الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شكر وتقدير
لا يسعني وأنا أقدم هذه الرسالة بين يدي القراء إلا أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير لكل من مد يد المعونة والمساعدة أو التوجيه والإرشاد على إنجاز هذا المؤلف وأخص بالذكر الأستاذ المشرف الدكتور صلاح الدين الناهي والدكتور الفاضل رشدي عليان الذي غمرني بفضل لا ينسى والعاملين في قسم الدراسات العليا في كلية الآداب ومكتبتها كما وأقدم شكري الخالص إلى الأخ عبد الحسن الراضي صاحب مكتبة دار التربية على ما بذل في طبع وإخراج هذا الكتاب وأشكر جميع الأصدقاء والزملاء الذين كانوا عونا لي في إنجاز هذا المؤلف
المؤلف
فاتحة الكتاب ومنهج البحث
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين وصلاته تعالى على خاتم النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله وصحبه المنتجبين.
وبعد:
فقد كان من توفيق الله تعالى ان يسر لي خدمة دينه الذي ارتضاه بالكشف عن بعض ما احتواه الفقه الإسلامي من ثروة تشريعية ضخمة لا يزال معظمها يرقد في بطون المصنفات الفقهية. وقد عنيت عناية كبيرة في عملية التبويب والتنظيم وجمال الإخراج. وترجيح رأي على رأي تبعا لقوة الدليل.
أ - موضوع الرسالة:
ان الشريعة الإسلامية التي انتهجت طريقا خاصا في إيجاد حياة مستقرة آمنة ومجتمع متراص متحاب لا سبيل للفوضى في أوساطه ولا مجال للاعتداء على الحقوق المقررة لأفراده قد سعت الى تحقيق هذا اللون من الحياة بتشريع أحكام وتقرير مبادئ ثم وضع ضمانات كافية لإظهار هذه الحقيقة.
ولما كانت نظرة الشريعة إلى الملكية نظرة خاصة تنبع من تفهم عميق وواقعية فقد احترمتها ووضعت ما يكفل حمايتها. وإذ كان حق الملكية عرضة للاعتداء والتجاوز بوضع اليد العادية عليه فقد قررت أحكاما عامة واستنبط الفقهاء من مختلف المذاهب تفصيلات تلزم هذه اليد بالضمان وتحملها مسؤولية ما يطرأ على العين المستولي عليها من نقص أو هلاك أو أي شيء آخر مما ستراه في هذه الرسالة.
وهذا، وان كان يكشف كما سنرى عن دقة وشمولية في الفقه الإسلامي وعن عقلية تشريعية جديرة بالتقدير والاحترام وعن ميزة الفقه في تحريه العدالة. ووحده كان في دفعي الى خوض هذا الموضوع والكتابة فيه إلا ان مما زاد في رغبتي اني وجدت القانون المدني العراقي يفرد بابا خاصا لهذا الموضوع وان القضاء العراقي يأخذ بأحكامه مما يؤكد وجود واقع قضائي في هذا الميدان ومن هنا تنبع أهمية هذا الموضوع لعلاقته بالحياة القانونية في هذا البلد.
ولذلك كله استعرت الرغبة عندي في ان أجعل موضوع رسالتي «أحكام الغصب في الفقه الإسلامي» .
ولا اخفي على القارئ اني وجدت صعوبات جمة في البحث لعل أبرزها منهج الفقهاء الأقدمين في مصنفاتهم الفقهية، فإضافة الى تشتت الموضوع واختلاط فروعه ومباحثه بعضها ببعض تجد فقدان التبويب وغموض العناوين وعدم وضوح الطباعة الى غير ذلك مما يدركه كل باحث في كتب الفقه الإسلامي وقد يكون ذلك وأحدا من الأسباب التي دفعت فقهاء القانون الوضعي الى التنكب عن الفقه الإسلامي والتيمم ناحية الفقه الغربي لما وجدوه من سهولة ويسر لا يكلفهم أكثر من عناء الترجمة والاقتباس.
ب - نهج الرسالة:
لقد كنت عندما شرعت في الكتابة قد قررت أن اقصر رسالتي في
موضوع الغصب لا أتعداه الى غيره وان أجعل البحث مقارنا بين المذاهب الفقهية إلا أن فضيلة الأستاذ صلاح الدين الناهي الأستاذ المشرف قد نبهني واسدى إليّ فضلا بأن أشار عليّ ان ابحث نظرية الحيازة بشكل عام وأحاول العثور على نقاط الالتقاء حتى يكتسب الموضوع حيوية خاصة. فما كان عليّ إلا ان ارحب بهذه الفكرة ولقد سعيت جهدي وبذلت ما في وسعي لأصل إلى شيء وعسى اني وصلت.
ج - خطة الرسالة:
اشتملت الرسالة على بحوث تمهيدية وأربعة أبواب. أما التمهيد فقد تحدثت فيه عن تحديد بعض مصطلحات لها علاقة بالرسالة وما تضمنته من أحكام.
في الباب الأول: تناولت فيه نظرية الغصب بشكل عام وقد قسمته إلى ثلاثة فصول: تحدثت في الفصل الأول عن الغصب في اللغة والاصطلاح وأوردت تعريفات الفقهاء من مختلف المذاهب الإسلامية ثم اخترت تعريفا رجحته من بينها وتعرضت بعد ذلك الى ثمرة اختلاف التعاريف وما يبني عليها من تفريعات فقهية.
وفي الفصل الثاني تحدثت عن عناصر النظرية وأسسها وشروط المغصوب - اي شروط الشيء الذي يتحقق فيه الغصب. أما الفصل الثالث فقد خصصته للحديث عن حكم الغصب المباشر من وجوب ردّ المغصوب ومستلزمات هذا الردّ وفيما لو تعذر بنحو من الأنحاء.
إما الباب الثاني: فقد تحدثت في الفصل الأول عن أحكام الغاصب وما يجب عليه من الضمان وكيفيته. وفي الفصل الثاني تحدثت عما يطرأ على المغصوب من تغير زيادة أو نقصا. أما الفصل الثالث فقد تحدثت فيه عن الطواري على المغصوب.
أما الباب الثالث: فقد أفردته للحديث عن تصرفات الغاصب في
المغصوب سواء أكانت معاوضات أو عبادات أو تصرفات فعلية كزراعة المغصوب واستغلاله بأي نحو كان وكان ذلك في فصلين أما الفصل الثالث من هذا الباب فقد تناولت فيه أحكام اختلاف الغاصب مع المغصوب منه حول المغصوب من حيث وجوده أو صفاته وقيمته.
لقد حاولت وانا اكتب هذه الرسالة ان أكون موضوعيا سالكا المنهج الحديث في التعبير والعرض والتبويب وقمت بترجيح رأي على رأي والتزام اتجاه من الاتجاهات الفقهية - في المقام تبعا لقوة الدليل. وكانت طريقتي تتلخص باستعراض الآراء الفقهية - في نقطة البحث - لكل مذهب من المذاهب بعد التحقق من نسبة القول إلى أصحابه فيما تيسر لدي من مصادر ومراجع وأهملت بشكل كلي تقريبا ما يذكره أصحاب مذهب معين من رأي ينسبونه الى مذهب آخر لأن ذلك خلاف الأمانة العلمية والدقة في البحث. اضافة لما يحتمل - وهو احتمال قائم وله ما يبرره من الواقع التاريخي - من الكذب مما يكون مقصودا أو غير مقصود.
وهنا يمكن للقاري ان يتبين طريقتين في مناقشة أو استعراض الأحكام الفقهية التي تضمنتها الرسالة:
أما الطريقة الأولى: فتتم باستعراض آراء الفقهاء حسب تسلسل خاص ونقل نصوصهم في المقام ثم الخلوص الى تحديد اتجاهات معينة في مبحث مثلا ثم ذكر الأدلة لكل اتجاه - ان وجدت - ثم الاختيار والترجيح.
أما الطريقة الثانية: فتتم بذكر وحصر الاتجاهات مقدما ثم التحقق من نسبتها الى المذاهب الفقهية بالرجوع الى المصادر ثم ترجيح اتجاه على اتجاه.
وانما تمّ ذلك بهذا الشكل بحسب مقتضيات النقطة موضوع البحث ولتزويد القارئ بفكرة استخلاص اتجاهات معينة من النصوص الفقهية.
أما الباب الرابع والأخير فقد تناولت فيه نظرية الحيازة من حيث التعريف بها وتحديد عناصرها وشروطها ودعاوي الحيازة وما يتصل بها وفي خلال ذلك عرضت لنقاط الالتقاء بينها وبين الفقه الإسلامي بوجه عام وبينها وبين ما ورد في نظرية الغصب من أحكام مشابهة.
ثم انتهيت بعد ذلك الى خاتمة البحث حيث استخلصت من مجموع ما تناولته هذه الرسالة من بحوث نتائج وثمرات يمكن الاستناد إليها لتقرير حقيقة جوهرية هي عظمة الفقه الإسلامي وطابع الشمولية والدقة في أحكامه ومبادئه.
ولا يسعني في ختام هذه الرسالة إلا ان أتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى الأستاذ العلامة الدكتور صلاح الدين الناهي الذي كان دائما وابدا يأخذ بيدي نحو الدقة في البحث ويسدي إليّ نصائح جليلة كان لها الفضل الأكبر في إخراج هذه الرسالة بهذا المستوي.
ولله الحمد أولا وآخرا وهو حسبي ونعم الوكيل.
الجمعة في 23/ذو القعدة/1392 هـ 12/ 1872/29 م
عبد الجبار حمد شرارة
بحث تمهيدي
1 -
المثلي والقيمي في اللغة والاصطلاح
2 -
المتقوم وغير المتقوم
3 -
العقار والمنقول في اللغة والاصطلاح
المثلي والقيمي في اللغة والاصطلاح
مثل في اللغة «كلمة تسوية يقال: هذا مثله ومثله كما يقال شبهه وشبهه بمعنى»
(1)
.
وقيل
(2)
«المثل بالكسر: الشبه، تقول هذا الشيء مثل ذاك بلفظ واحد للجميع والمثلي: بالكسر: المنسوب الى المثل» .
أما القيمي: فقد ورد في المعجم الوسيط
(3)
: «قوّمت السلعة: سعرها وثمنها: وتقوّم الشيء تعدل واستوى وقيمة الشيء: قدره والجمع قيم» .
أمّا في الاصطلاح فالظاهر من كلمات الفقهاء ان المثلي ما تماثلت آحاده أو اجزاؤه بحيث يمكن أن يقوم بعضه مقام بعض دون فرق يعتد به. ويقدّر عادة بالوزن أو الكيل ويصح السلم فيه وكل ما يفقد شرطا من الشروط الآنفة يصبح قيميّا.
ويحسن هنا ان نورد بعض نصوص فقهاء المذاهب الإسلامية بهذا الخصوص لنتبين صحة ذلك.
(1)
الصحاح/الجوهري/1816:5.
(2)
اللمع النواجم/ظاهر خير الله الشويري/ص 999/ 1000.
(3)
ج - 2 ص 773 ط مصر 1961.
ذكر ابن قاضي سماوة
(1)
من فقهاء المذهب الحنفي ان: «المثلي: كل ما يكال أو يوزن وليس في تبعيضه مضرة وكذا العددي المتقارب كجوز وبيض ونحوها. أما الحيوانات والذرعيات والعددي المتفاوت كرمّان والوزني الذي في تبعيضه ضرر فهي قيميّات» .
وفي الفقه الشافعي ذكر الرملي
(2)
: «والمثلي ما حصره كيل أو وزن وجاز السلم فيه» . وذكر الغزالي
(3)
: «وحدّ المثلي ما تتماثل أجزاؤه في المنفعة والقيمة من حيث الذات» .
ويظهر من هذه النصوص سواء في الفقه الحنفي والشافعي شرط كون الشيء مكيلا أو موزونا إضافة الى صحة السلم فيه لاعتباره مثليا.
وبنفس الشروط ورد تحديد المثلي في الفقه الحنبلي فقد ذكر ابن النجار
(4)
:
«المثلي هو كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه بمثله» .
ومثل ذلك ورد في الفقه المالكي: «المثلي: ما حصره كيل أو وزن أو عدّ ولم تتفاوت أفراده يقيد بما إذا لم يكن أصله ودخلته صنعة»
(5)
.
أما في الفقه الجعفري فقد ذكر الشهيد الثاني
(6)
(1)
جامع الفصولين/97:2 وراجع روضة القضاة/السمناني/ج - 1/تحقيق الدكتور الناهي.
(2)
نهاية المحتاج/157:5، منهج الطلاب/لأبي زكريا الأنصاري/233:1.
(3)
الوجيز/208:1.
(4)
منتهى الإرادات/517:1، الإنصاف في الراجح من الخلاف/المرداوي/192:6.
(5)
بلغة السالك لأقرب المسالك لذهب الإمام مالك/الصاوي/213:2.
(6)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/37:7.
وذكر السيد الحكيم
(1)
: «المثلي ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات والقيمي بخلافه» .
أما في الفقه الزيدي
(2)
فقد ورد في تحديد المثلي: «هو ما ضبطه مكيال أو ميزان وقلّ التفاوت فيه كالحيوان والادهان وغيرها» .
ومن استعراضنا لكلمات الفقهاء يتضح لنا ما خلصنا إليه في تعريف المثلي والقيمي ويظهر حينئذ مدى التقارب بين التعريف اللغوي والاصطلاحي ولا غرابة في ذلك فليس للمثلي حقيقة متشرعة أو شرعية بل هو بمعناه اللغوي والعرفي وهو المماثل.
ولكن يحسن بنا ان نزيد الأمر وضوحا بالتعريف «بما يصح السلم فيه» حيث ورد شرطا في اعتبار المثلية في الشيء (والسلم هو بيع عاجل بآجل)
(3)
وهو عقد من العقود.
وقد ذكر الشيخ محمد جواد مغنية
(4)
ان الفقهاء قالوا بصحة السلم في الفواكه والخضار والبيض، والجوز، والألبان والاسمان، والأطياب والملابس والأشربة لإمكان ضبطها بالوصف الذي تتفاوت فيه الرغبات.
وذكر ابن رشد
(5)
(1)
نهج الفقاهة/139:1/ ط 1371/نجف.
(2)
التاج المذهب الجامع لأحكام المذهب/المنسي/365:3.
(3)
الروض الربع شرح زاد المستقنع/ج 2 ص 136 السلم «عقد على موصوف ينضبط بالصفة في الذمة ويصح بألفاظ البيع وبلفظ السلم والسلف لأنهما حقيقة فيه إذ هما اسم للبيع الذي عجل ثمنه وأجل مثمنة» .
(4)
فقه الإمام الصادق/260:3، الخلاف/الشيخ الطوسي/86:2.
(5)
بداية المجتهد/201/ 202:2.
وبمثل اتجاه للفقه في تحديد المراد بالمثلي كان الاتجاه القانوني فقد ذكر محمد كامل مرسي
(1)
والأشياء القيمية هي التي لا يقوم غيرها مقامها ولو كان من نوعها مثل الحيوانات التي لا تباع بالعدد والأراضي والمنازل».
(1)
شرح القانون المدني/95/ 96:1.
المتقوّم وغير المتقوّم من المال
يقصد بالمال المتقوّم: «هو ما كان محرزا فعلا وانه محل لانتفاع معتاد شرعا حال السعة والاختيار وهذا النوع إذا تعدى عليه آخر وأتلفه ضمنه ان كان قيميّا فبقيمته وإن كان مثليا بمثله فالأرض والدور والسيارات والدواب والكتب والطعام وأمثال ذلك يعتبر مالا
(1)
متقوّما».
وقد ذكر الكاساني
(2)
من فقهاء الحنفية: «إن التقوّم ضربان: عرفي وهو بالإحراز فغير المحرز كالصيد وغيره كالحشيش ليس بمقوّم. وشرعي:
وهو بإباحة الانتفاع به».
وذكر السيد اليزدي
(3)
من فقهاء الجعفرية: «ان إسقاط التقوم لمال من الأموال هو عدم إباحة الشارع الانتفاع به إذ المناط أن تكون المنفعة المحللة مقومة للمالية بحيث لو أغمض عن المنفعة المحرمة يعد مالا» .
أما غير المتقوّم: «فهو الذي لا ينتفع به عادة على وجه يرتضيه الشارع
(1)
المدخل للفقه الإسلامي/محمد سلام مذكور/ص 471.
(2)
بدائع الصنائع/147:7، راجع أيضا الهداية/المرغيناني/21:4.
(3)
حاشية اليزدي على المكاسب/محمد كاظم اليزدي/الطبعة الحجرية/إيران.
ويجيزه حال السعة والاختيار كالخمر والخنزير بالنسبة للمسلم». (كما ذكر الدكتور محمد سلام مدكور).
وهنا اتفق الفقهاء
(1)
على إسقاط مالية الخمر والخنزير بالنسبة للمسلم واختلفوا فيها بالنسبة للذمي. والخلاف
(2)
هنا مبني على أصل وهو هل ان الكفار مخاطبون بأحكام الشريعة مثلنا ومكلفون باتباعها أم لا؟.
فمن رأى انهم مكلفون بالأحكام وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا قال بعدم تقوم الخمر والخنزير بالنسبة لهم أيضا. ومن رأى أنهم غير مكلفين بالأحكام الشرعية بل نتركهم وما يدينون قال بتقوّمها بالنسبة لهم.
(3)
.
والظاهر ان الجعفرية
(4)
وافقوا الحنيفة والمالكية في القول بتقوّم الخمر والخنزير بالنسبة لغير المسلمين أما الظاهرية
(5)
. فقد وافقوا الشافعية والحنابلة في القول بعدم التقوّم.
والظاهر كما ذكر الشيخ محمد أبو زهرة
(6)
أن اصطلاح تقسيم الأموال إلى متقومة وغير متقومة يقاربه ما ورد في القانون إذ أن هناك من الأموال ما
(1)
راجع بدائع الصنائع/147:7، المهذب/الشيرازي 381:1، الإنصاف/ المرداوي/125:6، بداية المجتهد/لابن رشد المالكي/126:2.
(2)
راجع تفصيل ذلك: كشف الأسرار على أصول البزدوي/ص 1451.
(3)
المدخل للفقه الإسلامي/محمد سلام مدكور/ص 471.
(4)
الروضة البهية/29:7.
(5)
المحلى/147:8.
(6)
نظرية العقد/ص 48.
يحرم قانون العقوبات إحرازها. وإن من أتلفها لا عقوبة عليه فهي مهدرة المالية.
إما مجلة الأحكام العدلية فقد ذكر علي حيدر في شرحها
(1)
ان المال المتقوّم هو المال المحرز الذي يباح الانتفاع به شرعا فيخرج من التعريف الأشياء التي كالعشب النابت بنفسه والأشجار التي في الجبال المباحة وما لا يباح الانتفاع به للمسلم كالخمر والخنزير.
(1)
الكتاب الثامن/دور الحكام/ص 1163.
العقار والمنقول في اللغة والاصطلاح
العقار
(1)
: بالفتح -: الأرض والضياع والنخل ومنه قولهم ما له دار ولا عقار. ويقال أيضا في البيت: عقار حسن: أي متاع واداة.
«وقيل
(2)
: العقار: هو المنزل والأرض والضياع.» أما في الاصطلاح: فالظاهر ان هناك اتجاهين في الفقه الإسلامي في تحديد العقار والمنقول:
الاتجاه الأول: يرى ان العقار: هو الأرض فقط وهي يمكن اعتبارها العقار بالطبيعة وأما ما يتصل بها من بناء أو شجر فهو عقار بالتبعية.
أما المنقول فهي كل الأموال بانفرادها عن الأرض. «ويظهر هنا ان العقار: هو كل ما له استقرار وثبات بحيث لا يمكن نقله وتحويله.» .
وهذا هو رأي الحنفية
(3)
والشافعية
(4)
والحنابلة
(5)
والجعفرية
(6)
(1)
الصحاح/الجوهري/754:2. نشر دار الكتاب بمصر.
(2)
لسان العرب/المجلد الرابع: 596. دار صادر بيروت 1955.
(3)
بدائع الصنائع/الكاساني/164:5، شرح فتح القدير/لابن الهمام/49:5.
(4)
تكملة المجموع على المهذب/المطيعي/364/ 366:11.
(5)
منتهى الإرادات/لابن النجار/527/ 528:1.
(6)
المختصر النافع/المحقق الحلي/ص 257.
والزيدية
(1)
والظاهرية
(2)
.
أما الاتجاه الثاني في تحديد العقار: فهو اتجاه المالكية وهؤلاء يرون «ان العقار شامل للبناء والغرس وغيرهما كالأرض المجردة عن ذلك لأن العقار اسم للأرض وما اتصل بها من بناء أو شجر.
(3)
».
وهذا التحديد أوسع من الأول وهو أقرب الى التحديد اللغوي.
ونحو هذا الاتجاه اتجه القانون المدني العراقي
(4)
في تحديد العقار: فقد ورد في تحديده: «انه كل شيء له مستقر ثابت لا يمكن نقله وتحويله دون تلف.» أما المنقول: «فإنه كل شيء يمكن نقله وتحويله دون تلف فيشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلات والموزونات وغير ذلك» .
ومثل هذا التعريف أو نحوه ورد في التقنين المصري
(5)
:
فالأشياء تنقسم بطبيعتها الى ثابتة ومنقولة وقد نصّ على هذا التقسيم في المادة (82) التي جاء فيها:
«كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار وكل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول.»
(1)
البحر الزخار/لابن المرتضى/32:4.
(2)
المحلى/لابن حزم/175:9.
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير/479:3 وراجع فتح الجليل/الخرشي/168:6 المقارنات التشريعية/عبد الله حسين/354:1.
(4)
شرح القانون المدني العراقي/حامد مصطفى/12:1.
(5)
شرح القانون المدني/محمد كامل مرسي/82:1.
صلة الغصب بفلسفة الملكية
لا بدّ لنا ونحن نريد بحث نظرية الغصب في الفقه الإسلامي المقارن ان نتطرق الى صلة الغصب بفلسفة الملكية باعتبار ان الغصب هو أحد الأعمال غير المشروعة التي تقع على الملك.
(1)
.
ان ميل الإنسان إلى احتياز الأشياء مركوز في طبيعته الإنسانية وهي ظاهرة حياتية لا يمكن التغافل عنها بحال مهما كانت الحجج والمبررات. ومن هنا يبدو ان القول الذاهب الى ان مسيرة الإنسان الحياتية قد شهدت صراعات دامية بسبب الملكية وعليه يلزم إسقاطها من الحساب لإيجاد حياة لا تبرز فيها ظواهر عدائية أو دامية يبدو ان هذا القول بعيد عن الصفة العلمية والواقعية. وان الحق يقتضينا ان نتعامل مع هذه الظاهرة - ميل الإنسان إلى التملك - بروح أكثر جديّة وواقعية فنسعى إلى إيجاد تخطيط متكامل ومتناسق يعنى بتنظيم هذا الحق - حق الملكية - مصادر اكتسابه ووسائل نمائه وطرق استثماره وتوظيفه وضمانات حمايته وحينذاك نكون قد أمنا ما يمكن ان يتأتى من فوضى إطلاقه بلا قيود أو شروط.
وهنا لو رجعنا الى مجمل التشريعات الإسلامية بهذا الخصوص لا نكشف لنا وبجلاء عظم ما تمتلكه هذه التشريعات من تخطيط وتنظيم رائعين لهذا الحق.
ومن هنا ايضا واستنادا الى القانون الطبيعي نرى أن الشريعة الإسلامية قد أولت حق الملكية أهمية خاصة فاحترمته أولا وأقرته وكفلت في تشريعاتها
(1)
حق الملكية في ذاته/الدكتور صلاح الدين الناهي.
وسائل نمائه وطرق حمايته ومن خلال ذلك وباعتبار ان الغصب سبب من أسباب الكسب غير المشروع من جهة وطريق يهدد الملكية الفردية ويحول دون استثمارها على الوجه الأكمل نجد الفقه الإسلامي يعالجه بأسلوبه الخاص فيحمل الغاصب مسؤوليات خاصة تجعله يقف وجها لوجه امام التزام لا قبل له به فيسعى للتحلل من هذا الالتزام. ويتناول الفقه هنا كافة الاحتمالات القائمة سواء استغلال المغصوب والانتفاع به أو زيادته أو نقصانه وكل ما يمكن ان يطرأ عليه
(1)
.
وهذا ما سنتحدث عنه تفصيلا في رسالتنا هذه.
(1)
استخلصنا هذا البحث من: 1 - حق الملكية في ذاته/الأستاذ صلاح الدين الناهي/ص 156/معهد الدراسات العربية 1960/ 1961. 2 - اشتراكية الإسلام/مصطفى السباعي. 3 - الملكية في الشريعة الإسلامية مع المقارنة بالشرائع الوضعية/علي الخفيف/ط 1/ 1966.
الباب الأول
نظرية الغصب
الفصل الأول
التحقيق اللغوي والاصطلاحي وثمرة الاختلاف في التعريف
ثلاثة مباحث المبحث الأول: التعريف لغة واصطلاحا البحث الثاني: مناقشة التعاريف واختيار الأرجح المبحث الثالث: ثمرة اختلاف التعاريف
المبحث الأول: التعريف لغة واصطلاحا (التحقيق اللغوي):
ورد في تعريف الغصب في كتب اللغة:
أخذ الشيء ظلما
(1)
. وزاد آخرون
(2)
«وقهرا» تقديما على «ظلما» الواردة في التعريف المذكور أو تأخيرا.
وقيل
(3)
: غصبه يغصبه غصبا أخذه قسرا وقهرا وقد يتعدى الى مفعولين فيقال غصبته ماله وقد يزاد (من) في المفعول الأول فيقال غصبت منه ماله.
وقيل
(4)
«هو أخذ الشيء من الغير لا تغلب متقوّما كان أو لا» .
«وغصبه على الشيء قهره، وعصبه منه والاغتصاب مثله»
(5)
.
والغصب: مصدر، والغاصب اسم فاعل جمعه غصاب وهي غاصبة»
(6)
.
«وبابه ضرب تقول غصبه منه وغصبه عليه»
(7)
.
التعريف اصطلاحا:
حتى نتبين المقصود بالغصب ونحدد مفهومه شرعا لا بدّ من استعراض كلمات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم بهذا الخصوص.
(1)
لسان العرب:648:1. ط: دار صادر وبيروت، تاج العروس 413:1 ط الخيرية بمصر. مختار الصحاح ط 4. الصحاح/الجوهري/194:1 دار الكتاب العربي.
(2)
تهذيب اللغة 26:8، معجم متن اللغة/احمد رضا/298:4. دار مكتبة الحياة، أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد/الشرتوني/874:2.
(3)
فاكهة البستان/عبد الله البستاني/المطبعة الاميركانية ط 1/بيروت.
(4)
كشاف اصطلاحات الفنون/5: ص 1089.
(5)
راجع تاج العروس:413:1، المعجم الوسيط، ج 2 مجمع اللغة العربية/ط مصر، والصحاح/الجوهري،194:1 دار الكتاب العربي.
(6)
المعجم الوسيط: ج 2.
(7)
مختار الصحاح ط 4.
فلو رجعنا الى الفقه الحنفي لوجدنا تعريفات مختلفة ولو دققنا أكثر لرأينا ان الاختلاف جوهري.
فالكاساني
(1)
ذكر أن أبا حنيفة وأبا يوسف قد ذهبا الى أن الغصب «إزالة يد المالك عن ماله المتقوّم على سبيل المجاهرة والمغالبة يفعل في المال» .
وقد ذهب محمد بن الحسن الشيباني الى ان «الفعل في المال» ليس بشرط وهذا الاختلاف بين محمد والشيخين تنبني عليه تفريعات عديدة سنذكرها في محلها.
وذكر ابن غانم
(2)
تعريفا آخر للغصب يتحد في المعنى مع التعريف المتقدم إذ قال: «الغصب شرعا هو أخذ مال متقوّم محترم بلا اذن من له الإذن على وجه يزيل يده بفعل في العين» .
ثم وضّح القيود الواردة في التعريف قائلا: فخرج بالقيد الأول أي - المال - الحرّ والميتة، وبالثاني خمر المسلم وبالثالث مال الحربي واحترز بالرابع عن الوديعة والقيد الخامس أي «بفعل في العين» لا بدّ منه على أصل الشيخين وبدونه ينطبق الحد على قول محمد فإنهما اعتبرا بالغصب إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة بفعل في العين.
وأورد الموصلي
(3)
تعريفا آخر يتحد في معناه مع التعريفين المتقدمين إذ قال: «الغصب: هو أخذ مال متقوّم محترم مملوك للغير بطريق التعدي.
واشترط أبو حنيفة وأبو يوسف كون المغصوب قابلا للنقل والتحويل على وجه يتضمن تفويت يد المالك ولم يشترط ذلك محمد».
وهذا الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف من جهة وبين محمد بن الحسن
(1)
بدائع الصنائع/143:7.
(2)
مجمع الضمانات/ص 117.
(3)
الاختيار لتعليل المختار/عبد الله الموصلي/58:3.
الشيباني من جهة أخرى المنصب على اشتراط النقل عند الشيخين وعدمه عند محمد قد نقله غير واحد من فقهاء المذهب والظاهر أن قول محمد هو المختار.
عند متأخري المذهب
(1)
.
وقد اختلفت تعريفات فقهاء المذهب الشافعي من بعض الوجوه.
جاء في نهاية المحتاج
(2)
: وشرعا: الاستيلاء على حق الغير عدوانا والاستيلاء مداره على العرف فليس منه منع المالك من سقي زرعه أو ماشيته حتى تلف فلا ضمان.
(على حق الغير) ولو كلبا وخمرا محترمين وشمل الاختصاصات كحق متحجر ومن قعد بنحو مسجد لا يزعج عنه. وعدوانا على وجه الظلم والتعدي فخرج به نحو مأخوذ بسوم وعارية.
وأورد زكريا الأنصاري
(3)
تعريفا مشابها لما تقدم ولكنه استبدل كلمة (بلا حق) بكلمة (عدوانا) وقد اعتبر بناء على هذا التعريف ركوب الدابة والجلوس على الفراش وإزعاج المالك عن داره ودخوله لها بقصد الاستيلاء غصبا.
ومثل هذا التعريف ورد في حاشية البجيرمي وقد عقّب عليه بقوله (ودخل في هذا التعريف: ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله فإنه غصب وإن لم يكن فيه إثم)
(4)
.
أما الأردبيلي
(5)
فقد جاء تعريفه للغصب أخص من الأول إذ قال:
(الغصب: الاستيلاء على مال الغير بعدوان).
(1)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/1167/الكتاب الثامن.
(2)
ج 5/ص 143/الرملي.
(3)
منهج الطلاب/الأنصاري/مطبوع بهامش فتح الوهاب ج 1 ص 231.
(4)
حاشية البجيرمي ج 3/ص 147/ 148.
(5)
الأنوار لإعمال الأبرار/ج 1 ص 353.
وهذا التعريف يردّ عليه:
انه غير جامع لأفراد المعرف لعدم دخول غصب الكلب وخمر الذمي والحقوق والاختصاص.
وقد اتفق فقهاء المذهب الحنبلي في تعريفهم للغصب مع فقهاء الشافعية، فقد عرفه ابن النجار
(1)
بقوله: (الغصب: استيلاء غير حربي عرفا على حق غيره قهرا).
وهذا أوفق التعريفات كما حققه المرداوي في الإنصاف فقد ناقض قول من قال: «الغصب: هو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق» وهذا التعريف أورده صاحب المقنع
(2)
وجاء في المحرر ايضا
(3)
.
قال في الإنصاف
(4)
ويظهر من تعريف الشافعية والحنابلة عدم اشتراط النقل لتحقق مفهوم الغصب بل يكفي ان يضع يده على الشيء المملوك للغير عدوانا ليصير غاصبا.
فقد جاء في الروض المربع: «الاستيلاء عرفا على حق غيره مالا كان أو اختصاصا قهرا بغير حق»
(5)
.
ويظهر لنا من خلال ذلك ان ركوب الدابة والجلوس على فراش الغير
(1)
منتهى الإرادات/ج 1 ص 508.
(2)
المقنع/لابن قدامة/232:2.
(3)
المحرر في الفقه/لأبي البركات/ص 361.
(4)
الإنصاف/المرداوي/ج 6 ص 121/ 124.
(5)
الروض المربع شرح زاد المستقنع/ج 2 ص 350.
غصب وقد صرح بذلك في غاية المنتهى
(1)
«واستيلاء كل شيء بحسبه فمن ركب دابة واقفه بلا اذن فغاصب» .
وقد اتفق أغلب فقهاء المالكية مع فقهاء الشافعية والحنابلة في حد الغصب وأنه:
(أخذ رقبة الملك أو منفعته بغير اذن المالك على وجه الغلبة والقهر دون حرابة)
(2)
.
وقد ناقش الدردير
(3)
من ذهب الى ان الغصب «أخذ مال قهرا بلا حرابة» بقوله: (أخذ مال: جنس يشمل الغصب وغيره وهو من اضافة المصدر لمفعوله والفاعل محذوف أي أخذ آدمي مالا والمتبادر من المال الذات فخرج به التعدي وهو الاستيلاء على المنفعة فقط كسكنى الدار وركوب دابة من غير استيلاء على ذات الدار والدابة.).
ولم يشترط في الأخذ حقيقته أي نقل الشيء كما ذهب الى ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف بل (المراد بالأخذ الاستيلاء عليه ولو لم يأخذه بالفعل فمن استولى على مال شخص بأن منع ربه منه ولو لم ينقله من موضعه فهو غاصب
(4)
.
وجاء في المواهب
(5)
: (وقال في الذخيرة قال بعضهم: الغصب: رفع اليد المستحقة ووضع اليد العادية قهرا. وقيل وضع اليد العادية قهرا ويبني على التعريفين ان الغاصب غاصب على الثاني دون الأول لكونه لم يرفع اليد المستحقة).
(1)
غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى/ج 2.
(2)
القوانين الفقهية/ابن جزى/ص 282.
(3)
الشرح الصغير/سيدي أحمد الدردير/ج 4 ص 84/ 85.
(4)
نفس المصدر/والصحيفة.
(5)
مواهب الجليل/لابن الحطاب/ج 5 ص 274.
وعرف الغصب في المذهب الجعفري بعدة تعريفات.
فقد عرفه المحقق الحلبي
(1)
وأورد الشهيد الثاني
(2)
في مسالكه التعريف المتقدم وعقب عليه بقوله:
وناقشه في الروضة
(3)
أيضا بعد ان أورد التعريف وقال: «فلو أبدل الاستيلاء بالاستقلال لشمل ما لو اشترك اثنان فصاعدا في غصب مال لصدق الاستيلاء مع المشاركة» .
أما العلامة الحلي
(4)
فقد أورد التعريف المتقدم ثم أورد تعريفات أخرى قال: «وقيل: هو الاستيلاء على مال الغير بغير حق. ولا حاجة الى التقييد بالعدوان بل يثبت الغصب وحكمه من غير عدوان كما لو أودع ثوبا عند إنسان ثم جاء وأخذ ثوبا للمستودع على ظن أنه ثوبه وهذا أعم من الأوائل» .
وناقش الشهيد
(5)
الثاني في الروضة من أبدل بغير حق بالعدوان. وقال
(1)
شرائع الإسلام/150:2.
(2)
مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/الطبعة الحجرية/ غير مرقم.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/17/ 18:7.
(4)
تذكرة الفقهاء/372:13 طبع حجر.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/17/ 18:7/تحقيق كلانتر.
وقد خلص الى هذا التعريف الأخير بعد مناقشة التعاريف المتقدمة كما نقلنا ذلك عنه في مناقشته «للاستقلال» .
وقد ناقش أيضا من أورد (المال) في تعريفه لأنه حينئذ: «لا يكون جامعا للأفراد كالتحجير وحق المسجد والمدرسة ونحوه» مما لا يعد مالا فإن الغصب متحقق. وكذا بالنسبة للحر الصغير والمجنون إذا تلف تحت يده بسبب كلدغ الحية فإنه يضمنه عند المصنف كما اختاره في الدروس فلو أبدل الحق بالمال لشمل جميع ذلك.
أما المذهب الزيدي:
فانا نلاحظ ان فقهاء المذهب قد اتفقوا مع جمهور الفقهاء في بيان حد الغصب:
فقد ذكر ابن المرتضى
(1)
: «الغصب: هو الاستيلاء على مال الغير عدوانا وإن لم ينو في الأصح» .
وجاء في التاج المذهب
(2)
(1)
البحر الزخار/ج 4 ص 144/ابن المرتضى.
(2)
التاج المذهب لأحكام المذهب/العنسي/ج 3 ص 343.
وقد تناول صاحب الروض الغصب وعرفه بقوله: «هو الاستيلاء على مال الغير أو حقه عدوانا فلا تدخل السرقة لأنها اختلاس ويدخل في الاستيلاء استعمال عبد الغير وركوب دابته فإنه يضمن، وقيل وفيه الجلوس على فراش الغير إذا كان لمثله اجرة وتدخل في الحق المنافع كمنفعة الكلب والسرجين ويخرج بالعدوان المغانم وما انتزع من يد الغاصب للحفظ»
(1)
.
وأما ابن حزم الظاهري
(2)
فقد ذكر تعريفا يتحد في مضمونه مع تعريف الجمهور إذ قال: «الغصب أخذ الشيء بغير حقه ظلما» .
وهذا التعريف أقرب الى التعريف اللغوي كما حققنا.
المبحث الثاني: «مناقشة التعاريف واختيار الأرجح»
.
يظهر لنا بعد استعراض تعريفات الفقهاء المتقدمة أن هنالك ثلاثة اتجاهات تلتقي عندها كلمات الفقهاء في بيان حد الغصب.
1 -
اتجاه يذهب إلى أن حد الغصب: هو إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة بعفل في العين أو كما ورد على لسانهم:
«أخذ مال متقوّم محترم مملوك للغير على وجه يزيل يده بفعل في العين بطريق التعدي» .
وهذا هو (اتجاه أبي حنيفة وأبي يوسف)
(3)
من الأحناف. وكذلك (الهادي وأبي طالب)
(4)
من الزيدية كما ذكرنا.
(1)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير/الصنعاني/ج 3 ص 401.
(2)
المحلى/144:8.
(3)
راجع: خزانة الفقه وعيون المسائل/لأبي الليث السمرقندي/ص 317/تحقيق الدكتور الناهي، مجمع الضمانات ص 117/لابن غانم، الهداية/المرغيناني/7:3.
(4)
البحر الزخار/لابن المرتضى/176:4.
وبمثل هذا التعريف ورد في شريعة النصارى
(1)
إذا جاء «الغصب: هو أخذ مال متقوّم محترم بلا اذن مالكه كالمباح وغير المتقوّم كالمحرم» .
وهو نفس اتجاه القانون الروماني إذ جاء في المدونة
(2)
«الغصب: انتزاع مال مملوك للغير بالقوة» والانتزاع يفيد الإزالة.
2 -
والاتجاه الثاني: لا يشترط إزالة يد المالك بفعل واقع في العين بل يكفي إثبات اليد المبطلة.
وقد جاء على لسانهم:
الغصب: «هو الاستيلاء على مال الغير عدوانا قهرا» .
وهذا هو اتجاه جمهور الشافعية وجمهور الحنابلة والمالكية وجماعة من فقهاء الجعفرية وجماعة من فقهاء الزيدية والظاهرية وقد ذكرنا ذلك عنهم في المبحث الأول تفصيلا.
وقد ذهب القانون المدني الجديد
(3)
الى هذا التعريف إذ جاء فيه:
«الغصب هو الاستيلاء على مال غيره بغير حق» .
3 -
أما الاتجاه الثالث فإنه يوافق الاتجاه الثاني في أن إثبات اليد هو المعوّل عليه والأساس في حد الغصب إلا أنه يخالفه في قيود التعريف.
فالغصب هنا: هو: «الاستيلاء على حق الغير بغير حق قهرا» .
(1)
مختصر الشريعة/قرة علي/ص 78: ويظهر تأثر المؤلف بالفقه الإسلامي خصوصا وانه من المتأخرين والذين عاشوا ضمن الأجواء الإسلامية فهو عاش وولد في لبنان وعاش فترة في جبل عامل حيث العلماء والفقهاء كما ورد في ترجمته في نفس الكتاب المذكور.
(2)
مدونة جوستنيان/ترجمة عبد العزيز فهمي/ص 253.
(3)
شرح القانون المدني/محمد كامل مرسي/173:2.
وهذا هو تعريف جماعة من الشافعية والحنابلة والمالكية والجعفرية والزيدية. وقد نقلنا ذلك عنهم في المبحث الأول.
وقد أوردنا أثناء استعراضنا لهذه التعريفات ما يرد عليها من إشكالات ونعود هنا للناقش ثم نختار.
يرد على التعريف الأول الذي جاء فيه أن حد الغصب: هو إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة بفعل في العين ما يلي:
أ - اشتراط (الفعل في العين) ليتحقق الغصب أمر لا حجة لهم عليه لا شرعا ولا عرفا. أما الشرع فإنه لم يرد في نصوصه ما يؤيد ذلك بل العكس هو الصحيح إذ ورد في النبوي أحاديث جمة في صحة غصب العقار كما سيأتي تحقيقه في محله من هذه الرسالة
(1)
.
وأما العرف فإنه من الثابت فيه أن من وضع يده عدوانا على ملك غيره من دار أو عقار يقال له غاصب.
وقد ذكر صاحب تكملة شرح المجموع
(2)
: «ان كل ما لم يصر به المال مسروقا لم يصر به مغصوبا كالمنع والإحالة» دليله ما روى عطاء بن يسار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ان أعظم الغلول عند الله أن يأخذ الرجل من أرض غيره إلى أرض نفسه» فأطلق على الأرض حكم الغلول والغصب وروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «لعن الله سارق المنار قيل وما سارق المنار قال أن يأخذ الرجل العلامة من أرضه إلى أرض غيره فجعل ذلك سرقة. ولأن ما ضمن به المنقول ضمن به غير المنقول كالعقود ولأنه عدوان فجاز أن يضمن به غير المنقول كالجناية. فأما الجواب بأن ما لم ينقل مختص بالمنع كالحبس فهو أن المحبوس عن ماله حصل التعدي عليه دون ماله فلم يصر المال مغصوبا وخالف
(1)
الكهف/آية 79.
(2)
التكملة الثانية المجموع شرح المهذب/65:14.
ما لو تصرف فيه مع اشتهار القول عرفا أن فلانا غصب دارا أو أرضا».
(1)
على ما حققه صاحب شرح العناية.
ج - ان غاصب الغاصب لم يزل يد المالك لأن يد المالك زالت بغصب الغاصب الأول وإزالة الزائل غير متصورة.
ولقوة هذه الحجج نصفح عن التعريف الأول.
أما التعريف الثاني: الذي هو: «الاستيلاء على مال الغير عدوانا» .
فإنه على سلامته مما ورد على الأول فإنه يرد عليه أن إيراد (المال) في التعريف قيد مانع من دخول بعض أفراد المعرّف فيه كالمنفعة والحق والاختصاص ومما لأمراء فيه أن الاستيلاء عليها عدوانا يعتبر غصبا في متعارف الشرع.
أما التعريف الثالث: الذي هو: «الاستيلاء على حق الغير بغير حق» .
فإنه سالم مما ورد على التعريفين المتقدمين ولكنه استبدل كلمة بغير حق بكلمة (عدوانا) وهذا ليس بجيد بل الأجود افتقاره الى قيد العدوان لدلالته على الظلم
(2)
.
وعليه فإنه يترشح عندنا التعريف الآتي:
الغصب: (هو الاستيلاء على حق الغير عدوانا) وهذا التعريف هو الذي تنبني عليه أحكام الضمان الواردة في هذه الرسالة.
(1)
شرح العناية على الهداية/البابرثي/361/ 362:7.
(2)
الروضة البهية/الشهيد الثاني/17/ 18:7.
ثمرة اختلاف التعاريف
الفرع الأول: غصب العقار
رأينا في استعراضنا لكلمات الفقهاء في تعريف الغصب اختلافهم مما انبنى عليه الاختلاف في تفريعات ومسائل هامة نتناولها هنا محققين ومناقشين:
ولعل ابرز مسألة يمكن ان نعالجها أولا هي:
مسألة غصب العقار
فقد اختلف الفقهاء في صحة غصب العقار وهل ان وضع اليد أو إزعاج المالك عنه يعتبر غصبا موجبا للضمان أم لا؟ على اننا هنا يلزمنا ان نذكر انهم اتفقوا على وجوب ردّه الى مالكه وتمكينه من التصرف فيه كما سنتبين ذلك أثناء البحث.
وهنا نلحظ اتجاهين عند الفقهاء:
1 -
اتجاه يذهب الى عدم صحة غصب العقار لأنّه بناء على أصلهم - لا يتصور فيه النقل الذي هو شرط تحقق الغصب عندهم. وهذا هو اتجاه أبي حنيفة وأبي يوسف من الحنفية والهادي وأبي طالب من الزيدية. وبعض فقهاء الحنابلة.
2 -
اتجاه يذهب إلى صحة غصب العقار لأنه بناء على أصلهم يمكن إثبات
اليد عليه أو إزعاج المالك عنه وهذا يكفي لتحقق الغصب الموجب للضمان.
وهذا هو اتجاه جمهور الفقهاء.
ونعرض الآن آراء كل فريق في المقام ومناقشاتهم لنخرج بعد ذلك الى اختيار أحد القولين وترجيحه.
الاتجاه الأول:
ذكرنا ان أصحاب هذا الاتجاه هم أبو حنيفة وأبو يوسف من فقهاء المذهب الحنفي والهادي وأبو طالب من فقهاء المذهب الزيدي وبعض فقهاء الحنابلة وللتأكد من ذلك نورد ما جاء عنهم:
فقد ذكر ابن غانم
(1)
وقد علّل الكاساني
(2)
هذا الرأي بعد ان أورده بقوله: «وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فمرّا على أصلهما ان الغصب ازالة يد المالك على ماله بفعل في المال، ولم يوجد في العقار» .
والدليل على ان هذا شرط تحقق الغصب الاستدلال بضمان الغصب فإن أخذ الضمان من الغاصب تفويت يده عنه بفعل في الضمان فيستدعي وجود مثله منه في المغصوب ليكون اعتداء بالمثل.
وعلى انهما ان سلّما تحقق الغصب في العقار فالأصل في الغصب ان لا يكون سببا لوجوب الضمان لأن أخذ الضمان من الغاصب إتلاف ماله عليه، ألا ترى
(1)
مجمع الضمانات: ص 126.
(2)
بدائع الصنائع:146:7.
أنه تزول يده وملكه عن الضمان فيستدعي وجود الإتلاف منه اما حقيقة أو تقديرا إلا أن الله سبحانه وتعالى لم يشرع الاعتداء إلا بالمثل، قال: تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» .
ولم يوجد ههنا الإتلاف من الغاصب لا حقيقة ولا تقديرا.
إما الحقيقة فظاهرة، وأما التقدير فلأن ذلك بالنقل والتحويل والتغيب عن المالك على وجه لا يقف على مكانه ولهذا لو حبس رجلا حتى ضاعت مواشيه وفسد زرعه لا ضمان عليه والعقار لا يحتمل النقل والتحويل فلم يوجد الإتلاف حقيقة وتقديرا فينتفي الضمان لضرورة النص.
أما ابن غانم
(1)
فعلّل قوله: «لأن يد المالك لا تزول إلا بإخراجه وهو فعل فيه لا في العقار» .
وجاء في الهداية
(2)
ويظهر من بعض النصوص الواردة في المقام ان لأبي يوسف قولين:
الأول: يوافق فيه أبا حنيفة من ان العقار لا يضمن بالغصب.
والثاني: يخالفه ويتفق فيه مع محمد.
فقد ذكر الطحاوي في مختصره
(3)
: «ان أبا حنيفة كان مذهبه أن
(1)
مجمع الضمانات: ص 117.
(2)
الهداية شرح البداية/المرغيناني/120:4 وكذا جاء في الجوهرة النيرة لمختصر القدوري /340:1. وفي جامع الفصولين/92:2.
(3)
مختصر الطحاوي ص 118 وكذا جاء في روضة القضاة: ولا يجب ضمان ما لا ينقل ويحول من الأعيان كالعقار عند أبي حنيفة وأبي يوسف وروى أبو يوسف أنه يجب الضمان /مخطوط /تحقيق الناهي.
الدور لا تغصب وأما أبا يوسف ومحمد فكانا يجعلانها مضمونة ويوجبان على ضامنها قيمة ما حدث فيها وبه نأخذ».
وجاء في النتف
(1)
وقد وافق بعض فقهاء المذهب الحنبلي هذا الرأي كما نقل ذلك المرداوي
(2)
وجاء في المقنع
(3)
: «وتضمن أم الولد والعقار بالغصب. وعنه ما يدل على ان العقار لا يضمن بالغصب» .
والى هذا الرأي اتجه الهادي وأبو طالب:
فقد ذكر ابن المرتضى
(4)
هذا الرأي لهما بعد ان رمز إليهما:
«لا يضمن غير المنقول بالغصب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: على اليد ما أخذت حتى ترد وهو غير مأخوذ» .
وذكر في موضع آخر
(5)
(1)
النتف في الفتاوى/السعدي/مخطوط /تحقيق الدكتور الناهي.
(2)
الإنصاف:123:6.
(3)
المقنع/ابن قدامة/232:2.
(4)
البحر الزخار:176:4.
(5)
نفس المصدر ص 177.
وذكر العنسي
(1)
:
أما أصحاب الاتجاه الثاني وهم جمهور الفقهاء فإنهم يرون ان العقار يصح ان يغصب وانه يضمن بالغصب ويمثل هذا الاتجاه فقهاء الشافعية والمالكية والصحيح والأكثر في المذهب الحنبلي وهو رأي عموم فقهاء الجعفرية والظاهرية وجمهور فقهاء الزيدية والقول الثاني لأبي يوسف وهو رأي محمد من فقهاء الحنفية.
ذهب فقهاء المذهب الشافعي إلى صحة غصب العقار وأنه يضمن بالغصب وذلك بناء على ما أسسوه في حد الغصب وأنه إثبات اليد المعتدية.
ذكر الغزالي
(2)
ذلك بقوله: «وفي العقار يثبت الغصب بالدخول وإزعاج المالك» .
وذكر الرملي
(3)
وذكر الأنصاري
(4)
: «أن المالك ان كان فيها أو نحوه ولم يزعجه عنها فغاصب لنصف الدار» .
(1)
التاج الذهب لأحكام المذهب/344:3.
(2)
الوجيز 206:1.
(3)
نهاية المحتاج/147:5.
(4)
منهج الطلاب المطبوع بهامش فتح الوهاب،231:1.
وذكر الأردبيلي
(1)
: «لو أزعج المالك عن داره فهو غاصب وان لم يدخل وان دخل فلا يبرأ بالمفارقة» .
أما فقهاء المذهب المالكي فقد قالوا بصحة غصب العقار وضمانه بالغصب وبنوا هذا على أصلهم في حد الغصب وأنه إثبات اليد المعتدية.
جاء في شرح التعريف وبيان المراد بالأخذ: «أن المراد بالأخذ الاستيلاء عليه ولو لم يأخذه بالفعل فمن استولى على مال شخص بأن منع ربه منه ولو لم ينقله على موضعه فهو غاصب
(2)
».
ويفهم من هذا النص صحة غصب العقار وهو يشير الى هذا المعنى بقوله «ولو لم يأخذه بالفعل» .
ويؤكد المعنى بعدم اشتراطه النقل كما ذهب الى ذلك أصحاب الاتجاه الأول بقوله: «ولو لم ينقله» .
وذكر ابن رشد
(3)
: «وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت عينه أو تلفت عند الغاصب عينه بأمر من السماء. وذلك فيما ينقل ويحول باتفاق.
واختلفوا فيما لا ينقل ولا يحول مثل العقار فقال الجمهور انها تضمن بالغصب.
اعني انها انهدمت الدار ضمن قيمتها».
أما فقهاء المذهب الحنبلي فقد رأينا أن جماعة منهم اتجهوا الاتجاه الأول وقالوا بعدم صحة غصب العقار وأنه لا يضمن بالغصب ولكن الأكثرية ذهبوا الى القول بصحة غصب العقار موافقين في ذلك لجمهور الفقهاء بل ان هذا
(1)
الأنوار لإعمال الأبرار ص 353/ 354.
(2)
الشرح الصغير/الدردير/85:4.
(3)
بداية المجتهد/316:2 ط 3.
الاتجاه هو الصحيح في رأي فقهاء المذهب كما ذكر ذلك المرداوي قال
(1)
:
وقد ذكر الدليل على هذا الرأي البهوتي
(2)
ولأن ما يضمن بالإتلاف يجب أن يضمن في الغصب كالمنقول فيضمن الغاصب المعقار إذا تلف بغرق أو نحوه كسائر المغصوبات.
وفي المحرر
(3)
ذكر (أن الاستيلاء على مال الغير ظلما من عقار وأم ولد وغيرهما) هو حد الغصب.
وهذا يدل على صحة غصب العقار كما هو واضح.
أما في الفقه الجعفري فيكاد يكون الإجماع منعقدا على صحة غصب العقار وأنه يضمن بالغصب إذ لم أجد في حدود ما اطلعت مخالفا. وقد نقل الإجماع صاحب الجواهر
(4)
إذ قال: «لا اشكال عندنا في أنه يصح غصب العقار ويضمنه الغاصب بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص» .
(1)
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف/123:6. وكذا جاء في منتهى الإرادات/لابن النجار 508:1، وفي الروض المربع/العنقري ج 2 ص 352.
(2)
كشاف القناع 77:4.
(3)
المحرر في الفقه/لأبي البركات/ص 361.
(4)
جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام/الشيخ محمد حسن النجفي/ج 6.
وذكر الشيخ الطوسي
(1)
أيضا: «يصح غصب العقار ويضمن بالغصب» .
وذكر المحقق الحلي
(2)
: «ويصح غصب العقار ويضمنه الغاصب ويتحقق غصبه بإثبات اليد عليه مستقلا» .
وقد ذكر ذلك أيضا الشهيد الثاني
(3)
أما في الفقه الزيدي فقد توزع الفقهاء على الاتجاهين فذهب الهادي وأبو طالب الى عدم صحة غصب العقار وقد ذكرنا ذلك عند تناولنا لآراء أصحاب الاتجاه الأول.
أما رأي الفريق الآخر من فقهاء الزيدية فقد ذكره ابن المرتضى
(4)
قائلا:
«بل يضمن غير المنقول بالغصب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من غصب شبرا من الأرض.
ونحوه».
وذكر الصنعاني
(5)
: «أنه ذهب الجمهور إلى أنها أي - الأرض - تضمن بالغصب قياسا على المنقول المتفق على أنه يضمن بعد النقل بجامع الاستيلاء
(1)
المبسوط /73:3.
(2)
شرائع الإسلام/150:2.
(3)
مسالك الافهام شرح شرائع الإسلام/ج 2/طبعة حجرية غير مرقمة.
(4)
البحر الزخار/176:4.
(5)
سبل السلام/70:3.
الحاصل في نقل المنقول وفي ثبوت اليد على غير المنقول بل الحق أن ثبوت اليد استيلاء وإن لم ينقل».
أما رأي محمد بن الحسن الشيباني فقد ذكر ابن غانم
(1)
من فقهاء الحنيفة:
أما المذهب الظاهري:
فقد وافق جمهور الفقهاء في القول بصحة غصب العقار كما ذكر ذلك ابن حزم
(2)
بقوله: «ان الغصب هو أخذ الشيء ظلما وقد روينا من طريق البخاري حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«من أخذ من الأرض شبرا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين.
فصحّ ان الأرض تؤخذ بغير حق فصحّ انها تغصب».
وهكذا نخلص الى ما قدمناه من وجود اتجاهين في مسألة غصب العقار وقد انبنى هذا على الأصل المختلف فيه وهو حد الغصب وقد حققنا في حينه مع أي أصل نتجه والى أي رأي نميل.
ولكن لما كانت هذه المسألة بدرجة من الأهمية لذا نفضل ان نفرد لها تقريرا مرجحين بالأدلة أحد الرأيين.
نحن نميل الى ترشيح الرأي الثاني القائل بصحة غصب العقار وضمانه بالغصب وذلك للأدلة التالية:
1 -
ان القول بصحة غصب العقار مبني على حد الغصب وعناصره وقد
(1)
مجمع الضمانات/ص 117.
(2)
المحلى/ابن حزم/144:8.
حققنا في حينه الرأي المختار وقلنا اننا نجد ان لا مشاحنة لنا في الأخذ برأي الجمهور في ان الاستيلاء هو إثبات اليد وهو يتحقق في العقار كما لا يخفى.
وإلا «فمن الذي اشتراط النقل والتحويل في حقيقة الغصب وهل هو إلا الاستيلاء أو أخذ مال الغير بدون اذنه وأي أخذ أقوى من الاستيلاء على أرض الغير ومنع المالك من التصرف فيها
(1)
.» ثم ما هو وجه استثناء عقار الوقف وعقار اليتيم والمعدّ للاستغلال من غصب العقار فان كان العقار لا يغصب فهو لا يغصب مطلقا وعموما واستثناء الموارد المذكورة بلا دليل شرعي مشعر بتزحزح أصحاب هذا الرأي.
2 -
تظافرت الروايات واستفاضت حتى بلغت حد التواتر في موضوع غصب الأرض والتشدد في حرمة الاعتداء عليها ومنع الغاصب من التصرف فيها.
ولسان الروايات وإن وردت بألفاظ مختلفة إلا أنها كلها تؤكد معنى واحدا وهو «أخذ الأرض» وغصبها وقد احتج بها الجمهور على القول بغصب العقار. بل واحتج بها ممن قال بالرأي الأول في حرمة الغصب كما ذكر ذلك صاحب روضة القضاة
(2)
. وروى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «من غصب شبرا من الأرض طوقه الله من سبع أرضين» .
ونورد هنا هذه الأحاديث وسنجد بعضها يصرح بكلمة الغصب وكما ذكرنا ذلك قبل أسطر.
(1)
تحرير المجلة/ج 3/باب الغصب.
(2)
روضة القضاة/السمناني/مخطوط /تحقيق الدكتور الناهي.
1 -
عن رسول الله
(1)
صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من اقتطع شبرا من الأرض طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين» وورد بلفظ آخر:
2 -
«من أخذ أرضا بغير حقها كلف ان يحمل ترابها الى المحشر» وورد بلفظ آخر:
3 -
«من غصب شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة» .
وهكذا نجد ان هذه الأحاديث وما في معناها. كلها تؤكد ان الأرض تؤخذ وليس الأخذ إلا الاستيلاء عليها كما هو واضح.
وقد اتجه القانون المدني العراقي الجديد نفس الاتجاه الثاني في الفقه الإسلامي أي رأي جمهور الفقهاء فقرر أن العقار يصح غصبه وأن غاصبه يضمن بتلفه أو إتلافه.
(1)
أخرجها مسلم في صحيحة 58:5، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأخرجه عن طريق أبي هريرة وعن محمد بن إبراهيم ان أبا سلمة حدثه وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض وانه دخل على عائشة فذكر ذلك لها فقالت يا أبا سلمة: اجتنب الأرض فإن رسول الله (ص) قال «من ظلم. الحديث» وفي الفتح الرباني في ترتيب مسند ابن حنبل 144:15 أخرجه عن ابن عمرو عن يعلى بن مرة الثقفي وعن أبي سلمة من حديث عائشة أيضا وعن أبي مالك الأشجعي قال: قال رسول الله (ص): «أعظم الغلول - الخيانة - عند الله عز وجل يوم القيامة ذراع من أرض يكون بين الرجلين أو بين الشريكين فيقتسمان فيسرق أحدهما من صاحبه ذراعا من أرض فيطوقه من سبع أرضين» . وأخرجها الشوكاني في نيل الأوطار 356:5 بعدة طرق منها طريق عائشة وسعيد بن زيد وابن عمر. وراجع أيضا: مجمع الزوائد 174/ 175:4. وكذلك سنن البيهقي 98:6. وكذلك: مستدرك الوسائل 146:3. وكذلك الإمام في أحاديث الأحكام/ابن دقيق العيد/ص 50، وسبل السلام ص 70.
(فنصت المادة «197» من القانون المدني على ما يلي:
المغصوب ان كان عقارا يلزم الغاصب ردّه الى صاحبه من أجر مثله وإذا تلف العقار أو طرأ على قيمته نقص ولو بدون تعد من الغصب لزمه الضمان
(1)
.
ويستفاد من هذا النص كما يقرر سليمان مرقص
(2)
ما يلي:
1 -
إلزام الغاصب برد العقار المغصوب عينا.
2 -
إلزامه بأداء أجر مثله وذلك تعويضا عن منافع العقار التي مرت في مدة الغصب.
3 -
إلزامه بتعويض التلف أو الهلاك ولو حدث دون تعد منه وهذا هو ضمان الغصب ويختلف عن ضمان الإتلاف في أن الأخير لا يتحقق إلا بالتعدي.
وقد قضت محكمة تمييز العراق - كما ينقل ذلك المؤلف - بأن غصب العقار العائد للغير بدون حق قانوني وحرمان مالكه الانتفاع به يستوجب التعويض ولو لم يستعمل الغاصب العقار لمنفعته).
أما مجلة الأحكام العدلية فقد اتجهت الاتجاه الأول فوافقت رأي أبي حنيفة وأبي يوسف - في قول له - فنصت المادة (905)«المغصوب إن كان عقارا يلزم الغاصب ردّه الى صاحبه بدون تغييره وتنقيصه وإذا طرأ على قيمة ذلك العقار نقصان بصنع الغاصب وفعله يضمن نقصان قيمته»
(3)
.
الفرع الثاني - زوائد المغصوب:
اختلف الفقهاء في ضمان زوائد المغصوب عنه تلفها بيد الغاصب بتعد منه أو بدون تعد تبعا لاختلافهم في حدّ الغصب.
(1)
شرح القانون المدني/التزامات/محمد كامل مرسي/180:2.
(2)
محاضرات في المسؤولية المدينة/مرقص/155 - 156.
(3)
شرح مجلة الأحكام/المسماة درر الحكام/الكتاب الثامن/علي حيدر/ص 1228.
فمن ذهب الى أن الغصب هو إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة قال بعدم ضمان الزوائد بل هي أمانة بيد الغاصب يضمن ان هلكت بتعديه.
وإلى هذا الرأي ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف من فقهاء المذهب الحنفي والهادي وأبو طالب من فقهاء المذهب الزيدي.
أما جمهور الفقهاء فقد قالوا بضمان زوائد المغصوب لأنهم قالوا ان حدّ الغصب إنما هو إثبات اليد المبطلة وهذا متحقق في الزوائد.
وليس هذا على إطلاقه بل ان المالكية فرقوا بين الزيادة المتصلة والزيادة المنفصلة فرأوا الضمان في الثانية دون الاولى.
ونستعرض كلمات الفقهاء هنا على سبيل الإيجاز لنتبين هذه النقطة.
في المذهب الحنفي: ذكر المرغيناني
(1)
وعلل هذا الرأي بقوله
(2)
وذكر السمرقندي
(3)
(1)
الهداية شرح البداية 19:4 وكذا جاء في الجوهرة النيرة لمختصر القدوري/344:1.
(2)
نفس المصدر والصفحة.
(3)
تحفة الفقهاء 112:3 وكذا راجع الاختيار لتعليل المختار/عبد الله الموصلي/64:3. وراجع مختصر الطحاوي/ص 117. والفتاوى الهندية/113:5.
وذهب القاسمية وابن المرتضى من الزيدية الى أن: «الزوائد المتصلة منها والمنفصلة تكون أمانة بيد الغاصب فإذا هلكت فلا ضمان عليه إلا إذا تعدى عليها: جاء في البحر الزخار
(1)
: فأما فوائده الأصلية فأمانه إلا ما نقله لنفسه أو جنى عليه أو لم يرد مع الإمكان».
وجاء في التاج المذهب
(2)
وفي المذهب الشافعي: ذكر الشيرازي
(3)
وذكر الأردبيلي
(4)
: «زوائد المغصوب منفصلة كانت أو متصلة مضمونة على الغاصب وان حصلت بفعله» .
وفي المذهب الحنبلي
(5)
: ذكر البهوتي: «ويضمن الغاصب زوائد الغصب كالثمرة إذا تلفت أو نقصت» .
وكذلك الحال بالنسبة للزيادة المتصلة فإنها مضمونة أيضا.
ذكر ابن النجار
(6)
انه: «يلزم ردّ مغصوب زاد بزيادته المتصلة كقصارة وسمن. والمنفصلة كالكسب» .
(1)
البحر الزخار/ابن المرتضى/177/ 178:4 وكذا جاء في فتن الأزهار ص 93.
(2)
التاج المذهب لأحكام المذهب/354:3.
(3)
المهذب 377:1.
(4)
الأنوار لإعمال الأبرار/ص 362 وراجع جواهر العقود/219:1.
(5)
كشاف القناع/93:4.
(6)
منتهى الإرادات 511:1 وكذا ذكر ابن قدامة في المقنع/235:2. وكذلك جاء في غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى/238:2.
وفي المذهب الجعفري: ذكر المحقق الحلي
(1)
وذهب الظاهرية الى هذا الرأي فقد ذكر ابن حزم
(2)
ونحن هنا نرجح رأي الجمهور الذين ذهبوا الى ان فوائد المغصوب المنفصلة والمتصلة إنما هي مضمونة على الغاصب وذلك للأسباب التالية:
أولا - لأن الزيادة الحاصلة في المغصوب إنما هي نماء ملك المالك والحال انه لم يحدث أي سبب ناقل لملكيتها عنه ولما كان الغاصب لا يزال يضع يده العادية على الأصل وهي يد ضمان فيده على الفرع يد ضمان أيضا.
ثانيا - ان هذا الإجراء (أي تضمين الغاصب الزيادة) يعتبر بمثابة ردع للغاصب من المادي في الغصب والاستمرار فيه لأنه حينئذ سيكون مسؤولا قبل المالك عن أي شيء يطرأ على هذه الزيادة إضافة الى حرمان المالك من استغلالها لصالحه مما يترتب عليه إضرار بملك المالك وهو اثراء غير مشروع.
ثالثا - ان اعتبار زوائد المغصوب أمانة في يد الغاصب لا يضمنها إلا بتعديه أو بتلفها بشرط الإهمال، يبني على اعتبار أن الغاصب هنا لم يزل يد
(1)
المختصر النافع في فقه الإمامية/ص 256. وراجع أيضا: شرائع الإسلام 154/ 155:2 وراجع المبسوط /الطوسي/63:3، وكفاية الأحكام/ السبزواري/ج 2/طبع حجر/غير مرقم. وراجع مسالك الافهام/ج 2/طبع حجر/ غير مرقم.
(2)
المحلى/135:8.
المالك ليتحقق مصداق الغصب - كما هو رأي الحنفية وبعض الزيدية - وقد حققنا أن حدّ الغصب أعم من هذا وحينئذ يسقط هذا الاعتبار.
رابعا - ان الغاصب يصدق عليه أنه وضع يده على هذه الزوائد سواء أكانت منفصلة أو متصلة وحينئذ يضمن استنادا الى عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(1)
.
(1)
هذا الحديث سيأتي تخريجه في مبحث الضمان في هذه الرسالة.
الفصل الثاني
ثلاثة مباحث المبحث الأول: عناصر الغصب المبحث الثاني: شروط الغصب المبحث الثالث: أسس النظرية أو أدلة حرمة الغصب
المبحث الأول عناصر الغصب:
يمكننا ان نستخلص عناصر الغصب من استعراضنا لكلمات الفقهاء في بيان حد الغصب.
ومن ذلك نستطيع القول ان هناك عنصرين أساسيين:
الأول: العنصر المادي:
ونقصد به السيطرة المادية أو وضع اليد أو الاستيلاء وكلها بمعنى واحد كما سيتبين.
الثاني: العنصر المعنوي:
وهو قصد العدوان.
وبدون تحقيق هذين العنصرين فليس يتحقق الغصب بالمفهوم الشرعي.
أما العنصر المادي:
فقد وقع خلاف بين الفقهاء في تحديد مفهومه وحقيقته ويمكننا هنا أن نلحظ رأيين:
1 -
رأي يقول بأنه إثبات اليد المبطلة على العين.
2 -
ورأي يقول: هو إزالة يد المالك مع إثبات اليد المبطلة.
أما الرأي الأول:
فهو لفقهاء الشافعية والحنابلة والمالكية والجعفرية وجمهور الزيدية والظاهرية.
ونستعرض أقوالهم هنا لنتثبت من صحة نسبة هذا الرأي إليهم ففي المذهب الشافعي:
ذكر الغزالي
(1)
: «الدابة يكفي فيها الركوب، وفي الفراش الجلوس
(1)
الوجيز/206:1.
عليه فهو غاية الاستيلاء».
وذكر الأنصاري
(1)
ومن النصين المتقدمين يتجلى لنا ان المقصود بالاستيلاء هو مجرد إثبات اليد ولذا فلو لم يتحقق وضع اليد فليس باستيلاء كما ذكر ذلك الشرقاوي
(2)
في حاشيته إذ جاء فيها: «لو منح المالك من سقي زرعه أو ماشيته حتى تلف فلا ضمان لانتفاء الاستيلاء عرفا سواء قصد منعه عنه أم لا» .
وقد صرح الغزالي
(3)
بذلك أيضا إذ قال: «أما إثبات اليد فهو مضمن وإذا كان عدوانا فهو غصب وإثبات اليد في المنقول بالنقل إلا في الدابة والفراش» .
أما في المذهب المالكي:
فيظهر ان الاستيلاء هو إثبات اليد فحسب.
فقد ذكر الدردير
(4)
ذلك بقوله: «المراد بالأخذ الاستيلاء عليه ولو لم يأخذه بالفعل فمن استولى على مال شخص بأن منع ربه ولو لم ينقله من موضعه فهو غاصب» .
وذكر ايضا: «وكجاحد وديعة عنده من ربها ثم أقرّ بها أو قامت عليه بينة ثم هلكت ولو بسماوي» أي فهو غاصب.
(1)
منهج الطلاب المطبوع بهامش فتح الوهاب/231:1.
(2)
حاشية الشر قاوي/147:2.
(3)
الوجيز/206:1.
(4)
الشرح الصغير/85/ 86:4.
وذكر ابن الحطاب
(1)
في تعريفه للغصب «. وقيل وضع اليد العادية قهرا» .
وجاء في الفروق
(2)
وفي موضع آخر
(3)
محتجا بعدم ضمان الزوائد: «ولفظ صاحب الشرع اقتضى سببية وضع اليد ومفهومه ان غيره ليس بسبب فلا بدّ لسببيته من دليل.» .
وظاهر هذه النصوص المتقدمة تفيد ان السيطرة المادية تعني وضع اليد أي إثباتها وهذا موافق لرأي الشافعية المتقدم.
أما في المذهب الحنبلي:
فإن الاستيلاء أو السيطرة المادية تعني إثبات اليد فقد جاء في الإقناع
(4)
:
وفي غاية المنتهى
(5)
: «واستيلاء كل شيء بحسبه فمن ركب دابة واقفه بلا اذن فغاصب ولو لم يسيرها» .
ومن ذلك نفهم ان الاستيلاء هو إثبات اليد.
(1)
مواهب الجليل/274:5.
(2)
الفروق/القرافي/27:4.
(3)
نفس المصدر/29:4.
(4)
الإقناع/الحجاوي/338:2.
(5)
غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى/مرعي الكرمي/ج 2/ص 234 الغصب.
وفي المذهب الجعفري:
ذكروا في تعريفاتهم للغصب أنه: «الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا
(1)
».
وجاء في المسالك
(2)
ومن ذلك يفهم ان السيطرة المادية أي ان الاستيلاء هو إثبات اليد.
وجاء في الروضة
(3)
وذكر السبزواري
(4)
ان: «المشهور أنه إذا تعدى على الغير من غير ان يستقل بيده على ماله لا يعد غاصبا وان كان آثما» .
ووافق جمهور فقهاء الزيدية جمهور الفقهاء فيما ذهبوا إليه من أن الاستيلاء أو السيطرة المادية هو إثبات اليد.
جاء في التاج
(5)
: «والاستيلاء: هو إثبات اليد على الشيء» .
وقد ذكر ابن المرتضى
(6)
في البحر أن هذا هو رأي المؤيد ويحيى فبعد
(1)
تذكرة الفقهاء/العلامة الحلي/372:13 وكذا جاء في شرائع الإسلام/المحقق الحلي/ ج 2 ص 150.
(2)
مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/الطبعة الحجرية.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/الشهيد الثاني/19:7.
(4)
كفاية الأحكام/ج 2/طبع حجر/غير مرقم.
(5)
التاج المذهب لاحكام المذهب/العنسي/343:3.
(6)
البحر الزخار/176/ 177:4.
ان رمز إليهما قال: «ووضع اليد على المنقول الذي لا يد عليه كالصرة وركوبه والجلوس عليه غصب للاستيلاء» .
وجاء في الروض النضير
(1)
ومن ذلك كله يفهم أن الاستيلاء أو السيطرة المادية يعني مجرد إثبات اليد.
أما الظاهرية: فقد نحوا هذا المنحى إذ ذكر ابن حزم
(2)
في تعريفه للغصب: «. فالأرض يصح أن تؤخذ بغير حق فصحّ انها تغصب» .
وطبيعي أنه لا يتصور بطبيعة الحال في الأرض غير إثبات يد الغاصب عليها إذ لا يتحقق نقلها.
الرأي الثاني:
ان السيطرة المادية أو الاستيلاء يلزم أن يكون إزالة يد المالك وإثبات اليد الباطلة وإلا فتخلف أمر من هذين ليس بأخذ أي لا تتحقق السيطرة المادية التي يترتب عليها مع العدوان الغصبية.
وهذا هو رأي أبي حنيفة وأبي يوسف من المذهب الحنفي، والهادي وأبي طالب من الزيدية. ونورد نصوصا فقهية هنا لتأكيد هذا الاتجاه عندهم:
ذكر ابن غانم ان
(3)
وذكر أيضا: «. ولو أبعد المالك عن المواشي لا يضمن ذكره في الهداية» .
(1)
الروض النضير/الصنعاني/401:3.
(2)
المحلى/144:8.
(3)
مجمع الضمانات/ص 117/ 120.
وجاء في تحفة الفقهاء
(1)
: «وان لم ينقل شيئا مما يحتمل النقل كما إذا جلس على بساط الغير لا يضمن» .
والإزالة لا تتم إلا بفعل في العين وإلا فكف يد المالك ومنعه لا يعد إزالة.
ويظهر من هذين النصين ما قررناه ويتأكد ان إزالة يد المالك لا تكفي في تحقق السيطرة المادية بل لا بدّ من إثبات يد الغصب.
جاء في الاختيار
(2)
وذكر السمرقندي
(3)
وإنّما كان ذلك غصبا موجبا للرد وليس موجبا للضمان لأنّه كما يظهر وان حصل إثبات اليد إلا ان الإزالة التي هي فعل في العين كما يرون لم تتحقق لعدم إمكان ذلك في العقار على رأيهم.
وقد وافق الهادي وأبو طالب هذا الرأي لأبي حنيفة وأبي يوسف كما نقل ذلك عنهما ابن المرتضى
(4)
فقد ذكر في البحر بعد ان رمز إليهما:
(1)
السمرقندي/126:3.
(2)
الاختيار لتعليل المختار/عبد الله الموصلي/58:3.
(3)
تحفة الفقهاء/126:3.
(4)
البحر الزخار/176/ 177:4.
وهكذا نخلص الى ان العنصر المادي عند هذا الفريق من الفقهاء إنما هو عملية مزدوجة فهو إزالة يد مالكه بفعل في العين وإثبات يد أجنبية معتدية.
والملاحظ هنا ان القانون الروماني
(1)
يظهر فيه هذا الاتجاه إذ ورد في تعريف الغصب «انتزاع مال مملوك للغير بالقوة» والانتزاع يفيد الإزالة على معنى انه لا يمكن تحقق الغصب إلا بإزالة يد المالك عن ملكه والإزالة والانتزاع تفيد النقل.
والملاحظ هنا ايضا ان القانون المدني العراقي اختار القول الأول وهو ان العنصر المادي إنما هو إثبات اليد.
جاء في النشرة القضائية
(2)
: «والغصب كما عرفه الفقهاء: إثبات أحد يده على ملك الغير بدون إذنه» .
العنصر المعنوي: قصد العدوان:
لاحظنا في استعراضنا لتعريف الفقهاء للغصب إيرادهم «العدوان» قيدا في التعريف، وقد عبروا عنه بتعبيرات متقاربة:
فقال بعضهم: عدوانا، بالتصريح. وآخرون قالوا: بلا حق. وجماعة قالوا: بلا اذن من له الاذن.
وجماعة قالوا: على وجه الغلبة والتعدي. وجماعة قالوا: ظلما.
وكلها في الحقيقة ترمي الى هدف واحد ومعنى واحد هو (قصد العدوان).
وحتى نتأكد من صحة ذلك نورد ما ذكره فقهاء كل مذهب بهذا الخصوص.
ففي الفقه الحنفي:
(1)
مدونة جوستنيان/ترجمة عبد العزيز فهمي/ص 253.
(2)
النشرة القضائية/العدد الثالث/السنة الأولى/إصدار المكتب الفني بمحكمة تمييز العراق/ 1971 ص 130.
نجد ان الكاساني
(1)
قد عبر عن «قصد العدوان - بقوله في تعريف الغصب. على سبيل المجاهرة والمغالبة» .
وعبر ابن غانم
(2)
عن ذلك بقوله: «بلا إذن من له الاذن» .
أما السمرقندي
(3)
فقد ذكر في خزانته: «فأما إثبات اليد على مال الغير على وجه التعدي بدون إزالة اليد فيكون غصبا موجبا للردّ لا موجبا للضمان وهذا عندنا» .
وقد أورد الموصلي هذا القيد في تعريفه للغصب بقوله: «. بطريق التعدي» .
وقد ذكر ابن الهمام في تكملته قيدا في التعريف يعبر عن قصد العدوان بقوله: «. بغير إذن المالك
(4)
. وذكر هذا القيد البابرتي
(5)
أيضا في تعريفه».
ومن هذه النصوص التي ذكرناها وأشرنا إلى بعضها يتبين لنا ان «العدوان» الذي ورد قيدا في التعريفات أساس فيها فهو العنصر الذي بدونه لا يتحقق الغصب حتى مع إزالة يد المالك وإثبات اليد الأخرى، بل يخرج الى عناوين أخرى كالوديعة والعارية والرهن وغيرها ولذا قال ابن غانم في سبب إيراده قيد «بلا إذن من له الاذن» قال: للاحتراز عن الوديعة.
(6)
(1)
بدائع الصنائع ج 7 ص 143.
(2)
مجمع الضمانات ص 117.
(3)
خزانة الفقه وعيون المسائل/لأبي الليث ج 1 ص 317 وكذا جاء في تحفة الفقهاء ج 3 ص 126.
(4)
الاختيار لتعليل المختار/ج 3 ص 58.
(5)
تكملة فتح القدير 360:7.
(6)
شرح العناية على الهداية 361:7 مطبوع بهامش الكتاب المذكور.
أما في المذهب الشافعي:
فقد أورد صاحب نهاية المحتاج
(1)
في تعريفه للغصب كلمة «عدوانا» قيدا أساسيا في التعريف وقال في توضيح ذلك: «عدوانا» أي على وجه الظلم والتعدي فخرج به نحو مأخوذ بسوم وعارية وما كان أمانة شرعية.
وذكر الغزالي
(2)
«العدوان» في تعريفه واعتبره وإثبات اليد عنصرا للغصب إذ قال: «أما إثبات اليد فهو مضمن وإذا كان عدوانا فهو غصب، والمودع إذا جحد فهو من وقت الجحود غاصب» .
والأردبيلي
(3)
ذكر «العدوان» صريحا في تعريفه.
وذكره الشرقاوي
(4)
في تعريفه الذي جاء فيه: «وقد يعرف - أي الغصب - باعتبار الضمان والإثم فيقال هو استيلاء على مال الغير عدوانا» .
وقد عبّر أبو بكر البكري
(5)
عن قصد العدوان بقوله «بلا حق» وجاء في بيان هذا القيد وتوضيحه «. وخرج به العارية والسوم ونحوها فإن في ذلك استيلاء على حق الغير لكن بحق» .
وعبّر أبو يحيى الأنصاري بنفس التعبير السابق كما جاء في منهجه
(6)
.
والنصوص المتقدمة يفهم منها أن «العدوان» عنصر أساسي من عناصر الغصب بحيث لا يتم بدونه تحقق الغصب.
(1)
نهاية المحتاج/143:5/الرملي.
(2)
الوجيز 206:1.
(3)
الأنوار 353:1.
(4)
حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب شرح تنقيح اللباب 148:2.
(5)
اعانة الطالبين 137:3.
(6)
منهج الطلاب المطبوع بهامش فتح الوهاب 231:1.
أما في المذهب الحنبلي:
فقد عبّر عن قصد العدوان في الإنصاف
(1)
بقوله «بغير حق» كما أورده في التعريف وقد نقل آراء جماعة من فقهاء المذهب في تأكيد هذا المعنى.
وقد ذكر قيد «بغير حق» أيضا ابن النجار
(2)
عند تعريفه للغصب وكذلك جاء في المقنع
(3)
وفي غاية المنتهى
(4)
وفي العدة شرح العمدة
(5)
.
أما في المحرر
(6)
فقد ذكر كلمة «ظلما» قيدا في التعريف تعبيرا عن قصد العدوان.
أما في الفواكه
(7)
فقد أضاف كلمة «بغير مسوغ» بعد إيراده كلمة «ظلما» في تعريفه للغصب. وهذا أدّق.
وهنا وان لم يصرح «بالعدوان» في حدود ما ذكرنا من كتب المذهب إلا أنه لا يفهم أن «قصد العدوان» عنصر من عناصر الغصب لا يمكن بدونه ان يكون الاستيلاء على الشيء غصبا.
أما في المذهب المالكي:
فقد أورد قيد «العدوان» في التعريف التسولي في بهجته
(8)
إذ قال:
أنّه - أي الغصب - «أخذ مال قهرا تعديا بلا حرابة» .
(1)
.121:6/المرداوي.
(2)
منتهى الإرادات 508:1.
(3)
.232:2.
(4)
غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى 2 ص 234 مرعى الكرمي.
(5)
ص 271/بهاء الدين المقدسي ط 2.
(6)
المحرر في الفقه/لأبي البركات/ص 361.
(7)
الفواكه العديدة في المسائل المفيدة/أحمد بن محمد المنقور، ص 247.
(8)
البهجة في شرح التحفة 344:2.
وجاء في تحفة الحكام
(1)
: «قال القاضي عياض: أخذ المال قهرا بغير حق على ضروب عشرة حرابة وغيلة وغصب.» ثم قال: قال الشاطبي: «الغصب عند الفقهاء التعدي على الرقاب» .
أما سيدي أحمد الدردير
(2)
فقد ذكر في تعريفه كلمة «قهرا تعديا» وجاء في توضيحها: وقوله: قهرا: خرج به الآخذ اختيارا كعارية وسلف وهبة ووديعة ونحوها ممن عنده بالاختيار، وقوله: تعديا أخرج به ما ذكر قهرا حيث أنكر أو ألد وهي عنده أو من غاصب ونحوه وأخرج به السرقة والاختلاس فان السارق حال الأخذ لم يكن معه قهر».
وجاء في المواهب
(3)
: «أخذ المال قهرا تعديا بلا حرابة» هذا الرسم نحو رسم ابن الحاجب. وحدّه ابن عرفة بقوله: «أخذ المال غير منفعة ظلما قهرا لا بخوف قتال» .
ومن كل ذلك يفهم ان «قصد العدوان» وارد في التعريف بالتصريح تارة وبالإشارة أخرى ويفهم على أساس ذلك ان إيراده بذلك المستوي دليل على انه عنصر الغصب.
أما في المذهب الجعفري: فقد ذكر المحقق الحلي
(4)
في الشرائع كلمة «عدوانا» في التعريف كقيد اساسي. أما العلامة الحلي
(5)
فقد أورد كلمة «على جهة التعدي» في تعريفه.
(1)
توضيح الأحكام على تحفة الحكام 120:3/التوزي الزبيدي.
(2)
الشرح الصغير 84/ 85:4.
(3)
مواهب الجليل/للحطاب/274:5.
(4)
شرائع الإسلام 150:2.
(5)
تذكرة الفقهاء:372:13.
وجاء في الجواهر
(1)
: واحترز «بالعدوان» عن إثبات يد المرتهن والولي والوكيل والمستأجر وغيرهم مما لا يكون عدوانا.
وذكر السبزواري
(2)
كلمة «بغير حق» في تعريفه ونقل قولا آخر في تعريف الغصب واثبت فيه كلمة «عدوانا» .
وقد ذكر الشهيد الثاني
(3)
في المسالك كلمة «بغير الحق» في التعريف واعتبره الأجود وقد نقل القول في تعريفه بذكر العدوان.
وقد ذكر في الروضة
(4)
«عدوانا» في تعريفه وقال في توضيحه «وبالعدوان خرج إثبات المرتهن، والولي، والوكيل، والمستأجر، والمستعير أيديهم على مال الراهن والمولّى عليه والموكل أو المؤجر» .
وذكر محمد حسين آل كاشف الغطاء
(5)
: كلمة «عدوانا» في التعريف إذ قال «وبالمعنى الخاص - أي الغصب - وهو المحرم عقلا وشرعا: الاستيلاء على مال الغير عدوانا» .
ومن ذلك الذي عرضناه من كلمات الفقهاء في المقام يتبين لنا ان «قصد العدوان» عنصر ثان في التعريف يتحقق به مع الاستيلاء الغصب.
أما في المذهب الزيدي:
فقد ذكر ابن المرتضى
(6)
كلمة «عدوانا» في تعريفه للغصب وقد
(1)
الجواهر/الشيخ محمد حسن النجفي/ج 6/طبعة حجرية.
(2)
كفاية الأحكام/ج 2/طبعة حجرية.
(3)
مسالك الافهام/ج 2/طبع حجر.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية 15:7.
(5)
تحرير المجلة 103:3.
(6)
البحر الزخار 173:4.
ذكرها العنسي في التاج المذهب
(1)
والسياغي في الروض النضير
(2)
.
ومن ذلك يفهم ان إيراد هذا القيد في التعريف والتأكيد عليه يشير إلى أنه العنصر الثاني الذي يشكل مع إثبات اليد حقيقة الغصب وما يترتب عليه.
أما في المذهب الظاهري:
فقد أورد ابن حزم
(3)
في تعريفه الغصب كلمة «ظلما» قيدا في التعريف وهو كما يظهر يشير الى «قصد العدوان» لأنه بدون هذا القصد لا يعد المأخوذ من الغير ظالما وأخذه ملك الغير ظلم.
وبناء على ما ذكرناه وحققناه من كلمات الفقهاء في مختلف المذاهب الإسلامية والمدارس الفقهية نخلص الى القول:
أن عنصري الغصب هما:
1 -
إثبات اليد (أو الاستيلاء).
2 -
قصد العدوان.
وعلى ذلك فان الغصب بمفهومه الشرعي لا يتحقق وبالتالي لا ينتج أثره من الضمان وغيره إلا بتوافر كلا العنصرين بحيث لو ان أحدا وضع يده على ملك غيره واستولى عليه من غير تعد لا يعد غاصبا بل قد يكون وصيا أو قيّما الى غير ذلك وكذا لو ان أحدا قصد العدوان وأبدى ما يدل عليه إلا أنه لم يضع يده ولم يستول على ملك الغير فلا يعتبر غاصبا ايضا.
الحال المساوي للغصب:
وهنا يحسن الالتفات إلى نقطة مهمة وهي ان من كانت بيده عين مملوكة
(1)
التاج المذهب الجامع لأحكام المذهب 343:3.
(2)
الروض النضير 401:3.
(3)
المحلى 144:8.
للغير بعنوان وديعة أو رهن أو هو عليها قيّم أو وصي ثم طلبها المالك منه وأنكر فهو غاصب لتحقق عنصري الغصب (وضع اليد، والعدوان) لأنه بجحوده وإنكاره في وجه المالك أو وكيله بعد الطلب يكون معتديا وتنقلب يده من يد أمينه إلى يد ضامنة. وكذلك يعتبر غاصبا من تصرف بملك غيره ببيع أو نحوه ضمن وصار غاصبا.
وكل هذه الصور تعتبر مساوية للغصب في الحكم وهو الضمان وعلى ذلك رأى أغلب الفقهاء
(1)
.
أما القانون المدني العراقي
(2)
فقد صرح بذلك في المادة (201) قائلا:
البحث الثاني: شروط الغصب
نعني بشروط الغصب: المواصفات التي يجب تواجدها في العين ليتحقق بالاستيلاء عليها عدوانا الغصب ويترتب أثره الشرعي.
والذي نستظهره من تعريفاتهم السابقة ان (العين) أو (المحل) الذي يتحقق فيه الغصب يشترط فيه ان يكون مالا وان يكون المال متقوّما وان يكون محترما وهذه الشروط الثلاثة معتبرة عند جمهور الفقهاء وتكفي لتحقق الغصب ولكن أبا حنيفة ومن تابعه أضاف شرطا آخر وهو ان يكون
(1)
راجع تحرير المجلة/الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء/ج 3/باب الغصب/وراجع التاج الذهب لأحكام المذهب الزيدي/العنسي/346:3، وراجع الشرح الصغير/سيدي أحمد الدردير/86:4.
(2)
شرح القانون المدني/محمد كامل مرسي/182:2.
(المحل) قابلا للنقل وإلا فإن الاستيلاء عليه عدوانا ليس غصبا بمعناه الشرعي الاصطلاحي وقد نقلنا قوله ومن تابعه عند استعراضنا تعريفاتهم.
ونتناول هذه الشروط نبحثها واحدا واحدا لنتأكد من اعتبارها واشتراطها عند الفقهاء.
الشرط الأول: المالية
لقد ذكر الفقهاء كما لاحظنا في تعريفاتهم ان الاستيلاء أو الأخذ يلزم ان يقع على (مال الغير) أولا وهذا القيد مشعر ان ما ليس بمال لو استولى عليه أحد فليس بغاصب.
وهنا نبحث المراد بالمال في اصطلاح الفقهاء لأن ذلك سيلقي ضواء كبيرا على هذه النقطة من البحث.
فالمال في اللغة:
«المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة ثم أطلق على كل ما يملك من الأعيان وعند أهل البادية الأنعام وعند الفقهاء ما يجرى فيه البذل والمنع
(1)
».
وفي اصطلاح الفقهاء:
في المذهب الشافعي: عرفه السيوطي
(2)
: بقوله: «لا يقع اسم المال إلا على ماله قيمة يباع بها ويلزم متلفه» .
وفي المذهب الحنفي: عرفه ابن عابدين
(3)
بقوله: «المراد بالمال ما يميل
(1)
اللمع النواجم/الشويري ص 1049 مادة (مول) وراجع لسان العرب ج 11 ص 6351.
(2)
الأشباه والنظائر/ص 197.
(3)
حاشية ابن عابدين 4: ص 3.
اليه الطبع ويمكن إدخاره لوقت الحاجة وفي البحر: اسم لغير الآدمي خلق لصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار والعبد وان كان فيه معنى المالية لكنه ليس بمال حقيقة حتى لا يجوز قتله وإهلاكه».
وفي المذهب الجعفري: المال: ما يتمول به وليست له حقيقة شرعية بل مردّ تحديد المقصود به الى العرف فما اعتبره العرف مالا فهو كذلك.
والظاهر ان بعضهم عرفه بأنه ما يجري فيه البذل والمنع:
قال الشيخ محمد جواد مغنية
(1)
: «أما العين التي لا يجري فيها البذل والمنع كحبة الحنطة وحفنة التراب فلا تعدّ مالا» .
وذكر الشيخ النراقي
(2)
ان معنى الملكية والمالية وما يراد فهما من الألفاظ معنى إضافي لا يتحقق إلا مع وجود مالك ومتمول وهذا المعنى الإضافي بحكم العرف والتبادر عبارة عن اختصاص خاص وربط مخصوص معهود بين المالك والمملوك والمتمول والمال موجب للاستبداد والاقتدار على التصرف فيه منفردا. فمعنى الملكية والمالية والملك والمال عرفي أو لغوي لا يتوقف معرفته على توقيف من الشرع بل يجب فيها الرجوع الى العرف.
وقد خلص الأستاذ الزرقاء
(3)
الى ان المالية ترتكز على أساسين هما العينية والعرف. والعينية يراد بها أن يكون المال شيئا ماديا ذا وجود خارجي والعرف أن يعتاد الناس كلهم أو بعضهم تموله وصيانته بحيث يجرى فيه بذلك ومنع فما لا يجري فيه ذلك بين الناس لا يعتبر مالا ولو كان عينا مادية كالإنسان الحر وكحبة القمح وحفنة التراب.
(1)
فقه الإمام الصادق 4.
(2)
عوائد الأيام/النراقي/ص 57 طبع حجر/ إيران 1266 هـ.
(3)
الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد/ج 2 ص 79/ 80.
وكذلك ما يعتاد الناس تموله وصيانته ويجري فيه البذل والمنع لكنه ليس عينا مادية فإنه لا يعتبر بنظرهم مالا بل قد يكون ملكا أو حقا كالمنافع والحقوق المحضة والديون.
وعليه فإن المال يمكن أن يعرّف بأنه: «هو كل عين ذات قيمة مادية بين الناس» .
وقد شرح الأستاذ الزرقاء هذا التعريف قائلا: «فبالعين: خرجت المنافع والحقوق المحضة مما عدوه ملكا لا مالا وبالقيمة المادية خرجت الأعيان التي لا قيمة لها بين الناس كحبة القمح والجيفة إلخ» .
ونحن نوافق الأستاذ الزرقاء على هذا التعريف لكونه مستنبطا من مجموع ما ذكره الفقهاء في تعريفاتهم (للمال) ولسلامته مما يرد عليه من نقض لأنه جامع مانع. فهو أوفق الى فنية التعريف.
سبق وأن ذكرنا في تعريفات الغصب ان أكثر الفقهاء ذهبوا الى أن الراجح في تعريفه: «الاستيلاء على حق الغير عدوانا» .
وهذا هو التعريف الذي رشحناه أيضا. وعليه فإن من شروط المغصوب أن يكون حقا على رأي هذا الفريق من الفقهاء وهو في مرادهم أعم من المال لأنهم كما رأينا في مناقشاتهم لمن أورد لفظة (المال) في التعريف قالوا أنه غير جامع لأنه - أي التعريف - أخرج الاستيلاء على منفعة الغير أو اختصاصه وهو أي الاستيلاء على منفعة الغير أو اختصاصه غصب أيضا.
وهنا يحسن بنا أولا أن نتبين المقصود بالحق أولا ثم نرى ما يقصد به الفقهاء وما هو نطاقه عندهم؟ والظاهر أن إيراد الفقهاء لكلمة (الحق) في التعريف بدل المال مقصود لأنها في نظرهم أشمل وأعم وهذا من وجهة نظرهم يكسب التعريف شمولية
والذي يهمنا هنا ونحن في صدد بيان شروط المغصوب أن نستوضح المقصود (بالحق) عندهم باعتباره محلا للغصب.
لقد رأينا أن المذهب الحنفي يقصر مدلول (المال) الذي ورد في تعريفات فقهائه على (العين) وعليه فإن الاستيلاء على حق الغير من منفعة واختصاص ليس بغصب لأنها لا تصح محلا للغصب كما ذكرنا.
بينما يذهب جمهور الفقهاء الى أن حق الغير من منفعة أو اختصاص يقع محلا للغصب.
فقد ذكر الرملي
(1)
من الشافعية في توضيحه لقيود التعريف: «على حق الغير» ولو كلبا وخمرا محترمين وشمل الاختصاصات كحق متحجر ومن قعد بنحو مسجد لا يزعج عنه.
وذكر الدردير
(2)
من المالكية أن المتبادر من (المال) الذات فخرج به التعدي وهو الاستيلاء على المنفعة فقط كسكنى الدار.
وجاء في البهجة
(3)
ويظهر من ذلك ان المنفعة والاختصاص يصح غصبها.
وذكر ابن النجار
(4)
من الحنابلة في تعريفه قيد: «على حق غيره» وقد رجحه المرداوي
(5)
بعد ان ناقش من أورد المال في التعريف وإنما ذهب الى
(1)
نهاية المحتاج/143:5.
(2)
الشرح الصغير/84/ 85:4.
(3)
البهجة شرح التحفة/النسولي/351:2.
(4)
منتهى الإرادات/508:1.
(5)
الإنصاف/121/ 124:6.
ذلك لأن إيراد (المال) في رأيه غير جامع «لعدم دخول غصب الكلب وخمر الذمي والمنافع والحقوق والاختصاص، قال الحارثي: وحقوق الولايات كمنصب الإمارة والقضاء» ومن هذا يتبين ان المراد بالحق أعم من المال وانه يشمل الحقوق العينية فإنها تقع محلا للغصب.
وقد ناقش الشهيد الثاني
(1)
من فقهاء الجعفرية من أورد (المال) في التعريف قائلا: «ان التعريف مع إيراد المال لا يكون جامعا للأفراد كالتحجير وحق المسجد والمدرسة ونحوه مما لا يعد مالا فإن الغصب متحقق وكذا بالنسبة للحر الصغير. فلو أبدل المال بالحق لشمل جميع ذلك» .
ويظهر إذن ان مدلول الحق أشمل وأعم. وانه يقع محلا للغصب.
أما الصنعاني
(2)
من فقهاء الزيدية فقد ذكر في تعريفه للغصب: «هو الاستيلاء على مال الغير أو حقه قال وتدخل في الحق المنافع كمنفعة الكلب والسرجين» .
ومنه يظهر ان المراد بالحق غير المال أي مالا يعتبره الزيدية مالا وهو يشمل الحق العيني وحق الانتفاع.
أما الظاهرية فقد أطلق ابن حزم
(3)
في التعريف قائلا: «انه - أي الغصب - أخذ الشيء. وهو أعم من أن يكون مالا أو حقا وهذه النزعة لغوية» .
وعليه فيظهر من كل ذلك ان الحق يقع محلا للغصب فما ليس بمال في مصطلح الفقهاء أي مالا يشمله المال اصطلاحا من حق أو منفعة أو اختصاص
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/17/ 18:7.
(2)
الروض النضير/401:3.
(3)
المحلى/144:8.
يقع محلا للغصب لذا فإن شروط الغصب أن يكون الشيء أو المحل المغصوب مالا أو حقا.
المتقوّمية:
ذكرنا ان شروط تحقق الغصب أن يقع على (مال) أو حق وأن يكون هذا المال (متقوّما) وإلا فإنه ليس بغصب بالمعنى الاصطلاحي.
وقد أوضحنا المراد بالتقوم في البحث التمهيدي وذكرنا آراء الفقهاء بخصوصه فلا حاجة لمزيد من البيان.
والذي يهمنا هنا هو أن نتحقق من اعتبار هذا الشرط لتحقق الغصب.
وجريا على طريقتنا نستعرض آراء الفقهاء في المقام لنخلص الى هذه النتيجة.
ففي المذهب الحنفي: رأينا أن فقهاء المذهب يوردون في تعريفاتهم للغصب قيد (المتقوم)
(1)
وطبيعي ان إيراده إنما هو بسبب اعتباره.
وجاء في السعيديات
(2)
: «ولو أخذ شخص خمرا أو خنزيرا لمسلم وأتلفهما لا ضمان على الآخذ لأن عدم ماليتهما أخرج الفعل عن كونه غصبا ولو كانا لذمي وأتلفهما الآخذ ضمنها لأن تقوّم الخمر والخنزير باق في حقه.
أما في المذهب الشافعي: فقد رأينا انه لا يوجب الضمان في إتلاف خمر الذمي فضلا عن خمر المسلم والظاهر ان سبب ذلك هو لعدم تقوّمها وإلا فهي مال عندهم لأنها ينتفع بها أحيانا ويجري فيها البذل والمنع.
ذكر الشيرازي
(3)
انه: «ان غصبها - أي الخمر - من مسلم ففيه وجهان أحدهما يلزمه ردّها عليه لأنه يجوز أن يطفئ بها نارا أو يبلّ بها طينا
(1)
مجمع الضمانات/لابن غانم/ص 117 وكذا الاختيار لتعليل المختار/الموصلي/58:3. وراجع درر الحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/الكتاب الثامن.
(2)
السعيديات/محمد سعيد عبد الغفار/ج 2 ص 229.
(3)
المهذب/381:1.
فوجب ردّها عليه. والثاني: لا يلزمه وهو الصحيح لما روى أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فأمره صلى الله عليه وآله وسلم ان يهرقها».
ويظهر من النص المتقدم ان الغصب بمعناه الاصطلاحي الشرعي غير متحقق في من وضع يده على الخمر «لأنها غير متقومة بل مهدرة المالية» .
إما رأي الحنابلة فهو موافق لرأي الشافعية كما أوضحنا في بحث التقوّم إذ هم لا يعتبرون الخمر والخنزير من الأموال المتقومة حتى بالنسبة للذمي إلا إذا كان مستترا بها وأتلفها مسلم أو ذمي فإنه ملزم بالرد لا الضمان فقد ذكر المرداوي
(1)
: «إذا غصب خمرا غير مستورة من ذمي فلا يلزمه ردّها قولا واحدا. وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب» .
أما في المذهب الجعفري فيبدو من عبارات الفقهاء انهم يسقطون مالية الشيء ولا يعتبرونه متقوما إذا كان غير مباح شرعا.
ذكر اليزدي
(2)
ومن كل ذلك نستظهر. ن الفقهاء يعتبرون التقوم في المال شرطا ليتحقق بالاستيلاء عليه عدوانا الغصب الموجب للضمان.
المحترمية:
يقصد بكون المال محترما أي معصوما لا يحق لأحد التجاوز عليه أو التصرف به بأي شكل من الإشكال إلا لمالكه وقد اعتبر الشرع الشريف حرمة المال إذا كان لمسلم أو ذمي أو مستأمن.
أما بالنسبة للمسلم: فقد ذكرنا الأحاديث المستفيضة في حرمة التصرف في
(1)
الإنصاف في الراجح من الخلاف/124/ 125:6، راجع أيضا المقنع/لابن قدامة 232:2 وكذلك كشاف القناع/البهوتي/77:4.
(2)
حاشية اليزدي على الكاسب/الطبعة الحجرية/إيران.
مال المسلم بغير اذنه وحرمة التجاوز عليه بأي نحو كان من قبيل: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» وغيرها.
وأما بالنسبة للذمي
(1)
: وهو الكتابي الذي تؤخذ منه الجزية على ان يكون ملتزما أحكام الملة. وفسر الفقهاء الذمة بمعنى الأمان. فإن ماله معصوم ايضا ويحرم التجاوز عليه. فقد شاع بين الفقهاء القول المشهور عن الذميين «لهم مالنا وعليهم ما علينا» وقد ذكر الامام الكاساني في بدائعه حديثنا بهذا المعنى فقال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم ان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين» .
وهذا الحديث وان لم يرد في كتب الحديث المعروفة إلا ان معناه مقبول عند الفقهاء وفيه بعض الآثار عن السلف فقد قال علي بن ابي طالب عليه السلام:
«انما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا» وفي شرح السير الكبير للإمام السرخسي: «ولأنهم قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم وحقوقهم كأموال المسلمين وحقوقهم
(2)
».
ومن هنا يتضح ان الذمي بقبوله عقد الذمة فقد عصم ماله ودمه فأصبحا محرمين ومحترمين. فمن وضع يده عدوانا على ماله فهو غاصب.
وأما بالنسبة للمستأمنين
(3)
: «والمستأمن هو الطالب للأمان والأصل فيه قوله تعالى «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ}
(4)
».
(1)
أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام/عبد الكريم زيدان/ط 1/ 1963 ص 22.
(2)
نفس المصدر ص 70.
(3)
أحكام الذميين والمستأمنين/الدكتور عبد الكريم زيدان/ص 46/ 73.
(4)
التوبة/7.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وهذا الأمان أمان موقت بخلاف الأمان بعقد الذمة إذ انه مؤبد.» «فقد قررت الدولة
(1)
الإسلامية للمستأمن في دار الإسلام من الحقوق ما يقرب من حقوق الذمي لأن المستأمن كما قال الفقهاء بمنزلة أهل الذمة في دارنا».
وعلى هذا «فالقاعدة العامة ان المستأمن في الحقوق كالذمي» .
وعليه فان ماله محترم ايضا ولا يحق لأحد التجاوز عليه بأي شكل كان.
بقي عندنا الكافر المحارب وهذا في رأي الفقهاء غير معصوم الدم ولا المال وان من استولى على ماله لا يعد غاصبا. بل تعتبر الأموال المأخوذة من الكفار المحاربين غنيمة في حكم الإسلام وعلى ذلك كلمة الفقهاء.
ففي المذهب الحنفي:
ذكر المرغيناني
(2)
وجاء في مجمع الانهر
(3)
: «والفيء: المال المأخوذ من الكفار بغير قتال كالخراج والجزية واما المأخوذ بقتال فيسمى غنيمة كما في الفتح.
وفي موضع آخر
(4)
: «والغنيمة: اسم لمال مأخوذ من الكفرة بالقهر
(1)
الصحيح ان يقال قررت الشريعة بدل الدولة الإسلامية.
(2)
الهداية/149:2.
(3)
مجمع الانهر شرح ملتقى الأبحر/641:1.
(4)
نفس المصدر: ص 647.
والغلبة والحرب قائمة وحكمها ان يخمّس والباقي بعد الخمس للغانمين خاصة».
ويظهر من هذه النصوص ان مال الكافر المحارب لا معصومية له فهو غير محترم.
وقد ذكر فقهاء الأحناف قيد كون المال «محترما» في تعريفاتهم ثم قالوا ان إيراد هذا القيد «لإخراج مال الحربي فإنه غير محترم
(1)
».
وفي المذهب المالكي:
قال مالك
(2)
وذكر ابن الخطاب
(3)
وفي موضع آخر
(4)
: قال: قال ابن عرفة: «ما ملك من مال الكافر غنيمة ومختص بآخذه» ويظهر لنا من ذلك ان مال الكافر الحربي لا حرمة له وان الاستيلاء عليه قهرا لا يعد غصبا. في رأي المالكية.
وفي المذهب الشافعي:
ذكر الغزالي
(5)
: «الغنيمة: كل مال أخذته الفئة المجاهدة على سبيل الغلبة» .
وذكر أبو يحيى الأنصاري
(6)
: «وجاز لنا إتلاف غير الحيوان من
(1)
مجمع الضمانات/لابن غانم/ص 117.
(2)
الموطأ/451:1.
(3)
مواهب الجليل شرح مختصر الخليل/الخطاب/365:3.
(4)
نفس المصدر/ص 366.
(5)
الوجيز/174:1.
(6)
فتح الوهاب/173:1 وكذا جاء في حاشية البجيرمي/259:4.
أموالهم كبناء وشجر وان ظنّ حصوله لنا مغايظة لهم» ويظهر من ذلك ان مال الكافر لا حرمة له.
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر المرداوي
(1)
ان: «من أخذ من دار الحرب طعاما أو علفا فله اكله وعلف دابته بغير اذن.» وذكر بهاء الدين المقدسي
(2)
: في باب الغنائم: «وهي نوعان: أحدهما الأرض والثاني سائر الأموال: فهي لمن شهد الوقعة ممن يمكنه القتال: قال:
أحمد اني ارى ان كل من شهد على اي حال كان يعطي ان كان فارسا ففارس وان كان راجلا.» ويظهر من ذلك عدم حرمة أموال الكافر الحربي أيضا لأن الاستيلاء عليها إن كانت منقولة فهي غنيمة اتفاقا وإن كانت أرضا فيختلف حكمها حال الفتح الإسلامي.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر المحقق الحلي
(3)
وذكر الشهيد الثاني
(4)
وذكر الشهيد الثاني
(5)
أيضا في موضع آخر: «وما لا ينقل ولا يحوّل
(1)
الإنصاف في الراجح من الخلاف/153:4.
(2)
العدة شرح العمدة/ص 600 وكذا جاء في الإقناع/أبو الوفاء المقدسي/22:2.
(3)
شرائع الإسلام/94:1 وكذا جاء في المختصر النافع في فقه الجعفرية/ص 90.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/400:2.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/403:2.
من أموال المشركين كالأرض والمساكن والشجر لجميع المسلمين سواء في ذلك المجاهدون وغيرهم.» ويتضح من كل ذلك ان لا حرمة لمال الكافر المحارب.
وفي المذهب الزيدي:
ذكر ابن المرتضى
(1)
: «ويغنم من الكفار النفوس والأموال كفعله صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وكذا بني قينقاع.» وقال في موضع آخر
(2)
(3)
: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ان القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم.» وفي معناه الحديث المتفق عليه: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها أحرزوا دماءهم وأموالهم.» وفي الحديث دليل على ان من أسلم من الكفار حرم دمه وماله.
ويظهر من كل ما تقدم ان أموال الكفار المحاربين لا حرمة لها وان المال يكون محترما إذا كان عائدا لمسلم أو معاهد.
وفي المذهب الظاهري: فقد ذكر ابن حزم
(4)
في المسألة (924):
(1)
البحر الزخار/400:5.
(2)
نفس المصدر/ص 406.
(3)
سبل السلام شرح بلوغ المرام/الصنعاني 56:2.
(4)
المحلى/294:7.
«وجائز تحريق أشجار المشركين وأطعمتهم وزروعهم ودورهم وهدمها» قال تعالى: «{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ}
(1)
».
(2)
.» وقد أحرق رسول صلى الله عليه وآله وسلم نخل بني النضير وهي في طرف دور المدينة وقد علم انها تصير للمسلمين في يومه أو غده.» وذكر في موضع آخر: «وإذا أسلم الكافر فسواء أسلم في دار الحرب ثم خرج الى دار الإسلام أو لم يخرج أو خرج الى دار الإسلام ثم أسلم كل ذلك سواء وجميع ماله الذي معه في أرض الإسلام أو في دار الحرب أو الذي ترك وراءه في دار الحرب من عقار أو دار أو أرض أو حيوان أو متاع له لا حق لأحد فيه ولا يملكه المسلمون ان غنموه أو افتتحوا تلك الأرض» .
برهان ذلك:
انه إذا أسلم فهو بلا شك وبلا خلاف وبنص القرآن والسنة مسلم وإذا هو مسلم فهو كسائر المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» .
(3)
فصح ان دمه وعرضه وماله حرام على كل أحد سواه.
وهكذا يتضح لنا اتفاق الفقهاء على عدم حرمة مال الكافر المحارب.
وقد ذكرنا ان فقهاء الحنفية أوردوا قيدا ان يكون المال (محترما) في حين
(1)
سورة الحشر/آية/5.
(2)
سورة التوبة/121.
(3)
المحلى/309/ 310:7.
ان الفقهاء الآخرين لم يذكروا هذا القيد وذلك كما يظهر لأنهم يرون ان مال الكافر مهدر المالية وان كان مالا في العرف واللغة كما تبينا.
أسس النظرية:
استند الفقهاء في تحريم الغصب واستنباط بعض أحكامه وتأسيس قواعده على أدلة الكتاب والسنة والإجماع على ان بعضهم ذهب في تحريمه إلى حجية العقل وانه يستقل بمحظوريته.
ونتناول هنا هذه الأدلة باسطين القول فيها ليتم لنا ما قررناه.
أدلة الكتاب:
وردت في الكتاب الكريم «القرآن» آيات كثيرة نستند إليها في الذهاب إلى حرمة الغصب.
وننقل في كل آية نوردها آراء المفسرين من مختلف الاتجاهات.
أ - جاء في قوله تعالى في سورة البقرة
(1)
وهذه الآية الشريفة من أبرز الأدلة على حرمة الغصب وقد ذكر علماء التفسير أنها تدل على حرمة أكل مال الغير بالباطل أي بدون وجه حق ومن أبرز مصاديق ذلك الغصب وقد أورد الفخر الرازي
(2)
هذه الآية وعقب بقوله: قال الشيخ أبو حامد الغزالي: المال إنما يحرم لمعنى في عينه أو لحال من جهة اكتسابه والقسم الأول الحرام لصفة في عينه كالخنزير والثاني ما يحرم لخلل من جهة إثبات اليد عليه.
(1)
.2/ 188.
(2)
التفسير الكبير/الفخر الرازي/127:5.
ب - جاء في سورة النساء
(1)
«لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» .
وقد استدل بها المفسرون على حرمة الغصب وأوردوا في تفسيرها كلاما يقرب كثيرا مما نقلناه عنهم في تفسيرهم للآية المتقدمة.
ففي الكشاف
(2)
: ذكر في تفسيره للباطل: (أي بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب).
وجاء في فتح البيان
(3)
: «. يعني بالحرام الذي لا يحل في الشرع والباطل ما ليس بحق وجوه ذلك كثيرة كالربا والغصب والسرقة» .
وذكر القاسمي
(4)
في تفسيره للآية: «أي لا يأكل بعضكم أموال بعض (بالباطل) أي بما لم تبحه الشريعة كالربا والقمار والرشوة والغصب» .
أما الحائري
(5)
فقد فسرها بقوله: «ذكر الأكل وأراد سائر التصرفات وإنما خصّ الأكل لأنه معظم المنافع. بالباطل أي بوجه غير شرعي وبغير استحقاق كالغصب والسرقة» .
أما الجزائري
(6)
فقد ذكرها دليلا على حرمة الغصب إذ ذكر في القلائد:
«ويدل على تحريمه أي الغصب آيات منها: وذكر الآية» .
وجاء في فتح البيان
(7)
: «والحاصل ان ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه
(1)
آية 29.
(2)
الكشاف/الزمخشري/ج 1 ص 233.
(3)
فتح البيان في مقاصد القرآن/صديق حسن خان/259:2.
(4)
محاسن التأويل 1202/ 1203:5 ط 1.
(5)
مقتنيات الدرر 87:3.
(6)
قلائد الدرر في آيات الأحكام بالأثر:317:2.
(7)
فتح البيان في مقاصد القرآن/صديق حسن خان/304:1 ط 1.
فهو مأكول بالباطل وإن طابت به نفس مالكه. والأكل بطريق التعدي والنهب والغصب».
وفي المنار
(1)
أما الطبرسي
(2)
فقد ذكر في تفسيره للآية المتقدمة: «الباطل: الذاهب الزائل يقال بطل إذا ذهب. ولا تأكلوا: أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالغصب والظلم والوجوه التي لا تحل» .
أما الشيخ الطوسي
(3)
فقد ذكر في تفسيره: «لا تأكلوا:. قيل في معناه قولان: أحدهما: أن يكون ذلك على جهة الظلم نحو الخيانة والسرقة والغصب ويكون التقدير لا يأكل بعضكم أموال بعض كأكل مال نفسه بالباطل مثل ولا تلمزوا أنفسكم» .
هذا ما ورد في تفسير هذه الآية المباركة ويتخلص لنا من ذلك أن في هذه الآية الشريفة دلالة واضحة على حرمة الغصب باعتباره أكل لمال الغير بدون إذن وتصرف بما لم تبحه الشريعة فهي إذن تصلح أساسا ومعتمدا تستند إليه النظرية. والمال أما أن يؤخذ قهرا أو بالتراضي.
ولا يخفى ان الغصب أخذ مال الغير قهرا كما ذكرنا في تعريفه.
وذكر الطبري
(4)
أبو جعفر في تفسيره الآية المتقدمة فقال: «يعني لا
(1)
المنار/محمد رشيد رضا/40:5.
(2)
مجمع البيان 133:2.
(3)
التبيان 2: ص 138.
(4)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن/183:2.
يأكل بعضكم مال بعض بالباطل فجعل تعالى ذكره بذلك أكل مال أخيه بالباطل كأكل مال نفسه بالباطل، وتأويله: ولا يأكل بعضكم أموال بعض فيما بينكم بالباطل وأكل بالباطل أكله من غير الوجه الذي أباحه الله».
ولا ريب أن الغصب وهو اعتداء على الأموال لم يبحه الله تعالى.
وبمثل هذا التفسير ذكر الزمخشري في الكشاف
(1)
.
أما ابن الجوزي
(2)
فقد قال بعد أن ذكر معنى الآية: «قال القاضي أبو يعلى: والباطل على وجهين: أحدهما: أن يأخذه بغير طيب نفس من مالكه كالسرقة والغصب والخيانة. وقال الزجّاج الباطل الظلم» .
وجاء في البحر
(3)
المحيط: «والمفهوم من قوله تعالى: «{وَلا تَأْكُلُوا}.» الأكل المعروف لأنه الحقيقة وذكره دون سائر وجوه الاعتداء والاستيلاء لأنه أهم الحوائج وبه يقع إتلاف أكثر الأموال ويجوز أن يكون الأكل هنا مجازا عبّر به عن الأخذ والاستيلاء. وبالباطل قال الزجّاج: الظلم، وقال غيره: الجهة التي لا تكون مشروعة فيدخل في ذلك الغصب والنهب والقمار».
ج - وهناك آيات أخرى تدل بعمومها على ذم الغصب وتحريمه وقد ذكر الأصفهاني
(4)
عددا من هذه الآيات قال: «منها: قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}»
(5)
.
ومنها قوله تعالى: «{وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}»
(6)
.
(1)
الكشاف 233:1.
(2)
زاد المسير 194:1.
(3)
البحر المحيط / لأبي حيان أثير الدين الأندلسي 55:2.
(4)
الجمان الحسان في أحكام القرآن/محمود الموسوي الأصفهاني/طبع طهران/البحث العاشر.
(5)
البقرة/190.
(6)
الشورى:40/ 41.
وقوله تعالى: «{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}»
(1)
.
وقد جاء في فتح البيان
(2)
في تفسير قوله تعالى: «{الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}» .
الحرمات: جمع حرمة كالظلمات (قصاص) أي المساواة والمماثلة والمعنى إن كل حرمة يجري فيها القصاص فمن هتك حرمة عليكم فلكم ان تهتكوا حرمة عليه قصاصا ولا تبالوا به فيجوز لمن تعدى عليه من مال أو بدن ان يتعدى بمثل ما تعدى عليه. وقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدى} . هذه الجملة في حكم التأكيد للجملة الاولى أعني قوله والحرمات قصاص وإنما سمي المكافاة اعتداء مشاكلة.
وفي تفسير القرطبي
(3)
: «وجاز لمن تعدى عليه بمال أو جرح ان يتعدى بمثل ما تعدى به عليه إذ خفي له ذلك وليس بينه وبين الله شيء» .
ثانيا: ما ورد في السنة النبوية من الأحاديث الدالة بمنطوقها ومفهومها على حرمة الغصب. وهي كثيرة متظافرة قدمنا بعضا منها في مبحث غصب العقار ونأتي الآن على ذكر الباقي:
أ - ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة حجة الوداع من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(1)
الشورى/39.
(2)
فتح البيان في مقاصد القرآن/صديق حسن خان/311:1.
(3)
تفسير القرطبي/355:2.
«ألا ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»
(1)
.
ب - وورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله
(2)
: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» .
ج - وجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال
(3)
(1)
أخرج هذا الحديث في سبل السلام ج 3 ص 73 للصنعاني عن أبي بكرة. وقال متفق عليه. وأورده البيهقي في السنن عن ابن عمر مع اختلاف في اللفظ ج 6 ص 91/ 92. وقال بعد ذلك رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن عاصم بن علي وأخرجه عن أبي بكرة بن أبي بكرة. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ج 4 ص 172 وقال بعد أن أخرجه عن طالب بن سلمى بن عاصم بن الحكم. رواه أبو يعلى وطالب وشيخه لم أجد من ترجمهم «وذكره الشوكاني في نيل الأوطار ج 5 ص 355 وعقب عليه بقوله: مجمع عليه عند كافة المسلمين ومتوافق على معناه العقل والشرع» . وأورده النوري في المستدرك على الوسائل ج 3 ص 149 قال: روينا عن طريق أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين ان رسول الله (ص) خطب يوم النحر بمنى في حجة الوداع. فقال: فإن حرمة أموالكم عليكم وحرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الى أن تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم.
(2)
أخرج البيهقي في السنن ج 6 ص 92 هذا الحديث عن طريق أبي هريرة. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ج 4 ص 172 بنفس الألفاظ ثم أعقبه بقوله رواه احمد ورجاله ثقات. قال وعن عبد الله بن مسعود عن النبي (ص) قال: حرمة مال المسلم كحرمة دمه.
(3)
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج 4 ص 171 في الاستدلال على حرمة الغصب وأخرجه عن طريق ابي حميد الساعدي قال: وفي رواية: لا يحل ان يأخذ مال أخيه بغير حق. رواه احمد والبزاز ورجال الصحيح وأخرجه عن عمرو بن يثربي أيضا. وأخرجه الساعاتي في الفتح الرباني ج 15 ص 140. والبيهقي في السنن عن ابن عباس وعن عمرو بن يثربي وعن صدقة بن يسار عن ابن عمر ج 6 ص 97. وأورده الشوكاني في نيل الأوطار ج 5 ص 355 عن انس وقال في إسناده الحارث بن محمد الفهري وهو مجهول. «وأخرجه أبو البركات عبد السلام بن تيمية في المنتقى من اخبار المصطفى ج 2 ص 406 وعقب بقوله وعمومه حجه في الساحة الغصب يبنى عليها والعين تتغير صفتها لا تملك» . وأخرجه الدارقطني ج 3 ص 25 عن ابن عباس وعن عمرو بن يثربي وعن أنس بن مالك. وذكره النوري في مستدرك الوسائل ج 3 ص 145 عن طريق أمير المؤمنين. وذكره شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في الدراية في تخريج أحاديث الهداية/201:1.
وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضا:
د - لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها
(1)
.
هـ - وجاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال
(2)
: «لا يحلبنّ أحدكم ماشية غيره
(1)
أورده الساعاتي في الفتح الرباني ج 15 ص 140 عن عبد الله بن السائب. وأورده البيهقي ج 6 ص 92 عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع النبي (ص) يقول. وذكر الحديث. وأخرجه الشوكاني في نيل الأوطار ج 5 ص 355 عن طريق السائب. وأخرجه أبو البركات بن تيمية في المنتقى ج 2 ص 406 عن الطريق المذكور وعقب بقوله رواه احمد وأبو داود والترمذي. وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 4 ص 172.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه ج 2 ص 38 عن طريق عبد الله بن عمر. وأخرجه البيهقي في السنن ج 6 ص 92 عن طريق نافع بن عمر. وأخرجه الساعاتي في الفتح الرباني ج 15 ص 142 عن ابن عمر أيضا. وذكر مع خلاف قليل في اللفظ مثله عن طريق أبي هريرة. وذكره ابن حجر العسقلاني/الدراية في تخريج أحاديث الهداية/200:1. قال أورده البخاري في الأدب المفرد، والترمذي، وأحمد، والحاكم في المستدرك.
إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه فإنما يخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم».
ثالثا: الإجماع: هو في اللغة «الاتفاق يقال: أجمع القوم على الرأي اتفقوا»
(1)
.
وفي الاصطلاح: «اتفاق المجتهدين من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عصر على حكم شرعي»
(2)
.
«وهو موضع خلاف بين الأصولين وإن اتفقوا على دلالته على الاتفاق»
(3)
.
والخلاف الذي وقع بين الأصولين هو في متعلق الاتفاق فقيل انه مطلق الأمة وقيل خصوص المجتهدين منهم في عصر وفي رأي مالك: اتفاق أهل المدينة.
والذي يهمنا أنه الاتفاق أو دلالته على الاتفاق وهذا ما سنتحدث عنه هنا.
وعليه فإننا نجد أن فقهاء المذاهب الإسلامية قد أجمعوا على حرمة التعدي على الأموال أو التصرف فيها بغير إذن صاحبها الشرعي واعتبروا ذلك موجبا للإثم والعقاب الأخروي والضمان تشريعا.
وطبيعي ان مثل هذا الإجماع حجة قوية ودعامة أساسية تستند إليه في اعتباره من أسس النظرية.
ونأتي الآن الى استعراض كلمات الفقهاء في المقام جريا على طريقتنا في البحث لتتبين لنا هذه الحقيقة وتتضح.
(1)
اللمع النواجم/الشويري/ص 128.
(2)
أصول الفقه الإسلامي/شاكر الحنبلي/ص 271 وكذا جاء في أصول الفقه/الخضري/ ص 299.
(3)
الأصول العامة للفقه المقارن/محمد تقي الحكيم/ص 255.
ففي المذهب الحنفي:
ذكر الكاساني
(1)
في بدائعه: «وأما حكم الغصب فله في الأصل حكمان: أحدهما يرجع للآخرة فهو الإثم واستحقاق المؤاخذة إذا فعله عن علم لأنه معصية وارتكاب المعصية على سبيل التعمد سبب لاستحقاق المؤاخذة» وجاء في الروضة
(2)
وفي المذهب المالكي:
ذكر فقهاء المذهب تحريم الغصب بل قال الدردير
(3)
: «وحرمته معلومة من الدين بالضرورة» .
وجاء في القوانين
(4)
: «. وذلك ان أخذ أموال الناس بالباطل على عشرة أوجه كلها حرام، ومنها الغصب» .
وجاء في المواهب
(5)
(1)
بدائع الصنائع/148:7.
(2)
روضة القضاة/السمناني/مخطوط /تحقيق الدكتور صلاح الدين الناهي. وراجع: جوهرة القدوري:339:1.
(3)
الشرح الصغير/85:4 تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
(4)
القوانين/لابن حزي/ط جديدة لبنان ص 282.
(5)
مواهب الجليل/لابن الحطاب/273.5.
وقد استدل بأحاديث منها حديث: «ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام، وحديث من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين» .
وفي المذهب الشافعي:
ذكر الشيرازي
(1)
حرمة الغصب بقوله: «الغصب محرم لما روى أبو بكرة: قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام.» وذكر الشرقاوي
(2)
في حاشيته: الأصل في تحريمه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: «{لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ}.» وأخبار كخبر «ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام» .
وجاء في المجموع
(3)
: «الغصب محرم لما روى أبو بكرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «ان دماءكم. إلخ» وروى أبو حميد الساعدي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير طيب نفس منه» .
وفي المذهب الحنبلي:
قال فقهاء المذهب بحرمة الغصب ونقل الإجماع على ذلك البهوتي
(4)
في الكشاف إذ جاء فيه: «الغصب حرام إجماعا ثم أورد الآية والحديث» .
وجاء في الإقناع
(5)
: «الغصب حرام وهو استيلاء غير حربي عرفا على حق غيره قهرا بغير حق» .
(1)
المهذب 374:1.
(2)
حاشية الشرقاوي 138:2، وراجع ايضا: اعانة الطالبين/البكري/136:3.
(3)
المجموع شرح المهذب/التكملة الثانية/محمد نجيب المطيعي/59:14.
(4)
كشاف القناع/76:4.
(5)
الإقناع/الحجاوي/338:2.
أما في المذهب الجعفري:
فقد صرح الفقهاء بحرمة الغصب ونقل الإجماع على ذلك غير واحد منهم:
جاء في التذكرة
(1)
«الغصب حرام بالعقل والنقل أما العقل فلأن الضرورة قاضية بقبح الظلم والعدوان. والغصب نوع من هذا» .
وجاء في المبسوط
(2)
وذكر الخميني في التحرير
(3)
: «وقد تطابق العقل والنقل كتابا وسنة وإجماعا على حرمته وهو من أفحش الظلم الذي قد استقل العقل بقبحه.» وفي المذهب الزيدي:
جاء في التاج
(4)
: «والغصب مجمع على تحريمه والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: «{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ}.» وأخبار منها خبر: «ان دماءكم وأموالكم» .
وجاء في الروض
(5)
(1)
تذكرة الفقهاء/العلامة الحلي/372:13 طبع حجر.
(2)
المبسوط /الشيخ الطوسي/59:3.
(3)
تحرير الوسيلة/312:2. وراجع أيضا المسائل المنتخبة/الخوئي ص 273 فقد ذكر: «انه من كبائر المحرمات ويؤاخذ فاعله يوم القيامة بأشد العذاب».
(4)
التاج المذهب لأحكام المذهب/العنسي/343:3.
(5)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير/الصنعاني/60:4.
وفي المذهب الظاهري:
قال ابن حزم
(1)
وقد استدل بالآية والحديث المتقدم.
وجاء في الميزان
(2)
: «أجمع الأئمة على تحريم الغصب وتأثيم الغاصب» ومن كل ذلك يتحصل لنا ان الإجماع منعقد على حرمة الغصب بحيث لا يمكن ان نجد مخالفا واحدا.
القواعد الفقهية:
نستطيع ان نجد أكثر من قاعدة فقهية يمكن ان نستفيد منها حرمة الغصب.
(والقاعدة الفقهية)
(3)
وعليه فاننا نستطيع ان نلتمس في بعض القواعد الفقهية مقصودنا وبعده نستطيع القول ان من أسس النظرية هي القواعد الفقهية:
ونتناول الآن هذه القواعد:
(1)
المحلى:134:8.
(2)
الميزان/الشعراني.
(3)
الفقه الإسلامي ومشروع القانون المدني الموحد/شفيق العاني/ص 103
القاعدة الأولى: «لا ضرر ولا ضرار
(1)
»
وقد جاء في التعريف بها:
ومن ذلك نفهم ان الغصب حرام لأنه إيقاع ضرر في مال الغير وهو منفي المشروعية.
القاعدة الثانية:
«لا يجوز لأحد ان يتصرف في ملك الغير بلا اذنه
كما لا يجوز لأحد أخذ مال أحد بلا سبب شرعي والأمر بالتصرف في ملك الغير باطل».
ذكر الأستاذ
(2)
شفيق العاني في شرحه هذه القاعدة:
«ان مناط جواز التصرفات ونفاذه في المال إنما مرده الولاية التي قد تكون أصالة أو وصاية أو عن طريق الوكالة وليس للأجنبي عن ذلك المال ولاية عليه ليعتبر تصرفه أو ينفذ فإذا تصرف فقد تعدى وترتب على المعتدي الضمان وهذه الكليات متقاربة المعنى وحكمها واحد ودليل هذه القواعد الحديث الشريف (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه). هذا
(1)
نفس المصدر ص 111، راجع نيل الأوطار/الشوكاني/276:5، وراجع نخبة الأزهار في شرح منظومة لا ضرر ولا ضرار للشيخ فرج آل عمران القطيفي/مطبعة الغري الحديثة/نجف/1380 هـ.
(2)
الفقه الإسلامي ومشروع القانون المدني الموحد/ص 117.
في حق المسلمين وفي حق سائر الملل أرباب الأديان السماوية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
حينما سئل عنهم: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» .
ومن هنا يمكن ان نستند على حرمة الغصب لأنه تصرف في ملك الغير بغير اذنه.
وقد نقل الأستاذ العاني
(1)
قاعدة أخرى في الضمان عن تحرير المجلة قال:
«على اليد ما أخذت حتى تؤدي
(2)
».
وقد استدل بهذه القاعدة غير واحد من الفقهاء في باب الغصب وفي مورد وجوب الضمان على الغاصب والضمان مسؤولية وتبعة شرعية جرّها الغاصب على نفسه بتناوله غير ماله، فلو قصّر أو لم يؤد هذه المسؤولية فقد حمل وزرا وإثما.
أدلة العقل:
يظهر من كلام بعض الفقهاء أنهم اعتمدوا العقل في القول بحرمة الغصب.
وهذه مسألة لا نريد ان نسمح للقلم ان يناسب معها لأننا حينئذ نكون قد خرجنا الى موضوع أصولي (وهو هل ان العقل حجة في إدراك الحكم الشرعي أم لا
(3)
؟) والمسألة محل نزاع طويل عريض بين الفقهاء فمن قال بحجيته واعتباره مصدرا من مصادر التشريع يأتي في المرتبة الرابعة بعد القرآن والسنة والإجماع ومنهم من استبعده عن هذه المرتبة ووضع مكانه للقياس.
(1)
نفس المصدر ص 141.
(2)
وردت بلفظ آخر: «على اليد ما أخذت حتى ترد» وهذه القاعدة حديث ورد عن صحابي واحد هو سمرة بن جندب أخرجه عنه أصحاب السنن. وقال ابن قدامة في المحرر ورواته ثقات. وقال الترمذي حديث حسن صحيح، راجع تحفة الفقهاء/ج 3 ص 113.
(3)
نظرية الإباحة عند الفقهاء والأصوليين/ص 17، وراجع بتوسع «العقل عند الإمامية» . الدكتور رشدي عليان.
وعلى آية حال فالذي يتحصل لنا ان كلا الطرفين اتفقا على قدر مشترك وهو استقلال العقل بإدراك بعض الأحكام نظرا إلى إدراكه الحسن والقبح واستندوا على الآية الشريفة «ان الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر بتقرير الشرع الحقيقة أيضا.
ومما لا شك فيه ان الذاهبين الى وضع القياس في المرتبة الرابعة في مصادر التشريع يستخدمون عقولهم في استنباط العلة الموجودة في الأصل والتي أثبتت الحكم له ثم يبحثون عنها في الفرع ليسحبوا حكم الأصل على الفرع وهم في كل ذلك إنما يتوسلون بطريق العقل للوصول الى هذا المعنى.
ومن هنا نرى الطرفين قالوا بأن حرمة الغصب أمر يتعقله الإنسان ويدرك قبحه لأنه أبرز مصاديق الظلم فمن الطرف الذي ينفى استقلال العقل بإدراك الحكم الشرعي الحنفية.
ولكننا نجد ان السمناني في روضة
(1)
القضاة يقول:
«المعقول من الغصب انه فعل مذموم من فاعله يستحق به المأثم» .
ومن الطرف الآخر القائلين باستقلالية العقل في إدراك القبح والحسن في الأشياء وبالتالي حجية العقل في إدراك الحكم الشرعي المذهب الجعفري
(2)
.
وهكذا تكتمل عندنا الأسس التي استندنا إليها في القول بتحريم الغصب وفلسفة تحريمه مما لا يترك مجالا لمستريب. وما نستطيع على ضوئه ان نبني الكثير من الأحكام الفقهية المتعلقة بالموضوع.
(1)
روضة القضاة/مخطوط /تحقيق الدكتور الناهي.
(2)
تذكرة الفقهاء/العلامة الحلي/372:13 طبع حجر.
الفصل الثالث
ردّ المغصوب وأحكامه
ثلاثة مباحث المبحث الأول: حكم الردّ وأدلته المبحث الثاني: مستلزمات الردّ المبحث الثالث: تعذّر الردّ
المبحث الأول
حكم الرد
تمهيد:
لا بدّ لنا ونحن نريد أن نتعرف على أحكام الغصب وأحكام الضمان وأحكام تصرف الغاصب أن نعرف أوّلا ما هو الحكم؟ والظاهر ان الحكم عند الأصوليين يختلف مفهومه عن الحكم عند الفقهاء فالحكم عند الأصوليين
(1)
: «خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخيرا أو وضعا» .
وذهب السيد الحكيم
(2)
الى ان الأنسب في تعريفه: «الاعتبار الشرعي المتعلق بأفعال العباد تعلقا مباشرا أو غير مباشر» .
وأنواعه عندهم:
(أ) الحكم التكليفي
(3)
: «وهو ما يقتضي طلب الفعل أو الكف عنه
(1)
الوجيز/عبد الكريم زيدان/ط 2 ص 18.
(2)
الأصول العامة للفقه المقارن/محمد تقي الحكيم/ص 55.
(3)
الوجيز/ص 19.
أو التخيير بين الفعل والترك وإنما سمي هذا الحكم بالتكليفي لأن فيه كلفة على الإنسان وهذا ينقسم بدوره إلى خمسة أقسام هي: الوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة».
(ب) الحكم الوضعي
(1)
: «وهو خطاب الشارع الذي قد يكون جعلا للشيء سببا أو شرطا أو مانعا» . هذا تعريف الحكم عند الأصوليين. أما عند الفقهاء
(2)
: فالحكم هو: «الصفة الشرعية التي هي أثر خطاب الله تعالى كالوجوب للصلاة» والذي يعنينا هنا أن نتعرف على الحرمة باعتبارها من أقسام الحكم التكليفي والسببية باعتبارها من أقسام الحكم الوضعي.
ذلك لأن الغصب له حكمان: حكم دنيوي وهو وجوب الردّ والضمان وحكم أخروي وهو الإثم والعقاب كما سيتضح.
وعليه فالتحريم قيل
(3)
: ما يطلب به الكف عن الشيء طلبا حتما وهذا سموه تحريما وقيل
(4)
أما السببية
(5)
في الاصطلاح: «فهو كل أمر جعل الشارع وجوده علامة على وجود الحكم وعدمه علامة على عدمه كالغصب لوجوب ردّ المغصوب» .
بعد ذاك التمهيد نقول:
يجب ردّ المغصوب عينا الى المغصوب منه ان قدر على ردّه.
(1)
أصول الفقه/الخضري/ص 59.
(2)
نفس المصدر ص 20.
(3)
نفس المصدر/ص 42.
(4)
الوجيز/زيدان/ص 23.
(5)
نفس المصدر ص 42.
وعلى هذا اتفق الفقهاء جميعا من الحنفية
(1)
والشافعية
(2)
والحنابلة
(3)
والمالكية
(4)
والجعفرية
(5)
والزيدية
(6)
والظاهرية
(7)
.
وكذا جاء في مجلة الأحكام
(8)
العدلية وشروحها وإلى هذا ذهب القانون المدني العراقي
(9)
وقضت محكمة تمييز العراق
(10)
.
أدلة وجوب الرد:
لقد وردت النصوص الشرعية مؤكدة هذا المعنى ومقررة له فقد ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله:
1 -
«من أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق» .
وقد ورد في سبب هذا الحديث كما روى صاحب السنن عن يحيى بن عروة
(1)
مجمع الضمانات:117، الاختيار لتعليل المختار/الموصلي/59:3. مختصر المسعودي/مخطوط /معهد الدراسات الإسلامية العليا/الجوهرة النيرة/339:1.
(2)
إعانة الطالبين/البكري/140:3، منهج الطلاب/زكريا الأنصاري/231/ 232:1.
(3)
كشاف القناع/البهوتي/78:4، المقنع/لابن قدامة/233:2. منتهى الإرادات 509:1/ابن النجار، العدة شرح العمدة/المقدسي/ص 271. القواعد والفوائد/لابن اللحام/ص 103، الإقناع/الحجاوي/339:2.
(4)
بداية المجتهد/لابن رشد/317:2.
(5)
شرائع الإسلام/المحقق الحلي/152:2، كفاية الأحكام/مجلد 2/طبع حجر/غير مرقم/السبزواري. الروضة البهية/الشهيد الثاني/36:7، فقه الإمام الصادق/محمد جواد مغنية/ج 16:3.
(6)
البحر الزخار 178:4/لابن المرتضى، التاج المذهب/العنسي/348:3.
(7)
المحلى/ابن حزم/144:8.
(8)
شرح المجلة/منير القاضي/ج 1 ص 114، شرح المجلة/على حيدر/ص 1175.
(9)
المادة 192/شرح القانون المدني/ج 2 ص 174.
(10)
مجلة القضاء/سنة 17/العدد 2/ 3 ص 311، النشرة القضائية/س 8 ع 1 1970.
عن أبيه قال: اختصم رجلان من بياضة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال: قال عروة فلقد أخبرني الذي حدثني قال رأيتها وانه ليضرب في أصولها بالفؤوس وإنها لنخل عمّ حتى أخرجت
(1)
.
2 -
لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»
(2)
.
3 -
لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردّها.
وقد خرجنا هذا الحديث فيما سبق.
4 -
ما ورد أيضا على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
(3)
: «لا يأخذن أحدكم مال صاحبه لاعبا ولا جادا فإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردّها عليه» .
وهذا الحديث يدل على وجوب الرد ذلك لأن من صيغ الأمر المفيد للوجوب المضارع المقترن بلام الأمر وهذا وارد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فليردّها» .
5 -
ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»
(4)
. وهذه قاعدة شريفة يمكن ان نستدل بها على وجود الرد.
(1)
سنن البيهقي 99:6، وجاء هذا الحديث في الفتح الرباني في ترتيب مسند ابن حنبل الشيباني/الساعاتي/148:15. وأخرجه الدارقطني 217:4 عن الزهري عن عروة عن عائشة. وأخرجه ابن تيمية أبو البركات في المنتقى من اخبار المصطفى 395:2. وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد/ص 174 عن عبادة.
(2)
نيل الأوطار/الشوكاني/315:5. وأخرجه صحيح الترمذي 219:5. وكذا أخرجه أبو داود في السنن 265:2.
(3)
راجع تخريج هذا الحديث في ص 84 من الرسالة.
(4)
راجع ص 94 من الرسالة.
وقد جاء في شرحها:
(1)
.
وإذا كان إبقاء المغصوب في يد الغاصب حرام بمقتضى هذه القاعدة يكون الرد واجبا للتخلص من هذا الحرام.
ثانيا - الإجماع:
أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية على وجوب ردّ المغصوب وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من الفقهاء.
فقد ذكر ابن رشد
(2)
: الواجب على الغاصب ان كان المال قائما عنده بعينه لم تدخله زيادة ولا نقصان أن يرده بعينه وهذا لا خلاف فيه
(3)
.
كما ذكر الشهيد الثاني
(4)
وجوب الرد ونقل الإجماع عليه إذ قال:
«ويجب ردّ المغصوب على مالكه وجوبا فوريا إجماعيا» .
وكذلك نقل الإجماع ابن المرتضى إذ قال: «ويجب ردّ عينه - أي المغصوب - ما لم تستهلك إجماعا» .
(1)
نخبة الأزهار في شرح منظومة لا ضرر ولا ضرار/فرج آل عمران القطيفي/ص 30.
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد/317:2.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/36:7.
(4)
البحر الزخار/178:4.
ثالثا - الدليل العقلي:
نقصد به أن العقل يقضي برد المغصوب الى مالكه لأن به يتم إعادة الحق إلى نصابه وبه يقطع على الغاصب أن يتمتع بثمار غصبه وبه تتحقق العدالة التي هي مقصد الشارع المقدّس في إجراءاته التشريعية.
وقد أورد الأستاذ علي حيدر
(1)
دليلا عقليا آخر ننقله بنصه:
وعلى آية حال فإن الذي يتحصل لنا من مجموع هذه الأدلة هو وجوب رد المغصوب الى مالكه ان كان قائما عنده وبدله ان تلف.
وبذلك نصّ القانون المدني العراقي
(2)
في المادة (197) منه وقد قضت محكمة تمييز العراق
(3)
بذلك استنادا إلى أحكام القانون المذكور والظاهر أن محكمة التمييز قد التزمت هذا الحكم ولم تحد عنه فقد قضت المحكمة لصالح المدعية (ك) التي ألحق (دكانها) المرقم 89/ 1 الى الشارع العام من قبل بلدية المحمودية وجاء في القرار: «لدى التدقيق والمداولة تبين ان المغصوب عقار ضمه الغاصب الى الشارع العام وحيث ان الغاصب ملزم بإعادة المغصوب عينا الى صاحبه ما دام عقارا وبما أن قرار الرد جاء موافقا للقانون قرر تصديقه.
(1)
دور الحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/الكتاب الثامن/ص 1178.
(2)
القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951.
(3)
مجلة القضاء/السنة 17/العدد الرابع/1959/رقم القرار 618 س/959 بتاريخ 5/ 1959/19.
(مجلة القضاء/عدد/3/ 4 ص 337/السنة 18/ 1960/مطبعة العاني/بغداد رقم الإضبارة 1142/حقوقية/1960 تاريخ القرار 6/ 1960/28).
وبمثل هذا الحكم صدر قرار أيضا برقم الإضبارة 182/حقوقية/1968.
المبحث الثاني: مستلزمات الرد:
ان مستلزمات الرد أن يتحقق تسليمه الى المالك نفسه لتتحقق براءة الغاصب وفراغ ذمته من الضمان.
وهنا ثلاثة فروع:
الفرع الأول:
الرد الى المالك
، الفرع الثاني: الرد إليه في مكان الغصب الفرع الثالث: الرد فورا.
الفرع الأول: الرد الى المالك
يلزم الغاصب أن يرد المال المغصوب الى مالكه مثليا كان المال أو قيميا منقولا كان أو عقارا بحيث يتحقق معنى الرد من تمكينه منه تمكينا تاما.
ويبرز هنا سؤال هو: هل ان المالك إذا كان صبيا يبرأ الغاصب بالرد إليه أم لا؟ ويظهر ان هنا خلافا بين الفقهاء في الإجابة على هذا السؤال.
فالأحناف يشترطون لصحة الرد إلى الصبي ان يكون مميزا وإلا فإن الرد يكون الى وليه أو من له حق التصرف في ماله.
جاء في جامع الفصولين
(1)
وكذلك ذهب فقهاء الزيدية: فقد ذكر ابن المرتضى
(2)
: «ولا يبرأ برد
(1)
جامع الفصولين/لابن قاضي سماوة/81:2، درر الحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/ص 1201.
(2)
البحر الزخار/179:4.
ما أخذ من الصبي إليه إذ ليس إليه القبول إلا القبول إلا المأذون في مثل تلك العين».
وفي المذهب الجعفري: «المال المغصوب من الصبي أو المجنون يردّ الى وليهما ومع التلف يردّ إليه عوضه»
(1)
.
ويظهر أن هناك خلافا أيضا في معنى تحقق الرد المبرء للغاصب منشؤه:
هل أن علم المالك بالشيء المغصوب بأنه ماله شرط في تحقق الرد أم لا؟ رأيان:
الرأي الأول: اعتبر العلم شرطا وهو مذهب الشافعية
(2)
والجعفرية
(3)
والحنابلة
(4)
.
والرأي الثاني: لا يعتبر العلم شرطا في تحقق الرد المبرء من الضمان بل يكفي عندهم أن يثبت المالك يده على المغصوب.
وهذا رأي الحنفية
(5)
وابن المرتضى من الزيدية
(6)
. وسنبسط القول في هذا في بحث براءة الغاصب من الضمان.
الفرع الثاني: أن يكون الرد الى مكان الغصب
من لوازم الرد أن يكون الى المكان الذي غصب الغاصب المال منه لتحقق براءة ذمته تماما.
وقد اتفق الفقهاء على ذلك ولكنهم اشترطوا أن يكون لحمله مؤنة أما إذا لم يكن لحمله مؤنة فلا يجب الرد الى مكان الغصب.
(1)
المسائل المنتخبة/أبو القاسم الخوئي/ص 274/الطبعة الثانية.
(2)
نهاية المحتاج 162:5.
(3)
تحفة الحبيب 149:3.
(4)
الإنصاف في الراجح من الخلاف 186:6.
(5)
بدائع الصنائع/الكاساني/150:7، جامع الفصولين:94:2.
(6)
البحر الزخار/179:4، التاج المذهب/العنسي/350:3.
ذكر ابن غانم
(1)
من فقهاء المذهب الحنفي أنه: «يجب على الغاصب ردّ المغصوب لو كان قائما في مكان غصبه لتفاوت القيم باختلاف الأمكنة واجرة الرد على الغاصب» .
وذكر الرملي
(2)
من فقهاء المذهب الشافعي: أن للمالك أن يكلفه رده ان علم مكانه، للخبر:«على اليد ما أخذت حتى تؤدي» .
وفي المذهب الحنبلي ذكر البهوتي
(3)
: (ويلزمه - أي الغاصب - رد المغصوب الى محله الذي غصبه منه وان بعد ان قدر على رده أي إن كان باقيا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه ولما روى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا أو جادا ومن أخذ عصا أخيه فليردها». ولو غرم الغاصب عليه أي الرد أضعاف قيمته لأنه هو المعتدي فلم ينظر الى مصلحته فكان أولى بالغرامة).
أما في المذهب الجعفري: فقد جاء في المسالك
(4)
: «إذا نقل الغاصب المغصوب الى غير المكان الذي غصبه منه وجب عليه ردّه اليه ان كان مالكه يطالب به بغير إشكال لأن الردّ مقدمة الواجب وان أمكن إيصاله إلى مالكه بغيره تخير المالك بين ان يقبضه حيث يدفعه اليه وبين ان يأمره برده الى مكانه الأول.
(1)
مجمع الضمانات ص 117 وكذا جاء في الهداية شرح البداية/المرغيناني/12:4.
(2)
نهاية المحتاج 162:5، وراجع أيضا إعانة الطالبين/البكري/139:3. وكذا تحفة الحبيب/البجيرمي/149:3.
(3)
كشاف القناع:78:4، وكذا في الإقناع/الحجاوي/339:2.
(4)
المسالك/الشهيد الثاني/ج 2/طبع حجر/ غير مرقم. وكذا جاء في المبسوط / الطوسي/76:3. والشرائع/المحقق الحلي/157:2. وكفاية الأحكام/السبزواري/ ج 2/حجرية غير مرقم. وفي الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/الشهيد الثاني/58:7.
وفي المذهب الزيدي: ذكر العنسي
(1)
وقد اتجه القانون المدني
(2)
العراقي هذا الاتجاه إذا جاء في المادة (192):
يلزم ردّ المال المغصوب عينا وتسليمه الى صاحبه في مكان الغصب ان كان موجودا وان صادف صاحب المال الغاصب في مكان آخر وكان المال المغصوب معه فان شاء صاحبه استرده هناك وان طلب رده الى مكان الغصب فمصاريف نقله ومؤنة رده على الغاصب وهذا دون إخلال بالتعويض عن الإضرار.
وهو نفس اتجاه مجلة الأحكام العدلية وشروحها
(3)
.
والظاهر ان القانون الروماني ذهب الى ذلك مع اضافة: «كان عليه فوق رده ان يدفع قيمته
(4)
».
الفرع الثالث: ان يكون الردّ فورا
ان من مستلزمات الرد ان يباشر الغاصب بإرجاع المغصوب الى مالكه فورا لأنه مأمور بالرد والأمر يقتضي الفورية وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها» ولعموم قوله ايضا: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» .
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب/351:3، وكذا في البحر الزخار/ابن المرتضى/ 179:4.
(2)
شرح القانون المدني/كامل مرسي/174:2، وكذا جاء في محاضرات في المسؤولية المدنية/مرقس/ص 152.
(3)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/ص 1175.
(4)
مدونة جوستنيان/ص 256.
ثم ان مقتضى الرد فورا قد يستوجب إلحاق ضرر بالغاصب كأن غصب ساجة فبنى عليها فإنه مطالب بالرد وهو يستلزم نقض البناء وفي هذا ضرر على الغاصب كما لا يخفى ولكنه لا بدّ منه لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب على ما تقرر في علم الأصول
(1)
.
ونستعرض هنا كلمات الفقهاء بهذا الخصوص لنتبين ذلك:
ففي المذهب الحنفي:
«لو زرع الغاصب الأرض المغصوبة واقترب زرعها من الإدراك فلا يلزم المغصوب منه الانتظار الى وقت الإدراك ويجبر الغاصب على قلع زرعه في الحال وردّ الأرض المغصوبة إلى المغصوب منه
(2)
».
وجاء ايضا
(3)
: «ولو غصب ساجة وبنى فيها لا ينقطع حق المالك وكان له ان يأخذها» .
وفي المذهب المالكي:
ذكر ابن جزي
(4)
ان «من غصب سارية أو خشبة فبنى عليها فلربما أخذها وان هدم البنيان» .
وذكر سحنون: «قلت أرأيت ان اغتصب رجل من رجل خشبة فجعلها في بنيانه. قال: بلغني ان مالكا قال يأخذها من ربها ويهدم بنيانه.
قلت: والحجر الذي أدخله في بنيانه؟ قال: هو بمنزلة الخشبة كذلك (قال مالك) يأخذ ربه
(5)
.» وفي المذهب الشافعي:
ذكر الشيرازي:
«وان غصب فصيلا فأدخله الى داره فكبر ولم يخرج من الباب نقض لرد
(1)
راجع العقل عند الشيعة الإمامية/الدكتور عليان/ص 301/ 348.
(2)
دور الحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/ص 1177.
(3)
الفتاوى الهندية/111:5.
(4)
القوانين/ص 283.
(5)
المدونة/70/ 71:14.
الفصيل كما ينقض البناء لرد الساج
(1)
».
وذكر البهوتي
(2)
ومن فقهاء المذهب الجعفري ذكر المحقق الحلي
(3)
: «يجب رد المغصوب ما دام باقيا ولو تعسر كالخشبة تستدخل في البناء.» .
وجاء ايضا: فلو غصب خشبة وأدرجها في بنائه أو بنى عليها كان على الغاصب إخراجها وردها للمالك ان طلبها عندنا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» ولاستصحاب بقاء الملك
(4)
.
وفي المذهب الزيدي ذكر العنسي
(5)
(1)
المهذب/الشيرازي/380:1، وراجع حاشية البجيرمي 112:3 وكذلك الوجيز/الغزالي/138:1.
(2)
كشاف القناع،83:4 وكذلك جاء في القواعد والفوائد الأصولية/ابن اللحام/ ص 104 وكذا في منتهى الإرادات/لابن النجار/509:1.
(3)
شرائع الإسلام 152:2.
(4)
كفاية الأحكام/السبزواري/ج 2/طبع حجر/غير مرقم وكذا راجع فقه الامام الصادق (ع) محمد جواد مغنية/ج 3 ص 16.
(5)
التاج المذهب لأحكام المذهب،351:3 وكذا ذكر ابن المرتضى في البحر الزخار 182:4.
ويستثني من وجوب الرد على الفور في حالة ما إذا خيف هلاك نفس محترم فإنه يؤخر في هذه الحالة ريثما يؤمن الخوف ويظهر واضحا عند استعراضنا لكلمات الفقهاء بهذا الخصوص اتفاقهم على ذلك.
ففي المذهب الحنفي:
وجاء أيضا: «ولو غصب لوحا فأدخله سفينة أو إبريسما وخاط به بطن نفسه أو عبده ينقطع حق المالك»
(1)
.
في المذهب الشافعي ذكر الغزالي
(2)
وقد فرق الشافعي
(3)
بين مسألة الخيط الذي خيط به جرح محترم إذ لم ير نزعه بل يضمن القيمة مطلقا وبين اللوح في السفينة والبناء إذ رأى نزعه ولكن لا على الفور واستدل بقوله: «إن هدم الجدار وقلع اللوح من السفينة
(1)
الفتاوى الهندية/ج 5 ص 121/الباب السابع/الباب الثاني/ص 111. راجع أيضا مجمع الضمانات/لابن غانم/ص 121.
(2)
الوجيز/138:1، وراجع المهذب/الشيرازي/379/ 380:1 وكذلك نهاية المحتاج/الرملي/187/ 188/5، حاشية الشرقاوي/153:2.
(3)
الأم/الشافعي/227/ 228:3.
ليس بمحرم على صاحبها لأنه ليس في شيء منها روح تتلف ولا تألم فلما كان مباحا لمالكها كان مباحا لرب الحق أن يأخذ حقه».
وفي المذهب الحنبلي:
جاء في المقنع
(1)
وذكر أبو البركات
(2)
: «وإن رفع بها سفينته لم تقلع وهي في اللجة وقيل تقلع إذا لم يكن فيها حيوان محترم ولا مال للغير» .
وفي المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(3)
: «وإن كان لوحا وأدخله في سفينته نظرت:
فإن كانت في البر أو في البحر بقرب البر فالحكم فيه كالساجة في البناء.
وإن كانت السفينة في لجة البحر نظرت فإن اللوح في أعلاها أو في موضع لا يخشى عليها الغرق بقلعه قلع ورد وإن كانت في موضع متى قلع اللوح غرقت السفينة نظرت فإن كان فيها حيوان له حرمة أو كان هو فيها لم يقلع».
وجاء أيضا
(4)
: «ويستخرج اللوح المغصوب من السفينة وإن أدى الى
(1)
المقنع/ابن قدامة/235:2 وراجع منتهى الإرادات/لابن النجار/501:1.
(2)
المحرر في الفقه/ص 361 وكذا في القواعد والفوائد الأصولية/لابن اللحام/ص 103.
(3)
المبسوط /86:3 وكذا في مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/طبع حجر/ غير مرقم.
(4)
فقه الإمام الصادق/محمد جواد مغنية/ج 3 ص 16 وراجع الشرائع/المحقق الحلي/ 152:3 وكذلك الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/الشهيد الثاني/36:7.
تلفها إلا أن يستلزم إخراجه هلاك نفس أو مال لغير الغاصب لأن الرد الى المالك واجب على الفور وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».
المبحث الثالث: تعذر الرد
قلنا ان المغصوب يجب رده الى المغصوب منه إن كان قائما عند الغاصب ولكن قد يتعذر أحيانا رد المغصوب بأي شكل من الأشكال وعنده يضمن الغاصب البدل فإن كان مثليا فمثلي وإن قيميّا فقيمي:
والذي يظهر لنا من استعراض كلمات الفقهاء في المقام ان المغصوب إن كان باقيا وتعذر رده فإنه حينئذ يصار الى البدل.
ففي المذهب الحنيفي:
جاء في شرح المجلة:
(1)
.
وذكر ابن عابدين
(2)
انه: «ولو ابتلع لؤلؤة فمات لا يشق بطنه لأن حرمة الآدمي أعظم من حرمة المال وقيمتها في تركته» . وفي الشرح جاء:
قوله: (فمات) فلو بقي حيا يضمن قيمتها ولا ينتظر الى ان تخرج منه.
وجاء في روضة الفقهاء
(3)
وفي المذهب الشافعي:
ذكر الشيرازي
(4)
انه: «ان غصب جوهرة
(1)
دور الحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/الكتاب الثامن/ص 1182.
(2)
حاشية ابن عابدين/168:5.
(3)
روضة الفقهاء/السمناني/مخطوط /بتحقيق الدكتور الناهي.
(4)
المهذب:380 وكذا جاء في الأنوار لإعمال الأبرار/الأردبيلي/ص 363.
فبلعتها بهيمة له للغاصب فلو كانت البهيمة مما لا تؤكل ضمن قيمة الجوهرة لأنه تعذر ردها فضمن البدل.
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر المرداوي
(1)
في الإنصاف: «وإن غصب فرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته فإن قدر عليه بعد رده أخذ القيمة. هذا المذهب وعليه الأصحاب» .
وذكر ابن قدامة انه
(2)
: «ان غصب فرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته» .
وفي المذهب الجعفري:
قال المحقق الحلي
(3)
(1)
الإنصاف:199:6.
(2)
المقنع:249:2 وكذا في العدة شرح العمدة/لبهاء الدين المقدسي/ص 273، وفي كشاف القناع/البهوتي/85/ 86:4.
(3)
شرائع الإسلام/153:2 وراجع مسالك الافهام/الشهيد الثاني/طبع حجر/ج 2/ غير مرقم.
وفي المذهب الزيدي:
ذكر العنسي
(1)
وذكر ابن المرتضى
(2)
: قال: «ولو ابتلع الغصب حيوان لا يؤكل غرّم الغاصب قيمة الغصب» .
وعليه فيظهر من ذلك اتفاق كلمة الفقهاء هنا على أنه حين تعذر رد المغصوب وتحقق ذلك يصار إلى التعويض.
وبهذا جاءت القاعدة الفقهية: «إذا بطل الأصل يصار الى البدل
(3)
أي أن الشيء الواجب الإيفاء به إذا تعذر إيفاؤه بنفسه لسبب ما فإنه يجب إيفاء بدله لأن البدل قائم مقام المبدل معنى».
حكم ما ينفقه الغاصب على المغصوب:
ان الغاصب قد يصرف مبالغ من المال لأجل تنمية المغصوب أو الحفاظ عليه.
وهنا فإذا استرد المالك المغصوب فهل أن للغاصب المطالبة بما أنفقه على المغصوب أم لا يحق له ذلك؟ الظاهر من كلمات الفقهاء في المقام بأنه لا يحق للغاصب المطالبة بما أنفقه على الشيء المغصوب مهما عظمت تلك النفقة وخالف ابن القاسم
(4)
من المالكية ذلك.
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب 352:3.
(2)
البحر الزخار 187:4.
(3)
شرح المجلة/منير القاضي/ج 1 ص 114.
(4)
البهجة شرح التحفة/التسولي/346:2.
ذكر الكاساني
(1)
ذلك وهو من فقهاء الحنفية، قال:«وكذلك لو غصب أرضا فيها زرع أو شجر فسقاه الغاصب وأنفق عليه حتى انتهى بلوغه وكذلك لو كان نخلا أطلع فأبره ولقّحه وقام عليه فهو للمغصوب منه ولا شيء للغاصب فيما أنفق» .
وذكر الشافعي
(2)
وذكر سيدي أحمد الدردير
(3)
أما في المذهب الجعفري فإنه يظهر من صحيحة أبي ولاد
(4)
التي جاء فيها أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام قائلا: «اكتريت بغلا الى قصر ابن أبي هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا درهم وخرجت في طلب غريم لي فتوجهت نحو النيل
(5)
فلما أتيته خبرت أنه توجه الى بغداد فاتبعته فظفرت به ورجعت الى الكوفة الى أن قال»:
فأخبرت أبا عبد الله فقال: «أرى عليك مثل كراء البغل ذاهبا من
(1)
بدائع الصنائع/162:7.
(2)
الأم/226:3.
(3)
الشرح الصغير/93:4.
(4)
التهذيب/الشيخ الطوسي/215/ 216:7، الباب الثاني.
(5)
النيل: منطقة قرب الحلة.
الكوفة إلى النيل ومثل كرى البغل من النيل الى بغداد ومثل كرى البغل إلى الكوفة وتوفيه إياه».
قال: جعلت فداك: قد علفته بدراهم فلي عليه علفه؟ قال: لا: لأنك غاصب.
أما في المذهب الزيدي فقد ذكر العنسي
(1)
: «وأعلم ان الغاصب لا يرجع على المالك بما غرم فيها أي في العين المغصوبة سواء كان للبقاء أو للنماء نحو ان تكون دابة فعلفها أو شجرا صغارا فغرسها وسقاها حتى كبرت.
فلا يرجع الغاصب بما غرم في هذه الصور وان زادت به قيمة العين المغصوبة بذلك».
وقد استدل الفقهاء فيما ذهبوا إليه هنا بما يأتي:
أ - ان الغاصب متعد وليس لعرق ظالم حق
(2)
.
ب - لأن النفقة التي أنفقها الغاصب ليست عينا قائمة بالجسد كالصبغ في الثوب مثلا وإنما هي مجرد أثر
(3)
.
ج - لأن النفقة التي أنفقها الغاصب إنما هي في نظير الغلة التي استغلها من المغصوب لأنه وإن ظلم لا يظلم
(4)
.
د - لأنه ليس للغاصب عين مال متقوم قائم في المغصوب
(5)
.
ويظهر من كل ذلك ان ما ينفقه الغاصب على المغصوب ان كان عينا منفصلة عن المغصوب كالبناء في الأرض المغصوبة أو ما شاكل ذلك فقد استوضحنا في محله وإن لم يكن كذلك فليس للغاصب مهما عظمت نفقته على المغصوب الرجوع على المالك بل ان ما أنفقه يعتبر هدرا.
(1)
التاج المذهب/355:3، البحر الزخار/لابن المرتضى/184:4.
(2)
نفس المصدر.
(3)
الأم/الشافعي/226:3.
(4)
الشرح الصغير/93:4.
(5)
بدائع الصنائع/162:7.
الباب الثاني
ضمان المغصوب وأحكامه
الفصل الأول: الضمان وأحكامه
ثلاثة مباحث المبحث الأول: وجوب الضمان وأدلته المبحث الثاني: كيفية الضمان المبحث الثالث: تعاقب الأيدي على المغصوب
المبحث الأول: وجوب الضمان وأدلته
يعتبر الغصب سببا من أسباب الضمان في الفقه الإسلامي وأسباب الضمان كثيرة إلا ان أشهر أصول الضمانات وأكثرها وقوعا وأوسعها فروعا أربعة:
هي: اليد، الإتلاف، الالتزام، الغرور. والذي يعنينا هنا ان نتعرض الى (اليد) باعتبارها من أسباب الضمان.
ذكر القرافي
(1)
من فقهاء المذهب المالكي: «ان أسباب الضمان ثلاثة فمتى وجد واحد منها وجب الضمان. ومتى لم يوجد لم يجب. ثالثهما: وضع اليد غير المؤتمنة فيندرج في غير المؤتمنة يد الغاصب.» وقد اتفق الفقهاء على اعتبار الغصب موجبا للضمان كما أشرنا الى ذلك عند التحقيق في تعريفه ونستعرض هنا كلمات الفقهاء بهذا الخصوص لنتبين هذه الحقيقة بوضوح:
ذكر الكاساني
(2)
من فقهاء الحنفية: «ان وقت وجوب الضمان هو وقت وجود الغصب لأن الضمان يجب الغصب ووقت ثبوت الحكم وقت وجود سببه» .
وذكر المرغيناني
(3)
وفي المذهب الشافعي:
ذكر الشيرازي
(4)
(1)
الفروق/27:4.
(2)
بدائع الصنائع/151:7.
(3)
الهداية شرح البداية/11/ 12:4 وراجع خزانة الفقه/318:1 تحقيق الدكتور الناهي. وراجع تحفة الفقهاء/السمرقندي/ج 3 ص 113.
(4)
المهذب/274:1 وكذا جاء في تكملة المجموع شرح المهذب/المطيعي/59:14.
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر في العدة
(1)
وفي المذهب المالكي:
نقلنا قول القرافي في صدر البحث وقد قال ابن رشد
(2)
ايضا: «ان الموجب للضمان أما المباشرة لأخذ المال أو لإتلافه وأما لإثبات اليد عليه» .
وفي المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(3)
: «ان المنافع تضمن بالغصب كالأعيان مثل منافع الدار والثياب» .
وذكر الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء
(4)
وفي المذهب الزيدي:
ذكر العنسي
(5)
(1)
العدة شرح العمدة/المقدسي/ص 271.
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد/316:2.
(3)
الخلاف/170:2.
(4)
تحرير المجلة ج 3 وراجع أصول الإثبات/مغنية/ص 137.
(5)
التاج المذهب لأحكام المذهب.
وقد ذكر الأستاذ منير القاضي
(1)
في شرح المجلة: «انه قد ذهب الفقهاء في وجوب الضمان في حالة وضع اليد الى مذهبين:
مذهب يقول بأن الضمان يكون في الأعيان فقط دون المنافع وهذا هو مذهب أبي حنيفة وقد أخذت به المجلة، ومذهب يقول بأن الضمان يكون على حد سواء في الأعيان والمنافع وهذا هو مذهب أكثر الفقهاء من غير الحنفية كما أنه هو الرأي الذي أخذت به القوانين المدنية الغربية.» وأهم الأدلة التي استند إليها الفقهاء في القول بسببية النصب للضمان هي:
أولا: القاعدة الشريفة
(2)
التي هي بالأصل حديث نبوي وهي: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي.» وقد لا حظنا اعتماد الفقهاء عليها عند استعراضنا لكلماتهم في المقام والظاهر ان جهة الاستدلال بهذه القاعدة يتركز فيما يلي:
«ان ظاهر الحديث يشير الى ان ما أخذته اليد على عهدتها أي ان المال المأخوذ الذي صار تحت اليد والاستيلاء على عهدة اليد والذي أخذه وهذا هو عين الضمان، وعليه فالمال الذي وقع تحت اليد العادية على احتمال أو يد غير المأذون على احتمال آخر مع أنه موجود خارجي يعتبر في عهدة الآخذ ومستقر في ذمته بوجوده الاعتباري الى ان يؤدي
(3)
.» ثانيا: ان الإجماع يكاد ان يكون معقدا على اعتبار الغصب سببا من
(1)
شرح المجلة ج 1 ص 128.
(2)
أورد هذا الحديث شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في «الدراية بتخريج أحاديث الهداية» ج 1 ص 200 وقال عنه أخرجه الأربعة والحاكم واحمد والطبراني وكلهم من رواية الحسن عن سمرة.
(3)
القواعد الفقهية/ الميرزا حسن البجنوردي/149:1 وما بعدها.
أسباب الضمان وقد نقلنا كلمات الفقهاء بالخصوص ومنه نستظهر مثل هذا الإجماع.
ثالثا: ان القول بوجوب الضمان بمجرد وضع الغاصب يده على المغصوب يتفق مع النزعة الفقهية ومبادئ الشريعة التي تنص على حرمة التصرف بملك الغير أو التجاوز عليه بأي شكل من الأشكال.
رابعا: ان مثل هذا الإلزام سوف يضع الغاصب وجها لوجه أمام مسؤليته المدنية في ضمان المغصوب مما قد يضطره الى التحلل من هذه المسؤلية فيبادر الى ردّ المغصوب وهو ما تستهدفه الشريعة.
خامسا: ان هذا الضمان اضافة إلى أنه سيكون بمثابة ملاحقة للغاصب وقطع الطريق عليه حتى لا يجني ثمار غصبه أو يستغل المغصوب بشكل أو بآخر اضافة الى ذلك فإنه سيكون ولا ريب عاملا فعالا في زرع التهيب والنفرة من التعدي على أموال الناس وحقوقهم.
المبحث الثاني: متى يجب الضمان
قلنا ان المغصوب إذا كان باقيا فليس للمالك إلزام الغاصب بالضمان مهما قلت قيمته السوقية لأن حقه ثابت ومتعين في العين المغصوبة وهي قائمة بعينها فلا يجوز المصير الى البدل.
أما في حالة تلف العين أو استهلاكها فالمالك حينئذ يحق له مطالبة الغاصب ببدلها بإرجاع المثل ان كان المغصوب مثليا أو دفع قيمتها ان كانت العين المغصوبة قيمية.
وقد اجمع الفقهاء
(1)
على ذلك ولم أر في حدود ما اطلعت مخالفا بل نقل
(1)
مختصر الطحاوي الحنفي/ص 117، جوهرة القدوري/340:1، الهداية/ المرغيناني/11:4، حاشية البجيرمي/151:3، اعانة الطالبين/البكري الشافعي/ 138:3. الإنصاف/المرداوي الحنبلي/190:6، العدة شرح العمدة/المقدسي/ص 273. القوانين/لابن جزي المالكي/ص 282، بداية المجتهد/لابن رشد/316:2. المبسوط /الشيخ الطوسي/103:3، شرائع الإسلام/المحقق الحلي/152:2. التاج المذهب لأحكام المذهب/العنسي الصنعاني/366:3. المحلى/لابن حزم الظاهري/8: 139.
الإجماع الشعراني
(1)
وابن رشد
(2)
وذكر الشيخ أبو زهرة
(3)
انه: «يوجب الغصب الضمان إذا تلف المال المغصوب كما يوجب الإتلاف هذا الضمان.» والى ذلك ذهبت المجلة
(4)
ونص عليه القانون المدني العراقي
(5)
في المادة (193) منه.
كيفية الضمان:
قلنا ان الغاصب يضمن المغصوب لو تلف بإجماع الفقهاء أما كيف يكون الضمان فهذا ما سنتحدث عنه تفصيلا في هذه النقطة من البحث فنقول:
ان المغصوب التالف لا يخلو اما ان يكون مما له مثل أو مما لا مثل له ولقد ذكرنا ما هو المثلي وما هو غير المثلي في البحث التمهيدي. والذي يهمنا هنا ان الفقهاء قالوا بتضمين الغاصب للمثل ان كان التالف مثليا وللقيمة ان كان قيميا:
جاء في المذهب الحنفي:
ذكر أبو الليث السمرقندي
(6)
: «أن غصب مكيلا أو موزونا أو
(1)
الميزان/64:2.
(2)
بداية المجتهد/317:2.
(3)
موسوعة الفقه الإسلامي/154:2.
(4)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/ص 1181.
(5)
القانون المدني العراقي/ص 52.
(6)
خزانة الفقه وعيون المسائل/317/ 318:1 تحقيق الدكتور الناهي.
معدودا مما يجوز السلم فيه - أي مثليا - فإن أهلكه أو هلك عنده يضمن مثله.» وذكر الكاساني
(1)
جاء في المهذب
(2)
: «وان كان مما له كالحبوب والأدهان ضمن بالمثل» .
وذكر الغزالي
(3)
ذلك ايضا وقال: «أما المتنومات إذا تلفت فتضمن بأقصى قيمتها من وقت الغصب الى التلف.» .
ففي المذهب الحنبلي:
ذكر ابن قدامة
(4)
: «وان تلف المغصوب ضمنه بمثله ان كان مكيلا أو موزونا. إلخ» .
وذكر المرداوي
(5)
: «وان تلف المغصوب: لزمه مثله ان كان مكيلا أو موزونا وكذا لو أتلفه هذا المذهب وعليه الأصحاب سواء تماثلت أجزاؤه
(1)
بدائع الصنائع/150/ 151:7. وراجع جامع الفصولين 93:2. وكذا الاختيار لتعليل المختار/عبد الله الموصلي/59:3، الهداية المرغيناني/11/ 12:4.
(2)
المهذب/الشيرازي/ج 1/ص 374/ 375.
(3)
الوجيز/208/ 209:1 وراجع اعانة الطالبين/البكري/138:3.
(4)
المقنع/248/ 249:2 وكذا ذكر في الإقناع/الحجاوي/350:2 وراجع منتهى الإرادات/لابن النجار/517/ 518:1.
(5)
الإنصاف في الراجح من الخلاف/190:6.
أو تفاوتت كالأثمان والحبوب، والأدهان، وغير ذلك. وجزم به في العمدة».
وجاء في مختصر الإنصاف
(1)
: «ان تلف المغصوب ضمنه بمثله. ان لم يكن مثليا ضمنه بقيمته.» .
وفي المذهب المالكي:
ذكر ابن جزي
(2)
: «وان كان قد فات ردّ اليه مثله أو قيمته فيرد المثل فيما له مثل. ويرد القيمة فيما لا مثل له.» .
وذكر ابن رشد
(3)
أما في المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(4)
: «فما له مثل إذا غصب غاصب من هذا شيئا فإن كان قائما رده وإن كان تالفا فعليه مثله» .
وذكر في محل آخر
(5)
: «وما لا مثل له فإن أتلفها فكمال القيمة» .
وذكر المحقق الحلي
(6)
: «فإن تلف المغصوب ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثليا. فإن لم يكن مثليا ضمن قيمته» .
(1)
مختصر الإنصاف/ابن عبد الوهاب/ص 391 وراجع غاية المنتهى/246:2. وراجع العدة شرح العمدة/ص 273.
(2)
القوانين/ص 282 وراجع البهجة شرح التحفة 345:2.
(3)
بداية المجتهد/317، وراجع المدونة/لسحنون/74:14.
(4)
المبسوط - 59/ 60:3.
(5)
نفس المصدر ج 62:2.
(6)
شرائع الإسلام - 152،2، وراجع حكاية الأحكام/ج 2/طبع حجر، الروضة البهية/37:7، فقه الامام الصادق - 19:3.
وفي المذهب الزيدي:
ذكر في التاج
(1)
: «في بيان ما يلزم الغاصب إذا تلفت العين في يده واعلم انه يلزمه في تالف المثلي مثله» .
ثم ذكر في موضع آخر
(2)
: «وأما إذا كان التالف قيميا فالواجب في التالف القيمي من الأصل قيمته يوم الغصب» .
أما في المذهب الظاهري:
فقد ذكر ابن حزم
(3)
والقضاء العراقي
(4)
تطبيقات متعددة في هذا الموضوع والتفرقة بين القيمي والمثلي في الضمان.
والأدلة على ضمان المثلي التالف يكون بالمثل آيات وأحاديث وأدلة أوردها الفقهاء: أما الآيات فمنها:
أ - قوله تعالى: «{فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}»
(5)
.
وقد استدل بهذه الآية الشريفة غير واحد من الفقهاء
(6)
في وجوب
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب/العنسي/365:3.
(2)
نفس المصدر/ص 367.
(3)
المحلى/140:8، وراجع ص 135.
(4)
قضاء محكمة التمييز/رقم الاضبارة 314/ 1942 في 3/ 1942/28.
(5)
سورة البقرة:194.
(6)
بدائع الصنائع الكاساني 150:7 151، المبسوط الطوسي 59:3 60.
التعويض بالمثل عند تلف المثلي. وقد ذكر القرطبي
(1)
في تفسيره: اختلف العلماء فيمن استهلك أو أفسد شيئا من الحيوان أو العروض التي لا تكال ولا توزن فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وجماعة من العلماء: عليه في ذلك المثل ولا يعدل إلى القيمة إلا عند عدم المثل لقوله تعالى «{فَمَنِ اعْتَدى}» .
قالوا: وهذا عموم في جميع الأشياء كلها وعضدوا ذلك بقضية القصعة التي كسرت كما سيأتي.
ب - قوله تعالى «وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ»
(2)
.
وعمومها يستفاد منه ما ذكرناه من وجوب المثل في تلف المثلي. وكذلك قوله تعالى «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ 3 النَّعَمِ» .
وهناك آيات أخرى تصلح بعمومها للاستدلال على ما ذكرنا من مثل قوله تعالى «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها»
(4)
.
أما الأحاديث التي استدل بها بعض الفقهاء على تضمين الغاصب بالمثل إن كان المغصوب التالف مثليا: فمنها:
1 -
عن أنس
(5)
: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت
(1)
الجامع لأحكام القرآن 357:2 وراجع مجمع البيان الطبرسي 288:2.
(2)
النحل:126.
(3)
المائدة:98.
(4)
الشورى:40.
(5)
ذكر هذا الحديث عن أنس الصنعاني في سبل السلام 70/ 71:3 وأخرجه الحافظ ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام من أدلة الأحكام ص 190. عن أنس أيضا. قال: ورواه البخاري والترمذي وسمى الضاربة عائشة وذكر الزيادة في الحديث. وقد استدل به على ما ذكرنا أيضا.
القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام وقال كلوا، ودفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة.
وقد زاد بعضهم على هذا النص قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «طعام بطعام وإناء بإناء» وفي هذا الحديث دلالة على ان من استهلك على غيره شيئا كان مضمونا بمثله.
وهو متفق عليه بالمثلي من الحبوب.
وأورد أحاديث أخر قال (روى عن عثمان وابن مسعود انهما قضيا على من استهلك فصلانا بفصلان مثلها).
ومن طريق عبد الرزاق بن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح انه قضى في قصّار شق ثوبا ان الثوب له وعليه مثله فقال الرجل أو ثمنه فقال شريح: انه كان أحب إليه من ثمنه قال: انه لا يجد قال: لا وجد.
وعن قتادة انه قضى في ثوب استهلك بالمثل.
قال فإن قالوا: فإنكم لا تقضون بالمكسور للكاسر فقد خالفتم الحديث قلنا: انه لا يخلو من أحد وجهين - أي فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
أما انها لم تصلح لشيء فأبقاها كما يحل لكل إنسان منا ما فسد جملة من متاع غيره ولم ينتفع منه بشيء وأما ان قصعة عائشة التي أعطى كانت خيرا من التي كانت لزينب فجبر عليه الصلاة والسلام تلك الزيادة بتلك الكسارة وإلا فنحن على يقين انه لا يعطي أحدا مال غيره بغير حق.
قال بعد ذلك: فإذا عدم المثل من نوعه فكمل ما قاربه وساواه فهو أيضا مثل له من هذا الباب
(1)
.
وذكر هذه الأحاديث صاحب الروض النضير
(2)
في الاستدلال بضمان المثل بمثله إلا عند عدمه.
(1)
راجع المحلى لابن حزم 140/ 141:7.
(2)
الروض النضير 64/ 65:4 السياغي.
وإضافة الى ما تقدم من الآيات والأحاديث نجد ان الفقهاء قد أجمعوا أو يكادون كما نقلنا ذلك عند استعراضنا لكلماتهم وقد نقل هذا الاتفاق أيضا الشعراني
(1)
قال:
وهو يقصد بالأئمة الأربعة أبو حنيفة، ومالك والشافعي وأحمد في رواية.
وهناك رأي يستند الى العقل في استنباط هذا المعنى من الآيات المتقدمة خلاصته:
1 -
(2)
.
2 -
«ان المثل يعرف بالمشاهدة والقيمة تعرف بالاجتهاد وما يعلم يقدم على ما يجتهد
(3)
فيه».
وذكر الشيرازي
(4)
ما يقرب من هذا المعنى بقوله: «ان إيجاب المثل رجوع إلى المشاهدة والقطع وإيجاب القيمة رجوع الى الاجتهاد والظن فإذا أمكن الرجوع الى القطع لم يرجع الى الاجتهاد كما لا يجوز الرجوع الى القياس مع النص» .
وأضيف الى ذلك: «ان إرجاع مثل العين أقرب الى العين بنظر العرف
(1)
الميزان ص 62. ونقل الاتفاق ابن رشد بداية المجتهد 317:2.
(2)
البدائع الكاساني 150/ 151:7.
(3)
المبسوط الطوسي 59:3.
(4)
المهذب 375:1.
والعقلاء وأقرب الى روح العدالة وإرجاع الحق إلى أهله اللذين تتحراهما الشريعة المقدسة».
والخلاف قد وقع هنا بعد اتفاقهم على أنه إذا ذهبت عينه وكان مكيلا أو موزونا ان على الغاصب المثل واختلفوا في العروض فقال مالك
(1)
: لا يقضي في العروض من الحيوان وغيره إلا بالقيمة يوم استهلك.
وقال أبو حنيفة والشافعي ان الواجب في ذلك المثل ولا تلزم القيمة إلا عند عدم المثل. وذهب الى ذلك ابن حزم
(2)
.
والظاهر ان حجة مالك فيما ذهب اليه قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «من أعتق شقصا له في عبد قوّم عليه الباقي قيمة العدل» .
وجهة الاستدلال به انه لم يلزمه المثل وألزمه القيمة.
وقد ناقش ابن حزم
(3)
هذا الرأي بما يلي:
1 -
ان الشريك لم يستهلك شيئا ولا غصب شيئا ولا تعدى أصلا بل أعتق حصته التي أباح الله تعالى له عتقها وإنما هو حكم من الله أنفذه.
2 -
انه يلزم ان كان المعتق المذكور مستهلكا حصة شريكه ولذلك يضمن القيمة بأن يوجبوا ذلك عليه معسرا كان أو موسرا كما يفعلون في كل مستهلك وهم لا يفعلون هذا (أي القائلون بضمان القيمة هنا).
وليس لهم ان يدعوا إجماعا هنا لأن ابن أبي ليلى وزفر بن الهذيل يضمنون معسرا أو موسرا.
(1)
بداية المجتهد 317:2 ابن رشد.
(2)
المحلى 140:7.
(3)
نفس المصدر.
ثم ذكر بعد ذلك حديث القصعة المكسورة مستندا إليه في وجوب ضمان المثل إلا عند عدمه.
انقطاع المثلي:
قلنا ان الفقهاء ذهبوا الى تضمين الغاصب المثل عند تلف المثلي المغصوب.
ولكن لو انقطع المثلي من أيدي الناس أو تعذر الحصول عليه فما هو رأي فقهاء المذاهب الإسلامية؟ هنا حصل خلاف بينهم في هذه المسألة سنتبينه من خلال استعراضنا لكلماتهم في المقام.
ففي المذهب الحنفي:
ذكر ابن غانم
(1)
وذكر أبو الليث السمرقندي
(2)
: «. وان انقطع من أيدي الناس ولا يوجد مثله في بلده يضمن قيمته يوم الخصومة» .
(1)
مجمع الضمانات/117. وكذا جاء في روضة القضاة/السمناني/مخطوط تحقيق الدكتور صلاح الدين الناهي وقد ذكر رأيا لزفر - من فقهاء المذهب الحنفي: يضمن أعلى ما كان قيمته موجودا من يوم الغصب الى يوم الهلاك. وكذا ذكر في مختصر المسعودي/مخطوط /مكتبة الدراسات الإسلامية/وراجع الفتاوى الهندية ج 5 ص 105.
(2)
خزانة الفقه:317/ 318:1 تحقيق الدكتور الناهي وقد علق على هذه النقطة بقوله: «ويفهم من هذا ان العبرة في الفقه الإسلامي بوقائع الدعوى يوم الخصومة لا بما يطرأ عليها بعد ذلك» وهذا يصح طبعا على رأي أبي حنيفة ومن وافقه.
وفي المذهب الشافعي:
جاء في إعانة الطالبين
(1)
: «. فإن فقد المثل فيضمن بأقصى قيم من غصب الى فقد» .
وقد ذكر الغزالي
(2)
أربعة أقوال في ضمان المثلي عند التلف وقد فقد المثل: قول بأقصى قيمة من وقت الغصب الى التلف وقيل أقصى قيمة المثل من وقت وجد إلى الإعواز وقيل من وقت الغصب إلى الإعواز وقيل الى وقت طلب الضمان.
وقد ذكر الرملي
(3)
عشرة أوجه في حالة فقدان المثل وهي على التوالي:
(1)
أقصى من الغصب الى التلف. (2) من التلف الى التعذر. (3) الأقصى من الغصب الى تغريم القيمة والمطالبة. (4) الأقصى من انقطاع المثل إلى المطالبة. (5) الأقصى من التلف إلى المطالبة. (6) الاعتبار بقيمة اليوم الذي تلف فيه المغصوب. (7) بقيمة يوم الإعواز. (8) بقيمته يوم المطالبة.
(9)
بيوم الحكم بالقيمة. قال والأصح في حالة فقدان المثل: «الأكثر من الغصب الى التلف» .
وقد استدل الشيرازي
(4)
بعد ان ذكر اختلاف فقهاء المذهب في هذه المسألة على الرأي المختار «وهو الأكثر من الغصب الى الحكم» قال: لأن الواجب في الذمة هو المثل الى وقت الحكم.
كما ان الواجب في المغصوب رد العين الى وقت التلف ثم يغرم قيمة المغصوب أكثر ما كانت من حين الغصب الى حين التلف فيجب ان يعتبر في المثل أكثر ما كانت قيمته الى وقت الحكم.
(1)
اعانة الطالبين/البكري/138:3.
(2)
الوجيز/208/ 209:1 وراجع الأنوار/الأردبيلي/ج 1 ص 360.
(3)
نهاية المحتاج/162:5.
(4)
المهذب/375:1.
أما الرملي
(1)
فقد استدل على اختياره الأصح «الضمان بالأكثر من الغصب الى التلف» بقوله: «انه مطالب بالرد في حالة الزيادة إذ هو غاصب فإذا لم يرد كان ضامنا للبدل» .
أما في المذهب الحنبلي:
ذكر في المقنع
(2)
وذكر ابن النجار
(3)
: «. فإن أعوز فقيمة مثله يوم إعوازه» .
وذكر المرداوي
(4)
: «وان أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه.» قال: وهذا هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز:
والمحرر، وناظم المفردات وقدمه في الهداية والمغني والشرح والفروع وهو من مفردات المذهب قال الحارثي: اختاره ابن عقيل ثم نقل عن الحارثي قولا آخر: «يلزمه قيمته يوم تلفه وقيل أكثرهما أي أكثر القيمتين» .
أما في المذهب المالكي:
فقد ذكر سيدي أحمد الدردير
(5)
: «ولو انقطع المثلي كفاكهة وغصبها في ابانها ثم انعدمت صبر وجوبا ويقضي عليه به لوجوده في القابل» .
أما في المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(6)
(1)
نهاية المحتاج/162:5، الفتاوى الكبرى/لابن حجر/95:3.
(2)
المقنع/لابن قدامة/248/ 249:2 وراجع الإقناع/350:2/الحجاوي.
(3)
منتهى الإرادات/517/ 518:1.
(4)
الإنصاف/190:6.
(5)
الشرح الصغير/88:4.
(6)
المبسوط /59/ 60:3.
وذكر الشهيد
(1)
الثاني: «. إذا تعذر المثل فإنه يضمن قيمته يوم الإقباض لا يوم الإعواز» .
وذكر الشيخ مغنية
(2)
: «. انه إذا انقطع المثل ولم يقدر عليه حين الطلب سقط المثل عن الغاصب ووجبت القيمة لقبح التكليف بما لا يطاق ولأنه جمع بين الحقين وهل تعتبر القيمة التي يقادر بها المثل يوم الغصب؟ أو يوم تلف المغصوب أو يوم الإقباض والأداء أو أعلى القيم» ؟ هنا ينقل الشيخ مغنية انهم - أي فقهاء الجعفرية - اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على انه يدفع قيمة المثل السوقية حين الإقباض والأداء لأن الثابت في الذمة هو المثل فتعتبر القيمة ساعة الوفاء وعملية تفريغ الذمة تماما كما لو استدان مثليا ثم فقد المثل فإنه يدفع قيمته عند الأداء.
ويتلخص لنا من ذلك ان في هذه المسألة - أي انقطع المثلي حين الطلب - أقوال:
1 -
قول بتضمين الغاصب قيمة المغصوب يوم الخصومة. وهو قول أبي حنيفة
(3)
وأكثر فقهاء المذهب الحنفي.
2 -
قول بتضمين الغاصب قيمته يوم انقطاع المثل: وهو قول الامام محمد الحسن
(4)
الشيباني وهو ما ذهب إليه الحنابلة
(5)
أيضا.
3 -
قول بتضمينه يوم الغصب وهو قول أبي يوسف
(6)
.
(1)
مسالك الافهام شرح شرائع الإسلام/ج 2/طبع حجر/ باب الغصب.
(2)
فقه الامام الصادق (ع) /محمد جواد مغنية ج 3/ص 19/ 20.
(3)
خزانة الفقه/لأبي الليث السمرقندي/317:1.
(4)
مجمع الضمانات/لابن غانم/ص 119.
(5)
المقنع/لابن قدامة/248:2.
(6)
مجمع الضمانات/ص 119.
4 -
قول بتضمينه أقصى القيم من الغصب الى الحكم وهو الرأي المختار في المذهب الشافعي على ما ذكره الشيرازي
(1)
.
5 -
قول بتضمينه قيمته يوم الأداء وهو الرأي الراجح في المذهب الجعفري
(2)
.
ونحن هنا نميل الى القول بأن الغاصب ملزم بالضمان بقيمة يوم الانقطاع حيث ان المثل ما دام موجودا فعلى الغاصب رده وإذ انقطع فحينئذ يكون المصير إلى القيمة ووقت الانقطاع هو الوقت الذي شغلت به ذمة الغاصب فلزم الضمان بقيمة يوم الإعواز.
تلف القيمي وضمانه:
عرفنا رأي الفقهاء في كيفية ضمان المثلي عند التلف وهنا نريد أن نتعرف على كيفية ضمان القيمي.
في المذهب الحنفي:
ذكر ابن قاضي
(3)
وذكر المرغيناني
(4)
: «. بخلاف ما لا مثل له لأنه مطالب بالقيمة بأصل السبب كما وجد فتعتبر قيمته عند ذلك» .
وفي مختصر المسعودي
(5)
: «فإن هلك في يده بفعله أو بغير فعله فعليه قيمته يوم غصبه إن لم يكن له مثل وإلا فعليه مثله» .
(1)
نهاية المحتاج/الرملي/162:5.
(2)
جواهر الكلام/النجفي/ج 6/باب الغصب.
(3)
جامع الفصولين/93:2.
(4)
الهداية شرح البداية/12:4.
(5)
مختصر المسعودي/مخطوط /معهد الدراسات الإسلامية/المكتبة/رقم 85. وراجع الاختيار لتعليل المختار/عبد الله الموصلي/59:3.
ومن هذه النصوص يتبين لنا ان القيمي يكون ضمانه في رأي فقهاء المذهب يوم غصبه.
وفي المذهب الشافعي
(1)
يضمن الغاصب قيمة المغصوب أكثر ما كانت قيمة من يوم الغصب الى يوم التلف.
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر ابن قدامة
(2)
: «. وإن لم يكن مثليا ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده - أي نقد بلد التلف -» .
وذكر ابن النجار
(3)
: «. وغيره - وغير المثلي - يضمن بقيمته يوم تلفه في بلد غصبه من نقده» .
ويتبين هنا ان فقهاء المذهب الحنبلي على خلاف ما ذهب إليه الأحناف فضمان القيمي على رأيهم - عند التلف - يوم تلفه.
وفي المذهب المالكي:
ذكر ابن جزي
(4)
: «. ويرد القيمة فيما لا مثل له كالعروض والحيوان والعقار وتعتبر القيمة في ذلك يوم الغصب لا يوم الرد» .
ومن هنا نفهم ان رأي فقهاء المالكية موافق لرأي الأحناف.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ محمد جواد
(5)
مغنية: إن كان المغصوب قيميا كالحيوان ونحوه فعلى الغاصب ان يدفع قيمة المغصوب يوم تلفه
(1)
الأم/220:3 وكذا في المهذب/الشيرازي/307:1، الوجيز/الغزالي/126:1، الأنوار/الأردبيلي/365:1.
(2)
المقنع/248/ 249:2.
(3)
منتهى الإرادات/517/ 518:1 وكذا ذكر المرداوي في الإنصاف/194:6. وانه اختيار المذهب وراجع المغني لابن قدامة/ج 258:5، الإقناع/351:2.
(4)
القوانين/ص 282. وراجع أيضا البهجة شرح التحفة/التسولي/345:2، مختصر خليل/ص 181.
(5)
فقه الامام الصادق/19/ 21:3.
لا قبله ولا بعده وإن طال الأمد لأن يوم التلف هو الوقت الذي تشتغل فيه الذمة بالقيمة.
قال صاحب الجواهر
(1)
: «الأقوى وجوب القيمة حين التلف وفاقا للفاضل والشهيد الثاني والسيوري والكركي والأردبيلي بل هو المحكي عن القاضي في الدروس والروضة نسبته إلى الأكثر وذلك لأنه وقت الانتقال إلى القيمة وإلا فقبله مكلف برد العين من غير ضمان للنقص السوقي إجماعا.
وقد نقل الشيخ مغنية قولا لجماعة من الفقهاء باعتبار «أعلى القيم» من حين الغصب الى حين الدفع عقابا ثم علق عليه بقوله: «انه مجرد استحسان إضافة الى إجماع الفقهاء على عدم ضمان القيمة السوقية» .
وحاصل رأي فقهاء الجعفرية في المسألة ما ذكره السبزواري
(2)
في كفايته فقد ناقش الأقوال في المسألة وقال: «اختلف الأصحاب على أقوال» :
1 -
اعتبار قيمته يوم الغصب وذهب اليه الشيخ في المبسوط
(3)
وقد نسبه المحقق إلى الأكثر، وهذا موافق لرأي الحنفية كما ذكرنا.
ضمان أعلى القيم من حين الغصب الى التلف وهو منقول عن الشيخ في الخلاف
(4)
وموضع من المبسوط واختياره ابن إدريس واستحسنه المحقق.
3 -
الضمان بالقيمة يوم التلف
(5)
وهو مذهب ابن البراج والعلامة في المختلف ونسبه في الدروس إلى الأكثر، وهذا موافق لرأي الحنابلة كما ذكرنا.
(1)
جواهر الكلام/115:6.
(2)
كفاية الأحكام/طبع حجر/باب الغصب.
(3)
المبسوط /الشيخ الطوسي/62/ 63:3 وكذا ذكر في الشرائع/المحقق/152:2.
(4)
الخلاف/258:1، وذهب العلامة الحلي إليه في تذكرة الفقهاء/ج 384/ 398:2. والشهيد الأول في اللمعة الدمشقية راجع الروضة البهية/الشهيد الثاني/ج 2 ص 193.
(5)
مسالك الافهام/ج 2/طبع حجر، منهاج الصالحين/السيد الحكيم/ج 2 ص 180.
4 -
أعلى القيم من حين الغصب الى وقت رد القيمة وهو منقول عن المحقق في أحد قوليه: ووجه القول الأول بأن وقت حدوث الغصب أول وقت دخول العين في ضمان الغاصب والضمان إنما هو لقيمته فيقضي به.
ووجه القول الثاني: بأن العين ما دامت موجودة فلا حق لمالكها في القيمة زادت أم نقصت ولهذا لم يحكم عليه بزيادة القيمة السوقية عند نقصانها حين الرد والانتقال إلى القيمة إنما هو عند التلف فتعتبر القيمة في تلك الحال وفيه أيضا ضعف.
ووجه القول الثالث: بأنه مضمون في جميع حالاته التي من جملتها حالة أعلى القيم ولو تلف فيها لزم ضمانه فكذا بعده.
ولعل القول الرابع مبني على الواجب في القيمي رد المثل والانتقال إلى القيمة عند تعذره فجميع الزمان الى حين الرد ضمان لقيمة ما في ذمته. وعلى القول باعتبار القيمة مطلقا لا توجيه لهذا القول.
قال
(1)
: والاعتبار العقلي العدلي يقتضي المصير الى القول الثالث وهو الضمان بيوم التلف لأن الغاصب في أول زمان الغصب مكلف بإيصال المغصوب الى المالك في ذلك الوقت فإذا لم يفعل كان عليه ان يجبر النقصان الذي حصل للمالك في ذلك الوقت فإذا لم يفعل كان عليه ان يجبر النقصان الذي حصل للمالك بسببه ويجبر النقصان أما برد العين في زمان آخر أو قيمته في الزمان الأول عند تعذر ذلك.
وفي المذهب الزيدي:
ذكر في التاج
(2)
(1)
كفاية الأحكام/السبزواري/طبع حجر/باب الغصب.
(2)
التاج المذهب لأحكام المذهب/العنسي/367:3.
وهذا موافق لرأي الحنفية والمالكية وبعض فقهاء الجعفرية كما أشرنا.
وقد ذكر ابن المرتضى
(1)
رأيا آخر وافق فيه اتجاه الشافعية وبعض الجعفرية وهو القول بضمان أعلى القيم من الغصب الى التلف فقد قال: «وفي تالف القيمي أوفر القيم من الغصب الى التلف.
وخلاصة ما استدل به أصحاب الرأي القائلين بضمان القيمي التالف بقيمة يوم الغصب ما يلي:
1 -
استدل الأحناف: ان يوم القبض هو «وقت وجوب الضمان لأن الضمان يجب بالغصب ووقت ثبوت الحكم وقت وجود سببه فتعتبر قيمة المغصوب يوم الغصب»
(2)
.
ويمكن مناقشة هذا الدليل بأن الحكم بضمان القابض للعين وقت القبض لا يستلزم الضمان بقيمة ذلك الوقت إذ من المتفق عليه ان العين لو كانت باقية لزم ردها الى مالكها وهذا القول يستلزم انتقال ضمان العين حين قبضها إلى القيمة مع فرض بقائها وهو لا وجه
(3)
له.
2 -
ما استدل به السبزواري
(4)
بقوله: «ان وقت حدوث الغصب أول وقت دخول العين في ضمان الغاصب والضمان إنما هو لقيمته فيقضي به حالة ابتدائه» .
وهذا الدليل فريب من دليل الكاساني المتقدم ويمكن مناقشته بنفس المناقشة السابقة.
واستدل القائلون بالضمان بأعلى القيم بما خلاصته:
(1)
البحر الزخار/175:4.
(2)
بدائع الصنائع/الكاساني/151:7.
(3)
مفتاح الكرامة/العاملي/244:6.
(4)
كفاية الأحكام/ج 2/طبع حجر/غير مرقم.
1 -
استدل السبزواري من الجعفرية بأن: «المغصوب مضمون في جميع حالاته التي من جملتها حالة أعلى القيم ولو تلف فيها لزم ضمانه فكذا بعده» .
ويرد عليه: ان ضمان العين على تقدير تلفها في تلك الحالة لا أثر له إذ من المسلم به ان العين ما دامت باقية فالزيادة السوقية غير مضمونة وضمان القيمة إنما هو على تقدير وقوع التلف لا مطلقا.
2 -
واستدل الشيرازي
(1)
من الشافعية بنحو الدليل السابق إذ قال:
«انه غاصب في الحال التي زادت فيها قيمته فلزمه ضمان قيمته كالحالة التي غصب فيها» .
وقد تقدم مناقشة ذلك في الدليل السابق.
أدلة القوم بيوم التلف:
1 -
استدل بعض فقهاء الإمامية
(2)
2 -
واستدل ابن قدامة
(3)
من الحنابلة: بقوله: «ان القيمة إنما تثبت في الذمة حين التلف لأن قبل ذلك كان الواجب رد العين دون قيمتها، فاعتبرت تلك الحالة كما لو لم تختلف قيمته» .
(1)
المهذب/1/ص 373/ 374.
(2)
كفاية الأحكام/ج 2/طبع حجر. كذلك راجع مفتاح الكرامة/العاملي/ 245:6، المكاسب/الشيخ الأنصاري/ص 109.
(3)
المغني/251:5.
وهذا الرأي هو الذي نميل اليه لقوة الأدلة هنا ولما أوردناه على الآراء السابقة وأدلتها.
منافع المغصوب:
كنا قد تطرقنا في الباب الأول الى الحديث عن زوائد المغصوب وهل يمكن اعتبارها مغصوبة مضمونة عند التلف أم لا. وقد أوضحنا في محله آراء الفقهاء بهذا الخصوص.
وهنا نريد ان نتحدث عن منافع المغصوب وهل هي مضمونة أم غير مضمونة؟ ونستعرض آراء الفقهاء بهذا الخصوص.
ففي المذهب الحنفي:
ذكر السمرقندي
(1)
: «ان المنافع لا تضمن بالغصب والإتلاف» وذكر الكاساني
(2)
: «وعلى هذا تخرج منافع الأعيان المنقولة المغصوبة انها ليست بمضمونة عندنا» .
وقد فرق المتأخرون بين المعد للاستغلال أو مال اليتيم أو الوقف وبين غيرها فقالوا بضمان الغاصب فيها دون غيرها.
جاء في اللباب
(3)
ويظهر من ذلك ان المذهب الحنفي لا يلتزم القول بضمان المنافع إلا ما استثناه المتأخرون.
(1)
تحفة الفقهاء/127:3 وكذا في الاختيار/الموصلي/64:3.
(2)
البدائع/145:7 وراجع الفتاوى الكاملية/ص 213، مختصر الطحاوي/ص 118.
(3)
اللباب شرح الكتاب/144:2 وإلى هذا التفصيل: ذهب ابن نجيم/الأشباه والنظائر/ص 214.
وفي المذهب الشافعي:
ذكر في حاشية البجيرمي
(1)
وذكر الرملي
(2)
ويظهر من ذلك ان المذهب الشافعي يلتزم القول بضمان المنافع الفائتة تحت يد الغاصب سواء التي انتفع بها أو فاتت بدون انتفاع.
وفي المذهب الحنبلي:
وافق رأي فقهاء الشافعية في القول بضمان المنافع بالفوات والتفويت.
ذكر المرداوي
(3)
(1)
حاشية البجيرمي/151:3.
(2)
نهاية المحتاج/168:5 وراجع ايضا المهذب/الشيرازي/374:1، وكذا حاشية الشرقاوي/151:2 وراجع الأم/الشافعي/222:3، الأنوار لإعمال الأبرار/ص 363 والفتاوى الكبرى/لابن حجر/94:3.
(3)
الإنصاف في الراجح من الخلاف/201:6 وكذا في الإقناع/الحجاوي/352:2 وراجع زوائد الكافي/ص 154.
وذكر في المقنع
(1)
: «ولو غصب جارحا فصاد به أو شبكة أو شركا فأمسك شيئا أو فرسا عليه أو غنم فهو لمالكه.» .
فهنا من وجهة نظر الحنبلي قول بالضمان مطلقا بالنسبة للمنافع.
وقد وافقهم على ذلك فقهاء المذهب الجعفري فذهبوا الى القول بأن الغاصب يضمن منافع المغصوب بالفوات والتفويت وعلى ذلك كلمتهم:
ذكر الطوسي
(2)
: «المنافع تضمن بالغصب كالأعيان وجملته ان كل منفعة تضمن بعقد الإجارة فإنها تضمن بالغصب كمنافع الدار والدابة والثياب.» وذكر المحقق الحلي
(3)
: «فوائد المغصوب مضمونة بالغصب. أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابة وكذا منفعة كل ما له اجرة بالعادة» .
وذكر الشهيد
(4)
وقد اتفق فقهاء الزيدية مع جمهور الفقهاء في القول بضمان المنافع فقد ذكر ابن المرتضى
(5)
: «وكما تضمن العين تضمن منافعها إذا فوتها مدة لبثها فتلزم الأجرة.» .
(1)
لابن قدامة/235/ 236:2 وراجع منتهى الإرادات/لابن النجار/508:1.
(2)
المبسوط /64:3 وراجع الخلاف/الطوسي/258:2.
(3)
شرائع الإسلام/ج 154:2 وراجع مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2 طبع حجر.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/الشهيد الثاني/46:7 وراجع أيضا كفاية الأحكام/السبزواري/طبع حجر/ج 2، جواهر الكلام النجفي/129:6.
(5)
البحر الزخار/لابن المرتضى/177/ 178:4.
وذكر في الروض النضير
(1)
ووافق رأي الجمهور فقهاء الظاهرية: فقد ذهب ابن حزم الى ضمان منافع المغصوب سواء بالفوات والتفويت.
فقد ذكر
(2)
أما فقهاء المالكية: فقد اتجه أكثرهم
(3)
إلى القول بضمان منافع المغصوب المستوفاة سواء كانت منافع دور أم حيوانات. فقد روى هذا عن مالك اختاره الدردير. أما ابن القاسم
(4)
فقد 5 فرق بين ضمان منافع الدور والأرضين وبين منافع الحيوان.
على انهم اتفقوا
(5)
جميعا على عدم ضمان المنافع غير المستوفاة.
(1)
الروض النضير/السياغي/66:4.
(2)
المحلي/لابن حزم/135:7.
(3)
المدونة/62:14، حاشية الدسوقي/448:3، توضيح الأحكام/الزبيدي/ 121:3.
(4)
المدونة/62:14، مواهب الجليل/285:5/لابن الحطاب.
(5)
الشرح الكبير المطبوع بهامش حاشية الدسوقي/448:3، القوانين/لابن جزى/ 283 الشرح الصغير/92:4/الدردير. البهجة شرح التحفة/345:2.
الاستدلال على الرأي الأولى:
وأصحاب الاتجاه الأول إنما يذهبون الى القول بعدم ضمان منافع المغصوب استنادا إلى الأدلة الآتية:
1 -
استدل السرخسي
(1)
من فقهاء المذهب الحنفي بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الخراج بالضمان» ووجه الاستدلال به هو ان المغصوب لما كان (في ضمان الغاصب فهو الذي التزم تسليمه بالغصب دون المالك فكان الأجر له دون المالك)».
ويجاب على هذا بأن الحديث إنما سبق لمناسبة معينة وهي:
«ان رجلا ابتاع عبدا فأقام عنده ما شاء ان يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فردّه عليه فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي:
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الخراج بالضمان
(2)
».
وغاية ما يستفاد من هذا الحديث ان كل من أقدم على تعهد مال وجعل ضمانه في عهدته ملك منافعه لأن الشخص الرشيد لا يتعهد مالا إلا ان يملك نماءه ومنافعه وهذا الضمان مستند الى حالة مشروعة ولأن الضمان بسبب غير مشروع كالغصب لم يكن عن رغبة من الغاصب وتعهد منه وإنما هو حكم جزائي قهري من الشارع بسبب تعديه وتصرفه غير المشروع فلا تكون منافعه له. ولو سحبنا مضمون الحديث على كل حالة لكان ذلك مدعاة للانتفاع بأموال الغير بلا بدل «فيعقدون الإجارة على المنفعة التي يريدون ثم يخالفون الى الانتفاع بما يريدون دون الالتزام بعوض ولا يبالون ضمان المأجور عند الهلاك
(3)
» ولذا أفتى المتأخرون من الحنفية بوجوب ضمان المنافع إذا
(1)
المبسوط /77:11.
(2)
سنن ابي داود/255:2.
(3)
الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد/1022/ 1030:1.
كان المغصوب وقفا أو مال يتيم أو معدا للاستغلال استوفاها أو لم يستوفها «لما لاحظوه من سيئات النتائج وإضاعة الحق التي تؤدي إليه نظرية عدم ضمان المنافع فقصّروا من أذيالها وضيقوا من دائرة شمولها فاستثنوا الموارد
(1)
».
وقد ناقش هذا الحديث المتقدم الذي استند اليه الأحناف فيما ذهبوا اليه من عدم ضمان المنافع ابن حزم في محلاة
(2)
قائلا: «ان هذا الحديث غير صحيح وأنه انفرد به مخلد بن خفاف ومسلم بن خالد الزنجي ثم قال: لو صحّ لما كان لهم فيه حجة لأنه إنما جاء فيمن اشترى عبدا فاستغله ثم وجد به عيبا فردّه فكان خراجه له وهكذا نقول نحن لأنه قد ملكه ملكا صحيحا فاستغل ماله لا مال غيره ومن الباطل ان يقاس الحرام على الحلال.» أما صاحب الروض من الزيدية
(3)
فقد ناقش من استند الى الحديث المتقدم بقوله: «انه - أي الحديث - ورد في خراج الغلام المبتاع لما أراد المشتري فسخه بعد استعماله لما تبين به العيب. وقد قامت القرائن على قصر ظاهر العموم على سببه للاتفاق على ان ظاهر العموم مهجور لو رود صور بلزوم الخراج مع الضمان. ولقيام الأدلة القاطعة بتحريم أكل المال بالباطل.» .
2 -
واستدل الحنيفة كذلك على عدم ضمان المنافع:
بما ذكره الكاساني
(4)
(1)
نفس المصدر 924:1 طبعة دمشق/1961 ط 7.
(2)
المحلى/141:8.
(3)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير/الصنعاني/ج 3.
(4)
بدائع الصنائع/160:7.
وهذا مبني أولا على حد الغصب وتعريفه وقد حققنا في مجلة الرأي الراجح وناقشناه ونعود هنا ايضا فنقول:
ان التفويت كما يحصل بإزالة يد المالك كذلك يحصل بمنعه عن الاستفادة بملكه ولا فرق بين الصورتين.
ثم ان القاعدة الشريفة (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) شاملة بعمومها لهذا المورد لأن المنفعة مال بحد ذاتها. إذ يجري عليها العقد كالإجارة مثلا بل هي الغرض الأظهر من الأموال. ولا وجه لعدم اعتبارها موجودة عند الغصب لأنها ان لم تكن موجودة بالفعل فهي موجودة بالقوة بوجود العين.
وأما ما ذهبوا إليه في هذا المقام أيضا (من أنها أي المنافع إنما تتقوم بالعقد وفي حالة انتفاع الغاصب بها لا عقد حتى تتقوم به)
(1)
.
فليس عليه دليل واضح قوي من أدلة الشريعة لا من نصوصها ولا من أصولها بل ان العرف قائم على خلافه إذ يعتبرها ذات قيمة في نفسها وإذ لا قيمة لها بنفسها فكيف تقوم وهل لغير المال قيمة؟ وعليه فالذي نخلص إليه من كل ما تقدم أن منافع المغصوب مضمونة على الغاصب وأنه مسؤول وملتزم بأداء البدل عما فوته على المالك.
بقي إن نعرف هنا ما جرت عليه مجلة الأحكام بهذا الخصوص والظاهر أنها أخذت برأي الحنفية إذ لم تقل بضمان منافع المغصوب فذكرت
(2)
:
«الغاصب ينتفع من المغصوب لقاء ضمانه إياه» وجاء أيضا: «من غصب شيئا غير معد للاستغلال ولا هو مال وقف أو مال يتيم فإذا هلك في يده ضمنه ولا أجر عليه» .
(1)
الهداية/المرغيناني/16:4، المبسوط /السرخسي/77:11.
(2)
شرح المجلة/منير القاضي/130:1، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ج 1 ص 207.
(1)
.
وقد ذهب القانون المدني العراقي
(2)
في المادة (240) مذهب جمهور الفقهاء فنصت على إلزام الغاصب بأداء المنافع سواء كان الشيء معدا للاستغلال أو غير معد له.
تفريع:
وبناء على ما تقدم فإن ما لمثله اجرة في زماننا هذا يضمن الغاصب منافعه على التفصيل الذي ذكرناه عند الفقهاء وذلك مثل سيارات الأجرة وأخشاب المقاولين وآلات البناء والدراجات وآلات الكاتبة وآلات الحاسبة ومكبرات
(1)
شرح المجلة/منير القاضي/130:1.
(2)
شرح القانون المدني العراقي/حامد مصطفى/426:1.
الصوت. وما الى ذلك فإن على الغاصب رد العين مع اجرة المثل. مع مسؤوليته عن أي نقص أو تلف أو استهلاك قد طرأ عليها.
ضمان المغصوب لو كان فيه صنعة:
اختلف الفقهاء في كيفية تضمين الغاصب فيما لو استهلك المغصوب وكان ذهبا فيه صنعة.
فذهب كل من المالكية والجعفرية والحنابلة الى أن المغصوب إن كان ذهبا فيه صنعة ثم استهلك فإن الغاصب حينئذ يضمن قيمته مصوغا من غير جنسه وإنما ذهبوا الى هذا الرأي ليسلم التعويض من الربا.
فذكر ذلك ابن القاسم من المالكية كما جاء في المدونة
(1)
.
وذكر المرداوي
(2)
في الإنصاف: «انه ان كان مصوغا أو تبرا تخالف قيمته وزنه: قوّمه بغير جنسه وهذا هو المذهب. وإن كان مغايرا لجنس نقد البلد الذي يضمّن فيه ضمّن» .
وذهب الى ذلك الشيخ الطوسي من الجعفرية وقد علل رأيه الشهيد الثاني
(3)
في المسالك بقوله: «لأن الربا ليس مختصا بالبيع بل هو ثابت في كل معاوضة على ربويين متفقي الجنس» .
إما الشافعية فقد ذهبوا الى خلاف هذا الرأي فذكر الرملي
(4)
: «أن الغاصب حينئذ يضمن مثل وزنه ويضمن الصنعة بنقد البلد. ولا ربا وإن كان من جنسه لأنّه مختص بالعقود» .
(1)
ج 14/ص 69.
(2)
الإنصاف/197:6، المقنع/لابن قدامة/249:2.
(3)
مسالك الافهام/ج 2/طبعة حجرية، شرائع الإسلام/المحقق الحلي/152:2.
(4)
نهاية المحتاج/161:5.
وهذا الرأي الأخير - أي رأي الشافعية هو الأوفق لأن الضمان هنا إنما هو حكم جزائي قهري فلا يتصور فيه الربا.
المبحث الثالث: تعاقب الأيدي على المغصوب
قلنا ان الغاصب يلزمه الضمان بوضع يده على المغصوب واستيلائه عليه.
وهنا فلو استولى على المغصوب شخص آخر بأي نحو من الأنحاء فهل يجب عليه الضمان أيضا فيكون للمالك الحق في مطالبته إما برد العين وتسليمها أو ببدلها ان تلفت؟ وهل يجب الضمان مطلقا بدون قيود؟ وإذا ألزمه المالك بالضمان فهل يرجع على أحد؟ هذه المسائل سنتعرض لها عند هذه النقطة من البحث لعلاقتها بصميم بحثنا.
وعندما نبدأ الحديث عنها فإنما نجري على طريقتنا في استعراض كلمات الفقهاء في المقام لاستخلاص آرائهم:
ففي المذهب الحنفي:
ذكر الكاساني
(1)
(1)
بدائع الصنائع/144:7.
وفي الذهب الشافعي:
ذكر الشيخ زكريا الأنصاري
(1)
وفي المذهب المالكي:
ذكر سيدي أحمد الدردير
(2)
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر البهوتي
(3)
انه: «متى انتقلت العين المغصوبة عن يد الغاصب الى غير المالك لها فالمنقلة إليه بمنزلة الغاصب في كون المالك يملك تضمين العين والمنفعة لأنه ان كان عالما بالحال كان غاصبا وإن كان جاهلا فلعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» ولأن العين المغصوبة صارت في يده بغير حق فملك المالك تضمينه كما يملك تضمين الغاصب لكن إنما يستقر عليه ما دخل ضمانه من عين أو منفعة وما عداه فعلى الغاصب ان لم يعلم».
(1)
منهج الطلاب المطبوع بهامش حاشية البجيرمي/114:3.
(2)
الشرح الصغير/86:4.
(3)
كشاف القناع/99:4 وراجع المحرر في الفقه/لأبي البركات/ص 362.
وهذا يفهم منه ان الأيدي المتعاقبة على المغصوب أيدي ضمان سواء علموا أم جهلوا.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر المحقق
(1)
الحلي: لو تعاقبت الأيدي الغاصبة على المغصوب تخير المالك في إلزام أيهم شاء أو إلزام الجميع بدلا واحدا.
وذكر الشهيد الثاني
(2)
وفي المذهب الزيدي:
ذكر ابن المرتضى
(3)
: «ان من قبض مغصوبا ولو جاهلا بغصبه ضمنه ولا يبرأ برده الى الغاصب» .
ومن هذه النصوص المتقدمة نفهم أن حكم غاصب الغاصب هو نفس حكم الغاصب الأول من حيث ترتب الضمان والالتزام برد المغصوب الى مالكه. غاية الأمر أن غاصب الغاصب مع العلم بالغصبية فإنما يستحق الإثم مع الضمان وأما ان كان جاهلا فإنما عليه الضمان فحسب لعموم قوله: صلى الله عليه وآله وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» .
(1)
شرائع الإسلام/150:2.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/25/ 26:7 وكذا جاء في كفاية الأحكام السبزواري/ج 2/طبع حجر، وفي مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/طبع حجر.
(3)
البحر الزخار/179:4.
وبنفس هذا الاتجاه الفقهي أخذ القانون المدني العراقي
(1)
فقد جاء في المادة (198) منه:
وإلى ذلك ذهب القضاء الاردني
(2)
كما جاء في استئناف القضية رقم 20 لسنة 1953 وقد أشارت المحكمة الى عدة مبادئ قانونية تتعلق بالموضوع منها:
1 -
غاصب الغاصب من حيث ترتب الضمان هو في حكم الغاصب نفسه.
2 -
عبارة غاصب الغاصب تعني كل شخص انتقل اليه المال المغصوب من الغاصب الأول.
كيف يبرأ الغاصب من الضمان:
اتفق الفقهاء في مسألة براءة الغاصب من الضمان على أنه متى عادت سلطة المالك على ملكه واستطاع أن يتصرف فيه كما لو كان في يده فإن الضمان حينئذ يسقط عن الغاصب.
وهنا كيف نتحقق سيطرة المالك على المغصوب: هل بمجرد مصير العين المغصوبة تحت يده سواء علم أنها ملكه أم لا؟ أم يشترط علمه بأن هذا الشيء الذي تحت يده إنما هو ملكه وعين ماله؟
(1)
شرح القانون المدني/180:2/محمد كامل مرسي وراجع أيضا محاضرات في المسؤولية المدنية/سليمان مرقص/157/ 158.
(2)
راجع مجلة نقابة المحامين/عمان/ص 410/لسنة 1953.
للفقهاء هنا رأيان:
الرأي الأول: وهو رأي جمهور الفقهاء من الشافعية والراجح عند الحنابلة وعليه جمهور الجعفرية والناصر من فقهاء الزيدية: وهؤلاء ذهبوا الى أن علم المالك بأن هذا الشيء الذي صار تحت يده إنما هو ماله ومملوك له شرط في تحقق براءة الغاصب من الضمان.
فقد ذكر الشيرازي
(1)
وذكر البجيرمي
(2)
: أن العلم شرط على رأي أغلب فقهاء المذهب.
وذكر المرداوي
(3)
من فقهاء الحنابلة: «ولو وهب المغصوب لمالكه أو إهداء إليه برئ على الصحيح من المذهب لأنه سلمه إليه تسليما تاما» .
وذكر ابن قدامة
(4)
أما في المذهب الجعفري:
فقد ذكر الشيخ الطوسي
(5)
: «إذا أطعمه مالكه فهل تبرأ ذمة الغاصب أم لا؟ قال نظرت فإن كان المالك عالما بأنه
(1)
المهذب/381:1، الأنوار/369:1، الوجيز/الغزالي/207:1.
(2)
حاشية البجيرمي/151:3.
(3)
الإنصاف/189:6، القواعد والفروع الفقهية/لابن اللحام/ص 89.
(4)
المقنع/246/ 247:2.
(5)
المبسوط /89:3.
ملكه فأكله مع العلم بحاله برئت ذمة الغاصب لأنه رضي بأكل مال نفسه فبرئت ذمة الغاصب منه».
وفي المذهب الزيدي:
ذكر ابن المرتضى
(1)
أما الرأي الثاني: فهو لفقهاء الحنفية وهو وجه عند الشافعية واتجاه عند الحنابلة وهو لأغلب فقهاء الزيدية. وكل هؤلاء لا يشترطون علم المالك لتتحقق براءة الغاصب من الضمان بل يكفي من وجهة نظرهم أن تقع العين المغصوبة تحت يده أو يتصرف بها تصرف الملاّك.
وذكر ابن قاضي سماونة
(2)
وأما في المذهب الشافعي:
فقد ذكرنا قول الشيرازي
(3)
وإن القول ببراءة الغاصب مع عدم علم المالك وجه في رأي فقهاء المذهب.
أما الحنابلة
(4)
فقد فرقوا بين رهن المغصوب عند مالكه وإجارته أو إيداعه فرأوا العلم شرطا لتحقق البراءة وبين أن يهبه الشيء المغصوب أو يهديه الى المالك أو يعيره إياه فإنه حينئذ يبرأ الغاصب من الضمان سواء علم المالك أم لم يعلم.
(1)
البحر الزخار/179:4.
(2)
جامع الفصولين/94/ 95:2.
(3)
المهذب/381:1، وراجع الوجيز/الغزالي/207/ 208:1.
(4)
المقنع/لابن قدامة/246/ 247:2، وراجع الإنصاف/المرداوي/189:6.
أما الزيدية: فقد ذكر ابن المرتضى
(1)
: «ويبرأ بمصير العين الى المالك بأي وجه كان من إطعامه أيها من غير استهلاك أو نحوهما وان جهلها» .
وذكر العنسي
(2)
وذكر أيضا أنه إذا أبرأ المالك أحد الغاصبين بريء الآخرون، إذ الإبراء إسقاط لما تعلق في الذمة بسبب هذه العين فلم يختص.
ولم أر - في حدود اطلاعي - لأصحاب الرأي الثاني دليلا لا من المعقول ولا من المنقول وغاية ما عثرت عليه ما ذكره ابن المرتضى من انه حتى مع عدم علمه بأن هذا الشيء إنما هو ماله المغصوب منه فإن الغاصب يبرأ من الضمان «لأن المالك قد وصل الى حقه»
(3)
.
أما أصحاب الاتجاه الأول الذين ذهبوا الى أن الغاصب لا يبرأ من الضمان إلا بإرجاع المغصوب الى المالك وتحقق علمه بذلك فإنهم استدلوا:
1 -
(4)
.
2 -
أن الردّ لم يتحقق عرفا هنا وإنما يزول عنوان الغصب الموجب للضمان بكل ما دلّ على رضا المالك ببقاء العين المغصوبة في يد الغاصب أو
(1)
البحر الزخار/179:4.
(2)
التاج المذهب/لأحكام المذهب/363/ 364:3.
(3)
البحر الزخار/179:4.
(4)
المهذب/الشيرازي/380:1.
بما اعتبره العرف ردّا وظاهر أن العرف هنا إنما يعتبر إطعام المالك طعامه المغصوب بدون علمه أو إعارته له أو ما شاكل اما من باب التغرير أو أمانة.
وعليه فنحن نميل هنا الى القول الأول الذاهب الى اشتراط العلم في صحة تحقق الرد وبالتالي براء الغاصب من الضمان.
والملاحظ هنا أن القانون المدنية
(1)
يوافق رأي الحنفية ومن تابعهم فيذهب الى أن علم المالك ليس بشرط لتحقق الرد المبرء للغاصب من الضمان وإلى ذلك أيضا ذهبت مجلة الأحكام العدلية
(2)
.
(1)
محاضرات في القانون المدني/مرقص/ص 152/ 153.
(2)
شرح المجلة/منير القاضي/14:1.
الفصل الثاني
تغير المغصوب وأحكامه
ثلاثة مباحث المبحث الأول: تغير ذات المغصوب المبحث الثاني: تغير صفات المغصوب المبحث الثالث: تغير القيمة بسبب نقصان السعر
المبحث الأول
الفرع الأول
تغير ذات المغصوب لا بفعل الغاصب:
إن بقاء المغصوب بيد الغاصب يحمله مسؤولية الضمان عند طرو أي فوات أو استهلاك وليس ذلك فحسب بل أن الغاصب ليكون مسؤولا وضمانا عند حدوث أي تغير يصيب ذات المغصوب أو صفاته.
وحديثنا هنا سيكون منصبا على تغير ذات المغصوب ونتائج ذلك ومقدار المسؤولية التي يتحملها الغاصب.
وحتى نستطيع أن نتبين ذلك في الفقه الإسلامي نجري على طريقتنا في البحث فنستعرض أولا كلمات الفقهاء في هذا المقام ثم نخلص بعد ذلك الى اتجاهات الفقه.
ففي المذهب الحنفي:
ذكر الكاساني
(1)
: «إذا غصب عصيرا فصار خلا في يده أو لبنا حليبا
(1)
بدائع الصنائع/160:7 راجع السعيديات في أحكام المعاملات/محمد سعيد عبد الغفار/ ط 1/ج 2 ص 223.
فصار مخيضا أو عنبا فصار زبيبا أو رطبا فصار تمرا فإنه المغصوب بالخيار إن شاء أخذ ذلك الشيء بعينه ولا شيء له غيره لأن هذا من أموال الربا فلم تكن الجودة فيها بانفرادها متقوّمة فلا تكون متقوّمة. وإن شاء تركه على الغاصب وضمنه مثل ما غصب».
وذكر السمرقندي
(1)
وذهب سيدي أحمد الدردير
(2)
من فقهاء المالكية:
الى أن تغير الذات: «كعصير تخمير بعد غصبه فلربه مثل العصير لفواته بالتخمير وأن تخلل عند الغاصب خيّر ربّه في أخذه خلا أو مثل عصيرة ان علم قدره وإلا فقيمته لأن المثلي الجزاف يضمن بالقيمة إذا فات» .
وذهب الشيرازي
(3)
(1)
تحفة الفقهاء/115:3.
(2)
الشرح الصغير/90:4، المدونة/سحنون/71:14.
(3)
المهذب/377:1.
وقد ذكر الغزالي
(1)
ان عدم إلزامه هو الأصح.
وذهب فقهاء الحنابلة
(2)
:
أنه: «ان غصب عصيرا فتخمر فعليه قيمته فإن انقلب خلاّ ردّه وما نقص من قيمة العصير» .
وذكر أيضا
(3)
: «وإن غصب بيضا فصار أفراخا أو نوى فصار غرسا ردّه ولا شيء له» .
أما في المذهب الجعفري:
فقد ذكر السبزواري
(4)
أنه: «ولو غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا كان للمالك ولو نقصت قيمة الخل كان الأرش على الغاصب» .
وذكر الشيخ الطوسي
(5)
: معللا هذا الرأي: «. لأن هذا عين ماله» .
وذكر الشهيد الثاني
(6)
: «إذا غصبه عصيرا فصار خمرا ضمن مثله لتنزيله بذلك منزلة التلف لخروجه عن أهلية المالك» .
وفي المذهب الزيدي:
ذكر ابن المرتضى
(7)
رأي الإمام يحيى والهادي بعد أن رمز إليهما أن لو
(1)
الوجيز/211:1 راجع تكملة المجموع/80/ 81:14/المطيعي.
(2)
المقنع/لابن قدامة/250:2 وراجع الإقناع/الحجاوي/352:2.
(3)
المقنع/لابن قدامة/236:2 وراجع الإنصاف/المرادوي/200:6.
(4)
كفاية الأحكام/ج 2/طبع حجر. باب الغصب.
(5)
المبسوط /72:3.
(6)
مسالك الافهام/ج 2/طبعة حجرية/ باب الغصب.
(7)
البحر الزخار/182:4.
غصب عصيرا فتخلل لا بعلاج فاستهلاك، كلو تلف في يده أما المؤيد فلم يذهب الى ذلك.
ومن خلال هذا الاستعراض لكلمات الفقهاء في موضوع تغير ذات المغصوب بطبيعتها نستظهر ما يلي:
1 -
ان الذات ان انقلبت الى مالا مالية له فهي فوات لها تستوجب الضمان. وعلى هذا إجماع الفقهاء.
2 -
ان انقلبت الذات الى مالا مالية له، ثم استحالت مرة أخرى إلى ماله مالية كالعصير ينقلب خمرا ثم ينقلب خلاّ فإن هناك اتجاهين:
الأول: يذهب الى أن الخل كما في المثال هو عين العصير فيسترده المالك وان ظهر فيه نقص فإنه يغرم أرشه. وهذا رأي الحنابلة والأصح على رأي الشافعية وهو رأي الجعفرية.
الثاني: يذهب الى تخيير المغصوب منه بين أخذ العين كما هي ولا شيء على الغاصب وبين تضمين مثلها. وهو رأي المالكية والحنفية.
وإلى هذا الرأي الثاني ذهب القانون المدني العراقي
(1)
في المادة (194) فقرة أولى إذا تغير المغصوب عند الغاصب فالمغصوب منه بالخيار إن شاء استرد المغصوب عينا مع التعويض عن الإضرار الأخرى وإن شاء ترك المغصوب ورجع على الغاصب بالضمان».
ونحن نميل هنا إلى الرأي الأول وذلك لما يأتي:
1 -
ان ذات المغصوب موجودة بعينها ولم تتلف وعليه فلا مسوّغ للضمان.
2 -
ان المغصوب قد فقد خصوصية من خصوصياته المعتبرة عرفا وإذا
(1)
القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951. وراجع محاضرات في المسؤولية المدنية/مرقص/ص 153/ 154.
ظهر فيه نقص لزم الضمان وعليه فلا مسوّغ أيضا لاسترداد المغصوب كما هو دون تعويض. وهذا ما التفت اليه القانون المدني العراقي في نص المادة المذكورة.
وعليه فالمتحصل ان الغاصب هنا ملزم بردّ المغصوب مع التعويض عن الإضرار الأخرى.
الفرع الثاني: تغير المغصوب بفعل الغاصب
تحدثنا عن أحكام تغير المغصوب لو حدث بطبيعته وهنا سيكون حديثنا عن المغصوب لو تغير بفعل الغاصب نفسه وإذا حددنا بشكل أدق فإنه نتناول تغير ذات المغصوب بفعل الغاصب بحيث يتبدل اسمه وتزول معظم منافعه.
ونجري على طريقتنا فنتناول أولا استعراض كلمات الفقهاء في المقام لنخلص بعد ذلك الى معرفة وجهات نظر الفقه واتجاهاته التشريعية في هذه النقطة.
ففي المذهب الحنفي:
ذكر المرغيناني
(1)
: «. وإذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب حتى زال اسمها وأعظم منافعها زال ملك المغصوب منه عنها وملكها الغاصب وضمنها ولا يحل له الانتفاع حتى يؤدي بدلها كمن غصب شاة وذبحها وشواها أو طبخها أو حديدا فاتخذه سيفا.» وهذا كله عندنا «وفي رواية عن أبي يوسف قيل لا ينقطع حق المالك» .
وذكر ابن قاضي سماونة
(2)
: ذلك أيضا وضرب أمثلة أخرى كتطبيقات
(1)
الهداية/15:4 وراجع عيون المسائل/ج 2: عن محمد م 1150: في رجل غصب حنطة فطحنها ضمن مثلها.
(2)
جامع الفصولين/95:2.
لما قرروه قال: «ولو عصر عنبا أو سمسما أو زرع برا فأدرك أو حضن البيضة فأفرخت أو غزل قطنا ونسجه. أو قطع ثوبا وخاطه أو غرس ثالة أو خبز دقيقا. فالحكم كما تقدم» .
وذكر عبد الله الموصلي
(1)
: «ولو غصب تبرا فضربه دراهم أو دنانير أو آنية لم يملكه ومن خرق ثوب غيره فأبطل عامة منفعته ضمنه» .
أما عند فقهاء المذهب الشافعي:
فقد ذكر الغزالي
(2)
وذكر الشيرازي
(3)
وعند فقهاء الحنابلة:
ذكر أبو البركات
(4)
: «وإذا غير المغصوب فأزال اسمه كطحن الحب وضرب النقرة دراهم وطبخ الطين آجرا ونحوه فهو لمالكه وعلى الغاصب نقصه
(1)
الاختيار في تعليل المختار/62:3 وراجع أيضا الجوهرة النيرة لمختصر القدوري وقد علل هذا الرأي بقوله: لأن العين باقية من كل وجه، ولأن الاسم باق وكونه موزونا باق. هذا رأي صاحب المذهب وأما رأي أبو يوسف ومحمد فاعتبرا ملكية الغاصب أيضا في هذه الحالة لأنه أحدث فيها صنعة معتبرة ج 1/ 342.
(2)
الوجيز/211:11 وراجع التكملة: المجموع/شرح المهذب/72:14.
(3)
المهذب/1/ 376 وراجع أيضا الأنوار/الأردبيلي/ص 366.
(4)
المحرر/ص 361.
ولا شيء له لزيادته وعنه يصير للغاصب وعليه عوضه وعنه يخير المالك بينهما».
فهنا ثلاثة آراء رأي يوافق المذهب الشافعي ورأي يوافق الأحناف في صيرورة المغصوب في هذه الصورة ملكا للغاصب ورأي بالتخيّر.
وذكر في الإقناع
(1)
وذكر البهوتي
(2)
وفي المذهب المالكي:
ذكر الدردير
(3)
وذكر في المدونة
(4)
: «قلت أرأيت ان اغتصب من رجل فضة فضربها
(1)
الإقناع/الحجاوي/343/ 344:2 وراجع الإنصاف/المرداوي/145/ 146:6 وكذا راجع غاية المنتهى/الكرمي/238:2.
(2)
كشاف القناع/88:4.
(3)
الشرح الصغير/89/ 90:4.
(4)
المدونة/سحنون/71:14.
دراهم أو صنع منها حليا. قال: عليه فضة مثلها وما أحفظ أني سمعت من مالك فيه شيئا. قلت: أرأيت ان اغتصب من رجل ترابا فجعلته ملاطا لبنائي ماذا له عليّ قال: عليك مثله».
ويظهر من هذه النصوص موافقة المذهب المالكي لرأي الأحناف القائلين بأن تغير ذات المغصوب يعتبر استهلاكا فيجب الضمان.
أما في المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(1)
وذكر المحقق الحلي
(2)
وقد ذكر السبزواري
(3)
ذلك وأعقبه بقوله: «ولا اعرف فيه خلافا بين الأصحاب» ومن هذه النصوص المتقدمة يظهر ان الفقه الجعفري موافق لاتجاه الشافعية في ان تغيير الغاصب لذات المغصوب ليس فواتا ولا يسوغ له تملكها. نعم عليه أرش النقصان.
أما الفقه الزيدي فيبرز فيه اتجاهان: اتجاه يوافق أبا حنيفة وهو رأي الهادي والقاسم من فقهاء المذهب على ما أشار إليه ابن المرتضى
(4)
.
(1)
المبسوط /83:3.
(2)
الشرائع/153:2 وكذا ذكر الشيخ محمد جواد مغنية في فقه الإمام الصادق 16:3.
(3)
كفاية الأحكام/ج 2/طبع حجر/باب الغصب.
(4)
البحر الزخار/181:4.
وذهب الناصر والمؤيد بالله والإمام يحيى إلى أنه: «مهما كانت العين أو بعضها باقية وجب ردها ولو تغيرت، ووجهه ان الأصول تشهد ان صاحب الملك أولى بملكه» . على ما ذكره صاحب الروض
(1)
.
وذكر في التاج
(2)
قولا بالتخيير بين أخذ العين ولا أرش. وبين قيمتها قبل يوم الغصب.
وفي المذهب الظاهري:
فقد ذهب ابن حزم
(3)
الى القول برأي الشافعية والجعفرية وما هو المذهب عند الحنابلة وعند الأكثر من فقهاء الزيدية وهو أن الغاصب ان غيّر المغصوب فإنه يبقى على ملك مالكه وعليه الرد مع أرش النقصان.
وعليه فنحن نخلص الى القول بأن تغيير الغاصب لذات المغصوب بحيث يتبدل اسمه لا يسوغ للغاصب تملكه على رأي جمهور الفقهاء وعلى رأي (أبي حنيفة) وبعض فقهاء المذهب وفقهاء المالكية على أن فيهم من يقول
(4)
بالتخيير بينها وبين القيمة ويوافقهم بعض الحنابلة
(5)
والزيدية
(6)
.
وإذا أردنا أن نتبين وجهة نظر هذا الفريق الثاني من الفقهاء الذين ذهبوا الى أن الغاصب إذا غيّر الشيء المغصوب يتملكه وليس للمالك إجباره على
(1)
الروض النضير/الصنعاني/63/ 64:4.
(2)
التاج المذهب/العنسي/352:3.
(3)
المحلى/142/ 143:8.
(4)
المواهب/لابن الحطاب/277:5.
(5)
الإنصاف/المرداوي/150:6.
(6)
البحر الزخار/لابن المرتضى/181:6.
رده فإنه يلزم أن نذكر أدلتهم وحججهم التي استندوا إليها ثم ننظر بعد ذلك في حجة الجمهور لنصير إلى رأي بعد ذلك.
أدلة الفريق الثاني:
احتج الفقهاء الذين ذهبوا الى الرأي الثاني بما يأتي:
1 -
ذكر الكاساني
(1)
2 -
وذكر ابن رشد
(2)
هذا الرأي قائلا: «ان الوجه الثاني - أي
(1)
البدائع/148:7.
(2)
بداية المجتهد/ج 320:2.
إذا كان العمل في المغصوب بحيث ينتقل اسمه كالقمح يطحنه - فهو فوت يلزم الغاصب قيمة الشيء المغصوب يوم غصبه أو مثله فيما له مثل هذا تفصيل مذهب ابن القاسم وأشهب على خلافه». ثم احتج ابن رشد بقوله: «وقد روى عن ابن عباس ان الصبغ تفويت يلزم فيه القيمة» .
وقد احتج هذا الفريق ايضا بأحاديث منها:
ما ذكره ابن المرتضى
(1)
في البحر عن الإمام يحيى «ان الغاصب إذا جعل الدراهم سوارا ملكه، إذ زال اسمه ومعظم منافعه فاستهلكه كإحراقه لأمره صلى الله عليه وآله وسلم بصرف (شاة الأسارى
(2)
فاقتضى زوال الملك.».
هذه خلاصة ما اعتمده الفريق الثاني الذي ذهب الى ان تغيير ذات المغصوب بحيث يتبدل اسمه يعتبر استهلاكا فيتملكه الغاصب ويلزم بالضمان.
فقد ناقش هذا الرأي ابن حزم الظاهري وهو من أصحاب الاتجاه الأول الذين ذهبوا الى ان تغيير ذات المغصوب بحيث يتبدل اسمه لا يعتبر تفويتا ولا استهلاكا وانه لا حق للغاصب في تملك المغصوب.
قال ابن حزم
(3)
(1)
البحر الزخار/181:4.
(2)
راجع الحديث ص 239 وراجع الدراية في تخريج أحاديث الهداية/ص 200 شهاب الدين العسقلاني.
(3)
المحلى/142:7.
وهذا كما - يذكر ابن حزم - على خلاف القرآن ونهيه عن (أكل المال بالباطل
(1)
وخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام» وانه ما يشك أحد ان كل دقيق طحن من حنطة إنسان فهو لصاحب الحنطة.
ثم قال ابن حزم: «أما الاحتجاج بأمر (القصعة المكسورة
(2)
فلا يصلح في المقام لما أورده في حينه.
وأما خبر «المرأة التي دعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى طعام فأخبرته أنها أرادت ابتياع شاة فلم تجدها فأرسلت الى جارة لها ابعثي إلىّ الشاة التي لزوجك. إلخ الخبر
(3)
» فهذا حجة عليهم لا لهم إذ فيه: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يبق ذلك اللحم في ملك التي أخذتها بغير اذن ربها وهم يقولون انه للغاصب حلال، وهذا الخبر فيه ايضا انه لم يأخذ رأيها في ذلك أي عند أمره صلى الله عليه وآله وسلم إطعامها الأسارى فصحّ إذن أنه ليس لها.
أما الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء
(4)
فقد علق على هذا الرأي الذي ذهب اليه الفريق الثاني وذلك عند تناوله شرح المادة (899) من مجلة الأحكام بقوله:
«ان تبدل الاسم لا أثر له إنما المدار على انقلاب الذات أو تبدل الصفات فمن غصب حنطة فطحنها فان الدقيق وان اختلف مع الحنطة بالاسم إلا ان الحقيقة واحدة وأكثر الخواص فيهما متساوية والمرجع في أمثال ذلك الى زيادة القيمة ونقصها فان نقصت ردّ العين مع الأرش وان زادت أو ساوت أخذها
(1)
سورة البقرة:188.
(2)
راجع ص 124 من الرسالة في تخريج الحديث.
(3)
راجع ص 239 من الرسالة في تخريج الحديث.
(4)
تحرير المجلة ج 3/باب الغصب.
بلا شيء كل ذلك لأن عينه موجودة وإنما تغيرت العوارض والصفات وتغير الاسم لا يوجب تغير الحقيقة.» وقد ناقش القول بصيرورة المغصوب ملكا للغاصب بتغييره الناصر والمؤيد بالله والامام يحيى من فقهاء المذهب الزيدي حيث ذهبوا
(1)
الى أنه مهما كانت العين أو بعضها باقية وجب ردّها ولو تغيرت ووجهه ان الأصول تشهد ان صاحب الملك أولى بملكه والظواهر تنطق به.
كما أجيب عن الحديث بوجوه: منها ما ذكره المؤيد بالله في شرح التجريد ولفظه: هذه المسألة ليست بقوية في نفسي لأنها لا أصل لها إلا هذا الخبر وهو يحتمل ان يكون صلى الله عليه وآله وسلم ضمنهم إياها وأمرهم أن يطعموها الإسراء لغيبة صاحبها إذ في الخبر ما يدل على ذلك فخشي ان تفسد عليهم وللحاكم ان يبيع على الغائب ما يخشى فساده اهـ. ما في التجريد.
ومنها: أنه يلزم من ذلك أمور فاسدة لتأديته إلى إمكان التوصل إلى أكل أموال الناس بالباطل وان يكون ذريعة لأهل الظلم والفساد الى الوثوب على ما شاءوا من أموال العباد إذا الغاصب بتوصله الى العين وفعله فيها أي أنواع الاستهلاك تصير ملكا له وهو خلاف الأدلة كتابا وسنة. ثم احتج بالآية
(2)
والحديث
(3)
.
ونحن مع هذا الرأي الأخير لموافقته للأصول ولشهادة الأدلة المعتبرة بجانبه.
المبحث الثاني: تغيير صفات المغصوب:
قد يلجأ الغاصب الى تغيير صفات المغصوب وهنا يقول الفقه كلمته
(1)
الروض النضير/السياغي/64:4.
ويتدخل الفقهاء لطرح الاحتمالات الواردة في هذا المقام ثم تخريجها وتكييفها فقهيا كل على قواعده وأسسه.
والظاهر ان صور تغيير المغصوب من قبل الغاصب اما ان تكون بزيادة شيء عليه أو انقاصه. وعليه فان البحث هنا سيدور حول هاتين النقطتين:
الفرع الأول: الزيادة
وزيادة المغصوب التي تحصل من قبل الغاصب اما زيادة عين أو زيادة وصف.
ونستعرض هنا كلمات الفقهاء في المقام لنتبين علاجهم لهذه المسائل.
في المذهب الحنفي:
ذكر المرغيناني
(1)
(2)
والظاهر من عبارات فقهاء الأحناف
(3)
ان الصبغ تارة يكون بمثابة زيادة في المغصوب، واخرى يكون بمثابة نقص وكل ذلك بحسب الاعتبار
(1)
الهداية/17:4 وراجع الجوهرة النيرة/القدوري/342/ 343:1 وكذا مختصر الطحاوي/ص 119.
(2)
الاختيار لتعليل المختار/عبد الله الموصلي/63:3.
(3)
مختصر الطحاوي/ص 120 وراجع ايضا الهداية/المرغيناني/17:4 وراجع بدائع الصنائع/الكاساني/162:7.
العرفي فإن عدّه العرف نقصا كان كذلك وإلا فزيادة. وحينئذ أي عند اعتبار الصبغ زيادة في المغصوب فالمالك مخير بين أخذه ودفع ما زاده الصبغ فيه وبين تضمين الغاصب قيمة الثوب قبل طرو الزيادة. هذا في رأي فقهاء الأحناف.
أما في المذهب الشافعي:
فقد ذكر أبو زكريا الأنصاري
(1)
: «وان صبغ الثوب بصبغة وأمكن فصله كلفه وإلا فإن نقصت قيمته لزمه أرش أو زادت اشتركا» .
وذكر الشيرازي
(2)
(3)
: «ولو غصب ثوبا قيمته عشرة وصبغه بصبغ قيمته عشرة فصارت قيمة الثوب عشرين فهما شريكان فيباع ويقسم الثمن بينهما.» وذكر الأردبيلي
(4)
فرأي فقهاء الشافعية اذن هو ان الغاصب إذا أضاف على المغصوب شيئا
(1)
منهج الطلاب/236:1.
(2)
المهذب/379:1.
(3)
الوجيز/212:1.
(4)
الأنوار لإعمال الأبرار/ج 1 ص 366 وراجع نهاية المحتاج/الرملي/182:183/ 5.
من ماله ولم يكن إزالته وفصله يكون شريكا للمالك بقدر ماله والمثال الذي أورده فقهاء المذهب كتطبيق لهذه القاعدة قد أوضح ذلك وقد أفاض في شرحه وبيانه الشيرازي
(1)
والرملي
(2)
، على أنه هنا يلزمنا استيضاح مسألة مهمة في المقام ذكرها فقهاء المذهب بعد ان ذهبوا الى هذا الرأي وهي ان الغاصب وان أشرك في المغصوب مع المالك إلا ان المالك له الأولوية في البيع إذ «لا ينفرد أحدهما ببيع حقه ولو أراد المالك أجبر الغاصب على الموافقة ولو أراده الغاصب لم يجبر المالك
(3)
».
أما ما ذهب إليه الحنابلة:
فقد ذكر أبو البركات
(4)
وذكر البهوتي
(5)
: «وان غصب ثوبا فصبغه الغاصب بصبغة أو غصب سويقا فلّتة الغاصب بزيته فنقصت قيمتيهما أو نقصت قيمة أحدهما ضمن الغاصب النقص لأنه حصل بتعديه فضمنه. وان زادت فهما أي رب الثوب والصبغ أو رب السويق والزيت شريكان.» وقد ذكر صاحب المقنع ذلك أيضا أي ما ذكره صاحب الكشاف
(6)
ثم
(1)
المهذب/379:1.
(2)
نهاية المحتاج/182/ 183:5.
(3)
راجع الأنوار/الأردبيلي/ص 366 والمهذب/379:1.
(4)
المحرر في الفقه/ص 361.
(5)
كشاف القناع/95:4 وراجع غاية المنتهى/الكرمي/241:2 وراجع منتهى الإرادات/لابن النجار/514:1.
(6)
المقنع/ابن قدامة/241/ 242.
قال بعد ذلك «وان أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ويحتمل ان يجبر إذا ضمن الغاصب النقص.» ويظهر من ذلك موافقة فقهاء المذهب الحنبلي لرأي الشافعية في القول بإشراك الغاصب مع المالك في مسألة الصبغ إلا انهم أعطوا الأولوية ايضا للمالك فقد ذكر في زوائد الكافي
(1)
: «فإن أراد المالك بيع الثوب فله ذلك وان طلبه الغاصب فأباه المالك لم يجبر ويحتمل ان يجبر.» وذهب فقهاء المالكية الى ان الغاصب إذا صبغ الثوب بصبغ من عنده فان المغصوب منه «المالك - يكون مخيرا بين أن يأخذ الثوب ويدفع للغاصب قيمة الصبغ وبين ان يتركه للغاصب ويأخذ منه قيمته يوم غصبه.» هذا على ما ذكره في المدونة
(2)
وهو كما يظهر موافق لرأي الأحناف مخالف لرأي الحنابلة والشافعية بالقول بأنهما شريكان بقدر قيمة ماليهما. وقد صرح بالقول بعدم اعتبار الغاصب والمالك شريكين في المدونة
(3)
إذ قال:
«. قلت: أرأيت لو ان رجلا غصب ثوبا فصبغه احمر ثم جاء رب الثوب فاستحقه» قال: يقال له خذ ثوبك وادفع اليه قيمة الصبغ أو خذ قيمة ثوبك لأن الغاصب غيره من حاله قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي قلت: ولا يكونان شريكين إذا أبى أن يأخذ الثوب ويدفع قيمة الصبغ وأبى المالك ان يأخذ قيمة الثوب؟! قال: لا يكونان شريكين إذا ابى ان يأخذ الثوب وليس إلا واحدا من هذين اما ان يأخذ واما ان يعطي.
(1)
زوائد الكافي/ابن عبيدان/ص 152.
(2)
.69:14 وراجع المواهب/لابن الحطاب/287:5.
(3)
المدونة/سحنون/77:14.
ثم ذكر صاحب المدونة
(1)
بعد ذلك. إلا ان مالكا قال: لا يكونان شريكين فيما كان على وجه شبهة.
أما إذا كان الصبغ ينقص قيمة الثوب فالظاهر مما ذكره ابن الخطاب
(2)
ان يغرم الغاصب الأرش.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(3)
تفصيلا أوفى لمسألة الصبغ قال: «إذا غصب ثوبا فصبغه لم يخل من ثلاثة أحوال اما ان يكون للغاصب أو لرب الثوب أو لغيرهما فإن كان للغاصب لم يخل من ثلاثة أحوال اما ان لا يزيد ولا ينقص بالصبغ أو يزيد أو ينقص» .
فإن لم يزد ولم ينقص مثل ان كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وهو بعد الصبغ يساوي عشرين فهما فيه شريكان لأن لكل واحد منهما عينا قائمة فيه فهو كما لو غصب طعاما فخلطه بطعام من عنده فهما فيه شريكان وكذلك هما شريكان أيضا لو زادت القيمة بعد الصبغ على ما ذكره الشيخ
(4)
أيضا. وهنا يظهر من عبارات الشيخ في المقام ان الغاصب ان اختار قلع الصبغ فعليه أرش ما ينقص من قيمة الثوب وإذا امتنع صاحب الصبغ عن الإزالة فإن الأقوى ان للمالك إجباره وهل ان للمالك إعطاء قيمة الصبغ ليكون الثوب وصبغه له؟ الصحيح على رأي الشيخ الطوسي
(5)
انه ليس له مطالبته بأخذ القيمة بل يكون فيه شريكان لأنها عين ماله قائمة بحالها غير تابعة لغيرها فلا يجبر على أخذ قيمتها كما لو خلط طعامه بطعامه.
(1)
.77:14/المدونة.
(2)
المواهب/287:5.
(3)
المبسوط /77:3.
(4)
نفس المصدر/ص 78.
(5)
المبسوط /78:3.
وذكر المحقق الحلي
(1)
: «ولو صبغ الثوب كان له إزالة الصبغ بشرط ضمان الأرش ان نقص الثوب ولصاحب الثوب إزالته أيضا لأنه في ملكه بغير حق. ولو أراد أحدهما ما لصاحبه بقيمته لم يجب على أحدهما إجابة الآخر.
ثم يشتركان فإن لم ينقص قيمة ما لهما فالحاصل لهما وإن زادت فكذلك.
وان نقصت قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الأرش».
وذكر الشهيد الثاني
(2)
في مسالكه ما ذكره الشيخ الطوسي أولا ثم قال «وان حصل بالانصباغ عين مال فإما أن يمكن فصله عنه أولا يمكن ففي الثاني يصير شريكا المغصوب منه لأنه عين مال انضم الى ملك. أما إذا كان أمكن فصله عن الثوب فللغاصب إزالته مع ضمان أرش الثوب ان نقص.
وقال ابن الجنيد إذا لم يرض المالك بالقلع ودفع قيمة الصبغ وجب على الغاصب القبول ورجحه في المختلف العلامة الحلي والأظهر - على رأي الشهيد - العدم».
ومن كل هذه النصوص التي نقلناها عن فقهاء المذهب الجعفري يتضح لنا موافقتهم لرأي فقهاء الشافعية والحنابلة فيما ذهبا اليه بهذا الخصوص.
وفي رأي المذهب الزيدي:
ذكر ابن المرتضى
(3)
: «مسألة المذهب الزيدي: ومن غصب ثوبا فصبغه فليس له إزالة صبغه» .
قال: ثم إن كان مما ينفصل. فإن تضرر المغصوب بالقلع فلمالكه أرش اليسير وخيّر في الكثير.
(1)
شرائع الإسلام/154:2.
(2)
مسالك الافهام/ج 2/طبعة حجرية/ كتاب الغصب/غير مرقمة.
(3)
راجع البحر الزخار/184:4.
وإن لم يمكن فصله لم يرجع بقيمة صبغه.
ثم نقل قول أبي حنيفة وهو: «ان زاد به الثوب أي بالصبغ خيّر المالك بين أخذ الثوب وضمان الصبغ أو أخذ قيمته. وأعقبه بقوله: لا وجه لضمان الصبغ» .
وذكر رأي الإمام يحيى أيضا وهو: «من غصب دارا فزخرفها فعليه إزالة الزخرفة ان طلب إذ يشغل بها ملك الغير كالأحمال ويضمن أرش النقص ان نقصت بالقلع فإن طلبها الغاصب فوجهان: يجاب، إذ هي ملكه ولا:
إلا أن يكون لهما عين تنفصل. قلت: وهو الأقرب».
ويتلخص لنا من كل ذلك ان هناك ثلاثة آراء في مسألة تغيير المغصوب بزيادة شيء عليه من مال الغاصب وهي:
1 -
رأي فقهاء الحنفية والمالكية: وهو القول بتخيير المالك بين ترك المغصوب وإعطاء الغاصب قيمة الزيادة وبين ترك المغصوب وتضمينه قيمته قبل الزيادة.
2 -
رأي فقهاء المذهب الحنبلي: «وهو القول بأن الغاصب حينئذ يكون شريكان للمغصوب منه كل بقدر ماله وأيهما زادت قيمته فزيادته لمالكه وان نقصت قيمة المغصوب بتلك الزيادة فعلى الغاصب ضمانها» .
3 -
رأي فقهاء المذهب الشافعي والجعفري والزيدي: وهو التفصيل بين ما إذا أمكن فصل الزيادة التي أضافها الغاصب على المغصوب فيجب عليه فصلها مع ضمان ما يطرأ على المغصوب من نقص.
وأما إذا لم يمكن فصل الزيادة فالغاصب حينئذ يكون شريكا مع المغصوب منه بقدر ماله.
وهذا الرأي الأخير هو ما نميل اليه ونرجحه على بقية الآراء وذلك
أ - لأنه أقرب الى تحقيق العدالة التي ينشدها الشرع الشريف لمراعاته حق الطرفين.
ب - ان الواجب على الغاصب ردّ المغصوب نفسه وكما هو الى المالك وحيث أمكن فصل ما اضافه الغاصب لزمه دون الإضرار بحق المالك فيما إذا حدث بفصله نقص حيث يضمن.
ج - وإذا لم يمكن فصل الزيادة عن المغصوب وهو عين مال الغاصب فلا مسوّغ لإجباره على ذلك كما لا مسوّغ لإلزامه بضمان قيمة المغصوب حيث هو باق بعينه فكان الأوفق حينئذ ان يعتبر شريكا مع المالك بقدر حقه مع احتفاظ المالك بحقه في التعويض لو حدث نقص لقيمة المغصوب بسبب تلك الزيادة.
الفرع الثاني: نقص المغصوب:
ان المغصوب قد يحدث به نقص عند الغاصب اما باستعماله أو بغير استعماله وفي هذه الحالة فما هو الحكم هنا؟ وهل يجب عليه الضمان أم ماذا؟ هذا ما سنبحثه في هذه النقطة مستعرضين أقوال الفقهاء مستخلصين نتائج ذلك ومقارنين بما ذهب اليه القانون هنا.
عند استعراضنا لكلمات فقهاء الحنفية في المقام نجد:
ان الكاساني
(1)
يقول: «. إذا سقط عضو من المغصوب وهو في يد الغاصب بآفة سماوية أو لحقه. عرج أو شلل. يأخذه المالك ويضمنه النقصان لوجود فوات جزء من البدن أو فوات صفة مرغوب فيها.» وقد علّل ذلك بقوله: «وهلاك كل المغصوب مضمون بكل القيمة فهلاك بعضه
(1)
بدائع الصنائع/155:7 وراجع ايضا الجوهرة النيرة/34:1.
يكون مضمونا بقدره لما ذكرنا ان ضمان الغصب ضمان جبر الفائت فيتقدر بقدر الفوات».
وذكر أبو جعفر الطحاوي
(1)
وذكر في الفتاوى الكاملية
(2)
وفي المذهب الشافعي:
ذكر الشافعي
(3)
: «ولو اغتصبه زيتا فأغلاه على النار فنقص كان عليه ان يسلمه اليه وما نقص مكيلته.» .
وذكر الرملي
(4)
: «. ولو نقص بالاستعمال بأن بلى الثوب باللبس ففي الأصح انه يجب الأرش» .
وهذا موافق لرأي الأحناف في وجوب ضمان النقصان:
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر في المقنع
(5)
(1)
مختصر الطحاوي/ص 117.
(2)
ص 208/ 210 وراجع ما في تحفة الفقهاء/لأبي الليث السمرقندي/ج 3 ص 115 ومختصر المسعودي/مخطوط /معهد الدراسات الإسلامية العليا/رقم 985.
(3)
الام/226:3 وراجح المهذب/الشيرازي/376:1.
(4)
نهاية المحتاج/170:5.
(5)
.239:2 وراجع الإنصاف/المرداوي/158:6.
وفي الإقناع
(1)
: «وان زرع الأرض فردها بعد أخذ الزرع فهو للغاصب وعليه أجرتها إلى وقت تسليمها وضمان النقص.» .
وذكر ابن النجار
(2)
: «ويضمن نقص مغصوب ولو رائحة مسك ونحوه.» .
ومن هذه النصوص يتضح لنا ان فقهاء الحنابلة يوافقون الحنفية والشافعية فيما ذهبوا اليه من القول بضمان النقص الذي يطرأ على المغصوب وهو عند الغاصب.
وفي المذهب المالكي:
ذكر ابن جزي
(3)
وذكر في تهذيب الفروق
(4)
(1)
.339/ 340:2.
(2)
منتهى الإرادات/512:1.
(3)
القوانين/ص 284 وراجع البهجة شرح التحفة/التسولي/345:2.
(4)
.62:4 وراجع الشرح الصغير/الدردير/94:4.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر المحقق الحلي
(1)
وذكر ايضا
(2)
وذكر الشيخ مغنية
(3)
ورأي فقهاء المذهب الجعفري موافق لرأي جمهور الفقهاء في تضمين النقصان الطارئ على المغصوب عند الغاصب.
وفي المذهب الزيدي نفس اتجاه الفقهاء:
(1)
شرائع الإسلام/153:2 وراجع المبسوط /الشيخ الطوسي/72:3 وراجع مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2 طبعة حجرية، كفاية الأحكام/السبزواري/ج 2 طبع حجر.
(2)
شرائع الإسلام/ج 2/ 153.
(3)
فقه الامام الصادق/17:3 وراجع مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2 طبع حجر وكفاية الأحكام/السبزواري/ج 2/طبع حجر.
وذكر العنسي
(1)
: «ويجب على الغاصب أرش ما نقص من العين المغصوبة إذا كان بغير فعله ولو بأمر غالب كتهدم الدار وجرح الدابة وغرق السفينة وتحطم السيارة أو نحو ذلك فإنه يلزم الغاصب إذا ردّه بأرش ذلك النقصان.» ومن استعراضنا لكلمات الفقهاء نجد انهم على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم الفقهية قد اتفقوا على تضمين الغاصب أرش نقصان ما يطرأ على المغصوب ما عدا فقهاء المالكية فقد ذهبوا الى تخيير المغصوب منه بين ترك المغصوب وأخذ قيمته يوم غصبه وبين أخذه وقيمة النقصان هذا في حالة كون النقصان من قبل الغاصب. اما إذا حدث النقصان بأمر من السماء فلا ضمان عليه في رأيهم
(2)
.».
ورأي المالكية يرد عليه هنا انه مع وجود المغصوب لا مسوّغ لتضمين الغاصب كما قررنا غاية الأمر انه حدث فيه نقص وحيث يجب الضمان لو تلف كل المغصوب فكذا يضمن لو تلف بعضه.
وقد ذهب القانون المدني العراقي
(3)
هنا إلى رأي الجمهور «إذا نقصت قيمة المغصوب بسبب استعمال الغاصب إياه أو بفعله لزمه الضمان أي انه يكون المغصوب منه حق استرداد المغصوب والمطالبة بفرق القيمة وبالتعويض عن الإضرار الأخرى التي أصابت المغصوب بسبب الغصب.» .
والى ذلك ذهب شراح المجلة
(4)
.
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب/357:3 وراجع الروض النضير/السياغي/3: 402.
(2)
البهجة شرح التحفة/التسولي/345:2، القوانين/لابن جزى/ص 284.
(3)
محاضرات في المسؤلية المدنية/سليمان مرقص/ص 155، القانون المدني العراقي المادة (195).
(4)
شرح المجلة/منير القاضي/23:1، درر الحكام/علي حيدر/الكتاب الثامن ص 1212.
المبحث الثالث: تغير القيمة بسبب نقصان السعر
ذكرنا في المبحثين المتقدمين كيفية ضمان المغصوب لو نقصت قيمته أو زادت بسبب تغير الذات أو الصفات وحديثنا هنا سيكون منصبا على تغير قيمة المغصوب بسبب نقصان السعر.
ونستعرض أقوال الفقهاء بهذا الخصوص:
في المذهب الحنفي:
ذكر المرغيناني
(1)
وذكر الكاساني
(2)
ومن هذه النصوص يظهر ان فقهاء الأحناف لا يقولون بتضمين الغاصب النقصان الذي يطرأ على المغصوب بسبب تراجع السعر.
وفي المذهب الشافعي:
ذكر الشافعي
(3)
: «ولو غصبه جديدا قيمته عشرة ثم ردّه جديدا
(1)
الهداية/4.
(2)
البدائع/155:7 وكذا راجع الجوهرة النيرة لمختصر القدوري/340:1 وراجع مختصر المسعودي/ص 123.
(3)
الام/221:3.
قيمته خمسة لرخص الثياب لم يضمن شيئا من قبل أنه ردّه كما أخذه».
وذكر الرملي
(1)
: «ولو ردّ المغصوب ناقص القيمة بسبب الرخص لم يلزمه شيء لبقائه بحاله والفائت رغبات الناس» .
وذكر الأردبيلي
(2)
: «نقصان القيمة بانخفاض السوق لا يضمن إذا لم ينضم اليه تلف الجزء فإن انضم ضمن» .
وهذه النصوص التي نقلناها عن فقهاء الشافعية تشير بوضوح الى عدم تضمين الغاصب نقصان السعر وهو رأي الفقه الحنفي كما ذكرنا.
وذهب فقهاء الحنابلة الى هذا الرأي متفقين مع الحنفية والشافعية.
ذكر المرداوي
(3)
: «وان نقصت العين أي قيمة العين لتغير الأسعار لم يضمن. نص وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب» .
وذكر الحجاوي المقدسي
(4)
: «وان نقصت قيمة العين بتغير السعر لم يضمن سواء ردت العين أو تلفت» .
وفي المذهب المالكي:
ذكر الدردير
(5)
: «أو نقص سوقها فليس بفوات ويتعين عليه أخذه» .
وهذا الرأي موافق لرأي الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(6)
: «. إذا غصب ثوبا
(1)
نهاية المحتاج/172/ 173:5. وراجع الوجيز/الغزالي/210:1.
(2)
الأنوار/ص 365 وكذا راجع المهذب/الشيرازي/374:1.
(3)
الإنصاف/155:6.
(4)
الإقناع/345:2 وراجع أيضا: كشاف القناع/البهوتي/91:4، منتهى الإرادات/513:1.
(5)
الشرح الصغير/94:4 وراجع المدونة/60:14.
(6)
المبسوط /72:3.
قيمته عشرة دراهم فزادت قيمته لزيادة السوق فبلغت عشرين ثم عادت قيمته إلى عشرة أو دونها نظرت فإن هلك الثوب قبل الرد فعليه قيمته أكثر ما كانت من حين الغصب الى حين التلف وإن لم يتلف وكان قائما بحاله رده ولا يرد ما نقص من القيمة لأنه لا دليل عليه».
وكذا ذكر في المسألة (15) من كتابه الخلاف وعقب عليه بقوله
(1)
:
«وبه قال جميع الفقهاء والدليل ان الأصل براءة الذمة فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة» .
وذكر المحقق الحلي
(2)
: «. ومع ردّه - أي المغصوب - لا يرد زيادة القيمة السوقية» .
وفي المذهب الزيدي:
ذكر في التاج
(3)
ومن هذا النص يتبين لنا ان فقهاء المذهب الزيدي يوافقون الفقهاء جميعا في عدم ضمان المغصوب ان نقصت قيمته السوقية لأن ذلك في رأيهم راجع الى رغبات الناس.
وأما فقهاء المذهب الظاهري فقد ذهب ابن حزم الى خلاف ما ذهب اليه الفقهاء إذ أنه يرى أنه يلزم الغاصب ردّ ما نقص من الثمن فقد ذكر في
(1)
الخلاف/الشيخ الطوسي/171:2 وراجع الروضة البهية/الشهيد الثاني/54:7.
(2)
المختصر النافع/ص 256 وراجع كفاية الأحكام/السبزواري/ج 2/طبع حجر وكذلك مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/طبع حجر باب الغصب.
(3)
التاج المذهب لأحكام المذهب/الصنعاني/358:3.
محلاة
(1)
أما مجلة الأحكام
(2)
فقد ذهبت إلى رأي الجمهور بالقول بعدم ضمان نقصان السعر كما جاء ذلك في المادة (900) إذ جاء: إذا تناقص سعر المغصوب وقيمته بعد الغصب فليس لصاحبه ان لا يقبله وأن يطالب بقيمته التي كانت في زمان الغصب.
وقد ذهب القانون المدني
(3)
إلى رأي الجمهور فلم ير تضمين الغاصب نقصان السعر بل «ليس للمغصوب منه إلا أن يقبله كما هو دون إخلال بحقه في التعويض عن الإضرار الأخرى» .
ويظهر من ذلك ان المغصوب إذا نقصت قيمته السوقية وكان هو باق بحاله فللفقهاء رأيان:
الأول: رأي جمهور الفقهاء: وهم يذهبون الى أن الغاصب هنا لا يضمن نقصان السعر.
الثاني: رأي ابن حزم: وهو يرى الضمان محتجا بقوله: «انه حين زاد ثمنه كان فرضا عليه رده الى صاحبه بجميع صفاته فكان لازما له أن يرده اليه وهو يساوي تلك القيمة فإذا لزمه ذلك ثم نقصت قيمته فإنه لا يسقط رد ما لزمه رده» .
أما أصحاب الاتجاه الأول فقد احتجوا لرأيهم بما يلي:
(1)
المحلى/139:8.
(2)
دور الأحكام شرح مجلة الأحكام/علي حيدر/الكتاب الثامن/ص 1212.
(3)
شرح القانون المدني/محمد كامل مرسي/179:2.
1 -
ان الأصل براءة الذمة فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة
(1)
.
2 -
ان نقص السوق ليس بفوات
(2)
ولأن المغصوب باق والفائت رغبات الناس
(3)
.
3 -
ان تراجع السعر عبارة عن فتور الرغبات دون فوت الجزء
(4)
.
ولقوة هذه الأدلة ولما قررناه سابقا من أن المغصوب إن كان موجودا بعينه لم يطرأ عليه نقص فإنه يرد بحاله ولا يضمن الغاصب شيئا نرجح هذا الرأي.
(1)
الخلاف/الشيخ الطوسي/171:2.
(2)
الشرح الصغير/الدردير/94:4.
(3)
نهاية المحتاج/الرملي/172/ 173:5.
(4)
الهداية/المرغيناني/4.
الفصل الثالث
ما يطرأ على المغصوب
مبحثان المبحث الأول: امتزاج المغصوب بغيره المبحث الثاني: الجناية على المغصوب
المبحث الأول: امتزاج المغصوب بغيره
ان المال المغصوب قد يمتزج ويختلط بغيره سواء حدث هذا الاختلاط لوحدة أم بفعل الغاصب.
وهنا نستطيع ان نشخص حالتين للامتزاج:
الاولى: الامتزاج بحيث يمكن تمييزه عن غيره وتخليصه منه.
الثانية: الامتزاج بحيث يتعذر تمييزه عن غيره وهنا يمكننا ان نلحظ ثلاث صور:
1 -
الامتزاج بالمساوي.
2 -
الامتزاج بالأجود.
3 -
الامتزاج بالأردإ.
ونعالج هذه المسائل باستعراض آراء الفقهاء في المقام لنتبين حلولهم وآراءهم.
الحالة الاولى: وهي ما امتزج المال المغصوب بغيره وأمكن تمييزه عنه وتخليصه منه وان كان بمشقة. يرى الفقهاء هنا ان الغاصب ملزم بتخليص المال المغصوب وردّه الى مالكه لأن عين المغصوب موجودة فلا يصار الى التعويض بل يجب ردّها.
وهذا هو رأي فقهاء الشافعية
(1)
والحنابلة
(2)
والجعفرية.
(1)
المهذب/الشيرازي/ج 378:1، منهج الطلاب المطبوع بهامش فتح الوهاب/الأنصاري/ 236:1، الأنوار/الأردبيلي/366:1، نهاية المحتاج/الرملي/183/ 184:5.
(2)
الإقناع/الحجاوى المقدسي/339:2 وراجع المقنع/لابن قدامة/233:2.
والى نفس الرأي ذهب فقهاء المذهب الزيدي
(1)
والظاهر ان فقهاء الحنفية يفصلون في هذا المقام ثم يختلفون بينهم «إلى انه إذا أمكن التمييز بين المخلوط وغيره بلا كلفة ومشقة كخلط الدراهم بالدنانير والبيض بالسود لا يضمن الخالط ويميز وهذا رأي الصاحبين اما إذا أمكن التمييز بكلفة ومشقة كخلط الحنطة بالشعير ذكر في الكتاب انه يضمن الخالط ولم يذكر الخيار للمالك نصا ثم اختلفوا قيل هذا قولهما وفي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يشترك لأن الحنطة لا تخلو عن حبات الشعير وقيل له الخيار عندهم جميعا وقيل الصحيح انهما لا يشتركان عندهم جميعا
(2)
».
الحالة الثانية: امتزاج المغصوب بغيره وتعذر تمييزه:
قلنا ان هذه الحالة على ثلاث صور اما ان يمتزج المغصوب بالمساوي أو يمتزج بالأردإ منه أو بالأجود. وسنعرض آراء فقهاء كل مذهب بهذا الخصوص يذهب فقهاء المذهب الحنفي «الى ان المغصوب إذا اختلط بغيره وكان هذا الغير من جنسه كخلط الحنطة بالحنطة واللبن باللبن فالخالط ضامن ولا حق للمالك في المخلوط عند أبي حنيفة اما عند الصاحبين فالمالك بالخيار ان شاء ضمنه مثل حقه وان شاء شاركه في المخلوط واقتسماه على قدر حقهما.
اما إذا خلطه بغير جنسه كخلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير فالخالط ضامن ولا حق للمالك لأنه استهلاك وهذا بالإجماع عندهم
(3)
.».
أما فقهاء المذهب الشافعي:
فقد ذكر الرملي
(4)
: «ولو خلط المغصوب
(1)
البحر الزخار لابن المرتضى/182:4.
(2)
الفتاوى الهندية/ج 5: ص 117 وراجع حاشية ابن عابدين/166:5.
(3)
راجع الفتاوى الهندية/117:5 كذا ذكر ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار/ 166/ 167:5.
(4)
نهاية المحتاج/183/ 184:5.
أو اختلط عنده بغيره. فإن تعذر التمييز كخلط زيت بمثله أو شيرج فالمذهب انه كالتالف فله تغريمه بدله سواء اخلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ لأنه لما تعذر رده أبدا أشبه التلاف فيملكه الغاصب إن كان مما يقبل التملك».
وجاء في الأم
(1)
وهكذا يظهر من كلام فقهاء المذهب ان الغاصب إذا مزج المغصوب يجنسه فوجهان أحدهما: وهو المنصوص ان الخيار الى الغاصب لأنه لا يقدر على رد عين مالكه فجاز أن يدفع مثله كما لو هلك. والثاني: انه يلزمه أن يدفع اليه منه لأنه يقدر على دفع بعض ماله فلا ينتقل الى البدل. وان خلطه بأجود فإن بذل الغاصب للمغصوب منه بقدر المغصوب من المزيج لزمه قبوله وان بذل مثله من غيره فوجهان أحدهما لزوم القبول والثاني يباع الجميع ويقسم الثمن على قدر قيمتيهما لأنه بذلك يصل كل واحد منهما الى عين ماله وان خلطه بما دونه فإن طلب المالك منه بقدر ماله وامتنع الغاصب اجبر على الدفع لأنه رضي بأخذ حقه ناقصا وإن طلب مثله من غيره وامتنع الغاصب اجبر على
(1)
الأم/الشافعي/226:3 وراجع أيضا الوجيز/الغزالي/212:1، المهذب/ الشيرازي/378:1، الأنوار/الأردبيلي/ص 366، واعانة الطالبين/البكري/140:3، والفتاوى الكبرى/لابن حجر/96/ 97:3.
دفع مثله لأن المخلوط دون حقه فلا يلزمه أخذه، ومن الأصحاب من قال يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتيهما وان نقص فعلى الغاصب ضمانه
(1)
.
(2)
.
وذكر المرداوي
(3)
وذكر أيضا
(4)
: «وإن خلطه بدونه أو بخير منه أو بغير جنسه يعني على وجه لا يتميز لزمه مثله في قياس التي قبلها قال القاضي قياس المذهب يلزم الغاصب مثله. قال في الفروع فشريكان بقدر حقهما. وكذا ذكر في الإقناع
(5)
ثم قال: فيباع الجميع ويدفع الى كل واحد قدر حقه».
(1)
المهذب/الشيرازي/ج 1 ص 378.
(2)
المقنع/ابن قدامة/240/ 241:2. راجع كشاف القناع/البهوتي/94:4.
(3)
الإنصاف/161:6 وراجع العدة شرح العمدة/ص 273 والمحرر/لأبي البركات/ ص 361: ونقل قول القاضي ان ما تعذر تمييزه كالتالف.
(4)
الإنصاف/163:6.
(5)
الإقناع/الحجاوي/346:2 وراجع منتهى الإرادات/لابن النجار/ج 1 ص 513/ 514 وغاية المنتهى/الكرمي 241:2.
وجاء في زوائد الكافي
(1)
: «وإذا خلط المغصوب بدونه فطلب المالك المثل فأباه الغاصب فهل يلزمه ذلك: وجهان» :
أما في المذهب الجعفري:
فقد ذكر المحقق
(2)
أما خلط المغصوب بغير جنسه فيعتبر استهلاكا ويضمن المثل. وذهب الشيخ الطوسي
(3)
إلى أنه إذا خلطه بجنسه وكان أجود منه فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من عينه أو مثله من غيره وإن باعه قسم الثمن بينهما على قدر كل. قال والصحيح إن هذا كالمستهلك فيسقط حقه من العين ويصير في ذمة الغاصب لأنه قد تعذر أن يصل الى عين ماله بعينها فانتقل إلى الذمة.
أما إذا خلطه بمثله فهو كالمستهلك والغاصب بالخيار بين أن يعطيه بكيله من عينه أو مثله من غيره وفي الناس من قال هو شريكه فيه يملك مطالبته بقسمته يأخذ مثل كيله منه وهو أقرب لأنه قدر على بعض عين ماله وبدل الباقي ولا معنى أن يجبر على مثل من غيره مع وجود بعض العين.
وفصل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء
(4)
من الفقهاء من الفقهاء المتأخرين هذه المسألة: فقال: «إذا امتزج المغصوب: فإن أمكن التميز فلا اشكال. وإلا
(1)
ص 152/لابن عبيدان.
(2)
شرائع الإسلام/154:2.
(3)
المبسوط /79:3.
(4)
تحرير المجلة/ج 3 كتاب الغصب وراجع أيضا مسالك الافهام/الشهيد العاملي/ج 2 طبع حجر وكفاية الأحكام/السبزواري/ج 2 طبع حجر كتاب الغصب، الروضة البهية/ الشهيد الثاني/55:7 وفقه الإمام الصادق/محمد جواد مغنية/22:2.
فلا يخلو اما أن يمتزج بالمساوي: فيقسم ويأخذ كل واحد حقه أو يبقى على الشركة عينا لا قيمة. أو يمتزج بالأعلى فهو كما في المساوي لأن الزيادة الحاصلة صفة حصلت بفعل الغاصب عدوانا فلا يسقط حق المالك مع بقاء عين ماله كما لو صاغ النقرة وعلف الدابة فسمنت أو يمزجه بالأدنى فإن القول بالانتقال إلى القيمة أو المثل أقرب الى الصواب لأنه جمع بين الحقين».
أما في المذهب الزيدي:
فقد ذكر العنسي
(1)
وذكر ابن المرتضى
(2)
لا خلط المثلي، بل يصير مشتركا فيقسم كيلا أو وزنا.
وذهب الهادي: إلى أنه استهلاك لالتباسه كالقيمي.
قلنا: لا يبطل حقه من العين مع قلة التفاوت.
فرع:
فأما مختلف المثلي، كرطل زيد بدونه أو أعلى فالأقرب أنه كالقيمي.
الإمام يحيى
(3)
: بل يقسم حيث خلط بأعلى وفيه نظر «لأن عين الزيت صارت مستهلكة» .
(1)
التاج المذهب/359:3.
(2)
البحر الزخار/182:4.
(3)
الفتاوى الهندية/117:5.
بعد هذا الاستعراض لنصوص الفقهاء في المقام نجمل الكلام في الموضوع ونستل نقاط الالتقاء والافتراق بين فقهاء المذاهب الإسلامية في هذا الصدد فنقول:
ان اختلاط المغصوب عند الغاصب وتعذر تمييزه على صور:
الاولى: اختلاط يحنسه
والحكم هنا: في المذهب الحنفي: عند أبي حنيفة استهلاك فالخالط ضامن ولا حق للمالك وعند الصاحبين المالك مخير بين تضمين الغاصب مثل حقه وإلا فالمشاركة في المخلوط يقسم على قدر حقهما.
وفي المذهب الشافعي
(1)
: وجهان:
الأول: انه كالتالف فيضمن الغاصب مثله.
والثاني: أن يدفع الى المالك منه لأنه يقدر على دفع بعض ماله فلا ينتقل الى البدل.
وهذا هو رأي الحنابلة أيضا كما ذكر ابن قدامة
(2)
.
أما رأي فقهاء الجعفرية
(3)
فهو القول بأن الغاصب والمالك هنا شريكان.
وعند الزيدية
(4)
يفرقون بين المثلي فيرون ان الخلط به استهلاك على رأي الهادي وعلى رأي المؤيد والناصر يصبحان شريكين أما القيمي فيعتبر خلطه استهلاك فيضمن الغاصب.
والقول الراجح هنا هو القول بالشركة حيث ان لكل من المالك والغاصب عين مال قائمة. فيحتفظ كل واحد منهما بحقه وحيث لا يمكن الفصل
(1)
المهذب/الشيرازي/378:1.
(2)
المقنع/240:2.
(3)
الشرائع/المحقق الحلي/154:2.
(4)
البحر الزخار/لابن المرتضى/182:4.
والمغصوب مختلط يحنسه فهما على ما قررناه شريكان مع ملاحظة فيما لو كان الخلط بالأردإ فيعتبر بمثابة الاستهلاك فيكون الانتقال الى المثل أو القيمة لأنه جمع بين حقين.
وأما الثانية: اختلاط المغصوب بغير جنسه
والحكم هنا: في المذهب الحنفي
(1)
: الضمان إجماعا لأنه استهلاك. وعند الشافعية
(2)
الضمان أيضا لأنه لا يتخلص منه أي استهلاك. وعند الحنابلة
(3)
اتجاهان: الأول: انه استهلاك فيضمن وهذا هو المذهب. والثاني: يباع الخليط ويكونان شريكين كل بقدر حقه. وأما في رأي الجعفرية
(4)
فيعتبر خلط المغصوب بغير جنسه استهلاكا فيجب ضمان المثل وكذلك ذهب الزيدية
(5)
ووجوب الضمان هنا هو الرأي الراجح لكونه مما تعذر رده.
المبحث الثاني:
الفرع الأول: الجناية على المغصوب
تمهيد: إن كل قارئ لكتب الفقه الإسلامي حين يمرّ بباب الغصب سيلتقي ببحث الجناية على الرقيق المغصوب وما يتعلق بذلك من أحكام ولكن الرسالة وهي هذا الكتاب تخلو من ذلك تماما ومن هنا ينبثق تساؤل ترى لماذا أهمل الموضوع واستبعد نهائيا في حين نجد الفقهاء المسلمين يتناولونه ويعرضون مسائله وأحكامه؟! والجواب يقع في أمور:
الأول: إن الشريعة الإسلامية الغراء لم تقر الرق كمبدأ ولم تنظر إليه
(1)
الفتاوى الهندية/117:5.
(2)
الأم/الشافعي/226:3.
(3)
الإنصاف/المرداوي/163:6.
(4)
شرائع الإسلام/154:2.
(5)
التاج المذهب/العنسي/359:3.
كظاهرة مشروعة بل اعتبرته ظاهرة غير مشروعة تصطدم مع المبادئ والمثل التي نادى بها الإسلام كرسالة سماوية خالدة وشاملة لكل مناحي الحياة الإنسانية.
أن الشريعة الإسلامية احترمت الإنسان بصفته إنسان وأعلنت كرامته قال الله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ}
(1)
.
وأناطت به المسؤولية الكبرى في الحياة {إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ}
(2)
وفي مجتمع يموج بالتفاخر بالأنساب والأحساب ويضطرب المجتمع البشري بأبشع أنواع الاستغلال والتمييز بين البشر أعلن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن الناس سواء فورد في خطبة حجة الوداع المشهورة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى» .
وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام مخاطبا ابنه الحسن عليه السلام: «يا بني:
الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».
والمتتبع للنصوص الشرعية قرانا وسنة ولسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام يجد تطبيقات هذا المبدأ بوضوح ومن هنا أيضا لا يمكن أن تجد نصا شرعيا ينطق بالرق والرقية بل تجد عوضا عنها (العتق والاستفداء).
الثاني: إن الرق والرقيق كان في المجتمع الدؤلي آنذاك ظاهرة مألوفة بل كان يشكل عصب الحياة الاقتصادية والتجارية وكان الرقيق يجتمع ليشكل هذه الظاهرة من أكثر من مصدر وسبب فالرهان مثلا واحد من الأسباب والبيع والشراء والحرب أسباب يسترق عن طريقها الإنسان ضمن هذه
(1)
الأسراء:70.
(2)
الأحزاب:72.
الظروف الموضوعية طرح الإسلام نظريته في تحرير الإنسان من كل أنواع الاستغلال وإهدار الكرامة الآدمية فأغلق جميع الأبواب التي يتسرب منها الرق وسدّ جميع الطرق التي يتجمع بواسطتها ما عدا الحرب المشروعة باعتبارها أمر لا مفر منه في حينه وعليه فليس من المعقول مثلا ان يسترق الأعداء المحاربون الأسرى المسلمين ويعاملونهم معاملة لا إنسانية ويقف الإسلام من أسرى الأعداء موقفا آخر ومعروف هنا ان مبدأ المعاملة بالمثل مبدأ معترف به في النزاعات الدولية وقد أقرّه المجتمع الدؤلي ولا يزال فالرقيق في المجتمع السلامي إذن إنما يأتي عن هذا الطريق فقط وإزاء ذلك رسمت الشريعة الإسلامية خطة متكاملة متناسقة تستهدف في النهاية إزالة هذه الظاهرة من المجتمع الإسلامي نهائيا فضمنت أولا للاسرى الأرقاء المعاملة الإنسانية الرحيمة.
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «إخوانكم خولكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما لا يطيقون وإذا كلفتوهم فأعينوهم
(1)
».
ثم اتخذت الاجراءات التشريعية لتنفيذ مبدأ العتق فحثت عليه حثا أكيدا حتى عد من أقرب الطاعات اضافة الى اجراءات كثيرة وكثيرة كلها تستهدف تحرير الأرقاء ولم تكتف الشريعة بذلك وتوكل الأمر إلى وجدان الإنسان المسلم بالرغم من انه وجدان نبيل بل خولت الدولة الإسلامية التدخل لتحقيق العتق وخصصت في ميزانية الدولة موردا ثابتا لذلك وذلك في حق الزكاة.
الثالث: إن الفقهاء المسلمين حين واجهوا ظاهرة الرق انطلقوا من مثل الإسلام ونظرته ينظمون شؤون الإسراء الأرقاء بكل ما يتعلق بشؤونهم
(1)
الأدب النبوي/ الخولي، وورد في سنن ابن ماجة ج 2 ص 395 ط 1 بلفظ آخر.
العامة والخاصة وفي قضية الجناية على الأرقاء ذهب فريق من الفقهاء الى تغليب صفة المالية في الرقيق لأن للقائمين على شؤونهم ينتفعون منهم مدة بقائهم في الاسترقاق، وذهب فريق آخر وهو الأغلب الى تغليب الصفة الآدمية فإذا وقعت عليه جناية وجبت الدية المقدرة شرعا.
بعد هذه المقدمة التي أراها ضرورية في المقام رأيت ان استبعد هذا الموضوع من الرسالة نهائيا ولسببين أيضا:
الأول: إنه في زماننا هذا لم تعد مسألة الرق ذات موضوع كما يعبر الأصوليون ثم إنه لا تجد في الشعور الإسلامي العام أي أثر لقبول الرق والرقية وذلك كله بفضل التشريع الإسلامي وما هيأه من أجواء خاصة.
الثاني: إن العرف الدؤلي قد تغيّر وان مبدأ المعاملة بالمثل الذي لا زال قائما لا يبيح استرقاق الإسراء والتشريع الإسلامي كما لا حظنا إنما سمح باسترقاق اسرى الأعداء المحاربين انطلاقا من هذا المبدأ واستنادا الى ذاك العرف.
والخلاصة فإن الشريعة الإسلامية ليس فيها رق ولا رقيق وأولى ان تتوجه الإنظار إلى المستعمرين الامبرياليين الذين يسترقون شعوبا بكاملها ويستغلونها أبشع استغلال وان تدان هذه الأعمال الإنسانية ويدان التمييز العنصري البغيض وتتكاثف المشاعر الإنسانية لكشف أحابيل الصهيونية العالمية في محاولاتها لإنهاء الشعب الفلسطيني المناضل وأنى لها ذلك. والآن حان الوقت للعودة الى النسق العام للاطروحة وبحث تفاصيل الموضوع.
إن بقاء المغصوب في يد الغاصب يجعله عرضه للطوارئ ومن هذه الطواري ان تقع عليه جناية من الغاصب أو من غيره يمكن ان تلحق بالمغصوب ضررا كليا كالتلف وهذا ما تحدثنا عنه وقد يلحق بالمغصوب ضرر جزئي وهذا ما سنتحدث عنه الآن.
الفرع الثاني: الجناية على المغصوب بما دون النفس
بحثنا في مكان سابق من هذه الرسالة الجناية على المغصوب بما يتلف المغصوب من كل وجه وننتقل الى الحديث على الجناية على المغصوب بما دون النفس كجرحه أو إتلاف بعض منه.
ذهب الفقهاء الأحناف الى ان الغاصب إذا قطع طرفا من الدابة غير مأكول اللحم فيجب ضمان قيمتها فقد ذكر المرغيناني
(1)
ذلك معللا «ولو كانت الدابة غير مأكول اللحم فقطع الغاصب طرفها فللمالك ان يضمنه جميع قيمتها لوجود الاستهلاك من كل وجه» .
أما في المذهب الحنبلي فقد ذكر البهوتي
(2)
والى هذا الرأي ذهب الشافعية أيضا فقد ذكر في المجموع
(3)
وفي المذهب الجعفري ذكر المحقق الحلي
(4)
(1)
الهداية شرح البداية/16:4، وراجع السعيديات/ص 225.
(2)
كشاف القناع/91:4.
(3)
تكملة المجموع/17:14.
(4)
شرائع الإسلام/152:2، المبسوط /الطوسي/82:3.
وذهب الظاهرية إلى تضمين الغاصب أي شيء يطرأ على المغصوب نقصا كان أم تلفا فقد ذكر ابن حزم
(1)
ويتلخص لنا ان الحيوان غير مأكول اللحم إذا جنى عليه بجناية تذهب ببعضه كقطع طرف أو تعييب أي عضو فللفقهاء رأيان:
الأول: رأي فقهاء الأحناف
(2)
وهو ان الجناية على الدابة بقطع طرف منها يعتبر استهلاكا لها وعليه فيجب على الغاصب ضمان قيمتها.
الثاني: رأي الشافعية
(3)
والجعفرية
(4)
ووافقهم الحنابلة والظاهرية وهو تضمين الغاصب أرش النقصان فحسب ويسترد المالك المغصوب لأن العين باقية فترد.
وهذا الرأي الثاني هو الذي نرجحه لما قلناه سابقا من ان المغصوب إن كان موجودا فإنه يردّ ويغرم الغاصب أرش النقصان إذ لا مسوغ لتضمينه بدل المغصوب.
مسألة:
أشرنا قبل قليل الى ان فقهاء الأحناف ذهبوا الى تضمين الغاصب قيمة الدابة المغصوبة إذا جنى عليها الغاصب أو غيره بقطع طرف منها واحتجوا الى ان هذه الجناية تعتبر استهلاكا لها من كل وجه والظاهر أنهم ذهبوا الى ذلك لكون الدابة غير مأكول اللحم إنما تراد للركوب أو الحمل
(1)
المحلى/135:8.
(2)
الهداية/16:4.
(3)
المجموع شرح المهذب/77:14.
(4)
شرائع الإسلام/المحقق الحلي/152:2.
فقطع طرف منها يعطل فيها هذا المعنى. وبالرغم من وجاهة هذا الرأي إلا أن الرأي الذي رجحناه وهو ان الغاصب إنما يضمن أرش النقصان ويسترد المالك المغصوب يبدو أكثر دقة لأنه موافق للأصول المعتبرة وأكثر شمولية إذ لو أردنا أن ننظر في مسألة ما لو غصب أحد عربة ركوب حديثة أو عربة حمل حديثة وأحدث فيها خللا بكسر آلة منها أو تحطيم شيء فيها أدى الى تعطيلها عن الحركة والسير فما هو الحكم هنا؟ يبدو ان رأي الجمهور وهو الرأي الراجح هو الأوفق هنا حيث يضمن الغاصب أرش النقص الذي حدث مع استرداد المالك للمغصوب واحتفاظه بحقه في التعويض عن الإضرار الأخرى.
أما إذا حدث في المغصوب عيب يؤدي الى نقصان قيمته فللفقهاء اتجاهان:
الأول: اتجاه جمهور
(1)
الفقهاء: وهو تضمين الغاصب.
الثاني: اتجاه فقهاء المالكية
(2)
: وقد ذهبوا الى تخيير المغصوب منه بأخذ قيمة المغصوب يوم الغصب أو يأخذه بعيبه ولا شيء له.
وهذا الرأي الثاني يرد عليه ان تضمين الغاصب المغصوب لا وجه له إذ المغصوب موجود غاية الأمر انه حدث فيه عيب فلا يصار الى البدل. وقد استدل أصحاب الاتجاه الأول وهو الاتجاه الذي نذهب اليه بما يلي:
1 -
انه كان على الغاصب ان يدفعه صحيحا مما حدث به من عيب كان ضامنا
(3)
له».
(1)
بدائع الصنائع/الكاساني/157:7، الأم/الشافعي/221:3 المحلى/135:8، الإقناع/الحجاوي/345:2، شرائع الإسلام/المحقق الحلي/152:2.
(2)
المدونة/محنون/60:14، مواهب الجليل/لابن الحطاب/286:5.
(3)
الأم/221:3، المهذب/الشيرازي/376:1.
2 -
أنّ أرش النقص إنما يستقر بنقصان العين وقد وجد
(1)
.
ونضيف ان الغاصب إنما يضمن هنا ايضا لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي.» ووجه الاستدلال انه أخذه صحيحا فلزم ردّه بحاله وإذا حدث عيب به انقص قيمته لزمه الضمان.
(1)
الإقناع/345:2، كشاف القناع/البهوتي/91:4.
الباب الثالث
تصرفات الغاصب
ثلاثة فصول الفصل الأول المبحث الأول: حكم التصرف المبحث الثاني: المعاوضات المبحث الثالث: عبادة الغاصب وهو ملتبس بالمغصوب
الفصل الأول
حكم التصرف
المبحث الأول: حكم تصرف الغاصب
سبق أن تكلمنا عن تصرفات الغاصب الفعلية أما الآن فسنتحدث على تصرفات الغاصب القولية.
ان وجود المغصوب في يد الغاصب من شأنه أن يغريه بالتصرف فيه مع احتياط الفقه في المقام وإيجابه رد المغصوب للحيلولة بين الغاصب وبين جني ثمار غصبه ولكن مدة بقاء المغصوب في يد الغاصب قد تكون كافية لممارسته كافة التصرفات.
وهنا يلزمنا أن نتعرف على رأي الفقهاء فيما لو تصرف الغاصب بالمغصوب.
وتصرفات الغاصب إما أن تكون من قبيل المعاوضات أو التبرعات وإما أن تكون عبادات كصلاة وحج ونحوها. وإذا كانت هذه النقاط ستشكل مدار البحث فإنه من الضروري أولا أن نتساءل: ترى هل يحق للغاصب بشكل من الاشكال أن يتصرف بالمال المغصوب؟ والذي يظهر لنا ان مما لا خلاف فيه بين الفقهاء في حرمة تصرف الغاصب بالمغصوب بأي نحو كان وقد تقدم في الباب الأول من هذه الرسالة مناقشة هذه النقطة واتضح لنا ان التصرف في ملك الغير بغير إذنه إنما هو أكل للمال
بالباطل وهو ما نهى عنه القرآن الكريم في كثير من الموارد منها على سبيل الخصوص قوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ}
(1)
.
وأما الأحاديث الشريفة فقد صرحت بعدم جواز التصرف في ملك الغير بغير إذنه بأي نحو من أنحاء التصرفات. ومنها:
1 -
قوله صلى الله عليه وآله وسلم
(2)
2 -
عن أبي سعيد الخدري
(3)
3 -
(4)
- عن عاصم بن كليب عن أبيه ان رجلا من الأنصار أخبره قال:
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام
(1)
البقرة/188.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه،38:2 عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله (ص). وأخرجه البيهقي في السنن:92:6 عن نافع أيضا عن ابن عمر. وجاء الحديث نفسه في الفتح الرباني/142:15 عن ابن عمر. وذكره عن أبي هريرة مع اختلاف في اللفظ.
(3)
الفتح الرباني/146:15.
(4)
جاء هذا الحديث في المنتقى من اخبار المصطفى/لابن تيمية/409:2. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد:172/ 173. وفي الفتح الرباني/الساعاتي/146:15 روى هذا الحديث عن عاصم أيضا ورواه عن جابر بن عبد الله.
فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فقالت المرأة يا رسول الله اني أرسلت إلى النقيع يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت الى جار لي قد اشترى شاة ان أرسل بها إليّ بثمنها فلم يوجد فأرسلت الى امرأته فأرسلت إليّ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اطعميه الأسارى.
ومن منطوق هذه الأحاديث الشريفة يتضح لنا عدم جواز تصرف الغاصب في المال المغصوب مهما كان هذا التصرف.
وقد اجمع فقهاء المذاهب الإسلامية على حرمة التصرف في ملك الغير وأمواله بدون إذنه. كما يفهم ذلك من تحريمهم الصلاة في الأرض المغصوبة أو في الثوب المغصوب باعتباره تصرفا في المغصوب بدون إذن المالك.
وسنذكر ذلك تفصيلا في المبحث الثالث من هذا الفصل.
المبحث الثاني: المعاوضات
ان الغاصب قد يبيع المغصوب أو يتجر به أو يرهنه أو يؤجره الى غير ذلك من أنواع التصرفات فما هو حكم ذلك؟ وما هو حدود تصرفاته؟ وهنا نستعرض أولا أقوال الفقهاء لنخلص الى اتجاهات الفقه الإسلامي في الموضوع.
ففي المذهب الحنفي:
ذكر ابن قاضي سماونة
(1)
: «ولو دفع أرضا غصبه الى غيره مزارعة فأجاز المالك فلو سنبل ولم يسمن فهو للمالك ولا يضمن الغاصب نقص الأرض
(1)
جامع الفصولين/66:2.
ولو سمن الزرع وانتهى لم تلحقه الإجازة والزرع للغاصب ويتصدق به ويضمن نقص الأرض».
وجاء في الفتاوى الهندية
(1)
وفي المذهب الشافعي:
ذكر الأردبيلي
(2)
وفي المجموع
(3)
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر المرداوي
(4)
: «وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع والنكاح ونحوها باطلة في إحدى الروايتين وهي المذهب.
(1)
الباب الرابع عشر ج 5 ص 132 وراجع الهداية/المرغيناني/51:3. الفتاوى الخانية/144:2.
(2)
الأنوار لإعمال الأبرار/367:1.
(3)
المجموع النووي/260:9 وراجع الوجيز/الغزالي/80:1.
(4)
الإنصاف 203/ 204:6.
قال في التلخيص في باب البيع: وان كثرت تصرفاته في أعيان المغصوبات يحكم ببطلان الكل على الأصح. وعنه تصح موقوفة على الإجازة.».
وذكر ابن النجار
(1)
وفي المذهب المالكي:
يرون صحة الإجازة بعد البيع كما جاء في المدونة
(2)
.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر المحقق الحلي
(3)
وذكر القمي
(4)
ان بيع الغاصب يصح ولا ينفذ إلا بعد الإجازة ونسب ذلك الى أكثر الفقهاء في المذهب.
وفي المذهب الزيدي:
ذكر العنسي
(5)
: «فان تصرف الغاصب في العين المغصوبة سواء أجر
(1)
منتهى الإرادات/519:1 وراجع الإقناع/الحجاوي/353:2. الروض المربع/ البهوتي/379:2، غاية المنتهى/الكرمي/248:2.
(2)
المدونة/54:14 وراجع مواهب الجليل شرح مختصر خليل/لابن الحطاب/5: 290، الفروق/القرافي/242:3. جواهر الإكليل/الابي الأزهري/152:2.
(3)
شرائع الإسلام/165:1.
(4)
غنائم الأيام/ص 540 وراجع المكاسب/الشيخ الأنصاري/128.
(5)
التاج المذهب لأحكام المذهب/356:3.
أو نحوه من العقود التي تلحقها الإجازة كبيع وهبة أو نحوهما فموقوف ذلك التصرف على اجازة المالك إذ الغاصب فضولي فإن أجاز لفظا أو اجرى منه ما هو بمعنى الإجازة كالمطالبة بالأجرة مع علمه بالتأجير صحت الإجارة واستحق المسمى.».
وذكر ابن المرتضى
(1)
يظهر لنا من كلمات الفقهاء في المقام ان الفقه الإسلامي في مسألة تصرف الغاصب بالمغصوب على اتجاهين:
الاتجاه الأول: القول بصحة تصوف الغاصب بالمغصوب ببيع واجازة واعارة ونحوها من العقود موقوفا كل ذلك على اجازة المالك فإن أجاز نفذ البيع ونحوه وان لم يجز فباطل.
وهذا هو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية وأكثر الإمامية وأكثر المالكية ومنهم مالك بن انس والزيدية وهو ما ذهب اليه بعض الحنابلة ايضا على رواية
(2)
.
والاتجاه الثاني: وهو اتجاه الحنابلة على الصحيح من المذهب واتجاه الشافعية وهو القول بعدم صحة تصرفات الغاصب وان كل عقد يجريه من بيع ونحوه باطل.
وقد استدل أصحاب الاتجاه الأول على رأيهم بالأدلة التالية:
(1)
البحر الزخار 186:4.
(2)
الإنصاف/المرداوى/203:6.
1 -
استدل الجعفرية
(1)
بعمومات الكتاب الكريم مثل قوله تعالى:
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فإن الآية بعمومها شاملة لبيع الغاصب وأمثاله بعد صدور الإجازة من المالك لانتسابه إليه بالإجازة فيصدق عليه انه عقده ويلزمه الوفاء به.
2 -
واستدل الأحناف
(2)
3 -
واما المالكية
(3)
: فقد ذكروا ان بيع الغاصب إنما هو بيع فضولي وبيع الفضولي يقع صحيحا موقوفا على الإجازة.
اما الذين أبطلوا التصرف فقد استندوا الى قوله تعالى {لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ}
(4)
.
واستندوا ايضا الى خبر حكيم بن حزام الذي كان يبيع ما ليس عنده ثم يسعى في شرائه وتسليمه للمشتري فنهاه صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك بقوله «لا تبع ما ليس عندك
(5)
».
وقد أجيب على ذلك بما يأتي:
أ - ان غاية ما يستفاد من هذه الآية {لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ} . إلخ انه لا حل ولا رفع للحرمة قبل رضى المالك. وهذا عين ما يقول به القائلون بصحة بيع الفضولي فهم قد جعلوه موقوفا على اجازة المالك ولا يعني لديهم
(1)
نهج الفقاهة/السيد الحكيم/220:1.
(2)
المبسوط /السرخسي/61/ 62:11.
(3)
الشرح الكبير/الدردير/مطبوع بهامش حاشية الدسوقي/457:3.
(4)
آية 188 سورة البقرة.
(5)
تهذيب الأحكام/الطوسي/230:7.
لترتب آثار البيع وأهمها نقل ملكية المبيع. اما الجزء المعوّل عليه والذي به ينفذ البيع وتترتب عليه آثاره فهو رضى المالك وأجازته
(1)
».
ب - ان النهي في المعاملات لا يفيد الفساد وان ما ورد في خبر حكيم ابن حزام يختص حكمه بما استدل به عليه وإنما ذكر جوابا حين سأله ان يبيع الشيء ثم يمضي ويشتريه ويسلمه
(2)
.
أو ان المراد به النهي عن بيع ما ليس عنده ولا يملكه من الأعيان المشخصة التي عند غيره على وجه بيع المالك لها، لا على جهة إيقاع العقد الموقوف على رضى المالك
(3)
.
اما ما استدلوا به من أدلة العقل كقولهم بعدم جواز التصرف في مال الغير إلا باذنه وان الرضا اللاحق لا ينفع في رفى القبح الثابت في تصرف الفضولي فمردود بأن العقد على مال الغير موقوفا على أجازته ليس تصرفا فيه، نعم يصح قولهم فيما لو كان عقد الفضولي وحده سببا لترتب آثار البيع دون توقف على اجازة المالك اما والحال خلاف ذلك حيث لا مناص من هذه الإجازة كشرط لنفاذ العقد وترتب آثاره فان قولهم غير وارد
(4)
.
ولذلك كله ولقوة ما أورده أصحاب الاتجاه الأول القائلون بصحة تصرفات الغاصب لأن حكمه حكم الفضولي بل هو فضولي أيضا لأن الفضولي هو «الكامل الغير مالك للتصرف ولو كان غاصبا» لقوة ما أوردوه من أدلة نرجح رأيهم ونعتمده هنا
(5)
.
(1)
جواهر الكلام/محمد حسن النجفي/المتاجر/ص 54.
(2)
تذكرة الفقهاء/العلامة الحلي/7: ص 8.
(3)
جواهر الكلام/ المتاجر/ص 56.
(4)
راجع بلغة الفقيه/بحر العلوم/ج 2/ص 170 وما بعدها.
(5)
المكاسب/الشيخ الأنصاري/124:1.
المبحث الثالث: عبادة الغاصب وهو متلبس بالمغصوب
ان الغاصب قد يؤدي فريضة من الفرائض الشرعية كالصلاة مثلا في مكان مغصوب أو ثوب مغصوب أو قد يحج بيت الله بمال مغصوب فما هو حكم ذلك؟ الظاهر من كلمات الفقهاء في المقام ان هناك اتجاهين اتجاه يرى صحة الصلاة في الأرض المغصوبة واتجاه يرى بطلانها. وكلاهما متفقان على عدم الجواز ابتداء.
أما الاتجاه الأول: فهو اتجاه الشافعية والحنفية والمالكية وبعض الجعفرية وهؤلاء يرون صحة الصلاة في الأرض المغصوبة أو المكان المغصوب أو الثوب المغصوب.
ذكر الشيرازي
(1)
من فقهاء الشافعية انه: «لا يجوز ان يصلي في أرض مغصوبة لأن اللبث فيها يحرم في غير الصلاة فلأن يحرم في الصلاة أولى فإن صلى فيها صحت صلاته.» .
وذكر النووي
(2)
: «ان الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع وصحيحة عندنا وعند الجمهور من الفقهاء وأصحاب الأصول.» .
وذكر القرافي
(3)
من المالكية: «المسألة الأولى: الصلاة في الدار المغصوبة قلنا نحن. بصحتها» .
وقال في المسألة الثالثة: «الذي يصلي في الثوب المغصوب أو يتوضأ بماء مغصوب أو يحج بمال محرم كل هذه المسائل عندنا سواء في الصحة.» .
(1)
المهذب/71:1.
(2)
المجموع شرح المهذب/169:3.
(3)
أنوار البروق في انواء الفروق/85:2.
ومن فقهاء الجعفرية ذكر البحراني
(1)
وأما الحنابلة
(2)
فالظاهر ان بعضهم يذهب الى القول بالصحة فقد ذكر ابن قدامة: «وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات والنكاح ونحوها باطلة في إحدى الروايتين والأخرى صحيحة» .
وذهب الى هذا الرأي جمهور الحنفية على ما ذكرته كتب الأصول عندهم وقد نقل ذلك بدر المتولي عبد الباسط
(3)
قائلا: «اختلف الفقهاء في مسألة هل يكون الشيء الواحد واجبا وحراما إلى ثلاثة أقوال:
الأول: لجمهور أهل السنة. انه يجوز الجمع بين الوجوب والحرمة في الفعل الواحد بالشخص إذا تعددت جهاته واعتباراته. ومثل لذلك بالصلاة في الأرض المغصوبة والثوب المغصوب».
وأما الاتجاه الثاني: وهو القول بالبطلان أي بطلان الصلاة في الأرض وأما الاتجاه الثاني: وهو القول بالبطلان أي بطلان الصلاة في الأرض
(1)
الحدائق/104:7، راجع دراسات في أصول الفقه/محمد كلانتر/344:1.
(2)
المقنع/2. وراجع الإنصاف/المرداوي/204:6.
(3)
محاضرات في أصول الفقه/ج 1 ص 35/ 36/ط 1/ 1955/مطبعة دار المعرفة/ بغداد.
المغصوبة والثوب المغصوب وبطلان الحج بالمال المغصوب فهو اتجاه جمهور الحنابلة وجمهور متأخري الجعفرية والزيدية.
فقد ذكر المرداوي
(1)
من فقهاء الحنابلة: «قوله: والموضع المغصوب يعني لا تصح الصلاة فيه وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم في المختصرات» .
وقال
(2)
: «من صلّى في ثوب حرير أو مغصوب لم تصح صلاته هذا المذهب بلا ريب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب» .
وذكر أيضا
(3)
ومن فقهاء الجعفرية ذكر المحقق الحلي
(4)
وذكر السيد اليزدي
(5)
: «والصلاة في المكان المغصوب باطلة» .
وذكر شيخ الإسلام الشوكاني
(6)
من الزيدية: «ومن شروط صحة الصلاة إباحة ما يقلّ مساجده فلا يجزى منزل غصب» .
(1)
الإنصاف/491:1.
(2)
نفس المصدر ص 457.
(3)
نفس المصدر/205:6.
(4)
شرائع الإسلام/48/ 49:1.
(5)
العروة الوثقى/193:1.
(6)
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار/156:1، مطابع الاهرام/القاهرة 1390 هـ.
وقد استدل أصحاب كل اتجاه على رأيهم بأدلة نذكرها هنا:
أولا: استدل الذاهبون إلى صحة عبادة الغاصب مع تلبسه بالمغصوب بما يأتي:
(1)
.
(2)
.
(3)
.
د - ما ذكره الغزالي
(4)
في المستصفى قائلا: «هذه المسألة قطعية ليست اجتهادية والمصيب فيها واحد لأن من صحح الصلاة أخذه من الإجماع وهو قطعي. فمن صححها يقول هو عاص من وجه متقرب من وجه ولا استحالة في ذلك» .
(1)
محاضرات في أصول الفقه/بدر المتولي عبد الباسط /35/ 36:1.
(2)
نفس المصدر.
(3)
أنوار البروق في انواء الفروق للقرافي/85:2 مطبوع بهامش الفروق.
(4)
المستصفى/الغزالي/ج 1 ص 78/ 79.
هـ - ما ذكره البحراني
(1)
من فقهاء الجعفرية من انه لم ينقل عن الأئمة عليهم السلام اشتراط الإباحة في المكان. الى آخر ما نقلناه عنه قبل قليل.
وقد ردّ أيضا على من احتج (بأن النهي في العبادة يقتضي الفساد فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها. وإن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فيفسد) ردّ على ذلك قائلا: «إن الأمر بالشيء إنما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو نفس الترك أو الكف لا الأضداد الخاصة الوجودية» .
هذه هي أهم أدلة هذا الفريق من الفقهاء الذين ذهبوا الى صحة الصلاة في المكان المغصوب والصلاة في الثوب المغصوب وإن كان يحرم عليه ابتداء أن يصلي في المغصوب وإنه يأثم بذلك.
واستدل الفريق الآخر من الفقهاء على بطلان الصلاة في المغصوب بما يأتي:
أ - ما ذكره الغزالي
(2)
أيضا بقوله: «إن من أبطلها أخذه من التضاد الذي بين القربة والمعصية ويدعى كون ذلك محالا بالعقل فالمسألة قطعية» .
ب - «ان التصرف في الثوب المغصوب أو في المكان المغصوب قبيح ولا تصح نية القربة فيما هو قبيح»
(3)
.
(4)
.
د - رواية إسماعيل بن جابر الجعفي عن الصادق عليه السلام: «لو ان الناس
(1)
الحدائق/104/ 105:7.
(2)
المستصفى/الغزالي/ج 1 ص 78/ 79.
(3)
الخلاف/الشيخ الطوسي/ج 1 طبع حجر.
(4)
مستمسك العروة الوثقى/السيد محسن الحكيم/221:5.
أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله تعالى عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله تعالى به ما قبله منهم»
(1)
.
هـ - ما ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في وصيته لكميل بن زياد النخعي: «يا كميل انظر فيم تصلي وعلام تصلي إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول»
(2)
.
(3)
.
ونحن بعد ذلك كله إنما نرجح رأي الذاهبين الى القول بصحة الصلاد في المغصوب بالنسبة للغاصب مع كونه آثما لقوة أدلة الفريق الذاهب الى هذا الرأي وقوة ما يرد على أدلة الذاهبين الى البطلان من ردود وإشكالات بما سوف نذكره بعد قليل.
ولأن أداء العبادة من الصلاة في المغصوب لا يستلزم التصرف فيه على ما سيتحقق وان استلزمه فإن ذلك ليس من مصاديق اجتماع الأمر والنهي على القول بعدم الاجتماع واما على القول بصحة اجتماع الأمر والنهي مع تعدد الجهة فلا منافاة إذن وليس للبطلان سبيل على هذا المورد.
وقد نوقشت أدلة القول ببطلان الصلاة في الأرض المغصوبة أو الثوب المغصوب بمناقشات كثيرة وخاصة في كتب الأصول
(4)
وفي مبحث «اجتماع
(1)
المستمسك.
(2)
تحف العقول/لابن شعبة الحراني/ص 122/نشر مؤسسة الأعلمي/بيروت 1394 هـ.
(3)
مستمسك العروة الوثقى/محسن الحكيم/221:5.
(4)
كفاية الأصول/كاظم الخراساني/ج 1، حقائق الأصول/الحكيم/ج 1، دراسات في أصول الفقه/كلانتر/ج 1 ص 344 وما بعدها.
الأمر والنهي» باعتبار إن هذه المسألة من مصاديق هذا المبحث على رأي جمهورهم. والذي يهمنا في المقام أن نختار الردود المناسبة لأدلة القائلين بالبطلان وهي:
(1)
.
(2)
.
د - «إن كون القيام والقعود والركوع والسجود من قبيل الحركات لا يخلوا من تأمل أو منع فإن المفهوم منها عرفا انها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم فتكون من مقولة الوضع لا من قبيل الحركة لتكون من مقولة الفعل، نعم الحركة من قبيل المقدمة لوجودها وحرمة المقدمة لا توجب النهي عن ذيها ولا فساده، وما ذكرنا هو المطابق للمرتكز العقلائي فإن التذلل والخضوع واستشعار مشاعر العبودية إنما يكون بالهيئة الخاصة التي يكون عليها العبد في مقام عبادة مولاه لا بالحركة المحصلة لها كما لا يخفى ثم ان الحركة الصلاتية
(1)
مستمسك العروة الوثقى/محسن الحكيم/221/ 222:5.
(2)
نفس المصدر.
الواجبة قائمة بالبدن والحركة الغصبية قائمة بالمغصوب فتكون إحداهما غير الأخرى في الخارج ضرورة ان تباين المغصوب وبدن المكلف يستلزم تباين الحركة القائمة بأحدهما والحركة القائمة بالآخر فيمتنع أن تكون الحركة الصلاتية عين التصرف في المغصوب في الخارج كي يكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع - اجتماع الأمر والنهي»
(1)
.
(2)
.
(1)
مستمسك العروة الوثقى/محسن الحكيم/222/ 223:5.
(2)
الحدائق الناضرة/يوسف البحراني/105/ 106:7.
الفصل الثاني
تصرفات الغاصب في الأرض المغصوبة
المبحث الأول: الزراعة في الأرض المغصوبة المبحث الثاني: الغرس والبناء والحفر في الأرض المغصوبة
الفصل الثاني: تصرفات الغاصب في الأرض المغصوبة:
ان الغاصب عندما تبقى تحت يده الأرض التي غصبها قد يتصرف فيها بأنواع التصرفات فقد يزرعها أو يغرس فيها غرسا أو يبني فيها بناء أو يحفر فيها بئرا الى غير ذلك من التصرفات فما هو رأي الفقه الإسلامي في كل ذلك؟ هذا ما سنتناوله في هذا الفصل وسنوزع هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الزراعة في الأرض المغصوبة
ان الغاصب إذا زرع الأرض المغصوبة ببذر منه وأدركها المالك وهي مزروعة فللفقهاء ثلاثة اتجاهات:
الأول: اتجاه بعض الحنفية والشافعية وبعض الجعفرية وجماعة من فقهاء الزيدية وبعض المالكية واحتمال عند الحنابلة
(1)
وأولاء يرون ان الزرع للغاصب وعليه أجرة الأرض وما يحدث فيها من نقص.
ففي المذهب الحنفي:
ذكر ابن غانم
(2)
: «. فان لم يحضر المالك حتى أدرك الزرع فهو للغاصب وللمالك تضمين نقصان أرضه.» .
وفي المذهب الشافعي:
ذكر الأردبيلي
(3)
: «ولو غصب أرضا وزرعها وجاء فضولي وكرب الأرض دون اذن مالكها لزمته قيمة الزرع للغاصب.» .
وفي المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(4)
: «فإن غصب أرضا فزرعها بحب نفسه كان الزرع له دون رب الأرض لأنه عين ماله زاد ونما كما لو غصب شعيرا فعلف به دوابه فسمنت فإنها له فإذا ثبت ان الزرع له فان
(1)
المقنع/ابن قدامة/234:2، كشاف القناع/البهوتي/80:4.
(2)
مجمع الضمانات/ص 129 وراجع جامع الفصولين/لابن قاضي سماونة/73:2.
(3)
الأنوار لإعمال الأبرار/364:1. تكملة المجموع شرح المهذب/المطيعي/91:14.
(4)
المبسوط /99:3 وراجع شرائع الإسلام/المحقق الحلي/156:2 ومسالك الافهام الشهيد الثاني/2: غير مرقم طبع حجر/كتاب الغصب.
عليه اجرة مثلها - أي الأرض - من حين الغصب الى حين الرد لأن هذه المنافع مضمونة على الغاصب. وان نقصت الأرض فعليه أرش النقص».
وذكر الشيخ محمد جواد مغنية
(1)
: وإذا طلب المالك ان يبيعه الزرع.
فلا يجبر الغاصب على القبول فقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن رجل زرع ارض رجل بغير اذنه حتى إذا بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال زرعت ارضي بغير اذني فزرعك لي وعليّ ما أنفقت إله ذلك أم لا؟ فقال الامام الصادق عليه السلام للزارع زرعه ولصاحب الأرض كراء أرضه.
وفي المذهب المالكي:
ذكر ابن جزي
(2)
وفي المذهب الزيدي:
ذكر ابن المرتضى
(3)
: هذا الرأي قائلا: ومن غصب أرضا فزرعها ببذره فالزرع له لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الزرع للزراع وان كان غاصبا.» وقد نسب هذا الرأي إلى الهادي والمؤيد وأبو طالب وأبو العباس والفريقان بما رمز لكل منهم.
الاتجاه الثاني: وهو الذي يرى ان الزرع لمالك الأرض وعليه نفقته أي تعويض الغاصب ما أنفقه من بذر ومؤنة الزرع من حرث وسقي وغيرهما.
وهذا هو اتجاه جمهور الحنابلة وهو رأي الامام أحمد بن حنبل وهو اتجاه لبعض فقهاء الزيدية.
(1)
فقه الامام الصادق/18:3، المختصر النافع/المحقق الحلي/ص 257.
(2)
القوانين/ص 283/ 284.
(3)
البحر الزخار/183:4.
فقد ذكر المرداوي
(1)
من فقهاء المذهب الحنبلي ذلك بقوله: «. قال الحارثي: تواتر النص عن احمد: ان الزرع للمالك. وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره والزرع لرب الأرض. قال الزركشي: وهذا القول ظاهر كلام الإمام أحمد في عامة نصوصه. وعليه أي المالك النفقة وهي ما أنفق الغاصب من البذر ومؤنة الزرع من الحرث والسقي وغيرهما وهو المذهب.» واما رأي من ذهب من فقهاء الزيدية الى ذلك فقد ذكره ابن المرتضى
(2)
ونسبه الى القاسم وهو ما ذهب إليه في سبل السلام
(3)
وأيده ودلّل عليه.
وذكر الشوكاني
(4)
بعد نقل الحديث المتقدم «ان فيه دليل على ان من غصب أرضا وزرعها كان الزرع للمالك للأرض وللغاصب ما غرمه في الزرع يسلمه له مالك الأرض قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم.» .
الاتجاه الثالث: هو ما ذهب اليه بعض الحنفية وجماعة من الحنابلة وبعض المالكية وجماعة من الجعفرية وهو القول بأن المالك مخيّر بين إبقاء الزرع في أرضه بأجرة وبين قلعه وعليه نفقته للغاصب.
ذكر ذلك ابن قاضي سماونة
(5)
من المذهب الحنفي قال: «لو غصب أرضا وزرعها ولم ينبت حتى جاء ربها فهو مخيّر لو شاء ترك بذره فيها بأجر المثل ولو شاء ضمن البذر للغاصب ولأبي الليث السمرقندي: لو شاء تركه حتى ينبت ثم يأمره بقلعه ولو شاء أعطاه ما زاد البذر فيها.» .
(1)
الإنصاف/131:6.
(2)
البحر الزخار/183:4.
(3)
سبل السلام/72:3.
(4)
نيل الأوطار/360:5.
(5)
جامع الفصولين/73:2، خزانة الفقه/السمرقندي/ج 1 ص 319.
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر ابن قدامة
(1)
وذكر ابن النجار
(2)
وهذا الرأي لبعض فقهاء المالكية ايضا على ما ذكره ابن جزي
(3)
.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر الشهيد الثاني
(4)
: «إذا زرع الغاصب الأرض المغصوبة فنماؤه له. قال ابن الجنيد يتخير المغصوب منه بين ان يدفع الى الغاصب نفقته على العين التي يحدثها ويأخذها وبين ان يتركها له» وقد ردّ على هذا الرأي ثم قال: نعم لمالك الأرض إزالة الغرس والزرع وان لم يبلغ أوانه. ويحكم بين ان يبقيه بأجرة وبين ان يتملكه ويغرم مثل البذر.
وهذا الرأي ذهب إليه أبو بكر جابر الجزائري
(5)
.
هذه هي الاتجاهات الثلاث في الفقه الإسلامي بخصوص زراعة الأرض المغصوبة وقد احتج أصحاب كل اتجاه على رأيهم بأدلة سنذكرها. ولكن الذي يهمنا ان نذكره قبل ذلك ان الفقهاء يرون وجوب قلع الزرع من الأرض المغصوبة وتحميل الغاصب نتائج عمله بتضمينه ما يطرأ على الأرض من نقص.
(1)
المقنع/234:2.
(2)
منتهى الإرادات/509:1، غاية المنتهى/الكرمي/235:2.
(3)
القوانين/ص 283.
(4)
مسالك الافهام/ج 2/طبع حجر/ كتاب الغصب.
(5)
منهاج المسلم/باب الغصب/ط 3 دار الفكر/بيروت/1971.
سواء من يذهب الى ان الزرع للمالك فله قلعه والنظر فيما إذا يطرأ على الأرض نقص أم من يذهب الى ان الزرع للغاصب فإنهم أيضا يرون ان للمالك وجوب قلعه استنادا الى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس لعرق ظالم حق» .
نلحظ ذلك بما ذكره ابن قاضي سماونة
(1)
وابن غانم
(2)
من فقهاء المذهب الحنفي وما ذكره النووي
(3)
في المجموع وهو من الشافعية وفي المذهب الحنبلي ذكره صاحب مختصر الإنصاف
(4)
وذكره المحقق الحلي
(5)
من الجعفرية والعنسي
(6)
من الزيدية.
اما الآن فسنذكر أدلة كل فريق من الفقهاء:
استدل الذاهبون الى ان الزرع الذي زرعه الغاصب في الأرض المغصوبة إنما يكون لمالك الأرض وان ليس للغاصب شيء منه استدلوا على ذلك بما يأتي:
أولا - بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله
(7)
: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء ونرد عليه نفقته.» وهذا الحديث في رأيهم صريح في تقرير هذا الحكم ونفي أن يكون للغاصب ما زرعه في أرض الغير تعديا.
(1)
جامع الفصولين/73:2.
(2)
مجمع الضمانات/ص 128/ 129.
(3)
تكملة المجموع شرح المهذب/91:14.
(4)
مختصر الإنصاف/لابن عبد الوهاب/باب الغصب/ص 390.
(5)
شرائع الإسلام/2/ 156.
(6)
التاج المذهب لأحكام المذهب/356:3.
(7)
أخرجه الساعاتي في الفتح الرباني/148:15 واستدل به المقدسي في العدة شرح العمدة/ص 273 وهو من فقهاء المذهب الحنبلي، وأخرجه الشوكاني في نيل الأوطار/5: 359 كما ذكره الصنعاني في سبل السلام/72/ 73:3 وقد استدل به ايضا على ما ذهب اليه. وذكره ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام/ص 190 وقد أخرجه عن رافع بن خديج/ط 2 مصطفى البابي/مصر.
ثانيا - «ان الزارع بأرض غيره ظالم ولا حق له بل يخير بين إخراج ما غرسه وأخذ نفقته عليه. والقول انه دليل على ان الزرع للغاصب حمل له على خلاف ظاهره وكيف يقول الشارع ليس لعرق ظالم حقه ويسميه ظالما وينفي عنه الحق ونقول بل له الحق
(1)
.».
هذه أهم الأدلة التي استدل بها أصحاب الاتجاه الثاني في الفقه الإسلامي.
أما أصحاب الاتجاه الأول والذين ذهبوا الى أن الزرع للغاصب وليس للمالك إلا اجرة الأرض فقد استدلوا بما يأتي:
أولا - بما رووه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: «الزرع للزارع وإن كان غاصبا» .
وقد استدل به ابن المرتضى
(2)
من فقهاء الزيدية.
ونقل الشيخ محمد جواد مغنية
(3)
رواية عن الإمام الصادق عليه السلام بنفس المضمون ذكرناها آنفا.
وهذا الحديث مع فرض تمام صحته صريح في تقرير ان الزرع للغاصب.
ثانيا - ان تملك مال الغير بغير إذنه يتوقف على دليل ناقل عن حكم الأصل: عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يحل مال امرؤ مسلم إلا عن طيب نفس منه» .
وعلى هذا «فما دام الزرع نماء مال الغاصب فلا وجه لتمليكه لمالك
(4)
الأرض».
(1)
هذا الدليل ذكره الصنعاني من الزيدية في سبل السلام/72/ 73:3.
(2)
البحر الزخار/183:4.
(3)
فقه الإمام الصادق (ع) /18:3.
(4)
مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/طبع حجر. كشاف القناع/البهوتي/80:4.
ثالثا - ان حديث «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء» .
يحتلم فيه وجوه منها:
أ - أنه أراد أنه زرع أرضهم ببذرهم
(1)
.
ب - أنه ليس له في الزرع حق الترك والاستبقاء بما بينه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(2)
.
وما استدل به الفريقان تردّ عليه أمور:
1 -
ان ما استدل به أصحاب الاتجاه الثاني من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من زرع في أرض قوم. إلخ» يحتمل الوجوه التي ذكرها أصحاب الاتجاه الأول.
وعليه فيمكن عدم الاعتماد عليه في تقرير هذا الحكم.
2 -
ان حديث: «ليس لعرق ظالم حق» وإن كان قد ورد في مناسبة خاصة ذكرناها عند تخريج هذا الحديث إلا أنه يمكن إعطاءه صفة التعميم وعنده يمكننا أن نستند إليه أيضا في منع مالك الأرض من تملك ما زرعه الغاصب لأنه لا وجه له شرعا.
3 -
ما استدل به أصحاب الاتجاه الأول من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الزرع للزراع وإن كان غاصبا» لم يخرجه أحد من رواة الحديث على ما ذكره الصنعاني في سبل السلام
(3)
ولم أر تخريجه أيضا في كتب الحديث. وقال عنه الشوكاني: «ولم أقف على هذا الحديث فينظر فيه» وأما رواية الشيخ مغنية
(4)
(1)
البحر الزخار/183:4.
(2)
تكملة المجموع شرح المهذب/المطيعي/91:14.
(3)
سبل السلام/3: الغصب. نيل الأوطار/361:5.
(4)
فقه الإمام الصادق/18:3.
فإنها إضافة الى معارضتها لما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: «من زرع في أرض قوم. إلخ» فإنها غير صريحة في المقام.
وقد عقّب الشيخ
(1)
وهذا لا يتسق مع ما أورده من الرواية.
ولذلك كله فنحن نرشح الاتجاه الثالث في الفقه الإسلامي الذي يذهب الى أن المالك مخير بين تملك الزرع بنفقته وبين تركه للغاصب مع استيفاء أجرة الأرض. وذلك للأسباب التالية:
1 -
ان هذا الرأي يتفق مع روح العدالة التي يتحراها الفقه الإسلامي دائما ولأن فيه مصلحة الطرفين وعدم إلحاق الضرر بأي منهما ذلك لأن الغاصب وإن كان معتديا بوضع البذر والزرع في أرض الغير بدون إذنه إلا أنه لا ينبغي أن يقابل بعدوان مثله أي بمصادرة ملكه مطلقا وتمليك ما زرعه للمالك لأن هذا كما عرفنا لا وجه له شرعا. وأما من جهة المالك فإن إعطاءه حق التخيير بإبقاء زرع الغاصب في أرضه بأجرة أو بتملكه لقاء تعويض عادل للغاصب ان ذلك بمثابة إعادة تصرف المغصوب منه في ملكه تصرفا كاملا جريا مع قاعدة «الناس مسلطون على أموالهم» .
2 -
ان هذا الرأي يتفق مع قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» ويمكن أن يستند إليها.
3 -
ان هذا الرأي يحول بين ان يجني الغاصب ثمار غصبه في عين الوقت الذي يحفظ له حقه من الهدر.
(1)
فقه الإمام الصادق «ع» /3/ص 19.
المبحث الثاني: الغرس والبناء والحفر في الأرض المغصوبة
الفرع الأول: الغرس والبناء
ان الغاصب قد يغرس غرسا في الأرض المغصوبة أو يبني بناء فيها بمواد من عنده وبأدواته فما هو الحكم هنا.
يبدو ان للفقهاء آراء في المقام:
الأول: رأي بعض الحنفية والشافعية والحنابلة والجعفرية وهو القول بأن على الغاصب قلع ما غرسه وما بناه في الأرض المغصوبة وردّ الأرض وأرش ما يطرأ عليها بسبب القلع.
ذكر ذلك القدوري
(1)
من فقهاء الحنفية قائلا: «ومن غصب أرضا فغرس فيها أو بنى فيها قيل له أقلع البناء والغرس وردها الى مالكها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ليس لعرق ظالم حق» .
وذكر الشافعي
(2)
ذلك أيضا بقوله: «ولو اغتصبه أرضا فغرسها.
أو بنى فيها بناء أو شقّ أنهارا كان عليه كراء مثل الأرض بالحال الذي اغتصبه إياها وكان على الباني والغارس أن يقلع بناءه وغرسه فإذا قلعه ضمن ما نقص القلع الأرض حتى يردّ الأرض بحالها حين أخذها».
ومن فقهاء الحنابلة ذكر ابن النجار
(3)
: «وإن غرس أو بنى فيها - أي الأرض المغصوبة أخذ بقلع غرسه أو بنائه وتسويتها وأرش نقصها وأجرتها» .
(1)
جوهرة القدوري/342:1، جامع الفصولين/ابن قاضي سماونة/96:2. وراجع مجمع الضمانات/لابن غانم/127:1.
(2)
الام/222:3، المهذب/الشيرازي/378:1.
(3)
منتهى الإرادات/509:1، العمدة/المقدسي/ص 273. مختصر الإنصاف/محمد عبد الوهاب/ص 390، المقنع/موفق الدين بن قدامة/245:2.
ومن فقهاء المذهب الجعفري:
ذكر المحقق الحلي
(1)
اما الزيدية
(2)
فعلى هذا الرأي لكنهم لا يرون ضمان نقص الأرض.
الثاني: أما الرأي الثاني فهو رأي فقهاء المالكية وهو تخيير المالك بين دفع قيمة الغرس والبناء وأخذ الأرض المغصوبة بما عليها أو أمره بقلع غرسه أو بنائه.
جاء في المدونة
(3)
وذكر الدردير
(4)
وذكر ابن جزي
(5)
: «من غصب أرضا فغرس فيها أشجارا لا يؤمر
(1)
شرائع الإسلام/156:2، مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/طبع حجر/ الغصب. فقه الامام الصادق/محمد جواد مغنية/18:3، المبسوط الطوسي/73:3.
(2)
التاج المذهب/العنسي 356:3.
(3)
ج 14/ص 74.
(4)
الشرح الصغير/91:4.
(5)
القوانين/ص 283.
بقلعها وللمغصوب منه ان يعطيه قيمتها بعد طرح اجرة القلع كالبنيان.».
هذان هما الرأيان اللذان استخلصناهما في هذه المسألة ولقد استدل أصحاب الاتجاه الأول بعدة أدلة نذكر منها:
1 -
بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس لعرق ظالم حق» وقد استدل بهذا الحديث القدوري
(1)
من فقهاء الحنفية والشافعي
(2)
والشيرازي
(3)
من الشافعية والمقدسي
(4)
من الحنابلة والشهيد الثاني من الجعفرية
(5)
.
ومعنى هذا الحديث ما ذكر في هامش المنتقى
(6)
: قال الترمذي عن محمد ابن المثنى سألت أبا الوليد الطيالسي عن قوله وليس لعرق ظالم حق فقال العرق الظالم الغاصب الذي يأخذ ما ليس له قلت: هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره؟ قال: هو ذاك. اهـ.
وهكذا يتضح مفهوم هذا الحديث ودلالته على المراد. والأكثر من ذلك ان هذا الحديث إنما ورد في مناسبة لها دلالة على المراد وهي ما ذكره البيهقي
(7)
قال: «. عن يحيى بن عروة عن أبيه قال: اختصم رجلان من بياضة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى رسول
(1)
جوهرة القدوري/342:1.
(2)
الام/222:3.
(3)
المهذب/378:1.
(4)
العمدة شرح العمدة/ص 273.
(5)
مسالك الافهام/ج 2/طبع حجر.
(6)
المنتقى من اخبار المصطفى/395:2.
(7)
سنن البيهقي/99:6 وقد اخرج هذا الحديث في الدارقطني ج 2 ص 217 عن عائشة، والساعاتي/في الفتح الرباني/148:15 عن عبادة بن الصامت ان رسول الله قضى انه ليس لعرق ظالم حق. وأورده ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام/ص 190 وأخرجه الشوكاني/في نيل الأوطار/359:5 وذكره في الدراية/شهاب الدين العسقلاني/ج 1 ص 201.
الله صلى الله عليه وآله وسلم لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل ان يخرج نخله منها قال: قال عروة فلقد أخبرني الذي حدثني قال رأيتها وانه ليضرب في أصولها بالفؤوس وانه لنخل عمّ حتى أخرجت.» 2 - ما ذكره القدوري
(1)
3 -
ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «من بنى في أرض قوم بغير إذنهم فله نقضه» .
هذه هي أهم الأدلة في المقام وهي قوية معتبرة تنهض في اسناد هذا الرأي ولذا فنحن نميل اليه ولا يسعنا المصير الى غيره خصوصا وان الحديث
(2)
قد ورد في تأكيد هذا الحكم وليس له ما يعارضه على ما نعلم.
أما الرأي الآخر وهو رأي المالكية فلم أعثر لا في كتبهم ولا في غيرها على ما يسنده أو يؤيده لا من رواية معتبرة ولا من حجة منطقية.
الفرع الثاني: الحفر في الأرض المغصوبة
ان الغاصب قد يحفر بئرا في الأرض التي غصبها فإذا استرد المالك هذه الأرض فهل يحق له إلزام الغاصب بطمّها؟ وإذا رضي المالك ببقاء تلك البئر فما هو الحكم؟ يظهر من كلمات الفقهاء في المقام انهم اختلفوا في مسألة أحقية المالك في إلزام الغاصب طمّ البئر التي حفرها في أرضه المغصوبة:
(1)
جوهرة القدوري/342:1.
(2)
سنن البيهقي/ج 6/ص 91 اخرج الحديث عن طريق عائشة وأخرجه أيضا عن طريق عبد الله بن عمر.
فذهب الشافعية والحنابلة والجعفرية الى ان المالك إذا طلب من الغاصب طمّ البئر لزمه ذلك.
ذكر الشيرازي
(1)
من فقهاء الشافعية ذلك قائلا: «وان غصب أرضا وحفر فيها بئرا فطالبه صاحب الأرض بطمّها لزمه طمها لأن التراب ملكه وقد نقله من موضعه فلزمه ردّه الى موضعه.» .
وذكر المرداوي
(2)
من فقهاء الحنابلة ذلك أيضا قائلا: «إذا حفر بئرا أو شق نهرا ونحوه في أرض غصبها فطالبه المالك بطمّها لزمه ذلك ان كان لغرض قاله الحارثي.» .
وذكر الطوسي
(3)
من الجعفرية انه: «إذا غصب أرضا وحفر فيها بئرا كان للمالك مطالبته بطمّها لأن على رب الأرض ضررا في ترك طمّها.» .
وقد خالف هذا الاتجاه فقهاء الزيدية على ما ذكر العنسي
(4)
قائلا:
«الطمّ ان طلبه صاحب الأرض لم يلزم.» .
والرأي الأول هو الراجح لما ذكروه من أدلة معتبرة ولأن الغاصب يتحمل مسؤولية تصرفه في المغصوب.
وهنا لو أراد الغاصب ان يطمّ البئر التي حفرها دون موافقة المالك أو طلبه فهل يحق له ذلك؟ يظهر ان هناك اتجاهين عند الفقهاء:
(1)
المهذب/379:1، الام/الشافعي/221/ 222:3، نهاية المحتاج/الرملي/ 176:5.
(2)
الإنصاف 148:6، كشاف القناع/البهوتي/88:4، المقنع/لابن قدامة/2:236.
(3)
المبسوط /73:3، مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/طبع حجر.
(4)
التاج المذهب/358:3.
الاتجاه الأول: وهو اتجاه الشافعية والصحيح في المذهب الحنبلي ورأي عند الجعفرية
(1)
. وهو القول بأن الغاصب يملك طمّ البئر ابتداء وان لم يرض المالك.
ذكر الغزالي
(2)
من فقهاء الشافعية انه: «لو حفر بئرا في داره فله طمّها وان أباه المالك. وقد علل ذلك بقوله: «ليخرج عن عهدة التردي» وقد ذكر ذلك الشيرازي
(3)
أيضا معللا ذلك بقوله: «لأن له غرضا في طمّها وهو ان يسقط عنه ضمان من يقع فيها. ولذلك يذهب الشيرازي
(4)
الى ان المالك إذا أبرأ الغاصب من ضمان من يقع فيها ورضي بوجودها فوجهان أحدهما: يصح الإبراء والثاني لا يصح.
أما في المذهب الحنبلي فقد ذكر المرداوي
(5)
: «وان أراد الغاصب طمّها ابتداء، فلا يخلو أما أن يكون لغرص صحيح أو لا؟ فان كان لغرض صحيح كإسقاط ضمان ما يقع فيها. فله طمّها من غير اذن ربها على الصحيح من المذهب أما إذا أبرأه المالك من ضمان
(6)
من يقع فيها فلا يملك طمّها في أحد الوجهين على رأي الحنابلة.».
والاتجاه الآخر: يذهب الى ان طمّ البئر التي حفرها الغاصب في أرض المغصوب منه لا يتم إلا بإذن المالك وانه إذا أبرأه ورضي باستبقاء البئر سقط الضمان عن الغاصب. وهذا هو رأي الحنفية واتجاه عند الحنابلة وعند الجعفرية
(1)
المبسوط /الشيخ الطوسي/73:3.
(2)
الوجيز/211:1، نهاية المحتاج/الرملي/176:5.
(3)
المهذب/379:1.
(4)
نفس المصدر.
(5)
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف/148:6.
(6)
المقنع/لموفق الدين بن قدامة/236:2.
فقد ذكر ابن غانم
(1)
من فقهاء الحنفية ذلك بقوله: «ولو حفر بئرا في دار غصب ورضي به المالك وأراد الغاصب الطمّ يمنع عندنا خلافا للشافعي.» .
وذكر ابن قدامة
(2)
من فقهاء الحنابلة ذلك بقوله: «وان غصب أرضا فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمّها إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين.» .
وذكر المحقق الحلي
(3)
من فقهاء الجعفرية ذلك أيضا قائلا: «ولو حفر الغاصب في الأرض بئرا كان عليه طمّها مع كراهية المالك؟ قيل نعم لتحفظها من درك التردي ولو قيل للمالك منعه كان حسنا، والضمان يسقط عنه برضا المالك باستبقائها» .
وذكر الشيخ محمد جواد مغنية
(4)
وهذا الرأي ذهب إليه الزيدية ايضا على ما ذكره العنسي
(5)
.
وعليه فهذا الاتجاه الثاني الذي يذهب الى ان طمّ البئر التي يحفرها الغاصب لا يتم إلا بإذن المالك وانه إذا أبرأه ورضي ببقاء البئر سقط الضمان عن
(1)
مجمع الضمانات/ص 128.
(2)
المقنع/2236:2، الإنصاف/المرداوي/148:6.
(3)
شرائع الإسلام/156:2، مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2/طبع حجر.
(4)
فقه الامام الصادق/19:3، جواهر الكلام/الشيخ محمد حسن النجفي/ج 6، مفتاح الكرامة/محمد جواد الحسيني العاملي/ج 6.
(5)
التاج المذهب لأحكام المذهب/358:3.
الغاصب ان هذا الاتجاه في الفقه الإسلامي هو الذي نميل اليه ونرشحه في المقام وذلك لما يأتي:
نقول بأن أصحاب الاتجاه الأول إنما يذهبون الى القول بأن الغاصب يملك طمّ البئر التي حفرها في أرض المغصوب منه وان ابى المالك ذلك لغرض إسقاط الضمان عن الغاصب فيما إذا تردى في البئر أحد وهذا وان كان صحيحا باعتباره يتضمن رفع الضرر عن الغاصب وفيه مصلحة للطرفين إلا انه من جهة أخرى يستلزم التصرف في ملك الغير بدون اذنه وهو ممنوع على ما تبيناه لأنه ينطوي على قصر سلطنة المالك عن ملكه وهو لا وجه له.
ونقول ايضا ان الاتجاه الثاني يعالج نقطة إسقاط الضمان عن الغاصب دون ان يقع في محذور التصرف في ملك الغير بغير اذنه وذلك لاشتراطه رضا المالك في الموضوع فإن رضي المالك ببقاء البئر فلا وجه لإجباره على طمّها ثم هو في هذا الحال يكون قد تحمل مسؤولية الضرر المتأتي من وجودها لأنه حين رضي ببقائها فكأنه هو الذي حفرها.
الفصل الثالث
اختلاف الغاصب والمغصوب منه
ثلاث مباحث المبحث الأول: التنازع في تلف المغصوب وفي ردّه المبحث الثاني: التنازع في صفة المغصوب المبحث الثالث: الاختلاف في قيمة المغصوب
الفصل الثالث: اختلاف الغاصب والمغصوب منه (دعاوي الغصب) ان الغاصب حين مطالبته بردّ المغصوب وإيجابه عليه قد يدعى تلفه وهلاكه ومع بقائه فقد يحدث نزاع وخصام بين المالك والغاصب في صفة المغصوب أو جنسه أو قدره أو قيمته وهنا كيف يتم حسم هذه القضايا من وجهة نظر الفقه الإسلامي.
هذا ما سنبحثه في هذا الفصل. مستعرضين آراء الفقهاء في المقام مستخلصين اتجاهاتهم.
المبحث الأول: التنازع في تلف المغصوب وفي ردّه
الفرع الأول: تلف المغصوب:
الظاهر من كلمات الفقهاء في المقام ان هناك اتجاهين في هذه المسألة:
الأول: اتجاه جمهور الفقهاء وأولاء يذهبون الى ان المالك إذا تنازع مع الغاصب في تلف المغصوب أي إذا ادعى الغاصب التلف وأنكر المالك مدعيا البقاء فإن القول قول الغاصب مع يمينه.
ذكر ذلك الشيرازي
(1)
من فقهاء المذهب الشافعي قائلا: «إذا اختلف الغاصب والمغصوب منه في تلف المغصوب فقال المغصوب منه هو باق وقال الغاصب تلف فالقول قول الغاصب مع يمينه. وهل يلزمه البدل؟ فيه وجهان. الثاني يلزمه لأنه بيمينه تعذر الرجوع الى العين فاستحق البدل كما لو غصب عبدا فأبق» .
وذكر ذلك الأردبيلي
(2)
أيضا.
(1)
المهذب/383:1.
(2)
الأنوار لإعمال الأبرار/ص 363، منهج الطلاب المطبوع بهامش فتح الوهاب ج 1 ص 234، نهاية المحتاج/الرملي/170:5.
وذكر المرداوي
(1)
من فقهاء المذهب الحنبلي انه: «لو اختلفا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب مع يمينه على الصحيح من المذهب قال في الفروع: قبل قول الغاصب في الأصح وجزم به في المغني وقدمه الحارثي.
فعلى المذهب للمغصوب منه أن يطالب الغاصب ببدله».
وهو رأي بعض المالكية:
ذكر ابن الحطاب
(2)
وهو رأي فقهاء المذهب الجعفري:
ذكر المحقق الحلي
(3)
: «وإذا اختلفا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب مع يمينه فإذا حلف طالبه المالك بالقيمة لتعذر العين» .
وذكر الشهيد الثاني
(4)
الاتجاه الآخر: وهو اتجاه المذهب الحنفي والزيدي وهؤلاء يذهبون إلى
(1)
الإنصاف/211:6، زوائد الكافي/ص 155.
(2)
مواهب الجليل/289:5.
(3)
شرائع الإسلام/157:2، مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2 طبع حجر. كفاية الأحكام/السبزواري/ج 2/طبع حجر. جواهر الكلام/محمد حسن النجفي/ج 6 طبع حجر/باب الغصب.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/59:7.
أن الغاصب إذا ادعى تلف المغصوب فإنه يحبس مدة بحيث يعلم أنه لو كان باقيا لأظهره ثم يقضي عليه بالبدل.
ذكر عبد الله الموصلي
(1)
من الحنفية: «وإن ادعى الهلاك حبسه الحاكم مدة يعلم أنها لو كانت باقية - أي العين المغصوبة لأظهرها ثم يقضي عليه ببدلها. وذكر ابن المرتضى
(2)
من فقهاء الزيدية ذلك قائلا: والقول للمالك في بقاء العين إذ هو الأصل ويريد إسقاط حق المالك فيحبس حتى يظن الحاكم أنها لو كانت باقية سلمها».
وفي المذهب الجعفري ذهب الى هذا الرأي جماعة
(3)
ولكن اشترطوا اقامة المالك البينة على بقاء العين.
ونحن هنا مع هذا الاتجاه لأنه الأقرب الى الصواب ذلك ان الغاصب قد يدعي تلف المغصوب ليتملكه بقيمته بعد ذلك وفي ذلك إضاعة لحقوق العباد واحتيال لأكل أموال الناس بالباطل وهو ما لا تجيزه الشريعة بأي حال.
ثم ان دعوى التلف خلاف الأصل ولا يلزم تخليده الحبس كما ذهب جماعة لأنه إنما يحبس مدة بحيث يعلم أنه لو كان المغصوب باقيا لسلمة. وفي ذلك ردع للغصّاب من سلوك مثل هذه الطرق.
الفرع الثاني: الاختلاف في ردّ المغصوب وعدمه
ذهب الحنفية في هذه المسألة الى أن الغاصب إذا اختلف مع المغصوب منه في ردّ المغصوب فإنه لا يصدق إلا ببينة. قال الكاساني
(4)
ذلك معللا:
(1)
الاختيار لتعليل المختار/60:3، بدائع الصنائع/الكاساني/151:7.
(2)
البحر الزخار/191:4.
(3)
جواهر الكلام/الشيخ محمد حسن النجفي/ج 6/طبع حجر/آخر كتاب الغصب.
(4)
بدائع الصنائع/151:7.
وخالفهم في ذلك الحنابلة إذ ذهبوا الى أن المالك إذا اختلف مع الغاصب حول ردّ المغصوب أو عدمه فالقول قول المالك.
ذكر ذلك المرداوي
(1)
قائلا: «ولو اختلفا في رده أو عيب فالقول قول المالك بلا نزاع أعلمه» .
وإلى هذا الرأي رأي الحنابلة ذهب الجعفرية فقد ذكر الشهيد الثاني
(2)
:
«ولو اختلفا في الردّ حلف المالك لأصالة عدمه» .
المبحث الثاني: التنازع في صفة المغصوب
ان الغاصب عندما يرد المغصوب فقد يحصل نزاع بينه وبين المالك في صفة المغصوب كأن يدعي المالك أنه غصبه العين جديدة وينكر الغاصب ذلك أو يختلفان في عيب في المغصوب فيدعي الغاصب وجوده قبل الغصب وينكر المالك حينئذ لمن سيكون القول؟ نتناول هذا المبحث ونقسمه الى فرعين:
الفرع الأول: الاختلاف في صفة المغصوب من حيث الحداثة والقدم
عندما نستعرض كلمات الفقهاء هنا يتبين لنا انهم على اتفاق في هذه المسألة إذ يذهبون الى أن القول هنا للغاصب بيمينه.
(1)
الإنصاف/211:6، المقنع/لابن قدامة/251:2.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية/60:7، مسالك الافهام/ج 2/طبع حجر المبسوط /الشيخ الطوسي/105:3، شرائع الإسلام/المحقق الحلي/157:2.
ذكر ذلك الكاساني
(1)
من فقهاء المذهب الحنفي قائلا: «ولو اختلفا في أصل الغصب أو في جنس المغصوب ونوعه أو قدره أو صفته أو قيمته وقت الغصب فالقول في ذلك كله قول الغاصب» .
وذكر الشيرازي
(2)
من فقهاء المذهب الشافعي انه: «ان قال المغصوب منه غصبتني طعاما حديثا وقال الغاصب بل غصبتك عتيقا فالقول قول الغاصب» .
وذكر المرداوي
(3)
من فقهاء الحنابلة: «ان غصبه طعاما فقال كان عتيقا فلا يلزمني حديث فأنكره فالقول قول الغاصب ويأخذ المغصوب منه العتيق» .
وفي المذهب المالكي:
ذكر سحنون
(4)
وفي المذهب الزيدي:
جاء في التاج
(5)
(1)
بدائع الصنائع/163:7، مجمع الضمانات/لابن غانم/ص 129.
(2)
المهذب/383:1، نهاية المحتاج/الرملي/171:5.
(3)
الإنصاف/211:6.
(4)
المدونة/163:14.
(5)
التاج المذهب/370:3.
وقد علّلوا ذلك بما يأتي:
1 -
«ان المغصوب منه يدعي عليه الضمان وهو ينكر ذلك فكان القول قوله إذ القول في الشرع قول المنكر»
(1)
.
2 -
«ان الأصل براءة ذمته فلا يلزمه الحديث»
(2)
.
الفرع الثاني: لو اختلفا في تعيب المغصوب
ان الغاصب قد يختلف مع المالك في العيب الموجود في المغصوب كأن يدعي المالك انه إنما حدث عند الغاصب فينكر الغاصب ويدعي أنه غصبه معيبا فلمن سيكون القول هنا؟ وبينة من سترجح؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة ويبدو من كلماتهم في المقام ان هناك رأيين:
الأول: ان القول للمالك.
الثاني: القول للغاصب.
والرأي الأول: هو رأي الحنفية وجمهور الحنابلة وجمهور الجعفرية ووجه عند الزيدية.
ذكر الكاساني
(3)
(1)
بدائع الصنائع/الكاساني/163:7.
(2)
المهذب/الشيرازي/383:1.
(3)
بدائع الصنائع/164:7.
وهنا يعني أن القول بشكل مبدئي للمالك.
وذكر المرداوي
(1)
من فقهاء الحنابلة: «وان اختلفا في رده أو عيب فالقول قول المالك بلا نزاع أعلمه» .
وذكر المحقق الحلي
(2)
من فقهاء الجعفرية: «أما لو ادعى الغاصب عيبا فأنكر المالك فالقول قوله مع يمينه» .
وذكر ابن المرتضى
(3)
من الزيدية: «فرع: فإن قال الغاصب كان معيبا فقيمته كذا. فوجهان: يقبل، إذ الأصل البراءة، ولا إذ الأصل السلامة من العيوب» .
واحتج هؤلاء بأصالة السلامة من العيوب.
أما الرأي الثاني: فهو لبعض الجعفرية ووجه عند الزيدية ورأي للشافعية ورأي لبعض الحنابلة وهو كما قلنا أنهما إذا اختلفا في العيب فالقول للغاصب.
ذكر ذلك الشيخ الطوسي
(4)
من فقهاء الجعفرية.
وقال به ابن إدريس أيضا صاحب السرائر على ما ذكره صاحب مفتاح الكرامة
(5)
. وأشار إليه المرداوي
(6)
من الحنابلة والشيرازي
(7)
من الشافعية.
(1)
الإنصاف/211:6، المقنع/لابن قدامة/251:2، غاية المنتهى 248:2.
(2)
شرائع الإسلام/157:2، كفاية الأحكام/السبزواري/ج 2 طبع حجر، كذلك مسالك الافهام/الشهيد الثاني/ج 2 طبع حجر، جواهر الكلام/النجفي/ج 6/طبع حجر.
(3)
البحر الزخار/191:4، التاج المذهب/العنسي/368:3.
(4)
المبسوط /104:3.
(5)
مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة/محمد الجواد الحسيني العاملي/ج 6 ص 257.
(6)
الإنصاف/211:6.
(7)
المهذب/383:1.
وذكر ابن المرتضى
(1)
ذلك أيضا كما قدمنا. وعليه فهو وجه عند الزيدية. ونحن نرجح هذا الرأي لأن أصل البراءة يقدم على أصل السلامة فبراءة ذمة الغاصب من الانشغال هي الأولى هنا في التقديم.
المبحث الثالث: الاختلاف في قيمة المغصوب
وقد يختلف الغاصب مع المغصوب منه في قيمة المغصوب بعد إقراره بالغصب وعندئذ لمن سيكون القول هنا؟ الظاهر من كلمات الفقهاء ان هناك اتجاهين اتجاه جمهور الفقهاء وهم يذهبون الى أن القول للغاصب مع يمينه والاتجاه الآخر اتجاه جماعة من فقهاء الجعفرية وقد ذهبوا الى أن القول للمالك مع يمينه.
الاتجاه الأول: اتجاه جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وجماعة من الجعفرية والزيدية.
ذكر الكاساني
(2)
من فقهاء الحنفية ذلك قائلا: «ولو اختلفا في أصل الغصب. أو جنس المغصوب. أو قيمته فالقول في ذلك كله قول الغاصب» .
وفي المذهب الشافعي:
القول للغاصب أيضا مع يمينه على ما ذكر في الأم
(3)
.
وفي المذهب الحنبلي:
ذكر ابن قدامة
(4)
(1)
البحر الزخار/191:4.
(2)
بدائع الصنائع/163:7، الاختيار/الموصلي/60:3.
(3)
الام/225:3، نهاية المحتاج/الرملي/171:5. المهذب/الشيرازي/383:1.
(4)
المقنع/251:2، الإنصاف/المرداوي/211:6، غاية المنتهى/الكرمي 248:2.
وفي المذهب الجعفري:
ذكر الشيخ الطوسي
(1)
: «إذا غصب من رجل ثوبا وأتلفه فاختلفا في قيمته فالقول قول الغاصب» .
وذكر الشهيد الثاني
(2)
: «وإذا اختلفا في القيمة حلف الغاصب» .
وفي المذهب الزيدي:
ذكر ابن المرتضى
(3)
: «. وان اتفقا على التلف واختلفا في القيمة، فالقول للغاصب» .
وإنما ذهبوا الى هذا الرأي للأدلة التالية:
أ - «لأن المغصوب منه يدعي عليه الضمان وهو ينكر فكان القول قوله إذ القول في الشرع قول المنكر»
(4)
.
ب - «لأن الأصل براءة ذمته فلا يلزمه إلا ما أقر به كما لو ادعى عليه دينا من غير غصب فأقرّ ببعضه»
(5)
.
ج - «لأن الأصل البراءة من الزيادة على ما أقرّ به إلا أن يدعي خلاف المعتاد»
(6)
.
د - «لأصالة البراءة من الزائد ولأنه منكر ما لم يدع ما يعلم كذبه»
(7)
.
هذه أهم الأدلة التي ساقها الفقهاء في المقام لتأييد قولهم بأن الغاصب إذا اختلف مع المالك في قيمة المغصوب فالقول قوله مع يمينه وهي كما يظهر قوية يمكن الاعتماد عليها لترجيح هذا الرأي.
(1)
المبسوط /101:3.
(2)
الروضة البهية/58:7، مسالك الافهام/ج 2/طبع حجر/ غير مرقم.
(3)
البحر الزخار/191:4، التاج المذهب/العنسي/370:3.
(4)
بدائع الصنائع/الكاساني الحنفي/163:7.
(5)
المهذب/الشيرازي/383:1.
(6)
البحر الزخار/لابن المرتضى/191:4.
(7)
الروضة البهية/الشهيد الثاني/58:7.
أما الاتجاه الآخر: وهو اتجاه جماعة من فقهاء الجعفرية فإنهم ذهبوا الى أن القول قول المالك:
ذكر المحقق الحلي
(1)
ذلك قائلا: «إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه وهو قول الأكثر» .
والظاهر ان هذا القول هو أحد قولي الشيخ الطوسي على ما ذكره السبزواري
(2)
.
ومع ذلك فإن الرأي الراجح عند فقهاء المذهب هو الرأي الأول وهو أن القول للغاصب على ما ذكره النجفي
(3)
قائلا: «ان هذا هو الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها أصل البراءة باعتبار أنه غارم» .
(1)
شرائع الإسلام/156:2.
(2)
كفاية الأحكام شرح شرائع الإسلام/ج 2/طبع حجر/باب الغصب.
(3)
جواهر الكلام/محمد حسن النجفي/ج 6/باب الغصب/طبعة حجرية.
الباب الرابع
نظرية الحيازة
فصلان
الفصل الأول
ثلاثة مباحث المبحث الأول: التعريف بنظرية الحيازة والتفرقة بينها وبين الغصب المبحث الثاني: عناصر الحيازة وشروطها المبحث الثالث: انتقال الحيازة
المبحث الأول: التعريف بنظرية الحيازة والتفرقة بينها وبين الغصب
من المستحسن أولا وقبل الدخول في مجال نظرية الحيازة ان نفرق بينها وبين الغصب وذلك لغرض تأشير الحدود بينهما وليسهل علينا بعد ذلك ان نبحث موارد الالتقاء بينهما في بعض الوجوه.
أما الغصب فقد استوضحناه فيما تقدم من بحوث وخلصنا إلى انه «وضع اليد على حق الغير عدوانا.» .
فاليد هنا اذن يد عادية.
أما الحيازة فهي كما عرفها القانون المدني العراقي
(1)
في الفقرة الاولى من المادة (1145) ما يلي: «وضع مادي به يسيطر الشخص بنفسه أو بالواسطة سيطرة فعلية على شيء يجوز التعامل فيه أو يستعمل بالفعل حقا من الحقوق.» ونحن هنا لو وضعنا نصب أعيننا شروط الحيازة
(2)
التي تتحدد: بالظهور والوضوح والهدوء، لخلصنا من كل ذلك الى ان الحيازة هي غير الغصب وان اليد الحائزة من حيث هي هادئة جديرة بالحماة بخلاف الغصب الذي لا يمكن ان يحميه القانون.
والذي يهمنا الآن بعد تقرير هذه الفكرة ان نتحدث عن الحيازة كنظرية لنتعرف من خلال ذلك على وجهة نظر الفقه الإسلامي بالخصوص ايضا.
لعل من المستحسن ان نتناول نظرية الحيازة من حيث ابتدأت فكرتها في القانون الروماني حتى أصبحت نظرية متكاملة في القوانين الحديثة:
وهنا عندما نرجع الى القانون الروماني
(3)
نجد أن الحيازة تعني من وجهة
(1)
الوجيز في المرافعات/الناهي/ص 162، راجع القانون المدني رقم 40 لسنة 1951.
(2)
الوسيط /السنهوري/840:9.
(3)
مبادئ القانون الروماني/عمر مصطفى ممدوح/ص 297 راجع القانون الروماني/ ترجمة هاشم الحافظ /مطبعة الإرشاد/ص 103.
نظر الفقهاء الرومان: «السلطنة المادية التي لشخص على مال معين سواء استندت هذه السلطة على حق أم لم تستند فوضع اليد هو - في نظرهم - واقعة وليس حقا» .
وهذا التعريف للحيازة ليس دقيقا بل هو أقرب الى المعنى اللغوي منه الى المعنى الفني «الاصطلاحي» .
لكنه يبدو ان «الوصف الحديث للحيازة بدأ في التشريع الالماني والسويسري فهي هنا ليست واقعة وإنما هي حق أو مصدر لحقوق
(1)
.».
ويظهر ان الفقهاء الفرنسيين يعتبرون الحيازة تبعا للملكية حتى انها لا تكون محمية إلا بسببها وقد قال في ذلك العلامة اهرنج: «ما الحيازة إلا الوجه من الملكية» .
أما تعريفها في القانون المدني العراقي فقد ذكرناه ومنه يظهر ان القانون المدني العراقي
(2)
قد سلك مسلك القانون الفرنسي في تكييف الحيازة فجعلها ذات صلة وثقى بالملكية بحيث تكون لها تبعا وتكون قرينة عليها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك كما صرحت المادة (1157) وقد حماها لذلك بدعاوى الحيازة في المواد (1151)(1154)، (1155).
والظاهر ان هذه النظرة ليست تبعية تقليدية للقانون الفرنسي وإنما هي ظاهرة ثابتة للشريعة الإسلامية في تقرير معنى الملكية وصيانتها من الاعتداء.
أما في التقنين المدني المصري
(3)
فقد عرفت الحيازة بأنها: «وضع مادي ينجم عن ان شخصا يسيطر سيطرة فعلية على حق سواء كان الشخص هو
(1)
شرح القانون المدني العراقي/حامد مصطفى/336:1.
(2)
شرح القانون المدني العراقي/حامد مصطفى/337:1.
(3)
الوسيط /السنهوري/783/ 784:9.
صاحب الحق أم لم يكن والحيازة على هذا التعريف ليست بحق عيني أو حق شخصي بل هي ليست حقا أصلا فهي كالشفعة ليست بحق ولكنها سبب لكسب الحق.».
وهنا وبعد هذا الاستعراض لمفهوم الحيازة في القوانين المدنية فإنه ليس من الصعب علينا ان نعثر على نصوص شرعية وفقهية يمكن ان نستند إليها في استخلاص مثل هذه النظرة.
ولا يفوتني هنا ان اذكر أولا ان فقهاء القانون قد استخلصوا هذه النظرة فالدكتور الناهي
(1)
وذكر حامد مصطفى
(2)
أما الفقهاء فقد ذكر الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء
(3)
(1)
الوجيز في المرافعات المدنية والتجارية/ص 163.
(2)
شرح القانون المدني العراقي/337:1.
(3)
تحرير المجلة/150:4.
وذكر السيد كاظم اليزدي
(1)
: «ان اليد امارة على ملكية الأعيان وهي أمارة ايضا على ملكية المنافع وعلى الحقوق كحق الاختصاص وحق الانتفاع وحق التحجير ونحو ذلك.» وذكر القرافي
(2)
من فقهاء المالكية: «ان اليد عبارة عن القرب والاتصال وأعظمها ثياب الإنسان التي هي عليه ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها ويليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها ويليه الدار التي هو ساكنها.» وذكر الشيرازي
(3)
من فقهاء الشافعية: «إذا تداعيا عينا نظرت فان كان لكل واحد منهما بينة نظرت فان كانت العين في يد أحدهما قضي لمن له اليد من غير يمين ومن أصحابنا من قال لا يقضى لصاحب اليد من غير يمين.
والمنصوص انه يقضى له من غير يمين لأن معه بينة معها ترجيح وهي اليد ومع الآخر بينة لا ترجيح معها والحجتان إذا تعارضتا ومع أحدهما ترجيح قضي بالتي معها الترجيح».
وذكر ابن المرتضى
(4)
: «بينة الداخل أرجح إذا اختصم رجلان في دابة وبيّن كل منهما انها نتجت عنده فحكم صلى الله عليه وآله وسلم لذي اليد.» وذكر ابن حزم
(5)
(1)
العروة الوثقى/119/ 121:3.
(2)
الفروق/78:4.
(3)
المهذب/312:2.
(4)
البحر الزخار/399:4.
(5)
المحلى/436:9.
والظاهر من كل هذه النصوص ان الشريعة الإسلامية تحترم اليد الحائزة وتجعلها امارة ظاهرة ودلالة راجحة على الملك.
وقد ورد من النصوص الشرعية ما يؤيد ذلك منها:
أولا - ما أورده السيد اليزدي
(1)
من خبر حفص بن غياث قال «أرأيت إذا رأيت في يد رجل شيئا أيجوز ان اشهد انه له؟ قال نعم الى ان قال عليه السلام: ولو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق» .
ثانيا - وكذلك ما ورد من الاخبار في تعارض البينات ويمكن ان يستدل ايضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر أو واليمين على المدعى عليه.
(2)
» وهذا الخبر واضح في الدلالة على احترام الشريعة الإسلامية لليد الحائزة وتكليف المدعي مؤنة الإثبات.
ثالثا - وقد استدل على احترام اليد بالإجماع
(3)
وعلى ان الاتفاق منعقد على ان من كان في يده شيء من الأموال يكون له.».
رابعا - ومن وجوه اعتبارها واحترامها بناء العقلاء من جميع الملل والأمم سواء أكانوا من أهل الأديان أم لا على اعتبارها وكونها امارة على ملكية المال لمن في يده فإنهم لا يتوقفون في ترتيب آثار الملكية على ما في أيدي الناس ولا يفتشون عن ان هذا الذي بيده هل له أو لغيره أو مسروق أو مغصوب والشارع المقدس لم يردع عن هذه السيرة والبناء بل أمضاها.
(1)
العروة الوثقى/119/ 121:3 «السؤال في الخبر للإمام الصادق (ع)» .
(2)
القواعد الفقهية/113/ 114:1/ حسن البجنوردي.
(3)
نفس المصدر.
المبحث الثاني:
الفرع الأول: عناصر الحيازة
الحيازة كما يظهر في القانون الروماني والقانونين المدني المصري والمدني العراقي تتكون من عنصرين أحدهما مادي والثاني معنوي. على ان هناك خلافا في تحديد المراد بكلا العنصرين: وسنتبين ذلك على التوالي:
ففي القانون الروماني ذكر عبد السلام ترمانيني
(1)
: «أن الحيازة تتكون من عنصرين: مادي وهو حيازة الشيء وممارسة سلطة فعلية عليه، ومعنوي وهو نية الحائز في ان يظهر بمظهر المالك فمن توفر في وضع يده هذان العنصر ان كان حائزا حقيقيا ووجب على البرينور حمايته ومن فقد العنصر المعنوي كان حائزا عرضيا ولا يستفيد من حماية البرينور.» أما في التقنين المدني المصري فقد جاء في المذكرة الايضاحية للمشروع التمهيدي للتقنين
(2)
المدني: «وللحيازة بعد توافر شروطها عنصران:
عنصر مادي هو السيطرة المادية وعنصر معنوي هو نية استعمال حق من الحقوق وكما ان الحيازة لا تقوم على مجرد العنصر المادي دون العنصر المعنوي كذلك العكس».
وقد شرح الأستاذ السنهوري المراد بالعنصر المادية قائلا: «انه السيطرة المادية وقد تتحقق ابتداء وقد تتحقق انتقالا من الغير وقد يباشر الشخص السيطرة بنفسه وهذا هو الأصل وقد يباشرها بواسطة الغير.
وتتحقق السيطرة المادية بأن يحرز الحائز الشيء بيده سواء كان هذا الشيء مملوكا للغير أم غير مملوك إحرازا ماديا ويباشر فيه من الأعمال المادية ما
(1)
محاضرات في القانون الروماني/ص/91/ 92، القانون الروماني/عمر مصطفى ممدوح/ ص 299.
(2)
التقنين المدني الجديد/محمد علي عرفة/ص 690.
يباشره المالك عادة في ملكه فإذا كان الشيء دارا مثلا دخل فيها واستحوذ عليها
(1)
وسكنها.» أما العنصر المعنوي: فقد اختلف فقهاء القانون في تحديده وهناك نظريتان:
النظرية الشخصية أو نظرية سافيني الذي يذهب الى ان العنصر المعنوي هو القصد أي قصد التملك أو استعمال الحق وهو عنصر اساسي. أما النظرية المادية أو نظرية اهرنج فهو يذهب الى ان مجرد السيطرة المادية يتضمن العنصر المعنوي وان المباشرة بالاستعمال دليل على ذلك القصد.
والظاهر ان التقنين المدني المصري سلك هنا مسلكا وسطا فاستفاد من كلا النظريتين كما ذكر السنهوري
(2)
حيث أخذ من حيث المبدأ بالنظرية الشخصية فأوجب لقيام الحيازة توافر العنصر المعنوي وهو عنصر القصد أي نية استعمال حق من الحقوق كما تأثر تأثرا كبيرا بالنظرية المادية فمدّ الحيازة أخذا بهذه النظرية إلى الحقوق الشخصية ولم يقصرها على الحقوق العينية كما قصرتها النظرية الشخصية وقد أخذ أهم تطبيق عملي للنظرية المادية إذا حمى حيازة المستأجر بجميع دعاوي الحيازة.
وأشار السنهوري هنا في الهامش الى ان التقنيات في البلاد العربية قد اتجهت اتّجاه القانون المدني المصري.
الفرع الثاني: سوء النية وحسنها في الحيازة
ان حسن النية هو اعتقاد من يتلقى الحق انه يتلقاه عمن يملكه دون ان يخالجه في ملكيته شك، وسواء ان يكون الحق حق الملكية أو حقا عينيا
(1)
الوسيط /792:9.
(2)
نفس المصدر ص 808/ 809.
آخر أو حقا شخصيا، وإذا ما توافر حسن النية على هذا الوجه لم ينسب إلى الحائز سوء النية وعندئذ لا يقال فيه انه يعتدى على حق الغير لأن الحيازة لا تكون اعتداء إلا إذا كانت غصبا أو إكراها أو على وجه الخفاء والغموض.
وهذا التعريف لحسن النية يبدو انه مستخلص من النص القانوني
(1)
«يعد حسن النية من يجوز الحق وهو يجهل انه يعتدي على حق الغير إلا إذا كان الجهل ناشئا عن خطأ جسيم.» وهذا هو نص المادة: (965) مدني مصري والمادة (969) مدني ليبي أما المادة (1148) من القانون المدني العراقي فقد نصت: «يعد حسن النية من يجوز الشيء وهو يجهل انه يعتدي على حق الغير وحسن النية يفترض دائما ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك» .
وقد ذكر حامد مصطفى
(2)
على ان المادة (1148) في عبارتها الأخيرة تنص على المبدأ العام في احترام الحيازة واعتبارها قرينة على وجود الحق فقالت: «يفترض حسن النية في الحيازة دائما ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك وقد اقتبس المشرع هذا النص من المادة (541) من مشروع القانون الايطالي وهذا المبدأ وجداني عام يتفق مع قاعدة الأصل براءة الذمة ودرء الحدود هذا ما لم يثبت العكس وعلى من يعارض الحائز إثبات ذلك وذلك ما أقرته مجلة الأحكام العدلية بنصها على ان بينة الخارج اولى من دعوى الملك المطلق والمقيد.» ويعتبر الحائز سيء النية: «من اغتصب الحيازة من غيره بالإكراه وان
(1)
الوسيط /864:9.
(2)
شرح القانون المدني العراقي/353:1.
اعتقد انه على حق في الاحتياز كما نصت الفقرة الثانية من المادة (1148) مدني عراقي، إذ ان انتقال الحيازة في هذه الحالة يقوم على سبب باطل حتى ان من اشترى شيئا ولم يدفع ثمنه فاغتصب حيازته معتقدا بأن له الحق في ذلك يعد حائزا بسوء نية ومن ادعى ملكية شيء فأخذه غصبا من حائزه يعد كذلك حائزا بسوء نية
(1)
».
وقد ذكر محمد علي عرفة
(2)
انه يعد سوء النية من اغتصب الحيازة من غيره بالإكراه حتى ولو كان يعتقد بحسن نية انه يملك الحق الذي اغتصب حيازته».
على ان السنهوري
(3)
ذكر ان الحائز يعتبر سيء النية في حالتين:
1 -
إذا ثبت ان الحائز وهو يجوز الحق الذي يستعمله ان حيازته لهذا الحق اعتداء على حق الغير. فالمغتصب مال الغير قد علم انه بعمله هذا قد اعتدى على حق هذا الغير ومن اشترى عينا من بائع لا يملكها وهو يعلم ذلك وتسلم العين يكون حائزا سيء النية لأنه يعلم بأن العين لم تنتقل ملكيتها اليه وانه بحيازته إياها يعتدي على حق مالكها.
2 -
إذا ثبت ان الحائز وان كان لا يعلم بأن حيازته اعتداء على حق الغير نتيجة لخطأ جسيم كان ينبغي عليه ان يعلم ذلك. وقد رأينا ان الجهل بالاعتداء على حق الغير لا يعتد به إذا كان نتيجة لخطأ جسيم.
ما يترتب على حسن النية وسوئها:
ذكر سليمان مرقص
(4)
ان التقنيات العربية قد نصت: «على إلزام
(1)
شرح القانون المدني الجديد/348:1.
(2)
التقنين المدني الجديد/ص 842.
(3)
الوسيط /867/ 868:9.
(4)
محاضرات في المسؤولية المدنية/القسم الأول ص 142/ 143.
حائز الشيء المملوك للغير ففرقت بين سيء النية والحائز حسن النية ففيما يتعلق بالأول نصت المواد: على انه يلزم برد الشيء إلى مالكه وبأن يردّ معه الثمار الطبيعية والمدنية التي حصلها أو كان يستطيع تحصيلها لو أدار العين ادارة عادية من وقت دخولها في حيازته وعلى ان يكون له الحق في استرداد ما أنفقه من مصروفات ضرورية لحفظ الشيء أو لتحصيل ثماره وعلى ان يتحمل هو نفقات الردّ.» وهنا لو رجعنا إلى نظرية الغصب
(1)
لرأينا ان الفقهاء المسلمين قد أجمعوا على ردّ المغصوب الى مالكه وتحميل الغاصب نفقات الردّ ومؤنته مهما عظمت كما ان عليه ان يردّ معه فوائده ومنافعه على التفصيل الذي ذكرناه في حينه.
وهذا وجه من وجوه الالتقاء بين الحيازة بسوء نية وبين الغصب.
مسؤولية الحائز سيء النية عن هلاك العين أو تلفها:
نصت المادة (983) من المدني المصري
(2)
على ما يأتي:
وتنص المادة (984) انه: «إذا كان الحائز سيء النية فإنه يكون مسئولا عن هلاك الشيء أو تلفه ولو كان ذلك ناشئا عن حادث فجائي إلا إذا ثبت ان الشيء كان يهلك أو يتلف ولو كان باقيا في يد من يستحقه» .
(1)
راجع ص 99 وما بعدها من الرسالة.
(2)
الوسيط /978/ 981:9.
وهذا هو نص المادة (1168) من التقنين المدني العراقي أيضا.
وقد ذكر السنهوري
(1)
: انه إذا كان الحائز سيء النية فإنه يكون مسئولا قبل المالك عن استعمال الشيء واستغلاله، فإذا نقصت قيمة الشيء بسبب الاستعمال أو الاستغلال وجب عليه التعويض وإذا جنى ثمار الشيء فإنه يلتزم بردّها الى المالك ويكون الحائز مسئولا عن هلاك الشيء سواء هلك بخطئه أو بسبب أجنبي، أما مسؤوليته فيما إذا هلك الشيء بسبب أجنبي وبغير خطئه فترجع إلى أنه سيء النية في حيازته الشيء.
واذكر
(2)
ايضا انه بعد تقريب المادتين (256) من المشروع التمهيدي والمادة (1346) من المشروع والتي أصبحت المادة (984) مدني يستخلص أن الحائز سيء النية يلتزم بردّ قيمة الشيء وقت الهلاك أو الضياع أو التلف وذلك دون إخلال بحق المالك في استرداد الشيء ولو تالفا مع التعويض عن نقص قيمته بسبب التلف.
وهنا نستطيع ان نتبين وجه الالتقاء بين الحيازة بسوء نية وبين الغصب.
فالحائز سيء النية إذ يضع يده على حق الغير بنية الاستحواذ عليه والتصرف فيه مع علمه بأن هذا الحق ليس عائدا له فإنما هو غاصب ايضا.
شروط الحيازة:
ان توفر عنصري الحيازة لا يكفي دون توافر شروط معينة لاعتبار الحيازة منتجة لآثارها وتحمى بدعاوى الحيازة وأهم هذه الشروط:
الهدوء، والظهور، والوضوع فإذا اقترنت الحيازة بإكراه أو كان هناك خفاء أو غموض فحينئذ لا تعتبر الحيازة صحيحة بحكم القانون.
(1)
الوسيط /978/ 981:9.
(2)
الوسيط /978/ 981:9.
وقد أكدت التقنيات المدنية في البلاد العربية
(1)
ذلك إذ جاء انه إذا اقترنت الحيازة بإكراه أو حصلت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها اثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب.».
المبحث الثالث: انتقال الحيازة:
تنتقل الحيازة من السلف الى الخلف على وجوه: فقد يكون بالتمكين من الحق تمكينا ماديا، وذلك يختلف باختلاف الحق ومحله، فإذا كان محله منقولا فتسليمه يقع وفق طبيعة الشيء وإذا كان عقارا فبالتسليم المادي.
وحيازة الخلف قد تقع منه نفسه وقد تقى من نائبه كالوكيل والولي والوصي نيابة عن الموكل والصغير والموصى عليه أو له ويعد من ذلك الوارث تنتقل إليه التركة على الوجه الذي تركها عليه المورّث وفي كل الأحوال تنتقل الحيازة من السلف الى الخلف بالصفة التي ابتدأ بها الانتقال فإذا كانت مباشرة أو لمصلحة الغير أو بالواسطة فإن حسن النية وسوئها يصاحبها عند الانتقال
(2)
.
ويراد بانتقال الحيازة من حائز الى حائز آخر ان تكون متصلة لا تنقطع اللاحقة منها عن السابقة ولا تعتبر اللاحقة حيازة مبتدأة وهكذا الاتصال ما بين الحيازتين السابقة واللاحقة يكون من شأنه جواز ضم مدة الحيازة السابقة إلى مدة الحيازة اللاحقة ويتم انتقال الحيازة بأحد طريقين:
1 -
بالميراث فتنتقل حيازة المورث الى الوارث وهذا هو انتقال الحيازة إلى الخلف العام.
(1)
الوسيط /841:9.
(2)
شرح القانون المدني العراقي/حامد مصطفى/353:1. الوسيط /السنهورى/ 874:9.
2 -
بالاتفاق: فيتفق الحائز مع شخص آخر على ان ينقل له الحيازة.
كما إذا اتفق البائع مع المشتري على ان ينقل له حيازة الشيء المبيع أو اتفق الورثة مع الموصى له بعين معينة على ان ينقلوا له حيازة هذه العين ويستوي في ذلك ان يكون الحائز السابق مالكا للحق الذي ينقل حيازته الى الحائز اللاحق أو غير مالك له وهذا هو انتقال الحيازة إلى الخلف الخاص
(1)
.» ان انتقال الحيازة إلى الخلف الخاص أو الى الخلف العام إذا تحقق فيها سوء النية فإنه حينئذ يعتبر من قبيل تعاقب الأيدي على الشيء المملوك للغير وبالتالي يترتب على الخلف خاصا كان أم عاما نفس المسؤلية التي كانت مترتبا على السلف إذا كان حائزا بسوء نية. وقد رأينا في باب الغصب ان من انتقل اليه المغصوب بشراء أو نحوه وكان عالما بالغصب فإنه يتحمل تمام المسئولية ايضا من ردّ المغصوب والتعويض عن الإضرار اللاحقة والضمان بالكيفية التي فصلناها.
وهذا هو وجه الالتقاء.
(1)
راجع الوسيط /877/ 884:9. شرح القانون المدني/حامد مصطفى/1: 353.
الفصل الثاني
دعاوي الحيازة
ثلاثة مباحث المبحث الأول: حكمه حماية الحيازة وخصائص دعاوي الحيازة المبحث الثاني: دعوى استرداد الحيازة المبحث الثالث: دعوى منع التعرض
المبحث الأول:
الفرع الأول: حكمه حماية الحيازة
الحيازة هي كما قلنا وضع اليد على الشيء مدة من الزمن بنية تملكه والظهور في استعماله بمظهر المالك. ولما كان اكتساب ملكية الشيء بطريق الحيازة يعتبر خروجا على تملك الأشياء بالطرق القانونية لذلك فلا بدّ من بيان الحكمة الداعية لحماية الحيازة والطرق المقررة لحمايتها.
وهنا يبدو أن هناك رأيين في تعليل وبيان حكمة حماية الحيازة.
رأي للفقيه الالماني سافيني ورأي للفقيه الالماني اهرنج.
أما سافيني فقد ذهب الى أن الحكمة في حماية الحيازة تقوم على فكرة النظام العام إذ أن في حمايتها حفظ الأمن والنظام في المجتمع ومنع أي تكدير لهما، لأن السماح بالتعدي على واضح اليد حتى ولو كان هذا التعدي صادرا من المالك نفسه فيه إشاعة للفوضى وتشجيع للأفراد على أخذ حقوقهم بالقوة دون اللجوء الى السلطة العامة بأن يرفع دعوى بحقه الذي يدعيه، وإلى أن يفصل في هذه الدعوى يجب أن يحتفظ واضع اليد بما تحت يده من مال لأن النظام الاجتماعي يقضي بعدم المساس بالحالة الراهنة حتى يصدر حكم بشأنها.
أما أهرنج: فقد ذهب الى أن الحكمة في حماية الحيازة هي لحماية المالك نفسه وعنده ان الحائز هو في الغالب مالك الشيء، ويفضل الادعاء باكتساب الشيء بالحيازة على ادعاء اكتسابه بالطرق القانونية لأن إثبات الملكية كان أمرا شاقا في القانون الروماني
(1)
.
ويبدو هنا «من الطريقة التي قررها البرينور لحماية الحيازة ان الحكمة من إقرارها مزدوجة فهي من جهة كانت ترمي الى حماية المالك الذي اكتسب حيازة الشيء بسبب صحيح لكي لا يشق عليه في إثبات تملكه ومن جهة
(1)
محاضرات في القانون الروماني/عبد السلام ترميناني/ص 97/ 98.
أخرى كانت ترمي الى المحافظة على الأمن لأن البرينور كان ينهي عن استعمال القوة لاسترداد الشيء من واضع اليد».
ويذكر الأستاذ الناهي
(1)
هنا ان حكمة حماية الحيازة تعود لاعتبارين:
الأول: ان في حماية الحيازة حماية للحق المحوز نفسه من طريق غير مباشر إذ الغالب أن يكون الحائز هو صاحب الحق ولذا فالقانون المدني يعتبر الحيازة قرينة على الملكية كما تنص المادة (1157) من المدني العراقي. وإذا ردّ على هذا بأن صاحب الحق ليس بحاجة الى دعاوي الحيازة لأن حقه تحميه دعاوي المطالبة بالحق فالجواب على ذلك ان دعاوي الحيازة أيسر منالا من دعاوي الحق نفسه وقد لا يكون في إمكان صاحب الحق إثباته في الحال فيلجأ في دفع الاعتداء عنه الى دعوى الحيازة.
الثاني: أن في حماية الحيازة حماية للأمن والنظام العام لأن في الاعتداء على الحيازة تعكيرا لهما ولذا لا يسوغ لأي شخص أن يغتصب الحيازة من حائزها ولا يجديه أن يبرر اعتداءه على الحيازة بقوله انه صاحب الحق لأن هذا من قبيل قضاء الإنسان لنفسه بنفسه وهو غير جائز فلا يبقى أمام من يدعي ملكية الحق المحوز سوى احترام حيازة ذي اليد الظاهرة المستوفية لشروط الحيازة والالتجاء الى القضاء بدعوى المطالبة بحقه. فالحماية التي أقرها القانون غالبا ما تكون حماية لصاحب الحق نفسه فإن لم تكنه كانت حماية الحيازة موقتة تسقط بإثبات الحق المحوز نفسه.
وذكر الأستاذ حامد مصطفى
(2)
في شرحه للقانون المدني العراقي قائلا:
«إن القانون يعير دعوى الحيازة أهمية خاصة وإن كانت غير واردة على حق الملكية دون أن يتطلب من صاحبها إثبات هذا الحق وذلك للأسباب التالية:
(1)
الوجيز في المرافعات المدنية والتجارية/ص 162/ 163.
(2)
شرح القانون المدني الجديد/357:1.
1 -
أن الحيازة هي الواقعة الظاهرة التي تصلح أن تكون قرينة على الملكية.
2 -
قد يتعذر على الحائز أن يجوز الوسائل السريعة التي تثبت ملكيته بوجه المعتدي على حيازته ذلك المعتدي الذي لا دليل له على الملكية أقوى من هذه القرينة التي في جانب الحائز تلك القرينة التي وصفها (أهرنج):
بأنها أول منازل الملكية. وعلى فرض أن الحائز لا يستند الى سبب صحيح فإن واقعة الحيازة نفسها إذا كان قد مرّ عليها زمن ما تجعله أولى بحماية القانون من شخص آخر جاء يعكر عليه صفو هذه الواقعة فالحيازة على هذا تتضمن جرثومة الملكية لأنها تفضي إليها من طريق التقادم فمن الصواب والمعقول أن يتاح للحائز أن يدفع عن هذه الواقعة الظاهرة التي جعلها القانون في صالحه بوسيلة من وسائل الإثبات وهذه الحالة هي من القوة بحيث نبرر استعمال دعوى الحيازة ضد من يعتدي عليها أو يعارض فيها.
لقد رأينا في نظرية الغصب ان الفقه الإسلامي يحترم اليد ويحميها من وقوع الاعتداء عليها ويجعل الغاصب ملزما بتحمل مسؤولية الغصب من ضمان المغصوب سواء باستهلاكه أو طرو النقص عليه أو تغيره ويضمن كذلك منافعه سواء التي انتفع بها أو التي لم ينتفع بها.
ومع ان الشريعة تقرر في جملة من مبادئها وأحكام القصاص ان لصاحب الحق أن يقتص لنفسه بقدر حقه إلا أن ذلك ليس على الإطلاق ثم هو يكون مطالبا أيضا بإثبات ان الحق له بوسائل الإثبات المقررة في الفقه كالإشهاد وغيره.
الفرع الثاني: خصائص دعاوي الحيازة
«دعوى الحيازة بوجه عام هي الدعوى التي يضعها القانون لحماية واقعة الحيازة أي حمل المدعى عليه على الاعتراف بالحق العيني العقاري فهي لذلك
ترمي إما الى منع التعرض للحيازة أو الى استعادة يد الحائز وذلك بغض النظر عن وجود الحق العيني نفسه فهي لهذا تبيح للحائز أن يدفع بها ولو كان المعارض هو في الحقيقة مالك الشيء كما تبيح له أن يستبقي هذه الواقعة حتى يثبت خصمه ملكية الحق ذاته والواقع ان دعوى الحيازة تختلف عن دعوى الملكية»
(1)
.
وقد ذكر الأستاذ السنهوري
(2)
ان دعاوي الحيازة تتميز بخصائص هي:
1 -
دعاوي تحمي الحيازة في ذاتها.
2 -
دعاوي تحمي حيازة العقار دون حيازة المنقول.
3 -
دعاوي تحمل طابع الاستعجال فتدخل في اختصاص القاضي الجزائي.
ويقصد بأنها دعاوي تحمي الحيازة في ذاتها أي دون نظر الى ما إذا كان الحائز يملك الحق المحوز أو لا يملكه فالحائز لأرض لا يطلب منه في مباشرة هذه الدعاوي إلا أن يثبت حيازته للأرض بالشروط الواجب توافرها في الحيازة.
ويقصد بأنها دعاوي تحمي حيازة العقار دون حيازة المنقول لأن المنقول ليس له مستقر ثابت يتيسر معه تمييز الحيازة عن الملكية في شأنه فيد الحائز للمنقول تختلط بيد المالك ومن ثم اختلطت الحيازة في المنقول بالملكية وحمت دعوى الملكية حيازة المنقول وملكيته معا.
وهنا يذكر الدكتور عبد السلام ترميناني
(3)
ان القوانين الحديثة قد
(1)
شرح القانون المدني العراقي/حامد مصطفى/356:1.
(2)
الوسيط /903/ 907:9. الوجيز في المرافعات المدنية/الناهي/ص 163/ 164.
(3)
محاضرات في القانون الروماني/ص 101/ 102.
تأثرت بالمبادئ التي قررها القانون الروماني فيما يتعلق بالحيازة ووسائل حمايتها.
ولكن الأستاذ السنهوري
(1)
يذهب الى خلاف هذا الرأي فيقول: «إن دعاوي الحيازة لا تمت بأصلها الى القانون الروماني إذ ليست لها صلة بما كان يسمى عند الرومان Laterdits وان حاول البعض دون جدوى إرجاع أصلها الى ذلك.
والظاهر ان أصل الدعاوي هذه يرجع الى القانون الكنسي وقد ظهرت في العصور الوسطى في صور دعاوي ثلاث: دعوى استرداد الحيازة ودعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة. وأقدم هذه الدعاوي دعوى استرداد الحيازة».
وسنبحث هنا أولا وبصورة أساسية دعوى استرداد الحيازة لعلاقتها بموضوعنا كما سنرى خلال البحث.
المبحث الثاني: دعوى استرداد الحيازة وآثارها
ان دعوى استرداد الحيازة «هي دعوى يقيمها حائز العقار ليسترد بها العقار الذي جرّد من حيازته كلا أو بعضا
(2)
.
(1)
الوسيط /ج 9/ص 907 وما بعدها.
(2)
الوجيز في المرافعات المدنية/ص 166/ 173.
ونستعرض هنا آراء القوانين المدنية بهذا الخصوص لنتعرف على تفاصيل الموضوع:
ففي التقنين الروماني يذكر (ترميناني)
(1)
: «ان استرداد الحيازة هو أمر يمنحه البرينور لمن اغتصب عقاره بالقوة ليسترد عقاره من الغاصب ولا يستفيد المغصوب منه من هذا الأمر إلا بتوفر شرطين:
الأول: أن تكون حيازته سليمة من العيوب التي تفسد الحيازة أي أن لا يكون قد حاز هذا الشيء بالإكراه أو خفية عن صاحبه أو كان قد استلمه منه لينتفع منه بصورة موقتة ولم يرده اليه.
الثاني: أن يطلب استرداد الحيازة خلال السنة التي حصل فيها الغصب ويترتب على ذلك ان من فقد حيازته بالإكراه أو خفية عنه فله أن يستردها ممن انتزعها منه شرط أن لا يعتمد في استردادها على السلاح أما إذا انتزعها بقوة السلاح فلمن كانت في حيازته أن يطلب من البرينور استردادها ولو كان غاصبا لها بالقوة لأن استعمال السلاح في استرداد الحيازة يعتبر عيبا أشد من عيب اغتصابها بغير سلاح ولمن اغتصب حيازته بقوة السلاح أن يطلب استردادها ولو بعد مضي سنة على الاغتصاب.
أما في التقنين المصري فقد ذكر السنهوري
(2)
النصوص القانونية التي تتعلق بدعوى الاسترداد وهي من المواد (958)، (960) ومقابل هذه المواد في التقنين المدني الليبي المواد (1150) الى (1153). وخلص السنهوري منها الى ما يأتي:
1 -
المدعي في دعوى استرداد الحيازة هو الحائز للعقار، ولو كان حائزا عرضيا بالنيابة عن غيره.
(1)
محاضرات في القانون الروماني/ص 101.
(2)
الوسيط /913/ 918:9.
2 -
المدعى عليه في دعوى الاسترداد هو من انتزع الحيازة من الحائز وكذلك خلفه ولو كان حسن النية.
3 -
المدة التي ترفع في خلالها دعوى استرداد الحيازة هي سنة من وقت فقد الحيازة أو من وقت العلم يفقدها.
4 -
ما يحكم به القاضي في دعوى استرداد الحيازة يختلف باختلاف ما إذا كانت الحيازة قد دامت سنة قبل انتزاعها وما إذا قد انتزعت بالقوة، وما إذا كان منتزع الحيازة أحق بالتفضيل.
5 -
التكييف القانوني لدعوى استرداد الحيازة هو انها تتراوح بين ان تكون دعوى شخصية من دعاوي المسؤولية ودعوى مستقلة من دعاوي الحيازة.
وهنا يهمنا الحديث عند النقطة الأولى التي يقول عندها السنهوري
(1)
:
ان المدعي في هذه الدعوى هو الحائز للعقار ويجب عليه أن يثبت أنه وقت ان انتزعت الحيازة منه كان حائزا للعقار حيازة خالية من العيوب أي حيازة مستمرة علنية هادئة وغير غامضة كما أنه ليس من الضروري أن يكون الحائز أصيلا بل يجوز للحائز العرضي وهو الذي يحوز لحساب الغير أن يكون مدعيا. كما أنه ليس من الضروري أن يكون الحائز حسن النية بل يجوز للحائز سيء النية كذلك.
أما المدعي عليه في دعوى استرداد الحيازة فهو الشخص الذي ينتزع الحيازة من الحائز بالقوة أو بالغصب علنا أو خفية فيشترط إذن أن يكون العمل الذي صدر من المدعى عليه:
1 -
عملا عدوانيا. وليس يلزم أن يكون هذا العمل العدواني منطويا
(1)
الوسيط /913/ 918:9.
على القوة والعنف وإن كان هذا هو الغالب بل يكفي أن يستولي المعتدي على العقار غصبا وقهرا.
2 -
أن يكون هذا العمل العدواني قد وقع في العقار ذاته الذي هو في حيازة الحائز.
3 -
أن يكون قد انتهى الى انتزاع الحيازة من الحائز بحيث لا يصبح في مكنة الحائز إن يستعيد هذه الحيازة دون أن يقف هذا العمل العدواني أمامه عقبة تحول دون ذلك.
فإذا انتقلت حيازة العقار المغتصب من المغتصب الى الغير سواء كان الغير خلفا عاما كالوارث أو خاصا كالمشتري فإنه يكون هو المدعى عليه ويستطيع المدعي أن يسترد منه حيازة العقار بهذه الدعوى حتى لو كان الخلف حسن النية لا يعلم أن سلفه قد اغتصب حيازة العقار وتنص المادة (960) صراحة على هذا الحكم.
هذا هو حكم استرداد الحيازة في التقنين المصري
(1)
. أما في التقنين العراقي فقد ذكر الدكتور الناهي: «ان دعوى استرداد الحيازة يقيمها حائز العقار ليسترد بها العقار الذي جرّد من حيازته كلا أو بعضا وقد نصت عليها المادة (1150) من القانون المدني العراقي» .
وقد نصت الفقرة الاولى من المادة (10) من قانون المرافعات العراقي بقولها: «دعوى استرداد الحيازة وهي تستلزم وجود شخص نزعت يده» .
فالغرض من دعوى استرداد الحيازة إذن ردّ اعتداء غير مشروع موجه ضد حائز العقار بقصد انتزاع العقار منه أو صدّه عن حيازته «ويشترط في قبول هذه الدعوى أن تكون حيازة قانونية أي مستوفاة لشروطها من الهدوء
(1)
الوسيط /918:9.
والظهور والعلنية وأن تكون ثابتة وقت حصول الاعتداء. وأن يكون فقدها بعمل من أعمال التعدي والعنف وتقام خلال سنة من تاريخ الانتزاع».
أما المدعي عليه في دعوى الاسترداد: «فهو من انتزاع الحيازة أو ورثته الذي يخلفونه ولا مقابل للمادة (960) من التقنين المصري في التقنين العراقي» .
هذا ما ذكره الدكتور الناهي
(1)
.
ويظهر من كل ذلك ان القانون هنا يقترب في نظرية الحيازة إذا كان الحائز سيء النية من نظرية الغصب التي تقرر فيها وجوب ردّ المغصوب على الغاصب وتحميله مسؤولية ضمانه.
ويظهر من ذلك أيضا أن الاتجاه القانوني يرى صحة انتزاع العقار بل أن دعوى استرداد الحيازة هي دعوى عقارية وهذا ما تقرر في الفقه على رأي الجمهور بصحة غصب العقار وتضمين الغاصب ما يطرأ عليه.
آثار دعوى الاسترداد:
يذكر عبد السلام ترميناني
(2)
أن القانون الروماني يرتب على دعوى الاسترداد أثرين:
أحدهما: عيني: وبموجبه يلتزم الحائز:
(1)
بردّ الشيء (2) بردّ ثماره.
والثاني: شخصي: وبموجبه يلتزم الحائز بدفع التعويض للمالك في حالة
(1)
الوجيز في المرافعات المدنية والتجارية/ص 166/ 173. وراجع شرح القانون المدني العراقي/حامد مصطفى/358/ 359:1.
(2)
محاضرات في القانون الروماني/ص 144/ 146.
تعيّب الشيء أو فقدانه أثناء الحيازة كما يلتزم المالك بدفع ما أنفقه الحائز من نفقات ومصاريف لصيانة الشيء.
ففيما يتعلق بردّ الشيء: فإن على الحائز أن يرد الشيء عينا بذاته فإذا امتنع أو كان الشيء قد هلك أو كان قد تصرف فيه فعليه أن يدفع للمالك ضعف قيمته، ويتحول الحق العيني في هذه الحالة إلى حق شخصي كما ويجب على الحائز إذا كان شيء النية أن يرد الثمار عينا أو قيمة وإذا تعيّب الشيء في يد الحائز أو هلك فيجب عليه دفع التعويض المناسب وفيما يتعلق بالنفقات فإنها على وجهين:
إما أن تكون ضرورية لحفظ الشيء فيجب دفعها للغاصب ولكن إذا كان ما أنفقه يزيد في قيمة الشيء كما لو كان أرضا فبنى عليها فلا يستوفى شيئا وإنما يحق له أن ينزع البناء شرط أن لا يضر ذلك بالعقار. أما النفقات الكمالية كزخرفة وما شابه فليس له أن ينزع إلا ما يمكن نزعه وبشرط أن لا يضر بالعقار.
أما التقنين المصري فقد ذكر السنهوري
(1)
وذكر أيضا بأن التقنين المصري يوجب على الحائز سيء النية رد قيمة
(1)
الوسيط 978/ 981:9.
الشيء وقت الهلاك أو الضياع أو التلف وذلك دون إخلال بحق المالك في استرداد الشيء ولو تالفا مع التعويض عن نقص قيمته بسبب التلف.
ومثل ذلك أيضا ورد في التقنينات المدينة الليبية
(1)
في المادة (983) والسوري (930). والمادة (1168) من المدني العراقي.
ونحن هنا لو رجعنا إلى نظرية الغصب في مباحث ضمان الغاصب لوجدنا تفصيلا أدق وأشمل وتحريا لتحقيق العدالة التي ينشدها الشرع والفقه الإسلامي ولعل مراجعة بسيطة الى تلك المباحث تكوّن لدينا مثل هذه الصورة.
المبحث الثالث: دعوى منع التعرض
وصفها الدكتور الناهي
(2)
بأنها من أهم دعاوي الحيازة لأنها تحمي الحيازة من مجرد التعرض لها وفي كل صور التعرض ولا تقتصر في بسط حمايتها على صورة خاصة كانتزاع الحيازة في دعاوي استرداد الحيازة.
وقد نص عليها القانون المدني المصري
(3)
في المادة (961) والمدني العراقي في المادة (1154). أما معنى التعرض الصادر من المدعى عليه فهو كل عمل مادي أو كل تصرف قانوني يتضمن بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر ادعاء يعارض به المدعى عليه حيازة المدعي.
وذكر الأستاذ حامد مصطفى
(4)
ان دعوى منع التعرض هي الدعوى التي يمنحها القانون لحائز العقار يقف بها تعرض من يعكر عليه حيازته سواء أكان هذا التعرض مصحوبا بأعمال مادية أو مجرد نزاع وتكدير للحيازة على
(1)
محاضرات في المسؤولية المدنية/القسم الأول/142/ 143/سليمان مرقص.
(2)
الوجيز في المرافعات/ص 173.
(3)
الوسيط /940:9.
(4)
شرح القانون المدني/366:1.
شرط أن يتضمن هذا التعرض معنى الاعتداء على الحيازة فقطع الأشجار وقطف الثمار والحفر في الأرض والبذر فيها وحصد الزرع وهذه كلها أعمال تعكر الحيازة على صاحبها ومن شأنها إنكار حقه في الانتفاع الكامل بالعقار أو تعطيل هذا الانتفاع فلصاحب الحيازة الالتجاء الى القضاء لوقف التعرض وحماية حيازته من الاعتداء.
وذكر السنهوري
(1)
صورا أخرى للتعرض منها: دخول المدعى عليه في أرض يحوزها المدعي من غير إذنه. وإقامة حائط أو بناء يسدّ به مطلاّ لجاره أو يمنع به النور والهواء. وهذا هو التعرض المادي.
(2)
.
ولكن من هو المدعي هنا ومن هو المدعى عليه في دعوى منع التعرض.
أما المدعي: فهو كما يذكر السنهوري
(3)
(1)
الوسيط /926:9.
(2)
الوسيط /931:9. وراجع الوجيز في المرافعات/الدكتور الناهي/174.
(3)
نفس المصدر.
أما المدعي عليه: فهو الشخص الذي يتعرض للمدعي في حيازته.
ويظهر ان دعوى منع التعرض تستوجب توفر شروط معينة ليصح رفعها وهذه الشروط هي:
1 -
إثبات حيازة المدعي للعقار وخلو هذه الحيازة من العيوب.
2 -
مضي سنة وأكثر على الحيازة فلا تسمع دعوى الحائز الذي لم تمض على حيازته سنة على الأقل.
3 -
أن تقام الدعوى خلال سنة من بداية التعرض فإن مضت السنة لم تسمع الدعوى وكان سكوت الحائز دليلا ظاهرا على أنه لا يستند الى حق فلا تكون حيازته جديرة بالحماية
(1)
.
وقد ذكر هذه الشروط الأستاذ السنهوري
(2)
وأضاف الى ذلك: ان حسن النية ليس شرطا بل للحائز سيء النية أن يرفع دعوى منع التعرض أيضا.
ما يحكم به في دعوى منع التعرض:
إذا توافرت شروط دعوى منع التعرض على الوجه المطلوب حكم للمدعى وهو الحائز للعقار ببقائه في حيازته ومنع التعرض له في هذه الحيازة وقد يقتضي هذا الحكم إزالة أعمال قد تمت وهدم بناء قد أقيم أو إقامة بناء قد هدم وبإعادة الشيء إلى أصله ويستوي في ذلك أن تكون أعمال التعرض قد تمت في عقار المدعي أو في عقار المدعى عليه.
وإذا عرفنا ذلك فإننا نعثر في نصوص الشرع الإسلامي على ما يفيد منع
(1)
شرح القانون المدني العراقي/حامد مصطفى/367:1.
(2)
الوسيط /941:9.
الإنسان من التصرف في ملك الغير بغير إذنه بل إن الشريعة الإسلامية تحمله مسؤولية التجاوز على عقار الغير سواء أكان هذا التجاوز أو التعرض ماديا كالدخول في أرض الغير أو زراعتها أو كإقامة حائط أو بناء يسدّ به مطلا على جاره وأعطت الحق لصاحب العقار في إزالة الضرر.
وقد ذكرنا نصوصا شرعية في موضع من هذه الرسالة تفيد ما ذكرناه كقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار» وقاعدة حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه.
وهناك نص فقهي أورده ابن عابدين
(1)
يستفاد منه منع التعرض قال:
وذكر ذلك ابن رجب
(2)
أيضا.
وذكر الدكتور الناهي
(3)
(1)
رد المختار/305:4.
(2)
القواعد في الفقه الإسلامي/ص 341.
(3)
فذلكة في الإثبات القضائي في الشرع الإسلامي/ص 46.
خلاصة البحث
بعد استعراضنا لأحكام الغصب بكل التفاصيل التي أوردناها وبعد تلك المناقشات لآراء الفقهاء مما وسعنا مناقشته وترجيحه وبعد تناولنا لنظرية الحيازة بوجه عام وعقدنا الموازنة السريعة بينها وبين نظرية الغصب وبعد ان عثرنا على بعض وجوه الالتقاء في جانب هو الحيازة بسوء النية وبعد إيرادنا لأحكام القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 وما قضت به محكمة تمييز العراق مما له علاقة بمباحث الرسالة بعد ذلك كله فاننا نستطيع ان نخرج بالنتائج التالية التي اعتبرها - من وجهة نظري - خلاصة ما توصلت اليه بعد كل تلك الدراسة الموسعة لهذا الموضوع. ونتائج البحث هي:
1 -
ان الغصب سبب من أسباب الضمان في الفقه الإسلامي وان الغاصب ضامن بمجرد تحقق عنوان الغصبية.
2 -
انه يمكن استخلاص نظرية متكاملة من مجموع ما ورد من نصوص شرعية وفقهية في المقام وقد قمت بمثل هذه المحولة إذ اعتبرت الأدلة التي أوردتها في تحريم الغصب من أدلة الكتاب والسنة والإجماع وغيرها أسسا لهذه النظرية ومما ورد من نصوص فقهية في تعريف الغصب استنبطت عناصر النظرية وهما عنصران: السيطرة المادية، والعدوان.
واستطعت ايضا ان استنبط شروط الغصب وهي على الرأي الراجح ثلاثة: ان يكون المغصوب مالا أو حقا، وان يكون هذا المال متقوما، وان يكون محترما.
3 -
ان الغاصب يلزمه ردّ المغصوب فورا الى مالكه في مكان الغصب وانه يتحمل ما يستلزمه الرد من مؤنة وغيرها.
4 -
ان الغاصب يلزمه الضمان بالشكل الذي يعيد الحق إلى أهله كاملا فإذا غصب مثليا فإنه يرجعه نفسه ان كان موجودا ومثله ان تلف أو استهلك بأي شكل كان وإذا كان المغصوب قيميا أرجعه ان كان قائما وقيمته ان تلف أو استهلك مع احتفاظ المالك بحقه في التعويض عن الإضرار الأخرى.
5 -
زوائد المغصوب المتصلة والمنفصلة مضمونة على الغاصب فإذا طرأ عليها نقص أو تلف فهو ضامن.
6 -
منافع المغصوب يضمنها الغاصب وما لمثله اجرة في زماننا هذا كأخشاب المقاولين وسيارات الأجرة ومكبرات الصوت وغيرها يجب على الغاصب ردّها مع أجرتها المعتادة مدة بقائها تحت يده.
7 -
إذا حصلت في المغصوب زيادة بفعل الغاصب فان كانت عينا قائمة وأمكن فصلها فله ذلك مع احتفاظ المالك بحقه في التعويض عن الإضرار التي تحدث بذلك وان لم يمكن فصلها تملّكها المالك بقيمتها.
8 -
تغير المغصوب بأي نحو كان لا يعتبر استهلاكا حتى لو تبدل اسمه بعد التغيير لأن العبرة بالذات وهي باقية فيرده وما نقص من قيمته.
9 -
الغاصب ملزم بضمان أي نقص يطرأ في المغصوب سواء أكان المغصوب عقارا أم منقولا وسواء حدث النقص لوحدة أم بفعل الغاصب أم بفعل الأجنبي إلا نقصان القيمة السوقية فإنه غير ملزم بضمانها.
10 -
ما ينفقه الغاصب على المغصوب ان كان عين مال قائمة فله استردادها
مع احتفاظ المالك بحقه في التعويض عن الإضرار الأخرى وان لم تكن عين مال قائمة كما لو علف الحيوان فمن فمهما عظمت النفقة فإنه لا يحق للغاصب الرجوع على المالك باستردادها بعد ردّ المغصوب.
11 -
يضمن الغاصب المغصوب بقيمته يوم التلف بالغة ما بلغت.
12 -
غاصب الغاصب حكمه حكم الغاصب من حيث ترتب الإثم والضمان.
13 -
المشتري من الغاصب إذا كان عالما بالغصبية فهو ضامن ولا حق له بالرجوع على الغاصب إذا ضمنه المالك.
14 -
تصرفات الغاصب معاوضة كانت أم تبرعا تصح موقوفة على اجازة المالك فإن أجازها نفذت وإلا فباطلة.
15 -
الزارع في الأرض المغصوبة يخير المالك أما بإبقاء الزرع بأجرة إلى حين الحصاد أو يأمره بالقلع وتضمين الغاصب ما يطرأ من نقص على الأرض مع حقه في التعويض عن الإضرار الأخرى.
16 -
يبرأ الغاصب بمصير المغصوب الى المالك وعلمه به أو بما دلّ على رضاه ببقاء المغصوب في يد الغاصب أو بما اعتبره العرف ردّا.
17 -
ان القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 يمكن الاعتماد عليه في أحكام الغصب لأن أغلب موادة قد جاءت موافقة لرأي جمهور الفقهاء وأرجح الآراء ولكن مع ذلك فقد لاحظت أن المادة (194) منه في الفقرة الثانية تحتاج إلى إعادة نظر لأنها وردت على خلاف رأي الجمهور وهو الرأي الذي رجحناه إذ جاء فيها: «إذا غيّر الغاصب المال المغصوب بحيث يتبدل اسمه كان ضامنا وبقي المال المغصوب له فمن غصب حنطة غيره وزرعها في أرضه كان ضامنا للحنطة وبقي المحصول له» .
وهذا كما لا يخفى لا يستقيم مع الحق والعدالة وهو أكل للمال بالباطل
وعليه يمكن ان تعدل هذه المادة على الوجه الذي ذكرناه في الخلاصة برقم (8).
وكذلك الفقرة الثالثة من نفس المادة هي الأخرى بحاجة إلى إعادة صياغتها بما يتفق مع ما رجحناه إذ ورد فيها: «إذا غيّر الغاصب بعض أوصاف المغصوب بزيادة شيء عليه من ماله فالمغصوب منه مخير ان شاء اعطى الغاصب قيمة الزيادة واسترد المغصوب عينا مع التعويض عن الإضرار الأخرى وان شاء ترك المغصوب ورجع على الغاصب بالضمان» .
وهنا أرى ان الأوفق ان تصاغ بالشكل التالي: «إذا غير الغاصب بعض أوصاف المغصوب بزيادة شيء عليه من ماله فإن أمكن فصله لزمه، وان لم يمكن فهو والمالك شريكان كل بقدر ماله مع احتفاظ المالك بحقه في التعويض عن الإضرار الأخرى» .
18 -
ان هذه الرسالة تصلح في موضوعها مرجعا للقانون فيما لم يتناوله من أحكام.
19 -
ان محكمة تمييز العراق وان اعتمدت - كما لا حظت - على القانون المدني العراقي في قراراتها الصادرة في هذا الموضوع وهي أحكام كما لا حظنا مستمدة من الفقه الإسلامي انها وان اعتمدت على ذلك فإنه يمكنها التعويل على ما ورد في هذه الرسالة من أحكام وتفصيلات وبخاصة في مسائل الضمان.
20 -
ان الغصب غير الحيازة فاليد الحائزة محترمة وجديرة بالحماية في القانون سواء كانت حائزة بحسن نية أم بسوء نية أما الغصب فهدر ويد الغاصب غير محترمة.
21 -
ان ما يترتب على الحائز سيء النية من أحكام تتشابه مع ما ترتب على اليد الغاصبة من أحكام. فكلاهما مسؤول عن هلاك العين سواء هلك بخطئه أو بسبب أجنبي. وكلاهما مسؤول عن استعمال الشيء واستغلاله وإذا نقصت قيمته بسبب الاستعمال وجب التعويض ومنافع الشيء واجبة الردّ الى المالك.
22 -
انه في الفقه كما في القانون الحق لشخص ان يطلب دفع تعرض وقع في ملكه أو في ملك غيره وأضرّ به.
هذه هي أهم ما خلصنا اليه من بحثنا ودراستنا لأحكام الغصب في الفقه الإسلامي.
وهنا أراني بحاجة إلى ذكر أهم الأفكار العامة التي يمكن ان يخرج بها القارئ بعد القراءة المستوعبة لهذه الرسالة أو على الأقل أهم الأفكار التي خرجت بها أنا وهي:
أ - ان الفقه الإسلامي حيّ ومتطور وان القواعد والأحكام التي قررها الفقهاء المسلمون على اختلاف مدارسهم الفقهية في هذا الباب من الفقه - كما في غيره من الأبواب - صالحة لأن نستند عليها في تشريعاتنا ونعوّل عليها وهي جديرة بأن نتقاضى إليها في خصوماتنا لما تضمنته من تحر دقيق للعدالة.
ب - ان تفاصيل الضمان التي تناولناها في هذه الرسالة اضافة الى أنها تكشف عن سعة الفقه وشموليته ومعالجته لأدق المسائل فإنها تصلح ان تعتبر مرجعا في كيفية الضمان عن الإضرار المحدثة التي تقع على المال وتقدير التعويض العادل.
ج - ان المسؤولية الشرعية التي قررتها الشريعة بخصوص الغصب وحدد ابعادها وابان تفاصيلها الفقهاء إذ تضع المتجاوز على حق الغير أمام أعباء لا قبل له بها فإنها بذلك تشكل رادعا قويا لكل من تسوّل له نفسه التعدي على أموال الناس وحقوقهم أو التصرف بها بغير إذن شرعي.
د - ان الدراسة المقارنة للفقه الإسلامي المستمسكة بأسلوب البحث العلمي والموضوعية تزودنا بفكرتين:
الاولى: عظمة الفقه الإسلامي وسمو مبادئه وشموليته وأصالته.
الثانية: ان الفقهاء المسلمين يلتقون أكثر مما يفترقون وانهم كلهم ينشدون
الحقيقة ويستهدون بالأدلة المعتبرة وليس من المهم ان يصل بعضهم إليها أو لا يصل.
هذه أهم الأفكار العامة التي يمكن ان نخرج بها بعد هذه الدراسة والتي آمل ان تكون قد وصلت الى بعض ما أصبو اليه من أبرز الفقه الإسلامي بثوب جديد وتسليط الاضواء على كنوزه وما ورد فيه من أحكام وتشريعات قيمة جديرة بالعناية والتقدير والاعتزاز.
وفي الختام لا يسعني إلا ان أقول إني بذلت ما في وسعي وما ادخرت شيئا من جهدي برغم الصعوبات التي واجهتني فان وفقت فذلك فضل من الله تعالى وان لم أوفق فحسبي أني سعيت.
ولله الحمد أولا وآخرا تمّ الفراغ من هذا المؤلف في الثالث والعشرين من شهر ذي القعدة سنة ألف وثلاثمئة واثنتين وتسعين هجرية الموافق في التاسع والعشرين من كانون الأول عام ألف وتسعمائة واثنتين وسبعين للميلاد.