المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 994 - بتاريخ: 21 - 07 - 1952 - مجلة الرسالة - جـ ٩٩٤

[أحمد حسن الزيات]

فهرس الكتاب

‌العدد 994

- بتاريخ: 21 - 07 - 1952

ص: -1

‌علماء!

من مفاليك العامة جماعة انتسبوا إلى علماء الدين كما ينتسب الزوان إلى الحنطة. نالوا شهادة العلم بالغش، ولبسوا شارة الدين بالباطل، وبلغوا مناصب الدنيا بالملق؛ ثم اندسوا في المجتمع اندساس الإثمفي الضمير، أو الداء في البدن، فكانوا في الوحدة مظهر تفريق، وفي النهضة مصدر تعويق، وفي العقيدة مثار شبهة. ثم اتخذوا من دورهم معامل لتفريخ الأكاذيب، ومن ندواتهم وسائل لترويج الشوائع! يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا، ويثيرون الريبة في الذين عملوا، ويقعدون من حركات الإصلاح مقاعد للتربص والتلصص؛ فإذا دعاهم المصلح هبوا في وجهه هبة الريح العاتية على المصباح الهادي؛ وإذا دعاهم المفسد نفحوا قلبه الهادئ نفح النسيم الرخي للنار المشتعلة! ذلك لأنهم لا يختلون فرأسهم إلا في الظلام، ولا يشوون ذبائحهم إلا في الحريق. ينفرون من العبير كما تنفر الجعلان، ويفرون من النور كما تفر الخفافيش، ويموتون من الطهر كما تموت الجراثيم، ويفزعون من الخير كما تفزع الشياطين! أما الروح، وأما الدين، وأما الخلق، وأما الأدب، فهي ألفاظ شأنها في صدروهم كشأنها في المعجم: صفات لا تدل على موصوف، وكلمات لا تزيد على أنها حروف!

المادة في حياتهم الفارغة هي كل شئ. غلفوا بها قلوبهم حتى صدئت منهم النفوس، وأفعموا بها أفواههم حتى تنتب منهم الأنفاس. تم جعلوها قياسا لكل قضية، وسببا لكل حكم، وأساسا لكل نقد، وغرضا من كل عهد؛ فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون!

وقد تسول لهم النفس الغرور أن يلوثوا وجوه الصحف بما يكظ بطونهم من أخلاط الحقد على المصلحين والعاملين فيكشفوا عن سوءاتهم تم يدعوها تزكم الأنوف بالنتن الوبئ، وتؤذي الآذان بالصوت الكريه!

إن من أول وسائل الإصلاح للدين والدنيا أن يكسح هؤلاء من معاهد العلم ومقاعد التعليم كما تكسح الأوحال من الطريق. فإن الباني لا يبني وفي يده مسطرين وفي أيديهم معول. وان الغارس لا يغرس وفي يده مشتل وفي أيديهم منجل. ولولا أبو جهل وابن سلول وشيعتهما من عدو الله لما قال الرسول الصادق الصابر الشجاع وهو يلوذ بأحد الجدر: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس!

ص: 1

وأفظع الأمر أن أولئك كانوا يحاربون وهم يقولون: صدق وإن الكفر خير من النفاق. وإن العداوة أفضل من الخديعة. وإن الصراحة على كل حال عظمة، وإن المراءاة على أي وجه حقارة!

(حسان)

ص: 2

‌التصوف على (البلاج)

للأستاذ أنور الجندي

من أعجب المفارقات أن يذكرني (البلاج) بالتصوف بل لعل غاية العجب أن أكتب هذا الفصل أمام إحدى (كباين) ستا نلي باي. .

وليست هذه المرة الأولى فيما أعتقد، التي تدعو المفارقات فيها مثل هذه الدعوى. .

إننا لاشك نمر بمحنة عنيفة، وتبدأ أطرافها الأولى هنا على البحر وتنتهي هناك في معترك الحرية واستخلاص الحقوق، وإقامة المجتمع الصالح. .

وليس بالإمكان أن يجتمع الخير والإثم معا، ولا أن يشترك الحق والباطل، ولا يمكن أن نواجه المستقبل إلا بنفوس مفطومة من الشهوات وأوضار اللذات. . فإذا لم نستطيع أن نصوغ هذه النفوس، كنا أعجز عن أن نحقق لوطننا أو لبلادنا ما تبتغيه من مجد.

ولا عبرة بما يقوله البعض، من أن النفس الإنسانية تستطيع أن تجمع بين الجهاد واللذة، آو أن بعض المكافحين والمناضلين كانوا في حياتهم الخاصة على غير الصورة المثالية التي كانوا يدعون إليها. .

أن (البلاج) الآن مدرسة ضخمة من مدارس الرخاوة والميوعة والانطلاق، يلتقي فيها الآباء والأمهات والشبان والفتيات والأطفال دروساً على جانب كبير من الخطورة، إنها أبعد أثراً في مستقبل هذا الوطن من مدرسة السينما، أو أقل إنها التطبيق العملي لتلك الصورة المتحركة.

إنني أشك كثيرا في قدرة الشباب الذي اعتاد أن يقضي بضعة شهور من العام في محيط ينضح بالإغراء، وأشترك إلى حد كبير في تلك المناورات التي تقوم على الشاطئ والأمواج وفي الكابينات، أشك كثيرا في أنه يستطيع الصمود يوما لمعركة فاضلة في سبيل الحرية آو الإصلاح. .

وهذه الفتاة وهي النصف الثاني من الأمة، هي الجزء البعيد الأثر في رعاية الزوج وتنشئة الابن، كيف يمكن أن يعتمد عليها، وهي على هذه الصورة من الاندفاع في العباب العنيف.

أنا أومن كل الأيمان بحق الجسم في الرياضة والهواء والماء ولكن ليس على هذه الصورة المزعجة القاسية، التي لا يمكن أن تتحملها نفسية الشباب المراهق، دون أن تدفعه دفعا إلى

ص: 3

اتجاه قد يكون بعيد الأثر في حاضره ومستقبله. .

في الإمكان أن يتاح للأسر وللشباب وللفتيات أن يحققوا جميعاً غايتهم من الاستفادة من الهواء والماء، بطريقة آو بأخرى أما على هذه الصورة، فليس الأمر أمر صحة أو راحة أو إجازة، فان الحياة فوق البلاج ليست باليسيرة على النفوس التي تعيشها، وليست مؤدية بأي حال إلى ذلك السلام آو الاستجمام المنشود. .

وإنما هذه (سوق) يقام، فيه كل أنواع الصراع والصياح والضجيج، وفيه قسوة النزاع النفسي الداخلي، وأسباب الإغراء، ووسائل المتاع الجسدي، واستفزاز الشهوات وتدافقها واندفاعها.

أن الحياة في القاهرة طوال العام ليست إلا مقدمات إلى نتائج لهذه الفترة التي يقضيها الفتى أو الفتاة على البلاج. أنها فترة التحضير والأحلام بالأجساد العارية، والجلسات المائية والنظرات الباسمة، أو هي النتائج القاسية للحظات التي استحكم الشيطان، أو تطامنت فيها الغريزة. .

أن (الحرية) التي يتمتع بها الناس على البلاج (ضريبة قاسية تدفع من الأجساد ومن النفوس ومن الأرواح، تدفع من حساب هذا الوطن، ولا يستفيد بها إلا خصومه، فهي تؤخر نهضته أعواماً، بل أجيالاً. . وهي لا تفسد نفوس الجيل الحاضر فحسب، بل تترك جرائم المرض في أجساد أخرى مازالت يافعة نضرة، فإذا استوت كانت اعجز من أن تقاوم التيار آو تواجه الحقائق. . فإذا ما اصطدمت في (معركة) خرت كليلة واهية.

أن الأمم التي أطلقت لنفسها العنان في ميدان اللهو كانت قد تحررت أولا ونضجت، واستحصدت شخصيتها. . فكان بعد ذلك أن تلهو. . أما (نحن) الذين ما زلنا نكافح ونجاهد ونصارع في سبيل الوجود الذاتي، وفي سبيل تحرير أوطاننا، وإقامة دعائم مجتمع كامل، فإننا في حاجة إلى سواعد قوية مفتولة، ونفسيات قد بلغت غاية السمو والكرامة والعزة، نفوس قد فطمت عن الشهوات، وترفعت عن الصغائر، وتسامت عن النزوات، فحفظت كيانها الروحي والنفسي والعقلي قويا عالياً. . ولاشك أن مدرسة (البلاج) تتعارض مع هذا النوع من الشباب تعارضاً كاملا، بلى أنها من أسباب القضاء عليه. . أنها تمده بالمادة السامة التي تحطم البقية الباقية. . فلا تدعه يسطع يوماً، أو يقف موقفاً حاسماً آو يصمد في

ص: 4

جولة حامية.

ولعل هذه المعاني هي التي جعلتني أفكر في (التصوف). . التصوف المستنير الذي عرفه عمر وعلي والحسن البصري والجنيد. .

هذا الذي يرتبط فيه الزهد في مغريات الدنيا بالقدرة على مواجه الحقائق. .

فليس شك أن الرجل (الجنتيل) الذي لا يستطيع أن يجهز بكلمة الحق، هو في الأغلب رجل غلبت علية المطامع الدنيوية، فهو يجامل ويتملق ويسمع ما يكره، ويخفي آراءه الخاصة، حتى لا تنشأ خصومة مع فلان آو فلان، ممن قد تضطره الحياة يوماً إلى أن يلجأ إليه. . وبهذا يظل إمعة، ومصدر هذا أن متاع الحياة قد وقذه، فماتت في نفسه روح الجرأة والشجاعة الأدبية.

أما الصوفي الزاهد الذي استهان بالدنيا واحتقرها، فهو أجرأ الناس في قول كلمة الحق، ونقد ما يراه.

ولذلك عرف المتصوفة بالجرأة على الزعماء والأمراء والحكام يجبهونهم بكلمة الحق، ويقولنا سافرة جريئة ولا يبالون. . لان الحياة هانت فلم يعد يخيفهم الحرمان منها، ولأنهم قد استخفوا بزخارفها، وانمحت من قلوبهم مطامعها، فأصبحوا يرددون مع الصوفي القديم (أن قتلي شهادة، وسجني خلوة، وتغريبي سياحة).

والتاريخ يذكر شعيبا والفضيل بن عياض وعطاء وأبي حازم وبن السماك وعمارة بن حمزة والأوزاعي، بأنهم كانوا زهادا صوفية، وقفوا مواقف الجراءة في تذكير الخلفاء بعيوبهم وأخطائهم، ورفضوا ما يقدم لهم من أعطيات أو هدايا، وكان الخلفاء من سليمان إلى المنصور إلى الرشيد إلى المهدي يسمعون نصحهم بقلوب واجفة، ونفوس متأهبة لقبول النصح.

وعندما وضع الغزالي أصول التصوف، نصح الصوفية باعتزال الأمراء والحكام والانصراف عن موائدهم، حتى يكون لديهم الشجاعة ما يكفيهم لأداء رسالتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ونحن في حاجة إلى مواجه التصوف، حتى نوازن ذلك الخطر (البلاجي) وقديما كان التصوف يغزو ميادين الحياة عندما يجنح الناس إلى الترف والغنى، وينصرفون إلى

ص: 5

الأمصار ويكونون الثروات، فكان بذلك عامل (سد الفراغ) كما يقول المتحدثون.

ويرمى التصوف في صميمه إلى القناعة ونفض اليد من البر بق وشغل القلب عن المتاع، والانصراف عن زخرف المال والنضال إلى ما هو أسمى منه. .

والتصويف في غايته يدعو إلى القصد من متاع الدنيا، رجاء متاع الآخرة، والانصراف عن كثير من حلال المتاع خوف الوقوع في حرامه، ويهدف إلى حرمان النفس مما تتطلع إليه مما في أيدي الناس.

وكان هؤلاء الصوفية أنفسهم يحملون السيف إبان الغزو، فإذا انتهى الجهاد بالسيف عادوا إلى جهاد النفس وإخلاص النية لله.

وليس شك أن انصراف النفس الإنسانية في بعض العهود عن التصوف هو الذي أرخى العنان لهجمات التتار والصليبيين، وكان عاملاً فعالا من عوامل الهزيمة، إذا واجهت هذه القوات التي كانت تحمل فكرة معينة، جيلا مريضا رخوا قد أضرت به الرغبات وقتلت قوته وصلابته، فلم يستطيع أن يقف أمام الجحافل المغيرة أو يردها، فلما برز مرة أخرى الرجال الذين أشربوا روح الصوفية الحقة أمثال الشهيد نور الدين زكي وغيرهم أمكن مقاومة العتاة وسحقهم، واستعادة مجد البلاد.

هي الصوفية الناصعة الصافية التي كانت تعتصم باحتقار المغانم والأموال والجاه، في سبيل الله، وترى رجالها فوق سروج الخيل، وأطباق الماء وأعماق الصحراء.

أن نظام الفروسية في ذاتها الذي اقتبسه الأوربية نظام صوفي، ونظام الصفوة القائم على الكرم والسخاء والشجاعة والمروءة نظام صوفي، وهي تهدف في جملتها إلى أن يجرد الفرد نفسه للأمة، فيعيش للجماعة ويعيش للفكرة، ويعيش للمثل الأعلى. ولا شك أن روح الصوفية الخالصة هي التي دفعت أبي حنيفة عن أن يقبل القضاء، وهي التي أدت إلى أن يجلد مالك ويعذب احمد بن حنبل.

فلست اقصد بالتصوف، ذلك الزاهد والاعتدال والاعتكاف، فليس هذا من الإسلام في شيء. أننا نمر بمرحلة (الضرورة) من تاريخ الوطن، وهي تقتضينا أن نكون جنوداً قد أعدو أنفسهم لاحتمال أعباء ضخم طويل المدى، من شأن هذا الكفاح أن نعد له أنفسنا بالتربية الروحية، التربية التي تستدعي صلابة وقوة الاحتمال والقدرة مواجهة الخطوب.

ص: 6

ولن يتيسر هذا للشباب الذي يئد شبابه ورجولته ووقته ويصرفها على غير وجهها.

نريد ذلك التصويف الذي تحس النفس فيه بالقوة آو غزوات الأغراء، والاستعلاء أما اللذات والشهوات التصويف الذي يدفعنا في الحياة كراما، نعمل ونجاهد ونواد الخطوب، فنصبر لها ونقاومها، ولا نهزم أمامه ولا ننهار

إستانلي باي

أنور الجندي

ص: 7

‌عود على بدء

الاستعمار البريطاني في الملايو

عرض وتحليل

للأستاذ محمد جنيدي

هناك في الشرق الأقصى على بعد آلاف الأميال من قلب العالم الإسلامي يربض شبه جزيرة الملايو ربضة الأسد المتحفز للوثبة الكبرى للتحرر من قيود الذل والاستعباد.

هناك وعي قومي منبعث من النفوس الحرة، ثائر على الأوضاع الاستعمارية. يمثل القوى القومية المناهضة للقوى الاستعمارية. يضع الخطوط الرئيسية الأولى لبرنامج قوى لإعداد قوى الأمة لجهاد طويل مرير، وكفاح شاق عنيف. تسفك خلاله دما زكية، وتبذل أموال طائلة، حتى يتحقق الأمل القومي المنشود.

لقد أتقضى أكتر من ثلاثة قرون للحكم البريطاني في الملايو تخللتها تطورات في أنظمة الحكم، وتغيرات في شؤون المال والاقتصاد. ولا يزال الحكم البريطاني فارضاً سلطته على الشعب الملايوي مستغلا جهوده. وملايا قطر شرقي يقع في جنوب شرق أسيا، يطل على المحيط الهندي. اشتهر في العصر الحديث بإنتاجه الزاخر من المطاط والقصدير، وبقاعدته الحربية (سنغافورة) واهم إنتاجه المعدني القصدير. وفي جزيرة سنغافورة القاعدة الحربية البريطانية اكبر مصفاة لتصفية القصدير الخام في العالم تملكها الشركات البريطانية. ير د القصدير الخام على الناقلات البحرية من سائر أنحاء العالم لتصفيته ثم تصديره إلى الأسواق العالمية. وأما أهم إنتاج ملايا الزراعي فهو الأرز. وتنتج غاباتها الكثيفة أنواعا مختلفة من الأخشاب. ويصدر المطاط والقصدير والأخشاب وزيت جوز الهند والأناناس والكوبرا إلى البلدان الأجنبية. وتستغل الشركات البريطانية والأوربية والصينية المزارع الواسعة التي تفيض بأحسن المنتوجات. ويتحكم البريطانيون في إنتاج المطاط وفي تقرير سعره. والمطاط هو الدافع العظيم لبقاء بريطانيا في الملايو. فقد تخلت عن بعض مستعمراتها في الهند الشرقية لهولندا إزاء تنازل هولندا عن بعض مستعمراتها في الملايو. . . ففي عام 1824 تنازلتبريطانيا عن ولاية في جزيرة سو مطرا لهولندا

ص: 8

وتخلت هولندا لها عن مقاطعة في الملايو. ويظهر لنا من خلال هذا التبادل مدى اتحاد الحكومات الغربية في سبيل استبعاد الشعوب الشرقية الضعيفة. وفي سبيل الاستعمار والاستغلال تأتلف القوى الغربية الحديثة وتقف جبهة متحدة أمام القوى المناوئة لها. وأبرز مظاهر التعاون الاستعماري الغربي الحديث: الحرب الكورية والقتال في الهند الصينية والحركات العسكرية في الملايو. فقد اتحدت الدول الاستعمارية الكبرى على القضاء على الحركات التحريرية المنبعثة من البلدان الشرقية التي لا تزال تتجرع علقم الاستعمار الغربي. كما تعاونت تعاونا تاما فيما بينها على احسن الطرق التي يجب على كل منها أن تتبعها إزاء توارت الأفكار الحرة التي تطالب بالحرية والاستقلال ولا تزال نيران المعارك التحريرية مندلعة في أنحاء الشرق للقضاء على الاستعمار الغربي.

بدأ الاستعمار البريطاني في القرن السابع عشر يبسط نفوذه على الملايو. فقد مهدت (شركة الهند الشرقية) البريطانية السبل أمام الحكومة البريطانية لاستعمار الملايو. والاستعمار البريطاني للملايو بدأ أولا عن طريق الفتح الاقتصادي حيت تغلغلت شركة الهند الشرقية البريطانية في حياة الشعب الملايوي الاقتصادي. وغدت المرافق العامة في قبضتها، واستغلت جهود الشعب الملايوي في الإنتاج، كما استغلت سوء الحكم الإقطاعي الذي تميز به ذلك العصر في ضم الحكام البريطانيين إليها. حتى تركزت قدمها وانتشر نفوذها. وغدت الحياة الملايوية الاقتصادية تحت إشرافها. فرجال الاستعمار البريطانيون رجال ذوو خبرة وكفاءة ممتازة في أعمالهم، وذوو معرفة بعلم النفس استعملوا كل وسائل الأغراء والنفاق في جذب النفوس واستمالتها، والوسائل الاستعمارية البريطانية قد وضحت لدى الشعوب الشرقية، ورغم معرفتها لها، فإن التدخل البريطاني في شؤون الشرق لا يزال مستمراً، وإذا حققنا الأسباب التي جعلت بريطانيا تتدخل في شؤون الشرق منذ ثلاثة قرون إلى اليوم. برزت لنا من خلال هذه القرون الطويلة مآس دامية طوحت بالمثل الإنسانية العليا وبالكرامة والشرف، فصفاء القلب، ونقاء النفس، ونزاهة العمل، مفقودة عن بعض الزعماء للشرقيين الذين نصبوا أنفسهم زعماء على شعوبهم، فأصيبت بلادهم وشعوبهم بالخسران المبين جزاء لما اقترفوه من أثم. ثمكانت الطامة الكبرى. والبلية العظمى. بلية الاستعمار والاستعباد. ولم يدر بخلد الزعماء الشرقيين أن يدرسوا حياة القادة الأوائل الذين

ص: 9

أقاموا صروح المدينة الشرقية التي غابتها سعادة الإنسانية وخدمة البشرية، فاحتفظوا بحرية أوطانهم قرونا عديدة، حتى انهارت ممالكهم بخروج خلفهم عن السياسةالمرسومة التي وضعت لحفظ تراث المدينة الشرقية، أو يدرسوا حياة القادة الغريبين الذين فرضوا نفوذ حكوماتهم على الشرق، وكيف كانت نفوسهم تسموا على الصغائر. . لكن تصفو قلوبهم، وتنقى نفوسهم من ادرأن الحكم. فيسعوا متحدين لخلق قوة شعبية تناصرهم في منع التدخل الأجنبي في شؤون أوطانهم. وهذه الأمور المعنوية هي السبب الذي أوقع البلاد الشرقية تحت الاستعمار الغربي. وأوقع الملايو ضمنها. وملايا - كما عرفناها - قطر صغير مقسم إلى عدة أقسام يشرف على كل منها حاكم يلقب بالسلطان كان يحكم بلاده حكما إقطاعياً. وقد زال هذا الحكم بانتشار الوعي القومي بين الشعب الملايوي، وبانتشار النفوذ البريطاني في مصالح الدولة.

أوجد الاستعمار البريطاني في الملايو إصلاحا عمرانيا. فقد جيش الوطنيين في إصلاح الطرق وإنشاء الكبارى. واستغل جهودهم في التعمير والبناء. فخطوط السكك الحديدية تقطع ملايا من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غر بها. وغدت بعض بلدانها مراكز هامة للتجارة الدولية. وقد اشتهرت (سنغافورة) خلال القرن الرابع عشر بمركزها التجاري للشعوب القاطنة على سواحل المحيط الهادي والهندي. واستمرت شهرتها التجارية حتى الآن، كما اشتهرت بمركزها الإستراتيجي. وفي سنغافورة جاليات أجنبية كثيرةمن شعوب مختلفة. هاجرت أليها ابتغاء المعيشة. وفتحت بريطانيا أبوابها أمام شعوب العالم لتغدو مدينة تجارية حرة في الشرق الأقصى. ثم اشتهرت بعد سنغافورة (ملقا) في القرن السادس عشر، وأصبحت مركزا تجاريا دوليا وخشيت بريطانيا أن تنافس ملقا جزيرة سنغافورة من ناحيتها التجارية فأغلقت أبوابها أمام التجارة الدولية. وأمست ذات مركز تجاري ثانوي. . ولا نغمط الاستعمار فضله في إنشاء ملايا وتعميرها؛ فقد قبل الاستعمار الأوربي قطعة ارض تمسها يد الإصلاح. ولما دخلت في عهد الاستعمار الغربي أحالها إلى قطعة جميلة توفرت فيها وسائل الترفيه والكمال. وغدت مدنه الكبرى في مستوى البلدان الراقية في الشرق ولم يعمل الحكم البريطاني على نشر الثقافة والتعليم بين الشعب الملايوي. ويعد القارئ الكريم أن من مبادئ السياسة الاستعمارية الغربية في الشرق عدم نشر التعليم بين

ص: 10

المستعمرين لان العلم والاستعمار لا يتفقان. وأما التعليم الذي نشره الاستعمار البريطاني في ملايو فهو تعليم بسيط لفئة قليلة من الوطنيين لخدمة الحكم البريطاني في مصالح الدولة. وسنتكلم في نهاية البحت عن الثقافة في الملايو منذ بدأ الحكم البريطاني فيها. وعن مجهود الوطنيين في نشر التربية الوطنية والثقافية بين مواطنيهم.

تنقسم ملايا طبيعيا إلى إحدى عشر ولاية ومقاطعة وهي: =

1 -

سنغافورة2 - ملقا3 - بيراك4 - سيلا نجور5 - نجرى سبيلان 6 - فاها نج7 - كد 8 - ييرليس 9 - كلانتان10 - ترنجانو11 - جوهور.

وقد قسمتها الحكومة البريطانية إلى ثلاث وحدات سياسية كل واحدة منها منفصلة عن الأخرى تمام الانفصال. ولكل منها حكومة محلية يشرف عليها مستشار بريطاني يتصل بالمندوب السامي البريطاني وهذا يتصل بوزارةالمستعمرات البريطانية وهذه الوحدات هي: -

1 -

مستعمرات البرفاز وتتكون من ثلاث مقاطعات هي: - (1) سنغافورة (2) فينا نج (3) ملقا وهذه المستعمرات ليس لها سلطان وطني لذلك اعتبرتها بريطانيا فيما بعد من ممتلكاتها فيما وراء البحار.

وهذه المستعمرات متقاربة فيما بينها، والحركات التجارية فيها، عظيمة، ويمكن اعتبارها من البلدان التجارية الهامة في جنوب شرق أسيا، وقد جعلها الاستعمار البريطاني مراكز دولية في الشرق الأقصى، ففيها جاليات أجنبية كبيرة، وفيها مؤسساتها والاقتصادية، والحياة فيها تقوم على شؤون التجارة الدولية.

2 -

ولايات ملايا المتحدة وتتشكل من أربع ولايات كبيرة هي: - (1) بيراك (2) سلانجور (3) نجرى سبيلان (4) فاهانج والرئيس الوطني لكل ولاية هو السلطان وفي عام 1909 - أنشأت الحكومة البريطانية لهذه الولايات مجلسا اتحاديا للأشراف على شؤون الولايات العليا، ويرأسه المندوب السامي البريطاني، وقد اختبر أعضاؤه من سلاطين الولايات الأربعة المتحدة، ومن كبار الأعيان فيها، ومن البريطانيين والصينيين الذين ليسوا في خدمة الحكومة المحلية، وقد أظهر سير الحياة في الملايو أن هذا المجلس ما هو ألا صورة خيالية أرادت به بريطانيا أن تظهر للملايويين مسايرتها الذي يحدث في

ص: 11

ملايا.

3 -

ولايات ملايا اللا متحدة وتتكون من أربع ولايات هي (1) كدة (2) برليس (3) كلانتان (4) ترنجانو، ولكل ولاية من هذه الولايات سلطان وطني عليها. ويذكر التاريخ الحديث أن ولايات (كدة وكلانتان وترنجانو) كانت خاضعة لمملكة سيام البوذية، وفي عام 1909 عقدت بريطانيا وسيام اتفاقية بمقتضاها انضمت هذه الولايات الثلاثة تحت علم الاتحاد البريطاني وأمست خاضعة للحكم البريطاني، وسميت بولايات ملايا اللا متحدة، ثم في عام 1914 - انضمت ولاية (جوهور) إلى الولايات الملايوية اللامتحدة، وقبلت مستشارا بريطانيا لها، وهذه الولاية في مقدمة الولايات الملايوية تقدما وعمرانا.

لنلق نظرة خاطفة على التقسيمات الإدارية التي أجرتها بريطانيا في ملايا لنستشف من ورائها ما تخبئه السياسة الاستعمارية البريطانية من غايتها تقسيم ملايا إلى ثلاث وحدات سياسية، لكل منها أسلوبها الخاص في سياسة الحكم.

أن سياسة فرق تسد لا تزال الحكومة البريطانية تتبعها في مستعمراتها، فهذه التقسيمات الحكومية لملايا حاجز منيع أرادت به بريطانيا أن تضع ستارا بين كل ولاية وأخرى يضعف العلاقات القومية بين كل منها. فتصبح الولاية غريبة عن الثانية. ليس هناك عامل قومي يربط بين سكانها وأوجدت السياسة الاستعمارية البريطانية بجانب هذه التقسيمات الإدارية حصارا شديدا على للملايويين منعهم عن مباشرة حقوقهم الشرعية في إنشاء المؤسسات السياسية والثقافية التي تهيئ الشعب لحياة الحرية والاستقلال، فمنذ بدأ الحكم البريطاني للملايو إلى أن وضعت الحرب العالمية الأخيرة أوزارها كان الاشتغال بالسياسة محرما على الشعب الملايوي. ولما بدأ الاحتلال الياباني للملايو في فبراير عام 1942 نفخ اليابانيون في أبواق الدعاية اليابانية (آسيا العظمى) و (الرخاء الآسيوي) فدب النشاط الفكري في المجتمعات الملايوية: وأقبل اليابانيون على تدريب الشبان للملايويين على الأعمال العسكرية: فشعر الملايويون بحياة جديدة أساسها التقشف والخضوع.

لقد نهجت الحكومة البريطانية هذه السياسة في إدارة شؤون الملايو. وهي سياسة استعمارية بحتة تتناف مع الحياة في عصر النور.

كنا في ديسمبر عام 1941 والقوات اليابانية تكتسح القوات الاستعمارية في الشرق الأقصى

ص: 12

وتطردها عن هذه البقعة التي يسيطر الاستعمار الأوربي منذ ثلاث قرون. فالقوات اليابانية الصفراء تنتقل من نصر إلى نصر في معاركها ضد القوات المتحالفة في الباسيفيك وفي جنوب شرق أسيا. وفي 8 ديسمبر عام 1941 قذفت القوات اليابانية السائرة نحو جنوب أسيا أول قنبلة على (سنغافورة) تم تابعت سيرها على الملايو لإقصاء القوات البريطانية عنها. وفي 15 فبراير عام 1942 وهو يوم تاريخي في حياة الاستعمار البريطاني في الشرق الأقصى عقدت وثيقة تسليم سنغافورة إلى القوات اليابانية حيت اجتمع الجنرال مع الجنرال الأول ممثل من الحكومة البريطانية: والثاني عن الحكومة اليابانية في ووقعا على وثيقة تسليم ملايا إلى القوات اليابانية وغدت ملايا محتلة يابانية.

لقد دخلت ملايا في عهد جديد من حياتها العامة فالسلطات اليابانية المحتلة فرضت نظامها العسكري على الشعب الملايوي ذلك النظام الذي أحال الحياة في الملايو إلى جحيم.

ضمت الحكومة اليابانية الملايو إلى جزيرة سو مطر. وكونت منهما دائرة واحدة لها حكومة خاصة تحت أشراف قائد عسكري. ولما صفيت الملايو من القوات البريطانية، وانتشى اليابانيون بخمرة النصر، واصبحوا سادة الشرق الأقصى قدموا بعض الولايات الملايوية هدية إلى مملكة سيام البوذية جزاء للأعمال الجليلة التي قامت بها سيام نحو القوات اليابانية خلال زحفها إلى الملايو. فعندما كانت المعارك الطاحنة تدور بين القوات اليابانية والقوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأخيرة في الشرق الأقصى لم تجد القوات اليابانية منفذا لها لاكتساح الملايو. فأفسحت سيام المجال أمامها بالدخول من أراضيها والتغلغل في الأراضي الملايوية. وجزاء لهذه الخدمة الحربية التي قدمتها سيام لليابان سلمت الحكومة اليابانية ولايات (كدة. برليس. كلانتان. ترنجانو) الملايوية إلى حكومة سيام لتستعمرها وتستعبد أهلها. . .

دار الزمن دورته ودارت عجلات الحياة في الملايو تحت احتلالها. فقد قامت بأعمال تتضاءل أمامها أعمال الشياطين. . . وفي 10 أغسطس عام 1945 ترنح ذلك القزم الشرقي الجبار تحت تأثير قنبلتين ذريتين ألقيتا عليه واستسلم للقوات المتحالفة. وهنا تتحرك السياسة الاستعمارية البريطانية لوضع نظام الحكم الجديد للملايو. ففي 15 سبتمبر عام 1945 بسطت السلطة العسكرية البريطانية نفوذها على الملايو. وعاد الشعب الملايو

ص: 13

تحت الاستعمار البريطاني مرة ثانية. .

وهنا نتساءل لماذا خضع الشعب الملايوي للاستعمار البريطاني مرة ثانية؟

هناك عدة أسباب هامة أجبرت الشعب الملايوي على قبول الأمر. بوقوع بلادة مرة ثانية تحت النفوذ البريطاني وتتلخص هذه الأسباب فيما يلي: -

1 -

أن الجيش البريطاني قد بدأ بغزو الملايو قبل الغزو الياباني، وأنه تكمن من احتلال بعض مناطقها وفرض سلطتها عليها.

2 -

أن الشعب الملايوي فقير في الرجال والقادة الذين يثبتون أمام الكوارث والخطوب. يقودون أمتهم لخوض غمار معارك التحرير، ويقفون أمام المستعمرين يناضلونهمويكافحونهم في ميدان السياسة والاقتصاد.

3 -

أن الجيش الياباني لم يترك سلاحه في الملايو كما في بغض البلاد التي احتلها. فأصبح الشعب الملايوي أعزل من السلاح.

4 -

أن في الملايو أكتر من مليون صيني. وهؤلاء يكونون جبهة متحدة للمطالبين بسيادتهم على الملايو. وهم رجال تجارة وأعمال.

5 -

أن الشعب الملايوي تنقصه الدعاية الخارجية لعرض قضيته أمام العالم الحر، وجذب عطف الشعوب المحبة للحرب إلى جانبه.

6 -

أن القيادة الداخلية للحركات التحريرية لم توسع نطاق أعمالها في جميع أنحاء الملايو لكي ينصف الشعب الملايوي في وطنه الذي لاقى الأمرين من الاستعمار الغربي، وأن الدعاية الوطنية لم تنتشر الانتشار المطلوب بين للملايويين ليشعروا بواجباتهم الوطنية نحو وطنهم.

فهذه الأسباب التي أمكننا استنتاجها من الحياة الملايوية هي بعض من أسباب كثيرة جعلت الشعب الملايوي يخضع للأمر الواقع.

رسم السياسة البريطانيون القابعون في مكاتب وزارة المستعمرات البريطانية بلندن السياسة الجديدة التي ستتبع الحكومة البريطانية في الملايو بعد أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها. فأصدرت الحكومة البريطانية (الكتاب الأبيض) وفيه المناهج الجديدة لنظام الحكم الملايو. وفي أكتوبر عام 1945 وصل السير هارولد مكميل من رجال وزارة المستعمرات

ص: 14

البريطانية إلى الملايو. وقدم مذكرة إلى سلاطين ملايا ليوقعوها. وتنص هذه المذكرة بأقرار الموقعين عليها تسليم سلطتهم إلى ملك إنجلترا. . ثم في أول أبريل عام 1946 ظهرت على مسرح الحياة في الملايو الحكومة الجديدة التي أوضحت في الكتاب الأبيض. وهي حكومة (ملايا المتحدة) شملت جميع الولايات والمقاطعات الملايوية وهي حكومة مركزية تولى رئاستها الحاكم البريطاني وهو السير أدوا رد جنت. ويستمد سلطته من حكومة لندن. وبظهور هذه الحكومة توحدت أجزاء ملايا. واصبح لملايا حكومة واحدة لا ثلاث حكومات كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية، وخسر سلاطين ملايا مركزهم العالي وهو سلطتهم.

أنشئت حكومة ملايا المتحدة مجلساً تنفيذا وآخر تشريعيا يعاونان الحاكم البريطاني في إدارة شؤون الدولة وأنتخب أعضائها من البريطانيين ذوي المراكز العالية في الحكومة الجديدة ومن ممثلي طبقات الشعب. وأنشأت أيضا مجلسا تنفيذيا لمقاطعة سنغافورة وآخر تشريعيا. وانتخب أعضائها من أتنين وعشرون عضوا نصفهم بنتيجة الحاكم من أعضاء الحكومة البارزين والنصف الآخر من ممثلي الأحزاب السياسية ويشترط فيهم أن يكونوا من رعايا بريطانيا ومولودين في المستعمرات الجديدة وقد قامت حركات وطنية ضد الحاكم الجديد وقامت الأحزاب السياسية بتنوير أذهان الشعب حول الحكم الجديد وما يخبئه لمستقبله. واتحدت كلمة الشعب الملايوي على رفض النظام الذي سلب كل حق كان يتمتع به سلاطينه.

مضى النظام الجديد في عمله ما يقرب من عام واحد وهو يترنح تحت ضغط الشعور القومي الملايويالذي ناصبه العداء منذ مولده. وقد كان هذا النظام تجربة استعمارية لمعرفة مدى قبول الشعب الملايوي للاستعمار البريطاني في وضعه الجديد وقد باءت بالفشل. فالشعب الملايوي التف حول زعمائه لدفع الحكم الجديد الذي أظهر مناوأته للحياة الملايوية الجديدة الرامية إلى مقاومة الاستعمار وإزالته عن ملايا وفي فبراير عام 1947 شيع الحكم الجديد إلى مقبرته وظهر بعده حكم آخر أساسه الاتحاد فقد أستبدل الاستعمار البريطاني حكومة ملايا المتحدة بحكومة أخرى هي حكومة الاتحاد الملايوي وضمت كافة الولايات الملايوية عدا مقاطعة سنغافورة. فإنها بقيت خارج الاتحاد. حيث اعتبرت التاج البريطاني.

فما هو الجديد في الحكومة الجديدة؟

ص: 15

لقد أعاد الحكم الجديد إلى سلاطين ملايا نفوذهم بعد ما سلبته الحكومة السابقة. وصاروا يتمتعون بسلطتهم كما كانوا قبل الحرب العالمية الأخيرة. وأفسح الحكم الجديد المجال لممثلي الشعب الملايوي بإيجاد مقاعد لهم في مجلس التنفيذ والتشريع الجديدين. وتولى بعض الوطنين مناصب الوزارة وإذا دققنا النظر في الحكومة الجديدة يظهر لنا أنها حكومة استعمارية، فقد ترأسها حاكم بريطاني برتبة مندوب سام وأشترك الأجانب في التمثيل. فمجلس التنفيذ والتشريع مكون من خمسة وسبعين عضوا منهم أربعة وعشرين عضوا من موظفي الحكومة ذوي المناصب العالية وتسعة وزراء ممثلون عن مجالس الولايات التي شكلت الحكومة الاتحادية وعضوان عن مقاطعة فينانج وملقا، وخمسون عضو، منهم اثنان وعشرين من الوطنين، وأربعة عسر من الصينيين وخمسة من الهنود وسبعة من الأوربيين، وعضو واحد من السيلانيين، وعضوا واحد أيضا عن المولدين.

هذه هي تشكيلات الحكومة الجديدة، وقد قبلها الشعب الملايوي مكرها وخلال هذه التطورات السياسية في أنظمة الحكم نشطت الحركات القومية التحريرية في جميع أنحاء ملايا لمقاومة الاستعمار البريطاني في ثوبه الجديد.

أنشأ الأحرار الوطنيون الأحزاب السياسية للسعي لاستقلال الملايو، وهي أول خطوة سياسية فعالة في جيل الاستقلال والأحزاب السياسية كالماء والهواء للشعوب المستعبدة لا تستطيع الاستغناء عنها فهي تكافح الاستعمار وتنشر الروح الوطنية وتلهب المشاعر والاحساسات القومية، وتجعلها شعلة نار متوقدة، وأهم الأحزاب السياسية الملايوية هي:

1 -

حزب الاستقلال الملايوي، 2 - الهيئة الشعبية الملايوية المتحدة، 3 - حزب العمال، ولكل من هذه الأحزاب برامجها الخاصة في الكفاح والنضال لتحرير ملايا من الاستعمار وأقوى الأحزاب وأعظمها نفوذا هي (الهيئة الشعبية) فهي التي تقف أمام الحكومة الاستعمارية لتدافع عن حقوق الشعب المهضومة، وتطالب الحكومة البريطانية باستقلال ملايو، وتنتشر فروعها في جميع أنحاء ملايا، ولها منظمات كثيرة للشبان فهم سواعد في الكفاح والجهاد، ويؤيد الطلبة الملايويون المنتشرون في الشرق الأوسط والأدنى الهيئة الشعبية في مطالبها الوطنية وجهاد المقدس. وهؤلاء هم طلائع الدعاية الوطنية الملايوية في أنحاء الشرق. وقد بعثوا بمذكرات إلى الحكومة البريطانية يؤيدون فيها مطالب وطنهم،

ص: 16

ويطالبون الحكومة البريطانية بتسليم السلطة في ملايا إلى الوطنيين. وتدل الحياة اليوم في الملايو على نشاط الأحزاب السياسية الملايوية في حركتها التحريرية، وهو نشاط ينبئ بالنجاح في تحقيق الحرية والاستقلال لملايا أن أمام الملايوين الأحرار مشاكل ومصاعب شتى تعترض سبلهملتحقق استقلال ملايا في زمن قصير وتتطلب هذه المشاكل رؤوسا مفكرة عاملة لحلها، وقد أبرزت الحياة الملاوية الحديثة زعماء ومفكرين يعملون في الحقل الوطني، وأنتجت أعمالهم شعور الطبقة المتعلقة من الشعب الملايوي بالواجبات الملقاة على عواتقها نحو وطنها. وتكونت منها دعامة قوية من دعائم الاستقلال، تقوم عليها ملايا في بناء حياتها الحديثة. والبناء هو أول ما تطلبه ملايا - اليوم - في حياتها الجديدة، وهو شامل لكل مناحي الحياة لشعب اعترض سبيله الاستعمار قرونا لكي ينهض ويسير في ركاب الحياة، وتنشر التعليم بكل وسائله المعروفة يؤدي إلى فتح آفاق واسعة من المعرفة بين جمهور الشعب، وقد كان الاستعمار خلال عهده الطويل في الملايو مبعدا الشعب الملايوي عن مناهل العلم، فخلال الحكم البريطاني الطويل استمر ثلاثة قرون حتى أوائل الحرب العالمية الثانية لم تخرج المدارس الحكومية في الملايو مهندسا أو محاميا أو طبيبا. فما معنى ذلك؟

لست أجيب القارئ عن هذا السؤال فهو اعلم بأسبابه مني.

لقد قامت الهيئات التبشيرية والأوربية والأمريكية في الملايو بفتح المدارس والمعاهد، وكما قامت الهيئات والمنظمات الصينية أيضا بفتح المدارس لأبنائها. وأنشأ الملايويون في الأيام الأخيرة مدارس لتثقيف أبنائهم بالثقافة الوطنية التي ترتكز على حب الوطن والعلم والمعرفة. وفي الملايو اليوم مدارس ثانوية وعالية تابعة للحكومة المستعمرة والجاليات الأجنبية وللوطنيون وأشهرها كلية السلطان إدريس للمعلمين، وكلية البنات الملايوية، ومدرسة الهندسة بكوا لا لمفور: ومدرسة الزراعة بسلا نجور، وكلية رافلس للمعلمين الإداريين. وكلية الطب، وهاتان الكليتان هما نواة للجامعة الملايوية. هذه هي المدارس الثانوية والعالية في قطر يزيد عدد سكانه علة خمسة ملايين نسمة، نصفهم من الوطنيين، والنصف الأخر من الأجانب. وفي البلدان الشرقية طلاب ملايويون منتسبون لمعاهدها العالية وجامعاتها، وهم النواة الأولى للطلبة للملايويين الذين سيحملون مشاعل الحرية إلى

ص: 17

وطنهم ليقيموا له حياته الجديدة على أيساس العلم والمعرفة.

محمد جنيدي

ص: 18

‌اتجاه الأدب الحديث إلى الطبيعة

للأستاذ أنيس المقدسي

الطبيعة

إذا كان الأدب القروي يعيني خاصة بحياة الفلاح والبيئة التي يعيش فيها فإن أدب الطبيعة يعني بتصوير المشاهد الطبيعية والتعبير عما تثيره في نفس الإنسان. وليس وصف الطبيعة جديدا في الأدب العربي فد عرفته جميع العصور الأدبية واشتهر به كثيرون من شعرائها.

والوصف الطبيعي القديم وثيق الاتصال بالبيئة البدوية من قفار ورياح وأنواء ونبات وحيوان وما إلى ذلك. وهو عادة دقيق يميل إلى شرح الجزيئات؛ فإذا أراد الشاعر وصف حيوان كالناقة مثلا أو كالحمار الوحشي صور لك أعضاءه وألوانه وأوقفك على جميع حركاته وساكناته.

ومن خصائص الوصف البدوي الصدق وعدم التصنع، فهو عموما عرض واقعي لا يعمد إلى الزخرف اللفظي والتأنق الصناعي الذي نراه ضائعا في عصور الحضارة. يرى الشاعر شيا فيعرضه كما هو بلغة قد نراها غريبة ولكنها جارية مع سجيته منبعثة عن طبيعة بيئته.

وقد تطورت البيئية العربية بعد استقرار الملك العربي في الشام والعراق ومصر والأندلس فتطور معها الشعر الوصفي، وهكذا انصرف عن الصحراء وأحوالها إلى الحواضر الجديدة وما تحويه من بساتين ومتنزهات وفواكه ورياحين ومجاري مياه وما إلى ذلك من ظواهر الحياة المدنية. ولا بد لنا هنا من التنبيه إلى فرق واضح بين أسلوب الوصف البدوي القديم وهذا الوصف الحضري المولد. ففي الأول كما ذكرنا آنفات يغلب الصدق والبساطة في التصوير. أما الثاني فتبرز فيه الصناعة الفنية التي تتحرى إلباس الموصوف برداً قشيباً من الخيال. ولقد تمادى المولدون في حرصهم على ابتداع المعاني البيانية حتى طغت الصناعة عندهم علة صدق العاطفة فأصبحت الطبيعة في كثير من الأحيان وسيلة لإظهار براعتهم الفنية ومقدرتهم على التوليد.

على أننا إذا أنعمنا النظر في وصف القدماء عموما للطبيعة وقابلناه بما استجد في أدبنا

ص: 19

الحديث من ذلك وجدنا من الفرق بينهما مالا نجده بين الشعر القديم أو الجاهلي والشعر المولود في العصر العباسيوالأندلسي. فالطبيعة في الشعر القديم لم تتخذ موضوعاً خاصا وإنما كان الشعر يعرض لها في سياق غرض آخر كالغزل أو المديح أو الفخر، وكان يكتفي بأشكالها الخارجية لا يتجاوز الأفق الحس المشاهد إلى ما هو أبعد وأعمق. وبكلمة أخرى لم ير في الظواهر الطبيعية ما يحمله على التأمل العميق وما يوحي إليه من المعاني الخالدة والأفكار السامية، ولم يتغير الموقف في الشعر المولد تغيراً يصح أن يسمى اتجاها عاما، فظات الطبيعة عند المولدين وسيلة لا غاية ومعرضا لمشاهد جميلةلا مصدراً لأبحاث روحية. أما الأدب الحديث فلم يقف عند حد المشاهد التي تبهج النفس بل اتجه اتجاها عاما إلى ما للطبيعة من وجود معنوي يلذ للخيال الجولان فيه ويروق للفكر أن يسمو إليه.

ولهذا النظر الحديث إلى الطبيعة خصائص نحاول شرحها فيما يلي:

قد يقال أن الوصف ألحي للطبيعة يمتاز بملاحظة مالا يؤبه له عادة كانحناء السنبلة وتفتح البراعم وتبعثر أوراق الخريف وربوض البقرة تحت الشجرة واختباء الفراخ تحت جناحي أمها وتجاوب الأجراس في الواديولون العشب الذاوي وغير ذلك من مشاهد طبيعية متواضعة، وأنه يرتاح إلى الطبيعة الساذجة (البرية) دون المصطنعة المنمقة. فهو يؤثر الغاب على البستان، وشواهق الصخور على أسوار الحصون، وبحيرات الجبال على برك القصور. ورمال الشواطئ والصحاري على الساحات المعبدة في المدن والنوادي، والمجاري الطبيعية المتدفقة بين السهول والهضاب على الترع المحفورة لري الحقول والمزارع. بل إنه ليرى روعة خلابة في ما كان يهول القدماء كصخب العواصف وطغيان السهول وانقضاض الشلالات ووصف الرعود وتجهم الفدافد ووحشة الدياجي وتلاطم اللجج وما أشبه. وفي هذا القول شئ كثير من الصحة، على أن ذلك عند التحقيق ليس الفارق الرئيسي الذي يميز آداب الطبيعة في هذا العصر عنه في العصورالسابقة وإنما يميزه ما تقدمت الإشارة إليه من أن الأدب الحديث ينظر إلى الطبيعة نظراً معنويا يتجاوز أفق المشاهدات.

ومما لاشك فيه أن التصور المعنوي الذي تثيره المشاهد الطبيعية هو أقوى وأعم في أدبنا الحديث منه في أي عصر من عصورنا الماضية. ولهذا التصور أو النظر المعنوي نزعات

ص: 20

نجملها في النزعتين التاليتين:

النزعة الحيوية:

وهي اعتبار الطبيعة ذات حياة وروح يمكن مخاطبتها ومناجاتها ومبادلتها الأفكار والعواطف.

وليس من الصواب القول أن الأدب القديم خلو من مثل هذا النظر أو الشعوب. فقد طالما وقف القدماءعلى الطلول فبثوا لها أشواقهم وسألوها عن أحبابهم، وإنما فعلو ذلك في الأغلب تمهيداً لبعض أغراضهم وجريا على اتباع السنة الشعرية التي كانت تقتضي الابتداء بالغزلومنهم من انطق الطبيعة ونسب أليها التأمل والتفكير كم فعل ابن خفاجة الأندلسي في قصيدة بصف جبلا فيقول فيه:

وقور على ظهر الفلاة كأنه

طوال الليالي مفكر في العواقب

على أننا نعيد القول أن تجده من ذلك فيما مضى لم يبلغ أن يكون اتجاها عاما أو بابا مستقلا يلجه الأدباء ليتصلوا بالطبيعة فيسجدوا في هيكلها ويحملوا إلينا منه ما توحيه من جمالها وأسرارها، أو على الأقل لم يبلغوا في هذا السبيل شأن زملائهم في القرن العشرين.

أن الطبيعة في الأدب الحديث (حيوية) عالقة يحس بضربات فؤادها ويسمع رخم إنشادها ويلذ له التحدث إلى أنهارها وغابتها وجبالها ووهادها. وممثل لك ذلك جبران جبران إذ يقف أما (الأرض) مقابلا محاسنها بقبائح الإنسان فيقول (ما أجملك أيتها الأرض وما أبهاك). ما أتم امتثالك للنور وأنبل خضوعك للشمس. ما أظرفك متشحة بالظل وما أطول أناتك! نحن نضج وأنت تضحكين. نحن نذنب وأنت تكفرين. نحن نجدف وأنت تباركين. نحن ننجس وأنت تقدسين نحن نكلم صدرك بالسيوف والرماح وأنت تغمرين كلا منا بالزيت والبلسم. نحن نستودعك الجيف وأنت تملئين بيادرنا بالأغمار ومعاصرنا بالعناقيد. نحن نتناول عناصرك لنصنع منها المدافع والقذائف وأنت تتناولين عناصرنا وتكونين منها الورود والزنابق!)

ولشكر الله الجر قصيدة في شلال البرازيل يدعى (تيجوكا) وهي أيضا من باب الوصف التأملي الذي تشعر فيه بحيوية الطبيعة. ومن أداورها:

غسلت بمائك عيني وعدت فأبصرت ما الناس لا تبصر

ص: 21

فبالله قل لي إلام تنظر كذلك تجتاحك الأعصر

وأنت تكر كرور الزمان

فلا تستقرر ولا تفتر

وهذا الوجود كما كان قبل شعوب تجئ وأخرى

تروح

ودنيا تضج بسكانها

فهذا يغني وهذا ينوح

وذلك مستلم للقدر

وكثيرة هي وقفات الأدب الحديث على الطبيعة الملاحية من جبال وأودية وأنهار وصحار ونجوم ورياح وبحار حتى ليتعذر حصرها.

وكما شغف الأدب الحديث بالطبيعة الملاحية فأحياها وجعلها ذات شعور وأدراك ونظراً مستوحياً منها الأفكار والخواطر والعبر، شغف أيضا بالطبيعة الحية من نبات وحيوان فجعلها موضعاً لتخيلاته وتأملاته، ووسيلة للتحدث عما يتجلى له في حياته.

ففي عالم النبات مثلا يقص علينا جبران جبران حديث البنفسجية التي كانت تطمح أن تكون وردة.

وممن استخلص من البنفسجية موضوعاً إنسانياً خليل شيبوب إذ وصف جمالها وتواضعها فقال.

قد التحفت أوراقها وتطامنت

على نفسها في ورق وتواضع

مكحلة الأجفان يقضي حيائها

عليها بإغضاء اللحاظ الخواشع

وهل كبرياء الدوح تعدل نظرة

للمومة ثوبها المتواضع

وفي غابة من غابات البرازيل يمر الشاعر القروي مرة فيرى دوحة عظيمة قد طرحتها الأرض يد الإنسان فيحدثنا حديث تلك (الدوحة الساقطة) وشكواها من جور الإنسان. وفي هذا الحديث تذكر لنا الشجرة شيئاً عن حياتها ونشأتها وكيف نمت حتى أصبحت كثيرة الأغصان وأرفه الظلال تأوي أليها الطيور ويقصد ظلالها طلاب الراحة. ثم نصف عالم النبات وأنه هو موطن المساواة والخير، لا عالم الإنسان الموبوء بالطمع والفساد القائم على التعدي والتدمير. وبعد أن تنعى نفسها إلى أشجار الغاب يتناول الشاعر الحديث مستطرداً إلى وصف الدوحات البشرية (أي النوابغ) وما يصيبهم بين الناس من هوان وعناء. ومن

ص: 22

الشعر التأملي المستوحي من عالم النبات قصيدة (الورقة المرتعشة) لرشيد أيوب. . يرى الشاعر ورقة من أوراق الخريف فتثير فيه - وقد دنت شمسه للمغيب - خواطر وذكريات ويخاطبها بقوله:

أبنت الربيع استريحي غداً

فكل الهناء لمن لا يعي

قضيت الربيع وكل الحيا

ة زمان الربيع فلا تجزعي

فماذا أتقول أنا في الشتاء

وصوت العواصف في مسمعي

أبيت الليالي أرعى النجوم

وان نمت نامت همومي معي

والشعر الحديث المستوحى من الطبيعة النباتية شعر كثير ومثله المستوحى من الطبيعة الحيوانية عالم الطيور والحشرات وحيوانات البر والبحر وإليك منه بعض الأمثلة:

ينظر الشاعر المصري محمود حسن إسماعيل إلى الغراب وهو واقف على غصن شجرة من أشجار النخيل، فيتصوره (راهباً) كبير السن واسع الاختبار (وعوضاً عن أن يتطير منه كما يفعلون عادة بتلطف في الاقتراب إليه ثم يلقى عليه أسئلة عما لم يستطيع فهمه من أسرار الحياة راجياً منه لأن يجلو له أسرارها ويكشف أستارها. وهذه الأسئلة ليست في الحقيقية إلا ما يساور نفس السائل لدى تأمله في حياة الناس وأحوالهم. وقد أتخذ الغراب وسيلة للتحدث عنها والتعبير عن رأيه فيها.

وفي الخريف يرى أبليا أبو ماضي فراشة وقد دنا أجلها فيجعلها موضوعاً لقصيدته (الفراشة المحتضرة) ومن هذه القصيدة قوله مخاطباً تلك الفراشة:

فالزهر في الحقل أشلاء مبعثرة

والطير - لا طائر إلا جناحاك

يا روضة في سماء الأرض طائرة

وطائراً كالأفاعي ذا شذا زاك

مضى مع الصيف عهد كنت لاهية

على بساط من الأحلام ضحاك

تمسين عند مجاري الماء نائمة

وللأزاهر والأعشاب مفداك

يا نغمة تتلاشى كلما بعدت

إن غبت من مسمعي ما غاب معناك

ويسمع احمد رامي طائر يغرد تغريداً شجيا وهو يتنقل من غصن إلى غصن فيغبطه لأنه بعيد عن الناس ويقول له:

واصدح فصوتك في الفؤاد صد

للغابر المدفون من زمني

ص: 23

لك انه في الليل خافتة

تسري إلى قلبي بلا أذن

هبني جناحك كي أطير به

وأحط فوق شواهق الفتن

وأطل فوق الكون مبتهجاً

بجماله المتناثر الحسن

ومن هذا القبيل موشح الشاعر العراقي محمود الحبوبي استوحاه من تغريد طائر على شجرة فحداه ذلك دلك إلى وصف الحياة والناس، متمنيا لو كان للبشر نصيب من حياة الطائر المرحة الوديعة لعلهم يرجعون إلى صوابهم وينبذون ما أفسد عليهم سعادتهم.

ولو أردنا أن نعدد الأمثلة على ما للطبيعة الحية من أثر في أدبنا الحديث لطال بنا سفر الكلام.

النزعة التاريخية:

ولم يكتف أدباء هذا العهد بمناجاة الطبيعة وبثها ما يشعرون به، بل كثيراً ما تراهم ينظرون من خلالها إلى التاريخ حيث يتجلى لهم جلال القدم وحوادث الزمان. والذي يلاحظ أن هذه النزعة تكاد تكون مفقودة في أدبنا الماضي. ومن أمثلتها قصيدة احمد شوقي (أيها النيل) ومطلعها:

من أي عهد في القرى تتدفق

وبأي كف في المدائن تغدق

ومن السماء نزلت أم فجرت من

عليها الجنان جداولا تترقرق

وفي هذه الوقفة التاريخية يصف النيل مسهباً ذا كراً ما قام على ضفافه من ممالك وأديان ومن مشى عليها من أنبياء وفاتحين، وأنه كان مهد الحضارة والعلم وموئل الحكمة ومصدر النور.

ومن الأنهار الشرقية الموحية للذكريات التاريخية: الفرات ودجلة والأردن والعاصي وبردى واليرموك ونهر الكلب قرب ببيروت وسواها. ومن البحيرات طبريا والبحر الميت.

ولا تقتصر الوقفات التاريخية على الأنهار والبحيرات، بل تتناول أيضا الجبال والأودية كجبل الشيخ والكر مل وطور سينا ووادي موسى وسواها.

وكما يتأثر الأدب الحديث بالطبيعة الشرقية يتأثر بالطبيعة الغربية. وقد نشر الشاعر محمد عبد الغني كلمة في مجلة الرسالة موضوعها (شعراء الشرق والطبيعة الغربية) ذكر فيها أن

ص: 24

كثير من شعراء الشرق الذين عرفوا أن البلدان الغربية تغنوا بمحاسن الطبيعة هناك ومنهم ايليا أبو ماضي وميخائيل نعمة وشكر الله الجر وبشر فارس والشاعر القروي وفخري أبو السعود وأشار إلى بعض قصائد له نشرت في مجلة المقتطف سنة 1935، وإننا نضيف إلى ما ذكر الوقفتين التاليتين:(على نهر التامس) في لندن و (على نهر السين) في باريس.

وفي أدب المهاجرين وغير المهاجرين أقوال كثيرة من هذا القبيل.

أنيس المقدسي

ص: 25

‌طبيعة الحج في الإسلام

للأستاذ محمد فياض

(مهداه إلى الأستاذ الكبير سيد قطب)

الحج في إسلاميته الخالصة، ركن عبادي حين يتصل بالله في مناسكه وشعائره، وأقواله وأفعاله؛ وأساس اجتماعي حين يتجه بالمجموعة الإسلامية، في مؤتمره السنوي العام، إلى التنظيم والتعارف، والى توحيد القوى الفردية والجماعية، والتوجيه بها إلى شطر قبلة واحدة: عن صاحبها صدر الخلق ووجدت الحياة، واليه تتجه حياتنا كلها، بما فيها من نشاط واتجاه وأهداف.

وبهذه الصور الإسلامية للحج، تتحد وتتأصر، ضمن ما تتحدد به وتتأصر في الإسلام علاقة الفرد بالجماعة، وعلاقة الجماعة بالفرد وعلاقة كليهما بالله الذي منحهما الوجود والحياة. علاقة لا يختلف فيها باطن مع مظهر، ولا كيف مع مقدار، ومن أجل هذه العلاقات، تقوم دعائم الحج في الإسلام، منسقة منسجمة: في استعراض عام، حيث يشهد الله مالك الكون، وفي وحدة عامة تصل السماء بالأرض، والإنسانية بالكون، والعباد بالله:

والحجاز من وجهة النظر إليه، كرقعة تؤدي على اثر شعائر الحج، ما موقف الإسلام منه؟ أنه ميدان الاستعراض العام، وقاعة المؤتمر السنوي، ومحراب التوجه الوجداني ومدرسة التربية الاجتماعية. انه الأرض التي انبثق منها روح الإسلام الأول وبقيت على أرضه (الكعبة) قبله للإنسانية الراشدة، رمزية محسوسة بين العباد والرب، ومنارة معنوية للإسلام في الأرض. انه معسكر التدريب الذي يعود من رائدة، وفي قلبه حرارة وانفعال، وأمامه قلة من المشاعر والأحاسيس، بها يملك شحنات من التجاوب: على نهجها يسير، وعلى أضوائها يهتدي، في فيافي الحياة، المضللة المعقدة المختلطة المتشابكة حين يعود؛ أنه كل ذلك وأكثر منه! فكرة الإسلام عنه؟ لا: بل ما القواعد الكلية التي تركتها فكرة الإسلام، لتحدد طبيعة الحج، وترتكن عليها أهدافه؟ بل ما الوسائل التي تقر هذه الطبيعة، وتلك القواعد، وتحفز لها وجودها وكيانها، حيا منتجاً، محقق الأهداف، يلم الناس ويؤمنون بجدواه؟

تبدأ النظرة الإسلامية إلى الحج أول ما تبدأ، بتقرير القاعدة الكلية الأولى، في النقطة

ص: 26

الرمزية المحسوسة التي يتوقف على اتصال الناس بالله، ووحدة الاتجاه الإنساني، فتقرر هذه القاعدة أن البيت الحرام هو الملك المختار لله في الأرض، والمقصود لتوحيد الاتجاه: لا شبر فيه ولا فتر لمخلوق، ولا سلطان لأحد عليه سوى سلطان الله وأحكامه، لأنه حلقة الاتصال بين الناس والله. ومن الصالح الإنساني أن يكون كذلك، مادام قدر له ذلك الشرف الإلهي الخاص (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيلأن طهرا بيتي للطائفتين والعاكفين والركع والسجود): بهذه الإضافة بين الياء والبيت؛ تقررت هذه الملكية، وهذه القاعدة.

وحين تتأكد في عقولنا هذه الأولى، فإن هناك قاعدة كلية ثانية تقرر أن البيت، أو المسجد الحرام، بل الحرم الأرضي الإلهي كله آمن بطبيعة الخلق التي أوجده الله عليها، آمن بطبيعة التشريع الإلهي للحج، آمن لا يجب أن يخشى فيه مسلم شيئاً، أو يخاف كائنا سوى الله، آمن يلجأ إليه أيضا من يضطهد في دينه من سائر البقاع، أو من يظلم في نفسه أو عرضه أو ماله أو اهله، ولو شاء؛ بل لقد أمن ذلك الحرم المقدس في أعرق عهود الجاهلية، أو شدها فتنا ووحشية، بل لقد أمنت حتى الحيوانات والطيور في ذلك الحرم الإلهي من اعتداء الناس، (وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا)، (ومن دخله كان أمناً)، (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم)، (لا تقتلوا الصيد وانتم حرم)، (وحرم عليكم صيد البر مادمتم حراما).

وإذا ما قرت في الأذهانهاتان القاعدتان، فنحن في حل، لنأخذ بالقاعدة الكلية الثالثة التي تحدد علاقة المسلمين بالمسجد الحرام، وتكشف عن سر وجوده، فتنص على أن هذا البيت، قد جعله الله ليكون بيت للجميع من المسلمين، يرجعون إليه رجوع الزائر القاصد لا المالك، لتستقر في أذهانهم وفي قلوبهم، وتسيطر على أرواحهم ونفوسهم اتجاهات الإسلام، وعلاقاته وأهدافه، ثم ليعقلوا جيدا، معنى الوحدة الإسلامية، ومعنى الاتجاه إلى البيت كقبلة، وكرمز معنوي محسوس (وإذا جعلنا البيت مثابة للناس)(أن أول بيت وضع للناس الذي ببكة).

وحين تقرر هذه الأخرى في عقائدنا، ضمن ما نحسبه من اتجاهاتنا وأهدافنا، فأن هناك قاعدة كلية رابعة بها تقرر المساواة التامة بين سائر الأفراد والجماعات، أحمرهم وأصفرهم وأبيضهم وأسودهم، ساميهم وآريهم، لا فرق، لا فرق بين فقير وغني وحتى بين عبقري

ص: 27

وعادي. . ما دمت تجعهم كلمة الإسلام. ولكن آية مساواة؟ أنها المساواة الكلية المطلقة لا مساواة الصلاة الجزئية المحدودة، أنها مساواة الوحدة العامة، مساواة مندوبي العالم لمن شاء أن يكون مندوباً لقومه وجماعته ونفسه، دون أفضلية أو اختيار، أنها مساواة التجمع حول يمين الله في التوجه والاستهداء، واستشفاف النفس، لمعاني العلاقات الفردية والجماعية والإلهية، ومن مظاهر الحج وشعائره بما فيها من مظاهر وجموع، كل نفس بما تقدر، وعلى حد ما تستطيع بذله من إفهام ونظرات. أنها أيضا المساواة التي لا تفضل دولة على دولة ولا أسرة على أسرة ولا لونا على لون، ولا فردا على فرد، بالقرب أو بالبعد (أن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا ًوهدى للعالمين)(والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد).

وبعد أن يفهم الناس هذه القواعد الأربع عن الحرم، وعن مليكته، وعن حكمة وجوده؛ وبعد أن تستقر في الأذهان، وتطمئن إليها الوجدانات والعواطف. . بعد ذلك كله تلوح في أفق فكر الإسلام القاعدة الخامسة التي من أجلها وجدت القواعد الأربعة السالفة، حتى لا يكون وجودها عبثاً ضائع الهدف بدون هذه القواعد الأربع الكلية. تلوح هذه القاعدة كالسقف مستندة على أربعة أركان لتقرر أن الناس جميعا مفروض عليهم واحد واحدا الحج إلى قبلته التي يتوجه إليها، حجة محسوسة ملموسة، منتقلة متحركة؛ مرة في عمرة - فمن شاء أن يستزيد فهذا موكل لحريته الذاتية - ما دام قد اعتنق شرعة الإسلام. الناس جميعا، بلا تفريق ولا تمييز ولا تفضيل ولا اختيار بين واحد وواحد، وجماعة وجماعة، في اللون أو المكان، والقرب أو البعد، في الزمان أو المكان؛ الناس جميعا مفروض عليهم الحج، واحدا ولحدا، ما دام مسلما، وما دام قادرا على أحداثها في عالم الواقع، قادر على تحمل نفقات الحج وتبعاته. (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وإلا، فـ (لا يكلف الله نفسها إلا وسعها).

ومن هذه القواعد الكلية تتبين طبيعة الحج في الإسلام، وتتركز تلك الطبيعة هناك، في الحرام الإلهي المقدس، حيث لا تكلف على الحاج، ولا شواغل سوى عبادة الله. بالأيمان والصلوات، والقربات والحج؛ وسوى الأستغراق في الاتصال بينه وبين الله؛ وسوى التسامي بالروح والأشواق، والانفعالات والوجدانات، المتطلعة إلى السماء؛ وسوى التطهر

ص: 28

جهد الطاقة من النزعات الجسدية والمادية اللاصقة بالأرض. هناك في ذلك الفردوس الروضي في عالم من التحرر الوجداني؛ تتركز طبيعة الحج في الإسلام، في وحدة الاتجاه الفردي والجماعي. إلى الله صاحب القبلة والبيت، والمسجد الحرام؛ وفي وحدة المساواة الكلية المطلقة، المتجردة بين سائر أفراد المسلمين. من أي لون، ومن أي شعب، وعلى أي درجة من الوعي والاستعداد والعلم.

وعلى هاتين الوحدتين تتحدد وتتأصر علاقة الفرد بالجماعة وبالعكس، وعلاقة (2) كليهما بالله ضمن ما تتحدد به وتتأصر في قواعد الإسلام؛ ولكن هذا التحديد وذلك التأصر؛ يبدو في طبيعة الحج عمليا، على أرحب ما يقدمه ركن إسلامي، وعلى اكمل ما يشمله من أفراد، بل أن الركن الوحيد الذي يجمع مسلمي العالم في مندوبيهم، في ساحة واحدة، ليلقنهم درسا واحد، هو المقصود من الحج، هو الوحدة، وحدة الاتجاه، ووحدة المساواة. وبهذا وحدة تقوم وحدة العالم الإسلامي، منسقة الافراد، منسجمة الشعوب والجماعات، محفوظة من الأحاث، والتقلبات، والخلوف، متجهة في وحدة، وفي مساواة إلى الله صاحب الكون، وواهب الحياة.

ولكن هل تعيش تلك القواعد الكلية وحدها؟ هل تحفظ طبيعة الحج، حية منتجة، محققة الأهداف، دون وسائل وأسباب، تحفظ عليها كيانها المقصود؟ اللهم لا، أنها وحدها لا تعيش.

ومرة أخرى؛ تتقدم الفكرة الإسلامية، بالوسائل التي تقر فريضة الحج، ثابتة لا يعتبرها تفكك أو تخلخل؛ تتقدم بما يحفظ على طبيعة الحج، حية، منتجة محققة الأهداف؛ تتقدم بما بقي هذه الفريضة وتلك القواعد وهذه الطبيعة، شرور الفساد والنقص والاضطراب؛ تتقدم الفكرة بنفسها، ثم بوسائلها ثانية، لتهدم مظاهر الفساد ومنابع الظلم التي يخشى منها عادة على فريضة الحج وقواعده وطبيعته؛ وهذه المصادر، وتلك المنابع؛ تكمن عادة، في الاستبداد من فرد ظالم، أو جماعة ضالة، أو فرد متمرد؛ وتكمن في استغلال الاقتصادي، المقصور على أفراد أو أفراد، وتكمن في أخطار التاريخ وتقلبات الزمن، من دولة قريبة أو بعيدة، أو من مبدأ مناهض يغاير طبيعة الإسلام، في كثير أو قليل؛ وتكمن أخيرا في التعطيل بواحد من هذه الثلاثة، أو بعضها، أو كلها مجتمعة، لمظهر من مظاهر الحج، أو جزء من كيانه، أو تقليد من تقاليده أو سبيل من سبيله، أو تسيرمن تسيراته.

ص: 29

تتقدم الفكرة بنفسها أولا، ثم بوسائلها ثانية، على طريقتها المتميزة، في أي حقل من حقولها، في مخاطبة، العقل أو العاطفة، والضمير أو خارجه، والفرد أو جماعته، والسلوك أو العمل، بالتوجيه تارة، والتشريع أخرى، وقد تزاوج بينهما، ومن مصدرين متجاوزين: الكتاب والسنة. .

. . . فتتقدم الفكرة بنفسها، وتقيم ما يشبه القاعدة، أو قل قاعدة مساعدة، أو وسيلة كلية جامعة؛ لتقاوم بطريقتها المتميزة التعطيل أيا كان مصدره؛ فتقرر أن المعطل، كافر، كافر ينص القرآن) أن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام. .؛ بل أنها لتعتبره إلى جوار ما بهذه الآية من صراحة ومخاطبة بالتوجيه والتشريع - ملحدا (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) وبنفس ما بسابقتها من صراحةومخاطبة قد صيغت هي الأخرى، مع زائدة ثالثة، هي في تلك المشاعية المطلقة، في تنكير كلمة الظلم فيها، تلك المشاعية التي دفعت بعض المفسدين ليقولوا المعصية في الحرام سيئة مضاعفة. مع أن الحقيقة أن هناك حد السنة، يفسر نوع الظلم في الحرم بأنه استغلال، كما سيأتي بعد سطور. وان كنا نرى أن هذا التشريع المفسر لا يمنع مطلقا من شمول الظلم في الآية لسائر مصادر التعطيل عن المسجد الحرام، خاصة وفي الآية هذه الشاعية، المتكئة في تحديدها على آية ثالثة (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها أسمه وسعى في خرابها، أولئك ما كان لهم أن يدخلوها ألا خائفين، لهم في الدنيا خزي) هكذا بلفظة المنع وتعبير فني (سعى في خرابها).

ثم تتقدم الفكرة الإسلامية بوسائلها ثانية،. . . لتقيم الحواجز والسدود فتقدم وسيلة أولى، مساعدة للوسيلة الكلية الجامعة وتقوم عليها الوسائل اللاحقة، بها تقرر الفكرة وتفرض على الناس، وجوب تطهير بيت الله (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) في غير موضع من القرآن. . ويدعي أن الأمر بالتطهير ليس مقصورا على المأموزين وحدهما ولا موقوفا عليهما دون غيرهما من الناس، وبدهي أيضا أن التطهير في مثل هذا المقام لا يقصد منه سوى إزالة جميع مصادر التطهير في الحرم كانت، أو في ما يؤدي إليه (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر، يأتين من كل فج عميق)

ص: 30

وتأتي الفكرة بالوسيلة الثانية لتقر الحرم في أمانة وعلى طبيعته بعيداً عن المعطلات. . عن طريق التوجيه تارة التوجيه الحار المجرد الذي يتسلل إلى ما وراء منافذ الشعور، فتقرر أن الحرام حرام، بحرمة من الله لا من إنسان (أن مكة حرام، حرمها الله ولم يحرمها الناس) ثم عن طريق التشيع العملي أخرى، بأربعة أسباب:

السبب الأول: أن أرض مكة وهي قطب الرحى، ومركز الدائرة في الحج، أرض مشاعة الملكية المسلمين جميعا لأنها ملك الله، مباحة لكل قاصد وكل مقيم، لا ملك فيها لإنسان بعينه فلا بيع ولا أيجار. روى الدار قطنى عن علقم بن فضلة (توفى رسول الله، وما تدعي رباع مكة إلا السوائب، من أحتاج سكن، ومن استغنى أسكن) وفي رواية (ولا تباع) وروى عن ابن عمر (أن الله حرم مكة فحرم بيع رباعها وأكل ثمنها)(من أكل من أجر بيوت مكة شيئا فإنما يأكل نارا)(مكة مناخ لاتباع رباعها، ولا تؤجر بيوتها). . كما أن عمر بن الخطاب نهى أن يغلق بمكة باب دون الحاج، فأنهم ينزلون كل موضع رأوه فارغا كماأن عمر بن عبد العزيز عهد إلى أمير مكة أن لا يدع أهل مكة يأخذون إلى بيوت مكة أجرأً، فانه لا يحل لهم، فكانوا يأخذون ذلك خفية ومساترة.

السبب الثاني: تحريم الأستغلال، من الأحتكار، وما يشبه الاحتكار. . من تجارة السوق السوداء والتلاعب بالسوق التجاري. . . (احتكار الطعام في الحرم؛ الحاد فيه) يقول القطربى: والغموم يأتي على هذا كله.

السبب الثالث: تركة الجاهلية الضخمة التي أبقى عليها الإسلام وورثها، في ذلك التقليد الرائع المشهور في نظام السقايا والرفادة، والأولى معناها أسقاء الحجيج كلهم، الماء العذب. . (مجانا بدون مقابل. أما الثانية فإطعام من لم يكن له سعة في العيش أو لا زاد معه من الحجاج. . مجاناً أيضا وبدون إدانة؛ هذا النظام التيسيري بجانب مكافحة مصادر التعطيل قد عمل بها الرسول، وعمل بها الخلفاء الراشدون. ثم انقطع أو كاد. حين تفشت الخلوف ولا ندرى. . متى؟

ثم، تتقدم الفكرة بالوسيلة، لتقاوم أخطار التقلبات التاريخية، من دولة قريبة أو بعيدة. وتمنع تيارات المبادئ المناهضة، المغايرة للإسلام في قليل أو كثير، سماوية مضت، أو أرضية حدثت، فيوصي الرسول في لحظاته الأخيرة وصية تقي فريضة الحج، وشرور هذه

ص: 31

الأخطار وتلك التيارات، بل أنها لتكاد تحدد أيضاً مكانة الحجاز جميعه، من العالم الإسلامي والعوالم المناهضة:(لا يترك بجزيرة العرب دينان)(أخرجوا يهود أهل الحجاز، ونصارى نجران، من جزيرة العرب)(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)؛ كل هذه الأوامر قد كانت امتداداً لعزم الرسول (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع فيها إلا مسلماً) ولكن: يبدوا أن الرسول لم يجد الفرصة السانحة لتنفيذ تلبك الخطة الحكيمة، ويبدوا أيضاً أن أبا بكر كان مشغولاً في حروب الردة، وتنظيم الجزيرة، وتثبيت أقدام المسلمين بها، فلم تتح له فرصة التنفيذ هو الآخر حتى فعلها عمر ثم هبت الخلوف، ولا ندري متى؟

وبقيت وسيلة أخيرة، لتقاوم الاستبداد، من حاكم ظالم، أو جماعة ضالة، أو فرد متمرد. كمصدر من مصادر التعطيل، لم اعثر لها على نص خاص وأعتقد قبل الترجيح أن السبب في ذلك، هو تكفل كليات الفكرة الإسلامية مباشرة، بمقاومة هذا المصدر، في نظام الحكم، وفي تشريع الفئة الباغية، والمحاربون الله ورسوله والساعون في الأرض بالفساد.

وبهذه الوسائل الكلية والفرعية، والتوجيهية والتشريعية، والمقرة الواقية: لفريضة الحج وقواعده؛ تحفظ طبيعته حية، منتجة، محققة الأهداف. ذات كيان يلمسه الناس ويؤمنون بجدواه ولكن هذه الوسائل، يتوقف تنفيذها على كل مسلم، على وجدانه وعقله، وعلى يقينه وعمله، وعلى خضوعه للأمر الإلهي بالتطهير فالوسيلة الأولى، فإذا حدث وتدهورت طبيعة الحج بانهيار أساس من أساسه، أو وسيلة من وسائله، فسببه ليست الفكرةولا وسائلها؛ إنما هو عدم الاستجابة بالفهم واليقين والسلوك والعمل. إنما هو انهيار الوسيلة الأولىالمساعدة؛ إنما هو التقاعد والتقاعس، حباً في الحياة ولو ذليلة مهيضة الجناح مسلوبة القيم. . إنما هو النقص في الدين، آو الخروج عن الإسلام.

محمد فياض

ص: 32

‌دراسة وتحليل

الجواهري شاعر العراق

للأستاذ محمد رجب بيومي

- تتمة -

فنه الشعري:

لابد لنا من كلمة عن مذهب الشاعر في فنه، وطريقته الأدبية في بيانه، وفيما تقدم في شعره لإيضاح الرأي. ويمكننا أن نلمح ميزات ثلاث يتسم بها شعره، وتظهر مشتبكة متعانقة في قريضه، فلا تتخلف واحدة عن أختيها بحال، هذه الميزات الثلاث هي، صدق الأحاسيس، وقوة التعبير، وواقيعة التفكير.

فصدق الإحساس يخلع عن أدب الشاعر عاطفة قوية حارة، تشتمل وتتقد في سطوع وبريق، وتدفع صاحبها إلى الإجادة والتأثير، كما يكون لها سحر أخاذ في نفوس القراء، فما يكاد القارئ يتلو إحدى القصائد حتى ينفعل بانفعال ناظمها، ويسير في نياره حيث اتجه، وتصل الأبيات إلى القلب فتحرك كوامنه وتهيج أحاسيسه) وهنا يكون الأثر المنشود للأدب بوجه عام، والشعر بوجه خاص، بل أن الصدق ذاته يجعلك تحس في أعماق نفسك بخواطر متشابهة لما تقرأ، وكان الشاعر يعبر عن عواطفك انت، فقد سلط أشعته على قلبك، ونفذ إلى أغوارك فرأى الخوالج المستترة، والكوامن الموغلة، فجمع أشتاتها المتنافرةواتخذ منها مادة شهية لأدبه، وقد تكون خواطر الشاعر الصاد بعيدة عن شعورك ونبضك، ولكنك تجدها محببة أثيرة لديك وكأنك كنت تحسها قبل ذلك! وأمامك أبيات يقولها الجواهري: في رثاء بعض أصدقائه الشعراء، تجد فيها الكثير مما تحب أن تسمعه سواءأحسست به قبل ذلك أم بعد عن إحساسك فهو رائع خلاب.

أصخت لمن نعاك على ذهول

كأني قد أصخت لمن نعاني

وكنت أحس أن هناك رزءا

واجهل كنه حتى دهاني

لعنت اللفظ، ما أقسى وأطغى

وما أعطى كل صور المعاني

تتقاضاني بيومك ترجمانا

وكنت ألوذ منه بترجمان

ص: 33

وصدق الإحساس بلبس حلة زاهية إذا اقترن بقوة التعبير وهي الميزة الثانية للشاعر. والناس من قوة التعبير في ليل مشكل فقد فهمها الكثيرون على غير وجهها الصحيح، فرأوها في ترادفه الغرابة في اللفظ، والقعقعة في الصوت، فكل بيت تحتاج فيفهمه إلى معجم لغوي فهو قوى كمعلقة لبيد، وكل شاعر يطحن في سمعك قرونا صلبة فهو متين رصين كابن هانئ الأندلسي في رأي آبي العلاء. وليست قوة التعبير لدى الجواهري من هذا الطراز العجيب، ولكنها تظهر في تماسك الألفاظ، وترابط المعاني مع الوضوح والإشراق. وهي بوضوحها لا تناسق مع السلاسة والسهولة، فقد تكون القصيدة من السهل الممتنع وهي آية في قوة التعبير، ورصانة التركيب، بل أن السلاسة طريق الشاعر المبتدئ إلى المقدرة والإبداع، فإذا سار في ميدان خطوات وجد قوة التعبير تأخذ بناصره وتشد أزره، مع أحتفاضه بالرونق الخالب والانسجام المترابط. وقد بدأ الجواهري قصائده سهلا رقيقاً وكلف بشعراء السلاسة كلفا زائد، وتغن بروائع الوليد وابن زيدون في القديم، وحافظ والرصافي في الحديث ونسج على منوالهم الرقيق المبدع في نظمه. وقد قرأت له بعض القصائد التي نظمها في صدر شبابه، فكدت أنسبها إلى البحتري بعينه، وأخص قصيدة (سامرا) الرقيقة العذبة التي قالها البحتري في القرن العشرين على لسان الجواهري ومنها:

إيه أحباي الذين ترعرعوا

ما بين أوضاح الصبا وحجوله

إني وإن غلب السلو صبابتي

وأعتضت عن نجم الهوى بأفوله

لتشوقني ذكراكمو ويهزني

طرب إلى قال الشباب وقيله

أحبابنا بين الفرات تمتعوا

بالعيش بين مياهه ونخله

بلد تساوي الحسن فيه، فليله

كنهاره، وضحاه كأصيله

ساجى الرياح كأنما حلف الصبا

ألا يمر عليه غير عليله

وكفاك من بلد جمالا أنه

حدب على إنعاش قلب نزيله

وقد سار الجواهري مع سلالته الرقيقة عدة أشواط، حتى صاحبته القوة والتماسك. فأنفق له من ذلك كله الحان عذبة صادحة تختلف انخفاضا وارتفاعا باختلاف ما يعالج في شعره من الأغراض، وقد نسمع له بعض الجلبة الصاخبة في قصائده السياسية وهي صدى لما يهتز

ص: 34

في نفسه من انفعال ثائر يأخذ مظهره في جو من الصخب والضجيج، وفيما أسلفناه من الشعر دليل لما نقول.

هذا وقد تعثر في شعرة على ألفاظ يسيرة تنكرها معاجم اللغة أو القواعد النحوية والعروضية كقولهولن تجدي كإيان نصيرا=يدق من الأسى راح براح

وقوله

أعقما وأمات البلاد والودة

أنك يا أم الفراتين أنجب

وقوله

وأتى زمان من مكارم أهله

النفي والتشريد والإعدام

هذه الأبيات وأمثالها تجد نقدا صاخبا من المتتبعين للأخطاء المطبعية والهنات الغوية - وكثير ما هم في بريد الرسالة - ويحسبون انهم ظفروا بصيد ثمين يجر إليهم نصيبا من الذبوع والحقيقة أن شاعر كبير كالجواهري ومن على شاكلته من أنداده الأفذاذ لا يجهلون قواعد النحو، ومسائل اللغة، ولكن يهملون بعض القيود التي تحد من تدفقهم المزبد، وقد يرفضون قاعدة علمية، فيقطعون همزة الوصل، ويضعون ضمير النصب في غير مكانه، وهم يعرفون جميع ما يقوله النحاة واللغويون، ولست أوقفهم على مذهبهم في الاستهانة بالقواعد العلمية، ولكني أدعو سادتنا المتعقبين الأفاضل أن يريحوا أنفسهم من النقد اللغوي المكشوف، لان التعقيب يكون واجبا إذا جهل المنقود حقيقة خطئه؛ أما إذا كان الخطأ معرفا لطلبة المدارس الثانوية - والابتدائية أحيانا فلماذا نشغل به الناس.

ونمضي إلى ميزة الشاعر الثالثة، وهي واقعية التفكير والشعر العربي في شتى عصوره يصطبغ بالواقعية ويسايرهافي كل مكان وزمان ولكن الهائمين بآداب الغرب وروائعه سنوا في الشعر مذاهب جديدة، فأصبحنا نرى الشعر الرمزي الغامض، والخيالي الطائر المتذبذب، وصار لكل أبطاله ورواده، ولكن هناك حقيقة واحدة لا يستطيع أن ينكرها منكر، تلك الحقيقة تنبئ أن رواد المذاهب الشعرية الحديثة لم يستطيعوا أن يفرضوا مذاهبهم على قراء الشعر العربي، وأعوزهم أن يجدوا الشاعر الوثاب الذي يجذب الأنظار إلى مذاهبه، ويخلق له فريقا من الأشياع والتلاميذ، وبهذا بقيت الواقعية صفة ملازمة للشعر العربي على أن هناك أغراضاً شعرية يتحتم على المتجه إليها من الشعراء أنيكون واقعيا فالشعر

ص: 35

السياسي والاجتماعي يتطلب الواقعية المحيطة الشاملة، ولاسيما إذا كان الشاعر ذات رسالة خاصة في الإصلاح والتوجيه، فهو مضطر إلى إلهاب العواطف واستحثاث الجماهير، ولن يكون ذلك بغير الحديث الواضح المعقولوهب شاعر مصلحا كالجواهري لجأ إلى الرموز الغامضة، والخيالات التائهة، والأشواق البعيدة، والسبحات الحالمة، واتخذ منها مادة لرسالته في البعث والإصلاح، أفيجد من القراء من يستجيب لصرخاته أو يحس بإحساسه وشعوره؟ هذا ما لا يعقل بحال. ويجب ألا نغفل من حسابنا أن الشعر الرمزي يحتاج إلى عقل يغوص، وذهن يعلل، مما يجعل القصيدة شبيهة بمسألة حسابية أو معادلة جبرية، وبذلك تفقد تأثيرها الساحر وتعجز عن أداء رسالة الشعر في التأثير والانجذاب. وأنا لا أنكر بعض الاهتزازات الغامضة التي تختلج في النفس حين يقرأ الإنسان بعض القطع الرمزية. ولكن هذه الاهتزازات الغامضة التي تخلق مزيجا غريبا من الحيرة والقنوط والتساؤل، وتغرق القارئ في بحر لحى لا ساحل له، وهيهات أن يرحب بالغرق عاقل حصيف، فمتى يجد هواء الحالمون الواهمون شاعرا كبيرا يقود الأذواق إلى مذاهبهم الجديدة فيمهد له سبيل الذيوع.

على أن الواقعية قد أصيبت بكارثة فادحة، تحاول أن تبغها إلى الأذواق والقلوب، فقد داب بعض المتشاعرين أن يتخذوا من الحوادث اليومية، والأخبار الصحفية مادة للنظم الواقعي فيصدموا القراء بما هو شبيه بقول حافظ إبراهيم.

ثلاثة من رجال النيل قد وقفوا

على مدارسنا سبعين فدانا

ثم يدعون انهم يعيشون في الحياة ويسيرون مع الواقع، ويعبرون عما يجدون في البيئة من شؤون. ويجب أن يفهم هؤلاء السادة أن رسالة الشاعر الواقعي ليست هي التعبير عن الأخبار الصحفية بكلمات موزونة مقفاة، ولكنه يرى الحادثة فيتأثر بها، وتثير في نفسه انفعالات خاصة، وتصل إلى ذهنه فتوحي أليه فيضا من الإلهام الصادق، ثم تجول في خاطره ثائرة حائرة، فلا ينقذه منها غير التعبير عما تخلقه من انفعالات، وما توحي به من الهام يبرق بالومض والألتماع. وهنا تكون الحادثة نواة صغيرة لما يدور حولها من ذبذبة وانفعال؛ أما أن تكون الحادثة وحدها مصبوبة في القوالب العروضية. فالأجدر بالقارئ أن يغفلها تمام الإغفال، كتفيا بما قرأه عنها في الصحف والمجلات.

ص: 36

وقد نأخذ على الجواهري إخلاله بوحدة القصيدة، وأرى أنها تتعذر على الشاعر السياسي الذي تتمدد أمامه مظاهر الفساد فيريد أن يلم بها وينبه عليها فوق كل منبر يعتليه، فإذا تركنا الشعر السياسي إلى غيره وجدنا الشاعر يلتزم الوحدة في اكثر ما قال، وللقارئ أن يطلع قصائده الوصفية مثل دجلة في الخريف أو الفرات الطافي؛ أو الأصيل في دجلة أو سامرا، فسيجد ما يرضيه من وحدة الموضوع، وترابط المعاني، وتناسق الأفكار. ويهمنا أن نشير إلى مقطوعاته الغزلية الرقيقة التي نظمها في حبيبته الباريسية (أنيت) فقد ظهر فيها الشاعر جديد في أخيلته ومعانية، جديد في أوزانه وقوافية، جديد في نظراته الباسمة للحياة، مع انه لم يفارق ميزاته الثلاث، فكان صادق الإحساس، قوى التعبير، واقعي التفكير، فوق طرافة الابتكار، وجدة السياق، واختلاف الإيقاع. وأرى أن ادع الشاعر - في ختام هذا البحث لسريع - بأبيات من قصيدته الجميلة التي نظمها في وداع صديقته (أنيت) لتمتع القارئ ببعض غزله الرائق، ولنتصيد المناسبة الموهوبة بين وداع ووداع.

(أنيت) نزلنا بوادي السباع

بواد يذيب حديد الصراع

يعير فيه الجبان الشجاع

(أنيت) لقد حان يوم الوداع

إلى إلى حبيبتي (أنيت)

إلى إلى بجيد وليت!

كأن عروقهما النافرات!

ضروب من الكلم الساحرات

إلي بذاك الجبين الصليت

تخافق عن جانبيه الشعر

يبث إلى أريج الزهر

سيعبق في خاطري ما حييت

ويذكرني صبوتي لو نسيت

إلى إلى حبيبتي (أنيت)

ص: 37

(تم البحث)

محمد رجب البيومي

ص: 38

‌ديوان مجد الإسلام

نظم المرحوم الشاعر احمد مهرم

يقدمه الأستاذ عبد اللطيف نعيم

من قباء إلى المدينة

أقبل فتلك ديار يثرب تقبل

يكفيك من أشواقها ما تحمل

طال التلوم والقلوب خوافق

يهفو بها إليك الحنين الأطول

القوم مذ فارقت مكة أعين

تأبى الكر وجوانح تتململ

يتطلعون إلى الفجاج وقولهم

أفما يطالعنا النبي المرسل؟

أقبلت في بيض الثياب مباركا

يزحي البشائر وجهك المتهلل

يا طيب ما صنع الزبير وطلحة

ولصنعك ألا وفي أجل وأفضل

خف الرجال إليك يهتف جمعهم

وقلوبهم فرحا أخف وأعجل

هي في ركابك ما بها من حاجة

ألا إليك، وسألها متجول

هجرت منازلها بيثرب وانتحت

أخرى بمكة دورها ما تؤهل

وفدان هذا من ورائك يرتمي

عجلا وهذا من أمامك ينيل

أنظر بنى النجار حولك عكفا

يردون نورك حين فاض المنهل

لم ينزلوك على الخؤولة وحدها

كل المواطن للنبوة منزل

نزلوا على الإسلام عندك إنه

نسب يعم المسلمين ويشمل

ما للديار تزها نشوتها!

أهي الأناشيد الحسان ترتل

رفت نظراتها وطاب أريجها

وترددت أنفاسها تتسلسل

فكأنما في كل مغنى روضة

وكأنما في كل دار بلبل

هن العذارى المؤمنات أقمنه

عبيدا تحييهالملائك من عل

في موكب لله اشرق نوره

فيه وقام جلاله يتمثل

جمع (النبيين الكرام) فآخذ

بيد (الأمام) وعائذ يتوسل

يمشى به (الروح الأمين) مسلما

وجبينه بفم النبي مقبل

ص: 39

أية بنى النجار أن محمد

لا شد حبا للتي هي اجمل

خلوا سبيل الله ما لرسوله

عما اعد من المنازل معدل

ذهبت مطيته، فقيل لها قفي

هذا مناخك، لست ممن يجهل

الناس في طلب الحياة هاهنا

سر لها خاف، وكنز مقفل

أعطى أبا أيوب رحلك واحمدي

من أمر ربك ما يجئ ويفعل

ودعى الزمام (لأسعد بن زرارة)

فإليه يعد الله أمرك يوكل

لما حملت الحق اجمع والهدى

أمسى بحبل الله حبلك يوصل

يتنافس الأنصار فيك وما داروا

لمن المفاز، وأيهم هو الأول

هي (كيمياء الحق) لولا أنها

تهدى العقول لخلتها لا تعقل

دنيا من العجب العجاب ودولة

يهوى النظار بها ويعلو الجندل

أرأيت أهل الكهف لولا سرها

هل كان يكرم (كلبهم) ويبجل

شكرا (أبا أيوب) فزت بنعمة

فيها لنفسك ما تريد وتسأل

ما مثل رفدك في المواطن كلها

رفد يضاعف. أو عطاء يجزل

لله دارك من محله مؤمن

نزل الحمى فيها، وحل للقفل

نزل النبي فيها، فحل فنائها

مجد يقيم، وسؤدد ما يرحل

مجد (النبوة) في ضيافة ماجد

سمح القرى يجد الجزيل ويبذل

وسعت جفان المطمعين جفانه

كرما فيها يأبى ولا هي تبخل

أضفى على السعدين برد سماحة

فأهتز جودهما وأقبل يرفل

جذلان محتفلا يقرب منهما

لله ما يرضى وما يتقبل

جعل القرى سببا إلى رضوانه

والبرى والإيمان فيما يجعل

جفنه أم زيد بن ثابت

يا زيد من صنع الثريد وما عسى

ترجوا بما حملت يداك وتأمل

بعثتك (أمك) تبتغى في دينها

ما يبتغى ذو الهمة المتعمل

شكر النبي لها، وأطلق دعوة

صعدت كما شق الفضاء مجلجل

أطيب تلك هدية يسعى بها

في الله ساع بالجلال مظلل

ص: 40

لو أنها وزنت بدنيا (قيصر)

رجحت وأين من الخضم الجدول

هي أن عيبت بوصفها ما يجتني

من نعمة الإسلام، لا ما يؤكل

ما في جهادك (أم زيد) ريبة

نار الوغى احتدمت وأنت الجحفل

شرع سرابيل الحروب وما اكتسى

من سابغات الخير من يتسربل

المهاجرون في ضيافة الأنصار

يا معشر الأنصار هل لي عندكم

ناد يضم النابغين ومحفل؟

عندي لشاعر كم تحية شاعر

يسم القوافي وسمه يتنخل

تنمية في دنيا البيان روائع

منها رواد كد ما تر يم، وجفل

الثاويات على هدى من ربها

والسابحات السائحات الجوال

شغلت بها الدنيا وما هي بالتي

تعنى بدنيا الجاهلين وتشغل

تأبى القرار بكل وأية ممحل

وتحل بالوادي الذي لا يمحل

(حسان) أبلغ من يقول وليس لي

فيه إذا ادعت المصاعق مقولا

انتم قضيتم للنبي ذمامه

ونصرتم الحق الذي لا يخذل

وصنعتم الصنع الجميل كرامة

لمهاجرين هم الرفيق الأمثل

فعرفت موضعكم وكيف سما بكم

مجد لكم في المسلمين مؤثل

وأذعته نبأ لكم ما مثله

نبأ يذاع ولا حديث ينقل

القوم قوم الله ملء دياركم

وكأنهم بديارهم لم يرحلوا

الدين يعطف والسماحة تحتفي

والحب يرعى، والمروءة تكفل

والله يشكر، والنبي بغبطة

والشرك يصعق والضلالة تذهل

(دين الهدى والحق) في أعراسه

والجاهلية في المآتم تعول

أن ها لها الحديث الذي نكبت به

فلسوف تنكب بالذي هو أهوى

زولي معطلة العقول، فمن قضى

أن البصائر والعقول تعطل؟

ألقى السلاح، فما لخصمك دافع

ودع الكفاح، فما لجندك موثل

أزرى بك الفشل المبرح وارتمى

بحماتك القدر الذي لا يفشل

السهل يصعب أن تواكلت القوى

والصعب أن مضت العزائم يسهل

ص: 41

أرسى المعاقل مؤمن، لا نفسه

تهفو، ولا أيمانه يتزلزل

هذا النذير فإن أبيت سوى الأذى

فالأرض الدم لا محالة تغسل

علقت بمقتلك الإسهام وما عسى

يبقى الرمي إذا أصيب المقتل

الله اكبر، كل زورينقضي

مر السحاب، وكل أفك يبطل

ص: 42

‌رسالة الشعر

خواطر

لصاحب العزة الدكتور عبد الوهاب عزام بك

قافلة البشر

يسير الناس على هذه الأرض في سبل الحياة، تنبهم السبل أحيانا وتظلم، وتعترض العقبات، وتبعد الشقة، ولكن الأمل يحدوهم، والوجدان يبصرهم فيهتدون ويسيرون.

قيل: ليل مظلم قلت: اذكروا

في ظلام الليل إشراق الصباح

قيل: غيم مطبق قلت: انظروا

رب نجم من وراء الغيم لاح

قيل: سهب طامس مشتبه

قلت: لكن فيه للسفر اتضاح

قيل: لكن برح السير بنا

قلت: بعد السير إحماد النجاح

قيل: والمنزل ما آياته؟

قلت: في مغناه للنار اقتداح

قيل: هل ذاك قصارى سيرنا

قلت: بل نزل به السفر يراح

قيل: فالتسيار ما غايته؟

قلت: كل الدهر سير، لا براح

ص: 43

‌لست طروبا

قال لي اللائمون: لست طروبا

لك حق إلى الصخور انتماء

كم تثير الأوتار لحناً فلحنا

ويهز الأوتار منا عناء

وترى الناس ثائر الموج لكن

أنت الموج صخرة صماء

وعلى البحر والعشى صموت

غير لحن تثيره الدأماء

والهلال النحيل يلقي خيوطا

هي في لحمة الدجى إسداء

قد طربا ولم يهز الفؤاد

فيك نور ولم يهز الماء

كم رأينا الجمال قيد عيون

لك عنه برغمنا إغضاء

تدعى الشعر والفؤاد جماد!

كيف ترضى انتسابك الشعراء

إن تكن شاعراً فأمرك بدع

أنت في الشعر بيننا إقواء

حسبك الله قد بلغت ملاما

وحماك الصواب هذا الهراء

طرب الطفل وثبة وصياح

ومن الكهل بسمة خرساء

ومن الغصن في الرياح اهتزاز

ومن الطود عزة وشماء

ضاق قلب عن الجمال مجالا

فإذا كل سره أصداء

رب قلب وعي الجمال ولكن

عزة فيه لسره إفشاء

رب قلب حوى العوالم طرا

تصغر الأرض عنده والسماء

ص: 44

‌ما فوق هذه الأنجم

قال الصديق، وقد أطال حواره

يا صاحبي ماذا وراء الأنجم؟

قد هالني منه سؤال هائل

فأجبته بتعجب وتبسم

يا صاح! هذى الزهر هل أدركتها

حتى تجوز إلي السؤال المفحم؟

يا صاح! ما تحت النجوم؟ أعالم

ما تحتها في الكون أم لم تعلم؟

يا صاح! أرضك هذه هل تعرفن

ما في ضمير الأرض من مستعجم؟

بل ما عليها؟ هل أحطت بعلمه

في البر أو في كل بحر خضرم

وجمادها ونباتها والسر في

حيوانها من ناطق أو أعجم

اعترفت هذا الإنس في آحاد هـ

وثباته في بؤسها والأنعم

ابدأ بنفسك فاعرفنها جاهدا

والأرض فانقذها بعقل مقدم

وأصعد بعلمك طالبا من مستوى

ما فوقه، كالمرتقى في السلم

فإذا بلغت من الكواكب منزل=فهناك فأسال ما وراء الأنجم

ص: 45

‌النهر الشاعر

للأستاذ أنور العطار

نقلها إلى الإنكليزية شعراً المستشرق البريطاني الكبير السيد

(أرثور جون أربري) أستاذ الآداب العربية في جامعة

كامبردج في كتابه (أزهار الشعر).

بردى المشتهي يفكر شعرا

وهو يحيى لحنا وينساب عطرا

في حناياه أضلع تتناجى

وقلوب من حرقة الحب حرى

خبر العالمين جيلاً فجيلا؟

ووعى الكائنات دهرا فدهرا

خط في مصحف الوجود سطورا

باقيات تختال تيها وكبرا

معجبات أنقى من الفن لألا

ء وأبهى من سطعة العلم فكرا

يتلوا زهواً كراقصة ألح

ان تنزى وجدا وتقطر خمرا

مر في الأرض كالربيع ائتلاقاً

وكأيامه صفاء وبشرا

وكسا جلق الأنيقة ثوبا

عبقريا من نعمة الفجر أطرا

أيهذا النهر الحبيب إلى نفس

ي ويا ملهمي إذا قلت شعرا

عش بقلبي لحنا على الدهر حلوا

وأسر في خاطري فنوناً وسحرا

أنور العطار

ص: 46

‌الكتب

صلاح الدين الأيوبي

مسرحية

للداعية الأستاذ عبد الرحمن البنا

للأستاذ محمد رجب البيومي

الأستاذ عبد الرحمن البنا مؤلف مسرحية (صلاح الدين الأيوبي) داعية غيور متحمس لعروبته وإسلامه، وخطيب ساحر تعرفه منابر الأخوان المسلمين في عواصم المديريات ومراكز القطر المصري، وهو - فوق ما يتمتع به من البيان الجزل، والأدب الرصين - يستمد من إيمانه العميق ينبوعا دافقا للحديث المؤثر الخلاب، وقبسا ساطعا للهداية الملهمة الرشيدة، وأنت تجلس إليه في حديث عام فتسمع كلمات:(العروبة والقرآن ومحمد) تتزاحم مطردة في غير سأم ونشاز على لسانه، فتدرك أن معانيها الحبيبة قد تحولت دما يجري في عروقه، وعاطفة تتأجج في جوانحه، وعصبا تمتد شباكه في رأسه، ورغم دراسته المدنية، ق حفظ القرآن الكريم حفظاجيدا، وفهم شروحة المتنوعة فهما واعيا مستنيرا، وحفلت ذاكرته بمدد زاخر من الأحاديث النبوية المنتقاة ودراسة وافية للتاريخ الإسلامي في شتى عصور، فتهيأ له من ذلك مادة غزيرة تنصره في ارتجال الخطابي الذي يتكرر في اليوم الواحد عدة مرات، وترفعه إلى مستوى يتطلع إليه الكثيرون من أصدقائه ومر يديه.

وقد رأى أن يخدم دعوة الأخوان (التي حمل لوائها شقيقه الأمام الشهيد رضي الله عنه - بقلمه كما خدمها بلسانه، فأظهر عدة روايات إسلامية تبرز العناصر الهامة في تاريخ الدعوة المحمدية وتصور للقراء انتصار الفكرة المخلصة، والعقيدة الصادقة، وقد مثلت جميعا في فترات متقاربة، وحظيت بإقبال الجمهور وتزاحم برغم بعدها الشديد عن التدجيل المسرحي الوضيع، والذي يتملق الغرائز ويستثير العواطف، بل قيد الكاتب نفسه في كل كلمة وحركة بآداب الإسلام، وتعاليمه المنتقاة، وهذه روايته الرائعة (جميل بثينة) - مع ما يلوح من بعدها عن محيط الفكر ة الإسلامية - قد حلقت في هذا الأوج الطاهر الرفيع، فصورت معاني الوفاء والمروءة والصدق والشرف، ورسمت - في فصل طويل - مناظر الحج

ص: 47

والعمرةوالطواف والسعي والاستلام، والنسك ورمي الجمرات والأضحية والتلبية، وقد أطال الكاتب في ذلك إطالة ممتعة ومشوقة، يهب منها شذى إسلامي عاطر ينعش الأفئدة ويجذب الأرواح.

وحين تقدمت الجيوش العربية إلى نجدة فلسطين الشقيقة رأى الأستاذ أن يهتبل الفرصة، فيذكي الحماس، ويثير الحمية فأخرج مسرحيته الموفقة (صلاح الدين الأيوبي)، ومثلتها الفرقة الإسلامية لمسرح بدار الأوبرا الملكية إبان اشتعال المعركة منذ أعوام، فتركت أثرها القوى في نفوس الشبيبة الطاهرة من كتائب الأخوان، واندفعوا إلى حومة الاستشهاد باذلين أرواحهم رخيصة في سبيل الله، وقد شاء المؤلف أن ينشر مسرحيته اليوم على الناس، فأبرزها في حلة زاهرة قشيبة، وقد حفلت بثلاث فصول قوية محكمة. . . وإذا كان العمل الفني يشوه بالتلخيص تشويها يذهب بأصالته وعمقه وجدته، فنحن نكتفي بذكر العنوان الموجز لكل فصل من الفصول فالأول منها يصف المؤامرة الخبيثة التي دبرها الفاطميون لمحق الدولة الأيوبية لمصر، والثاني والثالث يصوران المعارك الحامية التي شنها بطل الإسلام صلاح الدين على أعداء العروبة من الصليبيين. وقد وفق الكاتب حين عمد إلى إبراز الأوضاع السياسية الغابرة التي تشترك مع أوضاعنا الراهنة في كثير من الأمور، فالهدنة المعقودة، ونقضها المتكرر، وقتل النساء، والأطفال والشيوخ، وتحالف الدولة الغربية مع الباطل أمام الحق، وتدفق الكتائب الإسلامية من مصر وسوريا وفلسطين. . . كل ذلك كان بالأمس كما هو اليوم!! وإذا كان النصر النهائي قد حالف صلاح الدين القوي المتسامح في وثبته الظافرة، فما زالت معركة اليوم تتطلب فصلا أخيرا يرجع الحق إلى نصابه، ويقشع عن فلسطين كابوس السفلة الأنذال، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فتحقق الآمال، وتتفق المعركتان!!

وإني لأهنئ الأستاذ المؤلف بجهاده وإيمانه، وأبارك جهوده الموفقة في سبيل دينه ووطنه ولازلت أنتظر على يده السداد المأمول، فهو صدى شقيقه الإمام وشعاعا من شمس أنارت الظلمات، ثم صعدت إلى ملئها الرحيب في جنات النعيم، راضية مرضية برضوان الله وثوابه العميم.

محمد رجب البيومي

ص: 48

-

ص: 49

‌البريد الأدبي

المواهب المقدرة

نشرت جريدة المصري في 1271952 أن وكالة (تاس)

للأنباء السوفيتية أذاعت بأنه منح أخيرا لقب (دكتور في العلوم

العملية) لأحد الفلاحين في مزرعة (شو كاو مكا) الجماعية

وقد نال هذا اللقب دون أن يقدم بحثا في هذا الموضوع كما

هي العادة. . وقالت الوكالة: (إن هذا الفلاح وصل إلى

اكتشافات عظيمة تنهض بفن العمارة إلى حد كبير. ومن هذه

الوسائل العملية التي استحدثها استعمال الجير الحي بدل الجير

المطفأ مما يوفر 25 إلى 30 % من الأيدي العاملة).

قرأتبعجب هذا الخبر الذي إن انطوى على شيء فإنما ينطوي على مدى ما تمتع به هاتيك البلاد من نهضة وتقدم يدل عليهما تقديرها لمواهب الناس العلمية ولو كان هؤلاء الناس ممن لم يتمتعوا بالمؤهلات العلمية الضخمة، ولا بالشهادات الدراسية العالية، ضنا بالمواهب أن تتلاشى أو تختفي أو يحول بينها وبين البروز الحواجز العتيقة من المؤهلات والشهادات وما إليها. .

ترى كم في مصر والشرق من نوابغ موهوبين في شتى العلوم والفنون، فهل سمعت أن وزارة من وزارات المعارف تنازلت فشملت بعطفها واحد من هؤلاء تقديرا لنبوغهم ومواهبهم، وضاربة صفحا عن الحواجز البالية من المؤهلات والشهادات؟

إن في مصر والشرق شبابا وكهولا بلغوا القمة في الذيوع والشهرة في شتى العلوم والفنون دون أن ينالوا ذرة من تقدير وزارات المعارف، وليس لهم ذنب سوى انهم - لظروف خارجية عن إراتهم - لم ينالوا مؤهلات ولا شهادات، ولو انهم نالوا التقدير والتشجيع لفتحوا الآفاق الفسيحة أمام مهرة الصناع ونوابغ الفانين. . .

ص: 50

إن إحدى جامعات أمريكا احتاجت إلى إنشاء كرسي لفن طبائع الطيور، ولم يشغله إلى صياد له خبرة واسعة في صيد الطيور وهذه كل مؤهلاته أما في مصر والشرق فإن معوقات النهضة فيهما أسلوب من الأساليب البالية التي يجب أن تتلاشى إلى غير رجعة!!

رمل الإسكندرية

نفيسة الشيخ

تصويب واستدراك

السلام عليكم وبعد فقد جاء في العدد 991 ص 727 للأستاذ عدنان بعنوان في مقال لعميد الأدب ذكر المؤلفات العربية التي تعنى بالنقود أخطأ فيه الأستاذ وفاتته أشياء.

فأما الخطأ فقد ذكر الرسالة المخطوطة التي أشار إليها الكرملي وهي رابع كتب النقود التي يعرفها منسوبة إلى تقي الدين المقريزي والصواب أنها لمصطفى الذهبي الشافعي كما جاء في ص 6 من كتاب النقود العربية للكرملي.

وأما ما فاته فأولا ذكر كتاب النقود لحسين عبد الرحمن بأشراف وزارة المالية المتوفى في جمادى الأولى سنة 1367 وهو كتاب كبير حافل يقع في اكثر من 262 صفحة وصدر منذ اكثر من أربعة عشر عاما وفيه صور كثيرة من النقود من صدر الإسلام إلى ألان.

وثانيا كان ينبغي للأستاذ عدنان أن يذكر أن رسالات البلاذري والمقريزي ومصطفى الذهبي نشرها الكرملي كاملة في صدر الكتاب وصححها وعلق عليها، فالإشارة أليها افضل من ذكر طبعة الجوائب وغيرها.

وثالثا كان ينبغي للأستاذ اعتبار كتاب الكرملي خامس الكتب العربية التي تعنى بالنقود، فأنه بعد أن نشر في صدر الرسائل المذكورة آنفا ذكر أقوال ابن خلدون والقلقشندي وذلك لغاية ص 118 ومن ص 119 إلى آخر الكتاب تعرض لبحث النقود بعنوان علم النميات. والكتاب بفهارسه يقع في 259 صفحة وإذا أضفنا إليه كتاب حسين بك عبد الرحمن تكون الكتب العربية المعروفة في النقود ستة لا أربعة. وللأستاذ عدنان خالص التقدير ولمجلة الرسالة فائق التحية.

عبد السلام النجار

ص: 51

النعت بالمصدر

في العدد 706 من الثقافة الصادرة بتاريخ 7 يوليو سنة 1952 اخذ الأستاذ الفاضل محمود فتحي المحروق على زميله الشاعر الأستاذ كمال نشأت انه استعمل المصدر صفة في قوله من قصيدة (بحيرة البجع)

والجناح (النصوع) في لونه الأبيض

فلك يسير في استبطاء

والواقع أن الوصف بالمصدر ليس محظورا في اللغة العربية فقد قال ابن هشام الأنصاري المصري في كتابه (أوضح المسالك) الرابع من الأشياء التي ينعت بها المصدر. قالوا: هذا رجل عدل ورضا وزور وذلك عند الكوفيين على التأويل بالمشتق أي عادل ومرضى وزائر. وعند البصريين على تقدير مضاف أي: ذو عدل ورضا وزور. ولهذا التزم أفراده وتذكره) أهم وهناك رأي ثالث: هو أن الوصف بالمصدر على سبيل المبالغة كأن الشخص المذكور هو نفس العدل والرضا والزور. كأن هذه النعوت قد تمثلت في هذا المنعوت بشرا سويا. وفوق ذلك فان الوصف بالمصدر الشائع الاستعمال في اللغة قرآنا وحديثا وشعرا، فمنه في القرآن. قول الله في سورة الملك (الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) أي مطابقة بعضها فوق بعض، أو ذات طباق: أو كأنها نفس الطباق، وللأستاذين الفاضلين تحياتي.

عبد الحافظ عبد المجيد

تصحيح نسبة أبيات

ذكر نباش جريدة المصري هذه الأبيات ونسبها إلى عمران ابن حطان الخارجي.

لولا بنيات كزغب القطا

رددن من بعض إلى بعض

لكان لي مضطرب واسع

في الأرض ذات الطول والعرض

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرض

وليست هذه الأبيات إلى عمران بن حطان الخارجي وإنما هي لحطان بن المعلي كما ذكر ذلك أبو تمام في ديوان الحماسة وهي أبيات سبعة أولها.

أنزلني الدهر على الحكمة

من شامخ عال إلى خفض

ص: 52

وبعض الرواة ينسبها إلى المعلي الطائي أحد الشعراء الذين نزحوا إلى مصر واستقروا بها.

عبد العليم علي محمود

أغاني الربيع

ديوان ضمير الحجم كبير المعاني للشاعر الشاب بشير حسن القطان يقع في (47) صفحة من القطع المتوسط طبع ببغداد وأهداه إلى قبل أيام، ولست أريد في هذه العجالة أن أبين للقراء ما يحوى من شعر رقيق يبشر بمستقبل زاهر لناظمة، ولكنى أحببت أن أنبهه إلى بعض الأخطاء التي وجدتها في الديوان وهي

جاء في قصيدته (الناي الفارسي) ص (11) هذا البيت الخارج عن وزن الأبيات الأخر

لكن الناي المغنى

قد غدا اليوم كئيبا

بينما القصيدة كلها من مجزوء الرمل، ثم ورود لفظة عروسة كقوله في ص (16) - عروسة الشعر أنت الزنبق العطر) وصوبها عروس للمؤنث وعريس للمذكر، ولفظة رغاب بمعنى أمنية وقوله ص (47) - والأنجم الزهراء والصبح الأغر بينما تجمع أفعل وفعلاء على فعل فيجيب أن يقول والأنجم الزهر، كما في القرآن الكريم (سبع سنبلات خضر) و (يلبسون ثياباً خضراً من سندس) ولم يقل خضراء، هذه بعض المآخذ وهي لا تغض من قيمة شعره الرقيق.

بغداد

عبد القادر رشيد الناصري

ص: 53

‌القصص

الشقي المدلل

للفيلسوف الروسي (تولستوي)

كانت تقوم على شاطئ البحر الأبيض، وقريبا من الحدود الفرنسية الإيطالية مملكة صغيرة اسمها (مملكة موناكو)، ولعل لكثير من المدن أن تحتال على هذه المملكة بوفرة نفوسها وازدحام سكانها، فأن سكان هذه المملكة ما كانوا يتجاوزن سبعة آلاف! وعلى انه لو قسمت بينهم أراضى المملكة جمعاء لما أصاب المواطن الواحد منهم فدانا! ومع ذلك كله فقد كان لهذه المملكة ملك حقيقي له قصر وحاشية ووزراء، وله أسقف وجيش وقادة.

وعلى أن الجيش لم يكن بالجيش العرمرم الضخم - إذا ما كان عدد أفراده يزيد عن الستين - فهو مع ذلك جيش له خطره وأهميته بالمحافظة على كيان البلاد. . وكانت الحكومة في هذه المملكة ضرائب على الشعب تتقاضاها شأن بقية الحكومات، فضريبة على التبغ وضريبة على الشراب، وضريبة غير هاتين على الرؤوس. . ومع أن الشعب كان كعامة شعوب العالم يدمن التدخين. ويتعاطى الخمور، ألا أن الضرائب الحكومية من ذلك لم تكن تسد حاجات الأمير ونفقات بلاطه وجيشه، لو لم تسعفه ضريبة أخرى من مصدر جديد هو لعبة (الروليت) فكان الناس يتقاطرون من أنحاء أوربا ليقامروا هناك في دار القمار، وسواء اربح اللاعبون أم كانوا من الخاسرين فان لصاحب الدار الحصة المعروفة من المال. وكان يجتمع له بهذا مال كثير يكون النصيب الأوفر منه للأمير. . وتتضخم أرباح الأمير من هذه اللعبة مرجعة أن دار القمار هذه الوحيدة من نوعها في أرجاء أوربا كلها؛ وإذا كان أمرا الألمان قد منعوا من إقامة أمثال هذه البيوت في بلادهم لما يقع فيها من حوادث الأجرام والأضرار المتأنية عن خسارة وبعض اللاعبين ومغامراتهم ومضاربتهم وانتهائهم عند نزول الكارثة بهم إلى الانتحار بالرصاص، وإذا كان أمير (موناكو) غير متقيد ولا تابع لسلطة من التي يعطيها أمراء الألمان، فقد ألغيتدار القمار عند أولئك وبقيت داره هذه الوحيد في أوربا التي لا قدرة لأحد أن يتعرض لها بشيء، وظل هو محتكرا هذه الأربا.

وكذلك كان الناس يفدون على (موناكو) كان عليما بالمثل القائل (ليس من نتائج أعمال

ص: 54

النزاهة والشرف تشييد شوامخ القصور) وعلى انه كان عارفا بأن الميسر ليس من مشرفات الأعمال فأنه لم يجد بدا من إبقاء نظام الميسر على وضعه ليسد حاجته، وليعيش عيشة يرضاها، فكان يقيم الحفلات ويولم الولائم. ويظهرللناس بمظهر الأبهة التي يعدونها في قصور الملوك. وكان يمنح المنح، ويجزل الهبات ويشكل اللجان، ويشرع النظم وينشأ المحاكم. . . وكان يعرض الجيش ويطوف بأنحاء المملكة، ويفعل فعل غيرة من الملوك ولكن في صورة مصغرة كنسبة مملكته المصغرة إلى بقية الممالك!

وكان أهل (موناكو) معروفين بالمسلة وليس العريكة، فليس بينهم مجرم ولا سفاح، حتى حدثت منذ سنوات جريمة قتل كانت الأولى في تاريخ هذه المملكة؛ فأجتمع لها القضاة في يوم مشهود ليتداولوا في شؤون هذه القضية وفق أصول العدل والأنصاف. وكان ذلك الحفل المهيب يضم رجال القانون من محامين وقضاة ومحلفين ومدعين عامين. وقد ظلوا يتدارسون نصوص القانون. ويؤولونها، ويذهبون في تفسيرها المذاهب حتى اصدروا حكم الإعدام على ذلك القاتل وفق إحدى مواد القانون! وحمل القرار من بعد ذلك إلى الأمير، فقرأه وأصدر الأمر بالموافقة على ما يرتئون!

على أن مشكلة واحدة بقيت لتنفيذ الحكم، إذا لم يكن في المملكة مقصلة ولا كان بها جلاد! فبحث الوزراء المشكلة وقرروا أن يفاوضوا الحكومة الفرنسية في أمر أعارتهم مقصلة وجلاد لتنفيذ حكم الإعدام وطلبوا منها معرفة ما يقتضيهم ذلك من الأجور. ثم أرسلوا بالكتاب إلى رئيس الجمهورية الفرنسية.

وبعد أسبوع ورد جواب الرئيس قائلا (أن تكاليف إرسال مقصلة وجلاد تبلغ ستة عشر ألف من الفرنكات) وعرض هذا على الأمير فعجب من استحالة قطع راس هذا الأثيم إلا بهذا المبلغ الجسيم الذي لا تقوم بشيء من حياته! ثم طلب التفتيش عن طريقة أرخص لا ترهق الأهليين بضريبة جديدة يجبرون عليها، وربما كان من ذلك ثورة جامحة تندلع ألسنتها فتغطى على الأمن في البلاد!

. . . ودعي مجلس الوزراء للبحث في هذه المشكلة من جديد. . وعندئذ قرر المجلس إرسال طلب آخر إلى ملك إيطاليا ذلك بان حكومة فرنسا جمهورية لا ترعى الود المتبادل بين الملوك وليس أمر ملك إيطاليا كذلك، فإنه - ولا شك - سيرعى حرمة الزمالة التي

ص: 55

تربطه بالأمير فيتساهل معه وعلى هذا فقد كتبت رسالة في هذا الغرض وأرسلت، فجاء الجواب:(إن من دواعي غبطة الحكومة الإيطالية تجهيز جارتها بالمقصلة والجلاد مقابل أثنى عشر ألفا من الفرنكات ضمنها تكاليف الإرسال والإعادة) وهذا الأجر وان كان اقل من سابقه إلا أن المجرم لا يستحق إنفاق هذا المبلغ عليه، وتكليف الرعية بان يدفع كل فرد منها فرنكين:

وهكذا دعا المجلس الثالث للاجتماع فتداول أعضاؤه الأمر وتناقشوا في المعضلة لعلهم يهتدون إلى طريقة رخصةفي قتل هذا المجرم. فقال قائلهم: أو لا يمكن تكليف أحد من الجند بقطع رقبة هذا الأثيم؟ وليكن ذلك كيفما اتفق إذ المهم أن يموت! فدعا لذلك قائد الجيش وألقى عليه السؤال. فجمع جنده وسألهم: أفي استطاعة أحدكم تنفيذ المهمة؟ غير انهم يجبوه ولم يرتضوا ذلك منه، وقالوا له (أن ذلك من شأننا - نحن - ولا كان مما سبق أن دربنا عليه!)

هنالك فكر الوزراء وتذكروا فأجمعوا أمرهم على تفويض النظر في القضية إلى لجنتين: عليا ودنيا، وأخيراً تم القرار على الاستعاضة عن حكم الإعدام بالسجن المؤبد والأشغال الشاقة، وكان الأمير بهذا يستطيع أن يرى الرعية رأفته ورقة قلبه، كما أن تلك الطريقة كانت أرخص العقوبات جميعا! ووافق الأمير على هذاالحكم الأخير وأوشك التنفيذ أن يتم لولا أن قامت أزمة جديدة؛ وتلك هي أزمة أيجاد سجن يقضي فيه هذا السجين حياته. على انهم أخيرا وفقوا إلى إيجاد غرفة لأقامته وكانوا به سجاناً يتولى أمر حراسته وإطعامه من مطبخ القصر.

ظل السجين في محبسه تتعاقب عليه الشهور حتى اكتملت عليه سنة تماما؛ ولكن بيننا كان الأمير يفحص ميزانية الدولة ويقلب فيها نظره لاحظ أن فيها باب جديدا من النفقة، تلك هي نفقات سجن هذا المجرم الشقي، ولم تكن هذه بالنفقات اليسيرة البسيطة، ولا كانت بالسهلة القليلة، وإنما كانت شديدة الكلفة ثقيلة الوطأة على ميزانية الدولة! فقد كان المجرم هذا حارس يمنعه من الهرب، ورجل غيره يتولى أمر إطعامه! وفي هذا السبيل صرفت ستمائة فرنك من ميزانية الدولة هذا العام! والأدهى من ذلك أن الرجل في ميعة الشباب صحيح البدن معافى، ولربما امتد به العمر إلى خمسين من السنين! ولو حسب المرء

ص: 56

للمسألة هذا الحساب لم يجدهابالسهولة التي كان يتصور وعلى ذلك فقد جمع الأمير وزرائه وقال لهم: (إن عليكم أن تكتشفوا طريقة غير هذه تكون أخف مؤونة وأقل منها نفقة، فهذه التي اتبعتموها باهضة لا قبل لنا بها!)

وتداول الوزراء الأمر بينهم حتى اهتدى أحدهمإلى فكرة فقال لإخوانه: (أيها السادة، إن من المعقول - في نضري - أن نفصل الحرس فنقتصد نفقاته). غير أن وزيرا آخر اعترض عليه قائلا: إن الرجل سيهرب إن لم يجد من يحرسه.) وهناك رد عليه صاحبه: إن ذلك ما يريدون إذ لا يهمهم أن يهرب)

وتم على ذلك الاتفاق. فرفعوا إلى الأمير تقرير يشرحون له الأمر فوافقهم على ما يرتئون. وفصل الحارس عن عمله وظل جماعة الوزراء يرتقبون المآل حتى جاء موعد الغداء واشتد بالسجين الجوع، فخرج بعد أن طال ارتقابه لحارسه حتى يأس منه - إلى مطبخ القصر وأخذ طعامه منه وعاد إلى غرفته وأغلق على نفسه الباب! وعاد في اليوم التالي فكرر ما صنع بالأمس في الوقت المعين المحدود. وهكذا قبل السجين هذا العناء الجديد، دون أن تخطر له فكرة الهرب من هذا السجن على بال!

وإذا فماذا ترى الوزراء فاعلين؟

هنالك اجتمعوا وبحثوا المشكلة من جديد فقر رأيهم أن يصارحوه بعدم رغبتهم في بقائه، فاستدعاه (وزير العدل) إليه وسأله

- ما بالك لا تهرب وليس عليك حارس يمنعك؟ أذهب حيث شئت فلن يعني بذلك الأمير. فأجاب الرجل: - لعلي أستطيع أن أقول أن الأمير لا يعنيه، ولكن أين المأوى الذي آوي إليه؟ ولا حيلة لي في الحصول على قوتي وقد وصمتموني بأشنع الصفات بأحكامكم التي أصدرتم علي. وهؤلاء الناس لن يأتمنوني بعد الآن على شيء. ذلك إذا أني اعتدت حياة الكسل والخمول فنحطط بالتدريج. لقد أسأتم إلي حقي، فقد كنتم أصدرتم الحكم علي بالإعدام فلن تنفذوه، استعضتم عن ذلك بحكم الأشغال المؤبدة الشاقة وعينتم لذلك حارساً كان يأتيني بطعامي، غير أنكم - بعد بره من الزمن - عزلتموه فاضطررت إلى الذهاب بنفسي إلى المطبخ للحصول على ما يكفيني من الطعام. ثم إنكم - بعد ذلك - تريدونني على الفرار! كلا يا سيدي، كل شيء يصح إلا ما تريدونني عليه؟ اصنعوا ما بدا لكم

ص: 57

وافعلوا بي ما حلا لكم غير أني لن ألوذ بالفرار!

إذاً فكيف؟

وأجتمع مجلس الوزراء يبحث المعضلة بحثاً جدياً حاسماً، ولكنهم احتاروا فيما يقررون؟ وترددوا في اختيار النهج الذي يرون اتباع السير عليه. . إن الرجل لن يبرح الديار أبداً. وفكروا واحتالوا فما وجدوا غير منح الرجل (معاشاً) يكفل لهم الخلاص منه! وأنهوا الحل الأخير إلى الأمير قائلين إنه ليس من حل خير من هذا الذي ارتأوه، وهو أن يمنح الشقي معاشاً يقيهم أذاه ويبعده عنهم! فأقر الأمير رأيهم مرغماً وقدر للمجرم الشقي معاشا سنويا قدره (600) فرنك فلما أخذ في ذلك رأيه أجاب.

- أما الآن فقد طاب الفرار! على أن تلزموا أنفسكم دفعه إلي بانتظام.

وهكذا حسمت المشكلة. وأخذ الشقي ثلث جرايته مقدما وغادر المملكة إلى مسيرة ربع ساعة بالقطار! ونزل قرية ابتاع فيها أرضا بالقرب من حدود بلاده وزرعها متجرا بثمارها وغلاتها وعاش في راحة واطمئنان. وكان كلما حان موعد معاشه ذهب فأستلمه ثم اتجه إلى مائدة القمار فقامر عليها بفرنكين أو ثلاثة مكتفيا بهذا القدر اليسير ورجع إلى مهجره يستأنف حياة الدعة والراحة.

ولعل من حسن طالعه أنه لم يرتكب جريمته الأولى في قطر آخر ترخص فيه أثمان قطع الرقاب وتقل فيه تكاليف الإيداع في أعماق السجون مدى الحياة!

ف. س

ص: 58