الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 573
- بتاريخ: 26 - 06 - 1944
تعليم الجنسين
للأستاذ عباس محمود العقاد
من القرارات التي لها شأن لا يدانيه شأن في قرارات التربية الحديثة أمر الحكومة الروسية الأخير بالفصل بين الجنسين في دور التعليم بعد أن مزجت هذا التعليم كل المزج سنوات متواليات على أساس المبدأ الشيوعي المعروف الذي فحواه أن الرجل والمرأة متساويان كل المساواة في الملكات العقلية والنفسية
وقد عللت نشرة الأخبار الحكومية التي أذيعت بواشنطون هذه التفرقة فقالت ما خلاصته إن التجارب الطويلة في تعليم الصبيان والبنات قد دلت على فارق واضح بينهم في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة وما حولهما. فكانت النتائج تختلف اختلافاً بيناً مع وحدة السن والمجهود، ويظهر هذا الاختلاف في طاقة العمل عند الصبي البنت ومع تعدد التجارب والبيئات
والمعلوم أن عدد الصبيان والبنات الذي يقع تحت الملاحظة الحكومية في المدارس الروسية أكبر عدد يتيسر لأصحاب مذاهب التربية في قطر من الأقطار، فإن رعايا الحكومة الروسية يتجاوزون مائة وخمسين مليوناً يذهب أبناؤهم وبناتهم جميعاً إلى المدارس الابتدائية من سنواتهم الباكرة، وينشأ هؤلاء الأبناء والبنات في بيئات الشمال والجنوب، وفي مدن الصناعة وقرى الزراعة وبين الشعوب الأوربية والأسيوية على السواء. فإذا تعذر الانتفاع بخلط التعليم بين الجنسين في هذه البيئات جميعاً فهي تجربة لا تعدلها في الوفاء والتمحيص تجربة أخرى يملكها أصحاب مذاهب التربية في عصرنا الحديث
ويضاف إلى هذا أن المشرفين على التعليم بالبلاد الروسية لهم مصلحة وهوى في إثبات المساواة الكاملة بين الجنسين في جميع الملكات والأعمال، لأنهم يبنون على هذه المساواة نظماً كثيرة تتناول الأسرة وتوزيع العمل وحقوق السياسة، بل تتناول أساس المذهب الشيوعي كله في مواقع الخلاف بينه وبين سائر المذاهب الاجتماعية، فهم لا يفرقون الجنسين في مرحلة من مراحل التعليم إلا إذا بطلت عندهم كل محاولة للتوحيد والتوفيق وإثبات التشابه الذي ينفى كل فارق من الفوارق بين الصبيان والبنات أو بين الرجال
والنساء
لهذا نقول إن قرار الحكومة الروسية بالفصل بين الجنسين في دور التعليم له شأن لا يدانيه شأن في قرارات التربية الحديثة، وينبغي أن يلتفت إليه النظر فيه كل مشتغل بتعليم الصغار والكبار من الحكوميين وغير الحكوميين، بل نعتقد أن المسألة يحق لها الالتفات وإنعام النظر في نطاق أوسع من نطاق المدارس الابتدائية أو نطاق البحوث التي تعني بالصبيان والبنات. لأن الفارق إذا وجد في البنية لا يوجد في زمن ويختفي بعد ذلك أو قبل ذلك في أزمان، بل هو موجود قائم في دخائل البنية وأعماقها، وإن تفاوتت درجات ظهوره بين حين وحين
ولقد كان أناس من أساطين علم النفس وأئمة المذاهب الكبيرة فيه بين علماء العصر الحديث يقاربون هذه المسألة الجلي بعناية دون العناية التي ينبغي لأمثالها وتنبغي لهم وهم يطرقون المباحث التي تتصل بتهذيب النفوس ومصير الأجيال، ولا نحاشى من هؤلاء أمثال (ألفرد أدلر) الذي خطر له أن يناظر (فرويد) في دراساته النفسية المشهورة، وهي في تاريخ المعرفة الإنسانية فتح من أعظم الفتوح. فأدلر يقول في موضوع تعليم الجنسين، من كتابه عن فهم الطبيعة الإنسانية (إن أهم المنشآت التي أقيمت لتحسين العلاقات بين الجنسين ما أنشئ للتعليم المشترك بينهما)
ثم يقول (إن هذه المنشآت لا تقابل باتفاق الآراء. لأن لها خصوماً كما لها أصدقاء)
(فأصدقاؤها يجعلون أقوى برهان لهم على صلاحها أن الجنسين - خلال التعليم المشترك بينهما - تنفسح لهما الفرص ليفهم كل منهما صاحبه في السن الباكرة فيقضي هذا التفاهم على الموروثات الوهمية ويمنع عواقبها الضارة جهد المستطاع. أما خصومها فيجيبون عادة بأن الصبيان والبنات يكونون في سن المدرسة قد بلغوا من الاختلاف حداً يزيد الشعور به والانتباه إليه عند الاختلاط في معهد واحد. لأن الصبيان يحسون أنهم مرهقون، ويداخلهم هذا الإحساس مما يشاهد على البنات من أنهن أسرع في النمو الذهني خلال هذه السن الباكرة. فإذا اضطر هؤلاء الصبيان إلى المحافظة على مزيتهم وإقامة البرهان على تفوقهم بدا لهم فجأة لا محالة أن مزيتهم في الحقيقة إن هي إلا فقاعة صابون ما أسهل ما تنفجر وتزول
(ويقول بعض الباحثين غير هؤلاء إن الصبيان في المعاهد المشتركة يقلقون أمام البنات ويفقدون كرامتهم في نظر أنفسهم
(ولا محل للشك في اشتمال هذه الأقوال على نصيب من الصدق والرجاحة، ولكنها لن تصمد للاختبار إلا إذا نظرنا إلى تعليم الجنسين معاً كأنه ميدان للتنافس بينهما على قصب السبق في الملكة والكفاءة، وهي نظرة وبيلة إن كان هذا هو غرض التعليم عند الأساتذة والتلاميذ. وما لم نوفق إلى أساتذة يرون في التعليم المشترك رأياً أفضل من اعتقادهم أنه سبيل إلى التدرب على التنافس أو التنازع المقبل بين الجنسين في المجتمع، فكل محاولة للتعليم المشترك فاشلة إذن لا محالة، ولن يرى خصومه من النتائج المحتومة إلا دليلاً على صوابهم بما أصابه من إخفاق)
ثم يستطرد أدلر فيقول: (وما أحوجنا إلى خيال شاعر لتصوير الحالة كلها في صورتها الصحيحة. فلنقنع من ثم بالإشارة إلى المواضع البارزة منها، ومنها أن الفتاة الناشئة تتصرف فعلاً تصرف من يشعر بالضعة، ويصدق عليها تماماً ما قلناه آنفاً عن الرغبة في التعويض عند ابتلاء الإنسان بذلك الشعور. وإنما الفارق هنا أن شعور الضعة مفروض على الفتاة بحكم بيئتها، وأنها تساق إلى هذا الاتجاه سوقاً حثيثاً يدعو الباحثين ذوي النظر الثاقب أحياناً إلى تصديق هذه الضعة فيها، وليس لهذا الوهم من نتيجة إلا النتيجة التي يندفع إليها الجنسان حين يتعجلان خطط التزاحم والتنافس التي تشغل كلا منهما بغير ما يعينه وما يصلح له. . .)
هذه تخريجات أدلر وتأويلاته فيما عسى أن يصيب التعليم المشترك من عوارض النجاح أو الفشل قبل أن يوضع هذا التعليم موضع التجربة في نطاق واسع كنطاق المدارس الروسية
فقرار المشرفين على تعليم الجنسين في روسيا مفيد في استدراك هذه التأويلات والتخريجات قبل أن توغل في طريقها إلى تلك النتائج المزعومة
إذ لا يمكن أن يقال إن فصل الجنسين في المدارس الروسية ناشئ من شعور الضعة المفروض على الفتاة أو البنت الصغيرة، لأن النساء الروسيات من سن الأربعين فنازلاً قد نشأن على عقيدة التساوي بين الجنسين ولم تفرض عليهن البيئة عقيدة غيرها منذ فتحن
أعينهن إلى الآن. ولو غلا الدعاة الروسيون إلى أحد الطرفين لجاز أن يكون غلوهم في تقرير هذه العقيدة وتوكيدها لا في إدحاضها وإضعافها، فليست هناك ضعة مفروضة على الفتاة بحكم بيئتها، ولا يوجد هناك من يسوقها إلى هذا الاتجاه سوقاً حثيثاً يوهم الباحثين ذلك الوهم الذي (توهمه) أدلر من بعيد
ومع هذا سجل الباحثون الروسيون أن الفرق حاصل بين الجنسين في أدوار التعليم، وتبين لهم أن الصبي من سن العاشرة إلى الرابعة عشرة يعاني من تجميع القوى في بيئته عناء يثقل عليه فيبطئ نموه بعض الإبطاء، وعلى خلاف هذا يطرد النمو في البنات بين العاشرة والرابعة عشرة فيزدن في الوزن والطول فضلاً عن استعداد الفهم والمعرفة
ثم يأتي دور الصبيان بين الرابعة عشرة والسابعة عشرة فإذا هم الذين يسبقون البنات في الوزن والطول والاستعداد للفهم والمعرفة. فلا يتأتى وهذه هي الفوارق بين الجنسين من العاشرة إلى السابعة عشرة أن يتلقوا معاً دروساً واحدة ويجاري بعضهم بعضاً في مضمار واحد
وعدا هذا يأتي دور آخر وهو دور التفكير في الفوارق بين عمل الرجل والمرأة في الحياة. إذ ليس من المستطاع أن يناط بهما عمل واحد يؤديانه على نحو واحد من القابلية والكفاءة.
فالرجال يعدون للجندية ويدربون على فنون من الدربة الرياضية العسكرية وهم فتيان صغار؛ ولا يقال إن النساء أيضاً يعملن للدفاع عن أوطانهن في الجيوش. فإن الواقع أن الوظائف موزعه بين الرجال والنساء حتى في ميادين القتال، فلا تناط بالنساء إلا الأعمال التي توائمهن كأعمال التموين والمواصلات والتمريض وما شاكلها مما يباشرنه وراء خطوط النار
وكذلك لا تناط بهن في تحضير الذخيرة والأسلحة إلا الأعمال التي يطقنها دون الأعمال الكبرى التي لا يصلحن لها ولا تناط بغير الرجال
وكما ينبغي أن يعد الرجال للجندية ينبغي أن يعد النساء للأمومة وما يتصل بها من فنون التربية والتنشئة والعناية بالصحة والغذاء، ومهما يكن من التسوية بين الآباء والأمهات في تبعة الأبوة والأمومة فلن تلغى هذه التسوية كل فارق بين الأب والأم في النشأة والاستعداد
ولقد جرب فصل الجنسين بضعة أشهر فظهر أثر هذه التجربة في زيادة التجانس والتوازن
بين صفوف المتعلمين والمتعلمات، وأمكن أن يستفيد الصبيان والبنات خير فائدة من كل فترة يتشابهون فيها ولا يتفاوتون
ولم يزل أساتذة التربية هنالك حريصين على مذهبهم المعهود من التسوية بين الجنسين وهما مفترقان. فقال سولوخين مدير إحدى المدارس بموسكو إن هذا التفرقة لا تفيد التفضيل والتمييز (لأن البنات والصبيان في مدارسنا يتلقون وسيتلقون طبقة واحدة من التعليم والتدريب، ويؤهبون أهبة متساوية لنصيبهما من عمل الحياة وينشئون على عقيدة التكافؤ بين الجنسين)
ونقول نحن إن عقيدة التكافؤ لا تهم في هذا الموضوع ما بقى الفارق بين الرجل والمرأة في البنية والوظيفة محسوباً له حسابه الصميم في مراحل التعليم من الطفولة إلى الشباب
فليست المسألة التي نحن بصددها مسألة تقدير المنازل والمراتب في ديوان من دواوين التشريفات، ولكنها هي مسألة القيام بأعمال الرجال وأعمال النساء على الوجه الصالح لكل من الجنسين، وهذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يتلقفها ببغاوات الصيحات الجديدة في هذا الشرق المسكين. فرب بدعة جديدة هي أعرق في الغباء وضيق العطن وضحولة الوعي من أعرق جهالات القرون الأولى
فمن شاء من ببغاوات الصيحات الجديدة عندنا أن يقال له إنه (على آخر طراز) فليكن كما شاء على آخر طراز يختاره في سنة 1944 أو بعد ذلك بألف سنة أو ألفين
إنما عليه أن يردد صيحاته الببغاوية في الأقفاص التي تليق بها، ولا يتجاوزها إلى حقائق الحياة وقواعد الآراء التي تناط بها مصائر الأجيال
عباس محمود العقاد
على ذكر رسائل التعليقات للرصافي
دليل علمي يدحض مذهب
وحدة الوجود
للأستاذ عبد المنعم خلاف
لخص الأستاذ الفاضل دريني خشبة مقولات احتواها كتاب أصدره الشاعر العراقي معروف الرصافي تدور حول الإيمان بوحدة الوجود وحلول الخالق في المخلوق
وكنت اهتديت إلى دليل علمي قاطع يدحض هذا المذهب ويلقي ضوءاً جديداً أمام العقل البشري الموغل في بحث علاقة الله بالكون حتى لا ينزلق إلى الأخذ به. . . اهتديت إليه في 5 - 12 - 1940 وسطرته في سجل خطراتي اليومية. وهممت بنشره في مناسبات عدة أثناء مقالاتي عن الإيمان بالإنسان، ولكن أراد الله أن أطرح هذا الدليل في مطارح البحث والجدل الذي سيثيره حتما كتاب الرصافي. فهذا هو أنسب الأوقات لانصباب هذا الدليل الجديد على ذلك المذهب القديم الرجعي الذي يرفع رأسه على قلم شاعر يريد أن يستخدم القرآن ورسول الإسلام ستاراً ودريئة ويزج بهما في الدعوة إلى مذهبه. مع أن القرآن وبيان رسول الإسلام ليس أوضح منهما في تبيين الحدود بين الله والطبيعة
وكنت وما أزال داعياً ابتداء التفكير في الطبيعة وما وراء الطبيعة على ضوء التأمل فيما استطاعت قوة الخلق والمحاكاة والإنشاء المودعة في الإنسان أن تصنعه وأن تسخره؛ لأن ما أنشأه الإنسان وما وصل إليه من أسرار الطبيعة جدير أن يغير منطقه التجريدي القديم ونظرته للعلاقة بين الله والطبيعة
ولكن مع الأسف لا تزال ظلال التجريدات والفروض القديمة تسيطر على عقول كثير من الباحثين الشرقيين في مسائل الوجود، ولا يزالون خاضعين في تفكيرهم الديني والفلسفي لرجال المدرسة القديمة التي لم تتصل بأصول الثقافة العلمية الحديثة التي تحتك أيدي العلماء فيها بيد الله وتأخذ منها أسرار الخلق والتكوين، ولو أن عقلا كعقل الرصافي، أو كعقل الزهاوي اصطنع ذلك الأسلوب الذي ندعو إليه، وهو أسلوب تجديد النظر في الوجود على أساس أسرار الإنسان الحالية، إذن ما وجدوا ضرورة إلى اعتناق مذهب وحدة
الوجود. . . ولكنهما عقلان متأثران بالمباحث الصوفية وفلسفاتها القديمة التي أوغلت في بحث قد أثبتت الحياة أنه لا طائل وراءه بل وراءه كل الهلاك والبلبلة والضياع والاختلاط
ولقد غزا هذا المذهب عقول بعض الفلاسفة والصوفية الذين آفتهم أنهم طلبوا أن يدركوا الله وما وراء الطبيعة بالحواس التي يدركون بها الطبيعة وبالعقل البشري المخلوق لأدراك النسب بين كائنات الطبيعة وحدها أولا. فلما عجزوا عن رؤيته تعالى وإدراكه - كما هو المنتظر - ذهبوا إلى أنه لا بد أن يكون الله هو هذا الوجود الظاهر، وأنه يحل فيه وليس له وجود منفصل عنه، وهكذا تجد الوثنية التي حاربتها الأديان والفلسفات السامية سنداً عظيماً من هذه الفلسفة التي تعيش في ظلال هذا المذهب
وهكذا تتحول كل الطبيعة إلى أصنامٍ آلهةٍ!
وهكذا تعود الحجارة والبقر والخنفسان والخنازير معبودات إلهية!. . .
وبدهي أن النظرة الأولى تهدي إلى أن الله غير الطبيعة. وأن هناك انفصالا بين الخالق والمخلوق
ولكن النظرة البديهية هذه كثيراً ما يطمسها التأمل الذي لا يقنع بالظاهر الواضح، ولا يرضيه الوقوف عندما يوحيه المنطق العملي، بل يلذ له أن يلجأ إلى الفروض ويحاكم فكرة الله إليها. . . ولا شك أن هذا إيغال مهلك لا طائل وراءه إلا الضياع والبلبلة
وقد ذهبت بي نظراتي في النفس والوجود إلى أن الوقوف على سطح الوجود هو المنطق الذي لا نملك غيره ما دمنا محدودين ضئيلين في أرض ضئيلة الحجم جداً بالنسبة إلى الوجود الأعظم الذي نرى منه بعض سطحه حين نسرح أبصارنا في السماء. . . فكل إيغال وراء ما توحيه البداهة يكون وراء الشرود والجموح والبلبلة. فالإحساس بانفصال النفس عن الكون وانفصال الله عن الكون تبعاً لذلك هو تلك النظرة البديهية التي لا نملك غيرها إن أردنا أن نسير مع المنطق العملي للحياة. وأن نحل أكثر مشكلات الوجود، وأن يطرد تقدمنا البشري وأن تحدد المسئوليات والتبعات، ولا تختلط الحدود ولا تسقط التكليفات ولا تهدر قيم الأشياء
أما اعتناق مذهب (وحدة الوجود) فمعناه الاختلاط والتشويش والفوضى والتباس المقاصد وذهاب الاختيار بين الخير والشر
وبديهي أن الحياة الاجتماعية وصلاحها هي الفاصل في الأمور الجدلية، أو ينبغي أن تكون كذلك. والحياة الاجتماعية تأبى هذا المذهب كل الإباء ولا تحتمله لحظة، لأنه أعظم أسباب انهيارها ودمارها! فإن الإنسان سيكون بهذا المذهب إله نفسه لأنه جزء من الخالق. . . وسيكون الآلهة بعدد المخلوقات أو بعد الناس على أقل تقدير!
وإن الحياة الحالية لم تحتمل شطط الإنسان وجبروته ومتابعة هواه، وهو يعتقد أنه مخلوق تافه مسئول له خالق سيحاسبه حساباً عسيراً. . . فما بالكم به حين يعتقد في نفسه أنه إله أو جزء من الإله!
لقد ضرب الإنسان العالم بالأضغان والمدمرات وأشعل الحياة وهو طفل عاجز قاصر. . . فما بالكم به إذا حسب أن إرادة نفسه هي من إرادة الكون كله؟!
إن الأمر أعظم مما يتصور هؤلاء المفلسفون المأفوكون! وإن الحياة العقلية لم تقبل أن يكون للكون آلهة متعددة من العقلاء. . . فكيف بهم إذا كانوا مجانين!
فاللهم اهد الرصافي في شيخوخته ومرضه إلى منطق البداهة حتى يعود إليك على دين الفطرة التي يلقاك بها الفطريون المؤمنون الذين يتركون لك ما لم يستطيعوا إدراكه في حياتهم المحدودة!
هذا جدل يعتمد على النظر وتقليب المسألة أمام المنطق التجريدي الذي يصطنعه أصحاب المذهب، ويعتمد أيضاً على التحاكم في هذه المسألة إلى المنطق العملي الذي توحيه الحياة الاجتماعية
ولو كان الأمر مقصوراً على هذا الأسلوب لوجد أصحاب هذا المذهب مجالا للمناقشة ورد القول وتشقيق الجدل، وما كان طمعنا في إفحامهم إلا بقدر
ولكن عمدتنا في دحض هذا المذهب حجة بالغة من العلم الحديث صاحب المعجزات التي تخضع لها جميع أعناق البشر، ولا يستطيع أن يماري فيها الممارون من صناع الكلام وحاذقي الجدل
حجة يبعثها التأمل بيقظة في أسرار الأعمال الإنسانية العظيمة في الطبيعة: تلك الأعمال التي استحالت إلى آيات من آيات الكون يمر عليها الناس وهم عنها معرضون، كما يفعلون مع آيات الله في الآفاق. . .
وهي تسلُّط العقل البشري (باللاسلكي) وتحكمه به في الآلات وإدارتها ورصدها من بعد شاسع، وانفصال تام بين العقل الإنساني والآلة. . . فقد رأينا (ماركوني) يضئ مكاناً في استراليا وهو في أوربا. . . ورأينا الدبابات تزحف والطائرات تطير وتحارب وليس فيها سائقون. . . وإنما يديرونها ويتحكمون في تحريكها من بعد
ورأينا (رادار) تلك العين السحرية العجيبة التي حدثتنا مجلة (المختار) عن التقائها أو التقاء الإنسان بواسطتها بالأحجام على مئات وآلاف من الأميال. ومع أنها في العهد الباكر من اكتشافها والانتفاع بها، فقد انتفعت بها إنجلترا في مقاومة الغارات الألمانية في معركة إنجلترا
ورأينا أن ما يحدث لتلك الآلات ينتقل إلى ذهن الإنسان الراصد لها في لحظة. فهو معها بعلمه وقدرته وإرادته يصرفها كيف شاء مع الانفصال التام والبعد الشاسع بينه وبينها. وهو يكونها ويركبها ويجعل فيها عقلاً وروحاً تحركها وتصرفها. وما دام قد أعطاها قوانينها فلا لزوم لوجوده فيها والمكث بجانبها أو الامتزاج بها
أفلا تقاس على هذا الأساس علاقة الله بالكائنات؟ وتحل بذلك تلك المشكلة التي خلقتها عقول من لم يروا لهم سبيلاً غير اعتناق مذهب وحدة الوجود؟ بلى! فإن ما يقدر عليه الله لا يذكر بجانبه ما يقدر عليه هذا الإنسان الضئيل العاجز. ولا شك أن من كمال الإنسان أن يقدر على التصرف في (مخلوقاته) من بعد، وأن يرصدها ويرقبها ويوجه إرادته إليها وهو متحرر منها منفصل عنها لا يشعر بضرورة الاتصال بها والتقيد بحيزها الضيق. . . فأولى برب الكمال المطلق والقدرة المطلقة والإرادة القاهرة أن لا يكون عليه شئ لسلطان وألا يتقيد بقيد
وإن في ذلك آية يرسلها الله من التأمل في أسرار الإنسان ووحي أعماله في الأرض. . . وسبحان الله! لقد أقام من الإنسان دليلاً ووسيلة لحل كثير من العقد والمشكلات، وخلقه صورة مقربة لبعض شؤونه الجليلة التي يتعجل المتعجلون في الحكم عليها بعقلهم القاصر وفي مدى عمرهم المحدود الذي لا يقاس إلى الأبد الكبير الذي يظهر الله فيه شؤون الخلق والأمر في أدوارها وأوانها الموزون المقدور و (لا يعجل لعجلة أحدكم) كما قال (محمد) سيد الأصفياء العارفين بشؤون الله!
وقد قلت مرة: إن الحياة لم تنته ولم يبد أنها تقرب من نهايتها التي تتضح بها غاياتها وتنضج ثمراتها. فلا يليق بالفيلسوف أن يحكم حكمه النهائي عليها قبل اكتشاف غاياتها. وأولى به أن يرصد الأدلة التي تلدها الأيام وتضعها على طريق الأحياء يوماً فيوماً لترشد السالكين وتشير لهم إلى الأمام
ومنذ أن اهتدى الإنسان إلى وجود القوة التي يظهر أنها (مادة) الطبيعة الأولى وهي الكهرباء، وبعد أن شرع يدس يده وفكره في هذه القوة الخفية ويستخدمها ويحرك بها ما يشكله من المادة. ومنذ أن ظن أنه سيصل إلى أن يكثف هذه القوة بدرجات مختلفة تحت ضغوط معينة ليخلق منها العناصر المادية المتبلورة الثلاثة والتسعين. . . منذ ذلك كله، ينبغي للمكفرين التجريديين أن يتربصوا أفعاله وكشوفه ليبنوا عليها أحكامهم ومنطقهم وأن يقصدوا في تلك الفلسفات الفرضية والشطحات الصوفية التي لا نهاية لها، لأنها (ذاتية) وليست (موضوعية) موضوعها ذلك الكون المادي العجيب الذي استمددنا منه عقولنا وأحكامنا. وأن ينادوا معنا إلى الصوفية المادية التي تعجب وتتعبد بالفكر في الطبيعة الظاهرة وأعمال الله وأعمال الإنسان فيها، وتتعلق بالمحسوس قبل المتعلق بغيره حتى تفرغ منه قبل نهاية رحلتها على الأرض، ثم تلتفت - إن قدر لها البقاء على الأرض بعد هذا الدور - إلى ما وراء الطبيعة لتبحث فيه وتحكم عليه
عبد المنعم خلاف
بحث نفسي عملي
العقل الباطن
ما هو وكيف تصل إليه؟
للأستاذ عبد العزيز جادو
شبه وليم جيمس العالم النفساني المعروف العقلين الواعي والباطن بكتلة من الجليد عائمة في البحر. عشرها يرى طافياً على سطح الماء، وتسعة أعشارها مغمورة فيه. ويهمنا أن نذكر أن ليس هناك كتلتان - واحدة فوق سطح الماء وأخرى تحته - ولكنها واحدة فقط تسعة أعشارها مغمور
وفي تشبيه البروفيسور جميس، نرى أن العقل ككتلة الجليد، عشره واع. والعقل الواعي هو العقل المفكر؛ عقل الدراية؛ العقل الذي يبت في الأمور. وتسعة أعشار العقل باطن - أي تحت مجال الشعور. . . ليس هناك عقلان، وإنما هما حالتان متباينتان للعقل
العقل الباطن هو مستودع الذاكرة. هو مركز عواطفنا وغرائزنا، يسيطر على أفعال الجسم العادية المنعكسة وغيرها من الأفعال اللاشعورية. وهو يباشر تجديد بناء الجسم حينما تموت خلايا قديمة وتولد أخرى جديدة. العقل الباطن لا يناقش قانونه الإيحاء، فهو يتلقى الإيحاءات الموجهة إليه من العقل الواعي ثم يبدأ في العمل على إبداع الحالات التي توافق تلك الإيحاءات. وهذا هو السر الأعظم للنفوذ العقلي على الإنسان. وإن الرجال أو النساء الذين يقدرون هذى الحقيقة ويتعلمون بالتمرين ليصلوا العقل الباطن ويغرسون فيه إيحاءات الصحة والسعادة والقوة والتحصيل، يمكنهم أن يكونوا أساتذة أحراراً لأنفسهم ومصايرهم مجددين بناء أنفسهم في حدود كون أوسع وأنبل وأقرب إلى الغاية البشرية العليا
والطرق التي ينصح بها علماء النفس للوصول إلى العقل الباطن تتطلب هدوءاً وجهداً ذاتياً، وانسحاباً من مشاغل الحياة
كثير من أساتيذ علم النفس والعلوم العقلية يؤكدون أهمية العقل في الهيمنة على التصرفات الإنسانية، كما في حالة الصمت مثلاً، فقد يكون الصمت مطلوباً لذاته، بيد أن طلاب العلوم النفسية يكابدون آلاماً في سبيل هذا الصمت. وإذا حملنا النفس في مثل هذه الحالة على
الرضوخ إلى الفكرة اللاشعورية يكون التأثير إثمه أكثر من نفعه
والطرق المتبعة يمكن أن تمارس في الطريق إلى عملك، وفي عملك، وفي بيتك، ومهما يكن عملك. يمكنك الوصول إلى اللاشعور طول يومك، وبواسطة الإيحاءات المغروسة فيه تحول حياتك كما تريد
1 -
لقد تعلمنا أن اللاشعور هو مستودع لجميع الأفعال الانعكاسية والاعتيادية. وكل عادة من عاداتك تكون كأمر محقق، عاملة على التأثير في العقل الباطن. ونحن نبني العادات بتكرار أفعال ثابتة. وكل عادة تطبع نفسها على اللاشعور؛ تكون في الواقع شيئاً من اللاشعور وأنت لا يمكنك أن تكون عادة من غير أن تعمل تخطيطاً في العقل الباطن، ومن ثم تمسى هذى العادات انعكاسات. وأنت تتصرف بطرق مبهمة بدون فكرة متيقظة أو إرادة. وهذه العادات تباشر سلوكك حتى أن الطريقة العملية للوصول إلى اللاشعور تكون ببناء العادات الحسنة، وهذه تبنى بالتكرار الدائم. أبدل عاداتك السلبية بعادات إنشائية. وبذلك تتحول حياتك بواسطة هذه الطريقة الوحيدة - طريقة القيادة اللاشعورية - مثال ذلك أن رجلاً في السادسة والسبعين من عمره اعتاد الإسراف في التدخين. ولقد حاول مرات عدة أن يقلع عن هذه العادة. وألان، ما عادة التدخين؟ هي التدخين، مراراً وتكراراً إلى أن صارت حركة عادية. فلكي تقطع العادة عليك أن تغطيها بعادة أخرى. لقد بدأ هذا الرجل بالإقلاع عن التدخين. لقد شعر أول مرة أنه يحب التدخين، ولكنه قال (لا) تلبية للمؤثرات الداخلية. إن له رغبة في التدخين ولكنه لم يفعل. وفي المرة الثانية استجاب كذلك للرغبة، على حين كاد يبدأ في تكوين عادة أخرى. وفي المرة الثالثة كان ينمى ببطء عادة معاكسة للتدخين (لا. لن أدخن) فبعد أن فعل هذا عدداً من المرات كون عادة عدم التدخين. وهكذا ركب عادة على أخرى بهذه الطريقة حتى أمحت السابقة
إن هذا سيعطيك مفتاحاً لمنع أية عادة، أيا كانت لا سيما إذا كانت عادة طبع سيئ. والطبع هو تلبية تؤثر في الاحساسات لتتنبه من الخارج الذي يقلقنا
2 -
العقيدة هي الوسيلة المستترة للوصول إلى اللاشعور. فالذي تعتقد فيه برسوخ يصير في العقل الباطن أثراً سائداً. وآثارك السائدة هي التي تقودك. ولهذا يجب أن يكون لك عقيدة، لأن وجهة نظرك ستحكم أفعالك
إذا كان لك عقيدة غير معقولة - عقيدة مبنية على خرافة وجهل وخوف وكذب لا تقوى على البحث العلمي - وتضحي حياتك ملتوية، ضيقة وبيلة؛ ولكن إذا كانت لك عقيدة غير مكبلة بقاعدة أو مبدأ، لم يفسدها خوف، عقيدة في سمو الحياة، والاعتقاد الذي لا شك فيه للوجود غير المتناهي، عقيدة في الاستقامة الجوهر للأشياء - هذه العقيدة السماوية هي التي سوف تجعل من حياتك جنة، وتطهر شعورك الباطن، وفي هذا تطهير لقواك الواعية
3 -
لقد بينا أن اللاشعور هو مستودع الذاكرة، وكل شئ تذكره يهبط إلى اللاشعور، فإذا أردت أن تصل إلى العقل الباطن فما عليك إلا أن تستذكر شيئاً. استذكر الفكر العظيمة، فإن أثراً مدهشاً، وهذا هو السبب في أنك في الصيف يروقك كثيراً أن تحوطك المناظر الجميلة. خذ إجازة أسبوعين تمضيها في جهات خلوية تر فيها عجائب الطبيعة منتشرة أمامك. ثبت هذه الصور في اللاشعور. استذكر بعض أبيات شعر جميلة، أو فكرة منبهة، أو عبارة نبيلة، ستفتح باباً من أبواب اللاشعور، وتضع فيه اهتزازات شافية وتأثيرات فعالة
4 -
قانون الهدوء يتطلب تركيز قواك الباطنة على شئ محدود فتكون سيداً وعقلك الباطن خادمك. ألق مطالبك على اللاشعور فعنده القوة على إجابة طلبك، وله القوة على العمل بأمرك إذا عملت على إلقاء طلباتك بقوة كافية. إذا أعطيت إيحاءاتك إلى اللاشعور بطريقة مترددة ومسايرة للزمن، لا يمكنك أن تنتظر نتائج من أي نوع
عندما تذهب إلى عقلك الباطن لا ترج ولا تتملق. بل ألق أوامرك على اللاشعور كأنما أنت قائد وهناك ملايين الجنود في انتظار سماع أوامرك لتفعلها. ألق أوامرك؛ وليكن رجاؤك هو الأمر الهادئ بدلا من الالتماس الحقير - هذا هو الرجاء حسب الأصول العلمية
5 -
قدم رجاءك الاصطلاحي إذا شعرت بدافع. ادفع الإيحاء إلى جميع مشاعرك على قدر ما تستطيع. مثال ذلك: إذا أردت نظراً صحيحاً فكر فيه، وقل:(أعين سليمة، أعين سليمة)، ما الذي يفعله هذا؟ إنه يدفعها إلى الأذنين. ثم انظر لنفسك في مرآة وتصور عينيك كأنهما سليمتان تماماً. اكتبها على قصاصة ورق. اكتب خمسين مرة (نظر صحيح) فهذا ينبه حاسة النظر. اطبعها على اللاشعور بواسطة جميع الحواس المختلفة
6 -
صور الأشياء غير منظورة لعقلك في رسوم. ويمكنك أن تطبع في اللاشعور رسمياً
بأكثر سهولة من فكرة مختلسة - ازرع المقدرة على التصور، أي المقدرة على إتيان صور عقلية واضحة وعيناك مغلقتان. شاهد نفسك كاملا، فاعلا الشيء العظيم الذي تتمنى أن تفعله، ما حاجتك؟ أنت تشتغل في شركة بكفايتك الضئيلة بأجر زهيد؟ إذن صور نفسك لعقلك أنك رئيس أو مفتش. انظر لنفسك كأنك أنت هذا الرجل وأنك تقوم بعمله. احتفظ بهذه الصورة دائماً أمامك
7 -
في الصباح المبكر عند استيقاظك من النوم، وفي المساء قبل أن تأوي إلى فراشك، لحظتان سيكولوجيتان. يكون الشعور فيهما في تأدية وظيفته عن جزء فقط، واللاشعور في رقوده مفتوحاً. فحالما تفتح عينيك في الصباح، لتكن أول فكرة لك هي الفرح. الفرح باستقبال فجر يوم جديد. استقبله بابتسامة واغتبط بمرور ليلة وبدء يوم آخر. ردد قولك:(اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك، فلك الحمد ولك الشكر)
هذه الأفكار الحسنة ترفعك فوق كل شئ حقير، وتضعك في جو من الأمن والفرح والجمال والقوة
استعمل اللحظة السيكولوجية فإنها ستفتح اللاشعور
(إسكندرية)
عبد العزيز جادو
4 - رسائل التعليقات للرصافي
(كلمة أخيرة)
للأستاذ دريني خشبة
وبعد، فقد عرضنا على القراء في كلمتنا الأولى عن هذه الرسائل آراء الأستاذ الرصافي التي يلحد بها في الله وفي الإسلام والتي نقلتها الرسالة عن الأستاذ أمين الريحاني، عن الرصافي سنة 1935؛ ثم عرضنا في كلمتنا الثانية طائفة من آرائه تلك، أوردها في كتابه الجديد الذي علق به على كتابي الدكتور زكي مبارك: التصوف الإسلامي والنثر الفني، ومن بين هذه الآراء إيمانه المطلق بوحدة الوجود وما ينبني على هذه الوحدة من آثار أخلاقية هدامة، ثم رأيه في تأليف القرآن، والأدعية (ومنها الصلاة)، والبعث، والجبر، وتساوي المتضادات من خير وشر، وتقي وفجور، وترهب وخلاعة. ثم إنكاره للثواب والعقاب على النحو الذي جاء به الإسلام. ثم دعوته المسلمين إلى الأخذ بآرائه إن أرادوا أن يكون لهم مجد، أو أرادوا بين الأمم مقاماً محموداً. ثم أثبتنا في كلمتنا الثالثة فساد ما ذهب إليه الأستاذ من أن نظرية وحدة الوجود هي شئ من صنع الرسول الكريم، لم يعرفها العالم إلا حينما جاء بها محمد. ثم ما كان من اهتداء متصوفة المسلمين إليها بعد محمد بقرن أو قرنين من الزمان. أثبتنا في كلمتنا الثالثة فساد هذا الزعم لأن نظرية وحدة الوجود فكرة ترددت في الفلسفة اليونانية، فقد قال بها إجزنوفنس الذي كان يؤمن بالحلول، وأشرنا إلى ما كان يزعمه هرقليطس من التقاء المتضادات وتساوي الخير والشر وجميع المتناقضات بناء على ذلك، لأن التناقض في زعمه، هو في نظرنا فقط! وذلك وما قبله هو لباب نظرية وحدة الوجود! وأشرنا كذلك إلى ما ذهب إليه أناجزاجوراس من تعدد العناصر ووجود قوة عاقلة - ال ? حالة في الكون متحدة به، تتولى تحريكه وتنظيمه - ثم أتينا على ما انقسم إليه تلاميذ سقراط من بعده من حيث نظرة كل منهم إلى الفضيلة أو السعادة. ونشدانها. . . فالكلبيون ينشدونها في الجهل والزهد والتقشف والقورينيون ينشدونها في اللذة، واللذة الحسية بنوع خاص - وهو ما يذهب إليه معظم متصوفة المشرق - هداهم الله - والميجاريون ينشدونها في التأمل الفلسفي، ثم وقفنا من أفلاطون أمام ثالوثه العجيب: المادة، والمثل. والله، وما كان من اضطراب أرسطو في تصور ذات الله، هل له وجود مشخص
مستقل، أو هو صورة مجردة معنوية؟
استعرضنا هذه الآراء اليونانية لنثبت أن نظرية وحدة الوجود ليست شيئاً جاء به محمد أو تضمنه الإسلام، لأنها إفك لم ينته الفلاسفة من شأنه إلى شئ يطمئن إليه قلب أو يؤمن به عقل، ولأن الإسلام دين الفطرة ودين الاستقرار يأبى أن يسلم الناس لفوضى لا ضابط لها ولا خير للأنام فيها، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن التفكير في ذات الله، وأمرهم بإدمان التفكير في مخلوقاته، كان الحكيم الأعظم الذي يهدي للرشد ويجنب الأمة مهاوي الضلالات، وإن أخذنا أخذ رسول الله ليس دعوة إلى الجمود والحجر على حرية الفكر، ولكنها دعوة ضد الباطل الذي ندعي إليه ولا خير لنا فيه. . . بل هي تصرفنا عن الجد الذي تأخذ به أمم العالم نفسها إلى هذا العبث الذي يضحك الدنيا بأسرها علينا، ويجعلنا موضع سخريتها وازدرائها. . . لقد أمرنا نبينا بالتفكير في مخلوقات الله لنستثمر تفكيرنا في مخلوقاته في صنع مدنيتنا وتوفير سعادتنا، ولو قد عرف رسول الله خيراً في التفكير في ذات الله لما ضن به علينا، ولكنه أشفق على هذا العقل البشري الذي لم يطلع من أسرار الوجود إلا على أتفه مقدار لا يعتد به. . . أشفق عليه من مثل هذا الضلال الذي انتهى إليه الفلاسفة من بحثهم في ذات الله. . . أليس حسبنا أن نعقل أن هذا الوجود الغائي الجميل لا يمكن أن يكون موجوداً بنفسه! ألم ندرس علم طبقات الأرض وعلم الفلك وعلم الحياة وعلم النفس؟ أي مقدار عجيب من المعرفة هدتنا إليه هذه العلوم؟ أكل هذا السحر العلمي المعجز شئ لم يهبنا إياه إله حكيم قادر؟ ثم هذه الوحدة الوجودية التي يهرف بها عقل المخرفون: هل لها عقل؟ وهل ترى وتسمع، وهل هي مادة صرفة أو روح صرف، أو مادة وروح؟ ثم ما قيمة نظرية خائبة لا تفرق بين الخير والشر، وبين الأبيض والأسود، وبين التقوى والدعارة، وبين الزهد والجشع، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين السجود بين يدي الله، وإكباب المرء على حيلته؟! ما هذا البلاء الذي يدعونا المأفونون إليه، ويزعمون أن عدم أخذنا به ووقوعنا فيه هو سبب تخلفنا وعلة تأخرنا؟ ماذا يريد هؤلاء؟ أيريدون أن تكون الدنيا داراً واسعة شاسعة يعمرها قوم من المجاذيب؟! هل فرغنا من استكناه أسرار خلق الله، فلم يعد إلا التفكير في ذات الله؟! هل انتصرنا على أمراضنا فشفيناها، وعلى مشكلات الفقر والجوع والجهل فمحقناها، وعلى استئصال الشر من النفس الإنسانية فمنعنا
الحروب وعالجنا الآفات؟! هل عرفنا سر الكهرباء؟ هل اهتدينا إلى (ذات!) المغناطيس و (ذات!) الضوء و (ذات!) أنفسنا فلم يعد إلا أن نهتدي إلى ذات الله! وهل يعقل أن ندرس الهندسة الفراغية ونحن لا ندري شيئاً عن الهندسة النظرية، أو حساب المثلثات ونحن نخطئ الجمع والطرح!
أليس يكفي أن تكون هذه النظرية قائمة على ذلك الخيال الأخلاقي ليثبت أنها فاسدة، وأنها لابد أن تكون تعلة يتعلل بها المؤمنون لستر نواحي الضعف في أدبهم المنهار، وسلوكهم المريض، وخلقهم المعتل؟ إنهم مثل القورينيين من تلامذة سقراط، ينشدون اللذة، واللذة الحسية الخسيسة على وجه الخصوص، وانغماسهم هذا الذميم في الملذات هو الذي جعل أذهانهم تتبلد، وأرواحهم تصدأ، وتفكيرهم يسف، فراحوا يوهمون هواهم أن الخير والشر سواء، وأن التقى والدعارة صنوان، وأن المصير واحد، وأن سبب تأخر الأمم الإسلامية وتخلفها هو هذا التعفف الذي لا موجب له، وهذا الفهم السيئ لما جاء به محمد من شريعة أخذناها بحرفيتها ولم نعبث بها فحورناها وأولناها، وفهمنا ثلاثة أرباع هذا القرآن الكريم على أنه آيات تمثيلية يخوف بها الله، فهو سبحانه وتعالى عن هذا البهتان - يقصد بظاهرها الأميين، ثم جعل لها باطناً لا يعرفه إلا الراسخون في علم وحدة الوجود من الزنادقة الذين اتصلت نفوسهم بنفس إبليس الأكبر، ولم تندمج في الله. . . أو في الوجود الكلي كما يكذبون ويبهرجون ويلفقون
وبعد أيضاً. . .
فحسبنا أن نأتي على نظرية وحدة الوجود من جهتها الأخلاقية هذه لنراها تنهار من أساسها، فنريح أنفسنا من تكرار ما قاله ابن حزم والشهرستاني، وابن تيمية، وابن القيم، وأبو منصور عبد القاهر البغدادي في توقينها ثم تكذبها وتبيان زيفها، مما هو مذكور مشهور، ومما يسهل على كل قارئ أن يرجع إليه ليرى كيف حارب علماؤنا الأعلام تلك الفئة الباغية. . . ثم نريح أنفسنا من الرد على المكذبين بالوحي وبالقرآن، المتحللين من شريعة الله السمحاء التي يتخذونها هزواً، ويملؤهم الغرور فيأبون أن يؤمنوا كما آمن السفهاء، إلا إنهم هم السفهاء ولكن لا يفهمون
وحسبنا أيضاً أن ننبه إلى ما يقع فيه هؤلاء الأنجاس من أخس ألوان الحب الحسي
والانحراف الشديد القذر في هذا الحب مما نقرأ أخباره عن أئمتهم وأقطابهم، مما أورد بعضه أبو عبد الله الزنجاني في أطروحته، وما نجد أخباره في الكشكول وروضة المحبين وديوان الصبابة وتزيين الأسواق وتلبيس إبليس ويتيمة الدهر وكتاب الكنايات. . . ودفاع الصديق الأعز الدكتور زكي عن الصوفية في هذا الميدان - وهو من البقع التي ذكرت في حديثي الأول - لن يغنيهم شيئاً - فقد شوى جلودهم فيما يتعلق باستنتاجاتهم الخبيثة في التقاء المتناقضات وتساويها في نظرية وحدة الوجود، وقد هاجمهم غير مرة، ولا سيما في باب التجريد
وحسبنا أن ننبه مرة ثانية إلى أن وقوعهم في الموبقات الحسية هو الذي جعلهم يلتمسون تبريراً لها بقولهم إن الشريعة للعوام والحقيقة للخواص أي لهم، ورحم الله ابن القيم فقد نكل بهم من أجل هذا، ورحم الله الشافعي حيث قال:
(لو أن رجلاً تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق) وحيث قال: (ما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً)
وصدق الله العظيم القائل:
(ومن الناس من يجادل الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؛ ثاني عِطْفِه ليُضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه في الآخرة عذاب الحريق)
وحسبنا الآن أن نترك الكلمة للصديق الأعز الدكتور زكي، ليناقش آراء الأستاذ الرصافي، وليرى إن كان يدعونا الأستاذ إلى دين جديد
دريني خشبة
6 - القرآن الكريم
في كتاب النثر الفني
(ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعي إلى
الإسلام)
(قرآن الكريم)
للأستاذ محمد أحمد الغمراوي
لقد كنا على حق حين شرحنا الدكتور زكي مبارك وحللناه وفضحنا موقفه من الإسلام والقرآن. وكنا على حق حين قررنا أنه يتخذ الأدب حيلة ووسيلة إلى محاربة الله الذي أنزل القرآن آية منه سبحانه، هي عند من يفقه ويعلم أكبر وأعجب من آياته في السماء والأرض. وكنا على حق قلنا إن اتخاذ زكي مبارك الأدب وسيلة لإفساد الخلق بنشر المجون، ولإضلال النفوس بنشر الإلحاد، هو أول تلك المحاربة وليس بآخرها، وإن يكن بعد أظهر مظاهرها، فإن محاولة إبطال حكمة الله في جعل كتابه الذي أنزله على آخر أنبيائه ورسله معجزة أدبية، هي محاربة لله من غير شك وزكي مبارك يحاول إبطال تلك الحكمة عن طريقين: طريق نظري هو الدعوة إلى إنكار إعجاز القرآن ليبطل عند صغار العقول أمثاله أن القرآن من عند الله، وطريق عملي هو العمل على جعل الأدب إباحياً شهوانياً بعد أن جعله الله في القرآن وبالقرآن إصلاحياً ربانياً. لقد أحيا الله بالأدب أمة، وأنزل معجز كتابه للإنسانية رحمة، وزكي مبارك يريد أن يعين بالأدب على موت أمة، أو أن يسد باب الحياة ونديم فتح باب الفساد والفناء على هذه الأمة المبتلاة به وبأمثاله من الملاحدة الإباحيين
ولسنا نريد ظلم زكي مبارك، فهو في هذا تابع مقلد، لا مبتكر ولا مبتدع. فقبله كان أبو نواس وأمثال أبي نواس من الذين صرفوا الأدب عن الوجهة التي شرعها الله للناس في الأدب بالقرآن، فجعلوا الأدب للغواية بعد أن كان للهداية، وجعلوه للشيطان بعد أن كان لله. وقبله كان ابن الراوندي وأمثال ابن الراوندي من أهل الأهواء الذين أرادوا أن يهدموا
الإسلام فلم يهدموا ولم يهلكوا إلا أنفسهم، والذين كانوا يبغون كلام الله عوجا، فلم يقع العوج إلا بهم عقلاً ونفساً وقلباً وعملاً، كما وقع بعقل زكي مبارك ونفسه وقلبه وعمله، وذهبوا وبقى كلام الله، كما وصفه الله سبحانه وتعالى:(قرآناً عربياً غير ذي عوج) و (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا)
ولقد ندم أبو نواس وما ندم زكي مبارك، وما أظنه يندم. ندم أبو نواس حين قال:(فإذا عصارة كل ذاك أثام)، وحين قال:(وتذكرت طاعة الله نضوا). وما ندم زكي مبارك حين يقول - في بعض ما كتب بعد كتابه التافه الفاسد الذي شغلنا بهذه الكلمة عما كنا بسبيله من تبيين تفاهته وفساده - يقول محدثاً عن نفسه في العراق: (يئست من الصيد في الحرم الحيدرى بعد فرار تلك الغزالة، وبدأت أعتب على سيدنا علي بن أبي طالب، فمثلي لا يكرم في رحابه بالماش والجلاش، وإنما يكرم مثلي بالهيام في أودية الفتون)! وليت سيدنا علياً (كرم الله وجهه) كان حياً يسمع عتبه، إذن لأكرمه بالعصا أو بالحجر، جزاء الماجنين المتهتكين أمثاله. ذلك في العراق، وفي مصر لم يندم حين يقول تحريضاً على الفجور في بعض ما كتب:(ارجعوا، فالفضيحة في غرامي تكريم وتشريف، لأني قيثارة الغرام في ألحان الخلود)! ونعوذ بالله من غرور يؤدي إلى خبال! فما سمع قبل اليوم أحد في أدب مكشوف أو مستور، بتكريم في فضيحة، أو بقيثارة في ألحان، إلا من مثل هذا الدعي الذي يكذب على الأدب وعلى الناس كما يكذب على الله
ولقد أصر ابن الراوندي كما يصر زكي مبارك على محاربة الله ورسوله بالكذب والزور وقلة الحياء. وهل كذبٌ أفظع أو زور أشنع من زعم هذا الرجل في كلمته الأخيرة أن القول بإعجاز القرآن جهل، وإن إنكار الإعجاز علم، وإن الإيمان بالقرآن كما آمن ويؤمن المسلمون من لدن عصر الرسول إلى اليوم هو إيمان العجائز لا إيمان أهل الشباب والعافية؟ إذن فماذا كان إيمان أمثال علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص، ومن إليهم من شباب الإسلام الذين صار كثير منهم بعد شيوخا، والذين جاهدوا في شبابهم وشيبهم من كان على مثل إيمان زكي مبارك اليوم؟ أفكان إيمان أولئك يمت إلى عقيدة زكي مبارك بصلة وهو يقول ما يقول في القرآن؟ أم كان إيمانهم إيمان عجائز يقوم على مجرد التصديق وإيمان هو يقوم على الدليل
والبرهان؟ والله لو كان إيمانهم كذلك لكان خيراً ألف مرة مما يزعمه زكي مبارك لنفسه من إيمان هو في الواقع لا إيمان، ويقين هو في الواقع شك وإلحاد. إذ ما فائدة الدليل والبرهان إلا أن يوجد عند صاحبه ذلك الإيمان القرآني الذي لا يتزعزع، إيمان العجائز الذي يتهكم به زكي مبارك الآن؟ وإذا وجد هذا الإيمان الراسخ الراسي عن طريق التصديق البديهي، فما الحاجة إلى سوق الأدلة والبراهين؟ ومع ذلك فالأدلة والبراهين متظاهرة متضافرة، لا تدحض ولا تنقض، ولكن زكي مبارك وأمثال زكي مبارك قوم لا يفقهون
ومن وقاحة هذا الرجل ومكابرته التي لا حد لها زعمه الذي زعم من أن المرجع في شرح أصول الدين صار إلى مثله - والعياذ بالله - وأن المسلمين كلهم يشهدون بأن أقلام من لف لفه هي التي تبصر المسلمين بجمال الشريعة الإسلامية وجمال اللغة العربية، والله يؤتى الحكمة من يشاء! فهل رأيت صفاقة أوقح من صفاقة هذا الذي ينكر أن القرآن امتاز بأسلوب ثم يزعم أنه بجمال اللغة العربية بصير، وينكر من الشريعة الإسلامية أسسها ويزعم أنه بجمالها خبير، ويقول في بعض ما كتب:(أعبد الله وأحب الشيطان)(أنا كافر يا ظمياء) ثم لا يتحرج أن يتبجح بقوله (ونحن بفضل الله ومشيئته ورعايته أنصار هذا الدين، ولن يتلقى المسلمون مبادئه إلا عن أقلامنا)(والله يؤتى الحكمة من يشاء)! (إن أبنائي تعجبوا من أن يسمح الأستاذ الزيات بنشر كلام يزعم كاتبه أني أحارب القرآن، وأحارب الدين)؟
طيب! زكي مبارك لا يحارب القرآن ولا يحارب الدين، وما شاء الله كان! ففيم قوله من كلمته الأخيرة (إن ذلك الناقد الحاقد لكتاب النثر الفني وقف عند مسألة شائكة وهي المسألة الخاصة بآرائي في إعجاز القرآن، ولم يقف عند هذه المسألة إلا لأنه يعرف أن الظروف لا تسمح بأن أجازيه عدواناً بعدوان) إلى آخر سفهه الذي قال. فلم كانت مسألة إعجاز القرآن شائكة إن كان يقول فيها بما يقول المسلمون ونطق به القرآن؟ ولماذا تمنع الظروف أن يجازيني عدواناً بعدوان إذا كان عدوانه هو إيراد الحجة التي تبطل عدواني وما اتهمته به من إنكار إعجاز القرآن؟ أيكون لكلامه هذا الممضوغ معنى إلا زعمه أن لديه حججاً تبطل إعجاز القرآن لا يمنعه من إيرادها إلا خوف الناس وبطش القانون؟ إذن فقد أقر مرة أخرى بإنكار إعجاز القرآن!
على أني اتهمته بأكثر من إنكار إعجاز القرآن. اتهمته بأنه يرى القرآن كلام محمد لا كلام الله، وأن الأديان كلها، لا الإسلام وحده، بنت البيئة ومن وضع الأنبياء، وأوردت على ذلك البراهين من كلامه. فهل يستطيع دحضاً لتلك البراهين؟ إن كان يستطيع فلماذا لم يفعل؟ وإن كانت تلك التهمة الخطيرة لا تطابق ما يعلم من نفسه، وإن صادفت عبارات تشهد لها من كلامه، فلماذا لم ينكر التهمة؟ ولماذا لا ينكرها مجرد إنكار وإن لم يأت لعباراته تلك بتوجيه أو تأويل؟ وإذا كان لا يستطيع هذا ولا ذاك فأينا الجاهل بالإسلام، الكاذب على الله، المخادع للناس؟
الحق إنه لم يعلم من نفسه صدق ما وصفته به، وصدق تحليلي نفسيته، ويعلم أني وفيت بوعيدي الذي كنت أوعدته من كشفه للناس حتى لا يعود ينخدع به مسلم، وأنه لن يجديه بعد اليوم أن يسوق للناس ما ليس من الإسلام باسم الإسلام تضليلاً لهم وإغواء كما كان يفعل من قبل. ومن هنا عدوله عن مقارعة الحجة إلى الشتم، ومن هنا تظاهره بالمقدرة وهو يعلم من نفسه ما يعلمه الناس فيه من العجز. ثم من هنا محاولته إبهام من لم يتبع أصل هذه الخصومة أني أنا الناقد الحاقد تعرضت لنقد كتابه من حيث هو كتاب، ثم وقفت منه عند مسألة واحدة شائكة هي مسألة إعجاز القرآن. وهو يعلم والذين تتبعوا هذه الخصومة يعلمون أنه كاذب، لأن هذه الخصومة لم تثر إلا حول القرآن وإعجازه حين عجز زكي مبارك عن فهم أبسط كلمة في أبسط آية من سورة الفلق، ولأن كتاب النثر الفني لم يذكر حين ذكرناه أول مرة إلا كمرجع يحوي الأدلة على إنكار صاحبه إعجاز القرآن، وذهابه إلى أن القرآن من كلام البشر لا من كلام الله. وطاولناه وأمهلناه لينكر ما في كتابه مما يتصل بذلك، فأبى إلا التشبث به، وفضل أن يذهب معه إلى جهنم الحامية مكان الملحدين الأحرار، فلم يكن بد من أن نورد نحن من الأدلة ما يكفي لإثبات ما ادعيناه عليه وما أسندناه إليه، من غير استقصاء للدليل. فإن كان الذي سقناه من الدليل لا يكفيه فإن لدينا غيره من النثر الفني ومن غير النثر الفني مما ألف ونشر. وإن اكتفى اكتفينا بما قلنا في هذه الناحية، ومضينا فيما كنا بدأنا من التدليل على فساد كتابه من حيث هو بحث. وإن عاد إلى الناحية الدينية بمثل بذاءة كلمته الأخيرة وافترائه، عدنا إلى دمغة بالحجة من غير أن نلجأ إلى إيراد نص سبق، فما أكثر غلطاته وسقطاته وشطحاته التي أتى حين كان
يظن أنه في أمن وعافية. وليذكر البيت المشهور الذي قيل في العقرب والعودة إليها إن عادت. ومن أنذر فقد أعذر وحسبنا الله ونعم الوكيل.
محمد أحمد الغمراوي
القضايا الكبرى في الإسلام
قضية المغيرة بن شعبة
للأستاذ عبد المتعال الصعيدي
- 6 -
كان المغيرة بن شعبة من عظماء العرب في الجاهلية والإسلام، وقد اشتهر بالدهاء، حتى كان يقال له مغيرة الرأي، فلما أسلم قيل عمرة الحديبية لم يلبث أن ظهر شأنه في الإسلام، فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أموره، واستعمله أبو بكر في خلافته. وولى لعمر البحرين والبصرة والكوفة، وكان أول من وضع ديوان البصرة، وسلم عليه بالإمرة
وقد اتهم بالزنا في هذه القضية الكبرى، وكان والياً على البصرة عند اتهامه بهذه الجريمة الشنيعة، فتطلع الناس إلى هذه القضية الكبرى وما يجرى فيها، لأن القضاء قبل الإسلام كان قد فسد أمره في العالم، حتى صار حكمه يجري في الوضيع دون الشريف، ويتناول الضعيف دون القوي، كما فعل اليهود في حكم الزاني وقد أنزل رجمه في التوارة على موسى عليه السلام، فكان أول ما ترخصوا فيه أنهم كانوا إذا أخذوا الشريف تركوه، وإذا أخذوا الضعيف أقاموا عليه الحد؛ فكثر الزنا في أشرافهم حتى زنى ابن عم ملك لهم فلم يرجموه، ثم زنى رجل آخر من قومه فأراد الملك رجمه، فقام قومه دونه، وقالوا: والله لا ترجمه حتى ترجم فلاناً - لابن عم الملك - فرأى اليهود أن يضعوا شيئاً دون الرجم يكون على الشريف والوضيع، فوضعوا الجلد والتحميم وحرفوا بذلك الحد الذي أنزل الله عليهم، وقد نزل في ذلك قوله تعالى في الآية - 43 - من سورة المائدة (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين)
وما كان الإسلام ليعيب على اليهود تفريقهم في القضاء بين الشريف والوضيع، ثم يقع فيما وقعوا فيه، فلم يفعل مع المغيرة إلا أن أنزله من كرسي الإمارة إلى مجلس الاتهام، ليعلم الناس أنهم سواء في الإسلام، وأن شأن القضاء فيه أكبر من المغيرة ومن فوق المغيرة
وكان الذي اتهم المغيرة بالزنا أبا بكرة نفيع بن الحارث الثقفي مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان بينه وبين المغيرة منافرة لم يذكر المؤرخون سببها، ولعلها ترجع إلى أن
المغيرة ولي البصرة بعد عتبة بن غزوان، وكان عتبة يقرب أبا بكرة لما بينهما من صلة النسب، فلما ولى المغيرة بعده لم يجد في ولايته ما كان يجده قبلها، وكان المغيرة وأبو بكر متجاورين بينهما طريق، وكانا في مشربتين في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى، فاجتمع إلى أبي بكر نفر يتحدثون في مشربته، فهبت الريح ففتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليسده فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته، وهو بين رجلي امرأة فقال للنفر: قوموا فانظروا. فقاموا فنظروا. وهم زياد بن عبيد أخو أبي بكرة لأمه، ونافع بن كلدة، وشبل بن معبد البجلي، فقال أبو بكرة لهم: اشهدوا. قالوا: ومن هذه؟ قال: أم جميل بنت الأرقم من عامر بن صعصعة. وكانت تغشى المغيرة والأمراء، وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها، لأن النهضة الإسلامية في ذلك العصر كانت تشمل الرجال والنساء جميعاً، فلما قامت أم جميل من تحت المغيرة عرفوها، واتفقوا على أن يشهدوا عليه عند عمر.
فلما خرج المغيرة إلى الصلاة منعه أبو بكرة، وكتب إلى عمر بما حصل منه، فعزله عن البصرة وبعث أبا موسى الأشعري أميراً عليها، وأمره بلزوم السنة، فقال له: أعنى بعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم في هذه الأمة كالملح. فقال عمر له خذ من أحببت، فأخذ معه تسعة وعشرين رجلاً، منهم أنس مالك، وعمران بن حصين، وهشام بن عامر وخرج معهم فقدم البصرة ومعه كتاب عمر بإمارته، فدفعه إلى المغيرة فقرأه، وكان أوجز كتاب وأبلغه
أما بعد - فإنه بلغني نبأ عظيم. فبعثت أبا موسى أميراً فسلم إليه ما في يدك، والعجل
فسلم المغيرة ما في يده إلى أبى موسى، وأهدى إليه وليدة تسمى عقيلة، ثم رحل إلى المدينة ومعه أبو بكرة والشهود، فقدموا على عمر، وحضروا مجلس القضاء بين يديه، فلما فتح باب التحقيق معهم قال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد: كيف رأوني؟ أمستقبلهم أم مستدبرهم؟ وكيف رأوا المرأة أو عرفوها؟ فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر؟ أو مستدبرى فبأي شئ استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي؟ والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت تشبهها
فشهد أبو بكرة أنه رآه على أم جميل يدخله كالميل في المكحلة، وأنه رآهما مستدبرين، وشهد شبل ونافع مثل شهادة أبي بكرة، ولما جاءت شهادة زياد قال عمر: أرى رجلاً أرجو
ألا يفضح الله به رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يفصح زياد شهادة الزنا وقال: رأيته جالساً بين رجلي امرأة، ورأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، وإستين مكشوفتين، وسمعت حفزاً شديداً فقال له عمر: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. فقال له: هل تعرف المرأة؟ قال: لا ولكن أشبهها
فلم يثبت الزنا بذلك على المغيرة، لأنه لا يثبت إلا بأربعة شهود يشهدون به شهادة صريحة، كشهادة أبي بكرة وشبل ونافع، فانقلب بذلك الأمر على هؤلاء الثلاثة، وعدت شهادتهم قذفاً بالزنا، وقد أمر بهم عمر فجلدوا حد القذف، ولما رآهم المغيرة قال لعمر: اشفني من الأعبد. فقال له عمر: أسكت أسكت الله نامتك، أما ولله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك
ولما كان الله تعالى يقول في القاذفين (والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) جمع عمر الثلاثة فقال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل، ومن لم يفعل لم أجز شهادته. فأكذب شبل نفسه، وأكذب نافع نفسه وأبى أبو بكرة أن يفعل لأن فعل عمر به بلغ منه ما بلغ وقد حقد على أخيه زياد مخالفته له في الشهادة، فلم يكلمه بعدها
وقد يستغرب القارئ تلويج عمر لزياد بمخالفة الثلاثة في الشهادة على المغيرة، لأن مقام الحاكم يقتضي منه أن يساعد على كشف الجريمة لا على سترها، حتى لا يفلت المجرمون من يد العدالة، فيأمن الناس شرهم، ويستقيم بذلك حالهم، كما يستغرب مؤاخذة أولئك الشهود الثلاثة مع هذا بالقذف، وإقامة حده عليهم، وحملهم على تكذيب أنفسهم، حتى تقبل بذلك شهادتهم في المستقبل
ولكنه إذا رجع إلى الأصل في تشريع تلك الحدود وزال منه ذلك الاستغراب، لأن الشارع في تشديده في تلك الحدود يقصد الإرهاب أكثر من التنفيذ، ولهذا قيد تنفيذها بقيود تجعلها لا تقع إلا في النادر، وإلا حين تتعين لحسم شر تفاقم أمره، ولا يجدي غيرها في علاجه، كأن يشتهر شخص بانتهاك الحرمات، فمثل هذا يجب على الإمام أخذه بتلك الحدود، ولا يصح أن يعمل على إسقاطها عنه
وما كان لأبي بكرة أن يفعل مع المغيرة ما فعل، فيتجسس عليه في بيته، ويطلع ضيوفه على أمور يجب فيها الصون، بل كان يجب عليه أن يكف نظره عما شاهد، ولا يحاول استقصاءه وتفصيله، لأن المغيرة لم يشتهر بانتهاك الحرمات، وقد كان من العقل والشرف بحيث يجل مقامه عن ذلك، وكانت امرأته معه في بيته؛ فكان عليه أن يحمل ما رآه عليها، ويكف نظره سريعاً عن ذلك الأمر الذي لا يجوز له أن ينظر إليه
ولو صح أن المغيرة فعل ما شهد به أبو بكرة، لكان عليه أن يستر ذلك عليه هذه المرة، ثم ينصحه فيما بينهما، أو يخبر عمر في السر بما رأى، ولا يجتهد في إقامة الحد عليه ذلك الاجتهاد الذي ينافي أصل تشريعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب، وقال أيضاً: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبدي لنا صفحته تقيم عليه كتاب الله عز وجل. وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم وعن كثير من الصحابة أنهم كانوا يلقنون المقر ما يسقط الحد عنه، وقد أخذ بهذا جمهور الفقهاء؛ وذهبت المالكية إلى أنه لا يلقن من اشتهر بانتهاك الحرمات
وقد قال ابن حزم في كتابه مراتب الإجماع: والشهود الأربعة إذا شاهدوا الزنا كان أولى في حقهم الستر بحكم الأخوة، ويكونون كأنهم لم يشاهدوا موافقة لمن لم يشاهد؛ فإن الله تعالى ستر على عبده حيث لم يطلع على قبيح فعله جماعة أكثر من الأربع، فلو اختاروا الستر ووافقوا من لم يطلع كان هذا أحق، وبالأخوة أليق، لكن لم يفترض الستر عند تمام الحجة، إذ لو وجب ذلك لم يبق لشرع الحد قاعدة
عبد المتعال الصعيدي
ذو الرمة صاحب مي
للأستاذ محمود عزت عرفة
إذا غير النأي المحبين لم يكد
…
رسيس الهوى من حب مية يبرح
(ذو الرمة)
بين عامي 77 و177 من الهجرة عاش ذو الرمة سني حياته الأربعين، أكثر ما تراه على ظهر قلوصه يذرع الصحراء ويعتسف البيد، وهو أشعث أغبر:
صريع تنائفٍ ورفيق صرعى
…
تُوفٌّوا قبل آجال الحمام
سروا حتى كأنهمو تساقوْا
…
على راحاتهم جُرَع المدام
وأقل ما تراه في حمى الكوفة أو البصرة أو دمشق لا يلبث إلا ريثما ينشد مدحته، ثم يعود ممتلئ الوطاب، ليسأنف من سيره وسراه على راحلته صيدح. . . تلك التي:
تصغي إذا شدها بالكور جانحةً
…
حتى إذا ما استوى في غرْزها تثب
وهو في كل ذلك ينشد قلبه الضائع، وينتقل من ماء إلى ماء خلف إظعان محبوبته (مي) ملتمساً وجوه الحيل إلى لقائها، والتزود من النظر إليها والاستمتاع بحديثها، في عفة واحتشام يضعانه في صف جميل وكثير وقيس بن الملوح من عشاق العرب المستعففين
وذو الرمة هو أبو الحارث غيلان بن عقبة العدوى المصري، ويلتقي حديث تلقيبه بذي الرمة، في قصص واحد، مع حديث أول لقاء بينه وبين صاحبته (مي)؛ إذ يروون في ذلك أنه مر يوما بخباء قومها فاستسقاهم. فقالت لها أمها: قومي فاسقيه. . . فجاءته الفتاة بالماء؛ وكانت على كتفه رمة - وهي قطعة من حبل - فقالت: اشرب يا ذا الرمة!
ويروون كذلك أن الحصين بن عبدة العدوى - كبير عشيرته - كان أول من لقبه بذلك حين سمعه ينشد شعره. فقال: أحسنت يا ذا الرمة؛ وكان الشاعر منذ صغره يربط بهذه الرمة جلداً فيه تعويذة ويعلقها على عاتقه حتى كبر على ذلك وشب. على أن ابن قتيبة أورد كتابه (الشعر والشعراء) أنه سمي بذلك لقوله:
لم يُبق منها أبدُ الأبيد
…
غيرَ ثلاثٍ ماثلاتٍ سود
وغير موضوح القفا موتود
…
فيه بقايا رُمةِ التقليد
أما صاحبته مي - بنت مقاتل المنقري - فلا يكاد الرواة يختلفون في حقيقتها، بل إن هذه
الهالة التي يطوقونها بها من الأدب الممتع لتترك في نفس القارئ صورة جميلة لها لا تكاد تمحي
وأحاديث لقاء ذي الرمة بمي كثيرة مترددة في كتب الأدب، ولكن يبدو أنه بقدر جمالها وملاحتها كان قبح ذي الرمة وشناعة خلقه، حتى لكان من قول أمه فيه: اسمعوا شعره ولا تنظروا إلى وجهه. . . وكان أسود اللون دميم الخلقة ينبزه جرير الشاعر بالأسود والعبد.
ومن الثابت أن مياً تزوجت من غير ساعرها، وأنها افترقت عنه أضعاف أضعاف ما اتصلت به؛ ولكنا لا نستطيع أن نتبين من هذا - ولا من غيره - حقيقة ما كان من شعورها نحوه، ولا مبلغ ما تطور هذا الشعور في فترات تعارفهما المختلفة. أما شعوره هو فواضح: حب خالص، عفيف متمكن، إلا ما كان يشوبه من ذكر خرقاء - كمحبوبة له أخرى - وسنشير إلى حقيقة ذلك بعد قليل
وقد كان من صفة (مي) عند الراوين أنها جميلة، مسنونة الوجه طويلة الخد شماء الأنف، عليها وسم ملاحة وجمال. ويزيد هذه الصورة في النفس تجسما ما يسبغه ذو الرمة عليها من وصف ممتع في ثنايا شعره. فهي كما يقول:
براقة الجيد واللبَّاتِ واضحة
…
كأنها ظبية أفضى بها لبَبُ
تزداد للعين إبهاجاً إذا سفرتْ
…
وتحرَجُ العينُ فيها حين تنتقب
لمياء في شفتيها حُوةٌ لَعَسٌ
…
وفي اللثاتِ وفي أنيابها شنب
وهي ناعمة الجمال إذا رآها، رخيمة المنطق إذا سمعها. وأجمل ما فيها عيناها وابتسامتها:
لها بشرٌ مثل الحرير ومنطقٌ
…
رخيم الحواشي لا هُراءٌ ولا نزرُ
وعينان قال الله: كونا فكانتا
…
فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
وتبسم لَمح البرقِ عن متوضِّح
…
كلَون الأقاحي شاف ألوانَها القطرُ
ومية بعد مشرقة الجيد كالغزال، مشرقة الوجه كالشمس، ولكن أجمل ما فيها - دائماً - عيناها وابتسامتها:
لها جيد أم الخشف ريعت فأتْلعت
…
ووجه كقرن الشمس ريان مشرق
وعين كعين الرئم فيها ملاحةٌ
…
هي السحر أو أدهى التباساً وأعلق
وتبسم عن نور الأقاحيِّ أقفرت
…
بوعساء (معروفٍ) تُغام وتطلق
تلك مي الفتاة كما يصفها الشاعر في ريق جمالها وميعة شبابها، أما ميُّ المسنة العجوز، بعد أن غالت شاعرها غول المنايا، وقوض من صرح جمالها تواتر الأيام؛ فهي التي يحدثنا عنها أسيد بن عمرو حين يقص فيقول:
مررت على مي وقد أسنت، فوقفت عليها وأنا يومئذ شاب فقلت: ما أرى ذا الرمة إلا قد ضيع فيك قوله:
أما أنت عن ذكراك مية تقصر
…
ولا أنت ناسي العهد منها فتذكر؟
فضحكت وقالت: رأيتني يا ابن أخي، وقد وليت وذهبت محاسني، ويرحم الله غيلان فلقد قال هذا في وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة في عين المقرور: ولن تبرح حتى أقيم عندك عذره. ثم صاحت: يا أسماء، اخرجي. فخرجت جارية ما رأيت مثلها. فقالت: أما لمن شبب بهذه وهويها عذر؟ فقلت: بلى! فقالت: والله لقد كنت أزمان كنت مثلها أحسن منها، ولو رأيتني يومئذ لازدريت هذه ازدراءك إياي اليوم. انصرف راشداً. هذه مي في أيام ذي الرمة وبعده، فمن هي خرقاء؟ لقد شبب الشاعر بها وردد اسمها في شعره غير مرة، وقدم إلينا من صفاتها الجميلة صورة معجبة. ولكن الروايات بعد كل هذا تصطدم في حقيقة شخصيتها بين إنكار وإثبات، فعند بعضهم أنها هي مي بذاتها، لقبها الشاعر خرقاء في مواضع من كلامه. ويروى آخرون حديث خروجه إلى بعض البوادي والتقائه بخرقاء من آل البكاء من عامر صعصعة - وما كان من تخريقه أدواته توصلاً إلى مكالمتها بالتماس إصلاحها؛ ثم ما كان من اعتذارها عن نفسها بأنها خرقاء لا تحسن عملاً وتلقبيه إياها بذلك
وثمة أقصوصة أخرى يروونها عن سبب تشبيبه بخرقاء متممين بها (الرواية الكبرى) عن حبه لمي؛ تلك هي أن ذا الرمة ضاف زوج مي من ليلة ظلماء، فلما عرفه وخلا بالعراء أنشد في جوف الليل:
أراجعةٌ يا مي أيامنا الألى
…
بذي الأثل؟ أم لا، مالهن رجوع
فألزم الزوج المحنق زوجته أن تصيح بالشاعر: (يا كذا) وأي أيام كانت لي معك بذي الأثل؟
فركب غيلان راحلته وانصرف غاضباً، حتى مر بخرقاء، فوقعت في عينه، فقال فيها
يسيراً من شعره يريد بذلك أن يغيظ ميا، ثم ما لبث بعد قليل أن مات
ويقيم لدينا الدليل الملموس على حقيقة وجود خرقاء وانفصال شخصيتها عن شخصية مي - فضلاً عن الروايتين السابقتين - ما يقوله ذو الرمة في مطلع قصيدة يمدح بها عبد الله بن معمر التيمي:
أخرقاء للبين استقلت حمولها؟
…
نعم غربة، فالعين يجري مسيلها
كأن لم يرعك الدهر بالبين قبلها
…
لميِّ ولم تشهد فراقاً يزيلها
فها نحن أمام محبوبتين لذي الرمة يروعه الدهر بفراق واحدتهما بعد الأخرى، ويؤيد هذه الحقيقة أيضاً قوله من قصيدة أخرى:
وأروع مهيام السرى كل ليلة
…
بذكر الغواني في الغناء المواصل
جعلت له من ذكر ميٍ تعلةً
…
وخرقاء فوق الواسجات الهواطل
ونحن نختم كلمتنا هذه بقولنا إن الغزل وما يتصل به هو الناحية البارزة من شعر ذي الرمة، على أن في مدائحه وأهاجيه وفي قيمة شعره الأدبية واللغوية ما يستحق التسجيل. وحسبي الإيماء هنا إلى بائيته: ما بال عينك منها الماء ينسكب. . . فإني وجدت أكثر أبياتها - بل كلها - مستشهداً به في مختلف المصادر العربية القديمة على دقائق لغوية ونحوية وبلاغية وبيانية لا يحيط بها العد
فهذه ناحية أخرى من نواحي دراسة ذي الرمة قد نعود إلى بسط القول فيما وقفنا عليه منها، إن أسعدنا الوقت وانفسح لنا المجال.
(جرجا)
محمود عزت عرفة
السراب.
. .!
(الجزء الأول من ملحمة السراب)
للدكتور إبراهيم ناجي
السرابُ الخؤونُ والصحراءُ
…
والحيارى الُمشَرَّدُونَ الظماءٌ
وليالٍ في إثرهنَّ ليالٍ
…
سَنةٌ أقفرتْ وأخرى خَلاءُ
قلَّ زادي بها، وشحَّ الماءُ
…
وتولَّى الرفاقُ، والخُلَصَاءُ
كيف للنازح الغريب ارتحالي
…
وجناحايَ السقُم والْبُرَحاءُ
وجراحي المُسْتَنزفات الدوامي
…
وخطاي المقيَّداتُ البِطاءُ!
أدركي زورقي فقد عبث اليمُّ
…
به، والعواصفُ الهوجاءُ!
فغرَ الليلُ فاهُ وانبسط البح
…
رُ وجُنَّت أمواجه السوداءُ
والعباب العريض، والأفق المو
…
حش، واللانهايةُ الخرساءُ!
أبدٌ لا يُحَدُّ للعين قد ضا
…
ق، فأمسى والسجن هذا الفضاء
سهرت ترقب الصباح وعين الن
…
جم كلّت وما بها إغفاءُ!
عجبي من تَرَقُّبي، ما الذي أر
…
جو ولمّا يَعُد لقلبي رجاءُ!
وأنا مرهف المسامع فيه!
…
لي إلى كل طارق إصغاءُ. . .
التقينا كما الْتَقَى بعد تطوا
…
ف على القفر في السُّري أنضاءُ
قطعوا شوطهم على الدم والشو
…
ك، وراحوا على اللهيب وجاءوا
في ذراعيكِ أو ذراعيَّ أمْنٌ
…
وسلام. . . ورحمة. . . ونَجاءُ
وعلى صدركِ المعذب أو صد
…
ريَ حصن وعصمة واحتماءُ
كم أناديكِ في التنائي فَترْتدُّ
…
بلا مغنم ليَ الأصداءُ
وأناديكِ في دمائي فتنسا
…
بُ على حسرة لدىَّ الدماءُ
وأناديكِ في التداني وما أط
…
مع إلا أن يُستجابَ النداءٌ
اسُمكِ العذب أروع الأس
…
ماءِ مهما تَعَدَّدَتْ أسماءُ
لفظة لا تبينُ تنطلقُ الأق
…
دار عن قوسها ويرمى القضاءُ
وهي بين الشفاه نايٌ وتغري
…
د وطير وروضة غَنَّاءُ
وهي في الطرس قصة تُذْكر الأح
…
بابُ فيها وتُحْشَدُ الأنباءُ
صُدْفةٌ ثم وقفة فاتفاقٌ
…
فاشتياقٌ فموعدٌ فَلِقاءُ!
فقليلٌ من السعادة لا يك
…
ملُ فيه ولا يطولُ الهناءُ
فلوعةٌ فاحتراقٌ
…
فجحيمٌ وَقُودُه الشهداءُ
من أدب الشاطئ
موجة. . .!
(مهداة إلى موجة بشرية متجنية لعل الله يبصرها بمواطن
الحق والعدل)
للأستاذ محمد عبد الغني حسن
موجة أَزبدت وأَرغت فقلنا
…
كادت الأرض تحتنا تتبعثرْ
وعلت كالجبال وَهْيَ رواس
…
وبدت مثل مارد لا يقهرْ
تقذف الرعب في القلوب وتُلْقى
…
كلَّ هَولٍ والبحر بالناس يزخرْ
تتعالى تجبُّراً كقوىٍ - يتعالى على الضعيف الأصغر
أدركتها الحظوظ سعداً فراحت
…
تهزأُ اليومَ بالأنام وتسخرْ
أيها الزاخر العنيف تمهل!
…
كلُّ حال لضدها تتغير. . .
ومضت لحظة علينا فكانت
…
مثل عمر الندى السريع وأقصر
فإذا الموجةُ القوية أضحت
…
تتلاشى على الرمال وتُنْثرْ
وإذا مَتْنُها الشديد الأواذى
…
يتهادى في الرمل أو يتكسرْ
والهدير الذي على صفحتيها
…
صار في الشط ساكناً لا يهدرْ
والعتوُّ الذي تمثل فيها
…
صار ذكرى للمرء لو يتذكرْ
أيها الزاخر العنيف ترفَّقْ
…
أيها الظالم القوى تدبر
كل شئ في الكون يجرى عليه
…
أَجَلٌ حائنٌ وحكم مُقَدَّرْ
إيه يا موجة التجبُّر رفقاً
…
من يكن للفناءِ لا يَتَجَبَّر
كان في البحر قبل خلقك موج
…
عدد الرمل والحصا أو أكثر. . .
لا تقولي: أنا. ففي الكون خلق
…
أَنتِ أَدنى منه مكاناً وأَحقر. . .
رُبَّ مستكبر على الأرض يمشى
…
فوقه في السماء من هو أكبر
البريد الأدبي
وحدة الوجود
حضرة الفاضل الأستاذ صاحب مجلة (الرسالة)
أستأذنكم والأستاذ دريني خشبة قول كلمة وضيعة في نقد (رسائل التعليقات للرصافي) للأستاذ دريني خشبة في العددين الأخيرين من المجلة
كان موضوع النقد (وحدة الوجود)، وليس في المقالين تعريف (لوحدة الوجود) ولا اقتباس هذا التعريف عن كتاب الرصافي (إن كان الرصافي قد عرفها)
فعبارة (وحدة الوجود) من غير تعريف مبهمة ولا أعلم كم قارئ من قراء الرسالة فهموا المراد منها. وفيما كنت أقرأ المقال الثالث للأستاذ دريني خشبة كنت أؤمل أن أفهم المراد منها فيما سرده من نظريات فلاسفة اليونان من طاليس إلى أروسطو إلى أفلاطون إلى غيرهم؛ فإذا بوحدة الوجود ازدادت غموضاً بل غابت وراء سحب تلك الفلسفات السفسافية التي يعجز القارئ عن أن يحصل منها معنى معقولاً. وهو معلوم الآن أن نظريات الفلاسفة القدماء في الوجود لا تذكر إلا في تاريخ الفلسفة لكي يعلم المتأخرون ماذا كان تفكير المتقدمين فيها. لأن تلك النظريات سلاسل سخافات كنشوء الكون من (الرطوبة)؟ أو من العدد أو من البخار إلى غير ذلك مما لا تهضمه العقول السليمة
واختلاف الفلاسفة القدماء في شأن الوجود دليل قاطع على أنهم تخبطوا فيه على غير هدى. ولو أصابوا كبد الحقيقة لالتقوا كلهم في مركز الحقيقة وهو واحد، كما أن العلماء العصريين كلما اهتدوا إلى حقيقة علمية التقوا كلهم عندها من غير خلاف كالتقائهم جميعاً عند الجوهر الفرد في الكيمياء وعند كروية الأرض في الجغرافيا وعند (تمركز) الشمس في وسط أفلاك السيارات في الفلك، وعند جميع القوانين الطبيعية المحققة
فإذا كان المراد بوحدة الوجود أن الكون كله من ذرات وأجسام وأجرام نشأ من هيولي واحدة، فهو ما أثبته العلم الحديث ولا يد للفلاسفة القدماء فيه. فقد ثبت للعلم العملي الاختباري التجريبي أن جميع الأجسام والأجرام الأرضية والسماوية مؤلفة من عناصر كيمية متماثلة، وأن العناصر مؤلفة من كهارب (ذريرات متماثلة. وإنما تختلف العناصر بعضها عن بعض بعدد ذريراتها وترتيبها وحركاتها فيها. فالهيولي (أصل المادة) هي
الذريرات المتماثلة التي تتألف منها جميع أجزاء الوجود
بهذا المعنى وبه فقط، يعتبر الوجود (وحدة) أي أنه مؤلف من هيولي واحدة لا ثاني لها
ولم ترد وحدة الوجود في فلسفات الفلاسفة المتأخرين إلا نادراً حتى تقابل مع (ثنائية الوجود) والمراد من هذه أن للوجود ضلعين: مادة هيولانية وعقلاً متفاعلين. ولهم في (الثنائية) أبحاث عويصة جداً
وعند أهل العلم، العقل هو كالحياة أحد منتجات تفاعل المادة؛ فهو والحياة والاجتماع وأدب النفس، كل هذه ظاهرات للمادة - الهيولي أصل كل شئ
وما وراء الطبيعة الذي زعمه الفلاسفة وتفلسفوا به كالحرية والجبرية والقدرية والعلة والمعلول الخ ما هو الإنتاج عقلي، والعقل كما قلنا نتاج المادة. فإذن ليس وراء الطبيعة شئ. وما نزعمه (وراء الطبيعة) ونتفلسف به إنما هو ضمن نطاق الطبيعة - طبيعة المادة - الهيولي
الهيول أصل كل شئ، ومنها وحدانية الوجود
وأما مسألة نسبة الله إلى الوجود أو نسبة الوجود إلى الله، فمسألة فقهية لاهوتية لا أتعرض لها بتاتاً.
نقولا الحداد
حول مذهب وحدة الوجود
ليس أيسر على الناس من أن يقرفوا الفلاسفة والمفكرين بالكفر والإلحاد، فإن من دأب العامة أن تتمرد على كل ضرب من ضروب الامتياز؛ وهؤلاء قد تفردوا بالامتياز العقلي، فلابد أن يكونوا موضعاً لاتهام العامة. ويظهر أن الناس أسخياء في منح لقب (الإلحاد) سخاءً ما بعده سخاء، فإن واحداً من المفكرين لم ينج من هذا اللقب الذي لا يكلف الناس كثيراً! وقد كان أصحاب القول بوحدة الوجود - من بين سائر المفكرين - أكثرهم تعرضاً لهذا الاتهام، فحكم على الفيلسوف الإيطالي جيوردانو برونو بالحرق، وحكم على الفيلسوف اليهودي أسبينوزا بالطرد من الكنيسة اليهودية، وكفر غيرهما ممن قال بوحدة الوجود كابن عربي في الإسلام، وسكوت إربجين في المسيحية. ولكن على الرغم من
هذا الطعن الشديد الذي لقبه مذهب وحدة الوجود، فقد استمر الفلاسفة والمفكرون ينظرون إلى وحدة الوجود على أنها أعلى صورة من صور (الواحدية) وذهب نفر منهم إلى حد أبعد. فأعلن (أن وحدة الوجود هي النظرية الكونية الوحيدة التي لابد أن يأخذ بها العالم المحدث)
بيد أن ثمة فريقاً آخر من الفلاسفة قد نظر إلى (وحدة الوجود)، على أنها تتضمن إنكاراً لوجود الله، فذهب شوبنهور - مثلاً - إلى أن (مذهب وحدة الوجود ليس إلا صورة مهذبة لمذهب الإلحاد، لأن حقيقة مذهب وحدة الوجود تنحصر في أنه يهدم التعارض الثنائي الموجود بين الله والكون، وأنه يقرر أن الكون موجود بفضل قواه الباطنة الخاصة به. فالمبدأ الذي يقول به أصحاب وحدة الوجود من أن الله والكون شئ واحد، إنما هو وسيلة مهذبة للاستغناء عن الله، أو تعطيل عمله). وعلى الرغم من هذا النقد، فإن مذهب وحدة الوجود يعتبر من أمعن المذاهب الفلسفية توحيداً وتنزيهاً. وليس من الصحيح ما يقوله شوبنهور من أن هذا المذهب يتضمن إنكاراً لوجود الله، بل الصحيح أنه يتضمن إنكاراً لوجود العالم وحسبنا أن نرجع إلى كتاب (فصوص الحكم) لابن عربي، حتى نتحقق من صحة هذا الحكم، فإن هذا المفكر الإسلامي قد انتهى إلى القول بأن (العالم متوهم ماله وجود حقيقي)، لأنه ليس ثمة غير حقيقة واحدة لا تتكثر ولا تتغير، وهذه الحقيقة الواحدة هي الله أو (الحق)؛ وهو قد أظهرنا في مواضع كثيرة من هذا الكتاب، على أن الله هو عين الوجود (فما ثم إلا الله الواجب الوجود، الواحد بذاته. . . منه وإليه يرجع الأمر كله)، فمن التعسف إذن أن نصف مذهب وحدة الوجود بأنه إفك ينطوي على كثير من الأراجيف (كما ذهب إلى ذلك أحد الكتاب في (الرسالة))، ومن قلة الإنصاف أن نحكم على الفلسفة، باسم الدين، حكما هذا قدره من الخطأ والمجازفة والتعسف
زكريا إبراهيم
ليسانسيه في الآداب والفلسفة
بدرجة الشرف الأولى
إلى الأستاذ محمد أحمد الغمراوي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فإني يسرني أن أرسل إليكم وقد فرغتم من نقد كتاب النثر الفني في تعرضه للقرآن الكريم، أجمل عبارات الشكر على ما كتبتم؛ فإنه والله قد شفى غيظ قلوب المؤمنين، وقمع شياطين الضلال والإلحاد بعد أن كثرت هذه الأيام في كل واد
وقد قمتم بهذا الواجب الديني عنا جميعاً، فلكم من الله الجزاء الحسن والثواب الأوفى، وقد كان من بركات ما كتبتم أن حيل بين مؤلف الكتاب وبين مجلتنا المحبوبة (الرسالة) التي نقدرها وصاحبها المفضال
وسلامي وتحياتي وإجلالي لكم وللأستاذ الزيات الجليل
محمد يوسف موسى
المدرس بكلية أصول الدين
حول قصيدة
جاء في الأديب إبراهيم محمد نجا (أغنية روح) المنشورة بالعدد الماضي من الرسالة هذان البيتان:
وإذا الدنيا كما كنت أرَاها
…
في رؤى الحب وأحلام الكرى
فكأن الفن بالحسن كساها
…
أو براها الله خلقاً آخرا
ويلاحظ القارئ أن في الشطر الثاني من البيت الثاني خطأ عروضي: يسمى سناد التأسيس. وقد أشار إلى مثله الأستاذ محمد محمود رضوان في قصيدة الأستاذ الخفيف. فإلى متى يقع الشعراء في مثل هذا الخطأ
محمد عبد الفتاح إبراهيم
شجر المشمش وميعاد إزهاره
جاء في العدد 569 من الرسالة الغراء شرحاً لكلمة (المشمش) الواردة في قصيدة الأستاذ العوضي الوكيل بأنه أسبق الأشجار إزهاراً وإيراقاً. والذي أعرفه أن أول الأشجار إيراقاً وإزهاراً هو شجر اللوز، ثم الجارنيك، ومن ثم المشمش. ترى هل يختلف زمن الإزهار
والإيراق في مصر عن الشام؟
(حماه)
محمد كيلاني