الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 599
- بتاريخ: 25 - 12 - 1944
أسئلة وأجوبة
للأستاذ عباس محمود العقاد
أتلقى بالسرور بعض الرسائل الأدبية التي تشتمل على أسئلة من أصحابها يستطلعون بها الرأي في غرض من أغراض الأدب يقع عليه الخلاف، ويحسن عرضه للقراء من وجهات النظر المتباينة. ومن أمثلة ذلك هذه الأسئلة التي تلقيت بعضها من العراق وبعضها من فلسطين واتفق أصحابها الفضلاء على طلب الإجابة عنها في مجلة الرسالة التي أصبحت كاسمها رسالة من العرب إلى العرب في جميع الأقطار
يقول الأديب الفاضل (عبد الحميد صالح) بالبصرة بعد تمهيد أومأ فيه إلى سابقة هذا البلد الذي عمر زماناً (بأفكار الجاحظ وابتداعات الخليل ومساجلات سيبويه) وغيرهم من العلماء والأدباء:
(. . . إن الأمر يحوطه كثير من اللبس والغموض ويشوبه الاختلاط، وإن الاختلاف فيه هنا بالبصرة قد بلغ حده ولم يرض أحد بأدلة الآخر. والمختلفون اتفقوا على أن يرجعوا إليكم لتقولوا القول الفصل فيه وكلهم من قرائكم على صفحات مجلة الرسالة الحبيبة. وفحواه قول (لاسل آبر كرومبي) في قواعد النقد إن مطالبة الأدب بأن يعلمنا أمراً أو يصلح أخلاقنا تخرج بنا عن فن الأدب، وإن الأدب قد يؤدي كل هذه الأشياء ولكنه لم يكن أدباً لمجرد أدائها)
وبعد أن قال الأديب إنه يدين بنظرية الفن للفن، وإن الأدب كالموسيقى متعة ولذة عاد فقال: (ولكن الذي لا أستطيع أن أفهمه - وهو موضع الخلاف ومدار البحث - هو ما مدى تأثير الأديب في بيئته عملياً؟ إنه يتأثر بالبيئة ولاشك، ولكنه هو هل بغير أحوال الناس ويحور أخلاقهم وينقلهم من طور إلى طور ومن عادة إلى عادة؟ أنا أرى يا سيدي أن الواقع ينقض هذا. فأبو العلاء لم تطبق آراؤه عملياً على كثرة مريديه الذين لازموه. . . والروايات التمثيلية التي تنقد أوضاع الناس أو تحل المشاكل لم نر الناس غيروا ما انتقدوا عليه ولا حلوا مشاكلهم؛ ولكن إنسانية كامنة في أعماق النفس: هي اللذة الفنية؟ وإذن ما مدى تأثير الأدب عملياً؟ إننا نقول إن الشعراء كانوا يبعثون الحماسة في نفوس الثائرين، ولكنني أظن أن الثائرين استعدوا للثورة ثم جاء الأدب يعبر عن عواطفهم، والثورة الفرنسية تهيأت لها
أسباب عديدة ثم دفعهم مع عوامل أخرى - الكتاب لا الأدباء - إلى الثورة. . .)
ورأيي الموجز في كلام الأديب البصري أن ما ذكره عن الأدب يصدق على المطالب الإنسانية التي لا اختلاف بين المفكرين على أغراضها وفوائدها
فالناس يختلفون على الأدب هل يطلب للفائدة أو يطلب للمتعة الفنية، ولكنهم لا يختلفون في عمل المصلحين من دعاة الأخلاق أو السياسة أو الدين، بل يتفقون على أن الإصلاح مقصود للفائدة دون مراء، وأن المصلح الذي لا يبغي نفع الأمم بإصلاحه لا يستحق الإصغاء إليه. .: ومع هذا يدعو المصلحون إلى غرض. ويتحقق غيره في الطريق مقصودا أو غير مقصود، وتتبدل المذاهب وللناس أخلاق باقية لا تتبدل، ويتبعهم المعري جيلاً بعد جيل بقوله الخالد المتجدد:
كم وعظ الواعظون منا
…
وقام في الأرض أنبياء
وانصرفوا والبلاء باق
…
ولم يزل داؤنا العياء
حكم جرى للمليك فينا
…
ونحن في الأصل أغبياء
ولكن الإصلاح بعد هذا كله مفيد، والدعوة إليه واجبة، والدنيا تتغير على وجه من الوجوه بعد كل دعوة من دعواته، وإن لم يكن هو الوجه الذي تعمده الدعاة
فليس الأدب بدعاً في هذه الخصلة التي عمت جميع أعمال البشر، ولكنه عمل إنساني يصدق عليه في أمر الوصول إلى غاياته كل ما يصدق على سائر الأعمال
إلا أن الأدب ينفرد بخصلة أخرى تصرفنا بعض الشيء عن النظر إلى الغايات، أو تمنعنا أن نقصر النظر عليها عند البحث في مزاياه
الأدب تعبير
والتعبير تلحظ فيه البواعث قبل أن تلحظ فيه الغايات
لماذا يصرخ المعذب المتألم؟
إنه قد يصرخ فيدركه على الصراخ منقذ أو مساعد على التعذيب والإيلام، ولكنه سواء ظفر بهذا أو ذاك إنما صرخ لباعث في نفسه أو جسده، ولم يصرخ لغاية يتوخاها من إسماع صوته
وقد يسمع صوته فيسعد أو يشقى بانتهائه إلى الآذان، فيتحقق النفع كما يتحقق الضرر غير
مقصود
والتعبير وظيفة لا حيلة فيها، لأنه أثر الحالة التي تقوم بالنفس فتدل عليها بما لديها من وسيلة ناطقة أو صامتة
ولكنه مع هذا عمل مفيد لاشك في نفعه، لأن الرجل بعد التعبير غيره قبل التعبير، ومن استطاع أن يعبر استطاع أن يفهم نفسه ويفهم ما يريد، واستطاع أن يجمع إليه من يشعرون مثل شعوره ويريدون مثل مراده، ولكنه لا (يعبر) لأجل هذا ولا يكف عن التعبير إذا امتنع هذا. فكثيرا ما (يعبر) فيجمع من حوله الأعداء ويفرق الأصدقاء
وسؤال السائل: لماذا نعبر؟ كسؤاله لماذا نحس؟ ولماذا نحيا؟ لأن الحياة مظهران لا ينفصلان: تأثير من الخارج إلى الداخل هو الحس، ورد من الداخل إلى الخارج هو التعبير، والكلام في غايته كالكلام في غاية الحياة. وليس للحياة غاية وراءها، لأن وراءها الموت الذي تقف دونه الغايات
قل للأديب (عبر) أيها الأديب ولا تسأله بعد ذلك غاية من وراء تعبيره، وكفى أن يكون هذا التعبير من دلائل الحياة، ولا خير في الحياة بغير دليل
وأعود إلى مثل يطابق الحقيقة هنا كل المطابقة ويعين على فهمها أقرب معونة، وهو مثل الزهرة والثمرة في الشجرة النامية الفائدة كما نفهمها نحن هي الثمرة الناضجة
ولا فائدة للزهرة بهذا المقاس
ولكن الشجرة التي لا تنبت الزهرة تبطل فيها دلائل الحياة، وهي زينة وبهجة إلى جانب هذه الدلالة
ثم يأتي أناس فيعصرون الزهرة عصراً ودواء وشراباً ينعش ويفيد، ولكنها لم تكن زهرة لهذه الفائدة التي جاءت في عرض الطريق
وجملة القول أن الأدب على هذا الاعتبار أصدق من جميع المطالب العقلية التي تحسب من ذخائر الثقافة الإنسانية
لأن البواعث حق والغايات أوهام، ونحن حين نسعى إلى غاية فنحن منخدعون بها قبل الوصول إليها وبعد الوصول إليها. وقد نسعى إلى غاية ونصل إلى غيرها، وقد نصل إلى الغاية التي نريدها فإذا هي هباء لا يساوي مشقة السعي في سبيله
أما البواعث فهي حق لا مهرب منه، وهي شيء موجود لا خلاف في وجوده، وهي مصدر التعبير، والتعبير دليل الحياة
فإذا بحثنا عن الأدب فلنبحث عن شيئين لا يعنينا بعدهما مزيد وإن وجد المزيد: أهناك باعث صحيح؟ أهناك تعبير جميل؟ فن وجد الباعث والتعبير فقد أدى الأدب رسالته، ونبقى على الدنيا أن تستفيد منها إن شاءت، وهي تستفيد بمشيئتها وبغير مشيئتها من كل عمل يجري على سنة الحياة
وجاءني من الأديب (داود أحمد العاروري) ببيت المقدس سؤال عنا نحن الشرقيين: ما بال رجالنا يتقاتلون ويخذل بعضهم بعضا حين نرغب في عمل يفيد بلادنا؟ أهو حب الظهور؟ أهو الغرور؟ أهو العناد والجمود؟
والسؤال جديد قديم منذ قال جمال الدين رحمه الله (اتفق الشرقيون على ألا يتفقوا)
أما السبب فقد تكتب فيه المطولات، وقد يوجز في سطور، ونحن في مقام الإيجاز فعسى أن نحصر السبب في كلمات قليلة تدل على مكان العلة وتترك المجال بعد ذلك مفتوحا للطبيب المأمول: طبيب الزمان
إن الخلاف يطول كلما قل الحكيم المسموع
والحكم المسموع بين الرجال العاملين هو تمييز الأمة أو تمييز الرأي العام كما نسميه في الاصطلاح الحديث
فالأمم التي بلغ الرأي العام فيها مبلغ التمييز يخاف المخطئ أن يصر على خطئه فيها، لأنها تقضي عليه
والأمم التي لم تبلغ مبلغ التمييز يطمع المخطئ في تضليلها ولا يخشى المتنازعون فيها عاقبة نزاعهم على الحق أو على الباطل، فيطول أجل النزاع ويصعب الفصل فيه
وسيظل الخلاف دأب الشرقيين ما دام مأمون العاقبة على المختلفين؛ ويظل مأمون العاقبة عليهم ما دام الحكم المسموع قابلاً للتضليل عاجزاً عن التمييز
وكلما صعد سواد الأمة درجة في سلم الإدراك والأخلاق هبط الخلاف درجة بين الزعماء العاملين
وأحسبهم صاعدين، وإن كنا نستبطئ خطواتهم في الصعود
واحسبني قد أجبت عن السؤال الثالث قبل أن يكتبه صاحبه الأديب (صلاح حماد) من الناصرة بمساحة فلسطين
فهو يوجه إلي سؤالاً من تلك الأسئلة التي تبدأ (بأيهما) ويجاب عنهما (بكليهما) كما أسلفت في مقال قريب بالرسالة.
وموضع الخلاف بين أدباء الناصرة عن الزوجة: هل يعصمها حبها لرجلها دون خوفها منه، أو تعصمها سطوته ورجولته ثم حبها إياه! وهل إذا وجد الخوف بين اثنين امتنع الحب بينهما؟ أو يمكن الجمع بين الحب والمهابة في آن؟
قال أيهما؛. . . قلنا كلاهما!
وهذا هو الجواب الذي يغني عن إسهاب، ولكننا نضيف إليه أن الخوف قد يوجد مع الحب كما يوجد مع الكراهية:
أهابك إجلالا وما بك قدرة
…
علي، ولكن ملء عين حبيبها
فالمحب يخاف أن يغضب المحبوب لأنه يحبه ويرجو نفعه، والعدو يخاف عدوه لأنه يتقي الضرر منه. ويختلف الخوفان كما يختلف الحب والعداء
والزوجة يعصمها أن ترهب سطوة زوجها ولا تمنعها الرهبة أن تحبه، لأنها تحبه قوياً مرهوب السطوة، وليس معنى ذلك أن يبطش بها ويسيء اليها، وإنما معناه أن يحسب لغضبه ورضاه حساب
تلك وجهات من النظر تتقابل بين السؤال والجواب، وكل سؤال فيه وجهة فللسائل فيه هداية سبقت هداية المجيب.
عباس محمود العقاد
2 - السلم العالمية حلم الأبد
للأستاذ توحيد السلحدار بك
يقول الدكتور الأهواني: (الخطوات التي يخطوها العالم في سبيل التطور والوحدة خطوات سريعة جدا (كذا)، هي التي تجعلنا نقول بأن السلم قريبة الآن. ونحن نؤيد هذا القول بشواهد في التاريخ، معتمدين على النظر إلى تطور الإنسانية خلال العصور الطويلة)
إن مذاهب التاريخ وأنواعه وكتبه كثيرة، فعلى أيها اعتمد الدكتور يا ترى؟ يحسن، على كل حال، تقديم كلمة في التاريخ بوجه عام، قبل النظر في (الشواهد) وفي (تطور الإنسانية) مما اعتمد عليه الدكتور
إن كل قرن يكتب في التاريخ لإحيائه وتجديده. والتواريخ المكتوبة على أحدث وجهات النظر تعتمد على المنطق والفلسفة كي تبين حقيقة ذات شأن تؤخذ، بالنظرة الشاملة، من مشهد الحوادث الإنسانية، وهذا هو التاريخ السامي إلى المرتبة العلمية. على أن تطبيق هذه الطريقة يعرض المؤرخ لتعميمات واهية الأساس، واستنتاجات فطيرة، وإطلاق في الكلام. ولا يقدر سوى القليلين على ترجيح كفة الأمانة، كل الترجيح، في التحليل والحكم؛ وترجيح الضمير والعلم على هوى الآراء المحملة، وجواذب الحاضر السطحية، والتباس الشهادات الناقص تحقيقها. ومما يجب التنبه له، في هذا الباب، عادة التوفيق بين الحوادث المنقضية وبين هم المؤرخ من جهة تأليفه وفنه، أو بينها وبين أذواق عصر من العصور ووجدانيات أهله، ومصالحهم أو بعض المصالح الحزبية. والزمان الحاضر عصر تقدم، لكن يجب الاعتراف بأن الذين بالغوا في الفروض المخاطر بها كثيرون
وهذا ويلز يقول في مقدمة كتابه: (ليس يمكن أن يوجد سلم ولا نجاح مشتركان بغير أساس مشترك من الفكر التاريخية)؛ وتاريخه مكتوب في سبيل هذا الرأي. بين في كتابه مذهب جبون في تاريخ الرومان، ثم قال:(حاولنا أن نعرض الحوادث على صورة أخرى). وقد ذهب الأستاذ جيمو، مترجم الكتاب إلى الفرنسية، في مقدمة ترجمته، إلى أن هذا التاريخ (هو، قبل كل شيء، صنيع كاتب وسع دائرة نظره، فجعل الأمم والمدنيات في مكان الأفراد من كتب الخيال: ومن هنا وقعه التمثيلي في النفس. إن هذا التاريخ - وإن تأسس على أدلة قوية - لينشئ بقدر ما يحدث. . . هو قصص يصف حادثة لم تكن منتظرة، بطلها
الإنسان؛ والذين اعتبروا، حتى اليوم، من رجال التاريخ ليسوا فيها سوى المخرجين؛ وما الإمبراطوريات إلا مناظرها؛. . . وسيمة البطولة عند ويلز أن يخدم الإنسان، ويحمل نفسه منفذ الأقدار الذي يحتم على الإنسانية بالتدريج، في جميع المعتركات، اتحاداً في الفكر وفي الإرادة). ولم يوافق على وجهة نظر ويلز في كل الأحوال مع موافقتهم في بعضها: جنبير، الأستاذ بالسربون؛ وديريه، الأستاذ بجامعة رن ودينن، أستاذ الأدب فيها؛ وبول، الأستاذ في المزيم، أي حديقة النبات بباريس؛ ودسو، الأستاذ بمدرسة متحف اللوفر، وإضرابهم ممن ساعدوا المترجم
طال هذا الاستطراد المتعلق بالتاريخ، لكن عذره أن ملاحظة ما فيه تفيد في تقدير (شواهد) الدكتور التاريخية ونظره إلى (تطور الإنسانية)
فهو يقول إن الجماعات انتقلت، بمقتضى الرقي والعمران، من قبائل متناثرة ومدن صغيرة إلى دول وشعوب كبيرة، (وكلما اتسعت الدولة زالت الفوارق في اللغة، والتقاليد، والعادات، والفكر، والدين)
أما التاريخ فيقول إن الدول تتسع ثم تضيق، كما اتسعت الدولة العثمانية ثم ضاقت تركيا، من غير أن تزول تلك الفوارق؛ وكذلك الإمبراطورية النمسوية، وغيرها. واللغات وفروعها عديدة، والشعوب المختلفة لا تعرف غير لغاتها، والراقية تخلص لغاتها مما يهدد كيانها وإن تعلمت بعض اللغات الأجنبية؛ واليابان التي يعرف بعض أهلها اللغة الإنجليزية، مثلا، تحافظ على اليابانية ولا تهمل ثقافتها القومية، والروسيا اتسمت وليست اللغات العديدة فيها بسبيل الوحدة. ومصر التي اتسعت وضاقت، وتدانت أرجاؤها، وكثرت فيها المواصلات والمخالطات، لما تزل بها الفوارق على امتداد القرون بين التقاليد والعادات؛ بله ظواهر الأمور في طبقة محصورة من الآخذين عن الفرنسيين أو الإنجليز أو غيرهم، بل إن ما أخذوا يزيد الفوارق ولا ينتظر أن يعم. وقد تشعبت الأديان الوثنية والكتابية الأصلية، ولم تتوحد أصولها ولا مذاهبها في دولة ولا أمة؛ ولم ينس التاريخ ما وقع بين الكاثوليك والبروتستان؛ والذي أصاب اليهود، في دولة واسعة كألمانيا قد حدث في هذا الزمان. فالقول بزوال هذه الفوارق كلما اتسعت الدولة يشعر بعجلة في التحقيق، والاستنتاج، والتعميم، وإطلاق الكلام
ويقول الدكتور: ظهر عامل جديد (سيقلب كيان الإنسانية كلها) و (هو سرعة المواصلات البرية، والبحرية والجوية)
وويلز يقول، في مقدمة كتابه:(أدنت البشر بعضهم من بعض لخيرهم أو لشرهم رسائل مواصلات أسرع). ويقول في كتابه: (لما كان جبون، من نحو قرن ونصف، يهنئ الجمعية اللطيفة في ذلك العصر بخاتمة طور الثورات السياسية والاجتماعية الكبرى، كان يهمل أكثر من أمارة تبدو لنا اليوم، في ضوء الحوادث، منبئة برجات رهيبة وانفساخات وانفكاكات شديدة. . . كانت الإمبراطورية ضمان سلامة وأمن للعالم. . . إن تقدم الملاحة وبناء السفن، بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، أمكن من سلام بريطاني مقبول عند الجميع، إن نمو الملاحة الجوية والمواصلات البرية قد يرد هذا السلام أمرا تقل الرغبة فيه بقدر ما يكون غير ثابت آمن). ويقول أيضاً: إن نظام الدول العظمى كان بأعلى درجاته (في قريب من الوقت الذي بدأت تظهر فيه القوى الفاكة التي بلغت مبلغا يجعلنا نتساءل قلقين في الساعة الحاضرة (حول 1930): هل ستجلب خراب عالمنا بأسره؟)
ذلك ما يقول واصف (سير الإنسانية العظيم نحو وحدة عالمية). وبواكير الأحوال تدل على أن انقلاب (كيان الإنسانية) سيكون شرا لها، لا خيراً، لأن الغريزة الأساسية الدافعة إلى الكفاح في الحياة والفوارق الطبيعية بين الأفراد والجماعات لم تتغير ولن تتغير
ويقول الدكتور: ستخطو الإنسانية خطوات أخر (يخيل إلينا أنها قريبة الوقوع وهي: وحدة اللغة، ووحدة التقاليد، ووحدة الزي، ووحدة الأساليب في شتى فروع الحياة). ومن آيات هذا الاتجاه (أن تركيا اصطنعت الكتابة بالحروف اللاتينية. . وفي مصر من يريد مثل ذلك)؛ ومنها (محاولة اختراع لغة عالمية سموها. . . اسبرابتو)
وهذه (وحدات) كثيرة أو حجج كأنها واردة لمجرد الاحتجاج، إذ ليس بخفي على الدكتور أن سكان الأرض 1821 مليون، هم ستة أجناس أصلية فروعها أكثر من خمسين؛ وأن لغاتهم ومشتقاتها ألف على التقريب، أصولها الأساسية أحد عشر، ويتفاهم بها الهمجي والمثقف ومن بينها في دركات ودرجات لا تحصى؛ وأن اللغة صور لما في النفس من وجدانيات وأفكار. فكيف تنشأ وحدة النفس والدركات والمدركات فيها حتى تتحقق وحدة اللغة في جميع العالمين، مع ما بينهم من تفاوت طبيعي من الجهتين الحسية والمعنوية،
ومن اختلاف الموطن والعيشة والموروث المستقر في أعماق الجسم والنفس، والمكتسب المتنوع تنوع عوامل التطور الباطنية والخارجية. فما (وحدة الأساليب في شتى فروع الحياة) إلا شيء خيالي. وإن جاز أن يتمنى هذه الوحدة وأمثالها آخذ بالظواهر الجزئية القريبة، في عجلة ومبالغة، فالنهج إلى الحقائق البشرية هو النظر في الأسباب الفطرية والعلل الجوهرية. أما الإسبيرانتو فلغة اصطلاحية وضعها زامنهوف الطبيب، اللغوي، الروسي، سنة 1887، تسهيلاً للعلاقات بين الأمم، والمقاطع الأصلية في هذه اللغة مأخوذة من أكثر المقاطع تداولاً في أكثر اللغات شيوعاً؛ وهي تكتب طبقاً للصوت في النطق؛ ونحوها بسيط محصور في ست عشرة قاعدة؛ ومع ذلك، فكم من الخلق ومن القائمين بشؤون الأمم استعملوا هذه اللغة بل عرفوها في السبع والخمسين السنة الماضية؟ كلا، إن حجة الإسبرانتو هي حجة على رأي المحتج بها وليست له. وأما الترك الجادون في إحياء قوميتهم، بإحياء تاريخهم ولغتهم، فلم يصطنعوا الكتابة بالحروف اللاتينية ليهملوا التركية التي يتوخون تصفيتها من الدخيل فيها. ومن أراد من المصريين استعمال هذه الحروف لم يقصد سوى المحافظة على اللغة العربية الصحيحة، أصاب أو لم يصب في اقتراحه. أما وحدة الزي، على فرض أنها قد تتحقق، فإنها تظل شيئاً سطحياً ليس يقوى على تغيير ما هو خاضع للسنن الطبيعية في القلوب والعقول. ولو تحققت هذه الوحدات جميعا لأصبح الناس كالآلات التي تخرج من المصنع على غرار واحد، ولابد من استحالة الفطرة البشرية قبل أن تحصل هذه الوحدة
تبين، فيما تقدم من البحث، ضعف (القوى) و (الأبلغ) من أدلة الدكتور على أن السلام (قريب الأمد). وبقي إنه خرج منها بقوله:(من العوامل القوية في منع الحروب وتحقيق السلام - بعد توحيد العالم على النحو الذي وصفنا وقوعه في المستقبل):
أولاً: إن (العالم يسير الآن نحو خطة جديدة يرمى بها إلى نزع السلاح)
لكن كليمنصو، وهو من علمت، يعترض إذ يقول:(الأخير هو أن تنظر ملهاة (نزع الأسلحة) الزائف في نفس الساعة التي تتسع فيها صناعة هذه الأسلحة اتساعاً جنونياً)
وقال لوي ده لنه، عضو مجمع العلوم الفرنسي، بشأن ما تلا الحرب الماضية من المؤتمرات: (منذ مدة، راجت مؤقتاً مؤتمرات السلام والأحلاف المقدسة. وهذه حال دورية
تمتد عادة بقدر بقاء الذكرى الأليمة من حرب أخيرة: افرضه جيلاً. وبما أن من مميزات زماننا عقلية فؤيرة تتخيل أنها اكتشفت العالم، يميل الناس اليوم بوجه عام إلى التسليم بأن هذه الحال نهائية. أرجو أن يشاء الله!) وقد صدق: إذ نشبت الحرب الحاضرة، وهي أشد إيلاماً من الماضية، ولذا بدأ الناس من الآن ينتظرون نزع السلاح ويسلمون بإمكان سلم دائمة
ثانيا: إن العالم الآن (يجري في التعليم على بث روح السلم واعتناق فلسفة السلام)
ثالثا: إن الواقع هو (انتشار التعليم بين سواد الناس، وما يتبع ذلك من رقي عقلي، ونزوع إلى تغليب الحكمة على الشهوة، وحل المشكلات بالعقل لا بالقوة. وكلما ارتفعت عقليات الأفراد صعب قيادهم قيادا أعمى لمصلحة ذوي المطامع)
فهل يجب إذن أن نعتقد أن أفراد الشعب الأماني، مثلاً، لم ينتشر التعليم فيهم، وأن عقليتهم منحطة، ولذا أثر أصحاب المطامع في عقولهم ونفوسهم حتى انقادوا إلى هذه الحرب انقياداً أعمى؟ أو أن هؤلاء الأفراد وزعماءهم سوف يهذبون على (فلسفة السلام) حتى ينسوا أحقادهم القديمة والحديثة على أعدائهم، ويتغلبوا على غرائزهم وشهواتهم فلا يوجد بعد ذلك فيهم أحد يحاول دفعهم إلى حرب، ولا ينقادون انقياداً أعمى ولا بصيراً؟ ومن الذي سيتولى تغذيتهم بهذه الفلسفة؟ هم، من شقاء أنفسهم، أم غيرهم؟ وهل أفلحت الدول التي اقتسمت بولونيا منذ أواخر القرن الثامن عشر في عقليتها ونفسيتها ونزعتها الوطنية جميع الدول في تغذية شعوبها وتهذيبها بفلسفة السلام النظرية؟ وأيها يبدأ مخاطراً بهذا التهذيب؟ وما يكون الحامل على هذه المخاطرة؟ أهو خيفة رزايا الحرب الحديثة، أم مثل أعلى مهلك، أم مقتضيات الاقتصاد وهو الذي يسوق إلى الحرب؟ هذه أسئلة لا نهاية لأمثالها. وقد يغني عن أجوبتها استشهاد طائفة من العلماء وكبار الكتاب:
يقول له دنتك: (يبدو لي أن الحروب بين الأمم لا مناص منها. . . وحين لا توجد حرب أهلية يتباغض المواطنون ويتحاسدون. وهذه الحرب الأهلية الكامنة أليست أمقت الحروب جميعاً؟ وإن تحقق حلم أنصار السلام كان ذلك نهاية الإنسانية في أجل قريب. . . إن حلمهم يعبر عنه يجعل كريمة جداً ومؤثرة جداً: يقولون إن الإنسان المتخلص من هموم الحرب يتمم صنيع العلم العظيم. . . لا أحد يحب العلم أكثر من حبي إياه، لكن لا أحد
أيضاً يلاحظ - بأكثر وضوح من ملاحظتي - عجز العلم عن تغيير الإنسان)
ويقول ويلز: (كل ما يفعل الأفراد والأمم هو نتيجة من البواعث الغريزية المؤثرة تأثيراً عكسياً في الأفكار التي نفثتها المحادثة والكتب والصحف ودروس المعلمين في عقل الشعوب. والفرق بين إنسان اليوم وإنسان كرمنيون فرق ضعيف كل الضعف: إن الفرق الأساسي هو في سعته ونوع الحصيلة العقلية التي تكونت على مر خمسمائة وستمائة القرن الفاصلة بين الأول والثاني)
ويقول كليمنصو: (إن الانفعال هو الذي يدفعنا إلى الفعل، وليس القياس (يعني ليس العقل والفكر). . . أليس الذي يفضي بنا إلى أعمال الحياة هو تتابع حركات انفعالية، تحدث عن صواب أو خطأ، ثم يتقدم العقل بعد ذلك لتبرير هذه الأعمال؟)
ويقول جستاف له بون، أو ماكس نردو:(العقل ينشئ العلم، والوجدانيات تسير بالتاريخ). ويقول له دنتك أيضاً: (أن توجد هو أن تكافح، وأن تحيي هو أن تغلب) و (الأنانية هي الإس الوحيد لكل جمعية)
رابعا: (إن تحقيق المساواة لجميع سكان العالم في الحياة المادية، وهو ما يقضي به التطور الذي نشهد آثاره، كفيل بمنع الحرب وإقرار السلام)
والثابت أن المساواة، مادية كانت أو معنوية، مستحيلة في البشر لاختلافهم وتفاوتهم تفاوتاً طبيعياً، جسمياً ونفسياً على ما ذكر آنفا، فليست إلا خيالاً وخرافة. ومفهوم المساواة التي أعلنتها الثورة الفرنسية - مثلا - غير معناها في العقول العامية ومن يظن أن المساواة المزعومة التي تشمل البشر سوف توجد يكون واهماً. وأكبر منه وهماً من يظن أنها ستعم الأرض قاطبة في مستقبل قريب
يقول ده لني أيضاً: (إن النظام المنعوت بالرأسمالية أخذ في التهدم لينتهي، من طريق الدولة الاشتراكية إلى الشيوعية والعبودية. . . وتلك قفزة مخيفة إلى المجهول)
وأخيراً، يقول كليمنصو أيضاً:(إن جدا أعمى يعلق المستقبل، ولا يستطيع العقل التجريبي أن يعد بشيء وراء الرجاء وهذه خسارة يتحملها) و (نحن - على الخير والشر - تحت سيطرة سنن لا تلين. فهل من المؤكد أن عندنا ما نتعاتب فيه؟ ألا يكون أعلى المقدور لنا أن نقتتل ونتحاب في آن؟ إننا نخفف من فظاعة الكفاح بفترات احترام، حتى بتواد بين
السر الحية، أليس في ذلك مشابهة قاسية لما نسميه بسلامة طوية عند بني جنسنا سلام الإنسانية؟ بلى. إن هذا السلام الذي في وسعنا أن نهديه إليكم نرغب فيه ونعظ به الناس وصداه يرن في معابدنا، فانظروا ما صنعنا به؛ إن الحرب لا تزال قريبة جدا من حالنا الطبيعية، والسلام لا يزال في أكثر الأحيان نظاما للقسوة؛ وأنتم أنفسكم، يا من تشكون بحق، لا يبقي بعضكم على بعض؛ وارتفاع طاقتنا يجعلنا جميعاً على حال - سارة أو سيئة - نبيد فيها كل ما يقع تحت سلطاننا)
من يدري درس أو لم يدرس علمي النفس والاجتماع كل أولئك الشهود الذين ورد شيء من كلامهم في هذا المقال. لكن إذا كان لعرفانهم قيمة، فلا غرو أن يقول قائل: إن منع الحرب حلم الأبد وبوده لو يكون قريب الأمد. والحق أن السلم العالمية أمنية مثالية، حتى أن فرض جدلاً أنها قد تتحقق في زمان قصي من الأبدية؛ فليس اليوم بد من اعتبارها حلم الأبد.
محمد توحيد السلحدار
من سير الرجال
أميران. . .
للأستاذ محمد عبد الغني حسن
في العصر العباسي الأول كان أميران. . . عاصر أولهما الخليفة المنصور في طفولة الدولة، وعاصر الثاني (المعتصم) في اكتمال شبابها. ولكل منهما في الأمارة حوادث وأخبار
في عصر المنصور بنيت بغداد، وجذب الخليفة إليها أنظار الناس ترغيباً في الإقامة فيها. وقرب إليه الدعاة ممن توسم فيهم نبلة الأصل، وضخامة المجد الموروث.
وكانت اليمن في ذلك الحين محتاجة إلى وال رحب الباع، فسيح الحلم، حسن السياسة، مبسوط اليدين، فلم يجد الخليفة في غير معن بن زائدة طلبته
والأمير معن عريق في النسب، فهو من بني مطر الذين يقول فيهم الشاعر:
بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن
…
كأولهم في الجاهلية أول
ولم يكن الأمير معن بخيلاً بعطاء، ولا ضنيناً بمعروف، بل كان يعطي عن سعة، حتى أدهش الناس بعطائه فقصدوه، والمورد العذب يكثر الزحام عليه
والكرم وحده ليس مزية الرجال. ففي الدنيا كرام يقلون أو يكثرون، ولكن مزية الرجل هي الكرم مع المروءة والجود مع الهمة، والعرف مع الأريحية، ومن هنا كانت شهرة معن. ومن هنا كان اسمه في سجل أرباب المروءات
فقد يعطي الكريم اضطراراً، أو مداراة، أو دفعا لمظنة، أو شراء لعرض، ولكن (معنا) كان يعطي للذة العطاء، ولاتصال المعروف، حتى بلغ كرمه إلى عدوه، ووصل نداه إلى خصمه، لأنه يفرق بين المعروف والخصومة
حدثوا عن هذا الأمير إنه كان جالساً وعلى رأسه صاحب شرطته، فإذا براكب مقبل يتهيأ للنزول، فقال معن لرئيس شرطته: ما أحسب الرجل يريد غيري. ثم أشار إلى حاجبه قائلاً: لا تحجب الرجل عني فلعل له حاجة، فنزل الرجل ومثل بين يدي الأمير وأنشد:
أصلحك الله قل ما بيدي
…
فما أطيق العيال إذ كثروا
ألح دهر رمى بكلكله
…
فأرسلوني إليك وانتظروا
فترنحت أعطاف معن، ووصله بناقة فتية وألف دينار وهو لا يعرفه
وقد أجمعت كتب الأدب على هذه الحادثة، وذكرها البغدادي صاحب (تاريخ بغداد) بسندها واحداً عن واحد
ولقد بلغ من مكانة معن في الكرم أن الكرام بعده حاولوا أن يتأثروا في جوده. فهذا الصاحب بن عباد وزير بني بويه، والذي ظهر بعد معن بأكثر من قرنين من الزمان، هذا الصاحب كان يعطي على طريقة معن أو يجود على مذهبه، فقد جاءه شاعر يمدحه، فقال الصاحب: قرأت في أخبار (معن) أن رجلا قال له: ارحمني أيها الأمير. فأمر له بناقة وفرس وبغل وحمار وجارية، ثم قال له: لو علمت أن الله خلق مركوباً غير هذا عليه، وقد أمرت لك من الخز بجبة وقميص وعمامة ودراعة وسراويل ومنديل ومطرف ورداء وكساء وجورب وكيس. ولو علمنا لباساً آخر يتخذ من الخز لأعطيناك إياه. . .!
وكان في معن رجولة نادرة، وشهامة عربية عزيزة المثال، فلقد كان منقطعاً إلى الأمويين قبل ذهاب دولتهم، فلما جاء العباسيون خاف منهم، وظل في البلاد مستتراً عنهم حتى لا يقع في أيديهم، وجعل (المنصور) لمن يأتي به مالاً جزيلاً. وظل الرجل ضارباً في الفلاة، هائماً في الأرض حتى لوحته الشمس. وكان يتتبع الحوادث وهو متخف حتى لا تأخذه يد العباسيين، فلما استقام الأمر للمنصور، وكادت الدولة تتمكن، رأى (معن) من حسن السياسة أن ينضم إليهم، ولكنه تمهل في الأمر حتى تحين الفرصة. . .
وجاءته الفرصة سانحة. . . فقد ثار جماعة من خراسان على المنصور، وأرادوا قتله في يوم الهاشمية
وكان عند معن نبأ عن هذه الثورة، فخرج متنكراً، وما زال يقاتل دون المنصور حتى فرق الثائرين، فقال له المنصور: من أنت. . . ويحك؟!
فكشف لثامه في عزة وقال: أنا طلبتك يا أمير المؤمنين!
(من ذلك الحين اتصل بالعباسيين وانقطع إليهم واستعين به على قضاء الحاجات عندهم، فما رد سائلاً، ولا خيب طالباً
واشتد فضل الرجل، فاشتدت له عداوة الحاسدين وكشح الكاشحين؛ وهم في كل زمان لا تهدأ قلوبهم ولا تخبو نارهم. وكانوا يكثرون القول فيه والخوض في أعماله أمام الخليفة،
وهو هو صلابة عود وشدة أسر، لا يبالي بحربهم، بل كان يرد التهم في شهامة وإباء، وعزة وكبرياء. فلقد حدثوا أن المنصور قال له يوما: يا معن! ما أكثر وقوع الناس فيك وفي قومك!! فقال: يا أمير المؤمنين:
إن العرانين تلقاها مجسدة
…
ولن ترى للثام الناس حسادا
وفي ذلك الرد من أخلاق الرجال ما فيه. . .
وكان معن على يسار في العيش وبسطة في الرزق، ولهذا ظل بابه مفتوحاً، ولم يمنعه من فتح بابه إلا سنة ضيقة، أو نقص في الأموال والثمرات، فكان يستحي أن يقابل الناس على تلك الحال حتى لا ينكشف نقصه، ويتعلل بالحجاب زماناً حتى يتسع الضيق أو يكثر السويق. . .
أما الأمير الآخر، فهو أبو دلف، وكان معاصراً للخليفة المعتصم. ولقد بلغ عند الخلفاء محلاً عظيماً في الشجاعة وحسن القيام في المشاهد، وهو من (ربيعة) فهو يتفق مع (معن) في كرم الأصل، ولكنه يختلف عنه في الغناء وحسن الصوت!
ويظهر إنه قسم حياته بين الشراب والشجاعة والعطاء، فلا تجد له في كتب الأدب خبراً إلا حول مجلس شراب أو وسط معركة، أو مقسماً على الناس العطاء
وما نهاه الشراب عن مكرمة، ولا عوقه عن مروءة، ولا تأخر به عن معركة، فقد حدثوا عنه إنه كان جالسا يشرب مع جاريته (ظبية)، وعليه ثياب معطرة بالمسك، فجاءه الصريخ معلنا طروق الشراة وانتقاضهم على أطراف عسكره، فلبس درعه ومضى يقاتلهم، ويأسر منهم، ويضرب فيهم، حتى آخر الليل، ثم عاد في الصباح يغني:
ليلتي بالسرادق
…
كللت بالمحاسن
وجوار أوانس
…
كالظباء الشوادن
بدلت بالممسّكا
…
ت أدراع الجواشن
وانقطع إلى أميرينا شاعران من أهل المكانة والقدر، فانقطع إلى معن الشاعر مروان بن أبي حفصة وانقطع إلى أبي دلف الشاعر علي بن جبلة. وكانت مدائح الشاعرين تثير على الأميرين أحقاداً وعداوات، وتخلق لهما مع الخلفاء عقداً ومشكلات، حتى لقد لام الخليفة المنصور الشاعر مروان بن حفصة على مدحه لمعن، والمأمون نفسه كان يحفظه أن يسمع
من ابن جبلة مدحاً في أبي دلف، حتى لقد اشتدت به الحفيظة يوماً حين سمع قول هذا الشاعر في ذاك الأمير:
كل من في الأرض من عرب
…
بين بادية إلى حضره
مستعير منه مكرمة
…
يكتسبها يوم مفتخره
وحق للمأمون أن يغضب، فإن مدح الحكام والوزراء والأمراء جائز على شرط ألا يكون فيه انتقاص للملوك أنفسهم، أو إغفال لشرف أقدارهم
كان أبو دلف أريحياً يهتز للعطاء إذا وهب، ويطرب للشعر إذا سمع، وكان فيه شاعرية فياضة بلغت حد الارتجال في موقف العجلان، وتلك بديهة منه لم تفسدها العجلة ولم تعوزها الأناة، فقد أجاد حتى على حال الارتجال
ولقد كان أروع ما في هذين الأميرين مروءة ونجدة، وشهامة ونخوة. وفي تاريخ الأمة العربية إمارات وأمراء. وهي بلا شك لا تخلو من مواطن كريمة للمثال الكريم. ومن يقلب تاريخ هؤلاء الأمراء يجد فيهم ما يسر ويعجب
وفي نشر محمدة واحدة ما يغني عن المحامد، وفي شاهد واحد ما يجزئ عن مئات الشواهد
محمد عبد الغني حسن
ما لزكي مبارك وكتاب الله
للأستاذ محمد أحمد الغمراوي
لقد فقد زكي مبارك كل حق كان له في أن يعرض لكتاب الله سبحانه بفهم أو برأي بعد أن ثبت عليه ما ثبت من إنكاره إعجاز القرآن، وقوله بأن القرآن كتاب محمد، وتعديه هذا وذاك إلى القول بمذهب وحدة الوجود الذي هو في الحقيقة إنكار للخالق بإجلاله في المخلوق، أو بإجلال المخلوق فيه (سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً)
إن الذي يعتقد في القرآن عقيدة تضاد عقيدة المسلمين لابد متأثر بما يعتقد حين يعرض للقرآن الكريم يبحث أو يفهم. فالذي يقول مثل زكي مبارك بأن القرآن كلام محمد مضطر أن يحمل القرآن على ما ينتظر أن يقوله بشر في العصر الذي عاش فيه النبي. أما المعاني التي تدل دلالة قاطعة على أن القرآن من عند الله لاستحالتها على العقل البشري في العصر الذي نزل فيه القرآن، فهي عند مثل زكي مبارك ممتنعة عقلاً أن تكون من معاني القرآن. هذا هو السر في إنه دائما يحمل القرآن على ما يظن أن الناس كانوا يفهمونه أو يعتقدونه في العصر الذي عاش فيه رسول الإسلام كما يسعى النبي عليه الصلاة والسلام
حتى الوحي الذي كان ينزل على النبي هو زكي مبارك كهذا الإلهام الذي يزعم إنه يلهمه، أو أن الشعراء والمفكرين يلهمونه، ولو كان إلهاماً أسخف المعاني وأرذلها كما فعل في مقاله الذي قلت إنه عاد فيه إلى التعرض للقرآن بما لا يليق فانتقم الله منه في نفس المقال، وقال هو إنه رجع إلى المقال فلم يجد فيه لفظة واحدة تدل على إنه يخاصم القرآن
ولقد خاصم زكي مبارك القرآن الكريم في موضعين من مقاله ذلك، يصرف النظر عن موضوعه الذي كله خصومة لما جاء به القرآن ودعا إليه
أما الموضع الأول، فحين أنطق روح صاحبته بقولها له:
(لقد أوحينا إليك)؛ ووضعه ذلك هكذا بين أقواس ليدل على إنها كلمات مقتبسات وليست من إنشائه. واستعماله هذه الكلمات في المقام الذي وصف فيه ما كان بينه وبين صاحبته فحة وخصومة للقرآن. إنه يعلم أن (أوحينا إليك) و (لقد أوحينا) كلمات لا توجد في العربية في غير القرآن. إنها من أخص الكلمات القرآنية وأفخمها وأشرفها، لأن ضمير المتكلم فيها هو في القرآن ضمير الجلالة، وضمير المخاطب فيها هو في القرآن ضمير الرسالة.
فتصور بعد ما بين الضميرين في الكلم القرآني وفي مقال زكي مبارك يتضح لك مبلغ عداوة هذا الرجل للقرآن.
ذلك هو الموضع الأول الذي تعرض فيه زكي مبارك للقرآن في مقاله. أما الموضع الثاني، فحين أجرى المحاورة الآتية بينه وبين صاحبته التي أراد أن يقنعها بأن الجماد حي، لأن بعض الزلط شكاه شكل الدوم والخيار!
هي: ما رأيك في الآية الكريمة: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)؟
هو: (القرآن يعرض الظواهر التي تعارف عليها الناس لتكون الحجة على القدرة الإلهية أقوى وأوضح. فمن العجيب في نظر من لا يعرف أن تكون البذرة الخرساء أصلاً للدوحة الشماء، وأن تكون البيضة الصغيرة أصلاً لطائر جميل يغرد أو يصيح
وفي جوابه هذا يفرض أن معنى الكلمات الكريمة لا يمكن أن يخرج عما كان يعرفه الناس في ذلك العصر، لأن القرآن عنده إن هو إلا كلام محمد العربي الذي عاش في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الميلاديين. ومن هنا نسبته الخطأ إلى القرآن الكريم مرات في جوابه هذا: نسب إلى القرآن إنه جارى الناس في تعجبهم مما لا عجب فيه في الحقيقة، ونسب إليه إنه أراد أن يحتج لهم على القدرة الإلهية بما لا حجة فيه في الحقيقة، ونسب إليه إنه جهل جهلهم حين عجب عجبهم من البذرة تخرج منها الشجرة، والبيضة يخرج منها الطائر، لأن هذا كله عجيب عنده في نظر من لا يعرف! أما من يعرف ما يعرفه زكي مبارك من أن الأشياء كلها حية حتى الزلط، فليس خروج الدوح من البذر، ولا الطير من البيض عنده يعجب!
والرجل يفتري في كلامه ذلك ليتوصل إلى إنكار الإعجاز المعنوي لتلك الآية وأشبهها في القرآن الكريم. فلا الناس في ذلك العصر، بل ولا جمهرتهم في هذا العصر يرون عجيباً أن يتحول البذر والبيض إلى نبات وحيوان، لأن ذلك شيء عادي مألوف قد غطت الألفة على موضع العجب منه، وصرفتهم عن تدبر سر القدرة الإلهية فيه. والقرآن الكريم هو الذي عجب الناس من أمثال هذا المألوف، واستلفتهم إلى ما فيه من معجز القدرة الإلهية حين طالبوا النبي بالمعجزات، وأقام منه الدليل العقلي العلمي على إمكان البعث حين أنكروا البعث، ودعا إلى التفكير والبحث عما أودعه متنزل القرآن سبحانه في كل ذلك من أسرار
كشف العلم الآن عن بعضها؛ فتجلى بذلك جانب من إعجاز القرآن قامت به حجة الله على من يعلم ويعقل ولو لم يعرف من العربية ما يدرك به الإعجاز اللغوي للقرآن
فالعلماء، لا عوام الناس، هم الذين يعجبون من خروج النبات من البذور، وخروج الحيوان من البيض. يعجبون من ذلك عجباً لا يكاد ينقضي، يحملهم على متابعة البحث عن سر جديد حين يتجلى لهم بالبحث العلمي سر قديم، ولا يتفكرون يسلمهم السر هكذا إلى سر، جيلاً بعد جيل، من غير أن يكون لهم أمل في الإحاطة بكل أسرار الحياة. ثم يجيء زكي مبارك فيزعم أن القرآن يقيم الحجة على الناس بتعجيبهم مما لا عجب فيه إلا في نظر من لا يعرف! حتى إذا قلنا إنه عاد يعرض للقرآن بالجهل وسوء العقيدة والرأي قال: إنه رجع إلى المقال فلم يجد فيه لفظة واحدة تدل على إنه يخاصم القرآن!
محمد أحمد الغمراوي
الدستور في شعر شوقي
بمناسبة إزاحة الستار عن تمثاله
(بقية المنشور في العدد الماضي)
للأستاذ أحمد محمد الحوفي
- 6 -
وأية علاقة بين توت عنخ آمون والدستور؟ قد تكون الجمع بين النقيضين: قديم مغرق في القدم يبعث الدهش والعجب، وحديث طريف تمت إليه النهضات بسبب، وقد تكون إخبار توت عنخ بأروع ما جد في مصر بعد تلك الحقب، وقد تكون غير ذلك، ولكنها على أي حال ليست بالعلاقة القوية التي تتداعى لها المعاني وتتوافى الخواطر، فلم يبق إلا أنها نزعة أصيلة في نفس شوقي إلى الدستور يتلمس للتصريح بها معارض القول، فيشيد بفضل الدستور في هداية الأمم وحياتها.
يحدث شوقي توت عنخ في شماتة بدثور حكم الفرد، وغبور عهد الظلم، ويفخر عليه بأنه في عصر الشورى والحرية وسلطان الرأي العام على الرعاة والحكام، وكأنما هجس في قلب شوقي أن توت عنخ قد يجد في خضوع الملوك لشعوبهم غضاضة أو انتقاصاً من سلطتهم وأبهتهم، فبدره بأن الملك فؤاد أجل منه في قلوب شعبه المتمتع بالدستور؛ على إنه أشرف بنعمة الإسلام.
وكأنه وازن مجد مصر في عهد توت عنخ واتساع ملكها ومناعتها وبأسها بحالها في عهد فؤاد، فرجح الدستور وحده ما مضى، وانه لشرف للدستور أن يرجح عند الموازنة، وشرف للملك فؤاد أن يفوق في المفاضلة والمقارنة.
وينتقل إلى أثر الدستور في إعزاز الرعاة والرعية، فيبين في فخامة وضخامة وجلال أن قوة الملوك وسلطانهم وحبهم، إنما يكفلها الحكم النيابي وحده لهم، وأنه لا استقلال لمصر ما لم يمضه الدستور وحكم الشورى، لأنه يجمع رواد الأمة وزعماءها في ناد واحد يتحاجون ويقترحون ويراقبون، وإذا لم ينعقد مجلس النواب فقلوبهم شتى، نجد الحوادث وهم يلهثون، وأمور مصر فوضى وإن وليها الخلفاء الراشدون
لا عاصم لمصر إلا دستورها، تصلح به ما فسد من أمورها، وإن شوقي لصنع بارع الحيلة في مطالبة الملك فؤاد بالتعجيل به، وفي بيان آثاره وفضائله، فهو النور يهدي الضالين، والمصباح يستضيء به المصلحون فيبعثون من الكهوف الجهال الغافلين، وهم يعدون بالملايين يرسفون في قيودهم، وينقادون لأفراد يحكمونهم طاغين، وليس مثله في علاج هؤلاء الزمني إلا معجزة سيدنا عيسى، فنوره سيشع على الجهلة عمي القلوب فيبصرون ويعلمون، ويده الرقيقة القوية ستحطم قيود المتخلفين فينهضون ويعدون، وأنه للحق والعدل والدواء الوحيد.
هاهنا جلال الفكرة، وجلال الأداء، وتأثيره، وطرافة الخيال، وهاهنا قلب الشعب يخفق، ولسانه ينطق، ويده تصفق، ومن أدلى من شوقي بذلك كله؟؟
زمان الفرد يا فرعون ولى
…
ودالت دولة المتجبرينا
وأصبحت الرعاة بكل أرض
…
على حكم البرية نازلينا
فؤاد أجل بالدستور دنيا
…
واشرف منك بالإسلام دينا
بني (الدار) التي لا عز إلا
…
على جنباتها للمالكينا
ولا استقلال إلا في ذراها
…
لمتبوع ولا للتابعينا
ترى الأحزاب ما لم يدخلوها
…
على جد الحوادث لاعبينا
وإن فقدت فأمر القوم فوضى
…
وإن وليته أيدى (الراشدينا)
إذا سارت به أيد شمالا
…
أتت أيد فسرن به يمينا
فعجل يا ابن إسماعيل عجل
…
وهات النور واهد الحائرينا
هو المصباح فأت به وأخرج
…
من الكهف السواد الغافلينا
ملايين تجر الجهل قيداً
…
وتسحب بالقليل المطلقينا
فداو به البصائر فهو عيسى
…
وفك براحتيه المقعدينا
ومن ير دونه حقاً فإني
…
أراه وحده الحق المبينا
وفي قصيدة أخرى بعنوان توت عنخ والبرلمان يتجلى اعتزازه بالحكم النيابي، وكفالته بأن تسود مصر ويحكمها بنوها، وكأنه يلمح دعاوى خصومها بأنها لم تبلغ بعد رشدها، فليست جديرة بالدستور والبرلمان فيرد عليهم في حماسة وثقة بالشعب وسلامة عنصره وجدارته
بالدستور والبرلمان.
وتنطق أبياته ببهجته بافتتاح البرلمان يوم المهرجان، وقد احتفى به الشعب من شيب وشبان وعقائل وفتيات، وتهادى موكب الملك فؤاد علي الريحان، تخطر العظمة في ركبه، ومن كفؤاد في عظمته وعظمة آبائه؟ وانه ليقيم في دار الندوة مجد مصر، ويؤسس الشورى ويوطد دعائمها، ويسوس بها هذا الجيل السعيد، وليس أدل على عظمة فؤاد وعلى سخائه من تنازله عن سلطته لشعبه الوفي.
مصر الفتاة بلغت أشدها
…
وأثبت الدم الزكي رشدها
ولعبت على الجبال وحدها
…
وجربت إرخاءها وشدها
وبعثت للبرلمان جندها
…
وحشدها للمهرجان حشدها
حدت إليه شيبها ومردها
…
وأبرزت كعابها وخودها
ونثرت فوق الطريق وردها
…
واستقبات فؤادها ووفدها
موثلها وكهفها وردّها
…
وابن الذين قوموا مقدها
وألقوا بعد انفراط عقدها
…
وجعلوا صحراء ليبيا حدها
وبسطوا على الحجاز أيدها
…
وسيروا العاتي فيه عبدها
حتى أتى الدار التي أعدها
…
لمصر تبني في ذراها مجدها
فثبت الشورى وشد عقدها
…
وقلد الجيل السعيد عهدها
سلطته إلى بنينا ردها
- 7 -
ولما ائتلفت الأحزاب صاغ قصيدته (البرلمان) فكرر الاطمئنان إلى الدستور وأنه أمان من طغيان الفرد، وعهده ظليل جميل، وهو الكفيل لكل مجد أن يجني ثمار جده، ولقد كسبته مصر بجدها لم تنله عفواً أو يوهب لها وهباً، فقد جالد رجالها بسلاحهم في الثورة العرابية فسجلوا جدارتهم بالحياة الراقية والحرية، وجاهد أبناؤها في الثورة الحديثة فباعوا دماءهم وأرواحهم. فالدستور إذن يقوم على دعامتين: إحداهما ضحايا النضال في التل الكبير، والأخرى شهداء الصيال في الثورة. والدستور عصمة من الهوى، ونواب الأمة حراص على مالها لا يغتنمونه، أعوان لسلطانها لا يستصغرونه، يتساندون في الضراء، ويتعاونون
في السراء، ويعالجون الأمور برفق وأناة إذا عصف الجو، وتنمر العدو، أو اصطدم الإصلاح بقديم من التقاليد لا خير فيه فترسو السفينة على شاطئ السلامة وقد سلم ربابنتها وركبها.
وشوقي ليبق في امتداح النواب بهذه الصفات، لأنه يدعوهم لها في معرض المدح بها، وينههم عليها في أسلوب من الأخبار، ومن هنا يزكيهم للشعب، ويحصنهم بوصاياه من وراء ستار.
الحق ابلج والكنانة حرة
…
والعز للدستور والإكبار
الأمر شورى لا يعيث مسلط
…
فيه ولا يطغي به جبار
عهد من الشورى الظليلة نضرت
…
آصاله واخضلت الأسحار
تجني البلاد به ثمار جهودها
…
ولكل جهد في الحياة ثمار
بنيان آباء مشوا بسلاحهم
…
وبنين لم يجدوا السلاح فثاروا
فيه من التل المدرج حائط
…
ومن المشانق والسجون جدار
أبت التقيد بالهوى وتقيدت
…
بالحق أو بالواجب الأحرار
في مجلس لا مال مصر غنيمة
…
فيه ولا سلطان مصر صغار
ما للرجال سوى المراشد منهج
…
فيه ولا غير الصلاح شعار
يتعاونون كأهل دار زلزلت
…
حتى تقر وتطمئن الدار
يجرون بالرفق الأمور وفلكها
…
والريح دون الفلك والإعصار
ومع المجدد بالأناة سلامة
…
ومع المجدد بالجماح عثار
- 8 -
ولقد عرض للدستور المصري ما يعرض لكل وليد أو لكل جديد، فحورب وأوقف، فماذا كان موقف شوقي نصير الدستور؟ لما ائتلفت الأحزاب سنة 1926 لإنقاذه برئاسة الزعيم الخالد سعد سجل شوقي هذا الاجتماع الخطير في قصيدته (المؤتمر) فامتدح الحرية ومدح الزعماء ثم خلص إلى أن الله أنعم على مصر بائتلاف أقطابها، وفيهم الحول القلب، والصرحة العلنة يكمل بعضهم بعضاً، وهم جميعا أسنادها وأعلامها وأبطالها يشيدون سياج الملك بالدستور لا بالقنا والسيوف.
وبرع شوقي غاية البراعة فعبر في جلال وروعة إنه لا جلال ولا جمال لتاج لا تلتمع فيه جواهر الدستور وإن شرق بنوادر الماس وروائع الدر. ومن ذا الذي يقرأ له هذا البيت فلا يشعر بالجلال؟ ومن ذا الذي يقرأ هذا البيت ثم يجحد أن الشاعر كلف بالدستور أيما كلف؟؟ ثم يأسف أن عطل الدستور وأقفر ناديه وطيرت عنه بلابله، ويصف في حسرة هذا التعطيل، وبشاعة إغلاق البرلمان حصن الحق كما يسميه، فثكناته في شوق إلى أبطالها وكماتها، ومقاعد النواب مهجورة ومنبره معطل، وإنه لموحش قد نسج العنكبوت به بيوته، ويشبه حاله إذن بغار ثور حين اختبأ فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه صديقه فنسج العنكبوت على بابه، ولعله يريد أن الغار حمى الرسول والإسلام، وأن البرلمان سيحمي الحق والعدل والشورى، وإلا فلا وجه للمشابهة بين هذا وذياك.
الله ألف للبلاد صدورها
…
من كل داهية وكل صُراح
وزراء مملكة دعائم دولة
…
أعلام مؤتمر أسود صباح
يبنون بالدستور حائط ملكهم
…
لا بالصفاح ولا على الأرماح
وجواهر التيجان ما لم تتخذ
…
من معدن الدستور غير صحاح
احتل حصن الحق غير جنوده
…
وتكاليف أيد على المفتاح
ضحت على أبطالها ثكناته
…
واستوحشت لكماتها النزَّاح
هجرت أرائكه وعطل عوده
…
وخلا من الغادين والرواح
وعلاه نسج العنكبوت فزاده
…
كالغار من شرف وسمت صلاح
- 9 -
وقبيل 15 مارس سنة 1924 يوم افتتاح البرلمان الأول أقام نادي المعلمين حفلا ألقيت فيه قصيدة لشوقي عرض فيها للدستور كعادته، فيوم افتتاح البرلمان غرة في تاريخ مصر، وهو في الأيام عيدها، وسيتفيأ المصريون بظلال الدستور ويسعدون، وإذ كان في حفل تكريم المعلمين العلم دعامة من دعائم الملك فقد رجا النواب ألا يضنوا على التعليم بالمال، ويبارك للشبان أن جهادهم أثمر وأينع:
مصر إذا راجعت أيامها
…
لم تلق للثبت العظيم مثيلا
البرلمان غدا يمد رواقه
…
ظلا على الوادي السعيد ظليلا
نرجو إذا التعليم حرك شجوه
…
ألا يكون على البلاد بخيلا
قل للشباب اليوم بروك غرسكم
…
دنت القطوف وذللت تذليلا
- 10 -
وبعد فنختم دعواته إلى الدستور وضرورته وآثاره بأبيات من تحيته للنسر المصري المرحوم محمد صدقي حين قدم طائرا من برلين إلى القاهرة سنة 1930 يدعوه فيها أن يحلق فوق قبة البرلمان السامقة المسموكة للفصل في مشكلات مصر، يتنافس النواب والشيوخ هناك ذائدين عن الحق كالبنيان المرصوص
قف تأمل من علو قبة
…
رفعت للفصل والرأي الصراح
نزل النواب فيها فتية
…
في جناح وشيوخا في جناح
حملوا الحق وقاموا دونه
…
كرعيل الخيل أو صف الرماح
ثم في رثاء المرحوم أبى هيف بك يسر إليه حديث الائتلاف، ويختم الحديث والقصيدة بقوله لسعد:
أخرج لأبناء الحضارة مجلساً
…
يبقى على اسمك في العصور ثناء
ويقول في رثاء سعد:
أو لم يكتب لها دستورها
…
بالدم الحر ويرفع منتداها؟؟
وفي رثاء إسماعيل باشا أباظة يقول:
إذا سلم الدستور هان الذي مضى
…
وهان من الأحداث ما كان آتيا
ألا كل ذنب لليالي لأجله
…
سد لنا عليه صفحنا والتناسيا
- 11 -
ولقد كنا نحمد شوقي لو أنه استمسك بالدستور واستعصم ثم استكفى، وبحسبنا منه الإثارة والتوجيه، ولكنه مع ذلك أرشد الشعب إلى واجبه في اختيار نوابه، السفراء برأيه، المعبرين عن رغباته، الناظرين بلسانه، الذائدين عن كرامته وحريته وسلطانه، فليحسن الشعب اصطفاءهم، وليحذر عوامل الخديعة ومضلة الاختيار.
فلا يؤثر الثراء أو الجاه، ولا يبيع التزكية بمال، ولا يتخدر بخلابة الخطابة، أو يتأثر
بسحر الوعود الكذابة، وضمان ذلك أن ينشر الناخبون أمام عيونهم صفحات المرشحين للنيابة عنهم فيشرفو بالنيابة ذوي الجهاد والخلق والفضل والعلم ونزاهة النفس وعفة اليد والاعتزاز بكرامتهم وكرامة مصر سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، وجهاء أم من صميم الشعب، ومن العار عليهم أن يبعثوا إلى دار النيابة تماثيل من حجر أو من خشب، لها حسبان في العدة، ولا أثر لها في رخاء أو شدة، وإذا كان الدستور قد استنقذ من بين أنياب الاحتلال فإن الإنجليز يرصدون على الشعب هفواته، ويحصون على كل نائب زلاته، فليدقق الشعب في الاختيار، وليفقه النواب تبعة هذا الفخار،
أيها الشعب لقد صر
…
ت من المجلس قابا
فكن الحر اختيارا
…
وكن الحر انتخابا
إن للقوم لعْينا
…
ليس تألوك ارتقابا
فتوقع أن يقولوا
…
من عن العمال نابا
ليس بالأمر جديراً
…
كل من ألقى خطابا
أو سخا بالمال أو قد
…
م جاهاً وانتسابا
أو رأى أمية فاخ
…
تلب الجهل اختلابا
فتخير كل من شَبَّ
…
على الصدق وشابا
وفي قصيدة مشروع 28 فبراير يكرر هذا النصح، وبين وظيفة البرلمان وخطره:
قل للكنانة قول الصدق من مَلكٍ
…
مؤيد بالهدى لا ينطق الكذبا
دار النيابة قد صفت أرائكها
…
لا تجلسوا فوقها الأحجار والخشبا
اليوم يا قوم إذ تبنون مجلسكم
…
تبنون للعقب الأيام والحقبا
وإن رضيتم عمرتم ركنه ثقة
…
وإن غضبتم تركتم ركنه خربا
وإنما هو سلطان يُدَان له
…
إذا تكفل بالأعباء وانتدبا
يقول عنكم ويقضي غير متهم
…
العهد ما قال والميثاق ما كتبا
وفي قصيدته (العلم) يقول:
ناشدتكم تلك الدماء زكية
…
لا تبعثوا للبرلمان جهولا
فليسألن عن الأرائك سائل
…
أحملن فضلا أم حملن فضولا
إن أنت أطلعت الممثل ناقصاً
…
لم نلق عند كماله التمثيلا
فادعوا لها أهل الأمانة واجعلوا
…
لأولى البصائر منهم التفضيلا
إن المقصر قد يحول ولن ترى
…
لجهالة الطبع الغبي محيلا
ويختم قصيدته (الأزهر) بهذه الصيحة:
دار النيابة هُيئت درجاتها
…
فليرق في الدرج الذوائب والذرا
الصارخون إذا أسيء إلى الحمى
…
والزائرون إذا أغير على الشرى
لا الجاهلون العاجزون ولا الألى
…
يمشون في ذهب القيود تبخترا
نضر الله ذكراك يا شوقي، وكتب لك الخلود، فلقد كنت كما قلت:
وإني لغريد هذى البطاح
…
تغدي جناها وسلسالها
ترى مصر كعبة أشعاره
…
وكل معلقة قالها
أدار النسيب إلى حبها
…
وولى المدائح إجلالها
احمد محمد الحوني
المدرس بالسعيدية الثانوية
غرام يوم الثلاثاء
للدكتور زكي مبارك
يا ليلْ يا ليلَي يا ليلْ
يا ساقيَ الراح هاتِ الراحَ يا ساقي
من نور خديك أو من نار أشواقي
واشربْ رحيقَ الهوى الفضّاح يا ساقي
من نظرتي لك في ساعات إشراقي
يا ليلْ يا ليلَي يا ليلْ
مضت أسابيع لا ألقاك يا روحي
فكيف أنتَ رعاك الحبُّ يا روحي؟
مصرُ الجديدةُ مأوى حبنا الروحي
فارجعْ إليها نعشْ روحاً إلى روحِ
يا ليلْ يا ليلَي يا ليلْ
أمرٌ عرفناهُ أن الجافيَ الهاجرْ
قد يغتدي وهو روحٌ جامدُ غادرْ
الصبر عني نذيرُ الغدرِ يا هاجرْ
أعوذ بالحب وهو المالك الآمرْ
من أن يخيب رجائي فيك يا ساحرْ
يا ليلْ يا ليلَي يا ليلْ
عهدُ الهوى البكر عهدكْ
وطالع السعد وعدكْ
متى أراكْ؟
وداري حماكْ
أنا من نواكْ
مفطورُ الفؤادْ
يا ليلْ يا ليلَي يا ليلْ
عهدُ الهوَى البكر هل تنساه يا هاجرْ؟
عهدُ الهوَى البكر هل تنساه يا غادِرْ؟
عهدُ الهوَى البكر هل تنساه يا قاهرْ؟
يا هاجرْ، يا غادرْ، يا قاهرْ، يا كافرْ
يا ليلْ يا ليلَي يا ليلْ
مصرُ الجديدةُ أيام الثلاثاء
كانت ملاعبَ أوطاري وأهوائي
يا فاطر الحبّ في يوم الثلاثاء
متى يعود لنا يومُ الثلاثاء؟
يا ليلْ يا ليلَي يا ليلْ
لِمن وفاؤك بعدي أيها الغادرْ؟
إن رُمتَ غيري فأنت الغانم الخاسرْ
حُبي هو الحبُّ وهو الغالب القاهر
فانُدبْ نَعيمكَ بعدي أيها الغادر
مصر الجديدة أيامَ الثلاثاء
تشكو اغترابي أيامَ الثلاثاء
يا ليلْ، آه يا ليلْ
يا ليلْ، آه يا ليلْ
شربتُ دمعي فلا كأسُ ولا ساقي
مضى نديمي وخلاني لأشواقي
يا ساقي الراح هات الدمعَ يا ساقي
دمعي هو الراح فاسقينيه يا ساقي
دمعي دمٌ فترفقْ أيها الساقي
آه، واه - آه، واه - آه، واه!!!
بَعد الغناء الحزينْ
وهذه الآهاتْ
وبَعد لذع الحنينْ
وهذه الواهات
يقول طيفُ الخيالْ
بلحن ذاك الغزال
ما هذه النارُ تذكيها بأشعاركْ
لولا غِناؤكَ ما خُلدت في ناركْ
إذن أُغني!
ماذا نغني؟
إني أقول:
من أي بدع فُطرتَ
من أي سحر خُلقتَ
الزهرُ وحيُ دلالكْ
والشعر وحيْ جمالك
لا أظلمُ الأقدارْ
إن الهوى والنارْ
من بدْع سحرك أنتَ
تمضي أسابيعُ لا ألقاكَ، ما أسفي
…
على حياةٍ بلا لُقياك ظلماء؟
تمضي أسابيعُ لا ألقاكَ، ما أملي
…
من عيشةٍ أنت عنها باعدٌ نائي؟
يقول هذا الليل
ماذا يقول الليل؟
يقول إني أحبك
يقول إني أحبك
يقول إني أحبك
يا أجمل الناس، أين الناس، ُ قد تعِبَتْ
…
روحي من البحث عن مَعْناك في الناسِ
يا قاتلاً بالوفاءْ
ماذا يريد الوفاءْ
إغدِرْ، ودَعني أعيش
قتلي حرامٌ عليك
إغدِرْ، ودَعني أعيش
قتلي حرامٌ عليك
مصرُ الجديدةُ أيامَ الثلاثاء
كانت ملاعبَ أوطاري وأهوائي
يا فاطرَ الحب في يوم الثلاثاء
متى يعود لنا يوم الثلاثاء؟
كان الهوى بغدادْ
أواه من بغداد!
كان الهوى باريس!
أواه من باريس!
مصر الجديدة داري
والحب فيها قراري
لا تنس يا غدارْ
جميلَ هذى الدارْ
فيها اهتصرْتكُ غصناً ناعماً زهراً
…
كدوحةِ الوردِ في أيام آذارِ
أحنو عليك
أرنو إليك
حُلوانُ تقصيك عني وهي ظالمةٌ
…
مِصر الجديدة تشكو بعدَ حُلوانِ
مصرُ الجديدةُ أنتَ
فَطَرَتها أنتَ أنتَ
بروعة الشعر أَمْلِكْ
وأنت باُلحسن تملك
الشعر للحسن عبدٌ
…
فارحم إذا شئت عبدَكْ
الحسن بين يديك
إليك أمري إليك
يا شاعراً روحهُ نارٌ مؤججةٌ
…
وشعره كالرحيق الصرف وهاجُ
إذن أغني!
ماذا نغني؟
إني أقول:
لروعة الشعر عند الحسن منزلةٌ
…
أقوى من الجاه والسلطان والمال
يا ليلْ يا ليلَي يا ليلْ
يا غرامَ الروح والروحُ فداكْ
أين نجوى الحب في عهد الصفاءْ؟
أحرق القلبَ شواظُ من نواكْ
بالهوى قل لي متى يوم اللقاء؟
أين يا روحُ ليال سلفتْ
…
وأغاريدكُ يا صداح زادي؟
لا تقل تلك الليالي ذهبتْ
…
جُمرها المشبوب باقٍ في فؤادي
آه، آه، آه، آه، آه،!!!!
لم يدنني من أريد
في الحب مما أريد
ماذا تريد؟ ماذا تريد؟
أريد قتل همومي في منابتها
…
بجائحاتٍ من الصهباء هوجاء
الكأس بين يديك
الكأس في شفتيك
هات اسقني هاتْ
هات اسقني هاتْ
أسقيك إن شئتَ أكواب الثلاثاء
…
يا فاطرَ الشعر في يوم الثلاثاء
زكي مبارك
فرقة التمثيل
للأستاذ حبيب الزحلاوي
قلت في كلمتي السابقة كل ما يمكن قوله في نقد أعمال المدير الفني لفرقة التمثيل، فليس بالمستغرب أن يدافع الأستاذ زكي طليمات عن نفسه لينقذها من قلم الناقد، بل العجيب أن يندفع إلى الإقرار والاعتراف بأني سجلت عليه الجانب الذي يؤاخذ عليه في منهج الفرقة ولم أذكر الذي يشرفها.
وردي على هذا الاعتراف الصريح أن الجانب المشرف هو الأساس الذي قامت عليه الفرقة، ومن أجله وحده دون سواه تتفق الحكومة من أموال الأمة. والحكومة لم تشمل الفرقة برعايتها كما يتوهم الأستاذ طليمات بل الغرفة هي حكومية بكل معاني الحكومية، فلولا حكوميتها هذه لما التفتنا إليها ولا أضعنا دقيقة واحدة في الكلام عنها، وجعلنا شأنها كشأن الأفلام السينمائية التي تلفقها الشركات الاستغلالية. فالواجب إذن يقضي بأن تكون أعمال هذه المنشأة الحكومية مشرفة لها، أي للأمة التي تحكمها وللقائمين عليها من ممثلين وإداريين بمعدل مائة في المائة لا أقل من ذلك أبداً، لأن الإقلال من هذا المعدل الأساسي، إنما هو انحراف عن الغاية، فكيف إذن لا يكون انتقادي هو الصدق بعينه، والحق الواجب الاستمساك به؟ وكيف أكون مغرضاً في نقدي، أو مغالطاً لقرائي، أو مناهداً للمدير الفني؟
ذكرت من الروايات الملفقة (شهرزاد) و (يوم القيامة) و (كلنا كده) و (سلك مقطوع)؛ وأضيف إلى هذه الترهات المعيبة رواية (قطر الندى) و (شارع البهلوان). فهذه الروايات الست يعترف الأستاذ طليمات بأنها مشينة، ويذكر إلى جانبها روايات (يوليوس) و (منلوف) و (مدرسة الأزواج) و (مرتفاع وذريج) و (قيس ولبنى)، ويدس معهما روايتي (قطر الندى) و (شارع البهلوان) وهي الروايات المشرفة، فإذا قلت إن ست روايات من اثنتي عشرة هي خاسرة ألا تكون كفة أعمال فرقة التمثيل هي الراجحة إلى التهريج والمتجانفة إلى الإثم باسم الحكومة وعلى حساب الشعب؟ وكيف لا أكون عادلاً في نقدي فيما ذهبت إليه في تقرير حقيقة ودفع رزية؟
إن رواية واحدة مما ذكرت تكفي لتلويث الفرقة، فكيف بها ست روايات!!!
أعذر الأستاذ طليمات إذا ذكر هذه الروايات، لأنها درت عليه وعلى الممثلين المال الكثير،
واجتذبت الدهماء إلى دار الأوبرا الملكية!!
إن هذا ادعاء عريض لا يدعيه ممثل يحسب أن لا فارق بين الواقع والخيال، والحق والباطل، وأنه لا يتدبر عواقب ما يقول
الفرقة المصرية للتمثيل كما أفهمها، وكما أرادتها الحكومة، مدرسة عالية للأدب الرفيع واللغة الفصحى، تصور الحياة الاجتماعية أو المشهد الحي من مشاهد الحياة الحقيقية، وتضع هذه الصورة ضمن إطار يتناسب وحاجات النفس البشرية والمزاج في التلوين والتسلية والتلميح تارة والردع تارة أخرى، توصلاً إلى غاية ثقافية تعلو بالأمة إلى المكانة السامية. وليس من غايتها أبدا أن تنحط إلى مستوى العامة والدهماء، ولا تكون تاجراً من التجار
حبيب الزحلاوي
في قصيدتي منها وإليها
وقع في هاتين القصيدتين أخطاء مطبعية صحتها:
حمرا
والصواب
حرا
هذه العيون
=
هذى
ونستمد منه
=
وتستمد