الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسوله المصطفى المختار، وعلى آله وصحبه الخيار الأبرار.
أما بعد:
فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق؛ فأنزل عليه أشرف كتبه واصطفى لصحبته خيار أمته، فقاموا بدين الله خير قيامٍ نصرةً لنبيهم وجهادًا معه، حتى توفاه الله وهو راضٍ عنهم، ثم جدوا في نشر دين الله من بعده حتى لقوا الله على خير حال وأحسن مآل.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إن الله اطلع على قلوب العباد فاختار محمدًا صلى الله عليه وسلم، فبعثه برسالته، وانتجبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعدُ؛ فاختار له أصحابًا فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه»
(1)
.
ولأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من علو المنزلة في دين الله والسبق إلى كل خير وفضلٍ ما شهدت به نصوص الوحيين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
(1)
أخرجه البغوي في شرح السنة (1/ 187).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه»
(1)
.
وقد اتفق أهل السنة والجماعة على وجوب محبتهم وموالاتهم جميعًا، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع.
(2)
.
ويقول الإمام أبو بكر الحميدي: «والترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم؛ فإن الله عز وجل قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]؛ فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم؛ فمن يسبهم أو ينتقصهم أو أحدًا
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح، (7/ 21)(ح 3673)، ومسلم (4/ 1967)، (ح 2540).
(2)
العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز (ص 689).
منهم فليس على السنة، وليس له في الفيء حق»
(1)
.
(2)
.
ونظرًا لأهمية موالاة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومحبتهم ومنزلتها العظيمة من الدين، والبراءة ممن يبغضهم وانحرف عنهم، وما يرجى لمن حقق ذلك من الثواب العظيم والأجر الجزيل عند الله.
ولكون هذا الأمر مداره وقوامه على سلامة الاعتقاد فيهم؛ فإني أتقدم للقراء بهذه الرسالة المختصرة فيما يجب اعتقاده في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل في عقيدة أهل السنة والجماعة، مع ذكر أبرز وجوه الانحراف عنها من قِبَل أهل البدع، إما بالغلو تارة، وإما بالجفاء والتقصير تارة أخرى، وهذا بقصد أن يعرف الحق في هذا الباب العظيم فيتبع ويمتثل، ويعرف الضلال فيجتنب ويبطل.
وقد سميتها:
محض الإصابة في تحرير عقيدة أهل السنة ومخالفيهم في الصحابة
وقد قسمت البحث إلى: مقدمة، وفصلين، وخاتمة.
أما المقدمة: ففي بيان مكانة الصحابة من الدين، واتفاق أهل السنة على وجوب محبتهم وموالاتهم جميعًا.
(1)
أصول السنة للإمام أبي بكر الحميدي (ص 43).
(2)
الإبانة الصغرى (ص 271).
وأما الفصل الأول: ففي عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: محبة أهل السنة والجماعة للصحابة.
المبحث الثاني: التمشي مع مقتضيات النصوص في ترتيب منازل الصحابة وإثبات فضائلهم.
المبحث الثالث: وجوب الإمساك عما شجر بين الصحابة.
وأما الفصل الثاني: ففي عقائد أهل البدع في الصحابة، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة الشيعة في الصحابة.
المبحث الثاني: عقيدة النواصب في الصحابة.
المبحث الثالث: شمول النصب إذا أريد به الإيذاء الحقيقي للخوارج ولكثيرٍ من مدعي الولاية لأهل البيت.
وأما الخاتمة: ففي نتائج البحث.
والله تعالى أسأل، وإليه أرغب أن يتقبل مني هذا العمل، وأن ينفع به من يطلع عليه من المسلمين؛ إنه سميعٌ قريبٌ.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
الفصل الأول: ففي عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: محبة أهل السنة والجماعة للصحابة.
المبحث الثاني: التمشي مع مقتضيات النصوص في ترتيب منازل الصحابة وإثبات فضائلهم.
المبحث الثالث: وجوب الإمساك عما شجر بين الصحابة.
المبحث الأول: محبة أهل السنة والجماعة للصحابة جميعًا
المبحث الأول: محبة أهل السنة والجماعة للصحابة جميعًا
من أصول أهل السنة والجماعة: محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعهم، وموالاتهم والترضي عليهم، والاستغفار والدعاء لهم، واعتقاد تفضيلهم على كل من جاء من بعدهم من الأمة، وبراءتهم مِنْ كل مَنْ ينحرف عنهم أو يطعن فيهم أو ينتقصهم من الروافض والنواصب.
وإنما يقرر أهل السنة هذا الأصل -وهو محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة من وجوب محبتهم وتوليهم.
قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71].
روى الإمام أحمد عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطى لله تعالى ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، وأنكح لله؛ فقد استكمل الإيمان»
(1)
.
ومن المعلوم أن محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتوليهم داخلة تحت عموم الأمر بوجوب موالاة المؤمنين، بل هي مقدمة على محبة غيرهم؛ لسابق فضلهم وعلو منزلتهم في الدين، وما اختصهم الله تعالى به من صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(1)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (24/ 399) ح (15638)، والحاكم في المستدرك (2/ 178)(ح 2694)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب محبتهم في أكثر من حديث، وأخبر أن محبتهم من علامات الإيمان؛ كما أن بغضهم من علامات النفاق.
روى الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار»
(1)
.
وفي الصحيحين أيضًا من حديث البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمنٌ، ولا يبغضهم إلا منافقٌ، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله»
(2)
.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبغض الأنصار رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر»
(3)
.
وفيه عن علي رضي الله عنه أنه قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليَّ ألا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافقٌ»
(4)
.
فلهذه النصوص وغيرها مما جاء في معناها أحب أهل السنة والجماعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفرقوا بين أحد منهم، ونصوا على ذلك في أقوالهم وكتبهم.
وقد اشتهرت أقوال السلف في الحث على محبة الصحابة وتوليهم.
(1)
صحيح البخاري مع الفتح (7/ 113) ح (3784)، وصحيح مسلم (1/ 85) ح (74).
(2)
صحيح البخاري مع الفتح (7/ 113) ح (3783)، وصحيح مسلم (1/ 85) ح (75).
(3)
صحيح مسلم (1/ 86) ح (76).
(4)
صحيح مسلم (1/ 86) ح (78).
منها: ما ذكره الإمام اللالكائي في أبوابٍ مستقلة أفردها لما روي عن السلف من الآثار في الحث على محبة الصحابة، وذلك في كتابه:«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» .
ومن ذلك: ما رواه عن قبيصة بن عقبة أنه قال: «حب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم سنة»
(1)
.
وقيل للحسن: حب أبي بكر وعمر سنة؟ قال: «لا، فريضة»
(2)
.
وعن مسروق قال: «حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة»
(3)
.
(4)
.
وعن بشر بن الحارث يقول: «قلت لمالك بن مغول: أوصني.
قال: أوصيك بحب الشيخين: أبي بكر وعمر.
قلت: أوصني.
قال: أوصيك بحب الشيخين: أبي بكر وعمر.
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (7/ 1240).
(2)
المصدر السابق (7/ 1239).
(3)
المصدر السابق (7/ 1239).
(4)
المصدر السابق (7/ 1243).
قلت: إن الله أعطى من ذلك خيرًا كثيرًا؟
قال: أي لكع، والله إني لأرجو لك على حبهما ما أرجو لك على التوحيد»
(1)
.
(2)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والسنة محبة عثمان وعلي جميعًا، وتقديم أبي بكر وعمر عليهما؛ رضي الله عنهم»
(3)
.
وقال رحمه الله مُبينًا ضابط المحبة الصحيحة التي عليها أهل السنة والجماعة: «والمحبة الصحيحة: أن يحب العبد ذلك المحبوب على ما هو عليه في نفس الأمر، فلو اعتقد رجلٌ في بعض الصالحين أنه نبي من الأنبياء، أو أنه من السابقين الأولين فأحبه؛ لكان قد أحب ما لا حقيقة له؛ لأنه أحب ذلك الشخص بناءً على أنه موصوفٌ بتلك الصفة وهي باطلةٌ، فقد أحب معدومًا لا موجودًا، كمن تزوج امرأة توهم أنها عظيمة المال والجمال والدين والحسب؛ فأحبها، ثم تبين له أنها دون ما ظنه بكثيرٍ؛ فلا ريب أن حبه ينقص بحسب نقص اعتقاده؛ إذ الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها.
(1)
المصدر السابق (7/ 1245).
(2)
العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز (ص 689).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 408).
إلى أن قال: وهكذا من أحب الصحابة والتابعين والصالحين معتقدًا فيهم الباطل كانت محبته لذلك الباطل باطلةٌ، ومحبة الرافضة لعلي رضي الله عنه من هذا الباب؛ فإنهم يحبون ما لم يوجد وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته الذي لا إمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا هو، الذي كان يعتقد أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ظالمان معتديان، أو كافران.
فإذا تبين لهم يوم القيامة أن عليًّا لم يكن أفضل من واحدٍ من هؤلاء، إنما غايته أن يكون قريبًا من أحدهم، وأنه كان مقرًّا بإمامتهم وفضلهم، ولم يكن معصومًا لا هو ولا هم، ولا كان منصوصًا على إمامته؛ تبين لهم أنهم لم يكونوا يحبون عليًّا، بل هم من أعظم الناس بغضًا لعلي رضي الله عنه في الحقيقة»
(1)
.
وينبغي أن يعلم أن من لوازم المحبة الصادقة لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها السلف الصالح:
1 -
الدعاء لهم والترحم عليهم، كما قال تعالى بعد ثنائه على المهاجرين والأنصار في سورة الحشر:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
2 -
نشر فضائلهم بين الناس والكف عن ذكر ما فيه انتقاص لهم.
قال الإمام أبو نعيم في الإمامة: «فالإمساك عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر زللهم ونشر محاسنهم ومناقبهم وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه
(1)
منهاج السنة النبوية (4/ 293 - 296).
من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان»
(1)
.
3 -
تربية الأطفال على احترامهم وحبهم وإنزالهم منازلهم دون إفراطٍ أو تفريطٍ، كما كان عليه سلفنا الصالح.
فقد روى اللالكائي عن الإمام مالك أنه قال: «كان السلف يُعلِّمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمون السورة من القرآن»
(2)
.
وإن مما يقوي محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القلب: ما ينتج عن محبتهم من ثمرة صحبتهم يوم القيامة والحشر في زمرتهم ورفقتهم في الجنة؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري عنه أنه قال: «المرء مع من أحب»
(3)
.
وفي رواية: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجلٍ أحب قومًا ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله:«المرء مع من أحب»
(4)
.
(1)
الإمامة والرد على الرافضة (ص 373).
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة (7/ 1240).
(3)
صحيح البخاري مع فتح الباري (10/ 557)(ح 6168).
(4)
صحيح البخاري مع فتح الباري (10/ 557)(ح 6169).
المبحث الثاني
التمشي مع مقتضيات النصوص في ترتيب منازل الصحابة وإثبات فضائلهم
المبحث الثاني:
التمشي مع مقتضيات النصوص في ترتيب منازل الصحابة وإثبات فضائلهم
منهج أهل السنة والجماعة في كل ما يقررونه من أصول يقوم على ما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة، والوقوف عندها، والأخذ بمقتضاها بناء على فهم الصحابة -رضوان الله عليهم- لها، ومن تبعهم من سلف الأمة الصالح، الذين أنار الله تعالى بصائرهم وهداهم للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم.
ومن تلك الأصول: موقفهم من فضائل الصحابة وترتيبهم في الفضل؛ فهم يقفون عند النصوص في هذا الأصل العظيم والذي ضل فيه الكثيرون ممن خالفوا منهجهم.
وقد سبق ذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الحب الصحيح لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم والذي عليه أهل السنة والجماعة- هو حبهم بناءً على ما هم عليه، وكذلك إثبات فضائلهم ومنازلهم يتطلب معرفة ما هم عليه في الحقيقة من إيمانٍ وتقوى، وإذا كانت حقائق هذه الأمور لا تُعلم على ما هي عليه إلا من الله تعالى، الذي اختص بعلم سرائر القلوب وتفاضل القلوب في التقوى والإيمان، كما قال تعالى:{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن: 4].
وقال: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: 13].
لذا توقف سلف الأمة في هذه الأمور عند النصوص ولم يتجاوزوها إلى غيرها؛ فسلموا بفضل الله وتوفيقه مما وقع فيه أهل الضلال في هذا الباب من انحراف عن الحق.
وفيما يلي بيان مراتب الصحابة في الفضل عند أهل السنة والجماعة بناءً على ما دلت عليه النصوص:
فأفضل الصحابة على الإطلاق: أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين-.
ثم يأتي بعدهم في الفضل: من بقي من أصحاب الشورى، ثم مَنْ بقي مِنَ العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل بدرٍ من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار، ثم مَنْ هاجر مِنْ قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا، وكلًّا وعد الله الحسنى
(1)
.
أما تفضيلهم أبا بكر ثم عمر؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر»
(2)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولم يجعل هذا لغيرهما»
(3)
.
(1)
انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (ص 159، 167)، وشرح السنة للبربهاري (ص 75، 76)، وكتاب الاعتقاد لابن أبي يعلى (ص 42، 43)، وشرح النووي على صحيح مسلم (15/ 148)، والباعث الحثيث لابن كثير (ص 155، 156).
(2)
أخرجه الترمذي (5/ 609) ح (3662)، وابن ماجه (1/ 37) ح (97)، وأحمد في المسند (38/ 280) ح (23245)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (3/ 79)
ح (4451)، وقال محققو المسند: حديث حسن بطرقه وشواهده.
(3)
مجموع الفتاوى (4/ 399).
وقال: «وخص أبا بكر وعمر بالاقتداء بهما»
(1)
.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفرٍ فقال في أمر الناس: «إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا»
(2)
.
كما أجمعت الأمة على تقديمهما لما ثبت لهما من الفضائل الكثيرة التي شهد لهما بها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده.
(3)
.
وأما تفضيلهم أبا بكر؛ فلما اختص به من الفضائل التي لم يشاركه فيها غيره، منها: ما أخرج الشيخان من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيشِ ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة» . فقلت: من الرجال؟ قال: «أبوها» . قلت: ثم مَن؟ قال: «عمر ابن الخطاب» ، فعدَّ رجالًا»
(4)
.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان أيضًا: «إنَّ مِنْ أمنَّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنتُ مُتخذًا خليلًا غير ربي لاتخذتُ أبا بكرٍ، ولكن أخوة
(1)
مجموع الفتاوى (4/ 400).
(2)
أخرجه مسلم (1/ 472، 473) ح (681).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 153).
(4)
صحيح البخاري مع الفتح (7/ 18)(ح 3662)، وصحيح مسلم (4/ 1856)(ح 2384).
الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سُد إلا باب أبي بكر»
(1)
.
وأما تفضيلهم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان؛ فقد قال الإمام أحمد: «وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يختلفوا في ذلك، ونذهب إلى حديث ابن عمر: «كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت»
(2)
.
وقال علي بن المديني رحمه الله: «وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان بن عفان، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يختلفوا في ذلك»
(3)
.
والأصل في هذا: ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: «كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك فلا نفاضل»
(4)
.
وقد قدم بعض أهل السنة عليًّا على عثمان في بداية الأمر، فأنكر عليهم جمهور أهل السنة ذلك وخطؤوهم إلا أنهم لم يبدعوهم.
(1)
صحيح البخاري مع الفتح (7/ 12)(ح 3654)، وصحيح مسلم (4/ 1854)(ح 2382).
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 159)، وأثر ابن عمر أخرجه الإمام أحمد في المسند (8/ 243) رقم (4626)، وقال المحققون: إسناده صحيحٌ على شرط مسلم.
(3)
المصدر السابق (1/ 167).
(4)
صحيح البخاري مع الفتح (7/ 54).
روى الخلال عن إسحاق بن إبراهيم، قال: سألت أبا عبد الله عمن قدم عليًّا على عثمان؟ فقال: «هذا رجل سوء، نبدأ بما قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فضله النبي صلى الله عليه وسلم»
(1)
.
وعن بكر بن محمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله وسأله عمن قال: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان؟ فقال: «ما يعجبني هذا القول. قلت: فيقال إنه مُبتدع؟ قال: أكره أن أبدعه البدعة الشديدة» (1).
والذي آل إليه قول أهل السنة في هذه المسألة: هو تقديم عثمان على عليٍّ رضي الله عنهما لتقديم الصحابة له في الخلافة، ولقول ابن مسعود رضي الله عنه حين استخلف عثمان رضي الله عنه:«أمرنا خير من بقي ولم نأل»
(2)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر ترتيب الخلفاء الأربعة في الفضل وأنه على ترتيبهم في الخلافة: «وكما أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تقديم عثمان في البيعة مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل؟ فقدم قومٌ عثمان وسكتوا، أو ربعوا بعلي، وقدم قومٌ عليًّا، وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، وإن كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي- ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضلل فيها المخالف هي مسألة الخلافة»
(3)
.
(1)
السنة للخلال (ص 378).
(2)
المصدر السابق (ص 384).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 153).
أما تفضيلهم عليًّا بعد الثلاثة؛ فلإجماع أهل السنة على ذلك، ومبايعتهم له بالخلافة بعد عثمان رضي الله عنهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد اتفق أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد، على أن يقولوا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم»
(1)
.
أما تفضيلهم من بقي من أصحاب الشورى بعد الخلفاء الراشدين؛ فلأن عمر رضي الله عنه اجتهد في اختيار الأصلح لما عينهم
(2)
؛ ولأنه لم يوجد له معارضٌ من الصحابة فهو بمنزلة الإجماع على فضلهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وعمر رضي الله عنه إمام وعليه أن يستخلف الأصلح، ورأى أن هؤلاء الستة أحق من غيرهم وهو كما رأى؛ فإنه لم يقل أحدٌ أن غيرهم أحق منهم»
(3)
.
(4)
.
أما تفضيلهم من بقي من العشرة المبشرين بالجنة بعد الخلفاء الراشدين وأصحاب الشورى؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهم بالجنة وعينهم بأسمائهم؛ فدل على فضلهم على غيرهم.
(1)
مجموع الفتاوى (3/ 406).
(2)
وممن صرح بتفضيلهم على غيرهم: الإمام أحمد وعلي بن المديني -رحمهما الله-. انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 159، 167).
(3)
منهاج السنة (6/ 141).
(4)
المصدر السابق (6/ 150).
قال الإمام المزني بعد ذكر فضل الخلفاء الراشدين وتقديمهم على غيرهم: «ثم الباقين من العشرة الذين أوجب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة»
(1)
.
وقال الإمام ابن بطة: «ويشهد للعشرة بالجنة، لا يتقدمهم أحدٌ في الفضل والخير»
(2)
.
وأما تفضيلهم أهل بدر بعد من تقدم ذكرهم؛ فلعموم الأدلة في فضلهم، وهي مشهورة في كتب السنة.
روى اللالكائي عن الإمام أحمد أنه قال: «
…
ثم بعد أصحاب الشورى أهل بدرٍ من المهاجرين، ثم أهل بدرٍ من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة أولًا فأولًا»
(3)
.
أما تفضيلهم من أسلم قبل الفتح وهو فتح الحديبية على من أسلم بعده؛ فلقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10].
ثم يأتي بعد هؤلاء في الفضل: سائر الصحابة؛ فهم أفضل ممن بعدهم على الإطلاق.
قال الإمام أحمد بعد قوله السابق: «ثم أفضل الناس بعد هؤلاء: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بُعث فيهم، كل من صحبه سنةً أو شهرًا أو يومًا أو
(1)
شرح السنة للمزني (ص 86).
(2)
الإبانة الصغرى لابن بطة (ص 261 - 262).
(3)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 159 - 160).
ساعةً أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه، وسمع منه ونظر إليه نظرةً، وأدناهم صحبةً هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال»
(1)
.
وروى الخلال عن الفضل بن جعفر أنه سأل الإمام أحمد: «أيش تقول في حديث قبيصة عن عباد السماك عن سفيان: أئمة العدل خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز؟ فقال: هذا باطل -يعني: ما ادعى على سفيان-، ثم قال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدانيهم أحدٌ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاربهم أحدٌ»
(2)
.
وروى الخلال عن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله فقال الأعمش: «فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه؟ قال: لا والله، ألا بل في عدله»
(3)
.
وبهذا يعلم خطأ من فضل واحدًا من التابعين على واحدٍ من الصحابة؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدانيهم أحدٌ؛ لما اختصهم الله به من الصحبة لنبيه، والله تعالى أعلم.
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 160)، وانظر كلامًا بنحوه لعلي بن المديني في المصدر نفسه (1/ 167).
(2)
السنة (1/ 436).
(3)
السنة (ص 437).
المبحث الثالث:
وجوب الإمساك عما شجر بين الصحابة
المبحث الثالث: وجوب الإمساك عما شجر بين الصحابة
من المبادئ العظيمة التي قررها سلف الأمة وسار عليها من جاء بعدهم من الأئمة وتمسك بها أهل السنة قاطبة: الإمساك عما شجر بين الصحابة
-رضوان الله عليهم أجمعين- والترحم عليهم جميعًا، ومحبتهم وعدم ذكرهم إلا بالثناء الحسن الجميل على ما جاءت بذلك الآثار عن السلف ومَنْ بعدهم مِنْ أهل العلم.
فعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه سُئل عن علي وعثمان وصفين وما كان بينهم؛ فقال: «تلك دماء كف الله يدي عنها، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها»
(1)
.
وسئل الإمام أحمد: «ما تقول فيما بين علي ومعاوية -رحمهما الله-؟ فقال أبو عبد الله: ما أقول فيها إلا الحسنى: رحمهم الله»
(2)
.
وقال أبو الحسن الأشعري: «وأما ما جرى بين علي والزبير وعائشة رضي الله عنهم فإنما كان عن تأويل واجتهادٍ، وعلي الإمام وكلهم من أهل الاجتهاد، وقد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فدل على أنهم كلهم كانوا على حق في اجتهادهم.
وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كان على تأويلٍ واجتهادٍ، وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين، وقد أثنى الله ورسوله على
(1)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (5/ 307)، وانظر السنة للخلال (1/ 62).
(2)
أخرجه الخلال في السنة (1/ 460).
جميعهم، وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم، والتبري من كل من ينتقص أحدًا منهم، رضي الله عن جميعهم»
(1)
.
ويقول الإمام المزني في سياق تقرير عقيدة أهل السنة في الصحابة: «ويقال بفضلهم ويذكرون بمحاسن أفعالهم، ونمسك عن الخوض فيما شجر بينهم؛ فهم خيار أهل الأرض بعد نبيهم
(2)
، ارتضاهم الله عز وجل لنبيه، وخلقهم أنصارًا لدينه، فهم أئمة الدين وأعلام المسلمين؛ فرحمة الله عليهم أجمعين»
(3)
.
ويقول الإمام البربهاري: «وإذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه صاحب قول سوءٍ وهوى، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا»
(4)
، فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون منهم من الزلل بعد موته
(5)
،
(1)
الإبانة عن أصول الديانة (ص 224، 225).
(2)
يعني: أنهم خيار أهل الأرض بعد نبيهم من هذه الأمة دون سائر الأمم؛ فإن في الأمم الماضية أنبياء ورسلًا، وهم أفضل من الصحابة بدلالة النصوص وإجماع السلف.
(3)
شرح السنة (ص 86).
(4)
أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن مسعود (10/ 198)، (ح 448)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 108)، وقد حكم العلامة الألباني بصحة الحديث بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (34).
(5)
يعني: بما أطلعه الله عليه من الوحي؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن القتال الذي حصل بين الصحابة؛ كإخباره عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن الله يصلح به بين فئتين من المسلمين. أخرجه البخاري (ح 3746)، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على إطلاع الله نبيه على ما يحصل من الاقتتال بين الصحابة -رضوان الله عليهم جميعًا-.
فلم يقل فيهم إلا خيرًا
…
ولا تحدث بشيءٍ من زللهم ولا حربهم، ولا ما غاب عنك علمه ولا تسمعه من أحدٍ يحدث به؛ فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت»
(1)
.
ويقول الإمام ابن بطة في وصف عقيدة أهل السنة: «ومن بعد ذلك؛ نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شهدوا المشاهد معه، وسبقوا الناس بالفضل، فقد غفر الله لهم، وأمرك بالاستغفار لهم، والتقرب إليه بمحبتهم، وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون»
(2)
.
ويقول الإمام أبو عثمان الصابوني في معرض ذكره عقيدة السلف: «ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيبًا لهم، ونقصًا فيهم، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم»
(3)
.
ويقول الإمام ابن أبي زيد القيرواني في سياق ذكره حقوق الصحابة وما يجب تجاههم: «وألا يذكر أحدٌ من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكرٍ، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب»
(4)
.
(1)
شرح السنة (1/ 115).
(2)
الإبانة الصغرى (ص 268).
(3)
عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 294).
(4)
مقدمة ابن أبي زيد (ص 61).
ويقول الإمام أبو عمرو الداني في معرض ذكره أقوال أهل السنة في الاعتقاد: «ومن قولهم: أن يحسن القول في السادات الكرام أصحاب محمد عليه السلام، وأن تذكر فضائلهم، وتنشر محاسنهم، ويمسك عما سوى ذلك مما شجر بينهم»
(1)
.
ويقول الإمام قوام السنة الأصبهاني: «وما جرى بين علي وبين معاوية رضي الله عنهما فقال السلف: من السنة السكوت عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(2)
.
ويقول الإمام ابن قدامة المقدسي: «ومن السنة: تولي أصحاب رسول الله ومحبتهم، وذكر محاسنهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساويهم، وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم»
(3)
.
ويقول الإمام النووي في سياق شرح حديث: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار»
(4)
:
(5)
.
(1)
الرسالة الوافية (ص 237).
(2)
الحجة في بيان المحجة (2/ 526).
(3)
لمعة الاعتقاد (ص 66).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 3213)، (ح 2888).
(5)
شرح صحيح مسلم (18/ 11).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في وصف عقيدة أهل السنة: «ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون»
(1)
.
وكلام أهل العلم في هذا المعنى كثيرٌ جدًّا، يصعب حصره، وإنما ذكرت طرفًا منه، وهذا مما يدل على إجماع أهل السنة على تقرير هذا الأصل العظيم، وأن من خاض في هذا الباب واقتحمه بذكر شيءٍ مما جرى بين الصحابة من الاختلاف أو الاقتتال على سبيل التنقص لهم أو الطعن فيهم، أنه مخالف لمنهج سلف الأمة وطريق أهل السنة.
فنسأل الله أن يرزقنا حسن الاتباع لطريق السلف، وأن يزينا بحسن الأدب مع أصحاب نبيه، وأن يحشرنا في زمرتهم يوم الدين.
(1)
العقيدة الواسطية (ص 120).
الفصل الثاني: عقائد اهل البدع في الصحابة
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة الشيعة في الصحابة.
المبحث الثاني: عقيدة النواصب في الصحابة.
المبحث الثالث: شمول النصب إذا أريد به الإيذاء الحقيقي للخوارج ولكثيرٍ من مدعي الولاية لأهل البيت.
المبحث الأول: عقيدة الشيعة في الصحابة.
المبحث الأول: عقيدة الشيعة في الصحابة
*
تعريف الشيعة في اللغة والاصطلاح:
الشيعة في اللغة: أنصار الرجل وأتباعه، وكل قومٍ اجتمعوا على أمرٍ يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيعة، وجمعهم: شيع، وأشياع
(1)
.
وأصل ذلك من المشايعة والمطاوعة
(2)
.
والشيعة في الاصطلاح: هم المتشيعون لعلي وأهل بيته.
قال الأزهري: «الشيعة قومٌ يهوون هوى عترة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويوالونهم»
(3)
.
(4)
.
وقال الشهرستاني: «الشيعة هم الذين شايعوا عليًّا رضي الله عنه على الخصوص،
(1)
انظر: تهذيب اللغة للأزهري (2/ 1808)، ولسان العرب لابن منظور (8/ 188)، والقاموس المحيط للفيروزأبادي (3/ 47).
(2)
انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 235)، ولسان العرب لابن منظور (8/ 189).
(3)
تهذيب اللغة (2/ 1808).
(4)
النهاية (ص 500).
وقالوا بإمامته نصًّا ووصيةً، إما جليًّا وإما خفيًّا»
(1)
.
*
فرق الشيعة:
ذكر الأشعري في المقالات أن الشيعة ثلاثة أصناف: غالية، ورافضة، وزيدية
(2)
.
وهذه الأصناف الثلاثة متباينة في عقائدها ومقالاتها، بل كل صنفٍ منها يتفرع إلى فرقٍ.
والمقصود في هذا المقام: بيان عقيدة كل صنفٍ من هؤلاء في الصحابة على سبيل الإيجاز.
أولًا: عقيدة الغلاة:
وإنما سُموا غلاةً؛ لأنهم غلوا في علي رضي الله عنه، وقالوا فيه قولًا عظيمًا، ذكره الأشعري
(3)
.
وقد دخل في جملة هؤلاء فرقٌ كثيرةٌ وطوائفُ شتى، يجتمعون في اعتقادهم في الصحابة على عقيدةٍ باطلةٍ مركبةٍ من ضلالتين: الغلو في علي وأهل بيته رضي الله عنهم إلى درجة التأليه أو ادعاء نبوتهم، والقدح في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه إلى حد التكفير، والمبالغة في لعنهم وسبهم وشتمهم.
ومن هؤلاء: السبئية: يزعمون أن عليًّا رضي الله عنه لم يمت، وأنه يرجع إلى الدنيا
(1)
الملل والنحل (1/ 144).
(2)
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 65، 88، 136).
(3)
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 65).
قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا
(1)
، وهم أتباع عبد الله ابن سبأ.
ذكروا أنه قال لعلي رضي الله عنه: أنت أنت، يعني: أنت الإله
(2)
.
وذكر بعض المصنفين في الفرق والمقالات: أن ابن سبأ غلا في علي وزعم أنه كان نبيًّا، ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله، ودعا إلى ذلك قومًا من غواة الكوفة، ورُفع خبرهم إلى علي رضي الله عنه فأمر بإحراق قومٍ منهم
(3)
.
وابن سبأ هو أول من أظهر الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى انتزاع الخلافة من علي، وكان من مقالته التي دعا إليها أن قال لأتباعه: «محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء.
ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يُجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم! ووثب على وصي رسول الله، وتناول أمر الأمة.
ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدءوا بالطعن على أمرائكم»
(4)
.
وقال النوبختي الرافضي في حديثه عن ابن سبأ: «وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه، فمن هنا
(1)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 65).
(2)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 65)، والملل والنحل للشهرستاني (1/ 177).
(3)
انظر: الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي (ص 233)، والتبصير في الدين للإسفرائيني (ص 123).
(4)
تاريخ الطبري (4/ 340 - 341).
قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذٌ من اليهودية»
(1)
.
ومن فرقهم: الخطابية: أتباع أبي الخطاب محمد بن زينب الأسدي، يزعمون أن الأئمة آلهة، وكان أبو الخطاب يزعم أولًا أن الأئمة أنبياء، ثم زعم أنهم آلهة، وأن أولاد الحسن والحسين كانوا أبناء الله وأحباءه
(2)
.
ومن فرقهم: الجناحية: أتباع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وقد ادعى عبد الله هذا أنه رب، وأنه نبي، فعبده شيعته، وهم يكفرون بالقيامة ويدعون أن الدنيا لا تفنى، ويستحلون الميتة والخمر وغيرهما من المحارم
(3)
.
كما ادعى أيضًا أن روح الإله كانت في آدم، ثم في شيث، ثم دارت في الأنبياء والأئمة، إلى أن انتهت إلى علي، ثم دارت في أولاده الثلاثة، ثم صارت إليه
(4)
.
ومن فرقهم: المنصورية: أتباع أبي منصور العجلي، الذي زعم أن الإمامة دارت في أولاد علي حتى انتهت إلى أبي جعفر الباقر، وادعى أنه خليفة الباقر، ثم زعم أنه عرج به إلى السماء، وأن الله مسح على يديه، وقال له: يا بُني بلغ عني
(5)
.
(1)
فرق الشيعة (ص 22).
(2)
انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي (ص 247)، والملل والنحل للشهرستاني (1/ 183).
(3)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 67).
(4)
انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي (ص 246).
(5)
انظر: المصدر السابق (ص 243 - 244).
ومن فرقهم المشهورة والتي هي أعظم خطرًا من غيرها: الباطنية.
وحكى أصحاب المقالات أن الذين أسسوا دعوة الباطنية جماعة، منهم: ميمون بن ديصان القداح.
وقد ذكر المحققون أن ميمون القداح كان يهوديًّا متعصبًا لليهودية
(1)
.
وهذه الطائفة لها عدة أسماء تداولها الناس على اختلاف الأعصار والأزمنة، ومن أسمائهم: القرامطة، والخرمية، والإسماعيلية، والسبعية، والبابكية وغيرها على ما ذكره الغزالي في فضائح الباطنية
(2)
.
وحقيقة معتقد هؤلاء كما وصفه الغزالي: «أنه مذهب ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض»
(3)
.
وقال: «اتفقت أقاويل نقلة المقالات من غير تردد أنهم قائلون بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان»
(4)
.
وذكر من عقيدتهم في النبوات: أن المنقول عنهم في هذا هو قريب من قول الفلاسفة، وهو أن النبي عبارة عن شخصٍ فاضت عليه العلوم.
وأما عقيدتهم في الإمامة؛ فقد اتفقوا على أنه لابد في كل عصرٍ من إمامٍ معصومٍ يرجع إليه في تأويل الظواهر والمشكلات، حيث زعموا أن للقرآن
(1)
انظر: المصدر السابق (ص 282 - 284)، وكشف أسرار الباطنية لمحمد بن مالك (ص 17).
(2)
انظر: فضائح الباطنية (ص 11).
(3)
فضائح الباطنية (ص 37).
(4)
المصدر نفسه (ص 38).
ظاهرًا وباطنًا، وأنه لا يعلم الباطن إلا الأئمة ومن أفضوا إليه بأسرار القرآن
(1)
.
قال الغزالي: «والقول الوجيز: أنهم لما عجزوا عن صرف الخلق عن القرآن والسنة، صرفوهم عن المراد بهما إلى مخاريق زخرفوها»
(2)
.
وقال عبد القاهر البغدادي: «الذي يصح عندي من دين الباطنية: أنهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم، وينكرون الرسل والشرائع كلها»
(3)
.
وهذه الفرق المذكورة كلها تُكفر أكثر الصحابة، كما نقله المحققون لمذاهبهم ومقالاتهم.
يقول عبد القاهر البغدادي: «إن الباطنية والمنصورية والجناحية والخطابية قد أكفروا أبا بكر وعمر وعثمان وأكثر الصحابة بإخراجهم عليًّا من الإمامة في عصرهم»
(4)
.
ثانيًا: عقيدة الرافضة:
وسُموا رافضةً لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ذكر هذا الأشعري وابن عبد ربه
(5)
.
وقال عبد الله بن أحمد -رحمهما الله-: «قلت لأبي: من الرافضة؟ فقال: الذي يشتم ويسب أبا بكر وعمر -رحمهما الله-»
(6)
.
(1)
انظر المصدر نفسه (ص 40 - 42).
(2)
المصدر نفسه (ص 555).
(3)
الفرق بين الفرق (ص 294).
(4)
الفرق بين الفرق (ص 250).
(5)
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 89)، والعقد الفريد (2/ 245).
(6)
أخرجه الخلال في السنة (1/ 492)، رقم (777)، وقال المحقق: إسناده صحيح.
وذهب بعض العلماء المحققين إلى أن هذه التسمية إنما لزمتهم لرفضهم زيد بن علي عندما خرجوا معه في جملة المتشيعين له عند خروجه على هشام بن عبد الملك بن مروان في سنة إحدى وعشرين ومائة، فأظهر بعض أصحابه الطعن على أبي بكر وعمر فنهاهم عن ذلك؛ فتفرقوا عنه ولم يبق معه إلا مائتا فارسٍ؛ فقال لهم: رفضتموني؟ قالوا: نعم. فسموا رافضة لذلك، وسُمي من بقي معه زيدية
(1)
.
والرافضة افترقوا بعد ذلك إلى فرقٍ كثيرةٍ، وقد ذكر بعض المصنفين في الفرق والمقالات أنهم خمس عشرة فرقة
(2)
.
وذهب بعض المحققين إلى أنهم يصلون إلى أربع وعشرين فرقة
(3)
.
والرافضة مجمعون على عقائد باطلة خالفوا فيها سائر فرق الأمة.
قال الإمام أبو الحسن الأشعري: «وهم مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه، وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيفٍ، وأنها قرابة، وأنه جائز للإمام في حال التقية أن يقول: إنه
(1)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 137)، والحجة في بيان المحجة لقوام السنة (2/ 478)، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (ص 52)، والملل والنحل للشهرستاني (1/ 155)، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 8)، ومجموع الفتاوى له (13/ 36).
(2)
انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي (ص 23)، والتبصير في الدين للإسفرائيني (ص 35).
(3)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 88).
ليس بإمام، وأبطلوا جميعًا الاجتهاد في الأحكام، وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس، وزعموا أن عليًّا -رضوان الله عليه- كان مصيبًا في جميع أحواله»
(1)
.
وقال محمد النعمان المفيد وهو من كبار علماء الرافضة ومحققي مذهبهم، (متوفى سنة: 413 هـ): «واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثيرٍ من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في بعض الرجعة اختلافٌ، واتفقوا على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى، وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس، واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثيرٍ من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأجمعت المعتزلة، والخوراج، والزيدية، والمرجئة، وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية في جميع ما عددناه»
(2)
.
ويعتقد الرافضة في الصحابة أنهم ضلال كفار إلا أفرادًا منهم، وهم لهذا يبغضونهم ويستبيحون الطعن فيهم، بل يتقربون إلى الله بلعنهم وشتمهم.
جاء في كتاب الكافي - وهو من أشهر كتبهم وأوثقها عندهم - عن أبي جعفر
(3)
أنه قال: «كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، فقلت: ومن
(1)
مقالات الإسلاميين (1/ 89).
(2)
أوائل المقالات للمفيد (ص 48 - 49).
(3)
أبو جعفر الصادق من أجلِّ أئمة السنة، وما ينسبه الرافضة له في كتبهم مما يخالف عقيدة أهل السنة من كذبهم عليه، كما كذبوا على آبائه من أئمة أهل البيت الطيبين الطاهرين.
الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي -رحمة الله وبركاته عليهم-، ثم عرف أناس بعد يسيرٍ، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا، وأَبَوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرهًا فبايع»
(1)
.
وقد نقل إجماعهم على تكفير الصحابة غير واحدٍ من علمائهم ومحققيهم.
(2)
.
ويقول نعمة الله الجزائري في كتاب: «الأنوار النعمانية» : «الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي، وكفروا الصحابة، ووقعوا فيهم، وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق وبعده إلى أولاده المعصومين عليهم السلام، ومؤلف هذا الكتاب من هذه الفرقة، وهي الناجية إن شاء الله»
(3)
.
وعقيدة الرافضة لم تقف عند حد التكفير للصحابة وخيار الأمة، بل تجاوزت إلى اعتقاد أنهم شر خلق الله، وأن الإيمان بالله ورسوله لا يكون إلا بالتبرؤ منهم، وخاصة الخلفاء الثلاثة: أبا بكر وعمر وعثمان، وأمهات المؤمنين.
يقول محمد باقر المجلسي: «وعقيدتنا في التبرؤ: أنا نتبرأ من الأصنام الأربعة: أبي بكرٍ وعمر وعثمان ومعاوية، والنساء الأربع: عائشة وحفصة وهند
(1)
الروضة من الكافي (8/ 245 - 246).
(2)
أوائل المقالات (ص 45).
(3)
الأنوار النعمانية (2/ 244).
وأم الحكم، ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بالتبرؤ من أعدائهم»
(1)
.
وقد بلغ من حقد هؤلاء الرافضة على الصحابة وشدة حنقهم عليهم أنهم يتقربون إلى الله بلعنهم، بل لهم دعاوى في فضل ذلك ومبالغات تفوق الوصف.
روى الملا كاظم عن أبي حمزة الثمالي -فيما افتراه على زين العابدين رحمه الله أنه قال: «من لعن الجبت والطاغوت -ويعنون بهما: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له سبعون ألف ألف درجة، ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب له مثل ذلك.
قال: فمضى مولانا علي بن الحسين، فدخلت على مولانا أبي جعفر محمد الباقر، فقلت: يا مولاي، حديث سمعته من أبيك؟ قال: هات يا ثمالي، فأعدت عليه الحديث، فقال: نعم. يا ثمالي أتحب أن أزيدك؟ فقلت: بلى
يا مولاي. فقال: من لعنهما لعنة واحدة في كل غداة لم يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم حتى يمسي، ومن أمسى لعنهما لعنة واحدة لم يكتب عليه ذنب في ليله حتى يصبح»
(2)
.
وللرافضة في الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أقوالٌ كثيرةٌ ومجازفاتٌ عظيمةٌ
(1)
حق اليقين (ص 519)، (فارسي)، وقد قام بترجمة النص إلى العربية الشيخ محمد عبد الستار التونسوي في كتابه: بطلان عقائد الشيعة (ص 53).
(2)
أجمع الفضائح لملا كاظم (ص 513)، بواسطة الشيعة وأهل البيت، لإحسان إلهي ظهير (ص 157).
لا يعرفها إلا من اطلع على كتبهم، وقد ذكرت طائفةً منها في كتاب الانتصار للصحب والآل
(1)
.
ثالثًا: عقيدة الزيدية:
وإنما سُموا زيدية لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين
(2)
بعد أن رفضه الرافضة كما تقدم بيانه
(3)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن زمن خروج زيد بن علي افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية؛ فإنه لما سُئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما رفضه قومٌ، فقال لهم: رفضتموني؟ فسُموا رافضة لرفضهم إياه، وسُمي من لم يرفضه من الشيعة زيديًّا لانتسابهم إليه»
(4)
.
وقد افترقت الزيدية إلى فرقٍ كلها مجمعة على تفضيل علي رضي الله عنهم على سائر الصحابة، وأن عليًّا كان مصيبًا في حروبه وفي تحكيمه الحكمين، وأجمعوا أيضًا على تخطئة من خالفه
(5)
.
ومن أشهر فرقهم: الجارودية، وهم من غلاتهم، يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على خلافة علي رضي الله عنه، وأن الصحابة قد ارتدوا بتركهم بيعة علي بعد
(1)
انظر: (ص 56 - 62).
(2)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 136).
(3)
انظر: (ص 43).
(4)
منهاج السنة (1/ 35).
(5)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 149، 150).
رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ومن فرقهم: السليمانية: يرون أن الإمامة شورى، ويقولون: إن الإمامة تصلح في المفضول مع وجود الفاضل، ويثبتون إمامة الشيخين، ويطعنون في عثمان رضي الله عنه ويكفرونه، ويقولون: إن الصحابة تركوا الأصلح بتركهم بيعة علي رضي الله عنه
(2)
.
ومن فرقهم: البترية: يزعمون أن عليًّا أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ليست بخطأ؛ لأن عليًّا ترك ذلك لهما، ولا يرون لعلي رضي الله عنهم إمامة إلا حين بويع، ويتوقفون في عثمان رضي الله عنهم وقتلته، ولا يقدمون على ذمه ولا على مدحه
(3)
.
وهذه المقالات هي المشهورة عنهم في كتب المقالات القديمة، لكن ذكر المحققون المتأخرون أن أكثر الزيدية مالُوا عن القول بإمامة المفضول، وطعنوا في الصحابة طعن الرافضة
(4)
.
(1)
انظر: التبصير في الدين للإسفرائيني (ص 27، 28)، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي (ص 46)، والملل والنحل للشهرستاني (1/ 157).
(2)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 143)، والفرق بين الفرق للبغدادي (ص 32 - 33)، والتبصير في الدين للإسفرائيني (ص 28)، والملل والنحل للشهرستاني (1/ 159).
(3)
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 144)، والفرق بين الفرق للبغدادي (ص 33)، والتبصير في الدين للإسفرائيني (ص 29).
(4)
انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 156).
المبحث الثاني عقيدة النواصب في الصحابة
المبحث الثاني: عقيدة النواصب في الصحابة
تعريف النواصب:
يقول الفيروزأبادي: «والنواصب والناصبة وأهل النصب المتدينون ببغض علي رضي الله عنه؛ لأنهم نصبوا له، أي: عادوه»
(1)
.
ويقول المقريزي: «والنواصب جمع ناصبي، وهو الغالي في بغض
علي رضي الله عنه»
(2)
.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض حديثه عن عقيدة أهل السنة: «ويتبرؤون من طريقة الرافضة الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريق النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عملٍ»
(3)
.
وبهذا نستطيع القول بأن النواصب: هم كل من عادى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وانتقصهم وآذاهم بأدنى قولٍ أو فعلٍ، سواء كان هذا الإيذاء لكل أهل البيت أو لبعضهم، وسواء كان الإيذاء ظاهرًا كسبِّهم وشتمهم، أو غير ظاهرٍ كالكذب عليهم والغلو فيهم كما هو فعل الروافض الذين يدعون محبتهم.
(1)
القاموس المحيط (1/ 133).
(2)
خطط المقريزي (2/ 354).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 154).
ويطلق العلماء مصطلح: «النواصب» على معنيين:
الأول: على الخوارج؛ فإن من ألقابهم التي أطلقها العلماء عليهم: النواصب.
يقول المقريزي: «الفرقة العاشرة: الخوارج، ويقال لهم: النواصب والحرورية»
(1)
.
الثاني: على الطائفة التي خرجت في بداية الأمر في الكوفة في مقابل الرافضة، فقابلوا غلو الرافضة في أهل البيت بسبهم والقدح فيهم، وعامة هؤلاء النواصب من الجهال الذين قابلوا الباطل بالباطل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت
…
، وطائفة ناصبة تبغض عليًّا وأصحابه»
(2)
.
ويمكن أن يعرف المقصود من هذا المصطلح عند الإطلاق من سياق الكلام؛ فإذا قيل مثلًا: النواصب الذين يكفرون عليًّا وعثمان والحكمين. علم أن المقصود هنا هم الخوارج؛ لأن هذه هي عقيدة الخوارج، وهكذا
…
والذي يظهر من كلام العلماء المتأخرين: أن هذا المصطلح -أعني: النواصب- أصبح غالبًا في كلامهم على النواصب الذين خرجوا في الكوفة، وكل من وافقهم على عداوة أهل البيت، ولم يبلغوا في ذلك مبلغ التكفير، الذين أصبح مصطلح الخوارج غالبًا عليهم.
(1)
الخطط للمقريزي (2/ 354).
(2)
مجموع الفتاوى (25/ 301).
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «الخوارج الذين يكفرون عليًّا، والنواصب الذين يفسقونه»
(1)
.
وفيما يلي تعريف بكل من الطائفتين وبيان معتقد كل منهما في الصحابة:
أولًا: معتقد الخوارج في الصحابة:
الخوارج: هم الذين خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه حين جرى أمر الحكمين، واجتمعوا بحروراء من ناحية الكوفة، وهم عشرون فرقة، وكبار فرقهم: المحكمة، والأزارقة، والنجدات، والبيهسية، والعجاردة، والثعالبة، والإباضية، والصفرية، والباقون فروعهم
(2)
.
أما عقيدتهم في الصحابة فهم: مجمعون على تكفير علي، وعثمان، وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، ومعاوية، وكل من شارك في التحكيم، أو رضي به، وأصحاب الجمل.
يقول البغدادي: «وقال شيخنا أبو الحسن: الذي يجمعها -أي: فرق الخوارج- إكفار علي، وعثمان، وأصحاب الجمل، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما
…
»
(3)
.
ويقول الشهرستاني: «ويجمعهم القول بالتبرؤ من عثمان وعلي رضي الله عنهما، ويقدمون ذلك على كل طاعةٍ، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك»
(4)
.
(1)
منهاج السنة (2/ 59).
(2)
انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 115).
(3)
الفرق بين الفرق (ص 73).
(4)
الملل والنحل (1/ 115).
وقد ذكر المقريزي أن للخوارج غلوًّا في حب أبي بكر وعمر قال: «وهم الغلاة في حب أبي بكر وعمر، وبغض علي رضي الله عنهم أجمعين-، ولا أجهل منهم؛ فإنهم القاسطون المارقون خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه»
(1)
.
وعمومًا؛ فلهؤلاء القوم غلو في بغض من كفروه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومطاعن لا تقل عن مطاعن الرافضة في الصحابة، ويعلم ذلك من خالط القوم وعرفهم أو قرأ كتبهم، نسأل الله السلامة والعافية.
ثانيًا: معتقد النواصب في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
-:
عقيدة النواصب الذين خرجوا في الكوفة ومن شاركهم في عقيدتهم الفاسدة في أهل البيت: هي بغضهم لأهل البيت وانتقاصهم وسبهم وشتمهم، وإن كانوا لا يصلون في كل ذلك إلى عقيدة الخوارج الذين يكفرون عليًّا رضي الله عنه، وبعض أهل بيته.
ولهؤلاء النواصب في إظهار بغض أهل البيت شعائر في بعض الأيام، كإظهارهم الفرح والسرور في يوم مقتل الحسين (يوم عاشوراء) في مقابل حزن الرافضة في ذلك اليوم، ووضعهم الأحاديث على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الفرح والزينة في ذلك اليوم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي وما يفضي إليه ذلك، من سب السلف
(1)
خطط المقريزي (2/ 354).
ولعنهم
…
، وكذلك بدعة السرور والفرح، وكانت الكوفة بها قومٌ من الشيعة المنتصرين للحسين، وكان رأسهم المختار بن أبي عبيد الكذاب، وقومٌ من الناصبة المبغضين لعلي رضي الله عنه وأولاده، ومنهم: الحجاج بن يوسف الثقفي.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في ثقيف كذاب ومبير»
(1)
؛ فكان ذلك الشخص هو الكذاب، وهذا الناصبي هو المبير؛ فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور ورووا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته»
(2)
.
وقال في موضعٍ آخر: «
…
وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت، وهم في الباطن إما ملاحدة زنادقة، وإما جهال وأصحاب هوى.
وطائفة ناصبة تبغض عليًّا وأصحابه، لما جرى من القتال في الفتنة
ما جرى
…
إلى أن قال بعد الحديث عن الرافضة: فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشر بالشر، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 1971، 1972)(ح 2545).
(2)
منهاج السنة (4/ 554 - 555).
الأعياد والأفراح؛ فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسمًا كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتمًا يقيمون فيه الأحزان والأتراح، وكلا الطائفتين خارجة عن السنة»
(1)
.
(1)
مجموع الفتاوى (25/ 301، 309 - 310).
المبحث الثاني:: شمول النصب إذا أريد به الإيذاء الحقيقي للخوارج ولكثيرٍ من مدعي الولاية لأهل البيت
المبحث الثاني: شمول النصب إذا أريد به الإيذاء الحقيقي للخوارج ولكثيرٍ من مدعي الولاية لأهل البيت
النصب إذا أريد به الإيذاء الحقيقي لأهل البيت يكون شاملًا للخوارج الذين يكفرون بعضهم ويفسقون البعض الآخر، وللنواصب الذين يفسقونهم وينتقصونهم، ولكثيرٍ من مدعي الولاية لأهل البيت.
أما شموله للخوارج والنواصب؛ فواضح.
وأما شموله لمدعي الولاية لأهل البيت من الرافضة وغيرهم؛ فبالغلو فيهم، والكذب عليهم، وخذلانهم لهم، في حياتهم في مواطن عديدة.
أما الغلو فيهم؛ فهذا من أعظم أذيتهم؛ لأنهم لا يرضون غلو الرافضة فيهم، بل يتبرؤون منه، وممن قال به، ولطالما اشتكى أئمة أهل البيت من غلو الرافضة فيهم، وأعلنوا البراءة منهم كما نقلت ذلك كتب الرافضة أنفسهم.
روى المجلسي في بحار الأنوار عن علي رضي الله عنه أنه قال: «اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبدًا ولا تنصر منهم أحدًا»
(1)
.
وروى الكشي: «أنه قيل لأبي الحسن: إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب؟ فقال: سبحان الله، ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا
(1)
بحار الأنوار (25/ 284).
في رأسي إلا قامت، ثم قال: لا والله، ما هي إلا رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(1)
.
وروى المجلسي عن أبي عبد الله (جعفر الصادق) أنه كان يقول: «لعن الله عبد الله بن سبأ؛ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبدًا لله طائعًا، الويل لمن كذب علينا، وإن قومًا يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم»
(2)
.
وكانوا -رحمهم الله تعالى- دائمًا يذمون الشيعة، ويصفونهم بأنه شر من اليهود والنصارى لغلوهم فيهم.
روى الكشي عن أبي عبد الله أنه قال: «ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع»
(3)
.
وعنه أيضًا أنه قال: «إن ممن ينتحل هذا الأمر لمن هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا»
(4)
.
وكان زين العابدين يقول لهم: «أيها الناس، أحبونا حب الإسلام فما برح حبكم حتى صار عارًا علينا»
(5)
.
(1)
رجال الكشي (ص 192).
(2)
بحار الأنوار (25/ 286).
(3)
رجال الكشي (ص 193).
(4)
المصدر نفسه (ص 192).
(5)
الصلة بين التصوف والتشيع (ص 148)، وهذا الأثر أورده الخلال في السنة، وسنده صحيح. السنة للخلال (ص 500).
أما كذب الشيعة على أهل البيت؛ فهو مشهورٌ، وهو من أذيتهم لهم؛ فإن من أذية الرجل للرجل الكذب عليه، كما هو معلومٌ عند كل العقلاء؛ فكيف بالكذب على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين الله؟!
ولقد تبرأ الأئمة من هؤلاء الكذابين واشتهر ذلك حتى في كتب الشيعة.
جاء عن زين العابدين أنه كان يقول لهم: «ما أكذبكم! وما أجرأكم على الله! نحن من صالحي قومنا وبحسبنا أن نكون من صالحي قومنا»
(1)
.
وروى الكشي عن جعفر الصادق أنه كان يقول: «قومٌ يزعمون أني لهم إمامٌ، والله ما أنا لهم بإمامٍ، ما لهم -لعنهم الله- كلما سترت سترًا هتكوه، هتك الله ستورهم، أقول كذا، يقولون إنما يعني كذا، أنا إمام من أطاعني»
(2)
.
أما خذلان الشيعة لأهل البيت؛ فظاهر في أذيتهم لهم، حيث تركوا مناصرتهم في أصعب الظروف وأحرجها.
فقد خذلوا عليًّا رضي الله عنه مراتٍ كثيرة، وتقاعسوا عن القتال معه في أحرج المواقف التي واجهها، حتى اشتهر سبه لهم، وذمه لهم في خطب كثيرةٍ، منها ما جاء في كتاب:«نهج البلاغة» أنه خطب فيهم مرة بعد خذلهم إياه فقال: «أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم
…
إلى أن قال: أي دارٍ بعد داركم تمنعون، ومع أي إمامٍ بعدي تقاتلون، المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب، ومن
(1)
الصلة بين التصوف والتشيع (1/ 148).
(2)
رجال الكشي (ص 194).
رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل
(1)
، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم»
(2)
.
وخذلوا أيضًا أبناءه من بعده؛ فقد خذلوا الحسين رضي الله عنه أعظم خذلان؛ حيث كتبوا إليه كتبًا عديدةً في توجهه إليهم، فلما قدم عليهم ومعه الأهل والأقارب والأصحاب، تركوه وتقاعدوا عن نصرته وإعانته، بل رجع أكثرهم مع أعدائه خوفًا وطمعًا، وصاروا سببًا في شهادته وشهادة كثيرٍ من أهله، من بينهم الأطفال والنساء
(3)
.
وخذلوا أيضًا زيد بن علي بن الحسين؛ فقد تعهدوا بنصرته وإعانته فلما حان القتال أنكروا إمامته لعدم براءته من الخلفاء الثلاثة، فتركوه في أيدي الأعداء، ودخلوا به الكوفة، فاستشهد رحمه الله
(4)
.
فثبت بهذا دخول من ينتحل محبة أهل البيت وولايتهم من الرافضة، ومن هم على شاكلتهم من فرق الشيعة في دائرة النصب لأهل البيت، وذلك لما تقدم ذكره من الأمثلة المدعمة بأقوال الأئمة من أهل البيت في تأذيهم ممن انتحل ولايتهم من الشيعة، بغلوهم فيهم، وكذبهم عليهم وخذلانهم لهم، والله تعالى أعلم.
(1)
السهم الأفوق المكسور الفوق، والناصل: الذي لا نصل فيه. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد (2/ 112).
(2)
نهج البلاغة مع شرحه (2/ 112).
(3)
انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية (ص 62).
(4)
انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية (ص 63).
الخاتمة
في ختام هذا البحث أحمد الله على توفيقه وتيسيره وما مَنَّ به مِنْ إنجاز هذا البحث، وما تحقق فيه من نتائج مهمة وفوائد عزيزةٍ، والتي يمكن إبرازها في النقاط التالية:
1 -
تميز عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة بالوسطية بين مذاهب الغلاة في بعض الصحابة ومذاهب الجفاة في حق بعضهم؛ فهم وسط في هذا الباب بين الفرق المخالفة؛ كما أنهم وسط في كل الأبواب المتنازع فيها بين المخالفين.
2 -
محبة أهل السنة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وموالاتهم، والترضي عليهم، والدعاء لهم، واعتقاد تفضيلهم على كل مَنْ جاء بعدهم مِنَ الأمة، وبراءتُهم مِنْ كل مَنْ ينحرف عنهم أو يطعن فيهم أو ينتقصهم.
3 -
تمشي أهل السنة مع مقتضيات النصوص في ترتيب منازل الصحابة في الفضل؛ فيعتقدون أن أفضل الصحابة أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم جميعًا-، ثم يأتي بعدهم مَنْ بقي مِنْ أهل الشورى، ثم مَنْ بقي مِنَ العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار، ثم من هاجر قبل الفتح وقاتل أعظم ممن أنفق من بعد وقاتل.
4 -
من المبادئ العظيمة المقررة عند أهل السنة: الإمساك عما شجر بين الصحابة -رضوان الله عليهم- من الخلاف، والترحم عليهم جميعًا، وسلامة الصدور لهم، وعدم ذكرهم إلا بالثناء الجميل اللائق بمقاماتهم العظيمة في الدين، وصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
5 -
افتراق الشيعة إلى ثلاث فرق: غلاة، ورافضة، وزيدية، وتباين هذه الفرق في مقالاتها وعقائدها وتضليل بعضها لبعضٍ.
6 -
افتراق الغلاة من الشيعة إلى فرق شتى، يجتمعون في اعتقادهم في الصحابة على عقيدة باطلة، مركبة من ضلالتين: الغلو في أهل البيت إلى درجة التأليه أو ادعاء نبوتهم، والقدح في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه إلى حد التكفير.
7 -
افتراق الرافضة إلى فرق كثيرةٍ، وهم مجمعون على القول بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، وأنه الإمام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أكثر الصحابة ضلوا وارتدوا بتركهم مبايعته واغتصابهم الخلافة منه.
8 -
حقد الرافضة العظيم على الصحابة وشدة بغضهم لهم، واعتقادهم أنهم شر خلق الله، وأن الإيمان لا يكون إلا بالتبرؤ منهم وخاصة الخلفاء الثلاثة، وتقربهم إلى الله بلعنهم وسبهم وشتمهم، واحتسابهم على ذلك أعظم الدرجات وتكفير السيئات.
9 -
افتراق الزيدية على فرق كلها مجمعة على تفضيل علي رضي الله عنه على سائر الصحابة، وأن عليًّا كان مصيبًا في حروبه، وأن مخالفيه كلهم مخطئون، وأكثر الزيدية على القول بصحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل.
10 -
تعريف النواصب، وأنهم كل من عادى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وانتقصهم بأدنى قولٍ أو فعلٍ، سواء كان هذا الإيذاء لبعضهم أو لهم كلهم، وسواء كان هذا الإيذاء ظاهرًا كسبهم وشتمهم، أو غير ظاهرٍ كالكذب عليهم والغلو فيهم.
11 -
إطلاق العلماء مصطلح النواصب على معنيين:
الأول: على الخوارج الذين يكفرون آل البيت.
الثاني: على الطائفة التي خرجت في الكوفة في مقابل الرافضة فينتقصون أهل البيت ويفسقونهم.
12 -
شمول النصب إذا أريد به الإيذاء الحقيقي لأهل البيت للخوارج بتكفيرهم لهم، ولكثيرٍ من مُدعي الولاية لأهل البيت بغلوهم فيهم وكذبهم عليهم وخذلانهم.
فهرس المصادر والمراجع
* القرآن الكريم.
1 -
الإبانة الصغرى (الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة ومجانبة المخالفين ومباينة أهل الأهواء المارقين): لعبيد محمد بن بطة العكبري (ت 387 هـ)، تحقيق: رضا نعسان معطي، المكتبة الفيصلية، بمكة المكرمة.
2 -
أصول السنة: للحافظ أبي بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى الأسدي الحميدي (ت: 219 هـ)، تحقيق: د/ عبد الله بن سليمان الغفيلي، نشر وتوزيع: دار البخاري، المدينة المنورة.
3 -
اعتقاد فرق المسلمين والمشركين: لفخر الدين الرازي، مراجعة علي سامي النشار، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
4 -
الإمامة والرد على الرافضة: للحافظ أبي نعيم الأصبهانِي (ت 430 هـ)، تحقيق: د/ علي بن ناصر فقيهي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1407 هـ.
5 -
الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال: تأليف إبراهيم بن عامر الرحيلي، مكتبة العلوم، الطبعة الثانية 1423 هـ.
5 -
الأنوار النعمانية (من كتب الرافضة): تأليف: نعمة الله الموسوي الجزائري، مطبعة شركة جاب تبريز، إيران.
6 -
أوائل المقالات في المذاهب المختارات (من كتب الرافضة): تأليف: المفيد ابن محمد بن محمد النعمان، نشر: دار الكتاب الإسلامي بيروت، لبنان 1403 هـ، 1983 م.
7 -
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: للإمام إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق: أحمد شاكر مكتبة دار التراث، الطبعة الثانية 1399 هـ.
8 -
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (من كتب الرافضة): لمحمد باقر المجلسي، الطبعة الثانية 1403 هـ مؤسسة الوفاء.
9 -
بطلان عقائد الشيعة: لمحمد عبد الستار التونسوي، دار النشر الإسلامية العالمية فيصل أباد، باكستان.
10 -
التبصير في الدين: لأبي المظفر الإسفرائينِي (ت 471 هـ)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1403 هـ.
11 -
التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: لمحمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي (ت 377 هـ)، تعليق: محمد زاهد الكوثري، مكتبة المثنى، بغداد، مكتبة المعارف بيروت 1388 هـ.
12 -
تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: د/ رياض زكي قاسم، الطبعةالأولى 1422 هـ دار المعرفة، بيروت لبنان.
13 -
الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة: للحافظ قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن الفضل الأصبهانِي، تحقيق: د/ محمد بن ربيع مدخلي (الجزء الأول)، والشيخ محمد محمود أبو رحيم (الجزء الثانِي)، دار الراية للنشر، الطبعة الأولى 1411 هـ.
14 -
حق اليقين (فارسي)(من كتب الرافضة): تأليف: محمد باقر المجلسي، مدير انتشارات علمية إسلامية بازار شيرازي.
15 -
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانِي، الناشر: مكتبة الخانجِي بمصر.
16 -
رجال الكشي (من كتب الرافضة): تأليف: محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، المطبعة الصفوية، ببلدة بمبئ باي دهوتي.
17 -
سلسلة الأحاديث الصحيحة: للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألبانِي، المكتب الإسلامي.
18 -
السنة: لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال (ت: 311 هـ)، تحقيق: د/ عطية الزهرانِي، دار الراية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1410 هـ.
19 -
سنن ابن ماجه: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزوينِي (ت: 275 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار إحياء الكتب العلمية.
20 -
سنن الترمذي (الجامع الصحيح): للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 هـ)، تحقيق: إبراهيم عطوه عوض، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابِي الحلبِي وأولاده بمصر.
21 -
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لأبي القاسم هبة الله بن الحسن ابن منصور الطبري اللالكائي (ت: 418 هـ)، تحقيق: د/ أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي، دار طيبة للنشر، الرياض.
22 -
شرح السنة: للإمام أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، تحقيق: خالد بن قاسم الردادي، مكتبة الغرباء، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1414 هـ.
23 -
شرح السنة: للإمام أبي محمد الحسين بن معسود البغوي، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
24 -
شرح العقيدة الطحاوية: للإمام علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي (ت: 792 هـ)، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، شعيب الأرناؤوط.
25 -
شرح صحيح مسلم: للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المطبعة
المصرية بالأزهر، الطبعة الأولى 1347 هـ.
26 -
شرح نهج البلاغة (من كتب الرافضة): لابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم منشورات. مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي قم، إيران.
27 -
الشيعة وأهل البيت: تأليف: إحسان إلهي ظهير، الطبعة السابعة 1404 هـ، الناشر: إدارة ترجمان السنة لاهور، باكستان.
28 -
صحيح البخاري: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256 هـ)، المطبوع مع فتح الباري لابن حجر، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، تصحيح محب الدين الخطيب. الناشر: دار المعرفة، بيروت.
29 -
صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت: 261 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استنابول، تركيا.
30 -
الصلة بين التصوف والتشيع (من كتب الرافضة): تأليف: د. كامل مصطفى الشيبِي، الناشر: دار المعارف، بمصر، الطبعة الثانية.
31 -
الطبقات الكبرى: للإمام محمد بن سعد بن منيع الهاشمي المصري، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1418 هـ.
32 -
العقد الفريد: للإمام أحمد بن عبد ربه الأندلسي، تحقيق: د. مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
33 -
العقيدة الطحاوية: للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي المطبوع مع شرحه لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، وشعيب الأرناؤوط.
34 -
الفَرْق بين الفِرَق: لعبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي (ت: 429 هـ)، تحقيق: محمد محيِي الدين بن عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
35 -
فضائح الباطنية: لأبي حامد الغزالي، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت، حولي.
36 -
القاموس المحيط: للعلامة محمد بن يعقوب الفيروزأبادي، طبعة: عالم الكتب، بيروت، لبنان.
37 -
الكافي: (من كتب الرافضة): لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكلينِي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، طهران.
38 -
كتاب الاعتقاد: لأبي الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي، تحقيق: د/ محمد عبد الرحمن الخميس، دار أطلس الخضراء، الرياض، الطبعة الأولى 1423 هـ/ 2002 م.
39 -
كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة وكيفية مذهبهم وبيان اعتقادهم: لمحمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي (ت 470 هـ)، تحقيق: محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا.
40 -
لسان العرب: للإمام أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية 1414 هـ.
41 -
مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، طبعة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
42 -
مختصر التحفة الاثني عشرية: تأليف: شاه عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي، اختصار السيد محمود شكري الألوسي، تحقيق: محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة 1373 هـ.
43 -
المعجم الكبير: للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانِي، تحقيق:
حمدي عبد الحميد السلفي، الطبعة الثانية 1406 هـ.
44 -
معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت.
45 -
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: للإمام أبي الحسن الأشعري، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثانية 1389 هـ مكتبة النهضة المصرية.
46 -
الملل والنحل: لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستانِي (ت 548 هـ)، تحقيق: الأستاذ فهمي محمد، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1413 هـ.
47 -
منهاج السنة: لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، طبعة: إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى 1406 هـ.
48 -
المواعظ والاعتبار (خطط المقريزي): تأليف تقي الدين أبي العباس أحمد ابن علي المقريزي، نشر دار صادر، بيروت.