المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 833 - بتاريخ: 20 - 06 - 1949 - مجلة الرسالة - جـ ٨٣٣

[أحمد حسن الزيات]

فهرس الكتاب

‌العدد 833

- بتاريخ: 20 - 06 - 1949

ص: -1

‌8 - أمم حائرة

المرأة في هذا العصر أيضاً

لصاحب العزة الدكتور عبد الوهاب عزام بك

وزير مصر المفوض بالمملكة السعودية

قال الفريق الأول: أتبغون المرأة حبيسة في دارها، منقطعة عن دنياها، محجوبة عن الطرق والأسواق، ممنوعة من الأندية والمجامع، محرومة من المسارح والملاهي؟ أتبتغونها قعيدة بيت لا تعرف إلا ما حوته الجدر من دارها ودور جيرتها وأهلها؟ أكذلك تبغونها أيها الظالمون؟

فيقول الفريق الآخر: كلا كلا. لقد بينا قبلا مكانة المرأة من نفوسنا، وأعربنا عن إعظامنا بل تقديسنا إياها، ودعونا إلى أن تبلغ من العلم والخلق الدرجات العليا، وهي اعز علينا واكرم من أن تحبس أو تحجب أو تمنع وتحرم.

إننا نريدها أميرة دارها، وملكة أسرتها، قوامة على أولادها، في الدار عملها، وفيها جهادها، وفيها عبادتها، وفي الأسرة يتجلى علمها وأدبها، ثم لا حرج عليها بعد هذا أن تخرج إلى الأسواق، وتسير في الطرق، وتغشى المجامع؛ ولكن مسير السيدة الكريمة ربة الأسرة التي تخرج من دارها لشئونها ثم تسرع الأوبة إليها.

نريد أن تكون خارج دارها ملء الناظر إعجابا وإكبارا، وكرامة ومهابة، يخسئ العيون عنها تصونها وكبرياؤها، ويرد السفهاء استقامتها في طريقها، وسمتها في سيرها.

كذلك نود أن تكون المرأة حيثما توجهت، وأينما سارت، ونود أن تحيطها البيئة بأدب يزيدها كرامة وعزة، وتلقاها بأخلاق تيسر لها السيرة الكريمة، والخطة القويمة، والمنزلة العالية. لا كما تعرفون في شوارعكم وأسواقكم ومجامعكم وملاهيكم، فنحن لا نخالفكم على الحرية، ولكن على الأخلاق والآداب والكرامة والصيانة.

وليس الذي ندعو إليه محالاً ولا عسيرا. نحن لا نزال في أول الطريق ونخشى العاقبة التي ينتهي إليها هذا المسير، والنهاية التي تؤدي إليها هذه البداية. وكم رأينا في بلاد شرقية وغربية المرأة الوسيمة المتجملة جادة في طريقها، مستقيمة إلى وجهتها، توحي إلى كل من

ص: 1

يراها الإجلال والإكرام والأدب والحياء. وكثيرا رأينا هؤلاء عامدات إلى مسجد أو كنيسة معهن أولادهن، كأنما هن في معبد على الطريق إلى المعبد. فكذلك نريد النساء.

وعلى ذكر المساجد والكنائس نقول: هؤلاء الداعون والداعيات إلى ارتياد كل موطن، وغشيان كل مجمع، والمزاحمة في كل مضيق - لماذا لا يدعون إلى حق النساء في المساجد؟ لماذا لا يطالبن بأن يغشين المساجد مشاركات للرجال أو منفردات، ليصلين ويستمعن إلى المواعظ بل ليعلم بعضهن بعضاً من علوم الدين والدنيا؟ لماذا لا يطالب بأن يكون للنساء مدرسة دينية لتخرج عالمات في الفقه والحديث والتفسير وآداب الدين؟ لماذا تتوجه الدعوة وجهة واحدة؟ ولماذا تذكر الحقوق في جانب وتنسى في جانب؟ أليس الأمر محاكاة وتقليداً أو إيثارا للدعوى المدوية.

هذا فصل المقال بيننا وبينكم أيها المجادلون: تريدون خروج المرأة عن طبعها، وهجرانها دارها، وابتذالها في الأسواق والمجامع؛ ونريد لها الحياة على طبيعتها، والاعتصام بدارها، والصيانة والكرامة في كل سبيل، وكل مكان، وعلى كل حال.

قال الفريق الأول: إن دعواكم ينقض بعضها بعضاً، ويكذب آخرها أولها. تقولون لا نضيق على المرأة ولا نحجبها ولا نمنعها غِشِيان المجامع، وتقولون أن عملها في دارها، لا نخرجها منها إلا لضرورات، وتحرمون عليها العمل في المصانع وتولي المناصب، بل كل عمل خارج البيت، وهذا التهاتر في أقوالكم هو صورة الاضطراب في أفكاركم، وتزلزل الأدلة وراء دعاويكم.

ويقول الفريق الثاني: لو فقهتم ما قدمنا، وبلغتم غور ما أسلفنا، لم ترمونا بالتناقض في القول والاضطراب في الفكر.

إن الكلمة الجامعة في رأينا أن المرأة للدار، ويحرم الدار تدبيرها محرم عليها إلا ما اضطرتها إليها الضرورات، والضرورة شر ينبغي دفعه، وفساد في الجماعة يجب إصلاحه. وللمرأة أن تتولى كل عمل يلائمها ولا يقطعها عن أسرتها، ولا يخل بشؤون بيتها، ولا يحرم أولادها تربيتها ورعايتها، ولا يسلب زوجها إيناسها وإسعادها، والأعمال التي على هذا الشرط كثيرة.

للنساء مجال فسيح في أعمال البر والرحمة من تربية الأيتام، والقيام لهم مقام الآباء

ص: 2

والأمهات بالشفقة والحنو، والعمل لتعليمهم وتهذيبهم، ومواساة الأسر الفقيرة وإنقاذها من العوز والمرض، وإمدادها سراً بما يحفظ كرامتها ويصون سمعتها، وإنشاء الملاجئ وما يتصل بها لصيانة الصبايا المشردات الآتي لا يجدن من يأخذ بأيديهن في هذا المجتمع المائج ومن يسمع شكواهن في هذا العيش الصاخب.

كل أولئك وأمور أخرى مثلها المرأة بها أولى، وبدخائلها أدرى، وهي احسن قياماً عليها بالرأفة والشفقة واللين والرفق والحلم والصبر.

فلسنا ندفع المرأة عن هذه الأعمال وما أكثرها، وما أعظم العمل فيها، براً بالأمة وإحسانا إلى الجماعة. ويستطيع النساء أن يعملن هنا ما يعجز عنه الرجال عملا دائباً في غير دعوى ولا جلبة، ولا جدال ولا خصومة. ولكن كثيراً من نسائنا مولعات بالقال والقيل، مغرمات بالبطولة والزعامة، يؤثرون الأمور الصغيرة التي يثور فيها الخلاف، ويشتد النزاع، وتذكر الأسماء، ويلتمس الصيت، فراراً من الأمور المجدية الشاقة التي يقوم بها الدأب والصبر والصمت وجهاد الأفكار والأيدي لا الألسن والأقلام.

ورحم الله الغزالي! كان يسمي المسائل التي يشتد فيها الجدل ويتمادى عليها النزاع (بالطبوليات)، ويرى أن كثيراً من فقهائنا يؤثرون هذه الطبوليات الجوفاء على العلم النافع والعمل الصالح والجهاد الخالص لوجه الله.

فما أشد ولوع بعض نسائنا ورجالنا بالطبوليات، يملأ بها الجو ضوضاء، وتشتغل الأمة عما هو أجدى وأعظم وأولى بسعيها وجدها وإعدادها فيما تتصدى له من الخطوب، وما يحيط بها من الحادثات، وما تضطلع به من أمور الإصلاح الكبار، وشئون التدبير الجسام.

(للكلام صله)

عبد الوهاب عزام

ص: 3

‌قطرات ندى

للأستاذ راجي الراعي

ليس من السهل على من تزخر نفسه بالصور والأحاسيس أن يعرف ماذا يريد.

كن الشين أو الزاي في مستشزرات، ولا تكن الواو في عمرو. أقول كن كيف شئت ولا تكن كمية مهملة.

قلب الجبان سيف يعلوه الصدأ.

المثابرة تتحدى القدر.

الليل ثوب أسود يرتديه النور.

كلما بكى الإنسان هدم حجراً من كبريائه.

تتآخى الليالي وتتنادى ثم تندغم في ليل واحد كثيف تطلع بعده الشمس على ترابك!

كلما مشيت على التراب هبت على ريح قدميه.

تكبر ما شئت ولكن لا تنسى انك الحيوان الكبير.

ما تزال الحكمة تائهة شاردة تفتش عن مكان لها في هذه الأرض تبني فيه بناءها!

لو كنت جبلا لهويت بقمتي الشامخة إلى السهل نكاية بالمتكبرين.

العشاق والشعراء هم الذين طبلوا وزمروا للقمر فأحلوه المحل الرفيع.

عجبت للأثير كيف لم يتكاتف حتى اليوم وفيه ما فيه من زفرات البشر.

الحكمة كلها في رأس الميت فأذهب إليه واسأله أن يتلو عليك فصولها.

إن (أبا الهول) في صمته المستديم ثائر على كل ثرثار.

الجلاد والحطاب والحفار: هذا مثلث الموت!

إذا افلت من الأحياء لحق بي موتاي فإلى أين المفر؟

ماء الشجرة دمها تسكبه في الثمار.

الأرض الدائرة أسطوانة تنشد مجد الشمس.

الندم عاطفة شائكة.

الشيب ما سحقه فيك الدهر فذرته الحقيقية في خيالك.

تقضى العين حياتها بين جفنيها لا تدري أيهما تختار.

ص: 4

العبقرية كتاب أبرز ما فيه صفحة القلق.

ليت للأفلاك أبجديتها فأعرف أين تبدأ وأين تنتهي.

كنت احسب الفجر مخلصاً فلما رأيت له وجهين الكاذب والصادق شككت فيه. . أفي الفجر كذباً أيضا؟ أكذبه عدوي أتته من الدنيا؟

إذا حلت عليك النعمة حل قيدك.

إذا كانت الجبال شعراً تجسد معه الخيال وانقلب تماثيل فجبلي (لبنان) بيت القصيد في الملحمة الجبلية.

العمود عريان وقح.

الصحراء جثة بحر مات.

للقدر أختامه والعبقري هو الذي يفضها.

يقيمون للأسد عرشاً ولكنهم ينسون أن أمانة الكلب تعدل شجاعة الأسد.

أشم في الليل رائحة عراك وقد فازت الظلمة بالشمس.

أغصان الشجرة هي اتجاهات روحها المصفدة بالتراب التواقة إلى الانعتاق.

العين ملتقى الخطوط الصاعدة والمنحدرة والمنحرفة.

كل موهبة حجر كريم في تاج الله.

كم من خيال كثيف كالجدار وعقل يسيل كالماء وذاكرة لا أذن لها وقلب ضاق شريانه وقل ماؤه!

الفناء شرط البقاء، إن فناءك في الله هو الذي يبقيك. .

الهرم فجر الموت.

أرقام الرجل الخيالي نجومه في جدول الأفقي.

رأيت الحياة الصفراء والمنون السوداء والجنة الخضراء والجحيم الحمراء في علم واحد يخفق في الفضاء، علم الموتى والأحياء.

بين دورة الزمن ودورة الأرض ودورة الفكر ودورة الدم دورة خامسة هي دورة الدائرة علي يوم الحد!

ما أكثر وجوه الموت وألوانه! الجنون عقل مات. . . والقلب الذي لا يعرف الحب جثة في

ص: 5

الصدر. . والبله شعلة الذكاء انطفأت. . والأعمى ميت يتأمل. . والأصم رجل توارى عن الدنيا. . والأبكم رجل ماتت فيه الكلمة. . والجاهل ميت سقط في ساحة العلم. . والحائر المتردد قتيل يسيل الدم من إرادته الجريحة. . وابن الطمع والجشع قتيل ترثيه الفلسفة والحكمة. . والعاقر قتيلة في ساحة الأمومة. . والشيخوخة موت الشباب. . والانتحار موت قبل الموت. . والعليل الذي لا برء لدائه يبني لنفسه في كل يوم لحداً. . والشاعر الحالم الطموح الذي تخذله الحياة وتهدم له عروش أحلامه هو الميت الأكبر الذي لا يعلوه ميت!

الحياة برق خلب في أفق مبهم.

الذهب يملأ السماوات وما فيها ويبرق في العظمة والجمال ولكن الناس لا يرونه ولا يعرفونه إلا في مناجمه.

لا هم لي في الحياة إلا أن أوافق بين قصرها وطول أحلامي.

أسرح الطرف في هذه الطبيعة فلا أرى غير أمهات وأرحام: الأرض تلد الشجرة والشجرة تلد أوراقها، والجبل يلد الينبوع والينبوع يلد الجدول.

الخط المستقيم هو الذي جاء بكلمة الاستقامة في معجم الأخلاق.

لو كنت بركاناً لابتلعت حممي ولم أطلقها عبثاً في الفضاء الذي لم يسيء إلي فتبقى في أحشائي ليصطلي بها موتاي.

من حبل بالروائع ولم يستطع أن يلدها تألبت عليه أجنته السجينة وأخمدت أنفاسه.

كلما أطل علي الفجر جمعت شتيت نفسي التي بعثرتها الأمس.

الهوس يشق بمحراثه النفس فيخرج لك ما فيها من قمح وزؤان.

أحب الذهب إذا كان معدنه الجبين.

أتموت جوعا؟ وسنابل القمح هذه التي تملأ الرحب، لمن هي؟؟؟

لولا المعدة القاهرة لما فكرت لحظة في المال.

يقول لي سقراط: اعرف نفسك ولكنه لم يعطيني كتابها لأقرأ هذا الذي يدعوني إلى معرفته، ويقول غيره: ادخل إلى محراب نفسك ولكنه لم يهدني إلى الباب.

لا تعجب لهذا الظالم العاتي فإن لنفسه ساحة احتلتها الشياطين فلم يبق فيها مكان لملاك!

إن للموت هيكلا عظامه عظام القبور!

ص: 6

أعجب ما في الخليقة هذه الأرض التي تنمو سنابل قمحها بين جماجم موتاها وتشع مناجم ذهبها بين فحيح أفاعيها وتندلع السنة نيرانها من قلبها الذي تنبجس منه الينابيع. . .

راجي الراعي

ص: 7

‌صور من الحياة:

قبعة تتزوج

للأستاذ كامل محمود حبيب

أما قصة زواجك أنت - يا صاحب القبعة - فهي عجب من العجب، قصة فيها سلوى للنفس وعظة للعقل ومتعة للقلب.

أتذكر يوم إن جئت، أيها الفيلسوف، من البلد الأجنبي - بعد أن نيفت على الأربعين - وإن رأسك ليزدحم بالخواطر والخرافات، وإن قلبك ليجيش بالآمال والأماني، وإن فلسفتك لتتحدث إليك بأمر.

ونظرت حواليك فتراءيت في عين نفسك عزباً تضطرب في الحياة وحيداً منبوذاً، والأيام تنطوي بسرعة في سرعة لتدفعك نحو الشيخوخة في غير هوادة ولا لين، وأنت تفتقد العطف والحنان فلا تستشعر الهدوء في الدار ولا الاستقرار في العمل، وإن وظيفتك لتدر عليك ما يفيض على حاجات نفسك ورغبات قلبك، وضقت بحياة القلق والاضطراب فعقدت النية على أن تتزوج.

وسيطرت عليك الفكرة فشغلت قلبك وعقلك، واستولت على مشاعرك فأرقت جفنيك وأزعجتك عن مرقدك، وبدا عليك الوجوم والصمت لأنك انطويت على نفسك زماناً ففقدت الأهل والصاحب والصديق فأغلق أمامك السبيل إلى الزوجة. ثم وجدت متنفساً حين جلست إلى زميل لك تحدثه حديثك وتقول: (إنني اشعر - دائماً - بالضياع والشقاء، فالأعزب رجل مقطوع الصلات مجذوذ العلائق، يجد الهم والأسى في داره، ويحس الضيق والملل في خلوته، ويلمس الضنى والعذاب في وحدته، تتراءى له - دائماً - أخيلة مفزعة تزعجه عن الدار، وتصرفه عن العمل وتملأ ذهنه بالخرافات، وتحطم أعصابه بالقلق، لا تهدأ له ولا يقر له قرار، وهو يرى نفسه لقيً في ناحية من حجرة، هملاً بين همل من الأدوات والأثاث والملابس. فإن أبق الخادم طار صوابه، وتناثرت خواطره، وتشعثت حاجاته، رغم أنه يثق بأن الخادم رجل يسرق ماله ويستلبه من وقته ويزعجه عن راحته، وهو هم لا يدفع إلا بهم آخر. وإن مرض انحط في فراشه ليكون بقايا إنسان قذر تافه تنطوي الساعات وإن نفسه لتئن أنينا رهيباً، وإن قلبه ليبكي بكاء مراً: لهذا - يا صاحبي - فأنا أشعر -

ص: 8

دائماً - بالضياع - والشقاء). . .

وأطرق زميلك ساعة من زمان ثم قال: (لا بأس عليك، ستجد في بيت فلان بك بغيتك وتحس راحة نفسك، فهو رجل ذو مكانة وشأن وذو ثراء عريض. . . وابنته فتاة في مقتبل العمر ونضارة الشباب، تتألق بهاء جمالا وتشع رونقاً وصفاء، فيها جاذبية الأنثى وخفر العذراء، لم يلوثها بهرج المدينة ولا دنسها زيف الحياة، وهي قد تخرجت في الجامعة منذ قريب. . . وأبوها - سعادة البك - فيه الحصافة والرأي، وبينه وبيني صلات قربى ووشائج نسب. . . وأنت في - رأيي - خير من يتقدم ليخطب ابنته، فهو لا يطمع في مال، ولا يسعى إلى جاه، لكنه يريد رجلاً فيه الرزانة والعقل، لأنه يخشى شباب الجيل، وإن فيهم ميوعة وليناً، وإن فيهم استهتاراً وضعفاً). . .

وتفتح قلبك - لأول مرة في الحياة - لحديث زميلك حين أحسست فيه النصيحة والإخلاص فقلت: (لا ضير، ولكن من عسى أن يكون رائدي وأنا لا أستطيع أن أجد السبيل إليه وحدي؟)

فقال لك الزميل: (إن شئت رافقتك إليه). .

وفي أمسية يوم من أيام الصيف انطلقت - يا صاحب القبعة - بصحبة زميلك إلى دار السعادة البك، وجلستما إليه ساعة من زمان، ثم خرج زميلك وحده. . . خرج ليخلفك إلى جوار البك، وقد أنس كل منكما بصاحبه واطمأن إلى حديثه، فسميت الفتاة عليك بعد أيام، ثم خطبت إليك. . .

وهدأت جائشة نفسك، واستقرت أفكارك إلى شاطئ أمين. . . ولكن ترى فيما كنت تفكر؟ آه. . . إن فلسفتك العفنة قد لصقت بك فلم تترك ساعة واحدة في حياتك. . . لقد خيل إليك أن سعادة البك رجل يستطيع أن يشبع نهم طمعك وأن ينقع غلة أنانيتك، وأن ابنته فتاة تستطيع أن تمهد لك السبيل الوعر، وتفتح أمامك الباب الموصد، ثم تدفعك إلى الهدف في سهولة ويسر، وأنت من ورائها تندفع حتى تبلغ، فتركت مسكنك القذر الوضيع ورحت تعد داراً أنيقة لتستقبل العروس المنتظرة، ونبذت ملابسك القذرة المشعثة لتتأنق في الجديد الغالي ليروق مظهرك في ناظري أهل الزوجة، وتصنعت الرزانة والعقل لتخدعهم بثقافتك الفجة، وتجملت بالرقة والذوق لتصرفهم عن خواطرك السقيمة، وخرجت من عزلتك القاتلة

ص: 9

لتكون رجلا لبس القبعة حيناً أو بعض حين.

وانطلى على سعادة البك ما تكلفت من قول أو فعل فحباك بالثقة، وخصك بالتقدير، وقربك إلى قلبه ونفسه. . . واطمأنت الفتاة إليك ففتحت لك باب حجرتها لتجلس إليها في خلوة، وتحدثها في غير رقبة. .

واندفعت تزين للفتاة أن تصحبك إلى السينما وإلى المسرح وإلى الندي، فما تمنعت ولا تأبت، وهي لا ترى بأساً فيما تفعل لأنك زوجها. . . وتماديت في غيك فأردت أن تحملها على أن تنزع عن نفسها تقاليد الأسرة، وأن تمتهن تاريخها - وهو قد تدفق في عرقها منذ زمان - لترود معك الملاهي الوضيعة، وإن كثيراً منها لينَضم على فنون من الخلاعة والفجور، ويحوي ألوانا من الخداع والإغراء، فهي تثير في الرجل الدوافع الحيوانية، وتبذر في المرأة غراس الثورة على الدار والزوج والأولاد، وألقت الفتاة إليك السلم - بادئ الرأي - ثم استيقظت التقاليد في عقلها فرفضت أن ترتدغ في هذه المباءة، فرميتها أنت بالجمود والرجعية، واحتقرتها لأنها تمسكت بالشرف وتشبثت بالكرامة.

لقد كنت تريدها على أن تندفع في الغواية لحاجة في نفسك.

وأرادت فلسفتك الثعلبية أن تمكر بالفتاة فتخدعها عن نفسها فتتعلم الرقص وتصاحب رفاقك وتتحدث إلى صحابك، تأخذ منهم وتعطي، ولكنها كانت قد جبلت على الحياء وطبعت على الخجل فرأت الطريق أمامها وعراً وبدت لها الغاية صعبة، فتراجعت. .

وجلست إليها - ذات مرة - تخدعها عن نفسها وتغريها أن تصحبك لتزور معاً دار فلان باشا، وزعمت بأنه من ذوي قرابتك، فانطلقتما معا إلى داره مرات ومرات. واستقبلها الباشا - بادئ ذي بدء - في احترام وشملها بالعطف وانهالت عليها منه الهدايا، ثم راح يداعبها في رقة ويعابثها في ظرف، وهي تطمئن إلى عطفه وتسكن إلى حديثه، غير أنه ما تلبث أن سقط عن وجهه قناع التصنع فانكشف عن ذئب مفترس في مسلاخ إنسان، وامتدت يد الباشا إلى الفتاة فذعرت، وأوجست خيفة منه ثم أقبلت عليك تنفض أمامك ذات نفسها فأغضيت عن حديثها وامتهنت هواجس نفسها على حين أنك توقن بأن هذا الباشا داعر شرير لا يتورع عن نقيصة ولا يترفع عن دنيئة. وعز على الفتاة أن تلمس فيك هذا الخلق الواهي المنحل فلاذت بعقلها واعتصمت بكريم منبتها، ورفضت أن ترافقك - بعدها - إلى

ص: 10

دار الباشا، وأصررت أنت وأصرت هي، ثم فزعت عنك إلى أبيها وفي قلبها أسى يتضرم وفي عينيها عبرات تترقرق.

وعجب البك أن يرى ابنته تنطوي عن زوجها وتهرب من لقياه، وعلى وجهها أثر الحزن وفي عينيها اثر البكاء، فجلس إليها يريد أن يهدئ من ثورتها وأن يمسح على أتراحها بقبلة الرفيق، فأجهشت للبكاء وهي تقص قصة زوجها الفيلسوف الذي لبس القبعة حيناً من الزمان وهو يدفعها إلى الهاوية مرة بعد مرة ثم يسوقها إلى دار الباشا الداعر لتنزل هناك عن كرامتها وتتخلى عن شرفها.

وثار البك لما سمع ثورة قذفت بالفيلسوف العبقري، صاحب القبعة، إلى خارج الدار بعد أن سامه الاحتقار والمهانة، قذفت به إلى خارج الدار لأنه حين لبس القبعة نبذ المعاني السامية للدين والوطن و. . .

وأصابتني الدهشة حين رأيتك - يا صاحب القبعة - تنصرف عن دار البك فلا تزورها وتنفر من زوجك فلا تلقاها، فذهبت أستوضحك الأمر فزورت كلاماً يمتهن عقل الفتاة المصرية ويضع من قدرها ويحط من خطرها، ويتهمها بالرجعية والجمود. فما انطلى على الزور، وأنا أعرف أنك استنزفت كل ما ادخرت في سني حياتك لتهيئ داراً أنيقة تستقبل فيها عروسك الجميلة ولتخلق من نفسك رجلا أنيقا جذاباً ولتغمر فتاتك بالهدايا الثمينة الخلابة. فعلت كل ذلك وأنت كز الجبلة شحيح الكف ضغين بالمال. فيا ليت شعري هل حملت نفسك ما لا تطيق لترضى سعادة البك ولتخدع الفتاة عن نفسها؟

آه، يا صاحب القبعة، لقد خسرت مالك وشرفك لأنك رفضت أن تكون مصرياً يتمسك بالمعاني السامية للدين والوطن و.

كامل محمود حبيب

ص: 11

‌الحركة العلمية بالإسكندرية في عصر الحروب

‌الصليبية

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

كانت الإسكندرية تلي القاهرة من حيث المكانة العلمية في ذلك الحين، حفلة بطائفة كبيرة من أعيان العلماء، في مواد الثقافة المختلفة، ودرس فيها كثير من رجال السنة، حتى في الوقت الذي كان مذهب أهل الشيعة سائداً فيها، وأنشئت فيها أول مدرسة في الديار المصرية كلها، وإليها رحل صلاح الدين لاستماع حديث رسول الله.

وقبل أن تنشأ المدارس بها، كان جامع العطارين منذ أنشأه أمير الجيوش بدر الجمالي سنة 477هـ. معهد علم وينبوع ثقافة، وقد ظل يؤدي رسالته طول عصر الحروب الصليبية، ويساهم مساهمة جدية في نشر العرفان.

وتنوعت الدراسات في جامع العطارين؛ فهذا عمرو بن عيسى السوسي نحوي أخذ عنه النحو أكثر أهل الإسكندرية؛ وكان يقرأ لهم فيه كتاب سيبويه وتوفي سنة 498هـ. وهذا عبد الرحمن ابن أبي بكر بن خلف شيخ الإسكندرية الذي انتهت إليه رياسة الإقراء فيها، ونبغ حتى قال فيه سليمان بن عبد العزيز الأندلسي: ما رأيت أحدا أعلم بالقراءات منه، لا بالمشرق ولا بالمغرب. وهذا محمد بن أحمد بن الخطاب شيخ الإسكندرية في الحديث وتوفي سنة 525. أما أبو القاسم بن مخلوف فأحد كبار المالكية الذين أذاعوا هذا المذهب في الإسكندرية. وكان لمحمد بن الحسن بن زراره حلقة في الجامع لإقراء الأدب كما كان المشرف على خزانة الكتب فيه. وممن سجل لهم التاريخ تدريسهم بالجامع الجيوشي العالم الأديب أحمد بن محمد بن المنير أحد الأئمة المتبحرين في التفسير وفقه المالكية والأصول والبلاغة كما كانت له اليد الطولي في علم الأدب. وكان عز الدين بن عبد السلام يقول عنه: الديار المصرية تفتخر برجلين في طرفها: ابن دقيق العيد بقوص، وابن المنير بالإسكندرية.

وأول مدرسة أنشئت بهذا الثغر المدرسة الحافظية التي أقيمت في عهد الحافظ الفاطمي (524 - 544 هـ) ويظهر أنها أنشئت في عهد الوزير أحمد بن الأفضل بن أمير الجيوش لتدريس علوم الشريعة. ويحفظ لنا القلقشندي في كتاب صبح الأعشى (ج 10ص

ص: 12

458) نسخة سجل بتوليه مدرس هذه المدرسة. وقد تكفل فيه الوزير برزق طلبة المدرسة وأستاذها الذي سيشرف على هذا الإنفاق. وفي هذا السجل يتحدث عن السبب الذي دعا إلى بناء مدرسة بثغر الإسكندرية فيقول: (ولما انتهى إلى أمير المؤمنين ميزة ثغر الإسكندرية - حماة الله تعالى - على غيره من الثغور، فإنه خليق بعناية تامة. . . لأنه من أوقى الحصون والمعاقل، والحديث عن فضله وخطير محله لا تهمة فيه للراوي والناقل، وهو يشتمل على القراء والفقهاء، والمرابطين والصلحاء، وأن طالبي العلم من أهله ومن الواردين إليه، والطارئين عليه، مشتتو الشمل متفرقوا الجمع - أبى أمير المؤمنين أن يكونوا حائرين، ولم يرض لهم أن يبقوا مذبذبين متبددين، وخرجت أوامره بإنشاء المدرسة الحافظية. . .)

واختارها ابن السلار الوزير الفاطمي كذلك سنة 546هـ (1151م) لإنشاء مدرسة للشافعية فيها، أسند إدارتها إلى السلفي وقد عمرت هذه المدرسة، وكانت تعرف بالمدرسة السلفية حتى بعد وفاة شيخها، وفيها تخرج كثير من العلماء الممتازين ولم يكن للشافعية مدرسة غيرها.

وقبل هاتين المدرسين، سكن الإسكندرية ودرس فيها عالم ممتاز هو محمد بن الوليد الطرطوشي، فقد تزوج من موسرة وهبت له داراً هيأ منها قاعة وهبها للطلبة، وجعلها مدرسة لازم التدريس فيها، وتفقه عنده بها جماعة من الإسكندرية. ولما توفي الطرطوشي سنة 520هـ جلس لإلقاء الدرس بها بعده تلميذه سند بن عنان الفقيه المالكي.

تلك حال المدارس قبل عهد الأيوبيين، فلما جاء صلاح الدين استكثر منها، وفتح أبوابها للأقربين والأبعدين، ونصب فيها مدرسين لجميع أنواع العلوم. وقد شاهد ابن جبير هذه المدارس عندما زار الإسكندرية في أيام ابن أيوب وقال عنها في كتابه: (ومن مناقب هذا البلد ومفاخره العائدة في الحقيقة إلى سلطانه المدارس والمحارس الموضوعة فيه لأهل الطلب والتعبد يفدون من الأقطار النائية، فيلقى كل واحد منهم مسكناً يأوي إليه، ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد تعلمه، وإجراء يقوم بجميع أحواله. واتسع اعتناء السلطان بهؤلاء الغرباء، الطارئين، حتى أمر بتعيين حمامات يستحمون فيها متى احتاجوا إلى ذلك، ونصب لهم مارستان لعلاج من مرض منهم، ووكل بهم أطباء يتفقدون أحوالهم، وتحت أيديهم خدام

ص: 13

يأمرونهم بالنظر في مصالحهم التي يشيرون بها من علاج وغذاء.)

والظاهر أن أغلب مدارس الإسكندرية كان لطائفة المالكية، فقد عرفنا عدداً جماً من أساطين هذا المذهب يسكنون ذلك الثغر، فمن تلك المدارس مدرسة ابن الأنجب، وقد عرفت باسم مدرسها علي بن الأنجب الفقيه المالكي، وأحد أكابر حفاظ الحديث وعلومه، صحب السلفي وانتفع به، وصحبه العلامة المنذري وأطال صحبته وعليه تخرج، وله نظم علماء كقوله:

أيا نفس، بالمأثور عن خير مرسل

وأصحابه والتابعين تمسكي

عساك - إذا بالغت في نشر دينه -

بما طاب من نشر له أن تمسكي

وخافي غداً يوم الحساب جهنما

إذا لفحت نيرانها أن تمسك

وكان ينوب في الحكم بثغر الإسكندرية ومات سنة 621.

ومنها مدرسة بني حديد التي درس فيها أحمد بن محمد بن سلامة وهو من رؤساء المالكية توفي سنة 645.

ولست أدري إن كانت دار الحديث النبيهية التي تولى مشيختها علي بن أحمد العراقي المتوفى سنة 704 وقد أنشئت في عصر الحروب الصليبية أو بعده.

وعرفت الإسكندرية طائفة من أعلام العلماء درسوا في دور العلم المختلفة بها، مما يدل على حركة علمية ناضجة:

فمن فقهاء الشافعية، وكانوا قليلين بها - أبو الحجاج يوسف ابن عبد العزيز، وهو من علماء الأصول والجدل، روى عنه السلفي ومات سنة 522، ومحمد بن عبد الله بن النن المتوفى عن ثمانين سنة بالإسكندرية سنة 679.

ومن فقهاء المالكية، وكانوا بها أكثرية - أبو الحرم مكي نفيس الدين، وقد أدرك السنين الأولى في الحروب الصليبية، ومات سنة 501، وألف شرحاً عظيماً لتهذيب المدونة للبراذعي في مجلد، وشرحاً على ابن الجلاب في فقه المالكية أيضا في عشر مجلدات، وأبو الحسن علي بن إسماعيل الأيباري الذي برع في علو شتى: الفقه والأصول وعلم الكلام، وله مؤلفات حسنة، منها شرح البرهان في أصول الفقه، وكان بعض العلماء يفضله على فخر الدين الرازي في الأصول، ومنها كتاب سفينة النجاة، على طريقة إحياء العلوم للغزالي. وكان الفضلاء يقولون: إنه أكثر إنقانا من الأحياء وأحسن منه. وأصله من مدينة

ص: 14

أبيار على شاطئ النيل بالقرب من الإسكندرية، ومات سنة 616. ومنهم ابن رواج تلميذ السلفي، وهو عالم ورع توفي سنة 648هـ.

ونبغ في الإسكندرية طائفة كبيرة من القراء، نذكر منهم الحسن بن خلف القيرواني المتوفى سنة514. واليسع بن عيسى الأندلسي الذي أخذ القراءات عن أبيه، وكان أبوه من جلة المقرئين، وأقرأ هو بالإسكندرية، ثم رحل إلى مصر فقربه صلاح الدين، ورتب له معلوماً وافراً. وكان يكرمه ويشفعه في مطالب الناس. وكان مقرئا محدثاً حافظاً نسابة مؤرخاً، له كتاب تاريخ في محاسن المغرب وتوفي سنة 575. ومنهم عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراوي الفقيه المالكي المقرئ المحدث المتوفى سنة 636، وقد انتهت إليه رياسة العلم في الثغر. وعبد الله بن محمد النكزاوي المقرئ النحوي المؤلف المتوفى سنة 683. والمكين الأسمر شيخ قراء الإسكندرية المتوفى سنة 692هـ.

ومن رجال التفسير بالإسكندرية يحيى بن محمد التجيبي، قال الذهبي: حج وجاور، وسمع بمكة وسكن الإسكندرية ووعظ، وصنف في التفسير والرقائق ومات سنة 652.

ومن رجال الحديث بها عبد الله عبد الرحمن العثماني، من ولد عثمان بن عفان، كان واسع الباع في علم الحديث، كثير الرواية، متصرفا في النظم والنثر، مات سنة 572. وأبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن عوف، وهو شيخ المالكية بالثغر، تفقه على الطرطوشي، وصار إمام عصره في المذهب، وعليه مدار الفتوى من الورع والزهد، وله مصنفات منها كتاب التذكرة في أصول الدين، وهو الذي قصد إليه صلاح الدين وسمع منه موطأ مالك ومات سنة 581هـ. ومنهم الفقيه المالكي المحدث أبو العباس أحمد ابن عمر القرطبي، سمع الحديث من مشايخ المغرب وتلمسان وسبته، ورحل مع أبيه من الأندلس صغيراً، وسمع بمكة والمدينة والقس ومصر، واستقر به المقام في الإسكندرية، وكان معروفاً بالبلاغة والتقدم في علم الحديث، وله على صحيح مسلم شرح سماه المفهم في شرح صحيح مسلم، واختصر صحيحي البخاري ومسلم ومات سنة 656، ومنهم ابن العماد منصور بن سليم الذي رحل في طلب العلم إلى مصر وبغداد ودمشق وحلب وغيرها، وعني بالحديث وفنونه ورجاله، وبالفقه، وألف فيهما كما ألف تاريخاً للإسكندرية، وصنف معجم شيوخه. وممن روى عنه الشرف الدمياطي، ومات سنة 673. ولم يخلف في الثغر

ص: 15

مثله.

وعرفنا في الإسكندرية طائفة من النحاة، نذكر من بينهم الحسن بن جعفر بن مروان الذي صنف كتاباً في النحو سماه المذهب، وكان موجوداً سنة 517. ومنهم ثابت بن حسن خليفة اللخمي، وكان له معرفة بالنحو، وبنظم شعر علماء كقوله:

العلم يمنع أهله أن يمنعا

فاسمح به تنل المحل الأرفعا

واجعله عند المستحق وديعة

فهو الذي من حقه أن يودعا

والمستحق هو الذي إن حازه

يعمل به أو إن تلقنه وعي

ومات سنة 625، وعيسى بن عبد العزيز بن عيسى، وكان مقرئا نحويا، وترك مؤلفات تزيد على خمسة وأربعين في النحو والحديث والوعظ والتاريخ والأدب والقراءات والتجويد والفقه، منها كتاب الأمنية في علم العربية، والرسالة البارعة في الأفعال المضارعة، والإفهام في أقسام الاستفهام، وكتاب الجامع الأكبر والبحر الأزخر في القراءات، وقد قرئ عليه في رجب سنة614 بداره في ثغر الإسكندرية. وله ديوان شعر ومات سنة 629هـ. ومنهم العالم المشهور ابن الحاجب فقد وفد على الإسكندرية. وعبد العزيز بن مخلوف الذي قدم إلى الإسكندرية من بلاد المغرب وأصبح بها من أئمة النحو، وتخرج على يدي نحاة الإسكندرية ولكنه لم يصنف شيئاً، وله شعر متأثر بالنحو تأثرا بالغاً مثل قوله:

ومعتقد أن الرياسة في الكبر

فأصبح ممقوتاً به وهو لا يدري

يجر ذيول العجب طالب رفعة

ألا فأعجبوا من طالب الرفع بالجر

ومات سنة 693.

وأرجو أن أوفق في فرصة أخرى إلى دراسة باقي ألوان الثقافة ومعرفة رجالها.

أحمد أحمد بدوي

مدرس بكلية دار العلوم بجامعة فؤاد الأول

ص: 16

‌مالتوس ومشاكل السكان في العالم

للأستاذ فؤاد طرزي

لم يثر أي كتاب من الكتب ضجة كالضجة التي أثارها كتاب توماس مالتوس (بحث في نظرية السكان) الذي صدر في سنة 1798 في منتصف فترة النهضة التي تسمى نهضة (الزيادة الكبرى) في مجموع السكان وفي بلاد ازداد عدد سكانها زيادة سريعة لم تدانها أية زيادة من الزيادات التي حصلت في بلدان القارة الأوربية الأخرى. فقبل هذه النهضة بـ150 سنة كان سكان القارة الأوربية يبلغون قرابة الـ 100. 000. 000 نسمة، ولكن بعد النهضة بـ 150 سنة أخرى واجهت شعوب أوربا مشكلة ابتداء حصول نقصان في مجموع السكان. ولكن سنة 1798، عندما أخذ يتضاعف عدد سكان القارة الأوربية الذي يبلغ الـ187. 000. 000 - على الرغم من ارتفاع عدد المهاجرين الذي بلغ 550. 000. 000 - اكتسبت نظرية مالتوس التي سماها نظرية زيادة السكان أهمية مريعة.

ففي عام 1650 كان تعداد سكان العالم يقارب 500. 000. 000، ثم بلغ هذا التعداد في سنة 1940 بليونين، وقد حصل نصف بليون من هذه الزيادة خلال المائة سنة بين 1650 و1750، في حين حصلت زيادة البليون الآخر في السنوات التي تلت ذلك. وبذلك ازداد في 3000 سنة عدد الأوربيين - الذين يدخل فيهم السلالات المتحدرة النقية التي تعيش في الخارج - زيادة تبلغ السبعة أضعاف، وهكذا، ومع مرور الزمن غدت ظاهرة الزيادة - كما كتب لنكزلي دافيس - شبيهة بسلك رفيع يحترق ببطيء وتعثر، إلى أن أدرك الاحتراق نهايته فأنفجر. ولعل أبرز مظهر لظاهرة زيادة السكان في الغرب - وهي الظاهرة التي أطلقنا عليها اسم نهضة (الزيادة الكبرى) في مجموع السكان - تتبدى في ازدياد عدد نفوس الشعوب الناطقة بالإنجليزية. فقد كان تعداد هذه الشعوب يبلغ 5. 500. 000 في عام 1600 فتضاعف إلى 200. 000. 000 في عام 1940. وفي المائة سنة الأخيرة من التاريخ التقويمي ازداد عدد سكان الجزر البريطانية نحو أربعة أضعاف ما كان عليه، وهذا بالإضافة إلى أن أكثر من 17. 500. 000 قد هاجروا من هذه الجزر إلى أمريكا الشمالية ودومنيونات ما وراء البحار.

ويرى العلماء المحدثون أن مالتوس قد وجه نشاطه مبدئياً، في الطبعة الأولى من رسالته،

ص: 17

نحو دراسة مشكلة الفقر، وإن مسألة السكان كانت ثانوية في آرائه. فقد أراد أن يدرس طبيعة الفقر كما انكب آدم سمث على دراسة طبية الثروة؛ إلا إنه وضع رسالته يرد بها على وليم كودوين والتلاميذ الاشتراكيين مستهدفاً إثارة المحافظين الدينيين والاشتراكيين المتطرفين في آن واحد. وكتب مؤرخ حياته جيمس بونار يقول:(لقد غدا مالتوس من بعد ثلاثين سنة أمطر خلالها الناس سيلاً من الأخطاء أعظم شرير في عصره، وأصبح إنساناً يدافع عن الجدري والعبودية وعن قتل الأطفال وعن إلغاء الزواج المبكر، إنساناً بلغت به الوقاحة أن يتزوج بعد إلقائه وعظاً يبين فيه مساوئ العائلة، إنسان ظن أن العالم بمجموعه سلسلة ظواهر تحكمها عوامل الشر حكماُ يدفع إلى الاعتقاد بأن خير الأعمال هي ما كانت أكثرها إيذاء. ولم يقدم مالتوس - باعتباره شارحاً لأسباب الفقر - أجوبة مقنعة تتفوق في شمولها وقناعتها على تلك الأجوبة التي وضعها بعض المتعصبين من ذوي العقول الجافة كهنري وجورج وكارل ماركس. وإن نظريته التاريخية التي نقحها في الطبعة السادسة لرسالته هي أكبر ما قدمه).

قرر مالتوس بأن نسبة الزيادة بين السكان تفوق نسبة الزيادة في المواد الغذائية، ولذلك - إذا لم نضبط هاتين النسبتين عند حد متوازن واحد - فستجتاح الإنسانية المصائب والكوارث والنكبات والآلام. وقد أفرغ نظريته في قانونه المشهور: تجري زيادة السكان على شكل متوالية هندسية - بهذه الصورة 32. 16. 8. 4. 2. . . الخ - وتجري زيادة المواد الغذائية على شكل متوالية حسابية - بهذه الصور 5. 4. 3. 2. 1. . . الخ فإذا لم تضف أراض جديدة كما يقول مالتوس فسوف لا يستطيع أي شعب في العالم أن ينتج المواد الغذائية سنوياً إلا ما كان ينتجه في السنة السابقة، في حين أن عدد السكان - كما ظهر في أمريكا - يزداد زيادات متضاعفة من جيل إلى جيل، ولذلك فإن زيادة السكان لا تسير في مستوى واحد مع إنتاج المواد الغذائية إلا بوجود تحديدات معينة، وإن التحديد الحاسم بين هذه التحديدات هو المجاعة التي تعتبر الضابط الذي يوقف ازدياد السكان. 0 وعلى ذلك فإن هناك تحديدات أخرى من الممكن أن يظهر مفعولها قبل ظهور فعل هذا التحديد، وهي الفقر والحرب وسوء التغذية والفجور. كما أن تقييد الزواج من الوسائل الرئيسية المعينة على التهرب من مثل هذه النتائج المخيفة. وكل مشروع يوضع لإنشاء

ص: 18

مجتمع أصلح لتحقيق حاجات أكبر يستهدف إضعاف مفعول هذا القيد - تقييد الزواج - لا ينجح إلا في تقوية الجراثيم التي ستأكل قلب الإنسانية.

إن العلماء يميلون اليوم إلى تجنب المناقشات التي لا طائل تحتها بتوجيه سؤال واحد، هو: كيف يمكن لفروض مالتوس أن تصاغ بشكل تثبت فيه لاختبارات الباحثين في مشاكل زيادة السكان. ويقول هؤلاء العلماء: دعنا نفترض حدوث زيادة كبيرة في السكان أعقبها هبوط في استهلاك الأغذية، وإن ارتفاع معدل الوفيات أدى في النهاية إلى المجاعة. ففي هذا الفرض - حسب نظرية مالتوس - يجب أن يكون العلاج الوحيد تقليل نسب الزواج بدرجة كافية للتقليل من نسب الإخصاب البشري. ولكننا إذا ما أخضعنا هذا التقدير الافتراضي إلى حقائق علم السكان نجد - باستثناء حالات الحرب - أن شعباً واحداً فقط من بين شعوب أوروبا قد انطبقت عليه تنبؤات مالتوس وهو الشعب اليهودي. وبتعقب فترة المائة والخمسين سنة التالية لعهد مالتوس ظهر لعلماء السكان بأن هذا الباحث قد عاش في مرحلة خاصة من مراحل التطور الإنساني. وعن طريق المصادر العلمية المادية وتقدم الوسائل الإحصائية والرياضية وتطور أساليب إحصاء النفوس يستطيع هؤلاء العلماء أن يحللوا هذه المراحل ليكتشفوا التغييرات الأساسية في نسب الوفيات والولادات التي تخللتها، وبذلك تستطيع هذه التحليلات والدراسات أن تعينهم على إعداد العدة للمستقبل. ومن هنا يظهر أن أغلب أساليب التحليل والإحصاء الحديثة قد استخدمت لإصلاح عمل هذا الباحث الذي عبر عن روح العصر الذي كان يعيش فيه

ونحن نعلم علماً تاماً - بعد أن ندع جانباً التطورات التي تعود في أصلها إلى ظروف الحرب - بأن معدل الوفيات قد استمر في هبوطه منذ زمن مالتوس كما نعلم بأن ارتفاع معدل الأعمار لا ارتفاع معدل الولادات هو الذي سبب هذه الحركة في مسائل السكان وهي الحركة التي دفعت مالتوس دفعاً مباشراً لصياغة نظريته. وكان لكارساندرس فضل الكشف عن هذا الهبوط في معدل الوفيات الذي بدت ظواهره في إنجلترة حوالي 1730 في السنة التي ولد فيها أكبر معمر في عصر مالتوس. وقد أبان هذا الباحث أن المعدل قد هبط من 35 في الألف إلى 22 في الألف في عام 1830، أي بعد ثلاث سنين من إخراج مالتوس الطبعة الخامسة من رسالته. ثم مرت بعد ذلك مائة وأربعون سنة أخرى قبل أن تبدو بوادر

ص: 19

هبوط في معدل الولادات عام 1880 يعادل الهبوط الذي طرأ على معدل الوفيات في إنجلترة حوالي 1740. وظلت الوفيات تتناقص إلى أن بلغت 10 في الألف في العقد الأول من هذا القرن، وظلت تتزايد نسبة الولادات خلال الستين سنة التالية. ويعود سبب ذلك لحد كبير إلى الفرق الكبير بين المعدلين.

ولقد كان من نتيجة التطورات العظيمة في العلوم الطبية والصحية وفي الشؤون الاجتماعية العلمية إنقاذ نفوس كثيرة، ثم تطعم ذلك في عام 1750 بقيام الفلاحين بزرع أرضهم زروعاً زودتهم بالخضروات واللحم الطازج بدلاً من تركها بوراً في الشتاء، كما وفر استعمال القطن بعد ذلك للطبقات العامة منسوجات رخيصة فازداد هبوط معدل الوفيات.

إن مشكلة السكان التي شغلت مالتوس خاصة، مشكلة إطعام الشعب الإنجليزي الذي يتزايد عدده مع بقاء جزيرته كما هي من حيث المساحة. هذه المشكلة قد حلت - كما يقول هارولد رايت بعد بضع مئات من السنين بنتيجة الزيادة الهائلة التي حصلت في إنتاج البضائع المصنوعة ومبادلتها بالأغذية والمواد الخام المنتجة في القارات الجديدة. فكلما ازدادت النفوس أصبح الغذاء أرخص لازدياد المهاجرين الذين ينتجون الأغذية في الخارج وازدياد العاملين الذين انتشروا في أوروبا عند استعمال الماكينة الزراعية والبواخر والقاطرات وهي الوسائل التي ساعدت على إنتاج الأغذية ونقلها من مكانها إلى محلات استهلاكها: فالثورة الصناعية قد قضت على أزمات السكان طوال مدة بلغت المائة عام. في الخارج وازدياد العاملين الذين انتشروا في أوربا عند استعمال الماكينة الزراعية والبواخر والقاطرات وهي الوسائل التي ساعدت على إنتاج الأغذية ونقلها إلى محلات استهلاكها: فالثورة الصناعية قد قضت على أزمات السكان طوال مدة بلغت المائة عام.

وتزايد هذه الوسائل الجديدة مكن أوربا من إنشاء شعب صناعي كثيف لم تكن تحلم باستطاعتها إعاشته. وكي لا نغمط كل حق لمالتوس يجب أن نشير إلى إنه قد تنبأ بهذه الإمكانيات ولو كان تنبأ مشوباً باليأس كما يظهر من الملاحظة التالية الواردة في رسالته.

(وقد نفرض، ونحن في غمرة التأملات الشاردة المجدية، أن أوربا يجب أن تنمي حبوبها في إنجلترة وأن تكرس نفسها تكريساً تاماً للصناعة والتجارة وتصبح أحسن آلة عاملة على سطح الكرة الأرضية. ولكن حتى إذا ما جارينا المفترضين في مباغاتهم وقلنا بان طبيعة

ص: 20

الأشياء ستنتهي بجعل أوربا آلة عاملة من النوع الذي يفترضونه، وأنها ستوفر إمكانيات تستطيع بواسطتها هذه القارة أن تزيد نفوسها زيادة تتجاوز مساحة أراضيها، إلا أنها مع ذلك ستكون النتائج مؤلمة إيلاما كبيرا، إذ إن الحقيقة التي لا يصح نكرانها تتطلب أن يقوم كل إقليم، حسب إمكانياته الطبيعية وقدرته على خلق الثروة، للإنتاج لنفسه فما العمل إذن عندما تبدأ أمريكا - بمقتضى هذه الظاهرة - بسحب حبوبها من أوربا لتكفي نفسها، وحين تصبح المنتجات الزراعية غير الأوربية كافية لسد النقص الذي تحس به؟ لاشك إنه سيبدو حينذاك بأن الفوائد الوقتية سيبدو حين ذاك بأن الفوائد الوقتية المتحصلة من زيادة نسب الثروة والسكان قد كلفت غالياً ودفعت إلى مقاساة لفترة طويلة عامرة بالآلام والمتاعب.

ومع أن الثورة الصناعية قد وقت أوربا من أخطار ازدياد السكان، إلا أنها لم تعدل تعديلا أساسيا تحدي مالتوس، ولذلك فإنه حين ابتدأت حركات الموازنة اتخذت الأسلوب الذي دعا إليه - اطراد هبوط معدل الولادات - ولو أنها لم تتشكل بالشكل الذي تنبأ به. فإن معدل الزواج ظل في منطقة واحدة مرتفعا - في الروسيا - أما شعوب المدنية الغربية فقد تجنبت أزمات السكان بالإشراف على الولادات عن طريق وسائل التحديات العائلية. فإذا ما قلنا بأنه قد تخلل عصر نمو السكان هبوط معدل الوفيات فيجب أن نعترف بأن هبوط معدل الولادات قد كان جزرا مضادا.

فقد كان واضحا منذ عام1850 بأن معدل الولادات قد هبط في فرنسا والولايات المتحدة وايرلندا، كما كانت الدلائل تدل على أن الزيادة الهائلة التي طرأت على الولادات في أمريكا قد ابتدأت في الهبوط ثانية منذ الإحصاء الأول عام 1790. فبين عام 1847 وعام 1914 هبط معدل الولادات في فرنسا من 27 في الألف إلى 19، وهبط خلال الحرب العالمية الأولى إلى 11 في الألف ثم استأنف بعد ذلك الهبوط بعد ارتفاع وقتي. وقد اشتد هذا الهبوط، مع بعض التغيير حيناً، أو مع عدمه في حين آخر، في العصر الذي يسمى عصر الزواج، ويعزى سبب هذا الاشتداد إلى تحديد الولادات داخل العائلة، إذ المعروف أن عمليات تقليص حجم العائلة قد استمرت في فرنسا، ثم انتشرت من هذه البلاد إلى شعوب أوربا الغربية.

وأما في إنجلترا فإن معدل الولادات قد وصل إلى درجة عالية عام 1850، إلا إنه من عام

ص: 21

1880 أخذ يعاني هبوطا مستمرا. وفي خلال فترة قصيرة أمدها ستون سنة (بين 1870 و1930) هبط هذا المعدل من 35 في الألف إلى 15. وقد كان لهذا الهبوط أثر كبير على الحياة الإنجليزية.

فكيف إذن فشل مالتوس في التنبؤ بإمكانية هذا التقلص في حجم العائلة الذي يعتبر أعظم إنقلاب في شؤون السكان في العالم الحديث؟ لقد ظهر لأغلب المفكرين الأحرار بأن مالتوس كان يخدم جبهتين مختلفتين: جبهة المستغلين، وجبهة ذوي السلطة. واكتشف العالم الألماني هانس ميوهوف بأن أعمال مالتوس قد تأثرت بدفاعه عن التقاليد، كما أن العالم جيمس فيلد قد وصل بعد دراسة دقيقة إلى نتيجة أثبت فيها بأن مالتوس كان مطلعاً على الدعاية الموجهة لتحديد الولادات في زمانه، ولذلك عارض بقوة كل تدبير طبيعي لتحديد حجم العائلة.

ولعل هذا الدفاع عن التقاليد الاردذوكسية - والذي دفع علماء السكان إلى أن يسموا صاحبه (البارسون مالتوس) قد جعل من منافسيه من أمثال فرانسيس بلاس وريشارد كارليك وروبرت ديل والدكتور جارلس نولتن أقدر منه في معالجة الفروض العلمية

إن الضرورات تقتضي - حسب نظرية مالتوس - أن يكون الزوج قادر على إعالة زوجة وستة أطفال، أما علماء السكان في الوقت الحاضر فيقولون إن إنجاب العائلة ثلاثة أطفال يكفي لاستقرار السكان، بينما يؤدي إنجاب كل عائلة ستة أطفال إلى مضاعفة السكان من جيل إلى جيل. وليس هناك من يشك في إخلاص مالتوس في دفاعه عن الضابط المعنوي، ولكننا يجب أن نشير في مقابل ذلك إلى أن الكتاب والمصلحين في أيامه قرروا ما يقرره اليوم كثير من رجال الدين وعلماء التشريح وقادة الاجتماع بأنه إذا ما أراد المجتمع أن يجعل من الاتصال الجنسي قيمة سامية؛ فالزواج المبكر خير معوان على ذلك.

ويبدو أن تاريخ الشعب الايرلندي خير تصوير محزن لفرضية مالتوس، وهو الشعب الذي كانت المجاعة أكبر آفة أصابته؛ ففي سنة 1610 ابتدأ السير والتر رالية بزرع بذور البطاطس المستوردة من أمريكا في مزرعته، وبعد مضي جيلين أصبحت البطاطس الغذاء الرئيسي في ايرلندا. وكان الفرد يزود بهذا المصدر الغذائي الجديد، فيتزوج شاباً ثم ينمو بسرعة. ولذلك أخذ عدد السكان يتضاعف ابتداء من عام 1849 إلى أن بلغ هذا التضاعف

ص: 22

أوجه عندما صار تعداد السكان 8 ، 300 ، 000. وقد جاء في كتاب السير جيمس كونور (تاريخ ايرلندا) ما يلي: (لقد شجع المسلك الديني الزيجات المبكرة، وشجعت السياسة الايرلندية الزيجات المبكرة كذلك، وأدى هذا التشجيع المزدوج إلى حصول زيادة سريعة في السكان. ولكن ظل ما يقارب الثلاثة ملايين والنصف من النفوس ملمومين في أكواخ موحلة مغطاة بالقش، كل كوخ يتكون من غرفة واحدة بلا نافذة ولا منفذ. وفي عام 1844 ظهرت في أمريكا الآفة النباتية التي تعطن البطاطس خلال بضعة أيام.

وفي صيف 1846 اجتاحت هذه الآفة ايرلندا كالوباء الأسود وأهلكت المؤن الغذائية التي يعيش عليها الفلاحون؛ ومات خلال خمس سنين بين 1846 و1851 حوالي 1 ، 000 ، 000 شخص. وكان من نتيجة ذلك فيضان هجرة كبيرة من ايرلندا فغادرها خلال عقد واحد ربع السكان متوجهين إلى الولايات المتحدة. ثم أخذ عدد المهاجرين في التزايد حتى بلغ في ظرف جيلين 5 ، 000 ، 000 ولكن الايريلنديين جابهوا الموقف بإيقاف الزواج أو تركه. ويصعب علينا قياس معدل الولادات في ايرلندا إلا فيما يتعلق بفترة منتصف القرن التاسع عشر، ولكن كاساندرس قال إن هذا المعدل ربما كان حوالي الأربعين في الألف عام 1850 ثم أخذ في الهبوط بعد فترة قصيرة من هذا التاريخ فصار 622 بالألف بين عامين 1871 و1881، و212 بالألف بين عامي 1910 و1926. وخلال هذه الفترة ازداد معدل نسبة النساء الايرلنديات غير المتزوجات من اللواتي تتراوح أعمارهن بين الـ 25 و35 من 28 في المائة في عام 1841 إلى 52 في المائة في عام 1926. ولا شك أن ترك الزواج بالنسبة لشعب بأكمله فترة طويلة يعني بالطبع أن عددا كبيرا سيتركون الزواج نهائيا.

ففي عام 1841 كان 15 بالمائة من النساء الايرلنديات بين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين غير متزوجات. وفي عام 1926 ارتفع هذا المعدل إلى 29 بالمائة. وهكذا، فإن ثلاثة أعشار النساء الايرلنديات يعشن بلا زواج. وأما بالنسبة لأولئك اللواتي تزوجن فإن معدل الولادات بقي بينهن عالياً. وفي عام 1861 كان يوجد لكل 100 امرأة ايرلندية متزوجة من اللواتي دون الخامسة والأربعين 130 طفلا دون الخامسة. وفي عام 1826كان العدد المماثل 130طفلا أيضا. ويقابل ذلك في إنجلترا وفي نفس الفترة هبوط

ص: 23

المعدل من 100 طفل لكل امرأة متزوجة إلى 071 وقد استقر الآن عدد سكان ايرلندا حوالي 4. 300. 000 نسمة أي ما يقارب نصف العدد الذي كان عليه عدد النفوس قبل المجاعة. ولهذا السبب نجد أن عدد المنخرطين في المسلك الديني في ايرلندا يفوق أي عدد مماثل له في العالم الغربي إذا لم نقل في العالم كله. فقد جندت هذه البلاد أبناءها في سلك الرهبنة ليخدموا الكنيسة الكاثوليكية في كافة أنحاء العالم. ولكنا إذا عدنا إلى إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة وجدنا انه لم يحدث في هذه البلدان إلا هبوط قليل في نسبة الأفراد المتزوجين؛ ولذلك نرى الكنيسة الكاثوليكية خسرت كثيرا من المجندين في هذه الأقطار. ومن هنا نرى أن تخفيض ايرلندا معدل الولادات فيها بترك الزواج يعتبر نتاج سلسة غريبة من الظروف الاقتصادية قويت بإخلاص أهلها للكنيسة، وأن قصتها تعتبر نموذجاً لطريقة إنقاص عدد السكان في العالم وهي الطريقة التي يمكن أن تلفت انتباه مالتوس الأخلاقي أكثر من جلبها انتباه مالتوس العالم علاوة على دلالتها على مبلغ جسامة الوسائل التي يحتاج إليها لهزيمة تفسير مالتوس.

(البقية في العدد القادم)

فؤاد طرزي

ص: 24

‌قضايا الشباب بين العلم والفلسفة

للأستاذ إبراهيم البطراوي

(تتمة)

وفي هذا الكتاب كما في بقية الكتب جينز تقريبا نجد أوضح البراهين وأقواها، تصريحا أو تلويحا، على أن العلم - بعد تجارب مضنية استغرقت القرون الماضية - عجز بل اعترف أنه من المحال عليه أن يجد معلولاً من غير علة. ودليله على هذا جميع تجاربه الصحيحة الماضية بدون استثناء، ولذا وضع قانونه الشهير عن (العلة والمعلول)

ثم يرينا في (نجومه) دلائل عظمة الله وقدرته ولطفه وحلمه وعطفه، تلك الدلائل القوية التي تبهر العقول وتصعقها. وإن أصدق ما يوصف به هذا الكتاب هو أنه تسبيحة العالم.

ثم ينظر إلينا قائلاً: وهاكم البرهان الواضح القاطع. . . بينما أشار إلى كتابه (الكون الغامض) وإذا فيه:

(إن الطبيعة تتجافى الآلات ذات الحركة المستديمة. . . ويفسر علم الديناميكا الحرارية كيف أن كل شيء في الطبيعة يصل إلى حالته النهائية بعملية يطلق عليها: (زيادة درجة التعادل)

فدرجة التعادل إذن يجب أن تزيد على الدوام، وهي لا تقف عن الزيادة إلا إذا وصلت إلى حد لا يمكن أن تتعداه. فإذا وصل الكون إلى هذه المرحلة وأصبحت كل زيادة أخرى في درجة التعادل (أنتروبي) مستحيلة، فني الكون. . .

(وقانون الطبيعة دائما هو أحد شيئين ليس غير: النماء أو الموت. وهي لا تجيز إلا سكونا واحداً هو سكون القبر. . .

وعلى أصح المشاهدات العلمية نجد أن درجة التعادل الكونية في ازدياد مستمر سريع، وإذن فقد كانت لها بالضرورة بداية وأنه حدث ما يمكن أن يسمى (خلقاً) وفي وقت ليس ببعيد بعداً لانهائياً).

وإن نهاية الفضاء والزمن على هذا النحو لتضطرنا إلى التسليم بأن عملية الخلق عمل من أعمال الفكر).

(وإن تحديد الثوابت مثل نصف قطر الكون، وحجمه، وكهاربه (ليستلزم) وجود الفكر الذي

ص: 25

تقاس خصوبته بضخامة هذه الكميات).

ثم يبن لنا أن الله سبحانه وتعإلى لا يشبه شيئاً من خلقه، وليس كمثله شيء، فلا يجوز عليه ما يجوز على خلقه بهذه العبارة الرائعة:(إن الخالق القادر على كل شيء، والذي لا يخضع للقيود أياً كان نوعها، لا يقيد نفسه بالقوانين التي تسود هذا الكون)

ولم يكتف بهذا بل نزهه سبحانه عن الحلول في زمان أو مكان لأنه (خالق الزمان والمكان) بنفس الحجة القاطعة والأسلوب العذب الرنان.

فالزمن والفضاء اللذان هما إطار الفكر قد كان وجودهما من غير شك جزءاً من هذه العملية - عملية الخلق - وقد كانت علوم الهيئة البدائية تتخيل خالقاً يعمل في الفضاء والزمن فيصوغ الشمس والقمر والنجوم من مادة غفل موجودة من قبل؛ أما النظرية العلمية الحديثة، فإنها تضطرنا إلى أن ننظر إلى الخالق على أنه يعمل خارج الفضاء والزمن اللذين هما جزء من خلقه، كما يعمل المصور خارج لوحته.

وهذا يقابل قول أوغسطين: (لم يخلق الله الكون في زمن بل خلقه مع الزمن).

والحق أن هذا الرأي قديم يرجع إلى زمن أفلاطون الذي يقول: (خلق الزمن هو والسماوات في وقت واحد، وذلك لكي يفنينا إذا أريد فناؤهما. هكذا كان عقل الله وفكره في خلق الزمن)

وحين يهم جينز بتوديعنا لا يفوته أن يؤكد كلامه بقوله: (والآن فإن الآراء متفقة إلى حد كبير يكاد في الجانب الطبيعي من العلم يقرب من الإجماع - على أن نهر المعرفة يتجه نحو هذه الحقيقة وهي أن الكون بدأ يلوح أكثر شبهاً بفكر عظيم منه بآلة عظيمة. . .).

(ولسنا نقصد بهذا العقل بطبيعة الحال عقولنا الفردية - إنما نعني ذلك العقل الكلي الذي نوجد فيه على شكل فكر تلك الذرات التي نشأت منها عقولنا).

وهذا ما يعنيه بعض الفلاسفة المتقدمين من تخويل الفكر إلى مادة، وما يعنيه العلم الحديث اليوم من محاولات لعله يستطيع رداً لطاقة أو تحويلها إلى مادة.

وفي قول جينز تفسير (إلى حد ما) لمعنى قوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون).

على أنه يجب أن نكون أكثر حذراً ولباقة في تمييز حقائق العلم من فروضه وآرائه:

ص: 26

فالقانون أو الحقيقة قصدنا، وماعدا ذلك يكون حكمه حكم غيره من الآراء الإنسانية. وعلى حد تعبير الغزالي:

العاقل يقتدي بسيد العقلاء علي رضي الله عنه حيث قال: (لا تعرف الحق بالرجال. اعرف الحق تعرف أهله. فالعاقل يعرف الحق ثم ينظر في نفس القول: فإن كان حقاً قبله سواء كان قائله مبطلاً أو محقاً، ربما يحرص على انتزاع الحق من كلام أهل الضلال عالماً بأن معدن الذهب الرغام) اهـ

هذا هو العلم، وإن شئنا قلنا الدين؛ فكلاهما فطرة الله. وكلاهما في تواترة - في حدود قوانينه ومجموعاته الأزلية - خاضع لإرادة الله وسنته التي منها سنة التطور والارتقاء.

ولعل خير ما أوجهه إلى الشباب تلك العبارة الطريفة التي وجهها إليهم وإلى الشيوخ أيضا قبل اليوم بقرون، المفكر العبقري الإمام الغزالي. قال رحمه الله في كتابه الممتع (المنقذ من الضلال):(إنما مطلوبي العلم بحقائق الأمور فلا بد من طلب حقيقة العلم ما هي؛ فظهر لي أن العلم اليقين هو الذي ينكشف منه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم. ولا يتسع القلب (أي العقل) لتقدير ذلك؛ بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقين مقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه مثلا من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا لم يورث ذلك شكا وإمكانا: فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة وقال قائل لا؛ بل الثلاثة أكثر بدليل أني أقلب هذه العصا ثعبانا، وقلبها وشاهدت ذلك منه؛ لم أشكك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه إلا التعجب من كيفية قدرته عليه؛ فأما الشك فيما علمته فلا.

ثم علمت أن كل مالا أعلمه إلى هذا الوجه ولا أتيقن على هذا النوع من اليقين فهو علم لا ثقة به ولا أمان معه، وكل علم لا أمان معه فليس بعلم يقين) اهـ

تلكم هي قضية الشباب بوقائعها وملابساتها. وهذا غاية ما أمكن أن تصل إليه من وسائل علاجها، والتاريخ بحوادثه شاهدها وأنتم قضاتها العدول، فالحكم لها أو عليها وما يترتب على ذلك منوط بذمتكم أنتم، فعليكم وحدكم تقع جميع تبعاته.

وقبل أن أختم كلامي أرى واجب العلم يحتم علي أن أثبت ضمن أقوالي هذه الحقيقة:

وهي إننا سجلنا في أفقنا المحلي هذه الأيام ظاهرة تنبئ القرائن أنها تتجه وصالح قضيتنا.

ومهما يكن الباعث عليها فإنا على كل حال نرجو أن نستفيد منها إلى حد كبير.

ص: 27

إبراهيم السطراوي

ص: 28

‌ترجمة وتحليل:

الخلود

لشاعر الحب والجمال لامرتين

ترجمة الأستاذ صبحي إبراهيم الصالح

(تتمة)

وهذه البصيرة التي تشهد الإله باطناً في كل شيء، ظاهراً من كل مكان، ترى فوق ذلك أن العالم - بحيه وجماده - ما يفتأ باحثاً عن الله، ناشداً نجواه، حريصاً على عرفان صفاته، والتقرب إلى ذاته: وأنه بجماله ونظامه وأحكامه صورة تحكي جمال خالقه، وحكمة مدبره، وقدرة صانعه، ومرآة تنعكس فيها معاني رحمته ورأفته، وفضله وكرمه. فالنهار لا يشعع بنور الشمس وإنما يشرق بنظرات الإله، والحسن لا يرثه المرء عن أبويه وإنما يفيض من بسمات الله؛ فإذا ما ابتسم راضيا عن العبيد، إذن لمولود جميل سعيد، أن يبهر هذا الوجود!

فما اجدر القلب الذي ينبض بإذن الله أن يعبده ويهواه!

(إن هذا العالم الذي ينشد الوصول إلى كمال صفاتك

صورة تحكي جمالك، ومرآة تعكس مزاياك:

فالنهار يفيض من نظراتك، والحسن يفيض من بسماتك،

والنفس في كل مكان تلقاك، والقلب أينما كان يهواك!)

بيد أن هذا الإله الحي القيوم، المقتدر الرحيم، لو اجتمعت الفطرة السليمة والأرواح الصافية على أن تصفه لا تستكمل وصفه ولو كان بعضه لبعض ظهيراً؛ وإن العقول البشرية لأعجز من أن تدرك مزاياه الحسنى: فهي كلما شرعت تصفه أدركها الكلال، وكلما أخذت تتكلم عنه غالبها الصمت، وكلما طفقت تتحرك نحوه رزحت تحت ذاته القاهرة؛ فتستكين وتشعر بضعفها ثم لا تجد الراحة بعد كلالها إلا في طمأنينة الوجدان، ولا تطيق الكلام بعد سكوتها إلا بألفاظ الحمد والتقديس، ولا تستطيع الحركة بعد جمودها إلا بالقيام والركوع والسجود.

(لا يستكمل وصف اسمك كل هذه المزايا الباهرة

ص: 29

أيهما القيوم الأزلي المقتدر الحبيب!

والروح - وهو رازح تحت ذاتك القاهرة -

يقدس قدرتك حتى في صمته الرهيب!)

ومهما قدس الروح قدرة الله، ومهما جد في البحث عنه وألقى اليد بذاته وخضع له في جميع أحواله، فلن يسلمه شيء من ذلك إلى أكثر من أن يحبه حباً يملك عليه مشاعره ويزيد شوقه وحنينه؛ فيستحيل هذا الحب في النفس الشاعرة ناراً مضطرمة لا تتراجع دون باب الله مهما طردت عنه حتى يؤذن لها بالدخول فيأخذ لهيبها في الانطفاء حين ترى عن قرب بعض صفات هذا الخالق العظيم.

(رباه! ما زال يلقي إليك بذاته

هذا الروح المحطم خاضعاً لإرادتك الأزلية.

ولما ضاق بالحب شاعراً أنه ختام حياته،

التهب لعرفان صفاتك القدسية!)

هذه صلاة الروح في معبد الطبيعة: ألحانها من السماء، ونورها من الله، وينبوعها الشعور والوجدان.

ومثل هذه الصلاة الروحية كثيراً ما صفا بها قلباً لامرتين وحبيبته، فانطلقا على نغماتها إلى العالم المجهول الذي يتخيلان الوصول إليه، فيجثوان بين يدي الإله الرحيم، ويصليان لوجهه الكريم، ويدعان الصباح والمساء يحملان إليه أنفاسهما الطاهرة ثم يستشعران في سكرتهما البون الشاسع بين السماء والأرض؛ فما الأرض إلا سجن أو منفى، وما المساء سوى المأمن والمأوى.

(ولما ختمت القول استجمع أنفاسنا قلبانا

إلى عالم مجهول حققته الآمال،

ودأب الصباح والمساء ينشدانه نجوانا

ونحن جاثيان أمامه بالغدو والآصال؛

فرأت عيوننا الأرض منفانا والسماء مثوانا

وهي سكرى في نشوة ما تزال!)

ص: 30

ومع ذلك فما هذه الصورة الرائعة التي تبدو لعيني الشاعر في سكرته الروحية سوى نشوة ما أسرع ما تزول؛ والروح كلما شرد هذا الشرود، ورأى هذه الرؤى وثب ثائراً هائجاً وراح يضرب الجسد الذي يحبه، ويريد أن يتخلص منه إلى الأبد لينتقل من هذه الأخيلة الكواذب إلى عالم الحقيقة الخالد. وهذا ما حرك نفس الشاعر وحمله على التأوه والأنين، وعلى التضرع إلى الله أن ينعم على الروح بفصله حقاً عن الجسد وإطلاقه من قيوده حين يكونان في مثل هذه السكرة لكيلا يرتدا بعدها إلى الصحو الذي ليس فيه سوى المر الأليم.

(وفي هذه اللحظات التي يثيب فيها الروح الشرود،

ويود لو حطم الصدر الذي يحبسه ويخنقه. . .

أواه! لو استجاب لنا الإله من أعلى الوجود،

فضرب كلا منا ضربة تفصله وتطلقه. . .)

يتمنى لامرتين هذا في تأوه وأنين، لأنه يتوقع السعادة يوم تنفصل الأرواح عن الأبدان!

فالأرواح ما دامت أجسادها تكبلها بأغلال من عظام ولحم وشحم وعروق وشرايين، وتكلفها ما لا تنتهي مطالبه من طعام وشراب ومشتهيات، لن تستطيع أن تتحرك قيد أنملة؛ بل ستبقى محجوزة عن كل ما تريد، محجوبة عن كل ما ترقب!

وما بالأرواح رغبة في حطام فان أو مادة زائلة، إن تريد إلا أن تسري في العوالم أنى تشاء، وأن تجتاز حزنها وسهلها، وعاليها وسافلها، وظاهرها وباطنها؛ وأن تعرج من سماء إلى سماء فترى ما يغشاها وتتسمع موسيقاها وأن ترقى في لمح البصر إلى موطنها الأول روضة الخلود، وإلى ينبوعها الذي لا ينضب روح الإله؛ وأن تطير على جناح الحب في فضاء واسع لا يحده البصر، ولا ينتهي في الزمان ولا المكان؛ وأن تضيء في طيرانها ما حولها كما يضيء شعاع الشمس في سطوعه كل شيء؛ وأن تنفذ أخيرا إلى نفس الخالق وتمتزج فيها إلى الأبد امتزاج الأنفاس، ثم تهدأ بعد ثورتها، وتأنس بعد وحشتها، وترى الحقيقة بعينها بعد أن ذهلت كثيرا في دنيا الخيال.

ولو استجاب الله دعاء لامرتين ودعاء أمثاله.

(إذن لاجتازت أرواحنا العوالم في مسراها

وهي ترقى بوثبة واحدة إلى ينبوعها الثرار،

ص: 31

ولا صاعدت على جناح الحب في فضاء لا يتناهى

كأنها شعاع من أشعة النهار،

ثم امتزجت إلى الأبد في نفس من براها

بعد أن تصل إليه ولبها مستطار. . .)

والشعراء مهما استغرقوا في أخيلتهم لابد للشك أن يغزو قلوبهم؛ وما هو إلا أن يصحوا من سكرتهم، ويصرخوا في وجه الأقدار مستنسخيها ما تكتب أيديها، ومستنطقيها عز، ما تبيته لياليها؛ فهل هي خادعتهم عن أمانيهم وضاحكة من آمالهم أم ستجعل أخيلتهم حقائق، وأحلامهم واقعات؟

وكذلك فعل لامرتين. . . فإنه لما أحس استغراقه في خياله عاد إلى الأقدار يسألها: هل الكائنات مولودة للفناء؟ ثم يسألها بشيء من المرارة: هل ستفنى النفس مع الجسد إذا قضت عليها الشركة أن تقاسمه الموت؟ وهل سيبلغ القبر في جوفه هذه النفس في ظلام الليل؟ وما تصير بعد فنائها؟ أتستحيل غباراً متناثراً، أم تطير فوق الأحياء، ثم تذهب في الفضاء؟

وفي هذه الأسئلة حيرة الشاعر وتردده، وفيها خوفه على مصيره ورهبته من عاقبته وعواقب الناس.

(أيتها الأقدار! هل خدعتنا أمانينا؟

وهل الكائنات مولودة للفناء؟

وهل يبلغ القبر أناء ليالينا

نفسا تقاسم جسدها حكم القضاء؟

وهل تصير غبارا أم تطير حوالينا

ثم تتلاشى كصوت ذاهب في الفضاء؟)

وحين يختم لامرتين هذا اللحن الحزين في هذه القصيدة العصماء يأبى إلا أن يصرح بأن الروح الذي خاطبه وناجاه لم يكن سوى حبيبته (جوليا) فنراه يتغنى باسمها في البيت الأخير، مستعلما منها عما امتنعت الأقدار من أعلامه به، إذ يسألها بعد أن فاضت أنفاسها وفارقت دنياها: هل بقي على حبها شيء مما أحبت؟ وهل تشعر بحب هذا المقيم على العهد أم تريد على وفائه موثقا ودليلا؟ ثم يعلن لها أنه يهبها حياته، ويرجو أن تشهد مماته

ص: 32

مقابل شيء واحد: هو أن تشعر بحب هذا الذي أخلص في حبها فيكون شعورها برهاناً على خلودها ويكون خلودها جواباً لسؤال خطير طالما خبأته الأقدار، وعوذته بالأسرار.

(بعد أن فاض نفسك يوم الوداع الأخير

ألم يبق شيء يحبك من كل ما كنت تحبين؟

أواه! لن أسأل سواك هذا السر الخطير،

فانظري يا جوليا موت حبيبك ثم أجيبيني!)

وهكذا عاد الشاعر إلى خياله، واستمسك بآماله، وختم قصيدته بمعاني الخلود. . .

صبحي إبراهيم الصالح

ص: 33

‌من وحي الربيع:

زهرة!

للأستاذ إبراهيم محمد نجا

سألتني ذات مرة

ما تراني؟ قلت: زهرة

عطرها في القلب أفرا

ح، وفي النفس مسرة

ولها لون كلون ال

حب ما أعجب سحره!

ولها إشراقة النو

رعلى صدر البحيرة

وربيع مستهام

قد أطال الحب عمره

ليس يمضي عن رباها

وصباها قيد شعره

أسرته بهواها

فغدا يعشق أسره!

كلما مرت عليها

نسمة تعرف سره

حدثتها عن جواه

ومضت تنشد شعره

وتغنت بهواه

وأزاحت عنه ستره

فتثنت وهي نشوى

وأغاني الحب خمرة

أنت يا زهرة عندي

جنة عذراء نضرة

أنت للحيران أفق

عنده يبصر فجره

أنت للظمآن عين

بأمير العذب ثَرَّة

أنت الهام وفن

يعرف الفنان قدره

أنت في أعماق روحي

وفؤادي مستقرة

فيك أحلام حياتي

- يا حياتي - مستسرَّة

فيك شيء لا تراه

لا تراه غير روحي وهي حرة

فيك سحر لست أنسا

هـ، وقد أنسيت غيره

فيك ما أجهل سره

فيك ما أعرف أمره!

يا هوى عمري ويا نو

ر الهوى السامي وعطره

يا رجاء بعد يأس

واهتداء بعد حيرة

ص: 34

يا صفاء بعد أن كا

نت حياتي مكفهرة

يا نعيما بعد أحز

ن وحرمان وحسرة

إن يكن قصر فني

فاعرفي للفن عذره

هل تحوز الكون ذرة

أو تضم البحر قطرة؟

إنما أنت جمال

يترامى الفن إِثره

نادر في وقت

ساحر في كل فترة!

قد تجلى فيه ما لل

هـ من فن وقدرة

أنت لحن تخشع الأر

واح إذ تسمع نبرة

زهرة أنت، ولكن

يا نسيم أي زهرة

حسب قلبي منك عطر

وكفاني منك نظرة

ص: 35

‌من الحان الوفاء:

أبي. . .

للشيخ محمد رجب البيومي

أبي، لستُ أهوى في الحياة سوى أبي

فلا تلحني إن ضِقتَ يوماً بمذهبي

مليكٌ على قلبي توطد عرٌشه

يُتوجه حبي بتاجٍ مُذهب

تربيتُ طفلا في حدائق بره

وقد لبست من وشيها كل معجب

فذقتُ جناها وانتشيتُ بكرمها

ولذت بفينان من العيش مخصب

وما زلت في دور الشباب أزورها

فاقطف من ريحانها الغض مأربي

حماني وللدهر الخؤون براثن

تأوهتُ منها بين ناب ومخلب

وآثر تعليمي ولم يك ذا غنىً

فانفقٌ جهداً طال منه تعجبي

يظل وراء الرزق يكدح مُتعبا

لا رفل في نعمائه غير مُتعَب

كأنيَ منه مستظلٌ بدوحةٍ

نمت فأقامت وحدها بين سبسب

أراه فأنسى الهم مبتهجا به

كسار رأى في الليل طلعة كوكب

وما سر قلبي أنْ أفارق ظله

ولو أن لي ما بين شرق ومغرب

إذا مسني سُقمٌ تبدد بِشره

فليس يُرى إلا بوجه مقطبِ

فيدعوا أطبائي ويسأل ربه

ويمكث عندي لا يطيق تجنبي

أقول له هون عليك مطمئنا

فللداء وقتٌ إن دنا منه يذهب

ويعلم أني بالقراءة مُولَعٌ

فيملأ بالأسفار والصحف مكتبي

ويقرأ مثلي ثم يصدر نقدهُ

فإنْ أر للتعقيب باباً أعقب

وأطلب منه الرأي إن عنَّ مشكل

فينطق عن فكرٍ أصيل مُرتب

فإن جاء أضيافي تهلل وجهه

فيلقاهمو عني بأهلٍ ومرحب

كأن أمينُ الله أقبل نحوه

من الملأ الأعلى، على رأس موكب

فيا ليت شعري هل إذا كنتُ والدا

أكون لأولادي كما كان لي أبي

وهيهاتَ أن أرقى إليه فوالدي

ملاك ومن لي بالملاك المحجب

بعثت به يا رب والليل حالك

يظل به الساري فبدد غيهبي

ص: 36

فعش يا أبي - طوال الحياة فإنما

بقاؤك في دنياي غاية مطلبي

لكل أب فضل كبير على ابنه

فمن يرٍو سوءً أعن أبيه فكذّب

ص: 37

‌تعقيبات

للأستاذ أنور المعداوي

سلامة موسى أو قصة الكاتب وما كتب:

لم أكن أعلم أن للأستاذ سلامة موسى تلميذا آخر إلا حين وقع في يدي العدد الأخير من مجلة (المقتطف). . . ففي هذا العدد الذي أصدرته المجلة عن شهر يونيو طالعت مقالا آخر في الرد علي تحت عنوان (النقد والتعقيب في الصحف والمجلات) لكاتب لا داعي لذكر اسمه لان أحدا لا يعرفه؛ لا يعرفه على الرغم من أن له كتاب صدر منذ شهور اسمه (الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث)!. . . وأعلم أن هناك سؤالا يتردد في الأذهان ليأخذ طريقه إلى الشفاه: كيف لا يعرفه أحد وله في أسواق الأدب كتاب؟ الجواب عن هذا السؤال هو أن الكتاب (القيم) لم تعرفه أسواق الأدب حتى الآن، وإنما عرفته أسواق تجار الورق حيث (يباع الفن الرفيع) بالرطل!!

إن لهذا الكتاب قصة. . . قصة تكمن فصولها وراء هذا الهجوم الذي شنه علي صاحبه في (المقتطف) منذ أيام. ولا بأس من أن أسرد لك فصول القصة بإيجاز، لتدرك أن الدافع الأصيل لهذا الهجوم لم يكن بسبب موقفي من الأستاذ سلامة موسى، ولكنه كان بسبب موقفي من الكتاب (القيم)! وقبل أن أحدثك عن فصول القصة أقسم لك أن هجوم الكاتب (النابه) قد هزني هزاً عنيفاً. . . إن التافهين يستطيعون أن يهزونا نفس الهزات العنيفة التي نلقاها من العباقرة؛ فالعبقري يستطيع أن يزلزل كيانك حين تقرأ له زلزلة تقديس وإعجاب. وكذلك التافه فإنه يستطيع أن يزلزل أيضا كيانك زلزلة رثاء وسخرية! ومن هنا هزني الكاتب (النابه) هزاً عنيفاً خشيت معه على رئتي القويتين أثر الانفجار. . . من الضحك!!

قصة طريفة ما في ذلك شك، أقصها عليك لتنسى - ولو إلى حين - حر الصيف و (هجوم الذباب). . .

مفتاح القصة أمامي وأنا أكتب هذه الكلمة؛ إنه ليس إلا نسخة من كتاب (الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث). . . إياك أن تظن أنني من الغفلة بحيث أشتري مثل هذا الكتاب، ولكن صاحبه هو الذي كان من الغفلة بحيث أهداه يوما إلي لأكتب عنه سطوراً تقدمه إلى

ص: 38

القراء! ويبدو أنني كنت قليل الذوق لأنني تغافلت حتى اليوم عن الكتابة عنه، على الرغم من أن الكتاب قد أرسل إلي مع رسول خاص يحمل إلي رجاء صاحبه أن أخصه شيء من عطفي، وعلى الرغم من أن صفحته الأولى قد حملت إلي إهداء ضخما يمكن أن يرتفع بي إلى مكانة سانت بيف في النقد الأدبي!!

ومضت الأيام (والرسول الكريم) يلاحقني ليلا ونهاراً موفداً من قبل (الأستاذ) المؤلف لأكتب عن الكتاب ولو كلمة صغيرة في (الرسالة) ولكنني تماديت في قلة الذوق إلى الحد الذي دفعني إلى مصارحة (الرسول الكريم) بأنني أهين قلمي وأهين (الرسالة) وأهين عقول القراء إذا كتبت عن هذا الكتاب. . . وذهل (الرسول الكريم) ولم يجد بدا من نقل كلماتي إلى (الأستاذ) المؤلف، ولعله فعل هذا ليريح لسانه من كثرة الرجاء وقدميه من طول المسير!!

أنا على استعداد لأن أنقل إليك عبارات الإهداء الضخمة بالزنكغراف، وعلى استعداد لأن أذكر لك اسم (الرسول الكريم) وعلى استعداد لأن أقدم لك أسماء من شهدوا فصول القصة من الأدباء، لتدرك الدوافع الأصيلة لهذا الهجوم الذي (عطر) ثلاث صفحات من (المقتطف)؛ لقد كنت بالأمس في رأي الكاتب (النابه) أديبا كبيرا يشار إلى بالبنان فأصبحت اليوم في رأي الكاتب نفسه لاشيء. . . وسبحان من جرد الكاتب (الجهير) من ثوب الخلق والضمير، ومن أضاع ماء الحياء من وجوه بعض الأحياء!!

أترك هذا كله لأقول للكاتب (النابه) إن القائمة الطويلة التي قدمها إلي عن كتب الأستاذ سلامة موسى راجياً مني أن أعود إليها عسى أن أغير رأيي فيه، أقول له إن تلك الكتب بما تحمل في أحشائها من جراثيم الفتك بالقيم والتقاليد والضمائر والأخلاق والعادات، هي وحدها سبب حملتي عليه. . . فليرجع هو إليها ليغترف العلم من منابع الانحلال!

أما تلك الفقرات التي نقلها إليَّ من كتاب (تربية سلامه موسى) ليستدر بها عطفي على رجل (خدم الأدب والفكر قرابة أربعين سنة كي ينير ويعلم ويسمو بالشباب إلى مثليات القرن العشرين ويخرجهم من ظلمات القرون الماضية ويكافح هذا الشرق المتعفن الذي تنغل فيه ديدان التقاليد) إلى آخر هذا الكلام المضحك الذي ورد في ذلك الكتاب، أقول إن تلك الفقرات جديرة بالتصديق من نزلاء مستشفى المجاذيب!!

ص: 39

ليصدقني قراء (الرسالة) إذا قلت لهم إنكم لم تجدوا تلميذاً لهذا الرجل إلا وهو واحد من هذه التشكيلة العجيبة:

متعلم فاشل، وماجن مستهتر، وفتاة عابثة، ومشاغب يبيع الشغب لمن يشتريه، ومسخ مشوه منبوذ من الحياة. . .

مع أخلص التحية للأستاذ عباس محمود العقاد!!

بين نعيم الديمقراطية وجحيم الشيوعية:

هذه قصة ذات مغزى ودلالة، وقعت حوادثها في أرض الديمقراطية الحق لا أرض الديمقراطية المزيفة. . . هناك حيث يتفيأ الناس ظلال الحرية ويستروحون أنسامها الوديعة! ولقد حدثتك في العدد الماضي من (الرسالة) عن أرض الديمقراطية المزيفة، تلك التي يلقي فيها (رالف بانش) ما كان يلقاه العبيد في أحلك عصر من عصور التاريخ. . . من حق هذه الأرض أن نهدي إليها هذه القصة، وإن كنا نخص بالإهداء أرضاً أخرى يعرفها المضللون من أصحاب الأفكار المنحرفة والمبادئ الهدامة!

(حنَّ المستر كليمنت أتلي رئيس وزراء بريطانيا يوماً إلى كليته القديمة فذهب لزيارتها حيث أقيمت له حفلة غذاء. . . وبدأ الطلبة المحافظون عملهم فكتبوا بحروف كبيرة فوق سيارة رئيس الوزراء (ممنوع الوقوف هنا)، ثم داروا حول السيارة وأطلقوا سراح الهواء المحبوس في العجلات ثم ذهبوا من حيث أتوا. وفي تلك اللحظة حضر سائق سيارة رئيس الوزراء وراعه ما أصاب السيارة فجرها إلى أقرب جراج ولم يخرجها منه إلا في اللحظة التي استعد فيها المستر أتلي لمغادرة كليته القديمة! غير أن الطلبة المحافظين أبوا أن ينتهي نشاطهم عند هذا الحد فأسرعوا إلى الغرفة التي توجد فيها قبعة رئيس الوزراء، ولما وجدوا بابها مغلقاً داروا حولها حتى وجدوا نافذة مفتوحة فتعلقوا بها وانتزعوا القبعة بعصا لأحدهم ثم كتبوا على ورقة بخط جميل (أنتخب المحافظين في الانتخابات القادمة)، ثم ثبتوا الورقة ببعض الدبابيس في قبعة المستر كليمنت أتلي. . . كل ذلك وقع ولا علم لرئيس الوزراء به، ولكنه ما كاد يستقل سيارته حتى هرع الطلبة المحافظون إلى نافذة في الطابق الأعلى ورشوا عربة الرئيس بالماء!

وتقبل أتلي كل هذه الأعمال بروح طيبة، واعتبرها مداعبة مألوفة من الطلبة)!!

ص: 40

ديمقراطية يؤمن بها الحاكم ويستشعرها المحكوم، ويلتقون جميعا في رحابها كأكرم ما يلتقي الإنسان الكريم بالإنسان الكريم وما أروعها من أرض تلك التي تنبت الحرية ليجني ثمارها الأحرار ضع أي رجل من رجال (الكرملين) في مكان كليمنت أتلي، وضع بعض الطلبة من الروس في مكان بعض الطلبة من الإنجليز وتصور ما حدث هنا وقد حدث هناك! إن في مجاهل سيبريا متسعاً للجميع. . . وهذا هو مفرق الطريق بين نعيم الديمقراطية وجحيم الشيوعية!

إلى المضللين من أصحاب الأفكار المنحرفة في مصر نهدي هذه القصة، ونهدي إلى المثقفين منهم - وما أقلهم - كتابين يصوران هذا الجحيم الشيوعي خير تصوير، وإن كان أحدهما قد نقل عن رأي العين بينما نقل الآخر عن رأي الشعور. . . (أثرت الحرية) للكاتب الروسي كرافتشنكو، و (الأيدي القذرة) للكاتب والفيلسوف الفرنسي سارتر!!

بعض الرسائل من حقيبة البريد:

هناك أصدقاء مجهولون يكتبون إلي من حين إلى حين. . . لماذا يؤثرون أن يظلوا مجهولين وهم أصدقاء؟ إنني أود من الكاتب المجهول (س) الذي بعث إليَّ برسالته الكريمة حول قصة (من وراء الأبد) أن يكشف عن شخصيته لأرد على تحيته.

وهذه رسالة أخرى نبيلة الهدف جليلة الغاية من (حلفا - سودان) يقترح علي مرسلها الأديب الفاضل الطيب عبد الله جلال الدين أن أطلب إلى الدكتور طه حسين والأستاذ العقاد أن يكتب الأول كلمة في (الرسالة) عنوانها (أخي الزيات) وأن يكتب الثاني كلمة أخرى عنوانها (مصطفى صادق الرافعي) ليتحقق الصفاء في الأدب عن طريق الصفاء في النفوس. . . أود أن أقول للأديب الفاضل إن الكلمة التي ينتظرها من الدكتور طه عن الأستاذ الزيات ستلقى قريباً عندما يستقبل مجمع فؤاد الأول للغة العربية صاحب (الرسالة) بمناسبة اختياره عضواً في المجمع؛ أما الكلمة الأخرى فلعل الأستاذ العقاد يكتبها يوماً ما. ومهما يكن من شيء فقد حسم الموت ما بين الرجلين من خلاف. أما الرسالة الثالثة فتحمل إلي من (من الخرطوم - سودان) تقديراً كريماً أرده لصاحبه شكراً خالصاً وهو الأديب الفاضل أحمد عوض محمد الموظف بالبنك الأهلي المصري، وكم أود أن يرجع إلى بعض مؤلفات الأستاذ سلامه موسى ومقالاته ليدرك سر نقمتي على أفكاره المنحرفة، هذه الأفكار

ص: 41

التي تهدم كثيراً من القيم الخلقية والإنسانية!

وحين أنتقل إلى الرسالة الرابعة أشعر أن إخواني في الجنوب قد بلغوا الغاية في الوفاء للخلق والعقل. . . كان الأديب الفاضل عبد الله شلبي من (عطبرة - سودان) يقدم الدليل على هذا السمو الخلقي والفكري في ثنايا رسالته. أما الجواب عّما سألني عنه حول شخصية الأستاذ توفيق الحكيم الفنية فيستطيع أن يستخلصه مما كتبته عنه على صفحات (الرسالة)، لأنني قد تعرضت لهذا الجانب من جوانب شخصيته في الكلمة التي جعلت عنوانها (الفن بين واقع الفكر وواقع الحياة). وأقول لصاحب الرسالة الخامسة الشاعر الفاضل جعفر عثمان موسى (كوستي - سودان) إنني قد قضيت مع شعره لحظات تذوق ودراسة، وسأوافيه برأيي في رسالة خاصة.

أما الرسالة السادسة فأشكر لمرسلها الشاعر الفاضل محمد العديسي نبيل عاطفته وعاطر ثنائه، وأقول له إن الكلمة التي كتبها صديقي الأستاذ عباس خضر رداًعلى رسالته إليه قد خفف من وقعها وضوح القصد في رسالته إليَّ. . . ولهذا يبادر الأستاذ خضر بشكر الشاعر الأديب مثنياً على هذه الروح المثالية. وهذه هي الرسالة الأخيرة من الأديب الفاضل عبد الرحمن أحمد شادي الطالب بالأزهر، أنها تحمل سؤالاً ينتظر الجواب عن رأي لشوبنهور ورد في كتاب (قصة الفلسفة الحديثة) للأستاذ أحمد أمين بك والدكتور زكي نجيب محمود. . . أرجو أن يتسع وقتي للرد على سؤال الأديب الفاضل في الأيام المقبلة، لأن التعقيب على آراء الفلاسفة يحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والعناء!

(مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني:

إذا قلت عن هذا الكتاب إنه كتاب قيم فلا أعدو الحق والواقع. . . حسب القارئ أن يكون مؤلفه هو أبو الفرج صاحب (الأغاني) وحسب أبي الفرج أن يكون (الأغاني) مشيراً إليه ودليلاً عليه. أما محققه الأستاذ السيد صقر فشاب يظن بوقته على أن ينفق فيما لا فائدة منه ولا خير فيه، كما يفعل كثير من شباب العلم في هذه الأيام. . . وإنما ينفقه في البحث والتنقيب والتحقيق ليقدم إلى قراء العربية من حين إلى آخر ما يقع عليه من نفائس الآثار الفكرية في التراث العربي القديم؛ يقدمها خالصة من الشوائب في حدود ما بين يديه من مصادر تتصل بموضوع تحقيقه من قريب أو من بعيد: أما موضوع الكتاب فتدرك أهميته

ص: 42

ونفاسته من عنوانه: مقاتل الطالبين!

في هذا الكتاب ترجم أبو الفرج للشهداء من سلالة أبي طالب، أولئك الذين استشهدوا في سبيل الرأي والعقيدة على أيدي الخصوم من بني أمية أو بني العباس! ترجم لهم في الفترة التي تبدأ من عصر الرسول وتنتهي بنهاية القرن الثالث الهجري، سواء أكان المترجم له قد لقي حتفه بالسيف في ساحة الجهاد، أم لقي حتفه بالسم في ساحة الغدر، أم لقي حتفه بالتعذيب في غيابة السجن، أم لقي حتفه في مكمنه الذي لجأ إليه فراراً من البطش والعدوان!

ولقد رجع الأستاذ السيد صقر في تحقيق هذا الكتاب إلى نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية، كما راجع نصوص الكتاب على الكتب التي نقل منها أبو الفرج أو التي نقلت عنه مثبتاً ما بينها من فروق. . . كما حرص على أن يثبت في أول كل ترجمة كل ما يعرف من مراجع عرضت للمترجم له بأي لون من ألوان الذكر، وعلى أن يصنع للكتاب فهارس مفصلة للرواة والأعلام، والجماعات، والفرق، والأماكن، والأيام، والشعر، والمصادر، والتراجم.

كل هذا يطلعك على مدى الجهد الذي بذله الأستاذ المحقق واستحق عليه كل تقدير وكل ثناء. . . أما الكتاب نفسه فتحفة نادرة من تحف أبي الفرج ينشدها قارئ الأدب وقارئ التاريخ!

أنور المعداوي

ص: 43

‌الأدب والفن في أسبوع

للأستاذ عباس خضر

أثمان الكتب في وزارة المعارف:

أوضحت في الأسبوع الماضي موضوع اختيار الكتب للقراءة الأدبية في المدارس الثانوية وما أثير حوله في وزارة المعارف، كما أبديت ما عنَّ لي من الملاحظات في شأنه. وأريد أن أعرض اليوم لمسألة أثمان تلك الكتب، وغيرها من الكتب المدرسية المؤلفة وفق المناهج الرسمية.

أما كتب المطالعة الأدبية فقد كانت الوزارة تشتريها من السوق الحرة بأثمانها التي تباع بها الجمهور أو بما ينقص قليلا عن هذه الأثمان، إذ كانت الوزارة تكتب إلى المكتبات ودور النشر، تطلب موافاتها بالثمن الأصلي وبمقدار ما هي مستعدة أن تنقصه من أصل الثمن من أجل الوزارة. .

وفي فبراير الماضي قررت الوزارة أن تثمن الكتب بحسب نفقات طبعها وورقها وحبرها وتغليفها وما إلى ذلك، وتقدر هذه النفقات لجنة خاصة في الوزارة تضم بعض الفنيين في الطباعة والنشر، وبطبيعة الحال تحصى اللجنة عدد الصفحات والسطور والكلمات والحروف لتقدر ما تكلفته المطبعة في إعدادها. ويضاف إلى هذه النفقات ستون في المائة منها، للناشر والمؤلف حسبما يتفقان.

وقد كان يقوم بنفسي إزاء الذي كان متبعاً من قبل، أنه لا يليق بالوزارة أن تطلب من الناشرين وأصحاب الكتب معاملتها معاملة خاصة من حين إنقاص الثمن بنسبة معينة، فهذا أشبه بالمساومة التي يرتفع عنها كثير من الناس، ولم تشتري الحكومة بثمن غير الذي يشتري به الناس؟ وهل هي عندما تشتري السلع الأخرى تطالب بمثل هذا (الخصم)؟

ولكن ذلك شيء يسير، يشغلنا عنه الآن هذا القرار الأخير الذي جب ما قبله، والذي أربى عليه غبنا. ويظهر أن (حرفة الأدب) تدخلت في الموضوع، فبغت - كدأبها - أن ترزئ أهلها: الأدباء. . .

وقل لي بربك هل تشتري الحكومة العلف من تبن وشعير وبرسيم لما تملكه من بهائم، بحسب نفقات الإنتاج، في غير ما يدخل التسعير العام للجمهور؟ فما بالها تتخذ هذه الطريقة

ص: 44

في غذاء العقول ومنتجات قرائح أصحابها من الطبقة الممتازة في الآدمية؟

ولم يرتح أصحاب الكتب المقررة إلى تلك الطريقة التي تقرر اتباعها في تثمين كتبهم، ومن أوجه الضرر التي تلحق بهم أن الوزارة حينما تشتري الكتاب بثمن بخس وتأخذ منه عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أو ما بين ذلك، ترخصه في السوق، فقد يعود إليها بعد التوزيع على الطلبة بثمن أقل. ويرون أن الأمر غير لائق من الوجهة الأدبية كما هو مجحف من الناحية المادية يقول بعضهم: هل نحن نعتصر أفكارنا لتقدر بسعر ما تكتب به من الحبر؟

وقد حدث أن قدرت اللجنة الجزء الأول من كتاب (الأيام) بسبعة قروش وهو يباع للجمهور بعشرين قرشاً؛ ولما علم الدكتور طه حسين بك مؤلف الكتاب بهذا التقدير، رأى الامتناع عن بيعه للوزارة، فزيد التقدير عدة مرات إلى أن وصل التقدير إلى ثلاثة عشر قرشاً، حتى رضى الدكتور. وهذا مثل يطلعنا على ما عساه أن يكون لذلك القرار من جرائر وما يسود تنفيذه من اعتبارات. .

ومما يوجه إلى طريقة تثمين الكتب بنفقاتها المادية، أنها تسوى بين كتاب وكتاب قد يكونان مختلفين في القيمة الأدبية، وتلك الطريقة لا تكون عادلة إلا في بيع الكتب المتخلفة عن الرواج حينما توزن بالأقات والأرطال. .

ومما يذكر في هذا الصدد، أن الكتب التي تقرر لمكتبات المدارس تطبق في تثمينها الطريقة الأخيرة، فيما يؤخذ منه أكثر من ثلاثمائة نسخة، أما ما دون ذلك فيشتري بأثمان السوق أو بما ينقص عنها قليلا كما تقدم.

أما الكتب المدرسية المؤلفة وفق المناهج الرسمية فلها قصة أخرى: كانت الوزارة تطبع هذه الكتب بالمطبعة الأميرية، وتوزعها على طلبة المدارس الأميرية. وقد جرت على أن تعطي المؤلف مكافأة نحو مائة أو مائتين من الجنيهات، وكثيراً ما يكون للكتاب عدَّة مؤلفين، وقد يكون له عدا المؤلفين مراجعون ولم تكن المكافأة في نظر المؤلفين والمراجعين شيئاً مذكوراً إنما كان ربحهم من طبع الكتب في مطابع أهلية بنفقات أقل من نفقات المطبعة الأميرية وبيعها بالثمن المقدر رسمياً على أساس هذه النفقات، لطلبة المدارس الحرة في مصر، ولبعض وزارات المعارف والمدارس الحرة في الأقطار العربية الشقيقة. وفي فبراير الماضي قررت وزارة المعارف أن توزع الكتب المدرسية على

ص: 45

المدارس الحرة كما توزعها على مدارسها.

ورأت دور النشر في هذا القرار ما يهددها في أرحب مجال لعملها وخاصة في هذا الوقت الذي قل فيه الإقبال على الكتب وتعذر إصدارها إلى الخارج. فشكت إلى الوزارة ما ينالها من جرائه وما يؤدي إليه من تعطيل عمالها، وشاركها في ذلك المؤلفون إذا رأوا أن كل كسبهم من تأليفهم ينحصر في المكافأة الضئيلة الهزيلة التي تمنحها الوزارة لهم، وقد قرر بعضهم الامتناع عن التأليف المدرسي مادامت هذه الحال.

ومما لاشك فيه أن امتناع المؤلفين الممتازين عن التأليف وقيام غيرهم به ممن يرضى بالقليل يؤدي إلى ضعف التأليف للمدارس وانحطاط مستواه. وقد تولى وزارة المعارف معالي الأستاذ علي أيوب، وتلك الحال قائمة، وقد تلقى شكايات واستمع إلى وجهات نظر مختلفة. والأمر - في كل ما يتعلق بالكتب مدرسية أو أدبية عامة - بين يدي معاليه قيد البحث والنظر، ولا شك أن روح القاضي التي يعالج بها معاليه أمور وزارة المعارف منذ وليها، يبعث الطمأنينة في نفوس المهتمين بالأمر وذوي الغيرة على الصالح العام.

اليوم خمر:

هي حياة امرئ القيس، وهي تتلخص في هاتين الكلمتين (اليوم) و (خمر) فقد كان يعيش في يومه عيشاً كله خمر، فلم يعبأ بالغد ولم يجدَّ فيما نازعته، إليه نفسه أحياناً من أمر، فهو يلهو بالشرب والصيد ومغازلة الحسان، حتى إذا قتل أبوه وبلغه نعيه وهو عاكف على لهوه لم يثنه ذلك عن شرابه ولعبه وأعلن أن (اليوم خمر وغداً أمر) فإذا نال من قتلة أبيه بعض الشيء أعلن فك الحظر واستأنف يومه وخمره، وأعرض عن غده، وأعياه أمره. وتعرض له فكرة الرحلة إلى القسطنطينية للاستعانة بقيصر على استعادة ملك أبيه، فيحزم أمره على الرحلة عندما يعلم ما في القسطنطينية من خمر معتقة ومن فيها من حسان فاتنات. وهناك يستبدل حانة ميخايلوس بدارة جلجل، وأين عذارى الغدير من لا ريسكا ومينورقا وابنة القيصر؟

تلك هي حياة الأمير الشاعر امرئ القيس بن حجر الكندي كما صورها الأستاذ محمود تيمور بك في مسرحيته الجديدة (اليوم خمر) وقد عنى فيها بتصوير الصراع في نفس امرئ القيس بين حياة اللهو والمرح وبين المجد المؤثل، ويغوص الأستاذ في طوايا هذه

ص: 46

النفس ليستخرج حقيقة معدنها، فإذا هي نفس جادة إذا هرلت وهارلة إذا جدت!

والمعجزة الكبرى في هذه المسرحية، هي تطويع الجزالة العربية لأسلوب العصر وصب الفحولة الجاهلية في قالب الرشاقة العصرية، وقد مزجت بعض العبارات الأصلية المأثورة بأسلوب المؤلف فلا تميزها إلا بمعرفتك إياها من قبل، ومع هذا لا يذهب بك بعيداً عن لغة عصرنا هذا برقتها وسهولتها. . وأعتقد أن الأستاذ تيمور بك توخى لذلك أن يستكمل تصوير عصر المسرحية بأسلوب أشبه بلغته، وقد بلغ بذلك ما أراد مع تجنب الإغراب وترك ما ليس مأنوساً في هذا العصر.

وتعرض المسرحية صورة صادقة للحياة العربية البدوية الأولى - كما نتخيلها - وتبرز شيمها وطبائعها التي تنزع نفوسنا إليها باعتبارها أصلاً من أصولنا، ولا نزال نترسمها في مثلنا وحياتنا. وفيها تعبير عن معان وحقائق إنسانية خالدة. وهي تتسم بالجمال، جمال البيان، وجمال التنسيق في عرض الحوادث والمناظر، وجمال الصدق في التعبير عن خلجات النفوس ومفارقات الحياة.

وقد آثرت أن أمسك عما لاحظته في المسرحية مما أظنه مآخذ، إلى أن نلتقي بها في المسرح، ولعل الفرقة المصرية تفتتح بها موسمها القادم على مسرح الأوبرا، وتهيئ لنا بذلك لقاءها هناك.

نجيب الريحاني:

توفى يوم الأربعاء الماضي، الممثل الكبير الأستاذ نجيب الريحاني، وقد بعث نعيه الحزن في كافة الطبقات، فلم يكن فقيد طبقة أو طائفة دون أخرى. إنما هو فقيد أمة، عاش لها وخدمها بفنه ظل حياته على المسرح يضيء لها، وأخيراً احترق.

كان رحمه الله فناناً ساخراً، يسخر من الحياة وممن يعقدون أمورها على أنفسهم وعلى الناس، وطالما حل مشكلاتها بحكمته الضاحكة، وطالما بعث المسرة إلى القلوب بفكاهته الرائقة، وأخيراً أسدل الستار على المأساة إذ فارق الحياة. وقد كان يكشف بحاسته الفنية ما في الحياة من سخف وتفاهة، ولعله بمفارقتها قد بلغ نهاية الفن. . . إذ أشرف روحه على مهازل الأحياء فسخر منهم السخرية الكبرى.

ووفت له الجماهير، إذ احتشدت في تشييع جنازته التي هرع الناس إليها من جميع

ص: 47

الطبقات فكانت جموعهم ودموعهم مرثية رائعة مطلعها مندوب جلالة الملك.

كانت صحة الفقيد الكريم قد اعتلت أخيراً، ولكنه ظل يعمل على المسرح لأنه لم ير للعيش طمعاً مع اعتزال الفن والخلود إلى الراحة، ولكن الراحة الكبرى سلبته الاختيار، فخلى مكانه في المسرح، وأسلم الراية مكرها.

كان الريحاني مدرسة في فن التمثيل تهدف إلى الأغراض الإصلاحية، وتؤدي إلى هذه الأغراض بطريقة فكاهية محببة إلى الخاصة والكافة، فكان المجتمع يتلقى عليه ويستفيد منه وهو يستمتع بفنه ويطرب لدعابته.

فما أشد فاجعة المسرح في الريحاني، وما أفدح خسارة الأمة في فنانها العظيم.

عباس خضر

ص: 48

‌البَريدُ الأدَبي

1 -

حول شاهد:

أستشهد أحد الكتاب على تأنيث الضبع بقول الشاعر:

فإن (قومك) لم تأكلهم الضبع

وقد أخطأ في استشهاده، وفي روايته، كما أخطأ من قبل في ادعائه التأنيث فقط. فقد جاء في لسان العرب: الضبع السنة الشديدة المهلكة المجدبة، قال عباس ابن مرداس:

أبا خراشة أما (أنت) ذا نفر

فإن (قومي) لم تأكلهم الضبع

ومثله في شرح القاموس وغيره.

وجاء في مادة (خرش) من اللسان وغيره ما نصه:

أبا خراشة أما (كنت) ذا نفر

فإن (قومي) لم تأكلهم الضبع

قال ابن بري: البيت لعباس بن مرداس السلمي، وأبو خراشة كنية خفاف بن ندبة، فقال يخاطبه: إن كنت ذا نفر وعدد قليل فإن قومي عدد كثير لم تأكلهم الضبع وهي السنة المجدبة اهـ ومن هذا يظهر لك خطأ الرواية أيضاً.

والعرب يستعملون هذا كثيراً في الشكايات ونحوها، فقد جاء في النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: إن رجلا أتاه فقال قد أكلتنا الضبع يا رسول الله، يعني السنة الشديدة المجدبة، وهي في الأصل الحيوان المعروف، والعرب تكنى به عن سنة الجدب اهـ. وفي النهاية أيضاً ومنه حديث عمر (خشيت أن تأكلهم الضبع).

وفي اللسان: جاء أعرابي إلى رسول الله فقال يا رسول الله أكلتنا الضبع فدعا لهم اهـ.

وفي شرح القاموس: وفي حديث أبي ذر قال رجل يا رسول الله أكلتنا الضبع فدعا لهم، وهو مجاز اهـ. وقوله مجاز أي تجوز في التعبير بالضبع، فإن المعنى الأصلي الحيوان المفترس المعروف، والمعنى المجازي هو العام المجدب، وهو أشد فتكا من الضبع كما ترى في المجاعات ولاسيما في بلاد العرب.

وجاء في خزانة الأدب للبغدادي ج 2 ص 81 ترجمة خفاف ابن ندبة ما نصه: قال حمزة الأصبهاني في أمثاله التي على وزن (افعل) عند قوله (أفسد من الضبع) إنها إذا وقعت في الغنم عاثت ولم تكتف بما يكتفي به الذئب. ومن إفسادها وإسرافها فيه استعارت العرب

ص: 49

اسمها للسنة المجدبة فقالوا أكلتنا الضبع. ومما يؤيد هذا أن العرب يقولون أكلتهم السنة إذا أهلكهم الجدب والقحط (شرح القاموس - سنة)

2 -

هام ومهم:

لغتان عربيتان صحيحتان ولا فرق بينهما في الاستعمال:

فقد جاء في لسان العرب: همه الأمر هما وأهمه، وقال أبو عبيدة في باب قلة اهتمام الرجل بشأن صاحبه همُّك ما همَّك ويقال: همك ما أهمَّك اهـ

وجاء في القاموس والمعيار: همه الأمر هماً كأهمه اهـ

وجاء في المصباح: أهمني الأمر بالألف وهمني هماً من باب قتل مثله اهـ

وإني أحذر الكتاب من النقود المزيفة في (لغة الجرائد) وغيرها وعليهم أن يرجعوا إلى المعاجم العربية وغيرها من المراجع العربية.

علي حسن هلالي

بالمجمع اللغوي

لفظة في بيت:

في مقال للأستاذ السيد أحمد صقر حول كتاب (نظرات في كتاب الأشربة) للأستاذ كرد علي عقب على البيت التالي:

فهذا ثباتي لم أقل بجهالة

ولكنني بالفاسقين عليم

بقوله: (والصواب (فهذا ثنائي) كما في العقد الفريد، وليس للثبات هنا أي معنى يستقيم به نظم الكلام، ويقوم عليه بناء معناه)!

قلت: بل للثبات) هنا معنى يستقيم به نظم الكلام وهو إلى الصواب أقرب مما ورد بالعقد الفريد وذلك لسببين:

الأول: أن الشاعر يقرر حالة هي إلى قدح القادح أقرب منها إلى (ثناء) المادح. وأي (ثناء) ذلك الذي يوجه إلى قوم لا يحفظون الحريم، وينقلبون بين الجيئة والذهاب من حب إلى بغضاء، ومن وفاء إلى عداء؟!

والثاني أن الأستاذ الناقد فهم من (الثبات) أنه الدوام والاستقرار، ومن ثم كتب ما كتب

ص: 50

معتمداً على رواية العقد الفريد وهي - كما سبق - رواية لا يزكيها واقع الحال. . . وإنما يقال في مقام التصحيح أن (الثبات) بمعنى الحجة والبرهان.

تقول: لا أحكم بكذا إلا بثبت أو بثبات أي بحجة وبرهان ودليل. فالشاعر إنه يقول عن علم وليس عن جهالة وهو بالفاسقين عليم. . . وحجته معه!

(الزيتون)

عدنان

ثلاثة جاهدوا فصدقوا:

نشرت الرسالة الغراء في العدد 829 مقالاً قيماً للأستاذ محمد سليم الرشدان تحدث فيه عن ثلاثة جاهدوا فصدقوا، في فلسطين، فأجاد وأبدع في وصف بطولة الشهيد المرحوم عبد الرحيم محمود الشاعر المبدع.

لقد كان بطلاً في حياته ومماته، وقد كانت الخسارة فادحة، والرزء عظيم فيه.

وحينما تحدث الأستاذ عن البطلين الآخرين، لم يصاحبه التوفيق، لأن الأستاذ الرشدان من السلط من شرق الأردن، وليس من فلسطين، ومعرفته بجغرافية فلسطين وأهلها محدودة جداً، وهذا ما كان سبب عدم الدقة في حديثه عن هذين البطلين.

فأما البطل الثاني السيد أحمد السبع فهو من أسرة السبع المشهورة بثرائها وأملاكها الواسعة في قلقيلية، فلم يكن في حاجة إلى العمل خارج فلسطين، ولا ينتظر من شاب مثقف مثله أن يترك أملاكه وثروته ويتشرد جائعاً، وقلقيلية لم يتطرق إليها خطر مباشر كما حدث في البلدان الفلسطينية الأخرى. . .

وأما البطل الثالث وهو الأستاذ عبد الله الريماوي، فقد نسبت إليه البطولة لأنه أبى أن ينسحب هارباً من قريته بروقين ليلة كارثة اللد والرملة. والذي يعرف مكان قرية بروقين وبعدها عن اللد والرملة يستغرب كيف خطر للأستاذ الرشدان أن ينسب بطولة لشاب مثقف: يريد أن يفر من مسقط رأسه. وهي تبعد مسافة تزيد على عشر ساعات سيراً على الأقدام داخل الجبال التي يعسر على الإنسان السير فيها عن اللد والرملة.

وللأستاذ الرشدان تحياتي.

ص: 51

راتب يحيى الشامي

(الجائزة) أو لماذا أومن بالله:

كتاب في 310 صفحات يدلل على وجود الله في أسلوب سهل شائق كأنك تقرأ في قصة. يتناول كل شبهات الملحدين التي ضلوا بها وأضلوا - فينقضها نقضاً ويدحضها دحضا.

من الموضوعات التي عالجها لإثبات وجود الله تعالى: تهيئة البيئة الصالحة للحياة، إمداد الكائن الحي بجميع معدات الحياة، للإنسان كل ما في الأرض وهو خليفة لله فيها، دليل الضبط والتقدير الكوني. . . الخ.

ومن الشبهات التي دحضها: الصدفة، الطبيعة، القوة والمادة، نظرية النشوء والارتقاء، وهل هي تريب إن صحت. شبهة أعطى فكفر، ضلالات المتدينين وأخطاؤهم في تعليل الأمور - وما يتعلل به الملحدون علينا بسبب ذلك للآن.

إن الملحدين قد دأبوا على تضليل الناس وتشكيكهم في عقائدهم باسم العلم وكتاب كهذا يكشف الأمر على وجهه ويرد الحق إلى نصابه. ثمنه 25 قرشاً

ص: 52

‌رسالة النقد

نظرات في كتاب الأشربة

للأستاذ السيد أحمد صقر

- 4 -

24 -

ص 38 (وقال آخر:

بلوت النبيذيين في كل بلدة

فليس لأصحاب النبيذ حفاظ

إذا أخذونا ثمَّ أغنوك بالمنى

وإن فقدوها فالوجوه غلاظ

مواعيدهم ريح لمن يعدونه

بها قطعوا برد الشتاء وقاظوا

بطان إذا ما الليل ألقى رواقه

وقد أخذوها فالبطون كظاظ

يراغ إذا ما كان يوم كريهة

وأسد إذا أكل الثريد فظاظ

وعلق الأستاذ على هذه الكلمة بقوله (في ع: يراعوا)

والصواب (يراعٌ إذا ما كان يوم كريهة) جاء في لسان العرب: (اليراع: القصب، واحدته يراعة. واليراعة، واليراع: الجبان الذي لا عقل له ولا رأي، مشتق من القصب، أنشد ابن برى لكعب الأمثال:

ولا تك من أخذان كل يراعة

هواء كسقب البان جوف مكاسره

25 -

يقول ابن قتيبة: (وربما بلغت جناية الكأس إلى عقب الرجل ونجله، قال المأمون لقوم: يا نطف الخُمار، ونزاع الظؤور، وأشباه الخؤولة).

وعلق الأستاذ على ذلك بقوله: (في الأصل ونرالع الصؤور والذي أثبتناه رواية ع)

والصواب: (. . . ونزائع الظؤورة)

26 -

ص 38 (وقال مسلم بن قتيبة: إن آل فلان أعلاج أوباش لئام غدر، شرابون ما نقع. ثم هذا يُعد في نفسه نطفة خمار في رحم صناجة)

وقد علق الأستاذ على ذلك بقوله (في الأصل بأنقع، ولعل الصواب ما اخترناه) وقد أخطأ الأستاذ في تغييره العبارة عن أصلها، ولم يفطن إلى أن (شرابون بأنقع) تعبير فصيح، ولم يعرف أنه مثل عربي مشهور. جاء في لسان العرب: (ومن أمثال العرب: إنه لشرَّاب

ص: 53

بأنقع، وورد أيضاً في حديث الحجاج: إنكم يا أهل العراق شرابون عليَّ بأنقع. قال ابن الأثير: يضرب للرجل الذي جرَّب الأمور ومارسها، وقيل للذي يعاود الأمور المكروهة، أراد أنهم يجترئون عليه ويتناكرون. وقال ابن سيده: هو مثل يضرب للإنسان إذا كان معتاداً لفعل الخير والشر).

وصواب عبارة مسلم بن قتيبة: (. . . شرابون بأنقع، ثم هذا بَعْدُ في نفسه نطفة خمار. . .).

27 -

ص 39 يقول ابن قتيبة: (وربما بلغت جناية الكأس زوال النعمة، وسقوط المرتبة، وتلف النفس. فإن الرجل ربما استخلصه السلطان لمنادمته، وأدخل موضع أنسه فيزين له الكأس غمز الفينة).

والصواب: (فتزين له الكأس) لأن الكأس مؤنثة. ومثل ذلك ما جاء في ص41 (ومن شربة النبيذ الشطار والخلعاء والمجان فحمله الكأس على المجون) والصواب: (تحمله الكأس على المجون).

28 -

ص39

(وقد كان عمرو بن هند استخلص طرفة ابن العبد لندامته، فبينا هو يوماً معه يشرب أشرفت أخته عليهما فرأى طرفة ظلها في الجام فقال:

ألا أيها الملك ال (م)

ذي يبرق شنفاه

ولولا الملك القاعد

قد الثمنى فاه)

والصواب: (استخلص طرفة بن العبد لِندامه) أي منادمته.

وقد شرح الأستاذ كلمة الشنف بقوله: (الشنف بفتح الشين أعلى القرط)!!!

ولما كنت لا أعرف أن لأجزاء القرظ أسماء خاصة بها فقد سألت صديقي الراوية الأستاذ محمود محمد شاكر عما قاله الأستاذ فقال: (هذا كلام لا معنى له، ولك ما قاله اللغويون أن الشنف هو القرط الذي يلبس في أعلى الأذن، والرعثة: هو الذي يلبس في أسفل الأذن ولعل صاحبك قرأ ما جاء في القاموس واللسان والصحاح من قولهم: الشنف القرط الأعلى، فلم يدرك ما يريدون وصحح لهؤلاء العلماء الأجلاء هذا الخطأ، فجعل للقرط أعلى وأسفل على ما يتوهم، وأبى إلا أن يكون الصواب أعلى القرط).

ص: 54

29 -

ص 48 (واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام. فإن هذا منسوخ، نسخ يشربه الصلب يوم حجة الوداع).

وعلق الأستاذ على ذلك بقوله: (في النهاية لابن الأثير: في حديث أبي عبيده: تمر ذخيرة مصلبة أي صلبة، وتمر المدينة صلب. وقد يقال رطب مصلب بكسر اللام أي يابس شديد)

فيكون معنى كلام ابن قتيبة بناء على شرح الأستاذ (فإن هذا منسوخ، نسخ بشربه التمر)!

ولو رجع الأستاذ إلى صفحة 20 من هذا الكتاب لوجد ابن قتيبة يقول: (وأما النبيذ فاختلفوا في معناه فقال قوم: هو ماء الزبيب وماء التمر من قبل أن يغليا، فإذا اشتدَّ ذلك وصلت فهو خمر). وجاء في صفحة 22 (حدثني أصحاب أنس عنه أنه كان يشرب النبيذ الصلب الذي يكون في الخوابي) وفي ص 29 (. . . وبأن عمر كان يشرب على طعامه الصلب ويقول: يقطع هذا اللحم في بطوننا).

وبمعنى احترامي للأستاذ محمد كرد على من أن أعقب على شرحه هذا بحرف واحد. . .

30 -

ص 48 (وبأن ابن مسعود قال: شهدت التحريم وشهدت التحليل وغبتم، وبأنه كان يشرب الصلب من النبيذ الجر حتى كثرت الروايات عنه. . .)

والصواب: (كان يشرب الصلب من نبيذ الجر. . .)

31 -

ص 48 (. . . عن عبد الملك بن أخي القعقاع بن ثور عن ابن عمر أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بقدح فيه شراب فقربه إلى فيه ثم رده، فقال بعض جلسائه: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: ردوه فرده، ثم دعا بماء فصبه عليه ثم شرب وقال انظروا هذه الأشربة إذا اغتلمت عليكم فاقطعوا متونها بالماء).

وقد علق الأستاذ على ذلك بقوله: (في قول عمر رضي الله عنه إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاكسروها بالماء قال أبو العباس: يقول: إذا جاوزت حدها الذي لا يسكر إلى حدها الذي يسكر)

أخطأ الأستاذ في فهم النص السابق وحسب أن عمر بن الخطاب هو الذي قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاكسروها بالماء. ولست أدري كيف أقحم الأستاذ عمر بن الخطاب هنا وليس في النص ما يشير إليه؟ ولعله توهم أن ابن عمر روى ذلك عن أبيه أو لعله يقصد

ص: 55

أن ابن عمر هو الذي قال هذه الكلمة.

وسواء علينا أتوهم الأستاذ ذلك أم قصد هذا فإنه مخطئ لا محالة وقاتل هذه العبارة - حسب تلك الرواية هو النبي صلى الله عليه وسلم (. . . فقال بعض جلسائه أحرام هو يا رسول الله؟ فقال ردوه فردوه، ثم دعا بماء فصبه عليه ثم شرب وقال: أنظروا هذه الأشربة إذا اغتلمت عليكم فاقطعوا متونها بالماء)

وهذا حديث مكذوب على النبي، وسنده يحمل في أطوائه دليل وضعه (عن عبد الملك ابن أخي القعقاع بن ثور عن ابن عمر أنه قال كنا عند النبي الخ)

جاء في خلاصة تذهيب الكمال ص 208 (عبد الملك بن نافع أو ابن القعقاع عن ابن عمر. قال أبو حاتم لا يكتب حديثه)

على أن في الكلام تحريفاً لم يتبينه الأستاذ وهو (القعقاع بن ثور) والصواب: (القعقاع بن شور) بالشين لا بالثاء، قال ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار 1 - 306، 307 (كان القعقاع بن شور إذا جالسه رجل فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيباً في ماله وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته وغدا إليه بعد المجالسة شاكراً. وقسم معاوية يوماً آنية فضة ودفع إلى القعقاع حظه منها فآثر به القعقاع أقرب القوم إليه فقال:

وكنت جليس قعقاع بن شور

ولا يشقى بقعقاع جليس

ضحوك السن إن نطقوا بخير

وعند الشر مطراق عبوس

راجع القاموس وتاج العروس في مادتي (شور وقعقع) ولسان الميزان 4 - 474 والبيان والتبيين 3 - 203 ومحاضرات الأدباء 1 - 230 وثمار القلوب ص 100

والتاريخ الكبير للبخاري 4 - 188 من القسم الأول، وتهذيب التهذيب 6 - 427

32 -

ص 47 (. . . عن ابن جرير، عن عطاء أن عمر وقف على السقاية فوضع يده على بطنه فقال: هل من شراب؟ فإني أجد في بطني غمزاً، فأتى بشربة من السقاية فشربها. . .) وعلق الأستاذ على ذلك بقوله (في البغدادية: عن أبي جريح)

والصواب: (عن ابن جريح عن عطاء. . .) وابن جريح كما في المعارف للمؤلف ص 214 وخلاصة تذهيب الكمال ص 225 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الأموي المكي، قال ابن المديني: لم يكن في الأرض أحد أعلم بعطاء من ابن جريح. توفى سنة

ص: 56

خمسين ومائة. وكانت وفاة عطاء بن أبي رباح القرشي في سنة 114هـ كما في تهذيب التهذيب أو في سنة 115 كما ذكر ابن قتيبة في المعارف ص 196

(يتبع)

(السيد أحمد صقر)

المدرس في الليسيهس بمصر الجديدة

تصويب:

وقع في الكلمة المنشورة في العدد الماضي تحريف كثير نذكر بعضه مصوباً فيما يلي:

ص 961 س 13 من العمود الأول (والذي حده عمرو في مصر سراً وأعاد عليه عمر بن الخطاب الحد هو عبيد الله ابن عمر بن الخطاب. . .)

س 10 من العمود الثاني (خيضل الكياس)

ص 962 س 25 من العمود الأول (وجبير ابن أيمن)

س 20 من العمود الثاني (بياعه ببطون ما سألوا)

ص 963 س 1 (وهم يقولون)

س 2 (على هذا لبأس شديد)

ص: 57