الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 886
- بتاريخ: 26 - 06 - 1950
سياسة التعليم.
.
للأستاذ محمد محمود زيتون
ليس أجدى على الوطن من اتخاذ الوسائل لتحقيق الاستقرار شتى المرافق الحيوية، وبغير هذا تضطرب النفوس، وتنعدم الثقة، وتشتد حملات الانتهازيين. وعواصف المتربصين، مما يحدث خلخلة لا تؤمن عواقبها.
وسياسة التعليم أحق من أي سياسة بالثبات والاستقرار ولا سيما في جوهرها، إذ أن سنة التطور تجري على الأعراض والحواشي دون اللب والصميم.
ومصر التي تدور في فلك الديمقراطية، وتصدر في سياستها العامة عن وحي مبدئها العام (الأمة مصدر السلطات)، وتتميز بطابع الاستقرار، جدير بها أن تمضي إلى النهاية فيما نحن بسبيله من اعتبار القائمين بأمر التربية والتعليم مسئولين أولاً ن استجابتهم لروح الأمة في كل تشريعاتهم.
والمصدر الأول في للسياسة التعليمية هو: المعلمون أنفسهم، فهم - بما تزودوا به من علوم التربية، وبما اكتسبوه من تجارب مهدت لهم سبل النجاح في مهمتهم - قادرون على أن يغيروا المصادر العليا بآرائهم ومقترحاتهم.
ولن يتحقق هذا إلا إذا كان للمعلمين صحيفة شهرية - إن لم تكن أسبوعية يتبادلون فيها مشاكل المهنة، ويتناولون أحدث نظرياتها، على شرط أن تكون بعيدة كل البعد عن الميدان الحكومي البحت، بل يجب العمل علة كفالة حيدتها وحريتها، ونجاتها من الهزات الحزبية العنيفة
كما ينبغي عقد مؤتمرات دورية يتدارسون فيها أمهات المشاكل والتشريعات، لنضمن بذلك تنسيق الجهود بصدد القرارات المتخذة في كل وجه من وجوه الإصلاح.
وهذا يقضي كل معلم أن يقدم كل شهر تقريراً عن ملاحظاته ومقترحاته بصدد المادة التي يدرسها، والكتب المقررة فيها، ومدى تأثر المتعلمين بالبرامج الموضوعة، والنظم المدروسة، والنشاط الاجتماعي عامة، ومقدار التعاون بين المدرسة والبيئة.
ولن يثمر مثل هذا الجهد إلا إذا قامت الوزارة من جانبها بدراسة هذه التقارير وتحليلها وتنسيقها وتصنيفها حتى تكون أرقاماً ناطقة بلغة الإحصاء، وهذا ألصق باتجاه إدارة
البحوث الفنية من أي جهد تضطلع به الآن. .
والمصدر الثاني للسلطة التعليمية هو الآباء والأمهات، فما أحوج المشرعين في النظم التعليمية إلى التعرف على شكاوى المنزل، والوقوف على ميول الفتيان والفتيات نحو المادة العلمية، وصنوف المعلمين، وألوان النشاط. .
والمدرسة والمنزل كلاهما مرصد يسجل فيه المعلمون والآباء بمعاييرهم الحساسة وقائع - إذا وضعت بمادتها الخام تحت النظر الفاحص أنبأت عن تيارات قد نرضاها فنطمئن إليها ونشجعها، أو نخشاها فنجهد في تجنبها وعلاجها بالحكمة والسداد.
ولما كان المتعلمون هم أصحاب الشأن الأول في الموضوع فقد وجب استخدام (منهج الاستفتاء) المعروف خطره في العلوم السيكولوجية والاجتماعية: وذلك بتوجيه أسئلة مطبوعة منظمة تنظيماً منطقياً نفسانياً، مع فحص الأجوبة عنها بكل عناية. . وبهذا لا يحرم المشروع من الاتصال المباشر بمن سيشرع لهم، وعندئذ تكون النظم المختارة ناضجة غاية النضج، لأنها في الغالب العام من أصداء النفوس في طوابعها ونوازعها.
ويبقى بعد كل ذلك ما يصح لنا أن نسميه (فلسفة التوجيه). فإنه إذا اقتصرت مهمة المدرسة على التلقين الإكراهي، وحشو الدماغ ثم استفراغه مما عسى أن يكون قد علق به من المعلومات طولاً وعرضاً، فليس يعدو الأمر أن يكون سخرة منظمة: إذ يتجرد المدرسون من ميكانيكاً لترويض حيوانات ناطقة على حساب التربية والتعليم والتثقيف دون اعتبار للكسب والخسارة.
والخطر محدق من غير شك بالمجتمع أولاً وأخيراً: ذلك بأن التعليم يجب أن يسير وفق (الروحانية) المرنة لا نحو (الآلية) الجامدة، وأن يتوخى (الإيحاء) لا (التلقين).
وإذا ننتهي إلى اللغة الإحصائية حسب المنهج الاستقرائي المتبع، نرى أنفسنا مقيدين بروابط طبيعية هي (القوانين) الصارمة التي لا مناص من الاعتراف بها، والعمل على تنفيذها في ثقة واطمئنان، وأمانة وتسليم.
ومن المحقق أن الآفاق التي تفترض القوانين أياً كان نوعها هي الأوضاع التي نشأت عنها المجتمع المتميز بخصائصه ومشخصاته جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً مما لا يدع مجالاً للشك في أن كل تفرد بالرأي أو تقليد لنظام أو احتكار لسياسة أو التحكم في فرض، تحت
حماية السلطة القائمة المخولة لن يقدم شيئاً في مجال التعليم، بل مصير ذلك خسارة في الوقت، وتقهقر إلى الوراء.
حقاً إن مصر قد درجت منذ كانت على الاستقرار أو بحكم أوضاعها، ومع ذلك فهي بحاجة إلى الأناة في استخلاص (الجوهر النفسي) من خاماتها التي تألفت منها وحدتها، وصيغ كيانها على مر السنين وتوالي الأحكام، وليس ما يمنع من الاقتباس ولكن بكل بحذر، ومن غير ارتماء في أحضان الأنظمة التي ترضي الثقافة الخاصة، والهوى الشخصي.
ولن تعوزنا بعد ذلك سبل الاختيار وبرامج التنفيذ، مادمنا نعترف بأننا أمة شرقية للفرعونية والإسلامية في دمائنا كرات حمراء وبيضاء، وللحضارة الحديثة أصداء غير شلاء.
أن التفاهم على معالي الأمور من أشرف ما تتسم به الروح الديمقراطية إن لم يكن من أقدس الواجبات الوطنية التي تتعالى على الأهواء والأشخاص.
وعلى هذا السنن درج السلف الصالح من الملوك والمربين (وأمرهم شورى بينهم) وليس أدل على هذا من كتاب هارون الرشيد إلى علي بن الحسن معلم ولده الأمين وفيه يقول (ولا تمعن في مسامحة فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالغلظة والشدة) وهكذا كان الملوك شركاء للمعلمين في تربية الأمراء. وهكذا يجب أن تتعاون جميع المصادر لوضع سياسة الاستقرار في التعليم وإلا فالنتيجة اللازمة مجرد آراء وردود وتعليقات وتحزب وتعصب، وتشكيك للرأي العام، وضياع للأجيال القادمة بينما أهل العقد والنقد بمنأى عن الأمر الخطير.
محمد محمود زيتون
صور من الحياة:
قلب أب!
للأستاذ كامل محمود حبيب
- 2 -
. . . وتبعتكم - يا صاحبي - بعبراتي، وأنا إذ ذاك صبي مغلول اليد واللسان، فرأيت أطفالاً ثلاثة شردتهم القسوة ففزعوا عن دار أبيهم في ذله وانكسار، وقد هدهم الأسى وأضناهم الحزن وأرهقهم الجوع، على حين قد سمت نفوسهم العالية عن الشكوى وتأبت نوازعهم الرفيعة على الضيم.
وترفعت رجولة الطفل فيك عن أن تنفض أحزان قلبك بين يدي أي رجل من ذوي قرابتك، لأنك في نفسك فوق كل رجل قدرة ويساراً، وأنفت من أن تتحدث بالحادثة الوضيعة لواحد من أهلك خشية أن تحطم كرامة أبيك أو أن تضع من كبريائه. فعشت ساهة من زمان تتخبط في تيه الأفكار المضطرمة لا تهدأ ولا تهتدي، ثم دفعك عقلك الصغير إلى العزبة التي خلفت لك أمك، وهي على خمسة أميال من القرية، فانطلقت أليها - في صحبة أخويك - تغذ السير كأنما كنت تهرب من شبح مخيف يتقصص أثرك. . شبح القسوة التي حرمتك الطعام أحوج ما تكون إليه.
اليوم صائف تتلهب وقدته، ويتوهج أواره، وتتضرم هواجره، وأنت على الطريق لا تستشعر لذة الفيء ولا هدوء الراحة، تطوي السبيل في عزم وشجاعة، يصيبك البهر والتعب فلا تنكص ولا تستسلم، وهمتك تدفعك إلى الغابة؛ وأنا أتبعك بعبراتي؛ وأبوك هناك على السرير يغط في نومه، يستجم من عناء ويستريح من نصب، ولا يحس شيئاً مما تجد أنت وأخواك.
وبلغت العزبة، غير أن الأقدام الصغيرة الناعمة كانت قد دمغها الطريق الوعر الطويل بعلامات ما تزال مرتسمة هناك تذكرك بهذا اليوم. . . باليوم الأغبر.
وهذا الوجه البض الرقيق كان قد زفرت عليه الهاجرة فصبغته بلون قرمزي يشهد بأن القسوة أخت القتل.
وهذه الطفولة الفضة اللينة كانت قد تهالكت من اثر الجهد والعناء، وتضعضعت من طول الضنا والنصب؛ غير أنها استحالت عند نهاية الشرط إلى صلابة رجل شديد يصارع فيغلب ويناضل فيصبر.
وهبطتم العزبة التي تركت لكم أمكم لتأمر في صوت رقيق فيه رنات الطفولة، ولكنك كنت تجهد أن تنفث فيه صرامة الرجل وخشونته، وأنت ما تزال صبياً لم تبلغ بعد سن الشباب.
ورأى الفلاحون الذين غمرهم فيض أهلك، ولبسوا ثوب النعمة من سخاء أبويك. . . رأوا أبناء سيدهم يتكفأون من أثر الابن والضنا، وعليهم سمات الأسى والضيق، فنظروا ثم أطرقوا. وأطرق من بينهم شيخ كبير وهو يقول (لا حول ولا قوة إلا بالله) ثم تتابعت على خديه عبرات حرى لم يستطع أن يكفكفها ولم يستطع معها صبراً، فطار إلى ناظر العزبة يخبره خبر الصبية الأثرياء الذين أرغموا على أن يقطعوا الأميال الطوال سيراً على القدم، والحر ينضج جلودهم ويؤذي عيونهم ويرهق جلدهم؛ الصبية الذين ذاقوا على حين غفلة مس الجوع والقسوة والتشرد.
جاء ناظر العزبة مهرولاً يخب في ثوبه الفضفاض، واندفع نحو الصبية يربت على أكتافهم في رقة وحنان. ولا عجب فلقد كان هو - منذ زمان - طفلاً نبذه أبوه فما يسبغ عليه من عطفه، ودعته زوجة أبيه عن الدار التي ولد فيها فما تفيض عليه بلقمة ترد من سغبه ومن ذلته. ولكنك - يا صاحبي - ترفعت عن أن تستشعر روح الطفولة في وقت الشدة، فدفعته عنك في قوة فارتد وفي عينيه عبرات. ثم انتحيت ناحية تأمر بصوت أجش خشن (أنا الآن هنا سيد هذه العزبة!) فقال الرجل (نعم يا سيدي، ومن قبل). ورحت تأمره وهو يحاول أن يستشف جملة الخبر بين ثنايا طفولتك التي لا تعرف المكر ولا الخداع ولكنك كتمت عنه الحديث خشية أن تحطم كرامة أبيك أو أن تضع من كبريائه.
يا عجباً لهذه الرجولة الباكرة! إن صفعة واحدة من صفعات القسوة الجافية قد حلفت منك - با صاحبي - رحلا في أهيب طفل.
وأقبل الليل، فاستسلمت - في وحدتك - إلى خواطر هادئة لطيفة، والأفكار الجميلة تداعب روحك لأنك تنسمت روح الحرية والراحة، وبدا أنك نفضت عهد الإسار والخضوع عهد الحاجة والطلب، عهد الطفولة المقيدة بأغلال الأبوة الظالمة، وتراءى لك أنك أصبحت سيد
هذه العزبة وسيد هذه الدار وسيد هذا القوم، وأنك تأمر فيخضع الصغير وتنادى فيلبي الكبير، وأن قلبك قد ملأته السيطرة وأن جيبك قد أفعمه المال. ولكن نفسك لم توسوس لك بأن تندفع في شهوة وضيعة، ولا أن تسعى غلى لذة تافهة، ولا أن تنغمر في نزق طائش، لأنك نشأت في بيت فيه الدين والورع فأنصرف قلبك عن الغواية وتحولت نوازعك عن المجون.
وعشت ساعة في خواطرك الجميلة الهادئة ثم غلبك النوم يا للطفولة البريئة! لقد نسى الصبي - حين شعر بالهدوء والراحة - أنه يعاني محنة ضخمة عاتية، نزلت به على حين فجأة فأفزعته عن أبيه وعن أهله وعن داره في وقت معاً. لقد نسى ما حواليه فاستقر في طفولته البريئة الصافية يحلم ويبسم.
أما في القرية فماذا كان هناك - يا صاحبي؟
كادت أستار الليل تنسدل فتلف أرجاء القرية في الظلام والسكون، وأبوك في شغل لم يجد فقدك، ولم يحس وقع القسوة التي ضربك بها منذ ساعة. وأنى له أن بفعل وهو يراك لا تطمئن - أبداً - إلى الدار إلا حين يصيبك النصب والجهد من طول اللعب والجري، ثم هو قد أمر زوجته أن تمسح غلطته فترسل إليكم الطعام الذي رفعه من بين أيديكم ولكنها أبطأت وتراخت. انسدلت أستار الليل والدار خالية من عبثك خاوية من لهوك وضجتك، فشعر أبوك بأنك لست هنا، فأرسل من يفتش عنك في أنحاء القرية. وجلس هو إلى نفسه وقد تيقظ ضميره وتقلب قلبه. . .
وترامى إلى خالتك أن أباك قد قسا عليكم قسوة أفزعتكم عن الدار، وأن الدار قد لفظتكم إلى حيث لا يعلم إنسان.
وصرخت خالتك من هول الخبر صرخة اهتزت لها أركان الدار، ثم اندفعت إلى الشارع عارية الرأس حافية القدم وهي تصرخ صراخاً فيه الفزع والرعب، صراخاً يتحدث عن أسى الأم فقدت بنيها الثلاثة دفعة واحدة. اندفعت السيدة الثرية التي لم يرها الشارع منذ أن كانت طفلة إلا من وراء حجاب. . . اندفعت إلى الشارع عارية الرأس حافية القدم، لم يستطع واحد من أهلها أن يردها عن الغاية التي تريد. ودخلت خالتك بيت أخيها خالك تفزعه بالنواح وتستحثه بالأسى؛ وهو من بيت فيه السطوة والجاه، وفيه السلطان والثراء،
وفيه القوة والشهامة وفيه الكرم والدين. . .
وارتجت القرية كلها لما كان فأنساب سيل من أهلك إلى داركم يستجلي الخبر وينحي باللائمة على أبيك الذي نسى أبوته ساعة من زمان، على حين قد صننت أنت بكرامته أن تخدش، وصنت كبريائه عن أن تتضع.
ودخل خالك داركم وقد أربد وجهه واضطربت أعصابه وحبس الغضب لسانه. . . دخل وهو يعجب مما سمع، وفي رأيه أن أباك رجل عقل وين لا ينحط أبداً غلى هذه الهاوية.
دخل خالك الدار التي لم يدخلها منذ أن ماتت أخته الصغيرة العزيزة أمك، دخلها هائجاً يهدر، فبدت له صورة أخته الصبية الشابة وهي تضطرب في أرجاء الدار جميلة نشيطة جذابة، فاستحال غضبه إلى حزن عميق يخز قلبه وخزوات قاصمة. ولكنها الآن تبدو في خياله لكي تفزعه بالنواح وتستحثه بالأسى؛ فاستشاط غيظاً وثورة.
فماذا كان منه - يا صاحبي - وماذا كان من أبيك!
كامل محمود حبيب
صوم رمضان بين العلم والأدب
للأستاذ ضياء الدخيلي
يقبل اليوم قراء (الرسالة) الغراء في أطراف العالم الإسلامي على شهر رمضان ويعانون فيه جهاد النفس بالصوم الذي هو من أركان الإسلام ودعائمه. فلنتحدث عنه وعما ترك في الأدب العربي من اثر. ولنستعرض ما قاله علماء الفسلجة والأطباء في أثر عموم الصوم في الجسم. فما أحرانا أن نشارك القراء الكرام فيما هم فيه من هالة نفسية فنخوض غمار البيئة الروحية التي يعيشون فيها؛ ولنواكب خطوات شهر رمضان في الأجيال الإسلامية وما قاله الأدباء فيه في شتى عصور الإسلام وما أثار في نفوس المتمردين على شريعته الأدبية وقيودها ولجمها، وما بعث فيهم من ثمرة عارمة على شهر تحرم فيه اللذات الجسمية وتحدد إذ ينجرف المجتمع الإسلامي في تيار سلسلة من العبادات حيث يتغلب التزمت والقار على الخلاعة والاستهتار؛ ثم لنتحدث عما تضمنه الصوم من التربية الإسلامية إذا روعي فيه تقوية الوازع النفسي وكف غارب الشهوات وتقييد الأهواء الجامحة إذ لا ريب أن تقيد المرء نفسه باتباع نظام معين واستطاعته في تنفيذ تصاميمه وتطبيق خططه لأمر فيه أسمه مظاهر الفضيلة، فليس أغلب الرذائل التي تهوي في حمأتها النفوس إلا نتيجة جموح فيها فلا يجد المرء في طاقته كفاءة لكبح ثورتها وإرجاعها إلى مأمنها فإذا تدرب المسلم في الصوم على إلجام النفس وردعها عن شهواتها فقد قطع شوطاً بعيداً نحو المثل العليا وحلق عالياً عن مهامي كثير من الجرائم التي يبعثها تسلط العاطفة على العقل وتغلب الشهوة المتمردة والرغبة الحمقاء. وقد سبق الإسلام إلى تشريع الصوم شرائع سماوية قويمة وذلك ما تقوله الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم).
قال الطبرسي الشيخ أبو الفضل بن الحسن من القرن السادس الهجري في تفسيره (مجمع البيان) في تفسير هذه الآية أي فرض عليكم العبادة والمعرفة في الشرع ككتابتها على من سبقكم وفيه أقوال أحدها أنه أشبه فرض صومنا بفرض صوم من تقدمنا من الأمم أي كتب عليكم صيام أيام كما كتب عليهم صيام أيام، فليس فيه تشبيه عدد الصوم المفروض علينا ولا وقته بعدد الصوم المفروض عليهم أو وقته، وهو اختيار أبي سلم والجبائي. وثانيهما
أنه فرض علينا صوم شهر رمضان كما كان فرض صوم شهر رمضان على النصارى، وكان يتفق ذلك في الحر الشديد والبرد الشديد فحولوه إلى الربيع وزادوا في عدده عن الشعبي والحسن. فالمراد بقوله الذين من قبلكم النصارى على قول الحسن والشعبي. وأهل الكتاب من اليهود والنصارى على قول غيرهما.
وقال الشيخ نعمان أفندي آلوسي زاده من وعاظ الأتراك في كتابه (غالية المواعظ) في تفسيره الآية أي كما كتب على من سبقكم من الأنبياء عليهم السلام والأمم من لدن آدم عليه السلام إلى عهدكم. واختلف المفسرون في وجه التشبيه ما هو فقيل قدر الصوم ووقته؛ فإن الله تعالى كتب على اليهود والنصارى صوم رمضان فغيروا. وقيل وجوب مطلق الصوم.
وأقول أنه لا ريب أن في الصوم تربية صالحة للنفس وفيه تدريب لها على العفة والكف عما لا تبيحه الشريعة الأدبية ويأباه النظام المتبع وأن شهر رمضان من خير الأوقات للتعود على ضبط النفس ونعني به اعتدال الميل إلى اللذائذ وخضوعه لحكم العقل وليس ذلك مقصوراً على اللذائذ الجسمية بل يشمل أيضاً اللذات النفسية كالانفعالات والعواطف فلا يسمى الشخص ضابطاً لنفسه إلا إذا اعتدل في لذاته الجسمية من طعام أو شراب واعتدل في انفعالاته النفسية فلم يغضب لأي دافع. وكثير من الرذائل يرجع سببه إلى عدم المقدرة على ضبط النفس الذي يدعوه الإنكليز
ويجعلون له إلاهيته الكبرى في صلاح سيرة المرء وسلوكه. وقد اشترط في كمال الصوم مراعاة آدابه ومنها كف الأذى عن الناس وضبط العواطف. وأن من الأمور التي تتردى في أوبائها إذا أضعنا ضبط النفس الشراهة والدعارة والطمع والإسراف والغضب والسخط والثرثرة والإدمان على المسكرات والقمار وارتياد المراقص ومسارح الخلاعة والتهتك. والصوم إذا عود المرء على ضبط النفس أداه إلى فضيلة عالية تجعله سيد نفسه وترفعه أن يكون عبداً لشهواته تسيره كما تشاء وقد حض الصائم على نبذ السفاهة وكف الأذى عن عباد الله ومن ذلك قول الشاعر الإسلامي جابر
إذا لم يكن في السمع مني تصاون
…
وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي من صومي هو الجوع والظمأ
…
وان قلت أني صمت يوماً فما صمت
قال في المنجد: تصون وتصاون من العيب حفظ نفسه منه فالشاعر يدعو كف كل الحواس
عن كل ما تقوم به من جرائم. قال في الغالية: واعلموا أن للصيام آداباً كثيرة فمنها أكل الحلال والإفطار على الحلال ومنها كف الأذى عن الناس ومنها عدم سماع اللهو والغناء المحرم وعدم سماع القصص المحرمة في الأماكن المذمومة وترك الكذب والغيبة والنميمة وغض النظر عن المحرمات وقد قال النبي (ص) من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ونقل الشيخ نعمان الآلوسي في (غالية الواعظ ومصباح المتعظ وقبس الواعظ) والشيخ شهاب الدين أحمد الأبشهي في (المستطرف في كل مستظرف) أنه قيل الصوم عموم وخصوص وخصوص الخصوص: فصوم العموم هو كف البطن والفرج وسائر الجوارح عن قصد الشهوة وصوم الخصوص هو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام وصوم خصوص الخصوص هو صوم القلب عن الهمم الدنية وكفه عما سوى الله بالكلية.
وجاء في تفسير الآية الكريمة من سورة البقرة (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر. وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) قال الأردبيلي في (زيدة البيان) يعني أوجب الله وكتب أيها المؤمنون الصوم عليكم مثل كتابته على الذين من قبلكم، فما مصدرية ولعل التشبيه في أصل الصوم أو العدد والوقت أيضاً لكن غير كما في التفاسير - لحصول التقوى لكم به عن سائر المعاصي فإن الصوم يكسر الشهوة كما في الحديث من لم يطق الباه فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء: قال الطريحي في مجمع البحرين الوجاء بالكسر ممدود هو رض عروق البيضتين حتى تنفضخ فيكون شبيهاً بالخصاء وقيل هو رض الخصيتين شبه الصوم به لأنه يكسر الشهوة كالوجاء، والفضخ هو كسر الشيء الأجوف: روى ما تقدم في الكشاف للزمخشري وفي تفسير البيضاوي وقال الأردبيلي وأن في الصوم التغلب على القوة الغضبية وما يتبعها من الشرور إذ يحصل للنفس انكسار وعدم الميل وفقدان القوة والعزوف عما يضر ووجه ذكر وجوب الصوم على الأمم السابقة
تسلية المؤمنين بهذا التكليف الشاق على النفس لأنه مناف لمشتهاها فيحاول توطين النفس على فعله وحسن قبوله. وقوله تعالى فمن كان مريضاً ظاهره مطلق المرض كما نقل عن البعض في الكشاف للزمخشري لكنه خصه بعض الفقهاء بمرض يضره الصوم كما تقتضي المناسبة العقلية وما يفهم من قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) قال الزمخشري في الكشاف وقيل هو المرض الذي يعسر معه الصوم ويزيد فيه، ونقل عن الشافعي أن المريض لا يفطر حتى يجهده الصوم الجهد غير المحتمل. وقال الطبرسي في (مجمع البيان في تفسير القرآن) سأل هشام بن الحكم أبا عبد الله الصادق عن علة الصيام فقال إنما فرض الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، فأراد الله سبحانه أن يذيق الغني من الجوع ليرق على الضعيف ويرحم الجائع. قال الطبرسي والصوم في اللغة الإمساك ومنه يقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام، قال ابن دريد كل شيء سكنت حركته فقد صام صوماً، قال النابغة:
خيل صيام وأخرى غير صائمة
…
تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي قيام، وصامت الريح أي ركدت وقال الآلوسي في الغالية: الصوم في اللغة مطلق الإمساك ومنه الآية الكريمة حكاية عن مريم العذراء إني نذرت للرحمن صوماً أي صمتاً وسكوتاً عن الكلام كراهة لمجادلة السفهاء، ويقال أيضاً صامت الريح أي أمسكت عن الهبوب وصامت الفرس أي أمسكت عن العدو والركض ومنه قول النابغة المتقدم. وقال الطريحي في مجمع البحرين قوله تعالى (إني نذرت للرحمن صوماً) أي صمتاً، عن ابن عباس عن أبي عبيدة كل ممسك عن طعام أو كلام فهو صائم. وقال الفيروز بادي في القاموس صام صوماً وصياماً أمسك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير فهو صائم وصومان وصوم جمعه صوام وصيام وصوم وصيم صيم وصيام وصيامي.
قال الطبرسي أن قوله تعالى فمن كان مريضاً الخ: فيه دلالة على المسافر والمريض يجب عليها الإفطار لأنه سبحانه أوجب القضاء ومن قدر في الآية (فأفطر) فقد خالف الطاهر وقد ذهب إلى وجوب الإفطار في السفر جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب (رض) وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وعروة بن الزبير، وهو المروي عن الأئمة فقد روى أن عمر بن الخطاب أمر رجلاً صام في السفر أن يعيد
صومه وروي يوسف بن الحكم قال: سألت ابن عمر عن الصوم في السفر فقال أرأيت لو تصدقت على رجل صدقة فردها عليك ألا تغضب؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم.
ولقد اتخذ كثير من رجال الإسلام الصوم والجوع واسطة لتهذيب النفس وقمع شهواتها.
فمن كلام لأمير المؤمنين الإمام علي (ع) يصف العارف أنه (قد أحيا عقله وأمات نفسه حتى دق جليله ولطف غليظه وبرق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق وسلك به السبيل وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه) وقد قال في شرحه ابن أبي الحديد سنة 655هـ أنه عليه السلام يصف العارف يقول قد أحيا قلبه بمعرفة الحق سبحانه وأمات نفسه بالمجاهدة ورياضة القوة البدنية بالجوع والعطش والشهر والصبر على مشاق السفر والسياحة حتى دق جليله أي حتى نحل بدنه الكثيف ولطف غليظه أي تلطفت أخلاقه وصفت نفسه فإن كدر النفس في الأكثر إنما يكون من كدر الجسد والبطنة كما قيل تذهب الفطنة.
وقد رأيت الشيخ الرئيس ابن سينا في كتابه (الإشارات) في الفلسفة وقد درسته في النجف الأشرف - يدعو إلى رياضة النفس وقمع شهواتها توصلا بذلك إلى رقيها ورفعها إلى مستوى العارفين.
وقال إبراهيم بن أدهم لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يغلق عن نفسه باب النعمة ويفتح عليه باب الشدة، وقال أبو علي الروذباري إذا قال الصوفي بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق ومروه بالكسب. فتراه يطلب من الصوفي الصبر على الصوم الطويل وجاء في الحديث أن فاطمة جاءت إلى رسول الله (ص) بكسرة خبز فقال ما هذه؟ قالت قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك منه بهذه الكسرة فأكلها وقال أما أنها لأول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث. قال ابن أبي الحديد وكان يقال ينابيع الحكمة من الجوع وكسر عادية النفس بالمجاهدة. وقال يحيى بن معاذ لو أن الجوع يباع في السوق لما كان ينبغي لطلاب الآخرة إذا دخلوا السوق أن يشتروا غيره.
وقال سهل بن عبد الله لما خلق الله الدنيا جعل في الشبع المعصية والجهل وجعل في الجوع الطاعة والحكمة:
وقال يحيى بن معاذ الجوع للمريدين رياضة وللتائبين تجربة وللزهاد سياسة وللعارفين تكرمة.
للكلام بقية
ضياء الدخيلي
دراسات أدبية:
موقف النقاد من الشعر الجاهلي
للأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي
بقية ما نشر في العدد الماضي
وفي القرن الثالث أيضاً كثرت مؤلفات النقاد في الشعر والشعراء؛ وكتاب ابن سلام (طبقات الشعر) مشهور وهو أول عمل أدبي منظم في النقد، وقد قسم الجاهليين عشر طبقات وأضاف إليهم شعراء المراثي وشعراء المدن العربية، ووضع في الطبقة الأولى أمرؤ القيس وزهيراً والأعشى والنابغة؛ ولم يسبقه إلى هذا التقسيم الفني للشعراء الجاهليين وطبقاتهم الأدبية إلا أبو عبيده الذي قسم الجاهليين ثلاث طبقات ووضع في الأولى أمرؤ القيس والنابغة وزهيراً، وفي الثانية الأعشى وطرفة ولبيداً. ويذكر ابن سلام في طبقاته الشعراء الإسلاميين ويقسمهم طبقات عشراً أيضاً ولا يذكر أحداً من الشعراء المحدثين؛ بعكس ابن قتيبة الذي ألف كتابه (الشعر والشعراء) وذكر فيه الكثير من الشعراء المحدثين الذين عاشوا قبيل منتصف القرن الثالث؛ وهذا يدل على أن ابن قتيبة كان أكثر تقديراً للشعر الجيد وحده بصرف النظر عن ئله وزمنه. وهذا يذكرنا بجمع الفضل وأبي يزيد الأنصاري للشعر العربي؛ فقد جمع المفضل في كتابه مختارات لشعراء الجاهليين وللقليل جداً من الشعراء المخضرمين. أما أبو زيد الأنصاري ففي كتابه الجمهرة مختارات للجاهليين والمخضرمين والإسلاميين. ثم ألف ابن المعتز أيضاً كتاباً في طبقات الشعراء المحدثين طبع أوربا ويسير فيه نهج ابن قتيبة من حيث ذكر الشاعر وحياته ومذهبه الفني في شعره ونماذج من مختارات شعره، وأول ترجمة له في الكتاب هي ترجمة بشار م 167هـ، وأقصى شاعر من ترجم له ابن المعتز هو: الناشئ م 293هـ ومحمد الشيرازي الذي يقول فيه المؤلف: وهو اليوم شاعر زماننا، وجميع التراجم التي يحتوي عليها الكتاب والتي تبلغ أكثر من 130 ترجمة هي لشعراء عاشوا بين التاريخين، وهو أوفى كتاب في دراسة طبقة بشار وطبقة أبي نواس وطبقة أبي تمام والبحتري.
7 -
والقرن الرابع الهجري كان أحفل قرن بالنقد والنقاد، وظهرت فيه أصول كتب النقد
الأدبي مثل: نقد الشعر لقدامة م 327هـ، وأخبار أبي تمام للصولي م 336هـ، والموازنة للآمدي م 371هـ، وإعجاز القرآن للباقلاني م 405هـ، والوساطة للجرجاني م 392هـ؛ كما ظهر في القرن الخامس: ابن رشيق م 456هـ صاحب العمدة، وابن سنان الخفاجي م 466هـ صاحب سر الفصاحة، وكتاب الأسرار والدلائل لعبد القاهر الجرجاني م 471هـ.
وكان النقاد في هذين القرنين يسيرون على نهج الجاحظ، فلم يتعصبوا للشعر الجاهلي لتقدم زمنه، ولم يميلوا على المحدثين لتأخر عصرهم؛ بل حكموا الذوق وحده في كل شيء؛ حتى لقد وقفوا معددين لأخطاء الجاهليين، كما فعل الآمدي والجرجاني وابن رشيق وسواهم، قال الآمدي في كتابه الموازنة:(وما رأينا أحداً من شعراء الجاهلية سلم من الطعن ولا من أخذ الرواة عليه الغلط والعيب)؛ وقال صاحب الوساطة في أول كتابه: (ودونك هذه الدواوين الجاهلية والإسلامية، فأنظر هل تجد فيها قصيدة تسلم من بيت من أبيات لا يمكن لعائب القدح فيه إما في لفظه ونظمه أو ترتيبه أو معناه، أو إعرابه، ولولا أن أهل الجاهلية جدوا بالتقدم، واعتقد الناس فيهم أنهم القدوة والأعلام والحجة لوجدت كثيراً من أشعارهم معيبة مسترذلة ومردودة منفية؛ لكن هذا الظن الجميل، والاعتقاد الحسن ستر عليهم، ونفى الظنة عنهم، فذهبت الخواطر في الذب عنهم كل مذهب، وقامت في الاحتجاج لهم كل مقام)، ولو تصفحت ما تكفله النحويون لهم من الاحتجاج، وتبينت ما راموه في ذلك من المرامي البعيدة، وارتكبوا لأجله من المراكب الصعبة، التي يشهد القلب أن المحرك لها والباعث عليها شدة إعظام المتقدم، والكلف بنصره ما سبق إلية الاعتقاد والفته النفس)؛ وأزري الآمدي والجرجاني بوقف بعض النقاد المتعصبين على المحدثين كالأصمعي الذي أنشده إسحاق الموصلي:
هل إلى نظرة إليك سبيل
…
فيروي الصدى ويشفي الغليل
إن ما قل منك يكثر عندي
…
وكثير ممن تحب القليل
فقال: لمن تنشدني؟ فقال: لبعض الأعراب، فقال: هذا والله هو الديباج الخسرواني، فقال إسحاق: إنها لليلتهما. فقال الأصمعي: لا جرم والله أن أثر الصنعة والتكلف بين عليهما؛ وكابن الأعرابي الذي أنشده بعض الناس شعراً وهو لا يعرف قائله فأعجب به إعجاباً
شديداً وكتبه فلما علم أنه لأبي نواس أنكره.
ونقد الباقلاني في إعجاز القرآن قصيدة امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
…
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
نقداً طويلاً، وهو أول نقد مفصل لقصيدة من الشعر العربي.
8 -
وفي العصور الوسطى ضعفت الملكات وعقمت الأذواق وتعصب العلماء والأدباء للشعر القديم لقدمه، فكانوا يحيطون الشعر الجاهلي بهالة من التقديس والجلالة ولا يردن أحداً أحسن مثل إحسان الشعر الجاهليين ولا أجاد إجادتهم، ورأوا معصومين من الخطأ والعيب والنقد، واستمر هذا المذهب سائداً حتى العصر الحديث.
9 -
وفي العصر الحديث تفاوتت ثقافات الأدباء والنقاد، فوقف أولو الثقافات العربية الخالصة موقف الإعجاب والتقدير البعيد للشعر الجاهلي، وهب جماعة من أولي الثقافات الأوربية يطعنون على الشعر الجاهلي ويرمونه حيناً بالضعف والتفكك، وحيناً بأنه منتحل مختلق. ومن الحق أن بعض نقد هؤلاء كان عادلاً منصفاً، وأما الكثير منه فكان مغالى فيه.
عاب العقاد على الشعر الجاهلي أنه لا يصلح أن يكون نموذجاً يقتدي به في النظم لأنه في الغالب أبيات مبعثرة تجمعها قافية واحدة يخرج فيها الشاعر من المعنى ثم يعود إلية ثم يخرج منه على غير وتيرة معروفة ولا ترتيب مقبول، وأن فيه غير التفكك وضعف الصياغة كثيراً من العيوب العروضية والتكرير الساذج والاقتسار المكروه والتجوز المعيب الذي يؤخذ من روايته أن الشعر لم يكن فناً استقل به صناعة الخبيرون به، وإنما كان ضرباً من الكلام يقوله كل قائل ويرور المحكم منه وغير المحكم على السواء، فنراه يعيبه بما يلي:
1 -
ضعف وحدة القصيدة، ونحن في الرد على هذه الكرة نكتفي بهذين الكلمتين: قال نولدكه المستشرق الهولندي المشهور، (وفي أحوال كثيرة يحتفظ الشاعر الجاهلي بوحدة الفكرة في قصيدته بأن يجعل كل قسم من أقسامها خاصاً يوصف مناظر وحوادث من حياة الشاعر نفسه أو الحياة العامة التي يحياها البدوي في الصحراء؛ وقال جميل صدقي الزهاوي الشاعر المجدد: (وهناك شيء يستحبه الذين تشبعت أدمغتهم بالأدب الغربي، هو وجوب أن تكون القصيدة الواحدة خاصة بفكرة واحدة، أو وصفاً لشيء واحد، من غير
خروج إلى غير الموضوع، ولو كان في فصل منعزل عن الأول، وهذا ليس من الشعر في أصله، بل هو تابع للأذواق ولطريقة الشاعر في شعره، ولا ينوع الشاعر المبرز في العربية الموضوع في كل قصيدة، فكثيراً ما يحصر شعره في القصيدة الواحدة في موضوع واحد، وإذا نوع الموضوع فهو يخرج إلى الثاني بمناسبة وبعد فصله الأول، مريداً بذلك أن تكون قصيدته كالروضة الغناء محتوية على مختلف الأزهار، وهذا أقرب إلى الطبيعة، وليس فيه ما يؤاخذ عليه غير كونه ينافي ما يفعله شعراء الغرب، ولكل أمة سياق ونزعة ليست لأختها، وأعتقد أن الكتاب الذين يزرون بشعر شعرائنا على الإطلاق لو أتيح لهم أن يكونوا شعراء لما خرجوا كثيراً عن النهج الذي يمشي عليه المبرزون من هؤلاء، والسبب هو ما قدمته من اختلاف ألوان الشعور عندنا عن ألوانه عند الغربيين، من جهة وقيد القافية وإعرابها عندنا وفقد أنه عندهم من جهة أخرى، وقد هم كثير من الشعراء المتضلعين من العلوم العصرية بتقليد الغرب في شعره، فلم يكن ما أتوا به غربياً ولا شرقياً، ولم يوفقوا إلا في ألوان من الشعور هي مشتركة بين الأمم جميعاً. ومهما تمرد الشاعر الكبير على الأساليب والتصورات في أمته فهو لا يستطيع أن يطفر مرة واحدة إلى تصورات وأساليب تخالف ما ألفه شعبه فيقطع الوشائج القوية التي تربط الحال بالماضي.
2 -
ويعيب العقاد الشعر الجاهلي ثانياً بأنه لم يكن فناً استقل به صناعة الخبيرون به، وذلك لا يسير مع الحقيقة والواقع، فشعراء المعلقات ومذاهبهم الفنية في الشعر معروفة. ويقول الدكتور طه حسين بك في كتابه الأدب الجاهلي: وأما مضر فكان لها في الجاهلية شعراء يتخذون الشعر فناً يمثلون به نهضة فنية عقلية في هذا الإقليم من جزيرة العرب.
3 -
ويعيبه ثالثاً بهلهلة صياغته وما فيه من عيوب عروضية وتكرير ساذج وتجوز معيب. وفي هذا مغالاة.
وكانت ثورة النقد الكبرى بين الدكتور طه حسين بك وبعض النقاد والباحثين حول الشعر الجاهلي ذات صدى بعيد في دراسات الشعر الجاهلي. ويؤيد الدكتور هذا الانتحال بأدلة كثيرة: فضلاً عن أنه لا يمثل اللغة الجاهلية نفسها لاختلاف اللغة الحميرية عن اللغة العدنانية الفصحى مع أنهم لم يكونوا يتكلمون بها ولم يتخذها لغة أدبية لهم قبل الإسلام مما يدل على انتحال هذا الشعر على هؤلاء القحطانيين، فوق أن الشعر الجاهلي لا يصور
اختلاف اللهجات العدنانية التي لا شك فيه.
ويبني الدكتور على انتحال الشعر الجاهلي رفضه الشعر المنسوب إلى شعراء اليمن، لأن لليمن لغة تخالف لغة قريش وهجرة اليمنيين إلى الشمال مشكوك فيها أولاً، وليس كل الشعراء هاجروا من اليمن، ثانياً، وشعراء المدينة ليسوا يمنيين بل هم مضريون، ويرى أنه ليس لليمن في الجاهلية شعراء. أما ربيعه من عدنان وكانت تسكن في الشمال فيرى الدكتور أن شعرها دون شعر المضريين لأنها لم تكن تتكلم لغة قريش وأما مضر فكان لها شعراء يتخذون الشعر فناً. ثم درس بعض أعلام الشعراء الجاهليين على ضوء نظريته في انتحال الشعر، ووضع مقاييس لتمييز المنحول من الشعر الجاهلي، وجعل الشعر أصلاً من مضر ثم انتقل منها إلى ربيعه فاليمن فإلى الموالي، وبذلك يعكس نظرية انتقال الشعر الجاهلي في القبائل، وهي نظرية معروفة ذهب إليها علماء الأدب المتقدمون.
وهذه الآراء والتعليق عليها موضوع بحث آخر ودراسة جديدة إن شاء الله. وقد ذكرت في كتابي (الحياة الأدبية في العصر الجاهلي) كثيراً من المناقشات الأدبية للفكرة نفسها بتفصيل.
وسيلي هذا البحث بحث آخر مكمل له عنوانه (دفاع عن الشعر الجاهلي) نرجو أن يكون فيه مزيد من الشرح والتحليل والنقد لموقف النقاد في الشعر الجاهلي وبالله التوفيق.
محمد عبد المنعم خفاجي
مدرس في كلية اللغة العربية
أسامة بن منقذ وشعره
للأستاذ أحمد أحمد بدوي
بقية ما نشر في العدد الماضي
- 5 -
يصور لنا شعر أسامة صلته بأبيه وأخوته: بهاء الدولة منقذ، ونجم الدولة محمد قوية وثيقة، يضمر لأبيه الحب وخالص الإجلال، ويعني أكبر ما يعني بأن يكون راضياً عن خطواته وأهدافه. كتب إلى أبيه يستأذنه في فراق شيزر بعد أن ساءت حياته فيها قصيدة طويلة منها:
فاسمح ببعدي عنهم برضاك لي
…
إن الذي ترضى عليه موفق
حتى إذا آثر أسامة البعد، كتب إلى أبيه قصائد يتشوق فيها إليه، ويحدث عن آماله في لقائه والحياة معه، حتى إذا سمع أسامة أن تغيراً عليه ألم بقلب والده، بعث إليه يستعطفه ويسترضيه، ومن ذلك قوله:
مالي، وللشفعاء فيها أرتجى
…
من حسن رأيك في، وهو شفيعي
أعذبت لي من وجود كفك موردي
…
فصفا وأمرع من نداك ربيعي
وبك اعتليت، وطلت من ساميته
…
فخراً بمجدك، لا بحسن صنيعي
وقضي ببعدي عنك دهر جائر
…
وإلى جنابك إن سلمت رجوعي
وكتب مرة إليه من مغتر به قصيدة منها:
بي لوعتان عليك يضعف عنهما
…
جلدي من الأشواق والإشفاق
فالشوق أنت به العليم
…
وغالب الإشفاق مما أنت في ملاقي
وقد أثرت هذه القصيدة في نفس والده، فكتب إليه:
أثرت أنى بعد بعدك باقي
…
أجزى عن الأشواق بالأشواق
أأبا المظفر دعوة تشفي الظما
…
مني، وإن أضحى بها إحراقي
لم أستكن أبداً لخطب نازل
…
إلا لبعدك، فهو غير مطاق
فإذا أطعت الوجد فيك أطاعني
…
قلبي، وبيدي إن عصيت شقاقي
فإذا ذكرتك خلت أني شارب
…
تمل سقاه من المدامة ساق
ولعل والده رأى هذه القصيدة غير مبينة عما يضمره قلبه لولده، من لاعج الشوق، فقام أحد مؤدبي أسامة بنظم قصيدة أرسلها إليه، يصف فيها حال هذا الوالد المعذب.
ولما شتت أخوته في البلاد، كانت رسائله إليهم تفيض بالحب وشكوى الفراق، فإذا عتب عليه أحدهم، تقبل عتبة بالعتبى، وصادق الحب والمودة. وحدث أن أخاه محمداً أسره الفرنج، وهو راحل من مصر عقب حركة عباس وابنه نصر فلم يمنعه ما كان بينه وبين ابن عمه بشيزر من صلة مقطوعة، وأن يكتب إليه مستعيناً به على فك أسر أخيه، مبدياً أرق ألوان الاستعطاف، إذ يقول من قصيدة:
أنا ابن عمك، فاجعلني بفك أخي
…
من أسره، لك عبداً ما مشت قدمي
ولكن ابن عمه لم يتأثر بالشعر، ولم يسع في فكاك أخيه. أما صلته بعمه حاكم شيزر وابن عمه، فظهر أنه حاول جاهداً الإبقاء على الصلة التي تربط بهما، وبذل في سبيل ذلك ما استطاع أن يبذل من عنت ومشقة. ولعل خير ما يصوره موقفه في تلك الفترة قوله:
وما أشكو تلون أهل ودي
…
ولو أجدت شكيتهم شكوت
مللت عتابهم، ويئست منهم
…
فما أرجوهم فيما رجوت
إذا أدمت قوارصهم فؤادي
…
كظمت على أذاهم، وانطويت
ورحت عليهم طلق المحيا
…
كأني ما سمعت، ولا رأيت
تجنوا لي ذنوباً ما جنتها
…
يداي، ولا أمرت، ولا نهيت
ولا والله، ما أضمرت غدراً
…
كما قد أظهروه، ولا نويت
ويوم الحشر موعدنا، وتبدو
…
صحيفة ما جنوه وما جنيت
وبعد وفاة عمه حاول أسامة أن يصلح ما بينه وبين ابن عمه، وأن يعطفه عليه، ويلين قلبه، ولكن يبدو أن هذا الجهد لم يؤت ثمرته، فظلت النفرة بين أسامة وأهله، حتى مضى زلزال (شيزر) بهم، فبكاهم أسامة كما ذكرنا، وكل هذا يدلنا على ما امتازت به نفس أسامة من حب يضمره لأقاربه، ورغبة خالصة في أن يعيش بينهم يظللهم جميعاً الود والوئام، لو استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولا ذنب عليه إذا هو أخفق في جهد كان جديراً به أن ينجح، وأكاد ألمس في شعره أنه لم يسع يوماً إلى فصم عروة مودة بينه وبين قريب أو صديق.
- 6 -
ومن أكبر هؤلاء الذين اتصل بهم أسامة الملك الصالح طلائع بين رزبك، ودار بين الاثنين كثير من المراسلات التي تفصح عن ود مكين بين قلبيهما، وإعجاب كل بصاحبه أكبر الإعجاب، فمضت قصائد الصالح إلى أسامة تدعوه إلى مصر حيناً، وتعتب عليه إيثاره البعد عنها حيناً آخر، وتأخذ عليه أحياناً أنه مقل في رسائله، لا يوالي بعث كتبه، وكثيراً ما حدثه الصالح عما قام به من حروب مع الفرنج، ويطلب منه أن يكون وسيلته إلى نور الدين، كي يجتمعا معاً على حرب الصليبيين، وقد شارك الصالح أسامة فيما نزل به من أحاث قاسية في حياته، وكان الصالح معجباً بمواهب أسامة في الحرب والسلم، ويرى فيه محارباً شجاعاً، وشاعراً مفلقاً، وخطيباً بارعاً، وحكيماً في إبداء الرأي صائباً، ويقول له:
وجهاد العدو بالفعل والقو
…
ل على كل مسلم مكتوب
ولك الرتبة العلية في الأمرين
…
مذ كنت إذ تشب حروب
أنت فيها الشجاع مالك في الطعن
…
ولا في الضراب يوماً ضريب
وإذا ما حرضت فالشاعر المفلق
…
فيما تقوله ولخطيب
وإذا ما أشرت فالحزم لا ينكر
…
أن التدبير منك مصيب
لك رأي مذ قط إن ضعف الري
…
على حاملي الصليب صليب
وهو لذلك يراه من يحمل عبء الرسالة إلى نور الدين، يحرضه على أن يجتمعا معاً على حرب الصليبيين في وقت واحد، حتى تشتت وحدتهم، ولا يستطيعوا الحرب في الجهتين، وذلك كان رأي الملك الصالح. يجهز الاثنان جيشيهما، ويسيران معاً في وقت واحد إلى أرض العدو، وطلب من أسامة أن يبلغ ذلك الرأي إلى نور الدين إذ قال له:
فانهض الآن مسرعاً، فبأمثا
…
لك ما زال يدرك المطلوب
والق عنا رسالة عند نور الدين
…
ما في إلقائها ما يريب
قصدنا أن يكون منا منكم
…
أجل في سيرنا مضروب
فلدينا من العساكر ما ضا
…
ق بأدناهم الفضاء الرحيب
وعلينا أن يستهل على الشام
…
مكان الغيوث، مال صبيب
فهو يعد هنا بالجيوش والمال، ويرى أن اجتماعهما معاً على حرب العدو كفيل بأن يلقي
بهم في البحر، أرسل رسالة إلى أسامة، يقول فيها:
فلو أن نور الدين يجعل
…
فعلنا فيهم مثالاً
ويسير الأجناد جهراً،
…
كي ننازلهم نزالاً
وبقي لنا ولأهل دو
…
لته بما قد كان قالا
لرأيت للأفرنج طرا
…
في معاقلها اعتقالا
وتجهزوا للسير نح
…
والغرب أو قصدوا الشمالا
وقام أسامة بدوره من تحريض نور الدين على الغزو والاجتماع على رأي الملك الصالح، فكتب إليه أسامة يقول:
بلغ العبد في النيابة والتح
…
ريض، وهو المفوه المقبول
فرأى من عزيمة الغزو ما كا
…
دت له الأرض والجبال تميل
وكان رأي أسامة كرأي الصالح في الاجتماع، ووحدة الكلمة، ومضى الملكين معاً إلى الحرب، وقصائده إلى الملك الصالح تحث على هذا التضامن والاتفاق، ولكن ذلك لم يخرج عن حد الأماني، ولو أنه نفذ يومئذ فربما كان قد تغير مجرى التاريخ.
كانت رسائل الملك الصالح إلى أسامة كثيراً ما تصف له ما نزل بالقدس من محن على أيدي الصليبيين، وما اتصف به هؤلاء من الغدر الذي لا يحول بينهم وبينه هدنة تعقد، ولا عقد يبرم، وكثيراً ما تحدثت الرسائل عن وقائع الصالح في الفرنج، وغزواته لهم.
ومضت قصائد أسامة تحمل الثناء على الملك الصالح، وتشكر أياديه، وكان الصالح يبره، ويرسل إليه خيره، ولم يكن أسامة يجد عضاضة في سؤال الصالح ولا الشكوى إليه، كتب إليه مرة يقول:
أشكو زماناً قضى بالجور في، ولم
…
يزل يجور على مثلي ويعتسف
لحت نوائبه عودي، وأنفد مو
…
جودي، وشتت شملي وهو مؤتلف
وقد دعوتك مظلوماً مرتجياً
…
وفي يديك الغنى والعدل والخلف
ومن شكر أسامة له قوله:
والندى طبعك الكريم، فما أهـ
…
ني نوالاً تنيله وتثيب
جاءني والبعاد دوني كما جا
…
بت فيافي البلاد ريح موهوب
وعجيب أن الواهب نسري
…
ويقيم المسترفد الموهوب
- 7 -
ومدح أسامة غير الصالح معين الدين أنر، حاكم دمشق، عندما كان في كتفه، وبعد أن فارقه، وجاء إلى مصر؛ يثني عليه بالجود الذي تعبده، فيقول:
معين الدين، كم لك طوق من
…
بجيدي مثل إطراق الحمام
وحيناً يثني عليه ببلائه في حرب الصليبيين، وانتصاره عليهم فيقول له:
أنت سيف الإسلام حقاً فلافل
…
غراريك أيها السيف دهر
بك زاد الإسلام يا سيفه المخ
…
ذم عزاً، وذل شرك وكفر
ومدح الوزير الأفضل عباس بن أبي الفتوح وزير الظافر، وابنه نصراً على نعمه، وما أولاه من الفضل والكرامة، وفي ديوانه قصيدة لا أدري لمن وجهها، مدح فيها بتشجيع العلوم وتوطيد أركان العلوم، أما رأيه في نور الدين محمود:
فهو المحامي عن بلاد الش
…
ام أجمع أن تذالا
ومبيد أملاك الفرن
…
ج وجمعهم حالاً فحالا
ملك يتيه الدهر والد
…
نيا بدولته اختيالا
فإذا بدا للناظري
…
س رأت عيونهم الكحالا
لكنه أخذ عليه شدة زهده، وحملة الناس على الزهد، حتى لقد أشبهت أيامه شهر الصوم في طهارتها وامتلأت بالجوع والعطش، وأسامة بهذا يدل على رغبة قوية في أن يستمتع بالمباهج الطيبة للحياة.
ومدح أسامة كذلك صلاح الدين، ذاكراً أفضله عليه وعلى الإسلام.
- 8 -
كان أسامة شديد الاعتزاز بنفسه في ميادين القتال، شديد الاعتزاز بأسرته، شديد الثقة بصيرة، وثباته وتجربته، وكان ذلك ينبوع فخره في شعره، فمما قاله مفتخراً بشجاعته:
لخمس عشرة نازلت الكماة إلى
…
أن شبت فيها، وخير الخيل ما قرحا
أخوضها كشهاب القذف مبتسماً
…
طلق المحيا، ووجه الموت قد كلحا
بصارم من رآه في قتام وغى
…
أفرى به المهام ظن البرق قد لمحا
أغدو لنار الوغى في الحرب إن خمدت
…
يا لبيض في البيض والهامات مقتدحا
فسل كماة الوغى عني، لتعلم كم
…
كرب كشفت، وكم ضيق بي انفسحا
وهو يعلم مكانته في السلم رهينة بما يبديه في الحرب من بسالة وإقدام:
إن يحسدوا في السلم منز
…
لتي من العز المنيف
فما أهين النفس في
…
يوم الوغى بين الصفوف
فلطالما اقدمت إق
…
دام الحتوف على الحتوف
بعزيمة أمضى على حد
…
السيوف من السيوف
وفي كثير من شعره افتخر بصبره على المكاره، وأحداث الزمان.
(للكلام صلة)
أحمد أحمد بدوي
مدرس بكلية دار العلوم
الأسس الجغرافية والتاريخية للوحدة اللوبية
للأستاذ مصطفى عبد الله بعيو
(تتمة)
على أن موجة الفتح العربي هذه التي ربطت بين الأجزاء الثلاثة سرعان ما تلتها موجات أخرى عربية كان لها أثر كبير في تدعيم هذه الوحدة الجنسية. ومع ما لإقليم فزان من وقع جانبي بالنسبة لموجات القبائل العربية في طريقها إلى الغرب إلا أن الملاحظ أن الدم العربي يسود القبائل الفزانية. ولا شك أن هذا الأثر لم يصل إلى فزان مباشرة إلا عن طريق طرابلس كبقية المؤثرات السابقة التي أتت من الشمال ومن أظهرها وصول المسيحية إلى فزان في العهد الروماني.
وكان من أهم الموجات العربية التي أثرت في لوبيا هجرة بني هلال وبني سليم وقد أراد بعض الكتاب أن يتخذوا من استيطان معظم قبائل بني سليم في برقة وغالبية بني هلال في طرابلس وتونس مدعاة لاثبات اختلاف التكوين الجنسي لكل من افقليمين؛ ولكن فاتهم أن هذه القبائل جميعها عربية وإن اختلفت في التسمية، ولهذا يستبعد اختلاف تأثيرها خصوصاً وأنها تتحد في الأصل القبلي، إذ المعروف أن بني سليم وبني هلال يتحدون في الأصل بانتمائهم إلى مضر من بادية نجد. ولو كان بنو سليم من عرب الشمال وبنو هلال من عرب الجنوب لكان من الممكن التماس لهذا الزعم ولكنهم جميعاً من أصل وموطن متحد.
على أن هذه الموجات العربية التي أتت من الشرق وربطت بين أجزاء البلاد ما تنعتها موجات أخرى أتت من الغرب وزادت في قوة هذه الرابطة الدموية فمن المعتقد أنه بعد اختفاء المجتمع الإغريقي الروماني بعد الفتح العربي كانت مدينة (برنيق) المعروفة الآن ببنغازي غير مسكونة حتى القرن الخامس عشر الميلادي عندما عادت الحياة إليها من جديد بواسطة المهاجرين من جماعات التجار من مدن الساحل الطرابلسي ومن بينهم أولئك الذين أتوا من مسراطة وقد زاد عددهم على مر الأيام حتى أصبحنا نرى أخيراً في مدينة بنغازي شوارع تحمل أسماء قرى معروفة في مدينة مسراطة فهذا شارع (جزير) وذلك شارع (قصر أحمد) وهكذا وكلها أسماء لقرى ما زالت عامرة بأهلها في مسراطة قد نزح بعض أفرادها إلى بنغازي واستوطنوا حتى أصبح المعروف بين البادية أن كلمة (مسراتي) معناها
ذلك الذي يسكن بنغازي. وربما تكون لغة الأرقام أكثر توضيحاً لارتباط عائلات مدن برقة بأصولها في مدن طرابلس إذا عرفنا أن قرية واحدة من قرى مسراتة متوسطة في عددها لها علاقات عائلية بستة وسبعين شخصاً من أفرادها المقيمين في برقة والذين يتولون بدورهم الإشراف على عائلاتهم الخاصة. وهذه درنة كذلك قد زاد عدد سكانها بإقامة التجار الآتين إليها من المدن الساحلية في طرابلس. وإذا عرفنا أن أهالي مدينة درنة ثانية مدن برقة أهمية ينقسمون إلى (تواجير) نسبة إلى تاجوراء وإلى (مسراته) نسبة إلى مسراته وإلى (ظليتنية) نسبة إلى ظليتن وإلى (قول اوغلية) نسبة إلى أبناء القرى الانكشارية أدركنا النسبة العالية التي ساهمت بها بعض مدن ساحل طرابلس في تكوين سكان درنة. وبهذا الشكل فيما يختص ببقية مدن برقة كتوكرة والمرح وطبرق وغيرها. وما زال هؤلاء النازحون على اتصال بأهلهم وذويهم في المدن الساحلية الطرابلسية والعكس بالعكس. ولنا أن نتصور مدى الصعوبة الاقتصادية والعلاقات العائلية التي يلاقيها سكان البلاد لو تحققت نظرية فصل الإقليمين عن بعضهما.
هذا من ناحية العلاقة البشرية أما إذا درسنا جغرافية البلاد الاقتصادية فإننا نلاحظ أن البلاد تصاب بأعوام الجفاف من سنة لأخرى فتتعرض للهلاك ولكن الملاحظ أيضاً أن سنوات الجفاف إذا حلت فهي في الغالب لا تشمل كل البلاد بشقيها فإذا قلت الأمصار في طرابلس كان مستواها فوق المتوسط أو متوسطاً في برقة والعكس بالعكس. وبمراجعة المجاعات التاريخية التي حدثت في البلاد ندر أن تكون قد عمت جميعاً وهذا مما يخفف من حدة الأزمة ويجعل البلاد تمر منها بسلام كما حدث في سنة 1936 (المعروف بعام ينغازي عند الطرابلسيين) عندما بعث أهالي طرابلس بحيواناتهم إلى برقة، وكما حدث في سنة 1946 عندما اعتمد أهالي طرابلس إلى حد كبير على شعير يرقة. وهذا أيضاً ما نلاحظه في هذه السنة فقد نشرت مجلة بطرابلس الغرب في عددها (121) بتاريخ 9 أبريل سنة 1950 أن قبائل برقة التي على الحدود الغربية أخذت تنتقل بحيواناتها إلى طرابلس نظراً لسوء موسم الأمطار هذه السنة في برقة.
ونحن إذا درسنا الجغرافية الاقتصادية للأجزاء الثلاثة لوجدنا مثلاً فزان تعتمد إلى حد كبير على شعير طرابلس كما أن موانئ طرابلس هي المنفذ الطبيعي لإمداد أهالي فزان بما
يحتاجون إليه وتصدير ما يستغنون عنه أو ما يجلبونه من السودان إذ أن أقرب الموانئ إلى فزان هي موانئ طرابلس الغرب بعكس ما لو اتجه أهالي فزان إلى موانئ تونس والجزائر كما هي الحال الآن.
هذا والإنتاج المحلي لكل من طرابلس وبرقة يجد له سوقاً متبادلة يخفف من ارتفاع أسعار الحركة التجارية وإرهاق السكان مما لو استوردت مثل هذه الأشياء من الخارج.
وعلى أي حال فإن اقتصاديات البلاد كوحدة مجتمعة يمكنها أن تكفي البلاد إلى حد كبير. ولا عبرة بما كانت تطلبه البلاد من إنهاك عام بسبب الحروب والهجرة ولنا في هذه الإحصائية البسيطة مدى ما انتاب البلاد ومدى ما يمكن أن تصل إليه ثروة البلاد مع شيء من العناية.
الثروة الحيوانية لبرقة سنة 1910 الثروة الحيوانية لبرقة سنة 1933
أي قبل الاحتلال الإيطالي
أثناء الاحتلال الإيطالي
713.
000
رأس غنم
98.
00
رأس غنم
546 ، 300
رأس ماعز
25.
000
رأس ماعز
83.
300
جمل
2.
600
جمل
23.
600
بقرة
8.
700
بقرة
27.
000
حصان
1.
000
حصان
ولنرجع مرة أخرى للتاريخ القديم لنرى مدى علاقة طرابلس بفزان؛ فنحن نعرف أن الفينيقيين قد أتوا ساحل طرابلس وأقاموا المدن الثلاث؛ ولا شك أم وجود هذه المدن الثلاث وقيامها لم يأت عفواً بل لعوامل الجغرافية هي التي ساعدت على قيامها لدرجة تجعلنا نعتقد أن قيام هذه المدن كان لابد أن يحدث سواء أتى الفينيقيون إلى طرابلس أم لم يأتوا؛ لأن عوامل قيامها متوفرة وإن شاءت الظروف أن يحدث ذلك على يد الفينيقيين. هذه العوامل الجغرافية التي ساعدت على قيامها كان أهمها الطرق التجارية التي تربط هذه الأماكن بفزان ومنها إلى أقليم السودان. فصبراته مثلاً تقوم في نهاية طريق تجاري إلى الجنوب يمر بفدامس وطرابلس تقوم عند نهاية طريق تجاري قديم إلى الجنوب يمر إما عن طريق ترهونه وإما عن طريق غربان. ولقد كانت هذه الطرق التجارية خير رابط بين فزان وطرابلس وموحد بين هذين الإقليمين منذ العصور القديمة. وإذا كانت تجارة القوافل قد قلت أهميتها في الأعوام الأخيرة فما ذلك إلا لتغلغل الاستعمار الأوربي وفصله بين فزان والسودان، وفي فصل فزان عن طرابلس القضاء النهائي على بقايا هذه التجارة وهدم ركن هام في حياة البلاد الاقتصادية. وكان الأولى التفكير في ضم أقليم تمبكتو إلى فزان حتى تنتعش تجارة القوافل بعد كسادها مؤقتاً لا العمل على بتر فزان من طرابلس، إذ أن الجيوش الفرنسية قد دخلت فزان للتحرير كما دخلت جنود الحلفاء فرنسا نفسها بعد انهيارها أمام الغزو الأجنبي.
وإذا كانت واحة الكفرة على رغم موقعها المنعزل ورغم قلة أهمية تجارة القوافل التي تمر بها بالنسبة لما هو كائن بفزان وبرغم ظروف الحرب الأخيرة فإن الأستاذ يذكر لنا في
كتبه الذي ألفه أخيراً عن واحة الكفرة أن عدد القوافل التي مرت بها سنة 1943 كان 75 قافلة كان عدد جمالها 2250 جملاً فماذا يكون الحال في فزان إذا أحكمت الصلة بينه وبين موانئ الشمال وضم إليه تمبكتو الملاصق للسودان؟
على أن هذه الصلة المتينة التي ربطت بين طرابلس وفزان قد أدركت منذ القدم، ولم يدركها الفينيقيون وحدهم، فبعد أن بسط الرومان سيادتهم على طرابلس اقتنعوا بصعوبة إخضاع هذا الجزء ما لم يتم الاستيلاء على فزان؛ فنرى كورنليوس بالبوس في عهد أغسطس يتولى قيادة حملة هامة لإخضاع فزان. وكم كانت فرحة أهل روما عظيمة عندما عاد إليهم بالبوس منتصراً بعد أن وصل إلى مدينة جرمة عاصمة فزان في ذلك الوقت. وكان الرومان يكررون إرسال هذه الحملات من وقت لآخر لضمان بقاء فزان حتى يضمنوا بقاءهم في طرابلس كما حدث في عهد الإمبراطور تيبروس عندما ذهب القائد فستس على رأس حملة حربية بدأت سيرها من لبرا إلى (بونجيم) فهون ففزان. ولم يتوانى الرومان عن إرسال الحملات إلى فزان حتى يضمنوا خضوعه لهم فأمنوا على طرابلس من الجنوب كما اتخذوا منه قاعدة للوصول إلى أواسط أفريقية.
لا شك أن هذه العوامل الجغرافية قد بينت لنا مدى ضرورة هذه الوحدة كما أننا إذا رجعنا إلى التاريخ وجدنا العصور الذهبية لتاريخ البلاد قد تمثلت لنا عندما كانت موحدة أو أقرب إلى الوحدة. ترى ذلك في السنوات المتقدمة من الفتح العربي، ونرى ذلك أيام حركة أبي الخطاب الأباضي التي لو قدر لحركته أن تستمر لتمت الوحدة على يديه على أتم ما يكون. ونرى ذلك أخيراً في العهد القره مانلي. ولولا وحدة هذه البلاد واستغلال مرافقها مجتمعة ما استطاع أحمد باشا القره مانلي أن يؤسس دولة كان لها من القوة ما أرعب الدول في الحوض الأبيض وما استطاع أبناؤه من بعده أن يسيروا على هذه السياسة ويرفعوا شأن لوبيا.
ولا شك أن البلاد بأجزائها الثلاثة تعاني أزمة خطيرة بسبب قلة السكان وهذه القلة لا تسمح بهذا التقسيم بل تنادي بضرورة التكتل والجمع بين هذه القلة المشطورة. ونحن نعرف من أبسط دروس التربية الوطنية التي تعلمناها في المدارس أن شروط قيام أي دولة هو وفرة السكان بشكل كاف حتى يمكن الحصول منهم على الدخل الذي يكفيها ويمكنها من إدارة
شؤون الأهالي. وحتى يمكن اختيار من يصلح لإدارة شئونها إذ كلما كثر العدد زادت صلاحية الاختيار وقلت مصاريف إدارة هذه الدولة والعكس بالعكس.
وإذا كانت هناك بعض الفروق الجغرافية البسيطة بين أجزاء البلاد الثلاثة فهذه أشياء لا بد منها ولا تخلو منها أي بلاد وهذا الاختلاف البسيط ضروري لحيويتها. وإن لم يوجد لعمل الأهالي على إيجاده لكي يضمنوا بقاء البلاد وحيويتها. على أن هذه الفروق الجغرافية البسيطة مهما عظمت فلن تبلغ ما نراه من فروق جغرافية واضحة بين شمال إيطاليا وجنوبها من حيث الجنس والحياة والعادات والحرف والمناخ وطبيعة التربة. ويكفي أن الإيطاليين أنفسهم يشعرون بذلك ويتحدثون به. وكذلك إذا درسنا جغرافية فرنسا فهي في جنوبها تختلف عن شمالها الغربي وتختلف عن شرقيها من حيث المناخ والسكان؛ فبينما الجزء الجنوبي يتمتع بمناخ البحر الأبيض وسكانه من جنس البحر الأبيض نجد الجزء الشمالي الغربي ممطر طول، العام وسكانه من الجنس النوردي ذي القامة الطويلة. وكذلك تجد الجزء الشرقي ينتمي إلى إقليم وسط أوربا كما ينتمي سكانه إلى الجنس الآلي. أما بريطانيا فيكفي أن تعرف أنها تضم إنجلترا واسكتلندا وويلز. ومع كل هذا لك ينكر أحد وحدة هذه البلاد مع أن الفروق الجغرافية التي تسودها كفيلة بتمزيقها والقضاء على وحدتها. فهذه ويلز بموقعها الجغرافي المتفرق وطبيعة سطحها الجبلي وسكانها الذين يمثلون أقدم الأجناس الذين نزحوا إلى الجزر البريطانية وعقيدتهم الدينية الخاصة بهم التي دفعت الحكومة البريطانية لتدريسها في مدارس ويلز وتخصيص برنامج خاص بها للإذاعة المحلية. وإن كل هذا مما نراه من وحدة الجنس واللغة بأجزائها الثلاث. ولا شك أن العدل والإنصاف يتطلبان المحافظة على هذه الوحدة وتدعيمها ولنا فيما قررته هيئة الأمم المتحدة أخيراً ما يحقق تنفيذها.
مصطفى عبد الله بعيو
خريج جامعة فاروق ومعهد التربية العالي بالزاوية بطرابلس
الغرب
رسالة الشعر
شوك ولهيب. . .
للأستاذ عبد القادر رشيد الناصري
كتبت لشاعرها تقول:
(أنها النغم الهارب من وتر الآلهة، الهاجع في آفاق الخيال. كيف هي لياليك في بغداد أما ليالي في باريس فقلب جريح ودمع مسكوب وسهاد طويل. . عاد الربيع ليبعث النشوة ويلهم الخاطر ويجدد الحياة ويحرك الجماد ولكنني وأنا في سجني لا أحس إلا بمعاني الخريف فليت ربيع دجلة يحرك قيثارتك فتسمعني ولو من بعيد أغاريد الطيور في الخميل النشوان) فأجابها بهذا اللحن الشاحب الكئيب.
يا (هنائي) أنا كالليل سجين الأمنيات
كلفاً بالوهم أقتات بصاب الذكريات
وأغني للأماني السود أشجى أغنياتي
عجباً إذ تسأليني عن مصيري وحياتي
أوما تغنيك أشعاري وفي شعري ذاتي
يا حياتي صرت من بعدك أصبو لمماتي
وتمنيت رمادي لو تقاضى جمراتي
وتمنيت لو أن الصحو يعنو للسبات
يا (هنائي) يا تراتيلي ويا شجو صلاتي
يومك البسام في (باريس) ينعى أمسياتي
لم أعد أحفل بعد اليوم بالروض النضير
ليمت زهري وعطري واختلاجات العبير
ولتبدد عاصفات الريح أكمام زهري
ولتحطم بسياط النار أكواب خموري
وليخلد ما وعى النسيان ألحان الطيور
المثلى همسات الطير في أذن الغدير
أم لأجلي شجع الظل على لحن الخرير
يا غدي يا أملاً يزهو على كر الدهور
ما مصيري إن تولى الموت تدبير مصيري
منذ ركبت البحر نحو (السين) أدمتني الخطوب
وتولاني ذهول - لست أدريه - عجيب
فعلى عيني قطوب وعلى وجهي شحوب
وبكفي ارتعاش. . وبجنبي لهيب
لم تعد - يا صفو أيامي - أماني تطيب
نئت بالأوهام والأوهام شوك ولهيب
وإذا بي بين أحلامي وآمالي غريب
كنت لي يا جنة الأشواق فجراً لا يغيب
وسلاماً باركت زهر أمانيه قلوب
ونعيماً رجعت أصداءه السكرى طيوب
يا (هنائي) أنا والليل كلانا توءمان
وكلانا سرمدي الحزن مفجوع الأماني
وكلانا في مدى الأزمان شؤبوب أغاني
وكلانا حلم طاف بأوهام الزمان
وكلانا لوعة خرساء أوبث دخان
وكلانا موجة أفنى صداها الشاطئان
وكلانا كالغد المجهول مجروح الجنان
وكلانا كاحتضار النور أو لمح ثوان
وكلانا في ضمير الغد أصداء العيان
يا هنائي أنا والليل كلانا توءمان
أنت في (باريس) يطويك سلام أبدي
ويوافيك كأحلامي صبح عبقري
وببغداد رهين القيد ملتاع شقي
أبداً يشجيك من أوتاره شعر شجى
هو لو تدرين والقيد بكفيه أبي
وهو لو تدرين قلب بأمانيه سخي
أنت عطر سكرت من فوحه الدنيا ذكي
وربيع حافل بالطيب مسحور شهي
إيه يا فتاتي والحب لغز سرمدي
حفلت دنياك بالري قلب ظمي
يا ربيعي أنا ما لي أن تجافاني الربيع
ملء كفي من الأحلام شوك ودموع
وجراحات وتسهيد وشجو ونجوع
يا ربيعاً لم تعد تدرك معناه الجموع
أنت في قلبي وإن كان على الأرض الصقيع
أنت في شعري وفي ثغري أغاريد تضوع
لست كالناس متى هاموا تولاهم ولوع
أنا لا أبكي إذا غابت شموس وشموع
لا ولا أشكو إذا لم يك في الناس سميع
أنا إن آين خضوعاً فلمغناك الخضوع
(بغداد)
عبد القادر رشيد الناصري
تعقيبات
للأستاذ أنور المعداوي
حول مشكلة النقد والنقاد
حياك الله وحي أدبك الرفيع وبعد
كان سروري بعودتك إلى تعقيباتك الفطنة الواعية في (الرسالة) الغالية سرور المنصف بعودة الحق إلى نصابه. . . ولم يحملني تعريجك على ديواني الجديد (من نبع الحياة) أن أنقص من فرحتي ذرة واحدة بعودتك إلى عشك الأليف في (الرسالة) لأن الحق عندي لا يتأثر بما قد يثار من غبار.
ولقد كان تعقيبك على مشكلة النقد والنقاد، وتعرضك لنقد الدكتور الأهواني لديواني الجديد مسألة من حق الأهواني أن يدافع عن نفسه فيها، فله قلم وفيه بيان، ولست أدعي الحرص على مركزه كناقد أكثر من حرصه على نفسه.
على أنني تبينت من كلمتك استعدادك لمناقشة الدكتور الأهواني حول ما كتبه عن ديواني (من نبع الحياة) في مجلتي الرسالة والثقافة، ولما كنت أخشى أن يكون حكمك على الديوان حكماً (غيابياً) لأنه فاتني - تقصير - أن أتشرف بإهدائه إليك. . . فإنه يسعدني أن أقدم الديوان بين يديك، راجياً أن يتيح لك من صدق النقد وإخلاص التوجيه ما أعده ضرورياً للكمال الفني.
وإني على ثقة أن مثلك في حسه الفني الأصيل لخليق أن يرحب الكتاب والشعراء بنقده، وأن يلتمسوا بعينه البصيرة ما لم يقع لعيونهم في ساعات التلقية والإلهام.
ولا أزيدك علماً يا أخي بأنني في كتابي (بين سطور) كنت أتوخى الحق دائماً فيما تعرضت له من نقد أساتذة إجلاء وأصدقاء أعزاء، ولكن الحق شيء والصداقة شيء آخر. وآفة النقد عندنا - على وجه العموم - أننا نميل مع الزمام لأحدهما على صاحبه.
فكن كما أعهدك، الناقد الذي يفرق بين الحق والمجاملة. ولا أقول الصداقة، لأن الظروف لم تسعدني بصداقتك. . . وإن كانت صلاتنا الفكرية تجمعنا في إخاء تالد والسلام عليكم ورحمة الله.
محمد عبد الغني حسن
نشكر للأستاذ محمد عبد الغني حسن جميل رأيه ونبيل عاطفته وكريم تقديره. ونبادر فنقول له: إننا حين عرضنا لمشكلة النقد والنقاد في عدد مضى من الرسالة، ولم لم تكن تهدف إلا إلى أن نقف إلى جانب الحق ولو أغضب الحق بعض الناس، وأخرجهم من صنوف الأصدقاء ودفع إلى معسكر الخصوم. . هذا الحق الذي وقفنا إلى جانبه عماد الحرص البالغ على أن تظل القيم منزهة عن الهوى مبرأة من الأغراض، وجوهره الدعوة الخاصة إلى أن يبتعد بعض الناس عن كل مجال لا يحسنون التعرض له ولا يجيدون الحديث فيه!
ودعوتنا إلى تقرير هذا الحق ليست وليدة اليوم حين طالعنا كلمة نقدية عن ديوان الأستاذ الفاضل، وإنما هي وليدة الأمس المسجل على صفحات الرسالة منذ عامين، هناك حيث وردت في مقالنا عن (عناصر الشخصية الأدبية) هذه الكلمات. . (. . . ومن عناصر الشخصية الأدبية أن يعرف الكاتب أين يضع مواهبه فلا يدفع بها إلى ميدان لم تخلق له، وأين يركز ملكاته فلا يوجهها التوجيه العقيم الذي لا ينتج ولا يثمر. عندئذ يجدي التركيز حيث لا يجدي التشتيت، وغني الجهد الذي يبذل في مكانه عن الجهد الذي يبذل في غير مكانه. . . هذا الناثر الذي يعالج نظم الشعر فيخفق، وهذا الشاعر الذي يحاول كتابة القصة فلا يوفق، وهذا القصاص الذي ينحرف بريشته إلى النقد الأدبي فلا يخرج بشيء، وكل هؤلاء ينقصهم هذا العنصر الخطير من عناصر الشخصية الأدبية، ونعني به عنصر الدراسة الخاصة لقيم المواهب والملكات).
قلنا هذا بالأمس ثم عدنا فأدركنا الحديث حول معناه وما زلنا نصر على أن بعض الناس - ومنهم الدكتور الأهواني يقحمون أنفسهم في ميدان النقد وهم بعيدون عما ينبغي له من وسائل، ويكرهون أقلامهم علو وزن الشعر وهم مفتقرون إلى اكتمال الأداة! هذا الحق الذي نقرره بالنسبة إلى الدكتور الأهواني قد سبقتنا إليه (الرسالة) منذ عامين على وجه التحديد يوم أن تعرض الدكتور لنقد كتاب من كتب الأستاذ تيمور وهو كتاب (أبو الهول يطير)، ولقد عقبت (الرسالة) على نقده بهذه الكلمات: (آفة النقد عندنا الترديد والتقليد، فالدكتور الأهواني يردد نغمة قديمة لم يبق لها في الآذان رجع! كان النقاد يأخذون على أسلوب الأستاذ تيمور في نتاجه الأول أنه أقرب إلى العامية في ألفاظه وتراكيبه، فإنتقش هذا الرأي في أذهان الناس، وصرفهم الكسل العقلي عن استئناف النظر فيه بالموازنة والنقد، فلم
يلاحظوا تطور أسلوب الكاتب على إدمان الجهد وكر السنين، ومن الابتذال إلى السمو، ومن السهولة إلى هذا الجمود العقلي أن الناس قد اعتقدوا في كا كاتب من كتابنا وزعيم من زعمائنا، رأياً لا يتحولون عنه ولا يغيرون منه. فلو كان عندنا نقد يجاري التطور، ولنا رأي يساير النهوض، لحكمنا على الكاتب بالقول ما يقول، وعلى الزعيم بآخر ما يعمل. ويظهر أن الأستاذ الناقد يخلط بين السهولة والابتذال فإن السهولة من الصفات الجوهرية للبلاغة، ولا يعيبها على الكاتب إلا جلف بالطبع أو متقعر بالصنعة.
هذا ما عقبت به (الرسالة) على طريقة الأستاذ الأهواني في النقد، ولعل الأستاذ عبد الغني حسن يوافقنا على أن هذه الكلمة الموجزة تغنينا وتغنيه عن كل تفسير وتعقيب. . أما نحن فنوافق الأستاذ الفاضل على قوله بأن تعرضنا لنقد الدكتور الأهواني مسألة من حقه أن يدافع فيها عن نفسه، هذا الحق وما زلنا على استعداد لمناقشة الدكتور فيما كتب، وبيننا وبينه كما قلنا موازين النقد وديوان (من نبع الحياة). ولعله لا يركن إلى الصمت المطبق طلباً للسلامة وإيثاراً للعافية.
ولقد تفضل الأستاذ عبد الغني حسن فأهدى إلينا ديوانه الجديد خشية أن يكون حكمنا على الديوان (غيابياً) كما يقول ألا يشعر الأستاذ الشاعر أنه قد اندفع بعض الشيء فأفلت منه زمام التعبير؟ إننا يا أخي لسنا من هذا الطراز من النقاد، أولئك الذين يحملون أقلامهم لينقدوا كتاباً ولم يقرئوا منه إلا فصلاً أو فصلين، أو ديواناً ولم يقفوا فيه إلا عند قصيدة أو قصيدتين. . لسنا من أولئك، وإنما نحن - في غير ما زهو أو استعلاء - أصحاب النقد الذي يعرف القواعد والأصول على خير ما تعرف القواعد والأصول. ولا بأس من أن نصفح عن هذه الزلة القلمية، نصفح عنها ما دام خلوص النية وسلامة القصد، وهذا ما يؤكد صدق الشعور في كثير من السطور.
ألا فليطمئن الأستاذ عبد الغني حسن إلى أننا أمناء على الحق حرصاء على القيم أوفياء للكرامة العقلية. . وكل هذه الأمور ستكون هي المنهج الذي نسير عليه ولا منهج سواه، هذا إذا قدر للدكتور الأهواني أن يناقشنا فيما أخذناه عليه من شطحات. ولن نتعرض لديوان الأستاذ بنقد أو تحليل إلا إذا أقنع صاحبه بأن يدافع عن نفسه، وما أكثر ما ينتظره في الطريق الوعر من عقبات!
بقيت إشارة الأستاذ الفاضل إلى كتابه (بين السطور) وما جاء بها عن طريقته في نقد الأساتذة والأصدقاء، وهي الطريقة التي تؤمن بالوفاء للأمانة القلمية قبل الوفاء للعلاقة الشخصية. نحب أن نؤكد للأستاذ عبد الغني حسن وتشهد ندوة الرسالة منذ أسابيع - أننا كنا أول المعجبين بمسلكه هذا في النقد الأدبي، يوم أن طالعنا له فصلاً من فصوله النقدية في مجلة الثقافة عن آخر كتاب أصدره الدكتور الأهواني. . . لقد كان قاسياً كل القسوة على صديقه حتى لقد نعت الكتاب بأنه لا نفع فيه ولا غناء! هذا المسلك الرائع في معاملة الأصدقاء قد دفعنا إلى الإشادة به في ندوة الرسالة أمام أناس كان من بينهم الدكتور الإهواني. . ولسنا ندري لم نسى الدكتور (الناقد) ذلك الذي قلناه في تلك الليلة تعقيباً على نقد لأستاذ عبد الغني حسن لكتابه وقد كان توجيهاً له بأن يسير في نفس الطريق! لقد صدق الأستاذ حين قال: إن الحق شيء والصداقة شيء آخر، وإن آفة النقد عندنا - على وجه العموم - أننا نميل مع الزمام لأحدهما على صاحبه. .
حول ذكرى الموسيقار باخ
(سمع بعض مئات من الناس أول أمس في كاتدرائية ستراسبورج قطعاً من موسيقى جون سباستيان باخ، أثناء الاحتفال بمرور مائتي عام على وفاة ذلك الفنان الخالد.
وقد أضيء برج الكنيسة بالأنوار وزينت جدرانها بقطع ثمينة من السجاد، واشترك في عزف الموسيقى عد كبير من فناني فرنسا واركسترا راديو ستراسبورج. وكان هذا الاجتماع حفل الافتتاح بذكرى باخ. ويطول الاحتفال بها أسبوعين كاملين)!
هذا هو الخبر الذي نقلته إلينا (الأهرام) منذ أيام. . . وهو خبر لو رحت تحصي عدد كلماته، لوجدتها، تقل عن الخمسين! ومع ذلك، فأنت لا تستطيع أن تحصي أصداءه في النفس، ولا طلاله في ثنايا الحس، ولا معانيه في أعماق الفكر، ولا رواسبه في قرار الشعور!
أسبوعان ينفقان في تخليد ذكرى. . . ذكرى انقضاء مائتي عام على وفاة فنان. إن القوم هناك لا ينسون الفن، ولا يجحدون الفضل، ولا يشغلون على التهجد في محراب الذكريات. . . كل أيامهم وفاء، وكل غاياتهم مثل، وكل لآثارهم خلود. وهكذا تجد (باخ) حياً في الضمائر، ماثلاً في الخواطر، نابضاً في القلوب. . . ولو انقضى على وفاته قرنان من
الزمان!!
نظرة إلى هنا. . . ونظرة إلى هناك. وقارن بيننا وبينهم. . . بين الذهول والوعي، بين الخمول والخلود، بين الوفاء والجحود، بين القبح والجمال، بين الموت والحياة! ترى هل تجد وجهاً للمقارنة؟ لا نظن. . ولكنه الشيء يذكرنا بنقيضه كلما خطر في البال شرق وغرب. . شرق ينسى الذاهبين من أصحاب الفن بعد شهور، وغرب لا يريد أن ينساهم ولو مرت قرون!
أتذكر يوم حدثناك عن تخليد الأمريكيين لمرجريت ميتشل، تلك الفنانة المبدعة التي ظفرت بالخلود لأنها قدمت إلى العالم قصتها الوحيدة الفريدة (ذب مع الريح). .؟ لقد كان التقدير للكاتبة العظيمة مظهر من مظاهر الكرامة العقلية في الولايات المتحدة، تلك التي يقال عنها إن دوي الآلات فيها قد طغى على صوت الفن، وإن ضجيج المادة قد أخمد سبحات الروح. . أما في فرنسا وغيرها من البلاد الأوربية، فحسبك أن تعلم أنه ما من أديب كبير أو فنان معروف إلا وله تمثال يذكرك به في ميدان من الميادين، أو شارع قد أطلق عليه أسمه، أو دار قد حولت إلى متحف ينتسب إليه. . وما أكثر وسائل التخليد الأخرى التي تقوم بها الهيئات والحكومات.
عندهم هذا كله. . وعندنا الأدباء والفنانون يتضورون من الجوع ويضجون من الغبن، ويصرخون من الإهمال وهم أحياء، فإذا ماتوا. . اكتفينا في إحياء ذكراهم بحفلة تأبين تقام، ودمعة رثاء تذرف، وكلمة أسف تكتب ثم ينسى كل شيء بعد حين!!
قصيدة الشاعر للأستاذ يوسف حداد
قلت لنفسي بعد أن فرغت من قراءة القصيدة المنشورة في العدد الماضي من الرسالة: هذا شعر. . وعندما نقول إن قصيدة الأستاذ يوسف حداد شعر، فإننا نعني تلك الومضات الغادرة (من الأداء النفسي) الذي شرحنا لك بالأمس القريب أصوله وقواعده. ولا نريد بهذه الكلمة أن نطبق مذهب الأداء النفسي على قصيدة الأستاذ الحداد، ولكننا نريد أن نقدم إليه أخلص التهنئة وأصدق الإعجاب، على الرغم من بعض المآخذ التي لم تخل منها قصيدته المحلقة.
إن جناح هذا الشاعر ليعيد في رأينا من الأجنحة النفسية في أفق الشعر العربي الحديث. .
ومن عجب أن هذه القصيدة التي نشرتها الرسالة هي أول أثر فني نطالعه للأستاذ حداد، وأعجب من هذا أننا لا نعرف من أي قطر من أقطار العروبة يصدح بشعره: أهو من لبنان أم من سورية أم من العراق. . . أم تراه من شعراء المهجر؟ سؤال لم نعثر له على جواب، لأن قصيدته المشورة لم تشر إلى موطنه حيث يقيم!
إننا نشعر بكثير من الأسف لأننا لم نقرأ شعراً للأستاذ حداد من قبل، ونشعر أيضاً بكثير من الحرج حين يدور في خلدنا أن بعض القراء قد يعرفونه حق المعرفة، في الوقت الذي لم تتح لنا الظروف أن نعرفه بعض المعرفة. مهما يكن ما أمر فإنه ليسعدنا كل الإسعاد أن يطلع الشاعر على هذه الكلمة، وأن يبعث إلينا بقطوف من شعره لنقضي معه لحظات أخرى معطرة بأرج المتعة الروحية الخالصة!
وللذين يوافوننا ببعض ما يعرفون عن الأستاذ حداد - إذا لم يقدر أن يطلع على هذه الكلمة - تحية ملؤها الشكر العميق.
أنور المعداوي
الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
عودة السفير الأدبي
عاد إلى مصر من أوربا معالي الدكتور طه حسين بك وزير المعارف، يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، بعد الرحلة الثقافية التي مر فيها بروما وباريس وفلورنسا، وفي كل من هذه البلاد كان سفيراً أدبياً لمصر، أدى لها خدمات عملية ورفع رأسها في المحيط الثقافي الخارجي، وليس كل ما أداه في هذا العام جديد، فقد اعتاد كل صيف أن يرحل إلى البلاد الأوربية رحلات، ليست كلها استمتاعاً وتفريج عناء، فهو لا يخلص من مراد نفسه الكبيرة أينما توجه، والجديد في هذا العام هو الأعراض الرسمية التي كان أظهرها رياسته لوفد مصر في مؤتمر اليونسكو بفلورنسا، وقد اعتدنا منذ أنشئت اليونسكو، أن نكون جزءاً من مؤتمراتها، نصنع فيها ما يصنع سائر الأعضاء، يتحدث ممثلونا كما يتحدث ممثلو سائر اليلاد، تكتب بيانات وتلقي خطب وتوزع منشورات ثم يسدل الستار على المؤتمر المنقضي ويظل مسدولاً حتى يرفع من الممثلين في المؤتمر التالي، ولكنا في هذا العام كان ممثلنا طه حسين، الذي سخر من بعض أمر اليونسكو، وحاول أن يرد هذه الهيئة إلى أغراضها وما يليق بها، فنفي النعاس والتثاؤب عن الأعضاء، ولم يغادر مكانه في جنبات المؤتمر، الذي لا يزال منعقداً، أصداء من أحلام الإنسانية وأمانيها في مستقبل ثقافي تهيأ فيه سبل المعرفة لجميع الناس، وتتقارب فيه أفكار الجميع، وهي - كما قال الدكتور - صدور أمر يرجى تمامها، كما يرجى أن يبعث الأمل في تمام عواقبه يوماً من الأيام.
والجديد أيضاً في رحلة هذا العام أنها كانت قصيرة، أعجلته فيها الرسميات وما ينتظره هنا من الجلائل عن أن يأخذ لنفسه قسطاً من المتعة، ولكنه على رغم هذا القصر ومع هذا الحرمان قام بسفارته الأدبية قياماً عرفته مصر فابتسم له ثغرها (الإسكندرية) إذ تلقته الجموع هناك من رجال التعليم وغيرهم بما هو أهله من الحفاوة وروعة الاستقبال.
لقد كان طه حسين عنواناً لمصر في أوربا أمام ممثلي العالم، فكان خير دعاية لها، وكان بشخصيته مصداق قوله في المؤتمر: إن مصر قد سبقت إلى تحقيق الآمال الثقافية التي يسعى إليها الناس في هذا العصر، فهي تحقق الصلة بين الشرق والغرب وهي تأخذ من
الغرب ما تأخذه فتذيعه في الشرق، لأن مصر ليست أثره، لا تحب أن تستأثر بالخير من دون جيرانها.
ما أكثر الذين يسافرون إلى بلدان أوربا وأمريكا من المصريين للمؤتمرات وغيرها، وما أكثر ما تنفقه مصر عليهم، وما أقل ما تجنيه من (نزهاتهم) وما أجدرهم أن ينظروا إلى هذا الرجل الدؤوب، طه حسين، ليتخذوه مثلاً يحتذي في جهوده المتواصلة المثمرة.
معجم فيشر
كان مجلس مجمع فؤاد الأول للغة العربية قد أحال مهمة فحص جزازات المرحوم فيشر إلى لجنة مؤلفة من الأساتذة أحمد العامري وعباس العقاد وإبراهيم مصطفى وقد قامت اللجنة بهذا الفحص وكتبت تقريراً قالت فيه إنها كانت تتمنى أن ترى وسيلة لاتمام هذا العمل العظيم فإن جهد الدكتور فيشر طول حياته في إعداد هذا المعجم جدير أن يسجل وألا يضيع شيء منه، فتأسف اللجنة إذ ترى استحالة تحقيق هذا الغرض الآن لأن الجزازات لم تتم وما تم منها لم يرتب، فالعمل مع ما تم منه لم يزل في حاجة إلى جهد عظيم ليس من اليسير تحقيقه بعد كارثة المعجم بوفاة الدكتور فيشر. واقترحت اللجنة لحفظ هذا الأثر والانتفاع به بما يلي:
1 -
ترتيب الجزازات الموجودة في المجمع.
2 -
السعي لاسترداد الجزازات الناقصة والتي اصطحبها الدكتور معه إلى أوربا.
3 -
أن تفسخ هذه الجزازات بعد ترتيبها وتدون في كتاب جامع ليبقى محفوظاً للرجوع إليه والانتفاع بشيء منه.
4 -
وعلى سبيل الاحتفاظ بقدر الإمكان بآثار الدكتور فيشر تشير اللجنة بأن تنشر المقدمة التي وضعها والجزء الذي راجعه في مجلة المجمع.
وقد ناقش مجلس المجمع هذه المقترحات في إحدى جلساته، فرأى الأستاذ الزيات أن المعجم الكبير الذي يقوم به المجمع يشبه معجم الدكتور فيشر وأن الاختلاف بينهما لا يتجاوز النظام والطريقة، ومن الفرق بينهما أن معجم فيشر يحرص على مراعاة التطور التاريخي للكلمة والمعجم الكبير يميل إلى الاستطراد والحشد.
وعلى ذلك يرى الأستاذ توحيد العمل في المعجمين. وقال الأستاذ إبراهيم مصطفى: إن
المقترح الثالث من مقترحات اللجنة يتضمن المعنى الذي أشار إليه الأستاذ الزيات من الاستفادة بمعجم الدكتور فيشر، ويصح أن نضيف إلى المقترح عبارة (وتكون تحت تصرف يدي لجنة المعجم الكبير)
وبعد نقاش طويل وافق المجلس على قرارات اللجنة، وقد تضمنت القرارات أيضاً، أن ينظر مكتب المجمع في تعيين خمسة من الموظفين لترتيب هذه الجزازات وتدوينها، على أن يتم هذا العمل في نحو سنتين.
المرأة في نظر الإذاعة المصرية
في برامج الإذاعة المصرية برنامج اسمه (ركن المرأة) أكثر ما يذاع فيه عن المأكولات والمشروبات والملبوسات والمفروشات، مثل كيفية صنع (المكرونة بالفرن) و (الحمام المحشي) و (سلطة البذنجان) وكيف تنظمين هندامك يا سيدتي، وكيف تزيلين (البقع) من السجاد. . . إلى آخره وأحياناً يتحدث بعض الأطباء، فيتناولون موضوعات مثل آلام الحمل والعادة الشهرية. . . إلى آخره أيضاً.
وهكذا لا تخرج مواد ذلك (الركن) عن أمثال تلك الضرورات الحيوانية، فلا أدب ولا ثقافة ولا شيء من هذه الأمور التي تخاطب العقل والروح أو تمتع الذوق الفني. كأنهم يرون أن المرأة لا يعنيها غير الأكل والشرب وإزالة (البقع) ولو أنهم كلفوا أنفسهم النظر إلى برامج المرأة في الإذاعات الأخرى لرأوا فيها إلى جانب هذه الأشياء المنزلية ألواناً من الآداب والثقافات تقدم إلى المرأة باعتبارها إنساناً له عقل يحتاج كما تحتاج المعدة إلى الغذاء.
والأمر لا يحتاج إلى خبرة فنية إذاعية كالتي اكتسبها رؤساء الإذاعة أو التي يقال إنهم اكتسبوها من عملهم هنا أو رحلاتهم هناك. . فالمسألة يسيرة جداً ى تتطلب أكثر من أن ينظر أي موظف يعرف القراءة فيما تنشره مجلة الإذاعة المصرية نفسها من برامج الإذاعات العربية الأخرى، وهذا هو العدد الأخير نرى فيه (مراجعة كتاب غربي للدكتورة سهير القلماوي) و (برنامج اختبري معلوماتك للآنسة عناية رمزي) و (المرأة والفنون الجميلة للآنسة نلي نقادي) و (المرأة في الشعر والنثر) وغير ذلك من أمثال هذه الموضوعات.
فهل ترى الإذاعة المصرية أن المرأة (حيوان طابخ!)؟ ولم إذن لا تسمى ذلك (الركن
(مطبخ المرأة)؟
مسرحية عزيزة هانم
افتتحت الفرقة المصرية موسمها الصيفي من أول شهر رمضان الحالي في المسرح الصيفي الذي أعدته في مكان سينما حديقة الأزبكية، وذلك بمسرحية (عزيزة هانم) وهي رواية فكاهية من نوع (الفودفيل) التي يقوم على سوء التفاهم الذي تنشأ عنه المفارقات المضحكة، فعزيزة هانم إنما هي فرس يعالجها الطبيب البيطري الذي أفهم خطيبته أنه طبيب بشري، ويحدث بسبب ذلك ارتباك تفهم منه الخطيبة أن عزيزة اسم خطيبة أخرى للدكتور، ويتبين لها في آخر الأمر أنها من مرضاه. . .
والرواية لا يقصد بها غير التسلية، وهي وإن كانت لا موضوع لها بطبيعة هذا النوع إلا أنها فكاهة راقية لا ابتذال فيها ولا إسفاف، أعني أنها تسلي المثقف وصاحب الذوق من غير أن يصطدم بمناظر متكلفة أو حركات مبتذلة. والرواية حقاً ليست مما يناسب رسالة الفرقة المصرية ولكن عذرها أنها تقدم بضاعة للصيف في الهواء الطلق وأنها احتفظت بجمهور الراقي لعدم الابتذال ونوع الفكاهة.
على أنها ستقدم بعد هذه الرواية مسرحية (مدرسة النساء) اقتباس المرحوم عثمان جلال عن موليير وهي مسرحية فكاهية أيضاً ولكنها تعتمد على الطبيعة الإنسانية في منطقها وتحليلها.
ورواية (عزيزة هانم) أخرجها الأستاذ فتوح نشاطي فأحسن إخراجها وإن كنت آخذ عليه إظهار الفرس على المسرح ولا سيما أن منظرها ليس جميلاً فهي مما يجر العربات وحالتها تستدعي تدخل جمعية الرفق بالحيوان، وكذلك منظر العملية التي أجريت للحمار، فقد كان ذلك مملاً وممجوحاً لا يستريح إليه ذوق المشاهد، وكان يكفي الحديث عن هذه الأشياء في الحوار دون حاجة إلى إظهارها.
والحوار طبيعي ظريف مما ساعد على إجادة الممثلين والممثلات، فقد قام كل من هؤلاء بدوره خير قيام، وخصوصاً حسين رياض وأمينة رزق ونعيمة وصفي وفاخر فاخر، ولا يمنعني عدم معرفة اسم الممثل الذي قام بدور (أبو شوال) عن الإشارة إلى توفيقه في هذا الدور.
عباس خضر
رسالة النقد
المسرحية بين الكتابة والخلق
مفرق الطريق
للأستاذ يوسف الخطاب
يخطئ من يظن أن النقد رصد للأخطاء وتلمس لأوجه الضعف في العمل الفني. فمثل هذا النقد لا يصدر إلا عن ناقد عاجز لا يقوى على مجابهة العمل الناجح، لأن في نجاحه ما يذكره بعجزه، ويؤكد فيه ضعفه. وهذا الضعف من النقاد لا وجود له إلا في مجتمع بدائي يترصد الناس فيه بعضهم لبعض، وعلى عكسهم يكون الناقد الأمين الذي يتحدى جانب القوة في العمل الفني ويفرح بلقاء العمل الناجح ولا يضيق به. ومن هنا حق لنا أن نرحب بالترجمة الفرنسية لمسرحية الدكتور بشر فارس (مفرق الطريق) التي عرفت المسرحية قبل أن تأخذ طريقها إلى المطبعة فمثلت بنجاح على (مسرح الجيب وفكرت الصحف الفنية أن في النية إعادة تمثيلها في سبتمبر القادم. وظهرت هذا الشهر مطبوعة في المجلة العالمية لفن المسرح ونحن نرحب بهذه المسرحية لأنها لكاتب من كتاب الطليعة في النقد والأدب العربي، ومسرحية كانت من أولى المسرحيات الرمزية التي طالعت المكتبة العربية، ومثلت بنجاح على المسرح الفرنسي، وكم تقنا إلى مشاهدتها على المسرح المصري لنحكم أنها للتمثيل قبل أن تكون للقراءة.
وكنا قد يتصدى لنقد المسرحية، أقرر أني أعتمد على النص المطبوع في منا قشة بنائها المسرحي، أما الجانب التمثيلي فقد كفاني مناقشته نقاد باريس، ولنا عودة إليه حين تشهد مصر تمثيل هذه المسرحية كما شاهدتها فرنسا.
وقبل أن أبدأ النقد هناك حقيقة يجب أن نتفق عليها هي أنه إذا كانت الأعمال الفنية تحمل بين ثناياها مقاييس الحكم عليها، وأن الفنان يحدد اتجاهه بحكم ثقافة العصر الذي نشأ فيه فإن المؤلف هذه المسرحية جعل المسألة أكثر تحديداً وإلزاماً حين قدم لمسرحيته بتوطئة طويلة عن الرمزية وطبيعة تناولها لها. ومن هنا أرى أنه من التعسف أن يخضع الناقد الكاتب لاتجاهين هما حتماً مختلفان بحكم الثقافة والجيل.
ونحن محتاجون للوقوف عند التوطئة لنتعرف إلى المسرحية واتجاهها الأدبي الذي يقول المؤلف أنه انتهى إليه بعد جهد ودراسة. وهذه الدراسة متى تجنب المسرحية كل ما ترمي به أكثر أعمالنا الأدبية من شيطانية وارتجال. ثم أن المؤلف لم يدلف إلى ميدان المسرحية الروزية إلا بعد أن عالج الرمزية في القصة والمقالة والقصيدة، فهو لم يصل إليها طفرة بل بطريق طبيعي كالصوفي حين يترقى في مراتب الوجد.
ومن تفسيره الرمزية في أعماله وأعمال الآخرين نعرف أنه من أنصار الرمزية النفسية السيكولوجي الموضوعي. فهي (استنباط ما وراء الحس من المحسوس. . . . يشرك في كشفها الإحساس. . . والإدراك. . والتخيل. .) وبقدر ما تتهم به الرمزية من غموض إلى حد التباس تعريفها على النقاد - حتى لنجد لها عند كل ناقد تعريفاً - فإننا لا نجد تعريفاً أكثر وضوحاً من تعريف المؤلف الذي يجد له سنداً من علم النفس. ويستمر المؤلف في بسط نظريته في الرمزية على هذا الأساس النفسي الفردي فيروي لنا الغاية التي يستهدفها وأنها سعي (وراء العالم الحقيقي عالم المجدان المشرق. . . عالم أمثل. . . يوفق بين الواقع والموهوم).
ثم يصور لنا طريقة الصياغة الرمزية فيقول أنه (يعرض عن الطريقة المألوفة في الكتابة بغية أن يجعل منها ركناً يغلب فيه الارتجال على الصناعة. . وحتى يخلص إنشاءه من الخطابة. والتحليل. . والوصف الواقعي. . . وحتى يسابق الزمن الذي أصبح فيه الإيجاز والإيماء أحب للقارئ العربي من الإطناب الطويل) لذا تراه يجمع في ألفاظ معدودة طائفة من الآراء والتأثيرات.
هذه هي الخطوط الفنية التي ترسمها المؤلف ننتهي منها لنخلص المسرحية ونوضح فكرتها إذا سلمنا بأن المسرحيات الرمزية ذات دلالة ظاهرة لباطن خفي يمكن إيضاحه بتخليص المسرحية كما تجري في الظاهر.
و (مفرق الطريق) كما تصورها الشخصيات بالملابس التي ترتديها، والحي البلدي الذي تدور حوادثها بجوار منازله القديمة تروي لنا علاقة امرأة بشباب أبله تملأ به فراغاً تركه حبيب ذو نزوات حسية نفرتها منه. ويظل الأبله قانعاً بها في صمت، وتظل هي مستسلمة لصمته - وإن كانت دائمة الثورة على هذا الصمت مشغولة بالإحساس القديم، ويأتي حبيبها
الأول فيستعيد أن القصة ويدعوها لأن تذهب معه. وهنا ينبعث الإنسان الكامن في الأبله ويبكي لأول مرة في حياته. فلا يسع المرأة التي تخلصت من كل العواطف الساخنة إلا أن تدع الرجلين يأخذان طريقهما في الحياة العادية وتصعد هي في طريق التجرد من العاطفة البشرية.
هذه هي المسرحية كما ترى في الظاهر: قصة فيها من الواقع أحداث واقعية وأشخاص تنبض بالحياة وفيها من الرمز والإيحاء الشيء الكثير. ولكن الرمزية ليست بواقع الحياة الذي تصوره بل بدلالة هذا الواقع على النفس الإنسانية وتفسيره لمكوناتها المجردة. ولقد قدمنا أن النقاد يختلفون في تفسير الرمزين وأعمالهم ولا عجب. فالرمزية أكثر المذاهب الفنية ذاتية وحاول المؤلفون كساءها بالموضوعية.
ومع هذا فإن الرمزية - مفرق الطريق - تتضح عند عنوانها الذي يحدد طبيعة المسرح الذي تجدي فوقه أحداثها بأنه ملتقى العقل والشعور. ويتضح هذا التحديد في توطئة المسرحية التي كتبها المؤلف. وأخشى أن أقول أن الدكتور بشر فارس وقد مارس النقد خاف أن يأتي مخرج أو ناقد فلا يحسن فهم اتجاهه فقدم المسرحية بتوطئة طويلة وتبين لطبيعة المسرح ورسم للشخصيات ثم عاد مرة ثالثة فرسم المسرح والشخصيات كما تبدو في الواقع مبالغة منه في إيضاح المبهم من الأشياء. ولو رجعنا إلى هذا التبيين نجد أن المرأة تمثل النفس الإنسانية حين تضطرب فيتجاذبها عالم العقل الباطن - كما يمثله الأبله - والعقل الظاهر الذي يمثله حبيبها ذلك الإنسان العادي الذي لا يدرك المعاني المجردة.
هذه هي الشخصيات وما ترمز له من دلالات تجمع بينها الفكرة المسيطرة على الشخصية الرئيسية: وهي الصراع بين العقل الظاهر والباطن وضرورة التوفيق بينهما. ومن هذا الصراع الدفين أخذت المسرحية شكلها الدراماتيكي - وإن كانت المسألة ليست قصراً على الشخصيات والفكرة وحدها، فإن المواقف التي مرت بها لها دلالاتها لأن المؤلف يلونها بفكرته.
ونكتفي بهذا التفسير لرموزه المسرحية لننتقل إلى بنائها المسرحي. وهنا نجد المؤلف يبدؤها بمشهد من التمثيل الصامت يستمر مدة ليست قصيرة فيكسبها الشكل المسرحي الخالص. وهي التفاته فنية إلى طبيعة المسرح التي لا تقتصر على الكلام والحوار، ثم
يعود فيكررها أكثر من مرة.
وإذا ربطنا هذا التمثيل الصامت وصوت الناي الذي يسمع مراراً أدركنا أن المؤلف أراد أن يوفر لروايته كل العناصر الجمالية التي عرفها المسرح منذ نهض عن الإغريق حتى وجود البالية. وهو حين يستخدم هذه العناصر لا يقدمها كإضافات تملأ فراغاً بل كدلالات أصيلة تشارك في الأحداث. ففي المنظر الصامت الذي تبدأ به المسرحية نجد الأبله يمسك عوداً من القصب وبينما يكسره على ركبتيه يشد العود إليه بقوة كان هناك من يريد خطفه. فتسأله المرأة (أيريد أحد خطف قصبك؟) وهنا تكون دلالة التمثيل على الحالة النفسية التي تبدو عليها الشخصية.
وإذا تركنا الصمت الموسيقي اللذين أعانا المؤلف على توضيح فكرته نجد الحوار عنده لا يقتصر على تأدية وظيفته اللغوية فحسب بل تعداها إلى ما هو أهم حين يقف به عند مجرد العرض بل يجعله يشارك في الأحداث باعتبار أن الحدث المسرحي في الرواية الرمزية يدور داخل النفس ولا يتجسد خارجها وأن وسيلة الحديث النفسي الحركة الباطنية التي يعبر عنها الحوار المار. وميزة هذا الحوار أن ألفاظه فيها من الشعر طابع الإيجاز واللطف.
ورغم الجهد الذي تتطلبه هذه المسرحية من الممثل والمخرج بل ومن المشاهد - فأنا نطالب بتمثيلها على مسارحنا باللغة الفرنسية من الفرق الأجنبية التي تأتينا كل من عام من فرنسا. وباللغة العربية من الفرقة النموذجية التي ستقدم عيون الأدب المسرحي.
يوسف الحطاب
البريد الأدبي
تراث الرافعي
نشر الأستاذ منصور جاب الله كلمة بالعدد 783 من الرسالة الغراء تحدث فيها عن كتاب (أسرار الإعجاز) لنابغة الأدب السيد مصطفى صادق الرافعي ساق في آخرها رجاءاً إلى أبناء الرافعي حفظهم الله لكي يقوموا بطبع هذا الأثر النفيس، وكأنه ظن أن هذا ليس في وسعهم فتوجه برجائه إلى معالي الدكتور طه حسين بك وزير المعارف لكي يأمر بطبعه على نفقة وزارة المعارف (حتى يتم به النفع وتتم به الفائدة المرجوة إن شاء الله)
وهذه الصيحة الكريمة يؤيدها ولا ريب كل من يعرف فضل الرافعي على العربية وبلاغتها، ويرجو مخلصاً أن يصغي معالي الوزير، ويحقق للعربية أمنيتها.
وإني بهذه المناسبة أجهر بأمر لا بد من بيانه، وذلك إن تراث الرافعي لما ينشر بعد على الناس كاملاً، إذ لا تزال عشرات المقالات مما أنشأه قلمه البليغ مبعثرة بين جوانب الصحف لم تجتمع في كتاب!
وأذكر أن الرافعي رحمه الله طلب مني في أوائل شهر يوليه سنة 1931 أن أرسل إليه ما لدى من وحي قلمه فأرسلت إليه سبعة وستين مقالة أتممها بما لديه - كما أخبرني - فبلغت أكثر من مائة مقالة! وهذه المقالات الكثيرة لم ينشر منها في وحي القلم إلا بضع مقالات! ولدي الآن غير ما أرسلت إليه أكثر من عشرين مقالة ويوجد نحوها في بطون الصحف وإني أعرف مكانها فأين ذهبت هذه المقالات كلها؟؟
ومن العجيب إنك ترى في آخر الجزء الثالث من كتاب وحي القلم (تم الجزء الثالث من وحي القلم وبه تم الكتاب)!!
هذا هو تراث الرافعي الذي إن لم نعمل على نشره ضاع كما ضاع غيره من ذخائرنا الأدبية والعلمية! فهل يقيض الله له من ينشره على الناس المتأدبين، ليبقى محفوظاً على مر السنين؟؟
المنصورة
محمود أبو ريه
أدب المجون
تناول أستاذنا الجليل صاحب الرسالة في مقالاته الأخيرة الحديث عن (أدب المجون)، فعرض ألواناً من هذا الأدب الماجن، وقص علينا كيف كانت نهاية الشعراء والكتاب الماجنين، كبشار، وأبي نواس من شعراء العرب، وأوفيد من شعراء الرومان، وبودلير من شعراء فرنسا، فقد وجد هؤلاء الشعراء من يردعهم، ويحارب مجونهم، وضلالهم!
وأحب أن أعقب على هذه الأحاديث القيمة بكلمة أعرض فيها لوناً آخر من أدب المجنون، سرت عداوة في صحفنا ومجلاتنا العربية على نحو نشفق منه على الأخلاق، وندعو إلى محاربته درءاً لشروره وآثامه. . .
هناك صحف ومجلات تعتنق هذا المبدأ الماجن، فتملأ صحفها بالمواد التي تخرج القارئ من مطالعتها بدون ثمرة. . . لأنها تدور حول محور واحد. . . هو (المجون)!
ولقد كفت الصحف والمجلات المصرية زمناً من نشر الصور العارية إثر ضجة أثارها الغيورن على الأخلاق من أنصار الفضيلة، ولكن الكثيرين عادوا لما نهوا عنه، فتطالعنا الصحف على اختلاف نزعاتها الحزبية، بالصور الخليعة، تشغل جانباً كبيراً من أعمدتها قد تضن به على مقال أدبي، أو بحث علمي، أو موضوع اجتماعي يعالج مشاكلنا الاجتماعية الآخذ بعضها برقاب البعض!
ولقد جمعني مجلس ببعض أصحاب هذه الصحف ومحرريها، وأبديت لهم وجهة نظري ولكنهم أكدوا لي أنهم إنما يرضون قارئهم!!
إنهم يقولون إن القارئ لا يرضيه أن يشترى مجلة إلا إذا عرف أن هذه المجلة تعني بنشر الصور (اللطيفة)! وفي وسعهم إرضاء قارئهم - الذي يحرصون على إرضائه وتنويع المواد. . . والابتكار في اختيار الموضوعات الطريفة التي لا يملها!
ونعم. . . في مقدورهم أن يرضوا قارئهم فيقدمون له المواد الدسمة، والأبحاث الطريفة، والتحقيقات الصحفية التي تكشف له عن حقائق يجهلها. . . بدلاً من الهبوط بالصحيفة إلى هذا الدرك الأسفل من الانحطاط الخلقي، وحسبنا ما نعانيه من انحلال الأخلاق، وتدهور القيم الخلقية!
ومن المؤلم حقاً أن تجد هذه المجلات من الذيوع والانتشار ما لا تجده غيرها من المجلات التي تؤدي رسالة الأدب الرفيع، والعلم النافع، والفن الجميل!
إننا إذا حاولنا أن نقارن بين نسبة توزيع هذه المجلات وتلك لهالنا الفارق البعيد في الأرقام، ولأدركنا أن (العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول) كما قرر (جريشام) في نظريته الاقتصادية المعروفة!
هذه كلمة سريعة، أوحت إلي بها مقالات أستاذنا الزيات عن (أدب المجون) عرضت فيها لوناً من ألوان الأدب الماجن الذي نلمسه في معظم صحفنا ومجلاتنا المصرية!
فلعل أصحاب تلك الصحف، وحملة تلك الأقلام، أن يعملوا على النهوض بأدبنا وصحافتنا إلى المستوى اللائق بكرامتنا. . وديننا. . وصحافتنا!
بنك مصر القاهرة
عيسى متولي
الأطفال والأفلام
في بريد المحرر بعدد الاجبشان جازيت الصادر بتاريخ
1361950 رسالة من آنسة مصرية هي الآنسة (هدى برادة)
بعنوان (الأطفال والأفلام) تخضع قبل عرضها على الجمهور
لرقابة وزير الداخلية فإنها لذلك ينبغي أن تقسم قسمين. .
الأول الأفلام التي تناسب الأطفال من الثامنة عشرة فما دونها.
. والثاني الأفلام التي يشاهدها الكبار.
وقالت إن بالخارج دوراً للعرض تمنع دخول الأطفال من سن السادسة عشر فما دونها، وتسائلت عن السبب الذي من أجله لا تأخذ مصر بهذا النظام.؟ واقترحت حضرتها أن يكون عرض الأفلام التي تناسب الأطفال من الساعة التاسعة إلى الثانية عشرة مساء حتى
يصبح من العسير عليهم الدخول في هذا الوقت ما لم يستصحبهم آباؤهم. . . بينما تعرض الأفلام الأخرى في الحفلات النهارية والمسائية الأولى. . وذكرت أن الغرض من منع الأطفال من مشاهدة الأفلام البوليسية والأفلام المثيرة كفيلم (جيلدا) هو أنها تترك آثار سيئة في نفوسهم وأنهم يتخذون من أبطالها مثلهم العليا. . وهذا كلام جميل. . وأجمل منه لو حضرة الكاتبة المصرية التي تحتفل كل هذا الاحتفال بالأطفال وتربيتهم عالجت موضوعها في صحيفة مصرية. . وكتبت كلمتها باللغة العربية التي ينبغي أن نعتز بها وتتعصب لها، والتي يمكن أن يفيد منها أبناء جنسها لا المستر هوايت ومسز بلاك من أبناء التاميز فالأمر إذن لا يعدو أن يكون واحد من اثنين إما أن تكون هذه الآنسة المصرية لا تجيد الكتابة بلغة قومها وهذه إحدى الكبر، وإما أنها تجيدها وتؤثر عليها لغة أجنبية تكتب بها ظناً أنها بذلك تدل على ثقافتها ومدى تمكنها من الكتابة باللغة الأجنبية. وليس شك في أن هذا تفكير سقيم لا يصح أن يصدر عن آنسة مثقفة تدرك أن بمصر صحافة مصرية تفسح صدرها لبحث المشاكل العامة والتماس الحلول لها بطريقة قومية.
المنصورة
أمينة رشدي
القصص
قصة من فلسطين
خطيئة
للأستاذ علي محمود سرطاوي
فتحت سلوى عينها على الحياة على مدينة نيويورك، تلك المدينة التي تقوم فيها ناطحات السحاب، والبيوتات المالية التي تعبث بمقدرات العالم، وتسير التاريخ، وترسم له الاتجاه.
وكان والدها قد رحل إلى أمريكا قبل ذلك التاريخ، ووافته الفرصة فجمع مالاً وفيراً، وعاد إلى الوطن يفتش عن عروس في فلسطين أرادها أن تكون أسرته، فبنى بابنة عمه وعاد بها إلى أمريكا.
ولكن الحنين إلى الوطن، والشوق إلى الأهل ومراتع الصبا، جعل حياة الزوجة جحيماً لا يطاق، فما زالت به حتى قنع بالعودة بعد تصفية أعماله.
والحرية في مدينة نيويورك تختلف عنها في الشرق اختلافاً عظيماً، ذلك أن الفتاة والفتى يلعبان طفلين معاً، ويتعلمان شابين ولا يجدان في مسالك الحياة ما يغير ذلك. والتعليم في معانيه يحمل العقل مسئولية الخطأ في الحياة، وينير أمام الضمير الطريق، والفتى والفتاة في الخامسة عشرة يجتازان أشق مرحلة من مراحل الطيش، تلك المرحلة التي يعزف فيها الشيطان على قيثارة الشباب ألحان الجنون، وتصرخ الطبيعة في الجسد الغض بصوتها الذي يزلزل العقل ويدمر الإحساس، ويوقد بأبنائهم وبناتهم في هذه السن المبكرة، والآخذ بيدهم لاجتياز هذه المرحلة الموحشة.
عادت سلوى وهي في الخامسة عشرة من عمرها مع أمها وأبيها إلى أرض الوطن الذي لا تعرف عنه شياً، وإلى الأهل الذين تختلف طباعهم وسلوكهم وعاداتهم عما الفتنة في نيويورك، فرأت نفسها غريبة لا تفهم الناس ولا يفهمونها. تبصر النساء يسرن وقد وضعن على وجوههن أغطية شفافة سوداء فلا تفهم معنى المحافظة على الأخلاق عن طريق الثياب بدلاً من غرسها في صميم الروح.
ومات والدها بعد ستين من رجوعها إلى فلسطين، ولم يترك غيرها فكانت الوراثة الوحيدة
لثروة كبيرة انفق الأب زهرة عمره الطويل في جمعها.
وكانت والدتها صغيرة السن، جميلة الملامح، مر في حياتها شاب بعد وفاة زوجها لوح لها بالحب فخدعها فانقادت إليه أسلمته قلبها وجسدها وحياتها وتزوجا.
وعاشت سلوى في المنزل الجديد، فكانت منقبضة الأسارير لم يرق في عينها زواج أمها، لأن ذكريات أبيها كانت عميقة في روحها، وكان يؤلمها أن ترى إنساناً آخر مع أمها تلك التي كانت قبل عهد قريب أحب الناس إلى أبيها.
وشبع الزوج وارتوت الحيوانية المتغلغلة فيه من جمال الأم، وراح لعلب نفسه المجرمة يسيل كلما رأى سلوى وهي كالوردة العابقة تملأ المنزل سحراً وفتنة وجمالاً وسعادة. وراح يتود إليها ويكثر من المزاح معها، ومن العناية بها، ويطيل في مداعبتها فأدركت الأم ذلك، وشعرت بكيانها ينهار وبعزيمتها تخور، وبقلبها يتحطم، وهي ترى ذلك الذي أسلمته قلبها، ووثقت بشرفه ومروءته ورجولته، يطارد ابنتها، فثار غضبها، وجرحت كرامتها.
وأرسلت سلوى إلى جدتها في مدينة أخرى. وكانت تلك الجدة في الخمسين من عمرها، مات زوجها وجميع أبنائها ولم يبق غير ولد واحد في العشرين من عمره، لا يعمل عملاً، وإنما يعيش مع أمه على ما كانت ترسله أخته أم سلوى لهما من نقود.
وجدت سلوى عند جدتها لوناً جديداً من الحياة الطليقة لم تألفه عند أمها التي كانت تقيد حريتها، فأحبت العيش عندها، إن خالها يملأ فراغها؛ يسيران معاً بين الحقول الخضراء والبساتين المثمرة، ويتسلقان الجبال، ويهبطان الأودية في نزهتهما اليومية، ويلعبان معاً، ويأكلان معاً، وينامان معاً في غرفة واحدة. . والجدة ترى ذلك فلا يداخلها سوء، ولا يمر بخاطرها مكروه، ولا تجد في ذلك ضيراً! أليس خالها؟ أو ليست محرمة عليه وهي ابنة أخته؟
ولكن الطبيعة النائمة في جسديهما قد استيقضت، والجسدان الجائعان - وقد أهاج فيهما الإحساس بالجوع الطعام الغريب الشهي - قد تحررا من قيود الحياء بعد أن كان كل الاحتشام يحول بينهما وبين ذلك الإحساس المدمر العنيف. ولكن اللقاء الدائم والخلوة المستمرة، والتفكير المتواصل، قد استحال إلى حب جارف متبادل بين القلبين؛ فمات العقل في ساعة من ساعات الشهوة العنيفة الطاغية من حنين الجسد إلى الجسد، فنزلا، وقادهما
الشيطان إلى الغواية والخطيئة، وراحا يأكلان من الثمرة المحرمة، والعجوز على مقربة منهما منصرفة إلى صلاتها وأورادها وعبادتها، تدعو لهما وتبارك حياتهما، والنار حولها قد التهمت الأخضر واليابس وقد أحرقت أعز ما عند حفيدتها من طهر، ودمرت القوانين السماوية يد الشيطان الرجيم، وعلى أصوات آي الذكر الحكيم، تنبعث صلاة عميقة من روح العجوز إلى الله.
ومرت الأيام، فشعرت الفتاة بشيء يتحرك في أحشائها، ففاتحت خالها الشاب الأرعن فلم يفهم شيئاً ولم يعنها على فهم ما غمض عليها، ولعله لا يعرف. . . واستمر دولاب الزمن في دورانه فكثر الحنين وظهرت أعراض الحمل. . . وتنبهت العجوز بعد فوات الوقت، ولم يكن بد من ظهور الفضيحة، فحملت الفتاة إلى المستشفى وهناك وضعت طفلة.
واتصل بعلم الأم ذلك الإثم، فجن جنونها، وخولط عقلها، فلطمت وجهها، وهي في إرسال كريمتها إلى جدتها كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولكن بصيصاً من الإيمان العميق بالله وبالقضاء والقدر حالاً بينها وبين الموت. فأخذت طريقها إلى أمها وأخيها وبودها أن تسحقهما سحقاً. لقد انقلبت إلى وحش كاسر تريد الثأر لكرامة ابنتها! ولكن ممن! من أخيها - نعم من أعز إنسان لديها! تريد أن تنتأر لكرامتها الجريحة، والعار الذي لم يسبق له مثيل، والذي سيكون نصيب ابنتها البريئة الطاهرة في الحياة. لكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً أكثر من وضع الطفلة في ملجأ والهرب بابنتها إلى منزلها لتكون تحت جناحيها.
ومرت الأيام وأحست الفتاة بفداحة الإثم الذي اقترفته فكرهت الحياة ونقمت على البشر، أظلمت الدنيا في عينيها فما عادت ترى غير أطياف سود من البؤس والشقاء وما عادت تشعر إلا بتلك الجراح العميقة في قلبها تلك الجراح التي لا تميت ولكنها لا تبرأ منها على حد تعبير اللورد بايرون في ملحمته (الفارس هارولد).
وتقدم لخطبتها شاب متعلم رأى أطياف سعادته تنعكس في عينيها الساحرتين، فأحبها حباً مبرحاً عنيفاً - ولم يكن يعرف شيئاً عن أحزانها ومتاعب روحها وراح يمني النفس بها، وبالسعادة معها. . كان ذلك ما يضطرم به قلب الشاب العاشق الذي كان يزور أمها، ولكن الفتاة وهي ترى حبه العميق بادياً في عنايته بها، وفي سؤاله عنها وفي نظراته لها، وفي رغبته فيها - كانت تعيش في عالم بعيد، لم تحس بوجوده في قلبها، الذي حطمته الآلام
وأصبح لا يتسع للسعادة ولا يقوى عليها.
وتقدم يخطبها، وكان ذلك ما تمنته الأم فرضيت به ولكن الفتاة لاذت بصمت عميق.
لقد مات قلبها ولم تكن راغبة في أن تجر الشقاء معها شاباً أحبها بأقوى ما في القلوب من حس وشعور، إنها لن تحبه. زاحت الأم المسكينة تضع المستحيل لتردها إلى المنطق، ولتزين لها الحياة الجديدة، بعد أن تلاشى الماضي بكل ما فيه من دموع وذكريات.
كانت الفتاة تحب أمها حباً عميقاً فسكتت أيضاً وحسبت أمها أن ذلك إيذاناً بالقبول وزفت البشرى إلى الشاب ففرح فرحاً شديداً وتلق سلوى خطيبها في بشر مصطنع وهو يضع خاتم الخطبة في أصبعها، ويضع قبلة حملها كل ما في قلبه من عبادة وحب شديد على يدها البضة الناصعة البياض. وفرحت الأم فرحاً شديداً وتمت مراسيم الخطبة في الحفل رائع بهيج. وعين يوم الزفاف. ونامت العروس والغد ينتظرها والشاب العاشق يحلم بالسعادة في ذلك الغد بين ذراعيها.
وفتحت الأم غرفة العروس، بعد أن استبطأت نهوضها من النوم، فوجدتها جثة هامدة مضرجة بدمائها وهي في ملابس العرس. لقد قطعت إحدى الشرايين في جسمها لتستريح من آلام الحياة التي حملها عن روحها الموت.
المسيب - العراق
علي محمود سرطاوي