المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 541 - بتاريخ: 15 - 11 - 1943 - مجلة الرسالة - جـ ٥٤١

[أحمد حسن الزيات]

فهرس الكتاب

‌العدد 541

- بتاريخ: 15 - 11 - 1943

ص: -1

‌في الشعر العربي

للأستاذ عباس محمود العقاد

في العدد الماضي من الرسالة كلام عن (الشعر المرسل وشعرائنا الذين حاولوه) للأستاذ دريني خشبة يقول فيه بعد الإشارة إلى بعض الأدباء والشعراء: (. . . لست أدري أي الرائدين فكر لأول مرة في موضوع الشعر المرسل في مصر خاصة وفي العالم العربي عامة، أهو الأستاذ الشاعر عبد الرحمن شكري أم الأستاذ الشاعر محمد فريد أبو حديد. . .)

والذي نذكره على التحقيق أن الابتداء بالشعر المرسل في العصر الحديث محصور في ثلاثة من الشعراء لا يعدوهم إلى آخر، وهم السيد توفيق البكري، وجميل صدقي الزهاوي، وعبد الرحمن شكري.

ولكني لا أذكر على التحقيق من منهم البادئ الأول قبل زميليه. ولعلي لا أخالف الحقيقة حين أرجح أن البادئ الأول منهم هو السيد توفيق البكري في قصيدته (ذات القوافي)، ثم تلاه الزهاوي في قصيدته نشرت بالمؤيد، فعبد الرحمن شكري في قصائد شتى نشرت بالجريدة وجمعت بعد ذلك في دواوينه

وكانت مشكلة القافية في الشعر العربي على أشدها قبل ثلاثين سنة، ولم تكن هذه المشكلة قد عرفت قط في العصر الحديث قبل استفاضة العلم بالآداب الأوربية واطلاع الشعراء على القصائد المطولة التي تصعب ترجمتها في قصيدة في قافية واحدة، كما يصعب النظم في معناها مع وحدة البحر والقافية

وكان زميلنا الأستاذ عبد الرحمن شكري يعالج حلها بإهمال القافية ونظم القصائد المطولة من بحر واحد وقوافي شتى

وكنت وزميلي الأستاذ المازني نشايعه بالرأي ولا نستطيب إهمال القافية بالأذن. فنظمت القصائد الكثار من شتى القوافي ثم طويتها ولم أنشر بيتاً واحداً منها، لأنني لم أكن أستسيغها ولا أطيق تلاوتها بصوت مسموع، وإن قلت النفرة منها وهي تقرأ صامتة على القرطاس

إلا أننا كنا نفسح الفرصة لهذه التجربة عسى أن تكون النفرة منها عارضة لقلة الألفة

ص: 1

وطول العهد بسماع القافية

وقد أعربت عن هذا الرأي في مقدمتي للجزء الثاني من ديوان زميلنا المازني، فقلت:

(. . . رأي القراء بالأمس في ديوان شكري مثالا من القوافي المرسلة والمزدوجة والمتقابلة، وهم يقرءون اليوم في ديوان المازني مثالا من القافيتين المزدوجة والمتقابلة، ولا نقول إن هذا هو غاية المنظور من وراء تعديل الأوزان والقوافي وتنقيحها، ولكنا نعده بمثابة تهيئ المكان لاستقبال المذهب الجديد، إذ ليس بين الشعر العربي وبين التفرع والنماء إلا هذا الحائل، فإذا اتسعت القوافي لشتى المعاني والمقاصد، وانفرج مجال القول بزغت المواهب الشعرية على اختلافها، ورأينا بيننا شعراء الرواية وشعراء الوصف وشعراء التمثيل، ثم لا تطول نفرة الآذان من هذه القوافي لا سيما في الشعر الذي يناجي الروح والخيال أكثر مما يخاطب الحس والآذان، فتألفها بعد حين وتجتزئ بموسيقية الوزن عن موسيقية القافية الواحدة

(وما كانت العرب تنكر القافية المرسلة كما نتوهم، فقد كان شعراؤهم يتساهلون في التزام القافية كما في قول الشاعر:

ألا هل ترى إن لم تكن أم مالك

بملك يدي إن الكفاء قليل

رأي من رفيقيه جفاء وغلظة

إذا قام يبتاع القلوص ذميم

فقال أقلا واتركا الرحل إنني

بمهلكة والعاقبات تدور

فبيناه يشري رحله قال قائل

لمن جمل رخو الملاط نجيب)

إلى آخر الشواهد التي أتيت بها في تلك المقدمة

وكنت أحسب يوم كتبت هذه المقدمة أن المهلة لا تطول إلا ريثما تنتشر القصائد المرسلة في الصحف والدواوين حتى تسوغ في الآذان كما تسوغ القصائد المقفاة، وإنها مهلة سنوات عشر أو عشرين سنة على الأكثر ثم نستغني عن القافية حيث نريد الاستغناء عنها في الملاحم والمطولات أو في المعاني الروحية التي لا تتوقف على الإيقاع

ولكني أراني اليوم وقد انقضت ثلاثون سنة على كتابة تلك المقدمة ولا يزال اختلاف القافية بين البيت والبيت يقبض سمعي عن الاسترسال في متعة السماع، ويفقدني لذة القراءة الشعرية والقراءة النثرية على السواء. لأن القصيدة المرسلة عندي لا تطربنا

ص: 2

بالموسيقية الشعرية ولا تطربنا بالبلاغة المنثورة التي نتابعها ونحن ساهون عن القافية غير مترقبين لها من موقع إلى موقع ومن وقفة إلى وقفة

والظاهر أن سليقة الشعر العربي تنفر من إلغاء القافية كل الإلغاء حتى في الأبيات التي تحررت منها بعض التحرير

فالأبيات الأربعة التي أتينا بها آنفاً قد اختلف فيها حرف الروي بين اللام والميم والراء والباء، ولكن الحركة لم تختلف بين جميع الأبيات، بل لزمت الضم وفيها جميعاً وهي حركة تشبه الحرف في الأذن وإن لم تشبهه في أحكام العروضيين والنحاة

والأمر كما نحسه في حكم الأذن يتفاوت بين مراتب ثلاث من الألفة والارتياح إلى السماع

فالقافية تطرب حين تأتي في مكانها المتوقع

وإهمال القافية يصدم السمع بخلاف ما ينتظر حين يفاجأ بالنغمة التي تشذ عن النغمة السابقة

والمرتبة التي تتوسط بينهما هي التي لا تطرب ولا تصدم، بل تلاقي السمع بين بين لا إلى التشوق ولا إلى النفور

فانتظام القافية متعة موسيقية تخف إليها الآذان

وانقطاع القافية بين بيت وبيت شذوذ يحيد بالسمع عن طريقه الذي اطرد عليه ويلوي به لياً يقبضه ويؤذيه

إنما التوسط بين المتعة والإيذاء هو ملاحظة القافية في مقطوعة بعد مقطوعة تتألف من جملة أبيات على استواء في الوزن والعدد، أو هو ملاحظة الازدواج والتسميط وما إليهما من النغمات التي تتطلبها الآذان في مواقعها، ولو بعد فجوة وانقطاع

وربما زاد هذا التصرف في متعتنا الموسيقية بالقافية ولم ينقص منها إلى حد التوسط بين الطرب والإيذاء

فالأذن تمل النغمة الواحدة حين تتكرر عليها عشرات المرات في قصيدة واحدة. فإذا تجددت القافية على نمط منسوق ذهبت بالملل من التكرار ونشطت بالسمع إلى الإصغاء الطويل، ولو تمادى عدد الأبيات إلى المئات والألوف

لهذا لا نحسب أن السنين التي مضت منذ ابتداء التفكير في الشعر المرسل قد مضت على

ص: 3

غير طائل

لأننا عرفنا في هذه الفترة ما نسيغ وما لا نسيغ، فعدل الشعراء عن تجربة الشعر المرسل الذي تختلف قافيته في كل بيت وجربوا التزام القافية في المقطوعات المتساوية أو في القصائد المزدوجة والمسمطة وما إليها؛ فإذا هي سائغة وافية بالغرض الذي نقصد إليه من التفكير في الشعر المرسل، لأنها تحفظ الموسيقية وتعين الشاعر على توسيع المعنى والانتقال بالموضوع حيث يشاء

ومن ثم يصح أن يقال إن مشكلة القافية في الشعر العربي قد حلت على الوجه الأمثل ولم تبق لنا من حاجة إلى إطلاقها بعد هذا الإطلاق الذي جربناه وألفناه

ففي وسع الشاعر اليوم أن ينظم الملحمة من مئات الأبيات فصولاً فصولاً ومقطوعات مقطوعات، وكلما انتهى من فصل دخل في بحر جديد يؤذن بتبديل الموضوع، وكلما انتهى من مقطوعة بدأ في قافية جديدة تريح الأذن من ملالة التكرار. ويمضي القارئ بين هذه الفصول والمقطوعات كأنه يمضي في قراءة ديوان كامل لا يريبه منه اختلاف الأوزان والقوافي بل ينشط به إلى المتابعة والاطراد

وإذا كان الأوربيون يسغيون إرسال القافية على إطلاقها فليس من اللازم اللازب أن نجاريهم نحن في توسيع ذلك على كره الطبائع والأسماع، وبخاصة حين نستطيع الجمع بين طلبتنا من المتعة الموسيقية وطلبة الموضوعات العصرية. من التوسع والإفاضة في الحكاية والخطاب

وآية ذلك أننا نقرأ الشعر المرسل في اللغة الأوربية ولا نفتقد القافية بين الشطرة والشطرة أقل افتقاد

وقد خيل إلينا أننا ننساها ولا نفتقدها لأننا غرباء عن اللغة وعن مزاج أهلها. فلما سألنا الأوربيين في ذلك قالوا لنا إنهم لا يفتقدونها ويستغربون أن نلتفت إلى هذا السؤال، لأنهم هم لا يلتفتون إليه

وسواء رجعنا بتعليل ذلك إلى وحدة القصيدة عندنا وعندهم، أو إلى أصل الحداء في لغتنا وأصل الغناء في لغتهم، أو إلى غلبة الحسية في فطرة الساميين وغلبة الخيالية والتصور في فطرة الغربيين، فالحقيقة الباقية هي أننا نحن الشرقيين نلتذ شعرهم المرسل ولا نفتقد

ص: 4

القافية فيه، وأننا ننفر من إلغاء القافية عندنا ونداريه بالتوسط المقبول بين التقيد والإطلاق. وأنهم ليتقيدون في بعض أوزانهم الغنائية بقيود تثقل علينا نحن حتى في الموشحات، فليس من اللازم اللازب أن نعتمد مجاراتهم أو يعتمدوا مجاراتنا في كل إطلاق وتقييد. ولهم دينهم ولنا دين!

عباس محمود العقاد

ص: 5

‌مسابقة الأدب العربي

قادة الفكر (لطه حسين)

للدكتور زكي مبارك

تمهيد

كتاب (قادة الفكر) هو في الأصل بحث وجيز كتبه الدكتور طه بك حسين ليكون هدية لقراء مجلة الهلال، يوم كان لمجلة الهلال هدايا سنوية. والمؤلف يعتذر في ختام كتابه بأنه كتبه في ظروف منوعة الألوان، فلم يكن في جميع تلك الظروف مطمئن النفس فارغ البال. ومعنى ذلك أنه يرى محصول الكتاب دون ما يريد، ولهذا اعتذر بعبارات حزينة تثير الإشفاق

ونحن ننوب عن الدكتور طه في تقديم هذا البحث الوجيز، فنقول إنه تحفة أدبية وعقلية، وإنه يشهد بقدرته على تلخيص ما يقرأ من جيد التصانيف. وكلمة (تلخيص) كلمة مدح في هذا المقام، لأن المؤلف لم يرد أن يواجه المعضلات الفلسفية مواجهة الباحث المعتزم أخذ الفلاسفة بنقد ما خلفوا من حقائق وأباطيل

والدكتور طه نفسه يعترف بأنه ملخص: يعترف اعتراف العلماء، فلا يدعي أنه أجهد فكره في غير التلخيص، ولكن أي تلخيص؟ لقد قدم للقراء صوراً سريعة متلاحقة بأسلوب سريع لا يسمح للقراء بالوقوف لحظة من زمان

هل أبخل على المؤلف بكلمة ثناء فأشهد أني قرأت كتابه في سهرة واحدة، وأني عشت معه لحظات أمتع من لحظات الحوار الطريف بين الندماء؟

مزية الدكتور طه أنه يكتب كما يتحدث، وأنه ينقل إلى قرائه ما استقر في نفسه بلا تكلف ولا افتعال

لم يبتكر الدكتور طه كتابه هذا، إذا أردنا من الابتكار معناه المطلق، فلكتابه نظائر في الأدب الأوربي، وإنما ابتكره في الأدب العربي، فهو أول كتاب لخص آراء الباحثين في طوائف من قادة الفكر الذين سيطروا على العالم القديم والعالم الحديث

وتكاد تكذب الدكتور طه حين يقول إنه يلخص، لأنه يفترع الأبحاث بقوة توهمك أنه

ص: 6

المفترع الأول، وأن كتابه سيكون المصدر لمن يتحدثون عن هوميروس أو سقراط أو أفلاطون

وهذا كلام أقوله لمنفعة قرائي، وأنا أحب لهم ما أحب لنفسي، ولو كان هذا الكتاب ضعيفاً لأخذت بخناق الدكتور طه بدون ترفق، لأني لا أجامل أحداً على حساب الفكر والبيان

آفة الإخلاص في التلخيص

التلخيص مطلوب، ولكنه لا يخلو من آفات، لأنه يصد المؤلف عن تعقب من ينقل عنهم نقل الواثق بأنهم على هدى في جميع الأقوال

وقد وثق الدكتور طه بمن نقل عنهم فلم يجادلهم في رأي من الآراء

وتوضيح هذه المؤاخذة أن الدكتور طه ساير الباحثين الأوربيين في القول بأن الثقافة اليونانية هي مصدر الثقافة الإنسانية، وأن الناس في الشرق والغرب، وفي جميع الأجيال مدينون لثقافة اليونان

والحق أن للدكتور طه عذراً في هذه المسايرة، فقد قرأ كتباً ترى هذا الرأي، ولو أنه تريث لعرف أن هنالك كتباً أجدر من تلك الكتب بالتلخيص، وهي الكتب التي ترى أن المعارف اليونانية منقولة عن المعارف المصرية، وأن فلاسفة اليونان القدماء لم يكونوا إلا تلاميذ لفلاسفة مصر القدماء

وأنا لا أسوق هذه المؤاخذة تعصباً لبلادي، فاليونانيون أنفسهم يعترفون بأنهم تلاميذ المصريين، وكانت زيارة مصر واجبة على كل يوناني يريد التفقه في درس أسرار الوجود

أستاذية مصر الفرعونية لليونان الوثنية ليست أسطورة من الأساطير، وإنما هي حقيقة من الحقائق. وإن أراد الدكتور طه أن يساجلني فأنا حاضر للسجال، ومعي العقل الذي ثقفه الدكتور طه يوم كان أستاذي بالجامعة المصرية

هدية نفيسة

كان من المألوف بيني وبين الدكتور طه أن نتقارض الهدايا العلمية والأدبية، قبل أن تدور الدسائس بيني وبين هذا الأستاذ الجليل، وأنا أريد اليوم أن أقدم إليه هدية أرجو أن يتقبلها مني

ص: 7

قال في كتابه (مستقبل الثقافة): إن عقلية مصر عقلية يونانية، وإنه لابد من أن تعود مصر إلى احتضان فلسفة اليونان.

وأقول إن الأفضل أن يعترف الدكتور طه بأن الفلسفة اليونانية منقولة عن الفلسفة المصرية، وإذن يكون تقبل مصر لفلسفة اليونان ترحيباً بآراء مصرية رجعت إلى أهلها بعد طول الشتات

طفولة الإنسانية

أفي الحق أن العقل الإنساني لم ينضج إلا في القرن الرابع قبل المسيح؟ هذا سؤال لم يخطر للدكتور طه في بال

العقل الإنساني نضج ونضج قبل الوثنية اليونانية بأزمان وأزمان، وكان مصدر نضجه في مصر التي سبقت اليونان بأجيال وأجيال

وأقول مرة ثانية إني لا أتعصب لبلادي، فليقل من يعرف أكثر مما أعرف إن مصر سبقت إلى إذاعة الفكر والعقل عند القدماء، على شرط أن يقدم البراهين

أنا لا أوجب نظرياً أن تكون مصر أول أمة رفعت أعلام الحضارة الإنسانية، فمن المحتمل أن تكون سبقت بأمم سكت عنها التاريخ، ولكن التاريخ المكتوب يحدثنا أن مصر أول أمة رفعت أعلام الحضارة الإنسانية، فما الذي يمنع من أن يتلطف الدكتور طه فيقول كما تقول الوثائق بأن مصر سبقت اليونان إلى رفع قواعد المدنية في أقدم عهود التاريخ.

أنا لا أبتكر وإنما ألخص ما قرأت، بدون أن أزعم أني أقدر من الدكتور طه على التلخيص، وإن كان من حقي أن أزعم أني قرأت أكثر مما قرأ في تاريخ تلك العهود

اليونانيون تلاميذ المصريين، والبلاد المصرية في جميع الأزمنة أخصب من البلاد اليونانية، بدليل أن مصر كانت الملاذ لليونان في الفكر والمعاش، ولم يثبت يوماً أن مصر احتاجت إلى الاستظلال بظلال اليونان

والتاريخ القديم يؤيده التاريخ الحديث

لم تستطيع اليونان بعد ظهور الإسلام أن تكون أمة تسيطر على الشرق أو الغرب، وهي قد جهلت تاريخها القديم وجهلت مبادئ فلاسفتها القدماء، وجهلت أيضاً لغة سقراط، فمجدها رهين بتعصب أنصارها من الأوربيين

ص: 8

أما مصر فقد وقفت وقفة أبية في رد الحروب الصليبية، وذلك موقف لن ينساه التاريخ

معذرة يا أستاذي، فقد بدا لي أن أرد إليك بعض ما أسديت إلي من جميل

بين الإيجاز والإطناب

أطنب الدكتور طه حين تحدث عن قادة الفكر في العصر اليوناني، ثم أوجز إيجازاً مخلاً حين تحدث عن قادة الفكر في العصر الإسلامي، فهل يرى أن الصراع الفكري في عهود الوثنية كان أقوى من الصراع الفكري في العهد التي احتدم فيها النضال بين الإسلام والنصرانية؟

يرجع السبب في الإيجاز والإطناب إلى الكتب التي كانت بين يديه وهو يؤلف كتابه اللطيف، وأهما كتاب ليون روبان في تاريخ الفكر اليوناني

ولو كانت الأقدار قضت بأن يظهر كتاب يؤرخ الفكر العربي لكان من المؤكد أن يصول الدكتور طه صولة القادر على شرح ما قام به العرب في رفع القواعد من الحضارة الإنسانية

لقد قرر أن الإسكندر غرس الفكر اليوناني في الهند، مع أن الإسكندر لم يلم بالهند إلا إلمامة الطيف، فما عساه يقول لو تذكر أن الفكر العربي تغلغل في أرجاء الهند، وما زال يتغلغل بفضل المذاهب الإسلامية؟

أهم فصول الكتاب

الفصل المكتوب عن هوميروس خفيف الوزن، ويقرب منه الفصل المكتوب عن سقراط، ثم تجلت قدرة المؤلف على البيان حين تحدث عن أفلاطون وأرسططاليس، وسيسأل الطلبة حتماً عن هذين العبقريين، لأنهما المنشئان الأصيلان للفلسفة اليونانية

أما الفصل المكتوب عن الإسكندر فهو غرة الكتاب، ولعله من أجمل ما كتب الدكتور طه حسين. وأهمية هذا الفصل ترجع إلى براعة المؤلف في تصوير قدرة الفلسفة حين تنتقل إلى الميادين العملية، وكذلك يقال في الفصل الخاص بجبروت يوليوس قيصر، وما استطاع أن يصنع في إيقاظ الرومان

والفصل الخاص بالعصر الحديث موجز جداً، ولكنه جيد ففيه لمحات فكرية على جانب من

ص: 9

الجمال

أما بعد فكتاب (قادة الفكر) أوضح من أن يحتاج إلى توضيح، وأنا أوصي الطلبة بأن يقرءوه مرات لأن محصوله مبدد غاية التبديد، ولا يمكن إدراك مرامي المؤلف إلا بعد طول النظر فيما بعثر من المعاني هنا وهناك

وأنا حاضر لشرح ما يستغلق على الطلبة الذين يختارون هذا الكتاب للامتحان الشفوي.

زكي مبارك

ص: 10

‌4 - الشعر المرسل

درامات الأستاذ أبي حديد وملحمته

للأستاذ دريني خشبة

قبل أن أعرض على القراء الأفاضل، وأصدقائي الشعراء منهم خاصة، نماذج مما نظم روادنا الأوائل في الشعر المرسل، وفي مقدمتهم الثائر الأول الأستاذ محمد فريد أبو حديد، ثم الأساتذة: علي أحمد باكثير، وأحمد فريد أبو شادي، وخليل شيبوب، ومن عسينا أن نعرض لهم من شعرائنا فيما بعد. . . قبل أن أعرض هذه النماذج أرجو أن أذكر القراء والشعراء على السواء أن الشعر المرسل لا يستعمل إلا في الروايات التمثيلية والملاحم والقصص الطويلة بأنواعها، وأرجو أن أذكرهم أنهم حينما يتفضلون بقراءته فواجب ألا يقفوا عند آخر البيت أو السطر يتلمسون الفقيد العزيز الذي ضحى به في هذا الشعر. . . هذا الفقيد الذي ما اخترع الشعر المرسل إلا لتخلص من شره. . . هذا الفقيد هو القافية

يجب ألا يقف القراء عند آخر كل سطر يتلمسون هذا الفقيد الذي يحسن ألا يعز عليهم مغيبه، بل يجب أن يقرأوا هذا الشعر المرسل على أنه كلام موزون لا ينتهي عند آخر البيت أو السطر، ولكنه ينتهي عندما ينتهي الغرض من الكلام أو الغرض من الحوار. . . فالكلام جارٍ ما جرى الحوار ولا يقف إلا عند نهاية المنظر، وليس يقف أجزاء أجزاء عند القافية كما هي الحال في الشعر الغنائي

وقد اتخذ الأستاذ أبو حديد - الشطر - وحدة له في شعره المرسل، وكذلك الأستاذ باكثير؛ أما الأستاذ أبو شادي فقد جعل البيت كله وحدته في أكثر ما نظم، ولذلك يضطر قارئ شعره إلى الوقوف آخر كل بيت، وعند ذلك يشعر القارئ أنه يبحث عن الفقيد العزيز أو الغير العزيز، وهو القافية، وعند ذلك أيضاً يشعر القارئ بخيبة أمل شديدة لاختلال الموسيقى واضطرابها. . . أما الأستاذ شيبوب فقد سلك طريق الشعر الحر، وذلك بعدم ارتباط بعدد التفعيلات في كل سطر، لكنه بالغ في تعدد البحور مبالغة شديدة، وفي ذلك من التنافر ما فيه، مما سوف نعرض له في فرصة أخرى إن شاء الله

مقتل سيدنا عثمان

ذكرنا في الكلمة السابقة أن الأستاذ أبا حديد نظم هذه الدرامة سنة 1918 وإنها لذلك أول

ص: 11

أثر عربي كبير كامل في الأدب العربي - أو الأدب المصري - بالشعر المرسل، وأنها لهذا السبب جديرة بالدراسة وجديرة بحسن الالتفات. وموضوع الدرامة يتناول تلك المأساة الباكية التي يدمى لها فؤاد كل مسلم. . . المأساة التي غيرت وجه الإسلام وذهبت بحرية الشورى التي بشر بها محمد. . . المأساة التي قسمت المعسكر الإسلامي وشقت وحدة المسلمين، وجعلت من أعظم صحابة أعظم نبي فرقاً ممزقة، ولبستهم شيعاً وأحزاباً، وأذاقت بعضهم بأس بعض. . . فأغمد المسلم سيفه في صدر أخيه المسلم، وانتهى الأمر بأن أصبحت إمارة المؤمنين ملكاً عضوضاً وعهداً مفروصاً لا رأي فيه لأحد إلا ما تنتزعه القوة من بيعة تفرضها السيوف المصلتة، ويرفضها الدين المختنق، وتأباها الضمائر المكبوتة، ولا تباركها السماء

ويبدأ الفصل الأول من المأساة بحوار بين جماعة من المسلمين الحانقين على سياسة عثمان - رضي الله عن وغفر له - يشكون مما وصلت إليه الحال من استعمال أمير المؤمنين أهله وأقاربه على الولايات، وعزله عمال عمر وأبي بكر، ثم نزوله عن خمس مغانم الحرب لبعض الأفراد من بني أمية، نزولاً قال عنه عثمان أنه بيع وليس نزولاً. . . ثم يقبل مروان بن الحكم - هذا الداهية المسلط على عثمان - مع الشاعر عدي الأموي، فيدور بينهما حوار يغريه فيه مروان بإثارة العصبية القبلية الجاهلية التي محقها الإسلام وعفى على آثارها، ويمنيه مروان الأماني، فيعده عدي خيراً وينطلق، ويقول مروان:

أصبح الناس يداً واحدةً

كلهم يرمي إلى قلب أميةْ

إن للحاسد قلباً قلقاً

لا يرى الراحة ما دام يرى

أثراً للخير في كف سواه

ما يودون؟ أكنا هملا

ثم أصبحنا سراةً في قريش؟

فلئن بات لنا الأمر فقد

كان فينا مثله في الجاهلية

ص: 12

إنما يسعون فينا عبثاً

وسيبقى مجدنا ما دام سيف

ثم يقدم خادم فيعطيه مروان بدرة من المال لينطلق بها إلى الشاعر عدي كي يمدح بني أمية في (نادي أسد)، ثم يقدم عثمان في بعض أصحابه ومنهم علي والزبير فيدور حوار نعرف منه أن علياً خبير بما كان يدبره مروان بن الحكم من حصر السلطة في أيدي الأمويين مستعيناً على ذلك (بسلامة نية!) عثمان، ويزجي علي النصح لعثمان، وينهي إليه خبر الشكاوي التي جأرت بها بعض الوفود القادمة من أطراف الإمبراطورية الإسلامية الناشئة فيعد عثمان بتدارك الحال، وينطلق علي والصحابة ويخلو مروان إلى نفسه فيبدي حنقه على إصغاء عثمان لعلي. . . ثم يأتي البشير بالفتح وقرب وصول خمس المغانم، ثم يلي هذا حوار بين نفر من الناقمين على مروان وعلى عثمان وعلى الأمويين أجمعين، وفي الحوار غمز شديد لاستسلام عثمان لمروان

وفي الفصل الثاني يحاول مروان إيغار صدر عثمان على علي والزبير وعبد الرحمن بن عوف لما رأى من إقبال الشاكين من عمال عثمان الأمويين عليهم وتدخل علي والزبير وابن عوف عند عثمان فيما زعم مروان أنه لا شأن لهم فيه، وتؤثر وقيعة مروان في نفس عثمان، فهو يقول بعد ذهاب مروان:

إن في القول لحقاً ظاهراً

كان من قبلي على الناس عُمَر

فتولاهم بعنف، ورضوا

مثلما يسلس للحادي البعير

ولقد كنا نرى الرأي فلا

نحمل القول على غير المشورهْ

وأرى قومي مضوا في غير هذا

فيسير الناس بالشكوى إليهم

فيجيئون بشكوى وبلومْ

ولعمري إن من لان تدنّى

ص: 13

ثم تصل جماعة من مصر تشكو عبد الله بن أبي السرح ومعهم علي بن أبي طالب الذي يظهر تبرمه لما ساد النواحي من ظلم عمال عثمان من بني قرابته، ويثور عثمان على علي الذي يشتد في نقده له:

كل يوم وافد من ناحيهْ

فبمصر أفسد الظلم البلاد

وعلى الشام أمير كخليفهْ

ويضج الناس من حكم العراقْ

وهنا دب الهوى وسط المدينهْ

فيقول عثمان:

ما الذي أسمع؟ هل كنت ترى

لك هذا الحق أيام عمر؟

فيقول علي:

أيّ حق؟ أتظن النصح حقاً؟

ما الذي أجنيه إلا نصبا

إنما أقصد خيراً، فإذا

كنت تأباه فلن أذكر شيئاً

فيضعف عثمان ويغلب عليه عامل الخير والوفاء والإيمان فيقول:

ليس قصدي كل ما هم بنفسك الخ فيقول علي قولة الحق الذي لا يبالي:

أنت قد أصبحت في بيت أُميهْ

مثلما كان ملوك الجاهليةْ

أفلا تبصر ما كان عمر؟

إنه ما كان يرضى درهما

يتولاه نسيب فوق حقه

ولقد أفسحت آمالاً كباراً

لبني جدك رغم المسلمين

ص: 14

أترى هذا صلاحاً للخلافة؟

فيقول عثمان:

ذاك رأي، ولك ما يرى فيقول علي غاضباً:

إنْي لولا حفاظي لقطعتك

ستراني باعداً عن كل أمرك

ثم يخرج ثائراً فيقول عثمان حزيناً:

ساءه ما قلت - والله لقد

هاجني ما قال مروان بشأنه

قبح الله حياة الطامعين الخ. . .

وفي الفصل الثالث تجتمع فرق من الساخطين من كل صقع فيعزمون أمرهم على الشكوى لعبد الرحمن بن عوف، فإذا خرج أكثرهم دخل عثمان ومروان، ويسأل عثمان عن علي ثم يخبره أحد الحاضرين عما تم بنادي أسد من تفاخر كتفاخر الجاهلية وما انتهى إليه هذا التفاخر من إحياء العصبية الجاهلية التي أراد مروان بإحيائها التفاخر الكاذب بأمجاد الأمويين قبل الإسلام وستر تأخرهم في اعتناق الدين الجديد. وينصرف عثمان لزيارة علي. . . ويقبل عبد الرحمن بن عوف في جماعة من المتذمرين الذين يذكرون له أنه كان السبب في اختيار عثمان للخلافة برغم الإجماع على اختيار علي، فيهدئهم حتى يقبل عثمان ومعه مروان أيضاً فيلاحيه ابن عوف، فإذا سأله عثمان أجاب أنه لا يذكر شيئاً حتى تنصرف الجماعة. فإذا انصرفت بقي مروان كالذي لصق بالأرض فيأمره عثمان فينصرف متلكئاً وبعد أن يراوغ، ثم يقول ابن عوف لعثمان مثل الذي قال له علي من الانحراف إلى بني أمية، ويشتد الصاحبان، ثم ينصرف ابن عوف غضبان أسفاً. . . ويتألم عثمان بل يحزن لانصراف صاحبه على هذا الوجه

وفي الفصل الرابع يكون عثمان ومروان في مسجد النبي بالمدينة، ويشير عليه مروان باتخاذ الحيطة واستدعاء بعض الأجناد - أجناد بني أمية - من الشام ليكون له عدة ضد المتألبين - فيرفض عثمان - ثم يصل وفد كبير من مصر يشكو، فيصرفه عثمان بعد أن يعده خيراً، فإذا خرج عثمان لحاجة له عند سعد قال مروان:

ص: 15

رب هل هذا أمير الأمم؟

لا! فما للأمر إلا رجل

شائك الحد شديد الساعد

إن عثمان ملاك زاهد

يصلح الأمر له لو أنه

حاكم في أمة من زاهدين

غير أن الناس ما زالو أُناسا

إنه لو ضاع عثمان فلا

يرجع الأمر لنا من بعده

وجب الآن علينا أن يرى

كيف نبقي الأمر في قضيتنا

ويهم بالخروج فيسمع لغطاً وضوضاء، وإذا عثمان يرتد ويذكر لمروان أن المتألبين أخذوا عليه الطرقات هاتفين متصايحين. ثم يدخل علي فجأة فيفرح به عثمان ويوسطه في إرضاء الأحزاب على أن يصلح من الأمر كل ما فسد ويتدارك كل ما يشكون منه

وفي الفصل الأخير تتم المأساة. فذان هما الحسن والحسين ابنا علي يذودان عن دار عثمان بسيفهما، وذلك وفد يجادل عثمان في أمر خطاب زائف ضبطه الثوار مع رسول الخليفة يأمر والي مصر بقتل رؤوس المتألبين وعلى الخطاب خاتم عثمان. . . لكن عثمان ينكر الخطاب ويخبرهم أنه إنما أمر بعكس هذا، فإذا أقنع رجال الوفد بأن هذا المنكر من صنع مروان وأنه لا بد من تسليمه إليهم رفض أمير المؤمنين رفقاً بمروان الذي لم يكن يستأهل ذرة من هذا الرفق - ثم هذا مروان يشير على الخليفة باستعمال الأناة والمكر حتى يقدم جيش الأمويين من الشام فيقضي به على جميع المتألبين فيرفض عثمان أن يقتتل المسلمون في عهده. ثم هذا نبل يسقط قريباً من عثمان فلا ينخلع قلبه. ثم هذا محمد بن أبي بكر صديق الرسول يقبل وقد قبض على سيفه يريد قتل عثمان، فإذا أخذ بلحية الأمير الشيخ ناقماً مستهزئاً ذكره بمقامه من أبيه أبي بكر فيرتعد فؤاد محمد، ثم يولي هارباً. ثم يدخل متآمر ثان فيهم بقتل عثمان وتدخل نائلة (زوج عثمان) فتحاول الدفاع عن أمير المؤمنين

ص: 16

فيأمرها أن تكف، ثم يرفع كتاب الله. . . القرآن الكريم. . . في وجه الثائر ويقول له:

إن عندي شاهداً لا يكذبُ

أترى هذا الكتاب؟!

فترتعد فرائص الرجل ويولي الأدبار. . . ثم يدخل متآمر ثالث قائلاً:

لن أضيع الوقت في قول طويل

خوف أن تسحر قلبي بحديثك

ثم يهوي بسيفه فيتلقاه عثمان بيده فيقطعها، ثم يهوي عليه فيقتله غير حافل بدفاع نائلة. . . ثم يحاول قطع رأسه فتدفعه نائلة، فيمضي لشأنه، وتقف نائلة تبكي زوجها وترثي أمير المؤمنين هذه هي مأساة عثمان صفي رسول الله الذي جاهد في الله بماله وجاهه وروحه ويده. . . اختارها أبو حديد الشاب سنة 1918 ليفتح بها ثورته على تقاليد ألفين من السنين. . . أو عشرين قرناً من السنن العتيقة التي فرضها علينا القوافي العربية الصارمة. فهل وفق أبو الحديد في هذه المحاولة؟

لقد اختار أن ينظم من (الرمل): فاعلاتن فاعلاتن فاعلن - وهي التفعيلات السائدة في الشطر الأول لهذا البحر، ثم هو لم يستغن عن تفعيلات الشطر الثاني (العجز)، فكان يأتي في مكان فاعلن الأخيرة بكل التفعيلات التي يبيحها عروض هذا البحر، فهو يستعمل فاعلاتن وفاعلان وغيرهما مما لا يتنافر وموسيقى الرمل السهلة اللينة التي تيسر للناظم عمله في غير التواء ولا تعقيد. وسنرى عند عرض درامتيه الأخيرتين، ميسون - وخسرو وشيرين - أنه ترك هذا البحر ونظم من (الخفيف) =فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن: وسنرى كذلك إلى أي حد وفق في استبدال هذا البحر بذاك. على أننا نتساءل ما الذي منع أبا حديد من أن يلون في استعمال البحور العربية الأخرى. لماذا لم يستعمل المتقارب الموسيقي الجميل، ولماذا لم يجرب الطويل السهل الذي هو أقرب البحور إلى النثر مع امتيازه بطول النفس؛ ولماذا غض من قيمة الوافر والكامل والبسيط والسريع وغيرها من بحور عروضنا الفنية الموسيقية ذات الطنين وذات الرنين. إن الشعر المرسل في حاجة ماسة إلى ما يعوضه عن القافية موسيقى بموسيقى، وأنغاماً بأنغام

للأستاذ رأيه على كل حال، وإن كنت أوثر ألا يقطع شاعر في بحر برأيي حتى يجرب

ص: 17

النظم منه، لا مرة واحدة، ولكن مرات متعددات، أما أن نقطع بأن هذا البحر خير من ذاك لأغراض الشعر المرسل دون أن نجري من التجارب ما يؤيد ما ذهبنا إليه فتصرف قد يضيع على الأدب المصري كثيراً من جهود المجاهدين. ولقد ذكرنا في الفصل الأول من فصول الشعر المرسل أن الشعراء الإيطاليين والشعراء الإنجليز قد انتهوا من تجاربهم على أن البحر الأيامبي ذي المقاطع العشرة هو اسلس البحور للنظم المرسل، فهل أجرينا نحن أيضاً تجاربنا على بحورنا كلها لنكشف أفضالها لهذا الغرض؟

وبعد، فهل تصلح مأساة سيدنا عثمان لمسرحنا المصري؟ وهل لا نزال نشفق على إظهار شخصياتنا الدينية، شبه المقدسة على خشبة المسرح؟ وهل عندنا الممثلون الصادقون الذين يصح أن نكل إليهم تمثيل هذه الشخصيات؟ وإن صح أن لدينا الممثلين، فمن منهم يؤدي دور سيدنا عثمان أحد العشرة الأولى من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عثمان. . . هذا الرجل (الطيب!) الذي أجاد أبو حديد تصويره، كما أجاد تصوير علي. هذا الناصح الحازم الأمين؟ ثم عبد الرحمن بن عوف! هذا الصحابي العظيم الصريح. . .

أما صلاحية المأساة لمسرحنا فأمر لا مراء فيه، فهي حافلة بالمشاهد الجليلة التي تزلزل القلب، والتي صورها أبو الحديد، فأحسن تصويرها، وإن يكن عجل في بعض المواقف التي كانت تقتضي الإطالة، وأوجز حيث كان ينبغي الإطناب

أما مظنة الإشفاق من إظهار شخصياتنا الدينية على المسرح فلم يعد هناك ما يبررها، وما دمنا نأخذ بأن الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى؛ وما دمنا، كما ذكرت في مناسبة سابقة، نستثني شخصيات الأنبياء استثناءً مؤقتاً. . . ولعل الجامعة الأزهرية التي أخذت تفهم روح العصر وتستجيب للنداء الجديد الذي هو في الأصل نداء الإسلام الحق، أن يكون لها مسرحها الديني في المستقبل القريب، فتكفينا شر الخلاف في هذا الموضوع

أما ممثلونا، فأنا شديد الإيمان بمقدرتهم خصوصاً إذا مثل معظمهم دور مروان بن الحكم والأدوار الأموية!!. . . على أن لدينا من المخرجين المثقفين الذين أشربوا الروح الإسلامي ما يضمن لنا خلق الملائكة من أولئك الشياطين!

بقيت كلمات عن لغة المأساة، وعن مطابقة وقائعها لما انتهى إليه المحققون من مؤرخي التاريخ الإسلامي، وعن الروح التي أملت على المؤلف اختيار هذا الموضوع بالذات

ص: 18

فأما لغة المأساة فمتوسطة؛ ولن يضير أبا حديد الشاب الذي نظمها سنة 1918 أن يقال هذا في لغة مأساته. وسنقول إنه كتب خسرو وشيرين بأسلوب أحسن سنة 1933 ويسرنا أن نقرر مع هذا أنه لا يوجد في أسلوب أبي حديد الشاب إسفاف قط

وأما مطابقة وقائعها للحقائق التاريخية فقد حاك في نفسي شيء من ذلك، ولو أنني أكتب في غير موضوع الشعر المرسل لخضت في هذا الحديث. وقد يكون في كلامي على هذا النحو شيء من التشكيك أظلم به المؤلف. . . ولكن. ليطمئن. . . فلم ينته المؤرخون في أمر عثمان وعلي ومعاوية بشيء، ولا يزالون مختلفين. . .

أما الروح التي أملت المأساة، فهي من غير شك فخر الشباب المصري المؤمن المسلم الحديث. . . الشباب الذي يؤمن بأن مأساة عثمان هي مأساة العالم الإسلامي كله.

(يتبع)

دريني خشبة

ص: 19

‌أوزان الشعر

2 -

الشعر الأوربي

للدكتور محمد مندور

الشعر الارتكازي

نأخذ لهذا النوع بيتاً من الشعر الإنجليز وليكن مطلع (مرثية في مقبرة بالريف) لتوماس جراي.

نجده مكوناً من ست تفاعيل إيمابية وكل تفعيل مكون من مقطع غير مرتكز عليه ومقطع آخر مرتكز عليه وإليك وزنه مع رمزنا للارتكاز بالعلامة (-) وترك غير المرتكز عليه بدون علامة:

- ? -

وما على القارئ الذي يريد أن يحس بوزن البيت إلا أن يقرأه مع المرور بخفة على المقطع الغير المرتكز عليه والضغط على المقطع الذي يحمل الارتكاز

ومن البين أن ما يميز هذه المقاطع بعضها عن بعض ليس كمها كما قال الأستاذ خشبة بل الضغط الواقع على بعضها. وإما أن هذا الضغط قد يزيد من كم المقاطع التي يقع عليها فهذه مسألة تابعة لا يمكن أن تغير من طبيعة هذا الشعر الذي يعتبر إيقاعياً قبل كل شيء. ومن الملاحظ بوجه عام أن اللغة الإنجليزية بوجه عام لغة إيقاع إذا قيست بلغة سيالة كاللغة الفرنسية.

الشعر المقطعي

هذا النوع من الشعر خاص باللغة الفرنسية، وسبب وجوده هو ما أشرنا إليه من قبل. فاللغة الفرنسية كما هو معلوم تطور للغة اللاتينية على نحو ما تطورت لغتنا العامية عن اللغة الفصحى مع المحافظة على النسب. ولقد كانت اللغة اللاتينية كما رأينا لغة كمية تتميز مقاطعها بعضها عن بعض بالطول والقصر، ولكن اللغة الفرنسية فقدت هذه الخاصية كما فقدت الارتكاز أيضاً. فكل لفظة لاتينية كانت في العادة تحمل ارتكازاً على المقطع السابق

ص: 20

للأخير، وذلك ما لم يكن هذا المقطع قصيراً فإن الارتكاز يسمو في هذه الحالة إلى المقطع الثالث من الآخر. ولكن هذا الارتكاز سقط من الفرنسية بسقوط الكثير من أواخر الكلمات اللاتينية الأصل

فقدت اللغة الفرنسية إذن الحكم والارتكاز. فعلى أي أساس يقوم إذن الشعر فيها؟ والواقع أن موسيقى الشعر الفرنسي ليست في جوهرها موسيقى إيقاع ولكنها موسيقى سيالة دقيقة، ومع ذلك فالأمر فيها ليس أمر مقاطع متشابهة. كل عشرة. أو اثني عشر أو غيرها تكون بيتاً من الشعر. بل لا بد أن يكون هناك تقسيم لهذه المقاطع في وحدات موسيقية إيقاعية إلى حد ما. فالوزن الإسكندري مثلاً ينقسم عند معظم الشعراء الكلاسيكيين إلى أربع وحدات كبيت راسين:

، '

وفيه ترى كل تفعيلة مكونة من ثلاثة مقاطع (حرف في أخر كلمة يحذف في القراءة). ولكن هذه المقاطع لا يتميز بعضها عن بعض بكم ولا ارتكاز، وإنما يأتي الإيقاع من وجود ارتكاز شعري على آخر مقطع من كل تفعيلة وقد رمزنا له بالعلامة (-). وهذا الارتكاز كما قلنا ارتكاز ضغط وارتفاع معاً في التفاعيل الثلاثة الأولى ارتكاز ضغط فقط في التفعيل الأخير لسقوط الصوت عند الوقف

هذا هو التقسيم الثالث عند الكلاسيكيين. وأما الرومانتيكيون فقد اعتزوا بالتقسيم الثلاثي، ففكتور هيجو نفسه قد افتخر بتمزيق أوصال الوزن الكلاسيكي لهذا البحر في بيت ثلاثي شهير هو:

، '

وهو مقسم كما ترى إلى ثلاث تفاعيل، كل تفعيل أربعة مقاطع، وأما عن الإيقاع فيأتي من الارتكاز على أواخر الجمل كما ذكرنا بالنسبة للبيت السابق

هذا والتفاعيل الفرنسية ليست دائماً متساوية في عدد مقاطعها. وقد كتب الأستاذ الكبير جرامو كتاباً هاماً جداً بعنوان ، وفيه يظهر أن التفاعيل الفرنسية وإن لم تكن متساوية في الكتابة إلا أنه من الواجب أن نقرأها كأنها متساوية. فعدم التساوي هذا قد ساقت إليه غريزة الشعر عند الموهوبين من الشعراء عندما أحسوا بأنه لا بد من أن تسرع

ص: 21

القراءة أو تبطئ لتترجم ترجمة صحيحه عن مشاعرهم المتباينة. وإذن فمن واجب القارئ أن يسوي بين التفاعيل في كمها الزمني ثم يبحث بعد ذلك عن العلة فيما اضطر إليه من إسراع أو تباطؤ

هذه أنواع الشعر الأوربي الثلاثة: كمي وارتكازي ومقطعي. ومن الممكن أن نستخلص منها عنصرين عامين يقوم عليهما كل شعر وهما 1 - الكم 2 - الإيقاع

أما الكم فنقصد به هنا كم التفاعيل التي يستغرق نطقها زمناً ما. وكل أنواع الشعر لا بد أن يكون البيت فيها مقسماً إلى تلك الوحدات. وهي بعد قد تكون متساوية كالرجز عندنا مثلاً، وقد تكون متجاوبة كالطويل حيث يساوي التفعيل الأول التفعيل الثالث والتفعيل الثاني التفعيل الرابع وهكذا

ولكن هذا الكم الذي يسمى في الموسيقى لا يكفي لكي نحس بمفاصل الشعر. فلا بد من أن يضاف إليه الإيقاع المسمى

ولكي نضمن تحديد الفهم نعرف الإيقاع؛ فهو عبارة عن رجوع ظاهرة صوتية ما على مسافات زمنية متساوية أو متجاوبة. فأنت إذا نقرت ثلاث نقرات ثم نقرت رابعة أقوى من الثلاثة السابقة وكررت عملك هكذا تولد الإيقاع من رجوع النقرة القوية بعد الثلاث نقرات الأولى، وقد يتولد الإيقاع من مجرد الصمت بعد الثلاث نقرات الأولى

لا بد إذن أن تكون هناك ظاهرة صوتية متميزة تحدث في أثناء نطق كل تفعيل وتعود إلى الحدوث في التفعيل الذي يليه. والأمر في الشعر الارتكازي واضح. فالارتكاز نفسه كما يميز بين المقاطع يولد كذلك الإيقاع. أما الشعر الكمي فقد أحس القدماء بأن مجرد عودة مقطع طويل بعد مقطعين قصيرين مثلاً لا يكفي لإيضاح الإيقاع فدلونا على أن هناك ارتكازاً شعرياً يقع على مقطع طويل في كل تفعيل ويعود في نفس الموضع تقريباً من التفاعيل الأخر. وكذلك الأمر في الشعر الفرنسي فهم لم يكتفوا بتقسيم البحر الإسكندري مثلاً إلى تفاعيل متساوية في الكتابة والقراءة معاً أو القراءة فحسب، بل أضافوا إليه وجود ارتكاز ضغط وشدة، أو ضغط فقط في آخر كل تفعيل وعودة هذا الارتكاز على مسافات زمنية محددة هو الذي يولد الإيقاع. ولكنه لما كان إيقاعاً قليل العدد خفيف الوقع، فإن الشعر الفرنسي لا يعتبر بالنسبة للشعر الإنجليزي مثلاً شعراً إيقاعياً بل شعراً سيالاً كما قلنا

ص: 22

والآن أين يقع الشعر العربي من كل هذا؟ للجواب على هذا السؤال يجب أولاً أن ننقض مذهب الخليل من أساسه وهذا ما سنحاوله في المقال الآتي.

محمد مندور

ص: 23

‌الفاكهة المحرومة

للأستاذ سيد قطب

- 1 -

من هذه التي أتشهاها وهي مني قريبة، وأتمناها وهي على قيد خطوة، وأحلم بها وهي على مرأى ومسمع، وأدنو منها فلا أقترب، وأملأ منها يدي، فإذا يداي منها فارغتان؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 2 -

من هذه التي تلوح كالسراب، تظمئ الحس وتروي الخيال، وتطمع النفس ونيلها محال؛ وتتراءى قريبه مني أبداً، بعيدة عني أبداً، كأنها خارجة من قيود الزمان والمكان؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 3 -

من هذه الأسطورة الخرافية، التي لا تتجسم في حياتي فتريحني، ولا تنأى عن طريقي فتريحني؛ ولكنها تتخايل لي حيثما توجهت، تسد الطريق على سواها ومكانها خلاء، وتدعني هكذا في الحياة معلقاً بين الأرض والسماء؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 4 -

من هذه التي تبعد عني فأشتاقها، وتقرب مني فأشتاقها، وأهرب منها لأعوذ بها، وأبلغ نهاية السخط لأبلغ غاية الرضا، وتختلط أحاسيسي بها فتفقد أسماءها التي تعرفها اللغة ويتعارفها الناس؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 5 -

من هذه التي تزدحم نفسي بالخواطر حولها، فإذا تحدثت إليها تحدثت في تفاهات لا صلة لها بهذه الخواطر، فإذا هذه التفاهات مليئة ثمينة، وإذا في هذه التفاهات ري وشفاء، كأنما

ص: 24

انسابت فيها تلك الخواطر، فأفعمتها نبضاً وحياة؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 6 -

من هذه التي أسمعها تضحك أو تقفز من بعيد، فيشع ذهني بالسنى، وتفيض نفسي بالحياة، وتطيف بي رؤى من السعادة. وأراها ذابلة أو هامدة، فأتهالك وأنهد، وأحس بوقر السنين على عاتقي؛ وأعجز عن مواجهة الحياة؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 7 -

من هذه التي لها حساب معلوم في كل ما أفكر وكل ما أقدر، وكل ما أرسم من خطة أو أتخيل من رجاء. فما أستطيع أن أتصور الحياة إلا وهي معي، وما أستطيع أن ألمح خطوي إلا وخطوها معي؛ فإذا حاولت أن أتخيل لها طريقاً غير طريقي تشتت الذهن واضطرب الخيال؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 8 -

من هذه التي أحس من أعماقي أنها خلقت لي وأنني خلقت لها، فإذا أنا حاولت تجسيم هذا الإحساس، قامت في وجهي العراقيل، واعترضت سبيلي الأشواك، وهتفت بي من اتجاه: مكانك!

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 9 -

من هذه النابتة في ضميري كما تنبت الزهرة في الغصن، الشائعة في كياني كما يشيع الدم في الجسم، المتغلغة في حياتي كما تتغلغل الحياة في الأحياء، المنتشرة في عالمي كما تنتشر الظلال والأضواء؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 10 -

ص: 25

من هذه التي لا يؤذيني أن أراها تألم لأجلي، ويلذ لي أن أراها تألم لأجلي؛ وتتولى على حسي ضروب المشاعر التي تتوالى على حسها كالترمومتر الحساس، وتنعكس على نفسي ظلال خطراتها الخفية في شتى الأحوال؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 11 -

من هذه التي ينطلق في كياني تيار من الكهرباء حين أمسها في لمسة، أو ألتقي بها في نظرة، أو أحلم بها في خيالي؛ فإذا كياني كله يهتز، وتمتزج فيه الأحاسيس المتضادة، وتتوفر فيه المشاعر والجوارح، ويشتعل فيه الحس والوجدان؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 12 -

من هذه التي أكره الحياة من أجلها، وأحب الحياة من أجلها، واندفع في كل اتجاه ثم أعود في النهاية إليها، أستمد منها الحياة.

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 13 -

من هذه الصبية العجوز التي ترنو كطفلة، وتتحدث كقهرمانة، وتشهق بالدمع فتخالها تتطلب الحلوى، وتتعمق الحياة فتحسبها فيلسوفة، وتفرح بالجديد كالطفل الغرير، وتزهد في الدنيا كالراهب الشريد؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 14 -

من هذه التي يخيل إلي في بعض اللحظات أن أناغيها وأربت عليها لتنام، وفي بعض اللحظات ألتمس عندها العطف والحنان، وإنها لصادقة في الأولى صادقة في الأخيرة، وفية للحياة في جميع الأحوال؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

ص: 26

- 15 -

من هذه التي أضمها مرة فتخنس كالطفلة، وأضمها مرة فتنساب كالأفعى، وأضمها مرة فتنقلب كالغزال؛ وهي في كل حالة تفعمني بالحب والحنان، وتغمرني بالفيض والحياة؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 16 -

من هذه القديسة المغرية في آن، الطاهرة الساحرة في آن العبقرية القلب والجسد، المثيرة الحس والوجدان؛ التي يتلقى فيها الغي بالرشد والحيوان بالإنسان؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 17 -

من هذه الممشوقة كتمثال فتان، المنسقة كأنها فكرة فنان، الساكنة كأنها في خشوع، المتدفقة كأنها ينبوع، الهادئة العمات، الحارة الخلجات، التي تلتقي فيها الأضداد في انسجام؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 18 -

من هذه الأنثى بالحس، الفنان بالروح، الراهبة بالفكر، القديسة بالوجدان، المخلص لحواء في كل آن، حتى وهي تثور على حواء، وتسخط على بني الإنسان؟

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 19 -

من هذه التي لا أرتوي إلا بها، ولا أحيا إلا بإشعاعها؛ ثم يقتلني الظمأ وهي مني قريبة، وتخذلني الحياة ويداها إلي ممدودتان؛ فإذا أنا ثرت على هذا الحرمان، وتمردت على هذه الحواجز، قهقه القدر الساخر، ودوت بضحكه الأرجاء

إنها الفاكهة المحرمة. . .

- 20 -

أيها القدر. لماذا وضعتها في طريقي، ولماذا جعلتها فاكهة محرمة؟ إنني أسمع أيها القدر

ص: 27

حكمك الصارم الساخر:

مكانك! إنها الفاكهة المحرمة. . . وكفى

سيد قطب

ص: 28

‌أمتع قصص الحب في الأدب الفرنسي

الأميرة دكليف

للأستاذ صلاح الدين المنجد

- 1 -

كان الحب في القرن السابع عشر، قرين البطولة وخدين الشرف؛ فكان إذا هام فؤاد الفارس بمن أحب، ولذعه الشوق ودلهه الحب، عمد إلى البطولة يجعلها ثمناً لحبه ووسيلة إلى هواه؛ فإذا أوتي العزم الشديد والقلب الحديد، ونال طيب الأحدوثة وبراعة الفروسية وشرف النقيبة، وكان فحلاً لا يقرع أنفه ولا يطعن عليه، متع بالحب، وذاق مودة الحبيب

ولأميرة دكليف تمثل ما ذكرته وتبين ما وصفته. ولعل من الخير، قبل أن نقصها عليك، أن نتحدث عن مؤلفتها مدام دلافاييت لأن في حياتها من الطرافة، ما في روايتها من الجمال. والحق أنها كانت من نوادر النساء. تلقت في يفاعتها وصباها أرفع ثقافة يمكن أن تتلقى في ذلك الزمان، فتخرجت على الشاعر المشهور ميناج فثقفها وأدبها. سرعان ما ظهرت رهافة ذوقها، ورصانة عقلها ورشاقة كتابتها، وتخطت العشرين ولما تتزوج فاضطرت أن تبحث عن زوج لها فصادفت يوماً الكونت دلافاييت، وكان كريم المحتد، طيب العرق، ضئيل العقل، فتزوج بها وحملها إلى مزارعه في الضواحي، يبتغي معها عيشاً يقطعه بالنعيم. ولم يستطع أن يستهويها فلم ترض عنه، فهجرته وقصدت إلى باريس، وهناك صادقت هنرييت دانجلترة ' فأحبتها، فكانت تغشى بلاط لويس الرابع عشر وتقطع الأيام والليالي معها، حتى إذا قضت هذه، حزنت عليها، وجفت البلاط وأهله، واعتزلت الناس.

وذاع في باريس صيت مدام دلافاييت، وعرفت بذكائها وفطنتها. ولم تلبث أن أصبحت مهوى الأنفس، وبغية الشعراء والكتاب، أشباه (هويه و (ميناج و (لافونتين ولكنها كانت عزوفاً عن كل ضجة، أنوفاً من الظهور. كانت تحلم بالحب، وتعجب بالبطولة وكانت تحب الهدوء والسكينة، تستلقي على سريرها الأرجواني الموشي، فيتحلق أصدقاؤها

ص: 29

ومطروها حوله تفتنهم بالسحر والذكاء، ويفتنونها بالثناء والإطراء

وعرفها (الدوق دلار وشفوكولد وكان مغامراً، تبع نساء. وكان الناس جميعاً يلهجون بذكره، وقليل منهم من رآه. فاتصل بها وهي تذرف على الخمسين. ترى أكان صديقها أم عشيقها؟ ومهما يكن من أمره، فقد قضى بقية حياته معها. فكان يزورها في قصرها كل يوم؛ وكان في هذا القصر بركة ينصب بها الماء، ونافورة تنفر منها إلى الفضاء، وخلوة مغطاة بالأعشاب والأزهار. فكانت تقضي الليالي والأماسي معه، تحت العشب والزهر. وقد تأتي، بعض الأحايين، مدام دسيفينيه فيجتمعون معاً، ويثرثرون على حفافي سريرها الأحمر الموشي تارة ويتحدثون في الخلوة المزهرة، أمام البركة تارة أخرى.

ومن العجب أنها كانت تنقد حكم عشيقها أو صاحبها أحد النقد. كان لديها نسخة منها. وكانت تعلق عليها وتكتب في الهامش (هذا حق، وهذا جيد) فإذا سخرت منه كتبت (هراء، خلط، كلام مبتذل!). ولقد قرأت يوماً قوله: (إن ما يسميه الرجال صداقة، ليس سوى تجارة يكون للأثرة مطمح فيها ومربح. . .). فكتبت بجانبها: (هذا يصح في الصداقة العامة، لا في الصداقة الحق). وقرأت مرة قولة: (مهما ندر الحب، فإنه أندر من الصداقة الصحيحة) فقالت: (أعتقد أنهما متساويان في الندرة، لأن في الحق حباً، ولأن في الحب الصحيح صداقة). وكتب (إن الذي يجعل كثرة النساء لا يتأثرن بالصداقة، هو أن الصداقة تصبح لا طعم لها عندما يذقن طعم الحب). فأجابته: (لا، بل لأن في الحب من كل شيء: فيه من العقل، ومن القلب، ومن الجسم)

لقد تصادقا وأثر كل منهما في الآخر. لقد قالت: (منحني الفكر، ولكني هذبت قلبه وأصلحته!)

ومن الطريف أن تتمثل هذا الدوق الحكيم، ذا الوجه الجهم، والعينين الذرافتين، وبجانبه تلك المرأة اللطيفة، يؤلفان الروايات، ويتجاذبان أطراف الأحاديث. يذكران أيام لهوهما، فيقص عليها مغامراته يوم كان ريان الشباب، وتحدثه عن سحرها يوم كانت في رونق الصبى

تلك هي قصة حياتها، وإنها لقصة تثير الأسى. لقد حلمت بالحب والبطولة فلم تذقهما. وأحبت صديقتها هانرييت ففجعها الموت بها؛ ثم هي تلقي لاروشفو كولد، وقد تقضى شبابه

ص: 30

وذوى غصنه. شد ما تمنيا لو التقيا في ريعان صباهما. إذن لرواها الهوى ولأرته فعل السحر.

وفي عزلتها وبجانب لاروشفو كولد، كتبت مدام دلافاييت روايتها (الأميرة دكليف)

- 2 -

وقرأ الناس قصة الأميرة ولهجوا بذكرها، وصارت أحدوثة الكتاب والشعراء والنساء في المجالس والأنداء والأسمار. ولقد كانت خليقة بأن تشغل الناس، لأن الأهواء التي تتضافر فيها على قلب امرأة غض، فتخيرها بين زوجها وحبيبها، تثير الدهشة والعجب. فهنا زوجها جاف القلب كما تراه، وهناك حبيبها يبدو لعينيها غزلاً بطلاً جميلاً. وأخذ الأدباء يسألون (بوسي رابوتان نقادة ذلك الزمان عن رأيه فيها. فكانت الرسائل تسرع إليه يسأله أصحابها:(أقرأت الأميرة دكليف؟ كيف رأيتها؟ هل أعجبتك؟)

إن فيها نزاعاً قوياً بين الحب والواجب لا يقوى عليه النساء، ونضالا عنيفاً قد يتخاذل دونه الرجال، وشرفا لا يذود عنه إلا من كان ذا عزم ومضاء. وبرغم ذلك، فإن الأميرة دكليف تغلبت على هواها ولم تضعف في نضالها، وحافظت على شرفها ونبالتها.

هانحن أولاء في قصر الملك هنري الثاني، نجد آنسة صاغها وصقلها الترف، كان اسمها (شارتر)، وكانت ذات ذكاء وأناقة وجمال. يتزوج بها الأمير دكليف، وكان نبيلا مهذباً فيحبها. ولكنه كان يعجز عن إظهار حبه لها، ولا يبرع في إغرائها وإرضائها، وكانت جياشة العواطف ملتهبة الإحساس، تتحرق على ذواق الحب؛ هذا الحب الذي سمعت به، ولكنها لم تعرفه، ولم تدر كيف يكون ولا أين تجده. وتقام في اللوفر حفلة يرقص فيها النساء والرجال، تحضرها الأميرة، ويحضرها الفارس (دنيمور زين الفرسان، وحلية الشبان، وأكثر رجال البلاط لباقة وأناقة. ويلمحها فيشخص إليها بصره ويفتن قلبه، ثم يسعى إليها فيتراقصان. وينظر إليها نظرات كلهن شباك وإغراء؛ فتهتاج وتضطرب، ثم تسارقه النظرات، فيخفق قلبها وتحمر وجنتاها، فتفر منه وقد علمت أنه الحب

وشغل الفارس خاطرها، فسهرت الليل، (وليل المحب بلا آخر). وذرفت الدمع (ودمع العاشق لا ينفد). إنه فارس فتان، كيف تصل إليه، وكيف يضمها بين ذراعيه!

وكتمت الأميرة حبها، وسعت للقياه. ولقد دعيت ليلة إلى حفلة رقص أخرى فاعتذرت عن

ص: 31

الذهاب، لأن فارسها لن يذهب إليها. واندفعت في الحب، ولكنها أجفلت ذات يوم، وقد بدا لها سوء ما صنعت. أتخون زوجها؟ إنه زوجها مهما كان من أمره، ولابد من الوفاء. وأفزعتها وخزات الضمير ولذعات الوجدان، وخافت العار، ولكن قلبها لج في شعاب الحب فظل وتاه. كيف ترضي قلبها الجامح، وكيف تفي لزوجها المطمئن؟ ولا تسل عن الأرق والسهاد، والأسى والبكاء، والحنين والأنين، والحسرات والآهات. لقد أحبته حباً صرفاً خالصاً. أفتجمع بين حبين، وكيف تغالب الوله وتدفع الشوق، وتفر من الحبيب؟

وقررت بعد عذاب ونصب، أن تحدث زوجها بحبها. وتسأله إن كان يرى في ذلك حرجاً

وتخلو الأميرة بزوجها. وإنه لمشهد من أروع مشاهد الحب. مشهد فيه من بطولة كورنيل ورقة راسين. إنها مفتونة بفارسها، والألم يفترسها، وإنه محب لها مطمئن إليها. هي تريد أن تخبره لئلا يمس شرفه، وهو يجهد كل الجهد لينجو من الوساوس، ويعلم أنها لن تخونه

لقد ظن أن صراحتها تدفعه إلى الإعجاب بها وإكبارها ولكن هذه الصراحة أنضجت في صدره الحقد والحسد والغيرة فما تكاد تحدثه بطرف خاشع، وقلب خافق، وعين دموع، حتى يشده ويبهت، ثم يصمت ولا يشكو، ويأس بعد أيام فيموت

وهاهي ذي الآن وحدها، قد خلا من كانت تخشى أن يعر شرفه. فلتسرع إلى فارسها الجميل، لتنعم بين ذراعيه؛ ولكن الأمر ليس كما ظنت. لقد سعى هو إليها، وتقرب منها فصدت عنه، وأراد أن يتزوج بها فطردته. لقد اعتقدت أن عليهما، هي وفارسها، التبعة في موت زوجها. وأن أحسن ما تكفر به عن ذنبها هو البعد عمن تحب. فاعتزلت الناس وعاشت وحدها. الحب في قلبها يهيج ويشتد، وهي تصبر وتتألم لا تستطيع أن تفرح القلب بالوصال. ثم تموت الأميرة حزينة، تحلم بالحب، وتفي للزوج

تلك هي قصة الأميرة دكليف تدور حول حب عنيف يبعثه الإعجاب بالفروسية والبطولة والجمال، ووفاء شديد يقتضيه الواجب وحفظ العهد؛ فيتغلب الوفاء على الحب، وتقضي الأميرة ينهشها الحزن ويذيبها الحنين، ويتحدث الناس عنها، ويتكلمون عليها، ولكنهم، جميعاً، يعجبون بها ويطرونها، ثم يرددون وهم يبتسمون:(ما أنبلها! لقد كانت أميرة شريفة)

(دمشق)

ص: 32

صلاح الدين المنجد

المحامي

ص: 33

‌8 - الإسلام والفنون الجميلة

للأستاذ محمد عبد العزيز مرزوق

ترى كيف أثرت هذه النظم الإسلامية الثلاثة - النقابات والحسبة والوقف - في الفنون الجميلة؟

أما نظام الوقف فنحن ندين له كما ذكرنا بمعظم ما وصل إلينا من روائع التحف والآثار الإسلامية، ويكفي أن نضيف إلى ما تقدم أن كثيراً من تحف دار الآثار العربية كانت موقوفة على المساجد. فهذا النظام ضمن استمرار نشاط المهندسين والصناع والفنانين، كما ضمن أيضاً اطراد حركة التطور في الفنون المختلفة لاسيما تلك التي تتصل بالمساجد من بناء وصناعة وزخرف. فلولا تلك الأموال التي وقفت على العناية بالمنشآت الإسلامية المختلفة لضاع هذا التراث الفني العظيم. على أن لنظام الوقف فضلا آخر لا يصح إنكاره، هو تلك الوقفيات التي حبست فيها الأعيان المختلفة فقد تضمنت وصفاً دقيقاً لهذه الأشياء يجد فيه اللغويون والمشتغلون بالآثار الإسلامية معيناً لا ينضب من الإصلاحات الفنية التي تنير لهم سبل الدراسة

وأما نظام الحسبة والنقابات فينحصر أثرهما في تحسين المنتجات الصناعية والعمل على رفع مستواها، والعناية بإخراجها في أحسن صورة ممكنة. ففي ظل النقابات وبإشراف (المحتسب) خطت الصناعات الإسلامية خطوات واسعة في سبيل الرقي، حتى بلغت الغاية القصوى، وعندئذ سمت في دائرة الصنعة المألوفة إلى مستوى الفن الجميل. ولكي يكون هذا التطور واضحاً نضرب له مثلاً بالآنية التي تصنع لتمسك الطعام أو الشراب فهي تظل وسيلة تستخدم في هذا الأمر ما لم يفتن الإنسان في صنعها وزخرفتها، ويبذل الوسع في تجميلها وتنسيق ألوانها؛ فإذا ما وصلت إلى الكمال في ذلك أو قاربته غادرت موائد الطعام لتتصدر قاعات الاستقبال متخذة مكانها بين التحف الجميلة. وعندئذ تتغير نظرتنا إليها فننسى وظيفتها الأولى ولا نذكر عنها إلا أنها شيء جميل يمنحنا التأمل في محاسنه لذة لا تعد لها لذة

رأينا إذن كيف أن الإسلام وقف من الفنون الجميلة موقفاً يختلف عن مواقف الأديان السابقة عليه، فهو لم يستخدمها في دعوته كما فعلت الوثنية والمسيحية، ولم ينكرها كما أنكرتها

ص: 34

اليهودية؛ ولكن أثر فيها ببعض توجيهاته ونظمه. لقد وقف على طبيعة الإنسان، وعلى ما يضطرب بين جنبيه من النزعات وما ركب فيه من الغرائز والميول فلم يحاول كبتها بإلزامه الوقوف عند حد الضروري اللازم لبقائه، بل ترك يلبي ما تنطوي عليه نفسه من غرائز السمو دون أن يعترض سبيله أو يحد من نشاطه فمهد له بذلك سبيل الوصول إلى أقصى ما قدر له من التقدم المادي. لفت نظره إلى ما يحيط به من المخلوقات، وشحذ فيه قوة الملاحظة وهي عماد الفن الجميل، وذكره بالحياة الدنيا وما لها عليه من الحق (ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) وبصره بما في الوجود من زينة وحببها إليه (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).

هذا التسامح الذي عرف عن الإسلام في كل ما يتصل بمباهج الحياة ومتعها، ما دامت لا تتعارض مع أصوله في شيء، وما دامت لا تخرج عن دائرة الاعتدال، دفع بالمسلمين إلى الإقبال على الفنون الجميلة بنفس راضية مطمئنة، وجعلهم يزاولونها بقلوب مثلوجة وأفئدة هادئة، فأخرجوا للعالم ذلك الفن الرائع الذي فيه للفكر متعة وللنفس لذة وغبطة ذلك الفن الذي أثر في الفنون المعروفة على عهده من شرقية، وغربية.

ولقد اعترف علماء الآثار من الغربيين بما ترك الفن الإسلامي في فنون بلادهم من آثار واضحة: فالحروف العربية والزخارف الإسلامية نباتية كانت، أو هندسية قد لعبت جميعها في فنون أوربا دوراً هاماً. ومصنوعات المسلمين: من خزف وزجاج، ومعادن، وعاج ومنسوجات، وسجاد كلها كانت مثلاً تحتذى في بلاد الغرب.

(انتهى)

محمد عبد العزيز مرزوق

الأمين المساعد بدار الآثار العربية

ص: 35

‌البريد الأدبي

إلى الأستاذ ا. عكاوي

سلام الله عليك ورحمته، وبعد فقد كتبت (في الرسالة) تثير علي مشكلة جديدة وهي مشكلة الخط العربي، ولم نفرغ بعد من مشكلة تعليم اللغة العربية، ولكن مشكلة الكتابة العربية لما كانت تتصل بمشكلة تعليم اللغة كان الحديث عنها فرضاً لازماً على من يتكلم عنها

أراك تؤمن معي أنه لا سبيل إلى تعليم اللغة إلا من طريق تحصيل ملكتها بالقراءة والتكرار، ولكنك تستبعد حصول الملكة من طريق القراءة، لأن الخط العربي ليس أميناً أمانة مطلقة يصور لنا الكلام تصويراً لا لغز فيه ولا إبهام

وفي الحق أن الخط العربي بدون ضبطه بالشكل ليست فيه هذه الأمانة المطلقة لا في ضبط بنية الكلمة ولا في ضبط آخرها؛ فكلمة (بزر جمهر) يمكن أن تقرأ على وجوه بقدر ما فيها من حروف مضروبة في أوجه الحرف من ضم وفتح وكسر وسكون، ولا يعبر عن الواقع إلا وجه واحد، ولكن هذه الصعوبة تسهل بعض الشيء في طريقتنا الحديثة لأننا نوجب أن تكون كتب تعليم اللغة في القسم الابتدائي والثانوي مضبوطة بالشكل والإعجام وهي بذلك أمينة أمانة مطلقة على تصوير الكلمات على ما هي عليه، فإذا قرأ فيها التلميذ وحفظ منها فاكتسب ملكة اللغة اكتسبها صحيحة غير ملحونة ولا مغيرة، ولا عليه بعد أن يقرأ في الصحف والمجلات، والكتب التي ليست مضبوطة بالشكل، لأنه يقرأ فيها بما معه من ملكة

وإنما قلت تحل المشكلة بعض الشيء، لأنها تحل مشكلة أواخر الكلم التي وضع من أجلها علم النحو وتحل مشكلة الكثير من ضبط بنية الكلمة وهي الكلمات المستعملة الواردة في هذه الكتب

أما الكلمات الغريبة فهذه تحتاج إلى ضبط كما تحتاج في الغالب إلى معرفة معانيها فلا بد من الرجوع إلى القواميس والمعاجم اللغوية

ومن حسن الحظ أن المطابع أخرجت لنا كتباً مضبوطة بالشكل كالكامل للمبرد والكتاب لسيبويه، وهذه تعين على ضبط مفردات كثيرة من مفردات اللغة

فأنت ترى أن طريقتنا التي ندعو إليها ليست عظيمة البركة على اللغة وحدها بل هي

ص: 36

عظيمة البركة على الخط العربي أيضاً تكمل نقصه وتذلل كثيراً من صعوباته

وإني أشكر لك عنايتك باللغة العربية المحبوبة واهتمامك بما ينشر عنها من إصلاح، وثناءك على جهد الرسالة الغراء في النشر والبلاغ

أسأل الله أن يعيننا على حل مشاكلنا تحت ضوء العلم، وأن يعين الأمة على قبول الحق من أهله، والانتفاع بما يبذله لها المخلصون من نصح وإرشاد، وأن يعين مجلة الرسالة على إبلاغ الحق، وتأدية الأمانة

محمد عرفة

فهارس مبوبة الآيات القرآن الكريم

يخطئ بعض الكتاب حين يستشهدون في عرض كلامهم بآياية أو آيات من القرآن الكريم؛ ويرجع ذلك إلى عدم حفظهم للقرآن أو لعدم إجادة الحافظين منهم لما يحفظون؛ وترى في الصحف والمجلات تصحيحاً لهذه الآيات التي وردت في أثار الكاتبين غير صحيحة أو محرفة

وقد كان يلتمس لهؤلاء الكتاب عذر لو لم تكن هناك كتب خاصة في ترتيب آيات القرآن. وقد كان ذلك مقبولاً قبل أن توضع هذه الفهارس القرآنية التي تسهل على الراغبين طريق الرجوع إلى الآية الكريمة في موضعها من الصحف. أما الآن وقد ظهرت فهارس منظمة لآيات القرآن، فما عذر هؤلاء الكتاب الذين لهم في كل يوم تحريف لكلام الله عن موضعه؟

وقد وضعت للتوراة والإنجيل فهارس منظمة، وانتفع بها كتاب المسيحيين حين يحتاجون إلى الاستشهاد بآيات العهدين القديم والجديد. فما بالنا لا نستعمل فهارس كتابنا الكريم؟ وما بال كل كاتب عربي لا يضع بجانب مصحفه كتاباً من كتب فهارس القرآن، حتى يورد الآيات إيراداً صحيحاً. وبذلك تسلم كتاباتنا ومقالاتنا من خطأ الاستشهاد وخلط الإيراد

ومن كتب الفهارس للقرآن (ترتيب زيبا) وهو مطبوع في استانبول. وكتاب (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) وهو مطبوع في ألمانيا، و (كتاب فتح الرحمن لطالب آيات القرآن) وهو مطبوع في المطبعة الأهلية ببيروت منذ أربعين عاما. وهناك كتاب آخر للشيخ محمد منير الدمشقي الناشر المعروف

ص: 37

وهناك من فهارس القرآن ما رتب بحسب الموضوعات لا بحسب الآيات كالفهرس النفيس الذي وضعه (جون لابوم) الفرنسي وترجمه إلى العربية الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي.

وفي بعض هذه الفهارس عيوب (كترتيب زيبا) فإن الرجوع إليه لا يسهل إلا على حفظة القرآن، لأنه لا ينتفع به إلا من عرف أوائل الآيات، مع أن فكرة الفهارس القرآنية هي تسهيل الرجوع إلى غير الحافظين

أما (نجوم الفرقان) فقد أحاط بكلمات القرآن الكريم كلها، وأشار إلى موضع الكلمة من الآية وموضع الآية من السورة، ألا إنه جرى في الترتيب على غير طريقة المعاجم العربية، وكثيراً ما خلط بين مادة ومادة، فكلمة (مرضى) جمع مريض وضعت في مادة (رضى) والصواب وضعها في (مرض). وكلمة (استبقوا) وضعت في مادة (بقى) وصوابها (سبق) لأنها من الاستباق بمعنى السبق

أما فهرس محمد منير الدمشقي فهو - في الغالب - لأوائل الآيات فقط، فلم يحط بكل كلمات القرآن كما صنع السيد علمي زادة فيض الله المقدسي في كتابه القيم (فتح الرحمن لطالب آيات القرآن) وهو أوفى وأوسع وأكمل كتب الفهارس لآيات الذكر الحكيم.

محمد عبد الغني حسن

استدراك

نشرت الرسالة في عددها 512 الصادر بتاريخ 26 أبريل سنة 1943 تحت عنوان (الحديث ذو شجون) بحثا للدكتور زكي مبارك جاءت فيه العبارة الآتية في معرض الكلام عن جلالة المغفور له فيصل الأول: (وأصغيت بأذني وبقلبي إلى الصوت الذي قال: من غفلة العرب أن ينسوا الأهواز. مع أنها أحق بالعطف من فلسطين)

وقد اتصل بنا أن هذه العبارة لم ترق في نظر بعض إخواننا الإيرانيين.

ولسنا في حاجة إلى القول بأننا من أحرص الناس على شعور إخواننا الإيرانيين الذين نعتبرهم كأنفسنا، وإننا ممن يؤمنون بضرورة المحافظة على ما يربط القطرين الشقيقين مصر وإيران من علاقات مودة وإخاء، وعلى تدعيم هذه العلاقات

وقد أردنا بهذا الاستدراك وضع الأمور في نصابها وإثباتاً لحسن النية وإبعاداً لسوء القصد

ص: 38

شعراؤنا والناقد العبقري

جاءنا رد من الأستاذ دريني خشبة، تحت هذا العنوان، على الدكتور محمد مندور، وقد ضاق نطاق هذا العدد عن نشره، وسيظهر في العدد القادم

تصويب

جاء في مقال (الشعر الأوربي للأستاذ محمد مندور بعض أخطاء مطبعية، ننشر صوابها فيما يلي: العمود الأول، الصفحة الأولى، السطر الرابع: وإلا فسنظل ندهم ونتوهم، صوابه: وإلا فسنظل نوهم ونتوهم العمود الثاني، الصفحة الأولى، السطر الرابع

صوابها:

ع 2 ص 1 س 6: (وإذا كانت في الشعر العربي أبحراً متجاوبة) صوابها: (. . . أبحر متجاوبة)

ع 2 ص 1 س 8: فإن هناك أيضاً أبحر، صوابها:. . . أبحرا

ع 2 ص 1 س 11: صوابها:

ع 2 ص 1 س 16: وإنما تتميز الأشعار ببينة التفاعيل، صوابها: وإنما تتميز الأشعار ببنية التفاعيل

ع 1 ص 2 س 8: صوابها:

ع 1 ص 2 س 19: ومنها لأول مرة، وصوابها: وفيها. . .

ع 1 ص 2 س 32: لا نجد منها غير. . . صوابها: لا نجد فيها

ع 2 ص 2 س 27:

-== -== -

-

ع 2 ص 2 س 29: فيرجع إلى الحرف الصامت، وصوابها: الصائت

ع 1 ص 3 س 1: حرفين صامتين، صوابها:. . . صائتين

ع 1 ص 3 س 1: صوابها:

ص: 39