المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 598 - بتاريخ: 18 - 12 - 1944 - مجلة الرسالة - جـ ٥٩٨

[أحمد حسن الزيات]

فهرس الكتاب

‌العدد 598

- بتاريخ: 18 - 12 - 1944

ص: -1

‌الثقافة والأخلاق

للدكتور محمد مندور

هذه مشكلة ما زالت تلح على عقلي منذ أخذت أفكر لنفسي، ولقد كنت ولا أزال أحس أن حلها ضرورة من ضرورات الحياة، لأنها تفسر الكثير من مواقفنا إزاء الناس، فالحديث عنها ليس مجرد رياضة عقلية نلهو بها ونلهي القارئ - وهذا نوع من الحديث تنفر عنه نفسي بطبيعتها وما أرى فيه نفعا لأحد - فمهمة الكاتب لا ينبغي أن تكون الإفحام بالجدل، بل الإقناع بالقلب، ولن تصل إلى إقناع إلا إذا اكتفيت بأن تعرض تجاربك النفسية داعيا الغير إلى مثلها

أول ما أثار تلك المشكلة في نفسي هو ما قرأته في صدر الشباب (لأفلاطون)، إذ يعرض نظرية (سقراط) في أسس الأخلاق؛ ومن المعلوم أن هذا الفيلسوف الجليل كان يرى أن المعرفة هي عماد الخلق، وقد زعم أنك لا تستطيع أن ترتكب الشر إذا أدركت إنه شر، وأنك لابد آت الخير إذا تحققته بنظرك. ولقد أبهج خيالي هذا الرأي، ولكنني كنت أنظر فأرى نفسي وأرى غيري ندرك الخير والشر، ثم لا نملك أنفسنا من الاندفاع في أعقاب الهوى، فيساورني الشك. ووقع بين يدي يوماً قول لفيلسوف فرنسي معاصر هو بول جانيه يقول فيه:(إن الإنسان بطبيعته يفضل الخير المحسوس على الخير المدرك). ولما كانت شهوات النفس أقرب إلى الحس منها إلى الإدراك المجرد، فقد كان من الطبيعي أن تستأثر بالنفس ما دام هدفنا الأخير من الحياة هو التماس السعادة بتحقيق أكبر قسط مستطاع من رغباتنا، وليس من شك في أننا نحس أن خيرنا في هذا التحقيق. وذلك ري يبلبل الفكر، ولكنك لن تعدم السبيل لرده إذا تعمقت الأمور، فأنه وإن يكن من الصحيح أننا نفضل الخير المحسوس على الخير المدرك، إلا أننا لن نعجز عن تغليب الخير الأخلاقي إذا أنزلناه هو الآخر منزلة الخير المحس. وذلك بألا نكتفي بتحقيقه بالنظر المجرد، بل نتعمق به إلى مجال الإحساس فندرك بقلوبنا ما فيه من جمال. وجماله تلحظه في صفات ثلاث يورثها النفس وهي: الحرية والقوة والمرح. فأما الحرية، فأي نشوة يستشعرها الفرد عندما يحس إنه لم يعد عبدا لشهواته، وأما القوة، فهل نحن بحاجة إلى أن نبصر القارئ بعظمة النفس البشرية عندما تنطلق بقوتها كاملة لا يحدها نفع حقير تحرص عليه، أو رغبة وضيعة

ص: 1

تبغي تحقيقها؟ وعندما تحس بنفسك حرة قوية أي مرح سيأخذ بالروح عندئذ؟ ثم هل هناك ما ينشط ملكات الخلق في الفرد مثلما ينشطها المرح الروحي؟ وأي سعادة في الحياة تعدل سعادة الخلق؟

هكذا نستطيع أن نجد حلا للجزئية التي عرضنا لها، ولكن المشكلة لا تزال قائمة في عمومها، ولقد لاحظ الكاتب الفرنسي (ديهامل) أن من الكتاب والفنانين من وهبوا ملكات ساحرة دون أن يمنعهم ذلك من انحلال الأخلاق. ولقد قسا بهم الرجل فشبههم بالعاهرات بلهو الناس بأجسامهن ثم لا يمنعهم ذلك من احتقارهن. ولابد لتفسير الظاهرة من أن نفرق بين ثقافة النفس وملكة الخلق، فليس من الضروري للأديب، أو الفنان الخالق، أن يكون رجلاً مثقفاً، بل من الناس يرى أن ثقل الثقافة قد يعوق الخلق، وباستطاعتك أن تستعرض أسماء الكثيرين من كبار الكتاب أمثال: شكسبير وموليير وروسو وديكنز وبلزاك وفالري، ممن لم يتلقوا تعليما جامعياً منظما، وإنما هم رجال وهبوا القدرة على الخلق، ثم جدوا فحصلوا بقراءاتهم مواد أولية يعملون فيها ملكاتهم، وليس هذا هو المقصود بالثقافة، وإنما الثقافة بأدق معانيها هي تكوين نظام عقلي وغرس روح علمية في النفس، وهذا النظام وتلك الروح لا ينموان بالتحصيل أو بجمع المواد الأولية، بل هما راسبان يتخلفان بالنفس بعد أن ننسى ما حصلنا وما جمعنا. وعلى هذا النحو نستطيع أن نحل هذا الجزء الآخر من المشكلة، فنميل إلى الاعتقاد بأن ثقافة النفس خليقة بأن تسدد الخلق

ولكن كيف تسدد الثقافة الخلق؟ للجواب على ذلك يجب أن نميز بين المعرفة والثقافة: فالمعرفة التي تنحصر في تحصيل المعلومات لا نظن أن لها تأثيراً ما على الأخلاق، وإلا فأي أثر تريد أن يكون لعلمك بقانون الجاذبية أو بأن نابليون قد انتصر في موقعة أوسترلتز أو ما شابه ذلك على سلوكك الخلقي. وعلى العكس من ذلك الثقافة بالمعنى الذي حددناه، فإذا وصلت بفضلها إلى نظام عقلي وروح علمية، نمت بنفسك قدرة على تمييز الحقيقة، ثم محبتها، وعندئذ ستحس بالحرية الروحية، وقوة النفس، ومرح العقل، التي ركزنا فيها جمال الخير. ولي على هذا شاهد في أستاذ تلقيت عنه العلم، وهو رجل دؤوب على القراءة، وإطالة التفكير فيما يقرأ، حتى لأحسبه لطول ما قرأ وفكر قد وصل إلى ما وصفت من نظام عقلي وروح علمية، وأكبر ظني أن هذا النظام وتلك الروح قد أصبحا اليوم أساس

ص: 2

سماحته الأخلاقية، فهو من قلائل الناس الذين يحرصون على أن يعطوا كل ذي حق حقه، وهو من قلائل الناس الذين يسلمون لكل فرد بما ينبغي أن يكون له من كبرياء، دون أن يلقى هذا الكبرياء على نفوسهم أي شبح من ظلال. أي جمال تحس في نفسه عندما تلوح لك خالية من عتمة الحسد؟ وقديما قال المفكرون:(إن قليلاً من العلم يبعد بنا عن الله ولكن كثيره يعود بنا إليه)

ونترك العلاقة بين الثقافة والأخلاق في حياة الفرد لنواجهها في حياة الأمم، وهنا تبدو لنا ظاهرة كبيرة لابد من تفسيرها، وهي ما نلاحظه في التاريخ من أن جميع الأمم قد انتهى بها الأمر عندما اتسمت ثقافتها النظرية إلى الانحلال فالفناء، وهذا ما تجده عند اليونان والرومان والعرب على السواء، فما السر في ذلك؟ يخيل إليّ أننا نجد الجواب في أمرين: أولهما: أن الأمم لا تحيا بالثقافة النظرية فحسب، وإنما تحيا أيضاً بتقاليدها. وثانيهما: أن للثقافة النظرية نوعين من النشاط: نشاط هدم ونشاط بناء. فعندما يسبق التفكير الفردي التقاليد ويأخذ في تناولها بالبحث ومناقشة الأسس، لابد من أن يقوضها، لما هو معروف من أن كثيراً من التقاليد لا تقوم على أسس نظرية قوية بل تستند في الغالب إلى مواضعات اجتماعية خلفتها عصور موغلة في الظلام. وإذا كان العقل قادراً على الهدم فهو أقل قدرة على البناء، وبخاصة بناء التقاليد، وتلك لا يكفي في تدعيمها النظر المجرد بل لابد من أن تطرد بها الحياة حتى تنزل من الناس منزلة العادات الآلية، وهذا أمر يحتاج إلى زمن طويل. وهكذا نفس انحلال الأمم: عقل يهدم ثم لا يستطيع لساعته أن يقيم بناء على الأنقاض

وإذا كان العقل يقوض من دعائم الأمم، فإن ذلك لا ينبغي أن يصرفنا عن تثقيفه، فهو ليس منبع الشر وإنما منبعه إنه لم يثقف عند كافة أفراد الأمم المنحلة، بل عند نفر قليل منها هم الذين قوضوا التقاليد. والتقاليد في الحق ليست من ضرورات الحياة الاجتماعية إلا بحكم أنها تحل عند غير المثقفين محل النظام العقلي والروح العلمية اللذين أشرنا إليهما، وعندما تستطيع أمة من الأمم أن تدعي أن كل فرد من أفرادها يملك ذلك النظام وتلك الروح فلن يرهبها عندئذ أن تضيع تقاليدها

وهكذا نستطيع أن نخلص إلى أن الثقافة الحقيقية دعامة قوية من دعائم الأخلاق في حياة

ص: 3

الأفراد وحياة الأمم على السواء، وإنما تأتي الكوارث عندما نتخبط في فهم معنى الثقافة ومدى انتشارها بين الأفراد الذين يكونون أمة واحدة

الثقافة ضوء ولابد للضوء من أن يبدد الظلمات.

محمد مندور

المحامي

ص: 4

‌السلم العالمية حلم الأبد

للأستاذ توحيد السلحدار بك

جاء في (العدد 595) من (الرسالة) مقال ظريف للدكتور أحمد فؤاد الأهوافي عنوانه (السلم العالمية حلم قريب الأمد).

وليس هذا من المستغرب: فإن الآراء تختلف، وكثيراً ما أيد الناس أحبها إليهم، أو أقربها إلى لون ثقافتهم، أو أصلحها لسياستهم. وقد نشط القائلون باتجاه الإنسانية نحو السلم العالمية أو بقربها بعد الحرب الكبرى السابقة، ومنهم مثلاً: ديفز، وكرنيجو، وويلز الذي يصف بكتابه المشهور (سير الإنسانية العظيم نحو وحدة عالمية). وهذا هو مذهب الدكتور. وموضوعه كثير الأبواب والأصول، متشعب الأطراف والحواشي؛ وإبقاء بيانه وأدلته يملأ سفراً فزائدا، ولا طائل وراء الإطالة فيه

يقول الدكتور في فاتحة احتجاجه: (لاشك أن أحدا من الدول المشتركة في هذه الحرب القائمة لم يكن يرغب في إثارتها) لكنه يقول في منتصف مقاله: (تشيع العقيدة في نفس بعضها (الدول) أنها أقوى من غيرها بأساً وأسمى عقلاً وأرفع منزلة وأوسع علماً. ولهذا وقعت الحرب الحالية لانقسام العالم إلى دول عظمى وإمبراطوريات كبيرة تتنازع على السيادة والسلطان)

عجبا! لم ترغب دولة في هذه الحرب، وقد نشبت، إذ أعتقد بعض الدول أنه أقوى من غيره، فتنازعه السيادة، ومن أراد السيادة أراد الحرب. أفلا يبدو أن في هذا الكلام تناقضا ينتفي به معنى الجملة الأولى منه؟ وفي الجمل التالية إشارة واضحة إلى ألمانيا، إذ المعروف أنها ابتدأت بالاعتداء على غيرها وأرادت أموراً حققتها بالقوة وهي عالمة بأن إرادات أخر تعارضها.

وقد علّمها كلز وتز أن غرض المحارب هو إخضاع إرادة العدو لإرادته هو. ولكليمنصو قوله: (سواء كانت الحرب استراحة من ملهاة السلم، أو كان السلم استراحة من مأساة الحرب، يبقى مقرراً أننا نقبل معاناة محنها الدامية، حتى إننا ننشدها، ويسرنا فوق ذلك أن نفخر بها). ولا حاجة إلى مزيد بعد أن جاء المحتج بدليل ونقيضه في آن معاً

ثم يقول الدكتور: (إن أصحاب العروش وذوي التيجان وأقطاب الدول والزعماء المحركين

ص: 5

للشعوب، يتنصلون من تبعة الحرب، ويتبرءون من إعلانها، فلاشك أن هذا دليل يحمل في طياته النزعة القوية إلى السلام)

والصواب الذي يستقيم هاهنا مع حقائق الواقع في الإنسانية إنما هو أنهم (يتبرءون) سترا لطمعهم وأغراضهم، و (يتنصلون) دفعاً للتبعة إن هم قهروا، وتبريراً لجشعهم وإذلالهم عدوهم إن هم قهروا، وتضليلاً عن سوقهم الأمم إلى المجازر وعن سبل سياستهم؛ ولم يكونوا يوماً لينزعوا إلى (السلام) حين يخالف مصالحهم الحيوية وهم قادرون على الحرب، أو يحول دون مطامعهم الحقيقية، شخصية كانت أو قومية. فليس يصح في الأذهان أن ما تقدم دفعه من الكلام (يبشر بتحقيق هذا الحلم)، كما يظن الدكتور وإن قال:(ستقع الحرب في الجيل المقبل. . . وقد تقع بعد جيل آخر)، ليس غير

ثم رأى الدكتور في نظرته إلى أسباب الحرب (أن ذكر طبائع الفرد وخصائصه. . . بصدد حرب بين دولة وأخرى) حجة نفسية لا تستقيم، لأن (طبائع الجماعة تختلف عن طبائع الفرد كما هو معروف لكل من درس علم الاجتماع)

لكن عندنا دكتور آخر كتب مرة أن الآراء التي سمعها (من أساتذة السربون في علم الاجتماع وعلم النفس) هراء. وما التذكير بهذا التقرير إلا لتنبيه من قد يحب أن ينعم النظر في العلمين لينكرهما أو يعتبرههما، ويرى هل يتحقق أنهما عند ذكر أسباب الحرب، لا يسمحان بالجمع (بين الدوافع النفسية في الفرد وبين العلاقات الدولية وتنافر مصلحة الجماعات). فإن الذي يجهلهما، أو يقرأ فيهما ويفوته فهمه كل الفهم، قد يظن أن للأفراد، خصوصا في الأمم الحية المتعلمة، عاطفة وطنية، وحساسية قومية، وآراء مشتركة بينهم، وشعوراً بالمصلحة العامة، ملاحظاً في كلامهم واستعدادهم للدفاع عنها، وأن الرأي العام وإن كان دون الرأي الفردي أو أكثر منه تعرضاً للخطأ، يؤثر تأثيراً قويا في الحكام والزعماء، لأن البيئة تؤثر في الأفراد كما تتأثر منهم، وأن الأنانية مردها الأخير في التحليل النفسي غريزتا حفظ الذات وحفظ الجنس، وإذن فهي الأساس العميق في الفرد وفي الجماعة، سواء ظهرت أو سترتها التربية والآداب، زد أن الإنسان منذ ظهر على هذه الأرض قد جعل فخره في توسيع معاركه وزيادة أخطارها، وهو يرفع عقيرته بالسلم، بل يخيل إليه إنه يريد أن يعيش فيه، ولكنه لا يريده بشدة كافية لحفظه، والتزاحم الطبيعي

ص: 6

الشامل يحتم تضاد القوى، ولو خفف الإنسان بعض أساليبه، أما الأحلام الكمالية، فإنما قربها في الكلام وشبه المنام

يقول الدكتور: (الدليل على نقض تلك الحجة النفسية نفور الجند في هذه الحرب الحاضرة) وهم يحاربون، لأنهم (جماعات وكتل بشرية تترك في الميادين).

يريد، على ما يبدو، أن الجندي النافر يسيطر عليه روح الجماعة في هذه الكتل فينساق معها إلى المحاربة. وهذه حجة لابد أن تكون حقيقة علمية دقيقة، لا يدركها إلا كل من درس علم الاجتماع. لكن الذي لم يدرس قد يظن أن روح الجماعة، وإن كان دون روح الفرد، يكون أحياناً أنبل من أرواح أفرادها، كروح الجمعية الوطنية في الثورة الفرنسية الكبرى، إذ أعلنت الجمعية حقوق الإنسان، مثلاً، ونزل النبلاء فيها عن ألقابهم ومميزاتهم. وقد يعجب القارئ لروح أولئك الجنود المتكتلين، وهو ناتج من أرواحهم النافرة من الحرب ونافر بالضرورة من هذه الحرب، كيف يدفعهم إليها وهم كتل مسلحة متجمعة في الميدان وفي المعسكرات، ففي وسعها العصيان بروح الكتلة المسيطر

هذا والأمم مجاميع أفراد، والفرد يؤثر في البيئة ويتأثر منها، كما ذكر آنفاً، والحياة ميدان قتال. فالقبائل ليس فيها نظام الحكومات والجندية، وإن كان الاحتكام عندها إلى شيوخها، وعادتها الغزو، يجمع له الأفراد مختارين للسلب والسبي، وطلب المرعى والماء؛ وشيمة هؤلاء الأفراد المنازلة وأخذ الثارات المنيمة. والذين فتحوا الولايات المتحدة الأمريكية من محيط إلى محيط. تقاتلوا فيما بينهم وكل منهم يحمي أرضه ويوسعها، وقاتلوا الهنود والحيوان أفراداً ثم جماعات قبل أن ينتظموا ولايات منفصلة فمتحدة. وما القول في المرتزقة قديماً والمتطوعين حديثاً من أمريكيين وبريطانيين وسواهم، كما تطوع كتشنر لفرنسا في حرب سنة 1870؟ وأرض الأهل حيث يفتح الفرد عينيه لنور الحياة بين قلوب تتحنن عليه أرض تحببه إياها وتسمو به. في كل أمر حتى يضحي بنفسه وبذوي قرباه في سبيل وطنه إرضاء لمعنى مثالي في فؤاده لا يقبل البحث. والأمثلة وافرة: رجال المقاومة والعصابات الأهلية في فرنسا وبولونيا وغيرهما، والذين يفرون من الأسر، ويركبون الأهوال في سبيل العودة إلى صفوفهم مختارين، والذي يقطع نصفه في الحرب فيخرج من المستشفى ملحاً في طلب طائرته ليعود بنصفه الباقي إلى القتال، والحال النفسية البادية

ص: 7

على أوجه الجنود من شتى الأقطار وهم آتون غادون أمام أعين الناس، وهي حال لا تدل على تأفف أو استياء، بل تدل على الارتياح، واحتشاد الأهالي في الثورات والحروب الأهلية - وهي في الإنسانية أكثر من الحروب الدولية - لمحاربة السلطات القائمة والجيش بما تصل إليه أيديهم من الآلات

لكن هناك (أبلغ دليل في هدم كيان) القول (يجب الكفاح وتغلب الغريزة والشهوة والأنانية)

ذلك الدليل الأبلغ في نظر الدكتور، هو (أن الأفراد يعيشون في داخل الدولة الواحدة. . . وتسود فيهم بطبيعة الحال غرائز الكفاح والأثرة والمغالبة والنزوع إلى السيطرة والسلطان (كذا)، ومع ذلك تعيش هذه الجماعة الواحدة كخلية النحل. . . دون أن تقع بينهم معارك دامية، إلا ما يحدث من الخصام المعروف بين الأفراد الذي يحله القانون ويقتضيه الأمن والنظام. والبوليس والقضاء كفيلان بضبط الأمن وحفظ النظام)

فلا يتوهمن متوهم، بعد هذا الدليل، أن تضارب فردين، أو جماعتين، أو قريتين، ولو قتل أناس منهم - لسبب كالغيرة مثلا أو السطو أو الانتخابات الديمقراطية - يعد (معركة دامية، إنما هي تضارب داخل حدود الدولة؛ وإن أبطل القضاء والبوليس، أي القوى المانعة الرادعة، وجوباً داخل (خلية النحل)، فإن أفرادها لا يتقاتلون بدوافع جبلتهم البشرية لتغيرها بالمدنية، حتى أصبحوا نافرين من الاقتتال، لا يحاربون إلا مكرهين في ميادين الحروب الدولية. أما ظلم ذوي القربى وشتى الجرائم التي يدرك أو لا يدرك البوليس والقضاء مقترفيها، فإنها أمور ليست في شيء مما يدل على أن الفطرة البشرية لم تتغير ذلك التغير، وإن كان مما يسلم به الدكتور أن الأفراد داخل الدولة (تسود فيهم غرائز الكفاح والأثرة والمغالبة والنزوع إلى السيطرة والسلطان)؛ إذ إنه يقول:(قد اقتضت الحضارة والمدنية أن توجه هذه النزعة إلى كفاح الحياة والتغلب على عقبات المعيشة وتذليل البيئة المحيطة بالإنسان وتسخيرها لمصلحته ودفع عدوان الأمراض والأوبئة)

فكأن الحكام أوشكوا أن يصبحوا حكماء، والمحكومين أن يصبحوا قديسين! ذلك هو ما يؤخذ من تطبيق علمي النفس والاجتماع فيما يبدو من كلام الدكتور. غير أن كليمنصو يقول: (إن المحاكم لا تستطيع أن تشفي الناس من اقتراف القتل في العلم. . . ومنذ أقدم الأزمان إلى أيامنا هذه، لم نعرف بعد غير الدم كفارة عن الدم؛ والكلمة الأخيرة لمدنيتنا

ص: 8

صاحبها الجلاد على ما يفهمنا جزيف ده مستر)

على أساس الكلام الذي تقدم النظر فيه، وهو أساس ليس يتحمل ما شيد عليه؛ يقول الدكتور:(الحرب تقع بين الدول لا بين الأفراد)؛ (فالمسألة في السلام هي خضوع الجماعة لحكومة واحدة ونظام واحد، لأن الحرب تقع بين الدول لا بين الأفراد؛ فهل يصبح العالم بأسره خاضعاً لحكومة واحدة، وتتحول النزعة الوطنية إلى دولة واحدة وعالم واحد ونظام واحد؟)؛ ثم يجيب عن السؤال بعرض الأمور التي يراها خطوات في سبيل (توحيد العالم) ومنع الحرب، لأن (العلة الأساسية في الحروب هي انقسام العالم إلى دول تنطوي على نفسها وتحتفظ كل واحدة منها بشخصيتها المستقلة)

وهذه حجة وهمية: فالدولة العالمية حلم قديم تغنى به فريق من عشاق السيادة الشاملة إرضاء للشهوات، لا توخيا لخير الإنسانية، وهو كذلك حلم الشيوعية، وقد يكون حلم الشيوعي عن يقين أو غير يقين. مع ذلك يقول الدكتور إن (الخطوات التي يخطوها العالم في سبيل التطور والوحدة خطوات سريعة جداً (كذا) هي التي تجعلنا نقول إن السلم (العالمية) قريبة الآن)

فهل يسلم الناس بأن الإنسانية قد أصبحت على باب دولة الفارابي المثالية الشاملة للأرض المكونة بأسرها، كما صورتها نظراته الخيالية وهي اعتبارات فيلسوف لا سياسي ولا مشترع لكن الدكتور يقول:(نحن نؤيد هذا القول بشواهد في التاريخ، معتمدين على النظر إلى تطور الإنسانية خلال العصور الطويلة)

والبحث في هذه الشواهد وهذا النظر مؤخر إلى عدد آت

محمد توحيد السلحدار

ص: 9

‌شعر البارودي في منفاه

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

كان البارودي في أول عهده بالنفي متحفزاً متوثباً، بل كان ثائرا مهددا، يرى إنه لم يقترف ما يستحق النفي من أجله، غير إنه دافع عن دينه وعن وطنه، وليس ذلك ذنبا يستحق أن يحاسب عليه ويغترب، وهو لذلك غير نادم على ما قدم، وغير خاطئ فيما فعل، وحسبك أن تقرأ هذه الأبيات لترى فيها الثورة النفسية العنيفة:

ومن عجائب ما لاقيت من زمني

أني منيت بخطب أمره عجب

لم اقترف زلّة تقضي علي بما

أصبحت فيه فماذا الويل والحرب

فهل دفاعي عن ديني وعن وطني

ذنب أدان به ظلما وأغترب

فلا يظن بي الحساد مندمة

فإنني صابر في الله محتسب

أثريت مجدا فلم أعبأ بما سلبت

أيدي الحوادث مني فهو مكتسب

إني امرؤ لا يرد الخوف بادرتي

ولا يحيف على أخلاقي الغضب

وما أبالي ونفسي غير خاطئة

إذا تخرص أقوام وإن كذبوا

بل إن شعره الذي قاله في تلك الفترة الأولى ليدل على إنه كان يؤمل قيام ثورة تعيد إليه مجده، وكان قوي الثقة في أن أنصاره سيرغمون خصومه بقوة السيف على أن يعود البارودي إلى السلطة التي ترضاها العلا، نرى ذلك حين يقول:

قحتّام نسري في دياجير فتنة

يضيق بها عن صحبة السيف غمده

إذا المرء لم يدفع يد الجور إن سطت

عليه، فلا يأسف إذا ضاع مجده

ومن ذَلَّ خوف الموت كانت حياته

أضر عليه من حمام يؤدّه

وأقتل داء رؤية المرء ظالما

يسيء ويتلى في المحافل حمده

علام يعيش المرء في الدهر خاملا

أيفرح في الدنيا بيوم بعده

وإني امرؤ لا أستكين لصولة

وإن شد ساقي دون مسعاي قيده

ولابد من يوم تلاعب بالقنا

أسود الوغى فيه وتمرح جرده

يمزق أستار النواظر برقه

ويقرع أصداف المسامع رعده

ص: 10

تدبر أحكام الطعان كهولة

وتملك تصريف الأعنة مرده

قلوب الرجال المستبدة أكله

وفيض الدماء المستهلة ورده

أحمل صدر الفصل فيه سريرة

تعد لأمر لا يحاول رده

فإما حياة مثلما تشتهي العلا

وإما ردى يشفي من الداء وقده

غير أن الانتظار قد طال ولم تصل إليه أنباء تقوى فيه هذا الأمل، فسمعناه يستنجز الوعد، ويحث الصحب قائلا:

فيا سراة الحمى ما بال نصرتكم

ضاقت علي وأنتم سادة نجب

أضعتموني وكانت لي بكم ثقة

متى خفرتم ذمام العهد يا عرب

والبيت الثاني يحمل كل معاني الألم وخيبة الأمل.

وقد اختلفت بذلك نظرته إلى السيف، فبعد أن كان يهدد بامتشاق الحسان، وشن الثورة على الخصوم، رأى - وقد خذله ناصروه - أن سيفه ليس له غناء في يده ولا قيمة، ولننصت إلى ما دار بين الشاعر وسيفه من حديث حين قال:

ولا صاحب غير الحسام منوطة

حمائله مني على عاتق صلد

أقول له والجفن يكسو نجاده

دموعا كمرفض الجمان من العقد

لقد كنت عوناً لي على الدهر مرة

فمالي أراك اليوم منثلم الحد

فقال: إذا لم تستطع سورة الهوى

وأنت جليد القوم ما أنا بالجلد

وهل أنا إلا شقة من حديدة

ألح عليها القين بالطرق والحد

فما كنت لولا أنني واهن القوى

أعلق في خيط وأحبس في جلد

فدونك غيري فاستعنه على الجوى

ودعني من الشكوى فداء الهوى يعدي

فهذا السيف الذي كان سبب مجده الحربي يراه الآن قطعة من الحديد ضعيفة واهنة القوى، لا تستطيع أن تقدم له يدا، ولا أن تساعده.

لم تنزل بالبارودي نفسه فيلحف في الاعتذار، ويلح في الاسترحام كما فعل سواه، ولعله طلب أن يعود إلى وطنه موفور الكرامة، متبرئا من تهم ألصقها به حاسدوه، كما يمكن أن نلمح ذلك في قوله:

يا غاضبين علينا، هل إلى عدة

بالوصل يوم أناغي فيه إقبالي

ص: 11

قد كنت احسبني منكم على ثقة

حتى منيت بما لم يجر في بالي

لم أجن في الحب ذنباً استحق به

عتبا، ولكنها تحريف أقوال

ومن أطاع رواة السوء نفره

عن الصديق سماع القيل والقال

ولكن شعره الثائر وما عرف عنه من حب المجد والسعي إلى العلا، لم يكونا مما يدفع ولاة الأمر إلى الصفح عنه والمغفرة، فاستسلم إلى حكم القدر، وسلم نفسه لله، ولجت به الرغبة في زيارة الرسول الكريم، وأنشأ الشعر في مدح النبي والثناء عليه، ولكنه مع ذلك لم يسل يوما مجده ووطنه، بل أخذ يبث شعره شوقه إلا ملاعب شبابه وصباه، وما كان له من سلطان وجاه، فهو لا ينفك ذاكرا الماضي مشتاقا إليه، يحن إلى ملاعب الروضة وحلوان، وكان كلما تقدمت به السن، خلف الشباب وراءه، فتلفت يبكي هذا العهد السعيد الذي قضاه في وطنه ممتعاً بالأهل والأصدقاء والأحباب والسلطان، ويوازن بينه وبين ما صار إليه من ضعف وهوان، وقد وصف هذه النفسية القلقة المشتاقة حين قال:

أحن إلى أهلي، وأذكر جيرتي

وأشتاق خلاني وأصبو لمألفي

فلا أنا أسلو عن هواي فأنتهي

ولا أنا ألقى من أحب فأشتفي

أو حين تحدث في لهفة وشوق قاتل إلى النيل قائلا:

فهل نهلة من جدول النيل ترتوي

بها كبد ظمآنة ومشاش

أو حين يذكر الماضي متأسفا على حاضره:

لله أيام بهم سلفت

لو إنها بالوصل تأتنف

إذ لمتي فينانة ويدي

فوق الأكف وقامتي ألف

أجري على إثر الشباب ولا

يمشي إلى ساحاتي ألجنف

إن سرت سار الناس لي تبعاً

وإذا وقفت لحاجة وقفوا

فالآن أصبح طائري وقع

بعد السمو وصبوتي أسف

بل لقد انتهى به الأمر إلى أن أصبح يتمنى العودة إلى الوطن ولو عاش فيه فقيرا مملقاً.

أما حزنه على الشباب وبكاؤه عليه وألمه من الشيب وما ناله فيه من الضعف ففي كثير من قصائد منفاه، وهاهو ذا يصور لنا نفسه في عزبته شيخا أخلق الشيب جدته، ولوى شعر حاجبيه على عينيه، وضعف بصره فصار يرى الشيء كأنه خيال، وإذا دعي لم يتبين

ص: 12

مصدر الصوت، وإن أراد النهوض قعد به الضعف فلا يستطيع.

كيف لا أندب الشباب وقد

أصبحت كهلا في محنة اغتراب

أخلق الشيب جدتي وكساني

خلعة منه رثة الجلباب

ولوى شعر حاجبي على عيني

حتى أظل كالهداب

لا أرى الشيء حين يسنح إلا

كخيال، كأنني في ضباب

وإذا ما دعيت حرت كأني

أسمع الشيء من وراء حجاب

كلما رمت نهضة أقعدتني

ونية لا تقلها أعصابي

كان البارودي كثير التأمل في حوادث حياته، ما مضى منها وما حضر، وكثيراً ما كان يفكر فيما آل إليه أمره، فيسلي نفسه حيناً بأن الحظ يلعب دوراً كبيراً في النجاح، ولا ذنب له إن جافاه الحظ فلم ينجح، وحيناً يعود باللائمة على الحياة الدنيا، فهي لئيمة قلّب، لا تحسن اليوم إلا لتسيء غداً، وأحياناً يسوق الأمثال والحكم ليجلب إلى نفسه الهدوء والراحة، فالسيادة لها تكاليفها والمغامر تقوى هموم قلبه، وطالب العلا يعرض نفسه للحلو والمر إلى غير ذلك، مما تجده منثوراً في قصائد منفاه، وإذا ذكر ثروته وكيف جرد منها قال:

أثريت مجداً فلم أعبأ بما سلبت

أيدي الحوادث مني فهو مكتسب

لا يخفض البؤس نفساً وهي عالية

ولا يشيد بذكر الخامل النشّب

وكان يسبغ على نفسه الرضا والطمأنينة راحة ضميره وإيمانه بأن سيرته ليس فيها ما يزري أو يغض من قيمته:

راجعت فهرس آثاري فما لمحت

بصيرتي فيه ما يزري بأعمالي

وأنه لم يبع ضميره بالمال ولم يفرط فيما يعتقد إنه واجب عليه، مؤمناً بأن التاريخ سينصفه، وسوف يبين الحق يوماً للناظرين، قال في إحدى قصائده:

ولو رمت ما رام امرؤ بحياته

لصبحني قسط من المال غامر

ولكن أبت نفسي الكريمة سوأة

تعاب بها والدهر فيه المعاير

وسوف يبين الحق يوماً لناظر

وتنزو بعوراء الحقود السرائر

كان نفي البارودي إلى جزيرة سيلان ومعيشته بين القوم الذين وصفناهم له هذا الثر

ص: 13

الحزين في كل شعره الذي قاله في منفاه، ولم تستطع طبيعة هذه البلاد - وقلبه مليء بالحزن والأسى - أن توحي إليه بشعر فرح إلا قصيدة واحدة يصف فيها روضة بكندي، ويوماً قضاء مع رفقة بتلك الروضة، وتلمح في هذا الوصف إنه وصف حسي لم يشارك القلب فيه الحواس، بل أن لسانه لم يتحرك بقول هذا الشعر إلا بعد أن سأله رفقاؤه أن يخلد ذكرى يومهم في شعره. وأما وصفه لكندي فمع قلته تشيع فيه روح الألم والحزن

برغم كل ما قاساه البارودي في غربته لم يفقد الأمل في أن يعود يوما إلى وطنه، فهذا الأمل وطيد لا يمكن أن يزول:

ولي أمل في الله تحيا به المنى

ويشرق وجه الظن والخطب كاشر

وطيد يزل الكيد وتنقضي

مجاهدة الأيام وهو مثابر

وقد حقق الله له هذا الأمل. ففي (17 مايو سنة 1900) أصدر الخديو عباس حلمي الثاني أمره بالعفو عنه، فعاد البارودي إلى وطن طالما حن إليه وشرب ثانية من ماء النيل الذي لم يرو بماء غير مائة فارقه حتى عاد إليه.

(حلوان)

أحمد أحمد بدوي

مدرس بحلوان الثانوية للبنين

ص: 14

‌فرقة التمثيل ومديرها الفني

للأستاذ زكي طليمات

المدير الفني للفرقة المصرية

يشاء السيد الزحلاوي أن يجعلني المسؤول الأول والأخير عن تصرفات الفرقة، وهو يعلم علم اليقين من المصادر التي يستقي منها معلوماته، أن للفرقة لجنة عليا تشرف على توجيهها إشرافاً دقيقاً، وأخرى تنتخب مسرحياتها - ولست عضواً فيها - ثم إن للفرقة لجنة ثالثة تتولى توزيع الأدوار على الممثلين، وأن للفرقة مديراً عاماً له السلطة الواسعة، وأنه ما من اقتراح أتقدم به يأخذ دور التنفيذ إلا بعد موافقة هذه اللجان.

ففيم إذن تجاهله كل هذا، إلا لغرض مبيت في سريرته. فهو والحالة هذه أحد رجلين: إما إنه (مخلب قط) لموتورين من الفرقة - وما أكثرهم وأحبهم إلى نفسي - فهم لا يزودونه إلا بالمغرض الكاذب من المعلومات، وإما إنه يعلم كل هذا، ثم يتجاهل ليغالط نفسه والقراء، وما أحب له أن يكون هذا أو ذاك

بيد أنني له في كل مزاعمه، وسأناقش على الاعتبار الذي اجتلبه وافتعله ولم يبال بحقائق الأشياء، أي على اعتبار أنني المسؤول الأول والأخير

1 -

يأخذ علينا أن الفرقة قدمت (شهرزاد) و (يوم القيامة) و (كلنا كده) و (سلك مقطوع)، فكان في زعمه أن هبطت إلى مستوى الفرق الأهلية التي لا تراعي إلا الربح المادي)، وكأن الفرقة لم تقدم غير هذه المسرحيات! أسائله: أين إذن مسرحيات (يوليوس قيصر) لشكسبير و (متلوف) و (مدرسة الأزواج) لموليير و (غادة الكاميليا) لديماس الإبن، و (الوطن) لساردو، و (مروحة الليدي وندرمير)، و (زوج كامل) لأوسكار وايلد، و (مرتفعات ويذرنج) لأمبلي برونتي. ثم أين (قيس ولبنى) للشاعر النابه عزيز بك أباظة، و (قطر الندى) للمؤلف المصري الكبير عباس علام. وكل هذه المترجمات من النفائس الأدبية في عالم التمثيل، والروايتان الأخيرتان من أحسن ما أخرجته الأقلام المصرية، وقد توليت بنفسي إخراج ست منها؟

أتساءل لماذا لم يسجل السيد الزحلاوي غير الجانب الذي قد يؤاخذ عليه في منهج الفرقة، ولم يذكر الجانب الآخر الذي يشرفها ويقيم الحجة على أنها في جادة الطريق إلى تأدية

ص: 15

رسالتها؟

ثم ذاك الجانب الذي لا يؤاخذ عليه إلا صاحب العنت والهوى، ما خطره ما دامت الفرقة تحرص في انتخاب مسرحياتها على إقامة توازن دقيق بين الهزيل والماحل، وبين الدسم والخصب من المسرحيات، تمشياً مع الجمهور الذي لم يستقم له بعد أمر الهضم القوي لما هو دسم حقاً، وموفور الغذاء حقاً؟

ما الخطر في أن تأخذ الفرقة بالاعتدال في انتخاب ما تقدمه مراعية أمر التفاوت البين بين طبقات الجمهور من حيث المستوى الثقافي والمزاج، فتكون تارة لخاصة الجمهور، وأخرى لعامته من غير تعال أو إسفاف مشين؟

كلنا يعلم - إلا المتعنت المتجني - أن التهذيب بطريق المسرح اختياري محض، إذ الجمهور إنما يغشى المسارح مختاراً لا مجبراً. ولهذا أسائل: هل من الخير للفرقة أن تحظى بإقبال الجمهور مع أخذها بهذه السنة الحصيفة المعتدلة في انتخاب مسرحياتها، أم تبوء بالفشل وانصراف الجمهور وهي لا تقدم إلا التحف الأدبية والروائع الفنية؟

هل يدري السيد الزحلاوي لماذا أخفقت الفرقة القومية فألغيت وقامت مكانها هذه الفرقة القومية المصرية؟ هل غاب عن علمه أن إيراد تلك الفرقة الملغاة انكمش إلى قروش وملاليم في الحفلة الواحدة؟

وهل في استطاعته أن يعرض على الجمهور تلك المسرحيات الرفيعة مع ضمان إقبال الجمهور؟ إذا كان هذا في وسعه فإنني أنزل له عن مكاني في الفرقة لأعمل تحت إمرته

2 -

لم نقصر في إعلاء شأن العربية الفصحى كما يزعم الكاتب، بدليل أن الفرقة حتمت أن تكون كل المسرحيات المترجمة مكتوبة بالعربية السليمة معنى وإعراباً، كما أنها لم تتوان عن تقديم مسرحية (قيس ولبنى) وهي مكتوبة بالشعر الرقيق الآسر، كذلك لم تقض الفرقة بأن تكون المسرحيات المحلية الموضوع مكتوبة باللهجة العامية المبتذلة، ولكنها قضت بأن تكتب باللهجة التي يتكلم بها شخوص الرواية كما لو كانوا في الحياة الواقعية حتى لا ينهار جانب المعقول في أسلوبها

3 -

الذي يأخذه علينا الأستاذ من أننا أوردنا (ضرب الزار وهز والبطن والأرداف) - وهما الرقص أو الحركة الإيقاعية في لغة العلم - لم نورده لذاته ولم نزج به زجاً في

ص: 16

روايتي (شهرزاد) و (يوم القيامة)، بل أوردناه لأنه عنصر لا تستقيم بدونه المسرحية الغنائية الفكاهية (الأوبريت)، وهو نوع يقوم على الموضوع اللين المشرق بالفكاهة وبالغناء، ويقضي كمال إخراجه بأن نجعل من شخوص الرواية وماثليها والمنشدين منها عرضا منسقاً لمتعة العين والأذن

وإخراجنا هذا النوع يحقق جانباً من رسالة الفرقة، إذ هي للتمثيل وللموسيقى المسرحية كما يشهد بذلك عنوانها (الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى)، ومع هذا فإننا لا نقدم غير رواية واحدة من هذا النوع في كل عام

4 -

تشاء خبيثة السيد الزحلاوي أن تتهمني بالتغرض والعبث في توزيع الأدوار على الممثلين، أي أنني أعطي الدور لمن لا يحسن تأديته. وتفنيد هذا الزعم الباطل إنه ما من رواية قدمتها الفرقة وباءت بالفشل، بل كان نصيب كل رواية النجاح الجدير بها. ومن المعلوم أن نجاح الرواية يتكئ أولاً على حسن تأدية الممثلين أدوارهم. فلو صح ما زعمه السيد الزحلاوي لأغلقت الفرقة أبوابها، لأنها لا تعيش من إعانة الوزارة وقدرها عشرة آلاف جنيه، فقد بلغت مصاريف الفرقة في العام الماضي ثلاثة وعشرين ألفاً من الجنيهات، وزاد دخلها على مصاريفها بدليل أن الممثلين تناولوا مرتبات خمسة عشر شهراً عن العام الماضي

ثم ماذا يقول الأستاذ المتجني، وما عسى أن يقول له القارئ، إذا علم أن توزيع الأدوار لا يرجع أمره إليَّ وحدي، بل إلى لجنة أنا واحد منها، إذ تتضمن سواي مدير عام الفرقة، وعضو من اللجنة العليا، وزميلي في الإخراج!

5 -

شاء أدب الأستاذ الزحلاوي أن يتهمني بأنني أسأت إلى سمعة مصر في البلاد العربية. أسائله هل قرأ ما كتبته صحف فلسطين ولبنان وسوريا عن رحلة الفرقة ورواياتها في الصيف الماضي؟ ما أظن. . . ويقيني إنه لو قرأه لتغيرت في ذهنه معاني ما يقرأ، لأن العين التي يراني بها ترى الزهر شوكاً والضياء ظلاماً، وكان الله في عونه

وإذا سمح أستاذنا الزيات فإنني أنشر في (رسالته) نبذاً مما تفضل بكتابته عن الفرقة بعض الأدباء والكتاب في هذه الأقطار الشقيقة الكريمة

6 -

وأروع مثال أقدمه ليتعرف القراء إلى مقدار فهم الأستاذ الزحلاوي لما يشاهد من

ص: 17

مسرحياتي، ما أورده عن (كلنا كده) في مقاله، فالرواية في فهمه وعلى حد قوله:(تقول عن أبناء الأمة إنهم كلهم ديوث وقواد وعكروت)!

فليتصور القارئ رواية هذا موضوعها ومفادها! كيف وافق عليها قلم النشر في الداخلية، وكيف تأتى أن النظارة لم يحطموا مقاعدهم ويقذفوا الممثلين بحطامها، وكيف توالى تمثيلها شهراً ونصف شهر في حفلات متوالية! لا مراجعة فهذا فهم الأستاذ، في حين أن الرواية تجري حوادثها وتتعاقب مشاهدها لتلوح في لطف أننا كلنا كتب علينا الخطأ، وكأنها تذكرنا بالحديث الشريف (كل امرئ خطاء وخير الخطائين التوابون)

وأرجو أن يكون الأستاذ الزحلاوي من الخطائين التوابين!

زكي طليمات

ص: 18

‌على هامش النقد

الرباط المقدس

كتاب توفيق الحكيم

للأستاذ سيد قطب

خيل إليَّ في وقت من الأوقات أن توفيق الحكيم قد بلغ مداه وارتقى آفاقه، وأنه منذ الآن سيكرر نفسه، مع شيء من التحوير والتعديل

خيل إليَّ هذا وأنا أقرأ (سليمان الحكيم) فأجد فيه اختلافاً ما في موضوعه وشخصياته عن أهل الكهف، وشهرزاد، وبيجماليون؛ ولكنه يتفق معهما في طريقة تناول الموضوع وفي إدارة الحوار مع تعديل طفيف

ثم كتب (زهرة العمر)، فلاحت بوادر آفاق جديدة، ولكن لها شبهاً في خطرات المصباح الأخضر والبرج العاجي. وإن ظهرت في صورة رسائل لا في هيئة مقالات فالفرق في صميم العمل الفني هنا كذلك طفيف.

ولكن هذا الوهم قد تبدد من نفسي وأنا أقرأ (الرباط المقدس) كتابه الأخير. هنا أفق جديد من آفاق توفيق الحكيم ونغمة جديدة، وعطر جديد. . . إنه عطر النضوج، ونغمة الاكتمال، وأفق الأستاذية. في الموضوع والأداء والطريقة، وسائر ما يقاس به العمل الفني الكبير.

ولقد التمعت من قبل ومضات من هذا الجديد في أعمال توفيق الحكيم؛ ولكنها بالقياس إلى (الرباط المقدس) تبدو بواكير فيها الالتماع والحلاوة، دون النكهة العميقة والنضوج الأخير.

فالخطرات الذهنية - التي اعتدناها من المؤلف - لا تقف هنا عادية، تتخايل بالألاقة والالتماع. إنما هي هنا تسري في مادة حية، وتخطر في إطار من اللحم والدم يمنحها الحرارة والحياة. . . هنا قلب إنساني يضبطه ويدل على حركاته ذهن فنان. وهذه هي اللمحة الجديدة في فن توفيق الحكيم.

لقد كان في (عودة الروح) و (يوميات نائب في الأرياف) شيء من هذا. ولكن النبض الحيوي كان هناك باهتا ساكناً غير ملحوظ في ثنايا التنسيق الفني الدقيق. أما في (الرباط المقدس) فالنبض الحيوي يساوق التنسيق الفني، ويبدو كلاهما كاللحمة والسدى في النسيج

ص: 19

الواحد، أو كالجسد والروح في الكائن الحي.

وفي الكتاب صفحات من خطرات الفكر، ووثبات الغريزة، وسبحات الروح، ووسوسة الضمير، ونزوات اللحم والدم، وصراع القوى البشرية في النفس الواحدة يقل نظيرها في كل ما سجله الأدب العربي الحديث.

والمهم ليس هو التماع هذه الصفحات في الكتاب. ولكن تناسق العمل الأدبي كله في مبدئه إلى نهايته، في مستوى متقارب من النبض والحرارة والالتماع والنضوج.

لقد أدركت بعد قراءة الكتاب خطورة الأحكام النهائية على المعاصرين. فلقد أعد بحثاً عن (المدارس الأدبية المعاصرة) وكدت أنتهي إلى حكم قاطع في فن توفيق الحكيم وطبيعته وطريقته. . . فهاأنذا أجدني في حاجة إلى تعديلات أستعد حيثياتها من (الرباط المقدس). وإلا فما كان أدراني أن في طاقة المؤلف بلوغ هذا الأفق الجديد. وإن كل ناقد يحترم نفسه يكون قد أصدر حكما سابقاً على توفيق الحكيم يجب أن يعاود حكمه فيتناوله بالتعديل!

القصة قصة امرأة تخون، امرأة منحرفة، تدعوها نوازع اللحم والدم فتستجيب، وتغريها بدعة العصر في التحلل من القيود فتفلسف السقوط بالحرية والتجديد، وتنظر إلى ما تسميه (مغامرة) نظرتها إلى أمر يومي صغير، لا يجوز أن يحطم عشا ولا أن يحدث ضجة؛ ثم تسخر ما شاءت لها السخرية من رجعية الرجل ومن أنانيته لأنه يتطلب فراشا نظيفا وذرية مضمونة!!!

وقصة رجل مستقيم الفطرة تربى في إنجلترا، ولكنه لم ينحل، وعرف كيف يؤدي حقوق الزوجية كاملة. ولكن في حدود الفطرة السليمة. فضاقت المرأة المنحرفة بهذه الحدود.

وتاقت نفسها إلى (المغامرة) اللذيذة، والاستجابة الممنوعة.

وهي تصف في مذكراتها لحظات هذه الاستجابة وصفا حسيا عنيفا. تصفها كما وقعت محوطة بالوهج واللهب، مغلفة باللذة الحيوانية الهائجة، غارقة في بحران الغيبوبة. . . فإذا وقعت هذه المذكرات مصادفة في يد الزوج الواثق المسكين كانت المفاجأة التي تهد القوى وتذهل اللب، وتمسخ كل لحظة من لحظات الماضي، فتحيلها غولا لئيما يعذب فريسته بالسخرية اللاذعة قبل أن ينقض عليها ليمزقها شر تمزيق!

والقصة بعد هذا كله قصة (راهب الفكر) الذي رأى هذه المرأة أول مرة فرفعها إلى مصاف

ص: 20

الحوريات في الفراديس، ونسج حولها هالات من القداسة والسحر، وأقامها في مصاف الآلهة والقديسين. . ثم. . . ثم إذا هو يطلع على الكارثة مع الزوج المنكوب، فيفجع في أحلافه فجيعة الزوج في كيانه، ويحس لها بالحقد والازدراء، ويخيل إليه إنها انتهت من عالمه. . . ولكن!

أجل. ولكنها (المرأة). المرأة الخالدة في ضمير كل (رجل). وراهب الفكر هو كذلك رجل أيضاً. هو مزيج من اللحم والدم والفكر والشعور. ولئن كانت هذه الأفعى قد سحرت فيه رجل الفكر والشعور أيام أن كانت - عنده على الأقل - حورية أو قديسة، فإنها اليوم لتستطيع أن تسحر فيه رجل اللحم والدم، بعطرها العابق ونكهتها الأنثوية، وأن تدعوه لصوت الغريزة الخالدة فيستجيب. ولولا سبب خارج عن إرادته - حسب تعبير القانون - لتم كل شيء في عالم الواقع المحسوس، بعد أن تم في عالم الضمير المكنون!

يا للمرأة! بل يا للحياة في صورة المرأة!

وعلى الهامش رجل آخر أوقعته مذكرات الزوجة المفضوحة في شك مفترس في عشه وفراشه هو الآخر، ولكنه لا يستطيع الحزم واليقين، ولا يطيق جحيم الشك المؤلم فيستريح من قريب. . . ينتحر! ولا يستغرق من القصة إلا القليل، الذي يكفي للموازنة السريعة بين قسوة اليقين المحتملة على كل حال، وقسوة الشك التي تجل عن الاحتمال

أشهد أن الصفحات التي تناول فيها المؤلف عرض نظريات المرأة ودواعيها، ووصف نزواتها ومفاتنها؛ وكشف حيلها ومغرياتها. كالصفحات التي صور فيها كارثة الرجل وعاطفته، وأوضح منطقه واتجاهه. كالصفحات التي أبرز فيها (راهب الفكر) ونزعاته، واختلاجاته ونزواته، كالصفحات التي كشفت روح العصر والعوامل الخفية والظاهرة التي تعمل في كيانه. . . كلها صفحات رائعة فيها ذلك النضوج الأخير

ولكن الصفحات التي عرض فيها صورة (الشك) لم تجيء في مستوى تلك الصفحات. جاءت مختصرة ومجملة، جاءت في لمسات عريضة لم تتناول الجزئيات الثمينة في لحظات الشك المريرة. وختمت في عجلة ظاهرة

حقيقة إن (التنسيق الفني) سمة توفيق الحكيم الأصيلة - هو الذي يجبره في هذه القصة - حسب وضعها الحالي - إلى الاختصار في صورة الشك؛ فكيان القصة قائم على مواجهة

ص: 21

الرجل المستقيم بالمرأة المنحرفة في العصر الحديث وعلى اضطراب رجل الفكريين الغريزة والوجدان أمام المرأة الخالدة، وعلى منطق الغريزة العميقة ومنطق الفكر المحلق، وعلى لغة الفناء الأرضي ولغة الخلود السماوي. . . الخ فلا مجال فيها لعرض صورة (الشك) إلا في هذا الحيز المحدود

ولكني أخشى أن يكون تصوير (الشك) في هذا المستوى الرفيع في حاجة إلى طاقة أخرى لم يزاولها حتى اليوم (توفيق الحكيم). طاقة كطاقة شكسبير في (عطيل) أو طاقة العقاد في (سارة) وطاقة الأضواء تتداخل في الظلال، لا طاقة الخطوط الحاسمة التي تفرق بين الظل والنور وإن كنت لا أظنها - بعد اليوم - بعيدة عن توفيق الحكيم. فتصويره لتأرجح (راهب الفكر) في اللحظات الأخيرة يمنحه المقدرة على تصوير (الشك) في النفس الإنسانية في هذا المستوى الرفيع

ونحن منتظرون. . .!

ثم لقد استوقفني المؤلف عند هذا الحوار بين راهب الفكر والزوجة المستهترة كانت تسخر من غيرة الرجل على فراشه، وتعد دفاعه عن هذه الغيرة حماسة منه للرجال.

- (ولماذا لم تتكلم بهذه الحماسة عن خيانة الأزواج؟

- إني لم أبح للزوج أن يخون زوجته

- وإذا خانها. أليس لها الحق أن تخونه؟

- لا

- النغمة القديمة التي نسمعها من الرجال. تبيحون لأنفسكم ما تحرمون علينا لأنكم أنتم السادة ونحن الإماء.

- بل لأن الرجل هو الذي يعرق، والمرأة هي التي تنفق. اكدحي كما يكدح زوجك واعرقي كما يعرق؛ فإذا تساويتما في التضحيات تساويتما في الحقوق. لا أقول إن الرجل يجب أن يخون. ولكنه إذا خان خان من ماله. ولكن الزوجة تخون من مال زوجها. ثم هنالك شيء آخر، هو النسل. . فالزوج يخون ولا يدخل على زوجته نسلا مدلساً. أما الزوجة فإذا خانت أدخلت على زوجها نسلا ليس من صلبه. لن تكون هناك مساواة مطلقة بينكن وبين الرجال في هذا الإثم إلا إذا تطوراً الزمن تطورا آخر فرأينا الزوجة تناضل في الحياة

ص: 22

وتكتسب بالقدر الذي يربحه الزوج. . . ثم يستطاع بواسطة العلم أو بغيره من الوسائل أن يفرز للزوج نسله عن نسل غيره بغير وقوع في شك أو ارتياب. . . إلى أن يتم ذلك فلا تتحدثن عن المساواة في الخيانة.

- إذا حدث ذلك فلن تكون هنالك زوجية. ولن يكون لها محل على الإطلاق. .

- ولن يكون للخيانة عندكن لذة ولا طعم. إذ لن يكون الزوج ضحيتها. . .

- (يا لك من خبيث!)

أحسب أن هناك اعتبارات غير الاعتبارات الاقتصادية الخاصة بالإنفاق والعائلية الخاصة بالنسل، بل أكبر من العوامل النفسية بين الرجل والمرأة حين يراد منهما بناء أسرة ورعاية أطفال. . . فلندع هذا كله، ولندع منطق الأخلاق لننظر من ورائه إلى منطق الطبيعة. . .

أحسب أن الطبيعة الخالدة كانت تقصد الإشارة إلى معنى خاص وهي تقدم أنثى الإنسان - وحدها دون بقية إناث الحيوان - مختومة مقفلة بذلك القفل الخاص! وأنها لم تحسب حساب العلم في تطوراته التي يستطيع بها فرز النسل أو لا يستطيع. فقامت هي بوسائلها الخفية الخاصة بضمان العفة في الحدود التي تملكها. وما كان عمل فرسان القرون الوسطى حين كانوا يلبسون زوجاتهم أحزمة ذات قفل في ثنايا اغترابهم للحرب، إلا محاكاة لفعل الطبيعة وامتدادا له في صورة عنيفة. فمهما كانت نظرتنا نحن اليوم إلى طريقة التنفيذ، فيجب أن نقدر أصالة الفكرة، وعمقها في تفكير الطبيعة. وإذا كان عصر من العصور ولا يسمح بفكرة القفل المادي، فإن هذا لا ينفي أن فكرة القفل المعنوي أصيلة في صميم الطبيعة كلها لا في صميم النفس الإنسانية وحدها!

إن الطبيعة لأحكم من كل فلسفة أخلاقية، ومن كل سفسطة إباحية. وإن كل انحراف عن سنتها لهو انزلاق إلى مهاوي الفناء!

سيد قطب

ص: 23

‌الدستور في شعر شوقي

بمناسبة إزاحة الستار عن تمثاله

للأستاذ أحمد محمد الحوفي

- 1 -

كانت الدعوة إلى الدستور قد قويت ودوت في أوائل هذا القرن، وزعيمها مصطفى كامل باشا وكان مصطفى لا يفتأ يدعو إلى الجلاء والى الدستور لأنه وسيلة الحكم الصالح، فقد كتب في اللواء في 5 أكتوبر سنة 1900 مقالاً بعنوان (الحكومة والأمة في مصر) ذكر فيه وعد لورد دوفرين باسم حكومته أن يؤسس في مصر مجلس نيابي، وإخلاف الحكومة البريطانية وعدها كإخلافها وعود جلائها

ودعا إلى الدستور في خطبته في العيد المئوي لمحمد على يوم 21 مايو سنة 1902، ومما قاله: (أين ذلك الدستور الذي يلجم الحكومة بلجام من حديد، ويهب الأمة حرية الرأي والفكر وحق المراقبة على أعمال الحكام وسن القوانين والشرائع ومناقشة الوزارة عن الصغائر والكبائر. . .

لعمري إن ما يسميه المحتلون وأنصارهم بالدستور لهو الفوضى في لباس النظام، والاحتلال في قالب الاحتلال، وإلا فأين الضمانة التي تطمئن لها القلوب والخواطر؟ أين مجلس النواب المصري الذي يقف في وجه كل طامع ويرد كل ظالم؟ أين ذلك المجلس الذي وعدت به بريطانيا على لسان اللورد دوفرين؟)

وقد كان لخطبته دوي في مصر، وأثر في المقيمين بها من الأوربيين، وكانت من أعظم دروسه الوطنية، وعلقت عليها الأهرام بقلم الشاعر الكبير خليل مطران بك، والبصير، وجريدة الفارد الكسندري تعليقاً يشف منه الإعجاب والحماسة

ولشوقي بمصطفى كامل صلات، فقد كان من كتاب اللواء، ومن أصدق أصدقاء الزعيم الشاب وأعظمهم إعجاباً به، وكان مصطفى يبادله الحب والإعجاب، فقد وصف شعره بأنه الغدير الصافي في ألفاف الغاب يسقي الأرض ولا يبصره الناظرون، وخصص لقصائده أسمى مكان في اللواء، وفي ذلك يقول شوقي:

ص: 24

قد كنت تهتف في الورى بقصائدي

وتحل فوق النيرين مكاني

وكتب مصطفى إلى صديقه محمد بك فريد من أوربا:

(وإذا قابلت شوقي بك فقبله لي مرتين، وقل له أن يرسل لي ما طبع من ديوانه مع صورته وأعطه عنواني)

وشوقي يقرر أنه شارك مصطفى في البعث والدعوة إلى الاستقلال والحرية بقوله:

أتذكر قبل هذا الجيل جيلاً

سهرنا عن معلمهم وناما

مهار الحق بغضنا إليهم

شكيم القيصرية واللجاما

لواؤك كان يسقيهم بجام

وكان الشعر بين يدي جاما

وقد اشترك معه في الاحتفال بالعيد المئوي لولاية محمد علي بقصيدته الخالدة (محمد علي) ورثاه لما مات بقصيدة من عيون المرائي العربية، ثم ذكره، وفي آخر ذكرى يقول:

يا أخا النفس في الصبا

لذة الروح في الصغر

وخليلاً ذخرته

لم يقوم بمدخر

- 2 -

على أنه قد درس في مصر طرفاً من القانون في مدرسة الحقوق قبل أن يتحول إلى قلم الترجمة، ثم أتم دراسة الحقوق في فرنسا، وما من شك في أنه وقف على آراء علماء الاجتماع والقانون والسياسة في خير نظم الحكم، وما من شك في إنه تأثر بميولهم إلى حكم الشورى، على إنه شاهد هناك صولة الدستور وفضل الشورى وسلطان الشعب، فطمح إلى ما طمح إليه غيره من المصريين الدارسين في أوربا أن يكون لمصر دستور، وإن يصرف الشعب أمره بنفسه، وأن ينجاب عن سماء الإسلام فتام الحكم المطلق

ثم إنه مولع بالتاريخ وتمجيد الماضي، ويعلم أن الشورى نظام الحكم في الإسلام، وأن الخلفاء الراشدين تسلموا مقاليد الحكم بالانتخاب، فهو يجمع هذا إلى ما يتجدد أمامه في الحاضر في الدول الراقية فلا يرى مندوحة من الميل إلى الشورى، والدعوة إليها والاستمساك بها

كان ذلك وشوقي في ريعان شبابه، فدعا إلى الدستور وهو شاعر الأمير تقيده الوظيفة، ونجد من جريانه في تيار الثوران على الحكم المطلق. فلما نشبت الحرب الماضية نفي،

ص: 25

لأن الغاصبين أيقنوا خطورة شعره في التأليب عليهم والتنفير منهم، فأميره مبعد عن ملكه، ومصر كلها برمة بقيود الحماية، وتركيا في غير صف إنجلترا، وشوقي شاعر الأمير، وروحه مصري وتركي، وشعره يوقظ الغفلى، ويشدو به الصبية والكهول

ثم ألقى الله على العالم أمنه وسكينته، وعاد شوقي إلى مصر يغرد بالمجد، ويرجع بالدعوة إلى الدستور في مناسبات شتى في عهد الملك فؤاد، وهو في ترجيعه حر يصور عواطف الشعب آنا، ويرشده آنا، لا تلجمه وظيفة لا وتثنيه رهبة؛ فقد أفاق الشعب كله واستقاد لزعيمه سعد، وثار ثورته يشري حريته ودستوره واستقلاله، وشوقي مغتبط يحدو للسائرين أو الطائرين إلى مثلهم العليا؛ ولم يجاره شاعر في حماسة دعوته، ولا في تكرار صيحته، ولا في بلاغته وجرأته، ثم لم يدانه شاعر في جلال الصور التي صور الدستور بها، أو في مهارة الربط بين الفكرة التي يدعو لها والمناسبة التي يهتبلها

ولعل في هذا البحث بلاغاً لحساده الذين زعموا إنه لا يمثل عصره، ولم يتحدث بلسان شعبه، ولم يصور عواطف معاصريه وميولهم، وإن هم إلا واهمون أو ظالمون، فإن شعره ثبت مفصل لما اضطرب من أحداث، وما اشتجر من آراء ونزعات، وقلما حدث حدث إلا جلجل فيه شوقي بشعره الملتهب، فعضد الحق، وسند الشعب، ورسم الصوى للحيرى

وشعره في الدستور والشورى وفضلهما وما يتصل بهما كثير منوع الصور، جاشت به نفسه فنفس عنها، واستدعته عاطفته فاستجاب لها، وإنها لعاطفة صادقة لا مجاراة فيها ولا مَيْن، ولو جارى لأقل فأشار في معرض أو معرضين، ولكنه طرق الدستور وحكم الشورى في أكثر من عشرين موضعاً من ديوانه، وفي بعضها يخلق المناسبة خلقاً، ليمجد الدستور ونظمه، وليس هذا شأن المجارى. وعاطفته مع صدقها حارة عالية الدرجة نبيلة تثير عواطفنا وإعجابنا، فلا مرد إذن لأقاويل خصومه المتنقصين قدره إلا أنهم نفسوا عليه سلطانه ومكانه وبيانه، فاتهموه في موضع الاقتدار، فكانوا كمنكر النهار، أو المماري في حرارة النار

ومن الوفاء له أن نسوق هنا طرفا من شعره نحيي به ذكرى شاعر العصر، المساهم في مجد مصر، ونحيي به الدستور في وقت تمتحن فيه دساتير الأمم، فتجاهد الحكم المطلق

وإن من يقدر الظروف التي تغنى فيها شوقي بالدستور ليجد حرجها، ويحس أشواكها،

ص: 26

فكيف سلم من معاطبها شوقي؟ وكيف لبق فأرضى نفسه وصور آمال الشعب ثم لم يجمح به قلمه أو كلمه؟

الحق إنه كان يروض الألفاظ حتى لا تثير سخطاً، وبروز المعاني ويصطفيها حتى لا يحس منها معارض بجفوة أو نبوة، وليس من السهولة أن تحبب إلى معارض ما يكره وأنت لم تشعره بغضاضة الرجعة، أو لم توقظ في نفسه نوازع العناد، وبهذه درجة علية من اللباقة والكياسة والحذاقة

- 3 -

هلل شوقي بالدستور العثماني واحتفى به، وقصر عليه قصيدة كاملة إثر صدوره عام 1908 إذ زف في بعض أبياتها البشرى إلى الترك وإلى الخاضعين لهم، ولعله استشف أن الدستور سينتظم مصر وغيرها، ففي رأيه أن الخلافة كانت تعاني الضعف وتقاسي الانحلال فجاء الدستور سياجاً لها وقوة، وكانت متداعية الأركان فحيطت بالشورى ونادى الشورى

والدستور الذي أصدره السلطان عبد الحميد نعمة على الشعب جليلة كجلال الخليفة، صافية الحواشي، إذ لم ترق لها دماء أو تلابسها جرائم، ومن عجب أن يرغب الناس عن الشورى وقد شرعها الله وأوصى بها نبيه

وحيثما نظرت رأيت سمات الفرح، فإن الشعب الصادي إلى الدستور والحكم النيابي ينقع اليوم بالشورى صداه، وكل فرد في الأمة يشعر بالعزة والعظمة والجاه أن صار له صوت في سياسة الوطن ورأي

بشرى البرية قاصيها ودانيها

حاط الخلافة بالدستور حاميها

لما رآها بلا ركن تداركها

بعد الخليفة بالشورى وناديها

أسدى إلينا أمير المؤمنين يداً

جلت كما جل في الأملاك مسديها

بيضاء ما شابها للأبرياء دم

ولا تكدر بالآثام صافيها

وإنما هي شورى الله جاء بها

كتابه الحق يعليها ويغليها

أما ترى الملك في عرس وفي فرح

بدولة الرأي والشورى وأهليها

لما استعد لها الأقوام جئت بها

كالماء عند غليل النفس صاديها

ص: 27

فضل لذاتك في أعناقنا ويد

عند الرعية من أسنى أياديها

خلافة الله جر الذيلَ حاضرُها

بما منحت وهز العطف باديها

طارت قناها سروراً عن مراكزها

وألفت الغمد إعجاباً مواضيها

- 4 -

وينتهز الفرصة في إعلان رأيه في مشروع 27 فبراير فيخاطب الملك فؤاداً ناصحاً له أن يوطد ملكه على دعائم من العلم والأدب والعدل والشورى:

فؤاد حليت جيد النيل مأثرة

حذوت في صوغها آباءك النجبا

ما زلت في السلم تغزو كل معضلة

بالحلم حتى اقتحمت المعقل الأشبا

إن سرك الملك تبنيه على أسس

فاستنهض البانيين العلم والأدبا

وارفع له من حبال الحق قاعدة

ومد من سبب الشورى له طنبا

- 5 -

ويلتفت في قصيدته (الأزهر) التفاتة بارعة فيقرن إصلاح الأزهر بإصدار الدستور، أليس بإصلاح الأزهر يستقيم الدين والدنيا؟ وبالدستور تنهض الأمة وتسلك طرقها صعداً؟ أليس الأزهر فخار مصر المسلمة والدستور شعار مصر الناهضة؟

الله أكبر يا ابن إسماعيل لم

تترك لصناع المآثر مفخرا

بالأمس تنهض مصر في دستورها

واليوم تنهض للسماك الأزهرا

(البقية في العدد القادم)

أحمد محمد الحوني

المدرس بالسعيدية الثانوية

ص: 28

‌منها.

. .

لشاعرة غربية

(جمعتهما المصادفة فأحسا بذلك الانعطاف الروحي الذي يزيل

الحواجز ويمحو الفروق. هي شاعرة غربية نبيلة، وهو شاعر

شرقي أصيل، وأحسا بالهوة العميقة العريضة التي تفصل

بينهما فتحدث إليها عن ذلك الحب اليائس وألمه الممض، وأن

القدر لا يريد لهما هذه السعادة، وظنت هي أن كل شيء قد

تغير سريعاً، فكتبت إليه هذه القصيدة التي ترجمها هو فيما

يلي):

وحيدةٌ! ويْحي! بلا راحةٍ

ما بين موجٍ طاغياتٍ قُواهْ

تجري بيَ الفُلْك كأُرجوحةٍ

حَيْرَى بأقيانوس هِذي الحياه

أبحث عنه وسُدًى ما أرى

أين حبيبي؟ أين سارت خُطاه؟

لم يَهْدِني نجمٌ إليه ولم

يبسمْ لِيَ الحظ فأَلقى سَناه

وليس لي من موجةٍ بَرَّةٍ

تحملني في إثْرِه كيْ أراه

من شاطئ الراحة لم يَدْنُ بي

إليه أُفْقٍ لا يُرَى منتهاه!

هناك في الشاطئ وا فرحتاه

أعزُّ إنسانٍ صفا لي هواه

منتظراً لي شاخصاً باسماً

تُشِيرُ بالآمال لي راحتاه

لكنَّما هيهات كيف السُّرَى

وأين من عصف الرياح النجاه؟

قد صار حتماً أن يُرَى زورقي

محطَّماً قد مال بي جانباه

وهل فضاءُ البحر أو غَوْره

مهما تناءى وارتمت لجتاه

يكفي مداه أن تُوارَى به

جميعُ آلامي؟ أيكفي مداه؟

نَمَتْ زهرةٌ في غضون الخري

ف كحُلْمٍ من الماءِ والخضرة

ص: 29

كزنبقةٍ في زُهَى حُلّة

ربيعيةِ الوشْي محمرَّةِ

تبثُّ المراعيَ نوراً يشفُّ

ويجلو الطهارة في النظرة

كأني بها قدحاً مُتْرَعاً

به مُزِجَ السمُّ بالخمرة

لها وهج الحب في قبلة

على شفةٍ شِبْهِ مُفْترة

ألا إنها هي بُقْيا الهوى

وآخِرُ ما فيه من نضرة

ألا إنها هي صهباؤه

وآخر ما فيه من قطرة

تميتُ وتُحْيي فيا لَلْحياةِ

والموتِ إِلْفَيْنِ في زهرةِ!

إن أنا قاومتُ هياج العبابْ

مصطرعاً والأفقُ داجي السحابْ

ولم تَدَعَ كفي إلى زورقي

زمامَهُ حُمراً وخضتُ الصعاب

فسوف يُلقيه خفيُّ القضا

محطماً فوث الصخور الصلاب

وإن قوى ساعد عاجزٌ

أن يُمسك المجداف دون اضطراب

إن عاند الأمواج فهو الذي

يحفرُ في اليم حَفِيرَ التَّباب

وهو الذي يسعى إلى حتفه

في هوَّة مَغفَورة في العباب

فلْيُلْقِ بالمجداف من كفه

وليترك الموجَ طليق الرغاب

ولِيَمْضِ بالزورق ما يشتهي

إلى القضاء الحتْم دون ارتياب

وليبتلعه الموجُ في جوفه

فلا مفرَّ اليوم مما أصاب

طال كفاحي ويح نفسي فما

طول كفاحي غير طول العذاب!

أطلَّ الخريف بأعقاب ليل

دجيِّ الظلام بكيِّ السُّحبْ

وآخر ما في الربى زهرة

عداها من الصيف وقْدُ اللهب

غدت وحدها في أديم عفا

من النَّور والورقات القشب

كحارسة الميْتِ ليست تَرِيم

مكاناً به وقفتْ تضطرب

تُساقط من حولها أدمعاً

غصون تطالعها من كثَب

جرى الغيث، من ورقات بها

إلى أُخَرٍ شاحبات، صبَب

تحدَّر مختِنقاً فوقها

بلا نَبْأَةٌ قَطْرُهُ المنسكب

فيا من لها زهرة الجورحين

مَنِ الزائرُ الحائرُ المقترب؟!

ص: 30

جَناحٌ لآخرِ ما في الفراشا

ت من رحمة بِقَيتْ أو حدب

مضى الصيف وانقطعت إثْرَه

أغاريدُ كنَّ مَثارَ الطرب

نأى طيرُها مُجْهَداً واختفى

غرامٌ أتى وغرام ذهب!

(هي)

ص: 31

‌إليها.

. .

للأستاذ علي محمود طه

(. . . وقرأ قصيدتها فراعه ذلك الروح الشاعر الثائر

المضطرب في محيط من العذاب والألم. . . وأدرك سر هذه

الخواطر الحزينة الباكية. . . وأحس أنه المتهم، وهو البريء

الذي لم يكفر بهذا الحب، ولم يخل قلبه من ألمه. . . فمد إليها

ذراعيه يخاطبها بهذه القصيدة):

لا تتركي زورقَنا المُجْهَدَا

يجري به اليأسُ ويمضي العذابْ

لا تُسلمِي مجدافه للردى

فالشاطئ الموعودُ وشْكَ اقتراب

سّيان أرغى الموجُ أم أزبدا

لن نحنيَ الرأسَ أمام الصعاب

هذي يدي! مدِّي إليها يدا

نقتحم النوَء ونطوِ العباب!

نادَي بروحي منكِ روحٌ شرودْ

لبَّيكِ يا رُبَّانتي الهاتفه

شرائع الناس بهذا الوجودْ

أعجزُ من أنْ تقهرَ العاطفة

وَددِتُ لو حطَّمتُ هذه القيودْ

وجئتُ ألقاكِ على العاصفة

يُضيء وجهينا بريق للرعود

فنثني بالنظرة الخاطفة

وحدِك أنتِ الآن؟ إِنَّا هنا

روحانِ شبَّا في ظلال الكفاحْ

شراعُنا الخفّاق لن يَسْكُنَا

لليأس مهما مَزْقَتْهُ الرياح

ونجمُنَا ما زال طلْقَ السَّنَى

يُطالع الأفْقَ ويَلْقَى البطاح

إذا الغواشي السُّودُ مرَّتْ بنا

ألَقى لنا الضوَء َوَمَّد الجناح

حُبُّكِ رُبَّانُ الهدى والسلامْ

ما لان للأخطار أو أذعنا

لا تَنْزِعِي من قبضتيهِ الزمام

ولا يَرُعْ قلبكِ هذا الضنى

كم ثار نوءٌ وتدجَّى ظلام

وهذه أنتِ وهذا أنا

إنّا بلونا الهولَ باسم الغرام

جنباً لجنبٍ، ورجونا المنى!

ص: 32

ثِقِي بملاَّحكِ في المأزقِ

إني أنا ابن الموج والعاصفاتْ

ألشعَرَاتُ البيضُ في مفرقي

تُنْبِيكِ عن أياميَ الخاليات

آثارُ عمر مُرعدٍ مُبْرق

تعصف فيه أروعُ الحادثات

ما كدَّرتْ من روحيَ المشرقِ

تلك الليالي القُلَّبْ المظلمات

حبيبتي من أيِّ قلبٍ حزينْ

وأيِّ روحٍ عبقريِّ الألمْ

وأيِّ وادٍ للأسى أو معين

فجرَّتِ لحناً من أرقِّ النغم؟

وَصَفْتِ فيه زهرة (الْجُوِرجين)

حارسةَ المْيتِ بوادي العَدَم

وَخِلْنِهَا كالكأس ذات الرنين

بَّراقةً فيها الردى يبتسِم؟!

بكيتِ بالدمع السخين الذريفْ

على غرام خِلْتِهِ قد مضى

وأبصرت عيناكِ ظلَّ الخريف

يُجللُ الأرضَ ويغشىَ الغضا

تخضبُ كفَّاه النضيرَ الوريفَ

وَرْساً، وتُدْمِي الزنبقَ الأبيضا

وتُخرس الطير بليلٍ شغيف

يروعُ فيه القلبَ أن ينبضا!

هذا الخريفُ الْجَهُنم تمشي خُطاهْ

على الربيع الذَّابلِ المحتَضرْ

كآبةٌ تحجبُ أُفْقَ الحياهْ

سحابةً تخنقُ ضوء القمرْ

أختاهُ! هذا الحبُّ غَضُّ صِباهْ

أيُّ عذابٍ صاغ هذي الصورْ؟

لم يَبْرجِ الشاطئَ، إنِّي أراهْ

كعهدهِ في الموعد المنتظر!

كان حديثُ القَدَرِ المبهَم

مثارَ هذا الخاطر المفزعِ

برغم قلبي: صحتُ لا تُقدمي؟

وكان ما كان فلم تسمعي

أشفقتُ أن تَشْقَىْ وأن تألمي

معي، فناشدتُكِ أن ترجعي

لكنْ أبى الحبُّ فلم تأثم

وكان أن أَبْقَى، وتَبَقىْ معي!

أكانَ حُلْمَا أم قضاءً دعا؟

ماذا يُفيد العاشقين الحذرْ؟

شئنا فلم تقدرْ وعدنا معاً

يا أختَ روحي ذاك حكم القدرْ!

لم ندَّخِرْ جهداً ولا أدمعاً

ولا دماً، ما نحن إلاَّ بشرْ!!

ما أمجد الحبَّ وما أروعا

إذا تحدى العاشقان الخطرْ!

الجبُّ ما زالَ، وهذا سناهُ

يُلهبُ حتى الشعلةَ الخامدة

ص: 33

تذوي الأزاهير وتذوي الشفاه

وهو ربيعُ الأنفسِ الواجِده

قلوبنا منه تُصيبُ الحياه

وتستمدُّ منه النَّضْرةَ الخَالدة

إذا أصعناه فوا رحمتاه

لنا، وبؤسَي لليد الجاحده!

(هو)

ص: 34

‌البريد الأدبي

فكاهات الشعراء

(احتاج الشاعر الأستاذ محمد الأسمر إلى زوج من (كلوتش

الأحذية) فأرسله إليه صديقه الشاعر محمد عبد الغني حسن

مشفوعاً بهذه الأبيات):

إنني مُرْسِل إليك (الكوِتشا)

وَيدي مِنْ نَدَاك ترَعش رَعشا

ليتني أستطيعُ إهداء نفسٍ

لم تجدْ في صفاء نفسك خدشا

ما لحرب البَسوسِ عادت ضَروسا

تبطش اليومَ بالممالك بطشا

عجباً أصبح (الكوتشُ) نفيساً

بينما المرءُ لا يُساوي قرشا!!

لا تَضْركَ الكُعوب إن هي عزت

أَنتَ أَعلى (كعباً) وأرفعُ عرشا

يا مُذيب القلوب رقةَ شِعْرٍ

أوَ لم تخشَ أن تُذيب (الكوتشا)؟!

خفةٌ فيك لم تُتَح (لبهاءٍ)

وأفانينُ لم تكن (للأعشى)

أنت تمشي على الأديم خفيفاً

لم تُصِّعر خداً ولم تُعْلْ رمشا!

فلماذا (الكوتش) تطفر فيه

طائراً في السماء تطلبُ عشا؟

يا خفيف الظلال بين أناسٍ

يَطَأُون الثرى صخوراً (وديشا)

ما عهدنا عليك في الود زَيْفاً

ما عرفنا عليكَ في الحب غشا

فلماذا تَزِيفُ كَعْبَ حِذاءٍ

إنّ كَعْبَ القَنا يُهابُ ويُخشى

فلما قرأها الأستاذ الأسمر رد عليها بهذه الأبيات:

هشَّ قلبي لّما بعثتَ وبشَّا

بقوا في القريض، بَلْهَ الكوِتشا

ما طلبناهُ للحذاءِ، وحاشا

بل طلبناه في الأضاحيِّ كبشا

فهو خيرٌ من بعض لحم أراهُ

يتعشَّى بمن به يتعشَّى

ربَّ لحم إذا الكوتش رآهُ

قال ماذا أرى وخاف وكشَّا

العُجول المعلَّقات صخورٌ

علقوها مثل العجاجيل غشّا

كل من كان مثل (دبشة) أمسى

يَزنُ اليوم للجماهير (دبشا)

ص: 35

هذه الحربُ غيَّرت كل شيء

لم يعد عيشنا كما كان عيشا

فالرغيف اللُّبابُ أصبح طيناً

والحرير الدِّمقبس أصبح خيشا

ما لهذا الغلاء يزحف كالسَّيْ

ل ويغشى كالليل ساعةَ يغشى

ليس يُنجيك من بوائقهِ السو

د اعتصامٌ أو أن تكون المِخَشَّا

نحن غرقى فيه، وحسبُكَ منه

أن يصير الجنيهُ عشرين قرشا

يا صديقي يا بلبلَ النيل أرسلْ

تُ بقلبي إليك فاقبله عُشَّا

أيها الشاعر المُرِّبي صُغِ الشع

ر، وصُغِ فِتيةَ البلاد قُريشا

أنت نعم الشادي، ونعم المربي

إن عوى جاهلٌ غروراً وطيشا

محمد الأسمر

الجامعات الأربع في وادي النيل

نشرت جريدة الأهرام كلمة للأستاذ منصور جاب الله اقترح فيها ضم كلية غوردون بالخرطوم إلى جامعة فؤاد الأول، أخذاً من خطاب ألقاه سعادة حاكم السودان العام حيث قال إن الكلية ستنتمي إلى إحدى الجامعات الخارجية في الوقت الحاضر.

ونحن نرجو أن يتم هذا الأمر في الوقت الذي تنشأ فيه جامعة أسيوط، فتضم ربوع وادي النيل جامعات أربعاً: جامعة فؤاد الأول في القاهرة، وجامعة فاروق الأول في الإسكندرية، وجامعة محمد علي في أسيوط، وجامعة غوردون في الخرطوم.

ومصر إن طالبت بإزالة القواعد القائمة الآن بينها وبين السودان ليصبحا قطراً واحداً وبلداً واحداً، فليس أقل من أن ندعو إلى ضم كلية غوردون إلى جامعتها الكبرى كخطوة نرجو أن تكون موفقة إن شاء الله.

وإنا لموقنون بأن مصر لن تدخر وسعاً للسعي في إظهار ما تكنه للسودان من ود وعطف عن هذا الطريق الثقافي ولاسيما وقد فتحت (مدرسة فاروق الأول الثانوية المصرية) بالخرطوم أبوابها لأبناء السودان الكرام كي تساعدهم على ارتشاف أفاويق الثقافة من مناهلها الطبيعية.

عبد العزيز جادو

ص: 36

تصويب

وقع خطأ مطبعي في مقالي المنشور بالعدد 597 من الرسالة عن (هوستن ستيوارت شمبرلين)، إذ أضيفت إلى المقال فقرة طويلة من مقال آخر لي عن نيتشه عنوانه (سبيل مطروق). ولا ريب أن القراء قد فطنوا إلى أن هذه الفقرة تبدأ بالعبارة الآتية وهي:(بعضها يتفق مع ما ذهب إليه نيتشه. . الخ) إذ لم يرد اسم نيتشه في المقال كله (وهو ينتهي قبل هذه الفقرة).

وبهذه المناسبة أحب أن أقول لذلك الأديب الذي بعث إلي برسالة يسألني فيها عن سبب انقطاعي عن الكتابة في الرسالة عن نيتشه؛ إنني لم أنقطع عن عرض فلسفة نيتشه (فإن لي كتابا بأكمله عن نيتشه وفلسفته) ولكنني لم أجد متسعاً من الوقت لموافاة الرسالة ببعض فصول من هذا الكتاب أعيد كتابتها من جديد، فلذلك تراني أؤثر أن أكتب في موضوع آخر، من أن أعيد النظر فيما سبق لي تدوينه.

زكريا إبراهيم

مدرس بمدرسة السويس الثانوية

ذكرى شوقي وتمثاله

احتفلت وزارة المعارف بذكرى المغفور له (أحمد شوقي بك) في دار ألأوبرا الملكية مساء الجمعة الماضي، فألقى كلمة الافتتاح معالي الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف، وأنشد الأستاذ خليل مطران بك قصيدة عصماء، ثم تفضل صاحب الجلالة الملك المعظم بإزاحة الستار عن تمثال نصفي لأمير الشعراء نصب في مدخل دار الأوبرا الملكية

والتمثال من البرنز بالحجم الطبيعي. وهو من صنع الأستاذ إبراهيم جابر. وأول من فكر في إقامة هذا التمثال لأول من وضع الأساس للشعر التمثيلي في المسرح المصري هو الدكتور هيكل باشا سنة 1938، وهو الذي دعا اليوم إلى هذا الاحتفال، لإزاحة الستار عن هذا التمثال.

وبعد ذلك مثلت الفرقة المصرية فصلاً من رواية مصرع (كليوباترة)، وفصلاً من رواية

ص: 37

(مجنون ليلى)، ثم فصلاً من رواية (هدى)؛ وكلها من تأليف صاحب الذكرى العظيم

إلى الدكتور زكي مبارك

سلام الله عليك، وبعد قرأت كلمتك الأخيرة المنشورة على صفحات الرسالة تحت عنوان (زكي مبارك وكتاب الله) فلم يقع نظري - مع الأسف - إلا على تجريحك للأستاذ محمد أحمد الغمراوي واتهامه المجرد بأنه يعجز عن فهم كتبك ولا يستطيع هو ولا أشياخه نقدها، وإلا على تعجبك من (ثنائه على نفسه بنشر ما قال أحد مخاطبيه مدحا في قدحه على كتاب النثر الفني). وكنت أنتظر أن أقرأ بدلا من ذلك - أو مع ذلك إذا لم يكن منه بد - تفنيداً علميا للنقد الذي وجهه إليك حتى أستبين ويستبين القراء وجهة نظر الطرف الثاني في الموضوع.

ولما كنت تعنى بمدح أحد مخاطبيه، كلمتي التي عقبت بها على مقاله الرابع عن (فساد الطريقة في كتاب النثر الفني) فإنني أبادر - إنصافا له وبيانا للحقيقة - إلى تنبيهك إلى ما في نسبتك إليه الثناء على نفسه من تجن عليه، فالواقع أنني لم أبعث إليه رأساً بكلمتي حتى يصح أن ينسب إليه إنه نشرها، وإنما وجهتها إليه على صفحات (الرسالة) وهي التي تفضلت بالنشر على عادتها فيما يرد إليها من كلمات (البريد الأدبي). وأتعجب بدوري: كيف يغيب ذلك عنك وأنت الذي توجه وتوجه إليك الرسائل على صفحات الرسالة منذ سنين! كذلك أقرر - في الوقت نفسه - أنني إنما عنيت بالمدح فيما وجهته إلى الأستاذ الغمراوي، آراءه العلمية التي اشتمل عليها نقده والتي تناولت بعضها بالتفنيد، فلا شأن لي بما عدا ذلك؛ ولو انك ضمنت كلمتك الأخيرة شيئاً من هذا، لكانت أيضاً جديرة مني ومن سواي بالإطراء

وبمناسبة تعرضك لنقد الأستاذ الغمراوي بعد طول سكوت، ألا ترى أن النقاش بيني وبينه قد وصل - بعد جوابيه الأول والثاني على نقدي - إلى مرحلة تقتضيك بعدها الأمانة العلمية وواجبك نحو القراء أن تتولى إكماله معه باعتبارك الأصيل، عسى أن يساعد ذلك على جلاء وجه الحق في هذا الموضوع، وبخاصة فيما يتعلق برأي الباقلاني في السجع؟

إبراهيم زكي الدين بدوي

ص: 38

كتاب بساتين الفاكهة - إنشاؤها وتعهدها

كان من ثمار النهضة المصرية الحديثة في شتى نواحي الإنتاج الزراعي أن توسع القائمون على سياستها ورعايتها في إنشاء البساتين حتى بلغت مساحتها في الأقاليم المختلفة سبعين ألف فدان. وليس هذا التوسع العظيم في هذا الزمن القصير قائماً على الكم وحده؛ وإنما يقوم كذلك على الكيف باجتلاب الأنواع وأقلمتها وتجربتها، وانتقاء البذور وإكثارها وترقيتها على الطرق العلمية الصحيحة. والفضل في ذلك يرجع إلى جهود الأكفاء من الأساتذة الإحصائيين في كلية الزراعة وقسم البساتين. وفي مقدمة هؤلاء الأفاضل الدكتور محمد بهجت أستاذ فلاحة البساتين في هذه الكلية، وأحد العاملين المخلصين في ذلك القسم، ومؤلف هذا الكتاب القيم الذي نقدمه إلى قرائنا اليوم

اجتمع للأستاذ بهجت من دراسته العالية بمصر، ومن دراسته العليا في كاليفورنيا، ومن اطلاعه الواسع على الكتب والنشرات الحديثة، ومن مشاهداته الكثيرة بمحطات التجارب الزراعية وحدائق الزرع الأهلية، ومن تجاربه الخاصة في قسم البساتين؛ اجتمع له من كل ذلك ما جعله جديراً بتأليف كتابه (بساتين الفاكهة) على نمط لم يتهيأ لأحد من قبله. فقد امتاز هذا الكتاب بمزايا كثيرة نذكر منها: أنه أحاط بكل ما وصل إليه العلم الزراعي في موضوعه إلى يوم الفراغ منه؛ وأنه طبق النظريات العلمية على تربة مصر ومناخها فلم يأخذ بأقوال العلماء وتجاربهم أخذ الناقل أو المقلد؛ وأنه غلب فيه الجهة العملية على الجهة النظرية بناء على مشاهداته واختباراته؛ وأنه توخى في كتابته التبسيط والتسهيل ليكون داني القطوف من الطالب المختص والزارع العادي فيستفيد منه كل قارئ. والكتاب معقود على سبعة أبواب تضمنت أمهات المسائل في هذا العلم، كالمشاتل، وإكثار الفاكهة، والأصول، وإنشاء البساتين، والتسميد، والري، والتقليم. وقد صدره المؤلف بمقدمة تاريخية بليغة ألمت بأطوار فلاحة البساتين في القديم والحديث. فله من ربه خير الجزاء، ومن قرائه أجزل الشكر

مجلة (الثريا) التونسية

بهذا العنوان أصدر جماعة من صفوة الأدباء في تونس مجلة شهرية جامعة تعالج الأدب

ص: 39

والتاريخ وتعنى على الأخص بتراجم النابغين من قدامى المغرب، وتشجيع الناشئين من محدثيه.

وهذه كلمة مقتطفة من افتتاحية عددها السابع عن الأدب المغربي:

(يوجد أدب مغربي رائع الصورة، فائق الأسلوب، واضح المعالم، بين الصفة والذات، يستمد وحيه من طبيعة الأرض ومناخها، ويتغذى إلهامه من عوائد أهلها ورجالها، وهذا الأدب المغربي في حاجة إلى من ينصره، وفي افتقار إلى من يدعو إليه ويظهره.

وأحلت الجنوب التونسي والجزائري والمغربي وتخيلها، ومياه أودية الشمال الأفريقي وجبال الأطلس وشواطئ المغرب الواقعة على البحر المتوسط تطبع الأدب المغربي بطابع قوي كما طبعت الفن (المألوف) بطابع ممتاز، وتاريخ الموحدين والمرابطين وتاريخ العرب الذين نزحوا للمغرب يحملون الدين والنور والبلاغة والشعر، وتاريخ العبيديين والعائلات المالكة التي انتشر صيتها واتسع نفوذها، لبنة صالحة لإقامة الهيكل القوي الذي نريد تشييده لتوضيح سبل تفكيرنا، وخصائص ثقافتنا.

والأدباء الذين ألفوا الكتب في العروض ونقد الشعر، وفي الفقه وأحكام التشريع، والشعراء الذين تغنوا بجمال المغرب والأندلس، حريون بأن يكونوا أساتذة لنا نسير على ضوئهم.

والعلماء المغاربة الذين ألفوا في الفلاحة والطب والبيطرة والهندسة ووسعوا آفاق المعرفة في هذه الربوع، وشع نبراسهم في جنوبي إيطاليا وفي جزائر البحر المتوسط يطالبوننا بتخليد ذكرهم، والإشادة بأمرهم، حتى يكونوا قدوة لشبابنا الطموح. . .)

الرصافي وأبو حنيفة

جاء في مقال (حول وحدة الوجود) للأستاذ الرصافي المنشور بالعدد السابق ما نصه:

(حتى أن الإمام أبا حنيفة أجاز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة) مع أن أبا حنيفة الفارسي يقول:

(لو قرأ بغير العربية فأما أن يكون مجنوناً فيداوى، أو زنديقاً فيقتل)، كما ورد في ص136 من شرح الفقه الأكبر لأبي حنيفة، للعلامة ملا علي القارئ، نقلا عن شارح عقيدة الطحاوي عن الشيخ حافظ الدين النسفي في المنار. فهل عند الأستاذ الرصافي نص يؤيد ما قال؟

ص: 40

راشد سليمان

غرام يوم الثلاثاء

ضاق نطاق هذا العدد عن نشر حولية الدكتور زكي مبارك فأرجأناها إلى العدد المقبل

ص: 41