المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 593 - بتاريخ: 13 - 11 - 1944 - مجلة الرسالة - جـ ٥٩٣

[أحمد حسن الزيات]

فهرس الكتاب

‌العدد 593

- بتاريخ: 13 - 11 - 1944

ص: -1

‌تعليقات على يوميات

للأستاذ عباس محمود العقاد

من آيات الكتاب الحي أنه يذكر ويوحي ويستطرد بك إلى مناسبات تشبه مناسباته وأحاديث تقترن بأحاديثه، لأنه يروي عن الحياة الإنسانية وهي متشابهة في كثير من الوقائع، متقاربة في شتى الأزمنة والأعمار. فإذا صدق الكاتب في الحكاية عنها لم يلبث القارئ أن يلمس دليل ذلك في أحاديثه ومناسباته التي تشبه ما في الكتاب من الأحاديث والمناسبات

وكذلك الكتاب الذي بين يدي وهو كتاب (من يوميات محام) لمؤلفه القانوني البحاثة والأديب المبين الأستاذ عبده حسن الزيات

والأستاذ عبده مؤلف معروف بأكثر من كتاب في أكثر من موضوع، فهو مترجم رواية اللصوص للشاعر شلر، ومترجم كتاب (حكايات من الهند) التي ظفرت بتقدير الأدباء، ومؤلف كتاب (سعد زغلول في أقضيته) وهو مرجع في تاريخ القضاء وتاريخ الزعيم

أما كتابه الجديد فقد يوهمك أنه كتاب محامين لأنه (من يوميات محام) كما جاء في عنوانه، ولكنه في الواقع مما يقرأه المحامي وصاحب القضية كما يقرأه من لا يلم بالقانون ولا يعرف ساحة القضاء، لأنه يعني أحياناً بالملاحظات النفسية والاجتماعية كلما عني حيناً بالملاحظات الفقهية والقضائية، وفي كل مسألة من مسائل الخلاف الذي يعرض على المحاكم مسألة من مسائل النفس وقصة من قصص البيوت أو الأفراد

وأدل ما فيه على الحياة كما أسلفنا أنه يوحي ويذكر ويستطرد بالقارئ إلى مناسبات كثيرة. فما قلبت صفحة فيه إلا وقفت عند حادثة تشبهها أو تقاربها أو تدعو إلى التأمل والتعقيب. ففي كل صفحة منه صفحات يضيفها القارئ إليه لو شاء، أو هو ينطوي على قطعة من كل نفس على حد تعبيره في الكلام عن ذكرياته بمدينة بور سعيد

أهدى كتابه (سعد في أقضيته) إلى صاحب الدولة أحمد زيور باشا لأنه كان عضوا في المحكمة التي كان يجلس فيها سعد رحمه الله، وكان المؤلف حريصاً على تسجيل رأي زيور باشا في زميله ورئيسه وعلى الإصغاء إلى ذكرياته في هذا الصدد من خمس وأربعين سنة

فسأل دولته عن جناية الجزيرة الشقراء وقال له: (بأن ما يهمني هو أن الحكم تضمن حملة

ص: 1

شديدة على رجال البوليس في أسلوب عنيف قوي العبارة)

فقال غير متردد: (نعم هو سعد كان شديد على رجال الإدارة)

فذكرت تواً أحاديث سعد رحمه الله عن رجال الإدارة، وعجبت كيف تتنبأ طبيعة الرجل بما سيبلوه من بعض الناس قبل عشرات السنين، فقد كان سعد في أحاديثه وخطبه كما كان في أحكامه القضائية شديد الأنحاء على رجال الإدارة والشرطة، وسماهم في بعض خطبه ملوك النيروز الذين يدوم لهم الملك يوما ثم يزول، ولم يكن يعلم وهو يتعقب أخطاءهم بالتنديد من منصة القضاء أنه سيبتلى بهم على منصة الزعامة وسيعاني من تصرفهم أضعاف ما كان ينعاه من ذلك التصرف في شؤون الناس. وقد صدق ابن الرومي حين قال:

وللنفس حالات تظل كأنها

بما سوف تلقى من أذاها تهدد

فلعل حالة من هذه الحالات هي التي أوحت إلى سعد أن يسبق حوادث الزمن فيقول في أسباب الحكم في قضية الجزيرة الشقراء: (وحيث إن وقوع مثل هذه التصرف بحجة إظهار الفاعل أو كشف الحقيقة أشد خطراً على النظام العام من خفاء الجاني أو تخلصه من العقاب، لأنه لا شئ أسلب للأمن وأقلق للراحة وأزعج للنفوس من أن يعبث بالنظام من عهد إليه حفظ النظام. وحيث أنه لا يصح أن تكون مثل هذه التصرفات أساسا للحكم بل لا يصح غض النظر عن المؤاخذة عليها، لأن ذلك مما يضر بالقضاء ويجعله عوناً للظلم بدلاً من أن يكون نصيراً للعدالة)

وقد طرب زيور باشا وهو يسمع هذا الكلام مرة أخرى بعد خمس وأربعين سنة، فابتسم ابتسامة الصافية كما وصفها المؤلف وقال: هذا كلام سعد. . . والفرنسيون يقولون الأسلوب هو الرجل

وأشار المؤلف الفاضل إلى قضية لي مع مصلحة التلفونات كان له الفضل في كسبها قبل أربع سنوات

قال الأستاذ عبده: (منذ يومين أرسل إلى الأستاذ عباس العقاد حكماً صدر ضده قاضياً بإلزامه بأن يدفع لوزارة المواصلات مبلغ 475 قرشا والمصروفات، قال الأستاذ أنه يريد أن يعارض في هذا الحكم تمسكاً بوجهة نظره، فإن القيمة التي طالبته الوزارة بها هي أجرة مواصلة بين تلفونين كانا له حين اصدر صحيفة الضياء فلما ترك هذه الصحيفة نقل كلا

ص: 2

من التلفونين إلى منزل لصديق من أصدقائه وقد تولى كل من الصديقين وفاء الاشتراك الخاص به لمصلحة التلفونات ولم يبق مبرر بل لم يبق سبيل للاتصال بين التلفونين، فانهما في دارين مختلفتين عند صديقين مختلفين، فعلام إذن تستحق أجرة أو رسوم هذه المواصلة المستحيلة؟)

هذه هي الواقعة التي بنيت عليها الدعوى

وتتمة الواقعة أن أروي للمؤلف الفاضل ولحضرت القراء قصتين صغيرتين

فالقصة الأولى قصة نزاع على شجرة في بعض جهات الإقليم الذي نشأت فيه وهو إقليم مشهور باللدد في المنازعات القضائية

هذه هي الشجرة التي لا ثمر لها ولا ينتفع منها بغير الوقود بعد قطعها كانت موضع النزاع سنوات بين أسرتين، واجتمع من قضاياها عشرات الملفات وألوف الصفحات؛ وتفرعت على الدعوى المدنية فيها دعاوى جنايات شتى لا تنتهي الواحدة منها حتى تتلوها الأخرى

وكان الأحكام العسكرية يومئذ مضروبة على إقليم أسوان لاشتعال الثورة المهدية وقرب الإقليم من الحدود

فكان قاضي المدينة ضابطاً من رؤساء الضباط في فرق الجيش المقيمة بها، وضاق ذرعاً بهذه المنازعات فأمر بإعداد الزورق البخاري ذات يوم ودعا بأحد الحطابين وبأفراد الأسرتين المتنازعتين لموافاته عند الشجرة. . . ثم أمر بقطعها وإلقائها في النيل ووراءها الملفات والأوراق. . . فأراحهم واستراح

تلك إحدى القصتين

والقصة الأخرى يعلمها أديب من بلد الأستاذ عبده الزيان: دمياط

وخلاصتها أنني كنت أشتري أقة من الكمثري الخشنة التي تعرف (بالخشابي) لأنني كنت أستعين بخشونتها على الهضم في بعض الأوقات. فسامني الرجل فيها ثمانية قروش، وكانت تباع بسبعة قروش في ميدان سليمان باشا

قلت للرجل: أنها تباع بسبعة قروش عند زميلك فلان

قال: إذن خذها من فلان!

قلت: نعم آخذها من فلان، ولن آخذ شيئاً منك بعد الآن. . .

ص: 3

وكان اليوم قائظاً فأنفقت في الركوب إلى ميدان سليمان باشا والعودة منه عشرة قروش، لكي لا يسومني أحد من الناس أن أرضخ عن قرش واحد بالعنت والإكراه

أكانت معارضتي في قضية التلفون إذن من لدد الإقليم أم من هذه الخليقة الشخصية؟

لا احسبني أحب المنازعات القضائية لأنني أحسمها دائماً قبل الدخول فيها، ولكنني أعلم أنني كنت على استعداد لإنفاق عشرة أضعاف المبلغ الذي طلبته مصلحة التلفون قبل أن أسلمه لها بغير الحق، وإنني ما كنت ألجئها إلى المقاضاة لو علمت أنها كانت على حق فيما تدعيه

ولكن الأستاذ عبده قد أراحنا من سداد المبلغ ومن إنفاق أضعافه، لأنه وفق بدفاعه إلى تقرير مبدأ عادل في موضوع هذه القضايا، لعله قد أراح المئات من المشتركين وحق له في أموالهم جميعاً نصيب غير مقدور

ومن طرائف ما في الكتاب قصة ذلك (البريء) الذي حكم عليه بالسجن في قضية قتل لم يجنه، ولكنه كان قد جنى وأفلت من العقاب مرات

أعرف شبيه هذه القضية في سرقة عوقب عليها لص ولم يجنها وكان قد جنى غيرها ونجا من العقاب

فليس بالنادر هذا الجزاء الإلهي الذي يجري أحياناً على أيدي القضاء

ولكن الذي يحضرني في هذا الصدد مشابهة فكاهية لهذا الصواب في الخطأ، أو هذا في الخطأ في الصواب، حدثت لي يوم كنت في مراجعة التذاكر بمصلحة السكة الحديد

فقد زدت تذكرة في قسم ونقصت تذكرة في قسم آخر، وسألت في ذلك فقلت: واحدة بواحدة، ضعوا هذه في مكان تلك، فلا زيادة إذن ولا نقصان

إن جاز في حساب العدد والنقود جاز ذلك في حساب النفوس والأحكام

وكلاهما يجوز على اضطرار

ولو شاء القارئ لاستطرد من الكتاب إلى كتب على هذا المنوال، ففيه ضروب من القضايا وفيه فنون من الهوامش والتعليقات، وهو يلم أحياناً بجرائم المصادفة وأحياناً بجرائم العوارض النفسية وأحياناً بمذاهب التشريع في غير تعسف ولا إقحام، ويمزج ذلك بلمحات من السخر تستطاب في سياقها، كقوله في التعقيب على كلام مجرم ينتظر بعد خروجه من

ص: 4

السجن أن ينصفه أقرباؤه في الميراث:

(. . . هذا مجرم لم يتحجر فؤاده بعد عشرين عاماً في قطع الأحجار. أنه حسن الظن بالناس، بل بالأقرباء أيضاً. . .) أو قوله يعاتب نفسه على إهمال المذكرات ثلاثة أشهر: (. . . إن هذه المذكرات هي هي التي حنت عليك وهي هي التي تقبلتك في صدرها واستمعت إلى هرائك وسخفك، وأصغت إلى هزلك إصغاءها إلى جدك! أتراك أنت أيضاً قد سرت إليك العدوى فأنت مدبر عمن يقبل عليك مسيء إلى من يحسن إليك) أو قوله عن القتلة أتباع الطريق الذين استباحوا القتل ولا يستبيحون الكلام في المرحاض (لأن شيخنا ينهي عن الحديث في محل الأدب، لأن الملائكة مكلفون بقيد كل ما نقول؛ فإن نحن تحدثنا فيه فقد أرغمناهم على ملاحقتنا داخله، وهذا لا يليق في حقهم!)

وترتفع نغمة الحديث أحياناً من السرد إلى الوصف البليغ بل إلى الشعر المنثور حين يعرض المؤلف للذكريات في مدينة الإسماعيلية وغيرها من مدن القناة

فهو لاشك قراءة ممتعة، ومطالعة نافعة، وكلام فيه ما يروق بالسخر والفكاهة، وفيه ما يروق بالوصف والبلاغة، وكله مما يشوق القارئ أن يرى يوما من الأيام (يوميات محام) ولا يقنع بـ (من يوميات. . .)

عباس محمود العقاد

ص: 5

‌منع الحرب؟

حلم الأبد!

للأستاذ محمد توحيد السلحدار بك

خبت نار الحرب الكبرى السابقة، وبقي أثر رزاياها وذكر أهوالها باعثين من البواعث على حب السلام والوعد بحفظه والتحذير من نقضه. من ذلك قول الفيكونت جراي إن الأفراد والأمم (إذا أرادوا ضمان المستقبل وحياة المدنية، وجب أن يعرفوا هل الحال العقلية السائدة في الحاضر هي أكثر حذراً وصواباً من العقلية التي سادت قبل تلك المحنة العظيمة، وإلا زالت مدنيتنا كما زالت مدنيات سابقة)؛ وقول بلدوين رئيس الوزارة البريطانية الأسبق (من في أوربا يجهل أنه إذا وقعت في الغرب حرب جديدة انهارت في زلزلة هائلة مدنيتنا المؤلفة، كما انهارت مدينة روما) وقول المستر ديفز (إذا نشبت حرب عالمية جديدة، واحتدمت بالأسلحة التي تعدها التطبيقات العلمية للإنسان، سهل إبادة الأمم في بضعة شهور)

لكن التجارب والمخاوف جميعاً لم تمنع هذه الحرب الضروس الشعواء التي يشهد العالم طرأ ما تحدث وحشيتها من دمار وانهيار. ذلك بأن الغرائز والشهوات ما زالت تتغلب على العقل، والطبيعة لم تصلح بعد من شان النزعات الأنانية، ولم توجهها إلى التعاون الصادق، والإنسان مقصور على الكفاح في الحياة، والدول من طبعها أن تتعمد التوسع وترغب في الفتح والسيادة الدولية بالمنافسة المطلقة في الاقتصاد والصناعة، والتجارة والتسلح؛ وهذه سبيل لا مندوحة فيها عن الحرب بين حين وحين، تشتبك بحجة الدفاع الشرعي أو الدفاع عن شرف الدولة وسيادتها، وتارة ببعض تلك الحجج التي تموه بها بواطن الأمور وحقائقها من أنانية وشهوات وأطماع ذاتية ومصالح شتى، لتندفع الشعوب إلى الملاحم الجهنمية والمجازر الآدمية

على أن كل حرب كبيرة تعقبها فترة رجعية سببها الحاجة الطبيعية إلى الراحة واستجمام القلب ولم الشعث، فترة تهبط فيها غريزة المنافسة الطليقة إلى مستواها الأدنى، وتتلاشى في المعسكرات لتظهر على الأخص في الميدان الاقتصادي، فتدفع إلى الاستعداد لحرب تالية وإن كثرت الوعود بالمحافظة على السلام وبتوطيد دعائمه ومنع الحرب. من هذه

ص: 6

الدعائم جمعية جنيف المحترمة التي أمست، فيما زعموا، لعبة بيد الدولة البريطانية وفرنسا ثم بيد بريطانيا وحدها، ثم أخفقت في منع الحرب: لأن منعها يحتاج إلى نظام يضمن العدل الدولي، والعدل الدولي دونه التسلح، ومنع التسلح لا يتحقق بغير أمن، والأمن ليس يوجد بغير عقوبة مقررة للمعتدي، وتقرير العقوبة ليس بوازع إلا إذا كانت هناك قوة تنفذها، قوة تفوق مجموع قوى الدول، وما من دولة تأمن طغيان مثل هذه القوة المتفوقة أو ترضى أن تنزل نزولاً حقيقياً عن سيادتها أو عن حق حماية شرفها، بل حتى عن حق الاعتداء على غيرها

وليست سياسة جنيف تجربة أولى لحفظ السلام بجمعية دولية، بل هي سياسة يمكن إرجاع العمل بها أول مرة إلى عهد المدنية اليونانية العتيد، على الأقل. وقد عادت إليها الدول مراراً منذ ذلك العصر القديم، وإن تكيف تنفيذها بالأحوال في كل زمان. ولكن الأمم لا تزال ترفض بعزم وحزم أن ترضخ لسيادة الحق، وإن هددت الجوارح مرات عديدة بأن تهلك الجنس البشري بأسره

كانت المدينة اليونانية في الغابر دولة حقيقية ذات سيادة. وكانت دول المدائن الهِلِّينية تتحد لأغراض دينية وسياسية. ومن محالفاتها (اتحاد ديلس) والعصبة (الآخية)

جمع اتحاد ديلس، تحت رياسة أثينا، الدول الهلينية البحرية، وأوجب عهد التحالف على كل منها تقديم سفن لأسطول مشترك أنشئ للدفاع عن الاتحاد ضد الفرس، وحراسة النظام في بحر إيجه، ولتنفيذ العقوبات التي يقضي بها مجلس الاتحاد في المنازعات بين أعضائه

كانت ديلس مقر المجس، ومن شروط الحلف نص يلزم أعضاؤه أن يعرضوا عن المحاربة فيما بينهم وإن يحكموا المجلس في منازعاتهم. وهو يمثل السلطة التنفيذية ويفصل الخصومات ويحكم بالعقوبات وأثينا تباشر تنفيذها وتقتضي كل عضو ما شرط عليه تقديمه من رجال ونقود، وتتخذ تدابير الإجبار للمخالفين والمقصرين في القيام بالالتزامات العسكرية

فكان كل عضو، في البداية، دولة بحرية مستقلة ذات سيادة، تعاون بحصة لحفظ القوة المشتركة. لكن أثينا كانت أقدر على بناء السفن الحربية وأسرع من غيرها، فانتهى الأمر إلى اختصاصها ببناء هذه السفن إذ صار أكثر الدويلات في الاتحاد يؤدي بدل السفن نقوداً

ص: 7

للخزينة المشتركة

والنتيجة السياسية من هذا النظام هي سيادة أثينا على قوات الاتحاد الحربية، وإرادتها سائر الأعضاء على معاونتها براً وبحراً وعلى اتخاذ دساتير ديمقراطية مماثلة لدستورها هي، حتى ردت الاتحاد إمبراطورية بحرية تحت سيطرتها

أما العصبة الآخية فقد جمعت قرابة ستين دولة معرفة، حين بلغت أعظم شوكتها. وكان لكل عضو منها حرية التصرف في شؤونه الداخلية. أما السياسة الخارجية. فكانت بيد مجلس العصبة، ولكل عضو صوت فيه. والمجلس هو الذي يعقد المعاهدات والمحالفات ويعلن الحرب ويجتمع بدعوة من رئيسه. ورئيسه قائد ينتخب كل سنة ولا يعاد انتخابه إلا بعد مدة رياسته بسنة، وهو، في حالة الحرب، يصبح قائداً عاماً مطلق السلطة. وقد اعتمدت العصبة على جيش دائم تحت إمرة مجلسها رأساً، وكانت أحياناً تطلب مؤناً وعتاداً من بعض المدن، أو تخول قائدها السلطة لحشد جميع القوات العسكرية التي لأعضاء الاتحاد. أنشئت العصبة لمواجهة النفوذ المقدوني على الخصوص، وكانت تستعمل هذه القوى في حماية نفسها وتنفيذ العقوبات، وفي حتم الانضمام إليها على دول آخر في بعض الأحوال

وحق أن هذه العصبة وما سبقها من اتحادات كانت جميعها محالفات بين دول المدائن الهلينية توالي الإخلاص لعنصر واحد، ولكن يخطئ من يظن أن تحقيق الاتحاد بين تلك الدول كانت سهلاً أو أن التحاسد بينها لم يكن شديداً قاسياً

ثم بسط السلام الروماني رواقه على كل أرض رفرف فوقها علم رومه، وتحقق العدل بين الأمم للمرة الأولى في التاريخ، إذ ارتاض أقوام مختلفة عناصرهم ومدنياتهم لفكرة نظام سياسي مشترك؛ ولولا اعتماده على تفوق الجيوش الإمبراطورية لما أمكن قيامه في كل مكان وجدت به حامية رومانية

وشبيهة الإمبراطورية الرومانية في العصر الحديث هي الإمبراطورية البريطانية بالهند التي كانت إمارتها على اعتراك دائم والاضطهاد فيها كثير، ثم انتظمت محاكمها بعد الاحتلال واعتمد تنفيذ أحكامها على الشرط وخلفهم الحاميات البريطانية. فقضت الهند ردحاً من الدهر في ظل السلام البريطاني كالسلام الروماني. لكن نظام الهند قد ضرب على

ص: 8

أهلها، ولم يبن على أساس من رضائهم وإرادتهم

وقد وضعت مشروعات عديدة في أزمان مختلفة لتحقيق العدل الدولي وإقرار السلام ومنع الحرب. ولكن الأمم والدول عاشت حتى الآن في تحاسد وحرص على سيادتها، وعلى حق في دفاعها عن شرفها؛ وآثرت أخطار الحرب - ولو فظعت بأسلحتها الحديثة، في سبيل الأطماع والشهوات - على سلام يحفظه مجلس مشترك بيده قوة متفوقة. ذلك بأن الاتحاد الذي يعتمد مجلسه على مثل هذه القوة قد ينقلب إمبراطورية يسود فيها الأقوى، كما شهد التاريخ

أما وقد مضى خمسة وعشرون قرناً عانت الإنسانية فيها من الحروب بلايا فادحة أفظعها ما ترى من فتك هذه الأسلحة الشيطانية التي تمحق البشر وتمحو المدن؛ أما وقد وعد الحلفاء بسلام دائم ورخاء عام، فالمأمول أن يفلحوا هذه المرة. والذي يؤكد للأملين أن الحلفاء صادقون في وعودهم قادرون على الوفاء بها هو ما يذاع من أقوالهم وبنشر من كتاباتهم ويجيء ذكره في الأخبار من أعمالهم، مثل (مشروع تأمين سلامة العالم) المقترح من مؤتمرهم في دومبرتون أوكس بأمريكا، وملخصه:

1 -

إنشاء عصبة أمم جديدة تسمى (الأمم المتحدة) - على أن يكون للعصبة أربع هيئات هي (مجلس الأمن)، الذي تكون له القيادة الفعلية لقوات العالم المسلحة؛ (والجمعية العمومية)، التي ينضوي تحت لوائها جميع الأعضاء - يعني جميع الأمم المحبة للسلام؛ و (محكمة العدل الدولية)، وأخيراً (السكرتارية)، ويجب أن يكون السكرتير العام رئيساً إدارياً من حقه أن يوجه نظر مجلس الأمن إلى ما يبدو أنه يهدد السلام العالمي

2 -

أن يكون للدول الأربع الكبرى: أمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي والصين، ثم فرنسا فيما بعد، مقاعد دائمة في مجلس الأمن؛ وأن تشكل الجمعية العمومية من جميع أعضاء هذه الهيئة الدولية، ويكون لها أن تنتخب الأعضاء غير الدائمين في المجلس

3 -

تشكيل (لجنة عسكرية) مهمتها إسداء النصيحة إلى مجلس الأمن فيما يتصل بجميع الحاجات العسكرية لحفظ السلام، وبقواعد التسلح، أو نزع السلاح إذا لزم الأمر؛ وأعضاء هذه اللجنة هم رؤساء قيادة الولايات المتحدة وقيادات بريطانيا والاتحاد السوفيتي وفرنسا والصين، أو ممثلوهم؛ وعلى جميع أعضاء هذا النظام أن يضعوا تحت تصرف مجلس

ص: 9

الأمن، بناء على طلبه، قوات مسلحة وأن يبذلوا العون اللازم للمحافظة على السلام

4 -

أن يجب على الأمم المتنازعة اتخاذ الوسائل السلمية فيما بينها؛ فإذا استمر النزاع تولاه مجلس الأمن، وهو صاحب الحق في أن يقرر لنفسه تولي أمر هذا النزاع؛ فإذا وجد أن للنزاع ما يبرره أحاله على محكمة العدل؛ وللمجلس أخيراً أن يستعمل القوة المسلحة متى تراءت له ضرورة ذلك

واضح أن بين هذا المشروع وبين اتحاد ديلس والعصبة الآخية أوجه شبه

هذا ويرى المستر سمنر ويلز، وزير خارجية أمريكا السابق (إن وجود هيئة الأمن الدولية بعد الحرب سيكون مرهوناً باستعداد روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة للعمل معاً).

إن تحالف الروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة (نهض على أسس المصالح الجوهرية الدائمة) من حيث أن هذه المصالح، وإن اختلفت بين الدول، تقتضي الإجماع على التخلص أولاً من العدو المشترك. وفيا يتعلق بتواتر الأحاديث (عن نشوب خلاف بين الدول الكبرى الثلاث حول بعض المسائل المتصلة بضمان سلامة العالم، قال المرشال استالين: هناك خلافات بطبيعة الحال وقد أوضحت قرارات مؤتمر دومبرتون أوكس حزم الجبهة المعادية للألمان. . . والتحالف (سيصمد أيضاً لامتحان المراحل الأخيرة من هذه الحرب. . . بل يجب علينا أيضاً أن نجعل من المستحيل وقوع أي اعتداء أو حرب جديدة إذا لم تكن نهائياً فعلى الأقل لوقت طويل)

ويبدو أن في أمريكا نفسها من يعترض على أصحاب المشروع من هذه السياسة فيقول أنها (طريق الدولة العظمى) وقد قطع مراراً من قبل، وأنه يبدأ في الأغلب بفكرة (مثالية) ولكنه ينتهي دائماً بمعارك دموية. فالدول العظمى تتولى أمر العالم (بتحالف سلمي) ينتهي (بمناطق نفوذ) وكل دولة كبرى تسرع في الأخذ بأساليب القوة في منطقتها، والمناطق تتزاحم وتتصادم. يعد سمنر ويلز من أعظم الساسة المطلعين الذين أنجبتهم الولايات المتحدة، وهو يقول:(ما من محالفة عسكرية تدوم، فإن كل فريق فيها لا يلبث أن يحاور الفريق الآخر في سبيل الأهداف الفردية الخاصة)

ويقول آخر: (إن الحرب لا يمكن أن تمنعها إجراءات جماعة عامة، والنظام العالمية لا يمكن أن يحرسه الشرط. على أننا نستطيع أن نقيم مجلساً عالمياً تتشاور فيه الحكومات،

ص: 10

وتحاول أن تتفق. فإن المسائل التي تعدها الدول حيوية لا يمكن أن تقرر بالتصويت. أن الولايات المتحدة تحتاج الآن إلى الدفاع عن نفسها - شانها في ذلك شأن الدول الأخرى في التاريخ - بالدبلوماسية والسياسة والسلاح. . . ولا يمكن إقامة نظام دولي إلا بعمل متسق من (جماعات) من الأول. وأنا أسمي إحدى هذه الجماعات (جماعة الأطلسي) ومن الجلي أن روسيا محور وحدة ثانية. . . فتقدم الدول الكبرى الحماية التي لا تستطيع الدولة الصغيرة أن تكفلها لنفسها، بسبب الخصائص الفنية للحرب الحديثة، وتقدم الدولة الصغيرة التسهيلات الاستراتيجية اللازمة للدفاع المشترك. . . ولقد اهتدت الأمم الأمريكية إلى سياسة ثبتت فائدتها، وإن كانت لم تبلغ بعد مرتبة الكمال. وقد كان من الممكن أن تفضي إلى إمبراطورية أمريكية؛ غير أنها أفضت إلى بدعة في الشؤون الإنسانية هي البديل الصحيح الوحيد من الإمبراطورية، وهو ما تسميه (سياسة الجوار الحسن)

وإذا كان هذا الحسن بديل الإمبراطورية، والتصادم من سوس الإمبراطوريات أو الدول العظمى أو مناطق النفوذ، وكانت الأنانية أس الاجتماع الإنساني، فالحق أن منع الحرب حلم الأبد.

محمد توحيد السلحدار

ص: 11

‌يا أخت ليلى

للأستاذ دريني خشبة

صديقي الأعز الدكتور زكي مبارك:

رحمك الله رحمة واسعة يا أخي، وغفر لك، فلقد كنت فينا مرجوا قبل هذا؟!

عمرك الله ما ذلك الغرام الجديد يا أخي؟. . . وكيف اتسع له قلبك وليلاك المريضة لا تزال تئن وتتوجع، بالعراق وبغير العراق؟. . . ألم أقل لك يا صديقي إنك تياسر مع كل سانح، وتيامن مع كل بارح؟. . . ولكن لا عليك يا أخي، ما دامت ليلاك الجديدة غبية بلهاء، يسهل إقناعها بهذا الأسلوب الذي يحمل في تضاعيفه أدلة الإعياء. . بل أدلة الموت

هل تعبت في اجتذابك إلى الميدان كل هذا التعب، لتفضح نظرية وحدة الوجود على هذا النحو، غير الخليق بك، ولا بجميع الغيد الحسان اللائى وقعن في شراك هواك، وأحابيل حبك، على ضفاف السين مرة، وحفافي دجلة مرة أخرى، وفي مراتع القاهرة تارة، وبين أزقة سنتريس العزيزة الغالية تارات وتارات؟!

أهكذا يا صديقي يضيع تعبي في معالجتك هباء منثورا فتبعثره على هذه الصورة بين الخدود والقدود، والثغور والنحور وتجعله جروحاً لا قصاص لها في جسم محبوبتك الغبية البلهاء التي أنشبت أظافرك في بدنها، وفي عقلها، وفي روحها. . . دون أن تضع ثناياها العذاب الرطاب فوق (علابيك!) - أي عصب عنقك - ولست أفسرها لك - فتعضه عضة تريحنا من زكي مبارك، ومن أبالسة زكي مبارك، ومن وحدة الوجود، ومن المخرفين بوحدة الوجود؟!

لا تجزع من هذا الكلام يا أخي فأنت تكفر بالموت، الذي يؤمن به الأغبياء أمثالنا. . . وحبيبتك الغبية البلهاء لن تصنع شيئاً، مهما أنشبت أظفارها وثناياه العذاب الرطاب في عنقك. حقيقة أنها إن فعلت، فربما سكتت نأمتك، وشالت نعامتك، وأراحت جميع الأغبياء منك. . . ولكن هذا كله، في نظرك، لا يكون موتاً، وإنما يكون تحولاً. وأنت ماذا يهمك من هذا التحول، وإن شئت فسمه التناسخ، ولا سيما إذا انتهى بك إلى أن تكون دجاجة أو هرة، أو ثعباناً. . . أو. . . ببغاء مثلاً؟! ماذا يهمك أن تتحول بعد مليون سنة يا صديقي العزيز إلى ببغاء يهرف بما لا يعرف، ويزعم لجماعة الطير أنه لا موت ولا سكون، ولا فضاء

ص: 12

ولا زمان، ولا مكان. . . ثم يتعالم على الماشية ودواب الحمل، فيزعم لها، في وقار الفلاسفة وسمت العلماء، أن كل من في الوجود حي يرزق، فالحديد حي، و (وابور) الزلط حي، والزلط نفسه حي. وكل ما في الدنيا من جماد حي، كما يفسر ذلك الدكتور زكي مبارك - الذي كان يعيش بعقله، وشحمه ولحمه، قبل مليون سنة، في بلاد اسمها مصر، ومدينة اسمها القاهرة، وكما كتبه بيمينه في مجلة اسمها (الرسالة) كانت تصدر في تلك المدينة، رداً على الأغبياء الذين كانوا يلحدون في نظرية وحدة الوجود. ويجادلون فيها بالباطل وهم أبعد الناس عنها، ويدعون وصل ليلى. . . وليلى لا تقر لهم بذاكا؟

أهكذا يا عزيزي الدكتور تعود إلى دائك القديم، أو يعود إليك داؤك القديم، من دعوى وقوع الغيد الأماليد، والأعاريب الرعابيب، في حبك، وشغفهن بك، وقتلهن أنفسهن تهالكاً عليك، وترضيا لك؟

لقد كان الناس يضيقون بتلك النغمة، أو تلك الدعوى، يوم كنت شاباً أزهرياً، غض الإهاب فتياً. . . ثم زاد حنقهم عليك حين لم تقلع عنها وأنت والد كريم ذو. . . وبنين. . . أما وقد صرت جداً. . . وجداً لحفدة. . . فأظن يا أخي أن تلك الدعوى. . . دعوى افتتان الحسان بدمك الخفيف الظريف. . . قد أصبحت شيئاً بائخاً. . . وبائخاً لدرجة لا تطاق. . . فهل أنت مرعوٍ عنها يا صديقي؟

هذه نصيحة. . .

وألاحظ هذه الأيام أنك تسيغ شيئاً من الكذب، تحسب أنه ينفعك في التهويش على أصدقائك، الذين تزعم أنهم أعداؤك، والذين تزعم أنهم إنما يناوشونك ليصلوا - على قفاك! - إلى شئ من المجد الحرام!

أما هذا القليل من الكذب، فهو زعمك في كلمتك القصيرة أنك كتبت الكلمة الطويلة (بالعدد السابق) لنفسك، ولم تكتبها ردا على أحد. . . لكنك نسيت كل هذا الافتراء القليل وأنت تخبرني - متحدثاً مع شخصي كما يقول المحضرون أنك عندما قرأت مقالي صبيحة الأحد الماضي، فار دمك، وانطلقت إلى مصر الجديدة من فورك، وسهرت ليلك الطويل، تستوحي فتاتك البلهاء الغبية، وتصور نفسك لها بطلاً، ثم تزعم لها أنك أقنعتها فاقتنعت، وتزعم لها أنك لو شئت أفهمت أغبى الأغبياء، وانك تفتخر بكونك أول شارح لنظرية وحدة الوجود

ص: 13

في هذا العصر. . . . فما هذا كله يا أخي؟ أنك إذا حمدت الكذب القليل على الناس، فليس يحمد لك الناس هذا الكذب العريض على نفسك!. . . أنا واثق من الآن أنك مستطيع أن تقول أنك لم تقل لي هذا القول، فترميني بدائك وتنسل، كما يقول المثل. . . ولكن اذكر أنك قلته أمام تلاميذك الأذكياء الجدد، وقد نبهتهم إليه ليؤدوا الشهادة إذا أنكرت. . . فأحذر. . .

ومن هذا الكذب القليل الذي تستبيحه هذه الأيام أن تزعم أن الناس هم الذين طالبوك بالرد على فيلسوف العراق. . . وانك لن ترد على فيلسوف العراق. . . وانك قرأت رسائل التعليقات، مع إنك - وأقسم بحبك الجديد - لم تقرأها، لأنك اعترفت لي بهذا، وأنت تعترف لي بأنك كسول جداً هذه الأيام!

أما أن الناس قد طالبوك بالرد على ذلك الفيلسوف. . . فلا. . . لأنك أنت نفسك الذي وعدت بذلك في كلمة مكتوبة نشرتها لك الرسالة. . وهي أولى كلماتك في هذا الموضوع. . . ولكن لما حال كسلك بينك وبين الرد، لأنه حال كذلك بينك وبين قراءة الكتاب. . . فضلت أن تزعم أن أحداً يطالبك بالرد وانك لن ترد. . . إذ يقتضي الذوق في نظرك أن نحسن إلى من أحسن إلينا. . وقد شرفك الرصافي بتأليف كتاب علق به على كتبك. فأقل الذوق ألا نناوشه، وإن كان في عدم مناوشته إيمان بما يؤمن هو به من وحدة هذا الوجود وما يفرع منها من أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو مبتدعها، وأنه منشئ القرآن، وأنه لا معنى للدعاء والصلاة والبعث والثواب والعقاب والحساب. . . إلى آخر هذه الكفريات التي هذى بها في كتابه

ولكن لماذا يطالبك الناس بالرد على الرصافي وأنت تؤمن بشر مما يؤمن هو به؟! ألم تصرح بذلك في فلتة من فلتات لسانك؟ وهلا يحسن أن أنتظر كيف ترد على هذا الخبر؟ لنترك ذلك الآن. . .

أما أكبر الأدلة على أنك لم تقرا رسائل التعليقات إلى الآن فهو قولك إني أصر على أن أقحم الإسلام في وحدة الوجود. . . وأنا - وحق صداقتك يا أخي، لم أصر على شئ قط، وإنما الذي أصر على ذلك هو صاحبك الذي علق بكتابه على كتابك لأنه لم يقحم وحدة الوجود في الإسلام فحسب، بل جعلها من اختراع رسول الله - أو رسول الإسلام - كما

ص: 14

تقول أنت. وما صنعت أنا شيئاً إلا ما دفعت به ذلك الإفك الذي يفتريه الرصافي على رسول الله. فلو أنك تنازلت - أيها الكسول الكبير - فقرأت كتاب صاحبك الذي علق به على كتابيك، لما وقعت في هذا الخطأ الذي تكرر منك غير مرة، من اتهامك لي أنني آبى إلا أن أقحم الدين في الفلسفة. وأذكر أنني قبلت مبدأ إبعاد الدين عن وحدة الوجود حينما طلبت إلي أن تساجلني فيها. فرأيتك تهلع لقبولي هذا، ثم تصور لنفسك أنني أستدرجك، فتطلق للريح ساقيك فراراً غير كرار، زاعماً للناس أنني فيما يظهر، لا أنتوي إبعاد الدين والإسلام عن وحدة الوجود! ولكي تستر هذا الفرار، تخرج على الناس بآرائك الفلسفية المدهشة عن الموت والفضاء والسكون والزمان والمكان فتقع في أخطاء فتاكة، ليتك سترت نفسك فلم توقعها فيها، إبقاء على ماضيك العلمي المجيد، وسمعة كتبك القيمة التي لم تبال أن تتنكر لها مجاملة ذميمة لرجل حاول مجترئاً أن ينسخ عقائدنا وأن يعكس علينا ديننا

فوصيتي لك إذن ألا تستبيح ذلك اللون من الكذب الخفيف يا أخي لأنه غير خليق بك

وتلك نصيحة ثانية. . .

ووصية ثالثة أجترئ فأقدمها لك عسى أن تعمل بها. ذلك أنك تتعرض في مقالاتك لما لم تحسنه، بل لما لم تطلع عليه من كثير من العلوم. وكل الذين قرءوا كلمتك الغَزِلة السالفة عجبوا لك كيف لا تعرف الطريقة التي يتم بها تحجر الحيوان والنبات. فأنت تحسب أن مادتها تتحول إلى حجر. وهذا خطأ يحسن أن ترجع لتصحيحه إلى بعض مصادر هذا العلم الجميل، فإن تكاسلت، فاسأل أحداً في مصلحة الطبيعيات يشرحه لك

وبالمرة. . . يحسن لمن يدعي أنه بطل نظرية وحدة الوجود في هذا العصر والعصور التوالي أن يقرأ كتاباً واحداً على الأقل في كل من علم الفلك وعلم طبقات الأرض وعلم الحيوان وعلم النبات، ثم كتاباً واحداً في علم التطور أو النشوء والارتقاء، لتعلم أشياء كثيرة عن أسرار الحياة والموت وخلق العالم وتكون السدم وانفصال الكواكب وتكون القشرة الخارجية لأرضنا العزيزة، وما تتركب منه تلك القشرة وكيف غبرت عليها عصور جيولوجية متنوعة انتهت إلى العصر الذي أنجب لنا الصديق الأعز ومن سبق الصديق الأعز ممن يقولون مثله بأن الوجود إنما وجد هكذا مرة واحدة. . . بعجره وبجره!

لله ما اظرف دعاباتك يا دكتور زكي ما بعدت تلك الدعابات عن ليلى وأخت ليلى، وما لم

ص: 15

يوقعها سوء الطالع بين علمك القديم، وعلمك الحديث؟!

ترى ماذا أنت صانع لو أن الشاعر العراقي صدقك، فشد رحله إلى سنتريس يطالبك بالبيت الذي وعدت، وما يحتاج البيت من زوجة وخدم وضيعة إلى آخر الحكاية التي تعرفها جيداً؟

أتهرب منه على النحو الذي هربت به من الأسئلة التي وجهناها إليك لتدلي فيها برأيك عما يعتقده الرصافي من قدم العالم وألهيته واختراع محمد (ص) لخرافة وحدة الوجود وتأليفه للقرآن وإنكار البعث والحساب والعقاب والثواب وتساوي المتضادات أمام (الوجود المطلق الكلي؟)

اثبت على حال يا صديقي. اثبت على حال واحدة، رحمك الله رحمة واسعة، وغفر لك، فلقد كنت فينا مرجوا قبل هذا. . .!

دريني خشبة

ص: 16

‌على هامش النقد

5 -

في عالم القصة

الذئاب الجائعة. . . محمود البدوي

للأستاذ سيد قطب

هنا قصاص من لون جديد. وهنا قصة ذات طعم خاص. . . لهذا القصاص عيوبه، ولهذه القصة هنواتها. ولكن هذا كله شئ آخر. وليس هو بأفضل قصاص، وليست هي بأرفع قصة. ولكن هذا كله شئ آخر كذلك!

هنا (لذعة) حارة تحسها وأنت تقرأ مجموعة (الذئاب الجائعة) كلها أقصوصة أقصوصة. وهنا (جوع) دائم في كل قصة، وفي كل شخصية - جوع إلى شئ ما: حسي أو معنوي - وهنا (تفزع) دائب في كل موقف وفي كل خاطرة - تفزع من شئ ما موجود أو مرقوب.

والقارئ يحس بهذا كله يلهب حسه، ويلذع أعصابه، فإذا فتر في بعض الأحيان أحس بخدر لذيذ، كأنه في بحران. . .

ولأول مرة - فيما أعتقد - تظهر هذه الخصائص في قصة باللغة العربية. وهذا ما يوجب تسجيل هذا اللون الخاص.

وأعود مرة أخرى لأقول: إن الخاصية ليس معناها الأفضلية؛ وإنني لا أرفع هذا اللون فوق الألوان الأخرى؛ وإن هذه الخصائص لا تنفي نواحي النقص في اللون الجدي. وكل ما يهمني هو تسجيل هذه الجدة؛ بخيرها وشرها، وتنبيه القارئ إليها في مجموعة (الذئاب الجائعة).

تحتوي هذه المجموعة على ثماني أقاصيص: الذئاب الجائعة، وساعات الهول، والنفوس المعذبة. ورجل مريض. وفي القرية. وحياة رجل. وقلب عذراء. وفي القطار.

في (الذئاب الجائعة) و (في القرية) لوحتان خاصتان من حياة الريف المصري الصميم. وفي كلتيهما ذلك الجوع الحار وذلك التفزع العنيف. فالأولى تصور منسراً من مناسر اللصوص حياة (أبناء الليل) كما يسمونهم في الريف، أو ذئاب البشر.

ص: 17

‌الحروف الأبجدية

(بحث في الأبجدية بمناسبة اقتراح تغيير الحروف العربية

ورسم كتابتها)

للدكتور أحمد فؤاد الأهواني

أبجد أو أبو جاد، مستهل الكلمات الثمانين التي اعتاد العرب أن يدلوا بها على ألف بائهم. هذه الكلمات تنطق كالآتي (أبجد - هوز - حطي - كلمن - سعفص - قرشت - ثخذ - ضظغ)

والأصل أن يرمز لهذه الحروف بأبجد، وفي تاج العروس (وقيل أبا جاد كصيغة الكنية). وجاء في موضع آخر: (وقال قطرب - هو أبو جاد، وإنما حذفت واوه وألفه، لأنه وضع لدلالة المتعلم، فكره التطويل والتكرار وإعادة المثل مرتين، فكتبوا أبجد بغير واو ولا ألف، لأن الألف في أبجد والواو في هوز قد عرفت صورتهما، وكل ما مثل من الحروف استغنى عن إعادته

وفي دائرة المعارف الإسلامية: (وترتيب الحروف في هذه المجموعة هو نفس الترتيب في العبرانية والآرامية، وهذا يثبت إلى جانب أدلة تاريخ الخط نظرية أن العرب تلقوا أبجديتهم عن الأنباط. أما الأحرف الستة الخاصة بالعرب فقط فقد وضعت في آخر المجموعة

وأصحاب المعاجم من العرب، ولو أنهم لم يفطنوا إلى الموازنة بين الأبجدية العبرانية والآرامية القديمتين، وبين الأبجدية العربية، إلا أنهم فصلوا بين الحروف الأولى وبين الأحرف الستة الأخيرة، فقالوا عن الكلمات الأولى أنهم (ملوك مدين) ثم (وجدوا بعدهم ثخذ ضظغ فسموها الروادف). وفي التاج شرح القاموس، وهي أحرف ليست من أسمائهم. وهذا يدل على أن الأصل الذي انحدرت عنه الأبجدية العربية أصل قديم عبراني وآرامي، ولكن العرب نسوا ذلك الأصل

على أن بعض الباحثين من العرب رجحوا أن يكون أصلها أعجمياً. في تاج العروس (ثم الاختلاف في كونها أعجميات أو عربيات كثير، فقيل أنها كلها أعجميات كما جوزه المبرد

ص: 18

وهو الظاهر. ولذلك قال السيرافي لاشك أن أصلها أعجمية، أو بعضها أعجمي وبعضها عربي كما هو ظاهر كلام سيبويه وغير ذلك مما ذكره الرضي وغيره، ووسع الكلام فيها الجلال في المزهر. وجزم جماعة بأن أبجد عربي، واستدلوا بأنه قيل فيه أبو جاد بالكنية، وإن الأب لاشك أنه عربي، وجاد من الجود، وهو قول مرجوح)

وأخذت دائرة المعارف عن تاج العروس هذا الرأي فقالت (على أن بعض النحاة من العرب كالمبرد والسيرافي لم يقتنعوا بالتفسير المتداول عن الأبجدية، وصرحوا بأن هذه الأحرف لابد أن تمتد إلى أصل أجنبي)

وفي دائرة المعارف أيضاً (والأصل العبراني والآرامي للأبجدية العربية مما لاشك فيه ومع ذلك فإن العرب لجهلهم باللغات السامية الأخرى، ولتحيزهم، وتعصبهم لجنسهم وشخصيتهم، حاولوا تفسير أصل الأبجدية التي وصلت إليهم مع التقاليد تفسيراً جديداً. وهي تفسيرات شائقة حقاً، ولكنها ادخل في باب الخرافات)

في القاموس (أبجد إلى قرشت - وكلمن رئيسهم - ملوك مدين) وفي تاج العروس (وفي ربيع الأبرار للزمخشري أن أبا جاد كان ملك مكة، وهوز وحطي فوج من الطائف، والباقين بمدين

وقيل بل أنها أسماء شياطين، نقله سحنون عن حفص بن غياث

وقيل أولاد سابور، وغير ذلك

قال وقد روي أنهم هلكوا يوم الظلة مع قوم شعيب عليه السلام، فقالت ابنة كلمن ترثيه:

كلمن هدم ركني

هلكه وسط المحله

سيد الحتف أتاه ال

حتف ناراً وسط ظله

وهم أول من وضعوا الكتابة العربية على عدد حروف أسمائهم

وفي دائرة المعارف (وقد نشأ إلى جانب هذا الترتيب القديم الذي يعود بنا إلى أصل الأبجدية العربية، الترتيب المستعمل في الوقت الحاضر. والفكرة فيه أن توضع الحروف المتشابهة في الرسم بعضها إلى جانب بعض، فمثلاً ت ث، يأتيان بعد ب وهكذا ثم هـ وي توضع في الآخر

وقد احتفظت الأبجدية المغربية بهذا الترتيب حتى الوقت الحاضر وهو:

ص: 19

أب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش هـ وي

أما الترتيب الذي وضعه الخليل في كتاب العين، فهو ترتيب يتبع أساسا صوتياً فسيولوجياً، فيبدأ بالحروف الحلقية ثم ينتهي بالحروف الشفوية. وهذا الترتيب هو:

ع ح خ غ ق ك ج ش ص ض س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وأ ي

ويشبه هذا ما ذكره الأزهري في التهذيب والمحكم لابن سيده)

وجاء في دائرة المعارف أيضاً أن هذه الحروف لها قيم عددية تشبه ما هو موجود عند العبرانيين والآراميين. من الهمزة إلى القاف تدل على واحد إلى مائة، والتسعة الباقية من مائة إلى ألف

واعتمد المنجمون على خصائص الحروف العددية فاستعملوا أبجد وأخواتها كتعاويذ وطلاسم سحرية. فكل حرف من الألف إلى العين يدل على إله أو قوة طبيعية. وعلى أساس هذه الصلة المتبادلة بين العدد والحرف من جهة، وبين الرموز المقابلة لها من جهة أخرى قام بناء من السحر. وكان اليهود يزاولون ما يشبه هذا في القرون الوسطى

هذه هي خلاصة القول عن الأبجدية. ومنها يتضح أمران: الأول أنها ترجع إلى أصل عبراني وآرامي، والثاني أن الناس انصرفوا بها إلى عالم الطلاسم والتعاويذ والسحر

ولهذين السببين صدف المسلمون عن استعمالها، وزهدوا فيها وفكروا في وضع ألف باء أخرى كما سبق

على أن كثيراً من المسلمين لم يجدوا حرجاً في اتباعها

جاء في الشاطبية ما يأتي

جعلت أبا جاد على كل قارئ

دليلاً على المنظوم أول أولا

وشرح الإمام أبو القاسم القاصح هذا البيت فقال

أخير أنه جعل حروف أبي جاد دليلاً أي علامة على كل قارئ نظم اسمه في القراء السبعة ورواتهم أولاً أولاً، أي الأول من حروف أبي جاد للأول من القراء. ففي اصطلاحه أبج لنافع وراوييه، فالهمزة لنافع، والباء لقالون، والجيم لورش. . . الخ

وقد نهى القابسي عن تعليم أبي جاد، ووجوب اتباع ألف باء أخرى على الصورة المغربية، وهي التي ذكرناها سابقاً ونقلنا عن دائرة المعارف أن المغاربة لا يزالون يتبعونها إلى

ص: 20

الآن. وفيها خلاف يسير في الترتيب من حيث التقديم والتأخير عن ألف باء المتبعة في مصر وفي كثير من معاجم اللغة كالقاموس واللسان والصحاح. ولكن القاعدة واحدة وهي تجاور الحروف ذات الرسم الواحد في الكتابة. ونثبت هذه الألف باء المتبعة في مصر من باب الموازنة

اب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ وي

هذا الترتيب وضعه نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر العدواني في زمن عبد الملك بن مروان. وهو الترتيب الذي عليه العمل الآن في البلاد العربية، وجرى عليه أصحاب الصحاح والقاموس ولسان العرب وغيرهم. والمقصود منه ضم كل حرف إلى ما يشبه في الشكل

والذي دفعهما إلى وضع هذا الترتيب، هو النظر في حروف الهجاء والتفكير في تنقيطها، لما كان يقع في قراءة القرآن من التصحيف. فاخترعا النقط كتميز الحروف المتشابهة في الشكل منعاً للالتباس

جاء في الإتقان (اختلف في نقط المصحف وشكله. ويقال أول من فعل ذلك أبو الأسود الدولي بأمر عبد الملك ابن مروان، وقيل الحسن البصري ويحيى بن يعمر وقيل نصر ابن عاصم

وقد دعا النقط إلى ملاحظة الحروف المتشابهة في الرسم. فالباء والتاء والثاء واحدة، وإنما تتميز بالنقط فقط. لذلك تدرج الذين نقطوا الحروف إلى وضع الترتيب الجديد للألف باء وهو ترتيب المشارقة.

وعندنا أن هذا الترتيب الجديد، سواء أكان ترتيب المشارقة أم كان ترتيب المغاربة، إنما وضع لتيسير التعليم على الصبيان، على الأخص لأن قاعدته الرسم والكتابة. وهذه الألف باء لا يحفظها الصبي إلا كتابة، لأنه لا يستطيع ضم حروفها في كلمات، وإذا كان بعضهم يحفظها حرفاً حرفاً، فإن هذا الحفظ يسير جنباً إلى جنب مع تعلم كتابتها

أما أبجد هوز، فلأنها تجتمع في كلمات، فلم يكن بد ولو على سبيل الاختراع من إلباسها معاني مختلفة. وليس هذا غريباً عن قواعد علم النفس، فكل لفظة يقابلها معنى، لذلك تعددت الروايات عن معنى هذه الكلمات وألبسوها ثوب الخرافة. فهي تارة أسماء ملوك

ص: 21

بادوا، وتارة أخرى أسماء شياطين، وتارة ثالثة أسماء أولاد سابور

كما أن هذه الكلمات لبعدها عن العربية الصحيحة، تثير التعجب الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى السخرية في نفس العربي الأصيل. في تاج العروس قصة - أن صحت - يتضح منها سخرية أعرابي من أبي جاد. ويذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي أعرابياً فقال له: هل تحسن أن تقرأ القرآن؟ قال نعم. قال: فاقرأ أم القرآن. فقال: والله ما احسن البنات فكيف الأم؟ قال: فضربه ثم أسلمه إلى الكتاب فمكث فيه ثم هرب، وأنشأ يقول:

أتيت مهاجرين فعلموني

ثلاثة أسطر متتابعات

كتابَ الله في رق صحيح

وآيات القرآن مفصلات

فخطوا لي أبا جاد وقالوا

تعلم سعفصاً وقُرّيشات

وما أنا والكتابة والتهجي

وما حظ البنين من البنات

دكتور

أحمد فؤاد الأهواني

ص: 22

‌بين سيد قطب والحقيقة

للأستاذ صلاح ذهني

لم تعد المعركة بيني وبين سيد قطب، فقد خرج الأمر من يدي. . .

المعركة الآن بين سيد قطب وبين الحقيقة الواضحة. أنه أن صلح ناقداً للشعر فلن يصلح ناقداً للقصة. ذلك لأن أبسط ما يستلزمه فهم القصة الحديثة ودراستها وفهم المدارس الأدبية إطلاقاً هو الإلمام بلغة أجنبية. ولو أن سيد قطب قصر كلامه في مقاله عن تيمور على إبداء الإعجاب والسخط، ولو أنه لم يتعالم فيتكلم عن مدارس الأدب ويأخذ في التقسيم والتوزيع. لو أنه قنع بذلك دون أن يقحم نفسه فيما جر عليه الخطأ، إذن لما كان يعنيني أن أرد عليه. لكنه أبى إلا أن يحشر نفسه في مجال لا يفهم فيه، ولا يعيبه ألا يفهم فيه.

وبعد. فلأخاطب القراء فيما بين سيد قطب وبين الحقيقة من خلاف، ولأعرض عليه القضايا التي أثرتها في وجه سيد قطب.

1 -

حار سيد قطب في أمر تيمور فقلت له أنه من كتاب القصة القصيرة ومكانته بين ذوي النزعة الواقعية

2 -

حشر الصديق يوسف جوهر حشراً في زمرة الناسجين على منوال موباسان. فقلت له: إن هذا خطأ، لأن يوسف جوهر ينحو نحواً غير الذي تنحوه القصة عند موباسان

3 -

ذكر الأستاذين توفيق الحكيم والمازني في أصحاب القصة؛ والأول كاتب روائي ومسرحي ورائد فن قائم بذاته، والثاني كاتب مقالة ممتاز مهما يكن القالب الذي يصطنعه

ذلك في مقال الأول، أما في مقاله الثاني، فقد زج بنفسه مرة أخرى فيما ليس له فيه، وزعم أنه كشف عن هنات أربع للأستاذ نجيب محفوظ في روايته كفاح طيبة، ونبه إليها المؤلف في لهجة توهمه أنه إزاء عالم في المصريات. . .

1 -

قال: إن نجيب محفوظ مخطئ لأنه قدر حكم الرعاة بمائتي عام. فقلت له: بل مصيب لأن ذلك هو التقدير الصحيح

2 -

وقال: إن بلاد النوبة تسمية حديثة. فقلت له: بل هي تسمية قديمة ولصقت بهذا الإقليم من أرض مصر حتى العصور الحديثة

3 -

وقال: إن الاسم الصحيح لهذه البلاد هو بلاد بنت فقلت له: إن بلاد بنت هي

ص: 23

الصومال الحالية. . .

4 -

وقال: إن نجيب محفوظ مخطئ في توهمه اشتقاق اسم أحمس من الحماسة والجرأة، لأن ذلك اشتقاق يجوز في اللغة العربية، فقلت له: بل إن أحمس بمعناها القديم تعني الجرأة والإقدام.

فماذا كان رد سيد قطب الناقد؟

ساق إلي دليلاً على صحة رأيه في حكم الرعاة لمصر تقدير جوستاف لوبون!!

وجوستاف لوبون عالم في الاجتماع لا في التاريخ. ولو سألني عن مؤرخ يؤيده في رأيه لقلت له اسم مانيتون مثلاً الذي قدر مدة حكم الرعاة بأكثر من ستمائة عام! ولقلت له إن جوستاف لوبون اعتمد على مانيتون وإضرابه من المؤرخين القدماء الذين أتوا بعده بقرون، والذين كتبوا قبل أن تتسع المعلومات عن التاريخ المصري القديم. . .

ثم لقلت له ما دام مغرماً بالأسماء الإفرنجية إرضاء لمركب النقص الخبيث. أمامك عشرات العلماء في التاريخ من المحدثين عد إليهم، عد إلى هنري برستد (في تاريخ مصر القديمة) الفصل الحادي عشر والثاني عشر، في أكثر من موضع من هذين الفصلين يتكرر تقدير مدة حكم الرعاة بأقل من مائتي عام وفي الخمسة أسطر الأولى بالذات من الفصل رقم 12 تجده يذكر ذلك. وغير برستد تجد فلندرز بتري وغيره.

أما التصويب الثاني بشأن تسمية بلاد النوبة، فقد صمت عنه صمتاً جميلَا!

وأما التصويب الثالث، فقد أقره واعترف بخطئه، ثم رماني بالتبجح العريض لأنني صححت خطأ ناقد ممتاز. . .

وأما عن كلمة أحمس القديمة، فلم يسلم بتصويبي ولا أكد رأيه وإنما قال أنه ينتظر الإثبات!!

وأني لأترك للقراء أن يبحثوا في قواميسهم عن وصف يليق بناقد يخطئ كلاماً لا يملك له إثباتاً ولا نفياً. . .

وأما قصة العجلات الحربية التي أدخلها الهكسوس في مصر، فهي أوضح من أن تحتاج لتملله من الرد عليها، فهو يستنكر جملة وردت على لسان الملك المصري الذي شهد الحرب على الهكسوس لإخراجهم من مصر وهو (سكنن رع) يظهر بها استنكاره لكثرة

ص: 24

عدد العجلات الحربية لدى الرعاة، مع أنهم حديثو عهد بها، وقد أخذوها عن سكان فلسطين، كما أخذها المصريون بدورهم عن الرعاة، هذه مسألة واضحة، من الجائز، بل من المنطقي، أن يطمع ملك مصر العليا في أن يصنع عماله عدداً أكثر مما يصنعه عمال ملك الرعاة. . .

وبقيت بعد ذلك قصة المدارس الأدبية، وهي التي جرت عليه أخطاءه في مقاله الأول عن تيمور، لقد كان رده ترك الحديث فيها لأنها لا تستحق الحديث

ومرة أخرى أصحح للناقد الفاضل. إنه مصيب في ترك هذا الموضوع، لا لأنه لا يستحق الحديث، وإنما لأن موضوع المدارس الأدبية هو موضوع الأدب الأوربي أولاً وقبل كل شئ، ولا غنى لمن يتكلم عنها من الاطلاع على هذا الأدب، ولا أحب مناقشة سيد قطب في موضوع الأدب الأوربي لأنه - ولن يعيبه ذلك - لا يعرف لغة أوربية معرفة تسوغ له الكلام فيه، ولقد أخطئ أو أصيب، ولكنه سيخطئ حتما إن تعرض له شأن من يقحم نفسه فيما لا يعلم.

وأرجو بهذه المناسبة أن يقلل سيد قطب من ذكر الأسماء الإفرنجية وترديد أسماء الكتاب الأوربيين بلهجة توهم القراء أنه من أهل الاطلاع الواسع في هذا الأدب. إنه لا يفعل أكثر من الخطأ المضحك كلما ذكر اسماً من الأسماء الأوربية، وأذكر أنني قرأت له منذ عام مقالاً جاء فيه ما نصه:

(وإن بعضهم ليحتج بمثل اعترافات روسو، وقصص بودلير، وقصائد لورنس. . . وقصص بودلير تحمل فناً وهي مع ذلك ليست خير الآداب ولا أرفعها، وقصائد لورنس تحمل فكرة يعالجها من هذا الطريق. . .)

والذين يعلمون أبسط العلم يعرفون أن بودلير لم يكن قصاصاً وإنما كان شاعراً وإن كتب قصتين، وأن لورنس لم يكن شاعراً وإنما كان قصاصاً، وأن الأوصاف التي وصف بها سيد قطب لا تنطبق إلا على شعر الأول وقصص الثاني!!

هذه الأخطاء منشؤها الولوع بترديد الأسماء الأوربية في غير داع إلا الإبهام والتغرير، ولا ضير على سيد قطب لو لزم حدود ثقافته. . .

ولقد أشار في ختام مقاله إلى الدوافع التي أثارتني لمهاجمته.

ص: 25

فأما تشجيعه أو هجومه فما أحسب أن ساذجا يعني برأي ناقد في موضوعات مبلغ علمه بها ما قدمت.

إنما الذي أثارني أن سيد قطب له عادة غير عاداته التي قصها على قراء الرسالة في العدد الماضي وهي أن لا يقرأ كتاباً ولا يكتب عن كتاب إلا إذا استهداه. ولقد جاءني يوما يطلب أن استهدي له تيمور مؤلفاته لأنه يريد دراستها ففعلت، وكان أبسط واجب للياقة أن أصحح للناقد أخطاءه في دراسة صديقي تيمور، وليلحظ أني أقول صديقي. فإني حريص على أن يفهم أن الصلة بين الكتاب قد تكون صداقة أحياناً، ولا تكون دائماً صلة الأصل بالظل والتابع بالمتبوع.

وما أنكر أني أفدت من قراءة تيمور كما أفدت من قراءة غيره من الكتاب. لكن الذي أنكره دائماً أن يكون كل الكتاب ظلالاً. . . ذلك ما أنكره ولا احبه. ولا أملك مثلا غير سيد قطب نفسه أضعه أمام القراء ليروا فيه نموذجا للظلال. فقد قضى عشرين عاما لم يعد خلالها أن يكون ظلاً في ساعة الظهيرة للكاتب الكبير عباس محمود العقاد. . . وما كان في ذلك ضير لو أنه كان ظلا مستقيما. . .

وليحكم القراء أخيراً بين من يترفق بالجاهل فيصفه بعدم العلم ويدعوه في رفق إلى التثبت والتبصر، وبين من يخطئ ويعترف ويتهم من يصوب خطأه بالتبجح العريض!!

صلاح ذهني

ص: 26

‌البريد الأدبي

محمد عبد العزيز

وصل إلي خطاب مسجل بإمضاء سيدة طوت اسمها عني، وهي ترجو أن أكتب في مجلة الرسالة كلمة يعرف منها العراقيون أن الأستاذ محمد عبد العزيز مات

فمن هو الأستاذ محمد عبد العزيز؟

هو الأستاذ الذي عرفته مصر باسم عبد العزيز سعيد، وعرفه العراق باسم محمد عبد العزيز، فمن هذا الرجل؟ وما قيمته الحقيقية؟

هو معلم مصري أقام في العراق ثلاث سنين في بداية عهد الاستقلال، فترك في العراق آثاراً روحية يعرفها الأكابر من تلاميذه الذين يسيطرون على الحياة العلمية في العراق

كانت مزية هذا الرجل لأنه لا يتكلم ولا يخطب، ولا يعرف أحد أين يقيم، وبهذه العزلة وصل إلى الظفر بوفاء العراق، لأن العراقيين يحبون أهل الصمت، بسبب ما ابتلتهم به المقادير من كثرة الصياح

وهذا سر إخفاقه في مصر، لأن مصر بسبب هدوئها تصفق للصائحين

لاحت فرص كثيرة لاختبار مواهب الأستاذ عبد العزيز سعيد، فكان يخيب ظني في جميع الأحوال. وكانت النتيجة أن أقرر فيما بيني وبين نفسي أن بغداد قد انتهبت حيويته في تلك السنوات الثلاث

كان جهاد هذا الرجل في بغداد معرضاً للضياع، فشاء حبي لوطني أن أشيد باسمه وأن اهدي إليه كتاب (ملامح المجتمع العراقي)

وكان الرجل يعرف أنني أهديت إليه كتابي لوجه الحق، فكان يجن من نشوة الفرح يوم يلقاني، وكنت أشعر بنشوة مزلزلة حين أتذكر أنني أهديت كتابي إليه ولم أهده إلى أحد أصدقائي من الوزراء

مات محمد عبد العزيز العراقي، ومات عبد العزيز سعيد المصري، وبقيت لوعة لن تموت، وهي فقد صديق بوزارة المعارف

ما هذا الذي أقول؟

إن الأقدار التي امتحنتني بموت الأستاذ محمد أحمد جاد المولى تعرف أنه لم يبق لي

ص: 27

صديق بوزارة المعارف، مع الاعتذار للدكتور أحمد رياض.

زكي مبارك

إلى الوزير الأديب هيكل باشا

من حسناتك التي تذكر فتؤثر وتشكر، مسابقة الترقية إلى التعليم الثانوي التي عطلت في العهد السابق.

زعموا أنهم سيستبدلون بها معهداً للدراسات العليا. . .

وعطلت المسابقة وقام المعهد، فماذا كان؟

كانت المسابقة لمدرسي المدارس الابتدائية وسيلة يترقون بها إلى التعليم الثانوي فحيل بينهم وبين معهد الدراسات وقصر على معلمي الثانوي.

قيل - يوم عطلت المسابقة - إن الذين يتقدمون إليها قلة. وهذا غير صحيح - على الأقل في اللغة العربية - وإن صح فإن علاجه يكون بالترغيب والجزاء، لا بالتعطيل والإلغاء

وقيل إن المسابقة لم تنجح كوسيلة لكشف المواهب والكفايات. وإذا سلمنا هذا فإن علاجه يكون بتهذيب المسابقة وتجميلها، لا بإلغائها وتعطيلها

يا سيدي الوزير. . . إذا أردت أن تريح نفسك من شفاعة الشافعين. ولجاجة المتوسلين. وتلك سياستك - فالمسابقة المسابقة. . . أنها الطريق السوي

روى ياقوت في معجم الأدباء أن المتوكل لما أراد أن يتخذ المؤدبين لولده جعل ذلك إلى (إيتاخ) وتولى كاتبه ذلك. فبعث إلى أدباء عصره وأحضرهم مجلسه فلما اجتمعوا قال لهم: لو تذاكرتم وقفنا على موضعكم من العلم واخترنا، فألقوا بينهم بيت ابن عنقاء الفزاي

ذريني إنما خطئي وصوبي

عليَّ وإنما أنفقتُ مالُ

فقالوا: ارتفع (مال) بإنما إذا كانت (ما) بمعنى الذي ثم سكتوا

فقال لهم أحمد بن عبيد من آخر الناس: هذا الإعراب، فما المعنى؟ فأحجم الناس عن القول، فقيل له: فما المعنى عندك؟ قال: أراد، ما لومك إياي، وإن ما أنفقت مال ولم أنفق عرضا فالمال لا ألام على إنفاقه

قال ياقوت: (فجاءه خادم من صدر المجلس فأخذ بيده حتى تخطئ به إلى أعلاه وقال له:

ص: 28

ليس هذا موضعك؛ فقال: لأن أكون في مجلس أرفع منه إلى أعلاه، أحب إلي من أن أكون في مجلس أحط منه

فاختير هو ابن قادم

(بني سويف)

محمد محمود رضوان

إلى الأستاذ سيد قطب

جاء في مقالكم القيم بالعدد (589) من الرسالة الغراء أنكم ترون (شوقي) نضر الله وجهه أخطأ في روايته: (مجنون ليلى) إذ يقول:

عارضنا الحسين في

طريقه ليثرب

هذا سنى جبينه

ملء الوهاد والرُّبِى

وقد حسبتم أنه كسر الباء في (الربى) للضرورة الشعرية ذاهبين إلى أنها جمع (الربوة) المضمومة الراء، وأرى أن (الربى) التي وردت في كلام (شوقي) صحيحة بكسر الباء على أنها جمع (ربو) وهو بمعنى (الربوة) كما في (الفيروز ابادي)

ووزن (البرى) بالكسر (فُعُول) مثل (دلو) الذي يجمع على (دلى) صار إلى هذه الصورة بعد إعلال كثير تبينه مباحث علم (الصرف)؛ وإذا كان في البيت ضرورة فهي تخفيف الياء المشددة وهذا كثير سائغ في شعر العرب كما يعلم الأستاذ الفاضل

وقد استعمل (شوقي بك) هذا الجمع على هذه الصورة في قصيدة فلسفية عصماء مطلعها:

ألا حبذا صحبة المكتب

وأحب بأيامها أحبب

والسلام عليكم ورحمة الله

(الإسكندرية)

محمود علي البشيبشي

فرقة التمثيل

روايتان معروفتان في عالم الأدب والفن، الأولى (يوليوس قيصر) والثانية (مرتفعات

ص: 29

روذرنج)

لا أعرف الأديب الذي ترجم الأولى وهي من تأليف شكسبير، أما الثانية فهي من تأليف أميل برونته وقد ترجمها عن الفرنسية الأستاذ فتوح نشاطي

أخرج الأولى الأستاذ زكي طليمات المدير الفني للفرقة وقد اختار لتمثيلها الأكفاء من ممثلي الفرقة وممثلاتها. وأخرج الثانية الأستاذ فتوح نشاطي، وقد اختار الأصلح من الممثلين والممثلات لفهم أدوارهم وتمثيلها وفق حرفية أصول الفن

سقطت الرواية الأولى سقوطاً فظيعاً، ولم يقو شكسبير المسكين أن يأخذ بيد الكسحان من الممثلين، وعجز ببيانه الممتع ومقدرته الخلابة على إصلاح لكنات في ألسنتهم، وموات باد فيهم

ونجحت الرواية الثانية نجاحاً باهراً اجتذب النظارة أي اجتذاب، وكاد يذهل الناقد المتربص بالغرفة عن فنه. وكيف لا يذهل وقد خلت الرواية، تعريباً وإخراجا وتمثيلا، حتى من الهنات، فما السر في ذلك يا ترى؟

السر فيما أرى هو في قعود الأستاذ طليمات بعد أن وصل إلى ما كانت نفسه تشتهيه، وفي توهمه أيضاً أنه بلغ هو وزملاؤه وتلامذته أقصى ما يمكن بلوغه من فن الإخراج والتمثيل. أما في الناحية الثانية فهو في توفر الأستاذ فتوح نشاطي، وفي دأبه المتواصل على الدرس والتحصيل وفي عدم رضاه عن كل ما عمله في محيط الفن المسرحي لأنه ينشد الأحسن والأكمل

تانك عما القصتان الرائعتان اللتان أخرجتهما فرقة التمثيل في فصلها الحالي. وكم نتمنى أن تكون جميع الروايات التي تمثلها في هذا الموسم من هذا النوع ليكون مدرسة للذين تؤهلهم ملكاتهم الأدبية والفنية للتأليف المسرحي، ولان الروايات المترجمة إذا احسن اختيارها تمثل حقيقة أدبنا المستمد أكثره من الغرب

حبيب زحلاوي

ص: 30

‌الكتب

1 -

امرؤ القيس

(الكتاب الأول من الشوامخ)

لم نأسف على شئ قط، أسفنا على تأخرنا عن الكتابة عن هذا الكتاب

الجميل قبل أن يحدث الذي حدث بسببه بين صديقينا الفاضلين الدكتور

محمد صبري المؤلف والدكتور سيد نوفل الذي نقد الكتاب نقداً لم

يعجب الدكتور صبري فغضب غضبته التي رد عليها الدكتور نوفل

رده المعروف. ونقول الحق إن موقف الأستاذين لم يصادف إلا الأسف

الشديد من نفوس القراء جميعاً. فالدكتور نوفل - وهو البادئ - قد

جرد الكتاب من حسناته جميعاً، وقد صار حناه بذلك يوم صدور مقاله،

والدكتور صبري لم يكن واسع الصدر حين ضاق بنقد الدكتور نوفل،

فأهمل الرد على مآخذ الأستاذ وحصر رده في حملة كنا نجله عنها،

وقد عاود الكرة حينما رد عليه الدكتور نوفل فراح يلقي عليه وعلى

المجلات الأدبية الممتازة - وما أقلها عندنا - دروساً في ضبط النشر

وحسن التوجيه الأدبي، وهي دروس نشكرها له كل الشكر، ولكن في

غير ذاك المقام

أما الدكتور نوفل، فقد فاته أن ينوه بكثير من حسنات الكتاب، وفي مقدمتها ميزة الدكتور صبري الأولى، التي لا يشاركه فيها كثيرون ممن كتبوا عن الشعر الجاهلي، تلك هي ميزة الأستاذ في سمو تذوقه لهذا الشعر ومقدرته على إظهار صوره الرائعة التي كنا - أو كنت أنا على الأقل، كي لا يغضب أحد - لا أحس لها جمالاً، ولا أعرف لها روعة، حتى وقفني كتاب الدكتور صبري على طرافتها وإعجازها، وليست هذه بالحسنة الهينة التي ينفرد بها

ص: 31

هذا الكتاب، ولابد لنا من عودة إن شاء الله. والذي أرجوه أن تصفو نفوسنا خدمة للأدب وأن نعدل في خطة النقد فلا نجعله ثناء سمجاً ولا تجريداً معيباً

2 -

المعري ذلك المجهول

(منشورات الأديب ببيروت)

ليس الأستاذ عبد الله العلايلي مجهولا لدى قراء العالم العربي وهو معروف في كل مؤلفاته بالتعمق والاستيعاب، وكتبه تاريخ الحسين وحياة الحسين ودستور العرب القومي ومقدمة لدرس لغة العرب شواهد ناطقة بفضله. وقد أطرفنا اليوم بكتابه الجديد عن أبي العلاء فغزا به ميادين جديدة كانت مجهولة حقا في أهداف أبي العلاء الفكرية، وقد أعطانا الأستاذ بكتابه هذا مصباحاً نمشي في نوره وسط تلك الزحمة من ظلمات مذاهب الفرق الإسلامية التي كان يداعبها أبو العلاء فيوافقها مرة ويثور بها مرات ومرات، ونرجو أن نتفرغ للكتابة الطويلة عن هذا الكتاب العميق

3 -

في قصور الخلفاء:

(منشورات دار المكشوف)

صديقنا الأستاذ صلاح الدين المنجد أديب شاب طموح حسن التنسيق لمؤلفاته التي ضايقتها الحرب فأخذت تخرج صغيرة الحجم عظيمة القيمة مع ذاك. . وقد قدمنا له بالأمس مجموعته الشائقة الرائعة (إبليس يغني) ويسرنا أن نقدم له اليوم مجموعته الثانية (في قصور الخلفاء) وهي مجموعة من القصص العربي الرائع استطاع الأستاذ أن يخرجها في ثوب قشيب من أسلوبه البديع وروحه الفياض. ولنا ملاحظات على هذه المجموعة سنعرضها على صديقنا الفاضل في كلمة أخرى

4 -

قصص من العالم:

(الناشر المصري بالقاهرة)

قلم الأستاذ محمود حسني العرابي قلم جديد المنهج في أدبنا المصري الحديث. . وقد قرأنا مذكراته العظيمة (89 شهراً في المنفى) فلمحنا فيها روح عباقرة الروس الروائيين من

ص: 32

أمثال دستوئفسكي وجوركي وتشيكوف، وكنا نشهد أطيافهم في ثنايا سطوره الأخاذة الشائقة فندرك السر في عبقرية أديبنا المصري العظيم الذي نرجو أن تواتيه ظروفه فيكمل لنا مذكراته القيمة ونحن نقدم للقراء في العالم العربي مجموعته الجديدة (قصص من العالم) ترجمها ولخصها واقتبسها من أروع القصص العالمي القصير: من أفريقيا وأوربا وأمريكا وآسيا بأسلوبه الروائي الممتاز وسهولته التي تمتنع على الكثيرين. . والمجموعة نماذج ممتازة لا يستغني عنها القارئ أو القصاص الناشئ

(د. خ)

ص: 33