلم:"لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا"
(1)
.
الثاني:
أن عمله ذلك عمل الغاصب، والغصب منهي عنه، ومستحق للإثم، والسابق إليه هو الأحق به.
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(3)
: "ليس لأحد أن يقدم، ما يفرش له في المسجد ويتأخر هو، وما فرش له لم يكن له حرمة، بل يزال، ويصلي مكانه على الصحيح".
الثالث:
أن صلاة المتحجر للمكان ناقصة؛ لأن المعاصي إذا لم تبطل الأعمال تنقصها، وبعض العلماء يرى بطلان صلاته؛ لأنه غاصب لذلك المكان.
(4)
الرابع:
أن من حُجِزَ له مكان، فإنه يتأخر عن الحضور غالبا، فإذا حضر تخطى رقاب الناس، وآذاهم، فجمع بين التخطي الذي هو محرم كما سبق، والتأخر المخالف للنصوص الواردة في التبكير، والتهجير للصلاة.
الخامس:
حصول العداوات، والشحناء، بين المصلين بسبب التحجير،
(1)
سبق تخريجه ص 151.
(2)
انظر: فتح الباري 11/ 63.
(3)
مجموع الفتاوى 23/ 410.
(4)
انظر: أحكام حضور المساجد ص 202.
وهذا أمر شائع ظاهر، وفي ترك هذه المخالفة قضاء على هذا الضرر العظيم، الحاصل في أفضل البقاع وهي المساجد.
(1)
الحالة الثانية:
أن يتم الحجز والمصلي داخل المسجد في بقعة أخرى، أو يخرج لحاجة الوضوء، ونحوه فهذه الحالة، الحاجز له حق في ذلك المكان، بشرط عدم التأخر، حتى لايرتكب مخالفة أخرى كتخطي الرقاب، ولها صور متعددة منها:
الصورة الأولى:
أن ينتقل إلى مؤخرة المسجد؛ حتى لا يؤذي من بجانبه بقراءته؛ لأنه معتاد على رفع صوته، أولكي يُذْهِبَ عنه الملل.
(2)
الصورة الثانية:
أن ينتقل إلى مُؤَخِّرة المسجد؛ لأن فيه تعبا، ويحتاج إلى شيء يستند إليه، وهو أحق بالمكان الذي سبق إليه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"إذا قام أحدكم من مجلسه، ثم رجع إليه، فهو أحق به"
(3)
.
قال النووي
(4)
: "قال أصحابنا: هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا، ثم فارقه ليعود إليه، كإرادة الوضوء، أو لشغل
(1)
انظر: أحكام حضور المساجد ص 204.
(2)
انظر: أحكام حضور المساجد ص 205.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب إذا قام من مجلسه ثم عاد فهو أحق به برقم (2179) 4/ 1715.
(4)
شرح النووي على مسلم 14/ 162.
يسير ثم يعود، لا يبطل اختصاصه به، وله أن يقيم من خالفه وقعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه"
(1)
.
(1)
لكن بشرط ألا يتخطى رقاب الناس، ولا يؤذيهم إذا جاء إلى مكانه، وإن كان الأولى أن يبقى في مكانه، ولا يتأخر إلا لحاجة، أو ضرورة، ومن سبق إلى مكان في المسجد، فهو أحق به، فلا يجوز إقامته من موضعه الذي سبق له، سواء كان شريفًا، أو وضيعًا، صغيرًا، أو كبيرًا، إلا إذا حصل منه أذى، كآكل الثوم، وشارب الدخان، ومن في حكمهما، فإنه يخرج من المسجد. انظر: قرة عين العابد بحكم فرش السجاجيد في المساجدص 74، وما بعدها، أحكام حضور المساجد ص 201، وما بعدها.
المبحث الثالث
حكم المخالفة في عدم اكتمال الصف، وتخلل الفرج
(1)
فيه
يحصل مخالفة من بعض المصلين في وقوفه في صف متأخر، مع وجود أمكنة خالية في الصفوف الأُول، أو يحصل من بعضهم تركه، لفرجة ظاهرة بينه وبين من يليه، وكل من الفعلين مخالف لأمرالنبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الصفوف المتقدمة، ولأمره بتراص الصفوف كما سبق بيانه.
(2)
إن عدم اكتمال الصف، وتخلل الفرج، فيه تفويت أجور عظيمة، ومخالفة لما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث، و
الآثار الواردة
، منها:
الحديث الأول:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله، وملائكته، يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة"
(3)
.
(1)
الفُرج: الخلل الذي يكون بين المصلين في الصفوف، أوهي المكان الخالي بين الاثنين.
انظر: مقاييس اللغة 2/ 156، المحكم والمحيط الأعظم 7/ 397. لسان العرب 2/ 342.
(2)
انظر: ص 38.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه بلفظه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب إقامة الصفوف برقم (995) 1/ 318، وأحمد في مسنده برقم (24381) 40/ 443، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الإمامة في الصلاة، باب ذكر صلاة الرب وملائكته على واصل الصف برقم (1550) 3/ 23، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2164) 5/ 537، والحاكم في مستدركه، كتاب الإمامة، وصلاة الجماعة برقم (775) 1/ 334، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل ميمنة الصف برقم (4981) 3/ 103. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: حديث حسن 40/ 443، وقال الألباني (حسن) انظر: السلسلة الصحيحه 5/ 274.
الحديث الثاني:
حديث ابن عمر رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". . . ومن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله"
(1)
.
الحديث الثالث:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ". . . فإذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم، وأقيموها وسدوا الفرج، فإني أراكم من وراء ظهري"
(2)
.
الحديث الرابع:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا الصف
(1)
سبق تخريجه ص 38.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات الخمس، باب سد الفرج في الصف برقم (3819) 1/ 333.، وأحمد في مسنده بلفظه برقم (10994) 17/ 21، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الأمر بسد الفرج في الصفوف برقم (1548) 3/ 23، وابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، باب الإخلاص وأعمال السر برقم (402) 2/ 127 البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب كيفية التكبير برقم (2098) 2/ 16. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: صحيح وهذا سند حسن في المتابعات 17/ 21.
المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر"
(1)
.
الحديث الخامس:
عن عطاء قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إياكم والفرج يعني في الصف" قال عطاء: "وقد بلغنا أن الشيطان إذا وجد فرجه دخل فيها"
(2)
.
الحديث السادس:
عن عروة بن الزبير رضي الله عنه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سد فرجه في صف، رفعه الله بها درجة، أو بنى له فيها بيتا في الجنة"
(3)
.
الحديث السابع:
عن يحي بن كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". . . ومن وصل صفا وصل الله خطوه يوم القيامة"
(4)
(1)
سبق تخريجه ص 38.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، مرفوعا، كتاب الصلاة، باب فضل من وصل الصف يرقم (2474) 2/ 57، والطبراني في المعجم الكبير برقم (11453) 11/ 188. موقوفا على ابن عباس رضي الله عنه.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الأذان، والصلاة والإقامة، باب في سد الفرج في الصف برقم (3824) 1/ 333، والطبراني في المعجم الأوسط برقم (5797) 6/ 61، وقال الألباني:(صحيح لغيره) انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 122.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب فضل من وصل الصف برقم (2468) 2/ 56.
و
من الآثار
ما يلي.
الأثر الأول:
عن نافع عن ابن عمر: "ما خطا رجل خطوة، أعظم أجرا، من خطوة خطاها إلى ثُلْمَة صف يَسُدُّها"
(1)
.
الأثر الثاني:
عن ابن جريج قال: أخبرني هارون بن أبي عائشة قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم "من وصل صفا في سبيل الله، أو في الصلاة، وصل الله خطوه يوم القيامة، ومن أقال نادما أقاله الله نفسه يوم القيامة"
(2)
.
الأثر الثالث:
عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: يقول ابن عمر: "لأن تقع ثنيّتاي، أحب إلي من أن أرى فرجة في الصف، أمامي ولا أصلها"
(3)
.
الأثر الرابع:
عن ابن مسعود قال: "رأيتنا، وما تقام الصلاة حتى تتكامل الصفوف"
(4)
.
الأثر الخامس:
عن إبراهيم النخعي أنه "كان يكره أن يقوم الرجل في
(1)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب فضل من وصل الصف والتوسع لمن دخل الصف برقم (2471) 2/ 56.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب فضل من وصل الصف والتوسع لمن دخل الصف برقم (2468) 2/ 56.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب فضل من وصل الصف والتوسع لمن دخل الصف برقم (2472) 2/ 56.
(4)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (3979) 7/ 86.
الصف الثاني، حتى يتم الصف الأول، ويكره أن يقوم في الصف الثالث، حتى يتم الصف الثاني"
(1)
.
فهذه الأحاديث والآثار، تبين فضيلة إكمال الصفوف، وسد الفرج، وأن ذلك من تمام الصلاة، ومن مظاهر عز المسلمين، وتكاتفهم، وأنهم كالجسد الواحد، ومما يوحي للنفوس بالأخوة، والتعاون، فكتف الفقير ملتصقة بكتف الغني، وقدم الضعيف لاصقة بقدم القوي، وكلها صف واحد، كالبنيان المرصوص المتماسك.
فليحذر المصلي أن يقف في صف متأخر مع وجود أمكنة خالية في الصفوف الأُوَل، وليبادر إلى وصل الصفوف، وسد الفرج، ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(2)
: "ولا يصف في الطرقات، والحوانيت، مع خلو المسجد، ومن فعل ذلك استحق التأديب، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة، فإن هذا لا حرمة له"
(3)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب فضل من وصل الصف يرقم (2467) 2/ 55.
(2)
مجموع الفتاوى 23/ 410.
(3)
انظر: أحكام حضور المساجد ص 137، وما بعدها.
المبحث الرابع
حكم المخالفة في الصف بين السواري
وفيه مطلبان
المطلب الأول: الصف بين السواري
(1)
إذا كان إماما أو منفردا:
اتفق الفقهاء على أن صف الإمام، والمنفرد بين الساريتين لا كراهة فيه
(2)
، كما اتفقوا على أن الصلاة إلى السارية جائزة؛ لاتخاذها سترة.
نقل ابن حجر في الفتح عن الرافعي: "أن الأولى للمنفرد أن يصلي إلى السارية، ومع هذه الأولوية، فلا كراهة في الوقوف بينهما" أي للمنفرد
(3)
.
(1)
السواري: جمع سارية وهي العامود، أو الأسطوانة، التي يقام عليها السقف في المساجد فتقيمه؛ وذُكرَت في القرآن بلفظ (العَمَد)؛ قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا تُوقِنُونَ} الرعد: 2. قال البغوي: في تفسيره للآية: "يعني: السَّواري، واحدها عمود". انظر: تفسير الطبري 13/ 93، وتفسير البغوي 3/ 5.
وهي العمَد لأنَها ما يُعمَد به البناء. وهي الأُسطُوانة -بضم الهمزة والطاء انظر: لسان العرب 14/ 383، تاج العروس 38/ 263. كما يسميها الفقهاء.
(2)
انظر: المبسوط 2/ 35، إحكام الأحكام 3/ 40، الشرح الكبير 1/ 331، المغني 2/ 27، نيل الأوطار 3/ 236. والصحيح عند الحنفية كراهة ذلك للإمام. انظر: شرح فتح القدير 1/ 356، حاشية ابن عابدين 1/ 568.
(3)
فتح الباري 1/ 578.
وبوب الإمام ابن حبان في صحيحه بقوله: (باب الزجر عن الصلاة بين السواري جماعة)
(1)
ثم قال: "هذا الفعل ينهى عنه بين السواري جماعة، وأما استعمال المرء مثله منفردا فجائز"
(2)
.
وكذلك الشوكاني
(3)
(باب كراهة الصف بين السواري للمأموم) مما يدل على أن صلاة الإمام بين السواري، لا كراهة فيها.
وقال ابن قدامة
(4)
: "لا يكره للإمام أن يقف بين السواري".
وقد بوب البخاري
(5)
(باب الصلاة بين السواري في غير جماعة) فقيدها في غير الجماعة، من باب الإشارة إلى علة النهي، وهي أن السواري تقطع اتصال الصفوف.
وقال ابن بطال
(6)
: "الصلاة بين السواري جائزة، وإنما يكره أن يكون الصف يقطعه أسطوانة إذا صلوا جماعة؛ خشية أن يمر أحد بين يديه".
وذلك للأدلة الآتية:
الدليل الأول:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا بالمدينة، فإذا أذن المؤذن
(1)
صحيح ابن حبان 5/ 596.
(2)
صحيح ابن حبان 5/ 598.
(3)
نيل الأوطار 3/ 235.
(4)
المغني 2/ 27.
(5)
صحيح البخاري 1/ 107.
(6)
شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/ 133.
لصلاة المغرب، ابتدروا السواري، فيركعون ركعتين، ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت، من كثرة من يصليهما"
(1)
.
الدليل الثاني:
عن أنس رضي الله عنه قال: "لقد رأيت كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب"
(2)
.
الدليل الثالث:
عن خَرشة بن الحر قال: "قدمت المدينة، فجلست إلى مشيخة في المسجد، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجاء شيخ متوكئ على عصا له فقال القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا، قال: فقام خلف سارية فصلى ركعتين"
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب برقم (838) 1/ 573.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة إلى الأسطوانة برقم (503) 1/ 106.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه، بلفظ مقارب في كتاب تعبير الرؤيا، باب تعبير الرؤيا برقم (3920) 2/ 1291. وابن أبي شيبة في مصنفه، بلفظه كتاب الإيمان والرؤيا، باب ما قالوا فيما يخبر به الرجل من الرؤيا يرقم (30487) 6/ 178، وأحمد في مسنده برقم (23790) 39/ 207. قال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: (حديث صحيح وهذا إسناد حسن من أجل عاصم بن بهدلة) 39/ 207، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 183.
الدليل الرابع:
عن ابن عمر رضي الله عنهم أنه سأل بلالا رضي الله عنه أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بين العمودين المقدمين"
(1)
.
الدليل الخامس:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد"
(2)
.
وجه الاستدلال من الأحاديث:
الأحاديث تدل بعمومها على أن صلاة الإمام، والمنفرد إلى الاسطوانة، أو السارية لا بأس به؛ وذلك لاتخاذها سترة، تمنع المار بين يدي المصلي.
الدليل السادس:
تبويب البخاري في صحيحه بقوله: باب الصلاة إلى الأسطوانة، وقال عمر رضي الله عنه: المصلون أحق بالسواري، من المتحدثين إليها، ورأى عمر رجلا يصلي بين أسطوانتين، فأدناه إلى سارية، فقال: صل إليها
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة إلى الأسطوانة برقم (504) 1/ 107، أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره برقم (1329) 2/ 966.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الطيب للجمعة برقم (1150) 2/ 54.
(3)
انظر: صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة إلى الأسطوانة 1/ 106.
المطلب الثاني: الصف بين السواري إذا كان مأموما
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: إذا قطعت السارية الصف بسبب الضيق:
إذا ضاق المسجد على المصلين، واحتاجوا إلى الصفوف بين السواري، فتخلل الصف سارية أو أكثر، ففي هذه الحال: تجوز الصلاة بين السواري للحاجة بلا كراهة
(1)
، ويعتبر في حكم المتصل. وإن كان في الواقع هو منقطع بهذه السارية.
قال مالك
(2)
: "لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد".
وجاء في مواهب الجليل
(3)
: "ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة فمكروه للجماعة، وأما الواحد فلا بأس به".
وقال في الدين الخالص
(4)
: "أما إن كان ضيقا فلا خلاف في جواز الصلاة بين السواري بلا كراهة".
قال ابن حجر: قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي
(1)
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة 32/ 329، مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 13/ 21.
(2)
المدونة 1/ 160.
(3)
مواهب الجليل 2/ 106.
(4)
الدين الخالص 1/ 129.
الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق.
(1)
الدليل على ذلك:
حديث عبد الحميد بن محمود قال: "صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين"
(2)
.
المسألة الثانية: إذا قطعت السارية الصف مع السعة:
اختلف الفقهاء فيما إذا شرع بعض المصلين في صف في المسجد في موضع يتخلله سارية أو أكثر، مع إمكانية الصف دون أن يتخلله شيء من السواري، على قولين:
القول الأول:
أنه لا كراهة في ذلك
.
وبه قال الحنفية
(3)
والشافعية
(4)
وهو قول محمد بن سيرين.
(1)
انظر: فتح الباري 1/ 578.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب كراهية الصف بين السواري برقم (229) 1/ 443، والنسائي في سننه، كتاب الإمامة، باب الصف بين السواري برقم (821) 2/ 94، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب من كان يكره الصلاة بين السواري برقم (7498) 2/ 146، والحاكم في مستدركه، كتاب الإمامة، وصلاة الجماعة برقم (762) 1/ 329. وهو حديث حسن انظر: جامع الأصول 5/ 611، نصب الراية 2/ 228.
(3)
انظر: المبسوط للسرخسي 2/ 35.
(4)
انظر: الحاوي للفتاوى 1/ 55.
قال السرخسي
(1)
:
"والاصطفاف بين الأسطوانتين، غير مكروه؛ لأنه صف في حق كل فريق وإن لم يكن طويلا، وتخلل الأسطوانة بين الصف، كتخلل متاع موضوع، أو كفرجة بين رجلين؛ وذلك لا يمنع صحة الاقتداء، ولا يوجب الكراهة".
وقال النووي
(2)
:
"وأما الصلاة بين الأساطين، فلا كراهة فيها عندنا".
وقال الزركشي بعد إشارته للخلاف
(3)
: "وأجازه الجمهور".
وقال البغوي
(4)
بعد إيراده لحديث ابن عمر
(5)
: "فيه دليل على جواز الصلاة بين الساريتين، وهو قول أكثر أهل العلم".
الدليل الأول:
عن ابن عمر رضي الله عنهم أنه سأل بلالا رضي الله عنه أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بين العمودين المقدمين"
(6)
ويناقش:
بأن الاستدلال به خارج محل النزاع؛ لأن ذلك في حالة انفراده، والخلاف في صفوف الجماعة.
(1)
المبسوط للسرخسي 2/ 35. المبسوط للشيباني 1/ 362.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 226.
(3)
إعلام الساجد ص 381.
(4)
شرح السنة 2/ 332.
(5)
الحديث سبق تخريجه ص 185.
(6)
سبق تخريجه ص 185.
الدليل الثاني:
الأثر الذي أخرجه ابن أبي شيبة بإسناده عن محمد بن سيرين قال: "لا أعلم بالصلاة بين السواري بأسا"
(1)
.
ونوقش:
أن ابن سيرين قيد ذلك بالعلم الخاص به، وفوق كل ذي علم عليم
(2)
. مع أنه قد يحمل كلامه على صلاة المنفرد.
الدليل الثالث:
القياس على صلاة الإمام، والمنفرد بين الساريتين، بلا كراهة.
ونوقش:
بعدم صحة القياس، فالعلة في النهي عن الصلاة بين السواري حتى لا يؤدي إلى قطع الصف في حال المأموم، وأما الإمام والمنفرد إذا صلى بين ساريتين، أو إلى سارية، فليس هناك قطع، فبطل القياس، والقياس أيضا فاسد، لمعارضته لأحاديث الباب
(3)
.
القول الثاني:
بالصحة مع الكراهة
.
وبه قال المالكية
(4)
والحنابلة
(5)
. وهو اختيار ابن عثيمين
(6)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب من كان يكره الصلاة بين السواري برقم (7506) 2/ 147.
(2)
انظر: توفيق الباري في حكم الصلاة بين السواري ص 30.
(3)
انظر: نيل الأوطار 3/ 236.
(4)
انظر: المدونة 1/ 106، القوانين الفقهية 1/ 49.
(5)
انظر: المغني 2/ 27، الشرح الكبير 2/ 79.
(6)
انظر: الشرح الممتع 4/ 308.
قال ابن جزي:
"تكره الصلاة بين الأساطين وهي السواري"
(1)
.
وقال ابن قدامة
(2)
:
"ويكره للمأمومين أن يقفوا بين السواري؛ لأنها تقطع صفوفهم" واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن قرة بن إياس رضي الله عنه قال: "كنا ننهى أن نصف بين السواري، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونطرد عنها طردا"
(3)
.
الدليل الثاني:
وعن عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة، فدفعنا إلى السواري، فتقدمنا و تأخرنا، فقال أنس: "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(4)
.
(1)
القوانين الفقهية 1/ 49.
(2)
المغني 2/ 27.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الصلاة بين السواري يرقم (1002) 1/ 320، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2219) 5/ 597. قال الألباني (حسن) انظر السلسلة الصحيحة 1/ 655.
(4)
أخرجه وأبو داود في سننه بلفظه، كتاب الطهارة، باب الصفوف بين السواري برقم (673) 1/ 236 والترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب كراهية الصف بين السواري برقم (229) 1/ 443، والنسائي في سننه، كتاب الإمامة والجماعة، باب الصف بين السواري يرقم (821) 2/ 94، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب الصف بين السواري برقم (2489) 2/ 60، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب من كان يكره الصلاة بين السواري برقم (7498) 2/ 146، وأحمد في مسنده برقم (12339) 19/ 346، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الإمامة، في الصلاة باب النهي عن الاصطفاف بين السواري برقم (1568) 3/ 30، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام برقم (2218) 5/ 596، والحاكم في مستدركه، كتاب الإمامة، وصلاة الجماعة برقم (793) 1/ 329، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب كراهة الصف بين السواري برقم (4985) 3/ 104. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: إسناده صحيح 19/ 346، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 3/ 251.
الدليل الثالث:
كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "لا تصفوا بين السواري .... "
(1)
.
الدليل الرابع:
أن في الصف بين السواري، قطعا للصف من غير حاجة، فكان مكروها
(2)
.
الترجيح:
من خلال عرض القولين والأدلة، والمناقشة، يترجح القول الثاني - بالصحة مع الكراهة-؛ وذلك لأن أدلة القول الأول غالبها في الصلاة بين السواري للمنفرد، والنهي الوارد عن الصلاة بين السواري إذا كانوا جماعة؛ ولما ورد عليها من مناقشة؛ ولصراحة أدلة القول الثاني.
(1)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب الصف بين السواري برقم (2487) 2/ 60، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب كراهة الصف بين السواري برقم (4987) 3/ 104.
(2)
والحكمة من النهي بين السواري، إما لانقطاع الصف، وإما لأنه موضع جمع النّعال.
وزاد القرطبي في سبب الكراهة أمرًا ثالثًا، فقال: كراهة ذلك أنه مصلّى الجنّ للمأمومين، والراجح السبب الأول والله أعلم. انظر عون المعبود 2/ 261، فتح الباري 1/ 578.
المبحث الخامس
حكم المخالفة في تباعد الصفوف وبيان المعتبر فيها
من المخالفات الظاهرة في أحكام الصف، البعد الواضح بين الإمام، والمأمومين، أو بين صفوف المصلين، فهل تصح الصلاة مع وجود تلك المسافة؟ وهل هناك مسافة معتبرة عند الفقهاء؟ هذا ما سأتناوله في هذا المبحث:
لاخلاف بين الفقهاء من الحنفية
(1)
والمالكية
(2)
والشافعية
(3)
والحنابلة
(4)
إلى صحة صلاة المصلين في الصفوف المتباعدة في المسجد الواحد.
قال في درر الحكام
(5)
: "لا يمنع الاقتداءَ الفضاءُ الواسع فيه أي في المسجد".
وقال الإمام الشربيني: "وإذا جمعهما مسجد، صح الاقتداء وإن بعدت
(1)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 145، درر الحكام 1/ 403، الدر المختار 1/ 586.
(2)
انظر: المدونة 1/ 151. الذخيرة 2/ 258، حاشية الدسوقي 1/ 207.
(3)
انظر: مختصر المزني 1/ 23، الحاوي الكبير 2/ 343، منهاج الطالبين 1/ 18، أسنى المطالب 1/ 225.
(4)
انظر: المغني 2/ 19.
(5)
درر الحكام 1/ 403.
المسافة بينهما فيه"
(1)
.
وقال البهوتي
(2)
: "إذا كان المأموم يرى الإمام أو من وراءه، وكانا في المسجد صحت صلاة المأموم، ولو لم تتصل الصفوف عرفا؛ لأن المسجد بني للجماعة". والأدلة على ذلك:
الدليل الأول:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقام أناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناس يصلون بصلاته صنعوا ذلك ليلتين، أو ثلاثا .... "
(3)
.
وجه الدلالة:
إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة، على اقتدائهم به مع وجود الفاصل، وهو جدار الحجرة.
الدليل الثاني:
الأثر عن محمد عن صالح مولى التوأمة أنه "رأى أبا هريرة يصلي على ظهر المسجد، بصلاة الإمام وهو تحته"
(4)
.
(1)
مغني المحتاج 1/ 248.
(2)
كشاف القناع 1/ 491.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة برقم (729) 1/ 146.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي وراء الإمام خارجا من المسجد برقم (4888) 3/ 83.
وجه الدلالة:
فعل أبي هريرة رضي الله عنه يدل على الجواز، والصحة، ولو لم تتصل الصفوف إذا كان في المسجد.
بناء على ذلك: نقول بصحة صلاة المصلين في الصفوف المتباعدة في المسجد.
ولقد ورد الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بتقارب الصفوف، والقرب من السترة، ومنها:
الحديث الأول:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها"
(1)
.
الحديث الثاني:
حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته"
(2)
. وتعددت أقوال الفقهاء في تفسير المقاربة.
(1)
سبق تخريجه انظر: ص 38.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الدنو من السترة برقم (695) 1/ 242، والنسائي في سننه، كتاب القبلة، باب الأمر بالدنو من السترة برقم (748) 2/ 62، وابن ماجة في سننه، برواية سعد بن مالك في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت برقم (954) 1/ 307، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب من قال إذا صليت إلى سترة فادن منها برقم (2874) 1/ 249، وأحمد في مسنده برقم (16090) 26/ 9.، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يكره للمصلي ومالا يكره برقم (2373) 6/ 136 والطبراني في المعجم الكبير برقم (5624) 6/ 98، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب الدنو من السترة برقم (3289) 2/ 272. قال الألباني صحيح انظر: صحيح أبي داود 3/ 281، وقال الأرنووط في تحقيق صحيح ابن حبان (اسناده قوي) 6/ 136.
قال المناوي: (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع ما بين كل صفين صفا آخر، حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم".
وقال أيضا: "وليدن من سترته" بحيث لا يزيد ما بينه، وبينها، على ثلاثة أذرع، وكذا بين الصفين"
(1)
.
وقال البغوي
(2)
: "أهل العلم، استحبوا الدنو من السترة، بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفين، والعمل على هذا عند أهل العلم.
وقال في عون المعبود
(3)
: "وقاربوا بينها" أي بين الصفوف، بحيث لا يسع بين الصفين صف آخر".
ومن هنا اختلف الفقهاء في مقدار المسافة بين المصلي وبين السترة. على قولين.
القول الأول:
أن المسافة بينها وبين موقفه ثلاثة أذرع
، أي: من قدمه إلى
(1)
التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 25.
(2)
شرح السنة 2/ 447.
(3)
عون المعبود 2/ 259.
موضع سجوده.
وبه قال الحنفية
(1)
والشافعية
(2)
والحنابلة في رواية
(3)
، وهو اختيار شيخ الإسلام،
(4)
والشوكاني
(5)
وابن باز
(6)
والألباني
(7)
.
قال الطحاوي: "والسنة في ذلك، أن لا يزيد ما بينها، وبينه، على ثلاثة أذرع"
(8)
.
وقال الماوردي
(9)
: "ويجب أن يكون بينه وبين القبلة، نحو ثلاثة أذرع".
وقال النووي
(10)
: "والسنة أن لا يزيد ما بينه، وبينها وعلى ثلاثة أذرع".
وقال في المطالب
(11)
: "ويستحب قربه أي: المصلى منها أي: السترة نحو
(1)
انظر: درر الحكام 3/ 72، البحر الرائق 2/ 19، حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح 1/ 246.
(2)
انظر: الحاوي الكبير 2/ 209، المهذب 1/ 69، الشرح الكبير 4/ 132.
(3)
انظر: المغني 2/ 38، الإنصاف 2/ 94.
(4)
انظر: شرح العمدة 4/ 468.
(5)
انظر: نيل الأوطار 3/ 2.
(6)
انظر: مجموع فتاوى ابن باز 11/ 94.
(7)
انظر: صفة الصلاة ص 82.
(8)
حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح 1/ 246.
(9)
الحاوي الكبير 2/ 209.
(10)
المجموع 3/ 218.
(11)
مطالب أولي النهى 1/ 488.
ثلاثة أذرع من قدميه".
قالوا: لأن هذه المسافة هي التي يتأتى للمصلي أن يتحرك فيها بيسر. واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخل الكعبة، وعثمان بن طلحة، وأسامة بن زيد، وبلال، فأغلقها فلما خرج سألت بلالا ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ترك عمودين عن يمينه، وعمودا عن يساره، وثلاثة أعمدة خلفه، ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع
…
"
(1)
.
وعليه: يكون المقدار فيما يكون بين الصفوف من الفراغ، هو قدر ما يكون بين المصلي وسترته، أي: ثلاثة أذرع
(2)
.
الدليل الثاني:
عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم "كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل، وجعل الباب قبل ظهره، فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع صلى، يتوخى المكان الذي
(1)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (5927) 10/ 155. والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب الصلاة في الكعبة برقم (3601) 2/ 327، قال الشوكاني: حديث بلال رجاله رجال الصحيح انظر: نيل الأوطار 3/ 2. تعليق شعيب الأرنؤوط على مسند أحمد: إسناده صحيح على شرط الشيخين 10/ 155.
(2)
انظر: شرح بلوغ المرام 86/ 11.
أخبره به بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، قال: وليس على أحدنا بأس إن صلى في أي نواحي البيت شاء"
(1)
.
القول الثاني:
أن المسافة بين المصلي وسترته مقدار ممر الشاة
.
وبه قال: ابن حزم
(2)
وابن القيم
(3)
. ودليلهم:
عن سهل بن سعد قال: "كان بين مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وبين الجدار، ممر الشاة"
(4)
.
القول الثالث:
الجمع بين القولين وهو: أن مقدار ممر الشاة يحمل على الأقل وهو في حالة القيام
، بحيث يدنوا من السترة، ومقدار ثلاثة أذرع، يحمل على الأكثر وهي في حالة الركوع والسجود، فيبتعد عنها بقدر ما يتسع لركوعه وسجوده
(5)
وهو الراجح جمعا بين القولين، وإعمالا للأدلة، والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة بين السواري من غير حاجة برقم (506) 1/ 107.
(2)
انظر: المحلى 4/ 186.
(3)
انظر: زاد المعاد 1/ 305.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة برقم (496) 1/ 106، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب دنو المصلي من السترة برقم (508) 1/ 364.
(5)
انظر: الذخيرة 2/ 157، نيل الأوطار 3/ 4.
أما مقدار المسافة بين الصفين فلم أجد مقدارا محددا فيما اطلعت عليه من كتب الفقهاء، ولكنهم قالوا: إنه مثل المقدار الذي بين المصلي والسترة تقريبا.
قال النووي
(1)
: "بحيث لا يكون بينهما أكثر من ثلاث أذرع والثلاثة للتقريب".
وقال المرداوي
(2)
: "يرجع في اتصال الصفوف، إلى العرف على الصحيح".
وقال السيوطي
(3)
: "الثالث من المقدرات: ما فيه خلاف، والأصح أنه تقريب، كتقدير المسافة بين الصفين بثلاثة أذرع".
قال في منحة العلام
(4)
: "ولم يرد في السنة تحديد لذلك، ولعل المراد والله أعلم أن يجعل بين كل صف، وما يليه، مقدار ما يمكن فيه السجود براحة وطمأنينة"
…
(1)
المجموع 4/ 262.
(2)
الإنصاف 2/ 293.
(3)
الأشباه والنظائر 1/ 393.
(4)
منحة العلام 1/ 321.
الخاتمة
وتشتمل على:
أهم نتائج البحث.
من أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث ما يلي:
1) أن صلاة الجماعة مشروعة في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وأن مشروعيتها لحكم، ومصالح، تعود على الفرد والمجتمع.
2) أن من حكم تسوية الصف في الصلاة، حصول المودة، والتراحم، وحسن الهيئة، وإظهار تكاتف المسلمين، وتذكير بالموقف أمام رب العالمين.
3) أن الفقهاء المتقدمين، والمتأخرين، قد اهتموا بمسألة تسوية الصف، وإقامته، من خلال تبويبهم له في مصنفاتهم.
4) أن معاني الأمر بالتسوية للصف، جاءت بألفاظ متنوعة، وينبغي للإمام، أن ينوع في الألفاظ، وذلك تطبيقا للسنة الواردة.
5) أن ضابط تسوية الصف يختلف باختلاف حال المأموم.
6) أن الموقف المشروع للمأموم، إن كان واحدا، عن يمين الإمام، وأنه لو وقف عن يساره صحت الصلاة مع الكراهة.
7) أن المشروع في موقف المأمومين إذا كانوا اثنين فأكثر، خلف الإمام، والصلاة صحيحة عند الفقهاء لو وقف الإمام في وسطهما.
8) التحقيق أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة، عند عدم القدرة على الدخول في الصف.
9) صحة مصافة الصبي المميز، في النافلة، والفريضة.
10) عدم بطلان صلاة من صف بجانب امرأة، وينبغي للنساء، أن يبتعدن عن مواطن الرجال درءا للفتنة.
11) أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج إلى المسجد إلا بشروط.
12) أن الراجح، في موقف إمامة المرأة للنساء، أن تكون في وسطهن.
13) أن الموقف المشروع للإمام في صلاة الجنازة، أن يقف عند رأس الرجل، ووسط المرأة.
14) أن الذي يلي الإمام، إذا تعددت الجنائز، الرجال، ثم الصبيان، ثم الخناثى، ثم النساء.
15) أنه يستحب تكثير الجماعة في صلاة الجنازة، كما يجب تسوية الصفوف في الجنازة.
16) أن موقف إمام العراة، في وسطهم في حالة إمكانية رؤية بعضهم لبعض، وأمامهم عند عدم إمكانية الرؤية.
17) أن ضابط الصف الأول في الحرم المكي، هو الذي خلف الإمام مباشرة.
18) أن الصف الأول في الحرم المدني أفضل من الصلاة في الروضة الشريفة، في كل صلاة تشرع لها الجماعة، وأن الصلاة في الروضة الشريفة
أفضل في النفل المطلق الذي لا تشرع له الجماعة.
19) أن استخدام الخط في ضبط صفوف المصلين جائز؛ لأنه من مصلحة الصلاة، إلا إذا ترتب عليه مفسدة أعظم من المصلحة، كاختلاف المصلين، فإنه لا يستعمل درءا للمفسدة.
20)
…
أن الصلاة يجب إقامتها جماعة في وسائل النقل، كالطائرة، والسفينة، قدر المستطاع.
21) أن تخطي رقاب المصلين يوم الجمعة، وغيرها محرم؛ لما فيه من أذية المصلين.
22) أنه لا يجوز للمسلم أن يحجز مكانا له في الصف، ثم يخرج لأمر لا يحتاجه في صلاته؛ لما فيه من الأضرار المترتبة على ذلك.
23) أنه يجب على المصلي، وصل الصف، وسد الفرج في الصف الذي أمامه.
24) أن الصلاة بين السواري، جائزة للإمام، والمنفرد، وللمأموم عند الحاجة، كضيق ونحوه.
25) أن المشروع هو تقارب الصفوف فيما بينها، والسنة، ألا تزيد على ثلاثة أذرع.
الفهارس العامة
(1)
فهرس المصادر والمراجع.
(2)
فهرس الموضوعات.
فهرس المصادر المراجع
1 -
الآثار لمحمد ابن الحسن، اسم المؤلف: أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني (ت 189 هـ). دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1413 هـ، 1993 م.
2 -
الإجابة الصادرة في صحة الصلاة في الطائرة، اسم المؤلف: محمد الأمين الشنقيطي، (ت 1393 هـ) تعليق: عبد الله بن محمد الطيار، دار النشر: دار المتعلم ـ الزلفي ـ الطبعة الأولى 1424 هـ، 2003 م.
3 -
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، اسم المؤلف: تقي الدين أبي الفتح، (ت 702 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية.
4 -
أحكام الإمامة والائتمام، اسم المؤلف: عبد المحسن بن محمد المنيف، دار النشر: دار الفرزدق التجارية ـ المملكة العربية السعودية ـ الطبعة الأولى 1407 هـ ـ 1987 م.
5 -
أحكام الإنفراد في الفقه الإسلامي، اسم المؤلف: أحمد بن محمد بن محمود الرباني، دار الناشر: مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية.
6 -
أحكام الصبي المميز في الشريعة الإسلامية، اسم المؤلف: عبد العزيز بن فهد السعيد-رسالة دكتوراه من المعهد العالي للقضاء-1407 هـ.
7 -
أحكام الطائرة في الفقه الإسلامي، اسم المؤلف: حسن بن سالم بن حسن البريكي، دار النشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى 1427 هـ، 2006 م.
8 -
الأحكام الفقهية المتعلقة بالمكان في العبادات ـ رسالة دكتوراه ـ اسم المؤلف: فؤاد بن سليمان بن عبد الله الغنيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، سنة 1416 هـ.
9 -
أحكام القرآن، اسم المؤلف: أحمد بن علي الرازي الجصاص أبو بكر، (ت 370 هـ) دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1405، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي.
10 -
أحكام المساجد في الإسلام، اسم المؤلف: محمود بن حسن الحريري، دار النشر: دار الرفاعي ـ الرياض ـ سنة الطبع 1411 هـ، 1990 م.
11 -
أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية، اسم المؤلف: إبراهيم صالح الخضيري، دار النشر: دار الفضيلة، الرياض، الطبعة الثانية 1421 هـ، 2001 م.
12 -
أحكام حضور المساجد، اسم المؤلف: عبد الله بن صالح الفوزان، دار النشر: دار المنهاج ـ المملكة العربية السعودية ـ الطبعة الأولى 1428 هـ.
13 -
الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام، اسم المؤلف: أحمد بن عبد الله العمري، دار النشر: دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1420 هـ ـ 1999 م.
14 -
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، (ت 1421 هـ) دارالنشر: المكتب الإسلامي - بيروت ـ الطبعة: الثانية - 1405 - 1985 م.
15 -
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، اسم المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي (ت 463 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 2000 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: سالم محمد عطا- محمد علي معوض.
16 -
أسنى المطالب في شرح روض الطالب، اسم المؤلف: زكريا الأنصاري (ت 926 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1422 هـ - 2000 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد محمد تامر.
17 -
الأشباه والنظائر، اسم المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن علي ابن عبد الكافي السبكي (ت 771 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411 هـ، 1991 هـ.
18 -
الأشباه والنظائر، اسم المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى.
19 -
الإشراف على مذاهب العلماء، اسم المؤلف: محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت 318 هـ) تحقيق: أبو حماد الأنصاري، دار النشر: دار المدينة.
20 -
الإصابة في تمييز الصحابة، اسم المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (ت 852 هـ)، دار النشر: دار الجيل - بيروت، الطبعة الأولى، 1412 هـ، تحقيق: علي محمد البجاوي.
21 -
أصول الفقه على منهج أهل الحديث، اسم المؤلف: زكريا بن غلام قادر الباكستاني دارالنشر: دار الخراز الطبعة: الطبعة الأولى 1423 هـ-2002 م.
22 -
إعلام الساجد بأحكام المساجد، اسم المؤلف: محمد بن عبد الله الزركشي (ت 794 هـ) تحقيق: أبو الوفا مصطفى المراغي، الطبعة الخامسة، القاهرة، سنة الطبع 1420 هـ، 1999 م).
23 -
إعلام الموقعين عن رب العالمين، اسم المؤلف: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي (ت 751 هـ)، دار النشر: دار الجيل - بيروت - 1973، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد.
24 -
إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، اسم المؤلف: العلامة القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي (ت 544 هـ).
25 -
الأم، اسم المؤلف: محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ) دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1393، الطبعة: الثانية.
26 -
الأنساب، اسم المؤلف: أبي سعيد عبد الكريم بن محمد ابن منصور التميمي السمعاني، (ت 572 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1998 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد الله عمر البارودي.
27 -
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، اسم المؤلف: علي بن سليمان المرداوي أبو الحسن (ت 885 هـ)، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: محمد حامد الفقي.
28 -
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، اسم المؤلف: أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، دار النشر: دار طيبة - الرياض - 1985 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف.
29 -
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، اسم المؤلف: زين الدين بن نجيم الحنفي (ت 970 هـ)، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة: الثانية.
30 -
البحر المحيط في أصول الفقه، اسم المؤلف: بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي (ت 794 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت - 1421 هـ - 2000 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد محمد تامر.
31 -
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، اسم المؤلف: علاء الدين الكاساني (ت 587 هـ)، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1982، الطبعة: الثانية.
32 -
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، اسم المؤلف: محمد بن أحمد بن محمد
ابن رشد القرطبي (ت 595 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت.
33 -
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، اسم المؤلف: سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بابن الملقن (ت 804 هـ)، دار النشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع - الرياض- 1425 هـ-2004 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مصطفى أبو الغيط و عبد الله بن سليمان وياسر بن كمال.
34 -
البرهان في أصول الفقه، اسم المؤلف: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أبو المعالي (ت 478 هـ)، دار النشر: الوفاء - المنصورة - مصر - 1418، الطبعة: الرابعة، تحقيق: د. عبد العظيم محمود الديب.
35 -
بريقة محمودية، اسم المؤلف: أبو سعيد محمد بن محمد الخادمي (ت 1156 هـ)، الطبعة: دار إحياء الكتب العربية.
36 -
بسط الكف في إتمام الصف، اسم المؤلف: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، دار النشر: مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع. - الكويت - 1407 هـ - 1978 م.، تحقيق: خالد عبد الكريم جمعة ـ عبد القادر أحمد عبد القادر.
37 -
بلغة السالك لأقرب المسالك، اسم المؤلف: أحمد الصاوي (ت 1241 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت - 1415 هـ - 1995 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: ضبطه وصححه: محمد عبد السلام شاهين.
38 -
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ)، الطبعة: الرابعة، دار النشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية ـ تاريخ
النشر: 1423 هـ.
39 -
تاج العروس من جواهر القاموس، اسم المؤلف: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت 1205 هـ)، دار النشر: دار الهداية، تحقيق: مجموعة من المحققين.
40 -
التاج والإكليل لمختصر خليل، اسم المؤلف: محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري (ت 897 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1398، الطبعة: الثانية.
41 -
التاريخ الكبير، اسم المؤلف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبد الله البخاري الجعفي (ت 256 هـ) الناشر: دار الفكر تحقيق: السيد هاشم الندوي.
42 -
التبيان في تفسير غريب القرآن، اسم المؤلف: شهاب الدين أحمد بن محمد الهائم المصري (ت 815 هـ)، دار النشر: دار الصحابة للتراث بطنطا - مصر - 1412 هـ- 1992 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: فتحي أنور الدابلوي.
43 -
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، اسم المؤلف: فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي (ت 743 هـ)، دار النشر: دار الكتب الإسلامي. - القاهرة. - 1313 هـ.
44 -
تحفة الحبيب على شرح الخطيب (البجيرمي على الخطيب)(ت 1221 هـ)، اسم المؤلف: سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت/ لبنان - 1417 هـ-1996 م، الطبعة: الأولى.
45 -
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، اسم المؤلف: محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، دار النشر: دار الكتب بيروت.
46 -
تحفة الفقهاء، اسم المؤلف: علاء الدين السمرقندي (ت 539 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1405 - 1984، الطبعة: الأولى.
47 -
تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، اسم المؤلف: عمر بن علي بن أحمد الوادياشي الأندلسي، (ت 804 هـ) دار النشر: دار حراء - مكة المكرمة - 1406، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد الله بن سعاف اللحياني.
48 -
تحفة الملوك (في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان)، اسم المؤلف: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت 666 هـ)، دار النشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت - 1417، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد.
49 -
تحقيق كتاب الحاوي ـ رسالة دكتوراه ـ تحقيق: درويش أحمد محمد المضوني، جامعة أم القرى، 1411 هـ 1990 م.
50 -
تذكرة الحفاظ، اسم المؤلف: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت 748 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى.
51 -
تسهيل المقاصد لزوار المساجد، اسم المؤلف: ابن العماد الأقفهسي الشافعي (ت 808 هـ) تحقيق: إبراهيم محمد بارودي، دار النشر: دار الصميعي ـ الرياض ـ الطبعة الأولى 1428 هـ، 2007 م.
52 -
تسوية الصفوف، اسم المؤلف: حسين بن عودة العوايشة، دار النشر: دار ابن حزم ـ بيروت ـ، الطبعة الأولى 1423 هـ.
53 -
التعريفات، اسم المؤلف: علي بن محمد بن علي الجرجاني (ت 816 هـ)، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1405، الطبعة: الأولى، تحقيق: إبراهيم الأبياري.
54 -
تفسير البغوي، اسم المؤلف: الحسين بن مسعود البغوي (ت 516 هـ)، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك.
55 -
تفسير الجلالين، اسم المؤلف: محمد بن أحمد + عبدالرحمن بن أبي بكر
المحلي + السيوطي (ت 911 هـ)، دار النشر: دار الحديث - القاهرة، الطبعة: الأولى.
56 -
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، اسم المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، (ت 463 هـ) دار النشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب - 1387، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري.
57 -
تنبيه المسلمين إلى وجوب تسوية صفوف المصلين، جمع وإعداد: شباب مسجد سعيد بن جبير.
58 -
التنبيه في الفقه الشافعي، اسم المؤلف: إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي أبو إسحاق (ت 476 هـ)، دار النشر: عالم الكتب - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى، تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر.
59 -
تهذيب التهذيب اسم المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (ت 852 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى، 1404 - 1984 م.
60 -
تهذيب التهذيب، اسم المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، (852 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1404 - 1984، الطبعة: الأولى.
61 -
تهذيب اللغة، اسم المؤلف: أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ)، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 2001 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد عوض مرعب.
62 -
تهذيب المدونة، اسم المؤلف: أبو سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني،
تهذيب المدونة، اسم المؤلف: أبو سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني (ت 372 هـ)، تحقيق وتعليق: أبو الحسن أحمد فريد المزيدي.
63 -
توفيق الباري في حكم الصلاة بين السواري، اسم المؤلف علي حسن عبد الحميد، دار النشر: دار ابن القيم ـ الدمام ـ الطبعة الأولى 1410 هـ، 1990 م.
64 -
تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول، اسم المؤلف: للإمام عبد المؤمن بن عبد الحقّ البغدادي الحنبلي (ت 739 هـ) شرح: عبد الله بن صالح الفوزان.
65 -
الثقات، اسم المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، (ت 354 هـ) الناشر: دار الفكر، الطبعة الأولى، 1395 - 1975 م، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد.
66 -
الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، اسم المؤلف: صالح عبد السميع الآبي الأزهري، دار النشر: المكتبة الثقافية - بيروت.
67 -
جامع أحكام النساء، اسم المؤلف: مصطفى العدوي، دار النشر دار السنة ـ المملكة العربية السعودية ـ الطبعة الأولى 1413 هـ.
68 -
جامع الأصول في أحاديث الرسول، المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (ت 606 هـ)، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، الناشر: مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان، الطبعة: الأولى.
69 -
جامع الأمهات، اسم المؤلف: ابن الحاجب الكردي المالكي (ت 646 هـ).
70 -
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، اسم المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر (ت 310 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1405 هـ،
71 -
الجامع الصحيح سنن الترمذي، اسم المؤلف: محمد بن عيسى أبو عيسى
الترمذي السلمي (ت 279 هـ)، دار إحياء التراث العربي - بيروت ـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون
72 -
الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، اسم المؤلف: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، (ت 256 هـ) تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى 1422 هـ.
73 -
الجامع لأحكام القرآن، اسم المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، (ت 671 هـ) دار النشر: دار الشعب - القاهرة.
74 -
جمهرة اللغة، اسم المؤلف: ابن دريد، تحقيق: رمزي منير بعلبكي. دار النشر: دار العلم للملايين ـ بيروت ـ الطبعة: الأولى 1987 م.
75 -
الجوهرة النيرة، اسم المؤلف: أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني - الزَّبِيدِيّ (المتوفى: 800 هـ)، مصدر الكتاب: موقع الإسلام، http:// www.al-islam.com
76 -
حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين، اسم المؤلف: أبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
77 -
حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب (التجريد لنفع العبيد)، اسم المؤلف: سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي (ت 1221 هـ)، دار النشر: المكتبة الإسلامية - ديار بكر - تركيا.
78 -
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، اسم المؤلف: محمد عرفه الدسوقي (ت 1230 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت، تحقيق: محمد عليش.
79 -
حاشية الشيخ سليمان الجمل على شرح المنهج (لزكريا الأنصاري)، اسم المؤلف: سليمان الجمل، دار النشر: دار الفكر.
80 -
حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، اسم المؤلف: علي الصعيدي العدوي المالكي (ت 1189 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1412، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي.
81 -
حاشية رد المختار على الدر المختار، اسم المؤلف: ابن عابدين (ت 1252 هـ)، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر. - بيروت. - 1421 هـ - 2000 م.
82 -
حاشية على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، اسم المؤلف: أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحاوي الحنفي (ت 1231 هـ)، دار النشر: المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق - مصر - 1318 هـ، الطبعة: الثالثة.
83 -
حاشية عميرة، اسم المؤلف: شهاب الدين أحمد الرلسي الملقب بعميرة (ت 957 هـ)، دار النشر: دار الفكر - لبنان/ بيروت - 1419 هـ - 1998 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات.
84 -
حاشية قليوبي: اسم المؤلف: شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي (ت 1069 هـ)، دار النشر: دار الفكر - لبنان/ بيروت - 1419 هـ - 1998 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات.
85 -
حاشية كتاب أحكام الصلاة والزكاة والصيام، المعروف باسم (آداب المشي إلى الصلاة)، اسم المؤلف: محمد بن عبد الوهاب (ت 1206 هـ)، جمع: محمد بن عبد الرحمن آل إسماعيل، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الثانية 1412 هـ، 1992 م.
86 -
الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، اسم المؤلف: علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي (ت 450 هـ)،
دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - 1419 هـ -1999 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود.
87 -
الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والأصول والنحو والإعراب وسائر الفنون، اسم المؤلف: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت/ لبنان - 1421 هـ - 2000 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن.
88 -
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، اسم المؤلف: سيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال (ت 507 هـ)، دار النشر: مؤسسة الرسالة/ دار الأرقم - بيروت/ عمان - 1980 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. ياسين أحمد إبراهيم درادكة.
89 -
حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، اسم المؤلف: عبد الحميد الشرواني، دار النشر: دار الفكر - بيروت.
90 -
الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية، اسم المؤلف: محمد العربي القروي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
91 -
درر الحكام شرح غرر الأحكام، اسم المؤلف: محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو (المتوفى: 885 هـ).
92 -
درر الحكام شرح مجلة الأحكام، اسم المؤلف: علي حيدر، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت، تحقيق: تعريب: المحامي فهمي الحسيني.
93 -
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، اسم المؤلف: الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني (ت 852 هـ) دار النشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية، سنة النشر 1392 هـ/ 1972 م.
94 -
الدين الخالص، اسم المؤلف: محمود محمد خطاب السبكي، (ت 1352 هـ) تحقيق: أمين محمود خطاب، الطبعة الثالثة 1401 هـ، 1980 م.
95 -
الذخيرة، اسم المؤلف: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (ت 684 هـ)، دار النشر: دار الغرب - بيروت - 1994 م، تحقيق: محمد حجي.
96 -
رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور العلماء، اسم المؤلف: أبي المواهب الحسين بن محمد العكبري الحنبلي، دار النشر: دار أشبيليا، الطبعة 1421 هـ تحقيق: خالد سعد الخثلان.
97 -
الرد على الأخنائي واستحباب زيارة خير البرية، اسم المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس (ت 728 هـ)، دار النشر: المطبعة السلفية - القاهرة، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني.
98 -
رسالة ابن أبي زيد القيرواني، اسم المؤلف: عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت 386 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت.
99 -
الروض المربع شرح زاد المستقنع، اسم المؤلف: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت 1051 هـ)، دار النشر: مكتبة الرياض الحديثة - الرياض - 1390
100 -
روضة الطالبين وعمدة المفتين، اسم المؤلف: النووي (ت 676 هـ)، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1405، الطبعة: الثانية.
101 -
روضة الناظر وجنة المناظر، اسم المؤلف: عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620 هـ)، دار النشر: جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض - 1399، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. عبد العزيز عبد الرحمن السعيد.
102 -
الروضة الندية، اسم المؤلف: صديق حسن خان (ت 1307 هـ)، دار النشر:
دار ابن عفان - القاعرة - 1999 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: علي حسين الحلبي.
103 -
رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، اسم المؤلف: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1421 هـ -2000 م، الطبعة: الثالثة.
104 -
زاد المستقنع، اسم المؤلف: موسى بن أحمد بن سالم المقدسي الحنبلي أبو النجا (ت 652 هـ)، دار النشر: مكتبة النهضة الحديثة - مكة المكرمة، تحقيق: علي محمد عبد العزيز الهندي.
105 -
الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، اسم المؤلف: محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي (370 هـ)، دار النشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت - 1399، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. محمد جبر الألفي.
106 -
سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، اسم المؤلف: محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت 852 هـ)، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1379 هـ، الطبعة: الرابعة، تحقيق: محمد عبد العزيز الخولي.
107 -
السلسة الضعيفة، اسم المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، (ت 1421 هـ) دارالنشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة: الطبعة الأولى.
108 -
السلسلة الصحيحة، اسم المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، (ت 1421 هـ)، دارالنشر: مكتبة المعارف الرياض.
109 -
سنن ابن ماجه، اسم المؤلف: محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني (ت 275 هـ)، الناشر: دار الفكر - بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
110 -
سنن أبي داود، اسم المؤلف: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت 275 هـ)،، الناشر: دار الفكر، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.
111 -
سنن البيهقي الكبرى، اسم المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي (ت 458 هـ)، دار النشر: مكتبة دار الباز - مكة المكرمة، 1414 - 1994 ـ تحقيق: محمد عبد القادر عطا.
112 -
سنن الدارمي، اسم المؤلف: عبد الله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي (ت 255 هـ)، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1407، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع العلمي.
113 -
سنن النسائي ـ المجتبى ـ اسم المؤلف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي (ت 303 هـ) دار النشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب ـ الطبعة الثانية، 1406 - 1986، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة.
114 -
سير أعلام النبلاء اسم المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذَهَبي (ت 748 هـ)، المحقق: مجموعة محققين بإشراف شعيب الأرناؤوط دارالنشر: مؤسسة الرسالة.
115 -
شذرات الذهب في أخبار من ذهب، اسم المؤلف: لعبد الحي بن أحمد العكري الدمشقي (ت 1089 هـ)، دار النشر:: دار الكتب العلمية.
116 -
شرح السنة، اسم المؤلف: الحسين بن مسعود البغوي (ت 516 هـ)، دار النشر: المكتب الإسلامي - دمشق _ بيروت - 1403 هـ - 1983 م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش.
117 -
شرح العمدة في الفقه، اسم المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت 728 هـ)، دار النشر: مكتبة العبيكان - الرياض - 1413، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. سعود صالح العطيشان.
118 -
الشرح الكبير لابن قدامة، اسم المؤلف: ابن قدامة المقدسي،
عبد الرحمن بن محمد (المتوفى: 682 هـ).
119 -
الشرح الكبير، اسم المؤلف: سيدي أحمد الدردير أبو البركات (ت 623 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت، تحقيق: محمد عليش.
120 -
الشرح الممتع على زاد المستقنع، اسم المؤلف: محمد بن صالح بن عثيمين، دار النشر دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1423 هـ.
121 -
شرح رياض الصالحين، اسم المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين، (ت 1421 هـ)
122 -
شرح صحيح البخاري، اسم المؤلف: أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي (ت 449 هـ)، دار النشر: مكتبة الرشد - السعودية/ الرياض - 1423 هـ - 2003 م، الطبعة: الثانية، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم.
123 -
شرح فتح القدير، اسم المؤلف: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي (ت 681 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة: الثانية.
124 -
شرح معاني الآثار، اسم المؤلف: أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة أبو جعفر الطحاوي (ت 321 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1399، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد زهري النجار.
125 -
شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى، اسم المؤلف: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت 1051 هـ)، دار النشر: عالم الكتب - بيروت - 1996، الطبعة: الثانية.
126 -
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، اسم المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد
أبو حاتم التميمي البستي (ت 354 هـ)، دارالنشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية، 1414 - 1993، تحقيق: شعيب الأرنؤوط.
127 -
صحيح ابن خزيمة، اسم المؤلف: محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري (ت 311 هـ)، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، 1390 - 1970، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي.
128 -
صحيح الترغيب والترهيب، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، (ت 1421 هـ) الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة: الخامسة.
129 -
صحيح مسلم بشرح النووي، اسم المؤلف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، (ت 676 هـ)، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1392، الطبعة: الطبعة الثانية.
130 -
صحيح مسلم، اسم المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري (ت 261 هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت ـ تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
131 -
صفة الصفوة. اسم المؤلف: عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج، (ت 597 هـ) تحقيق: محمود فاخوري - د. محمد رواس قلعه جي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة الثانية، 1399 هـ - 1979 م.
132 -
صلاة الجماعة، اسم المؤلف: صالح بن غانم السدلان، دار النشر: دار بلنسية ـ الرياض ـ الطبعة الثالثة 1416 هـ.
133 -
صلاة المؤمن، اسم المؤلف: سعيد بن وهف القحطاني.
134 -
الصلاة وحكم تاركها، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، دار النشر: الجفان والجابي - دار ابن حزم - قبرص -
بيروت - 1416 - 1996، الطبعة: الأولى، تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي.
135 -
طبقات الحنابلة، اسم المؤلف: أبو الحسين ابن أبي يعلى، محمد بن محمد (ت 526 هـ)، المحقق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار المعرفة - بيروت.
136 -
طبقات الشافعية الكبرى اسم المؤلف: تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي (ت 851 هـ)، دار النشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع - 1413 هـ، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، د. عبد الفتاح محمد الحلو.
137 -
طبقات الفقهاء، هذبهُ: محمد بن جلال الدين المكرم (ابن منظور)، اسم المؤلف: أبو إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ)، المحقق: إحسان عباس، الطبعة: الأولى، تاريخ النشر: 1970 م، الناشر: دار الرائد العربي، عنوان الناشر: بيروت - لبنان.
138 -
طرح التثريب في شرح التقريب، اسم المؤلف: زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسيني العراقي (ت 806 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 2000 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد القادر محمد علي.
139 -
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، اسم المؤلف: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي (ت 751 هـ)، دار النشر: مطبعة المدني - القاهرة، تحقيق: د. محمد جميل غازي.
140 -
العبر في خبر من غبر، اسم المؤلف شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748 هـ) تحقيق د. صلاح الدين المنجد، دارالنشر: مطبعة حكومة الكويت، سنة النشر 1984 م،
141 -
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، اسم المؤلف: بدر الدين محمود بن أحمد العيني، (ت 855 هـ) دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
142 -
العناية شرح الهداية، اسم المؤلف: محمد بن محمد البابرتي (المتوفى: 786 هـ).
143 -
عون المعبود شرح سنن أبي داود، اسم المؤلف: محمد شمس الحق العظيم آبادي (ت 1329 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1995 م، الطبعة: الثانية.
144 -
غريب الحديث، اسم المؤلف: أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بابن الجوزي، (ت 597 هـ) دارالنشر: دار الكتب العلمية - بيروت ـ الطبعة الأولى، 1985، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي.
145 -
غريب الحديث، اسم المؤلف: القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد، (ت 224 هـ) دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1396، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. محمد عبد المعيد خان.
146 -
فتاوى الرملي، اسم المؤلف: شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (المتوفى: 1004 هـ).
147 -
الفتاوى السعدية. اسم المؤلف: عبد الرحمن السعدي، دار النشر: دار المنهاج، القاهرة/ الطبعة الأولى 1424 هـ، 2003 م.
148 -
الفتاوى الكبرى اسم المؤلف: شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت 728 هـ)، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: قدم له حسنين محمد مخلوف.
149 -
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، اسم المؤلف: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، دارالنشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، عدد الأجزاء:32.
150 -
الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، اسم المؤلف: الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند (1118 هـ)، دار النشر: دار الفكر - 1411 هـ - 1991 م.
151 -
فتح الباري شرح صحيح البخاري، اسم المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (ت 852 هـ)، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: محب الدين الخطيب.
152 -
فتح الباري، اسم المؤلف: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب، (ت 795 هـ) دار النشر: دار ابن الجوزي - الدمام - 1422 هـ، الطبعة: الثانية، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد.
153 -
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، اسم المؤلف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، (ت 1250 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت.
154 -
فتح المعين بشرح قرة العين، اسم المؤلف: زين الدين بن عبد العزيز المليباري (ت 926 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت.
155 -
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية، اسم المؤلف: محيي الدين بن علي بن محمد الطائي الخاتمي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - لبنان - 1418 هـ- 1998 م، الطبعة: الأولى
156 -
الفروع وتصحيح الفروع، اسم المؤلف: محمد بن مفلح المقدسي (ت 762 هـ)،، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1418، الطبعة: الأولى، تحقيق: أبو الزهراء حازم القاضي.
157 -
الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، اسم المؤلف: أحمد بن
غنيم بن سالم النفراوي المالكي (ت 1125 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1415 هـ.
158 -
قرة عين العابد بحكم فرش السجاجيد في المساجد، اسم المؤلف: خير الدين بن تاج الدين إلياس زاده، (ت 1130 هـ) تحقيق: يوسف بن محمد الصبحي، دار النشر: دار العاصمة ـ الرياض ـ الطبعة الأولى 1421 هـ، 2000 م.
159 -
قواعد الأحكام في مصالح الأنام، اسم المؤلف: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت 660 هـ) دراسة وتحقيق: محمود بن التلاميد الشنقيطي، الناشر: دار المعارف بيروت - لبنان.
160 -
القواعد النوارنية الفقهية، اسم المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت 728 هـ)، دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1399، تحقيق: محمد حامد الفقي.
161 -
القوانين الفقهية، اسم المؤلف: محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي (ت 741 هـ).
162 -
القول المبين في أخطاء المصلين، اسم المؤلف: أبو عبيدة مشهور بن حسن بن محمود بن سلمان، دار النشر: دار ابن القيم، دار ابن حزم.
163 -
الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، اسم المؤلف: حمد بن أحمد أبو عبد الله الذهبي الدمشقي، (ت 748 هـ) دار النشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علو - جدة - 1413 - 1992، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد عوامة.
164 -
الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل، اسم المؤلف: عبد الله بن قدامة المقدسي أبو محمد (ت 682 هـ)، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت.
165 -
الكافي في فقه أهل المدينة، اسم المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي، (ت 463 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1407، الطبعة: الأولى.
166 -
كتاب التسهيل لعلوم التنزيل، اسم المؤلف: محمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي، (ت 741 هـ) دار النشر: دار الكتاب العربي - لبنان - 1403 هـ- 1983 م، الطبعة: الرابعة.
167 -
الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، اسم المؤلف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، (ت 235 هـ) دار النشر: مكتبة الرشد - الرياض - 1409، الطبعة: الأولى، تحقيق: كمال يوسف الحوت.
168 -
كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، اسم المؤلف: أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس (ت 728 هـ)،، دار النشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي.
169 -
كشاف القناع عن متن الإقناع، اسم المؤلف: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، (ت 1051 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1402، تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال.
170 -
كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، اسم المؤلف: إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، (ت 1162 هـ) دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405، الطبعة: الرابعة، تحقيق: أحمد القلاش.
171 -
كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني، اسم المؤلف: أبو الحسن المالكي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1412، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي.
172 -
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، اسم المؤلف: محمد فؤاد عبد الباقي، دار النشر: المطبعة العصرية - الكويت - 1397 هـ- 1987 م، تحقيق: عبد الستار أبو غدة.
173 -
اللباب في تهذيب الأنساب، اسم المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني الجزري، الناشر دار صادر، سنة النشر 1400 هـ - 1980 م، مكان النشر بيروت.
174 -
اللباب في علوم الكتاب، اسم المؤلف: أبو حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي، (ت 880 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت/ لبنان - 1419 هـ -1998 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض.
175 -
لسان العرب، اسم المؤلف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، (ت 711 هـ) دار النشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى.
176 -
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام، المجموعة الرابعة، رمضان عام 1422 هـ.
177 -
المبدع في شرح المقنع، اسم المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي (ت 884 هـ) دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1400 هـ.
178 -
المبسوط، اسم المؤلف: شمس الدين السرخسي، (ت 490 هـ) دار النشر: دار المعرفة - بيروت.
179 -
متن بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة، اسم المؤلف: برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني (ت 593 هـ)، دار النشر: مكتبة ومطبعة محمد علي صبح - القاهرة.
180 -
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الخامس والخمسون، عام 1423 هـ ـ 2002 م.
181 -
مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، اسم المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي المدعو بشيخي زاده (ت 1078 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت - 1419 هـ - 1998 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: خرج آياته وأحاديثه خليل عمران المنصور.
182 -
مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز اسمالمؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (ت 1421 هـ) أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر عدد الأجزاء: 30 جزءا. مصدر الكتاب: موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.
183 -
المجموع، اسم المؤلف: النووي (ت 676 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1997 م.
184 -
المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، اسم المؤلف: عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، (ت 652 هـ) دار النشر: مكتبة المعارف - الرياض - 1404، الطبعة: الثانية.
185 -
المحكم والمحيط الأعظم، اسم المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، (ت 458 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 2000 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد الحميد هنداوي.
186 -
المحلى، اسم المؤلف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، (ت 456 هـ) دار النشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي.
187 -
المحيط في اللغة، اسم المؤلف: الصاحب الكافي الكفاة أبو القاسم
إسماعيل ابن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الطالقاني، (ت 385 هـ) دار النشر: عالم الكتب - بيروت/ لبنان - 1414 هـ-1994 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين.
188 -
مختار الصحاح، اسم المؤلف: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، (ت 721 هـ) دار النشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت - 1415 - 1995، الطبعة: طبعة جديدة، تحقيق: محمود خاطر.
189 -
مختصر اختلاف العلماء، اسم المؤلف: أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الجصاص، (ت 370 هـ) دار النشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت - 1417، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد.
190 -
مختصر الخرقي من مسائل الإمام أحمد بن حنبل، اسم المؤلف: أبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي، (ت 334 هـ) دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1403، الطبعة: الثالثة، تحقيق: زهير الشاويش.
191 -
مختصر خليل اسم المؤلف: محمد الخرشي المالكي (ت 1102 هـ)، دار النشر: دار الفكر للطباعة - بيروت.
192 -
المخصص، اسم المؤلف: أبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي، (ت 458 هـ) دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1417 هـ 1996 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: خليل إبراهم جفال.
193 -
المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، اسم المؤلف: عبد القادر بن بدران الدمشقي، (ت 1346 هـ) دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1401، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي.
194 -
المدونة الكبرى، اسم المؤلف: مالك بن أنس، (ت 179 هـ) دار النشر: دار
صادر - بيروت.
195 -
مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله، اسم المؤلف: عبد الله بن أحمد بن حنبل، (ت 290 هـ) دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1401 هـ 1981 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: زهير الشاويش.
196 -
مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابن أبي الفضل صالح، (ت 266 هـ)، دار النشر: الدار العلمية - الهند - 1408 هـ- 1988 م.
197 -
مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه، اسم المؤلف: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي، (ت 251 هـ) دار النشر: دار الهجرة - الرياض/ السعودية - 1425 هـ -2004 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: خالد بن محمود الرباط - وئام الحوشي - د. جمعة فتحي.
198 -
المستدرك على الصحيحين، اسم المؤلف: محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، (ت 405 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1411 هـ - 1990 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا،
199 -
مسند الإمام أحمد بن حنبل، (ت 241 هـ) المحقق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثانية 1420 هـ، 1999 م.
200 -
مشروعية تسوية الصف بالمنكب والكعب، اسم المؤلف: علي بن عبد العزيز موسى، دار النشر: مكتبة السعيد ـ الرياض ـ الطبعة الأولى 1422 هـ، 2001 م.
201 -
مشكاة المصابيح، المؤلف: محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1405 - 1985، تحقيق: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني.
202 -
المصالح المرسلة، تأليف: محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي، (ت 1393 هـ) الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الأولى، 1410 هـ.
203 -
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، اسم المؤلف: أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني، (ت 840 هـ) دار النشر: دار العربية - بيروت - 1403، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي.
204 -
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، اسم المؤلف: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، (ت 770 هـ) دار النشر: المكتبة العلمية - بيروت.
205 -
مصنف عبد الرزاق، اسم المؤلف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، (ت 211 هـ) الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثانية، 1403، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي.
206 -
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، اسم المؤلف: مصطفى السيوطي الرحيباني، (ت 1243 هـ) دار النشر: المكتب الإسلامي - دمشق - 1961 م.
207 -
المعجم الجامع في تراجم العلماء و طلبة العلم المعاصرين، المؤلف: أعضاء ملتقى أهل الحديث، مصدر الكتاب: ملتقى أهل الحديث.
208 -
المعجم الكبير، اسم المؤلف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، (ت 360 هـ) دار النشر: مكتبة العلوم والحكم - الموصل، الطبعة الثانية، 1404 - 1983، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي.
209 -
معجم المؤلفين اسم المؤلف: عمر رضا كحالة، دار النشر: مكتبة المثنى - بيروت. الطبعة الأولى 1414 هـ، 1993 م.
210 -
المعجم الوسيط (1+2)، اسم المؤلف: إبراهيم مصطفى/ أحمد الزيات/ حامد عبد القادر/ محمد النجار، دار النشر: دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية.
211 -
معجم مقاييس اللغة، اسم المؤلف: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الناشر: دار الفكر، الطبعة: 1399 هـ.
212 -
معرفة السنن والآثار عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، اسم المؤلف: الحافظ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو أحمد البيهقي. (ت 458 هـ)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - بدون، تحقيق: سيد كسروي حسن.
213 -
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، اسم المؤلف: محمد الخطيب الشربيني، (ت 977 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت.
214 -
المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، اسم المؤلف: عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 682 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1405، الطبعة: الأولى.
215 -
مفردات الحنابلة في مسائل الصلاة، اسم المؤلف: فهد عبد الرحمن المشعل، (رسالة دكتوراه) جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1419 هـ.
216 -
المفردات في غريب القرآن، اسم المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد، (ت 502 هـ) دار النشر: دار المعرفة - لبنان، تحقيق: محمد سيد كيلاني.
217 -
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، اسم المؤلف: أبي العباس احمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (ت 656 هـ) تحقيق: محي الدين مستو، وآخرين، دار النشر: دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الثالثة 1426 هـ، 2005 م.
218 -
منار السبيل في شرح الدليل، اسم المؤلف: إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان، (ت 1353 هـ) دار النشر: مكتبة المعارف - الرياض - 1405، الطبعة: الثانية، تحقيق: عصام القلعجي.
219 -
المنثور في القواعد، اسم المؤلف: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، (ت 794 هـ) دار النشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت - 1405، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. تيسير فائق أحمد محمود.
220 -
منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل.، اسم المؤلف: محمد عليش.، (ت 1299 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1409 هـ - 1989 م ..
221 -
منحة العلام في شرح بلوغ المرام، اسم المؤلف: عبد الله بن صالح الفوزان، دار النشر: دار ابن الجوزي.
222 -
منهاج الطالبين وعمدة المفتين، اسم المؤلف: يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)، دار النشر: دار المعرفة - بيروت.
223 -
المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية، اسم المؤلف: الهيتمي. (ت 974 هـ)
224 -
الموافقات في أصول الفقه، اسم المؤلف: إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: عبد الله دراز
225 -
المهذب في فقه الإمام الشافعي، اسم المؤلف: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبو إسحاق (ت 476 هـ)، دار النشر: دار الفكر - بيروت.
226 -
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، اسم المؤلف: محمد بن عبد الرحمن المغربي أبو عبد الله، (ت 954 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1398، الطبعة: الثانية. موسوعة أصول الفقه، إعداد موقع روح الإسلام (www.islamspirit.com).
227 -
الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت) الأجزاء 1 - 23: الطبعة الثانية، دار السلاسل - الكويت .. الأجزاء 24 - 38: الطبعة الأولى، مطابع دار الصفوة - مصر .. الأجزاء 39 - 45: الطبعة الثانية، طبع الوزارة.
228 -
موسوعة فقه ابن تيمية، اسم المؤلف: محمد رواس قلعة جي. دار النشر: دار النفائس ـ بيروت ـ الطبعة الثانية 1412 هـ.
229 -
موطأ الإمام مالك، اسم المؤلف: مالك بن أنس أبو عبد الله الأصبحي، (179 هـ) دارالنشر: دار إحياء التراث العربي - مصر، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
230 -
نصب الراية لأحاديث الهداية، اسم المؤلف: عبد الله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي، (ت 762 هـ) دار النشر: دار الحديث - مصر - 1357، تحقيق: محمد يوسف البنوري.
231 -
النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية، اسم المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق، (ت 884 هـ) دار النشر: مكتبة المعارف - الرياض - 1404، الطبعة: الثانية.
232 -
نهاية الزين في إرشاد المبتدئين، اسم المؤلف: محمد بن عمر بن علي بن نووي الجاوي أبو عبد المعطي، (ت 1316 هـ) دار النشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة: الأولى.
233 -
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج.، اسم المؤلف: شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير. (ت 1004 هـ)، دار النشر: دار الفكر للطباعة - بيروت - 1404 هـ - 1984 م.
234 -
النهاية في غريب الحديث والأثر، اسم المؤلف: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، دار النشر: المكتبة العلمية - بيروت - 1399 هـ - 1979 م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى - محمود محمد الطناحي
235 -
نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، اسم المؤلف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، (ت 1255 هـ) دار النشر: دار الجيل - بيروت - 1973.
236 -
الهداية شرح بداية المبتدي، اسم المؤلف: أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغياني (ت 593 هـ)، دار النشر: المكتبة الإسلامية.
237 -
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، اسم المؤلف: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، (ت 681 هـ) المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: متفرقة ابتداء من عام 1900 م.