المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مجموعة رسائل ابن عابدين للعلامة المحقّق والفهّامة المدقِّق السيد محمد امين افندى الشهير - مجموعة رسائل ابن عابدين - ط إسطنبول - جـ ١

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

مجموعة

رسائل ابن عابدين

للعلامة المحقّق والفهّامة المدقِّق

السيد محمد امين افندى الشهير بابن عابدين رحمه الله

الجزء الأول

ص: 1

الرسالة الأولى

العلم الظاهر في نفع النسب الطاهر

للعلامة ابن عابدين عليه الرحمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين* وصلى الله تعالى وسلم على أفضل خلقه أجمعين* وعلى آله وصحابته وذريته الطاهرين* ومن حافظ على تباع شريعته * واقتفاء آثاره وسنته* وكان لهديه من التابعين* ولم يتكل على نسب أو عمل* بل كان من الله على خوف ووجل* فكان من الناجين (وبعد) فيقول أسير الذنوب والخطايا المفتقر إلى رحمة رب العالمين* محمد امين ابن عمر الشهير بابن عابدين. غفر الله له ولوالديه آمين * قد وقع البحث في مجلس لطيف* جامع لجملة من أهل العلم الشريف* في أن من كان صحيح النسبة من رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - هل ينفعه نسبه في الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار وإن كان من العاصين* أم يحكم الله فيه بعدله وبكون مفوضا إلى مشيئته كغيره من المذنبين* فبعضهم إثبات النفع وبعضهم نفاه * وكل منهم استدل بأشياء على مدعاه* فطلب منى تحرير هذا البحث بعض فضلاء من كان في ذلك المجلس المعقود * واحضر لي كتابا في فضائل أهل البيت ذوى الفضل المشهود* تصنيف شيخه الشيخ العلامة الحسيب النسيب السيد أحمد الشهير بجمل الليل المدني فيه ما يظهر منه المقصود* فانتخبت منه ما اذكره من الأحاديث النبوية* على قائلها ألف صلاة وسلام وازكى تحية

ص: 2

وجمعت منه ما يشهد لكل من الفريقين * وضممت إليه ما صار به الصواب بمرأى من العين* وسميت ذلك (بالعلم الظاهر* في نفع النسب الطاهر)(فأقول) مستمدا من الملك المعبود* ولي الخير والجود* مما يشهد للنافى قوله تعالى {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} قال قاضى المفسرين فلا انساب بينهم تنفعهم لزوال التعاطف والتراحم لفرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرؤ من أخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه أو يفتخرون بها انتهى والثاني قريب من الأول لأن من أسباب عدم الافتخار انتفاء النفع في تلك الدار وقوله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} واما الأحاديث فقد اخرج الإمام أحمد رح عن أبي نضرة قال حدثني من شهد خطبة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بمنى وهو على بعير يقول يا ايها الناس ان ربكم واحد وإن اباكم واحد لا فضل لعربى على عجمى ولا لاسود على احمر إلا بالتقوى خيركم عند الله أتقاكم (واخرج) مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضى الله تعالى عنه - قال لما نزلت هذه الآية وانذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال يا بنى كعب ابن لؤى انقذوا انفسكم من النار يا بنى هاشم انقذوا انفسكم من النار يا بنى عبد المطلب انقذوا انفسكم من النار يا فاطمة انقذى نفسك من النار فانى لا املك لكم من الله شيأ غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها يعنى اصلها بصلتها وأخرجه البخارى بدون الاستناء (واخرج) أبو الشيخ عن ثوبان - رضى الله تعالى عنه - قال قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يا بنى هاشم لا يأتين

(1)

الناس يوم القيامة بالآخرة يحملونها على صدورهم وتأتونى بالدنيا على ظهوركم لا اغنى عنكم من الله شيأ (واخرج) البخاري في الأدب المفرد وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال ان أوليائى يوم القيامة المتقون وإن كان نسب أقرب من نسب لا يأتى الناس بالاعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم فتقولون يا محمد فأقول هكذا وهكذا واعرض في كلا عطفيه (واخرج) الطبرانى عن معاذ - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه ثم التفت إلى المدينة فقال أن اوليائى منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا ورواه أبو الشيخ أيضًا وزاد في آخره اللهم انى لا احل لهم فساد ما اصلحت (واخرج) البخارى ومسلم واللفظ له عن عمرو ابن العاص - رضى الله تعالى عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - جهارا غير سر يقول أن آل بنى فلان ليسوا بأوليائي إنما ولي الله وصالح

(1)

هكذا في الأصل وليراجع لفظ الحديث انتهى مصححه.

ص: 3

المؤمنين (واخرج) مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - في حديث قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه والاحاديث في هذا كثيرة شهيرة ومما يشهد للمثبت* ما أخرجه الترمذي وقال حديث حسن عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - انى تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتى أهل بيتى لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفونى فيهما (وروى) الحافظ جمال الدين محمد بن يوسف الزرندى في كتابه نظم درر السمطين عن زيد بن أرقم - رضى الله تعالى عنه - قال اقبل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يوم حجة الوداع فقال انى فرطكم على الحوض وانكم تبعى وانكم توشكون أن تردوا على الحوض فاسألكم عن ثقلى كيف خلفتمونى فيهما فقام رجل من المهاجرين فقال ما الثقلان قل الأكبر منهما كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بايديكم فتمسكوا به والاصغر عترتى فمن استقبل قبلتى واجاب دعوتى فليستوص بهم خيرا فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم وانى سألت لهم اللطيف الخبير أن يردوا على الحوض كتين أو قال كهاتين وأشار بالمسبحتين الحديث (واخرج) الديلمي عن عبد الرحمن بن عوف - رضى الله تعالى عنه - قال قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - اوصيكم بعترتى خيرا وإن موعدهم الحوض (واخرج) أبو سعيد في شرف النبوة عن عبد العزيز بسنده إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أنه قال أنا واهل بيتى شجرة في الجنة واغصانها في الدنيا فمن تمسك بها اتخذ إلى الله سبيلا (واخرج) الطبرانى في الاوائل عن على - رضى الله تعالى عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول أول من يرد على الحوض أهل بيتى ومن احبنى من أمتي (واخرج) الطبرانى والدارقطنى وصاحب كتاب الفردوس عن ابن عمر - رضى الله تعالى عنهما - قال قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أول من اشفع له يوم القيامة أهل بيتى ثم الأقرب فالأقرب ثم الأنصار ثم من آمن بى واتبعنى من أهل اليمن ثم سائر العرب ثم الاعاجم ومن اشفع له اولا أفضل (وروى) الطبرانى في الصغير عن عبد الله بن جعفر - رضى الله تعالى عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول يا بنى هاشم انى قد سألت الله عز وجل أن يجعلكم نجبا رحما وسألته أن يهدى ضالكم ويؤمن خائفكم ويشبع جائعكم

ص: 4

(وروي) الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد عن أنس - رضى الله تعالى عنه - قال قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وعدنى ربى في أهل بيتى من اقر منهم بالتوحيد ولى بالبلاغ أن لا يعذبهم (واخرج) أبو سعيد والمنلا في سيرته والديلمي وولده عن عمران بن حصين - رضى الله تعالى عنه - عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - سألت ربى أن لا يدخل النار احدا من أهل بيتى فاعطانى ذلك (واخرج) الإمام أحمد في المناقب عن على - رضى الله تعالى تعالى عنه - قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يا معشر بنى هاشم والذى بعثنى بالحق نبيا لو اخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم (واخرج) الطبرانى في الكبير ورجاله ثقات عن ابن عباس - رضى الله تعالى عنهما - قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لفاطمة ان الله عز وجل غير معذبك ولا ولدك (وروى) الإمام أحمد والحاكم في صحيحه والبيهقى عن أبي سعيد قال سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول على المنبر ما بال رجال يقولون أن رحم رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لا تنفع قومه يوم القيمة بلى والله أن رحمى موصولة في الدنيا والآخرة وانى ايها الناس فرط لكم على الحوض (واخرج) أبو صالح المؤذن في اربعينه والحافظ عبد العزيز بن الاخضر وأبو نعيم في معرفة الصحابة عن عمر - رضى الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببى ونسبى وكل ولد آدم فإن عصبتهم لابيهم ما خلا ولد فاطمة فانى أنا ابوهم وعصبتهم وورد بطرق عديدة كثيرة بنحو هذا اللفظ إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في ذلك مما يشهد بنجاتهم وحسن حالهم ولو عند وفاتهم* واما الآية السابقة فهى واردة في شأن الكفار بدليل السباق والسياق فهى ليست بعامة ولو قيل بالعموم يقال انها من العام الذى أريد به الخصوص* بشهادة ما تقدم من النصوص* الدالة على أن نسبه الشريف نافع لذريته الطاهرة* وانهم اسعد الانام في الدنيا والآخرة* ولقد أكرم في الدنيا مواليهم حتى حرم اخذ الزكاة عليهم* وما ذلك إلا لانتسابهم إليهم* ولم يفرق بين طائعهم وعاصيهم* فكيف ومع انهم مكرم لاجلهم* ومتفضل على غيرهم لفضلهم* منتسبون نسبة حقيقية إلى اشرف المخلوقات* وافضل أهل اهل الأرض والسموات* الذى اكرمه تعالى بما لا مبلغ لاقله* وخلق الكون لاجله* وشفعه بما لا يحصى من أهل الكبائر* المصرين عليها فضلا عن الصغائر* واسكنهم لاجله فسيح الجنان * وسبل عليهم رداء العفو والغفران* افلا يكرمه

ص: 5

بانقاذ ولده* الذين هم بضعة من جسده * ويرفعهم إلى الدرجة العليا* كما رفعهم على اعيان الانام في الدنيا* وحاشاه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يشفع بالاباعد ويضيعهم* وينسى قرابتهم له ويقطعهم* اللهم يا مالك الملك والممالك * حقق لنا ذلك* فانى بحمده تعالى ممن صح انتسابه لحضرة سيد العالمين* من نسل ولده الحسين* عليهم السلام* وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم كما أخرجه البزار والطبرانى من حديث طويل ما بال أقوام يزعمون أن قرابتى لا تنفع أن كل سبب ونسب منقطع يوم القيمة الا سبى ونسبى وان رحمى موصولة في الدنيا والآخرة وكيف لا تكون رحمه صلى الله تعالى عليه وسلم موصولة وقد روى في تفسير قوله تعالى (واما الجدار) الآية أنه كان بينهما وبين الأب الذى حفظا فيه سبعة آباء فلا ريب في حفظ ذريته صلى الله تعالى عليه وسلم واهل بيته فيه وإن كثرت الوسائط بينهم وبينه. ولهذا قال جعفر الصادق رضى الله تعالى عنه فيما أخرجه الحافظ عبد العزيز بن الاخضر في معالم العترة النبوية احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين وكان ابوهما صالحا. ومما يستأنس به في المقام ما اخبرنى به بعض مشايخى الكرام عن بعض مشايخه بوأ الله تعالى الجميع دار السلام أنه مرة كان مجاورا في مكة المشرفة وكان يقرأ درسا فمر به قول تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فاستدل بعض العلماء به على أن ذريته صلى الله تعالى عليه وسلم يموتون على اكمل الاحوال فنظر إلى الدليل فرآه قويا ثم استبعد ذلك بما يبلغه عن شرفاء مكة المشرفة فنام فرأى حضرة صاحب الرسالة صلى الله تعالى عليه وسلم في منامه وهو معرض عنه فقال له اتستبعد أن يموت أهل بيتى على اكمل الاحوال أو كما قال فاستيقظ خائفا ورجع عن ذلك. ولا يعارض ذلك أيضًا ما تقدم من الأحاديث من نحو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم كل سبب ونسب منقطع لانه صلى الله تعالى عليه وسلم لا يملك لاحد من الله شيئا لا ضرا ولا نفعا ولكن الله تعالى يملكه نفع اقاربه بل وجميع امته بالشفاعة العامة والخاصة فهو لا يملك إلا ما يملكه له مولاه عز وجل ولذا قال إلا سببى ونسبى* وكذا يقال في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا أغنى عنكم من الله شيأ أي بمجرد نفسى من غير ما يكرمنى به الله عز وجل من شفاعة أو مغفرة من اجلى ونحو ذلك واقتضى مقام التخويف والحث على العمل الخطاب بذلك مع الايماء إلى حق رحمه بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها وهذا الصنيع البديع الصادر من معدن الحكمة وغاية البلاغة إنما نشأ من كمال حرصه صلى الله تعالى عليه وسلم على أن يكون أهل بيته أو في

ص: 6

الناس حظا في باب التقوى والخشية لله عز وجل* وهذا احسن ما للعلماء في وجه الجمع بين الأحاديث التي سقناها * واما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم أن اوليائى يوم القيمة المتقون من كانوا وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم إنما ولي الله وصالح المؤمنين فلا ينفى نفع رحمه واقاربه* وكذلك قوله صلى الله تعالى عليه وسلم من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه لعل المراد والله تعالى أعلم لم يسرع به إلى اعلاء الدرجات فلا ينافى حصول النجاة* وبالجملة فباب الفضل واسع* ومع هذا فإن الله تعالى يغار لانتهاك حرماته ونبينا صلى الله تعالى عليه وسلم عبد الله تعالى لا يملك إلا ما ملكه مولاه* ولا ينال جميع ما تمناه* إلا أن يشاء الله* الا ترى إلى قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وقوله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} فليس يعلم كل شخص أنه يشفع فيه وإن كان أحب الناس إليه * ورتبته قريبة لديه* فهذا أبو طالب الذى نصر* رسول الله * وايده وآواه * مع أنه صنو أبيه* وكافله ومربيه * فهل نفعه ذلك* ونجاه من المهالك * وهذا نوح عليه السلام* الذى هو أبو الانام* قال له تعالى في ابنه {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} * فالكل تحت مشيئة الله تعالى {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ولهذا كان صلى الله تعالى عليه وسلم أشد الناس خوفا من ربه تعالى* واعظمهم له مهابة واجلالا* وكذلك كان أصحابه الاطهار* واتباعهم الابرار * فهذا عمر بن الخطاب الذي جهز جيوش المسلمين* ونصر شوكة الموحدين * وفتح البلاد* وقهر أهل العناد* وبشره الصادق بالجنة * واسباغ الخير والمنة* ومع هذا قال ليت أم عمر لم تلد عمر* وقال لا آمن مكر الله فلم يتكل على ذلك كله* فإن الناجى منا قليل إذا عاملنا تعالى بعدله* فلا يغتر ذو نسب بنسبه* ويجعله اقوى سببه* فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم حاز القدح المعلى* والمقام الأعلى* بمعرفة حقوق الربوبية * والقيام بما تستحقه من العبودية* فليعلم أنه لا نسبة عنده صلى الله تعالى عليه وسلم بين السيدة فاطمة التى هى فلذة كبده الطاهر* ومقام الرب عز وجل العلى القاهر* فيحب ما يحبه مولاه * ويسخط لما يسخط خلقه وسواه* وإن كان أحب الناس إليه بل يكون ذلك* سببا لانسلاخ محبته إياه. فإن الله تعالى أحب واعز واجل واكبر من كل شيء عنده عليه الصلاة والسلام* كما لا يخفى على من له أدنى تمييز فضلا عن ذوى الافهام* وفى انصرافه صلى الله تعالى عليه وسلم عمن لم يمتثل ما جاء به* وإن كان اخص اقاربه* على ذلك أعظم شاهد * واكبر سند وعاضد* فكيف يظن أحد من ذوى النسب* إذا انتهك

ص: 7

حرمات الله تعالى ولم يراع ما عليه وجب* أن يبقى له حرمة ومقام* عنده عليه الصلاة والسلام* ايزعم الغبي أنه أعظم حرمة من الله عند نبيه كلا والله* بل قلبه مغمور في لجج الغفلة وساه* فمن اعتقد ذلك يخشى عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله * فلينظر في حال السلف الاخيار * من أهل البيت الاطهار * بماذا تخلقوا وعلى ماذا اتكلوا* وبأى شيء اتصفوا وعلى ماذا عولوا* فإذا توجه إلى تحصيل أسباب اللحوق بهم بعزم صادق* يسرح الفتح الالهى إليه ويكون بهم خير لاحق* فإن أهل البيت ملحوظون ومعتنى بهم * وهم أقرب إلى الوصول إلى ربهم* فمن جد وجد* ومن قصد الكريم لم يصد* نسأله تعالى دوام التوفيق* والهداية إلى اقوم طريق* وإن يوفقنا لاتباعه والقيام بحقوق القرابة والنسب* وإن لا يجعله سببا للغرور والخروج عن الأدب* وان يميتنا على دين نبيه المعظم * وحبه وحب آل بيته المكرم الاكرمين* أنه أكرم* وارحم الراحمين* وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وعترته الطاهرين* وصحابته أجمعين* وتابعيهم إلى يوم الدين* والحمد لله رب العالمين

ص: 8

شرح المنظومة المسماة بعقود رسم المفتي

لناظمها العلامة الفقيه والفهامة النبيه خاتمة المحققين

السيد محمد امين الشهير بابن عابدين

نفعنا الله به

آمين

ص: 9

الرسالة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي من علينا في البداية بالهداية* وانقذنا من الضلالة بمحض الفيض والعناية* والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي هو الوقاية من الغواية* وعلى آله وأصحابه ذوى الرواية والدراية* صلاة وسلاما لا غاية لهما ولا نهاية (اما بعد) فيقول افقر الورى* المستمسك من رحمة مولاه باوثق العرى* محمد امين بن عمر عابدين الماتريدى الحنفى* عامله مولاه بلطفه الخفى * هذا شرح لطيف وضعته على منظومتي التي نظمتها في رسم المفتى* اوضح به مقاصدها* واقيد به اوابدها وشواردها* اسأله سبحانه أن يجعله خالصا لوجهه الكريم* موجبا للفوز العظيم * فأقول وبه استعين في كل حين

باسم الآله شارع الأحكام

مع حمده ابدأ في نظامى

ثم الصلاة والسلام سرمدا

على نبي قد اتانا بالهدى

وآله وصحبه الكرام

على ممر الدهر والاعوام

(وبعد) فالعبد الفقير المذنب

محمد بن عابدين يطلب

توفيق ربه الكريم الواحد

والفوز بالقبول في المقاصد

وفي نظام جوهر نضيد

وعقد در باهر فريد

سميته عقود رسم المفتى

يحتاجه العامل أو من يفتى

وها أنا اشرع في المقصود

مستمنحا من فيض بحر الجود

اعلم بان الواجب اتباع ما

ترجيحه عن أهله قد علما

أو كان ظاهر الرواية ولم

يرجحوا خلاف ذاك فاعلم

أي أن الواجب على من أراد أن يعمل لنفسه أو يفتى غيره أن يتبع القول الذى رجحه علماء مذهبه فلا يجوز له العمل أو الافتاء بالمرجوح إلا في بعض المواضع كما سيأتى في النظم (وقد) نقلوا الإجماع على ذلك ففي الفتاوى الكبرى للمحقق ابن حجر المكي قال في زوائد الروضة أنه لا يجوز للمفتى والعامل أن يفتى أو يعمل بما شاء من القولين أو الوجهين من غير نظر وهذا لا خلاف فيه وسبقه إلى حكاية الإجماع فيهما ابن الصلاح والباجي من المالكية في المفتى وكلام القرافى دال على أن المجتهد والمقلد لا يحل لهما الحكم والافتاء بغير الراجح لانه اتباع للهوى وهو حرام اجماعا وان محله في المجتهد ما لم تتعارض الادلة عنده

ص: 10

ويعجز عن الترجيح وإن لمقلده ح الحكم باحد القولين اجماع انتهى (وقال) الإمام المحقق العلامة قاسم بن قطلوبغا في أول كتابه تصحيح القدورى انى رأيت من عمل في مذهب أئمتنا رضى الله تعالى عنهم بالتشهى حتى سمعت من لفظ بعض القضاة هل ثم حجر فقلت نعم اتباع الهوى حرام والمرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة العدم والترجيح بغير مرجح في المتقابلات ممنوع وقال في كتاب الاصول لليعمرى من لم يطلع على المشهور من الروايتين أو القولين فليس له التشهي والحكم بما شاء منهما من غير نظر في الترجيح (وقال) الإمام أبو عمرو في آداب المفتى اعلم أن من يكتفى بان يكون فتواه أو عمله موافقا لقول أو وجه في المسئلة ويعمل بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح فقد جهل وخرق الإجماع (وحكى) الباجى أنه وقعت له واقعة فافتوا فيها بما يضره فلما سألهم قالوا ما علمنا انها لك وافتوه بالرواية الأخرى التى توافق قصده قال الباجي وهذا لا خلاف بين المسلمين ممن يعتمد به في الاجماع أنه لا يجوز قال في أصول الاقضية ولا فرق بين المفتى والحاكم إلا أن المفتى مخبر بالحكم والقاضي ملزم به انتهى ثم نقل بعده واما الحكم والفتيا مما هو مرجوح فخلاف الإجماع وسيأتى ما إذا لم يوجد ترجيح لاحد القولين وقولى عن أهله أي أهل الترجيح إشارة إلى أنه لا يكتفى بترجيح أي عالم كان (فقد) قال العلامة شمس الدين محمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا في بعض رسائله لابد للمفتى المقلد أن يعلم حال من يفتى بقوله ولا نعنى بذلك معرفته باسمه ونسبه ونسبته إلى بلد من البلاد اذ لا يسمن ذلك ولا يغنى بل معرفته في الرواية ودرجته في الدراية وطبقته من طبقات الفقهاء ليكون على بصيرة وافية في التمييز بين القائلين المتخالفين وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين فنقول ان الفقهاء على سبع طبقات (الأولى) طبقة المجتهدين في الشرع كالأئمة الأربعة ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الاصول واستنباط احكام الفروع عن الادلة الأربعة من غير تقليد لاحد لا في الفروع ولا في الاصول (الثانية) طبقة المجتهدين في المذهب كابي يوسف ومحمد وسائر أصحاب أبي حنيفة القادرين على استخراج الأحكام عن الادلة المذكورة على حسب القواعد التي قررها استاذهم فانهم وإن خالفوه في بعض احكام الفروع لكنهم يقلدونه في قواعد الاصول (الثالثة)

ص: 11

طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب

(1)

كالخصاف وأبي جعفر الطحاوى وابى الحسن الكرخي وشمس الأئمة الحلوانى وشمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام البزدوى وفخر الدين قاضي خان وغيرهم فإنهم لا يقدرون على مخالفة الإمام لا في الاصول ولا في الفروع لكنهم يستنبطون الأحكام من المسائل التي لا نص فيها عنه على حسب أصول قررها ومقتضى قواعد بسطها (الرابعة) طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كالرازي

(2)

واضرابه فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلا لكنهم لأحاطتهم بالأصول وضبطهم للمأخذ يقدرون على تفصيل قول مجمل ذى وجهين وحكم محتمل لامرين منقول عن صاحب المذهب أو عن أحد من أصحابه المجتهدين برأيهم ونظرهم في الاصول والمقايسة على امثاله ونظائره من الفروع وما وقع في بعض المواضع من الهداية من قوله كذا في تخريج الكرخي وتخريج الرازي من هذا القبيل (الخامسة) طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كابي الحسن القدورى وصاحب الهداية وامثالهما وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض آخر بقولهم هذا أولى وهذا أصح رواية وهذا أوضح وهذا اوفق للقياس وهذا ارفق للناس (السادسة) طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الاقوى والقوى والضعيف وظاهر الرواية وظاهر المذهب والرواية النادرة كاصحاب المتون المعتبرة كصاحب الكنز وصاحب المختار وصاحب الوقاية وصاحب المجمع وشأنهم أن لا ينقلوا في كتبهم الأقوال المردودة والروايات الضعيفة (السابعة) طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر ولا يفرقون بين الغث والسمين ولا يميزون الشمال من اليمين بل يجمعون ما يجدون كحاطب ليل فالويل لمن قلدهم كل الويل انتهى مع حذف

(1)

أقول توفى الخصاف سنة 261 والطحاوى سنة 321 والكرخي سنة 340 والحلوانى سنة 456 والسرخسى في حدود سنة 500 والبزدوى سنة 482 وقاضي خان سنة 593 والرازى سنة 370 والقدورى سنة 428 وصاحب الهداية سنة 593 منه

(2)

الرازى هو أحمد بن علي بن أبي بكر الرازي المعروف بالجصاص خلافا لمن زعم أن الجصاص غير الرازي كما افاده في الجواهر المضية وهو من جماعة الكرخي وتمام ترجمته في طبقات التميمي وذكر أن وفاته سنة 370 عن خمس وستين سنة ومثله في تراجم العلامة قاسم منه

ص: 12

شيء يسير وستأتي بقية الكلام في ذلك وفي آخر الفتاوى الخيرية ولا شك أن معرفة راجح المختلف فيه من مرجوحه ومراتبه قوة وضعفا هو نهاية آمال المشمرين في تحصيل العلم فالمفروض على المفتى والقاضى التثبت في الجواب وعدم المجازفة فيهما خوفا من الافتراء على الله تعالى بتحريم حلال وضده ويحرم اتباع الهوى والتشهى والميل إلى المال الذى هو الداهية الكبرى والمصيبة العظمى فإن ذلك أمر عظيم لا يتجاسر عليه الأكل جاهل شقى انتهى (قلت) فحيث علمت وجوب اتباع الراجح من الأقوال وحال المرجح له تعلم أنه لائقة بما يفتى به أكثر أهل زماننا بمجرد مراجعة كتاب من الكتب المتأخرة خصوصا غير المحررة كشرح النقاية للقهستانى والدر المختار والاشباه والنظائر ونحوها فإنها لشدة الاختصار والايجاز كادت تلحق بالالغاز مع ما اشتملت عليه من السقط في النقل في مواضع كثيرة وترجيح ما هو خلاف الراجح بل ترجيح ما هو مذهب الغير مما لم يقل به أحد من أهل المذهب ورأيت في اوائل شرح الأشباه للعلامة محمد هبة الله قال ومن الكتب الغريبة منلا مسكين شرح الكنز والقهستاني لعدم الاطلاع على حال مؤلفيهما أو لنقل الأقوال الضعيفة كصاحب القنية أو الاختصار كالدر المختار للحصكفى والنهر والعينى شرح الكنز قال شيخنا صالح الجينينى أنه لا يجوز الافتاء من هذه الكتب إلا إذا علم المنقول عنه والاطلاع على مآخذها هكذا سمعته منه وهو علامة في الفقه مشهور والعهدة عليه انتهى (قلت) وقد يتفق نقل قول في نحو عشرين كتابا من كتب المتأخرين ويكون القول خطأ اخطأ به أول واضع له فيأتي من بعده وينقله عنه وهكذا ينقل بعضهم عن بعض كما وقع ذلك في بعض مسائل ما يصح تعليقه وما لا يصح كما نبه على ذلك العلامة ابن نجيم في البحر الرائق (ومن) ذلك مسئلة الاستئجار على تلاوة القرآن المجردة فقد وقع لصاحب السراج الوهاج والجوهرة شرح القدورى أنه قال ان المفتى به صحة الاستئجار وقد انقلب عليه الامر فإن المفتى به صحة الاستئجار على تعليم القرآن لا على تلاوته ثم أن أكثر المصنفين الذين جاؤا بعده تابعوه على ذلك ونقلوه وهو خطأ صريح بل كثير منهم قالوا أن الفتوى على صحة الاستئجار على الطاعات ويطلقون العبارة ويقولون أنه مذهب المتأخرين وبعضهم يفرع على ذلك صحة الاستئجار على الحج وهذا كله خطأ اصرح من الخطأ الأول فقد اتفقت النقول عن ائمتنا الثلاثة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن الاستئجار على الطاعات باطل لكن جاء من بعدهم من المجتهدين الذين هم أهل التخريج والترجيح فافتوا بصحته على تعليم القرآن للضرورة فإنه كان للمعلمين عطايا من بيت المال وانقطعت فلو لم يصح الاستئجار

ص: 13

واخذ الاجرة لضاع القرآن وفيه ضياع الدين لاحتياج المعلمين إلى الاكتساب وافتى من بعدهم أيضًا من امثالهم بصحته على الاذان والامامة لانهما من شعائر الدين فصححوا الاستئجار عليهما للضرورة أيضًا فهذا ما افتى به المتأخرون عن ابن حنيفة وأصحابه لعلمهم بان أبا حنيفة وأصحابه لو كانوا في عصرهم لقالوا بذلك ورجعوا عن قولهم الأول وقد اطبقت المتون والشروح والفتاوى على نقلهم بطلان الاستئجار على الطاعات إلا فيما ذكر وعللوا ذلك بالضرورة وهى خوف ضياع الدين وصرحوا بذلك التعليل فكيف يصح أن يقال أن مذهب المتأخرين صحة الاستئجار على التلاوة المجردة مع عدم الضرورة المذكورة فأنه لو مضى الدهر ولم يستأجر أحد أحدا على ذلك لم يحصل به ضرر بل الضرر صار في الاستئجار عليه حيث صار القرآن مكسبا وحرفة يتجر بها وصار القارئ منهم لا يقرأ شيئًا لوجه الله تعالى خالصا بل لا يقرأ إلا للاجرة وهو الرياء المحض الذي هو ارادة العمل لغير الله تعالى فمن اين يحصل له الثواب الذى طلب المستأجر أن يهديه لميته وقد قال الإمام قاضي خان أن اخذ الاجر في مقابلة الذكر يمنع استحقاق الثواب ومثله في فتح القدير في اخذ المؤذن الاجر ولو علم أنه لا ثواب له لم يدفع له فلسا واحدا فصاروا يتوصلون إلى جمع الحطام الحرام بوسيلة الذكر والقرآن وصار الناس يعتقدون ذلك من أعظم القرب وهو من أعظم القبائح المترتبة على القول بصحة الاستئجار مع غير ذلك مما يترتب عليه من اكل اموال الايتام والجلوس في بيوتهم على فرشهم واقلاق النائمين بالصراخ ودق الطبول والغناء واجتماع النساء والمردان وغير ذلك من المنكرات الفظيعة كما اوضحت ذلك كله مع بسط النقول عن أهل المذهب في رسالتي المسماة شفاء العليل وبل الغليل في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل وعليها تقاريظ فقهآء أهل العصر من اجلهم خاتمة الفقهاء والعباد الناسكين مفتى مصر القاهرة سيدى المرحوم السيد أحمد الطحطاوى صاحب الحاشية الفائقة على الدر المختار رحمه الله تعالى (ومن) ذلك مسئلة عدم قبول توبة الساب للجناب الرفيع صلى الله تعالى عليه وسلم فقد نقل صاحب الفتاوى البزازية أنه يجب قتله عندنا ولا تقبل توبته وإن أسلم وعزا ذلك إلى الشفاء للقاضي عياض المالكي والصارم المسلول لابن تيمية الحنبلي ثم جاء عامة من بعده وتابعه على ذلك وذكروه في كتبهم حتى خاتمة المحققين ابن الهمام وصاحب الدرر والغرر مع أن الذى في الشفاء والصارم المسلول أن ذلك مذهب الشافعية والحنابلة واحدى الروايتين عن الإمام مالك مع الجزم بنقل قبول التوبة عندنا وهو المنقول في كتب المذهب المتقدمة ككتاب الخراج لابي يوسف وشرح مختصر الإمام

ص: 14

الطحاوى والنتف وغيرها من كتب المذهب كما اوضحت ذلك غاية الإيضاح بما لم اسبق إليه ولله تعالى الحمد والمنة في كتاب سميته تنبيه الولاة والحكام على احكام شاتم خير الانام أو أحد أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام (ومن ذلك) مسألة ضمان الرهن بدعوى الهلاك فقد ذكر في الدرر وشرح المجمع لابن ملك أنه يضمن بدعوى الهلاك بلا برهان وتبعهما في متن التنوير ومقتضاه أنه يضمن قيمته بالغة ما بلغت وبه افتى العلامة الشيخ خير الدين وانه لا يضمن شيئا إذا برهن مع أن ذلك مذهب الإمام مالك ومذهبنا ضمانه بالاقل من قيمته ومن الدين بلا فرق بين ثبوت الهلاك ببرهان وبدونه كما اوضحه في الشرنبلالية عن الحقائق ونبهت عليه في حاشيتي رد المحتار على الدر المختار مع بيان من افتى بما هو المذهب ومن رد خلافه (ولهذا) الذي ذكرناه نظائر كثيرة اتفق فيها صاحب البحر والنهر والمنح والدر المختار وغيرهم وهى سهو منشأها الخطأ في النقل أو سبق النظر نبهت عليها في حاشيتى رد المحتار لالتزامى فيها مراجعة الكتب المتقدمة التي يعزون المسألة إليها فاذكر أصل العبارة التى وقع السهو في النقل عنها واضم إليها نصوص الكتب الموافقة لها فلذا كانت تلك الحاشية عديمة النظير في بابها لا يستغنى أحد عن تطلابها اسأله سبحانه أن يعينني على اتمامها فإذا نظر قليل الاطلاع ورأى المسألة مسطورة في كتاب أو أكثر يظن أن هذا هو المذهب ويفتى به ويقول ان هذه الكتب للمتأخرين الذين اطلعوا على كتب من قبلهم وحرروا فيها ما عليه العمل ولم يدر أن ذلك اغلي وانه يقع منهم خلافه كما سطرناه لك (وقد) كنت مرة افتيت بمسألة في الوقف موافقا لما هو المسطور في عامة الكتب وقد اشتبه فيها لامر على الشيخ علاء الدين الحصكفى عمدة المتأخرين فذكرها في الدر المختار على خلاف الصواب فوقع جوابى الذى افتيت به بيد جماعة من مفتى البلاد كتبوا في ظهره بخلاف ما افتيت به موافقين لما وقع في الدر المختار وزاد بعض هؤلاء المفتين أن هذا الذي في العلائي هو الذي عليه العمل لانه عمدة المتأخرين وانه أن كان عندكم خلافه لا نقبله منكم فانظر إلى هذا الجهل العظيم والتهور في الأحكام الشرعية والاقدام على الفتيا بدون علم وبدون مراجعة وليت هذا القائل راجع حاشية العلامة الشيخ إبراهيم الحلبي على الدر المختار فإنها أقرب ما يكون إليه فقد نبه فيها على أن ما وقع للعلائي خطأ في التعبير (وقد) رأيت في فتاوى العلامة ابن حجر سئل في شخص يقرأ ويطالع في الكتب الفقهية بنفسه ولم يكن له شيخ ويفتى ويعتمد على مطالعته

ص: 15

في الكتب فهل يجوز له ذلك أم لا فأجاب بقوله لا يجوز له الافتاء بوجه من الوجوه لانه عامى جاهل لا يدرى ما يقول بل الذى يأخذ العلم عن المشايخ المعتبرين لا يجوز له أن يفتى من كتاب ولا من كتابين بل قال النووي رحمه الله تعالى ولا من عشرة فإن العشرة والعشرين قد يعتمدون كلهم على مقالة ضعيفة في المذهب فلا يجوز تقليدهم فيها بخلاف الماهر الذى اخذ العلم عن أهله وصارت له فيه ملكة نفسانية فإنه يميز الصحيح من غيره ويعلم المسائل وما يتعلق بها على الوجه المعتد به فهذا هو الذي يفتى الناس ويصلح أن يكون واسطة بينهم وبين الله تعالى واما غيره فيلزمه إذا تسور هذا المنصب الشريف التعزير البليغ والزجر الشديد الزاجر ذلك لامثاله عن هذا الامر القبيح الذى يؤدى إلى مفاسد لا تحصى والله تعالى أعلم انتهى (وقولى) أو كان ظاهر الرواية الخ معناه أن ما كان من المسائل في الكتب التي رويت عن محمد بن الحسن رواية ظاهرة يفتى به وإن لم يصرحوا بتصحيحه نعم لو صححوا رواية أخرى من غير كتب ظاهر الرواية يتبع ما صححوه قال العلامة الطرسوسى في انفع الوسائل في مسألة الكفالة إلى شهر أن القاضي المقلد لا يجوز له أن يحكم إلا بما هو ظاهر الرواية لا بالرواية الشاذة إلا أن ينصوا على أن الفتوى عليها انتهى

وكتب ظاهر الروايات اتت

ستا وبالاصول أيضًا سميت

صنفها محمد الشيباني

حرر فيها المذهب النعماني

الجامع الصغير والكبير

والسير الكبير والصغير

ثم الزيادات مع المبسوط

تواترت بالسند المضبوط

كذا له مسائل النوادر

اسنادها في الكتب غير ظاهر

وبعدها مسائل النوازل

خرجها الاشياخ بالدلائل

(اعلم) أن مسائل أصحابنا الحنفية على ثلاث طبقات (الأولى) مسائل الاصول وتسمى ظاهر الرواية ايضا وهي مسائل رويت عن أصحاب المذهب وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى ويقال لهم العلماء الثلاثة وقد يلحق بهم زفر والحسن وغيرهما ممن اخذ الفقه عن أبي حنيفة لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة أو قول بعضهم ثم هذه المسائل التي تسمى بظاهر الرواية والاصول هي ما وجد في كتب محمد التي هي المبسوط والزيادات والجامع الصغير والسير الصغير والجامع الكبير والسير الكبير وإنما سميت بظاهر الرواية لانها رويت عن محمد برواية الثقات فهي ثابتة عنه اما متواترة أو مشهورة عنه (الثانية) مسائل النوادر

ص: 16

وهى مسائل مروية عن أصحاب المذهب المذكورين لكن لا في الكتب المذكورة بل اما في كتب اخر المحمد غيرها كالكيسانيات والهارونيات والجرجانيات والرقيات وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية لانها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى واما في كتب غير محمد ككتاب المجرد للحسن بن زياد وغيرها ومنها كتب الامالى لابي يوسف والامالى جمع املاء وهو أن يقعد العالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس فيتكلم العالم بما فتحه الله تعالى عليه من ظهر قلبه في العلم وتكتبه التلامذة ثم يجمعون ما يكتبونه فيصير كتابا فيسمونه الإملاء والامالى وكان ذلك عادة السلف من الفقهاء والمحدثين واهل العربية وغيرها في علومهم فاندرست لذهاب العلم والعلماء والى الله المصير وعلماء الشافعية يسمون مثله تعليقة * واما بروايات مفردة مثل رواية ابن سماعة ومعلى بن منصور وغيرهما في مسائل معينة (الثالثة) الفتاوى والواقعات وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لما سئلوا عن ذلك ولم يجدوا فيها رواية عن أهل المذهب المتقدمين وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد وأصحاب أصحابهما وهلم جرا وهم كثيرون موضع معرفتهم كتب الطبقات لاصحابنا وكتب التواريخ* فمن أصحاب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى مثل عصام بن يوسف وابن رستم ومحمد بن سماعة وابى سليمان الجوزجاني وابى حفص البخارى ومن بعدهم مثل محمد بن سلمة ومحمد بن مقاتل ونصير بن يحيى وابى النصر القاسم بن سلام وقد يتفق لهم أن يخالفوا أصحاب المذهب لدلائل واسباب ظهرت لهم واول كتاب جمع في فتواهم فيما بلغنا كتاب النوازل للفقيه أبي الليث السمرقندى ثم جمع المشايخ بعده كتبا اخر مجموع النوازل والواقعات للناطفى والواقعات للصدر الشهيد ثم ذكر المتأخرون هذه المسائل مختلطة غير متميزة كما في فتاوى قاضي خان والخلاصة وغيرهما وميز بعضهم كما في كتاب المحيط لرضى الدين السرخسي فإنه ذكر اولا مسائل الاصول ثم النوادر ثم الفتاوى ونعم ما فعل (واعلم) أن نسخ المبسوط المروى عن محمد متعددة واظهرها مبسوط أبي سليمان الجوزجانى وشرح المبسوط جماعة من المتأخرين مثل شيخ الإسلام بكر المعروف بخواهر زاده ويسمي المبسوط الكبير وشمس الأئمة الحلوانى وغيرهما ومبسوطاتهم شروح في الحقيقة ذكروها مختلطة بمبسوط محمد كما فعل شراح الجامع الصغير مثل فخر الإسلام وقاضي خان وغيرهما فيقال ذكره قاضي خان في الجامع الصغير والمراد شرحه وكذا في غيره انتهى ملخصا من شرح البيرى على الأشباه وشرح الشيخ إسماعيل النابلسي على شرح الدرر (هذا) وقد فرق العلامة ابن كمال باشا بين رواية الاصول وظاهر الرواية حيث قال في شرحه على الهداية في مسألة حج المرأة ما حاصله أنه ذكر في مبسوط السرخي أن ظاهر الرواية

ص: 17

أنه يشترط أن تملك قدر نفقة محرمها وانه ذكر في المحيط والذخيرة أنه روى الحسن عن أبي حنيفة انها إذا قدرت على نفقة نفسها ونفقة محرمها لزمها الحج واضطربت الروايات عن محمد اهـ ثم قال ومن هنا ظهر أن مراد الإمام السرخسي من ظاهر الرواية رواية الحسن عن أبي حنيفة واتضح الفرق بين ظاهر الرواية ورواية الاصول اذ المراد من الاصول المبسوط والجامع الصغير والجامع الكبير والزيادات والسير الكبير وليس فيها رواية الحسن بل كلها رواية محمد وعلم أن رواية النوادر قد تكون ظاهر الرواية والمراد من رواية النوادر رواية غير الاصول المذكورة فاحفظ هذا فإن شراح هذا الكتاب قد غفلوا عنه وقد صرح بعضهم بعدم الفرق بين ظاهر الرواية ورواية الاصول وزعم أن رواية النوادر لا تكون ظاهر الرواية اهـ (أقول) لا يخفى عليك أن قول المحيط والذخيرة أن هذه رواية الحسن عن أبي حنيفة لا يلزم منه أن تكون مخالفة لرواية الاصول فقد يكون رواها الحسن في كتب النوادر ورواها محمد في كتب الاصول وإنما ذكر رواية الحسن لعدم الاضطراب عنه بدليل قوله واضطربت الروايات عن محمد وحينئذ فقول السرخسي انها ظاهر الرواية معناه أن محمدا ذكرها في كتب الاصول فهى إحدى الروايات عنه وحينئذ فلم يلزم منه أن رواية النوادر قد تكون ظاهر الرواية نعم تكون ظاهر الرواية إذا ذكرت في كتب الأصول أيضًا كهذه المسألة فإن ذكرها في كتب النوادر لا يلزم منه أن لا يكون لها ذكر في كتب الاصول وإنما يصح ما قاله أن لو ثبت أن هذه المسألة لا ذكر لها في كتب ظاهر الرواية وعبارة المحيط والذخيرة لا تدل على ذلك وحينئذ فلا وجه لجزمه بالغفلة على شراح الهداية الموافق كلامهم لما قدمناه والله تعالى أعلم (تتمة) السير جمع سيرة وهى الطريقة في الامور وفي الشرع تختص بسير النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في مغازيه كذا في الهداية قال في المغرب وقالوا السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو كتاب كقولهم صلاة الظهر وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير انتهى وحينئذ فالسير الكبير يكسر السين وفتح الياء على لفظ الجمع لا بفتح السين وسكون الياء على لفظ المفرد كما ينطق به بعض من لا معرفة له

واشتهر المبسوط بالأصل وذا

لسبقه الستة تصنيفا كذا

الجامع الصغير بعده فما

فيه على الأصل لذا تقدما

وآخر الستة تصنيفا ورد

السير الكبير فهو المعتمد

قدمنا أن كتب ظاهر الرواية تسمى بالاصول ومنه قول الهداية في باب التيمم وعن

ص: 18

أبي حنيفة وأبي يوسف في غير رواية الاصول الخ قال الشراح هناك رواية الاصول رواية الجامعين والزيادات والمبسوط ورواية غير الاصول رواية النوادر والامالى والرقيات والكيسانيات والهارونيات انتهى وكثيرا ما يقولون ذكره محمد في الأصل ويفسره الشراح بالمبسوط فعلم أن الأصل مفردا هو المبسوط اشتهر به من بين باقي كتب الاصول (وقال) في البحر في باب صلاة العيد عن غاية البيان سمي الأصل أصلا لأنَّه صنف أولا ثم الجامع الصغير ثم الكبير ثم الزيادات انتهى وقال أن الجامع الصغير صنفه محمد بعد الأصل فما فيه هو المعول عليه انتهى * وسبب تأليفه أنه طلب منه أبو يوسف أن يجمع له كتابا يرويه عنه عن أبي حنيفة فجمعه له ثم عرضه عليه فاعجبه وهو كتاب مبارك يشتمل على ألف وخمسمائة واثنين وثلاثين مسألة كما قال البزدوى وذكر بعضهم أن أبا يوسف مع جلالة قدره لا يفارقه في سفر ولا حضر وكان علي الرازى يقول من فهم هذا الكتاب فهو افهم أصحابنا وكانوا لا يقلدون احدا القضاء حتى يتمتحنوه به اهـ (وفى) غاية البيان عن فخر الإسلام أن الجامع الصغير لما عرض علي أبي يوسف استحسنه وقال حفظ أبو عبد الله فقال محمد أنا حفظتها ولكنه نسى وهي ست مسائل ذكرها في البحر في باب الوتر والنوافل (وقال) في البحر في بحث التشهد كل تأليف لمحمد بن الحسن موصوف بالصغير فهو باتفاق الشيخين أبي يوسف ومحمد بخلاف الكبير فإنه لم يعرض على أبي يوسف انتهى (وقال) المحقق ابن امير حاج الحلبي في شرحه على المنية في بحث التسميع أن محمدا قرأ أكثر الكتب على أبي يوسف إلا ما كان فيه اسم الكبير فإنه من تصنيف محمد كالمضاربة الكبير والمزارعة الكبير والمأذون الكبير والجامع الكبير والسير الكبير انتهى (وذكر) المحقق ابن الهمام كما في فتاوي تلميذه العلامة قاسم أن ما لم يحك محمد فيه خلافا فهو قولهم جميعا (وذكر) الإمام شمس الأئمة السرخسى في أول شرحه على السير الكبير هو آخر تصنيف صنفه محمد في الفقه ثم قال وكان سبب تأليفه أن السير الصغير وقع بيد عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عالم أهل الشام فقال لمن هذا الكتاب فقيل لمحمد العراقي فقال ما لأهل العراق والتصنيف في هذا الباب فإنه لا علم لهم بالسير ومغازى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأصحابه كانت من جانب الشام والحجاز دون العراق فإنها محدثة فتحا فبلغ ذلك محمدا فغاظه ذلك وفرغ نفسه حتى صنف هذا الكتاب فحكى أنه لما نظر فيه الاوزاعى قال لولا ما ضمنه من الأحاديث لقلت أنه يضع العلم وإن الله تعالى عين جهة اصابة الجواب في رأيه صدق الله العظيم وفوق

ص: 19

كل ذي علم عليم ثم أمر محمد أن يكتب هذا في ستين دفترا وان يحمل على عجلة إلى باب الخليفة فاعجبه ذلك وعده من مفاخر زمانه (وفى) شرح الأشباه للبيرى قال علماؤنا إذا كانت الواقعة مختلفا فيها فالافضل والمختار للمجتهد أن ينظر بالدلائل وينظر إلى الراجح عنده والمقلد يأخذ بالتصنيف الأخير وهو السير إلا أن يختار المشايخ المتأخرون خلافه فيجب العمل به ولو كان قول زفر

ويجمع الست كتاب الكافي

للحاكم الشهيد فهو الكافي

اقوي شروحه الذى كالشمس (*) مبسوط شمس الأمة السرخسى

معتمد النقول ليس يعمل

بخلفه وليس عنه يعدل

قال في فتح القدير وغيره ان كتاب الكافى هو جمع كلام محمد في كتبه الست التي هي كتب ظاهر الرواية انتهى (وفي) شرح الأشباه للعلامة إبراهيم البيرى أعلم أن من كتب مسائل الاصول كتاب الكافي للحاكم الشهيد وهو كتاب معتمد في نقل المذهب شرحه جماعة من المشايخ منهم شمس الأئمة السرخسى وهو المشهور بمبسوط السرخسي انتهى (قال) الشيخ إسماعيل النابلسي قال العلامة الطرسوسى مبسوط السرخسى لا يعمل بما يخالفه ولا يركن إلا إليه ولا يفتى ولا يعول إلا عليه انتهى (وذكر) التميمي في طبقاته اشعارا كثيرة في مدحه منها

ما انشده لبعضهم

عليك بمبسوط السرخسي أنه

هو البحر والدر الفريد مسائله

ولا تعتمد إلا عليه فإنه

يجاب باعطاء الرغائب سائله

(قال) العلامة الشيخ هبة الله البعلى في شرحه على الأشباه المبسوط للإمام الكبير محمد بن محمد بن أبي سهل السرخسى أحد الأئمة الكبار المتكلم الفقيه الأصولى لزم شمس الأئمة عبد العزيز الحلوانى وتخرج به حتى صار أنظر أهل زمانه واخذ بالتصنيف واملى المبسوط نحو خمسة عشر مجلدا وهو في السجن باوز جند بكلمة كان فيها

(*) قوله مبسوط شمس الأمة السرخسى فيه تغيير اقتضاه الوزن فإنه ملقب بشمس الأئمة جمع امام (فائدة) لقب بشمس الأئمة جماعة من أئمتنا منهم شمس الأئمة الحلوانى ومنهم تلميذه شمس الأئمة السرخسى ومنهم شمس الأئمة محمد عبد الستار الكردري ومنهم شمس الأئمة بكر بن محمد الزرنجرى ومنهم ابنه شمس الأئمة عماد الدين عمر بن بكر بن محمد الزرنجرى ومنهم شمس الأئمة البيهقي ومنهم شمس الأئمة الاوزجندى واسمه محمود وكثيرا ما يلقب بشمس الإسلام كذا في حاشية نوح افندى على الدرر والغرر في فصل المهر منه.

ص: 20

من الناصحين توفى سنة اربعمائة وتسعين * وللحنفية مبسوطات كثيرة منها لابي يوسف ولمحمد ويسمى مبسوطه بالأصل ومبسوط الجرجاني ولخواهرزاده ولشمس الأئمة الحلوانى ولابي اليسر البزدوى ولاخيه على البزدوى وللسيد ناصر الدين السمرقندي ولابي الليث نصر بن محمد * وحيث اطلق المبسوط فالمراد به مبسوط السرخسي هذا وهو شرح الكافى والكافى هذا هو كافى الحاكم الشهيد العالم الكبير محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله ولى قضاء بخارى ثم ولاه الامير المجيد صاحب خراسان وزارته سمع الحديث من كثيرين وجمع كتب محمد بن الحسن في مختصره هذا ذكره الذهبي وأثنى عليه * وقال الحاكم في تاريخ نيسابور ما رأيت في جملة من كتبت عنهم من أصحاب أبي حنيفة احفظ للحديث واهدى برسومه وافهم له منه قتل ساجدا في ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وثلثمائة (قلت) وللحاكم الشهيد المختصر والمنتقى والإشارات وغيرها وقول السرخسي فرأيت الصواب في تأليف شرح المختصر لا يدل على أن مبسوط السرخسى شرح المختصر لا شرح الكافي كما توهمه الخير الرملى في حاشية الأشباه فإن الكافى مختصر أيضًا لانه اختصر فيه كتب ظاهر الرواية كما علت وقد أكثر النقل في غاية البيان عن الكافى بقوله قال الحاكم الشهيد في مختصره المسمى بالكافي والله تعالى أعلم

واعلم بان عن أبي حنيفه

جاءت روايات غدت منيفه

اختار منها بعضها والباقى

يختار منه سائر الرفاق

فلم يكن لغيره جواب

كما عليه اقسم الاصحاب

اعلم بان المنقول عن عامة العلماء في كتب الاصول أنه لا يصح في مسئلة المجتهد قولان للتناقض فإن عرف المتأخر منهما تعين كون ذلك رجوعا والا وجب ترجيح المجتهد بعده بشهادة قلبه كما في بعض كتب الحنفية المشهورة وفي بعضها أنه أن لم يعرف تاريخ فإن نقل في أحد القولين عنه ما يقويه فهو الصحيح عنده والا فان وجد متبع بلغ الاجتهاد في المذهب رجح بما مر من المرجحات أن وجد والا يعمل بايهما شاء بشهادة قلبه وإن كان عاميا اتبع فتوى المفتى فيه الأتقى الأعلم وإن كان متفقها تبع المتأخرين وعمل بما هو اصوب واحوط عنده كذا في التحرير للمحقق ابن الهمام (واعلم) أن اختلاف الروايتين ليس من باب اختلاف القولين لأن القولين نص المجتهد عليهما بخلاف الروايتين فالاختلاف في القولين من جهة المنقول عنه لا الناقل والاختلاف في الروايتين بالعكس كما ذكره المحقق ابن امير حاج

ص: 21

في شرح التحرير (لكن) ذكر بعده عن الإمام أبي بكر البليغي في الدرر أن الاختلاف في الرواية عن أبي حنيفة من وجوه (منها) الغلط في السماع كأن يجيب بحرف النفى إذا سئل عن حادثة ويقول لا يجوز فيشتبه على الراوى فينقل ما سمع (ومنها) أن يكون له قول قد رجع عنه ويعلم بعض من يختلف إليه رجوعه فيروى الثانى والآخر لم يعلمه فيروى الأول (ومنها) أن يكون قال أحدهما على وجه القياس والآخر على وجه الاستحسان فيسمع كل واحد أحدهما فينقل كما سمع (ومنها) أن يكون الجواب في مسئلة من وجهين من جهة الحكم ومن جهة الاحتياط فينقل كل كما سمع انتهى (قلت) فعلى ما عدا الوجه الأول يكون الاختلاف في الروايتين من جهة المنقول عنه أيضًا لابتناء الاختلاف فيهما على اختلاف القولين المرويين فيكونان من باب واحد ويؤيده أن ناقل الروايتين قد يكون واحدًا فإن إحدى الروايتين قد تكون في كتاب من كتب الأصول والأخرى في كتب النوادر بل قد يكون كل منهما في كتب الاصول والكل من جمع واحد وهو الإمام محمد رحمه الله تعالى وهذا ينافي الوجه الأول ويبعد الوجه الثاني فالاظهر الاقتصار على الوجهين الاخيرين لكن لا في كل فرع اختلفت فيه الرواية بل بعض ذلك قد يكون لأحدهما والبعض الآخر للآخر لكن هذا إنما يتأتى فيما يصلح أن يكون فيه قياس واستحسان أو احتياط وغيره نعم يتأتى الوجهان الاولان فيما إذا اختلف الراوى (وقد) يقال أن من وجوه الاختلاف أيضًا تردد المجتهد في الحكم لتعارض الادلة عنده بلا مرجح أو لاختلاف رأيه في مدلول الدليل الواحد فإن الدليل قد يكون محتملًا لوجهين أو أكثر فيبنى على كل واحد جوابا ثم قد يترجح عنده أحدهما فينسب إليه ولهذا تراهم يقولون قال أبو حنيفة كذا وفي رواية عنه كذا وقد لا يترجح عنده أحدهما فيستوى رأيه فيهما ولذا تراهم يحكون عنه في مسئلة القولين على وجه يفيد تساويهما عنده فيقولون وفي المسئلة عنه روايتان أو قولان وقد قدمنا عن الإمام القرافي أنه لا يحل الحكم والافتاء بغير الراجح لمجتهد أو مقلد إلا إذا تعارضت الأدلة عند المجتهد وعجز عن الترجيح أي فإن له الحكم بايهما شاء لتساويهما عنده وعلى هذا فيصح نسبة كل من القولين إليه لا كما يقوله بعض الاصوليين من أنه لا ينسب إليه شيء منهما وما يقوله بعضهم من اعتقاد نسبة أحدهما إليه لأن رجوعه عن الآخر غير معين اذ الفرض تساويهما في رأيه وعدم ترجح أحدهما على الآخر نعم إذا ترجح عنده أحدهما مع عدم اعراضه عن الآخر ورجوعه عنه ينسب إليه الراجح عنده ويذكر الثاني رواية

ص: 22

عنه اما لو اعرض عن الآخر بالكلية لم يبق قولا له بل يكون قوله هو الراجح فقط لكن لا يرتفع الخلاف في المسئلة بعد الرجوع كما قاله بعض الشافعية وايده بعضهم بان أهل عصر إذا اجمعوا على قول بعد اختلافهم فقد حكى الاصوليون قولين في ارتفاع الخلاف السابق فما لم يقع فيه اجماع أولى (لكن) ما ذكر في كتب الاصول عندنا من أنه لا يمكن أن يكون للمجهتد قولان كما مر ينافي ذلك لانه مبنى فيما يظهر على ما ذكروا في تعارض الادلة أنه إذا وقع التعارض بين آيتين يصار إلى الحديث فإن تعارض فالى أقوال الصحابة فإن تعارضت فالى القياس فإن تعارض قياسان ولا ترجيح فإنه يتحرى فيهما ويعمل بشهادة قلبه فإذا عمل بأحدهما ليس له العمل بالآخر إلا بدليل فوق التحرى قالوا وقال الشافعى يعمل بايهما شاء من غير تحر ولهذا صار له في المسئلة قولان وأكثر واما الروايتان عن أصحابنا في مسئلة واحدة فإنما كانتا في وقتين فاحداهما صحيحة دون الأخرى لكن لم تعرف المتأخرة منهما انتهى وعلى هذا فما يقال فيه عن الإمام روايتان فلعدم معرفة الأخير وما يقال فيه وفي رواية عنه كذا اما لعلمهم بأنها قوله الأول أو لكون هذه الرواية رويت عنه في غير كتب الأصول وهذا أقرب لكن لا يخفى أن ما ذكروه في بحث تعارض الادلة مشكل لانه يلزم منه أن يكون ما فيه روايتان عن الإمام لا يجوز فيه العمل بواحدة منهما لعدم العلم بالصحيحة من الباطلة منهما وانه لا ينسب إليه شيء منهما كما مر عن بعض الأصوليين مع أن ذلك واقع في مسائل لا تحصى ونراهم يرجحون إحدى الروايتين على الأخرى وينسبونها إليه فالذي يظهر ما مر عن الإمام البليغي من بيان تعدد الاوجه في اختلاف الرواية عن الإمام مع زيادة ما ذكرناه من تردده في الحكمين واحتمال كل منهما في رأيه مع عدم مرجح عنده لأحدهما من دليل أو تحر أو غيره فتأمل (ثم) لا يخفى أن هذا الوجه الذي قلناه أكثر اطرادا من الاوجه الأربعة المارة في اختلاف الروايتين لشموله ما فيه استحسان أو احتياط وغيره (إذا تقرر ذلك فاعلم) أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى من شدة احتياطه وورعه وعلمه بإن الاختلاف من آثار الرجة قال لأصحابه ان توجه لكم دليل فقولوا به فكان كل يأخذ برواية عنه ويرجحها كما حكاه في الدر المختار وفي الولوالجية من كتاب الجنايات قال أبو يوسف ما قلت قولا خالفت فيه أبا حنيفة إلا قولا قد كان قاله وروى عن زفر انه قال ما خالفت أبا حنيفة في شيء إلا قد قاله ثم رجع عنه فهذا إشارة إلى انهم ما سلكوا طريق الخلاف بل قالوا ما قالوا عن اجتهاد ورأى اتباعا لما قاله استاذهم أبو حنيفة انتهى (وفى) آخر الحاوى القدسي

ص: 23

وإذا اخذ بقول واحد منهم يعلم قطعا أنه يكون به آخذا بقول أبي حنيفة فإنه روى عن جميع أصحابه من الكبار كابي يوسف ومحمد وزفر والحسن انهم قالوا ما قلنا في مسئلة قولا إلا وهو روايتنا عن أبي حنيفة واقسموا عليه إيمانًا غلاظنا فلم يتحقق اذن في الفقه جواب ولا مذهب الاله كيف ما كان وما نسب إلى غيره الا بطريق المجاز للموافقة انتهى (فإن قلت) إذا رجع المجتهد عن قول لم يبق قولا له لانه صار كالحكم المنسوخ كما سيأتى وح فما قاله أصحابه مخالفين له فيه ليس مذهبه بل صارت أقوالهم مذاهب لهم فكيف تنسب إليه والحنفى إنما قلد أبا حنيفة ولذا نسب إليه دون غيره (قلت) قد كنت استشكلت ذلك واجبت عنه في حاشيتي رد المحتار على الدر المختار بان الإمام لما أمر أصحابه بان يأخذوا من اقواله بما يتجه لهم منها الدليل عليه صار ما قالوه قولا له لابتنائه على قواعده التي اسسها لهم فلم يكن مرجوعا عنه من كل وجه ونظير هذا ما نقله العلامة البيرى في أول شرحه على الاشباه عن شرح الهداية لابن الشحنة الكبير والد شارح الوهبانية وشيخ ابن الهمام ونصه إذا صح الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث ويكون ذلك مذهبه ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيا بالعمل به فقد صح عن أبي حنيفة أنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي وقد حكى ذلك الإمام ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة انتهى ونقله أيضًا الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة (قلت) ولا يخفى ان ذلك لمن كان اهلا للنظر في النصوص ومعرفة محكمها من منسوخها فإذا نظر أهل المذهب في الدليل وعملوا به صح نسبته إلى المذهب لكونه صادرا بإذن صاحب المذهب اذ لا شك أنه لو علم بضعف دليله رجع عنه واتبع الدليل الاقوى ولذا رد المحقق ابن الهمام على المشايخ حيث افتوا بقول الامامين بأنه لا يعدل عن قول الإمام إلا لضعف دليله (واقول) أيضًا ينبغى تقييد ذلك بما إذا وافق قولا في المذهب اذ لم يأذنوا في الاجتهاد فيما خرج عن المذهب بالكلية مما اتفق عليه ائمتنا لان اجتهادهم اقوى من اجتهاده فالظاهر انهم رأوا دليلا ارجح مما رآه حتى لم يعملوا به ولهذا قال العلامة قاسم في حق شيخه خاتمة المحققين الكمال بن الهمام لا يعمل بابحاث شيخنا التي تخالف المذهب وقال في تصحيحه على القدورى قال الإمام العلامة الحسن بن منصور بن محمود الاوزجندى المعروف بقاضي خان في كتاب الفتاوى رسم المفتي في زماننا من أصحابنا إذا استفتى عن مسئلة ان كانت مروية عن أصحابنا في الروايات الظاهرة بلا خلاف بينهم فإنه يميل إليهم ويفتى بقولهم ولا يخالفهم برأيه وإن كان مجتهدا متقنا لان الظاهر أن يكون الحق مع أصحابنا ولا يعدوهم واجتهاده لا يبالغ اجتهادهم ولا ينظر إلى قول من خالفهم ولا تقبل حجته أيضًا

ص: 24

لأنهم عرفوا الأدلة وميزوا بين ما صح وثبت وبين عنده الخ ثم نقل نحوه عن شرح برهان الأئمة على ادب القضاء للخصاف (قلت) لكن ربما عدلوا عما اتفق عليه أئمتنا الضرورة ونحوها كما مر في مسئلة الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه من الطاعات التي في ترك الاستئجار عليها ضياع الدين كما قررناه سابقا فح يجوز الافتاء بخلاف قولهم كما نذكره قريبا عن الحاوى القدسى وسيأتي بسطه أيضًا آخر الشرح عند الكلام على العرف (والحاصل) ان ما خالف فيه الاصحاب امامهم الاعظم لا يخرج عن مذهبه اذا رجحه المشايخ المعتبرون وكذا ما بناه المشايخ على العرف الحادث لتغير الزمان أو للضرورة ونحو ذلك لا يخرج عن مذهبه أيضًا لأن ما رجحوه لترجيح دليله عندهم ماذون به من جهة الإمام وكذا ما بنوه على تغير الزمان والضرورة باعتبار أنه لو كان حيا لقال بما قالوه لأن ما قالوه إنما هو مبنى على قواعده أيضًا فهو مقتضى مذهبه لكن ينبغى أن لا يقال قال أبو حنيفة كذا إلا فيما روى عنه صريحا وإنما يقال فيه مقتضى مذهب أبي حنيفة كذا كما قلنا ومثله تخريجات المشايخ بعض الأحكام من قواعد أو بالقياس على قوله ومنه قولهم وعلى قياس قوله بكذا يكون كذا فهذا كله لا يقال فيه قال أبو حنيفة نعم يصح أن يسمى مذهبه بمعنى أنه قول أهل مذهبه أو مقتضى مذهبه وعن هذا لما قال صاحب الدرر والغرر في كتاب القضاء إذا قضى القاضى في مجتهد فيه بخلاف مذهبه لا ينفذ قال أي أصل المذهب كالخنفى إذا حكم على مذهب الشافعي أو نحوه أو بالعكس واما إذا حكم الحنفى بمذهب أبي يوسف أو محمدا ونحوهما من أصحاب الإمام فليس حكما بخلاف رأيه انتهى والظاهر أن نسبة المسائل المخرجة إلى مذهبه أقرب من نسبة المسائل التى قال بها أبو يوسف أو محمد إليه لأن المخرجة مبنية على قواعده واصوله واما المسائل التى قال بها أبو يوسف ونحوه من أصحاب الإمام فكثير منها مبنى على قواعد لهم خالفوا فيها قواعد الإمام لأنهم لم يلتزموا قواعده كلها كما يعرفه من له معرفة بكتب الاصول نعم قد يقال إذا كانت اقوالهم روايات عنه على ما مر تكون تلك القواعد له أيضًا لابتناء تلك الأقوال عليها وعلى هذا أيضًا تكون نسبة التخريجات إلى مذهبه أقرب لابتنائها على قواعده التي رجحها وبنى اقواله عليها فإذا قضى القاضي بما صح منها نفذ قضاؤه كما ينفذ بما صح من أقوال الاصحاب فهذا ما ظهر لي تقريره في هذا الباب من فتح الملك الوهاب والله تعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب

وحيث لم يوجد له اختيار

فقول يعقوب هو المختار

ثم محمد فقوله الحسن

ثم زفر وابن زياد الحسن

وقيل بالتخيير في فتواه

ان خالف الإمام صاحباه

وقيل من دليله اقوى رجح

وذالمفت ذى اجتهاد الاصح

ص: 25

قد علمت ما قررناه آنفا أن ما اتفق عليه أئمتنا لا يجوز لمجتهد في مذهبهم أن يعدل عنه برأيه لأن رأيهم أصح واشرت هنا إلى انهم إذا اختلفوا يقدم ما اختاره أبو حنيفة سواء وافقه أحد أصحابه اولا فإن لم يوجد له اختيار قدم ما اختاره يعقوب وهو اسم أبي يوسف أكبر أصحاب الإمام وعادة الإمام محمد انه يذكر أبا يوسف بكنيته إلا إذا ذكر معه أبا حنيفة فإنه يذكره باسمه العلم فيقول يعقوب عن أبي حنيفة وكان ذلك بوصية من أبي يوسف تأدبا مع شيخه أبي حنيفة رحمهم الله تعالى جميعا ورحمنا بهم وادام بهم النفع إلى يوم القيمة وحيث لم يوجد لابى يوسف اختيار قدم قول محمد ابن الحسن اجل أصحاب أبي حنيفة بعد ابي يوسف ثم بعده يقدم قول زفر والحسن ابن زياد فقولهما في رتبة واحدة لكن عبارة النهر ثم بقول الحسن وقيل إذا خالفه أصحابه وانفرد بقول يتخير المفتى وقيل لا يتخير إلا المفتى المجتهد فيختار ما كان دليله اقوى (قال) في الفتاوى السراجية ثم الفتوى على الإطلاق على قول أبي حنيفة ثم قول أبي يوسف ثم قول محمد ثم قول زفر والحسن بن زياد وقيل إذا كان أبو حنيفة في جانب وصاحباه في جانب فالمفتى بالخيار والاول أصح إذا لم يكن المفتى مجتهدا انتهى ومثله في متن التنوير أول كتاب القضاء (وقال) في آخر كتاب الحاوى القدسي ومتى لم يوجد في المسئلة عن أبي حنيفة رواية يؤخذ بظاهر قول أبي يوسف ثم بظاهر قول محمد ثم بظاهر قول زفر والحسن وغيرهم الأكبر فالاكبر إلى آخر من كان من كبار الاصحاب وقال قبله ومتى كان قول أبي يوسف ومحمد موافق قوله لا يتعدى عنه إلا فيما مست إليه الضرورة وعلم أنه لو كان أبو حنيفة رأى ما رأوا لأفتى به وكذا إذا كان أحدهما معه فإن خالفاه في الظاهر قال بعض المشايخ يأخذ بظاهر قوله وقال بعضهم المفتى مخير بينهما ان شاء افتى بظاهر قوله وإن شاء افتى بظاهر قولهما والاصح أن العبرة لقوة الدليل انتهى (والحاصل) أنه إذا انفق أبو حنيفة وصاحباه على جواب لم يجز العدول عنه إلا لضرورة وكذا إذا وافقه أحدهما واما إذا انفرد عنهما بجواب وخالفاه فيه فإن انفرد كل منهما بجواب أيضًا بإن لم يتفقا على شيء واحد فالظاهر ترجيح قوله أيضا واما إذا خالفاه واتفقا على جواب واحد حتى صار هو في جانب وهما في جانب فقيل يرجح قوله أيضًا وهذا قول الإمام عبد الله بن المبارك وقيل يتخير المفتى وقول السراجية والاول أصح إذا لم يكن المفتى مجتهدا يفيد اختيار القول الثانى ان كان المفتى مجتهدا ومعنى تخييره أنه ينظر في الدليل فيفتى بما يظهر له ولا يتعين عليه قول الإمام وهذا الذي صححه في الحاوى أيضًا بقوله والاصح أن العبرة لقوة الدليل لأن اعتبار قوة الدليل شأن المفتى المجتهد فصار فيما إذا خالفه

ص: 26

صاحباه ثلاثة أقوال الأول اتباع قول الإمام بلا تخيير الثاني التخيير مطلقا الثالث وهو الاصح التفصيل بين المجتهد وغيره و به جزم قاضي خان كما يأتي والظاهر أن هذا توفيق بين القولين بحمل القول باتباع قول الإمام على المفتي الذي هو غير مجتهد وجل القول بالتخيير على المفتى المجتهد وإذا لم يوجد للإمام نص يقدم قول إلى يوسف ثم محمد الخ والظاهر ان هذا في حق غير المجتهد اما المفتى المجتهد فيتخير بما يترجح عنده دليله نظير ما قبله (وقد) علم من هذا أنه لا خلاف في الأخذ بقول الإمام إذا وافقه أحدهما ولذا قال الإمام قاضى خان وإن كانت المسئلة مختلفا فيها بين أصحابنا فإن كان مع أبي حنيفة أحد صاحبيه يأخذ بقولهما أي بقول الإمام ومن وافقه لوفور الشرائط واستجماع ادلة الصواب فيها وإن خالفه صاحباه في ذلك فإن كان اختلافهم اختلاف عصر وزمان كالقضاء بظاهر العدالة يأخذ بقول صاحبيه لتغيير احوال الناس وفى المزارعة والمعاملة ونحوها يختار قولهما لاجماع المتأخرين على ذلك وفيما سوى ذلك يخير المفتى المجتهد ويعمل بما افضى إليه رأيه وقال عبد الله بن المبارك يأخذ بقول أبي حنيفة انتهى (قلت) لكن قدمنا أن ما نقل عن الإمام من قوله إذا صح الحديث فهو مذهبي محمول على ما لم يخرج عن المذهب بالكلية كما ظهر لنا من التقرير السابق ومقتضاه جواز اتباع الدليل وإن خالف ما وافقه عليه أحد صاحبيه ولهذا قال في البحر عن التتارخانية إذا كان الإمام في جانب وهما في جانب خير المفتى وإن كان أحدهما مع الإمام اخذ بقولهما إلا إذا اصطلح المشايخ على قول الآخر فيتبعهم كما اختار الفقيه أبو الليث قول زفر في مسائل انتهى وقال في رسالته المسماة رفع الغشاء في وقت العصر والعشاء لا يرجح قول صاحبيه أو أحدهما على قوله إلا لموجب وهو اما ضعف دليل الإمام واما للضرورة والتعامل كترجيح قولهما في المزارعة والمعاملة واما لأن خلافهما له بسبب اختلاف العصر والزمان وانه لو شاهد ما وقع في عصرهما لوافقهما كعدم القضاء بظاهر العدالة (ويوافق) ذلك ما قاله العلامة المحقق الشيخ قاسم في تصحيحه ونصه على أن المجتهدين لم يفقدوا حتى نظروا في المختلف ورجحوا وصححوا فشهدت مصنفاتهم بترجيح قول أبي حنيفة والأخذ بقوله إلا في مسائل بسيرة اختاروا الفتوى فيها على قولهما أو قول أحدهما وإن كان الآخر مع الإمام كما اختاروا قول أحدهما فيما لا نص فيه للإمام للمعاني التي أشار إليها القاضي بل اختاروا قول زفر في مقابلة قول الكل نحو ذلك وترجيحاتهم وتصحيحاتهم باقية فعلينا اتباع الراجح والعمل به كما لو افتوا في حياتهم انتهى (تتمة) قال العلامة البيرى

ص: 27

والمراد بالاجتهاد أحد الاجتهادين وهو المجتهد في المذهب وعرف بأنه المتمكن من تخريج الوجوه على منصوص امامه أو المتجر في مذهب امامه المتمكن من ترجيح قول له على آخر اطلقه اهـ وسيأتى توضيحه

فالآن لا ترجيح بالدليل

فليس إلا القول بالتفصيل

ما لم يكن خلافه المصححا

فنأخذ الذى لهم قد وضحا

فاننا نراهمو قد رجحوا

مقال بعض صحبه وصححوا

من ذاك ما قد رجحو الزفر

مقاله في سبعة وعشر

قد علمت أن الاصح تخيير المفتى المجتهد فيفتى بما يكون دليله اقوى ولا يلزمه المشي على التفصيل ولما انقطع المفتي المجتهد في زماننا ولم يبق إلا المقلد المحض وجب علينا اتباع التفصيل فنفتي اولا بقول الإمام ثم وثم ما لم نر المجتهدين في المذهب صححوا خلافه لقوة دليله أو لتغير الزمان أو نحو ذلك مما يظهر لهم فنتبع ما قالوا كما لو كانوا احياء وافتونا بذلك كما علمته آنفا من كلام العلامة قاسم لأنهم اعلم وادري بالمذهب وعلى هذا عملهم فاننا رأيناهم قد يرجحون قول صاحبيه تارة وقول أحدهما تارة وتارة قول زفر في سبعة عشر موضعا ذكرها البيرى في رسالة ولسيدى أحمد الحموى منظومة في ذلك لكن بعض مسائلها مستدرك لكونه لم يختص به زفر وقد نظمت في ذلك منظومة فريدة اسقطت منها ما هو مستدرك وزدت على ما نظمه الحموى عدة مسائل وقد ذكرت هذه المنظومة في حاشيتى رد المحتار من باب النفقة (وقال) في البحر من كتاب القضاء فإن قلت كيف جاز للمشايخ الافتاء بقول غير الإمام الاعظم مع انهم مقلدون قلت قد اشكل على ذلك مدة طويلة ولم ار عنه جوابا الا ما فهمته الآن من كلامهم وهو انهم نقلوا عن أصحابنا أنه لا يحل لأحد أن يفتى بقولنا حتى يعلم من اين قلنا حتى نقل في السراجية أن هذا سبب مخالفة عصام للإمام وكان يفتى بخلاف قوله كثيرا لانه لم يعلم الدليل وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به (فأقول) ان هذا الشرط كان في زمانهم اما في زماننا فيكتفى بالحفظ كما في القنية وغيرها فيحل الافتاء بقول الإمام بل يجب وإن لم نعلم من اين قال وعلى هذا فما صححه في الحاوى أي من أن الاعتبار لقوة الدليل مبنى على ذلك الشرط وقد صححوا ان الافتاء بقول الإمام فينتج من هذا أنه يجب علينا الافتاء بقول الإمام وإن افتى المشايخ بخلافه لأنهم إنما افتوا بخلافه لفقد الشرط في حقهم وهو الوقوف على دليله واما نحن فلنا الافتاء وإن لم نقف على دليله وقد وقع للمحقق ابن الهمام في مواضع الرد على المشايخ في الافتاء بقولهما بأنه لا يعدل عن قوله إلا لضعف دليله لكن هو أهل للنظر في الدليل ومن ليس باهل للنظر فيه فعليه الافتاء بقول

ص: 28

الإمام والمراد بالاهلية هنا أن يكون عارفا مميزا بين الاقاويل له قدرة على ترجيح بعضها على بعض ولا يصير اهلا للفتوى ما لم يصر صوابه أكثر من خطأه لأن الصواب متى كثر فقد غلب ولا عبرة في المغلوب بمقابلة الغالب فإن امور الشرع مبنية على الاعم الاغلب كذا في الولوالجية. وفى مناقب الكردري قال ابن المبارك وقد سئل متى يحل للرجل أن يفتى ويلى القضاء قال إذا كان بصيرا بالحديث والرأى عارفا بقول أبي حنيفة حافظا له وهذا محمول على إحدى الروايتين عن أصحابنا وقبل استقرار المذهب اما بعد التقرر فلا حاجة إليه لانه يمكنه التقليد انتهى هذا آخر كلام البحر (أقول) ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من عدم الانتظام ولهذا اعترضه محشيه الخير الرملى بان قوله يجب علينا الافتاء بقول الإمام وإن لم نعلم من اين قال مضاد لقول الإمام لا يحل لاحد أن يفتى بقولنا حتى يعلم من اين قلنا اذ هو صريح في عدم جواز الافتاء اغير أهل الاجتهاد فكيف يستدل به على وجوبه فنقول ما يصدر من غير الاهل ليس بافتاء حقيقة وإنما هو حكاية عن المجتهد أنه قائل بكذا وباعتبار هذا الملحظ تجوز حكاية قول غير الإمام فكيف يجب علينا الافتاء بقول الإمام وإن افتى المشايخ بخلافه ونحن إنما نحكي فتواهم لا غير فليتأمل انتهى (وتوضيحه) ان المشايخ اطلعوا على دليل الإمام وعرفوا من اين قال واطلعوا على دليل أصحابه فيرجحون دليل أصحابه على دليله فيفتون به ولا يظن بهم انهم عدلوا عن قوله لجهلهم بدليله فانا نراهم قد شحنوا كتبهم بنصب الادلة ثم يقولون الفتوى على قول أبي يوسف مثلا وحيث لم نكن نحن اهلا للنظر في الدليل ولم نصل إلى رتبتهم في حصول شرائط التفريع والتأصيل فعلينا حكاية ما يقولونه لأنهم هم اتباع المذهب الذين نصبوا أنفسهم لتقريره وتحريره باجتهادهم (وانظر) إلى ما قدمناه من قول العلامة قاسم أن المجتهدين لم يفقدوا حتى نظروا في المختلف ورجحوا وصححوا إلى أن قال فعلينا اتباع الراجح والعمل به كما لو افتوا في حياتهم (وفى) فتاوى العلامة ابن الشلبي ليس للقاضى ولا للمفتى العدول عن قول الإمام إلا إذا صرح أحد من المشايخ بان الفتوى على قول غيره فليس للقاضى أن يحكم بقول غير أبي حنيفة في مسئلة لم يرجح فيها قول غيره ورجحوا فيها دليل أبي حنيفة على دليله فإن حكم فيها فحكمه غير ماض ليس له غير الانتقاض انتهى (ثم اعلم) أن قول الإمام لا يحل لاحد أن يفتى بقولنا الخ يحتمل معنيين (أحدهما) أن يكون المراد به ما هو المتبادر منه وهو انه إذا ثبت عنده مذهب امامه في حكم كوجوب الوتر مثلا لا يحل له أن يفتى بذلك حتى يعلم دليل امامه ولاشك أنه على هذا خاص

ص: 29

بالمفتى المجتهد دون المقلد المحض فإن التقليد هو الاخذ بقول الغير بغير معرفة دليله قالوا فخرج اخذه مع معرفة دليله فأنه ليس بتقليد لانه اخذ من الدليل لا من المجتهد بل قيل أن اخذه مع معرفة دليله نتيجة الاجتهاد لأن معرفة الدليل إنما تكون للمجتهد لتوقفها على معرفة سلامته من المعارض وهى متوقفة على استقراء الادلة كلها ولا يقدر على ذلك إلا المجتهد اما مجرد معرفة أن المجتهد الفلاني اخذ الحكم الفلاني من الدليل الفلاني فلا فائدة فيها فلا بد ان يكون المراد من وجوب معرفة الدليل على المفتى أن يعرف حاله حتى يصح له تقليده في ذلك مع الجزم به وافتاء غيره به وهذا لا يتأتى إلا في المفتى المجتهد في المذهب وهو المفتى حقيقة اما غيره فهو ناقل (لكن) كون المراد هذا بعيد لأن هذا المفتى حيث لم يكن وصل إلى رتبة الاجتهاد المطلق يلزمه التقليد لمن وصل إليها ولا يلزمه معرفة دليل امامه الأعلى قول قال في التحرير (مسئلة) غير المجتهد المطلق يلزمه التقليد وإن كان مجتهدا في بعض مسائل الفقه أو بعض العلوم كالفرائض على القول بتجزى الاجتهاد وهو الحق فيقلد غيره فيما لا يقدر عليه وقيل في العالم إنما يلزمه التقليد بشرط تبين صحة مستند المجتهد والا لم يجز له تقليده انتهى والاول قول الجمهور والثانى قول البعض المعتزلة كما ذكره شارحه فقوله يلزمه التقليد ما قدمناه من تعريف التقليد يدل على أن معرفة الدليل للمجتهد المطلق فقط وانه لا يلزم غيره ولو كان ذلك الغير مجتهدا في المذهب لكن نقل الشارح عن الزركشي من الشافعية ان إطلاق الحاقه بالعامى الصرف فيه نظر لاسيما في اتباع المذاهب المتبحرين فإنهم لم ينصبوا أنفسهم نصبة المقلدين ولا شك في الحاقهم بالمجتهدين اذ لا يقلد مجتهد مجتهدا ولا يمكن أن يكون واسطة بينهما لأنَّه ليس لنا سوى حالتين قال ابن المنير والمختار انهم مجتهدون ملتزمون أن لا يحدثوا مذهبا اما كونهم مجتهدين فلان الاوصاف قائمة بهم واما كونهم ملتزمين أن لا يحدثوا مذهبا فلان احداث مذهب زائد بحيث يكون لفروعه أصول وقواعد مباينة لسائر قواعد المتقدمين فمتعذر الوجود لاستيعاب المتقدمين سائر الاساليب نعم لا يمتنع عليهم تقليد الهام في قاعدة فإذا ظهر له صحة مذهب غير امامه في واقعة لم يجز له أن يقلد امامه لكن وقوع ذلك مستبعد لكمال نظر من قبله انتهى "*"(الثانى من الاحتمالين أن يكون المراد الافتاء بقول الإمام تخريجا واستنباطا من اصوله (قال) في التحرير وشرحه (مسئلة) افتاء غير المجتهد

"*" وما استبعده غير بعيد كما افاده في شرح التحرير فإنه واقع في مثل أصحاب الإمام الاعظم فإنهم خالفوه في بعض الاصول وفى فروع كثيرة جدا اهـ منه.

ص: 30

بمذهب مجتهد تخريجا على اصوله لا نقل عينه ان كان مطلعا على مبانيه أي مأخذا حكام المجتهد اهلا للنظر فيها قادرا على التفريع على قواعده متمكنا من الفرق والجمع والمناظرة في ذلك بان يكون له ملكة الاقتدار على استنباط احكام الفروع المتجددة التي لا نقل فيها عن صاحب المذهب من الاصول التي مهدها صاحب المذهب وهذا المسمى بالمجتهد في المذهب جاز "*" والا يكن كذلك لا يجوز. وفى شرح البديع للهندى وهو المختار عند كثير من المحققين من أصحابنا وغيرهم فإنه نقل عن أبي يوسف وزفر وغيرهما من أئمتنا انهم قالوا لا يحل لأخد أن يفتى بقولنا ما لم يعلم من اين قلنا وعبارة بعضهم من حفظ الاقاويل ولم يعرف الحجج فلا يحل له أن يفتى فيما اختلفوا فيه وقيل جاز بشرط عدم مجتهد واستقر به العلامة وقيل يجوز مطلقا أي سواء كان مطلعا على المأخذ أم لا عدم المجتهد أم لا وهو مختار صاحب البديع وكثير من العلماء لانه ناقل فلا فرق فيه بين العالم وغيره واجيب بأنه ليس الخلاف في النقل بل في التخريج لأن النقل لعين مذهب المجتهد يقبل بشرائط الراوى من العدالة وغيرها اتفاقا انتهى ملخصا (أقول) ويظهر مما ذكره الهندى ان هذا غير خاص باقوال الإمام بل أقوال أصحابه كذلك وإن المراد بالمجتهد في المذهب هم أهل الطبقة الثالثة من الطبقات السبع المارة وإن الطبقة الثانية وهم أصحاب الإمام أهل اجتهاد مطلق إلا انهم قلدوه في اغلب اصوله وقواعده بناء على أن المجتهد له أن يقلد آخر وفيه عن أبي حنيفة روايتان ويؤيد الجواز مسئلة أبي يوسف لما صلى الجمعة فاخبروه بوجود فأرة في حوض الحمام فقال نقلد أهل المدينة وعن محمد يقلد أعلم منه أو على "*" أنه وافق اجتهادهم فيها اجتهاده وحيث نقل مثل هذا عن بعض الأئمة الشافعية كالقفال والشيخ أبي على والقاضى حسين أنهم كانوا يقولون لسنا مقلدين للشافعي بل وافق رأينا رأيه يقال مثله في أصحاب أبي حنيفة مثل أبي يوسف ومحمد بالاولى وقد خالفوه في كثير من الفروع ومع هذا لم تخرج أقوالهم عن المذهب كما مر تقريره "*"(فقد) تحرر مما ذكرناه أن قول الإمام وأصحابه لا يحل لاحد

"*" قوله جاز جواب الشرط في قوله ان كان مطلعا الخ منه

"*" قوله أو على معطوف على قوله على أن المجتهد

"*" ثم رأيت بخط من اثق به ما نصه قال ابن الملقن في طبقات الشافعية فائدة قال ابن

برهان في الأوسط اختلف أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة في المزنى وابن سريج وأبي يوسف ومحمد بن الحسن فقيل مجتهدون مطلقا وقيل في المذهبين وقال امام الحرمين أرى كل اختيار المزنى تخريجا فإنه لا يخالف أصول الشافعي لا كأبي يوسف ومحمد

ص: 31

أن يفتى بقولنا حتى يعلم من اين قلنا محمول على فتوى المجتهد في المذهب بطريق الاستنباط والتخريج كما علمت من كلام التحرير وشرح البديع والظاهر اشتراك أهل الطبقة الثالثة والرابعة والخامسة في ذلك وإن من عداهم يكتفى بالنقل وإن علينا اتباع ما نقلوه لنا عنهم من استنباطاتهم الغير المنصوصة عن المتقدمين ومن ترجيحاتهم ولو كانت لغير قول الإمام كما قررناه في صدر هذا البحث لأنهم لم يرجحوا ما رجحوه جزافا وإنما رجحوا بعد اطلاعهم على المأخذ كما شهدت مصنفاتهم بذلك خلافا لما قاله في البحر (تنبيه) كلام البحر صريح في أن المحقق ابن الهمام من أهل الترجيح حيث قال عنه أنه أهل للنظر في الدليل وح فلنا اتباعه فيما يحققه ويرجحه من الروايات أو الأقوال ما لم يخرج عن المذهب فإن له اختيارات خالف فيها المذهب فلا يتابع عليها كما قاله تلميذه العلامة قاسم وكيف لا يكون اهلا لذلك وقد قال فيه بعض اقرانه وهو البرهان الانباسى لو طلبت حجج الدين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره اهـ (قلت) بل قد صرح العلامة المحقق شيخ الإسلام على المقدسي في شرحه على نظم الكنز في باب نكاح الرقيق بان ابن الهمام بلغ رتبة الاجتهاد* وكذلك نفس العلامة قاسم من أهل تلك الكتيبة فإنه قال في أول رسالته المسماة رفع الاشتباه عن مسئلة المياه لما منع علماؤنا رضى الله تعالى عنهم من كان له اهلية النظر من محض تقليدهم على ما رواه الشيخ الإمام العالم العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال لا يحل لاحد أن يفتى بقولنا ما لم يعرف من اين قلناه تتبعت (1) مآخذهم وحصلت منها بحمد الله تعالى على الكثير ولم اقنع بتقليد ما في صحف كثير من المصنفين الخ. وقال في رسالة [(1) جواب لما] أخرى وانى ولله الحمد لأقول كما قال الطحاوى لابن حربوية لا يقلد الا عصبي او غبي انتهى ويؤخذ من قول صاحب البحر يجب علينا الافتاء بقول الإمام الخ أنه نفسه ليس من أهل النظر في الدليل فإذا صحح قولا مخالفا لتصحيح غيره لا يعتبر فضلا عن الاستنباط والتخريج على القواعد خلافا لما ذكره البيرى عند قول صاحب البحر في كتابه الأشباه النوع الأول معرفة القواعد التي يرد إليها وفرعوا الأحكام عليها وهى أصول الفقه في الحقيقة وبها يرتقى الفقيه إلى درجة الاجتهاد ولو في الفتوى وأكثر فروعه ظفرت به الخ فقال البيرى بعد أن عرف المجتهد في المذهب بما قدمناه عند وفى هذا إشارة إلى أن المؤلف قد بلغ هذه المرتبة في الفتوى

=فإنهما يخالفان صاحبتهما قل الرافعى في باب الوضوء تفردات المزنى لا تعد من المذهب إذا لم يخرجها على أصل الشافعي انتهى منه.

ص: 32

وزيادة وهو في الحقيقة قد من الله تعالى عليه بالاطلاع على خبايا الزوايا وكان من جملة الحفاظ المطلعين انتهى اذ لا يخفى ان ظفره بأكثر فروع هذا النوع لا يلزم منه أن يكون له اهلية النظر في الادلة التى دل كلامه في البحر على انها لم تحصل له وعلى انها شرط للاجتهاد في المذهب فتأمل

ثم إذا لم توجد الروايه

عن علمائنا ذوى الدرايه

واختلف الذين قد تأخروا

يرجح الذي عليه الأكثر

مثل الطحاوى وابى حفص الكبير

وابوى جعفر والليث الشهير

وحيث لم توجد لهؤلاء

مقالة واحتيج للافتاء

فلينظر المفتى بجد واجتهاد

وليخش بطش ربه يوم المعاد

فليس يجسر على الأحكام

سوى شقى خاسر المرام

قال في آخر الحاوى القدسى ومتى لم يوجد في المسئلة عن أبي حنيفة رواية يؤخذ بظاهر قول أبي يوسف ثم بظاهر قول محمد ثم بظاهر قول زفر والحسن وغيرهم الأكبر فالاكبر هكذا إلى آخر من كان من كبار الاصحاب وإذا لم يوجد في الحادثة عن واحد منهم جواب ظاهر وتكلم فيه المشايخ المتأخرون قولا واحدا يؤخذ به فإن اختلفوا يؤخذ بقول الأكثرين مما اعتمد عليه الكبار المعروفون كأبي حفص وأبي جعفر وأبي الليث والطحاوي وغيرهم فيعتمد عليه وإن لم يوجد منهم جواب البتة نصا ينظر المفتى فيها نظر تأمل وتدبر واجتهاد ليجد فيها ما يقرب إلى الخروج عن العهدة ولا يتكلم فيها جزافا لمنصبه وحرمته وليخش الله تعالى ويراقبه فإنه أمر عظيم لا يتجاسر عليه الأكل جاهل شقى انتهى (وفى) الخانية وإن كانت المسئلة في غير ظاهر الرواية ان كانت توافق أصول أصحابنا يعمل بها فإن لم يجد لها رواية عن أصحابنا واتفق فيها المتأخرون على شيء يعمل به وإن اختلفوا يجتهد ويفتى بما هو صواب عنده وإن كان المفتى مقلدا غير مجتهد يأخذ بقول من هو افقه الناس عنده ويضيف الجواب إليه فإن كان افقه الناس عنده في مصر آخر يرجع إليه بالكتاب ويكتب بالجواب ولا يجازف خوفا من الافتراء على الله تعالى بتحريم الحلال وضده انتهى (قلت) وقوله وإن كان المفتى مقلدا غير مجتهد الخ يفيد أن المقلد المحض ليس له أن يفتى فيما لم يجد فيه نصا عن أحد ويؤيده ما في البحر عن التاترخانية وإن اختلف المتأخرون اخذ بقول واحد فلو لم يجد من المتأخرين يجتهد برأيه إذا كان يعرف وجوه الفقه ويشاور أهله انتهى فقوله إذا كان يعرف الخ دليل على أن من لم يعرف ذلك بل قرأ كتابا أو أكثر وفهمه

ص: 33

وصار له اهلية المراجعة والوقوف على موضع الحادثة من كتاب مشهور معتمد إذا لم يجد تلك الحادثة في كتاب ليس له أن يفتى فيها برأيه بل عليه أن يقول لا ادرى كما قال من هو أجل منه قدرا من مجتهدى الصحابة ومن بعدهم بل من ايد بالوحى صلى الله تعالى عليه وسلم والغالب ان عدم وجدانه النص لقلة اطلاعه أو عدم معرفته بموضع المسئلة المذكورة فيه اذ قل ما تقع حادثة إلا ولها ذكر في كتب المذهب اما بعينها أو بذكر قاعدة كلية تشملها ولا يكتفى بوجود نظيرها مما يقاربها فإنه لا يأمن أن يكون بين حادثته وما وجده فرق لا يصل إليه فهمه فكم من مسئلة فرقوا بينها وبين نظيرتها حتى ألفوا كتب الفروق لذلك ولو وكل الامر إلى افهامنا لم ندرك الفرق بينهما بل قال العلامة ابن نجم في الفوائد الزينية لا يحل الافتاء من القواعد والضوابط وإنما على المفتى حكاية النقل الصريح كما صرحوا به انتهى وقال أيضًا أن المقرر في الأربعة المذاهب أن قواعد الفقه اكثرية لا كلية انتهي نقله البيرى فعلى من لم يجد نقلا صريحا أن يتوقف في الجواب أو يسأل من هو أعلم منه ولو في بلدة أخرى كما يعلم مما نقلناه عن الخانية وفى الظهيرية وإن لم يكن من أهل الاجتهاد لا يحل له أن يفتى إلا بطريق الحكاية فيحكى ما يحفظ من أقوال الفقهاء انتهى نعم قد توجد حوادث عرفية غير مخالفة للنصوص الشرعية فيفتى المفتى بها كما سنذكره آخر المنظومة

وهاهنا ضوابط محوره

غدت لدى أهل النهى مقرره

في كل أبواب العبادات رجح

قول الإمام مطلقا ما لم تصح

عنه رواية بها الغير اخذ

مثل تيمم لمن تمرا نبذ

وكل فرع بالقضا تعلقا

قول أبي يوسف فيه ينتقى

وفى مسائل ذوى الارحام قد

افتوا بما يقوله محمد

ورجحوا استحسانهم على القياس

إلا مسائل وما فيها التباس

وظاهر المروى ليس يعدل

عنه إلى خلافه اذ ينقل

لا ينبغى العدول عن درايه

إذا اتى بوفقها روايه

وكل قول جاء ينفى الكفرا

عن مسلم ولو ضعيفا أحرى

وكل ما رجع عنه المجتهد

صار كمنسوخ فغيره اعتمد

وكل قول في المتون اثبتا

فذاك ترجيح له ضمنا اتى

فرجحت على الشروح والشروح

على الفتاوى القدم من ذات رجوح

ما لم يكن سواء لفظا صححا

فالارجح الذى به قد صرحا

جمعت في هذه الابيات قواعد ذكروها مفرقة في الكتب وجعلوها علامة على المرجح من الأقوال (الأولى) ما فى شرح المنية للبرهان إبراهيم الحلبي من فصل

ص: 34

التميم حيث قال فلله در الإمام الاعظم ما ادق نظره وما أشد فكره ولأمر ما جعل العلماء الفتوى على قوله في العبادات مطلقا وهو الواقع بالاستقراء ما لم يكن عنه رواية كقول المخالف كما في طهارة الماء المستعمل والتيمم فقط عند عدم غير نبيذ التمر (الثانية) ما في البحر قبيل فصل الحبس قال وفى القنية من باب المفتى الفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لزيادة تجربته وكذا في البزازية من القضاء انتهى أي لحصول زيادة العلم له بتجربته ولهذا رجع أبو حنيفة عن القول بان الصدقة أفضل من حج التطوع لما حج وعرف مشقته زاد في شرح البيرى على الاشباه أن الفتوى على قول أبي يوسف أيضًا في الشهادات قلت لكن هي من توابع القضاء (و) في البحر من كتاب الدعوى لو سكت المدعى عليه ولم يجب ينزل منكرا عندهما اما عند أبي يوسف فيحبس إلى أن يجيب كما قال الإمام السرخسى والفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء كما في القنية والبزازية فلذا افتيت بأنه يحبس إلى أن يجيب (الثالثة) ما في متن الملتقى وغيره في مسئلة القسمة على ذوى الارحام وبقول محمد يفتى قال في سكب الانهراى في جميع توريث ذوى الارحام وهو اشهر الروايتين عن الإمام أبي حنيفة وبه يفتى كذا قاله الشيخ سراج الدين في شرح فرائضه وقال في الكافى وقول محمد اشهر الروايتين عن أبي حنيفة في جميع ذوى الارحام وعليه الفتوى (الرابعة) ما في عامة الكتب من أنه إذا كان في مسئلة قياس واستحسان ترجح الاستحسان على القياس إلا في مسائل وهى إحدى عشرة مسئلة على ما في اجناس الناطفى وذكرها العلامة ابن نجيم في شرحه على المنار ثم ذكر أن نجم الدين النسفي اوصلها إلى اثنتين وعشرين وذكر قبله عن التلويح أن الصحيح ان معنى الرجحان هنا تعين العمل بالراجح وترك العمل بالمرجوح وظاهر كلام فخر الإسلام أنه الاولوية حتى يجوز العمل بالمرجوح (الخامسة) ما في قضاء البحر من أن ما خرج عن ظاهر الرواية فهو مرجوع عنه والمرجوع عنه لم يبق قولا للمجتهد كما ذكروه انتهى وقدمنا عن انفع الوسائل أن القاضى المقلد لا يجوز له أن يحكم إلا بما هو ظاهر المذهب لا بالرواية الشاذة إلا أن ينصوا على أن الفتوى عليها انتهى وفي قضاء الفوائت من البحر ان المسئلة إذا لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها انتهى (السادسة) ما في شرح المنية في بحث تعديل الاركان بعد ما ذكر اختلاف الرواية عن الإمام في الطمانينة هل هي سنة أو واجبة وكذا القومة والجلسة قال وانت علمت أن مقتضى الدليل الوجوب كما قاله الشيخ كمال الدين ولا ينبغي أن يعدل

ص: 35

عن الدراية إذا وافقتها رواية انتهى والدراية بالدال المهملة تستعمل بمعنى الدليل كما في المستصفى ويؤيده ما في آخر الحاوى القدسى إذا اختلفت الروايات عن أبي حنيفة في مسئلة فالاولى بالاخذ اقواها حجة (السابعة) ما في البحر من باب المرتد نقلا عن الفتاوى الصغرى الكفر شيء عظيم فلا اجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر انتهى ثم قال والذى تحرر انه لا يفتى بكفر مسلم امكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة (الثامنة) ما في البحر مما قدمناه قريبا من أن المرجوع عنه لم يبق مذهبا للمجتهد وح فيجب طلب القول الذي رجع إليه والعمل به لأن الأول صار بمنزلة الحكم المنسوخ وفى البحر أيضًا عن التوشيح أن ما رجع عنه المجتهد لا يجوز الاخذ به انتهى (و) ذكر في شرح التحرير أن علم المتأخر فهو مذهبه ويكون الأول منسوخا والا حكى عنه القولان من غير أن يحكم على أحدهما بالرجوع (التاسعة) ما ذكره العلامة قاسم في تصحيحه أن ما في المتون مصحح تصحيحا التزاميا والتصحيح الصريح مقدم على التصحيح الالتزامي قلت حاصله أن أصحاب المتون التزموا وضع القول الصحيح فيكون ما في غيرها مقابل الصحيح ما لم يصرح بتصحيحه فيقدم عليها لانه تصحيح صريح فيقدم على التصحيح الالتزامى وفى شهادات الخيرية في جواب سؤال المذهب الصحيح المفتى به الذي مشت عليه أصحاب المتون الموضوعة لنقل الصحيح من المذهب الذي هو ظاهر الرواية أن شهادة الاعمى لا تصح ثم قال وحيث علم أن القول هو الذي تواردت عليه المتون فهو المعتمد المعمول به اذ صرحوا بأنه إذا تعارض ما في المتون والفتاوى فالمعتمد ما في المتون وكذا يقدم ما في الشروح على ما في الفتاوى انتهى وفي فصل الحبس من البحر والعمل على ما في المتون لانه إذا تعارض ما في المتون والفتاوى فالمعتمد ما في المتون كما في انفع الوسائل وكذا يقدم ما في الشروح على ما في الفتاوى انتهى أي لما صرح به في انفع الوسائل أيضًا في مسئلة قديمة الوقف حيث قال لا يفتى بنقول الفتاوى بل نقول الفتاوى إنما يستأنس بها إذا لم يوجد ما يعارضها من كتب الاصول ونقل المذهب اما مع وجود غيرها لا يلتفت إليها خصوصا إذا لم يكن نص فيها على الفتوى اهـ (و) رأيت في بعض كتب المتأخرين نقلا عن ايضاح الاستدلال على ابطال الاستبدال لقاضي القضاة شمس الدين الحريري أحد شراح الهداية ان صدر الدين سليمان قال أن هذه الفتاوى هي اختيارات المشايخ فلا تعارض كتب المذهب قل وكذا كان يقول غيره من مشايخنا وبه اقول انتهى (ثم) لا يخفى أن المراد بالمتون المتون المعتبرة كالبداية ومختصر

ص: 36

القدورى والمختار والنقاية والوقاية والكنز والملتقى فإنها الموضوعة لنقل المذهب مما هو ظاهر الرواية بخلاف متن الغرر لمنلا خسرو ومتن التنوير للتمرتاشي الغزى فإن فيهما كثيرا من مسائل الفتاوى

وسابق الأقوال في الخانيه

وملتقى الابحر ذو مزيه

وفى سواهما اعتمد ما اخروا

دليله لأنَّه المحرر

كما هو العادة في الهدايه

ونحوها لراجح الدرايه

كذا إذا ما واحدا قد عللوا

له وتعليل سواه اهملوا

أي ان أول الأقوال الواقعة في فتاوى الإمام قاضى خان له مزية على غيره في الرجحان لانه قال في أول الفتاوى وفيما كثرت فيه الاقاويل من المتأخرين اختصرت على قول أو قولين وقدمت ما هو الاظهر وافتتحت بما هو الاشهر اجابة للطالبين وتيسيرا على الراغبين انتهى وكذا صاحب ملتقى الابحر التزم تقديم القول المعتمد وما عداهما من الكتب التي تذكر فيها الأقوال بادلتها كالهداية وشروحها وشروح الكنز وكما في النسفى والبدائع وغيرها من الكتب المبسوطة فقد جرت العادة فيها عند حكاية الأقوال انهم يؤخرون قول الإمام ثم يذكرون دليل كل قول ثم يذكرون دليل الإمام متضمنا للجواب عما استدل به غيره وهذا ترجيح له إلا أن ينصوا على ترجيح غيره (قال) شيخ الإسلام العلامة ابن الشلبي في فتاواه الأصل أن العمل على قول أبي حنيفة ولذا ترجح المشايخ دليله في الاغلب على دليل من خالفه من أصحابه ويجيبون عما استدل به مخالفه وهذا إمارة العمل بقوله وإن لم يصرحوا بالفتوى عليه اذ الترجيح تصريح التصحيح انتهى وفى آخر المستصفى للإمام النسفى إذا ذكر في المسئلة ثلاثة أقوال فالراجح هو الأول أو الأخير لا الوسط انتهى (قلت) وينبغى تقيده بما إذا لم تعلم عادة صاحب ذلك الكتاب ولم يذكر الادلة اما إذا علمت كما مر عن الخانية والملتقى فتتبع واما إذا ذكرت الادلة فالمرجح الأخير كما قلنا (وكذا) لو ذكروا قولين مثلا وعللوا لأحدهما كان ترجيحا له على غير المعلل كما افاده الخير الرملي في كتاب الغصب من فتاواه الخيرية ونظيره ما في التحرير وشرحه في فصل الترجيح في المتعارضين أن الحكم الذى تعرض فيه للعلة يترجح على الحكم الذي لم يتعرض فيه لها لأن ذكر علته يدل على الاهتمام به والحث عليه انتهى

وحيثما وجدت قولين وقد

صحح واحد فذاك المعتمد

بنحو ذا الفتوى عليه الاشبه

والاظهر المختار ذا والاوجه

ص: 37

أو الصحيح والاصح آكد

منه وقيل عكسه المؤكد

كذا به يفتى عليه الفتوى

وذان من جميع تلك اقوى

قال في آخر الفتاوى الخيرية وفى أول المضمرات اما العلامات للافتاء فقوله وعليه الفتوى وبه يفتى وبه نأخذ وعليه الاعتماد وعليه عمل اليوم وعليه عمل الأمة وهو الصحيح وهو الاصح وهو الاظهر وهو المختار في زماننا وفتوى مشايخنا وهو الاشبه وهو الاوجه وغيرها من الالفاظ المذكورة في متن هذا الكتاب في محلها في حاشية البزدوى انتهى وبعض هذه الالفاظ آكد من بعض فلفظ الفتوى آكد من لفظ الصحيح والاصح والاشبه وغيرها ولفظ به يفتى آكد من لفظ الفتوى عليه والاصح آكد من الصحيح والاحوط آكد من الاحتياط انتهى (لكن) في شرح المنية في بحث مس المصحف والذي اخذناه من المشايخ أنه إذا تعارض امامان معتبران في التصحيح فقال أحدهما الصحيح كذا وقال الآخر الاصح كذا فالأخذ بقول من قال الصحيح أولى من الاخذ بقول من قال الاصح لأن الصحيح مقابله الفاسد والاصح مقابله الصحيح فقد وافق من قال الاصح قائل الصحيح على أنه صحيح واما من قال الصحيح فعنده ذلك الحكم الآخر فاسد فالاخذ بما اتفاقا على أنه صحيح أولى من الاخذ بما هو عند أحدهما فاسد انتهى (وذكر) العلامة ابن عبد الرزاق في شرحه على الدر المختار أن المشهور عند الجمهور أن الاصح آكد من الصحيح (وفى) شرح البيرى قال في الطراز المذهب ناقلا عن حاشية البزدوى قوله هو الصحيح يقتضى أن يكون غيره غير صحيح ولفظ الاصح يقتضى أن يكون غيره ما أقول ينبغي أن يقيد ذلك بالغالب لانا وجدنا مقابل الاصح الرواية الشاذة كما في شرح المجمع انتهى (وفى) الدر المختار بعد نقله حاصل ما مر ثم رأيت في رسالة آداب المفتين إذا ذيلت رواية في كتاب معتمد بالاصح أو الأولى أو الارفق ونحوها فله أن يفتى بها وبمخالفتها أيضًا ايا شاء وإذا ذيلت بالصحيح أو المأخوذ به أو به يفتى أو عليه الفتوى لم يفت بمخالفها إلا إذا كان في الهداية مثلا هو الصحيح وفى الكافى بمخالفه هو الصحيح فيخير فيختار الاقوى عنده ولاليق والاصلح انتهى فليحفظ انتهى (قلت) وحاصل هذا كله أنه إذا صحح كل من الروايتين بلفظ واحد كأن ذكر في كل واحدة منهما هو الصحيح أو الاصح أو به يفتى تخير المفتى. وإذا اختلف اللفظ فإن كان أحدهما لفظ الفتوى فهو أولى لانه لا يفتى الا بما هو صحيح وليس كل صحيح يفتى به لأن الصحيح في نفسه قد لا يفتى به لكون غيره اوفق لتغير الزمان وللضرورة ونحو ذلك فما فيه لفظ

ص: 38

الفتوى يتضمن شيئين أحدهما الاذن بالفتوى به والآخر صحته لأن الافتاء به تصحيح له بخلاف ما فيه لفظ الصحيح أو الاصح مثلا وإن كان لفظ الفتوى في كل منهما فإن كان أحدهما يفيد الحصر مثل به يفتى أو عليه الفتوى فهو الأولى ومثله بل أولى لفظ عليه عمل الأمة لانه يفيد الاجماع وإن لم يكن لفظ الفتوى في واحد منهما فإن كان أحدهما بلفظ الاصح والآخر بلفظ الصحيح فعلى الخلاف السابق لكن هذا فيما إذا كان التصحيحان في كتابين اما لو كانا في كتاب واحد من امام واحد فلا يتاتى الخلاف في تقديم الاصح على الصحيح لأن اشعار الصحيح بان مقابله فاسد لا يتأتى فيه بعد التصريح بان مقابله أصبح إلا إذا كان في المسئلة قول ثالث يكون هو الفاسد وكذا لو ذكر تصحيحين عن امامين ثم قال أن هذا التصحيح الثاني أصبح من الأول مثلا فإنه لا شك أن مراده ترجيح ما عبر عنه بكونه أصح ويقع ذلك كثيرا في تصحيح العلامة قاسم وإن كان كل منهما بلفظ الاصح أو الصحيح فلا شبهة في أنه يتخير بينهما إذا كان الامامان المصححان في رتبة واحدة اما لو كان أحدهما أعلم فإنه يختار تصحيحه كما لو كان أحدهما في الخانية والآخر في البزازية مثلا فان تصحيح قاضي خان اقوى فقد قال العلامة قاسم أن قاضي خان من احق من يعتمد على تصحيحه وكذا يتخير إذا صرح بتصحيح إحداهما فقط بلفظ الاصح أو الاحوط أو الأولى أو الارفق وسكت عن تصحيح الأخرى فإن هذا اللفظ يفيد صحة الأخرى لكن الأولى الاخذ بما صرح بأنها الاصح لزيادة صحتها وكذا لو صرح في إحداهما بالاصح وفى الأخرى بالصحيح فإن الأولى الاخذ بالاصح

وإن تجد تصحيح قولين ورد

فاختر لما شئت فكل معتمد

إلا إذا كانا صحيحا واصح

او قيل ذا يفتي به فقدر حج

أو كان في المتون أو قول الإمام

أو ظاهر المروى او جلّ العظام

قال به أو كان الاستحسانا

او زاد للاوقاف نفعا بانا

أو كان ذا اوفق للزمان

او كان ذا أوضح في البرهان

هذا إذا تعارض التصحيح

او لم يكن أصلا به تصريح

فتأخذ الذى له مرجح .. بما علمته فهذا الاوضح

لما ذكرت علامات التصحيح لقول من الأقوال وإن بعض الفاظ التصحيح آكد من بعض وهذا إنما تظهر ثمرته عند التعارض بان كان التصريح لقولين فصلت ذلك تفصيلا حسنا لم اسبق إليه اخذا مما مهدته قبل هذا وذلك أن قولهم إذا كان في المسئلة قولان مصححان فالمفتى بالخيار ليس على إطلاقه بل ذاك إذا لم يكن

ص: 39

لأحدهما مرجح قبل التصحيح أو بعده (الأول) من المرجحات ما إذا كان تصحيح أحدهما بلفظ الصحيح والآخر بلفظ الاصح وتقدم الكلام فيه وان المشهور ترجيح الاصح على الصحيح (الثانى) ما إذا كان أحدهما بلفظ الفتوى والآخر بغيره كما تقدم بيانه (الثالث) ما إذا كان أحد القولين المصححين في المتون والآخر في غيرها لانه عند عدم التصحيح لأحد القولين يقدم ما في المتون لانها الموضوعة لنقل المذهب كما مر فكذا إذا تعارض التصحيحان ولذا قال في البحر في باب قضاء الفوائت فقد اختلف التصحيح والفتوى والعمل بما وافق المتون أولى (الرابع) ما إذا كان أحدهما قول الإمام الاعظم والآخر قول بعض أصحابه لانه عند عدم الترجيح لأحدهما يقدم قول الإمام كما مر بيانه فكذا بعده (الخامس) ما إذا كان أحدهما ظاهر الرواية فيقدم على الآخر قال في البحر من كتاب الرضاع الفتوى إذا اختلفت كان الترجيح لظاهر الرواية وفيه من باب المصرف إذا اختلف التصحيح وجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع إليه (السادس) ما إذا كان أحد القولين المصححين قال به جل المشايخ العظام ففي شرح البيرى على الاشياء أن المقرر عن المشايخ أنه متى اختلف في المسئلة فالعبرة بما قاله الأكثر انتهى وقدمنا نحوه عن الحاوى القدسى (السابع) ما إذا كان أحدهما الاستحسان والآخر القياس لما قدمناه من أن الارجح الاستحسان إلا في مسائل (الثامن) ما إذا كان أحدهما انفع للوقف لما صرحوا به في الحاوى القدسي وغيره من أنه يفتى بما هو انفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه (التاسع) ما إذا كان أحدهما اوفق لاهل الزمان فإن ما كان أوفق لعرفهم أو اسهل عليهم فهو أولى بالاعتماد عليه ولذا افتوا بقول الامامين في مسئلة تزكية الشهود وعدم القضاء بظاهر العدالة لتغير احوال الزمان فإن الإمام كان في القرن الذى شهد له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالخيرية بخلاف عصرهما فإنه قد فشى فيه الكذب فلابد فيه من التزكية وكذا عدلوا عن قول امتنا الثلاثة في عدم جواز الاستئجار على التعليم ونحوه لتغير الزمان ووجود الضرورة إلى القول بجوازه كما مر بيانه (العاشر) ما إذا كان أحدهما دليله أوضح واظهر كما تقدم أن الترجيح بقوة الدليل فحيث وجد تصحيحان ورأى من كان له اهلية النظر في الدليل أن دليل أحدهما اقوى فالعمل به أولى هذا كله إذا تعارض التصحيح لأن كل واحد من القولين مساو للآخر في الصحة فإذا كان في أحدهما زيادة قوة من جهة أخرى يكون العمل به أولى من العمل بالآخر وكذا اذا لم يصرح بتصحيح واحد من القولين فيقدم ما فيه مرجح من هذه المرجحات ككونه في المتون

ص: 40

أو قول الإمام أو ظاهر الرواية الخ

واعمل بمفهوم روايات اتى

ما لم يخالف لصريح ثبتا

اعلم أن المفهوم قسمان * مفهوم موافقة وهو دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق لمسكوت بمجرد فهم اللغة أي بلا توقف على رأى واجتهاد كدلالة (لا تقل لهما اف) على تحريم الضرب * ومفهوم مخالفة وهو دلالة اللفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت * وهو اقسام * مفهوم الصفة كفى السائمة زكاة * ومفهوم الشرط نحو {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} ومفهوم الغاية نحو (حتى تنكح زوجا غيره) ومفهوم العدد نحو (ثمانين جلدة) ومفهوم اللقب وهو تعليق الحكم بجامد كفى الغنم زكاة * واعتبار القسم الأول من القسمين متفق عليه * واختلف في الثانى باقسامه فعند الشافعية معتبر سوى الأخير فيدل على نفى الزكاة عن العلوفة وعلى أنه لا نفقة لمبانة غير حامل وعلى الحل إذا نكحت غيره وعلى نفى الزائد على الثمانين * وعند الحنفية غير معتبر باقسامه في كلام الشارع فقط وتمام تحقيقه في كتب الاصول قال في شرح التحرير بعد قوله غير معتبر في كلام الشارع فقط فقد نقل الشيخ جلال الدين الخبازي في حاشية الهداية عن شمس الأئمة الكردرى أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفى الحكم عما عداه في خطابات الشارع فأما في متفاهم الناس وعرفهم وفى المعاملات والعقليات بدل انتهى وتداوله المتأخرون وعليه ما في خزانة الاكمل والخانية لو قال مالك على أكثر من مائة درهم كان اقرارا بالمائة ولا يشكل عليه عدم لزوم شيء في مالك على أكثر من مائة درهم ولا اقل كما لا يخفى على المتأمل انتهى (وفى) حج النهر المفهوم معتبر في الروايات اتفاقا ومنه أقوال الصحابة قال وينبغى تقييده بما يدرك بالرأى لا ما لم يدرك به انتهى. أي لأن قول الصحابي إذا كان لا يدرك بالرأى أي بالاجتهاد له حكم المرفوع فيكون من كلام الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم والمفهوم فيه غير معتبر فالمراد بالروايات ما روى في الكتب عن المجتهدين من الصحابة وغيرهم (وفى) النهر أيضًا عند سنن الوضوء مفاهيم الكتب حجة بخلاف أكثر مفاهيم النصوص انتهى وفى غاية البيان عند قوله وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها احترز بالمرأة عن الرجل وتخصيص الشيء في الروايات يدل على نفى ما عداه بالاتفاق بخلاف النصوص فإن فيها لا يدل على نفى ما عداه عندنا (وفى) غاية البيان أيضًا في باب جنايات الحج عند قوله وإذا صال السبع على المحرم فقتله لا شيء عليه لما روى أن عمر رضى الله تعالى عنه قتل سبعا واهدى كبشا وقال أنا ابتدأناه علل لاهدائه بابتداء نفسه

ص: 41

فعلم به أن المحرم إذا لم يبتدئ بقتله بل قتله دفعا لصولته لا يجب عليه شيء والا لم يبق للتعليل فائدة ولا يقال تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفى ما عداه عندكم فكيف تستدلون بقول عمر رضى الله تعالى عنه لانا نقول ذاك في خطابات الشرع اما في الروايات والمعقولات فيدل وتعليل عمر من باب المعقولات انتهى وحاصله أن التعليل للاحكام تارة يكون بالنص الشرعى من آية أو حديث وتارة يكون بالمعقول كما هنا والعلل العقلية ليست من كلام الشارع فمفهومها معتبر ولهذا تراهم يقولون مقتضى هذه العلة جواز كذا وحرمته فيستدلون بمفهومها (فإن قلت) قال في الأشباه من كتاب القضاء لا يجوز الاحتجاج بالمفهوم في كلام الناس في ظاهر المذهب كالادلة واما مفهوم الرواية فحجة كما في غاية البيان من الحج انتهى فهذا مخالف لما مر من أنه غير معتبر في كلام الشارع فقط (قلت) الذى عليه المتأخرون ما قدمناه (وقال) العلامة البيرى في شرحه والذى في الظهيرية الاحتجاج بالمفهوم لا يجوز وهو ظاهر المذهب عند علمائنا رحمهم الله تعالى وما ذكره محمد في السير الكبير من جواز الاحتجاج بالمفهوم فذلك خلاف ظاهر الرواية قاله في حواشى الكشف رأيت في الفوائد الظهيرية في باب ما يكره في الصلاة أن الاحتجاج بالمفهوم يجوز ذكره شمس الأئمة السرخسى في السير الكبير وقال بنى محمد مسائل السير على الاحتجاج بالمفهوم والى هذا مال الخصاف وبنى عليه مسائل الحيل * وفي المصفى التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه قلنا التخصيص في الروايات وفى متفاهم الناس وفي المعقولات يدل على نفى ما عداه اهـ من النكاح * وفى خزانة الروايات القيد في الرواية ينفي ما عداه وفي السراجية اما في متفاهم الناس من الاخبارات فإن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفى ما عداه كذا ذكره السرخسي انتهى أقول الظاهر أن العمل على ما في السير كما اختاره الخصاف في الحيل ولم نر من خالفه والله تعالى أعلم انتهى كلام البيرى * أي أن العمل على جواز الاحتجاج بالمفهوم لكن لا مطلقا بل في غير كلام الشارع كما علمت مما قررناه والا فالذى رأيته في السير الكبير جواز العمل به حتى في كلام الشارع فإنه ذكر في باب آنية المشركين وذبائحهم أن تزوج نساء النصارى من أهل الحرب لا يحرم واستدل عليه بحديث على أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتب إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام فمن أسلم قبل منه ومن لم يسلم ضربت عليه الجزية في أن لا يؤكل له ذبيحة ولا ينكح منهم امرأة قال شمس الأئمة السرخسي في شرحه فكأنه أي محمدا استدل بتخصيص رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم

ص: 42

المجوس بذلك على أنه لا بأس بنكاح نساء أهل الكتاب فإنه بنى هذا الكتاب على أن المفهوم حجة ويأتي بيان ذلك في موضعه ثم قال بعد أربعة أبواب في باب ما يجب من طاعة الوالى في قول محمد لو قال منادى الامير من أراد العلف فليخرج تحت لواء فلان فهذا بمنزلة النهى أي نهيهم عن أن يفارقوا صاحب اللواء بعد خروجهم معه وقد بينا أنه بنى هذا الكتاب على أن المفهوم حجة وظاهر المذهب عندنا أن المفهوم ليس بحجة مفهوم الصفة ومفهوم الشرط في ذلك سواء ولكنه اعتبر المقصود الذي يفهمه أكثر الناس في هذا الموضوع لأن الغزاة في الغالب لا يقفون على حقائق العلوم وان اميرهم بهذا اللفظ إنما نهى الناس عن الخروج إلا تحت لواء فلان فجعل النهى المعلوم بدلالة كلامه كالمنصوص عليه انتهى ومقتضاه أن ظاهر المذهب أن المفهوم ليس بحجة حتى في كلام الناس لأن ما ذكره في هذا الباب من كلام الامير فهو من كلام الناس لا من كلام الشارع وهذا موافق لما مر عن الأشباه والظاهر أن القول بكونه حجة في كلامهم قول المتأخرين كما يعلم من عبارة شرح التحرير السابقة ولعل مستندهم في ذلك ما نقلناه آنفا عن السير الكبير فإنه من كتب ظاهر الرواية الستة بل هو آخرها تصنيفا فالعمل عليه كما قدمناه في النظم (والحاصل) أن العمل الآن على اعتبار المفهوم في غير كلام الشارع لأن التنصيص على الشيء في كلامه لا يلزم منه أن يكون فائدته النفى عما عداه لأن كلامه معدن البلاغة فقد يكون مراده غير ذلك كما في قوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} فإن فائدة التقييد بالحجور كون ذلك هو الغالب في الربائب واما كلام الناس فهو خال عن هذه المزية فيستدل بكلامهم على المفهوم لأنَّه المتعارف بينهم وقد صرح في شرح السير الكبير بان الثابت بالعرف كالثابت بالنص وهو قريب من قول الفقهاء المعروف كالمشروط وح فما ثبت بالعرف فكأن قائله نص عليه فيعمل به وكذا يقال في مفهوم الروايات فإن العلماء جرت عادتهم في كتبهم على انهم يذكرون القيود والشروط ونحوها تنبيها على اخراج ما ليس فيه ذلك القيد ونحوه وإن حكمه مخالف لحكم المنطوق وهذا مما شاع وذاع بينهم بلا نكير ولذا لم ير من صرح بخلافه نعم ذلك اغلبى كما عزاء القهستانى في شرح النقاية إلى حدود النهاية ومن غير الغالب قول الهداية وسنن الطهارة غسل اليدين قبل ادخالهما الإناء إذا استيقظ المتوضى من نومه فإن التقييد بالاستيقاظ اتفاقى وقع تبركا بلفظ الحديث فإن السنة تشمل المستيقظ وغيره عند الأكثرين وقيل أنه احترازى لأخراج غير المستيقظ واليه مال شمس الأئمة الكردرى (وقولى) ما لم يخالف تصريح ثبتا أي أن

ص: 43

المفهوم حجة على ما قررناه إذا لم يخالف صريحا فإن الصريح مقدم على المفهوم كما صرح به الطرسوسي وغيره وذكره الاصوليون في ترجيح الادلة فإن القائلين باعتبار المفهوم في الادلة الشرعية إنما يعتبرونه إذا لم يأت صريح بخلافه فيقدم الصريح ويلغى المفهوم والله تعالى أعلم.

والعرف في الشرع له اعتبار

لذا عليه الحكم قد يدار

قال في المستصفى العرف والعادة ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول انتهى وفي شرح التحرير العادة هي الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية انتهى (وفى) الأشباه والنظائر السادسة العادة محكمة واصلها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) واعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلا فقالوا تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعادة ثم ذكر في الأشباه اما العادة إنما تعتبر إذا اطردت أو غلبت ولذا قالوا في البيع لو باع بدراهم أو دنانير في بلد اختلف فيها النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الاغلب قال في الهداية لانه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه اهـ وفى شرح البيرى عن المبسوط الثابت بالعرف كالثابت بالنص اهـ (ثم اعلم) أن كثيرا من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه قد تغيرت بتغير الازمان بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة كما قدمناه من افتاء المتأخرين بجواز الاستئجار على تعليم القرآن وعدم الاكتفاء بظاهر العدالة مع أن ذلك مخالف لما نص عليه أبو حنيفة ومن ذلك تحقق الاكراه من غير السلطان مع مخالفته لقول الإمام بناء على ما كان في عصره أن غير السلطان لا يمكنه الاكراه ثم كثر الفساد فصار يتحقق الاكراه من غيره فقال محمد باعتباره وافتى به المتأخرون * ومن ذلك تضمين الساعى مع مخالفته لقاعدة المذهب من أن الضمان على المباشر دون المتسبب ولكن افتوا بضمانه زجرا لفساد الزمان بل افتوا بقتله زمن الفترة. ومنه تضمين الاجير المشترك * وقولهم أن الوصى ليس له المضاربة بمال اليتيم في زماننا * وافتاؤهم بتضمين الغاصب عقار اليتيم والوقف * وعدم اجارته أكثر من سنة في الدور وأكثر من ثلاث سنين في الاراضى مع مخالفته لأصل المذهب من عدم الضمان وعدم التقدير بمدة * ومنعهم القاضى أن يقضى بعلمه وافتاؤهم بمنع الزوج من السفر بزوجته وإن اوفاها المعجل لفساد الزمان، وعدم سماع قوله أنه استثنى بعد الحلف بطلاقها الابينة مع أنه خلاف ظاهر الرواية وعللوه بفساد الزمان. وعدم تصديقها

ص: 44

بعد الدخول بها بأنها لم تقبض ما اشترط لها تعجيله من المهر مع انها منكرة للقبض وقاعدة المذهب أن القول للمنكر لكنها في العادة لا تسلم نفسها قبل قبضه * وكذا قالوا في قوله كل حل عليّ حرام يقع به الطلاق المعرف قال مشايخ بلخ وقول محمد لا يقع إلا بالنية أجاب به على عرف ديارهم اما في عرف بلادنا فيريدون به تحريم المنكوحة فيحمل عليه نقله العلامة قاسم ونقل عن مختارات النوازل أن عليه الفتوى لغلبة الاستعمال بالعرف ثم قال قلت ومن الالفاظ المستعملة في هذا في مصرنا الطلاق يلزمني والحرام يلزمنى وعليّ الطلاق وعليّ الحرام اهـ * وكذا مسئلة دعوى الأب عدم تمليكه البنت الجهاز فقد بنوها على العرف مع أن القاعدة أن القول للملك في التمليك وعدمه * وكذا جعل القول للمرأة في مؤخر صداقها مع أن القول للمنكر * وكذا قولهم المختار في زماننا قولهما في المزارعة والمعاملة والوقف لمكان الضرورة والبلوى. وقول محمد بسقوط الشفعة إذا اخر طلب التملك شهرا دفعا للضرر عن المشترى * ورواية الحسن بان الحرة العاقلة البالغة لو زوجت نفسها من غير كفؤ لا يصح * وافتاؤهم بالعفو عن طين الشارع للضرورة وببيع الوفاء والاستصناع والشرب من السقا بلا بيان مقدار ما يشرب * ودخول الحمام بلا بيان مدة المكث ومقدار ما يصب من الماء * واستقراض العجين والخبز بلا وزن وغير ذلك مما بنى على العرف وقد ذكر من ذلك في الأشباه مسائل كثيرة (فهذه) كلها قد تغيرت احكامها لتغير الزمان اما للضرورة واما للعرف واما لقرائن الاحوال وكل ذلك غير خارج عن المذهب لأن صاحب المذهب لو كان في هذا الزمان لقال بها ولو حدث هذا التغير في زمانه لم ينص على خلافها وهذا الذى جرأ المجتهدين في المذهب واهل النظر الصحيح من المتأخرين على مخالفة المنصوص عليه من صاحب المذهب في كتب ظاهر الرواية بناء على ما كان في زمنه كما مر تصريحهم به في مسئلة كل حل على حرام من أن محمدا بنى ما قاله على عرف زمانه وكذا ما قدمناه في الاستئجار على التعليم (فإن قلت) العرف يتغير مرة بعد مرة فلو حدث عرف آخر لم يقع في الزمان السابق فهل يسوغ للمفتى مخالفة المنصوص واتباع العرف الحادث (قلت) نعم فإن المتأخرين الذين خالفوا المنصوص في المسائل المارة لم يخالفوه الا لحدوث عرف بعد زمن الإمام فللمفتى اتباع عرفه الحادث في الالفاظ العرفية وكذا في الأحكام التي بناها المجتهد على ما كان في عرف زمنه وتغير عرفه إلى عرف آخر اقتداء بهم لكن بعد أن يكون المفتى ممن له رأى ونظر صحيح ومعرفة بقواعد الشرع حتى يميز بين العرف الذى يجوز بناء الأحكام عليه وبين غيره فإن المتقدمين شرطوا

ص: 45

في المفتى الاجتهاد وهذا مفقود في زماننا فلا اقل من أن يشترط فيه معرفة المسائل بشروطها وقيودها التي كثيرا ما يسقطونها ولا يصرحون بها اعتمادا على فهم المتفقه وكذا لا بد له من معرفة عرف زمانه واحوال أهله والتخرج في ذلك على استاذ ماهر ولذا قال في آخر منية المفتى لو أن الرجل حفظ جميع كتب أصحابنا لابد أن يتلمذ للفتوى حتى يهتدى إليه لأن كثيرا من المسائل يجاب عنه على عادات أهل الزمان فيما لا يخالف الشريعة انتهى * وفى القنية ليس للمفتى ولا للقاضي أن يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف انتهى ونقله منها في خزانة الروايات وهذا صريح فيما قلنا من أن المفتى لا يفتى بخلاف عرف أهل زمانه * ويقرب منه ما نقله في الأشباه عن البزازية من أن المفتى يفتى بما يقع عنده من المصلحة وكتبت في رد المحتار في باب القسامة فيما لو ادعى الولى على رجل من غير أهل المحلة وشهد اثنان منهم عليه لم تقبل عنده وقالا تقبل الخ نقل السيد الحموى عن العلامة المقدسي أنه قال توقفت عن الفتوى بقول الإمام ومنعت من اشاعته لما يترتب عليه من الضرر العام فإن من عرفه من المتمردين يتجاسر على قتل النفس في المحلات الخالية من غير اهلها معتمدا على عدم قبول شهادتهم عليه حتى قلت ينبغي الفتوى على قولهما لا سيما والاحكام تختلف باختلاف الايام انتهى وقال في فتح القدير في باب ما يوجب القضاء والكفارة من كتاب الصوم عند قول الهداية ولو اكل لحما بين اسنانه لم يفطر وإن كان كثيرا يفطر وقال زفر يفطر في الوجهين انتهى ما نصه * والتحقيق أن المفتى في الوقايع لابد له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس وقد عرف أن الكفارة تفتقر إلى كمال الجناية فينظر إلى صاحب الواقعة إن كان ممن يعاف طبعه ذلك اخذ بقول أبي يوسف وإن كان ممن لا اثر لذلك عنده اخذ بقول زفر انتهى (وفى) تصحيح العلامة قاسم * فإن قلت قد يحكون اقوالا من غير ترجيح وقد يختلفون في التصحيح قلت * يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف واحوال الناس وما هو إلا رفق بالناس وما ظهر عليه المتعامل وما قوى وجهه ولا يخلو الوجود من تميز هذا حقيقة لا ظنا بنفسه ويرجع من لم يميز إلى من يميز لبرائة ذمته انتهى (فهذا) كله صريح فيما قلناه من العمل بالعرف ما لم يخالف الشريعة كالمكس والربا ونحو ذلك فلا بد للمفتى والقاضي بل والمجتهد من معرفة احوال الناس وقد قالوا ومن جهل باهل زمانه فهو جاهل وقدمنا انهم قالوا يفتى بقول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لكونه جرب الوقايع وعرف احوال الناس * وفى البحر عن مناقب الإمام محمد للكردرى كان محمد يذهب إلى الصباغين

ص: 46

ويسأل عن معاملتهم وما يديرونها فيما بينهم انتهى وقالوا إذا زرع صاحب الأرض ارضه ما هو أدنى مع قدرته على الأعلى وجب عليه خراج الأعلى قالوا وهذا يعلم ولا يفتى به كيلا يتجرى الظلمة على اخذ اموال الناس * قال في العناية ورد بأنه كيف يجوز الكتمان ولو اخذوا كان في موضعه لكونه واجبا * واجيب بانا لو افتينا بذلك لادعى كل ظالم في أرض ليس شأنها ذلك انها قبل هذا كانت تزرع الزعفران مثلا فيأخذ خراج ذلك وهو ظلم وعدوان انتهى * وكذا قال في فتح القدير قالوا لا يفتى بهذا لما فيه من تسلط الظلمة على اموال المسلمين اذ يدعى كل ظالم أن الأرض تصلح لزراعة الزعفران ونحوه وعلاجه صعب انتهى (فقد) ظهر لك أن جمود المفتى أو القاضى على ظاهر المنقول مع ترك العرف والقراين الواضحة والجهل بأحوال الناس يلزم منه تضييع حقوق كثيرة وظلم خلق كثيرين (ثم اعلم) أن العرف قسمان عام وخاص فالعام يثبت به الحكم العام ويصلح مخصصا للقياس والأثر بخلاف الخاص فإنه يثبت به الحكم الخاص ما لم يخالف القياس أو الاثر فإنه لا يصلح مخصصا (قال) في الذخيرة في الفصل الثامن من الاجارات في مسئلة ما لو دفع إلى حائك غزلا لينسجه بالثلث ومشايخ بلخ كنصير بن يحيى ومحمد بن سلمة وغيرهما كانوا يجيزون هذه الإجارة في الثياب لتعامل أهل بلدهم في الثياب والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الاثر وتجويز هذه الإجارة في الثياب للتعامل بمعنى تخصيص النص الذي ورد في قفيز الطحان لأن النص ورد في قفيز الطحان لا في الحايك إلا أن الحايك نظيره فيكون واردا فيه دلالة فمتى تركنا العمل بدلالة هذا النص في الحايك وعملنا بالنص في قفير الطحان كان تخصيصا لا تركا أصلا وتخصيص النص بالتعامل جائز إلا ترى أنا جوزنا الاستصناع للتعامل والاستصناع بيع ما ليس عنده وانه منهى عنه وتجويز الاستصناع بالتعامل تخصيص منا للنص الذي ورد في النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان لا ترك للنص أصلا لانا عملنا بالنص في غير الاستصناع قالوا وهذا بخلاف ما لو تعامل أهل بلدة قفيز الطحان فإنه لا يجوز ولا تكون معاملتهم معتبرة لانا لو اعتبرنا معاملتهم كان تركا للنص أصلا وبالتعامل لا يجوز ترك النص أصلا وإنما يجوز تخصيصه ولكن مشايخنا لم يجوزوا هذا التخصيص لأن ذلك تعامل أهل بلدة واحدة وتعامل أهل بلدة واحدة لا يخص الاثر لأن تعامل أهل بلدة أن اقتضى أن يجوز التخصيص فترك التعامل من أهل بلدة أخرى يمنع التخصيص فلا يثبت التخصيص بالشك بخلاف التعامل في الاستصناع فإنه وجد في البلاد

ص: 47

كلها انتهى كلام الذخيرة (والحاصل) أن العرف العام لا يعتبر إذا لزم منه ترك المنصوص وإنما يعتبر إذا لزم منه تخصيص النص والعرف الخاص لا يعتبر في الموضعين وإنما يعتبر في حق أهله فقط إذا لم يلزم منه ترك النص ولا تخصيصه وإن خالف ظاهر الرواية وذلك كما في الالفاظ المتعارفة في الإيمان والعادة الجارية في العقود من بيع واجارة ونحوها فتجرى تلك الالفاظ والعقود في كل بلدة على عادة اهلها ويراد منها ذلك المعتاد بينهم ويعاملون دون غيرهم بما يقتضيه ذلك من صحة وفساد وتحريم وتحليل وغير ذلك وإن صرح الفقهاء بان مقتضاه خلاف ما اقتضاه العرف لأن المتكلم إنما يتكلم على عرفه وعادته ويقصد ذلك بكلامه دون ما اراده الفقهاء وإنما يعامل كل أحد ما اراده والالفاظ العرفية حقائق اصطلاحية يصير بها المعنى الاصلى كالمجاز اللغوى قال في جامع الفصولين مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف انتهى * وفي فتاوى العلامة قاسم التحقيق أن لفظ الواقف والموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشارع اولا انتهى (ثم اعلم انى لم ار من تكلم على هذه المسئلة بما يشفى العليل * وكشفها يحتاج إلى زيادة تطويل * لأن الكلام عليها يطول * لاحتياجه إلى ذكر فروع واصول * واجوبة عما عسى يقال * وتوضيح ما بنى على هذا المقال * فاقتصرت هناك على ما ذكرته * ثم اظهرت بعض ما اضمرته * في رسالة جعلتها شرحا لهذا البيت * وضمنتها بعض ما عنيت * وسميتها نشر العرف * في بناء بعض الأحكام على العرف * فمن رام الزيادة على ذلك. فليرجع إلى ما هنالك

ولا يجوز بالضعيف العمل

ولا به يجاب من جا يسأل

إلا لعامل له ضرورة

أو من له معرفة مشهوره

لكنما القاضى به لا يقضى

وإن قضى فحكمه لا يمضى

لاسيما قضاتنا اذ قيدوا

براجح المذهب حين قلدوا

وتم ما نظمته في سلك

والحمد لله ختام مسك

قدمنا أول الشرح عن العلامة قاسم أن الحكم والفتيا بما هو مرجوح خلاف الإجماع* وإن المرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة العدم والترجيح بغير مرجح في المتقابلات ممنوع * وإن من يكتفى بان يكون فتواه أو عمله موافقا لقول أو وجه في المسئلة ويعمل بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح فقد جهل وخرق الإجماع انتهى * وقدمنا هناك نحوه عن فتاوى العلامة ابن حجر * لكن فيها أيضًا قال

ص: 48

الإمام السبكى في الوقف من فتاويه يجوز تقليد الوجه الضعيف في نفس الامر بالنسبة للعمل في حق نفسه لا في الفتوى والحكم فقد نقل ابن الصلاح الإجماع على أنه لا يجوز انتهى * وقال العلامة الشرنبلالى في رسالته العقد الفريد في جواز التقليد مقتضى مذهب الشافعى كما قاله السبكى منع العمل بالقول المرجوح في القضاء والافتاء دون العمل لنفسه ومذهب الحنفية المنع عن المرجوح حتى لنفسه لكون المرجوح صار منسوخا انتهى (قلت) التعليل بأنه صار منسوخا إنما يظهر فيما لو كان في المسئلة قولان رجع المجتهد عن أحدهما أو علم تأخر أحدهما عن الآخر والا فلا كما أو كان في المسئلة قول لابى يوسف وقول لمحمد فإنه لا يظهر فيه النسخ لكن مراده أنه إذا صحح أحدهما صار الآخر بمنزلة المنسوخ وهو معنى ما مر من قول العلامة قاسم أن المرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة لعدم (ثم) أن ما ذكره السبكي من جواز العمل بالمرجوح في حق نفسه عند الشافعى مخالف لما مر عن العلامة قاسم وقدمنا مثله أول الشرح عن فتاوى ابن حجر من نقل الإجماع على عدم الافتاء والعمل بما شاء من الأقوال * إلا أن يقال المراد بالعمل الحكم والقضاء وهو بعيد والاظهر في الجواب اخذا من التعبير بالتشهى أن يقال أن الإجماع على منع إطلاق التخيير أي بان يختار ويتشهى مهما أراد من الأقوال في أي وقت أراد اما لو عمل بالضعيف في بعض الاوقات لضرورة اقتضت ذلك فلا يمنع منه وعليه يحمل ما تقدم عن الشرنبلالي من أن مذهب الحنفية المنع بدليل انهم اجازوا للمسافر والضيف الذي خاف الريبة أن يأخذ بقول أبي يوسف بعدم وجوب الغسل على المحتلم الذى أمسك ذكره عند ما احس بالاحتلام إلى أن فترت شهوته ثم أرسله مع أن قوله هذا خلاف الراجح في المذهب لكن اجازوا الأخذ به للضرورة (وينبغي) أن يكون من هذا القبيل ما ذكره الإمام المرغيناني صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل وهو كتاب مشهور ينقل عنه شراح الهداية وغيرهم حيث قال في فصل النجاسة والدم إذا خرج من القروح قليلا قليلا غير سائل فذاك ليس بمانع وإن كثر وقيل لو كان بحال لو تركه لسال يمنع انتهى ثم اعاد المسألة في نواقض الوضوء فقال ولو خرج منه شيء قليل ومسحه بخرقة حتى لو ترك يسيل لا ينقض وقيل الخ وقد راجعت نسخة أخرى فرأيت العبارة فيها كذلك ولا يخفى أن المشهور في عامة كتب المذهب هو القول الثاني المعبر عنه بقيل واما ما اختاره من القول الأول فلم ار من سبقه إليه ولا من تابعه عليه بعد المراجعة الكثيرة فهو قول شاذ ولكن صاحب الهداية امام جليل من عظم مشايخ المذهب من طبقة أصحاب التخريج والصحيح كما مر

ص: 49

فيجوز للمعذور تقليده في هذا القول عند الضرورة فإن فيه توسعة عظيمة لاهل الاعذار كما بينته في رسالتي المسماة الأحكام المخصصة بكى الحمصة وقد كنت ابتليت مدة بكي الحمصة ولم أجد ما تصح به صلاتى على مذهبنا بلا مشقة إلا على هذا القول لأن الخارج منه وإن كان قليلا لكنه لو ترك يسيل وهو نجس وناقض للطهارة على القول المشهور خلافا لما قاله بعضهم كما قد بينته في الرسالة المذكورة ولا يصير به صاحب عذر لأنَّه يمكن دفع العذر بالغسل والربط بنحو جلدة مانعة للسيلان عند كل صلاة كما كنت افعله ولكن فيه مشقة وحرج عظيم فاضطررت إلى تقليد هذا القول ثم لما عافاني الله تعالى منه اعدت صلاة تلك المدة ولله تعالى الحمد. وقد ذكر صاحب البحر في الحيض في بحث ألوان الدماء اقوالا ضعيفة ثم قال وفى المعراج عن فخر الأئمة لو افتى مفت بشيء من هذه الأقوال في مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا انتهى * وبه علم أن المضطر له العمل بذلك لنفسه كما قلنا وإن المفتى له الافتاء به للمضطر فما مر من أنه ليس له العمل بالضعيف ولا الافتاء به محمول على غير موضع الضرورة كما علمته من مجموع ما قررناه والله تعالى أعلم * وينبغى أن يلحق بالضرورة أيضًا ما قدمناه من أنه لا يفتي بكفر مسلم في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فقد عدلوا عن الافتاء بالصحيح لأن الكفر شيء عظيم وفي شرح الاشباء للبيرى هل يجوز للإنسان العمل بالضعيف من الرواية في حق نفسه نعم إذا كان له رأى اما إذا كان عاميا فلم اره لكن مقتضي تقييده بذي الرأى أنه لا يجوز للعامى ذلك قال في خزانة الروايات العالم الذي يعرف معنى النصوص والاخبار وهو من أهل الدراية يجوز له أن يعمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبه انتهى وتقييده بذى الرأى أي المجتهد في المذهب مخرج للعامى كما قال فإنه يلزمه اتباع ما صححوا لكن في غير موضع الضرورة كما علمته آنفا (فإن قلت) هذا مخالف لما قدمته سابقا من أن المفتى المجتهد ليس له العدول عما اتفق عليه أبو حنيفة وأصحابه فليس له الافتاء به وإن كان مجتهدا متقنا لأنهم عرفوا الادلة وميزوا بين ما صح وثبت وبين غيره ولا يبلغ اجتهاده اجتهادهم كما قدمناه عن الخانية وغيرها (قلت) ذاك في حق من يفتى غيره ولعل وجهه أنه لما علم أن اجتهادهم اقوى ليس له أن يبنى مسائل العامة على اجتهاده الاضعف أو لأن السائل إنما جاء يستفتيه عن مذهب الإمام الذى قلده ذلك المفتى فعليه أن يفتى بالمذهب الذى جاء المستفتى يستفتيه عنه * ولذا ذكر العلامة قاسم في فتاويه أنه سئل عن واقف شرط لنفسه التغيير والتبديل فصير الوقف لزوجته فأجاب انى لم اقف على اعتبار هذا في شيء من كتب علمائنا وليس للمفتى إلا نقل ماصح عند أهل مذهبه الذين يفتي بقولهم ولأن المستفتى

ص: 50

إنما يسأل عما ذهب إليه ائمة ذلك المذهب لا عما ينجلى للمفتى انتهى * وكذا نقلوا عن القفال من ائمة الشافعية أنه كان إذا جاء أحد يستفتيه عن بيع الصبرة يقول له تسألني عن مذهبي أو عن مذهب الشافعي وكذا نقلوا عنه أنه كان احيانا يقول لو اجتهدت فادى اجتهادى إلى مذهب أبي حنيفة فأقول مذهب الشافعى كذا ولكنى أقول بمذهب أبي حنيفة لانه جاء ليعلم ويستفتى عن مذهب الشافعى فلا بد أن أعرفه باني افتى بغيره انتهى * واما في حق العمل به لنفسه فالظاهر جوازه له ويدل عليه قول خزانة الروايات يجوز له أن يعمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبه أي لأن المجتهد يلزمه اتباع ما ادى إليه اجتهاده ولذا ترى المحقق ابن الهمام اختار مسائل خارجة عن المذهب ومرة رجح في مسئلة قول الإمام مالك وقال هذا الذى ادين به وقدمنا عن التحرير أن المجتهد في بعض المسائل على القول بتجزى الاجتهاد وهو الحق يلزمه التقليد فيما لا يقدر عليه أي فيما لا يقدر على لاجتهاد فيه لا في غيره * وقولى لكنما القاضى به لا يقضى الخ أي لا يقضى بالضعيف من مذهبه وكذا بمذهب الغير (قال) العلامة قاسم وقال أبو العباس أحمد بن إدريس هل يجب على الحاكم أن لا يحكم إلا بالراجح عنده كما يجب على المفتى أن لا يفتى إلا بالراجح عنده أوله أن يحكم باحد القولين وإن لم يكن راجحا عنده جوابه أن جوابه أن الحاكم ان كان مجتهدا فلا يجوز له أن يحكم ويفتى إلا بالراجح عنده وإن كان مقلدا جاز له أن يفتى بالمشهور في مذهبه وإن يحكم به وإن لم يكن راجحا عنده مقلدا في رجحان المحكوم به امامه الذي يقلده كما يقلده في الفتوى واما اتباع الهوى في الحكم والفتيا فحرام اجماعا واما الحكم والفتيا بما هو مرجوح فخلاف الاجماع انتهى. وذكر في البحر لو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة وفي العامة روايتان وعندهما لا ينفذ في الوجهين واختلف الترجيح ففى الخانية أظهر الروايتين عن أبي حنيفة نفاذ قضائه وعليه الفتوى وهكذا في الفتاوى الصغرى * وفي المعراج معزيا إلى المحيط الفتوى على قولهما وهكذا في الهداية * وفي فتح القدير فقد اختلف في الفتوى والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل واما الناسى فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره هذا كله في القاضي المجتهد فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى هذا الحكم انتهى ما في الفتح انتهى كلام البحر * ثم ذكر أنه اختلفت عبارات المشايخ في القاضي المقلد والذي حط عليه كلامه أنه إذا قضى مذهب غيره أو برواية ضعيفة أو بقول ضعيف نفذ واقوى ما تمسك به ما في البزازية عن شرح الطحاوى إذا لم يكن القاضى مجتهدا وقضى بالفتوى

ص: 51

ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه وله أن ينقضه كذا عن محمد وقال الثانى ليس له أن ينقضه أيضًا انتهى * لكن الذي في القنية عن المحيط وغيره ان اختلاف الروايات في قاض مجتهد إذا قضى على خلاف رأيه والقاضي المقلد ماذا قضى على خلاف مذهبه لا ينفذ انتهى * وبه جزم المحقق في فتح القدير وتلميذه العلامة قاسم في تصحيحه (قال) في النهر وما في الفتح يجب أن يعول عليه في المذهب وما في البزازية محمول على رواية عنهما فصار الامر أن هذا منزل منزلة الناسى لمذهبه وقد مر عنهما في المجتهد أنه لا ينفذ فالمقلد أولى انتهى * وقال في الدر المختار قلت ولاسيما في زماننا فإن السلطان ينص في منشوره على نهيه عن القضاء بالاقوال الضعيفة فكيف بخلاف مذهبه فيكون معزولا بالنسبة لغير المعتمد من مذهبه فلا ينفذ قضاؤه فيه وينقض كما بسط في قضاء الفتح والبحر والنهر وغيرها انتهى (قلت) وقد علمت أيضًا أن القول المرجوح بمنزلة العدم مع الراجح فليس له الحكم به وإن لم ينص له السلطان على الحكم بالراجح وفي فتاوى العلامة قاسم وليس للقاضى المقلد أن يحكم بالضعيف لأنَّه ليس من أهل الترجيح فلا يعدل عن الصحيح إلا لقصد غير جميل ولو حكم لا ينفذ لأن قضائه قضاء بغير الحق لأن الحق هو الصحيح * وما نقل من أن القول الضعيف يتقوى بالقضاء المراد به قضاء المجتهد كما بين في موضعه مما لا يحتمله هذا الجواب انتهى * وما ذكره من هذا المراد صرح به شيخه المحقق في فتح القدير * وهذا آخر ما اردنا ايراده من التقرير * والتوضيح والتحرير * بعون الله تعالى العليم الخبير * اسأله سبحانه أن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم * موجبا للفوز لديه يوم الموقف العظيم * وان يعفو عما جنيته واقترفته من خطأ واوزار * فإنه العزيز الغفار * والحمد لله تعالى اولا وآخرا وظاهرا وباطنا

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله تعالى على سيدنا محمد

وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين نجز ذلك بقلم جامعه

الفقير محمد عابدين غفر الله تعالى له ولوالديه

ومشايخه وذريته والمسلمين

آمين

وذلك في شهر ربيع الثاني سنة ثلاث واربعين ومأتين والف

ص: 52

الفوائد المخصصة بأحكام كي الحمصة

للعلامة المرحوم خاتمة المحققين السيد محمد عابدين

عليه رحمة أرحم الراحمين

آمين

ص: 53

الرسالة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين * وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين * وعلى التابعين والأئمة المجتهدين * ومقلد يهم باحسان إلى يوم الدين * (اما بعد) فيقول فقير رحمة ربه. واسير وصمة ذنبه * محمد امين * الشهير بابن عابدين * غفر الله تعالى ذنوبه * وملأ من زلال العفو ذنوبه * آمين * هذه رسالة (سميتها) الفوائد المخصصة * بأحكام كى الحمصة * الذي اخترعه بعض حذاق الاطباء فإنه ما اشتهرت قضيته * وعمت بليته * وقد رأيت فيها رسالتين الأولى لعمدة المحققين فقيه النفس أبي الإخلاص الشيخ حسن الشرنبلالي الوفائى رحمه الله تعالى وشكر سعيه والثانية لحضرة الأستاذ من جمع بين علمى الظاهر والباطن مرشد الطالبين ومربى السالكين سيدى عبد الغني النابلسي قدس الله تعالى سره واعاد علينا من بركاته آمين فأردت أن اذكر حاصل ما في هاتين الرسالتين مع التنبيه على ما تقربه العين ضاما إلى ذلك بعض النقول عن علماء المذهب مما يتضح به حكم المسألة مستعينا بالله تعالى مستمدا من مدد هذين الامامين الجليلين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (قال) الإمام الجليل فخر الدين الشهير بقاضي خان في شرحه على الجامع الصغير المنسوب إلى الإمام المجتهد محرر المذهب النعماني الإمام محمد بن الحسن الشيباني نفطة قشرت فسأل منها ماء أو دم أو قيح أو صديد أن سال عن رأس الجرح نقض الوضوء وإن لم يسل لم بنقض والسيلان أن ينحدر عن رأس الجرح وإن علا على رأس الجرح وانتفخ ولم ينحدر لم يكن سائلا وعن محمد رحمه الله تعالى إذا انتفخ على رأس الجرح وصار أكثر من رأس الجرح انتقض الوضوء والصحيح ما قلنا لأن الحدث اسم للخارج النجس والخروج إنما يتحقق بالسيلان لأن البدن موضع الدماء السيالة فإذا انشقت الجلدة كانت بادية لا سائلة بخلاف البول إذا ظهر على رأس الاحليل حيث ينقض الوضوء لأن ذلك ليس بموضع البول فإذا ظهر على رأس الاحليل اعتبر خروجا وإن خرج منه دم فمسحه بخرقة أو اصبع أو القى عليه ترابا أو رمادا ثم انقطع ينظر إلى غالب ظنه أن كان بحال لو ترك يسيل نقض والا فلا * والماء والقيح والصديد بمنزلة الدم * وقال الحسن بن زياد الماء بمنزلة العرق والدمع لا يكون نجسا وخروجه لا يوجب انتقاض الطهارة والصحيح ما قلنا لانه دم رقيق لم يستتم نضجه فيصير لونه كلون الماء وإذا كان دما كان نجسا ناقضًا للوضوء

ص: 54

(ثم القى القليل والدم إذا لم يكن سائلا حتى لا يكون ناقضا للطهارة إذا أصاب الثوب لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش هكذا ذكر الكرخي رحمه الله تعالى مفسرا أن ما ينقض خروجه الطهارة يكون نجسا في نفسه وما لا ينقض خروجه الطهارة لا يكون نجسا وذكر عاصم رحمه الله تعالى في مختصره أن على قول محمد رحمه الله تعالى يكون نجسا حتى لو اخذها بقطنة والقاها في الماء القليل يفسد الماء عنده وكذا لو كان على بدنه نجاسة قدر الدرهم وأصابه شيء مما ذكرنا على قول محمد يضم هذا إلى الدرهم فيمنع جواز الصلاة وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يضم * وجه قول محمد رحمه الله تعالى أنه دم وإن قل فيكون نجسا ولابي يوسف أن النجس هو الدم المسفوح فما لا يكون سائلا لا يكون نجسا كدم البعوض والبرغوث والدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح انتهى كلام قاضي خان عليه الرحمة والرضوان (وقال) الإمام المرغيناني صاحب الهداية في كتابه المسمى بالتجنيس والمزيد صاحب الجرح السائل إذا منع الجرح عن السيلان بعلاج يخرج من أن يكون صاحب جرح سائل فرق بين هذا وبين الحائض فإنها إذا حبست الدم عن الدرور لا تخرج من أن تكون حائضا والفرق أن القياس أن تخرج من أن تكون حائضا لانعدام الحيض حقيقة كما يخرج هو من أن يكون صاحب الجرح السائل إلا أن الشرع اعتبر دم الحيض كالخارج حيث جعلها حائضا مع الأمر بالحبس ولم يعتبر في حق صاحب الجرح السائل * فعلى هذا المقتصد لا يكون صاحب الجرح السائل * قال رضى الله تعالى عنه وهكذا سمعت الشيخ الإمام الاجل نجم الدين عمر بن محمد النسفي رحمة الله تعالى عليه يقول في المقتصد وهو مذكور في المنتقى انتهى * قلت وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره قد استفيد مما نقلناه فوائد (الفائدة الأولى) أن المعتبر في النقض بالخارج من غير السبيلين إنما هو السيلان وفسروا السيلان بان ينحدر عن رأس الجرح ويصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير * وفائدة ذكر الحكم دفع ورود داخل العين وباطن الجرح إذا سال فيهما الدم فإن حقيقة التطهير فيهما ممكنة وإنما الساقط حكمه والمراد بحكم التطهير وجوبه في الوضوء والغسل كما افصح به صدر الشريعة وغيره. وخالفه في البحر الرائق شرح كنز الدقائق فقال مرادهم أن يتجاوز إلى موضع تجب طهارته أو تندب من بدن وثوب ومكان فجعل الحكم اعم من الواجب والمندوب * واستدل بما في المعراج وغيره لو نزل الدم إلى قصبة الانف نقض ولا شك أن المبالغة التى هى ايصال الماء إلى ما اشتد منه إنما هي

ص: 55

سنة * وبما في البدائع إذا نزل الدم إلى صماخ الاذن يكون حدثا وفي الصحاح صماخ الاذن خرقها وليس ذلك إلا لكونه يندب تطهيره في الغسل ونحوه * وقد صرح بالندب في فتح القدير فقال لو خرج من جرح في العين دم فسأل إلى الجانب الآخر منها لا ينقض لانه لا يلحقه حكم هو وجوب التطهير أو ندبه بخلاف ما لو نزل من الرأس إلى مالان من الانف لانه يجب غسله في الجنابة ومن النجاسة فينقض انتهى * قال في البحر وقول بعضهم المراد أن يصل إلى موضع تجب طهارته محمول على أن المراد بالوجوب الثبوت وقول الحدادى إذا نزل الدم إلى قصبة الانف لا ينقض محمول على أنه لم يصل إلى ما يسن ايصال الماء إليه في الاستنشاق فهو في حكم الباطن حينئذ توفيقا بين العبارتين وقول من قال إذا نزل الدم إلى مالان من الانف نقض لا يقتضى عدم النقض إذا وصل إلى ما اشتد منه إلا بالمفهوم والصريح بخلافه وقد اوضحه في غاية البيان والعناية انتهى * قال في النهر واقول هذا وهم وانى يستدل بما في المعراج وقد علل المسئلة بما يمنع هذا الاستخراج فقال ما لفظه * لو نزل الدم إلى قصبة الانف انتقض بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر ولم يظهر فإنه لم يصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير وفي الانف وصل فإن الاستنشاق في الجنابة فرض كذا في المبسوط انتهى * وقد افصح هذا التعليل عن كون المراد بالقصبة مالان منها لانه الذي يجب غسله في الجنابة وكذا قال الشارح يعنى الزيلعى لو نزل الدم من الانف انتقض وضوءه * إذا وصل إلى مالان منه لانه يجب تطهيره وحل الوجوب في كلامه على الثبوت مما لا داعى إليه * وعلى هذا فيجب أن يراد بالصماخ الخرق الذى يجب ايصال الماء إليه في الجنابة (وبهذا ظهر) أن كلامهم مناف لتلك الزيادة مع أن ملاحظتها في المجاوزة إلى موضع من بدن أو ثوب أو مكان يقتضى أن الدم إذا وصل إلى موضع يندب تطهيره من واحد من الثلاثة انتقض وهذا مما لم يعرف في فروعهم عرف ذلك من تتبعها بل المراد بالتجاوز السيلان ولو بالقوة كما قال بعض المتأخرين لما قالوه من أنه لو مسح الخارج كلما خرج ولو ترك لسال نقض فالنقض بصورة الفصد كما قال صدر الشريعة غير وارد انتهى كلام النهر (قلت) ومراده بصورة الفصد ما قاله في البحر إذا اقتصد وخرج دم كثير وسال بحيث لم يتلطخ رأس الجرح فإنه ينقض الوضوء لكونه وصل إلى ثوب أو مكان يلحقهما حكم التطهير انتهى * فهذا مما وجد فيه السيلان بالقوة فعلى هذا لا حاجة إلى زيادة قوله من ثوب أو مكان على أنه يرد عليه أنه يقتضى أنه لو اقتصد ولم يتلطخ رأس الجرح ونزل الدم على عذرة أو جلد خنزير أو نحو ذلك لا ينتقض وضوءه لانه لم يصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير مع أنه

ص: 56

ينتقض كما لا يخفى نعم بحث صاحب النهر في زيادة الندب محل بحث بناء على ما في غاية البيان حيث قال قوله إلى ما لان من الانف أي إلى المارن وما بمعنى الذي (فإن قلت) لم قيد بهذا القيد مع أن الرواية مسطورة في الكتب عن أصحابنا أن الدم إذا نزل إلى قصبة الانف ينقض الوضوء ولا حاجة إلى أن ينزل إلى مالان من الانف فأى فائدة في هذا القيد إذن سوى التكرار بلا فائدة فإن هذا الحكم قد علم في أول الفصل من قوله والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير (قلت) بيانا لاتفاق أصحابنا جميعا لأن عند زفر لا ينتقض الوضوء ما لم ينزل الدم إلى مالان من الانف لعدم الظهور قبل ذلك انتهى * فحيث كان الحكم عندنا أنه ينتقض بنزول الدم إلى القصبة وإن لم يصل إلى ما لان لابد من تقييد السيلان بان يصل إلى موضع يجب تطهيره أو يندب كما وقع في كلام البحر والفتح والا لم يشمل هذه الصورة * وهذا مما يدل على تأويل الوجوب بالثبوت وتأويل كلام الحدادى بما تقدم عن البحر * ويدل أيضًا على أن قول المعراج لو نزل الدم إلى قصبة الانف انتقض على ظاهره ليس المراد منه نزوله إلى مالان نعم يؤول قوله فإن الاستنشاق في الجنابة فرض على أن المراد أصل الاستنشاق وإن من قيد بنزوله إلى مالان ليس للاحتراز عن وصوله إلى القصبة بل لبيان الاتفاق كما علمت من كلام غاية البيان والله تعالى أعلم وبه المستعان [الفائدة الثانية] ان اشتراط السيلان في نقض الطهارة كما قررناه فيه خلاف وإن الصحيح اشتراطه وإن اخذ أكثر من رأس الجرح خلافا لمحمد وجعلها في الظهيرية رواية شاذة عن محمد وفى التتارخاينة عن المحيط شرط السيلان لانتقاض الوضوء في الخارج من غير السبيلين وهذا مذهب علمائنا الثلاثة وانه استحسان وقال زفر رحمه الله تعالى إذا علا فظهر على رأس الجرح ينتقض وضوءه وهو القياس انتهى وفى فتح القدير وعن محمد إذا انتفخ على رأس الجرح وصار أكبر من رأسه نقض والصحيح لا ينقض وفى الدراية جعل قول محمد أصح ومختار السرخسي الأول وهو أولى انتهى ما في الفتح * وفيه أيضًا عن مبسوط شيخ الإسلام تورم رأس الجرح فظهر به قيح ونحوه لا ينقض ما لم يجاوز الورم لانه لا يجب غسل موضع الورم فلم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير انتهى * قال العلامة محمد بن امير حاج في شرحه على منية المصلى إذا انحدر الخارج عن رأس الجرح لكنه لم يجاوز المحل المتورم وإنما انحدر إلى بعض ذلك المحل فإنما لا ينتقض إذا كان يضره غسل ذلك المحل ومسحه أيضًا اما إذا كان لا يضرانه أو لا يضره أحدهما فينبغي أن ينتقض لانه يلحقه حكم التطهير اذ المسح تطهير له شرعا كالغسل فليتنبه

ص: 57

لذلك انتهى [الفائدة الثالثة] التفرقة بين الخارج من السبيلين والخارج من غيرهما في أن الخارج من السبيلين ينقض بمجرد الظهور وانقل من غير اشتراط سيلان قال في التتارخانية واجمعوا على أن الخارج من السبيلين لا يشترط فيه السيلان ويكتفى بمجرد الظهور [الفائدة الرابعة] شمل إطلاق السيلان الناقض ما لو كان سيلانه بنفسه وما لو سال بعصر وكان بحيث لو لم يعصر لم يسل وفي نقض الثاني خلاف ومختار صاحب الهداية عدم النقض لانه ليس بخارج وإنما هو مخرج وقال شمس الأئمة ينقض وهو حدث عمد عنده وهو الاصح كذا في فتح القدير معزيا إلى الكافي لانه لا تأثير يظهر للاخراج وعدمه في هذا الحكم بل لكونه خارجا نجسا وذلك يتحقق مع الاخراج كما يتحقق مع عدمه فصار كالفصد كيف وجميع الادلة المورودة من السنة والقياس يفيد تعلق النقض بالخارج النجس وهو ثابت في المخرج انتهى * وضعفه في العناية بان الاخراج ليس منصوص عليه وإن كان يستلزمه فكان ثبوته غير قصدي ولا معتبر به انتهى كذا في البحر * قال الشيخ خير الدين الرملي في حاشيته عليه أقول لا يذهب عليك أن تضعيف العناية لا يصادم قول شمس الأئمة وهو الاصح وقال الاتقانى وهذا هو المختار عندى لأن الاحتياط فيه وإن كان الرفق بالناس في الأول انتهى * وجزم في التتارخانية والخلاصة بالنقض ومشى عليه في متن التنوير وقال شارحه الشيخ علاء الدين أنه المختار كما في البزازية واعتمده القهستاني وفي القنية وجامع الفتاوى أنه الاشبه ومعناه أنه الاشبه بالنصوص رواية والراجح دراية فيكون الفتوى عليه "انتهى [الفائدة الخامسة] أن الصحيح أن الماء والقيح والصديد بمنزلة الدم خلافا للحسن بن زياد في الماء* قال في فتح القدير ثم الجرح والنفطة وماء السرة والثدى والاذن إذا كان لعلة سواء على الاصح * وعلى هذا قالوا من رمدت عينه وسال منها الماء وجب عليه الوضوء فإن استمر فلوقت كل صلاة* وفي التجنيس الغرب في العين إذا سال منه ماء نقض لانه كالجرح وليس بدمع ولو خرج من سرته ماء اصفر وسال نقض لانه دم قد نضج فاصفر وصار رقيقا والغرب بالتحريك ورم في المآقي انتهى * وقال في البحر وعن الحسن ان ماء النفطة لا ينقض قال الحلوانى وفيه توسعة لمن به جرب أو جدرى كذا في المعراج، وفي التبيين والقيح الخارج من الاذن أو الصديد أن كان بدون الوجع لا ينقض ومع الوجع بنقض لانه دليل الجرح روى ذلك عن الحلوانى انتهى * وفيه نظر بل الظاهر إذا كان الخارج قيحا أو صديدا ينقض سواء كان مع وجع أو بدونه لانهما لا يخرجان إلا عن علة * نعم هذا التفصيل حسن فيما إذا كان الخارج ماء ليس غير انتهى ما في البحر. قال في النهر واقول لم لا يجوز أن يكون القيح الخارج من الاذن

ص: 58

من جرح برئ وعلامته عدم التألم فالحصر ممنوع وقد جزم الحدادى بما في التبيين انتهى قلت على انك قد علمت أن الماء حكمه حكم الدم على الصحيح فلا فرق بينه وبين القيح والصديد والله تعالى أعلم [الفائدة السادسة] أن السيلان لا يشترط وجوده بالفعل للنقض قال في التتارخانية وإذا سمح الرجل الدم عن رأس الجراحة ثم خرج ثانيا فمسحه ينظر ان كان ما يخرج بحال لو تركه سال اعاد لوضوء وإن كان بحيث لو تركه لا يسيل لا ينتقض لوضوء ولا فرق بين أن يمسحه بخرقة أو اصبع وكذا إذا وضع عليه قطنة أو شيئًا آخر حتى نشف ثم وضعه ثانيا وثالثا فإنه يجمع جميع ما نشف فلو كان بحيث لو تركه سال جعل حدثا وإنما يعرف هذا بالاجتهاد وغالب الظن * وفي الينابيع وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وكذلك أن القى عليه التراب ثم ظهر ثانيا فتربه ثم ثالثا أو القى عليه دقيقا أو نخالة فهو كذلك يجمع قالوا وإنما يجمع إذا كان في مجلس واحد مرة بعد أخرى اما إذا كان في مجالس مختلفة لا يجمع وكذلك أن وضع عليه دواء حتى نشف جميع ما يخرج فلم يسل عن رأس الجرح فإن كان ما نشف بحيث يسيل بنفسه يجعل حدثا ومالا فلا انتهى (وذكر) مسئلة الجمع في المجلس دون المجالس في الذخيرة أيضًا ونقلها صاحب البحر وقال الإمام الكاشاني في كتابه البدائع شرح التحفة ولو القى عليه الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ قالوا يكون حدثا لانه سائل وكذا لو كان الرباط ذا ظاقين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا انتهى وقال في فتح القدير ولو ربط الجرح فنفذت البلة إلى طاق لا إلى الخارج نقض ويجب أن يكون معناه إذا كان بحيث لولا الربط لسال لأن القميص لو تردد على الجرح فابتل لا ينجس ما لم يكن كذلك لانه ليس بحدث [الفائدة السابعة] أن ما ليس فيه قوة السيلان غير نجس ولذا قال في الكنز وغيره وما ليس بحدث ليس بنجس وفيه خلاف محمد كما مر قال في الخلاصة ثم الدم الذى ظهر على رأس الجرج ولم يسل عن محمد أنه نجس وعن أبي يوسف أن ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا وفائدة الخلاف تظهر في موضعين (أحدهما) إذا اخذ ذلك الدم بقطنة والقاها في الماء القليل على قول أبي يوسف لا يتنجس وعلى قول محمد يتنجس (الثاني) إذا أصاب ثوبه أو بدنه من ذلك الدم أكثر من قدر الدرهم هل يمنع جواز الصلاة على هذا الخلاف انتهى * ونقل في البحر والنهر عن الحدادى أن الفتوى على قول أبي يوسف فيما إذا أصاب الجامدات كالثياب والابدان فلا ينجسها وعلى قول محمد فيما إذا أصاب المائعات كالماء وغيره انتهى قال الشرنبلالي في رسالته لكن هذه التفرقة غير ظاهرة لأن الصحيح أن مالا يكون حدثا لا يكون نجسا فلا فرق بين اصابته مائعا أو جامدا

ص: 59

انتهى (قلت) وبعدم الفرق جزم في فتح القدير وعبارته قوله وهو الصحيح احتراز عن قول محمد أنه نجس وكان الاسكاف والهندواني يفتيان بقوله وجماعة اعتبروا قول أبي يوسف رفقا باصحاب القروح حتى لو أصاب ثوب أحدهم أكثر من قدر الدرهم لا يمنع الصلاة فيه مع أن الوجه يساعده لانه ثبت أن الخارج بوصف النجاسة حدث وإن هذا الوصف قبل الخروج لا يثبت شرعا والا لم يحصل لانسان طهارة فلزم أن ما ليس حدثا لم يعتبر خارجا شرعا وما لم يعتبر خارجا لم يعتبر نجسا فلو اخذ من الدم البادى في محله بقطنة والقى في الماء لم يتنجس انتهى

[الفائدة الثامنة] شمل إطلاق أن ما ليس فيه قوة السيلان غير نجس ما لو كان ذلك بصنعه كغرز ابرة ونحوها أو بدونه فلا ينقض الوضوء مطلقا قال في الذخيرة ولو غرز رجل ابرة في يده وخرج منه الدم وظهر أكثر من رأس الابرة لم ينتقض وضوءه قال الفقيه أبو جعفر كان محمد بن عبد الله رحمه الله تعالى يميل في هذا إلى أنه ينتقض وضوءه ورآه سائلا وفى فتاوى النسفى هكذا * وفي فتاوى خوارزم الدم إذا لم ينحدر عن رأس الجرح ولكن علا فصار أكثر من رأس الجرح لا ينقض وضوءه والفتوى في جنس هذه المسائل على أنه لا ينتقض وضوءه انتهى ومثله في التتارخانية * والخلاف مبنى على قول محمد من عدم اشتراط الانحدار عن رأس الجرح وتقدم الكلام عليه في الفائدة الثانية وقال في فتح القدير وفى المخيط مص القراد فامتلأ أن كان صغيرا لا ينقض كما لو مص الذباب وإن كان كبيرا نقض كمص العلقة انتهى قال في البحر وعللوه بان الدم في الكبير يكون سائلا قالوا ولا ينقض ما ظهر من موضعه ولم يرتق كالنفطة إذا قشرت ولا ما ارتقى من موضعه ولم يسل كالدم المرتقى من مغرز الإبرة والحاصل في الخلال من الاسنان وفى الخبز من العض وفى الاصبع من ادخاله في الانف انتهى

[الفائدة التاسعة] أن من قدر على منع الناقض بربط أو حشوا ونحوهما لا يكون معذورا فلا تصح صلاته حال سيلانه بخلاف من لم يقدر على ذلك قال في التتارخانية صاحب الجرح السائل إذا منع الدم عن الخروج يخرج من أن يكون صاحب جرح سائل والمستحاضة إذا منعت الدم عن الخروج ذكر هذه المسئلة في الفتاوى الصغرى انها تخرج من أن تكون مستحاضة حتى لا يلزمها الوضوء في وقت كل صلاة وذكر في موضع آخر انها لا تخرج من أن تكون مستحاضة انتهى * وقال في البحر واختلفوا في المستحاضة قيل كصاحب العذر وقيل كالحائض كذا في السراج انتهى (قلت) واقتصر في البزازية على القول الأول وفى البحر أيضًا ويجب أن يصلى جالسا بإيماء أن سال بالميلان لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث انتهى وإذا احطت خبرا بما تلى

ص: 60

عليك * وصار ما ذكرناه معلوما لديك * فقد آن لنا أن نتكلم على المقصود * مستمدين بالعون من الملك المعبود * فنقول إن هذا الكي الذي توضع فيه الحمصة ويوضع فوقها ورقة ويشد عليهما بخرقة تارة يكون الخارج منه رشحا تتشربه الحمصة والورقة وربما وصل إلى الخرقة ولكن ليس فيه قوة السيلان بنفسه لو ترك وإنما هو مجرد رطوبة ونداوة تجذبها الحمصة والورقة كما تجذبه لو وضعت على أرض ندية وتارة يكون الخارج منها سائلا بنفسه إذا قويت المادة لعارض في البدن وكل ذلك يعرف بالظن والاجتهاد كما مر (ففى الصورة الأولى) إذا كان صاحب تلك الجراحة متوضئا ووضع تلك الحمصة في وسطها والورقة فوقها وشد عليهما بخرقة وتشربت تلك الحمصة من ذلك الخارج الذي ليس فيه قوة السيلان بنفسه ووصلت الرطوبة والرشح إلى الورقة والخرقة والى القميص والثوب وبقيت يوما فأكثر لا ينتقض وضوءه ولا يتنجس ثوبه وتصح صلاته مع ذلك المصاب من ذلك الخارج ولا يكلف إلى تغيير الورقة والرباط ونحوه وإن فحش ما اصابه وزاد على قدر الدرهم كما نقلناه سابقا وإن أصاب ذلك الخارج أو المصاب عرق أو ماء الوضوء أو نحوه فهو طاهر أيضًا على ما مر تصحيحه تصح الصلاة معه ولا يكلف إلى غسله لما علمت من أن الخارج الذي ليس فيه قوة السيلان بنفسه طاهر غير ناقض وإن اصابه مائع إلا على قول محمد لكن الاحوط غسله إذا اصابه من ماء الوضوء ونحوه لما علمت من قول الحدادى أن الفتوى على قوله في المائعات دون الجامدات لأن الاحتياط في الدين مطلوب ومراعاة الخلاف أمر محبوب سواء كان قولا ضعيفا في المذهب او كان مذهب الغير كيف وقد صحح وكان الإمام أبو بكر الاسكاف والامام الهندواني يفتيان به فهو مختارهما وهما امامان جليلان من كبار مشايخ المذهب وناهيك بفضلهما هذا ولا يضر كون ذلك المخرج بعلاجه وقصده لاستخراجه كما مر في غرز الابرة (وفى الصورة الثانية) أعني ما إذا كان الخارج على الحمصة والورقة سائلا بنفسه ينتقض وضوءه وهو نجس لا تصح الصلاة معه ولا يضير صاحبه صاحب عذر لقدرته على منعه بعدم وضعه الحمصة وقد مر أن من قدر على منع حدثه لم يكن صاحب عذر نعم أن قويت المادة بنفسها ولم يقدر على منعها وإن رفع الحمصة واستوعبت وقتا كاملا فهو معذور تجرى عليه احكام المعذورين المبينة في كتب الفروع وهذا الذى قررناه هو الذي جرى عليه العلامة الشرنبلالي في رسالته * فلا بأس بنقل حاصل عبارته وإن كان معلوما مما ذكرناه لأن مبنى كلامنا هنا على التوضيح تقريبا على الافهام وتحصيلا لغاية المرام * فنقول قال فيها بعد نقله لبعض عبارات الفقهاء فبهذا علمت أن ماء الحمصة

ص: 61

الذي لا يسيل بقوة نفسه طاهر لا ينقض الوضوء ولا ينجس الثوب ولا الخرقة الموضوعة عليه ولا الماء إذا اصابه فإذا دخل صاحبه الحمام أو النهر أو الحوض فدخل الماء الجرح فعصر الجرح وخرج منه الماء وسال لا ينقض الوضوء لما علمت أن ما ليس بحدث لا يكون نجسا فلا ينجس الماء الذي وصل إلى الجرح الذي ليس فيه دم سائل ولا قيح سائل ولو كان الخارج من الحمصة له قوة السيلان بنفسه يكون ذلك السائل الخارج نجسا ناقضا للوضوء ويلزم غسل ما اصابه من الثوب ولا تجوز لصاحبه الصلاة حال سيلانه فإنه ناقض للوضوء نجس ولا يصير به صاحب عذر لأن صاحب العذر هو الذى لا يقدر على رد عذره ولو بالربط والحشو الذي يمنع خروج النجس وصاحب الحمصة التي يسيل الخارج منها بوضعها إذا ترك الوضع لا يبقى بالمحل شيء يسيل فلا يتصور له طهارة ولا صحة صلاة مع سيلانها لنقض وضوئه بالخارج الذى يقدر على منعه من الخروج بترك الوضع فلا يبقى له مخلص مع الوضع والسيلان لبقاء وضوئه وصحة صلاته إلا بالتقليد وهو أن يعتقد قول الإمام الشافعى أو الإمام مالك رحمهما الله تعالى في بقاء الطهارة وعدم نقض الخارج من غير السبيلين للطهارة ولكن عليه أن يراعى شروط من قلده إلى آخر ما قال فيها وهذا هو التقرير في المسئلة المقبول * الموافق لما اسفلناه من النقول * عن أئمتنا الفحول * ولكن جزمه بأنه لا يصير صاحب عذر مبنى على أن السيلان بسبب وضع الحمصة اما لو كان من ذاته يسيل الخارج من ذلك الجرح وإن لم يضع الحمصة ولا يقدر على منعه بربط ولا حشو فهو معذور تصح صلاته معه أن استغرق وقتا كاملا ولم يأت عليه بعده وقت كامل لم ير فيه ذلك العذر وصار كالمستحاضة والمبطون وذى الرعاف الدائم والجرح الذى لا يرقأ فيتوضأ لوقت كل صلاة وينقض وضوءه بخروج الوقت على ما هو المعتمد ويصلى بوضوئه ذلك ما شاء من الفرائض والنوافل عندنا ما دام الوقت باقيا قال في الخلاصة وينبغى لمن رعف أو سال من جرحه دم أن ينتظر آخر الوقت ان لم ينقطع الدم توضأ وصلى قبل خروج الوقت ويعصب الجرح ويربطه ولو ترك التعصيب لا بأس به فإن سال الدم بعد الوضوء حتى نفذ الرباط لا يمنعه من اداء الصلاة فإن أصاب ثوبه من ذلك الدم فعليه أن يغسله أن كان مفيدا اما إذا لم يكن مفيدا بان كان يصيبه مرة أخرى ثانيا وثالثا حينئذ لا يفترض عليه غسله وقال محمد بن مقاتل يفترض غسل ثوبه في وقت كل صلاة مرة والفتوى على الأول وإن سال الدم من موضع آخر اعاد الوضوء

ص: 62

انتهى ومثله في غير ما كتاب والله تعالى أعلم (وبقيت) فائدة لا بد من التنبيه عليها لكثرة وقوعها وهى أن الخارج قد يكون قليلا لكنه لو ترك ساعة مثلا يتقوى باجتماعه ويسيل عن محله فينظر إلى ما تشربته الخرقة أن كان ما تشربته في مجلس واحد بحيث لو ترك واجتمع لسال عن محله نقض والا فلا ولا يضم ما في مجلس إلى ما في مجلس آخر كما علم مما قدمناه في الفائدة السادسة عن التتارخانية وغيرها وكأنهم قاسوه على القئ لكن لما كان السبب هنا واحدا وهو الجراحة اقتصروا على اعتبار المجلس توسعة على أصحاب القروح فلو كان مما يسيل في المجلس فلا بد إذا أراد الصلاة أن يشد فوقه نحو جلدة مما يمنع النش ثم يربطها ربطا محكما حتى لا يخرج من اطرافها ثم يتوضأ ويصلى بعد غسل المحل الذي اصابه من ذلك الخارج السائل (هذا) وقد رأيت في مختارات النوازل لصاحب الهداية في فصل النجاسة ما نصه والدم إذا خرج من القروح قليلا قليلا غير سائل فذاك ليس بمانع وإن كثر وقيل لو كان بحال لو تركه لسال يمنع ا هـ ثم ذكر المسئلة أيضًا في فصل نواقض الوضوء كذلك (أقول) وظاهره أنه اختار القول الأول وهو وإن كان خلاف المشهور في كتب المذهب وإنما المشهور ما حكاه بعده بقيل لكن صاحب الهداية من اجل أصحاب الترجيح فيجوز للمبتلى تقليده لأن فيما ذكرناه مشقة عظيمة فجزاه الله تعالى خير الجزاء حيث اختار التوسيع والتسهيل الذى بنيت عليه هذه الشريعة الغراء السهلة السمحة (وحاصل) ما اختاره أنه لا ينظر إلى سيلانه مع اجتماعه وتكاثره وإنما ينظر إلى سيلانه عند خروجه فإن كان الخارج كثيرا يسيل بدون مهلة منع وإن كان يخرج شيئًا فشيئا ثم يتكاثر فيسيل لا يمنع (تنبيه) قد علمت مما قررناه حكم المسئلة الموافق لمنقول المذهب * الذى يعتمد عليه واليه يذهب * وقد وقع لسيدى العارف الكبير * والامام الشهير * الشيخ عبد الغني النابلسي قدس الله تعالى روحه واعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته في رسالته المسماة المقاصد الممحصه في بيان كي الحمصه ما قد يخالف ما قررناه حيث قال ما حاصله بعد نقله حد السيلان وما فيه من الخلاف فالمفهوم من هذه العبارات أن الدم والقيح والصديد إذا علا على الجرح ولم يسل عنه إلى موضع صحيح من البدن لا ينقض الوضوء سواء كان الجرح كبيرا أو صغيرا وهذه الحمصة الموضوعة في موضع الكي من البدن وإن تعدد وضعها في مواضع مكوية منه لا ينقض الوضوء ما حل فيها من القيح والدم ونحو ذلك ما دامت موضوعة في محل الكي لكونها لم تنفصل عن موضع الكي بل هي فيه فما فيها من المادة لم يسل

ص: 63

عن موضعه فهو غير ناقض واما ما أصاب الورقة والخرقة فوق تلك الحمصة فهو غير سائل من موضعه ولا منفصل لأن الخرقة لاصقة فوقه مانعة له عن السيلان والمانع من السيلان سواء كان ربطا أو حشوا متى امكن اخرج المعذور عن كونه معذورًا كما قالوا فلولا أنه مانع من نقض الوضوء ما اخرج المعذور عن عذره حتى اوجبوا ذلك الفعل عليه فإذا وضع الخمصة في موضع الكي ثم وضع الورقة فوقها ثم الخرقة وعصبها بالعصابة فقد منع الدم والقيح أن يخرج إلى موضع يلحقه حكم التطهير فلا ينتقض وضوءه بعد ذلك ما دامت الحمصة والورقة في موضع الكي وهى معصبة بالعصابة وإن امتلأت تلك الحمصة دما وقيحها وامتلأت الورقة ما لم يسل من حول تلك العصابة أو ينفذ منها دم أو قيح سائل واما ظهور ذلك الدم وذلك القيح على الخرقة من غير أن يسيل منها فهو نظير ظهور ذلك من الجرح نفسه فإنه غير ناقض كما تقدم بيانه ويؤيد هذا ما في خزانة الروايات في الجراحة البسيطة إذا خرج الدم من جانب وتجاوز إلى جانب آخر لكن لم يصل إلى موضع صحيح فإنه لا ينقض الوضوء لانه لم يصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير انتهى وفى مسئلتنا لو حل العصابة واخرج الورقة والخرقة ووجد فيهما دما أو قيحا لولا الربط لسال في غالب ظنه انتقض وضوءه في وقت الحل لا قبل ذلك وحكم بنجاسة تلك الورقة والخرقة حينئذ لمفارقتها موضع الجراحة وقد انفصلت النجاسة عن موضعها فحكم بها وقبل ذلك وهى مربوطة لم تنفصل النجاسة عن موضعها فلا حكم لها واما قول الفقهاء وإن علا الدم ونحوه على رأس الجرح فازيل بقطنة أو اهالة تراب عليه ونحو ذلك لوكان بحال إذا ترك سال بنفسه نقض الوضوء والا فلا ينقض فانت خبير بأنه انفصل عن الجرح في مسئلة ما إذا ازيل بقطنة وسال عنه فيما إذا اهيل عليه التراب ولهذا اختلط بالتراب فلأجل ذلك ينقض واما في مسئلة ما لو ربطت الجراحة ومنع الدم والقيح عن السيلان لم يوجد السيلان وإنما وجد مجرد الظهور وهو غير ناقض من غير السبيلين كما هو معلوم هذا خلاصة ما ذكره الأستاذ قدس سره وحاصله أنه اعطى العصابة الموضوعة على الجرح حكم الجرح في أن ما انتقل إليها كأنه فيه حكما لكونها ملاقية له فلم يكن ذلك المنتقل إليها منفصلا عن الجرح حكما فإذا خرج الدم ونحوه من ذلك الجرح واصاب العصابة أو الورقة الموضوعة عليه لم ينتقض الوضوء سواء كان ذلك الخارج فيه قوة السيلان اولا ولا يحكم بنجاسته ما دامت العصابة عليه لأخذها حكمه فذلك الدم إذا انتقل إلى تلك العصابة فهو نظير انتقاله في الجراحة

ص: 64

البسيطة من موضع إلى موضع آخر منها لأن سيلانه في وسط الجراحة غير ضار لانه لا يلحقه حكم التطهير كسيلانه في وسط الدين فكذلك العصابة وفيه بحث من وجوه (الأول) منع اعطاء العصابة الموضوعة على الجرح حكم الجرح لما مر عن البدائع من قوله ولو القى الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ قالوا يكون حدثا لانه سائل وكذا لو كان الرباط ذا طافين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا انتهى فهذا نص صريح في عدم اعطاء تلك العصابة حكم الجراحة بل انتقال ذلك الخارج إليها إذا نفذ إلى طلق منها سيلان ناقض للطهارة وقد مر ايضا عن فتح القدير تقييده بما إذا كان لولا الرباط لسال احترازا عما إذا كان ذلك المنتقل إلى الرباط ليس فيه قوة السيلان فإنه لا ينقض كما مر أيضًا فقد ظهر لك عدم تأييد ما في خزانة الروايات لما قاله فإنه مصور فيها ذا سال في وسط الجراحة نفسها والفرق ظاهر بينها وبين رباطها كما سمعت التصريح به (الوجه الثاني) تصريحه بان علة النقض إنما هي السيلان في صورة ما إذا اهيل التراب على الدم الخارج على رأس الجرح إذا كان بحال لو ترك سال بنفسه فليت شعرى ما الفرق بين التراب وبين العصابة الموضوعة على الجرح مع أن كلا منهما ملازم للجرح لم يفارقه فلم لم يعط التراب أيضًا حكم الجرح فلا يكون ما تشربه ناقضا كما أعطيت العصابة حكمه ولم كان ما تشربه التراب سائلا دون ما تشربته العصابة ولم كانت العصابة مانعة لذلك الخارج عن حد السيلان دون التراب (الوجه الثالث) لو سلمنا اخذ العصابة حكم الجراحة فلا نسلم أنه لا نقض إلا إذا سال من اطرافها لانه إنما يأخذ حكم اجراحة ما عليها فقط لأنَّه جعله نظير ظهور ذلك من الجرح نفسه فلا يكون حينئذ قد سال إلى ما يلحقه حكم التطهير وانت خبير بان جراحة الكى التي هي محل وضع الخمصة تكون في العادة كمقدار الظفر فتجاوز الخارج منها إلى ما وراءها سيلان إلى ما يلحقه حكم التطهير فإذا تشربت العصابة ذلك الخارج فما كان ملاقيا لتلك الجراحة يمكن ادعاء عدم سيلانه بخلاف ما لاقى الموضع الصحيح مما وراءها فإنه سيلان إلى ما يلحقه حكم التطهير بلا ريب فيكون ناقضا وإن لم يسل من اطرافها ويحكم بنجاسته وإن لم تنزع تلك العصابة عن محلها إذا زاد على قدر الدرهم ولا تجوز الصلاة معه حتى يزيله * واظن أن الذي حمل الأستاذ على ما قال عدم الاطلاع على ما نقلناه عن البدائع والفتح اذ لو رأى ذلك لم يسعه العدول عنه فإن ذلك مما لا يخفى على قدره السامي * وفضله الطامي * والعذر له ما قاله في آخر رسالته وقد صنفتها بالعجل في مقدار ساعة فلسية * بمعونة رب البرية * ولولا ما اخذ من العهود من الامر بالبيان * والنهي عن الكتمان * لكان الأولى لمثلى حفظ اللسان * وكبح العنان * عن الخوض في مثل هذا الميدان * مع مثل هذا السابق بين الفرسان * في مضمار الفضل والعرفان *

ص: 65

امدنا الله تعالى بإمداداته العظيمة الشأن * ونفعنا ببركاته الواضحة البرهان (ثم) بعد مدة من تحرير هذه الرسالة رأيت لحضرة الأستاذ سيدى عبد الغنى رسالة أخرى بخطه الشريف سماها الابحاث المخلصه في حكم كي الحمصه * وقال فيها أن الخرقة الموضوعة فوق الكى إذا تلطخت بالمادة ولم تنفذ إلى الخارج فهي طاهرة مادامت على الكي فإذا انفصلت فالذي فيها نجس والوضوء منتقض ح اخذا مما في الخلاصة رجل حشا احليله لكيلا يخرج منه شيء أو حشاد بره عن أبي يوسف لا وضوء عليه حتى يظهر وإن كان بحال لولا القطنة يخرج منه البول بعد ذلك إذا ابتل ما ظهر فهو حدث وإذا ابتل الداخل فلا وإذا خرجت القطنة فوجد عليها شيأ فهو حدث يتوضأ ولا يعيد ما صلى * ثم نقل عن السراج ما قدمناه عن البدائع * ثم قال واما الماء الأبيض الذي حول موضع الكي مما تجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير فحكمه حكم مسئلة النقطة * ثم ذكر حكمها والخلاف فيها كما قدمناه في المسئلة الخامسة * وقال ينبغي أن يحكم برواية عدم النقض هنا وإن ما يخرج من ذلك الكي فيتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير إذا كان ماء صافيا فهو غير ناقض ولا نجس كما قال شمس الأئمة الحلواني ان في هذا القول توسيعا لمن به جرب أو جدري فسال منه ماء ابيض * ثم بين أنه هل يصير به معذورا أم لا وختم به الرسالة (واقول) قد علمت ما في قوله فهي طاهرة ما دامت على الكي الخ وما ذكره من عبارة الخلاصة لا يشهد له لأن داخل الاحليل له حكم باطن البدن فمهما أصاب القطنة في داخله لا يضر ما لم يبتل الخارج أو تخرج القطنة وعليها شيء بخلاف خرقة الكي فإنها في ظاهر البدن فمتى أصابها ما فيه قوة السيلان كان نجسا ناقضا ونفوذ البلة إلى طاق آخر مما له طاقان دليل على السيلان كما قدمناه عن البدائع ونقله هو في هذه الرسالة الثانية عن السراج وأما ما ذكره من أنه إذا كان الخارج ماء فينبغي أن يحكم برواية عدم النقض فهو غير بعيد في موضع الضرورة وإن كان الصحيح النقض لجواز العمل بالقول الضعيف في موضع الضرورة كما اوضحناه في غير هذه الرسالة ولا سيما إذا كان ذلك الخارج بدون الم كما قدمناه عن البحر في الفائدة الخامسة والله تعالى أعلم (لكن) هذا إذا كان الخارج ماء صافيا كالخارج من نفطة النار اما إذا كان الخارج قيحا أو دما أو مختلطا كما هو العادة فليس منه مخلص إلا بما قدمناه من غسل المحل ثم ربطه بنحو جلدة لا تنش أو تقليد ما اختاره صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل من عدم النقض بما يخرج قليلا شيئا فشيئا وإن كثر فإن فيه فسحة عظيمة، وفى هذا القدر كفاية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم والحمد لله اولا وآخرا ظاهرا وباطنا وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين * وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الوريقات في سلخ جمادى الأولى سنة ألف ومأتين وسبع وعشرين على يد جامعها العبد الفقير * المعترف بالعجز والتقصير * محمد امين بن عمر الشهير بابن عابدين * غفر الله تعالى له ولوالديه. ولمشايخه ولمن له حق عليه * آمين والحمد لله رب العالمين

ص: 66

منهل الواردين من بحار الفيض على ذخر المتأهلين في مسائل الحيض

* للمحقق العلامة * المدقق الفهامة *

السيد محمد عابدين الحسيني

رحمه الله تعالى ونفعنا

به آمين

ص: 67

الرسالة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى عمنا بالانعام * وعلمنا علم الأحكام * وأمرنا بالطهارة من الاحداث والانجاس والآثام * لنتأهل للمثول بين يديه والقيام * والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام * المميز بين الحلال والحرام * وعلى آله وأصحابه بدور التمام* ومصابيح الظلام (اما بعد) فيقول العبد المفتقر إلى رب العالمين * محمد امين الشهير بابن عابدين * غفر الله تعالى ذنوبه * وملأ من زلال العفو ذنوبه * اني طالعت بعض الاخوان الرسالة المؤلفة في مسائل الحيض المسماة بذخر المتأهلين. المنسوبة لأفضل المتأخرين * الإمام العالم العامل * المحقق المدقق الكامل * الشيخ محمد بن بير على البركوى صاحب الطريقة المحمدية * وغيرها من المؤلفات السنية * فوجدتها مع صغر حجمها * ولطافة نظمها * جامعة لغرر فروع هذا الباب * عارية عن التطويل والاسهاب * لم تنسج قريحة على منوالها * ولم تظفر عين بالنظر إلى مثالها * فأردت أن اشرحها بشرح يسهل عويصها* ويستخرج غويصها * ويكشف نقابها * ويذلل صعابها وسميته منهل الواردين من بحار الفيض * على ذخر المتأهلين في مسائل الحيض * فأقول مستعينا بالله تعالى في حسن النية * وبلوغ الأمنية * قال المصنف رحمه الله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل الرجال على النساء قوامين) أي يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية ولهذا كان الرجل امير امرأته (وامرهم بوعظهن) أي تذكيرهن بما يلين قلبهن من الثواب والعقاب (والتأديب) أي التعليم وفي المغرب عن أبي زيد الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل (وتعليم الدين) عطف خاص على عام أي تعليم اصوله من العقائد وفروعه المحتاج إليها في الحال وفي هاتين الفقرتين تلميح إلى قوله تعالى الرجال قوامون على النساء الآية وقوله تعالى واللائى تخافون نشوزهن فعظوهن الآية (والصلاة) اسم من التصلية ومعناها الثناء الكامل إلا أن ذلك ليس في وسعنا فامرنا أن نكل ذلك إليه تعالى كما في شرح التأويلات وافضل العبارات على ما قال المرزوقي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وقيل التعظيم فالمعنى اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره * وانفاذ شريعته * وفي الآخرة بتضعيف أجره * وتشفيعه في امته * كما قال ابن الأثير كذا في شرح النقاية للقهستاني (والسلام) اسم من التسليم أي جعل الله إياه سالما من كل مكروه

ص: 68

(على حبيب رب العالمين) أي محبوبه (وعلى آله) اسم جمع لذوى القربى الفه مبدلة عن الهمزة المبدلة عن الهاء عند البصريين والواو عند الكوفيين والاول هو الحق كما في المفتاح قهستاني (وأصحابه) قال القهستانى أي الذين آمنوا مع الصحبة ولو لحظة كما قال عامة المحدثين وإنما اوثر على ما ذهب إليه الاصوليون من اشتراط ملازمة ستة اشهر فصاعدا ليشمل كل صاحب (هداة) جمع هاد من الهداية وهى الدلالة على ما يوصل إلى البغية (الحق) ضد الباطل (وحماة) جمع حام من الحماية بالكسر أي المنع (الشرع) اسم لما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام (المتين) القوى يقال متن ككرم صلب (وبعد) قال القهستاني أي واحضر بعد الخطبة ما سيأتى فالواو للاستئناف أو لعطف الانشاء على مثله أو على الخبر على نحو قوله تعالى وبشر الذين آمنوا الآية لأن ما في المشهور من الضعف ما لا يخفى فإن تقدير اما مشروط بان يكون ما بعد الفاء امرا أو نهيا ناصبا لما قبلها أو مفسرا له كما في الرضى واما توهم اما فلم يعتبره أحد من النحويين والظرف متعلق بالأمر المستفاد من المقام المعلل بالفاء في قوله (فقد) كما في قولهم اعبد ربك فإن العبادة حق انتهى (واتفق الفقهاء) أي المجتهدون (على فرضية علم الحال) أي العلم بحكم ما يحتاج إليه في وقت احتياجه إليه قال في التتارخانية اختلف الناس في أي علم طلبه فرض فحكى اقوالا ثم قال والذى ينبغى أن يقطع بأنه المراد هو العلم بما كلف الله تعالى به عباده فإذا بلغ الإنسان ضحوة النهار مثلا يجب عليه معرفة الله تعالى بصفاته بالنظر والاستدلال وتعلم كلمتى الشهادة مع فهم معناهما ثم أن عاش إلى الظهر يجب تعلم الطهارة ثم تعلم علم الصلاة وهلم جرا فإن عاش إلى رمضان يجب تعلم علم الصوم فإن استفاد ما لا تعلم علم الزكاة والحج أن استطاعه وعاش إلى اشهره وهكذا التدريج في علم سائر الأفعال المفروضة عينا انتهى (على كل من آمن بالله) أي بوحدانيته سبحانه ذاتا وصفات وافعالا (واليوم الآخر) هو يوم القيمة فإنه آخر الاوقات المحدودة وخصه بالذكر لانه يوم الجزاء فالايمان به يحمل على العمل فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا (من نسوة) بالكسر والضم جمع المرأة من غير لفظها قاموس (ورجال) جمع رجل وهو الذكر من بنى آدم إذا بلغ أو مطلقا والمراد هنا البالغ إذا علمت ذلك الاتفاق (فمعرفة) احكام (الدماء المختصة بالنساء واجبة عليهن وعلى الازواج والأولياء) جمع ولى وهو العصبة فيجب على المرأة تعلم الأحكام

ص: 69

وعلى زوجها أن يعلمها ما تحتاج إليه منها أن علم والا اذن لها بالخروج والا تخرج بلا اذنه وعلى من يلى امرها كالاب أن يعلمها كذلك (ولكن هذا) أي علم الدماء المختصة بالنساء مصـ (كان) أي صار مثل فكانت هباء منبثا (وفى زماننا) أي زمان المصنف وقد توفى سنة 981 (مهجورا) أي متروكا (بل صار كأن لم يكن شيئا مذكورا) اضراب انتقالى إلى ما هو ابلغ لأن ما هجر قد يكون معلوما ويترك العمل به بخلاف ما صار كانه لم يوجد أصلا (ولا يفرقون) أي أهل الزمان (وبين الحيض والنفاس والاستحاضة) في كثير من المسائل (ولا يميزون بين الصحيحة من الدماء والاظهار) عطف على الدماء (و) بين (الفاسدة) منهما (تري) أي تبصر أو تعليم (امثلهم) أي افضلهم أو اعلمهم عند نفسه (يكتفى) حال أو مفعول ثان (بالمتون المشهورة) كالقدورى والكنز والوقاية والمختار المبنية على الاختصار (وأكثر مسائل) هى المطالب التي يبرهن عليها في العلم ويكون الغرض من ذلك العلم معرفتها كذا في تعريفات السيد الشريف قدس سره (الدماء) الثلاثة السابقة (فيها مفقودة والكتب المبسوطة) التي فيها هذه المسائل (لا يملكها إلا قليل) لقلة وجودها وغلاء أثمانها (والمالكون) لها (اكثرهم عن مطالعتها) في القاموس طالعه طلاعا ومطالعة اطلع عليه أي علمه (عاجز وعليل) بداء الجهل (وأكثر نسخها) جمع نسخة بالضم ما ينسخ أي يكتب فيه (في باب حيضها تحريف) أي تغيير (وتبديل) عطف تفسير أو الأول تغيير بعض حروف الكلمة والثانى ابدالها بغيرها (لعدم الاشتغال به) أي بأكثر نسخها (ومذ) أي من (دهر طويل) فكلما نسخت نسخة على أخرى زاد التحريف (وفي مسائله) أي باب الحيض (كثرة وصعوبة) قال في البحر واعلم أن باب الحيض من غوامض الابواب خصوصا المتحيرة وتفاريعها ولهذا اعتنى به المحققون وافرده محمد رحمه الله تعالى في كتاب مستقل ومعرفة مسائله من أعظم المهمات لما يترتب عليها مما لا يحصى من الأحكام كالطهارة والصلاة وقرائة القرآن والصوم والاعتكاف والحج والبلوغ والوطى والطلاق والعدة والاستبراء وغير ذلك من الأحكام وكان من أعظم الواجبات لأن عظم منزلة العلم بالشئ بحسب منزلة ضرر الجهل به وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها فيجب الاعتناء بمعرفتها وإن كان الكلام فيها طويلا فإن المحصل يتشوف إلى ذلك ولا التفات إلى كراهة أهل البطالة انتهى

ص: 70

(واختلافات وفى اختيار المشايخ) بالياء وهم المتأخرون عن الإمام وأصحابه من أهل المذهب على اختلاف طبقاتهم (وتصحيحهم أيضًا مخالفات) فبعضهم يختار قولا وبعضهم يختار قولا آخر ثم بعضهم يصحح هذا وبعضهم يصحح هذا وقد قالوا إذا كان في المسئلة تصحيحان فالمفتى بالخيار لكن قد يكون أحد القولين الصحيحين اقوى لكونه ظاهر الرواية أو مشى عليه أصحاب المتون والشروح أو ارفق بالناس أو غير ذلك مما بينته في رد المحتار على الدر المختار فيحصل لمن لا اهلية له اضطراب ولاسيما عند كثرة الأقوال وعدم اطلاعه على الاصح منها فلذا قال المصنف رحمه الله تعالى (فأردت أن اصنف رسالة) قال السيد قدس سره الرسالة هى المجلة المشتملة على قليل من المسائل التى تكون من نوع واحد والمجلة هي الصحيفة يكون فيها الحكم (حاوية) أي جامعة (لمسائله) أي باب الحيض (اللازمة خاوية) بالعجمة أي خالية (عن ذكر خلاف ومباحث) جمع مبحث محل البحث قال السيد قدس سره البحث هو التفحص والتفتيش واصطلاحا هو إثبات النسبة الايجابية أو السلبية بين الشيئين بطريق الاستدلال (غير مهمة مقتصرة) صفة ثالثة لرسالة (على الاقوى والاصح والمختار للفتوى) أي لجواب الحادثة (مسهلة) بالبناء للفاعل أو المفعول صفة رابعة لرسالة (الضبط) لما تفرق في غيرها من المسائل (والفهم رجاء) علة لقوله فأردت (أن تكون) أي الرسالة (ولى ذخرا) بضم الذال وسكون الخاء المعجمتين أي ذخيرة ادخرها واختارها (وفي العقبى) أي الآخرة (فيا ايها الناظر إليها بالله العظيم لا تعجل في التخطئة) مصدر فعل بالتشديد للنسبة مثل فسقته إذا نسبته إلى الفسق (بمجرد رؤيتك) أي برؤيتك المجردة (فيها) أي في الرسالة (المخالفة) مفعول ثان لرؤية (لظاهر بعض الكتب المشهورة) فكم في بعضها ما هو خلاف الصحيح. بل ما هو خطأ صريح * أو ما هو مصروف عن الظاهر * مما لا يعرفه إلا الفقيه الماهر * (فعسى) أي اشفق واخاف عليك أن يكون المخطئ انت لعدم اطلاعك وكنى عن خطأ المخاطب بقوله (أن تخطئ ابن اخت خالتك) لأن المراد باخت خالته امه والمراد بابنها نفسه قال المصنف إذا كان تخطئ بالتاء المخاطب بها يكون متعديا ويكون ابن مفعوله وإذا كان بالياء يكون الفعل لازما والابن فاعله (فتكون من الذين هلكوا في المهالك) لأن الخطأ في المسائل الدينية كالهلاك ولذا شاع إطلاق الميت على الجاهل والحى على العالم أو من كان ميتا فاحييناه (فانى) علة عدم الخطأ في هذه الرسالة

ص: 71

بقدر الامكان مصـ (قد صرفت شطرا من عمرى) أي حصة وافرة منه وفى المغرب شطر كل شيء نصفه وقوله في الحائض تقعد شطر عمرها على تسمية البعض شطرا توسعا في الكلام واستكثارا للقليل (في ضبط هذا الباب حتى ميزت بفضل الله بين القشر) بالكسر غث الشيء خلقة أو عرضا قاموس (واللباب) بالضم خالص كل شيء كما في الصحاح (والسمين والمهزول) ضده (والصحيح والمعلول) في القاموس العلة بالكسر المرض على يعل واعتل واعله الله فهو معل وعليل ولا تقل معلول والمتكلمون يستعملونها (والجيد) بالفتح والتشديد (والردي) ضده (والضعيف والقوى ورحجت) عطف على ميزت (باسباب الترجيح) أي التقوية (المعتبرة) عند أهل هذا الشأن (ما هو الراجح) أي في نفس الامر (من الأقوال والاختيارات) الصادرة (من الأئمة) المجتهدين في المذهب أو أهل الاستنباط من القواعد لما لا نص فيه عن المجتهدين أو أهل الاختيار والترجيح لما فيه روايتان عن المجتهد أو قولان لاهل الاستنباط (فارجع البصر) مرتبط بما مر من النهي عن العجلة وتعليله باتقان المصنف لما كتبه أي إذا علمت ذلك فأعد بصرك إذا اشكل عليك شيء (كرتين) أي مرة بعد مرة كما في الآية والمراد بالتقنية التكرير والتكثير كما في قولهم لبيك وسعديك (وتأمل) بعين بصيرتك (ماكتبنا مرتين) المراد به التكرار أيضًا (واعرضه) أي ما كتبناه (على الفروع) أي ما يناسبه من مسائل علم الفقه (و) على (الاصول) أي الادلة الكلية التي هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس (و) على (قواعد المنقول) الذي هو الادلة المذكورة (والمعقول) أي الاستدلال بدليل معقول مستنبط من أحد الادلة السمعية (لعلك تطلع على حقيته) أي على كون ما كتبناه حقا ثابتا (وتظهر لك وجوه صحتهم) وأشار بالترجى إلى صعوبة هذا المسلك فإن المتأهل للعرض والاطلاع المذكورين نادر (وترجع) عند الاطلاع المذكور إلى التصويب من تخطئته أي ترجع مبتدئا من نسبة الخطأ إلى نسبة التصويب لما كتبناه أو من للبدلية (وتقول) عند ذلك (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) فيه اقتباس لطيف (فنقول) اتى بنون المعظم نفسه تحدثا بنعمة الله تعالى عليه (وبالله) أي باستعانته تعالى وحده (التوفيق) هو جعل الله فعل عبده موافقا لما يحبه ويرضاه (ومنه) تعالى يطلب (كل تحقيق) هو إثبات المسئلة بدليلها (وتدقيق) هو اثباتها بدليل دق طريقه لناظريه من تعريفات السيد (هذه الرسالة مرتبة

ص: 72

على مقدمة) بكسر الدال من قدم اللازم أو المتعدى وعلى الثاني يجوز الفتح أيضًا وهى في العرف نوعان مقدمة الكتاب ما يذكر قبل الشروع في المقاصد لارتباطها به ونفعه فيها ومقدمة العلم ما يتوقف عليه الشروع في مسائله كحده وغايته وموضوعه والمراد هنا الأولى (وفصول) ستة جمع فصل وهو قطعة من الباب مستقلة بنفسها منفصلة عما سواها تعريفات (اما المقدمة ففيها نوعان النوع الأول في تفسير الالفاظ المستعملة) في هذا الباب بلسان الفقهاء (واعلم أن الدماء المختصة بالنساء) احتراز عن الحيض الرعاف (ثلاثة حيض ونفاس واستحاضة فالحيض) لغة مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهي حائض وحائضة سال دمها والحيضة المرة وبالكسر الاسم والخرقة

(3)

تستشفز بها المرأة قاموس وفي البحر قال أهل اللغة أصله السيلان يقال حاض الوادي أي سال فسمى حيضا لسيلانه في اوقاته انتهى وشرعا بناء على أنه حدث كاسم الجنابة هو مانعية شرعية بسبب الدم المذكور عما تشترط له الطهارة كالصلاة والتلاوة وعن الصوم ودخول المسجد والقربان وعلى أنه خبث هو (دم صادر من رحم) أي بيت منبت الولد ووعائه قاموس * احترز به عن الاستحاضة لانها دم عرق انفجر لا دم رحم وعن دم الرعاف والجرح * وعما يخرج من الدبر فليس بحيض لكن يستحب أن لا يأتيها زوجها وإن تغتسل عند انقطاعه كما في الخلاصة وغيرها وسيأتى * وعما تراه الصغير * وهى من لم يتم لها تسع سنين على المعتمد * وما تراه النفساء قبل الولادة فليسا من الرحم بل هما استحاضة لكن في البحر قال بعضهم ما تراه الصغيرة دم فساد لأن الاستحاضة لا تكون إلا على صفة لا تكون حيضا انتهى يعنى انها دم يتصف بصفة فيه لولاها كان حيضا كزيادة أو نقص مثلا تأمل لكن المشهور أنه استحاضة والمراد رحم امرأة بقرينة المقام احترازا عما تراه الأرنب والضبع والخفاش قالوا ولا يحيض غيرها من الحيوانات * وعما يراه الخنثى المشكل ففي الظهيرية إذا خرج منه المني والدم فالعبرة للمنى دون الدم انتهى وكأنه لأن المني لا يشتبه بغيره بخلاف الدم فإنه يشتبه بالاستحاضة فيلغى ويعتبر المتيقن من أول الأمر (خارج من فرج داخل) احتراز عما لو احست بنزوله إلى الفرج الداخل ولم يخرج منه فليس بحيض في ظاهر الرواية وبه يفتى قهستانى وعن محمد يكفى الاحساس به فلو احست به في رمضان قبيل الغروب ثم خرج بعده تقضى صوم اليوم عنده لا عندهما (ولو حكما) ليدخل الطهر المتخلل ولالوان سوى البياض الخالص انتهى مص فهذا تعميم لقوله دم

(3)

قوله تستشفر بها أي تضعها عند شفر فرجها أي حرفه منه.

ص: 73

فكان الأولى ذكره بحذائه (بدون ولادة) ليحترز عن النفاس مصاى ما تراه بعد الولادة ولم يقل واياس لأن المختار أن الآيسة إذا رأت الدم نصابا يكون حيضا إذا رأته خالصًا كالاسود والاحمر القاني كما سيأتى فهو داخل في التعريف وغير الخالص يكون استحاضة فهو خارج بقيد الرحم (والنفاس) بالكسر لغة مصدر نفست المرأة يضم النون وفتحها إذا ولدت فهى نفساء * وهن نفاس مغرب واصطلاحا دم تسمية للعين بالمصدر كالحيض سواء كما في المغرب (كذلك) الإشارة إلى وصف الدم السابق فكأنه قال دم صادر من رحم خارج من فرج داخل ولو حكما فاحترز عما لو ولدت من جرح ببطنها فهي ذات جرح وإن ثبت له احكام الولد من انقضاء عدة ونحوه إلا إذا سال الدم من الرحم وخرج من الفرج الداخل فنفساء كما في البحر والنمر وسيأتي ودخل بقوله ولو حكما الطهر المتخلل وما سوى البياض الخالص ومالو ولدته ولم ترد ما فالمعتمد انها تصير نفساء كما في الدر والبحر وسيأتي (عقيب خروج أكثر ولد) ولو متقطعا عضوا عضوا لا اقله فتتوضأ أن قدرت أو تتيم وتوميء بصلاة در ووصف الولد بقوله (لم يسبقه ولد مذ) أي من (اقل من ستة اشهر) احترازا عن ثانى التوأمين فإنه لا يكون نفاسا في الاصح مص بل هو من الأول فقط وإذا كان بينهما ستة اشهر فأكثر فالنفاس من كل واحد منهما (والاستحاضة) لغة مصدر استحيضت المرأة فهي مستحاضة قال في القاموس والمستحاضة من يسيل دمها لا من المحيض بل من عرق العازل (و) الحال أنه (يسمى دما فاسدا) وهو سبعة كما سيأتى في آخر الفصل الرابع إن شاء الله تعالى وشرعا (ودم ولو حكما) ليدخل الالوان مصـ (خارج من فرج داخل لا عن رحم) وعلامته أن لا رائحة له ودم الحيض منتن الرائحة بحر (والدم الصحيح مالا ينقص عن ثلثة) أي عن أدنى مدة الحيض (ولا يزيد على العشرة) أي أكثر المدة (في الحيض) اما حقيقة أو حكما بان يزيد على عادتها مص أي فإنه إذا زاد على العادة حتى جاوز العشرة فإنها ترد على عادتها ويكون ما رأته في ايام عادتها دما صحيحا كأنه لم يزد على العشرة ويكون الزائد على العادة استحاضة وهو دم فاسد والحاصل أن الدم إذا انقطع قبل مجاوزة العشرة فهو دم صحيح لانه لم يزد عليها حقيقة وإذا جاوزها فما تراه في ايام العادة حيض ويجعل كأن الدم انقطع على العادة ولم يجاوز العشرة حكما فليتأمل (ولا) على الاربعين في النفاس) اما حقيقة أو حكما كما سبق مص وقوله (ولا يكون في أحد طرفيه دم ولو حكما) أي نحو الصفرة والكدرة لم يظهر لي مراده به وهو زائد على ما في المحيط وغيره في تعريف الدم الصحيح ولعله احترز به عما لو كان

ص: 74

طهرا في أحد طرفيه دم كما لو رأت المبتدأة يوما دما واربعة عشر طهرا ويوما دما كانت العشرة الأولى حيضا وهى دم غير صحيح لوقوع الدم في طرفه الأول وكذا لو وقع في طرفيه كما لو رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما ثم عشرة ظهرا ويوما دما فإن العشرة الطهر حيض أن كانت كلها عادتها والا ردت إلى العادة هذا ما ظهر لي هنا لكن لا يخفى أن ذلك خارج بقوله ولا يزيد على العشرة لأن الزيادة هنا موجودة فإن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان اقل من خمسة عشر يوما يجعل كالدم المتوالى كما سيأتى وايضا فإن اقتصاره على تعريف الدم الصحيح بعد قوله والاستحاضة ويسمى دما فاسدا الخ يقتضى أن الدم الفاسد المقابل للصحيح هو دم الاستحاضة اكتفى بتعريف الاستحاضة عن تعريفه فيفيد أن الحيض لا يكون دما فاسدا فتكون العشرة في المثالين المذكورين دما صحيحا فلم يصح الاحتراز عنهما لكن شاع في كلامهم إطلاق الدم الفاسد على ما جاوز العشرة مع أن العشرة حيض فليتأمل (والطهر المطلق) الشامل للاقسام الأربعة الآتية (ما لا يكون حيضا ولا نفاسا) وفيه أن بعض اقسامه قد يكون حيضا أو نفاسا كالطهر المتخلل بين الدمين إلا أن يراد بالمطلق ما ينصرف إليه اسم الظهر عند الإطلاق (والطهر الصحيح) في الظاهر والمعنى (ما) أي نقاء (لا يكون اقل من خمسة عشر يوما) بان يكون خمسة عشر فأكثر لأن ما دون ذلك طهر فاسد يجعل كالدم المتوالى كما ذكرنا وسيأتي تفصيله (ولا يشوبه) أي يخالطه (دم) أصلا لا في أوله ولا في وسطه ولا في آخره مص فلو كان خمسة عشر لكن خالطه دم صار طهرا فاسدا كما لو رأت المبتدأة أحد عشر يوما دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فالدم منا فاسد لزيادته على العشرة والطهر صحيح ظاهرا لانه استكمل خمسة عشر لكنه فاسد معنى لأن اليوم الحادى عشر تصلى فيه فهو من جملة الطهر فقد خالط هذا الظهر دم في أوله ففد فلا تثبت به العادة كما يأتى في النوع الثاني وح فهي كمن بلغت مستحاضة فحيضها عشرة وظهرها عشرون وسيأتي تمام ذلك في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى (ويكون بين الدمين الصحيحين) احتراز عما يكون بين الاستحاضتين أو بين حيض واستحاضة أو بين نفاس واستحاضة أو بين طرفي نفاس واحد مص وذلك كما لو رأت الآيسة طهرا تاما بين استحاضتين وكما لو حاضت أو ولدت ثم دخلت في سن اليأس ثم رأت دم استحاضة والاخير ظاهر ففي الكل الظهر فاسد لانه لم يقع بين دمين صحيحين وإن لم ينقص عن خمسة عشر يوما ولم يخالطه دم فتأمل

ص: 75

(والطهر الفاسد ما خالفه) أي خالف الصحيح (في واحد منه) أي مما ذكر في تعريفه بان كان اقل من خمسة عشر أو خالطه دم أو لم يقع بين دمين صحيحين (والطهر) عطف على ما خالفه (المتخلل مطلقا بين الاربعين في النفاس) أي فهو من الطهر الفاسد لكونه لم يقع بين دمين صحيحين بل وقع بين طرفى دم واحد وقوله مطلقا أي قليلا كان أو كثيرا وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى الخلاصة وعليه الفتوى وقالا إذا كان الطهر المتخلل خمسة عشر فصاعدا يفصل بين الدمين ويجعل الأول نفاسا والثاني حيضا أن امكن كذا في المحيط انتهى أي أن امكن جعل الثانى حيضا بان استكمل مدته (والطهر التام) صحيحا أو فاسدا كما قدمناه (طهر خمسة عشر يوما فصاعدا والطهر الناقص) وهو قسم من الطهر الفاسد كما علمته (ما نقص منه) أي من التام (والمعتادة من سبق منها) من حين بلوغها (دم وطهر صحيحان) كما لو بلغت فرأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا فإذا استمر بها الدم فلها في زمن الاستمرار عادتها (أو أحدهما) بان رأت دما صحيحا وطهرا فاسدا كما لو رأت خمسة دما واربعة عشر طهرا ثم استمر الدم فحيضها من أول الاستمرار خمسة لانها دم صحيح وطهرها بقية الشهر لأن ما رأته طهر فاسد لا تصير به معتادة فلم يصلح لنصب العادة ايام الاستمرار أو بالعكس كما لو رأت أحد عشر دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر الدم لكن الظهر هنا صحيح ظاهرا فقط لفساده بفساد الدم فلا تثبت به العادة كما قدمناه فحكمها حكم من بلغت مستحاضة فحيضها عشرة من أول الاستمرار وطهرها عشرون هو الصحيح كما في المحيط وقيل طهرها ستة عشر (والمبتدأة من كانت في أول حيض أو نفاس) فإذا بلغت برؤية الدم أو الولادة واستمر بها الدم فحيضها عشرة ونفاسها اربعون وطهرها عشرون وسيأتي تمام ذلك في الفصل الرابع (والمضلة وتسمى الضالة والمتحيرة) والمحيرة أيضًا بالكسر لانها حيرت الفقيه (من نسيت عادتها) عددا أو مكانا في حيض أو نفاس (النوع الثانى) من المقدمة (في الاصول والقواعد الكلية أقل الحيض ثلاثة ايام) بالنصب على الظرفية أو بالرفع على الخبرية أن كان التقدير اقل مدة الحيض (ولياليها) الإضافة إلى ضمير الايام لافادة مجرد العدد أي كون الليالي ثلاثا لا لكونها ليالى تلك الايام فلذا عبر ابن الكمال بقوله وثلاث ليال واحترز عن رواية الحسن عن الإمام أنه ثلاثة ايام وليلتان وروى عن أبي يوسف يومان وأكثر الثالث ولذا قال المص (أعني اثنين وسبعين ساعة) بالساعات الفلكية كل ساعة منها خمس عشرة

ص: 76

درجة وتسمى عندهم المعتدلة والساعات اللغوية والشرعية وهى الزمان وإن قل (حتى لو رأت) الدم (مثلا عند طلوع شمس يوم الاحد ساعة) أي حصة من الزمان (ثم انقطع إلى فجر يوم الاربعاء) بادخال العايه (ثم رأت) الدم (قبيل) تصغير قبل وهو اسم لوقت يتصل به ما بعده (طلوعها) أي طلوع شمس الاربعاء (ثم انقطاع عند الطلوع أو استمر من الطلوع الأول) بلا انقطاع أصلا (إلى) الطلوع (الثاني يكون حيضا) لبلوغه نصابه وافاد أن الشرط وجود الدم في طرفي النصاب سواء وجد فيما بين ذلك اولا (ولو انقطع قبل الطلوع الثاني بزمان يسير ولم يتصل به) أي بالطلوع الثاني (والدم) حتى نقص عن اثنين وسبعين ساعة بلحظة (ثم) دام الانقطاع (ولم تر دما إلى تمام خمسة عشر يوما لم يكن حيضا) اما لو عاد قبل تمام خمسة عشر من حين الانقطاع بان عاد في اليوم العاشر أو قبله كان كله حيضا وإن بعده كانت العشرة فقط حيضا أو ايام العادة فقط لو معتادة لأن الطهر الناقص كالدم المتوالي كما مر ويأتي (واكثره) أي الحيض (عشرة كذلك) أي مقدرة مع لياليها بالساعات أعني مائتين واربعين ساعة نعم ذكر في التتارخانية انها لو اخبرت المفتى بأنها طهرت في الحادي عشر اخذلها بعشرة أو في العاشر اخذ بتسعة ولا يستقصى في الساعات لئلا يعمر عليها الامر وهكذا يفعل في جميع الصور إلا في أقل الحيض واقل الطهر مخافة النقص عن الاقل زاد القهستاني عن حاشية الهداية أن عليه الفتوى ومثله في معراج الدراية (واقل النفاس لا حد له) بل هو ما يوجد ولو ساعة (حتى إذا ولدت فانقطع الدم) عقب ذلك (تغتسل وتصلى) فليس له نصاب إلا إذا احتيج إليه لعدة كقوله إذا ولدت فانت طالق فقالت مضت عدتى فقدره الإمام بخمسة وعشرين يوما وبعدها خمسة عشر طهر ثم ثلاث حيض كل حيضة خمسة ايام ثم طهران بين الحيضتين ثلاثون يوما فأقل مدة تصدق فيها عنده خمسة وثمانون يوما وروى عنه مائة يوم باعتبار أكثر الحيض وقدره الثانى باحد عشر فتصدق بخمسة وستين يوما أحد عشر نفاس وخمسة عشر طهر وثلاث حيض بتسعة ايام بينها طهران بثلاثين وقدره الثالث بساعة فتصدق بعدها بأربعة وخمسين وتمام ذلك في السراج وحو شينا على الدر المختار (واكثره) أي النفاس (واربعون يوما) وقد علم اجمالا مما مر من بيان أكثر الحيض والنفاس وإن الزائد عليه لا يكون حيضا ولا نفاسا أن الدم الصحيح لا يعقبه دم صحيح وحينئذ (فالحيضان لا يتواليان) بل الثانى منهما استحاضة وكذا في الاخيرين مص في قوله (وكذا النفاسان والنفاس والحيض بل لابد من طهر) تام فاصل (بينهما) أي بين كل اثنين من الحيضين والنفاسين

ص: 77

والحيض والنفاس (واقل الطهر) المذكور مختلف فهو (في حق النفاسين ستة اشهر) لانه أدنى مدة الحمل فلو فصل اقل من ذلك كانا توأمين والنفاس من الأول فقط كما مر ويأتى (وفى) حق (غيرهما) من حيضين أو حيض ونفاس (خمسة عشر يوما) وإن كان اقل من ذلك فالثاني استحاضة مص فإذا وقع ذلك الطهر التام بين دمين (فالدمان المحيطان به حيضان) وكذا الحكم في الأكثر بطريق أولى مص أي الأكثر من طهر خمسة عشر (ان بلغ كل نصابا) ثلاثة أو أكثر (ولم يمنع مانع والا) أي وإن لم يبلغ نصابا أو منع مانع من الحيض مثل كونها حاملا أو كونه زائدا على عادتها مجاوزا للعشرة (فاستحاضة أو نفاس) صورته امرأة رأت دما حال جلها خمسة ايام ثم طهرت خمسة عشر يوما ثم ولدت ورأت دما فالدم الثاني نفاس والدم الأول استحاضة مع انهما مكتنفان بالطهر (تنبيه) اطلق الطهر فشمل الصحيح والفاسد بعد كونه تاما فالطهر التام الفاسد وهو الذى خالطه دم كما مر يفصل بين الدمين وإنما يفسد من حيث أنه لا يصلح لنصب العادة في المبتدأة لا من حيث الفصل وعدمه كما يظهر في الفصل الرابع و ح فلو رأت ثلاثة دما كعادتها ثم خمسة عشر طهرا ثم يوما دما ثم يوما طهرا ثم ثلاثة دما فالثلاثة الأولى والاخيرة حيضان لوجود طهر تام بينهما وإن كان فاسدا لانها صلت فيه يوما بدم (والطهر الناقص) عن اقله (كالدم المتوالى) لانه طهر فاسد كما في الهداية (لا يفصل بين الدمين) بل يجعل الكل حيضا ان لم يزد على العشرة والا فالزائد عليها أو على العادة استحاضة (مطلقا) أي سواء كان اقل من ثلاثة ايام وهو بالاتفاق أو ازيد وسواء كان ذلك الأزيد مثل الدمين المحيطين به أو اقل أو أكثر وسواء كان في مدة الحيض اولا عند أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة آخر وعليه فيجوز بداية الحيض بالطهر وحتمه به أيضا إذا احاط الدم بطرفيه فلو رأت مبتدأة يوما دما واربعة عشر طهرا ويوما دما فالعشرة الأولى حيض ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما وعشرة طهرا ويوما دما فالعشرة الطهر حيض ان كانت عادتها والا ردت إلى عادتها وعند محمد الطهر الناقص لا يفصل لو مثل الدمين أو اقل في مدة الحيض ولو أكثر فصل أن بلغ ثلاثا فأكثر ثم ان كان في كل من الجانبين نصاب فالسابق حيض ولو في أحدهما فهو الحيض والا فالكل استحاضة ولا يجوز عنده بدأ الحيض ولا ختمه بالطهر فلو رأت مبتدأة يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالاربعة حيض اتفاقا لأن الطهر دون ثلاث ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما فالستة حيض للاستواء ولو رأت ثلاثة دما وخمسة

ص: 78

طهرا ويوما دما فالثلاثة حيض لغلبة الطهر فصار فاصلا هذا خلاصة ما في شروح الهداية وغيرها وفى المسئلة ست روايات وهاتان اشهرها وقد صحح رواية محمد في المبسوط والمحيط وعليها الفتوى وفى السراج وكثير من المتأخرين افتوا بقول أبي يوسف لانه اسهل على المفتى والمستفتى وفى الهداية والاخذ به ايسر وفى الفتح وهو الأولى (وسيجيء إن شاء الله تعالى) في الفصل الثانى بعض ذلك (وكذا الطهر الفاسد) المتخلل بين الدمين (في النفاس) لا يفصل بينهما ويجعل كالدم المتوالى حتى لو ولدت فانقطع دمها ثم رأت آخر الاربعين دما فكله نفاس كما مر وسيأتي في الفصل الثاني * ثم اعلم أن عدم فصله خاص بما إذا كان الدم الثاني في مدة الاربعين لا بعدها ولذا قال في السراج ثم الطهر المتخلل بين دمى النفاس لا يفصل وإن كثر الخ فقوله بين دمى النفاس صريح في أن الدم الثاني في مدة الاربعين والا فلو كان لا يفصل مطلقا لزم أن من ولدت ورأت عشرين دما ثم طهرت سنة أو سنتين ثم رأت الدم أن يكون ذلك الطهر كالدم المتوالي ولا قائل به لكن إذا وقع الدم الثاني خارج الاربعين فإن كان الطهر المتحلل تاما فصل بينهما ولم يجعل كالدم المتوالى وإن كان ناقصا لم يفصل لانه لا يفصل في الحيض ففي النفاس أولى لأن الطهر الناقص فاسد في نفسه بخلاف التام يوضح ما قلنا ما في المحيط لو رأت خمسة دما وخمسة عشر طهرا وخمسة دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر الدم فعنده نفاسها خمسة وعشرون لانه لا عبرة بالطهر الأول لاحاطة الدم بطرفيه والثاني معتبر لأن به تم الأربعون ولو رأت ثلاثين دما وعشرة طهرا ويوما دما فعند أبي يوسف الأربعون نفاس لانه يختم النفاس بالطهر ويقلب الطهر نفاسا بإحاطة الدمين به كما سيأتي وعند محمد الثلاثون نفاس انتهى فقوله لأن به ثم الأربعون أي فكان الدم الثاني واقعا بعدها فيكون حيضا لوجود الطهر الفاصل فهذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم (وأكثر الطهر لا حد له) بل قد يستغرق العمر (إلا عند) الحاجة إلى (نصب العادة) عند استمر والدم (وسيجئ إن شاء الله تعالى) تفصيل ذلك في الفصل الرابع (والعادة تثبت بمرة واحدة في الحيض والنفاس) هذا قول أبي يوسف وأبي حنيفة آخرا قال في المحيط وبه يفتى وفى موضع آخر وعليه الفتوى هذا في الحيض اما في النفاس فمتفق عليه مص قلت وكذا المبتدأة بالحيض تثبت العادة لها بمرة واحدة اتفاقا كما في السراج وإنما الخلاف في المعتادة إذا رأت ما يخالف عادتها مرة واحدة هل يصير ذلك المخالف عادة لها أم لابد فيه من تكراره مرتين بيان ذلك لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فرأت سنة فهي حيض اتفاقا لكن عندهما يصير ذلك عادة فإذا

ص: 79

استمر بها الدم في الشهر الثانى ترد إلى آخر ما رأت وعند محمد إلى العادة القديمة ولو رأت الستة مرتين ترد إليها عند الاستمرار اتفاقا وتمامه في السراج وقوله (دما أو طهرا) منصوبان على التمييز (وإن كانا صحيحين) بخلاف الفاسدين كما اوضحناه في آخر النوع الأول (وتنتقل كذلك) أي بمرة واحدة في الحيض والنفاس دما أو طهرا وفيه الخلاف المار لكن هذا في العادة الاصلية وهى أن ترى دمين متفقين وطهرين متفقين على الولاء أو أكثر لا الجعلية بان ترى اطهارا مختلفة ودماء مختلفة فإنها تنتقض برؤية المخالف اتفاقا نهر وتمام ذلك في الفتح وغيره (زمانا) تمييز محول عن الفاعل (ثوبان لم تر فيه) أي في زمان عادتها كما لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فمضت ولم تر فيها ولا في بقية الشهر أو رأت بعدها خمسة (أو رأت) الخمسة (قبله) أي قبل زمان عادتها ولم تر فيه وإنما نص على القبلية مع انها داخلة في قوله بان لم تر فيه لأن الانتقال فيها حصل قبل عدم الرؤية فيه فتأمل (و) تنتقل (عددا ان رأت ما يخالفه) أي العدد (صحيحا) حال من مفعول رأت وقوله (طهرا أو دما) بدل من صحيحا أو عطف بيان كما لو كانت عادتها خمسة حيضا وخمسة وعشرين طهرا فرأت في أيامها ثلاثة وخمسة وعشرين طهرا أو خمسة دما وثلاثة وعشرين طهرا (أو) رأت في ما يخالفه حاله كون المرئي (دما فاسدا جاوز العشرة ووقع) من آخره (نصاب) ثلاثة ايام فأكثر (في بعض) أيام (العادة وبعضها) أي ووقع بعض العادة (من الطهر الصحيح) مثاله عادتها خمسة من أول الشهر فرات الدم سبعة قبله واربعة في أوله وانقطع فهذا دم فاسد لانه جاوز العشرة ووقع منه نصاب الحيض في بعض أيام العادة وبعضها الباقي وهو الخامس وقع من الطهر الصحيح فترد إلى عادتها من حيث المكان دون العدد لأن الخامس لم يقع بعده دم حتى يجعل حيضا لأن أبا يوسف وإن كان يجيز ختم الحيض بالطهر لكن شرطه عنده احاطة الدم بطرفى الطهر كما قدمناه وقد تنتقل عددا وزمانا وهو ظاهر وسيأتي تفصيل هذا المحل في الفصل الثاني إن شاء الله تعالى (واما الفصول) عطف على قوله اما المقدمة (فستة الفصل الأول في) بيان (ابتداء ثبوت الدماء الثلاثة) الحيض والنفاس والاستحاضة (و) بيان (انتهائه) أي انتهاء ثبوتها الذي يزول به احكامها (و) في بيان (الكريف) بوزن فلفل (ما الأول فعند ظهور الدم بان خرج من الفرج الداخل) إلى الفرج الخارج والاول وهو المدور بمنزلة الدبر أو الاحليل والثانى وهو الطويل بمنزلة الاليتين أو القلفة (أو) لم ينفصل عن الفرج الداخل بل (حاذى) أي ساوى (حرفه) والدم في هذا

ص: 80

الحكم (كالبول والغائط فكل ما ظهر من الاحليل) بالكسر مخرج البول من ذكر الإنسان واللبن من الثدى قاموس والمراد هنا الأول (والدبر) بضم وبضمتين (والفرج بان ساوى الحرف) من احد هذه المخارج (ينتقض به الوضوء) سواء كان دما أو بولا أو غائطا (مطلقا) أي قليلا كان أو كثيرا (ويثبت به) أي بما ظهر (النفاس والحيض ان كان دما صحيحا) يعنى بان كان بعد خروج الولد أو اكثره في النفاس ولم ينقص عن ثلاثة في الحيض (من بنت تسع سنين أو أكثر) ويثبت به بلوغها قال في المحيط البرهاني وأكثر مشايخ زماننا على هذا انتهى وعليه الفتوى سراج وهو المختار وقيل ست وقيل سبع وقيل اثنتا عشر فتح (فإن احس) بصيغة المجهول ولم يقل احست ليدخل فيه حدث الرجال والنساء (ابتداء بنزوله) أي الدم ونحوه كالبول (ولم يظهر) إلى حرف المخرج (أو منع) بصيغة المجهول أيضًا معطوف على لم يظهر (منه) أي من ظهوره (بالشد) على ظاهر المخرج بنحو خرقة (أو الاحتشاء) في باطنه بنحو قطنة (فليس له حكم) أي لا ينتقض به الوضوء ولا يثبت به الحيض وقيل يثبت بمجرد الاحساس كما قدمناه (وإن منع بعد الظهور اولا فالحيض والنفاس باقيان) أي لا يزول بهذا المنع حكمهما الثابت بالظهور او لا كما لو خرج بعض المنى ومنع باقيه عن الخروج فإنه لا تزول الجنابة (دون الاستحاضة) فإنه إذا امكن منع دمها زال حكمها (واما) الكلام (في) حكم الخارج من (غير السبيلين) القبل والدبر (فلا حكم للظهور والمحاذاة) بمجردهما (بل لا بد من الخروج) ولو بالاخراج كعصره في الاصح خلافا لما في العناية والبحر من أن الاخراج غير معتبر كما اوضحناه في رد المحتار (و) لابد ايضا من (السيلان) واختلف في تفسيره ففى المحيط عن أبي يوسف أن يعلو وينحدر وعن محمد إذا انتفخ على رأس الجرح وصار أكثر من رأسه نقض والصحيح لا ينقض انتهى وصحح في الدراية الثاني لكن صحح في الخانية وغيرها الأول وفى الفتح أنه مختار السرخسي وهو الأولى والمراد السيلان ولو بالقوة حتى لو مسحه كلما خرج أو وضع عليه قطنة أو القى عليه رمادا أو ترابا ثم ظهر ثانيا فتربه ثم وثم فانه يجمع فإن كان بحيث لو تركه سال بغلبة الظن نقض قالوا وإنما يجمع إذا كان في مجلس واحد مرة بعد أخرى فلو في مجالس فلا كما في التتارخانية والبحر (إلى ما) أي موضع من البدن (ويجب تطهيره في الغسل) من الجنابة وعم التطهير المسح كما لو لم يمكنه غسل رأسه لعذر وامكنه مسحه فخرج منه دم وسال إليه والمراد سيلانه إليه ولو حكما فيشمل ما لو اقتصد ولم يتلطخ رأس الجرح فإنه ناقض مع أنه سال إلى الأرض دون البدن وكذا لو مص العلق أو القراد الكبير الدم وخرج ما لو سال

ص: 81

في داخل العين أو باطن الجرح فإنه موضع لا يجب تطهيره لانه مضر وزاد في الفتح بعد قوله يجب أو يندب وايده في البحر بقولهم إذا نزل الدم إلى قصبة الانف نقض أي لأن المبالغة في الاستنشاق إلى ما اشتد من الانف مسنونة وتمام تحقيق ذلك في حواشينا رد المحتار (في نقض الوضوء) متعلق بمعنى النفي في قوله فلا حكم وقوله بل لابد أو بالظهور والخروج لكن يحتاج إلى تكلف تأمل (فلو منع الجرح السائل من السيلان انتفى العذر) بلا خلاف وذلك واجب بالقدر الممكن ولو بصلاته موميا قائما او قاعدا كما سيأتي تفصيله آخر الرسالة إن شاء الله تعالى (كالاستحاضة) في أصح القولين وقيل انها كالحيض (وفى النفاس لابد) في ثبوت حكمه (ومع ذلك) أي مع خروج الدم من الفرج الداخل (من خروج أكثر الولد) هذا أصح الاقاويل وفي الخلاصة ان خرج الاقل لا تكون نفساء فإن لم تصل تكون عاصية فيؤتى بقدر أو بحفرة صغيرة وتجلس هناك كيلا تؤذى الولد وعند محمد لابد من خروج كله (فإن ولدت ولم ترد ما فعليها الغسل) هذا قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف او لا ثم رجع أبو يوسف وقال هي طاهرة لا غسل عليها وأكثر المشايخ اخذوا بقول أبي حنيفة وبه يفتى الصدر الشهيد كذا في المحيط وصححه في الظهيرية والسراج فكان هو المذهب بحر (ولان الولد لا ينفك عن بلة) بالكسر والتشديد أي رطوبة (دم) كذا علل في الفتح وعلل الزيلعي بان نفس خروج الولد نفاس أي ولو لم يوجد معه بلة أصلا وهو صريح في انها تصير نفساء وبه صرح في النهاية أيضًا وبه اندفع ما في النهر من ان وجوب الغسل عليها للاحتياط كما صرحوا به فلا يلزم منه كونها نفساء وتمامه فيما علقته على البحر (ولو خرج الولد من غير الفرج) كجرح ببطنها (ان خرج الدم من الفرج فنفاس والا فلا) لكن تنقضى به العدة وتصير الأمة أم ولد ولو علق طلاقها بولادتها وقع لوجود الشرط بحر (والسقط) بالحركات الثلاث الولد يسقط من بطن امه ميتا وهو مستبين الخلق والا فليس بسقط كذا في المغرب فقوله (أن استبان بعض خلقه) لبيان أنه لا يشترط استبانة الكل بل يكفى البعض (كالشعر والظفر) واليد والرجل والاصبع (فولد) أي فهو ولد تصير به نفساء وتثبت لها بقية الأحكام من انقضاء العدة ونحوها مما علمته آنفا وزاد في البحر عن النهاية ولا يكون ما رأته قبل اسقاطه حيضا أي لانها حينئذ حامل والحامل لا تحيض كما مر (والا) يستبن شيء من خلقه (فلا) يكون ولدا ولا تثبت به هذه الأحكام (ولكن ما رأته من الدم) بعد اسقاطه (حيض ان بلغ نصابا) ثلاثة ايام فأكثر (وتقدمه طهر تام) ليكون فاصلا بين هذا الحيض وحيض قبله (والا) كم يوجد واحد من هذين

ص: 82

الشرطين أو فقد أحدهما فقط (فاستحاضة) ولو لم تعلم أنه مستبين أم لا بان اسقطته في المخرج مثلا واستمر بها الدم فسيأتى حكمه إن شاء الله تعالى في آخر الفصل الخامس (وإن ولدت ولدين أو أكثر في بطن واحد بان كان بين كل ولدين اقل من ستة اشهر) ولو بين الأول والثالث أكثر منها في الاصح بحر (فالنفاس من الأول فقط) هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو الصحيح وعند محمد من الثاني كذا في التتارخانية والظاهر أن المراد بالثانى الأخير ليشمل الثلاثة ثم لا خلاف أن انقضاء العدة من الأخير كما في التنوير لتعلقه بفراغ الرحم ولا يكون الا بخروج كل ما فيه ولم يبين حكم ما تراه بعد الأول وكتب في الهامش قالوا والباقي استحاضة وهذا على الإطلاق في المتوسط لأن الحامل لا تحيض واما في الأخير فيتعين أن يقيد بما اذا لم يمكن جعله حيضا بان لم يمض بعد انقطاع النفاس خمسة عشر يوما او لم تمض عادته الأولى أو عشرون في المبتدأة أو كان اقل من ثلاثة ايام والا فينبغى أن يكون حيضا انتهى. قلت والمتوسط أيضًا ليس على إطلاقه بل هو مقيد ما إذا كان بعد تمام الاربعين من الأول لما في البحر عن النهاية أن ما تراه عقب الثاني أن كان قبل الاربعين فهو نفاس الأول لتمامها واستحاضة بعد تمامها عندهما انتهى وينبغى في المعتادة إذا جاوز الاربعين ان ترد إلى عادتها فيكون ما زاد عليها استحاضة لا ما بعد تمام الاربعين فقط (واما انتهاء الحيض) معطوف على قوله اما الأول (فببلوغها سن الإياس) أي انتهاء مدته التي يوجد فيها ولا يتعداها غالبا وليس المراد انتهاء نفس الحيض لانه يكون بانقطاعه حقيقة فيما بين الثلاث والعشرة أو حكما إذا جاوز العشرة وكان مقتضى المقابلة حيث فسر الابتداء بظهور الدم ان يفسر الانتهاء بالانقطاع المذكور اما تفسيره بما ذكره فإنما يناسب تفسير الابتداء ببلوغها تسع سنين فأكثر وقد يقال أنه مراده من تفسير الابتداء ويحتاج إلى تكلف فتأمل ثم اليأس انقطاع الرجاء والإياس أصله ايأ آس حذفت منه الهمزة التى هى عين الكلمة تخفيفا مغرب (وهو) أي سن الإياس (في الحيض) احتراز عن الاستحاضة فإنه لا تقدير له (خمس وخمسون سنة) قال في المحيط البرهانى وكثير من المشايخ افتوا به وهو اعدل الأقوال وذكر في الفيض وغيره أنه المختار وفى الدر عن الضياء وعليه الاعتماد فإذا بلغته وانقطع دمها حكم باياسها والا فلا وعليه فالمرضع التي لا ترى الدم في مدة ارضاعها لا تنقضى عدتها إلا بالحيض كما في الدر من باب العدة وفى السراج سئل بعض المشايخ عن المرضعة إذا لم ترحيضا فعالجته حتى رأت صفرة في ايام الحيض قال هو حيض تنقضى به العدة (فإن رأت بعده) أي بعد هذا السن (دما خالصا)

ص: 83

كالاسود والاجر القاني (نصابا فحيض) قال صدر الشريعة هو المختار وفي المحيط قال بعضهم لا يكون حيضا وجعله صدر الشريعة ظاهر الرواية وقال بعضهم أن حكم بالاياس فليس بحيض والا فحيض وفى الحجة وهو الصحيح (والا) يكن كذلك بان رأت صفرة أو كدرة أو تربية صدر الشريعة والكدرة ما هو كالماء الكدر والتربية نوع منها كلون التراب بتشديد الياء وتخفيفها بغير همز نسبة إلى الترب بمعنى التراب والصفرة كصفرة القز والتبن أو السن على الاختلاف (فاستحاضة) وفى البحر عن الفتح ثم إنما ينتقض الحكم بالاياس بالدم الخالص فيما يستقبل لا فيما مضى حتى لا تفسد إلا نكحة المباشرة قبل المعاودة انتهى فلو اعتدت بالاشهر فرأته قبل تمام الاشهر استأنفت لا بعدها كما اختاره الشهيد وصدر الشريعة ومنلا خسرو والباقاني وتعتد في المستقبل بالحيض كما صححه في الخلاصة وغيرها وفى الجوهرة والمجتبى انها الصحيح المختار وعليه الفتوى وفى تصحيح القدورى أن هذا التصحيح أولى من تصحيح الهداية فساد النكاح وبطلان العدة وفى النهر أنه اعدل الروايات كذا في باب العدة من الدر ملخصا ولما قيد المص هنا الدم بكونه خالصا وهو الأسود والاجر القاني كما ذكرنا صار مظنة أن يتوهم ان دم الحيض يشترط فيه ذلك في الآيسة وغيرها دفع ذلك بقوله (وفي غير الآيسة ما عدا البياض الخالص) قيل هو شيء يشبه الخيط الأبيض در (من الالوان) كالخضرة وغيرها من الخمسة السابقة (في حكم الدم) في مدة الحيض والنفاس وانكر أبو يوسف الكدرة في أول الحيض دون آخره ومنهم من انكر الخضرة والصحيح أنها حيض من غير الآيسة وفى المعراج عن فخر الأئمة لو افتى بشيء من هذه الأقوال في مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا بحر (والمعتبر في اللون) من جرة أو غيرها (حين يرتفع الحشو) إلى الكرسف (وهو طرى ولا يعتبر التغير) إلى لون آخر (بعد ذلك) كما لو رأت بياضا فاصفر بعد اليبس أو بالعكس اعتبر ما كان قبل الغير (واما الكرسف) بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنة القطن وفي اصطلاح الفقهاء ما يوضع على فم الفرج (فسنة) أي استحب وضعه كما في الفتح وشرح الوقاية (للبكر) أي من لم تزل عذرتها (عند الحيض فقط) أي دون حالة الطهر (والثيب) من زالت بكارتها (مطلقا) لانها لا تأمن عن خروج شيء منها فتحتاط في ذلك خصوصا في حالة الصلاة بخلاف البكر كما في المحيط ونقل في البحر ما ذكره المص عن شرح الوقاية ثم قال وفي غيره أنه سنة للثيب حالة الحيض مستحب حالة الطهر ولو صلتا بغير كرسف جاز انتهى (وسن تطيبه بمسك ونحوه) لقطع رائحة الدم (ويكره موضعه) أي وضع جميعه (في الفرج الداخل) لانه يشبه

ص: 84

النكاح بيدها محيط (ولو وضعت الكرسف في الليل وهي حائضة أو نفساء فنظرت في الصباح فرأت عليه البياض) الخالص (حكم بطهارتها من حين وضعت) للتيقن بطهارتها وقته محيط (فعليها قضاء العشاء) به الخروج وقته وهي طاهرة (ولو) وضعته ليلا وكانت (طاهرة فرأت عليه الدم) في الصباح (فحيض من حين رأت) على القياس في إسناد الحوادث إلى أقرب الاوقات وفى الفتح فتقضى العشاء أيضًا ان لم تكن صلتها قبل الوضع انزالا لها طاهرة في الصورة الأولى من حين وضعته وحائضا في الثانية حين رفعته اخذا بالاحتياط فيهما انتهى فتأمل (ثم ان الكرسف اما ان يوضع في الفرج الخارج أو الداخل) وقدمنا أول الفصل بيانهما (وفى الأول أن ابتل شيء منه) أي الكرسف ولو الجانب الداخل منه في الفرج الخارج (وثبت الحيض) في الحائض (ونقض الوضوء) في المستحاضة لأن الشرط فيهما خروج الدم إلى الفرج الخارج أو إلى ما يحاذي حرف الداخل كما مر وقد وجد بذلك (وفى الثاني) أي وضعه في الفرج الداخل (ان ابتل الجانب الداخل) من الكرسف (ولم تنفذ البلة) أي لم تخرج (إلى ما يحاذى حرف الفرج الداخل لا يثبت شيء) من الحيض ونقض الوضوء (إلا أن يخرج الكرسف) فحينئذ يثبت الحيض ونقض الوضوء لا من زمان الابتلال لما مر أن الشرط الخروج دون الاحساس فلو احست بنزول الدم إلى الفرج الداخل وعلمت بابتلال الكرسف به من الجانب الداخل فقط فلم تخرجه إلى اليوم الثاني لم يثبت له حكم إلا وقت الاخراج أو نفوذ البلة فلذا قال (وإن نفذ) أي البلة وذكر ضميرها لانها بمعنى الدم أي وان خرجت إلى ما يحاذى حرف الفرج الداخل (فيثبت) حكمه من الحيض أو نقض الوضوء ثم هذا ان بقي بعض الكرسف في الفرج الخارج (وإن كان الكرسف كله في الداخل فابتل كله) أي الكرسف (فإن كان مبتلا) كذا في أكثر النسخ ولعله بضم أوله وتقديم الباء الموحدة المفتوحة على التاء المثناة المفتوحة المشددة من التبتيل والبتل القطع ويقال أيضًا بتل الشيء أي ميزه كما في القاموس وفى نسخة متسفلا بالسين والفاء وهى احسن لانها المستعملة في عباراتهم هنا أي فإن كان مميزا (عن حرف) الفرج (الداخل) ومتفلا عنه بان لم يحاذه (فلا حكم له) لعدم تحقق الشرط وهو الخروج كما مر (والا) بان كان طرفه محاذيا لحرف الداخل أو اعلا منه متجاوزا عنه (فخروج) أي فذلك خروج الدم فيثبت به حكمه (وكذا احكم في الذكر) إذا حشى احليله فابتل الجانب الداخل دون الخارج لا ينتقض الوضوء بخلاف ما لو ابتل الخارج وكذلك إذا كانت القطنة متسفلة عن رأس الاحليل

ص: 85

(وكل هذا) أي قوله ثم أن الكرسف الخ (ومفهوم مما سبق) أول الفصل (وتفصيل له) للتوضيح (الفصل الثانى في) بيان احكام (المبتدأة والمعتادة) المتقدم تعريفهما في النوع الأول من المقدمة (اما الأولى فكل ما رأت) أي كل دم رأته (حيض) ان لم يكن اقل من نصاب (ونفاس) الواو بمعنى أو (الا ما جاوز أكثرهما) أي العشرة والاربعين (ولا تنس) ما مر في آخر المقدمة أعني (كون الطهر الناقص) عن خمسة عشر يوما (كالمتوالى) أي كالدم المتصل بما قبله وبما بعده فلا يفصل بين الدمين مطلقا ويجعل كله أو بعضه حيضا وإن لزم منه بدؤ الحيض أو ختمه بالطهر وهذا قول أبي يوسف كما اوضحناه في المقدمة (فإن رأت المبتدأة ساعة) أي حصة من الزمان (دما ثم أربعة عشر يوما طهرا ثم ساعة دما) فهذا طهر ناقص وقد وقع بين دمين فلا يفصل بينهما بل يكون كالدم المتوالى وحينئذ (فالعشرة من أوله) أي ما رأت (حيض) يحكم ببلوغها به فتح (فتغتسل) عند تمام العشرة وإن كان على طهر (وتقضى صومها) ان كانت في رمضان (فيجوز ختم حيضها) أي المبتدأة (بالطهر) كما في هذا المثال (لا بدؤها) لأن الطهر الذى يجعل كالدم المتوالى لابد أن يقع بين دمين فيلزم في المبتدأة جعل الأول منهما حيضا بالضرورة بخلاف المعتادة فإن الدم الأول قد يكون قبل ايام عادتها فيجعل الطهر الواقع في ايام عادتها هو الحيض وحده ولذا جاز بدؤ حيضها وختمه بالطهر كما سيصرح به المصـ (ولو ولدته) أي المبتدأة (فانقطع دمها) بعد ساعة مثلا (ثم رأت آخر الاربعين) أي في آخر يوم منها (دما فكله نفاس) لما مر في المقدمة ان الطهر المتخلل في الاربعين قليلا كان أو كثيرا كله نفاس لأن الاربعين في النفاس كالعشرة في الحيض وجميع ما تخلل في العشرة حيض فكذا في الاربعين (وإن انقطع في آخر ثلاثين ثم عاد قبل تمام خمس واربعين) من حين الولادة (فالاربعون نفاس) لجواز ختمه بالطهر كالحيض ويكون الدم الثانى استحاضة لما مر أنه لا يتوالى حيض ونفاس بل لا بد من طهر تام بينهما ولم يوجد (وإن عاد بعد تمام خمس واربعين فالنفاس ثلاثون فقط) لأن الطهر هنا تام بلغ خمسة عشر يوما فيفصل بين الدمين فلا يمكن جعله كالمتوالى بخلاف المسئلة التي قبله وحينئذ فإن بلغ الدم الثاني نصابا فهو حيض والا فاستحاضة ولا ينافي ذلك ما مر من أن الطهر لا يفصل بين الدمين في النفاس وإن كان خمسة عشر فأكثر لأن ذاك فيما إذا كان كل من الدمين في مدة النفاس وهنا الدم الثاني وقع بعد الاربعين وحينئذ فإن كان الطهر تاما فصل والا فلا كما اوضحناه آخر المقدمة (واما) الثانية وهي (المعتادة فإن رأت ما يوافقها) أي يوافق عادتها

ص: 86

زمانا وعددا (فظاهر) أي كله حيض ونفاس (وإن رأت ما يخالفها) في الزمان أو العدد او فيهما فحينئذ قد تنتقل العادة وقد لا تنتقل ويختلف حكم ما رأت (فتتوقف معرفته) أي معرفة حال ما رأت من الحيض والنفاس والاستحاضة (على انتقال العادة فإن لم تنتقل) كما إذا زاد على العشرة أو الاربعين (ردت إلى عادتها) فيجعل المرئى فيها حيضا أو نفاسا (والباقي) أي ما جاوز العادة (استحاضة)(والا) أي وإن انتقلت العادة (فالكل حيض أو نفاس وقد عرفت) قبيل الفصل الأول (قاعدة الانتقال اجمالا) بدون تفصيل ولا امثلة توضيحها (ولكن نفصل) تلك القاعدة الاجمالية ونمثل لها (تسهيلا للمبتدئين) قال المص هذا البحث اهم مباحث الحيض لكثرة وقوعه وصعوبة فهمه وتعسر اجرائه وغفلة أكثر النساء عنه فعليك بالجد والتشمير في ضبطه فلعل الله تعالى بلطفه يسهله وييسره لك أنه ميسر كل عسير آمين يا كريم انتهى (فنقول وبالله التوفيق المخالفة) أي للعادة (ان كانت في النفاس) فإن جاوز الدم الاربعين فالعادة باقية ردت إليها والباقي) أي مازاد على العادة (استحاضة) فتقضى ما تركته فيه من الصلاة (وإن لم يجاوز) أي الدم الاربعين (وانتقلت) إلى العادة (إلى ما رأته) وحينئذ (فالكل نفاس وإن كانت) إلى المخالفة (في الحيض) فلا يخلوا ما أن يجاوز الدم العشرة او لا فإن جاوز فاما أن يقع منه في زمان العادة نصاب أو لا فإن وقع فأما أن يساويها عددا او لا وإن لم يجاوز العشرة فاما ان يساويها عددا او لا (فإن جاوز الدم العشرة فإن لم يقع في زمانها) أي العادة (نصاب) ثلاثة ايام فاكثر بان لم تر شيئا او رأت اقل من ثلاثة (انتقلت) إلى العادة (زمانا والعدد بحاله يعتبر من أول ما رأت) كما إذا كانت عادتها خمسة في أول الشهر فطهرت خمستها او ثلاثة من أولها ثم رأت أحد عشر دما ففى الأول لم يقع في زمان العادة شيء وفى الثاني وقع يومان فحيضها خمسة من أول ما رأت لمجاوزة الدم العشرة فترد إلى عادتها من حيث العدد وتنتقل من حيث الزمان لانه طهر لم يقع قبله دم فلا يمكن جعله حيضا (وإن وقع) نصاب الدم في زمان العادة (فالواقع في زمانها فقط حيض والباقي استحاضة فإن كان الواقع) في زمان العادة (مساويا لعادتها عددا فالعادة باقية) في حق العدد والزمان معا كما لو طهرت خمستها ورأت قبلها خمسة دما وبعدها يوما دما فخمستها حيض لوقوعها بين دمين ولا انتقال أصلا (والا) أي ان لم يكن الواقع في زمان العادة مساويا لها (وانتقلت) أي العادة (عددا إلى ما رأته) حال كون ما رأته (ناقصا) قيد به لانه لا احتمال

ص: 87

لكون الواقع في العادة زائدا عليها وذلك كما لو طهرت يومين من أول خمستها ثم رأت أحد عشر دما فالثلاثة الباقية من خمستها حيض لانها نصاب في زمان العادة لكنه اقل عددا منها فقد انتقلت عددا لا زمانا (وإن لم يجاوز) الدم العشرة (فالكل حيض) ان طهرت بعده طهرا صحيحا خمسة عشر يوما والا ردت إلى عادتها لانه صار كالدم المتوالى كما في التتارخانية ومثاله ما في البحر عن السراج لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فرأت ستة فالسادس حيض أيضًا فلو طهرت بعده أربعة عشر ثم رأت الدم ردت إلى عادتها والسادس استحاضة (فإن لم يتساويا) أي العادة والمخالفة (عددا) كما مثلنا آخرا (صار الثاني عادة والا) أي وإن تساويا (فالعدد بحاله) سواء رأت نصابا في ايام عادتها او قبلها أو بعدها أو بعضه في ايامها وبعضه قبلها أو بعدها لكن ان وافق زمانا وعددا فلا انتقال أصلا والا فالانتقال ثابت على حسب المخالف ولو جاوز الدم العشرة ردت إلى عادتها في جميع هذه الصور كما علم من إطلاقه المار وقد مثل المص فيما يأتي لبعض ما قلناه وتفصيل ذلك يعلم من المحيط والسراج وغيرها (ولنمثل) لما مر من تفصيل قاعدة الانتقال في النفاس والحيض (بامثلة توضيحا للطالبين) لما ذكره من صعوبة هذا البحث (امثلة النفاس امرأة عادتها في النفاس عشرون ولدت) بعد ذلك (فرأت عشرة دما وعشرين طهرا واحد عشر دما) تمثيل لقوله فإن جاوز الاربعين لأن الطهر فيها كالدم المتوالى لوقوعه بين دمين كما مر فعشرون من أول ما رأت نفاس وان ختم بالطهر ردا إلى عادتها والباقى وهو أحد وعشرون استحاضة (او رأت يوما دما وثلاثين ظهرا ويوما دما واربعة عشر طهر او يوما دما) فنفاسها عشرون أيضًا ردا إلى عادتها للمجاوزة فإن الطهر الثاني ناقص لا يفصل بين الدمين فهو كالدم المتوالى كالطهر الأول (أو رأت خمسة دما واربعة وثلاثين طهر او يوما دما) تمثيل لقوله وإن لم يجاوز انتقلت إلى ما رأته فالكل نفاس (أو رأت ثمانية عشر دما واثنين وعشرين طهرا ويوما دما) ظاهر كلامه أنه تمثيل أيضًا لقوله وإن لم يجاوز وعليه فالدم الأول نفاسها والاخير استحاضة ولو بلغ نصابا كان حيضا فقد انتقلت عادتها بنقصان يومين لعدم المجاوزة لأن الطهر معتبر هنا لكونه تاما صحيحا لم يقع بين دمى نفاس لأن الدم الثاني وقع بعد الاربعين وإذا وقع بعدها لا يفسد الطهر التام بجعله كالدم المتوالى بخلاف الطهر الناقص لانه فاسد في نفسه وبخلاف ما إذا وقع الدم الثاني في الاربعين فإنه يفسد الطهر مطلقا كما لو ولدت فرأت ساعة دما ثم رأت في آخر الاربعين ساعة دما كما اوضحناه في النوع الأول من المقدمة هذا ما ظهر لي (او رأت يوما دما واربعة وثلاثين طهرا ويوما دما

ص: 88

وخمسة عشر طهرا ويوما دما) فنفاسها ستة وثلاثون آخر هادم بخلاف المثال الذي قبله فقد انتقلت عادتها بزيادة ستة عشر لعدم المجاوزة لأن الطهر الأخير معتبر كما علمته آنفا (وامثلة الحيض) على ترتيب الامثلة التي ذكرناها تعجيلا للفائدة وتوضيحا للقاعدة (امرأة عادتها في الحيض خمسة وطهرها خمسة وخمسون رأت على عادتها في الحيض خمسة دما وخمسة عشر طهرا واحد عشر دما) هذا تمثيل لقوله ان لم يقع في زمان العادة نصاب الخ فان الدم الأخير خمسة منه حيض ثان لوقوعه بعد طهر تام وقد جاوز العشرة ولم يقع منه نصاب في زمان العادة فإن زمنه بعد خمسة وخمسين فانتقلت العادة زمانا والعدد وهو خمسة بحاله يعتبر من أول ما رأت ومثله قوله (أو رأت خمسة دما وستة واربعين طهرا واحد عشر دما) لكن هناك لم يقع في زمان العادة شيء أصلا وهنا وقع دون نصاب فإن يومين من آخر الاحد عشر وقعا في زمان العادة ولا يمكن جعلهما حيضا فانتقلت العادة زمانا وبقي العدد بحاله أيضًا (أو رأت خمسة دما وثمانية واربعين طهرا واثنى عشر دما) هذا تمثيل لما إذا وقع في زمان العادة نصاب مساو لها فإن الدم الأخير جاوز العشرة وقد وقع سبعة منه في زمان الطهر هو خمسة منه في زمان عادتها في الحيض فترد إليها ولا انتقال أصلا ومثله قوله (أو رأت خمسة دما واربعة وخمسين طهرا ويوما دما واربعة عشر طهرا ويوما دما) لكن هنا بدئ الحيض وختم بالطهر فإن اليوم الدم المتوسط تمام مدة الطهر والاربعة عشر بعده في حكم الدم المتوالي لانها طهر ناقص وقع بين دمين فخمسة من اولها حيض والباقي استحاضة والعادة باقية عددا وزمانا كالمثال قبله (أو رأت خمسة دما وسبعة وخمسين طهرا وثلاثة دما واربعة عشر طهرا ويوما دما) تمثيل لما إذا وقع في زمان العادة نصاب غير مساو لعادتها عددا فإن الثلاثة الدم وقعت في زمان عادتها والأربعة عشر بعدها كالدم المتوالى فقد جاوز الدم العشرة فترد إلى العادة زمانا وتنتقل عددا إلى الثلاثة الواقعة فيها (أو رأت خمسة دما وخمسة وخمسين طهرا وتسعة دما) شروع في التمثيل لقوله وإن لم يجاوز الخ فالتسعة هنا حيض ان طهرت بعدها طهرا صحيحا كما قدمناه فقد انتقلت العادة هنا عددا فقط وقد رأت هنا نصابا في ايامها ونصابا بعدها فقط (أو رات خمسة دما وخمسين طهرا وعشرة دما) فالعشرة حيض لعدم المجاوزة لكن هنا انتقلت العادة أيضًا في الطهر عددا إلى الخمسين ورأت نصاب الحيض في ايامها موافقا لعادتها ونصابا قبلها كذلك عكس ما قبله (أو رأت خمسة دما واربعة وخمسين طهرا وثمانية دما) فالثمانية حيض لعدم المجاوزة أيضًا لكن وقع نصاب منها في ايامها ولم يقع

ص: 89

قبلها ولا بعدها نصاب بل وقع يوم ويومان لو جمعا بلغا نصابا فقد انتقلت العادة في الحيض والطهر عددا فقط (أو رأت خمسة دما وخمسين طهرا وسبعة دما) فالسبعة حيض وقع منها نصاب قبل العادة ووقع دونه فيها ولم يقع بعدها شيء وقد انتقلت في الحيض عددا وزمانا وفي الطهر عددا فقط (أو رأت خمسة دما وثمانية وخمسين طهرا وثلاثة دما) فالثلاثة حيض أيضًا وقع منها يومان في ايام العادة وواحد بعدها ولم يقع قبلها شيء فقد انتقلت في الحيض عدد أو زمانا وفي الطهر عددا فقط (أو رأت خمسة دما واربعة وستين طهرا وسبعة اواحد عشر دما) تمييز للسبعة والاحد عشر فهما مثالان في كل منهما رأت نصابا بعد العادة مخالفالها ولم ترفيها ولا قبلها شيئا ففى الأول السبعة كلها حيض لعدم المجاوزة وقد انتقل عددا وزمانا وفي الثاني خمسة فقط من أول الاحد عشر حيض والباقى استحاضة فقد انتقلت العادة زمانا فقط وردت إليها عددا للمجاوزة على العشرة واما العادة في الطهر فقد انتقلت عددا فقط ولم يظهر لي وجه ذكره المثال الأخير لانه من امثلة المجاوزة وحاصل هذه المسائل انها اما أن ترى دما قبل العادة أو بعدها وفي كل خمس صور الأولى قبلها أو بعدها نصاب وفيها نصاب الثانية والثالثة قبلها أو بعدها نصاب وفيها دونه او لا شيء والرابعة قبلها أو بعدها دون نصاب وفيها نصاب الخامسة قبلها أو بعدها دونه وفيها دونه لكن لو جمعا بلغا نصابا وقد ترى فيها وقبلها وبعدها والكل حيض على قول أبي يوسف المفتى به من انتقال العادة بمرة وفي بعض هذه المسائل خلاف وبسطها يعلم من المطولات وبما قررناه ظهر ان المص لم يستوف التمثيل لجميع الصور فتدبر (فيجوز بدؤ المعتادة وختمها بالطهر) تفريع على ما علم من القاعدة والتمثيل كالمثال الرابع من امثلة الحيض وقيد بالمعتادة لأن المبتدأة لا يجوز بدؤها بالطهر كما قدمناه أول الفصل وهذا كله على قول أبي يوسف أيضًا كما بيناه في النوع الثاني والله تعالى أعلم (الفصل الثالث في الانقطاع) لا يخلو اما أن يكون لتمام العشرة أو دونها لتمام العادة او دونها (ان انقطع الدم) ولو حكما بان زاد (على أكثر المدة) إلى العشرة (في الحيض) الاربعين (في النفاس يحكم بطهارتها) أي مجرد مضى أكثر المدة ولو بدون انقطاع أو اغتسال وإنما عبر بالانقطاع ليلايم بقية الأنواع (حتى يجوز) لمن تحل له (وطؤها بدون الغسل) لانه لا يزيد على هذه المدة (لكن لا يستحب) بل يستحب تأخيره لما بعد الغسل (و) حتى (لو بقي من وقت) صلاة (فرض مقدار) كما يمكن فيه الشروع بالصلاة وهو (أن تقول الله) هذا عند أبي حنيفة قال في التتارخانية والفتوى عليه وقال

ص: 90

أبو يوسف التحريمة الله أكبر (يجب قضاؤه) ولو بقى منه ما يمكنها الاغتسال فيه أيضًا يجب اداؤه (والا) أي وإن لم يبق منه هذا المقدار فلا قضاء ولا اداء وحتى يجب عليها الصوم (فإن انقطع) أي مضت مدة الأكثر (قبل الفجر) بساعة ولو قلت سراج (في رمضان يجزيها صومه ويجب) عليها (قضاء العشاء والا) بان انقطع مع الفجر أو بعده (فلا) وكذا لو كانت مطلقة حلت الازواج ولو رجعية انقطعت رجعتها سراج (فالمعتبر الجزء الأخير من الوقت) بقدر التحريمة فلو كانت فيه طاهرة وجبت الصلاة والا فلا (كما في البلوغ والإسلام) فإن الصبي لو بلغ والكافر لو اسلم في آخر الوقت وبقي منه قدر التحريمة وجب الفرض عند المحققين من أصحابنا وقيل قدر ما يمكن فيه الاداء وعلى هذا المجنون او افاق والمسافر لو أقام والمقيم لو سافر ولو حاضت او جن في آخر الوقت سقط الفرض وتمامه في التتارخانية في الفصل التاسع عشر من كتاب الصلاة (وإن انقطع) حقيقة (قبل أكثر المدة) ولم ينقص عن العادة في المعتادة كما يأتي (فهي) أي المرأة (ان كانت كتابية تطهر بمجرد انقطاع الدم) فللمزوج المسلم وطؤها في الحال لعدم خطابها بالاغتسال (وإن كانت مسلمة فحكمها في حق الصلاة انها يلزمها القضاء ان بقى من الوقت قدر التحريمة وقدر الغسل أو التيمم عند العجز عن الماء بخلاف ما لو انقطع لاكثر المدة فإنه يكفى قدر التحريمة كما مر لان زمان الغسل أو التيمم من الطهر لئلا يزيد الحيض على العشرة والنفاس على الاربعين فبمجرد الانقطاع تخرج من الحيض والنفاس فإذا ادركت بعده قدر التحريمة تحقق طهرها فيه وإن لم تغتسل فيلزمها القضاء اما هنا (فزمان الغسل أو التيمم حيض ونفاس) فلا يحكم بطهارتها قبل الغسل أو التيمم فلابد أن يبقى من الوقت زمن يسعه ويسع التحريمة (حتى إذا لم يبق بعده) أي بعد زمان الغسل أو التيمم (من الوقت مقدار التحريمة لا يجب القضاء و) حتى (لا يجزيها الصوم ان لم يسعهما) أي الغسل والتحريمة (الباقي من الليل قبل الفجر) وصحح في المجتبى الاكتفاء للصوم ببقاء قدر الغسل فقط ومشى عليه في الدر لكن نقل بعده في البحر عن التوشيح والسراج ما ذكره المص من لزوم قدر التحريمة أيضًا ونحوه في الزيلعي قال في البحر وهذا هو الحق فيما يظهر انتهى وبينا وجهه في رد المحتار

(1)

(1)

هو انه لو اجزأها الصوم بمجرد ادراك قدر الغسل لزم أن يحكم بطهارتها من الحيض لأن الصوم لا يجزئ من الحائض ولزم أن يحل وطؤها مع أنه خلاف ما اطبقوا عليه من أنه لا يحل ما لم تصر الصلاة دينا في ذمتها ولا تجب عليها الا بادراك الغسل والتحريمة انتهى منه.

ص: 91

(تنبيه) المراد بالغسل ما يشمل مقدماته كالاستقاء وخلع الثوب والتستر عن الاعين وفى شرح البزدوى ولم يذكروا أن المراد به الغسل المسنون أو الفرض والظاهر الفرض لأنَّه يثبت به رجحان جانب الطهارة كذا في شرح التحرير الاصولى لابن امير حاج (ولا يجوز وطؤها) أي وطئ من انقطع دمها قبل أكثر المدة وكذا لا تنقطع الرجعة ولا تحل للازواج (إلا أن تغتسل) وإن لم تصل به (أو تتيمم) عند العجز عن الماء (فتصلى) بالتيمم وهو الصحيح من المذهب كما في البحر لانها بالصلاة تحقق الحكم عليها بالطهارة فلم يعتبر احتمال عود الدم بخلاف ما لو لم تصل لأن التيمم بعرضة البطلان عند رؤية الماء وقيل لا تشترط الصلاة بالتيمم ونقل في السراج أنه الاصح (أو) أن (تصير صلاة دينا في ذمتها) وذلك بان يبقى من الوقت بعد الانقطاع مقدار الغسل والتحريمة فإنه يحكم بطهارتها بعضى ذلك الوقت ويجب عليها القضاء وإن لم تغتسل ولزوجها وطؤها بعده ولو قبل الغسل خلافا لزفر سراج (حتى لو انقطع قبيل طلوع الشمس) بزمان يسير لا يسع الغسل ومقدماته والتحريمة (لا يجوز وطئها حتى يدخل وقت العصر) لانه لما بقى من وقت الظهر ذلك الزمان اليسير ثم خرج وجب القضاء وما قبل الزوال ليس وقت صلاة فلا يعتبر خروجه (وكذا لو انقطع قبيل العشاء) بزمان يسير لا يجوز وطؤها (حتى يطلع الفجر ان لم تغتسل أو تيمم فتصلى) الشرطية قيد للصورتين (إلا أن يتم أكثر المدة) أي مدة الحيض أو النفاس (قبلهما) أي قبل الغسل والتيمم فإنه بعد تمام أكثر المدة يحل الوطئ بلا شرط كما مر (هذا) المذكور من الأحكام (في المبتدأة و) كذا في (المعتادة إذا انقطع) دمها (في) ايام (عادتها أو بعدها) قبل تمام أكثر المدة (واما إذا انقطع قبلها) أي قبل العادة وفوق الثلاث (فهى في حق الصلاة والصوم كذلك) حتى لو انقطع وقد بقي من وقت الصلاة أو ليلة الصوم قدر ما يسع الغسل والتحريمة وجبا والا فلا (واما الوطئ فلا يجوز حتى تمضى عادتها) وإن اغتسلت لأن العود في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب هداية (حتى لو كان حيضها) المعتاد لها (عشرة فحاضت ثلاثة وطهرت ستة لا يحل وطؤها) ما لم تمض العادة نعم لو كانت هذه الحيضة هي الثالثة من العدة انقطعت الرجعة

(2)

ولا تتزوج بآخر احتياطا وتمامه في البحر (وكذا النفاس) حتى لو كانت عادتها فيه اربعين فرأت عشرين

(2)

قوله ولا تتزوج بآخر أي لا يدخل بها والا فالعقد صحيح أن لم تر بعده الدم منه.

ص: 92

وطهرت تسعة عشر لا يحل وطؤها قبل تمام العادة (ثم ان المرأة) كلما رأت الدم تتراء الصلاة مبتدأة كانت أو معتادة كما سيأتى في الفصل السادس و (كلما انقطع دمها في الحيض قبل ثلاثة ايام) تصلى لكن (تنتظر إلى آخر الوقت) أي المستحب كما في بعض النسخ (وجوبا) في الفتاوى الحائض إذا انقطع دمها لاقل من عشرة تنتظر إلى آخر الوقت المستحب دون المكروه نص عليه محمد في الأصل قال إذا انقطع في وقت العشاء تؤخر إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلى قبل انتصاف الليل وما بعد نصف الليل مكروه انتهى سراج (فإن لم يعد) في الوقت (توضأ) مضارع محذوف إحدى التائين (فتصلى) إذا خافت فوت الوقت (وتصوم) ان انقطع ليلا (أو تشبه) بالصائم أي تمسك عن المفطرات بقية اليوم أن انقطع نهارا لحرمة الشهر (وإن عاد) في الوقت أو بعده في العشرة كما يأتي (بطل الحكم بطهارتها فتقعد) عن الصلاة والصوم (وبعد الثلاثة) معطوف على قوله قبل ثلاثة ايام (ان انقطع قبل العادة فكذلك) الحكم (لكن) هنا (تصلى بالغسل كلما انقطع) لا بالوضوء لانه تحقق كونها حائضا برؤية الدم ثلاثة فأكثر (أو بعد العادة) أي وإن انقطع بعد تمام العادة فالحكم أيضًا (كذلك لكن) هنا (التأخير) إلى تأخير الغسل كما في التتارخانية أي تأخيره لأجل الصلاة (مستحب لا واجب) لأن عود الدم بعد العادة لا يغلب بخلاف ما قبلها فلذا وجب التأخير وشمل قوله كذلك في الموضعين أنه لو عاد الدم بطل الحكم بطهارتها فكأنها لم تطهر قال في التتارخانية وهذا إذا عاد في العشرة ولم يتجاوزها وظهرت بعد ذلك خمسة عشر يوما فلو تجاوزها أو نقص الطهر عن ذلك فالعشرة حيض لو مبتدأة والا فايام عادتها ولو اعتادت في الحيض يوما دما ويوما طهرا هكذا إلى العشرة فإذا رأت الدم في اليوم الأول تترك الصلاة والصوم وإذا طهرت في الثاني توضأت وصلت وفى الثالث تترك الصلاة والصوم وفي الرابع تغتسل وتصلى هكذا إلى العشرة انتهى ونحوه في صدر الشريعة (والنفاس كالحيض) في الأحكام المذكورة (وغير أنه يجب الغسل فيه كلما انقطع على كل حال) سواء كان قبل ثلاثة أو بعدها لانه لا اقل له ففى كل انقطاع يحتمل خروجها من النفاس فيجب الغسل بخلاف ما قبل الثلاث في الحيض (الفصل الرابع) في احكام (الاستمرار) أي استمرار الدم وزيادته على أكثر المدة (هو ان وقع في المعتادة فظهرها وحيضها ما اعتادت) فترد إليها فيهما (في جميع الأحكام ان كان طهرها) المعتاد (اقل من ستة اشهر والا) بان كان ستة اشهر فأكثر لا يقدر بذلك

ص: 93

لأن الطهر بين الدمين اقل من أدنى مدة الحبل عادة (فيرد إلى ستة اشهر الا ساعة تحقيقا للتفاوت بين طهر الحيض وطهر الحبل (وحيضها بحاله) وهذا قول محمد ابن إبراهيم الميدانى قال في العناية وغيرها وعليه الأكثر وفي التتارخانية وعليه الاعتماد وعند أبي عصمة بن معاذ المروزي ترد على عادتها وإن طالت مثلا ان كانت عادتها في الطهر سنة وفى الحيض عشرة بأمرها بالصلاة والصوم سنة وبتركهما عشرة وتنقضى عدتها بثلاث سنين وشهر وعشرة ايام ان كان الطلاق في أول حيضها في حسابها وقال في الكافي وعند عامة العلماء ترد إلى عشرين كما لو بلغت مستحاضة وفى الخلاصة شهر كامل وفى المحيط السرخسي وعن محمد أنه مقدر بشهرين واختاره الحاكم وهو الاصح قال في الغاية قبل والفتوى على قول الحاكم واخترنا قول الميداني لقوة قوله رواية ودراية اهـ قلت لكن في البحر عن النهاية والعناية والفتح أن ما اختاره الحاكم الشهيد عليه الفتوى لانه ايسر على المفتى والنساء انتهى ومشى عليه في الدر لأن لفظ الفتوى آكد الفاظ التصحيح (وإن وقع) أي الاستمرار (في المبتدأة) فلا يخلو اما ان تبلغ بالحيض أو بالحبل اما الثانية فسيأتي حكمها واما الأولى فعلى أربعة وجوه اما أن يستمر بها الدم من أول ما بلغت أو بعد ما رأت دما وطهرا صحيحين أو فاسدين أو دما صحيحا وطهرا فاسدا ولا يتصور عكسه في المبتدأة اما الوجه الأول (فحيضها من أول الاستمرار عشرة وطهرها عشرون) كما في المتون وغيرها خلافا لما في امداد الفتاح من أن طهرها خمسة عشر فإنه مخالف لما في عامة الكتب فتنبه (ثم ذلك دأبها ونفاسها اربعون ثم عشرون طهرها اذ لا يتوالى نفاس وحيض) بل لابد من طهر تام بينهما كما مر بيانه في المقدمة (ثم عشرة حيضها ثم ذلك دأبها) والوجه الثاني قوله (وإن رأت مبتدأة دما وطهرا صحيحين ثم استمر الدم تكون معتادة وقد سبق حكمها) قريبا (مثاله مراهقة رأت خمسة دما واربعين طهرا ثم استمر الدم) فقد صارت معتادة فترد في زمن الاستمرار إلى عادتها وحينئذ (فخمسة من أول الاستمرار حيض لا تصلى) فيها (ولا تصوم ولا توطأ وكذا سائر احكام الحيض) الآتية في الفصل السادس (ثم اربعون طهرها تفعل) فيها (هذه الثلاثة وغيرها من احكام الطهارات) وهكذا دأبها إلى أن ينقطع وترى بعده خلاف عادتها والوجه الثالث قوله (وإن رأت دما وطهرا فاسدين فلا اعتبار بهما) في نصب العادة للمبتدأة وهذا الوجه على قسمين لأن الطهر قديكون فساده بنقصانه عن خمسة عشر يوما وقد يكون بمخالطته الدم (فإن كان الطهر) قد فسد بكونه (ناقصا تكون كالمستمر دمها ابتداء)

ص: 94

أي كمن استمر دمها من ابتداء بلوغها وقد عرفت حكمها في الوجه الأول وصرح به بقوله (عشرة من ابتداء الاستمرار ولو حكما) كالطهر الذي في حكم الدم (حيضها) خبر المبتدأ وهو قوله عشرة (وعشرون طهرها ثم ذلك دأبها) ما دام الاستمرار (مثاله مراهقة رأت أحد عشر دما واربعة عشر طهرا ثم استمر الدم) فالدم الأول فاسد لزيادته على العشرة وكذا الطهر لنقصانه عن خمسة عشر فلا يصلح واحد منهما لنصب العادة ويحكم على هذا الطهر بأنه دم (فالاستمرار حكما من أول ما رأت) أي من أول الاحد عشر (لما عرفت) قبيل الفصل الأول (ان الطهر الناقص كالدم المتوالى) لا يفصل بين الدمين وإذا كان كذلك صار الاستمرار الحكمي من أول الدم الأول وهو الاحد عشر فعشرة من اولها حيض وعشرون بعدها طهر فيكون خمسة من أول الاستمرار الحقيقى من طهرها فتصلى فيها أيضًا ثم تقعد عشرة ثم تصلى عشرين وذلك دأبها كما في التتارخانية وغيرها ثم بين القسم الثاني من قسمى الوجه الثالث بقوله (وإن كان الطهر تاما) وقد فسد بمخالطته الدم كما ستعرفه ويسمى صحيحا في الظاهر فاسدا في المعنى فلا يخلو اما أن يزيد مجموع ذلك الطهر والدم الفاسد الذي قبله على ثلاثين اولا (فإن لم يزد على ثلاثين فكالسابق) أي فحكمه حكم القسم الأول وتصوير ذلك (بان رأت أحد عشر دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر الدم) فالدم الأول فاسد لزيادته والطهر صحيح ظاهرا لانه تام فاسد معنى لما يأتى وحينئذ فلا اعتبار بهما في نصب العادة بل (عشرة من أول ما رأت حيض وعشرون طهر) فيكون أربعة ايام من أول الاستمرار بقية طهرها فتصلى فيها ثم تقعد عشرة ثم تصلى عشرين (ثم ذلك دأبها) وهذا قول محمد بن إبراهيم الميداني قال في المحيط السرخسي هو الصحيح وقال الدقاق حيضها عشرة وطهرها ستة عشر أقول وكأن الدقاق نظر إلى ظاهر الظهر لكونه تاما فجعله فاصلا بين الدمين ولم ينظر إلى فساده في المعنى وجعلها معتادة (وإن زاده) أي الدم والطهر على ثلاثين (بان رأت مثلا أحد عشر دما وعشرين طهرا ثم استمر فعشرة من أول ما رأت حيض ثم) الباقي (طهر) وهو الحادي عشر وما بعده (إلى أول الاستمرار ثم تستأنف من أول الاستمرار عشرة حيض وعشرون طهر ثم ذلك دأبها) ما دام الاستمرار وإنما لم يجعل الطهر في هاتين الصورتين عادة لها ترجع إليها في زمن الاستمرار (لأن الظهر) المذكور (وإن كان) من صحيحا ظاهرا لكونه (تاما) لكن (واوله دم) وهو اليوم الزائد على العشرة فإنها (تصلى به) فيكون

ص: 95

من جملة الطهر المتخلل بين الدمين (فيفسد) به لما مر في المقدمة أن الطهر الصحيح ما لا يكون اقل من خمسة عشر ولا يشوبه دم ويكون بين الدمين الصحيحين والطهر الفاسد ما خالفه وهذا طهر خالطه دم في أوله (فلا يصلح لنصب العادة) والحاصل ان فساد الدم يفسد الطهر المتخلل فيجعله كالدم المتوالى فتصير المرأة كأنها ابتدئت بالاستمرار ويكون حيضها عشرة وطهرها عشرين لكن ان لم يزد الدم والطهر على ثلاثين يعتبر ذلك من أول ما رأت وإن زادا يعتبر من أول الاستمرار الحقيقى ويكون جميع ما بين دم الحيض الأول ودم الاستمرار طهرا. ولعل وجه ذلك أن العادة الغالبة في النساء أن لا يزيد الحيض والطهر على شهر ولا ينقص ولذا جعل الحيض في الاستمرار عشرة والطهر عشرين بقية الشهر سواء رأت قبل الاستمرار دما وطهرا فاسدين أو لم تر شيئا لكن إذا كان فساد الطهر من حيث المعنى فقط وزاد مع الدم على ثلاثين يجعل ما زاد على العشرة من الدم مع جميع الطهر الذى بعده طهرا لها لا عشرون فقط ثم يبتدأ اعتبار العشرة والعشرين من أول الاستمرار ولا يجعل شيء من الطهر المذكور حيضا لأن الأصل في الطهر أن لا يجعل حيضا الا لضرورة ولا ضرورة هنا فيعتبر كله طهرا لترجحه بكونه طهرا صحيحا ظاهرا كما اعتبر كله طهرا فيما إذا نقصا عن ثلاثين والوجه الرابع قوله (وإن كان الدم صحيحا والطهر فاسدا يعتبر الدم) في نصب العادة فترد إليه في زمن الاستمرار (لا الطهر) بل يكون طهرها في زمن الاستمرار ما يتم به الشهر سواء كان فساد الطهر ظاهرا ومعنى بان رأت خمسة دما واربعة عشر طهرا ثم استمر الدم فحيضها خمسة وطهرها بقية الشهر خمسة وعشرون فتصلى من أول الاستمرار أحد عشر تكملة الطهر ثم تقعد خمسة وتصلى خمسة وعشرين وذلك دأبها كما في التاترخانية أو كان فساده معنى فقط (بان رأت مثلا ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا ويوما دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر الدم) فهنا الثلاثة الأول دم صحيح وما بعدها إلى الاستمرار طهر فاسد معنى لأن اليوم الدم المتوسط لا يمكن جمله بانفراده حيضا ولا يمكن أن يؤخذ له يومان من الطهر الذى بعده لتكون الثلاثة حيضا لأن الحيض وإن جاز ختمه بالطهر لكن لابد أن يكون بعد ذلك الظهر دم ولو حكما ولم يوجد لأن الطهر الثاني لا يمكن جعله كالدم المتوالى لكونه طهرا تاما فصار فاصلا بين الدم المتوسط ودم الاستمرار فيكون ذلك اليوم المتوسط من الطهر فيفسد به كل من الطهر الذي قبله والذي بعده وإن كان كل منهما تاما فيكون اليوم مع الطهرين طهرا صحيحا ظاهرا فاسدا معنى لأن وسطه دم تصلى فيه ولهذا اشترط في الطهر الصحيح ان لا يشوبه دم في أوله ولا في وسطه ولا في آخره كما تقدم في المقدمة وإذا فسد لم يصلح لنصب

ص: 96

العادة فحينئذ (الثلاثة الأولى حيض والباقى طهر إلى الاستمرار ثم تستأنف فثلاثة من الاستمرار حيض) على عادتها فيه (وسبعة وعشرون) بقية الشهر (وطهر) وهذا دأبها (ولو كان الطهر الثانى) في الصورة المذكورة (أربعة عشر فطهرها خمسة عشر) وهى بعد الثلاثة الحيض (وحيضها الثاني يبتدأ من الدم المتوسط) بين الطهرين وهو اليوم الدم (إلى ثلاثة) بان يضم إلى ذلك اليوم يومان من الطهر الذى بعده لأن ذلك الطهر لما كان ناقصا عن خمسة عشر لم يصلح فاصلا بين الدم المتوسط ودم الاستمرار فكان كالدم المتوالى فامكن اخذ يومين منه لتكملة عادتها في الحيض بخلاف ما مر كما افاده في التتارخانية (ثم طهرها خمسة عشر) اثنا عشر منها بقية الطهر الثاني وثلاثة منها من أول الاستمرار فتصلى من أوله ثلاثة ثم تقعد ثلاثة أيضًا ثم تصلى خمسة عشر (وذلك دأبها) ما دام الاستمرار ردا إلى عادتها في حيض ثلاثة وطهر خمسة عشر (اذ حينئذ) أي حين فرضنا الطهر الثانى أربعة عشر (يكون الدم والطهر الأول) الذي بعده (صحيحين فيصلحان لنصب العادة) اما الدم وهو لثلاثة الأولى فظاهر واما الطهر وهو الخمسة عشر فلكونه طهرا تاما لم يخالطه دم فاسد ووقع بين دمين صحيحين ثم شرع في المبتدأة بالحبل فقال (وإن رأت طهرا صحيحا ثم استمر الدم ولم تر قبل الطهر حيضا أصلا كمراهقة بلغت بالحبل فولدت ورأت اربعين دما ثم خمسة عشر طهرا ثم استمر الدم فحيضها عشرة من أول الاستمرار وطهرها خمسة عشر) ردا إلى عادتها فيه (وذلك دأبها) ما دام الاستمرار (وكذا الحكم) وهو جعل ما رأت من الطهر عادة لها (إذا زاد الطهر) على خمسة عشر (لأنَّه صحيح يصلح لنصب العادة) هذا الإطلاق على قول أبي عثمان قال الصدر الشهيد هذا القول اليق بمذهب أبي يوسف ظاهرا وبه يفتى وعند الميداني كذلك إلى أحد وعشرين ففيه يكون حيضها تسعة وطهرها احدا وعشرين ثم كلما زاد الطهر نقص من الحيض مثله إلى سبعة وعشرين ففيه حيضها ثلاثة وطهرها سبعة وعشرون فإن زاد على هذا فيوافق الميداني أبا عثمان فحيضها عشرة من أول الاستمرار وطهرها مثل ما رأت قبله أي عدد كان (بخلاف ما إذا) نقص طهرها عن خمسة عشر فانه يكون بعد الاربعين طهرها عشرين وحيضها عشرة وذلك دأبها بمنزلة ما إذا ولدت واستمر بها الدم ابتداء وبخلاف ما إذا (زاد دمها على اربعين في النفاس) بيوم مثلا (ثم رأت طهرا خمسة عشر

ص: 97

أو أكثر ثم استمر الدم حيث يفسد الطهر) لانه خالطه دم يوم تؤمر بالصلاة فيه (فلا يصلح) ذلك الطهر (لنصب العادة (وحينئذ (فإن كان بين النفاس والاستمرار عشرون أو أكثر) كأن زاد دمها على الاربعين بخمسة او ستة مثلا (فعشرة من أول الاستمرار حيض وعشرون طهر وذلك دأبها والا) بان كان بينهما اقل من عشرين كأن زاد على الاربعين بأربعة أو ثلاثة مثلا (أتم عشرون من أول الاستمرار للطهر ثم يستأنف عشرة حيض وعشرون طهر وذلك بأبها) وقد ذكر في التاترخانية والمحيط هذه المسئلة بدون هذا التفصيل حيث قالا ولو ولدت فرأت احدا واربعين دما ثم خمسة عشر طهرا ثم استمر الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم نفاسها اربعون وطهرها عشرون كما لو ولدت واستمر بها الدم فتصلى من أول الاستمرار أربعة تمام طهرها ثم تقعد عشرة ثم تصلى عشرين وذلك دأبها وعلى قول أبي على الدقاق طهرها ستة عشر وحيضها عشرة فتقعد من أول الاستمرار عشرة وتصلى ستة عشر وذلك دأبها انتهى ملخصا فتأمل (تنبيه) هو عنوان بحث لاحق يعلم من الكلام السابق اجمالا (الدماء الفاسدة المسماة بالاستحاضة سبعة الأول ما تراه الصغيرة أعني من لم يتم له) ذكر الضمير مراعاة للفظ من (تسع سنين والثاني ما تراه الآيسة غير الأسود والاجر والثالث ما تراه الحامل بغير ولادة والرابع ما جاوز أكثر الحيض والنفاس إلى الحيض الثانى) في المبتدأة فكل ما زاد على الأكثر واقعا بين حيضين أو نفاس وحيض فهو استحاضة فقوله إلى الحيض الثانى بيان لغاية المجاوزة لا لاشتراط الاستمرار (والخامس ما نقص من الثلاثة في مدة الحيض والسادس ماعدا) أي جاوز (العادة إلى حيض غيرها) يعنى ما تراه بين الحيضين مجاوزا ايام العادة في الحيض الأول يكون استحاضة (بشرط مجاوزة) الدم (العشرة) وبشرط (وقوع النصاب) ثلاثة ايام فأكثر (فيها) أي في ايام العادة وذلك كما لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فرأت خمستها أو ثلاثة منها دما واستمر إلى الحيضة الثانية في الشهر الثانى فما بعد العادة إلى الحيض الثاني استحاضة. وقيد بمجاوزة العشرة لانه لو زاد على العادة ولم يجاوز العشرة تنتقل العادة في العدد ويكون كله حيضا ان طهرت بعده طهرا صحيحا والا ردت إلى عادتها كما اوضحناه في الفصل الثاني. وقيد بوقوع النصاب فيها لانه لو لم يقع فهو قسم آخر ذكره بقوله (والسابع ما بعد مقدار عدد العادة كذلك) أي

ص: 98

إلى حيض غيرها (بشرط مجاوزة العشرة وعدم وقوع النصاب فيها) كما لو رأت قبل خمستها يوما دما وطهرت خمستها أو ثلاثة منها ثم رأت) كل الدم سبعة أو أكثر فهنا جاوز الدم العشرة ولم تر في ايامها نصابا فترد إلى عادتها في العدد والزمان كما علمته في الفصل الثاني فيكون مقدار عادتها وهو الخمسة حيضا وما سواه من اليوم السابق والايام الأخر إلى الحيض الثاني استحاضة وقيد بالمجاوزة لانه لو لم يجاوز تنتقل العادة ويكون اليوم السابق وما بعده حيضا بالشرط الذي ذكرناه وبعدم وقوع النصاب احترازا عن القسم السادس وبقي قسم آخر وهو ما زاد على العادة في النفاس وجاوز الاربعين والله تعالى أعلم (الفصل الخامس في المضلة) اعلم أنه يجب على كل امرأة حفظ عادتها في الحيض والنفاس والطهر عددا ومكانا) ككونه خمسة مثلا من أول الشهر أو آخره مثلا واطلق المكان على الزمان تجوزا (فان جنت او اغمى عليها أو) تساهلت في حفظ ذلك و (لم تهتم لدينها فسقا فنسيت عادتها فاستمر الدم فعليها) بعد ما افاقت أو ندمت (ان تتحرى) بغلبة الظن كما في اشتباه القبلة واعداد الركعات (فإن استقر ظنها على موضع حيضها وعدده عملت به والا فعليها الاخذ بالاحوط في الأحكام) فما غلب على ظنها أنه حيضها أو طهرها عملت به وإن ترددت تصلى وتصوم احتياطا على ما يأتي تفصيله (ولا يقدر طهرها وحيضها إلا في حق العدة في الطلاق يقدر حيضها بعشرة وطهرها بستة اشهر الا ساعة) هذا قول الميدانى وعليه الأكثر وفيه أقوال أخر ذكرنا بعضها سابقا وعليه (فتنقضى عدتها بتسعة عشر شهرا وعشرة ايام غير أربع ساعات) لاحتمال أن الطلاق كان بعد ساعة من حيضها فلا تحسب هذه الحيضة وذلك عشرة ايام الا ساعة ثم يحتاج إلى ثلاثة اطهار وثلاثة حيض واما الرجعة فستأتى (ولا تدخل المسجد ولا تطوف إلا للزيارة) لانه ركن الحج فلا يترك لاحتمال الحيض بخلاف القدوم لانه سنة (ثم تعيد) طواف الزيارة (بعد عشرة ايام) ليقع أحدهما في طهر بيقين (و) إلا (للصدر) بالتحريك فلا تتركه لوجوبه على غير المكي (ولا تعيد) لانها لو كانت طاهرة فقد خرجت عن العدة والا فلا يجب عليها بحر (ولا تمس المصحف ولا يجوز وطئها ابدا) لأن التحرى في الفروج لا يجوز نص عليه محمد محيط (ولا تصلى ولا تصوم تطوعا) قيد لهما (ولا تقرأ القرآن في غير الصلاة وتصلى الفرض والواجب والسنن المشهورة) أي المؤكدة كما عبر به في البحر لكونها تبعا للفرائض (وتقرأ في كل ركعة) المفروض والواجب أعني (الفاتحة وسورة قصيرة) على الصحيح وقيل تقتصر

ص: 99

على المفروض بحر (سوى) استثناء بالنسبة إلى السورة لا الفاتحة (ماعدا الاوليين من الفرض) ولو عملا كالوتر وماعدا الاوليين هو الاخيرة من الفرض الثلاثي والاخيرتان من الرباعى وحاصله انها تقرأ الفاتحة والسورة في كل ركعة من الفرائض والسنن إلا الاخيرة أو الاخيرتين من الفرض فلا تقرأ في شيء من ذلك السورة بل نقرأ الفاتحة فقط لوجوبها في رواية عن أبي حنيفة محيط وقيل لا تقرأ أصلا والصحيح الأول كما في التتارخانية (وتقرأ القنوت) على ما ذكره الصدر الشهيد وقال بعض المشايخ لا لانه سورتان عند عمر وأبى فتدعو بغيره احتياطا كما في التتارخانية والاول ظاهر المذهب وعليه الفتوى للاجماع القطعي على أنه ليس بقرآن بحر (وسائر الدعوات) والاذكار (وكلما ترددت بين الطهر ودخول الحيض صلت بالوضوء لوقت كل صلاة) مثاله امرأة تذكر أن حيضها في كل شهر مرة وانقطاعه في النصف الأخير ولا تذكر غير هذين فإنها في النصف الأول تتردد بين الدخول والطهر وفى النصف الأخير بين الطهر والخروج واما إذا لم تذكر شيئا أصلا فهي مترددة في كل زمان بين الطهر والدخول فحكمه حكم التردد بين الطهر والخروج بلا فرق (وإن) ترددت (بين الطهر والخروج) من الحيض كما مثلنا (فبالغسل) أي فتصلي بالغسل (كذلك) أي لكل وقت صلاة أقول وهذا استحسان والقياس أن تغتسل في كل ساعة لانه ما من ساعة إلا ويتوهم أنها وقت خروجها من الحيض وقال السرخسي في المحيط والنسفي والصحيح انها تغتسل لكل صلاة وفيما قالا حرج بين مع ان الاحتمال لا ينقطع بما قالا لجواز الانقطاع في اثناء الصلاة أو بعد الغسل قبل الشروع في الصلاة فاخترنا الاستحسان وقد قال به البعض وقدمه برهان الدين في المحيط وقد تداركنا ذلك الاحتمال باختيار قول أبي سهل انها تصلى (ثم تعيد في وقت الثانية بعد الغسل قبل الوقتية وهكذا تصنع في) وقت (كل صلاة) انتهى أي احتياطا لاحتمال انها كانت حائضا في وقت الأولى وتكون طاهرة في وقت الثانية فتتيقن بأداء إحداهما بالطهارة كما في التاترخانية قلت وفيه نظر لانها إذا كانت حائضا في وقت الأولى لا يلزمها القضاء فالظاهر أن المراد لاحتمال حيضها في وقت اداء الصلاة الأولى وطهرها قبل خروج وقتها لأن العبرة لآخر الوقت كما مر فإذا طهرت في الوقت بعد ما صلت يلزمها القضاء في وقت الثانية (وإن سمعت سجدة) أي آيتها (فسجدت للحال سقطت عنها) لانها ان كانت طاهرة صح اداؤها والا لم تلزمها بحر (والا) بان سجدت بعد ذلك (اعادتها بعد عشرة ايام) لاحتمال أن السماع

ص: 100

كان في الطهر والاداء فى الحيض فإذا اعادت بعد العشرة تيقنت بالاداء فى الطهر فى أحد المرتين تاترخانية (وإن كانت عليها) صلاة (فائتة فقضتها فعليها اعادتها بعد عشرة أيام) من يوم القضاء وقيده أبو على الدقاق بما (قبل أن تزيد) المدة (على خمسة عشر) وهو الصحيح لاحتمال أن يعود حيضها بعد خمسة عشر بحر (و) أما حكم الصوم فإنها (لا تفطر في رمضان أصلًا) لاحتمال طهارتها كل يوم (ثم) لها حالات لانها أما أن تعلم أن حيضها في كل شهر مرة أو لا وعلى كل أما أن تعلم أن ابتداء حيضها بالليل أو بالنهار أو لا تعلم وعلى كل أما أن يكون الشهر كاملًا أو ناقصًا و على كل أما أن تقضى موصولًا أو مفصولًا فهى أربعة وعشرون (إن لم تعلم أن دورها في كل شهر مرة وإن ابتداء حيضها بالليل أو النهار أو علمت أنه بالنهار وكان شهر رمضان ثلاثين يجب عليها قضاء اثنين وثلاثين) لانها إذا علمت أن ابتدائه بالنهار يكون تمامه في الحادى عشر وإذا لم تعلم أنه بالليل أو النهار يحمل على أنه بالنهار أيضًا لانه احوط الوجوه وهو اختيار الفقيه أبى جعفر وهو الأصح وحينئذ فأكثر ما فسد من صومها فى الشهر ستة عشر أما أحد عشر من أوله وخمسة من آخره أو بالعكس فعليها قضاء ضعفها كما في المحيط قلت وذلك لانها على احتمال أن تحيض في رمضان مرتين كما ذكر لا يقع لها فيه الأطهر واحد صح صومها منه في أربعة عشر ويكون الفاسد باقى الشهر وذلك ستة عشر وأما على احتمال أن تحيض مرة واحدة فإنه يقع لها فيه طهر كامل وبعض طهر وذلك بان تحيض في اثناء الشهر وحينئذ فيصح لها صوم أكثر من أربعة عشر فتعامل بالاضر احتياطًا فتقضى ستة عشر لكن لا تتيقن بصحتها كأنها الا بقضاء اثنين وثلاثين وهذا (ان قضت موصولًا برمضان) والمراد بالموصول أن تبتدى من ثانى شوال لأن صوم يوم العيد لا يجوز وبيان ذلك أنه إذا كان أول رمضان ابتداء حيضها فيوم الفطر هو السادس من حيضها الثاني فلا تصومه ثم لا يجزيها صوم خمسة بقية حيضها ثم يجزيها فى أربعة عشر ثم لا يجزيها في أحد عشر ثم يجزيها في يومين وجملة ذلك اثنان وثلاثون محيط (وإن مفصولًا ثمانية وثلاثين لاحتمال أن ابتداء القضاء وافق أول يوم من حيضها فلا يجزيها الصوم في أحد عشر ثم يجزى فى أربعة عشر ثم لا يجزى فى أحد عشر ثم يجزى فى يومين فالجملة ثمانية وثلاثون يجب عليها صومها لتتيقن بجواز ستة عشر منها تاترخانية ومحيط * اقول لكن فى هذا الاطلاق نظر لان وجوب الثمانية والثلاثين إنما يظهر إذا كان الفصل بمقدار مدة طهرها أي أربعة عشر أو أكثر ليمكن هذا الاحتمال المذكور لأنك علمت أنه لا يلزم فساد ستة عشر من صومها إلا على احتمال أن يقع في رمضان

ص: 101

حيضان وطهر واحد أما لو وقع فيه حيض واحد وطهران فالفاسد أقل من ستة عشر لأنه صح لها صوم طهر كامل وبعض الطهر الآخر وإذا كان الفصل بأقل من أربعة عشر يلزم أن يقع بعض الطهر فى آخر رمضان فيصح صومها فيه و في طهر كامل قبله بيانه لو فصلت مثلًا بثلاثة عشر وصامت يوم الرابع عشر من شوال وقد فرضنا احتمال ابتداء حيضها لاول يوم من أيام القضاء يلزم أن يكون آخر يوم من رمضان ابتداء طهرها الذى يصح صومها فيه وقبله أحد عشر حيض لا تصح وقبلها أربعة عشر طهر تصح وقبلها أربعة لا تصح فيكون الفاسد خمسة عشر لاستة عشر وهكذا كلما نقص لفصل بيوم ينقص المفاسد بقدره * والحاصل أنه لا يلزم قضاء ثمانية وثلاثين إلا إذا فرضنا فساد ستة عشر من رمضان كما ذكرنا مع فرض مصادفة أول القضاء لأول الحيض حتى لو لم يمكن اجتماع الفرضين لا يلزم قضاء ثمانية وثلاثين بل أقل ثم بعد كتابة هذا البحث رأيت في هامش بعض النسخ منقولا عن المص ما نصه هكذا اطلقوا وفى الحقيقة لا يلزم هذا المقدار إلا في بعض صور الفصل كما إذا ابتدأت القضاء بعد مضى عشرين من شوال مثلًا وإما إذا ابتدأت من ثلثه أو رابعه ونحوهما فيكفى أقل من هذا المقدار فكأنهم أرادوا طرد بعض الفصل بالتسوية تيسيرا على المفتى والمستفتى باسقاط مؤنة الحساب فمتى تعانت وقاست مؤنته فلها العمل بالحقيقة انتهى (وإن كان شهر رمضان تسعة وعشرين) والمسئلة بحالها (تقضى في الوصل اثنين وثلاثين) لانا تيقنا بجواز الصوم فى أربعة عشر وبفساده فى خمسة عشر فيلزمها قضاء خمسة عشر ثم لا يجزيها الصوم في سبعة من أول شوال لانها بقية حيضها على تقدير حيضها باحد عشر ثم يجزيها في أربعة عشر ولا يجزيها في أحد عشر ثم يجزيها في يوم كما في بعض الهوامش عن المحيط قلت مقتضى هذا التقرير انها تقضى ثلاثة وثلاثين وهكذا رأيته مصر حابه في المحيط للسرخسى لكن لا يخفى أن السبعة التي هي بقية حيضها تصوم منها ستة وتفطر اليوم الأول لأنه يوم الفطر كما مر فلذا اقتصر في المتن على اثنين وثلاثين وهو الذي رأيته بخط بعض العلماء عن مقصد الطالب معزيا إلى الصدر الشهيد (وفى الفصل سبعة وثلاثين) الجواز أن يوافق صومها ابتداء حيضها فلا يجزيها فى أحد عشر ثم يجزيها في أربعة عشر ثم لا يجزيها فى أحد عشر ثم يجزيها في يوم محيط سرخسى ويجرى هنا ما قدمناه في الفصل الأول من البحث الذى ذكرنا، آنفا في الفصل مع كون الشهر ثلاثين (وإن علمت أن ابتداء حيضها بالليل وشهر رمضان ثلاثون فتقضى في الوصل والفصل

ص: 102

خمسة وعشرين) لاحتمال أن يكون يوم العيد أوله طهرها وإما في الفصل فلاحتمال أن يوافق ابتداء القضاء بيان ذلك أما فى الوصل فلاحتمال أن حيضها خمسة من أول رمضان بقية الحيض ثم طهرها خمسة عشر ثم حيضها عشرة فالفاسد خمسة عشر فإذا قضتها موصولة فيوم العيد أول طهرها ولا تصومه ثم يجزيها الصوم فى أربعة عشر ثم لا يجزى في عشرة ثم يجزى في يوم والجملة خمسة وعشرون وإن فرض أن حيضها عشرة من أول رمضان وخمسة من آخره تصوم أربعة من أول شوال بعد يوم الفطر لا تجزيها لأنها بقية حيضها ثم خمسة عشر تجزيها والجملة تسعة عشر والاحتمال الأول احوط فيلزمها خمسة وعشرون وإما في الفصل فلاحتمال أن ابتداء القضاء وافق أول يوم من حيضها فلا يجزيها الصوم في عشرة ثم يجزى فى خمسة عشر محيط ملخصا (وإن كان تسعة وعشرين تقضى فى الوصل عشرين) لاحتمال أن يكون أول القضاء أول الحيض مع كون الفوائت عشرا قلت وتوضيحه إنها يحتمل أن تحيض خمسة من أول رمضان وتسعة من آخره أو عشرة من أوله وأربعة من آخره فالفاسد فيهما أربعة عشر ويحتمل أن تحيض في أثنائه كان حاضت ليلة السادس وطهرت ليلة السادس عشر والفاسد فيه عشرة فعلى الأول يكون أول القضاء وهو ثانى شوال أول طهرها فتصوم أربعة عشر وتجزيها وعلى الثاني يكون ثانى شوال سادس يوم من حيضها فتصوم خمسة لا تجزيها ثم أربعة عشر تجزيها والجملة تسعة عشر وعلى الثالث يكون أول القضاء أول الحيض فتصوم عشرة لا تجزى ثم عشرة من الطهر تجزيها عن العشرة التي عليها والجملة عشرون فعلى الأول يجزيها قضاء أربعة عشر وعلى الثاني تسعة عشر وعلى الثالث عشرين فالزمها احتياطًا (وفي الفصل أربعة وعشرين) لاحتمال أن الفاسد أربعة عشر على أحد الوجهين الاولين وإن القضاء وافق أول يوم من حيضها فتصوم عشرة لا تجزى ثم أربعة عشر تجزى والجملة أربعة وعشرون قال المص ويجرى ههنا القضاء على ماذكرنا في الفصلين الاولين انتهى أي من البحث الذي قدمناه (وأن علمت أن حيضها في كل شهر مرة) معطوف على قوله أن لم تعلم أن دورها الخ (وعلمت أن ابتدائه بالنهار أو لم تعلم أنه بالنهار) لحمله على أنه ابتدأ بالنهار احتياطًا كما مر (تقضى اثنين وعشرين مطلقًا) أي وصلت أو فصلت مص لانه إذا كان بالنهار يفسد من صومها أحد عشر كما مر فإذا قضت مطلقًا احتمل أن يوافق أول القضاء أول الحيض فتصوم أحد عشر لا تجزى ثم أحد عشر تجزى والجملة اثنان وعشرون تخرج بها عن العهدة

ص: 103

بيقين (وإن علمت أن ابتدائه بالليل تقضى عشرين مطلقًا) لأن الفاسد من صومها عشرة فتقضى ضعفها لاحتمال موافقة القضاء أول الحيض وصلت أو فصلت كما ذكرنا هذا كله أن لم تعلم عدد أيامها فى الحيض أو الطهر (و) أما (أن علمت أن حيضها في كل شهر تسعة) أي وطهرها بقية الشهر كما فى التاترخانية (وعلمت أن ابتدائه بالليل) فإنها (تقضى ثمانية عشر مطلقًا) وصلت أو فصلت (وإن لم تعلم ابتدائه أو علمت أنه بالنهار تقضى عشرين مطلقًا) لأن أكثر مافسد من صومها في الوجه الأول تسعة وفى الثانى عشرة فتقضى ضعف ذلك لاحتمال اعتراض الحيض فى أول يوم من القضاء تاترخانية (وإن علمت أن حيضها ثلاثة ونسيت طهرها يحمل) طهرها (على الأقل خمسة عشر ثم إن كان رمضان تامًا وعلمت أن ابتداء حيضها بالليل تقضى تسعة مطلقًا) وصلت أو فصلت لأنه يحتمل إنها حاضت في أول رمضان ثلاثة ثم طهرت خمسة عشر ثم حاضت ثلاثة ثم طهرت خمسة عشر فقد فسد من صومها ستة فإذا وصلت القضاء جاز لها بعد الفطر خمسة ثم تحيض ثلاثة فتفسد ثم تصوم يومًا فتصير تسعة وإذا فصلت احتمل اعتراض الحيض فى أول يوم القضاء فيفسد صومها في ثلاثة ثم يجوز فى ستة فتصير تسعة تاترخانية وإما إذا كان رمضان ناقصًا فإذا وصلت جاز لها بعد الفطر (ممم كلمات ممسوحة) وإما إذا فصلت فتقضى تسعة كما فى التمام (وإن لم تعلم ابتدائه) أنه بالليل أو النهار (أو علمت أنه بالنهار تقضى اثنى عشر مطلقًا) لأنه يحتمل إنها حاضت فى أول رمضان فيفسد صومها في أربعة ثم يجوز في أربعة عشر ثم يفسد فى أربعة فقد فسد ثمانية فإذا قضت موصولًا جاز بعد يوم الفطر خمسة تكملة طهرها الثاني ثم يفسد أربعة ثم يجوز ثلاثة تمام الاثنى عشر وإذا فصلت احتمل عروض الحيض فى أول القضاء فيفسد في أربعة ثم يجوز في ثمانية والجملة اثنا عشر كما في التاترخانية وإما إذا كان رمضان ناقصًا فإذا وصلت جاز بعد يوم الفطر ستة ثم يفسد أربعة ثم يجوز يومان وباقى الكلام بحاله وهذا ما اشار إليه بقوله (وخرج) أنت الاحكام بعد التأمل (على) مقياس (ما ذكرنا أن كان) رمضان (ناقصًا) كما ذكرناه لك (وإن وجب عليها صوم شهرين) متتابعين (في كفارة القتل أو الافطار) إذا كانت افطرت عمدًا في رمضان (قبل الابتلاء) بالاستمرار ونسيان العادة (إذ الافطار في هذا الابتلاء لا يوجب كفارة لتمكن الشبهة) في كل يوم لتردده بين الحيض والطهر تاترخانية (فإن علمت أن ابتداء حيضها بالليل و) ان (دورها) أي عادتها (في كل شهر) مرة (وتصوم تسعين يومًا) لأنه إذا كان دورها

ص: 104

في كل شهر يجوز صومها فى عشرين من كل ثلاثين فإذا صامت تسعين تيقنت بجواز ستين (وإن لم تعلم الأول) أي أن ابتداء حيضها بالليل بان علمت أنه بالنهار أو لم تعلم شيئا (تصوم مائة وأربعة) لجواز أن يوافق ابتداء صومها ابتداء حيضها فلا يجوز في أحد عشر ثم يجوز في تسعة عشر ثم لا يجوز في أحد عشر ثم يجوز فى تسعة عشر ثم لا يجوز فى أحد عشر ثم يجوز في تسعة عشر فهذه تسعون جاز منها سبعة وخمسون ثم لا يجوز فى أحد عشر ثم يجوز في ثلاثة فبلغ العدد مائة وأربعة جاز منها ستون بيقين تاترخانية (وإن لم تعلم الثانى) أي أن دورها في كل شهر لكن تعلم أن ابتدائه بالليل (تصوم مائة) لانا نجعل حينئذ حيضها عشرة وطهرها خمسة عشر وكلما صامت خمسة وعشرين جاز منها خمسة عشر فإذا صامت مائة جاز منها ستون بيقين تاترخانية (وإن لم تعلمهما) أي لم تعلم أن ابتدائه بالليل ولا أن دورها في كل شهر (وتصوم مائة وخمسة عشر) لجواز أن يوافق ابتداء الصوم ابتداء الحيض فلا يجزيها في أحد عشر ثم يجزيها فى أربعة عشر وهكذا أربع مرات ثم لا يجزيها في أحد عشر ثم يجزيها في أربعة فبلغ العدد مائة وخمسة عشر جاز منها ستون كما فى التاترخانية (وإن وجب عليها صوم ثلاثة أيام) متابعة (في كفارة يمين وعلمت أن ابتداء حيضها بالليل تصوم خمسة عشر) لاحتمال أن يوافق ابتداء صومها لاربع عشر من طهرها فلا يجز بها صوم يومين لعدم التتابع ثم لا تجزيها عشرة ثم تجزيها ثلاثة أي لأن هذه الثلاثة طهر يقينا وقد صامتها متتابعة فصحت عن كفارة اليمين وإنما لم يؤخذ لها يوم مما بعد العشرة مع اليومين قبلها لأن الحيض هنا يقطع التابع لأنها يمكنها صوم ثلاثة خالية عن الحيض بخلاف الشهرين في كفارة القتل (أو تصوم ثلاثة أيام ثم تفطر عشرة ثم تصوم ثلاثة) لتيقها بإن احدى الثلاثتين وافقت زمان طهرها فجازت عن الكفارة محيط (وإن لم تعلم) أن ابتداء حيضها بالليل (وتصوم ستة عشر) لجواز أن الباقى من طهرها حين شرعت في الصوم يومان فلا يجزيان لانقطاع التتابع ثم لا يجزيها في أحد عشر ثم يجزى في ثلاثة والجملة ستة عشر تاترخانية (أو تصوم ثلاثة وتفطر تسعة وتصوم أربعة) لاحتمال أن اليوم الثالث من الثلاثة الأولى وافق ابتداء حيضها فيفسد اليوم الحادى عشر وهو أول الاربعة الاخيرة فإذا صامت بعده ثلاثة وقعت متتابعة في طهر يقينا (أو على قلبه) بان تقدم الاربعة وتؤخر الثلاثة (وإن وجب عليها قضاء عشرة من رمضان تصوم ضعفها) إذا علمت أن ابتداء حيضها

ص: 105

بالليل والا فاحدا وعشرين أي لاحتمال أن يوافق أول القضاء أول الحيض فيفسد صوم أحد عشر ثم يحزيها صوم عشرة ثم (أما) أن تصوم (متتابعا) كما ذكرنا عشرة بعد عشرة (أو تصوم عشرة في عشرة من شهر مثلًا) كالعشر الأول من رجب (ثم تصوم مثله فى عشر آخر من شهر آخر) كالعشر الثانى من شعبان للتيقن بأن احدى العشرتين طهر لكن هذا إذا كان دورها في كل شهر كما في التاترخانية والا فيجزبها أن تصوم عشرة ثم تفطر خمسة عشر ثم تصوم عشرة تأمل (وهذا الاخير) أى صوم الضعف في عشر آخر من شهر آخر (يجرى فيما دون العشرة أيضًا) أي إذا كان عليها قضاء تسعة من رمضان مثلًا تصومها في عشر من شهر ثم تصومها في عشر آخر من شهر آخر وكذا الثمانية والاقل وإنما خص ذلك بالاخير لأن قضاء الضعف متتابعا لا يكفى فإنها لو صامت ثمانية عشر ضعف التسعة احتمال أن يوافق أول الحيض أول القضاء فتصوم عشرة لا تجزيها ثم ثمانية تجزيها ويبقى عليها يوم آخر وكذا لو كان عليها ثلاثة مثلًا فصامت ضعفها ستة لا يجزيها شئ منها لاحتمال وقوعها كلها فى الحيض وكذا الاربعة والخمسة نعم لو علمت أن حيضها ثلاثة أو أربعة مثلًا من كل شهر وباقيه طهر ولا تعلم محلها فقضتها موصولة تصوم ضعف أيامها وتجزيها أو تصومها فى عشر من شهر ثم تصوم مثلها في عشر آخر من شهر آخر (وإن طلقت رجعيا) ولا تعرف مقدار حيضها في كل شهر (يحكم بانقطاع الرجعة بمضى تسعة وثلاثين) لاحتمال أن حيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر ووقوع الطلاق فى آخر اجزاء الطهر فتقضى العدة بثلاث حيض بينها طهران كما فى التاترخانية (وهذا) المذكور من أول الفصل إلى هنا (حكم الاضلال العام) أي اضلال العدد والمكان بحيث تكون في كل يوم مترددة بين الحيض والطهر (وما يقربه) أي ما يقرب من العام كأن علمت عدد أيامها لكن ضلت مكانها في جميع الشهر كما مر تمثيله وحكمه (وأما الخاص) وهو الاضلال في المكان فقط كأن علمت عدد أيامها واضلت مكانها في بعض الشهر كالعشر الأول منه مثلًا والاضلال في العدد فقط مع العلم بالمكان (فموقوف على مقدمة وهى أن اضلت امرأة أيامها فى ضعفها أو أكثر فلا تيقن) هي (في يوم منها بحيض) كما إذا كانت أيامها ثلاثة فأضلتها في ستة أو أكثر (وبخلاف ما إذا اضلت فى أقل من الضعف مثلًا إذا اضلت ثلاثة فى خمسة فإنها تيقن بالحيض في اليوم الثالث) من الخمسة فإنه أول الحيض أو آخره أو وسطه بيقين فتترك الصلاة فيه (فنقول) فى التفريع على ذلك وهو أيضًا من اضلال المكان مع العلم بالعدد

ص: 106

(أن علمت أن أيامها ثلاثة فأضلتها فالعشرة الاخيرة من الشهر) بأن لم يغلب على ظنها موضعها من العشرة (تصلى من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة) أو لكل صلاة على الاختلاف بين المشايخ تاترخانية (ثلاثة أيام) للتردد فيها بين الحيض والطهر محيط (ثم تصلى بعدها إلى آخر الشهر بالاغتسال لوقت كل صلاة) للتردد فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض محيط (إلا إذا تذكرت وقت خروجها من الحيض) بأن تذكرت إنها كانت تظهر في وقت العصر مثلًا ولا تدرى من أي يوم (فتغتسل في كل يوم فى ذلك الوقت مرة) فتصلى الصبح والظهر بالوضوء للتردد بين الحيض والطهر ثم تصلى العصر بالغسل للتردد بين الحيض والخروج منه ثم تصلى المغرب والعشاء والوتر بالوضوء للتردد بين الحيض والطهر ثم تفعل هكذا في كل يوم مما بعد الثلاثة (وإن) اضلت (أربعة في عشرة تصلى أربعة من أول العشرة بالوضوء ثم بالاغتسال إلى آخر العشرة) لما ذكرنا (وقس عليه الخمسة) إذا اضلتها في ضعفها فتصلى خمسة من أول العشرة بالوضوء والباقى بالغسل (وإن) اضلت عددًا في أقل من ضعفه كما لو اضلت (ستة في عشرة تتيقن بالحيض في الخامس والسادس) فتدع الصلاة فيهما لانهما آخر الحيض أو أوله أو وسطه (وتفعل فى الباقى مثل ما سبق) فتصلى أربعة من أول العشرة بالوضوء ثم أربعة من آخرها بالغسل لتوهم خروجها من الحيض في كل ساعة منها محيط (وإن) اضلت (سبعة فيها) أي فى العشرة (تتيقن في أربعة بعد الثلاثة الأول بالحيض) فتصلى ثلاثة من أول العشرة بالوضوء ثم تترك أربعة ثم تصلى ثلاثة بالغسل (وفى) اضلال (الثمانية) فى العشرة (تتيقن بالحيض في ستة بعد) اليومين (الاولين) فتدع الصلاة فيها وتصلى يومين قبلها بالوضوء ويومين بعدها بالغسل (وفى) اضلال (التسعة) في عشرة تتيقن (ثمانية بعد الأول) إنها حيض فتصلى أول العشرة بالوضوء وتترك ثمانية وتصلى آخر العشرة بالغسل * ولم يذكر اضلال العشرة فى مثلها لأنه لا يتصور ثم أشار إلى الاضلال بالعدد مع العلم بالمكان بقوله (وإن علمت إنها تطهر في آخر الشهر) بأن كانت لا تدرى عدد أيامها لكن علمت أنها تطهر من الحيض عند انسلاخ آخر الشهر (فاتت) في بعض النسخ فالى أو فتصلى إلى (عشرين في طهر بيقين) ويأتيها زوجها لأن الحيض لا يزيد على عشرة (ثم فى سبعة بعد العشرين تصلي بالوضوء أيضًا لوقت كل صلاة (للشك فى الدخول) فى الحيض لأنها في كل يوم من هذه السبعة مترددة بين الطهر والدخول فى الحيض لاحتمال أن حيضها الثلاثة الباقية

ص: 107

فقط أو مع شيء مما قبلها أو جميع العشرة (وتترك الصلاة في الثلاثة الاخيرة للتيقن بالحيض ثم تغتسل في آخر الشهر) غسلًا واحدًا لان وقت الخروج من الحيض معلوم لها وهو عند انسلاخ الشهر تاترخانية (وإن علمت إنها ترى الدم إذا جاوز العشرين) أي علمت أن أول حيضها اليوم الحادى والعشرون (ولا تدرى كم كانت) عدة أيامها (وتدع الصلاة ثلاثة بعد العشرين) لأن الحيض لا يكون أقل من ثلاثة (ثم تصلى بالغسل إلى آخر الشهر) لتوهم الخروج من الحيض وتعيد صوم هذه العشرة في عشرة اخرى من شهر آخر محيط (وعلى هذا يخرج سائر المسائل) ومن رام الزيادة على ذلك فليرجع إلى المحيط والتاترخانية (وإن اضلت عادتها في النفاس فإن لم يجاوز الدم اربعين فظاهر) أي كله نفاس كيف كانت عادته وتترك الصلاة والصوم لما عرفت فى الفصل الثانى فلا تقضى شيئا من الصلاة بعد الاربعين (فإن جاوز) الاربعين (تحرى) بفتح أوله اصله تتحرى (فإن لم يغلب ظنها على شيء) من الاربعين أنه كان عادة لها (قضت صلاة الاربعين) لجواز أن نفاسها كان ساعة تاترخانية ولأنها لم تعلم كم عادتها حتى ترد إليها عند المجاوزة على الاكثر (فإن قضتها في حال استمرار الدم تعيد بعد عشرة أيام) لاحتمال حصول القضاء أول مرة فى حالة الحيض والاحتياط فى العبادات واجب تاترخانية * تنبيه* لم ار من ذكر حكم صومها إذا اضلت عادتها فى النفاس والحيض معا وتخريجه على ما مر إنها إذا ولدت أول ليلة من رمضان وكان كاملًا وعلمت أن حيضها يكون بالليل أيضًا تصوم رمضان لاحتمال أن نفاسها ساعة ثم إذا قضت موصولًا تقضى تسعة واربعين لأنها تفطر يوم العيد ثم تصوم تسعة يحتمل إنها تمام نفاسها فلا تجزيها ثم خمسة عشر هي طهر فتجزى ثم عشرة تحتمل الحيض فلا تجزى ثم خمسة عشر هى طهر فتجزى والجملة تسعة وأربعون صح منها ثلاثون ولو ولدت نهارًا وعلمت أن حيضها بالنهار أو لم تعلم تقضى اثنين وستين لأنها تفطر يوم العيد ثم تصوم عشرة لا تجزى لاحتمال إنها آخر نفاسها ثم تصوم خمسة وعشرين يجزيها منها أربعة عشر ولا تجزى أحد عشر ثم تصوم خمسة وعشرين كذلك فقد صح لها فى الطهرين ثمانية وعشرون ثم تصوم يومين تمام الثلاثين والجملة اثنان وستون وعلى هذا يستخرج حكم ما إذا قضته مفصولًا وما إذا كان الشهر ناقصًا وما إذا علمت عدد أيام حيضها فقط وغير ذلك عند التأمل وضبط ما مر من القواعد والفروع والله تعالى الموفق وإن اسقطت سقطا ولم تدرانه مستبين الخلق أو لا بأن اسقطت في المخرج مثلًا وكان حيضها

ص: 108

عشرة وطهرها عشرين ونفاسها اربعين وقد اسقطت) فى أول يوم (من أول أيام حيضها تترك الصلاة عشرة) لأنها فيها أما حائض أو نفساء لأن السقط أن كان مستبين الخلق فهى نفساء وإلا فهى حائض فلم تكن الصلاة واجبة عليها بكل حال محيط (ثم تغتسل) لاحتمال الخروج من الحيض (وتصلى) بالوضوء لكل وقت (عشرين) يومًا (بالشك) لتردد حالها فيها بين الطهر والنفاس (ثم تترك الصلاة عشرة) بيقين لأنها فيها أما حائض أو نفساء (ثم تغتسل) لتمام مدة الحيض والنفاس (وتصلى عشرين بيقين ثم بعد ذلك دأبها حيضها عشرة وطهرها عشرون أن استمر الدم ولو اسقطت بعد ما رأت الدم في موضع حيضها عشرة) يعنى رأت الدم عشرة على عادتها ثم اسقطت (ولم تدران السقط مستبين الخلق أو لا تصلى من أول ما رأت) قبل الاسقاط (عشرة بالوضوء بالشك) لأن تلك العشرة أما حيض أن كان السقط غير مستبين وإما استحاضة أن كان مسبينا فلا تترك الصلاة فيها قلت وهذا أن علمت بعلوقها ظاهر والا تترك الصلاة لرؤيتها الدم فى ايامها ثم إذا اسقطت ولم يتبين حاله يلزمها القضاء للشك المذكور (ثم تغتسل) لاحتمال الخروج من حيض (ثم تصلى بعد السقط عشرين يومًا بالوضوء بالشك) لتردد حالها بين النفاس والطهر تاترخانية (ثم تترك الصلاة عشرة بيقين) لأنها أما نفساء أو حائض تاترخانية (ثم تغتسل) لاحتمال الخروج من حيض (وتصلى عشرة بالوضوء بالشك) لترددها بين الطهر والنفاس تاترخانية (ثم تغتسل) لاحتمال خروجها من نفاس بتمام الاربعين (ثم تصلى عشرة بالوضوء بيقين) لتيقن الطهر تاترخانية (ثم تصلى عشرة بالشك) لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل وهكذا دأبها أن تغتسل في كل وقت تتوهم أنه وقت خروجها من الحيض أو النفاس تاترخانية ثم اعلم أنه نقل بعضهم عن الخلاصة في تقرير هذه الصورة أن عليها الصلاة من أول مارأت عشرة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل ثم تصلى بعد السقط عشرين يومًا بالوضوء بالشك ثم تترك الصلاة عشرة بيقين ثم تغتسل وتصلى عشرة بالوضوء باليقين انتهى وأنت ترى أن في آخر العبارة مخالفة لما في المتن ونقصانا وعن هذا والله اعلم قال فى الفتح وفي كثير من نسخ الخلاصة غلط فى التصوير هنا من النساخ فاحترز منه انتهى لكن الذي رأيته فى نسخة الخلاصة التى عندى موافق لما ذكره المص في متنه بلا حذف شيء سوى قول المص آخرا ثم تصلى عشرة بالشك والله تعالى اعلم

ص: 109

(*الفصل السادس فى احكام الدماء*) الثلاثة (المذكورة أما احكام الحيض فاثنا عشر) على ما في النهاية وغيرها واوصلها في البحر إلى اثنين وعشرين (ثمانية يشترك فيها النفاس) وأربعة مختصة بالحيض وجعلها في البحر خمسة (الأول) من المشتركة (حرمة الصلاة) فرضا أو واجبًا أو سنة أو نفلًا (والسجدة) واجبة كانت كسجدة التلاوة أو لا كسجدة لشكر وهذا معنى قوله (مطلقًا وعدم وجوب الواجب) يعم المكتوبات والوتر (منها أداء وقضاء) أي من الصلاة وكذا سجدة التلاوة فلا تجب على الحائض والنفساء بالتلاوة أو السماع (ولكن يستحب لها إذا دخل وقت الصلاة أن تتوضأ وتجلس عند مسجد بيتها) هو محل عينته للصلاة فيه وفيه إشارة إلى أنه لا يعطى له حكم المسجد وإن صح اعتكاف المرأة فيه (مقدار ما يمكن أداء الصلاة فيه تسبيح وتحمد) لئلا تزول عنها عادة العبادة وفي رواية يكتب لها احسن صلاة تصلى (والمعتبر) فى حرمة الصلاة وعدم وجوبها (في كل وقت آخره مقدار التحريمة اعنى قولنا الله) بدون أكبر عند الامام (فان حاضت فيه سقط عنها الصلاة) أداء وقضاء (وكذا إذا انقطع فيه يجب قضاؤها) هذا إذا انقطع لاكثر مدة الحيض وإلا فلا يجب القضاء مالم تدرك زمنا يسع الغسل أيضًا (وقد سبق) بيان ذلك (في) الفصل الثالث (فصل الانقطاع وكما) الكاف للمفاجأة أى أول ما (رأت الدم تترك الصلاة مبتدأة كانت أو معتادة) هذا ظاهر الرواية وعليه أكثر المشايخ وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في غير رواية الأصول لا تترك المبتدأة ما لم يستمر الدم ثلاثة أيام قال في البحر والصحيح الأول كالمعتادة (وكذا) تترك الصلاة (إذا جاوز عادتها في عشرة) قال في المحيط وهو الأصح وهو قول الميداني وقال مشايخ بلخ تؤمر بالاغتسال والصلاة إذا حاوز عادتها وإما إذا زاد على العشرة فلا تترك بل تقضى مازاد على العادة كما يأتي (أو ابتدأ) الدم (قبلها) أي قبل العادة فإنها تترك الصلاة كما رأته لاحتمال انتقال العادة (إلا إذا كان الباقى من أيام طهرها ما لو صم إلى حيضها جاوز العشرة مثلًا امرأة عادتها فى الحيض سبعة وفى الطهر عشرون رأت بعد خمسة عشر من طهرها دما تؤمر بالصلاة إلى عشرين) لأن الظاهر انها ترى أيضًا فى السبعة أيام عادتها فإذا رأت قبل عادتها خمسة يزيد الدم على العشرة وإذا زاد عليها ترد إلى عادتها فلا يجوز لها ترك الصلاة قبل أيام عادتها هذا ما ظهر لى وقال المص هكذا اطلقوا لكن ينبغي أن يقيد بما إذا لم يسع الباقي من الطهر أقل الحيض والطهر وإلا فلا شك فى أن من عادتها ثلاثة في الحيض واربعون في الطهر إذا رأت بعد العشرين تؤمر بترك الصلاة انتهى أي لأن ما تراه

ص: 110

بعد العشرين لو استمر حتى بلغ ثلاثا يكون حيضا قطعا لأنه تقدمه طهر صحيح وما بعد هذه الثلاث إلى أيام العادة طهر صحيح أيضًا فيكون فاصلًا بين الدمين ولا يضم إلى الدم الثانى وحينئذ فلا يكون الثانى مجاوزا للعشرة حتى ترد لعادتها (ولو رأت بعد سبعة عشر تؤمر بتركها) من حين رأت لأن عادتها سبعة وقد رأت قبلها ثلاثة فلم يزد على العشرة فيحكم بانتقال العادة ولا ينظر إلى احتمال أن ترى أيضًا بعد أيام عادتها فترد إلى عادتها وتكون الثلاثة استحاضة لأنه احتمال بعيد فلذا تترك الصلاة فيها تأمل (ثم) عطف على قوله وكما رأت الدم تترك الصلاة (وإذا انقطع قبل الثلاثة) أي لم يبلغ أقل مدة الحيض (أو جاوز بعد العشرة في المعتادة تؤمر بالقضاء) أما المبتدأة فلا تقضى شيئا من العشرة وإن جاوزها لأن جمع العشرة يكون حيضًا لعدم عادة ترد إليها (وإن سمعت السجدة) أو تلتها (لا سجدة عليها) لعدم الاهلية (الثانى) من الاحكام (وحرمة الصوم مطلقًا) فرضًا أو نفلًا (لكن يجب قضاء الواجب منه فإن رأت ساعة من نهار ولو قبيل الغروب فسد صومها مطلقًا) فرضًا أو نفلًا (ويجب قضاؤه) لأن النقل يلزم بالشروع (وكذا لو شرعت في صلاة التطوع أو السنة تقضى) لما قلنا فلا فرق بين الشروع في الصوم أو الصلاة اقول وهذا هو المذكور فى المحيط وغير مو فرق بينهما صدر الشريعة فلم يوجب في الصوم وصرح فى البحر بأن ما قاله غير صحيح لما في الفتح والنهاية والاسبيجابي من عدم الفرق بينهما ومثله في الدر (و) لو شرعت (في صلاة الفرض) فحاضت (لا) تقضى لأن صلاة الفرض لا يجب بالشروع وقد اسقط الشارع عنها ادائها وكذا قصائها للحرج بخلاف صوم الفرض فإنه واجب القضاء (وكذا إذا اوجبت) بالنذر (على نفسها صلاة أو صومًا في يوم فحاضت فيها) الأولى فيه أي في اليوم (ويجب القضاء) لصحة النذر (ولو أو جبتها في أيام الحيض) بان قالت لله على صوم أو صلاة كذا فى يوم حيضى (لا يلزمها شيء) لعدم صحة النذر (والثالث حرمة قرائة القرآن ولو دون آية) كما صححه صاحب الهداية وقاضى خان وهو قول الكرخي وقال الطحاوى يباح ما دونها وصححه في الخلاصة ورجح فى البحر الأول لقوله صلى الله عليه وسلم لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيأ من القرآن (إذا قصدت القرائة فإن لم تقصد) بل قصدت الثناء أو الذكر (ففى الآية الطويلة كذلك) أي تحرم وهذا هو المفهوم من أكثر الكتب كالمحيط والخلاصة فاختاره المص (و) أما عدم قصد القرائة (في القصيرة) قال في الخلاصة كما يجرى على اللسان عند الكلام (كقوله تعالى ثم نظر) أو لم يولد (أو ما دون الآية كبسم الله للتيمن) عند ابتداء أمر مشروع (والحمد لله للشكر فيجوز) كذا في الخلاصة

ص: 111

ومقتضاه أن قصد التيمن أو الشكر في بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين لا يجوز لأن كلا آية تامة غير قصيرة إلا التى فى سورة النمل فإنها بعض آية لكن صرح الزيلعي بأنه لا بأس بذلك بالاتفاق ونقل في الفتح كلام الخلاصة ثم قال وغيره أي غير صاحب الخلاصة لم يقيد عند قصد الثناء والدعاء بما دون الآية فصرح بجواز قرائة الفاتحة على وجه الثناء والدعاء انتهى وفى العيون لأبي الليث ولو قرأ الفاتحة على سبيل الدعاء أو شيئا من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم يرد به القرائة فلا بأس به انتهى واختاره الحلوانى وفى غاية البيان أنه المختار لكن قال الهندواني لا افتى بهذا وإن روى عن أبى حنيفة انتهى ومفهوم ما فى العيون أن ما ليس فيه معنى الدعاء كسورة أبي لهب لا تؤثر فيه نية الدعاء وهو ظاهر ومفهوم الرواية معتبر ورجح في البحر ما قاله الهندواني وهو ما مشى عليه المص هنا لكن حيث علمت أن الجواز مروى عن صاحب المذهب ورجحه الإمام الحلواني وغيره فينبغى اعتماده وهو المتبادر من كلام الفتح السابق (والمعلمة) إذا حاضت ومثلها الجنب كما في البحر عن الخلاصة (تقطع بين كل كلمتين) هذا قول الكرخي وفي الخلاصة والنصاب وهو الصحيح وقال الطحاوى تعلم نصف آية وتقطع ثم تعلم نصف آية لأن عنده الحرمة مقيدة بآية تامة كما فى النهاية لكن اعترضه في البحر بأن الكرخي يمنع مما دون نصف آية وهو صادق على الكلمة وأجاب فى النهر بأنه وإن منع دون نصف آية لكنه مقيد بما به يسمى قارئا وبالكلمة لا يعد قارئا انتهى ولذا قال يعقوب باشا أن مراد الكرخي ما دون الآية من المركبات لا المفردات لأنه جوز للمعلمة تعليمه كلمة كلمة انتهى وتمامه فيما علقناه على البحر (وتكره قرائة التوراة والانجيل والزبور) لأن الكل كلام الله تعالى إلا ما بدل منها زيلعي وهو الصحيح خلافًا لما فى الخلاصة من عدم الكراهة كما فى شرح المنية وتمامه فيما علقناه على البحر ويظهر منه أن ما نسخ حكمه وتلاوته من القرآن كذلك بالاولى إذ لا تبديل فيه خلافًا لما بحثا الخير الرملي (وغسل الفم لا يفيد) حل القرائة وكذا غسل اليد لا يفيد حل المس هذا هو الصحيح كما في البحر عن غاية البيان (ولا يكره التهجي) بالقرآن حرفًا حرفًا أو كلمة كلمة مع القطع كما مر (و) لا (قرائة القنوت) في ظاهر المذهب كما قدمناه (و) لا (سائر الاذكار والدعوات) لكن في الهداية وغيرها في باب الأذان استحباب الوضوء لذكر الله تعالى وترك المستحب لا يوجب الكراهة بحر (و) لا (النظر إلى المصحف) لأن الجنابة لا تحل العين فتح (والرابع حرمة مس ماكتب فيه آية تامة) فلا يكره ما دونها كما في الفهستاني قلت وينبغى أن يجرى فيه الخلاف المار في القرائة بالاولى لأن المس يحرم بالحدث الاصغر

ص: 112

بخلاف القرائة فكانت دونه تأمل وفى الدر واختلفوا في مسه بغير اعضاء الطهارة والمنع* اصح (ولو درهما أو لوحا و) مس (كتب الشريعة كالتفسير والحديث والفقه) لأنها لا تخلوا من آيات القرآن وهذا التعليل يمنع مس شروح النحو أيضًا فتح لكن في الخلاصة يكره مس كتب الاحاديث والفقه للمحدث عندهما وعند أبي حنيفة الأصح أنه لا يكره وفى الدرر والغرر خص المس باليد فى الكتب الشرعية إلا التفسير وفى السراج والمستحب أن لا يأخذها بالكم أيضًا بل يتوضأ كلما أحدث وهذا أقرب إلى التعظيم انتهى بحر (وبياضه وجلده المتصل) هذا خاص بالمصحف ففى السراج لايجوز مس آية في لوح أو درهم أو حائط ويجوز مس غير موضع الكتابة بخلاف المصحف فإن الكل فيه تبع للقرآن وكذا كتب التفسير لا يجوز مس موضع القرآن منها وله أن يمس غيره كذا في الايضاح انتهى واقره في البحر (ولومسه) أي ما ذكر (بحائل منفصل) كجلد غير محيط به وهو الصحيح وعليه الفتوى وقيل بجوز بالمتصل به كما في السراج (ولوكه حاز) وماذكره في الكم هوما في المحيط لكن فى الهداية الصحيح الكراهة وفي الخلاصة وكرهه عامة المشايخ قال فى البحر فهو معارض لما في المحيط فكان هو اولى وفى الفتح المراد بالكراهة التحريمية (ويجوز مس ما فيه ذكر ودعاء) قال ابن الهمام وأما مس ما فيه ذكر فاطلقه عامة المشايخ وكرهه بعضهم قال في الهداية ويكره المس بالكم وهو الصحيح وقال في الكافي والمحيط وعامتهم أنه لا يكره ثم ذكر دليله فاخترناه (ولكن لا يستحب ولا تكتب) الحائض (القرآن ولا الكتاب الذي في بعض سطوره آية من القرآن وإن لم تقرأ) شمل ما إذا كان الصحيفة على الأرض فقال أبو الليث لا يجوز وقال القدورى يجوز قال في الفتح وهو اقيس لأنه ماس بالقلم وهو واسطة منفصلة فكان كثوب منفصل الاان يمسه بيده (وغسل اليد لا ينفع) فى حل المس هو الصحيح كما مر (والخامس حرمة الدخول في المسجد) ولو للعبور بلا مكث (إلا فى الضرورة كالخوف من السبع واللص والبرد والعطش والاولى) عند الضرورة (أن تتيم ثم تدخل ويجوز أن تدخل مصلى العيد) والجنازة لما فى الخلاصة من أن الأصح أنه ليس لهما حكم المسجد انتهى الا فى صحة الاقتداء وإن لم تكن الصفوف متصلة كما فى الخانية (وزيارة القبور) عطف على أن تدخل (والسادس حرمة الطواف ولو فعلت صح واثمت وعليها بدنة (والسابع حرمة الجماع واستمتاع ما تحت الازار) يعنى ما بين سرة وركبة ولو بلا شهوة وحل ماعداه مطلقًا

ص: 113

وهل يحل النظر ومباشرتها له فيه تردد كذا فى الدر ورفعنا التردد في حواشينا عليه بحل الثاني دون الأول (وتثبت الحرمة باخبارها) وحرر في البحر أن هذا إذا كانت عفيفة أو غلب على ظنه صدقها أما لو فاسقة ولم يغلب صدقها بإن كانت في غير أوان حيضها لا يقبل قولها اتفاقا (وإن جامعها طائعين اثما وعليهما التوبة والاستغفار) ولو احدهما طائعا والآخر مكرها اثم الطائع وحده سراج (ويستحب أن يتصدق بدينار ان كان) الجماع (في أول الحيض وبنصفه أن كان في آخره) أو وسطه كذا قال بعضهم وقيل أن كان الدم اجر فدينار أو أصفر فينصفه سراج قال فى البحر ويدل له ما رواه أبو داود والحاكم وصححه إذا واقع الرجل أهله وهي حائض أن كان دمًا أجر فليتصدق بدينار وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار انتهى قال في السراج وهل ذلك عليه وحده أو عليهما الظاهر الأول ومصرفه مصرف الزكاة (ويكفر مستحله) وكذا مستحل وطئ الدبر عند الجمهور مجتبى وقيل لا في المسئلتين وهو الصحيح خلاصة وعليه المعول لأنه حرام لغيره وتمامه فى الدر والبحر (والثامن وجوب الغسل أو التيمم) بشرطه عند الانقطاع وإما الاربعة) المختصة بالحيض و (فاولها تعلق انقضاء العدة به) أما الحامل فبوضع الحمل وإن لم تر دم النفاس وصوره في السراج بما إذا قال إذا ولدت فأنت طالق فولدت لابد من ثلاث حيض بعد النفاس تأمل (وثانيها الاستبراء) صورته لواشترى جارية حاملًا فقبضها ووضعت عنده ولدا وبقى ولد آخر فى بطنها فالدم الذى بين الولدين نفاس ولا يحصل الاستبراء إلا بوضع الثاني سراج وكذا لو شرى حاملًا فولدت قبل أن يقبضها لابد بعد القبض من حيضة بعد النفاس (وثالثها الحكم ببلوغها) ولا يتصور ذلك في النفاس لأنه يحصل قبله بالحبل سراج (ورابعها الفصل بين طلاقي السنة والبدعة) لأن السنة فيمن اراد أن يطلقها أكثر من طلقة أن يفصل بين كل طلقتين بحيضة أما الفصل بالنفاس فلا يتصور لانقضاء العدة بالوضع قبله وإما الطلاق في النفاس فإنه بدعى كالطلاق فى الحيض كما فى طلاق البحر وزاد في البحر هنا خامسًا مما اختص به الحيض وهو عدم قطع التتابع في صوم الكفارة وزاد غيره سادسًا وسابعًا وهما أن اقله ثلاثة وأكثره عشرة (واما) القسم الثالث وهو (الاستحاضة فحدث أصغر كالرعاف) وله احكام تأتى (تذنيب) سماه به لأنه تابع لهذا الفصل وتكميل له فهو كالذنب (وفي حكم الجنابة والحدث) الأصغر (أما الأول) أي حكم الجنابة (فكالنفاس إلا أنه لا يسقط الصلاة ولا يحرم

ص: 114

الصوم و) لا (والجماع ولو قبل الوضوء) نعم يستحب كونه بعد غسل أو وضوء قال في المبتغى بالغين المعجمة إلا إذا احتلم لم يأت أهله لكن قال المحقق ابن امير حاج فى شرح المنية هذا غريب أن لم يحمل على الندب إذ لا دليل يدل على الحرمة (وإذا أراد أن يأكل أو يشرب يغسل يديه وفمه) ندبًا لأن يده لا تخلو عن النجاسة ولأنه يصير شار بالماء المستعمل بدائع وفى الخانية ولا بأس بتركه واختلف في الحائض قيل كالجنب وقيل لا يستحب لها لأن الغسل لا يزيل نجاسة الحيض عن فمها ويدها انتهى (ويجوز خروجه لحوائجه) قبل أن يغتسل أو يتوضأ تاترخانية (وإما حكم الحدث فثلاثة الأول حرمة الصلاة والسجدة مطلقًا) واجبتين أو لا (والثاني حرمة مس ما فيه آية تامة) ولو بغير اعضاء الوضوء كما قدمناه (وكتب التفسير ولو بعد غسل اليد ولكن يجوز) للمكلف المتطهر (دفع المصحف إلى الصبيان) وإن كانوا محدثين لأن في المنع تضييع حفظ القرآن وفي الأمر بالتطهير حرجا بهم فلا يأثم الدافع كما يأثم بألباس الصغير الحرير وسقيه الخمر وتوجيهه إلى القبلة في قضاء حاجته فتح (ولا بأس بمس كتب الاحاديث والفقه والاذكار والمستحب أن لا يفعل قال الإمام الحلواني إنما نلت هذا العلم بالتعظيم فاني ما اخذت الكاغد الا بطهارة والإمام الحلوانى كان مبطونًا في ليلة وكان يكرر كتابه فتوضأ في تلك الليلة سبع عشرة مرة بحر (والثالث كراهة الطواف) لوجوب الطهارة فيه (ويجوز له قراءة القرآن ودخول المسجد) هكذا ذكر في البدائع وقال في المحيط يكره دخول المسجد ولعل وجهه أنه يلزم منه ترك تحية المسجد تأمل (وثم أن الحدث أن استوعب) ولو حكمًا (وقت صلاة) مفروضة (بان لم يوجد فيه زمان خال عنه يسع الوضوء والصلاة يسمى عذرا وصاحبه) يسمى (معذورا و) يسمى أيضًا (صاحب العذر) هكذا ذكر فى الكافى ونقل الزيلعى عن عدة كتب شرط استيعاب الوقت كله ثم قال هو اظهر قال مولانا خسرو أراد به الرد على الكافى بأن كلامه مخالف لتلك الكتب اقول لا مخالفة بينهما ثم ذكر وجهه والحق ما قاله في الكافي إذ العلم بحقيقة الاستيعاب متعسر بل متعذر خصوصًا للمستحاضة فإنها تتخذ الكرسف فكيف يتيسر معرفة استيعاب خروج الدم مصـ قلت جعل في الفتح كلام الكافي تفسيرًا لما قاله فى عامة الكتب وهو مآل كلام منلا خسرو فتدبر (وحكمه أن لا ينتقض وضوؤه) الناشئ (من ذلك الحدث بتجدده) متعلق بينتقض وسيأتي في كلامه محترز القيدين (إلا عند خروج وقت مكتوبة) فلو توضأ لصلاة العيد يجوز له أن يؤدى به الظهر فى الصحيح كذا فى الزيلعي وهذا عند أبي حنيفة ومحمد

ص: 115

وعند أبي يوسف بدخول الوقت وخروجه مصـ قلت وأفاد بقوله عند خروج الخ أن الناقض ليس نفس الخروج بل الحدث السابق المتجدد بعد الوضوء أو معه وإنما خروج الوقت شرط (فيصلى به فى الوقت) بشروط تعلم مما سيأتى وهى أن يكون وضوؤه من حدثه الذي صار به معذورًا ولم يعرض عليه حدث آخر وكان وضوؤه فى الوقت لا قبله وكان لحاجة فحينئذ يبقى وضوؤه في الوقت وإن قارن الوضوء السيلان أو سال بعده فيصلى به فى الوقت (ما شاء من الفرائض) الوقتية والفائتة (والنوافل) والواجبات بالاولى (ولا يجوز له أن يمسح خفه إلا فى الوقت هذا إذا كان الدم سائلًا عند اللبس أو الطهارة وإما إذا كان منقطعا عندهما معا يمسح تمام المدة كالصحيح (ولا تجوز امامته لغير المعذور) بعذره فلو أم معذورًا صح أن اتحد عذرهما كما فى السراج والفتح وغيرهما ومقتضاه أن مجرد الاختلاف مانع وإن كان عذر الإمام اخف كما لو أم من به انفلات ريح ذا سلس بول فإن الثاني حدث ونجاسة فلا يصح كما فى أمامة النهرو تمامه في رد المحتار (ثم في البقاء) أي بعد ما ثبت كونه معذورًا باستيعاب عذره الوقت (لا يشترط الاستيعاب) ثانيا (بل يكفى وجوده) أي ذلك الحدث (في كل وقت مرة ولو لم يوجد في وقت تام) بأن استوعبه الانقطاع حقيقة (سقط العذر من أول الانقطاع) والحاصل أن شرط ثبوت العذر استيعابه للوقت ولو حكمًا وشرط بقائه وجوده في كل وقت ولو مرة وشرط زواله تحقق الانقطاع التام في جميع الوقت (حتى لو انقطع) بعد الوقت (فى اثناء الوضوء أو الصلاة ودام الانقطاع إلى آخر الوقت الثاني يعيد تلك الصلاة لوجود الانقطاع التام (وإن عاد قبل خروج الوقت الثاني لا يعيد) لعدم الانقطاع التام لأن الانقطاع لم يستوعب الوقت الأول ولا الثانى وقيد بكونه في أثناء الوضوء أو الصلاة لأنه لو انقطع بعد الفراغ من الصلاة أو بعد القعود قدر التشهد لا يعيد لزوال العذر بعد الفراغ كالمتيم إذا رأى الماء بعد الفراغ من الصلاة بحر عن السراج لكن قوله أو بعد القعود من المسائل الاثنى عشرية وفيها الخلاف المشهور (ولو عرض) الحدث ابتداء (بعد دخول وقت فرض انتظر إلى آخره) رجاء الانقطاع وعبارة التاترخانية ينبغي له أن ينتظر الخ (فإن لم ينقطع يتوضأ ويصلى ثم أن انقطع في اثناء الوقت الثاني يعيد تلك الصلاة) لأنه لم يوجد استيعاب وقت تام فلم يكن معذورًا وقد صلى بالحدث فلا يجوز (وإن استوعب) الحدث (الوقت الثاني لا يعيد لثبوت العذر حينئذ من ابتداء العروض) والحاصل أن الثبوت والسقوط كلاهما يعتبران من أول الاستمرار

ص: 116

إذا وجد الاستيعاب (وإنما قلنا من ذلك الحدث إذ لو توضأ من آخر) كبول وعذره منقطع (فسال من عذره نقض وضوء وإن لم يخرج الوقت) لأن الوضوء لم يقع لذلك العذر حتى لا ينتقض به بل وقع لغيره وإنما لا ينتقض به ما وقع له كذا في شرح منية المصلى ونحوه فى التاترخانية وغيرها وبه علم أن قولهم أن السيلان لا ينقض وضوء المعذور بل لابد معه من خروج الوقت مختص بما إذا كان وضوؤه من عذره لا من حدث آخر (وإن لم يسل) عذره بعد وضوئه من غيره (ولا ينقض) وضوءه (وإن خرج الوقت) لأنه طهارة كاملة لم يعرض ماينا فيها (وإنما قلنا بتجدده إذ لو توضأ من عذره فعرض حدث آخر ينتقض وضوؤه في الحال) لأن هذا حدث جديد لم يكن موجودًا وقت الطهارة فكان هو والبول والغائط سواء بدائع (وإن) توضأ من عذره و (لم يعرض) حدث آخر (ولم يسل من عذره) عند الوضوء ولا بعده (ولا ينقض بخروج الوقت) لأنه طهارة كاملة قال فى البحر ثم إنما يبطل بخروجه إذا توضأ على السيلان أو وجد السيلان بعد الوضوء أما إذا كان أما إذا كان على الانقطاع ودام إلى خروج الوقت فلا يبطل بالخروج ما لم يحدث حدثًا آخر أو يسل انتهى (وإن سال الدم من أحد منخريه فقط فتوضأ ثم سال من آخر انتقض وضوؤه) فى الحال لعروض حدث آخر غير عذره (وإن سال منهما فتوضأ فانقطع من احدهما لا ينتقض) مادام الوقت لأن طهارته حصلت لهما جميعًا و الطهارة متى وقعت لعذر لا يضرها السيلان ما بقى الوقت فبقى هو صاحب عذر بالمنخر الآخر بدائع (والجدري) بضم الجيم وفتحها قروح في البدن تنفط و تقيح قاموس (والدماميل) جمع دمل بضم الدال وفتح الميم مشددة ومخففة وهو الخراج قاموس (قروح) متعددة (ولا واحدة حتى لو توضأ وبعضها) سايل وبعضها الآخر (غير سايل ثم سال اننقض) وضوؤه قبل خروج الوقت كما مر فى المنخر (ولو توضأ وكلها سايل لاننتقض) ما لم يخرج الوقت (ولو) توضأ المعذور ثم (خرج الوقت وهو في الصلاة يستأنف) الصلاة بعد الوضوء (ولا يبنى) على ماصلى منها كما يفعله من سبقه الحدث (لان الانتقاض) ليس مخروج الوقت بل (بالحدث السابق حقيقة) أي الحدث الموجود حالة الوضوء أو بعده فى الوقت بشرط الخروج فالحدث محكوم بارتفاعه إلى غاية معلومة فيظهر عندها مقتصرًا لا مستندًا كما حققه في الفتح (إلا أن ينقطع قبل الوضوء ودام) الانقطاع (حتى خرج الوقت وهو في الصلاة فلا ينتقض وضوؤه ولا تفسد صلاته) كما قدمناه آنفا عن البحر (ولو توضأ المعذور بغير

ص: 117

حاجة ثم سال عذره انتقض وضوؤه) صورته كما في الزيلعي لو توضأ والعذر منقطع ثم خرج الوقت وهو على وضوئه ثم جدد الوضوء ثم سال الدم انتقض لأن تجديد الوضوء وقع من غير حاجة فلا يعتد به انتهى لأن الوضوء الأول لم ينتقض بخروج الوقت لما علمته آنفا وإنما انتقض بالسيلان بعد الوقت (وكذا لو توضأ لصلاة قبل وقتها) قال بعضهم لا ينتقض والأصح أنه ينتقض كذا ذكره الزيلعي اقول عبارة الزيلعي هكذا ولو توضؤوا أي أصحاب الاعذار في وقت الظهر للعصر يصلون به العصر في رواية لأن طهارتهم للعصر في وقت الظهر كطهارتهم للظهر قبل الزوال والأصح أنه لا يجوز لهم ذلك لأن هذه طهارة وقعت للظهر فلا تبقى بعد خروجه انتهى وفى التاترخانية لا يجوز بالاجماع هو الصحيح وقد ذكر فيها وفي الزيلعي وعامة الكتب لو توضأ بعد طلوع الشمس له أن يصلى به الظهر عندهما لا عند أبي يوسف أي لأنه ينتقض عنده بدخول الوقت أما عندهما فلا ينتقض إلا بالخروج ولم يوجد و به علم أن ما ذكره المص مفروض فيها إذا توضأ في وقت صلاة مكتوبة لصلاة بعدها ينتقض تتحقق خروج الوقت وكذا لدخول الوقت فلذا قال في التاترخانية لا يجوز بالاجماع إما لو توضأ قبل الوقت في وقت مهمل كما لو توضأ قبل الزوال فإنه يصلى به الظهر عندهما لأنه لا ينتقض بالدخول كما ذكرنا وقد صرح بحكم المسئلتين كذلك فى الهداية فتنبه (وإن قدر المعذور على منع السيلان بالربط ونحوه يلزمه ويخرج من العذر بخلاف الحائض كما سبق) في الفصل الأول وإن سال عند السجود ولم يسل بدونه) كجرح بحلقه (يومي قائمًا أو قاعدًا) لأن ترك السجود اهون من الصلاة مع الحدث فإن الصلاة بإيماء لها وجود حالة الاختيار في الجملة وهو فى التنقل على الدابة ولا تجوز مع الحدث بحال حالة الاختيار فتح (وكذا لوسال عند القيام) دون القعود (يصلى قاعدًا كما أن من عجز عن القرائة لوقام) لا لو قعد (يصلى قاعدًا) ويقرأ لأن القعود في معنى القيام (بخلاف من) كان بحيث (لو استلقى) وصلى (لم يسل) ولو صلى قائمًا أو قاعدًا سال (فإنه لا يصلى مستلقيا) لأن الصلاة كما لاتجوز مع الحدث إلا لضرورة لاتجوز مستلقيا الالها فاستويا وترجح الاداء مع الحدث لما فيه من احراز الاركان فتح (وما اصاب ثوب المعذور أكثر من قدر الدرهم فعليه غسله أن كان مفيدًا) بأن لا يصيبه مرة اخرى قال فى الخلاصة وعليه الفتوى (وإن كان بحال لو غسله تنجس ثانيًا قبل الفراغ من الصلاة جاز ان لا يغسله) وهو المختار وقبل لا يجب غسله كالقليل للضرورة وقيل أن اصابه خارج الصلاة يغسله وفيها لا

ص: 118

لعدم امكان التحرز عنه وفى المجتبى قال القاضى لو كان بحال يبقى طاهرا إلى أن يفرغ لا إلى أن يخرج الوقت فعندنا يصلى بدون غسل وعند الشافعي لا لأن الطهارة مقدرة عندنا بخروج الوقت وعنده بالفراغ فتح ملخصًا وقيل أن كان مفيدًا بأن لا يصيبه مرة اخرى يجب وإن كان يصيبه المرة بعد الاخرى فلا واختاره السرخسي بحر قلت بل في البدائع أنه اختيار مشايخنا وهو الصحيح انتهى فإن لم يحمل على ما في المتن فهو ايسر على المعذورين والله الميسر لكل عسير والحمد لله أولًا و آخرًا وظاهرًا وباطنًا و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه آجمعين والحمد لله رب العالمين.

قال الشارح رحمه الله تعالى وكان الفراغ من هذا الشرح المبارك أن شآء الله تعالى نهار الاثنين لثلاث بقين من ذى القعدة الحرام سنة احدى واربعين ومائتين والف على يد مؤلفه الفقير محمد امين بن عمر عابدين عفى عنهما آمين والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده آمين

ص: 119

الرسالة الخامسة

رفع التردد في عقد الاصابع عند التشهد مع ذيلها

كلاهما للعلامة السيد محمد امين

الشهير بابن عابدين عليه رحمة

ارحم الراحمين

آمين

ص: 119

الرسالة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شهدت بوحدانيته جميع الموجودات * والصلاة والسلام على عبده رسوله صاحب المعجزات الواضحات * وعلى آله واصحابه ذوى الكرامات والخصوصيات * صلاة وسلامًا دائمين ما دامت الأرض والسموات (اما بعد) فيقول اسير الذنوب والخطيئات * محمد امين ابن عابدين عمه مولاه بهباته الوافرات * هذه رسالة جمعت فيها بعض كلام ائمتنا الثقات * فى الإشارة بالسبابة وعقد الاصابع في تشهد الصلوات * حملنى على جمعها ما رأيت من اطباق حنفية العصر على الاقتصار على الإشارة مع ترك العقد في جميع الاوقات * مع تصحيح علمائنا سنية الجمع بينهما بالدلائل الواضحات * {وسميتها رفع التردد * في عقد الاصابع عند التشهد} راجيا من خالق الأرض والسموات * حسن النية * وبلوغ الامنية * بالختم بالصالحات ورفع الدرجات * وأن يجعل آخر كلامي كلمتى الشهادة عند الممات * فإنه قريب مجيب سميع الدعوات * (قال) الإمام حافظ الدين النسفى فى متن الكنز وإذا فرغ من سجدتي الركعة الثانية افترش رجله اليسرى وجلس عليها ونصب يمناه وبسط اصابعه انتهى وهكذا عامة عبارات المتون والمتبادر منها أنه يبسط اصابعه من أول التشهد إلى آخره بدون عقد وإشارة عند التلفظ بالشهادة وصرح كثير من أصحاب الفتاوى بأن عليه الفتوى (وظاهر) كلام المحقق صدر الشريعة اختاره فإنه قال في متنه المسمى بالوقاية واضعًا يديه على فخذيه موجها اصابعه نحو القبلة مبسوطة وقال في شرحه وفيه خلاف الشافعي رحمه الله تعالى فإن السنة عنده أن يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والابهام ويشير بالسبابة عند التلفظ بالشهادتين ومثل هذا جاء عن علمائنا أيضًا انتهى (وقال) العلامة التمرتاشي في متن التنوير ولا يشير بسبابته عند الشهادة وعليه الفتوى (وقال) شارحه العلامة الشيخ علاء الدين كما فى الولوالجية والتجنيس وعمدة المفتى وعامة الفتاوى لكن المعتمد ما صححه الشراح ولاسيما المتأخرون كالكمال والحلبي والبهنسي والباقاني وشيخ الاسلام الجد وغيرهم أنه يشير لفعله عليه الصلاة والسلام ونسبوه لمحمد والامام* بل في متن درر البحار وشرحه غرر الاذكار المفتى به عندنا أنه يشير باسطًا اصابعه كلها* وفي الشرنبلالية عن البرهان الصحيح أنه يشير بمسبحته وحدها يرفعها عند

ص: 120

النفى ويضعها عند الاثبات * واحترزنا بالصحيح عما قيل لا يشير لانه خلاف الدراية والرواية وبقولنا بالمسبحة عما قيل يعقد عند الاشارة اهـ * وفى العينى عن التحفة الاصح أنها مستحبة وفى المحيط سنة انتهى كلام الشيخ علاء الدين رحمه الله تعالى {وحاصله} اعتماد الاشارة بدون عقد وهو ما عليه الناس في زماننا ولكنه مخالف لما اطلعت عليه من كتب المذهب فان الذى ذكروه قولان احدهما عدم الاشارة اصلا وثانيهما الاشارة مع العقد * واما ما عزاه الى دور البحار وشرحه فالذي رأيته فيه خلافه كما ستقف عليه * واما عبارة البرهان فلا تعارض ما في عامة كتب المذهب ولنذكر ما تيسر لنا الوقوف عليه الآن من عبارات علمائنا ليظهر المقصود * بعون الملك المعبود * {فنقول} قال في منية المصلى ويشير بالسبابة اذا انتهى إلى الشهادتين وفى الواقعات لا يشير فان اشار يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى بالابهام ويقيم السبابة (وقال) في منية المصلى قبل ذلك ايضا ويضع يديه على فخذيه ويفرج اصابعه لا كل التفريج (قال) شارحها البرهان ابراهيم الحلبي هذا عندنا وعند الشافعى يبسط اصابع اليسرى ويقبض اصابع اليمني الا المسبحة لماروى مسلم عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اذا قعد فى التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين واشار بالسبابة* ولنا ما روى الترمذي من حديث وائل قلت لأنظرن الى صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وتسلم فلما جلس يعنى للتشهد افترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ونصب رجله اليمنى من غير ذكر زيادة. والمراد من العقد المذكور في رواية مسلم العقد عند الاشارة لا فى جميع التشهد الا يرى ما في الرواية الاخرى لمسلم وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض اصابعه كلها وأشار باصبعه التي تلى الابهام ولاشك ان وضع الكف لا يتحقق حقيقة مع قبض الاصابع فالمراد وضع الكف ثم قبض الاصابع بعد ذلك عند الاشارة وهو المروى عن محمد في كيفية الاشارة قال يقبض خنصره والتي تليها ويحلق الوسطى والابهام ويقيم المسجة وكذا عن ابى يوسف في الامالي وهذا فرع تصحيح الاشارة وعن كثير من المشايخ لا يشير اصلا وصححه في الخلاصة وهو خلاف الدراية والرواية اما الدراية فما تقدم في الحديث الصحيح ولا محل لها الا الاشارة واما الرواية فعن محمد ان ماذكره فى كيفية الاشارة هو قوله وقول ابى حنيفة ذكره فى النهاية وغيرها. قال نجم الدين الزاهدى لما اتفقت الروايات عن اصحابنا جميعا في كونها سنة وكذا عن الكوفيين والمدنيين وكثرت الآثار والاخبار

ص: 121

كان العمل بها اولى* والكفية المتقدمة من التحليق ذكرها الفقيه ابو جعفر قال في الجامع الصغير وقال غيره من اصحابنا يشير بثلاثة وخمسين اهـ وهذا موافق لصريح رواية مسلم* وصفة عقد ثلاثة وخمسين ان يقبض الوسطى والخنصر والبنصر ويضع رأس ابهامه على حرف مفصل الوسطى الاوسط وصفة الاشارة عن الحلوانى انه يرفع الاصبع عند النفي ويضعها عند الاثبات اشارة اليهما ويكره ان يشير بكلتا مسبحتيه لما روى الترمذى والنسائى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه ان رجلا كان يدعو باصبعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احد احد اهـ كلام البرهان الحلبي (وقال) الامام السغناقى فى النهاية شرح الهداية ثم هل يشير بالمسجة اذا انتهى الى قوله اشهد ان لا اله الا الله ام لا فمن مشايخنا من يقول بانه لا يشير لان في الاشارة زيادة رفع لا يحتاج اليها فيكون الترك اولى لان مبنى الصلاة على السكينة والوقار وقال بعضهم يشير بالمسجة وقد نص محمد بن الحسن على هذا في كتاب المشيخة حدثنا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انه كان يفعل ذلك اى يشير ثم قال نصنع بصنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونأخذ نفعله وهذا قول أبي حنيفة وقولنا ثم كيف يشير قال يقبض اصبعه الخنصر والتي تليها ويحلق الوسطى مع الابهام ويشير بسبابته هكذا روى الفقيه ابو جعفر الهندواني ان النبي صلى الله عليه وسلم كذا يشير وكأنه اراد بقبض الاصابع الاربعة اقامته المسبحة لاغير لتحقيق معنى التوحيد كذا في مبسوط شيخ الاسلام اهـ (وقال) الامام الكاشاني في البدائع شرح التحفة قال بعض اصحابنا لا يشير لان فيه ترك سنة وضع اليدو قال بعضهم يشير لان محمدا قال في كتاب المشيخة حدثنا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انه كان يشير باصبعه فنفعل ما فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ونصنع ما صنعه وهو قول أبي حنيفة وقولنا ثم كيف يشير قل اهل المدينة يعقد ثلاثة وخمسين ويشير بالمسبحة وذكر الفقيه ابو جعفر الهندواني انه يعقد الخنصر والبنصر ويحاق الوسطى مع الابهام ويشير بالسبابة وقال ان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل اهـ {وقال} فى الذخيرة البرهانية ثم اذا اخذ فى التشهد وانتهى الى قوله اشهد ان لآ اله الا الله هل يشير باصبعه السبابة من يده اليمنى لم تذكر هذه المسئلة في الاصل وقد اختلف المشايخ فيها منهم من قل لا يشير لان مبنى الصلاة على السكينة والوقار ومنهم من قال يشير وذكر محمد في غير رواية الاصول حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشير قال محمد رحمه الله تعالى نصنع بصنع النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا قولى وقول أبي حنيفة ثم كيف يصنع عند الاشارة حكى عن الفقيه أبى جعفر أنه قال يعقد الخنصر والبنصر

ص: 122

ويحلق الوسطى مع الابهام ويشير بسبابته وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ (وقال) في معراج الدراية شرح الهداية قال بعض مشايخنا لا يشير وفى الذخيرة وهو ظاهر الرواية وقال بعضهم يشير ثم ذكر عبارة محمد المذكورة وكيفية العقد المذكور وقال كذا روى الفقيه ابو جعفر انه عليه الصلاة والسلام هكذا يشير وهو احد وجوه قول الشافعي رحمه الله تعالى فى الاشارة وقال اهل المدينة يعقد ثلاثا وخمسين ويشير بالسبابة وهو احد وجوه قول الشافعي قال ابو جعفر ما ذهب اليه علماؤنا اولى لانه يوافق الحديث ولا يشبه استعمال الاصابع للحساب الذي لا يليق بحال الصلاة فكان أولى كذا في مبسوط شيخ الاسلام وفى تتمة اصحاب الشافعي لنا اي معشر الشافعية في كيفية قبض الاصابع ثلاثة اقوال* احدها ان يقبض الاصابع كلها الا المسبحة ويشير بها فعلى هذا فى كيفية القبض وجهان احدهما يقبض كأنه يعقد ثلاثة وخمسين وهو رواية ابن عمر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والثاني يقبض كأنه يعقد ثلاثة وعشرين وهو رواية ابن الزبير عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم *والقول الثانى انه يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل الابهام والمسبحة وهذه رواية أبي حميد الساعدى عن النبي صلى الله عليه وسلم* والقول الثالث انه يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والابهام ويرسل المسبحة وهذه رواية وائل ابن حجر عنه عليه الصلاة والسلام* وهذه الاخبار تدل على ان فعله عليه الصلاة والسلام كان يختلف فكيف ما فعل اجزأء ولو ترك لا شئ عليه. وفي المجتبى لما كثرت الاخبار والآثار واتفقت الروايات عن اصحابنا جميعا في كون الاشارة سنة وكذا عن الكوفيين والمدنيين كان العمل بها اولى من تركها ويكره ان يشير بالسبابة "*" ولا يحركها وعن الحلواني يقيم اصبعه عند قوله لا اله ويضعها عند قوله الا الله ليكون النصب كالنفي والوضع كالاثبات اهـ كلام معراج الدراية {وقال} العلامة المحقق الشيخ كمال الدين بن الهمام في فتح القدير شرح الهداية وفي مسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض اصابعه كلها واشار باصبعه التي تلى الابهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ولاشك أن وضع الكف مع قبض الاصابع لا يتحقق حقيقة فالمراد والله تعالى اعلم وضع الكف ثم قبض الاصابع بعد ذلك عند الاشارة وهو المروى عن محمد فى كيفية الاشارة قال يقبض خنصر موالنى تليها ويحلق الوسطى والإبهام ويقيم المسبحة وكذا عن أبي يوسف في الامالى و هذا

(*) قوله ولا يحركها اى بأن لا يرفعها ثم يضعها عند التشهد لانه فيه ترك سنة الرفع والوضع فيكره منه

ص: 123

فرع تصحيح الاشارة وعن كثير من المشايخ لا يشير اصلا وهو خلاف الدراية والرواية فمن محمد ان ما ذكره في كيفية الاشارة مما نقلناه قول أبي حنيفة ويكره ان يشير بمسبحتيه وعن الحلواني يقيم الاصبع عند لا اله ويضعها عند الا الله (وقال) الامام فخر الدين الزيلعي فى التبيين شرح الكنز واختلفوا في كيفية وضع اليد اليمنى ذكر ابو يوسف فى الامالى انه يعقد الخنصر ويحلق الوسطى والابهام ويشير بالسبابة وذكر محمد انه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يشير ونحن نصنع بصنعه عليه السلام قال وهو قول أبي حنيفة وكثير من المشايخ لا يرون الاشارة وكرهها في منية المفتى وقال فى الفتاوى لا اشارة فى الصلاة الاعند الشهادة في التشهد وهو حسن اهـ (ومثله) فى شرح الكنز للعينى (وقال) في شرح المنية الصغير وهل يشير عند الشهادة عندنا فيه اختلاف صحح فى الخلاصة والبزازية انه لا يشير وصحح في شرح الهداية انه يشير وكذا في الملتقط وغيره. وصفتها ان يخلق من يده اليمنى عند الشهادة الابهام والوسطى ويقبض البنصر والخنصر ويشير بالمسبحة او يعقد ثلاثة وخمسين بان يقبض الوسطى والبنصر والخنصر ويضع رأس ابهامه على حرف مفصل الوسطى الأوسط ويرفع الاصبع عند النفي ويضعها عند الاثبات اهـ (وقال) العلامة شمس الدين محمد القهستانى فى شرحه على مختصر النقاية ان عدم الاشارة ظاهر اصول اصحابنا كما فى الزاهدى وعليه الفتوى كما في المضمرات والولوالجي والخلاصة وغيرها وعن اصحابنا جميعا انه سنة فيحلق ابهام اليمنى ووسطاها ملصقا رأسها برأسها ويشير بالسبابة عند اشهد ان لا اله الا الله وعن الحلواني يرفع عند لا اله ويضع عند الا الله كالنفى والأثبات ويعتقد الخنصر والبنصر كما قال الفقيه ابو جعفر وقال غيره من اصحابنا انه يعقد عقدا ثلاثا وخمسين كما في الزاهدي اهـ (وقال) في الفتاوى الظهيرية ومتى اخذ فى التشهد فانتهى الى قوله اشهد ان لا اله الا الله هل يشير بسبابته من يده اليمنى اختلاف المشايخ فيه ثم كيف يصنع عند الاشارة حكى عن الفقيه أبي جعفر انه قال يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى مع الابهام ويشير بسبابته (وقال) العلامة القونوي في متن درر البحار ولا تعقد ثلاثة وخمسين ولانشير والفتوى خلافه (وقل) الشيخ البخاري في شرحه غرر الافكار (*)(ولا تعقد) يا فقيه (ثلاثة وخمسين) كما عقدها احمد موافقا

(*) قوله ولا تعقد نهى مجزوم اشار به الى خلاف الامام احمد وقوله ولا نشير مضارع مرفوع منفى اشار به الى خلاف الشافعي كما هو اصطلاح مؤلف هذا الكتاب حيث يشير إلى اختلاف الائمة باختلاف صيغ الكلام كما هو اصطلاح صاحب المجمع منه

ص: 124

للشافعي في احد اقواله (و) نحن (لا نشير) عند التهليل بالسبابة من اليمنى بل نبسط الاصابع لما مر وفي منية المفتى رفع سبابة اليمنى في التشهد عند التهليل مكروه * والفتوى اى المفتى به عندنا خلافه اي خلاف عدم الاشارة وهو الاشارة على كيفية عقد ثلاثة وخمسين كما قال به الشافعي واحمد وفى المحيط انها سنة يرفعها عندالنفى ويضعها عند الاثبات وهو قول أبى حنيفة ومحمد وكثرت به الاخبار والآثار فالعمل به اولي اهـ (وقال) العلامة محمد البهنسي في شرحه على الملتقى ويشير باصبعه على الصحيح عند النفي يرفعها ويضعها عند الأثبات ضاما خنصره وبنصره محلقا الوسطى مع الابهام كذا في الظهيرية وشرح النقاية وشرحى درر البحار قال في شرح النقاية وفى منية المفتى تكره الاشارة (وقال) العلامة الشيخ عمر بن نجيم فى النهر الفائق شرح كنز الدقائق وفي اطلاق البسط ايماء الى انه لا يشير بالسبابة عند الشهادتين عاقد الخنصر والبنصر والتي تليها محلقا الوسطى والابهام وهذا قول كثير من مشايخنا وعليه الفتوى كما فى عامة الفتاوى وجزم فى منية المفتى بكراهته ورده فى فتح القدير بأنه خلاف الرواية والدراية ففي مسلم كان عليه الصلاة والسلام يشير باصبعه التي تلى الابهام وقال محمد ونحن نصنع بصنعه عليه الصلاة والسلام وهو قول الامام وفى المجتبى لما اتفقت الروايات وعلم عن أصحابنا جميعا كونها سنة وكذا عن الكوفيين والمدنيين وكثرت الاخبار والآثار كان العمل بها اولى وفى التحفة الاشارة مستحبة وهو الاصح قاله العينى اهـ (وقال) العلامة المحقق شمس الدين محمد بن أمير حاج في شرحه على منية المصلى وقال في الواقعات لا يشير ونص فى الخلاصة على انه المختار وفي الفتاوى الكبرى على ان عليه الفتوى وعللوه بان فى الاشارة زيادة رفع لا يحتاج اليه فيكون الترك اولى لان مبنى الصلاة على السكينة والوقار - قلت والاول هو الصحيح فقد ذكر محمد في كتاب المشيخة حديثا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انه كان يشير باصبعه فنفعل ما فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ونصنع ماصنعه وهو قول أبي حنيفة وقولنا ذكره في البدائع. وفى الذخيرة وشرح الزاهدى هذا قولى وقول أبي حنيفة اهـ وروى عن أبي يوسف في الاملاء وقدمنا روايته عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من صحيح مسلم. واخرج ابن السكن في صحاحه عن ابن عمر أيضا رضى الله تعالى عنه انه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الاشارة بالاصبع اشد على الشيطان من الحديد* وعنه ايضا عن النبي صلى الله تعالى

ص: 125

عليه وسلم قال هي مذعرة (*) للشيطان فتضآءل ما ذكروه من العلة ولا جرم ان قال الزاهدى لما اتفقت الروايات عن أصحابنا جميعا في كونها سنة وكذا عن الكوفيين والمدنيين وكثرت الآثار والاخبار كان العمل بها اولى * فان اشار يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والابهام ويقيم السبابة وهو المروى عن أبي يوسف في الاملاء والمحكى عن أبي جعفر الهندواني. وفي البدائع وقال ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان هكذا يفعل (قلت) وهو كذلك فقد اخرج ابو داود والبيهقى وغيرهما عن وائل بن حجر رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عقد فى جلوسه للتشهد الخنصر والبنصر ثم حلق الوسطى بالابهام واشار بالسبابة* وفي رواية لابن حبان في صحيحه وقبض خنصره والتي تليها وجمع بين الابهام والوسطى ورفع التي تليها يدعو بها ولا يبعد ان يكون هذا هو المراد بما تقدم من رواية ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح مسلم وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض اصابعه كلها واشار باصبعه التي تلى الابهام* ونقل في البدائع وغيرها عن اهل المدينة يعقد ثلاثة وخمسين ويشير بالمسبحة نقله في الجامع الصغير المرتب عن بعض اصحابنا ويشهد له ما تقدم ايضا من رواية ابن عمر في صحيح مسلم ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين واشار بالسبابة * ولعل هذا كان منه صلى الله تعالى عليه وسلم فى وقت وما تقدم كان منه فى وقت آخر فكل منهما جائز حسن* وفسر عقد ثلاثة وخمسين مع الاشارة بالمسبحة بإن يضع إبهامه على حرف راحته اسفل من المسبحة وفي شرح مسلم للنووى واعلم ان قوله عقد ثلاثة وخمسين شرطه عند اهل الحساب ان يضع الخنصر على البنصر وليس ذلك مرادا هنا بل المراد ان يضع الخنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها اهل الحساب تسعة وخمسين اهـ * ومنهم من قال لعل الحساب كان في الزمن الاول كذلك ومنهم من قال ان المشهور عند اهل الحساب ماذكره النووى ومن اهل الحساب من لا يشترط ذلك والله تعالى اعلم (تنبيه) ثم عمد الشافعية رضى الله تعالى عنهم يرفعها اذا بلغ الهمزة من قوله الا الله ويكون قصده بها التوحيد والاخلاص عند كلمة الاثبات* وفيه حديث خفاف رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يشير بها للتوحيد ذكره البيهقى * وقال شمس الائمة الحلوانى رحمه الله تعالى يقيم اصبعه عند قوله لا اله ويضعها عند قوله الا الله فيكون النصب كالنفي والوضع كالاثبات (قلت) وهو حسن والجواب عن الحديث المذكور ان في سنده رجلا مجهولا على انه غير

(*) الظاهر انها بالذال المعجمة من الذعر وهو الطرد منه

ص: 126

ظاهر الدلالة على ما ذكروه بل هو الظاهر فيما ذكره الحلوانى فان التوحيد مركب من نفى واثبات فيكون رفعها اشارة الى احد شقى التوحيد وهو نفى الالوهية عن غير الله تعالى ووضعها اشارة الى الشق الآخر وهو اثبات الالوهية لله تعالى وحده فتقع بها الاشارة الى مجموع التوحيد بخلاف قولهم فانه انما تقع بها الاشارة الى الشق الثاني منه فقط ويخلو وضعها من الفائدة وهو خلاف ظاهر اطلاق كان يشير بها الى التوحيد وجل اللفظ على الظاهر متعين مالم يوجد موجب لحمله على غير ظاهره ولم يوجد هنا* ثم قال الشافعية يسن ان تكون اشارته بالمسبحة الى جهة القبلة* وروى البيهقى فيه حديثا عن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما ولا يجاوز بصره اشارته كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في صحيح ابن حبان وغيره (قلت) وكل منهما حسن ولعل مشايخنا لم يذكروا الاول ولم يصرحوا بالثانى لدخوله في قولهم يكون بصره في القعدة الى حجره والله سبحانه وتعالى اعلم* وقال المحاملي من الشافعية ويسن ان يجعل السبابة في حال الاشارة منحنية وقال بعضهم لما عن مالك ابن نمير الخزاعي عن ابيه انه قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واضعا ذراعه اليمني على فخذه الايمن رافعا اصبعه السبابة قد حناها شيئًا اخرجه ابوداود وصححه ابن حبان وغيره * قلت وليس هذا بصريح فى المطلوب فانه يحتمل ان رؤيته اياها كانت في حال امالتها للوضع بعد التمام لرفعها بل الظاهر ذلك والله تعالى اعلم اهـ كلام المحقق ابن امير حاج مع حذف شيء يسير من كلامه (فهذا) ما تيسر لى الآن جمعه من كلام ائمتنا رحمهم الله تعالى في هذه المسئلة (وحاصله) ان ظاهر الرواية عدم الاشارة اصلا وهو المتبادر من عبارات المتون* وروى عن ائمتنا الثلاثة ابى حنيفة وابى يوسف ومحمد أنه يشير عند التشهد وانه يعقد اصابعه على ما مر من اختلاف الكيفية وظاهر كلامهم أنه لا ينشرها بعد العقد بل يبقيها كذلك لان المذكور فى هذه الرواية العقد ولم يذكروا النشر بعده* ورجح المتأخرون هذه الرواية لتأيدها بالمروى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم* ومعلوم ان مدار سعى المجتهد على العمل بما صح عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولذا نقل العلماء عن امامنا الاعظم وعن باقى الأئمة ان كل واحد منهم قال اذا صح الحديث فهو مذهبي كما نقله الحافظ ابن عبد البر وغيره فحيث صح ذلك عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان العمل به اولى ولذا قال الامام محمد فنصنع كما صنع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو قولى وقول ابي حنيفة فجعله قوله وقول شيخه الامام الاعظم لما صحت روايته وهو اخبر بقول ابى حنيفة فترجح

ص: 127

تلك الرواية الموافقة للمنقول عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعن سائر الائمة المجتهدين فلا جرم ان صرح الشراح بترجيحها واعتمادها وان رجح غيرهم خلافها بناء على ما ذكروه من ان فى الاشارة زيادة عمل لا يحتاج اليه فان ذلك انما يصح علة لعدم الاشارة اذا لم يصح فيها عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم شيء اما بعد الصحة والثبوت فلا يصح اذ لا مجال للرأى مع النص ولذا قال المحقق ابن امير حاج فتضآءل ما ذكروه من العلة قال فى القاموس الضئيل كامير الصغير الدقيق الحقير والنحيف وتضآءل اخفى شخصه قاعدا وتصاغر والضؤلة بالضم الضعيف اهـ ملخصا* اي صغر وضعف ما ذكروه من التعليل في مقابلة النص الصحيح ولذا قال المحقق ابن الهمام ان عدم الاشارة خلاف الدارية والرواية (فان قلت) اذا تعارض ما فى المتون وما فى الشروح فالعمل على ما فى المتون والمنصوص عليه في المتون هو بسط الاصابع (قلت) تعبير المتون ببسط الاصابع يمكن حمله على ما فى الشروح بان يكون المراد بسط الاصابع فى ابتداء التشهد ولا ينافي ذلك سنية الاشارة والعقد عند التلفظ بالشهادة فيكون مقصود المتون بالتصريح ببسط الاصابع الايماء الى خلاف سيدنا الامام الشافعى رحمه الله تعالى كما هو العادة من التصريح بالقيود للاحتراز عن قول القائل بخلافها وهنا كذلك فان الامام الشافعي يقول بسنية عقد الاصابع من حين الجلوس للتشهد لاعند التلفظ بالشهادة* ويفيد ما قلناه ما مر عن النهاية من قوله ثم هل يشير الخ فلم يجعله مخالفا للتعبير ببسط الاصابع بل جعله من محتملاته وكذا ما قدمناه عن الزيلعي من قوله واختلفوا في كيفية وضع اليد اليمنى الخ بعد قول الكنز وبسط اصابعه (والحاصل) ان كلا من الاشارة وعدمها قولان مصححان فى المذهب والقول بها هو الموافق لما صح عن الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم فلذا رجحه جمهور العلماء المتأخرين وان كان القول بعدمها هو الاقوى من حيث النقل عن اهل المذهب وقد علمت مما قررناه أن من قال بالاشارة يقول بالعقد ويدل عليه قول المحقق ابن الهمام والعلامة البرهان الحلبي هذا اى العقد فرع تصحيح الاشارة فقد صرحا بان القول بعقد الاصابع مفرع على تصحيح القول بالاشارة مع تصريحهما قبله بان ذلك هو المروى عن محمد في كيفية الاشارة* فدل على انه ليس ثم اشارة بدون عقد* ويدل عليه ايضا قول منية المصلى فان اشار عقد وكذا قوله البدائع ثم كيف يشير الخ وكذا قول الذخيرة ثم كيف يصنع عند الاشارة الخ فكلهم جعلوا الاشارة على كيفية خاصة وهي العقد المنقول عن ابى جعفر (فان قلت) ما نقلوه عن ابى جعفر يحتمل ان يكون قولا له خاصة

ص: 128

(قلت) يرد ذلك ما قدمناه عن معراج الدراية من قوله قال ابو جعفر ما ذهب اليه علماؤنا اولى الخ فقد نسب كيفية العقد الى علمائنا وحيث اطلق ذلك فالمراد بهم علماؤنا الثلاثة ابو حنيفة وابويوسف ومحمد كما صرحوا بذلك وكذا ما نقلناه عن البرهان الحلبي والمحقق ابن الهمام من ان محمدا نص على ان الكيفية المذكورة قول ابي حنيفة وكذا ما قدمناه عن القهستاني من قوله وعن اصحابنا جميعا انه سنة فيحلق الخ (فعلم) انه ليس لنا قول بالاشارة بدون عقد بل هما قولان عدم الاشارة اصلا والاشارة مع العقد فما مشى عليه فى الدر المختار تبعا للشرنبلالي عن البرهان قول ثالث لم يقل به احد فلا يعول عليه واما ما استند اليه من النقل عن درر البحار وشرحه فالموجود فيه خلافه وهو ان المفتى به الاشارة مع العقد كما اسمعناك عبارته وعبارة شرحه غرر الافكار ومثله ما في شرحه الآخر كما تقدم نقله في عبارة البهنسي حيث عزا ذلك الى شرحى درر البحار والذي سمعنا به من شراح درر البحار. اثنان احدهما الذي نقلت عنه والآخر للعلامة قاسم بن قطلوبغا تلميذ المحقق ابن الهمام فلم يبق له مستند الاعبارة البرهان للشيخ ابراهيم الطرابلسى صاحب الاسعاف وليس هو من اهل الترجيح والتصحيح بل هو من المتأخرين الناقلين فانه من اهل القرن العاشر واذا عارض كلامه كلام جمهور الشارحين من المتقدمين والمتأخرين فالعمل على ما قاله الجمهور فليراجع البرهان حتى يعلم هل قال ذلك تفقها من عنده او نقله عن احد من مشايخ المذهب فان وجدناه قاله تفقها فقد علمنا مخالفته للمنقول فلا يقبل وان كان نقله عن احد ننظر هل يعارض كلامه كلام جمهور اهل المذهب من اهل المتون والشروح الحاكين للقولين فقط (لكن) قد صرح العلامة الشيخ ابراهيم البيرى في شرحه على الاشباه والنظائر بانه اذا اختلف في مسئلة فالعبرة بما قاله الأكثر والله تعالى أعلم (خاتمة) في بيان الحساب بعقد الاصابع ينبغى التنبيه عليه لندرة وجوده فى الكتب مع الاحتياج اليه لوروده في احاديث التشهد وكذا فى حديث الصحيحين فتح البوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا وعقد تسعين وبيان معرفته هكذا * الواحد ضم الخنصر لاقرب باطن الكف منه ممم ضما ممم محكما * الاثنان ضم البنصر معها كذلك * الثلاثة ضمهما مع الوسطى * الاربعة ضمهما ورفع الخنصر* الخمسة ضم الوسطى فقط* الستة ضم البنصر فقط* السبعة ضم الخنصر فقط مدها حتى تصل الى لحمة اصل الابهام* الثمانية ضم البنصر معها كذلك* التسعة ضمهما مع الوسطى كذلك* العشرة جعل طرف السبابة على باطن نصف الابهام * العشرون ادخال الابهام بين السبابة والوسطى بحيث يكون ظفرها بين عقدتى السبابة * الثلاثون الزاق طرف السبابة

ص: 129

بطرف الابهام * الاربعون وضع باطن الابهام على ظاهر السبابة * الخمسون عطف الابهام كأنها راكعة * الستون تحليق السبابة على طرف الابهام الراكعة * السبعون وضع طرف الابهام على وسط السبابة مع عطف السبابة اليها قليلا * الثمانون مد الابهام والسبابة كأنهما ملصقتان خلقة * التسعون ضم طرف السبابة الى اصلها وعطف الابهام عليها ثم انقل الحساب الى اليد اليسرى واجعل المائة كعقد الواحد وهكذا (والحاصل) ان عقد الخنصر والبنصر والوسطى من اليمين للاحاد والسبابة والابهام للمشرات بتبديل كيفية الوضع وكذلك عقد الخنصر والبنصر والوسطى من اليسرى للمئات والسبابة والابهام منها الالوف فغاية ما تجمع اليمني من العدد تسعة وتسعون وما تجمعه اليسرى تسعمائة وتسعة آلاف (هذا) وقد يوجد فى بعض المواضع اختلاف في بعض الكيفيات التي ذكرناها وكأنه اختلاف اصطلاح والله تعالى اعلم (وهذا) آخر ما يسره المولى من هذه الرسالة على عبده الحقير محمد عابدين عفا عنه مولاه * واعطاء ما تمناه * وغفر الله تعالى له ولوالديه * ولمشايخه ولمن له حق عليه * والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم وكان الفراغ منها فى شهر رجب الاصم سنة 1236 ست وثلاثين ومائتين والف والحمد لله رب العالمين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين* وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين (وبعد) فيقول فقير رب العالمين * محمد عابدين * غفر الله تعالى له ولوالديه والمسلمين آمين * قد كنت جمعت رسالة سميتها رفع التردد* في عقد الأصابع عند التشهد * أثبت فيها تصحيح الاشارة مع العقد* نقلا عن كتب ائمتنا الخالية عن النقد* بعبارات صريحة منيعة* وتحقيقات منيفة بديعة* ثم اطلعت الآن على سالة مسماة بتزيين العبارة* لتحسين الاشارة* لخاتمة القراء والفقهاء والمحدثين. ونخبة المحققين والمدققين* سيدى منلا على القاري* عليه رحمة ربه البارى* فرأيته رجح فيها رواية الاشارة بالادلة القوية* من نصوص الفقهاء والسنة السنية حتى ادعى انها متواترة* لورودها من طرق عديدة متكاثرة* لكنه ذكر ان الاشارة بدون عقد قول عندنا ايضا* واشار الى انه لا يرضى* فاردت ان انقل بعض عباراته المهمة* لتكون لتلك الرسالة تتمة* قال اما ادلة الاشارة فمن الكتاب اجماعا قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} اى في طاعة من سواه وقد قال سبحانه وتعالى (من يطع الرسول فقد اطاع الله) ومن السنة احاديث كثيرة منها ما ذكره صاحب المشكاة عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال كان رسول الله

ص: 130

صلى الله تعالى عليه وسلم اذا قعد فى التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين واشار بالسبابة وفسر العقد المذكور بان يعقد الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل الابهام الى اصل المسبحة وفى رواية كان اذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع اصبعه اليمنى التي تلى الابهام يدعو بها اى يشير بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها رواه مسلم وهذا مختار بعض أئمتنا انه يشير من غير قبض الاصابع * قال صاحب المشكاة وعن عبد الله بن الزبير رضى الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اذا قعد يدعو اى يقرأ التحيات وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى واشار باصبعه السبابة ووضع ابهامه على اصبعه الوسطى ويلقم كفه اليسرى ركبته اي يدخل ركبته في راحة كفه اليسرى حتى صارت كاللقمة في كفه وهذا اختيار بعض أهل العلم رواه مسلم ايضا * وعن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحدمرفقه اليمنى عن فخذه اليمنى يعنى جعله منفردا عن فخذه وقبض ثنتين اى من الاصابع وهما الخنصر والبنصر وحلق حلقة اى اخذ ابهامها باصبعه الوسطى كالحلقة ثم رفع اصبعه اي المسبحة ورأيته يحركها اى يشير بها اشارة واحدة عند الجمهور وقت الشهادة واشارات متعددة عند الامام مالك من اول التحيات الى آخرها رواه ابو داود والدارمي وكذا النسائى * وهذا الحديث مأخذ جمهور علمائنا فيما اختاروه من الجمع بين القبض والاشارة وقالوا يرفع المسبحة عند قوله لااله ويضعها عند قوله الا الله لمناسبة الرفع للنفى وملايمة الوضع الاثبات حتى يطابق القول الفعل في التوحيد والتفريد * وعن عبد الله بن الزبير قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يشير باصبعه اذا دعا ولا يحركها رواه ابو داود والنسائي وقال النووى اسناده صحيح وهذا يدل على انه لا يحرك الاصبع اذا رفعها للاشارة الامرة وعليه جمهور العلماء ومنهم الامام الاعظم خلافا للامام مالك على ما سبق* وعن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه قال ان رجلا كان يدعو باصبعيه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (احد احد) بكسر الحاء امر كرر للتأكيد بالوحدة من التوحيد اى اشر باصبع واحدة لان الذى تدعوه واحد واصله وحد قلبت الواو همزة رواه الترمذى والنسائى والبيهقى وعن نافع كان عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما اذا جلس فى الصلاة وضع يديه على ركبتيه واشار باصبعه

ص: 131

واتبعه بصره ثم قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (لهي اشد على الشيطان من الحديد) رواه احمد ومعنى الحديث ان الاشارة بالمسبحة اصعب على الشيطان من استعمال الحديد من السلاح فى الجهاد فكأنه بالاشارة يقطع طمع الشيطان من اضلاله ووقوعه فى الشرك فهذا ما ذكره صاحب المشكاة من الاحاديث في هذا الباب وقد جاء الحديث بطرق كثيرة مها عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما كان صلى الله تعالى عليه وسلم اذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه وقبض اصابعه كلها واشار باصبعه التي تلى الابهام ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى رواه مسلم ومالك فى الموطأ وابو داود والنسائى وقال الباجي روى سفيان بن عيينة هذا الحديث عن مسلم بن ابى مريم وزاد فيه وقال هي مذبة الشيطان لا يسهو احدكم مادام يشير باصبعه قال الباحى ففيه ان معنى الاشارة رفع السهو وقمع الشيطان الذي يوسوس وقيل ان الاشارة معناها التوحيد ذكره السيوطى (اقول) لا منافاة بينهما بل الجمع الحقيقى ان كون معناها التوحيد هو السبب لقمع الشيطان من الوسوسة وايقاع المؤمن في السهو والغفلة وعن وائل ابن حجز انه رأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جلس في الصلاة فافترش رجله اليسرى ووضع ذراعيه على فخذيه واشار بالسبابة يدعو رواه النسائي وفي رواية لابى داود والنسائى وحلق حلقة وفى رواية حلق الابهام والوسطى واشار بالسبابة وعنه ايضا ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمني ثم اشار بسبابته ووضع الابهام على الوسطى وحلق بها وقبض سائر اصابعه رواه عبد الرزاق وعنه ايضا وضع مرفقه الايمن على فخذه الايمن وعقد اصابعه وحلق حلقة في الثالثة وعن عاصم بن كليب عن ابيه عن جده قال دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يصلى قد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى فقبض أصابعه وبسط السبابة وهو يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك رواه الترمذى وروى ابو يعلى عنه وقال فيه بدل بسط يشير بالسبابة وروى البيهقى وابن ماجة بإسناد صحيح ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عقد الخنصر والبنصر ثم حلق الوسطى والابهام انتهى ما اردنا نقله من الاحاديث التي ذكرها منلا على فى رسالته وقد اكثر فيها وحذفنا منها ماليس فيه ذكر العقد ثم قل فهذه احاديث كثيرة بطرق متعددة شهيرة فلاشك في صحة اصل الاشارة لان بعض أسانيدها موجود في صحيح مسلم وبالجملة فهو مذكور فى الصحاح الست مما كاد ان يصير متواترا بل يصح ان يقال انه متواتر معنى فكيف يجوز لمؤمن بالله ورسوله ان يعدل

ص: 132

عن العمل به فيأتي بالتعليل * فى معرض النص الجليل* وهو ما قيل نقلا عن بعض المانعين للاشارة بان فيها زيادة رفع لا يحتاج اليها فيكون الترك اولى لان مبنى الصلاة على الوقار والسكينة وهو مردود بانه لوكان الترك اولى لما فعله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو على صفة الوقار والسكينة في المقام الاعلى ثم لاشك ان الاشارة الى التفريد* مع العبادة بالتوحيد* نور على نور* وزيادة سرور* فهو محتاج اليه* بل مدار الصلاة والعبادة والطاعة عليه* ثم من ادلتها الاجماع اذلم يعلم من الصحابة ولا من علماء السلف خلاف فى هذه المسئلة ولا فى جواز هذه الاشارة. *ولا فى تصحيح هذه العبارة* بل قال به امامنا الاعظم وصاحباه وكذا الامام مالك والشافعي واحمد وسائر علماء الامصار والاعصار* على ماورد به صحاح الاخبار والآثار* وقد نص عليه مشايخنا المتقدمون والمتأخرون فلا اعتداد لما عليه المخالفون ولا اعتبار لما ترك هذه السنة الاكثرون* من سكان ما وراء النهر واهل خراسان والعراق والروم وبلاد الهند ممن غلب عليهم التقليد* وفاتهم التحقيق والتأييد (هذا) وقد ذكر الامام محمد فى موطأه اخبرنا مالك اخبرنا مسلم بن ابي مريم عن على بن عبد الرحمن المعاوى انه قال رآنى عبد الله بن عمر وانا اعبث بالحصى في الصلاة فلما انصرفت نهانى وقال اصنع كما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصنع فقلت كيف كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصنع فقال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه وقبض باصابعه كلها واشار باصبعه التى تلى الابهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى قال محمد وبصنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نأخذو هو قول ابي حنيفة رحمه الله تعالى عليه انتهى وهذا صريح بان الاشارة مذهب ابي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ومفهومه ان ابا يوسف مخالف لما قام عنده من الدليل* وماثبت لديه من التعليل* والله اعلم بصحته* وان لم يكن لنا معرفة بثبوته* لكن نقل الثمنى في شرح مختصر الوقاية انه ذكر ابو يوسف فى الامالى انه يعتقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والابهام ويشير بالسبابة انتهى (فتحصل) ان المذهب الصحيح المختار اثبات الاشارة وان رواية تركها مرجوحة متروكة* قال الامام المحقق كمال الدين ابن الهمام من اجل شراح الهداية وفي صحيح مسلم كان صلى الله تعالى عليه وسلم اذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض اصابعه كلها واشار باصبعه التي تلى الابهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ولاشك ان وضع الكف مع قبض الاصابع لا يتحقق حقيقة فالمراد والله تعالى اعلم وضع الكف ثم قبض الاصابع

ص: 133

بعد ذلك عند الاشارة وهو المروى عن محمد فى كيفية الاشارة حيث قال يقبض خنصره وبنصره والتي تليها ويحلق الوسطى والابهام ويقيم المسبحة وكذا عن ابي يوسف في الامالى وهذا فرع تصحيح الاشارة وعن كثير من المشايخ لا يشير اصلا وهو خلاف الرواية والدراية فمن محمد ان ما ذكره في كيفية الاشارة مما قلناه قول ابى حنيفة رحمه الله تعالى ويكره ان يشير بمسبحتيه وعن الحلوانى يقيم الاصبع عند لا اله ويضعها عند الا الله ليكون الرفع للنفى والوضع للاثبات انتهى كلام ابن الهمام* وقال السغناقي قد نص محمد على هذا يعنى الاشارة بالمسبحة فى كتاب المشيخة وروى فيه حديثا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك ثم قال ونحن نصنع بصنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونأخذ بفعله وهو قول ابى حنيفة وقولنا ثم ذكر كيفية الاشارة كما ذكره ابن الهمام سابقا عن محمد واسندها ايضا الى ابى جعفر الهندواني وفى الزاهدى اتفقت الرواية عن اصحابنا الثلاثة جميعا انه سنة وكذا عن المدنيين والكوفيين وكثرت به الاخبار والآثار فكان العمل بها اولى وكذا نقل السروجى عن اصحابنا وكأنهم ما اعتبروا خلاف من خالف ولم يعتدوا برواية المخالف لمخالفته الآثار الصحيحة والروايات الصريحة وقد قل صاحب مواهب الرحمن في متنه ووضع يديه على فخذيه وبسط اصابعه واشار فى الصحيح ثم المعتمد عندنا أنه لا يعقد يمناه الاعند الاشارة لاختلاف الفاظ الحديث وبه يحصل الجمع بين الادلة فان بعضها يدل على ان العقد من اول وضع اليد على الفخذ وبعضها يشير الى ان لا عقد اصلا مع الاتفاق على تحقق الاشارة فاختار بعضهم أنه لا يعقد ويشير وبعضهم انه يعقد عند قصد الاشارة ثم رجع الى ما كان عليه (والصحيح) المختار عند جمهور اصحابنا انه يضع كفيه على فخذيه ثم عند وصوله الى كلمة التوحيد يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والابهام ويشير بالمسبحة رافعا لها عند النفى وواضعا لها عند الاثبات ثم يستمر على ذلك لانه ثبت العقد عند الاشارة بلاخلاف ولم يوجد امر بتغييره فالاصل بقاء الشيء على ما هو عليه واستصحابه الى آخر امره وقال شارح المنية وصفة الاشارة ان يحلق من يده اليمنى عند الشهادة الابهام والوسطى ويقبض البنصر والخنصر ويشير بالمسبحة او يعقد ثلاثة وخمسين يعنى كالمشير الى هذا العدد بان يقبض الوسطى والبنصر والخنصر ويضع رأس ابهامه على حرف مفصل الوسطى الاوسط ويرفع الاصبع عند النفي ويضعها عند الاثبات انتهى وهو يفيد التخيير بين نوعى الاشارة الثابتين عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو قول حسن* وجمع مستحسن* فينبغى للسالك ان يأتى باحدهما مرة وبالآخر اخرى

ص: 134

وقد اغرب بعضهم حيث عد الاشارة من المحرمات وهذا خطأ عظيم * وجر جسيم * منشأه الجهل عن قواعد الاصول * ومراتب الفروع من النقول فهل يحل لمؤمن ان يحرم ما ثبت من فعله صلى الله تعالى عليه وسلم مما كاد نقله ان يكون متواترا * ويمنع جواز ما عليه عامة العلماء كابرا عن كابر مكابرا * والحال ان الامام الاعظم * والهمام الاقدم * قال لا يحل لاحد ان يأخذ بقولنا مالم يعرف مأخذه من الكتاب والسنة والله سبحانه وتعالى اعلم (فهذا) آخر ما اردنا ايراده من الرسالة التي الفها العلامة المحقق منلا على القارى نور الله تعالى مرقده* وجعل فى اعالى الجنان مقعده * وذلك في ربيع الاول من شهور سنة 1249 تسع واربعين ومائتين والف وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه وتابعيهم * بإحسان على ممر الزمان وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين

ص: 135

تنبيه ذوى الأفهام على أحكام التبليغ خلف الإمام

للعلامة خاتمة المحققين سيدى

السيد محمد امين الشهير بابن

عابدين نفعنا الله

تعالي به

آمين

ص: 137

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين * والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرسول الامين* المنزل عليه فى الكتاب المبين* ان فى ذلك لبلاغا لقوم عابدين* وعلى آله واصحابه جاة ساحة الدين* ما تكررت تلاوة قوله تعالى ياايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك على ألسنة التالين (وبعد) فيقول المفتقر الى رحمة ارحم الراحمين* محمد امين المكنى بابن عابدين * هذه رسالة سميتها تنبيه ذوى الافهام * على احكام البليغ خلف الامام* وقد رتبتها على مقدمة ومقصد وخاتمة اسأله سبحانه ان يختم لنا بالحسنى. وان يرقينا بفضله الى المقام الاسنى* وان يحفظنى من الخطأ في احكامه* بمنه واحسانه وانعامه * آمين (المقدمة) فى دليل مشروعية التبليغ اعلم ان اصل مشروعية التبليغ خلف الامام ما رواه الامام مسلم في صحيحه عن جابر رضى الله تعالى عنه اشتكى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فصلينا ورآءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره وما فيه عنه ايضا صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وابو بكر رضى الله تعالى عنه خلفه فاذا كبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كبر ابو بكر ليسمعنا وما فيه ايضا عن عائشة رضى الله تعالى عنها لما مرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مرضه الذى مات فيه فذكرته الى ان قالت وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي بالناس وابو بكر رضى الله تعالى عنه يسمعهم التكبير ومن هنا قال الاعمش فى قول عائشة رضى الله تعالى عنها الثابت في الصحيحين وكان أبو بكر يصلى وهو قائم بصلاة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والناس يصلون بصلاة ابى بكر والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم قاعد يعنى انه كان يسمع الناس تكبيره صلى الله تعالى عليه وسلم * وفي شرح مسلم للامام النووى قولها وابو بكر يسمع الناس فيه جواز رفع الصوت بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعوه وانه يجوز للمنتدى اتباع صوت المكبر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ونقلوا فيه الاجماع وما اراه يصح الاجماع فيه فقد نقل القاضي عياض عن مذهبهم ان منهم من ابطل صلاة المقتدى ومنهم من لم يبطلها ومنهم من قال ان اذن له الامام في الاسماع صح الاقتداء به والافلا ومنهم من ابطل صلاة المسمع ومنهم من صححها ومنهم من قال ان تكلف صوتا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته وكل هذا ضعيف والصواب جواز ذلك وصحة

ص: 138

صلاة المسمع والسامع ولا يعتبر اذن الامام* قال العلامة ابن امير حاج على انه لا يبعد ان يكون المراد بالاجماع المذكور اجماع الصحابة والتابعين وحينئذ فالظاهر صحته ولا يقدح في نقله اختلاف من سواهم ممن حدث بعدهم من فقهاء المالكية كذا في القول البليغ في حكم التبليغ للسيد احمد الحموى وحديث الصحيحين بتمامه ذكره المحقق ابن الهمام في شرحه على الهداية المسمى بفتح القدير عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود قال دخلت على عائشة فقلت الا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قالت بلى لما ثقل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال اصلى الناس قلت لاهم ينتظرونك للصلاة قال ضعوا لى ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب (*) لينوء فاغمى عليه ثم افاق فقال اصلى الناس فقلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم العشاء الاخيرة قالت فارسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الى ابى بكر رضى الله تعالى عنه ان يصلى بالناس فاتاه الرسول وكان ابو بكر رضى الله تعالى عنه رجلا رقيقا فقال ياعمر صل انت فقال عمرانت احق بذلك فصلى بهم ابوبكر ثم ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين احدهما العباس لصلاة الظهر وابو بكر يصلى بالناس فلما رآه ابوبكر ذهب ليتأخر فاومى اليه ان لا تتأخر وقال لهما اجلسانى الى جنبه فاجلساه الى جنب ابى بكر فكان ابوبكر يصلى وهو قائم بصلاة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والناس يصلون بصلاة ابى بكر والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم قاعد قال عبيد الله فعرضت على ابن عباس حديث عائشة فما انكر منه شيئا غيرانه قال اسمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت لا قال هو على رضى الله تعالى عنه انتهى (قلت) ومعنى قوله والناس يصلون بصلاة ابى بكر كما افاده الامام الزيلعي في شرحه على الكنز في بعض روايات الصحيحين ايضا وهى يقتدى ابوبكر بصلاة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويقتدى الناس بصلاة ابى بكر ان ابا بكر كان مبلغا اذلا يجوز ان يكون للناس امامان في صلاة واحدة الا ترى أنه جاء فى بعض رواياته وابو بكر يسمع الناس تكبيره كما مر وهذا عين مامر عن الاعمش* وفى فتح القدير عن الدراية وبه يعرف جواز رفع المؤذنين اصواتهم في الجمعة والعيدين وغيرهما انتهى ونقل مثله العلامة ابن نجيم في البحر عن المجتبى (بقى) هنا شيء وهو ان ظاهر الحديث ان ابا بكر رضى الله تعالى عنه كان

(*) قوله لينوء اى لينهض بجهد قال فى القاموس ناء نواء وتنواء نهض بجهد ومشقة منه

ص: 139

شرع في الصلاة وحينئذ ففى اقتدائه بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم اشكال لانه لا يجوز للامام الاقتداء بغيره بلا عذر (وقد) اجاب عنه ائمتنا بانه انما تأخر لانه حصر عن القرائة لما احس بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم لكن قال بعض الفضلاء هذا يقتضى جواز استخلاف من ليس في الصلاة مع انه غير جائز اللهم الا ان يكون تقدمه صلى الله تعالى عليه وسلم بعد اقتدائه بابي بكر رضي الله تعالى عنه والله تعالى اعلم (المقصد) اعلم اولا ان الامام اذا كبر للافتتاح فلابد لصحة صلاته من قصده بالتكبير الاحرام والا فلا صلاة له اذا قصد الاعلام فقط فان جمع بين الأمرين بان قصد الاحرام والاعلان للاعلام فذلك هو المطلوب منه شرعا وكذلك المبلغ اذا قصد التبليغ فقط خاليا عن قصد الاحرام فلاصلاة له ولا لمن يصلى بتبليغه في هذه الحالة لأنه اقتداء بمن لم يدخل في الصلاة فان قصد بتكبيره الاحرام مع التبليغ للمصلين فذلك هو المقصود منه شرعا * نقله الحموى عن فتاوى الشيخ محمد بن محمد الغزى الملقب بشيخ الشيوخ* ثم قال وتحقيق ما قاله ان تكبيرة الافتتاح شرط اوركن على الحلاف في ذلك فلا بد في تحققها من قصده بها الاحرام اى الدخول فى الصلاة انتهى* والمراد بقول الغزى لأنه اقتداء الخ اى اتباع صوت المكبر لا الاقتداء الحقيقى كما توهمه بعض المتأخرين والظاهر ان علة فساد من يصلى بتبليغه اجابته لغير المصلى ويمكن ان يكون المراد بالاقتداء ذلك* وفى البحر عن القنية مسجد كبير يجهر المؤذن فيه بالتكبيرات فدخل فيه رجل نادى المؤذن ان يجهر بالتكبير وركع الامام للحال فجهر المؤذن للتكبير فان قصد جوابه فسدت صلاته وكذا لو قال عند ختم الامام قرائته صدق الله وصدق الرسول وكذا اذا ذكر فى التشهد الشهادتين عند ذكر المؤذن الشهادتين تفسد ان قصد الاحابة انتهى * وسيأتي من هذا النوع مزيد فروع* ومثله ما اذا امتثل امر غيره فلو قال للمصلى تقدم فتقدم او دخل فرجة الصف احد فتجانب المصلى توسعة له فسدت صلاته فينبغي ان يمكث ساعة ثم يتقدم برأيه كذا في القهستاني عن الزاهدى ونقله فى الدر المختار جازما به في موضعين وتوقف فيه في موضع آخر بناء على ما جزم به الشرنبلالى من عدم الفساد لكن نقل الفساد الشيخ ابراهيم الحلبى فى شرح المنية عن كتاب التجنيس واقره ونقل عن ذلك الكتاب ان الاجابة بالرأس أو باليد مثله لكن قال وقد يفرغ بانها ليس فيها امتثال امر انتهى والمصرح به ان الاجابة بالرأس لا بأس بها ولم ارمن صرح بخصوص مسئلتنا بسوي ما مر عن الحموى وهذا الفرع اشبه بها من غيره لان الاجابة فيهما بالفعل والله تعالى اعلم

ص: 140

هذا ما يتعلق بتكبيرة الاحرام* واما التحميد من المبلغ والتسميع من الامام وتكبيرات الانتقالات اذا قصد بما ذكره الاعلام فقط خاليا عن قصد الذكر فلا فساد كما ذكره الحموى لانه ليس بجواب بل هو مجرد اخبار ولانه من اعمال الصلاة كما لو استأذن على المصلى انسان فسبح واراد به اعلامه انه في الصلاة او عرض للامام شئ فسبح المأموم لان المقصود به اصلاح الصلاة او يقال ان القياس الفساد ولكنه ترك للحديث الصحيح من نابه شيء في صلاته فليسبح للحاجة لم يعمل بالقياس بخلاف ما اذا سمح او هلل يريد زجرا عن فعل او امرا به فسدت عندهما خلافا لابي يوسف كما في المجتبى * وفى التجنيس والمزيد لصاحب الهداية لو قال سبحان الله بعد ما ناداه صاحبه لا تفسد صلاته لان هذا ليس بجواب بل هو اخبار منه انه في الصلاة * وفيه ايضا ومن استأذن على المصلى فقال الله اكبر او الحمد لله يريد به الاعلام لا تفسد صلاته كما مر فى التسبيح والاصل فيه ما روى عن على رضى الله تعالى عنه انه قال كنت آتي باب حجرة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واستأذن فينادى لى ادخل فان كان في الصلاة يسبح والدليل عليه ان المنادى في الاعياد والجمع يجهر بالتكبير لاعلام القوم ولا تفسد صلاته بذلك جرت العادة بخلاف ما اذا اخبر بخبر يسره فقال الحمد لله لان ذلك جواب لان تقديره الحمد لله على كذا انتهى والفرق بين التحريمة وغيرها حيث لم يصح شروعه بقصده الاعلام فقط انه يصير حينئذ غير ذاكر اصلا وترك الذكر في التحريمة مفسد للشروع بخلاف غيرها تأمل (واعلم) انه اختلف فيما كان ذكرا بصيغته وقصد به الجواب فقال ابو يوسف رحمه الله تعالى لا يكون مفسدا لانه ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته كما لم يتغير عند قصد اعلامه انه في الصلاة مع انه ايضا قصد افادة معنى به ليس هو موضوعا له وعندهما تفسد وهو الصحيح لانه اخرج الكلام مخرج الجواب وهو يحتمله فيجعل جوابا كتشميت العاطس واجاب في فتح القدير عن قول ابى يوسف كما لم يتغير عند قصد اعلامه انه في الصلاة بانه خرج بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم اذا نابت احدكم نائبة وهو في الصلاة فليسبح الحديث اخرجه الستة لا لانه لم يتغير بعزيمة فان مناط كونه من تلام الناس كونه لفظا افيد به معنى ليس من اعمال الصلاة لا كونه وضع لافادة ذلك فيبقى ما رواءه على المنع الثابت بحديث معاوية بن الحكم ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس انما هو التسبيح والتهليل وقرائة القرآن* وكونه لم يتغير بعزيمته ممنوع قال السرى السقطى لى ثلاثون سنة استغفر الله من قولى الحمد لله احترق السوق فخرجت فقيل لى سلمت دكانك فقلت الحمد لله فقلت لنفسى لم لا تغتمى لامر المسلمين

ص: 141

انتهى * اذا علمت ذلك ظهر لك ما فى كلام الحموى حيث علل لمسئلة التسميع والتحميد يقصد الاعلام بأنه ذكر بصيغته فلا يتغير بعزيمته انتهى فانه لا حاجة مع ما قدمناه على انه تخريج على غير الصحيح (تنبيه) قال العلامة ابن امير الحاج في شرح المنية عند قوله جهر الامام بالتكبير الظاهر أنه يريد مطلق التكبير في الصلاة وظاهر البدائع تخصيصه بتكبيرة الافتتاح ثم قال بعد كلام والاوجه ان الجهر بالتكبير مطلوب من الامام فى سائر تكبيرات الصلاة حتى زوائد العيدين ولاسيما في الرفع من السجود ليعلم المأموم مطلقا وجود ذلك منه ويعلم الاعمى من المأمومين انتقالاته من ركن الى ركن ويتابعه فى تكبيرات العيدين واقل درجات طلب ذلك منه الندب والاستحباب والظاهر ان الجهر كما هو مطلوب منه في التكبير كذلك في التسميع لهذا المعنى ثم قال ولقائل ان يقول ويستحب الجهر ايضا بالتكبير والتحميد لواحد من المقتدين اذا كانت الجماعة لا يصل جهر الامام اليهم اما لضعفه او لكثرتهم فان لم يقم مسمع يعرفهم الشروع والانتقالات فينبغى ان يستحب لكل صف من المقتدين الجهر بذلك الى حد يعلمه الاعمى ممن يليهم كما يشهد لهما فى صحيح مسلم رحمه الله تعالى وهو ما قدمناه في بيان مشروعية التبليغ انتهى (الخاتمة) واذ قد علمت مشروعية رفع الصوت بالتبليغ وان التبليغ منصب شريف قد قام به افضل الناس بعد الانبياء والمرسلين ذوى المقام المنيف فلا بدمعه من اجتناب ما احدثه جهلة المبلغين الذين استولت عليهم الشياطين من منكرات ابتدعوها ومحدثات اخترعوها لكثرة جهلهم وقلة عقلهم وعدم اعتنائهم بإحكام ربهم وبعدهم عما هو سبب قربهم وانهاكهم فى تحصيل حطام الدنيا وترك التعلم الموصل الى الدرجات العليا (فمن) ذلك ان بعضهم يجهر بالتكبير عند احرام الامام من غير قصد الاحرام ليعلم الناس وربما يفعل ذلك وهو قاعد او منحن ثم يدخل بعد ذلك في صلاة الامام ولاشك ح ان من لم يكن قريبا من الامام يأخذ من ذلك المبلغ فلا يصح شروعه لانه لم يدخل فى تكبيره فى الصلاة فيكون اقتداء بمن لم يدخل في الصلاة وهو لا يصح كما مر (ومن) ذلك ان بعضهم يكون اعمى وهو بعيد عن الامام فيقعد رجل الى جانب ذلك المبلغ الاعمى ويعلمه بانتقالات الامام والاعمى يرفع صوته ليعلم المأمومين كما شاهدت ذلك في مسجد دمشق وعلى ما مر تكون صلاة المبلغ فاسدة لاخذه من الخارج وكذلك صلاة من اخذ من ذلك المبلغ (ومن) ذلك اللحن بالفاظ التكبير والتحميد اما التكبير فان اكثرهم يعد همزة الجلالة وباء اكبر وتارة عمدون همزته ايضا وتارة يحذفون الف الجلالة التي بعد اللام الثانية

ص: 142

وتارة يحدفون هاءها ويبدلون همزة اكبر بواو فيقولون اللاواكبر قال العلامة الشيخ حسن الشرنبلالى فى منظومته في الصلاة المسماة بدر الكنوز

وعن ترك ها واو لهاء جلالة * وعن مد همزات وباء باكبر

قوله وعن ترك متعلق بقوله خالص في البيت قبله وقال في شرحها المراد بالهاوى الا لقب الناشئ بالمد الذي في اللام الثانية من الجلالة فاذا حذفه الحالف او الذابح او المكبر للصلاة او حذف الهاء من الجلالة اختلف فى انعقاد يمينه وحل ذبيحته وصحة تحريمه فلا يترك ذلك احتياطا وبعد همزه لا يكون شارعا فى الصلاة وتبطل الصلاة بحصوله في أثنائها وبمد الباء يكون جمع كبر وهو الطبل فيخرج عن معنى التكبير او هو اسم للحيض او اسم للشيطان فيثبت الشركة فتنعدم التحريمة انتهى. وفى شرح المنية لابن امير حاج واما المد فلا يخلو من ان يكون فى الله او فى اكبر وان كان فى الله فلا يخلو من ان يكون في اوله او فى وسطه او فى آخره فان كان فى اوله فهو مفسد للصلاة ولا يصير شارعا به وان كان لا يميز بينهما لا يكفر لان الاكفار به بناء على انه شاك في مضمون هذه الجملة فحيث كان جازما فلا اكفار وان كان فى وسطه فهو صواب الا انه لا يبالغ فيه فان بالغ حتى حدث من اشباعه الف بين اللام والهاء فهو مكروه قيل والمختار أنها لا تفسد وليس ببعيد وان كان في آخره فهو خطأ ولا تفسد ايضا وعلى قياس عدم الفساد فيهما يصح الشروع بهما وان كان المد فى اكبر فان كان في اوله فهو خطأ مفسد للصلاة وهل يكفر اذا تعمده قبل نعم للشك وقيل لا ولا ينبغي ان يختلف في انه لا يصح الشروع به وان كان في وسطه حتى صار اكبار لا يصير شارعا وان قال في خلال الصلاة تفسد وفي زلة القارى للصدر الشهيد يصير شارعا لكن ينبغي ان يكون هذا مقيدا بما اذا لم يقصد به المخالفة كما نبه عليه محمد بن مقاتل وان كان في آخره فقد قيل تفسد صلاته وقياسه ان لا يصح الشروع به ايضا انتهى والظاهر ان ما في زلة القارى مبنى على ما قيل جمع كير كما نقله فى النهر قال واذا كان كذلك فلا اثر لارادته المخالفة في اللفظ فقط قال وفى القنية لا تفسد لأنه اشباع وهو لغة قوم واستبعده الزيلعي بانه لا يجوز الا فى الشعر انتهى * ونقل في فتح القدير عن المبسوط الفساد وكذا فى البحر ومشى عليه في المنية وذكر الشيخ ابراهيم في شرحها انه الا صح * والحاصل انه لو قال الله اكبر مع الف الاستفهام لا يصير شارعا بالاتفاق كما صرح به في التتارخانية ولو قال اكبار فعلى الخلاف * واما اللحن فى التسميع فهو ما يفعله عامتهم الا الفرد النادر منهم فيقولون رابنا لك الحامد بزيادة الف بعد راء ربنا والف بعد حاء الحمد اما الثانية فلاشك في كراهتها واما الاولى فلم أر من نبه عليها ولو قيل انها مفسدة

ص: 143

لم يكن بعيدا لان الراب بتشديد الباء زوج الام كما في الصحاح والقاموس وهو مفسد للمعنى الا ان يقال يمكن اطلاقه عليه تعالى وان لم يكن واردا لانه اسم فاعل من التربية فهو بمعنى رب وعلى كل حال فجميع ما ذكرناه لا يحل فعله وما هو مفسد منه يكون ضرره متعديا إلى بقية المتقدين ممن يأخذ عنه كما مر (ومن) ذلك مسابقته الامام في الرفع من الركوع والسجود وان كان قريبا منه وذلك مكروه لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم (لا تبادرونى بالركوع والسجود) وقوله عليه الصلاة والسلام (اما يخشى الذي يركع قبل الامام ويرفع ان يحول الله رأسه رأس حمار) كذا في البحر عن الكافي قال وهو يفيد انها كراهة تحريم للنهى المذكور اى وللوعيد (ومن) ذلك رفع الصوت زيادة على قدر الحاجة بل قد يكون المقتدون قليلين يكتفون بصوت الامام فيرفع المبلغ صوته حتى يسمعه من هو خارج المسجد وقد صرح في السراج بان الامام اذا جهر فوق حاجة الناس فقد اساء انتهى فكيف بمن لا حاجة اليه اصلا (ومن) ذلك اشتغالهم تحرير النغمات العجيبة والتلاحين الغريبة مما لا يتم الا بتمطيط الحروف واخراجها من محالها ولكنهم تارة يفعلون ذلك في حرف المد فيمدون الف الجلالة سيما عند القعدتين فانهم يمدونها مدا بليغا وقد مر حكم نفس هذا المدانه مكروه وانه لا يفسد على المختار وتارة يفعلونه في غير حرف المد وهو على التفصيل السابق، واما مجرد تحسين الصوت فلا يضر* قال فى الذخيرة ان كانت الالحان لا تغير الكلمة عن موضوعها ولا تؤدى الى تطويل الحروف التي حصل الغنى بها حتى يصير الحرف حرفين بل لحنة تحسين الصوت وتزيين القرائة لا توجب فساد الصلاة وذلك مستحب عندنا في الصلاة وخارج الصلاة وان كان يغير الكلمة من موضعها يوجب فساد الصلاة لان ذلك منهى وانما يجوز ادخال المد فى حروف المد واللين والهوائية والمعتل نحو الالف والواو والياء انتهى* وفى اذان شرح هدية ابن العماد للعارف بربه تعالى سيدى عبد الغني النابلسى قال والدى رحمه الله تعالى وقد صرحوا بانه لا يحل التغنى بحيث يؤدى الى تغيير كلماته واما تحسين الصوت فلا بأس به من غير تغن كما فى الخلاصة وظاهره ان تركه اولى لكن في صدر الشريعة لا ينقص شيئا من حروفه ولا يزيد فى اثنائه حرفا وكذا لا يزيد ولا ينقص من كيفيات الحروف كالحركات والسكنات والمدات وغير ذلك تحسين الصوت فاما مجرد تحسين الصوت بلا تغيير لفظ فانه حسن وفى الفتح وتحسين الصوت مطلوب ولا تلازم بينهما انتهى ثم قال وفي ملتقط الناصري وتجوز القرائة بالالحان اذا لم تغير المعنى ويندب اليه قال عليه السلام (زينوا القرآن باصواتكم) وفى البحر من كتاب

ص: 144

الشهادات واما القرائة بالالحان فاباحها قوم وحظرها قوم والمختار ان كانت الألحان لا تخرج الحروف عن نظمها وقرائتها فمباح والا فغير مباح كذا ذكر* قال وقدمنا في باب الاذان ما يفيد ان التلحين لا يكون الا مع تغيير مقتضيات الحروف فلا معنى لهذا التفصيل انتهى كذا ذكره العارف قدس سره * وماذكره في البحر من ان التلحين لا يكون الا مع التغيير اخذه من فتح القدير قال وهو صريح في كلام الامام احد فانه سئل عنه فى القرائة فمنعه فقيل له لم قال ما اسمك قال محمد قال ايعجبك ان يقال لك يا مو حامد قالوا واذا كان لم يحل له فى الاذان ففي القرائة اولى وح لا يحل سماعها ايضا انتهى* قال سيدى عبد الغني النابلسي في موضع آخر ان الاذان والاقامة والتسبيحات خلال الصلاة والادعية جميعها والخطبة وقرائة القرآن وذكر الله تعالى كل ذلك لا يجوز فيه التمطيط والتغيير في الحروف والكلمات والزيادة فى المد والنقصان منها لاجل هذا المستحب المستفاد من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (زينوا القرآن باصواتكم) ونحوه من الاحاديث فان التغيير والتمطيط حرام وتحسين الصوت مستحب ولا يرتكب الحرام لاجل المستحب انتهى* هذا وذكر في فتح القدير بعد ما قدمناه عنه عن الدراية من جواز الرفع ما نصه* اقول وليس مقصوده خصوص الرفع الكائن في زماننا بل اصل الرفع لابلاغ الانتقالات اما خصوص هذا الذى تعارفوه فى هذه البلاد فلا يبعد انه مفسد فانه غالبا يشتمل على مد همزة الله اكبر او بائه وذلك مفسد وان لم يشتمل لانهم يبالغون في الصياح زيادة على حاجة الابلاع والاشتغال بتحريرات النعم اظهارا للصناعة النغمية لا اقامة للعبادة والصياح ملحق بالكلام الذى بساطه ذلك الصياح وسيأتى فى باب ما يفسد الصلاة انه اذا ارتفع بكاؤه من ذكر الجنة والنار لا تفسد ولمصيبة بلغته تفسد لانه فى الاول يعرض بسؤال الجنة والتعوذ من النار وان كان يقال ان المراد اذا حصل به الحروف ولو صرح به لا تفسد وفى الثانى لاظهارها ولو صرح بها فقال وامصيبتاه او ادركونى افسد فهو بمنزلته وهنا معلوم ان قصد، اعجاب الناس به ولو قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريرى فيه أفسد وحصول الحرف لازم من التلحين ولا ارى ذلك يصدر ممن فهم معنى الدعاء والسؤال وما ذلك الا نوع لعب فانه لو قدر سائل حاجة من ملك ادى سؤاله وطلبه بتحرير الغم فيه من الرفع والخفض والتغريب والرجوع كالتغنى نسب البتة الى قصد السخرية واللعب اذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغنى* انتهى كلام المحقق ابن الهمام ونقله عنه في النهر واقره عليه واقره عليه غيره وكذا قال تلميذه العلامة ابن امير حاج وقد اجاد رحمه الله تعالى

ص: 145

فيما أوضح وافاد ولم ار احدا تعقبه سوى السيد احمد الحموى فانه قال اقول في كون الصياح بما هو ذكر ملحقا بالكلام فيكون مفسدا وان لم يشتمل على مد همزة الله او باء اكبر نظر فقد صرح في السراج بان الامام اذا جهر فوق حاجة الناس فقد اساء انتهى والاسائة دون الكراهة لا توجب فسادا على ان كلامه يؤول بالآخرة الى ان الافساد انما حصل بحصول الحرف لا بمجرد رفع الصوت زيادة على حاجة الابلاغ والقياس على من ارتفع بكاؤه لمصيبة بلغته غير ظاهر لان ما هنا ذكر بصيغته فلا يتغير بعزيمته والمفسد للصلاة الملفوظ لا عزيمة القلب على ما تقدم بخلاف ارتفاع الصوت بالبكاء لمصيبة بلغته فانه ليس بذكر فتغير بعزيمته على ان القياس بعد الاربعمائة منقطع فليس لأحد بعدها ان يقيس مسئلة على مسئلة كما صرح به العلامة زين بن نجيم في رسائله انتهى (قلت) وبالله تعالى التوفيق (اما) ما ذكره من النظر فساقط لان المحقق لم يجعل مبنى الفساد مجرد الرفع بل زيادة الرفع الملحق بالصياح المشتمل على النعم مع قصد اظهاره لذلك والاعراض عن اقامة العبادة فقول المحقق والصياح ملحق بالكلام اى الصياح المشتمل على ما ذكر بدليل سوابق الكلام ولواحقه وبدليل قوله وهنا معلوم ان قصده اعجاب الناس به الى آخره اذ لا اعجاب فى مجرد الصياح الخالي عما ذكر فتعين ان المراد بالصياح ما ذكر كما لا يخفى واما قوله على ان كلامه الخ فممنوع لان المحقق الكمال فمثل بان الحرف لازم من التلحين كما هو صريح كلام الامام احمد ووافقه عليه في البحر ولكنك قد علمت انه جعل مبنى الفساد الصباح المشتمل على الغم وان مجرد ذلك كاف في الفساد وانما لم يبنه على حصول الحرف لان ذلك الحرف اللازم من التلحين لا يلزم ان يكون مفسدا لانه قد يحصل التلحين بزيادة الالف التي بعد اللام من الجلالة وذلك غيره فسد كما قدمناه فلذا قال المحقق في صدر عبارته فانه غالبا يشتمل على مد همزة الله اكبر او بائه وذلك مفسد وان لم يشتمل الخ فالمد المفسد هو ما ذكره مما يلزم غالبا وغير الغالب ما لا يكون مفسدا مما قلناه بناء على ان قوله غالبا قيد ليشتمل بعد تعلق الجار به فليس معناه انه من غير الغالب لا يشتمل على شيء لمنافاته دعوى اللزوم فقد ظهر ان قوله وحصول الحرف لازم من التلحين لا يصلح مناطا للافساد لما علمته بل انما ذكره بيانا لما يستلزمه ذلك المفسد السابق مما قد يكون مفسدا في نفسه وان فرض عدم افساد الملزوم فحاصل كلام المحقق ان الاشتغال بتحرير الغم والتلحين والصياح الزائد على قدر الحاجة لا القصد القربة بل ليعجب الناس من حسن صوته ونغمه مفسد من وجهين الاول ما يلزم من التلحين من حصول الحرف المفسد غالبا والثانى عدم قصد اقامة العبادة وان لم يحصل من تلحينه حرف مفسد كما يدل عليه ما ذكروه من الفساد فى ارتفاع البكاء لمصيبة فاذا لم يحصل الفساد من التلحين بان كان

ص: 146

فيه حرف غير مفسد الذي هو غير الغالب فالفساد للوجه الثاني لازم واما قوله في تعليل عدم ظهوره لان ماهنا ذكر بصيغته الخ فكلام ساقط لانك قد علمت سابقا ان ذلك مبنى على قول أبى يوسف وقد نقضه الفقهاء سائل تظهر لمن يراجع شروح الهداية والبحر ونحوها من المطولات والصحيح قولهما فان مناط كونه من كلام الناس كونه لفظا افيد به معنى ليس من اعمال الصلاة لا كونه وضع لافادة ذلك كما مر عن الفتح ولذا قال فى النهر في ترجيح قولهما الا ترى ان الجنب اذا قرأ الفاتحة على قصد الثناء جاز انتهى (واما) قوله على ان القياس بعد الاربعمائة منقطع فنقول بموجبه ولا نسلم ان ما ذكره المحقق من هذا القبيل* اما او لا فانه لم يجزم بالفساد بل قل لا يبعد أنه مفسد * واما ثانيا فلانه وان كان مراده الجزم بالفساد فقد بناء على ما ذكره من الاصل لانطباقه عليه بل كم من مسئلة لم يوجد فيها نص عن المتقدمين يبحثون في بيانها بحسب ما يظهر لهم وتختلف فيها آراؤهم من غير نكير فهذه المسئلة كغيرها من المسائل التي لم يوجد فيها نص عن المقدمين وقد جرت عادته كغيره ممن له احاطة بأصول المذهب ومهارة بالفروع البحث في بعض المسائل كقوله ينبغي ان يكون الحكم كذا ومقتضى القواعد كذا وكذا ابن نجيم واضرا به يقول كذلك في البحر والاشباه فلو كان ذلك من القياس كيف يسوغ له استعماله مع ما ذكره من ان القياس انقطع على انه قال فى آخر الحاوى القدسى ونقله عنه ايضا العلامة التمرتاشي في كتابه معين المفتى ما نصه بعد كلام قبله ومتى لم يوجد فى المسئلة عن ابي حنيفة رواية يؤخذ بظاهر قول ابى يوسف ثم بظاهر قول محمد ثم بظاهر قول زفر والحسن وغيرهم الأكثر فالاكثر هكذا الى آخر من كان من كبار الاصحاب واذا لم يوجد في الحادثة عن واحد منهم جواب ظاهر وتكلم فيه المشايخ المتأخرون ولا واحدا يؤخذ به نان اختلفوا يؤخذ بقول الاكثرين ثم الاكثرين وما اعتمد عليه الكبار المعروفون منهم كابي حفص وابي جعفر وابى الليث والطحاوى وغيرهم ممن يعتمد عليه وان لم يوجد منهم جواب البتة ينظر المفتى فيها نظر تأمل واجتهاد ليجد فيها ما يقرب الى الخروج عن العهدة ولا يتكلم فيها جزافا الى آخر ما ذكره وفى اول التتارخانية عن التهذيب لو اختلف المتأخرون يختار واحدا من ذلك فلو لم يجد من المتأخرين يجتهد برأيه اذا كان يعرف وجوه الفقه ويشاور اهل الفقه ولا يخفى على ذوى الافهام علو مرتبة المحقق ابن الهمام من طول باعه وسعة اطلاعه وما بالك بامام له قوة على ترجيح ما خالف المذهب بحسب ما يظهر له من الدليل وان كنا لا نقبله منه كما نص عليه تلميذه العلامة قاسم بن قطلوبغا لانا مقلدون لابي حنيفة

ص: 147

افلا يقبل منه ما هو معقول لا يعارضه شئ من المنقول بل موافق لما ذكروه لنا من ان الصحيح ان الثناء يتغير بالعزيمة وما فرعوا عليه من الفروع ففى البحر عن الظهيرية ولو وسوسه الشيطان فقال لا حول ولا قوة الا بالله ان كان ذلك لأمر الآخرة لا تفسد وان كان لأمر الدنيا تفسد خلافا لابي يوسف ولو عوذ نفسه بشيء من القرآن للحمى ونحوها تفسد عندهم انتهى وفى الذخيرة اذا فتح على رجل ليس هو فى الصلاة اصلا فهو على وجهين ان اراد به التعليم تفسد صلاته وان لم يرد به التعليم وانما اراد به قراءة القرآن لا تفسد اما اذا اراد به التعليم فلانه ادخل في الصلاة ما ليس من افعالها لان الذى يفتح كأنه يقول بعد ما قرأت كذا وكذا فخذ منى والتعليم ليس من الصلاة فى شئ وادخال ما ليس من الصلاة في الصلاة يوجب فساد الصلاة انتهى وذكر قبل هذا في وجه قول الامام ابى حنيفة ومحمد بالفساد فيما لو اخبر بخبر يسره فقال الحمد لله لان الجواب ينتظم الكلام فيصير كأنه قال الحمد لله على قدوم ابى مثلا ولو صرح به يفسد كذا هذا او نقول ان الكلام يبنى على قصد المتكلم فمتى قصد بما قاله التعجب يجعل متعجبا لا مسبحا فان قال سبحان الله على قصد التعجب كان متعجبا لا مسبحا الا يرى ان من رأى رجلا اسمه يحيى وبين يديه كتاب موضوع قال يا يحيى خذ الكتاب بقوة واراد خطابه لا يشكل على احد انه متكلم وليس بقارئ وكذلك اذا كان الرجل فى سفينة وابنه خارج السفينة وقال يا بني اركب معنا واراد خطابه يجعل متكلما لا قارئا الى آخر ما ذكره من الفروع ولا يخفى عليك ان التوجيه الثاني المصرح به في الذخيرة مما يدل على انه ليس المفسد خصوص ما كان جوابا او اظهارا لمصيبة كما يتوهم من ظاهر عباراتهم والا لاقتصر على التوجيه الاول وهنا كذلك اذا قصد الاعجاب بصوته كان معجبا لا ذاكرا فسئلتنا وان لم ينصوا عليها فهي داخلة تحت هذا التوجيه كما لا يخفى على نبيه ومن القواعد المقررة ان مفاهيم الكتب معتبرة وليس كل مسئلة مصرحا بها فان الوقائع والحوادث تتجدد بتجدد الازمان ولو توقف على التصريح بكل حادثة لشق الامر على العباد بل يذكرون قواعد كلية تندرج فيها مسائل جزئية فيجوز للمفتى استخراجها من ذلك كما يشهد بذلك ما قدمناه عن الحاوى القدسى ولاشك ان هذا المبلغ اذا لم يقصد اقامة لقربة بل قصد مجرد الاعجاب بصوته والاشتغال بالتلحين والتنغيم لا يكون ذاكرا كما قلنا فيبنى كلامه على قصده وان لم يحصل منه زيادة حرف مفسدة وليس ذلك من باب القياس الذي انسد بابه واذا قال سيدى عبد الغني النابلسى قدس الله تعالى سره في شرحه

ص: 148

على هدية ابن العماد فى بحث شروط الصلاة عند الكلام على مسئلة ذكرها بحثا ان بعض المسائل يكلونها الى فهم المفتى والمدرس والمؤلف اذ هم اكمل المتفقهة فيكملون بفهومهم المسائل الناقصة فى التعبير كما هو دأب كل خبير ثم قال فان المسائل المدونة فى الفقه انما يتكلمون عليها من حيث كلياتها لا من حيث جزئياتها فلا يقال في الجزئيات التى انطبق عليها احكام الكليات انها غير منقولة ولا مصرح بها فكم من جزئى تركوا التنبيه عليه لانه يفهم من حكم كلى آخر بطريق الاولوية كهذه المسئلة وهذا الاعتبار جار في جميع نظائره من ابحاثنا التي نذكرها في هذا الكتاب وغيره وفرق بين تطبيق الكليات على الجزئيات وبين التخريج بان التطبيق المذكور تفسير المراد من نفس الكلى معنى اولوية والتخريج نوع قياس والله تعالى الموفق الى الصواب والدافع الارتياب انتهى كلامه قدس سره ونفعنا به وفى هذا القدر المقصود منه نصرة كلام المحقق بل نصرة الحق ان شاء الله تعالى كفاية والله تعالى ولى التوفيق والهداية وهذا الذي ذكرناه من المنكرات التى يفعلها المبلغون نبذة من قبائحهم التي تعارفوها في نفس الصلاة واما ما يفعلونه خارجها بعد الصلوات وفى الاذان وغير ذلك كالغناء في المنارة الذى يسمونه مولد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم واخذ الاجرة عليه وغير ذلك مما يوجب فسقهم وعدم الثقة باقوالهم واعلامهم بدخول الاوقات سيما مع عدم الاحتياط فيها مما يؤدى الى عدم حل الافطار للصائم والشروع بالصلاة من غير غلبة الظن لعدم عدالتهم كما نبه على ذلك سيدى عبد الغني النابلسى نفعنا الله تعالى به فشئ كثير لسنا الآن بصدده نسئله سبحانه وتعالى ان يحفظنا من الزيغ والزلل وان يمن علينا وعلى والدينا ومشايخنا بحسن الخاتمة عند تناهى الاجل هذا آخر ما اردنا ايراده في هذه الرسالة والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وكان الفراغ من تسويدها ليلة السبت غرة محرم الحرام سنة 1226

ص: 149

الرسالة السابعة

شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل

تأليف اعلم العلماء

افضل الفضلاء السيد الشريف

السيد محمد عابدين عليه

رحمة ارحم الراحمين

آمين

صورة ما كتبه سيدنا المؤلف رحمه الله تعالى على نسخته التي بخطه الشريف بيان عدد الكتب التي جمعت منها هذه الرسالة سوى التي راجعتها ولم انقل عنها اسردها هنا وان كنت عزوت كل مسئلة الى محلها ليزداد الواقف عليها ثقة بذكر مجموعتها وقد نافت على خمسين كتابا وهي شرح البخارى للعينى شرح مجمع الآثار، شرح الكنز الزيلعي، شرحه لا من نجيم. شرحه المقدسي، شرح المجمع لابن مالك * معراج الدراية * فتح القدير* الدر المختار، شرح الوهبانية لابن الشحنة * وللمصنف* الذخيرة البرهانية * الظهيرية * الولوالجية* الخانية * الخلاصة * البزازية * القنية * خزانة الفتاوى لمختصر منتقى الفتاوى * فتاوى العلامة قاسم * انفع الوسائل * تاتار خانية * الشرنبلالية * بلوغ الارب للشرنبلالى * التبيان للنووى * حاشية الرملى على البحر جامع الفتاوى * الطريقة المحمدية * شرحها للاستاذ عبد الغنى * تبيين المحارم * نور العين * هدية الصعلوك شرح تحفة الملوك * مجموعة فتاوى لابن حجر* شرح المنهج الشيخ الاسلام زكريا * ايقاظ النائمين للبركوى * الهداية * الكنز * المجمع * المختار* مواهب الرحمن * الملتقى * الايضاح * الوقاية * التنوير، القاموس، الفتاوى الخيرية * شرح الغاية للخطيب الشربينى * شرح الاشباء للمبيرى * حاشية المنتهى * شرح الملتقى للباقانى * الجوهرة شرح القدوري الحدادي * شرح الطريقة المحمدية لرجب افندى * الاختيار شرح المختار *

ص: 151

الرسالة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي سلك بعباده المؤمنين السبيل الاقوى. واحلهم في الرتبة القصوى. والزمهم كلمة التقوى * والصلاة والسلام على المرسل رحمة للعالمين * وقدوة للعالمين العاملين * وعلى آله واصحابه الذين بذلوا نفوسهم لمرضاته * واوضحوا السبيل لمن رام تقوى الله حق تقاته * وعبدوا الله مخلصين له الدين * وبذلوا النصيحة لعامة المؤمنين * ولم يأخذوا على ذلك اجرا ولا عوضا * ولم يشركوا بعبادة ربهم احدا ولم يطلبوا عرضًا ولا غرضا * وعلى سائر الائمة * هداة هذه الامة * الذين حازوا من هذا القسم اوفر نصيب * وقام منهم على كل غصن من اغصان الشريعة عندليب * وعلى كل منبر من منابر التوحيد خطيب * فالعيش في ساحتهم عيش خصيب * مذ بينوا المعروف والمنكر * وجاهدوا فى الله الجهاد الاكبر * ولم تأخذهم فيه لومة لائم * ولا سطوة ملك جبار قاصم * ولم يداهنوا في الدين * ولم يكتموا الحق المبين * بل ارشدوا واخلصوا لله فى الطاعات * وآمنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا بالحق وتوصوا بالصبر * ففازوا بعزيز النصر * وجزيل الاجر * (اما بعد) فيقول محمد امين * الشهير بابن عابدين * الماتريدى الحنفى * منح اللطف الخفى * والخير الوفى * والبر الحفى * لما وقع فى دمشق وغيرها الطاعون العام * عام تسعة وعشرين ومائتين والف وقبله بعام * رأيت الناس مقبلين على الوصية بالختمات والتهاليل * مع اعتقادهم بانها من اعظم ما يتقرب به إلى الله الجليل * وكان من سابق لي في ذلك شبهة قوية * بناء على قواعد ائمتنا الحنفية * فاردت ان انبه عليها وان لم يجد نفعا * لعلمى بان مغاير المألوف منكر طبعا * ولكن كثيرا من المسائل * لا تكاد تجد عنها من مسائل * وقد بينها الائمة الاوائل* وايدوها بالحجج والدلائل * خدمة لصاحب الشرع الشريف * واعتناء بقدره العلى المنيف * ورهبة مما ورد في الكتمان * ورغبة فيما اعد لاهل البيان * ولم آت بشئ بدون مستند * ولم استند الا لنقل صحيح معتمد * فاقسم بالله العظيم على من رأى ما اقول * واطلع على ما سطرته من النقول * ان ينظر بعين الانصاف * ويجانب سبيل الاعتساف * ويعيد النظر مرة بعد مرة * ويكرر التفكر كرة بعد كرة * ويلاحظ انه موقوف للحساب * مسئول عن الجواب * كيلا يصده الطمع في الدنيا الفانية * عما ينفعه في الآخرة الباقية * وان ينظر لما قيل لا لمن قال *

ص: 152

وان يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال * فان رآه صوابا فليد عن * والا فليدلل على ما يدعيه وليبرهن * بنقل صالح المعارضة ما اقول * ولما اثبته من صريح النقول * ولا يقتصر على ان ذلك مشتهر معروف * فكم من منكر مألوف * والعرف الطارئ ليس من الحجج الاربعة الشرعية * فما بالك ان خالف الأدلة النقلية والعقلية * وانى وربي شاهد مريد اظهار الحكم الشرعى * والخروج من عهدة اداء الواجب المرعى * ولم ارد تقبيح فعل احد بعينه * ولا اظهار زيفه وشينه * فمن ظن بي خلاف ذلك او نال منى * فقد جعلت ربه خصما عنى * والى الله مرجعنا * والموقف يجمعنا * على انى لم آت بشئ لم اسبق اليه * ولم ينبه احد عليه * بل وجدت لى قدوة هو أجل امام

(1)

* قد سبقنى الى ذلك بمئين من الاعوام * وهو الذي حرك لى همة تقاعدت منذ زمان * عن اظهار ذلك مخافة ان الفكر قد خان * ولما جددت العزم تواردت لي على ذلك الادلة * فاتضح الحق وضوح الشمس حيث لا في السماء علة * وجمعت هذه الرسالة * وحررت هذه العجالة * فجاءت بحمد الله تعالى قرة لعين قاريها * ودرة لتاج داريها * (ووسمتها بشفاء العليل * وبل الغليل * في حكم الوصية بالختمات والتهاليل) صانها الله تعالى عن حسود يصده حسده عن الانصاف * وعن بعيد عن قبول الحق والاذعان به والاعتراف * وجعلها ذخرا لى يوم التناد * وسؤال الخلق عن حقوق الحق والعباده وعليه اعتمادي * والى كرمه استنادى * وهو ملجأى ومأمولى * ومقصدى ومسئولى * فى ان يحفظني عن الخطأ والخلل * ويلهمنى حجتى عند حلول الأجل * وقد رتبتها على مقدمة وفصلين ومقصد وخاتمة * وتتمة لبعض فروع مهمة * فاقول (المقدمة) فى دليل جواز اخذ الاجرة على الطاعة وعدمه وما فيه من الاختلاف ذكر الامام البخاري في كتابه الجامع الصحيح باب ما يعطى فى الرقية على احياء العرب بفاتحة الكتاب وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم احق ما اخذتم عليه اجرا كتاب الله وقال الشعبي لا يشترط المعلم الا ان يعطى شيئًا فيقبله وقل الحكم لم اسمع احدا كره اجر المعلم واعطى الحسن عشرة دراهم ثم ذكر بسنده حديث الرهط الذين نزلوا على حى فلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فطلبوا من الرهط فقال بعضهم نعم والله انى لارقى ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما انا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشى وما به قلبة اى علة

(1)

هو الامام العلامة الشيخ محمد البركوى صاحب الطريقة المحمدية وغيرها من المؤلفات السنية منه.

ص: 153

وفيه انه عليه الصلاة والسلام اقرهم وقال قد اصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما (وذكر) شارحه العلامة محمود العينى انه قد اختلف فى اخذ الاجر على الرقية بالفاتحة وفي اخذه على التعليم فاجازه عطاء وابو قلابة وهو قول مالك والشافعى واحمد وابى ثور ونقله القرطبي عن ابي حنيفة في الرقية وهو قول اسحاق وكره الزهرى تعليم القرآن بالاجر وقال ابو حنيفة واصحابه لا يجوز ان يأخذ على تعليم القرآن * وقال الحاكم من اصحابنا في كتابه الكافى ولا يجوز ان يستأجر رجلا ان يعلم اولاده القرآن والفقه والفرائض أو يؤمهم في رمضان او يؤذن * وفى خلاصة الفتاوى ناقلا عن الاصل لا يجوز الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والاذان والتذكير والحج والغزو يعنى لا يجب الاجر وعند اهل المدينة يجوز وبه اخذ الشافعي ونصير وعصام وابو نصر الفقيه وابو الليث رحمهم الله تعالى * والاصل الذي بنى عليه حرمة الاستئجار على هذه الاشياء ان كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها لان هذه الاشياء طاعة وقربة تقع عن العامل قال الله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} فلا يجوز اخذ الاجرة كالصوم والصلاة واحتجوا على ذلك باحاديث منها ما رواه احمد في مسنده عن عبد الرحمن بن شبل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تستكثروا به) ورواه اسحاق بن راهويه ايضا في مسنده وابن ابى شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما ومن طريق عبد الرزاق رواه عبد بن حميد وابو يعلى الموصلى والطبرانى * ومنها ما رواه البزار في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعا نحوه * ومنها حديث رواه ابو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلى عن عبادة عن الاسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه قال علمت ناسا من اهل الصفة القرآن فاهدى الى رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وارمى بها في سبيل الله فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (ان اردت ان يطوقك الله طوقا من نار فاقبلها) ورواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه واخرجه ابو داود من طريق آخر * ومنها ما رواه ابن ماجه من حديث عطية الكلاعي عن ابي بن كعب رضي الله عنه قال علمت رجلا القرآن فاهدى الى قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (ان اخذتها اخذت قوسا من نار) قال فرددتها ومنها ما رواه البيهقى فى شعب الايمان من حديث سليمان بن بريدة عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ القرآن بأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظمة ليس عليه لحم * ومنها ما رواه الترمذي

ص: 154

من حديث عمران بن حصين يرفعه اقرأوا القرآن وسلوا الله به فان من بعدكم قوم يقرأون القرآن يسألون الناس. وذكر ابن بطال من حديث حماد بن سلمة عن ابى جرهم عن ابى هريرة رضى الله تعالى عنه قلت يا رسول الله ما تقول في المعلمين قال (اجرهم حرام) وذكر ابن الجوزى من حديث ابن عباس مرفوعا لا تستأجروا المعلمين وهذا غير صحيح وفي اسناده احمد بن عبد الله الهروى. وهذه الاحاديث وان كان فى بعضها مقال لكنه يؤكد بعضها بعضا ولاسيما حديث القوس فانه صحيح كما ذكرنا واذا تعارض نصان احدهما مبيح والآخر محرم يدل على النسخ كما تذكره * واجاب ابن الجوزى ناقلا عن اصحابه (اي اصحاب مذهبه من الحنابلة) عن حديث الباب بثلاثة اجوبة (احدها ان القوم كانوا كفارا فجاز اخذ اموالهم (والثاني ان حق الضيف واجب ولم يضيفوهم (والثالث ان الرقية ليست بقربة محضة فجاز اخذ الاجرة عليها. وقال القرطبي ولا نسلم ان جواز اخذ الاجرة فى الرقي يدل على جواز التعليم بالاجر. وقال بعض اصحابنا ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ان احق ما اخذتم عليه اجرا كتاب الله يعني اذا رقيتم به وحمل بعضهم الاجر فيه على الثواب وبعضهم ادعي نسخه بالاحاديث المذكورة واعترض بأنه اثبات النسخ بالاحتمال وهو مردود * قلت الذي ادعى النسخ انما قال الحديث يحتمل الاباحة والاحاديث المذكورة تمنع الاباحة قطعا والنسخ هو الحظر بعد الاباحة لانها اصل

(1)

في كل شيء فاذا طرأ الحظر دل على النسخ بلاشك * وقال بعضهم الاحاديث المذكورة ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارض الاحاديث الصحيحة * قلت لا نسلم ذلك فان حديث القوس صحيح وفيه الوعيد الشديد وقال الطحاوى ويجوز الاجر على الرقى وان كان يدخل في بعضه القرآن لانه ليس على الناس ان يرقى بعضهم بعضا

(1)

فيه ان الكلام فى الاباحة الثابتة بدليل خاص لا بالاصل فيحتاج الى اثبات تقدم المبيح على الحاظر حتى يثبت النسخ ويجاب بما قرره الاصوليون بانه يحمل على تأخر الحاظر عن المبيح لئلا يتعدد النسخ للاباحة الاصلية بالحاضر ثم نسخ الحاظر بالمبيح ولكن فيه كلام يعلم من التاويج وحواشيه والاحسن ان يجاب بانه لما وجب ترجيح المحرم على المبيح وثبت صحتهما لزم الحكم بتقدم المبيح فنسخ ترجيح المحرم حكمه وان لم يعلم التاريخ نظيره ان المقارنة في التخصيص شرط لكن ذلك في التخصيص فى نفس الامر اما اذا تعارض خاص وعام يجمع بتخصيص العام به فاذا وجب حمله على ذلك تضمن الحكم منا بانه كان مقارنا او بانه ليس بمخصص اول كما قرره في التحرير وشهادات فتح القدير منه

ص: 155

وتعليم الناس بعضهم بعضا القرآن واجب لان فى ذلك التبليغ عن الله تعالى انتهى كلام العينى ملخصا (اقول) وقد عقد الامام الحافظ ابو جعفر الطحاوى للاستئجار على تعليم القرآن بابا فى كتابه مجمع الآثار وذكر فيه الادلة من الجانبين وكذا شارحه الامام ابو الفضل بن نصر الدهستانى وذكر من جملة الأدلة لنا بسنده الى عثمان بن ابي العاص رضى الله تعالى عنه انه قل قل لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتخذ مؤذنا لا يأخذ على اذانه اجرا) قال فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان بالاجر * ثم ذكر بسنده الى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ان رجلا قال له انى احبك في الله فقال له ابن عمر رضى الله تعالى عنهما لكنى ابغضك في الله لانك تبغى فى اذانك اجرا او تأخذ على الاذان اجرا * قال فقد ثبت بما ذكرناه كراهية الاجرة على الاذان والاستجعال على تعليم القرآن كذلك وقال ولو أن رجلا استأجر رجلا ليصلى على ولى له قد مات لم يجز ذلك لانه استأجره على ان يفعل ما عليه ان يفعله فكذلك تعليم القرآن فالاجارة باطلة لان الاجارات انما تجوز وتملك بها الابدال فيما يفعله المستأجرون للمستأجرين * والآثار الاول (أي التى استدل بها الشافعى على جواز التعليم) لم يكن الجعل المذكور فيها على تعليم القرآن وانما كان على الرقى التي لم يقصد بالاستئجار عليها الى القرآن * الى ان قال ومن استجعل جعلا على عمل يعمله فيما افترض الله تعالى عليه عمله فذلك عليه حرام لانه انما يعمله لنفسه ليؤدى به فرضا عليه ومن استجعل جعلا على عمل يعمله لغيره من رقية او غيرها وان كانت بقرآن او علاج او بما اشبه ذلك فذلك جائز والاستجعال عليه حلال فيصح بما ذكرنا ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من النهى ومن الاباحة ولا يتضاد ذلك فيتنافى وهذا كله قول ابى حنيفة وابى يوسف ومحمد رحمة الله تعالى عليهم انتهى * والمراد بالكراهية عدم الجواز وعدم الصحة كما صرح به فى الهداية وغيرها ولذا قال هنا فالاجارة باطلة * والمراد بقوله من رقية او غيرها اى من الاعمال التي يعملها لغيره وليست بطاعة يراد بها الثواب بدليل جعله مقابلا لما ذكره قبله من عدم الجواز فى الاذان والتعليم وما افترضه الله تعالى والا لزم التناقض فى كلام هذا الامام الجليل لان قوله او غيرها لوجل على ما عدا الرقية من الاعمال مطلقا لشمل الاذان ونحوه ولشمل ايضا نحو الحج والعمرة والاعتكاف والصوم والصلاة الغير الواجبات مع انه لا قائل بجواز اخذ المال على شيء منها لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ولزم بقاء التنافى بين الآثار مع ان مراده التوفيق

ص: 156

والجمع بينها ولزم مخالفته لعبارات المتون والشروح والفتاوى الآتى نقلها ولشمل التلاوة المجردة مع تصريح المشايخ بعدم جواز اخذ المال عليها كما سيأتى * فحاصل كلامه انه لو عمل لغيره عملا ليس بطاعة كرقية ملدوغ ونحوها من بناء دار او خياطة ثوب وامثال ذلك يجوز اخذ المال عليه وان كانت الرقية بقراءة قرآن او علاج غيره كوضع ترياق او بما اشبه ذلك لان ذلك ليس المراد منه القربة والثواب بخلاف الاذان والتعليم وغيرهما من الطاعات فانه لا يجوز اخذ المال على شيء منه وهذا مذهب ائمتنا الثلاثة ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد * ومما يدل على ما قلنا قطعا قول الهداية الاصل ان كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به الى آخره * فقد صرح ببطلان الاستئجار على كل طاعة عندنا وسترد عليك النقول المتظافرة فى ذلك بحيث لا تبقى شبهة الحائر * ولا حجة لمكابر * وفى معراج الدراية شرح الهداية ونص احمد رحمه الله تعالى مثل قولنا وبقولنا قال عطاء والضحاك والزهرى والحسن وابن سيرين وطاووس والشعبي والنخعي ثم اطال في الاستدلال (تنبيه) ثم اعلم ان الحكم عندنا كذلك في كل فعل هو طاعة وان لم تكن واجبة كما علم مما مر عن الكافى والخلاصة وغيرهما والوجه العام ان القربة متى حصلت وقعت عن الفاعل لا لغيره ولهذا تعتبر اهلية الفاعل ونيته لانية الآمر ولو انتقل فعله الى الآمر لشرط نية الآمر واهليته كما في الزكاة حتى لو كان المأمور كافرا يصح اداء الزكاة منه عن المسلم فكان الاجر على عمل نفسه لا المستأجر (فصل) جميع ما قدمناه هو مذهب أئمتنا الثلاثة ومن تبعهم من مشايخ المذهب المتقدمين * وحاصله منع الاستئجار والجعالة على شيء من الطاعات سواء كانت واجبة او لا كالاذان ونحوه وانما جاز الاستئجار على الرقية ولو كانت بالقرآن لانها لم تفعل قربة الله تعالى بل للتداوى فهى كصنعة الطب وغيرها من الصنائع والحديث الصريح الوارد في ذلك وعليه يحمل ما ورد مما يوهم الجواز مطلقا توفيقا بين الادلة ان لم نقل بالنسخ كما مر بيانه فلا ينافي اطلاق عدم الجواز عند ائمتنا المتقدمين (لكن) بعض المتأخرين استثنى في زمانه الاستئجار على تعاليم القرآن (قال) في كتاب الكراهية من الخلاصة ولا بأس بأخذ الاجرة (لتعليم القرآن في زماننا قال الفقيه ابو الليث رحمه الله تعالى كنت افتى بثلاثة فرجعت عنها افتى (ان لا يحل اخذ الاجرة على تعليم القرآن (وانه لا ينبغى للعالم ان يدخل على السلطان (وانه لا ينبغي للعالم ان يخرج إلى الرستاق فرجعت عن الكل تحرزا عن ضياع تعلم القرآن والحاجة الخلق ولجهل اهل الرستاق (وقال) الامام

ص: 157

قاضي خان في فتاواه ومشايخ بلخ جوزوا هذه الاجارة اى على تعليم القرآن حتى حكى عن محمد بن سلام رحمه الله تعالى انه قال اقضى بتسمير باب الوالد لأجرة المعلم الى آخر ما قال (واقتصر) عليه ايضا فى مواهب الرحمن حيث قال فيما لا يجوز اخذ الاجرة عليه والحج والاذان والامامة وتعليم الفقه والفتوى اليوم على جوازه لتعليم القرآن انتهى (وفى) الهداية ولا الاستئجار على الاذان والحج وكذا الامامة وتعليم القرآن والفقه وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم لظهور النوانى فى الامور الدينية ففى الامتناع تضيع حفظ القرآن وعليه الفتوى (وقل) فى متن الكنز بعد ذكره عدم الجواز فيما مر والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن وهكذا فى غير ما كتاب من الكتب المعتمدة في المذهب (وزاد) عليه فى مختصر الوقاية حيث قال ولا تصح للاذان والامامة والحج وتعليم القرآن والفقه الى ان قال ويفتى اليوم بصحتها لتعليم القرآن والفقه. وهكذا عبارة الاصلاح. وزاد فى المجمع فقال ولا على الطاعات كالحج والاذان والامامة وتعليم القرآن والفقه وقيل يفتى بجوازه على التعليم والامامة والفقه وفى متن المختار وقيل يجوز على التعليم والامامة في زماننا وعليه الفتوى. وهكذا في متن الملتقى ودرر البحار. وزاد بعضهم الاقامة وبعضهم الوعظ. قال في تنوير الابصار ويفتى اليوم بصحتها لتعليم القرآن والفقه والامامة والاذان ويجبر المستأجر على دفع ما قبل ويحبس به وعلى دفع الحلوة المرسومة انتهى. وفي الفتاوى البزازية الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والتدريس والوعظ لا يجوز اى لا يجب الاجر واهل المدينة طيب الله تعالى ساكنها جوزوه وبه اخذ الامام الشافعي قال في المحيط ومشايخ بلخ على الجواز. وقال الامام الفضلي والمتأخرون على جواره ثم قال وقال محمد بن الفضل كره المتقدمون الاستئجار على تعليم القرآن واخذ الاجرة عليه لوجود العطية من بيت المال مع الرغبة في امور الدين وفى زماننا انقطعت ويعنى بالرغبة التعليم والاحسان الى المعلمين بلا اجرة فلو اشتغلوا بالتعليم بلا اجر مع الحاجة الى المعاش لضاعوا وتعطلت المصالح فقلنا بما قالوا وان لم يكن بينهما شرط يؤمر الوالد بتطييب قلب المعلم وارضائه بخلاف الامام والمؤذن لان ذلك لا يشغل الامام والمؤذن عن المعاش * وقال السرخسى واجعوا على ان الاجارة على تعليم الفقه باطلة انتهى. وجزم بهذا القول اعنى قول ابن الفضل في الفتاوى الظهيرية وذكر بعده كلام الامام السرخسى * ونقل الشرنبلالي عن قاضي خان مثله. وقال

ص: 158

في الخلاصة في الفصل الاول من كتاب الصلاة ولا يحل للمؤذن ولا للامام ان يأخذ على الاذان والامامة اجرا فان لم يشارطهم على شيء لكنهم عرفوا حاجته فجمعوا له في كل وقت يطيب له ولا يكون اجرا انتهى * والظاهر انه مبنى على قول ابن الفضل من تخصيص الجواز بتعليم القرآن وظاهر كلام الهداية والمواهب وغيرهما ترجيحه حيث اقتصروا عليه كما قدمناه فانه وان كان مفهوم لقب فقد صرحوا في كتب الاصول ان مفاهيم الكتب معتبرة ولا ينافيه تصريح غيرهم بما مر من غير التعليم من نحو الاذان والامامة والاقامة لان ذلك ترجيح منهم لخلاف قول هؤلاء (فان قلت) فليحمل كلام الهداية ونحوها على كلام غيرهم (قلت) لا يصح ذلك فانهم بعد ما صرحوا بانه لا يجوز على التعليم والاذان والامامة ونحوها قالوا الفتوى اليوم على جوازه لتعليم القرآن فاستثنوا التعليم وابقوا ما عداه على الحظر وايضا فانك قد سمعت قول الفضلى بخلاف الامام والمؤذن فالظاهر انه اختيار لقوله كما قلنا ومما يدل عليه قول الامام السرخسى وتبعه قاضي خان واجمعوا على ان الاجارة على تعليم الفقه باطلة (فان قلت) يرد دعوى الاجماع ما حكيته عن المجمع وغيره من جوازها على تعليم الفقه (قلت) السرخسي متقدم في الزمان على صاحب المجمع فالظاهر انه حكى الاجماع عمن سلفه وان فرض ان احدا ممن تقدمه قال بجوازه يجاب بانه لم يعتبر قوله (فان قلت) يمكن ان يكون مبنيا على مذهب المتقدمين (قلت) هو خلاف ما فهمه اصحاب الفتاوى كالخانية والبزازية والظهيرية فانهم ذكروه في ضمن كلام المتأخرين (فان قلت) قول البزازية المتقدم ومشايخ بلخ على الجواز مطلق فظاهره انهم قائلون بجواز ما ذكره قبله وهم متقدمون على السرخسى فى الزمان (قلت) نعم ظاهره ذلك ولكن الامام السرخسي من كبار ائمتنا وهو اعرف من البزازى وغيره بلاشك ولا شبهة بما قاله البلخيون خصوصا وقد اقره قاضي خان وغيره وتأيد بما قاله الفضلى وما اقتصر عليه فى الهداية والكنز والمواهب مما هو العمدة فى المذهب. والحاصل من هذا (*) ان الامام السرخسى فهم من كلام البلخيين المفتين خلاف ما عليه المتقدمون انهم لم يجوزوه على تعليم الفقه فحكايته الاجماع على ما فهمه صحيحة ومن اجازه عليه وعلى الامامة

(*) الامام السرخسي هو صاحب المبسوط املاه من حفظه في السجن قال سيدى العارف عبد الغني النابلسى فى شرحه على المنظومة المحبية صاحب المبسوط هو الامام شمس الائمة السرخسى احد الفحول الكبار اصحاب الفنون املا المبسوط نحو خمسة عشر مجلدا وهو في السجن باوزجند حبس بسبب كلمة كان فيها (2)

ص: 159

ممم

(2)

والاذان قهم خلافه او هو افتاء منهم بذلك قياسا على ما قاله البلخيون وهذا اقرب كما سيأتي ما يوضحه هذا ما ظهر لى من التوفيق * نعم مشى العلامة الشرنبلالي

(3)

على الثانى حيث قال في رسالته بلوغ الارب لذوى القرب * وتعليل ما تقدم من ان الاذان والامامة لا يشغل عن المعاش غير مسلم فان تقيد المؤذن بالاذان والتذكير في كل وقت وطلوع المنارة في الليل والبرد والامطار يصبح به في غاية الانحطاط وذبول الجسم وكل وقت ينظر دخوله بعدة قبله وبعد الصلاة يشتغل بالتسبيح ولا يقدر على التعطيل من القيام عليه واذية العامة له واما تعليم الفقه فليس اقوى منه في المنع عن امر المعاش مطالعة والقاء المدرس وتعليم المتفقهة والصبر على كل طالب بحسب ما يصل الى فهمه وتكرير الالقاء والكتابة لما يحتاج اليه وتفريغ البال من طلب العيال القوت وما يحتاجون اليه لدفع الحر والبرد وما يحتاجه من شراء كتب وكتابة بالاجرة للكاتب فالامر لله العلى العظيم الواحد القهار حسبنا الله ونعم الوكيل والآن صار الامر اظهر من فلق الفجر انتهى (قلت ووجهه ظاهر فان الضرورة تبيح ذلك. ولذا قال في شرح المجمع الملكي اقول لما رأوا ظهور التوان. فى الامور الدينية في ذلك الاوان. وفتور همم الامراء والاقبال. فى اعطاء وظائف العلماء من المال "جوزوا استئجارهم نظرا لهم فى المآل. وحذرا عن أقلال اهل العلم والاخلال. فكيف يكون في حقبتنا حال * ونظر الملوك من جملتنا حال. وضاع بالكلية ذلك المنوال. ولم يبق لهم من دون الله من وال انتهى" وقال الامام الزيلعي عند قول الكنز والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن وهو مذهب المتأخرين من مشايخ بلخ استحسنوا ذلك وقالوا بني اصحابنا المتقدمون الجواب على ما شاهدوا من قلة الحفظة ورغبة الناس فيهم وكان لهم عطيات في بيت المال وافتقاد من المتعلمين فى مجازاة الاحسان بالاحسان من غير شرط مروأة يعينونهم على معاشهم ومعادهم وكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن وتحريضا على التعليم حتى ينهضوا لاقامة الواجب فتكثر حفاظ

(2)

من الناصحين لكون له ذخرا الى يوم الدين وقد صرح بالحبس في آخر العبادات من المبسوط بقوله أملاه المحبوس عن الجمع والجماعات وفي آخر الطلاق املاه المحبوس عن الاطلاق المتملى بوحشة الفراق. مصليا على صاحب البراق. وفى آخر الاعتاق وآخر الاقرار نحو ذلك توفى رحمه الله تعالى في حدود سنة تسعين واربعمائة اهـ وذكر فى البحر من باب العدة حكاية عنه لطيفة وسبب حبسه منه.

(3)

قوله على الثانى هو جواز الاستئجار على التعليم والامامة والاذان والاول هو ما عليه فى الهداية وغيرها من تخصيصه بالتعليم وهو خلاف ما قاله السرخسى منه

ص: 160

القرآن واما اليوم فذهب ذلك كله واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقل ما يعلم حسبة ولا يتفرغون له أيضًا فإن حاجتهم تمنعهم من ذلك فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالاجر لذهب القرآن فافتوا بجوازه لذلك ورأوه حسنا وقالوا الاحكام قد تختلف باختلاف الزمان الا ترى أن النساء كن يخرجن إلى الجماعات في زمان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفي زمان أبي بكر رضى الله تعالى عنه حتى منعهن عمر رضى الله تعالى عنه واستقر الأمر عليه وكان ذلك هو الصواب وقال في النهاية يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه أيضًا في زماننا ويجوز للإمام والمؤذن والمعلم أخذ الاجر قال كذا في الذخيرة انتهى كلام الزيلعي * وهو كالصريح في أن افتاء البلخيين خاص بتعليم القرآن وان من بعدهم زاد الاذان والامامة ونحوهما بجامع الضرورة وحاجة الناس فتأيد ما قدمناه من التوفيق وما بحثه الشرنبلالي في التعليل والله تعالى أعلم (ثم اعلم) انهم حيث افتوا بجواز الاستئجار على التعليم ووجوب المسمى خصوه بما إذا ضرب له مدة لتصبح الإجارة ولو لم تضرب له مدة ولا تسمية أوجبوا اجر المثل كما هو الحكم في الاجارات الفاسدة كما صرح به في البزازية وغيرها حيث قال وفتوى علمائنا على أن الإجارة ان صحت يجب المسمى وإن لم تصح يجب اجر المثل ويجبر الأب على ادائها ويحبس على الحلوة المرسومة والعيدى والحيلة أن يستأجر المعلم مدة معلومة ثم يامره بتعليم ولده انتهى * وفى الذخيرة البرهانية ومشايخ بلخ جوزوا الاستئجار على تعليم القرآن إذا ضرب لذلك مدة وافتوا بوجوب المسمى وبدون ذكر المدة افتوا بوجوب اجر المثل انتهى فاعلم ذلك (فائدة) قال الحافظ الذهبي الحد الفاصل بين العلماء المتقدمين والمتأخرين رأس القرن الثالث وهو الثلاثمائة انتهى فالمتقدمون من قبله والمتأخرون من بعده (فصل) وحيث احطت خبرا بما قدمناه * وصار معلومك جميع ما تلوناه * يظهر لك أن العلة في جواز الاستئجار على تعليم القرآءة والفقه والاذان والامامة هى الضرورة واحتياج الناس إلى ذلك * وإن هذا مقصور على هذه الأشياء دون ما عداها مما لا ضرورة إلى الاستئجار عليه وما قدمناه كالصريح في ذلك بحيث لا يكاد ينكره منازع * ولا يقدر على دفعه مدافع * واصرح منه ما في الذخيرة البرهانية حيث ذكر علة الجواز على تعليم القرآن بمثل ما قدمناه عن الزيلعي ثم قال وكذا يفتي بجواز الاستئجار على تعليم الفقه في زماننا * والاستئجار على الاذان والإقامة لا يجوز لأنه استئجار على عمل للاجير فيه شركة لأن المقصود من الاذان والإقامة أداء الصلاة بجماعة بأذان واقامة وهذا النوع كما يحصل للمستأجر يحصل للاجير وكذا الاستئجار على الحج والغزو وسائر

ص: 161

الطاعات لا يجوز لأنَّه لو جاز لوجب على القاضي جبر الاجير عليها ولا وجه إليه لأن أحدا لا يجبر على الطاعات وكان الشيخ الإمام شمس الائمة الحلواني والقاضى الإمام ركن الإسلام على السغدى رحمهما الله تعالى لا يفتيان بجواز الاستئجار على تعليم القرآن وهكذا حكى عن الشيخ الإمام الاجل ركن الدين أبي الفضل رحمه الله تعالى وفى روضة الزندوستى كان شيخنا أبو محمد عبد الله الجراحرى يقول في زماننا يجوز للإمام والمؤذن والمعلم أخذ الاجر انتهى ما في الذخيرة * وبه ظهر لك ما في كلام بعضهم كالعلامة الشيخ زين بن نجيم والشيخ علاء الدين حيث يطلقان في بعض كلامهما أن المفتى به جواز الاستئجار على الطاعات عند المتأخرين فإنه ليس على إطلاقه كما ظهر لك ظهور الشمس * وزال عنه الخفاء واللبس * والا لجاز الاستئجار على الصلاة والصوم الواجبين وما أظن احدا يقول بجواز ذلك (فإن قلت) قد قال في الأشباه والنظائر يصح استئجار الحاج عن الغير وله اجر مثله ثم اسنده للخانية (قلت) قد الف العلامة الشرنبلالي رسالته المنقول عنها سابقا في هذه المسئلة ورد على صاحب الأشباه حيث قال واقول نص الخانية إذا استأجر المحبوس رجلا ليحج عنه حجة الإسلام جازت الحجة عن المحبوس اذا مات في الحبس وللاجير اجر مثله في ظاهر الرواية انتهى * فهذا نص على أنه لا صحة لقوله في الأشباه يصح الاستئجار للحج ولا صحة لعزوه للخانية فإنه لم يقل في الخانية يصح استئجار الحاج عن الغير وانما قال جازت الحجة الخ وكذا قال في المنبع ثم قال وفى المحيط وما فضل من النفقة بعد رجوعه يرده على الورثة لأنَّه فضل عن حاجة الميت لأن النفقة لا تصير ملكا للحاج لأن الاستئجار على الطاعات لا يجوز ولكن ينفق المال على حكم ملك الميت في الحج فإذا فرغ منه يرد باقيه انتهى لأن الإجارة على الحج غير صحيحة باتفاق ائمتنا وإنما جازت الحجة عن المستأجر لأنَّه لما بطلت الإجارة بقى الأمر بالحج وقد نواه الفاعل عن الآمر فصح * وقد استشكل كلام قاضي خان المحقق ابن الهمام وذكر أن النفقة لا تصير ملكا للحاج لأنَّه لو ملكها لكان بالاستئجار وهو لا يجوز على الطاعة إلى أن قال فما في قاضي خان مشكل لا جرم أن الذي في كافي الحاكم الشهيد وله نفقة مثله هو العبارة المحررة وزاد ايضاحها في المبسوط قال وهذه النفقة ليس مستحقها بطريق العوض بل بطريق الكتابة هذا وإنما جاز الحج عنه لأنَّه لما بطلت الإجارة بقى الأمر بالحج فيكون له نفقة مثله انتهى كلام الكمال * قلت فهذا نص الكمال على بطلان الإجارة ووافقه قاضي خان باشارته ولكنه اعترضه في تعبيره باجر المثل والعبارة المحررة نفقة المثل ونقل

ص: 162

في البحر عدم صحة الإجارة عن الاسبيجابي * وفي المنبع اتفق العلماء على الأرزاق

(1)

في الحج واختلفوا في الإجارة فمنعها ابو حنيفة واحمد ومن تابعهما وجوزها مالك والشافعى باجرة معلومة * والاعمال أنواع ثلاثة ما يجوز فيه الارزاق والإجارة كبناء المساجد ونحوها وما تمتنع فيه الإجارة دون الارزاق كالقضاء والفتيا وما اختلف في جواز الإجارة فيه دون الارزاق كالامامة والاذان والإقامة والحج انتهى * فتحرر لنا أن الاستنابة للحج غير الاستئجار عليه والفرق بينهما قد علم بأنه لا يملك النفقة بالاستنابة ويملكها بالإجارة * وعلمنا أنه لا يلزم من عدم صحة الإجارة عدم وقوع الحج عن المستأجر ووقوعه عن الآمر هو ظاهر المذهب وهو الصحيح وعن محمد أنه يقع عن المأمور وللآمر ثواب النفقة ولكن يسقط اصل الحج عن الآمر قال شيخ الإسلام واليه مال عامة المتأخرين وبعض الفروع ظاهرة في هذا القول * هذا حاصل ما ذكره الشرنبلالي رحمه الله تعالى وصحح قاضي خان في فتاواه ظاهر المذهب ورجح في شرحه على الجامع الصغير الثانى حيث قال وهو أقرب إلى الفقه وكأن الشرنبلالي لم ير عبارة الجامع فاعترض على ابن الهمام في نقله ترجيح الثاني عن قاضي خان بأنه لم يرجحه بل رجح الأول تأمل قلت فثبت بما قلناه عدم جواز الاستئجار على الحج كغيره من الطاعات سوى ما مر* وممن صرح بذلك صاحب الهداية والكنز والمجمع والمختار والوقاية وغيرهم نصوا على ذلك في كتاب الإجارة ثم استثنوا تعليم القرآن من الطاعات وبعضهم استثنى أيضًا تعليم الفقه والامامة والاذان والإقامة كما علمت ذلك مما نقلناه عن المتون وغيرها وهذا من اقوى الادلة على ما قلنا من أن ما افتوا به ليس عاما في كل طاعة بل هو خاص بما نصوا عليه مما وجد فيه علة الضرورة والاحتياج فإن الاستثناء من ادوات العموم كما تقرر في الاصول * وحيث نصوا على أن مذهب ائمتنا الثلاثة المنع مطلقا مع وضوح الادلة عليه واستثنى بعض المشايخ اشياء وعللوا ذلك بالضرورة المسوغة لمخالفة اصل المذهب كيف يسوغ للمقلد طرد ذلك والخروج عن المذهب بالكلية من غير حاجة ضرورية * على أنه لو ادعى أحد الحاق ما فيه ضرورة غير ما نصوا عليه به فلنا أن نمنعه وإن وجدت فيه العلة إلا أن يكون من أهل القياس فقد نص ابن نجيم في بعض رسائله على أن القياس بعد الاربعمائة منقطع فليس لاحد بعدها أن يقيس مسئلة على مسئلة فما بالك بالخروج عن المذهب فعلى المقلد اتباع المنقول ولهذا لم نر أحدا قال بجواز الاستئجار على الحج بناء على ما افتى به المتأخرون

(1)

الارزاق جمع رزق وهو ما يرزقه القاضى ونحوه من بيت المال منه.

ص: 163

والا لما اعترض المحقق ابن الهمام على عبارة قاضى خان ولما احتاج العلامة الشرنبلالي إلى ما تمحل به من الجواب عن قاضي خان * بما اعرضنا عنه لعدم رواجه عند ذوى الاذهان (فإن قلت) قد مر في عبارة الإمام العينى عد الحج واللزو من جملة ما يجوز الاستئجار عليه (قلت) اما الحج فقد علمت الكلام فيه واما الغزو فيجوز عند الضرورة قال في سير الكنز وكره الجعل أن وجد فيء والا لا * قال شارحه الإمام الزيلعي المراد به أي بالجعل أن يضرب الإمام الجعل على الناس للذين يخرجون إلى الجهاد لأنَّه يشبه الاجر على الطاعة فحقيقته حرام فيكره ما اشبهه ولان مال بيت المال معد لنوائب المسلمين وإن لم يوجد في بيت المال شيء فلا يكره لأن الحاجة إلى الجهاد ماسة إلى تحمل الضرر الادنى لدفع الأعلى انتهى * على أن ما يأخذه الغازى من بيت المال من الارزاق لا من الاجرة وما يأخذه من الغنيمة ملك له بعد احرازه وقسمته فليس من الاجر في شيء * نعم الجعل شبيه بالاجرة وقد علمت حكمه وليس اجرة حقيقة فنظم العينى الحج والغزو في هذا المسلك غير محرر فتدبره وقد اسمعناك في هذا الفصل قول الذخيرة البرهانية وكذا الاستئجار على الحج والغزو وسائر الطاعات (فإن قلت) لا نسلم أن الحج مما لا ضرورة إلى الاستئجار عليه ممن وجب عليه وعجز عن فعله ولا يكاد يوجد متبرع عنه بذلك (قلت) اما على ظاهر المذهب من وقوع الافعال عن الآمر فليس من قبيل الاستئجار بل هو استنابة وانفاق على النائب كما مر وإذا صح على هذا الوجه فأى ضرورة إلى الاستئجار * واما على ما روى عن محمد رحمه الله تعالى فالامر اظهر لأن الحج يقع عن المأمور وللآمر ثواب الانفاق

(1)

وبه يسقط الحج عنه (فقد) ظهر صحة ما قلناه بالنقول المعتبرة * والعبارات المحررة * عن كتب المذهب * التي إليها المذهب * وجميع ما نقلناه إن شاء الله تعالى لا يحتمل نقضا * بل يشد بعضه بعضا * وستسمع اصرح من ذلك * مما تنجلى به الاوهام الحوالك * ويرد المنكر قسرا إليه * ويعض بالنواجذ عليه * فاياك بعد هذا اذا رأيت ما لم يحرر من العبارات * او ما خفى من الإشارات * مما قد يخالف بظاهره ما ذكرنا من النقول * عن الأئمة الفحول * الذين إليهم مفزع الفقيه * وبكلامهم مقنع النبيه * أن تطيش بك الاوهام * فإن القول ما قالت حذام * والله تعالى أعلم بالصواب * واليه المرجع والمآب * (المقصد) لهذا الكلام * تحقيق المرام * اعلم أن العبادات أنواع مالية محضة كالزكاة والعشر والكفارة

(1)

لأن الانفاق اقيم مقام الحج عند العجز كما اقيم الفداء مقام الصوم في حق الشيخ الفاني كذا في بعض المناسك منه.

ص: 164

وبدنية محضة كالصلاة والصيام والاعتكاف وقراءة القرآن والاذكار ومركبة منهما كالحج فإنه مالى من حيث اشتراط الاستطاعة ووجوب الجزاء بارتكاب محظوراته وبدنى من حيث الوقوف والطواف والسعي كذا في شرح الكنز لفخر الدين الزيلعي * وقال الإمام حافظ الدين النسفي في الكنز النيابة تجرى في العبادات المالية عند العجز والقدرة ولم تجر في البدنية بحال وفى المركب منها تجرى عند العجز فقط والشرط العجز الدائم إلى وقت الموت * قال الإمام الزيلعي لأن المقصود في المالية سدخلة المحتاج وذلك يحصل بفعل النائب كما يحصل بفعله ويحصل به تحمل المشقة بإخراج المال كما يحصل بفعل نفسه فيتحقق معنى الابتلا فيستوى فيه الحالتان * ولا تجرى في البدنية بحال من الاحوال لأن المقصود منها اتعاب النفس الامارة بالسوء طلبا لمرضاته تعالى لأنها انتصبت لمعاداته تعالى ففى الوحى (عاد نفسك فإنها انتصبت لمعاداتي) وذلك لا يحصل بفعل النائب اصلا فلا تجرى فيها النيابة لعدم الفائدة * وفى المركب من المالى والبدنى تجرى النيابة عند العجز لحصول المشقة بدفع المال ولا تجرى عند القدرة لعدم اتعاب النفس عملا بالشبهين بالقدر الممكن انتهى (اقول) وحيث علمت مما قدمناه أن النيابة تجرى في الحج دون الاستئجار علمت أن النيابة اسهل من الاستئجار وحيث لم تجر النيابة في العبادات البدنية المحضة علمت أنه لا يجرى فيها الاستئجار من باب أولى وإن الاستئجار عليها محظور الا عند الضرورة فقد اشتهر أن الضرورات تبيح المحظورات وإذا جاز الاستئجار للضرورة فيما وجدت فيه الضرورة من الصور المتقدمة فلا يلزم منه جواز النيابة فيما لا ضرورة فيه ولهذا الطبق الأئمة على أنه لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد إذا كان حيا وكذا إذا كان ميتا عندنا فلا يجوز الاستئجار على ذلك أيضًا من طريق أولى * نعم يجوز أن يجعل ثواب عمله لغيره تبرعا بلا استنابة في غير الحج والاستئجار قال في الهداية الأصل في هذا أي في جواز الحج عن الغير أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة او غيرها * قال الشارح كتلاوة القرآن والاذكار عند أهل السنة والجماعة يعنى به أصحابنا على الإطلاق لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين املحين أحدهما عن نفسه والآخر عن امته ممن اقرّ بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ جعل تضحية إحدى الشاتين لامته أي ثوابها انتهى * وقال شارحها الكمال بن الهمام أن الإمام مالكا والشافعي رحمهما الله تعالى لا يقولان بوصول العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة ويقولان بوصول غيرها كالصدقة والحج وخالف في كل العبادات

ص: 165

المعتزلة لقوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} وسعى غيره ليس سعيه وما قصه الله تعالى من غير انكار يكون شريعة لنا والجواب لأبطال قولهم ولنفى التخصيص بغير البدنية مما يبلغ مبلغ التواتر من الكتاب والسنة وقد اطال في ذلك من التحقيق كما هو دأبه رحمه الله تعالى * وما نقله عن الشافعي هو المشهور عنه كما ذكره الإمام النووى، وذكر العلامة ابن حجر الهيتمي في بعض فتاويه أن المختار الوقف في هذه المسئلة عند الشافعية ويدفعه ما ذكره العلامة ابن الهمام من الآيات والاحاديث فراجعه ان شئت نعم قال شيخ الإسلام القاضي زكريا أن مشهور المذهب محمول على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو ثواب قراءته له أو نواه ولم يدع (وقال) في البحر واما قوله عليه الصلاة والسلام لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد فهو في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب فإن من صام او صلى أو تصدق وجعل ثوابه الغيره من الاموات والاحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة كذا في البدائع وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو حيا والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوى به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره لإطلاق كلامهم، ولم ار حكم من أخذ شيأ من الدنيا ليجعل شيأ من عبادته للمعطى وينبغى أن لا يصح ذلك وظاهر إطلاقهم يقتضى أنه لا فرق بين الفرض والنفل فإذا صلى فريضة وجعل ثوابها لغيره فإنه يصح لكن لا يعود الفرض في ذمته لأن عدم الثواب لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته ولم اره منقولا انتهى كلام البحر (قلت) نازعه العلامة المقدسي في شرح نظم الكنز فقال

(1)

واما جعل ثواب فرضه لغيره فمحتاج إلى نقل انتهى (ورأيت) في شرح تحفة الملوك تقييده بالنافلة حيث قال يصح أن يجعل الإنسان ثواب عبادته النافلة لغيره الخ، لكن يؤيد الإطلاق ما في حاشية الشرنبلالي على الدرر عند قول المتن ومن أهل بحج عن ابويه فعين صح حيث قال وتعليل المسئلة بأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما يفيد وقوع الحج عن الفاعل فيسقط به الفرض عنه وإن جعل ثوابه لغيره، قاله في الفتح ومبناه على أن نيته لهما تلغو بسبب أنه مأمور من قبلهما او احدهما فهو معتبر فنقع الافعال عنه البتة وإنما يجعل لهما الثواب انتهى ويفيد ذلك الأحاديث التي رواها الكمال انتهى وسيأتي ما يرد عليه آخر الرسالة (فإن قلت) قول صاحب البحر ولم ار حكم من أخذ شيأ من الدنيا ليجعل ثواب عبادته للمعطى وينبغى أن لا يصح ذلك أن أراد به العبادة

(1)

ومن جعل ثواب عمله لغيره جاز في التطوعات والمفروضات وقيل لا يجوز في المفروضات كذا في مجموعة همتي افندى عن جامع الفتاوى منه

ص: 166

الماضية فظاهر لأنَّه مجرد بيع الثواب والمبيع لابد أن يكون مالا متقوما او منفعة مقصودة من العين تحصل بعد العقد كسكنى الدار مثلا وان أراد به العبادة المستقبلة يفيد انه لا يصح الاستئجار على نحو القراءة المجردة وذلك مخالف لما ذكره في كتاب الوقف حيث ذكر انهم صرحوا في الوصايا بأنه لو اوصى بشيء لمن يقرأ عند قبره فالوصية باطلة واستظهر بحثا من عنده أنه مبنى على قول أبي حنيفة بكراهة القرآءة عند القبر والفتوى على قول محمد وذكر أن تعليل صاحب الاختيار لبطلان الوصية بان اخذ شيء للقراءة لا يجوز لأنَّه كالاجرة مبنى على غير المفتى به من جواز أخذ الاجرة على القراءة فاى العبارتين أصح (قلت) بعد علمك بما قدمناه من أن القول بأخذ الاجرة على الطاعة الذي هو المفتى به عند المتأخرين مقصور على ما فيه ضرورة علمت أن العبارة الأولى هى الصحيحة، المعتمدة الرجيحة، وإن تعليل الاختيار، هو المختار، وهو الموافق للمعقول، ولما قدمناه من صريح النقول، فإنه لا ضرورة إلى أخذ الاجرة على القراءة بخلاف تعليم القرآن، فإن الضرورة داعية إليه خوفا من ضياع القرآن، وقد علمت أن جل المتون واجلها صرحوا بعدم الجواز على الاذان والامامة مع انهما من أعظم شعائر الإسلام، ولم ينظروا إلى ما في ضياعهما من الضرر العام، فما بالك بالاشتراء بآيات الله ثمنا قليلا، فأي ضرر إليه ليكون على جوازه دليلا، مع ما سمعته من النقول عن الامامين الجليلين مالك والشافعى من عدم وصول الثواب بدون اجرة في العبادات البدنية كالقرائة ونحوها فكيف بالاجرة، وفى تقييد أهل المذهب بالتعليم كما سمعته من عباراتهم السابقة مع قطع النظر عن التعليل دلالة واضحة عليه وقد صرحوا بان مفاهيم الكتب حجة، ثم رأيت العلامة الشيخ خير الدين الرملي في حاشيته على البحر رد على صاحب البحر حيث اعترض العبارة الثانية بعين ما ذكرته كما ستسمعه فلله الحمد على آلائه، وتواتر نعمائه، على أن القراءة في نفسها عبادة وكل عبادة لا بد فيها من الإخلاص لله تعالى بلا رياء حتى تكون عبادة يرجى بها الثواب وقد عرفوا الرياء بان يراد بالعبادة غير وجهه تعالى فالقارئ بالاجرة ثوابه ما أراد القراءة لاجله وهو المال قال صلى الله تعالى عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري وغيره وإذا كان لا ثواب له لم تحصل المنفعة المقصودة للمستأجر لأنَّه استأجره لاجل الثواب فلا تصح الإجارة (فإن قلت) اذا لم تجز الإجارة على القرائة المجردة فليكن المدفوع صلة للقارئ إذا كان معينا لا اجرة

ص: 167

كما صرح به في وصايا الفتاوى الظهيرية حيث قال ولو اوصى بأن يدفع إلى إنسان كذا من ماله ليقرأ على قبره القرآن فهو باطل لكن هذا اذا لم يعين القارئ اما إذا عينه ينبغي أن يجوز على وجه الصلة دون الاجرة انتهى (وقلت) قوله ينبغى أن يجوز يفيد أنه بحث لا أنه من منقول المذهب ولا يخفى عليك عدم ارادة الصلة في عرفنا والالجاز للقارئ ترك القراءة مع أن من يوصى له في زماننا لا يوصى إلا في مقابلة قرائته وذكره وتسبيحه ولو علم بأن القارئ الموصى له لا يفعل ذلك لما اوصى ومن جهل باهل زمانه فهو جاهل، وقد مر في المقدمة في حديث القوس الوعيد الشديد على قبول الهدية مع أنه لم يذكر شرط ولا معناه هناك فما بالك هنا مع انهم قد يشارطون على ذلك ومع هذا لم يسلم هذا البحث لقائله كما نقله العلامة الرملى في حاشية البحر في ضمن اعتراضه السابق، ونصه اقول المفتى به جواز الاخذ استحسانا على تعليم القرآن لا على القراءة المجردة كما صرح به في التاترخانية حيث قال لا معنى لهذه الوصية ولصلة القارئ بقراءته لأن هذا منزلة الاجرة والإجارة في ذلك باطلة وهى بدعة ولم يفعلها أحد من الخلفاء وقد ذكرنا مسئلة قراءة

(1)

القرآن على استحسان انتهى يعنى للضرورة ولا ضرورة في الاستئجار على القراءة وفى الزيلعى وكثير من الكتب لو لم يفتح لهم باب التعليم بالاجر لذهب القرآن فافتوا بجوازه ورأوه حسنا فتنبه انتهى كلام الرملي رحمه الله تعالى (فهذا) نص صريح بما قلناه، مؤيد لما ادعيناه، وقد ذكر نظير ذلك شيخ مشايخنا العلامة الشيخ مصطفى الرحمتى في حاشيته على شرح التنوير للعلائى رادا بذلك عليه حيث تابع صاحب البحر فقال ان ما اجازه المتأخرون انما اجازوه للضرورة ولا ضرورة في الاستئجار على التلاوة فلا يجوز (ثم) رأيت نحوه في وصايا الولوالجية ونصها ولو زار قبر صديق أو قريب له وقرأ عنده شيأ من القرآن فهو حسن اما الوصية بذلك فلا معنى لها ولا معنى أيضًا لصلة القارئ لأن ذلك يشبه استئجاره على قراءة القرآن وذلك باطل ولم يفعل ذلك أحد من الخلفاء اهـ (ثم) رأيت نحوه أيضًا معزوا إلى المحيط البرهاني (ورأيت) أيضًا النقل ببطلان هذه الوصية وانها بدعة عن الخلاصة والمحيط السرخسى والبزازية (وفى) وصايا خزانة الفتاوى اوصى لقارئ يقرأ القرآن عند قبره بشيء لانسان معلوم أو مجهول الوصية باطلة ولو زار قبر صديقه فقرأ عنده لا بأس به انتهى، فقوله معلوم أو مجهول فيه رد

(1)

لعله تعليم القرآن كما يدل عليه ما قبله وما بعده فلتراجع نسخة أخرى منه.

ص: 168

أيضًا على ما في الظهيرية (وفى) مختصر منتقى الفتاوى والوصية بالاسراف في الكفن باطلة وكذا بدفع شيء لقراءة القرآن الخ، وعزا في القنية البطلان إلى موضعين ثم قال وقيل أن عين أحدا يجوز والا فلا فأفاد ضعفه كما لا يخفى وفى وصايا الفتاوى الخيرية للعلامة الشيخ خير الدين الرملى (سئل) في رجل اشترى بناء فرن مقررا على أرض وقف وعلم بما على الأرض لجهة الوقف بطريق الحكر ثم اوصى في مرض موته اذا مات أن يجمع كل يوم فلان وفلان يقرآن سورة يس وتبارك والإخلاص والمعوذتين ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ويهديان ثواب ذلك إلى روحه وعين لهما كل يوم قطعة مصرية تؤخذ من اجرة الفرن واذا مات أحدهما يقرر ولده أن كان له اهلية فهل بهذه الوصية يصير الفرن وقفا على القارئين أبدًا وهل هذه الوصية صحيحة أم لا (أجاب) هذه الوصية باطلة ولا يصير الفرن وقفا ولورثة الموصى التصرف في بناء الفرن يجرى على فرائض الله تعالى قال في وصايا البزازية اوصى لقارئ يقرأ القرآن عند قبره بشيء فالوصية باطلة وفى التاترخانية في الفصل 29 من الوصايا إذا اوصى بأن يدفع إلى إنسان كذا من ماله ليقرأ القرآن على قبره فالوصية باطلة لا تجوز وسواء كان القارئ معينا او لا لأنَّه بمنزلة الاجرة ولا يجوز أخذ الاجرة على طاعة الله تعالى وإن كانوا استحسنوا جوازها على تعليم القرآن فذلك للضرورة ولا ضرورة إلى القول بجوازها على القراءة على قبور الموتى فافهم والله تعالى أعلم انتهى ما في الخيرية ملخصا (فانظر) إلى هذه النقول كيف صرحت ببطلان هذه الوصية هنا بناء على بطلان الاستئجار على القراءة اذ لا ضرورة فيها بخلاف التعليم لا بناء على أن القراءة على القبور مكروهة، ويؤيده عبارات المتون السابقة المصرحة ببطلان الاستئجار على كل الطاعات الا ما فيه ضرورة على قول المتأخرين كالتعليم والاذان والامامة وانت خبير بان هذه النقول تضعف تعليل صاحب البحر للفرع المار، وتقوى تعليل صاحب الاختيار، اذ لا فرق على القول بكراهة القراءة على القبر بين كون الموصى له معينا ولا كما لا يخفى على ذوى الابصار، (ومن) اقوى الدلالة على رده أيضًا عبارة الولوالجية وخزانة الفتاوى فإن فيهما التصريح ببطلان هذه الوصية مع التصريح بجواز القراءة عند القبر فكيف يصح جعل بطلان الوصية مبنيا على القول بعدم جواز القراءة على القبر كما زعمه في البحر وإنما هو مبنى على بطلان الاستئجار على القراءة الذى لم يستثنه أحد من المتأخرين فثبت أن العلة في بطلان الوصية المذكورة ما قاله في الاختيار،

ص: 169

وبه ظهر أيضًا ضعف ما في الجوهرة من قوله وقال بعضهم يجوز أي الاستئجار على القراءة وهو المختار، وفيه نظر من وجه آخر حيث عبر بالاستئجار فإن الذي فيه النزاع جعله صلة مع الاتفاق على منع الاستئجار فهو مخالف لما نقلناه عن هذه الكتب المؤيدة بما قدمناه عن المتون والشروح التي دونها ارباب الترجيح، والاختيار والتصحيح (فإن قلت) يمكن حل ما نقلته عن هذه الكتب على قول المتقدمين المانعين الاستئجار على التعليم وعلى القراءة المجردة بالاولى (قلت) يرد هذا قول التاترخانية وقد ذكرنا مسئلة قراءة القرآن، على استحسان، فهو صريح بأنه على قول المتأخرين كما لا يخفى على من له أدنى عرفان، على أن تفريعهم على مذهب المتقدمين بعد فتواهم بخلافه يبعد غاية البعد وربما لا يخطر في الاذهان، وسيأتي لهذا أول الخاتمة مزيد بيان (وفى) كتاب الشركة من المنظومة الوهبانية وفى شركة القراء ليست صحيحة

وفي عمل الدلال ما يتصور وجازت على التعليم فرعا على الذي

تخيره الاشياخ وهو المحرر (وقال) الناظم في شرحه اقول وهذان الفرعان مما غفل عنه أكثر الناس ومازال جهال القراء والدلالين يتعاطون ذلك ويفعلونه ولا ينكر عليهم أحد من العلماء بل لو انكر عليهم احد ربما انكر عليه مع ما يفعله جهال هؤلاء القراء من التمطيط والتغيير الذي لا يجوز سماعه ولا تحل المواطأة عليه إلى آخر ما قال وقد نقل قبله الفرعين عن القنية ونصها ولا تجوز شركة الدلالين في عملهم، ثم رمز وقال ولا شركة القراء في القراءة بالزمرة في المجالس والتعازي لانها غير مستحقة عليهم انتهى وفي القاموس الزمرة بالضم الفوج والجماعة في تفرقة جمعه زمر انتهى وما ذكره من التعليل يفيد أن عدم الجواز ليس من جهة الشركة والا لما اجازت على التعليم أيضًا بل من جهة عدم صحة الإجارة فلم تكن القراءة مستحقة عليهم فلم تجزا الشركة ولاسيما مع ما يفعلونه من المنكرات مما مر، ففيه الفرق بين القراءة والتعليم أيضًا زيادة على ما قدمناه وعلى ما ستراه (فإن قلت) له أهل هذا العصر قد اطبقوا على الايصاء بذلك والايصاء بالتهاليل والختمات وظهر في هذه السنة الايصاء بدراهم تدفع لقراءة الصمدية وهى عبارة عن قراءة سورة الإخلاص مائة ألف مرة فمقتضى ما نقلته عن هذه المعتبرات بطلان ذلك كله وعدم النفع به في مذهبك بل وفى مذهب غيرك فإنك ذكرت أن مذهب الإمام أحمد كمذهب أبي حنيفة وأصحابه وان مذهب الإمام مالك والمشهور من مذهب الشافعى عدم وصول العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة والاذكار بل يقولان بوصول غيرها كالصدقة والحج

ص: 170

وذكرت أيضًا أن الناس اليوم لا يدفعون المال إلا في مقابلة ذلك العمل وعلى ظن وصول ثوابه إليهم لا على أنه تبرع وصلة لذلك العامل سواء عمل أو لم يعمل وقد صرح أئمتنا وغيرهم بان القارئ للدنيا لا ثواب له والآخذ والمعطى آثمان، وقال الخطيب الشربينى وقد اختار الغزالي فيما إذا شرك في العبادة غيرها من أمر دنيوى اعتبار الباعث على العمل فإن كان القصد الدنيوى هو الاغلب لم يكن فيه اجر وان كان القصد الديني اغلب فله بقدره وإن تساويا تساقطا واختار ابن عبد السلام أنه لا اجر فيه مطلقا انتهى وكلام الغزالى هو الظاهر انتهى (وهذا) إذا شرك فكيف إذا أخلص الأمر الدنيوى كمن اتخذ القرآن والذكر دكانه يتعيش منها ولولا الدراهم التى تدفع له بمقابلة ذلك لم يتعب نفسه في ذلك ولم يسهر له جفنا ولترك ذلك بالكلية واتخذ له حرفة غيره يتعيش منها فاذن لا اجر له سوى ما نواه، كما نطق به الحديث الصحيح كما قدمناه، وإذا كان لا ثواب له في قراءته وذكره فأى شيء يهديه إلى روح الذين لم يدفعوا له هذا المال إلا في مقابلة ثواب هذه القراءة والذكر ولو علموا أنه لا ثواب له ولا لهم لم يدفعوا له فلسا واحدا وإذا لم تحصل لهم تلك المنفعة أو بطلت الإجارة والوصية فأى وجد تحصل القربة ويأخذ المدفوع إليه ذلك في مذهب من المذاهب (مع) أن أهل عصرنا يعدون ذلك من أعظم القرب، ويقدمونه على ما قد وجب فكثير منهم لم يخرج عن زكاة ماله من دينار ولا درهم، ولم يحج مع القدرة إلى بيت الله المحرم، مع ما في ذمته من كفارات، واضاح ومنذورات، وما عليه من مظالم العباد والتبعات، وتراه يهتم بهذه الوصايا المذكورة، ولا يلقى بالا إلى هذه المهمات المزبورة، ولا يوصى بدرهم لمحاويج قرابته، ولا لفقراء جيرانه واهل محلته، مع أن الصدقة على غيرهم مع وجودهم غير محمودة، بل صرحت صحاح الأحاديث بانها مردودة، ولا يوصى بعتق رقبة تعتق بها رقبته من النار، أو بناء مسجد او سبيل أو عمارة طريق أو رفع منار، أو بأسعاف فقيره او فك أسير، أو تجهيز غاز أو شراء مصحف أو تخليص غارم، او نحو ذلك مما اجمعوا على طلبه ووصول ثوابه الدائم، (قلت) لا يستهجن ذلك على هذا الزمن، الذى هو زمن الفتن والمحن * وظهور الفسوق والخيانة، وقلة الامانة والديانة، فقد صار فيه المعروف منكرا والمنكر معروفا، وقل أن ترى أحدا إلا وقلبه عن قبول الحق مصروفا، نسأل الله تعالى فيه الثبات على الدين، والعصمة عن الزيغ حتى يأتينا اليقين، فإن ما ذكرته قليل في جانب قبائحه، وفظيع فضائحه، ولعل سبب هذه القضية،

ص: 171

وعموم هذه البلية، كون معظم ما لنا او كله، مجموعا من غير طريق حله، (وفى) هذه الوصايا زيادة على ما ذكرته من الشناعات، اعتقاد المنكر من أعظم القربات، وكثيرا ما يكون الحامل عليها بعض الورثة والاقارب، مع ما يترتب عليها من المثالب، من أخذ اموال اليتامى القاصرين، وفقراء الورثة المحتاجين، فإن هذه الوصية حيث كانت باطلة، ونحورها من زينة الصحة عاطلة، يكون مرجعها إلى التركة، وحقوق الورثة فيها مشتركة، ومع ما يترتب عليها كثيرا من الجلوس في بيوت الايتام، واستعمال اوعيتهم وفرشهم والأكل والشراب الحرام، مع قطع النظر عما يكون كثيرا في حالة الذكر، المطلوب فيه جمع الفكر، مما يسمونه بالسماع والكوشت والحربية، ونحو ذلك مما يراعون فيه الأعمال المويسيقية، المشتمل على التلحين والتمطيط والرقص والاضطراب، والاجتماع بحسان المرد والغناء المحرم المهيج لشهوات الشباب، فإن ذلك قد نص أئمتنا الثقات، على أنه من المحرمات، وكتبنا

(1)

مشحونة بذلك، فليراجعها مريد التيقن بما هنالك، فقد اقاموا الطامة الكبري على فاعليها، وصرحوا بكفر مستحلبها، (ولا كلام) لنا مع الصدق من ساداتنا الصوفية، المبرئين عن كل خصلة ردية، (فقد) سئل امام الطائفتين سيدنا الجنيد

(2)

ان اقواما يتواجدون ويتمايلون، فقال دعوهم مع الله

(1)

وممن ذكر بعض ذلك الإمام جاز الله الزمخشرى في الكشاف في تفسير قوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} منه.

(2)

وبمثل ما ذكره الإمام الجنيد أجاب العلامة النحرير ابن كمال باشا لما استفتى عن ذلك حيث قال "شعر"

ما في التواجد ان حققت من حرج

ولا التمايل أن اخلصت من بأس

فقمت تسعى على رجل وحق لمن

دعاه مولاه أن يسعى على الراس

الرخصة فيما ذكر من الاوضاع، عند الذكر والسماع، للعارفين الصارفين اوقاتهم إلى احسن الأعمال، السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الاحوال، فهم لا يستمعون الا من الاله، ولا يشتاقون الاله، ان ذكروه ناحوا، وإن شكروه باحوا، وإن وجدوه صاحوا، وإن شهدوه استراحوا، وإن سرحوا في حضرات قربه ساحوا، إذا غلب عليهم الوجد بغلباته، وشربوا من موارد اراداته، فهم من طرقته طوارق الهيبة فخر وذاب، ومنهم من برقت له بوارق اللطف فتحرك وطاب، ومنهم من طلع عليهم الحب، من مطالع القرب، فسكر وغاب، هذا ما عن لي في الجواب، والله أعلم بالصواب، شعر، (3)

ص: 172

تعالى يفرحون، فإنهم قوم قطعت الطريق اكبادهم، ومزق النصب فؤادهم، وضاقوا ذرعا فلا حرج عليهم، إذا تنفسوا مداواة لحالهم، ولو ذقت مذاقهم عذرتهم في صياحهم، وشق ثيابهم، اهـ وايضا فإن سماعهم ينتج المعارف الالهية، والحقائق الربانية، ولا يكون إلا بوصف الذات العلية، والمواعظ الحكمية، والمدايح النبوية، بخلاف سماع غيرهم فإنه يظهر منهم الشهوات الخفية، والافعال الغير المرضية، فما هو الا من الاغراض النفسانية، والنزغات الشيطانية ولا كلام لنا أيضًا مع من اقتدى بهم، وذاق من مشربهم، ووجد من نفسه الشوق والهيام، في ذات الملك العلام، بل كلامنا مع هؤلاء العوام، الفسقة اللئام، الذين اتخذوا مجالس الذكر شبكة لصيد الدنيا الدنية، وقضاء لشهواتهم الشنيعة الردية، من كلامهم واجتماعهم مع المردان، والتلذذ بالغناء وتنزيله على اوصافهم الحسان، وغير ذلك مما هو مشاهد، ولسنا نقصد منهم تعيين أحد، فالله مطلع على أحوالهم، ويجازيهم على افعالهم، وربما احضروا في بعض الاوقات، ما اجمع على تحريمه من الآلات، وكثيرا ما يدلس بعض فسقة القرا، فيسقط من بعض الاجزاء شيأ سرا، وربما سرقوا الخبز والطعام، زيادة على ما يتناولونه من الحطام الحرام، ثم يهبون ما تحصل منهم في تلك الاوقات، إلى روح من كان سببا في اجتماعهم على تلك المنكرات، والجزاء من جنس العمل، فانظر ما اقبح هذا الخلل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وطالما قامت حرمة هذه الوصايا في فكرى، وجالت في صدري وسرى، ولم اقدر على اظهارها، واطفاء نارها، لفقد المساعد، وقصر الساعد، ولأن حب الشيء يعمى ويصم، وربما جل على الطعن والشتم والذم، فكنت اقدم رجلا واؤخر أخرى، واسأل الله تعالى التوفيق للوجه الاحرى، حتى رزقنى الله تعالى فرصة من الزمان، لتحرير هذه الرسالة بالدليل القاطع والبرهان، وقريبا من تحريرها، وتنميقها وتحبيرها، طالعت مع بعض الاخوان كتاب الطريقة المحمدية، والسيرة الاحمدية، للإمام الفقيه، العابد الورع النبيه، الشيخ محمد البركوى نفعنا الله تعالى به فرأيته ذكر في آخر كتابه ما كشف عنى الغمة، وحرك منى الهمة، حيث قل ما نصه الفصل الثالث ممم

(3)

(3)

ومن يك وجده وجدا صحيحا

فلم يحتج إلى قول المغنى

له من ذاته طرب قديم

وسكر دائم من غير دن

اهـ جوابه بعباراته السنية، وقد أخذ أكثر ما ذكره من نثر ونظم من الفتوحات المكية، كذا في نور العين، في إصلاح جامع الفصولين، منه

ص: 173

في بعض امور مبتدعة باطلة اكب الناس عليها على ظن أنها قرب مقصودة وهذه كثيرة فلنذكر اعظمها منها وقف الأوقاف سيما النقود لتلاوة القرآن او لأن يصلى نوافل او لأن يسبح او لأن يهلل أو يصلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويعطى ثوابها لروح الواقف او لروح من اراده، ومنها الوصية من الميت باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده وباعطاء دراهم معدودة لمن يتلو القرآن لروحه أو يهلل أو يسبح له أو بأن يبيت عند قبره رجال اربعين ليلة أو اكثرا أو اقل وبأن يبنى على قبره بناء وكل هذه بدع منكرات والوقف والوصية باطلان والمأخوذ منهما حرام للآخذ وهو عاص بالتلاوة للقرآن والذكر لاجل حطام الدنيا، وقد بينا ذلك في رسائلنا، السيف الصارم، وانقاذ الهالكين، وايقاظ النائمين، وجلاء القلوب، فعليك بها وطالعها حتى تعلم حقيقة مقالنا انتهى بحروفه، وقد كرر هذه المسئلة في مواضع من هذا الكتاب منها ما ذكره في البحث الثالث من مباحث الرياء حيث قل وكن يعطى له دراهم مسماة عينها واقف أو غيره ليقرأ جزأ من كلام الله تعالى كل يوم أو يصلى كذا ركعة أو يسبح أو يهلل أو يكبر أو يصلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويعطى ثوابه للمعطى او لاحد ابويه فيفعل ذلك المسكين تلك العبادات طمعا للمال ليجعله عدة له وقوة للعبادة ويظن أنه حلال وان ثوابه يصل إلى الآمر وانه في طاعة انتهى، فقد صرح جزاه الله تعالى خيرا فيما افاده، بعين ما فهمته وزياده، فلله تعالى الحمد، حمد الا يحصيه العد، وفى هذا القرب أيضًا اطلعت على رسالة من رسائله الاربع التي ذكرها وهي المسماة إيقاظ التائمين، فقال في اولها أن الاقدام والشروع لعبادة بدنية محضة ليست بوسيلة مثل الصلاة والصوم وقراءة القرآن والتهليل والتسبيح والتكبير والتصلية بنية أخذ المال وإعطاء ثوابها لمن يريد المعطي الذي إنما يعطى لاجل وصول ثواب تلك العبادة إليه لا يجوز في مذهب من المذاهب الإسلامية، ولا في دين من الاديان السماوية، ولا يحصل منها ثواب اصلا سواء كان أخذ المال ووصول الثواب تمام مقصوديهما أو اعظمه إلى أن قال وادلة هذا المطلب عقلا ونقلا أكثر من أن تحصى واظهر من أن تخفى حتى انى في بعض الازمان تأملت قليلا فوجدت في سورة الفاتحة بضعة عشر دليلا فينته في بعض المجالس انتهى، لكنه سلك في هذه الرسالة مسلكا يخفى على بعض الناس فلذا احتجت إلى تصنيف هذه الرسالة، وترصيف هذه العجالة مستندا إلى الكتب الصحيحة، والعبارت الصريحة، كيلا يبقى لمنكر ملام، ولا لطاعن كلام، (وفى) كتاب التبيان، في آداب حملة

ص: 174

القرآن، للإمام محى الدين النووى نفعنا الله تعالى به (فصل) ومن اهم ما يؤمر به أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبل رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه) وعن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال (اقرأوا القرآن قبل أن يأتى قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه) وروى أبو داود بمعناه من رواية سهل بن سعد معناه يتعجلون أجره اما بمال واما بسمعة ونحوهما، ثم قال واما أخذ الاجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه، ثم ذكر الادلة من الجانبين، ولا يخفى أنه كالصريح في التفرقة بين القراءة والعليم فهو أيضًا مؤيد لما قدمناه، واسسنا عليه ما ادعيناه. (ورأيت) منقولا عن شرح الهداية للعينى معزوا إلى الواقعات يمنع القارئ للدنيا والآخذ والمعطى آثمان انتهى، ورأيت في حاشية المنتهى للعلامة الشيخ محمد الخلوتي الحنبلي نقلا عن خاتمة المجتهدين شيخ الإسلام تقى الدين ما نصه ولا يصح الاستئجار على القراءة واهدائها إلى الميت لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الاذن في ذلك وقد قال العلماء أن القارئ إذا قرأ لاجل المال فلا ثوابٍ له فأى شيء يهديه إلى الميت وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة وانما تنازعوا في الاستئجار على التعليم انتهى بحروفه ورأيت في كتاب الروح للإمام الحافظ ابن قيم الجوزية أفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه واما قراءة القرآن واهداؤها له تطوعا بغير اجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج (فإن قلت) فما تقول فيما نقله بعض المتأخرين عن اجارات الحاوى الزاهدى أن المستأجر للختم ليس له أن يأخذ الاجر قل من خمسة واربعين درهما شرعيا هذا إذا لم يسم شيأ من الاجر كما ذكره في الأصل في رجل قال للقارئ اختم لي القرآن ولم يسم شيأ من الاجر وختمه ليس له أن يأخذ اقل من خمسة واربعين درهما شرعيا أما إذا سمى اجرا لزم لكن يأثم المستأجر ان عقد على اقل من خمسة واربعين لمخالفة النص الا ان الآجر للمستأجر ما فوق المسمى إلى خمسة واربعين بعد العقد عليه أو بشرط أن يكون ثواب ما فوقه لنفسه فلا يأثم وعلى هذا لو قال القارئ أقرأ ختما بقدر ما قدرت من الاجر حين امره المستأجر بالختم باقل من خمسة واربعين فقرأ من القرآن ذلك المقدار من الثلث أو الربع أو النصف أو نحوها فلا يأثم وهذا مما يجب حفظه لابتلاء العوام والخواص

ص: 175

بذلك انتهى (قلت) لا يحتاج إلى الجواب بعد ما اسمعناك من كلام ائمتنا متونا وشروحا وفتاوى من أن الجائز أخذ الاجرة على التعليم بعد تصريحهم بعدم جوازه على سائر الطاعات وسمعت التصريح بعدم جوازه على خصوص التلاوة في كلام الرملى والتاترخانية والولوالجية والمحيط البرهاني وغيرها فهو مخالف لاصل المذهب ولما افتى به المتأخرون ومخالف للقواعد أيضًا فإنه حيث لم يسم اجرة تكون الإجارة فاسدة والواجب فيها اجر المثل أن ثبت أن الاستئجار على ذلك صحيح بشروطه والا فلا يجب شي اصلا واجر المثل لا يكون مقدرا بعدد مخصوص في كل وقت ومكان واين النص على ذلك مع ما تقدم من أحاديث الوعيد الشديد على الآخذ، على أن هذا أن ثبت نقله عن الزاهدى نقول قد صرح ابن وهبان في كتاب الشرب والاشربة ونقله عن العلامة ابن الشحنة وغيره بأنه لا عمل ولا التفات إلى كل ما قاله الزاهدى مخالفا للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره (فإن قلت) ما نقلته عن العلامة البركوى من بطلان الوقف أيضًا على القراءة ونحوها مشكل فانا نرى عامة المساجد والمدارس القديمة يجعل بانوها شيأ من ريع وقفهم لقراءة الاجزاء ونحوها وما سمعنا أحدا قال بحرمة ذلك وبطلانه (قلت) أشار البركوى إلى جوابه في رسالته بأن الجائز أن يقف الرجل على من يشتغل بقراءة القرآن حسبة كمن يقف على الارامل واليتامى والفقراء من الفقهاء والمعلمين والمتعلمين والصالحين فهذه الأوقاف جائزة لأن ذكر هذه الأشياء تعيين مصرف غلة الوقف لا امر فيها بشيء لنفسه فتكون صلة تعطى لمن اتصف بتلك الصفات ولا كلام فيها بل الكلام في عكس هذا أعني من يقف ويأمر بالقراءة وإعطاء الثواب ويقرأ هو لاجل المال فلا يتصور فيه معنى الصلة، ولذا قال في المحيط البرهاني ولا معنى لصلة القارئ بقراءته وفي لفظ التعيين وفى المصرف اشعار بما قلنا انتهى، وهكذا قال سيدى العارف الشيخ عبد الغني النابلسي في شرحه على الطريقة المحمدية حيث قال في بحث الرياء واما الأوقاف الآن والصدقات الجارية على قراءة الاجزئة القرآنية واجزاء صحيح البخاري ومسلم ومعلومات المؤذنين والمدرسين في الجوامع والمدارس ونحوها فهى موقوفة على كل من يفعل هذه العبادات في هذه المواضع المخصوصة لا بشرط أن يكون ثوابها للواقف والمتصدق بذلك بل للواقف وللمتصدق ثواب الصدقة بذلك على القائمين بهذه العبادات وثواب اعمالهم على ذلك كله لهم لا للواقف والمتصدق وإنما هذه الوظائف اعانة لهم على طاعة الله تعالى فقط

ص: 176

فليست من هذا القبيل الذى أشار إليه المص إلا إذا شرط الواقف أو المتصدق أن ثواب هذه العبادات يكون له في مقابلة ما عينه من المال فهو أمر باطل حينئذ وفعله حرام بهذه النية انتهى (فقد) وافق ما ذكره المصنف قدس الله تعالى اسرارهما مع أن سيدى الأستاذ لم ير شيأ من رسائله كما ذكره في شرحه (ونقل) العلامة ابن الشحنة عن التعليقة، في المسائل الدقيقة، لابن الصائغ ما يأخذه الفقهاء من المدارس ليس باجرة لعدم شروط الإجارة ولا صدقة لأن الغنى يأخذ هابل اعانة لهم على حبس أنفسهم للاشتغال انتهى، أي ليس باجرة ولا صدقة من كل وجه بل من بعض الا وجه، فقد ذكر العلامة الطرسوسي في انفع الوسائل أن ما يأخذه صاحب الوظيفة فيه شوب الاجرة والصلة والصدقة فاعتبرنا شائبة الاجرة في اعتبار زمن المباشرة وما يقابله من المعلوم واعتبرنا شائبة الصلة بالنظر إلى المدرس إذا قبض معلومه ومات أو عزل في أنه لا يسترد منه حصة ما بقى من السنة، واعملنا شائبة الصدقة في تصحيح اصل الوقف فإن الوقف لا يصح على الأغنياء ابتداء لأنَّه لابد فيه من ابتداء قربة ولا يكون الا بملاحظة جانب الصدقة، وقال قبله أن المأخوذ في معنى الاجرة والا لما جاز للغنى الخ (وفى) فتاوى العلامة قاسم بن قطلوبغا اجمعت الامة على أن من شروط الواقفين ما هو صحيح معتبر يعمل به ومنها ما ليس كذلك، قال في كتاب الوقف لابي عبد الله الدمشقى عن شيخه شيخ الإسلام قول الفقهاء نصوص الواقف كنص الشارع يعنى في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشارع او لا ولا خلاف أن من وقف على صلاة أو صيام أو قراءة أو جهاد غير شرعى ونحوه لم يصح والله تعالى أعلم انتهى وقد نقل هذه العبارة أيضًا صاحب البحر وغيره في كتاب الوقف والله تعالى الموفق (فإن قلت) قد جوز اعتبار شائبة الاجرة في معلوم المدرس فينافي ما صرحوا به من التعليل لبطلان الوصية للقارئ بأنها تشبه الاجرة (قلت) لا منافاة فإن المدرس معلم بخلاف القارئ المطلوب منه القراءة المجردة فكون معلوم المدرس فيه شائبة الاجرة على التعليم لا محذور فيه فإن الاستئجار على التعليم مما استثناه المتأخرون للضرورة كما قدمناه اما القراءة المجردة فعلى المنع، ولما وصلت في تبييض هذه الرسالة إلى هذا المحل راجعت كتاب تبيين المحارم فرأيته ذكر في الاجرة على القرائة نحوا مما ذكرته، وقرر بعضا مما قررته، وذكر مما يناسب ما نحن بصدده ما صورته، واعلم أن الذى يأخذه العلماء والفقهاء

ص: 177

والمعلمون والأئمة والمؤذنون من غلات الأوقاف إنما يأخذونه صلة وصدقة وبرا ومجازاة على الإحسان لا اجرة وجعالة فمن ظن غير ذلك فقد ظن بهم ظن السوء ومن شك في شيء مما ذكرنا فلينظر في بصائر الأوقاف المتقدمة وسجلاتها فإن الذى يكتب فيها هذا ما وقف وحبس وسبل وتصدق وحرر وأبد ثم يؤكدون ذلك أشد تأكيد فيكون في آخره صدقة جارية محررة محرمة مؤبدة يعطى للإمام من ذلك كذا وللمؤذن كذا وللمدرس كذا وهلم جرا ويكتبون بعد ذلك ابتغاء مرضات الله تعالى وطلبا للثواب ولا يوجد في بصائر الأوقاف ذكر الإجارة ولا الجعالة انتهى ملخصا ولنذكر بعض ما حرره في ذلك الكتاب، وإن لم يكن في محله او استلزم نوع اسهاب، لأن مبنى كلامنا على التوضيح، والتأييد بكثرة النقول وزيادة التصريح، فقال بعد كلام فقد علمت أن تجويز الإجارة للضرورة وما لا ضرورة فيه لا تجوز الإجارة اصلا كالصلاة والصوم وقراءة القرآن والاصل فيها أن وجوب الإخلاص في كل العبادات شرط في كونه الله تعالى فحرم ارادة الدنيا بعمل الآخرة فلا تكون العبادة بالاجرة خالصة لله تعالى بل هي ملحقة بالرياء بلا شبهة والرياء حرام بالادلة القطعية، ثم حرر أن قول المتأخرين بجواز أخذ الاجرة على الامامة والاذان وتعليم القرآن إنما ارادوا به الاخذ على طريق الصلة والقربة بسبب اتصاف المعطى بعمل من اعمال البر وكذا ارزاق القضاة او يكون مرادهم بالاجرة ما يؤخذ في مقابلة اتعاب النفس في الامامة والتأذين في حضور موضع معين وقيامه به وقتا معينا فإنه ليس بواجب عليه وليس من نفس العبادة وكذا اتعاب نفسه في تلقين سورة شخصا معينا ليس بواجب عليه إلا أن لا يوجد غيره تجويز الإجارة فيها ليس من حيث انها عبادة بل من حيث أنها وسيلة لها، فإن عمل الآخرة نوعان، الأول ما يكون قربة مقصودة بالذات كالصلاة والصوم والتلاوة والتسبيح والحج ونحوها فلا يجوز أخذ الاجرة عليه لأنَّه ما شرع الا بوصف العبادة والخلوص لله تعالى وارادة الدنيا به قلب الموضوع، والثاني ما يكون وسيلة وآلة للنوع الأول كالتعليم والامامة ونحوهما ولا خلاف أنه إذا وجد النية فيه لله تعالى يكون قربة يثاب عليها والا لا ولكن يبقى كونه وسيلة وآلة والمتقدمون لم يجوزوا أخذ الاجرة على النوعين لأن وضعهما لنفع الآخرة والمتأخرون الحقوا الثاني بعمل الدنيا في جواز أخذ الاجرة للضرورة من حيث كونها وسيلة، فإذا فهمت ذلك علمت أنه ليس في مذهب الحنفى وغيره جواز أخذ الاجرة على العبادة المقصودة بالذات وإنما هي على الوسائل من حيث كونها وسيلة، والحاصل أن أخذ الاجرة

ص: 178

على العبادات حرام وما يأخذه الفقهاء ونحوهم اما صلة لهم او كفاية لهم عن الاشتغال بالكسب واما اجرة على اتعاب النفس فيما دون العبادات انتهى ملخصا، ثم ذكر مسئلة الاستئجار على الحج وقال أن كتب الحنفية مشحونة بعدم الجواز بكلمة ظاهر الرواية كما هو المفهوم من كلام الكرماني وشرح الكافي وآداب المفتين والكفاية وخزانة الاكمل والتحفة والمجمع والمحيط وشرح الطحاوى وغيرها ثم ذكر كلام الخانية وفتح القدير الذي قدمناه عن رسالة الشرنبلالي، ثم ذكر ما قدمناه عن الجوهرة ونصه واختلفوا في الاستئجار على قراءة القرآن مدة معلومة قال بعضهم لا يجوز وقال بعضهم يجوز وهو المختار، وعبارة الزاهدى في القنية من بنى مدرسة ومقبرة لنفسه فيها ووقف عليها ضيعة وبين فيها أن ثلاثة ارباعه للمتفقهة وربعه يصرف إلى من يقوم بكنس المقبرة وفتح بابها واغلاقه والى من يقرأ عند القبر وقضى القاضى بصحة وقفه وجعل آخره للفقراء يحل لمن يقرأ عند قبره أخذ هذا المرسوم ولمن يكنسه، وقال بعضهم أن كان القارئ معينا يجوز والا فلا انتهى (وقال) فهذا يدل على أن الاستئجار على القراءة جائز فما الجواب عنه (قلنا) في الجواب أن هاهنا قاعدة مقررة وهى أن المسائل الفقهية ان كان مأخذها معلوما مشهورا من الكتاب والسنة والاجماع فلا نزاع فيها لاحد والا بان كانت اجتهادية ينظر ان نقلها مجتهد لزم اتباعه بلا مطالبة بالدليل والا فان نقلها عن مجتهد واثبت نقله فكذلك والا فان كان ينقل من قبل نفسه أو من مقلد آخر أو اطلق فإن بين دليلا شرعيا فلا كلام والا ينظر فإن وافق الاصول والكتب المعتبرة يجوز العمل به وينبغي للعالم ان يطلب الدليل عليه وان خالف ما ذكر فلا يلتفت إليه فقد صرحوا أن المقلد أن افتى بلا نقل عن المعتبرات فلا ينظر إلى فتواه، فإذا عرفت هذه القاعدة، فاعلم أن الحدادى

(1)

وامثاله مقلدون لا يقدرون على الاستنباط ولا على اخراج الصحيح من الفاسد بل هم ناقلون ولم ينقلوا هذه المسئلة عن ائمتنا المجتهدين بل المصرح منهم عدم الجواز مع أنه مخالف للأصول (قال) في الاختيار ومجمع الفتاوى واخذ شيء للقرآن لا يجوز لأنَّه كالاجرة فإذا نفى الجواز عن مشابه الاجرة فكيف عنها (وفى) الخلاصة أوصى لقارئ القرآن عند قبره بشيء فالوصية باطلة (وكذا) في التاترخانية عن المحيط (وفيها) والصحيح أنه لا يجوز وان كان القارئ معينا وهكذا قال أبو نصر وكان يقول لا معنى لهذه الوصية ولصلة القارئ لقراءته

(1)

اقول على أن الحدادى جزم بخلاف ما ذكره حيث قال في كتاب الوصايا ولو أوصى لرجل بشيء ليقرأ على قبره فالوصية باطلة منه.

ص: 179

لأنَّه بمنزلة الاجرة وهي باطلة وبدعة (وقال تاج الشريعة في شرح الهداية أن القرآن بالاجرة لا يستحق الثواب لا للميت ولا للقارئ (وقال) العينى في شرح الهداية ويمنع القارئ للدنيا والآخذ والمعطى آثمان (فلم) يكن ما اختاره الحدادى هو المختار لأن المعتمدين من أصحابنا ذهبوا إلى خلافه (كتاب) القنية مشهور عند العلماء الثقات بضعف الرواية مع قطع النظر عن كون مؤلفه الزاهدى معتزليا وكلامه مخالف لاصولنا ولو سلم ما قاله الحدادي يحمل على أن غرض الموصى أن موضع القرآن تنزل فيه الرحمة فيحصل من ذلك فائدة للميت ومن حوله فتكون الاجرة بمقابلة ذلك التعب لأنه سبب النزول الرحمة على القبر واستئناس الميت به ولم توجد هذه المعانى إذا قرأ بعيدا عن القبر وقرأ للحي كل يوم في مكان معين خصوصا إذا لم يكن المقرى حاضرا ولا يقاس على ما يقرأ عند القبر اذ لا فائدة للمعطى في اتعاب نفس القارئ بل مراده وصول الثواب إليه ولا ثواب في هذا التعب والقراءة كما ذكرناه عن تاج الشريعة (وبالجملة) الممنوع بيع الثواب ونية القراءة لاجل المال غير صحيحة بل هو رياء لقصده أخذ العوض في الدنيا وقد ذكروا أن من يريد الغزو لله تعالى ويريد الغنيمة لا يكون غزوه خالص الله تعالى ومن نوى الحج ونوى التجارة لا ثواب له ان كانت التجارة غالبة أو مساوية (والحاصل) أن ما شاع في زماننا من قراءة الاجزاء بالاجرة لا يجوز لأن فيه الأمر بالقراءة وإعطاء الثواب للآمر والقراءة لاجل المال فإذا لم يكن للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فانى يصل الثواب إلى المستأجر ولولا الاجرة ما قرأ أحد لأحد في هذا الزمان بل جعلوا القرآن العظيم مكسبا ووسيلة إلى جمع الدنيا انا لله وانا إليه راجعون انتهى (هذا) ملخص ما رأيته في تبيين المحارم (وقوله) ولو سلم ما قاله الحدادي الخ لا يخفى أنه على سبيل التنزل والا فهو غير مسلم مخالفته لكلام أئمتنا متونا وشروحا وفتاوى كما علمته من هنا وبما قدمناه من أن الاستئجار على العبادات لا يصح وان المتأخرين استثنوا التعليم استحسانا للضرورة ولم يقل أحد منهم بصحته على التلاوة المجردة (وايضا) فإنه لا يوصى ولا يدفع المال إلا بمقابلة الثواب وعلى ظن وصوله إليه كما قدمناه ولا يخطر بباله دفع المال بمقابلة خصوص التعب والحضور كما هو ظاهر في عرف أهل زماننا (وايضا) فهذا الحمل غير مسلم لأنَّه قدم أن تجويز المتأخرين الاجرة على الوسائل للضرورة وقد مناغير مرة أنه لا ضرورة في الدين للاستئجار على القراءة المجردة على أن ما يفعل في زماننا من الختمات والتهاليل لا يكون بحضرة الميت ولا عند قبره بل يكون كثيرا في بيت الأيتام (وقد) يجاب عما في القنية بان ذلك تعيين

ص: 180

للمصرف كما قدمناه عن شرح الطريقة ولا محذور فيه اذ ليس فيه بيع الثواب والأمر بإهدائه لروح الواقف كما يفعل فى الوصية في زماننا فهو مثل ما لو قال يعطى للعلماء او للفقراء مثلا وانما المحذور الاعطاء بدلا عن ثواب القراءة (والظاهر) ان هذا وجه القول الضعيف بجواز الوصية لمن يقرأ على القبر ووجه القول المعتمد الملحوظ فيه للموصى البدلية عن القراءة وثوابها فيشبه الاجرة وبيع الثواب فلذا صححوا بطلانها كما صرح به في التاترخانية وافاده صاحب القنية نفسه فيما نقلناه عنه اوائل المقصد حيث عبر عن الجواز بقيل المفيد للتضعيف وقد اغتر بعض محشى الاشباه حيث اقتصر على عبارة القنية هذه المذكورة فى الوقف ظانا انه كالوصية ولم يتنبه لما ذكره في الوصايا من ترجيح بطلانها تبعا للجمهور مع وضوح الفرق (وحاصله) ان مقصود الموصى ثواب القراءة بمقابلة وهو بيع الثواب فلذا بطلت الوصية ومقصود الواقف التصدق بالمال على القارئ اعانة له على القراءة ليكون الواقف سببا في ذلك الخير لا ليكون ثواب القراءة لنفسه بمقابلة ماله فلو قصد ذلك بطل كالوصية كما قدمناه (وبه) ظهر وجه صحة الوقف على القارئ وبطلان الوصية له لأجل ثواب قراءته وظهر صحة كلام القنية، ثم بعد مدة وقفت على شرح الطريقة للعلامة الشيخ رجب بن عصمة الله فرأيته أجاب عما فى القنية بنحو ما ذكرناه حيث قال أنه مخالف للكتب المعتبرة ولو سلم فالمراد والله تعالى اعلم ان من يقرأ الله تعالى عند قبرى من عند نفسه بلا امر احد وتكليفه يدفع اليه شيء معين بطريق الصلة الا يرى انه لم يامره بالقراءة واعطاء الثواب كما هو شائع في زماننا ففرضه ان يسمع القرآن ويستأنس به لأنه متصور من الميت كما ذكر في الفتاوى ومن لم يجوزه نظر الى مشابهة الاجرة فاحتاط ومنع كما نقلناه عن الاختيار اهـ ملخصا. ثم قال واعلم ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سمى الدنيا جيفة ملعونة وهل يليق لامته ان يستبدلوا كلام الله تعالى بحيفة ملعونة واى استخفاف يزيد على هذا وبأى وجه ينظر الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم القيمة انتهى. وذكر هذا الشارح فى بحث الرياء ان رجلا من الاكراد ادعى جواز ذلك استدلالا بحديث اللديغ المار ورد عليه بان ذلك اجرة على الرقية المقصود بها التداوى دون الثواب ونحن نقول بجواز ذلك فمن ادعى الجواز مطلقا فعليه البيان كيف والادلة من الكتاب والسنة والاجماع والقياس تدل على مدعانا اما الكتاب فقوله تعالى {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} واما السنة فكقوله عليه الصلاة والسلام

ص: 181

(اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به) واما الاجماع فان الامة اتفقوا على ان لا ثواب للعمل الا بالنية وهى الحالة الباعثة على العمل المعبر عنها بالقصد والعزم ولم توجد فيما نحن فيه فلا ثواب فلا اجارة. واما القياس فان القراءة مثل الصلاة والصوم في كونها عبادة بدنية محضة فكما لا تجوز الاجارة عليهما لا تجوز على القراءة. وقال ايضا الاجارة هنا بيع الثواب وبيع المعدوم باطل ولو سلم وجوده فليس بمال ولو سلم فليس بمقدور التسليم ولو سلم انها ليست ببيع فهى تمليك المنفعة بعوض والمنفعة هنا هى الثواب لا القراءة حتى لو علم المستأجر عدم حصول الثواب لم يعطه حبة على مجرد القراءة فاذا لم يسلم الثواب لا يستحق الاجرة. ولا يجوز ان يكون ما يعطيه صلة بلا شرط قراءة والقارئ يقرأ حسبة الله تعالى لان المعطى لم يعطه الا ليقرأ على مراده حتى يراقبه هل يدوم على القراءة ولان القارئ لو لم يعط له لم يقرأ. ثم قال وبما ذكرنا من الادلة. المنقولة عن الاجلة * ظهر ان ذلك من الامور المحدثة المردودة. فكيف تكون عبادة وطاعة مقبولة. عند الله تعالى ورسوله وقد قال عليه الصلاة والسلام (من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) اي مردود فيكون فاعلها مستحقا للعقاب. وتاركها محفوظا عن العتاب. فتأمل حتى يظهر لك الخطأ من الصواب. هذا خلاصة ما ذكره رحمه الله تعالى وجزاه خيرا وهو سريح بجميع ما قدمناه * وموافق لما عن كتب المذهب نقلناه (فان قلت) قول البركوى ببطلان الوصية باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده مخالف لما نقل عن ابى جعفر من انها تجوز من الثلث (قلت) فى المسئلة قولان حكاهما فى الخانية والظهيرية وغيرهما ومشى على البطلان في متن التنوير وذكر فى جامع الفتاوى انه الاصح ووفق بينهما صاحب التنوير في شرحه بإن القول بالبطلان مقيد بان يحضر فيه النايحات ثم على القول بالجواز بشرطه انما يحل الاكل لمن يطول مقامهم عنده ولمن يجئ من مكان بعيد دون من سواهم ويستوى فيه الاغنياء والفقراء كما فى الخانية (قال) في الظهيرية وتفسير طول المسافة ان لا يبيتوا في منازلهم فان فضل من الطعام شيء كثير يضمن الوصى والا فلا انتهى (والمراد) ان لا يمكنهم المبيت في منازلهم لو ارادوا الرجوع في ذلك اليوم لبعدها (ويؤيد) القول بالبطلان مطلقا ما في آخر الجنائز من فتح القدير للمحقق الكمال ابن الهمام حيث قال ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من اهل الميت لانه شرع فى السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقحبة روى الامام احمد وابن ماجه عن جرير بن عبد الله قال كنا نعد الاجتماع الى اهل

ص: 182

الميت وصنعهم الطعام من النياحة ويستحب لجيران الميت والاقرباء الا باعد تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاء ما يشغلهم) حسنه الترمذي وصححه الحاكم ولانه بر ومعروف ويلح عليهم في الاكل لان الحزن يمنعهم من ذلك فيضعفون انتهى (الخاتمة) لدفع ما يتوهم مبطلا لجميع ما تقدم (ان قلت) انك قد اتيت بالعجاب، وارشدت الى الصواب، ولكن بقيت لنا شبهة وهى ان ما نقلته عن كتب المذهب يحتمل ان يكون مفرعا على مذهب المتقدمين فليس فيه دلالة على بطلان الاستئجار على التلاوة ونحوها ولا على بطلان الوصية لذلك بل كل منهما صحيح على مذهب المتأخرين (قلت) قد ذكرنا سابقا ما يدفع ذلك الاشكال. على وجه الاجمال. ولكن لا بأس بزيادة البيان المنصف يقبل الحق ولا ينكر العيان، (فنقول) ارجع الى ما سردناه لك من عبارات المتون التى هى عمدة المذهب فانظر كيف صرحوا فيها اولا بقولهم ولا يصح الاستئجار على الطاعات كالحج والاذان والامامة والتعليم ونحوها ثم ذكروا مذهب المتأخرين بقولهم والفتوى اليوم على جوازه لتعليم القرآن واقتصر عليه جل المتون المحررة كالهداية والكنز والمواهب وبعض المتون الحقوا بتعليم القرآن تعليم الفقه والاذان والاقامة وعلل الشراح ذلك بالضرورة وحاجة المسلمين لعدم من يقوم بذلك تبرعا في زماننا لانقطاع ما كان لهم في زمان المتقدمين وصرحوا بأن المتأخرين اختاروا ذلك استحسانا فقد ابقوا ما عدا المستثنى مما ليس فيه ضرورة داخلا تحت المنع الذي هو اصل المذهب (فهل) يصح لعاقل فضلا عن فاضل ان يقول انا اخالف اصل المذهب بالكلية واقول انه يصح الاستئجار على كل طاعة كالتلاوة والتسييح والتهليل والحج والجهاد والصوم والصلاة والاعتكاف ونحو ذلك بعد اطلاعه على ما استثناه ائمة مذهبه من اشياء محصورة اختلفوا فيما بينهم فى بعضها وقيدوها وعللوها بما لم يوجد فى غيرها بل نصوا على عدم جواز غيرها كما قدمناه من عباراتهم ومنها عبارة الذخيرة البرهانية المتقدمة في الفصل الثاني حيث صرح فيها او لا بما افتى به المتأخرون من جوازه على التعليم معللا بالضرورة واعقبه بالتصريح بعدم جوازه على الاذان والاقامة والحجج والغزو وسائر الطاعات (فهل) يحل لمسلم مقلد لابي حنيفة ان يقول برأيه بخلاف ذلك او يعتقد ان الجواز مطلقا على سائر الطاعات هو مذهب المتأخرين (وارجع) الى ما قدمناه عن رسالة الشرنبلالي في الاستئجار على الحج من انه باطل باتفاق ائمتنا وما نقله من رد المحقق ابن الهمام على ما يوهمه ظاهر

ص: 183

عبارة قاضى خان من جواز الاستئجار على الحج (فهل) يظن احد بابن الهمام انه يفهم عبارات المتون وغيرها ولم يعرف ان مذهب المتأخرين الجواز مطلقا حتى يتجاسر على الاعتراض على قاضي خان اما كان له مندوحة من الاعتراض عليه بحمل كلامه على مذهب المتأخرين الذين نقل مذهبهم قاضي خان في كتبه ورضى به وابن الهمام هو الهمام ابن الهمام. وناهيك به من امام، وما اظن ان من يزعم فيه عدم فهمه لمذهبه انه يفهم بعض كلامه (كيف) وقد صرحوا قاطبة بأن ما يأخذه المأمور بالحج انما يأخذه بطريق الكفاية لا العوض عن تعبه، وبنوا عليه انه يجب عليه رد الزائد من النفقة، وانه يشترط انفاقه بقدر مال الآمر، وانه يتصرف فيه على ملك الأمر حيا كان الآمر او ميتا معينا كان القدر اولا، وان للوارث ان يسترد المال من المأمور ما لم يحرم، وغير ذلك من الاحكام التي ذكروها في الحج عن الغير (ولو) صح الاستئجار على الحج لانعكست هذه الاحكام وكان ما يأخذه المأمور انما يأخذه بطريق العوض لا الكفاية ولم يجب عليه رد الزائد ولم يشترط انفاقه بقدره وكان يتصرف فيه على ملكه مطلق لا على ملك الآمر ولم يكن للوارث استرداده مطلقا لان بدل الاجارة يملك بالقبض (فانظر) ايها المنصف الطالب الحق هل سمعت احدا من المتقدمين او المتأخرين صرح بخلاف هذه الاحكام وبأن الامر فيها اليوم على عكس ما ذكروه حتى يكون شبهة لظنك ان المتأخرين لم يقصدوا الحصر فيما استثنوه وانهم جوزوا الاستئجار على سائر الطاعات وان لزم منه تخطئة الشراح وغيرهم بالتعليل بالضرورة اذ ليست الضرورة داعية الى جوازه على سائر الطاعات فيكون تعليلهم في غير محله (وحيث) لم يصرح احد بخلاف ما نقلناه عنهم هل يتجاسر احد منا على مخالفتهم ورد نصوصهم برأيه بل لو قال ذلك وخالفهم لرد عليه صغار الطلبة وقالوا له لا نقبل الفقه بالعقل. بل لا بد من احضار النقل. فان قال لهم نقلى ان الحج طاعة وقد قال المتأخرون بجواز الاستئجار على كل الطاعات لقالوا له احضر النقل عن احد ممن يعتد به من اهل المذهب أنه قال على كل الطاعات حتى نستريح ونستأجر من يصوم عنا رمضان ويصلى عنا واذا سئلنا القيمة عن ذلك نقول يا ربنا عبدك هذا نقل لنا عن المجتهدين الذين أمرتنا باتباعهم هذه العبارة التي هي نص في جواز الاستئجار على الصوم والصلاة كما هى نص على جوازه على الحج بل هى نص على هدم التكاليف الشرعية، والخروج عن قواعد الملة المحمدية، (فهل) يقبل ذلك العذر من مسلم جاهل، فضلا عن عالم عاقل، (فعلم) ان ائمتنا لم يستثنوا

ص: 184

من الطاعات الا ما نصوا عليه من التعليم والاذان والامامة مما فيه ضرورة داعية وهى حفظ الدين * واقامة شعائره للموحدين، مع ان من عجز عن الحجج مضطر الى حجاج غيره عنه ولا يكاد يجد احدا متبرعا بالحج عنه لكن لما كانت هذه الضرورة ليست كالضرورة الى التعليم ونحوه لم يجوزوا الاستئجار عليه على ان ضرورة هذا العاجز مندفعة بأنابة غيره منابه في الحج عنه والانفاق عليه في سفره من مال الآمر فلذا اتفقوا على عدم جواز الاستئجار عليه واتفقوا على الاحكام التي فرعوها في الحج عن الغير كما قدمناه آنفا (وارجع) الى ما قدمناه اول المقصد عن الكنز وشرحه للزيلعي ومثله في سائر كتب المذهب متونا وشروحا وفتاوى من ان النيابة تجرى في العبادة المالية عند العجز والقدرة كالزكاة والعشر والكفارة ولم تجر فى البدنية بحال كالصلاة والصيام والاعتكاف والتلاوة والاذكار وفي المركب منهما كالحج تجرى عند العجز الدائم فقط (فهل) سمعت احدا منهم صرح بخلاف ذلك او قال ان ذلك مذهب المتقدمين فقط مع ان النيابة اسهل من الاستئجار لكونها بدون عوض ولذا جازت فى الحج دون الاستئجار (وانظر) هل قال احد من المتقدمين أو المتأخرين بانه يجوز للقاضى او المفتى اخذ الاجرة على القضاء او الافتاء باللسان مع ان القضاء والافتاء من الطاعات (فهل) تقول انت برأيك بالجواز او تزعم انه مذهب المتأخرين حتى يعتقد القضاة حل ما يأخذونه من الرشوة والمحصول ويقولون انما نأخذه اجرة على القضاء فيكون اثم كفرهم في عنقك حيث كنت سببا لتحليلهم ما هو محرم باجماع المسلمين (وارجع) ايضا الى ما قدمناه عن حاشية الشيخ خير الدين الرملي على البحر من قوله فى الرد على صاحب البحر اقول المفتى به جواز الاخذ استحسانا على تعليم القرآن لا على القراءة المجردة كما صرح به في التاترخانية الخ (وارجع) ايضا الى ما قدمناه عن حاشية المنتهى من قول شيخ الاسلام تقى الدين ان الاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الائمة وانما تنازعوا في الاستئجار على التعليم (وارجع) ايضا الى ما قدمناه عن الفتاوى الخيرية، وما افتى به من بطلان الوصية، فهل افتى بذلك مجازفة في الدين، او لعدم فهمه لمراد المتأخرين، بل ما افتى الا عن فقه واف، وفهم صاف، تبعا لما صرح به مشايخ المذهب من ان الوصية للقراءة على القبر باطلة، وان جازت القراءة على القبر لانها تشبه الاجرة على القراءة وهي باطلة، فجزاه الله تعالى وغيره من العلماء العاملين، جزاء وافيا يوم الدين، (والحاصل) ان المخالف في ذلك، بعد وضوح هذه المسالك، اما مكابر منكر للعيان، ولو اقام عليه الف برهان، لكونه اتخذ القرآن مكتسبا فيخاف ان انصف، ان يكون بتحريم كسبه

ص: 185

قد اقر واعترف، واما جاهل قليل الفهم. عديم العلم. متشبث بحبال اوهام بالية. وخيالات عن رائحة الصحة خالية. ومستند الى عبارات خاوية كبيوت عناكيب واهية. وكل منهما آثم موزور. لكون المكابر في الدين، او الجاهل بين اظهر المسلمين، غير معذور. (فان قلت) الآن حصحص الحق. وظهر الكذب من الصدق، فان ما ذكرته صحيح، وما أثبته من النقول صريح. لا يخفى على من عنده نوع علم. او رزق ادنى فهم. ولا ينكره الا غبى احمق * هو بالبهائم ملحق. ولكنا نرى اهل بلدتنا هذه قد اطبقوا على هذه الافعال. وأعتقدوها من ارجى الاعمال. فليكن هذا مما تعامله المسلمون وتعارفوه. ورأوه حسنا حين ائتلفوه. وقد ورد فى الحديث (ان ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) الا ترى انهم جوزوا الاستصناع ودخول الحمام والشرب من السقا ونحو ذلك مما خالف القياس. وقد جوزوه لتعامل الناس. فلم لا تكون مسئلتنا من هذا القبيل. لنستغنى عن القال والقيل. (قلت) اعلم اولا ان العرف على قسمين خاص وعام وقد اختلفوا في العرف الخاص هل هو معتبر اولا والذي صححوه هو انه غير معتبر واما العرف العام فهو معتبر بلاشك ولكنك كما قيل حفظت شيئًا وغابت عنك اشياء (منها) ان ما ذكرته من الاستصناع ونحوه من العرف العام ومسئلتنا من العرف الخاص فان العرف العام ما تعامله المسلمون من عهد الصحابة الى زماننا واقره المجتهدون وعملوا به بناء على التعارف وان خالف القياس ولم يرد به نص ولاقام عليه دليل فهذا اخذ به الفقهاء واثبتوا به الاحكام الشرعية وقد قالوا ان العرف بمنزلة الاجماع عند عدم النص ولا يخفى ان المراد به العرف العام بمعنى الذى ذكرنا لا ما تعارفه بعض الناس فضلا عما رده العلماء وعدوه منكرا كمسئلتنا (وقد) ذكر المحقق ابن الهمام انا جوزنا الاستصناع استحسانا بالتعامل الراجع الى الاجماع العملى من لدن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الى يومنا بلا نكير والتعامل بهذه الصفة مندرج في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا تجتمع امتى على ضلالة الى آخر ما قال فراجعه تعلم حقية ما قلنا (وفى) شرح الاشباه للعلامة البيرى عن السيد الشهيد التعامل في بلد لا يدل على الجواز ما لم يكن على الاستمرار من الصدر الاول فيكون ذلك دليلا على تقرير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اياهم على ذلك فيكون شرعا منه والا لا يكون حجة الا اذا كان كذلك من الناس كافة في البلدان كلها فيكون اجماعا والاجماع حجة الا ترى انهم لو تعاملوا على بيع الخمر والربا لا يفتى بالحل انتهى ملخصا. فانظر ايها المنصف في التعامل في مسئلتنا وتأمل فيها حتى يظهر لك دخولها تحت اى واحد من هذين

ص: 186

التعاملين اللذين لا ثالث لهما (ومن) الاشياء التى غابت عنك ان العرف انما يعتبر إذا لم يخالف النص كما قاله ابو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعليه الفتوى كما نصوا عليه فى باب الربا وغيره (وذكر) الامام فخر الدين الزيلعي في باب الاجارة الفاسدة عند قول الكنز وان آجر دارا كل شهر بكذا صح في شهر فقط الا ان يسمى الكل ما نصه ولا معنى لقول من قال من المشايخ ان العقد صحيح في الشهر الثاني والثالث لتعامل الناس لان التعامل اذا كان مخالفا للدليل لا يعتبر انتهى (وقد) اسمعناك في المقدمة النصوص على خلاف هذا العرف وسقنا لك من بعدها نصوص ائمة المذهب على بطلانه ورده وبينا لك ما استثناه المتأخرون مخالفين فيه النصوص لاجل الضرورة التى لولاها لم يستثنوا شيئًا منها (فهل) يسوغ لعاقل ان يقول ان العرف يصلح دليلا لمسئلتنا حتى يقول له الظلمة والفسقة اذن يجوز لنا فعل ما نحن عليه مما تعامله الناس من قديم الزمان من الظلم والمعاصى المألوفة للتعامل الذي جعلته دليلا وان خالف النصوص (فان قلت) هذا ابو يوسف قاضي المشرق والمغرب الذي تسلم انت وكل احد اجتهاده وعلمه وورعه قد نقلوا عنه في الربا مسئلة اعتبر فيها العرف مع مخالفته النص وهى انهم قالوا في الاشياء الستة الربوية المنصوص في الحديث الصحيح على ان بعضها كيلى وبعضها وزنى لو تغير العرف عما كان في زمنه عليه الصلاة والسلام وصار يباع ما كان كيليا بالوزن او بالعكس لا يعتبر ذلك ولا يصح بيعها الا كما كان فى زمنه عليه الصلاة والسلام عملا بالنص وخالف ابو يوسف وقال يعتبر العرف (قلت) نعم قال ذلك ولكن بناء على ان المراد من الحديث انما هو ضبط التساوى فى الاشياء (*) الستة المنصوصة ولما كان في زمنه عليه الصلاة والسلام بعضها مكيل وبعضها موزون جاء تخصيص بعضها بالكيل وبعضها بالوزن بناء على ما كان اذ ذاك لان ضبط التساوى في ذلك الزمن كان بذلك فلو تغير العرف وصار ما يكال موزونا او بالعكس يعتبر ذلك الحصول المراد من الحديث وهو ضبط التساوى فى الستة باى معيار كان من المعيارين وهذا في الحقيقة ونفس الأمر ليس عملا بالعرف المخالف للنص بل هو تأويل للنص كما لا يخفى على ان المفتى به خلاف ما قاله فلو باع الحنطة بجنسها متساويا وزنا والذهب بجنسه متساويا كيلا لا يجوز عندهما وان تعارفوا ذلك خلافا لابي يوسف لتوهم حصول التفاضل لو بيع بالمعيار المنصوص عليه كما لو باع مجازفة فانه لا يجوز لتوهم الفضل كما فى الهداية

(*) الاشياء الستة هى البر والشعير والتمر والملح والذهب والفضة فقد نص على ان الاربعة الاول كيلية وان الآخرين وزنية منه.

ص: 187

وغيرها (فقد) ظهر لك ان ابا يوسف لم يقل بتقديم العرف على النص وانا اول النص بما ذكرنا وعمل بالنص (ولو) سلم انه قدمه على النص في خصوص هذه المسئلة فلا نسلم انه قائل به مطلقا (فقد) ذكر فى فتح القدير ان النص اقوى من العرف لان العرف جازان يكون على باطل كتعارف اهل زماننا فى اخراج الشموع والسراج الى المقابر ليالى العيد والنص بعد ثبوته لا يحتمل ان يكون على باطل انتهى (وحاشا) سيدنا ابا يوسف ان يقول بذلك مطلقا بل لا يظن في مسلم القول بذلك لما يلزم عليه من ابطال الشريعة. وهدم اركانها المنيعة. (فقد) تعامل الناس من قديم الزمان البيوع الفاسدة كبيع المظروف وطرح ارطال للظرف وبيع النقدين نسيئة ومتفاضلا وغير ذلك من العقود الفاسدة والباطلة التي لا تعد والفوا الغيبة وكثيرا من انواع الفسوق والفوا بيع العينة والتصدق عن امواتهم في المساجد وغيرها في مواسم صيام النصارى ونقش الجدار القبلى من المسجد ورفع الصوت بالذكر مع الجنازة والفوا ايقاد القناديل والشموع الكثيرة في المساجد ليالي رمضان (وقد) نقل العلامة الباقاني فى شرح الملقى فتاوى العلماء من المذاهب الاربعة بحرمة ذلك ان الناس ربما يعدونه من شعائر الدين والفوا قراءة الموالد في المارات يتقربون بها الى الله تعالى وينذرونها الشفاء مرضاهم وقدوم غيبهم ويهدون ثوابها للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع انها ليست سوى الغناء واللعب (وقد) ذكر سيدى العارف عبد الغني النابلسي تفسيق المؤذنين بذلك وعدم الاعتماد على اقوالهم بدخول الاوقات لهذه المنكرات ولو اردنا الاكثار مما اكب عليه الناس واعتقدوه قربا لخرجنا عن المقصود (وبالجملة) فغالب الشريعة قد تغير ولم يبق منها سوى الأثر (فهل) يقول مسلم ان الحرام يصير حلالا بالتعامل بل لواعتقد ذلك يخشى على دينه والعياذ بالله تعالى (ولو) كان اتفاق البعض بل الأكثر على ما خالف الشرع الشريف معتبرا لما ذمهم الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقد اثنى الله تعالى على القليل وذم الكثير بقوله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)} وقوله تعالى {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وقال صلى الله تعالى عليه وسلم (ان الاسلام بدا غريبا وسيعود كما بدا فطوبى للغرباء قيل ومن هم يا رسول الله قال الذين يصلحون اذا فسد الناس) الى غير ذلك من الآيات والاحاديث ويكفيك ذم الله تعالى الذين قالوا انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون (فان قلت) اليس حنفية عصرك كانوا يفتون بصحة هذه الوصايا والاستئجار أفتراهم كانوا يفتون بدون مستند (قلت) نعم انهم كانوا يفتون بذلك ولكنك لو طلبت

ص: 188

منهم المستند على ذلك وفتشوا مشرق الارض ومغربها لا يكادون يستندون الا بالعرف وبما في وقف القنية وبما شذ به صاحب الجوهرة (اما) العرف فقد علمت حاله (واما) ما فى القنية فقد بينا المراد منه قبيل الخاتمة وان صاحب القنية نفسه مشى فى موضع آخر على بطلان الوصية واشار الى تضعيف القول بالجواز الذي ذكره فى الظهيرية فهو مرجوح لمخالفته لما صرحوا بتصحيحه معللين بانه يشبه الاستئجار على قراءة القرآن وذلك باطل وبدعة كما قدمناه عن الولوالجية والتاترخانية وغيرهما (وقد) قال العلامة قاسم ان الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للاجماع وحينئذ فلا يصح ان يعتبر العرف بناء على هذا القول الضعيف لان اعتبار العرف انما يجوز اذا لم يخالف نصا او قولا مصححا (نعم) قد يحكون اقوالا بلا ترجيح وقد يختلفون في التصحيح فحينئذ يعتبر العرف واحوال الناس وما هو الارفق وما ظهر عليه التعامل وما قوى وجهه كما ذكره فى اول الدر المختار وخلاف ذلك لا يجوز (وقال) العلامة قاسم في فتاواه وليس للقاضي المقلد ان يحكم بالضعيف لانه ليس من اهل الترجيح ولو حكم لا ينفذ لانه قضاء بغير الحق لان الحق هو الصحيح وما وقع من ان القول الضعيف يتقوى بالقضاء المرادبه قضاء المجتهد كما بين فى موضعه انتهى (ولاسيما) وسلاطين الدولة العثمانية ايدهم الله تعالى لا يولون القضاة والمفتين الا بشرط الحكم والفتيا بالصحيح في المذهب فاذا حكم بخلافه لا ينقذ محكمة كما صرحوا به ايضا (هذا) فى حق غيره واما في حق نفسه فقد صرحوا بانه ليس للانسان العمل بالضعيف في حق نفسه كما ذكره العلامة الشرنبلالي فى بعض رسائله لكن قيده غيره بغير من له رأى كما نقله العلامة البيرى فى اول شرحه على الاشباه فيجوز لمن له رأى ترجح به عنده ذلك القول بدليل صحيح معتبر لا بمجرد التشهى او تتبع الرخص او الطمع فى الدنيا ان يعمل به لنفسه ولا يفتي به غيره لانه غش وخيانة فى الدين لان السائل لم يسأله عما رجحه لنفسه وقت الحاجة بل عما رجعه الائمة لكل الامة الذى لو حكم به قضاة زماننا نفذ (نعم) قد يرجحون القول الضعيف لعارض كما في المحتلم الذي احس بأنى فحبسه حتى فترت شهوته فعند ابي يوسف لا يلزم الغسل وهو ضعيف لكن جوزوا العمل به للضيف الذى خشى ريبة لا مطلقا فهذا ونحوه يجوز للشخص العمل به لنفسه وله ان يفتى به غيره فى مثل هذه الحالة فقط. واما ماشذ به صاحب الجوهرة واغتر به صاحب البحر والشيخ علاء الدين من صحة الاستئجار على القراءة فغير صحيح لمخالفته لكتب المذهب قاطبة كما قدمنا ذلك كله. والذي يغلب

ص: 189

على ظنى ان الحدادى صاحب الجوهرة اشتبه عليه الاستئجار على القراءة بالاستئجار على التعليم فسبق قلمه وتبعه من تبعه كصاحب البحر والقهستانى ومنلا مسكين ويدل على ذلك قوله وهو المختار فانا لم نر احدا ذكر اصل الصحة فضلا عن كونه هو المختار وانما الذى اختاروه الاستئجار على التعليم وهذا ما يقال في زلة العالم زلة العالم وبعد سماعك نصوص المذهب لا يجوز لك تقليده فان الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو ولو فرضنا انه منقول عن احد من اهل المذهب المعتمدين مع مخالفته للمتون وغيرها لا يعول عليه وكذا ان كان بناه على ما تقدم عن حاوى الزاهدى من انه ليس للقارئ اخذ اقل من خمسة واربعين درهما اذا لم يسم اجرا فانه مخالف لعامة كتب المذهب فهو ان ثبت قول ضعيف لا يجوز العمل به لما مر فان المتقدمين طردوا المنع مطلقا والمتأخرون انما اجازوا ما اجازوه للضرورة كما صرحوا به والضرورة تتقدر بقدرها ولا ضرورة للاستئجار على مجرد التلاوة فلا يجوز كما لا يجوز اكل الميتة في غير حال الضرورة الا ترى انه لو انتظم بيت المال ووصل المعلمون الى حقوقهم يرجع المتأخرون الى اصل المذهب لعدم العلة التي اقتضت مخالفتهم له وهى الضرورة ويصير بطلان الاستئجار على جميع الطاعات متفقا عليه بين اهل المذهب جميعا فكيف ما لا ضرورة فيه اصلا فثبت ان ما في الحاوى لا يعمل به بل العمل على ما في المتون وغيرها فقد ذكر صاحب البحر في قضاء الفوائت انه اذا اختلف التصحيح والفتوى فالعمل بما وافق المتون اولى انتهى. فكيف بما أطبقت عليه كلمتهم وكان هو المنقول عن ائمتنا الثلاثة المجتهدين. ومن بعدهم من المرجحين. ولم ينقل خلافه عن المتأخرين. فهل يعول بعده على ما سبق اليه القلم، اوزلت به القدم، ونبه على رده الاخيار، من العلماء الكبار. كصاحب الطريقة وصاحب تبيين المحارم وعلامة فلسطين. الشيخ خير الدين. وسيدى عبد الغني النابلسى وغيرهم، والهمه المولى لهذا الحقير على وفق مرامهم، قبل الاطلاع على كلامهم. فله الحمد على ما الهم. وتفضل به وانعم. فكيف يسوغ الحنفى منصف بقبول الحق متصف، بعد سماعه ما طفحت به كتب مذهبه من بطلان الاستئجار على قراءة القرآن ونحوه من الطاعات مما ليس فيه ضرورة وبطلان الوصية به. ان يفتى بجوازه للتعامل ويأكل أموال اليتامى والارامل وفقراء الورثة بهذا الظن الباطل. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فأحذرك الله تعالى وعقابه. وغضبه وعذابه. ان تنكر الحق بعد ظهوره. وتعمد الى اطفاء نوره. ميلا الى الطمع

ص: 190

فى الدنيا الدنية. وتحصيل اعراضها الفانية الردية. لئلا تكون كمن قص الله تعالى علينا خبره فى كتابه العزيز بقوله عز من قائل {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} الآية واكثر المفسرين على انه بلعام بن باعورا وكان عالما من علماء بنى اسرائيل وكان عنده اسم الله تعالى الاعظم فاغروه بالمال على ان يدعو على موسى عليه السلام فمال الى الدنيا ولم يعمل بعلمه واتبع هواه فأضله الله تعالى على علم ونزع من قلبه الايمان وقصته شهيرة. في مواضع كثيرة. ولم تفترس الدنيا هذا وحده بل افترست خلقا كثيرا لم تغن عنهم دنيا هم من الله شيئا وكانوا من الهالكين فقل الحق ولو عليك، ولا تداهن احدا ولو كان احب الناس اليك، فقد اخذ الله تعالى ميثاقه على اهل العلم ان لا يكتموه فقال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} وقال عليه الصلاة والسلام (من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيمة بلجام من نار) رواه ابو داود والترمذى * وقال عليه الصلاة والسلام (ما من رجل يحفظ علا فيكتمه الا اتى يوم القيامة ملجوما بلجام من نار)، رواه ابو يعلى والطبراني، وقال عليه الصلاة والسلام (من كتم علما مما ينفع الله به في امر الدين الجمه الله تعالى يوم القيمة بلجام من نار) رواه ابن ماجه. وقال عليه الصلاة والسلام (مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذى يكنز الكنز ثم لا ينفق منه)، رواه الطبراني. فان كنت من اهل العلم والعرفان. وظهر لك حقيقة ما قلنا الى العيان. فاصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين. وان كنت تخشى الفقر فالله تعالى خير الرازقين. ومن ترك شيئًا لله عوضه الله تعالى خيرا منه فانه كرم الاكرمين، وما اقبح الاكتساب بالدين، فاطلب بما تعمل وجه الله تعالى ولا تشرك بعبادته احدا، ولا ترج بها اجرة من الناس بل ارح الثواب والاخر منه غدا * فقد قال ربنا وهو أصدق القائلين. فى كتابه المبين. {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} ومعلوم ان تجارة الدنيا بوار. وان الآخرة هى دار القرار، فشأن الذين يتلون كتاب الله تعالى العمل بما فيه وقد اخبر انهم يرجون تجارة لن تبور. وهى نيل الثواب منه والاجور. قال بعض اهل البصيرة كل علم يراد للعمل فلا قيمة

ص: 191

له بدون العمل لقول الله تعالى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} يعنى القرآن فالعالم اذا علم جميع العلوم ولم يعمل بما امره القرآن ولم ينته عما نهى الله تعالى عنه فليس على شيء بنص القرآن فيكون مثله كمثل الحمار يحمل اسفارا. ومثله كمثل الكلاب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فاي حزن اعظم من التمثيل بالكلب والحمار انتهى وفقنا الله تعالى للعمل بما فيه. واعاننا على تلاوته وتدبر معانيه. انه اكرم الاكرمين. وارحم الراحمين * واستغفر الله العظيم (التتمة) لبعض فروع ومسائل مهمة * فوائدها جمة. اعلم ان الوصية واجبة اذا كان عليه حق مستحق لله تعالى كالزكاة والكفارات وفدية الصيام والصلاة التى فرط فيها ومباحة لغنى ومكروهة لاهل فسوق والا فمستحبة ولا تجب للوالدين والاقربين لان آية البقرة منسوخة بآية النساء وركنها الايجاب والقبول ولو دلالة كأن يموت الموصى له بعد موت الموصى بلا قبول صريح * وتجوز بالثلث للاجنبى بلا زيادة الا ان تجيز الورثة بعد موت الموصى لا قبله. وندبت باقل منه عند غنى ورثته او استغناهم بحصتهم من الارث كما ندب تركها بلا احدهما لأنها حينئذ صلة وصدقة. وصحت بالكل عند عدم الوارث واذا اجتمع الوصايا قدم الفرض وان اخره الموصى وان تساوت قدم ما قدمه، قال الزيلعي كفارة قتل وظهار ويمين مقدمة على الفطرة لوجوبها بالكتاب والفطرة على الاضحية لوجوبها اجماعا. وفى القهستاني عن الظهيرية عن الامام الطواويسي يبدأ بكفارة قتل ثم يمين ثم ظهار ثم افطار ثم النذر ثم الفطرة ثم الاضحية وقدم العشر على الخراج، وفى البرجندى مذهب ابى حنيفة رحمه الله تعالى آخران حج النقل افضل من الصدقة ولو اوصى بان يصلى عليه فلان او يحمل بعد موته الى بلد آخر او يكفن فى ثوب كذا او يطين قبره او يضرب على قبره قبة فهي باطلة انتهى الكل من التنوير وشرحه (تنبيه) وبما تقرر مع ما مر علم كيفية ترتيب الوصية لمن اراد ان يوصى فيجب عليه تقديم الاهم فالاهم فيقدم حقوق العباد التي لاشاهد بها فان حقوق العبد مقدمة لاحتياجه واستغناء الله تعالى ثم بإخراج زكاة ماله او ما تبقى عليه منها. وبالحج الفرض ان لم يكن حج. وبكفارة كل يمين حنث فيها ويجب دفع كل كفارة لعشرة ولا يكفى دفع كفارات متعددة او كفارة واحدة لاقل. ويبقية الكفارات المذكورة ان كان عليه شيء منها مع مراعاة العدد في مصرفها كما علمت وبالنذور وبفدية الصيام والصلاة ويكفى دفعها لواحد وبما فى ذمته من الاضاحي وصدقات الفطر ونحو ذلك. فهذا كله اذا ترك شيئًا منه

ص: 192

يكون آثما ويموت عاصيا ويستوجب النار، ان لم يعف عنه الغفار. ثم ان لم يكن عليه شئ من ذلك او كان وفعله او اوصى به يستحب له ان يوصى بان يحج عنه نقلا فانه افضل من الصدقة كما قدمناه، وبشراء رقبة تعتق عنه، وشاة تضحى عنه وبفدية صلاته وصيامه. وكفارات ايمان ونحوها احتياطا لاحتمال تقصيره في شيء من ذلك. وكذا بشئ معين يخرج عنه على نية الزكاة لما قلنا ويوصى ايضا للفقراء ارحامه ثم بعدهم لفقراء جيرانه ثم لاهل حرفته ثم اهل بلده ثم للفقراء من غيرهم وينبغى ان يتفقد ذوى الهيئات والمروءة من الفقراء

(1)

وذوى العلم والصلاح ومن له حق عليه من تربية او تعليم او نحو ذلك ليكون ذلك شكرا له على صنيعه ايضا فهو مأمور به وان يتفقد مسجد محلته او غيره لعله يحتاج الى مرمة ونحوها، وان يوصى بشئ لعمارة طريق او سبيل او تجهيز غاز او ابن سبيل او فك اسير او غارم او نحو ذلك فكل ذلك او معظمه قد انعقد اجماع المسلمين على جزيل ثوابه ولو اوردنا ما فيه من الاحاديث والاخبار لخرجنا عن المقصود * وان يوصى اهله بالتقوى والصبر وان لا يرفعوا عليه صوتا ولا يصلوا عليه فى المسجد ولا يحفروا له قبرا لم يبل ميته

(2)

فانه ما بقى شيء من عظامه لا يجوز نبشه كما ذكروه وان لا يكفنوه

(1)

قال في شرح الهداية المسمى بمعراج الدراية ثم اعلم ان الافضل ان يجعل وصيته لاقاربه الذين لا يرثون اذا كانوا فقراء قال ابن عبد البر لا خلاف فيه بين العلماء لأنه تعالى كتب الوصية للوالدين والاقربين فخرج منه الوارثون بقوله عليه الصلاة والسلام لا وصية لوراث وبقى سائر الاقارب على الاستحباب وقد قال تعالى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} الآية فبدأ بهم ولان الوصية صدقة فتعتبر بالصدقة في الحياة اما لو اوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته عند الفقهاء واكثر اهل العلم وعن طاووس والضحاك تنزع من الغير وترد الى قرابته وعن الحسن وجابر ابن زيد يعطى ثلث الثلث للغير ويرد الباقى الى قرابته اهـ منه.

(2)

قال العلامة محمد الشهير بابن امير حاج تلميذ ابن الهمام في شرحه على المنية واما ما يفعله الجهلة الاغبياء من الحفارين وغيرهم في المقابر المسبلة العامة وغيرها من نبش القبور التي لم تبل اربابها وادخال اجانب عليهم فهو من المنكر الظاهر الذى ينبغى لكل واقف عليه انكاره على متعاطيه بحسب الاستطاعة فان كف والا رفع الى اولياء الامور وفقهم الله تعالى ليقابلوه بالتأديب ومن المعلوم ان ليس من الضرورة المبيحة لجمع الميتين فصاعدا ابتداء في قبر واحد قصد دفن الرجل مع قريبه او ضيق محل الدفن فى تلك المقبرة مع وجود غيرها وان كانت تلك المقبرة (3)

ص: 193

بما خالف السنة. وان لا يستأجروا له على الختمات والتهاليل بل يفعلون ذلك له تبرعا هم او غيرهم فان ذلك ينفعه اما القرآن فشهير واما التهاليل ففيها اثر وحكاية تؤيده ذكرها السنوسى فى آخر شرح السنوسية والاحسن ان يفعلها بنفسه في حياته للاتفاق على وصول ثوابها له على ان ما يفعلونه له بعد موته لا يخلو عن منكرات غالبا. وليحذر عن الوصايا الباطلة التي ذكرناها وغيرها. وينبغى ان يوصيهم بان لا يضربوا على قبره خيمة في الثلاثة الايام فان فيه زيادة على الكراهة ما شاهدناه من تهدم كثير من القبور بسبب دق الاوتاد وان ينقص الوصية عن الثلث ويراعى جانب الورثة كما مر. وان يكتب في صدر وصيته كما نقل عن الامام رحمه الله تعالى بعد البسملة هذا ما اوصى به فلان بن فلان وهو يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان الجنة حق والنار حق الى آخر ما ذكره في الظهيرية في موضعين قبيل القسم الثالث في المحاضر والسجلات. وان يداوم على ذكر الله تعالى ليكون آخر كلامه لا اله الا الله، فهذه هي الوصية الشرعية. والخصلة المرضية. التي يحمل عليها ما وردت به الاحاديث النبوية. الخالية عن الحظوظ النفسانية والنزغات الشيطانية، لا ما يفعل في زماننا فان اغلبها باطلة ردية. فاعمل بها وعلمها غيرك لتنال الدرجات الرفيعة. واحرص عليها فان ما سواها كسراب بقيعة واشكر مولاك. على ما اولاك. فهو يتولى هداك، وفى التنوير وشرحه الوصية المطلقة كقوله هذا القدر من مالى او ثلث مالى وصية لاتحل للغنى لانها صدقة وهى على الغني حرام وان عمت كقوله يأكل منها الفنى والفقير ولو خصت بالغنى او يقوم اغنياء محصورين حلت لهم وكذا الحكم في الوقف كما حرره مئلا خسرو انتهى ممم

(3)

. وتأمله مع ما قدمناه عن الخانية في الوصية باتخاذ الطعام من قوله ويستوى فيه الاغنياء والفقراء وعلله في جامع الفتاوى بجريان التعارف بانها للغنى والفقير قال والمعروف كالمشروط وهذه وصية لا تختص بنوع كالعلماء والفقراء بل تعم انتهى. لكن قدمنا عنه تصحيح بطلان هذه الوصية فتدبر. وعلى ما في التنوير فما يفعل في زماننا من الايصاء بسقي ماء السوس فى المقبرة حالة الدفن لا يحل للغنى الشرب منه فتنبه، وفى نور العين في اصلاح جامع الفصولين عن مجمع الفتاوى لو الورثة صغارا فترك

(3)

مما يتبرك بالدفن فيها البعض من بها من الموتى فضلا عن كون هذه الامور وما جرى مجراها مبيحة للنبش وادخال البعض على البعض قبل البلا مع ما يحصل في ضمن ذلك من هتك حرمة الميت الاول وتفريق اجزائه فالحذر من ذلك انتهى منه

ص: 194

الوصية افضل وكذا لو كانوا بالغين فقراء ولا يستغنون بالثلثين وان كانوا اغنياء او يستغنون بالثلثين فالوصية اولى * وقدر الاستغناء عن ابي حنيفة اذا ترك لكل واحد اربعة آلاف درهم دون الوصية وعن الامام الفضلى عشرة آلاف انتهى. وقوله فترك الوصية افضل

(1)

مخالف لما مر الا ان يحمل عليه فتدبر (فرع) له خادم او قريب اسمه محمد وهو معهود فيما بينه وبين اهله وجيرانه بهذا الاسم ومتى ذكر به من غير نسبة يعرفونه بعينه فقال اوصيت لمحمد بكذا ولم يذكر اسم ابيه وجده وفهموا انه عناه هل يحل له ان يأخذ وللسامع ان يشهد قيل لا وقيل نعم قال في القنية وهو الاشبه بالصواب واوفق لغيرها من المسائل وادفع للحرج فقد ابتلى الخاصة والعامة يقولون اوصيت للامام كذا وللمؤذن كذا ويريد به امام المحلة ومؤذنها ويفهم الناس ذلك انتهى. وفيها عليه فوائت فتحراها وقضاها ثم كان يجتهد فى المحافظة على المكتوبات والصيام لكنه يخاف انه عسى ترك تعديل الاركان وعليه تبعات اخر فانه يقدم التبعات ثم ان كان الورثة اغنياء يستحب ان يوصى للصلوات والصيامات وفيها اوصى بثلث ماله الى صلوات عمره وعليه دين فاجاز الفريم وصيته لا يجوز لان الوصية متأخرة عن الدين ولم يسقط الدين بإجازته. وفيها اوصى بصلوات عمره وعمره لا يدرى فالوصية باطلة ثم رمز ان كان الثلث لا يفى بالصلوات جاز وان كان أكثر منها لم يجز انتهى (قلت) والظاهر ان المراد لا ينفى بغلبة الظن لان المفروض ان عمره لا يدرى وذلك كأن يفى الثلث بنحو عشر سنين وعمره نحو الخمسين او الستين ووجه هذا القول ظاهر

(2)

لماهر وكأنه تخصيص للاول فتأمل. اوصى لرجل بمال وللفقراء

(1)

قوله مخالف لما مر اى فى اول التتمة فانه قيد ندبها هناك عما اذا كانوا اغنياء او يستغنون بالميراث والا فالافضل تركها وظاهره انه لا فرق بين ما اذ كانت الورثة صغارا او كبارا وهنا قل ان تركها افضل اذا كانوا صغارا وظاهره ولوكانوا اغنياء فيخالف ما مر الا ان يحمل ما هنا عليه بأن يراد بالصغار الفقراء تأمل منه.

(2)

قوله ووجه هذا القول ظاهر بيانه ان رجلا لو اوصى بثلث ماله وبشئ آخر زائد على الثلث وهو مجهول تنفذ الوصية من الثلث فقط ولا تضر جهالة ما زاد عليه لان الزائد اذا علم لا تنفذ الوصية به فكذا اذا جهل واو اوصى بشئ مجهول هو دون الثلث لم تصح اصلا وهنا لما راينا الثلث بقى بنحو عشر سنين وعمره نحو الخمسين تقريبا علمنا يقينا انه اوصى بالثلث وبأزيد منه وذلك الزائد مجهول فتنقذ من الثلث فقط ويلغو الزائد فلا تضره الجهالة واما اذا كان (3)

ص: 195

بمال والرجل محتاج الاصح جواز اعطائه من نصيب الفقراء كما فى الخانية. وفيها ولو قال تصدق بهذه العشرة على عشرة مساكين فتصدق بها على واحد دفعة جاز وكذا عكسه. اوصى بأن يتصدق بشئ من ماله على فقراء الحاج او مكة عن ابى يوسف يجوز ان يتصدق على غيرهم وقال زفر لا وعن إبراهيم بن يوسف الافضل ان لا يجاوزهم، قال في جامع الفتاوى وان صرف الى غيرهم جاز وعليه الفتوى ممم

(3)

. ولو قال في عشرة ايام فتصدق في يوم واحد جاز. وفى الظهيرية وغيرها اوصت الى زوجها بان يكفنها من مهرها الذى عليه فوصيتها باطلة (قلت) فليتنبه لهذه فهى كثيرة الوقوع في زماننا حيث توصى بتجهيزها من مالها وزوجها حي فلباقى الورثة الرد لان ذلك على الزوج فهى وصية له في المعنى (فائدة) اعلم انه اذا اوصى بفدية الصوم يحكم بالجواز قطعا لانه منصوص عليه وان تطوع بها الوارث بلا ايصا. قال محمد رح فى الزيادات يجزيه ان شاء الله تعالى وهكذا علقه بالمشيئة فيما اذا اوصى بفدية الصلاة لانهم الحقوها بالصوم احتياطا لاحتمال كون النص معلولا بالعجز قالوا وان لم يكن معلولا فهى بر مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات فكان فيها شبهة كما اذا لم يوص بفدية الصوم فلذا جزم محمد بالاول ولم يجزم بالاخيرين فعلم انه اذا لم يوص بفدية الصلاة فالشبهة اقوى (واعلم ان المذكور فيما رأيته من كتب ائمتنا فروعا واصولا انه اذا لم يوص بفدية الصوم يجوز ان يتبرع عنه وليه وهو من له التصرف في ماله بوراثة او وصاية قالوا ولو لم يملك شيئًا يستقرض الولى شيئًا فيدفعه للفقير ثم يستوهبه منه ثم يدفعه لآخر وهكذا حتى يتم. والمتبادر من التقييد بالولى انه لا يصح من مال الاجنبي ونظيره ما قالوا اذا اوصى بحجة الفرض فتبرع الوارث بالحج لا يجوز وان لم يوص فتبرع الوارث اما بالحج بنفسه او بالاحجاج عنه رجلا فقد قال ابو حنيفة يجزيه ان شاء الله تعالى لحديث الختمية فانه شبهه بدين العباد وفيه لو قضى الوارث من غير وصية يجزيه فكذا هذا. وفى المبسوط سقوط حجة الاسلام عن الميت باداء الورثة طريقه العلم فانه امر بينه وبين ربه تعالى فلهذا قيد الجواب بالاستثناء انتهى ذكره في البحر.

(3)

الثلث يفى باكثر من نحو الخمسين نعلم انه قد اوصى بأقل من الثلث وذلك الاقل لم نعلمه كم هو هل هو خمسون او اقل او اكثر فلذا بطلت الوصية والظاهر ان هذا القول تخصيص للقول الأول الذي اطلق البطلان فلا تتنافيان والله تعالى اعلم انتهى منه

ص: 196

وظاهره انه من غير الوارث لا يجزى وان وصل الى الميت ثوابه ثم هذا يعكر على ما قدمناه عن الشرنبلالي والفتح من وقوعه عن الفاعل فليتامل (فان قلت) تشبيهه بالدين فى الحديث يفيد ان الوارث ليس بقيد لان الدين لو قضاء اجنبى جاز (قلت) المراد والله تعالى اعلم التشبيه فى اصل الجواز لا من كل وجه والا فالدين يجب اداؤه من كل المال وان لم يوص به والحج ليس كذلك عندنا فانه لا يجب الا بوصية ولا يخرج الا من الثلث لأنه عبادة ولابد فيها من الاختيار بخلاف حقوق العباد فان الواجب فيها وصولها الى مستحقها لاغير فلم يكن التشبيه من كل وجه فلم يلزم ما قلته نعم وقع في كلام بعض المتأخرين في مسئلتنا الوارث او وكيله ومقتضى ظاهر ما قدمناه من كلامهم أنه لا يصح لان الوكيل لما استوهب المال من الفقير صار ملكا له لا للوارث وصار بالدفع ثاني للفقير اجنبيا دافعا من مال نفسه الا ان يوكله بالايهاب والاستيهاب فى كل مرة. واما قوله وكلتك باخراج فدية صيام او صلاة والدى مثلا. فقد يقال يكفى لان مراده تكرير الايهاب

(1)

والاستيهاب حتى يتم وقد يقال لا يكفى ما لم يصرح بذلك لان الوارث العامى لا يدرى لزوم كون ذلك من ماله حتى يكون ملاحظا أنه وكيل عنه فى الاستيهاب له ايضا بل بعض العوام لا يعرفون كيفية ما يفعله الوكيل اصلا ولاسيما النساء. نعم ان قلنا التقييد بالولى غير لازم بل المراد منه حصول الاخراج من ماله او من مال غيره باذنه لا يلزم شيء من ذلك وقد بلغنى عن بعض مشايخ عصرنا انه كان يقول بلزومه وانكر عليه بعضهم وكأن كل واحد نظر الى شيء مما قدمناه والله تعالى اعلم ولكن لا يخفى ان الاحوط ان يباشره الوارث بنفسه ويقول لآخر وكلتك بان تدفع لهؤلاء الفقراء هذا المال لاسقاط كذا عن فلان وتستوهب لي من كل واحد منهم الى ان يتم العمل. ثم اعلم انه لا يجب على الولى فعل الدور وان اوصى به الميت لانها وصية بالتبرع واذا كان عليه واجبات فوائت فالواجب عليه ان يوصى بما يفى بها ان لم يضق الثلث عنها فان أوصى باقل وامر بالدور وترك بقية

(1)

قوله والاستيهاب فيه انه لا يصح لانه توكيل بالتكدى اى الشحاذة لما صرحوا به من ان التوكيل بالاستقراض باطل وكذا كل ما كان تمليكا اذا كان الوكيل من جهة الطالب للتملك كالاستمارة لان ذلك صلة وتبرع ابتداء فيقع للوكيل الا ان يحمل على الرسالة بان يخرج الكلام مخرج الرسالة بان يضيف الكلام للآمر فيقول ان فلانا يطلب منك ان تهيه كذا والله تعالى اعلم.

ابن المؤلف

ص: 197

الثلث للورثة او تبرع به لغيرهم فقد اثم بترك ما وجب عليه نبه عليه في تبيين المحارم وهذا الناس عنه غافلون. والظاهر ان فى الحج كذلك يجب ان يوصى بما يفي بالاحجاج من محله تأمل (فائدة اخرى) اوصى الى رجل في نوع كان وصيا في الانواع كلها فوصى الاب لا يقبل التخصيص بخلاف وصى القاضي كما فى الخانية وغيرها {وفى} حيل التاترخانية جعل رجلا وصيه فيما له بالكوفة وآخر فيما له بالشام وآخر فيما له بالبصرة فعند ابي حنيفة كلهم اوصياء في الجميع ولا تقبل الوصاية التخصيص بنوع او مكان او زمان بل تعم وعلى قول ابى يوسف كل فيما اوصى اليه وقول محمد مضطرب والحيلة ان يقول فيما لى بالكوفة خاصة دون ما سواها ونظر فيها الامام الحلوانى بان تخصيصه كالحجر الخاص إذا ورد على الاذن العام فانه لو اذن لعبده فى التجارة اذنا عاما ثم حجر عليه في البعض لا يصح وبأنهم ترددوا فيما اذا جعله وصيا فيما له على الناس ولم يجعله فيما للناس عليه واكثرهم على انه لا يصح ففى هذه الحيلة نوع شبهة انتهى ملخصا (قلت) ومفاده انه لو اوصى الى رجل بتنفيذ وصية بمبرات وكفارات ونحوها يصير وصيا عاما على جميع تركته ويكون التصرف فيها له بل وان قال جعلتك وصيا في ذلك خاصة بناء على ما قاله الحلواني فتأمل. ثم رأيت المسئلة منصوصة في الفتاوى الخانية حيث قال ما نصه ولو اوصى الى رجل بدين والى آخران يعتق عبده او ينفذ وصيته فهما وصيان في كل شئ فى قول ابي حنيفة وقالا كل واحد وصى على ما سمى له لا يدخل الآخر معه انتهى. وصرح فيها بأن الفتوى على قول ابى حنيفة والناس عنها غافلون فلتكن على ذكر منك والله تعالى اعلم وله الحمد على ما الهم وعلم. وصلى الله على سيدنا محمد النبي المكرم. وعلى آله وصحبه وسلم. وقد نجز تحرير هذه الوريقات على يد موشيها. ومغنم برودها وحواشيها. محمد امين ابن عابدين. عفا الله تعالى عنه وعن والديه.

ومن له حق عليه. آمين

في رجب الاصم سنة 1229

(هذا تقريظ العلامة السيد احد الطحطاوى مفتى مصر القاهرة)

(وصاحب حاشية الدر المختار الفاخرة)

بسم الله الرحمن الرحيم

حمدا لمن جعل فؤاد الحاسدين لمهند النصر غمدا. وصير كاوم الحائدين لمنصة الرد وردا. وصلاة وسلاما على اشرف رسول الذي انزل عليه للمعاندين

ص: 198

{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} وعلى آله واصحابه الذين سيجعل لهم الرحمن ودا. ما بشر بشير المتقين وانذر قوما لدا (اما بعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة الثمينة، التي هي لنفائس الصواب خزينة، المسماة بشفاء العليل. وبل الغليل. في حكم الوصية بالختمات والتهاليل. فوجدتها رفيعة الشان. زاهية العرفان. انوارها قرآنية وامداداتها ربانية. مطوق البلاغة يشرب من حيضانها. وبلابل التحقيق تصدح في ذرى افنانها. تكفلت بجمع اصح النصوص دون اضعفها. وتصدرت لحل مشكلات المسائل بلين معطفها

رجال الفقه ان تليت عليهم

مسائلها صحيحات المقام

اقروها وقالوا باتفاق

فان القول ما قالت حذام

فلله در يراع زركش تلك الرياض السندسية، ولله فكر امام حقق تلك المسائل الاصلية والفرعية، تحقيقا لا يصد عنه الا حسود سد حسده باب الانصاف. او جاهل جله الجهل على النزول الى حضيض الاعتساف

اذا ما قال حبر قول حق

وبعض معاصريه صد عنه

فاما ان يكون له حسودا

يعاديه على ما كان منه

واما ان يكون به جهولا

وصد الغمر عنه لم يشنه

فكفى الحسود ما افصحت عنه سورة الفلق وكفى الجاهل عنوانه. ولو انقضى زمانه. والمأمول من ولى التوفيق. ان يسلك بنا اقوم طريق واصلى واسلم على ذروة الانام. رسول الملك الغلام. سيدنا محمد وآله الكرام. الفقير اليه تعالى احد الطحطاوى غفر له وقد كان كتب للمؤلف كتابا صورته هي هذه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العلى الاعلا * والصلاة والسلام على سيد اهل العلا، محمد وآله اهل الولا والاستجلا. ان احسن ما ارتشفته افواه المسامع من كؤوس الشفاه، واعبق ما تعطرت معاطس الاشمام بطيب نشره ونسيم رياه. وابدع ما نسجته السن البلغاء من حلل الالفاظ المطرزة بنفيس الجوهر المنضود. وابرع ما سبكته افكار النبغاء ورصعته بغوالي الدراري من حلى عرائس المعاني مائسات القدود. سلام يضوع الاكوان بريا شذا عرفه الاريج الشميم. ويخمش وجنات الورد بنان صباه ويرنح العذبات منه عبيق النسيم. اخص به من حلى اجياد ابكار العلوم بعقود تقريره. ووشح صدور الطروس بقلائد تحريره وتحبيره ان قرر تفجر من بحر رقائقه الروائق ينبوع التحقيق معينا.

ص: 199

او حرر نادى الناهل من عوارف معارفه لو كشف الغطا ما ازددت يقينا، من تقلد الجلاد جدال لشريعة حساما لا تنبو مضاربه. وايد من سرايا مصنفاته الفقهية بجيوش قد بها سنام المعاند وغار به اعنى كعبة ذوى المجد والافضال للقاصدين، الاستاذ سيدى محمد الامين. لا زالت احاديث فضائله المرفوعة مروية على افواه الدهور ولا برحت قلائد مقالاته محلية للبات الزمان ونحور الحور (اما) بعد فقد ورد الكتاب الكريم. الذى هو ابهى من الدر النظيم، ففكت يدى منجاء مسك ختامه. فشاهدت ما بالزهر يزرى وبالزهر فلعمرى ما السحر الاعقد من جواهر مقالاته ينتظم، وما الزهر الاثغر من ثغوره يبتسم، تحلى بقراءته اللسان. وتشنفت بسماعه الآذان. وقد اشرقت علينا معه شمس تلك الرسالة الساطعة. التي هي لا صح نقول المذهب جامعة. فجرى عليها براع التقريظ بما هو الواقع وصرح بالتقريع على الالد المكابر المعاند

مذلاح تحرير المسائل قد كسى

حللا من التحقيق والتدقيق

من ذا يعارضه وقد دانت له

دول من الترقيق والتنميق

وبعد هذا كلام مسؤل عنه غير متعلق بذلك وتاريخ الكتاب سابع ذى الحجة الحرام سنة 1229

بسم الله الرحمن الرحيم

حمدا لمن جعل التفقه فى الدين من اعظم القربات. فكان لبصائر ذوى الالباب نورا ولارواحهم اقوات. وصلاة وسلاما على القلم المترجم عن كل سر مكنون وحكم مبين. القائل من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين، وعلى آله الاطهاره واصحابه الاخيار. وتابعيهم بالكشف عن هذا الدين كل ملمة. الوارد فيهم اختلاف امتى رحمة ما فاح نشر الاخلاص وثار. وما عبد الله عبد ابتغاء لوجهه لا طمعا في درهم ولا دينار (اما بعد) فانى لما سرحت طرف طرف فكرى الفاتر * فى طرف ساحة هذا الروض الباسم الزاهر. وجدت نور نور يشير ببنان وروده الى النعمان. ملتفا باحمد نبت واعطر ريحان. فتحققت انه ما هو الا جنتان. ذواتا افنان. فيهما عينان نضاختان. وجنا الجنتين دان

فقلت

بادر الى روض فضل

ان رمت في الناس تحمد

واغنم لحكم جلاه

العابد ينسي محمد

فاجلت النظر في محاسن غرره النازلة فى غرفه، واستضأت بدره الذي يحسده

ص: 200

كل كوكب على كمال شرفه * فإذا هو العقد الفريد في هذا الشان * والدر النضيد في إخلاص العمل للملك الديان * وشفاء العليل بإيضاح البيان * وبل الغليل لمبتغى التبيان * عن مذهب أبي حنيفة النعمان * ثم لما تأملت ما حوته هذه الرسالة * الخالية عن الإطناب المؤدى للملالة * شبهتها بقلائد العقيان * بل بعقود الجمان * لم لا وهى منقولة عن أولئك القادة الفحول * الذين أقوالهم من أصح النقول * وكيف لا والأدلة بارزة النصال * في ساحة المجال * فعلى المنصف ترك القيل والقال * لأن اتباع الحق حسن المآل * على أنها من آثار أقلام من اتسم بالفضل والعلم * واغتذا من لباني المجد والحلم * فلله دره من همام أشاع وردها * وحلى بعقود عباراته وردها * ولله يراع حسن وجنة الطرس بتلك الأقوال * وأظهر بهجة الأنس بلآلئ جواهرها الغوال ويالها من رسالة دلت على مؤلفها دلالة النسيم على الأزهار * والشمس على النهار * وأعربت أنه أغرب في سعة اطلاعه * وأن شبره في الفضل أطول من ذراع حاسده وباعه * وأنه غاص البحر ففاز بدرره الفائقة * وفتح الكنز فظفر بالجوهرة الرائقة * وسلك في الطريقة المحمدية أعظم المسالك * فما بالك من الهداية بما هنالك * فجزاه الله أحسن الجزاء على مسعاه * وأناله من خيرى دنياه وأخراه * وأدام بهجته بين الأنام * ومنحنا وإياه حسن الختام

كتبه السيد محمد عمر الغزى

عفى عنه

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع مقام أهل الشرع مذ نصبهم لإجراء أحكام كتابه * وجعلهم نجوما يهتدى بنورهم إلى مقام اليقين مذ أفهمهم لذيذ خطابه * وأثبت لهم التمييز ورفع لهم المقدار * فانشرح بهم صدر الشريعة وصار عالى المنار * والصلاة والسلام على من أرسل رحمة للعالمين * وعلى آله وأصحابه الهادين المهتدين * والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين (أما بعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة الفقهية * العديمة الأشباه والنظائر في مذهب الحنفية * فوجدتها موافقة للمعقول والمنقول * قد احتوت على أقوال أئمة المذهب الفحول * فلله در مؤلفها ما أغزر علمه * وما أذكى فهمه * حيث لم يسبقه إليها سابق * ولم يلحقه بها لاحق * لقد أنقذ بها من كان في بحر الجهالة * وفى عمى الضلالة * وأتى فيها بما نبه به راقد الهمة * وأنار بتوضيحها أرجاء الدقائق المدلهمة * فلا بدع إذ هو مرجع العاملين * وابن العابدين * فجزاه الله الجزاء الجميل وأبقاه البقاء الطويل * ووفقنا وإياه * إلى ما يحبه ويرضاه * بجاه خير أنبياه * صلى الله وسلم عليه

ص: 201

وعلى من والاه * قال ذلك بلسانه * ورقمه ببنانه * أحقر الورى

حسين المبتلى بأمانة الفتوى بدمشق

الشام * ذات الثغر البسام

وذلك في شهر رمضان المبارك سنة 1230

الحمد لله

رسالة الحق بفتح مبين * جاءت فنحن الله فيها ندين

ولم يكن لفضلها منكرا * إلا الذي قد باع دنيا بدين

ونحن سلمنا وحاشا بأن * نكون عن سبل الهدى حائدين

وقد كتبنا شاهدين الهدى * يارب فاكتبنا مع الشاهدين

رسالة قمنا على الحق مذ * جاء بها محمد عابدين

عجالة العبد الضعيف القاصر عمر الخلوتي

البكرى اليافى الحنفى ذو الفكر

الفاتر قريح القريحة

والخاطر عفى عنه

آمين

الحمد لله تعالى

رسالة بالصدق وافت على * نهج جاها الله ممن يشين

ألفاظها كالدر في سبكها * لكنها تزرى بدر ثمين

حوت صحيح القول عن مذهب * يروى عن النعمان حق يقين

تزيل غيم الجهل عن قارئ * وينجلى قلب صداه مكين

الفها شهم همام سمى * محمدا من للفتاوى أمين

عجالة الفقير إليه محمد أمين الأيوبي الأنصاري

الحنفى الخلوتى القادرى

الحمد لله الذي أظهر الحق على يد من اختاره للهداية * وأرشد إلى الصدق من ساعدته العناية * فسبحانه من إله أعطى كل شيء خلقه ثم هدى * وجعل أهل العلم مصابيح بهم يهتدى * والصلاة والسلام على من أوضح للناس سبيل أمر معاشهم * وبين لهم ما به نجاتهم في معادهم * وعلى آله المتبعين لسنته * وأصحابه الحائزين قصب السبق بصحبته * الداعين إلى الاتباع * الناهين عن الابتداع *

ص: 202

(وبعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة * الحاوية لأنواع البسالة * فوجدتها فريدة في هذا الباب * مستجمعة لتحقيقات أولى الألباب * الذين نصبوا أنفسهم لنفع العباد، وأسهروا أجفانهم حتى ظفروا بالسداد * ودونوا باستنباطهم هذا الدين * وحسنوه بالآيات والأحاديث الواردة عن سيد المرسلين فمن تمسك بأقوالهم فاز ونجا * ومن أعرض عنها لم يزل صدره ضيقا حرجا * فنعوذ بالله من ضيق الصدور * ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور * وحين سرحت الطرف في رياض بلاغاتها * ورويت بالكرع من رحيق استعاراتها * انشدت * ولا بدع فيما اوردت *

فوالله ما أدرى أزهر خميلة * بطر سكر أم در يلوح على نحر

فإن كان زهرا فهو صنع سحابة * وإن كان درا فهو من لجة البحر

فلله در منشيها * ومحلى فصاحتها ومبديها * فلقد أتى بها بما يشفى العليل * ولم يدع للمعاند عليه من سبيل * على حداثة سنه * وعدم المساعد له على ما أوراه من جودة ذهنه * مستندا بذلك إلى أقوال ثقات الأئمة * الذين هم هداة هذه الأمة * وما قاله هو الحق الذي اتفق عليه أهل الكمال * وماذا بعد الحق إلا الضلال * فسبحان من خصه بهذه المزية * وأقدره على جمع ما تشتت من المسائل الفقهية * فمن كان ذا بصيرة ولم يغلب عليه الهوى والطمع في حطام الدنيا وتأمل ما ذكر * وأمعن النظر فيما زبر * لم يخف عليه أن الاقتداء بالسلف واجب الاتباع * وأن ما أحدثه غيرهم بالاستحسان والرأي متعين الامتناع * فليس لعاقل أن يصير إليه * ولا أن يعول عليه * بل يجب طرحه وان جل قائله * أو عظم في أعين الناس فاعله * إذ كل خير في الاتباع * وكل شر منشؤه الابتداع * ولا ريب أن من أنكر ذلك * ولم يعرج على ما هنالك * فقد سجل على نفسه بغباوة لبه * وسخافة عقله ومرض قلبه * فالله المستعان على من غلبت شهوته على ديانته * وفتن فيما ينقدح في ذهنه ولم يرتدع عن غيه ووقاحته * {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

قاله بفمه ورقمه بقلمه أفقر الورى

مصطفى السيوطي الحنبلي

غفر الله له ولوالديه

آمين

الحمد لله الذي زين السماء بالكواكب * وجعل العلماء سرجا يستضاء بهم في النوائب * وألهم من عباده من شاء لإيقاظ النائمين * ونصب من أراد منهم لإنقاذ الهالكين *

ص: 203

والصلاة والسلام على سيدنا محمد الناطق بالصواب * وعلى آله وصحبه ما ناح طير وآب (أما بعد) فلما أتحفت بالنظر إلى هذه الرسالة المسماة بشفاء العليل وبل الغليل * في حكم الوصية بالختمات والتهاليل * على مذهب النعمان * تخيل لي من حسنها أنها عقد جمان * أو روضة بستان * فأولعت بها حتى أسهرت فيها الأجفان * فرأيتها ذات أفنان * محدقة بشقائق النعمان * مسيجة بالورد والسوسان * فلله در مؤلفها على ما أجاد فيها وأبدع * ولدرر الفوائد أودع * فقد التقطت مما نثر قلمه من الدرر * وسرحت الطرف في تلك الغرر * وكيف لا ومستندها الطريقة المحمدية * ومعظم الكتب الفقهية * مؤيدة مع المعقول بالمنقول * ومع الفروع بالأصول * فجاءت على منوال لم يسبق إليه * ونمط لم يلحق عليه * فأعذتها برب الفلق * من كيد الحاسد وبالعلق

وقلت

أيا ابن العابدين وقيت شرا * من الحساد في جنح الليالي

وطوقت الأمانة فيك جبرا * فلا تخشى وطأ أوج المعالي

ثم تأملت هذه الرسالة فرأيتها صغيرة الجرم * لكنها غزيرة العلم * كمؤلفها فإنه مع حداثة السن * هو كبير في الفن * ويستدل بعرف طيبها * على فضل مؤلفها ولبيبها * ومع ذلك وإن خالف فيها صاحب الجوهرة الحدادى * والحاوى للزاهدى * لكنه مشى فيها على ما هو المشهور من المذهب * والمعول عليه من المطلب * فإن كتب المذهب بما نقله فيها طافحة * والعبارات في المسئلة واضحة * فجزى الله جامعها الخير في دنياه وأخراه * ووفقنا وإياه * لما يحبه ويرضاه * بجاه سيدنا محمد خير أنبياه وأصفياه * ورزقنا الإخلاص في العلم والعمل بجاه سيد الأنام * ومنحنا وإياه والمسلمين حسن الختام

رقمه ببنانه وقاله بلسانه عمر بن أحمد

المجتهد لقبا الحنفى مذهبا

عفى عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل نبال العلماء مراشة مصيبة * وصير الحائدين عن دينه غرضا فهى لهم مصيبة * والصلاة والسلام على من بشريعته رفع مقام العلماء * وعلى آله وأصحابه الصادعين بألسنتهم وأسنتهم جميع اللؤماء (أما بعد) فإني لما وقفت على هذا التأليف المنيف * الجامع لما تشتت ولم يجتمع في تأليف *

ص: 204

وأعملت فيه الأفكار * وأجلت في حدائقه الأنظار * وشممت أرج لطافته * واشتففت بارد شفافته واستشمت بارقه * واستمطرت وادقه * وعرفت مزهره ووارقه * فرأيت ثمرات الصواب في أكمامه يانعة * وشموس الحق في آفاقه طالعة * فحينئذ أنشدت قول القائل * حيث لا غرو فيه لقائل

شعر

لك الله ما أدرى أسمر لحاظها * تكسر فيه الفتح أم ذلك السحر

ولم أدر حتى بان لي در ثغرها * بان عقار الدن يسكنها الدر

غيره

وإن شم نجدى شذى منه فائحا * تذكر حيا بالعذيب ومنزلا

فلله در جامعه من محقق * وفى كل علم مدقق * فإنه قد أجاد * وأمعن وأفاد * وأتقن فيما هو المقصود والمراد * فمن تأمله منصفا لم يكن له راد * وعند ذلك تمثلت بقول من قال * مع بعض تغيير في المقال

مبينا سنة في الدين قد درست * وموهنا قول من في ذاك قد وهموا

يا فوز قوم نحوا هذا السبيل ولم * يصغوا لواش دنت في فهمه الهمم

والفضل يا قومنا للحبر قد طلعت * شموسه فاستضاء السهل والعلم

فجمع القول وهو الحق مجتهدا * في النقل موضح ما يصبو له الفهم

قد فاق حتى على أهل العلى فلذا * يعزا له الفضل والتحقيق والكرم

محمد النفس أعنى ابن أعبدها * يا حسنه علما يزهو به علم

وقد ظهر مما نقله المومى إليه عن أئمة مذهبه أنه هو الحق كيف وقد قرض على هذا السفر الإمام الطحطاوي * الذي هو لكل علم حاوى * وما نقله عن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم من أن الإجارة على قراءة القرآن غير صحيحة هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وما نقل عن الإمامين مالك والشافعي فكذلك على ما نقله النووي والعيني والعهدة عليهما فبان الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فليس على المصنف مطعن لطاعن * ولا مقال لمائن * إلا أن يكون مكابرا أو حاسدا فنعوذ بالله من حسد يسد باب الإنصاف * ويصد عن جميل الأوصاف

شعر

فقل لأناس يحسدون لآمة * متى حسدوا الأدنى يضر مفضلا

هو الفضل طيب والحسود يشيعه * إشاعة نار عرف عود ومندلا

والله يحفظنا من الخطأ والخطل * ويحمينا من الزيغ والزلل * وصلى الله

ص: 205

على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين * والحمد لله رب العالمين

نمقه خويدم الطلبة غنام بن

محمد النجدى الحنبلي

عفى عنه آمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أوضح سبيل الرشاد لمن اتخذه سبيلا * وألزم أهل الإخلاص كلمة التقوى إذ كانوا أحق بها وأهلها وما بدلوا تبديلا * فسبحان من أسعفهم في طلب مرضاته * والدعاء إلى جناته * ولم يشتروا بآياته ثمنا قليلا * وصلوته وسلامه على من أقام به على عباده الحجة * وأوضح به المحجة * وقطع به العذرة ولم يجعل لأحد أراد الوصول إليه على غير طريقه وصولا * وعلى آله وأصحابه الذين بذلوا نفوسهم في محبته ونصرته وصبروا على ذلك صبرا جميلا * وتابعيهم بالكشف عن سنته الغراء كل ملمة * الجالين عن أرجائها كل مدلهمة * من قام بهم الكتاب وبه قاموا فكم أحيوا لإبليس قتيلا * فلله ما تحمله المتحملون لأجله * ابتغاء لمرضاته وفضله * فأعقبهم الصبر على ذلك سرورا طويلا * (أما بعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة * الخالية عن الإطناب والملالة * فوجدتها فريدة في بابها * متزينة لخطابها * مغنية لطلابها * صحيحة النسب * عالية المقدار والحسب * لا تبتغى من الخطاب إلا الأكفاء * ولا تزيع السر إلا لذوى الإصغاء * وحين سرحت طرف الطرف القاصر * وأعملت فكر الفكر الفاتر * في تأمل نبت رياضها الزواهر، ورويت بالكرع من غديرها الذاخر * تحققت أنها من غيث السما * وأنها من آثار من لم يورث دينارا ولا درهما * فشممت نور تلك الرياض فزال ما بي من العلة * وارتشفت من نواحي الغدير فبليت الغلة

وقلت

لما رأينا العابدينى لاح لنا * داعى إلى الله بأصدق أقوال

من ذا يجاريه في علاه وقد * ساعفته جيوش النصر والإقبال

فلله در يمين أعملت اليراع في تحبير طروسها * ولله فكر إمام كشف القناع عن وجه عروسها * حتى بدا حسنها للناظرين عيانا * وطأطأ أهل الفضل رؤسهم له إذعانا * وخجل أصحاب الفن حياء من بروزها، وفاز أهل الصدق بوصالها وحوزها * كيف لا وقد بين صحة النسب * وغاص لجة البحر فظفر بما طلب * فأطفا الله نار حاسديه * وأقام الحجة على معانديه * وخابت آمالهم من الصفقة الرابحة وباؤوا بأوزار الحرفة الفاضحة * ونودى على المائل * بقول القائل

ص: 206

فنفسك لم ولا تلم المطايا * ومت كدا فليس لك اعتذار

فلا زالت أحاديث فضائله العالية مرفوعة * ولا برحت فرائد مقالاته الجليلة مسموعة * فأظنك بما أوراه من التحقيق والعرفان * عن مذهب إمامه النعمان * وما نقله عن إمام دار الهجرة مالك * وعن ابن عم المصطفى ظاهر المسالك * على ما نقله الحافظ الشهير * والمحدث الكبير * بدر الدين محمود العينى وعن الحافظ المتعفف * والزاهد المتقشف * الفاضل النقى * محى الدين النووي * وما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية التقى * وتلميذه أبى عبد الله الدمشقى * وهو مذهب إمامنا المبجل * والحبر المفضل * أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل * فنسأل الله ان يسلك بنا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين * والحمد لله رب العالمين * وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه من لا شيء وعمله سيء محمد بن عمر الكاتب النجدى غفر له الله

ص: 207

الرسالة الثامنة

منة الجليل لبيان إسقاط ما على الذمة من كثير وقليل

تأليف أحقر الورى وأحوجهم إلى رحمة

ربه الذي يسمع ويرى محمد

علاء الدين ابن عابدين

عفى عنهما

آمين

ص: 207

الرسالة الثامنة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القديم الوارث * المميت الباعث * الدائم الذي لا تغيره الحوادث * أجده على جميع الأحوال * وأستغفره من الزلل في الأفعال والأقوال * وأستجير به من قادحات الأهوال * وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له محى الأمم لابتلاء أعمالها * ومميتها لانقضاء آجالها * ومعيدها كما انشأها أول مرة * ومجازيها على ما اكتسبت ولو مثقال ذرة * حد الحدود * وفرض الفرائض بأمر غير مردود * وجعل لمن قصر في شيء منها جابرا * ولو كان على التقصير مثابرا * وندم على ما فرط منه * وتداركه بالقضاء أو الفدية عنه * وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله * وحبيبه وخليله * أرسله رحمة للعالمين * وشافعا مشفعا يوم الدين * وسيد الأنبياء والمرسلين * جاءنا بالدين الحق الصحيح * والملة الحنيفية السمحة بلسان عربي فصيح * صلى الله تعالى وسلم عليه وعلى آله وأصحابه * صلاة تتكفل لصاحبها بجزيل ثوابه * وتلبسه من الرضى أفخر أثوابه * (أما بعد) فيقول فقير رحمة ربه المعين * محمد علاء الدين ابن عابدين * هذه رسالة عملتها ذيلا لرسالة سيدى الوالد * أحسن الله تعالى له الفوائد * ورحم روحه * وبرد ضجوعه * المسماة شفاء العليل * وبل الغليل * في حكم الوصية بالختمات والتهاليل * اذكر فيها فوائد حسان * تقر بها العينان * قد خلت من ذكرها تلك الرسالة * وقيدتها في هذه العجالة * جل مأخذها من كلامه * على وفق رأيه ومرامه * لم يفرد لمسائلها فيما أعلم مؤلف * ولم يسبق في أحكامها مصنف * مع أنها من أهم المهمات الدينية * والفرائض العينية * حملنى على جمعها ما رأيته وسمعته من بعض جهلة الأئمة * من الإخلال بما يتعلق بإسقاط ما في الذمة * وأستعين بالمولى المفيض للخير والجود * أن يحفظها من شر كل حسود * وأسأله تعالى الذي بحبه نتغالى * وبنعمته التي علينا في كل لمحة تتوالى * أن ينفع بها كما نفع بأصلها إنه على ما يشاء قدير * وبالإجابة جدير * (وسميتها) منة الجليل * ذيل شفاء العليل وبل الغليل * لبيان إسقاط ما على الذمة من كثير وقليل * وذلك من آثار يمن عصر حضرة مولانا السلطان الأعظم * والحاقان الأفخم * ناشر لواء العدل على مفارق الأمة * وناصر الشريعة الغراء المزيلة لكل مدلهمة * حضرة مولانا السلطان ابن السلطان السلطان الغازى عبد الحميد خان الثاني * أيده الله تعالى ببركات السبع المثاني * وأدام سرير سلطنته إلى نهاية الدوران * ما تعاقب الملوان * آمين اللهم آمين

ص: 208

(وهذا) أوان الشروع في المقصود * بعون الملك المعبود * فأقول أخرج الشيخان وعبد بن حميد عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول (ما حق امرء مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا ووصيته عنده) قال ابن عمر فما مرت على ثلاث قط إلا ووصيتى عندى قال الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح إعلم أنه ورد النص في الصوم بإسقاطه بالفدية واتفقت كلمة المشايخ على أن الصلاة كالصوم استحسانا لكونها أهم منه وإنما الخلاف بينهم في أن صلاة يوم كصومه أو كل فريضة كصوم يوم وهو المعتمد إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول أن إسقاط الصلاة لا أصل له إذ هذا إبطال للمتفق عليه بين أهل المذهب وأن المراد بالصوم صوم رمضان وصوم كفارة اليمين وقتل وظهار وجناية على إحرام وقتل محرم صيدا وصوم منذور اهـ (أقول) أما قوله استحسانا فالمراد به استحسان المشايخ يدل عليه قوله واتفقت كلمة المشايخ الخ وكلام المستصفى الآتي لا الاستحسان المطلق المقابل للقياس الجلى لأنه هنا ليس كذلك بل المراد الأول * وأما قوله لا أصل له أو مطلقا سواء كان له أصل في استحسان المشايخ أو في ورود النص والدليل فهو جهل حينئذ ما علمت وأما لو كان المراد الثاني فهو علم لا جهل وعلى الأول يحمل قول من يقول أن إسقاط الصلاة لا أصل له لأن الإطعام عن الصلاة لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس وإنما هو أمر احتياطي باستحسان المشايخ كما في معتبرات المذهب أصولا وفروعا كما علمت ويأتى نصه حتى نقل عن المبسوط ما نصه وأما الصلاة فلم يطلق الجواب في شيء من الكتب على الفدية مكانها اهـ وبذلك علمت أن كلام العلامة الطحطاوي محمول على الإطلاق الذي بيناه ليثبت جهل هذا القائل تأمل * قال الإمام فخر الإسلام البزدوى في أصوله في بحث القضاء ثم لم نحكم بجوازه أي بجواز الفداء في الصلاة مثل حكمنا به في الصوم لأنا حكمنا به في الصوم قطعا ورجونا القبول من الله تعالى في الصلاة فضلا فقال محمد رحمه الله تعالى في الزيادات في هذا أي فدية الصلاة يجزيه إن شاء الله تعالى كما إذا تطوع به الوارث في الصوم اهـ * وقال الإمام جلال الدين الخبازى الخجندى في كتابه المغنى في أصول الفقه قضاء بمثل غير معقول كفدية الصوم ونفقة الاحجاج ثبتا بنص غير معقول والأمر بالفدية في الصلاة لاحتمال المعلولية وكونها أهم منه لم نحكم بجوازه قطعا مثل ما حكمنا به في الصوم فقال محمد رحمه الله تعالى يجزيه إن شاء الله تعالى كما إذا تطوع الوارث به في الصوم اهـ * قال شارحه أبو منصور الفاغاني بعد كلام ولهذا لا نقول في الفدية عن الصلاة أنها جائزة قطعا كما حكمنا به في الصوم إذا أدى بنفسه ولكنا نرجوا

ص: 209

القبول من الله تعالى فضلا قال محمد في الزيادات إفداء الصلاة يجزيه إن شاء الله تعالى كما قال في أداء الوارث في الفداء عن المورث بغير أمره في الصوم يجزيه إن شاء الله تعالى ولو كان ثابتا بالقياس لما احتاج إلى إلحاق الاستثناء كما في سائر الأحكام الثابتة بالقياس اهـ * ومثله في حاشية سيدى الوالد على شرح المنار للعلائي * لكن قد روجع ثلاث نسخ من الزيادات في هذا الشأن وبعد التنقير والتفتيش فلم يوجد فيها ما نسب للإمام محمد من التعرض لفدية الصلاة غير أن ذلك صدر باستحسان المشايخ كما علمت ويأتي ولتراجع بقية النسخ المعتمدة فإن مثل هؤلاء الأئمة الثقات الأعلام الناصرين للإسلام حاشاهم أن ينقلوا إلينا شيء من غير تثبت ولا روية فإنهم أمناء الشريعة الطاهرة النقية لاسيما وهم ختمة المحققين ورئيسهم ابن الهمام بلغ درجة المجتهدين رحم الله تعالى أرواحهم ونور مراقدهم ومضاجعهم آمين (ثم) أقول بيان الإسقاط والكفارة والفدية وكونه بوصية من الشخص أولى من أن يفعله عنه وارثه تبرعا وهو يجرى في الصلاة والواجب فيها أن يعطى للفقير عن كل فرض نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو دقيقه إلى غير ذلك مما ذكر في باب الفطرة * ثم أعلم أن الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا * والدرهم المتعارف الآن ستة عشر قيراطا * والقيراط الشرعي خمس شعيرات أو أربع قمحات فيكون الدرهم الشرعي سبعين شعيرة والمثقال مائة شعيرة فهو درهم وثلاثة أسباع درهم * والقيراط في عرفنا الآن وهو موافق للشرعى هو بذرة الخرنوبة * والفرق بين الدرهم الشرعي والعرفى قيراطان * وبين المثقال الشرعي والعرفي أربع قراريط عندنا والمساواة بين خمس شعيرات وأربع قمحات وزنا * وأن كل عشرة من الدراهم من الفضة بوزن سبعة مثاقيل من الذهب * فإذا كان الصاع ألفا وأربعين درهما شرعيا يكون بالدراهم المتعارفة تسعمائة وعشرة وقد تحرر نصف الصاع في عام ست وتسعين بعد المأتين وألف فوجد تقريبا مسيح ثمنية من غير تكويم * ولا يخالف ذلك ما ذكروه في تقديره لأن المد في زماننا أكبر من المد السابق * والمد ثمانية أجزاء يعبر عن كل جزء منه ثمنية * فالثمنية ثمن مد دمشقى والمد نصف جفت وهو يزيد على الكيلة الإسلامبولية قدر حفنتين تقديرا وكذا الرطل في زماننا فإنه الآن ثمانمائة درهم وهذا كله بناء على تقدير الصاع بالماش أو العدس أما على تقديره بالحنطة أو الشعير وهو الأحوط فيزيد نصف الصاع على ذلك * فالأحوط إخراج ثمنية دمشقية على التمام مكومة مغربلة من الحنطة الجيدة أو اعتبار قيمة ذلك من أجل كون البر لا بد أن يشتمل على شيء من حجر وتراب

ص: 210

وحب فاسد وشعير * واعتبار البر هو الأصل ودفع القيمة أفضل لأنها أنفع للفقراء إلا زمن الفاقة والقحط والعياذ بالله تعالى * والفروض في كل يوم وليلة ستة بزيادة الوتر على الصلوات الخمس بناء على أنه فرض عملى عند الإمام الأعظم رحمه الله تعالى * فتكون كفارات صلوات اليوم والليلة ست ثمنيات أي ثلاثة أرباع مد دمشقى وكفارات صلوات شهر اثنان وعشرون مدا ونصف مد * ولكل سنة شمسية التي هي عبارة عن ثلاثمائة يوم وخمس وستين يوما وخمس ساعات وخمس وخمسين دقيقة أو تسع وأربعين دقيقة مايتان وثلاث وسبعون مدا ونصف مد وربعه كناية عن مائة وسبع وثلاثين جفتا إلا ثمنيتين أي ربع مد * وذلك كناية عن ثلاث غرائر ونصف إلا اثنى عشر مدا وربع مد حنطة * وإن ضممنا ربع المد بنظير الست ساعات إلا خمس دقائق أو إلا إحدى عشرة دقيقة فهو أحوط * فيكون للسنة ح ثلاث غرائر ونصف غرارة حنطة إلا اثنى عشر مدا * لأن الغرارة ثمانون مدا ولصيام كل سنة أربع أمداد إلا ربع مد * فيستقرض الولى قيمتها ويدفعها للفقير ثم يستوهبها منه ويتسلمها منه لتتم الهبة ثم يدفعها لذلك الفقير أو لفقير آخر وهكذا فيسقط في كل مرة كفارة سنة وإن استقرض أكثر من ذلك يسقط بقدره وبعد ذلك يعيد الدور لكفارة الصيام ثم للأضحية ثم للأيمان لكن لا بد لكفارة الأيمان من عشرة مساكين ولا يصح أن يدفع للواحد أكثر من نصف صاع في يوم للنص على العدد فيها بخلاف فدية الصلاة فإنه يجوز إعطاء فدية صلوات لواحد * وكذا الزكاة ولو بدون وصية على المعتمد ومثلها الحج * ويخرج عن كل سجدة تلاوة كفرض صلاة على الأحوط * وعن النوافل التي أفسدها ولم يقضها وعن النذور والأضاحي * وعن الزكاة والفطرة التي على نفسه وعلى من تجب عليه فطرته والعشر والخراج * وعن الجناية على الحرم أو الإحرام * وكفارة قتل خطأ * وظهار * والنفقة الواجبة والكفارات المالية والصدقة المنذورة والاعتكاف المنذور عن صومه لا عن اللبث في المسجد لكل يوم نصف صاع من بر * وعن حقوق العباد المجهولة أربابها وعن الكفارات * ثم من بعد ذلك لا بد أن يخرج عن سائر الحقوق البدنية ثم يكثر من التطوع لتكثر الحسنات التي يرضى بها الخصوم ويأتي لذلك مزيد بيان * بقدرة من علم الانسان * (والمنصوص) عليه في المذهب وعليه العمل أن يجمع الوارث عشرة رجال ليس فيهم غنى ولا عبد ولا صبى ولا مجنون ثم يحسب من الميت فيطرح منه اثنتى عشرة سنة لمدة بلوغه إن كان الميت ذكرا أو تسع سنين إن كان أنثى وإن لم يعلم سنه فيقدر عمر الشخص

ص: 211

بغلبة الظن فإن لم يوقف عليه قصد إلى الزيادة لأن ذلك أحوط ثم بعد التخمين على عمره يسقط عنه ما ذكر من مدة الذكر والأنثى ويخرج الكفارة عن الباقي لأن أدنى مدة يبلغ فيها الذكر اثنا عشرة سنة والأنثى تسع سنين هكذا ينبغي أن يفعل وإن كان الشخص محافظا على صلواته احتياطا خشية أن يكون وقع خلل ولم يشعر به (ومما تعارفه الناس) ونص عليه أهل المذهب أن الواجب إذا كثر أداروا صرة مشتملة على نقود أو غيرها كجواهر أو حلى أو ساعة وبنوا الأمر على اعتبار القيمة * ولأدارة الصرة طرايق أحسنها أن يعطى الوصى الصرة إلى الفقير على أنها فدية عن صلاة يقدرها ويقول له خذ هذه الصرة عن فدية صلاة سنة أو عشر سنين مثلا عن فلان بن فلان الفلاني أو ملكتك هذه عن فدية صلوات سنة عن فلان الخ ويقبلها الفقير ويقبضها ويعلم أنها صارت ملكا له ويقول الفقير هكذا وأنا قبلتها وتملكتها منك ثم يعطيها الفقير إلى الوصى بطريق الهبة ويقبضها الوصى ثم يعطيها الوصى إلى الفقير الآخر ويأخذها منه على نحو ما ذكرنا وهكذا يفعل الوصى حتى يستوعب الفقراء ويستوعب قدر ما على الميت من الصلوات ثم يفعل كذلك عن الصوم وعن جميع ما ذكرنا من الصيام والأضحية ثم بعد تمام ذلك كله ينبغي أن يتصدق على الفقراء بشيء من ذلك المال أو بما أوصى به الميت والمنصوص في كلامهم متونا وشروحا وحواشى أن الذي يتولى ذلك إنما هو الولى وأن المراد بالولى من له ولاية التصرف في ماله بوصاية أو وراثة وأن الميت لو لم يملك شيء يفعل له ذلك الوارث من ماله إن شاء فإن لم يكن للوارث مال يستوهب من الغير أو يستقرض ليدفعه للفقير ثم يستوهبه من الفقير وهكذا إلى أن يتم المقصود * وفى الدر وحاشيته لسيدى الوالد رحمه الله تعالى وفدى عن الميت وليه الذي يتصرف في ماله بوصاية أو وراثة من الثلث إذا أوصى لصيام فاته لسفر أو مرض وأدرك زمنا لقضائه ولم يقضه وإن لم يوص وتبرع عنه الولى جاز عما على الميت إن شاء الله تعالى وإن لم يتبرع عنه الورثة لا يجب عليهم الإطعام لأنها عبادة فلا تؤدى إلا بأمره وإن فعلوا ذلك جاز ويكون له ثواب كما في الاختيار وإن صام أو صلى عنه الولى لا يجوز قضاء عما على الميت بل لو جعل ثوابهما للميت جاز * وعلى هذا فالذي يفديه الوصى عن الميت لصيام كل يوم كالفطرة من حيث القدر والجنس وجواز أداء القيمة بعد قدرته على القضاء وفوته بالموت ولو اباحة أو قيمة ولو إلى فقير جملة جاز ولا يشترط العدد ولا المقدار لكن لو دفع للفقير أقل من نصف صاع حنطة أو أقل من قيمته لم يعتد به على المفتى به بخلاف الفطرة على قول * وكذا يجوز لو تبرع عنه

ص: 212

وليه بكفارة يمين في الكسوة والإطعام دون الإعتاق وفي كفارة القتل لا أيضًا ولو أوصى بالفدية يصح باليمين والقتل * ولو تبرع عنه الوارث في الزكاة والحج والكفارة تجزيه بلا خلاف وفى كفارة الظهار والإفطار إذا عجز عن الإعتاق لإعساره وعن الصوم لكبره فله أن يطعم ستين مسكينا وتكفى الإباحة في الفدية على المشهور * ولو قضاها أي الصلاة ورثته بأمره لم يجز (بضم الياء وكسر الزاي) وكذا الصوم بخلاف الحج نعم لو صام أو صلى وجعل ثواب ذلك للميت صح ولو أجنبيا لحديث النسائي لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ولكن يطعم عنه وليه * لكنه موقوف على ابن عباس وأما ما في الصحيحين عن ابن عباس أيضًا أنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها فقال لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها قال نعم قال فدين الله أحق فهو منسوخ لأن فتوى الراوى على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ وقال مالك ولم أسمع عن أحد من الصحابة ولا من التابعين بالمدينة أن أحدا منهم أمر أحدا يصوم عن أحد ولا يصلى عن أحد وهذا مما يؤيد النسخ وأنه الأمر الذي استقر الشرع عليه وتمامه في الفتح وشرح النقاية اهـ وقوله إن شاء الله تعالى قيل المشيئه لا ترجع للجواز بل للقبول كسائر العبادات وليس كذلك فقد جزم محمد رحمه الله تعالى في فدية الشيخ الكبير وعلق بالمشيئة فيمن ألحق به كمن أفطر بعذر أو غيره حتى صار فانيا وكذا من مات وعليه قضاء رمضان وقد أفطر بعذر إلا أنه فرط في القضاء وإنما علق لأن النص لم يرد بهذا كما قاله الاتقانى * وكذا علق في فدية الصلاة لذلك * قال في الفتح والصلاة كالصوم باستحسان المشايخ وجهه أن المماثلة قد ثبتت شرعا بين الصوم والإطعام والمماثلة بين الصلاة والصوم ثابتة ومثل مثل الشيء جاز أن يكون مثلا لذلك الشيء وعلى تقدير ذلك يجب الإطعام وعلى تقدير عدمها لا يجب فالاحتياط في الإيجاب فإن كان الواقع ثبوت المماثلة حصل المقصود الذي هو السقوط وإلا كان برا مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات ولذا قال محمد فيه يجزيه إن شاء الله تعالى من غير جزم كما قال في تبرع الوارث بالإطعام بخلاف إيصائه به عن الصوم فإنه جزم بالإجزاء انتهى وقوله جاز إن أريد بالجواز أنها صدقة واقعة موقعها فحسن وإن أريد سقوط واجب الإيصاء عن الميت مع موته مصرا على التقصير فلا وجه له والأخبار الواردة مؤولة اسمعيل عن المجتبى (أقول) لا مانع من كون المراد به سقوط المطالبة عن الميت بالصوم في الآخرة وإن بقى

ص: 213

عليه إثم التأخير كما لو كان عليه دين عبد وماطله بالتأخير حتى مات فأوفاه عنه وصيه أو غيره ويؤيده تعليق الجواز بالمشيئة كما تقرر * وكذا قول المص (أي التمرتاشي) كغيره وإن صام أو صلى عنه لا فإن معناه لا يجوز قضاء عما على الميت وإلا فلو جعل له ثواب الصوم والصلاة يجوز كما نذكره فعلم أن قوله جاز أي عما على الميت لتحسن المقابلة اهـ * وفى البحر ويطعم وليهما لكل يوم كالفطرة بوصية أي يطعم ولى المريض والمسافر عنهما عن كل يوم أدركاه كصدقة الفطر إذ أوصيا به لأنهما لما عجزا عن الصوم الذي هو في ذمتهما التحقا بالشيخ الفاني دلالة لا قياسا فوجب عليهما الإيصاء بقدر ما أدركا فيه عدة من أيام أخر كما في الهداية * ولو قال ويطعم ولى من مات وعليه قضاء رمضان لكان أشمل لأن هذا الحكم لا يخص المريض والمسافر ولا من أفطر لعذر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه * بل أراد بالولى من له ولاية التصرف في ماله بعد موته فيدخل وصيهما * وأراد بتشبيهه بالفطرة كالكفارة التشبيه من جهة المقدار بأن يطعم عن صوم كل يوم نصف صاع من بر لا التشبيه مطلقا لأن الإباحة كافية هنا ولهذا عبر بالإطعام دون الإيتاء دون صدقة الفطر فإن الركن فيها التمليك ولا تكفى الإباحة وقيد بالوصية لأنه لو لم يأمر لا يلزم الورثة شيء كالزكاة لأنها من حقوق الله تعالى ولا بد فيها من الإيصاء ليتحقق الاختيار إلا إذا مات قبل ان يؤدى العشر فإنه يؤخذ من تركته من غير إيصاء لشدة تعلق العشر بالعين كذا في البدائع ومع ذلك لو تبرع الورثة أجزأه إن شاء الله تعالى * وكذا كفارة اليمين والقتل إذا تبرع الوارث بالإطعام والكسوة يجوز ولا يجوز التبرع بالإعتاق لما فيه من إلزام الولاء للميت بغير رضاه * وأشار بالوصية إلى أنه معتبر من الثلث * وإلى أن الصلاة كالصوم بجامع أنهما من حقوقه تعالى بل أولى لكونها أهم وإلى أن سائر حقوقه تعالى كذلك ماليا كان أو بدنيا عبادة محضة أو فيه معنى المؤنة كصدقة الفطر أو عكسه كالعشر أو مؤنة محضة كالنفقات أو فيه معنى العقوبة كالكفارات * وإلى أن الولى لا يصوم عنه ولا يصلى * وقيدنا بكونهما أدركا عدة من أيام أخر إذ لو ماتا قبله لا يجب عليهما الإيصاء لكن لو أوصيا به صحت وصيتهما لأن صحتها لا تتوقف على الوجوب * وأشار أيضًا إلى أنه لو أوجب على نفسه الاعتكاف ثم مات أطعم عنه لكل يوم نصف صاع من حنطة لأنه وقع اليأس عن أدائه فوقع القضاء بالإطعام كالصوم في الصلاة فالحاصل أن ما كان عبادة بدنيه فإن الوصى يطعم عنه بعد موته عن كل واجب كصدقة الفطر وما كان عبادة مالية كالزكاة

ص: 214

فإنه يخرج عنه القدر الواجب عليه وما كان مركبا منهما كالحج فإنه يحج عنه رجلا من مال الميت اهـ باختصار * وفيه وأشار المص فيما سبق من أن المسافر إذا لم يدرك عدة فلا شيء عليه إذا مات إلى أن الشيخ الفاني لو كان مسافرا فمات قبل الإقامة لا يجب عليه الإيصاء بالفدية لأنه يخالف غيره في التخفيف لا في التغليظ * لكن ذكره الشارحون بصيغة قيل ينبغي أن لا يجب مع أن الأولى الجزم به لاستفادته مما ذكرناه وليست صريحة في كلام أهل المذهب فلم يجزموا بها * ولأن الفدية لا تجوز إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره فجازت عن رمضان وقضائه * والنذر حتى لو نذر صوم الأبد فضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة له أن يطعم ويفطر لأنه استيقن أن لا يقدر على قضائه * وإن لم يقدر على الإطعام لعسرته يستغفر الله تعالى وإن لم يقدر لشدة الحر كان له أن يفطر ويقضيه في الشتاء إذا لم يكن نذر الأبد ولو نذر صوما معينا فلم يصم حتى صار فانيا جازت له الفدية ولو وجبت عليه كفارة يمين أو قتل فلم يجد ما يكفر به وهو شيخ كبير عاجز عن الصوم أو لم يصم صار حتى شيخا كبيرا لا تجوز له الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غيره * ولذا لا يجوز المصير إلى الصوم إلا عند العجز عما يكفر به من المال كذا في فتح القدير * وفي فتاوى قاضى خان وغاية البيان وكذا لو حلق رأسه وهو محرم عن أذى ولم يجد نسكا يذبحه ولا ثلاثة آصع حنطة يفرقها على ستة مساكين وهو فان لا يستطيع الصيام فأطعم عن الصيام لم يجز لأنه بدل * وفي الفتاوى الظهيرية استشهاد لكون البدل لا بدل له وذكر الصدر الشهيد إذا كان جميع رأسه مجروحا فربط الجبيرة لم يجب عليه أن يمسح لأن هنا أصله منصوص عليه لا بدل عن غيره اهـ انتهت عبارة البخر ومثله في الزيلعي والدرر والنهر والدر المختار قال في الشرنبلالية أقول لا يصح تبرع الوارث في كفارة القتل بشيء لأن الواجب فيها ابتداء عتق رقبة مؤمنة ولا يصح إعتاق الوارث عنه كما ذكره والصوم فيها بدل عن الإعتاق لا تصح فيه الفدية كما سيأتي وليس في كفارة القتل إطعام ولا كسوة فجعلها مشاركة لكفارة اليمين فيهما سهو اهـ ومثله في العزمية * وأجاب العلامة الاقصراى كما نقله أبو السعود في حاشية مسكين بأن مرادهم بالقتل قتل الصيد لا قتل النفس لأنه ليس فيه إطعام اهـ * قلت ويرد عليه أيضًا أن الصوم في قتل الصيد ليس أصلا بل هو بدل لأن الواجب فيه أن يشترى بقيمته هدى يذبح في الحرم أو طعام يتصدق به على كل فقير نصف صاع أو يصوم عن كل نصف صاع

ص: 215

يوما فافهم * قلت وقد يفرق بين الفدية في الحياة وبعد الموت بدليل ما في الكافى النسفى على معسر كفارة يمين أو قتل وعجز عن الصوم لم تجز الفدية كمتمتع عجز عن الدم والصوم لأن الصوم هنا بدل ولا بدل للبدل فإن مات وأوصى بالتكفير صح من ثلثه وصح التبرع في الكسوة والإطعام لأن الإعتاق بلا إيصاء إلزام الولاء على الميت ولا إلزام في الكسوة والإطعام اهـ * فقوله فإن مات وأوصى بالتكفير صح ظاهر في الفرق المذكور وبه يتخصص ما سيأتي من أنه لا تصح الفدية عن صوم هو بدل عن غيره ثم أن قوله وأوصى بالتكفير شامل لكفارة اليمين والقتل لصحة الوصية بالإعتاق بخلاف التبرع به ولذا قيد صحة التبرع بالكسوة والإطعام وصرح بعدم صحة الإعتاق فيه وهذا قرينة ظاهرة على أن المراد التبرع بكفارة اليمين فقط لأن كفارة القتل ليس فيها كسوة ولا إطعام فتلخص من كلام الكافى أن العاجز عن صوم هو بدل عن غيره كما في كفارة اليمين والقتل لوفدى عن نفسه في حياته بأن كان شيخا فانيا لا يصح في الكفارتين ولو أوصى في الفدية يصح فيهما ولو تبرع عنه وليه لا يصح في كفارة القتل لأن الواجب فيها العتق ولا يصح التبرع به ويصح في كفارة اليمين لكن في الكسوة والإطعام دون الإعتاق لما قلنا هكذا ينبغى أن يفهم هذا المقام * فاغتنمه فإنه قد زلت فيه أقدام الأفهام * كذا أفاده سيدى الوالد الهمام * عليه رحمة الملك السلام (أقول) لكن في شرح العلامة الشيخ إسماعيل على الدرر ما نصه * أقول وبالله التوفيق الذهول من صاحب العزمية لأن الإطعام يوجد في كفارة القتل إذا كانت من الولى كهذه الصورة فإنها وإن كانت إعتاقا أو صياما تتابعا إلا أنه لو مات ولم يوص وتبرع وليه بالإطعام يجوز ويتعين الإطعام حينئذ لعدم إمكان الإعتاق لما فيه من إلزام الولاء على الميت اهـ فتأمل * وفى الدر وحاشيته لسيدى الوالد رحمه الله تعالى وللشيخ الفانى العاجز عن الصوم الفطر ويفدى وجوبا ولو في أول الشهر وبلا تعدد فقير كالفطرة لو موسرا وإلا فيستغفر الله تعالى هذا إذا كان الصوم أصلا بنفسه وخوطب بأدائه حتى لو لزمه الصوم لكفارة يمين أو قتل ثم عجز لم تجز الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غيره ولو كان مسافرا فمات قبل الإقامة لم يجب الإيصاء ومتى قدر قضى لأن استمرار العجز شرط الخلفية * وهل تكفى الإباحة في الفدية قولان المشهور نعم واعتمده الكمال قوله ويفدى وجوبا لأن عذره ليس بعرض الزوال حتى يصير إلى القضاء فوجبت الفدية نهر (ثم عبارة الكنز وهو يفدى إشارة إلى أنه ليس على غيره الفداء لأن نحو المرض والسفر في عرضة الزوال فيجب

ص: 216

القضاء وعند العجز بالموت تجب الوصية بالفدية * قوله ولو في أول الشهر أي يخير بين دفعها في أوله أو آخره كما في البحر * قوله وبلا تعدد فقير أي بخلاف نحو كفارة اليمين للنص فيها على التعدد فلو أعطى هنا مسكينا صاعا عن يومين جاز لكن في البحر عن القنية أن عن أبي يوسف فيه روايتين وعند أبي حنيفة لا يجزيه كما في كفارة اليمين وعن أبي يوسف لو أعطى نصف صاع من بر عن يوم واحد لمساكين يجوز قال الحسن وبه نأخذ اهـ ومثله في القهستاني * قوله لو موسرا قيد لقوله يفدى وجوبا * قوله وإلا يستغفر الله تعالى هذا ذكره في الفتح والبحر عقيب مسألة نذر الأبد إذا اشتغل عن الصوم بالمعيشة فالظاهر أنه راجع إليها دون ما قبلها من مسئلة الشيخ الفاني لأنه لا تقصير منه بوجه بخلاف الناذر لأنه باشتغاله بالمعيشة عن الصوم لأنه ربما حصل منه نوع تقصير وإن كان اشتغاله بها واجبا لما فيه من ترجيح حظ نفسه فليتأمل * قوله هذا أي وجوب الفدية على الشيخ الفانى ونحوه * قوله أصلا بنفسه كرمضان وقضائه والنذر كما مر فيمن نذر صوم الأبد وكذا لو نذر صوما معينا فلم يصم حتى صار فانيا جازت له الفدية بحر * قوله حتى لو لزمه الصوم الخ تفريع على المفهوم * قوله أصلا بنفسه وقيد بكفارة اليمين والقتل احترازا عن كفارة الظهار والإفطار إذا عجز عن الإعتاق لإعساره وعن الصوم لكبره فله أن يطعم ستين مسكينا لأن هذا صار بدلا عن الصيام بالنص والإطعام في كفارة اليمين ليس ببدل عن الصيام بل الصيام بدل عنه سراج * قوله لم تجز الفدية أي في حال حياته بخلاف ما لو أوصى بها كما مر تحريره * قوله ولو كان أي العاجز عن الصوم وهذا تفريع على مفهوم قوله وخوطب بأدائه * قوله لم يجب الإيصاء عبر عنه الشراح بقولهم قيل لم يجب لأن الفاني يخالف غيره في التخفيف لا في التغليظ وذكر في البحر أن الأولى الجزم به لاستفادته من قولهم أن المسافر إذا لم يدرك عدة فلا شيء عليه إذا مات ولعلها ليست صريحة في كلام أهل المذهب فلم يجزموا بها اهـ * قوله ومتى قدر أي الفاني أفطر وفدى * قوله شرط الخلفية أي في الصوم أي كون الفدية خلفا عنه قال في البحر وإنما قيدنا بالصوم ليخرج المتيمم إذا قدر على الماء لا تبطل الصلاة المؤداة بالتيمم لأن خلفية التيمم مشروطة بمجرد العجز عن الماء لا بقيد دوامه وكذا خلفية الأشهر عن الإقراء في الاعتداد مشروطة بانقطاع الدم مع سن اليأس لا بشرط دوامه حتى لا تبطل الأنكحة الماضية بعود الدم على ما قدمنا في الحيض * قوله المشهور نعم فإن ما ورد بلفظ الإطعام جاز فيه الإباحة والتمليك بخلاف ما بلفظ الأداء والايتاء فإنه للتمليك

ص: 217

كما في المضمرات وغيره قهستاني اهـ ما في الدر وحاشيته لسيدي الوالد رحمه الله تعالى * وفيهما ولو فدى عن صلاته في مرضه لا يصح بخلاف الصوم في الناترخانية عن التتمة سئل الحسن بن على عن الفدية عن الصلاة في مرض الموت هل تجوز فقال لا وسئل أبو يوسف عن الشيخ الفاني هل تجب عليه الفدية عن الصلوات كما تجب عليه عن الصوم وهو حى فقال لا اهـ وفى القنية ولا فدية في الصلاة حالة الحياة بخلاف الصوم اهـ * أقول ووجه ذلك أن النص إنما ورد في الشيخ الفانى أنه يفطر ويفدى في حياته حتى أن المريض أو المسافر إذا أفطر يلزمه القضاء إذا أدرك أياما أخر وإلا فلا شيء عليه فإن أدرك ولم يصم يلزمه الوصية بالفدية عما قدر هذا ما قالوه * ومقتضاه أن غير الشيخ الفانى ليس له أن يفدى عن صومه في حياته لعدم النص ومثله الصلاة * ولعل وجهه أنه مطالب بالقضاء إذا قدر ولا فدية عليه إلا بتحقق العجز منه بالموت فيوصى بها بخلاف الشيخ الفانى فإنه تحقق عجزه قبل الموت عن أداء الصوم وقضائه فيفدى في حياته ولا يتحقق عجزه عن الصلاة لأنه يصلى بما قدر ولو موميا برأسه فإن عجز عن ذلك سقطت عنه إذا كثرت بأن صارت ستا فأكثر ولا يلزمه قضاؤها إذا قدر اهـ * وبما قررنا ظهر أن قول الشارح بخلاف الصوم أي فإن له أن يفدى عنه في حياته خاص بالشيخ الفاني تأمل اهـ * وفي التنوير والدر ولو مات وعليه صلوات فائتة وأوصى بالكفارة يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر كالفطرة وكذا حكم الوتر والصوم وإنما يعطى من ثلث ماله ولو لم يترك مالا يستقرض وارثه نصف صاع مثلا ويدفعه للفقير ثم يدفعه الفقير للوارث ثم وثم حتى يتم ولو قضاها ورثته بأمره لم يجز لأنها عبادة بدنية بخلاف الحج لأنه يقبل النيابة ولو أدى للفقير أقل من نصف صاع لم يجز ولو أعطاه الكل جاز أي بخلاف كفارة اليمين والظهار والإفطار وفي متن الملتقى وشرحه مجمع الأنهر لشيخي زاده (ويجب) القضاء (بقدر ما فاتهما إن صح) المريض ولو قل إن قدر لكان أولى لأن الشرط القدرة لا الصحة والأولى لا تستلزم الثانية كما في الإصلاح (أو أقام) المسافر (بقدره) أي بقدر ما فاته لوجود عدة من أيام أخر (وإلا) أي وإن لم يقدر المريض ولم يقم المسافر بقدر ما فاتهما بل قدر أو أقام مقدارا أنقص من مدة المرض أو السفر ثم ماتا (فبقدر الصحة والإقامة) وفائدة وجوب القضاء بقدرهما وجوب الفدية عليه بقدرهما وعن هذا قال مفرعا عليه (فيطعم عنه وليه) أراد به من له التصرف في ماله فشمل الوصى (لكل يوم كالفطرة) أي وجب على الولى أن يؤدى فدية ما فاتهما من أيام الصيام كالفطرة عينا أو قيمة فلو فات

ص: 218

بالمرض أو السفر صوم خمسة أيام مثلا وعاش بعده خمسة أيام بلا قضاء ثم مات فعليه فدية خمسة أيام ولو فاته خمسة وعاش ثلاثة فعليه ثلاثة فقط (ويلزم) أي ويجب إطعام الوارث (من الثلث) إن كان له وارث وإلا فمن الكل (أن أوصى) المورث وفيه أن الإيصاء واجب إن كان له مال كما في المنية ولا يختص هذا بالمريض والمسافر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه أو لعذر ما وكذا كل عبادة بدنية (وإلا) أي وإن لم يوص (فلا لزوم) للورثة عندنا لأنها عبادة فلا بد من أمره خلافا للشافعي (وإن تبرع) الوصى (به) أي بالإطعام من غير وصية (صح) ويكون له ثواب ذلك وعلى هذا الخلاف الزكاة (والصلاة) مكتوبة أو واجبة كالوتر هذا على قول الإمام وعندهما الوتر مثل السنن لا تجب الوصية به كما في الجوهرة (كالصوم وفدية كل صلاة كصوم يوم) أي كفديته (هو الصحيح) رد لما قيل فدية صلاة يوم وليلة كصوم يومه إن كان معسرا وقال محمد بن مقاتل أولا بلا قيد الإعسار ثم رجع والقياس أن لا يجوز الفداء عن الصلاة وإليه ذهب البلخي وفيه إشارة إلى أنه لو فرط بأدائها بإطاعة النفس وخداع الشيطان ثم ندم في آخر عمره وأوصى بالفداء لم يجزئ لكن في المستصفى دلالة على الإجزاء وإلى أنه لو لم يوص بفدائهما وتبرع وارثه جاز ولا خلاف أنه أمر مستحسن يصل إليه ثوابه وينبغي أن يفدى قبل الدفن وإن جاز بعده كما في القهستانى (ولا يصوم عنه وليه ولا يصلى) لقوله عليه الصلاة والسلام لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ولكن يطعم خلافا للشافعي اهـ * إذا علمت ذلك فاعلم أن الأجنبي إذا تبرع عن الميت لا يكفى لإطلاق عباراتهم على الولى وقد علمت أن المراد بالولى من له ولاية التصرف بمال الميت بوصاية أو وراثة وهو المتبادر من كلامهم كما حرره سيدى الوالد في حاشيته على الدر وفى شفاء العليل * ولم أر من جوز تبرع الأجنبي سوى فقيه النفس العلامة الشرنبلالى وتبعه على ذلك العلامة الشيخ إسماعيل في جنائز شرحه على الدرر إلا أنه لم يعزه لأحد وأما سائر الكتب متونا وشروحا وحواشى فنص عباراتهم على الولى وهو بظاهره قيد احترازي * لا يقال أنه يجوز أن يكون قيدا اتفاقيا لأن مثله لا يقال من جهة الرأى لاسيما وقد نص سيدنا الإمام محمد فيمن عليه قضاء رمضان إذا لم يقدر لكبر جاز للورثة الإطعام من غير إيصاء كما يأتى نصه قريبا بتمامه * إلا أن يرى مستند من أطلق وإن كان من أجل من يعتمد عليهم من المتأخرين رحمهم الله تعالى لكونه خلاف ما يظهر من ظاهر عبارات كتب المذهب التي إليها يذهب لاسيما والنص مقيد بالورثة كما ترى وسمعت وعليه فالاحتياط أن يكون المباشر للإسقاط الولى

ص: 219

لبراءة الذمة فإن لم يحسن ذلك فيجلس بحذائه من يحسن ذلك ويلقنه ليكون الولى هو المباشر لذلك * فقد نص سيدنا الإمام محمد في الزيادات أن من عليه قضاء رمضان إذا لم يقدر لكبر جاز له الفدية لأنه أصل بنفسه فإن مات وأوصى أن يطعم عنه أو الورثة أطعموا عنه من غير إيصاء يجزيه إن شاء الله تعالى اهـ وقد صرح العتابي بأن المشيئة راجعة إلى الشيئين انتهى * فعلق الإجزاء بالمشيئة لعدم النص وكذا علقه المشايخ بالمشيئة فيما إذا أوصى بفدية الصلاة لأنهم ألحقوها بالصوم احتياطا لاحتمال كون النص فيها معلولا بالعجز فتشمل العلة الصلاة وإن لم يكن معلولا تكن الفدية برا مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات فكان فيها شبهة كما إذا لم يوص بفدية الصوم يجوز أن يتبرع عنه وليه كما نص على ذلك علماؤنا * ويؤيد ما قاله سيدى الوالد من أن المتبادر من التقييد بالولى أنه لا يصح من مال الأجنبي * ونظيره ما قالوه فيما إذا أوصى بحجة الفرض فبرع الوارث بالحج لا يجوز وإن لم يوص فتبرع الوارث إما بالحج بنفسه أو بالإحجاج عنه رجلا فقد قال أبو حنيفة يجزيه إن شاء الله تعالى لحديث الخثعمية فإنه شبهه بدين العباد * وفيه لو قضى الوارث من غير وصية يجزيه فكذا هذا * وفى المبسوط سقوط حجة الإسلام عن الميت بأداء الورثة طريقه العلم فإنه أمر بينه وبين ربه تعالى فلهذا قيد الجواز بالاستثناء اهـ ذكره في البحر * وظاهره أنه لو تبرع غير الوارث لا يجزيه وإن وصل إلى الميت ثوابه اهـ ومثله في شفاء العليل * وفيها فإن قلت تشبيهه بالدين في الحديث يفيد أن الوارث ليس بقيد لأن الدين لو قضاه أجنبى جاز * قلت المراد والله تعالى أعلم التشبيه في أصل الجواز لا من كل وجه وإلا فالدين يجب أداؤه من كل المال وإن لم يوص به والحج ليس كذلك عندنا فإنه لا يجب إلا بوصية ولا يخرج إلا من الثلث لأنه عبادة ولا بد فيها من الاختيار بخلاف حقوق العباد فإن الواجب فيها وصولها إلى مستحقها لا غير فلم يكن التشبيه من كل وجه فلم يلزم ما قلته * نعم وقع في كلام بعض المتأخرين في مسئلتنا الوارث أو وكيله ومقتضى ظاهر ما قدمناه من كلامهم أنه لا يصح لأن الوكيل لما استوهب المال من الفقير صار ملكا له لا للوارث وصار بالدفع للفقير ثانيا أجنبيا دافعا من مال نفسه إلا أن يوكله بالإيهاب والاستيهاب في كل مرة وأما قوله وكلتك بإخراج فدية صيام أو صلاة والدى مثلا * فقد يقال يكفى لأن مراده تكرير الإيهاب والاستيهاب حتى يتم وقد يقال لا يكفى ما لم يصرح بذلك لأن الوارث العامى لا يدرى لزوم كون ذلك من ماله حتى يكون ملاحظا أنه وكيل عنه في الاستيهاب له أيضًا بل بعض العوام لا يعرفون كيفية ما يفعله الوكيل أصلا ولاسيما النساء * نعم إن قلنا التقييد بالولى غير لازم وهو خلاف المتبادر من كلامهم بل المراد منه حصول الإخراج

ص: 220

من ماله أو من مال غيره بإذنه لا يلزم شيء من ذلك * وقد بلغنى عن بعض مشايخ عصرنا انه كان يقول بلزومه وأنكر عليه بعضهم وكأن كل واحد نظر إلى شيء مما قدمناه والله تعالى أعلم * ولكن لا يخفى أن الأحوط ان يباشره الوارث بنفسه أو يقول لآخر وكلتك بأن تدفع لهؤلاء الفقراء هذا المال لإسقاط كذا عن فلان وتستوهب لي من كل واحد منهم إلى أن يتم العمل اهـ (أقول) أما قوله فإن قلت الخ فالذى ظهر من التقييد بعباراتهم وهو المتبادر بالولى أى من له ولاية التصرف بوصاية أو وراثة ينفى غيره كما يظهر لمن تأمل وسبر كتب المذهب التي إليها يذهب سوى هذين الإمامين الجليلين وتبعهما الطحطاوي في حاشيته على انهما لم يستندا فيما ذكراه إلى نقل من كتب المذهب ولعله قول آخر في المذهب أو رواية فمن رأى شيء فليبينه وله الثواب من الملك الوهاب * وأما قوله نعم وقع في كلام بعض المتأخرين في مسئلتنا الوارث أو وكيله ومقتضى ظاهر كلامهم أنه لا يصح أي في الدور الثاني بعد ما دفع المال الذي بيده واستوهبه فقد انتهت الوكالة وصار معزولا لانتهائها بفعل ما وكل به وفراغ المال من يده وصيرورته اجنبيا وصيرورة المال الذي استوهبه من الفقير مال نفسه اللهم إلا أن يوكله وكالة دورية كلما عزل فهو وكيله في الدور والاسقاط لا في الاستيهاب لما سيتلى عليك * واما قوله إلا أن يوكله بالايهاب أي الدفع للفقير والاستيهاب أي من الفقير للموكل ففى التوكيل بالاستيهاب ما نقله سيدى الوالد رحمه الله تعالى في رد المحتار قبيل باب الربا عند قول الدر ومفاده صحة التوكيل بقبض القرض لا بالاستقراض قنية قوله بالاستقراض هذا منصوص عليه ففى جامع الفصولين بعث رجلا ليستقرض له فأقرضه فضاع في يده فلو قال أقرض للمرسل ضمن مرسله ولو قال أقرضنى للمرسل ضمن رسوله والحاصل أن التوكيل بالإقراض جائز لا بالاستقراض والرسالة بالاستقراض تجوز ولو أخرج وكيل الاستقراض كلامه مخرج الرسالة يقع القرض للآمر ولو مخرج الوكالة بأن أضافه إلى نفسه يقع للوكيل وله منعه عن آمره اهـ * قلت والفرق أنه إذا اضاف العقد إلى الموكل بأن قال ان فلانا يطلب منك أن تقرضه كذا أو قال اقرضنى لفلان كذا فانه يقع لنفسه ويكون قوله لفلان بمعنى لاجله وقالوا العالم يصح التوكيل بالاستقراض لأنه توكيل بالتكدى وهو لا يصح * قلت ووجهه أن القرض صلة وتبرع ابتداء فيقع للمستقرض إذ لا تصح النيابة في ذلك فهو نوع من التكدى بمعنى الشحاذة هذا ما ظهر لي اهـ * وذكرت في قرة عيون الاخيار تكملة رد المحتار مما أفاده سيدى الوالد ما حاصله أن ما كان منها إسقاطا يضيفه الوكيل إلى نفسه مع التصريح بالموكل فيقول زوجتك فلانة وصالحتك عما تدعيه على فلان

ص: 221

من المال أو الدم اما ما كان منها تمليكا لعين أو منفعة أو حفظ فلا يضيفه إلى نفسه بل إلى الموكل كقوله هب لفلان كذا أو اودعه كذا أو اقرضه كذا فلا بد في هذا من إخراج كلامه مخرج الرسالة فلا يصح أن يقول هبنى كذا كما مر ولا هبنى لفلان وأودعنى لفلان * وعلى هذا فقولهم التوكيل بالاستقراض باطل معناه انه في الحقيقة رسالة لا وكالة فلو اخرج الكلام مخرج الوكالة لم يصح بل لا بد من اخراجه مخرج الرسالة كما قلنا * وبه علم أن ذلك غير خاص بالاستقراض بل كل ما كان تمليكا إذا كان الوكيل من جهة طالب التملك لا من جهة المملك فان التوكيل بالإقراض والإعارة صحيح لا بالاستقراض والاستعارة بل هو رسالة هذا ما ظهر لي فتأمله اهـ * إذا علمت ذلك ظهر لك عدم صحة الوكالة في الاستيهاب وما ذكره من التوكيل بالاستيهاب محمول على الرسالة أو أن يخرج الوكيل عبارته مخرج الرسالة فلو لم يخرج الكلام مخرج الرسالة فقد ملكه لنفسه وإذا ملكه لنفسه ودفعه للفقير فيكون دفع الأجنبى عن الميت فوقعنا فيما حذرنا عنه * وأما قوله وكلتك بإخراج فدية صيام أو صلاة والدى مثلا الخ اقول يغنى عن صفة التوكيل ما قدمناه من الوكالة الدورية * واما قوله الاستيهاب فقد علمت أن المراد به إخراج الوكيل العبارة مخرج الرسالة ليصح أو يجعله رسولا وهو محمل ذلك واما قوله ويقال لا يكفى الخ أي وهو الاحوط خصوصا في مثل ذلك لا سيما بعد ما سمعته من قوله والأحوط أن يباشره الولى بنفسه وان كانت الوكالة العامة كافية بأن يوكله وكالة دورية لاخراج ما في ذمة الميت من سائر حقوق الله تعالى وحقوق العباد المجهولة أربابها بالمال الذي أعطاه إياه ويجعله رسولا في قبض الهبة له * نعم إذا كان الولى جاهلا فلا بد حينئذ من توكيل من يدرك ذلك كله من أهل العلم والصلاح على الوجه الذي ذكرناه والذي نذكره بل يتعين ذلك الوكيل ليسقط عما في ذمة الميت ويتخلص من العهدة إن شاء الله تعالى وأما قوله نعم إن قلنا التقييد بالولى غير لازم فهو تنزل مع الخصم على فرض وجود نقل يدل لمدعاه ان لو كان بل المراد منه حصول الاخراج من ماله أو من مال غيره باذنه لا يلزم شيء من ذلك أي من المذكورات على فرض أن التقييد غير لازم والافانه حيث كان خلاف المتبادر وخلاف منطوق عباراتهم فقد ظهر الامر* واما قوله وقد بلغنى عن بعض مشايخ عصرنا انه كان يقول بلزومه هذا الذي ينبغى أن يعض بالنواجذ عليه * ويجعل المصير إليه * واما قوله وانكر عليه بعضهم الظاهر ان البعض نظر إلى ما عن العلامة الشرنبلالى ويدل لذلك قوله وكأن كل واحد نظر إلى شيء مما قدمناه ونظر إلى ما في شرح اللباب لمنلا على القارى من تعميمه في شرحه بعد تقييد الماتن بالوارث فقال الوارث وغيره

ص: 222

من أهل التبرع وكأن البعض قاس الصلاة على الحج مع انه انقطع من عصر الأربعمائة وان كان مع المساواة من غير فارق وانه أيضا يلزم الغاء هذا الشرط من أصله قال سيدى الوالد رحمه الله تعالى في الحج فالظاهران في هذا الشرط اختلاف الرواية اهـ فلو كان الحج نظير الصلاة فلا يخفى الاحتياط والله تعالى أعلم * واما قوله فالاحوط الخ هذا كله إذا كان يحسن ذلك كما ذكرناه وان لم يحسن ذلك فيلقنه من يحسن ذلك من أهل العلم ان امكن والا فتكون الوكالة لاحد أهل العلم العارفين بذلك ولا ينبغى ان يتساهل في هذا الامر فإن به نجاة الانسان من عذاب الله تعالى وغضبه قال تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} واما قوله وتستوهب لي من كل واحد منهم قد علمت الكيفية والمحمل فلا تغفل * ثم اعلم ان فدية الصلاة مما انفرد بها مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى الذي قاسه مشايخ مذهبه على الصوم واستحسنوه وأمروا به فينبغى للشافعي والمالكى والحنبلى إذا قلدنا احدهم واخرج الدور لفدية الصلاة ان يلاحظ ذلك ويحتاطه على مذهب من قلده وهم أهل المذهب رحمهم الله تعالى لاسيما وفى الغالب لا يتيسر اخراج العين بل القيمة ولا الاصناف كلها فتنبه لذلك * وأما قوله إلى ان يتم العمل يعني ان لم تف الدراهم الموجودة أو الصرة المستوهبة أو المستقرضة لاداء ما وجب على الميت مما يجوز استقراضه كالدراهم والدنانير والبر ونحوها فيستوهبها من الفقير ثم يتسلمها منه لتتم الهبة بالقبض ثم يدفعها لذلك الفقير أو لفقير آخر فيسقط في كل مرة كفارة سنة مثلا وهكذا إلى ان يتم عن قدر عمر الميت بعد اسقاط الاثنتى عشرة سنة من الذكر والتسع من الانثى وبعد ذلك يعيد الدور لكفارة الصيام ثم للاضحية ثم للايمان لكن لا بد في كفارة الايمان من عشرة مساكين ولا يصح أن يدفع للواحد أكثر من نصف صاع في يوم للنص على العدد فيها بخلاف فدية الصلاة فانه يجوز اعطاء فدية صلوات لواحد * ويدفع للزكاة ولو بدون وصية وإذا شق اداؤها لكثرتها فليقصد إلى الدور المذكور وان كان ظاهر كلامهم انها لا تسقط بلا وصية لاشتراط النية فيها لكن صرح في السراج بجواز تبرع الوارث بإخراجها * وعن كفارة قتل * وعن ظهار * وعن كفارة افطار * وللنذر فانها إذا كثرت وشق أداؤها فبالدور المذكور أيضًا * فإن كان الشخص نذر دراهم والصرة دراهم فليقصد مديرها أداء عين المنذور * واما إذا كان النذر دنانير والصرة دراهم مثلا فليقصد مديرها أداء قيمة ما نذر * وكذلك القول فيما لو نذر أن يذبح شاة ويتصدق بلحمها إلى غير ذلك من صوم النذر بالمال واما إذا نذر أن يصوم أو أن يصلى فالواجب أن يخرج عن صوم كل يوم وعن كل صلاة نصف صاع * ويدفع للفطرة فليتعرض لاخراجها احتياطا * وكذلك الاضحية ولينو أداء قيمتها وإن كان

ص: 223

الواجب فيها اراقة الدم الا ان ذلك عند قيام وقتها وهو ايام البحر وقد مضت ويدفع عن كل سجدة تلاوة كالفطرة نصف صاع من بر احتياطا وان كان الصحيح عدم الوجوب كما صرح به في التاترخانية * ويدفع عن العشر في الأراضى العشرية والخراج في الأراضى الخراجية كما بين في محله * ويدفع عن الجناية على الحرم والاحرام مما يوجب دما أو صدقة نصف صاع أو دون ذلك فلا بد من التعرض لاخراجها بان يقال خذ هذا عن جناية على حرم أو احرام * ويدفع عن الحقوق التي جهلت اربابها فانه يجب التصدق بقدرها * ثم من بعد ذلك يخرج عن سائر الحقوق المالية * ثم يخرج عن سائر الحقوق البدنية * ثم يكثر من التطوع لتكثر الحسنات التي يرضى بها الخصوم * ثم يخرج شيء من ذلك المال ليرضى به كل فقير بان يدفع إليه ما يطيب به نفسه وهذا يختلف باختلاف منازل الفقراء ومنازل الناس الذين يفعل لهم الاسقاط * ومن المعلوم ان نفاذ وصايا من له وارث انما هو من الثلث وقالوا لو دفعت كفارة صلوات الشخص كلها إلى فقير واحد جاز وهذه الكفارة هي التي اشتهرت تسميتها بإسقاط الصلاة * وهذا كله في الصلاة * والصوم مثلها فيما تقدم غير أن صوم اليوم الواحد بمنزلة صلاة الفرض الواحد فيعطى عن كل يوم نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب وبهذا تكون كفارة الصوم أقل من كفارة الصلاة بكثير * وهناك فرق آخر وهوان الشخص لا يجوز له ان يخرج بنفسه كفارة صلواته كما مر وانما يصح له ذلك بطريق الوصية بعد موته بخلاف الصوم فإن له ان يخرج كفارة صومه بنفسه إذا كان مريضا تحقق اليأس من الصحة وان لم يكن فانيا أو نذر صوم الابد فعجز عنه وقالوا الاصل في ذلك الشيخ الفانى يجوز له ان يخرج فدية كل عام فاذا قدر على الصيام بطل ما أداه * وليس مما يفارق فيه الصوم الصلاة ما افاده صاحب المستصفى وغيره انه يوصى وان افطر بغير عذر ويرجى له العفو بإخراج الفدية فإن الصلاة كذلك على الظاهر وقالوا تصح الاباحة بشرط الشبع في الكفارة والفدية ككفارة اليمين وفدية الصوم وجناية الحج وجاز الجمع بين اباحة وتمليك بخلاف الزكوة والفطرة والعشر فعلى هذ لو صنع طعاما ودعى الفقراء إليه ليجعله عن كفارة يمين أو فدية صوم أو جناية صح * ولا يشترط التمليك وهو ان يعطى الفقير شيء في يده على سبيل التمليك * نعم يشترط لكل فقير اكلتان مشبعتان والفقير الواحد يكفى في جميع هذه الابواب إلا باب اليمين فإن كفارته انما تجوز لعشرة مساكين بالنص أو يتكرر له ذلك عشرة أيام * ومما ينبغى التنبه له ان ايمان العمر لا تنضبط لكثرتها فالواجب على الشخص ان يكثر عند أداء الكفارة منها جدا ثم يخرج كفارة واحدة عما بقى عن ايمان العمر على قول محمد بتداخلها كما نقله سيدى

ص: 224

الوالد عن المقدسى عن البغية عن شهاب الائمة وقال صاحب الاصل هو المختار وعندى ومثله في القهستانى عن المنية وهو مذهب الامام أحمد بن حنبل * واما كيفية الوصية وما يجوز منها ومالا يجوز فقد ذكره سيدى الوالد مفصلا في شفاء العليل ومما ينبغى الاحتراز عنه الاستفهام من الدافع للفقير فلا يقول الوصى للفقير قبلت هذه كفارة صلاة عن فلان لانه على تقدير الهمزة أو هل لان هذا الكلام من باب التصديق الايجابى وفى وقوع الصيغ الاستفهامية موقع الايجاب كلام لاهل المذهب بل اما ان يقول الوصى للفقير خذ هذه كفارة صلاة عن فلان بن فلان واما ان يقول هذه كفارة صلاة فلان ابن فلان * وكذلك يجب الاحتراز عن الاسراع بالقبول قبل تمام الايجاب فلا يقول الفقير قبلت الا بعد تمام كلام الوصى ولا يقول الوصى قبلت الا بعد تمام كلام الفقير من اجل كلام يذكر في الاصول * ويجب الاحتراز من بقاء الصرة بيد الفقير أو الوصى بل كل مرة يصير استلامها لكل منهما ليتم الدفع والهبة بالقبض والتسليم في كل مرة * ويجب الاحتراز أيضًا عن احضار قاصر أو معتوه أو رقيق أو مدبر لانه إذا اعطى الوصى لأحدهم ملكه وهبته غير صحيحة فلا تعطى الصرة باسم قاصر أو غير عاقل أو مملوك * ويجب الاحتراز أيضًا عن احضار غنى أو كافر * ويجب الاحتراز أيضًا عن جمع الصرة واستيهابها أو استقراضها من غير مالكها أو من أحد الشريكين بدون اذن الآخر * ويجب الاحتراز من التوكيل باستقراضها أو استيهابها إلا بوجه الرسالة وإلا فبالاصالة كما علمت * ويجب الاحتراز من ان يديرها اجنبى الا بوكالة كما ذكرنا أو ان يكون الوصى أو الوارث كما علمت * ويجب الاحتراز من ان يلاحظ الوصى عند دفع الصرة للفقير الهزل أو الحيلة بل يجب ان يدفعها عازما على تمليكها منه حقيقة لا تحيلا ملاحظا ان الفقير إذا أبي عن هبتها إلى الوصى كان له ذلك ولا يجبر على الهبة * ويجب ان يحترز عن كسر خاطر الفقير بعد ذلك بل يرضيه بما تطيب به نفسه كما قدمناه وبقى بعض محترزات ذكرها سيدى الوالد في شفاء العليل فعليك بها وفيها فوائد كثيرة نفيسة خلا عنها أكثر الكتب المطولة فانى لم اذكرها هنا اكتفاء بها * ولا ينبغى للانسان ان يغفل عن العتاقة المعروفة بين الناس وهي قراءة قل هو الله أحد فقد ورد فيها أحاديث كثيرة منها ما اخرجه أحد في مسنده عن معاذ بن انس الجهني رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال {من قرأ قل هو الله أحد أحد عشر مرة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة} فقال عمر رضى الله تعالى عنه إذا نستكثر يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه

ص: 225

وسلم الله اكبر واطيب * ومنها ما اخرجه الطبراني عن فيروز الديلمي رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قرأ قل هو الله أحد مائة في الصلاة أو غيرها كتب الله له براءة من النار) ولهذا الحديث شاهد * واخرج البزار عن انس بن مالك مرفوعا (من قرأ قل هو الله أحد مائة ألف مرة فقد اشترى نفسه الله ونادى مناد من قبل الله تعالى في سمواته وفى ارضه إلا ان فلانا عتيق الله فمن له قبله تباعة أي حق فليأخذها من الله عز وجل) ويحمل هذا على من اتفق له قراءة هذا العدد في عمره كله أو قرئ له بنية خالصة والذي عليه أهل الشريعة والصوفية ان الراد من امثال تلك الاحاديث ما يعم الاستنابة والمباشرة وقد علمنا ذلك من عمل الفريقين بحديث الاستخارة * وكذلك عمل الناس على قول لا إله إلا الله سبعين الفا واستحسنه العلماء * ويأتى ما ذكره الشيخ اليافعى والسنوسى مما يقويه * وفضل القرآن اظهر من ان يذكر * وما وراء ذلك من اعمال البر معلوم * وإذا لم توسد تلك الاعمال الصالحة إلى اهلها لم يؤمن عليها من الخلل إذا كانت خالصة لله تعالى خالية من الرياء والاجرة والثمن ولو بلقمة لان الطيب لا يقبل إلا ما طاب وهو اغنى الشركاء ولا يقبل الله تعالى إلا ما كان خالصا له * وبيان ادلة حرمة أخذ الاجرة على الطاعة كالقراءة والذكر والتهليل والتسبيح والصلاة والصوم وغيرها وعدم وصول ثوابها بالاجرة حتى للقارئ وان ما ورد في الاجر انما هو في حق الرقيا لا غير وبيان ما استثناه المتأخرون وهو التعليم والاذان والامامة وبيان الادلة في ان للانسان ان يجعل ثواب عمله لغيره وانه لا ثواب إلا بالاخلاص في شفاء العليل وبل الغليل فعليك بها فانها فريدة في بابها كافية لطلابها قرظها وقرضها افاضل العلماء الاعلام كالسيد الطحطاوى مفتى مصر القاهرة وصاحب التآليف الفاخرة من أهل المذهب وغيرهم ولنذكر تبذة فيما ورد في فضل الذكر والذاكرين وفى خصوص لا إله إلا الله * قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} وقال تعالى {وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} وقال تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} * وفى الصحيحين (إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم باجنحتهم إلى سماء الدنيا الحديث بطوله وفى آخره فيقول الله لملائكته أشهدكم انى قد غفرت لهم فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان

ص: 226

ليس منهم انما جاء لحاجة فيقول سبحانه وتعالى هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) وأخرج الحاكم عن سلمان الفارسى رضى الله تعالى عنه انه كان في عصابة يذكرون الله تعالى فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ما كنتم تقولون فانى رأيت الرحمة تنزل عليكم فبادرت ان اشارككم فيها) وروى البزار أن لله ملائكة سيارة يطلبون حلق الذكر فإذا اتوا عليهم حفوا بهم الحديث * وفيه فيقولون ربنا آتينا على عباد من عبادك يعظمون آلآءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسئلونك لآخرتهم ودنياهم فيقول الله تبارك وتعالى (غشوهم برحمتي) فيقولون ان فيهم فلانا الخطاء فيقول تعالى (غشوهم برحمتي) وروى الترمذي أي العباد افضل عند الله تعالى يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا قلت يا رسول الله ومن الغازى في سبيل الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويتخضب دما لكان الذاكرون الله افضل * وروى الطبراني لو ان رجلا في حجرة دراهم يقسمها وآخر يذكر الله تعالى كان الذاكر افضل وروى النسائي انه صلى الله عليه وسلم قال لام هانئ (سبحى الله مائة تسبيحة فانها تعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل واحمدى الله مائة تحميدة فانها تعدل مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله تعالى وكبرى الله مائة تكبيرة فانها تعدل مائة بدنة مقلدة متقبلة وهللى الله مائة تهليلة ولا احسبه إلا قال تملأ ما بين السماء والارض ولا يرفع لاحد مثل عملك إلا ان يأتى بمثل ما اتيت به) وروى أحمد والترمذي إلا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليكم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والفضة وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالو بلى يا رسول الله قال (ذكر الله عز وجل) وفى الحديث قال يقول الله عز وجل انا عند ظن عبدى بى وانا معه حين يذكرنى ان ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسى وان ذكرنى في ملاء ذكرته في ملاء خير منه) وفى الحديث (يا ايها الناس ارتعوا في رياض الجنة) قيل وما رياض الجنة يا رسول الله قال (مجالس الذكر) وفى الخبر المجلس الصالح يكف عن المؤمن ألف ألف مجلس من مجالس السوء * قال بعضهم إذا اراد الله ان يولى عبده فتح عليه باب الذكر فإذا استند بالذكر فتح الله عليه باب القرب ثم رفعه إلى مجالس الانس ثم اجلسه على كرسى التوحيد ثم رفع عنه الحجب وادخله دار القرب وكشف له عن الجلال والعظمة ويحصل له حينئذ مقام العلم قال بعض المشايخ إذا ذكر الصالحون في مجلس نزلت الرحمة ويخلق الله تعالى منها سحابة لا تمطر إلا في ارض الكفار وكل من شرب من مائها

ص: 227

اسلم * وكان معروف الكرخى كثيرا ما يقول عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة فقال له بعض المريدين يا سيدى ماذا ينزل عند ذكر الله تعالى فاغمى عليه ثم افاق وقال عند ذكر الله تعالى تنزل الطمأنينة قال تعالى {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} هذا ما يتعلق بمطلق ذكر الله تعالى * واما ما يتعلق بخصوص لا إله إلا الله فقد قال تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} وقال تعالى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} أي كلمة التوحيد {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي الجنة {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي كلمة التوحيد (فسنيسره للعسرى) أي النار * وقال صلى الله تعالى عليه وسلم (افضل ما قلته انا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله) وروى الترمذي والنسائي انه صلى الله عليه وسلم قال (افضل الذكر لا إله إلا الله وافضل الدعاء الحمد لله) وروى النسائي انه صلى الله عليه وسلم قال (قال موسى عليه السلام يا رب علمنى ما اذكرك به ثم ادعوك به فقال يا موسى قل لا إله إلا الله قال موسى عليه السلام يا رب كل عبادك يقولون هذا قال قل لا إله إلا الله قال لا إله إلا انت انما اريد شيء تخصنى به قال يا موسى لو ان السموات السبع وعامرهن غيرى وضعا في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله) وروى الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (التسبيح نصف الايمان والحمد لله تملأ الميزان ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه) وفى الحديث (اتانى آت من ربى فاخبرنى انه من مات يشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة) وفى الخبر اسعد الناس بشفاعتى يوم القيمة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه * وفى الحديث (لا إله إلا الله مفتاح الجنة) وفى الخبر (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فانها تهدم الذنوب هدما) قالوا يا رسول الله فإن قالها في حياته قال (هي اهدم واهدم) وفى الاحياء لوجاء قائل لا إله إلا الله صادقا بقراب الأرض ذنوبا غفر له ذلك * وفى الحديث (ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في النشور كانى انظر اليهم عند الصيحة ينفضون رؤسهم من التراب ويقولون الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور) وفيه (لتدخلن الجنة كلكم إلا من يأبى وشرد عن الله شرود البعير عن اهله) فقيل يا رسول الله من ذا الذي يأبى فقال من لم يقل لا إله إلا الله * وقال الله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} قال بعضهم الاحسان في الدنيا قول لا إله إلا الله وفى الآخرة الجنة وكذلك قيل في قوله تعالى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قيل المراد بالزيادة النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة * وفى الحديث (ان العبد إذا قال لا إله إلا الله أتت إلى صحيفته فلا تمر على خطيئة إلا محتها حتى تجد حسنة فتجلس إليها)

ص: 228

وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه ان الله عمودا من نور بين يدى العرش فإذا قال العبد لا إله إلا الله اهتز ذلك العمود فيقول الله تبارك وتعالى له اسكن فيقول كيف اسكن ولم تغفر لقائلها فيقول الله تبارك وتعالى قد غفرت له فيسكن عند ذلك وعن كعب الاحبار رضى الله تعالى عنه قال أوحى الله تعالى إلى موسى لولا من يقول لا إله إلا الله لسلطت جهنم على أهل الدنيا * وعن أبي الفضل إذا دخل أهل الجنة سمعوا أشجارها وأنهارها وجميع ما فيها يقولون لا إله إلا الله فيقول بعضهم لبعض كلمة كنا نغفل عنها في دار الدنيا * وفى الأثر من قال لا إله إلا الله ومدها بالتعظيم غفر له أربعة آلاف ذنب فقيل ان لم يكن عليه هذه الذنوب قال غفر له من ذنوب ابويه واهله وجيرانه (وقال) بعضهم ملازمة ذكرها عند دخول المنزل ينفى الفقر * وروى ان من قالها سبعين ألف مرة كانت فداءه من النار * وقد ذكر الشيخ أبو محمد اليافعى اليمنى الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الارشاد والتطريز في فضل ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه العزيز عن الشيخ الامام الكبير أبي زيد القرطبى انه قال سمعت في بعض الأخبار أن من قال لا إله إلا الله سبعين ألف مرة كانت فداءه من النار فعملت ذلك رجاء بركة الوعد اعمالا ادخرتها لنفسى وعملت منها لاهلى وكان إذ ذاك شاب يبيت معنا يقال انه يكاشف في بعض الاوقات بالجنة والنار وكان في قلبى منه شيء فاتفق ان استدعانا بعض الاخوان إلى منزله فنحن نتناول الطعام والشاب معنا إذ صاح صيحة عظيمة مهيلة منكرة واجتمع في نفسه وهو يقول يا عمى هذه امى في النار فلما رأيت ما به قلت في نفسى اليوم اجرب صدق هذا الشاب فألهمنى الله سبحانه وتعالى ان اجعل سبعين ألف لا إله إلا الله لامه ولم يطلع على ذلك إلا الله تعالى فقلت في نفسى اللهم ان كان هذا الأثر حقا والذين رووه لنا صادقون اللهم ان هذه السبعين الفا فداء هذه المرأة أم هذا الشاب من النار فما استتم هذا الخاطر في نفسى إلا ان قال الشاب يا عمى هذه امى اخرجت من النار ببركة ما قلته لها فحمدت الله تعالى على ذلك وحصل لي فائدتان ايمانى بصدق الاثر وسلامتى من الشاب * قال سهل التسترى رحمه الله تعالى ليس لقول لا إله إلا الله ثواب إلا النظر إلى وجه الله عز وجل والجنة ثواب الاعمال * وفى خبران العبد إذا قال لا إله إلا الله أعطاه الله من الثواب بعدد كل كافر وكافرة وذلك لانه لما قال هذه الكلمة فكأنه رد على كل كافر وكافرة فلا جرم انه يستحق الثواب بعددهم * وقيل في قوله تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} يعني قولوا لا إله إلا الله فعلى العاقل ان يكثر من ذكرها

ص: 229

وان يعملها لاهله اقتداء بمن كشف الله تعالى بهم الغمة ومحى ببركتهم الظلمة * وخصهم بمزيد العناية والرحمة * ولانها كلمة التوحيد وكلمة الاخلاص * وكلمة التقوى * والكلمة الطيبة والعروة الوثقى * وثمن الجنة ودأب الناسكين * وعمدة السالكين * وعدة السائرين * وتحفة السابقين ومفتاح العلوم والمعارف من تحقق بمضمونها فله جزيل الثواب ومن أكثر من ذكرها بلغ غاية الآمال * وخلعت عليه خلع القبول والاقبال فعليك بها في كل آن وزمان * وعلى أي حال كان * مع الاخلاص * لمالك النواصى * قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} رزقنا الله تعالى الاخلاص في القول والعمل * واحسن ختامنا عند انتهاء الاجل * وهذا ما ظهر للعبد الضعيف * العاجز النحيف * في تقرير هذه المسئلة * المعضلة المشكلة * فعليك بهذا البيان الشافعي * والايضاح الكافى * وادع لقصير الباع * قليل المتاع * بالعفو التام * وحسن الختام * والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات * وتستزاد العطايا وتستنمى البركاة * * والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه وتابعيهم ما دامت الأرض والسموات * وقد فرغت من تحرير هذه الالوكة المرغوبة * والشرزمة المطلوبة * في يوم الاثنين الثامن من جمادى الآخره الذي هو من شهور سنة تسع وتسعين ومائتين وألف * من هجرة من تم به الالف * وزال به الشقاق والخلف * صلى الله تعالى وسلم عليه وعلى آله الفا بعد ألف

ص: 230

(الرسالة التاسعة)

تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان

لخاتمة المحققين المرحوم السيد محمد عابدين نفعنا الله به آمين

هذا ما وجد على ظهر هذه الرسالة بخط مؤلفها رحمه الله تعالى بيان عدة الكتب التي نقلت عنها في هذه الرسالة سوى الكتب التي راجعتها ولم أنقل عنها اكتفاء بغيرها وقد بلغت أكثر من خمسين كتابا من الكتب المعتمدة فمن كتب الحنفية متن الكنز وشرحه تبيين الزيلعي وشرحه البحر الرائق وشرحه النهر الفائق وحاشية البحر للشيخ خير الدين الرملى والهداية وشرحها النهاية وشرحها غاية البيان وشرحها فتح القدير وشرح الدرر والغرر للشيخ إسمعيل النابلسى وحاشيتها للشرنبلالى وحاشيتها للعلامة نوح افندى والاشباه والنظائر وحاشيتها للسيد الحموى ومنح الغفار شرح تنوير الابصار والدر المختار وشرح الوهبانية وحاشية السيد أبي السعود على منلا مسكين وامداد الفتاح والبدائع شرح التحفة وشرح المجمع وشرح درر البحار وشرح منية المصلى وشرح التحرير لابن أمير حاج والذخيرة البرهانية وفتاوى قاضى خان والخلاصة والبزازية والتتارخانية والفيض والتجنيس ومختارات النوازل ونهج النجاه وفتاوى الكازرونى (ومن كتب الشافعية المنهاج وشرحه لابن حجر وشرحه للرملى وحاشية ابن قاسم على ابن حجر وحاشية الشبراملسى على الرملى وفتاوى الرملى الكبير وحاشية على شرح الروض والانوار وينابيع الاحكام)(ومن كتب الحنابلة الانصاف ومتن المنتهى وشرحه وشرح الغاية)(ومن كتب المالكية شرح المقدمة العزية ومختصر الشيخ خليل وشرحه للشيخ عبد الباقى) وغير ذلك والله تعالى أعلم

ص: 231

بسم الله الرحمن الرحيم

الرسالة التاسعة

الحمد لله الذي جعل العلم نورا يهتدى به عند اختلاف الآراء * واوضح سبله لسالكيه المتقين وان اضطربت فيه الاهواء * وقيض له في كل زمان رجالا هم على الحق ادلاء * صالوا بسنان اقلامهم وصارم لسانهم لنصرته بلا ارعواء * وجعل منهم أئمة أربعة هم ادعمة حصنه المتين المنيع * واركان بنائه المشيد البديع * الذي علا على كل بناء وجعل اتفاقهم الحجة القاطعة * والمحجة الواسعة * التي من خرج عنها ضل * ومن زاغ عنها زل * وان كان ابن ماء السماء والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وخاتم الأنبياء * وعلى آله وأصحابه الأتقياء النجباء * صلاة وسلاما دائمين ما طلع نجم في الغبراء * وسطع نجم في الزرقاء (أما بعد) فيقول افقر العباد إلى لطف مولاه الخفى محمد ابن عابدين الحنفى (هذه) رسالة سميتها تنبيه الغافل والوسنان * على احكام هلال رمضان * جمعتها بسبب واقعة وقعت سنة أربعين ومائتين وألف من هجرة نبينا المكرم * صلى الله تعالى عليه وسلم * في اثبات رمضان المعظم * وهى ان جماعة حضروا ليلة الاثنين التالية لتسع وعشرين من شعبان المحترم * فشهدو الذي نائب مولانا قاضى القضاة في دمشق الشام * بانهم رأوا هلال رمضان هذا العام * من مكان عال وكان في السما اعتلال من سحاب وقتام * وذلك بعد ادعاء رجل على آخر بمال معلوم * مؤجل إلى دخول رمضان المرقوم * وانكار المدعى عليه حلول الاجل * فحكم الحاكم بموجب شهادتهم بعد ان زكاهم جماعة وتفحص عن ذلك وسئل * حكما شرعيا مستوفيا شرائطه بلا خلل * فكتب الحاكم مراسلة يستفتى فيها مفتى الانام * في دمشق الشام * على العادة * فافتى المفتى بصحة هذا الحكم المبنى على هذه الشهادة * وبثبوت هلال رمضان لذلك * وبفرضية الصوم في ذلك اليوم حيث الأمر كذلك * فامر نائب مولانا السلطان الاعظم بضرب المدافع للاعلام * بدخول رمضان فصام الناس عدة أيام فاراد بعض الشافعية * نقض هذه القضية * فزعم اولا انه اخبره بعض الناس أن جماعة رأوا الهلال صبيحة يوم الاثنين الذي ثبت انه أول رمضان فادعى ان هذا الاثبات لم يصح على مذهبه ولا على مذهب أبي حنيفة النعمان لان ذلك عند علماء النجوم ممتنع عقلا * إذ لا يمكن ان يرى الهلال عشية ثم يرى صباحا اصلا * فحيث خالفت الشهادة والحكم العقل يكونان باطلين * باتفاق المذهبين * وزعم أيضًا ان الحكم من اصله غير صحيح *

ص: 232

وانه خطأ صريح * لان مولانا السلطان نصره الله تعالى ولى ذلك الحاكم سنة كاملة آخرها غرة رمضان المذكور * وانه بدخول رمضان قد انعزل عن القضاء فلم يصح حكمه المسطور * ولم يدر هذا الزاعم ان الشهر انما ثبت بعد حكم الحاكم * وزعم بعضهم انه راجع عبارة البحر من كتب الحنفية فوجدها دالة على خطأ الحاكم في هذه القضية * وان الحنفية لم يفهموا مذهبهم في هذه المسئلة الجلية * فحيث كان ذلك مخالفا للمذهبين * يكون أول رمضان يوم الثلاثاء لا يوم الاثنين ويكون يوم الاربعاء يوم الثلاثين من رمضان بلا اشكال * فيجب صومه إذا لم ير في ليلته هلال شوال * ثم تعاقدوا وتحالفوا على ذلك المقال * واشاعوا ذلك الامر بين العوام والجهال * ثم بعد ذلك استفاض الخبر عن كثير من بلاد الاسلام * أنهم صاموا يوم الاثنين كما صام أهل الشام فاعرضوا عن ذلك ولم يلتفتوا إليه * واصروا على ما تعاهدوا وتحالفوا عليه * وقالوا ان هذه البلاد لا تفيد * لاعتبار اختلاف المطالع عند الشافعي وصمموا على صوم يوم الاربعاء الذي هو يوم العيد * ولما كانت ليلة أول نصف الشهر على ما اثبته عامة المسلمين * تركوا قنوت الوتر المسنون في مذهبهم بيقين * ثم لما عبد الناس صاموا وتركوا صلاة العيد * في ذلك اليوم السعيد * ثم صلوا العيد في اليوم الثاني * واشاعوا ذلك بين القاضي والدانى * ووقع الناس في الجدال * وكثر القيل والقال * وصارت مذاهب الائمة المجتهدين * ضحكة بين الجاهلين * حتى ارتد بسبب ذلك كثير منهم كما بلغنا عنهم * ثم لما تبين لاولئك الزاعمين * انهم اخطأوا على مذهبهم بيقين * صار بعضهم يقول انما فعلنا ذلك خروجا من خلاف أبي حنيفة النعمان * وان الحنفية لم يفهموا مذهبهم في هذا الشان * ولعمرى ان هذا زور وبهتان * وتلبيس في الاحكام الشرعية * ونصرة للنفس بلا رأى ولا روية كيف والمسئلة اجماعية * ولم يختلف فيها اثنان * ولم يوجد للعلماء فيها قولان فلما رأى ذلك بعض مشايخى الكرام * حفظه الله السلام * اخذته الغيرة الدينية * فامرني بتحرير هذه القضية * فعند ذلك شرعت في بيان النقول الصحيحة * والعبارات الصريحة * الدالة على ان الخطأ الصريح هو الذي ارتكبوه * وان الحق الصحيح هو الذي اعرضوا عنه واجتنبوه وما كان منشأ خطاهم من حيث زعمهم عدم صحة هذه الشهادة واعتبار رؤية القمر نهارا واعتماد قول المنجمين وعدم اعتبار اختلاف المطالع لزم بيان خطاهم في هذه الأربعة على المذاهب الأربعة فنذكر ذلك في ضمن أربعة فصول * احدها في بيان ما يثبت به هلال رمضان * ثانيها في بيان حكم رؤية القمر نهارا * ثالثها في بيان

ص: 233

حكم قول علماء النجوم والحساب * رابعها في بيان حكم اختلاف المطالع (الفصل الأول) في بيان ما يثبت به هلال رمضان (قال) علماؤنا الحنفية في كتبهم ويثبت رمضان برؤية هلاله وباكمال عدة شعبان ثلاثين (ثم) إذا كان في السماء علة من نحو غيم أو غبار قبل لهلال رمضان خبر واحد عدل في ظاهر الرواية ومستور على قول مصحح لا ظاهر فسق اتفاقا سواء جاء ذلك المخبر من المصر أو من خارجه في ظاهر الرواية ولو كانت شهادته على شهادة مثله أو كان قنا أو انثى أو محدودا في قذف تاب في ظاهر الرواية لانه خبر دينى فاشبه رواية الاخبار ولهذا لا يشترط لفظ الشهادة ولا الدعوى ولا الحكم ولا مجلس القضاء (وشرط) لهلال الفطر مع علة في السماء شروط الشهادة لانه تعلق به نفع العباد وهو الفطر فاشبه سائر حقوقهم فاشترط له ما اشترط لها من العدد والعدالة والحرية وعدم الحد في قذف وان تاب ولفظ الشهادة والدعوى على خلاف فيه إلا إذا كانوا في بلدة لا حاكم فيها فانهم يصومون يقول ثقة ويفطرون بقول عدلين للضرورة (وهلال) الاضحى وغيره كالفطر وإذا لم يكن في السماء علة اشترط لهلالى رمضان والفطر جمع عظيم يقع العلم الشرعي وهو غلبة الظن بخبرهم لان المطلع متحد في ذلك المحل والموانع منتفية والابصار سليمة والهمم في طلب الهلال مستقيمة فالتفرد بالرؤية من بين الجم الغفير مع ذلك ظاهر في غلط الرآى كما لو تفرد ناقل زيادة من بين سائر أهل مجلس مشاركين له في السماع فانها ترد وان كان ثقة مع ان التفاوت في حدة السمع واقع كما في التفاوت في حدة البصر والزيادة المقبولة ما علم فيه تعدد المجالس أو جهل فيه الحال من التعدد والاتحاد وهذا ظاهر الرواية (ولم) يقدر فيها الجمع العظيم بشيء فروى عن أبي يوسف انه قدره بعدد القسامة خمسين رجلا وعن خلف بن ايوب خمسمائة ببلخ قليل وعن محمد تفويضه إلى رأى الامام (قال) في البحر والحق ما روى عن محمد وأبي يوسف أيضًا ان العبرة لتواتر الخبر ومجيئه من كل جانب انتهى (وذكر) الشرنبلالى وغيره تبعا للمواهب ان الاصح رواية تفويضه إلى رأى الامام وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة انه تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وان لم يكن في السماء علة (قال في البحر ولم ار من رجع هذه الراوية وينبغى العمل عليها في زماننا لان الناس تكاسلوا عن ترائي الاهلة فكان التفرد غير ظاهر في الغلط ولهذا وقع في زماننا في سنة خمس وخمسين وتسعمائة ان أهل مصر افترقوا فرقتين فمنهم من صام ومنهم من لم يصم وهكذا وقع لهم في الفطر بسبب ان جمعا قليلا شهدوا عند قاضى القضاة الحنفى ولم يكن بالسماء علة فلم يقبلهم فصاموا أي الشهود وتبعهم جمع

ص: 234

كثير وامر الناس بالفطر وهكذا في هلال الفطر حتى ان بعض مشايخ الشافعية صلى العيد بجماعة دون غالب أهل البلدة وانكر عليه ذلك لمخالفة الامام انتهى (اقول) ووجه ما فعله بعض الشافعية المحكى عنه في هذه القضية ان هلال رمضان يثبت عندهم بشهادة واحد وان لم يكن في السماء علة كما سيأتي اما في الحادثة الواقعة في زماننا فإن الشهادة مقبولة فيها اتفاقا لوجود العلة فلا تجوز المخالفة فيها لاحد (ثم) نقل في البحر نقولا تدل على ان ظاهر الرواية هو اشتراط العدد لا الجمع العظيم قال والعدد يصدق على اثنين فكان مرجحا لرواية الحسن التي اخترناها انتهى (ثم) نقل ان هذا إذا كان الذي شهد بذلك في المصر اما إذا جاء من مكان آخر خارج المصر فانه تقبل شهادته أي الواحد إذا كان عدلا ثقة لانه يتيقن في الرؤية في الصحارى مالا يتيقن في الامصار لما فيها من كثرة الغبار وكذا إذا كان في المصر في موضع مرتفع وهلال الفطر إذا كانت السماء مصحية كهلال رمضان انتهى (اقول) وهذا التفصيل قول الطحاوي قل في الذحيرة وهكذا ذكر في كتاب الاستحسان وذكر القدورى انه لا تقبل شهادته في ظاهر الرواية وذكر الكرخى انها تقبل وفى الاقضية صحح رواية الطحاوي واعتمد عليها انتهى وكذا اعتمدها الامام ظهير الدين والمرغينانى وصاحب الفتاوى الصغرى كما في امداد الفتاح عن معراج الدراية (اقول) وهذا وان كان خلاف ظاهر الرواية فينبغى ترجيحه في زماننا تبعا لهؤلاء الأئمة الكبار الذين هم من أهل الترجيح والاختيار وجزم به الامام السغناقى في شرحه على الهداية المسمى بالنهاية وقال قبله وفى المبسوط وانما يرد الامام شهادته أي الواحد إذا كانت السماء مصحية وهو من أهل المصر فاما إذا كانت متغيمة أو جاء من خارج المصر أو كان في موضع مرتفع فانه يقبل عندنا انتهى * ولا يخفى ان المبسوط من كتب ظاهر الرواية وقوله يقبل عندنا يفيد عدم الخلاف فيه في المذهب فيكون اطلاق ما في أكثر الكتب في محل التقيد وح فلا منافاة بين رواية الطحاوي وظاهر الرواية (وقد) قال في شرح المنية انه إذا صرح بعض الأئمة بقيد لم يرد عن غيره منهم التصريح بخلافه يجب ان يعتبر انتهى * كيف وقد صرح به كثير منهم كما رأيت فيجب ان يقيد بد ما اطلقه غيرهم اعتمادا على فهم الفقيه (قال) له الامام الحافظ العلامة محمد بن طولون الحنفى في بعض رسائله ان اطلاقات الفقهاء في الغالب مقيدة بقيود يعرفها صاحب الفهم المستقيم الممارس للفن وانما يسكتون اعتمادا على صحة فهم الطالب انتهى فهذا إذا سكتوا عنه فكيف إذا صرح به كثير منهم (اقول)

ص: 235

ينبغى ترجيح ما اختاره صاحب البحر من الاكتفاء بشاهدين ولو من المصر وقد اقره عليه اخوه الشيخ عمر في النهر وكذا تلميذه التمرتاشى في المنح وابن حمزة النقيب في نهج النجاة والشيخ علاء الدين في الدر المختار والشيخ إسماعيل النابلسى في الاحكام شرح درر الحكام وقال انه حسن (وما) عللوا به لاشتراط الجمع العظيم وهو ان الهمم في طلب الهلال مستقيمة فيدل على غلط من انفرد عنهم برؤيته من واحد أو اثنين أو أكثر غير ظاهر في زماننا أيضًا كما حكاه صاحب البحر عن زمانه من أن الناس فيه تكاسلوا عن تراى الاهلة بل زماننا أولى بذلك فانه لا يتطلب فيه الهلال إلا اقل القليل ومن رآه منهم وشهد به فقد صار هدفا لسهام السنة السفهاء لتسببه في منعهم عن شهواتهم * كما وقع في زماننا سنة خمس وعشرين وماتين وألف ان رجلا شهد برؤية الهلال في دمشق فحصل له من الناس غاية الايذاء حتى صار هزأة وضحكة وصار يشار إليه بالاصابع في الاسواق حتى بلغنى عنه انه اقسم ليعصبن عينيه إذا دخل رمضان الآتى مع انه قد استفاض الخبر في ذلك العام عن أكثر البلدان أنهم صاموا كصومنا وشهد جماعة لدى قاضى دمشق على حكم قاضى بيروت باثبات الهلال كاثباتنا * وأما ما يتوهم من احتمال كذب الشهود فيندفع بان الاصل عدمه وبان الشرع بنى الامر على الظاهر والا فذلك الاحتمال موجود في كل شهادة إلا في شهادة المعصوم والشرع اكتفى بالعدالة الظاهرة وفوض الباطن إلى العالم بالسرائر (ثم اعلم) انه إذا تم عدد رمضان ثلاثين بشهادة فرد ولم ير هلال الفطر والسماء مصحية لا يحل الفطر اتفاقا لظهور غلط الشاهد ويعزر * واختلف الترجيح في حل الفطر إذا كان ثبوت رمضان بشهادة عدلين وتم العدد ولم ير هلال شوال مع الصحو فقيل يحل الفطر وقيل لا والفتوى على الأول كما في الفيض * ووفق المحقق ابن الهمام بانه لا يبعد انه قبل شهادتهما في الصحو أي في أول رمضان لا يحل الفطر وان في غيم يحل (ولا خلاف في حل الفطر إذا تم العدد وكان بالسماء علة ليلة الفطر وان ثبت رمضان بشهادة الفرد كما حرره في امداد الفتاح (قال) في غاية البيان لان الفطر ما ثبت بقول الواحد ابتداء بل بناء وتبعا فكم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا بيانه ان قول الواحد لما قبل في هلال رمضان قبل أيضًا في هلال الفطر بناء على ذلك وان كان لا يقبل قوله في الفطر ابتداء (وسئل) محمد رحمه الله تعالى عن ثبوت الفطر بقول الواحد فقال يثبت بحكم القاضي لا بقول الواحد يعني لما حكم بهلال رمضان بقول الواحد يثبت الفطر بناء على ذلك بعد تمام

ص: 236

الثلاثين * قال شمس الائمة في شرح الكافى وهو نظير شهادة القابلة على النسب فانها تكون مقبولة ثم يفضى ذلك إلى استحقاق الميراث مع ان استحقاق الميراث لا يثبت بقول القابلة ابتداء انتهى (وفى) حاشية السيد محمد أبي السعود على شرح منلا مسكين وإذا ثبتت الرمضانية بقول الواحد يتبعها في الثبوت ما يتعلق بها كالطلاق المعلق والعتق والايمان (بفتح الهمزة) وحلول الاجال وغيرها ضمنا وان كان شيء من ذلك لا يثبت بخبر الواحد قصدا انتهى (تنبيه) صرحت عبارات المتون بان هلال الاضحى كالفطر أي فلا بد من نصاب الشهادة مع العلة والجمع العظيم مع الصحو وهو ظاهر المذهب وهو الاصح كما في الهداية وشروحها (وفى) رواية النوادر انه كهلال رمضان أي فيثبت بقول الواحد ان كان في السماء علة وصححها في التحفة فاختلف التصحيح (قال) في البحر لكن تأيد الأول بأنه المذهب (ثم) ذكر في البحر عن شرح الاسبيجابى على مختصر الطحاوي ان بقية الاهلة التسعة كهلال الفطر حيث قال واما في هلال الفطر والاضحى وغيرهما من الاهلة فانه لا تقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عدول احرار غير محدودين كما في سائر الاحكام انتهى (قال) العلامة الخير الرملى في حاشية البحر الظاهر انه في الاهلة التسعة لا فرق بين ان يكون في السماء علة أم لا في قبول الرجلين لفقد العملة الموجبة لاشتراط الجمع الكثير وهى توجه الكل طالبين ويؤيده قوله كما في سائر الاحكام فلو شهد اثنان بهلال شعبان ولا علة يثبت بعد اجتماع شرائط الثبوت الشرعي وإذا ثبت يثبت رمضان باكمال المدة (فإن قلت) فيه اثبات الرمضانية مع عدم العلة بخبر رجلين أو رجل وامرأتين (قلت) ثبوته والحالة هذه ضمنى ويغتفر في الضمنيات مالا يغتفر في القصديات تأمل انتهى وتمام الكلام في هذه المسئلة فيما علقناه على البحر (تتمة) في الخلاصة والبزازية من كتاب الشهادات والوجه في اثبات الرمضانية والعيد ان يدعى (بضم الياء المثناة) عند القاضي بوكالة رجل معلقة بدخول رمضان بقبض دين فيقر الخصم بالوكالة وينكر دخول رمضان فيشهد الشهود بذلك فيقضى القاضي عليه بالمال فيثبت مجيء رمضان لان اثبات مجيء رمضان لا يدخل تحت الحكم حتى لو أخبر رجل عدل القاضي بمجيء رمضان يقبل ويأمر الناس بالصوم يعني في يوم الغيم ولا يشترط لفظ الشهادة وشرائط القضاء اما في العيد فيشترط لفظ الشهادة وهو يدخل تحت الحكم لانه من حقوق العباد انتهى (قلت) وانظر هل يشترط في هذه الصورة الجمع

ص: 237

العظيم في حالة الصحو كما في الشهادة عليه ابتدأ أم لا لكون المقصود اثبات الوكالة ابتداء وثبوت الشهر يحصل ضمنا ويغتفر في الضمنى مالا يغتفر في القصدى لم ار من صرح بذلك ولا تنس ما مر من ترجيح صاحب البحر الاكتفاء بشاهدين في هلال رمضان مطلقا ففى غيره بالاولى فتأمل (ولما) كان وجوب الصوم غير متوقف على الثبوت اعترض في البحر قول الكنز ويثبت رمضان برؤية هلاله ويعد شعبان ثلاثين بان الأولى عبارة الوافى وهى ويصام برؤية الهلال واكمال شعبان قال لان الصوم لا يتوقف على الثبوت ولا يلزم من رؤيته ثبوته لان مجرد مجيئه لا يدخل تحت الحكم انتهى (وإذا) كان صومه يجب برؤيته بلا ثبوت ففائدة ما ذكره في الخلاصة ثبوت ما علق عليه كوكالة وعتق وطلاق فانه بمجرد وجوب صومه لا يحكم بهذه الاشياء بل لا بد من اثباته واثباته مجردا لا يصح ما لم يتضمن حق عبد * ومثله ما قاله في شرح الوهبانية من حيلة اثبات صحة صلاة الجمعة في محل فقدت فيه بعض شروطها إذا جدد فيه جامع بان يعلق عنقا على صحتها فيه فيدعى الرقيق عتقه بذلك وصحة الجمعة فيه فيحكم حاكم يرى صحتها فيه بعتقه وصحتها فيه فيسوغ للمخالف ح ان يصلى الجمعة في الموضع المذكور ويدخل مالم يأت من الجمع بالتبعية انتهى * وذلك لان صحة الجمعة لا تدخل تحت الحكم قصدا وانما دخلت هنا تبعا لتضمنها اثبات حق العبد وهو العتق * وله نظائر كثيرة من جلتها ما ذكروه في حيلة القضاء على الغائب (خاتمة) حاصل ما مر فيما يتوقف عليه وجوب الصوم عندنا رؤية الهلال من عدل أو مستور أو في السماء علة والا فجمع عظيم أو اثنان على ما اختاره في البحر في زماننا أو واحد عدل إذا جاء من خارج المصر أو من مكان عال وسيأتي ثبوته بالخبر المستفيض عن أهل بلدة اخرى في الصحيح وإن لم يكن شيء من ذلك فيجب باكمال عدة شعبان (واما عند المالكية) ففى شرح العلامة الفيشى على المقدمة العزية إذا رأوه يثبت برؤية عدلين أو رؤية مستفيضة أو نقل عدلين عن عدلين أو عن استفاضة أو نقل استفاضة عن عدلين أو استفاضة والا أكمل عدة شعبان ثلاثين ولا يثبت بمفرد ثبوتا عاما بل يلزمه هو واهله من لا اعتناء له بامره انتهى (واما عند الشافعية) ففى متن المنهاج يجب صوم رمضان باكمال شعبان ثلاثين أو رؤية الهلال وثبوت رؤيته بعدل وفى قول عدلان وشرط الواحد صفة العدول في الاصح لا عبد وامرأة وإذا صمنا بعدل ولم نر الهلال بعد الثلاثين افطرنا في الاصح وان كانت السماء مصحية وإذا رؤى ببلد لزم حكمه البلد القريب دون البعيد في الاصح والبعيد مسافة القصر وقيل باختلاف المطالع

ص: 238

(قلت) هذا أصح والله تعالى أعلم انتهى (واما عند الحنابلة) ففى متن المنتهى يجب برؤية هلاله فإن لم ير مع صحو ليلة الثلاثين من شعبان لم يصوموا وان حال دون مطلعه غيم أو قتر أو غيرهما وجب صومه احتياطا وإذا ثبتت رؤيته ببلدة لزم صومه جميع الناس ويقبل فيه وحده خبر مكلف عدل ولو انثى أو بدون لفظ الشهادة ولا يختص بحاكم وثبت بقية الاحكام تبعا انتهى ملخصا (فقد) ظهر بما نقلناه ان هذا الاثبات الذي حكيناه اولا صحيح باتفاق الأئمة الأربعة والله تعالى أعلم (الفصل الثاني) في بيان حكم رؤية الهلال نهارا (قال) صاحب الهداية الامام برهان الدين المرغينانى في كتابه مختارات النوازل ولا اعتبار برؤية الهلال بالنهار وقال أبو يوسف ان كان قبل الزوال فهو الليلة الماضية وقيل ان غاب بعد الشفق فهو الليلة الجائبة وكذلك إذا بان بعد العصر انتهى (وقال) في كتابه المسمى بالتجنيس والزيد إذا راوا هلال الفطر بالنهار أتموا صوم هذا اليوم رأوه قبل الزوال أو بعده لان الهلال انما يجعل لليلة المستقبلة هو المختار انتهى (وفى) الذخيرة البرهانية ولا عبرة لرؤية الهلال نهارا قبل الزوال وبعده وهو الليلة المستقبلة بنحوه ورد الأثر عن عمر وقال أبو يوسف إذا كان قبل الزوال فهو الليلة الماضية انتهى (وفى) غرر الاذكار شرح درر البحار ويجعل أبو يوسف الهلال المرئى قبل الزوال للماضية حتى لو كان هلال فطر افطروا وصلوا العيد ان امكنهم والا ففي الغد وان كان هلال رمضان صاموا لأنه غالبا لا يرى قبل الزوال إلا ان يكون لليلتين فيحكم بالصوم في أول رمضان أو بالفطر في آخره وجعلاه أي أبو حنيفة ومحمد ومعهما الأئمة الثلاثة لليلة المستقبلة لانه لما وقع الشك في أنه للماضية أو المستقبلة لم يعتبر به في ذلك اليوم من الشهر الماضى للتيقن الاصلى انتهى (وفى) الحاوى القدسى ولا اعتبار برؤيته قبل الزوال وانما الاعتبار لرؤيته في الليلة الماضية عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ان كان قبل الزوال فهو الليلة الماضية وان كان بعده فللجائية انتهى (وفى) الفيض ولو رأوا الهلال نهارا لا يصام به سواء قبل الزوال أو بعده وهو الليلة المستقبلة على المختار انتهى (وفى) فتاوى الامام قاضى خان إذا رأوا الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده لا يصام ولا يفطر وهو من الليلة المستقبلة وقال أبو يوسف إذا رأوه بعد الزوال فكذلك وان رأوه قبل الزوال فهو من الليلة الماضية وعن أبي حنيفة في رواية ان كان مجراه امام الشمس والشمس تتلوه فهو لليلة الماضية وان كان مجراه خلف الشمس فهو الليلة المستقبلة وقال الحسن ابن زياد ان غاب بعد الشفق فهو لليلة

ص: 239

الماضية وان غاب قبل الشفق فهو لليلة المستقبلة انتهى (ومثله) في شرح الهداية المسمى بمعراج الدراية وفسر الامام بان يكون إلى المشرق والخلف بان يكون إلى المغرب (وفيه) أيضًا عند الكلام على صوم يوم الشك وقالت الشيعة لا يكره صومه مطلقا أي وان كانت السماء مصحية بل هو واجب إلى ان قال وحاصل الاختلاف بيننا وبينهم انهم لا يعتقدون الرؤية بل اجتماع الشمس مع القمر وذلك يكون قبل الرؤية بيوم فعلى هذا يجب الصوم في يوم الشك عندهم وعندنا العبرة للرؤية لما روينا أي من حديث صوموا لرؤيته ولان الرؤية امر ظاهر يقف عليها الخاص والعام دون الاجتماع فانه لا يقف عليه إلا فرد خاص مع انه لا يجرى فيه الخطأ انتهى (وفى) البدائع ولو رأوا يوم الشك الهلال بعد الزوال أو قبله فهو لليلة المستقبلة في قول أبى حنيفة ومحمد ولا يكون ذلك اليوم من رمضان * وقال أبو يوسف ان كان بعد الزوال فكذلك وان كان قبله فهو لليلة الماضية ويكون اليوم من رمضان* والمسئلة مختلفة بين الصحابة روى عن ابن مسعود وابن عمر وانس مثل قولهما وروى عن عمر رواية اخرى مثل قوله وهو قول عائشة وعلى هذا الخلاف هلال شوال فإذا رأوا يوم الشك وهو يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة عندهما ويكون اليوم من رمضان وعنده ان رأوا قبل الزوال يكون لليلة الماضية ويكون اليوم يوم الفطر * والاصل عندهما انه لا تعتبر رؤية الهلال قبل الزوال ولا بعده وانما العبرة للرؤية بعد غروب الشمس وعنده لا تعتبر لان الهلال لا يرى قبل الزوال عادة إلا ان يكون لليلتين وهذا يوجب ان يكون اليوم من رمضان وكونه يوم الفطر في هلال شوال * ولهما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته امر بالصوم والفطر بعد الرؤية) وفيما قاله أبو يوسف عدم وجوب الصوم والفطر على الرؤية وهذا خلاف النص انتهى (وفى) فتح القدير للمحقق ابن الهمام قال بعد كلام الخلاف في رؤيته قبل الزوال من يوم الثلاثين فعند أبي يوسف هو من الليلة الماضية فيجب صوم ذلك اليوم وفطره ان كان ذلك في آخر رمضان وعند أبي حنيفة ومحمد هو لليلة المستقبلة بلا خلاف * وجه قول أبي يوسف ان الظاهر انه لا يرى قبل الزوال إلا وهو لليلتين فيحكم بوجوب الصوم والفطر على اعتبار ذلك * ولهما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته اوجب سبق الرؤية على الصوم والفطر والمفهوم المتبادر منه الرؤية عند عشية اخر كل شهر عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم بخلاف ما قبل الزوال من الثلاثين والمختار قولهما وهو كونه للمستقبلة قبل الزوال أو بعده إلا ان واحدا لو رآه في نهار

ص: 240

الثلاثين من رمضان فظن انقضاء مدة الصوم وافطر عمدا ينبغي ان لا تجب عليه الكفارة وان رآه بعد الزوال ذكره في الخلاصة انتهى {فهذه} جملة من نصوص كتب الحنفية ومثله في غيرها من كتبهم المشهورة تركنا ذكرها خشية التطويل فإن المنصف القابل للحق يكتفى بالقليل وكلها متفقة على أنه لا عبرة لرؤيته نهارا وان ما يرى في النهار يكون لليلة المستقبلة خلافا لابي يوسف فلا يثبت بما يرى نهارا حكم من صوم إن كان لرمضان أو فطر ان كان لشوال وهذا هو المختار كما مر عن الفتح ومثله في شرح الزيلعي وغيره عملا بالنص المعلق لزوم الصوم والفطر على الرؤية المعهودة وهى ما يكون ليلا وهذا أيضًا مذهب الائمة الثلاثة كما سيأتي (ولكن) نذكر عبارة البحر لنبين غلط من لم يفهمها ونسب الغلط إلى غيره مع انه لم يفهم مذهبه {ونصها} لو رؤى في التاسع والعشرين بعد الزوال كان كرؤيته ليلة الثلاثين اتفاقا وانما الخلاف في رؤيته قبل الزوال يوم الثلاثين فعند أبي حنيفة ومحمد هو للمستقبلة وعند أبي يوسف هو للماضية والمختار قولهما لكن لو افطروا لا كفارة عليهم لانهم افطروا بتأويل ذكره قاضي خان انتهى {زعم} بعض الناس ان قوله وعند أبي يوسف هو للماضية معناه ان ذلك اليوم من شعبان فيجب فطره وان كونه للمستقبلة عندهما معناه ان اليوم الثاني من رمضان ففي الصورة الواقعة في هذه السنة إذا ثبتت رؤيته نهار الاثنين قبل الزوال يكون يوم الاثنين من شعبان اتفاقا ويكون أول رمضان يوم الثلاثاء فما وقع من اثبات رمضان يوم الاثنين مخالف للقولين فهو باطل اتفاقا انتهى {ولا يخفى} ان هذا فهم قبيح وخطأ صريح فإن قول هذا الزاعم معنى كونه للماضية عند أبي يوسف كون ذلك اليوم من شعبان فرية بلا مرية بل معناه انه يجعل كأنه رؤى في الليلة الماضية وهي ليلة هذا اليوم والهلال الذي يرى في ليلة هذا اليوم انما يكون أول شهر لا آخر شهر * على ان ما يرى آخر الشهر لا يسمى هلالا بل يسمى قمرا فصار معنى كونه لليلة الماضية ان ذلك اليوم الذي رؤى فيه الهلال يكون من رمضان فيجب صومه عند أبي يوسف كما تقدم التصريح به في عبارة البدائع وفتح القدير وصرح به أيضًا في شرح المجمع وقال حتى لو كان هلال فطر افطروا وان كان هلال رمضان صاموا فقوله صاموا صريح في انه من رمضان لا من شعبان {ومعنى} كونه لليلة المستقبلة عندهما ان هذه الرؤية لا عبرة بها لأن الخلاف في رؤيته يوم الثلاثين من شعبان كما تقدم التصريح به ولا شك انه بعد ثلاثى شعبان تكون الليلة المستقبله من رمضان سواء رؤى الهلال نهارا أو في الليلة المستقبلة * فمعنى قولهم انه يكون لليلة المستقبلة نفى كونه

ص: 241

لليلة الماضية لا اثبات كون الليلة المستقبلة من رمضان بهذه الرؤية {وكذا} قول البحر في صدر العبارة لو رؤى في التاسع والعشرين كان كرؤيته ليلة الثلاثين اتفاقا يعني انه لا يكون لليلة الماضية لان الشهر لا يكون ثمانية وعشرين فلهذا لم يقع خلاف في هذه الصورة وانما الخلاف في رؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال فانه يحتمل كونه لليلة الماضية بان يكون شعبان مثلا ناقصا وهذا اليوم من غرة شهر رمضان والهلال المرئى في النهار له لا لرمضان ويحتمل كون شعبان كاملا وهذا الهلال لليلة المستقبلة واليوم الذي رؤى الهلال فيه آخر شعبان * فتصريحهم بانه لليلة المستقبلة معناه أنه ليس للماضية فيلزم كونه للآتية ضرورة ان الشهر لا يزيد على الثلاثين فليس الحكم بكونه للآتية وكون الآتية غرة رمضان مأخوذا من هذه الرؤية بل من اكمال شعبان ثلاثين لان رؤيته نهارا غير معتبرة بمعنى انها لا يثبت بها صوم ولا افطار وانما المعتبر رؤيته ليلا لا غير * وانظر عبارة مختارات النوازل وعبارة الحاوي القدسى فإن فيهما التصريح بان المعتبر رؤيته ليلا لا نهارا لانه المفهوم المتعارف بين الصحابة والتابعين و من بعدهم كما تقدم في عبارة الفتح {وهذا} كله عند عدم رؤيته ليلا اما إذا رؤى ليلا قبل رؤيته نهارا فشهد به شهود عند الحاكم فلا شك ولا شبهة لعاقل فضلا عن فاضل ان المعتبر ما شهد به الشهود في الليلة الماضية كما صرح بذلك ما قدمناه عن الحاوي من قوله ولا اعتبار لرؤيته قبل الزوال وانما الاعتبار لرؤيته في الليلة الماضية الخ {وإذا} كان المعتبر رؤيته ليلا وثبت ذلك بالشهادة المزكاة لدى نائب مولانا قاضي القضاة فاخبر أحد انه رآه قبل الزوال أو بعده لا يلتفت إليه من وجوه * احدها ان هذه شهادة على الرؤية في غير وقتها والسابقة في وقتها * ثانيها ان هذه الشهادة لو فرض معارضتها للشهادة السابقة قدمت السابقة لاتصال القضاء بها * ثالثها أن هذه الشهادة شهادة على نفى كون ذلك اليوم من رمضان والسابقة شهادة على اثباته كيف ولا معارضة لها بوجه * اما على قول أبي يوسف فظاهر لما علمت ان رؤيته قبل الزوال عنده تدل على ان ذلك اليوم من رمضان وهذا طبق ما ثبت بالشهادة السابقة * واما على قولهما فلانه إذا رؤى نهارا وجعل عندهما لليلة المستقبلة لا ينافي ان يكون الهلال موجودا قبلها بليلة فانه إذا ثبت بالبينة السابقة وجود الهلال ليلة الاثنين ورؤى أيضًا نهار الاثنين يكون ذلك المرئى نهارا لليلتين احداهما الليلة السابقة الثابتة بالبينة والثانية الليلة المستقبلة فلا معارضة اصلا * وهذا كله بعد ثبوت رؤيته نهارا عند حاكم شرعى لا بمجرد الاخبار كما وقع في هذا العام والا فلا شبهة بوجه

ص: 242

مطلقا {فقد} تحرر أن هذا الاثبات الواقع في هذا العام صحيح موافق لقول ائمتنا الثلاثة بل هو موافق للمذاهب الأربعة أيضًا لعدم اعتبار رؤيتة الهلال نهارا عند الأئمة الأربعة اما عندنا فقد علمت التصريح به {واما عند المالكية} فقد قال في مختصر خليل ورؤيته نهارا للقابلة قال شارحه الشيخ عبد الباقى ورؤيته اي هلال رمضان أو شوال خلافا لمن خصه بالثانى نهارا قبل الزوال أو بعده للقابلة فيستمر على الفطران وقع ذلك في آخر شعبان وعلى الصوم ان وقع ذلك في آخر رمضان وقيل ان رؤى قباء فللماضية وبعده فللقابلة انتهى {واما عند الشافعية} ففي ينابيع الاحكام لصدر الدين الاسفراينى ورؤية الهلال بالنهار للمقبلة لرواية عائشة وكتاب عمر رضي الله تعالى عنهما انتهى (وفى) الانوار للأردبيلي وإذا رؤى الهلال بالنهار يوم الثلاثين فهو لليلة المستقبلة رؤى قبل الزوال أو بعده فإن كان لرمضان لم يلزم الامساك وان كان لشوال لم يجز الافطار انتهى (وفى) شرح المنهاج لابن حجر ولا برؤية الهلال في رمضان وغيره قبل الغروب سواء ما قبل الزوال وما بعده بالنسبة للماضى والمستقبل وان حصل غيم وكان مرتفعًا قدرًا لولا * لرؤى قطعا خلافا للاسنوى لان الشارع انما اناط الحكم بالرؤية بعد الغروب انتهى (وفى) شرحه للرملى ولا اثر لرؤية الهلال نهارا فلا نفطر ان كان في ثلاثى رمضان ولا نمسك ان كان في ثلاثى شعبان انتهى (وفى) حاشية ابن قاسم على شرح الروض قال في الارشاد ولا اثر لرؤيته نهارا أي لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا لرؤيته اي بعد رؤيته كقوله تعالى اقم الصلاة لدلوك الشمس أي بعد دلوكها انتهى (واما عند الحنابلة) ففى المنتهى والهلال المرئى نهارا ولو قبل الزوال للمقبلة انتهى (وفي) الانصاف للمرداوى وإذا رؤى الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة هذا المذهب سواء كان أول الشهر أو آخره فلا يجب به صوم ولا يباح به فطر انتهى (وفى) الغاية وشرحها والهلال المرئى نهارا ولو رؤى قبل الزوال في أول رمضان أو غيره أو في آخره لليلة المقبلة نصا فلا يجب به صوم ان كان في أول الشهر ولا يباح به فطر ان كان في آخره لما روى أبو وائل قال جاء كتاب عمر ان الاهلة بعضها اكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا أو يشهد رجلان مسلمان انهما رأياه بالأمس عشية رواه الدارقطني ورؤيته نهارا ممكنة لعارض يعرض في الجو يقل به ضوء الشمس أو يكون قوى النظر انتهى (قلت) وهذا الأثر نص في ان رؤيته نهارا لا تنافي ثبوت رؤيته في ليلة هذا النهار السابقة كما هو في صورة مسئلتنا كما لا تنافي ثبوت رؤيته في الليلة التالية لهذا النهار

ص: 243

وهو نص أيضًا في قبول الشهادة على رؤيته في الليلة السابقة بعد رؤيته نهارا فرؤيته نهارا لا تمنع الحاكم من سماع الشهادة على رؤيته في الليلة السابقة لان قوله في هذا الأثر (إذا رأيتم الهلال نهارا) أي في نهار الثلاثين من رمضان (فلا تفطروا في ذلك اليوم حتى تمسوا) أي تغرب الشمس لعدم اعتبار رؤيته نهارا (أو يشهد رجلان مسلمان انهما رأياه) أي رأيا هلال شوال (بالامس عشية) أي عشية ذلك النهار فإذا شهدا بذلك ثبت كون ذلك النهار من شوال وبدون ذلك لا يجوز الفطر فهذا إذا كانت الشهادة متأخرة عن الرؤية فكيف إذا كانت الشهادة سابقة واتصل بها حكم الحاكم ثم رؤى بعدها نهارا فعدم اعتبار رؤيته نهارا يكون بالاولى كما لا يخفى فكيف إذا كانت رؤيته نهارا مجرد دعوى لم تثبت فهل يسوغ لاحد ان يرد بها الشهادة السابقة الثابتة المتصلة بالحكم الرافع للخلاف لو كان ثم خلاف (فهذه) نصوص كتب المذاهب الأربعة ناطقة بان رؤيته نهارا لا توجب صوما ولا تبيح فطرا وان المعتبر رؤيته ليلا (فمن) خالف ذلك فقد خالف الاجماع (وما) نقلناه من هذه النصوص دال على ما قلناه من ان قولهم انه لليلة المقبلة بمعنى انه ليس لليلة الماضية لا بمعنى أنا نثبت دخول الشهر بهذه الرؤية والا ناقض قولهم لا أثر لرؤيته نهارا على ان الكلام في رؤيته يوم الثلاثين من شعبان أو رمضان ولا شك ان الليلة التي بعده تكون من الشهر الآخر سواء رؤى نهارا اولا * فعلم ان تصريحهم بكونه للمقبلة انما هو لنفي كونه للماضية ردا على من قال به كابي يوسف كما لا يخفى على من له ادنى المام * باساليب الكلام * والله تعالى أعلم (ثم) بعد كتابتي لذلك رأيته بعينه معزيا إلى شرح البهجة لشيخ الاسلام زكريا الانصاري عند قول المتن والمرئى بالنهار للمستقبلة فقال ما نصه والمراد بما ذكر دفع ما قيل ان رؤيته يوم الثلاثين تكون لليلة الماضية واما رؤيته يوم التاسع والعشرين فلم يقل أحد انها للماضية لئلا يلزم أن يكون الشهر ثمانية وعشرين انتهى ولله الحمد وقوله واما رؤيته الخ هو معنى قول البحر تبعا للفتح لو رؤى في التاسع والعشرين بعد الزوال كان كرؤيته ليلة الثلاثين اتفاقا أي لا يكون للماضية اتفاقا لما ذكر لكن كان المناسب ان يقول قبل الزوال لانه بعد الزوال للمستقبلة اتفاقا حتى في يوم الثلاثين {الفصل الثالث} في بيان حكم قول علماء النجوم والحساب فنقول قد صرح علماؤنا وغيرهم بوجوب التماس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فإن رأوه صاموا وإلا اكملوا العدة فاعتبروا الرؤية أو اكمال العدة اتباعا للاحاديث الآمرة بذلك دون الحساب والتنجيم * وقد

ص: 244

اتفقت عبارات المتون وغيرها من كتب علمائنا الحنفية على قولهم يثبت رمضان برؤية هلاله وبعد شعبان ثلاثين * ومن المعلوم ان مفاهيم الكتب معتبرة فيفهم منها انه لا يثبت بغير هذين * ولهذا بعدما عبر في الكنز بما مر قال صاحب النهر في شرحه ما نصه وحاصل كلامه اي كلام الكنز ان صوم رمضان لا يلزم إلا باحد هذين فلا يلزم بقول الموقتين انه يكون في السماء ليلة كذا وان كانوا عدولا في الصحيح كما في الايضاح قال مجد الأئمة وعليه اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والنافعى وفسر في شرح المنظومة الموقت بالمنجم وهو من يرى ان أول الشهر طلوع النجم الفلاني والحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره في معنى المنجم هنا * وللامام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى اعتماد قولهم لان الحساب قطعى انتهى كلام النهر * وسنذكر ان المتأخرين من الشافعية ردوا كلام السبكي * وفى الاشباه والنظائر قال بعض اصحابنا لا بأس بالاعتماد على قول المنجمين وعن محمد بن مقاتل انه كان يسألهم ويعتمد قولهم بعد ان يتفق على ذلك جماعة منهم ورده الامام السرخسي بالحديث (من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم) انتهى (قال) العلامة نوح في حاشية الدرر والغرر والحديث اخرجه أصحاب السنن والحاكم وصححه بلفظ (من اتى كاهنا أو منجما فصدقه بما قال فقد كفر بما انزل على محمد) واخرجه ابو يعلي بسند جيد من اتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا * والكاهن من يخبر بالشيء قبل وقوعه كما في الجامع وفي المحكم هو القاضي بالغيب * وفي مختصر النهاية للسيوطي هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل ويدعى معرفة الاسرار * وفي القاموس العراف كشداد الكاهن * وقال الخطابي هو الذي يتعاطى مكان المسروق والضالة ونحوهما * وفى المغرب هو المنجم انتهى والمنجم هو الذي يخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه * وفى شرح العقائد النسفية إذا ادعى العلم بالحوادث الآتية فهو مثل الكاهن انتهى ما ذكره العلامة نوح وقد اطال في ذلك اطالة حسنة (لكن) اعترض بعض محشى الاشباه الاستدلال هنا بالحديث المذكور بانه لا يبعد ان يقال ان المراد منه النهى عن تصديق الكاهن ونحوه فيما يخبر به عن الحوادث والكوائن التي زعموا ان الاجتماعات والاتصالات العلوية تدل عليها وهو المسمى علم الاحكام وحكمها لا يصح وان ادعوا الجزم بها كفروا اما مجرد الحساب مثل ظهور الهلال في اليوم الفلاني ووقوع الخسوف في ليلة كذا فلا تدخل في النهى بدليل انه يجوز ان يتعلم ما يعلم به مواقيت الصلاة والقبلة انتهى * فالاولى الاستدلال بالاحاديث

ص: 245

الدالة على اعتبار الرؤية لا العلم فانه صلى الله تعالى عليه وسلم قال (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) وقال (فإن غم عليكم فاكملوا العدة) ولم يقل فاسئلوا أهل الحساب بل قال (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)(وما ذكره) محشى الاشباه قد رأيت نحوه منقولا في اواخر فتاوى الكازرونى قال وفى الجامع الكبير في معالم التفسير في قوله تعالى (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) قال الفقيه رضى الله تعالى عنه ان ما يخبر به المنجم لا يكون غيبا فلا يناقض قوله تعالى {لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وهو على وجهين ان كان المنجم يقول ان هذه الكوائن مخلوقات لله مسخرات بامره وهي دليل على بعض الاشياء فانه لا يكون كفرا وان جعلها مختارات فاعلات بنفسها لا يكون غيبا لان ما يعرف بالحساب لا يكون غيبا كما ان صبرة من المكيلات أو الموزونات أو المعدودات لو عرف مقدارها بالكيل والوزن والعدد لم يكن ذلك علما بالغيب فكذلك ما يعرف بالرمل ولانه قول بالظن وغالب الظن ليس علما بالغيب لان المحققين من المنجمين مجمعون على انه علم بغلبة الظن لان هذه الاجرام العلوية يحتاج الحاسب إلى مساحتها ومعرفة سيرها ومطرح شعاعها وانما يعرف ذلك بطريق التقريب لا على الحقيقة فمنهم مخطئ ومصيب * واما الحديث فإن ثبت فهو محمول على كهان العرب والعرافين فانهم كانوا مشركين يزعمون ان التأثير للفلك الاعظم وانه هو الفاعل نفسه ومن قال مثل قولهم وصدقهم فيه فهو كافر واما إذا صدق بالحساب والكواكب مع اعتقاده بأنها امارات واسباب فلا هذا هو اصل المذهب فاحفظه انتهى ملخصا (رجعنا) إلى اصل المسئلة فنقول الحاصل ان للمتأخرين ثلاثة اقوال نقلها الامام الزاهدى في القنية (الأول) ما قاله القاضي عبد الجبار وصاحب جمع العلوم انه لا بأس بالاعتماد على قول المنجمين (الثاني) ما نقله عن ابن مقاتل انه كان يسألهم ويعتمد على قولهم إذا اتفق عليه جماعة منهم (الثالث) ما نقله عن شرح الامام السرخسي ان الرجوع إلى قولهم عند الاشتباه بعيد لحديث (من اتى كاهنا) ثم نقل أيضًا عن شمس الأئمة الحلوانى ان الشرط عندنا في وجوب الصوم والافطار رؤية الهلال ولا يؤخذ فيه بقول المنجمين * ثم نقل عن مجد الأئمة الترجماني انه اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي انه لا اعتماد على قول المنجمين في هذا انتهى (وقد) ذكر الاقوال الثلاثة ابن وهبان في منظومته جازما بالراجح منها فقال (وقول اولى التوقيت ليس بموجب * وقيل نعم والبعض ان كان يكثر)(وفى) الدر المختار ولا عبرة بقول الموقتين ولو عدولا

ص: 246

على المذهب انتهى (وفى) البحر عن غاية البيان من قال يرجع فيه إلى قولهم فقد خالف الشرع انتهى (وفى) معراج الدراية ولا يعتبر قول المنجمين بالاجماع ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشرع وما حكى عن قوم أنهم قالوا يجوز ان يجتهد في ذلك ويعمل بقول المنجمين غير صحيح لحديث (من أتى كاهنا) والمروى عنه صلى الله تعالى عليه وسلم (فإن غم عليكم فاقدروا له) أي باكمال العدة كما جاء في الحديث كذا في المبسوط ولا يجوز للمنجم ان يعمل بحساب نفسه وللشافعي رحمه الله تعالى فيه وجهان انتهى (وقد) نقل في التتارخانية ما مر من الاقوال ثم نقل عن تهذيب الشافعية انه لا يجوز تقليد المنجم في حسابه لا في الصوم ولا في الافطار وان في جواز العمل بحساب نفسه وجهين انتهى * ومقتضى سكوته عليه انه ارتضاه ولا مانع من جواز عمله به لنفسه إذا جرم به لما صرحوا به من جواز التسحر والافطار بالتحرى في ظاهر الرواية وكذا لو اخبره عدل ان الشمس غربت ومال قلبه إلى صدقه له ان يعتمد على قوله ويفطر في ظاهر الرواية كما في التتارخانية أيضًا وكذا الاسير في دار الحرب يتحرى في دخول الشهر ويصوم وعليه فيمكن التوفيق بين الاقوال الماضية بحمل القول بالعمل به على الجواز لنفسه أو لمن صدقه والقول بعدمه على الوجوب فلا يلزم الاخذ بقوله ولا يثبت به الهلال اتفاقا * هذا ما ظهر لي والله تعالى اعلم {واما عند المالكية} ففى مختصر الشيخ خليل أنه لا يثبت بقول المنجم قال شارحه الشيخ عبد الباقي لا في حق نفسه ولا في حق غيره ولو كأهله ومن لا اعتناء لهم بامره والمنجم الحاسب الذي يحسب قوس الهلال ونوره وفي كلام بعضهم انه الذي يرى ان أول الشهر طلوع النجم الفلاني والحاسب هو الذي يحسب سير الشمس والقمر وعلى كل لا يصوم أحد بقوله ولا يعتمد هو نفسه على ذلك وحرم تصديق منجم ويقتل ان اعتقد تأثير النجوم وانها الفاعلة انتهى {واما عند الشافعية} ففى الانوار للاردبيلى ولا يجب بمعرفة منازل القمر لا على العارف بها ولا غيره انتهى (وفى) ينابيع الاحكام ولا عبرة بقول المنجم مطلقا فلا يصوم وان علم بالحساب انه أهل على الاظهر اذ تحكيمه قبيح شرعا انتهى (وفى) شرح المنهاج لابن حجر لا قول منجم أي لا يجب الصوم بقول منجم وهو من يعتمد النجم وحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره ولا يجوز لاحد تقليدهما نعم لهما العمل بعلمهما ولكن لا يجزيهما عن رمضان كما صححه في المجموع وان اطال جمع في رده انتهى (وفى) شرحه للرملى وفهم من كلامه أي كلام المنهاج عدم وجوبه بقول المنجم بل لا يجوز نعم له ان يعمل

ص: 247

بحسابه ويجزيه عن فرضه على المعتمد وان وقع في المجموع عدم اجزائه عنه وقياس قولهم ان الظن يوجب العمل ان يجب عليه الصوم وعلى من اخبره وغلب على ظنه صدقه والحاسب في معنى المنجم الذي يرى ان أول الشهر طلوع النجم الفلاني انتهى ملخصا (وفى) حاشية الشبراملسي على الرملى عند قوله نعم له ان يعمل بحسابه قال ابن قاسم على ابن حجر (سئل) الشهاب الرملى عن المرجح من جواز عمل الحاسب بحسابه في الصوم هل محله إذا قطع بوجوده ورؤيته أم بوجوده وان لم تجز رؤيته فإن ائمتهم قد ذكروا للهلال ثلاث حالات حالة يقطع فيها بوجوده وامتناع رؤيته وحالة يقطع فيها بوجوده ورؤيته وحالة يقطع فيها بوجوده ويجوزون رؤيته (فاجاب) بان عمل الحاسب شامل للمسائل الثلاث انتهى (وفى) شرح الرملي أيضًا وشمل كلام المصـ ثبوته "1" بالشهادة ما لو دل الحساب على عدم امكان الرؤية وانضم إلى ذلك ان القمر غاب ليلة الثالث على مقتضى تلك الرؤية قبل دخول وقت العشاء لأن الشارع لم يعتمد الحساب بل الغاه بالكلية وهو كذلك كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا للسبكي ومن تبعه انتهى (قلت) وعبارة والده في فتاواه (سئل) عن قول السبكي لو شهدت بينة برؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر وقال الحساب بعدم امكان الرؤية تلك الليلة عمل بقول الحساب لان الحساب قطعى والشهادة ظنية واطال الكلام في ذلك فهل يعمل بما قاله أم لا وفيما إذا رؤى الهلال نهارا قبل طلوع الشمس يوم التاسع والعشرين من الشهر وشهدت بينة برؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان هل تقبل الشهادة أم لا لأن الهلال إذا كان الشهر كاملا يغيب ليلتين أو ناقصا يغيب ليلة * أو غاب الهلال الليلة الثالثة قبل دخول وقت العشاء لانه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلى العشاء لسقوط القمر الثالثة هل يعمل بالشهادة أم لا (فاجاب) بان المعمول به في المسائل الثلاثة ما شهدت به البينة لان الشهادة نزلها الشارع منزلة اليقين * وما قاله السبكي مردود رده عليه جماعة من المتأخرين وليس في العمل بالبينة مخالفة لصلاته صلى الله تعالى عليه وسلم * ووجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقوله (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا) وقال ابن دقيق العيد الحساب لا يجوز الاعتماد عليه في الصيام انتهى والاحتمالات التي ذكرها السبكي بقوله ولان الشاهد قد يشتبه عليه الخ لا اثر لها شرعا لامكان وجودها في غيرها من الشهادات

"1" قوله ثبوته بالشهادة برفع ثبوت على انه بدل من فاعل شمل وهو كلام المصـ والموصول في قوله مالو دل في محل نصب مفعول شمل منه

ص: 248

انتهى كلام الرملي الكبير (وفصل) المحقق ابن حجر بان الذي يتجه فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية ان الحساب ان اتفق اهله على ان مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة والا فلا قال وهذا اولى من اطلاق السبكي الغاء الشهادة المذكورة واطلاق غيره قبولها انتهى ملخصا (لكن) اعترضه محشيه العلامة ابن قاسم بان اخبار عدد التواتر انما يفيد القطع إذا كان الاخبار عن محسوس فيتوقف على حسية تلك المقدمات والكلام فيه انتهى يعني ان كون تلك المقدمات حسية غير مسلم بل هي عقلية أي غير مدركة بإحدى الحواس والعقلى لا يثبت بالتواتر لانه مما يخطئ فيه الجمع الكثير كخطأ الفلاسفة في قدم العالم والا لزم ثبوت قدمه لاتفاق معظمهم عليه وان كانوا كفارا إذ ليس من شرط التواتر اسلام المخبرين كما في شرح التحرير لابن أمير حاج والله تعالى أعلم (واما عند الحنابلة) ففي الغاية وشرحها من باب صلاة الكسوف ولا عبرة بقول المنجمين في كسوف ولا غيره مما يخبرون به ولا يجوز عمل به لأنه من الرجم بالغيب فلا يجوز تصديقهم في شيء من المغيبات انتهى (فحيث) علم انه لا اعتماد على ما يقوله علماء النجوم والحساب في اثبات الشهر لعدم اعتباره في الشرع المعلق فيه وجوب الصوم أو الفطر على الرؤية لا على القواعد الفلكية ظهر وتبين خطأ من عارض رؤية الشهر في عامنا هذا الثابتة بالبينة التي اعتبرها الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم وبنى الاحكام عليها بمجرد الاخبار عن جماعة انهم رأوا الهلال نهارا واعتمد على ذلك حتى صام يوم عيده بلا مسوغ شرعى بل بمحض الاحتمال العقلى المخالف لنصوص الشرع التي اعتبرها الأئمة المجتهدون واتباعهم المعتمدون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (الفصل الرابع) في بيان حكم اختلاف المطالع اعلم ان مطالع الهلال تختلف باختلاف الاقطار والبلدان فقد يرى لهلال في بلد دون آخر كما ان مطالع الشمس تختلف فإن الشمس قد تطلع في بلد ويكون الليل باقيا في بلد آخر وذلك مبرهن عليه في كتب الهيئة وهو واقع مشاهد (وفى) فتاوى المحقق ابن حجر صرح السبكي والاسنوى بان المطالع إذ اختلفت فقد يلزم من رؤية الهلال في بلد رؤيته في الآخر من غير عكس إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في الغربية وح فيلزم عند اختلافها من رؤيته في الشرقى رؤيته في الغربي من غير عكس * واما عند اتحادها فيلزم من رؤيته في احدهما رؤيته في الآخر * ومن ثم أفتى جمع بأنه لو مات أخوان في يوم واحد وقت زواله

ص: 249

وأحدهما في المشرق والآخر في المغرب ورث المغربي المشرقي لتقدم موته وإذا ثبت هذا في الأوقات لزم مثله في الأهلة وأيضا فالهلال قد يكون في المشرق قريب الشمس فيستره شعاعها فإذا تأخر غروبها في المغرب بعد عنها فيرى انتهى (لكن) اعترض قوله ان الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في الغربية بانه ليس على اطلاقه لأن محل القبلية إذا اتحد عرض البلدين جهة وقدرا أي جهة الجنوب والشمال وقدرا بان يكون قدر البعدين عن خط الاستواء سواء انتهى (تنبيه) قال في شرح المنهاج للرملى وقد نبه التاج التبريزي على ان اختلاف المطالع لا يمكن في اقل من أربعة وعشرين فرسخا وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى والاوجه انها تحديدية كما افتي به أيضًا انتهى (قلت) وذكر القهستاني عن الجواهر تحديده بمسيرة شهر فصاعدا اعتبارا بقصة سليمان عليه السلام قال فانه قد انتقل كل عدو ورواح من اقليم إلى اقليم وبين كل منهما مسيرة شهر انتهى وفى دلالة القصة على ذلك نظر فالاول اولى لان الظاهر من قوله لا يمكن الخ انه قدره بالقواعد الفلكية ولا مانع من اعتبارها هنا كاعتبارها في اوقات الصلاة كما سيأتي (فتلخص) تحقق اختلاف المطالع وهذا مما لا نزاع فيه وانما النزاع في انه هل يعتبر أم لا (قال) الامام فخر الدين الزيلعي في شرحه على الكنز إذا رأى الهلال أهل بلد ولم يره أهل بلدة أخرى يجب أن يصوموا برؤية أولئك كيف ما كان على قول من قال لا عبرة باختلاف المطالع وعلى قول من اعتبره ينظر ان كان بينهما تفاوت بحيث لا تختلف المطالع يجب وان كان بحيث تختلف فاكثر المشايخ على انه لا يعتبر حتى إذا صام أهل بلدة ثلاثين يوما واهل بلدة أخرى تسعة وعشرين يوما يجب عليهم قضاء يوم والاشبه ان يعتبر لان كل قوم مخاطبون بما عندهم وانفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار حتى إذا زالت الشمس في المشرق لا يلزم أن تزول في المغرب وكذا طلوع الفجر وغروب الشمس بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم وطلوع شمس لآخرين وغروب البعض ونصف ليل لغيرهم * وروى أن ابا موسى الضرير الفقيه صاحب المختصر قدم الاسكندرية فسئل عن صعد على منارة الاسكندرية فيرى الشمس بزمان طويل بعد ما غربت عندهم في البلد أيحل له ان يفطر فقال لا ويحل لأهل البلد إذ كل مخاطب بما عنده (والدليل) على اعتبار المطالع ما روى عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على شهر رمضان وأنا

ص: 250

بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال قلت ليلة الجمعة فقال انت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت اولا تكتفى برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه انتهى (وما) اختاره من اعتبار اختلاف المطالع هو المعتمد عند الشافعية على ما صححه الإمام النووى في المنهاج عملا بالحديث المذكور.

(قال) الرملي في شرحه عليه ولا نظر إلى أن اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين مع عدم اعتبار قولهم كما مر لأنَّه لا يلزم من عدم اعتباره في الأصول والامور العامة عدم اعتباره في التوابع والامور الخاصة انتهى.

(قلت) على أن عدم اعتباره فيما مر إنما لمخالفته نص الحديث المعلق وجوب الصوم والفطر على الرؤية دون الحساب ولا مخالفة هنا فيه لنص بل هو موافق لظاهر النص المذكور عن ابن عباس وللنص المعلق فيه الوجوب على الرؤية بناء على اعتبار الوجوب في حق كل قوم برؤيتهم كما في اعتباره في أوقات الصلاة فهذا مؤيد لما اختاره الزيلعي من اعتبار اختلاف المطالع (لكن) المعتمد الراجح عندنا أنه لا اعتبار به وهو ظاهر الرواية وعليه المتون كالكنز وغيره (وهو) الصحيح عند الحنابلة كما في الإنصاف (وكذا) هو مذهب المالكية ففى المختصر وشرحه للشيخ عبد الباقي وعم الخطاب بالصوم سائر البلاد ان نقل ثبوته عن أهل بلد بهما أى بالعدلين والرواية المستفيضة عنهما أى عن الحكم برؤية العدلين أو عن رؤية مستفيضة انتهى (قال) العلامة المحقق الشيخ كمال الدين بن الهمام في فتح القدير وإذا ثبت في مصر لزم سائر الناس فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب في ظاهر المذهب. وقيل يختلف باختلاف المطالع لأن السبب الشهر وانعقاده في حق قوم للرؤية لا يستلزم انعقاده في حق آخرين مع اختلاف المطالع وصار كما لو زالت أو غربت الشمس على قوم دون آخرين وجب على الاولين الظهر والمغرب دون أولئك، ووجه الأول عموم الخطاب في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا معلقا بمطلق الرؤية في قوله لرؤيته وبرؤية قوم يصدق اسم الرؤية فيثبت ما تعلق به من عموم الحكم فيهم الوجوب بخلاف الزوال والغروب فإنه لم يثبت تعلق عموم الوجوب بمطلق مسماه في خطاب من الشارع والله تعالى أعلم انتهى (قلت) ولو تعلق عموم الخطاب بمطلق مسمى الاوقات لزم الحرج العظيم لتكررها كل يوم بخلاف

ص: 251

الهلال فإنه في السنة مرة (ثم) أجاب المحقق ابن الهمام عن الحديث المار بقوله وقد يقال أن الإشارة في قوله هكذا إلى نحو ما جرى بينه وبين رسول أم الفضل وح لا دليل فيه لأن مثل ما وقع من كلامه لو وقع لنا لم نحكم به لأنَّه لم يشهد على شهادة غيره ولا على حكم الحاكم (فإن) قيل اخباره عن صوم معاوية يتضمنه لأنَّه الإمام (يجاب) بأنه لم يأت بلفظة الشهادة ولو سلم فهو واحد لا يثبت بشهادته وجوب القضاء على القاضى والله تعالى أعلم. والاخذ بظاهر المذهب احوط انتهى (قال) في الفتاوى التتارخانية وعليه فتوى الفقيه أبي الليث وبه كان يفتى الإمام الحلواني وكان يقول لو رآه أهل المغرب يجب الصوم على أهل المشرق انتهى (وفى) الخلاصة وهو ظاهر المذهب وعليه الفتوى (قال) في فتح القدير ثم إنما يلزم متأخرى الرؤية إذا ثبت عندهم رؤية أولئك بطريق موجب حتى لو شهد جماعة أن أهل بلد كذا رأوا هلال رمضان قبلكم بيوم فصاموا وهذا اليوم ثلاثون بحسابهم ولم ير هؤلاء الهلال لا يباح فطر غد ولا تترك التراويح هذه الليلة لأن هذه الجماعة لم يشهدوا بالرؤية ولا على شهادة غيرهم وإنما حكوا رؤية غيرهم * ولو شهدوا أن قاضى بلدة كذا شهد عنده اثنان برؤية الهلال في ليلة كذا وقضى بشهادتهما جاز لهذا القاضى أن يحكم بشهادتهما لأن قضاء القاضي حجة وقد شهدوا به انتهى (قلت) لكن قال في الذخيرة البرهانية ما نصه قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى الصحيح من مذهب أصحابنا رحمهم الله تعالى أن الخبر إذا استفاض وتحقق فيما بين أهل البلدة الأخرى يلزمهم حكم هذه البلدة انتهى ونقل مثله الشيخ حسن الشرنبلالي في حاشية الدرر عن المفتى وعزاه في الدر المختار إلى المجتبى وغيره مع أن هذه الاستفاضة ليس فيها نقل حكم ولا شهادة لكن لما كانت الاستفاضة بمنزلة الخبر المتواتر وقد ثبت بها أن أهل تلك البلدة صاموا يوم كذا لزم العمل بها لأن المراد بها بلدة فيها حاكم شرعي كما هو العادة في البلاد الإسلامية فلابد أن يكون صومهم مبنيا علي حكم حاكمهم الشرعي فكانت تلك الاستفاضة بمعنى نقل الحكم المذكور وهى أقوى من الشهادة بأن أهل تلك البلدة رأوا الهلال يوم كذا وصاموا يوم كذا فإنها مجرد شهادة لا تفيد اليقين فإذا لم تقبل إلا إذا شهدت على الحكم أو على شهادة غيرهم لتكون شهادة معتبرة شرعا وإلا فهى مجرد أخبار أما الاستفاضة فإنها تفيد اليقين كما قلنا ولذا قالوا إذا استفاض وتحقق الخ. فلا ينافي ما تقدم عن فتح القدير. ولم سلم وجود المنافاة فالعمل على ما صرحوا بتصحيحه والامام الحلواني من أجل مشايخ المذهب وقد صرح بأنه الصحيح من مذهب أصحابنا وكتبت فيما علقته

ص: 252

على البحر أن المراد بالاستفاضة تواتر الخبر من الواردين من تلك البلدة إلى البلدة الأخرى لا مجرد الاستفاضة لانها قد تكون مبنية على أخبار رجل واحد فيشيع الخبر عنه ولاشك أن هذا لا يكفى بدليل قولهم إذا استفاض الخبر وتحقق فإن التحقيق لا يكون إلا بما ذكرنا والله تعالى أعلم.

(وقد) تلخص مما حررناه. وتحصل مما قررناه * من المسائل المتفرقة والمجتمعة. في هذه الفصول الأربعة * أن المعول عليه * والواجب الرجوع إليه* في مذاهب الأئمة الأربعة المجتهدين * كما هو المحرر في كتب اتباعهم المعتمدين* أن إثبات هلال رمضان* لا يكون إلا بالرؤية ليلا أو باكمال عدة شعبان* وانه لا تعتبر رؤيته في النهار* حتى ولو قبل الزوال على المختار* وانه لا يعتمد على ما يخبر به أهل الميقات والحساب والتنجيم* لمخالفته شريعة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم* وانه لا عبرة باختلاف المطالع في الاقطار* الا عند الشافعى ذي العلم الزخار* ما لم يحكم به حاكم يراه* فيلزم الجميع العمل بما امضاه* كما ذكره ابن حجر وارتضاه* وقال لأنَّه صار من رمضان عندنا بموجب ذلك الحكم ومقتضاه* وهذا آخر ما يسره الله تعالى وقضاه من الكلام على احكام هلال رمضان ورؤياه* على يد عبده المفتقر إلى عزه وعلاه* محمد عابدين عفا عنه مولاه* وتجاوز عن مساويه وخطاياه* وصلى الله تعالى على سيدنا محمد نبيه ومجتباه* وحبيبه ومصطفاه* وعلى آله وأصحابه ومن والاه* وذلك في منتصف شوال سنة اربعين ومائتين والف من هجرة من حاز اقصى الشرف واعلاه* والحمد لله رب العالمين

ص: 253

الرسالة العاشرة

إتحاف الذكي النبيه بجواب ما يقول الفقيه

للعالم العلامة الحبر البحر الفهامة

السيد محمد امين الشهير بابن عابدين

رحمه الله ونفعنا به

آمين

ص: 253

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى. وسلام على عباده الذين اصطفى (وبعد) فيقول الفقير إلى عفو مولاه الحفى. محمد امين ابن عابدين الحنفى. هذه رسالة جمعتها لبيان قول القائل

ما يقول الفقيه ايده اللـ

ـه ولازال عنده الإحسان

في فتى علق الطلاق بشهر

قبل ما بعد قبله رمضان

فإن البيت الثاني ينشد على عدة اوجه والحكم فيها مختلف وهو من الالغاز العويصة. والخفيات الغويصة. وقد ذكره بعض علمائنا السادة الحنفية. في الكتب الفقية. فمنهم من اقتصر ومنهم من زاد. ومنهم من اجمل ومنهم من اوضح المراد. وقد رأيت لغير علمائنا زيادة على ما ذكروه. فأردت جمع جميع ما بينوه. راجيا من المولى تعالى خلوص النية. وبلوغ الامنية. وقد سميت هذه الرسالة بإتحاف الذكى النبيه. بجواب ما يقول الفقيه. فأقول وبالله أستعين في كل حين. قال الإمام العلامة خاتمة المحققين. الشيخ محمد كمال الدين الشهير بابن الهمام في شرحه على الهداية المسمى فتح القدير قبيل كنايات الطلاق. ومن مسائل قبل وبعد ما قيل منظوما

رجل علق الطلاق بشهر

قبل ما بعد قبله رمضان

وصورة ثلاث لأنَّه اما أن يكون جميع ما ذكر لفظ قبل أو جميعه بعد اوجمع بينهما ففي الجمع كالبيت يلغى قبل ببعد فيبقى شهر قبله رمضان فيقع في شوال وفى نحوه ثلاث صور أخرى وذلك لأنَّه لا يخلو من أنه إذا كرر لفظة قبل مرة واحدة أن يتخلل بينهما بعد كما في البيت وقد عرفت حكمه أو لا يتخلل بل يكون المذكور محض قبل نحو في شهر قبل ما قبل قبله رمضان فيقع في ذى الحجة ومن أنه إذا كرر لفظة بعد مرة واحدة أن يتخلل بينهما قبل قلب البيت وحكمه أن يلغى بعد بقبل فيبقى شهر بعده رمضان فيقع في شعبان او لا يتخلل بل المذكور محض بعد نحو في شهر بعد ما بعد بعده رمضان فيقع في جمادى الآخرة انتهى وقد نقله عنه العلامة الشيخ على بن غانم المقدسى في شرحه على نظم الكنز لابن الفصيح ثم قال وقد نظمت الجواب عن الكل بقولى

ذاك شهر بعد الصيام فإن جئـ

ـت بقلب فإنه شعبان

أو ببعد صرفا ثاني جمادي

أو بقبل شهر به القربان

ص: 254

وقوله بقلب بتقديم اللام على الباء أي بقلب ما انشد سابقا بأن يقال بعد ما قبل بعده. وقوله شهر به القربان إلى التضحية وهو ذو الحجة قال المقدسى ثم ذكرت القاعدة التي يعرف بها الجواب فقلت

قابل القبل بالذى هو بعد

وسواه يبنى عليه البيان

وتأمل بفطنة وذكاء

فيه تدرك الوجوه الثمان

انتهى. وقد أشار بقوله الثمان إلى ما ذكره العلامة الشيخ تقي الدين الشمني في شرح النقاية ونقله عنه العلامة الشيخ زين بن نجيم في كتابه البحر الرائق على كنز الدقائق من أن هذا البيت يمكن انشاده على ثمانية اوجه احدها قبل ما قبل قبله ثانيها قبل ما بعد قبله ثالثها قبل ما قبل بعده رابعها بعد ما قبل قبله خامسها بعد ما بعد بعده سادسها بعد ما قبل بعده سابعها بعد ما بعد قبله ثامنها قبل ما بعد بعده والضابط فيما اجتمع فيه القبل والبعد ان يلغى قبل وبعد لأن كل شهر بعد قبله وقبل بعده فيبقى قبله رمضان وهو شوال أو بعده رمضان وهو شعبان انتهى. وقال في النهر الفائق وحاصلها اما أن يكون المذكور محض قبل أو بعد أو الاولين قبل أو بعد أو الأول فقط أو قبل بين بعدين أو عكسه انتهى. قلت وحاصل حكمها أن المراد في محض قبل ذو الحجة وفى محض بعد جمادى الآخرة وفى قبلين معا سابقين أو لاحقين أو مفصولين شوال وفي بعدين كذلك شعبان وقد ظهر أن مدار الجواب على هذه الاشهر الأربعة ونظم ذلك بعض الفضلاء فقال

محض قبل ذو حجة محض بعد

فالجمادى الأخير ذا اعلان

مع قبلين كيف ما كان بعد

فهو شوال عكسه شعبان

فهذا جملة ما رأيته لعلمائنا في جواب هذا السؤال ورأيت مثله في شرح المجموع في الفرائض والحساب للعلامة الاشمونى شارح الالفية حيث قال هذا البيت من نوادر الابيات واشرفها مبنى "وارقها معنى" يشتمل على ثمانية ابيات بالتغيير. والتقديم والتأخير. ويتفرع منه مسائل كثيرة حتى قال بعض الفضلاء أنه يشتمل على نحو مائة ألف مسئلة من المسائل الفقهية والتعاليق اللغوية بشرط التزام عدم الوزن الشعرى والزيادة في عدد الاجزاء شيئا لطيفا ليس بالكثير وقد رفع هذا البيت للعلامة جمال الدين أبي عمرو ابن الحاجب رحمه الله تعالى بأرض الشام وافتى فيه وابدع. واصل وفرع فقال هذا البيت من المعاني الدقيقة التي لا يعرفها في مثل هذا الزمان أحد وقد سئلت عنه بمصر واجبت بما فيه كفاية فقلت هذا البيت ينشد على ثمانية اوجه لأن ما بعد قبل الأولى قد يكون قبلين وقد

ص: 255

يكون بعدين وقد يكونان مختلفين فهذه أربعة اوجه كل منها قد يكون قبله قبل وقد يكون قبله بعد صارت ثمانية فاذكر قاعدة يبتنى عليها تعبير الجميع وهى أن كلما اجتمع فيه منها قبل وبعد فالغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده ولا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون شوالا ولم يبق الا ما جميعه قبل او جميعه بعد فالاول هو الشهر الرابع من رمضان لأن معنى قبل ما قبل قبله رمضان شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وذلك ذو الحجة والثاني هو الرابع أيضًا ولكن على العكس لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر رمضان بعد شهرين بعده وذلك جمادى الآخرة فإذا تقرر ذلك فقبل ما قبل قبله رمضان ذو الحجة وقبل ما بعد بعده رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان وقبل ما قبل بعده رمضان شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال وقبل ما بعد قبله رمضان شوال لأن المعنى أيضًا قبله رمضان فهذه أربعة ثم اجر الأربعة الآخر على ما تقدم فإن بعد ما قبل قبله رمضان شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال وبعد ما بعد بعده رمضان جمادي الآخرة لأن ما بعد بعده شعبان وبعده رمضان وهو جمادى الآخرة وبعده ما قبل بعده رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان وبعد ما بعد قبله رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان هذا لفظ ما وجدته منقولا عنه رحمه الله تعالى انتهى كلام الاشموني رحمه الله تعالى.

{فصل} هذا كله مبنى على أن ما ملغاة لا محل لها من الاعراب ويحتمل أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة فتكون في محلّ جرّ بإضافة الظرف الذي قبلها إليها وفيها ثمانية اوجه أيضًا الأول قبل ما بعد بعده الثاني عكسه أي بعد ما قبل قبله الثالث قبل ما قبل قبله الرابع عكسه أي بعد ما بعد بعده الخامس قبل ما قبل بعده السادس عكسه أي بعد ما بعد قبله السابع قبل ما بعد قبلها ثامن عكسه أي بعد ما قبل بعده واحكام هذه الثمانية تخالف احكام الثمانية السابقة فإنه هنا يقع الطلاق في الأول في جمادى الاخيرة وفى الثانى في ذى الحجة وفى الثالث والسادس والثامن في شوال وفى الرابع والخامس والسابع في شعبان فالاربعة الاخيرة على تقدير الموصولية أو الموصوفية بعكس احكامها على تقدير الالغاء كما سيأتي بيانه وقد ذكر الستة عشر وجها العلامة شيخ الإسلام خاتمة الحفاظ الشيخ محمد بدر الدين الغزى العامرى مفتى السادة الشافعية في دمشق المحمية وبين احكامها بنظم لطيف. وذكر اوجه ما الملغاة مفرعة من بيتين كما رأيت ذلك بخطه الشريف. وصورته

ص: 256

ما يقول الفقيه ايده اللـ

ـه ولازال عنده الإحسان

في فتى علق الطلاق بشهر

قبل ما قبل قبله رمضان. ذو الحجة

في فتى علق الطلاق بشهر

قبل ما بعد بعده رمضان. شعبان

في فتى علق الطلاق بشهر

قبل ما قبل بعده رمضان. شوال

في فتى علق الطلاق بشهر

قبل ما بعد قبله رمضان. شوال

في فتى علق الطلاق بشهر

بعد ما قبل قبله رمضان. شوال

في فتى علق الطلاق بشهر

بعد ما بعد بعده رمضان

جمادى الآخرة

في فتى علق الطلاق بشهر

بعد ما قبل بعده رمضان. شعبان

في فتى علق الطلاق بشهر

بعد ما بعد قبله رمضان. شعبان

ثم قال وللسبكى في هذه المسئلة مؤلف هو عندى بخطه وله جواب عن البيتين منظوم جمع ما قيل فيه ثم ذكر نظم الإمام السبكي نقلا عن خطه ولكن فيه تحريف واختلال نظم ثم قال واجاب فقير عفو الله تعالى محمد ابن الغزى العامرى لطف الله تعالى به بقوله

هاك منى جواب ما قيل نظما

من سؤال يحفه الإتقان

عن فتى علق الطلاق بشهر

قبل ما قبل قبله رمضان

موضحا ما أجاب عنه به ابن الـ

حاجب الحبر ذو التقى عثمان

حكمه ان تمحضت بعد فيه

في جمادى الأخرى يرى الفرقان

ثم ذو الحجة الحرام إذا ما

محضت قبل للطلاق زمان

وإذا ما جمعت ذين الغ قبلا

مع بعد وما بقى الميزان

مع قبل المراد شوال فاعلم

ومن البعد قصدنا شعبان

كل ذا حيث الغيت ما وهذا

بسط ذاك الجواب والتبيان

واذا ما وصلتها فجماد

قبل ما بعد بعده رمضان

ثم ضد بحجة محض قبل

فيه شوال عندهم ابن

ولضد شعبان ثم سوى ذا

عكس ما مر في الزمان بيان

ثم ما ان وصفتها فكوصل

خذ جوابا قد عمه الإحسان

انتهى جواب البدر الغزى

(أقول) وبيانه أن ما الواقعة في السؤال على ثلاثة

اوجه لأنها اما أن تكون زائدة أو موصولة أو نكرة موصوفة فإن كانت زائدة فالجواب ما مر مصورا مفصلا وإن كانت موصولة أو موصوفة ففى قبل ما بعد بعده رمضان يقع في جمادى الآخرة لأن الشهر الذى بعد بعده رمضان هو رجب

ص: 257

فالذى قبله جمادى الآخرة. وفى عكس هذه الصورة نحو بعد ما قبل قبله رمضان يقع في ذى الحجة لأن الشهر الذى قبل قبله رمضان هو ذو القعدة فالذي بعده ذو الحجة وفى محض قبل يقع في شوال لأن الشهر الذي قبل قبله رمضان هو ذو القعدة كما مر فالذي قبله شوال. وفى عكسه يعنى محض بعد يقع في شعبان لأن الشهر الذي بعد بعده رمضان هو رجب فالذي بعده شعبان فهذه أربع صور. وبقى أربع سواها. الأولى قبل ما قبل بعده الثانية عكسها أعني بعد ما بعد قبله. الثالثة قبل ما بعد قبله. الرابعة عكسها أعني بعد ما قبل بعده. وحكم الاربع عكس ما مر فيما إذا الغيت ما. ففى الصورة الأولى من هذه الاربع إذا كانت ما ملغاة يقع في شوال كأنه قال قبل قبل بعده رمضان فرمضان مبتدأ واول الظروف المضاف بعضها إلى بعض خبره والجملة صفة لشهر الواقع في السؤال وضمير بعده عائد على شهر فيلغى قبل مع ما اضيف إليه وهو بعد لأنَّه هو عين المراد من الضمير المضاف إليه بعد فيصير كأن قبلا الأول قد اضيف إلى ذلك الضمير فكأنه قال بشهر قبله رمضان وذلك شوال. وعلى هذا الوجه يكون الظرف الواقع بعدما مجرورا. وإذا كانت موصولة أو موصوفة يقع في شعبان كأنه قال بشهر قبل شهر قبل بعده رمضان أو بشهر قبل الشهر الذى قبل بعده رمضان فقبل المضاف إلى ما صفة لشهر الواقع في السؤال وضميره المستقر فيه عائد إلى الموصول وقبل المضاف إلى بعد خبر مقدم وضميره المستقر فيه عائد على رمضان ورمضان مبتدأ مؤخرو الجملة من المبتدأ والخبر صلة او صفة لما والضمير المضاف إليه بعد عائد على ما والمعنى علق الطلاق بشهر موصوف بكونه قبل الشهر الآخر الذى رمضان استقر قبل بعد ذلك الشهر الآخر فيلغى قبل ببعد كما مر لأن الشهر الذى قبل بعده رمضان هو رمضان نفسه فبقيت ما حالة كونها موصولة أو موصوفة عبارة عن رمضان فباضافة قبل إليها يصير كأنه قال علقه بشهر قبل رمضان وذلك هو شعبان. وهكذا الكلام في الصور الثلاث الباقية ففى كل صورة منها كان الجواب فيها شوالا او شعبان على تقدير إلغاء ما يكون الجواب فيها بالعكس على تقدير موصوليتها أو موصوفيتها ففى الصورة الثانية منها أعني بعد ما بعد قبله رمضان على الالغاء يقع في شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان كما مرو على تقديرها موصولة يقع في شوال لأن الذى بعد قبله رمضان هو رمضان نفسه فالذي بعده هو شوال. وفى الثالثة أعني قبل ما بعد قبله رمضان على الالغاء يقع في شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال كما مر وعلى الموصولية يقع في شعبان لأن الذى بعد قبله رمضان هو رمضان نفسه كما مر

ص: 258

فالذي قبله هو شعبان. وفى الرابعة أعني بعد ما قبل بعده رمضان على الالغاء يقع في شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان وعلى الموصولية يقع في شوال لأن الذي قبل بعده رمضان هو رمضان نفسه فالذي بعده شوال. وهكذا تقول على تقديرها نكرة موصوفة فحكمها حكم الموصولة (والحاصل) أن ما الواقعة موصولة أو موصوفة في هذه الصور الاربع عبارة عن رمضان لأن ضابطها أن يقع بعدما ظرفان مختلفان فتكون صلتها أو صفتها قبل بعده رمضان أو بعد قبله رمضان وكل شهر واقع قبل بعده وبعد قبله فيلغى أحد الظرفين بمقابله فتكون ما عبارة عن رمضان كما قلنا وحينئذ فتنظر إلى الظرف الأول الذى اضيف إلى ما في هذه الصور الأربعة فإن كان لفظ قبل كان المعنى قبل رمضان وهو شعبان وإن كان لفظ بعد كان المعنى بعد رمضان وهو شوال. وإنما كانت هذه الصور الأربعة على تقدير الموصولية أو الموصوفية عكس الأحكام التي جرت فيها على تقدير الغاء ما لأن ما الملغاة حرف زائد لا محل له من الاعراب فلا يكون الظرف الذي قبلها مضافا إليها أو لا يضاف إلى الحرف فإذا اسقطنا أحد الظرفين المتكررين بمقابله يبقى الظرف الآخر مضافا إلى ضمير الموصوف فإذا كان الظرف الباقي هو لفظ قبل صار المعنى بشهر قبله رمضان وذلك شوال وإن كان لفظ بعد صار المعنى بشهر بعده رمضان وذلك شعبان (وإذا) علمت ما قررناه فنقول الضابط الحاصر لصور الموصولية أو الموصوفية الثمانية أنه اما أن تتمحض قبل أو بعد أو يختلطا وعلى الاختلاط فاما أن يكون الظرفان المتأخران اللذان بعد ما متحدين أي قبلين أو بعدين واما أن يكونا مختلفين اما التمحض فالمراد في تمحض قبل شوال وفى تمحض بعد شعبان واما القسم الثاني وهو الاختلاط فإن كان الاخيران فيه متحدين فإن كانا قبلين فالمراد ذو الحجة وإن كانا بعدين فالمراد جمادى الآخرة ومجموع هذه أربعة صور. وإن كانا مختلفين وتحتهما أربعة صور تتمة الثمانية تنظر فيهما إلى الظرف الذي قبل ما فإن كان لفظ قبل فالمراد شعبان أو لفظ بعد فالمراد شوال (وبعبارة أخرى) لا يخلو المتأخران اما أن يتحدا أو يختلفا فإن اتحدا فلو قبلين والسابق عليهما قبل أيضًا فشوال أو بعد فذو الحجة ولو بعدين والسابق عليهما بعد أيضًا فشعبان أو قبل فجمادى الآخرة وإن اختلفا والسابق عليهما قبل فشعبان أو بعد فشوال (وبعبارة أخرى) ان صدر تقبل والاخيران مثله فشوال أو عكسه فجمادي أو مختلفان فشعبان وإن صدر يبعد والاخيران مثله فشعبان أو عكسه فذو الحجة أو مختلفان فشوال (وبعبارة أخرى) ان وقع قبل

ص: 259

قبل بعدين فجمادي أو بعد بعدين أو بعد قبلين أو بين بعدين فشوال وان وقع بعد قبل قبلين فذو الحجة أو بعد بعدين أو بعد قبلين أو بين قبلين فشعبان والله تعالى أعلم (وهذا) ما ظهر لفكرى الفاتر. ونظرى القاصر. في حل هذا المحل. بما تندفع به الشبه وتنحل. مبينا موضحا بعون العليم الفتاح. احسن بيان واكمل ايضاح. بما لم اره مسطورا في كتاب. ولا سمعته بخطاب. والحمد لله الملك الوهاب. الذى الهم الصواب (وهذه) صورة تفريع الثمانية على تقدير الموصولية أو الموصوفية نظير الصورة السابقة التي ذكرها البدر الغزى على تقدير الالغاء

* في فتى علق الطلاق بشهر. قبل ما قبل قبله رمضان.

* في فتى علق الطلاق بشهر. قبل ما بعد بعده رمضان.

* في فتى علق الطلاق بشهر. قبل ما قبل بعده رمضان.

* في فتى علق الطلاق بشهر. قبل ما بعد قبله رمضان.

* في فتى علق الطلاق بشهر. بعد ما قبل قبله رمضان.

* في فتى علق الطلاق بشهر. بعد ما بعد بعده رمضان.

* في فتى علق الطلاق بشهر. بعد ما قبل بعده رمضان.

* في فتى علق الطلاق بشهر. بعد ما بعد قبله رمضان.

(وقد تبعت) البدر الغزى فنظمت جميع هذه الاقسام بالتمام. مع بيان هذه الأحكام. بنظم رشيق. وجيزانيق. فقلت وبالله التوفيق. وبيده ازمة التحقيق

خذ جوابا عقوده المرجان. فيه عما طلبته تبيان

فجمادى الأخير في محض بعد. ولعكس ذو حجة ابان

ثم شوال لو تكرر قبل. مع بعد وعكسه شعبان

ذاك ان تلغ ما واما إذا ما. وصلت او وصفتها فالبيان

جاء شوال في تمحض قبل. ولعكس شعبان جاء الزمان

وجمادى لقبل ما بعد بعد. ثم ذو حجة لعكس اوان

وسوى ذا بعكس الغائها افهم. فهو تحقيق من هم الفرسان

{فصل} قد علمت أن الذى اقتصر عليه علماؤنا مبنى على الغاء ما والذي ذكر هنا هو التحقيق في المسئلة ولا ادرى لاى شيء اقتصروا عليه ان ذلك أمر راجع إلى العربية والأصل عدم الالغاء على ان اللفظ مختلف باختلاف التقدير لأنَّه ان جر الظرف المتوسط كالا خير يتعين تقدير الالغاء لأنَّه يكون مضافا إلى الظرف الأول لأن ما الزائدة الداخلة بين المضاف والمضاف إليه وكذا الداخلة بين الجار والمجرور كعن والباء ومن لا تبطل عمله نحو ايما الاجلين ولاسيما يوم

ص: 260

وغير ما رجل ونحو عما قليل فيما رحمة مما خطيئاتهم وان نصب يتعين تقدير كونها موصولة أو موصوفة والظرف الذى قبلها مضاف إليها فينبغي أن يراعى لفظه فيجاب بحسبه (وقد) عرضت المسئلة على العلامة التحرير والفقيه الشهير السيد أحمد الطحطاوى صاحب الحاشية الفائقة على الدر المختار في عام تسعة وعشرين ومائتين والف بعد تحريرى لهذه الرسالة فارسل إلى رسالة لبعض تلامذته في هذه المسئلة متضمنة للاحتمالات التي ذكرتها والصور التي قررتها. وفيها ان التحقيق ان هذا حكم يؤوب إلى العربية وانه يؤاخذ بمقتضى لفظه كما في مسئلة الكسائي لمحمد بن الحسن الشهيرة انتهى. واراد بمسئلة الكسائي ما ذكره في الدر المختار

بقوله وسأل الكسائي محمدا عمن قال لامرأته

فإن ترفقي يا هند فالرفق ايمن

وإن تخرقى يا هند فالخرق اشأم

فانت طلاق والطلاق عزيمة

ثلاث ومن يخرق اعق واظلم

كم يقع فقال ان رفع ثلاثا فواحدة وان نصبها فثلاث انتهى (واقول) نظيره أيضًا ما في متن التنوير لو قال أنا سارق هذا الثوب قطع أن اصناف وان نونه فلا وهذا هو المنقول وإن بحث فيه بعضهم بأنه ينبغي أن يفرق بين العالم والجاهل نعم لم يعتبروا الاعراب في مسائل زلة القارى وان غير المعنى على أحد القولين المصححين ولكن ذلك للضرورة والحرج صونا للصلاة عن الفساد والله ولي التوفيق والسداد.

(تنبيه) ظهر لك مما تقرر سابقا أن المعتبر في صورة اجتماع قبل وبعد الغاء أحد المتكررين مع غير المتكرر واعتبار أحد المتكررين الاخر سواء كان اولا او وسطا أو آخرا هذا هو صريح الكلام السابق وكلام البحر يخالفه حيث قال بعد ذكر كلام الشمنى الذى ذكرناه سابقا وحاصله أن المذكور أن كان محض قبل وهو الأول وقع في ذى الحجة وإن كان محض بعد وقع في جمادى الآخرة وهو الخامس ويقع في الوجه الثاني والرابع والسابع في شوال لأن قبله رمضان بإلغاء الطرفين الأولين ويقع في الثالث والسادس والثامن في شعبان لأن بعده رمضان بالغاء الطرفين الأولين انتهى فإن مقتضاه ان المعتبر في صورة الاجتماع هو الأخير المضاف إلى الضمير كما هو صريح تمثيله بالثاني والرابع والسابع بناء على ترتيب الشمني فإن في هذه الوجوه الثلاثة الظرف الأخير هو لفظ قبله فلهذا أوقعه في شوال وفى الثالث والسادس والثامن الظرف الأخير هو لفظ بعده فلهذا اوقعه في شعبان وحكم بان الملغى هو الظرفان الأولأن ايا كانا قبلين أو بعدين أو مختلفين ولا يخفى أنه مناقض لما نقله عن الشمنى ولما قدمناه عن الفتح

ص: 261

وغيره فإنه على ما ذكره لا يكون الملغى قبل وبعد وبه يختلف الحكم فإنه يقع على ما ذكره الشمنى وغيره في الوجه الثانى والثالث والرابع في شوال وفي السادس والسابع والثامن في شعبان. ولهذا قال الشيخ علاء الدين الحصكفى في الدر المختار فيقع بمحض قبل في ذى الحجة وبمحض بعد في جمادى الأخرى وبقبل اولا او وسطا أو آخرا في شوال وببعد كذلك في شعبان لالغاء الطرفين فيبقى قبله أو بعده رمضان انتهى، فصرح بان المعتبر أحد المتكررين بعد الغاء الآخر بمقابله في أي مكان كان. نعم قوله اولا في شوال وثانيا في شعبان صوابه العكس ومراده بالطرفين قبل وبعد اطلق عليهما ذلك لما بينهما من التقابل.

(خاتمة) يشبه ما نحن فيه في بعض اوجهه ما ذكره العلامة الأشموني في شرح المجموع أنه جاءه ورقة فيها هذه الأبيات

ماذا يقول ذو الفؤاد المنتبه

ومن رقى في الفضل اسمى رتبه

في تارك اخا شقيقا وفتى

(1)

قال أنا أبو ابن أبي ابن ابه

وادام كل ارثه وقد غدت

نسبة ذا الثاني علينا تشتبه

فامنن بكشف اللبس عن نسبته

لكى تبين حكمه من نسبه

قال فكتبت

الحمد لله على ما من به

جدا به يكشف لبس المشتبه

هذا الفتى القائل للميت اب

يحوى الذي خلفه من نشبه

فإن ترم طريق كشفه لكى

تلفى على بصيرة من نسبه

فأسقط الضد بضد ينتهى

هنا بك الحال إلى لفظ ابه

أي تسقط أبا في مقابلة ابن مرتين يبقى من المكررات لفظ ابه الذي في آخر البيت فتجيب به. وهذا آخر ما يسره المولى لعبده الضعيف ذى القريحة القريحة. والفكرة الجريحة. في هذه الرسالة الفائقة في بابها. البارزة لخطابها. المغنية لطلابها * بفصيح خطابها. صانها الله تعالى من غمر حسود يقدح في مبانيها. أو يطعن في معانيها. والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله تعالى على رسوله وعبده * وآله وصحبه وجنده آمين

(1)

هذا الشطر الرابع لا يتزن نظمه إلا باثبات ألف أنا ونقل حركة الهمزة من أبى إلى نون ابن قبلها وقطع همزة ابن المضاف إلى ابه بدون ياء على لغة النقص في الأسماء الخمسة ويتزن أيضًا بحذف همزة أنا والفها وهمزة أبو مع قطع الهمزات الثلاث التى بعدها وهذا أولى لكونه اخف على اللسان منه

ص: 262

هذه رسالة الإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة

للعلامة المحقق والفهامة المدقق

السيد محمد امين ابن السيد

عمر عابدين

نفعنا الله به

آمين

ص: 263

الرسالة الحادية عشرة

الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى. وسلام على عباده الذين اصطفى * وبعد فيقول الفقير محمد امين الشهير بابن عابدين هذه رسالة سميتها الإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة دعا إلى تحريرها حادثة الفتوى الآتية فأقول الحضانة بفتح الحاء وكسرها تربية الولد والحاضنة المرأة توكل بالصبى وقد حضنت ولدها حضانة من باب طلب كذا في المغرب والحضن ما دون الابط إلى الكشح وحضن الشيء جانباه * وهل هى حق من ثبتت لها الحضانة او حق الولد خلاف * قيل بالاول فلا تجبر أن هي امتنعت ورجحه غير واحد وفى الواقعات وغيرها وعليه الفتوى وفى الخلاصة قال مشايخنا لا تجبر الأم عليها وكذلك الخالة إذا لم يكن لها زوج لأنها ربما تعجز عن ذلك. وقيل بالثاني فتجبر واختاره أبو الليث وخواهر زاده والهندواني. وايده في الفتح بما في كما في الحاكم لو اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جايز والشرط باطل لأنَّه حق الولد فافاد أن قول الفقهاء الثلاثة جواب ظاهر الرواية. ثم قال في الفتح فإن لم يوجد غيرها اجبرت بلا خلاف انتهى. وعلى هذا فما في الظهيرية قالت الأم لا حاجة لي به وقالت الجدة نا آخذه دفع اليها لان الحضانة حقها فإذا اسقطت حقها صح الاسقاط منها لكن انمالها ذلك إذا كان للولد ذو رحم محرم كما هنا اما إذا لم يكن اجبرت على الحضانة كيلا يضيع الولد كذا اختاره الفقهاء الثلاثة انتهى ليس بظاهر. وقد اغتر به في البحر فقال ما قاله الفقهاء الثلاثة قيده في الظهيرية بما إذا لم يكن للصغير ذو رحم محرم فحينئذ تجبر الأم كيلا يضيع الولد * وانت قد علمت أنه إذا لم يكن له أحد فليس من محل الخلاف في شيء كذا في النهر. ووجه افادة أن قول الفقهاء الثلاثة أعني أبا الليث والهندواني وخواهر زاده جواب ظاهر الرواية ما ذكره عن كافى الحاكم الشهيد وقد ذكر في البحر في باب الاحصار من كتاب الحج ان كافي الحاكم جمع كلام محمد في كتبه الستة التي هي ظاهر الرواية. وفى البحر فالحاصل أن الترجيح قد اختلف في هذه المسئلة والاولى الافتاء بقول الفقهاء الثلاثة انتهى لكن قال الشرنبلالي في رسالته كشف القناع الرفيع قلت وهذا منه يخالف صنيعه فيما إذا اختلف الترجيح فإنه يميل إلى اتباع ما عليه الفتوى ووجهه ظاهر فإن المرأة عاجزة حقيقة وشرعا ولهذا وجبت نفقتها على قرابتها المحرم الموسر بمجرد فقرها لوجود عجزها بخلاف الرجل انتهى وفي التعليل نظر فان

ص: 264

المرأة اقدر على الحضانة ولذا جعلت لها لا للرجل ونفقتها على الأب كما سيأتي (أقول) ويظهر لي ان كلا من الحاضنة والمحضون له حق الحضانة اما الحاضنة فلأنه ليس للأب مثلا أخذ منها وكذا من كان ابعد منها لا حق له فيها واما المحضون فلأنها إذا تعينت لم يكن لها الامتناع. ويدل لما قلنا من أن لكل منهما حقا ما رأيته منقولا بخط بعض العلماء عن المفتى أبى السعود. مسئلة. في رجل طلق زوجته ولها ولد صغير منه واسقطت حقها من الحضانة وحكم بذلك حاكم فهل لها الرجوع بأخذ الولد الجواب نعم لها ذلك فإن اقوى الحقين في الحضانة للصغير ولئن اسقطت الزوجة حقها فلا تقدر على إسقاط حق الصغير ابدا اهـ. ثم رأيت في البحر ما يؤيده أيضًا وهو أنه بعد ما نقل كلام الظهيرية المار قال وعلله في المحيط بان الأم لما اسقطت حقها بقى حق الولد فصارت الأم بمنزلة الميتة أو المتزوجة فتكون الجدة أولى انتهى. وعلى هذا يحصل التوفيق بين القولين * ويرتفع الخلاف من البين، ويكون قول من قال أنها حقها فلا تجبر مجمولا على ما إذا لم تتعين لها ويكون اقتصاره على أنها حقها لكون حق الولد لم يضع حيث وجدله من يحضنه غيرها وقول من قال أنها حقه فتجير محمولا على ما إذا تعينت لها واقتصاره على أنها حقه لكونه يضيع حينئذ حيث لم يوجد من يحضنه غيرها ويؤيد هذا التوفيق ما مر عن الظهيرية حيث نقل عن الفقهاء الثلاثة القائلين بالجبر أنه إذا وجد غيرها يصح اسقاطها حقها بخلاف ما إذا لم يوجد غيرها ولا ينافيه قول الفتح ان لم يوجد غيرها اجبرت بلا خلاف الا من حيث أنه يفهم منه أنه إذا وجد غيرها ففيه خلاف لأنَّه مبني على ما هو المتبادر من كلامهم من وجوه الخلاف وما في الظهيرية يفيد عدمه فالاولى الأخذ به وكثيرا ما يحكى العلماء قولين ويكون الخلاف بينهما لفظيا وما هنا كذلك والله أعلم.

(فصل) تثبت الحضانة للام النسبية ولو كتابية أو مجوسية أو بعد الفرقة إلا أن تكون مرتدة حتى تسلم لأنها تحبس أو فاجرة فجورا يضيع الولد به كزنا وغناء (8) وسرقة او غير مأمونة بان تخرج كل وقت وتترك الولد ضايعا أو تكون امة أو أم ولد أو مدبرة أو مكاتبة ولدت ذلك الولد قبل الكتابة لاشتغالهن بخدمة المولى أو متزوجة بغير محرم الصغير أو ابت أن تربيه مجانا والاب معسر والعمة تقبل ذلك أي تربيته مجانا ولا تمنعه عن الأم قيل للأم اما أن تمسكيه مجانا أو تدفعيه للعمة على المذهب والعمة ليست بقيد فيما يظهر كذا في التنوير وشرحه للشيخ علاء الدين ملخصا وقوله والعمة ليست بقيد الخ اصله لصاحب البحر حيث قال والظاهر ان العمة ليست قيدا بل كل حاضنة كذلك بل الخالة كذلك بالأولى لأنها من قرابة

ص: 265

الأم انتهى (قلت يدل عليه قول القهستاني عن النظم والأصح أن يقال لها امسكيه أو ادفعيه إلى المحرم انتهى فإن المحرم اعم من العمة وغيرها) ثم بعد الأم أمها ثم أم أم الأم وإن علتا عند عدم اهلية القربى إلى آخر ما ذكروه من المستحقات والمستحقين للحضانة.

(فصل) علم مما ذكرناه أن الحاضنة تستحق أجرة على الحضانة وبه صرح في البحر أيضًا حيث قال وذكر في السراجية ان الأم تستحق أجرة على الحضانة إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لابيه وتلك الأجرة غير أجرة ارضاعه كما سيأتى في النفقات انتهى قال في منح الغفار الظاهر أنه أراد. بها فتاوى سراج الدين قارى الهداية ونصها سئل هل تستحق المطلقة أجرة بسبب حضانة ولدها خاصة من غير رضاع له فأجاب نعم تستحق أجرة على الحضانة وكذا إذا احتاج إلى خادم يلزم به انتهى. ويحتمل أنه أراد بها الفتاوى السراجية المشهورة لكنى لم اقف على ذلك في بابه بنسختي والعلم امانة في اعناق العلماء انتهى. قلت والذي في النهر على ما رأيته في نسختى وغيرها عزوه إلى السراج فليراجع لكن صاحب البحر صرح في باب النفقات بعزو ما مر الي فتاوي قاري الهداية فعلم أن ذلك مراده بما ذكره في فصل الحضانة وانه لا محل لترديد صاحب المنح فتدبر ثم قال في منح الغفار وعندى أنه لا حاجة إلى قوله إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لأن الظاهر وجوب أجرة الحضانة لها إذا كانت اهلا وما ذكر انما هو شرط لوجوب اجر الرضاع لها لأنها إنما تستأجر له إذا لم تكن منكوحة أو معتدة انتهى ونازعه الشيخ خير الدين الرملى في حاشيته على المنح بان امتناع وجوب اجر الرضاع للمنكوحة ومعتدة الرجعى لوجوبه عليها ديانة وذلك موجود في الحضانة بل دعوى الاولوية فيها غير بعيد إلى آخر ما قاله لكن سيأتي التصريح باستحقاقها النفقة وإن اجبرت على الحضانة ولعل وجهه أن ذلك من تمام الانفاق على الولد فليس باجرة حقيقة بل لها شبه الأجرة وشبه النفقة ولذلك قيدها في البحر بان لا تكون منكوحة ولا معتدة لابيه لأنها إذا كانت منكوحة أو معتدة تكون نفقتها واجبة على الأب بدون حضانة فلذا لم يجب لها بالحضانة شيء زايد. اما بعد الطلاق وانقضاء العدة تنقطع نفقتها عن الأب وتصير حابسة نفسها لحضانة ولده فيلزمه أن يدفع لها شيئا يقابل ذلك عملا بشبه الأجرة لأنها عاجزة غالبا وتعلم أنها لو تزوجت بزوج لينفق عليها يأخذ الولد منها أبوه وشفقتها على ولدها تحملها على حبس نفسها عن التزوج لتربية الولد فلها على أبيه أجرة الحضانة ومثل هذا يقال في أجرة الرضاع إنما لم تجب لها إذا كانت

ص: 266

منكوحة للأب أو معتدة منه لأنها من جلة النفقة على الولد فينفق على مرضعته إذا لم تكن نفقتها واجبة عليه وبهذا التقرير ظهر لك وجه التقييد بما ذا لم تكن منكوحة ولا معتدة وظهر لك أنه لا فرق في ذلك بين الحضانة والرضاع خلافا لما قاله في المنح وظهر لك أن الوجه في عدم الفرق بينهما ما قلنا لا ما قاله الخير الرملى بدليل أنها إذا كانت بحيث تجبر على الحضانة تستحق النفقة كما ذكرنا فقد استحقت النفقة مع وجوب وجبرها عليها فلو كانت العلة في عدم استحقاقها الأجرة إذا كانت منكوحة أو معتدة هى وجوبها عليها ديانة لما وجبت لها إذا كانت تجبر عليها بان تعينت لها فاغنم تحقيق هذا المقام * فإنه من فيض الملك العلام.

(هذا) وقد افتى بوجوبها صاحب البحر فقال في فتاواه. سئل عن رجل طلق زوجته وانقضت عدتها منه ولها مند ولد صغير ترضعه فهل يلزم بأجرة الحضانة والرضاع ونفقة الصغير على الوجه الشرعى اولا وهل إذا كانت الصغيرة في حضانة الأم وهى من أولاد الأغنياء والاشراف تستحق على الأب خادما يخدمها يشتريه أو يستأجره إذا احتاجت إليه اولا.

(أجاب) نعم يلزم الرجل المذكور بذلك كله والله تعالى أعلم. وكذلك افتى به الشيخ خير الدين الرملي في فتاواه المشهورة ومشى عليه في النهر تبعا لقارى الهداية قال في المنح لكن يشكل على هذا إطلاق ما في جواهر الفتاوى قال سئل قاضي القضاة فخر الدين خان عن المبتوتة هل لها أجرة الحضانة بعد فطام الولد فقال لا والله تعالى أعلم انتهى وذكر الرملي عقب افتائه بما مر ما نصه (سئل) في يتيم رضيع سنه دون سنة وآخر سنه دون خمس سنين وآخر سنه سبع سنين فرض القاضى لحضانة امهم لهم سبع قطع مصرية كل يوم وهو غبن فاحش هل يصح ذلك أم لا

(أجاب) اما الغين الفاحش في مال الايتام فلا قائل به أصلا من العلماء الكرام ويسترد منها الزائد بلا كلام واما استحقاقها الأجرة ففيه خلاف فقد سئل قاضي القضاة فخر الدين خان عن المبتوتة هل لها أجرة الحضانة بعد فطام الولد قال لا وموضوعه إذا كان هناك اب والوجه فيه أنها حق لها والشخص لا يستحق أجرة على استيفاء حقه فكيف تستحق مع عدم الأب نعم لها إذا كانت محتاجة أن تأكل من مال أولادها بالمعروف لا على وجه أنه أجرة حضانتها وقيل تستحق على الأب ولا أب هنا يعنى في الواقعة المسؤل عنها والحضانة واجبة عليها لقدرتها عليها ولا تستحق الأجرة على اداء الواجب عليها وهذا تحرير هذه المسئلة والناس

ص: 267

عنه غافلون. وقد كتبت على حاشية نسختى جواهر الفتاوى على قوله فيها سئل قاضي القضاة الخ ما يعلم منه أن المتوفى عنها زوجها لا أجرة لحضانتها من باب أولى لكن إذا كانت محتاجة وللولد مال لها أن تأكل منه بالمعروف وهي كثيرة الوقوع فلتحفظ والله تعالى أعلم انتهى كلام الرملى. فعلم أن ما في فتاوى قارى الهداية أحد القولين فافتاؤه به ترجيح له وقد مشى عليه في التنوير وأقره في الدر المختار والشرنبلالية وسيأتي تمام الكلام عليه. ورأيت بخط بعض مشايخ مشايخنا أن الذي ظهر لي أن ما في جواهر الفتاوى محله ما إذا كانت المبتوتة في العدة فلا يخالف ما في السراجية انتهى أي فيكون على إحدى الروايتين في معتدة الباين كما يأتي والروايتان وإن كانتا في أجرة الرضاع لكن الظاهر كما قال الرملي أن الحضانة كذلك (ثم ان قول فخر الدين بعد فطام الولد غير قيد فيما ذكره لكن لما كانت تستحق أجرة الرضاع قبل فطامه قيد بذلك لأنها تستحق أجرة في الجملة وإن كانت تلك الأجرة للرضاع لا للحضانة تأمل) وكذا اختلف في أجرة مسكن الحاضنة قال في البحر وفى الخزانة عن التفاريق لا تجب في الحضانة أجرة المسكن الذي تحضن فيه الصبي وقال آخرون تجب ان كان للصبى مال والا فعلى من تجب عليه نفقته انتهى واختار في النهر ما في التفاريق فقال وينبغى ترجيحه اذ وجوب الأجر لا يستلزم وجوب المسكن بخلاف النفقة انتهى وقال الخير الرملي في حاشيته على البحر قال الغزى واما لزوم سكن الحاضنة فاختلف فيه والاظهر لزوم ذلك كما في بعض المعتبرات انتهى

(أقول) وهذا يعلم من قولهم إذا احتاج الصغير إلى خادم يلزم الأب به فإن احتياجه إلى المسكن مقرر انتهى وقال الشيخ علاء الدين في شرح الملتقى والصغير إذا كان في حضانة الأم وهو من أولاد الأشراف تستحق على الأب خادما يخدمه فيشتريه أو يستأجره وفي شرح النقاية للباقانى عن البحر المحيط عن مختارات إلى حفص سئل عمن له امساك الولد وليس لها مسكن مع الولد هل على الأب سكناها وسكنى ولدها قال نعم سكناهما جميعا. وسئل نجم الأئمة البخارى عن المختار في هذه المسئلة فقال المختار أن عليه السكنى في الحضانة انتهى واعتمده ابن الشحنة خلافا لما اختاره ابن وهبان وشيخه الطرسوسي الوجيه من عدم لزوم المسكن والالزم ضياع الولد إذا لم يكن للحاضنة مسكن واما إذا كان لها مسكن فينبغي الافتاء بما رجحه في النهر تبعا لابن وهبان والطرسوسي ولاسيما وقد قدمه قاضي خان والله تعالى الموفق يشير إلى هذا التوفيق قول أبى حفص المار وليس لها مسكن وهذا هو الارفق (واما اخذها الأجرة على الارضاع فلا يجوز لو منكوحة أو معتدة كما سنذكره عن الكنز قال في النهر لأن الارضاع مستحق عليها بالنص فإذا امتنعت عذرت لاحتمال عجزها

ص: 268

غير انها بالاخير ظهرت قدرتها فكان الفعل واجبا عليها فلا يجوز أخذ الأجرة عليه وهو ظاهر في عدم جواز الأجرة ولو من مال الصغير وذكر في الذخيرة أنه يجوز قال وما ذكر من عدم جواز استئجار زوجته فتأويله إذا كان ذلك من مال نفسه كيلا يؤدى إلى اجتماع أجرة الرضاع ونفقة النكاح في مال واحد وجزم به في المجتبى والأوجه عندى عدم الجواز ويدل على ذلك ما قالوه من أنه لو استأجر منكوحته لارضاع ولده من غيرها جاز من غير ذكر خلاف لأنَّه غير واجب عليها مع أن فيه اجتماع أجرة الرضاع والنفقة في مال واحد ولو صلح مانعا لما جاز هنا فتدبره. واطلق في المعتدة ولا خلاف في الرجعي وفي الباين روايتان قيل وظاهر الرواية الجواز وهو أصح الروايتين كذا في الجوهرة والقنية معللا بان النكاح قد زال فهي كالاجنبية إلا أن ظاهر الهداية يفيد عدمه وهو رواية الحسن عن الإمام وهي الأولى انتهى كلام النهر وذكر في الشرنبلالية عن التاترخانية أن الفتوى على رواية الجواز لكن نسبها للحسن عكس ما في النهر ثم ظاهر كلامهم أن هذه الأجرة لا تتوقف على عقد اجارة مع الأم بل تستحق بالارضاع في المدة المذكورة ولا تسقط هذه الأجرة بموته بل هى اسوة الغرماء كذا في النهر والبحر.

(فصل) علم مما قدمناه عن التنوير وشرحه أن مما يسقط الحضانة طلب الحاضنة الأجرة عليها والأب معسر مع وجود متبرع بها من أهل الحضانة وبه افتى الرملى مرارا كما هو مسطور في فتاواه وقال في البحر في باب النفقات عند قول الكنز ويستأجر من ترضعه عندها لا أمه لو منكوحة أو معتدة وهى احق بعدها ما لم تطلب زيادة. ما نصه وظاهر المتون أن الأم لو طلبت الأجرة أي أجرة المثل والاجنبية متبرعة بالارضاع فالأم أولى لأنهم جعلوا الأم احق في جميع الاحوال إلا في حالة طلب الزيادة على أجرة الأجنبية والمصرح به بخلافه كما في التبيين وغيره أن الأجنبية أولى لكن هي أولى في الأرضاع. اما في الحضانة ففى الولوالجية وغيرها رجل طلق امرأته وبينهما صبى وللصبى عمة ارادت أن تربيه وتمسكه من غير أجر من غير أن تمنع الأم عنه والأم تأبى ذلك وتطالب بالأجر ونفقة الولد فالأم احق بالولد وإنما يبطل حق الأم إذا تحكمت الأم في أجر الأرضاع بأكثر من أجر مثلها والصحيح أنه يقال للأم أما ان تمسكى الولد بغير أجر واما أن تدفعيه إلى العمة انتهى إلى هنا كلام البحر.

(قوله) في البحر والمصرح به بخلافه أي بخلاف ظاهر المتون قال الزيلعي في التبيين وإن رضيت الأجنبية أن ترضعه بغير أجر أو بدون أجر المثل والأم بأجر المثل فالاجنبية أولى انتهى وقال في البدائع واما إذا انقضت عدتها فالتمست أجرة الرضاع وقال الأب أجد من

ص: 269

ترضع من غير أجر أو باقل من ذلك فذلك له لقوله تعالى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} لأن في الزام الأب ما تلتمسه ضررا بالأب وقد قال الله تعالى {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} أي لا يضار الأب بالزام الزيادة على ما تلتمسه الأجنبية كذا ذكر في بعض التأويلات ولكن ترضع عند الأم ولا يفرق بينهما لما فيه من الحاق الضرر بالأم انتهى ومثله في تبيين الكنز للزيلعي * وقيد في الدرر ارضاعه عند الأم بقوله ما لم تتزوج وهو ظاهر لسقوط حقها في الحضانة حينئذ والمراد تزوجها باجنبي كما مر.

(وقوله) لكن هي أولى في الارضاع الخ الأولى حذف الاستدراك اذ بناه على ما ذكره من التصحيح لا فرق بين الارضاع والحضانة في أن الأجنبية المتبرعة مقدمة على الأم الطالبة للأجر * ثم اعلم أن ما ذكره من عبارة الولوالجية ليس صريحا في أن المراد منه الحضانة فقد قال في الحواشي العزمية عند قوله وتطالب الأب بالأجرة ونفقة الولد أراد بالأجرة أجرة الرضاع سواء ارضعته بنفسها أو ارضعته غيرها وأراد بالنفقة ما يكون بعد الفطام * والظاهر أن وضع المسئلة في مطلقة مضت عدتها فإن طلب الأجرة من الأب من جهة الصبى أنما هو في هذه الصورة قال وإنما قلنا أراد بالأجرة أجرة الرضاع اذ لا يجب على الأب أجرة على الحضانة زايدة على هذه الأجرة حتى تطالبه المرأة به كما صرح به في جواهر الفتاوى نقلا عن قاضي خان انتهى لكن دعاه إلى هذا الحمل قصر نظره على القول بعدم وجوب الأجر على الحضانة. وقد علمت القول الآخر فيه فيحمل كلام الواو الجية عليه فليتأمل.

(وقوله) والصحيح أنه يقال للأم الخ مقابل لقوله فالأم احق يوضحه قوله في الخانية صغيرة لها أب معسر وعمة موسرة ارادت العمة أن تربى الولد بعمالها مجانا ولا تمنعه عن الأم والأم تأبى ذلك وتطالب الأب بالأجرة ونفقة الولد اختلفوا فيه والصحيح أنه يقال للأم أما أن تمسكى الولد بغير أجر واما أن تدفعيه إلى العمة اهـ والمراد بالأجرة أجرة الحضانة والتربية كما فهمه صاحب البحر والدرر والفتح فتكون العمة المتبرعة أولى لكن قال الرملي قيده في الخانية والبزازية والخلاصة والظهيرية وكثير من الكتب بكون الأب معسرا فظاهره تخلف الحكم المذكور بيساره فليحرر. وانت خبير بان المفهوم في التصانيف حجة يعمل به تأمل انتهى.

(قلت) ومثله في الشرنبلالية حيث قال وتقييد الدفع للعمة يسارها واعسار الأب مفيد أن الأب الموسر يجبر على دفع الأجرة للام نظرا للصغير ومع اعساره لا يوجد أحد ممن هو مقدم على العمة متبرعا مثل العمة ومع ذلك يشترط أيضًا أن لا تكون متزوجة بغير محرم للصغير انتهى * قال بعض الفضلاء ولم ار ما المراد بيسار العمة في كلام صاحب

ص: 270

الدرر وغيره كفتح القدير والظاهر أن المراد به القدرة على الحضانة انتهى

(قلت) بل الظاهر ان المراد به القدرة على الاتفاق يدل عليه قوله في الدر المختار وهل يرجع العم أو العمة على الأب إذا ايسر قيل نعم مجتبى انتهى * أي هل ترجع بما انفقت على الصغير لا بأجرة الحضانة أو الرضاع والا لا فائدة للأب حينئذ في اخذه من الأم * ثم لا يخفى أن ذكر العم هنا مستدرك ثم حيث علت أن الأب الموسر يجبر على دفع الأجرة للأم على الحضانة علمت تأييد ما أفتى به قارى الهداية.

(وقوله) واما أن تدفعيه إلى العمة يفيد أنه ينزع من الأم فيوهم المخالفة بينه وبين ما قدمناه عن البدائع وغيرها من أنها توضع عند الأم ولا يفرق بينهما لما فيه من الحاق الضرر بالأم.

(أقول) ودفع المخالفة باختلاف موضوع المسئلة بحمل الأولى على الحضانة والثانية على الرضاع خلافا لما فهمه في العزمية كما مر. فإذا طلبت الأم أجرة على الحضانة وتبرعت العمة سقط حق الأم وصارت الحضانة للعمة واما إذا طلبت الام اجرة على الارضاع فقط تبقى الحضانة لها فلا ينزع الولد منها بل ترضعه الظئر عندها. ولذا قيده في الدرر بقوله ما لم تتزوج كما قدمناه هذا ما ظهر لي. ودفع المخالفة في الشرنبلالية بان الثانية محمولة على ما إذا كانت المرضعة اجنبية فلذا قال ترضع في بيت الأم بخلاف العمة فيدفع لها هذا حاصل ما ذكره فتأمله. والظاهر أنه فهم أن موضوع المسئلتين واحد وهو الرضاع وليس كذلك اذ قولهم أن الظئر ترضعه في بيت الأم لم يقيدوه بما إذا كانت اجنبية فلا فرق بين كون المتبرعة بالرضاع اجنبية أو غيرها فترضعه في بيت امه لان طلبها الأجر على الأرضاع لا يسقط حقها في الحضانة والا لم يقولوا ترضعه الظئر في بيت الأم فتدبر. ثم قال في البحر عقب عبارته السابقة ولم أر من صرح بان الأجنبية كالعمة في أن الصغير يدفع إليها إذا كانت متبرعة والأم تريد الأجر على الحضانة ولا تقاس على العمة لأنها حاضنة في الجملة. وقد كثر السؤال عن هذه المسئلة في زماننا وهو أن الأب يأتى بأجنبية متبرعة بالحضانة فهل يقال للأم كما يقال لو تبرعت العمة وظاهر المتون أن الأم تأخذه بأجر المثل ولا تكون الأجنبية أولى بخلاف العمة على الصحيح إلا أن يوجد نقل صريح في أن الأجنبية كالعمة. والظاهر أن العمة ليست قيدا بل كل حاضنة كذلك بل الخالة كذلك بالأولى لأنها من قرابة الأم * ثم اعلم أن ظاهر الولوالجية أن أجرة الرضاع غير نفقة الولد للعطف وهو للمغايرة * فإذا استأجر الأم للارضاع لا يكفى عن نفقة الولد لأن الولد لا يكفيه اللبن بل يحتاج معدالى شيء آخر كما هو المشاهد خصوصا الكسوة فيقدر القاضى له نفقة غير أجرة الأرضاع وغير أجرة الحضانة. فعلى هذا

ص: 271

يجب على الأب ثلاثة أجرة الرضاع واجرة الحضانة ونفقة الولد. اما أجرة الرضاع فقد صرحوا بها هنا * واما أجرة الحضانة فصرح بها قارى الهداية في فتاواه. واما نفقة الولد فقد صرحوا بها في الاجارات في اجارة الظئر انتهى وتمامه فيه.

(قوله) ولا تقاس على العمة الخ جواب عما قد يقال أنها مثل العمة بجامع التبرع من كل فتلحق بها. فأجاب بالفرق وهو ان العمة حاضنة في الجملة فلها استحقاق بخلاف الأجنبية وايضا فإن العمة اشفق عليه من الأجنبية فلا يصح القياس مع الفارق. وقال محشيه الرملي وقد سئلت عن صغيرة لها ام وبنت ابن عم تطلب الأم زيادة على أجر المثل وبنت ابن العم تريد حضانتها مجانا فاجبت بأنها تدفع إلى الأم لكن باجر المثل لا بالزيادة لأن بنت ابن العم كالاجنبية لاحق لها في الحضانة أصلا فلا يعتبر تبرعها على ما ظهر لهذا الشارح وهو تفقه حسن صحيح لأن في دفع الصغير للمتبرعة ضررا به لقصور شفقتها عليه فلا يعتبر معه الضرر في المال لأن حرمته دون حرمته ولذلك اختلف الحكم في نحو العمة والخالة مع اليسار والإعسار فإذا كان موسرا لا يدفع إليهما كما يفيده تقييد أكثر الكتب اذ لا ضرر على الموسر في دفع الأجرة وبه تتحرر هذه المسئلة فافهم هذا التحرير واغتنمه فقد قل من تفطن له والله تعالى الموفق انتهى. وفى فتاوى الشيخ محمد الحانوتى واما المتبرعة بالحضن فالمذكور انها أن كانت العمة هي المتبرعة بأجرة الحضن وهى غير أجرة الرضاع فهى احق من غيرها ممن له الحضن واما الأجنبية فلم ينص عليها والله تعالى أعلم انتهى.

(وقوله) والظاهر ان المعمة ليست قيدا الخ قدمنا ما يؤيده عن القهستاني وبهذا يظهر الجواب عما يقع كثيرا وهو ان الأم تطلب أجرة الحضانة من الأب فيقول الأب أن لي امًا تربيه عندي بلا أجر فعلى هذا يدفع لام الأب المتبرعة هذا إذا طلبت أم الصغير أجرة على الحضانة اما لو كان رضيعا وتبرعت بحضانته ولكنها طلبت أجرة على الأرضاع فانه يبقى عندها وإن قالت أم الأب أو أخته مثلا أنا ارضعه متبرعة يقال لها ارضعيه في بيت أمه لأن كون المتبرعة بالأرضاع غير اجنبية لا يسقط حضانة الأم كما علمته آنفا فاغتنم هذه الفائدة.

(وقوله) ثم اعلم أن ظاهر الولوالجية الخ يقتضى أنه حمل الأجرة في كلام الولوالجية على أجرة الرضاع كما حمله في العزمية كما قدمناه وهو مخالف لما اراده من سياق كلام الولوالجية فإنه لا يتم الا بالحمل على أجرة الحضانة وهو المفهوم من كلام الدرر وفتح القدير ايضا فتأمل.

(وقوله) فعلى هذا يجب على الأب ثلاثة الخ.

(أقول) بل أربعة والرابع أجرة المسكن الذى تحضن فيه الصبى على ما قدمناه إلا أن يقال أنه داخل في النفقة لأن المسكن له أيضًا لا لحاضنته خاصة

ص: 272

وقد قالوا أن النفقة الطعام والكسوة والمسكن وقال الواني في حاشية الدرر انهم

قالوا النفقة والسكنى توأمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

(فصل) وبعد علمك بان الأم تستحق أجرة الحضانة كما ذكره في السراجية وانها غير أجرة ارضاعه

(فنقول) قال العلامة الرملى في حواشى البحر أقول لم يذكر هل الأجرة على الأب أم في مال الصغير إذا كان له مال ولم يذكر بعد موت الأب إذا طلبت أجرة الحضانة من مال الولد إذا كان له مال أو ممن تجب نفقته عليه إذا لم يكن له مال هل تجاب إلى ذلك أم لا ولم اره في غير هذا الكتاب صريحا لكن المفهوم من كلامهم أن الأم لا تستحق أجرة الحضانة في مال الصغير عند عدم الأب لوجوب التربية عليها حتى تجبر إذا امتنعت كما افتى به الفقهاء الثلاثة بخلاف الرضاع حيث لا تجبر وهو الفارق بين المسئلتين حتى جاز أن تفرض أجرة الرضاع في مال الصبي لامه على قول كما سيأتى في النفقات لأن الممنوع اجتماع أجر الرضاع مع نفقة النكاح في مال واحد. وجاز على الأب إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لعدم وجوب نفقة النكاح عليه وهو من باب النفقة وهى عليه بخلاف الحضانة. ولذلك قال في جواهر الفتاوى سئل قاضي القضاة فخر الدين خان عن المبتوتة لها أجرة الحضانة بعد فطام الولد قال لا لكن صرح قارى الهداية في فتاواه باستحقاقها ذلك على الأب إذا لم تكن منكوحة أو معتدة * والظاهر ان علة الأول الوجوب عليها ديانة. وعلة الثاني أنها إذا حضنته فقد حبست نفسها في تربيته واشتغلت عن الكسب فيجب لها على الأب ما يقوم مقام الانفاق عليها وهو اجرة الحضانة لئلا يحصل الاضرار لها بولدها وإن وجبت عليها ديانة فإذا لم يكن للصغير أب فهى الأولى والا حق بتربيته من غيرها فلا تطلب أجرة من ماله ولا ممن هو دونها في ذلك واما إذا كانت محتاجة جاز لها أن تأكل من ماله بالمعروف لا على وجه أنه أجرة حضانتها فتأمل وراجع فعسى أن تظفر بالنقل في المسئلة. وإذا كان للصغير مال لها أن تمتنع من حضانته فيستأجر له حاضنة من ماله غيرها. وكذلك لو كان الأب موجود أو للصغير مال فللاب أن يجعل أجرة الحضانة من ماله. فيرجع الامر إلى أن الصغير إذا حضنته أمه في حال النكاح أو في عدة الرجعى أو الباين في قول لا تستحق أجرة لا من مال الصغير ولا على الأب والثاني مصرح به والاول نفقة. ويفرق بينهما وبين الرضاع بأنه من باب النفقة وهى على الأب إذا لم يكن للصغير مال وفى ماله إذا كان له مال بخلافها فإن الحضانة حقها ولا تستوجب على إقامة حقها أجرة وكذلك الحكم لو لم يكن له أب وله

ص: 273

مال فيحضنته وطلبت الأجرة من ماله ولم اره أيضًا كما ذكرته اولا والذي يظهر وجوبها في ماله وأن الحقنا الحضانة بالرضاع قلنا باستحقاق ذلك وبجوازه في مال الصغير وان كان له أب واما اذ لم يكن له مال ولا أب فلا كلام في جبرها حيث لم يكن له من يحضنه غيرها لضياعه ويفترض ذلك عليها فلا تستحق على ذلك أجرة.

(والحاصل) أن كلام أصحابنا في هذا المحل قاصر عن افادة الأحكام كلها فعليك أن تتأملها وتستخرجها بفرط ذكائك والله تعالى أعلم.

(هذا) ورايت في كتب الشافعية مؤنة الحاضنة في مال المحضون ان كان له مال والا فعلى من تجب عليه نفقته * وعلى ما أجاب به قارى الهداية من استحقاقها الأجرة إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لا يبعد أن يكون مذهبنا كذهب الشافعية وتكون كالرضاع وهذا هو السابق للافهام وبتعين القطع به والاعتماد عليه والله تعالى أعلم بالصواب. وانظر ما سيأتي في شرح قوله ولقريب محرم يدلك على أن في المسئلة قولين وان الراجح أن الرضاع يجب بقدر الارث أيضًا فتكون الحضانة كذلك والله تعالى أعلم.

(والحاصل) أن النظر الفقهي يقتضى أن في نفقة الحضانة إذا لم يكن للصغير أب ولا مال وتعدد القريب المحرم قولين في قول على الأم خاصة وفي قول بقدر الارث كالنفقة ولم ار أيضًا ما إذا جعل القاضى لها أي للأم أجرة الحضانة في مال اليتيم وامر الوصى بدفعها للأم فتزوجت واستمرت تحضنه عند الزوج هل يبطل فرض القاضي أم لا حيث لم يتعرض من له حق الحضانة بعدها للحضانة. والظاهر من تسميتهم لها أجرة أنه لا يبطل الفرض لأنَّه بمنزلة تعيب العين المستأجرة وهذا عند من يقول بجواز الأجرة عليها والظاهر أنه إلا صح ولذلك افتى به قارى الهداية.

(وقد كتبت في ذلك كتابة على حاشية فتاوى الشيخ الحلبي واستدللت على صحة ما قلته بفرع ذكره في الظهيرية وغيرها معللا بعلة تشرك هذا معه في الحكم فراجعه والذى يدلك على صحة ما قلته فروع ذكرها أصحاب الفتاوى في كتاب الإجارة في بحث اجارة الظئر فراجعه يظهر لك صحة ما قلته والله تعالى أعلم انتهى كلام الرملي في حواشي البحر. والذي استقر عليه رأيه أنها كالرضاع وح فإذا كانت منكوحة أو معتدة من الرجعى فلا أجر لها * ولو مبانة أو معتدة من البائن على إحدى الروايتين السابقتين فلها أجرة من مال الصبي ان كان له مال والا فمن أبيه أو من تجب عليه نفقته. وقد اقره على هذا البحث تلميذه الشيخ علاء الدين في الدر المختار وذكر قبله ما نصه وفى المنية تزوجت أم صغير توفى أبوه وارادت تربيته بلا نفقة مقدرة واراد وصية تربيته بها دفع إليها لا إليه

ص: 274

إبقاء لما له وفي الحاوى تزوجت بآخر وطلبت تربيته بنفقته والتزم ابن العم أن يربيه مجانا ولا حاضنة له فله ذلك انتهى. وقال في منح الغفار بعد ذكر ما في المنية وله وجه وجيه لأن رعاية المصلحة في إبقاء ماله أولى من مراعاة عدم لحوق الضرر الذى يحصل له لكونه عند الاجنبي انتهى والمراد بالاجنبي زوج الأم الذى هو غير محرم للولد. ورايت بخط شيخ مشايخنا العلامة الفقيه إبراهيم السايحاني قال البرجندى تجبر الأم على الحضانة إذا لم يكن لها زوج والنفقة على الأب * وفى المنصورية أن أم الصغيرة إذا امتنعت عن امساكها ولا زوج الأم تجبر عليه وعليه الفتوى وقال الفقيه أبو جعفر تجبر وينفق عليها من مال الصغيرة وبه أخذ الفقيه أبو الليث فهذا نقل من المذهب فيما نقل عن الشافعية * وفى شرح المجمع تجبر إذا كان الأب معسر او لم يكن للولد مال وتجعل الأجرة دينا عليه. كنفقته* فهذا نص في أن لها الأجرة مع الجبر انتهى ما رأيته بخطه رحمه الله تعالى وهذا صريح أيضًا بما بحثه الخير الرملى من أن أجرة الحضانة كالارضاع تجب في مال الصغير (قلت) وحيث قلنا أنها كالرضاع فتكون أجرة حضانته من جملة نفقته كما أن أجرة ارضاعه كذلك. وعليه فالنفقة في كلامي المنية والحاوى تشمل أجرة حضانته. وح يظهر الجواب عن حادثة الفتوى في زماننا في صغير توفيت أمه وتركت له مالا ولها أم وابوه معسر وله أم أيضًا متزوجة بجد الصغير ارادت أم أمه تربيته باجر وام أبيه ترضى بذلك مجانا فهل يدفع لأم أمه أو لام أبيه المتبرعة والذى يظهر من التعليل بابقاء ماله أن يدفع المتبرعة بل هنا أولى وذلك لأن الأم في مسئلة المنية لما كانت متزوجة بالأجنبي صارت كالوصى الاجنبي في عدم ثبوت الحضانة لها فإذا دفع إليها إبقاء لما له مع لزوم تربيته في حجر الأجنبى الذى يطعمه نذرا وينظر إليه شذرا فلأن يدفع لام أبيه المتبرعة في مسئلتنا ويكون الصغير في حجر ابيه وجده الشفوقين عليه بالأولى (وحينئذ فالذى تحرر لنا) فيما إذا طلبت الأجرة من ثبت لها حق الحضانة كالام مثلا مع وجود متبرع بها أنه لا يخلوا ما أن يكون المتبرع اجنبيا عن الصغير اولا. وعلى كل فأما أن يكون الأب معسرا أو لا. وعلى كل فأما أن يكون للصغير مال أو لا * فإذا كان المتبرع اجنبيا يدفع للام بالأجرة وان كانت الأجرة من مال الصغير حيث كانت الأم غير متزوجة باجنبي كما مر عن الذخيرة والمجتبى من جواز استيجار الأم للارضاع من مال الصغير والحضانة مثله على ما علمت. وإذا كان المتبرع غير اجنبي فإن كان الأب معسرا والصغير له مال او لا يقال للأم اما ان تمسكيه بغير أجر واما أن يدفع للعمة مثلا المتبرعة

ص: 275

صونا لمال الصغير ان كان له مال * وأن كان الأب موسرا والصغير له مال فكذلك لأن أجرة ارضاعه ح في مال الصغير والمصرح به في الشروح كالتبين وغيره كما مر أن المتبرعة أولى وحيث كانت الحضانة مثله يكون حكمها كذلك وان كان الأب موسرا ولا مال للصغير فالأم مقدمة وأن طلبت الأجرة نظرا للصغير كما يفهم من كلامهم حيث قيدوا الدفع للمتبرعة بإعسار الأب كما قدمناه عن الرملي والشرنبلالية وح يفرق بين يسار الأب ويسار الصغير وذلك أنه مع يسار الأب يدفع للأم بالأجرة لأن فيه نظرا له بكونه عند أمه من غير ضرر يلحقه بخلافه مع يسار الصغير فإنه وإن حصل في كونه عند أمه نظر له بسبب أنها اشفق عليه من عمته مثلا لكن فيه ضرر له يلحقه في ماله فافترقا هذا ما ظهر لنا بناء على ما حوره الرملى من كون الحضانة كالرضاع والله تعالى أعلم

ص: 276

رسالة تحرير النقول في نفقة الفروع والأصول

تأليف شيخنا العلّامة والعمدة الفهامه شيخ الإسلام وعلم الأعلام

السيد محمد عابدين

تغمده الله تعالى برحمته ونفعنا به آمين

ص: 277

الرسالة الثانية عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين (اما بعد) فيقول العبد الفقير. إلى مولاه القدير * محمد امين بن عمر عابدين. كان الله له أينما كان * ولطف به في كل مكان. وغفر له ولوالديه. ولمشايخه ولمن له حق عليه. امين ان مسائل النفقة على الاصول والفروع. المذكورة في كتب الفروع في باب النفقات. من كتب ائمتنا الحنفية الثقات. لم ارهم ذكر والها ضابطا يحصرها. حتى حار فيها عقل من يسيرها. وصار قصير الباع مثلى يخبط فيها خبط عشوى. ولا يهتدى إلى جواب حوادثها عند الفتوى. فشمرت عن ساق الجد والاجتهاد. واعملت الفكر فيما دونه خرط القتاد وتضرعت إليه سبحانه في بلوغ المراد. ابتغاء لوجهه تعالى ونفعا للعباد. حتى هداني سبحانه بحوله وقوته لا بحولى وقوتى * إلى أن اظهر على يدى ما ليس في طاقتي. بتحرير ضابط جامع. واصل نافع يحصر الفروع التي رايتهم ذكروها. ويوافق القواعد التي قرروها وحرروها. ويبين المراد مما اجملوه، ويوقف على ما تركو اذكره واهملوه، اعتمادا على حسن فقاهتهم * وقوة نباهتهم. وجمعت ذلك في رسالة (سميتها تحرير النقول. في نفقة الفروع والأصول) ورتبتها على ثلاثة فصول. واتبعتها بخلقة. راجيا حسن الخلقه فقدمت اولا ما ذكروه من العبارات * ثم ذكرت ما فيها من الاشكالات واجوبتها مع ما تحرر لي من هذه المقالات. ثم ذكرت الضابط واقعا فيه كل شيء في محله. حتى يرجع كل فرع إلى أصله. ثم ذكرت بعض زيادات وتوضيحات * وبالله استعين. في كل حين. راجيا منه الوصول إلى الصواب. والحصول على خالصه من اللباب. وأن ينفعنى بذلك والمسلمين امين.

(الفصل الأول) اعلم أن القرابة في الأصل نوعان قرابة الولادة وقرابة غير الولادة والثانية نوعان أيضًا قرابة محرمة للنكاح كالأخوة والعمومة والخؤلة وقرابة غير محرمة للنكاح كقرابة بنى الاعمام وبنى الخوال ولا خلاف عندنا في عدم ثبوت النفقة لهذه القرابة الاخيرة خلافا لابن أبى ليلى لأن قوله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) المراد منه الوارث من الاقارب الذى له رحم محرم بدليل قرأة عبد الله بن مسعود وعلى الوارث ذى الرحم المحرم مثل ذلك فبقى وجوب النفقة على القريب عندنا منوطا بقرابة الولادة وقرابة الرحم المحرم والمقصود لنا الكلام على الأولى منهما ولكنه

ص: 278

يستتبع بعض الكلام على الثانية (فنقول وبالله التوفيق) قال في الملتقى ونفقة البنت بالغة والابن زمنا على الأب خاصة وقيل على الأب ثلثاها وعلى الأم ثلثها وعلى الموسر يسارا يحرم الصدقة نفقة اصوله الفقراء بالسوية بين الابن والبنت ويعتبر فيها القرب والجزئية لا الإرث فلو كانت له بنت وابن ابن فنفقته على البنت مع أن ارثه لهما ولو كان له بنت بنت واخ فنفقته على بنت البنت مع أن كل ارثه للاخ وعليه نفقة كل ذى رحم محرم منه ان كان فقيرا صغيرا أو انثى أو زمنا او اعمى أو صحيحا لا يحسن الكسب لخرقه (الاخرق من لا يحسن الصنعة) أو لكونه من ذوى البيوتات أو طالب علم ويجبر عليها وتقدر بقدر الإرث حتى لو كان له اخوات متفرقات فنفقته عليهن اخماسا كما يرثن منه ويعتبر فيه اهلية الإرث لا حقيقته فنفقة من له خال وابن عم على خاله اهـ ونحوه في الاختيار ومختصر النقاية والتنوير ومواهب الرحمن (وقال) في الذخيرة ثم الأصل في نفقة الوالدين والمولودين أن يعتبر القرب والجزئية ولا يعتبر الميراث وإذا استويا في القرب تجب على من له نوع رحجان وإذا لم يكن لاحدهما رجحان فح تجب النفقة بقدر الميراث. فإذا كان للفقير ولد وابن ابن موسران فالنفقة على الولد لأنَّه أقرب. وإذا كان له بنت وابن ابن فعلى البنت خاصة وان كان الميراث بينهما لأن البنت أقرب. وإذا كان له ولد بنت واخ شقيق فعلى ولد البنت ذكرا كان أو أنثى وان كان الميراث للاخ (فعلم) أن العبرة لقرب القرابة والجزئية. ولو كان له أب وابن موسران فالنفقة على الابن وأن استويا في القرب لأنَّه ترجح باعتبار تأويل ثابت له في مال ولده أي في حديث انت ومالك لابيك ولو كان له جد وابن ابن فعليهما على قدر ميراثهما على الجد السدس والباقى على ابن الابن (والدليل) على عدم اعتبار الميراث أنه لو كان للمسلم ولدان أحدهما ذمي فعليهما وان كان الميراث للمسلم منهما وكذلك إذا كان له ابن نصراني واخ مسلم فعلى الابن وان كان الميراث للأخ. وكذلك لو كان للفقير بنت واخت لاب وام أو مولى عتاقة فعلى البنت وان كان الميراث بينهما سوية اهـ ملخصا ونقله في البحر وغيره (وقال) في البدائع شرح التحفة الحال في القرابة الموجبة للنفقة لا يخلوا ما ان كانت حال الانفراد واما ان كانت حال الاجتماع فإن كانت حال الانفراد بان لم يكن هناك من تجب عليه النفقة إلا واحدا تجب كل النفقة عليه عند استجماع شرائط الوجوب وان كانت حال الاجتماع فالاصل أنه متى اجتمع الأقرب والا بعد فالنفقة على الأقرب في قرابة الولادة وغيرها من الرحم المحرم وان استويا في القرب ففي قرابة الولادة يطلب الترجيح من وجه آخر وتكون النفقة على من وجد في حقه نوع رجحان

ص: 279

ولا تنقسم النفقة عليهما على قدر الميراث وان كان كل واحد منهما وارثا وان لم يوجد الترجيح فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما. واما (قوله واما في غيرها مقابل قوله ففى قرابة الولادة منه) في غيرها من الرحم المحرم فإن كان الوارت أحدهما والآخر محجوبا فالنفقة على الوارث ويترجح بكونه وارثا وان كان كل واحد منهما وارثا فالنفقة عليهما على قدر الميراث وإنما كان كذلك لأن النفقة في قرابة الولادة تجب بحق الولادة لا بحق الوراثة لقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} وفى قرابة الرحم المحرم تجب باهلية الإرث لقوله تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} علق الاستحقاق بالارث فتجب بقدر الميراث اهـ ثم ذكر الفروع على نحو ما مر عن الذخيرة ونحوه في الاختيار.

(الفصل الثاني) اعلم أن الذي تحصل من مجموع كلامهم أن المعتبر في قرابة الولادة هو القرب والجزئية دون الإرث إلا إذا تساويا ولا مرجح فيعتبر الإرث كما في جد وابن ابن موسرين فتجب اسداسا بقدر الإرث كما مر وعلله في البدائع بأنهما استويا في القرابة والوراثة ولا ترجيح على أحدهما من وجه آخر فكانت عليهما على قدر الميراث اهـ وان المعتبر

(9)

في الرحم المحرم قرب القرابة ثم الإرث

(أقول) ويرد على هذا الأصل ما في الخانية والذخيرة من أنه لو كان له أم وجد أبواب فالنفقة عليهما اثلاثا في ظاهر الرواية اعتبارا بالميراث اهـ فانهما من قرابة الولادة والأم أقرب من الجد ولم يعتبر فيها القرب بل اعتبر الإرث وكذا يرد ما في الخانية أيضًا لو له أم وجد لاب واخ شقيق فعلى الجد فقط عند الإمام وهو قول الصديق رضى الله تعالى عنه اهـ فاوجبها على الجد دون الأم مع اشتراكهما في الإرث وقرابة الولادة وترجح الأم بكونها أقرب، وكذا يرد ما لو كان له ابن وبنت موسران فالنفقة عليهما بالسوية في اظهر الروايتين كما في الذخيرة مع اشتراكهما في القرب والجزئية بلا مرجح ومقتضى ما مر أنه يعتبر بقدر الإرث كما في جد وابن ابن. وكذا يرد ما لو كان له ولدان أحدهما كافر فهى عليهما سوية كما مر مع تساويهما في القرب والجزئية وترجح الابن المسلم بالميراث ولم يعتبروا الإرث مع أن مقتضى ما مر اعتباره. وكذا يرد ما في البدائع والقنية وغيرهما أوله أم وعم عصبي فعليهما اثلاثا مع أن قرابة الأم قرابة ولادة دون العم ومع أنها أقرب منه وقد اعتبروا فيها الإرث (واقول) قد يجاب بان قولهم يعتبر القرب والجزئية لا الإرث خاص بنفقة الاصول الواجبة على الفروع دون العكس كما هو مقتضى ما قدمناه عن المتون وان كان خلاف ما يتبادر من كلام الذخيرة والبدائع وان قولهم وان استويا في القرب يطلب الترجيح

(9)

[قوله وان المعتبر الخ عطف على قوله الولادة الخ واعتبار قرب القرابة ثم الارث في الرحم المحرم يفهم من كلام البدائع اما اعتبار قرب القرابة فمن قوله وان كانت حال الاجتماع الخ واما اعتبار الارث فمن قوله وفي قرابة الرحم الخ منه]

ص: 280

خاص بما إذا كانت القرابة من جهتين بان وجد مع الفروع أصول كالأب مع الابن وكالجد مع ابن الابن اما لو كانت من جهة واحدة أعني جهة الفروع فقط كالابن والبنت وكولدين أحدهما كافر فلا يطلب فيها ترجيح بقرينة قوله في البدائع تجب على الابن والبنت بالسوية لاستوائهما في سبب الوجوب وهو الولادة ولكن يبقى الأشكال في مسئلة الأم مع الجد ومسئلة الأم مع العم فانهما ليستا من هذا القبيل لأن النفقة الواجبة فيهما نفقة الفروع الواجبة على الأصول وحيث خصصنا قولهم يعتبر القرب والجزئية لا الإرث بنفقة الأصول الواجبة على الفروع خرجت المسئلتان عن ضابط قرابة الولادة ودخلتا في ضابط قرابة الرحم المحرم والا يلزم أنه لم يعلم لهما ضابط وإذا دخلتا في ضابط قرابة الرحم المحرم يبقى الأشكال من وجه آخر وهو ان الأم فيهما أقرب من الجد والعم. وقد علمت أنه يعتبر في قرابة الرحم المحرم قرب القرابة ثم الإرث لما قدمناه عن البدائع من أن القرب معتبر في قرابة الولادة والرحم المحرم وانه إذا استويا فيها ففى قرابة الولادة يطلب الترجيح وفى قرابة الرحم المحرم ينظر إلى الإرث فعلم أن النظر إلى الإرث بعد التساوى في القرب * وهنا الأم لم تساو الجد ولا العم في القرب بل هي أقرب منهما فكيف اعتبر الإرث. والجواب أن اعتبار الإرث بعد القرب في نفقة الرحم المحرم مخالف لكلامهم فإنهم اعتبروا فيها الإرث فقط كما يعلم من المتون وغيرها. نعم دلت فروعهم على اعتبار القرب في بعض المواضع كما في جد لام وعم فاوجبوها على الجد لقربه مع أن العم هو الوارث. فعلم أن ما في البدائع من اعتبار القرب أولا ثم الإرث ليس على إطلاقه وكذا ما في المتون من اعتبار الإرث (فلا بد) من تحرير كلامهم اخذا مما ذكروه من الضوابط ومن الفروع على وجه لا يرد عليه شيء من الاشكالات الواردة المذكورة وغيرها (فنقول) اعلان الذي تحرر لي من مجموع كلامهم ومن الفروع التي ذكروا احكامها أن اعتبار القرب والجزئية دون الإرث في قرابة الولادة ليس على إطلاقه بل فيه تفصيل فإذا

(7)

وجد للفقير فروع فالمعتبر في وجوب نفقته القرب والجزئية أي جزئيته لغيره أو جزئية غيره له ولا يعتبر الإرث أصلا إذا انفرد الفروع والابان وجد معهم أصول اعتبر الإرث عند التعارض بلا مرجح * ففى ابن وبنت أو ابنين ولو أحدهما كافرا تجب بالسوية لا بقدر الإرث للتساوى في القرب والجزئية بلا معارض ولا مرجح فلا يعتبر الإرث أصلا * وفى بنت وابن ابن على البنت فقط لاشتراكهما في الجزئية وترجح البنت بالقرب وإن اشتركا في الإرث وفى ولد بنت واخ شقيق على ولد البنت فقط لاشتراكهما في القرب بالادلاء بواسطة في كل منهما وترجح

(7)

قوله فإذا وجد للفقير فروع الخ اطلقه فشمل ما اذا وجد معهم اصول ايضا او لا ولذا عمم في معنى الجزئية بقوله اي جزئته لغيره او جزئية غيره له ليشمل صورة اب وابن فان الجزئية بالمعنى الاعم المذكور موجودة فيهما فيقال اشتراكا في الجزئية وترجح الابن منه

ص: 281

ولد البنت بالجزئية دون الأخ وإن كان الميراث له * وفى اب وابن على الابن فقط لاشتراكهما في القرب إلى الفقير والجزئية وترجح الابن بان للفقير شبهة الملك في مال ابنه دون مال أبيه. ففى هذه الصور كلها لم يعتبروا الإرث أصلا * وفى جد وابن ابن تجب النفقة عليهما على قدر الإرث لعدم امكان الترجيح بالقرب والجزئية ولا بغيرهما للتساوى من كل جهة فاعتبر الإرث ضرورة (والدليل) على ذلك ما في احكام الصغار للإمام الاستروشنى عن شرح نفقات الخصاف إذا كان له ابن بنت وبنت بنت موسران واخ موسر فالنفقة على أولاد أولاده لأن في باب النفقة يعتبر الأقرب فالأقرب ولا يعتبر الإرث في الاولاد اهـ وقال في موضع آخر نفقته على أولاد البنات يستوى فيها الذكر والانثى ولا عبرة للارث في الأولاد وإنما يعتبر القرب اهـ، فخص عدم اعتبار الإرث بالفروع دون غيرهم.

(ويدل) على ذلك أيضًا أن أصحاب المتون خصوا ذلك الضابط أعني اعتبار القرب والجزئية دون الإرث في نفقة الأصول الواجبة على الفروع كما قدمناه عنهم، وعبارة القهستاني وشرح الملتقي ويعتبر فيها أي في نفقة الأصول القرب والجزئية لا الإرث الخ (ولا ينافي) ذلك قول صاحب الذخيرة الأصل في نفقة الوالدين والمولودين أن يعتبر القرب والجزئية ولا يعتبر الميراث الخ لأن ذلك الضابط انما اشترطنا فيه وجود الفرع ولم نشترط فيه عدم وجود الأصل فقد يوجد فرع ويوجد معه أصل وتكون النفقة عليهما كما في الجد مع ابن الابن أو على الفرع فقط كما في الأب مع الابن فلهذا ذكر الوالدين والمولودين (ويدل) على ذلك أن صاحب الذخيرة قد ذكر ذلك الضابط ثم ذكر مسائله ولم يذكر فيها مسئلة الا وفيها أحد من الفروع كما قدمناه فعلم أن مراده ما ذكرنا من تخصيص ذلك الضابط بما إذا وجد فرع ولكن مع هذا لا يخفى أن عبارة المتون اقعد وامتن في التعبير لأنَّه حيث وجبت النفقة على الفروع والأصول ولا مرجح اعتبر الإرث كما ذكرنا في الجد مع ابن الابن (فعلم) أن عدم اعتبار الإرث أصلا انما هو حيث وجبت على الفروع خاصة (ويظهر) من هذا أنه لو كان له ابن ابن وبنت بنت تجب عليهما بالسوية لاشتراكهما في القرب والجزئية ولا يترجح ابن الابن بكونه وارثا لأنَّه يلزم عليه اعتبار الإرث في الأولاد وقد سمعت أنه لا اعتبار له فيهم والالزم أن تجب على الابن المسلم وحده فيما لو كان له ابنان أحدهما كافر فانهما اشتركا في القرب والجزئية وزاد الابن المسلم بكونه هو الوارث مع انهم أوجبوها عليهما سوية فثبت أنه لا ينظر إلى الإرث في الأولاد أصلا كما هو صريح كلامهم وانه لا ترجح للوارث على غير الوارث منهم (وبه)

ص: 282

ظهر أن قول الرملي في حاشية البحر فيمن له ابن ابن وبنت بنت انها على ابن الابن لرجحانه أهـ مخالف لكلامهم.

(واما) قول الذخيرة وإن استويا في القرب تجب على من له نوع رجحان فليس مراده ترجيح الفروع بعضهم على بعض بل مراده إذا وجد معهم غيرهم ممن يساويهم كالأب مع الابن فهنا ينظر إلى المرجح والا ناقض مسئلة ابنين أحدهما كافر فافهم (ويؤخذ) من هذا أنه لو له أب وابن ابن تجب على الأب فقط لأن طلب الترجيح انما هو عند التساوى من كل جهة وهنا الأب أقرب ولقول المتون ولا يشارك الأب في نفقة ولده أحد (وهذا كله) إذا وجد في المسئلة فرع للفقير (واما) إذا لم يوجد فيها من قرابة الولادة فرع بل وجد فيه أصل واحد أو أكثر سواء وجد معهم غيرهم من الحواشى او لا فهو داخل في ضابط ذوى الأرحام بدليل ذكر مسائل الأصول تحت ذلك الضابط وهو اعتبار الإرث لكنا قد وجدناهم لم يعتبروه في بعض الصور فعلمنا أنه ليس على إطلاقه كما قدمنا بيانه وهذا منشأ الاشتباه (فلابد) من تحرير ضابط جامع لمسائل الأصول التي لم يوجد فيها أحد من الفروع اخذا من فروعهم التي بينوا احكامها (فنقول) أنه يعتبر فيهم القرب والجزئية أيضًا إلا إذا كان فيهم أب أو كانوا كلهم وارثين فإن كان فيهم أب فح تجب عليه فقط وإن كانوا كلهم وارثين فح يعتبر الإرث كما في ذوى الأرحام وكل ذلك مأخوذ من كلامهم (أما) اعتبار القرب والجزئية إذا كان فيهم غير وارث فلما في القنية لو كان له أم وجد لام فعلى الأم أي لترجحها بالقرب واختصاصها بالإرث دون الجد المذكور وفى حاشية الخير الرملي على البحر وإذا اجتمع اجداد وجدات لزمت الأقرب ولو لم يدل به الاخر اهـ أي كجد لأم وجد أبي أبي الأب ومقتضاه لزومها على أبى الأم لقربه وإن لم يرث وليس الجد الاخر مدليا به لأنَّه من جهة الأب وهذا من جهة الأم وفى القنية ايضا لو له جد لأم وعم فعلى الجد اهـ أي لترجحه بالجزئية إي كون الفقير جزأ له دون العم ولترجحه بالقرب لادلاء الجد بالأم وادلاء العم بأبي الأب ثم بالأب فقدم على العم وإن كان الإرث للعم وحده * وفي الحانية لو له جد لاب وأخ شقيق فعلى الجد اى لترجحه بالجزئية واختصاصه بالإرث وإن تساويا في القرب * ولم ار ما لو تساويا في القرب والجزئية وكان الوارث أحدهما كجد لأم وجد لاب والظه الترجيح بالإرث فإنهم جعلوا الإرث مرجحا عند التساوى كما في العم مع الخال بل جعلوه أقرب حكما ففي شرح الجامع الصغير لقاضي خان تجب على العم لأنَّه أقرب من حيث الحكم اهـ أي لكونه هو الوارث دون الخال ويكفى في إثبات ذلك قولهم في قرابة الولادة إذا لم يوجد

ص: 283

الترجيح اعتبر الإرث وهنا لم يوجد مرجع للتساوي من كل جهة إلا في الإرث فيعتبر وكذا قولهم في قرابة ذى الرحم المحرم أنه لو كان الوارث أحدهما ترجح بكونه وارثا وإن ورثا فعلى قدر الإرث كما مر عن البدائع في الفصل الأول * فيتعين في مسئلتنا وجوبها على الجد لأب لكونه هو الوارث دون الجد لأم والله أعلم (واما) إذا كان فيهم أب وكان أقرب من غيره أو مساويا كما في أب وجد أو اب وأم فعلى الأب لما في عامة المتون من أنه لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد * وقال في البدائع ولو له أب وجد فعلى الأب لأنَّه أقرب وقال أيضًا ولو له أب وأم فعلى الأب اجماعا (واما) إذا كانوا كلهم وارثين فتجب بقدر الميراث كام مع أحد من العصبات لما في البدائع لو كان له أم واخ لاب وأم أو لأب أو ابن أخ لاب وأم أو لأب أو عم لاب وأم أو لأب كانت النفقة عليهما اثلاثا ثلثها على الأم والثلثان على الأخ وابن الأخ والعم اهـ وفى الخانية والذخيرة لو له أم وجد لأب فالنفقة عليهما اثلاثا في ظاهر الرواية (فقد) ثبت ما مهدناه من الأصل المذكور فيها إذا وجد أصول ولم يوجد معهم أحد من الفروع بدليل تفاريعهم المذكورة ويؤيده ما في حاشية العلامة الخير الرملي حيث قال ويظهر من فروعهم أن الاقربية أنما تقدم إذا لم يكونوا وارثين كلهم فأما إذا كانوا كلهم فلا كالام والعم والجد لقولهم بقدر الميراث اهـ كلامه لكنه خاص بما إذا لم توجد الفروع كما قلنا لما علمت من اعتبار القرب والجزئية دون الإرث إذا وجدت الفروع على التفصيل المار ومقيد أيضًا بما إذا لم يوجد في الأصول أب كما مر (فإن قلت) قال في الخانية إذا كان له أم وجد لأب وأخ شقيق قال أبو حنيفة انها على الجد وحده وهو مذهب الصديق رضى الله تعالى عنه اهـ وهذا يشكل على ما مهدته من الأصل المذكور لأنَّه قد وجد في المسئلة أصول وغيرهم وليسوا كلهم وارثين لأن الأخ يحجب بالجد فيعتبر القرب والجزئية فيلزم أن تكون النفقة على الأم فقط لأنها أقرب من الجد وإن نظرت إلى أن كلا من الأم والجد من الأصول ولم تنظر إلى الأخ المحجوب لزم أن تكون النفقة عليهما اثلاثا كما لو لم يوجد الأخ معهما (قلت) وبالله استعين أن مسئلة اجتماع الجد لأب مع الأم بدون أخ أنما اوجبوا فيها النفقة اثلاثا كالارث في ظاهر الرواية كما قدمناه لعدم تنزيلهم الجد منزلة الأب في باب النفقة واما إذا وجد مع الجد أخ فقد نزلوه منزلة الأب حتى حجب الأخ من الإرث إذا مات ذلك الفقير الذي مرادنا أن نوجب له النفقة فلما تحقق تنزيله منزلة الأب في هذه الصورة لزمت النفقة الجد كما لو كان الأب موجودا فلذا قدمنا أنه لو له جد لاب وأخ لزمت الجد ثم إذا وجدت معهما

ص: 284

أم أيضًا انما لم يلزمها شيء من النفقة وإن شاركت الجد في الميراث لما علمت من تحقق تنزيله منزلة الأب في هذه الصورة حتى حجب الأخ وإذا كان الأب موجودا حقيقة مع الأم لا يلزمها شيء من النفقة وإن شاركته في الإرث فكذا إذا كان موجودا تقديرا هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم.

(الفصل الثالث) حيث علمت ما قررناه واتضح لك ما ذكرناه وكان كله مأخوذا من فروعهم واصولهم صريحا أو دلالة فلنذكر لك الضابط الجامع لقرابة الولادة بنوعيها ليكون قاعدة يعول عند المراجعة عليها وهو في الحقيقة حاصل جامع الجميع ما تقدم.

(فأقول) مستعينا بمن علم الإنسان ما لم يعلم (اعلم) أن قرابة الولادة لا يخلو اما أن يكون الموجود منها واحدا أو أكثر فإن كان واحدا فالامر ظاهر وهو وجوب النفقة عليه عند استيفاء شروط الوجوب وإن كان أكثر فلا يخلو اما ان يوجد فروع فقط أو فروع وحواشي أو فروع واصول أو فروع واصول وحواشي او اصول فقط أو أصول وحواشي فالاقسام ستة وبقي قسم سابع وهو الحواشى فقط تتمة الاقسام العقلية ولكنه ليس من قرابة الولادة التى هى الفروع والأصول ونذكر حكمه تتميما للاقسام.

(القسم الأول) إذا كانوا فروعا فقط اعتبر القرب والجزئية فقط أي اعتبر الأقرب جزئية أن تفاوتوا قربا فيها ولا عبرة فيه للارث أصلا. ففى ولدين ولو أحدهما نصرانيا أو أنثى تجب عليهما سوية ذخيره * وفى ابن وابن ابن على الابن فقط لقربه بدائع. وكذا في بنت وابن ابن علي البنت فقط لقربها ذخيره. ويؤخذ من هذا أنه لا ترجيح لابن ابن علي بنت بنت وإن كان هو الوارث لاستوأيهما في القرب والجزئية ولتصريحهم بأنه لا اعتبار للارث في الأولاد والا لوجبت اثلاثا في ابن وبنت ولما لزم الابن النصراني شيء كما مر.

(القسم الثاني) إذا كانوا فروعا وحواشي فكذلك يعتبر القرب والجزئية أي كل منهما أو أحدهما دون الإرث وتسقط الحواشي بالجزئية * ففي بنت واخت شقيقة على البنت فقط وإن ورثتا بدائع وذخيرة * وتسقط الاخت لعدم الجزئية ولكون البنت أقرب. وفى ابن نصراني وأخ مسلم على الابن فقط وإن كان الوارث هو الأخ ذخيرة. أي لاختصاص الابن بالقرب والجزئية وفي ولد بنت وأخ شقيق على ولد البنت وإن لم يرث ذخيرة. أي لاختصاصه بالجزئية وإن استويا في القرب لادلاء كل منهما بواسطة.

(والمراد) بالحواشي من ليس من عمود النسب أي من ليس أصلا ولا فرعا مجازا فيدخل فيه ما في الذخيرة لوله بنت ومولى عتاقة فعلى البنت فقط وإن ورثا أي لاختصاصها بالقرب والجزئية.

(القسم الثالث) إذا كانوا فروعا واصولا فيعتبر فيه قرب

ص: 285

الجزئية فإن لم يوجد اعتبر الترجيح فإن لم يوجد اعتبر الإرث * ففى أب وابن تجب على الابن لترجمة بانت ومالك لابيك ذخيرة وبدائع. أي وإن استويا في قرب الجزئية. ومثله أم وابن لقول المتون ولا يشارك الولد في نفقة ابويه أحد. قال في البحر لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص ولانه أقرب الناس إليهما اهـ. فليس خاصا بالاب كما قد يتوهم بل الأم كذلك * وفى جد وابن ابن على قدر الميراث اسداسا للتساوي في القرب وكذا في الإرث وعدم المرجح من وجه اخر بدائع وظاهره أنه لو له أب وابن ابن أو بنت بنت فعلى الأب لأنَّه أقرب في الجزئية فانتفى التساوى ووجد المرجح وهو القرب وهو داخل تحت الأصل المار عن الذخيرة والبدائع وكذا تحت قول المتون لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد.

(القسم الرابع) إذا كانوا فروعا وأصولا وحواشي وحكمه كالثالث لما علمت من سقوط الحواشي بالفروع لترجحهم بالقرب والجزئية فكأنه لم يوجد سوى الفروع والأصول وهو القسم الثالث بعينه.

(القسم الخامس) إذا كانوا أصولا فقط فإن كان معهم أب فلا كلام في وجوب النفقة عليه فقط لما في المتون من أنه لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد. والا فلا يخلو اما أن يكون بعض الأصول وارثا وبعضهم غير وارث أو يكونوا كلهم وارثين. ففى الأول يعتبر الأقرب جزئية لما في القنية له أم وجد لام فعلى الأم أي لأنها أقرب * وفى حاشية الرملي إذا اجتمع اجداد وجدات فعلى الأقرب ولو لم. يدل به الاخر اهـ فإن تساوى الوارث وغيره في القرب فالمفهوم من كلامهم ترجح الوارث بل هو صريح قول البدائع في قرابة الولادة إذا لم يوجد الترجيح اعتبر الإرث اهـ وعليه ففى جد لام وجد لأب تجب على الجد لأب فقط اعتبارا للارث وفى الثانى أعني لو كان كل الأصول وارثين فكالارث ففى أم وجد لاب تجب عليهما اثلاثا في ظاهر الرواية خاينه وغيرها.

(القسم السادس) إذا كانوا اصولا وحواشي فإن كان أحد الصنفين غير وارث اعتبر الأصول وحدهم ترجيحا للجزئية ولا مشاركة في الإرث حتى يعتبر بقدر الميراث فيقدم الأصل سواء كان هو الوارث او كان الوارث هو المصنف الآخر الذى معه. مثال الأول ما في الخانية لو له جد لاب وأخ شقيق فعلى الجد * ومثال الثاني ما في القنية أو له جد لأم وعم فعلى الجد أي لترجمه فيهما بالجزئية مع عدم الاشتراك في الإرث لأنَّه هو الوارث في الأول والوارث هو العم في الثاني. وإن كان كل من الصنفين أعني الأصول والحواشي وارثا اعتبر الإرث. ففى أم وأخ عصبى أو ابن أخ كذلك أو عم كذلك على الأم الثلث وعلى العصبة الثلثان بدائع. ثم إذا تعدد الأصول

ص: 286

في هذا القسم بنوعيه ننظر إليهم ونعتبر فيهم ما اعتبر في القسم الخامس مثلا

(1)

لو وجد في المثال الأول جد لأم مع الجد لأب نقدم عليه الجد لأب لترجحه بالإرث. ولو وجد في المثال الثاني أم مع الجد لأم نقدمها عليه لترجحها بالإرث وبالقرب * وكذلك لو وجد في الامثلة الاخيرة جد لأم مع الأم نقدمها عليه لما قلنا ولو وجد معها جد لأب كانت النفقة عليه وحده لأنَّه يحجب الأخ وابنه والعم لتنزيله ح منزلة الأب وحيث تحقق تنزيله منزلة الأب لم تشاركه الأم في النفقة وإن شاركته في الإرث كما لو كان الأب موجودا حقيقة كما قررناه قبيل هذا الفصل (فهذا) زبدة ما قدمناه في الفصول السابقة على وجه الصواب وهو سالم من الخلل والاضطراب بحول الملك الوهاب.

(واما القسم السابع) وهو الحواشي فقط فتقريره واضح من كلامهم وهو ما قالوا أنه يعتبر فيه كونه ذا رحم محرم فلو محرما غير رحم كالاخ رضاعا لا تجب عليه نفقة وكذا لو رجحا غير محرم كابن العم وإن كان وارثا (ولابد) أيضًا من كون المحرمية بجهة القرابة احترازا عن ابن عم هو اخ رضاعا (وقد) اعتبروا في هذا القسم الإرث أي كونه اهلا للارث لا كونه وارثا حقيقة وعند الاستواء في المحرمية واهلية الإرث يترجح الوارث حقيقة. ففى خال وابن عم على الخال لأنَّه رحم محرم أهل للإرث عند عدم ابن العم ولا شيء على ابن العم وإن كان الميراث كله له لأنَّه غير محرم. وفى خال وعم على العم لاستوأيهما في الرحم والمحرمية وترجح العم بأنه وارث حقيقة * وفى عم وعمة وخالة على العم أيضًا ولو كان العم معسرا فعلى العمة والخالة اثلاثا كارثهما ويجعل العم كالعدم لأنَّه يحرز كل الميراث كما يأتي بيانه في الخاتمة.

(تنبيه) قال في القنيه له عم وجد أبو أم فنفقته على أبى الأم وإن كان الميراث للعم ولو كان له أم وأبو أم فعلى الأم قال وفيه اشكال قوى لأنَّه ذكر في الكتاب إذا كان له أم وعم موسران فعليهما اثلاثا فلم يجعل الأم أقرب من العم وجعل في المسئلة المتقدمة أبا الأم أقرب من العم ولزم منه أن تكون النفقة على أبى الأم مع الأم ومع هذا اوجبها على الأم (ويتفرع) من هذه الجملة فرع اشكل الجواب فيه وهو ما إذا كانت له أم وعم وأبو الأم موسرون فيحتمل أن تجب على الأم لا غير لأن أبا الأم لما كان أولى من العم والام أولى من أبى الأم كانت الأم أولى من العم لكن يترك جواب الكتاب ويحتمل أن تكون على الأم والعم اثلاثا اهـ ونقله في البحر وغيره

(1)

قوله لو وجد في المثال الأول المراد به ما مر عن الخانية وقوله ولو وجد في المثال الثانى المراد به ما مر عن القنيه منه

ص: 287

ولم يجيبوا عنه (أقول) وانت خبير بأنه لا اشكال أصلا على ما مهدنا من الضابط الجامع لأن ما ذكره من تقديم أبى الأم على العم فهو لكون أبى الأم مترجحا بالجزئية مع عدم اشتراكهما في الإرث فاعتبرت الجزئية فقط بخلاف ما عزاه إلى الكتاب من عدم تقديم الأم على العم لانهما اشتركا في الإرث فاوجبها عليهما ثلاثا وبنحو ذلك أجاب الخير الرملي واماما فرعه واستشكله فهو ظاهر أيضًا مما مهدناه لأنَّه اجتمع الأصول مع الحواشي وكل من الصنفين وارث فيعتبر الإرث فيجب على الأم والعم اثلاثا ويسقط أبو الأم بالأم لترجحها عليه بالقرب والارث. وبذلك أفتى بعض المتأخرين من مشايخ مشايخنا في خصوص هذا الفرع وكذا قال العلامة الرملى في حاشية البحران الذي ينبغي التعويل عليه في الفرع المشكل أن تكون على الأم والعم اثلاثا لأن كلا منهما وارث وقد سقط ابو الام بالأم فكان كالميت فتأمل يظهر لك الامر اهـ وفى ذلك تأييد لما مهدناه لموافقته له وعدم مخالفته لمسئلة الكتاب والله أعلم بالصواب.

(والخاتمة) اعلم أن جميع ما قدمناه أنما هو فيما إذا كان جميع الموجودين موسرين اذ لا تجب النفقة إلا على الموسر فلا تجب على غير الموسر ولو قادرا على الكسب ولكن هذا بإطلاقه خاص بالنفقة لغير قرابة الولادة اما في قرابة الولادة فإنه ينظر فإن كان المنفق هو الأب فلا يشترط لوجوب النفقة عليه يساره بل تكفى قدرته على الكسب فإذا كان معسرا كاسبا تجب عليه نفقة أولاده الصغار الفقراء والذكور الزمني الفقراء والإناث الفقيرات وإن كن صحيحات وإن كان لهم جد موسر لم تفرض النفقة عليه وإنما هو يؤمر بها ليرجع على الأب لأنها لا تجب على الجد عند وجود الأب القادر على الكسب الا ترى أنه لا يجب على الجد نفقة ابنه المذكور فنفقة أولاده الأولى نعم لو كان الأب زمنا قضى بنفقتهم ونفقة الأب على الجد (وإن كان) المنفق هو الابن وهو معسر مكتسب وفي كسبه فضل عن قوته يجبر على الانفاق على الأب من الفضل وإن كان لا يفضل شيء وله عيال يدخله معهم وتمامه في البدائع * فالمعتبر في إيجاب نفقة الوالدين مجرد الفقر وهو ظاهر الرواية كما في الذخيرة. اما غير هما فالمعتبر فيه الفقر والعجز بالصغر او الزمانة أو الانوثة أو بالخرق (أي عدم احسان الصنعة أو بكونه من ذوى البيوتات كما في الذخيرة وقدمنا عن الملتقى وغيره زيادة كونه طالب علم (واعلم) أن ما ذكرناه آنفا عن البدائع من أنها لا تفرض على الجد إذا كان الأب فقيرا هو المفهوم من عبارات المتون والشروح حيث لم يقيدوا وجوب النفقة على الأب باليسار لكن نقل ذلك في الذخيرة عن القدورى وقال

ص: 288

قبله قال في الكتاب الجد بمنزلة الأب في استحقاق النفقة عليه إذا كان الأب ميتا أو كان الأب حيا إلا أنه فقير لأن الفقير يلحق بالميت في استحقاق النفقة على الموسر ثم قال بعد ذلك وهذا هو الصحيح من المذهب وما ذكره القدوري قول الحسن بن صالح هكذا ذكر الصدر الشهيد في شرح ادب القاضي للخصاف اهـ. لكن ذكر في الذخيرة أيضًا أن الأب إذا كان معسرا والام موسرة تؤمر أن تنفق من مالها على الولد ليكون دينا ترجع به عليه إذا ايسر لأن نفقة الصغير على الأب وإن كان معسرا كنفقة نفسه فكانت الأم قاضية حقا واجبا عليه بأمر القاضى فترجع عليه إذا ايسر والام أولى بالتحمل من سائر الاقارب اهـ. ولا يخفى أن هذا مخالف لما صححه اولا اذ لو جعل الأب كالميت لكان الوجوب على الأم بلا رجوع على الأب فهذا موافق ومؤيد لما في المتون والشروح من أنه لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد ولما في الخانية من أن نفقة الأولاد الصغار والاناث المعسرات على الأب لا يشاركه في ذلك أحد ولا تسقط بفقره اهـ فعلم أن رواية القدورى غير ضعيفة بل اقتصار المتون والشروح عليها اختيار لها كما نص عليه العلامة الرملي ولما قصر نظره صاحب البحر على ما صححه في الذخيرة قال لابد من إصلاح المتون والشروح وانت خبير بأنه على هذه الرواية لا حاجة إلى اصلاحها كيف هذا مع قولهم أن المتون والشروح تقدم على الفتاوى. نعم أن كان الأب زمنا فقيرا فح تجب نفقة الصغار على الجد أو الام أو غيرهما من الاقارب ويجعل الأب كالميت بلا خلاف كما نص عليه في الذخيرة حيث قال وإن كان الأب زمنا قضى بنفقة الصغار على الجد ولم يرجع على أحد اتفاقا لأن نفقة الأب في هذه الحالة على الجد فكذا نفقة الصغار اهـ (واعلم أيضًا) أن الأصل أنه إذا اجتمع في قرابة من تجب له النفقة موسر ومعسر ينظر إلى المعسر فإن كان يحرز كل الميراث يجعل كالمعدوم ثم ينظر إلى ورثة من تجب له النفقة فتجعل النفقة عليهم على قدر مواريثهم وإن كان المعسر لا يحرز كل الميراث تقسم النفقة عليه وعلى من يرث معه فيعتبر المعسر لاظهار قدر ما يجب على الموسرين ثم يجعل كل النفقة على الموسرين على اعتبار ذلك كذا في الخانية وغيرها لكن إذا كان المعسر ابا انما يجعل كالميت إذا كان زمنا كما علمته مما قررناه آنفا بخلاف غير الأب فتنبه لذلك (بيان هذا الأصل) صغير له أم واخت شقيقة موسرتان وله اخت لاب واخت لأم معسرتان فالنفقة على الأم والشقيقة على أربعة ولا شيء على غيرهما ولو جعل من لا تجب عليه النفقة كالمعدوم أصلا كانت اخماسا ثلاثة اخماس على الشقيقة والخمسان على الأم اعتبارا

ص: 289

بالميراث. ولو كان له أم معسرة ولامه اخوات متفرقات موسرات فالنفقة على الخالة لأب وأم لأن الأم تحرز كل الميراث فتجعل كالمعدومة واما نفقة الأم فعلى اخواتها اخماسا على الشقيقة ثلاثة اخماس وعلى الأخت لأب خمس وعلى الأخت لأم خمس * ولو كان رجل معسر زمن له ابن صغير فقير وثلاثة أخوة متفرقين موسرين فنفقة الرجل على أخيه الشقيق واخيه لامه اسداسا اعتبارا بالميراث. واما نفقة ولده فعلى عم الولد الشقيق فقط أي لأنَّه إذا جعل الأب كالمعدوم لكونه يحرز كل ميراث ابنه يكون الوارث للابن هو العم الشقيق فقط فيختص بالنفقة أيضًا ولو كان الولد بنتا كانت نفقة الأب وبنته على أخيه الشقيق فقط اما البنت فلما قلنا أنه يجعل الأب كالمعدوم كما في الابن. واما الأب فلان وارثه هنا هو اخوه الشقيق لأنَّه يرث مع البنت ولا يرث غيره من الأخوة فلا تجعل البنت كالمعدومة بخلاف الابن لأنَّه لا يرث معه أحد من أخوة أبيه فمست الحاجة إلى أن يلحق الابن بالعدم وإذا جعلناه معدوما كان ميراث الأب بين الأخ الشقيق والأخ لأم على ستة فتجب النفقة عليهما كذلك ولو كان مكان الأخوة اخوات

(1)

متفرقات والولد ذكر فنفقة الأب على اخواته على خمسة لأنَّه لا يرث مع الابن منهن أحد فيجعل كالمعدوم فيكون ميراث الأب بينهن على خمسة ثلاثة اخماس للشقيقة وخمس للأخت لأب وخمس للأخت لأم بطريق الرد فتجب النفقة كذلك واما نفقة الابن فعلى الشقيقة فقط عندنا لأن ميراثه عند عدم الأب يكون لها فكذلك النفقة اهـ ملخصا من فتاوى الإمام قاضي خان.

(أقول) ومن فروع هذا الأصل ما في فتاوى المرحوم على افندى المرادى مفتى دمشق حيث (سئل) في امرأة فقيرة لها بنتان غنية وفقيرة واربعة أبناء أخ عصبى اغنياء (فأجاب) بان على بنتها الغنية النصف وعلى أبناء أخيها النصف قال لأن الفقيرة حسبت ليكون لاختها الثلث ولابناء اخيها الثلث ثم سقطت عند النفقة فوجبت على أصحاب الثلثين. فتنصفت عليهما اهـ (وسئل ايضا) عن طفل فقير له ام فقيرة وجدة لأب وعم موسران (فأجاب) على الجدة السدس والباقي على العم على قدر الإرث (وسئل أيضًا) في أيتام فقراء لهم جد لأب معسر واعمام موسرون وأم موسرة (فأجاب) بان النفقة كلها على الأم دون الجد لأنَّه معسر ودون الاعمام لعدم ارثهم مع الجد اهـ (أقول) لكن في جوابه عن السؤال الأول غلط والصواب وجوب النفقة تمامها على البنت الغنية فقط لقول المتون لا يشارك الولد في نفقة

(1)

قوله متفرقات أي واحدة الأم واب وواحدة لأب فقط وواحدة لأم فقط منه.

ص: 290

ابويه أحد فلا يجب على الفقيرة شيء لاعسارها ولا على أبناء الأخ لأنهم من الحواشي. وقد علمت مما مهدناه من الأصل الجامع أنه متى وجد الفروع تسقط الحواشي كما في بنت واخت شقيقة فإنها تجب على البنت فقط ولا شيء على الشقيقة مع انها أقرب من أبناء الأخ. واولى من ذلك أيضًا ابن نصراني وأخ مسلم تجب على الابن فقط ولا شيء على الأخ المسلم وإن كان الإرث كله له. وكذا الجواب عن السؤال الثاني غير صحيح لأن الأم فيه لا تحرز كل الميراث فلا تنزل منزلة المعدوم كما علمت من الأصل الذى قررناه في الخاتمة فإن إطلاق ذلك الأصل يقتضى أن من لا يحرز كل الميراث يعتبر حيا وإن لم يكن الوارث معه متعددا فإذا اعتبرنا الأم هنا حية تسقط الجدة بها فيكون الوارث هو العم فقط فتكون النفقة كلها عليه وحده ولهذا أوجب النفقة في السؤال الثالث على الأم وحدها واسقط الاعمام الموسرين بالجد المعسر لأن الوارث على اعتبار حياة الجد لأب هو الأم وحدها وهى غير متعددة والله أعلم (وإنما نبهنا) على ذلك لئلا يغتر به أحد وليعلم المتصدر للفتوى صعوبة هذه المسائل. فإنها مما تحير فيها الأئمة الاوائل. وزلت فيها اقدام افهام الافاضل * فقد اشبهت بكثرة التنويع والانقسام. مسائل توريث ذوي الأرحام. والذي يسهل الأمر على الناظر والسامع. حفظ ما تقدم من الضابط الجامع. فكن له ارغب آخذ * وعض عليه بالنواجذ .. فإنك لا تكاد تجده في كتاب * ولا تسمعه من خطاب * وادع القصير الباع. قليل المتاع. الذي اظهر الله تعالى من فضله على يديه. بما لم يسبق إليه. ولم يقف أحد قبله عليه. مع ضعفه وقصوره * وكلالة ذهنه وفتوره. ولكن لله در من قال. وابلغ في المقال شعر (ان المقادير إذا ساعدت. الحقت العاجز بالقادر) والحمد لله اولا واخرا. وباطنا وظاهرا * والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم قال مؤلفها روح الله تعالى روحه ونور مرقده وضريحه نجزت الرسالة المباركة الميمونة ان شاء الله تعالى على يد جامعها الحقير محمد عابدين اسعده مولاه. في دنياه وعقباه وذلك في شوال سنة 1235 ألف ومأتين وخمسة وثلاثين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وتحية

ص: 291

الرسالة الثالثة عشرة

رفع الانتقاض ودفع الاعتراض على قولهم الأيمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض

لخاتمة المحققين السيد محمد امين الشهير بابن عابدين

رحمه الله تعالى آمين

ص: 291

الرسالة الثالثة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الاحد. والصلاة والسلام على سيدنا محمد السيد السند. وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان على طول الابد (اما بعد) فيقول راجي عفو ربه واسير وصمة ذنبه * محمد امين. ابن عمر عابدين. غفر الله تعالى له ولوالديه * ولمن له حق عليه (هذه رسالة سميتها رفع الانتقاض، ودفع الاعتراض. على قولهم الأيمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض. اذكر فيها ما يفتح على به المولى الأكرم. الذى علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. على ما وصل إليه فهمى. وانتهى إليه علمى. بما ذكره علماؤنا الراسخون. وسلفنا الاقدمون. بوأنا الله تعالى واياهم دار السلام. وحشرنا في زمرتهم تحت لواء سيد الانام. عليه الصلاة والسلام.

(فنقول) اعلم أن ائمتنا الحنفية صرحوا في كتبهم بان الإيمان عندنا مبنية على الالفاظ لا على الاغراض وصرحوا أيضًا بأنها مبنية عندنا على العرف وفرعوا على الأصلين المذكورين مسائل عديدة وبين هذين الأصلين مناقضة بحسب الظاهر، وكذا في بعض الفروع المفرعة عليهما خفاء لا يدركه إلا الماهر. وقد خفى ذلك على كثير من الناظرين. وحارت فيه افكار الفضلاء الكاملين. فضلا عن القاصرين. فلنتكلم على ذلك بما يوضح الحال ويزيح الاشكال. بعون رب العالمين (قال) في الأشباه والنظاير قاعدة الأيمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض فلو اغتاظ من إنسان فحلف أن لا يشترى له شياء بفلس فاشترى له بمائة درهم لم يحنث ولو حلف لا يبيعه بعشرة فباعه باحد عشر أو بتسعة لم يحنث مع ان غرضه الزيادة لكن لا حنث بلا لفظ ولو حلف لا يشتريه بعشرة فاشتراه باحدى عشر حنث وتمامه في تلخيص الجامع الكبير وشرحه للفارسي انتهى كلام الأشباه. وهذا بحسب مع الظاهر مشكل من وجهين. الأول أن هذا الأصل وبعض الفروع المذكورة مخالف لقولهم الايمان مبنية على العرف. الثاني أن الفرع الأخير موافق لبناء الإيمان على العرف ومخالف لبنائها على الالفاظ أنه مفرع عليه لكن صاحب الأشباه احال تمام تقرير المسئلة إلى تلخيص الجامع الكبير وشرحه للفارسي فنذكر جملة كلامهما فإن فيه البيان الشافي. والتقرير الوافي. ونشرح ما في ذلك من الخفاء ليظهر المراد. نفعا للعباد (واعلم) اولا أن هذا الموضع من

ص: 292

المحلات المشكلة. والمسائل المعضلة * فعليك أن تتلقاه بفكر خال وقال. لكى يتذلل لك أبيه وينقاد * وممن نبه على صعوبة هذا المحل الإمام جمال الدين الحصيرى في كتابه التحرير شرح الجامع الكبير حيث قال في باب اليمين في المساومة كما نقله عنه الفارسي في شرحه تحفة الحريص ما نصه وروى عن القاضي الجليل السجزى رحمه الله تعالى أنه قال لأصحابه هلموا نطارح مسائل الجامع فسألوه عن مسائل هذا الباب فقال ايتونى بالين من هذا وروى عن الشاشي رحمه الله تعالى الذي كان من أصحاب الكرخي رحمه الله تعالى أنه قال قرأنا كتاب الجامع على الكرخي فلما انتهينا إلى هذا الباب وضع نكتة لتخريج مسائل الباب فانتقضت بمسئلة ثانية من الباب ثم وضع نكتة أخرى فانتقضت بمسئلة ثالثة ثم وضع نكتة أخرى فانتقضت بالرابعة فقام وترك الدرس يومئذ قال ذكر مشايخنا هاتين الحكايتين لبيان الصعوبة انتهى ولنذكر من مسائل هذا الباب ما يخص غرضنا المقصود فنقول مستمدين العون من الملك المعبود (قال) الإمام صدر الدين أبو عبد الله محمد بن عباد بن ملك داد

(1)

الخلاطي في كتابه الذي لخص به كتاب الجامع الكبير للإمام محمد بن الحسن في باب اليمين في المساومة حلف لا يشتريه بعشرة حنث باحد عشر ولو حلف البائع لم يحنث به لأن مراد المشترى المطلقة ومراد البائع المفردة وهو العرف ولو اشترى أو باع بتسعة لم يحنث لأن المشترى مستنقص والبائع وإن كان مستزيدا لكن لا يحنث بالغرض بلا مسمى كمن حلف لا يخرج من الباب أو لا يضرب سوطا او لا يشتريه بفلس أو ليغدينه اليوم بالف فخرج من السطح وضرب بعصا واشترى بدينار وغدى برغيف مشترى بالف لم يحنث كذا بتسعة ودينار او ثوب وبالعرف يخص ولا يزاد حتى خص الرأس بما يكبس ولم يرد الملك في تعليق طلاق الأجنبية بالدخول انتهى.

(وقال) شارحه الشيخ الإمام علاء الدين أبو الحسن على بن بلبان بن عبد الله الفارسي الحنفى في شرحه المسمى تحفة الحريص في شرح التلخيص رجلان تساوما ثوبا فحلف المشترى أنه لا يشتريه بعشرة فاشتراه بأحد عشر الحنث في يمينه لأنَّه اشتراء بعشرة وزيادة

(2)

والزيادة على شرط الحنث لا تمنع الحنث كما لو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها ودخل

(1)

قال شارحه ملك داد اسم مركب من كلمة عربية وهى ملك وكلمة فارسية وهى داد ومعناها قيل اما العدل الذى هو خلاف الظلم واما العطاء فيكون ملخص معنى هذا الاسم عطاء الملك لأنهم يقدمون المضاف إليه على المضاف ويحتمل أن يكون معناه عدل الملك والله تعالى اعلم انتهى منه.

(2)

قوله وزيادة وهي الدرهم الحادى عشر فشرط حنثه وجود الفعل المحلوف عليه وهو الشراء بالعشرة فإذا اشترى باحد عشر فقد وجد شرط الحنث وزيادة والزيادة لا تمنع الحنث ولا يقال أن الاحد عشر غير العشرة وهو قد خلف على العشرة لانا نقول مراد المشترى العشرة المطلقة الشاملة للمفردة والمقرونة كما يأتى فمراده بالشراء بعشرة التزام العشرة ازاء المبيع مجازا لا القعد بالعشرة منه.

ص: 293

دارا أخرى (ولو) كان الحالف البائع لا يبيعه بعشرة فباعه باحد عشر لم يحنث لحصول شرط بره لأن غرضه الزيادة على العشرة وقد وجد * وهذا لأن البيع بالعشرة نوعان بيع بعشرة مفردة وبيع بعشرة مقرونة بالزيادة ففي المشترى اللفظ مطلق لا دلالة فيه على تعيين أحد النوعين فكان مراده العشرة المطلقة والشراء بعشرة له حقيقة وهو العقد بعشرة ومجاز وهو التزام عشرة بإزاء هذا الثوب لأن الشراء عقدو فيه التزام الثمن وقد دل حال الحالف على ارادة المجاز لان الحامل

(3)

له على اليمين معنى التزام الثمن فحمل عليه. أما البائع فمراده البيع بعشرة مفردة بدلالة الحال إذ غرضه أن يزيده المشترى على العشرة ولم يوجد شرط حنثه وهو البيع بعشرة منفردة فلا يحنث وهذا هو المتعارف بين الناس فيحمل اليمين على ما تعارفوه (ولو) اشتراه المشترى او باعه البائع بتسعة لم يحنث واحد منهما أما المشترى فلانه مستنقص فكان شرط بره الشراء بانقص من عشرة وقد وجد واما البائع فلانه وإن كان مستزيدا للثمن على العشرة إلا أنه لا يحنث بفوات الغرض وحده بدون وجود الفعل المسمى وهو البيع بعشرة فلا يحنث. وهذا لأن الحنث انما يثبت بما يناقض البر صورة وهو تحصيل ما هو شرط الحنث صورة وللمحالف في الاقدام على اليمين غرض (فإذا) وجد الفعل الذى هو شرط الحنث صورة وفات غرضه به فقد فات شرط البر من كل وجه فيحنث (أما) إذا وجد صورة الفعل الذي هو شرط في الحنث بدون فوت الفرض أو بالعكس لا يكون حنثا مطلقا فلا يترتب عليه حكم الحنث وصار كمن حلف لا يخرج من الباب فخرج من جانب السطح أو حلف لا يضرب عبده سوطا فضربه بعصا أو حلف لا يشترى لامرأته شيأ بفلس فاشترى لها شيأ بدينار أو حلف ليغدين فلانا اليوم بألف درهم فغداه برغيف مشتري بألف لم يحنث في هذه الصور كلها وإن كان غرض الحالف في المسئلة الأولى القرار في الدار وفي الثانية الامتناع عن ايلام العبد وفي الثالثة ايذاء المرأة وعدم الانعام عليها،

(3)

الحامل اسم ان ومعنى تميز والتزام خبرها منه

ص: 294

وفي الرابعة كون ما يغديه به كثير القيمة، وكذا لو اشتراء المشترى أو باعه البائع بتسعة ودينار أو بتسعة وثوب لم يحنث. أما المشترى فلان شرط حنثه لم يوجد لا حقيقة ولا مجازا أما حقيقة فلان العقد ليس بعشرة. واما مجازا فلانه لم يلتزم العشرة بازاء المبيع والمشترى وإن كان مستنقصا يمينه الثمن عن العشرة إلا أن ذلك غرض وبالغرض يبر

(1)

ولا يحنث لما قلنا واما البائع فلعدم وجود شرط الحنث صورة وهو البيع بعشرة مع تحقق شرط بره وهو الزيادة على العشرة اذ غرضه الزيادة وبالغرض يتحقق البر دون الحنث لما قلنا انتهى كلام شرح التلخيص وسنذكر تمامه.

(تنبيه) لتوضيح ما مر اعلم أن الحالف على شيء لابد أن يكون له في الاقدام على اليمين غرض ثم ان ذلك الغرض قد يكون نفس الفعل الذي سماه مثل لا ادخل هذه الدار فالفعل المحلوف عليه عدم الدخول وهو الغرض ومثل لادخلن هذه الدار فالفعل هو الدخول وهو الغرض وقد يكون الغرض هو ذلك الفعل المسمى فقط او مع شيء آخر مثل لا اشتريه بعشرة فالفعل هو عدم الشراء بعشرة والغرض هو عدم الشراء بها وبما فوقها لأنَّه مستنقص فمراده الشراء بما دونها وكذا لا أبيعه بعشرة فإن الغرض هو عدم البيع بالعشرة المسماة وبما دونها لأنَّه مستزيد فمراده البيع بما فوقها وقد يكون الغرض امرا خارجا عن الفعل المسمى ولا يكون المسمى مرادا اصلا مثل لا اضع قدمى في دار فلان فإن الفعل المسمى المحلوف عليه هو عدم وضع القدم والغرض المنع عن الدخول مطلقا والمسمى غير مراد حتى لو وضع قدمه ولم يدخل لم يحنث. ثم أن البر لا يتحقق إلا بتحقق الغرض فصار حصول الغرض شرطا للبر ومن المعلوم ان الحنث نقيض البر فالحنث لا يتحقق إلا بما يفوت الغرض وهو عدم الفعل المحلوف عليه اثباتا او نفيا ففى لا ادخل انما يتحقق الحنث بالدخول وفى لادخلن بعدمه فإذا تحقق الفعل الذي هو شرط الحنث وفات به الغرض فقد فات شرط البر من كل وجه فيتحقق الحنث المطلق المترتب عليه حكمه من لزوم كفارة ونحوها لتحقق شرطه وهو وجود الفعل المفوت للغرض لأن شرط الحنث الكامل هو وجود الفعل مع فوات الغرض أما إذا وجد صورة الفعل بدون فوت الغرض أي بان وجد معه الغرض أو بالعكس أي عكس الوجه الأول الذى هو وجود الفعل مع فوت الغرض بان وجد الغرض وفات الفعل وعكس الثاني الذى هو وجود الفعل والغرض أيضًا بأن فات كل من الفعل والغرض فلا يتحقق الحنث في كل من صورتي العكس

(1)

قوله وبالغرض يبر فيه نظر منه

ص: 295

المذكورتين والصورة التي قبلهما لعدم وجود شرط الحنث الكامل (فالحاصل) أن الاوجه أربعة لأنَّه اما أن يوجد حقيقة الفعل ويفوت الغرض. أو توجد صورة الفعل والفرض أو يوجد الغرض فقط ويفوت الفعل. أو لا يوجد شيء منهما والحنث انما يتحقق في الوجه الأول فقط دون الثلاثة الباقية. مثال الأول الشراء بأحد عشر في المسئلة الأولى من المسائل الاربع المتقدمة في أول عبارة تلخيص الجامع لأن الفعل المحلوف عليه الشراء بعشرة وغرض المشترى الحالف نقص الثمن عن العشرة فإذا اشترى بأحد عشر فقد اشترى بعشرة وزيادة ووجدا لفعل المحلوف عليه وفات الغرض وهذا هو شرط الحنث المطلق المترتب عليه حكمه فلذا قالوا أنه يحنث ولا يقال ان الشراء بعشرة معناه الحقيقي عقد الشراء بعشرة والعقد بأحد عشر غير العقد بعشرة فلم يوجد الفعل المحلوف عليه لانا نقول أن الشراء بعشرة له معنى حقيقى وهو ما ذكرته ومعنى مجازى وهو التزام العشرة بإزاء الثوب المبيع ومراد المشترى هو المعنى المجازى بقرينة حالية وهى أن الحامل له على اليمين من جهة المعنى هو التزام الثمن وذلك الثمن هو العشرة التى سماها والعشرة تطلق على العشرة المفردة وهى هذا الكم المنفصل الذى هو آخر مراتب الآحاد واول مراتب العشرات وتطلق على المقرونة أي العشرة التي قرنت بغيرها من الاعداد ولما كان غرض المشترى نقص الثمن عن العشرة وعدم التزامها بإزاء المبيع علم أن مراده مطلق العشرة أي الشاملة للمفردة والمقرونة فإذا اشترى بالمفردة فلا كلام في أنه قد وجد الفعل وفات الغرض فيحنث وكذا لو اشترى بالمقرونة لأن غايته أنه وجدت العشرة التي امتنع من التزامها في الثمن ووجد معها زيادة وهى الدرهم الحادى عشر مثلا وإذا وجد شرط الحنث ووجد معه زيادة فتلك الزيادة لا تمنع الحنث كما لو حلف لا يدخل هذه لدار فدخلها ودخل دارا أخرى فإنه يحنث وإن زاد على شرط الحنث (ومثال) الوجه الثاني البيع بأحد عشر في المسئلة الثانية من المسائل الاربع المذكورة فإنه وجدت صورة الفعل المحلوف عليه وهو البيع بعشرة التي في ضمن الاحد عشر ووجد أيضًا الغرض لأن غرض البائع الحالف الزيادة على العشرة وقد وجدت فلا يحنث لأن شرط الحنث وجود الفعل مع فوت الغرض وهنا لم يفت الغرض بل وجد على أن الفعل في الحقيقة لم يوجد ايضا لان مراد البائع في قوله لا ابيعه بعشرة العشرة المفردة أما العشرة المقرونة بالزيادة فإنه غير ممتنع عنها بل طالب لها وهي غرضه فإذا باع بأحد عشر فقد وجد غرضه ولم يوجد الفعل المحلوف عليه حقيقة أي الذى أراد منع نفسه عنه وإنما وجد صورة في ضمن الاحد عشر ولذا قيد

ص: 296

الشرط بقوله أما إذا وجد صورة الفعل والا فحقيقة الفعل لم توجد وكيف توجد حقيقة الفعل الذى هو شرط الحنث مع وجود الغرض الذي يحصل به البر وهما متناقضان (ومثال) الوجه الثالث الشراء بتسعة في المسئلة الثالثة من الاربع المذكورة لأن المشترى الحالف مستنقص عن العشرة فإذا اشترى بتسعة فقد وجد غرضه ولم يوجد الفعل المحلوف عليه أصلا فيكون قد وجد شرط البر الكامل وفات شرط الحنث من كل وجه فلا يحنث (ومثال) الوجه الرابع البيع بتسعة في المسئلة الرابعة من المسائل الاربع لأن البائع طالب للزيادة فإذا باع بتسعة وقد حلف لا يبيع بعشرة لم يوجد الفعل المحلوف عليه وهو العشرة ولا الغرض وهو الزيادة فحيث فات الفعل لم يتحقق شرط الحنث الكامل وإن فات الغرض لأن فوت الغرض لا يوجب الحنث ما لم يوجد الفعل لأن الحنث شرطه وجود الفعل المفوت للغرض كما مر فلذا لا يحنث. ومثله المسائل الاربع الثانية المتقدمة في عبارة الجامع في قوله كمن حلف لا يخرج من الباب الخ فإنه لم يوجد فيها الفعل ولم يوجد الغرض أيضًا بل فات لأنَّه حلف لا يخرج من الباب وغرضه القرار في الدار فإذا خرج من السطح فات الفرض لكن لم يوجد الفعل وهو الخروج من الباب ومثله لا اشتريه بعشرة فاشتراه بتسعة ودينار فانه وإن كان غرضه منع نفسه عن الشراء بعشرة وباكثر منها ثمنية لكنه لم يوجد الفعل وهو الشراء بعشرة لا حقيقة ولا مجازا وكذا لو باعه بذلك لا يحنث بالاولى لأنَّه لم يوجد الفعل ولكنه حصل الغرض لأن البائع مراده البيع بأكثر من العشرة من حيث العدد أو الثمنية (فقد) ظهر وجه الحكم المذكور في كل من المسائل المذكورة وتفريعها على أن الإيمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض أي انها تبنى على ما تلفظ به الحالف من الفعل المحلوف عليه المناقض للغرض فإذا وجد الفعل المذكور ثبت الحنث المطلق والا فلا ولا تبنى على الغرض فلا يقال أن المعتبر غرض الحالف فإن فات الغرض حنث سواء وجد الفعل أولا وإن وجد الغرض لا يحنث سواء فات الفعل او لا لأن المعتبر اللفظ والغرض لا يعتبر إلا إذا وجد معه اللفظ وهذا ما أشار إليه في تلخيص الجامع بقوله وبالعرف يخص ولا يزاد (قال) شارحه الفارسي رحمه الله تعالى وقوله في المتن وبالعرف يخص ولا يزاد جواب عن سؤال مقدر. وهو أن يقال غرض المشترى من اليمين عرفا النقصان عن عشرة فإذا اشترى بتسعة ودينار أو بتسعة وثوب لم يوجد النقصان بل وجدت الزيادة من حيث القدر والمالية فوجب أن يحنث وكذا البائع بتسعة مفردة وجب أن يحنث لأن المنع عن ازالة ملكه بعشرة منع عن إزالته بتسعة عرفا كما ان امتناع

ص: 297

المشترى عن التزام عشرة بإزاء المبيع امتناع عن التزام أحد عشر * والجواب عن الأول أن الحكم لا يثبت بمجرد الغرض وإنما يثبت باللفظ والذي تلفظ به المشترى لا يحتمل الشراء بتسعة ودينار او ثوب اذ الدرهم لا يحتمل الدينار ولا الثوب ولا يمكن أن يجعل مجازا عن الشراء بما يبلغ قيمته عشرة باعتبار الغرض في العرف لأنَّه لا تجوز الزيادة على اما ليس في لفظه بالعرف لما يذكره

(1)

ولهذا لو حلف لا يشتريه بدرهم فاشتراه بدينار لم يحنث. واما الجواب عن الثاني أي عن قوله وكذا البائع بتسعة الخ فهو أن نقول الملفوظ هو العشرة وطلب الزيادة على العشرة ليس في لفظ البائع وليس هو محتمل لفظه اذ اسم العشرة لا يحتمل التسعة ليتعين بغرضه والزيادة على اللفظ بالعرف لا تجوز بخلاف الشراء بتسعة

(2)

لأن العشرة في جانب المشترى تحتمل عشرة مفردة وعشرة مقرونة فتتعين إحداهما بغرضه اذ العام يجوز تخصيصه وتقييده بالعرف كما خص الرأس فيما إذا حلف لا يأكل رأسا بما يكبس في التنور ويباع في المصر وهو رأس الغنم والبقر عند أبي حنيفة لأنَّه المتعارف في زمانه وبرأس الغنم خاصة عندهما لأنَّه المتعارف في زمانهما ولا يحنث برأس العصفور ونحوه. وكذا إذا اشترى بألف درهم وفي البلد نقود مختلفة يخص الثمن بالنقد الغالب بدلالة العرف وهذا لأن تخصيص اللفظ بالنية جائز وهو إرادة الحالف وحده فتخصيصه بالعرف أولى لأنَّه ارادة جميع الناس. أما الزيادة على ما شرط الحالف بدلالة العرف لا تجوز لأنَّه لا تأثير لها في جعل ما ليس بملفوظ ملفوظا. ولهذا لو قال لاجنبية ان دخلت الدار فانت طالق كان لغوا ولا يراد الملك في لفظه بالعرف ليصير كأنه قال ان دخلت الدار وانت في نكاحي فانت طالق وإن كان المتعارف فيما بين الناس لأن الملك ليس بمذكور في لفظه ولا تأثير للعرف في جمل ما ليس بملفوظ ملفوظا انتهى كلام الفارسي في شرحه على تلخيص الجامع وفيه نوع خفاء ناشئ عن سقط أو تحريف. يدركه ذو الذهن الصافي والطبع اللطيف.

(خاتمة) في توضيح هذا المقام. بما يرفع الشبه

(1)

قوله لما يذكره أي في قوله ولهذا لو قال لاجنبية الخ منه

(2)

قوله بخلاف الشراء بتسعة الخ جواب عن قوله كما أن امتناع المشترى عن التزام عشرة الخ لكن في هذا الكلام نظر لا يخفى على من له المام والظه أن هنا سقطا من الكاتب والأصل في العبارة هكذا ومثله الشراء تسعة بخلاف الشراء بأحد عشر فإنه يحنث لأن العشرة في جانب المشترى يراد بها المطلقة الشاملة للمفردة والمقرونة بخلاف البيع لأن العشرة في جانب البائع تحتمل عشرة مفردة وعشرة مقرونة الخ هذا ما ظهر لي فتأمله منه

ص: 298

ولاوهام. اعلم أن استعمال الالفاظ فيما وضعت له لغة تسمى حقيقة وقد تستعمل في غيره لقرينة ويسمى مجازا بالنظر إلى وضع اللغة. ثم هذا المجاز قد يعرض له كثرة استعمال عند قوم بحيث لا يستعمل اللفظ في غيره أو يستعمل قليلا فيصير ذلك اللفظ حقيقة عرفية عامة أو خاصة. فالعامة كالدابة فإنها في أصل الوضع اسم لما يدب على الأرض ثم خصصت بذوات الاربع مما يركب وشاع العرف العام بذلك حتى صار استعمال اللفظ فيه حقيقة عرفية لا يراد به غيرها حتى تركت به الحقيقة الأصلية وهذه حقيقة عرفية لغوية أيضًا ففي القاموس الدابة مادب من الحيوان وغلب على ما يركب انتهى والعرفية الخاصة كالالفاظ المصطلح عليها في الشرع أو في عرف طائفة كالصلاة والحج فانهما في اللغة اسم للدعاء والمقصد إلى معظم ثم خصا فى عرف الشرع بهذه الأفعال المخصوصة وكالفاعل والمفعول في عرف النحوى والوتد والسبب في عرف العروضي. فهذا القسم أيضًا شاع عند أهله حتى صار حقيقة عرفية اصطلاحية بحيث لا يفهم منه في تخاطبهم غيره وتركت به الحقيقة الأصلية. فالعرف له اعتبار في الكلام لأنَّه السابق إلى الافهام وذكر السيد الشريف قدس سره في حواشي المطالع أن اللفظ عند أهل العرف حقيقة في معناه العرفى مجاز في غيره. وقد صرح الاصوليون بان الحقيقة تترك بدلالة العادة كالنذر بالصلاة والحج. وصرح المحقق ابن الهمام في تحرير الأصول في بحث التخصيص أن العرف العملى لقوم مخصص للفظ العام الواقع في مخاطبتهم عند الحنفية خلافا للشافعية كما لو قال حرمت الطعام وعادتهم اكل البر انصرف الطعام إليه أي إلى البر وهو أي قول الحنفية هو الوجه أي المعتبر واما تخصيص العام بالعرف القولى وهو أن يتعارف قوم إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه إلا ذلك المعنى فمحل اتفاق كإطلاق الدابة على الحمار والدراهم على النقد الغالب انتهى موضحا وتمامه فيه وقال في البحر من كتاب الوقف نقلا عن فتاوى العلامة قاسم تلميذ ابن الهمام نص أبو عبد الله الدمشقي في كتاب الوقف عن شيخه شيخ الإسلام ان قول الفقهاء نصوص الواقف كنص الشارح يعنى في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق ان لفظه ولفظ الموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشرع أم لا انتهى (فظهر) أن دلالة الالفاظ على معانيها العرفية معتبرة ومن ذلك ما صرحوا به من أن مبنى الإيمان على العرف قال العتابي وهو الصحيح وفي الكافي وعليه الفتوى كما نقله ابن امير حاج في شرح التحرير قبيل مسائل الحروف وعليه فروع كثيرة في كتب

ص: 299

الفقه. منها لو حلف لا يأكل رأسا انصرف إلى ما يباع في مصره ويكبس في التنور لأنَّه المتعارف * ومنها لو قال لآخر طلق امرأتي ان كنت رجلا لا يكون تركيلا بقرينة آخر الكلام المستعمل عرفا في التوبيخ والتعجيز ومنها مسئلة يمين الفوا كأن خرجت فانت طالق وقد تهيأت الخروج يتقيد يتلك الخرجة التي تهيأت لها حتى لو خرجت بعد ساعة لا يحنث وكقول من دعى إلى الغداء والله لا اتغدى فإنه يتقيد بالغداء المدعو إليه لأنَّه المراد عرفا ونظائر ذلك كثيرة (وقال) في تنوير الابصار وشرحه الدر المختار ما نصه ولا حنث في حلقه لا يأكل لحما بأكل مرقه أو سمك إلا إذا نواهما ولا في لا يركب دابة فركب كافرا اولا يجلس على وتد فجلس على جبل مع تسميتها في القرآن لحما ودابة وأوتادا للعرف وما في التبيين من حنثه في لا يركب حيوانا بركوب الإنسان رده في النهر بان العرف العملى مخصص عندنا كالعرف القولى انتهى (أقول) وما في التبيين رده أيضًا في فتح القدير بأنه غير صحيح لتصريح أهل الأصول بقولهم الحقيقة تترك بدلالة العادة اذ ليست العادة إلا عرفا عمليا انتهى. والظاهر أن ما ذكره الزيلعي في التبيين مبنى على ما زعمه من أن الأصل اعتبار الحقيقة اللغوية قال في البحر في مسئلة الرأس وفى زماننا هو خاص بالغنم فوجب على المفتى أن يفتى بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه حلف الحالف كما افاده في المختصر أي الكنز وما في التبيين من أن الأصل اعتبار الحقيقة اللغوية ان امكن العمل بها والا فالعرف الخ مردود لأن الاعتبار انما هو للعرف وتقدم أن الفتوى على أنه لا يحنث باكل لحم الخنزير والأدمى ولذا قال في فتح القدير ولو كان هذا الأصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد على خلافه في الفروع انتهى وفى البدائع والاعتماد انما هو على العرف انتهى كلام البحر (فثبت) بهذا صحة قولهم الإيمان مبنية على العرف وقد قالوا أيضًا الإيمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض والاغراض جمع غرض ما يريده الإنسان ويطلبه فمرادهم بالالفاظ أنما هو الالفاظ العرفية إلى الدالة على المعاني العرفية فالايمان مبنية على الالفاظ العرفية دون الالفاظ اللغوية أو الشرعية ودون الاغراض. فقولهم الأيمان مبنية على العرف احترزوا به عن بنائها على اللغة أو الشرع مثلا فإذا استعمل الحالف لفظا له معنى لغوى أو شرعى وكان في العرف له معنى آخر يراد به معناه العرفى وقولهم الأيمان مبنية على الالفاظ احترزوا به عن بنائها على الاغراض وصرحوا بذلك في قولهم لا على الاغراض الخفاء المقابلة بين اللفظ والغرض بخلاف مقابلة المعنى اللغوى للمعنى العرفى فلذا لم يصرحوا به هناك (ثم اعلم) أن الغرض

ص: 300

الذي يقصده المتكلم بكلامه قد يكون هو معنى اللفظ الذي تكلم به حقيقة أو مجازا وقد يكون امرا آخر خارجا عن اللفظ مدلولا عليه بجملة الكلام كدلالة الكناية على المعنى المكنى عنه في قولك فلان كثير الرماد فان هذا اللفظ معناه في اللغة والعرف واحد ولكنه اريد به لازم هذا المعنى وهو وصفه بالكرم وهذا المعنى خارج عن اللفظ مدلول عليه بجملة الكلام لم يوضع له اللفظ لا حقيقة ولا مجازا (اذا) عرفت ذلك فالاول كقوله لا اشتريه بعشرة ففرض المشترى منع نفسه من التزام العشرة فى ثمن ذلك المبيع سواء كانت عشرة مفردة أو مقرونة بزيادة والعرف ارادة ذلك ايضا فهنا اجتمع الفرض والعرف فى لفظ الحالف فاذا اشترى باحد عشر حنث لانه اراد العشرة المجازية المطلقة وهى موجودة في الاحد عشر * والثاني كقوله لا ابيعه بعشرة فباعه بتسعة لا يحنث لان غرض البائع ان يبيعه باكثر من عشرة لأنه طالب للزيادة وانه لا يريد بيعه بتسعة لكن التسعة لم تذكر في كلامه لان العشرة لم توضع للتسعة لا لغة ولا عرفا فغرضه الذي قصده من هذا الكلام خارج عن اللفظ مفهوم من جملة الكلام فلو اعتبر الفرض لزم ابطال اللفظ والعبرة في الأيمان للألفاظ لا لمجرد الاغراض لان الغرض يصلح مخصصا لا مزيد او التخصيص من عوارض الألفاظ فاذا كان اللفظ عاما والغرض الخصوص اعتبر ما قصده كالرأس فى لا آكل رأسا فان لفظه عام والغرض منه خاض كما مر واعتبار هذا الغرض لا يبطل اللفظ لأنه بعض ما وضع له اللفظ * وكذا لو حلف لا يشتريه بعشرة دراهم فاشتراه بتسعة ودينار او بتسعة وثوب لا يحنث وان كان غرضه الشراء بانقص من عشرة وقد زاد عليها من حيث المالية ووجه عدم الحنث ان هذا مجرد غرض مفهوم من جملة الكلام خارج عن اللفظ المذكور فى كلامه فان لفظ عشرة دراهم اسم لهذا الوزن المعدود من الدراهم مفردا وهو حقيقة العشرة او مقرونا بغيره وهو مجاز العشرة وفى تسعة دراهم وثوب او دينار لم توجد العشرة لا حقيقة ولا مجازا فلو حنث لزم منه الزيادة على الكلام بمجرد الغرض بدون لفظ والغرض يصلح مخصصا للألفاظ لا مزيدا عليها ومثله لا اشتريه بدرهم او بفلس فاشتراه بدينار فانه وان كان الغرض منع نفسه عن الشراء بما زاد على الدرهم او الفلس ويلزم منه منعه عن الدينار بالاولى لكن هذا لم يوضع له اللفظ لا حقيقة ولا عرفا وانما هو غرض خارج عن اللفظ لان لفظ الدرهم او الفلس اسم لهذا الشئ الخاص والدينار خارج عنه من كل جهة فلو حنث به لزم الزيادة على اللفظ بالغرض بدون لفظ ومثله لو حلف لا يخرج من الباب فخرج من السطح او لا يضربه بسوط

ص: 301

فضربه بعصا ونحو ذلك مما كان الغرض منه خارجا عن اللفظ كما تقدم شرحه * ومثله او قال لاجنبية ان دخلت الدار فانت طالق فانه وان كان غرضه ان دخلت وانت في نكاحى لكن ذلك غير مذكور والغرض لا يصلح مزيدا فاذا تزوجها ودخلت الدار لا يحنث (والحاصل ان الذى يبنى عليه الحكم في الأيمان هو الالفاظ المذكورة في كلام الحالف باعتبار دلالتها على معانيها الحقيقية او المجازية التي قرينتها العرف العام او الخاص وتسمى الحقيقة الاصطلاحية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية وتارة تكون القرينة غير العرف ومنه نية الحالف فيما تجرى فيه النية كنية تخصيص العام كقوله لا آكل طعاما ونوى طعاما خاصا فانه يصدق ديانة فقط لاقضاء ايضا وبه يفتى خلافا للخصاف الا اذا حلفه ظالم فلا بأس للقاضى ان يأخذ بقول الخصاف ويصدقه قضاء ايضا كما في الدر المختار عن الولوالجية اما الاغراض الخارجة عن الألفاظ فلا تبنى الاحكام في الايمان عليها لانه يلزم منه الزيادة بالغرض على اللفظ والعرض لا يصلح مزيدا نعم يصلح مخصصا للفظ العام ويكون قرينة لصرف اللفظ عن عمومه لان اللفظ العام لما جاز تخصصيه بمجرد نية الحالف فجوازه بالغرض العرفى اولى (فان قلت) انهم قد اعتبروا الغرض العرفى بدون اللفظ فيما اذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة فقد صرحوا بانها ان كانت مما يؤكل انعقدت اليمين على اكل عينها كشجرة الريباس وقصب السكر وان كان مما لا تؤكل عينها فإن كانت تثمر انعقدت اليمين على الاكل من ثمرتها والا فعلى الاكل من ثمنها حتى لو اكل من عينها لا يحنث وكل من ثمرتها وثمنها غير مذكور فى كلام الحالف بل هو غرضه وانما المذكور لفظ الشجرة وكذا لو قال والله لا اضع قدمى فى دار فلان انعقدت يمينه على الدخول فقط حتى لو دخلها حافيا او منتعلا او راكبا يحنث ولو وضع قدمه فيها من غير دخول بان اضطجع خارجها ووضع قدمه فيها لا يحنث مع ان الدخول مجرد غرض وهو غير مذكور في كلامه وانما المذكور وضع القدم فما الفرق بين هذا وبين قوله والله لا اشتريه بدر هم فاشتراه بدينار حيث قلتم لا يحنث لان الدينار غير مذكور في كلامه وانما المذكور الدرهم والدرهم لا يصدق على الدينار وكذا نظائره المارة مما لم يعتبروا فيه الغرض الزائد على اللفظ (قلت) لم ار من تعرض لذلك ولكن يعلم الجواب مما قررناه واوضحناه وذلك ان المعتبر في الأيمان هو الالفاظ دون الاغراض فينصرف اللفظ اولا الى حقيقته اللغوية مالم يصرفه عنها قرينة لفظية او عرفية فالعرف حيث وجد صار اللفظ مصروفا به عن معناه اللغوى الى

ص: 302

المعنى العرفى وصار حقيقة عرفية كما قررناه والشجرة في قول القائل لا آكل من هذه الشجرة اذا كانت مما لا تؤكل عينها صارت عبارة عن اكل ثمرتها او ثمنها حقيقة عرفية وكذا وضع القدم صار عبارة في العرف العام عن الدخول ولذا مثل الاصوليون بهذين المثالين للحقيقة المتعذرة والمهجورة فقالوا واذا كانت الحقيقة متعذرة او مهجورة صير الى المجاز بالاجماع كما اذا حلف لا يأكل من هذه النخلة ولا يضع قدمه فى دار فلان ومثله قولك لا آكل هذا القدر ولا اشرب هذا الكأس فان يمينه لما يحله فقط (فان قلت) كذلك قول القائل والله لا اشتريه بدرهم صار فى العرف عبارة عن عدم شرائه بدرهم أو اكثر من حيث المالية وخصوص الدرهم غير مراد اصلا فالحقيقة فيه مهجورة ايضا كما فى الشجرة ووضع القدم (قلت) ليس كذلك فانه في مسئلة الشجرة ووضع القدم قد صار اللفظ موضوعا ومستعملا فى معنى آخر غير المعنى الاصلى وصار المعنى الاصلى غير مراد حتى لم يحنث به كما ذكرنا وهذا بخلاف قوله والله لا اشتريه بدرهم فان الدرهم باق على معناه الاصلى ولا يمكن جمله مجازا عن الدينار بدليل انه لو اشترى بدرهم يحنث فعلم ان معنى الدرهم مراد ولو اريد به كل من الدرهم والدينار يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو لا يجوز عندنا على ان المتكلم لم يقصد ذلك وانما قصد منع نفسه من الشراء بالدرهم ويلزم منه منع نفسه من الشراء بالدينار بالاولى لكن هذا غرض غير ملفوظ وانما هو لازم للفظ والغرض لا يصلح مزيدا على اللفظ بل يصلح مخصصا للفظ العام (والحاصل) ان لفظ الدرهم لم يرد به غير ما وضع له عرفا فلذا يحنث به ولا يحنث بالدينار لانه مجرد غرض لم يوضع له اللفظ عرفا بخلاف الشجرة ووضع القدم فان معناهما الاصلى قد هجر حتى لا يحنث الحالف به ويحنث بالمعنى المجازى وهو الغرض الذى وضع له اللفظ عرفا فالغرض صار نفس مدلول اللفظ لا شيئا خارجا عنه * ومن هذا القبيل مسائل كثيرة ذكرها في كتاب النتف بقوله واما اليمين على شيء ويراد به غيره بان يقول والله لاديرن الرحى على رأسك او لاضر من النار على رأسك او لاقيمين القيامة على رأسك ويريدان يفعل به داهية فاذا فعل ذلك فقد بر وكذا والله لاقرعن سمعك يريد به ان يسمعه خبر سوء او لابكين عينك يريدان يحزنه بامر فيكى او لاخرسنك يريدان يدفع له رشوة كيلا يتكلم فى امره شيئا او لاحرقن قلبك يريد به ان يفعل به امرا يوجع قلبه فاذا فعل ما اراد فقد برو ذكر امثلة كثيرة من هذا القبيل * ثم قال فى اخرها فاذا فعل ذلك فقدبر في يمينه وان اراد بشئ من ذلك حقيقته فلا يبرا لا ان يفعله

ص: 303

وهو قول فقهائنا جميعا وفى قول مالك يحنث ان لم يفعل ما قاله بلسانه انتهى فقد افاد ان هذا كله مما استعمل فيه اللفظ فى غير معناه الاصلى وانه لا يحنث بالمعنى الاصلى الا اذا نواه خلاف المالك ومثل هذه الالفاظ في عرف العامة كثير فتحمل على الغرض الذي صار حقيقة اللفظ في عرفهم والله تعالى اعلم (فقد) ظهر لك بهذا التقرير. الساطع المنير. معنى قولهم الايمان مبنية على العرف وقولهم انها مبنية على الالفاظ لا على الاغراض وصحة الفروع التى فرعوها وظهر لك ان كلا من هاتين القاعدتين مقيدة بالأخرى فقولهم انها مبنية على العرف معناه العرف المستفاد من اللفظ لا الخارج عن اللفظ اللازم له وقولهم أنها مبنية على الالفاظ لا على الاغراض دل على تقييد القاعدة الاولى بما ذكرنا وهي دلت على تقييد القاعدة الثانية بالالفاظ العرفية ودلت ايضا على انه حيث تعارض الوضع الاصلى والوضع العرفى ترجح الوضع العرفى والا لم يصح قولهم الايمان مبنية على العرف وظهر ايضا ان المراد بالعرف ما يشمل العرف الفعلى والعرف القولى وان كلا منهما تترك به الحقيقة اللغوية كمامر تقريره وان المراد بناء الايمان على العرف اعتبار المعنى العرفى الذي استعمل فيه اللفظ وان المراد بالعرض ما قصده المتكلم من كلامه سواء كان هو المعنى العرفى الذى استعمل فيه اللفظ او كان معنى عرفيا خارجا عن اللفظ زائدا عليه وانه بالمعنى الاول يصلح مخصصا وبالمعنى الثانى لا يعتبر وهو المعنى بقولهم لا على الاغرض وان معنى قول الجامع وبالعرف يخص ولا يزاد ان اللفظ اذا كان معناه الاصلى عاما واستعمل فى العرف خاصا كالدابة مثلا تخصص المعنى الاصلى به وكان المعتبر هو العرف ولا يزاد به على اللفظ اى لو كان الغرض العرفى خارجا عن اللفظ وانما دل عليه الكلام لا يعتبر لان العبرة للالفاظ العرفية او الاصلية حيث لا عرف للاغراض العرفية الخارجية فهذا ما ظهر للعبد الضعيف * العاجز النحيف * في تقرير هذه المسئلة المعضله المشكلة * التي حارت في فهمها افهام الافاضل * وكل عن ادراكها كل مناضل * فعليك بهذا البيان الشافي * والايضاح الكافي * وادع لقصير الباع * قليل المتاع * بالعفو التام * وحسن الختام * والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات * والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه وتابعيهم ما دامت الارض والسموات * وقد فرغت من تحرير هذه الرسالة في ليلة الاثنين ثاني ربيع الثاني سنة 1238 ثمانية وثلاثين ومائتين والف

ص: 304

رفع الاشتباه عن عبارة الأشباه

للعلامة خاتمة المحققين

عين الأشراف المنتسبين مولانا السيد محمد

عابدين عليه رحمة رب

العالمين

ص: 305

الرسالة الرابعة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله على ما انعم به وأولاه. واشكره على ما من به واعطاه. واصلى واسلم على نبيه ومصطفاه. وعلى اصحابه العادمين النظائر والاشباه وعلى آله واتباعه ومن والاه (وبعد) فيقول العبد الفقير. والمذنب الحقير المفتقر. الى رحمة رب العالمين. محمد امين بن عمر الشهير بابن عابدين. محا الله ذنوبه. وملأ من الغفران ذنوبه. آمين. هذه رسالة عملتها على عبارة وقعت في كتاب الاشباه والنظائر * موهمة خلاف المراد للمتأمل الناظر. وذلك برسم شيخى حفظ الله تعالى وجوده واوفر خيره وجوده * حين سئل عنها فى شعبان من سنة الف وماتين وثمانية عشر. من هجرة خير البشر. صلى الله تعالى عليه وسلم فامرنى ان احر رهنا ما تيسر جمعه من كلام من كتب على ذلك الكتاب ومن كلام غيرهم على وجه الصواب * فامتثلت امره حين لم يسعنى الهرب. ولعلمى بان الامتثال خير من الادب * والله العظيم اسال وبنبيه اتوسل * ان يجعلها خالصة لوجهه الكريم * موجبة للفوز العظيم * انه على ذلك قدير * وبالاجابة جدير (وسميتها) رفع الاشتباه. عن عبارة الاشباه * ورتبتها على مقصد وخاتمة * فالمقصد في بيان تلك العبارة وتنقيتها * والخاتمة فى بيان اشياء تتوقف على معرفتها * فابتدئ واقول * وعلى الله نيل المسؤل (المقصد) قال الامام العلامه * والحبر البحر الفهامه * افضل المتأخرين * نخبة العلماء الراسخين * الامام زين الدين بن نجيم رحمه الله تعالى في كتابه الاشباه والنظائر فى اخر باب المرتد * ولو قال لم يعصوا اى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حال النبوة ولا قبلها كفر لانه رد النصوص انتهى قال العلامة مفتى الثقلين خير الدين الرملى رحمه الله تعالى في حاشيته على هذا الكتاب ولقد سئلت عن مسئلة من قال لم يعصوا حال النبوة ولا قبلها كفر لانه رد النصوص فقيل لى يلزم من ذلك كفر من يقول لم يعصوا او كفر من يقول عصوا فاجبت بان مرادهم يكفر من قال لم يعصوا المعصية الثابتة بقوله تعالى (وعصى ادم ربه) لانه تكذيب للنص ويكفر من اراد بالمعصية الكبيرة تامل والله تعالى اعلم انتهى * ورد هذا الجواب العلامة السيد احمد الحموى فى حاشيته واجاب بغيره فقال قوله ولو قال لم يعصوا حال النبوة الخ اقول هذا مشكل بما ذهب اليه القاضي عياض وغيره

ص: 306

من أنهم معصومون عن الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها عمدا او سهوا والنصوص الدالة على ذلك مذكورة في علم الكلام * واجيب يحمل القول بكفره على ما اذا كان القائل من العوام الذين لا يعرفون الا ظواهر النصوص واما اذا كان يعلم انها مؤولة وليس ظواهرها بمرادة فلا يكفر انتهى * اقول فيه نظر لان الفتوى انه يعذر بالجهل في باب المكفرات * والله الهادى الى سبيل الخيرات * واجاب بعضهم

(1)

بما يؤول الى هذا الجواب مع قصور فقال مرادهم بقولهم يكفر من قال لم يعصوا المعصية الثابتة بقوله تعالى (وعصى ادم ربه) لانه تكذيب للنص ويكفر من اراد بالمعصية الكبيرة اهـ * واقول انما يكون تكذيبا للنص اذا كان القائل من العوام الذين لا يعرفون الا ظواهر النصوص وقد قدمنا ان الجهل عذر في باب المكفرات على ما عليه الفتوى * والله يعلم السر والنجوى * فلم يتم الجواب * والله الهادى للصواب * والذى قام فى نفسى وادى اليه حدسى * ان هذا الفرع دخيل على اهل المذهب * اذ لا يظن ان احدا منهم اليه يذهب * وقد يقال ان الميم سقطت من ثنايا الاقلام * فاوجبت فساد الكلام * فان الاصل كان ولو قال الأنبياء لم يعصموا حال النبوة وقبلها كفر لانه رد النصوص والمراد بالنصوص حينئذ الادلة الدالة على عصمتهم المذكورة في علم الكلام والله الهادى الى بلوغ المرام انتهى كلام السيد الحموى رحمه الله تعالى واقول وبالله التوفيق وبيده سبحانه ازمة التحقيق * اما ما اجاب به الشيخ خير الدين الرملي رحمه الله تعالى فيمكن ان يجاب عنه بأن المص رحمه الله تعالى بني هذا الفرع على خلاف المفتى به من انه لا يعذر بالجهل في باب المكفرات فح يتم هذا الجواب * وقوله في اخر عبارته ويكفر من اراد بالمعصية الكبيرة اى بان قال ان المعصية التي صدرت من آدم كبيرة فانه يكفر لأنه قد خالف الاجماع وهو ان الانبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر بعد الوحى والاتصاف بالنبوة واما الجواب الاول الذى اختاره العلامة الحموى من ان هذا الفرع دخيل على اهل المذهب فلا يخلو عن بعد اذ قد نقله المصه ايضا فى البحر ونقله فى الحاوى الزاهدى كما قاله العلامة الرملى ونقله فى الفنية ايضا عن جمع العلوم فقد تعدد النقل الا ان يقال انه دخيل على صاحب جمع العلوم وتابعه الزاهدى وتابعه المصه هنا وفي البحر * واما الجواب الثانى وهوان اصل الكلام لم يعصموا فغير صحيح على اطلاقه اذ يمكن ان يحمل كلام القائل على أنهم لم يعصموا من الصغائر الا ان يصرح بان مراده من الكبائر

(1)

هو العلامة خير الدين الرملي منه.

ص: 307

او كان ذلك القائل ممن يعتقد ان كل معصية كفر فح يكفر بلاشك ولا ارتياب لانه نسبهم عليهم الصلاة والسلام الى شئ هم مبرؤن عنه باجماع اهل الاسلام (فالحاصل) ان احسن ما يجاب به عن هذه العبارة هو الجواب الأول من هذين الجوابين وهو انه دخيل على اهل المذهب فتامل ذلك واياك ان تظن ان ظاهر هذا الفرع صحيح فضلا عن ان يكون معتمدا فى المذهب واما الجواب الثاني والجواب الذى اجاب به خير الدين فلا * كيف وقد نصوا على انه اذا كان في المسئلة وجه في عدم التكفير لا يفتى بالتكفير ولو كان ذلك الوجه ضعيفا وقد نقله المصه نفسه في البحر * قال العلامة خير الدين الرملى وفى البحر للمصه الذى تحررانه لا يفتى بتكفير مسلم امكن حمل كلامه على محمل حسن او كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفه فعلى هذا فاكثر الفاظ التكفير المذكوره لا يفتى بالتكفير بها وقد الزمت نفسى ان لا افتى بشئ منها انتهى * فانظر كلامه * وتامل مرامه * يظهر لك ان ذكر هذا الفرع سهو من القلم * وذهول منه عما رقم * فجل من لا تاخذه سنة ولا نوم مع ان القول بعصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام مما يجب اعتقاده على كل مسلم ركب جواد الانصاف * وعقر مطية الميل والاعتساف * لكن على البيان الآتي من اوجه الاختلاف * والاذعان الى القول المختار منها والاعتراف * الذي رجحه الأئمة الاعلام * والجهابذة العظام فقد نقل السيد احد الحموى رحمه الله تعالى في رسالة له سماها اتحاف الاذكياء بتحقيق عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام ما نصه وفي شرح العمدة للامام حافظ الدين النسفى الحنفى رحمه الله تعالى ان النبي لابد وان يكون معصوما فى اقواله وأفعاله عما يشينه ويسقط قدره وان جرى عليه شيء ينبهه ربه ولا يهمله والعصمة هى الحفظ بالمنع والامساك عن الكفر بالله تعالى خلافا للفضلية من الخوارج حيث جوزوا منهم الكفر بناء على اصلهم ان كل معصية كفر وعن المعاصى بعد الوحى خلافا للحشوية واما تشبثهم يعنى الحشوية بقصة ادم وابراهيم ويوسف وداود وموسى ويونس ولوط وسليمان صلوات الله تعالى وسلامه عليهم اجمعين فقد ذكرنا في مدارك التنزيل وجهها انتهى * وفي الرسالة القشيريه في باب الكرامات ويجب القول بعصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام قال شيخ الاسلام في شرحها حتى لا يقع منهم كبيرة اجماعا ولا صغيرة على الاصح وما قيل في حقهم مما يخالف هذا كقوله تعالى وعصى ادم ربه فغوى يؤول عصى يخالف وغوى يتغير حاله عما كان عليه انتهى * الى هنا كلام الحموي رحمه الله تعالى فانظر كيف قال امام مذهب الحنفية رحمه الله تعالى وكيف عبر بقوله لابد الدال على

ص: 308

التحتم والوجوب وكذلك قول الامام القشيرى وشيخ الاسلام رحمهما الله تعالى وسيأتي في الخاتمة زيادة ايضاح لهذا ان شاء الله تعالى ونقل ايضا عن القرطبي انه لا يقال عصى ادم ربه الا فى القرآن وقال سيدى عبد الوهاب الشعراني في كتابه لطائف المنن في اواخر الباب السابع وقد حرم المحققون على الواعظ ذكر شيء من مسمى معصية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لان ذنوب الانبياء انما هي بالنظر لمقامهم كوقوعهم في خلاف الاولى او المباح مثلا فيسمى مثل ذلك معصية وليس المراد بمعاصيهم ارتكابهم شيئا من المحرمات لانهم لو ارتكبوه لم يكونوا معصومين وقد ثبتت عصمتهم انتهى فاعلم ذلك * وقال الحموي رحمه الله تعالى في رسالته المذكورة ايضا بعدما تعرض لهذا الفرع ونقله عن صاحب القنية * وما قيل ان هذا الفرع مبنى على مذهب المعتزلة القائلين بجواز وقوع المعصية من الانبياء عليهم الصلاة والسلام وصاحب القنية معتزلى هو باطل من وجهين * احدهما انه ناقل للفرع المذكور لا مخرج له * وثانيهما ان المعتزلة لا يجوزون وقوع المعصية من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولو صغيرة واختلفوا فى الصغيرة سهوا وقد بالغ صاحب الكشاف في سورة يوسف عليه السلام في الرد على الحشوية وغيرهم قالوا وانما بالغ فى الرد عليهم لانه معتزلى ومن قواعدهم التحسين والتقبيح وصدور الصفائر من النبي قبيح عندهم عقلا وعندنا جائز لولا ان الشرع اخبر بعدم وقوع ذلك انتهى كلامه رحمه الله تعالى * ثم قال بعده وقد نقل صاحب القنية هذا الفرع عن جمع العلوم وما كان يجوز له نقله وليته اخلى كتابه عنه * هذا وقد قال السرى عبد البر ابن الشحنه في شرح الوهبانيه ان ما ينفرد بنفله صاحب القنية لا يلتفت اليه * ولا يعول عليه * ولأكاد اقضى العجب من سيد فضلاء المتأخرين العلامة زين الدين بن نجيم حيث نقل هذا الفرع في كل من كتابيه البحر والأشباه والنظائر ولم ينبه عليه * ولم يشر باكف الرد اليه * مع تيقظه وتثبته انتهى * فتح ظهر الحال * واتضح الجواب عن هذا السؤال * والله سبحانه وتعالى اعلم (الخاتمة) في ذكر اشياء تتوقف معرفة هذه المسئلة * عليها من بيان الاقوال المختلفة في عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام وبيان المعتمد منها وبيان تفسير بعض ايات وردت في كتاب رب العباد * يتبادر منها الى الفهم خلاف المراد * من انه صدر منهم عليهم الصلاة والسلام بعض مخالفات والحال انهم عليهم الصلاة والسلام مبرؤن عن جميع الزلات * فاقول وبالله التوفيق * وهو الهادى الى سواء الطريق (اعلم) ان الاقوال قد اختلفت في عصمة الانبياء

ص: 309

عليهم الصلاة والسلام من الكبائر او الصغائر عمدا او سهوا والكلام الآن في موضعين احدهما في العصمة قبل النبوة والثاني بعدها (أما حكمهم) قبل النبوة فهم معصومون من الكفر بالاجماع * واما غيره فنقل عن اكثر الاشاعرة وطائفة من المعتزلة انه لا يمتنع عقلا على الانبياء عليهم الصلاة والسلام قبل البعثة معصية كبيرة كانت او صغيرة * وذهب بعض الاشاعرة الى انه يمتنع ذلك وهو مختار القاضي عياض لأن المعادى انما تكون بعد تقرير الشرع اذ لا يعلم كون الفعل معصية الا من الشرع * وذهب الروافض واكثر المعتزلة الى امتناع ذلك كله منهم عقلا وهذا مبنى منهم على التقبيح العقلى لانها تؤدى الى النفرة عن اتباعهم وهو خلاف ما اقتضت الحكمة من بعثهم عليهم الصلاة والسلام * نعم لو استدل على عصمتهم من وقوع شيء من ذلك منهم عليهم الصلاة والسلام قبل النبوة بعدم النقل بانه لم ينقل الينا شيء من ذلك مع اعتناء الناس في البحث عن احوالهم والنقل لافعالهم ولو وقع شيء من ذلك لبرزوا به يوما ما عند ما سمع منهم بعد النبوة المنهى عنه لكان

(1)

سديدا كذا قال السنوسى رحمه الله تعالى * واقول لعل فيما ذكره بحثا لان المعتزلة والروافض انما منعوا بالعقل جواز وقوع المعصية منهم عليهم الصلاة والسلام وما استدل به السنوسى رحمه الله تعالى من عدم النقل انما هو فى الوقوع نفسه وليس الكلام فيه فليتأمل ومنهم من منع كل ما ينفر الطبائع عن متابعتهم وان لم يكن ذنبا لهم كعهر الامهات وكونهن زانيات وفجور الآباء والصغائر الخسيسة دون غيرها من الصغائر ومشى عليه السعد (واما حكمهم) بعد النبوة فقد وقع الاجماع ايضا على عصمتهم عليهم الصلاة والسلام من الكفر وكذلك اجموا على عصمتهم من تعمد الكذب فى الاحكام لان المعجزة دلت على صدقهم فيما يبلغونه عن الله سبحانه وتعالى فلو جاز تعمد الكذب عليهم عليهم الصلاة والسلام لبطلت دلالة المعجزة على الصدق واما بيان صدوره منهم عليهم الصلاة والسلام فى الاحكام غلطا او نسيانا فمنعه الاستاذ وطائفة كثيرة من الاشاعرة لما فيه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعة وجوزه القاضى وقل انما دلت على صدقهم فيما يصدر عنهم قصدا واعتقادا وقال القاضي عياض لا خلاف في امتناعه سهوا وغلطا واما غير الكذب المذكور من المعاصى القولية والفعلية فالاجماع على عصمتهم من تعمد الكبائر والصغائر الدالة على الخسة خلافا للحشوية فانهم جوزوا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تعمد الكبائر واما اتيان ذلك نسيانا او غلظا فقد اتفقوا

(1)

جواب لو في قوله لو استدل منه.

ص: 310

على امتناعه. واما الصغائر التي لا تدل على الخسة فجوزها عمدا وسهوا الاكثرون ومنعه طائفة من المحققين من الفقهاء والمتكلمين عمدا وسهوا قالوا لاختلاف الناس فى الصغائر فإن جماعة ذهبوا الى انها كفر ولان الله تعالى امر باتباعهم فلو جاز وقوعها منهم للزمنا اتباعهم بها والله سبحانه وتعالى لا يامر بالفحشاء * وبهذا التعليل يعرف عدم جواز وقوع المكروه منهم. وذهبت اخرى الى الوقف في صدور الصغائر منهم وقالوا العقل لا يحيل وقوعها منهم ولم يأت في الشرع قاطع باحد الوجهين. قال بعض ويجب على جميع الاقوال ان لا يختلف في انهم معصومون عن تكرار الصغائر وكثرتها بحيث تصل الى حد لحوقها بالكبائر كما ان محل الخلاف غير صغيرة ادت الى ازالة الحشمة واسقاط المروة او دلت على الخسة والذي ينبغى ان يرجح. ويعتمد ويصحح * ما ذهب اليه القاضي عياض وغيره من انهم معصومون عن الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها عمدا او سهوا هذا خلاصة ما ذكره السنوسى في شرحه على الجزائرية والشيخ ابراهيم اللقانى فى كتابه اتحاف المريد والله تعالى اعلم (واما) ما ورد فى الكتاب العزيز مما يوهم ظاهره خلاف هذا فمؤول من ذلك قوله تعالى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} فان ظاهره يقتضى عظم زلته * وكبر خطيئته حيث وصفه تعالى بالعصيان والغوايه * الذى هو ضد بالطاعة والهدايه فليس مرادا منه ظاهره بل هو تعظيم للزلة وزجر بليغ لاولاده عنها بدليل قوله تعالى قبله {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} فقد اخبر تعالى بانه نسى العهد وهو امره تعالى له بان لا يقرب الشجرة ومن معلوم ان النسيان لا مؤاخذة عليه ولا عذاب. ولا توبيخ ولاعتاب بدليل الحديث الوارد عن سيد الاحباب. صلى الله تعالى عليه وسلم وانما نسب اليه العصيان حيث لم يتثبت على ما امر به ولم يتصلب عليه حتى وجد الشيطان الفرصة فوسوس اليه. قال تعالى {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} اى تثبتا وتصميما على الأمر فعاقبه الله تعالى على ترك ذلك وان كان بالنسبة الينا ليس بمعصية توجب مثل هذا الجزاء فهو من باب حسنات الابرار سيئات المقربين واذا كان الأولياء العارفون يؤاخدون على كل شئ حتى لو غفلوا لحظة عن المراقبة والمشاهدة او غيرها يعاتبون على ذلك ويؤاخذون ما بالك بالانبياء عليهم الصلاة والسلام قال فى الكشاف في تفسير هذه الاية فان قلت ما المراد بالنسيان. قلت يجوز ان يراد النسيان الذي هو نقيض الذكر وانه لم يعن بالوصية العناية الصادقة ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس حتى تولد من ذلك النسيان * وان يراد الترك وانه ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة واكل ثمرتها وقرئ

ص: 311

فنسي اي نساه الشيطان * والعزم التصميم والمضى على ترك الاكل وان يتصلب في ذلك تصلبا يوئس الشيطان من التسويل له انتهى * وتابعه القاضي البيضاوي في تقرير الاحتمالين. لكن يؤيد الاحتمال الاول ويقويه القرأة الثانية فح يتأيد ما قلنا فتأمل (ومن) ذلك قوله تعالى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} فان طاهره ايضا موهم وليس بمراد بل هو استفسار عن العلة وقدم قوله عفا الله عنك لئلا يوهم التوبيخ * كما قال العارف الربانى سيدى عبد الوهاب الشعراني في كتابه الجواهر والدرر نقلا عن الشيخ الأكبر قدس سره فانه قال فيه قلت لشيخنا يعنى الشيخ على الخواص رضى الله تعالى عنه رايت فى كلام الشيخ محيى الدين رحمه الله تعالى في قوله تعالى عفا الله عنك لم اذنت لهم كلاما حسنا فقال اذكره فقلت له قال انما قدم الله تعالى العفو ليعلمنا ان قوله تعالى لم اذنت لهم سؤال عن العلة لا سؤال توبيح فان العفو والتوبيخ لا يجتمعان فمن وبخ فما عفا مطلقا اذ التوبيخ مؤاخذة بلاشك فما قدم تعالى العفو وجاء به ابتداء الا ليزيل ما فى الاوهام من ان المراد به التوبيخ كما فهمه بعض من لا علم عنده بحقائق الخطاب وقوله تعالى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} فاما ان يقول عند ذلك نعم او يقول لا انتهى فما تقول في هذا الكلام فقال رضى الله تعالى عنه كلام فى غاية التحقيق فاعلم ذلك انتهى (ومن ذلك) قوله تعالى {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} قال القاضى فى تفسير هذه الاية ان المراد بهمه ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الاختيارى وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والاجر الجزيل لمن يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم او مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم اخف الله انتهى * لكن يؤيد الاحتمال الاول ما ورد عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام لما قال ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب قال له جبريل عليه الصلاة والسلام ولا حين هممت فقال ان النفس لامارة بالسوء اى من حيث انها بالطبع مائلة إلى الشهوات ذكره القاضى ايضا فعلم ان ذلك الهم ليس بمعصية وأنه عليه الصلاة والسلام مبرء منها لوصفه له تعالى بالاخلاص في قوله تعالى (انه من عبادنا المخلصين ولو كان ذلك الهم معصية لحصلت المنافات ولما كان من المخلصين لان المذنب قد اغواه الشيطان والمخلص ليس كذلك لقوله تعالى حكاية عن ابليس {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} واللازم منتف بالاجماع * فظهر مما ذكرنا أن الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام لم تقع منهم معصية قط لا قبل النبوة ولا بعدها وان ساحتهم منزهة عنها كيف ولو صدر منهم ذلك للزم استحقاقهم العذاب واللعن واللوم والدم لدخولهم تحت قوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

ص: 312

وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} وقوله تعالى {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وقوله تعالى {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وقوله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وكل ذلك منتف باجماع الثقات * لكونه من اعظم المنفرات * وعلم ايضا ان هذه الاختلافات المارة انما هي في جواز الوقوع وعدمه لا فى الوقوع نفسه فتامل. فاتضح ح ان القول الصريح * والوجه الصحيح * ان شاء الله تعالى تنزههم عن كل عيب * وعصمتهم عن كل ما يوجب الريب * فهو الذى ليس عنه اعتياض * كما ذهب اليه القاضي عياض والاستاذ ابو اسحق الاسفراينى وابو الفتح الشهرستاني والامام السبكى رحمهم الله تعالى لأنهم اكرم على الله سبحانه وتعالى من ان تصدر منهم صورة ذنب وقد عزى هذا الراى ابن برهان لاتفاق المحققين قاله الشيخ ابراهيم اللقاني في اتحاف المريد فهذا الذي يعتقد * ولا ينبغى ان يجحد * وتحصل به السلامة دينا ودنيا * وتنال به المراتب العليا * ويبلغ معتقده به المرام ويحصل له ان شاء الله تعالى حسن الختام * وصلى الله تعالى على سيدنا محمد خير الانام * وعلى اله واصحابه السادة الاعلام * ماكر عسكر الصبح عسكر الظلام * أو ما تحلى جيد القراطيس بفرائد الكلام * صلاة وسلاما متلازمين في كل وقت وحين * دائمين مدى الاوقات الى يوم الدين امين * إلى هنا انتهى اخر الكلام ووقفت بناء مطية الاقلام * وخلعت برودها السود * ورفعت رؤسها من الركوع والسجود * وذلك ليلة النصف من شهر رمضان المكرم من سنة ثمانية عشر ومائتين والف * من هجرة من له العز والشرف * صلى الله تعالى عليه وسلم * ما همى الغمام * ونفح البشام * والحمد لله ختام * على يد جامعها محمد امين بن عمر عابد بن غفر الله تعالى له ولوالديه والمشايخه وللمسلمين اجمعين

ص: 313

الرسالة الخامسة عشرة

كتاب تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام

عليه وعليهم الصلاة والسلام

تأليف أعلم علماء زمانه أفضل فضلاء أوانه خاتمة المحققين عمدة الجهابذة المدققين مولانا السيد الشريف السيد محمد عابدين عليه رحمة أرحم الراحمين

ص: 313

الرسالة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرع لنا شرعا رصينا احكمه غاية الاحكام * وفرض على عباده اتباع ما بينه لهم من الاحكام * وجدلهم حدودا نهى عن تعديها وعن الزيادة فيها واناطها بالولاة والحكام * وجعلها زاجرة عن الطغيان والعدوان وارتكاب الحوب والآثام * فهي في الحقيقة رحمة لعباده اذبها بقاء هذا العام على اتم نظام * ولما كانت اشد العقوبات امر بدرئها بالشبهات فلا يثبت الحد الا بسند قوي تام * فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه وربما وقع في الحمى من حوله حام * فلذلك أمرنا بدره القتل عمن اظهر الاسلام * وان دلت قرائن على ان اسلامه كان خوفا من الجسام * ومن رحمته تعالى ان قيض لهذه الشريعة امناء نفوا عنها الشكوك والاوهام * واذن لصغيرهم بالا ستدراك على كبيرهم وان كان من الاعلام * حيث ظهر الحق واتضح وضوح البدر في ليلة التمام * فالحق لا يخفى ومصباحه لا يطفا وان عم الظلام * وافضل الصلاة واتم السلام * على سيدنا محمد خاتم الانبياء الكرام وصفوة الملك العليم العلام * المبعوث رحمة للعالمين وقدوة للعاملين من خاص وعام * والمطهر من كل دنس وعيب والمبرأ عن كل وصمة وريب والموصوف بالعفو والصفح والاخلاق العظام * الذي عظمت رأفته ورحمته بسائر الخلق وفاقت محاسنه في الخلق والخلق على سائر الانام * وجاء بالايات البينات والمعجزات الواضحات ووجبت طاعته وتعظيمه على ذوى الحلم والاحلام * فمن اطاعه فقد اطاع الله ومن عصاه فقد الله وباء بسوء المنقلب فى ساعة القيام * صلاة وسلاما لائقين بجنابه الاقدس وعلو مقامه الانفس عدد ثمر الاكمام * وقطر الغمام لا يعتريهما انقضاء ولا انصرام * على مر الليالي والايام * والشهور والاعوام * وعلى آله واصحابه واحبابه واحزابه مصابيح الظلام * وبدور التمام (اما بعد) فيقول العبد الفقير والعاجز الحقير محمد امين الشهير بابن عابدين * عمه مولاه بالانعام * وغفر له ولوالديه ولمن له حق عليه ومنحه واياهم حسن الختام (هذا) كتاب سميته تنبيه الولاة والحكام على احكام شاتم خير الانام * او احد اصحابه

ص: 314

الكرام * عليه وعليهم الصلاة والسلام * وكان الداعي لتأليفه * ووضعه وترصيفه * انى كنت ذكرت في كتابي العقود الدريه * تنقح الفتاوى لحامديه نبذة من احكام هذا الشقى اللعين * الذى خلع من عنقه ربقة الدين * بسبب استطالته على سيد المرسلين * وحبيب رب العالمين * ولكنى على حسب ما ظهر لى من النقول والادلة القوية * اظهرت الانقياد وتركت العصبية * وملت الى قبول توبته وعدم قتله ان رجع الى الاسلام وان كان لا يشفى صدرى منه الا احراقه وقتله بالحسام * ولكن لا مجال للعقل * بعد اتضاح النقل * وكان قد اطلع على تلك النبذة التي كتبتها علامة عصره * ويتيمة دهره * ذو الفضل الظاهر* والذكاء الباهر والعلوم الغزيرة * والمزايا الشهيرة * الشيخ عبد الستار افندى الاتاسى مفتى حمص حالا * زاده الله تعالى مجدا واجلالا * فسنح له بعض اشكالات في تلك المسئلة * اذ هى من اعظم المعضلات المشكله * قد زلت فيها افهام المهرة الكمله * فترجح عنده قتل هذا الشقى وان تاب * وارسل الى ما سنح له طالبا للجواب * لاظهار الحق والصواب * ودفع الشك والارتياب * فقصدت اولا أن اذكر الجواب عما طلب * على وجه الاختصار كما كتب * ثم لما رأيت تلك المسئلة * مشكلة معضله * يحار معانيها في فهم معانيها * وكان ذلك متوقفا على مقدمات * ونقل عبارات * يستدعيها المقام * فاقتضى ذلك نوع بسط في الكلام لتوضيح المرام * فانى لم ار من أئمتنا الحنفية من اوضح هذه المسئلة حق الايضاح ولكن اذا غابت الشمس يستضاء بالمصباح * واما غير ائمتنا فقد بسطوا فيها الكلام فمن المالكية الامام القاضي عياض فى اواخر كتابه الشفاء * ثم تبعه على ذلك من الحنابلة الإمام شيخ الاسلام ابو العباس احمد بن تيميه الف فيها كتابا ضخما سماه الصارم المسلول * على شاتم الرسول * وقد رأيت الآن منه نسخة قديمة عليها خطه رحمه الله تعالى * ثم تبعه على ذلك من الشافعية خاتمة المجتهدين تقى الدين ابو الحسن على السبكي والف فيها كتابا سماه السيف المسلول على من سب الرسول فتطفلت على موائد هؤلاء الكرام * وجمعت كتابي هذا من كلامهم وكلام غيرهم من الإعلام * ورتبته على بابين (الباب الاول) فى حكم ساب سيد الأحباب (الباب الثانى) فى حكم ساب احد الاصحاب" وقدمت على الشروع في المقصود قولى اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنى لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم وسددنى واعصمنى من الزيغ والهوى

ص: 315

واحفظ قلبي ولساني وقلمى فى هذا المقام العظيم عن الخطأ في حكمك انك على كل شيء قدير لا عاصم الا انت يا ارحم الراحمين، واجعل ذلك السعى مشكورا خالصا لوجهك الكريم يرضيك ويرضى حبيبك جدى المصطفى الذى لم يحمل لتاخير فى الدنيا والاخرة الا بواسطته صلى الله تعالى عليه وسلم واختم لنا بخير في عافية بلا محنة وادخلنا بشفاعته جنتك يارب العالمين (الباب الاول) فى حكم ساب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه ثلاثة فصول * احدها في وجوب قتله اذا لم يتب * والثانى فى توبته واستتابته وتحرير مذهب أبي حنيفة في ذلك * والثالث في حكم سابه من اهل الذمه (الفصل الاول) فى وجوب قتله اذا لم يتب وذلك مجمع عليه والكلام فيه فى مسئلتين * احداهما في نقل كلام العلماء في ذلك ودليله * والثانية فى انه يقتل كفرا او حدا مع الكفر (المسئلة الاولى) قال الامام خاتمة المجتهدين تقى الدين ابو الحسن على بن عبد الكافى السبكي رحمه الله تعالى في كتابه السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قال القاضي عياض اجمعت الامة على قتل منتقصة من المسلمين وسابه قال ابو بكر ابن المنذر أجمع عوام اهل العلم على ان من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عليه القتل وممن قال ذلك مالك بن انس والليث واحد واسحاق وهو مذهب الشافعي قال عياض وبمثله قال ابو حنيفة واصحابه والثورى واهل الكوفة والاوزاعى فى المسلم وقال محمد بن سحنون اجمع العلماء على ان شاتم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمنتقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله تعالى له ومن شك في كفره وعذابه كفر وقال ابو سليمان الخطابي لا اعلم احدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله اذا كان مسلما * وعن اسحاق بن راهويه أحد الائمة الاعلام فال اجمع المسلمون ان من سب الله تعالى او سب رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم او دفع شيئا مما انزل الله تعالى او قتل نبيا من انبياء الله عز وجل انه كافر بذلك وان كان مقررا بكل ما انزل الله تعالى * وهذه نقول معتضدة بدليلها وهو الاجماع. ولا عبرة بما اشار اليه ابن حزم الظاهرى من الخلاف في تكفير المستخف به فانه شيء لا يعرف لاحد من العلماء ومن استقرأ سير الصحابة تحقق اجماعهم على ذلك فانه نقل عنهم في قضايا مختلفة منتشرة يستفيض نقلها ولم ينكره احد * وما حكى عن بعض الفقهاء من انه اذا لم يستحل لا يكفر زلة عظيمة وخطا عظيم لا يثبت عن احد من العلماء المعتبرين ولا يقوم عليه دليل صحيح، فاما الدليل على كفره فالكتاب والسنة والاجماع والقياس (اما الكتاب) فقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا

ص: 316

مُهِينًا} وقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)} فهذه الآيات تدل على كفره وقتله والاذى هو الشر الخفيف فان زاد كان ضررا كذا قال الخطابي وغيره (واما السنة) فقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين لما خطب في قصة الافك واستعذر من عبد الله بن ابي بن سلول فقال من يعذرني من رجل بلغنى اذاه فى اهلى فقال سعد بن معاذ سيد الأوس انا يا رسول الله اعذرك منه ان كان من الاوس ضربت عنقه وان كان من اخواننا الخزرج امرتنا ففعلنا امرك فقول سعد بن معاذ هذا دليل على ان قتل مؤذيه صلى الله تعالى عليه وسلم كان معلونا عندهم واقره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولم ينكره ولا قال له انه لا يجوز قتله (ومن) السنة ايضا حديث عبد الله بن سعد بن ابي سرح وهو في سنن ابي داود من حديث نصر بن اسباط عن السدى عن مصعب بن سعد عن سعد قال لما كان يوم فتح مكة امن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الناس الا اربعة نفر وامرأتين وسماهم وابن ابى سرح فيلما دعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الى البيعة جاء به عثمان رضى الله تعالى عنه حتى اوقفه على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر اليه مليا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث ثم اقبل على اصحابه فقال ما كان منكم رجل رشيد يقوم الى هذا حين رآني كففت عن بيعته فيقتله فقالوا ما ندري يا رسول الله ما في نفسك الا (بفتح الهمزة وتشديد اللام) اومأت الينا قال انه لا ينبغي لنبي ان تكون له خائنا الاعين واخرجه النسائى ايضا واسماعيل السدى واسباط بن نصر روي لهما مسلم وفيه ما كلام لكن الحديث مشهور جدا عند اهل السير كلهم وكان ابن ابي سرح يكتب الوحى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم ارتد مشركا وصار الى قريش بمكة فقال انى كنت اصرف محمدا حيث اريد من قولى عزيز حكيم او علم حليم فيقول نعم كل صواب فلما كان بعد الفتح امر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقتله وقتل جماعة وهؤلاء الذين اهدر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دمهم منهم من كان مسلما فارتد كابن ابى سرح وانضاف الى ردته ما حصل منه في حق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلذلك اهدر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دمه حتى جاء به عثمان رضي الله تعالى عنه فبايعه صلى الله تعالى عليه وسلم وهو بلاشك دليل على قتل العاب قبل التوبة (ومن) السنة ايضا ما رواه القاضى عياض ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال من سب نبيا فاقتلوه ومن سب

ص: 317

اصحابي فاضربوه وفيه عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن زباله فقد جرحه ابن حبان وغيره وقد رواه ايضا الخلال والازجى من حديث على بن ابى طالب قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من سب نبيا قتل ومن سب اصحابي جلد وابن الصلاح لم يقف على اسناده فينبغى النظر فيه (واما الاجماع) فقد تقدم (واما القياس) فلان المرتد ثبت قتله بالاجماع والنصوص المتظاهرة ومنها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه والساب مرتد مبدل لدينه وتمام الادلة في السيف المسلول وغيره اقتصرنا منها على هذه النبذة اليسيرة (المسئلة الثانية) في ان قتل الساب للكفر أو للحد اعلم ان المرتد يقتل بالاجماع كما مر وتوبته مقبولة باجماع اكثر العلماء اذا لم يكن زنديقا وروى عن الحسن البصرى انه لا تقبل توبة المرتد بل يقتل وان اسلم وهو خلاف المشهور من مذهب الصحابة والتابعين ومن بعدهم ثم لاشك ان قتله اذا لم يتب ليس كقتل الكافر الا صلى الحربي حيث يتخير فيه الامام بين القتل والاسترقاق ووضع الجزية عليه حتى يصير له ما لنا ولا يجبر على الإسلام والمرتد بخلاف ذلك فانه يجبر على الاسلام ويقتل ان ابى وكان ذكرا بالغا ولا يؤمن ولا يسترق ولا توضع عليه الجزية فعلم ان العلة في هذا الحكم ليس هو مطلق الكفر بل خصوص الردة ممن كان مسلما فتكون الردة كفرا خاصا يوجب القتل للرجل على وجه لا تخبير فيه ان لم يسلم ويكون القتل عقوبة خاصة واجبة لله تعالى مرتبة على خصوص الردة كما رتب الرجم على زنا المحصن. وبهذا يظهر لك ان قتل المرتد حد لان الحد فى اللغة المنع ومنه سمى البواب حداد المنعه عن الدخول وكذا السبحان لمنعه عن الخروج وسميت العقوبات الخالصة حدودا لانها موانع عن المعاودة الى ارتكاب اسبابها * وفى الشريعة كما فى الكنز والهداية وغيرهما عقوبة مقدرة الله تعالى فتخرج التعزير لعدم التقدير فيه وخرج القصاص لأنه حق العبد فلا يسمى حدا اصطلاحا على المشهور والحد لا يقبل الاسقاط بعد ثبوت سببه فلا تجوز الشفاعة فيه ولذا انكر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على اسامة بن زيد حين شفع فى المخزومية التي سرقت فقال اتشفع في حد من حدود الله تعالى قال فى البحر والتحقيق ان الحدود موانع قبل الفعل زواجر بعده اي ان العلم بشرعيتها يمنع الاقدام على الفعل وايقاعه بعده يمنع من العود اليه فهى من حقوق الله تعالى لانها شرعت مصلحة تعود الى كافة الناس فكان حكمها الأصلى الانزجار عما يتضرر به العباد وصيانة دار الاسلام عن الفساد ففي حد الزنا صيانة الانساب وفي حد السرقة صيانة الاموال وفى حد الشرب صيانة العقول وفى حد

ص: 318

القذف صيانة الاعراض فالحدود اربعة انتهى (اقول) اى على ما ذكروه في كتاب الحدود والا فهى اكثر منها اذ منها حد قاطع الطريق باقسامه الاربعة وكذا منها حد المرتد اذ هو اعظم مصلحة تعود الى العباد لان فيه حفظ الدين الذي هو اعظم من حفظ الاربعة المذكورة ولو ترك المرتد بلا قتل لتتابع ارتداد كثير من ضعفة الايمان و كأن علماءنا اقتصروا فى كتاب الحدود على الاربعة المذكورة وذكروا حد قطاع الطريق والمرتدين فى كتاب الجهاد لمناسبة القتال معهم وتجهيز الجيوش والله تعالى اعلم (فان قلت) كون قتل المرتد حدا ينافي ما صرحوا به من ان الحد لا يسقط بالتوبة والمرتد بعد ثبوت ردته اذا تاب واسلم تصبح توبته ولا يقتل (قلت) قتل المرتد لم يجب الخصوص الردة بل وجب لها ولارادته البقاء على الكفر والعلة ذات الجزئين تنتفى بانتفاء احدهما فلا تبقى الردة موجبة للقتل وحدها بعد العود الى الاسلام لان القتل جزاء الفعلين معا ولذا يعرض عليه الاسلام اولا ان لم يسلم فهو انما يسمى حدا ما دام باقيا على ردته لانه جزاء كفره والمقصود الاعظم منه اجباره بالعود الى الاسلام فاذا اسلم حصل المقصود وكان مقتضى القياس ان لا يسقط بعد وجوبه كباقى الحدود ولعل هذا وجه ما روي عن الحسن البصرى من انه يقتل وان اسلم لكن ترك عامة العلماء ذلك القياس لوجود النصوص منها قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم (الاسلام يجب ما قبله) وذلك عام في كل كافر فيشمل المرتد على ان الزاني اذا ثبت عليه الزنا بإقراره بشروطه ثم رجع لا يحد * فقد ظهر لك مما قررناه ان قتل المرتد حد وان لم ار من صرح به من ائمتنا الحنفية نعم هو داخل تحت تعريفهم الجد كما علمت وان قلنا انه ليس بحد لا يضرنا وانما المراد تحقيق المسئلة بل عدم تسميته حدا انفع لنا فى اثبات مطلوبنا الآتى (فان قلت) اذا كان قتل المرتد حد الزم اقامته على الرجال والنساء كما هو شان الحدود (قلت) كان القياس ذلك ولكن اخرج منه النساء عندنا لهن للكفر هذا كله ما ظهر لى من القواعد الفقهيه وهو ما حققه الامام السبكى ونقله عن جماعة ثم قال وليس يلزم من كونه حدا ان لا يسقط بالاسلام الا ترى انا اختلفنا في حد الزنا هل يسقط بالتوبة ام لامع الاجماع على تسميته حدا فلا يمتنع ان يكون قتل المرتد حدا وان سقط بالاسلام ومن ظن انا متي سميناه حدا لا يسقط بالاسلام فهو غالط انتهى (اذا علمت) ذلك فتقول الساب المسلم مرتد قطعا فالكلام فيه كالكلام في المرتد فيكون قتله حدا ايضا لكن هل قتله لعموم الردة او لخصوص الشتم او لهما معا محل نظر وربما اشعر حديث

ص: 319

من سب نبيا فاقتلوه مع حديث من بدل دينه فاقتلوه ان قتله لهما معا لان تعليق الحكم على الوصف يشعر بان الوصف هو العلة وقد علق القتل في الاول على السب فاقتضى انه علة الحكم وعلق فى الحديث الآخر على التبديل فاقتضى انه علة الحكم ايضا ولا مانع من اجتماع علتين شرعيتين على معلول واحد ولكن قد يقال ان السب لم يكن علة لذاته بل لكونه ردة لانه المعنى الذي يفهمه كل احد وكون السب بخصوصه هو علة القتل يحتاج الى دليل اذ لا شك ان السب كفر خاص فيدخل تحت عموم من بدل دينه فاقتلوه وبالاسلام تزول علة القتل لأن معنى فاقتلوه اي ما دام مبدلا لدينه لما علمت من اتفاق جهور الأئمة على قبول توبة المرتد ودرء القتل عنه بالاسلام ويدل على ان العلة الكفر لا خصوص السب عندنا ان الساب اذا كان كافرا لا يقتل عندنا الا اذار اه الامام سياسة ولو كان السب هو العلة لقتل به حدا لا سياسة فاحفظ هذا التقريره فانه ينفعك فيما سيأتى مع مزيد تحرير (الفصل الثاني) في توبته واستتابته وتحرير مذهب ابي حنيفة فى ذلك وفيه ثلاث مسائل (المسئلة الاولى) فى قول توبته بالاسلام اعلم انه قد اختلف العلماء فيه قال في الشفاء قال ابو بكر بن المنذر اجمع عوام اهل العلم على ان من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقتل * وممن قال ذلك مالك ابن انس والليث واحد واسحاق وهو مذهب الشافعي وهو مقتضى قول ابى بكر رضى الله تعالى عنه ولا تقبل توبته عند هؤلاء. وبمثله قال ابو حنيفة واصحابه والثورى واهل الكوفة والاوزاعى فى المسلم لكنهم قالوا هي ردة * وروى مثله الوليد بن مسلم عن مالك * وروى الطبرى مثله عن ابي حنيفة واصحابه فيمن ينقصه صلى الله تعالى عليه وسلم او برئ منه او كذبه وقال سحنون فيمن سبه ذلك ردة كالزندقة ثم نقل عن كثير من المتهم المالكية نحو ذلك وذكر الادلة على ذلك * وقال فى محل اخر قال ابو حنيفة واصحابه من برئ من محمد او كذب به فهو مرتد حلال الدم الا ان يرجع وقال في الباب الثاني في حكم سابه وشانئه ومنتقصه ومؤذيه وعقوبته قد قدمنا ما هو سب وأذى فى حقه عليه الصلاة والسلام وذكرنا اجماع العلماء على قتل فاعل ذلك وقائله او تخيير الامام في قتله او صلبه على ما ذكرناه وقررنا الحجج عليه * وبعد فاعلم ان مشهور مذهب مالك واصحابه وقول السلف وجمهور العلماء قتله حدا لا كفرا ان اظهر التوبة منه ولهذا لا تقبل عندهم توبته ولا تنفعه استقالته وحكمه حكم الزنديق سواء كانت توبته بعد القدرة عليه والشهادة على قوله او جاء تائبا من قبل نفسه لانه حد وجب لا تسقطه التوبة كسائر الحدود قال القابسي اذا اقر بالسب وتاب منه

ص: 320

واظهر التوبة قتل بالسب لانه هو حد، وقال محمد بن ابي زيد مثله واما ما بينه وبين الله تعالى فتوبته تنفعه وقال ابن سحنون من شتم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من الموحدين ثم تاب لم تزل توبته عنه القتل وكذلك قد اختلف في الزنديق اذا جاء تائبا قال القاضي عياض ومسئلة ساب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أقوى لا يتصور فيها الخلاف لانه حق متعلق للنبي ولامته بسببه لا تسقطه التوبة كسائر حقوق الادميين والزنديق اذا تاب بعد القدرة عليه فعند مالك والليث واسحق واحمد لا تقبل توبته وعند الشافعى تقبل واختلف فيه عن ابي حنيفة وابي يوسف وحكى ابن المنذر عن على بن ابى طالب رضى الله تعالى عنه يستتاب * قال محمد بن سحنون ولم يزل القتل عن المسلم بالتوبة من سبه عليه الصلاة والسلام لأنه لم ينتقل من دين الى غيره وانما فعل شيئًا حده عندنا القتل لا عفو فيه لاحد كالزنديق لانه لا ينتقل من ظاهر الى ظاهر وقال القاضي ابو محمد بن نصر محتجا لسقوط اعتبار توبته والفرق بينه وبين من سب الله تعالى على مشهور القول باستتابته ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بشر والبشر جنس تلحقهم المعرة الا من اكرمه الله تعالى بنبوته والبارى تعالى منزه عن جميع المعايب قطعا وليس من جنس تلحق المعرة لجنسه وليس سبه عليه السلام كالارتداد المقبول فيه التوبة لان الارتداد معنى ينفرد به المرتد لا حق فيه لغيره من الادميين فقبلت توبته (ثم) قال القاضي عياض وكلام شيوخنا هؤلاء مبنى على القول بقتله حدا لا كفرا واما على رواية الوليد بن مسلم عن مالك

(1)

ومن وافقه على ذلك ممن ذكرناه وقال به من اهل العلم فقد صرحوا انه ردة قالوا ويستتاب منها فان تاب نكل (بتشديد الكاف) وان ابى قتل فحكم له بحكم المرتد مطلقا فى هذا الوجه والوجه الأول اشهر واظهر لما قدمناه انتهى (المسئلة الثانية) فى استتابة الساب قال القاضي عياض اذا قلنا بالاستتابة حيث تصح فالاختلاف فيها على الاختلاف فى توبتة المرتد اذ لافرق فقد اختلف السلف في جوبها وصورتها ومدتها فذهب الجمهور من اهل العلم الى ان المرتد يستتاب وحكى ابن القصار انه اجماع من الصحابة الى اخر ما ذكره في الشفاء. وقال الام السبكي لاشك ان من قال لا تقبل توبتة يقول انه لا يستتاب واما من يقول بقبول

(1)

قوله ومن وافقه على ذلك ممن ذكرناه اى بقوله اولا و بمثله قال ابو حنيفة واصحابه والثورى واهل الكوفة والاوزاعى انتهى فهؤلاء كلهم وافقوا الوليد بن مسلم عن مالك على انه ردة يستتاب منها كما دل عليه قوله فيما مر وروى مثله الوليد بعد قوله لكنهم قالوا هي ردة منه

ص: 321

توبته فظاهر كلامهم انهم يقولون باستتابته كما يستتاب المرتد بل هو فرد من افراد المرتدين الى آخر ما ذكره فى السيف المسلول من نقل مذاهب الأئمة والاستدلال لها * وسيأتى فى المسئلة الثالثة تصريح أئمتنا بان حكمه حكم المرتدين ويفعل به ما يفعل بهم وح فيجرى فيه ما ذكره اصحاب المتون قال في الكنز يعرض الاسلام على المرتد وتكشف شبهته ويحبس ثلاثة ايام فان اسلم والا قتل واسلامه ان يتبرأ عن الاديان او عما انتقل اليه وكره قتله قبله ولم يضمن قاتله * ولا تقتل المرتده بل تحبس حتى تسلم انتهى وظاهر المذهب ان العرض مستحب عندنا لا واجب وانه بعد العرض يقتل من ساعته الا اذا طلب الاستمهال او كان الامام يرجو اسلامه واذا استمهل فظاهر المبسوط الوجوب وفى رواية يستحب امهاله مطلقا وتمام ذلك مبين في فتح القدير والبحر وغيرهما فلا نطيل بذكره (المسئلة الثالثة) في تحرير حكم الساب على مذهب ابى حنيفة وهو المقصود من هذا الكتاب اعلم انه قد تحصل من كلام القاضي عياض ان فى الساب روايتين عن الامام مالك (الاولى) أنه يقتل حدا لا كفرا اى ان السب فى نفسه حده القتل عنده مع قطع النظر عن كونه مكفرا وعليها لا يسقط عنه القتل بتوبته واسلامه (والرواية) الثانية رواية الوليد عن مالك ومن وافقه انه ردة فحكمه حكم سائر المرتدين فتقبل توبته وبه ظهران قول القاضي عياض الذى نقلناه اول هذا الفصل وبمثله قال ابو حنيفة واصحابة الخ يرجع الضمير فى قوله وبمثله الى القتل المذكور ضمنا في قوله يقتل لا الى عدم قبول التوبة المذكور ضمنا فى قوله ولا تقبل توبته بدليل قوله لكنهم قالوا هي ردة حيث استدرك به على المثلية فان قوله وبمثله يوهم ان ابا حنيفة ومن ذكر معه قائلون بأنه يقتل وبانه لا تقبل توبته فاستدرك بقوله لكنهم قالوا هي ردة اى فيقتل ان لم يتب كما هو حكم الردة ولو لم يكن المراد ذلك لما صح الاستدراك لانه لم يخالف احد من المسلمين في كونها ردة وانما اختلفوا فيما زاد على كونها ردة وهو عدم قبول التوبة فابو حنيفة ومن ذكر معه قالوا حكمه حكم المرتد بلا زيادة وهو معنى قوله لكنهم قالوا هي ردة * وبدليل قوله وروى مثله الوليد بن مسلم عن مالك فانك علمت ان رواية الوليد عن مالك أنه ردة ويستتاب منها وبدليل قوله وروى الطبرى مثله عن ابي حنيفة واصحابه بعد ذكره رواية الوليد المذكورة فظهر قطعا من كلامه ان قبول التوبة بمعنى انه لا يقتل هو قول ابي حنيفة واصحابه والثورى واهل الكوفة والاوزاعى وانه هو رواية الوليد ابن مسلم عن مالك وان الرواية المشهورة عن مالك عدم قبول التوبة بناء على ان القتل حدوان هذه الرواية قال

ص: 322

بها احمد والليث والشافعى لكن ما نقله عن الامام احمد هو المشهور من مذهبه * واما ما نقله عن الامام الشافعى فهو خلاف المشهور من مذهبه نعم هو موافق لما قاله ابو بكر الفارسي من الشافعيه من انه كما لا يسقط حد القذف بالتوبة لا يسقط القتل الواجب بسب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالتوبة وادعى فيه الاجماع ووافقه الشيخ ابو بكر القفال واستحسنه امام الحرمين * قال الامام السبكى ولكن المشهور على الالسنة وعند الحكام وما زالوا يحكمون به على ان مذهب الشافعي قبول التوبة ثم اول كلام الفارسي بان مراده السب بالقذف بالزنا قال ولهذا اختلفت عبارات الناقلين لكلام الفارسي وامام الحرمين ذكره بلفظ القذف وصرح بعدم قبول التوبه * ثم قال السبكى وحاصل المنقول عند الشافعية أنه متى لم يسلم قتل قطعا ومتى اسلم فان كان السب قذفا فالاوجه الثلاثة هل يقتل او يجلد او لا شئ وان كان غير قذف فلا اعرف فيه نقلا للشافعية غير قبول توبته * ثم قال هذا ما وجدته للشافعية فى ذلك وللحنفية فى قبول التوبة قريب من الشافعية ولا يوجد للحنفية غير قبول التوبة وكلتا الطائفتين لم ارهم تكلموا في مسئلة السب مستقلة بل في ضمن نقض الذمى العهد وكان الحامل على ذلك ان المسلم لا يسب ثم قال واما الحنابلة فكلامهم قريب من كلام المالكية والمشهور عن احد عدم قبول توبته وعنه رواية بقبولها فذهبه كمذهب مالك سواء هذا تحرير المنقول في ذلك انتهى (اقول) فقد تحرر من ذلك بشهادة هؤلاء العدول الثقات المؤتمنين ان مذهب ابى حنيفة قبول التوبة كمذهب الشافعي (وفى) الصارم المسلول لشيخ الاسلام ابن تيمية قال وكذلك ذكر جماعة آخرون من اصحابنا انه يقتل ساب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا تقبل توبته سواء كان مسلما او كافرا وعامة هؤلاء لما ذكروا المسئلة قالوا خلافا لابي حنيفة والشافعي وقولهما أى ابى حنيفة والشافعى ان كان مسلما يستتاب فان تاب والا قتل كالمرتد وان كان ذميا فقال ابو حنيفة لا ينقض عهده واختلف اصحاب الشافعي فيه انتهى * ثم قال بعد ورقة قال ابو الخطاب اذا قذف ام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم

(1)

لا تقبل التوبة منه وفى الكافر اذا سبها ثم اسلم روايتان وقال ابو حنيفة والشافعي تقبل توبته في الحالين انتهى ثم قال بعد اربع اوراق فى فصل استتابة المسلم وقبول توبته اذا سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قد ذكرنا ان المشهور عن مالك واحمد

(1)

قوله لا تقبل التوبة منه اى لانه سب وتنقيص بل هو اعظم سب لانه طعن في النسب الشريف الطاهر المبرأ من سفاحات الجاهلية وما كانوا عليه منه.

ص: 323

انه لا يستتاب ولا يسقط القتل عنه وهو قول الليث بن سعد وذكر القاضي عياض انه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء وهو احد الوجهين لاصحاب الشافعي وحكى عن مالك واحمد انه تقبل توبته وهو قول ابى حنيفة واصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبة المرتد انتهى * فانظر كيف صرح في هذه المواضع المتعددة مع نقله عن جماعات من ائمة مذهب الحنابلة بان مذهب ابي حنيفة قبول توبته وكفى بهؤلاء الأئمة حجة فى اثبات ذلك * فقد اتفق على نقل ذلك عن الحنفية القاضي عياض والطبرى والسبكى وابن تيمية وائمة مذهبه ولم يذكر واحد منهم خلاف ذلك عن الحنفية * بل يكفى فى ذلك الامام السبكى وحده فقد قيل في حقه لو درست المذاهب الاربعة لاملاها من صدره * وهذا كله حجة فى اثبات ذلك كما ذكرنا لو خلت كتب الحنفية عن ذكر الحكم فيها ولكنها لم تخل عن ذلك (فقد رأيت في كتاب الخراج للامام ابي يوسف في باب الحكم في المرتدين عن الاسلام بعد نحو ورقتين منه ما نصه وقال ابو يوسف وايما رجل مسلم سب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم او كذبه او عابه او تنقصة فقد كفر بالله تعالى وبانت منه امرأته فان تاب والا قتل وكذلك المرأة الا ان ابا حنيفة قال لا تقتل المرأة وتجبر على الاسلام انتهى بلفظه وحروفه وقوله الا ان ابا حنيفة الخ استثناء من قوله والا قتل اى ان لم يتب قتل ولما كان قتله اذا لم يتب متفقا عليه بين ائمة الدين نبه على انه ليس على اطلاقه بل يخرج منه المرأة عند شيخه ابي حنيفة واتباعه فانها لا تقتل عندهم للنهى عن قتل النساء وقد اشار بقوله فان تاب والا قتل الى انه ان تاب سقطت عنه عقوبة الدنيا والآخرة فلا يقتل بعد اسلامه والا لم يصح قوله والا قتل فانه علق القتل على عدم توبته فعلينا ان معنى قبول توبته عندنا سقوط القتل عنه فى الدنيا ونجاته من العذاب فى الاخرة ان طابق باطنه ظاهره وهذا ايضا صريح النقول التي قدمناها فليس قبول توبته خاصا بالنسبة الى الآخرة مع بقاء حق الدنيا بلزوم قتله والا لم يبق فرق بين مذهبنا ومذهب المالكية والحنابلة القائلين بعدم قبول توبته لانهم متفقون على قبولها فى حق احكام الآخرة * فقد ثبت ان العلماء رحمهم الله تعالى حيث ذكروا القبول وعدمه في هذه المسئلة فان مرادهم به بالنسبة الى القتل الذى هو الحكم الدنيوى واما الحكم الاخروى فانه مبنى على حسن العقيدة وصدق التوبة باطنا وذلك مما يختص بعلمه علام الغيوب جل وعلا (ورأيت) في كتاب النتف الحسان لشيخ الاسلام السعدى فى كتاب المرتد ما نصه والسابع من سب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فانه مرتد وحكمه حكم المرتد ويفعل به ما يفعل

ص: 324

بالمرتد انتهى بحروفه ومعلوم ان من احكام المرتد قبول توبته وسقوط القتل عنه بها (ورأيت) في فتاوى مؤيد زاده ما نصه وكل من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم او ابغضه كان مرتدا واما ذووا العهود من الكفار اذا فعلوا ذلك لم يخرجوا من عهودهم وامروا ان لا يعودوا فان عادوا عزروا ولم يقتلوا كذا في شرح الطحاوى انتهى بحروفه ثم قال ومن سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم او ابغضه كان ذلك منه ردة وحكمه حكم المرتدين شرح الطحاوى قال ابو حنيفة واصحابه من برئ من محمد او كذب به فهو مرتد حلال الدم الا ان يرجع من الشفاء انتهى (وكذلك) رأيت فى معين الحكام معزيا الى شرح الطحاوى ما صورته من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم او ابغضه كان ذلك منه ردة حكمه حكم المرتدين انتهى وكذا نقله في منح الغفار عن معين الحكام المذكور (وفى) نور العين اصلاح جامع الفصولين عن الحاوى

(1)

من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يكفر ولا توبة له سوى تجديد الإيمان انتهى (فهذه) النقول عن اهل المذهب صريحة فى ان حكم الساب المذكور اذا تاب قبلت توبته فى حق القتل وقدمنا نقول غير اهل المذهب عن مذهبنا وهي صريحة فيما ذكرنا ولم يحك احد خلافا فثبت اتفاق اهل المذهب على الحكم المذكور (وقد) صرح ائمتنا المتقدمون أيضا في عامة الكتب فى باب الردة عند ذكرهم الالفاظ المكفرة المتعلقة بسب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم او غيره من الانبياء والملائكة بقولهم كفر او بقولهم فهو كافر * قال فى التتار خانيه من لم يقر ببعض الانبياء او عاب نبيا بشئ أو لم يرض بسنة من سنن المرسلين صلى الله تعالى عليهم وسلم فقد كفر * وفى التتمة سئل على بن احمد عمن نسب الى الانبيا الفواحش كالرمى بالزنا ونحوه الذى يقوله الحشوية في يوسف عليه السلام قال يكفر لانه شتم لهم واستخفاف بهم وقال بعضهم لا يكفر * وقال

(1)

ثم رأيت فى حاوى الزاهدى برمز الاسرار ما نصه ولو سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يكفر ولا توبة له سوى تجديد الايمان وقال بعض المتأخرين لا توبة له اصلا فيقتل حدا استدلالا بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم حين نصر بفتح مكة من سب النبي فاقتلوه لكن الاصح لا يقتل بعد تجديد الايمان لانه عليه الصلاة والسلام نهى عليا رضى الله تعالى عنه عن قتل من قال لا اله الا الله محمد رسول الله من اهل مكة الذين أمره بقتلهم بما روى عنه آنفا لسبهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قبله وهذا لان موجب سبه الكفر فموجبه القتل وتجديد الإيمان يرفع هذا الكفر فيرفع موجبه ايضا وهو القتل انتهى منه

ص: 325

ابو حفص الكبير كل من اراد بقلبه بغض النبي صلى الله تعالى عله وسلم يكفر وكذلك لو قال لو كان فلان نبيا لم اومن به فقد كفر * وفي المحيط لو قال لشعر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم شعير يكفر عند بعض المشايخ وعند البعض لا يكفر الا اذا قال ذلك بطريق الاهانة * وفى الظهيرية ان اراد بالتصغير التعظيم لا يكفر وفي الينابيع لو عاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بشئ من العيوب يكفر وفي المحيط لو قال لا ادرى ان النبي كان انسيا او جنيا يكفر وان قال كان طويل الظفر فقد قيل يكفر لو على وجه الاهانة ولو قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك الرجل قال كذا وكذا فقد قيل يكفر انتهى الى غير ذلك من الالفاظ التي ذكروها واطلقوا فيها لفظ الكفر ولم يقل احد منهم لا توبة له او يقتل وان اسلم بل اطلقوا ذلك اعتمادا على ما قرروه فى اول باب الردة من بيان حكم المرتد وانه ان اسلم فيها والا قتل ولو كان حكم تلك الالفاظ المذكورة مخالفا لبقية الفاظ الردة لوجب بيانه بان يقولوا لكنه يقتل وان اسلم فعلم ان مرادهم التسوية بين جميع الفاظ الردة في قبول التوبة بالاسلام وان كانت سبا لنبي او غيره فكيف بعد التصريح بذلك كما تلوناه عليك من عباراتهم المارة (على) ان عبارات متون المذهب المعتبرة كلها ناطقة بذلك من حيث العموم (قال) فى مختصر القدورى واذ ارتد المسلم عن الاسلام عرض عليه الاسلام فان كانت له شبهة كشفت له ويحبس تلاثة ايام فان اسلم والا قتل الخ (وقال) فى متن الكنز يعرض الاسلام على المرتد وتكشف شبهته ويحبس ثلاثة ايام فان اسلم والا قتل (وقال) فى متن المختار واذا ارتد المسلم والعياذ بالله تعالى عن الاسلام يحبس ثلاثة ايام ويؤخذ عليه الاسلام فان اسلام والا قتل (وقال) فى متن الملتقى من ارتد والعياذ بالله تعالى عرض عليه الاسلام وكشفت شبهته ان كانت فان استمهل حبس ثلاثة ايام والا قتل وهكذا فى عامة المتون وكذا فى الهداية والجامع الصغير للامام محمد وغيرهما ولا شبهة ان الساب مرتد فيدخل في عموم المرتدين فهو مما نطقت به متون المذهب فضلا عن شروحه وفتاويه * ومن القواعد المقرره ان مفاهيم الكتب معتبرة ومسئلتنا هذه لو كانت ماخوذة من مفاهيم المتون لكفى مع انها داخلة فى العموم اذ مما هو مقرر فى كتب الاصول ان دلالة العام على افراده قطعية عندنا وانه يوجب الحكم فيما تناوله كما اوضحنا ذلك في حواشينا نسمات الاسحار على شرح المنار للشيخ علاء الدين المسمى افاضة الانوار * ولا يخفى ان لفظ من ارتد ولفظ المرتد المعرف بإداة التعريف عام وكذا لفظ المسلم في قول القدورى واذا ارتد المسلم ومما يدل على ارادتهم العموم فى ذلك اخراجهم المرأة من هذا العموم وتصريحهم

ص: 326

بان حكمها انها تحبس ولا تقتل وقد تقرر فى كتب الاصول ايضا ان الاستثناء من دلائل العموم * فقد ظهر لك ان عدم قتل الساب اذا اسلم وتاب منصوص عليه في المتون بعبارة النص لانه داخل تحت ما سيق له نظم الكلام لا بطريق الدلالة او الاشارة او الاقتضاء وفى غير المتون منصوص عليه بخصوصه وكفى بذلك دلالة على افادة حكمه اذ دلالة التنصيص والتصريح على الدلالات والله تعالى اعلم (فان قلت) لا نسلم ارادة العموم في عبارة المتون وان كانت عامة بدليل ان اصحاب الشروح والفتاوى ذكروا ان المختار فى الزنديق والساحر أنهما يقتلان ولا تقبل توبتهما بعد الاخذ (قلت) ما فى المتون انما هو بيان لموجب الردة لان تعليق الحكم على المشتق يؤذن بعلية الاشتقاق كما قدمناه فقولهم المرتد يقتل الا ان يسلم معناه يقتل لردته فاذا لنتفى موجب القتل بالاسلام انتفى القتل وهذا باق على عمومه لم يخرج منه شئ واما الزنديق والساحر فانما قتلا وان تابا لا لخصوص الردة وانما هو لدفع شرهم او ضررهما عن العباد كقتل البغاة والاعونة والخناق والخوارج وان كانوا مسلمين فما فى الشروح والفتاوى بيان لموجب شئ اخر غير الردة وهو السعى فى الارض بالفساد كما سيأتي توضيحه فبقى كلام المتون على عمومه شاملا للساب لان علة قتله انما هي ردته كما حققناه وسيأتى له زيادة توضيح ايضا (فان قلت) جميع ما قررته واضح ولكنا رأينا في كلام بعض المتأخرين ما يخالفه فقد قال فى البزازية ما نصه اذا سب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم او واحدا من الأنبياء عليهم السلام فانه يقتل حدا ولا توبة له اصلا سواء بعد القدرة عليه والشهادة او جاء تائبا من قبل نفسه كالزنديق لانه حد وجب فلا يسقط بالتوبة ولا يتصور فيه خلاف لا حد لانه حق تعلق به حق العبد فلا يسقط بالتوبة كسائر حقوق الادميين وكحد القذف لا يزول بالتوبة بخلاف ما اذا سب الله تعالى ثم تاب لانه حق الله تعالى ولان النبي بشروا البشر تلحقهم المعرة الا من اكرمه الله تعالى والبارى تعالى منزه عن جميع المعايب وبخلاف الارتداد لأنه معنى ينفرد به المرتد لاحق فيه لغيره من الادميين ولكونه بشرا قلنا اذا شتمه عليه السلام سكران لا يعفى ويقتل حدا وهذا مذهب ابى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه والامام الاعظم

(1)

والبدرى واهل الكوفة والمشهور من مذهب مالك واصحابه قال الخطابي لا اعلم احدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله اذا كان مسلما وقال سحنون المالكي اجمع العلماء ان شاتمه كافر وحكمه القتل ومن شك فى عذابه وكفره كفر قال الله تعالى (ملعونين

(1)

قوله والبدرى كذا فى البزازية وصوابه والثورى كما في الشفاء وغيره منه

ص: 327

اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا) الآية وروى عبد الله بن موسى بن جعفر عن على بن موسى عن ابيه عن جده عن محمد بن على بن الحسين عن حسين بن علي عن ابيه انه صلى الله تعالى عليه وسلم قال من سب نبيا فاقتلوه ومن سب اصحابي فاضربوه وامر صلى الله تعالى عليه وسلم بقتل كعب بن الاشرف بلا انذار وكان يؤذيه صلى الله تعالى عليه وسلم وكذا امر بقتل ابى رافع اليهودي وكذا امر بقتل ابن اخطل لهذا وان كان متعلقا باستار الكعبة ودلائل المسئلة تعرف في كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول * انتهى كلام البزازية وتبعه صاحب الدرر والغرر * وكذا قال المحقق ابن الهمام في فتح القدير كل من ابغض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقلبه كان مرتدا فالساب بطريق اولى ثم يقتل حدا عندنا فلا تقبل توبته في اسقاط القتل قالوا هذا مذهب اهل الكوفة ومالك ونقل عن ابى بكر الصديق ولا فرق بين ان يجي تائبا من نفسه او شهد عليه بذلك بخلاف غيره من المكفرات فان الانكار فيها توبة فلا تعمل الشهادة معه حتى قالوا يقتل وان سب سكران ولا يعفى عنه ولا بد من تقييده عما اذا كان سكره بسبب محظور باشره اختيارا بلا اكراه والا فهو كالمجنون قال الخطابي لا اعلم احدا خالف في وجوب قتله

(1)

واما مثله في حقه تعالى فتعمل توبته فى اسقاط قتله انتهى * وتبعه على ذلك العلامة ابن نجيم في الاشباه والنظائر وفى البحر وعبارة الاشباه كل كافر تاب فتوبته مقبولة فى الدنيا والآخره الا جماعة الكافر بسب نبي وبسب الشيخين او احدهما وبالسحر ولو امرأة وبالزندقة. اذا اخذ قبل توبته انتهى * وقال فى البحر ما نصه وفى الجوهرة من سب الشيخين أو طعن فيهما كفر ويجب قتله ثم ان رجع وتاب وجدد الاسلام هل تقبل توبته ام لا قال الصدر الشهيد لا تقبل توبته واسلامه ونقتله وبه اخذ الفقيه ابو الليث السمرقندى وابو نصر الدبوسي وهو المختار للفتوى انتهى ما فى البحر * وتبعه تلميذه الشيخ محمد بن عبد الله الغزى التمرتاشي في متن التنويره وقال في شرحه منح الغفار ان هذا يقوى القول بعدم قبول توبة ساب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وهو الذي ينبغي التعويل عليه في الافتاء والقضاء رعاية الجانب حضرة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم * وافتى به التمرتاشي في فتاواه وكذا افتى به العلامة الخير الرملى فى فتاواه * ومشى عليه صاحب النهر والثمر نبلا لى فهؤلاء عمدة المتأخرين قد قالوا خلاف ما قدمته فبين لنا اى الكلامين ارجح حتى تتبعه ونعمل به

(1)

قوله واما مثله اي مثل ما ذكر من البغض والسب حالة كونه واقعا في حقه تعالى منه.

ص: 328

(قلت) ما ذكرته ايها السائل * من هذه النقول والدلائل * مخالف لما قدمته لك فقد تعارضت عباراتهم في هذه المسئله * فصارت مشكلة * ولزم النظر الدقيق * فيما يكون به الترجيح او التوفيق * ويتوقف ذلك على ذكر مقدمه * عند علمائنا مسلمه * قال الشيخ الامام العلامة الشيخ امين الدين بن عبد العال في فتاواه جوابا عن مسئلة ناقلا عن الخلاصة وقاضى خان والحاوى القدسى وغيرهم * اذا اختلفت الروايات عن ابي حنيفة في مسئلة فالاولى ان يأخذ باقواها حجة ومتى كان قول ابى يوسف ومحمد موافقا لقول الامام لا يجوز التعدى عنه والعمل برواية منفردة عنه الا فيما مست الضرورة اليه وعلم انه لو كان حيا وراى ما راى لافتي به فح يعمل بتلك الرواية واذا كان معه احد صاحبيه كابي حنيفة وابى يوسف او كابي حنيفة ومحمد فهو كالحكم فيها اذا حصلت الموافقة بين الكل وان حصلت المخالفة منهما له يؤخذ بقوله ولا يخير في ذلك المفتى * وفى شرح الطحاوى المفتى بالخيار ان شاء اخذ بقول ابي حنيفة وان شاء اخذ بقولهما وقال عبد الله بن المبارك ينبغي ان يؤخذ بقول ابي حنيفة وفى قاضى خان ان كان مع ابي حنيفة احد صاحبيه يؤخذ بقولهما لوفور الشرائط واستجماع ادلة الصواب وان خالفاه فلا يخلو اما ان تكون المخالفة حجة وبرهان فيوخذ بقول الامام او مخالفة عصر وزمان كالقضاء بظاهر العدالة فيؤخذ بقولهما لتغير احوال الزمان وفى المزارعة والمعاملة يختار قولهما لاجتماع المتأخرين على ذلك وفيما سوى ذلك يخير المفتى المجتهد ويعمل بما افضى اليه رايه وقال ابن المبارك يؤخذ بقول ابى حنيفة والاصح ان العبرة لقوة الدليل * ومتى لم يوجد فى المسئلة رواية عن ابي حنيفة يؤخذ بظاهر قول ابي يوسف ان كان ثم بظاهر قول محمد ان كان ثم بظاهر قول زفر كذلك ثم بظاهر قول الحسن كذلك فان لم يوجد لهؤلاء نص فى المسئلة ولا لمن شاكلهم من كبار الاصحاب ينظر فان تكلم فيها المتأخرون واتفقوا على قول واحد يؤخذ به وان اختلفوا يؤخذ بقول الاكثرين وما اعتمده الكبار من المشايخ المعروفين كابي حفص وابى جعفر وابي الليث والطحاوى وغيرهم من امثالهم * وان لم يوجد منهم جواب فح ينظر المفتى فيها نظر تأمل دقيق * لعله ان يقف على التحقيق * ويقربه الى الرشد والسداد * لبيان درجة الراسخين الامجاد * والمراد بالمفتي الذي يتخير بين الاقوال هو المجتهد الذى له قوة نظر واستنباط * واما اهل زماننا واشياخهم واشياخ اشياخهم فلا يسمون مفتين بل ناقلون حاكون * هذا ما رأيت عليه مشايخنا كمولانا الشيخ برهان الدين الكركي ومولانا الشيخ عبد البر ابن الشحنه والشيخ

ص: 329

محب الدين بن شرباش ومن شاكلهم ولا يحل لاحد ان يتكلم جزافا لوجاهته او خوفا على منصبه وحرمته وليخش الله تعالى ويراقبه فانه عظيم لا يتجاسر عليه الا كل شقى جاهل وليحذر من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم اتخذ الناس روسا جهالا فافنوا بغير علم فضلوا واضلوا * ومتى اخذ المفتى بقول واحد من اصحاب ابي حنيفة يعلم قطعا ان القول الذى اخذ به هو قول ابي حنيفة فانه روى عن جميع اصحاب ابى حنيفة من الكبار كابي يوسف ومحمد وزفر والحسن أنهم قالوا ما قلنا في مسئلة قولا الا وهى رواية عن ابي حنيفة واقسموا عليه ايمانا غلاظا فاذا كان الامر كذلك والحالة هذه لم يتحقق بحمد الله فى الفقه جواب ولا مذهب الا له كيف ما كان وما نسب الى غيره الا مجازا وهو كقول القائل قولى قوله ومذهبي مذهبه هذا آخر ما أوردناه ارشدك الله تعالى انتهى كلام الشيخ امين الدين رحمه الله تعالى (فاذا علمت ذلك فاعلم ان جميع ما قاله البزازى ماخوذ من الشفا للقاضي عياض ومن الصارم المسلول لابن تيمية فانه ذكر فيه كثيرا من كلام الشفاء لموافقته لمذهبه وقد نقل ذلك صاحب البزازيه مع تصرف في التعبير اصاب فى بعض منه دون بعض ولما جعل القاضي عياض الساب بمنزلة الزنديق بنى عليه قوله انه لا يتصور في عدم قبول توبته خلاف لا حد اى اذا كان في حكم الزنديق والزنديق لا توبة له عند سائر الائمة فكذلك لاتوبة للساب عند جميع الأئمة ولا يخفى ان هذا الاستدلال على طريق الالزام اى انه يلزم الجميع القول بذلك فليس مراده انه لم يصدر خلاف بين المجتهدين في حكم الساب فانه مخالف لما صرح به نفسه من وقوع اختلاف الرواية عن امام مذهبه حيث روى الوليد بن مسلم عن الامام مالك ان السب ردة فيستتاب منها ولا يقتل وانه قال بمثله ابو حنيفة واصحابه والثوري واهل الكوفة والاوزاعى وكأن البزازى ظن ان قوله ولا يتصور فيه خلاف لا حد انه اراد حكاية الاجماع على ذلك فجزم بان مذهب ابي حنيفة عدم قبول التوبة ولم يتفطن لما قلنا ولا لما نقله فى الشفاء والصارم المسلول عن ابي حنيفة وغيرهم ممن وافقه كما قدمناه عنهما (الشفاء والصارم) من العبارات الصريحة * وايضا فليس فيما نقله البزازي عن الخطابي وسحنون دلالة لما قاله لانه ليس في كلامهما تصريح بعدم سقوط القتل بعد التوبة فمرادهما حكاية الاجماع على كفره وردته قبل التوبة والدليل على ذلك قول سحنون ومن شك فى عذابه وكفره كفر اذ لا يصح حمل ذلك على ما بعد التوبة لأنه يلزم عليه تكفير الائمة المجتهدين القائلين بقبول توبته وعدم قتله كابي حنيفة والشافعي والثورى والاوزاعي وغيرهم فتعين ما قلنا وكذلك ما استدل

ص: 330

به البزازى تبعا للشفا والصارم المسلول من الحديث ومن الأمر بقتل كعب وابي رافع وابن اخطل ليس فيه دلالة على قتله بعد التوبة اذ لا شك ان كلا من هؤلاء الثلاثة المأمور بقتلهم من اشد الكفرة اذى وضررا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولم ينقل اسلام واحد منهم والكلام فى القتل بعد الاسلام * وقد ظهران ما قاله البزازى بناء على ما فهمه من كلام الشفا ومن كلام من نقل عنهم الاجماع وهو ان مرادهم الاجماع على عدم قبول توبته مطلقا وقد علمت ان حمله على الاطلاق غير صحيح * وح فليس في كلام هؤلاء الذين نقل عنهم البزازى دلالة على ان مذهبنا عدم قبول التوبة (فان قلت) من اين علمت ان البزازي اعتمد في النقل على كلام الشفاء فلعله اخذه من كتب المذهب (قلت) لما رأينا تصريح الأئمة الثقات بان مذهب ابي حنيفة خلاف ما قاله ورأينا كتب المذهب ناطقة بذلك كما قدمناه صريحا في عبارة الخراج لابي يوسف امام المذهب واستعاض النقل بذلك عن شرح الطحاوي الذي هو عمدة المذهب وكذا في عبارة النتف وكذا عبارات متون المذهب قاطبة كما قدمناه مفصلا علمنا ان البزازى لا مستند له الا عبارة الشفاء الا ترى كيف نقل عن مشايخ المالكية ثم احال دلائل المسئلة على الصارم المسلول لعمدة الحنابلة شيخ الاسلام ابن تيميه ولو كان له مستند عن احد من اهل مذهبه لذكره لانه اثبت لمدعاه * والظه ان صاحب الدرر قلد البزازي في ذلك فنقل الحكم جاز ما به لما رأه مسطورا كذلك فى البزازية التى هى من كتب المذهب وكذلك فعل المحقق ابن الهمام ثم توارد المسئلة كذلك من بعدهم * كما ذكر ذلك في منح الغفار حيث قال بعد ما عزى المسئلة للبزازية وفتح القدير وغيرهما لكن سمعت من مولانا شيخ الاسلام امين الدين بن عبد العال مفتى الحنفية بالديار المصريه ان صاحب الفتح تبع البزازى فى ذلك وان البزازى تبع صاحب الصارم المسلول فانه عزا فى البزازية ما نقله من ذلك اليه ولم يعزه الى احد من علماء الحنفية انتهى وقد نقل فى معين الحكام انها ردة وحكمه وحكم المرتدين وكذا فى النتف وممن نقل انها ردة عن ابي حنيفة القاضي عياض فى الشفاء الخ انتهى كلام منح الغفار باختصار (وقد ذكر) العلامة السيد احمد الحموى فى حاشية الاشباه نقلا عن بعض العلماء ان ما ذكره ابن نجيم في فى الاشباه من عدم قبول التوبة قد انكره عليه اهل عصره وان ذلك انما يحفظ لبعض اصحاب مالك كما نقله القاضي عياض وغيره اما على طريقتنا فلا انتهى (ثم) ما فهمه البزازى من عبارة الشفا من ان المراد حكاية اجماع الائمة مطلقا كما مر وقع مثله للعلامة القهستاني حيث قال فى شرح مختصر النقاية لو عاب نبيا من الأنبياء عليهم

ص: 331

الصلاة والسلام قبلت توبته كما فى شرح الطحاوى وغيره لكن في شفا القاضى عياض عن اصحابنا وغيرهم من المذاهب الحق ان توبته لم تقبل وقل بالاجماع انتهى فانظر كيف فهم ان مراد الشفا حكاية الاجماع على قتله مطلقا اى ولو تاب وهذا فهم لا يصح قطعا كيف وقد حكى فى الشفا الخلاف في المسئلة فيما اذا تاب وصرح بالنقل عن ابي حنيفة وغيره بقبول توبته ودرء القتل عنه بها كما هو رواية الوليد ابن مسلم عن مالك كما قدمناه * وانظر ايضا كيف عزا قبول التوبة الى شرح الطحاوى وغيره من كتب المذهب وعزا عدم القبول الى الشفا ولو وجد نقلا عن كتاب من كتب المذهب بعدم القبول لعزى المسئلة اليه واستغنى عن العزو الى كتب غير المذهب * وما كان ينبغى له ولا للبزازى ان يفعلا ذلك فان فيه ايهاما عظيما لمن بعدهما وقد وقع كما رأيت حيث تابع البزازى من بعده على شيء لا أصل له في كتب المذهب ولا نقله احد ممن قبلهم وانما المنقول والمحكى عن ائمتنا خلافه بلا حكاية خلاف (واما) ما عزاه فى البحر الى الجوهرة فانه لا اصل له ايضا ولا وجود له فى الجوهرة كما نبه عليه صاحب النهر ومن انكر ذلك فليراجع نسخ الجوهرة على انه لو كان ثابتا فهو مخالف لما في كتب المذهب كما ستعرفه في الباب الثاني ان شاء الله تعالى (هذا) وللعلامة التحرير الشهير بحسام حلبي من عظماء علماء دولة السلطان سليم خان بن بايزيد خان العثماني رسالة لطيفة الفها ردا على البزازية في حكم تلك المسئلة ذكر حاصلها في اواخر نور العين. فقال اعلم ان سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كفر وارتداد لانه مناف لتعظيمه والايمان به الثابت بالادلة القطعية التى لا شبهة فيها فسبه جحود له فيكون كفرا فيقتل به ان لم يتب وهذا مجمع عليه بين المجتهدين لكنه ان تاب وعاد الى الاسلام تقبل توبته فلا يقتل عند الحنفية والشافعية خلافا للمالكية والحنبلية على ما صرح به شيخ الاسلام على السبكي في كتاب السيف المسلول فى سب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم * وذكر فى الحاوى من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يكفر ولا توبة له سوى تجديد الايمان * الى ان قال فى آخر تلك الرسالة المفهوم من كلمات صاحب الشفا أن قتل الساب ليس حدا عند ابو حنيفة بل كفرا والكفر يزول بالتوبة والاسلام فيزول القتل بزوال سببه * ثم قال وبالجملة قد تتبعنا كتب الحنفية فلم نجد القول بعدم قبول توبة الساب عندهم سوى ما ذكر في الفتاوى البزازية وقد عرفت بطلانه ومنشأ غلطه فيما مر فى أوائل الرسالة فتذكر انتهى ملخصا (قال) صاحب نور العين يقول الحقير يؤيد ما ذكره من تخطئة ما في البزازية

ص: 332

ما ذكر في بعض الفتاوى نقلا عن كتاب الخراج للامام ابي يوسف رحمه الله تعالى ان من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يكفر فان تاب تقبل توبته ولا يقتل عنده وعند ابي حنيفة خلافا لمحمد انتهى

(1)

(فان قلت) قوله خلافا لمحمد يدل على ان فى المسئلة خلافا عند ائمتنا وان محمدا رحمه الله تعالى يقول كقول مالك واحمد فليكن ما ذكره فى البزازية مبنيا على قول محمد ومعلوم أن قوله قول للامام فكيف يخطأ صاحب البزازية ومن تابعه (قلت) عبارة الخراج التي اطلعت عليها ورايتها ليس فيها ذكر الخلاف وقد ذكرتها لك من قبل بحروفها وبعض

(1)

ثم رأيت بعد نحو عشر سنين من تأليف هذا الكتاب في حاشية شيخ مشايخنا العلامة فقيه عصره الشيخ مصطفى الرجتى الايوبى على الدر المختار ما يؤيد ما قلناه حيث قال بعد كلام مانصه ومقتضى كلام الشفا وابن ابى جمرة في شرح مختصر البخاري في حديث ان فريضة الحج ادركت ابى الخ ان هذا اى عدم قبول التوبة مذهب مالك وان مذهب ابى حنيفة والشافعى ان حكمه حكم المرتد وقد علم ان المرتد تقبل توبته ويؤيده ما نقله هنا عن النتف وما عطف عليها من الكتب المعتمدة في المذهب من ان حكمه حكم المرتد واذا كان هذا في ساب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ففي ساب الشيخين او احدهما لا يتحتم قتله بالاولى بل انكر الصديق رضى الله تعالى عنه جواز قتله حين سبه بعض أهل الشر فاراد بعض من حضر عنده قتله فقال له الصديق انه لا يقتل الا ساب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وانه خاص به (فقد) تحرران المذهب كذهب الشافعى قبول توبته كما هو رواية ضعيفة عن مالك وما عداه فانه اما نقل عن غير اهل المذهب وكانه بعض المالكية او طرة مجهولة لم يعلم كاتبها او لامر آخر هو تبين زندقته والزنديق لا تقبل توبته عندنا لانه متهم فيها وهو الذى مال اليه شيخ الاسلام ابو السعود فكن على بصيرة في الاحكام ولا تغتر بكل امر مستغرب وتغفل عن الصواب والله تعالى اعلم انتهى ما في حاشية الرحمتي على الدر المختار من باب المرتد * ثم رأيت ايضا بخط شيخ مشايخنا العلامة النقيه الشيخ ابراهيم السايحاني بهامش نسخته الدر المختار عند قوله وقد صرح في التنف ومعين الحكام وشرح الطحاوى وحاوى الزاهدى وغيرها بان حكمه كالمرتد والعجب كل العجب حيث سمع المصنف كلام شيخ الاسلام يعنى ابن عبد العال ورأى هذه النقول كيف لا يشطب متنه عن شئ يستدعى تقليل امة محمد البحر الطامي الذى لا يتغير بجبال الضرر وقد اسمعنى بعض مشايخى رسالة حاصلها انه لا يقتل بعد الاسلام وان هذا هو المذهب اهـ ما رأيته بخطه رحمه الله تعالى منه.

ص: 333

الفتاوى المذكور مجهول فالله اعلم به على انه لو ثبت خلاف محمد فى المسئلة لا يعدل عن قول ابى حنيفة وابي يوسف الذي مشى عليه اصحاب المتون وغيرهم * ولاسيما والتعبير بقوله خلافا لمحمد مشير الى ضعفه ولو كان لمحمد خلاف في هذه المسئلة لتمسك به البزازى ومن تابعه ولم يعدل عن النقل عنه الى النقل عن المالكية * على ان البزازي لم يدع ان ذلك قول فى المذهب بل دعواه انه مما انعقد عليه اجماع الائمة وقد تيقنت بطلانه مما نقلناه لك وان المجمع عليه هو الحكم بكفر الساب وقتله قبل التوبة وليس ذلك محل النزاع وانما كلامنا في قبول توبته ودرء القتل عنه بالاسلام كما هو حكم سائر المرتدين (فان قلت) سلمنا ان مذهب الحنفية قبول توبته وانه لا خلاف عندهم في ذلك ولكن مرادهم قبول توبته بينه وبين ربه تعالى بمعنى انه يموت مسلما ولا ينافي ذلك لزوم قتله لأنه جزاؤه في الدنيا لكن زنا او سرق ثم تاب لا يسقط جزاؤه الدنيوى بتوبته وح فلا مخالفة بين كلام البزازى ومن تبعه وبين كلام غيره (قلت) من تحقق مناط الخلاف لم يخف عليه الجواب فاعد النظر مرة اخرى الى العبارة التي نقلناها عن الشفا تراها صريحة فى ان الخلاف فى لزوم القتل وعدمه وكذا عبارة شيخ الاسلام ابن تيميه فى الصارم المسلول وكذا عبارة ابي يوسف في الخراج حيث قال فان تاب والا قتل فعلق القتل على عدم التوبة لا على السب وكذا عبارة شرح الطحاوى حيث قال وحكمه حكم المرتدين وكذا عبارة الحاوى حيث قال لا توبة له سوى تجديد الايمان وكذا عبارات متون المذهب قاطبة حيث قالوا يعرض على المرتد الاسلام فان تاب والا قتل وقد اشرنا فى اثناء كلامنا عند ذكر هذه النقول الى دفع هذا السؤال (فان قلت) ان مذهب الحنفية ان كل معصية ليس فيها حد مقدر يجب التعزير فيها وانه مفوض الى رأى القاضى وانه قد يكون بالقتل في بعض المواضع لبعض أهل الكبائر كالاعونة والظلمة ومن اعتاد قتل الناس بغير محدد كالخناق وكاللوطى ونحوهم مما ذكروه وكن رأى رجلا يزني بمحرمه على ما فيه من الخلاف فليكن كلام البزازى ومن تبعه مبنيا على ذلك اذ لا شك ان هذا الساب الشقى اللعين اقبح اهل الكبائر غاية ما فى الباب ان البزازى تجوز عن التعزير بالحد (قلت) لا شك ان هذا الساب مرتد والمرتد له جزاء مقدر قبل توبته وهو القتل ونحن قد حققنا ان القتل حد المرتد وانه لا يلزم من كونه حدا ان لا يسقط بالتوبة فلا يسمى قتله تعزير الخروج التعزير عن تعريف الحد بقيد التقدير كما بيناه سابقا * فان كان مرادك انه يعزر قبل التوبة بالقتل فلا حاجة الى تسميته تعزيرا ولا نزاع لاحد في لزوم قتله ان لم يتب * وان كان مرادك انه بعد التوبة يقتل تعزيرا لدخوله تحت

ص: 334

اهل الكبائر فنقول لا يمكننا التزامه مطلقا لان ما ذكروه من الامثلة انما هو في كبائر خاصة عم ضرر اصحابها ولا يمكن دفع شرهم الا بالقتل كالاعونة والظلمة والمكاسين وكالساحر والزنديق ونحوه من اهل البدع والخوارج * واما اللوطى فمنصوص على قتله من اهل المذهب فنتبع ما نصوا لنا عليه ونفتى الناس به على انهم قيدوا قتله بما اذا اعتاد اللواطة وجعلوا قتله سياسة فكان ايضا ممن لا يرتدع ولا يندفع ضرره الا بالقتل ولسنا من اهل القياس حتى نقيس عليه الساب او غيره الا ترمى ان من ثبت عليه الزنا باقراره عند الامام ثم رجع عن اقراره سقط عنه الحد مع انه لا يمكننا ان نفتى الحاكم بان له ان يقتله تعزيرا بعد ثبوت زناه باقراره فان رجوعة او جب شبهة تسقط الحد عنه ولم تنف زناه اصلا اذ لاشك ان الانسان مؤاخذ باقراره على نفسه وكذا المرتد اذا كانت ردته بغير السب ثم اسلم لا نفتى الحاكم بانه مخير في قتله مع انه قد فعل اعظم الكبائر قطعا فكذلك اذا كانت ردته بالسب الا اذا وجد نقل عن اهل المذهب كأئمتنا الثلاثة او من بعدهم من اهل التخريج والاستنباط او اهل الترجيح والتصحيح على ما عرف في طبقاتهم التي ذكرها ابن الكمال * وليس البرازي ومن تبعه من اهل ديوان تلك الكتيبة بل ان علت رايتهم في المبارزة عند اضطراب الاقوال فغاية امرهم ان تتبعهم فى تقوية احد قولين مصححين على الاخر * حتى ان المحقق ابن الهمام وناهيك به من بطل مقدام اذا خرج عن جادة المذهب بحسب ما يظهر له من الدليل لا يتبع كما قال تلميذه خاتمة الحفاظ الزيني قاسم بن قطلوبغا انه لا عبرة بابحاث شيخنا اذا خالفت المنقول انتهى * وايضا فان نفس المحقق ابن الهمام لم يقبل ابحات الامام الطرسوسي صاحب انفع الوسائل وقال عنه انه لم يكن من اهل الفقه * وقال ايضا في فتح القدير من باب البغاة ان الذي صح عن المجتهدين فى الخوارج عدم تكفيرهم ويقع في كلام اهل المذاهب تكفير كثير لكن ليس من كلام الفقهاء الذى هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء انتهى كلامه نعم لو قيل اذا تكرر السب من هذا الشقى الخبيث بحيث انه كلما اخذ تاب يقتل وكذا لو ظهر ان ذلك معتاده وتجاهر به كان ذلك قولا وجيها كما ذكر وامثله في الذمى ويكون ح بمنزلة الزنديق واما بدون ذلك فلا يجوز الافتاء بقتله بعد اسلامه حدا او تعزيرا ما لم نرنقلا صريحا عن اهل المذهب الذين ذكرناهم ولا يجوز لنا تقليد البزازى ومن تبعه فى ذلك حيث لم ترلهم سالفا ومستندا بل رأينا صريح النقول في المذهب وغيره مخالفة لكلامهم (فان قلت) اذا كنت لا تعول على كلام البزازي ومن تبعه يلزم منه طعنك فيهم بانهم لم يتثبتوا في هذه المسئلة التي

ص: 335

امرها خطير ويؤدى عدم الثقة بهم وقد قال العلامة ابن الشيحنة في شرح النظم الوهبانى وغيره في نظير هذا البحث وحاشا ان يلعب امناء الله اعنى علماء الاحكام بالحلال والحرام والكفر والاسلام بل لا يقولون الا الحق انتي (قلت) حاشالله ان اطعن فيهم مع اعتقادى بانى لا اصلح خادما لنعالهم ونهاية شرفي ان افهم بعض كلامهم وان يعفو عنى ربى بسببهم ويحشرنى في زمرة اتباعهم فانهم سلفنا ائمة الهدى ومصابيح الدجى ولكن ما ذكرنا من صريح النقول عن ائمتنا الحنفية اساطين العلماء الذين هم اعلم بالمذهب من البزازى كابي يوسف والطحاوى وصاحب النتف والحاوى واصحاب المتون وكذا ما نقلناه عن القاضي عياض وابن يتمية والسبكى يدل على ان البزازى قد اشتبه عليه الحال ولاسيما ما رأيناه من تصريح العلماء بانه اخطأ فى هذه المسئلة وتبعه من بعده على ظن ان ما ذكره منقول فى المذهب فترجح لنا ما قلناه بيانا للحكم الشرعى من غير طعن في علو مقامه ومقام غيره فان من فضل الله تعالى ان صان هذه الشريعة بامناء حفظوها وبينوها وانه سبحانه امر بالبيان ونهى عن الكتمان ولم ياذن لهم بالمداهنة ولا بالمحاباة ولم يزل العلماء يستدرك بعضهم على بعض وان كان اباه او شيخه او اكبر منه او مثله كل ذلك لحفظ هذه الشريعة الطاهرة وقد ابى الله تعالى العصمة لكتاب غير كتابه فما يقع لبعض العلماء من الخطأ تارة يكون من سبق القلم وتارة يكون من اشتباه حكم باخر او نحو ذلك وكل ذلك لا يحط من مقدارهم شيئًا ولا يلزم منه عدم الثقة بهم قطعا لأنه لا لوم عليهم والغالب ان الخطأ يكون من واحد فيأتى من بعده فيتابعه * كما ذكر نظير ذلك صاحب البحر قبل كتاب الصرف في بحث ما يبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقه * حيث قال وقد يقع كثيرا ان مؤلفا يذكر شيئًا خطأ في كتابه فيأتى من بعده من المشايخ فينقلون تلك العبارة من غير تغيير ولا تنبيه فيكثر الناقلون لها واصلها لواحد مخطئ كما وقع في هذا الموضع ولا عيب بذلك على المذهب لان مولانا محمد ابن الحسن ضابط المذهب رحمه الله تعالى لم يذكر جملة ما لا يصح تعليقه بالشرط وما يصح على هذ الوجه وقد نبهنا على مثل ذلك فى المسائل الفقهيه فى قول قاضي خان وغيره ان الامانات تنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل الا في ثلاث ثم الى تتبعت كلامهم فوجدت سبعة اخرى زائدة على الثلاثة ثم انى نبهت على ان اصل هذه العبارة للناطفى اخطأ فيها ثم تداولوها انتهى ما في البحر (قلت) وقد وقع لهذا الحقير ايضا التنبيه على مثل ذلك في عدة مسائل. منها ما وقع لصاحب الجوهرة من ان المفتى به جواز الاستئجار على تلاوة القرآن وتبعه

ص: 336

على ذلك جماعة من العلماء كمنلا مسكين والقهستانى وصاحب البحر وبعض محشى الاشباه والعلائى وغيرهم بل عامة اهل العصر على ذلك وهو سبق قلم من صاحب الجوهرة لان المفتى به جواز الاستئجار على تعليم القرآن لا على تلاوته فان اصل مذهب ابي حنيفة واصحابه كلهم انه لا يجوز الاستئجار على الطاعات اصلا حتى على تعليم القرآن كما هو مصرح به في كتب المذهب متونا وشروحا وفتاوى ولكن افتى المتأخرون من مشايخ المذهب الذين هم اهل الاختيار والترجيح بالجواز على التعليم وزاد بعضهم الاذان والامامة للضرورة وهى خوف ضياع القرآن وتعطيل الاذان والامامة اللذين هما من شعائر الدين لان المعلمين كان لهم عطايا من بيت المال ثم انقطعت فاذا لم ياخذوا الاجرة لا يشتغلون بالتعليم والاذان والامامة فيلزم ضياع الدين فافتي المتأخرون بجواز الاستئجار لهذه الضرورة كما صرحوا بذلك فى عامة كتب اصحابنا * ولاشك انه لو انتظم بيت المال وعادت العطايا على حالها لا يسع احدا من المتأخرين ان يقول بالجواز اصلا لعدم الضرورة لانهم ما خالفوا المذهب الا لخوف الضرورة المذكورة لعلمهم بان ابا حنيفة واصحابه لو كانوا احياء لافتوا بالجواز لهذه الضرورة * ومعلوم قطعا انه لا ضرورة تدعو الى القول بجواز الاستئجار على مجرد التلاوة واهداء ثوابها الى روح المستأجر او روح احد من أمواته * فكيف يسوغ لصاحب الجوهرة ان يقول المفتى به جواز الاستئجار على اللاوة المجردة ويخالف اصل المذهب وما افتى به المتأخرون لان ما افتوا به من الجواز انما هو فيما فيه ضرورة ضياع الدين دون غيره حتى صرح اصحاب الفتاوى بانه لو اوصى لقارئ يقرأ عند قبره فالوصية باطلة وعللوا ذلك بقولهم لانه يشبه الاستئجار على التلاوة فعلمنا ان الاستئجار على التلاوة غير صحيح * وقد قالوا ان الآخذ والمعطى آثمان ولم نر لصاحب الجوهرة سلفا من اصحاب المذهب اهل التصحيح والترجيح حتى يكون لنا شبهة فى اتباعه بل او وجد ذلك لم يعدل عن اصل المذهب وما مشى عليه اصحاب المتون والشروح والفتاوى فعلمنا انه سبق قلمه من التعليم الى التلاوة ومع هذا قد تبعه جماعة كثيرون حتى انهم لم يكتفوا بذلك بل صاروا يقولون ان مذهب المتاخرين المفتى به جواز الاستئجار على الطاعات ويطلقون العبارة مع انه يلزم منه انه يجوز للرجل ان يستأجر من يصوم عنه او يصلى عنه ولااظن احدا من المسلمين يقول بذلك. وقد كنت بسطت الكلام على هذه المسئلة فى رسالة سميتها شفاء العليل وبل الغليل في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل فان اردت الوقوف على عين اليقين فارجع اليها فان فيها ما يشفى ويكفي فان ما ذكرناه

ص: 337

منها هنا كقطرة من بحر او شذرة من عقد نحر (وكذا) وقع لهذا الحقير التنبيه على غير هذه المسئلة مما يشبهها مما حررناه في حاشيتنا رد المحتار على الدر المختار وحاشيتنا منحة الخالق على البحر الرائق وكذا فى غيرهما مما امتن الله تعالى به علينا ببركة انفاس مشايخنا ادام الله تعالى مددهم واصلا الينا وعم بهم نفع المسلمين امين وهذا ما اقتضاء الاستشهاد واستغفر الله العظيم من ان يكون ذلك تزكية للنفس الأمارة بالسوء (فان قلت) اذا كان الامر كذلك لا ينبغى للمفتى ان يفتى بمجرد المراجعة من كتاب وان كان ذلك الكتاب مشهورا (قلت) نعم. وكذلك

شعر

لا تحسب الفقه تمرا انت اكله

لن تبلغ الفقه حتى تلعق الصبرا

اذ لو كان الفقه يحصل مجرد القدرة على مراجعة المسئلة من مظانها لكان اسهل شيء ولما احتاج الى التفقه على استاذ ماهر وفكر ثاقب باهر

شعر

لو كان هذا العلم يدرك بالمنى

ما كنت تبصر في البرية جاهلا

فكثيرا ما تذكر المسئلة في كتاب * ويكون ما في كتاب اخر هو الصحيح او الصواب. وقد تطلق في بعض المواضع عن بعض قيودها وتقيد في موضع آخر * ولهذا قال العلامة ابن نجيم في رسالة الفساقي ما نصه ومن هنا يعلم كما قال ابن الغرس رحمه الله تعالى ان فهم المسائل على وجه التحقيق يحتاج الى معرفة اصلين * احدهما ان اطلاقات الفقهاء فى الغالب مقيدة بقيود يعرفها صاحب الفهم المستقيم الممارس للاصول والفروع وانما يسكتون عنها اعتمادا على صحة فهم الطالب * والثانى ان هذه المسائل اجتهادية معقولة المغنى لا يعرف الحكم فيها على الوجه التام الا بمعرفة وجه الحكم الذي بنى عليه وتفرع عنه والا فتشتبه المسائل على الطالب ويحار ذهنه فيها لعدم معرفة المبنى ومن اهمل ما ذكرناه حار في الخطا والغلط انتهى (وقال) فى البحر من كتاب القضا عن التتارخانية وكره بعضهم الافتاء والصحيح عدم الكراهة للاهل ولا ينبغى الافتاء الا لمن عرف اقاويل العلماء وعرف من اين قالوا فان كان فى المسئلة خلاف لا يختار قولا يجيب به حتى يعرف حجته وينبغى السؤال من افقه اهل زمانه فان اختلفوا تحرى (فان قلت) قد ذكر الامام العلامة المفتى ابو السعود افندى العمادى ما يفيد ان الساب المذكور زنديق ومعلوم ان المعتمد في المذهب أن الزنديق بعد رفعه الى الحاكم يقتل ولا تقبل توبته وعبارته على ما نقله عنه الشيخ علاء الدين فى الدر المختار حيث قال ثم رأيت في معروضات المفتى ابى السعود سؤالا ملخصه ان طالب علم ذكر عنده حديث نبوى فقال اكل احاديث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صدق يعمل بها فاجاب بأنه يكفر اولا بسبب

ص: 338

استفهامه الانكارى وثانيا بالحاقه الشين للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ففى كفره الاول عن اعتقاده يؤمر بتجديد الإيمان فلا يقتل والثاني يفيد الزندقة فبعد اخذه لا تقبل توبته اتفاقا فيقتل وقبله اختلف فى قبول توبته فعند ابي حنيفة تقبل فلا يقتل وعند بقية الأئمة لاتقبل ويقتل حدا فلذلك ورد امر سلطاني سنة 944 اربع واربعين وتسعماية لقضاة الممالك المحمية برعاية رأى الجانبين بانه ان ظهر صلاحه وحسن توبته واسلامه لا يقتل ويكتفى بتعزيره وحبسه عملا بقول الامام الاعظم وان لم يكن من اناس يفهم خيرهم يقتل عملا بقول بقية الأئمة ثم فى سنة 955 خمس وخمسين وتسعمائة تقرر هذا الامر باخر فينظر القائل من اى الفريقين هو فيعمل بمقتضاه انتهى فليحفظ وليكن التوفيق انتهى ما في الدر المختار (وحاصله) تخصيص الخلاف في قبول توبته وعدمه بما قبل اخذه ورفعه الى الحاكم اما بعد رفعه فلا تقبل توبته بناء على انه زنديق والزنديق يقتل عند ابي حنيفه على اصح الروايتين عنه وعلى هذا فيحصل التوفيق بين القولين كما افاده الشيخ علاء الدين بحمل قول من قال لا تقبل توبته كالبزازى ومن تبعه على ما بعد اخذه ورفعه الى الحاكم وجل قول الذين نقلت عنهم انه ان لم يسلم قتل وان حكمه حكم المرتد على ما قبل الاخذ وح فليس في كلام احد الفريقين خطا والتوفيق اولى من شق العصا (قلت) مستعيذا بالله تعالى من ميل الى هوى نفس * او اتباع ظن او حدس * ان ما ذكرته من كلام المحقق ابى السعود يناقض اوله آخره * فان اوله يدل على ان الخلاف فيما قبل اخذ موان مذهب ابى جنيفة قبول التوبة وانه بعد اخذه لا خلاف في عدم القبول واما اخره فانه يدل على ان الخلاف المذكور انما هو فيما بعد اخذه حيث ذكر ان الامر السلطاني للقضاة انه ان ظهر صلاحه قبلوا توبته واكتفوا بتعزيرهم له وحبسه عملا بقول ابى حنيفة وان لم يظهر صلاحه قتلوه ولم يقبلوا توبته عملا بمذهب الغير ولا يخفى ان الامر بالتفصيل المذكور لا يكون الا بعد اخذه ورفعه للحاكم ففيه الجزم بان قبول التوبة حقول الامام وعدمه مذهب الغير * وهذا موافق لما نقلناه عن امتنا ومؤيد لدعوانا وقد جزم به ابو السعود في فتوى اخرى سنذكرها عنه فى آخر الكتاب * ولكن نرخى العنان ونمشى على ما افاده اول كلامه (فنقول) قول انصاف بلا ميل ولا اعتساف ان كلام أمة مذهبنا الذي نقلناه عنهم صريح فى ان الساب تقبل توبته وان حكمه حكم المرتد وانه يفعل به ما يفعل بالمرتد وانه لا توبة له الا الاسلام وهذا وان امكن حمله على ما قبل رفعه الى الحاكم حتى لا ينافى ما ذكره المحقق ابو السعود اولا ويكون توفيقا بين القولين لكنه

ص: 339

خلاف الظاهر فان ما قدمناه مطلق شامل لما بعد الاخذ والرفع الى الحاكم لان هذا معنى قولهم حكمه حكم المرتد والا فهو مخالف له فدعوى تخصيصه تحتاج الى نقل عن ائمة المذهب ولم نر احدا نقل عنهم ذلك * على انه لا يمكن التوفيق بعد دعوى التخصيص بما ذكر فان البزازى وصاحب الفتح صرح كل منهما بانه يقتل قبل الاخذ وبعده فمن اين يحصل التوفيق بل تبقى المنافاة بين القولين قطعا وصار هذا قولا اخر فالاقوال ح ثلاثة واذا تعارض كلام اهل المذهب الذين هم المجتهدون مع كلام غيرهم من المتأخرين بلا استناد منهم الى نقل عن المجتهدين تتبع اهل المذهب المجتهدين فانك قد سمعت ما نقلناه عن فتح القدير من قوله انه لا اعتبار بكلام غير المجتهدين * فالا برأ للذمة ما صرح به الامام ابو يوسف والامام الطحاوى وغيرهما من اهل المذهب وغيرهم حتى نرى نقلا صريحا يخالفه عمن يكون مثلهم وفي رتبتهم فح تثبت التعارض بين القولين ونطلب الترجيح من اهله لا من قبل انفسنا وما لم نر نقلا لا نعدل عن المجتهدين كيف وقد راينا من جاء بعد البرازى وصاحب الفتح قد انكروا عليهما ذلك وصرحوا بأنه ليس مذهبنا * ومتابعة العلامة ابن نجيم لهما في كتابيه البحر والاشباه لا تفيد خصوصا مع انكار اهل عصره عليه بذلك كما قدمنا نقله عن الحموى * وقد علمت ايضا صريح كلام العلماء الراسخين من غير اهل مذهبنا كالقاضي عياض والطبرى وابن تيمية والسبكى بان مذهب ابي حنيفة واصحابه ان ذلك ردة يستتاب منها فان تاب والا قتل على خلاف ما يقوله الامام مالك والامام احمد وهل تكون استتابته الا بعد رفعه الى الحاكم (واما) كونه قد صار زنديقا بهذا الكلام. ففيه ما لا يخفى على ذوى الافهام * نعم الواقع في عبارة صاحب الشفاء ان حكمه حكم الزنديق وهذا يفيد اتحاد حكمهما على مذهبه بمعنى ان كلا منها لا تقبل توبته بالنسبة الى القتل * واما انه صار زنديقا فهو فى حيز المنع * فان الزنديق كما في فتح القدير وغيره من لا يتدين بدين ويظهر تدينه بالاسلام كالمنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الاسلام وطريق العلم بحاله اما بان يعثر بعض الناس عليه او يسر اعتقاده الى من امن اليه وكل منهما يقتل ومثلهما الساحر. قال في البحر عن الخانية وقال الفقيه ابو الليث اذا تاب الساحر قبل ان يؤخذ تقبل توبته ولا يقتل وان اخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل وكذا الزنديق المعروف الداعي والفتوى على هذا القول انتهى * وقال صاحب الخلاصة وفى النوازل الخناق والساحر يقتلان لانهما ساعيان فى الأرض بالفساد فان تابا ان قبل الظفر بهما قبلت توبتهما وبعدما اخذا لا تقبل ويقتلان كما فى قطاع الطريق وكذا الزنديق المعروف الداعى

ص: 340

إليه أي إلى مذهب الالحاد انتهى * وذكر فى التجنيس أن الزنديق على ثلاثة أقسام إما أن يكون زنديقًا من الأصل على الشرك أو يكون مسلمًا أو ذميًا فتزندق ففى الأول يترك على شركه ما لم يكن عربيًا وفى الثانى يعرض عليه الإسلام فإن اسلم وإلا قتل لأنه مرتد وفى الثالث يترك على حاله لأن الكفر ملة واحدة * قال العلامة ابن كمال باشا في رسالته في الزنديق قوله فى الثانى يعرض الخ صريح فى أن الزنديق الإسلامي لا يفارق المرتد فى الحكم وقد نبهب على أن ذلك إذا لم يكن داعيًا إلى الضلال ساعيًا في إفساد الدين معروفًا به فإن كان داعيًا معروفًا وتاب باختياره قبل أن يؤخذ لا يقتل وبعده قتل انتهى * فعلم أن قتل هؤلاء إنما هو لسعيهم بالفساد فهم كقطاع الطريق لأن ضررهم عام فإن الساحر يؤذى بسحره عباد الله تعالى فى أبدانهم وأموالهم وكذا الخناق أي من تكرر منه الخنق أي قتل الناس غيلة بلا محدد وضرر الزنديق الداعي إلى الالحاد اشد لأن ضرره في الدين فإنه يضل ضعفة اليقين بالحاده واظهاره لهم سمة المسلمين فلهذا قتلوا كقطاع الطريق بل هؤلاء أضر (فانظر) بالله بعين الانصاف هل يكون الشاتم الساب زنديقًا على هذا الاعتبار وإن كان كفره اشنع لأن علة قتل هؤلاء ليست مجرد الكفر وإنما هى دفع الضرر العام* عن الانام * كما يقتل الخناق وقطاع الطريق * وإن كانوا من أهل الإيمان والتصديق (فإن) قال قائل أن سبه دليل على خبث باطنه وإن ما يظهره من التدين بالإسلام نفاق وزندقة (قلنا) له لا نسلم ذلك ومن أين اطلعنا على باطنه بمجرد ذلك إذ لو كان ذلك دليلًا على ماقلت لزم أن يكون سب الله تعالى كذلك على إنك علمت أن الزنديق الذي يقتل ولا تقبل توبته هو المعروف بالزندقة الداعى إليها وهذا ليس كذلك وإنما كان معروفًا بالاسلام ولا يدعو أحدًا إلى أن يفعل كفعله الشنيع بل الغالب أنه إنما تصدر منه كلمة السب عند شدة غيظة ونكايته ممن خاصمه في أمر ونحو ذلك نعم أو كان معروفًا بهذا الفعل الفظيع * داعيًا إلى اعتقاده الشنيع* فلاشك ح ولا ارتياب * في زندقته وقتله وإن تاب (إذا علمت) ذلك ظهر لك أن ما ذكره العلامة أبو السعود من أنه زنديق بمجرد السب غير موافق لما ذكره ائمتنا في تعريف الزنديق والالما ذكروه في حكم الساب (على) أن حكمه بالكفر على ذلك الطالب للعلم الذي قال أكل أحاديث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صدق يعمل بها فيه نظر ظاهر لامكان جمل كلام ذلك الطالب على معنى صحيح لأن النفى الذى تضمنه الاستفهام داخل على كل فهو من سلب العموم لا من عموم السلب فهو كقولك ما كل الرمان مأكول أي بل بعضه مأكول وبعضه غير مأكول وهنا يمكن حمل كلامه على أن مراده به أنه ليس كل الاحاديث التي تعزى إلى النبي

ص: 341

صلى الله تعالى علية وسلم صدقًا يعمل بها بل بعضها فإن منها ما هو الموضوع والضعيف والصحيح والحسن وما كان صحيحًا أو حسنًا فمنه المنسوخ والمأول وقد صرح المحدثون بأن حكمهم على الحديث بالصحة أو الضعف إنما هو بناء على الظاهر من حال الرواة إما في نفس الأمر فيمكن كون المحكوم بصحته لم يقله عليه الصلاة والسلام والمحكوم بضعفه قد قاله فإن الراوى الثقة الضابط يجوز عليه السهو والنسيان وغير الضابط ولو كانت عادته الكذب يجوز أن يكون احتاط وصدق فى حديث رواه فإنه كما قيل (قد يصدق الكذوب) وبعد هذا الاحتمال الذى هو المتبادر من مثل طالب العلم الذي له وقوف على هذه الاشياء كيف يحكم عليه بالكفر فضلًا عن الزندقة * قال في جامع الفصولين الطحاوى عن أصحابنا لا يخرج الرجل عن الإيمان الا جحود ما ادخله فيه ثم ما تيقن انه ردة يحكم بها فيه وما يشك انه ردة لا يحكم بها إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك مع أن الإسلام يعلو وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام مع أنه يقضى بصحة اسلام المكره انتهى * وفي الفتاوى الصغرى الكفر شئ عظيم فلا اجعل المؤمن كافر امتي وجدت رواية أنه لا يكفر انتهى * وفى الخلاصة وغيرها إذا كان في المسئلة وجوه توجت التكفير ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتى أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم زاد فى البزازية الا إذا صرح بإرادة موجب الكفر * وفى التتارخانية لا يكفر بالمحتمل لأن الكفر نهاية في العقوبة فيستدعى نهاية في الجناية ومع الاحتمال لا نهاية كذا فى البحر * ثم قال صاحب البحر والذي تحررانه لا يفتى بكفر مسلم أمكن جل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فعلى هذا فأكثر الفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير بها ولقد الزمت نفسى أن لا افتى بشئ منها انتهى قال الشيخ خير الدين الرملى ولو (وصليه) كانت الرواية لغير أهل مذهبنا ويدل على ذلك اشتراط كون ما يوجب الكفر مجمعا عليه انتهى (فقد) علم أن تكفير هذا القائل ممالا ينبغى القول به مع هذه النقول الصريحة عن أهل المذهب فكيف القول بكونه صار زنديقًا نعم أن كان مراد ذلك القائل الاستخفاف بأحاديث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلاشك أنه يكفر وان كنا لا نفتي بكفره لاحتمال كلامه المعنى الصحيح مالم نطلع على ما اراده من المعنى القبيح (ثم اعلم) أن الذي تحرر لنا من مسئلة الساب أن الحنفية فيها ثلاثة أقوال * الأول أنه تقبل توبته ويندرئ عنه القتل بهاوانه يستتاب كما هو رواية الوليد عن مالك وهو المنقول عن أبي حنيفة وأصحابه كما صرح بذلك علماء المذاهب الثلاثة كالقاضي عياض في الشفا وذكر أن الامام الطبرى نقله عنه إيضًا وكذا صرح به شيخ الإسلام ابن تيميه وكذا شيخ الإسلام النقي السبكي

ص: 342

وهو الموافق لما صرح به الحنفية كالامام أبي يوسف فى كتابه الخراج من أنه أن لم يتب قتل حيث علق قتله على عدم التوبة فدل على أنه لا يقتل بعدها ولما صرح به في النتف ونقلوه في عدة كتب عن شرح الطحاوى من أنه مرتد وحكمه حكم المرتد ويفعل به ما يفعل بالمرتد ولما صرح به فى الحاوى من أنه ليس له توبة سوى تجديد الإسلام وهو الموافق إيضًا لاطلاق عبارات المتون كافة وهى الموضوعة لنقل المذهب وهذا باطلاقه شامل لما قبل الرفع إلى الحاكم ولما بعده * والقول الثانى ما ذكره فى البزازية اخذا من الشفا والصارم المسلول من أنه لا تقبل توبته مطلقًا لاقبل الرفع ولا بعده وهو مذهب المالكية والحنابلة وتبعه على ذلك العلامة خسرو فى الدرر والمحقق ابن الهمام في فتح القدير وابن نجيم فى البحر والاشباه والتمرتاشى في التنوير والمنح والشيخ خير الدين في فتاواه وغيرهم * والقول الثالث ما ذكره المحقق أبو السعود افندى العمادي من التفصيل وهو أنه تقبل توبته قبل رفعه إلى الحاكم لا بعده وتبعه عليه الشيخ علاء الدين في الدر المختار وجعله مجمل القولين الأولين * وقد علمت أنه لا يمكن التوفيق به للمباينة الكلية بين القولين * وإن القول الثانى انكره كثير من الحنفية وقالوا أن صاحب البزازية تابع فيه مذهب الغير وكذا انكره أهل عصر صاحب البحر * وعلمت أيضًا أن الذي خط عليه كلام المحقق أبى السعود اخراهوان مذهبنا قبول التوبة وعدم القتل ولو بعد رفعه إلى الحاكم وهذا هو القول الأول بعينة ففيه رد على صاحب البزازية ومن تبعه وإنما جعلناه قولا ثالثا بناء على ما افاده أول كلامه تنزلا وارخاء للعنان (فيا اخى) هذه الاقوال الثلاثة بين يديك قد اوضحتها لك وعرضتها عليك * فاختر منها لنفسك * ما ينجيك عند حلول رمسك * وانصف من نفسك حتى تميز

(1)

غثها من سمينها ولجينها من لجينها * والذي يغلب على ظني في هذا الموضع الخطر والأمر العسر * واختاره لخاصة نفسى وارتضيه * ولا الزم أحدًا أن يقلدني فيه * على حسب ما ظهر لفكرى الفاتر * ونظرى القاصر* هو العمل بما ثبت نقله عن أبى حنيفة وأصحابه لامور (منها) أنه كما يلزم المجتهد اتباع ما أداه إليه اجتهاده يلزم المقلد له ما دام مقلدا له أن يتبعه في ذلك كما نصوا عليه * وفى حاشية الاشباه للبيرى في قاعدة المشقة تجلب التيسير ما نصه وفي ما يجب على هذه الأئمة في حق الائمة الاربعة لمولانا سيدى على بن ميمون أعلم أيها السائل أنه يجب على كل واحد منا متابعة أمامه في جميع ما بلغه عنه ومن لم يفعل فهو عاص الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى (ومنها) أنه إذا كان

(1)

الغث بفتح الغين المعجمة المهزول واللجين بالضم مصغرا الفضة وكامير زبد افواه الابل منه

ص: 343

مع أبي حنيفة أحد صاحبيه لا يعدل عن قولهما فكيف بما ثبت أنه قوله وقول أصحابه (ومنها) أنه إذا اختلف المتقدمون والمتأخرون في مسئلة لا يعدل عما قاله المتقدمون كذا رايته في بعض كتب أصحابنا وقد نسيت الآن اسم ذلك الكتاب ثم رأيته ذكر ذلك في انفع الوسائل وفي حاشية الاشباه للغزى * ومثله ما فى جامع الفصولين قبيل الفصل العشرين رامزا للواقعات قال في ضمن مسئلة أجاب بعض أئمة زمانه وإن لم يعتمد على جوابهم الخ فهذا قول صاحب الواقعات فى ائمة زمانه فكيف من بعدهم * ومثله ما قدمناه عن فتح القدير من أنه لا عبرة بقول غير الفقهاء الذين هم المجتهدون وكذا ما قدمناه عن فتاوى الشيخ آمين الدين بن عبد العال (ومنها) ما صرحوا به من أنه إذا تعارض مافي المتون والشروح يقدم ما فى المتون لانها موضوعة لنقل ظاهر المذهب وقد علمت دلالة ما في المتون على مسئلتنا المذكورة دلالة ظاهرة (ومنها) أنه اتى بالشهادتين العاصمتين للدم والمال بالنص وقد حكمنا بإسلامه وقبول توبته عند الله تعالى فمن قال أن حده القتل ولا يسقط بتوبته لا بدله من دليل قاطع لأن الحدود من المقدرات ونصب المقادير بالرأى لا يصح ولم يصح عن مجتهدنا الذى جعلنا مذهبه قلادة في عنقنا قول ولا دليل حتى تتبعه بل وجدنا النقل عنه من الثقات بخلافه فكيف يسوغ القول به ولسنا مجتهدين ولا مقلدين لمجتهد آخر قائل بذلك (ومنها) أن أمر الدم خطر عظيم حتى لو فتح الامام حصنا أو بلدة وعلم أن فيها مسلمًا لا يحل له قتل أحد من أهلها لاحتمال أن يكون المقتول هو المسلم* فلو فرضنا أن هذه النقول قد تعارضت فالاحوط في حقنا أن لا نقتله لعدم الجزم بأنه مستحق القتل فإنه إذا دار الأمر بين تركه مع استحقاقه للقتل وبين قتله عدم استحقاقه له تعين تركه لخطر الدماء فإن استباحة دماء الموحدين خطر * قال فى الشفاء والخطا في ترك ألف كافر اهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد وقد قال عليه الصلاة والسلام فاذا قالوها يعنى الشهادة عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى فالعصمة مقطوع بها مع الشهادة ولا ترتفع ويستباح خلافها الا بقاطع ولا قاطع من شرع ولا قياس عليه والادلة في ذلك متعارضة مع احتمالها للتأويل بلا نص صريح * وليس لنا أن ننصب بآرائنا حدوادا وزواجر وإنما كلفنا بالعمل بما ظهر أنه من شرع نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فحيث قال لنا الشارع افتلو قتلنا وحيث قال لا تقتلو اتركنا وحيث لم نجد نصا قطعيا * ولا نقلًا عن مجتهدنا مرضيا * فعلينا أن نتوقف ولا نقول محبتنا لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم تقتضى أن نقتل من استطال عليه وإن اسلم

ص: 344

لأن المحبة شرطها الاتباع لا الابتداع فاننا نخشى أن يكون صلى الله تعالى عليه وسلم أول من يسألنا عن دمه يوم القيمة فالواجب علينا الكف عنه حيث اسلم وحسابه على ربه العالم بما فى قلبه كما كان صلى الله تعالى عليه وسلم يقبل الإسلام في الظاهر * ويكل الأمر إلى عالم السرائر (ومنها) أنه لو كان حده القتل وإن تاب عندنا لزم أن تكون علة القتل هى خصوص السب لا كونه من جزئيات الردة فيلزم قتل الساب إذا كان ذميًا لوجود العلة مع أن المتون مصرحة بأنه لا ينتقض عهده بذلك * نعم للحاكم قتله إذا رأى ذلك سياسة لاحدًا كما سيأتي مع بيان شرطه (ومنها) أنه إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضى التحريم والآخر يقتضى الاباحة قدم المحرم كما نص عليه علماؤنا (ومنها) أن الحدود تدرأ بالشبهات * قال فى الاشباء والنظائر القاعدة السادسة الحدود تدرأ بالشبهات وهو حديث رواه الجلال السيوطى معزيا إلى ابن عدى من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما* وأخرج ابن ماجه من حديث أبى هريرة ادفعوا الحدود ما استطعتم وأخرج الترمذى والحاكم من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها ادرؤ الحدود عن المسلمين ما استعطتم فإن وجدتم للمسلمين مخرجًا فخلوا سبيلهم فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة * وأخرج الطبراني عن بن مسعود رضى الله تعالى عنه موقوفًا ادرؤ الحدود والقتل عن عباد الله ما استطعتم * وفى فتح القدير اجمع فقهاء الامصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات والحديث المروى في ذلك متفق عليه وتلقته الامة بالقبول انتهى ما فى الاشباه (ومنها) ما قدمناه في قصة ابن أبي سرح فإنه بعد ما اسلم ارتدو وقع منه ما وقع من الافتراء والطعن على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم جاء به عثمان رضي الله تعالى عنه فبايعه صلى الله تعالى عليه وسلم وقبل إسلامه ولم يقتله فلو كان قتله حدا من الحدود الشرعية التي لا يجوز تركها ولا العفو عنها ولا الشفاعة فيها لما تركه صلى الله تعالى عليه وسلم مع أنه عليه الصلاة والسلام اعرض عنه أو لا حتى يقتله بعض أصحابه ورواية أنه اسلم قبل مجيئه لم تثبت بل أنكرها أهل السير كما ذكره الإمام السبكى* وقد وردان عثمان قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد ذلك فى ابن أبى سرح أنه نفر منك كلما لقيك قال الم ابايعه واؤمنه قال بلى ولكنه يتذكر جرمه فى الإسلام فقال عليه الصلاة والسلام الإسلام يجب ما قبله ففيه بيان أن كلا من القتل والاثم زال بالاسلام وإن قتله كان حقا لله تعالى لاحقا لعبد والا لم يسقط بالاسلام * وما قيل أنه حقه صلى الله تعالى عليه وسلم وقد سقط بعفوه في حياته فلا يسقط بعد موته بالتوبة لعدم عفو صاحب الحق وإنما الساقط

ص: 345

بالتوبة الاثم ولهذا ورد من سب نبيا فاقتلوه * فجوابه أن لفظ العفو إنما اعتبر لا دلالة على الرضا بالسقوط وقد علم من كرمه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه لا ينتقم لنفسه وانه أرحم لامته من انفسهم إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى فينتقم الله وإذا صار ذلك حقالله تعالى سقط بالتوبة * وحديث من سب نبيا فاقتلوه مثل حديث من بدل دينه فاقتلوه فإن معناه مالم يتب باتفاق معظم المجتهدين فلا دلالة فيه على قتل المرتد مطلقًا فكذلك الساب وأيضًا فإن القتل ليس لخصوص السب عندنا بل لكونه من جزئيات الردة الموجبة للقتل وإلا لكان حده القتل وإن كان ذميًا والمذهب خلافه كما مر * ولو سلم أن السب علة القتل فمعلوم أنه إنما كان علة لما تضمينه من الكفر والردة وكل مرتد تقبل توبته فكذلك هذا * وكون العلة هي ذات السب مع قطع النظر عن كونه كفرًا حتى لو فرض سب بلا كفر يكون موجبًا للقتل فيبقى أثره بعد التوبة ولا يزول إلا بالقتل يحتاج إلى دليل خاص وفى اثباته تسكب العبرات والا لما ساغ المجتهد فيه خلاف * واما من أمر صلى الله تعالى عليه وسلم بقتلهم مثل كعب بن الاشرف وابي رافع وابن اخطل وغيرهم ممن اهدر دمه يوم فتح مكة فإنهم كانوا كفارًا ولا يثبت المطلوب إلا إذا ثبت أن أحدهم أسلم ثم اهدر صلى الله تعالى وسلم دمه ودونه خرط القتاد واسلام ابن أبي سرح لم يثبت كما مر فلم يكن أراد قتله بعد إسلامه وإنما أراد ذلك في حال ردته * وإما حكاية الاجماح على قتل الساب فإنما ذلك قبل التوبة بدليل قول الحاكين للاجماع ومن شك في كفره وقتله كفر إذ لا يصح ذلك بعد التوبة لقول كثير من المجتهدين بعدم قتله وكفره بعد التوبة * فلم يثبت دليل على قتله بعد التوبة وإن (وصلية) قلنا أن ذلك حق ادمى * كيف والدليل قام على خلافه وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله فإن كلمة ما عامة قيدخل فيها ما كان حقه فيكون ذلك عفوا منه صلى الله تعالى عليه وسلم بمنزلة قوله من أسلم عفوت عنه * ويؤيده كما قال الإمام السبكى أنه ورد فى قصة هبار بن الاسود بن عبد المطلب وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بقتله ثم جاء ووقف عليه وتلفظ بالشهادتين وقال قد كنت مولعًا فى سبك واذاك وكنت مخذولًا فاصفح عنى قال الزبير رضى الله تعالى عنه فجعلت انظر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإنه ليطاطى رأسه مما يعتذر هبار و جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول قد عفوت عنك والاسلام يجب ما كان قبله فهذا يقتضى العموم وانه يجب ما كان قبله من السب وغيره وإن لم يكن هبار حين السب مسلمًا فإن العبرة لعموم اللفظ * فإن فرضننا أن قتل الساب حق آدمى وهو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقد جعل إسلامه عفوا عنه

ص: 346

ولذا لم يثبت أنه قتل بعد الإسلام أحدًا آذاه فلا يسوغ للخليفه بعده استيفاء حقه الذي عفا عنه أو احتمل عفوه عنه وأن ثبت عدم عفوه فلا بد من دليل يدل على أن الخليفة بعده قائم مقامه في استيفاء حقه الخاص * وإن كان قتل الساب المصلحة الناس عامة لما اسقطه عليه الصلاة والسلام فى حياته مع أنه قد عفا عن ابن أبي سرح وغيره وإن كان ذلك لحق الله تعالى لاجترائه على انبياء الله تعالى ورسله والطعن في الدين فإنه يسقط بالاسلام فإنه يجب ما قبله وقد قال عز وجل ممم {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} ممم إلى قوله {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فهذه الآيات نص في قبول توبة المرتد ويدخل في عمومها لساب وفي الحديث الصحيح لا يحل دم امرئ يشهد أن لا اله إلا الله وإن محمدًا رسول الله الا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والمبدل لدينه المفارق للجماعة * والساب بعد إسلامه ليس متصفًا بشئ من هذه الثلاث ومن سب الله تعالى يقتل بالاجماع مالم يتب فكذا هذا * وكون السب إمارة على خبث باطنه لا يعارض الصريح وهو الإسلام بعده * الا ترى إلى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم هلا شققت عن قلبه وقوله تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} وقوله عليه السلام امرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وقد كان عليه الصلات والسلام يقبل من المنافقين علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى مع أخبار الله تعالى له أنهم اتخذوا إيمانهم جنة أي وقاية وانهم يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بمالم ينالوا إلى غير ذلك مما يطول المقام بذكره * وقد قال الإمام السبكي بعد تقريره أدلة المسئلة ولقد اقمت برهة من الدهر متوقفًا فى قبول توبته مائلًا إلى عدم قبولها لما قدمته من حكاية الفارسى الاجماع ولما يقال من التعليل بحق الآدمي حتى كان الان نظرت فى المسئلة حق النظر واستوفيت الفكر فكان هذا منتهى نظرى فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنى والله ورسوله بريئان منه ولكنا متعبدون (بفتح الباء الموحودة المشددة) بما دل إليه علمنا وفهمنا اللهم إنك تعلم أن هذا الذى وصل إليه علمى وفهمى لم احاب به أحد أو لم اكذب فيه إمامًا غير ما فهمته من نفس شريعتك وسنة نبيك محمد صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى كلامه رحمه الله تعالى (فهذا) الذي ذكرناه لك أن لم يدل دلالة قاطعة على صحة ما قلناه فلا اقل من أن يورث شبهة يستبرئ بها المتقى لدينه وعرضه من أن يجزم بحكم شرعى * بلا سند قوى * ومن تحيز مع الفئة التي تكون ارجى للسلامة * فقد خلص نفسه

ص: 347

من اللوم والندامه * وصور فى نفسك انك واقف بين يدى الله تعالى يوم القيامة * وقد اتبع كل مقلد امامه * وسألك عمن قلدته في هذه الفضية * وكان قد ثبت عندك قول إمامك بالنقول الجليه * هل يخلصك من بطشه قولك قلدت صاحب البزازيه * وأنت تعلم أنه ومن تبعه ليسوا من أهل الترجيح * فضلًا عن أن يكونوا من أهل الاجتهاد الصحيح * وأنه لا يسوغ لاحد فى هذه الاعصار سوى تقليد أحد الأئمة الاربعة * وأنه مادام مقلدا له فالواجب عليه أن يتبعه ولاسيما إذا كنت قاضيًا أو مفتيًا امرك موليك بمذهب خاص* فما جوابك هناك ولات حين مناص* وهذا ماقلته على اعتقادى خطابا لنفسى* ومن ظهر له ما ظهر لي من أهل جنسى* والا فليس لي في الزام غيرى باعتقادي مساغ * وما على الرسول إلا البلاغ (فإن قلت) قد ثبت عندنا بهذا التحرير * الساطع المنير* ارجحية القول بعدم القتل بعد الإسلام* وأنه هو الثابت عن أبي حنيفة وأصحابه الاعلام * لكن قد ذكر المحقق أبو السعود فى آخر كلامه الذي ذكرناه سابقا أنه ورد أمر سلطانى يعنى من جهة المرحوم السلطان سليمان خان لقضاة ممالكه بأن ينظروا في حال هذا الساب * إذا أسلم وتاب* أن ظهر لهم صلاحه وحسن توبته لا يقتل ويكتفى بتعزيره وحبسه عملًا بقول الحنفية* والا قتل عملًا بقول باقى الأئمة يعنى الحنابلة والمالكية* ومن المعلوم أن حضرة السلطان* نصره الرحمن له أن يولى القضاة* بأن يحكموا على أي مذهب كان* كما أن له أن يخصص القضاء بمذهب أو مكان أو زمان فحيث كان مدهبنا قبول التوبة مطلقًا فليكن حكم القاضى بعدم القبول حيث لم يظهر له حسن التوبة نافذا على قول الإمام مالك أو الإمام أحمد (قلت) ما أمر به المرحوم السلطان سليمان هو من الحسن بمكان * فانفس المؤمن لا تشتفى من هذا الساب اللعين* الطاعن فى سيد الآولين والآخرين* إلا بقتله وصلبه بعد تعذيبه وضربه* فإن ذلك هو اللائق بحاله* الزاجر لا مثاله* عن سيئ افعاله * فنتوصل إلى ذلك بالحكم به على مذهب القائل به من المجتهدين* لئلا يجعل التوبة وسيلة إلى خلاصه كلما أراد الشم والطعن في الدين * إما إذا علم منه حسن التوبة والايمان* وإن ما صدر منه إنما كان من هفوات اللسان فالاولى تعزيره بمادون القتل* جريا على مذهبنا الثابت بالنقل * بل ادعى الإمام السبكى أن عدم قتله ح محل وفاق حيث قال وارى أن مالكا وغيره من أئمة الدين لا يقولون بذلك أي عدم قبول التوبة إلا في محل التهمة فهو محمل قول مالك ومن وافقه انتهى لكن لى شبهة قدمة في هذه المسئلة وامثالها من حيث أن القاضى وكيل عن السلطان لأنه ماذون من جهته ونائب عنه

ص: 348

فإذا خصص له تخصص والا بقى على اطلاقه ومعلوم أن الاذن يبطل بموت الآذن له وبموت الماذون له وعزله فلابد لكل قاض من اذن جديد فإن كان سلطان زماننا ايده الله تعالى بنصره أذن بذلك للقاضى الذى يسمع تلك الدعوى صح وإلا فلا وفى ادب القضاة من الفتاوى الخيرية (سئل) فيما لو منع السلطان قضاته عن سماع ما مضى عليه خمس عشرة سنة من الدعاوى هل يستمر ذلك أبدًا أولًا (اجاب) لا يستمر ذلك أبدًا بل إذا اطلق السماع للمنوع بعد المنع جاز وكذا لو ولى غيره واطلق له ذلك يجرى على اطلاقه فيسمع كل دعوى وكذا لومات السلطان وولى سلطان غيره فولى قاضيًا ولم يمنعه بل اطلق له قائلا وليتك لتقضى بين الناس جاز له سماع كل دعوى إذا اتى المدعى بشرائط صحتها الشرعية* والحاصل أن القاضى وكيل عن السلطان والوكيل يستفيد التصرف من موكله فإذا خصص له تخصص وإذا عمم تعمم والقضاء يتخصص بالزمان والمكان والحوادث والاشخاص وإذا اختلف المدعى والمدعى عليه فى المنع وإلا طلاق فالمرجع هو القاضى لأن وجوب سماع الدعوى وعدمه خاص به لا تعلق للمتداعيين به فإذا قال منعنى السلطان عن سماعها لا ينازع في ذلك وإذا قال اطلق لى سماعها كان القول قوله مالم يثبت المحكوم عليه المنع بالبينة الشرعية بعد الحكم عليه لخصمه فيتبين بطلان الحكم لأنه ليس قاضيًا فيما منع عنه فحكمه حكم الرعية في ذلك وإذا اتاه خبر بالمنع من عدل أو كتاب أو رسول عمل به كما يعمل بالمشافهة من السلطان ومن علم أنه وكيل عنه وعلم احكام الوكيل استخرج مسائل كثيرة تتعلق هذا المبحث وهان الأمر وانكشف له الحال والله تعالى أعلم انتهى ما في الخيرية (فإن قلت) سلمنا أن القاضى وكيل عن موليه لكن نقل العلامة الحموى في حاشية الاشباء من كتاب القضاء عن بعض العلماء أنه علم من عادة سلاطيننا نصرهم الله تعالى أنه إذا تولى سلطان عرض عليه قانون من قبله وأخذ امره باتباعه* قال الحموى اقول اخبرنى استاذى شيخ الإسلام يحى افندى الشهير بالمنقارى أن السلاطين الآن يأمرون قضاتهم في جميع ولاياتهم أن لا يسمعوا دعوى بعد مضى خمس عشرة سنة سوى الوقف والارث انتهى (قلت) أخذ الأمر باتباع السلطان لمن قبله بمعنى أنه يلزم نفسه باتباع قانون من قبله أي أنه إذا ولى قاضيًا مثلًا يأمره بما كان من قبله يأمر قضاته به وهذا لا يلزم منه أن تكون قضاته مامورين بالأوامر السابقة بل لا بدله حين التولية أن يأمره بذلك* فلو قال لرجل وليتك قضاء الشام مثلًا فقد صار نائبا عنه مطلقًا فإذا قال له وانهاك أن تسمع دعوى مضى عليها خمس عشرة سنة صار ذلك

ص: 349

تخصيصًا للاطلاق وصار معزولًا عن سماعها وحكمه حكم الرعية فيها * ومما هو محقق في قضاة زماننا أنه يكتب للقاضى منهم في منشوره تقييده بالحكم بما صح من أقوال أبى حنيفة فليس له أن يحكم بالضعيف ولا بالمرجوح فضلًا عن الحكم بمذهب المالكي أو الحنبلي إلا إذا استثنى له مسئلة الساب وكون المرحوم السلطان سليمان استثناها لقضاة ممالكه إذا لم يظهر حسن توبته وإسلامه لا يلزم منه أن تكون مستثناة القضاة زماننا بل لو ولى سلطان زماننا ايده الله تعالى قاضيًا وامره بالحكم بما صح من قول أبى حنيفة إلا في مسئلة الساب ثم عزله وولاه مرة ثانية أو ولى غيره لا بد له من أمر جديد واستثناء جديد كما لو وكل وكيلًا وكالة مطلقة الا كذا ثم عزله ووكله ثانيًا وكالة مطلقة ولم يستثن له شيئا (فإن قلت) المظنون بهم من الخير والصلاح والوفاء بالعهد انهم لا يولون القضاة الأعلى حسب ما عهد إليهم حتى صار ذلك عرفًا شائعًا معلومًا عندهم ولا يحتاج أن ينص لكل قاض في منشوره على ذلك بل العرف المذكور يفيده حيث كان القاضي كالوكيل وقد صرحوا بانه لو وكل رجلًا بشراء شئ وكان سعره معروفًا فاشتراه بازيد لا ينفذ على الموكل وكذا لو وكله بيع شئ فباعه بالنسيئة إلى أجل لا يباع إلى مثله عادة لا ينفذ عليه وما ذاك الا لما صرحوا به من أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا ويؤيد ذلك ذكرهم في الكتب عدم سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة للامر السلطاني فلو لم يكن الحال كما ذكرنا لاحتاجوا أن يقيدوا ذلك بزمن السلطان الآمر أو أن ورد أمر حادث من كل سلطان ولو كان ينقضى حكمه بالعزل أو الموت لم يكن لذكرهم ذلك فى الكتب كبير فائدة (قلت) هذا كلام حسن فإن من رأيناه من أهل الافتاء ومن قبلهم لا يزالون يفتون بعدم سماع الدعوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة ويعللون ذلك بالنهى السلطاني عن سماعها مع أن لم نتحقق النهى من كل سلطان لكل قاض فالظاهر بناء ذلك على ما ذكر فى السؤال فإن هذه المسئلة مما شاعت وزاعت بين الخاص والعام حتى أن القاضى إذا أراد سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة يعرض للدولة العلية حتى يأذن له حضرة السلطان بسماعها ولكن مسئلة الساب لم يشتهر أمر السلطاني سليمان بها حتى أنه لا يعرف ذلك الاخواص الخواص * لكن قد يقال هي داخلة في عموم العهد الذى يلتزمه كل سلطان من سلاطين زماننا فلا يولون القضاة الأعلى حسب ما التزموه من العهد بناء على ماهو المظنون بهم من الخير والصلاح لكن إذا كان ذلك مبنيا على هذا الظن كان ذلك شبهة في اسقاط الحدود فان حكم القاضي بأن حد الساب القتل لا ينفذ حتى يثبت أنه ماذون له بذلك على مذهب

ص: 350

مالك أو أجد مع أن الثابت في منشور كل قاض في زماننا تقييد الحكم بأصح أقوال أبي حنيفة فليس له الحكم بغير الأصح من المذهب فكيف بمذهب الغير *وهذا التقييد صريح فيعارض دلالة الحال المظنونة المحتملة* وقد علمت أن عدم قبول توبة انساب لم يثبت عن أبي حنيفة فضلًا عن كونه الأصح في مذهبه وحيث كان ذلك مذهب الغير كما حققناه وصرح به المولى أبو السعود أيضًا فلابد لصحة الحكم به من صريح الاذن حتى يكون ذلك استثناء مما قيده له في منشوره صريحًا وإلا فالاحتمال *لا يعارض الصريح بحال (على) أن القاضى المقلد لو حكم بخلاف مذهبه ففى نفاذه كلام فمال صاحب البحر تبعا للبزازية إلى النفاذ* ولكن نقل في القنية عن المحيط وغيره عدم النفاذ وجزم به المحقق في فتح القدير وتلميذه العلامة قاسم* وقال في النهران ما في الفتح يجب أن يعول عليه في المذهب وما في البزازية محمول على أنه رواية عنهما انتهى* ولا يخفى أن الخلاف المذكور إنما هو حيث لم يقيد له موليه الحكم بمذهب أبى حنيفة فلو قيد كما هو الواقع الآن وكان القاضي حنفيًا فلا يتأتى الخلاف لأنَّه معزول من جهة موليه عن الحكم بغير مذهبه* فقد اجتمع عليه التقييد من جهتين جهة تقييد السلطان له بذلك وجهة التزامه في نفسه لذلك المذهب وكل واحدة من الجهتين بخصوصها مانعة من نفاذ حكمه على خلاف مذهبه الذى اعتقد صحته واعتمد أن يجعله حجته عند ربه تعالى (فلهذا) كتبت في تنقيح الحامدية أنه حيث لم يظهر للقاضي حسن توبة هذا الساب ومال إلى قتله فلابد له من أن ينصب قاضيًا حنبليًا أو مالكيًا ليحكم بذلك على مذهبه وينفذه القاضى الحنفي فيرتفع الخلاف لأن المسئلة اجتهادية ولكن لابد أن يكون ذلك القاضى مأذونًا بتولية القضاة وهو المسمى قاضي القضاة كقاضى مصر ودمشق الشام ونحوهما والله تعالى أعلم (هذا) غاية ما وصل إليه علمي* وانتهى إليه فهمي* في تقرير هذه المسائل* بحسب ما ظهر لي من النقول والدلائل* فإن كان صوابًا فهو من الله تعالى بمدد رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وإن كان خطأ فهو من نفسى وأنا أعرض ذلك بين يدي ساداتي العلماء * الذين جعلهم الله تعالى على شرعه أمناء* فمن ظهر له حسنه فليتبعه وليدع لي بالرحمة* ومن ظهر له خلاف ذلك فليجتنبه وليستغفر لي من هذه الوصمة.

{تتمة} قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى اعلم أنا وإن اخترنا أن من أسلم وحسن إسلامه تقبل توبته ويسقط قتله وهو ناج في الآخرة ولكنا نخاف على من يصدر ذلك منه خاتمة السوء نسأل الله تعالى العافية فإن التعرض لجناب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عظيم وغيرة الله له شديدة وجايته بالغة

ص: 351

فيخاف على من وقع فيه بسب أو عيب أو تنقص أو أمر ما أن يخذله الله تعالى ولا يرجع له ايمان ولا يوفقه لهدايته ولهذا ترى الكفرة في القلاع والحصون متى تعرضوا لذلك هلكوا وكثير ممن رأيناه وسمعنا به تعرض لشيء من ذلك وإن نجا من القتل في الدنيا بلغنا عنهم خاتمة ردية نسأل الله تعالى السلامة وليس ذلك ببدع لغيرة الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما من أحد وقع في شيء من ذلك في هذه الأزمنة مما شاهدناه أو سمعناه الا لم يزل منكوسا في اموره كلها في حياته ومماته فالحذر كل الحذر والتحفظ كل التحفظ وجمع اللسان والقلب عن الكلام في الأنبياء إلا بالتعظيم والإجلال والتوقير والصلاة والتسليم وذلك بعض ما أوجب الله تعالى لهم من التعظيم.

(الفصل الثالث) في حكم الساب من أهل الذمة قال الإمام السبكى في السيف المسلول قال أبو سليمان الخطابي قال مالك من شتم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم وكذا قال أحمد * وقال الشافعي يقتل الذمي إذا سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتبرأ منه الذمة واحتج في ذلك بخبر كعب ابن الأشرف * وحكى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال لا يقتل الذمي بشتم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأن ما هم عليه من الشرك أعظم وقال القاضي عياض إما الذى إذا صرح بسب أو عرض أو استخف بقدره أو وصفه بغير الوجه الذى كفر به فلا خلاف عندنا في قتله أن لم يسلم لانا لم نعطه الذمة والعهد على هذا وهو قول عامة العلماء إلا أبا حنيفة والثورى واتباعهما من أهل الكوفة فإنهم قالوا لا يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم ولكن يؤدب ويعزر * وقال الإمام السبكي أيضًا ما حاصله لا أعلم خلافًا بين القائلين بقتله من المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة في أنه لا تصح توبته مع بقائه على الكفر إما إذا أسلم ففي كل من المذاهب الثلاثة خلاف إما المالكية فمن مالك روايتان مشهورتان في سقوط القتل عنه بالإسلام وإن قالوا في المسلم لا يسقط القتل عنه بالإسلام بعد السب أي على الرواية المشهورة عن مالك خلافًا لرواية الوليد عنه وإما الحنابلة فكذلك عندهم في توبة الساب ثلاث روايات أحداها تقبل توبته مطلقًا أي مسلمًا كان أو كافرًا الثانية لا تقبل مطلقًا الثالثة تقبل توبة الذمى بالإسلام لا توبة المسلم والمشهور عندهم عدم القبول مطلقًا * وأما الشافعية فالمشهور عندهم القبول مطلقًا * وأما استتابته فإن قلنا لا يسقط القتل عنه بالإسلام فلا يستتاب وإن قلنا يسقط فقد ذهب بعض العلماء أيضًا إلى أنه لا يستتاب ويكون كالاسير الحربي يقتل قبل الاستتابة فإن أسلم سقط عنه القتل وهذا وجه في مذهب أحمد على الرواية بسقوط

ص: 352

القتل بالإسلام وقريب منه في مذهب مالك وإما أصحاب الشافعي فلم يصرحوا بذلك وقد تقدم عنهم في المسلم أنه يستتاب والوجه القطع هنا بأن الاستتابة لا تجب إما استحبابها فلا يبعد القول به اهـ.

(أقول) والمصرح به عندنا في المتون والشروح أن الذمي لا ينتقض عهده بسب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكذا بالاباء عن الجزية والزنا بمسلمة وقتل مسلم * وذكر شيخ الإسلام العلامة العينى رواية في نقض عهده في الامتناع عن أداء الجزية ونقل عن الشافعي انتقاضه بالسب ثم قال واختيارى هذا أي ما قاله الشافعي * وقال العلامة المحقق الشيخ كمال الدين ابن الهمام والذي عندى أن سبه صلى الله تعالى عليه وسلم أو نسبة ما لا ينبغى إلى الله تعالى أن كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد إلى الله تعالى وتقدسن عن ذلك إذا اظهره يقتل به وينتقض عهده وإن لم يظهره ولكن عثر عليه وهو يكتمه فلا وهذا لأن دفع القتل والقتال عنهم بقبول الجزية الذي هو المراد بالاعطاء مقيد بكونهم صاغرين أذلاء بالنص ولا خلاف أن المراد استمرار ذلك لا عند مجرد القبول وإظهار ذلك منه ينافى قيد قبول الجزية دافعًا لقتله لأنَّه الغاية في التمرد وعدم الالتفات والاستخفاف بالإسلام والمسلمين فلا يكون جاريًا على العقد الذى يدفع عنه القتل وهو أن يكون صاغرًا ذليلًا الخ* ورده في البحر بأنه بحث مخالف للمذهب قال وقد أفاد العلامة قاسم في فتاواه أنه لا يعمل بابحاث شيخه ابن الهمام المخالفة للمذهب نعم نفس المؤمن تميل إلى مذهب المخالف في مسئلة السب لكن اتباعنا للمذهب واجب وفى الحاوى القدسى ويؤدب الذمي ويعاقب على شتمه دين الإسلام أو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو القرآن انتهى كلام البحر* وكذا رد ما ذكره الإمام العينى بأنه لا أصل له في الرواية وأجاب العلامة الشيخ خير الدين الرملي في حواشيه على البحر بأنه لا يلزم من عدم النقض عدم القتل وقوله لا أصل له في الرواية فاسد إذ صرحوا قاطبة بأنه يعزر على ذلك ويؤدب وهو يدل على جواز قتله زجرا لغيره إذ يجوز الترقى في التعزير إلى القتل إذا عظم موجبه ومذهب الشافعى عدم النقض به كمذهبنا على الأصح قال ابن السبكي لا ينبغى أن يفهم من عدم الانتقاض أنه لا يقتل فإن ذلك لا يلزم وقد حقق ذلك الوالد في كتابه السيف المسلول وصحيح أنه يقتل وإن (وصليه) قلنا بعدم انتقاض العهد انتهى كلام ابن السبكي فانظر إلى قوله لا ينبغي أن يفهم من عدم الانتقاض أن لا يقتل وليس في المذهب ما ينفى قتله خصوصًا إذا اظهر ماهو الغاية في التمرد وعدم الاكتراث والاستخفاف واستعلى على المسلمين على وجه صار متمردًا عليهم فما بحثه في الفتح في النقض مسلم مخالفته للمذهب وأما ما بحثه في القتل فغير مسلم

ص: 353

مخالفته للمذهب تأمل انتهى كلام الخير الرملى وقال شيخ الإسلام الشيخ على المقدسي في شرحه على نظم الكنز بعد نقله كلام العينى والفتح ما نصه وهو مما يميل إليه كل مسلم والمتون والشروح خلاف ذلك أقول ولنا أن نؤدب الذمي تعزيرًا شديدا بحيث لو مات كان دمه هدرًا كما عرف أن من مات في تعزيرًا وحد لا شيء فيه انتهى

(والحاصل) أن الذمي يجوز قتله عندنا لكن لا حدا بل تعزيرًا فقتله ليس مخالفًا للمذهب وإما أنه ينتقض عهده فمخالف للمذهب أي على ما هو المشهور منه في المتون والشروح وإلا ففى حاشية السيد محمد أبى السعود الازهرى على شرح منلا مسكين قال وفى الذخيرة إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به بأن قال أنه ليس برسول أو أنه قتل اليهود بغير حق أو نسبه إلى الكذب فعند بعض الأئمة لا ينتقض عهده إما إذا ذكره بما لا يعتقده ولا يتدين به كما لو نسبه إلى الزنا أو طعن في نسبه ينتقض انتهى * وبه يتأيد ما بحثه الإمام العيني والمحقق ابن الهمام من حيث الانتقاض أيضًا فليس خارجًا عن المذهب بالكلية نعم هو خلاف المشهور

(وقال) الشيخ تقى الدين بن تيمية في الصارم المسلول عند ذكره مذهب الحنفية في هذه المسئلة ما نصه وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا لا ينتقض العهد بالسب ولا يقتل الذمي بذلك لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها كإظهار أصواتهم بكتابهم ونحو ذلك وحكاه الطحاوى عن الثورى ومن أصولهم يعنى الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل إذا تكرر فللإمام أن يقتل فاعله وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك ويحملون ما جاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعن أصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم على أنه رأى المصلحة في ذلك ويسمونه القتل سياسة وكان حاصله أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي تعظمت بالتكرار وشرع القتل في جنسها ولهذا أفتى أكثرهم بقتل أكثر من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه وقالوا يقتل سياسة وهذا متوجه على أصولهم انتهى كلام الحافظ ابن تيمية * فانظر كيف نسب القول بقتله سياسة إلى أكثر الحنفية وابن تيمية كان في عصر السبعمائة (بتقديم السين) فالذين نقل عنهم أن لم يكونوا من المتقدمين أهل الاجتهاد فهم من أهل الترجيح أو من يماثلهم* ولهذا قال في الدر المختار قلت وبه أفتى شيخيا الخير الرملي وهو قول الشافعى ثم رأيت في معروضات المفتى أبى السعود أنه ورد أمر سلطاني بالعمل بقول أئمتنا القائلين بقتله إذا ظهر أنه معتاده و به أفتى ثم أفتى في بكر اليهودى قال لبشر النصراني نبيكم عيسى عليه السلام ولد

ص: 354

زنا بأنه يقتل لسبه للأنبياء عليهم الصلاة والسلام انتهى* قلت ويؤيده أن ابن كمال باشا في أحاديثه الأربعينية في الحديث الرابع والثلاثين يا عائشة لا تكوني فاحشة قال ما نصه والحق أنه يقتل عندنا إذا أعلن بشتمه عليه الصلاة والسلام صرح به في سير الذخيرة حيث قال واستدل محمد لبيان قتل المرأة إذا أعلنت بشتم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بما روي أن

(1)

عمر بن عدي لما سمع عصماء بنت مروان تؤذى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فقتلها ليلا فمدحه صلى الله تعالى عليه وسلم على ذلك انتهى ما في الدر المختار للشيخ علاء الدين رحمه الله تعالى * وعصماء هذه ذكر قصتها الإمام السبكي عن الإمام الواقدى وغيره وحاصلها إنها كانت تؤذى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتحرض عليه وقالت فيه شعرا وقال ابن عبد البر في الاستيعاب عمير الخطمي القارى من بني خطمة من الأنصار كان أعمى وكانت له أخت تشتم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقتلها الخ* لا يقال كيف قتلت مع أن النساء لا يقتلن للكفر عندنا لانا نقول إنما قتلت لسعيها في الأرض بالسفاد لأنها كانت تهجو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتؤذيه وتحرض الكفار عليه وقد صرحوا بأن الساحر يقتل ولو امرأه ولاشك أن ضرر هذه أشد من الساحر والزنديق وقاطع الطريق فمن أعلن بشتمه صلى الله تعالى عليه وسلم مثل هذه يقتل وبما نقله في الدر المختار عن ابن كمال علم أن ما بحثه في فتح القدير من قتل الذمي الساب قول محرر المذهب الإمام محمد ابن الحسن وقدمنا أنه أفتى به أكثر الحنفية وإن أسلم بعد أخذه فلم يكن مخالفًا للمذهب وإن كان المذهب عندنا أنه لا ينتقض عهده أي لا يصير حربيا بحيث يسترق ويصير ماله فيأ للمسلمين وهو موافق لما في المتون والشروح حيث قالوا ولا ينتقض عهده ولم يقولوا ولا يقتل ولا يلزم من عدم نقض عهده عدم قتله فيقتل عندنا سياسة إذا تكرر منه ذلك وأعلن به وإن أسلم على ما نقله سيخ الإسلام ابن تيمية عن أكثر الحنفية (فإن قلت) ما الفرق بينه وبين المسلم حيث جزمت بأن مذهب أبي حنيفة وأصحابه أن الساب المسلم إذا تاب وأسلم لا يقتل (قلت) المسلم ظاهر حاله أن السب إنما صدر منه عن غيظ وجق وسبق لسان لا عن اعتقاد جازم فإذا تاب وأناب وأسلم قبلنا إسلامه بخلاف الكافر فإن ظاهر حاله يدل على اعتقاد ما يقول وأنَّه أراد الطمن في الدين ولذلك قلنا فيما مر أن المسلم أيضًا إذا تكرر منه ذلك وصار معروفًا بهذا الاعتقاد داعيًا إليه يقتل ولا تقبل توبته وإسلامه كالزنديق فلا فرق ح بين المسلم والذمى لأن كلا منهما إذا تكرر منه ذلك وصار معروفًا به دل ذلك على أنه يعتقد

(1)

قوله أن عمر كذا في الدر المختار وصوابه عمير بالتصغير منه.

ص: 355

ما يقول وعلى خبث باطنه وظاهره وسعيه في الأرض بالفساد وإن توبته إنما كانت تقية ليدفع بها عن نفسه القتل ويتمكن من أذية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته المؤمنين ويضل من شاء من ضعفة اليقين (قال) في التتارخانيه وسئل فقهاء سمرقند في سنة سبع وستين وثلاثمائة عن رجل يظهر الإسلام ويصلى ويصوم ويظهر التوحيد والايمان محمد صلى الله تعالى عليه وسلم سنين كثيرة ثم أقر على نفسه بأني كنت في هذه السنين الماضية معتقدا لمذهب القرامطة وكنت أدعو الناس والآن قد تبت ورجعت إلى الإسلام وهو يظهر الآن ما كان يظهر من قبل من دين الإسلام إلا أنه يتهم بمذهب القرامطه كما كان يتهم وكان سبب إقراره أنه عثر عليه وهدد بالقتل حتى أقر بمذهبه قال أبو عبد الكريم بن محمد أن قتل القرامطة في الجملة واجب واستيصالهم فرض لأنهم في الحقيقة كفار مرتدون وفسادهم في دين الإسلام أعظم الفساد وضررهم أشد الضرر (وأما الجواب) في مثل هذا الواحد الذى وصف في هذا السؤال فإن بعض مشايخنا قال يتغفل فيقتل أي تطلب غفلته في عرفان مذهبه وقال بعضهم يقتل من غير استغفال لأن من ظهر منه اعتقاد هذا المذهب ودعا الناس لا يصدق فيما يدعى بعد ذلك من التوبة ولو أنه قبل منه ذلك هدموا الإسلام وأضلوا المسلمين من غير أن يمكن قتلهم انتهى * وأطال في ذلك ونقل عدة فتاوى عن أئمتنا وغيرهم بنحو ذلك فراجعه * والمقصود من نقله بيان عدم قبول توبة من وقفنا على خبث باطنه وخشية ضرره وإضلاله فلا نقبل إسلامه وتوبته وإن كان يظهر الإسلام فكيف بمن كان كافرًا خبيث الاعتقاد* وتجاهر بالشتم والإلحاد * ثم لما رأى الحسام * بادر إلى الإسلام * فلا ينبغي لمسلم التوقف في قتله، وإن تاب لكن بشرط تكرر ذلك منه وتجاهره به* كما علمته مما نقلنا عن الحافظ ابن تيمية عن أكثر الحنفية ومما نقلناه عن المفتي أبى السعود (فإن قلت) قال ابن المؤيد في فتاواه كل من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو أبغضه كان مرتدًا وأما ذووا العهود من الكفار إذا فعلوا ذلك لم يخرجوا من عهودهم وأمروا أن لا يعودوا فإن عادوا عزروا ولم يقتلوا كذا في شرح الطحاوى انتهى فهذا مخالف لما مر من القتل سياسة (قلت قد يجاب بحمل هذا على ما إذا عثر عليهم وهم يكتمونه ولم يتجاهروا به أو يراد بقوله ولم يقتلوا أي حدا لزوما بل سياسة مفوضة إلى رأي الإمام يفعلها حيث رأى بها المصلحة قال في متن الملتقى من كتاب الحدود ولا يجمع بين جلد ورجم ولا بين جلد ونفي الاسياسة * قال العلائي في شرحه بعد قوله الاسياسة أي مصلحة وتعزير أو هذا لا يختص بالزنابل

ص: 356

يجوز في كل جناية رأى الإمام المصلحة في النفي والقتل كقتل مبتدع توهم انتشار بدعته وإن لم يحكم بكفره إلى آخر ما أطال به هناك فراجعه* وفيه عن شرح الباقاني والبحر والنهر ما نصه واعلم أنهم يذكرون في حكم السياسة أن الإمام يفعلها ولم يقولوا القاضى وظاهره أن القاضى ليس له الحكم بالسياسة ولا العمل بها انتهى* وعليه فقوله ولم يقتلوا أي * يحكم القاضى بقتلهم بل هو مفوض لرأي الإمام كما قلنا والله تعالى أعلم.

(خاتمة) قال في الشفاء وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى وملائكته أو استخف بهم أو كذبهم فيما أتوا به أو أنكرهم أو جحدهم حكم نبينا عليه السلام على مساق ما قدمناه فمن شتم الأنبياء أو واحدًا منهم أو تنقصه قتل ولم يستتب ومن سبهم من أهل الذمة قتل إلا أن يسلم وقول أبى حنيفة وأصحابه على أصلهم من كذب بأحد الأنبياء أو تنقص أحدًا منهم أو برئ منه فهو مرتد انتهى ملخصا* ثم قال وهذا فيمن تكلم فيهم على جملة الملائكة والنبيين أو على معين ممن حققنا كونه منهم إما من لم يثبت بالاخبار أو الإجماع كونه منهم كهاروت وماروت والخضر ولقمان وذى القرنين ومريم وآسية وخالد بن سنان فليس الحكم في سابهم كذلك ولكن يزجر ويؤدب بقدر حال المقول فيه انتهى ملخطا، وكذا قال الإمام السبكى سب سائر الأنبياء والملائكة كسب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بلا خلاف انتهى * وذكر مثله شيخ الإسلام ابن تيمية ونصوص أئمتنا من الفروع التي ذكروها في كتبهم صريحة في ذلك أيضًا أعرضنا عنها خشية التطويل ولسهولة مراجعتها لمن أرادها وقد أكثر أئمتنا من ذكر الألفاظ والأفعال المكفرة مما هو سب أو استخفاف بنبينا أو غيره من الأنبياء أو الملائكة عليه وعليهم الصلاة والسلام قدمنا بعضها في أوائل الفصل الثانى* واعلم أن ما ذكرناه من أبحاث هذه المسئلة في هذا الباب* نبذة يسيرة مما تركناه خشية الاطناب* ولكن في ذلك كفاية لذوي الألباب * والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

(الباب الثاني) في حكم ساب أحد الصحابة رضى الله تعالى عنهم* اعلم أرشدنى الله وإياك * وتولى هداي وهداك * أن أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه الذين نصروه * وبذلوا مهجهم في مرضاته وليس من مؤمن ولا مؤمنة إلا ولهم في عنقه أعظم منة فيجب علينا تعظيمهم واحترامهم ويحرم سبهم والطعن فيهم ونسكت عما جرى بينهم من الحروب فإنه كان عن اجتهاد هذا كله مذهب أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة وهم الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون ومن خرج عن هذا الطريق فهو ضال مبتدع أو كافر (قال) القاضي عياض في آخر فصل من الشفاء سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام

ص: 357

حرام ثم قال بعد سوقه لبعض ما ورد في فضلهم وفي حق من آذاهم* وقد اختلف العلماء في هذا فمشهور مذهب مالك في ذلك الاجتهاد والأدب الموجع قال مالك رحمه الله تعالى من شتم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قتل ومن شتم أصحابه أدب وقال أيضًا من شتم أحدًا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا في ضلال

(1)

قتل وإن شتمهم يغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالًا شديدًا* وقال ابن حبيب من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدبًا شديدًا ومن زاد إلى بغض أبى بكر وعمر فالعقوبة أشد ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت ولا يبلغ به القتل إلا بسب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال سحنون من كفر أحدًا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عليا أو عثمان أو غيرهما يوجع ضربًا وحكى أبو محمد بن زيد عن سحنون من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أنهم كانوا في ضلال وكفر قتل ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل هذا نكل النكال الشديد وروى عن مالك من سب أبا بكر جلد ومن سب عائشة قتل ثم حكى القاضي عياض قولين فيمن سب غير عائشة من أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أحدهما أنه يقتل لأنَّه سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بسب حليلته والآخر أنها كسائر الصحابة يجلد حد المفترى قال وبالأول أقول انتهى.

(وقال) شيخ الإسلام ابن تيمية قال القاضي أبو يعلى من قذف عائشة بما برأها الله تعالى منه كفر بلا خلاف وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد والأصح أن من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة وأما من سب أحدًا من أصحابه صلى الله تعالى عليه وسلم من أهل بيته أو غيرهم فقد أطلق الإمام أحمد أنه يضرب ضربًا نكالًا وتوقف عن كفره وقتله * قال أبو طالب سألت أحمد عمن شتم أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال القتل أجبن عنه ولكن اضربه ضربًا نكالًا* وقال ابن المنذر لا أعلم أحدًا يوجب قتل من سب من بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم * وقال القاضي أبو يعلى الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة أن كان مستحلا لذلك كفر وإلا فسق ولم يكفر سواء كفرهم أو طعن في دينهم مع إسلامهم وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة وكفر الرافضة وصرح جماعات من أصحابنا بكفر الخوارج المعتقدين البراءة من علي وعثمان ويكفر الرافضة الذين كفرو الصحابة وفسقوهم وسبوهم اهـ ملخصا

(1)

قوله قتل أي لأنَّه اعتقد ما هم عليه كفرا مع أنهم كانوا في أعلا مراتب الدين ومن اعتقد الإسلام كفرا فقد كفر تأمل منه.

ص: 358

وقد أطال كثيرًا وأطاب فراجعه ولخص نبذة من كلامه الإمام السبكي ولم يزد شيأ.

(وقال) العلامة ابن حجر المكي في كتابه الأعلام في قواطع الإسلام وفى وجه حكاه القاضي حسين في تعليقه أنه يلحق بسب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سب الشيخين وعثمان وعلى وعبارة البغوى من أنكر خلافة أبي بكر يبدع ولا يكفر ومن سب أحدًا من الصحابة ولم يستحل يفسق واختلفوا في كفر من سب الشيخين قال الزركشي كالسبكي وينبغي أن يكون الخلاف فيما إذا سبه لأمر خاص به إما لو سبه لكونه صحابيًا فينبغى القطع بتكفيره لأن ذلك استخفاف بحق الصحابة وفيه تعريض بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى.

* هذا خلاصة ما في المسئلة لأئمة المذاهب الثلاثة.

(فصل) في نقل بعض ما رأيته لعلمائنا في ذلك وتحرير المسئلة على وجه الصواب إن شاء الله تعالى.

* قال في التتارخانيه لو قذف عائشة رضى الله تعالى عنها بالزنا كفر بالله تعالى ولو قذف سائر نسوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يكفر ويستحق اللعنة ولو قال عمر وعثمان وعلي لم يكونوا أصحابا لا يكفر ويستحق اللعنة ولو قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لم يكن من الصحابة يكفر لأن الله تعالى سماه صاحبه بقوله إذ يقول لصاحبه لا تخزن * وفى الظهيرية ومن أنكر إمامة أبى بكر فهو كافر على قول بعضهم وقال بعضهم مبتدع وليس بكافر والصحيح أنه كافر وكذا من أنكر خلافة عمر وهو أصح الأقوال انتهى.

* وفي الحاوى القدسي ومن قذف عائشة بالزنا أو قال أبو بكر لم يكن من الصحابة أو قال الله برئ من علي يكفر * وقال في البزازية ويجب إكفار الروافض بقولهم برجعة الأموات إلى الدنيا وتناسخ الأرواح وانتقال روح الإله إلى الأئمة وأن الأئمة آلهة وبقولهم بخروج إمام ناطق بالحق وانقطاع الأمر والنهي إلى أن يخرج وبقولهم أن جبريل عليه السلام غلط في الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم دون علي كرم الله وجهه وأحكام هؤلاء أحكام المرتدين ومن أنكر خلافة أبى بكر رضى الله تعالى عنه فهو كافر في الصحيح ومنكر خلافة عمر رضى الله تعالى عنه كافر في الأصح ويجب إكفار الخوارج في إكفارهم جميع الأمة سواهم ويجب إكفارهم بإكفار عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة رضى الله تعالى عنهم.

* ثم قال وفى الخلاصة الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر وإن كان يفضل عليا عليهما فهو مبتدع انتهى.

(تنبيه) اعلم أن المفهوم من هذه النقول المنقولة عن علماء مذهبنا وغيرهم أن المحكوم عليه بالكفر في هذه المسائل حكمه حكم المرتد فتقبل توبته* إن أسلم وينبغى تقييد القول بكفر من سب الشيخين بكونه فعله مستحلا كما تقدم في كلام ابن تيمية

ص: 359

وابن حجر ويدل عليه أن صاحب الخلاصة صوره في الرافضي فإن الرافضي يستحل ذلك ولاشك أن الشتم واللعن محرمان وأدنى مراتبهما أنهما غيبة والغيبة محرمة بنص القرآن فيكون قد استحل ما جاء القرآن بتحريمه وإيضًا انعقد اجماع أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الإجماع على حرمة سب الشيخين ولعنهما وصار ذلك مشهورًا بحيث لا يخفى على أحد من خواصهم وعوامهم فيكون معلومًا من الدين بالضرورة كحرمة الزنا وشرب الخمر ولاشك في كفر مستحل ذلك وعلى هذا فالذي يظهر أنه لا فرق بين سب الشيخين أو غيرهما ممن علم كونه من الصحابة قطعا كما لو كان السب لجملة الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولكن ينبغى تقييده بما إذا لم يكن السب عن تأويل كسب الخوارج لعلي رضي الله تعالى عنه بناء على ما هو المشهور من عدم تكفير أهل البدع لبناء بدعتهم على شبهة دليل وتأويل ويدل عليه ما في متن المختار وشرحه المسمى بالاختيار حيث قال فصل الخوارج والبغاة مسلمون قال الله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} وقال علي رضى الله تعالى عنه إخواننا بغوا علينا وكل بدعة تخالف دليلًا يوجب العلم والعمل به قطعا فهى كفر وكل بدعة لا تخالف ذلك وإنما تخالف دليلًا يوجب العمل ظاهرًا فهى بدعة وضلال وليس بكفر واتفق الأئمة على تضليل أهل البدع أجمع وتخطئتهم* وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا لكن يضلل فإن عليا رضى الله تعالى عنه لم يكفر شاتمة حتى لم يقتله انتهى وسيأتي قريبا في كلام الفتح بيان قوله لم يكفر شاتمة الخ* ففى هذا الكلام الجزم بعدم كفر الخوارج ودلالة صريحة على أن السب إذا كان عن تأويل ولو فاسدًا لا يكفر به وعلى أن كل واحد من الصحابة في هذا الحكم سواء وعلى أن البدعة التي تخالف الدليل القطعي الموجب للعلم أي الاعتقاد والعمل لا تعتبر شهة في نفي التكفير عن صاحبها كما لو أدته بدعته إلى قذف عائشة بما برأها الله تعالى منه بنص القرآن القطعى أو إلى نفي صحبة الصديق الثابتة بالقرآن أو إلى أن جبريل غلط في الوحى وأشياه ذلك مما مر * ويدل على ذلك أيضًا ما قاله العلامة التفتازاني في شرح العقائد ونصه وما وقع بينهم أي الصحابة من المنازعات والمحاربات فله محامل تأويلات فسبهم والطعن فيهم إذا كان مما يخالف الأدلة القطعية فكفر كقذف عائشة رضى الله تعالى عنها وإلا فبدعة وفسق الخ.

(أقول) وقيد بقذف عائشة رضى الله تعالى احترازًا عن قذف غيرها من الزوجات الطاهرات تبعًا لما قدمناه عن التتارخانيه لأن قذفها تكذيب للكتاب العزيز بخلاف قذف غيرها وقد تقدم في كلام القاضى

ص: 360

عياض وابن تيمية ترجيح عدم الفرق لمافيه من الحاق الشين به صلى الله تعالى عليه

وسلم والذي يظهر لي ارجعية ماذكره أئمتنا بدليل أن من وقع في الافك من الصحابة

كمسطح و حسان رضى الله تعالى عنهما لم يحكم بكفره بل عاتب الله تعالى الصديق

رضى الله تعالى عنه على حلفه أن لا ينفق على مسطح بقوله تعالى (ولا يأتل والوا

الفضل) الآية فيعلم منه أن نفس قذف السيدة عائشة قبل نزول القرآن ببرائتها

لم يكن كفرا فأما بعده فإنما صار قذفها كفرا لما فيه من تكذيب القرآن وهذا مما

اختصت به على سائر الزوجات الطاهرات صح هذا ما ظهر لي حال الكتابة والله تعالى

أعلم. رجعنا إلى ماكنا في صدده من الاستدلال على عدم تكفير الساب للصحابة

بتأويل فنقول وقد عرف في فتح القدير الخوارج بانهم قوم لهم منعة وحمية خرجوا

على الإمام الحق بتأويل يرون أنه على باطل كفرا ومعصية توجب قتاله بتأويلهم

يستحلون دماء المسلمين واموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله

صلى الله تعالى عليه وسلم. ثم قال في فتح القدير وحكمهم عند وجهور الفقهاء

وجمهور أهل الحديث حكم البغاة وذهب بعض أهل الحديث إلى انهم مرتدون.

قال ابن المنذر ولا أعلم احدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وهذا يقتضى

نقل اجماع الفقهاء وذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر احدا من أهل البدع

وبعضهم يكفرون بعض أهل البدع وهو من خالف ببدعته دليلا قط ميا ونسبه

إلى أكثر أهل السنة والنقل الأول أثبت نعم يقع في كلام أهل المذاهب تكفير

كثير ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير

الفقهاء والمنقول عن المجتهدين ماذكرنا وابن المنذر اعرف بنقل كلام المجتهدين.

وما ذكره محمد بن الحسن من حديث كثير الحضرمي يدل على عدم تكفير

الخوارج وهو قول الحضر مى دخلت مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة فإذا نفر

خمسة يشتمون عليا رضى الله تعالى عنه وفيهم رجل عليه برنس يقول اعاهد

الله لا قتله فتعلقت به وتفرقت أصحابه فأتت به عليا رضى الله تعالى عنه فقلت

انى سمعت هذا يعاهد الله ليقتلنك فقال ادن ويحك من انت فقال أنا سوار المنقرى

فقال على رضى الله تعالى عنه خل عنه فقلت اخلى عنه وقد عاهد الله ليقتلنك فقال

افاقتله ولم يقتلنى قلت فإنه قد شتمك قال فاشتمه أن شيئت اودعه. ففى هذا دليل

أن ما لم يكن للخارجين منعة لا يقتلهم وانهم ليسوا كفار إلا بشتم على ولا بقتله قبل

إلا إذا استحله فإن من استحل قتل مسلم فهو كافر ولابد من تقييده بان لا يكون

القتل بغير حق أو عن تأويل والالزم تكفيرهم لأن الخوارج يستحملون القتل

ص: 361

بتأويلهم الباطل انتهى ما في فتح القدير. ثم ذكر ما يدل على ذلك من كلام الإمام محمد أيضًا فراجعه واقرأه في البحر.

(أقول) والقول الثاني الذي ذكره في المحيط هو ما قدمناه عن شرح الاختيار وشرح العقائد ويمكن التوفيق بينه وبين ما حكاه ابن المنذر بأن مراد الذين كفروا من خالف ببدعته دليلا قطعيا من اتبع هواه بلا شبهة دليل أصلا من زعم غلط جبريل ونحوه ممن كذب ببدعته النصوص القطعية بخلاف الخوارج الذين خرجوا على سيدنا كرم الله وجهه فإنهم خرجوا عليه بزعمهم أن من حكم غير الله تعالى فهو كافر وكذا المعتزلة ونحوهم من أهل البدع. كما أشار إلى ذلك العلامة المحقق الشيخ إبراهيم الحلبي في شرحه الكبير على منية المصلى في باب الإمامة حيث قال بعد كلام وعلى هذا يجب أن يحمل المنقول أي عن أبى حنيفة والشافعي من عدم تكفير أهل القبلة على ما عداها غلاة الروافض ومن ضاهاهم فإن أمثالهم لم يحصل منهم بذل وسع في الاجتهاد فإن من يقول أن عليا هو الإله أو بأن جبريل غلط ونحو ذلك من السخف إنما هو متبع مجرد الهوى وهو أسوأ

(1)

حالا ممن قال ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فلا يتأتى من مثل الإمامين العظيمين (أي أبى حنيفة والشافعى أن لا يحكم بأنهم من أكفر الكفرة وإنما كلامهما في مثل من له شبهة فيما ذهب إليه وإن كان ما ذهب إليه عند التحقيق في حد ذاته كفرا كمنكر الرؤية وعذاب القبر ونحو ذلك فإن فيه إنكار حكم النصوص المشهورة والإجماع إلا أن لهم شبهة قياس الغائب على الشاهد ونحو ذلك مما علم في الكلام وكمنكر خلافة الشيخين والساب لهما فإن فيه إنكار حكم الإجماع القطعي إلا أنهم ينكرون حجية الإجماع باتهامهم الصحابة فكان لهم شبهه في الجملة وإن كانت ظاهرة البطلان بالنظر إلى الدليل فبسبب تلك الشبهة التي أدى إليها اجتهاد هم لم يحكم بكفرهم مع أن معتقدهم كفر احتياطا بخلاف مثل من ذكرنا من الغلاة فتأمل * انتهى وهو تحقيق* بالقبول حقيق* وبه يتحقق ما ذكرناه من التوفيق، وحاصله أن المحكوم بكفره من أداه هواه وبدعته إلى مخالفة دليل قطعى لا يسوغ فيه تأويل أصلا كرد آية قرآنية أو تكذيب نبي أو إنكار أحد أركان الإسلام ونحو ذلك بخلاف غيرهم كمن اعتقد أن عليا هو الأحق بالخلافة وصاروا يسبون الصحابة لأنهم منعوه حقه ونحوهم فلا يحكم بكفره

(1)

قوله وهو أسوأ حالا الخ أي لأنه اعتقد الألوهية في علي والذين عبدوا الأصنام لم يعتقدوا الألوهية فيها وإنما عبدوها تقربا إلى الله تعالى الذى هو الإله وإنما سموها آلهة لاشراكهم إياها له تعالى في العبادة منه.

ص: 362

احتياطا وإن كان معتقدهم في نفسه كفرا أي يكفر به من اعتقده بلا شبهة تأويل.

(ومما) يزيد ذلك وضوحا. ما صرحوا به في كتبهم متونا وشروحا. من قولهم ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف * ثم قالوا وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية وفسروا السلف بالصالحين منهم كالصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين فقد صرحوا بقبول شهادة أهل الاهواء ولو لم يكونوا مسلمين لما قبلت شهادتهم. وإنما اخرجوا الخطابية لأنهم فرقه يرون شهادة الزور لأشياعهم أو للمحالف فالعلة فيهم تهمة الكذب لا الكفر * وفى المواقف ما يقتضى أن العلة فيهم الكفر حيث ذكر أنهم قالوا الأئمة أنبياء وأبو الخطاب نبي بل زادوا على ذلك أن الائمة آلهة والحسنين أبناء الله وجعفر إله لكن أبو الخطاب أفضل منه ومن على انتهى. وكذا لم يقبلو شهادة من يظهر سب السلف لاظهاره فسقه بخلاف من يكتم السب * قال ابن ملك في شرح المجمع وترد شهادة من يظهر سب السلف لأنَّه يكون ظاهر الفسق وتقبل من أهل الاهواء الجبر والقدر والرافض والخوارج والتشبيه والتعطيل انتهى. وفي شرح المجمع للعيني لا تقبل شهادة من يظهر حب السلف بالإجماع لأنَّه إذا اظهر ذلك فقد أظهر فسقه بخلاف من يكتمه لأنَّه فاسق مستور. وكذا علله في الجوهرة، وفى شرح الكنز للزيلعي أو يظهر بسب السلف يعنى الصالحين منهم وهم الصحابة والتابعون لأن هذه الأشياء تدل على قصور عقله وقلة مرؤته ومن لم يمتنع عن مثلها لا يمتنع عن الكذب عادة بخلاف ما لو كان يخفى السب انتهى. وكتب المذهب مشحونة بذلك. وكذا نص المحدثون على قبول روايتهم على خلاف بينهم فيمن كان داعيا إلى بدعته وفى شرح التحرير للمحقق ابن أمير حاج عن شيخه الحافظ ابن حجر المعتمد أن الذى ترد روايته من أنكر متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله انتهى فهذا أقوى دليل على أن أهل الاهواء لا يحكم بكفرهم وكذا من يسب عامة الصحابة وإلا لما ساغ قبول روايتهم للاحاديث التي تثبت بها أحكام الدين لكن لا تقبل شهادتهم إذا اظهروا السب لما ذكرنا فلو كان من يظهر سب الشيخين أو غيرهما عن تأويل كافرا لما ساغ التعليل لرد شهادته بإظهار فسقه وعدم مبالاته بإظهار الكذب بل كان الواجب أن يقال لا تقبل شهادته لكفره كما قالوا في أهل الأهواء إذا كان هوى يكفر به صاحبه لا تقبل أي لكفره * والمراد بالهوى المكفر الذى لا يكون فيه شبهة اجتهاد كهوى المجسمة والاتحادية والحلولية ونحوهم ممن مر ذكرهم. ومن أراد معرفة من

ص: 363

يكفر ببدعته ومن لا يكفر وما في ذلك من البيان المزيل للخفاء فعليه بما حرره القاضي عياض في آخر الشفاء وينبغي أن يستثنى من عدم تكفير أهل البدع من يكفر جميع الصحابة لتكذيبه صريح الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الدالة على تفضيلهم على البرية وعلى أن الله قد رضى عنهم ورضوا عنه ثم رأيت صاحب الشفاء صرح بذلك حيث قال وكذا وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب إلى أن قال وكذلك يقطع بتكفير كل قائل قال قولا يتوصل إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة كقول الكهيلية من الرافضة بتكفير جميع الأمة بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذ لم يقدموا عليا وكفرت عليها إذ لم يتقدم وأبطل حقه في التقديم فهؤلاء قد كفروا من وجوه لأنهم ابطلوا الشريعة بأسرها إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن إذ ناقلوه كفرة على زعمهم الخ فتأمل (إذا علمت ذلك) ظهر لك أن ما مر عن الخلاصة من أن الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر مخالف لما في كتب المذهب من المتون والشروح الموضوعة لنقل ظاهر الرواية ولما قدمنا عن الاختيار وشرح القائد بل مخالف للاجماع على ما نقله ابن المنذر كمام في عبارة فتح القدير وكذا ما قدمناه في عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية من قوله وقال ابن المنذر لا أعلم أحدا يوجب قتل من سب من بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وإذا كان هذا فيمن يظهر سب جميع السلف فكيف من يسب الشيخين فقط فعلم أن ذلك ليس قولا لأحد من المجتهدين وإنما هو قول لمن حدث بعدهم وقدم في عبارة الفتح أنه لا عبرة بغير كلام الفقهاء المجتهدين اللهم إلا أن يكون المراد بما في الخلاصة أنه كافر إذا كان سبه لهما لأجل الصحبة أو كان مستحلا لذلك بلا شبهة تأويل أركان من غلاة الروافض ممن يعتقد كفر جميع الصحابة أو ممن يعتقد التناسخ والوهية على ونحو ذلك أو المراد أنه كافر أي اعتقد ما هو كفر وإن لم نحكم بكفره احتياطا أو هو مبنى على قول البعض بتكفير أهل البدع.

(فإن قلت) قال في البحر ما نصه وفي الجوهرة من سب الشيخين أو طعن فيهما كفر ويجب قتله ثم إن رجع وتاب وجدد الإسلام هل تقبل توبته أم لا قال الصدر الشهيد لا تقبل توبته وإسلامه ونقتله وبه أخذ الفقيه أبو الليث السمرقندي وأبو نصر الدبوسي وهو المختار للفتوى انتهى وتبعه على ذلك تلميذه صاحب المنح وقال أن هذا يقوى القول بأنه لا نقبل توبة ساب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

(قلت) قد رد على صاحب البحر أخوه صاحب النهر بأن هذا لا وجود له في الجوهرة وإنما وجد في هامش بعض النسخ فالحق بالأصل انتهى. وحيث كان ذلك في هامش نسخة لا يعلم صدق كاتبه

ص: 364

من كذبه لا يجوز الأخذ به وجعله حكما شرعيا من أحكام الله تعالى التي لا تثبت إلا بأحد الأدلة الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح من أهله وكتاب الجوهرة شرح القدوري لأبي بكر الحدادي كتاب مشهور متداول يوجد بأيدي صغار الطلبة فليراجعه من أراد ذلك ليريح باله * ويزيح أشكاله. وقد راجعته أيضًا فلم أجد هذا النقل فيه بل فيه ما يناقضه فإنه قال في الشهادات ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف الصالحين لظهور فسقه والمراد بالسلف الصالحين الصحابة والتابعون فقال لظهور فسقه ولم يقل لكفره * وقال في بحث الجزية فيما إذا سب الكافر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولأن سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يجرى مجرى سب الله تعالى انتهى فلا يكون سب الشيخين أقوى من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الجاري مجرى سب الله تعالى الذى تقبل فيه التوبة * وقال في بحث الردة وفي الخجندى إذا ارتد البالغ عن الإسلام فإنه يستتاب فإن تاب وأسلم وإلا قتل الخ فمن ادعى وجود ذلك بالجوهرة فعليه إحضار النقل (ولا يقال) أن صاحب البحر قد نقله فيكفينا ذلك (لأنا نقول) قد رد عليه أخوه صاحب النهر بأن ذلك لا أصل له كما علمت فإذا تعارض كلام هذين العالمين فعليك التثبت فإن المجازفة في أحكام الله تعالى حرام بالإجماع فراجع كتب المذهب حتى تقف على الصواب وانى قد كفيتك المؤنة وراجعت وأثبت لك في هذا الكتاب ما يصير به الغبي على بصيرة تامة إن شاء الله تعالى * وحيث تحققت ما في الباب الأول مما عليه المعول وهو المنقول عن أبي حنيفة وأصحابه من أن توبة ساب المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم مقبولة عاصمة لدمه وماله كما هو حكم عامة أهل الردة علمت يقينا أن ما نقل عن الجوهرة لا أصل له لأن مقام الشيخين وإن كان عاليا لكن مقام من تشرفا بخدمته صلى الله تعالى عليه وسلم أعلا. وأيضا فإن المالكية والحنابلة القائدين بعدم قبول توبة ساب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم نر أحدا منهم قال كذلك في ساب الشيخين مع أنهم عللوا عدم قبول التوبة بكون السب حق عبد ومقتضى ذلك أنه لا تقبل توبة سابهما ولا ساب غيرهما من الصحابة لأنه حق عبد أيضًا فحيث لم يقولوا بذلك هنا كان من يقول بقبول التوبة هناك قائلا بقبولها هنا أيضًا بالاولى

(1)

وعن هذا قال العلامة الحموى في حاشية الأشباه بعد نقله العبارة النهر المارة أقول على فرض ثبوت ذلك في عامة نسخ الجوهرة لا وجه له يظهر لما قدمنا من قبول توبة من سب الأنبياء عندنا خلافا للمالكية والحنابلة وإذا كان

(1)

قوله وعن هذا الخ يؤيد ذلك أيضًا ما نقلناه في الهامش عن حاشية شيخ مشايخنا الرجتى فراجعه أيضًا منه.

ص: 365

كذلك فلا وجه للقول بعدم قبول توبة من سب الشيخين بالطريق الأولى بل لم يثبت ذلك عن أحد من الأئمة فيما أعلم انتهى كلامه * ولا يخفى أن هذا ليس من البحث المعارض للمنقول حتى يقال أنه غير مقبول بل هو من معارضة المنقول على فرض ثبوته بالمنقول الثابت عن أصحاب المذهب بالدلالة الأولوية كدلالة حرمة التأفيف على حرمة الضرب * على أنك قد علمت مما قررناه في هذا الباب أن الساب إذا كان رافضيا اعتقد شبهة مسوغة في اعتقاده للسب لم يحكم بكفره فضلا عن عدم قبول توبته إلا إذا كان يعتقد ما يخالف دليلا قطعيا كإنكار صحبة الصديق وقذف الصديقة ونحو ذلك فيكفر بذلك لا بالسب أو لم يكن معتقدا شبهة لكنه استحل السب فح يكفر لاستحلاله المحرم قطعا بلا شبهة أما لو سب بدون ذلك كله لم يخرج عن الإسلام كما علمته مما نقلناه عن كتب المذهب متونا وشروحا وغيرها نعم للإمام تأديبه وتعزيره بما يراه مناسبا في حقه ولعل من قال أنه يقتل أراد به قتله سياسة لا كفرا.

(والحاصل) أن الحكم بالكفر على ساب الشيخين أو غيرهما من الصحابة مطلقا قول ضعيف لا ينبغى الافتاء به ولا التعويل عليه لما علمته من النقول المعتبرة فإن الكفر أمر عظيم لم يتجاسر أحد من الائمة على الحكم به إلا بالأدلة الواضحة العارية عن الشبهة كما علمته مما قررناه. على أنك قد علمت مما ذكرناه في الباب الأول أنه لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة. وعلمت أيضًا قول صاحب البحر ولقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها أي من ألفاظ التكفير المذكورة في كتب الفتاوى ومنها هذه المسئلة المذكورة في الخلاصة فإن غالب هذه مخالفة لما اشتهر عن الأئمة من عدم تكفير أهل القبلة إلا ما كان الكفر فيه ظاهرا كقذف عائشة ونحوه. ولهذا صرح علماؤنا بأنه لا يفتى بما في كتب الفتاوى إذا خالف ما في المتون والشروح. وقد ذكر الإمام قاضي القضاة شمس الدين الحريرى أحد شراح الهداية في كتابه إيضاح الاستدلال على إبطال الاستبدال نقلا عن الإمام صدر الدين سليمان أن هذه الفتاوى هي اختيارات المشايخ فلا تعارض كتب المذهب قال وكذا كان يقول غيره من مشايخنا وبه أقول أيضًا انتهى فقد ثبت أن الأحوط عدم التكفير في مسئلتنا اتباعا لما في كتب المذهب فضلا عن عدم قبول التوبة فإنه إن ثبت نقله فهو نقل غريب مع أنه لم يثبت كما مر فخذ ما أتيتك به وكن من الشاكرين ولا عليك من كثرة المخالفين، واستغفر الله العظيم (هذا وقد رأيت) في هذه المسئلة رسالة لخاتمة العلماء الراسخين شيخ القراء والفقهاء والمحدثين سيدى منلا علي القاري رحمه الله تعالى مال فيها إلى ما ذكرته

ص: 366

فلا بأس بتلخيص حاصلها وذلك حيث قال اعلم أن من القواعد القطعية في العقائد الشرعية. أن قتل الأنبياء. أو طعنهم في الاشياء * كفر بإجماع العلماء. فمن قتل نبيا أو قتله نبي فهوا شقى الاشقياء * وأما قتل العلماء والأولياء وسبهم فليس بكفر إلا إذا كان على وجه الاستحلال أو الاستخفاف فقاتل عثمان وعلي رضى الله تعالى عنهما لم يقل بكفره أحد من العلماء إلا الخوارج في الأول والروافض في الثانى * وأما قذف عائشة فكفر بالإجماع وكذا الانكار صحبة الصديق لمخالفة نص الكتاب بخلاف من أنكر صحبة عمر أو على وإن كانت صحبتهما بطريق التواتر إذ ليس إنكار كل متواتر كفرا ألا ترى أن من أنكر جود حاتم بل وجوده أو عدالة انوشروان وشهوده لا يصير كافرا إذ ليس مثل هذا مما علم من الدين بالضرورة * وأما من سب أحدا من الصحابة فهو فاسق ومبتدع بالإجماع إلا إذا اعتقد أنه مباح أو يترتب عليه ثواب كما عليه بعض الشيعة أو اعتقد كفر الصحابة فإنه كافر بالإجماع * فإذا سب أحد منهم فينظر فإن كان معه قرائن حالية على ما تقدم من الكفريات فكافر وإلا ففاسق وإنما يقتل عند علمائنا سياسة لدفع فسادهم وشرهم وإلا فقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة رواه البخارى وأبو داود والترمذي والنسائي فقد جاء بصيغة الحصر فلا يقتل أهل البدعة إلا إذا صاروا من أهل البغي وكذا لا يقتل تارك الصلاة خلافا للشافعي. وأما حديث من ترك الصلاة فقد كفر فمؤول عند أهل السنة بالمستحل أو معناه قرب إلى الكفر أو جره إلى الكفر ثم لاشك أن أصول الأدلة هي الكتاب والستة والإجماع وليس في تكفير ساب الصحابة أو الشيخين إجماع ولا كتاب بل آحاديث أحاد الإسناد ظنية الدلالة وما اشتهر على السنة العوام من أن سب الشيخين كفر فلم أر نقله صريحا وعلى تقدير ثبوته فلا ينبغي أن يحمل على ظاهره لاحتمال تأويله بما مر في حديث تارك الصلاة إذا لو جل الأحاديث كلها على الظاهر لاشكل ضبط القواعد وحيث دخل الاحتمال سقط الاستدلال لاسيما في قتل المسلم وتكفيره وقد قيل لو كان تسعة وتسعون دليلا على كفر أحد ودليل واحد على إسلامه ينبغي للمفتي أن يعمل بذلك الدليل الواحد لأن خطاه في خلاصه. خير من خطا في حده وقصاصه. لا يقال كيف نسبت القول بتكفير ساب الشيخين إلى العوام مع ذكره في بعض كتب الفتاوى. لأنا نقول أنه ليس بمنقول عن أحد من أئمتنا المتقدمين كأبي حنيفة وأصحابه. وقد صرح التفتازانى بأن سب الصحابة بدعة وفسق وكذا صرح أبو الشكور السالمي في تمهيده بأن سب الصحابة ليس بكفر

ص: 367

وقد ورد عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أن من سب الأنبياء قتل ومن سب أصحابي جلد رواه الطبراني. ثم لا وجه تخصيص الشيخين بما ذكر فإن الختنين (أي عثمان وعليا) بل سائر الصحابة كذلك كما يستفاد من عموم الأحاديث وخصوصها وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله رواه أحمد والحاكم عن أم سلمة (ثم قال) رحمه الله تعالى فهذا تحقيق هذه المسئلة المشكلة. فمن اعتقد غير هذا فليجدد عقيدته. ويترك حميته وجاهليته. ومن ادعى بطلان هذا البيان * فعليه أن يظهر في ميدان البرهان. والله المستعان. وقد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها رواه أبو داود والحاكم والبيهقى فوالله العظيم * رب النبي الكريم. أنى لو عرفت أحدا أعلم مني بالكتاب والسنة من جهة مبناهما. أو من طريق معناهما. لقصدت إليه. ولو حبوا بالوقوف لديه وهذا لا أقوله فخرا. بل تحدثا بنعمة الله تعالى وشكرا. واستزيد به من ربي ما يكون لي ذخرا. انتهى كلام سيدى منلا علي القاري وفى كلامه إشارة إلى أنه مجدد عصره وما أجدره بذلك. ولا ينكر عليه ما هنالك * إلا كل متعصب هالك. وقد أطال رحمه الله تعالى ونفعنا به في هذه الرسالة بالرد على من أنكر عليه القول بعدم التكفير ثم تكلم على الشيعة المبتدعة وحط كلامه على قتلهم سياسة * ثم قال بعد كلام ثم مما يجب التنبيه عليه هو أنه قد علم مما قدمنا أنه لا يثبت الكفر إلا بالأدلة القطعية * وإذا جوز علماؤنا الحنفية. قتل الرافضي بالشروط الشرعية على طريق السياسة العرفية * فلا يجوز إحراقه بالنار بل يقتل بالسيف ونحوه لقوله عليه الصلاة والسلام (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةِ) بل اللائق أن يستتاب * وإن أظهر شبهة يؤتى له بالجواب * ويجب أن يتفحص عنه هل سب جاهلا أو خاطئا أو مكرها أو مستحلا ثم بعد قتله يجب تكفينه والصلاة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام (صلوا على كل بر وفاجر) الخ (أقول) ولاشك أن كلامه هذا في غير الغلاة من الروافض وإلا فالغلاة منهم كفار قطعا فيجب التفحص كما قال فحيث ثبت أن ذلك الساب منهم قتل لأنهم زنادقة ملحدون وعلى هؤلاء الفرقة الضالة يحمل كلام العلماء الذين أفتوا بكفرهم وسبي ذراريهم (قال) العلامة محمد الكواكبي الحلبي في شرحه على منظومته الفقهية المسماة بالفرائد السنية في فصل الجزية قال بعد كلام ما نصه وعلى هذا المنوال أفتى العلامة أبو السعود لما سئل عن الشيعة أيحل قتالهم وهل يكون المقتول منا شهيدا مع أنهم

ص: 368

يدعون أن رئيسهم من آل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكيف يجوز قتالهم وهم يقولون لا إله إلا الله (فأجاب) أن قتالهم جهاد أكبر والمقتول منا في المعركة شهيد وأنهم باغون في الخروج عن طاعة الإمام وكافرون من وجوه كثيرة وأنهم خارجون عن الثلاث وسبعين فرقة من الفرق الإسلامية لأنهم اخترعوا كفرا وضلالا مركبا من أهواء الفرق المذكورة وأن كفرهم لا يستمر على وتيرة واحدة بل يتزايد شيئا فشيئا فمن كفرهم أنهم يهينون الشريعة الشريفة والكتب الشرعية وأئمة الدين ويسجدون لرئيسهم اللعين ويستحلون ما ثبتت حرمته بالأدلة القطعية ويسبون الشيخين رضى الله تعالى عنهما

(1)

وسبهما كفر ويسبون الصديقة ويطيلون ألسنتهم في حقها وقد نزلت براءة ساحتها ونزاهتها رضى الله تعالى عنها يلحقون بذلك الشين بحضرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو سب منهم لحضرته عليه الصلاة والسلام

(2)

فلذا أجمع علماء الأعصار على إباحة قتلهم وأن من شك في كفرهم كان كافرا فعند الإمام الأعظم وسفيان الثورى والأوزاعي أنهم إذا تابوا ورجعوا عن كفرهم إلى الإسلام نجوا من القتل ويرجى العفو كسائر الكفار إذا تابوا وأما عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وليث بن سعد وسائر العلماء العظام فلا تقبل توبتهم ولا يعتبر إسلامهم ويقتلون حدا. ثم إمامنا أيده الله تعالى إذا عمل بأحد أقوال الأئمة كان مشروعا وأما من تفرق في البلاد منهم ولم يظهر عليه آثار اعتقادهم الشنيع فلا يتعرض إليه ولا تجرى عليه الأحكام المذكورة وأما رئيسهم ومن تابعه وقاتل لقتاله فلا توقف في شأنه أصلا لارتكابهم أنواع الكفر المذكورة بالتواتر ولا ريب أن القتال معهم أهم من القتال مع سائر الكفار فإن أبا بكر رضى الله تعالى عنه قدم القتال مع مسيلمة ومن تابعه على القتال مع غيره مع أن أطراف المدينة كانت مملوة من الكفرة ولم تفتح الشام ولا غيرها من البلاد إلا بعد تطهير الأرض من مسيلمة وأشياعه وهكذا فعل على رضى الله تعالى عنه في قتال الخوارج فالجهاد فيهم أهم بلا ريب ولا شبهة بأن قتيلنا في معركتهم شهيد وأما ما ذكر من انتساب رئيسهم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فحاشا أن

(1)

قوله وسبهما كفر قد علمت ما فيه منه.

(2)

قوله فلذا أجمع الخ هذا وما بعده تفريع على أن قذفهم للسيدة عائشة رضى الله تعالى عنها سب لحضرته عليه الصلاة والسلام فيجرى فيهم الخلاف الجاري في سابه صلى الله تعالى عليه وسلم وكون هذا القذف سبا له عليه الصلاة والسلام غير مسلم كما علم مما تقدم والله تعالى أعلم منه.

ص: 369

يكون له مع هذه الأفعال الشنيعة علاقة في هذا النسب الطاهر وإنما رئيسهم الكبير إسماعيل في ابتداء خروجه كما نقل عن الثقات جاء إلى مشهد على الرضا وأكره من به من السادات الكرام وسائر الأشراف العظام وهددهم بالقتل فأظهروا الامتثال واصطنعوا له نسبا ومع ذلك تداركوا وألحقوه بمن هو معروف بأنه عقيم بين علماء الأنساب وهو موسى الثاني ابن حمزة بن موسى الكاظم الذي هو سابع الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية وإنما العقب من أخيه أبى محمد قاسم بن حمزة بن موسى الكاظم ولو فرض صحة نسبه فإذا لم يكن له دين كان مع الكفرة على السواء وإنما آل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من يحمى شريعته وهذا كنعان ابن النبي نوح من صلبه لم ينجه من عذاب الدنيا والآخرة نسبه إلى أبيه ولو كان ذلك يجدى نفعا لما عذب واحد من بني آدم النبي انتهى.

(وسئل) أيضًا عن عساكر الإسلام إذا سبوا أحدا من أولاد القزل باش وهم الشيعة المذكورون فهل يكونون أرقاء ويصح بيعهم وشراؤهم.

(فأجاب) بأن آباء هم وأمهاتهم حيث كانوا على المذهب الباطل يسبون الصحابة ويطيلون الألسنة على الصديقة فقد ورد قول ضعيف بأن أولادهم الصغار جدا الذين لا يعقلون الدين يكونون أرقاء وأما من يكون منهم ابن خمس سنين أو ستة يتلفظ بكلمة الشهادة فإنه مسلم لا يكون رقيقا أصلا ولا يسرى إليه كفر آبائه وأمهاته انتهى ما في شرح الكواكبي.

(أقول) والأحسن ما في فتاوى ابن الشلبي حيث سئل عن طائفة ينطقون بالشهادتين غير أنهم لا يصلون ولا يصومون ويعظمون الصليب والكنائس ويتبركون بها.

(فأجاب) بما حاصله إن نطقوا بالشهادتين مقرين بهما في وقت ما ثم صدر منهم ما ذكر فهم مرتدون تجرى عليهم أحكام المرتدين ويجبر نساؤهم وصبيانهم المميزون على الإسلام ولا يقتلون وإن نطقوا بهما غير منفكين عن تعظيم الصليب فهم كفار ولا ينفعهم نطقهم بهما ما لم يتبرؤا عما يخالف ملة الإسلام ثم إذا حكمنا بكفرهم فإن كانوا أهل كتاب يحل وطئ نسائهم بالنكاح وملك اليمين وإلا فلا انتهى ملخصا.

وألظه أن الغلاة من الروافض المحكوم بكفرهم لا ينفكون عن اعتقادهم الباطل في حال إتيانهم بالشهادتين وغيرهما من أحكام الشرع كالصوم والصلاة فهم كفار لا مرتدون ولا أهل كتاب والله الموفق للصواب * نسأله سبحانه أن يحفظنا من الزيغ والزلل. ويمن علينا بحسن الختام عند تناهى الأجل ويعصم ألسنتنا من القول الباطل. وقلوبنا من كل اعتقاد عاطل * وأن يستر عوراتنا. ويؤمن روعاتنا. ويجعلنا من المعظمين والموقرين. ظاهرا وباطنا لهذا النبي الأمين. وآله وصحبه الطيبين الطاهرين. وأن

ص: 370

يجعل ما عنيت بجمعه خالصا لوجهه الكريم، موجبا للفوز لديه في جنات النعيم، وأن يتجاوز بحلمه عما سطره القلم من خطأ ووهم.

رب اغفر لى ولوالدي ولمشايخي ولمن له حق علي.

والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين - والحمد لله رب العالمين

وقد فرغت من تحريره وتنميقه وتقريره، في نهار الثلاثاء الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين ومأتين وألف

والحمد لله رب العالمين

ص: 371