الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 524
- بتاريخ: 19 - 07 - 1943
14 - دفاع عن البلاغة
6 -
الأسلوب
سمع ابن هرمة أديباً ينشد قوله:
بالله ربك إن دخلت فقل لها
…
هذا ابن هرمة (قائماً) بالباب
فقال له: لم أقل (قائماً). أكنت أتصدق؟ قال: قاعداً؟ فقال: أكنت أبول؟ قال: فماذا؟ قال: واقفاً. وليتك علمت ما بين هذين من قدر اللفظ والمعنى!
ذلك مثال من أمثلة كثيرة تريك كيف يميز الفنان اللفظ ويختاره. وتمييز اللفظ واختياره شديدان على من لم يؤته الله العلم بمعاني الألفاظ، والبصر بفروق المعاني. ولم يقع صاغة الكلام في الهرج والزيف إلا بمجافاة الذوق ومخالفة اللغة. فإن اللفظة الحوشية أو السوقية أو الطفيلية أو النابية أو الركيكة أو المبهمة أو العليلة لا تسقط في الكلام إلا إذا كان العلم الذي يميز قد فقد، والذوق الذي يختار قد فسد. إذاً تكون الكلمة التي انتخبت بذوق، واستعملت بحذق، هي الكلمة الضرورية الطبيعية التي تتحقق بها خصوصية اللفظ وهي الركن الأول لأصالة الأسلوب. أما الركن الآخر وهو طرافة العبارة فأسه الابتكار في حكاية الخبر وتصوير الفكر وتقويم الموضوع. وهيهات أن تجد الجملة المبتكرة التي تثير الإعجاب، وتحدث الأثر، وتحرك الفتنة، إلا إذا وجدت الكلمة الخاصة التي تحدد الفروق، وتجد العلاقة، وتبعث الحركة. والأسلوب كما قلت من قبل خلق مستمر: خلق للفكر بطرافته، وخلق للترتيب بتنسيقه وتشويقه، وخلق للأداء بألفاظه ولهجاته وصوره. وعلى قدر ما يتضح الخلق في الكتابة، تتضح العظمة في الكاتب. أما القوالب الموضوعة والرواسم المصنوعة فقد كانت في ما مضى قطعاً من أعصاب الذين صاغوها، ثم قطعت بهم وبها أسباب الحياة فضمنتهم القبور وضمنتها الكتب. فكما لا ينفعك أن تستعير أعضاءهم لجسدك، لا ينفعك أن تستعير تراكيبهم لأسلوبك. ولكن أدعياء الكتابة يعيشون على هذه الرواسم كما يعيش أدعياء التصوير على نقل الروائع الفنية باليد، أو تصويرها بالآلة. وكثيراً ما يسرفون على أنفسهم فينتحلون القصيدة بنصها أو المقالة بلفظها. ولا أزال أذكر صعقة الأستاذ إبراهيم. . . وقد دعي ذات ليلة إلى حفلة زفاف. وأبى ولاؤه للعريس ووفاؤه للفن إلا أن يسجل اسمه بين خطباء العرس. وذهب إلى كتاب (أبدع الأساليب، في
إنشاء الخطب والمكاتيب) فحفظ منه خطبة رنانة فيها السجع المرصع، وفيها الشعر البديع. ثم أخذ مكانه المرموق فوق المنصة. وتعاقب الخطباء والشعراء على المنبر المزدان بالرايات والثريات والرياحين. حتى إذا لم يبقى بينه وبين الكلام غير خطيب واحد، تبحبح وتنحنح، ثم تجهز وتحفز؛ ولكنه لم يكد يصغي إلى الخطيب الذي قام قبله حتى حملق إليه وقد انتسف لونه، وانفغر فمه، وارفض عرقه، وتمنى لو ساخت به الأرض! لقد كان الخطيب السباق قد اقتنى الكتاب نفسه، وانتقى الخطبة عينها، ثم سبق الأستاذ إبراهيم إلى القول فانطلق يلقيها عن ظهر الغيب لا يتلعثم ولا يتوقف ولا يخرم منها حرفاً! وبينما كان المنبر يهدر بالأسجاع، والسرادق يدوي بالتصفيق، والبيت يلعلع بالزغاريد، كان الأستاذ إبراهيم قد أخذ بطنه بيديه، ومشى مشية الشيخ الأحدب، يتأوه ويتلوى ويسأل الذين فجئهم بهذه الوعكة الغريبة عن بيت (الأدب)!
ثم نعود فنقول إن الأصالة هي الكلمة الخاصة والعبارة الجديدة. وبخصوصية الكلمة وجدة العبارة تتحقق الطبيعة في الأسلوب. وليست الطبيعة أن ترسل الكلام على سجيتك من غير روية ولا تنقيح، إنما الطبيعة نتيجة النظر الطويل والجهد المتصل. فهي على الرغم من اسمها تكسب ولا توهب وشرطها الذي لابد منه أن يختفي فيها الفن كما تختفي دودة القز في الشرنقة فإن من الفن ألا يظهر الفن، كما قال شيشرون. ومن اختفاء الجهد البالغ في سراح الطبع، وكمون الصنع الدقيق في سهولة العبارة ينشأ ما يسمونه بالسهل الممتنع والأصل فيه قول ابن المقفع لمن سأله عن البلاغة:(هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها، فإذا حاول عجز)
ومن كلام بسكال أنك (تقرأ الأسلوب المطبوع فتعجب منه وتعجب به، لأنك تتوقع أن تجد فيه الفنان، فإذا بك لا تجد إلا الإنسان)
ومن الطبيعة بمعناها الفني تكون الدقة. وما الدقة إلا ترك فضول الكلمة وتوخي صواب اللفظ. وهي تختلف في أسلوب الشاعر والخطيب عنها في أسلوب الفيلسوف والمؤرخ. ولكن القدر المشترك منها في أساليب هؤلاء هو أن يعرف كل منهم كيف يمضي قدماً إلى الغاية. وكل ما يجعل الفكرة نيرة مؤثرة، والصورة حية قوية، والعاطفة أخاذة نفاذة، هو في الحقيقة داخل في القدر المشترك لكل كاتب
والدقة المشتقة من الطبع سبيل الوضوح. لأن غموض الكلمة ينشأ من غرابتها أو اشتراكها، وغموض الكلام ينشأ من تعقده أو فساده. والغرابة والاشتراك والتعقد والفساد هي الأضداد الطبيعية لمعاني الأصالة
ومن بدئه العقل أنك تفهم لتكتب، وتكتب لتُفهم. ولكن من الكتاب من ينسج قبل فرز الخيوط، ويكتب قبل درس الفكرة، فيلتاث عليه الأمر. وإن منهم من يحسب أن الوضوح ينافي العمق، والبساطة تجافي الدقة، فيغرب ولا يعرب، ويجمجم ولا يترجم؛ ثم يسمي هذا الغموض فنا وذلك العجز رمزاً. على أننا لا نقصد بالوضوح أن يسفر لك الكلام عن معناه كله لأول وهلة؛ إنما نقصد به الوضوح الفني الذي يتراءى خلال النقاب الشفاف والظلام المضيء والعمق الصافي؛ وهو بالطبع أكثر دلالة وأشرق بياناً وأروع جمالاً وأطول وحياً من ذلك الوضوح الساذج الذي يعرفه الكاتب الجاهل، ويطلبه القارئ الغبي.
(للكلام بقية)
احمد حسن الزيات
الحديث ذو شجون
للدكتور زكي مبارك
جبرائيل تقلا باشا - مصادر الثروة اللغوية - محاكمة العقاد!
جبرائيل تقلا باشا
قرأت أكثر ما كتب في رثاء الصحفي الكبير جبرائيل تقلا باشا، ورأيت كيف ختمت حياته بتبجيل وتعظيم وإجلال، فماذا بقي من القول بعد تلك الصحائف من جميل الرثاء!
لم يبقى إلا أن أشير إلى بعض السر في نجاح ذلك الرجل، لأن حياته تصلح قدوة لرجال الأعمال
أذكر أولاً أن الرجل جعل الغاية من حياته أن يكون صاحب أكبر جريدة في الشرق، وهي غاية تمثلت له بوضوح، وبدت له في عظمة تستحق بذل العمر كله في صيانتها من عوارض الضعف والاضمحلال
وأذكر ثانياً أن الرجل رأى أن الأعمال العظيمة لا تنهض بغير معاونين أمناء، فجعل من خطته أن يكون الاشتراك في تحرير (الأهرام) ضمانة من المتاعب المعاشية بحيث لا يحتاج من يعمل معه إلى التفكير في صحبة غيره، ولو كان ذلك الغير شخصية تحمل أضخم الألقاب
وأذكر ثالثاً أن الرجل نزه جريدته عن الأذى بجميع صوره فعاش بلا أعداء، وهذا الجانب من الحياة الصحفية يوجب ألواناً من جهاد النفس لا يصبر عليها غير كبار القلوب
والذي يتصور ما صنع هذا الرجل لجريدته يعجب من براعته وقدرته على التصرف، فللأهرام مكاتب كثيرة في الغرب والشرق، وما كان يمكن أن تقوم تلك المكاتب بدون أن تكون الثقة بهمته وكفايته وأمانته مضرب الأمثال
وهنالك جانب سكت عنه من رثوا هذا الرجل، فما ذلك الجانب؟
هو فهمه الدقيق للأحوال الجوية، فكان يعرف ما يُلبس. لكل وقت، فلم يتعرض للحر ولا للبرد، وكانت الحكومات المتعاقبة تعجب من فهمه ذاك، ولا يؤذيها أن يكون في مصر صحفيٌّ يعرف اتجاهات الرياح قبل هبوبها
ومع هذا قتلته مروحة غزت صدره بهواء عجز عن دفعه الأطباء، ولكل أجل كتاب.
وسبحان من تفرد بالبقاء
مصادر الثروة اللغوية
من الكلمة التي نشرتها (الرسالة) لحضرة الأستاذ عبد الحميد عنتر فهمت أنه يقصر المحصول اللغوي على المأثور عن (العرب العرباء) وهي الأمة التي شهدت العصر الجاهلي وصدر العصر الإسلامي، وفي هذا القول رجعة إلى أقوال كانت ترى أن اللغة ختمت بالأقفال بعد هذين العصرين، وهو قول كان يجد من يطمئن إليه قبل أن تتفتح العقول إلى النظر الصادق في العصر الحديث
وأقول أن مصادر الثروة اللغوية عندنا هي ما نطق به العرب في جميع العصور وفي جميع البلاد، ولو كان فيه دخيل، وأقول أيضاً إن وجود الألفاظ الدخيلة في أي لغة يشهد لها بالحيوية، لأنه يدل على أنها أخذت وأعطت، واللغة التي تسلم سلامة تامة من الألفاظ الدخيلة لا توجد إلا في قبائل المحصورة بين جدران الجهل والركود
وعندي أنه يمكن الحكم بأن شعراء الجاهلية لم يكونوا يملكون من الثروة اللغوية مثل الذي نملك، لأنهم عاشوا في آفاق محدودة، ولأن التفوق اللغوي لم يكن من المقاصد التي يشغل بها الناس في القديم على نحو ما يشغلون في هذا الزمان
فكلمة (العرب العرباء) كلمة طنانة، ولكنها لا تنفع بشيء، فمجد العرب الحق، المجد الذي بجله التاريخ، وهو مجدهم بعد الفتوحات الإسلامية، وبعد أخذهم ما استطابوا من مواريث الشعوب
وهنا حقيقة لم تأخذ قسطها من الالتفات، وهي فضل الدخيل في إمداد اللغة العربية بالثروة لعهد الجاهلية. وبيان ذلك أن جاهلية العرب الملحوظة هي جاهلية قريش، وقريش لم تعرف حياة العزلة بسبب (البيت)، فقد جمع حولها الناس، وعرفها ما لم تكن تعرف من طرائق المعاش، وطرائف الخيال
كان للعرب في الجاهلية ما يزيد عن سبع لغات، وكان من الصعب أن يتفاهم أهل الشمال مع أهل الجنوب، فكيف ضعضعت تلك اللغات وبقيت لغة قريش؟ يرجع الفضل إلى (البيت) أولاً والى الإسلام ثانياً، ولكن كيف اتفق ذلك ولم تكن مهمة البيت مهمة لغوية ولا كانت رسالة الإسلام رسالة لغوية؟ يرجع السبب إلى أن الضجيج الاجتماعي والجدال
الديني والسياسي مما يزيد في ثروة اللغات. ومن هنا نجد في القرآن وفي الأحاديث ألفاظاً أجنبية منقولة من اللغات الفارسية والعبرانية واليونانية والحبشية والمصرية، لأن ذلك الضجيج وذلك الجدال قضيا باقتباس تلك الألفاظ من تلك اللغات. وكذلك الحال في كل لغة تعرف أهلها إلى طوائف من الشعوب
قولوا الحق، أيها الناس
هل كان العرب الذين تلقوا القرآن يلتفتون إلى أن كلمة (سندس) كلمة فارسية وأن كلمة (اليم) كلمة مصرية؟
إن تنقية اللغات من الدخيل فكرة حديثة العهد بالوجود في أكثر بقاع الأرض، ولعلها لم تعرف إلا بسبب العصبية العنصرية، كالذي وقع حين رأى الفردوس أن تخلو (الشهنامة) من الألفاظ العربية فيما قبل، وكالذي وقع من الأتراك فيما بعد، وهذه وتلك من النزعات الشعوبية، وهي نزعات تزيد في نفرة الأمم بعضها من بعض، بلا نفع ولا غناء
وإذا جاز هجر الألفاظ المنقولة من لغات أجنبية فكيف يجوز هجر الألفاظ الأصيلة في اللغة العربية؟
أنا أشوف أن الأستاذ عنتر يجانب الصواب حين ينكر كلمة (شاف) بمعنى (أبصر) مع أن العرب قالوا تشوف بمعنى تطلع
أنا أشوف أنه أخطأ حين قال: (إن كتب التاريخ ليست متون لغة يعتمد عليها في إثبات الكلمات العربية)، فأكثر المؤرخين أدباء فضلاء، ومؤلفاتهم تعد من المراجع اللغوية
قال ابن مسكويه (وخرج الجند بالبوقات والطبول) وهو كاتب فحل يكاد يعاصر المتنبي، أفلا يكون كلامه شاهداً على أن (البوقات) كانت كلمة اصطلاحية في ذلك الحين، وهل كان يصعب على المتنبي أن يقول (أبواق) لو كانت هي الكلمة التي يريد؟
وهل نخطئ المتنبي لنصوب من نقدوه عن جهل، ولنصوب من نقلوا ذلك النقد المنحرف بلا بصيرة ولا يقين؟
وما الرأي في كلمة (مستشزرات) التي عابوها على امرئ القيس منذ اشتغلوا بعلم البلاغة إلى اليوم؟
ما الرأي وهي أفصح الكلمة في هذا البيت:
غدائره مستشزراتٌ إلى العُلا
…
تضل المدارى في مثَّنى ومُرسَل
ثَقُلت عليهم الكلمة فعابوها، مع أن ثقلها مقصود، لأنها بهذا الوصف تمثل ما أراد أمرئ القيس
ولو طاوعناهم لحذفنا من اللغة كل لفظة تعوزها النعومة واللين، وهذا مطمح لن يصلوا إليه، لأن اللفظ الوعر في موطنه مقبول ومنشود
وأنكر الأستاذ لفظة بحرة وقال إنها لفظة لا تعرفها لغة العرب، فليرجع إليها غير مأمور في القاموس المحيط
وأنكر كلمة طبلة. فهل يرى الاستغناء عنها بكلمة طبل؟
وأنكر كلمة بوقة، فهل يرجع إليها في تاج العروس؟
وأنكر كلمة ربعة، فهل يضع مكانها الربع وهي أصغر من الربع؟
وقال إن جمع صناعة على صنائع لم يرد في منظوم الكلام ولا منثوره، فهل يدفع ديناراً على كل شاهد لأظفر منه بمائة دينار أطبع بها كتاب (أدب الشواطئ)؟
أما بعد فإن مصادر الثروة اللغوية عندنا هي ما نطق به العرب في جميع العصور وفي جميع البلاد، ونحن نكره أن يكون محصولنا اللغوي محصول جيل أو جيلين، ونحن مع هذا لا نرحب إلا بالكلمات المأنوسة التي صارت نصاً في الدلالة على أشياء لا يدل عليها بغير تلك الكلمات
الكاتب البليغ والشاعر المجيد هما أعرف الناس بسرائر اللغة، وإليها يرجع الفضل في إقرار الحقائق اللغوية والأدبية ولا يجوز لمن حرم ذوق الشعر والكتابة أن يتعرض للنقد اللغوي والأدبي، فهذا مجال الذوق لا مجال النقل، وبين الذوق والنقل مراحل طوال
ومن علماء البلاغة الذين استباحوا التطاول على المتنبي وامرئ القيس؟
هل قرأتم مقدمات الكتب البلاغية لتعرفوا ما يملك بعض معلمي البلاغة من القدرة على الإنشاء البليغ
قال قائل: إن كتب التاريخ ليست متون لغة، فما رأيه في كتب الفقه الإسلامي؟
أنا أشوف أن كتب الفقه تحوي ذخائر لغوية نفسية جداً، ولعلها أدت للغة خدمات لم تؤدها كتب الأدب الصرف، لأنها أذاعت مرونة التعابير في كثير من البيئات، ولأنها حوت
الدقائق من محاورات الناس في الأسواق
وخلاصة القول أني لا أعترف بما يسمونه عهد (العرب العرباء) ولا أدير بالاً لمن يدعو إلى الاكتفاء بما عرفت العرب العرباء، فلو بعث عرب الجاهلية لعجبوا من الثروة اللغوية في هذه الأيام، واعترفوا بأن أحفادهم نجباء نجباء
ثم ماذا، يا حضرات الأفاضل بالأزهر الشريف؟
أنتم توجبون أن يطبع المصحف بالرسم العثماني، فما حجتكم وهو رسم هجر منذ أزمان؟
أكان الخليفة عثمان بن عفان يختار ذلك الرسم لو عاش في هذا الوقت؟
وهل ترضون أن نرجع فيما نكتب إلى الخط العربي في عهد عثمان؟
كان يكفي أن تكون للمصحف نسخة تسمى النسخة التاريخية، ثم ترسم جميع المصاحف وفقاً للرسم الحديث، الرسم الذي اصطلحت عليه جميع البلاد العربية، لتسهل تلاوة القرآن على جميع الناس
ثم؟ ثم أقول إن الأدب لن يلتفت إلى حذلقة اللغويين المتكفلين، لأن الأدب هو مبدع اللغة، وهو المهيمن على تراثها الثمين.
اللغة ملك لكتابها وشعرائها وخطبائها، وليس لقراء المعاجم منها خلاق
ملكة اللغة تسمى شأن من يناقش في اللغة وليس له فيها عاطفة ولا وجدان؟
كونوا كتاباً وشعراء وخطباء قبل أن تكونوا ناقدين وإلا. . . وإلا. . . عندكم جواب هذا السؤال
محاكمة العقاد
دعتني المجلة الفلانية إلى محاكمة الأستاذ العقاد بالأسلوب الذي أريد، فقضيت بتأجيل الحكم إلى حين!
والحق أني لا أستسيغ مذهب المجلات التي ترى من البراعة الصحفية أن تؤرث الخصومات بين رجال الأقلام ليتفرج القراء، كأن الصحافة صارت ملاعب لا تكلف المتفرجين غير ملاليم!
إن الخصومات الأدبية لا تُقْتَرح، وإنما تخلقها الظروف، فليصبر المتفرجون قليلاً. ألم يسمعوا أن الله مع الصابرين؟
نحن لا نختصم لنقدم الغذاء لأهل الفضول، وإنما نختصم لنؤدي خدمة للفكر والرأي والوجدان، وسأخاصم العقاد ويخاصمني حين تسنح فرصة يكون فيها الخصام من أوطار العقول
ما هذه الشهوة التي لا يغذيها غير عدوان بعض الأقلام على بعض؟ وما هذا الشوق السخيف إلى رؤية مناظر الحرب في غير ميدان؟
لا قيمة للخصام الأدبي إن لم ينته إلى نتائج صحاح، فإن لم يكن بد من خصومة بيني وبين الأستاذ العقاد فسأبحث عن مجال يحترب فيه المنطق، ويتصاول البيان
ولكن متى؟
ذلك إلينا لا إليكم، يا جماعة المتفرجين بملاليم لا قروش!
النقد الأدبي لن يرخص إلى الحد الذي تصورتموه، ولن يكون إلا نضالاً في ميادين ترفرف عليها أعلام الآراء والأذواق
زكي مبارك
وفود العرب على كسرى
لأستاذ جليل
الشاعر الناثر الأستاذ محمد عبد الغني حسن في مقالته اللطيفة (الخطابة بين الحرب والسياسة) في الرسالة (521) ص (510) يشير إلى قصة (وفود العرب على كسرى) ويستشهد بكلام للحارث بن ظالم دليلاً على حذق الخطيب وسرعة خاطره. ولا ريب في أن الأستاذ قدر في نفسه صحة الحكاية. والحق - والحقيقة إن ساءت سرت - أن هذا الخبر الذي أورده ابن عبد ربه في (العقد) وصاحب (تحفة الإخلاء في كتابه أسطورة مصوغة. وقد كان هذا الضعيف أول من عالن بصوغ الخبر فقال سنة (1343):
(. . . وإن كتب العلم لتنبئنا بأن الرواة كانوا يتقربون إلى الخلفاء والسلاطين والنبهاء في الدولة برواياتهم، فكانوا يضعون الأحاديث، ويختلقون ما لم يكن ابتغاء خير يأملونه عند من يحملون سلعتهم الأدبية إليه أو أجل تبريزهم على أقرانهم برواية قول أو شعر استبدوا هم بمعرفته. وربما صاغ العلماء والأدباء الحديث لينصروا مقالة لهم أو نحلة. . . وعُدَّ من الموضوع أيضاً مقالة النعمان في النضح عن أحساب العرب وكلام الذين أوفدهم ابن ماء السماء إلى سلطان فارس فإنه مزور مختلق لم يقله النعمان ولا جماعته ولن يستجرئوا على مثله، ولن يجوز العقل أن يقعد ابن الأكاسرة لاستماع ثرثرة كل مهذار نفاج ويفرغ لشهود عجرفة المتعجرف وعنجهيته. ومن الموضوع أيضاً كلام وفود قريش على سيف بن ذي يزن، وحديث عبد المطلب بن هاشم، وحديث عبد المسيح بن نفيلة مع خاله سطيح، وحديث خنافر الحميري مع رَئِيه شُصار فإن هذه الأحاديث أعرق قول في الاختلاق. والدليل على ذلك علمي عقلي فليرجع إلى كتاب العقد والأمالي من أحب وليتأمل ذلك بعين العقل، ولا يسألنا سرد الأدلة فالموقف حرج، واللبيب تكفيه اللمحة الدالة، و (من لا يعرف الوحي (الإشارة) أحمق)
ثم جاء عالم من علماء القاهرة مشهور فأيد في مصنف له القول في اختلاق تلك الحكاية، حكاية الوفود، ولن يضير - إن شاء الله تعالى - تلك الأخبار من الوجهة اللغوية والأدبية ضائر. ومما يسر أنها لفقت والعربية بليغة فصيحة صحيحة قوية. وإن خيل أن أولئك الصواغين أو الصياغين قد أحفظوا طلاب الحقائق التاريخية بما وضعوا، فقد أحسنوا بما
صنعوا، إذ خدموا - والحق يقال - لغة (الكتاب) وهل كان لنا هذا التراث، هذه الثروة اللغوية الثمينة لولا تلكم المصوغات المزخرفات؟
وإنا لموقنون أن القوم ما قصدوا في كثير مما لفقوا إساءة و (إنما الأعمال بالنيات) وإن أساءوا وأحسنوا فـ (إن الحسنات يذهبن السيئات)
وبعد فمن مبدع ذلك الخبر؟
ابن عبد ربه وصاحب (تحفة الأخلاء) نقله. وقد روى ياقوت في سيرة (الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي) أن من تصانيفه كتاب وفود النعمان على كسرى
فهل صاحب هذا الكتاب هو (الصائغ) المحسن؟
قال الذهبي في (الميزان): الزبير بن بكار الإمام صاحب النسب، كان ثقة من أوعية العلم، لا يلتفت إلى قول أحمد بن علي السليماني حيث ذكره في عداد من يضع الحديث، وقال مرة: منكر الحديث
(قلت): لا يضير أن يلتفت إلى ما ذكره السليماني، وإذا ثبت قوله في ابن بكار فمن يضع الحديث النبوي يضع الحديث الأدبي
وذكر ابن خلكان وياقوت هذه القصة وخلاصتها أن الزبير دخل على محمد بن عبد الله بن طاهر فأكرمه وعظمه، وقال له إن باعدت بيننا الأنساب فقد قربت بيننا الآداب. ولما ودعه قال: إن رأيت يا أبا عبد الله أن تفيدنا شيئاً نرويه عنك
قال: أحدثك بما سمعت أو بما شاهدت؟
قال: بل بما شاهدت
قال: نعم، بينما أنا في مسيري هذا أبصرت جماعة مجتمعة، فأقبلت إليهم، وإذا برجل كان يقنص الظباء، وقد وقع ظبي في حبالته، فذبحه فانتفض في يده فضرب بقرنه صدره فنشب القرن فيه فمات، وإذا بفتاة كأنها المهاة، فلما رأت زوجها ميتاً شهقت ثم قالت أبياتاً منها:
أضحت فتاة بني نهد علانية
…
وبَعلها في أكف القوم محتمل
ثم شهقت فماتت. فما رأيت أعجب من الثلاثة: الظبي مذبوح، والرجل جريح ميت، والفتاة ميتة. فلما خرج قال الأمير محمد بن عبد الله: أي شيء أفدنا من الشيخ؟
قالوا: الأمير أعلم
قال: قوله (أضحت فتاة بني نهد علانية) أي ظاهرة، وهذا حرف لم أسمعه في كلام العرب قبل اليوم
(قلت): إنها لقصة كيسة وإن فيها لفائدة وإن لم يكن مما خرف الشيخ به شيء
(ن)
المسرح المصري
وكيف نشيده على دعائم ثابتة
للأستاذ دريني خشبة
لابد أن يكون لنا مسرح إذا أردنا أن نُدخل الأدب المسرحي في الأدب العربي، وسوف يظل الأدب العربي في مؤخرة آداب العالم ما لم يدخله الأدب المسرحي، ذلك الأدب الذي يشغل النصف وأكثر من النصف من آداب الأمم الحية التي تفرض نفسها وثقافتها وفكرها على غيرها من الأمم، وهي إنما تتم لها تلك السيطرة الذهنية بما يبذل أدباؤها المسرحيون من إنتاج عجيب لا يعرف الكسل، ويأبى إلا أن يعطي أكثر مما يأخذ، بل هو في الغالب يعطي كثيراً ولا يأخذ شياً. . .
وإن لم يكن بد من أن يكون لنا مسرح فليس الشعب وحده هو الذي يضع دعائمه، وليست الحكومة وحدها هي التي تضطلع بكل شيء فيه، وليست جهود الأفراد المتواضعة هي التي تكفل قيام هذا الصرح الذي نريد أن يكون رمز نهضتها كما هو رمز نهضة تلك الأمم التي تكتسح آدابها - عن طريق السينما والمسرح والكتب - حياتنا المصرية خاصة، وحياة الأمم العربية على وجه العموم. . . بل يجب أن تتضافر الجهود جميعاً في إنشاء هذا المسرح، على أن تكون القيادة العليا بيد الدولة مؤقتاً، وعلى أن تكون تلك القيادة العليا قسمةً بين وزارتي المعارف العمومية والشئون الاجتماعية. . . قسمةً في الاختصاص، وليست قسمة في الهدف؛ فتنشئ وزارة المعارف المعاهد الكثيرة للتمثيل لتمد وزارة الشئون بمن تحتاج إليهم من الممثلين والمخرجين ومصوري المناظر ومهندسي الإضاءة وغيرهم ممن تفتقر إليهم مسارحها التي يجب أن تنشئها في طول البلاد وعرضها لتثقيف الشعب وتهذيبه، ولنشر الدعايات الوطنية والأخلاقية التي ينبغي بثها في طبقاته
لقد آن الأوان لإصلاح الغلطة الكبرى التي وقعت فيها إحدى الوزارات الانقلابية الرجعية السابقة. . . تلك الوزارة التي سوغت لها التقاليد التي كانت تحرص عليها في جهل هو أقبح من العمى فألغت معهد التمثيل، وحرمت بذلك نهضتنا من الممثل المثقف الذي هو المادة الأولى للحياة المسرحية
لقد آن لنا أن ننظر إلى المسرح نظرة فيها جد وفيها احترام وفيها تقدير للرسالة التي يقوم
بها بيننا رجاله الأوفياء المجاهدون
يجب أن تكفل الدولة العيش الهانئ الرغيد لكل المسرحيين من مؤلفين ومخرجين وممثلين ومهندسين حتى تضمن إخلاصهم لفنهم، وحتى لا تسلمهم آخر المطاف للفقر والفاقة، وتسلم أبناءهم للجوع والعوز
التمثيل فن ومهنة ورسالة. . . وهو لم يعد تلك المتعة الرخيصة المبتذلة التي كانت تبحث عن أبطالها بين الطبالين والزمارين والراقصين
التمثيل من أشرف المهن إن لم يكن أشرفها جميعاً، وهو لم يعد يهدف إلى إمتاع الناس فحسب، بل هو يعمل على رفع مستواهم وإصلاح حالهم بطرق لا يستطيع غيره أن يحسنها. . . فالمسرح يستطيع أن يؤدي من الخير للأمة مالا تستطيع المدرسة أن تؤديه. . . ولتكن هذه المدرسة أية المدارس شئت. . . ورب دراسة تشير من بعيد إلى أحد الأمراض السرية، تقي الناس من تعريض أنفسهم لهذا المرض، فتنجو الأمة من شروره، وتوفر على كلية الطب جهوداً تستطيع أن تصرفها إلى ميادين أخرى
ورب درامة تؤدي لأمن هذه البلاد وسلامها مالا تستطيع مائة كاملة من دور البوليس أن تؤديه؛ لأن الدرامة تعالج الجرائم قبل وقوعها، فإما أن تمتنع امتناعاً تاماً فلا يقع منها شيء، وإما أن يقع العدد القليل منها في صور مخففة. أما دور البوليس ومحاكم القضاء فتعالج الجرائم بعد وقوعها، ثم هي تعالجها علاجاً سلبياً قد ينتهي إلى شرور مضاعفة تزيد في متاعب الأمة وتعقد أمورها تعقيداً شديداً
ورب درامة ترفع من مستوى الأمة الصحي بما لا تستطيعه تلك المئات من المكاتب الصحية المنتشرة في البلاد، وذلك بما توحي به من العناية بالنظافة وإنقاذ الطبقات من عاداتها المستهجنة
ورب درامة تبث من روح الجندية والاستبسال الوطني أضعاف ما تستطيعه تلك الأناشيد الببغائية التي يرددها الجنود ترديداً أصم دون أن يفقهوا لها معنى
ومن المؤلم حقاً أن نورد هذه البراهين التي هي بالموضوعات الإنسانية أخلق لكي نقنع أنفسنا بقيمة المسرح. . . ولكن ما الحيلة وقد أشرنا في كلمة قديمة إلى انحطاط المستوى الثقافي بين رجال المسرح المصري، وما ينتهي إليه انحطاط هذا المستوى الثقافي من
انحطاط الممثل في أخلاقه وسلوكه وعدم تقديره لملكاته أو انخداعه في تقدير تلك الملكات، وما يؤدي ذلك إليه من زراية الناس به وإزرائهم عليه وهوانه عندهم، وما يصيب المسرح من جراء ذلك من التأخر والانتكاس، بل الموت والفناء، فجادلنا بعض الأصدقاء في حقيقة المسرح، وأنكروا وجوده على الإطلاق،. وذهبوا في عدم اعترافهم به إلى أبعد حدود المغالاة. ونحن ما زلنا عند ما أثنينا به على الكثيرين من القائمين بأمر المسرح المصري، لأننا نعدهم أبطالاً شهداء استطاعوا أن يقفوا في تيار الزراية بهم حتى فتحوا أعيننا على حقيقة المسرح، وما ينبغي له من عناية وإصلاح. . . أو تجديد كامل إن اقتضى الأمر التجديد الكامل، لأن هذا لا يضيرهم في شيء، ما دامت الدولة ستعرف لهم سابقة الفضل وأولوية الجهاد، والبدء بالتضحية التي بخلت بها العائلات المحافظة فضنت بأبنائها وبناتها على المسرح الناشئ جهلاً منها وعدم عرفان بقيمته، وإن خرج بعض الشباب من أبناء أرقى الأسرات المصرية على هذا التقليد، فأقدموا إقدام الأبطال على الاحتراف المسرحي، فأعلوا من قدر المسرح، وارتفع بهم شأن التمثيل
ولقد عرضنا على القراء في كلمات سابقة بعض الخطوات التي خطاها المسرح في عدد من الممالك الأوربية بين الحرب الكبرى والحرب العالمية الحاضرة، وكان عرضنا لها بقصد الانتفاع بها في تجديد المسرح المصري، وأقام دعائمه على ضوء التجارب التي نضح بها المسرح الأوربي حتى نوفر على أنفسنا مشقة الوقوع في أخطاء لا داعي للوقوع فيها ما دام في مستطاعنا أن نهتدي بما تم من ذلك في الممالك الأخرى. وقد اتفقت الآراء على وجوب إنشاء أكثر من معهد واحد للتمثيل لتخريج الممثل المثقف الذي يجيد لغة أجنبية واحدة على الأقل، والذي له نصيبه من الثقافة العامة التي ينبغي ألا تقل عن القدر الذي يتم به الطالب علومه الثانوية، يضاف إلى ذلك ما يلقاه في المعهد من تاريخ المسرح وفن الإلقاء، وما يمارسه فيه من أداء عدد من (الأدوار) في مختلف العصور المسرحية، ومن مختلف أنواع الدرامة، إلى ما يحسن أن يعرفه أو يتقنه من أصول الموسيقى والإنشاد وما إلى ذلك مما لا تكمل ثقافة الممثل إلا به، وما ينبغي له من الرياضة البدنية والتمرن على إطلاق النار والمبارزة مما تتم به مرونة الجسم ويتفادى به ذلك الاستكراش والترهل الذي يعيب جسوم الكثيرين من ممثلينا
ولا يعقل أن ننتظر حتى تنشئ وزارة المعارف معاهد التمثيل هذه وحتى يتخرج الممثل المثقف الذي نريده لنهضتنا المسرحية لا يعقل أن ننتظر حتى يتم ذلك وغيره لنشيد مسرحنا الجديد. . . بل ينبغي على وزارة المعارف أن تسارع فتنشئ اتحاداً للممثلين الحاضرين - ولنسمهم القدامى مع تقديم اعتذارنا - على أن تقدم لهذا الاتحاد داراً فخمة تصلح أن تكون نادياً لهم، كما تصلح أن تكون معهداً تلقى عليهم فيه محاضرات منظمة في كل ماله علاقة بفنهم وكل ما من شأنه أن يضمن لهم قدراً من الثقافة التي حرم أكثرهم منها - وفي مصر ولله الحمد عدد لا بأس به من رجال المسرح المثقفين ثقافة عالية يستطيعون أن ينظموا هذه المحاضرات، أو الدروس، وأن يلقوها على فترات متقاربة مقابل مكافئات طيبة، (ويجب أن تكون طيبة!). . . ولا بأس مطلقاً، من سبيل التشجيع للمثلين على الاهتمام بتلك المحاضرات، أن يعقد لهم امتحانات بعد مدة معينة، فمن جازها منهم منح شهادة فنية تحميه في المستقبل من كبرياء الخريجين الجدد في معاهد التمثيل، حتى يقف معهم حين يجد الجد على قدم المساواة، وبذلك لا تقع الدولة فيما وقعت فيه من قبل مع المحامين الذين لم يحصلوا على شهادة الحقوق القديمة والذين حصلوا عليها، ثم مع المدرسين الذين لا يحملون مؤهلات فنية والمدرسين الذين يحملون هذه المؤهلات
ولا محيص أيضاً من تشجيع الإقبال على معاهد التمثيل بربط درجات في ميزانية الدولة لخريجي هذه المعاهد، ولا بد من أن تكون تلك الدرجات مساوية على الأقل لدرجات الشهادات العالية، على أن ينال الممثلون القدامى ممن منحوا الشهادات الفنية الحق في التمتع بتلك الدرجات وعلى أن يمتازوا أيضاً بفرق الأقدمية تكريماً لهم وتعويضاً عن جهادهم الشاق الطويل
ولا يحق لوزارة الشئون أن تعتبر المسارح منشئات تجارية تدر الربح، بل يجب أن تعتبرها مدارس شعبية ينفق عليها وتربط لها الميزانيات الضخمة كما تنفق وزارة المعارف على التعليم الإلزامي والتعليم الأولي، وكما تساهم في نفقات التعليم العام والتعليم العالي بأكثر مما يدفعه الطالب وبأضعافه في بعض كليات الجامعة. . . مما يبلغ الملايين الضخمة سنوياً. . . يجب أن تتناول وزارة الشئون مسألة المسرح على هذا النحو من الوجهة الاقتصادية، ولتذكر أن دولة أثينا القديمة كانت تعتبر المسرح هو المدرسة الشعبية العامة،
وكانت تخفض أجرة الدخول إلى الحد الذي لا يرهق أحد حتى أفقر أفراد الشعب، إذ كانت تلك الأجرة لا تتجاوز ثلاثة أوبولات أي ما يساوي قرشين تقريباً، وكان من حق العمال جميعاً أن يأخذوا من خزانة الدولة هذه الأجرة على ضآلتها، وذلك لكي يتسنى لهم شهود درامات آلهة المسرح الإغريقي العتيد من أمثال: سخبلوس وسوفوكليس ويوريبيدز وأرسطوفان. وكان بركليس يباهي بذلك قائلاً: (إننا هنا، وبتلك الوسيلة، نستطيع أن نخلق شعبنا على المثال الذي نريد!) ومن رأينا أن نحتذي حذو أثينا ونقتدي بما كانت تصنع، فنخفض أجور المسارح إلى الحد الأدنى، على أن يكون للعمال حق الدخول مجاناً أو بنصف الثمن أما من أين توفر الدولة ما يقتضيه ذلك من الأموال الضخمة فأمامها بلديات المدن المصرية جميعاً. لتفرض على ميزانيات تلك البلديات دفع إعانات خاصة، وعلى حسب مقدرة كل منها، لتشجيع المسرح، ولنتخذ من ألمانيا قبل الحرب الحاضرة مثالاً نحتذيه، فلقد ذكرنا في مقالاتنا السابقة أن بلدية كولونيا كانت تعين مسرحها المحلي بخمسة وعشرين ألفاً من الجنيهات سنوياً، وأن قرية ثورن كانت تعين مسرحها المحلي المتواضع بألف من الجنيهات سنوياً، وقس على ذلك جميع المدن والقرى الألمانية؛ فإذا ساهمت بلديات المدن المصرية بمبلغ إجباري تدفعه سنوياً لوزارة الشئون لتوفر لديها مبلغ ضخم يربى على الملايين يفعل الأعاجيب في نهضتنا المسرحية، إذ تسدد منه جميع النفقات، كما تضمن للممثلين علاوات كبيرة، وللمجيدين منهم منحاً عالية ويسعها في الوقت نفسه أن تجزي المترجمين الذين ينقلون الدرامات الأجنبية إلى العربية، ثم المؤلفين المصريين والمؤلفين العرب الذين يمدون المسرح بثمار قرائحهم، عاملين جهدهم على خلق الدرامة المصرية أو العربية وسلكها في الأدب العربي الذي لا يعرفها. . . ولتذكر وزارة الشئون بهذه المناسبة - مناسبة المؤلفين - أن حكومة أثينا كانت تعقد المباريات بين المؤلفين اليونانين في العصر القديم - القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد - وأنها كانت تجزي الفائزين بمكافآت سخية تربى الواحدة منها على المائتين من الجنيهات عداً ونقداً
وقد يلاحظ بعضهم أن ما نقترحه هنا يدور كله عن المسرح الحكومي، وإننا لم نشر إلى وجوب وجود المسرح الحر الذي تنطلق في جوه الحرية بأوسع معانيها. . . ونحن بالطبع لم نغفل ذكر هذا المسرح إلا ونحن نعمد هذا الإغفال الآن، حتى يكثر عدد خريجي معاهد
التمثيل، وحتى تأخذ القاعدة الاقتصادية الخاص بالعرض والطلب مجراها، فتضيق المسارح الحكومية بالخريجين وتوجد الفرصة بالضرورة لقيام المسرح الحر على مثال الـ في فرنسا والـ في ألمانيا والنمسا والمسرح الحر الإنجليزي بكل أنواعه، ثم تنشأ المنافسة البريئة بين المسرحين على أن تكون منافسة ترعاها الحكومة وتتولاها حتى لا تنتهي إلى ما انتهت إليه في أوربا من قيام المسرح التجاري الذي ينحط بجمهوره ولا يحاول الارتفاع به، لأن أقصى ما يعنيه هو الربح والربح وحده - ويستطيع المسرح الحر حين يقوم أن يعتمد على موارد ثابتة وموارد متقلبة يغطى بها نفقاته ويضمن لأصحابه أرباحاً ضخمة يسيل لها لعاب أصحاب رؤوس الأموال. أما الموارد الثابتة فتتألف من الإعلانات الحكومية ومن اشتراكات أعضاء المسرح المحليين، وذلك على نحو ما كان حاصلاً في ألمانيا قبل الحرب الحاضرة وقبل قيام الحكم النازي على وجه التحقيق. وينبغي ألا تكون الإعلانات الحكومية هبة تمنح في كثير من التردد والمن، بل يجب أن تكون شيئاً مقرراً لا تملك الحكومة رفض صرفه أو قطعه لغير أسباب لها وجاهتها، كما يجب أن تكون هذه الإعلانات ضماناً لحسن سير العمل بالمسارح في أول الأمر، فلا يتحكم المديرون في الممثلين ولا ينصبوا من أنفسهم طغاة عليهم. . . أما نظام الاشتراك المسرحي الذي يجب أن يأخذ به مسرحنا الحر عن المسرح الألماني، فهو نظام عتيد يضمن للمسرح إيراداً ضخماً يتجدد من اشتراكات ضئيلة لا ترهق الأفراد، فلقد ذكرنا أن أحد مسرحي برلين يضم أعضاء من العمال يبلغ عددهم ستين ألفاً يدفعون ستين ألفاً من الجنيهات سنوياً - أي أن العضو يدفع جنيهاً سنوياً على أقساط - مقابل شهود أربعين رواية في كل موسم تمثيلي، ومقابل امتيازات أخرى عالية منها حضور محاضرات ثقافية منظمة والحصول على مجلة شهرية تعنى بأمور كثيرة أهمها المسرح والرياضة. ونحن نستطيع أن نعدل في النظام الاشتراك المسرحي ما نشاء بحيث نبقي على روحه لينفع مسرحنا الحر من الوجهة الاقتصادية. أما الموارد المتقلبة فأهمها (إيراد الشباك) والإعلانات التجارية التي نشهد منها نماذج في دور الصور بالقاهرة اليوم، وهي تدر أرباحاً لا بأس بها تضيف إلى إيراد المسرح.
(يتبع)
دريني خشبه
إيضاح أخير
للدكتور محمد مندور
الحنية:
قلت أنني لا أحب اللجاجة فكيف إذا انقلبت مزيجاً من المهاترة والمغالطة. وها هو الأستاذ سيد قطب يعود إلى (مزاجي) الخاص فيدعي أن آثر شخصية لدي من شخصيات القصص التي حللتها في سلسلة (النماذج البشرية) بالثقافة، هي شخصية (فيلستيه) للكاتب الفرنسي (فلوبير)، وذلك لما بها من (حنية) كما يقول
ولكنني لم أوثر شخصية على أخرى إلا أن يريد الأستاذ قطب حملي على ذلك الإيثار. و (فلستيه) بعد ليست النموذج الوحيد الذي تحدثت عنه، فثمة (فاوست) يمثل الإقبال على الحياة والنهم إلى المعرفة عن سبيل المغامرات؛ و (دون كيشوت) الساخر من الحياة، المجالد للشر رغم إيمانه ببطلان جهاده. و (هملت) العقل النافذ نفاذاً يشل الإرادة. و (جوليان سوريل) الثائر على مواضعات الحياة الاجتماعية. و (الست) الناقم على البشر انحلال أخلاقهم. و (فيجارد) المنتقم من الحياة بالسخرية. و (إبراهيم الكاتب) الذي تعلق بالحياة حتى مجها و (جفروش) الطفل الباسم عن جسارة قلب وغيرهم ممن لا صلة لهم (بالحنية) والمزاج الخاص
لقد حللت هذه النماذج مظهراً ما فيها وهي عندي سواء، فلا محل إذن لمغالطة الأستاذ قطب وإصراره على زعمه أني لا أوثر إلا لوناً واحداً من الإحساس
ويأبى الأستاذ قطب إلا أن يضيف إلى المغالطة المهاترة بحيث لا أرى بداً من أن تكون هذه الكلمة آخر حديث لي في هذا الموضوع:
يرى الأستاذ قطب أن نوع الإحساس الذي أوثره في زعمه خاص بالنساء وبذوي الأمزجة الخاصة. وأنا لا يرهبني أن يكون إحساسي على هذا النحو، ويعصمني من تلك الرهبة جهل نفضته عن نفسي وبربرية لا يزال يسدر فيها الفطريون من الناس
لقد سمع الأستاذ قطب أستاذه العقاد يكتب مقالات يثبت فيها أن المرأة غير رجل، وأن بينهما اختلافاً سحيقاً في الطبيعة؛ وسمع الغفل من الرجال يزدرون المرأة ويعتبرونها مسبة أن يشبه الرجل المرأة في شيء، فلم ير سبيلاً للمهاترة خيراً من أن يرد إحساسي إلى
المرأة والى ذوي الأمزجة الخاصة
وأنا أحب أن يعلم الأستاذ قطب، وأن ينقل إلى الأستاذ الكبير العقاد أن الحياة البشرية ليست من البساطة بحيث يظنان؛ وليس بصحيح أن بين الرجل والمرأة اختلافاً في الطبيعة. وقديماً زعم اليونان - وزعمهم الحق - أن الآلهة عند خلقها للبشر لم تخلق الرجل والمرأة دفعة واحدة، بل خلقت أعضاء مختلفة ثم جمعت بين تلك الأعضاء لتسوي الرجل والمرأة، وهي لسوء الحظ أو حسنه لم تحرص على نقاء الرجل من عنصر المرأة أو نقاء المرأة من عنصر الرجل. ولهذه الخرافة الرمزية دلالتها، فليست هناك امرأة كاملة الأنوثة، وليس هناك رجل كامل الرجولة، ومن يدعي غير ذلك إنما يصدر عن عقل باطن أمرضته سخافات العقلية الاجتماعية التي نحيا بينها
واليونان لا ريب كانوا في خرافتهم هذه أنبه مني ومن العقاد، وطبعاً من الأستاذ قطب. وإنه لمن الحمق أن نحاول تنقص الرجل برد إحدى أحاسيسه إلى المرأة، والشعوب المتحضرة ترى على العكس من ذلك أن في إحساس الرجل كالمرأة موضع فخار لكبار رجال الفن والأدب. ولعل الأستاذ قطب قد سمع من العقاد أن رينان قد وصف بأعظم الصفات كفنان عندما قيل عنه (أنه كان يفكر كرجل، ويحس كامرأة، ويتصرف كطفل)
الفتات
وأما فتات الحياة (التي يعرف كبار الأدباء كيف يلتقطونها بأنامل ورعة) فالظاهر أن الأستاذ قطب لم يدرك ما أردته منها. وهاأنا أبسط القول. والأستاذ قطب لابد قد فهم عن الأستاذ الكبير العقاد أن كل فن اختيار للتفاصيل الدالة. فالمصور يختار من الألوان والأضواء وتفاصيل المنظر أقدر الجزئيات على الإيحاء، وكلما سما الفنان في فنه ورهف في وسائله عرف كيف يختار تلك الجزئيات الصغيرة، وليس ثمة علاقة بين (فتات الحياة) التي يختارها (وضخامة الإحساس) الذي يريد أن يثيره، فالإحساس من الواجب طبعاً أن يكون قوياً؛ وموضع الإعجاز هو أن يثير الفنان هذا الإحساس القوي (بالفتات) التي لن يدركها الأستاذ قطب؛ بل أن جميع المثقفين في حقائق الفن والأدب ليعلمون لخبرتهم الطويلة بكافة الفنون في العالم المتمدن أن إثارة الاحساسات القوية لا يمكن أن تكون بغير فتات الحياة الأليفة الوثيقة الصلة بالبشر؛ وأما الطنطنة وأما تضخيم التوافه وأما عجيج
الألفاظ وأما التبجح بالقوة الجوفاء فهذه وسائل العجز والادعاء والجهل
أضرب للأستاذ قطب مثلاً بسيطاً أختاره من السينما لنبعد عن الأدب العسير الفهم
في أحد الأفلام أراد مؤلف القصة أن يحمل المشاهدين على إدراك ضيق بطل الرواية لطول انتظاره أمراً يهمه فلم ينطقه بخطبة، ولم يعبث بملامحه، ولم يحمله على تمزيق ملابسه أو شد شعره، ولا حمله على الصياح في أجواز الفضاء، بل عرض على الشاشة بطلنا وأمامه منفضة سجاير خالية، ثم غير المنظر وعرض الرجل في نفس الجلسة، وأمامه المنفضة وقد امتلأت بأعقاب السجاير حتى فاضت. هذه المنفضة المليئة بأعقاب السجاير لا شك من فتات الحياة بل من هيناتها، ولكن أو ما يرى الأستاذ قطب أنها وسيلة قوية من وسائل الأداء وأنها قد حملتنا على إدراك نفسية البطل إدراكاً لن تبلغه قصيدة طويلة من قصائد الأستاذ قطب أو قصائد غيره؟
هذه هي (فتات الحياة) التي يجب أن نعرف قدرها في الفن؛ ولكننا قوم فطريون نظن الفن ألواناً فاقعة وضجيجاً خاوياً. نعم يا أستاذ قطب أنا أوثر (الأطياف الباهتة) لأنها نسيج كل فن رفيع؛ وأما (الأطياف الزاهية) فلا تسر غير البدائيين من الناس. أو لا ترى إلى زنوج أفريقيا كيف يستهويهم الأحمر القاني والأصفر الكركم؟
وأعود فأكرر أننا في سبيل الحديث عن طرق الأداء في الفن؛ وأما قوة الإحساس المثار فلا دخل له بالفتات إلا أن تكون هذه الفتات مبعث ذلك الإحساس القوي
وأما أنني أستطيع أن أستقل بالمشاعر الضخمة وبالفحولة والجهارة أو لا أستطيع فهذه دعوى لا أحب أن أناقشها لأنها صغيرة، ولسنا في مجال مبارزة أنحدر إليها ورحم الله من قال:
(أسرع الناس إلى القتال أقلهم حياء من الفرار). ونحن نناقش مسائل فنية يدور حولها الأستاذ قطب. يدور من الخارج.
مختارات الأستاذ قطب
قلت: إنني أحب المتنبي وأرى فيه شاعراً كبيراً ويأبى الأستاذ قطب إلا أن يقول ويكرر أنني لا أحبه؛ وهو يقرن العقاد إلى المتنبي، وفي هذا ظلم للمتنبي وللعقاد، فالمتنبي شاعر والعقاد لا شأن له بالشعر، ولا أدل على ذلك من مختارات الأستاذ قطب نفسها
لقد أتى الأستاذ قطب بنموذج للنثر المصري الجيد رثاء أحد الشبان لأمه؛ والشاب صاحب الرثاء هو الأستاذ قطب نفسه؛ واحتجاج الإنسان بنثره الخاص شيء سمج؛ وأمعن في السماجة أن يتحدث المرء عن نفسه في مناقشة الغير فيدعي أن في نثره (معاني كبيرة وأحاسيس عميقة) هذا الأسلوب ليس من آداب المناقشة، ولهذا أهمل نثر الأستاذ قطب كله وأترك له مهمة الحديث عن نفسه
وأما مختاراته الشعرية فهي أولاً لشاعر مصري كبير، وثانياً لشاعر من شعراء الشباب المصريين. فأما شاعر الشباب فهو أيضاً الأستاذ قطب ولهذا أهمله وأهمل شعره لأنني لا أطيق هذه الصفاقة، ثم أنني لا أرى من اللياقة أن أناقش أشعار التلميذ بينما لدي أشعار الأستاذ نفسه، لدي أشعار الشاعر المصري الكبير العقاد فالشعر له والأستاذ قطب في ركابه
ولنأخذ من الصور الشعرية التي أوردها الأستاذ قطب للشاعر الكبير العقاد قصيدته (الكون الجميل)(رسالة عدد 520). قال الشاعر:
صفحة الجو على الزر
…
قاء كالخد الصقيل
لمعة الشمس كعين
…
لمعت نحو خليل
رجفة الزهر كجسم
…
هزه الشوق الدخيل
حيث يممت مروج
…
وعلى البعد نخيل
قل ولا تحفل بشيء
…
إنما الكون جميل
وقال الأستاذ قطب معلقاً على جمال هذه الأبيات أن فيها ألفة وأنه يكاد يلمح الشاعر (متسع الحدق مغفور الفم وهو ينشق بل يلتهم ما في الطبيعة) وأنا لا أدري أي ذوق أدبي ذلك الذي يحمل الناقد على تصوير الشاعر (متسع الحدق مغفور الفم)، وهل يستطيع القارئ أن يتصور هذه الصورة القبيحة دون أن يملكه الاشمئزاز والضحك. تصور شاعراً مفتوح العينين فاغر الفم. هذه صورة أبله لا صورة شاعر
ثم أين الجمال في هذه الأبيات؟
يا لله! ما هذه الصفحة؟ أهي السحب؟ أهي الأثير؟ وهل هذه الصفحة غير الزرقاء؟ وهبها كانت غيرها أهي كالخد هذا الفضاء الرحب، الفضاء المترامي الذي تسبح فيه الروح فلا تنتهي إلى غاية. هذا الفضاء خد. وكيف تصقل الأثير، الأثير اللين الشفاف الخفيف؟
لمعة الشمس كعين
…
لمعت نحو خليل
هل يرى القارئ عين الحبيب وهي تلمع نحو الخليل فتشبه لمعة الشمس؟ لابد أنها عين حمراء تقدح الشرر وترسل اللهيب
رجفة الزهر كجسم
…
هزه الشوق الدخيل
أنا أعلم أن الدخيل معناه الطفيلي فما هذا الشوق الطفيلي؟ أهو الشوق الداخلي؟ وهل ترى الجسم يهتز كرجفة الزهر؟ لو أن كانت في القلب لقلت شاعر يشارك الطبيعة بإحساسها ولكنه الجسم كله. يخيل إلي أنني أرى فيلاً يهتز بجوار وردة تتمايل على غصنها
حيث يممت مروج
…
وعلى البعد نخيل
مروج ونخيل لا تخصيص فيها ولا اختيار. أين الفن في يممت نحو المروج وعلى البعد نخيل. هذا نثر لا روح فيه
وأما غاية العجب فتأخذك من قوله:
قل ولا تحفل بشيء
…
إنما الكون جميل
تسمع قل ولا تحفل بشيء، فتتنبه حواسك، ويستيقظ إحساسك، ويصحو عقلك لهذا التحدي القوي وتلك الشجاعة النادرة، وتحسب أن الشاعر سيخرج على قانون من قوانين الوجود أو على حقيقة من الحقائق الإنسانية الثابتة، ثم تنظر فإذا به لا يأتيك بغير هذه الجملة المبتذلة (إنما الكون جميل). وأنت تتساءل عن سر هذا القصر وذلك التأكيد فلا تهتدي إلى شيء.
هذا هو شعر الشاعر الكبير فما بالك بشعر الشاعر الصغير؟
محمد مندور
من أدب التراجم
الخليل بن أحمد
للأستاذ طه الراوي
(تتمه ما نشر في العدد الماضي)
كتاب سيبويه من وحي الخليل
الخليل أول من فتق معاني النحو وضبط أصوله، وبسط فروعة، واستخراج علله وأسبابه، ووسع فصوله وأبوبه، وأوضح سبله، وعبد مناهجه حتى بلغ أقصى غاياته؛ ولكنهم ترفع عن التأليف فيه لأنه منهل كثر وراده فأوحى إلى تلميذه وخريجه (سيبويه) من دقائق مسائله وبنات أفكاره وأبكار تصوراته ما جعله حرياً بأن يشار إليه بالبنان، وجديراً بوضع كتابه المشهور الذي أصبح للنحاة إماماً يقتدون به ويهتدون بهديه، فمعظم ما في الكتاب مغترف من سلسال علم الخليل، ومقتبس من مصباح ذكاءه. وكلما قال سيبويه:(سألته) أو (قال) من غير أن يذكر أحداً فإنه يعني (الخليل)
كتاب العين أو (أبو المعاجم كلها)
علمنا أن الخليل قد طالت صحبته لخلص الأعراب وكثرت إقامته بين ظهرانيهم، ثم إنه كان يحج بين العام والعام، وكان يقابل في طريقه إلى مكة فصحاء العرب وأقطاب بلغائهم فاجتمع لديه كثير من مفردات اللغة وفرائد دررها، فعزم على جمع ذلك في كتاب لم يسبق إلى مثله، فرسم الخطة ورتب الأبواب على طريقة ابتدعها، وأسلوب لم يسبق إليه، وكان قد افتتح بحرف العين فسماه (كتاب العين) على عادة الكتاب في ذلك العصر، فإنه يسمون الكتاب بأول أبوابه ككتاب الجيم وكتاب الميم وكتاب الغين وكتاب الحماسة وغيرها. وهذا الكتاب أول كتاب ألف في متن اللغة مرتباً على الحروف جمع فيه الخليل 12. 305. 412 كلمة، بعضها مستعمل وأكثرها مهمل. والذي حدا به لذكر المهمل استيفاء التقاسيم العقلية لكل كلمة، فمثلاً كلمة (كتب) يحتمل في الكاف الفتح والضم والكسر ويحتمل في التاء الحركات الثلاث والسكون وثلاث في أربع اثنتا عشرة صورة فيذكر الاثنتي عشرة صورة ويقول هذه الصورة مستعملة لمعنى كذا، وهذه الصورة لم تستعملها العرب. وقد
جمع الخليل في كتابه هذا من غرر الشواهد، ونوادر الفوائد، وضروب الحصر، ورصين القواعد، وجليل المسائل ما يعز وجوده في معجم غيره. على أنه تضاربت آراء العلماء في نسبة هذا الكتاب إلى الخليل أو إلى بعض تلاميذه أو إلى الليث. وقد ألف ابن درستويه كتاباً خاصاً في شرح هذا الخلاف واستقصى الجلال السيوطي في المزهر جميع ما دار في هذا الموضوع من أقوال. ولكن نحن لا نرتاب في أن الخليل هو الذي رسم خطط هذا الكتاب ورتب أبوابه ووضع حجر الزاوية بيده، أما أن غيره أكمله وزاد فيه فذاك أمر محتمل، ولكنه لا يدفع الخليل عن كونه المجلي في هذه الحلبة وأنه أول واضع لمعاجم اللغة مرتبة على حروف المعجم، وأن من جاء من بعده إنما اقتبس من مصباحه واهتدى بمناره. ولم يزل جمهور الأدباء وأرباب البحث لهذا العهد يظنون أن هذا المعجم الجليل اغتالته أيدي الأيام فيما اغتالت من نفائس الأسفار وجليل الآثار؛ ولكن من يمن الطالع أن عثر على نسخ منه أحد أدباء الحاضرة الهاشمية، فسعى البحاثة المشهور صاحب (لغة العرب) بمقابلة تلك النسخ وتصحيحها باذلاً الجهد في تحري الصواب على عادته، ثم شرع في طبعه ولكن بعد أن أنجز منه بضع كراريس حالت الحال، وعرضت دون ذلك أهوال. ولا ندري هل بقى لتلك النسخ من أثر بعد أن تفرقت كتب الرجل أيدي سبا ومزقت كل ممزق؟
جرى كل ذلك قبل نحو بضع وعشرين سنة
وقد سلك الخليل في ترتيب حروف الهجاء مسلكا لم يسبق إليه، ذلك أنه رتبها حسب المخارج مع تغيير طفيف فجاءت على هذا الوجه: ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وا ي
قال الخليل: لم أبدأ بالهمزة لأنه يلحقها النقص والتغيير والحذف ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء كلمة، ولا في أسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة ولا بالهاء لأنها مهموسة خفية لا صوت لها فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين ولحاء فوجدت أنصع الحرفين فابتدأت بها ليكون أحسن في التأليف. أهـ
هل كان الخليل يقرض الشعر؟
قالوا: كان ينظم البيتين والثلاثة كما سيأتي. وروي الإثبات أنه سئل لماذا لا تقرض الشعر
مع سعة علمك بالعربية وتبحرك في علومها؟ قال: (يأباني جيده وآبى رديئه) وهذا الجواب على إيجازه غاية في البلاغة وآية في الحكمة وحصافة الرأي
مؤلفاته
للخليل مؤلفات أبدع فيها أيما إبداع ولم يحتذ في تأليفها وتبويبها حذو من سبقه من أهل العالم. والذي يجيل النظر في سيرة هذا الرجل يتبين له أنه كان يربأ عن سلوك المناهج المبعدة في كل ما يكتب ويصنف، ولذلك كان يسلك في التأليف طرقاً خاصة يؤم فيها الناس ولا يأتم بأحد. فمن تصانيفه:
1 -
كتاب العين. وقد مر بك بعض أوصافه
2 -
فائت العين
3 -
كتاب الإيقاع. وهو في الموسيقى العربية ويظهر من مراجعة فهارس المؤلفات في هذا الباب أن الخليل يعتبر مجلي الحلبة في هذا المضمار
4 -
كتاب النغم. وهو في الموسيقى العربية
5 -
كتاب الجمل
6 -
كتاب الشواهد
7 -
كتاب العروض
8 -
النقط والشكل وقد أشرنا إليه آنفاً. وذكر الفاضل جورجي زيدان في كتابه تاريخ آداب اللغة العربية ما نصه: (في المكاتب الكبرى في أوربا مما ينسب إلى الخليل
1 -
كتاب في معنى الحروف في مكتبة ليدن ومكتبة برلين
2 -
(شرح حروف الخليل في مكتبة برلين قطعة منه
3 -
(جملة آلات العرب في مكتبة أياصوفيا في الآستانة
4 -
قطعة من كلام عن أصل العقل في مكتبة اكسفورد (بودليان). . .)
زهده وورعه
كان الخليل من أولئك الفلاسفة الذين نظروا إلى هذا العالم نظر الازدراء، ولم تخدعهم بهرجته، ولا غرتهم زخارفه. أجل كان الخليل أحد زهاد الدنيا المتبتلين إلى الله تبتيلا.
ومن أنصع البراهين على ذلك أن أمير الأهواز (سليمان بن علي) أرسل إليه يلتمس منه الشخوص ليقيم بحضرته ويؤدب أولاده فأخرج الخليل للرسول خبزاً يابساً وقال: كل فما عندي غيره. وما دمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان. فقال الرسول: فماذا أبلغه؟ فقال له؛
أبلغ سليمان أني عنه في سعة
…
وفي غنى غير أني لست ذا مال
شحاً بنفسي أني لا أرى أحداً
…
يموت هزلاً ولا يبقى على حال
والفقر في النفس لا في المال نعرفه
…
ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
وكان سفيان بن عيينة يقول: من أحب أن ينظر إلى رجل من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل. وقال تلميذه النضر ابن شميل أقام الخليل في خص بالبصرة لا يقدر على فلسين وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال الطائلة
ومن أوابد حكمه:
وقبلك داوى المريض الطبيب
…
فعاش المريض ومات الطبيب
فكن مستعداً لدار الفنا
…
ء فإن الذي هو آت قريب
وبالجملة فقد كان الخليل إحدى حسنات هذه الأمة وقمراً من قمارها، ودرة في تاج مفاخرها
وفاته
اختلف المؤرخون في السنة التي انتقل فيها الخليل إلى جوار ربه، فذهب جمهورهم إلى أنه توفي سنة 170هـ. وقال آخرون سنة 175هـ وقال بعضهم سنة 160هـ وأغرب خطأ وقع في ذلك هو قول ابن الجوزي في كتابه شذور العقود أنه مات سنة 130هـ وهو منقول عن الواقدي. قال المحقق ابن خلكان أنه خطأ قطعاً والصواب ما أثبتناه أولاً
وكانت وفاته في البصرة مسقط رأسه فكانت البصرة مشرق هذا الكوكب الوقاد ومغربه. وقد ضمته تربتها إلى من ضمت من أعلام العلم وأقمار الفضل ونجوم الهدى ورجال التقى الذين حلوا الآداب بأنفس الحلي، ونهضوا بالمعارف الإنسانية إلى مراتب العلا، فكانوا للعلم جمالاً، وللتأريخ أبهة وجلالاً، رضى الله عنهم ورضوا عنه ولقاهم في دار رضوانه تحية وسلاماً
(بغداد)
طه الراوي
كتب التراجم
بمناسبة كتاب روزفلت
للأستاذ محمد عبد الغني حسن
قد تستهوي الإنسان سيرة عظيم من العظماء، أو أديب من الأدباء، أو عالم له في ميدان البحث العلمي مجال، أو مغامر له في الكشف مصاولة، فيقرأ عنه ويتتبع حياته، ويجد في مثله العالي ما يستحق العرض والتجلية. ثم يحمله الإعجاب به والاتصال به - من قريب أو بعيد - على الكتابة عنه والترجمة له ووصف الظروف التي كونته، والأقدار التي أحاطت به، والأحداث التي ألمت بعصره، والمبادئ التي تحدرت عنه
وقد يكون ذلك العظيم - موضوع الترجمة - شرقياً فيجد الكاتب الشرقي فخراً في الكتابة عنه والترجمة له، مدفوعاً إلى ذلك بعامل الاشتراك في الجنس أو اللغة أو الدين. ويجد الكاتب الغربي في الترجمة له إنصافاً لعظمته وإظهاراً لفضله. وقد يكون ذلك العظيم غريباً فيجد الكاتب الشرقي لذة وفائدة لبلاده ومعرضاً لعرض المثل الصالح والأسوة الحسنة
وكتابة التراجم المطولة، والدراسات الشخصية المعتدلة المنصفة لا تتقيد بوطن ولا جنس، ولا شرق ولا غرب، ولا دين ولا مذهب
فأميل درمنجهم كتب عن حياة النبي محمد، وأميل لدويج كتب عن حياة المسيح، وفيليب جوادالا كتب عن حياة نابليون الثالث، وماريوس أندريه كتب عن حياة خريستوف كولمب ومغامراته فوق أثباج المحيط، والسير والتر سكوت كتب عن حياة نابليون بونابرت، وتوماس كارليل الإنجليزي ترجم لفردريك شيلر الشاعر الألماني، وآرام سترونج كتب عن الذئب الأطلس أتاتورك، وكربيتس كتب عن إبراهيم باشا وإسماعيل باشا المصريين
لهذا ليس عجيباً في باب التراجم أن يكتب مصري عن غير مصري، أو يترجم عربي لحياة غير عربي كما صنع الدكتور محمد حسين هيكل مع جان جاك روسو؛ وعبد الرحمن بدوي مع نيتشة واشبنجلر وغيرهما من أعلام الفكر والفلسفة؛ وحسن محمود مع ديستويفسكي، وفؤاد صروف مع روزفلت
وقد يقال أن كتاب الأستاذ فؤاد صروف عن فرانكلين روزفلت هو من قبيل السياسة. وهو كلام فيه كثير من الحق. ولكن ما أحوجنا نحن قراء العربية إلى كتب من هذا الطراز فإن
الفقر يضرب على مكتبتنا العربية في هذا الباب لولا ما أخرج العقاد عن سعد زغلول، وما أخرج عبد الرحمن الرافعي عن الزعيم الوطني مصطفى كامل، وما وصنعه محمد فريد أبو حديد مع السيد عمر مكرم، وما كتبه كريم ثابت عن فؤاد الأول
إلا أن هؤلاء استوحوا وطنهم واستمدوا من تاريخ بلادهم وترجموا الأعلام رجالهم، ولكن فؤاد صروف استشرف إلى ما وراء العباب، واستكف ما خلف السحاب، فكتب كتابه الأول عن تشرشل (وقد كتبت عنه في حينه بالرسالة الغراء) وأخرج كتابه الثاني عن روزفلت. ولكن ذلك لا ينقص من شأن كتابه، بل على الضد من ذلك يرفع من قيمته ويغلي من بضاعته. لأن حياة روزفلت وسيرته وقصة كفاحه هي شطر من حياة الديمقراطية وقصتها. ومن منا اليوم لم تشغله قضية الديمقراطية ولم تفتنه قصتها؟ ومن منا لم تذهب نفسه اليوم حسرات على المحنة التي تبتلي الحرية اليوم بها وتصلى بنارها؟
ولا يرجع إعجاب فؤاد صروف بشخصية روزفلت إلى زمن اشتراك أمريكا في الحرب، ولا إلى اندلاع الشرارة الأولى لها حتى يقال إنه حب طارئ وإعجاب عارض؛ ولكنه حب متمكن وإعجاب قديم دفين يرجع إلى أكثر من عشرين عاماً حين رشح الرئيس روزفلت نفسه لوكالة الجمهورية. فقد تابعه المؤلف منذ ذلك الحين وشغف به وتحمس له وتقصى كل نبأ عنه أو خبر له، وطوى نفسه على متابعته والقراءة عنه حتى تهيأ له اليوم أن يخرج كتاباً قيماً في مائتين وأربعين صفحه من القطع الكبير
ولقد كانت تجري كتابة التراجم في اللغة العربية على نسق محدث ممل يعني بالسرد والقص والحكاية والجمع والترتيب والتأريخ ولا يعنى بالدراسة السيكلوجية والتحليل والنظرة العامة أو المقارنة. وكتب المؤرخ ابن الجوزي عن العمرين (ابن الخطاب وابن عبد العزيز). وكتاب يوسف بن شداد عن صلاح الدين الأيوبي خير مثال لهذا النسق العتيق
أما اليوم فقد تغير المجرى واستقام النسق وتأثر كتاب العربية بكتاب الفرنجة في هذا الباب، وأخذ عنهم طرق الدرس ومناهج البحث، وظفرت المكتبة العربية بما كتب هيكل عن النبي محمد وأبي بكر، وبما كتب العقاد عنهما وعن عمر وسعد زغلول، وبما كتب الرافعي عن مصطفى كامل؛ وفؤاد صروف عن روزفلت
وكتابة التراجم لها في الآداب الأوربية اعتبار أي اعتبار، ولا يكاد يخلو إنتاج أديب ملحوظ من ترجمة شخصية أعجب بها وتوفر على درسها، مهما كان لون هذه الشخصية ومزاجها ومجالها الحيوي في السياسة أو العلم أو الفن. فلويس ديمييه يكتب عن ديكارت الفيلسوف، وهنري بيرو يكتب عن روبسبيير، وفرانسوا مورياك عن راسين، وراؤول أرنو عن كاميل ديمولان، وأميل لدويج عن روزفلت
ومن كتب التراجم ما يتحدث فيه المرء عن نفسه ويترجم لذاته. وهذه التراجم غير كتب المذكرات التي يدون فيها رجل ممتاز حوادثه اليومية كمذكرات اللورد جراي. وقد تكون هذه التراجم الذاتية قطعاً أدبية ممتازة كترجمة (لي هانت) لنفسه وهو من كتاب الإنجليز في القرن التاسع عشر، وترجمة دي كوينسي التي كانت سابقة على كتابه المشهور (اعترافات آكل أفيون)، وترجمة جيبون المؤرخ الإنجليزي التي حكم لها النقاد بالامتياز في نوعها وأسلوبها الذي يعد بحق مزية ذلك المؤرخ العظيم
والترجمة للأناس تتطلب فناً غير ترجمة الحيوان الأعجم. لأن ترجمة الناس تقتضي الاختلاط بهم أو السماع عنهم أو القراءة لهم أو رؤية آثارهم. أما الترجمة للحيوان فتقتضي ملاحظة أقوى وجلداً أكثر، وعلماً أغزر، وإحساساً أعمق. وتوفر الكثير من هذا في موريس مترلنك، فترجم لحياة النحل وحياة النمل بما لا يتهيأ لكاتب عادي أن يصنعه. ولكن لدويج ترك ترجمة الحيوان إلى ترجمة الذوات. . . فكتب عن (النيل) كتابه الذي جسد فيه هذا النهر الخالد كأنما كان يترجم لإنسان
ولكتابة التراجم سبيلان: سبيل الاتصال الشخصي بالمترجم له والاختلاط به والعمل معه أو تحت ظله وفي ذراه؛ وسبيل القراءة عن المترجم له وذلك لبعد الزمان بين الكاتب وبينه كما صنع ارفنج ودرمنجهم عن النبي، أو لبعد المكان كما صنع فؤاد صروف مع روزفلت اليوم
وإذا جمع كاتب التراجم بين قرب الزمان والمكان من المترجم له كان ذلك أقرب إلى الصدق وأدنى إلى الحق، وخاصة إذا كان الكاتب غير ميال إلى الهوى في حكمه أو الغرض في رأيه. ولكن بعد الزمان وحده خير ضمان للاعتدال في الحكم لبعد الكاتب عن المؤثرات والمغريات
فسيرة ابن شداد عن صلاح الدين هي أقرب السير زماناً ومكاناً من المترجم له. فالمؤلف معاصر لصلاح الدين وقاضي عسكره وناظر أوقاف بيت المقدس في عهده. وهي سيرة صادقة إلا أن فيها بالطبع بعض الميل
جرت عادة القراء أن يبدءوا الكتب من أول فصولها. ولكنني قرأت (روزفلت) من الفصل الثالث. وهو عندي خير فصول هذا الكتاب القيم. فهنا سيرة زكية من النضال والكفاح. هنا قوة تسري من الكتاب إلى القارئ فتوحي إليه أن الضعف ليس عدة الرجال ولا أداة الأبطال. هنا جسد اصطلح عليه المرض ومشى فيه الشلل، ولكن عزيمة صاحبه كانت أقوى من أن تخضع للحوادث. هنا سيرة يقرؤها المريض فيصح، والضعيف فيقوى، والهيابة النكس فيتقدم
وقد تمد فصول الكتاب الخمسة عقل القارئ بألوان من العلم والسياسة والمعرفة بأحوال العالم الجديد ونظمه ودستوره ومجلسيه التشريعيين وحكومته ونظام اقتصاده؛ ولكن الفصل الثالث يمد قلب القارئ بالشجاعة ويملؤه بالقوة ويجعله موصول الآمال، حتى في الساعات الحرجة واللحظات العصيبة، لأن الإرادة القوية تغلب كل حرج؛ وتتحكم في كل شدة. فهذا الرجل المشلول لا ينطوي على نفسه كمن تقعدهم الأدواء ولكنه طلعة دءوب، فكيف تصده آفة جسدية عن تحقيق مطامعه القوية؟
ومزية كتاب (روزفلت) أنه ليس من الأدب المحض وحده أو الفن الصراح وحده، فليس من نوع النثر الفني المقصود لذاته؛ ولكنه فكرة قبل أن يكون كتاباً، ومعنى قبل أن يكون لفظاً، فهو طراز عال من كتب السياسة الأدبية التي اتجه إليها الكتاب في العصر الحديث. فلم يحاول فؤاد صروف فيه أن يكون عالماً فحسب أو سياسياً فحسب أو أديباً فحسب، ولكنه كان مزيجاً من ذلك كله. فهنا علم بالنظم الأمريكية، وهنا معرفة بتيارات السياسة الدولية؛ وهنا إحاطة واسعة بأشتات التاريخ الذي وعاه المؤلف في صدره؛ وهنا أدب يتجلى في تعبير مترسل مستقيم المنطق صحيح التسلسل؛ وهنا ريشة مصور لا أقول إنها عنيفة ولكنها صادقة ترسم الحدود وتوضح المعالم في بيان وجلاء
وهو كتاب يذكرني بكتاب أندريه مورواه الفرنسي في تاريخ إنجلترة
محمد عبد الغني حسن
اليتيم.
. .
للآنسة فدوى عبد الفتاح طوقان
هَاضَه الوهْنُ وَأَعْيَاهُ الأَلَمْ
…
وَسَطاَ الضَّعْفُ عَليهِ وَالسقَمْ
خاشعُ الأطْرَافِ من إِعْيَائِهِ
…
ما به يقْلِبُ كَفَّا أو قَدَمْ
مُتَدَاعٍ جِسْمُهُ مُنْخَذِلٌ
…
لَجَّت الحمَّى عليه فاضطَرَمْ
سَاكِنُ الأوْصَالِ إِلاّ بَصَراً
…
زَائِغاً يَطْرُفُ حِيناً ويَجُمْ
ابْنُ سَبْعٍ بَرَّحَ الْيُتْمُ بِهِ
…
رحمه الله لَهُ نِضْوُ يَتَمْ
كَسَرَتْ مِنْ طَرْفِهِ مَسْكَنَهٌ
…
لَبِسَتْ هَيْئَتَهُ مُنْذُ فُطمْ
وَاحَنَانَاهُ لأُمٍٍ أَيِّمٍ
…
طَوَتِ النَّفْسَ عَلَى خَوْفٍ وَغَمْ
فَنَضَتْ عَنْهَا الثِّيَابَ السُّودَ، لَا،
…
تظنوا جُرحَهَا الدَّامي الْتَأَمْ
بل لِدَفْعِ الشُّؤْمِ عن وَاحِدِها
…
يَا لَقَلْبِ الْأُمِ إِنْ أُشْعِرَ هَمْ
وَبدَتْ في البيضِ من أثوابهاَ
…
مَن رَأَى إِحدى حمامات الحرمْ
عَطَفَتْ من رَحْمَهٍ تَحْضُنُهُ
…
إِنِّمَا دُنْياً الْيَتَامَى حِضْنُ أُمْ
وَمَضَتْ تَمْسَحُ بالْكَفِّ على
…
جَبْهَةٍ رَهْنِ اشْتِعَالٍ وَضَرَمْ
وَلَقَدْ تَنْدَى فَتَخْضَلُّ له
…
وَفْرَهٌ مِثْلِ الظَّلامَ المُدْلَهِمْ
نظَرَ الطَّفْلُ إِليهَا صَامِتاً
…
وَبَعْينَيْهِ حَدِيثٌ وَكَلمْ
ليْتَ شِعْرِي مَا بهِ؟ مَا يبْتَغِي؟
…
أَبِنَفْسِ الطِّفْلِ سُؤْلٌ مُكْتَتِمْ
لو أرادَ النَّجْمَ لاحْتاَلَتْ له
…
كلُّ سُؤْلٍ هَيِّنٍ مهما عَظُمْ
وَحَنَتْ تَسْأَلُ عَنْ طِلْبَتِهِ
…
فَرَنَتْ عَيْنٌ لَهُ وَافْتَرَّ فَمْ
قَالَ: يَا أُمِّي، أَلَا أَيْنَ أَبي
…
لِمَ لَا يَرْجِعُ من حَيْث ِاعْتَزَمْ
نَاشِدِيهِ وَاسْأَلِيهِ رَجْعَةً
…
فَلَكَمْ يَفْرَحُ قَلْبِي لو قَدِمْ
لا تَسَل عَنْ جُرحِهَا كَيْفَ مَضَى
…
مِنْ هُنا أَوْ مِنْ هُنَاَ يُنْزَفُ دَمْ
ضَمَّتْ الطِّفْلَ إليُهَا بِيَدٍ
…
وَبِأُخْرَى مَسَحَتْ دَمْعاً سَجَمْ
عَزَّ مَا يَطْلُبُهُ وَاهاً لها
…
كَيْفَ تَأْتِي برِفُاَتٍ وَرِمَمْ؟
قَلِّبِ الْبُؤْسَ عَلَى أَوْجُهِهِ
…
لَنْ تَرَى كالْيُتْمِ بُؤْساً مُحْتَكِمْ
يَنْشَأُ الطفلُ ولا ركْنَ له
…
ركنُهُ من صغر السِّنِ انْهَدَمْ
خائضاً في لجج العيْشِ علَى
…
ضَعْفِهِ، وَالْعَيْشُ بَحْرٌ مُحْتَدِمْ
تَائِهاً في ظُلَمٍ مَا تَنْتَهيِ
…
حَائِراً يَخْبُطُ في تلك الظُّلَمْ
ليس في الدنيا ولا في ناسِها
…
فهْوَ يحْيَا في وُجُودٍ كالْعَدَمْ
أَخَذَ اللهُ بِأَيْدِي مَعْشَرٍ
…
كلُّهم سبَّاقُ غَايَاتٍ عَلَمْ
جعَلوا شأْنَ اليتامى هَمَّهُمْ
…
فَالْيَتاَمَى مِنْهُمُ في مُعْتَصَمْ
أَدْركوا منهم جناحاً واهياً
…
هُوَ لَوْ لَمْ يُدْرِكُوهُ لَمْ يَقُمْ
رَأَبُوا صَدْعٌا إِذَا أُهْمِلَ في
…
أُمّةٍ يوَمًْا تَدَاعَتْ في اْلأُمَمْ
أغنية
عودة إلى الوكر
للأديب حسين محمود البشبيشي
هاهنا كنا وكانت أُمنيات الحب تسري
وهنا عينك أجرت فتنة الدنيا بشعري
ما لعيني اليوم لا تشهد أوكاري وزهري
أطواها من طواني؟ أم تراني لست أدري؟
يا حبيبي عدت للوكر وأحلام الأماني
مثلما كانت وفي عينيك أسرار الزمان
تسكب الخلد بروحي وفؤادي وبياني
وتذيب الحب نجوى من معان وأغان
الندى النشوان يهفو فوق زهري لجمالك
والشعاع السمح يسري من ضميري لظلالك
والنشيد العذب يجري فوق ثغري لدلالك
وفؤادي زورق بالشوق يسري لخيالك
هاهنا المحراب يهفو للتصابي والتنادي
هاجه الشوق إلى نجوى فؤاد لفؤاد
وصلاتي لعيون ألهمتني أن أنادي
يا حبيبي لك روحي وضميري وفؤادي. . .
أيها الوكر أتنساني وتنسى ذكرياتي
حين جن الشوق في قلبي وجنت قبلاتي
وحبيب القلب هل يذكر يا وكر صلاتي
وفنائي بين عينيه كهمس في فلاة
البريد الأدبي
إلى الدكتور بشر فارس
أخي الأعز الدكتور بشر فارس
لك حق يا أخي في تساؤلك عن هؤلاء النقاد من هم. . . ولست أدري
لماذا لم تتول الرسالة الرد وهي التي حذفت فقراً من مقالي لتوسع على
مقالات أخرى. . . أضف إلى ذلك اختلافي كل أسبوع مع رئيس
العمل بالإدارة من جراء الأخطاء المطبعية التي أخذت تضايقني
مضايقة شديدة. وكنت ألمح وأنا أراجع مقالاتي بعد صدور المجلة
نظرات أمثالك من القراء الحنابلة المحترمين الذين لا يرحمون، وهي
تهزأ بي مرة وترثي لي مرة أخرى، وأنا والله لا ذنب لي مطلقاً لو
فطنت هذه النظرات
أما سؤالك عن ابن المنجد العبقري موليير فلم أفهمه على وجهه. . . لقد وضعته في ثبت الدراميين فهل هذا خطأ؟ وهل عفا الزمان على روائعه الكوميدية الخوالد التي تجعل منه نداً لشكسبير في المآسي؟. . .
وما سؤالك عن السيد المحترم مترلنك؟ هل ظننت أنني نزعته من ثبت الرمزيين إطلاقاً؟ كلا يا أخي. . . فمعظم مقالي منصب على الذين هم أقرب أصحاب المذاهب إلى الرمزيين كما نوهت في المقال الثالث، ولو أنني قصدت إلى الرمزيين إطلاقاً لما وضعت - أو لما حشرت - بينهم إبسن زعيم المذهب الواقعي وقد كانت معظم دراماته رمزية. . .
وأما أكتبه سارس على نحو ما جاء في كلمتك، وأما تشيكوف فضم تحريفه إلى الخمس عشرة غلطة المطبعية الواردة في صلب المقال نفسه
وأما الكتب التي أعتمد عليها فلن أذكرها لك الآن حتى أنتهي من مقالاتي. وحسبك أن تتفضل بزيارتي لأكسب كنز اخوتك الثمين، أو تتفضل بزيارة دار الكتب المصرية ومكتبة الجامعة - ثم مكتبتي - لتلمس العناء الشديد الذي نلقاه في كتابة هذه المقالات وهو ما
جربته أنت وبلوت منه الشيء الكثير. . .
أما الحر الشديد، وأما المثاقفة. . . فلست أدري كيف نسيت أيامك ببطن خبت، وكيف ما زلت تحن إلى لقاء الأسود لتقد من ضلوعها عشرات وعشرات؟
يا أخي الهزبر الأغلب، اعلم أن الزمان قد تغير، وأن وسائل الحروب قد تبدلت. وهاهي ذي أصوات الطرابيد والقنابل لا تبالي ببطن خبت وسكان بطن خبت. . . ولم يعد المحاربون يمتطون ظهور الجياد ولا ظهور البوادي إلا نادراً، فقد وجدوا ظهور الدبابات أثبت ظهراً من كل ذي ظهر. . .
ثم السلام عليك من المشوق إليك.
دريني خشبة
بوق وبوقات
يقول الدكتور زكي مبارك: إن علماء البلاغة قضوا عشرة قرون يخطئون المتنبي في جمعه (بوقاً) على (بوقات) في بيته المشهور.
ثم يقرر أنه انفرد برفع الظلم عنه بجعل بوقات جمعاً لبوقه لا بوق الخ
وأقول: إنه لا حاجة بالمتنبي الشاعر الثبت الحجة إلى من يرفع الظلم عنه بعد هذه القرون المتطاولة، لأنه لم يظلم السماع ولا القياس في جمعه هذا (بوقات)، إنما ظلم البلاغيون أنفسهم في تخطئته لقلة نصيبهم من اللغة. وأخطأ المدرسون حتى اليوم في السير على هذا الخطأ لأنهم لم يتحرروا من أسر التقليد
أما السماع فقد جاء في مادة (بوق) من المصباح المنير (البوق) بالضم معروف والجمع بوقات وبيقات بالكسر
وأما القياس فقد جاء في مادة (ابن) من المعجم نفسه. قال ابن الأنباري: واعلم أن جمع غير الناس بمنزلة جمع المرأة من الناس. تقول فيه: منزل ومنزلات ومصلى ومصليات.
علي الجندي
مثال من تداعي الأخطاء
في ترجمة المعري بالجزء الثالث من معجم ياقوت (طبع دار المأمون) إشارة إلى القاضي
أبي المجد محمد بن عبيد الله (حفيد أخي المعري) ورد فيها من حديث الأمير أسامة بن منقذ عنه، قوله:. . . ولما فارق أهله بالمعرة وبقى منفرد (يعني في قلعة شيرز التي هاجر إليها بعد دخول الإفرنج المعرة) وكان له غلام اسمه شعيا، قال:
زمانُ غاض أهلُ الفضل فيه
…
فسَقْياً للحمام به ورَعْيا
أُسارَي بين أتراكٍ ورومِ
…
وفقدُ أحبهِ وفراقُ شَعيا
وقد أشار المصحح في هامشه إلى كلمة (وفراق) فقال: (في الأصل ورفاق، وهو تحريف)! والرأي عندي في ذلك أن التحريف هو ما أثبته المصحح لا ما ورد بالأصل. إذ (الرفاق) هنا بمعنى المرافقة وقد اشتق كلاهما من الفعل (رافق) كما يشتق الخطاب والمخاطبة من خاطب، والقاضي هنا يشكو صحبة خادمه شعيا ومرافقته لا فراقه
والدليل على ذلك ما قاله الأمير أسامة مستأنفاً حديثه عن القاضي: (. . . وقد سبقه إلى هذا المعنى الوزير المغربي، فإنه لما تغيرت عليه الوزارة وتغرب، كان معه غلام اسمه داهر فقال:
كفى حزناً أني مقيم ببلدة
…
يعللني بعد الأحبة داهر
يحدثني مما يجِّمع عقلُه
…
أحاديث منها مستقيم وجائر)
فالوزير هنا يشكو صحبة غلامه داهر الذي يرمض نفسه بأحاديثه الجامعة بين الغث والسمين، ومثل ذلك تماماً شكوى القاضي من غلامه شعيا
ذلك خطأ وقع فيه المصحح؛ وقد أنجز بسببه إلى ارتكاب خطأ آخر أبينه فيما يلي
قال الأمير أسامة متابعاً حديثه: لما بليت بفرقة الأهل، كتبت إلى أخي أستطرد بغلامي أبي المجد والوزير المغربي، اللذين ذكراهما في شعريهما:
أصبحت بعدك يا شقيق النفس في
…
بحر من الهم المبرِّح زاخر
متفرداً بالهم، من لي ساعةً
…
برفاق شعيا أو علالة داهر!
فقد قال الأمير مرة أخرى (برفاق) شعيا؛ وكأن المصحح لم يجرؤ هنا على معاودة التغيير، لما يؤدي إليه من إخلال بالمعنى الذي يقصده الشاعر، ثم لما قد يوهمه ذلك من ادعائه أن التحريف وقع في كلام القاضي مرة وفي كلام الأمير أسامة مرة أخرى.
فدفعه كل هذا إلى إبقاء كلمة (رفاق) على حالها ثم التعليق عليها بقوله: يعني أمثال شعيا
وداهر؛ يزعم بهذا أن رفاقاً جمع رفيق بمعنى المثل. وواضح تمام الوضوح وجه الخطأ في كل ما ذكره.
(جرجا)
محمود عزت عرفة
(الشاعر الرجيم: بودلير)
كتاب الأستاذ عبد الرحمن صدقي عن بودلير يعد من خير ما كتب عن هذا الشاعر من الدراسات الأدبية. فقد عنى الكاتب بترجمة حياة بودلير ترجمة مفصلة أقام على أساسها كل أحكامه التي قررها عن شعره، ودرس شخصية بودلير على اعتبار أنها شخصية مركبة جمعت بين الاستهتار والتصوف في وقت واحد. والواقع أن شخصية بودلير التي حيرت معاصريه وسائر الكتاب الذين تصدوا لتحليل أشعاره؛ هي شخصية لا يستعصي أمرها على التحليل النفسي، وإنما يمكن أن تدرس على ضوء البحوث السيكولوجية دراسة تكشف غامضها وتجلي سرها. وهذا هو ما قام به الدكتور (رينيه لافورج) في كتابه الموسوم باسم (هزيمة بودلير) فقد نظر إليه على اعتبار أنه ليس إنساناً سوياً وإنما هو شاذ يجب أن تحلل حالته المرضية. واستدل (لافورج)(وهو من الأطباء المختصين بالتحليل النفسي) من الدراسة التي قام بها، على أن شعر بودلير يعكس الصراع العنيف الذي كان يعانيه في قرارة نفسه. وقال إن بودلير كان مريضاً بتعذيب نفسه، فلذا كان يميل إلى تهجين سمعته وتشويه صورته، والتهويل بخبايا دخيلته. وذلك كله لم يكن إلا نتيجة الفشل الذي لقيه الشاعر في حبه مما جعل غرامه الشاذ يحبب إليه خيبته ويميل به إلى تمجيد خذلانه!
درس الأستاذ عبد الرحمن صدقي (شارل بودلير) على هذا الوضع، فجاءت دراسة موفقة طيبة. وقد نقل الكاتب إلى العربية كثيراً من أشعار بودلير، وكانت ترجمته أنيقة، وإن كانت غير دقيقة. أما عنوان كتابه، فقد كنا نؤثر أن يرفع الكاتب منه عبارة (الشاعر الرجيم) لأن هذا أليق بالدراسة العلمية.
زكريا إبراهيم