الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 750
- بتاريخ: 17 - 11 - 1947
ذكرى عيد الجهاد الوطني
لصاحب العزة محمد كامل سليم بك
السكرتير العام لمجلس الوزراء
عيد الجهاد للشعب، كعيد الميلاد للفرد، كلاهما حادث ضخم عظيم في تاريخ الحياة، وكلاهما جدير بالتحية والتكريم والاحتفال.
فعيد الجهاد للشعب، إحياء لمولد نهضة، يبتدئ بها عصر جديد، وعيد الميلاد، إحياء لمولد فرد، يبتدئ به أمل جديد.
وفي العيدين معاً تظهر الحركة والنشاط محل السكون والخمود، ويبدأ النمو ويطرد التقدم بعد التوقف والجمود.
وهذا ما كان من أمر يوم 13 نوفمبر الذي حفظه التاريخ في سجلات الخلود. تسجيلا لمولد النهضة الوطنية المصرية الكبرى. التي أخذت منذ ذلك اليوم المشهود، في النمو والتقدم والتطور على مر الأيام والسنين، وأستيقظ فيها الوعي القومي يقظة ليس بعدها نوم ولا هجوع ولا همود.
في هذا اليوم التاريخي المجيد، قامت في مصر حركة شاملة. تطورت إلى ثورة كاملة، كانت مظاهرها الأولى، اتحاداً بديعاً بين جميع رجالات مصر البارزين وغير البارزين وظهور أهل مصر شعباً جديداً متجدداً، نقض الغبار، وهب وثار، وأشتعل كالنار، صارخاً في صوت واحد بالمطالبة بحقوقه المسلوبة في الحرية الكاملة والاستقلال التام كتمهيد لا بد منه للحياة الرفيعة الشريفة التي ينشدها المصريون والتي لا خير في الوجود بدونها.
أنجبت مصر في هذا اليوم زعيما قديراً فذاً ممتازاً في شخص سعد زغلول، ورجالاً ذوى بأس شديد في طليعتهم عبد العزيز فهمي وعلي شعراوي، كان كل منهم جذوة متأججة، مثلت روح الجيل، أصدق تمثيل.
ولا يسعني في هذا المقام الرهيب، إلا أن أقدم في خشوع، أخلص التحية وأصدق الإجلال، إلى الشيخ النبيل، المصري العظيم، المجاهد الكريم عبد العزيز فهمي باشا (حفظه الله ورعاه)، فهو بيننا اليوم يشهد أثراً من آثار أياديه حين نحتفل بعيد الجهاد، وإني لأشهد أن هذا الوطني الصامت، والعالم المدقق. قد خدم النهضة الوطنية في فجر نشأتها أجل
الخدمات، وبذل في سبيلها أوفى نصيب من عقله وعلمه وفضله، وعاش بنجوة عن لغو القول، زهداً في مظاهر الحياة الباطلة وزخارفها الزائلة، وقد أدى رسالته على أكمل وجه.
بعد هذه التحية الخالصة الواجبة على كل مصري يزجى بها إلى هذا المصري الأبي العظيم أعود ال السؤال:
ماذا عمل هؤلاء الزعماء الثلاثة، وفي أي جو عملوا؟
وماذا عملوا المصريون، وفي أي جو يعيشون؟
ذهب أشبال مصر الثلاثة يحملون رؤوسهم على أكفهم إلى مقر ممثل أكبر دولة في العالم حينذاك، في صبيحة اليوم التالي لأكبر انتصار أحرزته في تاريخها الطويل، كانت الجيوش البريطانية في سكرة الانتصار، وفرحة السلامة تملأ القاهرة والاسكندرية، وكل مكان في أرض مصر، وفي الشوارع والميادين ودور السينما والملاهي والاندية والحدائق والطرقات، وكانت الاحكام العرفية البريطانية رافعة سيوفها على أعناق المصريين بغير حساب ولا رقيب، والسجون والمعاقل متعددة مفتوحة الأبواب، للمغضوب عليهم والمشكوك فيهم من غير سؤال ولا جواب.
وكانت الحماية البريطانية مبسوطة على البلاد رغم انفها، وبغير اكتراث لشعور أبنائها، وليس أمام المصريين إلا الخنوع والاستكانة أو الموت والتعذيب في هذا الجو الخانق، والصاعق، الساحق، ذهب اشبال مصر الثلاثة في شجاعة الحق وعزم البطولة، وفي صراحة المؤمن وحزم الرجولة، وطالبوا بجلاء الجيوش البريطانية عن أرض الموطن، حتى تتمتع مصر باستقلالها التام.
حركة طائشة خيالية جنونية، في نظر الأقوياء المستعمرين المنتصرين المزهوين، وحركة وطنية جريئة طبيعية في نظر المصريين، وجميع المنصفين.
فأي النظرتين كانت أصح وأصدق؟ ولأي فريق كتب التوفيق؟ لست الآن بصدد تفصيل ما وقع. حسبي أن أذكر أن الإنجليز نكلوا بالحركة الوطنية ونكلت الحركة الوطنية بالإنجليز. فكان صدام وصراع. وكان سجن واعتقال ونفي وتشريد وتقبيل وتعذيب وآلام. وكان ثبات واحتمال وصبر ومثابرة ومقاومة وأقدام. وتضحيات جسام. وإذا بهدنة تتخللها محادثات ومفاوضات وإذا بالحماية البريطانية تعترف بأنها علاقة غير مرضية. ثم إذا هي ملغاة بعد
قليل وإذا بالاستقلال يعترف به مثقلا بالقيود والاصفاد في تصريح 28 فبراير سنة 1922. ثم استقلال مخفف القيود في عام 1936.
أدركت مصر كل ذلك بفضل تلك الحركة الطائشة الخيالية الجنوبية في نظر المستعمرين، أو الحركة الوطنية الطبيعية في نظر المصريين ونظر القدر.
كيف كانت حال مصر حين قامت وتحركت. وحين نهضت وغضبت. وحين فارت وثارت. وحين تغلبت على العقبات وانتصرت في ظروف كاد النصر فيها يبدو محالا أو حلماً من الاحلام.
هل كان لدى مصر طائرات ودبابات، وجيوش جرارة ومدافع ولوريات؟
هل كانت لديها كنوز البحار. أو ذخائر من الحديد والنار وكل أدوات الدمار؟
كلا. لم يكن لدى مصر شيء من ذلك على الإطلاق. وإنما كانت عندها ذخيرة لا تنفذ من الوطنية وحماستها. والكرامة وعزتها. والشجاعة وغيرتها. والإيمان العميق بعدالة القضية وحق الوطن. يدعم ذلك كله اتحاد رائع وإجماع كامل في المشاعر والعزمات والايثار.
كان شعب مصر في ظلال الحماية والاحتلال يعيش آحاداً وأفراداً وشيعاً ممزقة. فلما بزغت شمس 13 نوفمبر فاجأت مصر العالم عامة، وبريطانيا خاصة بشعب متحد، لا ثغرة فيه، نبض بشعور واحد، ولا نشوز فيه، واتجه في اتجاه واحد، لا عوج فيه بهذه الكتلة المتحدة صمدت مصر للاحداث الجسام. وغالبتها، فغلبتها. وكان الفضل في هذا التوفيق راجعاً إلى توحيد الصفوف، وتوحيد الرأي والشعور فكانت مصر من أقصاها إلى أقصاها تتحرك بكلمة واحدة يلقيها زعيمها الأوحد وأعوانه المتضامنون المتحدون.
كان الأغنياء يبذلون المال سخياً، متبارين متنافسين لتمويل خزانة الجهاد وشد أزر المجاهدين.
وكانت التضحية وكان الايثار وانعدام الأثرة، شعار الجميع: كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء.
وكان الجيش والبوليس والعمال والفلاحون والطلبة والأعيان والموظفون والمحامون والمهندسون وكل أصحاب المهن الحرة جماعات تفيض صدروها بشعور واحد في بذل كل مجهود يطلب لإنقاذ الوطن. ولم يكن هناك خلاف بين هذه الجماعات إلا في الأزياء والأرزاق والأعمار.
وكانت الصحافة والمجلات، والنشرات الظاهرة والنشرات الخفية تصدر كلها عن وحي واحد، وليس فيها إلا نداء واحد، وتوجيه واحد ودعوة واحدة. ولم يكن في كل ما ينشر ويقرأ إلا ما يزيد لهيب الشعور الوطني. إلا ما فيه غذاء لأرواح المصريين.
بهذا شحذت الهمم في مضاء، وبذلت الجهود، في سخاء وأطرد العمل في اتحاد وانسجام، وازدادت حماسة الناس بذكريات الماضي واستوحوا قوتهم من رجاء المستقبل.
ذلك كان جو يوم 13 نوفمبر والأيام والشهور والسنوات التي تلته هي المعجزة التي أتتها مصر فكانت عبرة العبر: اتحاد في الزعامة والرياسة والقيادة، وتوحيد في المشاعر والصفوف. لقد جربت مصر الاتحاد وشهدت خيراته وآثاره وجنت أطيب ثماره.
وجربت تفرق الكلمة وشهدت ويلاته ومضاره وأخطاره نالت مصر بفضل الاتحاد الكامل الشامل كل ما أحرزته من فوز. وكل ما نالته من خير حتى اليوم. ولم تنل من الفرقة والحزبية الجامحة الكالحة غير بعثرة الجهود والخيبة والفشل والآلام والأحزان.
لقد وقعت معجزة ذلك الاتحاد الرائع في 13 نوفمبر سنة 1918 على غير انتظار من الأصدقاء والأعداء على السواء.
أفلا تتكرر المعجزة في 13 نوفمبر سنة 1947. والأصدقاء يرجونها وينتظرونها ويتحرقون عليها ويعملون لها. والأعداء يخشونها ويحاربونها ويفزعون ويتطيرون منها ويعملون ضدها. أمعجزة أن يتم اتحاد؟ والاتحاد واقع فعلاً على الأهداف القومية، ووسائل تحقيقها، وآية ذلك أن الأحزاب والهيئات جميعاً على اتفاق تام على هذه وتلك إذا أبعدنا التشويه وسوء التأويل.
أليس المانع الوحيد بعد ذلك من عدم اتحاد الرجال هو طغيان الأهواء والحقاد من ثمرات الألفة التي تفرقت والوحدة التي تشتت. والعلاقات التي تمزقت وعكس الأوضاع بتقديم المصلحة الفردية على المصلحة الحزبية. ورفع المصلحة الحزبية فوق رأس المصلحة القومية.
أوضاع معكوسة. وخطط منكوسة مركوسة ليست فيها ذرة من الخير على الإطلاق ولو استجابوا إلى صوت الضمير والمصلحة العليا للبلاد وحدهما دون سواهما لا نقشعت السحب. وزالت الحمى ولعادت الحال كما كانت في ذلك اليوم المشهود - عيد الجهاد
الوطني - أصفى وأصح. وأروع وأكمل مما كانت. وحينذاك تتحقق الحكمة من الاحتفال به والتغني بمزاياه، عاماً بعد عام.
فينا كل بواعث النشاط. وأمامنا كل حوافز الأمل. ووراءنا كل نماذج العمل. فلنعمل على توحيد الصفوف اولا وقبل كل شيء. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
محمد كامل سليم
السكرتير العام لمجلس الوزراء
13 - رحلة إلى الهند
للدكتور عبد الوهاب عزام بك
عميد كلية الآداب
مشاهد أخرى في دهلي
ضريح صَفدًر جَنك:
ومن الآثار التي رأيتها في دهلي ضريح لوزير من وزراء الدولة التيمورية، وهو آخر ما شاد رجال الدولة من أضرحة كبيرة. كان صفدر جنك وزيراً للسلطان أحمد شاه (1161 - 1167هـ). وذلك قبل زوال الدولة من بعد عن رفع الآثار الفخمة، وتشييد مثل ما شيدت من قبل إبان شبابها وقوتها.
والمزار، في جملته، صورة من مقابر الملوك التيموريين. وكلها تتفق في القواعد وتختلف في التفصيل، فهو كقبر همايون بناء عال عليه قبة، حولها أبراج، يقوم على دكة عالية وسط حديقة واسعة. ولكنه أيسر هندسة وأبسط خطة. فليس حول القبة حجرات كثيرة متواصلة كما في مزار همايون بل يرى الواقف تحت القبة أربعة عقود في الجهات الأربع يخترقها البصر إلى الحديقة المحيطة بالبناء على ما بالعقود من شبابيك الرخام.
ويمتاز هذا المزار بأربعة أبراج ضخام على زواياه الأربع، تذكر بالمآذن الأربع في أركان مزار جهانكير في لاهور والمآذن الأربع القائمة حول تاج محل منفصلة عن البناء.
ويقال إن في المزار مادته وهندسته ما يؤذن بشيخوخة الدولة والفنون إذا قيس إلى نضارة الدولة وشبابها ممثلة في أبنية همايون وشاهجهان وأكبر.
وسنصف بعض آثارهم في المقالات الآتية إن شاء الله.
ولكن هذا المزار لوزير لا لسلطان فينبغي أن يحسب هذا في تقويم البناء.
ومن المشاهد التي رأيتها سقيفة جميلة من الرخام لا تدور عليها جدران ولكن تحملها عمد كثيرة أجيد نحتها وتشكيلها. وفوق السقيفة قباب كثيرة من الرخام.
ووسط السقيفة قبر عليه صفائح الرخام، البيضاء البراقة كقبور التيموريين الأخرى. وفيها كلها روعة وجمال.
والقبر لأمير أسمه ميرزا عزيز كموكل تاش (الأخ من الرضاع) وهو أخو السلطان جلال الدين أكبر من الرضاع، وأبن أتكاخان أحد وزراء أكبر.
وتسمى هذه السقيفة الرواق ذا الأربعة والستين عموداً (جونسته كهمبا).
ولما خرجت من هذه السقيفة أبصرت أمامها على الطريق قبوراً فأشار دليلنا إلى واحد منها أخذت الحوادث من أحجاره وتراكم حوله غبار العصور فتأملت كتابة عليه فإذا هي:
رشك عرفي وفخر طالب مرد
…
اسد الله خان غالب مرد
1285
قلت: قبر الشاعر؟ قيل نعم. ومعنى البيت: مات غيره (عرفي) وفخر طالب. مات أسد الله خان غالب أي مات الذي يحسده عرفي ويفخر به طالب الخ.
فأما عرفي فهو الشاعر الفارسي عرفي الشيرازي من كبار شعراء الفارسية. رحل إلى الهند وأتصل بجلال الدين أكبر وعاش هناك حتى أدركته الوفاة في لاهور سنة 999 وهو في السادسة والثلاثين من عمره.
وكنت في لاهور في شهر نيسان الماضي (أبريل) وكان بها الصديق العالم الأديب علي أصغر حكمت وزير المعارف في ايران قبلا. فقال يوماً في أحاديثه إن عرفي شيرازي وأنا شيرازي وقد مات هنا. وضحك. قلت يطيل الله عمرك، ويقيك كل سوء.
وأما طالب فهو شاعر فارسي أخر من شعراء الفرس الذين رحلوا إلى الهند وأتصل بجلال الدين أكبر وأبنه جهانكير من بعده فحظى عندهما، وذاع صيته ولقب (ملك الشعراء) وتوفي سنة 1035 في كشمير بعد أن جاوز المائة من عمره.
وأسد الله غالب هذا له شأن في الأدب الأردى، إلى مكانته في الأدب الفارسي. ولا بد من وقفة على قبر هذا الشاعر الذي زرته على غير قصد. وكان عليّ أن أسأل عنه، وأسعى إليه، أقضى حقه بوقفة:
وقفة في العقيق نطرح ثقلاً من دموع بوقفة في العقيق: هو نجم الدولة، دبير الملك ميرزا اسد الله خان.
وغالب لقبه الشعري المعروف في الأدب الفارسي بالتخلص. وأصله من تركستان كأمير خسرو الذي ذكرناه من قبل قدم جده إلى الهند في عهد شاه عالم (1173 - 1202) ورحل
أبوه عبد الله من دهلي إلى لكنهو ثم حيدر آباد.
وتقلبت به أمور حتى قتل في إحدى الحروب. وأسد طفل في الخامسة من عمره. وقد كفل اليتيم عمه نصر الله بك خان. ولما بلغ التاسعة توفى عمه، فرتب له ملك دهلي إذ ذاك رزقاً شهرياً. ثم ترعرع وتقلبت به الغير، وذاع صيته في الشعر ونال جوائز الأمراء وأرزاقهم حتى رجع إلى دهلي وأجريت عليه وظيفة. وأستقر هناك حتى أدركه الموت سنة 1286 هـ (1869م) بعد زوال الدولة الإسلامية من الهند.
وكان غالب رضى الخلق، حسن الفكاهة محسناً إلى أصحابه وتلاميذه، ولكنه كان قلقاً لا يصبر على الاحداث.
ولغالب مذهب في الشعر أنيق دقيق يحتفل فيه بالمعنى واللفظ وله في الفارسية ديوان وثمانية مؤلفات بين نظم ونثر وله ديوان باللغة الاردية كذلك وبضعة مؤلفات منظومة ومنثورة.
وقد عنى الناس بديوانه الأردى كثيراً إذ كان الشاعر على قرب زمانه من أوائل المجيدين في هذا اللسان. وقد شرح ديوانه هذا ثماني مرات. وهو بعيد الغور فيه كثير من دقائق الصوفية.
وطبع الديوان في ألمانيا طبعة مصورة جميلة بيعت النسخة منها بخمسة وثلاثين جنيهاً. ثم أعيدت هذه الطبعة في حيدر آباد فبيعت النسخة بخمسة جنيهات. وأعيدت مرة أخرى فرخص ثمنها قليلا. وللديوان طبعات أخرى رخيصة.
وقد نشرت منذ سنين ترجمة غالب وترجمت أبياتاً متفرقة من شعره، منها:
أرى شبك الأمواج في كل لجة
…
بأفواه وحش البحر حيك وقدرا
فماذا تلاقى قطرة الماء من ردى
…
إلى أن ترى في لجة الماء جوهرا
وهو يشير إلى أن الكمال لا يتاح الا بعد نصب ومقاساة أهوال ومن شعره:
وكنا ببرق الطور لو أنه
…
على قدر الأقداح أعطيت الخمر
ويقول في مضي العمر سريعاً:
أسوم جواد العمر ريثاً وما له
…
ركاب برجلي أو عنان بأنملى
ونرى في طبعة برلين مع هذا البيت صورة فرس ينهب الأرض عدواً عليه فارس مشدوه
ليس في يده عنان ولا في رجاه ركاب.
ويقول في البلاغة:
وينفذ في الالباب سحر بيانه
…
فأحسب ما قد قاله كان في لبى
هذه وقفة قصيرة على قبر اسد الله غالب الشاعر الكبير.
وليت الزمن أمهلنا أياماً في دهلى لنعود إلى قبره، أو ساعات في زيارتنا إياه لنستمد المعاني من هذا الرخام الحاني على رفات الشاعر الخالد كما تنطبق الصدفة على لؤلؤتها؛ ولكن رحم الله الشاعر القائل:
اسوم جواد العمر ريثاً وما له
…
ركاب برجلي أو عنان بأنملى
(للحديث صلة)
عبد الوهاب عزام
وقع في المقال السابق أغلاط هي:
مبطن بالصوفصوابهبالصدف
تَفلَق=تغلق
بالسنقر=بايسُنقر
لا يكس أحد قبراً بغير النبات العشب - وكلمة النبات زائدة
لسان السياسة البريطانية
للأستاذ محمود محمد شاكر
دعت السفارة المصرية في لندن إلى مأدبة عشاء تكريماً لأعضاء الغرفة التجارية المصرية الإنجليزية، في يوم الخميس 6 نوفمبر سنة 1947، وكان من المدعوين السير ستافورد وألقى على الحاضرين خطبة من أخطر الخطب التي تناولت شؤون مصر السياسية والتجارية، وقد نشرت الصحف البريطانية هذه الخطبة في الصدر، وترجمتها أكثر الصحف العربية، ومع ذلك فلم أجد أحداً علق عليها بما ينبغي أن يقال في تفسيرها وتأويل مراميها.
كان من أول مرامى السير ستافورد أن يبين بأجلى بيان أن (التعاون الثقافي) و (التعاون التجاري) بين مصر وبريطانيا كفيلان بأن ينهيا على مر الأيام إلى حل النزاع السياسي الناشب بين الدولتين، وهو يرجو أن ينسأ الله في أجله حتى يرى هذا الحل الموفق بين المتنازعين. وقال إن هذا النزاع بين مصر وبريطانيا ليس سوى (خلاف) يسير في تاريخ طويل حافل بعلاقات المودة، وبالذكريات الجميلة بين البلدان فيما يعتقد. وزعم أنه على يقين من أن الصلات التجارية والروابط الثقافية إذا هي سارت على نهج موافق ينفي عنها كل ما يزعج أو يثير الخواطر، فإنه سوف يعيش بإذن الله حتى يرى حلا موفقاً مرضياً يفض ذلك الخلاف السياسي اليسير، ويومئذ تخرج الدولتان منه وقد أصبحت الصلات التي بينهما أقوى، وأصبحت المودة أصدق، وأصبحت النفوس أسلم. وزعم ايضاً أن هذا الضرب من الصلات والروابط سيظل هو الغالب بين الأمتين على كل خلاف سياسي. ثم امتلأت جوانب هذه الخطبة بإشارات خفية إلى أسلوب بريطانيا في الاستبداد التجاري الذي اعتصرت به الحياة من أهم كثيرة غير مصر والسودان، والى التهديد الملثم بأن بريطانيا مضطرة إلى تحطيم هذا التعاون إذا أصرت مصر على إنقاذ قانون الشركات الذي أصدرته منذ عهد قريب، ثم لم ينس السير ستافورد كريبس الوزير البريطاني عادة قومه في المن الخبيث البغيض المتلفع بالعواطف الإنسانية النبيلة، فزعم أن عطف بريطانيا على مصر في محنة الكوليرا كان مبعثه العطف الإنساني البالغ والرثاء العميق، لا الدافع السياسي أو الحافز التجاري. وفي الخطبة كثير من أمثال هذه التلفيقات العجيبة.
زعم السير ستافورد أن الروابط الثقافية والتجارية كفيلة بحل ما سماه (خلافاً) سياسياً، وهو يرمى بهذا إلى تحقير هذا (الخلاف السياسي) الطارئ، لأن تاريخ العلاقات البريطانية المصرية فيما يدعي حافل بعلاقات المودة وبالذكريات الجميلة!!. فهل سمعت أذن بأغرب من هذه الدعوى؟ إن أجمل الذكريات بيننا وبين بريطانيا هو احتلالها أرض مصر والسودان أكثر من خمس وستين سنة، وسعيها الحثيث في فصم عرى مصر والسودان فصما لا مجالة فيه ولا هوادة. إن هذا الخطيب السياسي يعلم أنه يلقى خطبته في دار السفارة المصرية التي دعت لتكريم أعضاء الغرفة التجارية المصرية الإنجليزية، ولكنه يتجاهل هذا ويستهين بالمنزلة السياسية التي ينبغي أن تكفل لدار السفارة المصرية، فيقف ليحط من قدر النزاع السياسي بين مصر والسودان وبريطانيا، ويسميه (خلافاً يسيراً)، كأن حرية شعب واستقلال أمة ليس شيئاً يقام له وزن بازاء ما يسميه العلاقات التجارية والروابط الثقافية؟ ونحن نعجب لم سكت رجال السفارة عن رد هذا التحقير للهدف الأعظم الذي أراقت مصر والسودان في سبيله، ما أراقت من دماء، وجادت في سبيله بالأموال والأرواح والأبناء، وصبرت في الجهاد من أجله على مر الحياة وبأسائها صبراً طويلاً كله آلام وتباريح؟
إن كل حرف في خطبة السير ستافورد كان كأنه يقهقه ساخراً من هذا الشعب الذي يريد أن يعيش حراً في بلاده، فكيف فات من سمع هذه الخطبة من المصريين أن يقف ليعلم السير ستافورد أن النزاع السياسي بيننا وبين بريطانيا هو الحياة وهو الحرية، وهو الهدف الذي لن تلفتنا عنه مودة نشأت من رابطة ثقافية أو علاقة تجارية؟
ثم ماذا يعني السير ستافورد بقوله إن العلاقات التجارية والروابط الثقافية كفيلة بحل هذا النزاع السياسي؟ إنها كلمة يلقيها وهو يقدر كل ما وراءها من سياسة بريطانيا في إذلال شعوب الأرض التي وقعت تحت سلطانها الجائر. فعلاقات بريطانيا التجارية بالبلاد الضعيفة هي أن تجعل رؤوس الأموال المستثمرة في البلاد في يد فئة من الخونة أو فئة من الاجانب، وبذلك تضمن لتجارتها ميداناً هي صاحبة الكلمة الأولى فيه وتضمن أن يكون لهذه الفئة من الخونة أو الاجانب السيادة التامة على الشعب المستذل البائس الفقير الجاهل، وتضمن أن لا تقوم لهذا الشعب قائمة ما دامت هذه الفئة هي صاحبة القوة المدمرة في
الحياة، وهي قوة المال، وتضمن ايضاً ناساً من هؤلاء الخونة وهؤلاء الاجانب يقولون للبلد الفقير الجاهل البائس الذي سلب قوة المال: لم لا تفعل أنت مثل الذي نفعل؟ وهم يعلمون أنه غير مطيق أن يفعل، لأن قيادة أخطبوط القوة المالية في ايديهم هم لا في يد الشعب المسكين. وليس في الدنيا شيء هو أوضح من هذه السياسة اللئيمة، فإن نكون أقوى دولة على شاطئ البحرين الأبيض والأحمر، وأعظم دولة في افريقية، وذلك في عهد محمد علي، وأدخلت من ضروب الإصلاح والتدبير في مجتمعها وفي سياستها وفي صناعتها وزراعتها، ما لا غناء في ترديده الآن، فأبت بريطانيا أن ترى دولة قوية تنازعها سيادة الشرق الأوسط كله، فألبت عليها الدول حتى حطمت اسطولها في نفارين، ثم تخونها من أطرافها حتى انكمشت في أضيق وقعة، ثم انتهت إلى احتلال مصر والسودان مرة واحدة في سنة 1882. ومنذ ذلك اليوم وبريطانيا تدعى أنها جاءت لإصلاح أمرنا، فإذا هذا الإصلاح قاصر على أن تطلق يد الخونة والأجانب في مال مصر وثرواتها، وأن تحرم الشعب المصري من كل خير، وتضطهده وتقاتله بأخبث الأسلحة، ثم تتركه جائعاً عارياً جاهلاً لا يطيق أن يدفع عن نفسه. فأي خير جنيناه من هذه العلاقات التجارية بيننا وبين بريطانيا إلا الذل القاتل والإذلال المهين؟
وما الذي فعلته بريطانيا منذ سنة 1882 لهذا اليوم؟ إنها لم تأل جهداً في فتح باب الهجرة للأفاقين واللصوص والمجرمين من كل جنس وملة، وأطلقتهم على هذا البلد الأمين يعيشون في أرجائه فساداً، وحمتهم بامتيازاتها وامتيازات الدول، ويسرت لهم أن يعيشوا عيشة البذخ والرفاهية إلى يوم الناس هذا. وقد ذكر السير ستافورد أن مصر كانت في زمن هذه الحرب الأخيرة (تستمتع برخاء غير طبيعي في عدة وجوه، على حين كانت بريطانيا على النقيض تماماً، فقد كانت مجبرة على الإنفاق عن سعة في الخارج خلال فترة الحرب، لحماية نفسها وحماية الديمقراطية في العالم)، وهو يعلم أحسن العلم إن هذا الرخاء لم تعرفه مصر ولا المصريون، ولا السودان ولا السودانيون، بل عرفته الجاليات من الأجانب الذين عاشوا في مصر أو الذين وفدوا على مصر. وهو يعلم أحسن العلم أن الذين تسميهم بعض الصحف تندراً بأغنياء الحرب، وترمز اليهم برجل مصري يلبس لباساً محدثاً عليه، ليسوا سوى فئة قليلة إذا قيست بالآلاف المؤلفة من الأجانب الذين عقدوا الأموال وجمعوها وصاروا شيئاً
بعد أن لم يكونوا إلا حضيضاً موطؤاً، وأنا أعرف مئات من هؤلاء الأجانب كانوا يعيشون قبل الحرب عيشة الكفاف بل عيشة الصعاليك، فإذا كلهم قد أصبحوا من الثروة والعزة بحيث إذا رأيت أحدهم ظننت أنه قوة إلهية تمشي على الأرض المصرية لتستذل هذا الشعب وحده. وبقى الشعب المصري أسوأ حالا مما كان فيما قبل سنة 1882، فما الذي فعلته بريطانيا؟ وما دعواها في إصلاح هذه البلاد؟.
وهذا كله بين لكل مصري، وهو أشد بياناً ووضوحاً في عيني السير ستافورد كريبس، ومغالطته في الحقائق التي يعلمها لا هدف لها إلا أن تدل على أنه سياسي بريطاني حقاً؟!.
ثم ما هذه الروابط الثقافية التي يرجو أو يزعم أو يحقق السير ستافورد أنها كفيلة بأن تغطى هذا النزاع بين الدولتين: بين الدولة المتغطرسة المستبدة التي تحتل بلادنا، وبين الشعب المسكين الذي ظل خمساً وستين سنة يجاهد في نيل استقلاله والتمتع بحرية الدولة المستقلة؟ لقد أغناها السير ستافورد عن طلب الدليل بأن ذكر عدد الطلاب الذين أكرمت بريطانيا وفادتهم في هذه السنة ففتحت لهم أبواب جامعاتها. ولسنا ندري كيف يرجو السير ستافورد أن يكون هؤلاء الطلبة الذين درسوا في بريطانيا عاملاً في حل النزاع السياسي بين مصر وبريطانيا؟ ولكنا نعلم يقيناً أنه ما من شاب نعرفه ذهب إلى بريطانيا وعاد إلى مصر وهو مصري القلب واللسان، إلا وهو نعرفه منهم عاد إلى مصر وهو يبرأ منها بلسانه وقلبه وجوارحه إلا كفلته بريطانيا ومهدت له حتى يتبوأ المنزلة التي تنبغي لمثله. ونحن لا نحب أن نسمى أحداً بأسمه، ولكني أعرف أن آلافاً غيري يعرفون أحسن مما أعرف، وعندهم من خبر ذلك أوثق مما عندي. أفهذا هو التعاون الثقافي الذي رمى إليه السير ستافورد؟
لا ريب في أن هذا هو التعاون الثقافي الذي يعنيه، وهو لا يلقى بالا كثيراً إلى شيء غيره من ضروب التعاون الثقافي لنشر العلم والمعرفة. بل إن بريطانيا نفسها لم تعن أحداً يجهل ما كان من أمر البريطانيين يوم دخلوا مصر فمزقوا مدارسها، وعملوا عمل الحريص على نزاع كل شيء يفضى إلى تعليم الشعب المصري من يد المصريين، وأصروا على أن يأتوا بداهية من دهاتهم هو دنلوب، ليضع برامج التعليم المصري. فكانت العاقبة أننا بقينا إلى هذا اليوم نرتطم في الأوحال التي قذفنا بها دنلوب، ونعي عن إصلاح التعليم بعد الذي
ابتلى به، وبعد تلك الفئة من الرجال الذين أنشأتهم الثقافة البريطانية وأنشأتهم الثقافة وأنشأهم دنلوب على ما يريد وأعطتهم بريطانيا مقاليد التحكم في وزارة المعارف المصرية.
ولم يقف الأمر عند شأن التعليم بعدئذ، بل سار على هذا النهج في كل عمل في الوزارات المصرية، منذ كان وزير الاحتلال مصطفى فهمي باشا إلى هذا اليوم إلا من عصم الله.
ومع ذلك فالفساد الذي لحق الإدارة المصرية كلها من جراء هذا الضرب من التعاون الثقافي، قد تغلغل وضرب بجذوره في كل شيء حتى في الاجتماع المصري. وكل هذا بين لا خفاء فيه. ولنا عودة اليه إن شاء الله.
ثم إن تعجب فاعجب لهذا الغضب الرقيق والعقاب الحلو الذي جرى على لسان السير ستافورد وكريبس من جراء (تهور) الحكومة المصرية في سن قانون الشركات. إن هذا القانون لا يكاد يعد شيئاً إذا قيس بقوانين الشركات وغير الشركات في بريطانيا نفسها ثم في سائر بلاد العالم، ولكن السير ستافورد يغضب هذا الغضب الرقيق ويعاتبنا هذا العتاب الحلو، لأن هذا القانون ينال شيئاً قليلاً من الأجانب الذين يعيشون في مصر. وكيف لا يعاتب ولا يغضب علينا، والأجانب هم الناس، وهم مصر، وهم أصحاب المصالح الحقيقية كما كانت تقول بريطانيا قديماً إن الذي يرده السير ستافورد، أو الذي تريده بريطانيا، شيء واضح هو أنه لا يحل للشعب المصري أن يفكر ساعة واحدة في أن يسن في بلاده قانوناً يقيد حرية الأجانب أو يحد من ضراوتهم وفجورهم، وإلا فعلى هذا الشعب المصري أن يحتمل تبعة هذه الجرأة وهذه الوقاحة التي تدفعه إلى الحد من سلطان سادته وأصحاب الكلمة العليا في بلاده. ولذلك رأينا الصحف البريطانية تغمز وتلمز ايضاً حين صدر قانونا إقامة الأجانب في مصر مع أن مثل هذا القانون في بريطانيا نفسها يجعل الأجنبي يعيش في أرضها وعليه ملكان يكتبان كل شيء حتى ما توسوس به نفسه. ولكننا لا نستطيع إن نسن في بلادنا قانوناً كقانونهم وإلا فإننا متعصبون يضطهدون الأجانب، وهذا التعصب كفيل بأن يقضي على كل نهضة في بلادنا، وكفيل بأن يزعزع ثقة الأمم فينا، وكفيل بأن يمنع عنا مدد بريطانيا الصالحة التقية الورعة!!
إن هذه الخطبة التي ألقاها السير ستافورد كريبس هي خلاصة موجزة لأسلوب بريطانيا
في إذلال الشعوب، وإذلال شعب مصر خاصة، فعسى أن لا يفوت الحكومة المصرية أن توغل في شرحها وتنحس سائر مراميها، لكي تعرف أن ساعة الجد قد دنت، وأنه ليس بيننا وبين بريطانيا إلا العداوة المكشوفة، وأن علينا أن نعمل رضيت بريطانيا أو أبت، وعلينا أن نصابرها وأن نحتمل الضنك والبأساء في سبيل إنقاذ مصر والسودان من براثن هذا الوحش الضاري.
محمود محمد شاكر
من شواهد الشواهد
للأستاذ علي الطنطاوي
40 -
إذا ماغضبنا غضبة مضرية=هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
للقحيف بن خمير (أو خمير) بن سليم الندي (أو البدى) شاعر اسلامي كوفي أدرك الدولة العباسية، أخذه منه بشار فأدخله في قصيدته، وقبله:
لقد لقيت أفناء بكر بن وائل
…
وهزان بالبطحاء ضرباً غشمشما
41 -
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره=تعددت الأسباب والموت واحد
لأبن نباته السمدي الشاعر عصري المتنبي، روى ابن خلكان أنه قال: كنت يوماً في دهليزي فدق عليّ الباب، فقلت: من؟ قال: رجل من أهل المشرق. قلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل (وذكر البيت)؟ فقلت: نعم. قال: أرويه عنك؟ قلت: نعم. فمضى. فلما كان آخر النهار، دق عليّ الباب. فقلت: من؟ قال: رجل من أهل المغرب. فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل (وذكر البيت)؟ قلت: نعم. قال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم. وعجبت كيف وصل إلى المشرق والمغرب
42 -
والناس ألف منهم كواحد=وواحد كالألف إن أمر عني
لأبي بكر بن دريد، الأمام اللغوي، من مقصورته المشهورة، التي يقول فيها:
من ظلم الناس تحاموا ظلمه
…
وعز عنهم جانباه واحتمى
من لم يعظه الدهر لم ينفعه ما - راح به الواعظ يوماً أو غدا
من لم تفده عبراً أيامه
…
كان العمى أولى به من الهدى
من عارض الأطماع باليأس رنت
…
إليه عين العزّ من حيث رنا
من عطف النفس على مكروهما
…
كان الغنى قرينه حيث انتوى. الخ
وقد عارضها هازلاً محمد بن عبد الواحد الشاعر المعروف بصريع الدّلاء، بمقصورة عجيبة، أسوق أبياتاً منها، وإن لم تكن من صلب موضوعي، قال:
من لم يرد أن تلتقب نعاله
…
يحملها بكفه إذا مشى
ومن أراد أن يصون رجله
…
فلبسها خير له من الحفى
من دخلت في عينه مسلة
…
فاسأله من ساعته عن العمى
من أكل الفحم تسود فمه
…
وصار صحن خده مثل الدجى
من صفع الناس، ولم يدعهم
…
أن يصفعوه فعليهم أعتدى
من ناطح الكبش تفجر رأسه
…
وسال من فوقه شبه الدما
من طبخ الديك ولا يذبحه
…
طار من القدر إلى حيث يشا
من شرب المسهل في فصل الشتا
…
أطال ترداداً إلى بيت الخلا
من مازح السبع ولا يعرفه
…
مازحه السبع مزاحاً بجفا
من فاته العلم وأخطاه الغنى
…
فذاك والكلب على حد سوا
والدرج يلفى بالنشا ملتصقاً
…
والسرج لا يلصق إلا بالغرا
والذقن شعر في الوجوه نابت
…
وإنما الاست التي تحت ال (كذا)
فأستمعوها فهي أولى بكم
…
من زخرف القول ومن طول المرا
فتلك كالدر يضيء لونها
…
وهذه في وزنها مثل الخ. . . . . . .
43 -
إذا لم يكن صدر المجالس سيداً=فلا خير فيمن صدرته المجالس
لأبن خالويه الحسن بن أحمد اللغوي النحوي، وكان له شعر حسن رواه في اليتيمة، وبعده:
وكم قائل: مالي رأيتك راجلاً؟ فقلت له: من أجل أنك فارس!
44 -
مالي سوى قرعي لبابك حيلة=فلئن رددت فأي باب أقرع؟
لأبي القاسم عبد الرحمن الخطيب الأندلسي الشاعر الصوفي توفي في مراكش في أواخر القرن السادس الهجري. من قطعته المشهورة عند الصوفية، وهي:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
…
أنمت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها
…
يا من إليه المشتكي والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن
…
أمين فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة
…
فبالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي. . . (البيت)
من ذا الذي أدعو وأهتف يأسمه
…
إن كان فضلك عن عبيدك يمنع
حاشا لمجدك أن تقنط عاصياً
…
الفضل أجزل والمواهب أوسع
45 -
إن الثمانين (وبلغتها) =قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
لعوف بن محلم الشيباني شاعر مجيد كان نديماً لطاهر بن الحسين ثلاثين سنة لا يفارقه ثم لأبنه من بعده. من قصيدة قالها لعبد الله ابن طاهر، وقد دخل عليه فكلمه فلم يسمع، فأرتجل هذه القصيدة، وقبله:
يا أبن الذي دان له المشرقان
…
طراً وقد دان له المغربان
وبعده:
وبدلتني بالشطاط انحنا
…
وكنت كالصعدة تحت السنان
وقاربت مني خطاً لم تكن
…
مقاربات وثنت من عنان
ولم تدع فيّ لمستمتع
…
إلا لساني وبحسبي لسان
46 -
لايعرف الشوق إلا من يكابده=ولا الصبابة إلا من يعانيها
للأبله البغدادي محمد بن بختيار من شعراء الجريدة شاعر مولد رقيق توفي في أواخر القرن السادس الهجري، لقب بالأبله لقوة ذكائه. .
47 -
ما أنت أول سار غره قمر
شطر بيت للحريري صاحب المقامات. وبعده:
= ورائد أعجبته خضرة الدمن
فأختر لنفسك غيري إنني رجل
…
مثل المعيدي فأسمع بي ولا تراني
48 -
منذا يعيرك عينه تبكي بها=أرأيت عيناً للبكاء تعار
للعباس بن الأحنف، وقبله:
نزف البكاء دموع عينيك فأستعر
…
عيناً لغيرك دمعها مدرار
49 -
قالوا أقترح شيئاً نجد لك طبخه=قلت أطبخوا لي جبة وقميصاً
لأحمد بن محمد الأنطاكي المعروف بأبي الرقعمق المتوفي في نهاية القرن الرابع، شاعر يغلب على شعره الهزل كأبن حجاج وصريع الدلاء، وقبله:
إخواننا قصدوا الصبوح بسحرة
…
فأني رسولهم الىّ خصوماً
وله في الهزل قصيدة طويلة، أولها:
وقوققي وقوققي
…
هدية في طبق
أما ترون بينكم
…
تيساً طويل العنق
50 -
والناس من يلق خيراً قائلون له=ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل
للقطامي وأسمه عمير بن شيسيم التغلبي شاعر إسلامي متقدم من الفحول ولقب القطامي ببيت قاله، وقبله:
والعيش لا عيش إلا ما تقرّ به
…
عين ولا حال إلا سوف ينتقل
وبعده:
51 -
قد يدرك المتأني بعض حاجته=وقد يكون مع المستعجل الزلل
52 -
وربما ضرّ بعض الناس حزمهم=وكان خيراً لهم لو أنهم عجلوا
53 -
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره=ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما
للمرقش الأصغر، وأسمه عمرو (وقيل ربيعة) بن حرملة وقبله:
أمن حلم أصبحت تمكث واجماً
…
وقد تعترى الأحلام من كان نائماً
53 -
ألهي بني جشم عن كل مكرمة=قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
لِمَوْج بن قيس بن مازن وهو ابن أخت القطامي شاعر خبيث اللسان، وبعده:
يفاخرون بها مذ كان أولهم
…
يا للرجال لفخر غير مَسْؤوم
إن القديم إذا ما ضاع آخره
…
كساعد فّله الأيام محطوم
54 -
لو بغير الماء حلقي شرق=كنت كالغصان بالماء أعتصاري
لعدي بن زيد العبادي، من أبيات له يستعطف بها النعمان. وقبله:
أبلغ النعمان عني مألكا
…
أنه قد طال حبسي وأنتظاري
وبعده:
ليت شعري من دخيل يعترى
…
حيث ما أدراك ليلي ونهاري
قاعداً يكرب نفسي بثها
…
وحراماً كان سجني واحتصاري
55 -
جاء شقيق عارضاً رمحه=إن بني عمك فيهم رماح
لَحجل بن نضلة الباهلي، جاهلي، وشقيق هذا هو شقيق ابن جزء بن رياح من بني قتيبة بن معن.
56 -
على نحت القوافي من معادنها=وما عليّ إذا لم تفهم البقر
للبحتري.
57 -
يا أيها الرجل المعلم غيره=هلاّ لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذى السقام وذي الضنى
…
كيما يصح به وأنت سقيم
لأبي الأسود الدؤلي من قصيدته التي يقول فيها:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
…
فالقوم أعداء له وخصوم
58 -
قومي هم قتلوا أميم أخي=فإذا رميت أصابني سهمي
للحارث بن وعلة الجرمي من شعراء الحماسة، من قصيدته التي مطلعها:
لمن الديار بجانب الرضم
…
فمدافع الترباع فالرجم
وبعده:
فلئن عفوت لأعفون جللا
…
ولئن سطوت لأوهنن عظمى
59 -
أنا أبن جلا وطلاع الثنايا=متى أضع العمامة تعرفوني
لسحيم بن وثيل بن عمرو بن جوين بن وهيب الرياحي من قصيدة له طويلة، وقبله:
أنا أبن الغرّ من سلفي رياح
…
كنصل السيف وضاح الجبين
وبعده:
عذرت البزل إن هي صاولتني
…
فما بالي وبال أبني لبون
60 -
وماذا تبتغي الشعراء مني=وقد جاوزت حد الأربعين
أخو خمسين مجتمع أشدي
…
ونجذني مداراة الشؤون
سأجني ما جنيت وإن ظهري
…
لذو سند إلى نضد أمين
61 -
شاور سواك إذا نايتك نائبة=يوماً وإن كنت من أهل المشورات
للقاضي الأرجاني، وهو ناصح الدين ابو بكر أحمد بن محمد أبن الحسين، قاضي تستر، شاعر فقيه وبعده:
فالعين تبصر منها ما دنا ونأى
…
ولا ترى نفسها إلا بمرآة
وله البيت المشهور الذي يقلب حروف صدره فيجيء معك عجزه:
مودة تدوم لكل هول
…
وهل كل مودته تدوم
62 -
فألقت عصاها وأستقر بها النوى=كما قرّ عيناً بالإباب المسافر
لمعقر بن حمار البارقي، شاعر جاهلي محسن متمكن، وأسمه عمرو، وفي نسبه أختلاف.
وسمى معقراً لقوله في هذه القصيدة:
لها ناهض في الوكر قد مهدت له
…
كما مهدت للبعل حسناء عاقر
63 -
فيا شجر الخابور مالك مورقا=كأنك لم تجزع على أبن طريف
للفارعة بنت طريف بن الصلت الشيبانية، ترثى أخاها الوليد الشاري البطل الخارجي، الذي خرج أيام الرشيد في نصيبين والخابور وتلك النواحي، من قصيدة لها معروفة، ومنها:
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى
…
ولا المال إلا من قنى وسيوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى
…
فإن مات لم يرض الندا بحليف
فقدناك فقدان الشباب وليتنا
…
فديناك من فتياتنا بألوف
وما زال حتى أزهق الموت نفسه
…
شجى لعدو أو لحىّ لضعيف
ألا يا لقومي للحمام وللبلى
…
وللأرض همت بعده برجيف
وللبدر من بين الكواكب قد هوى
…
وللشمس لما أزمعت لكسوف
ولليث كل الليث إذ يحملونه
…
إلى حفرة ملحودة وسقيف
عليك سلام الله وقفاً فأنني
…
أرى الموت وقاعاً بكل شريف
(القاهرة)
علي الطنطاوي
ليل الهوى
للأستاذ أنور العطار
أسألي الليل فهو ينبيك عني
…
يا غنائي ويا رحيق ودني
أنت منه هذا الوشاح المحلى
…
بالدرارى، والشعر واللحن مني
عالم الليل مثله عالم الشـ - رغنى بألف فن وفن
أنت منه هذا الجمال الذي يو - حي ويذكي الجوى ويحيى ويفنى
وينقى الآرواح من عنت الإثـ - م فتهتز كالربيع الأغن
جل من صاغه إطاراً من الحسـ - ن وأحياك للهوى والتغني
يستعير الجمال منك يناه
…
وتشيد المنى القصور وتبني
حار في كنهك المضلل فكري
…
وشفى غيضه سرابي وظني
ضمك الوهم صورة ليس تفنى
…
وأحتواك الخيال تمثال حسن
أتمنى وأنت منى الأماني
…
وأغنى وأنت منىَ لحني
وأناجي حتى كأنىَ نجوى
…
وكأنى طيف الهوى المتثني
أي سحر هذا الذي أمتلك النفـ - س فأغرى طرفي وأسكر أذني
كل نجم عين تصافح عيني
…
كل روح سن تضاحك سني
إنه الحب عبقري يغني
…
ويهد القوي ويوهي ويضني
ويثير النؤوم في عالم الغيـ - ب ويحيى الذكرى ويقصي ويدني
إن شدا كان فرحة لا تبارى
…
وحمى آمناً وجنة عدن
وملاذاً تصبو اللحون إليه
…
من خلىّ حلو المنى مطمئن
وشجىّ كبلبل مستهام
…
يستمد الغناء من كل غصن
في دناني بقية من شراب
…
هي قوت الهوى وروح التمني
ويدي لم تزل على الوتر المـ - راب والقلب لا يزال يغني
طرس وعود.
.
للآنسة دنانير
إذا عصفت أشواق روحي إليكم
…
بروحي، وهاجت عبرتي وأنيني
فزعت بآلامي
فطوراَ على طرسي أريق حشاشة
…
تساقط أنفاساً وخفق وتين
وطوراَ على عودي أوقع أنه
…
سماوية الأصداء، ذات رنين
إذا غمرت أوتاره الخرس أنملى
…
تناغت بأشواقي لكم وحنيني
نجيان أدنى من قريب وصاحب
…
إليّ، وأحنى من أخ وخدين
بحث في الكولرا
للدكتور فضل أبو بكر
هي داء عضال وشر مستطير، وإحدى ما يسمونه في الزمان الغابر بالأوبئة الثلاثة: الطاعون، والحمى الصفراء، والكولرا، وهي حقاً ثالثة الأثافي لشدة وطأتها ولما تزهقه من أرواح وقد لقبها الغربيون بالوباء الأسيوي نسبة لوجودها في بعض المدن والبلاد الأسيوية كالهند ولا سيما مقاطعة الهندستان والبنغال.
تاريخها:
الهند - كما ذكرنا - وطنها الأول إذ توجد فيها بحالة مستوطنة كامنة وذلك منذ أجيال سحيقة كما جاء ذكرها في المراجع الهندية القديمة المكتوبة باللغة السنسكريتية لغة قدماء الهنود.
هذا ولما كان البرتغاليون من أسبق الأوربيين في فن الملاحة والأسفار كان أطباؤهم ايضاً أول من عني بدراسة الكولرا ووصفها نذكر منهم (جاسبار) و (جوريا) و (جارسيا دي هورتا) سنة 1543.
فتك هذا المرض - في القرن الثامن عشر - فتكاً ذريعاً بالجيوش الفرنسية والإنجليزية. غير أنه لم ينتشر بحالة وبائية إلا في أوائل القرن التاسع عشر. وقسموا هذه الأوبئة - على وجه التقريب - إلى سبعة أقسام بالنسبة إلى تاريخ حدوثها وهي كما يأتي:
الوباء الأول:
من سنة 1817 إلى 1823 بدأ في الزنجبار وجزيرة موريس والهند الصينية الفرنسية والصين واليابان وبلاد الفرس وبغداد.
الوباء الثاني:
من سنة 1826 إلى سنة 1837 أنتقل من الهند إلى الأفغانستان وتركستان وبلاد العجم كما وصل إلى روسيا وبلغاريا ومن ثم إلى بولندا وبروسيا الشرقية، وأمتد لهبة إلى أوربا الوسطى ولم تنج منه أمريكا الشمالية والمكسيك.
الوباء الثالث:
من سنة 1846 إلى سنة 1851 وقد ظل محصوراً في البلاد الأسيوية وشمال أفريقيا ومنها
إلى البلجيك وهولندا والسويد والنرويج ثم عرج على اليونان وشمل على وجه الأجمال كل أوربا ووصل إلى شمال أمريكا.
الوباء الرابع:
من سنة 1863 إلى سنة 1876 منيت به أسيا الصغرى وبعض مدن أوربا كما أعلن ظهوره في الأرجنتين وفي عام 1866 كان بالسنغال وأواسط أفريقيا والحبشة.
الوباء الخامس:
سنة 1883 اصيبت به مصر، وفي أثناء هذا الوباء أحرز العلم نصراً كبيراً على يد خدن من أخدانه وأكبر ركن من أركانه هو العالم الألماني الكبير (روبرت كوخ) مكتشف مكروب السل المعروف باسمه. أكتشف كوخ مكروب الكولرا لأول مرة في مصر، وذهب إلى الهند بعد عام واحد، وقصد مدينة كلكتا وأثبت للمرة الثانية حقيقة المكروب إثباتاُ قاطعاُ.
وصل الوباء بعد ذلك إلى جنوب أفريقيا وتمادى إلى أسبانيا وإيطاليا وسواحل البحر الأدرياتيكي.
الوباء السادس:
من سنة 1892 إلى سنة 1896 نشب في الهند وأمتد لظاه إلى روسيا وألمانيا وإنجلترا وفرنسا وهولندا وبلجيكا.
الوباء السابع:
بدأ سنة 1900، وبعد عام من نشوبه عم جميع بلاد الشرق الأقصى وأمتد إلى أسيا الصغرى كما منيت به مصر وروسيا وتركيا وإيطاليا وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى ظهر من جديد في روسيا ودام بها بضع سنوات ومات بسببه نحو 207389 من السكان.
أثر المواصلات في انتشار الوباء:
إن المواصلات على أختلاف أنواعها من برية وبحرية وجوية كانت وما زالت ضمن العوامل المساعدة على انتشار الوباء. لهذا كانت الرقابة الصحية على اشدها على الحدود والمرافئ والمطارات حيث المحاجر الصحية، وتكون الرقابة عليها صارمة عنيفة وقت نشوب الأوبئة في بقعة من السكرة الأرضية. فقد ارتبطت أجزاء العالم المترامية وقربت المسافات بفضل هذه المواصلات.
فالطريق البري مثلا ينقسم إلى قسمين: احدهما شمالي ينتقل بواسطته المرض من جهات الهند والصين إلى روسيا بواسطة بحر قزوين ونهر الفلجا ومن روسيا إلى بلاد البلقان وربما كل أوربا.
والطريق الآخر جنوبي بواسطة السهل الواقع بين صحراء سوريا وإيران والذي يرويه نهر دجلة والفرات، ومن هذا السهل تنتقل العدوى إلى مكة وربما يأتي بها الحجاج إلى مصر وشمال أفريقيا.
والطريق البحري يساعد على نشر الداء من كلكتا إلى الهند الصينية الفرنسية والصين وميناء سنجابور، والطريق الآخر من بومباي إلى الخليج الفارسي واسيا الصغرى وسوريا وتركيا.
طرق الإصابة وانتشار العدوى:
أهم ناشر للعدوى هو الإنسان نفسه؛ ونقصد به المريض في طور الإصابة بل والناقة من المرض كذلك ما يسمونه: (بحامل المكروب) وهذا الأخير ليس بمريض في حد نفسه إذ لا يتأثر بالمرض ولا تظهر عليه عوارضه ولكنه جسمه يأوى جرثومة المرض ويضيفها تشهد عليه بذلك إفرازاته من برازية وبولية وأحياناً العصارة الصفراوية كل هذه المواد والسوائل تحوي بعض المكروبات ومن هنا كان خطر هؤلاء الحملة كبيراً على السكان.
المياه ونقل العدوى:
تلعب المياه دوراً خطيراً في هذا الصدد ونقصد بها الموارد العذبة من أنهار وآبار وينابيع المستعملة في الشرب والغسل والطبخ وغير ذلك من الحوائج المنزلية سيما إذا استعملت بحالتها الطبيعية من غير تعقيم ولا تطهير.
تلوث تلك المياه بما يصل اليها من إفرازات المريض أو غسل ملابسه أو ما يستعمل له من أوان أو غيرها وكذلك الأمطار وقت هطولها قد تجرف بعض المكروبات وتفضي بها إلى الموارد المذكورة.
الحيوانات ونقل العدوى:
أهم هذه الحيوانات الحشرات ، اهمها الذباب الذي يهبط ويحط رحاله على إفرازات المريض يتغذى منها ثم ينقلها إلى الأطعمة والمواد الغذائية كذلك نوع خاص من النحل كما
أدينت بعض الاسماك والقواقع المائية.
بواسطة المواد الغذائية:
إن المواد الغذائية على أختلاف أنواعها قابلة للتلوث بمكروب الكولرا وذلك بسهولة وبشتى الطرق عن طريق الذباب مثلا أو غسلها وتحضيرها بماء ملوث أو التي يقوم بطبخها بعض المصابين أو الناقهين أو (حاملي المكروب)، وقد شوهد أن المكروب يمكنه أن يعيش على اللحوم مدة ثمانية أيام وعلى الخبز سبعة أيام وعلى الكسر والملح نحو ثلاثين ساعة وعلى الخيار والطماطم نحو ثلاثة أيام وعلى البطيخ نحو ثمانية أيام. أما اللبن فقد يكون أقل تعرضاً للإصابة من غيره وذلك لأنه قابل للحموضة والتخمير ومكروب الكولرا تؤذيه البيئة الحمضية وتؤدي به إذ أرتفع منسوبها.
الانتشار بواسطة الأشياء:
أي جميع الأشياء التي تلامس المريض عن طريق مباشر أو غير مباشر وأهم هذه الأشياء الملابس، وقد وجد الطبيب (سمطن) سنة 1821 أن مريضة ماتت من مرض الكولرا وكانت ترتدي قناعاً وقت مرضها وقد أحتفظت أبنتها بذلك القناع كتذكار وحفظته في مكان وبعض مصي عشرة أشهر على ذلك ظنت الأبنة أنه ليس هناك خطر أو بأس من أرتداء القناع وقد أصيبت بالمرض على أثر الارتداء من هنا نعلم خطر الملابس الشديد.
الأعمار وأثرها في الإصابة:
دلت التجارب على إن السن لها دخل في الإصابة فالطفل الصغير في طور الرضاعة لا يصاب بالمرض ولا تظهر عليه عوارضه حتى ولو كانت أمه أو مرضعته مصابة بالداء ولكنه قد يصير من جراء تعرضه من (حملة الميكروب).
كما أن الأطفال أقل قابلية من البالغين والكهول والشيوخ أقل من الكهول ولكن أصابتهم تكون في الغالب أخطر على حياتهم من غيرهم وذلك لضعف أجسامهم وعجزها عن المقاومة.
عوارض المرض:
هناك فترة قصيرة بين إصابة الجسم بالمكروب وظهور أول العوارض وهي ما تسمى بال تتراوح بين ثلاث ساعات إلى خمس وقد تمتد إلى خمسة أيام، وإن كان متوسطها لا يعدو
يومين، وقد وضع القانون الدولي للمحاجر الصحية حداً لتلك المدة وقدرها بخمسة أيام تتخذ في أثنائها جميع الاحتياطات اللازمة.
الطور الأول:
يبدأ المرض باسهال شديد مسبوق بأوجاع مؤلمة على طول أمعاء القولون نتيجة لالتهابه ويشعر المريض بتعب وفتور عام ويكون لون المواد البرازية مخضراً أو رمادياً.
الطور الثاني:
يبدأ غالباً في الهزيع الثاني من الليل معلناً ظهوره بألم شديد في أعلى البطن وأسفل الصدر مع شعور المريض بالبرد الشديد ولا سيما في الأطراف التي تهبط حرارتها ويشعر المريض بضيق في التنفس وبشي من الاختناق لذلك يلهث ويكثر تنفسه ويسرع نبضه ودقات قلبه التي تضعف ضرباتها في نفس الوقت. أما الإسهال فتشتد وطأته وقد تبلغ كمية المواد نحو ست لترات وهي عبارة عن سائل مبيض أشبه بشربة الأرز من حيث اللون والشكل ويفقد رائحته المألوفة كذلك يتقايأ المريض وقد يبلغ كمية القيء مبلغ البراز. أما البول فيندر وتقل كميته ويصبح التبول عسيراً ومصحوباً بالأم شديدة.
الطور الثالث:
تشتد فيه العوارض المذكورة ويزداد حرج المريض وكربه ويقل البول بل ينعدم إفرازه ويشعر المريض بالاختناق وبالبرد الشديد كما يهبط ضغط الدم ويهزل الجسم وتغور العينان ويصبح الجسم كالعود اليابس الذي جف ماؤه وزالت نضرته. وقد يلاقي المريض حتفه في هذا الطور.
أنواع المرض بالنسبة لحدته وشدة وطأته:
هنالك نوع أخف وطأة مما ذكرنا وهو أقل خطراً بالطبع كما أن هنالك أنواعاً حادة أشد بأساً مما سلف ذكره وقد تؤدي بالمريض في مدى يومين، وصنف أخر أكثر حدة وأشد خطراً من كل ما ذكر وهو أشبه بالذبحة الصدرية ويسمونه (بالكولرا الجافة) لأنه لا يكون فيه إسهال ولا قيء وهو يصيب غالباً الشيوخ وضعاف الجسم وقد يموت من جرائه المريض بعد يوم واحد أو بعد بضع ساعات.
(البقية في العدد القادم)
فضل أبو بكر
حول جدل في الجامعة.
للأستاذ محمد أحمد خلف الله
تحت هذا العنوان كتب حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الفتاح بدوي المدرس بكلية اللغة العربية بالأزهر يقول (ولكن الذي لنا وللعلماء خاصة هو القيامة على الحقائق العلمية وعلى الحقائق الدينية ننفي عنهما الخبث وندافع عنهما كل من يحاول عليهما العدوان.) وأنه ما دام يملك المقال الذي كتبته في الرسالة. عدد 743 فإنه يملك باباً وسيعاً من المناقشة والحساب في مسائل علمية ودينية لها أكبر الخطر ويترتب عليها أعظم النتائج العلمية والأدبية والأجتماعية والقانونية إلى أن يحصل على أشياء أخرى غير المقال.
ومناقشة الاستاذ لهذا المقال قسمان مسائل وشتائم فلنبدأ الحديث عن المسائل:
1 -
قلت من المعروف دينيا ألا نستنتج من نص قرآني أمراً لم يقصد اليه القرآن. فقال الشيخ هذه الدعوى تهجم عارم على العلم وعلى القرآن جميعاً وبين ذلك بقوله أليس القرآن الكريم كلاماً له الدلالات المنطقية الثلاث المطابقية والتضمينية والالتزامية التي لكل كلام سواء في ذلك كل أنواع الكلام.
ولا نفهم كيف يكون لكل كلام دلالات ثلاث تقصد منه مع أن عياره المتن - الذي يعرف بعلم البيان - (والإيراد المذكور لا يتأنى بالوضعية أي بالدلالة المطابقية ويتأتى بالعقلية أي التضمنية والألتزامية.)
ومعنى ذلك كما يلحظ القارئ أن الإيراد البياني بالتجويز والاستعارة والكناية. . . . الخ لا يكون إلا ببعض هذه الدلالات. ولذا لا ندري كيف حكم الشيخ بالدلالات الثلاث لكل كلام. ثم أين ما يقوله البيانيون ورجال البلاغة من حال المتكلم وحال المخاطب والقرائن العقلية وأين السياق والمقام حيث يقولون لكل مقام مقال أين كل هذا يا صاحب الفضيلة أليس كل هذا يدل على أنه لا يصح أن نستنتج من أي نص أمرا لم يقصد اليه القائل.
ثم هذه الآية نفسها التي أوردها الشيخ وهي أن أول بيت وضع للناس للذي ببكة تدل الدلالة القوية على تأصيل القاعدة التي تقول بها إن لم تكن مؤصلة وإلا فليدلني الشيخ وقد ماذا يكون موقفه من العلم حين يثبت بقرائن مادية يقول بها علماء الجيولوجيا من أن هذا البيت ليس أول بيت وضع للناس من الناحية الزمنية أيصر على موقفه أم يرجع إلى قصد
القرآن ويفهم ما فهمه بعض المفسرين من أن الأولية هنا ليست أولية الزمان.
ولو قرأ الشيخ المقال الافتتاحي في عدد الرسالة الذي نشر فيه مقالة وعنوانه (القرآن والنظريات العلمية) لوجد الضرورة القصوى الداعية إلى تأصيل هذا الأصل في فهم نصوص القرآن لو كان غير مؤصل في فهم عبارة كل متكلم. لكنه أصل لا نعرف أحداً يستطيع المشاحة فيه؟ ولكن؟.
2 -
وقلت إن القصص القرآني من المتشابه فقال الشيخ فلسنا نعرف أحداً من الأصوليين ولا أحداً من المسلمين يعتبر القصص القرآني متشابهاً. . كما يقول في موطن آخر فالأستاذ الأمام لم يقل إن القصص من المتشابه ولم يقل بذلك مسلم قبله أو بعده. .
ونبدأ مع الشيخ بالعموم الجريء في قوله إنه لا يعرف أحداً من المسلمين يعتبر القصص القرآني متشابهاً ونضع بين يديه ما في التفسير الكبير المسمى بالبحر المحيط لأبي حيان ج 2ص 381 طبعة السعادة سنة 1328 هـ ونصه [وقال مقاتل المحكمات خمسمائة آية. . . الخ والمتشابه القصص والأمثال. وقال يحيى بن يعمر المحكم الفرائض والوعد والوعيد والمتشابه القصص والأمثال.]
ثم نضع قول الطبري في جامع البيان في تفسير القرآن ج3 ص107 المطبعة اليمنية ونصه [والمتشابه هو ما اشتبهت الألفاظ واختلاف المعاني وقصة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني.]
ثم نضع قول الطبري في كتابه مجمع البيان في تفسير القرآن ج1 طبع صيداً ص 409 ونصه [
والمتشابه ما تكرر ألفاظه كقصة موسى وغير ذلك عن أبن زيد]. وهذا الرأي هو الذي نقله الأستاذ الإمام في تفسير المنار حيث لم يكتف بما نقله الرازي من أقواله في المتشابه (أنظر المنار ج3 ص165) ولا نطيل بنقله ولعل في هؤلاء واحداً يكون من المسلمين عند الشيخ؟
فإذا انتقلنا إلى الخاص وهو الأصوليين أحلنا الشيخ على إيراد الآمدي لهذا الرأي في كتابه الأحكام ج1 ص238 طبعة المعارف ومناقشته له.
كما نضع بين يديه عبارة الشوكاني في كتابه إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم
الأصول ص28 ونصها (ومثل المحكم الفرائض والوعد والوعيد والمتشابه القصص والأمثال).
فهل لم يعرف الشيخ واحداً من هؤلاء جميعاً؟.
3 -
وقلت إن من المفسرين من لا يلتزم أن كل ما ورد في القصص القرآني من أحداث قد وقع بل بعضه أحداث غير واقعة فقال الشيخ:
ولا نعرف أحداً من الأصوليين ولا من المسلمين لا يقول بأن ما ورد في القرآن من القصص إنما هو أحداث وقعت وحوادث هي خلاصة الحقيقة التي وقعت في سوالف الأزمان.
وإقحام الشيخ الأصوليين هناك لا معنى له فليسمع كلام المفسرين الذين تحدثت عنهم إذ يقررون أن من القصص القرآني أحداث لم تقع.
جاء في أبن كثير ج1 ص590 بعد تفسيره لقوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. . . الخ ما نصه (عن أبن جريح عن عطاء أن هذا مثل) وقد وضع على لفظة مثل رقم 1وكتب على الهامش بآلة الطباعة هذه العبارة (يعني أنها ضرب مثل لا قصة واقعة).
وجاء في الرازي ج2 ص333 نسخة الصالة بدار الكتب وذلك بصدد الحديث عن قصة إبراهيم والطير ما نصه [المسألة الثانية. أجمع أهل التفسير على أن المراد بالآية قطعهن وأن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها ودماءها وخلط بعضها على بعض غير أني مسلم فأنه أنكر ذلك وقال: إن إبراهيم عليه السلام لما طلب إحياء الميت من الله تعالى مثالا قرب به الأمر عليه والمراد بصرهن إليك الإمالة والتمرين على الإجابة أي فعود الطير الأربعة أن تصير بحيث إذا دعوتها أجابتك وأتتك فأذا صارت كذلك فأجعل على كل جبل واحداً حال حياته ثم أدعهن يأتينك سعياً والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة].
وجاء في المنار ج3 ص52 بعد تفسيره لقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ما نصه [ويحتمل أن تكون القصة من قبيل التمثيل والله أعلم].
وقد كرر الأستاذ الأمام تفسير بعض القصص القرآني على هذا الاساس ويكفي أن نحيل
الشيخ إلى الصفحات من 280 - 282 من الجزء الأول ليعرف أن الأستاذ الأمام قد فسر قصة آدم من سورة البقرة على أنها قصة تمثيلية.
على أنا نستطيع أن نضع بين يدي الشيخ هذا النص القاطع الذي لا يحتمل شكا في أن مذهب الأستاذ الأمام هو هذا.
جاء في المنار ج2ص399 الطبعة الأولى ما نصه [ومن البديهي أن ذكر القصة في القرآن لا يقتضي أن يكون كل ما يحكى فيها عن الناس منه كما أن نسبة الكفر إلى سليمان في القرآن ولو لم يكن ذكرها في سياق النفي.
قال الأستاذ الأمام ما مثله. بينا غير مرة أن القصص جاءت في القرآن لأجل الموعظة والاعتبار لا لبيان التاريخ ولا للحمل على الاعتقاد بجزئيات الأخبار عند الغابرين وإنه ليحكي من عقائدهم الحق والباطل ومن تقاليدهم الصادق والكاذب ومن عاداتهم النافع والضار لأجل الموعظة والاعتبار فحكاية القرآن لا تعدو موضع العبرة ولا تتجاوز مواطن الهداية ولا بد أن يأتي في العبارة أو السياق وأسلوب النظم ما يدل على استحسان الحسن واستهجان القبيح.
وقد يأتي في الحكاية بالتعبيرات المستعملة عند المخاطبين أو المحكى عنهم وأن لم تكن صحيحة في نفسها كقوله (كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) وكقوله (بلغ مطلع الشمس) وهذا الأسلوب مألوف فأننا نرى كثيراً من كتاب العربية وكتاب الإفرنج يذكرون آلهة الخير والشر في خطبهم ومقالاتهم لا سيما في سياق كلامهم عم اليونان والمصريين القدماء ولا يعتقد أحد منهم شيئاً من تلك الخرافات الوثنية.
ويقول أهل السواحل غربت الشمس أو سقط قرص الشمس في البحر أو في الماء ولا يعتقدون ذلك وإنما يعبرون به عن المرئى]. أنتهى بنصه من حديثه عن قصة هاروت وماروت وبعد أفلا يرى الشيخ أن الأستاذ الأمام وأن الشيخ رشيد رضا يذهبان إلى أن كل ما ذكر في القصص القرآني لا يلزم أن يكون صحيحاً لأنه ذكر في القرآن بل يكون غير صحيح وانما ذكره القرآن وهو يعتقد بعدم صحته لأن ذلك هو الاسلوب العادي في التخاطب وهو الذي يجري عليه الأدباء.
على أني أستطيع أن أذهب مع الشيخ إلى أبعد من هذا فأقول له إن الأستاذ الإمام يفضل
هذه الطريقة في التفسير وهي طريقة التأويل على غيرها.
قال رحمه الله ج1 ص273 ما نصه (أفلا تزعم أن لله ملائكة في الأرض وملائكة في السماء؟ هل عرفت أين تسكن ملائكة الأرض؟ وهل حددت أمكنتها؟ ورسمت مساكنها؟ وهل عرفت أين يجلس من يكون منهم عن يمينك؟ ومن يكون عن يسارك؟ هل ترى أجسامهم النورانية تضئ لك في الظلام أو تؤنسك إذا هجمت عليك الأوهام؟ فلو ركنت إلى أنها قوى أو أرواح منبثة فيما حولك وما بين يديك وما خلفك وأن الله ذكرها لك بما كان يعرفها سلفك وبالعبارة التي تطمئن اليه نفسك من وجوه تعرفها أفلا يكون ذلك أروح لنفسك وأدعى إلى طمأنينة عقلك؟ أفلا يكون قد أبصرت شيئاً من وراء حجاب؟ ووقفت على سر من أسرار الكتاب؟ فإن لم تجد في نفسك استعداد القبول أشعة هذه الحقائق وكنت ممن يؤمن بالغيب ويفوض في أدراك الحقيقة ويقول (آمنا به كل من عند ربنا) فلا ترم طلاب العرفان بالريب ما داموا يصدقون بالكتاب الذي آمنت به ويؤمنون بالرسول الذي صدقت برسالته وهم في إيمانهم أعلى منك كعباً وأرضى بربهم نفساً.
ألا إن مؤمناً لو مالت نفسه إلى فهم ما أنزل إليه من ربه على النحو الذي يطمئن إليه قلبه كما قلنا كان من دينه في ثقة ومن فضل ربه في سعة) انتهى بنصه.
والآن ماذا يرى الشيخ؟ وماذا يرى غيره من الثائرين؟ إنا لنمتثل معهم بقول القرآن الكريم (وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).
ومن هنا سنعرض عن القسم الثاني من مقال الشيخ وهو قسم الشتائم لعله يفقه الحق ويصل إلى الرشد ويقف على أسرار قرآننا الكريم.
محمد أحمد خلف الله
كلية الآداب - جامعة بغداد.
هجرة المختار:
يا صاحب الحوض المطهر. .
للشاعر محمد هارون الحلو.
هل غير بابك للمؤملى باب
…
يا خير من تسمو به الألقابُ
شعت بنورك في البرية آية
…
هي في الخلائق سنة وكتاب
كفل الإله لنا بظلك نجوة
…
من كل ما يخشى الورى ويهاب
الكوكب الدري في أفق الورى
…
هذا النبي، تبارك الوهاب
نزل الأمين عليه يحمل معجزاً
…
للمرتجين به هدى وثواب
آي من الكلم الجوامع لم يزل
…
للعقل منها منطق وخطاب
فيض من الألق السنى تفرقت
…
منه وشائع سحرهن عجاب
ما كان شاعر أمة وقبيلة
…
هذا الزكي الطاهر الأواب
بل كان ملهم حكمة وشريعة
…
تسمو بها الأخلاق والآداب
بعث النبي وقومه في غمرة
…
وحديثهم في المرسلين كذاب
ورثوا عن الاشياخ من أبائهم
…
بهتان ما شبوا عليه وشابوا
اللات والعزي وآلهة الهوى
…
تسعى لها الأعاناق والذناب
والراي وهو من الفطانة والحجى
…
تقضي به الأزلام والأنصاب
والقتل وهو على النفوس محرم
…
لم يبق منه الثأر ما هو عاب
والخلف داء في القلوب اصابهم
…
في مقتل فغدوا وهم أحزاب
فغدا الرسول عليهم بيقينه
…
والحق سيف يمينه وقراب
فأضلهم شيطانهم إذ ردهم
…
في غيهم خاب الدعى وخابوا
ما ضر لو تبعوا الهدى من ربهم
…
وسعى بهم نحو الفلاح ركاب
قد كذبوه وناهضوه وإنه
…
فيهم لينبوع جرى وسحاب
يدعو إلى التوحيد وهو جبلة
…
دانت بها وبنورها الألباب
رهانه نور الكتاب مفصلا
…
ولهم حجاج خاسر وسباب
أيقر عقل أن تقوم خليفة
…
وبطلها تتسابق الأرباب
ما غير رب العرش في ملكوته
…
بين الخلائق قاهر غلاب
حملوا الأذى عنه وحمل عنهم
…
ما يحمل النصراء والأصحاب
يتأمرون عليه وهو مناصح
…
أيفيد نصح فيهم وعتاب
ضاقوا بدين الله وهو مبلج
…
ضاح يشع ضياؤه الخلاب
نفث الغوى ضلالهم في روعهم
…
فغدوا وهم يصول وناب
يتوثبون ودون ما قد قدروا
…
للقاء أحمد حاصب وشهاب
داروا ببيت المصطفى وحيالهم
…
دون النبي مسالك وشعاب
واستلأموا كي يقتلوه وما غنى
…
في البيت إلا الفارس الوثاب
ينتظرون مع الصباح غدوة
…
وصباح ليل المشركين ضباب
يا نائماً والروح حارس مهده
…
وسيوف مكة من فراشك قاب
خفوا إليك يناوشونك بالأذى
…
يا بائس ما خفت له الأعراب
بكروا على ما بيتوا من أمرهم
…
وبهم هدير صاخب ووثاب
ويتمتمون بحسرة وفجيعة:
…
هذا عليّ دثرته ثياب
وافوا على أمل يقر عيونهم
…
وغدوا بخزي الخاسرين وآبوا
ومضى رسول الله يطلب غاية
…
يرعاه من ظل الإله جناب
هل يعلمون بأن دون لحاقة
…
ووثاقه تتقطع الاسباب!!
ساخت يدا فرس يجد بفارس
…
القلب منه واجل هياب
ويد النبي تشير: قف متصاغراً
…
يا أيهذا الواغل الطلاب
وسراقة المصروع يهتف بالهدى
…
أنت النبي وما يدينك عاب
ولوى العنان وكان أول مؤمن
…
حملت عليه وصاولته هضاب
وطوى الرسول البيد وهو على خطأ
…
من غار ثور والطريق يباب
أو ما اليه المصطفى بتحية
…
فأنهل منه البشر والترحاب
قف بي حيال الغار وقفة خاشع
…
فالغار في بطائحه محراب
حشد الملائك حوله مستلئمين وهم لدين المصطفين غضاب
وكأن روح القدس في أجناده
…
من حوله أسد العرين وغاب
هذا هو الغار المحجب سره
…
رف الظلام به فما ينجاب
فيه ونور الحق أبلج مشرق
…
دون البصائر ظله ونقاب
لا يستبين القلب منه مظنة
…
فيها لسعي الطالبين رغاب
فعشاشة فيها الحمائم فرخت
…
وعليه من نسج العناكب باب
صور يحار الفكر في تدبيرها
…
عجباً وليس له بهن جواب
الله أكبر ذاك نصر محمد
…
ما فيه شك أو به مرتاب
منعته كف الله من أعدائه
…
فمضى على التوفيق وهو مهاب
لله درك يا أبا بكر فقد
…
شدت بك الأوتاد والأطناب
وبك الشريعة قد توطد ركنها
…
وسمت بها في المشرقين قباب
مذ جاءك النبأ العظيم وأنت في
…
ظل النبي السائح الجواب
تفدى وتبذل عن يقي صادق
…
لم يثن عزمك شدة وصعاب
في الغار كنت المفتدى خير الورى
…
والقلب ظام والنفوس جداب
حين ابتليت بواثب متربص
…
والسم منه تفحه الأنياب
والمصطفى حان عليك مطبب
…
والجرح بلسمه الطهور لعاب
علمتنا معنى الوفاء ولم يزل
…
لك في وفاء الصادقين كتاب
هذا الخضم أما له من شاطئ
…
يا رب ترسو عنده الآراب
فالليل داج والمسالك وعرة
…
فيها بروع الماخرات عباب
والمرفأ المأمول منه محجب
…
ووراء عين الناظرين سراب
لولا هدى المولى تبارك وجهه
…
ما لاح نجم أو أضاء شهاب
فسفينة الملاح يهدى سعيها
…
صوت من الله العلي مجاب
الروح حاديها إلى شط السلا - م فكيف يستبق الخطأ جواب؟
هذي مشارف يثرب أئتلقت وأشـ
…
رق بينها للصاحبين رحاب
وسرت مع الصبح المنور نفحة
…
تهفو بها النسمات وهي عذاب
وغدا النبي ووجهه متهلل
…
جذل فغمره ليلة تنجاب
ومواكب البشرى تحف ركابه
…
وبها قلوب بالنشيد طراب
ونجيبة المختار يحدو خطوها
…
بين الهتاف الصحب والأحباب
ويرف حول المصطفى نسم وظل
…
(م) فيه من مسك الربى أطياب
فالسهل بلله الندى برضانه
…
وسقاه فهو منضر معشاب
والنخل ذو الأكمام مال مصفقا
…
وله أكف زانهن خضاب
وترى الجحافل والكتائب بالسيو - ف تشابكت منها عليه قباب
والطير باللحن الشجي تسابقت
…
منها لترجيع الهوى أسراب
عرس به غدت المدينة مشهداً
…
عجباً تهيم بسحره الألباب
يا قدس هذا اليوم يوم محمد
…
فيه تجلى الواحد التواب
هي هجرة ميمونة لجلالها
…
ذات كواهل في الورى ورقاب
يا صاحب الحوض المطهر هل إلى
…
ظام بحبك نفحة وشراب؟
ورد الهوى لو يستباح لظامئ
…
لذ المدام ورقت الأكواب
أنا من يغالبه الهوى وله به
…
روح وريحان ند وملاب
نهواك نهوى في حماك مثوبة
…
والأمن في يوم يقوم حساب
لي منك يا جد الحسين شفاعة
…
ترجى إذا غشى النفوس عذاب
في يوم تصطفى الجوانح خشية
…
ويشف عن كشف الغيوب حجاب
صلى عليك الله جل جلاله
…
ما أنهل بالعذب النمير سحاب
محمد هارون الحلو
الأدب والفن في أسبوع
مات الزين
مات أحمد الزين! فكان موته فجيعة الأدب في الشاعر الكبير ووجيعة القلب في الصديق الكريم، ومأساة الأسرة في العائل الراحل.
أما الصديق الكريم فقد غشينا من الأسى لفقده ما غشينا. وتلاقينا بعد نعيه وكان الواحد منا يقول لصاحبه: مات الزين! ويكاد يجهش لولا التجلد والتجميل. ونطرق صامتين برهة. . ثم تتلاقى نظراتنا كليلة منداة. . وفي نفس كل منا ما فيها من المشاعر والخواطر، وكلها تدور حول ذلك الفقيد الذي ظل حياته ينفح بأدبه وينافح بجلده، حتى صرعه الموت، بعد أن عرقته العلة، وأستنفد العلاج القليل المدخر، ولم يبق إلا الصغير اليتيم الذي لم يكد يضع قدمه الغضة على عتبة المدرسة. . .
صفحة للتاريخ الأدبي:
كان الزين من أعلام الشعر في هذا العصر، وكان يستمد شعره من نبع فياض هو نفسه الشاعرة، وكان يجل فنه ويقدسه، فلم يقصد به إلى منفعة، ولم يتوسل به إلى كسب. كان يقول الشعر يصور به نفسه ويعبر عن مشاعره، فقال كثيراً في الغزل العاطفي الرقيق، الذي يدل على عاطفته القوية الصادقة التي تتجلى أيضاً في رثائه لأصدقائه الراحلين. والمستوعب لشعره يجد العاطفة هي السلك الذي ينتظم حباته، ومن ذلك قصر مدائحه على أصدقائه من كبار الرجال، وله خواطر ألمعية في نقد المجتمع وأحوال الناس، كان يصوغها صياغة فنية بارعة. ولعل آخر مطولاته القصيدة التي قالها في ذكرى أحمد تيمور باشا سنة 1945 ومطلعها: -
ذكرى على صدق الوفاء دليل
…
يمضي بها جيل ويقبل جيل
وفيها يقول:
لا تبك من عاش عمراً واحداً
…
إن التراب على التراب مهيل
هل عاش أو هل مات لا تسأل به
…
فمماته بحياته موصول
ما زاد عن تعب الولاد لأمه
…
والناس وهو إلى الثرى محمول
ومن البلية أن أكثر من نرى
…
في الناس ذاك العائش المتكول
فأملأ موازين الزمان فلن ترى
…
في الناس ميزان الزمان يميل
تقضي العصور على الرجال بحكمها
…
والباقيات الصالحات عدول
تيمور إن نفقد حديثك بيننا
…
فصداه في أفق الزمان يجول
وقال بعد هذه القصيدة قطعاً مختلفة لعل آخرها عشرة أبيات مدح بها معالي إبراهيم عبد الهادي باشا، في أوائل هذا العام، منها قوله:
ماذا تزيدك في العلا أقوال
…
من بعد ما شهدت لك الأعمال
عمر تضيق سنوه عن أعماله
…
فكأنما أعوامه أجيال
ماض ملئ بالجهاد وحاضر
…
حفل، وآت كله آمال
ومواهب جمعت لديك لو أنها
…
في أمة لم يكفها استقلال
ومواقف أغنى خلود حديثها
…
عن أن يقام لخلدها تمثال
وكان صديقاً لمعاليه. ولك أن تعجب من صداقة موظف باليومية لم يبلغ الدرجة السادسة إلا أخيراً لرئيس ديوان جلالة الملك! ولكن عجبك يتحول إلى الإكبار عندما تعلم أن فقيدنا كان، إلى عظم منزلته الأدبية، كبير النفس، فلم يكن ليصغرها بطلب شيء لذاته، وربما رجا لغيره. . . ومن هنا ظل شعره بعيداً عن أن يكون سبباً من أسباب الحاجات مع توفر هذه الحاجات!
ولم يكن الزين من المقلدين في الشعر والمزيفين للشعور، بل كان صادق الفن، يصدر عن ذات نفسه ويعبر عن خالص وجدانه، وكان مرهف الحس دقيق الشعور واضح المعاني، يؤدي كل ذلك في ديباجة مشرقة وألفاظ عذبة، لا تجد له لفظاً مستكرهاً ولا معنى ملتوياً.
وكان يعني بالتوقيع الموسيقي في شعره، يؤلف أجزاءه منسجمة متآخية، ثم يردده في تنغيم خاص يطرب له، ويستدعي به ما بقي من القصيدة. . .
وكان رحمه الله يريد أن يجمع شعره في ديوان، ولكن شغلته شواغل العيش ثم متاعب المرض ثم عاجلته المنية. . . وقد نشر أكثر شعره بالرسالة والأهرام والثقافة، وقد طبع في مستهل حياته الأدبية ديواناً سماه (قلائد الحكمة) أكثره أراجيز تدل على بدء معالجته للقريض كما يدل على ذلك تخميسه لقصيدة امرئ القيس (قفانبك) الذي أخرجه أيضاً في مطبوع صغير. وأطلق عليه لقب (الراوية لكثرة ما كان يحفظه ويرويه من أشعار العرب.
وكان للزين جهد جليل الشأن في تحقيق الآثار الأدبية وتصحيحها وإخراجها - وكان يعمل في ذلك بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، وقد أخرج ستة أجزاء من (نهاية الأرب) وأخرج الجزء الأول من أشعار الهزليين وكان يعمل في الثاني، ومن مجهوده في هذا الميدان خارج دار الكتب اشتراكه مع الأستاذ أحمد أمين بك في إخراج كتاب (الإمتاع والمؤانسة) ومعه ومع الأستاذ إبراهيم الأبياري في إخراج أربعة أجزاء من كتاب (العقد الفريد). وقد أشترك الثلاثة أيضاً في إخراج (ديوان حافظ) بتكليف من وزارة المعارف وأخرج الأستاذ الزين (ديوان إسماعيل صبري) وقدمه بدراسة قيمة.
وقد تخرج الفقيد في الأزهر إذ حصل على شهادة العالمية سنة 1925 وكان وهو طالب يتردد على الجامعة المصرية القديمة لسماع محاضراتها الأدبية. وفي سنة 1926 عين مصححاً بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، وظل بها حتى نقل في هذا العام إلى المراقبة العامة للثقافة بوزارة المعارف. وقد توفى في العقد الخامس، وكانت وفاته يوم الأربعاء 5 نوفمبر سنة 1947.
المأساة:
كان الزين موظفاً باليومية في دار الكتب المصرية، ولا تحسب في أجره الضئل أيام الاثنين (العطلة الأسبوعية في دار الكتب) والإجازات والأعياد، وظل مرتبه اليومي يزداد قروشاً طيلة مدة خدمته، حتى وصل إلى ثلاثة وأربعين قرشاً يعطي منها ثمانية قروش لكاتبه الذي كان يلزم له في عمله بحكم حالته إذ كان مكفوف البصر. وجاء أخيراً (كادر العمال) فقفزت به أحكامه إلى الدرجة السادسة. . وقد عد من العمال لأنه يعمل باليومية مثلهم!
وعاش الشاعر الكبير صابراً على هذه الحال، متجملا بالتعفف، منطوياً على عزة نفسه، يروح ويغدو وفي وجهه ماء الكرامة والكبرياء. . وظل مع ذلك يصدح على أيكة الشعر ويخرج الأدب المصفى في هذا البلد الذي يحترق فيه كرام الأدباء وينال خطوة أوليائه الهتافون ومن إليهم من سائر الوصوليين. . . . ثم داهمه المرض من نحو ستة أشهر، وتعاوره الأطباء. . . هذا يقول:(قرحة المعدة) وذاك يقول له: (داؤك في الكبد) وثالث يقول بثالث. . . وكل يعطي حقناً ويكتب (روشتة) ويأخذ (كشفاً) حتى نفد القليل الذي
أدخره من أجرة على تصحيح الكتب التي أشترك فيها خارج عمله الحكومي، وحتى نفدت أثمان حلي الزوجة. . . ثم نفد الرجل. . وخلف ثروة أدبية لا نفع فيها للأيم واليتيم الذي تركه في نحو العاشرة من عمره. ويقضي قانون الحكومة بمنح الورثة مكافأة تجمع من أجر نصف شهر عن كل سنة من مدة خدمة موظف اليومية!.
وبعد فماذا عسى أن يكون مصير أبن أحمد الزين الشاعر الرواية والأديب الكبير؟
أيتها الدولة. عينك بصيرة وليست يدك قصيرة. . . .
ذكرى شوقي في الأوبرا:
لعل القراء يذكرون ما كنا قد أخذناه على اللجنة التي ائتلفت لإحياء ذكرى شوقي من اعتزامها الاحتفاء بالذكرى في (أوبرج) الأهرام، وتسعير مشاهدة الحفل، واشتمال البرنامج على رقص و (منلوجات).
وقد حدث بعد تنفيذنا ذلك أن أعاد أعضاء اللجنة النظر في الموضوع، واقتضى ذلك تأخير الاحتفاء بالذكرى عن موعدها وقد أستقر الرأي أخيراً على أن تقام حفلة إحياء ذكرى شوقي في مسرح الأوبرا بدلا من (الأوبرج) وقد عين لإقامة هذه الحفلة يوم 28 نوفمبر الحالي.
ويشتمل برنامج الحفلة على شعر من خليل مطران بك والأستاذ محمود حسن إسماعيل والأستاذ علي محمود طه والدكتور إبراهيم ناجي والأستاذ طاهر أبو فاشا.
وممن سيلقى كلمات نثرية معالي إبراهيم دسوقي أباظه باشا ومحمد صلاح الدين بك وعزيز أباظه باشا والأستاذ أنور أحمد. ويتخلل ذلك موسيقى، وتمثيل من مسرحيات شوقي، وغناء شعر لأحد الشعراء في ذكراه.
وقد جرت محادثات أو مفاوضات مع عبد الوهاب وأم كلثوم للاشتراك في الحفلة بغناء في شعر شوقي. أما عبد الوهاب فأبى أن يغني أمام الجمهور ورأى الاكتفاء بتسجيل قطعة تذاع في الحفلة. فلم تقبل اللجنة هذا الوضع الذي طالما غنى شعره أمام الجماهير وأما أم كلثوم فكانت قد تمنعت، ولكن لا تزال المفاوضة جارية معها، والمأمول أن تساهم في ذكرى شوقي، ولو مقابل (سلوا قلبي) و (أغنية السودان) و (ريم على القاع) التي أخذتها بالمجان من ديوان المحتفى بإحياء ذكراه. . .
بقى أمران لا بد من الإشارة إليهما، الأول أن الحفلة لا تزال مسعرة، أي أن مشاهدتها ستكون بنقود تدفع ثمناُ (لتذكرة الدخول) ولم تجر العادة بذلك في الحفلات الأدبية.
الأمر الثاني رياسة (شرف) الحفلة، المسندة إلى هيكل باشا الموجود الآن في أمريكا. ولو فرضنا أنه في القاهرة وسيحضر الحفلة فما أظن أنه يترفع عن الرياسة (الفعلية) لحفلة إحياء ذكرى شوقي، كما أظن أن (رياسة الشرف) شيء قديم لم يعد الآن مستساغاً.
المازني يتزوج الأدباء:
كتب الأستاذ المازني في (أخبار اليوم) مقالا عناونه (لو أصبحت امرأة) وما كنت لأتعرض لمثل هذا الموضوع لولا أن كاتبه المازني، ولولا أنه يصور طوراً من الأطوار التي يمر بها إنتاج هذا الأديب الكبير. ذلك الإنتاج الذي يخف ولكنه لا يبرد، فهو دائماً تشيع فيه روح الدعابة والظرف، وقد تشبع هذا الموضوع الأخير من ذلك، بل زاد فيه حتى جاوز درجة التشبع. . .
نفر المازني من تصور أمرأة، فأبعد هذا الانقلاب التصوري عن نفسه، وحوله إلى الأدباء، متصوراً أنهم نساء وأنه يختار أحدهم أو إحداهن زوجة. أستقبح هذا التصور وجعل يصور قبحه، فقال عن العقاد:(. . ثم من هذا الذي يطيق امرأة فيلسوفة تأتي إلا الغوص والتعمق في كل شيء، وإلا أن تتناول كل مسألة بالعقل والمنطق) ثم أنتقل إلى غيره فقال: (أوخذ توفيق الحكيم - أو توتو، أو فيفي، أو حكمت، إذا جعلناه امرأة) إلى أن قال (. . . . وتنقدها كل شهر (مصروف) البيت فتثير عليك، وتقدم لك الطعام - إذا قدمت شيئاً - في (برشامة) ويدع الحكيم فيقول:(وإن طه حسين لكريم يجب لين العيش وخصبه، ولكن هذه الرفاهة ستكون على حسابي لأعلى حساب (حسنية)! ثم إنه يجب السيطرة والتحكم وإن كان يبدو ليناً، وأنا أكره حسنية هذه - كفانا الله السوء زوجتي فسينتهي الأمر بأن أخنقها أو تخنقني. وحسنية تحب باريس والغرب وأنا أكرههما وأحب الشرق. . . الخ).
ولم يخل الموضوع من شيء، فقد أشار - كما ترى - إلى صفات في هؤلاء الأدباء بهذا المزح الأكثر من اللازم. . . كل ذلك وعنوان المقال (لو أصبحت امرأة) ويظهر أنه وضعه ليسير في التخيل ونسى العنوان، أو أبقاه على طريقة لفت الأنظار بالعناوين الشاذة!
ونرجع إلى حيث بدأ، فتصور المازني في امرأة! لا عليك من المنظر. . . إنه كريم
ظريف حلو الشمائل لين الجانب، ولكن من يتزوج (زيزي) التي لن تفرغ له، لأنها تكتب في 99 % من الصحف والمجلات المصرية؟! إن الحياة مع (زيزي) هذه لا بد أن تكون سلسلة من المتاعب والمقالات. . .
(العباس)
البريد الأدبي
الطير الأبابيل في تفسير الأستاذ الأمام:
قلنا في كلامنا الذي نشر بالرسالة عن القرآن والنظريات العلمية أن محاولات التوفيق (قد تكون مأمونة معقولة كقول الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله في تفسير الطير الأبابيل بجراثيم الأمراض التي تسمى بالميكروبات. فالميكروبات موجودة لا شك فيها، والإصابة بها محققة كذلك في مشاهدات مجرية لا تقبل الجدال. فإذا قال المفسر كما قال الأستاذ الإمام أن هزيمة أصحاب الفيل ربما كانت من فعل هذه الجراثيم فذلك قول مأمون على الجواز والترجيح).
وهذا الذي فعله الأستاذ الإمام حين أجاز أن تكون إصابة أحجار الفيل من قبيل الإصابة بجراثيم الأمراض.
وقد كتب الأستاذ الفاضل الشيخ مصطفى أحمد الزرقا إلى الرسالة معقباً على مقالي فقال: (لعله أعتمد في قضية الطير الأبابيل على رواية أحد نسب ذلك الرأي إلى الشيخ محمد عبده أخذاً مما أشيع عنه وأشتهر).
ولكن الواقع أننا لم نعتمد على الرواية بل اعتمدنا على كلام الإمام نفسه، ولم تنسب إليه غير ما جاء في نص تفسيره حيث قال في الصفحة الـ (158) من تفسير جزء عم يتساءلون:(فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات، فإذا أتصل بجسد دخل في مسامه فأثار فيه تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه وأن كثيراً من هذه الطيور الضعيفة يعد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر، وأن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن بالمكروب لا يخرج عنها، وهو فرق وجماعات لا يحصى عددها إلا بارئها ولا يتوقف ظهور أثر قدرة الله في قهر الطاغين على أن يكون الطير في فخامة رؤوس الجبال. . . فهذا الطاغية الذي أراد أن يهدم البيت أرسل الله عليه من الطير ما يوصل إليه مادة الجدري أو الحصبة فأهلكته وأهلكت قومه قبل أن يدخل مكة).
إلى أن قال رحمه الله: (هذا ما يصح الاعتماد عليه في تفسير السورة وما عدا ذلك فهو مما
لا يصح قبوله إلا بتأويل إن صحت روايته، ومما تعظم به القدرة أن يؤخذ من استعز بالفيل وهو أضخم حيوان من ذوات الأربع جسماً ويهلك بحيوان صغير ولا يظهر للنظر ولا يدرك بالبصر).
وفي هذا النص يرى الفاضل الأستاذ (الزرقا) إننا لم نعتمد على الرواية المنقولة، ولم نتجاوز بالنص معناه حين قلنا أن الأستاذ الإمام أجاز تفسير الطير الأبابيل بجراثيم الأمراض التي تسمى بالميكروبات، وهو تفسير مقبول ولا شك - كما قلنا - على سبيل الجواز والترجيح.
عباس محمود العقاد.
بيان:
خاضت الصحف في الكلام عن رسالة (فن القصص في القرآن الكريم) قدمها طالب في كلية الآداب لينال بها درجة دكتور، وتحدثت بعض الصحف عن حرية البحث وعن أمور تتصل بهذا الموضوع.
وحقيقة الأمر أن رسالة قدمت إلى كلية الآداب فألفت لجنة لفحصها طبقاً للوائح، فرأت اللجنة أنها لا تصلح إن تكون موضوعاً للمناقشة المعتادة في درجة الدكتوراه، فردت الرسالة إلى صاحبها وهذا يقع في الجامعة كثيراً.
فما كان ينبغي أن تكون الرسالة بعد هذا موضوع جدال في الصحف، فرسائل الجامعات التي تقبلها الكلية المختصة وتأذن بالمناقشة فيها ونشرها تبقى سراً بين الطالب وأساتذته، وكل ما فيها من آراء عرضة للإصلاح والتغيير والحذف، فإن رفضتها الكلية فهي كورقة امتحان لنم ينجح صاحبها.
هذه حقيقة الأمر. ولكن بعض الكتاب؛ ومنهم الطالب كاتب الرسالة، خاضوا في جدال فيها، وكنت حينئذ غائباً عن مصر فلما رجعت عملت على ألا ينشر شيء في هذا الموضوع، وأحببت حضرتي صاحب الفضيلة وكيل الأزهر وسكرتيره العام مبيناً أن هذه الرسالة لا تجوز المناقشة فيها ولا المؤاخذة بها ما دامت ورقة امتحان يقدمها طالب لأساتذته منتظراً رأيهم فيها وقد نشر فضيلة السكرتير العام خطابه إلى وجوابي له.
رجوت أن ينتهي الجدل عند هذا الحد، ولكن الطالب كتب مرة أخرى متحدثاً عن الانتكاس في الجامعة، وسألت الجريدة التي كتب فيها الطالب كلمته الأستاذ المشرف على الرسالة فكتب كلمة عن حرية الرأي، وذكر المحنة العقلية والأخلاقية الخ، وقد أسفت الكلية لاشتراك الأساتذة في جدل في الصحف حول موضوع من موضوعات الامتحان. والتمست من الأساتذة الذين لهم صلة بهذا الموضوع أن يكفوا عن كل جدل صحفي، وألححت على الأستاذ الذي أشارت إليه الكلمة التي نشرها زميله ألا يجيب مهما يكن له حق في الإجابة، ومهما يكن عنده من أدلة لتأييد رأيه ونصحته الكلية ألا يدخل في هذا الجدل، وعرفته أن ليس من سنن الجامعات ولا من كرامة الأساتذة أن ينقلوا أبحاثهم من الجامعة إلى جدال في الصحف. فكتب هذا الأستاذ إلى الصحيفة التي وعد بالكتابة فيها معتذراً عن الرد؛ قائلا إن الجهات الرسمية منعته من الكلام، والجهات الرسمية التي أشار إليها هي الجامعة، ولم تدخل جهة رسمية أخرى في هذا المنع.
الجامعة لم تمنع الطالب من أن ينشر أراءه بعيداً عنها بكل وسيلة يراها، ولم تزد الجامعة على أن قالت إن البحث الذي في هذه الرسالة لا يستحق عندي درجة عليمة، وبقيت الحرية للطالب ومن يرى رأيه، في أن ينشر أراءه في كتاب من عنده لا في رسالة من رسائل الجامعة، بعد أن أبدت الجامعة رأيها فيها وردتهاـ وحينئذ يحتمل وحده تبعة ما فيها من غلط أو ضلال. وما دام هذا في مقدرة الطالب فلا حق لأحد في أن يدعى أن الجامعة تمنع حرية البحث.
وبعد، فالجامعة أعرف بحرية الرأي، وأدرى بحدوده هذه الحرية، وأبصر بتوجيه طلابها، وأقدر على نقد ما يكتبون. فالمرجو من أنصار حرية الرأي أن يتذكروا هذا، ولا ينكروا على الجامعة حريتها في التصرف فيما هو من خصائصها، فأن الجامعة تطالب بحقها في الحرية أيضاً وتتمسك به قبل الناس جميعاً.
عبد الوهاب عزام
عميد كلية الآداب
من شوارد الشواهد:
إن جميع ما يكتبه الأديب البارع الأستاذ الطنطاوي مما يحرص الأديب الناقد على تلاوته، لعلمه بأنه لا يكتب إلا طريفاً ممتعاً ولا يكون إلا محسناً مبدعاً، ومن تلك الأبحاث المفيدة التي ينشرها في مجلة الرسالة مجلة العلم والأدب والإسلام والعرب مقالته (من شوارد الشواهد)، التي علق عليها في الحاشية بقوله:(فأرجو ممن وقف على نص فيه تصحيح نسبة بيت مما ذكرت أن يرشد إليه فقد يعزى البيت إلى غير رواية، أو ينحل غير بانيه).
والطنطاوي عهدناه من المحافظين في الآداب على الأنساب، وهو ممن لا يرد رجاؤه، وقد وجد الشاهد (24) معزوا إلى إبراهيم الصولي وهو:
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا
…
من كان يألفهم في المنزل الخشن
وهذا البيت المعدود من شوارد الشواهد، لأبي تمام من قصيدة يمدح بها أبا الحسن علي بن مرة، وأرسلها إليه من سامراء إلى دمشق مع أخيه سهم؛ ويروي هذا البيت في غير الديوان (إذا ما أيسروا)، ويروى مؤلفو كتاب البيان والبديع أن إبراهيم الصولي قد ضمنه أبياتاً منها قوله قبل هذا البيت:
أولى البرية طراً أن تواسيه
…
عند السرور الذي واساك في الحزن
وليس هذا البيت للصولي بل هو لأبي تمام، وهو في ديوانه قبل الشاهد، وتختلف عنه رواية الديوان قليلاً، فهو فيه:
أولى البرية حقاً أن تراعيه
…
عند السرور الذي آساك في الحزن
وقبل هذا البيت في الديوان:
لي حرمة بك فاحفظها وجاز بها
…
يا حافظ العهد والعواد بالمنن
وللصاحب بن عباد تضمين حقيقي لهذا الشاهد بقوله:
أشكو إليك زمانا ظل يعركني
…
عرك الأديم، ومن يعدو على الزمن
وصاحباً كنت مغبوطاً بصحبته
…
دهراً فغادرني فرداً بلا سكن
وباع صفو وداد كنت أقصره
…
عليه مجتهداً في السر والعلن
كأنه كان مطوياً على أحسن
…
ولم يكن في قديم الدهر أنشدني:
(إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
…
من كان يألفهم في المنزل الخشن)
(دمشق)
التنوخي
تذكير:
أنا لم أكن أرى مواصلة الرد على ما جاء في الرسالة (الفن القصصي في القرآن) لأن الرد على هذا الطالب يوهمه أن في رسالته علما وأنه أهل لأن يكلم بكلام العلماء، ويجرئ غيره من طلاب الجامعة على ابتغاء الشهرة قبل أوانها بحماقة أخرى مثل هذه. .
ولكن ما دام قد ورد عليه جماعة من أهل الفضل فإني أذكرهم بأمرين ما أنتبه لهما واحد منهم.
أولهما: أن هذا الطالب لم يبتكر هذا الذي جاء به في رسالته وعقدها عليه، بل نقله عن سان كلير المبشر من كتابه الذي وضعه لتكذيب القرآن، وسماه (مصادر الإسلام) وهو مترجم إلى العربية ومطبوع، وفي رسالة الطالب نقل منه وعزو إليه كثير.
وثانيهما: أن هذا القول يمس جوهر الشريعة، لأن أدلة الشرع منها ما هو متفق عليه، وهو الكتاب والسنة والقياس (ولا عبرة بخلاف الظاهرية فيه) والإجماع، ومنها ما هو مختلف فيه (وهو معتبر في الدين كل حال) كالاستحسان والمصالح المرسلة وشرع من قبلنا، وعلى ذلك يكون ما حكاه الله (في قصص القرآن) من شرائع من قبلنا شرعاً لنا، ويكون ما جاء في كتاب المبشر وفي رسالة الطالب، هدماً لهذا الأصل من أصول الدين، ولما بنى عليه من أحكام فقيهة، في المذهب الذي هو مذهب القضاء والفتوى في مصر.
علي الطنطاوي
العجول والأناسي:
حضرة العلامة صاحب الرسالة
أرجو أن تضيفوا إلى إمضاء (الخفيف) كاتب المقال بهذا العنوان، لأني مشاطره في تأثره وانفعاله من تصرف البهيم الذي كان يسوق بهائم هي أرأف منه وأعطف. وأني لشريكة أيضاً في الأسى والأسف لبؤس الغلمان الذين كان النفر الشرطي يقودهم كالأغنام ويجلدهم.
مثل هذه القسوة الفظيعة على البهائم نراها كل يوم في شوارع العاصمة حتى في أهم
شوارعها وأرقاها (ولا أقول أنظفها لأنها لم يقسوها الشرطة على الغلمان البائسين في سوقهم إلى دار الشحنة نرى كل يوم.
فأين جمعية الرفق بالحيوان تثبت وجودها؟ أم أنها نفقت مع الحيوانات الموبوءة وما بقى إلا ذكر اسمها لكي لا يقال أن مصر خالي ة من معالم المدنية. وأين جمعية الشفقة على الإنسان؟ أم أنها لم تولد حتى الآن.
إن هؤلاء الذين يزعم الجاويش أنهم من سارقي الجيوب وخاطفي الحلي قد يكونون كما زعم. وهم مئات الألوف في البلد. فماذا تفعل بهم دار الشرطة؟ هل تسجنهم؟ ترحمهم إذا سجنتهم. ولكنها لا تسع جيشا من المتشردين والنشالين. تتهددهم ثم تطلق سراحهم. ويعودون إلى جرائمهم.
والله إنهم ليسوا مجرمين. إنما المجرم هذا النظام الذي حرمهم أسباب الرزق وأسباب التربية والتعليم. علموهم وربوهم ثم اعتقلوهم بذنوب إن أذنبوا.
نقولا الحداد
الأبيات لأبن رهيمة وليست لعلية:
في كلمة الأستاذ الفاضل (العباس) تحت عنوان (غزل علية) - الرسالة رقم 748 - وردت الأبيات (وجد الفؤاد بزينبا) على أنها للأميرة الشاعرة. وألحق أن هذه الأبيات لأبن رهيمة المدني وهو شاعر أموي. وقد ذكر ذلك أبو الفرج في أخبار علية، إذ قال بعد أن ورد هذه الأبيات منسوبة إلى علية:(هكذا ذكر ميمون ابن هرون، وروايته فيه عن المعروف بالشطرنجي، ولم يحصل ما ورواه، وهذا الصوت شعره لأبن رهيمة المدني والغناء ليونس الكاتب، وهو من زيانيب يونس المشهورات، وقد ذكرته معها، والصحيح أن علية غنت لحناً) انتهى قول أبي الفرج.
أما زنيانيب يونس هذه، أو زيانبه، فقد جاءت كلها في أخبار يونس الكاتب (أغاني جزء 3) وعددها سبعة، والشرط فيها أن تكون من شعر أبن رهيمة، وكان يقولها في زينب بنت عكرمة وقد أباح هشام بن عبد الملك دمه أن هو عاد لذكرها، وفعل ذلك بكل من غنى في شيء من شعره، فهرب هو ويونس فلم يقدر عليهما، فلما ولى الوليد بن يزيد ظهراً، وقال
أبن رهيمة في ذلك:
لئن كنت أطردتني ظالماً
…
لقد كشف الله ما أرهب
ولو نلت مني ما تشتهي
…
لقل إذا رضيت زينب
وما شئت فاصنعه بي بعدذا
…
فحبي لزينب لا يذهب
هذا وللأستاذ (العباس) أصدق الإعجاب والتقدير لما يمتعنا به في صفحة (الأدب والفن في أسبوع) من أدب وفن.
فدوى عبد الفتاح طوفان.
نابلس
رأيت (الناصر)
عظيمة وعظيمة وعظيمة. . . لقد قامت دليلا ناهضاً على أن العربية تتسع للمسرحية. لقد جاءت برهاناً جديداً على عبقرية أباظة. . لقد أبانت بجلاء قيمة الفرقة المصرية. . أنه لمن حسن حظ المرء أن يتمتع برؤية الناصر، إذن سيجد الشعر الممتلئ روحاً المتين نسجاً البليغ تعبيراً. . سيجد التمثيل المكلل بالنجاح المتوج بالفوز المتشع بالبهاء. . . سيجد كيف أجاد الشاعر وأجادت (فردوس) وكيف تمكن الشاعر وتمكنت (أمينة) وكيف أبدع الشاعر وأبدع (علام). . . ولن ينسى طليمات. . .
وعلى كل حال. . فما لهذا بعثت بكلمتي إلى (البريد الأدبي) فإن لذلك مكانه الخاص الذي يقتضي التفصيل والتحليل والإفاضة أما الذي أريده فهو ملاحظات عابرة خطر لي أن أذيعها أملا في تدارك الصحيح الممكن منها. . .
1 -
معلوم أن المسرحية شعرية عربية فصيحة وإذن فمن المناسب جداً أن لا نلفظ (الثاء) سيناً والذال (زاياً) والجيم (كيما). . . الخ.
2 -
وإني إذ أكبر تمكن الممثلين من إعراب كلامهم - مع جهل أكثرهم بقواعد النحو - أقول إذ أكبر ذلك. فإني أرجو أن لا نسمع مرة ثانية مثل (في ظل كرامة) وما شابهها.
3 -
ومع احترامي (لزهراء) وإجادتها التمثيل. . . فإن الإنسان ربما لاحظ أن (تكوينها) لا يصلح لأن تكون المرأة التي بنيت من أجلها (الزهراء). . .
4 -
ومع الإخراج فهو ممتاز بالطبع. . ولكني لا أدري كيف يحدث جرح من دون إراقة دماء. . . لقد طعنت (منى)(شفق) طعنتين قاتلتين ولكنا لم نر أثراً للدماء. . . ولا تمزقاً في الثياب. . . أترى ذلك إنما حدث لأن منى لم تعرف كيف تقبض على الخنجر!! لا أدري. .
5 -
ولا أدري ما هي الضرورة التي تدعو (الجاسوس) لأن يلبس (حذاءاً) بحيث تحسبه وقع خطوة إذا ما مشى على خشبة المسرح وقع قائد جيش منتصر. . أظن أن الجاسوس يعنى التستر في كل زمان ومكان.
6 -
هذا وهناك عادة أخالها جارية في أكثر بلاد الله. .
إذا ما انتهى فصل من فصول (الرواية) أسدل الستار فصفق المشاهدون إعراباً عن إعجابهم فرفعت الستارة ليظهر الممثلون بوضع (طبيعي) يردون فيه التحية. . .
ومع أنه من حق الجماهير أن يعبروا عن تقديرهم ومن واجب الممثلين أن يردوا التحية. . . إلا أني أرى في هذا المظهر ما يبعد المشاهدين عن جو (الرواية) ويعيد إلى أذهانهم بأنهم أمام تمثيل بعد أن أنستهم الإجادة ذلك وغمرتهم في جو جعلهم يتصورون أن (فردوس) هي (منى) حقيقة وأن (أمينة) هي (شفق) واقعاً وأن (فاخر) هو عبد الله صدقاً. . . وعليه وعليه فمن المستحسن ترك هذه العادة. .
7 -
أما الروح الشعري الذي سكبه أباظة في مسرحيته فلا يخفى على أحد. . ولكن قد يحس الإنسان أن هناك بعض الألفاظ القليلة التي هي أقرب إلى الاستعمال النثري من قبيل (اكفوا) ومن قبيل (الكوب) وقبيل (يركد قلبي ركداً).
8 -
وإذ أجل تمكن الأستاذ الشاعر من إضفاء الروح الوطنية على مسرحيته. . . تمكناً يشعرك أنها متلائمة مع عصر الناصر. . . أقول إذ أجل ذلك فلا يضير أن أشير إلى أن الأستاذ الشاعر قد ينسى (الناصر) فيظهر في عصر أباظة) فيدعه يتحمس بالدعوة إلى (جبهة عربية) هذا مع العلم أن (أمية) الأندلسي ليست مثل (أمية) الشام في هذا الموضوع. . أقول هذا مع احترامي (للجبهة العربية).
9 -
ومعلوم أن ذكر الناصر و (الحكم) يقترن به دائماً بنهضة الثقافة ولكن الأستاذ المؤلف لم يجهل لنا هذه الناحية التي تصور مجداً إنسانياً عالياً، الناحية التي تركت أسبانيا تحتفل
بمرور ألف سنة على (الناصر) الناحية التي تركت الغرب يحسدون العرب من أجلها. . . لقد دخلت (الأوبرا) وكلي أمل أن أمتع برؤية (المدارس) وألذ بمشاهدة مجالس الأدب، واسعد بالنظر إلى (المكتبات). . ولكن. . ولكن شيئاً من ذلك لم يظفر به. . لقد قصر الأستاذ المؤلف (الناصر) على (الدسائس) وعلى ما يجب أن يكون عليه الملوك إزاء رعيتهم. . وأنا لا أنكر فضل كل أولئك على كل من (الملك والرعية في كل زمان ومكان). . بل إن العناية بذلك في مسرحية كالناصر ضرورة لا بد منها وقد وفق فيها الأستاذ الشاعر أيما توفيق، توفيقاً لا يقل عن مهارته البارعة في تصوير الحالة النفسية لشفق والحكم والناصر أجل لقد وفق وأجاد ولكني كنت أطمع بالإضافة إلى ذلك بأن أتمتع برؤية النهضة الثقافية بعيني. .
تلكم هي بعض الملاحظات العابرة التي خطرت لي في أثناء مشاهدة (الناصر) للمرة الأولى في الليلة الأولى. . وهي لا تغض من عظمة المسرحية. إنها لعظيمة وعظيمة وعظيمة، ولقد كان من موحيات تلك الليلة أن أقترح على الفرقة القومية بل على وزارة المعارف - رغم جهلي ما بين السينما والمسرح من فروق - أن تجتهد لتخرج المسرحيات الناجحات أمثال العباسة وقيس لبنى والناصر. . على الشاشة، لكي يتسنى للناس خارج القاهرة مشاهدتها ويتسنى للأجيال المقبلة أن تلذ برؤيتها ويتسنى لتاريخ المسرح أن يلمس مصادره الأولية. . .
(ط)
مذكرات سجين:
كتب إلينا من دمشق أن قصة (مذكرات سجين) المنشورة في عدد الرسالة الأسبق، سبق نشرها في الرواية، مترجمة ترجمة جيدة بقلم الأستاذ ناجي الطنطاوي.
حول رسالة (القصص الفتى في القرآن):
تشرف وفد من علماء الأزهر بزيارة قصر عابدين ورفع إلى السدة الملكية مذكرة علماء الأزهر التي يطلبون فيها:
(أ) تحويل الرسالة إلى فضيلة مفتي الديار المصرية ليقي فيها من ناحيته باعتباره جهة
الاختصاص.
(ب) دعوة كبار العلماء لعقد اجتماع لمناقشة الأستاذ أمين الخولي باعتباره (علما) فيما أعترف به من تأييد الرسالة.
(ج) وقف الأستاذ أمين الخولي ومحمد أحمد خلف الله أفندي عن عملهما حتى يفصل في أمرهما.
(د) عدم تجديد عضوية الأستاذ أمين الخولي بمجلس إدارة كلية أصول الدين والمذكرة موقعة بتوقيع فضيلة الشيخ الشربيني رئيس الجبهة وعضو هيئة كبار العلماء وفضيلة الشيخ الزرقاني سكرتيرها الأستاذ بكلية أصول الدين.
القصص
نظرات حادة
مترجمة عن كنجسلي جوردوق
بقلم الأديب سيد أحمد قناوي
استهل (بنيامين هارفورد) حياته كمحام وهو يؤمن تمام الإيمان بهذه العبارة التي طالما طالعها فيما كان يطالع حتى نزلت منه بمنزلة العقيدة الراسخة، وهي بالنص (الشخصية مصدر للقوة). فقد كان (هارفورد) مقتنعاً بأنه ذو (شخصية) لها مقوماتها الخاصة وذاتيتها البارزة. . .
كان (هارفورد) طويل القامة مهيب الطلعة - كما وأنه في مشيته أدنى إلى الاختيال والزهو. . وحق له أن يزهو بعد فعاله الباعثة للدهشة. .
خذ على سبيل المثال قضيته الأخيرة. . فقد أفلح في دفاعه عن (بلنكي لويس) حين أتهم هذا الرجل بقتل أحد رجال البوليس. . . وكانت وقتئذ الأدلة موفورة ضد (بلنكي) حتى عده القاضي مداناً ومال المحلفون إلى مشاطرته هذا الرأي قبل استكمال إجراءات المحاكمة؛ ولكن المحامي (بنيامين هارفورد) كان يعلم أن بلنكي برئ. . وذلك بعدما أختبره اختباراً عاتياً وأمتحنه امتحاناً قاسياً بعد أن ركز فيه كل شخصيته وسلط عليه (نظراته الحادة) حتى أنتزع منه الاعتراف الأخير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذ قال له المتهم المعرض لحبل المشنقة هذه الجملة المؤثرة:(نجني يا أستاذ. . فلست أنا الذي ارتكبت هذه الجريمة).
نعم. قال (بلنكي) هذا. . وما كان لإنسان أن يستغفل (هارفورد) أو يقول له غير الحق!. . والواقع أن دفاع (هارفورد) الحار البليغ مصحوباً بسحر شخصيته القوية، قد نال من ثبات القاضي، وزعزع يقين المحلفين، فإذ بالحكم يصدر آخر الأمر بتبرئة ساحة (بلنكي). . ويا لها من تحية عاطرة تزجى إلى (هارفورد) فلولاها لأدين (بلنكي لويس) حتماً وسيق إلى حبل المشنقة. . . وكذلك (هارفورد) يؤمن في قرارة نفسه أن (بلنكي) لم ينجح بفضل ذلاقة لسانه ولباقة دفاعه، بل بفضل نظراته الساحقة الحادة التي سلطها على المحلفين وهو
يتوجه إليهم بالحديث فإذ هم من سحرها متهاوون متخاذلون.
ولقد راح (هارفورد) يفاخر بقوته وهيبته هذه في النادي الذي يختلف إليه حتى ضاق الأعضاء ذرعاً به ونفروا منه وجعلوه يسفهون آرائه. . . فلما ألمت آخر الأمر نازلة بأحد أعضاء النادي، إذ الوحي يهبط على (هارفورد) بالفكرة الرائعة والرأي الباهر فإن هذا العضو قد استهدف للسطو عليه وهو عائد إلى داره ليلا. وما كاد يفرغ من سرد قصته على الأعضاء ويتلقى تعازيهم على مصيبته حتى راح (هارفورد) يقهقه عالياً ويقول بلهجة التوكيد - لو كنت مكانك لما اعتدى علي اللص وسلبني مالي. . .
فقال العضو المسروق المسكين: أحقاً؟. وماذا كنت تفعل؟ فأجاب (هارفورد) جاداً متفلسفاً: إن اللص مخلوق جبان. . . وهو يظفر من (مركب النقص) بحظ كبير. . . ومن السهل تخويف مخلوق كهذا بمجرد نظرة من رجل يملك قوة الشخصية. . فقال العضو اليائس: - حسناً. . ربما يعتدي عليك في إحدى الليالي. . . وسنرى حينئذ ما يكون. . وفي الحق أن (هارفورد) الذي يؤمن كل الإيمان بقوة شخصيته، تمنى أن يقع له مثل هذا الحادث. . وأن مصاولة مع لص معتد لهي المحك الواقع والبرهان الساطع. . . ولئن خرج من هذه المصاولة فائزاً مظفراً لكان فيها أبلغ الدليل، حتى أمام أعضاء النادي الأغبياء، على أنه حقاً ذو نظرات حادة خارقة.
لكن هذا اللص المنتظر لم يتفضل بالظهور وإسداء الجميل الذي ينشده (هارفورد). . فقد راح يختلف إلى الشوارع المظلمة دون جدوى. . وطالما كان يلمح في الزوايا والمنحنيات أشباح رجال كامنين متربصين، ولكنهم كانوا لا يلبثون أن يختفوا إذا دنا منهم. . .
هنالك ذاق (هارفورد) بهذا حتى كان يسير في جولاته الليلية مفتوح السترة لعل سلسلته الذهبية اللامعة تغري الطامعين وتحرك الراصدين بل راح يمسك قفازة بيده عسى أن يكون في تألق خاتمه الماسي ما يدفع اللص المرتقب إلى الهجوم والعدوان. . لكن عبثاً كان يرجو ويمني النفس، فلم يقع شيء مما أراد. . ولما جعل زملاؤه في النادي يقولون له متهمكين: ألم تقابل اللص الموعود بعد؟) فيزيد بذلك (هارفورد) ضيقاً حتى حمله هذا على أن يقوم برحلات خاصة إلى المناطق الخطرة المشبوهة، بيد أن اللصوص رغم ذلك كله تجاهلوه كل التجاهل!.
لكن (لكل شيء وقته)(وكل آت قريب). فقد كان (هارفورد) مؤمناً بهذه الحكم وأمثالها. . وقد زاد إيمانه بها حين وقع له الحادث السعيد وهو يوشك أن يستسلم للقنوط. . وبينما هو ذات ليلة في الطريق إلى داره وقد أوشك أن يبلغها إذا شبح يبرز له من أحد الأركان ويعترض سبيله بهذه العبارة: (أرفع يديك!!. .)
فخفق قلب (هارفورد). . رجاء وأملا!. . ورفع يديه على الفور فإنه كان قد رسم في ذهنه خطة العمل سلفاً، ورأى أن الامتثال لأمر اللص برفع يديه هو مما يتمشى مع هذه الخطة. أما إظهار الشخصية فمسألة لها وقتها المرسوم المقدور!. . . وكان اللص كريه المنظر، بيده مسدس وعلى وجهه قناع. وهو بلا ريب لص حقيقي خطير من الطراز الذي يشتهيه (هارفورد). . ولا يفل الحديد إلا الحديد. .
وقال له (هارفورد) بهدوء. . بل بكل هدوء: نعم؟؟ فبدأ كأن اللص بهت بهذه المقدمة. إذ ساد الصمت برهة. فقال له (هارفورد) في لهجة واضحة المخارج: ماذا تريد يا صديقي الفاضل؟. .
ومن عجب أن اللص لاح عليه التردد وكأنه غرق في ذكريات عميقة فراح يتفرس في وجه فريسته في هذه البقعة المظلمة التي أختارها مسرحاً لهجومه. . على أنه أجاب قائلا: نقودك. . . وساعتك. . . وكل ما معك. . . فقال المحامي العبقري: (يبدو لي أنك تسلم مقدماً بأني أحمل أشياء ذات قيمة؟. .).
فأنتهره اللص قائلا: أسرع! وأقفل فمك!. . فقال (هارفورد) متجاهلا الأمر:
- وفضلا عن ذلك. فإن اليسر الذي تجنيه بهذه الطريقة، لا يجلب لك غير الضرر. . .
وأدنى اللص وجهه من وجه المحامي فزاد عجباً فيما يظهر، وهم بالكلام، ولكنه كف عن اتمام جملته. فأستطرد (هارفورد): فخير لك يا صديقي أن تكف عن هذه المحاولة. ضع مسدسك هذا. . .
ذلك وما برح اللص يزيد تفرساً في وجه المحامي وكان الضوء لا يساعده على تبين ما كان يريد أن يتبينه. . والواقع أن (هارفورد) نفسه كان يريد مزيداً من الضوء. . فأن نظراته الحادة الأخاذة لا تكاد تظهر قوتها في مثل هذه الظلمة، وإن كانت حتى الآن قد جعلت اللص يتردد. . .
وما لبث (هارفورد) أن أيقن أن قوته الخارقة أخذت تؤتى ثمارها. .
لقد سمع أن المنومين المغناطيسيين يأمرون (وسائطهم) بأشياء هينة فيفعلونها صاغرين. . وقد قرأ أن الإنسان إذا تفرس في عيني الأسد محدقاً تراجع (ملك الوحوش) أمامه وذيله منكس بين قدميه. . .
وما دام السد يفعل هذا، فمن المحقق أن مثل هذا اللص الحقير التافه سوف يفعله. وهكذا هبط الوحي وتجلت لحظة العمل. فسلط (هارفورد) وابلا من نظراته الحادة على اللص تسليطاً، وركزها تركيزاً، وأستجمع كل ما يملك من لهجة الأمر والنهي وصرخ فيه قائلاً:
- ضع مسدسك وأرجع إلى بيتك!! وفجأة أضاء اللص مصباحه الكهربائي فإذا ضوؤه يبين هذه النظرات الحادة الخارقة التي تشع من عيني (هارفورد). إذ هتف اللص في نبرات المأخوذة المرتاع: ويلي!
لا بأس. . أنزل يديك!!. وأطفأ اللص مصباحه. واستدار في مكانه. وولى الأدبار هارباً حتى اختفى في غمار الظلام. . . وبعد نصف ساعة كان (هارفورد) يجلس في النادي ممدود الساقين مشبكاً إبهاميه في صدريته وهو ينظر مزهواً مختالا إلى زملائه الأعضاء الذين استمعوا إلى قصته مرات. . .
وأخيراً دفع (هارفورد) صدره إلى الأمام وأخرج من جيبه سيجاراً كبيراً أشعله ونفث دخانه راضياً قرير العين، وأختتم حديثه قائلاً:
لقد صدق ظني. . . وتم كل شيء كما كنت أتوقعه. . . ومتى كانت للإنسان شخصية قوية فإنه يستطيع أن يلزم بالطاعة عصابة لصوص بأسرها، ناهيكم بلص واحد. فالمسألة إذن مسألة قوة إرادة وشخصية!.
ولم يكن (هارفورد) المحامي العبقري الفذ هو وحده الذي كان يتفلسف ليسمع آخر أقل أبهة وفخامة من النادي، كانت امرأة دميمة الوجه متجهمة السحنة تصب جام غضبها على رأس أضطلع بها. إذ راحت تقول له. يا للشيطان!. أتسمي نفسك رجلا. وأنت تترك هذا المنحوس يفلت منك. بعد أن وقف أمامك رافع اليدين في الهواء؟ فقال (بلنكي لويس) - اللص المقنع - مدافعاً عن نفسه: - لم يكن بإمكاني غير هذا. . . فإني لما سلطت عليه ضوء مصباحي وعرفت من هو، لم أستطع أن أنسى أنه دافع عني دفاعه البليغ أمام
المحلفين وأنفذني من الإعدام بتهمة القتل إن لهذا المحامي ما يسمونه (الشخصية). وكان يعلم مثل غيره أني قتلت رجل البوليس فعلا. . فليس هو بالمحامي الذي يستغله الإنسان. . . لكنه أخذ يتكلم ويدافع حتى برؤوني. فهل كان يصح بعد هذا أن أسرقه.
عطبرة - سودان
سيد أحمد قناوي.