الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 778
- بتاريخ: 31 - 05 - 1948
لله جيش الفاروق!
إن فلسطين ترى جيشنا لتشهد وهي اليوم على أرضها للمرة الرابعة أنه هو جيش رمسيس الثالث ببأسه ونجدته، وأنه هو جيش صلاح الدين بإيمانه وشدته، وأنه هو جيش إبراهيم ببسالته وجرأته، وأنه هو جيش الإسلام الذي ورد فيه القول المأثور:(إذا فتح الله عليكم بمصر فاتخذوا بها جنداً كثيفاً، فإن هذا الجند خير أجناد الأرض). والتاريخ الذي سجل لجيشنا الأصيل النبيل هذه الشهادة المقدسة، لا يزال يسجل ثَبَتَها بما ينقل من مساعيه الصادقة ومداعيه الخطيرة حقبة بعد حقبة. والواقع الذي جرى بالأمس ويجري اليوم، لا يزال يؤبد أن هذا الجند خير أجناد الأرض، لا لأنه قهر الحجاز ولم تقول على قهره تركيا، ولا لأنه فتح عكا وقد عجز عن فتحها نابليون بجيش فرنسا، ولا لأنه سحق الجيش التركي بقيادة (مولتكه) في نصيبين ولم تستطع سحقه روسيا؛ ولكنه خير أجناد الأرض لأنه خرج من أسر إنجلترا سليم الروح، نقى الجوهر، صليب العود، شجاع القلب، شديد الطماح، بعد خمس وستين سنة قضاها في قبضة المحتل، غريباً في وطنه، بعيداً عن حصونه، مجرداً من سلاحه، تساومه سيطرة الإنجليز على عزته، وتراوده رخاوة الكسل على حميته، وتغالبه دعة الفراغ على بطولته. وبأيسر من بعض هذا انكسر بأس الجيش الفرنسي فخر على أقدام الألمان مبذول المقادة، ضارع الخد، لا يحفزه حافز من ذكرى جان دارك، ولا يحجزه حاجز من مجد نابليون.
كان الشامتون والمتشامتون يقولون إن الاحتلال صير مصر امرأة، لها الزينة والمتاع، وعلى عشاقها النفقة والدفاع، حتى زين العبث لبعض الساسة في الزمن الأخير أن يزوجها من إنجلترا زواج الأبد لتضمن الكاسب وتأمن الغاصب. وجعل الإنجليز منذ مُنى باحتلالهم واذي النيل يمكنون لهذه الفكرة الخبيثة من نفوس الشعب، فيزعمون أنهم دخلوا مصر ليحفظوا العرش، وأنهم احتلوا مصر ليحملوا البلاد، حتى أنسونا ونحن عشرون مليوناً أننا زعزعنا عرش الخلافة ونحن مليونان ونصف! ثم عملوا لدوام هذه الحال، فسرحوا الجيش، وزيفوا التعليم، وعاثوا في النفوس، وعبثوا بالضمائر، وسلطوا الأهواء على عقول الخاصة، والأدواء على جسوم العامة، حتى إذا حسبوا أنهم بلغوا ما أرادوا انتفضت الأمة المقبورة فزال الكفن وذهب العفن وفار الدم الحر وثار التاريخ المجيد، واستهلّ وعينا القومي في مٌلك فؤاد وحكم سعد، ثم بلغ رشده في ملك فاروق وحكم النقراشي. ثم جاءت
قضيتنا في مجلس الأمن فكانت معركة الحق كسبناها بالقلم، وأعقبتها قضية فلسطين فكانت معركة القوة وسنكسبها بالسيف؛ وكان انتصارنا في هاتين القضيتين دليلا من أدلة الواقع على أن أمتنا بخير: ملك مثمر الشباب موفق الرأي مؤيد العزيمة، وحكومة نزيهة النفس حرة الإرادة شعبية النزعة، وشعب ذكي الفؤاد سهل القياد نافذ الهمة، وجيش جريء الصدر مثالي النظام فدائي الخطة. وإن أمة تقوم نهضتها على هذه الأركان السليمة لا بد أن تبلغ مكانها المرموق في ركب الحياة.
أن جيشنا بأعماله الباهرة يرحض عنا بالفعل عار الكلام، ويكشف عنا بالقوة ذل الضعف، ويفاوض خصمنا في الميدان على استقلالنا التام. فقدموا العون لمن يبني لكم المجد، وابذلوا المال لمن يبذل في سبيلكم الروح، ولا تنسوا أننا منذ دخل فلسطين بدأنا نعيش.
احمد حسن الزيات
أحرب تشب أم ثورة تُقْمَع؟
للأستاذ نقولا الحداد
في أخبار الأمس أن الجامعة العربية طلبت إلى هيئة الأمم المتحدة الاعتراف بدولة عربية في فلسطين. فإن كان هذا الخبر صحيحاً فهو مثل قولك: إن الولايات المتحدة الأمريكية طلبت من هيئة الأمم أن تعترف بدولة أمريكية في أمريكا. فلا أصدق أن الدول العربية طلبت الاعتراف بدولة موجودة من زمان!
إن الدولة الفلسطينية كانت موجودة قبل الانتداب البريطاني، وقد جاء الانتداب البريطاني اعتداءاً عليها فكتم أنفاسها. فلما انتهى الانتداب، أو تنازلت عنه بريطانيا، عادت الدولة العربية الفلسطينية إلى كيانها الطبيعي، فلا معنى لمطالبة الجامعة العربية لهيئة الأمم بالاعتراف بدولة عربية في فلسطين، لأن هذه الدولة كانت موجودة قبل أن توجد هيئة الأمم، بل قبل أن توجد عصبة الأمم المؤحومة التي فرضت الانتداب، فلا داعي لأن تعترف بها هيئة الأمم الآن، وإلا فعليها أن تعترف بدولتي إنكلترا وفرنسا اللتين خرجتا من الحرب السابقة دولتين كما كانتا!
وتحرير الخبر أنه لما وقعت الحرب الكبرى السابقة اتفق الإنكليز مع المغفور له الشريف حسين، على أن يشترك معهم في محاربة الأتراك، حتى إذا تم النصر لهم كانت البلاد العربية المتخلفة عن الدولة العثمانية دولة عربيةقائمة بنفسها تحت حكم الشريف حسين كملك عليها.
وقد برَّ الشريف بوعده، ودفع بجنوده إلى ساحة القتال مع الإنكليز وحارب الأتراك. ثم تمَّ النصر للحلفاء - ولولا معاونة العرب ما انتصر الإنكليز. لأن العرب كانوا العنصر الفعال في تلك الحرب - ولكن الإنكليز لم يبرٌّوا بالوعد، بل نقضت بريطانيا وعدها بخيانة فاضحة، إذ تقاسم الإنكليز والفرنسيس ميراث الدولة العثمانية في الشرق العربي، وتولت فرنسا الانتداب على سوريا ولبنان، وإنكلترا على فلسطين (ومعها شرق الأردن) والعراق. وبقى الملك حسين ملكاً في الحداز كما كان من قبل. وكان من طغيان الانتداب الإنكليزي إعلان وعد بلفور الشيطاني بوطن قومي لليهود وما تلاه من تدفٌّق اليهود على فلسطين وتسليم بريطانيا لهم زمام الطغيان في البلاد كما هو معلوم، وليس غرضي من هذه الفذلكة
أن أبسط مكر بريطانيا وفظائع الصهيونين. وإنما غرضي أن أثبت أن الدولة العربية في فلسطين كانت موجودة كنتيجة للحرب الكبرى الأولى. وإنما لؤم السياسة البريطانية خنقها وترك للصهيونيين الحبل على الغارب في استعمارها. ولما سقط الانتداب البريطاني الذي كان جائماً على صدرها تنفست ونهضت على قدميها. إذن لا داعي لأن تطالب الجامعة العربية هيئة الأمم بالاعتراف بها. بل على هيئة الأمم أن تلتمس من الدولة العربية أن تعترف تها (أي بالهيئة) وأن تضمها إليها كعضو شرعي أصيل فيها.
أما اليهود الذين فتحت بريطانيا لهم صدر فلسطين لكي يكون لهم وطناً قومياً فهم دخلاء غرباء جنساً ولحماً ودماً وروحاً ونفساً وقلباً وكبداً الخ. فالدولة التي أعلنوها وطالبوا الدول بالاعتراف بها، إنما هي دويلة مزيفة ملفقة، دولة تمثيلية. فهي كما لو قام السوريون واللبنانيون في أمريكا يُعلنون دولة سورية لبنانية لهم، فما قيمة هذا الإعلان؟
فلما زال كابوس الانتداب البريطاني عن صدر فلسطين عادت الدولة الفلسطينية إلى كيانها، وإذا باليهود الدخلاء يدعون حصة في المملكة الفلسطينية العربية. ثم يثورون في سبيل الحصول على هذه الحصة ولذلك قام العرب يقمعون هذه الثورة
إذ ما يسمونه حرباً في فلسطين ليس بالحقيقة حرباً، بل هو قمع ثورة صهيونية خسيسة لئيمة نجسة (جوبيم بلغتهم). ولولا أن الانتداب الإنكليزي أظفرهم بعنق فلسطين، ويسر لهم استعمارها وملكهم حقوق العربفيها، وحرم العرب حقوقهم لما أمكنهم أن يستفحلوا هذا الاستفحال، وأن يستعدوا هذا الاستعداد للقتال كأنهم عالمون أنهم سيصطدمون يوماً من الأيام مع العرب. وقد جاء هذا اليوم.
وقد أدرك العرب اليوم أنهم لا يحاربون يهود فلسطين فقط بل هم يحاربون يهود العالم كلهم وكل من هم تحت ضغط اليهود المالي وضغطهم السياسي. ولذلك يبذلون النفس والنفيس هنا وفي أمريكا وغيرها لكي يؤيدوا هذه الدولة المزيفة.
وغريب أنهم وهم في جميع ممالك العالم متألبون لإنشاء دولة صهيونية شيوعية يستنكرون على الدول العربية أن تعاون شقيقتها فلسطين المغلوبة على أمرها، ويطلبون من هيئة الأمم أن تنهى الدول العربية عن مساعدة هذه الشقيقة.
وما انبرت الأمم العربية لهذه المساعدة، إلا لأن برنامج الطغيان الصهيوني شامل لجميع
دول الشرق الأوسط، ولاسيما الدول العربية. فكيف لا تنبري إذن؟
وفي التاريخ أمثلة عديدة على معاونة الدول بعضها لبعض إذا أحست أن الخطر مقبل عليها. في أوائل هذا القرن استجار أهل كوبا من ظلم الأسبانيين المستعمرين، فهبت الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذ الكوبيين من ظلم الأسبان بحجة أن هؤلاء جيرانهم فلا يطيقون أن يسمعوا أنين جيرانهم ويبقوا صامتين. فحاربت أمريكا أسبانيا وخلصت كوبا من بين براثنها، ثم ردت لها استقلالها. فإذا كانت أمريكا تجير كوبيا بحكم الإنسانية والجوار، أفلا يجب على العرب أن يهبوا لإنقاذ فلسطين من براثن الصهيونيين، والصهيونية خطر عليهم جميعاً
الحمد لله، إنه ليس لهيئة الأمم قوة برليس دولي تنفذ قراراتها بالقوة، وإلا طغى الظلم واستفحل الاستبداد وقتل الحق بيد برومان ما دام هذا المغفَّل تحت سلطان شرذمة تمولين يعدونه بالدعاية له في الانتخاب إذا أيدهم في طغيانهم.
والحمد لله، أن الشعب الأمريكي شعر أن ترومانهم يتهور بمصلحتهم وهو ألعوبة في يد اليهود، إذ اتضح لهم صبح الحق وهو انتصار العرب في جهادهم المقدس. . .
نقولا الحداد
أيها المليك العظيم!
للأستاذ شكري فيصل
(جرت التقاليد على ألا يدلي جلالة ملك مصر بأحاديث، ولكن
جلالته تفضل فأذن بالإعراب عن وجهة نظره في مشكلة
فلسطين فقال في الجواب عن خير الوسائل لوقف النزاع
المحتدم بين العرب واليهود: إنه لابد من استخدام القوة. . .)
الصحف اليومية 12 5 1948
أيها المليك الشاب! في كل هذه الفترة التي كانت تتأزم فيها قضية فلسطين كنا، نحن الشباب، ننظر حوالينا هنا وهناك، نرقب اليد التي تخلع القفاز، والإرادة التي تطيح بالحذر، والقوة التي تستطيع أن تدل على نفسها في ساعات الحاجة إليها، فلم نلمح اليد، ولم نجد الإرادة، ولم نحس القوة. . . وإنما حملونا على أن نعيش في خور الأمل، وفي قلق الترقب، وفي حمَّى الانتظار. . . وتطلعنا فحجبوا عن أعيننا الواقع، وتأملنا فخدروا هذا الألم بالحذر الخادع، وتساءلنا: أين موقع العرب اليوم من موقع العرب الأولين؟
وطفرت من أعيننا دموع، وارتسمت على شفاهنا تمتمات فيها غضب وغيظ وبأس، أو ما يشبه اليأس، وطافت بأذهاننا ذكريات من التاريخ فيها إنكار للذات، وفناء في الواجب، لم نجد لها في واقعنا الأليم أشباهاً ولا أشباحاً. . . فطوينا التاريخ القديم كأنما كنا ندفنه، وفقزت من أمامنا صور من التاريخ القريب: صورة من فيصل، وصورة من غازي!
أما الأولى، فهي صورة النبل السري، والإيمان القوي، والإحساس الرفيع. . . صورة فيصل يطرح العداوات ويولي ظهره لها، ويهزأ بالثارات ويضحك منها، وتظهر له مصلحة العرب الكبرى فينسى عرش أبيه الذي كان يريده ملكا واسعاً في بلاد عربية واسعة، فإذا هو منفي صغير في جزيرة ضيقة صغيرة، ويسافر إلى ابن السعود يصافحه ويقبله. . . لا تخفق في صدره ذكرى أبيه القريب، ولكنها تحرك في ضميره صوت جده الأعلى محمد، ولا يرتسم في صفحته عالمه الصغير، وإنما ينفسح من أمامه المدى ليرسم
صورالامبراطورية العربية الكبيرة التي يفنى فيها فيصل وابن السعود، ليعيش فيها العرب سادة أحراراً وكراماً أبراراً وأما الصورة الثانية، فهي من غازي هذا الشبل. . . صورة فيها الجرأ الذكية الرائعة، والضربة المسددة البارعة، والعزم الأبي المتدفق، والمجد الثائر الذي يريد أن يتحقق. . . صورة فيها كل مكارم الفتوة، وعزائم النبوة، وحماسة الإيمان. . . صورة هذا الشاب الذي يغضب للحق، ويثور للعرب، ويتطلع إلى المستقبل الذي يلتقون فيه في ظلال رسالتهم الخالدة لينطلقوا بها من جديد، فيحطم العقبات التي كان الأعداء يزرعونها، ويبدد الأوهام التي كانوا ينثرونها والأحلام التي يعيشون عليها، لا يبالي في ذلك إلا إرادة الوطن العربي الكبير!
صورتان من فيصل وغازي في التاريخ القريب منا نرقبهما فلا نجدهما، ونتطلع إليهما فلا نظفر بهما، ونطوي الليل لا تغمض لنا عين، ونفني النهار إفناء لا يهدأ لنا خاطر ولا ينعم لنا بال، ونعيس في جحيم القلق وسعير الترقب. . . صورتان من عظمة فيصل واندفاع غازي، نبشنا عنهما الأرض، ودرنا نسأل عنهما السماء، وطرقنا للظفر بهما كل باب. . . وكاد يعصف بنا اليأس ويتولانا القنوط أن نقع عليهما أو على إحداهما. . . لولا أن الله أراد بالعرب الخير، فإذا الصورتان، صورة العظمة، وصورة الاندفاع، صورة الحكمة، وصورة القوة، تبرزان من جديد في مثال حي عامل كريم، في مثالك أيها الملك العظيم!
إن آلافاً من الشباب الذين يتقلبون على الجمر، يقرءون حديثك السامي الذي أذنت بإذاعته، وإنهم ليحسون أن قضيتهم التي كانت تلتمس الحكمة والقوة معاً، فلا تجد إلا حكمة عاجزة أو قوة خائفة قد وجدت عندك غايتها، وحققت طلبتها، وبلغت هدفها، ولم يتجاوب الضمير العربي العام مثل هذا التجاوب الحي حين سمع:(لا بد من استخدام القوة!)
إنه يعرف ماذا يعني الملك العظيم حين يقول: (لا بد!). . . إنه يحشر فيها كل عزمات الأبطال منذ دخل العرب بيت المقدس حتى دخلها النبي. . . إنها همسة الأمان لأرواح آلاف الشهداء الذين سقوا فلسطين بدمائهم وغذوها برفاتهم، وأقاموا من أجسامهم سياجاً لها!
لقد كان العرب في حاجة إلى كلمة واحدة هي خير من عشرات الصحف، ولقد قلت يا مولاي هذه الكلمة، وسيترجمها الشعب العربي إلى عمل وعزيمة واندفاع. . . لقد كنا نأمل أن تنفرج عنها في مثل صراحتها الشفاه، فلم يكن لها غير هذه النفس الكبيرة تنهض لها في
جلاء ووضوح وبيان.
إن حديثك العظيم، أيها الملك العظيم، هذا الذي ابتعث من أعماقنا الإيمان بعد أن كدنا نفقد الإيمان، وأزاح عن وهجه عتمة الضباب وكدرة الظلمات، فارتد صقيلا مشعاً، وعاد إليه نوره بعد الذي فعلت به الحادثات وألقت علية النوازل من ظلال معتمة سوداء. . . فليبارك الله لك فتوتك، ويحسون لها في أعماقهم الألفة. . . وليحفظ عليك شبابك، ففي هذا الشباب الحكيم الجريء ضاعت الحكمة القلقة والقوة والوجلة!
وسيحفظ لك التاريخ أنك قلت فهزأت بالقيود وضحكت من السدود. وإنا لنرقب أن يحفظ لك التاريخ أنك فعلت فرفعت البنود، وجزت الحدود، حدود تافهة مصطنعة هي عارضتان من الخشب، وشبكة من القطن. . . فعلى بركة اللًه!
(دمشق)
شكري فيصل
عبد الله بن سبأ
للدكتور جواد علي
- 5 -
ذكر البلاذري في كتابه (أنساب الأشراف) كل أخبار أبي ذر، غير أنه لم يتطرق إلى خبر التقاء (عبد الله ابن سبأ بأبي ذر في الشام، ولا في أي مكان آخر. وقد جاء البلاذري في كتابه هذا بروايات عن أبي ذر لم ترد في الطبري مما يدل على أنه قد اغترف من منابع لم يغترف منها صاحب التأريخ. وأن أصحاب تلك الروايات لم يعرفوا عن هذا اللقاء شيئاً؛ ولو عرفوه لما تركوه.
وتجد مضمون رواية الطبري عن نطرية (أبي ذر) في المال في (أنساب الأشراف) وتجد أنه كان يقول بها وهو في المدينة قبل ذهابه إلى الشام، وأن معاوية أرسل إليه ثلاثمائة دينار، وأن حبيب بن مسلمة الفهري أرسل إليه مائتي دينار فردها. وتجد أشياء أخرى لم ترد في الطبري؛ كل ذلك حمل معاوية على توجيه أبي ذرك إلى المدينة خوفاً من إفساده أهل الشام عليه.
ويظهر من رواية (يزيد الفقعسي) أيضاً عند الطبري أن (عبد الله بن سبأ) أصاب نجاحاً كبيراً بمصر، وأنه وجد هنالك أتباعاً وأنصاراً، وأنه لقنهم (الرجعة) و (الوصية) و (الطعن على الأمراء) وأنه صار يكاتب الأمصار ويدعو إلى الفتنة. حتى ألب الناس على ولاتهم وحكامهم وقاموا بتلك الحادثة الأليمة التي آلت إلى مذابح وفتن كانت سبباً لتفريق الكلمة وحدوث الحروب.
وأن الخليفة رضي الله عنه حينما أدرك خطورة الموقف أراد الوقوف على أسبابها، ومعرفة العوامل التي أدت إلى حدوثها (فأرسل محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام، وفرق رجالاً سواهم، فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا أيها الناس ما أنكرنا شيئاً ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم. وقالوا جميعاً الأمر أمر المسلمين، إلا أن أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم. واستبطأ الناس عماراً حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفاجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه،
منهم عبد الله ابن السوداء وخالد بن ملجم وسوجان بن حمران وكنانة بن بشر).
وهذه الرواية الأخرى هي في حاجة إلى نقد ودراسة، فالظاهر من روايات الطربي نفسها أن (عمار بن ياسر) كان في المدينة في هذا الوقت، وأن أهل مصر كانوا يراسلونه ويتصلون به عن طريق المكاتبة، وأنهم عندما وصلوا إلى المدينة كان بها، والمعروف أن علاقة الخليفة بعمار لم تكن على ما يرام، فلا يعقل إرساله لأداء مثل هذه المهمة. والذي ذكره البلاذري أن الفتنة التي ظهرت بمصر كانت ترجع إلى أعمال (محمد بن أبي بكر) و (محمد بن أبي حذيفة) حتى إن الوالي (عبد الله ابن سعد بن أبي سرح) اضطر إلى وضع رقابة صلرمة عليهما لئلا يفسدا الناس، حتى إبهما عند ما طلبا الخروج معه في الغزو أعد لهما سفينة مفردة لئلا يفسدا عليه الناس، فمرض محمد بن أبي بكر فتخلف وتخلف معه ابن أبي حذيفة، ثم إنهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلا وقد أوغرا صدور الناس.
فلما بلغ عثمان ذلك دعا بعمار بن ياسر وسأله الشخوص إلى مصر ليأتيه بصحة خبر ابن أبي حذيفة وحق ما بلغه عنه من باطلة، وأمره أن يقوم بعذره ويضمن عنه العتبى لمن قدم عليه. فلما ورد عمار مصر حرض الناس وانضم إلى جماعة ابن أبي حذيفة ثم أرجع بعد ذلك إلى المدينة.
ولم يذكر البلاذري أن صاحب الفتنة هو (عبد الله بن السوداء) ويتفق الطبري مع البلاذري في هذا الخبر في كل شيء سوى وجود هذا الشخص الذي قيل إنه (عبد الله بن سبأ) وقد عزا المسعودي هذه الحركة إلى محمد بن أبي بكر. ولا أريد هنا أن أجرد اليهود من المؤامرات التي دبرت للكيد بالإسلام، وحوادثهم في ذلك كثيرة مشهورة يكفي أنهم هم الذين دسوا السم للرسول وأنهم كانوا يتولون نشر دعاية خبيثة بين المسلمين اضطرت (الخليفة عمر بن الخطاب) إلى اتخاذ موفق حاسم مشرف تجاههم أنقذ به العرب والإسلام. ولكني لا أريد في الوقت نفسه أن أسلم بدعوى من يصدق الروايات ولأخبار فأسلم بأن المسلمين كانوا يصدقون كل ما كان يقال لهم بلا تفكير، وأن يهوديا نكرة لم يعرف مركزه في اليهود ولا منزلته في الإسلام يستطيه أن يلعب هذا الدور الذي قصه علينا (سيف بن عمر) عن جماعة عن (يزيد الفقعسي) وأنه يستطيع أن يضحك من عقول المسلمين، وأنه
يضع لهم مقالة ومقالات ثم يجادل الإمام على حيا، ثم يدعي بعد وفاة الإمام أنه لم يمت وأنه حي يرزق في السحاب.
ورجل هذا شأنه في الدسائس والفتن والمؤامرات أن من الواجب الإشارة إليه بشيء من التفصيل، والتنبيه عليه، وكان في وسع (معاوية) القبض عليه والتنكيل به بين الناس. ولم نجد في شعر الرثاء الذي قيل في قتل الخليفة (عثمان) واستشهاده ما يشير إلى هذا اليهودي الفاتن، وقد ورد من هذا الشعر في الطبري وفي البلاذري وغيرهما ما فيه الكفاية.
ويظهر من تأريخ الطبري أن المشاغبين الذين حاصروا المدينة وكانت غالبيتهم من المصريين كانوا يعرفون (بالبائية) كذلك، وانهم كانوا من المحبين للفتن وأنهم لما سمعوا خطبة (على بن أبي طالب) بعد مبايعته قالوا:
خذها إليك واحذرن أبا حسن
…
إنا نمر الأمر إمرار الرسن
صولة أقوام كأسداد السفن
…
بمشرفات كغدران اللبن
ونطعن الملك بلينٍ كالشطن
…
حتى يمرنَّ على غير غنن
والظاهر أنهم شاغبوا على (علي بن أبي طالب) وأنهم تركوا العسكر ولم يمتثلوا الأوامر وأنهم كانوا يحبون الفوضى والخروج على النظام.
وإن الأمر بعد مقتل الخليفة أصبح فوضى، فثار العبدان على الرؤساء وخرج الأعراب لما تراءت لهم علامات الغزو وإمكان الانتقام من أهل المدن. وتجد هذه الفوضى واضحة مرسومة في خطبة (علي بن أبي طالب يخاطب بها طلحة والزبير) يا إخوتاه! إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم؟ هاهم قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا فهل ترون موضعاً لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا لا، قال فلا والله لا أرى إلا رأياً ترونه إن شاء لله، إن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة؛ وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبداً. إن الناس من هذا الأمر إن حرك، على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق. فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا.
واشتد على علي قريش، وحال بينهم وبين الخروج على حالها. فلما ذكر له ذلك ذكر
فضلهم وأنه ليس له من سلطانهم إلا ذلك. ونادى: برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه عندئذ تذامرت السبائية والأعراب وصاروا يشاغبون على عليّ. ولما أراد عليّ إخراج الأعراب وإرجاعهم إلى مياههم أبت السبائية ذلك وأطاعهم الأعراب.
فالظاهر من هذه الروايات أن حالة من الفوضى قد عمت الأمصار بعد مقتل الخليفة (عمر بن الخطاب) الذي كان قد سيطر على الأمور سيطرة تامة. وأن الذين كان في قلوبهم مرض وزيغ انتهزوا فرصة مقتل الخليفة وارتباك الأمر واستبداد الولاة بالرأي دون سائر الرؤساء، فأثاروها فتنة وفوضى أدت إلى حدوث ذلك الوضع الشاذ، فأفلتت الأمور من أصحابها وخرج العبيد والمستضعفون على قريش، وانتهز الأعراب هذه الفرصة وقد كانت أخلاقهم وطباعهم مكبوتة في أيام (عمر) واتفقوا مع المهبجين الذين دعاهم الطبري بالسبائية والذين شاركوا حتى في المشاغبة على (علي) عندما رأوا منه أنه كان يريد استتباب الأمن والقضاء على الفتن وإعادة سلطة قريش كما رأيت.
ولا ندري لم دعاهم الطبري (سبائية)؟ ألأنهم أتباع (عبد الله ابن سبأ؟) ولكن أين كان هذا الرجل في هذا الوقت؟ ولم لم يشترك مع المصريين أو غيرهم عندما ذهبوا إلى المدينة وقد نسبت أكثر المصادر سبب الفتنة إلى أشخاص آخرين؟ أم لأن جمهرتهم كانت من أهل اليمن، وقد كانت العادة أن يقال لهم (سبإبين) أو (حميرين) كما كانت في مصر جالية كبيرة منهم قبل الإسلام وبعده فقيل لهم لذلك (سبائية) ولا علاقة لهذه السبائية بسبائية عبد الله بي سبأ؛ وأن هذه (السبائية هي التي دعت الإخباريين لسبب ستراه إلى خلق أسطورة (عبد الله ابن سبأ) هذا الذي جعلنا الرواة نكتب عنه هذه المقالات. فاختلقوا شخصاّ يهودياّ مسلماً أبوه من سبأ وأمه سوداء من الأحباش أو غير ذلك كما رأيت.
ولا شك عندي في أن هذه العناصر، سبائية سميتها أم كانت مسخرة ومحرضة، حرضها أناس كانوا يسعون منذ عهد الرسول إلى خلق الفتن وتفريق العرب إلى شيع وأقسام، وأنها حاولت الكيد لمن كان يعرف فيه الحزم والعزم، وأن مقتل الخليفة (عمر) لم يكن بتلك الصورة البسيطة الساذجة التي رسمها الأخباريون، بل كان خطة منظمة مدبرة يعرف بها جماعة. وأن نفراً كان لهم اتصال وثيق بذلك الرجل الذي صنع تلك الآلة للفتك بالخليفة.
يكفيك أن تقرأ خبر (كعب الأحبار) مع (عمر بن الخطاب) لتعرف منه أن (كعباً) هذا كان
يعرف المؤامرة وأن الخليفة أحس بذلك من حديث كعب. جاء كعب إلى عمر قبل مقتله فقال: يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام. قال: وما يدريك؟
قال كعب الاحبار: أجده في كتاب الله عز وجل التوراة؟ فقال عمر: الله! إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة!؟
فقال كعب: اللهم لا، ولكني أجد صفتك وحليتك، وأنه قد فني أجلك.
فقال عمر: وعمر لا يحس وجعاً ولا ألماً!
فلما كان من الغد جاءه كعب فقال: يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقي يومان. ثم جاءه من غد الغد فقال: ذهب يومان وبقي يوم وليلة وهي لك إلى صبيحتها، فلما كان الصبح خرج عمر وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت جاء هو فكبر، ودخل أبو لؤلؤة في الناس في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه فضرب عمر ست ضربات.
لا أدري هل تحسن الظن بعد ذلك (بكعب) وتقول معه إنه كان يجد كل شيء حتى القتل في التوراة، أم أنك ستخرج وأنت به شاك وتقول كما قال عمر. الله! إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة!؟
جواد علي
في تاريخنا الحديث:
مواقف حاسمة. . .
(لمؤرخ معاصر)
في سجل الثورة المقدسة صفحات مشرفة من المجاهدة والتضامن، والمفاداة. . يجدر بالقوم أن يرجعوا إليها، وأن يقفوا عندها يتأملون ماضيهم، ويتدبرون حاضرهم، ويرسمون مستقبلهم: ليربطوا حلقات جهادهم الموصول.
كانت مصر يومئذ تمتحن بنار الثورة، وكانت الطريق واضحة، والأهداف واحدة، فلم يكن أبالسة الاستعمار (وسماسرته) قد جعلوا من كراسي الحكم أصناماً بعد. .
وأراد اللورد كيرزون أن ينال من وطنية المصريين، وأن يغمز ثورتنا أمام العالم. . . وكانت جهودهم في لوزان وفرساي قد أثمرت، وأقفل سدنة السلام وحراس العدالة أبواب مؤتمر الصلح في وجه مصر - هذا، ولم يكن المداد الذي سطرت به أنشودة الدكتور ويلسون قد جف. . تلك الأنشودة الجميلة، بذات الألحان الأربعة عشر التي كانت الأفيون الذي خدر الرأي العام في الشرق مدة الحرب الأولى. فلما وضعت هذه أوزارها ظن المصريون أن حقوقهم ستكون موضوع الاعتبار. . وإن هي إلا معركة فقهية بيننا وبين الإنجليز. . ولكن القوم نازلونا بسلاح غير شريف، وحملوا أعضاء مؤتمر الصلح على إهانة العدالة؛ وأذاعت (دار الحماية) في مصر اعتراف ويلسون بالحماية البريطانية على مصر. . ولم يفت ذلك في أعضاء المصريين، ولم يزد الهار المقدسة إلا اشتعالا، وبذل الأعمام أموالهم وارواحهم في تطهير الأرض الحرام من برابرة الغرب، وعصابات الاستعمار.
وأعلنت الأقدار هزيمة القوة فصرح اللورد كيرزون أن ثورة مصر إن هي إلا حركة معلولة يرتجلها الغوغاء. . . ولو قد كانت هذه الحركة جديدة لاشترك فيها الموظفون وهم صفوة الامة وأرشد عناصرها، وفي هذا السبيل أثنى على المظفين أجمل الثناء لأنهم لم ينقطعوا عن أعمالهم أثناء الثورة التي اجتاحت البلاد.
وحاجَّنا السير وليم برونيت فادعى أن الأقباط لم يستجيبوا لدعاة الإضراب، وأشاع الثناء على الموظفين، والإشادة بحسن سلوكهم.
ولكن مصر لم تشرب العسل المسموم، وإنما أكرهت الأنجليز على ابتلاع آرائهم، ووضع ألسنتهم في جيوبهم. . وكان رد البلاد عليهم حاسماً رائعاً:
فأما الأقباط فأكذبوا ادعاء الغاصبين، وخرج القسيسون والرهبان إلى المساجد، وخطب القمص سرجيوس في الأزهر، وفتحت الكنائس للشيوخ والعلماء، ومشى مشيخة الأزهر يحملون بساط الرحمة في جنازات الشهداء، وخفقت الأعلام ذوات الصليب والهلال، وتواصف الناس مقالات سينوت بك حنا (الوطنية ديننا، والاستقلال حياتنا)، وكانت ترانيم القوم قصيدة الشيخ إبراهيم سليمان:
الشيخ والقسيس قسيسان
…
وإن تشأ فقل: هما شيخان.!!
كانت سياسة الاستعمار تريد تسليط البلد على نفسه، وكانت ترمي إلى تشتيت قوته، وتوجيه ثيار الثورة في غير مجراه. . . ولكن مصر المتحدة لطمت هذه السياسة لطمه اليمة، وعرفت كيف ترد سهام الإنجليز إليهم. . لم يكن في مصر مسلمون وأقباط، وإنما كان فيها مصريون: مصريون لهم صوت واحد يدوي بالاستقلال (وأن الوطن للجميع، والدين للديان).
وأما الموظفون فقد جاء ردهم على مزاعم الإنجليز مفحماً، وجاء في أهرام أول إبريل سنة 1919 تحت عنوان المسألة المصرية في مجلس النواب (أن العناصر الأكثر رزانة من السكان لا تستحسن هذه المظاهرات). فأسرع هذا وأمثاله بالموظفين إلى الإصرار على دحض مزاعم المستعمرين، وإسقاط حجتهم أمام العالم، وكان الإضراب هو الرد البليغ الذي لا رد سواه. وكتبت أهرام 2 إبريل سنة 1919 تحت عنوان شعور الموظفين (أنهم لاحظوا ان بعضهم أخطأ في فهم شعورهم في الأحوال الحاضرة فقرروا الإضراب عن العمل غداً (الخميس) ويوم السبت المقبل في جميع الوزارات والمصالح) وعلى هذا يكون بدء الإضراب يوم الخميس الثالث من إبريل، وعلى هذا جرى المنشور الحكومي الذي أذيع على الصحف في أول مايو سنة 1919 عندما أرادت الحكومة أن تؤاخذ الموظفين فتقطع رواتبهم أيام الإضراب؛ فقد حدد منشور (الحقانية) أيام الإضراب وقدرها سبعة عشر يوماً من 3 إلى 5 إبريل ثم من 9 إلى 22 منه.
ويقول عبد الرحمن بك الرافعي: إن الإضراب بدأ بالفعل يوم الأربعاء 2 إبريل ولكنه
صار عاما يوم الخميس 3 إبريل.
ويبدو أن الحركة قد بدأت قبل هذا. ولعل الموظفين لم ينتظموا أعمالهم من أواخر مارس بعد أن تناقلت شركات البرق خاب اللورد كيرزن الذي أراد به أن يسعى بالمصريين بين أنفهم حتى يكفيه بعضهم شر بعض. . . ولكن الحركة من تأخذ سبيلها إلى أسماع العالم إلا في هذا التاريخ ريثما اجتمع كبار الموظفين لتحديد الإضراب وتنظيمه، وكتابة العرائض، والموافقة عليها، ورفعها إلى عظمة السلطان وإبلاغها الحكومة البريطانية. وكان للحركة قادة من أمثال عبد الرحمن فهمي، وأمين الرافعي، ومحمود سليمان باشا، وعبد الله سليمان أباظه، وكان من زعماء الموظفين على ماهر بك (صاحب المقام الرفيع) وحلمي عيسى بك (باشا) وزكي العرابي أفندي (باشا) وإبراهيم دسوقي أباظه أفندي (باشا) وأحمد شرف الدين أفندي (بك) والأستاذ عاطف بركات، والأستاذ حسن نشأت.
وكان للحركة معاقل سرية كان من أهمها منزل الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه، وعبد الهادي الجندي، ومراد الشريعي. . . وفي هذا الجو تألق اسم البطل الشهيد أحمد ماهر، ومحمود فهمي النقراشي، وظهر الخطيب المتدفق شكري كيرشاه.
وفي يوم الأربعاء 9 إبريل صدر الأمر رقم 26 لدولة رشدي باشا بتأليف وزارته الرابعة، وكانت حركة الموظفين قد بدأت بعد استقالة وزارته الثالثة، وكانت استقالته هذه من المواقف الكريمة التي أيدت وجهة النظر المصرية، وكان السيرونجت قد طلب إلى رشدي باشا أن يؤجل البت في استقالته حتى يتصل بحكومته في لندن لإقناعها بالسماح له ولعدلي باشا بالسفر إلى أوربة، ولكنه أصر على أن يسمح بالسفر لكل من يشاء من المصريين. . وقبلت الحكومة البريطانية سفر الوزيرين دون أعضاء الوفد فاعتبر هذا رشدي باشا رفضاً لمطالب الوزارة الوطنية، وأصر على استقالته. . . فلما ألف وزارته الرابعة ظن أن الموظفين سيعاونونه، ويعودون إلى أعمالهم. . . مادام الإضراب قد أعلن وأدى نتيجته؛ وكان المنشور السلطاني قد أذيع في يوم الثلاثاء 8 إبريل بعودة النظام ورفع الحجر على سفر المصريين وإطلاق سراح زغلول، وصدقي، ومحمد محمود، وحمد الباسل.
ولكن الموظفين أصروا على الاستمرار في إضرابهم وألفوا لجنة من مندوبي الوزارات والمصالح من سبعة وخمسين عضوا.
وفي 10 إبريل اجتمعت اللجنة بوزارة الحقانية فشرطت للعودة شروطا فيها كثير من التعنت، ورفعوا بهذه الشروط قراراً إلى رشدي باشا. ويستدعي رئيس الوزراء زعماء الموظفين فيجيبون دعوته إلا علي بك ماهر، وفي هذا الاجتماع كرر الوزير للموظفين طلب فض الإضراب ولكنهم أصروا على موقفهم، واشترطوا أن تعتزل الوزارة الحكم. . . تلك الوزارة التي أيدت الثورة وكانت في الجبهة الشعبية من يوم تأليفها.
وفي يوم الثلاثاء 15 إبريل طلعت الصحف ببيان آخر من رشدي باشا يدعو فيه الموظفين إلى العودة، ويلقي عليهم مسؤولية الاستمرار في الإضراب. . . ونشرت جريدة المقطم يوم 18 إبريل سنة 1919 أن رشدي باشا استدعى بعض أعضاء لجنة الموظفين، وناقشهم طويلا، وبين لهم خطر الموقف، وانفض الاجتماع دون الوصول إلى قرار نهائي.
ويقف رشدي باشا موقفاً كريماً فيقبل اعتزال الحكم إن كان ذلك رغبة الموظفين، وأطلع الوزراء رؤساء الموظفين على نص كتاب الاستقالة قبل أن يرفعوه إلى عظمة السلطان. . وتتوالى الحوادث بسرعة فيجتمع بعض أعضاء لجنة الموظفين ويقررون العودة. كان ذلك يوم 21 إبريل؛ وفي اليوم الثاني أذاع الجنرال أللنبى منشوراً يقضي باعتبار كل موظف مستقيلا إذا لم يعد إلى عمله
وأذيع المنشور في الصحف - الأهرام 23 4 1919 وفي
نفس هذا العدد تكذيب بتوقيع محمد عاطف بركات ومحمد
زكي الإبراشي: (لا صحة لما جاء في بعض المنشورات من
أن اللجنة العليا للموظفين قد قررت الاستمرار في الإضراب.
. .
إن حركة إضراب الموظفين عام 19 كانت حركة رائعة موفقة لولا أنهم تمادوا فيها بعد زوال أسبابها.
إنها قصة رائعة لم يحسنوا ختامها. . . وحسبك أنها انتهت بسقوط وزارة رشدي وكان سقوطها خسارة كبيرة. . . وفي نفس اليوم الذي عادوا فيه كان اعتراف ويلسون بالحماية
الإنجليزية على مصر نتناقله شركات البرق في العالم.
ولقد صحب هذه الحركة مواقف غاية في النبل والشجاعة، والإيثار. . . فمن ذلك أن الإنجليز طلبوا إلى الوزارة اعتقال زعماء الحركة ونفيهم فأبت الوزارة هذا، وردت على الإنجليز بأن (رؤساء الإضراب هم زهرة الشبيبة المصرية فلا نقبل أن يهابوا، ولا نستطيع تحمل مسئولية اعتقالهم، وإذا بدا لقوة أجنبية أن تعتقلهم فسنكون نحن (الوزراء) أول الثائرين. . .)
والذين سمعوا بأيام الحماية، وعهود المستشارين والإشراف، واستئثارهم بالحكم والنفوذ يعرفون إلى أي حد كان رشدي باشا رجلا فذا ومثلا نادراً في الشجاعة والاستبسال، ويعرفون إلى أي حد ظلم الموظفون الرجل، وحرموا حكومته من العون والتأييد. . .
وأراد الإنجليز أن يأخذوا الموظفين بإضرابهم فجاء في أهرام الخميس الأول من مايو سنة 1919 منشور الحقانية بعنوان (موظفوا الحكومة أيام إضرابهم عن العمل): تقرر مبدئيا قطع مرتب مدة الإضراب وقدرها سبعة عشر يوما من 3 إلى 5 إبريل ثم من 9 إلى 22 منه - من جميع الموظفين والمستخدمين الوطنيين مع حفظ الحق في إبداء المعارضات. أما إعانة المرتب فتصرف كاملة طبقاً للتعليمات الخاصة بها)
وقبل الموظفون ذلك، ولكنهم طالبوا ألا يعامل صغار الموظفين بذلك. . . ويثور هؤلاء ويأبون أن يكونوا أقل من رؤسائهم بذلا وتضحية حتى يقنعهم الرؤساء بقطع الرواتب عن نصف مدة الإضراب.
هذه صفحة من تاريخ اليقظة المصرية نفض من عليها غبار الليالي. وكم من سجل الثورة المقدسة من صفحات يجدر بالمصريين أن يرجعوا إليها، وأن يقفوا عندها. . . ليتأملوا ماضيهم، حتى يتدبروا حاضرهم، ويرسموا مستقبلهم. . . ويربطوا حلقات جهادهم الموصول. . .
(مؤرخ)
منادمة الماضي:
زيارة لحصن الأكراد
أدب وحرب
للأستاذ أحمد رمزي بك
1 -
لزيارة حصن الأكراد قصة لا بأس من إيرادها على سبيل الفكاهة كمدخل لهذا الحديث، فقد سبقتها زيارة لحصن آخر هو قلعة مدينة طرابلس. ولم يكن لدى برنامج موضوع لزيارة القلاع والحصون التي أنشأها الصليبيون أو احتلوها بالمشرق، وإنما جاءت الزيارتان وليدتي المصادفة. وإليكم ما دفع إليهما.
2 -
حينما جاء الجنرال جورو الفرنسي إلى مدينة طرابلس عقب احتلال فرنسا للبلاد بعد جلاء الجيوش البريطانية عنها، استقبل في قلعتها استقبالا غريباً، فقد تلقاه جماعة من جنوده، وقد لبسوا لباس فرسان الهيكل ومقابلة الاسبتار ومعنى هذا الاستقبال مظاهرة صليبية بعد سبعمائة سنة من انتهاء هذه الحروب. وخطب الجنرال وأظهر سروره باسترجاع فرنسا لمعقل من معاقل الصليبيين. وقد عد هذا العمل من أخطاء جورو التي سجلت عليه، لأن فرنسا لم تفتح هذه البلاد بجيوشها حتى تحتفل باسترجاع حصن نزع منها. ثم إن عقلاء الفرنسيين أشاروا بخفة إلى أن هذه الحروب كانت حرباً عامة اشترك فيها الفرنسيون وغيرهم من الألمان والإنجليز. كانت نهاية الحروب خروج الصليبيين بعد هزيمتهمن فليس من الحكمة في شيء أن تلصق هذه الحروب ونتائجها بالشعب الفرنسي وحده.
3 -
كان قد مضى أكثر من عشرين عاماً على هذه الحوادث حينما زرت مدينة طرابلس، فإذا بأهل المدينة يتحدثون عنها، وكأنها حصلت من أيام. لله در الجنرال جورو! لقد كان أهل طرابلس رجال رباط ومثاغرة منذ القدم، فإذا هو يذكرهم بماضيهم، وإذا هم من جديد من المرابطين المثاغرين الذين لم يفقدوا شيئاً من حماسة آبائهم وأجدادهم، وكان أن تحادثنا في موضوع مدينة طرابلس وكيف دخلتها جيوش الملك المنصور سيف الدين قلاوون وانتزعتها من أمراء الصليبيين؛ وتحمس الجمع فخرجنا إلى قلعة طرابلس، وقرأنا الكتابة
التي سجلها الفاتح على باب القلعة: وكان أثر هذا الاستقبال الفرنسي أن أوجد وعياً قومياً وحماساً في قلوبنا.
4 -
وأمضينا سهرة حول فتح طرابلس وسير حملتها، فإذا بالحديث يتناول قلعة الحصن أو حصن الأكراد وهي التي قامت منها الحملة التي استولت على طرابلس، وكان أن تقررت زيارتنا للحصن العتيد في يوم من أيام عام 1941 حينما كانت الحرب العالمية الثانية في أشد أدوارها وطأة: فقمنا في أكثر من ست سيارات على طريق حمص، وما كدنا نترك محطة تل كلخ حتى ظهرت لنا القلعة العظيمة بأبراجها تطل علينا من فوق رابية لا يقل ارتفاعها عن ستمائة وخمسين متراً عن سطح البحر، وهي في صمتها وعظمتها توحي إلى الناظر إليها بأنها تتحدى الأجيال. فكأن الزيارة الأولى جاءت من وحي الاستقبال الفرنسي، وأتت زيارة حصن الأكراد نتيجة لما لمسناه ورأيناه عند زيارة قلعة طرابلس: كان كل هذا بغير قصد معين.
6 -
وتمت هذه الزيارة في يوم بأكمله. فقد صعدت بنا السيارات إلى قمة المرتفع، ورأينا الأراضي الخصبة التي كان يسيطر عليها أصحاب الحصن، وظهر لنا البحر من بين المرتفعات: ورأينا كيف كان أهل الحصون يتخابرون بالنيران الموقدة.
وحينما نزلنا من السيارات واتجهنا إلى باب الحصن أخذتنا الرهبة لدى قراءة ما كتب بالخط النسخ الجميل من مثال العصور المملوكية القديمة من مصر. فأخذنا نحاول القراءة، فأتى إليها من باع لكل منا بطاقة قد صورت عليها الكتابة الخالدة:
7 -
بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد هذا الحصن المبارك، في دولت مولانا الملك السلطان الملك الظاهر العالم العادل المجاهد المرابط. . . ركن الدنيا والدين أبو الفتوح بيبرس قسيم أمير المؤمنين، وذلك بتاريخ يوم الثلاثاء خامس وعشرين من شعبان سنة 669
8 -
لا أخفي عنكم أنها كانت وكأنها نفحة من نفحات مصر تستقبلنا. أما أنا فقد كنت سريع الخطى، أقفز ذات اليمين وذات اليسار، كنت أرى الحصن بأبوابه وأبراجه وأسواره وطبقاته وكأنه قطعة من بلادنا.
وصعدت على الدرج وقلت من هنا صعد أبو الفتوح بجنده وأمرائه، ومررت إلى الرحبة
الأولى فإذا الحصن الثاني له روعة أكبر من الروعة التي يراها الإنسان للباب الأول: ومن هذا المدخل يصعد الداخل إلى مكان القيادة، فرأيت كيف أبقى الزمن آثار أقدم الحرس، وحيث موضع الرماح التي كان يحملها الديادبة كنت أراها على يمين الداخل وشماله حتى صعدنا إلى الأماكن العالية: حيث كانت حجرات الرئيس ومائدته ومكان عبادته.
9 -
هذه هي النظرة الأولى لهذه الزيارة، وقد جعلتها موضوع حديثي الليلة، فلا تنتظروا مني أن أحدثكم حديث العالم في فن هندسة التحصين وعمارة القلاع قديمها وحديثها، ولا أن تسمعوا مني حديثاً في التاريخ وعلم الآثار، وإنما حديثي الليلة هو حديث رجل مرَّ بحصن من حصون القرون الوسطى فأخذته روعة المكان، وغمرته ذكريات عن بلاده وهو بعيد عنها، فإذا به ينادي هذه الحجارة القائمة، ويحدثها ويسعى إلى منادمة الماضي سعياً قد يجعل هذا المكان يبوح بسره وينطق بما كان عليه من أمجاد القرون الماضية.
10 -
فالمعلومات التي أقدمها لم أحاول جمعها على طريقة علمية منطقية بالبطاقات، ولم تكن نتيجة خطة معينة، أو بحث قصدت به أن أقف بينكم اليوم لأنقله إليكم، وإنما هي نتيجة مطالعات متفرقة في أوقات متباعدة، وهذه المطالعات أثارتها زيارتي لهذا الأثر ورغبتي في إشباع نفسي منه.
11 -
فهناك فريق من الناس يؤمنون بأن قيمة بعض الأشياء هي في مقدار ما تثيره في أنفسهم من انتباه أو وعي أو رغبة في الاستزادة من التعرف إليها، ثم فيها تتركه هذه الأشياء في عقولهم وأذهانهم من دوافع قد تلازمهم مدة طويلة من الزمن، وتدفعهم إلى عمل أشياء نافعة أحياناً.
12 -
وإني أتشرف باني من هؤلاء الذين يؤمنون بأن التاريخ والآثار وكثيراً من محاسن هذه الدنيا، هي حية مادامت تؤثر فينا وتجعلنا نشعر بشعور معين، وتحت إيحاء هذا الشعور نقوم بإتمام عمل من الأعمال النافعة المفيدة. وأعترف بأني مدين لزيارتي حصن الأكراد بشيء كبير من هذا الإيحاء الذي لازمني مدة طويلة ونفخ في روحي حماساً، للتعرف على أشياء، والإيمان بعصور كانت في مخيلتي قاتمة يحيط بها الكثير من الضباب. فأخذت أتحين الفرص لزيادة معلوماتي عنها وشغل أوقات الفراغ في تعرف هذه الأيام والكشف عما وراء الحجب من أشياء قد تكون معلومة لأهل الاختصاص، ولكنها
كانت على كل حال مجهولة لي.
13 -
لابد أنكم اشتقتم إلى التعرف على هذه القلعة السورية، والتي أمضيت كل هذه المدة دون تحديد موقعها، والتحدث إليكم عنها بعد أن طال حديثي عن مقدمات هذه الزيارة. ولذا أنقل إليكم ما كتبه الأستاذ الجليل محمد كرد علي، صاحب خطط الشام إذ قال: قلعة الحصن، أو حصن الأكراد أو الكرك ولا تزال محفوظة منذ عهد الصليبيين على ما هي عليه، وهي آية في باب الهندسة العسكرية في القرون الوسطى ناطقة بلسان حالها بأن هؤلاء نزلوا الأراضي المقدسة.
14 -
قال: فلننظر بعده إلى ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان فقد كتب: منذ أكثر من سبعمائة عام حصن الأكراد هو حصن منيع، حصين على الجبل الذي يقابل حمص من جهة الغرب وهو المتصل بجبل لبنان، وكان بعض أمراء الشام قد بنى في موضعه برجاً، وجعل فيه قوماً من الأكراد كطليعة بينه وبين الفرنج وأجرى لهم أرزاقاً، فخافوا على أنفسهم فجعلوا يحصنون هذا البرج إلى أن صار قلعة حصينة، منعت الفرنج من كثير من غاراتهم فنازلوه، فباعه الأكراد ونزحوا لبلادهم، وملكه الفرنج وهو في أيديهم إلى هذه الغاية (أي إلى عهد ياقوت الحموي) وبينه وبين حمص يوم واحد، ولا يستطيع صاحب حمص أن ينتزعه من أيديهم.
ثم اختلط عليه الأمر فجاء بذكر الداوية في حصن الأكراد ويقصد فئة الاسبتار أصحاب الحصن فقال عنهم: هو قوم من الفرنج يحبسون أنفسهم لقتال المسلمين ويمنعون أنفسهم عن النكاح - يقصد إيمانهم بالرهينة - ولهم أموال وسلاح ويتعاطون القوة ويعالجون السلاح ولا طاعة لأحد عليهم. انتهى كلامه.
15 -
وهذا رأي لكاتب عربي قيل استعادة الحصن من أيدي الصليبيين: ويهمنا قبل الانتقال من هذا التعريف أن نصحح لياقوت؛ فأصحاب الحصن هم جماعة الاستبار لا الداوية.
16 -
والاسبتار هم والداوية هم الهيكليون نسبة إلى هيكل سليمان أو المعبد وهما منظمتان صليبيتان، كان الغرض الأساسي من تأليفهما مد يد المساعدة لرواد الأراضي المقدسة الذين تنقطع مواردهم، أو يقعدهم المرض، ومن هنا تفهم كلمة ثم ألقى عليهما
واجب حماية الحاج.
ثم انتهى الأمر بهما إلى أن أصبحتا قوتين عسكريتين منظمتين لمحاربة المسلمين. وقد حصلت كلتاهما على حق احتلال القلاع والحصون، وعلى حق إدارة المقاطعات وفرض الضرائب، وعلى حق عقد المعاهدات والهدنة والصلح. فأصبحت كل منظمة حكومة داخل حكومات الصليبيين، ووصل عدد المنتمين لهاتين المنظمتين إلى 15. 000 مقاتل، وكانوا على ثلاثة أصناف:
1 -
الفرسان: من طبقة النبلار من مختلف شعوب أوروبا وهم الذين يتولون مناصب الشرق الكبرى.
2 -
الضباط: ويمكن أن يلحق بهم أبناء الطبقات الوسطى.
3 -
الكتاب: ويتولون وظائف الكتابة والأعمال الدينية الثانوية.
17 -
وكان حصن الأكراد معقلا من معاقل الاسبتار: وهم الذين زادوا على أسواره وبنوا الأبراج العالية. وأهم ما بقى من آثارهم القاعة الكبرى ومسكن رئيس الفرسان. وغير ذلك. وقد تسلموا الحصن من أمير مقاطعة طرابلس لوجود الحصن على الحدود.
18 -
وكانت القواعد المتبعة أن يقسم جماعة الاسبتار، أو الهيكليين على الدفاع حتى الموت، ولا يعفون من قسمهم إلا بأمر أعلا من عميد الهيئة فكانوا أهل رباط يتقربون إلى الله بقتال المسلمين بغير هوادة، وكانوا يعتبرون من مات في قتال الإسلام شهيداً، ومن عوائدهم (التي أخذوها عن المسلمين وأهل المشرق) اطعام أربعين مسكيناً لمدة أربعين يوماً، وإخراج زكاة العشر للفقراء عن جميع المحاصيل، بل فرضوا على أنفسهم إخراج رغيف عن كل عشرة أرغفة تخبز في مطاحنهم.
19 -
وكانت المنافسة على أشدها بين المنظمتين، بل كانت تنتهي أحياناً إلى العداء المفتوح، وفي منطقة حصن الأكراد كانت قلاع صافيتا وطرطوس في يد الهيكليين.
20 -
وللمنتظمتين تاريخ طويل في الحروب الصليبية، ويبرز اسم عميد كل منهما في كثير من الحوادث، وفي توجيه سياسة الأمارات اللاتينية. ولذا أفراد المؤرخون المؤلفات الطويلة للتحدث عنهم.
21 -
ويهمنا من أمرهم ما كان لهم من السلطان في حصن الأكراد، فقد ذكر صاحب
كتاب: كشفاً بأسماء من تولوا وظائف كبرى من الاسبتار بحصن الأكراد ابتداء من 1265 إلى 1267 وخصوصاً العمداء ذكر من بينهم. ' ويؤكد الكثيرون أن رفاقهم لا يزالون في أقبية الكنيسة التي كانت بالحصن.
ولقد رأيت في متحف الحصن مجموعة من الجماجم البشرية، وعليها آثار ضربات السيوف، فهل هي لقوم الاسبتار أم الجماعة من المسلمين؟ هذا ما يقف التاريخ حائراً أمامه.
(يتبع)
أحمد رمزي
حول دولة صهيون المزعومة:
بيت العنكبوت!. . .
للأستاذ صبحي إبراهيم الصالح
(مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت
بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).
قرآن كريم
تزعم أسرة العناكب أنها عاشت حيناً من الدهر في بيت تام البناء، مكتمل الأثاث، كثير المتاع؛ وأن صروف الزمان وعودايه أخرجتها من بيتها بغير حق، فتقطعت بها الأسباب، وسُدَّت في وجهها الأبواب، وأصبح شملها مشتتاً بعد اجتماع، وأمسى حبلها مبتوتاً بعد اتصال. . .
وتزعم أسرة العناكب - فوق ذلك - أن طائفة منها طوفت في الآفاق، فما ثُقِفتْ في بلد إلا سامها أهلوه سوء العذاب، حتى انتهى بها التطواف إلى البقعة المباركة التي أُخرجت منها، فبدا لها أن تتخذ فيها بيتاً واحداً يضم (قومها) فحشرت ونادت فيما أجابها منهم إلا أصوات بعيدة في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب، فأوحت إليهم أن انسجوا خيوطكم بكرةً وعشياً، ثم هاجروا إلينا لواذاً، ثم ائتونا صفاً، فسنبني معاً بأيدينا ذلك البيت الذي حرمتنا منه الحياة، في الأرض المقدسة التي أخرجنا منها شرَّ إخراج!
وانهمكت طائفة العناكب في إعداد تصميم البناء، وراحت تعمل في ضمير الخفاء، بينما أنشأت أخواتها تنسج لها الخيوط تباعاً ثم تمدها إليها من كل مكان، فتجمع بعضها على بعض وتفتله فتلا محكما لتجعل منها حبالا تستطيع أن تصطاد بها إذا احتالت ما تشاء.
وصبرت العناكب طويلا على الذلة مضروبة عليها، والمسكنة محيطة بها. . . ولكن حبالها التي تجمعت لديها بالصبر، سهلت عليها بالمكر أن تصطاد الثعلب الذي يخدع ولا يخدع، والذئب الذي يأكل ولا يشبع، والحرباء التي تتلون ولا تخشع، فامتطت ظهورهم إلى غايتها، وسخرتهم جميعاً لخدمتها، فأسقطوا من كرامتهم لإعزازها، وذلوا أمامها ذلة العبيد للسيد الجبار!
وعجب الناس للثعلب كيف خدع وهو الذي لم يتقن إلا الخديعة والمكر، وللذئب ما الذي أرضاه فقنع وإنه لا يقنعه إلا الفريسة البكر، وللحرباء لم شحب لونها وامتقع وإن وجهها ليتخذ ألف لون في كل شهر. . . وخف عجب الناس حين تبين لهم أن خيوط العنكبوت التي استحالت حبالا قد سولت للثعلب الماكر أن في مكنتها أن تصنع له المعجزات فواعدها سراً وعده المشئوم؛ وللذئب الكاسر أنها ستقتنص له الفرائس السمان فساعدها علانية على بيتها المزعوم؛ وللحرباء المتلونة أنها ستكون ملك يدها وطوع إشارتها فأيدت الباغي الغشوم، وانتصرت للظالم على المظلوم!
ولم يدر الثعلب على مكره، ولا الذئب على حذره، ولا الحرباء على نفاقها، أن العنكبوت على وهن خيوطها كانت أسرع منهم مكراً، وأكثر منهم حذراً، واشد منهم نفاقاً. . .
ثم تصرمت الأيام، وقويت الصلات بين هذه العناكب وأصحابها الثلاثة، فتعاهدوا على أن يدبروا لأسد الغاب مكيدة يخرجونه بها من عرينه، فإن الله قد ضرب على أذنه سنين عدداً، فنام نومة اللَّغب بعد أيام ذات نصب وعذاب، وغط وغطيط التعب إذ يحلم بالأماني العذاب، ولم يدر بخلده أن العناكب قد صنعت من حبالها شباكا، وأنها اغتنمت فرصة نومه فألقت عليه هذه الشبلك، وامتعانت بحيلة الثعلب وقوة الذئب وتدبير الحرباء على زحزحته عن موضع وقاده؛ فصحا في استرخاء الكسول، وتثاءب تثاؤب الملول، ثم ردد بصره في حيرة وذهول، كأنه لا يصدق شيئاً مما يرى، فما كان للثعلب أن يسعى للمكر به، وما كان للذئب أن تطوع له نفسه الدنو منه، ولا كان للحرباء - بلك الحرباء الحقيرة التي ليس لها سلاح إلا التلون والنفاق - أن تجرؤ على الغدر به؛ فليحاول تمزيق الشباك بأنيابه ومخالبه، وليزأر زئيره المرعب، وليثر ثورته الغاضبة، فلعل أشباك تسمع زئيره فتُصرخه، ولعلها لا تكون بعيدة عن العرين الذي رباها فيه، ولا نائمة في الغاب كما كان نائماً، ولا هي تغط مثلما كان يغط؛ أو لعلها لا تكون مشغولة بأكلها وشرابها، تعدو على الفرائس فتلتهمها، وترد العنون لتشرب ماءها، لاهية عن عرينها وعرين آبائها وأجدادها فإن للصوص لغدراً تضل معه حكمة الحكماء، وأن للجبناء لمكراً تعجز عنه شجاعة الشجعان. .
ولما سمع الثعلب والذئب والحرباء زئير الأسد نكصوا على أعقابهم وقد أصاب قلوبهم من
الهلع ما جعل دماءهم تجمد في عروقهم، وكادوا يلعنون للعناكب نقضهم لما أبرموا معها، ورجوعهم عما به وعدوها، وولائهم للأسد الذي يعرف كيف ينتقم لنفسه منهم ومنها، لولا أنهم رأوا أسرابها تغافل الأسد فتدب على ظهره، وتجري بين يديه، وتمشي فوق عينيه، وهو لا يكاد يحس بها لصغرها وحقارتها، فظن الأصحاب الثلاثة أن العناكب لم تعلُ رأس الأسد إلا لأنها أشد منه قوة، ولم تُقم من جسده حيث تشاء إلا لأنها أعظم منه بأساً؛ واستطاعوا أن يستعيدوا رباطة جأشهم، وطفقوا يهتفون للعناكب هتاف الإعجاب والتشجيع، بل استبد بهم الغرور، فنادوا الفيَلةَ والنمور، والدببة والقرود، حتى الغزلان والفهود، والبغال والحمير، والهررة والكلاب، لينقلبوا على سيد الغاب، ويعترفوا بعرينه للعناكب، فهذه شريعة الذئاب والحرباوات والثعالب!.
واجتمعت على أصواتهم الوحوش الشرسة، والحيوانات الأليفة: فمنها ما كان يعوي، ومنها ما كان يزمجر ومنها ما كان ينبح، ومنها ما كان ينهق، ومنها ما كان يخور؛ فاختلطت من أصواتها النكراء موسيقى عجيبة لا تطرب من الناس أحدا إلا ترومان الأحمق، وأتلى الطائش، وستالين المغرور.
بيد أن هذه الأصوات لن تغني العناكب شيئاً، فلقد سمع الأشبال زئير الأسد، فصحوا من نومهم كما صحا من نومه، وتناسوا أحلامهم كما تناسى أحلامه، وأقسموا لا يذوقون الأكل ولا الشراب، حتى يخرجوا العناكب من الغاب، ويلقوا درساً بليغاً على الثعالب والحرباوات والذئاب. . .
وإن سهول مصر وجبال لبنان، وبطاح سورية وواحات العراق، وأودية الأردن ونجود الحجاز، ورمال الجزائر ورياض اليمن، وإن كل بقعة تهتف بالإسلام، وكل أرض تنطق بالضاد لتنظر من بعيد إلى البلاد المقدسة. . . إلى فلسطين عرين العروبة لترى رأي العين كيف ينتصر أشبالها الأشاوس، وكيف يحفظون البيت لأسياده، وكيف يمزقون بنفخة واحدة ما نسجته يد العنكبوت.
يومئذ تندم بريطانيا التي ظنت أنها تخدع ولا تخدع، وتعض أناملها من الغيظ أمريكا التي عرفها العالم تأكل ولا تشبع، وتزهق نفس روسيا التي دمرت على النفاق ولم تخشع. . ويومئذ تعلم العنكبوت البلهاء أن الأولياء الذين اتخذتهم من دون الله لا يستطيعون أن يبنوا
لها بيتاً، ولا أن يوطئوا لها كنفاً، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، و (يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم. وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
صبحي إبراهيم الصالح
من تاريخ الطب الإسلامي
لصاحب السعادة الدكتور قاسم غني
سفير إيران بمصر
- 3 -
لقد كان بدء نقل الكتب العلمية إلى اللغة العربية كما ذكرنا آنفاً - بعد استقرار الحكم العربي، وأن اكثر المترجمين كانوا من أمم غير عربية، وأحياناً من غير المسلمين كالسريان والعبريين ومن الإيرانيين المسلمين منهم، والنصارى واليهود والمجوس، غير أن النهضة العلمية الحقيقة بدأت في العصر العباسي، وكان للإيرانيين حينذاك نفوذ كبير وشأن في الدولة عظيم.
ففي هذا العصر ترجمت كتب علمية على درجة كبيرة من الأهمية، ولاسيما في زمن خلافة المأمون. وكانت أمه وزوجته إيرانيتين، وكان نفوذ الإيرانيين قد بلغ في عهده غايته، ففي هذا العصر حصل العرب بطريق الفتح، أو بإيفاد بعوث خاصة إلى بلاد الإمبراطورية البيزنطية، أو بالشراء أو المبادلة على كثير من الكتب اليونانية النفيسة، أو ترجمتها السريانية، فجمعوها في مكتبة الخليفة المسماة (بيت الحكمة)، وقام بتعريبها مهرة المترجمين. ويروي بعض المؤرخين المسلمين عن سبب اهتمام المأمون بالعلوم الفلسفية وغيرها قصة ملخصها أن المأمون رأى أرسطو في منامه وسر من كلامه، فرغب في قراءة مؤلفاته. لذلك أحضر كتبه وأمر بترجمتها إلى العربية.
ويروي ابن النديم بهذا الشأن هذه الرواية:
(إن المأمون رأى في منامه كأن رجلا أبيض اللون، مشرباً حمرة، واسع الجبهة مقرون الحاجب أجلح الرأس أشهل العينين، حسن الشمائل، جالس على سريره. قال المأمون: وكأني بين يديه قد ملئت له هيبة، فقلت من أنت؟ قال: أنا أرسطاليس. فسررت به وقلت: أيها الحكيم، أسألك؟ قال سل. قلت ما الحسن؟ قال ما حسن في العقل. قلت ثم ماذا؟ قال ما حسن في الشرع، قلت ثم ماذا؟ قال ما حسن عند الجمهور. قلت ثم ماذا؟ قال ثم لا ثم. وفي رواية أخرى قلت زدني، قال من نصحك في الذهب، فليكن عند كالذهب. وعليك بالتوحيد.
وهو يعتقد أن هذا المقام كان من أوكد الأسباب في إخراج الكتب، غير أننا نرى كما سبق القول في ذلك، أن ظهور الفلسفة والعلوم في الإسلام كان أمراً طبيعياً وكان من مستلزمات الحضارة، وأن اتصال المسلمين بالأمم المتحضرة كان يوجب عليهم الاكتساب من علومهم ومعارفهم.
وكما أن اللغة اللاتينية كانت لغة العلم في جميع البلاد الأوروبية طوال القرون الوسطى، أصبحت اللغة العربية بالتدريج، لغة العلم والعلماء بين المسلمين. وكان العلماء والمسلمون من كل قوم ولغة يؤلفون مؤلفاتهم بها ليستفيد منها جميع المسلمين. وبتوالي الزمن أصبحت المصطلحات العلمية التي وضعت في اللغة العربية، كالنقد الرائج يتلقاها الجميع بأحسن قبول.
هذا ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن للغة العربية خصائص ومزايا تجعلها صالحة لوضع المصطلحات الجديدة فهي عن أغنى لغات العالم، ففي اللغة العربية مثلا وزن (فُعال) وأكثر الكلمات التي على هذا الوزن، مثل صداع وزكام وجذام ودوار وبحار (دوار البحر) وخمار وغيرها تدل على الأمراض، وتلك مزية قلما تتوفر في لغة أخرى، إلى غير ذلك من مزايا لا تعد ولا تحصر.
وقد وضع العرب في بعض الأحيان بمهارة متناهية، كلمات عربية تؤدي معاني الكلمات اليونانية بدقة مثل كلمة تشخيص مقابل كلمة ديا جنوسيس وتقدمة المعرفة مقابل بروجنوسيس كما أنهم كانوا في أحيان أخرى يأخذون نفس الكلمات اليونانية بصورتها الأصلية مع تحريف بسيط يناسب النطق العربي مثل كلمات (ذوسنطاريا) و (إيلاوس) و (ذياييتوس).
وهذه الكتب المترجمة إلى العربية هي التي ترجمت من العربية إلى اللاتينية في القرون الوسطى، وترجمت معها المؤلفات الطبية لمحمد بن زكريا الرازي، وعلي بن العباس المجوسي الأهوازي، والشيخ الرئيس ابن سينا، وأبي القاسم الزهراوي وإضرابهم، ودرست في مدارسهم وبعد ذلك بزمن طويل أي في العصور الحديثة عرف الأوربيون المتون اليونانية الأصلية لتلك التراجم؛ وبعد العثور على المتون الأصلية، فقدت التراجم العربية رونقها السابق.
يذكر ابن النديم في الفهرست أسماء ما يقارب السبعين مترجماً من هؤلاء المترجمين مع ذكر الكتب التي قاموا بتعريبها واللغة المترجم عنها، كما أنه يذكر ضمن بيان ترجمة الحكماء والأطباء اليونانيين أسماء مؤلفاتهم التي ترجمت إلى العربية مع ذكر أسماء الذين قاموا بترجمتها، أو الذين قاموا بإصلاح الترجمة بعد مراجعتها على الأصل اليوناني أو السرياني، غير أن أكثر هذه الكتب قد ضاع مع الأسف على أثر الحوادث المختلفة.
وها نحن أولاء نذكر هنا كنموذج أسماء بعض كتب بقراط وجالينوس المهمة المترجمة إلى العربية مع ذكر أسماء الذين قاموا بترجمتها.
1 -
كتاب عهد بقراط تفسير جالينوس: ترجمة إلى السريانية حنين بن إسحق ثم نقله إلى العربية حبيش وعيسى بن يحيى
2 -
كتاب الفصول لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمة حنين بن إسحق في سبع مقالات إلى العربية.
3 -
كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمة حنين بن إسحق إلى العربية.
4 -
كتاب الأمراض الحادة لأبقراط تفسير جالينوس: ترجم عيسى بن يحيى ثلاثاً من مقالاته الخمس إلى العربية.
5 -
كتاب أبيذيما لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمه عيسى بن يحيى إلى العربية:
6 -
كتاب الأخلاط لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمه عيسى بن يحيى إلى العربية.
7 -
كتاب الماء والهواء لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمه حنين بن أسحق إلى العربية.
8 -
كتاب طبيعة الإنسان لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمه حنين بن أسحق وعيسى بن يحيى إلى العربية.
ويلاحظ أن معظم كتب جالينوس نقلت إلى العربية بواسطة حنين بن أسحق أو تلاميذه، مثل عيسى بن يحيى، وحبيش.
كان حنين بن أسحق من أشهر علماء عصره وأكثرهم إنتاجاً، فإن سبعة أعشار مؤلفات بقراط قد ترجمت بواسطته، والقسم الباقي منها، وكذلك الشطر الأكبر من مؤلفات جالينوس قام بترجمته هو أو بعض تلاميذه.
وكان حنين ينقل على الأغلب الكتب اليونانية إلى السريانية ثم يقوم تلاميذه بنقلها من
السريانية إلى العربية، ثم يراجعها هو بنفسه ويصححها. وقد قام هو بنقل بعض الكتب من اليونانية إلى العربية مباشرة، ويتضح من مجموعة ترجماته أنه كان متضلعاً للغات في الثلاث: اليونانية والسريانية والعربية تضلعاً تاماً
وقد قام حنين بن أسحق وابنه أسحق بن حنين وتلاميذه بترجمة بعض مؤلفات جالينوس بالكيفية التي ذكرناها في ترجمة كتب بقراط منها كتاب (الصناعة) وكتاب عن (النبض) وكتاب في (العلاج) و (المقالات الخمس في التشريح) وكتاب (الاسطقصات) وكتاب (المزاج) وكتاب (القوى الطبيعية) وكتاب (العلل والأعراض) وكتاب عن أمراض (الأعضاء الباطنية) وكتاب كبير عن (النبض) وكتاب عن (الحميات) وكتاب عن (بحران المرض) وكتاب عن (أيام البحران) وكتاب في (حفظ الصحة) وكتاب (التشريح الكبير) وكتاب عن (اختلاف التشريح) وكتاب (تشريح الحيوان الميت) وكتاب (تشريح الحيوان الحي) وكتاب عن (علم بقراط في التشريح) وكتاب عن (علم أرسطو في التشريح) وكتاب (تشريح الرحم) وكتاب (حركات الصدر والرئة) وكتاب (علم النفس) وكتاب (الصوت) وكتاب (حركات العضل) وكتاب (الحاجة إلى النبض) وكتاب (الحاجة إلى التنفس) وكتاب (العادات) وكتاب (آراء بقراط وأفلاطون) وكتاب (فوائد الأعضاء) وكتاب (سوء المزاج) وكتاب (الأدوية المفردة) وكتاب (الأورام) وكتاب عن (المولود في الشهر السابع) وكتاب عن (سوء التنفس) وكتاب (تقدمة المعرفة) وكتاب عن (الفصد) وكتاب عن صرع الأطفال وكتاب عن الأغذية وكتاب (الكيموسل) وكتاب معالجة الأمراض الحادة وكتاب تركيب الأدوية وكتاب في أن الطبيب الفاضل (فيلسوف) وكتاب عن الكتب المنسوبة إلى بقراط، وبيان الكتب المقطوع بصحة نسبتها إليه، وكتاب في الترغيب في درس الطب، وكتاب عن اختبار الطبيب، وكتاب في أن قوة النفس تابعة لمزاج البدن، وكتب أخرى ترجمت جميعها بهمة حنين بن اسحق وتلاميذه مثل حبيش بن الحسن الأعشم وعيسى بن يحيى واصطفن بن بسيلي وإبراهيم بن الصلت ونجله اسحق بن حنين وأخرين.
وقد نقلت مؤلفات أخرى لمشاهير الأطباء اليونانيين إلى العربية مثل كتاب (تشريح الأحشاء) وكتاب (الأدوية المستعملة) لأوريباسيوس وكتب عدة من مؤلفات روفس ' منها كتاب تسمية أعضاء الإنسان وكتاب اليرقان، وكتاب أمراض المفاصل، وكتاب عن
أمراض الحنجرة والبلعوم والذبحة، وكتاب عن النساء العواقر، ووصايا صحية، وكتاب الصرع، وكتاب حمى الريح وكتاب ذات الجنب وذات الرئة وكتاب عن القيء وكتاب عن الدوار القاتل وكتاب عن أمراض الكلبة والمثانة وكتاب في الجراحات وكتاب عن صحة الشيوخ وكتاب عن التوليد وكتاب احتباس الطمث وكتاب الأمراض المزمنة على رأي (بقراط) وكتب أخرى منها كتاب عن (أمراض العيون وعلاجها) وكتاب عن الدودة الوحيدة من مؤلفات الطبيب الشهير اسكندروس طرالتيوس وبعض كتب بولس الأجانطبي ' منها كتاب أمراض النساء وكتاب (الأدوية المفردة) لديسقوربدس وهو من أعاظم علماء الأدوية والعقاقير وقد قام برحلات كثيرة للبحث عن خواص الأعشاب والنباتات إلى كثير من البلاد والجزائر النائية.
ولحنين بن اسحق العبادي المترجم العظيم المذكور المتوفي حسب رواية ابن النديم في صفر من العام الستين بعد المائتين من الهجرة، غير كل هذه الكتب المترجمة مؤلفات هامة كثيرة منها. كتب في الطب مثل كتابه في الأطعمة وكتاب في تقسيم علل أمراض العين وعلاجها وكتاب عن الأسنان واللثة وكتاب عن أوجاع المعدة وعلاجها وكتاب عن المولود في الشهر الثامن.
ومن كبار المترجمين الذين يدين الشرق لخدماتهم العلمية قسطا بن لوقا البعلبكي ويقول ابن النديم في ترجمته (كان يجب أن يقدم على حنين لفضله ونبله وتقدمه في صناعة الطب، ولكن بعض الإخوان سأل أن يقدم حنين عليه وكلا الرجلين فاضل).
إن معظم ما قام بترجمته قسطا بن لوقا في الهندسة والأعداد والموسيقى، غير أن له كذلك تراجم جيدة جداً في الفلسفة والطب منها كتاب (الدم) وكتاب (البلغم) وكتاب (الصفراء) وكتاب (السوداء) وكتاب (علة الموت الفجاءة) وكتاب (أيام البحران) وكتاب (الفصد).
وينتسب عدد كبير من كبار مترجمي اللغة العربية لمدينة حران. وكانت تسمى هلنو بوليس لحبهم العظيم للمعارف اليونانية وعرف هؤلاء بالصابئين. وليس هنا مجال التحدث عن أصلهم وديانتهم.
وأشهر علماء حران ومترجميها ثابت بن قرة ونجله أبو سعيد سنان بن ثابت ونجل هذا الأخير أبو الحسن وآخرون من أنجاله وأحفاده وقد اشتهروا جميعاً بالعلم وحسن الترجمة.
ومن أعاظم علماء القرن الثالث الهجري أبو يوسف يعقوب ابن اسحق الكندمي المعروف بفليسوف العرب، وكان متبحراً في علوم القدماء، وله مقالات ومؤلفات نفيسة في كل فرع من فروع العلوم المختلفة ومنها الطب. وينسب له ابن النديم في سياق ذكر مؤلفاته في العلوم والفنون المختلفة الكتب الآتي ذكرها في الطب:
رسالة في (طب بقراط) ورسالة في (الأطعمة والأدوية القاتلة) ورسالة في (الأبخرة التي تنقي الهواء وتزيل منه آثار والأوبئة) ورسالة عن (الأدوية التي تزيل آثار الروائح المؤذية) ورسالة في (كيفية الأدوية المسهلة وجذب الأخلاط) ورسالة في (حفظ الصحة) ورسالة في (أسباب بحران الأمراض الحادة) ورسالة عن (الأعضاء الرئيسية في الإنسان) ورسالة عن (كيفية تركيب الدماغ) ورسالة عن (علة الجذام والشفاء منه) ورسالة في (عضة الكلب الكلِب) ورسالة في (الأعراض التي تظهر بسبب البلغم) ورسالة عن (علة موت الفجأة) ورسالة عن (أوجاع المعدة والنقرس) ورسالة عن (الطحال) ورسالة عن (فساد جسد الحيوان) ورسالة عن (مقدار فائدة صناعة الطب) ورسالة عن (الطعام) وأخرى عن (فساد الطعام).
والآراء جد مختلفة في قيمة هذه التراجم ومبلغ جودتها أو رداءتها.
يقول بونيون (وكان قنصلا لفرنسا بحلب وقد طبع عام 1903 المتن السرياني لأحد مؤلفات بقراط مع ترجمته في لييزيك) أم التراجم السريانية غامضة ومعقدة وهي تراجم لفظية لدرجة أن معاني بعض الجمل لا تفهم، وأن تركيب الجمل والعبارات فيها مشوش، ومفردات اللغة مستعملة لغير ما وضعت له من المعاني. وسبب ذلك أن المترجمين كانوا يجتهدون في أن تكون ترجمتهم صادقة ومطابقة للأصل على قدر الإمكان، ولذلك كانوا عندما يواجهون جملة صعبة يكتفون بوضع الترجمة اللفظية للكلمات اليونانية مكان الكلمات الأصلية دون أن يفكروا في معنى العبارة كلها، وإن جهلوا معنى الكلمة اليونانية اكتفوا بكتابتها عيناً بالحروف السريانية؛ لذلك كله ترى في تلك التراجم كثيراً من العبارات غير الصحيحة والجمل غير المفهومة.
إن هذا العيب يصدق إلى حدّ ما على بعض هذه التراجم ولا سيما الكتب التي ترجمت في مبدأ تعرف المسلمين على فلسفة اليونان وعلومهم، فقد كان لهذه التراجم نواقص كثيرة من
وجهة فن الترجمة، ولذلك كثيراً ما نرى ابن النديم يقول في الفهرست (قام بترجمة الكتاب فلان وأصلحه فلان).
وكان من أسباب نقص هذه التراجم نقص اللغة السريانية نفسها وضيق أفقها بالنسبة للغة اليونانية التي تعتبر من أغنى لغات العالم وأوسعها دائرة، وقد كانت لغة الخطاب والتأليف قروناً عدة ألف بها أمثال هومبروس واشيل وتوسيديد وديموستن وبقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم.
ومن أسباب نقص هذه التراجم غير ما ذكرنا عدم وجود مصطلحات علمية وفلسفية لدى السريان أو عدم معرفة مترجمي الحقبة الأولى منهم بتلك المصطلحات.
ومن البديهي أنه عندما ترجمت هذه الكتب المترجمة مع ما فيها من العيوب والنقائص التي يشير إليها بويون إلى اللغة العربية ازدادت عن أصلها بعداً وأضيفت إلى غموض الترجمة وإبهامها الشيء الكثير وأصبحت استفادة الطب منها من أصعب المشكلات.
يقول الشيخ الرئيس ابن سينا في ترجمة حياته التي أملاها على تلميذه أبي عبيد عبد الواحد بن محمد الفقيه الجرجاني
(وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه والتبس على غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظاً وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا أعرف المقصود به، وأيست من نفسي وقلت هذا الكتاب لا سبيل إلى فهمه، فإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في سوق الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه فعرضه على فرددته رد متبرم معتقد أن لا فائدة في هذا العلم، فقال لي اشتر مني هذا فإنه رخيص وصاحبه محتاج إلى ثمنه فاشتريته بثلاثة دراهم فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة ورجعت إلى بيتي وأسرعت إلى قراءته فانفتح على في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه كان صار لي محفوظاً على ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكراً لله تعالى)
ويفهم من هذا أن الترجمة كانت في بعض الأحيان ضعيفة ورديئة لدرجة أن قريحة كقريحة ابن سينا كانت تحتار في تفهم معناه وتيأس من ذلك.
فإن شئنا أن لا نعدو الحق والأنصاف في حكمنا يجدر بنا أن نذكر أن نشر العلوم اليونانية
وتعميمها ووضعها في متناول طلبة العلم وتقريبها لفهمهم كان بفضل الطبقة الثانية من المترجمين الذين كانوا قد فهموا تلك العلوم بأنفسهم فهماً جيداً. وكانت ترجمتهم واضحة يفهمها طالب العلم بسهولة، وبفضل هؤلاء وببركة دراساتهم وتحقيقاتهم العلمية وتصحيحهم للتراجم السابقة حلت المشكلات العويصة.
أما قول بعض النقاد أن التراجم لا تفهم دون مراجعة الأصل فمبالغ فيه.
يعتقد لو كلرك أن النقل المباشر من اليونانية إلى العربية حسن بصورة عامة، والكتب المترجمة بهذه الطريقة مترجمة بذكاء عظيم وقريحة وقادة وذوق سليم، غير أن النقل من العربية إلى اللاتينية، وكان يقوم به مترجمون غير ملمين باللغات، كان ناقصاً ومشوهاً، فالذين يحكمون على الترجمات العربية عن طريق ترجمتها اللاتينية قد سلكوا طريقاً خطأ. ويذكر لوكلرك مثالا حياً لهذا فيقول إن بعض أقسام القانون لابن سينا لا يفهم جيداً، أو قل لا يفهم أبداً باللاتينية؛ والسبب هو أن المترجم لم يكن يعرف العبارة العربية في الأصل، أو لم يكن يتقن اللاتينية التي ترجم إليها.
(يتبع)
قاسم غني
طرائف من العصر المملوكي:
أساليب العامة في الشعر الفصيح
للأستاذ محمود رزق سليم
نشأ الشعر العربي أول ما نشأ فصيحاً. وعاش فصيحاً زمناً طويلا بعد نشأته. لم تزايله فصاحته ولم تتحول عنه عربيته، حتى اختلط العرب بالعجم وبخاصة في عصر بني العباس. فأدى هذا الاختلاط إلى فساد السليقة العربية وانحراف اللسان الفصيح. وتكونت اللغة العامية، وتغايرت طرق أداء المعاني فيها عن مأثور العربية. وألف العرب التخاطب بها، وتناقل المعنى بأساليبها.
ومنذ ذلك الحين أخذ كثيرون من أهل الغيرة على لسان القرآن والحديث يكافحون سيلها ويدرءون خطرها. ولكن جرت الحوادث دون غايتهم، وتتابعت الأيام دون ما أملوا. وعاشت العامية، ولا تزال تعيش، طاغية بين جماهير الأمم العربية. إلا أن لغة العلم والأدب والشعر، ظلت بمنأى عن العامية إلى حدما؛ غير أنها لم تسلم جملة من رذاذ منها يصيبها، ومن رشاش ينتثر عليه.
ونعني بالأساليب العامية، الطرق الكلامية والعبارات التي يؤدي بها العامة مضمون أفكارهم ومتبادر معانيهم بدون حرص منهم على تحري قواعد العربية في نحوها وصرفها.
والأساليب العامية بهذا، تفترق افتراقا ما، عن أساليب العامة. ولبيان ذلك نقول: إن في كل أمة من أمم الأرض غابرها وحاضرها، طبقتين متميزتين، كما تجمع بينهما جوامع عدة، تفرق بينهما فوارق شتى، وهما العامة والخاصة.
أما الخاصة فهي الطبقة النابهة، التي سلكت إلى الثقافة مسالكها، وبلغت من التعليم حظاً موفوراً، وأوتيت بجانب ذلك ذكاء في القريحة، ورهافة في الحس، وطلاقة في اللسان، وقوة على التعبير. فيقع خاطرها على الفريد من المعنى، والجديد من الرأي، أو يسمو إلى الرائع من الصور، والبديع من الأخيلة، فيسجل الشوارد، ويقيد الأوابد. وهي بذلك وبعد ذلك، تنشر نوازعها على العامة، فتؤثر أثرها الجليل في حياتهم وحياة الأمة جمعاء. فتعتقد الخاصة بذلك، منها مقعد القيادة والتوجيه.
والخاصة لها أساليبها وطرق أدائها للمعاني، بل لها مفرداتها بل ومصطلحاتها، ولغتها هذه
أوسع من لغة العامة نطاقاً وأبعد آفاقاً، وأقدر على إحكام النظرة وتحديد الفكرة، وهذه أوصافها في جملتها لا في تفصيلها.
أما العامة فهي من عدا الخاصة، من عمال وصناع وزراع وتجار ومحترفين حرفاً لا تنزع إلى إنتاج فكري أو أدبي. بل هي حرف آلية تجري على سَنن من التقليد.
وللعامة كذلك أساليبها وطرق أدائها للمعاني، بل ولها مفرداتها ومصطلحاتها. غير أن لفّها هذه أضيق أفقاً من لغة الخاصة، وأضعف منها قدرة - في جملتها - على التعبير عن رقيق المعاني وعميق الأفكار. ولا تخلو من كلمة جامعة، وحكمة بارعة، ومثل مضروب، وقوله مأثورة، وطرفة نادرة. ونستطيع أن نحدد (لغة العامة) بأنها اللغة الشعبية الدائرة على الألسن، التي ابتذلت عباراتها ومفرداتها - في نظر الخواص - بكثرة الاستعمال.
وفي الأوساط العربية، كانت لغة الخاصة ولغة العامة فصحتين معبرتين، قبل أن تنحرف العربية في التخاطب وقبل أن تتولد العامية. فلما انحرف لسان التخاطب - كما ذكرنا - وتولدت العامية. زادت الفرقة بين لغة الخاصة ولغة العامة. وزادت الألفة بين العامة والأساليب العامية.
والآن نرى أن لغة العامة تطفي عليها الأساليب العامية والمفردات العامية، المشوهة بالتحرف واللحن وترك الإعراب وبالدخيل، ونحو ذلك. غير أنها في جوهرها عربية. وفي جعبتها كما أشرنا - كثير من الأمثال والحكم والكلمات الجامعة والعبارات الرائعة والتشبيهات السائغة والكنايات اللطيفة ونحو ذلك.
والخاصة لا تقيم دائماً على لغتها بل كثيراً ما تصطنع لغة العامة في حديثها كلما عاشت كما يعيش سائر الناس وكلما استراحت من أداء رسالتها في علم أو أدب.
وإزاء هذا يحرص العلماء والأدباء حينما يتصدون للتأليف والنظم، على أن يهجروا لغة العامة، ويتناسوا مبتذلاتها، ليسلم للغتهم رونقها وبهاؤها، ويبقى لها سموها ومقدرتها وجلالها. غير أنهم - وهم من الشعب وإلى الشعب - لا يستطيعون مهما حرصوا، أن يزيحوا عن كاهلهم نِيرها جملة. بل تبقى منها في لسانهم لوثة، تترد نفثاتها بين الآن والآن، بوعي أو بغير وعي.
هكذا كان حال شعراء العصر المملوكي حينما يتصدون لنظم الشعر. كانت أساليب العامة
يتردد صداها بين الفينة والفينة فيما ينظمون. وفي العصر المذكور كان سيل العجمة طاغيا على البيئات العربية، بسبب شدة اختلاط العرب بغيرهم من الأجناس، وبخاصة الجنس التركي الذي كان له حينذاك الحكم والسلطان. فكان لذلك أثره في سيادة العامية، فلا غرابة أن رأينا منها لوثة في ألسنة الشعراء. بل الغرابة في ألا تكون. والشعراء أقرب أنواع الأدباء إلى الشعب، وأدقهم حسَّابه، وأعمقهم إدراكا لما في بيئاته وأشدهم تأثراً بما في محيطاته.
غير أن بعض النقاد في العصر الحديث ينعى على هؤلاء الشعراء ما تهاووا إليه من أساليب العامة، ويتخذ ذلك ذريعة إلى وصفهم بضعف ثقافتهم وقلة بضاعتهم من العربية. وهذا - في رأينا - حكم جائر. فاصطناع الأديب للغة العامة، قد يغض من أدبه باعتباره أديباً عربياً، ولكنه لا ينبغي أن يتخذ دليلا على ضعف ثقافته أو قلة بضاعته. والشاعر المثقف تنسل إلى شعره أساليب العامة دون وعي منه ولو كان حريصاً. وذلك لألفتها وجريانها على لسانه في حياته العادية؛ والأدلة كثيرة في كافة عصور الأدب.
وصحيح أن بعض شعراء العصر المملوكي كان أمياً، ولكنه نظم بالعربية الفصيحة وهذه مفخرة للعصر، وصحيح كذلك - بجانب هذا - أن كثيراً من شعرائه، وممن اندست أساليب العامة إلى شعرهم، كانوا على جانب عظيم من الثقافة، ومؤلفاتهم خير شاهد على ذلك، كابن عبد الظاهر وابن فضل الله والعسقلاني وابن نباتة وابن الوردي والصفدي وابن حجة.
وإذا كانت أساليب العامة قد أخذت سبيلها إلى ألسنتهم، وظهرت أطيافها في أبياتهم بدافع الاختلاط والتأثر بحياة العامة ولغتهم، فهناك دوافع أخرى لا نستطيع أن نتجاهلها أو ننساها ومنها الرغبة في الإيضاح، وحب الدعابة والتفكه، والاستجابة لداعي البديع، فقد تحلو التورية أو يجمل الجناس، إذا روعي الاستعمال العامي. ومن هنا نفهم أن بعض الشعراء تعمد هذا الاستعمال لغاية من الغايات.
وليس معنى استعمال الأساليب العامية أن تظل عامية محرفة أو غير معربة، بل كثيراً ما تجري مجرى الفصيحة. وقد ينقذها اصطناع الشاعر لها مما تردت فيه من الابتذال.
ونحن نعرض هنا على أنظار القارئين نماذج من شعر العصر المملوكي، ذاكرين أن دراسة
ما فيها من أساليب العامة تعمل على ربط لغتنا بلغة أسلافنا، وتعين على فهم مدى تطور أساليبنا العامية فضلا عما تقدمه من الأدلة على سمو الروح الأدبية وأصالتها لدى شعراء العصر المذكور؛ فمن ذلك ما يلي:
نعلم أن بائعي (الكتاكيت) ينادون فيقولون: (يا ملاح الملاح). ويبدو أن هذا النداء كان معروفاً في عصر المماليك ومستعملا في نفس المعنى. وقد كان أحد نواب الشافعية، وهو بدر الدين الدميري محمد بن يوسف المتوفي عام 887هـ، معروفاً بين الناس بِ (كتكوت) فاتخذ بعضهم ذلك وسيلة إلى مداعبته فقال فيه الشاعر علي بن برد بك مورياً بملاح الملاح وفيه دلالة على ما ذكرنا قال.
إن الدميري صديقي فلا
…
أسمع فيه قول واش ولاح
ولا أرى كالغير تقبيحه
…
بل هو عندي من ملاح الملاح
وقال محيي الدين بن عبد الظاهر:
يا رب كأس صرت من شربها
…
من بعد رشفي ريق معشوقي
ملتهب الأحشاء ناراً لأن
…
شربتها منه على الريق
وفي الشطر الأخير تعبير عامي، ويتضمن تورية لطيفة. فقد ورى بعبارته عن المعنى المقصود، وهو أنه شرب الكأس بعد رشف ريق معشوقه، وكان الريق أحلى وأجمل إطفاء لنار أحشائه من الكأس.
وقال جمال الدين بن نباتة في الشكوى:
قل عوني على الزمان فأصبح
…
ت صبوراً على مراد الزمان
حابس اللفظ واليراع عن النا
…
س فلا من يدي ولا من لساني
وفي الشطر الأخير عبارة عامية تدل على ضعف الحيلة، وفي البيت كله لف ونشر. وفيه اكتفاء.
وقال شمس الدين بن دانيال الموصلي يشكو حظه كذلك، ويذكر أنه باع حماره وعبده معا، فأصبح بذلك فقيراً لا يملك شروى نقير ولا قطمير. وفي بيته الثاني - مع الاكتفاء ومع اللف والنشر المرتب - مجانة يفطن لها الأديب. قال:
ما عاينت عيناي في عطلتي
…
أقل من حظي ومن بختي
قد بعت عبدي وحماري وقد
…
أصبحت لا فوقي ولا تحتي
وقال زين الدين عمر بن الوردي متفزلا في تاجر مليح:
وتاجر شاهدت عشاقه
…
والحرب فيما بينهم سائر
قال: علام اقتتلوا هكذا
…
قلت: على عينك يا تاجر
والمعنى العامي للعبارة الأخيرة (بصراحة وعلى المكشوف) فوري به عن المعنى الذي يريده وهو أنهم اقتتلوا بسبب ما في عينه من فتنة وسحر. ولا تزال العبارة مستعملة في عاميتنا بنفس المعنى الأول.
وقال صلاح الدين الصفدي يصف جرة خمر:
وجرة أظهروها
…
والراح فيها كمينة
شممت طينة فيها
…
فرحت سكران طينة
وقال ابن الوردي في لاميته المشهورة:
واهجر الخمرة إن كنت فتى
…
كيف يسعى في جنون من عقل
وشاهدنا في عبارة (إن كنت فتى) وهي ترادف الاستعمال الشائع الآن وهو (إن كنت جدع) أي إن كنت شهما. وبديهي أن معنى فتى لا يفيد لغة معنى شهم. وقال ناصر الدين بن النقيب يشكو نحول جسده:
يقول جسمي لنحولي وقد
…
أفرط بي فرط ضني واكتئاب
فعلت بي يا سقم ما لم يكن
…
يلبس والله عليه الثياب
وتفيد العبارة الأخيرة بمعناها العامي الذي لا يزال شائعاً حتى اليوم، (أنه لا يطاق)، وورى بها عن شدة نحول جسمه حتى إنه لم يعد يصلح لثياب يرتديها.
ومن لطيف توريات ابن نباتة بالأسلوب العامي، قوله متغزلا.
سألت النقا والغصن يحكي لناظري
…
روادف أو أعطاف من زاد صدها
فقال كثيب الرمل ما أنا حملها
…
وقال قضيب البان ما أنا قدها
وشاهدنا في العبارتين (ما أنا حملها)، (ما أنا قدها).
وقال صفي الدين الحلي في معرض الغزل واصفا الصباح:
والصبح قد أخلقت ثوب الدجى يده
…
وليته جاء للعشاق بالخلق
وهجا ابن أبي حجلة المغربي، الصلاح الصفدي فقال:
إن ابن أيبك لم تزل سرقاته
…
تأتي بكل قبيحة وقبيح
نسب المعاني في النسيم لنفسه
…
جهلا فراح كلامه في الريح
وقال سراج الدين الوراق يتغزل موريا:
ومهفهف عني يميل ولم يمل
…
يوماً إليَّ فقلت من ألم الجوى
لم لا تميل إليَّ يا غصن النقا
…
فأجاب كيف وأنت من جهة الهوا
وقال برهان الدين القيراطي:
يا هاجرا أوقعني هجره
…
وصده في حالة صعبة
أخذت قلبي بالتجني وما
…
تركت لي منه ولا حبة
وفي البيتين عبارات عامية، وفي الثاني تورية في (حبه).
وقال ناصر الدين بن النقيب:
ودعتهم ثم أنثنيت بحسرة
…
تركت معالم معهدي كالبلقع
ورجعت لا أدري الطريق ولا تسل
…
رجعت عداك المبغضون كمرجعي
وشاهدنا في الشطر الأخير، وترادف عبارته العبارة العامية (رجع رجعة الأعادي).
وبعد فهذا باب يتطلب المزيد من البحث، وفي دراسته - بلا ريب - نفع للأدب والتاريخ.
(حلوان)
محمود رزق سليم
مدرس الأدب بكلية اللغة العربية
قولوا لمن ملأ الزمان تشدقاً
للأستاذ حسن الأمين
أعيا البيان وخاب فيك المنطق
…
النار أجدى في الكفاح وأصدق
طيبي فلسطين الأبية واسلمي
…
وطناً له يعنو الزمان ويطرق
لا تيأسي فعلى يمينك فيلق
…
ملء الربى وعلى يسارك فيلق
اليعربيون الأباة تواثبوا
…
من كل فج للوغى وتدفقوا
يهتاجهم للبأس أروع مشئم
…
ويهزهم للأريحية معرق
نسلتهم الصحراء أبطالا إذا
…
ساروا إلى غاياتهم لم يُلحقوا
إني لتصبيني الصحارى سمحة
…
وتروقني فيها الظبي والأينق
ويهيج وجدي الليل في تلعاتها
…
ويهزني فيها الصباح المشرق
ويثيرني والنخل أتلع جيده
…
عصفورة فوق النخيل تزقزق
ومواكب يشدو جرير حولها
…
طرباً ويهتف بالفخار فرزدق
وتشوقني والذاريات عواصف
…
نار القرى بين البيوت تحرق
(شبت لمقرورين يصطليانها)
…
أعشى أضربه السرى ومحلق
والطلعة السمراء لوحها الضحى
…
ولوى معاطفها الغرام المحرق
وربابة الراعي الطروب ونغمة
…
يشدو بها في الليل صب شيق
وتثير أشواقي وتبعث صبوتي
…
أطلال رامة والنقا والابرق
وأحن للعرب الذين تحدروا
…
منها فسادوا في الورى وتفوقوا
ملكوا الزمان فما استباحوا ذمة
…
ورعوا الشعوب فأحسنوا وترفقوا
أكرم بأبناء الصحارى إنهم
…
أحرى بتكريم الحياة وأخلق
قولوا لمن ملأ الزمان تشدقاً
…
بالعدل أين العدل يا متشدق
أمن العدالة أن تقسم أرضنا
…
ويباد فيها قومنا ويمزقوا
وتبيت ترتع في حماك مسودا
…
وحماي للشذاذ نهب مطلق
أيبيحهم وطني الكريم وأمتي
…
مترلف لنوالهم متملق
أين المواثيق العذاب وأين ما
…
قد نمقوا فيها وما قد زوقوا
(الأحمر) الريان أذكاها لنا
…
مثل الذي أذكى العدو (الأزرق)
صبراً فلسطين الصبور لقد دنا
…
يوم يمض الظالمين ويرهق
المغرب الأقصى المروع هاجه
…
أن تتضامي عنوة والمشرق
ستثور مصر والعراق ومكة
…
ستهب عمان إليك وجلق
ستغص بالقتلى السهول وترتوي
…
شم الجبال من الدماء وتغرق
حطين!. . . والفتح المبين مخلد
…
هلا قصصت على الفرنجة ما لقوا
تلك الوقائع لا تزال جديدة
…
تخضر منها الأمنيات وتورق
يا نسمة الشام الحبيبة هدهدي
…
روحا بصالية الجوى تتحرق
أنا في هواي بجلق متبغدد
…
وعلى الفرات ودجلة متدمشق
فتحملي من (قاسيون) نوافحا
…
يشفي بعاطرها الفؤاد الشيق
واتلي عليَّ من الحمية قصة
…
يزهو بها وجه الإباء ويشرق
أمشت دمشق إلى النضال أأقبلت
…
منها الزواحف والخيول السبق
أسرت إلى الثغر المنيع أأسرعت
…
للفتح تحتوش العدى وتطوق
الطائرات محومات والظبي
…
متوثبات والمذاكي تعنق
يا نسمة الشام الحبيبة عللي
…
قلباً على الوجد المبرح يخفق
هبي عليَّ من الجبال لعلني
…
أستاف عرف الظاعنين وأنشق
الواردي الماء الفرات وما دروا
…
أنا نغص على الفرات ونشرق
والعاتبين وما دروا أنا لهم
…
أوفى على العهد القديم وأوثق
(نزيل بغداد)
حسن الأمين
الأدب والفنّ في أسبوع
شاعر يتبرع بجائزته لفلسطين:
كان الأستاذ إلياس فرحات من الفائزين في مسابقة الشعر التي أجراها مجمع فؤاد الأول للغة العربية هذا العام، وهو عربي مهاجر يقيم في البرازيل، وقد فاز بجائزة قدرها سبعون جنيها لم ترسل إليه بعد.
وأخيراً تلقى المجمع كتاباً من الأستاذ إلياس يبلغه فيه أنه متبرع بجائزته لصالح فلسطين ويرجو تحويلها إلى جامعة الدول العربية لضمها إلى الأموال التي يكتتب بها فيما يختص بفلسطين، ويقول الأستاذ في كتابه إن هذا المبلغ هو كل ما يملك من مال.
رسالة الكاتب:
أذاعت محطة لندن العربية يوم الخميس الماضي، حديثاً للدكتور طه حسين بك في (رسالة الكاتب) بدأه بقوله: وسئل الجاحظ عن رسالة الكاتب ما هي وكيف يقوم بها، لدهش لهذا السؤال وما فهمه، وليس الجاحظ وحده، بل لو وجه نفس السؤال إلى معاصريه ومن قبله من كتاب العرب واليونان والرومان وغيرهم لكان موقفهم منه نفس الموقف، وذلك لأن الكتابة في تلك العصور لم تكن إلا مظهراً من مظاهر التفكير العقلي، لا تكلف فيها، ولا احتياج إلى سؤال وجواب، والقراء لم يكونوا في حالة تهيئهم لمثل هذا السؤال، ولم يكونوا يشعرون إلا بالحاجة إلى قراءة ما يكتب الكاتب، لا يسألون عن مهمته ومنهجه وما إلى ذلك. إنما يلقي السؤال عن مهمة الكاتب حين تتقدم الحياة الفنية وتتعقد الصلات بين الكاتب والقراء، وحين تصبح الحياة نوعا من الترف، وحين يكثر الكتاب وتتنوع مذاهبهم ويختلف تناولهم لنواحي الحياة المتعددة المعقدة؛ وقد كان الكتاب القدماء قلة وكان إنشاؤهم على قدر الحاجة العقلية الطبيعية، أما الآن فقد كثر الإنتاج وأصبح زائداً على حاجة الحياة الإنسانية في العصر الحديث، وتعقدت الصلة بين الكاتب والقارئ تعقدا شديداً، فصار القارئ يسأل الكاتب: ماذا يكتب وما هي مهمته؟ وصار الكاتب يسأل القارئ عما يريد أن يقرأ وما يجب أن يكتب له.
ثم قال الدكتور طه: والآن أجيب عن السؤال باعتباري كاتباً يكتب، ويشعر أن له صلات بقرائه، ويشعر أيضاً بما توجبه هذه الصلات من التبعات. مهمة الكاتب أن يحقق نفسه
أولا، بمعنى أنه يكتب ما يصور نفسه وشخصه وآراءه في الحياة، فالكاتب شخص مستقل له طريقته في التفكير، وله طريقته في الحكم على الأشياء، وله طريقته في التصوير والتعبير؛ والكاتب الحر يكتب ما تمليه عليه حريته لا يفكر في رضاء القارئ ولا سخطه
وهنا أمر ثان لا ينبغي أن يغفله الكاتب، وهو أنه لا يكتب لنفسه وحدها، وإنما يكتب ليقرأه الناس، فهو أداة اجتماعية إلى جانب كونه إنساناً حراً، فبالحرية والتضامن الاجتماعي يستطيع أن يحقق شخصيته ثم يكون أداة نافعة في البيئة التي يعيش فيها، وهذه البيئة قد تكون ضيقة جداً، وقد تتسع قليلا، وقد تتسع كثيراً. فالكاتب الذي يكتب في الفلسفة مثلا إنما يكتب لنظرائه الفلاسفة وبيئتهم محدودة، والكاتب الذي يكتب في المسائل الأدبية والفنية بيئته أوسع، والكاتب الذي يكتب للجمهور الضخم يكتب في حياة الناس ويتصل بمنافعهم المختلفة؛ وهو على كل حال يجب أن يكون نافعاً فيما يكتب، ويجب أن يفكر فيمن يكتب لهم وفي صلاته بهم. ولا ينبغي أن يحصر فكره في هؤلاء الذين يقرءونه الآن، بل يجب أن ينظر إلى من يأتي بعدهم من الأجيال. فمهمة الكاتب تحقيق شخصيته وأن يكون أداة نافعة للبيئة الاجتماعية التي لا يحدها زمان ولا مكان.
أناشيد الجهاد:
اهتمت الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، بإعداد طائفة من الأناشيد العربية المناسبة للحالة الحاضرة؛ وقد فرغت من إقرار أربعة أناشيد سترسلها إلى إدارة الإذاعة المصرية لإذاعتها ثم تبعث بها أيضاً إلى الإذاعات العربية الأخرى.
وأول هذه الأناشيد نشيد مطلعه:
أشرق الفجر فسيروا في ضيائه
…
ودعا الحق فهبوا لندائه
إنه وحي السماء.
إنه صوت الإباء.
للإخاء للعلاء.
وهو من تأليف الأستاذ محمد مجذوب مدرس الأدب والعربية بتجهيزي البنين والبنات بطرسوس (سوريا) وهو الفائز بالجائزة الأولى في مسابقة الأناشيد التي نظمتها الإدارة الثقافية: وكان هذا النشيد قد لحن في القاهرة فجاء تلحينه غير موفق، ورئي إرساله إلى
ضباط الموسيقى بالدرك اللبناني لتلحينه ولا يزل هناك.
والنشيد الثاني، وهو الفائز بالجائزة الثانية في المسابقة، للأستاذ محمد مرسي مسلم المدرس بمدرسة الرمل الابتدائية للبنات بالإسكندرية، وأوله:
إننا العرب الكرام عرشنا
…
فوق أبراج السماء
شرقنا مهد السلام مجدنا
…
فيه معقود اللواء
وقد لحنه معهد الموسيقى:
والنشيد الثالث للأستاذ حسن أحمد باكثير، وأوله:
قد بدأنا الكفاح
…
وشحذنا الرماح
وامتشقنا السلاح
…
وملأنا البطاح
بجيوش العرب
…
نحن نحن العرب
وقد لحن هذا النشيد قسم الموسيقى بالجامعة الشعبية كما لحنه معهد الموسيقى. ومما يذكر أن صاحبه تبرع به لفلسطين فلم يأخذ عنه جائزة.
والنشيد الرابع وضعه الأستاذ الصاوي شعلان بناء على طلب الإدارة الثقافية، وقد لحنه معهد الموسيقى، وأوله:
إلى المجد هيا شعوب العرب
…
إلى نهضة صبحها قد أنار
لنا في العروبة أعلى نسب
…
يتوج بالنور شمس النهار
الاذاعة المسكينة:
كتب الأستاذ محمد الأسمر بجريدة (الزمان) يلفت نظر المشرفين على الإذاعة المصرية إلى قراءة أحد قارئي القرآن بها آيات من سورة البقرة أولها (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) ذاهبا إلى أن قراءة هذه الآيات لا تناسب الظروف والملابسات الحاضرة. . . إلى أن قال: (لقد كانت الإذاعة فيما أذاعته صباح أمس من القرآن الكريم مثل المقرئ الذي جاءوا به ليقرأ في حفل زواج ما تيسر من القرآن فقرأ قوله تعالى: (الطلاق مرتان).
والقارئ العادي حين يقرأ هذه الكلام يظن أن في القرآن الكريم ما يؤيد قضية اليهود في فلسطين وأن قارئ القرآن بالإذاعة تلا الآيات التي هي في صالح اليهود، وكان إدارة
الإذاعة عن ذلك من الغافلين!! وعليها بعد ذلك أن تراقب قراءة القرآن حتى لا يذع منها ما يمس سلامة الجيش في هذه الظروف العصيبة!!.
أما الآيات الكريمة فحاشاها أن تتضمن شيئاً من ذلك، وإنما هي - على عكس ذلك - تتضمن تخاذل اليهود في القتال ومخالفاتهم لنبيهم. وأما الإذاعة فهي مسكينة دائماً. . . مسكينة فيما تأنيه ويؤخذ عليها فعلا، ومسكينة في ابتلائها بمن يريد أن يدلي بدلوه في مؤاخذتها ولو بغير حق. .
الدول العربية في مؤتمر اليونسكو:
ألفت لجنة في وزارة المعارف برياسة الأستاذ شفيق غربال بك وكيل الوزارة، للنظر في موضوع اشتراك مصر في مؤتمر هيئة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الذي سيعقد بلبنان في أواخر هذا الصيف. والمفهوم أن لجاناً مماثلة بوزارات المعارف في الدول العربية تنظر في هذا الموضوع، على أن ترسل كل هذه اللجان تقاريرها إلى اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية التي تعمل على توحيد وجهة النظر العربية في المؤتمر ووضع خطة مشتركة، وستجتمع اللجنة الثقافية لهذا الغرض بالإسكندرية في 21 أغسطس القادم.
ترشيح فارس الخوري لرياسة اليونسكو:
أذاعت وكالة الأنباء العربية من دمشق أن وزير المعارف السورية صرح بأن الحكومة رشحت دولة فارس الخوري بك لرياسة مؤسسة الثقافة والتعليم والاجتماع في هيئة الأمم المتحدة ليكون خلفاً للأستاذ هكسلي عندما تنتهي مدة رياسته وأن الدول العربية وبعض الدول رشحت دولته لهذا المنصب الكبير.
ولا شك أن الأستاذ فارس الخوري أهل لهذه الرياسة، فهو رجل عالمي ممتاز باتساع ثقافته وومضات فكره، وأن توليته هذا المنصب تعد للبلاد العربية كسباً كبيراً.
ومما يذكر بجانب ذلك أن ساسة الدول الاستعمارية في هيئة الأمم المتحدة أصبحوا يضيقون به لما دأب عليه من تفنيد سياستهم وفضح أساليبهم بقوة حجته وببانه الناصع الساخر. وكم يودون أن يتخلصوا منه، ولعلهم واجدون في رياسته للهيئة الثقافية متنفساً
لصعدائهم. . .
دراسات عالمية في التربية:
ورد على وزارة المعارف في هيئة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة أنها قررت إقامة دراسات صيفية للتربية يحضرها مربون تندبهم وزارات المعارف في بلاد الدول الأعضاء، وذلك بغية أن ترفع هذه الدراسات مستوى التربية والتعليم في أنحاء العالم، وأن تكون - إلى ما يلابسها من اجتماع المربين من مختلف الدول - وسيلة إلى توثيق الصلات وزيادة التفاهم الدولي.
وقد قررت وزارة المعارف ندب الآنسة رمزية الغريب لحضور الدراسات الخاصة بموضوع (تربية المعلمين) والتي ستكون في لندن من منتصف يولية إلى 25 أغسطس سنة 1948، وندب السيدة إحسان العابد لحضور الدراسات الخاصة بموضوع (تزويد النشء بمعلومات وافية عن هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة) والتي ستكون في (لأيك سكسس) من 7 يولية إلى 18 أغسطس سنة 1948.
التنويه الأدبي:
اجتمعت لجنة الأدب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية ونظرت في موضوع التنويه بالكتب الأدبية، وانتهت إلى ما يلي.
1 -
تؤلف لجان من أعضاء المجمع في أكتوبر من كل عام لكل فرع من فروع الأدب من شعر وقصص وبحوث ودراسات أدبية ولغوية الخ. ويكون من وظيفة كل لجنة تتبع ما يصدر في العالم العربي من كتب تتصل بموضوع التنويه وقراءتها، وتقديم تقرير عنها للجنة العامة للأدب ثم لمجلس المجمع.
2 -
يقتصر عمل كل لجنة على ما يصدر من الكتب في هذه الموضوعات في العالم السابق، على أن تنظر مع ذلك في الكتب التي قدمت إليها فعلا.
3 -
في ضوء تقارير اللجان الفرعية تتخذ لجنة الأدب قرارها فيما يصح أن ينوه به.
4 -
لا تكون الكتب المترجمة موضعاً للبحث والقراءة والتنويه إلا إذا كان المترجم من أمهات الكتب العالمية التي تعود على العالم العربي بفائدة محققة وكان في ترجمته ما
يضيف ثروة إلى اللغة العربية.
5 -
يكون التنويه بالكتب فقط، لكن يجوز للجنة الأدب أن تقترح على المجالس التنويه بخير المؤلفين ذوي الآثار الأدبية الممتازة ممن خدم الأدب مدة طويلة فيستحق التقدير.
6 -
ينص في قرار التنويه على أن ما تنوه به اللجنة هو خير ما قدم إليها لا خير الكتب الموجودة.
وقد عهد إلى الأستاذ محمود خلاف سكرتير لجنة الأدب، الاتصال بدور النشر والمكاتب والمجامع والهيئات العلمية وإدارة التسجيل الثقافي بوزارة المعارف، لجمع خير الكتب التي ظهرت في العالم العربي سنة 1947 - 1948.
من طرف المجالس:
كنا في ندوة الرسالة، وكان الحديث في ترجمة الآداب، وأن كثير ممن يتصدرن للترجمة لا يراعون الدقة فيها، فقال أحد الزملاء.
تصور أن أحد هؤلاء يقول في حوار برواية ترجمها عن الانجليزية: (أنت أكرم من حاتم يا لورد!)
العباس
الكُتبُ
1 -
رائد التراث العربي
ألفه الأستاذ جان سوفاجيه وترجمه الأستاذ صلاح الدين المنجد
مؤلف هذا الكتاب هو المستشرق الفرنسي الأستاذ جان سوفاجيه رئيس دائرة تاريخ الشرق الإسلامي، وقد اقتبس منه الجزء الذي بين يدينا، وترجمه الأستاذ صلاح الدين المنجد رئيس ديوان مصلحة الآثار العامة في الجمهورية السورية. ألفه مؤلفه للمتبدئين من طلاب الاستشراق الفرنسيين، وهو فهرس للمراجع وفهارس المراجع لاسيما الأجنبية، مرتب حسب الموضوعات، وهو قسمان: أولهما في كتب المراجع والوثائق كتاب الآداب الشرقية والقرآن والحديث والنحو والمعاجم والرحلات والتراجم، وثاني القسمين في مصارد تاريخ الإسلام وتشمل مصادر تاريخ النبي والأمويين والعباسيين والسلاجقة والمغول والعثمانيين. . وقد كتب له الأستاذ المنجد مقدمة عرف فيها المؤلف وبين غرضه في كتابه ونقده. والكتاب مفيد لمن يطلبون الوقوف منا على ما كتبه المستشرقون من شتى الأقطار في تراثنا لأنه فهرس لبحوثهم فيه، وقد وصفه الأستاذ المنجد بقوله (مسرد نقدي جامع لكل ما ألفه علماء المشرقيات عن التراث العربي في مختلف العصور والموضوعات) وهو تعريف به غير جامع ولا مانع كما يقول المناطقة: فمؤلفه يغفل عن كثير من منشورات المستشرقين ومؤلفاتهم، وقد أشارت إليها دائرة المعارف الإسلامية ويذكر بعض ما كتب الشرقيون - وهو غير مستشرقين - بينما يغفل عن بعض، ويحيل الباحث إلى مصادر عربية ليس لها ترجمة في لغة أجنبية. مثال ذلك أنه يشير - في قسم المؤسسات - إلى كتاب النوبختي عن الشيعة الذي نشره ريتر في استنبول سنة 1931م، ولا يذكر كتاباً أعم فائدة منه هو كتاب (مقالات الإسلاميين) للأشعري وقد نشره ريتر نفسه في استنبول سنة 1930م والكتابان من سلسلة واحدة، هي المنشورات الإسلامية للمستشرقين الألمانيين، وكل حلقاتها مطبوعة حوالي هذا الوقت، كما أن المؤلف يغفل في الموضوع نفسه عن (مختصر الفرق بين الفرق) للرسعني وناشره الدكتور فليب حتى ، ' بينما يذكر له في مكان آخر كتابه تاريخ العرب وهو شرقي لا مستشرق، والكتب الثلاثة الأولى لم تترجم فيما نعلم إلى لغة أوربية. وهناك تقصير في الكتاب يحسن التنبيه إليه هو أن
المؤلف لا يذكر أسماء الكتب في العربية واللغات الأوربية غالباً. بل يكتفي بقوله كتاب فلان، ويقصر المترجم فلا يستدرك على المؤلف هذا النقص فيسده، وذكر الكتاب في العربية أهم من ذكر مؤلفه، ونحن نذكره قبل مؤلفه، وقد نغفل عن ذكر المؤلف فلا نحس بخسارة كبيرة والأوربيون على العكس من ذلك وهاك فقرة تمثل ذلك وتمثل سمات أخرى، جاء (في ص 50) ما نصه (كتاب البغدادي الذي نقل القسم الأول منه إلى الإنكليزية ، وطبع في نيويورك عام 1919) فماذا يفهم القارئ العربي الناشيء من ذلك؟ ما اسم كتاب البغدادي في العربية؟ وما اسمه في الإنجليزية؟ أرجل مترجم أم امرأة؟ متى طبع حقاً! واسمه في العربية (الفرق بين الفرق) واسمه في الإنجليزية ومترجمته - لا مترجمه - السيدة كيت كامبرز سيلي - وطبع في نيويورك سنة 1920 كل ذلك كان حرياً بالأستاذ المنجد استدراكه، ولعله فاعل في في الطبعة التالية.
قد يكون هذا الكتاب جليل الوفاء بغرضه لمن وضع لهم وهم طلاب الاستشراق الفرنسيون كما ذكر الأستاذ المنجد في مقدمته، ولكن ما أقل فائدته التي تعود على الباحث العربي والتي لا فائدة غيرها تبرر نقل الكتاب، ومن أجل ذلك نترقب حلقات السلسلة التي وعد بها الأستاذ المنجد لتكون دليلاً لباحثينا صغاراً وكباراً على مصادر التراث العربي فنحن به أجدر وعلى فهمه أقدر
2 -
شاعرية أبي فراس
ألفه الضابط العراقي نعمان ماهر الكنعاني
2 -
ومؤلف (شاعرية أبي فراس) الأديب نعمان ماهر الكنعاني الرئيس في الجيش العراقي. ويسرنا أن يقبل على البحث والتأليف ضباطنا العرب كما يفعل الضباط في البلاد الغربية، ولا يقتصروا على دراسة عملهم الذي اختصوب به فإن مشاركتهم في المعرفة بحثاً وتأليفاً أمر ضروري لهم أولا ومفيد لغيرهم ثانياً. فإن المشاركة تفتق أذهانهم، وتخصب حياتهم وتبصرهم حتى بعملهم العسكري، وتجنبهم الجفاف العقلي والنفسي وتملأ فراغهم بما يعود عليهم وعلى غيرهم بالخير. هم في حاجة المعرفة ولاسيما الأدبية التي هي قسط مشترك، لأنهم (ناس) أولاً (وجنود) ثانياً، ولا غِنى للإنسان إنساناً وجندياً في هذا
العصر المعقد المستنير من المعرفة ولاسيما الأدبية لأن الأدب هو التعبير عن الحياة، ولهذا نرحب بهذه الرسالة من ضابطا الأديب ونتمنى له ولأمثاله مزيداً من البحث والتأليف.
تتضمن الرسالة إهداء ومقدمة وبحثاً في (شاعرية أبي فراس) ومختارات من شعره.
فأما الإهداء فلجيش العراق، ولا عجب فالموضوع شاعرية (جندي) قضى عمره القصير في خوض الحروب والأسر بسببها وأما المقدمة فكاتبها الدكتور المحقق المعروف مصطفى جواد، وهي (كلمة في أدب القرن الرابع) وربما كانت هي ذاتها مفيدة ولكن لا موضع لها في الرسالة، وقد كان حرياً بالدكتور جواد أن يجعل سبباً بينها وبين موضوع الرسالة أو مؤلفها كأن يستبدل بهذا الحشو المضطرب الزائد بياناً لمنزلة أبي فراس بين أدباء عصره أو شعرائه خاصة، أو يلقي ضوءاً على حوادث عصره المتصلة به - ولاسيما أن الرسالة خالية من ذلك - تستبين فيه منزلة الشاعر أو بيئته التي نشأ فيها، أو كأن يعرف القراء بالمؤلف أو يجلي منهجه في كتابه أو ما إلى ذلك. بل لو اقتصر الدكتور - هو الباحث اللغوي النحوي الذي طالما سوَّد الصفحات في الكتب والصحف والمجلات عرضاً يتتبع المؤلفين بالتزييف - على تصحيح أخطاء الرسالة لكان فيه بلاغ.
وأما البحث فهو - فيما نعلم - أول بحث مستقل في موضوعه، وهو خال من الحشو والفضول، وإنه ليدل على فهم (جندي) مستقيم مستقل يتأذى إلى غرضه بحزم وثقة دون أن يعتوره تردد ولا التواء.
والبحث مقسوم عشرة أقسام أولها في أسلوب أبي فراس، وثانيها في معانيه المبتكرة، وثالثها في موضوعات شعره إجمالاً والموازنة بينها من حيث إجادته وكثرة قصائده فيها وهو يرتبها هكذا نازلاً: الفخر فالعزل فالمدح فالوصف فالرثاء فالحكمة. ويذكر أن هجاءه كان نادراً وبين أسباب ذلك كله، ورابعها في فخره، وخامسها في مديحه، وسادسها في وصفه الطبيعة والمعارك، وسابعها في غزله، وثامنها في رثائه، وتاسعها في حِكمه وأمثاله، وعاشرها في أسره ورومياته التي قالها في أسره شاكياً أو مستعطفاً أو عاتباً أو ثائراً، وفي خلال ذلك أحكام لا نوافق على كثير منها وإن كنا نقر بعضها ونطمئن إليه.
وأما المختارات فقد أحسن اختيارها شواهد على أقسام البحث: أولها خمسة طويلة من (رومياته) متممة للقسم العاشر وتليها ستة (متفرقات) قصيرة شواهد على الأغراض
الأخرى
والبحث (مدرسي) في منهجه ودراسته، ومن أجل ذلك جاء (خفيفاً) سهلا بسيطاً. وإذا كان لم يعطنا (صورة) ولا (ترجمة) حيَّة نابضة لشخصية أبي فراس من خلال دراسة شاعريته في شعره وهو (ديوان شخصيته) فقد رسم أمامنا خطوطاً بارزة من هذه (الصورة)، وعين لنا معالم واضحة من هذه (الترجمة) وكشف لنا كثيراً من العواطف والآمال التي كانت تصطرع وتمور في قلب هذا (الجندي) الطموح، وفي هذا بلاغ أي بلاغ من ضابطنا الأديب.
ولعله معيد النظر بعد في رسالته في ضوء (ديوان أبي فراس) في طبعته الجديدة التي أخرجها منذ أسابيع الدكتور محمد سامي الدهان، فإنها أوفى بمطلوبه لزيادة نصوصها، وصحة ضبطها، وفهارسها المفصلة، وخلوها من عيوب الطبعة القديمة التي شكاها ضابطنا الأديب في مطلع بحثه، وإنا لآثار قلمه الناضج إن شاء الله منتظرون.
القاهرة
محمد خليفة التونسي
البَريدُ الأدَبي
مسألة نحوية:
جاءني من بعض الطلاب النجباء في السنوات التوجيهية أن أساتذتهم قد لاحظوا في مذكراتهم على (عبقرية عمر) أن في الصفحة الخامسة والأربعين منه خطأ نحوياً حيث جاء فيها أن عمر رضي الله عنه (تفقد رجلا يعرفه فقيل له إنه يتابع الشراب، فكتب إليه: إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوْب شديد العقاب ذي الطوْل لا إله إلا هو إليه المصير)
قالوا: والصواب (ذا الطوال) لأنه صفة لله، والله في الجملة مفعول لفعل أحمد في أولها. . .
وظاهر من ملاحظة الأساتذة أنهم قد فاتهم أن عمر رضي الله عنه إنما اقتبس آية من القرآن الكريم في أول سورة غافر وهي: (حم تنزيل الكتابِ منَ اللهِ العزيز العليم، غافِر الذَّنب وقَابل التوْب شَديد العقاب ذي الطوْل لا إله إلا هو إليه المصير. . .)
وقد جرت عادة عمر وعادة المسلمين عامة أن يقتبسوا الآية بنصها ولا يغيروا فيها مراعاة لموقعها من إعراب كلامهم الذي اقتبسوها فيه.
ومن ذلك في الكتاب نفسه أن عمر قال لمن هابوه: (. . . كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه، وكان من لا يبلغ أحد صفته من اللين والرحمة، وكان كما قال الله: بالمؤمنين رؤوف رحيم) ص 17
ولو أنه أجاز التغيير في الآية الكريمة مراعاة موقعها من إعراب كلامه لقال: (رؤوفاً رحيماً) خبراً لِكان.
هذا هو الوجه فيما أوردناه من كلام عمر واقتباسه.
على أنه لو لم يكن اقتباساً لما صح الجزم بتخطئته على جميع الوجوه، لأن باب الاتباع في النحو معروف. . . ومنه (جحر ضب خرب) بكسر الباء في خرب، وصوابها أن تضم لأنها وصف جحر وليست بوصف لضب، وإنما كسروها على الاتباع
ونحن نود من كل من يعثر بخطأ في الكتاب أن يعلنه، ولكن بعد مراجعة نفسه ومراجعة مصادره. لأن المحاسبة بعد المراجعة أو خصلة تستفاد من سيرة ابن الخطاب. . .
عباس محمود العقاد
جددوا ميثاق عمر فقد نقضه اليهود!
رضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب، وأبقى ذكره في الخالدين، فقد زان الإسلام والمسلمين بورعه وتقواه وألمعيته، وكان ملهماً ينكشف له في باطن قلبه من جهة الداخل ما يعرف به خلجات القلوب ووساوس النفوس، ولذا كانت أحكامه وقضاياه مضرب المثل إلى اليوم في الحكمة والقوة والوضوح.
وكان أن شرط على أهل الكتاب شروطاً متى أخذوا بها وحافظوا على نصوصها فقد أمنوا على أنفسهم وذريتهم وأموالهم. وقد صار ميثاقه هذا دستوراً للأمة المحمدية في جميع الأزمنة والعصور، يجدده حكام المسلمين وملوكهم وقت الحاجة تنبيهاً لمن أخذ عليهم وتأديباً.
(وقد جدد هذا العهد السلطان الناصر حسن بن قلاوون، فقد جمع اليهود والسامرة وغيرهم، وجدد عليهم البيعة، وشرط شروطاً، وأرسل بذلك مراسيم إلى بلاد مصر والشام ليجمع النائب بها أكابر اليهود، وأن يقرأ عليهم نص كتاب الإمام عمر بن الخطاب ليعتمدوا أحكام الشريعة المطهرة فيما يلزمهم من الشروط التي يترتب عليها عقد الذمة اقتداء بالشروط العمرية فيهم وتقريراً لأحكامها، وتجديداً لما تقادم من أيامها، وتعظيما لدين الإسلام وأهله)
وهذه الشروط سطور في آخرها وأن يرشدوا المسلمين ولا يطلعوا على عورات المسلمين في منازلهم، ولا يضربوا أحداً من المسلمين، ومتى خالفوا ذلك فلا ذمة لهم، وقد حل فيهم ما يحل في أهل الشقاق والمعاندة. .
شطانوف
محمد منصور خضر
1 -
سؤال:
يقول امرؤ القيس: ولاسيما يوم بدارة جلجل، ويستعمل المعاصرون هذه الكلمة فيقلون مثلا (الأمل في النصر كبير بفلسطين سيما وقد تدخلت القوات العربية النظامية) فأي
الاستعمالين أصح؟
(الرسالة): الأصح استعمال امرئ القيس ولا يجوز غير ذلك.
2 -
غوري:
عاب الأستاذ أنو المعداوي كلمة (غوري) في شعر نزار قباني بالعدد 774 من الرسالة، وهي كلمة صحيحة من غار يغور.
ولعل الذي دعا الأستاذ إلى هذه التخطئة أن العامة استعملت هذا الفعل بمعنى قريب جداً من هذا المعنى.
3 -
إسحاق:
قال الأستاذ (العباس) في معرض الحديث عن محاضرات تيمور بك (وقال إن هذا المذهب يستمد من العقل الباطن، ويجب أن يكون له رقيب من العقل الواعي).
والمفهوم أن الباطن والواعي اسمان لمسمى واحد. فما رأى الأستاذ مع كبير تقديري له؟
عثمان موسى
كوستى: السودان
مجلة الأمير فاروق الثانوية بالقاهرة:
أهدى إلينا الأستاذ إسماعيل بك خيري ناظر مدرسة الأمير فاروق الثانوية، مجلة المدرسة السنوية حافلة بشتى الموضوعات العلمية والأدبية بأقلام أساتذة المدرسة وطلبتها، وبها حديثان مهمان للكاتبين الكبيرين الأستاذين عباس محمود العقاد وأحمد حسن الزيات. والمجلة رائعة التنسيق جميلة التبويب حسنة الطبع. والفضل في ذلك لمراقبها الأستاذ بدوي طبانة، ورئيس تحريرها الطالب حسين حسين الجزار.