الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُخْتَصَرُ تُحْفَةِ المُحْتَاجِ بِشَرْحِ المِنْهَاجِ
المؤلف: مصطفى بن حامد بن حسن بن سميط
الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م
تقريظ العلامة سالم بن عبدالله الشاطري مدير رباط تريم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع بالعلم أُنَاسَاً، وأذل بالجهل آخرين، وجعل علم الفقه عماداً لهذا الدين، وعاملاً قوياً حافظاً للدين، نحمده على نعمه التي شملت العالمين، وأسأله أن يفتح علينا، وعلى كل طلاب العلم فتوح العارفين، ويفقهنا وإيِّاهم في الدين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد سيد المرسلين القائل:((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).
أما بعد: فقد سرحتُ نظري في هذا الكتاب المسمى ((مختصر تحفة المحتاج)) لمؤلفه الطالب النجيب البحَّاثة مصطفى بن حامد بن حسن بن سميط أحد المتخرجين من رباط تريم وكلية الشريعة بتريم، وقد رأيتُ ذلك الكتاب كتاباً نافعاً مفيداً في بابه، وقد سهل الكثير من العبارات الصعبة، وجمع الكيثر من المسائل المتفرقة، وبيَّن المعتمد من غيره، وأشار فيه إلى المسائل التي خالف ابن حجر فيها غيره من علماء الشافعية في عصره؛ فيكون الكتاب بذلك من أحسن الكتب في الفقه وخُصوصاً لقُرَّاء المنهاج والتحفة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونفع الله به الأمة، وجعله خالصاً لوجهه الكريم.
تقريظ الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ عميد دار المصطفى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن مما أبرز الله تبارك وتعالى في علم الفقه والشريعة الغراء والملة الحنيفية السمحاء الأئمة المجتهدون، وقد انتشر علم الأئمة الأربعة واشتهر، وقيّض الله له من يتوسع في أبحاثه ومداركه ويبني على أصوله؛ وكان مما اشتهر بين الشافعية في الفقه الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله، ومن أعظم ما وقع موقِعاً حسناً من كتبه بين فقهاء الشافعية؛ شرحه لمنهاج النووي (تحفة المحتاج)، ولم تزل محط عنايةٍ من أكابر الفقهاء وموضع اهتمام منهم وتسابق إلى تفهم عباراتها وإرجاع الضمائر إلى ما تعود عليه، واستيعاب دلائل العبارات التي رصفها الشيخ رصفا، واستعصت على كثير من الأفهام، ولم تزل تلك المنزلة المرموقة لذلك الكتاب، وقد وفّق الله تبارك وتعالى الراغب في تحقيق العلم وتحصيله السيد مصطفى بن حامد بن حسن بن سميط إلى اختصار ذلك الكتاب الكبير القدر، العظيم الموقع، فأجرى الله تبارك وتعالى من توفيقه على يده تقريباً وتبيناً لعباراته وجمعاً لأهم مسائله وخدمة للوصول إلى الاستفادة من ذلك الكنز الدفين وتيسير الحصول على الفوائد منه بهذا التيسير والجهد الذي قام به في إبراز هذا العمل الطيب، وقد طالعه عدد من شيوخه وأهل الاشتغال بالتفقه فخرج بهذه الصورة الطيبة التي يرتجى عظيم النفع بها لطلاب العلم الراغبين في تحقيق علم الفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه؛ فالله يبارك في جهده ومسعاه، ويكسو ما جمعه بأنوار الإخلاص له والقبول لديه، ويكتب به النفع الواسع العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بتاريخ 27/ شعبان 1429 هـ.
تقريظ العلامة أحمد بن عبد العزيز الحداد مفتي دبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وفق من أحبَّهُ للتفقه في الدين، وأكرم من أطاعه من عباده المؤمنين، وأضاء له طريق الحق المبين، فجعله من أهل اليمين.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنبياء والمرسلين، وسيد خلق الله أجمعين، الذي أنار لنا طريق الهداية، وحذرنا من طرق الغواية، فكانت قدوتنا به خير غاية، وعلى آله وصحبه وتابعيهم إلى يوم النهاية.
أما بعد: فإن التفقه في الدين منة الله تعالى على من أراد الله تعالى به الخير من المؤمنين، به يُستنار الطريق، ويقوم دين الله تعالى على التحقيق، وتفتح به آفاق الدنيا، ويدرك به نعيم الآخرة، كما يشير لذلك قوله سبحانه {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} التوبة: 122؛ فجعل الفقهاء منذرين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وقد خلفه في هذه المهمة فقهاء الأمة، الذين يبصرون ويرشدون، ويرغبون ويبشرون وينذرون، فكانوا خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحقيق كما قال عليه الصلاة والسلام:(( .. إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا، ولا درهما، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر))؛ لذلك كانت منزلتهم عند الله كبيرة، ومكانتهم في المجتمعات خطيرة، فقد جعلهم الله تعالى في مصاف الملائكة الكرام في الاستشهاد، فشهدوا له بالوحدانية بغير عناد، وكانوا أهل خشيته من العباد، وميَّزهم عن غيرهم من سائر السواد، فكانوا أكرم الخلق على الله؛ لأنهم أهل تقواه، وورثة مصطفاه، لاسيما أهل الفقه منهم، الذين لهم مزية الخيرية على لسان خير البرية؛ لما لهم من إدراك الحقائق، والسير على أقوم الطرائق، وما لهم من شديد العلائق بكل
الخلائق؛ لأنهم يبينون لهم الأحكام، ويميزون الحلال من الحرام، ويحذرون من الآثام ويدعون إلى دار السلام، لهم قصب السبق في العلماء، ومداد محابرهم أفضل من دماء الشهداء؛ لما لهم من أثر صالح، وطريق ناجح، وحاجة الناس إليهم كحاجتهم إلى الطعام والشراب بل أشد، وهدايتهم إلى الخير كهداية نجوم السماء بل أسد، فكم صنفوا من كتب الهداية، كالتحفة والنهاية، والروضة والغاية، كانت سبباً لبقاء الأحكام الشرعية، وهداية البرية، وحفظا للملة الحنيفية، فلا ترى مصلياً ولا مزكياً، ولا صائماً ولا حاجاً أو معتمراً ولا بائعاً أو مشترياً، ولا مزارعاً أو صانعاً، ولا ناكحاً أو قاضياً، ولا شاهدا أو مزكيا، ولا غير ذلك، إلا كانت هدايته من تلك الكتب النيرات، والمؤلفات الصالحات، التي تفرقت في الأمصار، ووصلت ما بلغ الليل والنهار، فكم من قارئ لها وحافظ، وكم من شارح لها وفائض، لاسيما منهاج الطالبين وعمدة المفتين للإمام الحافظ الحجة ولي الله تعالى وقطب الوجود: يحي بن شرف النووي، المتوفى سنة 676 هـ، الذي هو متن المذهب وعمدته، والذي تبارى في خدمته أئمة الشافعية، فلا يحصى كم شارح له وناظم، ومختصِر له أو محش عليه أو على شروحه أو مدلل لأحكامه، كان من أجلها جلالة وأكثرها دلالة: تحفة المحتاج بشرح المنهاج للإمام أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المصري الشافعي الصوفي الأشعري، المتوفى سنة 974 هـ، الذي وُصف بأنه خاتمة أهل التصنيف، وخطيب ذوي التأليف، إمام العلماء المحققين، ولسان الفقهاء المدققين، الذي أتى فيها بما لذ وطاب، من الفقه المستطاب، فكانت عمدة المتأخرين، من الفقهاء والمحدثين؛ لما فيها من إحاطة نصوص الإمام الشافعي، إمام المذهب رحمه الله تعالى، مع مزيد تتبع لأقوال أئمة المذهب بتحقيقاته وترجيحاته وتخريجاته، فأصبحت عمدة العلماء ومرجع الفقهاء، حتى قال بعضهم:
فإننا عن قول غير ابن حجر
…
حذام هذا الفن قاطعوا النظر
ومع ذلك فإنها تحير النجباء، وتستوقف العلماء؛ لما فيها من كثرة التفريعات، وبعد الإشارات، فيكل الجهد عند قراءتها، وتمل النفس عند استصعاب مسائلها، فتقل الفائدة من فيض فوائدها، لاسيما مع فتور الهمم وكثرة الشغل، وكما قيل:
لكن من التطويل كلت الهمم
…
فصار فيه الاختصار ملتزم
نعم لقد صار الاختصار ملتزما خدمة للعلم وأهله، وللمذهب ورجاله، وللدين وفقهه، ولكن من الذي يتطاول على ذلك الجبل الشامخ، في عصر ظُن أن رجال العلم قد تقاصرت مداركهم عن فهم كتب المتقدمين، فكيف باختصارها أو شرحها أو التعليق عليها، فضلا عن مجاراتها؟! وما يُدرى أن لله رجالا أخفياء، بهم يحفظ دينه، وينصر شرعه، ويعلي كلمته، لا سيما من العترة الطاهرة التي حفظ الله بها الدين والمؤمنين، ولا تفترق عن القرآن المبين، كما شهد بذلك سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، فخبأ الله تعالى هذه المهمة الجلّى، لذي همة مثلى، في آخر الأزمان الذي أصبحت المادة فيه طاغية، والحياة لاهية، فقل فيه العلم بل ضاع، واتسعت فيه الأطماع.
وقد كان ذلك الرجل الذي تصدر لهذه المهمة العظيمة، بالهمة العالية والحكمة البالغة؛ الحسيب النسيب العلامة النحرير والبحاثة القدير السيد مصطفى بن حامد بن حسن بن سميط، العلوي الحضرمي اليمني الذي جمع من الفضائل ما لم يدركه الأوائل، وخزائن أسرار الله في خلقه لا تنفد، وما دام الليل والنهار يتجدد، ولا ريب فكم ترك الأول للآخر! فقد غاص هذا الشاب الهمام، والماهر الإمام، في قاموس التحفة، فأخرج من لجُها درر الأبحاث العلمية، والنكات الفقهية، والمسائل الفرعية، وهذب أبحاثها، وحرر ألفاظها، ودقق في دلالتها، واقتصر من أبحاثها على ما لا بد للفقيه والقارئ منه، وترك ما في تركه غنية عنه، فجاء المختصر معتصرا، فيه لذيذ المسائل، وقريب الدلائل، فقرب منها ما بعد، ويسر ما عسر، فكانت خلاصته شرحا وافيا، ومتنا صافيا، ومعينا كافيا، فلله دره من همام وعلامة
إمام، كيف وهو قد عاصر النهضة العلمية، والثروة المعلوماتية، فاستفاد من تقنيات العصر، وواكب نوازل الدهر، وشارك في حل المسائل العويصة، ودقق في عبارات فقهائنا المنيفة، وحرر كثيرا من مسائل الخلاف، في المعاملات المالية الحديثة بإنصاف لا بإجحاف، فجمع بين أصالة الأقدمين، وفكر المحدثين، بثوابت تأصيلية وقواعد تنويرية، فكانت أبحاثه وافية، وعباراته ضافية وصافية، ليس فيها حشو المتأخرين، ولا تعقيد المتقدمين، فما أوفى أبحاثه! وما أدق مباحثه! وما يقدر على هذا الاختصار، إلا من كان سالكا هذا المضمار، وليس هذا بمقدور إلا من له عناية من الفاتح، سبحانه، وله صلة بالقاسم المانح، فاغترف من فيوضات العلم الرباني، وتشرف بالنسب العدناني صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، فهنيئا له بما قدم وأنجز، وشكرا له على ما اختصر وأوجز، وبحث وعزز.
والله أسأل أن يعم النفع بهذا المختصر المفيد، كما نفع بأصله التليد، إنه الحميد المجيد، المبدئ المعيد الفعال لما يريد.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وكتبه الفقير إلى عفو الله تعالى
أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي
عفا الله تعالى عنه
غداة يوم السبت الثاني والعشرين من شهر شعبان من عام 1429 هـ
الموافق 23 من أغسطس من عام 2008 م بمنزلي بدبي المحروسة
تقريظ العلامة حسن مقبولي الأهدل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فلقد اطلعت على ما كتبه الشيخ العلامة الفقيه مصطفى بن حامد بن حسن بن سميط من جهد قام به وبحث مفيد، وهو اختصار تحفة المحتاج بشرح المنهاج للإمام العلامة الفقيه المجتهد الشيخ أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، المتوفى سنة 974 هـ.
وهذا المختصر الذي بأيدينا مختصر مفيد مُحَرَّرٌ يحتاج إليه طالب العلم اقتصر فيه الباحث على إبقاء المسائل المعتمدة في المذهب فلم يحذف منها شيئا، وقد قرَّب الباحث بهذا العمل المادة العلمية المعتمدة في المذهب في هذا السفر الجليل، ويعتبر هذا الاختصار عملاً عظيماً مفيداً في بابه لا يجرؤ عليه إلا الراسخون في العلم المحققون في مذهب الشافعي والمحررون لأقواله وأوجهه المعتمدة، وحيث أن هذا الكتاب المختصر من أهم الكتب المعتمدة في مذهب الشافعي عند المتأخرين فقد كان للباحث السبق في العناية بهذا الكتاب وتسهيل عبارته مع استيعاب المادة العلمية بأوجز عبارة وأقل جهد مع التحقيق وحسن الاختيار لما أبقاه وما تركه، وهو يستحق بهذا العمل الشكر والتقدير على ما قدمه، ونسأل الله أن يأجره على هذا الجهد ويجزل له الثواب ويرزقه التوفيق والسداد، وأن ينفع بعلمه الإسلام والمسلمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه أ. د. حسن محمد مقبولي الأهدل
رئيس قسم أصول الفقه والحديث
كلية الشريعة جامعة صنعاء
تقريظ العلامة شيخنا محمد بن علي بن باعوضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنفرد بالكمال المعروف بكل نوال، المحمود على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الكبير المتعال، سبحانه من أبرز لكلِّ زمان فئة من الرجال، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صادق القول والفعال وعلى آله وصحبه خير صحب وآل.
أما بعد: فقد طلب مني السيد النجيب والطالب اللبيب مصطفى بن حامد بن حسن بن سميط أن أنظر في الربع الثالث من الأحكام الفقهية التي اختصرها من تحفة المحتاج بشرح المنهاج للشيخ المحقق شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى، فلم أجد بُدَّاً من ذلك فأجبته خدمة للدين وتشييعا لطلابنا المتخرجين من رباط تريم وكلية الشريعة بتريم في المضي قُدُمَاً في مثل هذه الخدمة المباركة فسرحت نظري فيها، وبذلت جهدي في تصحيحها.
وقد لاحظت عليه ملاحظات البعض منها وافقني عليه فصححه، والبعض الآخر راجعني فيه فوافقته عليه، فبقي صحيحا، وما راجعناه وصححناه نرجو من الله تعالى أن يوافق الصواب.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه الفقير إلى ربه المنان: محمد بن علي بن فرج باعوضان، 1426 هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المختصر
الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لعبادته واتباع شريعته، وجعل الطريق إلى ذلك التفقه في الدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير المرسلين، وأصدق العابدين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وتزكى بنوره إلى يوم الدين.
أما بعد فلطالما خامر البال خدمةُ شيءٍ من كتب أئمتنا الشافعية رضي الله عنهم حتى أشار عليَّ بعض الشيوخ بتصنيف مختصر لطيف لتحفة الشيخ أحمد بن علي بن حجر الهيتمي رحمه الله باسطا لغامضها قابضا لإطنابها فامتثلت وشرعت فيها مستخيرا مستمدا العون من المولى تبارك وتعالى خير معين فوجدت أنِّي أمام طود شامخ من العلم قد أتقن الشيخ ابن حجر رحمه الله بناءه، فالتحفة كثيرة المباحث والاستطرادات مترامية الأطراف محبوكة العبارات، وكان القصد تيسيرها بعض الشيء بحيث يفهم ما فيها متوسط الفهم، وليس هذا مِنِّي إلا جهد المقلّ وتطفلٌ على ذلك البحر المتلاطم فما وافق الصواب فمنِّة منه تبارك وتعالى، وما وُجد بخلاف ذلك فسوء فهم أو تقصير مني، فليعذر المطلع على
نقص أو تقصير، وأرجو منه التنبيه على ذلك مأجوراً، وليلتمس لي العذر لأني كتبت ذلك على عجل وانشغال بغير الفقه، ولعل لي أن أقول:
وَلِبَنِي خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَهْ
…
مَعْذِرَةٌ مَقْبُوْلَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ
وليعلم الواقف على هذا الكتاب أنَّ ملخص طريقي في كتابته التالي:
أولاً: تلخيص المباحث، واعتماد ما توصَّل إليه الشارح آخر البحث، ولا أعدل عن عبارة الشارح إلا لغموض فيها، وقد أبدلها من كلام الشُّرَّاح أو المحشيين، فإن لم أجد ما يفي بالمراد أبدلتها بعبارة من عندي حسب ما يظهر لي.
ثانياً: غالبا لا أحذف شيئا من المسائل والفروع الفقهية، نعم قد أقدمه أو أخِّره لمناسبة تقتضي ذلك، وأكثر المحذوفات هي مباحث حديثية أو أصولية أو نحوية أو بلاغية، وقد جمعت كثيرا من ذلك كلاً على حدته مع كتاب في القواعد الفقهية المذكورة في التحفة أسأل الله المعونة في تحقيقه.
ثالثاً: كثيرا ما يحيل الشارح على ما قدمه أو ما يأتي في التحفة، أو ما يذكره في كتبه الأخرى، وقد حاولت أن أحقق ذلك، وأرجو إن استقرت طباعة هذا الكتاب أن أشير إلى ذلك بالصفحات، نعم كثيرا ما يحيل الشارح على الإمداد والعباب ولم أجد من ذلك إلا ما ينقل عنهما، وإلا مجلد يحتوي على أكثر العبادات من الإمداد.
رابعاً: اعتمدت من اصطلاح الشارح المختلف فيه على ما استقرت عليه الفتوى من اصطلاحه، ومنه أن المعتمد ما عبرَّ فيه الشارح ((بكما))، وما عبر فيه بلكن، فإن اجتمعا قُدِّمت كما، نعم محل ذلك إن لم يكن في كلامه اعتماد أو توجيه وإلا فالمعتمد ما اعتمده الشارح أو ما استوجهه. أما ما تبرأ منه الشارح فالمعتمد مقابل ذلك التبري، نعم قد أذكر كلامه في فتح الجواد في اعتماد التبري أو مقابله.
خامساً: أشير إلى كلام الشارح أيضا في فتح الجواد والإمداد -فيما تيسر لي منه- فيما يتردد الشارح في اعتماده أو يذكر احتمالين فيه.
سادساً: كثيرا ما يذكر الشارح مسائل في غير بابها لمناسبة أو تقييد أو استطراد أو تنظير، وقد حاولت أن أردَّ تلك المسائل إلى مظانها وأشير إلى ذلك في الحاشية، وغالبا ما أجمع ما تناثر من أقوال الشارح في المسألة الواحدة في موضع واحد.
سابعاً: تعرضت في الحاشية أيضا إلى خلاف أهم من خالفهم الشارح أو خالفوه، وهم الخطيب الشربيني في كتابه المسمى مغني المحتاج والجمال الرملي في نهاية المحتاج، ووالده الشهاب الرملي، والشيخ زكريا الأنصاري، وقد اعتمدت في نقل ذلك على حاشية الشيخ عبد الحميد الشرواني، وقد أشرت للخطيب والجمال الرملي بضمير التثنية، ولهما مع الشيخ زكريا بضمير الجمع، ثم إن كان الخلاف يفهم من المفهوم لم أفصله وإلا ذكرت نص الخلاف، وقد أعبر عن الشيخ ابن حجر بالشيخ أو الشارح.
ثامناً: تعرضت في الحاشية للكلمات الغامضة وإيضاحها وضبط المشكل منها في الأصل، وقد يجوز في بعض الكلمات أكثر من ضبط فأضبطها بذلك؛ ليكون دليلاً على جواز الضبطين أو أكثر.
تاسعاً: قمت بضبط المختصر بعلامات الترقيم، وقد أتَّسع في استعمال بعضها، وقد أضع خطين بين كلامين للإشارة للترابط بينهما.
عاشراً: ما أذكره مخالفا لظاهر التحفة أو مخالفا لبعض حواشيها كتبت رسالة صغيرة في إيضاحه وأرجو الله التوفيق لإتمامها.
ومما يجدر التنبيه عليه أن هذه النسخة قد راعيتُ فيها تصحيح الأخطاء المطبعية التي وقفت عليها من النسخة الشهيرة المطبوعة أصلا بالمطبعة الميمنية الواقعة في عشرة مجلدات مع حاشيتي عبدالحميد وابن قاسم، والتي تبلغ الأخطاء التي وقفت عليها قرابة الألفين ما بين مخلٍّ بالمعنى وغيره.
وقد أتحفني بعض الأخوان بنسخة قابلها من المنهاج فوضعتها في أعلى المختصر لتتميم الفائدة.
هذا ومما من الله علي به أن قرأ هذا الكتاب مفرقاً مجموعةٌ من شيوخي وإخواني حفظهم الله
(1)
، ومن أجلِّهم سيدي الشيخ محمد بن علي الخطيب والشيخ
(1)
. ومنهم السيد عمر بن حامد الجيلاني والحبيب علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ، والدكتور محمد بن عبدالعزيز الحداد والدكتور حسن مقبولي الأهدل والدكتور أمجد رشيد، والأخ عمر بن حسين الخطيب والأخ عمر بن أبي بكر الخطيب والأخ عبدالرحمن بن عبدالله السقاف والأخ عبدالله ابن عبدالقادر العيدروس والأخ عبدالرحمن بن طه الحبشي وغيرهم.
محمد بن علي باعوضان حفظهم الله وأدامهم عُمَداً للمذهب، وقد نبهوني وأتحفوني بالكثير، فجزاهم الله خير الجزاء.
كما أتقدم بالشكر أيضا لمركز النور للدراسات والنشر على ما قدمه إلي من خدمات في إخراج هذا الكتاب.
وعلى الله الكريم اعتمادي وإليه تفويضي واستنادي، وأسأله النفع لي به ولسائر المسلمين ورضوانه عنِّي وعن والديَّ وعن أحبائي وجميع المؤمنين.
كتبه الفقير إلى مولاه: مصطفى بن حامد بن سميط
حرر بتاريخ 20/ ربيع الأول/ 1424 هـ
ترجمة الشيخ ابن حجر رحمه الله
اسمُه ونَسَبُه
هو الإمامُ شيخُ الإسلام، وبركةُ الأنام، العلامةُ الشهير، وكعبةُ التحقيق والتحرير، خاتمةُ أهل الفُتيا والتدريس، وناشرُ علومِ الإمام محمدِ بن إدريس، إمامُ الحرمين بإجماع، وناصرُ السنة والأصحاب والأتباع، الفقيهُ النبيهُ البارع، والمحدثُ الحافظُ المطلعُ الجامع، والأصوليُّ المتفنن المتقن اللامع، صاحبُ الزهد والشرف، الصالحُ الناسكُ على طريقة السلف، شهابُ الدين أبو العباس أحمدُ بن بدرِ الدّين محمّدِ بن شمسِ الدين محمدِ بن نورِ الدّين عليِّ بن حجرٍ السَّلَمُنْتيُّ أصْلاً، والهَيْتَمىُّ مَوْلداً، والأزهريُّ مَرْباً ومنشأً، والصّوفيُّ إرشاداً، والجُنَيْديُّ اتباعاً وانقياداً، والأشعريُّ اعتقاداً، والشّافعيُّ مَذْهباً، والوَائليُّ السَّعْدِيُّ الأنْصَاريُّ نَسَباً، والمكيُّ مَدْفَناً.
وجدُّه: شمس الدّين محمد بن بدر الدّين علي، عاشَ وعُمِّرَ حتى بلغ مائةً وعشرين سنةً ولم يخرف، وكانت له آنذاك عباداتٌ كثيرة، رآه الشيخ وقد جاوز المائة والعشرين وأمن الخرف وكانت له في هذا السِّنّ عبادات خارقة، وهو الذي كفل الشيخَ ابن حجر بعد وفاة والده.
السَّلْمُنْتي: نِسبةً إلى أصْل وطنه ((سَلْمُنت)) بالفتح ثم السكون وضم الميم وسكون النون وتاء مثناة، وهي موضع قريب من عين شمس من نواحي مصر، مِن بلاد بني حَرام بمصر، عاش فيها جَدُّهُ ثمّ لما كثرت الفتن في تلك البلاد انتقل منها إلى الغربيّة، فَسَكنَ مَحَلَّة أبي الهيتم واستوطنها استراحةً مِنْ شَرِّ أهل الشرقيّة وفِتَنِهم، وتَعَرُّضِ السَّلاطين لهم لتعرُّضهم لهم.
الهَيْتَمي: نِسبةً إلى محلة أبي الهيتم بالتاء المثناة الفوقيّة.
قال نجم الدين الغزي: ((وأمّا ما يقع لبَعْض المُتَشَدّقين مِنْ قراءته بالمثلثة فلم أقف عليه في كلام أئمة المنقول)). ويُقالُ: إنها بالمثلثة فَغَيّرتْها العامّة.
ومحلّة أبي الهيتم هذه من إقليم الغربية بمصر. فيها وُلد الشهابُ ابنُ حجر بعد انتقال أهله عن بلدِهم الأصلي ((سَلْمُنْت)). وكان أهلُ هذه المحلّة على غاية من الدّيانة واتباعِ طريق الصّوفية وفيهم حفّاظُ كثيرون للقرآن العظيم، مداومون لقراءته، ولذا آثرَ جدُّه الاستيطانَ بها.
السَّعْدي: نسبةً إلى بني سَعْد بإقليم الشرقيّة من مصر.
الأنصاري: باعتبار المشهور في بني سَعْد أنهم من الأنصار؛ لكنّ ابن حجر كان يمتنع من كتابة ((الأنصاري)) تورُّعاً، قال الفاكهي:((ولم يمتنع عند الضرورة من الانتساب إليهم في مقام المحاورة قمعاً لمن تنقصه وتوسعاً كما اتفق له ذلك بمحضر جمع في محاورة بمكة المشرفة)).
ابن حجر: اشتهر الشهابُ بذلك نِسْبةً إلى أقرب أجداده كان قد اشتهر بـ ((الحجر)) وسببُ ذلك: أنه كانت له شهرةٌ بين قومه بأنه من أكابر شجعانهم وأبطال فرسانِهم، ومع ذلك كان ملازماً للصَّمْتِ لا يتكلمُ إلاّ لضرورة، وإلاّ فهو مشغول عن الناس بما مَنَّ الله عليه به، فَشَبّهوه بحجر مُلْقى لا ينطق فقالوا: حجر، ثمّ اشتهر بذلك.
قال الفاكهي: ((حتى حقَّت هذه الشهرةُ بشيخنا؛ لأنه في حَجْر تحصيله على فوائد العلم حَجَر؛ ولأنه من المتلقب بهذه الشهرة شيخ الإسلام صاحب ((فتح الباري)) شارح البخاري العسقلاني، أخذ شبهاً قوياً في معرفة الخبر والأثر، ويزيد عليه في الفقهيات والتفرد في الإفتاء كما يدركه أهل النظر
…
)).
وقد يقع التمييزُ بين الإمامين المذكورين فيقال في حقّ العسقلاني: الحافظُ ابن حجر. وفي حقّ الهيتمي: الفقيهُ ابنُ حجر؛ إذ الأوّل جُلّ صناعته الحديث، والثاني جُلُّ صناعته الفقه، مع مشاركة كلّ منها في فَنِّ الآخر.
وقد بالغ العلامةُ عبدُ القادر العيدروس مؤلف النور السافر فجعل مترجَمَنا ابنَ حجر الهيتمي أعلى كعباً من الحافظ العسقلاني في علم الحديث.
مولدُه
وقع اختلافٌ بين المترجمين لابن حجر في تعيين سنة ولادته، وهي بحسب الأسبقية:
الأوّل: أنها سنة تِسْعٍ وتسعين وثمانمائة للهجرة، وذلك في رجب كما ذكره الفاكهي.
الثاني: أنها سنة ثمانٍ وتسعمائة للهجرة، كما ذكره الغزي قولاً.
الثالث: أنها سنة تِسْع وتسعمائة للهجرة، كما جزم به تلميذه باعمرو وعبد القادر العيدروس وذكره الغزي قولاً.
الرابع: أنها سنة إحدى عشرة وتسعمائة للهجرة، كما ذكره الغزي قولاً.
والصحيحُ من هذه الأقوال هو الثالثُ القائل بأنه وُلِدَ سنةَ تِسْعٍ وتسعمائة هجرّية.
زوجاته: وزوجاته أربع كما ذكرهن الفاكهي، وهنَّ:
الأولى: بنتُ ابن عمّه شقيق أبيه، وقد كان زواجُه منها بمصر سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة للهجرة، وذلك أنّ شيخه الشناوي ألزمه بالزواج فقال ابن حجر: لا أمْلك شيئاً. فقال شيخه: هي بنتُ أختي والمهُر مِن عندي. فزوّجه بها.
والثانية: بنتُ شيخِ سدنة الكعبة المشرفة آنذاك، وهم من بني شيبة من بني عبد الدار.
الثالثة: بنتُ أحدِ قُضاة مكة المكرمة من بني ظهيرة القرشيين المخزوميين، وهم أحدُ كبار فقهاء بيوت مكة المكرمة كما قال الفاكهي.
الرابعة: بنتُ أحدِ بيوتات الطبريين أئمة الشافعية بمكة.
أولاده:
ذكر الفاكهي أن الشيخ ابن حجر رحمه الله مات عن تسعة من الأولاد من صلبه، خمسة ذكور وأربع إناث، أشهرهم:
أبو الخير محمّد، و وجيهُ الدين عبد الرّحمن الهيتمي، وأبو الفتح ابن أحمد بن حجر، ووالدةُ العلامة عبد العزيز الزمزمي سبط ابن حجر.
طلبه للعلم وتصدره للفتوى والتدريس
تقدّم أنّ والدَ الشيخ ابن حجر مات وولدُه صغير، فكفله جَدُّه المُعَمَّر، وكان قد حفظ القرآن الكريم و ((المنهاج)) للإمام النووي، ثمّ لما مات جدُّه كفله شَيْخا أبيه الإمامان العارفان شمس الدين ابن أبي الحمائل وشمس الدين الشناوي فبَالغا في رعايته.
ثمّ نَقله شيخُه الشّناوي إلى مقامِ الإمام العارفِ بالله السَّيد أحمدَ البَدّوي في طنطا، فقرأ هناك مبادئ العلوم على عالمين كانا به.
وفي سنةِ أربعٍ وعشرين وتسعمائة نَقَلَه الشناوي إلى الجامع الأزهر، وسنُّه إذاك نحو أربعة عشر سنة، وسلَّمه لرجلٍ صالحٍ من تلامذته فحفظه حفظاً بليغاً، وأقرأه متنَ ((المنهاج)) للإمام النووي وغيره، وجمعه بعلماء مصر مع صغر سنه.
وقرأ هناك أيضاً ((مختصر أبي شجاع)) المعروف بمتن ((الغاية والتقريب)) على شيخه أبي عبد الله محمّد الجويني ولازمه مدّة كما ذكر هو ذلك.
وفي الأزهر الشريف نبغ الشهابُ ابن حجر، حيث جَدَّ فيه واجتهد قراءةً وتحصيلاً على أئمته وعلمائه ممّن طبقت شهرتُهم الآفاق، فدار على حلقاتِ كثيرين منهم، طالباً جميع ما اشتُهر تدريسُه من العلوم، ومن أعظم من اجتمع به وأخذ عنه شيخُ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري، وكان الشيخ زكريا يدعو له كلّما لقيه، قال ابنُ حجر:((ما اجتمعتُ به قطُّ إلاّ قال: أسألُ الله أنْ يفقهك في الدّين)). وقّدْ حقّق الله تعالى هذه الدّعوةَ فيه حتى صار أفقهَ أهل عصره ومقدّماً فيه، عمدةَ الشافعية في أبحاثه وفتاويه.
اشتغالُه بالفقه:
ثمّ بعد تحصيله الحديثَ على هؤلاء الأجلّة اشتغل بالفقه ودراسة متونه، فبذل فيه جُهْده وفرّغ إليه وقته، فقرأ فيه على جماعة كثيرين قال فيهم الشيخ رحمه الله:((تفقهتُ بجماعة كثير لا يحتمل الزمانُ ذكرهم على سبيل الاستيعاب)).
ومن هؤلاء: الإمامُ شهاب الدين أحمد الرّملي، والإمام ناصر الدين الطبلاوي، وتاج العارفين الإمام الكبير أبي الحسن البكري، وغيرهم.
قال الفاكهي: ((اشتغل بحلِّ متونه، فبذل فيه جهده وماء عيونه، حتى أجازه المذكورون وغيرهم في أواخر سنة تسعٍ وعشرين بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين من غير سؤال منه في ذلك)).
وقد ذكر الفاكهي أيضاً: أن أكثر من انتفع به الشيخُ ابن حجر في الفقه من مشايخه المذكورين هو شيخه الطبلاوي الشافعي، قال: حتى قيل: ((هو الذي حنكه بلبان التعليم، ودرجه في مدارج التفهم والتفهيم، وبلغه في الفقه أشده)). لكن بمعونة المطالعة لدروس التقسيم على الشهاب العالم الصالح البلقيني في عنفوان الطلب القديم.
ثم قال: ((ثم أكثر مَن لازمه بعد أن تميز بالفضيلة وبلوغ الأشد شيخاه الجليلان الذي أحدهما كالساعد والسعد، والآخر كالسيد والعضد الشيخ أبو الحسن تاج العارفين البكري الصديقي الشافعي فريد عصره في الحفظ والفصاحة والعرفان، الذي كاد أن يفصح إن لم يكن أفصح أنه مجتهد الزمان، وشيخه الشيخ شهاب الدين الرملي الأنصاري الشافعي فقيه مصر المتقدم في كلام شيخنا أنه من أجل جماعة شيخ الإسلام زكريا ولعل ذلك لا يختلف فيه اثنان.
غير أن شيخه التاج البكري أعانه على الطلب وقوام الأود أو بعضه وأنزله في منزله وجعله من خواص أتباعه وأهله بأهله
…
)).
قراءتُه في بقية العلوم:
وقد قرأ الشيخ رحمه الله في شتىّ العلوم غير الفقه والحديث الأشياءَ الكثيرةَ على أئمة كبار ومن ذلك:
قراءته للحديثَ الشريفَ وفنونَه، و التفسير، علم الكلام أصول الدين، و علم أصول الفقه، و النحّو، و الصّرف، و المعاني والبيان، و المنطق، و الفرائضَ والحِسَاب، و الطّبَّ، و التصّوف.
والحاصلُ: أنَّ مقروآته كثيرة لا يمكن تعدادُها، وأما إجازاتُ المشايخ له فكثيرة جداً استوعبها في ((ثبته ومعجم شيوخه)).
وهكذا ما زال ابنُ حجر ينتقل في الأزهر من درس إلى درس، ويدور على شيوخه، طالباً تحقيق العلوم، وتحرير هاتيك الرّسوم، كلُّ ذلك مع دِقّة الفَهْم والملاحظة، وجودة ما رُزق منَ الحافظة، فأكمل الطلب وأجاد، مع علوّ الكعب والإسناد، فما وَسع شيوخه إلا إجازتهُ، بكلّ ما يخصُّ أو يعُمُّ نفعُه وحاجتُه.
هذا هو حال ابنُ حجر في تحصيل العلوم، وقد كان رحمه الله خلال ذلك يُقاسي شدائد الفقر وحَسَدَ الأقران.
أما الأول؛ فإنه يقول: ((قاسيتُ في الجامع الأزهر من الجوع ما لا تحتمله الجبلة البشرية، لولا معونة الله وتوفيقه، بحيث إني جلستُ فيه نحو أربع سنين ما ذقت اللّحم إلاّ في ليلة دُعينا لأكلٍ فإذا هو لحمٌ يوقَدُ عليه، فانتظرناه إلى أن ابهارَّ الليل، ثمّ جيء به، فإذا هو يابسٌ كما هو نيءٌ فلم أستطع منه لقمةً)).
و يقول: ((وكابدت في أربع سنين بالجامع الأزهر ما لا يطيقُ الغير مكابدته في عشرين سنة)).
و قال: ((ما كان قوتي في أيام الطلب إلا من قشر الحبحب والخبز المتناثر، كنت ألتقطها من جامع الأزهر واجعل عليها قشر الحبحب وأبتلع بها، ولم تطب نفسي لأن أقتات من جراية المسجد)).
أما حَسَدُ أقرانه وإيذاؤهم له فيقول: ((وقاسيتُ أيضاً من الإيذاء من بعض أهل الدروس التي كنا نحضرها ما هو أشدُّ من ذلك الجوع، إلى أن رأيتُ شيخَنا ابنَ أبي الحمائل السابق قائماً بين يدي سيدي أحمد البدوي فجيء باثنين كانا أكثر إيذاء لي فضربهما بين يديه بأمرين فمزقا كل ممزق)).
ابتداءُ رحلاته إلى بلد الله الحرام وما وقع له فيها من الحوادث:
وفي سنةِ ثلاثٍ وثلاثين حجَّ هو وشيخه الإمام أبو الحسن البكري، وجاورا بمكّة سنة أربعٍ وثلاثين، وخطر له أنْ يؤلّف في الفقه، فتوقف إلى أن رأى في النوم الحارث بن أسد المحاسبي المتوفى سنة 243 هـ وهو يأمره بالتأليف فاستبشر وألف.
قال الشيخ رحمه الله: ((وأذكرني ذلك ما كنتُ رأيتُه أيام الطلب، فإني رأيت امرأةً في غاية الجمال كشفت لي عن أسفل بطنها وقالت: اكتب على هذا متناً بالأحمر وشرحاً بالأسود. ثم انتبهت ففزعت، حتى قيل لي في تعبيره: ستظهر مؤلفاتك في الدنيا بعد خفائها الكلي ظهوراً عظيماً. فاستبشرتُ وابتدأتُ في (شرح الإرشاد).
ثمّ رجع من مكة إلى مِصْر، وعمل على اختصار ((الروض)) للإمام ابن المُقري اليمني، وشَرَحَهُ.
وفي سنة سبع وثلاثين حجّ بعياله بصحبة شيخه البكري أيضاً، وجاور سنة ثمانٍ، أتمَّ فيها شرحَه على مختصر ((الروض)).
وفي سنة أربعين حجّ أيضاً بعياله هو وشيخه المذكور، وجاور سنةَ إحدى وأربعين.
ثمّ عزم شيخُه على العود إلى مصر، وأقام هو بمكة، ونوى الاستيطانَ بها من ذلك الزمن، وأخذ يؤلف ويفتي ويدرّس.
زيارتُه للمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام:
ثمّ من مكّة ابتدأ زيارته للدّيار المنوّرة على ساكنها ومنوّرها أفضلُ الصّلاة والسَّلام. فجاورَ بها سنةَ خمسين.
ثمّ أنشأ زيارةً ثانيةً في يوم السبت ثامن عشر شوّال سنة ستٍّ وخمسين، فلما وصَلَ صبيحةَ الأحد إلى وادي مَرِّ الظهران خطر له أنْ يجعل وسيلته إلى المثول في تلك الحضرة النبوية تأليف كتابٍ في ذلك الشأنِ فَصَنّف ((الجوهرَ المنظم في زيارة القبر المكرّم)).
وله زيارةٌ ثالثةٌ أيضاً سنة تِسْع وخمسين. وكان رحمه الله في تلك الزياراتِ والمجاوراتِ مقدّماً في الخاصّة والعامّة تأتيه العويصاتُ والمشكلاتُ من المسائل والفتاوى فيتصدّى للجواب عنها.
وكان مِن أهمَّ ما وَرَدَ عليه ثَمَّ ما سأله عنه بعض أكابر فضلاء المدينة عمّا إذا اختلف ترجيح المتأخرين والشيخين فما المعتمدُ عليه في ذلك؟ وقد أطال السائل في الاحتجاج والانتصار لاعتماد ترجيح المتأخرين فأجابه ابن حجر بجوابٍ مبسوط متكفل برَدّ جميع ما أطال فيه. وقُرئ ذلك الإفتاءُ بحضرة فضلاء المدينة المشرّفة فلم يمكنْ أحداً منهم أنْ يبديَ فيه شيئاً بل وافقوه وعلموا أنّه الحقّ.
شيوخه
من أهم شيوخ ابن حجر الذين لازمهم وقرأ عليهم علوم الشرع وآلاته:
1) شيخُ الإسلام زكريا الأنصاري: هو زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السُّنيْكي ثمّ القاهري المصري الأزهري الشافعي ((823 - 926 هـ)).
2) زين الدين عبدُ الحَقّ السُّنْبَاطِي: هو عبد الحقّ بن محمد بن عبد الحقّ السنباطي القاهري الشافعي ((842 - 931 هـ)).
3) شهاب الدين أحمد الرَّمْلي: هو أحمد بن حمزة الرّملي المنوفي المِصْري الأنصاري الشافعي ((ت 957 هـ)).
4) تاج العارفين أبو الحسن البكري: هو أبو الحَسَن علي بن محمد بن عبد الرّحمن البكري الصديقي الشافعي ((ت 952 هـ)).
5) الشمس ابن أبي الحمائل: هو محمد بن أبي الحمائل السّروري المصري ((ت 932 هـ)).
6) الشمس محمّد الشناوي: وفاته في سنة 932 هـ.
7) الشمس محمد الدَّلجي: هو محمّد بن محمد بن محمّد بن أحمد الدَّلَجي العثماني الشافعي ((860 - 947 هـ)).
8) الشمس محمّد الفَرَضِي: هو محمّد بن عبد القادر الفَرَضِي السَّنْهُوري الشافعي الحَيْسوب ((ت 945 هـ)).
9) الشهاب الصاّئغ الحنفي: هو أحمد بن الصّائغ المصري الحنفي. وفاته في أوائل الثلاثين بعد التسعمائة هجرية.
تلاميذه
لقد كان للشهاب ابن حجر صيتٌ واسعٌ بين علماء عصره أهّله لأن تكثر التّلامذة على أبواب درسه، خصوصاً في مكة المكرمة؛ حيث ازدحم عليه الناس من شتى الأقطار يحملون عنه الفقه والحديث وغيرهما من العلوم. فصار فيها كعبةً لكل قاصدٍ سواءٌ لتحصيل العلوم وتحرير الفنون، أو الجواب على الاستفتاءات والعويصات من المسائل الخفيات. قال ابن العماد:((أخذ عنه من لا يحصى كثرة، وازدحم الناس على الأخذ عنه، وافتخروا بالانتساب إليه)).
وقال الشهاب الخفاجي: ((فكم حجّت وفود الفضلاء لكعبته، وتوجهت وجوه الطّلبِ إلى قبلته)).
وإليك مقاصد من تراجم بعض تلاميذه:
1) نور الدّين الزَّيّادي: هو علي بن يحيى الزّيّادي- بفتح الزّاي وتشديد الياء- المصري الشافعي ((ت 1024 هـ))
2) شهاب الدين ابن قاسم العبّادي: هو أحمد بن قاسم العبّادي القاهري الشافعي ((ت 994 هـ)).
3) جمال الدين الأَشْخَر: هو محمد أبو بكر الأشخر- بالشين المعجمة السّاكنة والخاء بعدها راء- اليمني الشافعي ((((ت 991 هـ)).
4) السيّد عمر البَصْري: هو عمر بن عبد الرحيم البصري الحسيني الشافعي نزيل مكّة المكرّمة ((ت 1037 هـ)).
5) شهاب الدين الشَّنَواني: هو أبو بكر بن إسماعيل الشنواني المصري النَّحْوي الشافعي ((ت 1019 هـ)).
6) الإمام محمّد بافضل: هو محمّد بن إسماعيل بافضل الحضرمي التريمي الشافعي ((ت 1006 هـ)). قال
7) البرهان ابن الأحْدَب: هو إبراهيم بن محمّد المعروف بابن الأحْدَب الزَّبَداني الأصل. نزيل صالحيّة دمشق ((ت 1012 هـ)).
8) الإمام عبد الرحيم المكي الحنفي: هو عبد الرحيم بن أبي بكر بن حسّان المكي الحنفي ((ت 1014 هـ)).
9) زين الدين المليباري: هو الإمام العلامة الفقيه زين الدين بن عبد العزيز بن زين الدين بن علي المعبري المليباري الشافعي ((ت 987 هـ)).
10) عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس المولود سنة 919 هـ وله إجازة حافلة من ابن حجر، موجودة بطولها في ((عقد اليواقيت الجوهرية)) ((2/ 112))، وقد كان رحل مكة وجاور بها ثلاث سنوات أخذ فيها عن ابن حجر.
11) عبد الرؤوف المناوي.
عقيدته
كان شيخ الإسلام الشهاب ابن حجر يدينُ بمعتقد أهل السنة والجماعة الأشاعرة، وهم أتباع الإمام ناصر السنة الشيخ أبي الحَسَن عليَّ بن إسماعيل الأشعري البَصْري ((260 - 324 هـ)) من سُلالة الصّحابيّ الجليل سيّدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وقد صَرّح ابن حجر بنسبته إلى الأشعرية اعتقاداً في آخر ثبته المسمى بـ ((الإجازة في عِلم الحديث)). وقال في كتابه ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)):((المرادُ بالسُّنّة: ما عليه إماما أهل السنة والجماعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي)). وصرح هناك أيضاً وفي كتابه ((التعرف في الأصلين والتصوّف)) بأنّ: ((مَنْ خالفَهُما فهو مبتدع)). وقد رَدّ ابن حجر على بعض من خالف مذهب هذين الإمامين في الاعتقاد كالمعتزلة والمجسمة وشنع عليهم أشد التشنيع.
ومذهب الأشاعرة في الاعتقاد هو ما كان عليه جماهيرُ أمّة الإسلام علماؤها ودهماؤها؛ إذ المنتسبون إليهم والسالكون طريقهم كانوا أئمة العلوم قاطبةً على مرّ الأيام والسنين فهم: أئمة علم التوحيد والكلام، والتفسير والقراءات، والفقه وأصوله، والحديث وفنونه، والتصوف، واللغة، والتاريخ. قال شيخ الإسلام التاج السُّبكي:((وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة -ولله الحمد- في العقائد يدٌ واحدةٌ كلهُّم على رأي أهل السنة والجماعة يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري-رحمه الله، لا يحيدُ عنها إلا رَعاعٌ من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورَعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرَّأ الله المالكية، فلم نَر مالكيا الاّ أشعرياً عقيدةً، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطَّحاوي التي تلقّاها علماءُ المذاهب بالقبول ورضوها عقيدةً)).
مظاهرُ من شخصية الشهاب ابن حجر
فمن ذلك:
1) قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا من أعظم ما يميز العالم المخلص عن غيره، فكم جاء في الشرع ذمُّ العلماء غير العاملين بعلمهم، وذمّ المقصرين في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2) احترامه لأهل العلم: وهذا ظاهرٌ من خلال ردوده وفتاويه فإنه يُصرّح بأن قيامه بالرّد ما هو إلا امتثال أمر الشرع ببيان الحق وإيضاحه، وتزييف الباطل وإبطاله، لتنقيص عالم حسداً وحقداً - والعياذ بالله- فلذا كان يحفظ للعلماء مقامهم ومراتبهم وأقدارهم.
3) تواضعه وعدم الاغترار بنفسه: والتواضع هو خلق العلماء العاملين الصّادقين حيثُ لا يرونَ لأنفسهم فضلاً، بل يرون كلّ ما هم فيه من النّعم منّة وفضلا من الله تعالى، مع قيامهم بواجب التدريس والتصنيف، يقول باعمرو واصفاً شيخه ابن حجر:((واعترف بكماله وتقدمه المحققون الأعلام، مع ما يشاهدونه من أخلاقه الحسنة وتواضعه الكلي، خاصة لآل النبي)). ويقول ابن حجر في مقدّمة حاشيته على كتابه ((فتح الجواد)) حول هذا الكتاب ما نصّه: ((وهو-أي ((فتح الجواد)) -يزدادُ الإصلاح فيه كلما قُرِئ عليّ، ويكثر من أهل النسخ الشكاية من ذلك عليَّ، وأنا أعتذرُ لهم بأنَّ الذي علمناه من محققي مشايخنا-الخارجين عن قضية نفوسهم، والمعرضين عن مقتضى علومهم وناموسهم، وعن قالةِ قومٍ أشربت قلوبهم محبة الباطل وترهاته-كيف يرجع الكبيرُ للصغير حتى في إصلاح مؤلفاته، وما دَرَوْا أنَّ العلوم لكونها منحاً إلهية، ومواهب اختصاصية، قد يدخر الله فيها لمن لا يؤبه له ما لم يدخره للأكابر، إعلاماً بأنَّ واسع فضله لا يتقيد بأولٍ ولا بآخر، ولا بكابر ولا بصاغر)).
4) تمهُّلُه في التأليف والفتوى وعنايتُه بهما: وهذا الأمر ضروري للفقيه، وبه يُعرف العارفُ بفنّ الفقه المحقق له من غيره، فإنه لتحقيقه وتحريره لا يغترّ بظاهر عبارة، ولا تفوته كذلك فائدة إشارة، فيبالغ في التفتيش عن جواب السؤال، وتتبُّع كلام أهل العلم فيه، حتى يتحرر ذلك لَدَيْه، فيُعوَّل السائل عليه، وكان هذا ديدنَ ابن حجر في مباحثاته وفتاويه وإليك ما قاله في كتابه ((الاتحاف ببيان أحكام إجازة الأوقاف)):((ولم أكتب فيها الاّ بعدَ مزيد استخارة وتثبت وتفحص حتى لقد اطلعتُ من تصانيف أئمتنا المعتبرة على ما يزيدُ على السبعين مؤلفاً، منها ما طالعته كلّه ككتاب ((الأشباه والنظائر)). ومنها ما طالعتُ أكثره ككتب الفتاوى، ومنها ما طالعتُ مواضع عديدة منه)).
5) صَبرْه وتحّملُه الأذى: لاقى ابن حجر أذىً كثيراً أيام طلبه ووقت إمامته ومشيخته كذلك، ومن أعظم ما كان يلقاه من الأذى ويصبر عليه سرقة حسّاده لكتبه، فقد اختصر كتاب ((الروض)) لابن المقري وشرحه شرحاً جليلا واسعاً، لكنَّ بعضَ حُسَّاده غلبته شقوته فسرقه منه قبل استنساخه وأتلفه، لكنه صَبَر وسُمِعَ وهو يقول عن سارقه:((حَلَّله الله وعفا عنه)). وقد سرق لابن حجر كتاب آخر ألّفه في مسائل الحيض والنفاس. وصبر على ذلك أيضاً.
6) مواظبته على العلم تحصيلاً وتعليماً: يقول الشعراني: ((صحبته رضي الله عنه نحو أربعين سنةً فما رأيته قط أعرض عن الاشتغال بالعلم والعمل)). ويقول باعمرو: ((كان له الدَّأبُ في التصنيف والإقراء والإفتاء ليلاً ونهاراً)).
ثناءُ العلماء عليه
1) قال الإمام عبد القادر الفاكهي- تلميذ ابن حجر- ((سيّدنا وشيخنا الإمام العالم العلاّمة، الحبر البحَر الحجّة الفهّامة، مفتي المسلمين، صَدْرُ المدَرّسين، بقيّةُ المجتهدين، بركةُ بلاد الله الأمين أحمد شهاب الدين بن حجر الشافعي)).
2) قال الإمام عبد القادر العيدروس: ((الإمام، شيخ الإسلام، خاتمة أهل الفتيا والتدريس، ناشر علوم الإمام محمّد بن إدريس، الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حجر
…
كان بحراً في علمِ الفقه وتحقيقه لا تكدّره الدّلاء، وإمام الحرمَيْن كما أجمع على ذلك العارفون وانعقدت عليه خناصُر الملأ، إمامٌ اقتدت به الأئمة، وهُمَامٌ صار في إقليم الحجاز أمّة، واحدُ العَصْر، وثاني القطر، وثالث الشمس والبدر، مَنْ أقسمتِ المشكلاتُ أنْ لا تتضح إلاّ لديه، وأكدّتِ المعضلاتُ آليتها أن لا تنجلي إلاّ عليه، لا سيّما في الحجاز عليها قَدْ حُجِر، ولا عجب فإنه المسمّى بابن حجر)).
3) قال الإمام ابن الغزي: ((إمام الحرمَيْن، ومفتي العراقيين، شيخ الإسلام، العلاّمة المحقق)).
4) قال العلاّمةُ الشيخُ منصور الطَّبلاوي ت 1014 هـ مجرّد حَوَاشي شيخه الإمام ابن قاسم العبّادي على ((التحفة)) ما نصّه: ((خاتمة أهل التصنيف، وخطيب ذوي التأليف، إمام العلماء المحققين، ولسانُ الفقهاء المُدَققين، مولانا شيخ مشايخ الإسلام والمسلمين، عالم الحرَم الأمين، شهاب الملّة والدين ابن حجر الهيتمي ثمّ المكّي)).
5) قال الشوكاني: ((كان زاهداً متقللاًّ على طريقة السَّلف، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، واستمّر على ذلك حتى مات)).
6) قال العلامة علي باصابرين: ((والذي تلقيناه من المشايخ أنّ المجدِّدَ في المائة العاشرة: الشيخُ أحمد بن حجر الهيتمي أو الإمام محمّد الرّملي. ورجحّه بعضهم؛ لكون الإمام ابن حجر مات قبل مضيّ القرن)).
7) قال العلاّمة الشيخ يوسف النبهاني الشافعي معلّلاً قبول الناس لمصنفات ابن حجر وإقبالهم عليها: ((للاتفاق على أنه أحد الأئمة الأعلام الذين لم يطعن فيهم أحدٌ من علماء ومذاهب الإسلام من عصره إلى الآن، ولم ينسبه واحدٌ منهم إلى بدعةٍ أو مخالفة سنةٍ أو أدنى شيءٍ يخلُّ بعلمه ودينه وثقة عموم الأمّة به)).
تصانيف الإمام ابن حجر
برع الشهاب ابن حجر في علومٍ كثيرةٍ من: التفسير والحديث والكلام والفقه أصولاً وفروعاً، والفرائض والحساب والنحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والتصُوّف. وكانت له اليَدُ الطولى في تدريس هذه العلوم وإقرائها وإفادتها، وحَلّ عويصها ومشكلها، بل والتصنيف الواسع في بعضها كالفقه والحديث والسيرة والتاريخ. قال الخفاجي:((تآليفه غرر منيرات، أضاءت في دُهْم المشكلات، فكم أغنى بتحف أفكاره محتاجاً، وأوضح للإرشاد منهاجاً، وكفَّ المبتدعة بالصواعق والزواجر، وفاق بأقواله المعتمدة الأوّل والآخر)).
كتبُ الفقه:
1) إتحافُ أهل الإسلام بخصوصيات الصّيام.
2) إتحافُ أهل الفطنة والرياضة بحلّ مشكلات أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة.
3) الإتحاف في أحكام إجارة الأوقاف.
4) إتحاف ذوي الغِنى والإنافة إلى ما جاء في الصَّدقة والضيافة = الإنافة فيما ورد في الصدقة والضيافة.
5) أجوبةُ أسئلة الإمام عثمان.
6) الأجوبة الحَسَنَة عن الأسئلة اليمنة.
7) أحكام الحمّام.
8) أحكام الإمامة.
9) الأدلة المرضية على بطلان الدور في المسألة السُّرَيْجِيَّة.
10) أسئلة فقهيّة أجاب عنها ابن حجر.
11) إصابة الأغراض في سقوط الخيار بالإعراض.
12) الإعلام في قواطع الإسلام.
13) الإفادة لما جاء في المرض والعيادة.
14) الإمداد بشرح الإرشاد = شرح الإرشاد=الشرح الكبير على الإرشاد.
15) الانتباه لتحقيق غويص مسائل الإكراه=مسائل الإكراه الحسّي والشرعي في الطلاق.
16) إيضاح الأحكام لما يأخذه العُمّالُ والحُكام.
17) الإيضاحُ والبيانُ لما جاء في ليلتي الرغائب والنصف من شعبان.
18) الإيعاب شرح العُباب.
19) تحفةُ المحتاج بشرح المنهاج
(1)
.
(1)
وهذا أشهرُ كتبه على الإطلاق، وأعمدُ كتب الشيخ ابن حجر رحمه الله وأهمها، وأكثرها تداولاً في مطالعات علماء مذهبنا المتأخرين، واعتمادِهم عليها في تقرير المسائل وتحرير الفتاوى.
ولأهمية هذا الشرح فقد صرف كثير من علماء مذهبنا هممهم إلى العمل عليها ما بين محشٍ مبينٍ لخباياها، وآخر معترض، وثالث يرد هذا المعترض، ورابع مختصر مقرب لعلومها، وخامس باحث في مصطلحاتها، ومن ذلك:
1) ((طرفة الفقير بتحفة القدير)). وهي حاشية للشارح ابن حجر نفسه على ((التحفة)) لكنها لم تتم.
2) كتاباتٌ للإمام الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة المتوفى سنة 972 هـ، وهو ينكّت في كتاباته هذه على ((التحفة)) في مجلّدين.
3) حاشية الإمام المحقق أحمد بن قاسم العّبادي، تلميذ ابن حجر المتوفى سنة 994 هـ، وله فيها اعتراضاتٌ ونكاتٌ على شرح شيخه.
4) حاشية الإمام المحقق السّيد عمر البَصْري المكي، تلميذ ابن حجر المتوفى سنة 1037 هـ.
5) حواشي الإمام عبد الله بن سعيد باقشير الحضرمي ثمّ المكي تلميذ السيد عمر البصري.
6) حاشية العلامة رضي الدّين بن عبد الرّحمن الهيتمي، حفيد ابن حجر المتوفى سنة 1041 هـ. وقد رَدّ بها اعتراضاتِ ابن قاسم على ((التحفة)).
7) كتاباتٌ للإمام عبد العزيز الزّمزمي، سبط ابن حجر المتوفى سنة 1072 هـ.
8) حاشية العلامة الهاتفي، نقل منها العلامة الكردي في الحواشي المدينة (1/ 4، 23، 33).
9) حاشية العلامة عبد الحميد الشِّرواني الدّاغستاني، وهي من أكبر الحواشي وأجمعها وأسهلها تناولاً، اعتنى فيها مؤلفُها بتوضيح ما قد يُشكل من عبارات ((التحفة)) وبيان عود ضمائرها، وذَكَر الخلافَ الواقع بين كتب ابن حجر نفسه، وبينه وبين المتأخرين كشيخ الإسلام والشمسين الرملي والخطيب، مع زياداتٍ مهمةٍ من كتب المتأخرين، وحوى فيها أيضاً مقاصدَ حاشية العلامة ابن قاسم العبادي على ((التحفة)).
10) حاشية العلامة ابن القائد الحُسَيْن بن إبراهيم.
11) حاشية العلامة المتبحر محمد الطائفي المكي.
12) حاشية العلامة الفقيه أبي الرُّوح شرف الدين عيسى بن صبغة الله الكردي الصّفوي، وهي على جزء العبادات.
13) كتابةٌ للعلامة الفقيه المفنن أحمد بن محمد الباقاني النابلسي، قال المرادي: وهي فائقة.
14) حاشية العلامة صالح بافضل بن محمّد بن عبد الله المتوفى سنة 1333 هـ، تبلغ أربع مجلدات كما قال ميرداد.
15) حاشية العلامة أبي بكر السّيد شطا الدمياطي البكري، وصل فيها إلى باب البيوع.
16) شرح فرائض التحفة، للعلامة محمّد بن سليمان الكردي المتوفى سنة 1194 هـ.
17) حاشيةُ العلامة الكبير الملاّ يحيى بن حسين المَزوري الكُرْدي، تَصَدّي فيها للجواب عن اعتراضات ابن قاسم على ((التحفة)) وسمّاها: السّراج الوهاج في شرح تحفة المحتاج. وعندي مصورةٌ من مخطوطتها بخط دقيق.
18) حاشية العلامة زين الدين أبي الخير عبد الرحمن بن عبد الله السويدي البغدادي المتوفى سنة 1200 هـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . .. . . . . . . .
19) حاشية العلاّمة السّيد عبد الرحمن بن عبيد الله السَّقاف، وقد كتب حاشية على كامل ((التحفة))، لكنَّ المطبوع منها والمشهور هو ما كتبه على باب القضاء من ((التحفة)) وسماه ((صَوْب الرُّكام في تحقيق الأحكام)) وهذا القسم في مجلدين.
20) حواشي العلامة ابن اليتيم، وقع النقل منها في ((الفوائد المكية))، ونقل منها العلامة محمد سليمان الكردي في ((الحواشي المدنية)).
21) حاشيةُ العلامة الكَرْدي بفتح الكاف، وهو غير محمد بن سليمان الكردي المشهور المتقدم الذكر فابن سليمان عربي، وصاحب هذه الحاشية فارسي كما أفاده الشرواني.
22) حاشية العلامة إسماعيل بن العلامة عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، ذكر المحبي: أنه كان شافعياً ثم صار حنفياً.
23) حاشية العلامة أسعد بن عبد الله الحيدري، قال المُدَرِّس:((وهذه الحاشية جليلةُ القدر حاكم فيها المحشين على "التحفة").
24) حاشية العلامة إبراهيم بن حَيدر الحيدري.
25) حاشية إبراهيم بن فصيح الحيدري.
26) حاشية العلامة حيدر بن محمد، وهو معاصر لابن حجر.
27) حاشية العلامة عبد الرحمن الجلي، وهي زهاء ثلاث مجلدات.
28) حاشية العلامة ابن الخياط.
29) حاشية الملا عبد العظيم المجتهدي، قال المدرِّس:((وكان من المختصيين بمطالعتها - أي: ((التحفة)) - وتدريسها والتعليق عليها)). اهـ
30) حاشية العلامة عيسى بن صبغة الله الحيدري، وهي على جزء العبادات.
31) حاشية العلامة محمد رسول.
32) حاشية الملا رسول الذكي، جدُّ محمد رسول سابق الذكر. ولعلَّها التي ذكرها العلامة محمد سليمان الكردي في ((الفوائد المدنية)).
33) اختصارُ حواشي ابن قاسم العبادي على ((التحفة)) للعلامة أحمد بن علي جلاخ باقشير.
34) حاشية على ((التحفة))، ذُكرت هكذا في فهرس مخطوطات المكتبة الأزهرية من غير ذكر مؤلفها.
أما ما كتب عن اصطلاحاتها فمها:
35) ((عقودُ الدّرر في مصطلحات تحفة ابن حجر)) للعلامة محمد بن سليمان الكُرْدي. وعندي منه مصورةٌ من نسخةٍ خطيةٍ ناقصةٍ محفوظةٍ في مكتبة الأحقاف بتريم.
36) ((تذكرةُ الإخوان)) في مصطلح ((التحفة)) ومسائل أخرى للعلامة العُلَيْجي تلميذ الكردي سابق الذكر، وعندي منه مصورة من نسخةٍ خطيّة، والرسالة مطبوعة قديماً في أول ((حاشية)) السّيد عمر البصري على ((التحفة)).
37) ((شرح خطبة التحفة)) للعلامة الجرهزي.
38) رسالةٌ في مصطلحات ((التحفة))، للجرهزي.
20) تجريد الخادم.
21) تحذيرُ الثقات من استعمال الكُفتة والقات.
22) تحرير الكلام في القيام عند ذِكر مولد سيّد الأنام صلى الله عليه وسلم.
23) تحريرُ المقال في آداب وأحكام وفوائد يحتاج إليها مؤدّبو الأطفال.
24) تحفةُ الزُّوّار إلى قبر النبيّ المختار.
25) التحقيق لما يشملُهُ لفظ العتيق.
26) حاشيةٌ على كتاب الإمام عبد الله باقشير الحضرمي في مسائل الحيض والنفاس.
27) تلخيصُ الإحرا في حكم الطلاق بالإبرا = إيضاح المقررّ من أحكام المحرّر.
28) تنبيهُ الأخيار عن معضلاتٍ وقعت في كتاب الوظائف وأذكار الأذكار.
29) تنبيهُ الغبي إلى السلسبيل الرَّوي في وجوب تحيّة أهل البيت النبوي.
30) تنويرُ البصائر والعيون بإيضاح حكم بيع ساعة من قرار العيون.
31) نزهةُ العيون في حُكْم بيع العيون.
32) جوابٌ في الانتصار لاعتماد ترجيح الشيخين والإعراض عماّ سواه.
33) الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرّم.
34) حاشية الإيضاح = منح الفتّاح بكشف حقائق الإيضاح.
35) حاشية التحفة = طرفة الفقير بتحفة القدير.
36) حاشية العباب = كشف النّقاب عن مخبآت العباب.
37) حاشية فتح الجواد.
38) حاشية المنهاج.
39) الحقُّ الوَاضِحُ المقرَّرُ في حكم الوصيّة بالنّصيب المقدّر.
40) ختم المنهاج.
41) دَرُّ الغمامة في درّ الطيلسان والعذبة والعِمامة.
42) دوريات الوصية.
43) ذيلٌ على كتابه دوريات الوصية.
44) الذّيلُ على تحرير المقال في آداب وأحكام وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال.
45) رفعُ الشُّبَهِ والرّيب عن حكم الإقرار بأخوّةِ الزّوْجة المعروفة النَّسَب.
46) سوابغ المَدَد في العَمَل بمفهوم قول الواقف من مات وله ولد.
47) شرح ديباجة المنهاج.
48) شرح رسالة في آداب قرآءة القرآن.
49) شرحُ مختصر الشيخ أبي الحَسَن البكري في الفقه.
50) شرحُ مختصره النعيم وهو مختصرُ روض الطالب لابن المقري، واسم هذا الشرح بشرى الكريم.
51) شرح مختصر الروض.
52) شرح فرائض الحَلِيمي.
53) شرحُ منظومة ابن المقري في الفرائض.
54) شروطُ الوضوء.
55) شَنُّ الغارة على مَنْ أبْدى معّرة تقوّله في الحِنّا وعوارَه.
56) العتقُ في الوقف.
57) العملُ بالمفهوم في الوقف.
58) الفتاوى الصُّغرى.
59) الفتاوى الكبرى الفقهيّة.
60) فتحُ الجواد بشرح الإرشاد = الشرح الصغير على الإرشاد
61) الفقه الجلي في الرّدّ على الخلي.
62) قرّةُ العَيْن ببيان أنَّ التبرُّع لا يبطلُه الدَّين.
63) القول الجلي في خفض المعتلي.
64) كشف الغين عمّن ضل عن محاسن قرَّة العين.
65) كشفُ الغَين عن أحكام الطاعون وأنه لا يَدْخُلُ البلدَين.
66) كفُّ بلعفيف عن الخطأ والخَطَلِ والتحريف.
67) كفُّ الرَّعَاع عن محّرماتِ اللهْوِ والسّماع.
68) مؤلف في المخاصمة في أمر الدنيا.
69) مختصر الإرشاد.
70) مختصر الإيضاح.
71) مختصر الرّوض = النّعيم.
72) مختصر الروض.
73) مسائل في الفقه.
74) مسائل في الفقه منقولة عن ابن حجر.
75) المستعذَب في حكم بيعِ الماء وساعةٍ من قراره وتحقيقِ الحكم بالموجَب.
76) مناسك الحج.
77) المناهل العَذْبة في إصلاح ما وَهى من الكعبة.
78) المنهج القويم بشرح مَسَائل التعليم.
79) نزهة العيون في حُكْم بيع العيون.
80) النعيم.
81) مؤلفٌ في الأسرار.
82) الوصية.
الأجزاء والشروح الحديثية ومتعلقاتها:
1) مؤلف في مشيخته وخرقة تصوفه وأسانيده.
2) مؤلف آخر في مشيخته وخرقة تصوفه وأسانيده.
3) الأذكار.
4) الأربعون العَدْلية = الأربعون حديثاً في العَدْل = الفضائل الكاملة لذوي الولايات العادلة.
5) الأربعون في الجهاد.
6) ارتياحُ الأرواح الزكية لصحيح الشواهد النبوية.
7) إسعافُ الأبرار شرح مشكاة الأنوار.
8) الإفصاح عن أحاديث النكاح.
9) إلصاق عوار الهَوَس بمن لم يَفْهم الاضطراب في حديث البسملة عن أنس.
10) جزءٌ في العمامة النبوية.
11) ختم البخاري.
12) زوائد سنن ابن ماجه.
13) شرح أحاديث نبوية.
14) فتح الإله بشرح المشكاة.
15) فهْرسة صُغرى.
كُتُبُ أصول الفقه:
1) التعرف في الأصْليْن والتصوّف.
كتبُ التوحيد والكلام:
1) الأقوال المنقولة عن الأئمة في أبويه صلى الله عليه وسلم وغيرهما مِنْ آبائه.
2) الدُّررُ الزاهرة في كشف بيانِ الآخرة.
3) ذَيلُ الصّواعق المحرقة.
4) رسالة في القَدَر.
5) رسالة في النبوة.
6) شرح عقيدة ابن عراق.
7) شرح منظومته في أصول الدين.
8) الصواعق المحرقة على أهل البِدَع والضَّلال والزَّندقة.
9) فوائد تتعلق بالروح في البرزخ وسؤال الملكين وما اسمُهما.
10) القول المختصر في علامات المهدي المنتظر.
11) كلام عن التطوع وصفات الله تعالى.
12) منظومة في أصول الدين.
13) النفحات المكيّة.
كتب التصَوّف والرّقائق:
1) أسنى المطالب في صلة الأقارب
2) تحرير المواعظ والنصائح لأرباب الولايات والمصالح
3) تكفير الكبائر.
4) جمر الغضا لمن تولى القضا.
5) الدرّ المنضود في الصّلاة والسّلام على صاحب المقام المحمود.
6) الدُّرُّ المنظوم في تسلية الهُمُوم.
7) الزواجر عن اقتراف الكبائر.
8) سعادة الدّارَيْن في صلح الأخوين
9) شرح حزب شيخه أبي الحسن البكري.
10) شرح العوارف.
11) شرح عين العِلْم وزين الحِلْم
12) كنز الناظر في مختصر الزواجر.
13) مؤلف في الاستغفار من السوى.
14) مؤلف آخر في الاستغفار من السوى.
15) مُطَهّر العَيْبة عن دَنَس الغِيبة.
16) مسألة فيما تحصّل من كلام الناس في محيي الدّين بن عربي.
17) منبهات الاستعداد ليوم المعاد = أوراد ابن حجر.
18) النخب الجليلة في الخُطَب الجزيلة.
19) نصيحة الملوك.
كُتُب السّيرة والتاريخ:
1) الإسراء.
2) أشرف الوسائل إلى فَهْم الشّمائل.
3) تحفة الأخبار في مولد المختار صلى الله عليه وسلم = مولد ابن حجر.
4) تطهير اللسان والجنان عن الخطور والتفوّه بثلب معاوية بن أبي سفيان.
5) تطهير اللسان والجنان عن الخطور والتفوّه بثلب معاوية بن أبي سفيان.
6) تعريف إخوان الصّفا نُبَذٍ من أخبار الخلفا = مختصر تاريخ الخلفاء.
7) الخيرات الحِسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان
8) شرح بردة المديح.
9) كُنْهُ المراد في شرْح بانت سُعاد.
10) قلائد العقيان في ترجمة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان.
11) مؤلف في بيان حقيّة خلافة الصدّيق وإمارة ابن الخطّاب رضي الله عنهما.
12) مبلغ الأرب في فضائل العرب.
13) معدن اليواقيت الملتمعة في مناقب الأئمة الأربعة.
14) منتهى الإعلام بوفيات الصّحابة وملوك الإسلام = تاريخ ابن حجر.
15) المنح المكية بشرح الهمزية = أفضل القِرى لُقُرّاء أم القُرى
16) النعمة الكُبرى على العالم بمولد سيّد ولد آدم = إتمام النعمة الكبرى على العالم.
17) الوفا في بيان حقوق المصطفى.
كتب النحو:
1) شرح ألفية ابن مالك.
2) نظم الآجرومية.
كتب الهيئة والفلك:
1) مختصرُ الهيئة السّنية في الهيبة السنية.
كتب ذات موضوعات متنوعة:
1) ظُرَفُ الفوائد وطُرَف الفرائد.
2) الفتاوى الحديثية.
3) رياض الأزهار في جلاء الأبصار.
الموضوعات المفردة من كتبه:
1) بحث في القهوة.
2) تعريف الصحّابي.
3) رسالة في الإنشاد والدق والطرب.
4) رسالة في ترجمة الإمام البخاري.
5) رسالة في فضل تلاوة القرآن.
وفاته
اختلفت أقوال المترجمين في تعيين سنة وفاته، وذُكر فيها أقوالٌ أربعة:
الأوّل: أنها سنة أربعٍ وستين وتسعمائة للهجرة. الثاني: أنها سنة ثلاثٍ وسبعين وتسعمائة للهجرة. الثالث: أنها سنة أربعٍ وسبعين وتسعمائة للهجرة. الرابع: أنها سنة خمسٍ وتسعين وتسعمائة للهجرة.
أمّا القَوْلان الأوّل والرّابع: فكلاهما غلط كما جزم به الكتاني.
وكتب أحد معاصريه على وجه عنوان ثبت أسانيد ابن حجر المسمى بـ ((الإجازة في علم الحديث)) المرقوم بخطه الشريف رحمه الله ما نصه: ((مات الشيخ العالم المتفنن والحافظ المتقن شهاب الدين أحمد بن حجر رحمة الله عليه، وفاز في الجنة برضوان من الله أكبر، في يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر رجب الفرد الحرام ببلد الله الحرام لسنة أربعٍ وسبعين وتسعمائة وحضرتُ جنازته وصلينا عليه بباب الكعبة المعظمة شرفها الله وعظمها)).
[أخذت هذه الترجمة بالكامل من رسالة لأخينا د. أمجد رشيد عن ابن حجر]
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الجَوَادِ، الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْأَعْدَادِ، المَانُّ بِاللُّطْفِ وَالْإِرْشَادِ، الهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، المُوَفِّقُ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ مَنْ لَطَفَ بِهِ وَاخْتَارَهُ مِنْ الْعِبَادِ
بسم الله الرحمن الرحيم
(بسم) أي أؤلف أو أفتتح تأليفي، والباء للمصاحبة أو للاستعانة (الله) علمٌ على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع الكمالات لذاته (الرحمن) أصله كثير الرحمة ثم غُلِّب على البالغ الرحمة والإنعام (الرحيم) أي ذي الرحمة الكثيرة، والرحمن أبلغ منه.
(الحمد لله) أي لذاته (البر) أي المحسن (الجَوَاد) أي كثير العطاء وورد في ذلك حديث مرسل اعتضد بمسند، وأسماؤه تعالى توقيفية
(1)
فلا يخترع اسم إلاّ بقرآن أو حديث صحيح ورد في اسم مصرحٍ به، لا لمقابلة إن استحال المعنى
(2)
(الذي جَلَّت) أي عظمت (نِعَمُهُ) وهي كل ملائم تُحْمَدُ عاقبته (عن الإحصاء) أي الضبط (بالأعداد) أي بكل فرد فرد منها (ألمانّ)، من المنة وهي النعمة مطلقا أو بقيد كونها ثقيلة مبتدأة من غير مقابل يوجبها (باللطف) وهو ما يقع به صلاح العبد آخره، (والإرشاد) أي الدلالة على الخير أو الإيصال إليها (الهادي إلى سبيل الرشاد)، وهو ضد الغي (الموفق) أي المقدر (للتفقه) أي التفهم وهو العلم بالأحكام الشرعية العملية الناشئة عن الاجتهاد (في الدين) وهو عرفاً وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات (مَنْ لطف به واختاره من العباد) المكلفين ولو
(1)
. ذكر الشارح في كتاب الدعوى أن الفعل لا بد فيه من التوقيف؛ لكن الفرق بينه وبين الاسم والصفة أن هذين لا بد من ورود لفظهما بعينه ولا يجوز اشتقاقهما من فعل أو مصدر ورد كما صرحوا به بخلاف الفعل لا يشترط ورود لفظه، بل يكفي ورود معناه أو مرادفه، بل عدم إشعاره بالنقص وإن لم يرد معناه أو مرادفه. 10/ 313.
(2)
أي فإن استحال المعنى في المقابلة فليس اسما نحو قوله تعالى {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} الأنفال: 30 بخلاف ما إذا لم يكن مستحيلا نحو الجميل.
أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ وَأَكْمَلَهُ، وَأَزْكَاهُ وَأَشْمَلَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ الْوَاحِدُ الْغَفَّارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المُصْطَفَى المُخْتَارُ صلى الله وسلم عَلَيْهِ. وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، وَأَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ، وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله مِنْ التَّصْنِيفِ مِنْ المَبْسُوطَاتِ وَالمُخْتَصَرَاتِ، وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ ((المُحَرَّرِ)) لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله ذِي التَّحْقِيقَاتِ، وَهُوَ كَثِيرُ الْفَوَائِدِ، عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ المَذْهَبِ،
ملائكة (أحمدُه) أي أصفه بجميع صفاته (أبلغ حمد) من حيث الإجمال (وأكمله وأزكاه وأشمله، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الغفار) أي الستار لذنوب من شاء من عبادة المؤمنين فلا يؤاخذهم بها (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) إلى الإنس والجن والملائكة
(1)
والجمادات (المصطفى) أي المستخلص من الصفوة (المختار صلى الله وسلم عليه وزاده فضلا وشرفا لديه، أما بعد:) هي سنة في الخطبة (فإن الاشتغالَ بالعلم) أي التفسير والحديث والفقه وآلاتها (من أفضل الطاعات) ففرض عينه أفضل الفروض العينية وأفضلها معرفة الله، وفرض الكفاية منه أفضل فروض الكفايات، ونفله أفضل من بقية النوافل، والمراد أنه أفضل الطاعات و ((من)) زائدة فائدتها الإشارة إلى أن كلاً من العلوم الثلاثة أفضل بقية أفراد أنواعه ومفضول بالنسبة إلى نوع آخر أعلى منه (وأولى) يصح عطفها على أفضل، وكذا من أفضل
(2)
(ما أنفقت فيه نفائس الأوقات، وقد أكثر أصحابنا رحمهم الله من) زائدة (التصنيف) بمعنى التأليف (من المبسوطات) هي ما كثر لفظها ومعناها (والمختصرات) هي ما قل لفظها وكثر معناها، ويرادف الاختصار الإيجاز، (وأتقنُ مختصر المحرر) هو كأسماء الكتب من قبيل عَلَمِ الجنس، وأسماء العلوم من قبيل عَلَمِ الشخص (للإمام) هو من يُقتدى به في الدين (أبي القاسم) ولم تحرم هذه الكنية؛ لأنها وُضعت له واشتهر بها ولم يضعها هو أوّلاً، وأيضا للحاجة كذلك (الرافعي رحمه الله ذي التحقيقات) والتحقيق إثبات المسألة بدليلها أو علتها، والتدقيق إثباتها بدليل آخر (وهو كثير الفوائد) وهي ما يُرغب في استفادته (عمدة في تحقيق المذهب).
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. خلافا للمحلي والنهاية والمغني.
مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ مِنْ أُولِي الرَّغَبَاتِ، وَقَدْ الْتَزَمَ مُصَنِّفُهُ رحمه الله أَنْ يَنُصَّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أَوْ أَهَمِّ المَطْلُوبَاتِ لَكِنْ فِي حَجْمِهِ كِبَرٌ يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَصْرِ إلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ، فَرَأَيْت اخْتِصَارَهُ فِي نَحْوِ نِصْفِ حَجْمِهِ، لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ مَعَ مَا أَضُمُّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ
أي بيان الأصح وإيضاح المشتبه منه (معتمد للمفتي) أي المجيب في الحوادث بما يستنبطه أو يرجحه (وغيره) وهو المستفيد لنفسه أو لإفادة غيره (من أولي الرغبات).
[تنبيه] يجوز النقل من الكتب المعتمدة ونسبة ما فيها لمؤلفيها وإن لم يتصل سند الناقل بمؤلفيها، نعم النقل من نسخة كتاب لا يجوز إلا إن وثق بصحتها أو تعددت تعددا يغلب على الظن صحتها أو رأى لفظها منتظما وهو خبير فطن يدرك السقط والتحريف، فإن انتفى ذلك قال:((وجدت كذا)) أو نحوه. والكتب المتقدمة على الشيخين لا يعتمد شيء منها إلا بعد مزيد الفحص والتحري حتى يغلب على الظن أنه المذهب فيتعين سبر كتبهم، هذا كله في حكم لم يتعرض له الشيخان أو أحدهما، وإلا فالمعتمد ما اتفقا عليه أي ما لم يجمع متعقبو كلامهما على أنه سهو، فإن اختلفا فالمصنف فإن وجد للرافعي ترجيح دونه فهو. وكتب الإمام النووي غالبا يقدم منها ما هو مُتَتَبِّع فيه كـ ((التحقيق)) فـ ((المجموع)) فـ ((التنقيح)) ثم ما هو مختصِر فيه كـ ((الروضة)) فـ ((المنهاج))، ونحو فتاواه فـ ((شرح مسلم)) فـ ((تصحيح التنبيه)) و ((نكته)) من أوائل تأليفه فهي مؤخرة عما ذكر وهذا تقريب، وإلا فالواجب في الحقيقة عند تعارض هذه الكتب مراجعة كلام معتمدي المتأخرين واتباع ما رجحوه منها، (وقد التزم مصنفه رحمه الله أن ينص على ما صححه معظم الأصحاب) ; لأن الخطأ إلى القليل أقرب منه إلى الكثير، وهذا حيث لا دليل يعضد ما عليه الأقلون وإلا اتبعوا، (ووَفَّى بما التزمه وهو من أهم أو أهمُّ المطلوبات، لكن في حجمه كِبَرٌ يعجز عن حفظه أكثر أهل العصر، إلا بعض أهل العنايات فرأيت اختصاره) مستوعبا لمقاصده بحسب الإمكان أو غالبا (في نحو نِصف حجمه ليسهل حفظه مع ما أضمه إليه إن شاء الله من النفائس المستجادات).
مِنْهَا التَّنْبِيهُ عَلَى قُيُودٍ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ هِيَ مِنْ الْأَصْلِ مَحْذُوفَاتٌ، وَمِنْهَا مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ ذَكَرَهَا فِي المُحَرَّرِ عَلَى خِلَافِ المُخْتَارِ فِي المَذْهَبِ كَمَا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَاضِحَاتٍ، وَمِنْهَا إبْدَالُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيبًا، أَوْ مُوهِمًا خِلَافَ الصَّوَابِ بِأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مِنْهُ بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ، وَمِنْهَا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالنَّصِّ،
(منها التنبيه على قيود) والقيد ما جئ به لجمع أو منع أو بيان واقع (في بعض المسائل هي من الأصل محذوفات، ومنها مواضع) نحو الخمسين (يسيرة ذكرها في المحرر على خلاف المختار في المذهب كما ستراها إن شاء الله واضحات، ومنها إبدال ما كان من ألفاظه غريبا أو موهما خلاف الصواب) بأن كان معناه المتبادر منه غير مراد أو استوى معنياه فلا يُدرى المراد، وإن كان ذلك اللفظ مما يؤلف فلا يتحد هذا مع الغريب; لأن ذاك فيه عدم إلف ولو بلا إيهام وهذا فيه إيهام ولو مع إلف فبينهما عموم وخصوص من وجه (بأوضح وأخصر منه بعبارات جليّات، ومنها بيان القولين) والأقوال للشافعي رضي الله عنه، و الراجح منهما ما تأخر إن عُلم، وإلا فما نص على رجحانه وإلا فما فرَّع عليه وحده وإلا فما قال عن مقابله مدخولٌ أو يلزمه فساد، وإلا فما أفرده في محل أو جواب، وإلا فما وافق مذهب مجتهد؛ لتقويه به، فإن خلا عن ذلك كله فهو لتكافؤ نظريه وهو يدل على سعة العلم ودقة الورع حذراً من ورطة هجوم على ترجيح من غير اتضاح دليل.
[تنبيه] يجوز تقليد أرباب المذاهب الأخرى إن كانوا ممن يجوز تقليدهم
، وعلمنا نسبة القول إليهم ولم يتَّبِع المقلِّد الرُّخص بحيث تنحل ربقة التكليف عنه، وإلا فسق، وبحيث لا يبقى من آثار العمل الأول ما يلزم عليه مع الثاني حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس ومالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة.
(والوجهين) أو الأوجه للأصحاب خرَّجوها على قواعده أو نصوصه، وقد يشذون عنهما كالمزني وأبي ثور فتنسب لهما ولا تعد وجوها في المذهب (والطريقين) أو الطرق وهي اختلافهم في نقل المذهب؛ فيحكي بعضهم نصين وبعضهم نصوصا وبعضهم بعضها أو مغايرها حقيقة كأوجه بدل أقوال أو عكسه، أو مغايرها باعتبارٍ كتفصيل في مقابلة إطلاق وعكسه (والنص) أي المنصوص للشافعي رضي الله عنه، وقد لا يذكره؛ لأنه التزم فقط ذكر نص يقابله
وَمَرَاتِبُ الخِلَافِ فِي جَمِيعِ الحَالَاتِ. فَحَيْثُ أَقُولُ: الْأَظْهَرِ أَوْ المَشْهُورِ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ، فَإِنْ قَوِيَ الخِلَافُ قُلْت الْأَظْهَرُ وَإِلَّا فَالمَشْهُورُ، وَحَيْثُ أَقُولُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ، فَإِنْ قَوِيَ الخِلَافُ قُلْت: الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ، وَحَيْثُ أَقُولُ: المَذْهَبُ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ، وَحَيْثُ أَقُولُ: النَّصُّ فَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَيَكُونُ هُنَاكَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَوْ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ،
وجه أو تخريج (ومراتب الخلاف في جميع الحالات)، وقد لا يذكر الخلاف؛ لأنه التزم إن ذكر الخلاف أن يبين مرتبته، (فحيث أقول الأظهر أو المشهور فمن القولين أو الأقوال فإن قوي الخلاف)؛ لقوة مدرك غير الراجح منه بظهور دليله وعدم شذوذه وتكافؤ دليلهما في أصل الظهور، ويمتاز الراجح بأن عليه المعظم أو بكون دليله أوضح، وقد لا يقع تمييز (قلت الأظهر) المشعر بظهور مقابله (وإلا فالمشهور) المشعر بخفاء مقابله (وحيث أقول الأصح أو الصحيح فمن الوجهين أو الأوجه)، ثم إن كانت من واحد فالترجيح بما مر في الأقوال أو من أكثر فهو بترجيح مجتهد آخر، (فإن قوي الخلاف قلت الأصح) المشعر بصحة مقابله أي أن مدركه له حظ من النظر بحيث يحتاج في ردِّه إلى غوص على المعاني الدقيقة والأدلة الخفية بخلاف مقابل الصحيح فيستهجن من أول وهلة. وقد يقع للمصنف أنه في بعض كتبه يعبر بالأظهر وفي بعضها يعبر عن ذلك بالأصح فإن عرف أن الخلاف أقوال أو أوجه فواضح، والأرجح الدال على أنه أقوال; لأن مع قائله زيادة علم بنقله عن الشافعي رضي الله عنه بخلاف نافيه عنه، (وإلا فالصحيح)، ولا يسن مراعاة خلاف مقابله إلا في بعض المسائل التي ظهر لغير المصنف قوة مقابلها، (وحيث أقول المذهب فمن الطريقين أو الطرق)، كأن يحكي بعضٌ القطع أي أنه لا نصَّ سواه وبعضٌ قولا أو وجها أو أكثر، وبعضٌ ذلك أو بعضه أو غيره مطلقا أو باعتبار كما مر، ثم الراجح المعبَّر عنه بالمذهب قد يكون طريق القطع أو موافقها من طريق الخلاف أو مخالفها. (وحيث أقول النص فهو نص الشافعي رضي الله عنه ويكون هناك وجه ضعيف أو قول مخرّج) من نصه في نظير المسألة على حكم مخالف، بأن ينقل بعض أصحابه نص كل إلى الأخرى، فيجتمع في كل منصوص ومخرج، ثم الراجح إما المخرج وإما المنصوص وإما تقرير النصين والفرق وهو الأغلب.
وَحَيْثُ أَقُولُ: الجَدِيدُ فَالْقَدِيمُ خِلَافُهُ، أَوْ الْقَدِيمُ، أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ فَالجَدِيدُ خِلَافُهُ، وَحَيْثُ أَقُولُ: وَقِيلَ كَذَا فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ أَوْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَحَيْثُ أَقُولُ: وَفِي قَوْلٍ كَذَا فَالرَّاجِعُ خِلَافُهُ. وَمِنْهَا مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ أَضُمُّهَا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَلَّى الْكِتَابُ مِنْهَا أَقُولُ فِي أَوَّلِهَا قُلْت، وَفِي آخِرِهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ وَمَا وَجَدْتَهُ مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي المُحَرَّرِ فَاعْتَمِدْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا، وَكَذَا مَا وَجَدْتَهُ مِنْ الْأَذْكَارِ مُخَالِفًا لِمَا فِي المُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَاعْتَمِدْهُ فَإِنِّي حَقَّقْتُهُ مِنْ كُتُبِ الحَدِيثِ المُعْتَمَدَةِ، وَقَدْ أُقَدِّمُ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفَصْلِ لِمُنَاسَبَةٍ أَوْ اخْتِصَارٍ، وَرُبَّمَا قَدَّمْت فَصْلًا لِلْمُنَاسَبَةِ، وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا المُخْتَصَرُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ لِلْمُحَرَّرِ؛ فَإِنِّي لَا أَحْذِفُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ أَصْلًا وَلَا مِنْ الخِلَافِ وَلَوْ كَانَ وَاهِيًا مَعَ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ
(وحيث أقول الجديد) وهو ما قاله الشافعي بمصر (فالقديم) وهو ما قاله قبل دخولها
(1)
(خلافه، أو القديم أو في قول قديم فالجديد خلافه، وحيث أقول وقيل كذا فهو وجه ضعيف والصحيح أو الأصح خلافه) والعمل عليه إلا في نحو عشرين، ولو نص في القديم على ما لم ينص عليه في الجديد، وجب اعتماده; لأنه لم يثبت رجوعه عن هذا بخصوصه. (وحيث أقول وفي قول كذا فالراجح خلافه) ولم يبين قوة الخلاف وضعفه فيهما؛ لعدم ظهوره له، (ومنها مسائل) جمع مسألة وهي ما يبرهن على إثبات محموله لموضوعه في العلم (نفيسة أضمها إليه ينبغي أن لا يُخلى الكتاب منها أقول) غالباً (في أوّلها قلت، وفي آخرها والله أعلم، وما وجدتَّه من زيادةِ لفظةٍ ونحوها على ما في المحرر فاعتمدها فلا بد منها، وكذا ما وجدتَّه من الأذكار) وهو شرعا قول سيق لثناء أو دعاء (مخالفا لما في المحرر وغيرِهِ من كتب الفقه فاعتمده فإني حققته من كتب الحديث المعتمدة، وقد أقدم بعض مسائل الفصل لمناسبة أو اختصار، وربّما قدمت فصلا للمناسبة، وأرجو إن تَمَّ هذا المختصر أن يكون في معنى الشرح للمحرر؛ فإني لا أحذف منه شيئا) الشيء ما يصح أن يعلم ويُخبر عنه (من الأحكام) الحكم خطاب الله المتعلق بفعل المكلَّف من حيث أنه مكلف (أصلا، ولا من الخلاف ولو كان واهيا مع ما أشرت إليه من النفائس،
(1)
. وافقه الرملي وخالفه الخطيب، فقال: القديم ما قاله بالعراق، وما وجد بين مصر والعراق المتأخر منه جديد والمتقدم قديم.
وَقَدْ شَرَعْت فِي جَمْعِ جُزْءٍ لَطِيفٍ عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ لِدَقَائِقِ هَذَا المُخْتَصَرِ، وَمَقْصُودِي بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ عِبَارَةِ المُحَرَّرِ، وَفِي الحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا. وَعَلَى اللهِ الْكَرِيمِ اعْتِمَادِي، وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي، وَأَسْأَلُهُ النَّفْعَ بِهِ لِي وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ وَرِضْوَانَهُ عَنِّي، وَعَنْ أَحِبَّائِي وَجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ.
وقد شرعت في جمع جزء لطيف على صورة الشرح لدقائق) جمع دقيقة وهي ما خفي إدراكه إلا بعد مزيد تأمل (هذا المختصر) من حيث اختصاره لعبارة المحرر (ومقصودي به التنبيه على الحكمة في العدول عن عبارة المحرر وفي إلحاق قيد) هو أعم من الشرط؛ لشموله ما أتى لبيان واقع (أو حرف أو شرط للمسألة، ونحو ذلك) وهو التنبيه على المقاصد وما قد يخفى ومنه بيان شمول عبارته لما لم تشمله عبارة أصله، (وأكثر ذلك من الضروريات التي لابد منها) وقال ((أكثر)) احترازا عن إلحاق الحرف الذي لا يتوقف صحة المعنى عليه (وعلى الله الكريم اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وأسأله النفع به لي ولسائر المسلمين ورضوانه عنّي وعن أحبَّائي وجميع المؤمنين)، والإسلام والإيمان متحدان ماصدقا
(1)
مختلفان مفهوماً.
(1)
. وفاقا للمعني وخلافا للنهاية، والماصدق هو الأفراد.
كتاب الطهارة
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} الفرقان: 48، يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الحَدَثِ وَالنَّجَسِ مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ
(كتاب الطهارة)
مصدر طَهَر يطهُر لغة الخلوص من الدنس ولو معنوياً، وشرعاً: لها وضعان حقيقي: وهو زوال المنع الناشئ عن الحدث والخبث، ومجازي: وهو الفعل الموضوع لإفادة ذلك أو بعض آثاره، وعلى هذا عُرِّفت بأنها رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما -كالتيمم وطهر السلس- أو على صورتهما -كالغسلة الثانية والطهر المندوب- وافتتح بالآية؛ لتعود بركتها على جميع الكتاب.
(قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} الفرقان: 48)
أي مُطَهِّرا؛ لأنه يفيد التأسيس، وكونه بمعنى مطهراً هو الأصل في فعول، وتندفع إرادة المستعمل؛ لأن القائل به استدل بالمبالغة وهي خلاف الأصل، وتدل الآية أيضاً على اختصاص الطهارة بالماء (يشترط) فلا يجوز ولا يصح إلا الماء (لرفع) وعدل عن الإزالة؛ لأن الرفع مجاز وهو أبلغ من الحقيقة التي هي الإزالة (الحدث) وهو أمر اعتباري قائم بالأعضاء يمنع صحة نحو الصلاة حيث لا مرخِّص، أو المنع المترتب على ذلك
(1)
، (و) رفع (النجس) وهو مستقذر يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخِّص، أو معنى يوصف به المحل الملاقي لعين من ذلك مع رطوبة وهو المراد هنا، وذلك؛ لأن المصنف عبَّر بالرفع وإطلاق الرفع على الأول مجاز، وخرج بالحدث والنجس وما في معناهما وما على صورتهما إزالةُ طيب بدن محرم (ماء مطلق)؛ لأمره تعالى بالتيمم عند فقده والماء ينصرف للمطلق (وهو ما يقع عليه اسم ماء بلا قيد).
(1)
. قال الخطيب والرملي أن المراد هو المعنى الأول خلافا للشارح حيث أجاز المعنيين.
فَالمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ المَاءِ غَيْرُ طَهُورٍ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ، وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ، وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ،
لازم -ولو ندىً وبخار طهور المُغْلَى، أو كان زلالاً
(1)
- بخلاف المتغير بما لا يضر والمقيَّد بغير لازم نحو ماء البئر، (فالمتغير بـ) مخاط طاهر وهو ما لا يمكن فصله (مستغنَىً عنه كزعفران) ومنيٍّ وثمر ساقط وملح جبلي ليس في مقر أو ممر (تغيراً يمنع إطلاق اسم الماء) ولو تقديراً كأن وقع فيه ما يوافقه كمستعمل وقع في ماء قليل، و كماء ورد منقطع الرائحة
(2)
فإنه يُقدَّر وسطاً كريح لاذن
(3)
ولون عصير
(4)
وطعم رمان فإن تغير مع تقدير ذلك ضرَّ وإلا فلا؛ لأنه لما كان لموافقته لا يغير أعتبر بغيره كالحكومة (غير طهور) وإن تغير بما على عضو المتطهر. (ولا يضر تغير لا يمنع الاسم) ولو احتمالا بأن شكّ أهو كثير أم قليل، فإن تحقق التغير الكثير وشُك في زواله ضَرَّ
(5)
، (ولا متغير) الميم؛ للتفنن (بِمَُِكث وطين وطحلُب) نابت من الماء أو ألقي فيه ولم يدق، وورق وقع بنفسه وإن تفتت وخالط، أما إن طرح الطحلب بعد دقّه أو الورق ثم تفتت فهو مخالط مضر (وما في مقرّه) ولو مخالطاً كقطران
(6)
دُهن به باطن قربة
(7)
(وممره) -كأن صنع من نورة فلا يضر وإن فحش التغير؛ لتعذر صون الماء عن ذلك-، ولو وُضِع من هذا المتغير على غيره فغيَّره لم يضر
(8)
؛ لأنه طهور فهو كالتغير بالملح المائي.
(1)
. قال الشارح وهو ما يخرج من جوف صور توجد في نحو الثلج كالحيوان وليس بحيوان، فهو عنده نوع من الماء، لكن صريح النهاية والمغني أنه اسم لصورة حيوان يخرج من باطنها الماء.
(2)
. قال في الفتح: ((والمراد هنا أن ماء الورد موافق للماء في صفاته الثلاث)).
(3)
. وهو اللبان الذكر.
(4)
. كل شيء عصر ماؤه فهو عصير، لسان العرب.
(5)
. وافقه شيخ الإسلام والخطيب وخالفه الجمال الرملي تبعا لوالده.
(6)
. القطران دهن شجر تطلى به الإبل الجُرُب ويسرج به وهو أبلغ في اشتعال النار.
(7)
. خلافا للرملي.
(8)
. خلافا لهما.
وَكَذَا مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ كَعُودٍ وَدُهْنٍ، أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُكْرَهُ المُشَمَّسُ. (وكذا متغير بمجاور) -ولو احتمالا كأن شك فله حكم المجاور- طاهر، ومن المجاور الدخان كالبخور ولو دخان مخالط؛ لأن المشاهَد أنه مجاور (كعودٍ ودُهن) وأما الكتان
(1)
فإن علم انفصال عين فيه مخالطة سالبة للاسم ضر وإلا فلا
(2)
، فإن شك في انفصال عين فيه فإن تجدد له اسم آخر بحيث تُرك الاسم الأول ضر وإلا فلا (أو بتراب) طهور بناءً على أنه مخالط (طرح) لا لتطهير مغلّظ وإلا لم يضر جزماً، ولم يصر طيناً لا يجري بطبعه وإلا أثَّر جزماً (فيه في الأظهر)؛ لأن التغير بالمجاور مجرد تروح، وظاهر المتن أن التراب مجاور وهو الأشهر وقال جمع هو مخالط؛ لإعادة الباء ومع ذلك التغيير به مغتفر تيسيراً، وأصل ذلك اختلافهم في المخالط أهو ما لا يمكن فصله
(3)
فخرج التراب أو ما لا يتميّز في رأي العين فدخل وهو المعتمد
(4)
أو المعتبر العرف.
(ويكره) تنزيهًا شرعاً وطِبَّاً شديدُ حرٍّ وبردٍ؛ لمنعهما الإسباغ أو للضرر، ومثلهما (المشمَّس)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))، وكراهة المكشوف منه أشد، والمشمس: ما أثّرت فيه الشمس بحيث قويت على أن تفصل بحدّتها منه زهومةً، ماءً كان أو مائعا، وشرطه أن يكون بقطر حار وقت الحرِّ، في إناءٍ منطبع -وهو ما يمتد تحت المطرقة ولو بالقوة كبركة في جبل من حديد- غير نقد ومُغَشَّىً به بحيث يمنع انفصال الزهومة
(5)
بخلاف نقد غُشِّي بنحو نحاس أو اختلط بما تتولد الزهومة منه فيكره ولو غير غالب، ويُشترط أيضاً أن يستعمل وهو حار -ولو في ثوب لبسه رطبا- في ظاهر أو باطن بدن حي كأبرص يخشى زيادة برصه، ومحل الكراهة حيث لم يظن بقول عدل أو بمعرفة نفسه ضرره له بخصوصه وإلا حرم فيلزم التيمم إن لم يجد غيره، ومحلّه أيضاً ما لم يتعين وإلا بأن لم يجد غيره وقد ضاق الوقت
(1)
. وهو ما يتخذ منه الحبال تدق عيدانه حتى يلين ويذهب تبنه ثم يستعمل.
(2)
. ومن الكتان مخالط ومنه مجاور كما سيأتي.
(3)
. اعتمده الشارح في الإمداد.
(4)
. وافقه الرملي والخطيب والشيخ زكريا.
(5)
. ظاهره سواء حصل منه شيء بالعرض على النار أم لا كما قال الكردي، خلافا لظاهر النهاية حيث اشترط أن يحصل منه شيء بالعرض على النار.
وَالمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ. قِيلَ وَنَفْلِهَا غَيْرُ طَهُورٍ فِي الجَدِيدِ، فَإِنْ جُمِعَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ ....
وجب استعماله، وتنتفي الكراهة أيضاً
(1)
إن سُخِّن الماء المشمّس بالنار؛ لأنها تذهب الزهومة لقوّتها، بخلافها في الطعام المائع؛ لاختلاطها بأجزائه. ويكره ماء وتراب كلِّ أرض غُضِب عليها
(2)
إلا بئر الناقة بثمود، والأولى عدم إزالة النجاسة بماء زمزم
(3)
، ويكره الطهر بفضل المرأة.
(والمستعمل في فرض
(4)
الطهارة) -أي ما لابد منه في صحَّتِها، ولو من طهر صبيٍّ لم يميز لطواف، أو سلس أو حنفي لم ينو أو كتابية لتحلّ لحليل مسلم يعتقد توقف الحل عليه
(5)
أو مجنونة أو ممتنعة غسلها حليلها المسلم
(6)
لتحل له- غير طهور، (قيل و) ولو قال أو لكان أوضح (نفلها)، ومنه ماء غسل الرِّجل بعد مسح الخف (غير طهور) أيضا; لأن المدار على تأدي العبادة به ولو مندوبة، ويرد بأنه لا مانع ينتقل إليه حتى يتأثر به (في الجديد، فإن جُمِع) المستعمل (فبلغ قلتين فطهور في الأصح) كالنجس إذا بلغهما بلا تغير وأولى، فعُلم أن الاستعمال لا يثبت إلا مع قِلة الماء، وبعد فصله ولو حكماً كأن جاوز منكب المتوضئ أو ركبته وإن عاد إلى محلّه أو انتقل من يد إلى أخرى، نعم لا يضر في المحدث خرق الهواء مثلاً للماء من الكف إلى الساعد ولا في الجنب انفصاله من نحو الرأس للصدر مما يغلب فيه التقاذف وهو جريان الماء إليه على الاتصال.
[فرع في نية الاغتراف]
يصير الماء مستعملا إذا أدخل المحدث يده للغسل عن الحدث أوْ لا بقصدٍ بعد نية الجنب وتثليث وجه المحدث -ما لم يقصد الاقتصار على الأولى وإلا فبعدها- بلا نية اغتراف ولا قصد أخذ الماء لغرض آخر، وكونه مستعملاً إنما هو لغير يده.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. ومنها وادي مُحَسِّر بناء على وقوع العذاب به كما أفاده الشارح في الحج 4/ 116.
(3)
. وفاقا للزيادي وقال شيخ الإسلام والخطيب بالكراهة والرملي أنه القياس.
(4)
. قصية كلام الشارح أن المراد بالطهارة هنا الحدث والنجس خلافا لهما حيث حملاه على الحدث فقط.
(5)
. وفاقا للخطيب واعتمد الجمال أن قصد الحل كافيا ولو كان الحليل صغيرا.
(6)
. ظاهره أنه قيد تبعا لشيخ الإسلام، وخالفالهما.
وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا المَاءِ بِمُلَاقَاةِ نَجِسٍ، فَإِنْ غَيَّرَهُ فَنَجِسٌ. فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَاءٍ طَهُرَ،
ولو انغمس محدث ثُمَّ نوى
(1)
أو جنب في ماء قليل ارتفع حدثه وما دام لم يخرج له أن يرفع ما يطرأ عليه فيه
(2)
، والمراد أن ينغمس ببدنه وليس له أن يغترف ولو بيده وإن نوى اغترافا.
(ولا تنجس قلّتا الماء) ولو احتمالا كأن شك في الماء أبلغهما أم لا (بملاقاة نجس)؛ لخبر ((إذا بلغ الماء قلّتان لم يجنس))، وخرج بقلتا الماء ما لو بلغ قلتين بمائع يوافقه ولم يغيره فرضاً لو قدّر مخالفًا فإنه ينجس بالملاقاة ولكنه يرفع الحدث، لأن الأول دفع والثاني رفع والأول أقوى غالباً، وخرج بغالباً الطلاق فإنه يرفع النكاح و لا يدفعه لحل ارتجاع المطلّقة، فعُلم أن الرفع إزالة موجود والدفع منع التّأثر بما يصلح له لولا ذلك الدافع. ولو كان القلتان في محلّين وبينهما اتصال و بأحدهما نجِسٌ نَجُسُ الآخر إن ضاق ما بينهما و إلا طهر النجس، (فإن غيَّره) ولو يسيراً أو تقديراً كأن وقع فيه موافقه فغيّره بالفرض والتقدير، ثم إن وافقه في الصفات الثلاث قدّرناه مخالفا أشد فيها كلون الحبر وريح المسك وطعم الخل، أو في صفة قدّرناه مخالفاً فيها فقط (فنجس) إجماعاً، ولو نجس بعض القلّتين فإن كثر غير المتغيّر بقي على طهارته و إلا فلا، ولو وقع نجس في ماء كثير متغيرٍ تغيراً لا يضر قدّر زواله فإن غيّره حينئذٍ ضرّ وإلا فلا، ومثله ما لو وقع طاهر في ماء قليلا كان أو كثيراً. (فإن زال تغيره بنفسه) كمكث (أو بماء) ولو متنجساً أو أُخذ منه والباقي كثير بأن كان الإناء منخنقاً
(3)
به فزال انخناقه ودخله الريح وقصرّه، أو زال تغيره بمجاور وقع فيه أو بمخالط تروَّح به. أما بالنسبة للتغير التقديري فيطهر بتقدير مدّة لو كان ذلك في الحسي لزال أو صبّ قدر من ماء على ما لو كان حسيّاً لزال تغيّره ويعلم ذلك بمشاهدة مثله (طَهُر)؛ لزوال سبب التنجس، وإنما لم يقدروا حينئذٍ النجس الذي ذهبت أوصافه مخالفاً بأشد الصفات؛ لأن المخالفة كانت موجودة بالفعل ثم أزيلت بخلافها ابتداءً، ولو عاد التغير لم يضر إلا إن بقيت عين النجاسة،
(1)
. قال في الفتح: ((فلو عكس لم يرتفع، ولو انغمس بالوجه أوَّلا ناويا عنده صار مستعملا لبقية أعضائه)).
(2)
. فلو انغمس بعد غسل رجليه مثلا ثم أتم الانغماس لزمه غسل رجليه عن الأصغر بالنية ويجزيه بذلك الماء قبل خروجه، قاله في الفتح أيضا.
(3)
. خنقتُ الحوض تخنيقا إذا شددت ملأه، لسان العرب.
أَوْ بِمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ فَلَا، وَكَذَا تُرَابٌ وَجِصٌّ فِي الْأَظْهَرِ، وَدُونَهُمَا يَنْجُسُ بِالمُلَاقَاةِ، فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ وَلَا تَغَيُّرَ بِهِ فَطَهُورٌ. فَلَوْ كُوثِرَ بِإِيرَادِ طَهُورٍ فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا لَمْ يَطْهُرْ، ....
ومثله ما لو زال بالغسل ريح نحو ثوب متنجس ثم عاد (أو) زال تغير ريحه (بمسك و) لونه بـ (زعفران) وطعمه بخلٍّ مثلاً (فلا)؛ للشك في زوال أو استتار التغيّر، ولذا لو زال الريح والطعم مثلا بنحو زعفران لا طعم له ولا ريح عادت الطهارة، (وكذا تراب وجصّ في الأظهر)؛ للشك أيضا، ولو صفى الماء ولا تغير طهر جزماً. (ودونهما ينجس) إن لم يكن وارداً (بالملاقاة) من نجس غير معفو عنه، ومن اختار مِنَّا مذهب مالك في التسوية نظر للتسهيل و إلا فالأول صريح من حيث الدليل (فإن بلغهما بماء) -شامل للمتنجس أو المتغير أو المستعمل؛ لمطلق العرف بذلك- أو بملحٍ مائيٍّ (ولا تغير به فطهور)، ومن بلوغهما به ما لو كان النجس بحفرة والماء الآخر بحفرة وفتح بينهما حاجز واتسع بحيث يتحرك ما في كلٍّ بتحرك الآخر تحرّكاً عنيفاً ومضى زمن يزول فيه تغير لو كان ولا يشترط زوال كدورة أحدهما، ومثله لو كان المتنجس في كوزٍ
(1)
واسع بحيث يتحرّك كما مر وكان الكوز ممتلئاً ثم غمس بماء
(2)
ومكث بحيث لو كان ما فيه متغيراً أزال تغيره، ولو تلاصقت أحواض أكتفي بتحرك الملاصق الذي يبلغ به قلتان، (فلو كوثر بإيراد) ماء (طهور فلم يبلغهما لم يطهر)؛ لقلته، ولذا فقولهم إن الوارد القليل لا ينجس بملاقاة النجاسة و قولهم إن الإناء يطهر حالاً بإدارة ماء على جوانبه محلهما في وارد على حكميه أو عينية أزال جميع أوصافها بخلاف إن بقي بعضٌ كنقطة دم، ومن صور الوارد فوّار
(3)
أصاب النجس أعلاه.
(1)
. هو كوب بعروة.
(2)
. فالشرط أن يكون الإناء ممتلئ أو يمتلئ بدخول الماء فيه كما في الفتح.
(3)
. فار الماء من العين يفور إذا جاش، لسان العرب.
وَقِيلَ طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ وَيُسْتَثْنَى مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ فَلَا تُنَجِّسُ مَائِعًا عَلَى المَشْهُورِ. وَكَذَا فِي قَوْلٍ نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ
(وقيل طاهر لا طهور) كثوب غسل، ورُدّ بأن الثوب زالت نجاسته بما ورد عليه دون الماء.
[تنبيه] لو صُبَّ ماء من أنبوب إناءٍ فيه ماء قليل على سرجين لم يتنجس إلا ملاقي النجاسة
؛ لأنه كالجاري بل أولى و مثل الماء المائع.
(و يستثنى ميتة لا دم لها) أي لجنسها (سائل) عند شقّ عضو منها في حياتها كذباب و سام أبرص لا سلحفاة
(1)
و ضفدع، ولو شكّ لم يجرح
(2)
وله حكم ما لا يسيل (فلا تنجس) بشرط عدم التغير (مائعاً) أو نحو ثوب رطبٍ (على المشهور)؛ لخبر الذباب، وغمسه يؤدي إلى موته فلو نجس لم يأمر به، وقيس بالذباب ما ليس فيه دم متعفّن؛ لاقتضائه خفّة النجاسة، لكن لو طَرح شخصٌ ميتاً من ذلك نَجُس؛ إذ لا حاجة ولو كان الطارح إنسانا غير مميز
(3)
، أما لو طرح ماء أو مائعاً فيه النجاسة المعفو عنها على غيره فلا يضر
(4)
، ولا يؤثر أيضا ملاقاة الأصابع لها في إخراجها، وأيضاً وضع لحم مدود في قدر الطّبيخ؛ للحاجة
(5)
، ولا يضر طرح الحي مطلقاً أو الميتة التي منشؤها منه
(6)
.
[تنبيه] يمنع غمس الذباب في غير هذه الصورة التي ورد فيها الحديث
؛ لأن فيه تعذيباً بلا حاجة. (و كذا في قول نجس) غير مغلّظ
(7)
وليس بفعله (لا يدركه) ولو احتمالاً بأن شك في إدراكه (طرف) معتدل مع فرض مخالفة لون الواقع عليه له، وإن كان في محال ولو اجتمع لكثر
(8)
، فلا ينجس رطبا؛ للمشقة أيضاً، والعفو هنا لما من شأنه المشقة ولذا مثّلوه بنقطة خمر مع أنه من شأنه الاحتراز عنه.
(1)
. أي لا تعيش إلا في البر فقط، أما غيرها فهي طاهرة كالسمكة كما اعتمده الشارح في الأطعمة.
(2)
. خلافا لهم.
(3)
. خالفه المغني فقال غير المميز لا يضر طرحه، والنهاية فاعتمد الضرر ولو من بهيمة.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. اعتمد الخطيب أنه لا يضر الطرح بلا قصد مطلقا.
(6)
. خلافا لهما حيث قالا أنه لو طرح الميتة ضر سواء أكان نشؤها منه أم لا.
(7)
. وفاقا لشيخ الإسلام واعتمد الرملي والخطيب عدم التفريق.
(8)
. خلافا لهم.
قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالجَارِي كَرَاكِدٍ، وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَنْجُسُ بِلَا تَغَيُّرٍ،
(قلت: ذا القول أظهر والله اعلم)، ويستثنى أيضا ما على رِجْل الذباب وإن رُؤي، ويسيرٌ عرفا من شعر أو ريش، نعم المركوب يعفى عن كثير شعره، ويسيرٌ من دخّان أو بخار تصَعَّد بنار -وإلا كبخار كنيف
(1)
وريح دبر رطب فطاهر- ويسير من غبار السرجين
(2)
، وما على منفذ غير آدمي بسبب النجاسة الخارجة منه لا غيره ولو من جوفه كقيئه
(3)
، وروث ما نشؤه من الماء كسمك، و ذرق طير وقع فيه، وما على فمه، وفم كل مجتر وفم صبي، وكذا ما تلقيه الفئران من الروث في الحياض إذا عمّ الابتلاء به، وشرط ذلك كله: أن لا يغير، وأن يكون من غير مغلّظ، وأن لا يكون بفعله.
[تنبيه] إنما لم تُنَجِّس المستثنيات هنا ملاقيها ونجست المعفوات المذكورة في شروط الصلاة
؛ لأن الضرورة هنا آكد، ويؤيده عدم تأثر ظرف الخمر إن تخللت، ومن المعفو عنه أيضاً ما لو تنجس آدمي أو حيوان طاهر ثم غاب وأمكن عادة طهره فلا ينجس ما مسه؛ لاجتماع احتمال طهره مع أصل طهارة الممسوس فضعف أصل تنجسه، ويؤخذ منه أنه لو أصاب شخصاً من أحد المشتبهين شيء لم ينجسه؛ للشك وهو واضح قبل الاجتهاد، أما لو اجتهد فينجسه ما أصابه من الإناء المظنون نجاسته، و الأقرب انعطاف الحكم على ما أصابه قبل ظن نجاسته بالاجتهاد، وعلى القول بأنه لا أثر له محله إن لم يستعمله و إلا فيلزمه أن يغسله لكي تصحّ صلاته.
(والجاري
(4)
وهو ما اندفع في منحدر أو مستو فإن كان أمامه ارتفاع فهو كالراكد (كراكد، وفي القديم لا ينجس بلا تغير)؛ لقوّته، وعلى الجديد فالجريات وإن اتصلت حسّاً هي منفصلة حكماً فكل دفعة بين الحافّتين
(5)
-ولو تقديراً- طالبة لما أمامها هاربة مما ورائها، فإن كانت دون القلتين تنجست بالملاقاة و إلا فالمتغيّر فقط، ثم إن جرت النجاسة مع الجرية
(1)
. أي بيت الخلاء.
(2)
. قال في الفتح وإن كانت ثيابه رطبة.
(3)
. عبارة الشارح في حاشيته على التحفة.
(4)
. اعتمد الشارح عند قول المصنف: ((وقيل طاهر لا طهور)) أن الجرية من المائع الجاري إذا وقع بها نجس لا ينجس إلا ما لاقاه كالماء 1/ 90.
(5)
. أي ما يرتفع منه عند تموجه.
وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ تَقْرِيبًا فِي الْأَصَحِّ. وَالتَّغَيُّرُ المُؤَثِّرُ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ طَعْمٌ، أَوْ لَوْنٌ، أَوْ رِيحٌ،
طهر محلّها بما بعدها وإلا فكل جرية قليلة مرت عليها نجسة حتى يقف الماء (والقلتان) ذراع وربع تقريباً بذراع الآدمي في كل بُعْدٍ ويساوي تقريبا شبرين، و المدور ذراع من سائر الجوانب بذراع الآدمي وذراعان عمقاً بذراع النجار وهو ذراع وربع (خمسمائة رِطل بغدادي) أي قلّتين هجريّتين، وقد قدَّر الشافعي رضي الله عنه القلة منها -أخذا من تقدير شيخه ابن جريج الرائي لها- بقربتين ونصف بقرب الحجاز والواحدة منها غالبا لا تزيد على مائة رطل بغدادي (تقريباً) فلا يضر نقص رطلين فأقل (في الأصح) وقيل تحديد، لكنّ هذا إفراط. (والتغير المؤثر بطاهر أو نجس طعم أو لون أو ريح) ولا يشترط اجتماعها، و لا يؤثر غيرها كحرارة، و لو وُجد في الماء وصف لا يكون إلا لنجاسة لم ينجس؛ لاحتمال أن تغيره تروّح
(1)
، ولا ينافيه ما لو وقع في الماء الكثير نجس لم يغيره حالاً بل بعد مدّة فإنه يسأل أهل الخبرة -و لو واحداً- فإن جزم أنه منه فينجس وإلا فلا؛ لتحقق الوقوع هنا لا ثَمَّ، وعليه فإن علم في المسألة الأولى أن لا نجاسة ثَم يحتمل تروحه بها أمكن أن يقال بالنجاسة. ولو وقع في ماء كثير نجس وطاهر فتغيّر فإن أحتمل أن التغيّر من أحدهما فقط فله حكمه وإن شك فإن ترتبا في الوقوع وتأخر التغير عنهما أسندناه إلى الثاني، وإن وقعا معا أو مرتّباً ولم يعلم ذلك الترتيب لم يؤثر؛ لأن الأصل طهارة الماء، ولو خالط الطاهرُ النجسَ قبل وقوعهما في الماء تنجّس؛ لأن التغيّر به كالنجس، ولذا قالوا أن دخان النجاسة ودخان المتنجس حكمهما واحد، نعم إن خالط النجس ماء ووضع هذا المختلط في ماء كثير يوافقه فرضنا النجس وحده؛ لأن الماء الثاني من جنس الأول و ماء مثله، أما إذا وقعت النجاسة في مائع ثم في ماء كثير فنفرض الكل؛ لأن الجميع صار نجاسة.
(1)
. تروح الماء إذا أخذ ريح غيره لقربه منه، مختار الصحاح.
وَلَوِ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ اجْتَهَدَ وَتَطَهَّرَ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ، وَقِيلَ: إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ فَلَا، وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ لَمْ يَجْتَهِدْ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ يُخْلَطَانِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، أَوْ وَمَاءُ وَرْدٍ تَوَضَّأَ بِكُلٍّ مَرَّةً،
(ولو اشتبه) على متأهل للاجتهاد بالنسبة لنحو الصلاة ولو صبيا مميزا (ماء) أو ترابُ أو غيره كثياب
(1)
لكن لا يعتد فيها بالنسبة لنحو الملك باجتهاد غير المكلف (طاهر) أي طهور (بنجس) أي متنجس، أو بمستعمل (اجتهد) -وإن قلّ عدد الطاهر كواحد في مائة فيجب أن يبحث عن أمارة وجوباً مضيّقاً بضيق الوقت و موسعاً بسعته- إن لم يجد غير المشتبهين ولم يبلغا بالخلط قلتين. فإن ضاق الوقت أتلفهما وتيمم
(2)
. ويجتهد جوازاً إن وجد طهوراً بيقين (وتَطَهَّر بما ظنّ طهارته) ولا يجوز الهجوم من غير اجتهاد أدَّاه لأمارة و لو بان أنه الطهور كما لو بان خلاف ما أوصله اجتهاده، وللمجتهد تطهير المجنونة وغير المميّز بذلك الماء، (وقيل إن قدر على طاهر) أي طهور آخر غير المشتبهين (بيقين فلا) يجتهد كالقِبلة، ورُدَّ بأنها في جهة واحدة فطلبها من غيرها عبث بخلاف الماء ونحوه، ويندب رعاية هذا الوجه، (والأعمى كبصير) فيما مر (في الأظهر)؛ لقدرته على إدراك النجس بنحو لمس وشم وذوق، وحرمة ذوقها مختصة بغير المشتبه، فإن فَقَد الحواس لم يجتهد جزماً، وإذا تحير الأعمى جاز له التقليد ولو لأعمى أقوي إدراكا منه، ويتيمم فيما إذا تحيّر وفقد -لمشقة كمشقة الجمعة- من يقلّده ولو لاختلاف بصيرين لم يترجّح أحدهما عنده، (أو ماء وبول لم يجتهد على الصحيح)؛ لأن البول لا أصل له في التطهير يرد بالاجتهاد إليه (بل) يتلفان كأن (يخلطان) أو يصبّان أو يصب من أحدهما في الآخر (ثمّ يتيمم) لا العكس، ويفعل ذلك أيضا فيما إذا تحيّر أو اختلف اجتهاده أو تحير أعمى ولم يجد من يقلّده أو وجده وتحير أو اختلف عليه اثنان ولا مرجّح (أو وماء ورد) منقطع الرائحة (توضأ) وجوبا إن لم يجد غيرهما وندبا إن وجده (بكلٍّ مرّة) و لا يجتهد؛ لأنه ليس له أصل في التطهير، ويندب له وضع بعضِ كلٍّ في كفٍّ ثم يغسل بكفيه معاً وجهه من غير خلط؛ لكي يجزم بالنيّة، وفيما إذا اشتبه طهور بمستعمل لا يتوضأ بكل منهما؛ لعدم جزمه بالنية مع قدرته على الاجتهاد إلا إن فعل تلك الكيفية.
(1)
. قال في الفتح: ((ويظهر أن من أخذ مال غيره باجتهاد لا يطالب به في الآخرة كمالك اللقطة)).
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
وَقِيلَ لَهُ الِاجْتِهَادُ. وَإِذَا اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ أَرَاقَ الْآخَرَ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي عَلَى النَّصِّ بَلْ يَتَيَمَّمُ بِلَا إعَادَةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِهِ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ (وقيل له الاجتهاد) ويُرَدُّ بما تقدّم، نعم له الاجتهاد للشرب، قيل فإن اجتهد جاز له التطهر به
(1)
، (وإذا استعمل ما ظنه أراق) ندباً (الآخر) -إن لم يحتجه-؛ لئلا يغلط فيستعمله، وتندب الإراقة قبل الاستعمال، (فإن تركه) ولم يبق من الأول شيء لم يجتهد؛ لاشتراط التعدد حقيقة ككمين منفصلين، أما إن بقي من الأول بقيّة فيلزمه إعادة الاجتهاد عند إرادة الوضوء ولو كان الباقي لا يكفيه، فإن وافق الاجتهاد الأول فواضح، (و) إن (تغيّر ظنه لم يعمل بالثاني) ولا بما يترتب عليه كنجاسة أعضائه بوضوئه الأول (على النص)؛ لئلا يُنقض اجتهاد باجتهاد إن غسل جميع ما أصابه الأول، أو يصلي بيقين النجاسة إن لم يغسله، ومقابل النص أنه يجوز له العمل بذلك الاجتهاد الثاني؛ قياسا على القبلة لكنه بعيد; لأن أحد هذين الفسادين لا يأتي في العمل بالثاني فيها لاحتمال الجهة الثانية للصواب كالأولى فلم يلزم عليه نقض اجتهاد أصلا، (بل يتيمم) إن انتقض وضوؤه وإلا كفاه الأول
(2)
وإن تغيّر اجتهاده (بلا إعادة
(3)
حيث لم يغلب وجود الماء في محل التيمم (في الأصح)؛ لعدم وجود طاهر بيقين، ويُشرط للاجتهاد أن يتأيد بأصل حل المطلوب، فلا يجتهد عند اشتباه خَلٍّ بخمر، وأن يكون للعلامة فيه مجال، ولذا لا يجتهد في صورة اختلاط محرمه كما يأتي، ويشترط للعمل بالاجتهاد ظهور العلامة فلا يُقدِم على أحدهما بمجرّد حدس (ولو أخبر بتنجسه) -أي الماء مثلا- أو استعماله ولو على الإبهام
(4)
، أو بطهارته على التعيين سواء كان الخبر بعد الاستعمال أم قبله (مقبول الرواية) -وهو المكلف العدل ولو امرأة وقناً- عن نفسه أو عدل آخر، فلا يكفي إخبار غير مقبول الرواية إلا إن تواتر أو أخبر عن فعله، فمثلا يقبل قوله في شيءٍ أمر بتطهيره:((إني طهَّرتُه)) لا قوله: ((طهُر)).
(1)
. اعتمدا هذا القول.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للرملي.
(3)
. خالفه في الفتح فقال بالإعادة تبعا لأصله.
(4)
. ومثل ذلك ما لو توضأ من أحد الإناءين بلا اشتباه فأخبره بنجاسة أحدهما على الإبهام فاجتهد وأداه اجتهاده إلى نجاسة ما تطهر منه فيجب إعادة ما صلاه بتلك الطهارة.
وَبَيَّنَ السَّبَبَ، أَوْ كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا اعْتَمَدَهُ. وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ إلَّا ذَهَبًا وَفِضَّةً فَيَحْرُمُ،
(وبيّن السبب) في تنجسه أو استعماله أو طهره، كولغ هذا الكلب في هذا وقت كذا ولم يعارضه مثله وإلا فإن استويا ثقة أو كثرة أو كان أحدهما أوثق والآخر أكثر
(1)
سقطا وبقي أصل طهارته (أو كان فقيهاً) أي عارفاً بأحكام الطهارة والنجاسة أو الاستعمال (موافقاً) لاعتقاد المخبِر، أو عارفاً به وإن لم يعتقده (اعتمده) وجوباً وإن لم يبين.
(ويحل استعمال كلِّ إناء طاهر) من حيث كونه طاهراً وإن حرم من جهة أخرى كجلد آدمي غير حربي ومرتد
(2)
و كمغصوب، بخلاف النجس فيحرم إلا في ماء كثير أو في شيء جاف والإناء جاف لكن مع الكراهة، والمراد بالنجس ما يشمل المتنجس، وعلة ذلك؛ حرمة التضمّخ بها في البدن والثوب
(3)
(إلا ذهباً وفضة) أي إناءً ولو مروداً أو خلالاً، ولو كان بعضه فقط نقداً (فيحرم)؛ للنهي، والعلة العين بشرط ظهور الخيلاء، فيحرم استعماله وإن لم يؤلف كأن استعمل أسفله فيما يصلح له ولو على امرأة أكحلت طفلا لغير حاجة الجلاء
(4)
، نعم يجوز الجلوس تحت سقف من ذهب؛ لأنه لا يعد استعمالاً له
(5)
. ويجوز الاستنجاء بالنقد
(6)
إن كان قطعة لم تهيأ ولم تطبع، واتخاذ رأس الإناء منه، بشرط أن لا يسمّى إناء بأن كان صفيحةً لا تصلح عرفاً لشيء مما تصلح له الآنية
(7)
، ومع ذلك يحرم
(8)
وضع شيء عليه
(1)
. خلافا للرملي قال يؤخذ بقول أوثقهما مطلقا.
(2)
. خلافا لهما حيث سكتا عن استثنائهما.
(3)
. أي فإن لم يحصل التضمخ جاز ولو بمغلظ خلافا للرملي حيث قال بحرمة ما اتخذ من عظمه وجلده حينئذ.
(4)
. ظاهره وإن لم يتوقف الجلاء عليه، نعم يظهر من كلامه أنه يجوز ولو لغير طفل بشرط أن يتوقف الجلاء عليه.
(5)
. ذكره الشارح في كتاب اللباس.
(6)
. خلافا لصنيعه في الإمداد.
(7)
. حاصل ما هنا أن ما كان على هيئة الإناء حرم سواء أكان يستعمل في البدن أم لا، وما لم يكن كذلك فإن كان الاستعمال يتعلق بالبدن حرم وإلا فلا، ذكره الشارح في الزكاة.
(8)
. خلافا لهم.
وَكَذَا اتِّخَاذُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَيَحِلُّ المُمَوَّهُ فِي الْأَصَحِّ، وَالنَّفِيسُ كَيَاقُوتٍ فِي الْأَظْهَرِ
للأكل منه؛ لأنه إناء بالنسبة للأكل كالخلال، ولو صَدِي ظاهر إناءٍ وباطنه أو غُشّي بغيره -وإن لم يحصل من التغشية شيء
(1)
- حلّ استعماله، والمدار هنا على الاستعمال العرفي، ولذا يحرم احتواء وشمّ رائحة مجمرةُ نقدٍ قريبة بخلاف البعيدة، ويحرم تبخير الميت بها، ولا يحرم الشّرب من ميزاب الكعبة ولو بفمه
(2)
، وليس من الإناء سلسلة الإناء وحلقته ولا غطاء الكوز -وهو غير الرأس-؛ لأنه منفصل عن الإناء، وأيضاً صفيحة فيها بيوت للكيزان
(3)
ومحله حيث لم يكن شيء من ذلك على هيئة إناء وإلا حرم، ومن الحيل المبيحة للاستعمال صبّ ما فيه في شيء ثم استعماله لكن مع حرمة الوضع والاتخاذ.
[تنبيه] محلّ النظر لكونه يسمّى إناء بالنسبة للفضة، أما الذهب فيحرم منه نحو السلسلة مطلقاً
.
(وكذا اتخاذه) أي اقتناؤه (في الأصح)؛ لأنه يجّر لاستعماله غالبا؛ لميل النفس الشديد إليه بخلاف الحرير (ويحل المموَّه) المطلي منهما بغيرهما مطلقاً
(4)
، والمطلي من غيرهما بهما حيث لم يتحصل يقيناً منه شي بالعرض على النار لا إن تحصّل بعلاج نادر (في الأصح)؛ لانتفاء العين فإن حصل حرم. والكلام في استدامته أما فعل التمويه فحرام؛ لأنه إضاعة مال فلا أجرة لصانعه ولا أرش على مزيله، والكعبة وغيرها سواء في ذلك، نعم فعل التمويه يجوز في آلة الحرب وإن حصل منها شيء بالعرض على النار
(5)
، وليس من التمويه التحلية وهي لصق قطع النقد في جوانب الإناء؛ لإمكان فصلها من غير نقص، نعم حكمها
(6)
في الآنية أنها كالضبة لزينة، أما في آلة الحرب فكالضبة لحاجة. (و) يحل مع الكراهة (النفيس كياقوت في الأظهر)؛ لأنه لا يعرفه إلا الخواص، نعم فَصُّ الخاتم يحلّ جزماً.
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. فرق الرملي بين أن يكون قريبا فيحرم أو بعيدا فلا.
(3)
. خلافا للرملي.
(4)
. خالفوه حيث قيدوا الحل بالحصول.
(5)
. اعتمده الشارح في الزكاة.
(6)
. أما استعمالها فسيأتي ذكره في الزكاة.
وَمَا ضُبِّبَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً لِزِينَةٍ حَرُمَ، أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ الحَاجَةِ فَلَا، أَوْ صَغِيرَةً لِزِينَةٍ، أَوْ كَبِيرَةً لِحَاجَةٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَضَبَّةُ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ كَغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: المَذْهَبُ تَحْرِيمُ ضَبَّةِ الذَّهَبِ مُطْلَقًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
(وما ضبب) وأصل الضبّة حديث انكسار قدح النبي صلى الله عليه وسلم المشهور (بذهب أو فضّة ضبة كبيرة) عرفاً (لزينة) ولو كان بعضها لزينة وبعضها لحاجة ولم يتميز الذي للزينة
(1)
-فإن تميز فصَّلنا في حكمه بين الصغر والكبر- (حرُم) استعماله، نعم إن شك في كبره فالأصل الإباحة (أو صغيرة بقدر الحاجة) أي غرض الإصلاح (فلا) يكره ولا يحرم، (أو صغيرة لزينة أو كبيرة لحاجة جاز) مع الكراهة
(2)
فيهما (في الأصح)؛ لوجود الصغر الواقع في محل المسامحة وللحاجة، نعم الضبّة المموهة بنقد يتحصل كالمتمحضة منه، (وضبة موضع الاستعمال) بنحو شرب (كغيره في الأصح) ولو تعددت ضبات صغيرات لزينة فإن لم يحصل من مجموعها ضبة كبيرة جازت و إلا فتحرم؛ للخيلاء.
(قلت: المذهب تحريم) إناء (ضبة الذّهب مطلقاً)؛ لأن الخيلاء فيه أشدّ كضبة الفضّة إذا عمّت
(3)
، ومنه ما اعتيد في مرآة العيون، ولذا لو فقدت الآنية غير الذهب والفضة تعيّنت الفضّة (والله أعلم).
(1)
. عبارته في الفتح: ((وتحرم كبيرة بعضها لزينة وبعضها لحاجة)).
(2)
. الموجبة للزكاة كما يأتي.
(3)
. خلافا للرملي في العفو عن ضبة الفضة ولو عمت.
بابُ أسبابِ الحدثِ
هِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ، أَوْ دُبُرِهِ إلَّا المَنِيَّ،
بابُ أسبابِ الحدثِ
(1)
إنما قدمت الأسباب على الوضوء؛ لأنها متقدّمة طبعاً فكان الأنسب تقديمها وضعاً (هي أربعة) لا غير، ولم ينقض ما عداها؛ لأنه لم يثبت فيه شيء كأكل لحم جزور على ما قالوه، وكخروج نحو قيء ومس أمرد حسن أو فرج بهيمة وقهقهة مصلٍّ وانقضاء مدة مسح الخف والبلوغ بالسن والردة وإنما أبطلت التيمم؛ لضعفه، ونحو شفاء السلس لا يرد؛ لأن حدثه لم يرتفع.
(أحدها خروج شيء) -؛ للنص على الغائط والبول والمذي وقيس غيرها- ولو عوداً أو رأس دودة وإن عادت ولا يضرّ إدخاله، وإنما امتنعت الصلاة؛ لحمله متصلاً بنجس (من قُبُلِهِ) أي الحي الواضح ولو ريحاً وإن تعدد القبل، نعم لما تحققت زيادته أو احتملت حكم منفتح تحت المعدة، ومن الناقض بللٌ رآه على قبله ولم يحتمل كونه من خارج، ومنه وصول نحو مذيّها لما يجب غسله في الجنابة وإن لم يخرج إلى الظاهر، ومنه أيضاً خروج رطوبة فرجها إذا كان من وراء ما يجب غسله يقيناً، أما المشكل فلا بدّ من خروجه من فرجيه (أو دبره) ومنه إذا كان الباسور داخل الدبر فخرج منه دمّ، وكالباسور نفسه إذا كان نابتاً داخل الدّبر فخرج أو زاد خروجه، وكمقعدة المزحور إذا خرجت فلو توضّأ حال خروجها ثمّ أدخلها لم ينتقض وإن خرج منها شيءٌ، (إلا المني) أي مني المتوضئ -ولو امرأة- وحده الخارج منه أوّلاً فلا نقض به؛ لأنه أوجب أعظم الأمرين بخصوص كونه منيّاً فلا يوجب أدونهما بعموم كونه خارجاً، أما لو خرج منه مني غيره أو نفسه بعد استدخاله فينقض. ويصح غسله وإن لم يتوضّأ. وإنما نقض الحيض والنفاس؛ لأن حكمها أغلظ
(2)
، ونقضت المضغة؛ لاختلاطها
(1)
. نعم الوضوء المسنون لجنب أراد جماع أو نوم أو أكل أو شرب أو ذِكر لا ينتقض بالحدث بالنسبة للجماع؛ لأن القصد منه زيادة النشاط للعود وينتقض به بالنسبة لما بعد الجماع كما أفاده الشارح في الغسل 1/ 284.
(2)
. قال في الفتح: ((لأن المني يصح مع الوضوء في صورة سلسه)).
وَلَوِ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ تَحْتَ مَعِدَتِهِ فَخَرَجَ المُعْتَادُ نَقَضَ وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ فَوْقَهَا، وَهُوَ مُنْسَدٌّ، أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ.
الثَّانِي: زَوَالُ الْعَقْلِ. إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ
بمنيّ الرجل
(1)
. (ولو) خُلق منسد الفرجين نقض خارجه من أي محلٍّ كان ولو الفم
(2)
، أو أحدهما نقض المناسب له
(3)
كأن انسدّ قبله فخرج بول، أو المناسب لهما كدمّ لا غير، ثَمَّ إن للأصلي المنسد له أحكامَه الأخرى
(4)
فينقض مسّه ويجب الغسل والحدّ بإيلاجه والإيلاج فيه وغير ذلك، أما المنفتح الناقض فلا يثبت له إلا النقض
(5)
لذا فلو نام ممكن المنفتح من الأرض لم ينقض وضوؤه هنا وفيما يأتي. ثمّ إن طرأ الانسداد فإن (انسد مخرجه) المعتاد (وانفتح) مخرج (تحت مَعِدته
(6)
فخرج المعتاد نقض، وكذا نادر كدود) ومنه الدم، كذا والريح هذا (في الأظهر، أو) انفتح (فوقها) أو فيها، أو محاذياً لها (وهو) أي الأصلي (منسد) انسداداً طارئاً فلا ينقض؛ لشبهه بالقيء، (أو) انفتح (تحتها وهو منفتح فلا) ينقض (في الأظهر)؛ إذ لا ضرورة لجعله ناقضا مع انفتاح الأصلي
(7)
.
(الثاني زوال العقل) أي التمييز بجنون أو إغماء أو نحو سكر -ولو ممكناً- إجماعاً، أو نوم؛ لخبر (( .. فمن نام فليتوضّأ)) (إلا نوم) قاعد (ممكن مقعده) أي ألييه من مقرّه ولو دابة سائرة، وإن احتبى، وليس بين بعض مقعده ومقرّه تجافٍ؛ لخبر أبي داود ((أن الصحابة كانوا ينامون حتّى تخفق رؤوسهم الأرض))، ولو أخبر نائماً غيرَ ممكن معصومٌ بأنه لم يخرج منه شيءٌ انتقض وضوؤه أيضاً؛ لأن الزّوال هنا نفسه سبب لخروج شيء من الدبر غالباً وما نيط بالمظنّة لا فرق بين وجوده وعدمه. وخرج بالقاعد الممكن غيره كالنائم على قفاه وإن الصق مقعده
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. خلافا لهم حيث قالوا لا ينقض ما خرج من المنافذ المفتوحة كالفم والأذن.
(3)
. قال الشارح: ((سواء أكان انسداده بالتحام أم لا خلافا لشيخنا))، وخالفه أيضا المغني والنهاية.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. قال الرملي والخطيب: هذا في العارض أما الخلقي فيثبت له جميع الأحكام حتى وجوب الساتر، وللشارح تفصيل في حكم الجنابة بالمنفتح ذكر.
(6)
. قال الشارح في الفتح: ((وهي السرة وما حاذاها)).
(7)
. كما في المغني والنهاية.
الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ إلَّا مَحْرَمًا فِي الْأَظْهَرِ، وَالمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ وَشَعَرٌ، وَسِنٌّ وَظُفْرٌ فِي الْأَصَحِّ
بمقرّه، وبالنوم النعاس وأوائل نشأة السكر؛ لبقاء نوع تمييز، ولو شكّ هل نام أو نعس؟ أو هل كان ممكناً أوْ لا؟ لم ينتقض، أما الرؤيا فإن تذكّرها مع عدم تذكّر نوم فلا أثر لها بخلافه مع الشكّ فيه، ولا تنتقض الأنبياء به؛ لأن قلوبهم يقضه وقصّة الوادي محتملة.
(الثالث التقاء بشرتي الرّجل) -ولو صبيّاً وممسوحاً- (والمرأة) أي الذكر والأنثى الواضحان المشتهان طبعا يقينا لذوي الطباع السليمة، وإن كان أحدهما مكرهاً أو ميتاً لكن لا ينتقض وضوء الميت، أما الجنّي فلا نقض به
(1)
. والأصل فيه قوله تعالى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} النساء: 43 أي لمستم والجماع خلاف الظاهر، وغمزه صلى الله عليه وسلم رجل عائشة وهو يصلّي يحتمل الحائل، أما معنى اللمس فهو الجسّ باليّد، ونَقَضَ لمظنّة اللذّة والشهوة التي لا تليق بالمتطهر وقيس باليد غيرها، وأُلحق بالبشرة لحم الأسنان و اللسان لا باطن العين؛ لإناطة الحكم باللذّة في الجميع وباطن العين يلتذ بنظره فقط دون مسّه كالشّعر (إلا محرماً) ولو احتمالاً كأن اختلطت بعدد غير محصور فلا ينقض لمسه ولو بشهوة (في الأظهر)؛ لأنه ليس مظنة الشهوة، وإنما نقضت المجوسيّة؛ لأن تحريمها لعارض يزول، وعُلم من الالتقاء عدم نقض المسّ بحائل ولو رقيقاً كغبار مجمّد يمكن فصله من غير خشية مبيح تيمم وإلا فهو ناقض، نعم العرق ينقض إذا صار كالجزء من الجلد، (والملموس كلامس في الأظهر)؛ لاشتراكهما في مظنة اللذة، (ولا تنقض صغيرة) وصغير لا يشتهيان (وشعر وسنٌّ) ويلحق به كلّّ عظم ظهر
(2)
بل هو أولى؛ للذة النظر في السّن (وظفر في الأصح)؛ لانتفاء لذّة اللمس، ولا ينقض جزء منفصل وإن التصق بحرارة الدم أو نما وسرى أليه الدمّ وذلك؛ لوجوب فصله بل وإن لم يجب فصله لخشية محذور تيمم؛ لأنه لو زال المحذور فُصِلَ، نعم إن كان الذي عادت إليه الحياة فوق النصف نقض
(3)
. ولا ينقض ما شكّ في نحو أنوثته أو خنوثته إن قرب الاحتمال عادة، ويسنّ الوضوء
(1)
. أي؛ لأنا لم نجوز نكاحهم وخالف الرملي فقال بالنقض.
(2)
. ومثلها العين كما تقدم فلا نقض فيها وقال الرملي بالنقض، أما الخطيب فقال بالنقض في العين دون العظم.
(3)
. خالفاه فقالا بالنقض إن كان دون النصف أو مساويا بشرط أن يطلق عليه الاسم.
الرَّابِعُ: مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَكَذَا فِي الجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ لَا فَرْجُ بَهِيمَةٍ، وَيَنْقُضُ فَرْجُ المَيِّتِ وَالصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ الجَبِّ، وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَنْقُضُ رُؤُوسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا
من كل ما قيل أنه ناقض كلمس الأمرد.
[تنبيه] لو أخبره عدل بنحو ناقض اعتمده
؛ لأن هذا الظنّ أقامه الشارع مقام العلم.
(الرابع مسُّ) الواضح والخنثى (قبل) أو جزء قبل (الآدمي) الواضح ومشتبها به
(1)
، وكذا زائد عَمِل أو كان على سنن الأصلي، وينقض من الفرج فقط ملتقى شفريه المحيطين
(2)
بالمنفذ إحاطة الشفّتين بالفم
(3)
، وينقض الذّكر حتى قلفته المتّصلة. وإن أُبين بعض القبل وبقي اسمه نقض كدبر قُوِّر
(4)
(بـ) جزء من (بطن الكفّ) الأصلية والمشتبهة بها، ومثلهما الزائدة من كفٍ أو إصبع إن عملت أو سامتت الأصلية
(5)
بأن كانت الكف على معصمها والإصبع على كفّها وسامتاهما، والعبرة في العمل والمسامتة بوقت المس، ودليل النقض خبر ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما سترٌ ولا حجاب فليتوضأ)) والإفضاء المس ببطن الراحتين وبطن الأصابع والمنحرف إليهما عند انطباقهما مع يسير تحامل، وفرج غيره تشمله رواية ((من مسَّ ذَكَراً))، وخبر النقض أحوط من خبر عدم النقض.
[تنبيه] إنما لم ينقض أحد فرجي الخنثى؛ لأن كلاً منهما لا يصدق عليه وحده أنه فرج رجل أو أنثى
فلم يؤثّر الشّبه الصوري فيه، (وكذا في الجديد حلْقة) وهي ملتقى المنفذ (دبره) كالقبل؛ لأن كلاً ينقض خارجه (لا فرجُ بهيمةٍ)؛ لعدم اشتهائه طبعاً ومن البهيمة الطيّر، (وينقض فرج الميت والصّغير) لصدق الاسم (ومحلّ الجبّ)؛ لأنه أصل الذّكر أو الفرج (والذّكر) والفرج (الأشل وباليد الشلاء في الأصح)؛ لشمول الاسم، (و لا تنقض رؤوس الأصابع وما بينها) وحرفها وحرف الكف؛ لخبر الإفضاء مع أنها ليست مظنّة اللذة.
(1)
. قوله: ((ومشتبها به)) هنا وفيما يأتي قضية سكوت النهاية والمغني عدم النقض فيهما.
(2)
. اقتصر على هذا الرملي وقضيته أن جميع ملتقاهما ناقض.
(3)
. فلا ينقض البضر عند الشارح وينقض عند الرملي بشرط كونه متصلا.
(4)
. قوره قطع من وسطه خرقا مستديرا، لسان العرب.
(5)
. وفاقا للخطيب وخلافا للرملي.
وَيَحْرُمُ بِالحَدَثِ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ، وَحَمْلُ المُِصْحَفِ، وَمَسُّ وَرَقِهِ، وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَرِيطَةٌ، وَصَُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ، وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي الْأَصَحِّ،
(ويحرم) على غير فاقد الطّهورين ونحو السلس (بالحدث الصّلاة) إجماعاً، ومثلها صلاة الجنازة وسجود التلاوة والشّكر وخطبة الجمعة (والطّواف)؛ لحديث ((الطواف بمنزلة الصّلاة)) (وَحَمْل المُِصحف) وخرج به ما نُسخت تلاوته والكتب السابقة (ومَسُّ ورقِهِ) ولو البياض؛ لخبر ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) والحمل أبلغ من المس، (وكذا جلده) المتصل به
(1)
يحرم مسّه ولو بشعرةٍ (على الصّحيح)؛ لأنه كالجزء منه، ولذا لو جُلِّد المصحف مع غيره حرم مس الجلد الجامع لهما من سائر جهاته
(2)
؛ لتغليب المصحف كما غُلّب على التفسير في حالة الاستواء، ولا يشترط للحرمة كون الجلد مُعدّاً له. ويلزم عاجزاً عن طهر -ولو تيمماً- حملُهُ أو توسده إن خاف عليه نحو غرق أو حَرْق أو كافر أو تنجّس ولم يجد أميناً يودعه إيّاه، فإن خاف ضياعه جاز الحمل لا التوسّد؛ لأنه أقبح. ويحرم توسد كتاب علم محترم لم يخش نحو سرقته (وخريطة وصَُندوق) ككرسي وضع عليه
(3)
(فيهما مصحف) وقد أُعدّا له وحده؛ لأنهما حينئذ كالجلد ولو لم تكن ثمّ مناسبة بين حجمهما وحجم المصحف، (وما كُتِبَ لدرس قرآن) فيحرم المس والحمل بخلاف قصد غيره كتبرّك، أو شُكَّ في قصده فيحلّ؛ لأن الأصل عدم الحرمة
(4)
، أما إن لم يقصد شيئاً فينظر للقرينة (كلوحٍ في الأصح) ولو بعض آية بشرط كونه جملة مفيدة، ويعتبر قصدُ الدّراسة والتبرك حين الكتابة فقط وقصدُ الكاتب لنفسه أو لغيره تبرّعاً وإلا فآمره أو مستأجره، ومحل هذا فيما لا يسمى مصحفاً أما ما يسمّاه عرفاً فلا عبرة فيه بقصد دراسة ولا تبرّك.
(1)
. وفي النهاية والمغني: وكذا يحرم المنفصل عنه ما لم تنقطع نسبته عنه كأن جعل جلد كتاب.
(2)
. خلافا لهما فيحرم عندهما مس الساتر للمصحف دون ما عداه.
(3)
. خلافا للرملي فقال لا يحرم مس شيء منه.
(4)
. خلافا للمغني، ونقلت الحرمة عن الجمال الرملي أيضا.
وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ، وَتَفْسِيرٍ، وَدَنَانِيرَ لَا قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ فِي الْأَصَحِّ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ المُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(والأصح حل حمله) مع الكراهة (في) أي مع (أمتعة) بل متاع ومثله حمل حامله
(1)
أو ربط متاع معه، والشرط في الكلّ قصد المتاع فقط؛ لأن المصحف تابع حينئذٍ، فإن أطلق حرم
(2)
قياس استواء قرآن وتفسير، وإن قصد المصحف فقط حرم كذلك
(3)
، ولو قصدهما فالقياس الحرمة
(4)
. والمس هنا كالحمل فلو وضع يده فأصاب بعضها المصحف وبعضها غيره تأتى فبه التفصيل المذكور، (و) يحلّ حمله ومسّه
(5)
في نحو ثوب كُتِب عليه و (تفسير
(6)
أكثر منه مع الكراهة؛ لأن نحو التفسير حينئذ هو المقصود، بخلاف ما لو كان التفسير أقل أو مساوٍ للقرآن المقصود حينئذٍ، والعبرة في القلّة والكثرة بالحروف المرسومة؛ لأن المدار هنا على المحمول، وعليه فيعتبر العدّ في القرآن برسمه بالنسبة لخط المصحف الإمام؛ لأن رسمه لا يقاس عليه، ويعتبر في التفسير رسمه على قواعد علم الخطّ؛ لعدم ورود شيء فيه فرجعنا إلى قواعد أهله. ولو شكّ كونه أكثر أو مساوٍ حَلَّ؛ لعدم تحقق المانع
(7)
(ودنانير) عليها قرآن؛ لأنه لم يقصد للدراسة والحفظ، ولذا حلّ أكل طعام وهدم جدار نقش عليهما (لا قلب ورقه بعود) مثلاً ولو كانت قائمة (في الأصح)؛ لأنه لانتقاله بفعله صار كالحامل (وأن الصبيّ) المميز -ولا يُمَكَّن غيره- (المحدث) ولو حدثاً أكبر (لا يمنع) عند حاجة تعلّمه ودرسه ووسيلتهما كحمله للمكتب والإتيان به للمعلِّم ليعلمه منه، وذلك؛ لمشقّة دوام طهره، (قلت: الأصح حِلُّ قلب ورقه بعودٍ) أو نحوه (وبه قطع العراقيون والله أعلم)؛ لأنه ليس بحمل ولا في
(1)
. قضيته أنه يجري فيه تفصيل المتاع خلافا للنهاية فقد استوجه الحل مطلقا.
(2)
. خلافا لهم ولما جرى عليه في الفتح.
(3)
. وفاقا لهما.
(4)
. وفاقا للخطيب وخلافا للرملي.
(5)
. مقتضاه أن مس الحروف القرآنية على انفرادها سائغ حيث يكون التفسير أكثر، ووافقه المغني، وخالفه النهاية فقال الرملي فيها إن العبرة في الكثرة وعدمها في المس بحالة موضعه وفي الحمل بالجميع.
(6)
. نعم لو حشي مصحف في تفسير فلا يحل مطلقا؛ لأنه باق على اسم المصحف، كما ذكره الشارح في حاشية الفتح خلافا للرملي في فتاويه.
(7)
. خلافا لهما.
وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ عَمِلَ بِيَقِينِهِ، فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَجَهِلَ السَّابِقَ فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا فِي الْأَصَحِّ
معناه، ولذا لو انفصلت الورقة على العود حَرُم اتفاقا؛ لأنه حمل كما لو لفّ كمه على يدّه وقلب بها وإن لم تنفصل. ويحرم مسّ القرآن ومثله كلّ اسم معظّم بمتنجّس بغير معفو عنه، ووطء شيء نُقش به؛ لإهانته قصداً، ولذا كره فقط لبس ما كتب عليه المستلزم الجلوس عليه؛ لأنه يغتفر تابعاً ما لا يغتفر مقصوداً، ووضع نحو درهم في مكتوبه، وجعله وقاية ولو لما فيه قرآن
(1)
، كما يحرم تمزيقه عبثاً؛ لأنه إزراءٌ به وترك رفعه عن الأرض، وينبغي أن لا يجعل في شِقٍّ؛ لاحتمال سقوطه، وبلع ما كتب عليه بخلاف أكله؛ لزوال صورته قبل ملاقاته للمعدة ولا تضر ملاقاته للريق. ويحرم مدّ الرجل إليه. و يجوز للمحدث كتبه بلا مسٍ. ويسن القيام له كالعالِم. ويكره حرق ما كتب عليه قرآن لغير دراسته أو لها وبه نحو بِلىً إلا لغرض نحو صيانة والغسل أولى من الحرق، أما المصحف فيحرم حرقه مطلقاً، ولا يكره شرب محوه. (ومن تيقن طهراً أو حدثاً وشكّ) أي تردد باستواء أو رجحان (في ضدّه عمل بيقينه)؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم الشاك في الحدث عن الخروج من المسجد إلا أن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، نعم يندب الوضوء للشاك في الحدث إن لم يؤدّ إلى وسوسة، (فلو تيقنهما وجهل السابق فضدّ ما قبلهما في الأصح) فإن كان قبلهما محدثاً فهو الآن متطهر مطلقاً؛ لتيقنه الطّهر وشكّه في تأخر الحدث عنه والأصل عدم تأخره، أو متطهّراً فإن أحتمل وقوع تجديد منه فهو الآن محدث؛ لتيقّن رفع الحدث لأحد طهريه مع الشّك في تأخر الطهر الآخر عنه والأصل عدم تأخره، وإن لم يحتمل فهو الآن متطهر؛ لأن الظاهر تأخر طهره الثّاني عن حدثه، ولو علم قبلهما طهارة وحدثاً وجهل أسبقهما نظر لما قبل قبلهما وهكذا ثمّ أخذ بالضد في الأوتار وبالمثل في الأشفاع بعد اعتبار احتمال وقوع التجديد وعدمه، فإن لم يعلم ما قبلهما لزمه الوضوء بكلّ حال حيث احتمل وقوع تجديد منه، أما من لم يحتمل منه ذلك فيأخذ بالطهر بكلّ حال ولا أثر لتذكره وعدمه.
(1)
. خلافا للنهاية تبعا لوالده.
فصل
يُقَدِّمُ دَاخِلُ الخَلَاءِ يَسَارَهُ، وَالخَارِجُ يَمِينَهُ، وَلَا يَحْمِلُ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى، وَيَعْتَمِدُ جَالِسًا يَسَارَهُ،
(فصل) في آداب قضاء الحاجة والاستنجاء
(يُقَدِّم) ندبا (داخل الخلاء) -ولو لحاجة أخرى-، والمراد محلّ قضاءها ولو بصحراء، والتعيين فيها لغير المعدّ بالقصد؛ لصيرورته به مستقذراً، وفيما له دهليز طويل يقدمها عند بابه وعند وصوله لمحلّ جلوسه (يساره) أو بدلها ككل مستقذرٍ من نحو سوق ومعصية كالصّاغة، ويحرم دخولها إن علم أن فيها حال دخوله معصية كربا ولم تكن له حاجة يتوقف قضاؤها على الدخول ويكون لفقدها وقع عرفاً (والخارج يمينه) كداخل مسجدٍ، أما ما لا تكرمة فيه ولا استقذار فيفعل باليمين
(1)
، وفي شريف وأشرف يراعى الأشرف كالكعبة وبقيّة المسجد
(2)
، وفي شريفين كمسجدين ملتصقين يتخيّر ولذا يتخيّر الخطيب عند صعوده المنبر، نعم لو التصق بيت بمسجد فالبيت مستقذر بالنسبة للمسجد فيراعى المسجد، أما القذرين فيراعى الأقذر كحمّام وسط سوق، (ولا يحمل) أي يكره للواصل لمحل قضاء الحاجة حمل (ذكر الله) أي مكتوب ذكره ككل معظّم من قرآن
(3)
واسم نبي مختصٍ أو مشترك وقصد به المعظّم أو قامت قرينة قوية على أنه المراد، وذلك؛ لخبر ((أنه صلى الله عليه وسلم كان ينزع خاتمه إذا دخل الخلاء))، وكان نقشه محمد رسول الله. ولو دخل به -ولو عمداً- غيَّبَهُ ندباً بنحو ضمّ كفّه عليه. ويجب على من بيساره خاتم عليه معظّم نزعه عند استنجاء ينجسه، (ويعتمد) ندباً في حال قضاء الحاجة (جالساً يساره) فيضع أصابعها بالأرض وينصب باقيها؛ لأنه أسهل لخروج الخارج، أما القائم فإن أمن النجاسة مع اعتماد
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. خلافا للنهاية فقال يراعي الكعبة عند دخوله والمسجد عند خروجه منها.
(3)
. قال الرملي والخطيب بالحرمة إن خيف تنجسه ودخل بلا ضرورة.
وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا، وَيَحْرُمَانِ بِالصَّحْرَاءِ، وَيَبْعُدُ، وَيَسْتَتِرُ،
اليسرى اعتمدها
(1)
وإلا اعتمدهما، وإن أمن النجاسة مع عتماد اليمين اعتمدها. ويكره
قضاؤها قائماً بلا عذرٍ بل يحرم إن علم التلويث ولا ماء، أو ضاق الوقت، أو اتسع وحرَّمْنَا التضمّخ بالنجاسة عبثاً، (ولا يستقبل القبلة) أي الكعبة، أما قبلة بيت المقدس فيكره فيها نظير ما يحرم هنا (ولا يستدبرها) -في مكان غير معدّ- أدباً، فإن فعل فخلاف الأولى إن وجد ساتراً ارتفاعه ثلثا ذراع فأكثر -ولا يشترط له عرض يستر العورة
(2)
- وقد دنى منه ثلاثة أذرع فأقل، ومن الساتر إرخاء ذيله؛ لأن القصد تعظيم جهة القبلة
(3)
، أما المعدّ فذلك مباح فيه والتّنزّه عنه حيث سهل أفضل، (ويحرمان) بعين الفرج الخارج منه البول أو الغائط لعين القبلة، ولا تضر المقابلة أو الاستدبار بالصدر. ويحلّ الاستنجاء والجماع
(4)
وإخراج الرّيح إليها، ولو اشتبهت القبلة على قاضي الحاجة لزمه الاجتهاد، ويأتي هنا جميع ما يأتي قبيل صفة الصلاة (بالصّحراء) يعني بغير المُعد وحيث لا ساتر. وأصل ما تقدّم نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذينك مع فعله للاستدبار في المعدّ، ولو لم يكن له مندوحة عن الاستقبال والاستدبار استدبر، ويكره استقبال القمرين دون استدبارهما؛ لأن الأخير غالباً لا تتأتى فيه حقيقة الاستدبار، ومحل الكراهة حيث لا ساتر -ومنه السّحاب-، ولا يضرّ محاذاة القمر نهاراً؛ لأنه ليس محل سلطانه، (ويبعُد) ندباً عن النّاس في الصّحراء -بحيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشمّ له ريح- والبنيان كالصّحراء إن سهل، فإن لم يبعد سُنّ لهم الإبعاد كذلك، ويسنّ أن يُغَيِّب شخصه عن الناس؛ للاتباع، (ويستتر) بالساتر السابق لكن مع عرض يمنع رؤية عورته، ومحلّه في الجالس من سرّته إلى قدميه وفي القائم منها إلى ركبتيه، هذا إن لم يكن ببناءٍ يسهل تسقيفه عادةً وإلاّ كفى وإن بعد عنه الساتر، وإنما لم يكف إن بعد عنه فيما تقدّم في القبلة؛ لأن القصد تعظيمها وهو لا يحصل مع ذلك أما هنا فالقصد عدم رؤية عورته، ومحل ما تقدّم حيث لم يكن من ينظر لعورته غير حليلته وعلمه وإلاّ لزمه السّتر على المعتمد. ويسن رفع ثوبه شيئاً فشيئاً، فإن رفعه دفعة قبل دنوّه كره إلاّ لخشية نحو تنجّس؛ لأنه غرض، وإن
(1)
. خلافا لهما فقلا يعتمدهما معا.
(2)
. خلافا لهما حيث اشترطا ذلك.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. أي ولو بالصحراء كما يأتي في النكاح 7/ 217.
وَلَا يَبُولُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، وَجُحْرٍ، وَمَهَبِّ رِيحٍ، وَمُتَحَدَّثٍ، وَطَرِيقٍ، وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ،
تعارض السّتر والإبعاد أو والاستقبال أو والاستدبار قُدّم السّتر في الأولى، وفي غيرها إن وجب، ويعدّ الأحجار أو الماء قبل جلوسه، (ولا) أي يكره أن (يبول) أو يتغوّط (في ماء) مملوك له أو مباح غير مسبّل ولا موقوف (راكد)؛ للنهي عنه ما لم يستبحر بحيث لا يعاف، أما الجاري الكثير فلا يكره فيه؛ لقوّته، ولا يحرم في قليله؛ لإمكان تطهيره إلا إن دخل الوقت وتعيّن لطهره فيحرم كإتلافه. ويحرم أيضًا في مسبّلٍ وموقوفٍ مطلقاً وماءٍ هو واقفٌ فيه إن قلّ؛ لحرمة تنجيس البدن. ويكره في الماء بالليل مطلقاً، والكراهة هنا شرعية، (و) يكره البول والتغوّط في (جُحْر) غير معدٍ لئلا يَتأذى أو يُؤذي، والجحر هو الثّقب المستدير النازل في الأرض، وأُلحق به السَّرَب وهو الشق المستطيل. (و) لا يبول ولا يتغوّط مائعاً في محل صلبٍ ولا في (مهبّ ريح) أي جهة هبوبها الغالب في ذلك الزمن فيكره وإن لم تكن هابّة بالفعل
(1)
خوف الرّشاش، وكالمائع جامد يُخشى عود ريحه والتأذي به
(2)
. ولا يبول ولا يتغوّط في مستحمّ لا منفذ له؛ لأنه يجلب الوسواس، (ومتحدث) وهو محل اجتماع الناس في الشّمس شتاءً والظل صيفاً، والمراد كلُّ محلٍّ يقصد لغرض كمعيشة فيكره إن اجتمعوا لجائزٍ وإلا فلا
(3)
، (و) يكره في (طريق)؛ للنهي عن التّخلّي فيها
(4)
(وتحت مثمرة) أي شأنها ذلك فيكره ما لم يُطَهِّر المحل أو يعلم مجيء ماء يطهره قبل وجود الثمرة، (ولا يتكلم) أي يكره التكلّم بحيث يسمع نفسه حال خروج الخارج ولو بغير ذكر أو ردّ سلام، فلو عطس حمد الله بقلبه كالمُجَامِع، نعم يجب الكلام لخوف محذور
(5)
كما هو ظاهر، أما مع عدم خروج شيءٍ فيكره بذكر أو قرآن فقط، (ولا يستنجي بماء في مجلسه)، أي يكره ذلك في غير معد أو في معد صعد منه هواء مقلوب؛ خشية تنجسه، أما المستنجي بالحجر فيسن له عدم الانتقال بل يلزم حيث لا ماء يكفيه لطهارة الحدث والخبث وقد دخل الوقت؛ لأن قيامه يمنع إجزاء الحجر إلا أن
(1)
. وفاقا للخطيب وخلافا للرملي.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. قال في الفتح: ((بل يندب تنفيرا لهم)).
(4)
. ويكره الذبح فيها أيضا كما أفاده الشارح في كتاب الصيد والذبائح.
(5)
. كما أطلقه الشيخ ابن حجر في شرح بافضل.
وَيَسْتَبْرِئُ مِنَ الْبَوْلِ، وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ: بِسْمِ اللهِ اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ. وَعِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ: غُفْرَانَكَ الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي
يباعد بين فخذيه بحيث لا يتماس باطن صفحتيه (ويستبرئ) ندبا بما اعتاده من نحو تنحنح، ومسح ذكر أو أنثى مجامع العروق بيده وغير ذلك (من البول) والغائط إن خشي عود شيء منه عند انقطاعه؛ لئلا يعود شيء فينجّسه، ولا يبالغ في الاستبراء؛ لأنه يورث الوسوسة، ويجوز مسك الذكر المتنجس في نحو المشي إن عَسُر تحصيل حائل يقيه النجاسة، ويكره القيام قبل الاستنجاء لمن استبرأ من جلوس، ويحرم التبرّز على محترم كعظم وقبر وفي موضع نسك ضيّق كالجمرة والمشعر وبقرب قبر نبيّ وبين قبور نبشت؛ لاختلاط تربتها بأجزاء الميت، ويكره بقرب قبر محترم وتشتدّ الكراهة في قبر ولي أو عالم أو شهيد، ويسن اتخاذ إناء للبول فيه ليلاً، نعم نُهي أن ينقع
(1)
البول في إنائه؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً هو فيه ككلب وجنب وصورة، وأن يقول أهرقت الماء بل بلت، (ويقول) ندباً (عند دخوله) أي وصوله لمحل قضاء حاجته أو لبابه ولو لحاجة أخرى، فإن غفل ودخل قاله بقلبه (باسم الله) أي أتحصّن، ولا يزيد الرّحمن الرّحيم (اللهم إني أعوذ بك من الخُبُْث) ذكران الشياطين (والخبائث) إناثهم (وعند خروجه) أو مفارقته له (منه غفرانك
(2)
أي اغفر لي؛ للعجز عن شكر هذه النعمة (الحمد لله الذي أذهب عنّي الأذى وعافاني)، ومن الآداب الانتعال وستر الرأس
(3)
وأن لا يطيل قعوده بلا ضرورة ولا يعبث ولا ينظر للسماء أو فرجه أو خارجه بلا حاجة.
(1)
. نقع المائع في مستقره طال مكثه، المعجم الوسيط.
(2)
. خلافا للخطيب فقال يكررها ثلاثا.
(3)
. ولو بكمه كما في الفتح.
وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ، وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ،
(ويجب) عند إرادة نحو صلاة أو ضيق وقت، وحينئذٍ لو تعيّن الاستنجاء وعلم أن ثمّ من لا يغُض بصره عن عورته لم يعذر؛ لحرمة إخراج الصلاة عن وقتها (الاستنجاء)؛ للأمر به، ويندب تقديمه عن الوضوء أو الغسل إلا في السلس والمتيمم فيجب تقديمه على طهرهما، ويكون (بماء
(1)
ويكفي غلبة ظنّ زوال النجاسة، ولا يسن شم يده وهو منها دليل نجاستها فقط إلا أن يشمها من الملاقي للمحل فهو دليل على نجاستهما
(2)
. ولو توقف زوالها في المحل على نحو صابون سُنّ، وينبغي الاسترخاء؛ لئلا يبقى أثر النجاسة في تضاعيف شرج المعدة (أو حجر، و) الماء أفضل، ثمّ إن (جمعهما) بأن يقدّم الحجر (أفضل) من الاقتصار على أحدهما كي لا يمسّ عين النجاسة؛ لأن عينها تزول بالحجر، ولذا يحصل أصل السّنة بالنجس، وبدون ثلاث مسحات مع الإنقاء فيهما، ويتعيّن الماء في قبلي مشكل دون ثقبته التي بمحلّهما؛ لأصالتها حينئذ، وفي ثقبة منفتحة وبول الأقلف إذا وصل للجلدة وبول ثيب أو بكر وصل إلى مدخل الذكر يقيناً
(3)
؛ لأنه يلزم من وصوله انتشاره عن محلّه إلى ما لا يجزئ فيه الحجر، فليس السبب عدم وصول الحجر لمدخله؛ لأن الخرقة تصل إليه. ولا يتعيّن الماء في دم حيض أو نفاس لم ينتشر عن محله فلها بعد الانقطاع ولو ثيّباً الاستنجاء بالحجر فيما إذا أرادت التيمم لفقد الماء ولا إعادة عليها. والواجب على المرأة غسل ما ظهر بجلوسها على قدميها.
(1)
. ومر حكم ماء زمزم.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. شامل للبكر والثيب، وخصه الخطيب بالثيب.
وَفِي مَعْنَى الحَجَرِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ وَجِلْدٍ دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَشَرْطُ الحَجَرِ أَلَّا يَجِفَّ النَّجَسُ،
(وفي معنى الحجر)؛ بناءً على جواز القياس في الرخص (كل جامد طاهر قالع غير محترم) فلا يجزئ نحو ماء وردٍ ومتنجّس وقصبٍ أملس وتراب أو فحم يلصق منه شيء بالمحل، ويتعيّن الماء فيما تقدم لا في أملس لم ينقل النّجاسة، ويحرم بالمحترم وإن لم يجد غيره فيتيمم ويعيد، ومثله مطعوم لنا ولو قشراً مأكولاً كالبطيخ بخلاف قشر مزيل للنجاسة لا يؤكل لكنّه يكره به إن كان المطعوم داخله، وكمطعوم للجن كعظم وإن أحرق، أو لنا وللبهائم والغالب نحن
(1)
، وكحيوان كفأرة، و جزئه المتصل، ونحو يد آدمي محترم
(2)
وإن انفصلت، وكمكتوب عليه اسم معظّم، أو منسوخ لم يعلم تبديله
(3)
، أو عِلْمٍ محترم كمنطق وطبّ خليا عن محذور؛ لأن تعلمهما فرض كفاية، أما مكتوب ليس كذلك فيجوز الاستنجاء به (وجلدٌٍ دبغ)؛ لانتقاله من طبع اللحم إلى طبع الثياب، ويلحق به جلد الحوت الكبير إذا تحجر بحيث صار لا يلين وإن نقّع في الماء
(4)
(دون غيره في الأظهر)؛ لأنه إما نجس أو مأكول، نعم إن استنجى بشعرِهِ الطاهر أجزأ
(5)
. ويحرم بجلد علمٍ إن اتصل وجلد مصحف وإن انفصل.
(وشرط) إجزاء الاقتصار على (الحَجَر أن) لا يكون به رطوبة كالمحلّ إلا إن كانت عَرَقاً، وأن (لا يجفّ النجس) الخارج أو بعضه وإلا تعيّن الماء في الجاف، وكذا غيره إن اتصل به، فإن بال أو تغوّط مائعاً مرّة أخرى فوصل إلى ما وصل إليه بوله الأول فقط تعيّن كذلك الماء
(6)
؛ لتعينه بالجفاف فلا يرتفع بما حدث من الرطوبة، ولو غسل ذكره ثمّ بال قبل الجفاف لم ينجس غير مماس البول.
(1)
. أي فلا حرمة في المساوي وخالفوه.
(2)
. ليس بقيد عندهما.
(3)
. أفاد في الفتح جواز الاستنجاء بنحو توراة علم تبديلها إن خلت عن اسم معظم.
(4)
. خلافا للخطيب.
(5)
. وفاقا للخطيب وشيخ الإسلام وخلافا للرملي.
(6)
. خلافا لهم.
وَلَا يَنْتَقِلَ وَلَا يَطْرَأَ أَجْنَبِيٌّ، وَلَوْ نَدَرَ أَوِ انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَتَهُ وَحَشَفَتَهُ جَازَ الحَجَرُ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَجِبُ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ، وَلَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِ وَجَبَ الْإِنْقَاءُ. وَسُنَّ الْإِيتَارُ وَكُلُّ حَجَرٍ لِكُلِّ مَحَلِّهِ
(ولا ينتقل) عمّا استقر فيه عند خروجه؛ إذ لا ضرورة فكان كالأجنبي، (ولا يطرأ) على المحلّ (أجنبي) نجسٌ مطلقا، أو طاهر جاف
(1)
اختلط بالخارج أو رطب ولو ماء لغير تطهيره
(2)
، لا عرق إلا إن سال وجاوز الصّفحة أو الحشفة؛ إذ لا يعمّ الابتلاء به حينئذٍ. (ولو ندر) كدم (أو انتشر فوق العادة) الغالبة (ولم يجاوز) غائطٌ (صفحته) وهي ما ينظمّ من الأليين عند القيام، ويلحق بها شعر بباطن الصّفحة (و) بول (حشفته) وهي ما فوق محلّ الختان (جاز الحجر في الأظهر)؛ إلحاقاً له بالمعتاد، فإن جاوز تعيّن الماء في المجاوز والمتصل به مطلقاً، فإن لم يجاوز وانفصل عمّا اتصل بالمحل تعين في المنفصل فقط، نعم من ابتلي هنا بمجاوزة الصّفحة والحشفة دائماً يعفى عنه فيجزيه الحجر
(3)
. (ويجب ثلاث) وإن أنقى بواحدة؛ لأن البقيّة للاستطهار كالأقراء (مسحات)؛ للنهي عن أقل (ولو) بطرفي حجر بأن لم يتلوّث في الثانية فتجوز هي والثالثة بطرف واحد؛ لأنه بالثانية خفف النجاسة فلم يؤثر فيه الاستعمال، أو (بأطراف حجر)؛ لأن القصد عدد المسحات مع الإنقاء، (فإن لم يُنقِ) بأن بقي أثر يزيله ما فوق صغار الخزف (وجب الإنقاء، وسُنّ الإيتار)؛ للأمر به (وكلّ حجر لكل محلّه) فيجب تعميم كل مسحة من الثلاث لكل جزء من المحل، ولا يشترط وضع الحجر على محل طاهر. ويندب أن يبدأ بأول الأحجار من مقدّم صفحته اليمنى ويديره قليلا قليلا إلى محلّ ابتداءه وبالثاني من مقدّم اليسرى ويديره كذلك ويمر الثالث على مسربته وصفحته جميعاً.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. بل صرح الشارح في شروط الصلاة أنه لو مس رأس ذكره موضعا مبتلا من بدنه نجس.
(3)
. خلافا لهما.
وَقِيلَ يُوَزَّعْنَ لِجَانِبَيْهِ وَالْوَسَطِ، وَيُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِيَسَارِهِ، وَلَا اسْتِنْجَاءَ لِدُودٍ، وَبَعَرٍ بِلَا لَوْثٍ فِي الْأَظْهَرِ.
(وقيل) الأفضل أن (يوزّعن لجانبيه والوسط) فيمسح بحجر الصّفحة اليمنى ثمّ يعمم فاليسرى ثمّ يُعمم فالوسط ثمّ يُعمم، أما الذّكر فيمسحه على ثلاثة مواضع من الحجر، ولو مسحه صعوداً ضرّ أو نزولا فلا
(1)
. والأولى للمستنجي بالماء أن يقدّم القبل، وبالحجر أن يقدّم الدّبر؛ لئلا يجفّ. (ويسن الاستنجاء بيساره)؛ للنهي عنه باليمين فيكره كمسه بها، والاستعانة بها في الاستنجاء
(2)
لغير حاجة. (ولا استنجاء لدود و بَعَر بلا لوث في الأظهر)؛ إذ لا معنى كالريح له، نعم يتأكّد للخلاف. ويكره من الريح إلا إن خرج والمحلّ رطب
(3)
، ولو تيقّن الاستنجاء وشكّ في غسل ذكره غسله؛ لأن كلاً من الذكر والدبر مستقل فتيقنه مطلق الاستنجاء لا يقتضي دخول غسل الذكر فيه بخلاف ما لو شكّ هل مسح ثنتين أو ثلاثاً فلا يعيد الاستنجاء.
(1)
. ضُعِّف تفريق الشارح بينهما، وخالفه في التفريق النهاية والمغني فاعتمدا أجزاء المسح ما لم تنتقل النجاسة سواء كان من أعلى إلى أسفل أو عكسه.
(2)
. قال في الفتح: ((فيجعل الحجر بين عقبيه، فإن عسر حمله بيمينه وحرك ذكره بيساره على الحجر)).
(3)
. أي فيباح حينئذ خلافا لهما فعندهما يكره مطلقا.
باب في الوضوء
(باب الوضوء)
هو اسم مصدر، والأفصح ضمُّ واوِهِ إن أريد به الفعل كما يأتي وفتحها إن أريد به الماء، وهو بمعنى النضارة، ومن خصائصنا كيفيته فقط أو الغرة والتحجيل.
وشرطه: * ماء مطلق، نعم الشرط عند الاشتباه ظن كونه مطلقا، و* عدم نحو حيض في غير نحو أغسال الحج، و* أن لا يكون على العضو ما يغيّر الماء تغيّراً ضاراً، أو جرم* كثيف يمنع وصوله إلى البشرة، لا نحو خضاب ودهن مائع، أما الوسخ الذي صار جزأً من البدن بحيث يخشى من إزالته محذور تيمم فلا يمنع صحّة الوضوء أو النّقض، ولا يضرّ في الخضاب تنفيطه للجلد وتربيته القشرة عليه؛ لأنها من عين الجلد لا منه، و*جري الماء عليه، و*إزالة النجاسة بتفصيلها الآتي، و* تحقق المقتضي إن بان الحال
(1)
فإن لم يبن صحّ كوضوء الاحتياط فيمن تيقّن الطهر وشكّ في الحدث، والأولى أن ينقض نفسه خروجاً من الخلاف، وإنما صحّ وضوء الشّاك في طهره بعد تيقّن حدثه مع تردده وإن بان الحال؛ لأن الأصل بقاء الحدث، فلو نوى في هذه إن كان محدثاً وإلا فتجديد صحّ وإن تذكّر
(2)
، و*إسلام، و*تمييز إلا في نحو غسل كتابيّة مع نيّتها لتحلّ لحليلها المسلم وتغسيله لحليلته المجنونة
(3)
أو الممتنعة مع النيّة منه، بخلاف ما إذا أكرهها لا يحتاج لنيّة؛ للضرورة في الجميع، ولذا يجب إعادته عند زوالها، و* عدم الصّارف بأن لا يأتي بمناف للنيّة كردّة أو قول إنشاء الله لا بنية التّبرك
(4)
أو بنية قطع، لا نوم طويل مع التّمكن فلا يحتاج لتجديدها إن كان البناء
(1)
. فهو شرط عند الشارح والخطيب وقال الرملي إنه بالأركان أشبه.
(2)
. ولو توضأ ثم جدد ثم صلى ثم تيقن ترك مسح من أحد الوضوئين أعاد الصلاة كما أفاده الشارح في باب سجود السهو 2/ 190.
(3)
. وله أن يغسلها بماء ظن هو طهارته باجتهاده كما ذكره الشارح في كتاب الطهارة 1/ 105.
(4)
. أفاد الشارح عند كلامه على النية في الصوم أنه إن أعقبها بإنشاء الله أنه إن قصد التبرك صحَّ بخلاف التعليق أو أطلق.
فَرْضُهُ سِتَّةٌ:
أَحَدُهَا نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إلَى طُهْرٍ، أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ
بفعله
(1)
، و*معرفة كيفيته وإلا فإن ظنّ الكل فرضاً أو شرّك ولم يقصد بفرضٍ معيّن النفلية صح أو نفلا فلا، و*يزيد السلس بدخول الوقت وظنّ دخوله و* تقديم نحو استنجاء وتحفظ احتيج إليه، و* الموالاة بينهما، وبينهما وبين الوضوء، وبين أفعال الوضوء، وبينه وبين الصّلاة.
(فرضه ستّة) أربعة بالقرآن واثنان بالسنّة:
(أحدها نيّة) وهي قصد الشيء مقترناً بفعله، ومحلّها القلب، والتّلفظ سنة؛ مراعاة للخلاف في وجوبه (رفع) أسبابه كـ (حدث) أي رفع حكمه كحرمة نحو الصّلاة؛ لأنه القصد من الوضوء فالحدث هنا الأسباب، أما إن أريد رفع المانع أو المنع فلا حاجة لتقدير حكم، والمراد رفع ما يصدق عليه ذلك وإن نوى غير ما هو عليه -كتبديل أصغر بأكبر فيصح غلطاً، أما عمداً فلا؛ لتلاعبه
(2)
- أو نفى بعض أحداثه، أو نوى رفعه في صلاة واحدة دون غيرها؛ لأنه لا يتجزّأ
(3)
، ولو نوى رفعه وأن لا يرفعه لم يصّح؛ للتناقض وكذا لو نوى أن يصلّي به بمحلّ نجس (أو) نيّة الطهارة عن الحدث أو نيّة (استباحة مفتقر إلى طهر
(4)
أي وضوء بدليل قوله: ((أو ما يندب له الوضوء))، وذلك كطواف وإن كان النّاوي بمصر، أو عيد ولو في رجب؛ لتضمنها رفع الحدث، ولو قال نويت استباحة مفتقِر إلى وضوء أجزأه وإن لم يخطر له شيء في مفرداته، (أو) نيّة (أداء فرض) وليس المراد حقيقة الفرض وإلا لم يصحّ وضوء الصّبي بل فعل طهارة الحدث المشروطة لنحو الصّلاة (الوضوء) أو أداء الوضوء أو فرض الوضوء أو الوضوء، والطّهارة كالوضوء في الثّلاثة الأُوَل، وإنما صحّت نية فرض الطّهارة وكذا الطهارة الواجبة؛ لتبادر طهارة الحدث دون الخبث ولذا فلو ربطها بالصّلاة
(1)
. كما يأتي في مبحث غسل الوجه.
(2)
. ومن العمد ما لو نوى الذكر رفع حدث نحو الحيض؛ إذ لا يتصور فيه الغلط خلافا للرملي.
(3)
. خلافا لهما فقالا بعدم الصحة حينئذٍ.
(4)
. و لا يكفي أن ينوي الوضوء المسنون في وضوء مسنون إلا في وضوء الجنابة إذا تجردت جنابته عن الحدث وفي نية الغاسل لوضوء الميت، على أن الشارح مال إلى عدم الاستثناء وأفاد ذلك في الاستسقاء 3/ 81.
وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ كَمُسْتَحَاضَةٍ كَفَاهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ دُونَ الرَّفْعِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا. وَمَنْ نَوَى تَبَرُّدًا مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ جَازَ فِي الصَّحِيحِ. أَوْ مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ كَقِرَاءَةٍ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِ الْوَجْهِ
تمحضت له، لا الرابعة؛ لشمولها الخبث من غير تمييز، وعدم وجوب التّعرض لنيّة الفرضية يُشعِر بأن اعتبار النيّة هنا؛ للتمييز وليس للقربة. (ومَنْ دام حدثه كمستحاضة) وسلس (كفاه نيّة الاستباحة) وغيرها مما مرّ (دون الرفع على الصّحيح فيهما)؛ لأن حدثه لا يرتفع، نعم يُسنّ الجمع بينهما؛ مراعاة للخلاف. وحكم نيّة دائم الحدث فيما يستبيحه من الصّلوات حكم المتيمم
(1)
، وعليه تجزئ نيته رفع الحدث إن أراد به رفعه بالنسبة لفرض فقط. ومجدد الوضوء
(2)
لا تحصل له سنّة التجديد إلا بنيّة مما مر حتى نيّة الرفع أو الاستباحة إن أراد صورتهما
(3)
بل إن لم يرد الحقيقة كفى. (ومَن نوى تبرّداً مع نيّة معتبرة جاز على الصّحيح)؛ لحصول التبرّد وإن لم ينوه، نعم في الثّواب يثاب على قصد العبادة بقدره
(4)
بشرط كونه مساوياً أو راجحاً على غيره، نعم الرِّيا ونحوه لا ثواب معه، وخرج بـ ((مع)) طروّها بعد النيّة المعتبرة فيبطلها ما لم يكن ذاكراً لها؛ لأنها حينئذٍ تكون قاطعة ويعيد ما غسله بها، (أو) نوى استباحة (ما يندب له وضوء) -لا غير ما يندب له كلبسٍ جزماً- (كقراءة) ودرس وكتابة قرآن أو حديث أو علم شرعي أو آلة له، وكدخول مسجد وزيارة قبر، وبعد التّلفظ بمعصية أو فعلها، وغضب وحمل ميت ومسّه ومسّ أبرص أو يهودي
(5)
ونحو فصد وقصّ ظفر وكل ما قيل أنه ناقض (فلا) يكفيه (في الأصح)؛ لأن قصده لا يتضمّن قصد رفع الحدث، نعم إن نوى الوضوء للقراءة لم يبطل إلا إن قصد التعليق بها أوّلا -أي قبل ذكر الوضوء- بخلاف ما لو لم يقصده إلا بعده فتصحّ؛ لصحة النية حينئذ فلا يبطلها ما وقع بعد، (ويجب قرنها بأوّل) مغسول من (الوجه)، ومنه ما يجب غسله من نحو اللحية، وما يجب غسله من الأنف
(1)
. عبارة النهاية والمغني.
(2)
. قال في الفتح: ((ويسن تجديد الوضوء وإن صلى ولو ركعة، لا سجدة التلاوة، ويحرم من غير صلاة إن كان بنية العبادة)).
(3)
. خلافا لهما فلا يكفي عندهما مطلقاً.
(4)
. اعتمدا أنه يثاب كاملا في هذه الحالة.
(5)
. أو أمرد كما أفاده الشارح في كتاب الصيام 3/ 410.
وَقِيلَ يَكْفِي بِسُنَّةٍ قَبْلَهُ، وَلَهُ تَفْرِيقُهَا عَلَى أَعْضَائِهِ فِي الْأَصَحِّ.
الثَّانِي: غَسْلُ الوَجْهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ رَأْسِهِ غَالِبًا وَمُنْتَهَى لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، المقطوع،
ولو قرنها بأثنائه كفى وأعاد ما سبقها. ومَن سقط غسل وجهه فقط لعلّة ولا جبيرة قرنها بأول مغسول من اليدّ -أما لو كانت عليه جبيرة فتكفيه النيّة عند المسح عليها
(1)
- فإن سقطتا أيضاً فالرأس فالرجل ولا يُكتفى بنيّة التيمم؛ لاستقلاله، (وقيل يكفي بسنّة قبله) ومحلّه إن لم تدم النيّة لغسل شي من الوجه وإلا كفت قطعاً؛ لاقترانها بالواجب، نعم تكفي نية المضمضة مثلا عن نية غسل الوجه إن انغسل معها شيء من الوجه كحمرة الشّفة؛ لأنه وإن قصد المضمضة دون غسل الوجه فإن ذلك لا يصلح أن يكون صارفاً عن الاعتداد بالنية بل عن الانغسال عن الوجه
(2)
، (وله تفريقها) أي نية رفع الحدث والطهارة عنه لا غيرهما؛ لعدم تصوره فيه (على أعضائه) كعن الوجه فقط وهكذا (في الأصح) كما يجوز تفريق أفعال الوضوء، نعم يحتاج لتجديد النية في كل عضوٍ لم تشمله نيّة ما قبله، ولو أبطله في الأثناء -ومثله في ذلك نحو الصلاة- أثيب على ما مضى إن كان لعذر، وخلاف التفريق يأتي في الغسل.
(الثاني غسل) ولو بالغمس، ولا يكفي مس الماء بلا جريان (الوجه) أي انغساله ولو بفعل غيره بلا إذنه أو بسقوطه في نحو نهر إن كان ذاكراً للنيّة فيهما، أما ما وقع بفعله كتعرّضه للمطر فلا يشترط فيه تذكّرها إقامة للفعل مقامها (وهو ما بين منابت) شعر (رأسه غالباً و) تحت (منتهى) أي طرف المقبل من (لَحييه، وما بين أذنيه) حتى ما ظهر بالقطع من جرم نحو أنفٍ قطع؛ لوقوع المواجهة به بخلاف باطن عين وأنف وفمّ وإن ظهر بقطع، ولو التحم أنف من نقد أو أنملة منه وخشي من إزالة ذلك محذور تيمم وجب غسل ما في محلّ الالتحام من الأنف -لا غير
(3)
- وكلّ ما ظهر من نقد الأنملة -ومثلها عظم وصل ولم يكتسِ-؛ لأن الأول بدل عن ذلك المحلّ والثّاني عن الكلّ.
(1)
. كما في شرح العباب.
(2)
. قال في الفتح: ((فعُلم أن من تمضمض أو استنشق ناويا غسل الوجه عند غسل حمرة الشفة أنه تفوت عليه سنتهما فلا تحصلان إلا إن غفل عندهما عن النية أو فرَّق النية بأن نوى المضمضة وحدها أو أدخل الماء بنحو أنبوب)).
(3)
. خلافا للنهاية والشهاب فقالا بغسل الجميع.
فَمِنْهُ مَوْضِعُ الْغَمَمِ، وَكَذَا التَّحْذِيفُ فِي الْأَصَحِّ، لَا النَّزْعَتَانِ، وَهُمَا بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ النَّاصِيَةَ. قُلْتُ: صَحَّحَ الجُمْهُورُ أَنَّ مَوْضِعَ التَّحْذِيفِ مِنَ الرَّأْسِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَجِبُ غَسْلُ كُلِّ هُدْبٍ، وَحَاجِبٍ، وَعِذَارٍ، وَشَارِبٍ، وَخَدٍّ وَعَنْفَقَةٍ شَعَرًا وَبَشَرًا، وَقِيلَ لَا يَجِبُ بَاطِنُ عَنْفَقَةٍ كَثِيفَةٍ، وَاللِّحْيَةُ إنْ خَفَّتْ كَهُدْبٍ وَإِلَّا فَلْيَغْسِلْ ظَاهِرَهَا، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجِبُ غَسْلُ خَارِجٍ عَنِ الْوَجْهِ
(فمنه) الجبينان والبياض الذي بين الأذن والعذار، و (موضع الغمم) لا الصلع، (وكذا التحذيف في الأصح) وهو ما بين ابتداء العذار والنّزعة (لا) الصّدغان وهما المتصّلان بالعذار من فوق وتد الأذن، ولا (النّزَعتان وهما بياضان يكتنفان الناصية)؛ لأنهما في تدوير الرأس (قلت: صحح الجمهور أن موضع التحذيف من الرأس)؛ لاتصال شعره بشعره (والله أعلم)، ويسن غسل كلّ ما قيل أنه من الوجه، (ويجب غسل) محاذي الوجه وشعر المحاذي مما لا يتحقق غسل جميعه إلا بغسله؛ لأن ما لا يتمّ الواجب إلا به واجب، و (كلّ هدب وحاجب وعذار) وهو الشّعر النابت على العظم الناتئ قرب الأذن، (وشارب وخدّ وعنفقة شعراً وبشراً، وقيل لا يجب غسل باطن عَُِنفقة كثيفة. واللِحية) وهي الشّعر النابت على الذّقن، ومثلها العارض المنحط عليها من العذار (إن خفّت كهدب وإلا) تخفّ بأن لم تُرَ البشرة من مجلس التخاطب عرفاً (فليغسل) الذكر المحقق (ظاهرها) لا البشرة وما استتر من الشّعر، ولِمَا خرج من اللحية عن حدّ الوجه والسلعة المتدلية عن حدّه وبقيّة شعور الوجه الخارجة أيضاً والشّعر المحاذي للوجه حكم اللحية، ثمّ إن ضابط الخروج أن يخرج بالمدّ عن جهة نزوله؛ لانقطاع نسبته للوجه حينئذٍ، (وفي قول لا يجب غسل خارج عن الوجه)؛ لأنه خارج عن محل الغرض. أما لحية الخنثى والمرأة وبقيّة شّعورهما الخارجة عن الحدّ ففيهنّ الغسل مطلقاً
(1)
؛ للشك في الذكورة في الخنثى والندور في المرأة، ولو خفّ بعض اللحية فلكلّ حكمه إن تميّز وإلا غسل باطن الكلّ احتياطاً. ومن له وجهان غسلهما ولو زائداً؛ لوقوع المواجهة بهما، أو رأسان كفى مسح بعض أحدهما؛ لصدق كونه رَأَسَ وعَلا، ويندب أن يبدأ بأعلى وجهه وأن يأخذ الماء بيديه جميعاً.
(1)
. أي باطنا وظاهرا وخالفاه فاعتمدا أن بقية شعور المرأة والخنثى كالرجل في تفصيلها وفاقا لشيخ الإسلام في شرح المنهج.
الثَّالِثُ: غَسْلُ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ. فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ وَجَبَ مَا بَقِيَ، أَوْ مِنْ مِرْفَقِهِ فَرَأْسُ عَظْمِ الْعَضُدِ عَلَى المَشْهُورِ، أَوْ فَوْقَهُ نُدِبَ بَاقِي عَضُدِهِ
[تنبيه] يعفى عن باطن عقد الشعر إذا تعقد بنفسه، وأُلحق به من ابتلي بنحو طبّوع
(1)
لصق بأصول شعره حتى منع الماء ولم يمكنه إزالته، نعم يجب حلقه إن أمكن ما لم يحصل له به مِثلةٌ لا تحتمل عادة.
(الثالث غسل يديه مع مِرْفَقيه) ويجب غسل ما في محلّ الفرض من نحو شقّ وغوره الذي لم يستتر ومحلّ شوكة لم تغص في الباطن حتى استترت
(2)
، فإن استترت صحّ الوضوء والصلاة؛ لأنها في الباطن، ويجب غسل سلعة وإن خرجت عنه وظُفُر وإن طال ولا يتسامح عمّا تحته وشعر وإن كثف، ويد نبتت من محلّ الأصلية وإن زادت وخرجت عن المحاذاة، أما النابتة من الخارج عنه فيغسل المحاذي لمحل الفرض فقط فلو قطعت الأصلية لم يغسل ما جاوز أصابعه الأصلية؛ استصحابا لتلك المحاذاة، ولو اشتبهت الأصليّة بالزّائدة غسلهما؛ احتياطاً
(3)
. ويغسل جلدة متدلية إلى محلّ الفرض. ولو تجافت جلدة التحمت بالذراع عنه لزمه غسل ما تحتها لندرته وإلا لم يلزمه بل لم يجز له فتقها، نعم إن زال التحامها لزمه غسل ما ظهر من تحتها؛ لزوال الضرورة، (فإن قطع بعضه وجب ما بقي، أو من مرفقيه فرأس عظم العضد على المشهور)؛ لأنه من المرفق (أو فوقه ندب باقي عضده
(4)
؛ محافظة على التحجيل.
(1)
. هو بيض القمل.
(2)
. أي دخلت حد الباطن خلافا للرملي فعنده أنها إن كانت بحيث لو نقشت بقي موضوعها ثقبة وجب عليه قلعها ليصح وضوؤه، وإلا فلا.
(3)
. ذكر الشارح في السرقة أنها تعرف بنحو فحش قصر أو نقص إصبع وضعف بطش 9/ 156.
(4)
. ولو نسي لمعة فانغسلت بالتثليث كفى، أو انغسلت في وضوء تجديد لم يكف، كما ذكر ذلك الشارح مع الفرق بينهما في كتاب الجماعة 1/ 270.
الرَّابِعُ: مُسَمَّى مَسْحٍ لِبَشَرَةِ رَأْسِهِ، أَوْ شَعَرٍ فِي حَدِّهِ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ غَسْلِهِ، وَوَضْعِ الْيَدِ بِلَا مَدٍّ.
الخَامِسُ: غَسْلُ رِجْلَيْهِ مَعَ كَعْبَيْهِ.
السَّادِسُ: تَرْتِيبُهُ هَكَذَا، فَلَوِ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ تَرْتِيبٍ بِأَنْ غَطَسَ، وَمَكَثَ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ بِلَا مُكْثٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(الرّابع مسمى مسح لبشرة رأسه
(1)
أو عظمِهِ إذا ظهر دون باطن مأمومة، ومن بشرته البياضُ الذي هو فوق البياض الدائر حول الأذن
(2)
فالأول ما على عظم الرأس (أو) مسمى مسح لبعض (شعر) ولو واحدة (في حدّه) بأن لا يخرج بالمد عنه من جهة نزوله واسترساله، فإن خرج منها ولم يخرج من غيرها مسح غير الخارج؛ ولو وضع يده المبتلة على خرقة على الرأس فوصل البلل أجزأ
(3)
، وليست الأذنان من الرأس، (والأصح جواز غسله) بلا كراهة؛ لأنه محصِّل لمقصود المسح وزيادة (ووضع اليد بلا مدّ)؛ لحصول المقصود.
(الخامس غسل رجليه مع كعبيه) وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم، ويعتبر الكعب أو المرفق وإن وجد في غير محلّه كأن لاصق المرفق المنكب والكعب الركبة. أما إذا فقد الكعب أو المرفق فيعتبر قدره من غالب أمثاله، ويجب هنا جميع ما مرّ نظيره في اليدين بما عليهما وما حاذاهما، وهنا وثَمَّ إزالة ما بنحو شقّ أو جرح من نحو شمع أو دواء ما لم يصل لغور اللحم الغير الظاهر فلا وجوب كما لو التحم، أما إن ضرّه فيتيمم.
(السادس ترتيبه هكذا)؛ للاتباع، فلو غسل أعضاءه معاً لم يحسب إلا الوجه، (فلو اغتسل محدث) بنيّة مما مر (فالأصح أنه إن أمكن تقدير ترتيبٍ بأن غطس ومكث صحّ وإلا فلا، قلت: الأصح الصحّة بلا مكث والله اعلم)؛ لتقدير الترتيب في لحظات لطيفة. ولا يضرّ نسيان لمعة أو لمع في غير أعضاء الوضوء سواء قلنا أنه يمكن تقدير الترتيب أم لا، نعم إن
(1)
. وليس منه العظم الذي خلف أواخر الأذن متصلا بها وما انحدر عن آخر الرأس إلى الرقبة كما نص عليه الشارح في الديات الواجبة فيما دون النفس 8/ 458.
(2)
. أفاده الشارح في فتح الجواد.
(3)
. خلافا للرملي فعنده حكمه حكم الجرموق.
وَسُنَنُهُ السِّوَاكُ عَرْضًا بِكُلِّ خَشِنٍ لَا إصْبَعَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ لِلصَّلَاةِ وَتَغَيُّرِ الْفَمِ، ..
انغمس في ماء قليل فلابد من تأخير النيّة عن الانغماس وإلا أجزأ عن الوجه فقط كما تقدّم، ولو غسل جنب بدنه إلا أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يشترط ترتيب.
(وسننه السّواك) وهو استعمال نحو عود في الأسنان وما حولها، ويسنّ حتّى لمن لا أسنان له، وأقلّه مرّة إلا إن كان لتغيّر فلا بدّ من إزالته؛ لحديث ((لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ وضوء))، ومحلّه بين غسل الكفّين والمضمضة
(1)
(عرضاً) في ظاهر وباطن الأسنان
(2)
، ويكره طولاً- إلا في اللسان-؛ لخبر فيه، ومع ذلك يحصل به أصل السنّة، وشرطه كونه مزيلا- وهو الخشن- فيجزئ (بكلّ خشنٍ) نعم يكره بمبردٍ
(3)
وعودِ ريحان يؤذي، ويحرم بذي سمّ مع حصول أصل السّنة به. والعود أفضل من غيره وأولاه ذو الريح الطيّب وأولاه الأراك؛ للاتباع ثم النّخل؛ لأنه آخر سواك إستاك به صلى الله عليه وسلم ثم الزيتون؛ لخبر للدارقطني فيه، واليابس المندّى بالماء أولى من الرطب ومن المندَّى بماء الورد، واليابس المندى بغير الماء أولى من الرّطب، والأولويّة هذه فيما إذا اتحد الجنس (لا إصبعه) المتصلة (في الأصح) وإن كانت خشنة، أما الخشنة من إصبع غيره ولو متصلة وإصبعه المنفصلة
(4)
فيجزئ، ثمّ هو ليس واجباً عيناً بل الواجب على من أكل نجساً ذا دسومة أن يزيلها ولو بغير سواك، (ويسنّ) أي بتأكد (للصلاة) وإن سلّم من ركعتين وقصر الفصل ولو لفاقد الطهورين، ولو نسيه أولها تداركه أثنائها
(5)
بفعل قليل، ويسنّ للطواف، ولسجدة تلاوة أو شكر وإن تسوّك للقراءة، ويفعله القارئ بعد فراغ الآية، نعم السّامع الأولى له أن يقدّمه على الفراغ من الآية؛ لتتصل الآية بالسجود، ولو عرف إن من عادته إدماء السواك لفمه إستاك بلطف وإلا تركه، ويفعله للصلاة ولغيرها ولو في المسجد إن أمن وصول مستقذر إليه (وتغيّر الفمّ) ريحاً أو لوناً بنحو نوم أو أكل كريه، ويتأكد أيضاً لقراءة قرآن أو حديث أو علم شرعي
(1)
. خلافا للرملي كوالده فيقول إنه قبل التسمية.
(2)
. ويسن إجراؤه على سقف الحلق بلطف وعلى أطراف أسنانه وكراسي أضراسه.
(3)
. وفاقا للرملي وخلافا للخطيب فقال بعدم إجزائه.
(4)
. وفاقا للخطيب وشيخ الإسلام في شرح المنهج، وخلافا للرملي في الإصبع المنفصلة منه أو من غيره.
(5)
. وفاقا للرملي وخلافا للخطيب.
وَلَا يُكْرَهُ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَالتَّسْمِيَةُ أَوَّلَهُ، فَإِنْ تَرَكَ فَفِي أَثْنَائِهِ. وَغَسْلُ كَفَّيْهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا
أو آلته، ولذكرٍ، ولدخول منزل غير خالٍ ومسجد ولو خالياً، ولإرادة أكل أو نوم ولاستيقاظ منه، وبعد وتر، وفي السّحر، وعند الاحتضار، وللصائم قبل أوان الخلوف.
[تنبيه] لا تندب التسمية للسواك ويندب السواك للتسمية أول الوضوء
، وذلك؛ لعدم التأهل لكمال النطق بها إلا به.
ويسن السّواك باليمين ويبدأ بالجانب الأيمن، ويتحتم أن ينوي بالسّواك السُّنَّة كي يثاب عليه؛ لأنه لم تشمله نية قبله، ويجعل خنصره وإبهامه تحته والأصابع الثلاثة الباقية فوقه، ويبلع ريقه أول استياكه إلا لعذر، ولا يمصّه، ويضعه فوق أذنه اليسرى فإن كان بالأرض نصبه، ويغسله قبل وضعه كما إذا أراد الاستياك به ثانياً وقد حصل به نحو ريح، ولا يزيد طوله على شبر، ولا يكره إدخاله ماء وضوئه إلا إن كان عليه ما يقذره
(1)
، وهو بسواك الغير بلا أذن ولا علم رضاً حرام وإلا فخلاف الأولى إلا لتبرك، ويُعوَّد الصبي السواك؛ ليألفه، ويتأكد التخليل إثر الطّعام
(2)
-والسواك أفضل منه- ولا يبلع ما أخرجه بالخلال بخلاف لسانه؛ لأن الغالب عدم تغيّر الخارج به، (ولا يكره إلا للصائم بعد الزوال)؛ لما روى جماعه أن من خصوصيات هذه الأمة أنهم ((يمسون وخلُوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك)) والمساء من بعد الزوال إلى نصف الليل، ولو سَوَّك الصائمَ غيرُهُ حرُم كإزالة دم الشّهيد، ولو كان التغيّر من أول النهار بأن لم يتعاط مفطّراً ينشأ عنه تغير ليلا كره من أوَّل النهار، ولو أكل مغيّرا بعد الزّوال ناسياً أو نام وانتبه كره أيضاً
(3)
؛ لأنه لا يمنع تغيّر الصوم ففيه إزالة له ولو ضمناً، وتزول الكراهة بالغروب.
[تنبيه] لا تكره إزالة الخلوف بغير السواك
.
(والتّسمية أوله)؛ للاتباع، وأقلها بسم الله، (فإن تركـ) ـها ولو عمداً (ففي أثنائه) بزيادة ((أوله وآخره))، لا بعد فراغه كالأكل بخلاف نحو الجماع، وهي هنا سنّة عين وفي نحو الأكل والجماع سنّة كفاية، (وغسل كفّيه) معاً؛ للاتباع (وإن تيقّن طهرهما) والمعتمد أنه ينوي مع
(1)
. خلافا للمغني حيث أطلق الكراهة.
(2)
. قال في الفتح: ((ويسن التخليل قبله وبعده من أثر الطعام)).
(3)
. جرى الرملي كأبيه والخطيب على عدم الكراهة هنا.
فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طُهْرَهُمَا كُرِهَ غَمْسُهُمَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا. وَالمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ، ثُمَّ الْأَصَحُّ يُمَضْمِضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا، وَيُبَالِغُ فِيهِمَا غَيْرَُ الصَّائِمِ
البسملة
(1)
عند غسل اليدين؛ ليثاب إذ لا ثواب قبل النيّة، أي فيتلفظ بالنية قبل البسملة ثم يأتي بالبسملة مقارنة بالنية القلبية وتكون البسملة قبل الفراغ من غسل يديه، ثم يستاك ثمّ يتمضمض؛ لأنه لو قدّم السواك لم تشمله بركة البسملة، وتجزئ هنا نية مما مر وكذا أن ينوي بكلٍّ السنة، (فإن لم يتيقّن طهرهما كره غمسهما في الإناء) الذي فيه مائع أو ماء دون القلتين (قبل غسلهما) ثلاثاً؛ لنهي المستيقظ عن غمس يده في الإناء قبل غسلها ثلاثاً، ثم أن هذه الثلاث هي الثلاث أول الوضوء، نعم في حالة التردد في طهارتها يسن تقديمها على الغمس، أما إذا تيقن طهرهما فلا كراهة بشرط أن يكون مستندا ليقين غسلهما ثلاثا فيما مضى.
(والمضمضة والاستنشاق)؛ للاتباع، وحكمتهما معرفة أوصاف الماء، (والأظهر أن فصلهما أفضل)؛ لخبر فيه، (ثمّ الأصح يتمضمض بغرفة ثلاثاً ثمّ يستنشق بأخرى ثلاثاً) حتّى لا ينتقل من عضوٍ إلا بعد كمال طهره، ومقابله ثلاثاً متوالية أو متفرقة لكلٍّ؛ لأنه أنظف، وعلى كل قول فالترتيب مستحقّ فإن قدّم شيئاً على محلّه كأن بدأ بالاستنشاق لغا واعتد بما بعده في محلّه من غسل كفّين فالمضمضة فالاستنشاق
(2)
، وقُدِّمت المضمضة على الاستنشاق؛ لشرف الفم في قوام البدن والروح، (و) أكمل السُّنَّة أن (يبالغ فيهما) -وإلا فيكفي وصول الماء للفم والأنف- بأن يبلغ الماء أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات.
ويسن أن يمرّ إصبع اليسرى عليها، ويمجّ الماء، ويصعد الماء بنفسه إلى خيشومه مع إدخال خنصر يسراه، ويزيل ما فيه من أذى، ولا يستقصي في الاستنشاق فإنه يصير صعوطاً (غيرَُ الصائم) أما هو فلا يبالغ كذلك
(3)
؛ خشية السبق إلى جوفه، ولذا كرهت له،
(1)
. وفاقا للخطيب وخلافا للرملي حيث قال: إن أوله السواك مطلقا، وأول سننه القولية التسمية، وأول سننه الفعلية غسل الكفين.
(2)
. وفاقا لشيخ الإسلام وخالفاه فقالا إن السابق هو المعتد به وما بعده لغو.
(3)
. وضبط المبالغة الشارح في كتاب الصيام بأن يملئ فمه أو أنفه ماء بحيث يسبق غالبا إلى الجوف 3/ 406.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ تَفْضِيلُ الجَمْعِ بِثَلَاثِ غُرَفٍ يُمَضْمِضُ مِنْ كُلٍّ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَ تَثْلِيثُ الْغَسْلِ وَالمَسْحِ، وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ. وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ ثُمَّ أُذُنَيْهِ ..
(قلت: الأظهر تفضيل الجمع) لصحة أحاديثه (بثلاث غرف يتمضمض من كلٍّ ثم يستنشق والله أعلم)؛ للتصريح به في رواية البخاري، وقيل بغرفة، (وتثليث) وشرطه من حيث هو حصول الواجب قبله (الغسل) -ولو لسلس-؛ للإجماع على طلبه، ويحصل بتحريك اليد ثلاثا ولو في ماء قليل، ويكفي لحصول التثليث أن يردد ماء الغسلة الأولى قبل انفصاله
(1)
. ويحرم التثليث إن أدى لضيق الوقت عن إدراك الصّلاة كاملة أو احتاج للماء لعطش حيوان محترم أو لتتميم طهره
(2)
أو طهر غيره، ويندب تركه عند خوف فوت جماعة لم يرج غيرها (والمسح) إلا للخف والجبيرة والعمامة
(3)
. ويثلث الدلك والتخليل، والأولى أن يؤخر تثليثهما عن تثليث العضو من أن يأتي بهما بعد كل غسلة، ويستاك ثلاثاً كالبسملة والذكر عقبه. ويكره النقص عن الثلاث كالزيادة بنيّة الوضوء، وتحرم الزيادة من موقوف على التطهير، ولو مسح بعض رأسه وثلَّثه كفاه.
(ويأخذ الشّاك) في استيعاب أو عدد (باليقين
(4)
ولو في الموقوف، نعم يكفي ظنّ الاستيعاب (ومسح كلِّ رأسه)؛ للاتباع، والأفضل أن يضع يديه على مقدّم رأسه ملصقاً مسبّحته بالأخرى وإبهاميه بصدغيه ويذهب بهما لقفاه ثمّ إن انقلب شعر رأسه ردّهما لمبتدئه؛ ليصل الماء لجميعه فهذه مرّة، فإن لم ينقلب لكونه مضفراً أو طويلاً فلا يردّهما؛ لصيرورة الماء مستعملا، أي؛ لاختلاط بلل رأسه ببلل يده المنفصل عنه حكماً بالنسبة للمرة الثانية ولضعف البلل أثّر فيه أدنى اختلاط، ويقع أقل مجزئ -هنا وفي سائر نظائره إلا بعير الزكاة- فرضا والباقي نفلا، (ثم) يمسح جميع (أذنيه) ظاهراً وباطنا بباطن أنملتي سبابتيه وإبهاميه بماء جديد ويكفي باقي الثانية والثالثة من الرأس، ويمسح صماخيهما بطرفي سبابتيه بماء آخرٍ أيضاً؛ للاتباع في الجميع.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. بل لو كان معه ماء لا يكفيه حرم استعماله في شيء من السنن.
(3)
. خالف الرملي في الأخيرتين.
(4)
. ولو شك بعد الوضوء في ترك فرض لم تلزمه إعادته كما ذكره الشارح في آداب دخول الخلاء 1/ 185.
فَإِنْ عَسُرَ رَفْعُ الْعِمَامَةِ كَمَّلَ بِالمَسْحِ عَلَيْهَا، وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ وَأَصَابِعِهِ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَىِ، وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ وَالمُوَالَاةُ،
(فإن عسر) أو لم يرد (رفع العمامة) أو نحو القلنسوة أو الخمار (كمَّل بالمسح عليها) وإن لم يضعها على طهر، لكن لا يقتصر عليها
(1)
، ويسن أن يمسح رُبُعَاً من رأسه فأكثر؛ خروجا من خلاف موجبه، ولأنها رخصةٌ شُرِط أن لا يتعدّى بلبسها من حيث اللبس كمحرم من غير عذر، (وتخليل) ما يجب غسل ظاهره فقط من نحو العارض و (اللحية الكثّة
(2)
من الذكر، والأفضل بأصابع يمناه، ومن أسفل، وبغرفة مستقلة، ويَعرِك عارضيه؛ للاتباع، ويسن التثليث في الكل، والأكمل تعود غرفاته، ويندب للمحرم تخليلها
(3)
، ويجب أن يترفّق إن ظنّ انفصال شيء وإلا ندب (وأصابعه) اليدين بالتشبيك، والأفضل في الرجلين بخنصر يسرى يديه من أسفل مبتدأً بخنصر يمنى رجليه ومختتماً بخنصر يسراهما؛ للاتباع، ويجب في ملتفّةٍ لا يصل الماء لباطنها إلا به، ويحرم فتق ملتحمة. ويسن الدلك عند غسل الأعضاء أو بعدها، وقد يجب إن لم يظنّ عموم الماء. ويسن أن يُجرِي الماء بيده ولا يكتفي بجريانه بطبعه، وأن يبدأ عند غسل اليدين والرجلين بأطراف أصابعهما، (وتقديم اليمنى) لنحو أقطع توضأ بنفسه مطلقا حتى في نحو الوجه، أما إن وضّأه غيره أو توضّأ غير الأقطع فيقدّم اليمنى من اليدين -أي اللتان بعد الوجه- والرجلين بخلاف البقيّة، وذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في تطهره وشأنه كله، أي مما هو من باب التكريم، ويُلحق به ما لا تكريم فيه ولا إهانة
(4)
، ويكره ترك التيامن، (وإطالة غرته) بأن يغسل مقدّم رأسه وأذنيه وصفحتي عنقه، وله تقديمها على الوجه (وتحجيله) وأقله غسل بعض العضدين والساقين، وأكمله استيعابهما، ويغسلهما وإن سقط الفرض لعذر؛ لخبر ((أمتي يدعون يوم القيامة غرّاً محجلين من آثار الوضوء))، (والموالاة) بحيث لا يحصل زمن يجفّ فيه المغسول قبل الشروع فيما بعده مع اعتدال الهواء والمحلّ والزّمن والبدن، ويُقدَّر الممسوح مغسولاً. وتجب في طهر السلس، وإذا ثلث فالعبرة
(1)
. ظاهره أنه سواء قدَّم العمامة على الرأس أو أخرها، وهو صريح المغني، وقال الرملي: إن المسح عليها متأخر عن مسح الرأس.
(2)
. قال في الفتح: ((وكل شعر لا يجب غسل باطنه، ويكره تركه)).
(3)
. وفاقا للخطيب وخلافا للرملي.
(4)
. خلافا لهما.
وَأَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ. وَتَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ وَ النَّفْضِ، وَكَذَا التَّنْشِيفُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَقُولُ بَعْدَهُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ. وَحَذَفْتُ دُعَاءَ الْأَعْضَاءِ؛ إذْ لَا أَصْلَ لَهُ
بالأخيرة، (وأوجبها القديم) حيث لا عذر؛ لأمره صلى الله عليه وسلم رجلاً في ظهر قدميه لمعة أن يعيد الوضوء، لكنه ضعيف، (وترك الاستعانة) بالصّب عليه لغير عذر وهي خلاف السنّة
(1)
، أما هي في غسل الأعضاء فمكروهة، وفي إحضار نحو الماء مباحة، وتجب على من تعينت لطهره فإن فقدها تيمم وأعاد، (والنّفض) وهو خلاف السنة
(2)
؛ لأنه كالتبري من العبادة، (وكذا التنشيف) يسن تركه في طهر الحيِّ (في الأصح)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ردّ منديلا جيء به لذلك، ما لم يحتج له لنحو برد أو خشية التصاق نجس أو لتيمم عقبه فيتأكد فعله، والأولى أن لا يكون بنحو طرف ثوبه، ويسن أن يقف حامل المنشفة عن يمينه ومن يصبّ الماء عن يساره ومثله أيُّ منصبٍّ، وأن يكون ما يغترف منه عن يمينه (ويقول بعده) على أن لا يطول فاصل بينهما عرفا
(3)
(أشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك)؛ لأن ذلك يكتب لقائله، ويسن أن يأتي به ثلاثاً مستقبلا القبلة بصدره، رافعا يديه وبصره ولو نحو أعمى، ويصلي عقبه على النبي وآله ويقرا {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} القدر: 1 ثلاثا، ثم الظاهر أنه يقول وأتوب إليك وإن لم يكن كذلك؛ لأنه بصورة التائب، (وحذفت دعاء الأعضاء؛ إذ لا أصل له) معتدّ به
(4)
. ومن سنن الوضوء أيضا الاستقبال فيه وتجنب رشاشه، وترك الكلام بلا عذر -ولا يكره- ولطم الوجه بالماء وإسراف، وأن يكون ماؤه
(1)
. عبرا بخلاف الأولى.
(2)
. عبرا بخلاف الأولى أيضا.
(3)
. خلافا للشمس الرملي حيث قال ما لم يحدث.
(4)
. خلافا لهما.
نحو مدّ، وتعهد نحو الموقين
(1)
وعقبيه وخاتم يصل الماء تحته، وغسل رجليه بيساره، وشربه من فضله، ورشّ إزاره به إن توهم حصول مقذّر، وإسالة بعضه على موضع سجوده إن احتاج لتنظيف، وركعتين بعده بحيث ينسبان له فيفوتان بطول الفصل
(2)
، ولا يندب مسح الرّقبة.
[تنبيه] لا يؤثر الشك في بعض العضو مطلقاً، أما العضو كله فإن لم يفرغ من الوضوء أعاده وإن فرغ فلا يضر ولو في النية
(3)
؛ استصحابا للطهر.
[فرع] صلى الخمس مثلا كلا بوضوء مستقل ثم علم ترك مسح الرأس مثلا من إحداهن لزمه إعادة الخمس، ثم إن أكَمْلَ وضوءَ العشاءَ مثلاً -بأن مسح رأسه وغسل رجليه- وأعادهن به أجزأه؛ لأن الترك إن كان من غيره فواضح أو منه فقد كمله، لكن إن أعادهن بلا تكميل فلا يجزيه؛ لاحتمال كون الترك منه فنيته غير جازمة، ومن ثم لو غفل وأعادهن بوضوء العشاء لم يبق عليه إلا العشاء؛ لأن الترك أن كان من العشاء لم يبق عليه غيرها أو من غيرها فوضوء العشاء كامل وقد أعادهن مع الجزم بالنية
(4)
.
(1)
. مفرده موق أو مأق- والمأق بهمزة ساكنة ويجوز التخفيف- وقيل الموق المؤخر والماق بالألف المقدم، وقال الأزهري: أجمع أهل اللغة أن الموق والماق لغتان بمعنى المؤخر وهو ما يلي الصدغ، وقال الجوهري: موق العين طرفها مما يلي الأنف واللحاظ طرفها مما يلي الأذن وهو بفتح اللام وبكسرها مصدر بمعنى الملاحظة.
(2)
. ذكره الشارح قبيل الجماعة.
(3)
. خلافا لما استقر عليه الشهاب الرملي.
(4)
. ومن سنن الوضوء أيضا أن لا يتوضأ لحدث أو غيره من ماء راكد، كما ذكره الشارح في الغسل 1/ 288.
باب مسح الخف
يَجُوزُ فِي الْوُضُوءِ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا مِنَ الحَدَثِ بَعْدَ لُبْسٍ.
(باب مسح الخفّ)
ذكره هنا؛ لتمام مناسبته بالوضوء (يجوز في الوضوء) ولو سلس. والغسل أفضل إلا لمن رغب عن السنة -ولو لم يجد في نفسه كراهته- أو شك في جوازه، أو خاف من الغسل فوت نحو جماعة، أو كاد أن يغشيه حدث وهو متوضئ ومعه ماء يكفيه لو لبسه ففي تلك المسح أفضل ويكره تركه. ويجب لنحو خوف فوت عرفة أو إنقاذ أسير أو كان لابسه وضاق الوقت ولديه من الماء ما يكفيه للمسح لا للغسل، ويحرم على المُحْرِم المتعدي بلبسه (للمقيم) وكل من سفره لا يبيح القصر (يوما وليلة، وللمسافر) سفر قصر (ثلاثة أيام بلياليها) سبق اليومَ الأولَ ليلتُه -بأن أحدث وقت الغروب- أوْ لا -بأن أحدث وقت الفجر- ولو أحدث أثناء ليل أو نهار أعتبر قدر الماضي منه من الليلة الرابعة أو اليوم الرابع (من) انتهاء (الحدث) كبول أو نوم أو مس
(1)
، نعم لو تعاقبا حدثان وانتهى الثاني قبل الأول فقضية كلامهم أنها تحسب من انتهاء الأول
(2)
، ويستثنى مَن جُنَّ بعد اللبس فتحسب المدة من انتهاء حدثه إن أحدث؛ لأن المعتبر في الشروط خطاب الوضع، ولذا فإن أفاق وقد بقي من المدة المحسوبة من الحدث شيء استوفاه وإلا فلا (بعد لبس) فلو أحدث فتوضأ وغسل رجليه فيه ثمّ أحدث فابتداؤها من الحدث الأول. ويسن تجديد الوضوء بعد لبسه وقبل الحدث ويمسح عليه، واغتفر له المسح قبل الحدث؛ لأن وضوئه تابع غير مقصود. ولا يمسح السلس الذي أحدث غير حدثه الدائم والمتيمم لغير فقد الماء كمرض -بأن تكلف الوضوء- إلا لما يحل لهما لو بقي طهرهما الذي لبسا عليه الخف فإن كان الحدث قبل الفرض مسحا له وللنوافل أو بعده مسحا للنوافل فقط، فإن أرادا الفرض نزعا وأكملا طهرهما، ولو شفي السلس والمتيمم وجب
(1)
. وفاقا لشخ الإسلام والخطيب، وقال الرملي: إن لم يكن باختياره كبول فمن انتهائه وإلا كمس فمن ابتدائه.
(2)
. عبارة فتح الجواد.
فَإِنْ مَسَحَ حَضَرًا ثُمَّ سَافَرَ أَوْ عَكَسَ لَمْ يَسْتَوْفِ مُدَّةَ سَفَرٍ. وَشَرْطُهُ أَنْ يُلْبَسَ بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ سَاتِرَ مَحَلِّ فَرْضِهِ طَاهِرًا يُمْكِنُ تِبَاعُ المَشْيِ فِيهِ لِتَرَدُّدِ مُسَافِرٍ لِحَاجَاتِهِ، قِيلَ: وَحَلَالًا. وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ لَا يَمْنَعُ مَاءً فِي الْأَصَحِّ،
الاستئناف وغسل الرجلين. والمتحيّرة لا تمسح إلا للنوافل
(1)
؛ لأنها تغتسل لكل فرض، أما المتيمم لفقد الماء فلا يمسح لبطلان تيممه برؤيته، (فإن مسح) ولو أحد خفّيه (حضراً ثمّ سافر أو عكس لم يستوفِ مدة سفرٍ)؛ تغليبا للحضر، نعم إن أقام في الثاني بعد مضي أكثر من يوم وليلة أجزأه ما مضى. وخرج بالمسح الحدث ومُضي وقت الصلاة حضرا فلا عبرة بهما بل يستوفي مدة المسافر؛ لأن العبرة هنا بالتلبس بالمسح؛ لأنه أول العبادة. (وشرطه أن يُلبَس بعد كمال طهر) من الحدثين ولو طهر سلس أو متيمم تيمماً محضا
(2)
، فيجب غسل كلا الرجلين ثمّ إدخالهما ويكفي غسلهما في ساق الخف، بخلاف ما لو لبس بعد غسلهما ثم أحدث قبل وصولهما لموضع القدم (ساتر) ولو بنحو زجاج شفاف؛ لأن القصد منع نفوذ الماء (محل فرضه) وهو قدمه بكعبيه من سائر الجوانب غير الأعلى، ولا يضر تخرق البطانة والظهارة لأعلى التحاذي (طاهرا) ولا يضر متنجس بمعفو عنه -إلا إن اختلط به ماء المسح- بخلافه بغير معفو عنه؛ لانتفاء إباحته الصلاة به وهي المقصود الأصلي منه، ومن ثم لم يجز له أيضا نحو مس المصحف، نعم يعفى عن محل خرزه إذا خُرِّز بشعر نجس ولو من خنزير رطب؛ لعموم البلوى به فهو كالإبرة، و يطهر ظاهر المحل بغسله سبعا بالتراب ويصلي فيه الفرض والنفل إن شاء لكن الأحوط تركه، وغير الخفاف مما لا يتيسر خرزه إلا بها مثلها (يمكن تِبَاعُ المشي فيه) بلا نعل للحوائج المحتاج إليها غالبا في المدة من يوم وليلة أو ثلاثة، ويعتبر هذا في السلس وإن كان يجدد اللبس لكل فرض؛ لأنه لو ترك الفرض ومسح للنوافل استوفى المدة بكمالها، فعُلم أنه لا بد من قُوَّتِهِ ولو لمقعَد (لتردد مسافر لحاجته) المعتادة ثلاثة أيام، (قيل وحلالا) فلا يكفي حريرٌ لرجل ونحو مغصوب ونقد؛ لأن الرخصة لا تناط بمعصية، ورُدَّ أن المعصية ليست ذاتية ولذا لم يمسح المُحْرِم (ولا يجزئ منسوج لا يمنع) نفوذ (ماء) يصب على رجليه (في الأصح)؛ لأنه خلاف الغالب، وليس كمنخرق والظهارة بلا تحاذٍ البطانة؛ لأنه
(1)
. خلافا لهما فقالا تمسح عند عدم وجوب الغسل.
(2)
. بأن عمت العلة جميع أعضاء وضوئه.
وَلَا جُرْمُوقَانِ فِي الْأَظْهَرِ. وَيَجُوزُ مَشْقُوقُ قَدَمٍ شُدَّ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ خُطُوطًا، وَيَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ يُحَاذِي الْفَرْضَ إلَّا أَسْفَلَ الرِّجْلِ وَعَقِبَهَا فَلَا عَلَى المَذْهَبِ. قُلْتُ: حَرْفُهُ كَأَسْفَلِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ المُدَّةِ
يسمى خفا وإن نفذ الماء منه بخلاف الأول، (ولا جُرموقان) -وهما خف فوق خف- بأن كانا صالحين ومسح على أعلاهما فلا يجزئ (في الأظهر)؛ لأنه لا تعم الحاجة إليه غالبا، نعم لو وصل البلل إلى الأسفل ولو من موضع الخرز فإن قصده أو والأعلى أو أطلق كفى، أو الأعلى وحده فلا؛ للصارف وهو قصده ما لا يصح مسحه وحده، فإن لم يصلح الأسفل مسح الأعلى، أو الأعلى مسح الأسفل، فإن مسح الأعلى فوصل بلله للأسفل تأتت تلك الصور الأربع، أو لم يصلح واحد منهما فلا إجزاء، وذو الطاقين
(1)
إن خيطا ببعضهما بحيث تعذر الفصل فكخف واحد وإلا كجرموقين، ولو تخرَّق الأسفل وقت ما كان بطهر الغسل أو المسح جاز مسح الأعلى؛ لأنه صار أصلا، أو وقت ما كان على حدث فلا؛ لأنه كاللبس على حدث، ولا يجزي مسح خف فوق جبيرة؛ لأنه ملبوس فوق ممسوح
(2)
، (ويجوز مشقوق قدم شُدَّ) -بحيث يستر الفرض- بالعُرَى قبل الحدث؛ لأن القاعدة أن كل ما طرأ أو زال مما يمنع المسح إن كان قبل الحدث لم ينظر إليه أو بعده نظر إليه (في الأصح)؛ لحصول الستر والارتفاق به في الإزالة والإعادة بسهولة (ويسن مسح) ظاهر (أعلاه وأسفله خطوطا) فيضع يسراه تحت عقبه ويمناه على ظهر أصابعه ثم يمر اليمنى لساقه واليسرى لأطراف أصابعه من تحت مفرجا بين أصابع يديه، واستيعاب الخف بالمسح خلاف الأولى، وتكرير مسحه مكروه، (ويكفي مسمى مسح) ولو بعض شعرةٍ كالرأس، ويجزي بلّه وغسله مع الكراهة؛ لأنه يفسده لا كالرأس (يحاذي الفرض) إلا باطن ما يحاذيه اتفاقا، (إلا) ظاهر ما يحاذي (أسفل الرجل وعقبها فلا على المذهب)؛ للاتباع (قلت: حرفه كأسفله والله أعلم. ولا مسح لشاك في بقاء المدة) كأن شك في زمن حدثه أو أن مسحه في الحضر أو السفر، نعم لو زال الشك وبقي شيء من المدة استوفاها، ولو شك أصلى بالمسح ثلاثا أو أربعا أخذ في وقت المسح بالأكثر وفي أداء
(1)
. الطاقة شعبة من الخيط، لسان العرب.
(2)
. فلو تحمل وغسل رجليه أوَّلا صح خلافا للنهاية.
فَإِنْ أَجْنَبَ وَجَبَ تَجْدِيدُ لُبْسٍ. وَمَنْ نَزَعَ وَهُوَ بِطُهْرِ المَسْحِ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ يَتَوَضَّأُ
الصلاة بالأقل؛ احتياطا للعبادة فيهما، (فإن أجنب) أو حاض أو نفس لا بسه أثناء المدة (وجب تجديد لبس)؛ لقطع المدة بذلك؛ للأمر بالنزع منها، ولو تنجست رجلاه فغسلهما في الخف بقيت المدة؛ للأمر بالنزع في الجنابة دونه. (ومن نزع) خفاً، أو انفتحت بعض عراه، أو انكشف محل فرضه وإن ستره حالاً؛ لأنهم احتاطوا هنا بتنزيل الظهور بالقوة منزلة الظهور بالفعل، أو طال ساق الخف على خلاف العادة فخرجت الرجل إلى حد لو كان معتادا لظهر شيء منها، أو انتهت المدة ولو احتمالا بطل مسحه فيلزمه استئناف مدة أخرى، ثم إن وُجِدَ واحدٌ مما ذكر (وهو بطهر المسح) -لا الغسل
(1)
- (غسل قدميه)؛ لبطلان طهرهما فقط، (وفي قول يتوضأ)؛ لأنه كالصلاة يبطل كلها ببطلان بعضها، ورُدَّ بوجوب الموالاة في الأخيرة.
(1)
. أي بأن غسل بعده رجليه; لأنه لم يغسلهما باعتقاد الفرض لسقوطه بالمسح.
باب الغسل
مُوجِبُهُ مَوْتٌ، وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ، وَكَذَا وِلَادَةٌ بِلَا بَلَلٍ فِي الْأَصَحِّ، وَ جَنَابَةٌ بِدُخُولِ حَشَفَةٍ، أَوْ قَدْرِهَا فَرْجًا،
(باب الغسل
(1)
بفتح الغين مصدر أو اسمه وبضمها مشترك بينهما وبين ماء الغسل وبالكسر اسم لما يغسل به من السدر ونحوه، والفتح في المصدر واسمه أفصح وأشهر لغة، والضم أشهر عند الفقهاء، وهو سيلان الماء على جميع البدن بالنية، ولا يجب فورا وإن عصى به بخلاف نجس عصى به؛ لانقطاع المعصية ثَمَّ ودوامها هنا (موجبه موت) لمسلم غير شهيد، وهو مفارقة الحياة أو عدمها عما من شأنه الحياة، أو عَرَضٌ يضادها فيدخل السقط
(2)
(وحيض ونفاس) مع انقطاع وإرادة نحو صلاة
(3)
، (وكذا ولادة بلا بلل) ولو علقة ومضغة قال القوابل إنها أصل آدمي (في الأصح)؛ لأن ذلك مني منعقد، ومن ثم صح الغسل عقبها. ويجب الغسل بمجرد خروج بعض الولد
(4)
(وجنابة
(5)
وتحصل لآدمي في ولو مفعولا به (بدخول حشفة) من واضح أصلي أو مشتبه به متصل أو مقطوع، وذلك بتغييبها لا بعضها، نعم يسن هنا؛ للخلاف فيه (أو قدرها) أي الذاهبة من مقطوعها، وتقدر قدر المعتدلة لغالب ذلك الذكر بالنسبة في المخلوق بدونها وكذا ذكر بهيمة. ولو أدخل غير مقطوع الحشفة قدرها من بقية الذكر بأن ثناه لم يؤثر، أما إن فعل ذلك فاقدها فيؤثر.
(1)
. تقدمت شروط الغسل أول باب الوضوء.
(2)
. ردا هذه المقولة.
(3)
. وللحليل أن يجبرها على الغسل عقب الانقطاع، فإن أبت غسَّلها كما ذكره الشارح في كتاب النكاح 7/ 325.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. فائدة لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنبا، كما ذكره الشارح في وليمة العرس 7/ 433.
وَبِخُرُوجِ مَنِيٍّ مِنْ طَرِيقِهِ المُعْتَادِ وَغَيْرِهِ. وَيُعْرَفُ بِتَدَفُّقِهِ، أَوْ لَذَّةٍ بِخُرُوجِهِ، أَوْ رِيحِ عَجِينٍ رَطْبًا، وَ بَيَاضِ بَيْضٍ جَافًّا، فَإِنْ فُقِدَتْ الصِّفَاتُ فَلَا غُسْلَ
[تنبيه] لو قطع بعض الحشفة لا يقدر بقدره من باقيه
فلا يؤثر إيلاج الباقي منها ولو مع بقية الذكر، ولا فرق في القطع بين قطعها من طولها أو عرضها إن اختلت اللذة بقطع بعض الطول، وعليه فلو شقت نصفين أو شق الذكر كذلك فلا غسل بتغييب أحد الشقّين
(1)
(فرجا) -واضحاً قبلا أو دبراً فوصل إلى بعد ما يجب غسله- ولو لسمكة وميت وجِنِّيَة إن تحققت كعكسه، وإن كان عليه حائل كثيف كقصبة. ولا يجب الغسل على خنثى إلا إن تحقق كأن أولج رجل في فرجه وأولج هو في فرج امرأة أو دبر. والذكر الزائد يجب الغسل بإيلاجه إن نقض مسّه.
(وبخروج منيٍّ
(2)
صب إلى ظاهر الحشفة وفرج البكر أو إلى ما يظهر عند جلوس الثيب على قدميها، والمراد به مني الشخص نفسه أول مرة، أو مني الرجل من امرأة وطئت في قبلها أو استدخلته وقضت شهوتها به؛ اعتبارا بمظنة اختلاط منيها بالخارج بخلاف ما إذا لم تقضها (من طريقه المعتاد) -ولو لمرض كسلس- (وغيره) إن استحكم -بأن لم يخرج لمرض- وكان من فرج زائد كأحد فرجي خنثى، أو من منفتح تحت صلب رجل؛ أي آخر فقراته، أو ترائبها وهي عظام الصدر وقد انسد الأصلي وإلا فلا إلا أن يخلق منسد الأصلي ولو غير مستحكم
(3)
(ويعرف) المني وإن كان دما عبيطا بأحد ثلاث (بتدفقه أو لذة) قوية (بخروجه) مع فتور الذكر عقبه غالباً (أو ريح عجين) أو طلع نخل (رطبا وبياض بيض جافا، فإن فقدت الصفات فلا غسل)؛ لأنه ليس بمني، نعم لو شك
(4)
أمني أم مذي تخيّر بين الغسل والوضوء -ولو بالتشهي-؛ لأنه إذا أتى بأحدهما صار شاكَّا في الآخر، ويلزمه سائر أحكام ما اختاره ما لم يرجع عنه، فإن رجع فالأحوط أن يعمل في الماضي بقضية ما رجع إليه.
(1)
. نعم استوجه الشارح في كتاب الزنا فيما إذا قطع من جانب الحشفة قطعة صغيرة، ثم برئ وصارت تسمى مع ذلك حشفة ويحس ويتلذذ بها كالكاملة أنها في حكمها أي فيجب الغسل بتغييبها والحد بالزنا بها.
(2)
. ذكر الشارح في الحجر أنه لو أحسَّ بانتقال مني من صلبه فأمسك ذكره فرجع فلا غسل.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. قال الشارح في أول كتاب الطهارة: ((لو رأى في فراشه أو ثوبه منيا لا يحتمل أنه من غيره لزمه الغسل)) 1/ 102.
وَالمَرْأَةُ كَرَجُلٍ. وَيَحْرُمُ بِهَا مَا حَرُمَ بِالحَدَثِ، وَالمُكْثُ فِي المَسْجِدِ لَا عُبُورُهُ، وَ الْقُرْآنُ،
[تنبيه] لو وقع منه على غيره خارجٌ وشكَّا في كون منيَّاً أو مذياً تخير الخارج منه والواقع عليه
، ويعمل كل منهما بقضية ما اختاره حتى لو اختار الأول المذي والثاني المني لم يقتيدِ به. ويتخير خنثى بإيلاجه في دبر ذكر- ولا مانع من النقض -أو دبر خنثى أولج ذكره في قبله، وكذا يتخير المولج فيه أيضاً، ولو رأى منيا محققا منه في نحو ثوبه
(1)
اغتسل وأعاد كل صلاة تيقنها بعده ما لم يحتمل عادة حدوثه من غيره، (والمرأة كرجل) حتى في خواص المني، نعم منيها يغلب فيه الرّقة والصفرة.
(ويحرم بها ما حرم بالحدث، والمكث) -ومنه أدنى طمأنينة- أو التردد من مسلم (في) أرض أو جدار أو هواء (المسجد) ولو بالإشاعة أو الظاهر
(2)
لكونه على هيئة المساجد -أي على صورته ويصلى فيه من غير منازع ولا علمنا له واقفاً- ولذا فحريم بئر زمزم تجري عليه أحكام المسجد؛ لاحتمال كونها محفورة في المسجد، وكالمسجد ما وقف بعضه مسجدا شائعا، ولا عبرة في منى ومزدلفة وعرفة بغير مسجدي الخيف ونمرة أي الأصل منها لا ما زيد فيهما، و (لا) يحرم -مع أنه خلاف الأولى إن كان لغير غرض
(3)
- (عبوره) لقوله تعالى {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} النساء: 43، فلا يحرم ولو على هينته، وإن حُمِلَ؛ لأن السير منسوب إليه، ومن العبور ما لو عَنّ له الرجوع قبل الخروج من الباب الآخر بخلاف ما إذا قصد الرجوع قبل وصوله؛ لأنه ترددٌ، نعم إن احتلم فيه وعسر الخروج منه جاز المكث فيه؛ للضرورة ولزمه التيمم ويحرم بترابه الداخل في وقفه. ولو فُقِدَ الماء إلا فيه ومعه إناء تيمم ودخل لملئه ليغتسل به خارجه، فإن فقد الإناء جاز الاغتسال فيه؛ للضرورة، بل لو كان الماء في بركة فيه جاز الدخول مطلقاً ليغتسل منها وهو مارٌّ فيها؛ لعدم المكث، وله صلى الله عليه وسلم المكث به، (و) يحرم على الجنب المسلم ولو صبياً
(4)
قراءة (القرآن) ولو حرفا إن قصد القراءة أو ومعها غيرها وكان بحيث يسمع نفسه مع اعتدال سمعه ولا عارض -ومثله إشارة أخرس وتحريك لسانه- لا
(1)
. إطلاقه شامل لظاهر الثوب، ووافقه المغني، وخالفه النهاية حيث قيده فيها بباطن الثوب.
(2)
. خلافا للنهاية فيشترط استفاضة كونه مسجدا.
(3)
. وفاقا للنهاية، وقال المغني إن لم يكن له غرض كره إن وجد طريقا غيره، وإلا فخلاف الأولى.
(4)
. خلافا للنهاية، نعم مرَّ في باب أسباب الحدث أن الصبي الجنب لا يمنع من مس القرآن وحمله بشرطه، بل كلام الشارح هناك موافق للنهاية في جواز قراءة الصبي الجنب 1/ 153.
وَتَحِلُّ أَذْكَارُهُ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ. وَأَقَلُّهُ نِيَّةُ رَفْعِ جَنَابَةٍ، أَوِ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إلَيْهِ، أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ مَقْرُونَةً بِأَوَّلِ فَرْضٍ
بقلبه، (وتحل أذكاره) ومواعضه وقصصه وأحكامه (لا بقصد قرآن) سواء أقصد الذكر وحده أم أطلق; لأنه أي عند وجود قرينة تقتضي صرفه عن موضوعه كالجنابة هنا لا يكون قرآنا إلا بالقصد. ولو أحدث جنب تيمم بحضرٍ أو سفرٍ حل له المكث والقراءة؛ لبقاء تيممه بالنسبة إليهما. وخرج بالمسلم الكافر فلا يمنع من القراءة إن رُجي إسلامه ولم يكن معانداً
(1)
، ولا من المكث؛ لأنه لا يعتقد حرمتهما، ولكن لا يدخل المسجد إلا لحاجة مع إذن مسلم مكلف أو جلوس قاضٍ أو مفتٍ، نعم الذميّة الحائض أو النفساء تمنع منهما بلا خلاف؛ لغلظ حدثهما.
(وأقله) أي غسل الحي ولو مندوبا (نية رفع جنابة أو استباحة) -وينويها السلس لا الرفع- (مفتقر إليه
(2)
كقراءة (أو أداء فرض الغسل) أو أداء أو فرض أو واجب الغسل، أو الغسل للصلاة أو رفع الحدث، أو الطهارة عنه أو الواجبة أو للصلاة، لا الغسل أو الطهارة فقط؛ لأنه قد يكون عادة. ولو نوت رفع الجنابة وعليها نحو حيض أو العكس صح غلطا كنية الأصغر غلطا وعليه الأكبر فيرتفع الحدث عن أعضاء الوضوء غير رأسه؛ لأنه لم ينو إلا مسحه بخلاف باطن شعر لا يجب غسله؛ لأنه يسن فكأنه نواه، ويصح رفع الحيض بنية النفاس وعكسه ما لم تقصد المعنى الشرعي
(3)
(مقرونةٌ بأول فرض) وهو أول مغسولٍ، ويسن تقديمها مع السنن المتقدمة كالسواك؛ ليثاب عليها، ويأتي في عزوبها ما مر، والذي يظهر أن قصده بالسنن المتقدمة السنة صارف عن الاعتداد به عن الغسل فتجب إعادته دون النيّة قياس ما مر في غسل بعض الشفة بقصد المضمضة.
(1)
. خلافا للرملي في شرح البهجة.
(2)
. وتشترط نية الكتابية استباحة التمتع إن اغتسلت اختيارا، وينوي الاستباحة أيضا مغسِّل المجنونة أو الممتنعة كما أفاده الشارح في النكاح 7/ 325.
(3)
. خلافا لظاهر إطلاقهما.
وَتَعْمِيمُ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ. وَلَا تَجِبُ مَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ، وَأَكْمَلُهُ إزَالَةُ الْقَذَرِ ثُمَّ الْوُضُوءُ، وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ،
(وتعميم شعرِهِ) ما عدا النابت في نحو عين وأنف وإن طال؛ لخبر عَلِيٍّ يرفعه ((من ترك موضع شعرةٍ من جنابة فعل به كذا وكذا من النار))، فينقضه إن لم يصل الماء لباطنه إلا ما انعقد بنفسه
(1)
، ولو نتف شعرة لم يغسلها وجب غسل محلها (وبشرِهِ)؛ لحلول الحدث بكل البدن حتى ما تحت الأظافر وظاهر صماخ وفرج عند جلوسها على قدميها وشقوق وما تحت قلفة
(2)
وما ظهر مما باشره القطع
(3)
وسائر معاطف البدن، ويحرم فتق الملتحم، (ولا تجب) كالوضوء (مضمضة واستنشاق) وإن انكشف باطن فم وأنف وكذا باطن عين الساتر لها عند غمضها، ولا يجب غسل مقعدة المبسور من الجنابة، ويجب غسل خبثها إن لم يرد إدخالها وإلا لم يجب هذا أيضاً.
[تنبيه] إنما عدوا باطن الفم باطناً؛ لأن ليس له حالة مستقرة يعهد زوال حائله فيها بالكلية
بخلاف باطن الفرج لزواله في حالة الجلوس على القدمين، (وأكمله إزالة القذر) ولو طاهراً كمني. ويسن تأخير الغسل عن بوله؛ لئلا تخرج معه فضلة منيه، وليتنبه هنا لدقيقة وهي أنه ينبغي على من يغتسل من نحو إبريق إذا طَهَّرَ محل النجو أن يغسله ناويا رفع الجنابة؛ لأنه إن غفل عنه بعدُ بطل وإلا فقد يحتاج إلى مسّه فينتقض وضوؤه، ودقيقة أخرى وهي أنه إن نوى كما ذكر ومس فرجه بعد النية ورفع جنابة اليد -كما هو الغالب- حصل بيده حدث أصغر فقط فلابد من غسلها بعد رفع حدث الوجه بنية رفع الحدث الأصغر؛ لتعذر الاندراج، (ثم الوضوء) كاملا، ويسن استصحابه إلى الفراغ، فلو احدث أعاده
(4)
، (وفي قول) إن الأفضل أن (يؤخر غسل قدميه) وكليهما وَرَدَ، ولكن لفظ الأول يشعر بالتكرار، وتحصل سنة الوضوء بتقديم كله وبعضه وتأخيره وتوسطه أثناء الفعل، وتكفي نية الغسل عن نية الوضوء لكن السنة إن تجردت جنابته عن الأصغر أن ينوي بالوضوء سنة الغسل أو
(1)
. ويعفى عن نحو طبوع لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها؛ للضرورة، نعم يجب حلق كله إن أمكن ما لم يحصل به مِثلة لا تحتمل عادة كما ذكره الشارح في باب الوضوء 1/ 207.
(2)
. وعند الشارح يتيمم عما تحتها ويُصلَّى عليه، وقال الرملي يدفن بلا الصلاة.
(3)
. حسب التفصيل المار.
(4)
. خلافا لهما.
ثُمَّ تَعَهُّدُ مَعَاطِفِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُخَللهُ، ثُمَّ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، وَيَدْلُكُ وَيُثَلِّثُ، وَتُتْبِعُ لِحَيْضٍ إِثْرِهِ مِسْكًا، وَإِلَّا فَنَحْوَهُ
الوضوء وإلا نوى نية مجزئة مما مر في الوضوء
(1)
؛ خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج، نعم إن انتقض وضوؤه بعد ارتفاع جنابة أعضاء الوضوء وجبت النية والترتيب (ثم تعهد معاطفه) وهي ما فيه التواء وانعطاف كطبق البطن والسرّة؛ حتى يتيقن وصوله إليها، ويتأكد في الأذن بأن يأخذ كفّاً من ماء ويميل أذنه عليه، وبُحث تعين ذلك على الصائم
(2)
(ثمّ يفيض الماء على رأسه و) قبل الإفاضة عليه الأولى له إذا كان له شعر في نحو رأسه أو لحيته أنه (يخلله) كسائر شعوره بأن يدخل أصابِعَهُ مبلولة أصولَ شعرِهِ، والمحرم يتحرّى الرفق في ذلك (ثم شقّه الأيمن) مقدمه ثم مؤخره (ثم الأيسر ويدلك)؛ لخلاف موجبه، ولنا إن الآية والخبر لم يتعرضا له (ويثلث) شعور رأسه ثم غسله، ثم تخليل شعور وجهه ثم غسله ثم تخليل شعور بقيّة البدن ثم غسله ويثلثه، ويحصل بأن يغسل الأيمن ثم الأيسر ثم هكذا ثانية وثالثة، أو الأيمن ثلاثا ثم الأيسر مثله
(3)
، ويثلث الدلك والتسمية والذكر وسائر السنن، ويكفي في راكد تحريك البدن ثلاثا وإن لم ينقل قدميه
(4)
. (وتتبع) ولو خليّة لكن غير محدَّة ومحرمة (لحيضٍ) -ولو احتمالا كمتحيرة- ونفاس (إثْره) أي عقب الانقطاع والغسل (مسكا)؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك بقطنة تدخلها فيما يجب غسله من الفرج، وفي حكمه الثقبة التي ينقض خارجها
(5)
، ويكره تركه؛ لأنه يطيب المحل ويهيئه للعلوق (وإلا) ترده (فنحوه) من طيب، وأولاه
(1)
. ظاهره سواء قدم الغسل على الوضوء أو أخره عنه، خلافا للمغني والنهاية فقالا إن أخر الوضوء عن الغسل نوى سنة الغسل إن لم يرد الخروج من خلاف من قال بعدم الاندراج، وإلا نوى نية معتبرة كرفع الحدث.
(2)
. خلافا للنهاية.
(3)
. فهما مستويان ورجح في النهاية تفضيل الأولى واقتصر عليها الخطيب.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. أي ثقبة أنثى انسد فرجها أو خنثى حكم بأنوثته.
وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. وَيُسَنُّ أَلَّا يَنْقُصَ مَاءَُ الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ، وَالْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ. وَلَا حَدَّ لَهُ
أكثره حرارةً كقسط
(1)
و أظفار
(2)
فالنوى
(3)
فالملح
(4)
، فإن لم ترد الطيب فطين بل يكفي ماءٌ غير ماء الرفع؛ لحصول سنة النظافة
(5)
، أما المحدة فتقتصر على قليل قسط أو أظفار؛ للحاجة، والمحرمة كالمحدة. ويكره للصائمة أيضاً فلو انقطع قبيل الفجر فنوت وأرادت الغسل بعده لم يسن لها التطيّب، (ولا يسن تجديده)؛ لأنه لم ينقل (بخلاف الوضوء) ولو لماسح الخف وإن كمل بالتيمم لنحو جرح؛ لخبر ((من توضأ على طهر كُتِب له عشر حسنات))، ومحلّه إذا صلّى بالأول ولو ركعة لا سجدة وطوافاً وإلا كره
(6)
كالغسلة الرابعة، نعم لو قصد به عبادة مستقلة حرم
(7)
؛ لتلاعبه، ومحلّه أيضا إذا لم يعارضه ما هو أهم منه وإلا لزم التسلسل. (ويسن أن لا يَنقص) وأن لا يزيد (ماءَُ الوضوء عن مد والغسل عن صاع)؛ للاتباع، أي إلا لحاجة فيهما كتيقن كمال الإتيان بجميع المطلوبات، ومحلّه أيضا فيمن بدنه قريب من اعتداله صلى الله عليه وسلم ونعومته وإلا فبحسب اللائق به (ولا حَدَّ له) فلو نقص وأسبغ كفى، ويسن أن لا يغتسل لجنابة أو غيرها وأن لا يتوضأ لحدث أو غيره
(8)
في ماء راكد لم يستبحر كنابع من عين غير جارية؛ لأنه قد يقذّره، وأن يدخل الماء بمئزر، وأن لا يزيل ذو حدث أكبر قبله شيئا من بدنه ولو نحو دمّ، وأن يغسل- كحائض ونفساء انقطع دمها -فرجه- والأكمل أن يتوضأ أيضا -عند إرادة نحو جماع أو نوم أو أكل أو شرب أو ذكر وإلا كره، وعلّة الأول زيادة النّشاط
(1)
. هو ضرب من الطيب، ويطلق أيضا على عقار معروف في الطب كما في النهاية في غريب الحديث 4/ 60.
(2)
. ضرب من العطر على شكل أظفار الإنسان.
(3)
. يطلق النوى على عجم التمر والزبيب ونحوهما أو بذره.
(4)
. ويجوز أن تغسل دم الحيض بماء مع ملح ونحوه مما اعتيد امتهانه إن توقف زواله عليه؛ للحاجة ولخبر ضعيف فيه كما ذكره الشارح في آداب قضاء الحاجة.
(5)
. فالترتيب لكمال السنة لا لأصلها كما صرح به الشارح في الجنائز.
(6)
. أي مع الصحة وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(7)
. رده الرملي.
(8)
. خلافا للمغني.
وَمَنْ بِهِ نَجَسٌ يَغْسِلُهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَلَا تَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ، وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَكْفِيهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمَنِ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ حَصَلَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا حَصَلَ فَقَطْ. قُلْتُ: وَلَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ كَفَى الْغُسْلُ عَلَى المَذْهَبِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
للعود، ولذا لا ينتقض بالحدث بخلاف ما بعده؛ لأن علتها تخفيف الحدث. ويجوز الغسل عاريا بخلاف الوضوء عاريا عقب الغسل إلا لحاجة كخوف رشاش. (ومن به نجس) ولو عينياً (يغسله ثمّ يغتسل، ولا تكفي لهما غسلة، وكذا في الوضوء)؛ لأنهما مختلفان في الجنس، (قلت: الأصح تكفيه والله أعلم)؛ لحصول الغرض بمرور الماء، نعم يشترط في العينية زوالها بجرية، وورود الماء، وعدم تغيّره، وأن لا يزيد وزنه، وأن لا تحيل بينه وبين العضو، وعليه فالمغلظة لا تطهر إلا بعد التسبيع مع التعفير، (ومن أغتسل لجنابة) أو حيض أو نفاس (و) نحو (جمعة) بنيّتهما (حصلا) والأكمل إفراد كلٍّ بغسل، (أو لأحدهما حصل فقط) وإنما لم يندرج المسنون في الواجب؛ لأنه مقصود ولذا يتيمم للعجز عنه، ولا يصح الواجب بنيّة النفل وعكسه إن تعمد فيهما، نعم إن اغتسل لأحد واجبين أو أحد نفلين فأكثر بنيّته فقط حصل الآخر؛ لأن مبنى الطهارات على التداخل، ومعنى حصول غير المنوي سقوط طلبه
(1)
، (قلت: ولو أحدث ثمّ أجنب أو عكسه) أو وجدا معا (كفى الغسل على المذهب والله أعلم)؛ لاندراج الأصغر في الأكبر، ولا نظر لاختلاف الجنس مع حصول المقصود.
(1)
. خلافا لظاهر كلام الرملي من حصول ثواب الكل.
باب النجاسة
هِيَ: كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ وَكَلْبٌ، وَخِنْزِيرٌ، وَفَرْعُهُمَا،
(باب النجاسة) وإزالتها
(1)
(هي) لغةً: المستقذر، وشرعاً بالحد: مستقذر يمنع صحّة الصّلاة حيث لا مُرَخِّص، وبالعد -وهو أسهل منه-: المغطي للعقل
(2)
، وهو (كلّ مسكر) أي صالح للإسكار لو قطرة (مائع
(3)
كخمر وهي المتّخذة من العنب، ونبيذ وهو المتخذ من غيره؛ لأنه تعالى سمّاه رجساً، وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش والأفيون وكثير العنبر والزّعفران فهي مخدرة
(4)
جامدة فكانت طاهرة، وأما جامد الخمر وذائب نحو حشيش لم تصر فيه شدّة مطربة فتبع لأصلهما، (وكلب)؛ للأمر بالتطهير من ولوغه (وخنزير)؛ لأنه أسوأ حالا منه (وفرعهما) أي فرع كلّ منهما مع الآخر أو مع غيره ولو آدميّاً؛ تغليبا للجنس
(5)
، وله حكم المغلظ في سائر أحكامه كالنجاسة إلا التكليف فمناطه العقل، ولا ينافيه نجاسة عينه للعفو عنها بالنسبة إليه بل وإلى غيره فيدخل المسجد ويماس الناس ولو مع الرطوبة، ويؤمهم؛ لأنه لا تلزمه إعادة، ولا تحل مناكحته، بل لا يحلّ له وطء أمته بالملك إلا إن تحقق العنت، ويقتل بالحر المسلم وعكسه، وفيه دية إن كان حرّا؛ لأنها تعتبر بأشرف الأبوين، ولا يلحق بابيه لانتفاء حلِّ الوطء أو الشبهة، وله أن يزوج أمته لا عتيقته؛ لأنه مقطوع عن مراتب الولايات
(6)
، ولو وطء الآدمي،
(1)
. وتجب إزالتها فورا إن عصى بسببها ذكره الشارح أوَّل باب الغسل 1/ 257.
(2)
. كلامه يقتضي أن عصير العنب -إن صار مغطيا للعقل ولم تكن فيه شدة مطربة- نجس، ويقتضي كلام الرملي خلافه.
(3)
. وعند الشارح أن نحو البنج والحشيشة مخدرة أو مسكرة بمعنى أنها تغطي العقل خلافا للرملي فقال إنها مسكرة ذات شدة مطربة.
(4)
. خلافا للنهاية فعنده أنها مسكرة.
(5)
لأن الفرع يتبع أخس أبويه في النجاسة، نعم عند الرملي أن الآدمي المتولد بين الآدمي وكلبة أو بالعكس طاهر ولو في نصفه الأعلى.
(6)
. وفاقا للخطيب وخلافا للرملي.
وَمَيْتَةُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَالسَّمَكِ، وَالجَرَادِ، وَدَمٌ، وَقَيْحٌ، وَقَيْءٌ، وَرَوْثٌ، وَبَوْلٌ، وَمَذْيٌ،
بهيمة فالقياس أن ولدها الآدمي ملك لمالكها (وميتة) وهي ما زالت حياتها بغير ذكاة شرعيّة (غير الآدمي والسمك والجراد)؛ لتحريمها مع عدم إضرارها فلم يكن إلا لنجاستها وخرج بالميتة موت الجنين بذكاة أمّه والصيد بالضغطة والناد بالسهم؛ لأنها ذكاة لها شرعاً، واستثنى منها والآدمي؛ لتكريمه، والسمك؛ للإجماع، والجراد؛ لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ((أحلت لنا ميتان
…
الخ)) (ودم) إجماعا حتى ما يبقى على العظام
(1)
، واستثني منه الكبد والطحال، والمسك ولو من ميتة
(2)
إن تجسّد وانعقد وإلا فهو نجس تبعا لها، والعلقة والمضغة، ومني أو لبن خرجا بلون الدم، ودم بيضة لم تفسد (و قيح)؛ لأنه دم مستحيل، وصديد وهو ماء رقيق يخالطه دم، وماء قرح أو نفط إن تغيّر (وقيء) وإن لم يتغيّر ولا استقر في المعدة؛ لأنه فضلة، وبلغم المعدة بخلافه من رأس أو صدر كالسائل من فم النائم ما لم يعلم أنه من المعدة، نعم من ابتلي به عُفُي عنه مطلقاً وإن كثر، وما رجع من الطعام قبل وصوله المعدة طاهر
(3)
، ومن النجس جِرّة وهي ما يخرجه الحيوان ليجتره، ومِرّة سوداء أو صفراء وهي ما في المرارة؛ لاستحالتهما لفساد (وروث وبول) ولو من طائر وسمك وجراد وما لا نفس له سائلة لأنه صلى الله عليه وسلم سمى الروث ركساً، وأمر بصب الماء على البول، واختار جمع طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم
(4)
، ولو قاءت أو راثت بهيمة حبّاً صلباً بحيث لو زرع نبت فهو متنجس يغسل ويؤكل، والعنبر نبات في البحر وليس روثاً، نعم ما تحقق منه أنه مبلوع من الحوت فهو متنجس؛ لأنه غليظ لا يستحيل، وجلدة المرارة طاهرة دون ما فيها كالكرش، ومن النجس أيضا حصى الكلى أو المثانة
(5)
، أما جلدة الأنفحة من مأكول فطاهرة تؤكل، وكذا ما فيها إن أخذت من مذبوح لم غير اللبن وإن جاوز سنتين، ونسج العنكبوت طاهر، وجلد نحو حيّة أو عقرب خرج في حياتهما نجس كميتته، ويعفى عن بول بقر الدياسة على الحب (و مذي)؛ للأمر بغسل الذكر منه، وهو ماء أصفر رقيق غالباً
(1)
. خلافا للمغني أنه ليس داخلا في الإجماع.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. خالفه في النهاية فقال بنجاسة ما جاوز مخرج الحرف الباطن ونقل الخلاف الكردي.
(4)
. اعتمدا هذا البحث خلافا للشارح.
(5)
. خلافا لهما.
وَوَدْيٌ، وَكَذَا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ. وَالجُزْءُ المُنْفَصِلُ مِنَ الحَيِّ كَمَيْتَتِهِ إلَّا شَعْرَ المَأْكُولِ فَطَاهِرٌ، وَلَيْسَتِ الْعَلَقَةُ وَالمُضْغَةُ،
يخرج غالباً عند شهوة ضعيفة (و ودي)؛ إجماعاً، وهو ماء أبيض كدر ثخين غالبا، يخرج غالبا أما عقب البول حيث استمسكت الطبيعة أو عند حمل شيء ثقيل، (وكذا مني غير الآدمي في الأصح) كسائر المستحيلات، أما مني الآدمي فطاهر؛ لما صح عن عائشة رضي الله تعالى عنها ((كنتُ أحكّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي))، ويسن غسله رطبا وفركه يابسا لكن غسله أفضل، (قلت: الأصح طهارة مني غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما والله أعلم)؛ لأنه أصل حيوان طاهر فأشبه مني الآدمي، ومثله بيض ما لا يؤكل لحمه فهو طاهر مطلقا يحلّ أكله ما لم يُعلم ضرره، وبيض الميتة إن تصلّب طاهر وإلا فنجس (ولبن ما لا يؤكل غير الآدمي)؛ لأنه فضلة وليس أصل حيوان طاهر، أما لبن أنثى المأكول كفرسٍ فطاهر إجماعا ولو من جلَّالة، وأما لبن الآدمي ولو ذكرا وصغيرة وميتا فطاهر؛ لكرامته، والزباد لبن مأكول بحري فهو طاهر أو عَرَقُ سنور بحري.
[تنبيه] لو تُيقّن في لبن معيَّنٍ من نحو لبن فرس متخذة للنسل كونه ذا شدّة مطربة حُكِمَ بنجاسته
.
(والجزء المنفصل من الحيّ كميتته)؛ لخبر ((ما قطع من حيّ فهو ميت))، نعم فأرة المسك المنفصلة في الحياة ولو احتمالا أو بعد ذكاته طاهرة وإلا فنجسة؛ لتنجس المسك بها لرطوبته قبل انعقاده (إلا شعر المأكول فطاهر)؛ إجماعا، وكذا صوفه ووبره وريشه ولو نتف، نعم لو أبين عضو عليه شعر فهو نجس مع شعرِهِ وكذا لَحْمَةٌ عليها ريشة، ولا أثر لشعر خرج مع أصله بخلافه مع قطعة جلد هي منبته
(1)
، ولو شك في نحو شعرٍ أو عظمٍ أهو من مأكول أم غيره؟ أو هل انفصل من حيّ أو ميت؟ فهو على أصل الطهارة. (وليست العلقة) وهي دمّ غليظ استحال عن مني (والمضغة) وهي قطعة لحم بقدر ما يمضغ استحالت عن العلقة.
(1)
. خلافا للشهاب و النهاية والمغني.
وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ بِنَجَسٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ إلَّا خَمْرٌ تَخَلَّلَتْ وَكَذَا إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فَلَا،
(ورطوبة الفرح) -سواء انفصلت أم لا- وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعَرَق يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غسله
(1)
، أما ما يخرج مما يجب غسله فهو طاهر قطعا، وما من وراء باطن الفرج نجس قطعا ككل خارج من الباطن كالماء الخارج مع الولد أو قبيله، ومع ذلك لا يجب غسل الولد والبيض وذكر المجامع (بنجس) من الحيوان الطاهر (في الأصح)؛ لأن الأوليين يقربان من الحيوانية كالمني، وأما الأخيرة فلأنها كالعرق، نعم رطوبة ثقبة بول المرأة نجسة قطعا إن كان أصلها البول بخلاف ما لو شك، وفي حكم رطوبة الثقبة رطوبة الدّبر، أما رطوبة باطن الذكر فإن كانت من مجرى البول فنجسة أو من مجرى المني أو شكّ فطاهرة
(2)
(ولا يطهر نجس العين) بغسل أو استحالة إلى نحو ملح (إلا) أي فللضرورة استثنيت (خمر) -ولو غير محترمة- وأراد بها مطلق المسكر ولو من نحو زبيب وحب، وفي حكمها انقلاب دم الظبية مسكاً (تخللت) بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها؛ لزوال علّة النجاسة وهو الإسكار، ويطهر بطهرها ظرفها وما ارتفعت إليه بغير فعله؛ تبعاً لها، ولا يرد على إطلاق المتن تخلل ما وقع فيه خمر
(3)
أو عظم نجس ثمّ نزع قبل تخلله؛ لأن مانع الطهارة هنا تنجسه (وكذا إن نقلت من شمس إلى ظلّ وعكسه في الأصح)؛ إذ لا عين (فإن خللت بطرح شيء) كملح، أو وقع فيها بلا طرح وبقي إلى تخللها وإن لم يكن له أثر في التخلل، أو نزع وقد انفصل منه شيء، أو كان نجسا وإن نزع فورا، (فلا) تطهر -مع حرمة تعمّد ذلك-؛ لتنجس المطروح بالملاقاة فيُنَجِّس الخل، نعم يستثنى حبّات العناقيد وما احتيج
(4)
إليه لعصر يابس أو استقصاء عصر رطب؛ لأنه من ضرورته.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. ومال الشارح في كتاب الصيام أن يعفى عن قذر مقعدة المبسور لو خرجت 3/ 404.
(3)
. فقضيته أنه لو وقع على الخمر خمر ثم تخللت لم تطهر خلافا للأسنى والشهاب الرملي والنهاية.
(4)
. خلافا لهم.
وَجِلْدٌ نَجُسَ بِالمَوْتِ فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ ظَاهِرُهُ وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى المَشْهُورِ. وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ بِحِرِّيفٍ لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ المَاءُ فِي أَثْنَائِهِ فِي الْأَصَحِّ،
[تنبيه] لو أُلقي ما لا يقبل التخمّر ويمنع من وجوده كخلّ في نحو عصير عنب فإن كان الخل أغلب أو مساويه وزنا كان الخليط طاهراً؛ لأن الأصل عدم التخمر، أو كان أقل منه تنجس؛ لأنه لقلة الخل فيه يتخمر.
[تنبيه آخر في علم الكيمياء]
يجوز لمن علم قلب الأعيان علما يقينيا عمله وتعليمه بخلاف من لم يعلمه كذلك.
(وجلد نجس بالموت) خرج المغلّظ (فيطهر بدبغه) واندباغه (ظاهره) وهو ما لاقاه الدباغ (وكذا باطنه) وهو ما لم يلاقه من أحد الوجهين أو ما بينهما (على المشهور)؛ لخبر ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر))، فيجوز بيعه والصلاة فيه واستعماله في الرطب، نعم يحرم أكله من مأكول؛ لانتقاله لطبع الثياب، ولا يطهر شعرُهُ لكن يعفى عن قليله عرفا فيطهر حقيقة تبعا
(1)
كدن الخمر.
[تنبيه] تجوز الصلاة في فراء السنجاب حيث لم يعلم في ذلك بعينه أنه ذبح ذبحا غير صحيح
فهو من باب ما غلب تنجسه يرجع لأصله، ومن ثم حلَّ الجبن الشامي المشتهر عمله بأنفحة الخنزير
(2)
.
(والدبغ نزع فضوله) وهو ما يعفّنه من نحو لحم ودم (بحِرِّيف) وهو ما يلذع اللسان بحرافته كقرظ وذرق طير؛ لخبر (( .. يطهرها الماء والقرظ))، وضابط نزعها منه أن يكون بحيث لو نقع في الماء لم يعد إليه النّتن، أما لو عاد بعد النقع نحو شدّة التّصلب وسرعة البلى فإن قالا خبيران أنه لفساد الدبغ ضرّ وإلا فلا، (لا شمس وتراب) وملح وإن جفّ وطاب ريحه؛ لأن العفونة تعود بنقعه في الماء، (ولا يجب الماء في أثنائه في الأصح)؛ لأنه إحالة.
(1)
. وفاقا لشيخ الإسلام، وقال النهاية والمغني أنه نجس يعفى عنه، وأشار الشارح لهذا الخلاف في كتاب الطهارة 1/ 98.
(2)
. ومثله الجوخ كما ذكره الشارح في باب التفليس.
وَالمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ. وَمَا نَجُسَ بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ غُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ. وَالْأَظْهَرُ تَعَيُّنُ التُّرَابِ، وَأَنَّ الخِنْزِيرَ كَكَلْبٍ. وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ، وَلَا مَمْزُوجٌ بِمَائِعٍ فِي الْأَصَحِّ
(والمدبوغ كثوب نجس) أي متنجس؛ لتنجس الدباغ به قبل طهره فيغسل، ويسبّع ويترّب إن كان من مغلّظ.
(وما نجس) -ولو من صيد- ما عدا التراب؛ إذ لا معنى لتتريبه (بملاقاة شيء) ولو في ماء كثير
(1)
، ولو وصلت نجاسة مغلظة إلى وراء ما يجب غسله من الفرج لم يتنجس ما وصل إليه كذكر المجامع؛ لأن الباطن لا ينجسه ما لاقاه (من) نحو بدن أو عَرَقَ (كلب) أو متنجس به (غُسِل سبعاً) ويجب تسبيع الظرف وإن طهر ماؤه
(2)
المتنجس بمغلظ (إحداهن بالتراب) الطهور؛ لما صحّ أن ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرّات أولاهن بالتراب))، أي وهو الأفضل، وفي رواية ((إحداهن)) وهي مبينة للجواز في الجميع، وغير فمه أولى بالنجاسة، ويزيل العين بغسلة واحدة ولا يعتد بالتتريب قبل إزالتها، ويكفي مرور سبع جريات في الجاري وتحريكه في الراكد سبعا الذهاب مرّة والعود أخرى
(3)
، ويشترط أن يكدّر الترابُ الماءَ، ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء النجس، ولا يكفي ذرّه أو دلكه عليه مجرّدا عن الماء، (والأظهر تعيّن الترب)؛ لأن القصد الجمع بين نوعي الطهر، (وأنّ الخنزير ككلب)؛ لأنه أسوأ حالا منه، ومثله المتولّد من أحدهما وطاهر آخر، (ولا يكفي تراب نجس) ولا مستعمل، وشرط التراب المجزئ كتراب التيمم، نعم يكفي هنا المختلط برمل خشنٍ أو ناعمٍ ونحو دقيق قليل لا يؤّثر في التغيّر كما يكفي الطين أيضا، (ولا ممزوجٌ بمائع) غير الماء الطهور (في الأصح)؛ للنص على الماء، ومقابل الأصح يكفي عنده التراب الممزوج بالمائع لكنه يشترط أن يغسل بالماء سبعا، فلو غسل بالماء ستا والسابعة بالتراب الممزوج بمائعٍ لم يكف قطعاً، ثم محل الخلاف كما أفاده ابن الصلاح إذا خلط التراب بالمائع فقط أما إذا مزج
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. بأن كان كثيراً وزال تغيره.
(3)
. نعم يكفي وضعه في النيل أيام زيادته ولو من غير تراب.
وَمَا نَجُسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ نُضِحَ. وَمَا نَجُسَ بِغَيْرِهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنٌ كَفَى جَرْيُ المَاءِ وَإِنْ كَانَتْ وَجَبَ إزَالَةُ الطَّعْمِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ عَسُرَ زَوَالُهُ،
التراب بالمائع ثم بالماء فيجوز قطعا، أي ما لم يتغير الماء أو يوضع الممزوج بمائع بعد جفاف المحل بحيث لا يمتزج بالماء، وعلى هذا يحمل عدم الإجزاء الذي أطلقه في التنقيح.
(وما نجس ببول صبيّ) ذكر محقق (لم يَطعم) أي يذق للتغذّي (غير لبنٍ) ولم يجاوز سنتين (نضح) ويعمّه بالماء -وإن لم يسل-؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((يُرشُّ من بول الغلام)) ولأن الابتلاء بحمله أكثر، ولا يضرّ تناول شيء للتحنيك أو للإصلاح، ولا لبن آدمي أو غيره ولو نجسا؛ لأن للمستحيل في الباطن حكم المستحال إليه، ومن ثم لو تناول مغلّظا وخرج مستحيلا لزمه غسل قبله ودبره مرّة لا غير و أجزأه الحجر، أما إذا خرج بعينه فتجب السبع مع التراب.
(وما نجس بغيرهما إن لم يكن عين) أي حكمية لا تحس ببصر ولا شم ولا ذوق (كفى جري الماء) كسكّين سقيت نجسا، وحب نقّع في بول، ولحم طبخ به، ويطهر باطنها أيضا بذلك؛ لأن دخول النجاسة إليه كتشرب المسام بخلاف نحو آجر نقع في نجس فلا بدّ من نقعه في ماء حتى يظن وصوله لجميع ما وصل إليه الأول، ولو عُجن اللَّبِن بمائع نجس ثم حرق لم يطهر باطنه إلا إن دُق وغسل أو نقّع حتى وصل للباطن، نعم نصّ الشافعي على العفو عمّا عجن من الخزف بنجس -أي يضطر إليه فيه- وألحقوا به الآجر المعجون به، (وإن كانت) عين متوسطة أو مغلّظة أو مخففة (وجب) بعد زوال عينها (إزالة الطعم) وإن عسر، وله أن يذوق المحل إن غلب على ظنّه زوال الطعم؛ للحاجة، (ولا يضر)؛ للمشقة (بقاء لون أو ريح) ويسن له الشم والنظر بعد ظن الطهر (عسر
(1)
زواله) ولو من مغلظ بأن لم تتوقف إزالته على شيءٍ أو توقفت على نحو صابون ولم يجده، فإن وجده بثمن مثله وجب إن فَضُل عما يعتبر في التيمم، ويأتي هنا التفصيل الآتي فيه فيما إذا وجده بحدّ الغوث أو القرب إلا أن قبول الهدية لا يجب هنا، وإن توقفت على نحو حتٍّ وقرص -بأن ظنّ المتطهِّر ذلك- لزمه، ومحل هذا إن كان خبيرا وإلا
(1)
. وأفاد الشارح في آخر الباب أن المراد هنا أنه متى عسرت إزالة النجاسة عن المحل نظر للغسالة فقط فإن لم ينقطع اللون أو الريح مع الإمعان ارتفع التكليف، وضابط ذلك أن تحصل بالزيادة عليه مشقة لا تحتمل عادة 1/ 323.
وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ، قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَا مَعًا ضَرَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ المَاءِ، لَا الْعَصْرُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ طَهَارَةُ غُسَالَةٍ تَنْفَصِلُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَقَدْ طَهَرَ المَحَلُّ
سأل ذا خبرة. ولو عرف من مغيّر شيئا لم يطرده فيه؛ لأن النجاسة يختلف لصوقها بالمحل باختلاف الأعْراض، والمصبوغ بالنجاسة متى تيقنت فيه عين النجاسة بأن ثقل أو كانت تنفصل مع الماء اشترط زوالها، أو تيقن لونها أو ريحها فقط وعسر زواله عفي عنه، (وفي الرّيح قول) وفي اللون وجه أنهما يضرّان، (قلتُ: فإن بقيا معا) بمحل واحد (ضرّ على الصحيح والله أعلم)؛ لندرة العجز عنهما. وإذا لم تتشرب الأرض ما تنجست به فلابد من إزالة عينه قبل صبّ الماء القليل عليها، ولو كانت النجاسة جامدة فتفتت واختلطت بالتراب لم يطهر بإفاضة الماء عليه بل لابد من إزالة جميع التراب المختلط بها.
(ويشترط ورود الماء) القليل؛ لقوّة الورود ولو من فوارة
(1)
، والشرط أن يزيل الماء النجاسة عن محل نزوله، ولذا لو تنجس فمه مثلا كفى أخذ الماء بيده إليه وإن لم يُعْلِها عليه ويجب غسل كل ما في حدّ الظاهر منه ولو بالإدارة كصب ماء في إناء متنجس وإدارته بجوانبه، ولا يجوز له ابتلاع شيء قبل تطهيره (لا العصر في الأصح) ومحل الخلاف إن صبّ عليه وهو في إجَّانة
(2)
مثلا فإن صب عليه وهو بيده لم يحتج لعصر قطعا.
(والأظهر طهارة غسالة تنفصل) وهي قليلة (بلا تغيّر) ولا زيادة وزن بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء ويعطيه من الوسخ الطاهر، ويظهر الاكتفاء فيهما بالظن (وقد طهر المحل) ويلزم من طهارة المحل بعده طهارة المنفصل ومن نجاسته نجاسته وذلك لأن البلل الباقي به بعض المنفصل، ويندب غسل المحل بعد طهره ثانيا وثالثا
(3)
ولو كانت تنجسه بنجاسة مخففة، وغسالة هاتين الغسلتين طهورة كسائر غسالة المندوب، ويتعين في نحو الدم إذا أريد غسله بالصب عليه في جفنة مثلا والماء قليل إزالة عينه وإلا تنجس الماء بها بعد استقراره معها فيها،
(1)
. الفوارة منبع الماء، الصحاح.
(2)
. ما يغسل فيها كما في حاشية الجمل.
(3)
. خلافا لهما في المغلظة.
وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ، وَقِيلَ يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ
ويسامح في تغيّر غسالة من بالمغلظ أو زيادة وزنها به
(1)
فلا يسبّع من رشاشها، نعم متى نزلت الغسالة متغيّرة أو زائدة الوزن لم تحسب من السبع بل يحسبن بعد زوال التغير وعدم الزيادة. (ولو تنجس مائع) -غير الماء- وهو المتراد منه على قرب عرفا ما يملأ محل المأخوذ منه (تعذّر تطهيره)؛ لتقطعه
(2)
فلا يعم الماء أجزاءه، ومن ثم كان الزئبق مثله، (وقيل يطهر الدهن بغسله) أن تنجس بغير دهن، ويُردّ بما صح في الفأرة تموت في السمن ((إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فأريقوه))؛ إذ لو أمكن طهره لم يتلف، نعم محلّ وجوب الإراقة حيث لم يرد استعماله في وقود أو إسقاء دابّة أو عمل نحو صابون به
(3)
، والحيلة في العسل المتنجس إسقاؤه للنحل، وسيأتي قبيل السير فرع يتعلق به.
(1)
. خلافا للشهاب الرملي.
(2)
. من المجاز قطع الخمر تقطيعا أي مزجها، الصحاح.
(3)
. وذكر الشارح قبيل العيد حرمة الاستصباح بالدهن النجس في المسجد إلا إن احتيج إليه ولم يلوث.
باب التيمم
يَتَيَمَّمُ المُحْدِثُ وَالجُنُبُ لِأَسْبَابٍ:
أَحَدُهَا: فَقْدُ المَاءِ فَإِنْ تَيَقَّنَ المُسَافِرُ فَقْدَهُ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ، وَإِنْ تَوَهَّمَهُ طَلَبَهُ مِنْ رَحْلِهِ وَرَُِفْقَتِهِ
(بَابُ التَّيَمُّم)
هو لغة: القصد، وشرعا: إيصال التراب للوجه واليدين بشروط، ويصح بالتراب المغصوب؛ لكون التراب آلة الرخصة لا المُجَوِّز لها. وأصله الكاتب والسنة والإجماع، (يتيمم المحدث)؛ إجماعا، والحائض والنفساء و المأمور بغسل أو وضوء مسنون (والجنب
(1)
؛ للخبر الصحيح فيه (لأسباب) ويكفي الظنُّ فيها، والحقيقة إنها سبب واحد هو فقد الماء حِسَّاً أو شرعا:
(أحدها فقد الماء) بأن تعذّر حسّاً كأن حال سبع أو كان راكباً في بحر وخاف الاستقاء منه فيتيمم بلا إعادة. ويصح تيمم العاصي بسفره هنا؛ لأنه لما عجز عن الماء لم يكن لتوقف صحة تيممه على التوبة فائدة بخلافه في الفقد الشرعي كمرض وعطش، وكذا لو كان به قروح وخاف من الماء هلاكاً؛ لقدرته على التوبة، (فإن تيقّن) والمراد حقيقة اليقين
(2)
(المسافر) أو الحاضر (فقده تيمم بلا طلب، وإن توهمه) أي جوَّز ولو على ندور (طَلَبَهُ) وجوباً في الوقت ولو بنائبه الثِّقِة- شريطة أن لا يشترط عليه الطلب قبل الوقت- ولو واحدا عن ركب؛ للآية إذ لا يقال لمن لم يطلب لم يجد. ولا يكفي طلب من لم يأذن له أو فاسق إلا أن يغلب على الظن صدقه
(3)
.
[تنبيه] لابد في الطلب من تيقّن أنه طلب أو أن نائبه طلب
، فلا يكفي غلبة الظنّ أنه أو نائبه طلب في الوقت؛ لأن الأصل عدم وجوده. (من رحله) وهو منزله وأمتعته (ورَُِفقته)
(1)
. ولو أحدث جنب تيمم بحضر أو سفر حلَّ له المكث والقراءة؛ لبقاء تيممه بالنسبة إليهما ذكره الشارح في باب الغسل 1/ 272.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية فيكفي عنده إخبار عدل.
(3)
. خلافا لإطلاقهما.
وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ، فَإِنِ احْتَاجَ إلَى تَرَدُّدٍ تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ فَلَوْ مَكَثَ مَوْضِعَهُ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ لِمَا يَطْرَأُ، فَلَوْ عَلِمَ مَاءً يَصِلُهُ المُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ وَجَبَ قَصْدُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ،
المنسوبين لمنزله عادة -لا كل القافلة إن تفاحش كبرها عرفا- إلى أن يستوعبهم أو يبقى من الوقت ما يسع تلك الصلاة، وينادي من معه ماء يجود به ولو بالثمن (ونظر) من غير مشي (حواليه) من الجهات الأربع (إن كان بمستوٍ) ويجب أن يخص مواضع الخضرة والطّير بمزيد احتياط إن توقفت غلبة الظن على ذلك، (فإن احتاج إلى تردد) بأن كان ثَمَّ انخفاض أو ارتفاع أو نحو شجر (تردد) حيث أمن بضعا ومحترما -من نفس وعضو ومال وإن قلّ- واختصاصا وخروج الوقت (قدر نظره) وهو حد الغوث أو غلوة سهم، وضابطه بحيث لو استغاث بالرفقة مع تشاغلهم وتفاوضهم لأغاثوه، نعم ليس عليه التردد إن أمكنه الإحاطة به كأن كان لو صعد على جبل أحاط بجميع حد الغوث فإن كان الصعود لا يفيد ذلك تَعَيَّن التردد
(1)
، (فإن لم يجد تيمم، فلو مكث موضعه) ولم يتيقن بالطلب الأول أن لا ماء (فالأصح وجوب الطلب لما يطرأ)؛ لأنه قد يَطَّلِع على بئر خفيت عليه مثلا، ويكون الطلب الثاني أخف، أما إذا انتقل لمحل آخر أو حدث ما يوهم ماء كرؤية ركب أو سحاب فيلزمه الطلب قطعاً، (فلو علم) يقينا (ماء) أو أخبره عدل به (يصله المسافر لحاجته) كاحتطاب (وجب قصده) وهو حد القرب بقدر نصف فرسخ تقريباً (إن لم يخف) خروج الوقت وإلا تيمم بلا قضاء، نعم من يلزمه القضاء لو تيمم يجب عليه قصده وإن خرج الوقت؛ لأنه لابد له من القضاء، ولا (ضرر نفس) أو عضو أو بضع له أو لغيره (أو مال) كذلك فوق ما يجب بذله في الماء ثمنا أو أجرة، فإن خاف شيئا من ذلك تيمم؛ للمشقّة بخلاف اختصاص؛ لأنه لا خطر له في جنب يقين الماء مع قدرة تحصيله؛ إذ دانق من المال خير منه. وخوف انقطاع عن الرفقة حيث توحش به عذر هنا لا في الجمعة؛ لأنه لا بدل لها.
(1)
. خلافا للمغني فيكفي عنده حينئذ الصعود إلى جبل ونحوه.
فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ تَيَمَّمَ. وَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، أَوْ ظَنَّهُ فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ، وَيَكُونُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ
(فإن كان فوق ذلك) ويسمّى حد البعد (تيمم
(1)
وإن علم وصوله في الوقت؛ لشدة المشقة. (ولو تيقنه آخر الوقت) بأن يبقى منه وقت يسع الصلاة كلها وطهرها فيه (فانتظاره أفضل)؛ لفضلها بالوضوء (أو ظنّه فتعجيل التيمم أفضل في الأظهر)؛ لأن الفضيلة المحققة لا تفوت لمظنون، ومن ثم لو ترتب على التأخير تفويت فضيلة محققة نحو جماعة سن التقديم قطعا، ومحل الخلاف إن اقتصر على صلاة واحدة وإلا فقد حاز الفضيلتين، فإن لم يرجُ الماء وصلى بالتيمم أول الوقت فلا يعيد آخره؛ لعدم النقص في الأولى، نعم يندب له إعادتها جماعة كما يأتي، وإن ظن أو تيقن عدمه آخره فالتقديم أفضل جزما. وتيقن السترة والجماعة والقيام آخره وظنها كتيقن الماء وظنه، نعم يسن تأخير لم يفحش عرفا
(2)
لمن ظن إحداهن أثناء الوقت. والقدرة بعد الوقت لا تعتبر بخلاف من عنده ماء لو اغترفه أو غسل به خبثا خرج الوقت فإنه لا يصلي؛ لعدم عجزه حالا.
(ولو وجد ماء) أو ترابا (لا يكفيه فالأظهر وجوب استعماله)؛ لخبر ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، ولا يُكلَّف مسح الرأس بثلج لا يذوب والحال أنه لم يجد من الماء ما يطهر الوجه واليدين؛ لعدم تصور استعماله قبل التيمم (ويكون قبل التيمم)؛ لأن التيمم لا يصح مع وجود الماء، ويجب الترتيب للمحدث، ويندب للجنب فيقدم أعضاء الوضوء ثم رأسه ثم شقه الأيمن ثم الأيسر، فإن كفاه لأعضاء وضوء ثم وجد ماء في فرض ثانٍ صرفه لبقية أعضائه. ولو وجد محدث تنجس بدنه
(3)
ماء لا يكفيه إلا لأحدهما تعيّن للخبث؛ لأنه لا بدل لإزالته، نعم من عليه القضاء يتخير
(4)
في هذه والمسألة السابقة.
(1)
. ولا يلزمه طلبه ولو راكبا بخلافه فيما مرَّ فيلزمه مشي أطاقه كما ذكره الشارح في كتاب الأيمان 10/ 42.
(2)
. خلافا لهما فقالا بسنية التعجيل مطلقا.
(3)
. ويقدّم الميت على الحي في إزالة النجاسة كما أفاده الشارح في الجنائز 3/ 99.
(4)
. خلافا لهما.
وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ، أَوْ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ، أَوْ نَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ. وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ أَوْ أُعِيرَ دَلْواً وَجَبَ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وُهِبَ ثَمَنَهُ فَلَا،
(ويجب شراؤه
(1)
ومثله التراب -ولو بمحل يلزمه فيه القضاء- ونحو دلوٍ بعد دخول الوقت فإن امتنع المالك لم يجبر، بخلاف امتناعه من بذله بعوضٍ وقد احتاج طالبه إليه لعطش ولم يحتج مالكه لشربه حالا فإن قتله فهدر أو العطشان ضمنه. ولو لم يكن معه إلا ثمن الماء أو السترة قدمها؛ لدوام نفعها. ويبطل نحو بيع شيء من ذلك في الوقت بلا حاجة للموجب أو للقابل ويبطل تيممه ما قدر على استرداد شيء من ذلك في حد القرب؛ لأنه باق على ملكه، فإن عجز عن استرداده تيمم وصلى وقضى تلك الصلاة لا ما بعدها؛ لأنه فوّته قبل وقتها، نعم إن أتلفه لم يلزمه قضاء؛ لفقده حسّاً، ويعصي إن أتلفه لغير غرض لا له كتبرد (بثمن) أو أجرة (مثله) وهو ما يرغب به فيه زمانا ومكانا -ما لم ينتهِ الأمر لسد الرمق- فلا يكلف الزيادة على ذلك وإن قلّت ما لم يبع بمؤجل ممتد إلى زمن يمكنه الوصول فيه لمحل ماله عادة والزيادة لائقة بالأجل عرفا (إلا أن يحتاج إليه لدين) ولو مؤجل (مستغرق) صفة كاشفة (أو مؤنة سفره) المباح ذهابا وإيابا على التفصيل الآتي في الحج، ومن ثم اعتبرت هنا الحاجة للمسكن والخادم، ويعتبر فاضل يوم وليلة للمقيم (أو نفقة) وتشمل ما يحتاج إليه سفرا وحضرا كدواء وأجرة طبيب و خفارة
(2)
وغيرها (حيوان) ولو لغيره (محترم) وهو ما حرم قتله ككلب لا نفع فيه ولا ضرر بخلاف عقور وتارك صلاة بشرطه وكل من وجبت استتابته وزان محصن ومرتد (ولو وُهب له ماءٌ) أو أقرضه (أو أعير دلواً) أو حبلاً (وجب القبول) في الوقت (في الأصح) وكذا يجب سؤال كل ذلك إن تعين طريقاً، ولم يحتج له مالكه، وقد ضاق الوقت، وقد جوَّز بذله له؛ لغلبة المسامحة في ذلك فلم تعظم المنة فيه، ثم إن تيمم والماء موجود بحد القرب مقدور عليه لم يصح وأعاد وإلا -بأن عدم أو امتنع مالكه منه- صح ولا إعادة (ولو وهب) أو أقرض (ثمنه) أو آلة الاستقاء (فلا)؛ لعظم المنة.
(1)
. ولو لم يجد مُعِينا وتعينت لطهره الاستعانة تيمم وصلى وأعاد كما أشار إليه الشارح في باب الوضوء 1/ 237.
(2)
. هو ما يأخذه الراصد في المراصد قاله في أسنى المطالب.
وَلَوْ نَسِيَهُ فِي رَحْلِهِ أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ فَتَيَمَّمَ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالٍ فَلَا.
الثَّانِي: أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِعَطَشِ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ مَآلًا
(ولو نسيه) أي الماء أو ثمنه أو آلة الاستقاء (في رحله أو أضلّه فيه فلم يجده بعد) إمعان (الطلب فتيمم قضى في الأظهر)؛ لتقصيره كما إذا لم يعثر على بئر ظاهرة الآثار بقربه، فخرج ما لو أُدرج ذلك في رحله ولم يعلمه أو ورثه كذلك (ولو أظلّ رحله في رحال) غيره وأمعن في الطلب (فلا) قضاء؛ لأنه أوسع من مخيم الرفقة غالبا فلا تقصير منه فإن لم يمعن قضى قطعاً.
(الثاني) من أسباب التيمم الفقد الشرعي لا من حيث نحو المرض كأن وجده بأكثر من ثمن مثله أو وهو مسبَّل للشرب أو (أن يحتاج إليه لعطش محترم) بأن يخشى منه مرضاً أو نحوه؛ لأن نحو الروح لا بدل لها، ولذا يحرم التطهر بماء إن توهم محترما محتاجا إليه في القافلة وإن كبرت، ويلزمه جمع الماء المستعمل والمتغير بمستقذر إن خشي عطش دابة، وكذا غير مميز لكن في المستقذر الطاهر، ولا يجوز شرب نجس ما دام معه طاهر غير مستقذر بل يشرب الطاهر ويتيمم؛ لأن الشرب لا بدل له. ويسن الإيثار بالشرب
(1)
لا بالطهر (ولو مآلا)، نعم لو احتاج له مالكه مآلا وآخر حالا لزمه بذله؛ لتحقق حاجته، ومن علم أو ظن حاجة غيره له مآلا لزمه التزود له إن قدر، وإذا تزودوا للمآل ففضلت فضلة فإن ساروا على العادة ولم يمت منهم أحد فالقضاء وإلا فلا، ويجوز ادخار ماء واستعماله لطبخ يتعسر الاكتفاء بغيره، لا لنحو بلّ كعك يسهل أكله يابسا
(2)
.
(1)
. محله إن صبر على الإضاقة، وإلا فيحرم كما قيده الشارح في قسم الصدقات.
(2)
. خلافا لظاهر إطلاق الرملي.
الثَّالِثُ: مَرَضٌ يَخَافُ مَعَهُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ وَكَذَا بُطْءُ الْبُرْءِ أَوِ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَشِدَّةُ الْبَرْدِ كَمَرَضٍ وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي عُضْوٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ، وَكَذَا غَسْلُ الصَّحِيحِ عَلَى المَذْهَبِ، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا لِلْجُنُبِ،
(الثالث) فقد شرعي من حيث نحو المرض، بأن يكون به الآن أو يظن حدوثه (مرض يخاف معه) وقوله ((مرض)) ليس شرطا بل الشرط أن يخاف (من استعماله) مرضا أو زيادته وله وقع، أو (على منفعة عُِضو) كنقص سمع والذهاب أولى، نعم العاصي بنحو مرضه لابد له من التوبة كي يصح تيممه، (وكذا بطء البرء) أو زيادة الألم (أو الشين الفاحش) كثغرة
(1)
تبقى أو لحمة تزيد (في عضو) محترم (ظاهر) وهو ما يبدو في المهنة غالباً كالوجه واليدين (في الأظهر)؛ لقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} النساء: 43 .. الآية، فيحرم استعماله إن خشي محذوراً مما مر إلا الشين فلا يحرم إلا الظاهر في قنّ تنقص قيمته ولم يأذن مالكه. وخرج بالفاحش نحو قليل سواد، وبالظاهر الباطن ولو في أمة حسناء تنقص به قيمتها؛ لأن النقص غالبا لا يؤثر إذا كان قليلا في الظاهر أو كثيرا في الباطن. ثم إن عُرف ما تقدم ولو بالتجربة
(2)
اعتمد وإلا فبإخبار عدل رواية عارف، فإن انتفيا وتوهم شيئا مما مر تيمم
(3)
ويعيد بعد البرء، (وشدّة البرد) وقد عجز عن تسخينه أو تدفئة أعضائه (كمرض)؛ لإقراره صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص عليه.
(وإذا امتنع استعماله في) كل البدن وجب تيمم واحد، أو في محل منه كـ (عضو إن لم يكن عليه ساتر وجب التيمم، وكذا غسل الصحيح على المذهب)؛ لرواية في قصة عمرو، ويتلطف من خشي سيلان الماء لمحل العلة بخرقة مبلولة ليغسل بقطرها ما حواليه، ولا يجب مسح محل العلة بماء، ويجب بالتراب إن كان بمحل التيمم ما لم يخش منه شيء مما مر، (ولا ترتيب بينهما للجنب) ونحوه؛ لعدم وجوبه في الأصل، والأولى تقديم التيمم ليزيل الماء أثر التراب.
(1)
. أي حفرة.
(2)
. خلافا لظاهر النهاية والمغني من اشتراط كونه عارفا بالطب.
(3)
. وفاقا لشيخ الإسلام واعتمد الخطيب والجمال الرملي عدم صحة تيممه.
فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ، فَإِنْ جُرِحَ عُضْوَاهُ فَتَيَمُّمَانِ. وَإِنْ كَانَ كَجَبِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ كَمَا سَبَقَ، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ مَسْحُ كُلِّ جَبِيرَتِهِ بِمَاءٍ، وَقِيلَ بَعْضِهَا. فَإِذَا تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ ثَانٍ وَلَمْ يُحْدِثْ لَمْ يُعِدِ الجُنُبُ غُسْلًا، وَيُعِيدُ المُحْدِثُ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفَانِ، وَقِيلَ المُحْدِثُ كَجُنُبٍ،
[تنبيه] كلام المتن شامل لمن كانت علته في يده مثلا فتيمم عن الجنابة وغسل الصحيح ثم أحدث فتوضأ وأعاد التيمم عن الأكبر لإرادته فرضا ثانيا فيندرج تيمم الأصغر وإن كان قبل الوضوء، (فإن كان محدثا فالأصح اشتراط التيمم وقت غسل العليل) فلا ينتقل عن عضو عليل حتى يكمله غسلا وبدلا، وتقديم التيمم أولى من تأخيره، (فإن جُرح عضواه فتيممان) أو أربعة من أعضائه ولم تعم الرأس فثلاث تيممات، فإن عمّته فأربع، فإن عمّت أعضاء الوضوء فواحد؛ لسقوط الترتيب، أو ما عدا الرأس فواحد للوجه واليدين ثم يمسح الرأس ثم يتيمم عن الرجلين. ويسن جعل اليدين كعضوين وكذا الرجلان، (وإن كان) ساتر (كجبيرة) وهي ألواح للتجبير أو لصوق أو طلاء (لا يمكن نزعها) لخوف محذور مما مر (غسل الصحيح) ويتلطف بغسل ما أخذته الجبيرة من الصحيح، وما تعذر غسله مما تحتها وأمكنه مسه بالماء بلا إفاضة لزمه (وتيمم كما سبق)، فإن أمكن النزع وجب إن أمكن غسل الجرح أو أخذت بعض الصحيح، أو أمكن مسح العليل بالتراب إن كانت في محل التيمم وإلا فلا فائدة لذلك، (ويجب مع ذلك مسح كل جبيرته بماء)؛ لخبر المشجوج، ولأنه مسح أبيح للعجز عن الأصل، ولو نفذ إليها نحو دم الجرح وعمَّها عُفي عن مخالطة ماءِ مسحها له. وذلك المسح بدل عمّا أخذته من الصحيح، فلو لم تأخذ أو أخذت شيئاً وغسله لم يجب مسحها وقياسه عدم وجوب مسح الزائد على الصحيح لكن أوجب الكل احتياطا، ولا يجب مسح الجبيرة بالتراب إذا كان بعضو التيمم؛ لأنه ضعيف لا يؤثر من فوق حائل، نعم يسن للخلاف، (وقيل بعضها) كالخف، (فإذا تيمم لفرض ثان ولم) يبطل تيممه كأن (يحدث لم يعد الجنب غسلا، ويعيد المحدث ما بعد عليله)؛ لبطلان طهر العليل وما بعده بخلاف الجنب؛ لعدم وجوب الترتيب في حقه، (وقيل يستأنفان)؛ لأن ببطلان البدل يبطل الأصل، (وقيل المحدث كجنب)؛ لبقاء طهره بدليل صحة تنفله، وإنما وجبت إعادة تيممه المتحد أو
قُلْتُ: هَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
المتعدد
(1)
؛ لضعفه عن أداء فرض ثان به، (قلت: هذا الثالث أصح والله اعلم)، ولو برأ بطل تيممه وأعاد المحدث غسل محل علته وما بعده
(2)
وما صلاّه جاهلا به، وإن توهم البرء فأزال اللصوق ولم يظهر من الصحيح ما يجب غسله لم يبطل تيممه فإن ظهر بطل وبطلت صلاته إن كان في أثنائها، أو لم يظهر ما يجب غسله ولكن تردد في بطلان تيممه وطال التردد أو مضى معه ركن فتبطل أيضا، ثم إن علم البرء بطل تيممه.
(1)
. خلافا للنهاية والمغني ووفاقا للشهاب الرملي.
(2)
. أما الجنب فيعيد غسل محل علته فقط كما في النهاية.
فصل
يَتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ طَاهِرٍ حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ لَا بِمَعْدِنٍ وَسُحَاقَةِ خَزَفٍ وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: إنْ قَلَّ الخَلِيطُ جَازَ، وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ، وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ، وَنَوَى لَمْ يُجْزِ، وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ جَازَ،
(فصل) في أركان التيمم وكيفيته وسننه ومبطلاته وما يستباح به مع قضاء أو عدمه وما يتبع ذلك
(يتيمم بكل تراب) وهو الصعيد كما قال ابن عباس (طاهر) وطهور لا نجس كتراب منبوشة، ولا يضر أخذه من ظهر كلب لم يعلم التصاقه به مع رطوبة (حتى ما يُداوَى به) وما يؤكل سفّاً وما أخرجته الأرضة من التراب وإن اختلط بلعابها كمعجون بمائع جف وإن تغير لونه وطعمه وريحه. ويشترط أن يكون له غبار (وبرمل) خشن (فيه غبار) ولو منه بأن سُحق، أما الناعم فلا؛ لأنه للصوقه بالعضو يمنع وصول الغبار إليه، ومن ثم لو علم عدم لصوقه لم يؤثر، (لا بمعدن وسحاقة خزف) ومثله طين شوي وصار رماداً بخلاف ما لو اسودّ ولم يصر رمادا (ومختلط بدقيق ونحوه) وإن قلّ الخليط؛ لأنه لنعومته يمنع وصول التراب، (وقيل إن قلّ الخليط جاز، ولا بمستعمل) في حدث، أو خبث بأن استعمل في مغلظ (على الصحيح) كالماء، (وهو) أي المستعمل (ما بقي بعضوه، وكذا ما تناثر) بعد مسه له وإن لم يعرض عنه كالماء، نعم لا يضر في التيمم رفع اليد بما فيها من التراب ثم عودها إليه؛ للحاجة (في الأصح) كالمتقاطر من الماء، نعم ما تحقق من المتناثر أنه لم يمس العضو بل مس ما لصق به فهو غير مستعمل. (ويشترط قصده) بالنقل؛ لقوله تعالى {فَتَيَمَّمُوا} النساء: 43 .. الآية، (فلو سَفّته ريح عليه فردده ونوى لم يُجز)؛ لأنه حقيقة لم يقصد التراب بل الريح، ومن ثم لو أخذه من العضو ورده إليه، أو أخذه من الهواء ومسح به مع النيّة المقترنة بالأخذ كفى كما يكفي أن تسف الريح على يده فيمسح بها وجهه إن رفع يده لمسح وجهه، نعم لو كثف التراب في الهواء فمعّك وجهه فيه كفى أيضا كما لو معَّكه بالأرض، (ولو يُمم بإذنه) بأن نقل المأذونُ ومسح ونوى الآذن (جاز)
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ عُذْرٌ.
وَأَرْكَانُهُ: نَقْلُ التُّرَابِ فَلَوْ نَقَلَ مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ أَوْ عَكَسَ كَفَى فِي الْأَصَحِّ.
و نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، لَا رَفْعِ الحَدَثِ، وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ،
ولو بلا عذر، لا بغير إذنه. ويشترط كون المأذون مميزا
(1)
، ويبطل نقله بحدث الآذن
(2)
؛ لأنه ناب في أخذ التراب والمسح فقط لا في النية المقوِّمة للعبادة، ويؤيده قولهم لا يضر حدث المأذون أو كفره، (وقيل يشترط عذر)؛ لعدم قصده، ويرد بأن قصد مأموره كقصده.
(وأركانه) خمسة، وزيد التراب وقصده؛ لاختصاص الأول بالتيمم، ولتصور الثاني دون نقل كمن وقف بمهب ريحٍ قاصدا التراب، ورُدَّ الثاني بأنه يلزم من النقل القصد والوقوف هنا إنما يدل على أنه لم يلزم من القصد النقل:
أولها (نقل التراب) أي تحويله إلى العضو سواء بالعضو كتمعيكه بالأرض أو بغيره من مأذونه أو من نفسه كأن أخذ ما سفّته الريح من الهواء أو من الوجه ثم ردّه إليه، أو سفّت يده أو كمّه -ولو قبل الوقت- فمسح به بعده، نعم يبطل النقل بالحدث قبل مسح الوجه ما لم يجدد النية قبل وصول التراب للوجه (فلو نقل من وجه) إليه أو (إلى يدٍ) بأن حدث عليه بعد زوال ترابه بالكلية تراب آخر فأخذه ومسح به يديه (أو عكس كفى في الأصح)؛ لوجود حقيقة النقل، ولا يشترط قصد عين المنقول
(3)
، فلو أخذه ليمسح به وجهه فتذكر أنه مسحه جاز مسح يديه به.
(و) ثانيها (نية استباحة) ما يفتقر للطهر كـ (الصلاة، لا رفع الحدث) أو الطهارة عنه؛ لأنه لا يرفعه، نعم لو نوى بالحدث المنع من الصلاة وبرفعه رفعا خاصا بالنسبة لفرض ونوافل جاز، (ولو نوى) التيمم لم يكف جزما، أو (فرض التيمم) أو فرض الطهارة (لم يكف في الأصح)؛ لأنه طهارة ضرورة غير مقصود في نفسه، ولذا لم يسن تجديده، ومن ثم لما لم يكن في تيمم نحو غسل الجمعة استباحة جاز له نية تيمم الجمعة وسنة تيممها؛ لانحصار الأمر فيها، ويؤخذ مما تقدم أنه لو نوى بالفرض أنه بدل عن الغسل أو الوضوء صح؛ لأنه نوى الواقع.
(1)
. خلافا لظاهر إطلاقهم.
(2)
. خلافا للرملي.
(3)
. خلافا للمغني.
وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ، وَكَذَا اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنَ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا أُبِيحَا أَوْ فَرْضًا فَلَهُ النَّفَلُ عَلَى المَذْهَبِ، أَوْ نَفْلًا أَوِ الصَّلَاةَ تَنَفَّلَ لَا الْفَرْضَ عَلَى المَذْهَبِ. وَمَسْحُ وَجْهِهِ. ثُمَّ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ. وَلَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَنْبِتَ الشَّعْرِ الخَفِيفِ، وَلَا تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ فِي الْأَصَحِّ فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ جَازَ
(ويجب قرنها بـ) أول (النقل، وكذا استدامتها إلى مسح شيء من الوجه على الصحيح) فلو عزبت بينهما بطل
(1)
، نعم لو نوى بعدما عزبت ورفع يديه إلى وجهه ومسحه أو مرّغه عليهما كفى، (فإن نوى فرضا ونفلا أبيحا) ولو نوى فرضين أو أكثر استباح واحدا منهما أو من غيرهما. ولا يشترط تعيينه، فإن عيّن كأن تيمم في وقت الضحى لمنذورة أو فائتة فله أن يصلي غيره كالظهر بعد دخول وقته؛ لصحّة القصد الأول فجاز غيره؛ لأنه من جنسه، نعم لو عيَّن فأخطأ لم يصح؛ لأن نيته ستصادف بالخطأ استباحة ما لا يستباح، (أو فرضا) ومنه طواف الإفاضة (فله النفل) ومنه صلاة الجنازة (على المذهب)؛ لأنه تابع أولوي بالاستباحة، (أو) نوى (نفلا أو الصلاة) وأطلق (تنفل لا الفرض على المذهب)؛ لأن الأصل لا يتبع الفرع وأخذاً بالأحوط في الثانية، والحاصل أن نية الفرض تبيح الجميع، ونية النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة أو خطبة الجمعة
(2)
تبيح ما عدا الفرض العيني، ونية شيء مما عدا الصلاة كسجدة تلاوة لا تبيحها وتبيح ما عدها.
(و) وثالثها ورابعها وخامسها (مسح) أي إيصال التراب إلى (وجهه) -ولو بخرقه- ومنه ظاهر اللحية المسترسل والمقبل من أنفه على شفته (ثم يديه مع مرفقيه)؛ للآية، ويكفي غلبة ظن التعميم، واختار المصنف المسح إلى الكوعين؛ لظاهر حديث الصحيحين مع وقف الحديث الناص على المرفقين (ولا يجب) بل ولا يسن (إيصاله منبت الشعر الخفيف)؛ للمشقة، (ولا ترتيب) واجب (في نقله في الأصح، فلو ضرب بيديه ومسح بيمينه وجهه وبيساره يمينه جاز)؛ لأن النقل وسيلة فقط للمسح.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. خلافا للجمال الرملي كوالده أن نية خطبة الجمعة لها حكم الفرض العيني.
وَيُنْدَبُ التَّسْمِيَةُ وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ وَأَعْلَى وَجْهِهِ. وَتَخْفِيفُ الْغُبَارِ. وَمُوَالَاةُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ. قُلْتُ: وَكَذَا الْغُسْلُ، وَيُنْدَبُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلًا، ..
[تنبيه] يشترط لصحة التيمم طهارة البدن عن نجس غير معفو عنه إذا كان معه من الماء ما يكفيه
(1)
لإزالة الخبث وإن لزمته الإعادة
، وشرطه أيضا تقدم الاجتهاد في القبلة
(2)
لا ستر العورة؛ لأنه أخف.
(ويندب) ما يتصور جريانه مما مر في الوضوء كـ (التسمية) حتى لجنب، والذكر آخره، والسواك بين التسمية والضرب، والغرة، والتحجيل، وأن لا يرفع يده عن العضو حتى يتم مسحه (ومسح وجهه ويديه بضربتين)؛ لورودهما (قلت: الأصح المنصوص وجوب ضربتين وإن أمكن بضربة بخرقة) كبيرة (ونحوها والله أعلم)، والتعبير بالضرب للغالب؛ إذ يكفي وضع اليد على تراب ناعم بدونه كما يكفي مسح ببعض ضربةٍ الوجهَ وببعضها مع أخرى اليدين، وتجب الزيادة على ضربتين إن لم يحصل الاستيعاب بهما، (ويقدم يمينه وأعلى وجهه) وتسن الكيفية المشهورة
(3)
مسح اليدين، وإنما سُنَّ فيها مسح إحدى الراحتين بالأخرى ولم يجب؛ لتأدي فرضهما بضربهما بعد مسح الوجه، وجاز مسح الذراعين بترابهما؛ لعدم انفصاله، ويعذر في رفع اليد وردها (وتخفيف الغبار) إن كثف بالنفض أو النفخ؛ للاتباع، ولا يسن تكرار المسح، ويسن أن لا يمسح التراب عنه حتى يفرغ من الصلاة، (ومولاة التيمم كالوضوء) بتقدير التراب ماء، (قلت: وكذا الغسل، ويندب تفريق أصابعه)، نعم يجب في الضربة الثانية إذا لم يخلل أصابعه (أوّلاً) أي أول كل ضربة؛ لأنه أبلغ في إثارة الغبار، ووصول الغبار بين الأصابع لا يمنع إجزاءه في الثانية؛ لأن ترتيب النقل ليس شرطا ثُمَّ الحاصل منه
(1)
. فإن لم يكن معه ذلك صح تيممه مع النجاسة خلافا لهما.
(2)
. خلافا لهم.
(3)
. وهي أن يضع بطون أصابع اليسرى سوى الإبهام على ظهور أصابع اليمنى سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى ولا مسبحة اليمنى عن أنامل اليسرى ويمرها على ظاهر كفه اليمنى فإذا بلغ الكوع ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليه رافعا إبهامه فإذا بلغ الكوع أمرَّ إبهام اليسرى على إبهام اليمنى ثم يفعل باليسرى كذلك ثم يمسح إحدى الراحتين بالأولى.
وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ بَطَلَ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ كَعَطَشٍ، أَوْ فِي صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ بِهِ بَطَلَتْ عَلَى المَشْهُورِ، وَإِنْ أَسْقَطَهَا فَلَا،
غبار يسير، ولذا لو غشيه غبار لم يكلف نفضه للتيمم إلا إن منع وصول ترابه للعضو. (ويجب نزع خاتمه) عند المسح وإن اتسع (في الثانية والله أعلم)؛ لكثافة التراب ولأن انتقاله للخاتم بالتحريك ثم عوده للعضو يصيره مستعملا، نعم إن فُرض تيقن عموم التراب لجميع ما تحت الخاتم من غير تحريكه أجزأ، ويسن التحريك في الأولى؛ ليمسح وجهه بجميع يديه. (ومن تيمم) لمرض لم يبطل تيممه إلا البرء، أو (لفقد ماء فوجده) أو ثمنه مع إمكان شرائه (إن لم يكن في صلاة) أي قبل راء أكبر (بطل) وإن ضاق الوقت عن الوضوء، وكذا لو توهمه وإن زال توهمه سريعا كأن رأى ركبا أو تخيل سرابا أو سمع من يقول عندي ماء لفلان أو نجس أو مستعمل؛ لأنه لم يأت بالمانع إلا بعد توهمه الماء، بخلاف أودعني فلانٌ ماءً وهو يعلم غيبته أو عدم رضاه بأخذه، أما لو لم يعلمه فيبطل؛ للزوم البحث عن حاله (إن لم يقترن بمانع كعطش) وسَبُعٍ وتعذّرِ استقاءٍ؛ لأنه حينئذ كالعدم، ومثله كل ما منع وجوب الطلب، ومنه أن يخشى مَنْ لا تلزمه الإعادة خروج الوقت لو طلبه بخلاف مَنْ تلزمه، وإنما لم يبطل بتوهم سترة أو برء؛ لعدم وجوب طلبها لغلبة الضِّنة بها وعدم حصوله بالطلب. ولو مرّ متيممٌ نائمٌ ممكناً بماءٍ ثم استيقظ وعلمه بعدَ بُعْدِهِ عنه لم يبطل تيممه، (أو) وجده بلا مانع أيضا، ولا عبرة بتوهمه هنا (في صلاة) بعد راء أكبر (لا تسقط به بطلت على المشهور)؛ لبطلان تيممها (وإن أسقطها)؛ لكونه بمحل الغالب فيه فقد الماء أو استوى الأمران (فلا) تبطل؛ لأن تيممه لا يبطل إلا بالانتهاء منها والتسليمة الثانية منها تبعا، وبعدها يبطل التيمم وإن تلف الماء، ولو سجد للسهو بعد السلام بطلت؛ للفصل بالسلام صورة، ولو نوى قاصر إتماما أو إقامة بعد رؤية الماء بطلت أيضا؛ لأنها زيادة لم يستبحها أو قبل رؤيته فلا، والشفاء في الصلاة كرؤية الماء. وصلاة الميت كغيرها من الخمس فيما سبق وتيمم الميت كتيمم الحي
(1)
، وليس للمتيمم الحاضر أن يصلي على الميت إلا إن لم يكن ثَمَّ غيره ممن يحصل به الفرض فيصلي عليه؛
(1)
. وينبش ما لم يتغير خلافا للرملي فقال وإن تغيَّر.
وَقِيلَ يَبْطُلُ النَّفَلُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَطْعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ، وَأَنَّ المُتَنَفِّلَ لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ إلَّا مَنْ نَوَى عَدَدًا فَيُتِمُّهُ. وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ، وَيَتَنَفَّلُ مَا شَاءَ، وَالنَّذْرُ كَفَرْضٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ جَنَائِزَ مَعَ فَرْضٍ، وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ إحْدَى الخَمْسِ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ لَهُنَّ
للضرورة
(1)
، ولا فرق في عدم بطلان الصلاة التي تسقط بالتيمم بين الفرض والنفل، (وقيل يبطل النفل)؛ لأنه لا حرمة له كالفرض، (والأصح أن قطعها) ولو نافلة (ليتوضأ أفضل) وإن كان في جماعة تفوت أو نوى إعادتها بالماء. ولا يجوز قلبها نفلا، نعم إن ضاق وقتها بحيث لو توضأ لأوقع جزءاً خارج الوقت حرم قطعها؛ لإمكان فعلها فيه، (وأن المتنفل) الذي لم ينو عددا (لا يجاوز ركعتين)؛ لأنه الأحب في النوافل، فإن رآه بعدهما اقتصر على الركعة التي رآه فيها (إلا مَنْ نوى عددا) قبل رؤية الماء ولو بعد الإحرام، ومنه الركعة (فيتمّه)؛ لنيته، ولا يزيد عليه. ولو رآه أثناء قراءةٍ تيمم لها بطل تيممه وإن نوى قدرا معلوما؛ لعدم ارتباط أجزائها ومثله في ذلك الطواف. ولو رأته من تيممت لوطءٍ وجب النزع أو رآه فلا، (ولا يصلي بتيمم) ولو من صبي أو جنب ليس عليه حدث أصغر. ولو تيمم لفرض ثم بلغ ولم يصلِّه لم يستبحه بذلك التيمم؛ لأن صلاته في الحقيقة نفل (غير فرض) واحد عيني كما صح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ولم يُعرف له مخالف من الصحابة، وخرج بـ ((يصلي)) تمكين الحليل مرارا بتيمم وجمعها بين ذلك وصلاة فرض بأن نوته في تيممها كما مر فإنه جائز للمشقة، نعم لا يجمع بين طوافين ولا بين طواف وصلاة؛ لأنه بمنزلتها، وكذا جمعة وخطبة؛ لأن للخطبة شبها بالعيني لكن لا يستبيح الجمعة بنيتها
(2)
؛ لأنها فرض كفاية. ولو صلى بتيمم فرضا يجب إعادته كأن رُبط بخشبة ثم فُكّ جازت له الإعادة به؛ لأن الثانية هي الفرض الحقيقي (ويتنفل ما شاء)؛ تخفيفا، (والنذر كفرض في الأظهر)؛ لأنه الأصل فيه والقراءة المنذورة كالصلاة إن عيّنها (والأصح صحة) فروض كفاية نحو (جنائز مع فرض)؛ لشبهها بالنفل في جواز الترك، (وأن من نسي إحدى الخمس) ومثله ما لو تيقن أنه ترك إما طوافاً أو إحدى الخمس (كفاه تيمم لهن)؛ لأن الفرض في الحقيقة واحد، فإن تذكرها بعد فعل الخمس
(1)
. خالفه في النهاية وقال بجوازها وإن وجد من يحصل به الفرض.
(2)
. خلافا للشهاب وابنه في النهاية.
وَإِنْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ أَرْبَعًا وِلَاءً، وَبِالثَّانِي أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا، أَوْ مُتَّفِقَتَيْنِ صَلَّى الخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ. وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَكَذَا النَّفَلُ المُؤَقَّتُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا لَزِمَهُ فِي الجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ،
لم تلزمه إعادتها، (وإن نسي مختلفتين صلى كل صلاة بتيمم وإن شاء تيمم مرتين وصلى) بكل تيمم عدد غير المنسي مع زيادة واحد وترك ما بدأ به قبله فيصلي في هذه الصورة (بالأول أربعا ولاءً) إن كان الفوات بغير عذر وإلا سُن (وبالثاني أربعا ليس منها التي بدأ بها) كالعصر والمغرب والعشاء والصبح فيبرأ؛ لأنه صلى الصبح والظهر بتيمم وصلى البقية بتيممين فإن كانت المنسيتان في البقية تأدت كلّ بتيمم وإن كانتا تينك تأدت الظهر بالتيمم الأول والصبح بالثاني، وإن كانتا إحدى أولئك مع إحدى هاتين فكذلك، وهذه الطريقة هي المستحسنة (أو متفقتين) أو شك في اتفاقهما (صلى الخمس مرتين بتيممين) ; لأن الفرض في كل مرة واحد فيقع بذلك التيمم وما عداه وسيلة (ولا يتيمم) حتى نقل التراب إلا إن جدد النية بعد دخول الوقت وقبل المسح (لفرض قبل) ظن دخول (وقته)؛ لأنه لا ضرورة قبل الوقت، أما في الوقت فيصح ولو قبل بعض شروطه كمتيمم لجمعة قبل الخطبة، وإنما لم يصح التيمم قبل زوال النجاسة الغير معفو عنها في البدن -أي عند وجود الماء-؛ للتضمخ به مع كون التيمم طهارة ضعيفة لا لكون زوالها شرط في الصلاة التي تفعل بالتيمم وإلا لما صح قبل زوالها عن الثوب والبدن والمكان، وأُلحق به الاجتهاد في القبلة؛ لوجوب الإعادة عند عدمه. ويتيمم للثانية بعد فعل الأولى في جمع التقديم، نعم إن دخل وقتها قبل فعلها بطل تيممه؛ لزوال التبعية بانحلال رابطة الجمع، ولذا يبطل التيمم ببطلان الجَمْع بطول الفصل، وأما جمع التأخير فيصح التيمم للظهر مثلا في وقته لا للعصر؛ لأنه ليس وقتا لها، ووقت الفائتة تذكرها، والمنذورة في وقت معين به، والجنازة بغسل الميت، ويكره قبل التكفين، (وكذا النفل المؤقت في الأصح)؛ لما مر في الفرض، فوقت الاستسقاء والكسوف لمن أرادهما وحده بانقطاع الغيث والتغيّر ومع الناس باجتماع أكثرهم، والتحيّة بدخول المسجد، أما النافلة المطلقة فيتيمم لها أي وقت شاء ما عدا وقت الكراهة إن تيمم قبله أو فيه ليصلي فيه وإلا صحّ. (ومن لم يجد ماء ولا ترابا)؛ لكونه في مكان فيه رمل فقط أو تراب ندي ولا أجرة معه لتجفيفه، ومثله من عليه خبث خشي من إزالته مبيح تيمم، أو حبس عليه (لزمه في الجديد أن يصلي) -؛ لحرمة الوقت- (الفرض) ولو جمعة لكنه لا يحسب من الأربعين؛ لنقصه، وهي صحيحة يبطلها
وَيُعِيدَ. وَيَقْضِي المُقِيمُ المُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ المَاءِ لَا المُسَافِرُ إلَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ لِمَرَضٍ يَمْنَعُ المَاءَ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عُضْوٍ وَلَا سَاتِرَ فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ
الحدث ورؤية الماء أو التراب، وتجوز أول الوقت
(1)
، ولا يصلي على جنازة؛ لأنها لا تفوت بالدفن، نعم إن تعيّنت عليه صلاها قبل الدفن ثم أعاد إذا وجد الطهر الكامل ومثله من لا يسقط بتيممه الفرض، أما النوافل فلا تجوز له، ولا قضاء فائتة مطلقا، و لا نحو مس مصحف أو قراءة لغير الفاتحة في الصلاة ومكث بالمسجد لنحو جنب وتمكين زوج بعد انقطاع حيض؛ لعدم الضرورة (ويعيد)؛ لأن عذره نادر مع عدم البدل، فيعيد بالماء مطلقا وبالتراب بمحلّ يسقط القضاء وإلا فلا فائدة في الإعادة، والمراد بالإعادة ما يشمل الإعادة في الوقت والقضاء
(2)
خارجه. (ويقضي المقيم المتيمم لفقد الماء)؛ لندرة فقده وعدم دوامه، وتباح له إن أجنب القراءةُ، ويصلي الجمعة ويقضيها ظهرا، ويسن له قضاء ما يُقضى من النوافل (لا المسافر) وإن قصر سفره، والتعبير بهما للغالب والضابط أنه فمتى تيمم بمحل الغالب -وقت التيمم فيه وفيما حواليه إلى حد القرب من سائر الجوانب- وجود الماء أعاد وإلا فلا ولا يُعتبر محل الصلاة
(3)
(إلا العاصي بسفره) وإن تيمم لنحو مرض (في الأصح)؛ لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، والتيمم الواجب عليه رخصة من حيث قيام سبب الحكم الأصلي وإن كان عزيمة من حيث وجوبه وتحتمه، بل الوجوب يجامع الرخصة المحضة ولا ينافي تغيرها إلى سهولة، وتقدم أن العاصي يصح تيممه في الفقد الحسي لا الشرعي، ولو عصى بالإقامة بمحل لا يغلب فيه وجود الماء وتيمم فلا قضاء عليه
(4)
؛ لأنه ليس محلا للرخصة أصالة. (ومن تيمم لبردٍ قضى في الأظهر)؛ لندرة فقد ما يسخن به الماء (أو لمرض يمنع الماء مطلقا) أي في كل أعضاء الطهارة (أو في عضو ولا ساتر فلا) قضاء؛ لعموم العذر (إلا أن يكون بجرحه) أو غيره (دم كثير) لا يعفى.
(1)
. وافقه النهاية وخالفه المغني فمال إلى عدم الجواز مطلقا.
(2)
. اقتصرا على الأخير.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
وَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ لَمْ يَقْضِ فِي الْأَظْهَرِ إنْ وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ نَزْعُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَضَى عَلَى المَشْهُورِ.
عنه؛ لكونه بفعله قصدا أو جاوز محله أو عاد إليه، أما اليسير فلا يضر إلا إن كان بمحل التيمم ومنع وصول التراب لمحله لنقص البدل والمبدل (وإن كان ساتر) أخذ من الصحيح شيئا كجبيرة ولم يكن به دم لا يعفى عنه (لم يقض) وإن كان بعضو التيمم
(1)
(في الأظهر إن وضع على طهر)؛ لشبهه بالخف، وإن وضعه على حدث قضى، ومحل ما تقدم إن تعذر النزاع وإلا فيجب النزاع كما قال:(فإن وضع على حدث) أو طهر (وجب نزعه) إن أمكن (فإن تعذر قضى) إن وضعه على حدث (على المشهور)؛ لفوات شرط الوضع ولم يقضى إن وضعه على طهر كما مر، أما إن لم تأخذ من الصحيح شيئا فلا نزع ولا قضاء.
[تنبيه] المراد بالطهر هنا الطهر الكامل كالخف، فلابد من كمال طهارة الوضوء إن وضعها على شيء من أعضائه، ولو وضع الجبيرة على طهارة التيمم لفقد الماء لم يكفه كما لا يلبس الخف في هذه الحالة، ولو وضعها على غير أعضاء الوضوء ولا جنابة ثم أجنب تيمم ومسح على الجبيرة وصلى ولا قضاء؛ لأن طهارة الغسل لا تنتقض إلا بالجنابة حين الوضع
(2)
.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. وعند الشارح كالمغني أنه لو وضعها على غير أعضاء الوضوء لم يشترط طهره من الحدثين خلافا للنهاية.
باب الحيض
أَقَلُّ سِنِّهِ تِسْعُ سِنِينَ.
وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِلَيَالِيهَا، وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ الحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ.
وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ
وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِالجَنَابَةِ، وَعُبُورُ المَسْجِدِ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ،
(باب الحيض)
هو لغة: السيلان، وشرعا: دَمُ جِبِلَّة يخرج في وقت مخصوص، والنفاس الدم الخارج بعد فراغ الرحم والاستحاضة ما عداهما (أقلّ سِنِّهِ) المحكوم فيه أنه حيض (تسع سنين) قمرية إلا إن رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يوما بلياليها، ولا حَدّ لآخره. وإمكان إنزالها كإمكان حيضها، ومثلها الصبي
(1)
. (وأقلّه يوم وليلة) وهو أربع وعشرون ساعة وإن لم تتلفق إلا من أربعة عشر يوما مثلا (وأكثره خمسة عشر بلياليها) وإن لم تتصل، وغالبه ستة أو سبعة؛ للاستقراء. (وأقل طهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما) بلياليها؛ لأنه أقل ما ثبت وجوده، أما بين الحيض والنفاس فيكون أقل من ذلك تقدم الحيض أو تأخر، بل لو رأت الحامل يوما وليلة دما قبيل الطلق كان حيضا ولو رأت النفاس ستين ثم انقطع -ولو لحظة- ثم رأت الدم كان حيضا بخلاف انقطاعه في الستين فإن العائد لا يكون حيضا إلا أن عاد بعد خمسة عشر يوما، (ولا حدّ لأكثره)؛ إجماعاً فإنها قد لا تحيض أصلا، وغالبه بقية الشهر بعد غالب الحيض، ولو اطردت عادة نساء بمخالفة شيء مما مر لم تتبع؛ لأن بحث الأولين أتم.
(ويحرم به ما حرم بالجنابة)؛ لأنه أغلظ (و) الطهارة بنية التعبد لغير نحو النسك
(2)
والعيد، و (عبور المسجد إن خافت) ولو بمجرد الاحتمال (تلويثه)؛ صيانة له عن الخبث، فإن أمنته كره؛ لغلظ حدثها، ويجري تحريم ذلك في كل ذي خبث يُخشى تلويثه به كذي جرح أو نعل به خبث رطب فإن أمن لم يكره، أما المكان المستحق للغير فيحرم ذلك فقط عند التحقق
(1)
. خلافا للنهاية فقال إن التسع في مني الرجل والمرأة تحديد لا تقريب.
(2)
. وتنوي الغسل المسنون كما أفاده الشارح في الحج 4/ 56.
وَالصَّوْمُ، وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْوَطْءِ، فَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الْغُسْلِ غَيْرُ الصَّوْمِ، وَالطَّلَاقِ.
وَالِاسْتِحَاضَةُ حَدَثٌ دَائِمٌ كَسَلَسٍ، فَلَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ،
أو غلبة الظن. ويحرم البول في المسجد في إناء وإدخال نجس فيه بلا ضرورة وإن أمن التلويث، نعم يجوز إخراج دم نحو فصد ودُمَّل واستحاضة في إناء أو قمامة أو تراب -من غيره- فيه وإن سهل إخراج ذلك خارجه، وبحث حل دخول مستبرئ يده على ذكره لمنع ما يخرج منه سواء السلس وغيره، (والصوم
(1)
؛ إجماعاً، والأصح أنه لم يجب أصلا، ولذا فلو قضت لا تحتاج؛ لنية القضاء، (ويجب)؛ إجماعاً (قضاؤه
(2)
بخلاف الصلاة)؛ للمشقة فيها، بل يحرم
(3)
قضاؤها ولا تنعقد
(4)
، (وما بين سرتها وركبتها) إجماعا في الوطء ولو بحائل ومن استحله زمن الدم كفر؛ لمفهوم خبر ((لك ما فوق الإزار))، (وقيل لا يحرم غير الوطء)؛ لخبر مسلم ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) ورُجحّ الأول؛ للاحتياط، ثم التحريم هنا للمباشرة، وعليه فيجوز النظر بشهوة ويحرم اللمس ولو بغيرها، وقيل للاستمتاع فينعكس الحكم، (فإذا انقطع) دم الحيض لزمن إمكانه، ومثله النفاس (لم يحل قبل الغسل) أو التيمم (غير) الطهر بنية التعبد والصلاة لفاقد الطهورين و (الصّوم)؛ لأنه حرِّم لخصوص الحيض (والطلاق)؛ لانتفاء تطويل العدة، أما التمتع ولمس المصحف وحمله فلا يزول إلا بنحو الغسل، أما الأول فلقوله تعالى {حَتَّى يَطْهُرْنَ} البقرة: 222، ولبقاء المقتضي في الأخيرين.
[تنبيه] يرتفع قبل الطهر أيضا سقوط قضاء الصلاة
، وحكى الغزالي أن الجماع قبل الغسل من الحيض يورث جذام الولد.
(والاستحاضة حدث دائم كسلَس، فلا تمنع) نحو (الصوم والصلاة) والوطء والتضمخ بالنجاسة جائز للحاجة.
(1)
. أي الإمساك بنية الصوم فلا يجب عليها تعاطي مفطر كما يأتي في الصيام 3/ 414.
(2)
. وأفاد الشارح في كتاب الصلاة أن ثواب القضاء دون ثواب الأداء.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
فَتَغْسِلُ المُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ، وَتَتَوَضَّأُ وَقْتَ الصَّلَاةِ، وَتُبَادِرُ بِهَا فَلَوْ أَخَّرَتْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَسَتْرٍ وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا فَيَضُرُّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ، وَكَذَا تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوِ انْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَلَمْ تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ
(فتغسل المستحاضة فرجها) وجوبا إن لم ترد الاستنجاء بالحجر أو خرج الدم لمحل لا يجزئ فيه الحجر قبل الوضوء أو التيمم (و) عقب الاستنجاء تحشوه وجوبا بنحو قطن؛ دفعا للنجس، فإن انقطع به لم يلزمها عصبه وإلا لزمها أن (تَعْصِبه) فإن تأذت به أو بالحشو وآلملها اجتماع الدم لم يلزمها، والصائمة -ولو نفلا- تترك الحشو نهارا وتقتصر على العصب محافظة على الصوم لا الصلاة؛ لأنها لو روعيت ربما تعذر قضاء الصوم. ولا يضر خروج دم بعد العصب إلا أن قصَّرت. ويعفى قبل الطهارة وبعدها عن قليل بول السلس الخارج بعد إحكام الحشو والتعصيب لا كثيره (وتتوضأ) وجوبا، ولها فعل السنن، وجميع ما ذكر من الاستنجاء والحشو والتعصيب والوضوء يجب تعاقبها فورا، ولا تتوضأ إلا (وقت الصلاة)؛ لأنها طهارة ضرورة كالتيمم، ومن ثم كانت كالتيمم في نية الاستباحة، ولم تجمع بين فرضين عينيين، وفي مراتب نية الفرض والنفل، (وتبادر بها) عقبه، ويغتفر الفصل بما بين صلاتي الجمع (فلو أخرت لمصلحة الصلاة كستر وانتظار جماعة) مشروعه لها، وإجابة مؤذّن وإقامة وأذانٍ لسلس، وذهاب إلى المسجد الأعظم إن شرع لها (لم يضر)؛ لندب التأخير لذلك. ولو اعتادت الانقطاع في جزء من الوقت قَدْر ما يسع الوضوء والصلاة ووثقت بذلك لزمها تحريه وتبادر فيه بالفرض فقط، وإن لم تثق بل رجت ذلك فقط لم يلزمها التأخير
(1)
(وإلا فيضر على الصحيح)؛ لتكرر الحدث المستغنية عنه (ويجب الوضوء لكل فرض) وتتنفل ما شاءت، وصح قوله صلى الله عليه وسلم لمستحاضة ((توضئي لكل صلاة))، (وكذا تجديد) غسل الفرج وحشوه و (العصابة في الأصح)، ولو ظهر الدم على العصابة أو زالت عن محلها زوالا له وقع وجب التجديد قطعاً (ولو انقطع الدم بعد) نحو (الوضوء) ولو في الصلاة، أو فيه (ولم تعتد انقطاعه وعوده) وجب الوضوء؛ لأن الأصل عدم العود.
(1)
. ويلزم دائم الحدث القصر لو خلى زمن وضوئه وصلاته عن الحدث، ويكره له الإتمام إن خلى زمن صلاته فقط عنه كما أفاده الشارح آخر فصل شروط القصر 2/ 392.
أَوِ اعْتَادَتْ وَوَسِعَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ وُضُوءًا وَالصَّلَاةَ وَجَبَ الْوُضُوءُ.
(أو) انقطع فيه أو بعده وقد (اعتادت) نعم العادة النادرة كالعدم
(1)
(ووسع) في الصورتين
(2)
(زمن الانقطاع وضوءاً والصلاة) بأقل مجزٍ باعتبار حالها والصلاة التي تريدها (وجب الوضوء) وإعادة ما فعلته به؛ لإمكان أدائها بلا مقارنة حدث وتبين بطلان الطهر اعتبارا بما في نفس الأمر، فإن عاد قبل إمكان ما ذكر فوضوؤها الأول باقٍ على حاله فتصلي به، نعم إن امتد الزمن على خلاف العادة بحيث يسع ما ذكر بان بطلان وضوئها وما صلته به، وفي حكم العادة خبر العارف الثقة بعوده قريبا أو بعيدا.
(1)
. خلافا هما.
(2)
. أي الانقطاع بعده وفيه خلافا لهما فقالا إن قول المصنف ووسع راجع لكل من المعطوفين.
فصل
رَأَتْ لِسِنِّ الحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ فَكُلُّهُ حَيْضٌ. وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ عَبَرَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا، فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ، وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ، وَلَا عَبَرَ أَكْثَرَهُ،
(فصل) في أحكام المستحاضة
أي دمها، وهو ما عدا الحيض والنفاس، إذا (رأت لسن الحيض أقله) والمراد ما عدا أكثره (ولم يعبر أكثره) ولم يكن عليها بقية طهر (فكله حيض) على أيِّ صفة كان، واحتمال تغير العادة ممكن فلو رأت خمسة أسود ثم أحمر حكمنا على الأحمر أيضا بأنه حيض ثم إن انقطع قبل خمسة عشر استمر الحكم وإلا فالحيض الأسود فقط، أما إذا بقي عليها بقية طهر كأن رأت ثلاثة دماً ثم اثني عشر نقاء ثم ثلاثة دماً ثم انقطع فالثلاثة الأخيرة دم فساد، وخرج بـ ((انقطع)) ما لو استمر فإن كانت مبتدأة فيوم وليلة، أو معتادة فتعمل بعادتها كما قالوه فيما لو رأت خمستها المعهودة أول الشهر ثم أربعة عشر نقاء ثم عاد الدم واستمر فيوم وليلة من أول العائد طهر ثم تحيض خمسة أيام منه ويستمر دورها عشرين، وتلزم أحكام الحيض إن رأته لزمن الإمكان فلو انقطع قبل يوم وليلة بان أن لا شيء فتقضي صلاة ذلك الزمن وإلا بان أنه حيض، وتلزم أحكام الطهر إن انقطع بخروج القطنة بيضاء نقية، ثم إن عاد قبل خمسة عشر كَفَّت وإن انقطع فعلت وهكذا حتى تجاوز خمسة عشر وحينئذ تنقسم للسبعة الأقسام الآتية، فإن لم تجاوزها بان أن كلا من الدم والنقاء المحتوش حيض، والشهر الثاني كالأول فيما تفعله فيه (والصفرة والكدرة حيض في الأصح)؛ لشمول الأذى لهما في الآية، وهما ماآن لكن نفي الدموية عنهما من أصلها غير صحيح، ويجري الخلاف في المبتدأة والمعتادة في أيام العادة وغيرها
(1)
(فإن عبره) فسبعة أقسام:
1 ـ (فإن كانت مبتدأة مميزة بأن) تفسير للميزة لا للمبتدأة المميزة (ترى قويا وضعيفا فالضعيف استحاضة والقوي حيض إن لم ينقص القوي عن أقله ولا عبر أكثره).
(1)
. خلافا للمغني في تخصيصه بغير أيام العادة أي فإن رأته فيها فجزما.
وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ
(ولا نقص الضعيف عن أقل الطهر) وهو خمسة عشر يوما ولاءً، فإن اختل شرط كأن رأت يوما أسود ويوما أحمر وهكذا إلى آخر الشهر كانت غير مميزة لعدم اتصال الضعيف، بخلاف يوما وليلة أسود ثم أحمر واستمر فالضعيف كله طهر؛ لأن أكثر الطهر لا حدَّ له، نعم يُحتاج للقيد الثالث إن استمر الدم بخلاف ما لو رأت عشرة سوادا ثم عشرة حمرة مثلاً وانقطع فإنها تعمل بتمييزها مع نقص الضعيف عن خمسة عشر، وكذا لو رأت خمسة أسود ثم خمسة أصفر ثم ستة أحمر، أو سبعة أسود ثم سبعة أحمر ثم ثلاثة أسود ثم انقطع فحيضها الأسود الأول على المعتمد
(1)
، ولو رأت يوما وليلة أسود فأحمر فإن انقطع قبل خمسة عشر يوما فالكل حيض وإن جاوز عملت بتمييزها
(2)
فحيضها الأسود وتقضي أيام الأحمر، وفي الشهر الثاني بمجرد انقلاب الأحمر تلتزم أحكام الطهر. وتعرف القوة والضعف باللون فأقواه الأسود ومنه ما فيه خطوطُ سوادٍ فالأحمر فالأشقر فالأصفر فالأكدر، وبالثخانة والريح الكريه، وما له ثلاث صفات كأسود ثخين منتن أقوى مما لم صفتان كأسود ثخين أو منتن، وماله صفتان أقوى مما له صفة، فإن تعادلا كأسود ثخين وأسود منتن وكأحمر ثخين أو منتن وأسود مجرد فالحيض السابق، ثم إن القوي حيض ولو تأخر كخمسة حمرة ثم خمسة أو أحد عشر سوادا ثم أطبقت الحمرة، ولو رأت مبتدأة خمسة عشرة حمرة ثم مثلها أسود تركت الصلاة والصوم جميع الشهر؛ لأننا تبينا أن الأول الاستحاضة؛ لأنه انقلب إلى الأسود، ثم إن استمر الأسود فهي غير مميزة حيضها يوم وليلة أول الشهر وقضت الصلاة، وهي المبتدأة الوحيدة التي تترك الصلاة والصوم إحدى وثلاثين يوما ولا تتركه مستحاضة أكثر من ذلك، فلو رأت أكدر خمسة عشر ثم أصفر ثم أشقر ثم أحمر ثم أسود كذلك ثم اسود ثخينا أو منتنا ثم ثخينا منتنا كذلك فلا تتركه ثلاثة أشهر ونصفا
(3)
؛ لأنه لما تم الدور وجب الحكم عليه
(4)
ولم ينظر للقوة، أما المعتادة فيتصور تركها للصلاة والصوم خمسة وأربعين يوما بأن تكون عادتها خمسة عشر أول كل شهر فترى أول شهر خمسة عشر حمرة ثم ينطبق السواد فتترك الخمسة عشر الأولى للعادة ثم الثانية
(1)
. وفاقا لهما في الأولى وخلافا لهما في الثانية.
(2)
. إن اجتمعت شروط التمييز.
(3)
. خلافا هما.
(4)
. فيحكم على الدور الأول أن يوماً وليلة منه حيض وبقيته طهر والدور الثاني مثله.
أَوْ مُبْتَدَأَةً لَا مُمَيِّزَةً بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ، أَوْ فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَطُهْرَهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. أَوْ مُعْتَادَةً بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ فَتُرَدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا، وَتَثْبُتُ العَادَةُ بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ
للقوة؛ رجاء التمييز، ثم الثالثة؛ لأنه لما استمر السواد بان أن مردها للعادة، ولو رأت بعد القوي ضعيفين وأمكن ضمّ أولهما كخمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم صفرة مستمرة، وكخمسة سوادا ثم خمسة صفرة ثم حمرة مستمرة فالعشرة الأولى حيض
(1)
فإن كانت الحمرة في الأولى إحدى عشر تعذّر ضمها للسواد وتعين ضمها للصفرة.
2 ـ (أو مبتدأة لا مميزة بأن رأته بصفة) واحدة (أو) مميزة بأن رأته بأكثر من صفة لكن (فقدت شرط تمييز فالأظهر أن حيضها يوم وليلة وطهرها تسع وعشرون)؛ لتيقن سقوط الصلاة عنها في الأقل وما بعده مشكوك فيه، ثم هي في الدور الأول تصبر إلى خمسة عشر لعله ينقطع ثم بعدها إن استمر الدم على صفته أو تغير لأدون اغتسلت وصلت وإن تغير لأعلى صبرت كما مر، وفي الدور لثاني وما بعده تغسل وتصلي بمجرد مضي يوم وليلة وتقضي ما زاد على يوم وليلة في الدور الأول، وعبَّر بتسع وعشرين؛ لأن دور المستحاضة لا يكون إلا ثلاثين، هذا إن عَرَفت وقت ابتداء الدم وإلا فمتحيرة.
3 ـ (أو معتادة) غير مميزة (بأن سبق لها حيض وطهر فترد إليهما قدرا ووقتا) وإن زاد الدور على تسعين كأن لم تحض في السنة إلا خمسة أيام فهي الحيض وباقي السنة طهر، نعم يلزمها في أول دور أن تمسك عند مجاوزة العادة عمّا يحرم بالحيض لعله ينقطع قبل أكثره فيكون الكل حيضا وفي الدور الثاني وما بعده تغتسل بمجرد مجاوزة العادة، ومثلها الآيسة إذا حاضت وجاوز دمها خمسة عشر فترد لعادتها قبل اليأس، (وتثبت العادة بمرَّة في الأصح)؛ لأن الحديث الوارد بردِّ المستحاضة إلى الشهر الذي وليه شهر الاستحاضة لم يفصَّل بين أن يخالف ما قبله أو يوافقه، فلو كانت عادتها المستمرة خمسة من كل شهر ثم صارت ستة في شهر ثم اسحيضت ردت للستة، هذا في عادة متفقة وإلا فإن انتظمت لم تثبت إلا بمرتين كأن حاضت في شهر ثلاثة ثم في شهر خمسة ثم شهر سبعة ثم ثلاثة ثم خمسة ثم سبعة ثم استحيضت في السابع فترد لثلاثة ثم خمسة ثم سبعة، فإن لم تتكرر بأن استحيضت في الدورة
(1)
. وفاقا لهما في الصورة الأولى وخلافا لهما في الثانية.
وَيُحْكَمُ لِلْمُعْتَادَةِ المُمَيِّزَةِ بِالتَّمْيِيزِ لَا الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ مُتَحَيِّرَةً بِأَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا، فَفِي قَوْلٍ كَمُبْتَدَأَةٍ. وَالمَشْهُورُ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ، فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَمَسُّ المُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ،
الرابعة ردت للسبعة إن علمتها، ولو نسيت ترتيب تلك المقادير أو لم تنتظم أو لم يتكرر الدور ونسيت آخر النوب فيهما احتاطت فتُحَيَّض من كل شهر ثلاثة، ثم هي كحائض في نحو الوطء وطاهر في العبادة إلى آخر السبعة، لكنها تغتسل آخر الخمسة والسبعة ثم تكون كطاهر إلى آخر الشهر.
4 ـ (ويحكم للمعتادة المميزة بالتمييز لا العادة) حيث تخالفا
(1)
(في الأصح)؛ لأن التمييز علامة حاضرة والعادة علامة منقضية، ومحل الخلاف حيث لم يتخلل بينهما أقل الطهر وإلا فكل منهما حيض قطعا
(2)
.
5 ـ (أو متحيرة بأن نسيت) أو جهلت وقت ابتداء الدور أو (عادتها قدرا ووقتا) ولا تمييز لها وإن قالت دوري ثلاثون (ففي قول كمبتدأة) غير مميزة؛ لما في الاحتياط من الحرج (والمشهور وجوب الاحتياط)؛ لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع ويحتاط لها إلا في عدة فرقة حياة؛ لمشقة انتظار سنّ اليأس فإنها تعتد بثلاثة أشهر
(3)
، ما لم تعلم قدر دورها فبثلاثة أدوار، ولو شكّت في قدره وقالت لا يزيد على ستة فدروها ستة، (فيحرم الوطء) ومباشرة ما بين سرتها وركبتها ويحرم عليها تمكينه، وعلى زوجها مُؤنها، ولا خيار له؛ لأن وطئها متوقع، ولا يحرم الطلاق؛ لعدم التطويل (ومس المصحف) والمكث بالمسجد إلا لصلاة
(4)
أو طواف أو اعتكاف ولو نفلا (والقراءة في غير الصلاة) وإن خشيت النسيان؛ لإمكان دفعه بإمرارها على القلب، أما في الصلاة فجائز مطلقا.
(1)
. كأن كانت عادتها خمسة في أول كل شهر فاستحيضت فرأت خمستها حمرة ثم خمسة سوداء ثم حمرة مطبقة.
(2)
. كأن كانت عادتها خمسة أول الشهر فرأت عشرين أحمر، ثم خمسة أسود.
(3)
. أي إن طلقها في أول الشهر، أما إذا طلقها في أثنائه فإن كان مضى منه خمسة عشر أو أكثر لغا ما بقي واعتدت بثلاثة أشهر بعد ذلك، ويحرم طلاقها حينئذ؛ لما فيه من تطويل العدة وإن بقي من الشهر ستة عشر يوما فأكثر فبشهرين بعد ذلك كما يأتي في العدد.
(4)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
وَتُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا، وَكَذَا النَّفَلُ فِي الْأَصَحِّ، وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ثُمَّ شَهْرًا كَامِلَيْنِ، فَيَحْصُلُ مِنْ كُلٍّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: ثَلَاثَةً أَوَّلَهَا، وَثَلَاثَةً آخِرَهَا، فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ الْبَاقِيَانِ، وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ ثُمَّ الثَّالِثَ، وَالسَّابِعَ عَشَرَ. وَإِنْ حَفِظَتْ شَيْئًا فَلِلْيَقِينِ حُكْمُهُ، وَهِيَ فِي المُحْتَمِلِ كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ،
(وتصلي الفرائض) ولو منذورة، وكذا جنازة، ولا يجب عليها القضاء إن صلّت
(1)
(أبدا)؛ لاحتمال الطهر (وكذا النفل في الأصح) -ولو بعد خروج وقت الفرض
(2)
-؛ لأنه من مهمات الدين، (وتغتسل لكل فرض
(3)
في وقته؛ لاحتمال الانقطاع، ومن ثم لو ذكرت وقت الانقطاع اغتسلت عنده فقط، أو كانت ذا تقطع لم تكرره مدة النقاء؛ لأنه لم يطرأ بعده دم، ويلزمها إذا لم تنغمس أن ترتب بين أعضاء الوضوء؛ لاحتمال أنه واجبها، ولا يلزمها نيته؛ لأن جهلها بالحال يجعلها كالغالط في النية، وتندب المبادرة بالصلاة عقبه فإن أخرت -لا لمصلحة الصلاة- جددت الوضوء، (وتصوم رمضان)؛ لاحتمال الطهر (ثم شهرا كاملين فيحصل) لها بفرض أن رمضان ثلاثون (من كلٍّ أربعة عشر)؛ لاحتمال أن حيضها الأكثر وأنه طرأ أثناء يوم وانقطع أثناء السادس عشر فيبطل منه ستة عشر يوما، فأن نقص رمضان حصل لها منه ثلاثة عشر وبقي عليها ستة عشر، فإذا صامت شهرا كاملا بقي عليها يومان هنا أيضا إن لم تعتد الانقطاع ليلا، فالكمال في رمضان قيد لغرض حصول الأربعة عشر لا لبقاء اليومين، (ثم تصوم من ثمانية عشر ثلاثة أولها وثلاثة آخرها فيحصل اليومان الباقيان)؛ لأن الحيض إن طرأ أثناء أول صومها حصل الأخيران أو ثانيه فالأول والثامن عشر وعليها فقس، (ويمكن قضاء يوم بصوم يوم ثم الثالث والسابع عشر)؛ لوقوع يوم منها في الطهر بيقين.
6 ـ 7 (وإن حفظت شيئا) كالوقت فقط أو القدر فقط (فلليقين حكمه، وهي في المحتمل) للحيض والطهر (كحائض في الوطء) ومس المصحف والقراءة في غير الصلاة
(1)
. ولا يجوز لها جمع التقديم؛ لأن شرطه ظن صحة الأولى كما يأتي أول فصل الجمع 2/ 393.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(3)
. ولذا لم تمسح على الخف إلا للنوافل كما مرَّ في مسح الخف 1/ 146.
وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَةِِ، وَإِنِ احْتَمَلَ انْقِطَاعًا وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ دَمَ الحَامِلِ وَالنَّقَاءَ بَيْنَ الدَّمِ حَيْضٌ. وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَحْظَةٌ، وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ، وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ، وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِالحَيْضِ، وَعُبُورُهُ سِتِّينَ كَعُبُورِهِ أَكْثَرَهُ
(وطاهر في العبادات
(1)
، وإن احتمل انقطاعا
(2)
وجب الغسل لكل فرض)؛ احتياطا، وإلا فالوضوء لكل فرض ففي حفظ القدر فقط كأن قالت: حيضي ستة أيام من العشر الأُوَل من كل شهر فالخامس والسادس حيض بيقين وما بعد العاشر طهر بيقين ومن السابع للعاشر يحتمل الانقطاع فتغتسل لكل فرض ومن الأول للخامس يحتمل الطرو فلا غسل، فلا بد لها من أن تحفظ قدر الدور وابتداءه وقدر الحيض. وفي حفظ الوقت فقط كأن قالت: أحيض في كل شهر مرة وأكون في سادسه حائضا فالسادس حيض يقينا والعشر الأخير طهر يقينا ومنه للعشرين يحتمل الانقطاع دون الطرو ومن الأول للسادس يحتمل الطرو فقط.
(والأظهر أن دم الحامل) -ولو بين توأمين- حيض؛ لأن دم الحيض أسود يعرف، وكون الحمل يسد مخرج الحيض أغلبي، نعم الخارج مع الطلق أو الولد ليس حيضا ولا نفاسا، وإذا ثبت كون دم الحامل حيضا جرت عليه أحكامه إلا حرمة الطلاق فيه إن انقضت العدة بالحمل؛ لكونه منسوبا للمطلق وإلا حرم؛ لانقضاء العدة بالحيض حينئذ، (والنقاء بين الدم) الذي يمكن كونه حيضا، بأن لم يزد النقاء مع الدم على خمسة عشر واحتوش بدمين في الخمسة عشر ولم ينقص مجموع الدم عن أقل الحيض (حيض) سحبا للحكم؛ لأنه يشبه الفترة بين دفعات الدم، ومحل الخلاف في الصلاة والصوم والوطء دون انقضاء العدة فأنه لا يحصل به إجماعا، ودون الطلاق فإنه لا يحل فيه.
(وأقل النفاس) الخارج بعد فراغ الرحم ولو من علقة أو مضغة فيها صورة خفية، وإذا لم يتصل بالولادة فابتداؤه من رؤية الدم، وعليه فزمن النقاء لا نفاس فيه فيلزمها فيه أحكام الطاهرات لكنه محسوب من الستين (لحظة، وأكثره ستون، وغالبه أربعون).
(ويحرم به ما حرم بالحيض)؛ إجماعاً؛ لأنه دم حيض مجتمع، (وعبوره ستين كعبوره أكثره) فيأتي هنا أقسام المستحاضة وأحكامها، فإن اعتادت نفاسا وحيضا فنفاسها العادة، وبعد قدرها إلى مضي طهرها المعتاد من الحيض طهر، ثم بعده حيضها كعادتها. أو اعتادت نفاساً فقط فهي مبتدأة
(1)
. نعم لا يجب على المرضعة المتحيرة فدية مطلقا إن فطرت كما يأتي في آخر كتاب الصوم 3/ 442.
(2)
. ولو شفيت في صلاة بطلت صلاتها كما أفاده الشارح في التيمم 1/ 168.
في الحيض فطهرها بعد نفاسها المعتاد تسعة وعشرون يوما ثم تُحَيَِّض أقلّه وتطهر تسعة وعشرين يوما وهكذا، ومثلها -أي المعتادة نفاساً فقط- فيما ذُكر مبتدأة فيهما وإن تكررت ولادتها بلا دم، ونفاس المبتدأة مجّة، أو حيضا فقط رُدّت في الحيض لعادتها فيه كالطهر وفي النفاس لمجّة، كما ترد مميزة فيه لتمييزها ما لم تزد على ستين، ولا شرط للضعيف هنا، ولو نسيت عادة نفاسها احتاطت أبدا سواء المبتدأة في الحيض والناسية لعادتها فيه. وإن نسيت القدر والوقت بأن تقول وَلِدْتُ مجنونةً واستمر بي الدم وأنا مبتدأة في الحيض احتاطت أبدا أيضاً.
كتاب الصلاة
المَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ الظُّهْرُ، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ، وَآخِرُهُ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ، وَالِاخْتِيَارُ أَلَّا تُؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ
(كتاب الصلاة)
هي لغة: الدعاء، وشرعا: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم غالبا، فخرج بمخصوصة صلاة الجنازة
(1)
وسجدتا الشكر والتلاوة (المكتوبات خمس).
(الظهر وأول وقته) عقب (زوال الشمس) وهو ميلها عن وسط السماء باعتبار ما يظهر لنا لا نفس الأمر، فلو ظهر أثناء التحرم لم يصح وإن كان بعده في نفس الأمر، ويعلم الوقت بزيادة الظل على ظل استواء إن كان وإلا فبحدوثه، (وآخره مصير ظل الشيء مثله سوى ظل استواء الشمس) إن وجده ولها وقت فضيلة أول الوقت وجواز إلى ما يسع كله ثم حرمة، و أيضا ضرورة، وهذه الأربعة تجري في البقية، وعذر في التأخير، واختيار وهو وقت الجواز.
(وهو) أي وعقبه (أول وقت العصر) لكن لا يكاد يتحقق ظهور ذلك إلا بأدنى زيادة وهي من وقت العصر، فلو فرض مقارنة تحرمه لها باعتبار ما يظهر لنا صحَّ لقوله صلى الله عليه وسلم ((وصلى بي العصر حيث كان ظله مثله)) (ويبقى حتى تغرب)؛ لخبر ((وقت العصر ما لم تغرب الشمس))، (والاختيار ألا تؤخر عن مصير الظل مثلين) سوى ظل الاستواء؛ لأن جبريل صلاها به في ثاني يوم حينئذ، ولها غير الأربعة السابقة وقت اختيار وهو هذا، ووقت عذر لمن يقدّم، وكراهة بعد الاصفرار، وهي الصلاة الوسطى وبعدها في الفضل الصبح ثم العشاء ثم الظهر ثم المغرب.
(1)
. خلافا للمغني.
وَالمَغْرِبُ بِالْغُرُوبِ، وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الجَدِيدِ يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ وُضُوءٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ
[فرع] لو تأخرت الشمس عن وقت غروبها المعتاد لم يخرج الوقت
، ولو غربت ثم عادت عاد الوقت، ولذا فإنها عند عودها لوسط السماء يعود وقت الظهر، والعصر إذا صار ظل كل شيء مثله، والمغرب بغروبها.
(والمغرب بالغروب) لجميع القرص وإن بقي الشعاع، ويعرف في العمران والصحاري التي بها جبال بزوال الشعاع من أعالي الحيطان والجبال (ويبقى حتى يغيب الشفق الأحمر في القديم)؛ لما صح فيه، ولو لم يغب أو لم يوجد بمحل اعتبر غيبته بأقرب محل إليه، ولها غير الأربعة السابقة وقت عذر للجامع تأخيراً واختيار وهو وقت الفضيلة، ويكره تأخيرها عنه -ولو على الجديد- وعليهما ليس فيها وقت جواز بلا كراهة، (وفي الجديد ينقضي بمضي قدر وضوء) وغسل وتيمم وطلب خفيف وإزالة خبث يعم البدن والثوب والمحل وُيقدَّر مغلظاً (وستر عورة) واجتهاد في القبلة (وأذان) ولو في حق امرأة؛ لندب إجابتها له (وإقامة) كسائر السنن المتقدمة على الصلاة، وأكل جائع حتى يشبع (وخمس ركعات) بل سبع؛ لندب ثنتين قبلها أيضا؛ ودليل الجديد أن جبريل صلاها في اليومين في وقت واحد وجوابه أن المبيَّن فيه إنما هو أوقات الاختيار، والعبرة فيما تقدم بالوسط المعتدل من فعل كل إنسان
(1)
. والوقت السابق يسع الصلاتين
(2)
في جمع التقديم. (و) على الجديد (لو شرع) في صلاة -إلا الجمعة
(3)
- وقد بقي منه ما يسعها بالنسبة للحد المتوسط من فعل نفسه
(4)
(في الوقت ومد) بقراءة أو ذكر أو سكوت (حتى) خرج وقتها، أو حتى (غاب الشفق الأحمر) بالنسبة للمغرب (جاز) لكنه خلاف الأولى (على الصحيح) وإن لم يوقع منها ركعة في الوقت؛
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية حيث قال؛ العبرة بالوسط من الناس.
(2)
. أي تامتين خلافا للرملي في غير النهاية.
(3)
. أما الجمعة فلو مدَّ فيها حتى علم أن ما بقي منها لا يسعه ما بقي من الوقت فتنقلب ظهرا كما أفاده الشارح في بابها 2/ 422.
(4)
. كما في شرح العباب.
قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالْعِشَاءُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ، وَيَبْقَى إلَى الْفَجْرِ، وَالِاخْتِيَارُ أَلَّا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفِهِ. وَالصُّبْحُ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ المُنْتَشِرُ ضَوْؤُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ، وَيَبْقَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ،
لقول الصديق رضي الله عنه ((لو طلعت لم تجدنا غافلين))، نعم يحرم المد إن ضاق وقت الثانية عنها ومثله ما لو كانت عليه فائتة فورية، (قلت: القديم أظهر والله اعلم) بل هو جديد؛ لأن الشافعي علق القول به في الإملاء بصحة الحديث وقد صحت فيه أحاديث.
(والعشاء بمغيب الشفق)، وينبغي ندب تأخيرها لزوال الأصفر والأبيض؛ خروجا من خلاف موجبه. ومن لا شفق لهم فالعبرة بأقرب بلد إليهم بشرط أن لا يؤدي اعتبار ذلك إلى طلوع فجر هؤلاء بأن كان ما بين الغروب ومغيب الشفق عندهم بقدر ليل هؤلاء فحينئذ ينسب وقت المغرب عند أولئك إلى ليلهم فإن كان السدس مثلا جعلنا ليل هؤلاء سدسه وقت المغرب وبقيته وقت العشاء وإن قصر
(1)
، (ويبقى وقتها إلى الفجر) الصادق. (والاختيار ألا تؤخر عن ثلث الليل)؛ لفعل جبريل، (وفي قول نصفه)؛ لحديث صحيح فيه، ولها -غير هذا والأربعة السابقة- وقت كراهة وهو ما بين الفجرين ووقت عذر.
[تنبيه] لو عُدِم وقت العشاء
كأن طلع الفجر كلما غربت الشمس وجب قضاؤها، ولو لم تغب إلا بقدر ما بين العشائين فيعتبر حال أقرب بلد يليهم وبالنسبة لصومهم يقدرون ليلهم بأقرب بلد إليهم ثم يمسكون إلى الغروب كذلك، نعم محله إن لم تسع مدة غيبوبتها أكل ما يقيم بنيته، ولو لم يسع ذلك إلا قدر المغرب أو أكل الصائم قَدَّم أكله وقضى.
(والصبح بالفجر الصادق)؛ لأن جبريل صلاها أول يوم حين حرم الفطر على الصائم، وإنما يحرم بالصادق إجماعاً (وهو) بياض شعاع الشمس (المنتشر ضوؤه معترضاً بالأفق) بخلاف الكاذب فهو مستطيل أعلاه أضوأ من باقيه تعقبه ظلمة (ويبقى حتى تطلع الشمس)؛ لخبر مسلم، ويكفي طلوع بعضها بخلاف الغروب.
(1)
. خلافا لظاهر النهاية حيث اعتبر غيبوبة الشفق وإن أدى إلى طلوع فجر هؤلاء فلا يدخل به وقت الصبح، بل يعتبرون بفجر أقرب البلاد إليهم.
وَالِاخْتِيَارُ أَلَّا تُؤَخَّرَ عَنِ الْإِسْفَارِ. قُلْتُ: يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ المَغْرِبِ عِشَاءً، وَالْعِشَاءِ عَتَمَةً، وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا، وَالحَدِيثُ بَعْدَهَا إلَّا فِي خَيْرٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ،
(والاختيار ألا تؤخر عن الإسفار) بحيث يميز الناظر القريب منه؛ لأن جبريل صلاها ثاني يوم كذلك، ولها -مع هذا والأوقات الأربعة- وقت كراهة من الحمرة إلى أن يبقى ما يسعها
(1)
.
[تنبيه] قد يأتي وقت الاختيار بمعنى وقت الفضيلة وقد يغايره
وهو الأكثر ويقصد به ما هو أدون منه ثواباً.
[فرع] صح أن أول أيام الدجال كسنة وثانيها كشهر وثالثها كجمعة، وصح الأمر بالتقدير فتقدر العبادات الزمنية والآجال، ويجري ذلك فيما لو مكثت الشمس طالعة عند قوم مدة. (قلت: يكره تسمية المغرب عشاء والعشاء عتمة)؛ للنهي عنهما (و) كره صلى الله عليه وسلم (النوم قبلها) أي قبل فعلها بعد دخول وقتها ولو وقت المغرب لمن يجمع، ويجري ذلك في بقية الصلوات، نعم محل جوازه إن غلبه بحيث صار لا تمييز له ولم يمكن دفعه، أو غلب على ظنه أنه يستيقظ وقد بقي من الوقت ما يسعها وطهرها وإلا حرم بعد دخول الوقت لا قبله. (والحديث بعدها) -أي بعد دخول وقتها وفِعْلِها فيه، أو قدره إن جمع تقديما لا قبل ذلك
(2)
ـ؛ لأنه ربما فوته صلاة الليل أو أول وقت الصبح أو جميعه، وأما الحديث قبلها فإن فوَّت وقت الاختيار كان خلاف الأولى وإلا فلا (إلا) لمنتظر الجماعة ليعيدها معهم وللمسافر؛ لخبر أحمد ((لا سمر بعد العشاء إلا لمصل أو مسافر)) وإلا لعذر أو (في خير) ومنه إيناس ضيف أو زوجة عند زفافها أو الملاطفة بها (والله أعلم)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان ((يحدثهم عامة الليل عن بني إسرائيل)).
(ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت) إذا تيقن دخوله، ويحصل باشتغاله بأسبابها عقب دخوله، ولا يكلف العجلة، ويغتفر له مع ذلك نحو شغل خفيف وكلام قصير وأكل لقم توفر خشوعه وتقديم سنة راتبة، نعم لو قدم الأسباب قبل الوقت وأخر بقدرها من أوله
(1)
. والتغليس فيما يأتي في الحج أشد استحباباً منه في غيره 4/ 115.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
وَفِي قَوْلٍ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ. وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ، وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ، وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ
لم تحصل سنة التعجيل
(1)
، ويستثنى من ندب التعجيل مسائل ضابطها أن كل ما ترجحت مصلحة فعله ولو أخر فاتت يقدم على الصلاة وأن كل كمال
(2)
اقترن بالتأخير وخلا عنه التقديم
(3)
يكون التأخير-لمن أراد الاقتصار على صلاة واحدة- معه أفضل، ويندب للإمام الحرص على أول الوقت بعد مضي قدر اجتماع الناس وفعلهم أسبابها عادة وبعده يصلي بمن حضر وإن قل، ويكره انتظار أحد ولو نحو شريف وعالم
(4)
، وقد يجب التأخير -ولو عن الوقت- كما في مُحْرِم خاف فوت الحج لو صلى العشاء وكمن رأى غريقاً لو أنقذه خرج الوقت، ويجب التأخير أيضا للصلاة على ميت خيف انفجاره.
[تنبيه] الواجب الموسع كالصلاة لا يجوز تأخيره عن أول وقته إلا إن عزم على فعله أثناءه، فإذا أخرها بالنية ولم يظن موته فيه فمات لم يعص؛ لأنه لم يقصر، ولو توهم الفوت بالتأخير تضيق الوقت عليه، (وفي قول تأخير العشاء أفضل) ما لم يجاوز وقت الاختيار واختار هذا المصنف.
(ويسن الإبراد بالظهر) بتأخيرها -دون أذانها- إلى وقت البرد بأن يبقى للحيطان ظل يمشي فيه قاصدُ الجماعة ولا يجاوز نصف الوقت (في شدة الحر)؛ لخبر البخاري ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر))، وخرج بالظهر الجمعة؛ لأن تأخيرها مُعرِّض لفواتها، (والأصح اختصاصه ببلد حار) أي شديد الحر كالحجاز (وجماعةِ مسجدٍ) أو محل آخر (يقصدونه) -ولو بعضهم- بمشقة تسلب خشوعهم كأن يأتوه (من بُعْد) في الشمس، والبلد إن خالفت قطرها في الحرارة أعتبر ذلك. ويسن لإمام محل الجماعة المقيم به التأخير تبعا للمصلين، والأفضل له فعلها أوَّلا ثم معهم، ويسن الإبراد أيضا لمن يقصد المسجد للصلاة فيه منفرداً.
(1)
. خلافا للرملي.
(2)
. وقد يطرد ذلك وإن لم يتحقق كما قالوا بسنية تأخير الظهر إلى أن ييأس من الجمعة لمعذور عزم أنه لو زال عذره لحضرها كما ذكره الشارح في الجمعة 2/ 419.
(3)
. بخلاف ما لو أدرك ولو بعضه كما لو أدرك بعض جماعة ورجا جماعة أخرى فالأفضل انتظارها ما لم تفت بانتظارهم فضيلة أول الوقت أو وقت الاختيار كما يأتي في الجماعة 1/ 257.
(4)
. نعم لهم أن ينتظروا إمام راتب إن لم يريدوا فضيلة أوَّل الوقت كما يأتي في الجماعة 1/ 253.
وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ رَكْعَةً فَالجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ. وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلَاتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ، وَإِلَّا فَلَا. وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ،
(ومن وقع بعض صلاته في الوقت فالأصح أنه إن وقع ركعة) كاملة، بأن فرغ من السجدة الثانية (فالجميع أداء، وإلا فقضاء)؛ لخبر الشيخين ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة))، وثواب القضاء الذي كان بعذر دون ثواب الأداء.
(ومَن جهِل الوقت اجتهد) جوازا إن قدر على اليقين بنحو الصبر، ووجوبا إن لم يقدر -ولو أعمى- نعم إن أخبره ثقة عن مشاهدة، أو سَمِع أذان عدل عارف بالوقت في صحو لزمه قبوله ولم يجتهد بخلاف ما لو أمكنه حينئذ الخروج من ظلمة لرؤية الشمس فيجوز له الاجتهاد؛ لأن في الخروج مشقة عليه في الجملة، وللمنجم العمل بحسابه
(1)
ولا يقلده فيه غيره
(2)
، ولو اخبره ثقة عن اجتهاد لا عن مشاهدة لم يجز لقادر تقليده إلا أعمى البصر أو البصيرة فإنه مخير بين تقليده والاجتهاد؛ نظرا لعجزه في الجملة (بورد ونحوه) كصنعة منه أو من غيره وصياح ديك مجرب وكثرة المؤذنين يوم الغيم بحيث يغلب على الظن أنهم لكثرتهم لا يخطئون، وكذا ثقة عارف بأوقات يومه. ولا تنعقد الصلاة مع الشك في دخول الوقت وإن بانت فيه، (فإن تيقن) بعد الوقت إحرامه بـ (صلاته قبل الوقت) ولو بخبر عدل الرواية عن علم لا عن اجتهاد (قضى في الأظهر)؛ لفوات شرطها، فإن تيقن في الوقت أعاد قطعاً (وإلا) يتيقنها (فلا)؛ لعدم تيقن المفسد.
[فرع] مَن صلى في الوقت ثم وصل قبله لبلد يخالف مطلعها مطلع بلده ويدخل أوقات صلواتها بعد أوقات صلوات بلده لم تلزمه الإعادة
.
(ويبادر بالفائت
(3)
وجوبا إن فات بغير عذر وإلا -كنوم لم يتعد به، وكذا نسيان لم ينشأ عن تقصير كلعب شطرنج
(4)
أو كجهل بالوجوب وعذر فيه- فندبا؛ تعجيلا لبراءة
(1)
. نعم ليس له العمل في دخول أو خروج وقت الكسوف كما يأتي في بابه 3/ 62.
(2)
. خلافا لما نقله علي الشبرامسلي عن الرملي في الفتاوى.
(3)
. ولو كان أداء كما إذا فاتته الجمعة بدون عذر يجب المبادرة بصلاة الظهر وإن كانت أداء، باب الجمعة 2/ 419.
(4)
لأن الغفلة نشأت من تعاطيه للفعل الذي من شأنه أن يُلهيَ ويجري ذلك في كل لهو لعب مكروه ومشغل للنفس ومؤثر فيها تأثيرا يستولي عليها حتى يشغلها عن مصالحها الأخرى، بل المباح كذلك إن جرَّب أن اشتغاله به يفوت به الوقت كما أفاده الشارح في كتاب الشهادات 10/ 217.
وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ، وَالْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ إلَّا لِسَبَبٍ كَفَائِتَةٍ،
ذمته، (ويسن ترتيبه وتقديمه) إن فات بعذر (على الحاضرة التي لا يخاف فوتها)؛ للاتباع، وإن خشي فوت جماعتها؛ لاتفاق موجبي التقديم على أنه شرط للصحة وقول أكثر موجبي الجماعة عيناً أنها ليست شرطاً للصحة فكانت رعاية الخلاف فيه آكد، أما إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها وإن قلّ خارج الوقت فيلزمه البداءة بها
(1)
؛ لحرمة خروج بعضها عن الوقت. ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات به وحتى على الحاضرة المتسع وقتها وإن فقد الترتيب؛ لوجوب البدار. ولو تذكّر فائتة وهو في حاضرة لم يقطعها مطلقا، أو شرع في فائتة ظانا سعة وقت الحاضرة فبان ضيقه لزمه قطعها
(2)
، ولو شك في قدر فوائت عليه لزمه أن يأتي بكلِّ ما لم يتيقن فعله، أو شك بعد الوقت في فعل مؤداته لزمه قضاؤها، أو في كونها عليه فلا؛ لأنه في هذه شك في استجماع شروط اللزوم والأصل عدمه، أما في الصورة الأولى فالشك في الفعل مستلزم لتيقن اللزوم
(3)
.
(وتكره الصلاة عند الاستواء)؛ للنهي عنه (إلا يوم الجمعة) ولو لم يحضرها؛ لحديث فيه، (وبعد) أداء (الصبح حتى) تطلع، فإن طلعت كره حتى (ترتفع الشمس كرمح) سواء أصلى الصبح أم لا، (و) بعد أداء (العصر) ولو لمن جمع تقديما (حتى) تصفَرَّ، ومن الاصفرار حتى (تغرب) لمن صلى أو لم يصل العصر، والكراهة في ذلك للتحريم وقيل للنزيه، ولا تنعقد على كلٍّ؛ لأنها لذات كونها صلاة؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الأوقات (إلا لسبب) لم يتحره متقدم على الفعل أو مقارن له (كفائتة) ولو نافلة اتخذها وِرداً؛ لصلاته صلى الله عليه وسلم سنة الظهر
(1)
. واعتمد شيخ الإسلام والجمال الرملي ووالده والمغني استحباب تقديم الفائتة على الحاضرة إذا أمكنه إدراك ركعة من الحاضرة تبعاً لما في الكفاية.
(2)
. هذا محمول على ما إذا لم يمكنه قلبها نفلا والتسليم من ركعتين.
(3)
. وعليه فلو شكَّ أصلَّى بالمسح ثلاث صلوات أو أربع أخذ في وقت المسح بالأكثر وفي أداء الصلاة بالأقل احتياطا للعبادة فيهما كما ذكره الشارح في مسح الخف 1/ 255.
وَكُسُوفٍ، وَتَحِيَّةٍ، وَسَجْدَةِ شُكْرٍ، وَإِلَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ
بعد العصر لمَّا شُغل عنها (وكسوف)؛ لأنها معرضة للفوات (وتحية) لم يدخل المسجد بقصدها فقط (وسجدة شكر)؛ لأن كعب بن مالك رضي الله عنه فعلها بعد الصبح لَمَّا نزلت توبته، ومثلها تلاوة إن لم يقرأ بقصد السجود فقط
(1)
، وركعتي طواف وصلاة جنازة -ولو على غائب- وإعادة مع جماعة -ولو إماما- وصلاة استسقاء وسنة وضوء وعيد
(2)
، أما ما لا سبب لها كتسبيح وذات سبب متأخر كاستخارة وركعتي الإحرام فيحرم كما يحرم مطلقا تحري إيقاع صلاة غير صاحبة الوقت في الوقت المكروه ولو فائتة يجب قضاؤها فورا؛ لأنه معاند للشرع.
[تنبيه] المراد بالمتأخر والمتقدم والمقارن بالنسبة للصلاة لا للوقت المكروه
فصلاة الجنازة والفائتة والكسوف ونحوها أسبابها متقدمة على الأول وعلى الثاني إن تقدمت على الوقت فمتقدمة وإلا فمقارنة، ومثال المقارنة على القولين المعادة لما فعل بتيمم أو انفراداً؛ لاستحالة وجود سبب لها قبل الوقت وكذا العيد؛ لدخول وقتها بالطلوع، ويمتنع على الداخل للمسجد وقت الكراهة صلاة التحية أربعا مثلا، (وإلا في حرم مكة) المسجد وغيره مما حرم صيده (على الصحيح)؛ لحديث ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء))، والصلاة مثل الطواف
(3)
.
(1)
. وإلا لم تنعقد، بل يحرم لو قرأ قبل الوقت بقصد السجود فيه واستمر قصد تحريه إلى دخول الوقت.
(2)
. لدخول وقتها بالطلوع بخلاف الضحى وركعتي الإشراق فلا يصليان إلا بعد خروج وقت الكراهة كما أفاده الشارح في صلاة النفل.
(3)
. واعتمدوا أولوية عدم فعل الصلاة للخلاف في حرمتها خلافا لظاهر كلام ابن حجر هنا.
فصل
إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ إلَّا المُرْتَدَّ وَلَا الصَّبِيِّ، وَيُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ،
(فصل) فيمن تلزمه الصلاة أداءً وقضاء وتوابعهما
(إنما تجب الصلاة على كل مسلم) ولو في ما مضى فدخل المرتد (بالغ عاقل طاهر) لا كافر أصلي بالنسبة للمطالبة بها في الدنيا بل للعقاب عليها في الآخرة كسائر الفروع المجمع عليها؛ لتمكنه منها بالإسلام، ووجوبها على متعدٍّ بجنون أو إغماء أو سكر وجوبٌ سبَبُه انعقاد السبب؛ لوجوب القضاء عليه، لا وجوب أداء
(1)
، (ولا قضاء على الكافر)؛ لقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الأنفال: 38 (إلا المرتدِ) فيلزمه قضاء حتى زمن نحو جنونه بلا تعد بخلاف زمن حيض المرتدة ونفاسها؛ لأن إسقاطها عنها عزيمة وعنه رخصة والمرتد ليس من أهلها (ولا الصبي) لزمن صباه بعد بلوغه؛ لعدم تكليفه (ويؤمر) مع التهديد أي يجب وجوبا كفائيا على كل من أبويه وإن علا ثم الوصي أو القيم ونحو ملتقط ومالك قنّ ومستعير ووديع وأقرب الأولياء، فالإمام فصلحاء المسلمين فيمن لا أصل له تعليمه ما يضطر إليه من الأمور التي يكفر جاحدها ويشترك فيها العام والخاص فيذكر له أوصافه صلى الله عليه وسلم الظاهرة المتواترة حتى يميزه ولو بوجه، والنبوة والرسالة، وأنه من قريش واسم أبيه وأمه وبُعث بكذا، ودفن بكذا، نبي الله ورسوله إلى الخلق كافة، ولونه؛ لئلا يَزْعُم خلاف ذلك فيكفر ما لم يعذر (بها) ولو قضاء وجهة
(2)
، وبسائر شروطها، والشرائع الظاهرة ولو سنة، وينهاه عن المحرمات (لسبع) عقب تمامها إن ميَّز وإلا فعند التمييز بأن يأكل ويشرب ويستنجي وحده، وإنما لم يجب أمر مميز قبل السبع؛ لندرته.
(1)
. من البيجيرمي بتصرف.
(2)
. كما نص عليها الشارح في بابها 2/ 407.
وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَلَا عَلَى ذِي حَيْضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ، بِخِلَافِ السُّكْرِ
(ويضرب) ضرباً غير مبرح وجوباً، وينتهي الوجوب ببلوغه رشيدا
(1)
(عليها) -ولو قضاءاً- أو ترك شرط من شروطها أو شيء من شرائعها الظاهرة، ولو لم يفد إلا المبرح تركهما (لعشر) عقب تمامها
(2)
؛ لأنه صح ((مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها)) وأُخِّر الضرب للعشر؛ لأنه حينئذ يحتمله غالباً، نعم يندب الأمر لقِنٍّ صغير لا يُعرف إسلامه
(3)
، وأجرة تعليم الصبي الصلاة والقرآن والآداب في ماله ثم على أبيه وإن علا ثم أمه وإن علت، ومعنى وجوبها في ماله كزكاته ثبوتها في ذمته فإن بقيت إلى كماله لزمه إخراجها وإن تلف المال، ووجوب إخراجها قبل الكمال من مال الصبي على وليه.
[تنبيه] الزوجة ولو كبيرة
(4)
يجب ما مر على أبويها أوَّلا، ثم على زوجها
لكن إن لم يخش نشوزاً ولا أمارته
(5)
. وأول ما يلزم المكلف معرفة الله -وقيل النظر- ووجوبها قطعي وشرعي، (ولا) قضاء (على ذي حيض) أو نفاس ولو في ردة، بل يحرم
(6)
، (أو جنون أو إغماء) أو سكر بلا تعد إذا أفاق إلا في زمن الردة (بخلاف السكر) أو الجنون أو الإغماء المتعدى به وإن ظنَّ الأول أنه لقلته لا يسكر؛ لتعديه، وكذا يجب القضاء على من أُغمي عليه أو سكر بتعدٍّ ثم جنَّ أو أغمي عليه أو سكر بلا تعد مدة ما تعدى به إن عرف، وإلا فما ينتهي إليه السكر غالبا والإغماء بمعرفة الأطباء، لا ما بعده، نعم من جنّ مثلا في سكره ليس بسكران في دوام جنونه قطعا، وظاهر ما تقرر أن الإغماء يقبل طرو إغماء آخر عليه دون الجنون، ويندب القضاء لنحو مجنون لا يلزمه.
(1)
. قضيته وجوب الضرب على الأم ونحوها بعد بلوغه سفيها خلافا لقضية كلام النهاية.
(2)
. لا قبلها خلافا لهما.
(3)
. لكنهما اعتمدا وجوب أمره بذلك.
(4)
. خالفه في هذه الغاية النهاية بالنسبة للضرب.
(5)
. التقييد الذي ذكره الشارح في كتاب الصيال هو أن يتوقف الفعل على ذلك وأن لا يخشى أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه 9/ 180.
(6)
. اعتمد الشهاب والنهاية والمغني الكراهة والانعقاد.
وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ وَبَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ آخِرَ الْعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ آخِرَ الْعِشَاءِ. وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا أَتَمَّهَا وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ بَعْدَهَا فَلَا إعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ
(ولو زالت هذه الأسباب وبقي من الوقت تكبيرة وجبت الصلاة) إن بقي سليماً زمناً يَسع أخف ممكن منها -كركعتين للمسافر القاصر- ومن شروطها
(1)
ومن مؤداة لزمته؛ تغليبا للإيجاب، (وفي وقول يشترط ركعة) بأخف ما يمكن؛ لخبر ((من أدرك ركعة
…
)) السابق، لكن الحديث محتمل، وإنما لم تدرك الجمعة بدون ركعة؛ لأنه إدراك إسقاط وهذا إدراك إيجاب فاحتيط فيهما، (والأظهر وجوب الظهر) مع العصر (بإدراك تكبيرة أخر العصر، والمغرب) مع العشاء بإدراك تكبيرة (آخر العشاء)؛ لاتحاد الوقتين في العذر ففي وقت الضرورة أولى. ويشترط بقاء سلامته بقدر ما مر والصلاة الأولى التي لزمته، فلو بلغ ثم جنّ مثلا قبل ما يسع ذلك فلا لزوم، ولذا فمن أدرك ركعة آخر العصر فعاد المانع بعد ما يسع المغرب وجبت المغرب فقط؛ لتقدمها بكونها صاحبة الوقت وما فضل لا يكفي للعصر، هذا إن لم يشرع في العصر قبل الغروب
(2)
وإلا تعينت؛ لعدم تمكنه من المغرب، ولو أدرك من وقت العصر قدر ركعتين ومن وقت المغرب قدر ركعتين وجبت العصر فقط كما لو وسع مع المغرب قدر أربع ركعات للمقيم أو ركعتين للمسافر فتتعين العصر؛ لأنها المتبوعة لا الظهر؛ لأنها تابعة، ونظيره ما لو أدرك تكبيرة آخر وقت العشاء ثم خلا من الموانع قدر تسع ركعات للمقيم أو سبع للمسافر فتجب الصلوات الثلاث، أو سبع أو ست لزم المقيم الصبح والعشاء فقط أو خمس فأقل لم يلزمه سوى الصبح، ولو أدرك ثلاثا من وقت العشاء لم تجب هي وكذا المغرب؛ تبعا للعشاء، وخصّ ما ذُكر؛ لأن الصبح والعصر والعشاء لا يتصور وجوب واحد منها بإدراك جزءٍ مما بعدها؛ إذ لا جمع. (ولو بلغ فيها) بالسن ولا يتصور بالاحتلام
(3)
(أتمها وأجزأته على الصحيح)؛ لأنه أدّاها صحيحة بشروطها كقنّ عتق أثناء الجمعة، نعم تسن إعادتها؛ خروجا من الخلاف (أو بعدها فلا إعادة على الصحيح) ومحل هذا وما قبله إن قلنا إن نية الفرض لا تلزمه أو نواها، أما إذا قلنا بلزومها ولم ينوها فهو لم يصلِّ
(1)
. اعتمد النهاية والمغني والشهاب اعتبار قدر الطهارة منها فقط.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. وفاقا للمغني والمنهج وخلافا للنهاية.
وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَجَبَتْ تِلْكَ إنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَإِلَّا فَلَا
شيئا هنا وليس في صلاة ثَمَّ فتلزمه، ولو زال عذر الجمعة بعد عقد الظهر لم يؤثر إلا إذا اتضح الخنثى بالذكورة وأمكنته الجمعة؛ لتبين كونه من أهلها وقت عقدها.
(ولو) طرأ المانع كأن (حاضت أو جنّ أول) أو أثناء (الوقت وجبت تلك إن أدرك قدر الفرض) بأخف ممكن مع ادارك زمن طهر يمتنع تقديمه كتيمم وطهر سلس بخلاف غيره؛ لأنه كان يمكنه تقديمه، ويجب معها ما قبلها إن جمعت معها وأدرك قدرها أيضا دون ما بعدها؛ لأن وقت الأولى لا يصلح للثانية إلا في الجمع ووقت الثانية يصلح للأولى مطلقا (وإلا فلا)، واشترطوا هنا قدر الفرض وهناك التحرم؛ لأن ما هناك إزالة فيمكنه البناء بعد الوقت ولا كذلك هنا.
[تنبيه] فرَّقوا
(1)
بين حال إذا بلغ الصبي أخر وقت العصر مثلا بتكبيرة أنه لابد في لزوم العصر له من أن يدرك من زمن المغرب قدرها وقدر الطهارة، وحال ما إذا بلغ أول وقت الظهر مثلا من أنه لابد من إدراك قدرها أول الوقت دون الطهارة، وذلك؛ لأن المتبوع في إدراك الآخر استتبع تابعه في كونه يقدر بعد الوقت مثلا؛ لئلا يتميز التابع، وفي إدراك الأول اكتفي بوقوع المتبوع كله في الوقت عن وقوع تابعه فيه؛ احتياطا للفرض بلزومه بما ذكر.
(1)
. خلافا للرملي فقال: إنه لا يشترط فيه إذا زال صباه في آخر الوقت أو أوله خلوه من الموانع قدر إمكان طهارة يمكن تقديمها وهي طهارة الرفاهية.
فصل
الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. وَالجَدِيدُ: نَدْبُهُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إلَّا بِمَسْجِدٍ، ....
…
(فصل) في الأذان والإقامة
الأصل فيهما الإجماع المسبوق برؤية عبدالله بن زيد رضي الله عنه (الأذان) لغة: الإعلام، وشرعا: ذكر مخصوص شُرع أصالة للإعلام بالصلاة المكتوبة (والإقامة) وهي الذكر الآتي، وهما (سنة) على الكفاية، (وقيل فرض كفاية)؛ لخبر ((إذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم))، وعلى هذا يقاتل أهل بلدة تركوهما أو أحدهما بحيث لم يظهر الشعار، والضابط أن يكون بحيث يسمعه كل أهلها لو أصغوا إليه، وعلى الأول لا قتال لكن لا يحصل كمال السنة إلا بظهور الشعار، وإن حصل أصل السنة بسماع واحد له. (وإنما يشرعان للمكتوبة) دون المنذورة وصلاة الجنازة والنفل بل يكرهان في ذلك؛ لعدم ورودهما، نعم قد يسن الأذان لغير الصلاة كما في أذان المولود والمهموم والمصروع والغضبان ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند مزدحم الجيش وعند الحريق -قيل وعند إنزال الميت لقبره قياسا على أول خروجه للدنيا وهو مردود- وعند تمرُّد الجن، وهو والإقامة خلف المسافر، (ويقال في العيد ونحوه) من كل نفل شرعت فيه الجماعة وصُلِّي جماعة ككسوف وتراويح لا جنازة؛ لأن المشيعين حاضرون غالباً (الصلاة جامعة
(1)
؛ لثبوته في الصحيحين في الكسوف وفي الباقي قياساً وفي معناه الصلاة الصلاة، أو هلموا إلى الصلاة أو الصلاة رحمكم الله. (والجديد ندبه للمنفرد) وإن بلغه أذان غيره. (ويرفع) المؤذن ولو منفرداً أو كرهت الجماعة الثانية (صوته) ما استطاع؛ للخبر الصحيح ((ارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)) (إلا بمسجد) أو غيره.
(1)
. عند الشارح أنه بدل عن الأذان والإقامة، أما الرملي فعن الإقامة فقط.
وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ. وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ، وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الجَدِيدِ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى. وَتُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الْإِقَامَةُ لَا الْأَذَانُ عَلَى المَشْهُورِ. وَالْأَذَانُ مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ، وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا، وَتَرْتِيلُهُ،
(وقعت فيه جماعة) أو صلوا فرادى وانصرفوا
(1)
، فيندب حينئذ الخفض؛ لئلا يتوهم دخول وقت صلاة أخرى أو يشككهم في وقت الأولى لاسيما في الغيم.
[تنبيه] محل التقييد بالانصراف فيما إذا اتحد محل الجماعة، أما إذا تعدد فلا يندب الرفع؛ لأن الرفع في أحدها يضر المنصرفين من البقية بعود كلٍّ لما صلى به أو لغيره، فيتجه حينئذ ندب عدم الرفع وإن لم ينصرفوا، (ويقيم للفائتة ولا يؤذن في الجديد)؛ لزوال الوقت، (قلت: القديم أظهر والله أعلم)؛ للخبر الصحيح ((أنه صلى الله عليه وسلم لمَّا فاتته الصبح بالوادي سار قليلا ثم نزل وأذن بلال))، (فإن كان فوائت) وأراد قضائها متوالية (لم يؤذن لغير الأولى)، أو متفرقة فإن طال فصلٌ بين كلٍّ عرفا أذّن لكلٍّ. ولو جمع تأخيرا أذن للأولى فقط، وكذا تقديماً ما لم يدخل وقت الثانية قبل فعلها، ولو والى بين فائتة ومؤداة أذن لأولاهما إلا أن يقدم الفائتة، ثم بعد الأذان لها يدخل وقت المؤداة فيؤذن لها أيضا. (وتندب لجماعة النساء) والخناثى ولكلٍّ على انفراده (الإقامة)؛ لأنه لا رفع فيها يخشى منه محذور (لا الأذان على المشهور)؛ لما فيه من الرفع الذي قد يخشى منه افتتان والتشبه بالرجال، ولذا حرم عليها رفع صوتها به
(2)
إن كان ثَمَّ أجنبي يسمع
(3)
، وإنما لم يحرم غناؤها وسماعه للأجنبي حيث لا فتنة؛ لأنه يسن الإصغاء والنظر للمؤذن وهما مفتنان بخلاف المغنِّي، وفي الآذان تشبه بالرجال إن كان ثَمَّ أجنبي يسمعها بخلاف غنائها فلا تشبه فيه إذ هو من وضع النساء. ولو أذنت للنساء بقدر ما يسمعهن لم يكره وكان ذِكراً لله، وكذا الخناثى، (والأذان مثنى والإقامة فرادى إلا لفظ الإقامة)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة)) أي؛ لأنها المصرحة بالمقصود، وإلا لفظ التكبير فإنه يثنى أولها وآخرها، (ويسن إدراجها) أي إسراعها، (وترتيله)
(1)
. خلافا للرملي والخطيب والأسنى في التقييد ووفاقا لشرح المنهج.
(2)
. بخلاف قراءتها ولو في صلاة كما في النهاية، وقال المغني إن القراءة كالأذان.
(3)
. وفاقا للمغني والأسنى وشرح المنهج، وخلافا للنهاية فيحرم عليها الرفع مطلقاً.
وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ، وَالتَّثْوِيبُ فِي الصُّبْحِ. وَأَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا لِلْقِبْلَةِ. وَيُشْتَرَطُ تَرْتِيبُهُ. وَمُوَالَاتُهُ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ.
وَشَرْطُ المُؤَذِّنِ: الْإِسْلَامُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالذُّكُورَةُ
أي التأني فيه للأمر بهما، ولأنه أبلغ فيه؛ لأنه للغائبين وهي للحاضرين فالإدراج فيها أشبه، ومن ثم سن أن تكون أخفض صوتا منه، (والترجيع فيه) وهو ذكر الشهادتين مرتين سِرَّا بحيث يسمعه من بقربه عرفاً قبل الجهر بهما؛ ليتدبرهما، (والتثويب في الصبح) ولو فائتة وهو ((الصلاة خير من النوم)) مرتين بعد الحيعلتين، ويكره في غير الصبح كـ ((حيَّ على خير العمل)) مطلقاً، فإن جعله بدل الحيعلتين لم يصح أذانه، (وأن يؤذن) ويقيم (قائما) وعلى عالٍ احتيج إليه
(1)
(للقبلة)؛ لأنه المأثور
(2)
سلفاً وخلفاً، نعم ينحرف عن القبلة بعنقه -لا بصدره- حتى يرى خده مرة عن يمينه في مرتي حي على الصلاة ومرة عن يساره في مرتي حيّ على الفلاح؛ لأنهما خطاب آدمي كسلام الصلاة، ولا بأس بأذان مسافر راكباً أو ماشياً وإن بَعُد محل انتهائه عن محل ابتدائه، ويسن في الآذان جعل سبابتيه في صماخي أذنيه؛ لأنه أجمع للصوت المطلوب رفعه فيه أكثر، وقضيته أنه لا يسن لمن يؤذن لنفسه بخفض الصوت. (ويشترط
(3)
فيهما إسماع النفس لمن يؤذن وحده وإلا فإسماع واحد، وعدم بناء غيره على ما أتى به؛ كالحج، و (ترتيبه وموالاته)؛ للاتباع، ولا يضر يسير كلام وسكوت ونوم وإغماء وجنون وردَّة وإن كره
(4)
، (وفي قول لا يضر كلام وسكوت طويلان) والخلاف إن لم يفحش.
(وشرط المؤذن) والمقيم (الإسلام والتمييز) ويشترط لصحة
(5)
نصب الإمام له تكليفه وأمانته ومعرفته بالوقت أو مرصد لإعلامه به؛ لأن ذلك ولاية فاشترط كونه من أهلها (والذكورة)؛ فلا يصح أذان امرأة وخنثى لرجال وخناثى -ولو محارم- كإمامتها لهم
(1)
. ظاهره أنه قيد في كل من الأذان والإقامة وفاقا لشرح المنهج، وفي النهاية إنه قيد في الإقامة فقط أما الأذان فيطلب على عال مطلقا، وفي المغني مثله.
(2)
. ظاهره الرجوع لكل من القيام والاستقبال لكنهم خصوه بالاستقبال.
(3)
. ذكر الشارح في باب الجمعة أنه لا يجوز إبدال لفظ محمد بغيره.
(4)
. أي من حيث الفصل.
(5)
. خلافا للنهاية حيث جعله شرط جواز.
وَيُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ، وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ، وَالْإِقَامَةُ أَغْلَظُ.
وَيُسَنُّ صَيِّتٌ حَسَنُ الصَّوْتِ عَدْلٌ. وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَشَرْطُهُ الْوَقْتُ إلَّا الصُّبْحَ فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ
(ويكره للمحدث) غير المتيمم؛ لخبر ((لا يؤذن إلا متوضئ))، نعم إن أحدث أثناءه سُنّ إتمامه (وللجنب أشد)؛ لغلظ حدثه (والإقامة أغلظ)؛ لتسببه لوقوع الناس فيه بانصرافه للطهارة، وتستوي كراهة أذان جنب وإقامة المحدث
(1)
، (ويسن صيّت)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لرائي الأذان ((ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك)) (حسن الصوت)؛ لأنه أبعث للإجابة (عدل)؛ ليؤمن الوقت والعورات، وحر، وعالم بالمواقيت، ومن ذريّة مؤذنيه صلى الله عليه وسلم، فذريته صلى الله عليه وسلم فذرية مؤذني أصحابه، فذرية صحابي غيرهم. ويكره أذان فاسق وصبي مميز وأعمى -؛ لأنهم مظنة الخطأ، والتمطيط والتغني فيه ما لم يتغير المعنى وإلا حرم بل كثير منه كفر- ولا يصح نصب أحدهم راتبا، نعم الأعمى يصح إن ضمّ إليه من يعرفه الوقت (والإمامة أفضل منه في الأصح) لمواظبته صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين (قلت: الأصح أنه) مع الإقامة
(2)
لا وحده (أفضل منها والله أعلم)؛ لقوله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فصلت: 33 قالت عائشة هم المؤذنون، وإنما لم يواظب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء عليه؛ لانشغالهم.
(وشرطه) كهي عدم الصارف فلو قصد تعليم غيره لم يعتد به -وتندب للأذان النية وليست شرطاً- و (الوقت)؛ لأنه إنما يراد به الإعلام، فلا يجوز ولا يصح قبله؛ للإلباس فإن أمنه لم يحرم إلا إن نوى به الأذان؛ لأنه تلبس بعبادة فاسدة، ويستمر وقته ما بقي الوقت، والأفضل أن لا يؤخر عن وقت الاختيار، ويسقط بفعل الصلاة بالنسبة للمصلي فقط (إلا الصبح)؛ للخبر الصحيح فيه. ولا تقدم الإقامة على وقتها بحال، وهو إرادة الدخول في الصلاة حيث لا جماعة وإلا فإذن الإمام ولو بإشارة، ولو قُدِّمت على إذنه أعتد بها. ويشترط أن لا يطول الفصل -بالسكوت أو الكلام لا لحاجة- عرفا بينهما، ولا يضر طوله بالكلام لحاجة، ويسن بعد الإقامة -لكل أحد والإمام آكد- الأمر بتسوية الصفوف وأن يلتفت بذلك يمينا ثم شمالا، فإن كَبُر المسجد أمر الإمام من يأمر بالتسوية فيطوف عليهم أو ينادي فيهم، وينتظر الإمام التسوية بعد الإقامة إلا إن مضى بها زمن يقطع الإقامة عن الصلاة من كل وجه فإن مضى ذلك الزمن أعادها، ثم إن الكلام في غير الجمعة؛ لوجوب الموالاة فيها فيضبط الطول فيها بركعتين بأخف ممكن (فمن نصف الليل)
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية فاعتمد أن الأشد كراهة الأخير.
(2)
. وفاقا لشرح المنهج وخلافا لهما.
وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَآخَرُ بَعْدَهُ. وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ إلَّا فِي حَيْعَلَتَيْهِ فَيَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللهِ
كالدفع من مزدلفة، واختير تحديده بالسحر وهو السدس الأخير. (ويسن مؤذنان للمسجد
(1)
وكل محلٍّ للجماعة (يؤذن واحد قبل الفجر) من نصف الليل، والأفضل كونه من السحر (وآخر بعده)؛ للاتباع، والزيادة عليهما لا تسن إلا لحاجة وإلا سُنّ عدمها، فإن احتيج للتعدد فإن اتسع الوقت ترتبوا ويبدأ الراتب منهم وإلا أقرع للابتداء، أو ضاق تفرقوا إن اتسع المسجد وإلا اجتمعوا ما لم يؤد لاختلاط الأصوات، فإن أدى لذلك اقتصروا على واحد كما لو لم يوجد إلا واحد، ثم إن اقتُصر على أذان فما بعد الفجر أولى. ولو أذن الراتب مع غيره أقام الراتب، أو غيره فقط أقام ذلك الغير
(2)
، فإن تعدد الراتب أو تعدد غير الراتب فالأول. (ويسن لسامعه) -كالإقامة- بأن يفسر اللفظ وإلا لم يعتد بسماعه، ولو كان جنيا و حائضا (مثل قوله) بأن يأتي بكل كلمة عقب فراغه منها
(3)
وهو الأفضل، وتحصل السنة بإجابته عقب فراغ الأذان قبل فاصل طويل عرفاً، ولا تحصل بالمقارنة مطلقاً، وذلك؛ لخبر ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن))، وأُخذ منه أن يجيب الترجيع وإن لم يسمعه، ويقطع للإجابة نحو القرآن والدعاء والذكر. وتكره لمن في صلاة إلا الحيعلة أو التثويب أو صدقت فإنه يبطلها إن علم وتعمد، ولمجامع وقاضي حاجة بل يجيبان بعد الفراغ كمصلٍّ إن قرب الفصل، واختار السبكي أن الجنب والحائض لا يجيبان
(4)
. ويجيب مؤذنَيْن سمعهم ولو بعد صلاته والأول آكد إلا أذاني الفجر والجمعة فإنهما سواء. ولو سمع البعض أجاب فيما لا يسمعه (إلا في حيعلتيه) وإلا من يجيبه في الليلة الممطرة ونحو المظلمة عند قوله عقب حيعلتيه
(5)
ألا صلوا في رحالكم (فيقول لا حول) أي تَحَوُّل عن المعصية (ولا قوة) على الطاعة (إلا بالله).
(1)
. والأولى اتحاد المؤذن لأذاني الجمعة كما أفاده الشارح في بابها 2/ 460.
(2)
. خلافا لقضية عبارتهما من تقديم الراتب في هذه الصورة.
(3)
. واعتمدوا الاعتداد بابتدائه مع ابتدائه فرغا معا أم لا خلافا للشارح.
(4)
. خلافا لهم.
(5)
. قال النهاية والمغني الأولى بعد فراغ الأذان.
قُلْتُ: وَإِلَّا فِي التَّثْوِيبِ، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيُسَنُّ لِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ، ثُمَّ اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ.
(قلت: وإلا في التثويب فيقول صدقت وبرِرْت والله أعلم)؛ لأنه مناسب، ويقول في كل من كلمتي الإقامة ((أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض وجعلني من صالحي أهلها))؛ لخبر أبي داود به، (ويسن لكلٍّ) من المؤذن والمقيم والسامع (أن يصلي) ويسلم (على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه) من الأذان؛ لخبر مسلم، وقيست به الإقامة (ثم اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة) أعلى درجة في الجنة؛ لوعده صلى الله عليه وسلم بالشفاعة لمن سألها له (والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) وهو مقام الشفاعة العظمى، وذلك؛ لخبر البخاري ((من قال ذلك حين يسمع النداء حلّت له شفاعتي))، ويسن الدعاء بين الأذان والإقامة؛ لأنه لا يرد. ويكره للمؤذن وغيره الخروج من محل الجماعة بعده وقبل الصلاة إلا لعذر، ويسن تأخير الإقامة قدر ما يجتمع الناس إلا في المغرب؛ رعاية للخلاف.
فصل
اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِصَلَاةِ الْقَادِرِ إلَّا فِي شِدَّةِ الخَوْفِ. وَنَفْلِ السَّفَرِ، فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا،
(فصل) في بيان استقبال الكعبة
(استقبال) عين (القبلة) أي الكعبة وليس منها الحِجْر والشاذروان؛ لأن ثبوتهما منها ظني، والمراد بالعين سَمْت البيت وهواؤه إلى السماء والأرض السابعة مسامتة عرفية بالصدر في القيام والقعود وبمعظم البدن في الركوع والسجود ولا عبرة بالوجه -إلا في المستلقي
(1)
- ولا بنحو اليد (شرط لصلاة القادر) يقينا بمعاينة أو مس أو ارتسام أمارة في ذهنه تفيده ما يفيد أحد هذين في حق من لا حائل بينه وبينها، أو ظنا فيمن بينه وبينها حائل محترم أو عجز عن إزالته للآية؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين في وجه الكعبة وقال ((هذه القبلة))، وليس المراد بالصدر حقيقته بل جميع عرض البدن وهو من طرف المنكب إلى طرف المنكب الآخر
(2)
، فلو استقبل طرفها فخرج شيء من العرض -بخلاف غيره كطرف اليد- عن محاذاته لم تصح بخلاف استقبال الركن؛ لأنه مستقبل بجميع العرض لمجموع الجهتين، ومن ثم لو كان إماما امتنع التقدم عليه في كل منهما. أما العاجز عن الاستقبال لنحو مرض أو ربط أو خوف من نزوله عن دابته على نحو نفسه أو ماله أو انقطاعه عن رفقة -إن استوحش به- فيصلي على حسب حاله ويعيد مع صحة صلاته؛ لندرة عذره. ولو تعارض هو والقيام قدمه؛ إذ لا يسقط في النفل إلا بعذر بخلاف القيام (إلا في شدة الخوف) وما أُلحق به؛ للضرورة، نعم لو حصل الأمان وهو راكب فأراد النزول وتكملة صلاته أشترط أن لا يستدبر القبلة حال نزوله (ونفل السفر) المباح الذي تقصر فيه الصلاة لو كان طويلا (فللمسافر) لمقصد معين مع بقية الشروط -إلا طول السفر- (التنفل) ولو كسوفاً صوب مقصده (راكبا)؛ للاتباع وإعانة للناس
(3)
(وماشيا)
(1)
. كما يأتي في صفة الصلاة.
(2)
. كما في الإمداد.
(3)
. ويأتي أن الأصح في سجود التلاوة والشكر جوازهما على الراحلة ويجوزان جزما للمسافر الماشي 2/ 218.
وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى المَشْهُورِ. فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ فِي مَرْقَدٍ، وَإِتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا. وَيَخْتَصُّ بِالتَّحَرُّمِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي السَّلَامِ أَيْضًا
ويشترط ترك فعل كثير كعدو أو إعداء نحو خيل وتحريك رجل لغير حاجة، وترك تعمد وطء نجس وإن عمّ الطريق، فإن نسيه ضرّ رطب غير معفو عنه لا يابس، وأما الدابة فإن كان لجامها بيده ووطئت نجاسة أو تنجس فمها ضرّ؛ لأنه بإمساكه حامل لمماس أو مماس مماس النجاسة وهو مبطل بخلافه بلا حمل، ولا يكلف ماشٍ التحفظ عن النجاسة؛ لاختلال خشوعه به، ودوام سيره، فلو بلغ المحطّ المنقطع به السير أو طرف محل الإقامة أو نواها ماكثا بمحل صالح لها
(1)
نزل وأتمها بأركانها للقبلة ما لم يمكنه ذلك عليها، ويجب استقبال راكب السفينة
(2)
إلا الملاح وهو من له دخل في تسييرها فإنه لا يلزمه الاستقبال إلا في التحرم إن سهل
(3)
، ولا يلزمه إتمام الأركان وإن سهُل؛ لأنه يقطعه عن عمله، (ولا يشترط طول سفره على المشهور)؛ لعموم الحاجة، نعم يشترط أن يكون مقصده على مسافة لا يسمع فيها النداء بشرطه في الجمعة، (فإن أمكن) أي سهل (استقبال الراكب في مرقد وإتمام ركوعه وسجوده) وحدهما أو مع غيرهما (لزمه) الاستقبال والإتمام لما قدر عليه من الكل أو البعض (وإلا فالأصح أنه إن سهُل الاستقبال) لنحو وقوف الدابة، وسهولة انحرافه عليها أو تحريفها، أو سيرها وزمامها بيده وهي ذلولة (وجب)؛ لتيسره (وإلا فلا) يجب؛ لعسره (ويختص بالتحرم) لا ما بعده وإن سهل، نعم الواقفة لا يصلي عليها ما دامت واقفة إلا إلى القبلة لكن لا يلزمه إتمام الأركان، ويجوز السير بعد وقوفه والبناء مطلقا
(4)
، والحاصل أنه لا يجب الاستقبال وإتمام الأركان إلا إن قدر عليهما معا وإلا لم يجب الإتمام مطلقا ولا الاستقبال إلا في التحرم إن سهل والكلام في غير الواقفة كما مر؛ (وقيل يشترط في السلام أيضا) كالتحرم، ويردُّ بأنه
(1)
. خلافا لهم حيث قالوا وإن لم يصلح للإقامة.
(2)
. ظاهره مطلقاً أي فإن لم يسهل فلا يجوز النفل فقول شيخ الإسلام والخطيب كهودج وسفينة ضعيف بالنسبة للسفينة.
(3)
. خلافا لهم في هذا الاستثناء.
(4)
. هذا ما يفهمه تبري الشارح بل وما اعتمده الشارح في الإمداد خلافا للنهاية كوالده من التفصيل أي فإذا سار بسير الرفقة أتم لجهة مقصده أو لا لغرض امتنع حتى يتم.
وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ عَنْ طَرِيقِهِ إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ. وَيُومِئُ بِرُكُوعِهِ، وَبِسُجُودِهِ أَخْفَضَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ المَاشِيَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا وَفِي إحْرَامِهِ، وَلَا يَمْشِي إلَّا فِي قِيَامِهِ وَتَشَهُّدِهِ. وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا عَلَى دَابَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَهِيَ وَاقِفَةٌ جَازَ، أَوْ سَائِرَةٌ فَلَا
يحتاط لانعقاد أكثر، (ويحرم انحرافه) إن لم يقطع الصلاة -بأن مضى فيها- (عن) صوب مقصده عالما عامدا مختارا؛ لتلبسه بعبادة فاسدة لبطلانها به، أما إن قطعها فلا حرمة؛ لجواز قطع النفل، وأما إن انحرف ناسيا أو جاهلا أو لغلبة الدابة فلا بطلان
(1)
إن عاد عن قرب وإلا بطلت، ولو انحرف قهرا بطلت مطلقا؛ لندرته، فلا يعدل عن (طريقه) أي مقصده، نعم لا يضر سلوك منعرجات الطريق وإن صار مقصده والقبلة خلف ظهره؛ للمشقة (إلا إلى القبلة) -وإن كانت خلف ظهره-؛ لأنها الأصل، ولو قصد غير مقصده انحرف إليه فورا (ويؤمي) إن شاء (بركوعه وبسجوده أخفض) وجوباً إن أمكنه؛ ليتميز عنه، ولا يلزمه وضع الجبهة على نحو السرج ولا بذل وسعه في الانحناء؛ للمشقة. (والأظهر أن الماشي يتم ركوعه وسجوده)؛ لسهولته، ويؤمي في نحو الثلج والوحل (ويستقبل فيهما وفي إحرامه) وجلوسه بين السجدتين وجوباً (ولا يمشي إلا في قيامه) -ومنه الاعتدال-؛ لسهولة مشي القائم، ولا يجوز بين السجدتين؛ لقصره مع إحداث قيام فيه، ولذا لو كان يزحف أو يحبو جاز له فيه (وتشهده) -ولو أولاً-؛ لطوله كالقيام وسلامه كالاعتدال. (ولو صلى) شخص قادر على النزول (فرضا) ولو نذرا، وكذا جنازة (على دابة واستقبل وأتم ركوعه وسجوده) وسائر أركانه (وهي واقفة جاز) وإن لم تكن معقولة، أما إن كان غير مستقبل أو لم يتم كل الأركان (أو سائرة) وإن لم تمش إلا ثلاث خطوات متوالية (فلا) يجوز -إلا لعذر-؛ لنسبة سيرها إليه بدليل صحة الطواف عليها، وفارقت السفينة بأنها تشبه البيت للإقامة فيها شهراً، والسرير الذي يحمله رجال بأن سيره منسوب إليهم وسير الدابة منسوب إليه وبأنها لا تراعي جهة واحدة ولا تثبت عليها بخلافهم، أما العاجز عن النزول -كأن خشي منه مشقة لا تحتمل عادة
(1)
. ولا يسجد للسهو خلافا لهما.
وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ عَلَى سَطْحِهَا مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ جَازَ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ وَالِاجْتِهَادُ، وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ
أو فوت رفقة لا مجرد وحشة- فيصلي عليها حسب حاله ولا إعادة عليه إن استقبل وأتم الأركان
(1)
، ولو خاف الماشي
(2)
ذلك لو أتم ركوعه وسجوده أومأ بهما وأعاده.
(ومن صلى في الكعبة واستقبل جدارها أو بابها مردودا) وإن لم ترتفع عتبته إن سامت بعض الباب (أو مفتوحا مع ارتفاع عتبته ثلثي ذراع) آدمي تقريباً، واشترط ذلك لكي يصلي إليها لا فيها، ولذا جاز استقبال هوائها لمن هو خارجها ولو هدمت؛ لتسميته عرفا مستقبلا (أو على سطحها) أو في عرصتها لو انهدمت والعياذ بالله (مستقبلا من بنائها) أو ما ألحق به كعصا مسمرة أو ثابتة، وشجرة نابتة ولو جافة وتراب منها مجتمع (ما سبق جاز)؛ لتوجهه إلى جزء من البيت وإن بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع أو خرج بعض بدنه عن هواء الشاخص، وصح أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيها النفل وقيس به الفرض، والنفل داخلها أفضل منه ببقية المسجد بخلاف البيت فإنه فيه أفضل منه حتى من الكعبة
(3)
، والفرض أفضل في الكعبة إلا إذا رجا جماعة خارجها؛ لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من تلك المتعلقة بمحلها، أما إذا لم يستقبل ما ذكر فلا يصح؛ لأنه صلى في البيت الحرام لا إليه (ومن أمكنه علم القبلة) بأن كان بالمسجد الحرام أو خارجه ولا حائل، أو ثَمَّ حائل أحدثه لغير حاجة، أو أحدثه غيره تعديا وأمكنته إزالته (حرُم عليه التقليد) لغيره المخير عن اجتهاد أو علم (والاجتهاد) فعُلم أن من بالمسجد وهو أعمى أو في ظلمة لا يعتمد إلا اللمس الذي يحصل له به اليقين أو إخبار عدد التواتر وكذا قرينة قطعية بأن كان قبل أن يعمى رأى محلا يكون فيه من جعل ظهره له مثلا مستقبلا أو أخبره بذلك عدد التواتر (وإلا) يمكنه علم عينها، أو أمكنه وثَمَّ حائل ولو حادثا بفعله لحاجة -لكن إن لم يكن تعدى بإحداثه أو زال تعديه- (أخذ) وجوبا في الأول وكذا الثانية إن لم يتكلف المعاينة (بقول ثقة) في الرواية بصير ولو أمة -لا كافر أو فاسق أو غير مكلف- ويجب سؤاله إن لم تكن فيه مشقة عرفا (يخبر عن علم) أو ظنّ كقوله
(1)
. خلافا للنهاية وشرح المنهج فأوجبا الإعادة.
(2)
. اختلف المحشيين هل فرض ذلك في الفرض أو النفل.
(3)
. ويأتي آخر صفة الصلاة تقييد لذلك.
فَإِنْ فُقِدَ وَأَمْكَنَ الِاجْتِهَادُ حَرُمَ التَّقْلِيدُ. وَإِنْ تَحَيَّرَ لَمْ يُقَلِّدْ فِي الْأَظْهَرِ وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ وَيَقْضِي. وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الِاجْتِهَادِ وَتَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ كَأَعْمَى قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا
هذه الكعبة، أو رأيت الجمّ الغفير يصلون لهذه الجهة، أو القطب
(1)
هنا وهو عالم بدلالته، وكمحراب وهو بقرية نشأ بها قرون من المسلمين بشرط أن يسلم من الطعن، أو كان المحراب بطريق يكثر طارقوها من المسلمين، ويجوز الاجتهاد في المحراب المذكور بأقسامه يمنة ويسرة؛ لإمكان الخطأ فيهما لا جهة؛ لاستحالته فيها. ويجب الأخذ بقول صاحب المنزل في القبلة ويحرم الاجتهاد، ومحله إذا لم يعلم أن سبب إخباره اجتهاده وإلا لم يجز لقادر على الاجتهاد الأخذ بخبره، نعم ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى إليه ومثله محاذيه يمتنع الاجتهاد فيه ولو يمنة ويسرة؛ لأنه لا يُقَرُّ على خطأ، (فإن فُقِد) الثقة السابق (وأمكنه الاجتهاد) لعلمه بأدلة القبلة (حرُم التقليد)؛ لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا بل يجتهد وجوبا بالأدلة، وأضعفها الريح وأقواها القَُِطب الشمالي، (وإن تحيّر) لنحو غيم أو تعارض أدلة (لم يقلد في الأظهر) وإن ضاق الوقت؛ لأن التحير زائل عن قرب (وصلّى كيف كان)؛ لحرمة الوقت، وكذا لو ضاق الوقت عن الاجتهاد (ويقضي، ويجب) حيث لم يكن ذاكرا للدليل الأول (تجديد الاجتهاد) وسؤال المجتهد حيث جوّزنا تقليده (لكلِّ صلاة) أي فرض عيني مؤداة أو فائتة ولو منذرة ومعادة مع جماعة (تحضر) أي يدخل وقتها (على الصحيح)؛ -وإن لم يفارق محله-؛ سعيا في إصابة الحق ما أمكن، (ومن عجز عن الاجتهاد وتعلم الأدلة كأعمى) بصر أو بصيرة (قلد) وجوباً (ثقة
(2)
في الرواية كأمَةٍ، لا غير مكلف ولا فاسق وكافر إلا إن علّمه
(3)
قواعد صيرت له ملكة بعلم القبلة بحيث يمكنه أن يبرهن عليها وإن نسي تلك القواعد (عارفا) بالأدلة، فإن صلى بلا تقليد قضى وإن أصاب. وإن اختلف عليه مجتهدان أخذ ندبا بقول أعلمها وأوثقهما.
(1)
. قال في أسنى المطالب: ((قال الشيخان: وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي ويختلف باختلاف الأقاليم)).
(2)
. فلو قلد أعمى في القبلة فأبصر فيها بطلت كما ذكره الشارح في التيمم 1/ 367.
(3)
. ظاهره رجوع الضمير المستتر لكل من الثلاثة وقضية كلام النهاية رجوعه للكافر فقط.
وَإِنْ قَدَرَ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ فَيَحْرُمُ التَّقْلِيدُ. وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فَتَيَقَّنَ الخَطَأَ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ، فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا. وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ عَمِلَ بِالثَّانِي وَلَا قَضَاءَ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا قَضَاءَ
(وإن قدر فالأصح وجوب التعلم) للأدلة عينا لظواهرها دون دقائقها إن كان بحضر أو أراد سفرا يقل فيه العارفون وليس بين قرى متقاربة بها محاريب معتمدة؛ لكثرة الاشتباه حينئذ مع ندرة من يرجع إليه، بخلاف من بحضر أو سفر يكثر عارفوه أو بين قرى يسهل رؤية عارف أو محراب مُعْتَمَد قبل ضيق الوقت فإن التعلم حينئذ فرض كفاية فيصلي بالتقليد ولا يقضي. وإذا لزمه التعلم عصى بتركه (فيحرم التقليد) وإن ضاق الوقت عن تعلمها فيصلي ويقضي. (ومن صلى بالاجتهاد) منه أو من مقلَّده (فتيقن الخطأ) معينا -ولو يمنة أو يسرة- بمشاهدة الكعبة أو نحو المحراب السابق أو بإخبار ثقة عن أحد هذين (قضى) إن بان له بعد الوقت وإلا أعاد فيه (في الأظهر) ويجب القضاء سواء أتيقن الصواب أو ظنه، أما إذا لم يتيقن الخطأ فلا قضاء جزما وإن ظنه باجتهاد؛ لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، (فلو تيقنه فيها) ولو يمنة أو يسرة، وإن كان بإخبار ثقة يخبر عن علم (وجب استئنافها، و) أما لو ظنه بـ (ان تغير اجتهاده) إلى أرجح بأن ظهر له أصواب في جهة أخرى أو أخبره به -عن اجتهاد- أعلم عنده من مقلَّده (عمل بالثاني) وجوبا؛ لأنه الصواب في ظنه، لكن يشترط مقارنة ظهوره لظهور الخطأ وإلا بطلت؛ لمضي جزء منها إلى غير قبلة محسوبة. وخرج بقولي ((أرجع)) الأضعف والمساوي فلا عبرة بهما. وبـ ((أعلم عنده)) الأدون والمثل والمشكوك فيه، وبـ ((أخبره به عن اجتهاد)) إخباره عن عيان
(1)
فيجب قطعها وإن كان مقلَّده أرجح، وبـ ((فيها)) ما لو تغير قبلها فإن تيقن الخطأ اعتمد الصواب، وإن ظنه وظن الصواب جهة أخرى اعتمد أوضحهما دليلا عنده، فإن تساويا تخيَّر ويعيد؛ لتردده حال الشروع، وأما لو تغير بعدها فلا أثر له إلا إن تيقن الخطأ كما مر، (ولا قضاء) والمراد ما يشمل الإعادة (حتى لو صلى أربع ركعات) بنية واحدة (لأربع جهات بالاجتهاد) أربع مرات، بأن ظهر له الصواب في كلٍّ مقارنا للخطأ وكان الثاني أقوى من الأول (فلا قضاء)؛ لأن كل واحدة مؤداة باجتهاد ولم يتعين الخطأ.
(1)
. المذكور آنفا بقوله ((إن كان بإخبار ثقة يخبر عن علم)).
باب صفة الصلاة
أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ: النِّيَّةُ، فَإِنْ صَلَّى فَرْضًا وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ وَتَعْيِينُهُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ الْإِضَافَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى،
(باب صفة الصلاة)
أي كيفيتها المشتملة على فرض داخل ماهيتها ويسمى ركنا، وخارج عنها ويسمى شرطا -وهو ما قارن كل معتبر سواه-، وعلى سنة وهي إما تجبر بسجود السهو وتسمى بعضا، أوْ لا تجبر به وتسمى هيئة (أركانها) أي الفروض الداخلة فيها (ثلاثة عشر)؛ بناءً على أن الطمأنينة في محالها الأربعة صفة تابعة للركن، وقيل سبعة عشر؛ بناء على أنها ركن مستقل، والخلاف معنوي
(1)
ذلك أن من شك في السجود في طمأنينة الاعتدال لم يؤثر شكه إن جعلنها تابعة، وإن جعلناها مقصودة لزمه العود للاعتدال فوراً، والمقرر الثاني، وأما فقد الصارف فهو ليس ركنا بل هو شرط للاعتداد بالركن، وأما جعل الفاعل ركنا في الصوم فهو؛ لأن ماهيته لا وجود لها في الخارج وإنما تتعقل بتعقل الفاعل بخلافها.
أحدها (النية، فإن صلى فرضا) أي أراد صلاته (وجب قصد فعله) -من حيث كونه صلاة؛ ليتميز عن بقية الأفعال-، فلا يكفي إحضارها في الذهن بل لابد من تصد إيجادها (وتعيينه
(2)
كظُهْر
(3)
؛ ليتميز عن غيره، فلا يكفي نية فرض الوقت، (والأصح وجوب نية الفرضية) -في مكتوبة ونذر وصلاة جنازة-؛ لتتميز عن النفل، كأصلي فرض الظهر أو الظهر فرضا والأُوْلى أَولى؛ للخلاف في إجزاء الثانية، وتجب أيضا في المعادة
(4)
وصلاة الصبي
(5)
لمحاكاتها الأصلية
(6)
(دون الإضافة إلى الله تعالى) أي استحضارها في الذهن؛ لأنها لا تكون
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. قال المغني: الأصوب أن يقول فعلها وتعيينها.
(3)
. ولو شك أنوي ظهرا أم عصرا ضر، كما اعتمده الشيخ في الفتح خلافا لكلامه في الفتاوى.
(4)
. لكنه ينوي الفرض صورةً، أو ما هو فرض على المكلف في الجملة، كما قيده الشارح في صلاة الجماعة.
(5)
. خلافا للنهاية والمغني، ووفاقا لشيخ الإسلام والشهاب.
(6)
. وقال الشارح في باب الوضوء: ((ولأن المراد بالفرض ثَمَّ صورته كما في المعادة)) 1/ 194.
وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ. وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ أَوْ السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ. وَفِي نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ المُطْلَقِ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ
- أي باعتبار الواقع- إلَّا له، نعم تسن؛ خروجا من خلاف موجبها كما يسن نية الاستقبال وعدد الركعات؛ لذلك (وأنه) تسن نية الأداء والقضاء، (وأنه يصح الأداء بنية القضاء وعكسه) إن عذر بنحو غيم أو قصد المعنى اللغوي وإلا لم يصح؛ لتلاعبه، ولذا فإن من مكث يصلي الصبح سنين ظانا دخول وقته ثمّ بان خطؤه لم يلزمه إلا قضاء واحدة؛ لأن صلاة كل يوم تقع عما قبله؛ إذ لا تشترط نية القضاء، ولا يعارضه أن من صلى الظهر بالاجتهاد فبانت قبل الوقت لم تقع عن فائتة عليه؛ لأنه في هذه قصد أنها التي دخل وقتها بخلافه في الأول فلم يقصد ذلك بل قصد التي عليه فقط، (والنفل ذو الوقت أو السبب كالفرض فيما سبق) من اشتراط قصد فعل الصلاة، وتعيينها إما بما اشتهر به كالتراويح، أو بالإضافة كعيد الفطر وخسوف القمر وسنّة نحو الظهر القبلية والبعدية، نعم
(1)
ما تندرج في غيرها لا يجب تعيينها بالنسبة لسقوط طلبها، بل لحيازة ثوابها كتحية وسنة إحرام واستخارة ووضوء وطواف، (وفي نية النفلية وجهان، قلت: الصحيح لا تشترط نية النفلية والله أعلم)؛ لأن النفلية لازمة له بخلاف الفرضية للظهر مثلا؛ إذ قد تكون معادة، ويسن هنا
(2)
نية الأداء والقضاء والإضافة إلى الله تعالى والاستقبال وعدد الركعات، ويبطل الخطأ في عددها إن كان عامدا
(3)
، ولا يضر الخطأ في اليوم سواء كان في الأداء أو في القضاء
(4)
، (ويكفي في النفل المطلق) وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب (نية فعل الصلاة)؛ لأنه أدنى درجاتها، (والنية بالقلب) إجماعاً؛ لأنها القصد وهو لا يكون إلا بالقلب، فلا يضر النطق.
(1)
. فهي مستثناة من اعتبار التعيين في النفل ذي السبب وفاقا لشرح المنهج قال في النهاية: والتحقيق عدم الاستثناء.
(2)
. أي في النفل المقيد بوقت أو سبب.
(3)
. خلافا لهما في البطلان عند السهو.
(4)
. قال الشارح في صلاة الجنازة: ((ولو عين الإمام وأخطأ بطلت ما لم يشر إليه)).
وَيُنْدَبُ النُّطْقُ قُبَيْلَ لتَّكْبِيرِ.
الثَّانِي تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَادِرِ: اللهُ أَكْبَرُ. وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الِاسْمَ كَاَللهِ الأَكْبَرُ وَكَذَا اللهُ الجَلِيلُ أَكْبَرُ فِي الْأَصَحِّ، لَا أَكْبَرُ اللهُ عَلَى الصَّحِيحِ
إذا خالف ما في القلب
(1)
(ويندبه النطق) بالمنوي (قبيل التكبير)؛ ليساعد اللسان القلب وخروجاً من خلاف من أوجب.
[تنبيه] مَن مَحَّض عبادته لخوف عقاب أو طلب ثواب لم تصح عبادته
(2)
، بخلاف من لم يمحضها كما لو قيل له صلِّ ولك دينار فصلى لله تعالى مع طمعه في الدينار وطلبه فتصحّ ولا دينار له، والأفضل أن يجرد العبادة عن ذلك.
(الثاني تكبيرة الإحرام)؛ لحديث ((تحريمها التكبير))، والواجب فيها ككل قولي إسماع نفسه إن صح سمعه ولا لغط أو نحوه، (ويتعين على القادر الله أكبر)؛ للاتباع، فلا يكفي الله كبير، ولا الرحمن أكبر. ويسن جزم الراء وإيجابه غلط؛ لأن حديثه لا أصل له، ويضر زيادة واو ساكنة؛ لأنه يصير جمع لاهٍ، أو متحركة بين الكلمتين كمتحركة قبلهما، وكلّ ما غير المعنى كتشديد الباء وزيادة ألف بعدها، بل إن عرف معناه كفر، ولا تضر سكتة تنفس بين كلمتيه وكذا ما زاد عليها لنحو عِي، ويسن أن لا يصل همزة الجلالة بنحو مأموما. ولو كبّر مرات ناويا الافتتاح بكلٍّ دخل بالوتر وخرج بالشفع؛ لأنه لما دخل بالأولى خرج بالثانية؛ لأن نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الأولى وهكذا، فإن لم ينو ذلك ولا تخلل مبطل -كإعادة لفظ النية- فما بعد الأولى ذِكْرٌ لا يؤثر، (ولا تضر زيادة لا تمنع الاسم) بأن كانت بعد التكبير مطلقا، أو بين جزأيه وقَلَّت وهي مِن أوصافه تعالى بخلاف ((هو)) و ((يا رحمن
(3)
(كالله) أكبر من كل شيء، وكالله (الأكبر)؛ لإفادتها للمبالغة في التعظيم، ومع ذك فهي خلاف الأولى؛ للخلاف في إبطالها، (وكذا الله الجليل) أو عز وجل (أكبر في الأصح)؛ لأنها زيادة يسيرة بخلاف الطويلة كالله لا إله إلا هو أكبر، (لا أكبر الله على الصحيح)؛ لأنه لا يسمى تكبيرا.
(1)
. أفاد الشارح عند كلامه على نية الصوم أنه لو عقبها بإنشاء الله فإن قصد التبرك صحَّ بخلاف التعليق أو أطلق.
(2)
. يفهم من كلام الشارح أن سبب عدم الصحة زوال إسلامه بسبب ذلك التمحيض.
(3)
. لإيهامه الإعراض عن التكبير إلى الدعاء.
وَمَنْ عَجَزَ تَرْجَمَ، وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَالْأَصَحُّ رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ. وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَقِيلَ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ
(ومن عَجز) عن النطق بالتكبير ولم يمكنه التعلم في الوقت (ترجم) عنه وجوباً (ووجب التعلم إن قدر) ولو بسفرٍ إن وجد المؤن المعتبرة في الحج، ولا يبعد وجوب المشي على من قدر عليه وإن طال. ويجب قضاء ما صلَّاه بالترجمة إن ترك التعلم مع إمكانه، ووقته من الإسلام فيمن طرأ عليه، وفي غيره من التمييز
(1)
ككل واجب قولي، وعلى أخرس
(2)
تحريك لسانه على مخارج الحروف وشفتيه ولهاته، فإن لم يحسن ذلك نواه بقلبه ويقف بقدرها (ويسن) للإمام الجهر بتكبير تحرمه وانتقاله، وكذا مبلِّغ إن احتيج إليه لكن إن نويا الذكر أو الذكر والإسماع وإلا بطلت وغير المبلغ يكره له ذلك؛ لإيذائه غيره. ويسن للمصلي مطلقا (رفع يديه) أي كيفية (في تكبيره) الذي للتحرم إجماعاً (حذو منكبيه) فتحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه؛ للاتباع، ويسن كشفهما، ونشر أصابعه، وتفريقها وسطا، (والأصح) أفضلية (رفعه مع ابتدائه) أي التكبير؛ للاتباع، ولا يندب انتهاء الرفع مع انتهاء التكبير
(3)
، ويسن إرسالهما إلى ما تحت صدره، (ويجب قرن النية بالتكبير) كله، فيستحضر مع ابتداء التكبير كل ما اعتبر فيها مما مر وغيره كنية القصر للقاصر وكونه إماما مطلقا أو مأموما في الجمعة، والأفضل فقط لمأموم في غيرها أن يستحضر القدوة، ثم يستمر مستصحبا لذلك كله إلى الراء. والمتجه
(4)
وجوب مقارنة النية في نحو الجليل من الله الجليل أكبر؛ لكي لا تعزب النية (وقيل يكفي) قرنها (بأوَّلِهِ)؛ لأن استصحابها دواما لا يجب ذكرا، ورُدَّ بأن الانعقاد يحتاط له، نعم اختار جمع أنه يكفي فيها المقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضرا للصلاة.
(1)
. خلافا للنهاية فعنده من البلوغ.
(2)
. نقل ابن قاسم عن الرملي تقييده بمن طرأ خرسه.
(3)
. خلافا لهم.
(4)
. خلافا للشهاب والنهاية والمغني.
الثَّالِثُ الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ. وَشَرْطُهُ نَصْبُ فَقَارِهِ، فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا أَوْ مَائِلًا بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ،
(الثالث القيام
(1)
في فرض القادر) ولو فرض صبي ومعادة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعَمْران ابن الحصين وكانت به بواسير ((صلِّ قائما، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى الجنب))، وخرج بالقادر غيره كراكب سفينة خاف نحو دوران رأس إن قام وكسلس لا يستمسك حدثه إلا بالقعود، وكرقيب غزاة أو كمينهم
(2)
خاف إن قام رؤية العدو وفساد التدبير، لكن تجب الإعادة هنا؛ لندرته بخلاف ما لو كان خوفهم من قصد العدو لهم فلا إعادة؛ لأنه ليس بنادر
(3)
،. ولو أمكن مريضٌ القيامَ
(4)
بلا مشقة لو صلى منفردا ولو صلى في جماعة لم يمكنه إلا مع الجلوس في بعضها فله الصلاة جماعة مع الجلوس لكن انفراده أفضل؛ ليأتي بها كلها من قيام لأن عذره اقتضى مسامحته بتحصيل الفضائل، ومثل الجماعة هنا قراءة السورة. ويسن أن يُفرِّق بين قدميه بشبر.
(وشرطه) الاعتماد على قدميه أو إحداهما إن أمكنه
(5)
، و (نصب فقاره)؛ لأن اسم القيام لا يوجد إلا معه، ولا يضر استناده على ما لو زال لسقط إلا إن كان بحيث أمكنه رفع رجليه؛ لأنه الآن غير قائم بل معلق نفسه، ومن ثم لو أمسك واحد منكبيه أو تعلق بحبل في الهواء بحيث لم يصر له اعتماد على شيء من قدميه لم تصح صلاته وإن مستا الأرض، ولا يضر قيامه على ظهر قدميه من غير عذر؛ لأنه لا ينافي اسم القيام، (فإن وقف منحنيا) لأمَامِه أو خلفه بأن يصير إلى أقل الركوع أقرب، وبتقدير ذلك في الانحناء خلفه (أو مائلا بحيث لا يسمى قائما) عرفاً (لم يصح)، ويقاس به ما لو زال اسم القعود الواجب بأن يصير إلى أقل
(1)
. ومرَّ في التيمم أنه لو تيقن القيام آخر الوقت فانتظاره أفضل أو ظنه فتعجيل الصلاة قاعدا أفضل 1/ 334.
(2)
. كمن كمونا اختفى، قال الأزهري كمينا بمعنى كامن مثل عليم وعالم.
(3)
. وردَّ الشارح علة النهاية والمغني بأن العذر هنا أعظم بقوله: ((إذ الأعظمية لا دخل لها في الإعادة وعدمها)).
(4)
. وتقدم أنه لو تعارض هو والاستقبال أنه يقدم الاستقبال؛ لأنه آكد 1/ 486.
(5)
. نعم لو عجز عنه إلا بنحو خشبتين أو كان مصلوبا بلا تبطل؛ للضرورة.
فَإِنْ لَمْ يُطِقِ انْتِصَابًا، وَصَارَ كَرَاكِعٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ كَذَلِكَ، وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ. وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَامَ وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إمْكَانِهِ. وَلَوْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ. وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ فِي الْأَظْهَرِ
الركوع أقرب، وحيث أطاق أصل القيام أو دوامه
(1)
بالمعين لزمه أجرة مِثْل فاضلة عما يعتبر في الفطرة، (فإن لم يطق وصار كالراكع) لِكِبَرٍ أو غيره (فالصحيح أنه يقف كذلك) وجوبا (ويزيد انحناءه لركوعه إن قدر)؛ تمييزا بين الواجبين، فإن لم يقدر على الزيادة لزمه إذا فرغ من قدر القيام أن يصرف ما بعده للركوع بطمأنينته ثم للاعتدال بطمأنينته (ولو أمكنه القيام دون الركوع والسجود) منه (قام) وجوباً وإن كان مائلا على جنب أو أقرب إلى حد الركوع (وفعلهما بقدر إمكانه) فيحني إمكانه صلبَه ثم رقبته ثم رأسه ثم طَرْفَه؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور. ولو أمكنه الركوع فقط كرره عنه وعن السجود، فإن قدر على زيادة على أكمله لزمه جعلها للسجود؛ تمييزاً بينهما، وإن كان لو صلى قاعدا أتمهما أو قائما يؤمي صلى قاعداً وأتمها؛ لأن اعتناء الشارع بتمامها أكثر، وكذا في صلاة الفرض فيما لو كان لو قرأ السورة أو صلى مع الجماعة قعد فيجوز له القعود كما مر؛ تحصيلاً لفضل السورة والجماعة ولا يؤمي بالركوع والسجود بل يقوم بعد السورة فيأتي بالركوع من قيام ثم السجود. (ولو عجز عن القيام) لمشقة شديدة لا تحتمل عادة
(2)
وإن لم تبح التيمم كدوران رأس راكب السفينة (قعد كيف شاء) ولا ينقص ثوابه؛ لعذره، ولو نهض متجشما المشقة لم تجز له القراءة في نهوضه؛ لأنه دون القيام الصائر إليه (وافتراشه) في محل قيامه (أفضل من) توركه، وكذا من (تربعه في الأظهر)؛ لأنه العهود في غير محل القيام ماعدا التشهد الأخير، والمراد بأفضل هنا إنه الفاضل وغيره جائز، ويندب بالوجه أيضاً، ويُقدَّم التربع على التورك عند التعارض.
(1)
. خلافا لظاهر النهاية والمغني من التفريق بين المعين والعكازة بأن الأول لا يجب إلا في الابتداء والثاني يجب في الابتداء والدوام.
(2)
. خلافا لهما حيث اعتمدا أنه يكفي فقط إذهاب خشوعه.
وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَنْحَنِي لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامُ رُكْبَتَيْهِ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ صَلَّى لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ عَجَزَ فَمُسْتَلْقِيًا
(ويكره) الجلوس مادَّاً رجليه، و (الإقعاء)؛ للنهي عنه (بأن يجلس على وركيه) وهما المتصلان بمحل القعود من الأليتين (ناصبا ركبتيه)؛ لتشبهه بالكلاب والقردة، نعم الإقعاء -بمعنى أن يلصق بطون أصابع رجليه بالأرض ويضع ألييه على عقبيه- سنّة في كلِّ جلوس قصير وإن كان الافتراش أفضل منه (ثم ينحني) وجوبا من صلى الفرض قاعدا (لركوعه) إن قدر (بحيث تحاذي جبهته ما قدَّام ركبتيه والأكمل أن تحاذي موضع سجوده) وركوع القاعد في النفل؛ قياسا على أقل ركوع القائم وأكمله؛ إذ الأول يحاذي فيه ما أمام قدميه والثاني يحاذي فيه قريب من محل سجوده، (فإن عجز عن القعود صلى لجنبه) وشرطه استقبال القبلة بمقدم بدنه
(1)
(الأيمن) كالميت في لحده، ويكره كونه على الأيسر إن أمكنه على الأيمن، (فإن عجز) ولو بمعرفة نفسه أو بقول طبيب ثقة -ولو عدل رواية-: إن صليتَ مستلقيا أمكنتْ معالجة عينيك مثلا (فمستلقيا) يصلي على ظهره ويجب أن يضع تحت رأسه نحو مخدَّة ليستقبل بوجهه القبلة لا السماء إلا أن يكون داخل الكعبة وهي مسقوفة أو بأعلاها ما يصح استقباله، وفي داخلها له أن يصلي مُنْكَبَّاً على وجهه ولو مع قدرته على الاستلقاء. ويسن كون أَخمصيه للقبلة إلا إذا تعذر الاستقبال بالوجه فيجب؛ تحصيلا له ببعض بدنه ما أمكن، ثم إن أطاق الركوع والسجود أتى بهما وإلا أومأ بهما برأسه ويقرب جبهته من الأرض ما أمكنه والسجود أخفض، ويكفي أدنى زيادة على الإيماء بالركوع، فإن عجز أومأ بأجفانه
(2)
ولا يجب هنا إيماء أخفض للسجود؛ لعدم ظهور تمييز بينهما في الإيماء بالطرف، فإن أكره على ترك كل ما ذكر أجرى الأفعال على قلبه ولا إعادة
(3)
، نعم إذا اكره على التلبس بفعل منافٍ للصلاة فلا يلزمه شيء ما دام الإكراه وتلزمه الإعادة؛ لندرة عذره، والإكراه هنا أوسع مما يأتي في الطلاق.
(1)
. خلافا لشيخ الإسلام والمغني حيث أوجبا الاستقبال بالوجه أيضا.
(2)
. ظاهرهما الاكتفاء بجفن واحد.
(3)
. خلافا للرملي في الفتاوى.
وَ لِلْقَادِرِالنَّفْلُ قَاعِداً، وَكَذَا مُضْطَجِعًا فِي الْأَصَحِّ.
الرَّابِعُ: الْقِرَاءَةُ، وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ التَّعَوُّذُ،
(وللقادر التنفل) ولو نحو عيد (قاعدا، وكذا مضطجعا) والأفضل كونه على اليمين، ولا يصح مستلقيا مع إمكان الاضطجاع؛ لعدم وروده (في الأصح)؛ لحديث ((صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد))، ومحله في القادر وفي غير نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مأمون من الكسل، ويلزم المضطجع القعود للركوع والسجود. ثم إن تطويل القيام أفضل من تكرير غيره كالسجود إذا استوى الزمنان، بل الأفضل عشر ركعات من قيام على عشرين من قعود؛ لحديث ((أفضل الصلاة طول القنوت)). وللمتنفل قراءة الفاتحة في هويه وإن وصل لحد الراكع؛ لأن هذا أقرب للقيام من الجلوس، نعم ينبغي أنه لا يحسب ركوعه إلا بزيادة إنحناء له بعد فراغ قراءته
(1)
؛ لئلا يلزم اتحاد ركني القيام والركوع، بل يجوز لمريد سجدة التلاوة في النفل قراءة الفاتحة في هوية إلى وصوله للسجود.
(الرابع القراءة) للفاتحة (ويسن بعد التحرم) إلا جنازة ولو على غائب أو قبر (دعاء الافتتاح) -والتعوذ إلا لثلاثة مَن أدرك الإمام في غير القيام كالاعتدال والتشهد، نعم إن سلم الإمام قبل أن يجلس بقيت سنيته، والثاني من خاف فوت بعض الفاتحة لو أتى به، والثالث إن ضاق الوقت بحيث يخرج بعض الصلاة عنه لو أتى به، ويزيد
(2)
دعاء الافتتاح أنه لا يسن لمن شرع في التعوذ أو القراءة ولو سهوا- وهو مشهور
(3)
، ولا يفوت بالنسبة للمأموم بشروع الإمام في الفاتحة، ولو اقتدى بمخالف فتركه لم يتبعه
(4)
. ولا يجوز لغيره صلى الله عليه وسلم أن يقول ((وأنا أول المسلمين)) إلا إن قصد لفظ الآية. ولا يزيد الإمام على الدعاء المشهور إلا إن أمّ في مسجد غير مطروق بمحصورين رضوا بالتطويل ولم يطرأ غيرهم -وإن قلّ حضوره- ولا تعلق بعينهم حقّ كأجراء وأرقاء ومتزوجات، ويسن التعوذ مطلقاً، (ثمّ) إن أتى بدعاء الافتتاح فمحل (التعوذ) بعده؛
(1)
. وذكر الشارح في سجود السهو أنه لو ظن المأموم سلام إمامه فقام ثم علم في قيامه أنه لم يسلم لزمه الجلوس ليقوم منه 2/ 181.
(2)
. قال الشارح في باب الوضوء إن القصد منه أن يقع الافتتاح ولا يتقدمه غيره 1/ 229.
(3)
. وهو ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحيياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين)).
(4)
. ذكره الشارح في صلاة العيد.
وَيُسِرُّهُمَا، وَيَتَعَوَّذُ كُلَّ رَكْعَةٍ عَلَى المَذْهَبِ، وَالْأُولَى آكَدُ. وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ. وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا، وَتَشْدِيدَاتِهَا
لقوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} النحل: 98، وهذا أفضل صيغة له، ويسن التعوذ ولو لمن يأتي بذكر بدل عن الفاتحة
(1)
؛ لأن للنائب حكم المنوب عنه. ويفوت بالشروع في القراءة ولو سهوا، (ويسرهما) حتى في جهرية كسائر الأذكار، وخارج الصلاة يجهر بالتعوذ للقراءة مطلقا إن كان من يسمعه؛ للاتباع وهو حينئذ سنة عين (ويتعوذ كلَّ ركعة على المذهب)؛ لأن في كل ركعة قراءة جديدة، وهو للقراءة، ولذا يسن في القيام الثاني من كل من ركعتي صلاة الكسوف، وإنما لم يعده لو سجد لتلاوة؛ لقرب الفصل، وأُخذ منه أنه لا يعيد البسملة أيضا -وإن كانت البسملة سنة لمن ابتدأ أثناء السورة
(2)
غير براءة
(3)
- وكسجود التلاوة كل ما يتعلق بالقراءة بخلاف السكوت إعراضا أو الكلام بأجنبي وإن قلّ، وأُلحق بإعادة التعوذ إعادة السواك، (والأولى آكد)؛ للاتفاق على ندبه فيها. (وتتعين الفاتحة
(4)
كل) قيام من قيامات الكسوف الأربعة، وكل (ركعة)؛ لخبر ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) الظاهر في نفي الحقيقة (إلا ركعة مسبوقٍ)؛ لتحمل الإمام لها بشرطه، وقد يتصور سقوط الفاتحة في الركعات الأربع لسبقه في الأولى وتخلفه عن الإمام بنحو زحمة أو نسيان أو بطء حركة فلم يقم في كل مما بعدها إلا والإمام راكع. (والبسملة منها)؛ عملا، ويكفي فيه الظنّ؛ لتحري الصحابة في تجريد المصحف عمّا ليس بقرآن المؤيَّد بتواترها عن جماعة من قُرّاء السبع، ولا يكفر نافي البسملة أو مثبتها، والأصح أنها آية من كل سورة ما عدا براءة بل تحرم أولها، (وتشديداتها) الأربع عشرة فتخفيف مشدد يبطل قراءته كأن قرأ الرحمن بفك الإدغام، أما لو شدد مخففا فيسيء وتصح صلاته. ولو علم معنى إيَاك المخفف وتعمده كفر وإلا أعادها وسجد للسهو.
(1)
. خلافا للمغني.
(2)
. خصه الرملي خارج الصلاة كما نقله ابن قاسم عنه.
(3)
. أما هي فعند الشارح والخطيب تحرم أولها وتكره أثنائها وعند الرملي تكره في أولها وتندب في أثنائها.
(4)
. ولا يشترط فهم معناها كما أفاده الشارح في الجمعة 2/ 453.
وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا وَمُوَالَاتُهَا،
(و) وتجب رعاية جميع حروفها وحينئذ (لو أبدل) حاء الحمد هاء أو نطق بقاف العرب بطلت
(1)
إلا إن تعذر عليه التعلم قبل خروج الوقت، ويجري ذلك في سائر أنواع الإبدال وإن لم يتغير المعنى كالعالمون، فحينئذٍ لو أبدل (ضاداً بظاءٍ لم تصح في الأصح)؛ لتغيره النظم والمعنى، والخلاف في قادر لم يعتمد وعاجزٍ أمكنه التعلم فترك، أما عاجز عنه فيجزئه قطعاً، وقادر عليه متعمد له فلا يجزئه قطعا بل تبطل صلاته إن علم، ولو أتى بذال الذين مهملة بطلت.
[تنبيه] متى خفف القادر مشددا أو لحن أو أبدل حرفا بآخر إن لم تكن قراءة شاذة كإنّا أنطيناك أوترك الترتيب في الفاتحة أو السورة فحكمه أنه إن غَيَّر المعنى بطلت صلاته إن علم وتعمد، ومعنى تغيير المعنى أنه بطل أصله أو استحال إلى معنى آخر -ومنه كسر كاف إيّاك لا ضمها-، فإن جهل أو سها فتبطل فقراءته لتلك الكلمة فلا يبني عليها بعد إعادتها إلا إن قصر الفصل، ويسجد للسهو فيما إذا تغير المعنى بما سها به، أما إن لم يتغير المعنى فلا تبطل الصلاة ولا القراءة، ويأتي هذا التفصيل في القراءة الشاذة إذا غيرت المعنى وإن اشتملت على زيادة حرفٍ أو نقصه. وتحرم القراءة بالشاذ -وهو ما وراء السبعة- مطلقا، وتلفيق قراءتين من السبع إن ارتبط المعنيان -كنصب آدم وكلمات أو رفعهما- ثمّ إن غير المعنى أبطل وإلا فلا. ولو لحن إمامه لحنا يغيِّر المعنى فله انتظاره؛ لجواز سهوه
(2)
. (ويجب ترتيبها) ولو خارج الصلاة؛ للاتباع ولأنه مناط الإعجاز، فلو بدأ بنصفها الثاني لم يعتد به مطلقا، ثم يبني عليه إن سها بتأخير الأول ولم يطل الفصل، ويستأنف إن تعمد تأخيره وقصد به التكميل
(3)
أو طال الفصل عمدا بين فراغه وتكميله -بخلافه سهوا فلا يضر إلا إن طال-؛ لأن قصد التكميل به -أي النصف الأول- صارفٌ. ولو ترك حرفا مثلا متعمدا استأنف قراءة تلك الكلمة إن لم يُغيّر المعنى وإلا فالصلاة، أو غير متعمد لم يعتد بما بعده حتى يأتي به قبل طول الفصل، (وموالاتها)؛ للاتباع، بأن لا يفصل بين شيء منها وما بعده بأكثر من سكتة التنفس أو العِي.
(1)
. خلافا لشرح المنهج فلا تبطل عنده ونص على الكراهة في شرح الروض كالرملي.
(2)
. ذكره الشارح في مبطلات الصلاة.
(3)
. لم يقيد بقصد التكميل في شرح المنهج.
فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ قَطَعَ المُوَالَاةَ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَيَقْطَعُ السُّكُوتُ الطَّوِيلُ، وَكَذَا يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ.
(فإن) فصل بأكثر من ذلك سهوا أو لتذكر الآية -وإن طال الفصل- لم يضر كما لو كرر آية منها في محلها ولو لغير عذر، أو عاد إلى ما قراءه قبل واستمر
(1)
. ولو شكّ أثناء الفاتحة في البسملة فأكملها مع الشك ثمّ ذكر أنه أتى بها وجب استئنافها
(2)
؛ لتقصيره بما قرأه مع الشك فصار كأنه أجنبي، وإن (تخلل ذكر) أجنبي لا يتعلق بالصلاة كالحمد للعاطس والفتح على غير الإمام بشرطه
(3)
والتسبيح لنحو داخل (قطع الموالاة) وإن قلّ؛ لإشعاره بالإعراض، ومن ثم لو كان سهوا أو جهلا لم يقطعها وإن طال الفصل، (فإن تعلق بالصلاة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه) إذا سكت بقصد القراءة ولو مع الفتح وإلا بطلت صلاته، وكسؤال رحمة أو استعاذة من عذاب عند قراءة إمامه آيتيهما (فلا في الأصح)؛ لندب ذلك له، لكن يسن له الاستئناف؛ خروجا من خلاف مقابل الأصح، بخلاف فتحه عليه قبل سكوته فيقطع المولاة لعدم ندبه حينئذ (ويقطع) المولاة (السكوت
(4)
العمد (الطويل) وهو ما يشعر مثله بقطع القراءة بخلافه لعذر كسهو أو جهل أو إعياء، (وكذا يسير) نحو سكتة تنفس واستراحة (قصد به قطع القراءة في الأصح)؛ لتأثير الفعل مع النية.
[فرع] لو شكّ قبل ركوعه
(5)
في أصل قراءة الفاتحة لزمه قراءتها أو في بعضها فلا، وغير الفاتحة مثلها
(6)
و شكَّ في جلوس التشهد مثلا في السجدة الثانية فإن كان في أصل الإتيان بها أو بطمأنينتها فعلها، أو في بعض أجزائها كوضع اليد فلا.
(1)
. وفاقا للأسنى والنهاية وخلافا للمغني.
(2)
. خلافا للمغني والشهاب الرملي.
(3)
. أي إذا سكت القارئ وتعمد المأموم القراءة ولو مع الفتح.
(4)
. ويأتي في الصوم أنه يجوز قطع الفاتحة وإن كانت فرضا عينيا.
(5)
. ليس بقيد.
(6)
. خلافا للنهاية فقال إن غير الفاتحة يجب الإتيان به مطلقا إن شكَّ فيه.
فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ فَسَبْعُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ فَمُتَفَرِّقَةٍ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ جَوَازُ المُتَفَرِّقَةِ مَعَ حِفْظِ مُتَوَالِيَةً، وَاَللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ عَجَزَ أَتَى بِذِكْرٍ
(فإن جهل الفاتحة) كلَّها بأن عجز عنها في الوقت لنحو ضيقه أو بلادةٍ أو عدم معلِّم أو مصحف ولو عارية
(1)
أو بأجرة مثل فاضلة عمَّا يعتبر في الفطرة (فسبع آيات) إن أحسنها وإن لم تشتمل على ثناء ودعاء، ومراعاة العدد في البدل؛ لقوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} الحجر: 87، وتسن ثامنة؛ لتحصيل السورة. ولا يجوز أن يترجم عنها؛ لقوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} يوسف: 1 (متوالية) على ترتيب المصحف، (فإن عجز فمتفرقة، قلت: الأصح المنصوص جواز المتفرقة) وإن لم تفد معنى منظوما
(2)
كالحروف المقطعة أوائل السور، نعم يتجه في هذا أنه لابد أن ينوي به القراءة؛ لأنه لا ينصرف للقرآن بمجرد التلفظ به (مع حفظ متوالية والله أعلم)؛ لحصول المقصود. ولو أحسن آية أو أكثر من الفاتحة أتى به في محله وببدل الباقي من القرآن
(3)
، فإن كان الأول قدمه على البدل أو الآخر قدم البدل عليه أو بينهما قدم من البدل بقدر ما لم يحسنه قبله ثمّ يأتي بما يحسنه ثمّ ببدل الباقي، فإن لم يحسن بدلاً كرر ما حفظه منها بقدرها، أو من غيرها أتى به ثم ببدل الباقي من الذكر إن أحسنه وإلا كرر بقدرها أيضا، ولو أحسن بعض آية لزمه الإتيان به
(4)
، (فإن عجز) من القرآن (أتى بذكر) متنوع سبعة أنواع؛ ليقوم كلُّ نوع مكان آية؛ لما في صحيح ابن حبان من تعليمه صلى الله عليه وسلم لرجل الباقيات الصالحات وهنّ خمسة أذكار، ولعلَّه لم يذكر الآخرين؛ لأن الظاهر حفظه للبسملة وشيء من الدعاء. ولا يتعين لفظ الوارد ويجزئ الدعاء المتعلق بالآخرة -أي سبعة أنواع منه- وإن حفظ غيره فإن لم يعرف غير ما يتعلق بالدنيا أجزأه.
(1)
. أفاد الشارح في العارية أنه لا يلزم المعير بذله حينئذ إلا إن كانت المدة لا تقابل بأجرة.
(2)
. خلافا للخطيب حيث خصَّه بما إذا لم يحسن غيرها مما يفيد معنى منظوماً.
(3)
. ظاهر كلام الرملي شامل للقرآن والذكر عند العجز عن القرآن.
(4)
. هذا ما ظهر للفقير من كلام الشارح وذهب الرملي والخطيب إلى اللزوم إن كان المحفوظ من الفاتحة دون غيرها وشيخ الإسلام في شرح الروض إلى اللزوم فيهما.
وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ عَنِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا وَقَفَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ. وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ آمِينَ خَفِيفَةُ المِيمِ بِالمَدِّ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ. وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ،
(ولا يجوز نقص حروف البدل) من قرآن أو ذكر (عن الفاتحة) والعبرة باللفظ لا الرسم، وهي مع البسملة مائة وخمسة وخمسون حرفا بقراءة ملك، وهذا إن لم نعتبر ألفات الوصل أما إذا اعتبرناها وهو الأوجه؛ لأنه قد يتلفظ بها فيكون المجموع مائة وأحد وستون حرفا (في الأصح) كما لا يجوز النقص عن آياتها، ويشترط أن لا
يقصد بالذكر غير البدلية ولو معها، فلو افتتح أو تعوذ بقصد السنة والبدل لم يكف
(1)
، (فإن لم يحسن شيئا) مما مر وعجز عن التعليم وترجمة الذكر والدعاء (وقف) وجوباً (قدر الفاتحة) في ظنه بالنسبة لقراءتها المعتدلة من غالب أمثاله؛ لأن القراءة والوقوف بقدرها كانا واجبين فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر، ويلزمه القعود بقدر التشهد الأخير، ويسن له الوقوف بقدر السورة والقنوت، والقعود بقدر التشهد الأول. (ويسن عقب الفاتحة) لقارئها ولو خارج الصلاة، ومثلها بدلها إن تضمن دعاء (آمين) -مع سكتة لطيفة بينهما؛ تمييزا لها عن القرآن، فإن طال السكوت عنها فات التأمين، وحَسُنَ زيادة رب العالمين-؛ للخبر المتفق عليه ((إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7 فقولوا آمين))، ويفوت التأمين بالتلفظ بغيره
(2)
ولو سهوا أو قلّ -نعم يستثني قوله رب اغفر لي لوروده- وبالشروع في الركوع مطلقا وبالسكوت إن طال عمداً بخلافه سهوا، والمراد سكوته بعد السكوت المسنون كما هو ظاهر (خفيفة الميم بالمد ويجوز) الإمالة و (القصر) مع تخفيفها وتشديدها؛ لأنه لا يخلّ بالمعنى، وفيها المد مع التشديد أي قاصدين
(3)
وينوي قاصدين إليك وأنت أكرم من أن تخيِّب قاصداً؛ لتضمنه الدعاء، فإن أراد مجرد قاصدين بطلت كالإطلاق، (و) الأفضل للمأموم في جهرية أن (يؤمن مع تأمين إمامه)؛ ليوافق تأمين الملائكة، ولأن التأمين لقراءة إمامه وقد فرغت، ولذا أتجه أنه لا يسن إلا إن سمع قراءة إمامه كتأمين القنوت، فإن لم تتفق له موافقته أمَّن عقبه، ولو أخره الإمام عن
(1)
. خلافا لشرح المنهج.
(2)
. خالفاه فقالا لا يفوت إلا بالشروع في السورة أو الركوع.
(3)
. ظاهره عوده للممدود فقط وظاهر كلامهما أنه راجع للقصر والمد.
وَيَجْهَرُ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: فَإِنْ سُبِقَ بِهِمَا قَرَأَ فِيهِمَا عَلَى النَّصِّ وَاَللهُ أَعْلَمُ
الزمن المسنون أمَّن قبله ولم ينتظره؛ اعتباراً بالمشروع، ولا يسن لغير المأموم وإن سمع، (ويجهر به) -ندبا في الجهرية- الإمام والمنفرد قطعا، والمأموم (في الأظهر) وإن تركه إمامه؛ لما صح أن ابن الزبير كان يؤمِّن هو ومَن وراءه بالمسجد الحرام، أما السرية فيسرون فيها جميعهم كالقراءة. (ويسن) لإمام ومنفرد ومأموم لم يسمع
(1)
(سورة بعد الفاتحة) -في غير صلاة فاقد الطهورين الجنب والجنازة
(2)
- وذلك؛ للأخبار الكثيرة الصحيحة في ذلك، وتحصل السنة ببعض آية إن أفاد، والأفضل ثلاث، وسورة كاملة أفضل من بعض طويلة وإن طال
(3)
؛ للاتباع، نعم البعض في التراويح أفضل كسنَّة الصبح. ولا يكفي تكرير الفاتحة عن السورة إلا إن لم يحفظ غيرها (إلا في الثالثة والرابعة) من الفرض وما بعد أول تشهد من النوافل (في الأظهر)؛ لوروده ولأن النشاط في الأوليين أكثر لم ينظر لمقابله وإن وَرَدَ (قلت: فإن سُبق بهما) أي بالثالثة والرابعة من صلاة نفسه
(4)
أو بالأوليين من صلاة إمامه بأن لم يدركهما من صلاة إمامه مع إمامه بل أدركه في الثالثة والرابعة منها، أو سبق بالأوليين من صلاة نفسه بأن أدركهما منها معه لكنه لم يتمكن من قراءة السورة فيهما (قرأ فيهما
(5)
أي في الثالثة والرابعة بالنسبة للمأموم حين تداركهما في الحالة الأولى أو الثانية، أو بالنسبة للإمام أو الأولى والثانية بالنسبة للمأموم وهو خلف الإمام في الحالة الثانية فيهما
(6)
، إن تمكَّن لنحو بطء قراءة إمامه ما لم تسقط عنه لكونه مسبوقا فيما أدركه؛ لأن الإمام إذا تحمل عنه الفاتحة فالسورة أولى (على النص، والله أعلم)؛
(1)
. إلا لمأموم لم يسمع سورة السجدة في صبح الجمعة؛ لكراهة قراءة آية السجدة للمأموم كما ذكر الشارح في باب سجود التلاوة 2/ 212 - 213.
(2)
. نعم اعتمد الشارح في الجنائز أن السورة تسن في الصلاة على الغائب.
(3)
. خلافا لهما فمعتمدهما أنه إنما هي أفضل من قدرها في الطويلة.
(4)
. أي بأن لم يدرك ثالثته ورابعته مع الإمام.
(5)
. أفاد الشارح في الجمعة أنه لو اقتدى في الثانية فسمع قراءة الإمام للمنافقين فيها أنه يقرأ المنافقين في الثانية 2/ 463.
(6)
. خبر مبتدأ محذوف أي قوله وهو خلف الإمام الخ معتبر في قوله أي في الثالثة والرابعة بالنسبة للإمام وقوله أو الأولى والثانية بالنسبة للمأموم.
وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ، بَلْ يَسْتَمِعُ فَإِنْ بَعُدَ أَوْ كَانَتْ سِرِّيَّةً قَرَأَ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طُِوَالُ المُفَصَّلِ، وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ، وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ. وَلِصُبْحِ الجُمُعَةِ فِي الْأُولَى {الم تَنْزِيلُ} ، وَفِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَى}
لئلا تخلو صلاته من السورة بلا عذر، نعم لو أمكن المسبوق قراءة السورة في أولييه لنحو بطء قراءة الإمام قرأها المأموم معه ولا يعيدها في أخرييه وكذا إن لم يقرأها؛ لتقصيره بتركه إيّاها مع التمكن، وخرج بقول المتن ((فيهما)) صلاة المغرب فإن سبق بالأوليين بالاعتبار السابق وتمكن من قراءة سورتيهما في الثالثة قرأهما فيها؛ لئلا تخلو عنهما صلاته، أو بالأولى قرأ في الثانية والثالثة، (ولا سورة) أي تكره (للمأموم) الذي يسمع الإمام في جهرية (بل يستمع)؛ للنهي عن القراءة خلفه ما عدا الفاتحة (فإن بَعُد) بأن لم يسمعها أو سمع صوتا لا يميز حروفه وإن قرب لنحو صمم به (أو كانت سرية قرأ في الأصح)؛ لفقد السماع
(1)
. ويقرأ المأموم في جهرية أسر فيها الإمام ويستمع في سرية جهر فيها الإمام؛ اعتبارا لفعل الإمام خلافا لمقتضى المتن. (ويسن) للمصلي الحاضر ولو إماما بالشروط السابقة
(2)
(للصبح) طوال المفصل (والظهر) قريب من (طُِوال المفصل)؛ لأن النشاط في الأولى أكثر منه في الثانية (وللعصر والعشاء أوساطه وللمغرب قصاره)؛ لما صح فيه، وطواله
(3)
من الحجرات إلى عمّ فأوساطه إلى الضحى فقصاره إلى الآخر على ما اشتهر، (ولصبح الجمعة) إذا اتسع الوقت (في الأولى {الم تَنْزِيلُ}
(4)
وفي الثانية {هَلْ أَتَى} )؛ لدوام فعله صلى الله عليه وسلم ذلك، فإن ترك ألم في الأولى أتى بهما في الثانية، أو قرأ هل أتى في الأولى قرأ ألم في الثانية؛ لئلا تخلو صلاته عنهما، وكذا في كل صلاة سن في أولييها سورتان معينتان، ويسن لمن شرع في غير السورة المعينة -ولو سهوا- قطعها وقراءة المعينة. أما إذا ضاق الوقت عنهما فيأتي بسورتين قصيرتين
(5)
، وأما المسافر
(6)
فيسن له في صبح الجمعة وغيرها الكافرون ثم الإخلاص
(1)
. ويسن أن يؤخر فاتحته عن جميع فاتحة الإمام إن ظن أنه يقرأ السورة كما ذكره الشارح في متابعة الإمام 2/ 355.
(2)
. أي عند الكلام على دعاء الافتتاح.
(3)
. خلافا لهما فمثَّل الرملي للطوال بقاف وللأوساط بالجمعة وللقصار بالعصر.
(4)
. ويقصد بقراءتها اتِّباع سنة القراءة المخصوصة والسجود لها، فإن قصد السجود فقط بطل كما يأتي في سجود التلاوة 2/ 211.
(5)
. خلافا للأسنى والخطيب في شرح التنبيه والنهاية حيث قالوا إن ضاق الوقت قرأ ما أمكن منها.
(6)
. مقتضى كلامهما أن المسافر بالنسبة لما عدا صلاة الصبح كغيره خلافا لمقتضى كلام التحفة.
أو المعوذتين، بل هما أولى؛ لخفتهما، ويسن الجهر بالقراءة لغير المأموم في الصلوات الجهرية -كركعتي الطواف- إن صلاها ليلا أي إلى انتهاء وقت الصبح، فلو صلى ركعة من الصبح قبل الطلوع أسر في الثانية وإن كانت صلاته أداءً
(1)
، والعبرة في الجهر وضده في المقضية بوقت القضاء ويستثنى العيد فيجهر بها ولو قضاءً؛ لأن الجهر لمَّا سُن فيها في محل الإسرار استصحب، نعم المرأة لا تجهر إلا إن لم يسمعها أجنبي ومثلها الخنثى، وجهرها دون جهر الرجل، ويكره جهر مصلّ أو غيره إن شوش على نائم أو مصلّ، ونوافل الليل المطلقة يتوسط فيها بين الجهر والإسرار بأن يقرأ هكذا مرة وهكذا مرة.
[فرع] تسن سكتة بقدر سبحان الله بين التحرم ودعاء الافتتاح وبينه وبين التعوذ وبينه وبين البسملة وبين آخر الفاتحة وآمين وبين آمين والسورة وبين آخرها وتكبيرة الركوع، فإن لم يقرأ سورة فبين آمين والركوع، ويسن الوقوف على رؤوس الآي
(2)
وإن تعلقت بما بعدها، ولا يقف على أنعمت عليهم؛ لأنها ليست بوقف ولا منتهى آية عندنا، ويسن للإمام أن يسكت في الجهرية -بقدر قراءة المأموم الفاتحة إن علم أنه يقرؤها في سكتته- ويشتغل حينئذ بدعاء أو قراءة والقراءة أولى، فإن قرأ سُن له أن يراعي الترتيب والموالاة بين ذلك والسورة، وفارق حرمة التنكيس بزوال الإعجاز به بخلافه في السور، والأولى أن لا يقرأ آية من كل سورة. ويُقدم الترتيب على تطويل الأولى عند التعارض، وكذا يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الثالثة والرابعة أو من التشهد الأول قبل الإمام أن يشتغل بدعاء فيهما
(3)
أو قراءة في الأولى. ولو لم يسمع قراءة الإمام سن له -وكذا في أوليي السرية- أن يسكت بقدر قراءة الإمام الفاتحة إن ظنّ إدراكها قبل ركوعه وحينئذ يشتغل بالدعاء لا غيره؛ لكراهة تقديم السورة على الفاتحة.
(1)
. كما في الإمداد.
(2)
. خلافا للمغني فاعتمد وصل البسملة بالحمدلة.
(3)
. خلافا لما أفتى به الشهاب الرملي أنه يسن له في التشهد الأول الإتيان بالصلاة على الآل وتوابعها.
الخَامِسُ الرُّكُوعُ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ بِطُمَأْنِينَةٍ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ هَوِيِّهِ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا لَمْ يَكْفِ
(الخامس الركوع، وأقله) للقائم (أن ينحني) بغير انخناس
(1)
وإلا بطلت
(2)
(قدر بلوغ راحتيه) أي كفيه (ركبتيه) لو أراد وضعهما عليهما، مع اعتدال خلقته وسلامة يديه وركبتيه؛ لأنه بدون ذلك لا يسمى ركوعاً (بطمأنينة) بحيث تسكن وتستقر أعضاؤه، و (بحيث ينفصل رفعه عن هَويه
(3)
ولا يكفي عن ذلك زيادة الهوي، (ولا يقصد به) أي الهوي (غيره) أي الركوع، (فلو هوى لتلاوة فجعله ركوعا لم يكف) بل ينتصب ثمّ يركع؛ لصرفه هويه لغير الواجب فلم يقم عنه وكذا سائر الأركان. ولو تذكر أو شك وهو ساجد هل ركع لزمه الانتصاب فورا ثم الركوع، ولا يجوز له القيام راكعاً، وإنما لم يحسب هويه عن الركوع؛ لأنه لا يلزم من السجود من قيام وجود هوي الركوع، وبه يفرق بين ما لو شك غير مأموم بعد تمام ركوعه في الفاتحة فعاد للقيام ثم تذكر أنه قرأ فيحسب له انتصابه عن الاعتدال، وما لو قام من السجود يظن أن جلوسه للاستراحة أو التشهد الأول فبان أنه بين السجدتين أو للتشهد الأخير
(4)
وذلك؛ لأنه في الكل لم يصرف الركن لأجنبي عنه فالقيام في الأول و الجلوس في الأخير واحد وإنما ظن صفة أخرى لم توجد فلم يُنظر لظنه، فعُلم أنه لو شك قائما في ركوعه فركع ثم بان أنه هوى من اعتداله لم يلزمه العود للقيام بل له الهوي من ركوعه؛ لأن هوي الركوع بعض هوي السجود، وبما تقدم يتضح أنه لو هوى إمامه فظنه يسجد للتلاوة فتابعه فبان أنه ركع لم يحسب له
(5)
، وأيضا من هوى معه ظانا أنه هوى للسجود الركن فبان أن هويه للركوع لم يجزئه كذلك.
(1)
. وهو أن يطأطئ عجيزته ويرفع رأسه ويقدم صدره.
(2)
. قضيته وإن عاد واستوى وركع وهو مخالف لقضيته كلام النهاية وشيخ الإسلام.
(3)
. ويقع أقل مجزئ هنا وفي سائر نظائره فرضا والباقي نفلا كما اعتمده الشارح في باب الوضوء 1/ 233.
(4)
. أو قصد مصلي فرض جالسا بعد سجدته الأولى الجلوس للقراءة ولم يتعمد ذلك فيحسب جلوسه عما بين السجدتين.
(5)
. خلافا لهما.
وَأَكْمَلُهُ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ وَنَصْبُ سَاقَيْهِ وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِيْقُ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ. وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هَوِيِّهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا.
وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ وَيَزِيدُ المُنْفَرِدُ: اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي.
السَّادِسُ الِاعْتِدَالُ قَائِمًا مُطْمَئِنًّا، وَلَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ
…
(وأكمله تسوية ظهره وعنقه) حتى يصيرا كالصفيحة (ونصب ساقيه) وفخذيه إلى الحقو (وأخذ ركبتيه بيديه) ويفرِّق بينهما كالسجود (وتفريق أصابعه) -؛ للاتباع- وسطا (للقبلة)؛ لشرفها، بأن لا يحرف شيئا منها عن جهتها يمنة أو يسرة، (ويكبر في ابتداء هَويه) أي قبيله (ويرفع يديه) كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم (كإحرامه) بأن يبدأ به وهو قائم ويداه مكشوفتان وأصابعهما منشورة مفرقة وسطا مع ابتداء التكبير، فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى ماداً التكبير إلى استقراره في الركوع؛ لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر وكذا في سائر الانتقالات فيمد على الألف التي بين اللام والهاء لكن بحيث لا يجاوز سبع ألفات (ويقول)؛ اتباعاً (سبحان ربي العظيم) وبحمده (ثلاثا) أي أدنى كماله وأكمله إحدى عشر وأقله واحدة، (ولا يزيد الإمام) عليها إلا بالشروط المارة في الافتتاح (ويزيد المنفرد) ندباً كمأموم طوَّل إمامه (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخّي وعظمي وعصبي) وشعري وبشري (وما استقلت به قدمي) لله رب العالمين؛ لورود ذلك كله، ولْيَصْدُقْ حينئذٍ إلا أن يريد أنه بصورة الخاشع، ويسن فيه كالسجود ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي))، وتكره القراءة في غير القيام؛ للنهي عنها.
(السادس الاعتدال قائما) -أو قاعدا مثلاً- كما كان قبل ركوعه (مطمئنا)؛ لأنه صح ((ثمّ ارفع حتى تطمئن قائماً))، وليحصل الخشوع، (ولا يقصد غيره فلو رفع فَزَعاً
(1)
من شيء لم يكف)، فليعد إليه ثم يقوم، وخرج بفزعا ما لو شكّ راكعا في الفاتحة فقام ليقرأها فتذكر أنه قرأها فأنه يجزيه هذا القيام عن الاعتدال كما مرّ.
(1)
. خلافا لهما فقد أجازا الكسر.
وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ قَائِلًا: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِذَا انْتَصَبَ قَالَ: رَبَّنَا لَك الحَمْدُ مِلْءَُ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَُ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَيَزِيدُ المُنْفَرِدُ: أَهْلَُ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ -وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ- لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ. وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ: اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ إلَى آخِرِهِ، وَالْإِمَامُ بِلَفْظِ الجَمْعِ
(ويسن رفع يديه) حذو منكبيه (مع ابتداء رفع رأسه قائلا سمع) أي تقبل (الله لمن حمده) ويكفي من حمد الله سمعه، ويسن للإمام والمبلغ الجهر به
(1)
، (فإذا انتصب) قائماً أرسل يديه و (قال) ولو كان إماما (ربنا) أو اللهم ربنا (لك) أو ولك (الحمد) أو لك الحمد ربنا أو الحمد لربنا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وصح أنه صلى الله عليه وسلم ((رأى بضعا وثلاثين ملكا يستبقون إلى هذه أيهم يكتبها أوَّلاً)) (ملءََُ السماوات ملءََُ الأرض وملء ما شئت من شي بعد) كالكرسي والعرش وغيرهما، (ويزيد المنفرد) وإمام من مر (أهلَُ الثناء والمجد أحق ما قال العبد -وكلنا لك عبد- لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجَد) أي الغني أو المال أو الحظ أو النسب (منك الجد) أي عندك جده (ويسن) بعد قولك ((من شيء بعد)) (القنوت في اعتدال ثانية الصبح)؛ لخبر أنس الصحيح ((ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا))، (وهو اللهم أهدني فيمن هديت إلى آخره) ويسن للمنفرد وإمام مَن مر أن يضم لذلك قنوت عمر الآتي في الوتر وتقديم هذا عليه؛ لوروده عنه صلى الله عليه وسلم، ولا تتعين كلماته فيجزي عنها آية تضمنت دعاء أو شبهه
(2)
كآخر البقرة بخلاف نحو سورة تبت، ولا بد من قصد بها الدعاء؛ لكراهة القراءة في غير القيام، (والإمام بلفظ الجمع)؛ لصحة الخبر بذلك مع النهي عن تخصيص نفسه بالدعاء، ثمّ المتجه أنه حيث اخترع الإمام -ولو في غير القنوت
(3)
- دعوة كره له الإفراد وحيث أتى بمأثور اتبع لفظه.
(1)
. أي بشرط الحاجة كما قيداه.
(2)
. أي يكفي أحدهما لكن في النهاية اشترط في البدل أن يكون دعاء وثناء، وشبه الدعاء نحو ((اللهم أنا عبد مذنب وأنت رب غفور)) مما يستلزم الدعاء وليس صريحا فيه، كما قال عبدالحميد.
(3)
. خلافا لهم حيث خصوه بالقنوت.
وَالصَّحِيحُ سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم آخِرَهُ. وَرَفْعِ يَدَيْهِ وَلَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ، وَأَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ وَأَنَّهُ يُؤَمِّنُ المَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ وَيَقُولُ الثَّنَاءَ. فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ قَنَتَ. وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ المَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ،
(والصحيح سَنُّ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أوله بل (آخره)؛ لصحته في قنوت الوتر وقيس به قنوت الصبح، ويسن أيضا السلام
(1)
وذكر الآل ويقاس بهم الصحب؛ لأن من الآل من ليسوا صحابة فالصحابة أولى. ولو قرأ المصلي أو سمع آية فيها اسمه صلى الله عليه وسلم لم تستحب الصلاة عليه، ويسن أيضا أن لا يطول القنوت، فإن طوله لم تبطل؛ لأن المحل محل ذكر وقيس به غيره، أي فلا يضر تطويل اعتدال الركعة الأخيرة
(2)
بذكر أو دعاء
(3)
، (و) يسن (رفع يديه) في جميع القنوت والصلاة والسلام بعده؛ للاتباع، وتحصل السنة بالتفريق والضمّ، ويسن له
(4)
، ككلِّ داعٍ رفع بطن يديه للسماء إن دعا بتحصيل شيء وظهرهما
(5)
إن دعا برفعه
(6)
، (و) الأولى أن (لا يمسح وجهه، وأن الإمام يجهر به)؛ للاتباع، وغيره يسر به، (وأنه) حينئذ (يؤمن المأموم) جهرا (للدعاء) ومنه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، (ويقول الثناء) سِرَّا وهو الأولى -وأوَّلُهُ ((إنك تقضي .. الخ)) -، أو يسكت مستمعا لإمامه، أو يقول أشهد ولا يقول صدقت وبررت؛ لبطلان الصلاة به
(7)
، (فإن لم يسمعه قنت) سرا. (ويشرع) أي يسن (القنوت) أي قنوت الصبح (في سائر) أي باقي (المكتوبات للنازلة) فيأتي به ثمّ يختم بسؤال رفع تلك النازلة، فإن كانت جدبا دعا ببعض ما ورد في أدعية الاستسقاء الآتية، وسواء هنا النازلة العامة أو الخاصة التي في معنى العامة؛ لعود ضررها على المسلمين كوباء وطاعون ومطر
(1)
. سيأتي حكم الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى غيره.
(2)
. منعه الرملي.
(3)
. ويأتي أنه في المزحوم يجوز له تطويل الاعتدال مطلقا؛ لضرورته.
(4)
. ذكر الشارح في الطهارة أنه يسن لمن دعا برفع بلاء واقع أن يجعل ظهر كفيه للسماء والعكس إن دعا بدفعه كي لا يقع به وأن معنى الرفع إزالة موجود، ومعنى الدفع منع التأثير بما يصلح لولا ذلك الدفع 1/ 86.
(5)
. ظاهره -لولا التعليق السابق- أنه يقلب كفيه عند قوله ((وقنى شر ما قضيت)) وهو صريح النهاية خلافا للمغني.
(6)
. وقيده بواقع في شرح بافضل خلافا للنهاية.
(7)
. خلافا للشهاب والنهاية.
لَا مُطْلَقًا عَلَى المَشْهُورِ.
السَّابِعُ: السُّجُودُ، وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ. فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ جَازَ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ.
وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَصَحِّ وُجُوبُهُ وَاَللهُ أَعْلَمُ.
مضرّ بعمران أو زرع وخوف عدو وكأسر عالم أو شجاع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((قنت شهرا يدعوا على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة))؛ لدفع تمردهم، ومحله في اعتدال الأخيرة، ويجهر به الإمام في السرية أيضا (لا مطلقا) بل يكره لغير نازلة (على المشهور)؛ لعدم وروده، وأما في غير المكتوبات فيكره في الجنازة؛ لبنائها على التخفيف، وأما المنذورة والنافلة فلا يسن فيهما ثم إن قنت فيهما لنازلة لم يكره وإلا كره.
(السابع السجود) مرتين؛ للاتباع، (وأقله مباشرة بعض جبهته) وهي ما اكتنفه الجبينان (مُصَلَّاه)؛ لحديث ((أنهم شكوا إليه صلى الله عليه وسلم حرَّ الرمضاء في جباههم فلم يُزِل شكواهم))، فلولا وجوب كشفها لأمرهم بسترها، فلو سجد على جبينه أو أنفه لم يكف، أو على شعر بجبهته أو ببعضها وإن طال كفى كعصابة عمّتها لنحو جرح يخشى من إزالتها مبيح تيمم
(1)
ولا إعادة إلا إن كان تحتها نجس لا يعفى عنه (فإن سجد على) محمول له (متصل به جاز إن لم يتحرك بحركته) كطرف عمامته؛ لأنه في حكم المنفصل عنه بخلاف ما إذا تحرك بها بالفعل
(2)
في جزء من صلاته
(3)
؛ لأنه حينئذٍ كيده، والعبرة هنا بكون الجبهة مستقرة ولا استقرار مع التحرك، ثم إن علم امتناع السجود عليه وتعمده بطلت صلاته وإلا أعاده، نعم يجزئ على نحو عود أو منديل بيده لا بنحو كتفه؛ لأن اتصال الثياب بالكتف ونسبتها إليه أكثر؛ لاستقرارها وطول مدتها
(4)
. ويجزئ السجود على سرير يتحرك بحركته؛ لأنه غير محمول له، (ولا يجب وضع يديه) أي بطنهما (وركبتيه و) بطون أصابع (قدميه في الأظهر)؛ لأن الجبهة هي المقصودة بالوضع (قلت: الأصح وجوبه) حال كونها مطمئنة في آن واحد مع الجبهة (والله أعلم)؛
(1)
. خلافا لهم فعندهم تكفي المشقة الشديدة وإن لم يخش مبيح تيمم.
(2)
. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.
(3)
. أشار الشارح إلى نكتة ذلك في باب صفات الأئمة.
(4)
. كما في الإمداد.
وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَنَالَ مَسْجَِدَهُ ثِقَلُ رَأْسِهِ وَأَلَّا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ، وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الْأَصَحِّ. وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ لِهُوِيِّهِ بِلَا رَفْعٍ وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَيَزِيدُ المُنْفَرِدُ اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ،، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ،
لخبر ((أمرت أن أَسْجُد على سبعة أعظم))، نعم يكفي جزء من كلٍّ من بطني كفيه أو أصابعها ومن ركبتيه ومن بطني أصابع رجليه كالجبهة. ويسن كشف يديه وقدميه، ويكره في الركبتين، ويسن التحامل
(1)
على أعضاء السجود إلا الجبهة فيجب؛ لأنها المقصود الأعظم، كما وجب تقريبها من الأرض عند تعذر وضعها دون البقية، ويسن وضع الأنف.
[تنبيه] حد الركبة من أول المنحدر عن آخر الفخذ إلى أول أعلى الساق
. (ويجب أن يطمئن)؛ لخبر المسيء صلاته، (وينال مسجَِده ثقلُ رأسه) بتحامل بحيث لو كان تحته نحو قطن لانكبس وظهر أثره على يده لو كانت تحته، (وألا يهوي لغيره، فلو سقط) من الاعتدال (لوجهه) قهرا لم يحسب؛ لأنه لابد من نية أو فعل اختياري، و (وجب العود إلى الاعتدال) مع الطمأنينة إن سقط قبلها ليهوي منه، وخرج بالسقوط من الاعتدال ما لو سقط من الهوي -بأن هوى ليسجد فسقط- فإنه لا يضر؛ لأنه لم يصرفه عن مقصوده، نعم في هذه الحالة
(2)
إن سقط على جبهته بقصد الاعتماد عليها أو لجنبه فانقلب بنية الاستقامة فقط -أي ولم يقصد صرفه عن السجود وإلا بطلت- لم يجزئه فيهما فيعيده بعد أدنى رفع في الأولى وبعد الجلوس في الثانية ولا يقم وإلا بطلت إن علم وتعمد، أما إذا انقلب بنية السجود أو لا بنية شيء أو بنيته ونية الاستقامة فيجزئه، (وأن ترتفع أسافله) أي عجيزته وما حولها (على أعاليه) ومنها اليدان (في الأصح)؛ للاتباع نعم مَن به علَّة لا يمكنه معها ارتفاع أسافله يسجد إمكانه إلا أن يمكنه وضع نحو وِسادة ويحصل التنكيس فيجب، (وأكمله يكبر لهويه بلا رفع) ليديه، رواه البخاري، (ويضع ركبتيه) وقدميه (ثمّ يديه ثمّ جبهته وأنفه)؛ للاتباع، ويسن وضعهما معا وكشف الأنف (ويقول سبحان ربي الأعلى) وبحمده (ثلاثا، ويزيد المنفرد) وإمام من مر (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت).
(1)
. خلافا لشيخ الإسلام فاعتمد الوجوب.
(2)
. كما في شرح بافضل.
سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ، وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ، وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَتَضُمُّ المَرْأَةُ وَالخُنْثَى.
الثَّامِنُ: الجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُطْمَئِنًّا، وَيَجِبُ أَلَّا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ وَأَلَّا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ، وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَاضِعًا يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى
(سجد وجهي) أي كل بدني (للذي خلقه وصوَّره وشقّ سمعه وبصره) بحوله وقوته (تبارك الله أحسن الخالقين، ويضع يديه حذو) أي مقابل (منكبيه، وينشر أصابعه مضمومة للقبلة، ويفرق ركبتيه) وقدميه قدر شبرٍ موجها أصابعهما للقبلة، ويبرزهما من ذيله مكشوفتين حيث لا خفّ، (ويرفع بطنه عن فخذيه ومرفقيه عن جنبيه في ركوعه وسجوده)؛ للاتباع، ولقياس الركوع على السجود في تفريق الركبتين ورفع البطن عن الفخذين، (وتضمّ المرأة) ندبا بعضها إلى بعض، وتلصق بطنها بفخذيها في جميع الصلاة؛ لأنه أستر لها (والخنثى)؛ احتياطا، وكذا الذكر العاري إلا إن كان بخلوة
(1)
.
(الثامن لجلوس بين السجدتين مطمئنا)، لخبر ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً))، (ويجب ألا يقصد برفعه غيره) فإن أصابته شوكة فرفع وجب العود للسجود؛ للصارف
(2)
، (وألا يطوِّله ولا الاعتدال)؛ لأنهما شُرِعا للفصل، فإن طوَّل أحدهما فوق ذكره المشروع فيه وقدر الفاتحة في الاعتدال، وأقل التشهد في الجلوس عامدا عالما بطلت صلاته، (وأكمله يكبر) بلا رفع ليديه (ويجلس مفترشا واضعا يديه) على فخذيه ندبا (قريبا من ركبتيه) بحيث تسامت أولهما رؤوس أصابعه، ولا يضر في أصل السنة انعطاف رؤوسهما على الركبة (وينشر أصابعه) مضمومة للقبلة (قائلا: رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني)؛ للأتباع، وزاد في الإحياء ((واعف عني)) (ثمّ يسجد الثانية كالأولى).
(1)
. هذا مقتضى كلام الشارح هنا وخالفه في هذا الاستثناء الرملي في النهاية.
(2)
. كما يأتي.
وَالمَشْهُورُ سَنُّ جَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا.
التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالحَادِيَ عَشَرَ: التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إنْ أَعْقَبَهُمَا سَلَامٌ رُكْنَانِ، وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ، وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ، وَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ، وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَفِي الْآخِرِ التَّوَرُّكُ، وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ، وَالْأَصَحُّ يَفْتَرِشُ المَسْبُوقُ وَالسَّاهِي وَيَضَعُ فِيهِمَا يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتِهِِ مَنْشُورَةَ الْأَصَابِعِ بِلَا ضَمٍّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الضَّمُّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ،
(والمشهور سن جلسة) للاستراحة (خفيفة) فلا يجوز تطويلها
(1)
كالجلوس بين السجدتين بضابطه السابق (بعد السجدة الثانية في كل ركعة يقوم) فلا تسن لقاعد (عنها) بأن لا يعقبها تشهد باعتبار إرادته وإن خالف المشروع؛ للاتباع؛ ويبدأ التكبير للقيام من ابتداء رفع رأسه من السجود ويستمر في جلسة الاستراحة وينتهي بتمام قيامه
(2)
.
(التاسع والعاشر والحادي عشر التشهد وقعوده والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وقعودها وقعود التسليمة الأولى (فالتشهد وقعوده إن أعقبهما سلام ركنان)؛ للأمر به في الخبر بقوله ((قولوا التحيات .. الخ))، وإذا ثبت وجوبه وجب قعوده باتفاق من أوجبه (وإلا فسنتان
(3)
؛ لجبرهما بالسجود (وكيف قعد) في مواضع القعود (جاز، ويسن في الأول الافتراش فيجلس على كعب يسراه) بعد أن يضجعها بحيث يلي ظهرها الأرض (وينصب) قدم (يمناه ويضع أطراف) بطون (أصابعه) على الأرض (للقبلة، وفي الآخر التورك، وهو كالافتراش لكن يخرج يسراه من جهة يمينه ويلصق وركها بالأرض)؛ للاتباع، وليتذكر أيَّ ركعة هو فيها، وليعلم المسبوق أي تشهدٍ هو فيه، (والأصح يفترش المسبوق والساهي)، ومحله إن نوى الساهي سجود السهو أو أطلق وإلا سن له التورك (ويضع فيهما يسراه على طرف ركبته) اليسرى بحيث تسامت رؤوسها أول الركبة (منشورة الأصابع)؛ للاتباع (بلا ضمّ، قلت: الأصح الضم والله أعلم)؛ لأن تفريجها يزيل بعضها عن القبلة.
(1)
. أي وإلا فتبطل خلافا للنهاية والشهاب الرملي.
(2)
. كما أفاده الشارح في الركوع 2/ 60 - 61.
(3)
. نعم صرح الشارح في مبحث الترتيب أنه يجزئ التشهد الأخير وإن ظنه الأول.
وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ الخِنْصرَ وَالْبِنْصِرَ وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الْأَظْهَرِ وَيُرْسِلُ المُسَبِّحَةَ وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: إلَّا اللهُ وَلَا يُحَرِّكُهَا، وَالْأَظْهَرُ ضَمُّ الْإِبْهَامِ إلَيْهَا كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ. وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالْأَظْهَرُ سَنُّهَا فِي الْأَوَّلِ. وَلَا تُسَنُّ عَلَى الْآلِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتُسَنُّ فِي الْأَخِيرِ، وَقِيلَ تَجِبُ.
وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ، وَأَقَلُّهُ: التَّحِيَّاتُ للهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله،
(ويقبض من يمناه) بعد وضعها على فخذه الأيمن عند الركبة (الخِنصِر والبِنصِر، وكذا الوسطى في الأظهر)؛ للاتباع (ويرسل المسبِّحة) أي السبابة؛ للاتباع (ويرفعها) مع إمالتها قليلا؛ لئلا تخرج عن سمت القبلة (عند قوله إلا الله)؛ للاتباع، ولا يضعها إلى آخر التشهد
(1)
، ولا يسن رفع غيرها ولو قطعت؛ لفوات سنة القبض، وتكره بسبابة اليسرى؛ لفوات الوضع السابق، وكل ما مر سنة مستقلة، (ولا يحركها)، فيكره ذلك، (والأظهر ضمّ الإبهام إليها كعاقد ثلاثة وخمسين) بأن يجعل رأس الإبهام عند أسفل المسبحة على طرف راحتها؛ للاتباع (والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع قعودها (فرض في) أي بعد (التشهد الأخير)؛ لما صح فيها، (والأظهر سنها في الأول)؛ لأنها ركن في الأخير، (ولا تسن على الآل في الأول
(2)
على الصحيح)؛ لبنائه على التخفيف (وتسن في الأخير، وقيل تجب)؛ للأمر بها. (وأكمل التشهد مشهور) واختار الشافعي رواية ابن عباس، التي تزيد عن أقل التشهد الآتي بـ ((المباركات الصلوات الطيبات)) وبتعريف السلام، ولا يجب ترتيب التشهد بشرط أن لا يتغير معناه وإلا بطلت صلاته إن تعمده، ولا تجب أيضا موالاته
(3)
، (وأقله التحيات لله سلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله)؛
(1)
. خلافا للنهاية فقال إلى السلام.
(2)
. خلافا لما أفتى به الشهاب الرملي فيما لو فرغ المأموم من التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل فراغ الإمام.
(3)
. خلافاً لهما كالشهاب الرملي.
وَقِيلَ يَحْذِفُ وَبَرَكَاتُهُ وَالصَّالحِينَ، وَيَقُولُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَالزِّيَادَةُ إلَى حَمِيدٌ مَجِيدٌ سُنَّةٌ فِي الْأَخِيرِ،
لورود إسقاط المباركات، أما الصلوات الطيبات فهما تابعان للتحيات، ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الأقلّ ولو بمرادفه كالنبي بالرسول وعكسه، ومحمدٍ باسم آخر
(1)
. وقضية كلام الأنوار أنه يراعي هنا التشديد وعدم الإبدال وغيرهما كالفاتحة، نعم يجوز في النبي الهمز والتشديد لا تركهما؛ لأن فيه إسقاط حرف بخلاف حذف تنوين سلام فإنه لحن غير مغير للمعنى، ولو أظهر النون المدغمة في اللام في أن لا إله أبطل إلا أن يكون جاهلا؛ لخفائه، ولا حرمة في فتحِهِ لام رسول الله ولو مع العلم والتعمد؛ لأنه ليس فيه تغيير للمعنى، نعم إن نوى العالمُ الوصفيةَ ولم يضمر خبرا أبطل؛ لفساد المعنى، ولا تضر زيادة ياءٍ قبل أيها النبي؛ لأنه ليس أجنبيا عن الذكر
(2)
، (وقيل يحذف وبركاته)؛ لإغناء السلام عنه (و) قيل يحذف (الصالحين)؛ لإغناء إضافة العباد إلى الله عنه، ويرد بصحة خبره، (ويقول) جوازا (وأنّ محمدا رسوله، قلت: الأصح) لا يجوز
(3)
؛ لأنه ورد ((وأن محمدا عبده ورسوله)) ولم يوجد هنا ما يقوم مقام عبده المحذوفة، ثمّ إنه لا يجب عليه إعادة لفظ أشهد فيجوز أن يقول (وأن محمدا رسول الله، وثبت في صحيح مسلم والله أعلم) بلفظ وأن محمدا عبده ورسوله، فعُلم أن الإضافة للظاهر تقوم مقام زيادة عبد، ولذا لم يجز وأن محمدا رسوله
(4)
؛ لأنه مع عدم وروده ليس فيه ذلك، ويكفي أيضا -لما مر- أشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أن محمدا رسول الله، وظاهر المتن إجزاء أشهد أن محمدا رسوله، (وأقلّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله اللهم صلّ على محمد وآله)؛ لحصول اسمها، ويكفي الصلاة على محمد إن نوى بها الدعاء، وصلى الله على محمد أو رسوله أو النبي دون أحمد ونحو الحاشر أو عليه، (والزيادة إلى حميد مجيد سنة في الأخير) ولو
(1)
. ذكره الشارح في الخطبتين.
(2)
. ذكر ذلك الشارح عند بداية كلامه عن مبطلات الصلاة.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. خلافا للنهاية والمغني والشهاب الرملي.
وَكَذَا الدُّعَاءُ بَعْدَهُ، وَمَأْثُورُهُ أَفْضَلُ، وَمِنْهُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ إلَى آخِرِهِ. وَيُسَنُّ أَلَّا يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُمَا تَرْجَمَ، وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ المَنْدُوبِ الْعَاجِزُ لَا الْقَادِرُ فِي الْأَصَحِّ.
للإمام؛ للأمر بها، ثم يمتنع الإتيان بهذه الزيادة لو خرج وقت الجمعة، أما غير الجمعة فمتى شرع فيها وقد بقي وقت يسعها جاز الإتيان بذلك وإلا لم يجز، (وكذا الدعاء) الديني والدنيوي
(1)
(بعده) سنة ولو للإمام أيضا، بل يكره تركه؛ للخلاف في وجوب بعضه، وأما التشهد الأول فيكره فيه؛ لبنائه على التخفيف إلا إن فرغ منه قبل إمامه، ويُلحق به كل تشهد غير محسوب للمأموم، أما الدعاء بمحرم فمبطل لها، (ومأثوره) عنه صلى الله عليه وسلم (أفضل، ومنه اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت إلى آخره) وورد التعوذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وفتنة المسيخ
(2)
الدجال. ويندب التعميم في الدعاء؛ لأخبار فيه، فيعمّ أفراد المسلمين دون ما عليهم من الذنوب فيمتنع قصد ذلك أيضا؛ لأنه لابد من دخول جمع منهم النار، (ويسن
(3)
ألا يزيد) الإمام في الدعاء (على قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أي أقلهما، بل الأفضل النقص عن ذلك؛ لأن الدعاء تبع لهما، فإن سواهما كره
(4)
. أما المأموم فهو تابع لإمامه، وأما المنفرد وإمام من مر فيطيل على الأرجح ما شاء ما لم يخف وقوعه في سهو، ومحل الخلاف فيمن لم يسن له انتظار نحو داخل.
(ومن عجز عنهما) أي التشهد والصلاة (ترجم) وجوبا في الواجب، وندبا في المندوب (ويترجم للدعاء) المأثور عنه صلى الله عليه وسلم (والذكر المندوب) أي المأثور كذلك (العاجز)؛ لحيازة الفضيلة، نعم لو قصَّر بالتعلم فلا يترجم عن المندوب (لا) غير المأثور منهما كأن اخترعه فتبطل به صلاته إن ترجم عنه، ولا (القادر) فتبطل به (في الأصح)؛ إذ لا حاجة إليها حينئذٍ.
(1)
. وفاقاً للنهاية وخلافا للمغني فعنده أن الدنيوي مباح.
(2)
. بالخاء وهو أولى وبالحاء.
(3)
. نعم يندب أن يجمع في قوله ظلمت نفسي ظلما كثيرا بين رواية الموحدة والمثلثة كما ذكره الشارح في آخر صفة الصلاة 1/ 106.
(4)
. قضية كلامهما أن المكروه هو الزيادة، والمساواة خلاف السنة فقط.
الثَّانِيَ عَشَرَ: السَّلَامُ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ لَا يُجْزِئُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الخُرُوجِ. وَأَكْمَلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ مَرَّتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا مُلْتَفِتًا فِي الْأُولَى حَتَّى يُرَى خَدُّهُ الْأَيْمَنُ،
[فرع] ظنّ مصلّي فرضٍ أنه في نفل فكمَّل عليه لم يؤثر في الاعتداد بما فعله عن الفرض
؛ لسبق نية تشملهما، ومعنى ذلك أن النفل داخل كالفرض في مسمى مطلق الصلاة بخلاف نحو سجود السهو.
(الثاني عشر السلام)؛ لخبر ((وتحللها التسليم))، ويجب إيقاعه إلى انتهاء ميم عليكم حال القعود أو بدله وصدره للقبلة، (وأقله السلام عليكم
(1)
؛ لوروده، فإن قال السلام عليك أو عليكما، أو سلامي عليكم متعمدا عالما بطلت، أو عليهم فلا تبطل؛ لأنه دعاء ولم يجزئه، نعم يجزئ عليكم السلام مع كراهته. وتشترط الموالاة بين السلام وعليكم وأن لا يزيد أو يُنْقِص ما يغير المعنى، (والأصح جواز سلامٌ عليكم) كالتشهد (قلت: الأصح المنصوص لا يجزئه) بل تبطل به عن علم وتعمد (والله أعلم)؛ لأنه لم يُنْقَلْ، والواجب مرّة واحدة ولو مع عدم الالتفات؛ لصحته عنه صلى الله عليه وسلم، ويجوز السلم -بكسر وسكون وبفتحتين- عليكم إن نوى به السلام؛ لأنه يأتي بمعناه، (وأنه لا تجب نية الخروج
(2)
من الصلاة كسائر العبادات، نعم يسن قرنها بأول السلام؛ خروجا من خلاف المقابل، وتبطل قبله، (وأكمله السلام)، و يسن أن لا يمد لفظه؛ لما صح فيه (عليكم ورحمة الله) ويزيد في الجنازة وبركاته
(3)
(مرتين يمينا وشمالا) ويسن الفصل بينهما (ملتفتا في الأولى حتى يُرى خدُّه الأيمن).
(1)
. ولا يجوز إبدال لفظي السلام بغيرهما ولا مرادفهما كما أفاده الشارح في التشهد 2/ 82.
(2)
. خالفاه فاستثنيا ما لو أراد متنفل نوى عددا النقص عنه؛ لإتيانه في صلاته بما لم تشتمل عليه نيته فوجب قصده للتحلل.
(3)
. خلافا لهما.
وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَيْسَرُ نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ، وَيَنْوِي الْإِمَامُ السَّلَامَ عَلَى المُقْتَدِينَ وَهُمُ الرَّدَّ عَلَيْهِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ،
(وفي الثانية الأيسر)؛ للاتباع، وتحرم الثانية إن وُجِد معها أو قبلها مبطل كحدثٍ وشكٍّ في مدة مسحٍ ونية إقامة وخروج وقت جمعة، ويسن ابتداؤه في كلٍّ مستقبلا وإنهاؤه مع تمام التفاته (ناويا) المصلي (السلام على من عن يمينه ويساره من ملائكة و) مؤمني (إنسٍ وجنٍّ
(1)
؛ للحديث الحسن بذلك، ويندب أيضا على محاذيه مِن أمامه وخلفه فينويه بأيهما شاء والأولى أولى، (وينوي الإمام) والمأموم (السلام على المقتدين وهم الرد) على بعضهم ممن سلم عليهم و (عليه) فمن على يمين المُسَلِّم ينويه عليه بالثانية ومن على يساره ينويه بالأولى، ومن خلفه وأمامه بأيهما شاء والأولى أفضل، وسُن ما مر؛ لخبر فيه، والأولى للمأموم أن يؤخر تسليمه إلى فراغ تسليمتي الإمام؛ لئلا يتعارض مع ما مر، وإنما احتاج السلام لنية
(2)
؛ لكونه واجبا للخروج منها فكان ذلك صارفاً عن انصرافه للمقتدين بالنسبة للسنة، وأُلحقت بالأولى الثانية، ولو كان عن يمينه أو يساره غير مصلٍّ لم يلزمه الرد بل يسن؛ لانصرافه للتحلل، بل يسن كالعكس، فيسن للمصلي إذا سلم عليه آخر أن يرد بالإشارة ثم بعد الصلاة بالسلام
(3)
.
(الثالث عشر ترتيب الأركان) لكن لا مطلقا بل (كما ذكرنا)، ويتعين الترتيب لحساب كثير من السنن كالافتتاح ثمّ التعوذ، والتشهد الأول ثمّ الصلاة فيه، وكون السورة بعد الفاتحة وكون الدعاء آخر الصلاة بعد التشهد والصلاة.
قيل الموالاة ركن والمشهور أنها شرط وهي عدم تطويل الركن القصير أو عدم طول الفصل إذا سلم في غير محله ناسيا أو عدم طوله أو عدم مضي ركن إذا شكّ في النية وإلا وجب الاستئناف، (فإن تركه) أي الترتيب (عمدا) بتقديم ركن قولي وهو السلام أو فعلي (بأن سجد قبل ركوعه) مثلاً (بطلت صلاته)
(1)
. أي حاضرين كما يؤخذ من كلامه.
(2)
. أي نية السلام على المقتدين، ونُقل عن ابن حجر وجوب نية التحلل حينئذ وهذا خلاف ما قاله الرملي.
(3)
. كما ذكره الشارح في مبطلات الصلاة 2/ 148.
وَإِنْ سَهَا فَمَا بَعْدَ المَتْرُوكِ لَغْوٌ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مِثْلَهِ فَعَلَهُ، وَإِلَّا تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ، وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ، فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنَ الْأَخِيرَةِ سَجَدَهَا،
إجماعا؛ لتلاعبه، أما تقديم القولي غير السلام على فعلي كتشهد على سجود أو على قولي كصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على تشهد أخير فلا تبطل لكنه يمنع حسبان ما قدمه، (وإن سها) بتركه الترتيب (فما بعد المتروك لغو)؛ لوقوعه في غير محله، (فإن تذكر) المتروكَ غيرُ المأموم أما هو فيأتي تفصيله (قبل بلوغه مثله) من ركعة أخرى (فعله) بمجرد التذكر وإلا بطلت صلاته، والشك كالتذكر
(1)
فلو شكّ راكعا هل قرأ الفاتحة؟ أو ساجدا هل ركع أو اعتدل؟ قام فورا وجوبا
(2)
ولا يكفيه في الثانية أن يقوم راكعا -وكذا في التذكر كما مر
(3)
- فما اقتضاه كلام المتن من الاقتصار على فعل المتروك محله في غير هذه الصورة
(4)
، أو قائما هل قرأ لم تلزمه القراءة فورا؛ لأنه لم ينتقل عن محلها (وإلا تمت به ركعته) أي حسب له عن المتروك (وتدارك الباقي) من صلاته؛ لأنه ألغى ما بينهما، وشرط هذه المسألة أن يكون المثل من الصلاة وإلا كسجدة التلاوة لم تجزه وأيضا أن يعرف عين المتروك ومحله وإلا أخذ باليقين وأتى بالباقي، نعم متى جَوَّز أن المتروك النية أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته ولم يشترط هنا طول ولا مضي ركن
(5)
؛ لأن هنا تيقنَ تركٍ انضم لتجويز ما ذكر وهو أقوى من مجرد الشك في ذلك، ثمّ إنه في تلك الأحوال كلها ما عدا المبطل منها يسجد للسهو، نعم إن كان المتروك السلام أتى به ولو بعد طول الفصل ولا سجود للسهو؛ لفوات محله بالسلام المأتي به، (فلو تيقن في آخر صلاته) أو بعد سلامه قبل طول الفصل وتنجسه بغير معفو عنه -وإن تكلم ومشى قليلا وتحول عن القبلة وكذا يقال في جميع ما يأتي- (ترك سجدة من الأخيرة سجدها).
(1)
. وأفاد الشارح أول باب صفة الصلاة أنه لو شك المصلي في السجود في طمأنينة الاعتدال أنه يجب العود، أي بناء على أن الطمأنينة ركن مستقل، أما إن قلنا صفة تابعة فلا يلزمه العود 2/ 3.
(2)
. نعم لا يضر الشك في بعض حروف الفاتحة بعد فراغها أفاده الشارح أول باب صفة الصلاة أيضا 2/ 3، بل لا يضر الشك في بعض الركن مطلقا كما مال إليه الشارح عند كلامه على قراءة الفاتحة 2/ 32.
(3)
. في شرح قول المصنف ((فلو هوى لتلاوة)).
(4)
. علله الشارح في غير هذا الموضع بأنه لا يلزم من السجود من قيام وجود هوي الركوع 2/ 59.
(5)
. خلافا لما نقله ابن قاسم عن الرملي.
وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِا. وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ تَرْكَ سَجْدَةٍ فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ سَجَدَ وَقِيلَ: إنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَكْفِهِ، وَإِلَّا فَيَجْلِسُ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدُ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ فَقَطْ، وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ، أَوْ أَرْبَعٍ فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ فَثَلَاثٌ، أَوْ سَبْعٍ فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ
(وأعاد تشهده، أو من غيرها لزمه ركعة)؛ لكمال الناقصة بسجدة مما بعدها وإلغاء باقيها (وكذا إن شكّ فيها) أي في كونها من الأخيرة أو غيرها فيجعلها من غيرها؛ لتلزمه ركعة؛ لأنه الأحوط، (وإن علم في قيام ثانية ترك سجدة) من الأولى مثلا أو شك فيها نُظِر (فإن كان جلس بعد سجدته) التي فعلها من الأولى (سجد) فورا من قيام واكتفى بذلك الجلوس وإن ظنه للاستراحه (وقيل إن جلس بنية الاستراحة) لظنه أنه أتى بالسجدتين جميعاً (لم يكفه) بل لا بد من جلوسه مطمئنا ثمّ سجوده، وذلك؛ لأنه قصد النفل فلم ينب عن الفرض كما لا تقوم سجدة التلاوة عن سجدة الفرض وردوه بأن تلك من الصلاة؛ لشمول نيتها لها بطريق الأصالة لا التبع فأجزأت عن الفرض كما يجزئ التشهد الأخير وأن ظنه الأول (وإلا) يجلس (فليجلس)؛ لأنه ركن (مطمئنا ثم يسجد، وقيل يسجد فقط)؛ لحصول الفصل بالقيام، (وإن علم) أو شك (في آخر رباعية ترك سجدتين) جهل موضعهما وجب ركعتان؛ لأن الأسوأ تقدير ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثالثة (أو ثلاث جهل موضعها وجب ركعتان) كما علم بالأولى مما قبله
(1)
، (أو أربع فسجدة ثمّ ركعتان)؛ لاحتمال تركه واحدة من الأولى وواحدة من الرابعة وثنتي الثالثة فتتم الأولى بالثانية وتبقى عليه سجدة من الرابعة فيأتي بها ثمّ بركعتين، فإن فُرِض ترك جلوس أيضا وجب ثلاث ركعات بتقدير ترك أولى الأولى وثانية الثانية وثنتي الثالثة؛ إذ الأولى تنجبر بجلسة من الثانية وسجدة من الرابعة ويبطل ما عدا ذلك، (أو خمس أو ست
(2)
فثلاث
(3)
؛ لاحتمال ترك واحدة من الأولى وثنتي الثانية وثنتي الثالثة والسادسة من الأولى أو الرابعة فتكمل الأولى بالرابعة ويبقى عليه ثلاث، (أو سبع فسجدة ثمّ ثلاث)
(1)
. فيقدر مع ما ذكر في سجدتين ترك سجدة من الثانية أو الرابعة.
(2)
. لم يقيد بسبع أو ثمان؛ لأنه لا يتصور جهل الموضع فيها خلافا للمغني فيهما والنهاية في السبع.
(3)
. اعتمدا أنه يلزمه ثلاث وسجدة.
قُلْتُ: يُسَنُّ إدَامَةُ نَظَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ، وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ، إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا. وَالخُشُوعُ، وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ، وَالذِّكْرِ، وَدُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطِ وَفَرَاغِ قَلْبٍ،
أو ثمان فسجدتان ثمّ ثلاث، ويتصور ذلك بترك طمأنينة أو سجود على نحو عمامة. وفي كلِّ ذلك يسجد للسهو
(1)
. ولو تذكر ترك سنة أتى بها ما بقي محلها بخلاف رفع اليدين بعد التكبير والافتتاح بعد التعوذ؛ لفوات اسم الافتتاح بالتعوذ، أما إن كان اسمه باقياً كما في تكبير العيد فله إن يأتي بهن بعد التعوذ وإن فاتته سنة الترتيب.
(قلت: يسن إدامة نظره) ولو أعمى وإن كان عند الكعبة أو فيها أو يصلي على جنازة
(2)
(إلى موضع سجوده) في جميع صلاته؛ لقربه من الخشوع، نعم يقصر نظره على مسبحته عند رفعها في التشهد؛ لخبر فيه، (وقيل يكره تغميض عينيه) كاليهود (وعندي لا يكره)؛ إذ لم يصح فيه نهي (إن لم يخف ضرراً)؛ لأنه يمنع تفريق الذهن، بل التغميض أولى إذا شوش عدمه خشوعه أو حضور قلبه مع ربه، أما إن خاف ضررا على نفسه أو غيره فيكره بل يحرم إن ظنّ ترتب حصول ضرر عليه لا يحتمل عادة، (و) يسن (الخشوع) -بقلبه بأن لا يُحْضِر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة وبجوارحه بأن لا يعبث بأحدها-؛ لانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه، فيكره الاسترسال مع حديث النفس العبث كتسوية ردائه أو عمامته لغير ضرورة من تحصيل سنة أو دفع مضرة، (وتدبر القراءة) أي تأمل معانيها إجمالا -لا تفصيلاً؛ لأنه يشغله عما هو بصدده-؛ ليكمل الخشوع، ويسن ترتيل القراءة وسؤال أو ذكر ما يناسب المتلو من رحمة أو رهبة أو تنزيه أو استغفار (و) تدبر (الذكر) كالقراءة، نعم لا بد أن يعرف معناه ولو بوجه كي يثاب عليه بخلافها؛ للتعبد بلفظها، (ودخول الصلاة بنشاط)؛ لأنه تعالى ذم تاركيه بقوله {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} النساء: 142 (وفراغ قلب
(3)
عن الشواغل
(4)
؛ لحديث ((ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل))، وبه يتأيد القول بأن حديث النفس الاختياري
(1)
. وهناك تفصيل سيذكره المصنف فيما لو نسي ركن بعد السلام وشرع فورا في صلاة أخرى.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(3)
. ولبس العمامة والطيلسان فيها كما ذكره الشارح في اللباس 3/ 39.
(4)
. ظاهره مطلقا لكنهما قيداها بالدنيوية.
وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ.، وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ. وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ. وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَالذِّكْرُ بَعْدَهَا
والاسترسال مع الاضطراري مكروه مبطل للثواب، (وجعل يديه تحت صدره) وفوق سرته (آخذا بيمينه يساره)؛ للاتباع، وحكمته إرشاد المصلي إلى حفظ قلبه عن الخواطر، والأفضل في كيفية الأخذ أن يقبض بكف يمينه كوع
(1)
يساره وبعض رسغها
(2)
وساعدها، ويحصل أصل السنة بكيفيات أخرى، (والدعاء في سجوده)؛ لخبر مسلم ((أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا فاجتهدوا في الدعاء))، (وأن يعتمد في قيامه من السجود) للاستراحة أو التشهد (والقعود على) بطن راحتيه وبطون أصابع (يديه) موضوعتين بالأرض؛ لأنه أشبه بالتواضع مع وروده، ولا يُقِّدم إحدى رجليه إذا نهض؛ للنهي عنه (وتطويل قراءة الأولى على الثانية في الأصح)؛ للاتباع، نعم ما ورد فيه تطويل الثانية يُتَّبَع كهل أتاك في الجمعة أو العيد، ويسن للإمام تطويل الثانية في مسألة الزحام وصلاة ذات الرقاع، (والذكر) والدعاء (بعدها) ويسن الإسرار بهما إلا لإمام يريد التعليم. والأفضل للإمام إذا سلم أن يقوم من مصلاه عقب سلامه إذا لم يكن خلفه نساء فإن لم يرد ذلك فالسنة أن يجعل -ولو بالمسجد النبوي
(3)
على مشرفه أفضل الصلاة والسلام- يمينه للمأمومين ويساره للمحراب ولو في الدعاء؛ أخذا من عمل الخلفاء ومن بعدهم، ويأتي بالذكر والدعاء في المحل الذي ينصرف إليه، ولا يفوت بفعل الراتبة
(4)
.
[تنبيه] من زاد على الذكر الوارد فقيل يكره له ذلك
، وقيل يُحَصِّل ثواب الزيادة ورجح بعضهم أنه إن نوى عند انتهاء العدد امتثال الأمر ثمّ زاد أثيب عليها وإلا فلا، وأوجه منه أنه إن زاد لنحو شكّ عذر أو لتعبد فلا؛ لأنه حينئذٍ مستدرك على الشارع، نعم ورد ختم مائة الذكر الوارد بعدها بلا إله إلا الله وحده .. الخ وبتكبيرة فيسن الجمع بينهما.
(1)
. هو العظم الذي يلي إبهام اليد، والكرسوع العظم الذي يلي خنصرها.
(2)
. هو المفصل بين الكف والساعد.
(3)
. وفاقا لظاهر إطلاق الأسنى والمغني وخلافا للنهاية.
(4)
. خلافا للنهاية.
وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ، وَأَفْضَلُهُ إلَى بَيْتِهِ، وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ مَكَثُوا حَتَّى يَنْصَرِفْنَ، وَأَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ، وَإِلَّا فَيَمِينِهِ. وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ، وَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلَوِ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ سَلَّمَ ثِنْتَيْنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
(وأن ينتقل للنفل من موضع فرضه) بل أي صلاتين كذلك؛ لتشهد له مواضع السجود، نعم هو مخصوص بأن لا يعارضه نحو فضيلة صف أول أو مشقة خرق صف مثلا، فإن لم ينتقل فصل بكلام إنسان؛ للنهي عن وصل صلاة بصلاة إلا بعد كلام أو خروج (وأفضله) أي الانتقال للنفل الذي لا تسن فيه الجماعة ولو لمن بالكعبة
(1)
(إلى بيته)؛ لخبر ((إن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة))، وللبعد عن الرياء، ومحله إن لم يكن معتكفا ولم يخف بتأخيره للبيت فوت وقت أو تهاوناً وفي غير الضحى وركعتي الطواف والإحرام بميقات به مسجد، ونافلة المبكر للجمعة، (وإذا صلى وراءهم نساء مكثوا) ندبا (حتى ينصرفن)؛ للاتباع، وتنصرف الخناثى فرادى بعدهن وقبل الرجال، (وأن ينصرف في جهة حاجته وإلا فيمينه)؛ لندب التيامن، ويسن له -بل في كل عبادة- الذهاب في طريق والرجوع في أخرى، بل يقوم هذا على الانصراف يمينه إن تعارض معه، (وتنقضي القدوة بسلام الإمام) الأولى؛ لخروجه بها، نعم يسن للمأموم أن يؤخرها حتى يفرغ إمامه من تسليمتيه جميعاً، (وللمأموم أن يشتغل بدعاء أو نحوه ثمّ يسلم) نعم إن سُبِق وكان جلوسه مع إمامه في غير محل تشهده الأول لزمه القيام عقب تسليمتيه فورا وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد وطَوَّله كجلسة الاستراحة
(2)
، أو في محل تشهده الأول كره له التطويل، ويسن له هنا القيام مكبرا مع رفع يديه؛ لأنه سنة حينئذ، نعم لو قام الإمام منه وخلفه مسبوق ليس في محل تشهده الأول رفع يديه بالتبعية. (ولو اقتصر إمامه على تسليمة سلم ثنتين والله أعلم)؛ تحصيلا لفضيلتهما.
(1)
. وذكر الشارح في فصل الاستقبال أن النفل فيها أفضل من بقية المسجد 1/ 495.
(2)
. خلافا للرملي فقال إن طوله زيادة على قدر طمأنينة الصلاة.
بابٌ
شُرُوطُ الصَّلَاةِ خَمْسَةٌ: مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ، وَالِاسْتِقْبَالُ. وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ
(بابٌ) في شروط الصلاة
(شروط) جمع شرْط وهو لغة: تعليق أمر مستقبل بمثله، والشرَط: العلامة
(1)
، واصطلاحا: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته (الصلاة خمسة) ولا يَرِدُ الإسلام
(2)
؛ لأن طهارة الحدث تستلزمه، ولا التمييز؛ لأن معرفة دخول الوقت تستلزمه، ولا العلم بالفرضية وبالكيفية؛ لأنه شرط لسائر العبادات، نعم إن اعتقد العامي أو العالم الكل فرضا صحّ أو سنة فلا أو البعض والبعض صح ما لم يقصد بفرض معين النفلية.
أحدها (معرفـ) ـة دخول (الوقت) ولو ظنا بشرط دخول الوقت باطنا (و) ثانيها (الاستقبال و) ثالثها (ستر العورة
(3)
عند القدرة وإن كان خاليا في ظلمة؛ لخبر ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار))، فإن عجز صلَّى عاريا ولا إعادة، والعجز هنا كالتيمم ولذا لزمه سؤال نحو العارية
(4)
وقبول هبة تافهة كطين، فإن وُجِد الساتر فيها استتر به فورا، وبنى حيث لم تبطل بنحو استدبار، ويلزمه أيضا سترها خارج الصلاة ولو في الخلوة لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل والأمة
(5)
وما بين سرة وركبة الحرة فقط، إلا لأدنى غرض كتبريد وخشية
(1)
. ظاهره أنه بالسكون ليس بمعنى العلامة وردا ذلك.
(2)
. نعم قال الشارح في صفة الصلاة إن الموالاة شرط مع تفسيره لمعناها 2/ 95.
(3)
. ومرَّ في التيمم أنه لو تيقن السترة آخر الوقت فانتظارها أفضل أو ظنها فتعجيل الصلاة بدونها أفضل 1/ 334.
(4)
. ونقل الشارح في العارية عن المجموع قوله ((فلو رجع المعير أثناء الصلاة نزعه وبنى على صلاته ولا إعادة عليه بلا خلاف)) قال الشارح وقياس ذلك في المفروش على النجس إلا أن عليه الإعادة 5/ 429.
(5)
. اعتمد في النهاية أنها كالحرة.
وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ، وَرُكْبَتِهِ، وَكَذَا الْأَمَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالحَرَّةُ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَشَرْطُهُ مَا مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ، وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهُ وَجَوَانِبِهِ لَا أَسْفَلِهِ، فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ فَلْيَزُرُّهُ، أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ،
غبار على ثوب يجمله
(1)
، ويكره له نظر سوأة نفسه بلا حاجة، (وعورة الرجل) والصبي ولو غير مميز (ما بين سرته وركبته)؛ لخبر به، نعم يجب ستر جزء منهما؛ ليتحقق به ستر العورة، (وكذا الأمة في الأصح) كالرجل؛ بجامع أن رأس كلّ ليس عورة. (والحرة) ولو غير مميزة والخنثى الحرّ
(2)
، نعم لو لبس الخنثى لباسا كالرجل ثم بان رجلا لم يلزمه القضاء
(3)
(ما سوى الوجه والكفين) إلى الكوعين وبه فُسِّر قوله تعالى {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} النور: 31، وإنما حرم نظرهما -كالزائد على عورة الأمة-؛ للفتنة، وعورتها خارجها في الخلوة كما مر وعند نحو محرم ما بين السرة والركبة وصوتها غير عورة. (وشرطه ما منع إدراك لون البشرة) وأن يشتمل على المستور لبسا أو نحوه فلا يكفي زجاج وماء صاف وثوب رقيق؛ لأن مقصود الستر لا يحصل به، ولا ظلمة وأصباغ لا جرم لها؛ لأنهما ليسا ساترا عرفا (ولو) هو حرير، ولا يلزمه قطع الزائد على العورة إن نقص به المقطوع؛ للحاجة، و نجس تعذر غسله كالعدم و (طين) وجَرَّة ضخمة وحفرة رأسهما ضيق بحيث لا يمكن رؤية العورة منه -بخلاف نحو خيمة ضيقة- (وماء كدر) كأن صلى فيه على جنازة أو بالإيماء أو كان يطيق الانغماس فيه، (والأصح وجوب التطين) ومثله الماء المتقدم، وكذا لو أمكنه السجود على الشط مع بقاء ستر عورته به، ولا يلزمه أن يقوم فيه ثمّ يسجد على الشط إن شق ذلك عليه مشقة شديدة فيصلي على الشط عاريا ولا يعيد (على) مريد صلاة وغيره (فاقد) غير التطين مما يستر العورة كـ (الثوب)؛ لقدرته به على الستر، (ويجب ستر أعلاه) أي الساتر (وجوانبه) ومنه الكمّ (لا أسفله)؛ لعسره، فلا تضر رؤيتها من ذيله، (فلو رؤيت) أي كانت بحيث ترى عادة -وإن لم تر بالفعل- (من جيبه) أي طوق قميصه؛ لسعته (في ركوعه أو غيره لم يكف فلْيزرُّه أو يشدُّ وسَطه) حتى لا ترى
(1)
. قضية كلامهما أنه ليس بقيد.
(2)
. للخطيب تفصيل هنا.
(3)
. ذكره الشارح في محرمات الإحرام.
وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ كَافِيَ سَوْأَتَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا فَقُبُلَهُ وَقِيلَ: دُبُرَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ. وَطَهَارَةُ الحَدَثِ، فَإِنْ سَبَقَهُ بَطَلَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ يَبْنِي، وَيَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ عَرَضَ بِلَا تَقْصِيرٍ، وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الحَالِ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ فَسَتَرَ فِي الحَالِ لَمْ تَبْطُلْ،
عورته، ويكفي ستر لحيته؛ لخبر ((إنَّا نصيد أفنصلي بالثوب الواحد قال: نعم و أزرره ولو بشوكة))، فلو لم يفعل ذلك انعقدت وبطلت عند انحنائه بحيث ترى عورته، أي فتصح القدوة به قبل ذلك، (وله) بل عليه، إذا كان في ساتر عورته خرق لم يجد ما يسده غير يده (ستر بعضها بيده) حيث لا نقض، ثمّ يتخير
(1)
في السجود -إذا لم يمكن وضعها مع الستر بها- بين وضعها والستر بها؛ للحاجة فيهما حيث لا مرجح (في الأصح)؛ لحصول المقصود، ويكفي بيد غيره قطعا وإن حرم كالحرير، ويلزمه ستر ولو بعض عورته بما وجده، ويلزمه تحصيله قطعاً، (فإن وجد كافي سوأتيه تعين لهما)؛ لفحشهما (أو أحدهما فقبله) ولو في غير الصلاة؛ لأن الدبر مستور غالبا بالأليين، ويلزم الخنثى ستر قبليه فإن كفى أحدهما فقط فآلة الذكر بحضرة امرأة وعكسه، وعند مثله يتخير كما لو كان وحده، (وقيل دبره)؛ لأنه أفحش عند السجود، (و قيل يتخير)؛ للتعارض.
(و) رابعها (طهارة الحدث) بأقسامه السابقة بماء أو تراب وجده، فإن نسيه وصلى أثيب على قصده لا على ما فعله إلا ما لا يتوقف على طهر كالذِّكر والقراءة إلا من نحو جنب، (فإن) أكره على الحدث، أو (سبقه) -لا إن نسيه فلا تنعقد اتفاقا- (بطلت)؛ لبطلان طهره ولو فاقداً للطهورين؛ لانعقادها صحيحة، وتقدم أن السلس معذور، (وفي القديم يبني)؛ لخبر ضعيف، (ويجريان في كل مناقض عرض بلا تقصير وتعذر دفعه في الحال) كأن طَيَّر الريح ثوبه لمحل بعيد بحيث لا يصل إليه إلا بفعل كثير (فإن أمكن ريح بأن كشفته فستر في الحال لم تبطل) ويغتفر هذا العارض؛ لقلته، فلو تنجس رداؤه فألقاه أو نفضها عنه بتحريك ما هي عليه حتى وقعت
(2)
حالا لم تبطل بخلاف ما لو نحاها بنحو كمّه أو عود بيده؛ لأن حمل
(1)
. وفاقا للخطيب وخلافا للرملي فقال بوجوب الوضع.
(2)
. ذكره في شرح العباب.
وَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا بَطَلَتْ. وَطَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالمَكَانِ. وَلَوِ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ، وَنَجَسٌ اجْتَهَدَ. وَلَوْ نَجَِسَ بَعْضُ ثَوْبٍ، وَبَدَنٍ وَجُهِلَ، وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ، فَلَوْ ظَنَّ طَرَفًا لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ،
المماس لها مبطل حينئذ، (وإن قَصَّر بأن فرغت مدة خفّ فيها) سواء ظن فراغها أو تيقنه أو شك فيه (بطلت
(1)
قطعا كحدثه مختاراً، وتصح القدوة به قبل البطلان.
(و) خامسها (طهارة النجس) الذي لا يعفى عنه (في الثوب) وغيره من كل محمول له وملاقٍ لذلك المحمول (والبدن) ومنه داخل الفم والأنف والعين (والمكان) المُصلّى فيه؛ لخبر ((فاغسلي عنكِ الدمّ وصَلِّي))، نعم يستثنى من المكان ذرق الطيور
(2)
فيعفى عنه في أرضه وفراشه إن كان جافا ولم يتعمد ملامسته ومع ذلك لا يكلف تحري غير محله، ولا يعفى عن الذرق في الثوب مطلقا، ويحرم التضمخ بالنجاسة في الثوب والبدن. (ولو اشتبه طاهر ونجس اجتهد
(3)
كما مر في الأواني، ومنه أنه يجوز وإن قدر على طاهر بيقين كأن يجد ما يغسل به أحدهما، ويجب الاجتهاد إن لم يقدر على غيره موسعا ومضيقا حسب الوقت، نعم لو صلى فيما ظنه الطاهر منهما ثمّ حضر وقت أخرى لم يجب تجديده -بخلاف الماءين؛ لأن الصلاة هنا لا تفسد لو خالف الاجتهاد الثاني الأول فلم يجب الاحتياط بتجديده- بل يجوز الاجتهاد، ويجب العمل بالاجتهاد الثاني عند تغيره، نعم محله إذا لم يمس الأول رطبا من البدن؛ لئلا يصلي بيقين نجاسة، ولا إعادة مطلقا
(4)
، ولو لم يظهر له شيء صلى عاريا وأعاد
(5)
. (ولو نَجَِس بعض ثوب) أ (و بدن وجهل وجب غسل كله)؛ لأن الأصل بقاؤها ما بقي جزء منه بلا غسل، وإنما لم ينجس ما مسه؛ لعدم تيقن محل الإصابة، نعم لو انحصر في بعضه كمقدَّمِهِ فلا يلزمه إلا غسل المقدم فقط، (فلو ظن) بالاجتهاد (طرفا) متميِّزاً منه ككُم (لم يكف غسله على الصحيح)؛ لتعذر الاجتهاد في العين الواحدة، ومن ثمّ لو فصل نحو ذلك الكُم جاز
(1)
. اعتمدا أن كل هذا إذا ظن بقاء المدة إلى فراغها، وإلا لم تنعقد وخالفهم الشارح فذهب إلى الانعقاد.
(2)
. قيده الشارح في الحج في المطاف بأن يشق الاحتراز عنه بأن يعم وإلا لم يعف عنه مطلقا.
(3)
. أفاد الشارح في كتاب الطهارة أن الاجتهاد في الثياب ونحوها لا يعتد فيها بالنسبة لنحو الملك باجتهاد غير المكلف 1/ 103.
(4)
. يقتضي عدم الإعادة ولو لم يتلف أحد الثوبين وهو مخالف لما استوجهه الرملي.
(5)
. ولو أمكن غسل ثوبه النجس غسله وإن خرج الوقت كما أفاده الشارح نهاية الباب 2/ 136.
وَلَوْ غَسَلَ نِصْفَ نَجِسٍ ثُمَّ بَاقِيَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَهُ طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَغَيْرُ المُنْتَصَفِ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ بَعْضُ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَا قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجِسٍ إنْ تَحَرَّكَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ فِي الْأَصَحِّ.
الاجتهاد. ويقبل خبر عدل الراوية بالتنجس لثوب أو بعضه إن بيَّنه أو كان فقيها موافقا. ولو اشتبه مكان من نحو بيت أو بساط فلا اجتهاد بل إن ضاق الوقت عرفا وجب غسله كله وإلا ندب الاجتهاد، وله الصلاة بدونه ولكن إلى أن يبقى قدر النجس. ولو تعذر غسل بعض ثوبه المتنجس وأمكنه لو قطع المتنجس ستر كل العورة بباقيه
(1)
لزمه قطعه إن لم ينقصه أكثر من أجرة ثوب مثله يصلي فيه
(2)
. (ولو غسل نصف) هو مثال (نجس ثمّ باقيه) بصب الماء عليه، لا في نحو جفنة
(3)
وإلا لم يطهر منه شيء؛ لأن طرفه الآخر نجس مماس لماء قليل وارد هو عليه (فالأصح أنه إن غسل مع باقيه مجاوره) من النصف المغسول أوَّلاً (طهر كله وإلا فغير المنتصَف) يطهر، والمنتصف لا يطهر؛ لأنه رطب ملاقٍ لنجس فيغسله وحده ولا تسري نجاسة الملاقي لملاقيه
(4)
وإلا لتنجس السمن كله بالفارة وهو خلاف النص. (ولا تصح صلاة ملاقٍ) أي مماس (بعض) بدنه
(5)
أو (لباسه نجاسة وإن لم يتحرك بحركته)؛ لنسبته إليه، وخرج بلباسه وما معه نحو سرير على نجس فتصح صلاته عليه، (ولا) تصح في الأصح صلاة نحو (قابض) أو شادٍّ بنحو يده (طرف شيء) كحبل طرفه الآخر موضوع (على نجس) وإن لم يشد به (إن تحرك) هذا الشيء الذي على النجس (بحركته) بالفعل؛ لحمله متصلا بنجس، أو بالقوة المشار إليه
(6)
بقوله (وكذا إن لم يتحرك بحركته في الأصح)؛ لنسبته إليه
(1)
. قالا ولو بعض العورة لكن الشارح تبرأ منه.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني فقال يعتبر أكثر الأمرين من ذلك ومن ثمن الماء لو اشتراه مع أجرة غسله عند الحاجة.
(3)
. خلافا لشيخ الإسلام.
(4)
. ولذلك لو غسل ذكره ثم بال لم يتنجس غير مماس البول قاله الشارح في آداب دخول الخلاء 1/ 180.
(5)
. ولو بلع طرف خيط وبقي بعضه بارزا بطلت صلاته إن جاوز مخرج الحاء؛ لاتصال محموله وهو طرفه البارز بالنجاسة كما أفاده الشارح في النجاسات 1/ 295.
(6)
. ذكر ذلك الشارح عند كلامه في ضابط النجاسة الظاهرة في القدوة.
فَلَوْ جَعَلَهُ تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ مُطْلَقًا، وَلَا يَضُرُّ نَجِسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِنَجِسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ فَمَعْذُورٌ،
كالعمامة، ومرّ أنه لو أمسك لجام دابة وبها نجس ضرّ
(1)
، وخرج بعلى نجس الحبل المشدود
(2)
بطاهر متصل بنجس فلا يضر إلا إذا كان ذلك الطاهر ينجرّ هو وما اتصل به من النجس بجرّه كسفينة صغيرة في البر
(3)
، والمعتبر هنا الانجرار بالفعل لو أراده لا بالقوة.
[تنبيه] عبروا في النجس بالمتصل وفي الطاهر بالمشدود ونحوه
؛ لأن الأول محموله مماس لنجس فلم يشترط فيه نحو شده به بخلاف الثاني فإن بينه وبين النجاسة واسطة فاشترط ارتباط
(4)
بين محموله والنجس بنحو الشد، (فلو جعله تحت رجله صحّت مطلقا) تحرك أم لا؛ لأنه ليس حاملا ولا لابساً له. (ولا يضر نجس يحاذي) أي يجاور بدنه كـ (صدره في الركوع والسجود) أو غيرهما (على الصحيح)؛ لعدم ملاقاته له، نعم تكره صلاته بإزاء متنجس في إحدى جهاته إن قرب منه بحيث ينسب إليه.
(ولو وصل) -ومثله الدهن أو الربط- معصوم
(5)
(عظمه)؛ لاختلاله وخشية مبيح تيمم إن لم يصله (بنجس) ولو مغلظاً (لفقد الطاهر) الصالح للوصل كأن قال خبير ثقة
(6)
إن النجس أو المغلظ أسرع في الجبر، وفي حكم فقد الطاهر وجوده من آدمي محترم
(7)
(فمعذور)؛ للضرورة، ولا يلزمه نزعه وإن وجد طاهرا صالحا إن كان في ذلك مشقة لا تحتمل عادة
(8)
وإن لم تبح التيمم.
(1)
. كما لو تنجس فمها؛ لأنه بإمساكه حامل لمماس أو مماس مماس نجاسة وهو مبطل بخلاف المماس بلا حمل قاله الشارح في فصل استقبال القبلة 1/ 488.
(2)
. قيد عند النهاية دون الأسنى والمغني.
(3)
. ليس الاحترام بقيد عندهما.
(4)
. خلافا للأسنى والمغني.
(5)
. لم يقيد بذلك في النهاية والمغني.
(6)
. وفاقا للمغني خلافا للنهاية.
(7)
. ليس بقيد عندهما.
(8)
. خلافا لهما فقالا ((ولم يخف من نزعه ضررا)).
وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا، قِيلَ: وَإِنْ خَافَ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ
(وإلا) بأن وصله نجس مع وجود طاهر صالح، ومثله ما لو وصله بعظم آدمي محترم مع وجود نجس أو طاهر صالح (وجب نزعه
(1)
وإن تألم واستتر باللحم لكن (إن لم يخف ضررا ظاهرا) وهو ما يبيح التيمم، فإن امتنع أجبره عليه الإمام أو نائبه وجوبا كرد المغصوب، ولا تصح صلاته قبل نزع النجس؛ لتعديه، فإن خاف ذلك حرم نزعه وصحّت صلاته، (قيل) يلزمه (وإن خاف)؛ لتعديه، (فإن مات لم ينزع) ويحرم (على الصحيح)؛ لهتكه حرمته، ويجري ما تقدم فيمن داوى جرحه أو حشاه بنجس أو خاطه به أو شقّ جلده فخرج منه دم كثير ثمّ بنى على ذلك الدم اللحم؛ لأن الدم صار ظاهرا فلم يكف استتاره بذلك اللحم، كما لو قطعت أذنه ثمّ لصقت بحرارة الدم فيزيلها بشرطه لكي تصح صلاته
(2)
، ويجري في الوشم
(3)
أيضا فمتى أمكنه إزالته من غير مشقة فيما لم يتعد به وخوف مبيح تيمم أو شين عرفا أو انكشاف نحو برص
(4)
فيما تعدّ به لزمته ولم تصح صلاته وتنجس به ما لاقاه وإلا فلا تصح إمامته، ومحل تنجيسه لما لاقاه في الحالة الأولى ما لم يكس اللحم جلدا رقيقا؛ لمنعه حينئذ من مماسة النجس، وهو الدمّ المختلط بنحو النيلة
(5)
. ولو غرز إبرة أو انغرزت فغابت لم يضر، أو لم تغب كلها فإن وصلت لدم قليل لم يضر أو لدم كثير أو لجوف لم تصح الصلاة؛ لاتصالها بنجس.
(1)
. وإن لم يكن الواصل مكلفا مختارا عند الشارح واشترطا ذلك.
(2)
. فيجب قلعها إن لم يخش مبيح تيمم، ومحل هذا إن انفصلت بالكلية بخلاف معلقة بجلدة التصقت ذكره الشارح في كتاب الديات 8/ 463.
(3)
. وإن فعل به صغيرا عند الشارح وخالفاه في ذلك وفي المكره مطلقا.
(4)
. ذكر هذين الشارح في خيار النقصية.
(5)
. هو جنس نباتات محولة أو معمرة من الفصيلة القرنية تزرع لاستخراج مادة زرقاء من ورقها، المعجم الوسيط.
وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ، وَطِينُ الشَّارِعِ المُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى عَنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا، وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ، وَمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ
(ويعفى عن محلّ استجماره) المجزئ في الاستنجاء، لكن في حق نفسه وإن انتشر بعَرَقٍ ما لم يجاوز الصفحة أو الحشفة، نعم لو مس رأس الذكر موضعا مبتلا من بدنه تنجس الموضع وتعين الماء؛ لطرو الأجنبي، (ولو حمل) في جزء من صلاته ميتةً لا دم لها سائل في بدنه أو ثوبه وإن لم يقصد كقمل قتله فتعلق جلده بظفره أو به أو حمل (مستجمرا) أو حامله أو بيضا مذرا
(1)
أو حيوانا بمنفذه نجس أو ميتا طاهرا بجوفه نجس أو قارورة فيها نجس ولو معفوا عنه وإن ختمت بنحو رصاص (بطلت في الأصح)؛ إذ لا حاجة لحمل ذلك فيها، ولذا يعفى عمّا يتخلل خياط الثوب من نحو الصئبان
(2)
؛ للمشقة (وطين الشارع) أي محل المرور ولو غير شارع (المتيقن) -أما مظنون النجاسة منه ومن نحو ثياب خمَّارٍ وكافر متدين باستعمال النجاسة وسائر ما تغلب النجاسة في نوعه فطاهر، نعم ما قرب احتمال نجاسته يندب غسله- (نجاسته) ولو بمغلظ ما لم تبق عينه متميزة وإن عمت
(3)
الطريق؛ لندرة ذلك فلا يعمّ الابتلاء به، وكالتيقن إخبار عدل الرواية به (يعفى عنه) في الثوب والبدن -وإن انتشر بعرق أو نحوه مما يحتاج إليه- دون المكان
(4)
؛ إذ لا يعمّ الابتلاء به فيه (عمّا يتعذر
(5)
الاحتراز عنه غالبا) بأن لا ينسب لسقطةٍ أو قلة تحفظ وإن كثر، فما زاد على الحاجة هنا ضر وما لا فلا ولا نظر لقلة أو كثرة، (ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن) فيعفى في زمن الشتاء وفي الذيل والرِّجْل عمّا لا يعفى عنه في زمن الصيف وفي اليدّ والكم سواء في ذلك الأعمى وغيره، ومع العفو عنه لا يجوز تلويث المسجد بشيء منه.
(1)
. هو ما أيس من مجيء فرخ منه.
(2)
. هو بيض القمل.
(3)
. خلافا للرملي فقال بالعفو إن عمت.
(4)
. نعم أفاد الشارح في استقبال القبلة عند كلامه عن التنفل على الدابة أنه يشترط ترك تعمد وطء نجس مطلقا وإن عم الطريق فإن نسيه ضر رطب غير معفو عنه لا يابس.
(5)
. فسراه بالتعسر.
وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَالْأَصَحُّ لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ، وَلَا عَنْ قَلِيلٍ انْتَشَرَ بِعَرَقٍ، وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ بِالْعَادَةِ الْغَالِبَةِ. قُلْت: الْأَصَحُّ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَدَمُ الْبَثَرَاتِ كَالْبَرَاغِيثِ،
(و) يعفى في الثوب والبدن والمكان (عن قليل دم البراغيث) لا جلدها وفي معناها -في كل ما يأتي- كل ما لا نفس له سائلة (وونيم) أي ذرق (الذباب) كبوله وبول الخفاش وروثُهُ -رطبها ويابسها- في الثوب والبدن والمكان، نعم مرّ أن ذرق الطيور يعفى عنه في المكان فقط (والأصح لا يعفى عن كثيره)؛ لندرته (ولا عن قليل انتشر بعرق، وتعرف الكثرة) والقلة (بالعادة الغالبة) معْتَبِراً الزمان والمكان، فيجتهد وجوبا إن تأهل وإلا رجع إلى عارف يجتهد له كالقبلة، نعم لا يرجَّح هنا بكثرة ولا أعلمية؛ لأن الأصل القلّة، ولذا لو شك في شيء أقليل أو كثير فله حكم القليل، (قلت: الأصح عند المحققين العفو مطلقا
(1)
بالنسبة لنحو الصلاة -لا لنحو ماء قليل لم يحتج لمماسته له فينجس به وإن قلّ- (والله اعلم) وإن كثر منتشرا بعرق أو جاوز البدن إلى الثوب أو طبّق الثوب، نعم محل العفو هنا وفيما مرَّ ويأتي حيث لم يختلط بأجنبي، فإن اختلط بأجنبي لم يعف عن كثيره، والأجنبي هو ما لم يحتج لمماسته، فخرج ماء طهر وشرب وتنشف احتاجه وبصاق في ثوبه كذلك وماء بلل رأسه من غسل تبرد أو تنظف، ومماس آلة نحو فصاد من ريق أو دهن، وسائر ما احتيج إليه ولو ندر كاختلاط دمّ جرح الرأس عند حلقه ببلل شعره أو بدواء وضع عليه، ولو لبس ثوبا فيه دم نحو براغيث وبدنه رطب تنجس إن لم يحتج لتلك الرطوبة وإلا فلا، ومحل العفو أيضا إن كان في ملبوسٍ أن لا يَتَعَمَّد إصابته له وإلا كأن قتل قملا في بدنه أو ثوبه فأصابه منه دم، أو كأن حمل ثوبا فيه دمّ براغيث مثلا أو صلى عليه لم يعف إلا عن القليل، نعم لما لبسه زائدا لتجمل أو نحوه حكم بقية ملبوسه فيعفى حتى عن كثيره.
(ودمّ البثَرات) وهي خراجات
(2)
صغيرة (كالبراغيث) فيعفى عنه حيث لم يعصر مطلقا؛ للابتلاء بها، ويشترط هنا أيضاً أن لا ينتقل عن محله وإلا لم يعف إلا عن قليله، نعم
(1)
. ومن ذلك السائل الذي من المعدة الخارج من الفم فيعفى عنه من ابتلي به في الثوب وغيره وإن كثر كما ما مرَّ في النجاسات 1/ 295.
(2)
. جمع خراج وهو ورم يخرج بالبدن من ذاته.
وَقِيلَ: إنْ عَصَرَهُ فَلَا، وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ، وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ، وَالحِجَامَةِ قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ، وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا فَكَالِاسْتِحَاضَةِ، وَإِلَّا فَكَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْبَثَرَاتِ، وَالْأَظْهَرُ الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ وَالْقَيْحُ، وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ،
محاذي الجرح من الثوب يلحق به؛ لضرورة الابتلاء بكثرة الانتقال إليه، (وقيل إن عصره فلا) يعفى عنه مطلقا، لكن الأصح أنه يعفى عن قليله فقط كدمّ برغوث قتله؛ لأن العصر قد يحتاج إليه. (والدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة قيل كالبثرات، والأصحّ) أنه (إن كان مثله يدوم غالبا فكالاستحاضة) فيجب الحشو والعصب ثم ما خرج بعدُ عُفي عنه
(1)
(وإلا فكدمّ الأجنبي فلا يعفى) عن شيء من المُشَبَّه
(2)
والمُشَبَّه به، (وقيل يعفى عن قليله، قلت الأصح أنها كالبثرات)؛ لأنها غير نادرة، نعم دمّ الفصد والحجامة إن لم يجاوز محله -وهو ما ينسب إليه عادة- عفي عنه مطلقا ما لم يعصره، وإن جاوزه إلى الثوب أو محلّ آخر عفي عن قليله فقط، نعم لو حلّ ربط الفصد عفي عن قليله فقط وإن لم يجاوز محله، ولو افتصد فخرج الدمّ بعد ربط محل الفصد ولم يلوث بشرته أو لوثها -وهي خارجة عن محلّه قليلا
(3)
- لم تبطل صلاته بخلاف خروج دم من جرح فتبطل به الصلاة إن لوث وكثر
(4)
. (والأظهر العفو عن قليل دم الأجنبي) -غير المغلظ- وإن حصل بفعله وتعمد
(5)
(والله أعلم)؛ لأن جنس الدم يتطرق إليه العفو فيقع القليل منه في محل المسامحة، ويعفى عن قليل نحو البول ممن حصل هل استرخاء لنحو مرض وإن لم يصر مسلسلاً (والقيح والصديد) وهو ماء رقيق أو قيح يخالطه دمّ (كالدمّ)؛ لأنه أصلهما.
(1)
. أفاد الشارح قبيل كلامه على دم البثرات أن محل العفو عن الكثير من دم الفصد والحجامة ما لم يختلط بأجنبي.
(2)
. خلافا للمغني حيث اقتصر عليه.
(3)
. أما إذا لم تخرج عنه فيعفى عن الكثير الملوث لها أيضا.
(4)
. قال في النهاية ((وجاوز محله)) لكنه هنا مخالف للشارح.
(5)
. خلافا للشهاب الرملي والمغني والنهاية.
وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ وَالمُتَنَفِّطِ الَّذِي لَهُ رِيحٌ، وَكَذَا فِي بِلَا رِيحٍ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: المَذْهَبُ طَهَارَتُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ صَلَّى بِنَجِسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الجَدِيدِ، وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ الْقَضَاءُ عَلَى المَذْهَبِ
(وكذا ماء القروح والمتنفط
(1)
الذي له ريح) أو تغير لونه (وكذا بلا ريح) ولا تغير لون (في الأظهر. قلت: المذهب طهارته)؛ قياساً على العرق (والله أعلم).
[فرع] يعفى عن قليل دمّ المنافذ
(2)
ونحوه
من القيح والصديد، وعن نحو قليل دم الفرجين إن لم يخرج من معدن النجاسة كالمثانة ومحلّ الغائط، ولا تضر ملاقاته لمجراها في نحو الدمّ الخارج من باطن الذكر؛ لأنها ضرورية، ولا يؤثر اختلاط الدم المعفو عنه برطوبة، فيعفى عن قليل دمّ الحيض وإن أذهبته بريقها ولو قصدا بل لا أثر للبصاق على الدم المعفو عنه إن لم ينتشر به. ولو رعف في الصلاة ولم يصبه منه إلا القليل لم يقطعها وإن كثر نزوله على منفصل عنه فإن كثر ما أصابه لزمه قطعها ولو جمعةً، أو رعف قبلها ودام فإن رجا انقطاعه والوقت متسع انتظره وإلا تحفظ كالسلس.
(ولو صلى بنجس) لا يعفى عنه (لم يعلمه) إلا بعد فراغها (وجب القضاء في الجديد)؛ لأن ذلك من خطاب الوضع الذي لا يؤثر فيه الجهل (وإن علم) به قبل الشروع فيها (ثمّ نسي وجب
(3)
على المذهب)؛ لنسبته بنسيانه إلى نوع تقصير، وإن كان لو مات لم يؤاخذ في الآخرة، ومتى احتمُل حدوث النجس بعد الصلاة لا قضاء ما لم يكن تيقن وجوده قبلها وشكّ في زواله قبلها. ولو رأينا من يريد نحو صلاة وبثوبه نجس غير معفو عنه عنده لزمنا إعلامه؛ لأن الأمر بالمعروف لزوال المفسدة وإن لم يكن عصيانا، وكذا يلزم المكلف تعليم من رآه يخلّ بواجب عبادة في رأي مقلَّدِهِ كفاية إن كان ثَمَّ غيره يقوم به وإلا عينا، نعم إن قوبل ذلك بأجرة لم يلزمه إلا بها.
[فرع] أخبر عدل رواية بنحو نجس أو كشف عورة مبطل لزمه قبوله أو بنحو كلام مبطل لم يلزمه إن كان لا يبطل سهوه وإلا فينبغي قبوله؛ لأنه حينئذٍ كالنجس.
(1)
. وهو البقاقيق التي تطلع في البدن كما في حاشية الجمل.
(2)
. خالفاه.
(3)
. وحينئذ لا يثاب على أفعال الصلاة المتوقفة على الطهارة بل على ما لا يتوقف عليها كالقراءة والذكر والخشوع وقصد فعل العبادة كما أفاده الشارح في الإجارة 6/ 159.
تَبْطُلُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ، أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ، وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّنَحْنُحَ، وَالضَّحِكَ، وَالْبُكَاءَ، وَالْأَنِينَ، وَالنَّفْخَ وَالسُّعَالَ وَالْعُطَاسَ إنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِ الْكَلَامِ إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ أَوْ نَسِيَ الصَّلَاةَ، ....
(فصل) في ذكر مبطلات الصلاة وسننها ومكروهاتها
(تبطل) إن سمعه ذو السمع المعتدل (بالنطق) من كلام البشر ولو من منسوخ لفظه أو من حديث قدسي (بحرفين) -وإن لم يفيدا لكن إن تواليا-؛ لخبر ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)) وأقلّ ما يبنى عليه الكلام غالبا حرفان (أو حرف مفهم) كفِ وقِ وعِ ولِ و طِ؛ لأنه كلام تام لغة وعرفاً، وخرج بالنطق صوت من أنف أو فمّ فلا يبطل وإن اقترن به همهمة شفتي الأخرس ولو لغير حاجة وإن فهم الفطن كلامه أو تكرر أو قصد محاكاة بعض الحيوانات إلا أن يقصد اللعب، ولا تبطل بالبصق إلا إن حرّك عضوا يبطل تحركه به كلحية ثلاثا متوالية بخلاف ما كالشفة، (وكذا مدّه بعد حرف) غير مفهم (في الأصح)؛ لأنها ألف أو واو أو ياء فهما حرفان، نعم لا تبطل بإجابته صلى الله عليه وسلم في حياته -لا غيره- بقول أو فعل وإن كثر. وتبطل بإجابة الأبوين، ولا تجب في فرض مطلقا بل في نفل
(1)
إن تأذيا بعدمها تأذيا ليس بالهَيِّن، ولا تبطل بتلفظه بالعربية لقُرْبَة توقفت على اللفظ وخلت عن تعليق وخطاب مضرّ كنذر وصدقة
(2)
وعتق
(3)
ووصية؛ لأن القربة فيها مناجاة لله تعالى، وليس مثله التلفظ بنية نحو الصوم؛ لأنها لا تتوقف على اللفظ فلم يحتج إليه. (والأصح أن التنحنح والضحك والبكاء والأنين والنفخ والسعال والعطاس إن ظهر به حرفان بطلت وإلا فلا) جزماً (ويعذر في يسير الكلام) كثلاث، وضابط الكلمة هنا العرف، (إن سبق لسانه أو نسي الصلاة) أي أنه فيها كأن سلم فيها ثمّ تكلم قليلا معتقدا كمالها كما حصل في قصة ذي اليدين،
(1)
. خالفاه فقالا بعدم وجوب ذلك في النفل.
(2)
. خلافا للنهاية.
(3)
. وفاقا لشيخ الإسلام والخطيب و خلافا للنهاية.
أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ، لَا كَثِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ وَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ، لَا الجَهْرِ فِي الْأَصَحِّ
أما لو نسي تحريمه فيها فلا يعذر، (أو جهل تحريمه) أي ما أتى به فيها (إن قرب عهده بالإسلام) -؛ لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بن الحكم على ذلك- أو نشاء ببادية بعيدة عن عالمي ذلك وإن لم يكونوا علماء، وضابط البعد أن لا يجد مؤنة يجب بذلها في الحج توصله إليه، نعم من خالطنا مخالطة تقتضي العادة فيه بأنه لا يخفى عليه ذلك لا يعذر وإن قرب إسلامه
(1)
، وكل ما عذر العوام بجهله لخفائه عليهم غالبا لا يؤاخذون به كجهل البطلان بالتنحنح.
[تنبيه] من جهل تحريم ما أتى به في الصلاة لكن علم تحريم جنسه ففي حكمه تفصيل
(2)
، وهو أنه إن أتى بشيء يجهله أكثر العوام فيعذر مطلقا، أو أتى بما يعرفه أكثرهم فلا يعذر إلا إن قرب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية كما مر، (لا كثيره) عرفا فلا يعذر (في الأصح)؛ لأنه يقطع نظم الصلاة، (و) يعذر (في التنحنح ونحوه) مما مر معه (للغلبة) لكن إن قلّ عرفا، ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم بحيث لم يخل زمن من الوقت يسع الصلاة بلا سعال مبطل عفي عنه ولا قضاء إذا شفي، نعم عليه انتظار الزمن الذي يخلو فيه عن ذلك. ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم تجب مفارقته؛ لاحتمال عذره
(3)
، ولو دلت قرينة حالِهِ على عدم العذر لم تتعين مفارقته أيضا
(4)
، ولو لحن إمامه في الفاتحة لحنا يغير المعنى لم تجب مفارقته حالا ولا عند الركوع، بل له انتظاره؛ لجواز سهوه (و) في قليل التنحنح
(5)
-دون ما مر معه من نحو الضحك- لـ (تعذر القراءة) أو الذكر الواجبين؛ للضرورة (لا) الذكر المندوب، ولا (الجهر) بالواجب أو غيره (في الأصح)؛ لأنه لا ضرورة ثَمَّ، نعم يعذر في الجهر بأذكار الانتقالات عند تعذر المتابعة إلا به، ويجب في مصلي فرضٍ نزلت نخامة لحد الظاهر من فمه واحتاج في إخراجها لنحو حرفين فعل ذلك، ويجوز ذلك في النفل.
(1)
. خلافا للنهاية في الغاية فاعتمد العذر فيها.
(2)
. خلافا لهما فاعتمدا أنه بعذر مطلقا وهو ما اعتمده الشيخ زكريا في بعض نسخ شرح الروض، واعتمد في بعضها الآخر وشرح المنهج أنه إن قرب عهدة بالإسلام عذر وإلا فلا.
(3)
. بل ينتظره في القيام إلى أن يقوم من السجود كما يأتي.
(4)
. خالفاه، نعم قال الشارح في فصل صفات الأئمة إن محل هذه ما لم يجوّز كونه أميا.
(5)
. وفاقا للمغني وخلافا لشرح المنهج والنهاية والشهاب الرملي فقالوا بإطلاق العفو حينئذ.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَـ {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} مريم: 12 إنْ قَصَدَ مَعَهُ قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَلَا تَبْطُلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ
(ولو أُكره على) نحو (الكلام) ولو حرفين فيها (بطلت في الأظهر)؛ لندرته فكان كالإكراه على عدم ركن أو شرط، وليس منه غصب السترة؛ لأنه غير نادر، وتقدم أنه إذا أكره على التلبث بفعل مناف للصلاة فلا يلزمه شيء ما دام الإكراه، (ولو نطق بنظم القرآن) أو بذكر آخر (بقصد التفهيم كـ) قوله للمستأذن في أخذ شيء ({يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} مريم: 12) وكتنبيه إمامه أو غيره وكالفتح عليه وكالتبليغ ولو من الإمام -ويكره التبليغ حيث بلغ المأمومين صوت الإمام- (إن قصد معه قراءة لم تبطل)؛ لأنه مع قصد القرآن لا يخرج عن القرآنية بضم غيره إليه كما لو قصد القرآن وحده (وإلا) بأن قصد التفهيم وحده أو أطلق (بطلت) أما في الأولى فواضح وأما في الثانية فلأن القرينة المقارنة لسوق اللفظ تُصرف إلى مدلولها فلا يكون المأتي به حينئذ قرآنا ولا ذكراً، وخرج بنظم القرآن ما لو أتى بكلمات مفرداتها منه كيا إبراهيم سلام كن فإن وصلها بطلت مطلقا
(1)
، وإلا فلا إن قصد القرآن.
[تنبيه] يؤخذ من قول المتن ((معه)) أنه لا بد من مقارنة قصد القراءة لجميع اللفظ
؛ إذ ذلك كالكناية. (ولا تبطل بالذكر) وهو ما قصد بلفظه أو لازمه القريب الثناء على الله (والدعاء) -الجائز-؛ لمشروعيتهما فيها
(2)
، ومن ثمّ لو أتى بهما بالعجمية مع إحسانه العربية أو لم يحسنها وقد اخترعهما أو بدعاء محرم بطلت، ولا تبطل بدعاءٍ منظوم، وليس من الذكر والدعاء قال الله؛ لأنه لا ثناء فيه بخلاف صدق الله. ولو قرأ الإمام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الفاتحة: 5 أو {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} الأحزاب: 69 أو {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} التكوير: 22 فكرر المأموم الآية ولم يقصد التلاوة أو قال استعنا بالله أو بَرِيٌّ والله أو حاشاه ولم يقصد دعاء بطلت، نعم لو قصد الثناء في نحو اسْتَعَنَّا بالله لم تبطل؛ لأنه يستلزم موضوع اللفظ.
(1)
. خلافاً لهما حيث اعتمدا أنه لو قصد مع وصلها بكل كلمة على حيالها أنها قرآن لم تبطل، وتبعا في ذلك شيخ الإسلام في شرح البهجة ووافق في شرح المنهج التحفة.
(2)
. نعم لو لحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى بطلت بشرطه الآتي في الجماعة 2/ 287.
إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: رَحِمَكَ اللهُ. وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا بِلَا غَرَضٍ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ،
(إلا أن يخاطِب) غير الله وغير نبيه -ولو عند سماعه لذكره- فتبطل ولو نبي ومَلك وشيطان وميت وجماد (كقوله لعاطس رحمك الله)؛ لأنه من كلام الآدميين كعليك السلام بخلاف رحمه الله وعليه؛ لأنه دعاء، وسيأتي أنه لو نقل ركنا قوليا لم تبطل إلا السلام وتكبيرة الإحرام بقصدهما
(1)
، ويسن لمصلّ عطس أو سُلّم عليه أن يحمد بحيث يسمع نفسه وأن يرد السلام بالإشارة إليه أو بالرأس ثمّ بعد سلامه منها باللفظ. (ولو سكت) أو نام فيها ممكنا (طويلا) في غير ركن قصير -أما فيه فسيأتي أنه مبطل- في صورة السكوت العمد (بلا غرض لم تبطل في الأصح)؛ لأنه لا يخرم هيئتها، أما اليسير فلا يضر جزما.
(1)
. خلافا لهما.
وَيُسَنُّ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ، وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ، وَإِنْذَارِهِ أَعْمَى أَنْ يُسَبِّحَ، وَتُصَفِّقَ المَرْأَةُ بِضَرْبِ الْيَمِينِ عَلَى ظَهْرِ الْيَسَارِ
(ويسن لمن نابه شيء كتنبيه إمامه وإذنه لداخل وإنذاره أعمى) ونحوه كغافل أو غير مميز أن يقع في مهلك، وأمثلة المتن الأول للمندوب والثاني للمباح والثالث للواجب
(1)
(أن يسبح) الذّكر المحقق بقصد الذكر وحده أو مع التنبيه، (وتصفق المرأة) والخنثى؛ لما صحّ فيه. وشرطه أن يقلّ
(2)
ولا يتوالى وإلا بطلت. وإن صفق الرجل والعكس فخلاف السنة (بضرب) بطن -وهو الأولى- أو ظهر (اليمين على ظهر اليسار) وهذان أولى من عكسهما، أما ضرب ظهر اليمين على بطن اليسار وعكسه فهما مفضولان بالنسبة لما قبلهما، وأما البطن على البطن فهو مكروه، ومحلّ ما تقدم حيث لم تقصد اللعب وإلا بطلت -وإن لم تعلم التحريم
(3)
- ما لم تجهل البطلان وتعذر به.
(1)
. وذكر الشارح في مسح الخف أنه يجب البدار إلى إنقاذ أسير ولو على بعد وأنه لو عارضه إخراج الفرض عن وقته لزم الإنقاذ 1/ 244.
(2)
. خلافا للشهاب والنهاية والمغني في أنه لا يضر مطلقا.
(3)
. خالفوه في الغاية.
وَلَوْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَهَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا بَطَلَتْ إلَّا أَنْ يَنْسَى،
(ولو فعل في صلاته) خرج به فعل شيء منها بعد السلام سهوا فتبطل إن طال الفصل مع تفاصيل تأتي (غيرها إن كان من جنسها) أي ركن فيها كزيادة ركوع وإن لم يطمئن فيه، ومنه أن ينحني
(1)
الجالس إلى أن تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ولو لتحصيل توركه وافتراشه؛ لأن المبطل لا يغتفر للمندوب كرفع اليدين بخلافه للضروري كقتل حية. (بطلت) إن علم وتعمد؛ لتلاعبه (إلا أن ينسى) أو يجهل وإن تكرر إن عذر بما مر في الكلام. ويعذر مطلقا في زيادة لأجل تدارك كأن نسي التشهد الأول فقام ثُمَّ عاد ناسيا تحريم العود أو جاهلا تحريمه؛ لأن ذلك مما يخفى، أولمتابعة الإمام كأن ركع فاقتدى بمن لم يركع ثمّ ركع معه فلا تبطل صلاته بذلك
(2)
، بل قد تجب حتى تبطل بالتخلف عنه بركنين
(3)
كأن اقتدى به في نحو الاعتدال -مما لا يحسب للمأموم- وتخلف عنه حتى سبقه بركنين، نعم لو سبقه الإمام بركن كأن قام من سجدته الثانية والمأموم في الجلوس بينهما تابعه ولا يسجد؛ لفوات المتابعة فيما فرغ منه الإمام، وتسن الزيادة فيما إذا ركع قبل إمامه مثلا متعمدا فيسن العود للقيام. ولا يضر تعمد جلوسه بعد هويه وقبل سجوده، أو عقب سجود تلاوةِ أو سلامِ إمامه في غير محلّ جلوسه
(4)
، وشرطه في الجميع أن يكون بقدر ذكر الجلوس بين السجدتين ودون قدر التشهد
(5)
، نعم لو جلس قبل الركوع بطلت بمجرد خروجه عن حدّ القيام في الفرض كما يأتي، ولا يضر انحناؤه من قيام الفرض وإن بالغ فيه لقتل نحو حيّة، ولو سجد على شيء كخشن أو يده
(6)
فانتقل عنه لغيره بعد رفع رأسه مختارا بطلت
(7)
؛ لوجود صورة سجود وهو تلاعب. وخرج بالمختار ما لو أصاب جبهته نحو شوكة فرفع فلا بطلان به بل يلزمه العود؛ لوجود الصارف، وخرج بـ ((فعل)) زيادةُ قوليٍّ- غير تكبيرة الإحرام والسلام- فلا يضر كما يأتي
(1)
. خلافا لما في فتاوى الرملي من عدم البطلان إلا إن قصد ركوعا.
(2)
. كما في الإمداد.
(3)
. سيأتي تفصيل ذلك.
(4)
. المعتمد عند الرملي البطلان بزيادة هذا الجلوس على قدر طمأنينة الصلاة.
(5)
. خلافا للرملي.
(6)
. خلافا لهما فقالا محل البطلان إن تحامل برأسه.
(7)
. خلافا للنهاية في عدم البطلان.
وَإِلَّا فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ، لَا قَلِيلِهِ، وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، فَالخُطْوَتَانِ أَوِ الضَّرْبَتَانِ قَلِيلٌ، وَالثَّلَاثُ كَثِيرٌ إنْ تَوَالَتْ، وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ لَا الحَرَكَاتِ الخَفِيفَةِ المُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ فِي سُبْحَةٍ، أَوْ حَكٍّ فِي الْأَصَحِّ،
(وإلا) يكن من جنسها كضرب (فتبطل
(1)
بكثيره)؛ لأنه يقطع نظمها، نعم لا يضر ذلك في شدة الخوف ونفل السفر وصيال نحو حيّة (لا قليلة)؛ لحمله صلى الله عليه وسلم إمامة بنت بنت زينب رضي الله تعالى عنهما، (والكثرة بالعرف فالخطوتان) وإن اتسعتا (أو الضربتان قليل)؛ لحديث خلع النعلين، نعم لو قصد ثلاثا متوالية فشرع في واحدة بطلت، (والثلاث كثير إن توالت) -وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة أو بثلاثة أعضاء كتحريك يديه ورأسه معا
(2)
- بخلاف ما لو عدّ عرفا انقطاع الثانية عن الأولى، ولو شك في فعل أقليل هو أو كثير فكالقليل، وتحصل الخطوة بمجرد نقل رجل فإذا نقل الأخرى فخطوة ثانية. (وتبطل بالوثبة الفاحشة)؛ لمنافاتها للصلاة؛ لأنه فيها انحناء بكل البدن، أما التي ليس فيها ذلك الانحناء فلا تبطل ولا تسمى وثبة
(3)
، ومثلها الضربة المفرطة (لا) لا الفعل الملحق بالقليل نحو (الحركات الخفيفة المتوالية كتحريك أصابعه) مع قرار كفه (في سبحة أو حكّ في الأصح) ومثلها تحريك نحو جفنه أو شفته أو لسانه
(4)
أو ذكره أو أذنه؛ لأنها تابعة لمحالّها المستقرة، أما إذا حرّك يده مع الكفّ ثلاثا متوالية فإنها مبطلة إلا لنحو حكّة لا يطيق الصبر معها عادة على عدمه، ولذا سومح من ابتلي بحركة اضطرارية ينشأ عنها عمل كثير إن عمّ زمن الصلاة وإلا انتظر خلو زمن عنه، وذهاب اليد وعودها على التوالي مرّة كرفعها ثمّ وضعها لكن على محل الحكّ فيهما، ومن القليل قتله لنحو قملة لم يحمل جلدها ولا مسّه وهي ميتة وإن أصابه قليل من دمها، ويحرم رميها في المسجد ميتة وقتلها في أرضه وإن قلّ دمها؛ لأن فيه قصده بالمستقذر، أما إلقاؤها أو دفنها فيه حيّة فالأوجه مدركاً أنه يحلّ؛ لأن موتها غير متيقن.
(1)
. نعم لا تبطل صلاة الأخرس لو أنشأ عقدا بإشارته كما يأتي قي الطلاق 8/ 20.
(2)
. قال الكردي ومقتضى كلام الجمال الرملي والخطيب عدم البطلان هنا.
(3)
. أفاده في الإمداد، وظاهر التحفة إنها لا تكون إلا فاحشة فتبطل وإن لم يكن فيها إنحاء بكل البدن.
(4)
. خلافا لشيخ الإسلام في الفتاوى.
وَسَهْوُ الْفِعْلِ كَعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَبْطُلُ بِقَلِيلِ الْأُكْلِ. قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَبَلِعَ ذَوْبَهَا بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ.
(وسهو الفعل) أو الجهل بحرمته وإن عذر به (كعمده) وعلمه (في الأصح) فيبطل مع الكثرة أو الفحش؛ لندرته فيها ولقطعه النظم، (وتبطل بقليل الأُكل) أي المأكول بوصوله للجوف ولو مكرها؛ لندرته، أما المضغ فلا يبطل قليله (قلت: إلا أن يكون ناسيا أو جاهلا تحريمه) وعذر بما مر (والله اعلم) بخلاف كثيره عرفا ككثير الفعل، (فلو كان بفمه سكرة فبلِع) عامدا عالما أو جاهلا قصَّر في التعلم (ذوبها) أو أمكنه مجها فقصر في تركه كنخامة نزلت من رأسه إلى حدّ الظاهر من فمه (بطلت في الأصح)؛ لما مر.
[تنبيه] من المبطل أيضا البقاء في ركن شكّ في فعل ركن قبله؛ لأنه يلزمه العود إليه فورا كما مرَّ ويأتي مثالٌ له، وقصد مصلِّي فرض جالسا بعد سجدته الأولى الجلوس للقراءة مع التعمد فإن لم يتعمد حسب جلوسه عن ما بين السجدتين؛ لأنه لم يصرف الركن لأجنبي عنه، وقلب الفرض نفلا إلا لعذر كإدراك الجماعة، والشك
(1)
في نية التحرم
(2)
أو شرط لها مع مضي ركن أو طول زمن أو مع قصره ولم يُعِد ما قرأه فيه ومثلها تكبيرة الإحرام كما يأتي، وخرج بالشكّ ظنّ أنه في غيرها كفرض آخر أو نفل وإن أتمها، ونية قطعها
(3)
ولو مستقبلا أو التردد فيه أو تعليقه على شيء ولو محالا عاديا؛ لمنافاته لجزمه بها المشترط دوامه، ولذا لا يضر نية مبطل قبل الشروع فيه
(4)
، فمنافي النية يؤثر حالا ومنافي الصلاة إنما يؤثر عند وجوده.
(1)
. نعم تقدم قبيل شروط الصلاة، أنها تبطل في الحال إن تيقن تركاً، وجوّز أن يكون المتروك النية أو تكبيرة الإحرام.
(2)
. ومثل الشك في أصل النية الشك في نية القدوة في صلاة الجمعة كما ذكره الشارح في شروط القدوة.
(3)
. نعم ذكر الشارح في الاعتكاف أنه لو نذر صلاة وشرط الخروج لعارض صحَّ 3/ 479.
(4)
. ومن المبطل أيضا إن عرض مبطل لصلاة إمامه ولم يفارقه فورا.
وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي إلَى جِدَارٍ، أَوْ سَارِيَةٍ، أَوْ عَصًا مَغْرُوزَةٍ، أَوْ بَسَطَ مُصَلّىً، أَوْ خَطَّ قُبَالَتَهُ دَفْعُ المَارِّ، وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُ المُرُورِ حِينَئِذٍ،
(ويسن للمصلي) أن يتوجه (إلى جدار أو سارية) وهما سواء (أو عصاً مغروزة) إن عجز عن ما قبلها (أو بَسَط مصلىً) -كسَجادة
(1)
- بعد عجزه عن ما ذكر (أو خَطَّ) خطا (قبالته) إن لم يجد ما تقدم، والأولى كون الخط طولا، ويسن أن يجعل الساتر عن يمينه أو يساره بحيث يسامت بعض بدنه
(2)
، ويكره استقبالها بوجهه؛ للنهي عنه ومع ذلك فهي محترمة، ومتى عدل عن مقدم لمؤخر مع سهولته فكالعدم؛ لخبر ((إذا صلى أحدكم فليجعل أمامه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصاً فليخطّ خطاً)) مع قياس المصلَّى بالخط بالأولى، وشرط السترة أن يقرب منها بحيث تكون المسافة بينها وبين عقبه
(3)
أو رأسه في المستلقي ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي المعتدل، نعم في المصلَّى والخطّ تحسب المسافة من أولهما المسامت للمصلي إن كان بينهما فرجة وإلا اعتبر منهما ثلاثة أذرع سترة وما زاد غير سترة
(4)
، وشرطه أيضا ارتفاع أحد الثلاثة الأُوَل ثلثي ذراع آدمي معتدل فأكثر، وأن لا يُقَصِّر بوقوفه في نحو مغصوب، أو إليه، أو في طريق ومثله مطاف في وقت مرور الناس به، أو بوقوفه في صفّ مع فرجة في صفّ آخر بين يديه؛ لتقصير كل من وراء تلك الفرجة بعدم سدّها -المفوِّت لفضيلة الجماعة-، أو بسترته بمزوّق يُنْظَر إليه أو براحلة تنفر أو بامرأة قد يشتغل بها أو برجل استقبله بوجهه وإلا فهو سترة
(5)
، فإذا صلَّى لشيء مما مر سن له ولغيره الذي ليس في صلاة (دفع المار) المكلف
(6)
؛ لتعديه ولما صحّ من الأمر بدفعه بالأسهل كالصائل، ولا يدفعه بفعل كثير متوالٍ؛ لئلا تبطل (والصحيح تحريم المرور)؛ لخبر ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه)) (حينئذٍ) وإن لم يجد المار سبيلا، بل وإن زالت بنحو ريح أو متعمد أثناء صلاته بالنسبة
(1)
. كما في الإمداد.
(2)
. كما في الإمداد أيضاً.
(3)
. خلافا لهما فعندهما تحسب المسافة من رؤوس الأصابع.
(4)
. كما في فتح الجواد.
(5)
. خلافا للنهاية.
(6)
. اعتمد الرملي أنه لا فرق بين المكلف وغيره.
قُلْتُ: يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ لَا لِحَاجَةٍ. وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ، وَكَفُّ شَعْرِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ بِلَا حَاجَةٍ،
لمن علم بها، ولو شرع مع عدمها فوضعت له لم يحرم
(1)
؛ لتقصيره
(2)
، وإذا نقص شرط مما مر كان المرور خلاف الأولى وحرم دفعه.
[تنبيه] العبرة في حرمة المرور المقتضية للدفع باعتقادهما؛ لأن العلة مركبة من عدم تقصير المصلي وحرمة المرور، فالمراهق لا يدفع، وكذلك من لم تكن له سترة معتبرة عنده أو عند المار، نعم إن كان مقلَّد المار ينهاه عن إدخال النقص على صلاة مقلِّد غيره دَفَعَه حينئذٍ، ولو تعارضت السترة والقرب من الإمام أو نحو الصف الأول قدم نحو الصف الأول.
(قلت: يكره) ترك شيء من سنن الصلاة ورد فيه نهي أو خلاف في وجوبه
(3)
، و (الالتفات) بوجهه يمينا أو شمالا وورد ((أنه اختلاس من الشيطان))، أما بصدره فتبطل كما لو قصد اللعب بالتفات وجهه (لا لحاجة) كما لا يكره لمح العين مطلقا؛ لفعله صلى الله عليه وسلم كلا منهما، (ورفع بصره إلى السماء)؛ لخبر البخاري ((ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم .. لينتهن عن ذلك أو لتخطفنّ أبصارهم))، ولذا كرهت على مُلْهي
(4)
كمخطط أو إليه أو عليه؛ لأنه يخلّ بالخشوع، (وكفّ شعره أو ثوبه) أو دخول فيها
(5)
وهو كذلك؛ للنهي عنه مع أنه هيئة تنافي الخشوع والتواضع، ومن ثمّ كره كشف الرأس أو المنكب والاضطباع
(6)
ولو من فوق القميص، ويسن لمن رآه كذلك ولو مصليا آخر أن يحله حيث لا فتنة، ولا يرد المصلي رداءه إذا سقط إلا لعذر ومثله العمامة ونحوها، (ووضع يده على فمه
(7)
-؛ للنهي عنه- وإشارة مفهمة (بلا حاجة) بل جميع ما قبله وما بعده مما في معناه مقيد بذلك، فإن وجدت الحاجة كتثاؤب فيسن وضعها؛ لكي لا يقرب فمه الشيطان كما في
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. كما في الإمداد.
(3)
. حمله الشارح في صفة الصلاة على السنن المؤكدة.
(4)
. كما في شرح بافضل.
(5)
. بل يسن إرسال شعر أو ثوب كف فيها كما ذكره الشارح عند كلامه على السواك 1/ 217.
(6)
. ولو في سنة الطواف كما ذكره الشارح في الحج 4/ 90.
(7)
. ويكره تغطية الفم حتى بثوب كما ذكره الشارح في اللباس.
وَالْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ، وَالصَّلَاةُ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا، أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يَتُوقُ إلَيْهِ. وَأَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ. وَ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ. وَالمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ فِي رُكُوعِهِ، وَالصَّلَاةُ فِي الحَمَّامِ،
الخبر، (والقيام على رِجل) بأن يرفع الأخرى إلا لحاجة، (والصلاة حاقنا) بالبول (أو حاقبا) بالغائط أو حازقا بالريح؛ لأنه يخلّ بالخشوع مع الخبر الآتي، والعبرة في الثلاث بوجوده عند التحرم، فإن طرأ فيها فلا كراهة، ولا يخرج من الفرض حينئذ، ولا يؤخره إذا ضاق وقته إلا إن ظن بكتمه ضرراً يبيح التيمم، ويسن له تفريغ نفسه قبل الصلاة وإن فاتت الجماعة، (أو بحَُِضرة طعام) أو شراب (يتوق
(1)
إليه)؛ لخبر ((لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان))، فيأكل حاجته منه، ومثل حضور الطعام غيبته مع رجاء قرب حضوره (وأن يبصق) ولو خارج الصلاة (قِبَلَ وجهه) وإن لم يكن من هو خارجها مستقبلا (أو عن يمينه) -إلا مسجده صلى الله عليه وسلم وذلك لصحة النهي عنهما، بل يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى أو في ثوبه من جهة يساره وهو الأولى، وإن أمكن الطائف أن يطأطئ رأسه ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار فهو أولى وكذا في مسجده صلى الله عليه وسلم، ولو كان على يساره فقط إنسان بصق عن يمينه إذا لم يُمْكِنه ما ذكر. وإنما يحرم البصاق في المسجد إن بقي جرمه -لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة- وأصاب جزأ من أجزائه ومنه حُصُره، فلا يحرم في تراب لم يدخل في وقفه؛ لأنه ليس منه، ولا في هوائه؛ لعدم التقذير كالفصد في إناء أو على قمامة به ولو لغير حاجة، ويجب إخراج نجس منه فورا عينا على من علم به وإن لم يتعدّ به واضعه أو أرصد لإزالته من يقوم بها بمعلوم، وإذا حرُم فيه البصاق ثُمّ دفنه في ترابه أو رمله انقطعت الحرمة، أما دلكها في المبلَّط فحرام إلا إن لم يبق أثر البتة، ويُنكر على الباصق في المسجد، (ووضع يده) لغير حاجة (على خاصرته)؛ للنهي عنه، (والمبالغة في خفض رأسه في ركوعه) بل وإن خفضه عن أكمل الركوع ولو لم يبالغ؛ لخبر أنه صلى الله عليه وسلم ((لم يصوب رأسه فيه)) أي يخفضه، (و) تكره (الصلاة في الحمام) الجديد وغيره ولو بمسلخه -أي موضع نزع الثياب
(2)
-؛ لخبر ((الأرض كلها مسجد
(1)
. حمله الشارح في أعذار الجماعة على التوقان الشديد، بل اعتمد أن اختلال أصل خشوعه بالجوع أو العطش كافٍ وإن لم يحضر طعام وذكر تساوي مكروهات الصلاة وأعذار الجماعة 2/ 277.
(2)
. كما في الإمداد والمصباح المنير.
وَالطَّرِيقِ، وَالمَزْبَلَةِ، وَالْكَنِيسَةِ، وَعَطَنِ الْإِبِلِ وَالمَقْبَرَةِ الطَّاهِرَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
إلا المقبرة والحمام))، ومثله كل محلّ معصية وغضب كأرض ثمود ووادي محسر (والطريق) -في صحراء أو بنيان- وقت مرور الناس به كالمطاف؛ لأنه يشغله، ومن ثمّ كان استقباله كالوقوف به (والمزبلة) أي محل الزبل ومثله كل نجاسة متيقنة؛ لأنه بفرش الطاهر عليها يحاذيها ومحاذاتها مكروه (والكَنيسة) وهي متعبد اليهود والبِيعة متعبد النصارى ونحوهما من أماكن الكفر؛ لأنها مأوى الشياطين، ويحرم دخولها على مَن منعوه وكذا إن كان فيها صورة معظمة (وعطن) وهو ما تنحى إليه إذا شربت ليشرب غيرها فإذا اجتمعت سيقت منه للمرعى، ومثله جميع مباركها إلا أنّ العطن أشدّ كراهة (الإبل) -ولو طاهرا، نعم لا كراهة في عطنها الطاهر حال غيبتها-؛ لخبر ((صلوا في مرابض الغنم -والمراد جميع محالها- ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين)) ونحو البقر كالغنم، نعم متى كان بمحل الحيوان نجاسة فلا فرق بين الإبل وغيرها لكن الكراهة فيها لعلتين وفي غيرها لعلة واحدة (والمقبَُِرة) ومثلها ما لو دفن ميت في مسجد (الطاهرة) بأن لم يتحقق نبشها أو تحقق وفرش عليها حائل (والله أعلم)؛ لما مر، ولكي لا يحاذي النجاسة سواء ما تحته أو أمامه أو بجانبه فلا كراهة إن لم تكن ثمة محاذاة ولو في المقبرة؛ لبعد الموتى عنه عرفاً، نعم الأنبياء صلى الله عليهم وسلم لا تكره الصلاة في مقبرتهم؛ لأنهم أحياء فلا نجاسة، نعم تحرم الصلاة إلى قبورهم كغير الأنبياء إن قصد التبرك أو نحوه؛ لأنه يؤدي إلى الشرك، وتكره على ظهر الكعبة؛ لأنه خلاف الأدب، وفي الوادي الذي نام فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح؛ لنصه على أنه فيه شيطانا، ومحل الكراهة في الكل ما لم يعارضها خشية خروج وقت أو فوت جماعة.
باب
سُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ رُكْنًا وَجَبَ تَدَارُكُهُ، وَقَدْ يُشْرَعُ السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّرْتِيبِ، أَوْ بَعْضًا وَهُوَ الْقُنُوتُ، أَوْ قِيَامُهُ،
(باب) في بيان سبب سجود السهو وأحكامه
(سجود السهو سنة) متأكدة؛ لما يأتي ولو في النافلة كسجدة تلاوة وشكر
(1)
ماعدا صلاة الجنازة (عند ترك) أو شكّ في ترك (مأمور به أو فعل) أو شك في فعل (منهي عنه)
(فالأول) وهو المأمور به المتروك -من غير نظر إلى سجود السهو أو عدمه- (إن كان ركنا وجب تداركه، وقد يشرع السجود) للسهو مع التدارك (كزيادة حصلت بتدارك ركن كما سبق في) مبحث (الترتيب)، فيسن سجود السهو أيضا إن تذكر أو شكّ في ترك ركن بشرط فعله فورا إن لم يبلغ مثله وإلا تمت به ركعته وتدارك الباقي وسجد كما مرّ، وقد لا يشرع كما إذا كان المتروك السلام، فإذا ذكره أو شكّ فيه ولم يأتي بمبطل أتى به وإن طال الفصل ولا يسجد؛ لفوات محل السجود بالسلام، وكذا إذا ذكر النية أو تكبيرة التحرم فيستأنف الصلاة، وكذا الشك فيه بشرطه
(2)
.
(أو بعضا وهو القنوت) الراتب
(3)
-وذلك السابق في الصبح أو وتر رمضان، دون قنوت النازلة- أو كلمة منه، ومحل عدم تعين كلماته إذا لم يشرع فيه، وفارق بدله بأنه لا حدَّ له (أو قيامه) بأن لم يحسن القنوت فإنه يسن له القيام بقدره زيادة على ذكر الاعتدال، فإذا تركه سجد له، ولو اقتدى شافعي بحنفي في الصبح وأمكنه أن يأتي به ويلحقه في السجدة الأولى فعل وإلا فلا، وعلى كلٍّ يسجد للسهو بعد سلام إمامه -لأن ترك إمامه له ولو اعتقادا
(1)
. كما رجحه الشارح آخر الباب.
(2)
. حاصله أن الشك في النية أو تكبيرة التحرم أو شرط لإحدهما إن مضى ركن أو طال زمن أو قصر ولم يعد ما قرأ فيه بطلت وإلا فلا وسجد كما مر 1/ 105، نعم تقدم قبيل شروط الصلاة أنها تبطل في الحال إن تيقن تركا وجوَّز أن يكون المتروك النية أو تكبيرة الإحرام 2/ 92.
(3)
. كما في فتح الجواد والإمداد.
أَوِالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، أَوْ قُعُودُهُ وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ سَجَدَ، وَقِيلَ إنْ تَرَكَ عَمْدًا فَلَا. قُلْتُ: وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ: وَلَا تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ. وَالثَّانِي: إنْ لَمْ يَبْطُلُ عَمْدُهُ كَالِالْتِفَاتِ وَالخَطْوَتَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ، وَإِلَّا سَجَدَ إنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ كَكَلامٍ كَثِيرٍ فِي الْأَصَحِّ،
له في حكم السهو الذي يلحق المأموم
(1)
- وذلك كما لو سجد إمامه للشكر معتقدا سنيتها فيسجد، بخلاف ما لو اقتدى في الصبح بمصلي سنتها؛ إذ لا قنوت يتوجه على الإمام في اعتقاد المأموم، (أو التشهد الأول) -أي الواجب منه في التشهد الأخير - أو بعضه، والقياس كونه راتبا فيسجد إذا أتى بصلاة التسبيح أو راتبة الظهر أربعا أوترك التشهد الأول إن قلنا بندبه حينئذٍ دون ما إذا صلى أربعا نفلا مطلقا بقصد أن يتشهد تشهدين فاقتصر على الأخير ولو سهوا
(2)
، (أو قعوده) إذا لم يحسنه (وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه) أي القنوت أو التشهد الأول (في الأظهر) ويضم إلى ذلك القيام لها في الأول والقعود في الثاني إذا لم يحسنهما، وكذا السلام عليه صلى الله عليه وسلم في القنوت والصلاة والسلام على آله صلى الله عليه وسلم وصحبه فيه
(3)
أيضا (سجد) في ترك القنوت؛ لأنه ذكر لم يشرع خارج الصلاة بل فيها مستقلا بمحل منها غير مقدمة لها ولا تابع لغيره، واتّباعا في ترك التشهد الأول وقياسا في الباقي (وقيل إن ترك) بعضاً (عمدا فلا) يسجد؛ لتقصيره، وردوه بأن العمد إلى الجبر أحوج، (قلت: وكذا الصلاة على الآل حيث سنناها) في القنوت والتشهد الأخير (والله أعلم)، ومثلها قيامها في الأول وقعودها في الثاني، وصورة السجود لها في التشهد أن يتيقن قبل سلامه وبعد سلام إمامه، أو بعد سلامه وقبل طول الفصل تركَ إمامه لها، (ولا تجبر سائر السنن) المتبقية على الأصل، فإن سجد لشيء منها بطلت صلاته إلا أن يسهو أو يعذر بجهله.
(والثاني) فعل المنهي عنه (إن لم يبطل عمده -كالالتفات والخطوتين- لم يسجد لسهوه) ولا لعمده غالبا (وإلا سجد
(4)
لسهوه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وسجد للسهو، هذا (إن لم تبطل بسهوه) فإن بطلت بسهوه (ككلام كثير في الأصح) لم يسجد؛ لأنه ليس في
(1)
. كما في فتح الجواد.
(2)
. خلافا لهما في الغاية.
(3)
. خلافا للرملي في الصحب.
(4)
. وإن كان لتغيير معنى بلحن في نحو الفاتحة كما مرَّ 2/ 37.
وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يُبْطِلُ عَمْدُهُ فِي الْأَصَحِّ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فَالِاعْتِدَالُ قَصِيرٌ، وَكَذَا الجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كَفَاتِحَةٍ فِي رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الْأَصَحِّ،
الصلاة، نعم يستثنى ما لو سها بعد سجود السهو فسجد للسهو ناسيا وما لو حوَّل المتنفِّل دابته عن صوب مقصده سهوا ثمّ عاد فورا فأنه لا يسجد لسهوه
(1)
فيهما مع أن عمدهما مبطل هنا، ويفرق بين الأخيرة وبين سجوده لجموحها وعودها فورا بأنه مقصر بركوب الجموح أو بعدم ضبطها
(2)
، بخلاف الناسي فخفف عنه لمشقة السفر وإن قَصُر، (وتطويل الركن القصير) بأن يزيد على قدر ذكر الاعتدال المشروع فيه قدر الفاتحة بالنسبة للوسط المعتدل ذاكرا كان أو ساكتا، ومعتبرا للمنفرد أذكارا لا تسن للإمام، ويزيد على قدر ذكر الجلوس بين السجدتين المشروع فيه كذلك قدر التشهد (يبطل عمده في الأصح)؛ لأنه مغيّر لموضوعه الذي هو الفصل بين الركوع أو السجود الثاني وبين السجود الأول. وخرج بقولي:((المشروع .. الخ)) تطويله بقدر القنوت في محله أو التسبيح في صلاته أو القراءة في الكسوف فلا يؤثر (فيسجد لسهوه) وإن قلنا لا يبطل عمده؛ لتركه التحفظ، (فالاعتدال قصير)؛ لأنه للفصل، ووجوب الطمأنينة فيه؛ ليحصل الخشوع (وكذا الجلوس بين السجدتين
(3)
في الأصح)؛ لما ذكر في الاعتدال. (ولو نقل ركنا قوليا) لا يبطل عمده ولا سهوه
(4)
، فخرج السلام عليكم وتكبيرة التحرم بأن كبّر بقصده فيبطل عمده
(5)
(كفاتحة في ركوع أو تشهد لم يبطل عمده في الأصح)؛ لأنه غير مخلّ بصورتها (ويسجد لسهوه في الأصح)؛ لتركه التحفظ، وكذا لعمده، ونقل بعضه ككله إلا إذا اقتصر على لفظ السلام -فإنه من أسماء الله تعالى- ما لم
(1)
. خلافا لهم في صورة التحول.
(2)
. ويستثنى أيضا ما ذكره الشارح في صفة الصلاة أنه لو نسي السلام وفعل شيئا من أفعال الصلاة فإن تذكر السلام أتى به ولو بعد طول الفصل ولا سجود؛ لفوات محله بالسلام.
(3)
. والجلوس للاستراحة قصير عند الشارح خلافا لهما كالشهاب الرملي.
(4)
. شرح بافضل.
(5)
. شرح بافضل.
وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ قَوْلِنَا: مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ. وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ، أَوْ نَاسِيًا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، أَوْ جَاهِلًا فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ،
ينو معه أنه بعض سلام التحلل أو الخروج من الصلاة سهوا
(1)
، (وعلى هذا تستثنى هذه الصورة من قولنا ما لا يبطل عمده لا سجود لسهوه) ويستثنى أيضا ما لو أتى بالقنوت أو بكلمة منه بنيته قبل الركوع أو بعده في الوتر -في غير نصف رمضان الثاني- فإنه يسجد، وما لو قرأ قرآناً غير الفاتحة في غير القيام فإنه يسجد أيضا بخلافه قبل الفاتحة؛ لأنه محلها في الجملة، وما لو نقل ذكرا
(2)
مختصا بمحل لغيره بنية أنه ذلك الذكر لذا لو بسمل أول التشهد أو صلّى على الآل في التشهد الأول بنية أنه ذكر التشهد الأخير سجد للسهو، وما لو فرقهم في الخوف أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة أو فرقتين وصلى بواحدة ثلاثا فإنه يسجد؛ لمخالفته بالانتظار في غير محله الوارد فيه.
(ولو نسي) الإمام أو المنفرد (التشهد الأول) وحده أو مع قعوده (فذكره بعد انتصابه) أي بأن كان إلى القيام أقرب منه إلى الركوع أو إليهما سواء (لم يعد له) فيحرم عليه؛ لتلبسه بفرض فعلي فلا يقطعه لسنة، (فإن عاد) عامدا (عالما بتحريمه بطلت)؛ لزيادته قعودا بلا عذر وهو مغير لهيئة الصلاة بخلاف قطع القولي لنفل كالفاتحة للتعوذ فإنه مكروه (أو ناسيا) أنه في صلاة أو حُرْمة عوده (فلا) تبطل؛ لعذره، نعم يلزمه القيام فورا عند التذكر (ويسجد للسهو)، لإبطال تعمد ذلك (أو جاهلا) تحريمه (فكذا في الأصح) ولو كان مخالطا لنا؛ لأنه مما يخفى على العوام، ويلزمه القيام فورا عند تعلمه ويسجد، وكذلك فيما إذا تركه الإمام -سواء أجلس الإمام للاستراحة أو لم يجلس
(3)
- فتبطل صلاة المأموم لو تخلف له أو لبعضه بل وإن جلس من غير تشهد؛ لفحش المخالفة بشرط العلم والتعمد وأن يزيد جلوسه عن قدر جلسة الاستراحة وإلا فلا يضر وإن قرأ بعضه، ولو انتصب معه
(1)
. ما أحسن ما عبر به الشارح في الفتح حيث قال: إن الإتيان بالسلام في غير محله مع قصد كونه سلاما تحلل وإن لم يقل عليكم ومع قوله عليكم وإن لم يقصد سلام التحلل مبطل. اهـ بتصرف.
(2)
. وفاقا لشيخ الإسلام في شرح المنهج وخلافا للنهاية والمغني والشهاب الرملي.
(3)
. كما يفهم من إحالة الشارح، وهو ما اعتمده في الإيعاب.
وَلِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَسْجُدُ إنْ كَانَ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ بَطَلَتْ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ،
فعاد الإمام للتشهد لم يعد بل ينتظره قائما والأولى أن ينوي المفارقة، وكذا لو قام من جلوسه بين السجدتين فينتظره في سجوده أو يفارقه، ولو قعد المأموم للتشهد الأول فانتصب إمامه ثمّ عاد لزم المأموم القيام فورا؛ لأنه توجه عليه بانتصاب إمامه والأولى المفارقة، (وللمأموم) إذا انتصب وحده سهوا (العود لمتابعة إمامه في الأصح)؛ لعذره، (قلت: الأصح وجوبه) إذا تذكر؛ لوجوب المتابعة، فلو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه لم يعد للتشهد، لكن لا يحسب ما قرأه قبل قيام الإمام؛ لأن قيامه قبل أن يوافقه الإمام غير محسوب (والله اعلم) أما إذا تعمد ذلك فيسن العود فقط
(1)
كما إذا ركع قبل إمامه؛ لأن له قصدا صحيحاً بانتقاله من واجب لمثله فخير بينهما بخلاف الساهي، ومثله في العمد والسهو ما لو سجد وإمامه في الاعتدال أو قام وإمامه في السجود؛ وإنما، تخير من سها بركوعه وإمامه قائم أو سجد الثانية وإمامه جالس بين السجدتين؛ لعدم فحش المخالفة
(2)
بخلاف في مسألة المتن ونحوها. وسيأتي التفريق بين ما هنا وما لو سجد سهوا وإمامه في القنوت، ولو رفع رأسه من السجدة الأولى قبل إمامه ظانا أنه رفع وأتى بالثانية ظانا أن الإمام فيها ثم بان أنه في الأولى لم يحسب له جلوسه ولا سجدته الثانية ويتابع الإمام أي فإن لم يعلم بذلك إلا والإمام قائم أو جالس أتى بركعة بعد سلام الإمام؛ لفحش المخالفة في جهة تقدمه بركن وبعض آخر. (ولو تذكر) الإمام أو المنفرد التشهد الأول الذي تركه نسياناً أو جهلاً (قبل انتصابه) بالمعنى السابق (عاد) ندبا (للتشهد)؛ لأنه لم يتلبس بفرض (ويسجد إن صار إلى القيام أقرب) منه إلى القعود؛ لأن ما فعله من النهوض مع القعود مبطل مع تعمده وعلم تحريمه بخلاف ما إذا كان إلى القعود أقرب أو إليهما على السواء؛ لعدم بطلان تعمده إن قصد بالنهوض ترك التشهد كما سيأتي. (ولو نهض) من ذُكِر عن التشهد الأول (عمدا فعاد) عمداً (بطلت إن كان إلى القيام أقرب)؛ لزيادة ما غَيَّر نظمها، بخلاف ما إذا كان إلى القعود أقرب أو إليهما على السواء فلا تبطل إن قصد بالنهوض
(1)
. ويحسب له ما قرأه كما ذكره الشارح في القدوة.
(2)
إذ هنا انتقل من قيام لمثله أو من قعود لمثله.
وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، أَوْ قَبْلَهُ عَادَ وَسَجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ. وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ سَجَدَ، أَوْ فِي ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ فَلَا،
ترك التشهد ثمّ بدا له العود إليه؛ لأن نهوضه حينئذٍ جائز، أما لو زاد هذا النهوض عمدا لا لمعنى فإن صلاته تبطل بذلك؛ لإخلاله بنظمها. ولو ظنّ مصلي فرض جالسا أنه تشهد فقرأ في الثالثة لم يعد للتشهد وإلا بطلت؛ لأن هذا القعود مع تعمد القراءة بدل عن القيام فهو كما لو قام وترك التشهد الأول بخلاف ما إذا سبقه لسانه بالقراءة وهو ذاكر أنه تشهد؛ لأن سبق لسانه إليها غير معتد به، (ولو نسي) إمام أو منفرد (قنوتا فذكره في سجوده لم يعد له)؛ لتلبسه بفرض، فإن عاد عامدا عالما بطلت صلاته، (أو) ذكره (قبله) أي قبل أن يضع جميع أعضائه السبعة بشروطها (عاد)؛ لعدم تلبسه يفرض (وسجد للسهو إن بلغ حدّ الراكع) -أي صار أقرب إلى أقلّ الركوع
(1)
-؛ لأنه يُغَيِّر النظم، ومن ثم لو تعمد الوصول إليه ثم العود بطلت صلاته بخلاف ما إذا لم يبلغ حد الراكع فلا تبطل إن قصد ترك القنوت، أما لو هوى لا لمعنى فتبطل صلاته نظير ما مر. ولو نسي الإمام أو المنفرد القنوت بعد تمام سجوده
(2)
حرم عوده فإن عاد عالما بطلت أو ناسيا أو جاهلاً فلا تبطل ويسجد للسهو، وللمأموم هنا التخلف للقنوت ما لم يسبق بركنين فعليين كما يأتي، وإذا ترك الإمام القنوت جاز للمأموم التخلف له ما لم يسبق بركنين فعليين. وإذا سجد المأموم سهوا أو جهلا وإمامه في القنوت لم يعتد بما فعله فيلزمه العود للاعتدال وإن فارق الإمام
(3)
؛ لأن هويه وقع لغوا، وفيما إذا لم يفارقه إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت فواضح أنه يعود إليه أو هو في السجدة الأولى عاد إلى الاعتدال وسجد مع الإمام أو فيما بعد السجدة الأولى تابعه وأتى بركعة بعد سلام الإمام ولا يعود للاعتدال؛ لفحش المخالفة حينئذ، ومما يؤيد ذلك قولهم لو ظن سلام إمامه فقام ثم علم في قيامه أنه لم يسلم لزمه الجلوس ليقوم منه، ولا يسقط عنه بنية المفارقة وإن جازت؛ لأن قيامه وقع لغواً، ومن ثم لو أتم جاهلاً لغا ما أتى به فيعيده ويسجد للسهو. (ولو شكّ في ترك بعض) معيّن (سجد)؛ لأن الأصل عدم فعله (أو ارتكاب منهي فلا)؛ لأن الأصل عدم
(1)
. خلافا لهما فعندها أن الشرط أن يبلغ أقل الركوع.
(2)
. أي قبل وضع الأعضاء بشرطه.
(3)
. خلافا لهم فقالوا تنفعه المفارقة.
وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ فَلْيَسْجُدْ. وَلَوْ شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَتَى بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ زَائِدًا، وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ فِيهَا لَمْ يَسْجُدْ،
ارتكابه. ولو علم سهوا وشكّ هل بالأول أو بالثاني سجد كما لو علمه وشك أمتروكه القنوت أو التشهد بخلاف ما لو شك في ترك بعض مبهم، أو في أنه سها أوْ لا أو علم ترك مسنون واحتمل كونه بعضا؛ لأنه لم يتيقن مقتضيه مع ضعف البعض المبهم بالإبهام (ولو سها وشكّ) والمراد مطلق التردد هنا وفي معظم الأبواب (هل سجد) أوْ لا أو هل سجد سجدتين أو واحدة (فليسجد) ثنتين في الأولى وواحدة في الثانية؛ لأن الأصل عدم سجوده (ولو شك أصلى ثلاثا أم أربعا أتى بركعة)؛ للأصل ولا يرجع لظنه ولا لقول غيره أو فعله وإن كثروا
(1)
ما لم يبلغوا عدد التواتر
(2)
بحيث يحصل العلم الضروري بأنه فعلها؛ لأن العمل بخلاف هذا تلاعب (وسجد
(3)
؛ لخبر مسلم ((إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبنِ على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم))، وخبر ذي اليدين رجع فيه النبي صلى الله عليه وسلم لعلمه على أنهم كانوا عدد التواتر، (والأصح أنه يسجد وإن زال شكه قبل سلامه، وكذا حكم) كل (ما يصليه مترددا واحتمل كونه زائدا).
(ولا يسجد لما يجب بكل حال إذا زال شكه، مثاله شكّ) مصلي رباعية (في الثالثة) باعتبار ما في نفس الأمر (أثالثة هي أم رابعة فتذكر فيها) أي في الثالثة أي قبل مجاوزة اسم القعود عند قيامه للرابعة (لم يسجد)؛ إذ ما أتى به واجب بكل تقدير.
(1)
. يستثنى من ذلك ما يأتي في الاستخلاف.
(2)
. خلافا للشهاب الرملي أنه لا يرجع لفعلهم ووافقه الشارح في باب أسباب الحدث 1/ 141.
(3)
. ومن ذلك ما لو شك أنه أدرك الركعة مع الإمام، أوْ لا فيسجد للسهو؛ لأنه شاك بعد سلام الإمام فلم يتحمله عنه كما ذكره الشارح في فصل زوال القدوة 2/ 364.
أَوْ فِي الرَّابِعَةِ سَجَدَ. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى المَشْهُورِ،
(أو) تذكر بعد مجاوزته اسم القعود
(1)
سجد؛ لإبطال هذه الزيادة للركن فمن باب أولى لو تذكر بعد تمام القيام (في الرابعة) أنه يـ (ـسجد)؛ لتردده حال القيام إليها في زيادتها المحتملة، فإن تذكر أنها خامسة لزمه الجلوس فورا ويتشهد إن لم يكن تشهد وإلا
(2)
لم تلزمه إعادته ثم يسجد للسهو. ولو شك في تشهده أهو الأول أو الآخر فإن زال شكه فيه لم يسجد؛ لأنه مطلوب بكل تقدير أو بعده وقد قام سجد؛ لأنه فعل زائدا بتقدير. (ولو شك بعد السلام) الذي لا يحصل بعده عود للصلاة، -أما لو حصل بعد ذلك فيؤثر؛ لتبين أنه لم يخرج منها- (في ترك فرض) غير النية وتكبيرة الإحرام فيؤثر شكه فيهما؛ لعدم وجود أصل يعتمد عليه، ومن الشك في النية ما لو شك أنوى فرضا أم نفلا لا الشك في نية القدوة في غير الجمعة
(3)
(لم يؤثر على المشهور) وإلا لعسر وشق، أما الشك في السلام نفسه فيوجب الإتيان به من غير سجود؛ لفوات محله بالسلام. ولو سلم من الثانية على اعتقاد أنه سلم من الأولى ثم شك في الأولى أو بان أنه لم يسلمها لم يحسب سلامه عن فرضه؛ لأنه أتى به على اعتقاد النفل فيسجد للسهو ثمّ يسلم
(4)
. وأما الشك قبل السلام فقد عُلم مما مر قبله أنه إن كان في ترك ركن أتى به إن بقي محله وإلا فبركعة وسجد للسهو فيهما؛ لضعف النية بالتردد في مبطل. وخرج بالشك العلم فلو تيقن بعد السلام أنه ترك ركنا فأحرم فورا بأخرى لم تنعقد ثمّ إن ذكر قبل طول الفصل بين السلام وتيقن الترك بنى على الأولى -وإن تخلل كلام يسير أو استدبر القبلة- وحسب له ما قرأه
(5)
وإن كانت الثانية نفلا في اعتقاده كما مر، ومن ثم لو ظن أنه في صلاة أخرى فأتم عليه لم يؤثر، ولا يأتي فيه تفصيل الشك في النية؛ لأنه يضعفها بخلاف
(1)
. هذا الذي يظهر من كلام الشارح، وقد يفهم من تردده أنه إن صار إلى القيام أقرب سجد وإلا فلا وإلى هذا الأخير مال النهاية، أما شيخ الإسلام والمغني فقد اعتمدا أنه إن قام تماما سجد وإلا فلا وإن صار إلى القيام أقرب.
(2)
. أي وإن كان قد تشهد في الرابعة وكذا إذا لم يتذكره حتى قرأ في الخامسة.
(3)
. ولو شك في أنه نوى ظهرا أم عصرا ضر كما اعتمده الشارح في الفتح خلافا لكلامه في الفتاوى.
(4)
. كما ذكره الشارح في مبحث الترتيب.
(5)
. خلافا للنهاية.
وَسَهْوُهُ حَالَ قُدْوَتِهِ يَحْمِلُهُ إمَامُهُ، فَلَوْ ظَنَّ سَلَامَهُ فَسَلَّمَ فَبَانَ خِلَافُهُ سَلَّمَ مَعَهُ وَلَا سُجُودَ، وَلَوْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرِ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ إلَى رَكْعَتِهِ وَلَا يَسْجُدُ،
الظنّ، أو تذكر بعد طوله استأنف؛ لبطلانها به وبالسلام معا كما مر، وفي هذه الحالة يصح التحرم بالثانية.
[تنبيه] الشك الشرط هنا حكمه كالشك في الركن فلا يؤثر الشك فيه بعد السلام إن أمكن استصحاب ما قبل الصلاة كما لو شك في كونه أحدث بعد الصلاة مع تيقنه الطهر قبلها فيجوز أن يصلي بذلك الطهر المشكوك فيه بخلاف ما إذا لم يتيقن الطهر، ولذا لو شك بعد السلام في كون إمامه مأموما وجبت الإعادة؛ لأنه لا أصل يستصحب هنا فهو كما لو شك في أصل الطهارة أو الاستقبال، وإنما وجبت الإعادة فيما لو توضأ ثم جدد ثم صلى ثم تيقن ترك مسح من أحد الوضوئين؛ لأنه لم يتيقن صحة وضوئه الأول حتى يستصحب. (و) مقتضى (سهوه) أي المأموم (حال قدوته) -ولو حكميّة نحو ما يأتي أول صلاة الخوف- (يحمله إمامه) المتطهر بخلاف المحدث وذي خبث خفي، أما سهوه قبل القدوة فلا يتحمله، وأما بعده فسيأتي، (فلو ظن سلامه فسلم فبان خلافه سلم معه) أي بعده (ولا سجود)؛ لأنه سهو حال القدوة، (ولو ذكر) المأموم (في تشهده) أما لو ذكر في غير التشهد ففيه تفصيل يأتي (ترك ركن غير) سجود من الركعة الأخيرة؛ لما مر في ركن الترتيب، وغير السلام فإنه لا يسجد لكن العلة فوات محله بالسلام، وغير (النية والتكبير) للتحرم، أو شكَّ فيه (قام بعد سلام إمامه إلى ركعته) الفائتة بفوات الركن، ولا يجوز له العود لتداركه؛ لما فيه من ترك المتابعة الواجبة، (ولا يسجد) في التذكر؛ لوقوع سهوه حال القدوة، بخلاف الشك في ترك الركن المذكور فإنه يسجد؛ لفعله بعدها زائدا بتقدير فعله، ومن ثم لو شك في إدراك ركوع الإمام أو في أنه أدرك الصلاة معه كاملة أو ناقصة ركعة أتى بركعة وسجد فيها؛ لوجود شكه المقتضي للسجود، أما النية وتكبيرة التحرم فَتذَكُّرُ أحدهما مبطل وكذا الشك فيه أو في شرط من شروطه إذا طال أو مضى معه ركن كما مر،
وَسَهْوُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَحْمِلُهُ، فَلَوْ سَلَّمَ المَسْبُوقُ بِسَلَامِ إِمَامِهِ بَنَى وَسَجَدَ، وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إِمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِلَّا فَيَسْجُدُ عَلَى النَّصِّ
(وسهوه) أي المأموم (بعد سلامه) أي الإمام (لا يحمله
(1)
الإمام؛ لانقضاء القدوة، (فلو سلم المسبوق) بأن أتى بعليكم، أما لو قال السلام فقط فلا تنقضي القدوة إلا إن نوى معه الخروج من الصلاة (بسلام إمامه) أي بعده ثم تذكر (بنى) إن قصر الفصل (وسجد)؛ لأن سهوه وقع بعد انقضاء القدوة، أما لو سلم معه فلا يسجد
(2)
؛ لوقوع سهوه حال القدوة. (ويلحقه سهو إمامه) المتطهر كما يتحمل الإمام سهوه، (فإن سجد لزمه متابعته) وإن لم يعرف أنه سها، وإن لم يتابعه متعمدا وهوى الإمام للثانية بطلت صلاته؛ لأنه سبقه بفعلين كبطلانها بسبقه لإمامه بهما بهويه للثانية، نعم إن تيقن غلطه في سجوده لم يتابعه كأن كتب أو أشار أو تكلم قليلا جاهلا وعذر فأخبره أن سجوده لترك الجهر أو السورة، أو سلم الإمام عقب أن سجد ثم رأى المأموم هاويا للسجود لبطئ حركته أو رآه لم يسجد لجهله بوجوب المتابعة فأخبره بنحو ذلك، نعم الإمام يسجد مرة أخرى لسهوه بفعل سجود السهو وعلى المأموم السجود أيضا بعد نية المفارقة أو سلام الإمام؛ لذلك. ولو قام إمامه لزيادة كخامسة سهوا لم يجز متابعته -ولو مسبوقا أو شاكا في فعل ركعة- بل يفارقه ويسلم أو ينتظره ولا نظر لاحتمال أنه ترك ركنا من ركعة؛ لأن الفرض أنه علم الحال أو ظنه.
[تنبيه] يستقر سجود السهو على المأموم بفعل الإمام له حتى لو سلم بعد سلام إمامه ساهيا عنه لزمه أن يعود إليه إن قرب الفصل وإلا أعاد صلاته، (وإلا) يسجد الإمام عمداً أو سهوا أو اعتقاداً أنه بعد السلام (فيسجد) أي الموافق. ولو اقتصر إمامه على سجدة سجد ثنتين لكن لا يفعل الثانية إلا بعد سلام إمامه؛ لاحتمال أن يتداركها (على النص)؛ جبرا
(1)
. بل بعد انقطاع القدوة مطلقا ولو بنحو حدث الإمام لا يحمل سهو المأموم كما أفاده الشارح في فصل زوال القدوة 2/ 356.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
وَلَوِ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، ثُمَّ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ سَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصِّ. وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ،
للخلل الحاصل في الصلاة، (و) أما (لو اقتدى مسبوق بمن سها بعد اقتدائه وكذا قبله في الأصح) وسجد الإمام لسهوه (فالصحيح) فيهما (أنه يسجد معه)؛ للمتابعة، ولذا لو اقتصر إمامه على سجدة لم يسجد أخرى بخلاف الموافق كما مر (ثم في آخر صلاته)؛ لأنه محله، (فإن لم يسجد الإمام سجد) المسبوق ندبا (آخر صلاة نفسه) سواء سها الإمام قبل أو بعد الاقتداء (على النص)؛ لما مر، ولو ترك السجود إمامه اعتقادا أتى به المأموم بعد سلام إمامه. ومن استُخلف عمَّن عليه سجود سهو سجد هو والمأمومون آخر صلاة الإمام ثم يقوم هو لما عليه ويسجد آخر صلاة نفسه أيضا.
[فرع] سجد الإمام بعد فراغ المأموم من أقل التشهد وافقه وجوبا في سجود السهو، فإن تخلف عمداً بطلت صلاته بهوي الإمام للسجود الثاني كما مر، وتندب موافقة المأموم للإمام في السلام؛ لأن للمأموم التخلف بعد سلام الإمام، أما إن فرغ الإمام قبل فراغ المأموم من أقل التشهد وسجد للسهو فيتابعه المأموم وجوبا
(1)
ثم يتم تشهده ولا يعيد السجود؛ لأنه أتى به في محله في الجملة.
(وسجود السهو وإن كثر سجدتان) بينهما جلسة كما ورد، ويجبر كلَّ سهو ما لم يخصه ببعضه. ولو نوى الاقتصار على سجدة منه متعمدا بطلت صلاته بها، أما لو عرض له بعدَ فعلها فلا يؤثر؛ لأنها نفل (كسجود الصلاة) والجلوس بين سجدتيها في واجبات الثلاثة ومندوباتها السابقة كالذكر. ولو أخل بشرط من شروط السجدة أو الجلوس فإن نوى الإخلال به قبل فعله أو معه وفعله بطلت صلاته وإن طرأ له أثناء فعله الإخلال به فأخل وتركه فورا لم تبطل. وتجب نية سجود السهو؛ لعدم شمول نية الصلاة لها فتجب على إمام ومنفرد دون مأموم كما هو واضح، ومعنى النية هنا قصد السجود عن خصوص السهو عن شروعه فيه، بخلافها في سجود التلاوة
(2)
فيكفي مطلق القصد، ومع وجوب
(1)
. خلافا للشهاب الرملي والنهاية.
(2)
. فلا تشترط نية فيها وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية.
وَالجَدِيدُ أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ، فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا فَاتَ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ فَاتَ فِي الجَدِيدِ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى النَّصِّ، وَإِذَا سَجَدَ صَارَ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ
النية إلا أن النطق بها مبطل للصلاة؛ لأنه لا ضرورة له، (والجديد أن محله بين تشهده) وما يتبعه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله والأذكار (وسلامه)؛ لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم ((أمر به قبل السلام))، ولو سجد للسهو قبل الصلاة على الآل ثم أتى بها وبالمأثور حصل أصل سنة سجود السهو ولم تجز إعادته، ولو أعاد التشهد بعد السجود لم يضر، ولو سها في سجود التلاوة سجد بعدها وقبل السلام سجدتين، (فإن سلم عمدا فات) وإن قرب الفصل (في الأصح)؛ لقطعه له (أو سهوا) أو جهلا بأنه عليه ثم علم (وطال الفصل) عرفاً (فات في الجديد)؛ لتعذر البناء كالمشي على نجاسة وكفعل أو كلام كثير بخلاف استدبار القبلة (وإلا فلا على النص)؛ لعذره وفعله صلى الله عليه وسلم، ومحله حيث لم يطرأ مانع بعد السلام وإلا حرم كأن خرج وقت الجمعة أو عرض موجب للإتمام أو رأى متيممٌ الماءَ أو انتهت مدة المسح أو أحدث وتطهر عن قرب أو شُفي دائم الحدث أو تخرق الخف، وكذا إن ضاق الوقت، وصورته أن يشرع في الصلاة ولم يبق من الوقت ما يسعها بالنسبة لنحو الوسط من فعل نفسه، بل وسع الوقت أقل ممكن من فعله فيحرم عليه العود بالحرمة؛ لحرمة مد الصلاة حينئذ، أما إن شرع في الصلاة وقد بقي من الوقت ما يسعها -أي بالنسبة للحد الوسط من فعل نفسه- فيسن له العود ليسجد السهو لكن إن أدرك مع ذلك ركعة في الوقت، فإن لم يدركها فالأولى عدم العود، (وإذا سجد) -أي شرع فيه
(1)
- بأن وصلت جبهته للأرض (صار عائدا إلى الصلاة) أي بان أنه لم يخرج منها (في الأصح) فيلغو سلامه؛ لعذره، ويعيده وجوبا، وتبطل صلاته بنحو حدث
(2)
ويلزمه الظهر بخروج وقت الجمعة والإتمام بحدوث موجبه، وإذا عاد الإمام لزم المأموم العود وإلا بطلت صلاته ما لم يعلم خطأه فيه، وما لم يتعمد السلام؛ لعزمه على عدم فعل السجود وقطعه القدوة بتعمده ذلك، وما لم يتخلف -أي المأموم- ليسجد سواء
(1)
. خلافا للشهاب والنهاية والمغني فقالوا إن أراد السجود وإن لم يشرع فيه.
(2)
. نعم لا تبطل صلاته بوجود الماء حينئذ لفصله السجود عن الصلاة بالسلام كما ذكره الشارح في باب التيمم 1/ 367.
وَلَوْ سَهَا إمَامُ الجُمُعَةِ وَسَجَدُوا فَبَانَ فَوْتُهَا أَتَمُّوا ظُهْرًا وَسَجَدُوا، وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ سَجَدَ فِي الْأَصَحِّ.
باب في سجود التلاوة والشكر
تُسَنُّ سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ: وَهُنَّ فِي الجَدِيدِ أَرْبَعَ عَشْرَ: مِنْهَا سَجْدَتَا الحَجِّ
سجد قبل عود إمامه أم لا؛ لأن تخلفه متضمن لقطعها فيفعله منفرداً. ولو سلم إمامه الحنفي مثلا قبل أن يسجد ثم سجد لم يتبعه بل يسجد منفردا؛ لفراقه له بسلامه في اعتقاده والعبرة به لا باعتقاد الإمام (ولو سها إمام الجمعة) أو المقصورة (وسجدوا) للسهو (فبان) بعد سجودهم له (فوتها) أي الجمعة، أو موجب إتمام المقصورة (أتموا ظهرا وسجدوا) ثانيا آخر صلاتهم؛ لأن الأول لغوٌ. (ولو ظن سهوا فبان عدمه سجد في الأصح)؛ لأن سجوده الأول مبطلٌ عمدُهُ. ولو سجد للسهو ثم سها بنحو كلام لم يسجد ثانيا؛ لأنه لا يأمن من وقوعه في مثله فربما تسلسل، أو سجد لمقتضى في ظنه فبان غيره لم يعده؛ لانجبار الخلل ولا عبرة بالظن البَيِّن خطؤُهُ.
(بابٌ في سجود التلاوة والشُّكر
(1)
(تسن سجَدات التلاوة)؛ للإجماع، ولم تجب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((تركها في سجدة {وَالنَّجْمِ} النجم: 1))، ولا يقوم الركوع مقامها والقياس حرمته، (وهي في الجديد أربع عشر منها سجدتا الحج)؛ لما في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ((أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه ((سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم في الانشقاق و اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ العلق: 1))، ومحال السجدات معروفة، نعم الأصح أن آخر آيتها في النحل {يُؤْمَرُونَ} النحل: 50، وفي النمل {الْعَظِيمِ} النمل: 26، وفي ص {وَأَنَابَ} ص: 24، وفي فُصِّلت {يَسْأَمُونَ} فصلت: 38، وفي الانشقاق {يَسْجُدُونَ} الانشقاق:21.
[تنبيه] اختصت هذه المواضع بالسجود؛ لأن فيها مدح الساجدين صريحا وذمّ غيرهم تلويحا أو عكسه بخلاف غيرها.
(1)
. تقدم أنهما ليسا صلاة 1/ 416.
لَا {ص} فَإنَّهَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَتَحْرُمُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ. وَتُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالمُسْتَمِعِ،
(لا {ص} فإنها سجدة شكر)؛ لما صحّ ((ونحن نسجدها شكراً))، أي لله على توبة نبيه داود صلى الله عليه وسلم من خِلاف الأولى الذي ارتكبه، وينوي بها الشكر مع أن سببها التلاوة (تستحب في غير الصلاة)؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم ((قرأها على المنبر ونزل فسجد))، ولا تفعل في الطواف
(1)
(2)
لكن لا تحرم فيه كما يأتي، (وتحرم فيها) وتبطل (في الأصح) كسائر سجود الشكر وإن ضم لقصد الشكر قصد التلاوة، وإنما تبطل إن تعمد وعلم التحريم وإلا فلا ويسجد للسهو. ولو سجد إمامه الذي يراها لم تجز متابعته
(3)
بل له أن ينتظره وأن يفارقه ولو انتظره سجد؛ لأنه لمَّا أتى بمبطل في اعتقاد المأموم واغتفر كان بمنزلة الساهي؛ لما مر. (ويسن للقارئ) ولو صبيا
(4)
وامرأة ومحدثا تطهر على قرب وخطيبا أمكنه بلا كلفة على منبره وأسفله إن قرب الفصل، (والمستمع) لجميع آية السجدة من قارئ واحد لقراءة مشروعة كقراءة مميز وملَكَ وجني ومحدث وكافر رجي إسلامه
(5)
، وامرأة لكن إن حلّ القراءة والسماع -أي لم يكرها- بخلافها برفع صوت بحضرة أجانب وبخلافه بخشية فتنة أو تلذذ به، دون قراءة جنب وساهٍ ونائم وسكران ليس له نوع تمييز وإن لم يتعدَّ كمجنون وطير ومن بخلاءٍ ونحوه من كل من كُرهت قراءته من حيث أنها قراءة، ولو قرأ آيتها في صلاة الجنازة لم يسجد لها عقب سلامه؛ لأنها قراءة غير مشروعة
(6)
، والأوجه في مستمع لها قبل صلاة التحية أنه يسجد ثمّ يصلي التحية؛ لأنه جلوس قصير لعذر وهو لا يفوِّتها، ولو استمع من قارئين كل لنصفها مثلا لم يسجد؛ لعدم وجود السبب في حقه.
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. بخلاف سجدة التلاوة فتسن فيه كما ذكره الشارح عند كلامه على الطواف 4/ 94.
(3)
. فرق الشارح بين ما هنا وما لو والى الإمام التكبير في العيد فانظره.
(4)
. قيده في النهاية بالمميز.
(5)
. اعتمد الإطلاق الرملي في النهاية وشيخ الإسلام في شرح المنهج.
(6)
. هذا يقتضي سجوده في حالة المشروعية؛ بناء على ما اعتمده الشارح من سن السورة في الصلاة على الغائب.
وَيَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ. قُلْتُ: وَيُسَنُّ لِلسَّامِعِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ سَجَدَ الْإِمَامُ وَالمُنْفَرِدُ لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ، وَالمَأْمُومُ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ إمَامُهُ فَتَخَلَّفَ أَوْ انْعَكَسَ بَطَلَتْ،
[تنبيه] ولا يشترط أن يقصد القراءة لكي يسجد بل الشرط عدم الصارف
-فيكفي مطلق القصد
(1)
- لا كنحو مفسّر ومستدل. ويسن أيضا لكل من الشيخ والتلميذ، وترك أحدهما له لا يقتضي ترك الآخر له، (ويتأكد له بسجود القارئ)؛ للاتفاق على طلبها حينئذٍ، والأولى أن لا يقتدي به، (قلت: ويسن للسامع) أي من لم يقصد السماع (والله أعلم)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في غير الصلاة فيسجد ويسجدون معه. ولو قرأ آية السجدة أو سورتها لغرض السجود فقط في الصلاة -ولو نفلا- أو الوقت المكروه
(2)
أو اقتدى بالإمام في صبح الجمعة
(3)
أيضا لغرض السجود فقط حرم وبطلت إن علم وتعمد، وكذلك لو سجد المصلي لغير سجدة إمامه؛ لأن الصلاة منهي عن زيادة سجود فيها إلا لسبب كما أن الوقت المكروه منهي عن الصلاة فيه إلا لسبب فالقراءة فيها بقصد السجود فقط كتعاطي السبب باختياره، وخرج بالسامع غيره وإن علم برؤية السجود، (فإن قرأ في الصلاة) أي قيامها أو بدله ولو قبل الفاتحة؛ لأنه محلها في الجملة (سجد الإمام) أ (والمنفرد لقراءته) أي كلٌّ لقراءة نفسه (فقط) ولو بدلاً عن الفاتحة
(4)
(والمأموم لسجدة إمامه
(5)
فقط فتبطل بسجوده لقراءة غير إمامه، ومن ثمّ كره للمأموم قراءة آية سجدة، ومنه يؤخذ
(6)
أن المأموم في صبح الجمعة إذا لم يسمع لا يسن له قراءة سورتها، (فإن سجد إمامه فتخلف أو انعكس بطلت)؛ لفحش المخالفة، ولو لم يعلم إلا بعد رفعه رأسه من السجود انتظره أو قبله هوى فإذا رفع قبل سجوده رفع معه ولا يسجد إلا أن يفارقه وهو فراق بعذر، ولا
(1)
. هذا التوضيح ذكره الشارح في سجود السهو 2/ 200.
(2)
. أو قبله إن استمر قصد تحريه إلى دخول الوقت كما ذكره الشارح في كتاب الصلاة 1/ 243.
(3)
. خالفاه في صبح الجمعة.
(4)
. خلافا للرملي في النهاية ووالده فاستثنيا من قرأ بدلا عن الفاتحة لعجزه عنها آية سجدة فقالا لا يسن له السجود.
(5)
. ويقطع فاتحته ليسجد مع إمامه ثم يتمها كما ذكره الشارح في سجود السهو 1/ 198.
(6)
. خالف في الأخذ الجمال الرملي كما نقله عنه الكردي.
وَمَنْ سَجَدَ خَارِجَ الصَّلَاةِ نَوَى، وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ للهَوِيِّ بِلَا رَفْعٍ ثُمَّ سَجَدَ كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَرَفَعَ رَأسَهُ مُكَبِّرًا وَسَلَّمَ، وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا السَّلَامُ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ، وَمَنْ سَجَدَ فِيهَا كَبَّرَ للهَوِيِّ وَلِلرَّفْعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ. قُلْتُ: وَلَا يَجْلِسُ لِلاسْتِرَاحَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ ....
يكره لإمام قراءة آية سجدة مطلقا لكن يسن له في السرّية تأخير السجود إلى فراغه
(1)
؛ لئلا يشوش على المأمومين، بل بحث ندب تأخيره في الجهرية في الجوامع العظام. ولو تركه الإمام سن للمأمومين بعد السلام إن قصر الفصل؛ لأنها لا تقضى. (ومن سجد خارج الصلاة
(2)
نوى) وإن لم يعين آيتها، ويسن له التلفظ بالنية (وكبّر للإحرام رافعا) كتبيرة الإحرام (يديه) ولا يسن أن يقوم ليكبر من قيام؛ لأنه لم يرد (ثمّ للهوي بلا رفع) فإن اقتصر على تكبيرة بطلت ما لم ينو التحرم فقط (ثمّ سجد كسجود الصلاة) في واجباته ومندوباته (ورفع رأسه مكبرا و) جلس ندبا -ويجوز الاضطباع- ثمّ (سلم، وتكبيرة الإحرام شرط) أي ركن (على الصحيح) كالنية (وكذا السلام في الأظهر)؛ قياسا على التحرم، (ويُشترط شروط) ومثل الشروط السنن والمكروهات مما يمكن مجيئه هنا (الصلاة) والكف عن مبطلاتها وقراءة أو سماع جميع آياتها وأن لا يطول فصل عرفا بين آخر الآية والسجود. (ومن سجد فيها كبر للهوي وللرفع)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة))، ويلزمه أن ينتصب منها قائما ثم يركع؛ لأن الهوي من القيام واجب. ولو قرأ آيتها فركع -بأن بلغ أقل الركوع- ثم بدا له السجود لم يجز؛ لفوات محله أو فسجد ثم بدا له العود قبل إكمالها جاز؛ لأنها نفل. ولو هوى للسجود فلما بلغ حدّ الراكع صرفه له لم يكف عنه؛ لما مر، والذي يتجه أنه لا يسجد منه للتلاوة؛ لأنه بنية الركوع لزمه القيام فإذا قام كان له السجود للتلاوة، (ولا يرفع يديه)؛ لعدم وروده، (قلت: ولا يجلس) ندبا
(3)
(للاستراحة والله أعلم) ولا يجب لها نية
(4)
.
(1)
. قيدوه بقصر الفصل.
(2)
. في ذلك تفاريع ذكرها الشارح في فصل زوال القدوة 2/ 365.
(3)
. بل يكره مغني.
(4)
. وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية، وتقدم عن الشارح في السهو أن سجود التلاوة يكفي فيه مطلق القصد.
وَيَقُولُ فِيْهَا سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ، وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ. وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي مَجْلِسَيْنِ سَجَدَ لِكُلٍّ وَكَذَا المَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ، وَرَكْعَةٌ كَمَجْلِسٍ، وَرَكْعَتَانِ كَمَجْلِسَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ وَطَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَسْجُدْ. وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ، وَتُسَنُّ لِهُجُومِ نِعْمَةٍ، أَوِ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ،
(ويقول فيها: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشقّ سمعه وبصره بحوله وقوته) فتبارك الله أحسن الخالقين، وهذا أفضل ما يقال فيها، والدعاء فيها بمناسب سياق آيتها حَسَنٌ
(1)
. (ولو كرر آية) خارج الصلاة (في مجلسين سجد لكل) عقبها؛ لتجدد السبب بعد توفية الأول، وتكفي سجدة إن قصر الفصل بين الآية الأولى والسجود ويجوز تعددها فيفعلهما معا (وكذا المجلس في الأصح، وركعة كمجلس) وإن طالت (وركعتين كمجلسين) وإن قصرتا، وعلى جواز التعدد فظاهر أنه يأتي بالثانية عقب الأولى وهكذا من غير قيام وإلا فتبطل؛ لزيادة صورة ركن، (فإن لم يسجد وطال الفصل) عرفا بين آخرها والسجود (لم يسجد) وإن عذر؛ لأنه لا مدخل للقضاء فيها؛ لأنها لسبب عارض.
(وسجدة الشكر لا تدخل الصلاة) بل تبطلها إن علم وتعمَّد؛ لأن سببها لا تَعَلُّق له بها، (وتسن لهجوم) أي فجأة وقوع (نعمة) له أو لنحو ولده أو لعموم المسلمين ظاهرة -أي لها وقع عرفا- ومن حيث لا يحتسب -بأن لا ينسب وقوعه في العادة لتسببه- وإن توقعها قبلُ كولد أو وظيفة دينية إن تأهل لها وطُلِب منه قبولها أو مال أو جاه أو نصر على عدو أو قدوم غائب بشرط حلّ المال وما بعده، (أو) هجوم (اندفاع نقمة) عنه أو عن من ذكر ظاهرة من حيث لا يحتسب كذلك؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم ((كان إذا جاءه أمر يُسَرُّ به خرَّ ساجدا))، ورُوي في دفع النقمة. وخرج بالهجوم فيهما استمرارهما كالإسلام والعافية؛ إذ لم يرد له نظير، وبالظهور ما لا وقع له كحدوث درهم لفقير، ولا يصح إخراج نحو النعمة الباطنة
(2)
كالمعرفة وستر المساوي؛ لأنها من أجلّ النعم. وخرج بقولنا ((من حيث لا يحتسب)) ما يحصل عقب أسبابه عادة كربح متعارف لتاجر، ثمّ إنه يسن إظهار السجود؛ لما
(1)
. وإذا أراد القراءة مرَّة أخرى بعد سجود التلاوة لم يسن له التعوذ ولا البسملة إلا إذا سكت إعراضا أو تكلم بأجنبي كما أفاده الشارح في باب صفة الصلاة 2/ 33.
(2)
. وممن أخرجها شيخ الإسلام والمغني.
أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلىً، أَوْ عَاصٍ. وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي لَا الْمُبْتَلَى. وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ. فَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةِ صَلَاةٍ جَازَ عَلَيْهَا قَطْعًا.
تقدم إلا إن تجددت له ثروة أو جاه أو ولد مثلا بحضرة من ليس له ذلك وعلم بالحال؛ لئلا ينكسر قلبه، ولو ضمّ للسجود صدقة أو صلاة كان أولى أو أقامها مقامه فخلاف الأكمل (أو رؤية مبتلىً) في عقله أو بدنه شكراً لله على سلامته منه؛ لخبر الحاكم ((أنه صلى الله عليه وسلم سجد لرؤية زَمِنٍ))، ويسن أن يقول: الحمد لله الذي عافاني وما ابتلاني وفضّلني على كثير من خلقه تفضيلا (أو عاصٍ) كافر أو فاسق متجاهر
(1)
، قال الأذرعي: أو مستتر مُصِرٍّ ولو على صغيرة
(2)
؛ لأن مصيبة الدّين أشدّ، وإنما يسجد لرؤية المُبْتَلَى السليمُ من بلائه وإن كان مبتلىً ببلاء آخر
(3)
، وكذا يقال في العاصي، والمراد برؤية أحدهما العلم بوجوده أو ظنه بنحو سماع كلامه، (ويظهرها) ندباً ما لم تكن بحضرة من يتضرر بها كما مر، ويظهرها أيضاً (للعاصي) عند عدم المفسدة؛ تعييرا له لعله يتوب (لا المبتلى) غير الفاسق؛ لئلا ينكسر قلبه، فإن أسرّ الأولى وأظهر هذه فالذي يظهر فوات الكمال ثَمَّ والكراهة هنا؛ لأنه فيه نوع إيذاء. أما مبتلىً فاسق
(4)
كمقطوع في سرقة لم يتب -ولو ظنا بنحو قرينة- فيظهرها له، نعم لو كانت بليّته لم تنشأ عن فسقه أظهرها له مع تبيين أنها لفسقه؛ لئلا يتوهم أنها لبليته فينكسر قلبه. (وهي كسجدة التلاوة) المفعولة خارج الصلاة في كيفيتها وواجباتها ومندوباتها، (والأصح جوازهما على الراحلة للمسافر) بالإيماء؛ لأنهما نفل وإن أذهب الإيماء أظهر أركانها وهو تمكين الجبهة، أما جوازهما للماشي المسافر فلا خلاف فيه (فإن سجد) متمكنا في مرقد أو (لتلاوةِ صلاة جاز عليها) بالإيماء (قطعا)؛ تبعا للنافلة.
[تنبيه] تفوت هذه أيضا بطول الفصل عرفاً بينها وبين سببها.
(1)
. أي فلا يجوز لرؤية مرتكب الصغيرة المتجاهر حيث لا إصرار؛ لعدم فسقه وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. خلافا لهم.
(3)
. واعتمد النهاية والمغني أيضا السجود إن اتحد نوع البلاء وتفاوتا في القدر.
(4)
. قضيته أن الفاسق لا يسجد لرؤية فاسق واستوجه في النهاية خلافه.
باب في صلاة النفل
صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً، فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرِْضِ وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ المَغْرِبِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ. وَقِيلَ لَا رَاتِبَةَ لِلْعِشَاءِ
(باب في صلاة النفل
(1)
هو والسنة والتطوع والحسن والمرغب فيه والمستحب والمندوب كلها مترادفة.
(صلاة النفل قسمان:
قسم لا يسن جماعة) أي لا تسن الجماعة فيه، فلا يخرج عن السنية لو صُلِّي في جماعة بل تجوز الجماعة حينئذ بلا كراهة (فمنه الرواتب مع الفرض، وهي ركعتان قبل الصبح) ويسن تخفيفهما وأن يقرأ فيهما بآيتي البقرة وآل عمران
(2)
أو بالكافرون والإخلاص وهو أفضل من تطويلهما بغير الوارد
(3)
، وأن يضطجع بعدهما والأولى كونه على شقّه الأيمن؛ تذكراً لضجعة القبر فإن لم يرد ذلك فصل بينهما وبين الفرض بنحو كلام أو تحول ويأتي هذا في المقضية وفيما لو أخَّر سنة الصبح عنها، (وركعتان قبل الظهر، وكذا بعدها، وبعد المغرب) ويسن قراءة الكافرون والإخلاص فيهما -كسائر السنن التي لم ترد لها قراءة مخصوصة-، والأكمل فيهما تطويلهما حتى ينصرف أهل المسجد (وبعد العشاء) ولو للحاج بمزدلفة، (وقيل لا راتبة للعشاء) أي ليست مؤكدة؛ لاحتمال كونها من صلاة
(1)
. ومرَّ في فصل استقبال القبلة أن النفل في الكعبة أفضل منه ببقية المسجد، نعم تنفل الشخص في بيته أفضل منه حتى من الكعبة 1/ 495، وتقدم آخر باب صفة الصلاة ما يستثنى من ذلك.
(2)
. وهي قوله تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)} البقرة: 136، وقوله {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} آل عمران:64.
(3)
. ذكر ذلك عند كلامه على الضحى.
وَقِيلَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا. وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَالجَمِيعُ سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا الخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ المُؤَكَّدِ. وَقِيلَ وَرَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ المَغْرِبِ. قُلْتُ: هُمَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِهِمَا، وَبَعْدَ الجُمُعَةِ أَرْبَعٌ. وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ. وَاَللهُ أَعْلَمُ
الليل، ورُد أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر صلاة الليل، (وقيل أربع قبل الظهر، وقيل وأربع بعدها
(1)
؛ لما صحّ أنه ((مَن حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرّمه الله على النار))، (وقيل وأربع قبل العصر)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((كان يصلي أربعاً يفصل بينهن بالتسليم))، (والجميع سنّة) راتبة قطعا، (وإنما الخلاف في الراتب المؤكد) فعلى الراجح المؤكد تلك العشر لا غير؛ لأنه صلى الله عليه وسلم واظب عليها أكثر من الثمانية الباقية. ولو اقتصر على ركعتين قبل الظهر مثلا ولم ينو المؤكد ولا غيره انصرف للمؤكد؛ لأنه المتبادر، (وقيل وركعتان خفيفتان قبل المغرب، قلت: هما سنّة) غير مؤكدة (على الصحيح ففي صحيح البخاري الأمر بهما) وأيضا؛ للخبر الصحيح ((بين كل أذانين صلاة)) -أي أذان وإقامة- ومن ثم أخذوا منه ندب ركعتين قبل العشاء. ويسن فعلهما بعد إجابة المؤذن فإن تعارضت هي وفضيلة التحرم لإسراع الإمام بالفرض عقب الأذان أخّرهما إلى ما بعده ولا يقدمهما على الإجابة، (وبعد الجمعة أربع)؛ للأمر بهما في الخبر الصحيح، وثنتان منها مؤكدتان (وقبلها ما قبل الظهر والله اعلم) فهي كالظهر في المؤكد وغيره وصح أنه صلى الله عليه وسلم أمر سليكاً بهما، وينوي بالقبلية سنة الجمعة كالبعدية، ولا نظر إلى احتمال أن الجمعة قد لا تقع؛ إذ الفرض أنه ظنّ وقوعها، فإن لم تقع لم تكف عن سنة الظهر، وإن شكّ في إدراك الجمعة لم يأتِ بشيء حتى يتبين الحال. والسنة في الرواتب أن يسلم من كل ركعتين
(2)
، ولو أخر الراتبة القبلية لفرض إلى ما بعده لم يجز له جمعها مع البعدية
(3)
؛ لاختلاف النية.
(1)
. وذكر الشارح عند كلامه على الوتر أنه لو احرم بنحو سنة الظهر الأربع بنية الوصل لم يجز له الفصل بأن يسلم من ركعتين وإن نواه قبل النقص 2/ 226.
(2)
. ذكره ذلك الشارح عند كلامه على الضحى.
(3)
. خلافا للرملي.
وَمِنْهُ الْوِتْرُ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَ. وَقِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ الْفَصْلُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ
(ومنه الوَِتر) وهو أفضل ما لا يسن جماعة فركعته أفضل من ركعتي الفجر وتهجد وإن كثر
(1)
، ولو صلى ما عدا ركعة الوتر أثيب عليه ثواب كونه من الوتر؛ لأنه يطلق على من أتى بالبعض (وأقله ركعة)؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم ((أوتر بواحدة))، والاقتصار عليها خلاف الأولى؛ لمخالفته اكثر أحواله صلى الله عليه وسلم (وأكثره إحدى عشر)؛ لخبر عائشة أنه صلى الله عليه وسلم ((ما كان يزيد عليها))، وأدنى الكمال ثلاث؛ لخبر أنه صلى الله عليه وسلم ((كان يوتر بثلاث))، وأكمل منه خمس فسبع فتسع (وقيل ثلاث عشرة)؛ لما صحّ عن أمّ سلمة ((كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة)) وأُوِّل أنها حسبت سنّة العشاء، ورواية خمسة عشرة حسب منها ذلك وافتتاح الوتر وهو ركعتان خفيفتان، فلو زاد على الإحدى عشر بنية الوتر لم يصح الكل في الوصل ولا الإحرام الأخير في الفصل إن علم وتعمد وإلا صحت نفلا مطلقا. ولو أحرم بالوتر ولم ينو عددا صحّ واقتصر على ما شاء منه
(2)
، فإن نوى عددا لم يجز له النقص أو الزيادة، (ولمن زاد على ركعة الفصل) بين كل ركعتين
(3)
بالسلام (وهو أفضل) من الوصل إن ساواه عددا؛ لكثرة أحاديثه ولأنه أكثر عملا، (والوصل بتشهد أو تشهدين في الأخيرتين)؛ لثبوت كلٍّ منهما في صحيح مُسلم، والأول أفضل، ويمتنع أكثر من تشهدين وفعل أولهما قبل الأخيرتين؛ لعدم وروده بل تبطل إن طوّل جلسة الاستراحة. ويسن لو أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى سبّح وفي الثانية الكافرون وفي الثالثة الإخلاص والمعوذتين؛ للاتباع، أما لو أوتر بأكثر من ثلاث فإن أوتر بثلاث مفصولة عمّا قبلها قرأ ذلك أيضاً في الثلاث الأخيرة، أو موصولة لم يقرأ ذلك؛ لأنه غالبا ما يخالف سنة أخرى كأن يخلو ما قبلها عن سورة أو يطولها على ما قبلها أو القراءة على غير ترتيب المصحف أو على غير تواليه فإن لم يخالف ذلك قرأها كأن أوتر بخمس وقرأ في الأولى المطففين والانشقاق وفي الثانية البروج والطارق، ويسن أن يقول بعد الوتر ثلاثا سبحان الملك القدوس ثمّ اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك .. الخ.
(1)
. ذكره أيضا عند كلامه على الضحى.
(2)
. وفاقا للخطيب، وخلافا للرملي حيث قال: يحمل على الثلاث.
(3)
. الركعتان عندهما كالشهاب الرملي مجرد مثال.
وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقِيلَ شَرْطُ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ. فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَمْ يُعِدْهُ. وَقِيلَ يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ. وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ كُلَّ السَّنَةِ، وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ، وَيَقُولُ قَبْلَهُ: اللهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك إلَى آخِرِهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ بَعْدَهُ
(ووقته بين صلاة العشاء) ولو بعد المغرب في جمع التقديم (وطلوع الفجر)؛ لما صح فيه، ووقت اختياره إلى ثلث الليل في حقّ من لا يريد تهجداً أو لم يعتد الاستيقاظ آخر الليل. ولو خرج الوقت لم يجز له قضاؤها حتى يقضيَ العشاء (وقيل شرط الإيتار بركعة سبق نفل بعد العشاء)؛ لتوتره هيّ، و ردّ بأنه يكفي كونها وترا في نفسها. (ويسن) لمن وثق بيقضته وأراد صلاة بعد نومه (جعله) كلَّه (آخر صلاة الليل) التي يصليها بعد نومه من راتبة أو تراويح أو تهجد، وبالوتر يحصل فضل التهجد؛ للأمر به، وخرج بـ ((كلَّه)) بعضه فلا يصلي بعضه قبل النوم ثمّ باقيه بعده ولو كان ذلك البعض جماعة إثر تراويح، فإن أراد الجماعة معهم نوى نفلا مطلقا، (فإن أوتر ثمّ تهجد) أو عكس أو لم يتهجد أصلا (لم يعده) فإن أعاده عالماً بالنهي بطل وإلا وقع له نفلا مطلقا؛ لخبر ((لا وتران في ليلة))، ولا يكره تهجد ولا غيره بعد وتر، ولكن يسن أن يتقدم غير الوتر عليه، ولو أوتر ثمّ أراد صلاة أخّرها قليلا، (وقيل يشفعه بركعة) أي يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعاً (ثمّ يعيده) كما كان يفعله جمع من الصحابة
(1)
، لكن صح النهي عنه.
(ويندب القنوت آخر وتره) ولو أوتر بركعة (في النصف الثاني من رمضان)؛ لفعل أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه ذلك، (وقيل كل السنة)؛ لظاهر خبر الحسن بن علي رضي الله عنهما ((علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر اللهم اهدني فيمن هديت .. ))، وعلى الأول يكره مع عدم البطلان
(2)
وإن طال
(3)
، (وهو كقنوت الصبح، ويقول قبله اللهم نستعينك ونستغفرك إلى آخره، قلت: الأصح بعده)؛ لأن الأول ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا عن
(1)
. ويسن السواك بعد الوتر كما مرَّ 1/ 220.
(2)
. ومع ذلك يسجد سهو كما اعتمده الشارح في بابه 1/ 109.
(3)
. خلافا لهم في هذه الغاية، وقد اعتمد الشارح في صفة الصلاة عدم بطلان الصلاة بتطويل اعتدال الركعة الأخيرة بذكر أو دعاء مطلقا 2/ 68.
وَأَنَّ الجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوِتْرِ عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُ الضُّحَى، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ
عمر رضي الله عنه، وإنما يجمع بينهما إمام محصورين بشروطه وإلا اقتصر على قنوت الصبح. (و) الأصح (أن الجماعة تندب في الوتر) في رمضان سواء أفعل (عقب التراويح) أم بعدها أم من غير فعلها وسواء أفعلت التراويح (جماعة) أم لا (والله أعلم)، نعم من له تهجد لا يوتر معهم بل يؤخر وتره لما بعد تهجده. (ومنه الضحى
(1)
، وأقلها ركعتان) وصحّ أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بهما، وأدنى كمالها أربع؛ لما صحّ أنه كان صلى الله عليه وسلم ((يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء))، فست فثمان وهو أفضلها؛ لأنها أكثر ما صح عنه صلى الله عليه وسلم، ويسن قراءة الشمس والضحى في الأوليين وما عداهما يقرأ فيه الكافرون والإخلاص
(2)
، (وأكثرها ثنتا عشرة ركعة
(3)
وخبره ضعيف، والأفضل السلام من كل ركعتين، ووقتها من ارتفاع الشمس كرمح إلى الزوال ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار؛ لما صحّ أنها حين ترمَض
(4)
الفصال
(5)
.
[تنبيه] ما ذُكِر أن الثمان أفضل لا ينافي قاعدة إن كلما كثر وشقّ كان أفضل؛ لخبر مسلم ((أجرك على قدر نصبك))؛ لأنها أغلبية بدليل أن القصر قد يكون أفضل من الإتمام وركعتي العيد أفضل من ركعتي الكسوف بكيفيتها الكاملة؛ لأن العيد أشبه بالفرض لتوقيته، أو نقول أن أفضلية القليل من حيث الإتباع أو المصلحة، ولذا كان استكثار قيمة الأضحية أحبّ من استكثار عددها والعتق بالعكس؛ لأن القصد ثَمَّ طيب اللحم وهنا تخليص الرقبة.
(1)
. وهي الإشراق عند الجمال الرملي وأبيه خلافا للشارح.
(2)
. كما في شرح بافضل.
(3)
. وفاقا للمنهج وخلافا لهما فقالا أكثرها ثمان ولا تصح نيته بالزائد عنها.
(4)
. أي تبرك من شدة الحر.
(5)
. ومرَّ في صفة الصلاة أنها في المسجد أولى 1/ 107.
وَتَحِيَّةُ المَسْجِدِ، وَهْيَ رَكْعَتَانِ. وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ لَا رَكْعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْتُ: وَكَذَا الجِنَازَةُ. وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(وتحية المسجد
(1)
الخالص
(2)
-غير المسجد الحرام- دون نحو رباط وما بعضه مسجد شائع
(3)
، وتسن لداخله على طهر أو حدث وتوضأ قبل جلوسه ولو مدرسا ينتظره الطلبة أو زحفا أو حبوا وإن لم يرد الجلوس؛ لخبر ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))، ويكره تركها من غير عذر، نعم إن قرب قيام مكتوبة -جمعة أو غيرها- وقد شرعت جماعتها وخشي لو اشتغل بالتحية فوات فضيلة التحرم انتظر قيام المكتوبة قائما ودخلت التحية في الفرض، ويأتي هذا وإن كان قد صلاها جماعة أو فرادى فإن صلى التحية أو جلس كره، وكذا تكره لخطيب دخل وقت الخطبة متمكنا منها
(4)
، ولمريد طواف دخل المسجد متمكنا منه؛ لحصولها بركعتيه، ولمن خشي فوت سنة الراتبة
(5)
، (وهي ركعتان) -أي أفضلها ذلك، فتجوز الزيادة عليهما- بتسليمة وإلا لم تنعقد الصلاة الثانية إلا لنحو جاهل فتنعقد نفلا مطلقا، (وتحصل بفرض أو نفل آخر
(6)
وإن لم ينوها معه؛ لأنه لم يهتك حرمة المسجد فيسقط طلبها بذلك، أما حصول ثوابها فيتوقف على النية
(7)
. ولو نوى عدمها لم يحصل له شيء من ذلك اتفاقا، (لا ركعة على الصحيح، قلت: وكذا الجنازة وسجدة التلاوة والشكر)؛ للحديث (وتتكرر بتكرر الدخول على قرب في الأصح)؛ لتجدد السبب (والله أعلم) ويسقط ندبها بتعمد الجلوس ولو للوضوء لمن دخل محدثا؛ لتقصيره مع عدم احتياجه للجلوس، وبطول الجلوس مطلقا لا بقصره مع نحو سهو أو جهل، ولا
(1)
. نعم تقدم أنها لا تسن في الوقت المكروه إن دخل المسجد بقصدها فقط 1/ 442.
(2)
. خلافا للنهاية.
(3)
. كما في الإمداد.
(4)
. بأن أراد صعود المنبر لأجل الخطبة.
(5)
. فيكره الاشتغال بها بنية منفردة عنها.
(6)
؛ لأنه نفل غير مقصود أما لو شرك نية الفرض مع نفل مقصود فتبطل كما ذكره الشارح في صلاة الكسوفين.
(7)
. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بقيام وإن طال
(1)
أو أعرض عنها. وله إذا نواها قائما أن يجلس ويتمها وكذا له أن يجلس ويحرم بها
(2)
. ولو دخل عطشانا لم تفت بشربه جالسا
(3)
؛ لأنه لعذر، ويندب تقديم سجدة التلاوة عليها ولا تفوت بها؛ لأنه جلوس قصير لعذر، أما ذو الحبو والزحف فتفوت في حقه بالاضطجاع، وأما المستلقي فبطول الزمن عرفا
(4)
، ويكره للمحدث الدخول ليجلس فيه فإن فعل أو دخل غيره ولم يتمكن منها قال أربع مرات الباقيات الصالحات، وزِيد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومما لا يسن جماعة ركعتان عقب الإشراق بعد خروج وقت الكراهة، وعند إرادة سفر بمنزله، وكلما نزل، وعند قدومه بالمسجد، وبعد الوضوء
(5)
والخروج من الحمام، وعند القتل، وعند دخول بيته والخروج منه، وعند الحاجة، وعند التوبة، وصلاة الأوابين عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، وصلاة الزوال أربع عقبه، وصلاة التسبيح كل وقت وإلا فيوم وليلة أو أحدهما وإلا فأسبوع وإلا فشهر وإلا فسنة وإلا فالعمر وحديثها حسن؛ لكثرة طرقة وهي أربع بتسليمة أو تسليمتين في كلّ ركعة خمسة وسبعون سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وزيدت الحوقلة، وتفصيلها خمسة عشر بعد القراءة وعشر في كل من الركوع والاعتدال والسجود والجلوس والسجود والتشهد أو جلسة الاستراحة ويكبّر عند ابتدائها دون القيام منها، ويتخير في جلسة التشهد بين كون التسبيح قبله أو بعده، ويجوز قراءة الخمسة عشر قبل القراءة وعشر بعدها بدلا عن تسبيح جلسة الاستراحة، ولو ترك تسبيح الركوع لم يجز له العود إليه ولا فعلها في الاعتدال بل يأتي بها في السجود. والصلاة المعروفة ليلة الرغائب ونصف شعبان بدعة قبيحة. ولا تجوز ولا تصح صلاة بنيّة مخترعة كنية الاستعاذة من الشرور أو استخارة مطلقة، نعم إن نوى مطلق
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. كما في الإمداد.
(3)
. خلافا للنهاية إن جلس متمكناً.
(4)
. كما في الإمداد.
(5)
. بشرط أن لا يطول عرفا كما مر.
وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ. وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ المُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ.
وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً، لَكِنِ الْأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ
الصلاة ثمّ دعا بعدها بما يتضمّن نحو استعاذة لم يكن بذلك بأس
(1)
. (ويدخل وقت الرواتب قبل الفرض بدخول وقت الفرض وبعده بفعله) كالوتر (ويخرج النوعان بخروج وقت الفرض)؛ لأنهما تابعان له، نعم يفوت وقت اختيار القبلية بفعل الفرض، وإذا لم يصلّ الفرض تكون البعدية قضاء لم يدخل وقت أدائه ومع ذلك لا يقضيها حتى يقضي الفرض
(2)
، وقوله ((الفرض)) يتناول المجموعة تقديما؛ لأن الجمع يُصَيِّر الوقتين كالوقت الواحد، وتفوت سنة الوضوء بطول الفصل عرفا. ولو اقتصر على بعض النفل المؤقت كالضحى سنّ له قضاء الباقي، (ولو فات النفل المؤقت) كالعيد والرواتب (ندب قضاؤه في الأظهر)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((قضى سنة الصبح
(3)
وغيرها، وخرج بالمؤقت ذو السبب
(4)
كالكسوف والاستسقاء والتحية فلا مدخل للقضاء فيه، نعم لو قطع نفلا مطلقا سن قضاؤه، أما وِرْدُهُ من النفل المطلق فيسن قطعا.
(وقسم يسن جماعة كالعيد
(5)
والكسوف والاستسقاء، وهو أفضل مما لا يسن جماعة)؛ لأن مطلوبيتها تدل على مشابهة الفرض، والمراد تفضيل الجنس على الجنس من غير نظر لعدد (لكن الأصح تفضيل الراتبة على التراويح)؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم على تلك دون هذه، وترتيب النوافل أفضليةً هكذا أفضلها العيدان النحر فالفطر فالكسوفان الكسوف فالخسوف فالاستسقاء فالوتر فركعتا الفجر فبقية الرواتب فالتراويح فالضحى فما تعلق
(1)
. ذكر الشارح قبيل الاستسقاء ندب أن يصلي ركعتين عند نحو زلزال وصواعق منفردا.
(2)
. ذكره الشارح في الوتر.
(3)
. ذكره الشارح في الوتر أيضا.
(4)
. عبر الشارح في بعض المواضع بالسبب العارض 2/ 216.
(5)
. ويأتي في العيد أنه يكره تعدد جماعتها بلا حاجة وللإمام المنع منه 3/ 40.
وَأَنَّ الجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ. وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ المُطْلَقِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا وَإِلَّا فَتَبْطُلُ ....
بفعل كسنة طواف؛ للخلاف في وجوبها، فتحية؛ لتحقق سببها، فإحرام فسنة وضوء، فما تعلق بغير سبب من المصلي كسنّة الزوال
(1)
فالنفل المطلق.
[تنبيه] قُدِّم الوتر على سنة الفجر؛ لقوة الخلاف في موجبه فروعي، ولا يترك الراجح عند معتقده لمراعاة مرجوح من مذهبه أو غيره إلا إن قوي مدركه بأن يقف الذهن عنده لا بأن تنهض حِجَّتُهُ ولم يؤدِّ لخرق إجماع وأمكن الجمع بينه وبين مذهبه.
(و) الأصح (أن الجماعة تسن في التراويح)؛ للاتباع وإجماع الصحابة وهي عشرون كما أطبقوا عليها في زمن عمر رضي الله عنه وكانوا يوترون عقبها بثلاث، ولأهل المدينة؛ لشرفهم بجواره صلى الله عليه وسلم ستّ وثلاثون؛ جبرا لهم في مقابلة طواف أهل مكة؛ لاشتهاره دون نكير فكان بمنزلة الإجماع السكوتي ولمَّا كان فيه ما فيه قال الشافعي رضي الله عنه ((العشرون لهم أحب إليّ))، ويجب التسليم من كل ركعتين؛ لأنها أشبهت الفرض بطلب الجماعة فيها
(2)
، فإن زاد جاهلا صار نفلا مطلقا، وأن ينوي التراويح أو قيام رمضان
(3)
ووقتها كالوتر. (ولا حصر للنفل المطلق) وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب؛ لما صحّ ((أن الصلاة خير موضوع فاستكثر منها أو أقل)) فله صلاة ما شاء
(4)
ولو من غير عدد ولو ركعة بتشهد بلا كراهة، (فإن أحرم بأكثر من ركعة فله التشهد في كل ركعتين) أو ثلاث أو أربع بل (وفي كل ركعة)؛ لحل التطوع بها (قلت: الصحيح منعه في كل ركعة
(5)
والله اعلم)؛ لأنه لم يعهد له نظير أصلا، وله جمع عدد كثير بتشهد آخره، وحينئذ يقرأ السورة في الكل، وإلا ففيها قبل التشهد الأول، (وإذا نوى عددا) ومنه الركعة (فله أن يزيد) في غير ما مرّ في متيمم رأى الماء أثناءه (وينقص بشرط تغيير النية قبلها) أي الزيادة والنقص (وإلا فتبطل) إن تعمد؛ لعدم
(1)
. خلافا لهما فسنة الزوال عندهما مقدمة على سنة الصبح.
(2)
. كما ذكره الشارح في كلامه على الضحى 2/ 232.
(3)
. عندهما لابد أن يستحضر ((من)) التبعيضية خلافا لظاهر كلام الشارح.
(4)
. نعم يأتي في كتاب النفقات أن للزوج منعها من النفل وإن لم يرد الاستمتاع بها 8/ 331.
(5)
. عند الرملي يبطل بنية التشهد.
فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ. قُلْتُ: نَفْلُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ، ثُمَّ آخِرُهُ. وَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ، وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا. وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ، وَتَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
شمول النية، أما الساهي فيعود لما نوى ويسجد للسهو، (فلو نوى ركعتين فقام إلى الثالثة سهوا) ثم تذكر (فالأصح أنه يقعد ثمّ يقوم للزيادة إن شاء) ويسجد للسهو آخر صلاته؛ لأن تعمد القيام مبطل، وإن لم يشاء قعد ثمّ تشهد ثمّ سجد للسهو ثمّ سلم، وإذا أراد الزيادة بعد تذكره ولم يصر للقيام أقرب لزمه العود للقعود؛ لعدم الاعتداد بحركته هو فلا يجوز البناء عليها.
(قلت: نفل الليل) أي النفل المطلق فيه (أفضل) منه نهارا؛ وصح ((أنه أفضل الصلاة بعد الفريضة))، (وأوسطه أفضل) إذا قُسِّم أثلاثا؛ لأن الغفلة فيه أتم، وأفضل منه السدس الرابع والخامس؛ للخبر المتفق عليه ((أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)) (ثمّ آخره) -أي نصفه الآخر إن قُسِّم نصفين أو ثلثه الآخر إن قسّم أثلاثا-؛ لحديث ((ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير .. )) الحديث، (و) الأفضل للمتنفل ليلاً أو نهاراً (أن يسلم من كل ركعتين) -نواهما أو أطلق-؛ لخبر ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى))، أما إن نوى أكثر من ركعتين فالأولى أن يبقى على منويه. (ويسن التهجد) إجماعا وهو التنفل ليلا بعد نوم، ويسن للمتهجد نوم القيلولة قبيل الزوال، (ويكره قيام) أي سهر (كل الليل) ولو في عبادة (دائما)؛ للنهي عنه في الخبر المتفق عليه ولأن شأنه الضرر، ومن ثم كره قيام مضر ولو في بعض الليل. وخرج بدائما ليالٍ كاملة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في العَشْر الأخير من رمضان، وإنما لم يكره صوم الدهر؛ لأنه يستوفي في الليل ما فاته وهنا لا يمكنه نوم النهار؛ لتعطل ضرورياته به (وتخصيص ليلة الجمعة بقيام) أي صلاة؛ للنهي عنه، وتزول الكراهة بضم ليلة قبلها أو بعدها، (وترك تهجد اعتاده) بلا ضرورة (والله أعلم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص ((لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه))، ومن المتأكد أن لا يجعل ليْلَهُ يخلو من صلاة بعد النوم، وأن يكثر فيه من الدعاء والاستغفار، ونصفه الأخير آكد، وأفضله عند السحر، وأن يوقظ مَن يطمع في تهجده حيث لا ضرر.
كتاب صلاة الجماعة
هِيَ فِي الْفَرَائِضِ غَيْرَ الجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ،
(كتاب صلاة الجماعة
(1)
(كتاب) ترجم بالكتاب؛ لأن الجماعة صفة زائدة على ماهية الصلاة (صلاة الجماعة) هي مشروعة بالكتاب؛ لأنه تعالى أمر بها في الخوف في سورة النساء ففي الأمن أولى وبالسنة والإجماع، وأقلها إمام ومأموم. (هي في الفرائض) أي المكتوبات (غيرَ الجمعة سنة مؤكدة)؛ لخبر ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ
(2)
بسبع وعشرين درجة
(3)
والأفضلية تقتضي الندبية فقط، و ليس المعنى أنها مرّة في جماعة أفضل منها بسبع وعشرين مرّة وحده؛ لأن إعادة الصلاة مع الانفراد لغير وقوع خلل في صحّتها لا يجوز فلا تنعقد. وخرجت بالمكتوبات المنذورة؛ لأن الجماعة من شعار المكتوبة، والكلام في منذورة لا تسن الجماعة فيها قبل وإلا كالعيد فتسن لا للنذر، وفيما لم تنذر الجماعة وإلا وجبت الجماعة بالنذر، وخرجت أيضا النافلة ومرّ مشروعيتها في بعضها، (وقيل فرض كفاية للرجال) البالغين العقلاء الأحرار المستورين المقيمين في المؤداة فقط؛ لما صحّ أنه ((ما من ثلاثة في قرية ولا بدوٍ لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان)).
(1)
. تقدَّم في التيمم أنه لو تيقن الجماعة آخر الوقت فانتظارها أفضل أو ظنها فتعجيل الصلاة منفردا أفضل 1/ 334.
(2)
. الفذ هو الواحد، المصباح المنير.
(3)
. ورجح الشارح عند كلامه على السواك أن صلاة الجماعة بدون سواك أفضل من صلاة منفرد صلى بسواك، ومال إلى أن صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة وخمسا وعشرين درجة، ورجَّح أيضا أن الصلاة جماعة في مسجد العشيرة -وهو ما بإزاء الدور- تعدل اثنين وأربعين صلاة، وفي مسجد الجماعة وهو الجامع الأكثر جماعة غالبا تعدل اثنين وخمسين صلاة 1/ 217 ـ 219.
فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ قُوتِلُوا. وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَ فِي المَسْجِدِ لِغَيْرِ المَرْأَةِ أَفْضَلُ،
(فتجب) -؛ ليسقط الحرج عن الباقين- إقامتُها في كل مؤداة من الخمس بجماعة ذكور أحرار بالغين
(1)
بشرط كونها في محلّ الإقامة الذي تنعقد فيه الجمعة لو وجبت، فلا يعتد بها خارجه بحيث لا يظهر بها الشعار عرفاً فيه، وتعدد محالها (بحيث يظهر الشَّعار) -ولو ببادية- بحيث يكون كل من أهل محالها لو قصد من منزله محلا من محالها لا يشق عليه مشقّة ظاهرة، فيكفي (في القرية) الصغيرة التي فيها نحو ثلاثين رجلا إقامتها في محلٍّ، ولا بد من التعدد في الكبيرة -فالمدار على كثرة وقلّة الجماعة لا على اتساع الخطّة وضيقها- فلو عَدَّدَ الجماعة بعض المقيمين دون جمهورهم وظهر بهم الشعار كفى، ولو قلَّ عدد سكان قرية بحيث لو أظهروها لم يظهر بهم الشعار فالأوجه لزومها؛ لأن الشعار أمر نسبي، ولا تكفي في البيوت إلا إن فتحت أبوابها بحيث صار لا يُحْتَشَم من دخولها، وتكفي في الأسواق إن كانت كذلك وإلا فلا؛ لأن لأكثر الناس مروآت تأبى دخول بيوت الناس والأسواق، (فإن) لم يظهر الشعار بأن (امتنعوا كلهم) أو بعضهم كأهل محلّة من قرية كبيرة ولم يظهر الشعار إلا بهم (قوتلوا) من قِبَل الإمام أو نائبه، وعلى أنها سنة لا يقاتلون، ثمّ أنه لا يفاجئهم بالقتل بل حتى يأمرهم فيمتنعوا من غير تأويل، (ولا يتأكد الندب للنساء تأكده للرجال)؛ بناء على أنها سنة (في الأصح)؛ لخشية المفسدة، فيكره تركها لهم لا لهنّ، (قلت: الأصح المنصوص أنها فرض كفاية)؛ للخبر السابق، والأفضلية التي في الخبر قبله محمولة على من صلَّى منفردا لقيام غيره بها أو لعذر كمرض، ولا تجب إن اختل شرط مما مر كأن تمحضوا أرقّاء، بل قد تسن وقد لا تسن لامرأة وخنثى ولمن فيه رق ولعراة عُمْيٍ أو في ظلمة -وإلا فهي لهم مباحة- ولمسافرين ولمصلين مقضيةً اتحدت، ولمميز نعم يلزم وليه أمره بها؛ ليتعودها إذا كمل (وقيل) فرض (عين والله اعلم)؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم همّ بإحراق من لا يشهد الصلاة معه. (وفي المسجد لغير المرأة) والخنثى (أفضل)؛ لخبر ((أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة))، نعم إن وجدت في بيته فقط أو تعطلت جماعة
(1)
. ظاهره ولو مسافرين خلافا للشهاب وابنه.
وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ إلَّا لِبِدْعَةِ إِمَامِهِ إلَّا لِبِدْعَةِ إِمَامِهِ،
بيته بذهابه كانت إقامتها في بيته أفضل، ولو كانت فيه أكثر منها في المسجد فالأفضل المسجد؛ لاعتناء الشارع بإحيائه، أما المرأة ففي بيتها أفضل ففي الخبر ((لا تمنعوا نسائكم المساجد، وبيوتهنّ خير لهن))
(1)
، ومع ذلك فلا تمنع من المسجد إن كانت غير مشتهاة مبتذلة، ويكره لها الحضور إن كانت تشتهى ولو في ثياب رثّة أوْ لا تشتهى وبها شيء من الزينة أو الطيب، وللإمام أو نائبه منعهن حينئذٍ كما أن له منع من أكل ذا ريح كريه من دخول المسجد، ويحرم عليهن بغير إذن وليّ أو حليل أو سيّد أو هما في أمة متزوجة، ومع خشية فتنة منها أو عليها، وللإذن لها في الخروج حكمه، ومثلها في كل ذلك الخنثى.
[تنيبه] تكره إقامة جماعة بمسجد غير مطروق له إمام راتب بغير إذنه قبله أو معه أو بعده
. ولو غاب الراتب انتظر ندبا، ثُمَّ إن أرادوا فضل أوّل الوقت أمَّ غيرُهُ وإن لم يريدوا ذلك انتظر إلا إن خافوا فوت الوقت كلّه، ومحلّ ذلك حيث لا فتنة وإلا صلوا فرادى، والجماعة في الجمعة ثمّ في صبحها ثمّ في صبح غيرها ثمّ في العشاء ثمّ في العصر ثمّ في الظهر ثمّ في المغرب أفضل.
(وما كَثُر جمعه) من المساجد أو غيرها
(2)
(أفضل)؛ للخبر الصحيح ((وما كان أكثر فهو أحبّ إلى الله تعالى))، نعم الجماعة وإن قلّت في المساجد الثلاثة أفضل منها في غيرها بخلاف الانفراد
(3)
، وتقدم تفضيلها وإن قلّت في المسجد على البيت (إلا لـ) مقتضٍ كراهة الاقتداء به كـ (بدعة إمامه) الغير مكفرّة أو فسقه ولو بمجرد التهمة التي فيها نوع قوّة أو غيرهما.
(1)
. والنهي عن المنع محمول على التنزيه عند الشارح خلافا للمغني عبارته ((ويكره لذوات الهيئات حضور المسجد مع الرجال ويكره للزوج، والسيد، والولي تمكينهن منه؛ لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدثت النساء لمنعهن المسجد ولخوف الفتنة، أما غيرهن فلا يكره لهن ذلك، ويندب لمن ذكر إذا استأذنه أن يأذن لهن إذا أمن الفتنة؛ لخبر مسلم {إذَا اسْتَأْذَنَتْكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ}، فإن لم يكن لهن زوج أو سيد أو ولي ووجدت شروط الحضور حرم المنع)).
(2)
. قضيته أن كثير الجمع في البيت أفضل من قليله في المسجد والمعتمد عكسه كما تقدم.
(3)
. خلافا لهما.
أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبٍ لِغَيْبَتِهِ. وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَضِيلَةٌ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إِمَامِهِ، وَقِيلَ بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ، وَقِيلَ أَوَّلَ رُكُوعٍ، وَالصَّحِيحُ إدْرَاكُ الجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ
والانفراد أفضل من جماعته
(1)
، وكذا لو كان لا يعتقد وجوب بعض الأركان أو الشروط وإن أتى بها؛ لأنه يقصد بها النفلية وهو مبطل عندنا، وإنما جوّزت الصلاة معه؛ رعاية للمصلحة لكي لا تتعطل الجماعات. ولو تعذرت إلا خلف من يكره الإقتداء به لم تنتف الكراهة
(2)
، بل كل ما وقع الاختلاف في الإبطال به من حيث الجماعة يقتضي الكراهة من تلك الحيثية (أو) كون القليلة بمسجد متيقن حلّ أرضه ومال بانيه، أو إمامه يبادر بالصلاة أوّل الوقت أو يطيل القراءة حتى يدرك بطيء القراءة الفاتحة والكثيرة بغير ذلك، أو (تعطل مسجد قريب) أو بعيد (لغيبته)؛ لكونه إمامه أو يحضره الناس بحضوره فقليل الجمع في ذلك أفضل من كثيره بخلاف انفراده فيه. ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى؛ لأن فرض الكفاية أولى من السنة، ومحلّه فيمن تَوَهَّمَ فواته بها من حيث إيثاره العزلة فأمر بها؛ لحديث ((إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))، أما لو كان مانع الخشوع ظاهر كما لو كان ذا جوع أو عطش فيقدم دفع ذلك على الجماعة. (وإدراك تكبيرة الإحرام فضيلة)؛ لكونها صفوة الصلاة كما ورد، (وإنما تحصل) بحضور تكبيرة الإمام و (بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه) فإن لم يحضرها أو تراخى فاتته، نعم يغتفر له وسوسة خفيفة (وقيل بإدراك بعض القيام، وقيل أوّل ركوع) -أي بالركوع الأول- ومحلّهما إن لم يَحْضُر إحرام الإمام وإلا فاتته عليهما أيضاً، (والصحيح إدراك) أصل ثواب الجماعة، أما كماله فيحصله بإدراك جميعها (الجماعة
(3)
في غير الجمعة، نعم يحصل له فضل الجماعة في ظهره إن أدرك ما بعد ركوع الجمعة الثاني (ما لم يسلم) الإمام أي ينطق بالميم من عليكم
(4)
، وكذا بقوله ((السلام)) إن نوى معه الخروج من الصلاة
(5)
، فمتى أدركه
(1)
. وفاقا لشرح المنهج وخلافا للنهاية وظاهر المغني وبه أفتى الشهاب الرملي.
(2)
. يجري فيه الخلاف السابق.
(3)
. اعتمد الشهاب الرملي عدم صحة الاقتداء إن شرع الإمام في السلام ووافقه النهاية.
(4)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(5)
. كما رجحه الشارح في سجود السهو 2/ 193.
وَلْيُخَفِّفِ الْإِمَامُ مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ. وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ،
قبله أدركها وإن لم يجلس معه؛ لإدراكه معه ما يعتدَّ له به من النية وتكبيرة الإحرام فلو لم يحصلها به؛ لأبطل الصلاة لأنه زيادة بلا فائدة، ومن أدرك جزأً من أولها ثمّ فارق بعذر أو خرج الإمام بنحو حدث حصل له أصل الثواب لا كماله. ولو أمكنه إدراك بعض جماعة ورجا إدراك جميع أخرى فالأفضل الانتظار ومحلّه ما لم تفت بانتظارهم فضيلة أول الوقت أو وقت الاختيار. (وليخفف) ندباً (الإمام) جميعَ ما يأتي به بأن يقتصر على أدنى الكمال (مع فعل الأبعاض والهيئات)؛ لخبر ((إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف)) (إلا أن يرضى) الجميع
(1)
(بتطويله) باللفظ لا بالسكوت
(2)
، وهم (محصورون) بمسجد غير مطروق لم يطرأ غيرهم و لا تعلق بعينهم حقّ كأجراء عين على عمل ناجز وأرقاء ومتزوجات فيندب له التطويل إلا إن انتفى شرط فيكره وإن أذن من له الحق كالمُؤجِّر في الجماعة؛ لأن الإذن فيها لا يستلزم الإذن في التطويل (ويكره) للإمام (التطويل) وإن كان (ليلحقـ) ـه (آخرون)؛ لإضراره بالحاضرين.
(1)
. فلو لم يرض واحد لعذر مثلا روعي خلافا للنهاية والمغني.
(2)
. خلافا للنهاية فيكفي السكوت مع علمه برضاهم.
وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ أَوِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِدَاخِلٍ لَمْ يُكْرَهِ انْتِظَارُهُ فِي الْأَظْهَرِ إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ وَلَمْ يَفْرُقْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ. قُلْتُ: المَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا
(ولو أحسَّ) الإمام، أما منفرد أحس بداخل يريد الإقتداء به أو إمام محصورين بشرطهم فينتظر
(1)
ولو مع نحو التطويل؛ إذ لا ضرر بتطويله، نعم لا بد أن يسوي بينهم في الانتظار لله أيضا (في الركوع) الذي تدرك به الركعة (أو التشهد الأخير بداخل) يريد الاقتداء به (لم يكره انتظاره في الأظهر)؛ لعذر الإمام بقصد إدراك المأموم الركعة أو الجماعة، وخرج بفرضه الكلام في انتظاره في الصلاة انتظاره قبلها -بأن أقيمت- فإن الانتظار حينئذ حرام
(2)
(إن لم يبالغ فيه) وإلا بأن كان لو وُزِّع على جميع أفعال الصلاة لظهر له أثر محسوس في كلٍّ على انفراده كره، ولو لحق آخر في ذلك الركوع أو ركوع آخر وكان انتظاره وحده لا مبالغة فيه بل مع ضمه للأول كره أيضا
(3)
(ولم يفرُق) لنحو صداقة بل ينتظر لله، فإن ميّز بعضهم ولو لنحو علم أو انتظرهم كلهم لا لله بل للتودد إليهم كره (بين الداخلين) أما قبل الشروع في الدخول فلا ينتظر
(4)
؛ لعدم الثبوت في حقّه (قلت: المذهب استحباب انتظاره) بالشروط السابقة وإن لم تغن صلاة المأمومين عن القضاء أو كانوا غير محصورين (والله أعلم)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر ما دام يسمع وقع نعل، نعم إن كان الداخل يعتاد البطء وتأخير الإحرام إلى الركوع سن عدمه؛ زجرا له، أو خشي خروج الوقت بانتظاره حرم في الجمعة وكذا في غيرها إن كان شرع وقد بقي ما لا يسعها؛ لامتناع المد حينئذ، أو كان لا يعتقد إدراك الركعة بالركوع كره انتظاره؛ إذ لا مصلحة للمأموم هنا كما لو أدركه في الركوع الثاني من الكسوف، (و لا ينتظر في غيرهما) فيكره؛ لعدم فائدته، نعم يستثنى انتظار الموافق المتخلف لإتمام الفاتحة في السجدة الأخيرة؛ لفوات ركعته بقيامه منها قبل ركوعه، أما بطي القراءة أو النهضة فإن ترتب على انتظاره إدراك سُنَّ وإلا فلا.
(1)
. خلافا للنهاية من عدم الانتظار مطلقا.
(2)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي فاعتمدوا الكراهة.
(3)
. خلافا للمغني.
(4)
. أي يكره له وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الْأَصَحِّ إعَادَتُهَا مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا،
[تنبيه] لو رأى مصلٍّ نحو حريق خفف، ويلزمه القطع إن أُنقذ به حيوان محترم، ويجوز لإنقاذ نحو مال محترم.
(ويسن للمصلي) فرضا مؤدىً -ولو مقصورة أعادها تامة سفراً أو بعد إقامته، ومغرباً على الجديد؛ لما مرّ أن وقتها يسع تكرارها، وجمعة حيث سافر لبلدة أخرى أو جاز تعددها، وفرضاً يجب قضاؤه كمقيم تيمم
(1)
وظهر معذور في الجمعة أو نفلا تسن فيه الجماعة ككسوف ووتر
(2)
رمضان- غير المنذورة؛ لأن الجماعة من شعار المكتوبة، وغير صلاة الخوف أو شدّته؛ لأن احتمال المبطل فيها للحاجة فلا يكرر، وغير صلاة الجنازة
(3)
، نعم إن أعادها وقعت نفلا وصحّت؛ لشدّة احتياج الميت للثواب (وحده، وكذا) مع (جماعة في الأصح إعادتها) مرّة فقط، فلا تنعقد الإعادة الثانية، والإعادة: ما فعل لخلل أو عذر كالثواب (مع) واحد أو مع (جماعة
(4)
-ولو ركعة من الجمعة المعادة لا أقل، ودون ركعة
(5)
في غير الجمعة إن كان أدركه من آخر صلاة الإمام، وكذا إن أدرك أول صلاة الإمام ثم فارق بعذر أو بغير عذر- ويشترط لها نية الإمامة لكي تنعقد جماعة
(6)
(يدركها) في الوقت ولو ركعة أو في وقت الكراهة؛ لما رُوي أن رجلا دخل بعد صلاة العصر فقال صلى الله عليه وسلم ((مَن يتصدق على هذا فيصلي معه فصلى معه رجل))، وفيه أيضا ندب شفاعة من لم يرد الصلاة معه إلى من يصلي معه، وندب صلاة من صلى مع الداخل، ومحلّه إن اعتقد المنفرد جوازها أو ندبها وإلا لم تنعقد، ثمّ إنه إنما تسن إعادتها جماعة إن لم يوجد في الثانية مكروه من حيث الجماعة كفسق الإمام وغيره مما يمنع فضلها، ومنه ما إذا كانوا بمسجد تكره فيه الجماعة كأن كان مطروقا وله إمام راتب لم يأذن بها، فلا تسن إذا كان الانفراد أفضل، ولو أعادها نحو العراة فإن سنّت لهم الجماعة فذاك وإلا لم تنعقد.
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للأسنى والمغني.
(2)
. هذه من المسائل الضعيفة في التحفة، واعتمد الرملي عدم الانعقاد؛ للنهي المشهور.
(3)
. لأنها لا يتنفل بها.
(4)
. نعم يندب إعادة كل صلاة وقع خلاف غير شاذ في صحتها ولو وحده كما يأتي.
(5)
. خلافا للشهاب الرملي إفتاءً من اشتراط وقوعها في جماعة من أولها إلى آخرها وكذا ابنه في النهاية.
(6)
. انظر.
وَفَرْضُهُ الْأُولَى فِي الجَدِيدِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ. وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا، وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ إلَّا لِعُذْرٍ عَامٍّ كَمَطَرٍ أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ بِاللَّيْلِ،
[تنبيه] الأبحاث المتقدمة متوجهة على أن ملحظ ندب الإعادة رجاء الثواب، أي أنه لا تندب الإعادة بل لا تجوز للمنفرد وغيره إلا إذا كانت الجماعة التي يعيد معها فيها ثواب من حيث الجماعة
(1)
بخلاف الجمعة فيكتفي فيها بصورة الجماعة وإن كرهت، ثُمّ إن العبرة بحصول الثواب في الجماعة بوقت التحرم وإن انتفى بعدُ لنحو انفراد عن الصف أو مقارنة أفعال الإمام
(2)
. ومرّ في التيمم أنه لو صلى به ولم يرج الماء ثمّ وجده لم تسن له الإعادة وهو لا ينافي ندب إعادتها جماعة؛ لأن محلّ الأول في الإعادة منفردا لأجل الماء فقط، (وفرضه الأولى) ولو غير مغنية عن القضاء ص
(3)
(في الجديد)؛ لسقوط الطلب بها، (والأصح أنه ينوي بالثانية الفرض) صورةً -حتى لا يكون نفلا مبتدأ- أو ينوي ما هو فرض على المكلف في الجملة
(4)
؛ لأن حقيقة الإعادة الإتيان بالشيء ثانيا بصفته الأولى، أما إذا نوى حقيقة الفرض فتبطل؛ لتلاعبه. ولو بان فساد الأولى لم تجزئه الثانية؛ لأنه ينوي بها غير حقيقة الفرض، ولذا لو نسي فعل الأولى فصلى مع جماعة ثمّ بان فساد الأولى أجزأته عن الثانية.
[تنبيه]؛ لأنها على صورة الفرض وجب فيها النية والقيام وحرم قطعها، ولم تعط جميع أحكامه فيجوز جمعها مع الأصلية بتيمم واحد. (و لا رخصة في تركها وإن قلنا سنة)؛ لتأكدها
(5)
(إلا لعذر
(6)
؛ لما صحّ أنه ((مَن سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له -أي كاملة- إلا من عذر))، فإن وجد فلا كراهة، وعلى القول بأنها فرض فلا حرمة، وتجب على القول بالسنية بأمر الإمام إلا مع عذر (عام) تأذى به (كمطر) وثلج يبلّ ثوبه وبَرَد ليلا أو نهارا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((أمر بالصلاة في الرحال يوم مطر))، أما إذا لم يتأذَّ بذلك لخفّته أو كِنٍّ فلا يكون عذرا (أو ريح عاصف) -أي شديد- أو بارد أو ظلمة شديدة (بالليل) أو بعد الصبح
(1)
. خالفاه فاعتمدا بحث ندب الإعادة مع المنفرد والاقتداء به وإن كره.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. خلافا لهما فاعتمدا أنه إنما يكون الأولى إذا أغنت عن القضاء وإلا ففرضه الثانية المغنية عنه.
(4)
. ولذا صح جمعها بتيمم واحد كما ذكره الشارح في التيمم 1/ 371.
(5)
. ولذا يقطع الطواف من أجلها إن كانت جماعة فرض كما يأتي الحج 4/ 60.
(6)
. ويلحق بالعذر الموجود في ابتداء الصلاة العذر الذي يطرأ أثنائها مما يأتي في فصل زوال القدوة 2/ 357.
وَكَذَا وَحَلٌّ شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ خَاصٍّ كَمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ، وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ، وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ، وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ،
إلى الشمس
(1)
؛ لعظم مشقتها فيه دون النهار (وكذا وَحَل شديد) ليلاً أو نهاراً (على الصحيح) أي يخاف معه التلوث أو الزلق والشدة ليست بقيد
(2)
(أو خاص كمرض) مشقته كمشقة المشي في المطر وإن لم يسقط القيام في الفرض؛ للاتباع، ونحو أبرص وأجذم بل يمنع من مخالطة الناس؛ للتأذي به (وحرّ) -من غير سموم- بوقت الظهر
(3)
وإن وجد ظلا (وبرد) ليلاً أو نهاراً (شديدين)؛ كالمطر، ومثله حرّ نشأ من السموم -وهي الريح الحارة- لكنه عذر ليلاً ونهاراً، و لا فرق بين إلفهما أوْ لا؛ لأن المدار على ما به المشقة، وعدُّ المتنِ للحَر والبرد من الأعذار الخاصة صحيح؛ لأن الشدة قد تختص بالمصلي باعتبار طبعه كأن يكون ضعيف الخلقة، ويصح عدها من الأعذار العامة وهو واضح، (وجوع وعطش ظاهرين) أي شديدين بأن اختل أصل خشوعه؛ لكراهة الصلاة في كل حال يسوء فيه خلقه، نعم لو لم يختل خشوعه إلا بحضرة مأكول أو قرب حضوره أشترط حضور أو قرب ذلك لاعتباره عذراً، فإذا حضر الطعام أكل لقماً يكسر بها حِدَّة جوعه إلا أن يكون مما يستوفى دفعة كلبن
(4)
.
[تنبيه] متى لم تطلب الصلاة فالجماعة أولى
، وعليه فكل ما اقتضى كراهة الصلاة عذر هنا كالأعذار التي يسيء فيها الخلق كشدة الغضب، (ومدافعة حدث
(5)
؛ لكراهة الصلاة حينئذٍ، ومحلّه إن كان لو قدّمه أدرك الصلاة كاملة في الوقت وإلا حرم ما لم يخش مبيح تيمم فلا من مدافعته، (وخوف ظالم) أما خوف غير ظالم كذي حقّ واجب فورا فيلزمه الحضور وتوفيته (على) معصوم من عرض أو (نفس أو مال) أو اختصاص له أو لغيره وإن لم يلزمه الذب عنه
(6)
، ومنه خوف على نحو خبز في تنور إن لم يقصد بذلك إسقاط الجماعة وإلا لم يعذر، ومع ذلك لو خشي تلفه سقطت عنه؛ للنهي عن إضاعة المال، ويعذر إن لم يقصد إسقاطها
(1)
. كما في الإمداد.
(2)
. كما في الإمداد خلافا للمنهج.
(3)
. اعتمدا الإطلاق، كالشيخ زكريا في شرح المنهج.
(4)
. لكن اعتمد الشارح في مكروهات الصلاة أنه يأكل مقدار حاجته مطلقا 2/ 163.
(5)
. وليس من أعذراها إرادة الدخول للحمام ولو للتنظيف كما أفاده الشارح في كتاب اللعان 7/ 224.
(6)
. وفاقا للنهاية وخلافا لشرح المنهج والخطيب.
وَمُلَازَمَةِ غَرِيمِ مُعْسِرٍ، وَعُقُوبَةٍ يُرْجَى تَرْكُهَا، إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا، وَعُرْيٍ وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ، وَحُضُورِ قَرِيبٍ مُحْتَضِرٍ أَوْ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ، أَوْ يَأْنَسُ بِهِ
وإن علم نضجه بعد فوتها بشرط أن يحتاج إليه ويخشى تلفه لو لم يخبزه، ومنه أيضا خوفه عدم إنبات بذره أو ضعفه أو أكل نحو جراد له أو فوات نحو المغصوب، أما تحصيل تملك المال فإن احتاج إليه حالاً عذر وإلا فلا، (وملازمة) أو حبس (غريمِ) أو وكيله (معسرٍ) إن عجز عن إثبات إعساره أو عسر عليه وإلا فلا عذر كما لو كانت له به بينة وهناك حاكم يقبلها قبل أن يحسبه وكما لو قبلت دعوى الإعسار بيمينه وذلك كما في الصداق ودين الإتلاف، (وعقوبة) تقبل العفو كقود وتعزير (يُرجى تركها) ولو على بُعْد ولو بمال (إن تغيَّب أيّاما) أي زمنا يسكن فيه غضب المستحق بخلاف إن علم بقرائن عدم العفو، (وعُري) بل إن فقد أيَّ لباس مخلّ بمروءته؛ للمشقة، (وتأهب لسفر) مباح (مع رفقة ترحل) بحيث لو تخلف للجماعة لاستوحش، (وأكل ذي ريح كريه) لمن يظهر منه ريحه كثوم وبصل وكراث وفجل لم تسهل إزالته -وإلا فلا يعذر به وتسن إزالته- ولو مطبوخا
(1)
بقي ريحه المؤذي وإن قلّ؛ لنهي من أكل ذلك عن دخول المسجد، ويكره له ولو لعذر الاجتماع بالناس، أما دخول المسجد لغير ضرورة فيعذر إن أكله لعذر وإلا فلا ولو كان خاليا، وأما نفس الأكل فيكره فقط إن عزم على دخول مسجد أو اجتماع بالناس، ويعذر أيضا كل ذي ريح كريه من بدنه كبخر
(2)
أو مماسه. ولو أكل مما مرّ بقصد إسقاطها أثم بعدم الحضور لوجوبه عليه حينئذ ولو مع الريح المنتن لكن يسن له السعي في إزالته ما أمكن
(3)
، (وحضور قريب) أو نحو صديق أو أستاذ (محتضر) وإن كان له متعهد؛ لأنه يشق عليه فراقه فيتشوش خشوعه (أو) قريب أو أجنبي (مريض بلا متعهد) أو له متعهد شُغل بنحو شراء الأدوية (أو) حضور قريب أو نحوه ممن مر له متعهد لكن (يأنس به)؛ لأن أنسه أهمّ من الجماعة، ومن أعذراها نحو زلزلة وغلبة نعاس
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمعني وشرح المنهج.
(2)
. شرح بافضل.
(3)
. تحفة 2/ 273.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وسِمَن مفرط؛ لخبر صحيح فيه، وليالي زفاف في المغرب والعشاء
(1)
، وسعي في استرداد مال يرجو حصوله، وعمى حيث لم يجد قائدا بأجرة مثل وجدها فاضلة عمّا يعتبر في الفطرة ولا أثر لإحسانه المشي بالعصا؛ إذ قد تحدث وهدة يقع فيها.
[تنبيه] هذه الأعذار تمنع الإثم أو الكراهة ولا تحصل فضيلة الجماعة
(2)
-أي يحاكي فضيلتها- واختير حصولها لملازمها وآخرون إن قصدها لولا العذر
(3)
وأوجه منهما حصولها لمن جمع الأمرين، ثمّ إنه إنما يسقط طلب الجماعة إن لم يتأت إقامتها في البيت وإلا فلا.
(1)
. قال الشارح في كتاب القسم والنشوز وتجب التسوية بينهن في الخروج لنحو جماعة فإن خصَّ به ليلة واحدة منهن حرم 7/ 445.
(2)
. قال الشارح في الجنائز إنه المقرر في المذهب، ثم حمله على أنه لا يحصل ثواب الفعل بكماله؛ ضرورة التفاوت بين الفاعل حقيقة وغيره 3/ 178.
(3)
. اعتمده الخطيب.
فصل
لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ إِنَاءَيْنِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ إِنَاءِ غَيْرِهِ اقْتَدَى بِهِ قَطْعًا، وَلَوِ اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ فِيهَا نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إِنَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَأَمَّ كُلٌّ فِي صَلَاةٍ فَفِي الْأَصَحِّ يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ إلَّا إِمَامَهَا فَيُعِيدُ المَغْرِبَ. وَلَوِ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ أَوِ افْتَصَدَ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْفَصْدِ دُونَ المَسِّ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ المُقْتَدِي
(فصل) في صفات الأئمة
(لا يصح إقتداؤه بمن يعلم بطلان صلاته، أو يعتقده) كأن يظنه ظناً غالباً (كمجتهدين اختلفا) اجتهاداً (في القبلة) ولو بالتيامن والتياسر وإن اتحدت الجهة (أو إناءين) في أحدهما ماء طاهر والآخر ماء نجس، (فإن تعدد الطاهر) ولم يظن من حال غيره شيئا (فالأصح الصحة) لكن مع الكراهة المفوتة لفضيلة الجماعة (ما لم يتعين إناء الإمام للنجاسة، فإن ظنّ طهارة إناء غيره) كإنائه (اقتدى به قطعا)؛ إذ لا تردد أو نجاسته امتنع قطعاً. (ولو اشتبه خمسة فيها نجس على خمسة) واجتهدوا (فظنّ كلٌّ طهارة إناءٍ فتوضأ به) ولم يظنّ شيئا من أحوال الأربعة (وأمّ كلٌّ) الباقين (في صلاة) مبتدئين بالصبح (ففي الأصح يعيدون العشاء)؛ لتعين النجاسة بزعمهم في إناء إمامها (إلا إمامها فيعيد المغرب)؛ لصحة ما قبلها بزعمه وهو متطهر بزعمه في العشاء فتعين إمام المغرب للنجاسة، والضابط أن كلا يعيد ما ائتم فيه آخرا، ولو كان في الخمسة نَجِسَان صحت صلاة كلٍّ خلف اثنين فقط، ولو سمع صوتَ حدث أو شمّه بين خمسة وتناكروه وأمّ كلّ في صلاة فكما ذكر.
[تنبيه] يؤخذ من لزوم الإعادة أنه يحرم عليهم فعل العشاء خلف إمامها
، ويحرم على إمام العشاء فعل المغرب. (ولو اقتدى شافعي بحنفي) مثلا أتى بمبطل في اعتقادنا أو اعتقاده كأن (مس فرجه أو افتصد فالأصح الصحة في الفصد) ولو كان الإمام ذاكرا حال نيته أنه افتصد
(1)
(دون المس اعتبار بنية المقتدي)، وإنما صحّت في الثانية؛ لأن المدار على وجود صورة صلاة صحيحة عندنا وللحاجة
(1)
. خلافا لهما.
وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ. وَلَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ، وَلَا قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الجَدِيدِ،
للجماعة اغتفر اعتقاد المخالف مبطلا عندنا كاعتقاده عدم وجوب بعض الأركان، واغتفر أيضا إتيانه بمبطل عنده وإن تعمده. أما لو علم المأموم إتيان الإمام بمبطل عنده -أي المأموم- بطلت كما مر، نعم محلّه في مبطل لا يغتفر جنسه في الصلاة
(1)
أما هو فلا يضرّ إتيان المخالف به كأن سجد إمامه المخالف سجدة شكر
(2)
فلا تبطل صلاة المأموم بها وإن لم تجز متابعته، أما الواجبات فلا يضر اعتقاد الإمام عدم وجوب بعض الأركان، ولو شكّ شافعي في إتيان المخالف بالواجبات عند المأموم لم يؤثر؛ تحسينا للظن به في توقي الخلاف، أما لو علم فتبطل كما مرّ إلا إن يكون ذا ولاية
(3)
؛ خوفا من الفتنة فتصح بلا إعادة، والأولى له أن يوافقه في الأفعال مع عدم الإقتداء به. (ولا تصح قدوة بمقتدٍ) -إجماعا- ولو احتمالا، ولو كان الشكّ بعد السلام كما مرّ، وإن بان إماما، ولا يفيد الاجتهاد هنا
(4)
؛ إذ لا علامة هنا؛ لتعذر معرفة النية. وخرج بمقتد ما لو انقطعت القدوة كأن سلم الإمام فقام مسبوق فاقتدى به آخر أو مسبوقون فاقتدى بعضهم ببعض فتصح -في غير الجمعة في الثانية على المعتمد- لكن مع الكراهة
(5)
، (ولا بمن تلزمه إعادة) وإن اقتدى به مثله (كمقيم تيمم)؛ لنقص صلاته، (ولا قارئ بأميّ في الجديد) وإن لم يمكنه التعلم ولا علم بحاله؛ لأنه لا يتحمل القراءة عنه، ويصح إقتداؤه بمن يُجَوِّز كونه أميّا إلا إذا لم يجهر في جهرية فتلزمه مفارقته
(6)
فإن استمر
(1)
. وهو في سجدة الشكر مطلق السجود، نعم فارق الشارح في صلاة العيدين بين هذه وما لو اقتدى بحنفي والى التكبيرات والرفع فتبطل؛ لأن الشافعي وإن رأى جنس التكبير فلا يرى التوالي المبطل فيها.
(2)
. للشارح كلام في هذه المسألة هناك وفي الجمعة والحاصل أن العبرة بعقيدة الشافعي إماما كان أو مأموما.
(3)
. فتصح خلافا لهما.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. ظاهره كالنهاية أن الكراهة تعود إلى الصورتين وهو ما فهمه الكُردي بضم الكاف، أما ما فهمه الكَردي بفتح الكاف فهو تخصيص الكراهة بالصورة الثانية.
(6)
. خلافا لهما فعندهما أنه تلزم الإعادة مطلقا سواء عامداً أو جاهلاً.
وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَمِنْهُ أَرَتُّ يُدْغِمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَأَلْثَغُ يُبْدِلُ حَرْفًا، وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ، وَتُكْرَهُ بِالتَّمْتَامِ وَالْفَأْفَاءِ وَاللَّاحِنِ،
جهلا
(1)
بوجوب الإعادة حتى سلّم لزمته الإعادة ما لم يبن أنه قارئ، وعموماً فمتى تردد المأموم في مانع إقتداءٍ وقامت قرينة ظاهرة على وجوده لزمته المفارقة
(2)
.
[تنبيه] لزوم المفارقة هنا يشكل عليه ما مرّ من أن إمامه لو لحن لحنا مغيرّا في الفاتحة أنه لا تجب مفارقته بل ينتظره في القيام إلى أن يقوم من السجود؛ لجواز سهوه وهذا موجود هنا، وقد يجاب بحمل ذلك على ما إذا لم يُجَوِّز كونه أميّا وإلا لزمته كما هنا، (وهو من يخلّ بحرف أو تشديدة من الفاتحة) بأن لم يحسنه، ومثله من لا يحسن سبع آيات مع من لا يحسن إلا الذكر، وحافظ نصف الفاتحة الأول مع حافظ نصفها الثاني (ومنه أرت يدغم) بإبدال (في غير موضعه) فلا يضر إدغام فقط كتشديد لام مالك (وألثغ يبدل حرفا) كراءٍ بغين، نعم لا تضر لثغة يسيرة بأن لم تمنع أصل مخرجه وإن كان غير صافٍ (وتصحّ) قدوة أميّ وأخرس
(3)
(بمثله) بالنسبة للمعجوز عنه وإن لم يكن مثله في الإبدال كما إذا عجزا عن الراء وأبدلها أحدهما غينا والآخر لاماً بخلاف عاجز عن راء بعاجز عن سين وإن اتفقا في البدل؛ لإحسان أحدهما ما لا يحسنه الآخر (وتكره)؛ لنفرة الطبع منه، لكن مع الصحة؛ لعذره
(4)
مع إتيانه بأصل الحرف (بالتمتام) وهو من يكرر التاء (والفأفاء) والؤاواء كسائر الحروف (واللاحن) إن لم يتغيّر المعنى كفتح دال نعبد وإن أثم بتعمده.
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. يفهم من كلام الشارح هنا تأييد ذلك ولكن تبرأ منه في مبطلات الصلاة.
(3)
. خلافا للرملي في النهاية ووالده.
(4)
. يفهم منه أنه لو لم يعذر ضرَّ والظاهر خلافه كما أفاده الرملي.
فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنًى كَأَنْعَمْتُِ بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ، فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ وَإِلَّا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ. وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجُلٍ وَلَا خُنْثَى بِامْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى. وَتَصِحُّ لِلْمُتَوَضِّئِ بِالمُتَيَمِّمِ، وَبِمَاسِحِ الخُفِّ، وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ، وَالمُضْطَجِعِ. وَالْكَامِلِ بِالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ.
(فإن غيّر معنىً) ولو في غير الفاتحة وكاللحن هنا الإبدال -لكن لا يشترط فيه تغيير المعنى كما مر- (كأنعمتُِ بضمّ أو كسر) أو أبطله كالمستقين (أبطل صلاة من أمكنه التعلم) ولم يتعلم؛ لأنه ليس بقرآن، نعم إن ضاق الوقت صلَّى لحرمته وأعاد؛ لتقصيره، ولا يأتي بتلك الكلمة وإن تعمدها بطلت، ولا يُقتدى به في الحالين، (فإن عجز لسانه أو لم يمضِ زمن إمكان تعلمه) إن أسلم فمن حين إسلامه وغيره من التمييز إن بلغ سبعا كما مرّ؛ لأن الأركان والشروط لا فرق في اعتبارها في البالغ وغيره (فإن كان في الفاتحة) أو بدلها ولو الذِّكر متغيره في (فكأميّ وإلا فتصح صلاته والقدوة به) وكذا إن جهل التحريم وعُذِر أو نسي أنه لحن أو أنه في صلاة، فتغييره في غير الفاتحة وبدلها تبطل به صلاته إن قدر وعلم وتعمد؛ لأنه حينئذ كلام أجنبي بخلاف ما في الفاتحة أو بدلها؛ لأنه ركن فلا يسقط بنحو جهل أو نسيان، نعم إن تفطن للصواب بنى ولم تبطل صلاته، وحيث بطلت صلاته هنا يبطل الاقتداء به لكن للعالم بحاله، ويفرق بين اللاحن والأميّ حيث يبطل مطلقا بأن الأول يعسر الإطلاع على حاله قبل الاقتداء به. (ولا تصح قدوة رجل) ولو صبيا (ولا خنثى) مشكل (بامرأة ولا خنثى) مشكل إجماعا في الرجل بالمرأة، ولاحتمال أنوثة الإمام وذكورة المأموم في خنثى بخنثى وذكورة المأموم في خنثى بامرأة وأنوثة الإمام في رجل بخنثى، أما قدوة امرأة بامرأة أو خنثى أو رجل، وخنثى برجل، ورجل برجل فصحيحة فالصور تسع، ثُمّ إنه لو اتضح الخنثى بيقين فذاك أما لو اتضح بظنّ كقوله فيكره اقتداء رجل به ويكره له الاقتداء بالمرأة للشكّ. (وتصح للمتوضئ بالمتيمم
(1)
الذي لا يلزمه القضاء (وبماسح الخف وللقائم بالقاعد والمضطجع) والمستلقي ولو موميا ولأحدهم بالآخر؛ لكمال صلاتهم (والكامل) أي البالغ الحر (بالصبي) المميز مع الكراهة؛ لما صح أن عمرو بن سَلِمة رضي الله عنه كان يؤم قومه على عهده صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست أو سبع، نعم البالغ ولو مفضولا وقناً أولى منه؛ للخلاف في صحتها خلف الصبي، ومن ثم كرهت (والعبد) ولو صبيا؛
(1)
. وتصح القدوة خلف الجن كما يظهر من كلام الشارح في باب من يحرم من النكاح 7/ 297.
وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ. وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ، وَالطَّاهِرِ بِالمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ المُتَحَيِّرَةِ. وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ امْرَأَةً، أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا، قِيلَ أَوْ مُخْفِيًا وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ، لَا جُنُبًا، أوَ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ
لما صح أن عائشة كان يؤمها عبدها ذكوان، نعم الحر أولى منه إلا إن تميز بنحو فقه فيتساويان كما يأتي، والحر في صلاة الجنازة أولى مطلقا؛ لأن دعاءه أقرب للإجابة، وتكره إمامة الأقلف ولو بالغا (والأعمى والبصير سواء على النص)؛ لأن الأعمى أخشع والبصير على الخبث أحفظ، وهذا إذا اتحدا حرّية ورقاً مثلاً وإلا فحرٌّ أعمى أولى من قنٍّ بصير، (والأصح صحة قدوة) نحو (السليم بالسلس) ونحوه ممن لا تلزمه إعادة (والطاهر بالمستحاضة)؛ لكمال صلاة السلس والمستحاضة، ويصح قدوة مثلهما بهما جزماً (غير المتحيرة) فلا يصح ولو مع مثلها؛ لوجوب الإعادة عليها
(1)
(ولو بان إمامه) بعد الصلاة (امرأة) أو خنثى (أو كافرا معلنا) كذمي (قيل أو مخفيا) كزنديق (وجبت الإعادة)؛ لتقصيره؛ لأن أمارة المبطل ظاهرة كانتشار أمر الخنثى غالبا، ويقبل قوله في كفره؛ لقبول إخباره عن فعل نفسه، نعم لو أسلم الكافر ثمّ اقتُدي به وبعد فراغه قال:((لم أكن أسلمت حقيقة أو ارتددت)) لم يقبل قوله؛ لكفره بذلك القول فلا يقبل خبره، ويصح الاقتداء بمجهول الإسلام ما لم يبن خلافه ولو بقوله؛ لأن إقدامه على الصلاة أمارة إسلامه. ولو بان أنّ إمامه لم يكبر للإحرام بطلت؛ لأنها لا تخفى غالبا أو لم ينو فلا. ولو أحرم بإحرامه ثمّ كبر بنية ثانية سرّا بحيث لم يسمعه المأموم لم يضر في صحّة الاقتداء وإن بطلت صلاة الإمام، (لا) محدثا أو (جنبا أو ذا نجاسة
(2)
خفية
(3)
ولو في جمعة إن زاد على الأربعين كما يأتي؛ إذ لا تقصير منه، ومن ثمّ لو علم المأموم ذلك ثمّ نسيه واقتدى به ولم يحتمل تطهره؛ لزمته الإعادة، أما إذا بان ذا نجاسة ظاهرة فتلزمه الإعادة؛ لتقصيره، وضابطها أن تكون بحيث لو تأملها المأموم لرآها فلا فرق بين من يصلي إمامه قائما أو جالسا ولو قام رآها المأموم أو كان الإمام قائما والمأموم جالسا لعجزٍ فلم يرها أو بعيدا أو
(1)
. هذا على القول بوجوب الإعادة عليها لكن رجح الشارح خلافه.
(2)
. وتقدم في باب النجاسة أن المتولد بين آدمي ومغلظ له أن يؤم الناس؛ لأنه لا تلزمه إعادة 1/ 291.
(3)
. ويثاب من صلى خلفه على الجماعة كما أفاده الشارح في سجود السهو 1/ 192، وأفاد في كفارة اليمين أنه من رأى مصليا به نجس غير معفو عنه، أي عند المصلي لزمه إعلامه به 10/ 17.
قُلْتُ الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ وَقَوْلُ الجُمْهُورِ: أَنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالْأُمِّيُّ كَالمَرْأَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوِ اقْتَدَى بِخُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا لَمْ يَسْقُطِ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْعَدْلُ أَوْلَى مِنَ الْفَاسِقِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ ....
نحو ذلك؛ لأن المراد هنا الرؤية ولو بالقوة؛ لفحش النجاسة والتقصير متعلق بها، ولذا فالأعمى
(1)
لا يعيد مطلقا؛ لعدم تقصيره ولا يمكنه رؤيتها بالفعل أو بالقوة، (قلت: الأصح المنصوص وقول الجمهور أن مخفي الكفر هنا كمعلنه والله أعلم)؛ لعدم أهلية الكافر للصلاة بوجه، (والأميّ كالمرأة في الأصح)؛ بجامع النقص. فإن بان ذلك أو شيء مما مر -غير نحو الحدث والخبث الخفي
(2)
- أثناء الصلاة استأنف أو بعدها أعاد بخلاف ما لو بان حدثه أو خبثه الخفي أثناءها فإنه يلزمه مفارقته فوراً ويبني وإلا بطلت وإن لم يتابعه، والفرق أن الوقوف على نحو قراءته أسهل منه على طهره. (ولو اقتدى) مثلا رجل (بخنثى) في ظنه (فبان رجلا لم يسقط القضاء في الأظهر)؛ لعدم الجزم بالنية، أما لو اقتدى بمشتبه في كونه خنثى لكن غلب على ظنه أنه رجلٌ ثمّ بان خنثى بعد الصلاة ثمّ اتضح بالذكورة فلا تلزمه إعادة للجزم بها بخلاف ما لو صلى خنثى خلف امرأة ظانا أنها رجل ثمّ تبين أنوثته؛ لأن للمرأة علامات ظاهرة فهو مقصر وإن جزم بالنية.
(والعدل) ولو قنا مفضولا (أولى) بالإمامة (من الفاسق) ولو حرّا فاضلا؛ إذ لا وثوق به في المحافظة على الشروط مع أنها تكره خلفه، والكراهة أشدّ خلف مبتدع لم يكفَّر ببدعته؛ لأن اعتقاده لا يفارقه، وتكره إمامة من يكرهه أكثر القوم لمذموم فيه شرعي غير نحو ما ذكرته؛ لورود تغليظات فيه، ولا يكره الائتمام به.
[تنبيه] يحرم مع عدم الصحة كما سيأتي على الإمام أو نائبه وناظر مسجد
(3)
نصب كل من يكره الاقتداء به كفاسق إماماً للصلوات؛ لأهم مأمورون برعاية المصالح. (والأصح أن الأفقه) في الصلاة وما يتعلق بها -وإن لم يحفظ غير الفاتحة- (أولى من الأقرأ) غير الأفقه وإن حفظ كل القرآن؛ لأن الحاجة للفقه أهمّ، ولأنه صلى الله عليه وسلم قدَّم أبابكر على مَن هم أقرأ منه، نعم يتساوى قنّ أفقه وحرّ فقيه، ويقدم قنّ فقيه على حرّ غير فقيه، (و) الأفقه أولى من (الأورع)؛ لما مر، ويقدم الأقرأ
(1)
. اعتمد الرملي أنه لا فرق بين الأعمى والبصير.
(2)
. قيده بذلك في الفتح.
(3)
. ظاهر كلام الشارح في موضع آخر أن للواقف فعل ذلك 2/ 297.
وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ. وَالجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فَبِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ. وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا
على الأورع، والمراد بالأقرأ الأصح قراءة فإن استويا في ذلك فالأكثر قراءة ولا يتميز قارئ القراءات السبع عن غيره، ويقدم الأزهد على الأورع؛ إذ الزهد تجنب بعض الحلال والورع تجنب الشُّبه؛ خوفا من الله تعالى. ولو تميز المفضول من هؤلاء الثلاثة ببلوغ أو إتمام
(1)
أو عدالة أو معرفة نسب كان أولى، (ويقدم الأفقه والأقرأ) وكذا الأورع (على الأسن النسيب)؛ لأن فضيلة كل من الأولين لها تعلق تام بصحة الصلاة أو كمالها، (والجديد تقديم الأسن) في الإسلام (على النسيب
(2)
وهو المنسوب لمن يعتبر في الكفاءة كالعرب بتفصيلهم وكالعلماء ونحوهم؛ لأن فضيلته في آبائه والأول في ذاته، ولا عبرة بسن في غير الإسلام فيقدم شاب أسلم أمس على شيخ أسلم اليوم، نعم لو أسلما معا قُدِّم الأسن، ومن أسلم بنفسه أولى ممن أسلم بالتبعية؛ لأن فضيلته في ذاته، نعم إن كان بلوغ التابع قبل إسلام المستقل قدم التابع؛ لقِدَم إسلامه. وتعتبر الهجرة أيضا، فيقدم أفقه فاقرأ فأورع فأقدم هجرة بالنسبة لآبائه إلى رسول الله وبالنسبة لنفسه إلى دار الإسلام فأسن فأنسب، ولذا فالمنتسب للأقدم هجرة مقدم على المنتسب لقريش مثلا، (فإن استويا) في الصفات المذكورة (فبنظافة) الذِّكْر بأن لم يسم -أي ممن لم يعلم منه عداوته- بنقص يسقط العدالة، ثُمَّ نظافة (الثوب والبدن وحُسْن الصوت وطيب الصنعة) بأن يكون كسبه فاضلاً كتجارة وزراعة (ونحوها) من الفضائل، وعند استواء ما مر يقدم الأحسن ذِكْراً ثمّ الأنظف ثوبا فوجها فبدنا فصنعة ثمّ الأحسن صوتا فصورة، فإن استويا وتشاحا أقرع، هذا كله حيث لا إمام راتب أو أسقط حقه وإلا قُدِّم الراتب على الكل، والراتب هو من ولاّه الناظر ولاية صحيحة بأن لم يكره الإقتداء به أو كان بشرط الواقف.
(1)
. بأن أتم والآخر قصر الصلاة.
(2)
. فيقدم الأسن مطلقا؛ لأن صلاته أدعى للخشوع سواء اجتمع أسن غير نسيب مع نسيب أو اجتمع نسيبان أحدهما أسن والآخر أقرب كما اعتمده الشارح في كتاب قسم الفيء والغنيمة 7/ 137.
وَمُسْتَحِقُّ المَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ وَ نَحْوِهِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا فَلَهُ التَّقْدِيمُ، وَيُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ لَا مُكَاتَبِهِ فِي مِلْكِهِ. وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ المُكْتَرِي عَلَى المُكْرِي، وَالمُعِيرِ عَلَى المُسْتَعِيرِ. وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى مِنْ الْأَفْقَهِ وَالمَالِكِ
(ومستحق المنفعة) وهو من جاز له الانتفاع بمحل (بملك ونحوه) كإجارة ووقف وإذن سيد (أولى) وإن تميز غيره بسائر ما مر، هذا إن كان أهلا (فإن لم يكن) المستحق لها -حقيقة وهو من عدا نحو المستعير
(1)
والقنّ سواء حضر المعير والسيد أو غابا- (أهلا) للإمامة كامرأة للرجال، أو للصلاة ككافر (فله) أي يندب له إن كان رشيدا (التقديم) لأهلٍ؛ لخبر ((لا يؤمنّ الرجلُ الرجلَ في بيته، ولا في سلطانه)). أما المحجور عليه إذا دخلوا بيته لمصلحته وكان زمنها بقدر زمن الجماعة فإن أذن وليّه لواحدٍ تقدّم وإلا صلوا فرادى (ويُقدّم) السيد (على عبده الساكن) بملك السيد، بل وبملك غيره؛ لأن السيد هو المستعير حقيقة (لا مكاتبه)؛ لأنه أجنبي عنه (في ملكه) أي ما استحق المكاتبُ منفعته ولو بنحو إجارة وإعارة من غير السيد، ومثل المكاتب المبعض فيما ملكه ببعضه الحر، (والأصح تقديم المكتري) ومُقَرَّر نحو الناظر (على المكري) والمقرِّر؛ نظرا لملك المنفعة (والمعير على المستعير)؛ لملكه الرقبة والمنفعة، (والوالي في محلّ ولايته أولى مِن) مَن ذُكر كـ (الأفقه والمالك) الآذن في الصلاة في ملكه وإن لم يأذن في الجماعة، ومحلّه إن لم يزد زمن الجماعة على الانفراد وإلا فلابد من إذنه فيها، أما إذا لم يكن فيهم والٍ فلا تقام الجماعة في ملكه إلا بإذنه فيها؛ لئلا يلزم تقدم غيره بغير إذنه وهو ممتنع؛ للخبر السابق، ويُقَدَّم من الولاة الأعم ولايةً، ثُمّ إنه يقدم الوالي على الراتب إن شملت ولايته الإمامة بخلاف ولاة نحو الشرطة، نعم الإمام الراتب لو ولاّه الإمام أو نائبه يقدم على مَن عدا الإمام الأعظم من الولاة كوالي البلاد وقاضيها.
(1)
. سبب إخراجه أن الإنابة لا تجوز إلا لمن له الإعارة وهو لا يعير.
فصل
لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى إِمَامِهِ فِي المَوْقِفِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بَطَلَتْ فِي الجَدِيدِ، وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ، وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا، وَالِاعْتِبَارُ بِالْعَقِبِ
(فصل) في بعض شروط القدوة وكثير من آدابها ومكروهاتها
(لا يتقدم على إمامه في الموقف
(1)
أي المكان، (فإن تقدّم) القائم أو غيره يقينا لم تنعقد ابتداء و (بطلت) إن كان في الأثناء (في الجديد)؛ لأنه أفحش من المخالفة في الأفعال المبطلة، أما لو شكّ في التقدم فلا تبطل وإن جاء من قُدَّامه؛ لأن الأصل عدم المبطل، ولا يضر التقدم في صلاة شدّة الخوف، (ولا تضر مساواته)؛ لعدم المخالفة، لكنها مكروهة مفوَّتة لفضيلة الجماعة فيما ساواه فيه فقط؛ لإمكان التبعيض، أما الجزء الذي لم يساوه فيه فيحصل عليه ثواب السبع والعشرين درجة فيه وإن لم تكمل، ويعتدّ بصورتها في الجمعة وغيرها حتى يسقط فرضها، وكذا يقال في كل مكروه من حيث الجماعة كمخالفة السنن المطلوبة من حيث الجماعة (ويندب تخلفه قليلا) بأن تتأخر أصابعه عن عقب إمامه؛ لأنه الأدب، نعم قد تسن المساواة كما يأتي في العراة، والتأخر الكثير
(2)
كما في امرأة خلف رجل، (والاعتبار) في القيام والركوع (بالعقب) المعتمد عليه فإن اعتمد عليهما واستويا فذاك أو تقدّم بأحد العقبين فإن اعتمد على المتقدّم فقط بطلت أو المتأخر فقط فلا أو اعتمد عليهما فتبطل أيضا
(3)
، والعقب هو ما يصيب الأرض من مؤخرة القدم دون أصابع الرجل فلا أثر لتقدمها مع تأخر العقب بخلاف العكس، ولا للتقدم ببعض العقب إن اعتمد على جميعه؛ لأنها مخالفة لا تظهر فأشبهت المخالفة اليسيرة في الأفعال، والاعتبار في السجود بأصابع قدميه
(4)
إن اعتمد عليها وإلا فآخر ما اعتمد عليه، وفي القعود بالألية ولو راكبا، وفي الاضطجاع بالجنب -أي جميعه-
(1)
. وذكر الشارح في استقبال القبلة أن الإمام لو استقبل الركن امتنع التقدم عليه في الجهتين؛ لأنه مستقبل لهما 1/ 485.
(2)
. الزائد على ثلاثة أذرع كما في فتاوى ابن حجر خلافا للرملي.
(3)
. خلافا للرملي في النهاية ووالده والمغني في الصورة الأخيرة.
(4)
. قال في النهاية إن إطلاقهم يخالفه ثم تبع ابن حجر.
وَيَسْتَدِيرُونَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ. وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَا فِي الْكَعْبَةِ، وَاخْتَلَفَتْ جِهَتَهُمَا، وَيَقِفُ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرَانِ، وَهُوَ أَفْضَلُ
وهو ما تحت عظم الكتف إلى الخاصرة، وفي الاستلقاء بالعقب إن اعتمد عليه وإلا فآخر ما اعتمد عليه، وسواء في كل ما ذكر ما لو اتحدا قياما مثلا أوْ لا، ومحلّ ما ذكر في العقب وما بعده إن اعتمد عليه فإن اعتمد على غيره وحده كأصابع القائم وركبة القاعد أعتبر ما اعتمد عليه حتى لو صلى قائما معتمدا على خشبتين تحت إبطيه فصارت رجلاه معلقتين في الهواء أو مماستين للأرض من غير اعتماد بأن لم يمكنه غير هذه الهيئة اعتبرت الخشبتان، ولا تبطل الصلاة؛ للضرورة. (ويستديرون) ندبا (في المسجد الحرام حول الكعبة) كما فعله ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأجمعوا عليه، ويندب أن يقف الإمام خلف المقام؛ للاتباع، ومعلوم مما مر أنه لو وقف صفّ طويل في أخريات المسجد صحّ بشرط أن ينحرف بحيث لو قرب من الكعبة لما خرج عن سمتها
(1)
(ولا يضر كونه أقرب إلى الكعبة في غير جهة الإمام في الأصح)؛ إذ لا يظهر بذلك مخالفة فاحشة لكن مع الكراهة المفوِّتة لفضيلتها؛ للخلاف في صحتها، ولو توجه أحدهما للركن فكل من جانبيه جهته، (وكذا لو وقفا في الكعبة واختلفت جهتهما) بأن كان وجهه لوجهه أو ظهره لظهره أو وجه أو ظهر أحدهما لجنب الآخر فتصح وإن تقدم عليه بخلاف ما إذا كان وجه الإمام لظهر المأموم أو استقبلا سقفها وكان المأموم أرفع؛ لتقدمه عليه مع اتحاد جهتهما، ولو كان بعض مقدمه لجهة الإمام وبعضه لغيرها وتقدم ضرّ؛ تغليبا للمبطل، أما لو كان الإمام داخلها والمأموم خارجاً عنها فلا حجر على المأموم أو العكس امتنع توجهه لجهة إمامه؛ كي لا يتقدم عليه فيها. (ويقف الذكر) ولو صبيا لم يحضره غيره (عن يمينه) وإلا سنّ له تحويله؛ للاتباع، (فإن حضر آخر أحرم عن يساره) فإن لم يكن بيساره محل أحرم خلفه ثم تأخر إليه من هو على اليمين (ثمّ) بعد إحرامه (يتقدم الإمام أو يتأخران) حال القيام أو الركوع فقط (وهو أفضل)؛ للاتباع، هذا إن سهل كل منهما وإلا تعين ما سهل،
(1)
. وفاقا للنهاية واعتمد المغني الصحة مطلقا، وموافقة النهاية هو ما فهمه الرشيدي من عبارة النهاية وفهم علي الشبراملسي موافقتها للمغني.
وَلَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صَُفَّا خَلْفَهُ وَكَذَا امْرَأَةٌ أَوْ نِسْوَةٌ، وَيَقِفُ خَلْفَهُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ النِّسَاءُ. وَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ، وَيُكْرَهُ وُقُوفُ المَأْمُومِ فَرْدًا، بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ سَعَةً،
(ولو حضر) ابتداء (رجلان أو رجل وصبي صَُفّا خلفه)؛ للاتباع، (وكذا) لو حضر (امرأة أو نسوة) فتقف هي أو هنّ خلفه وإن كنّ محارمه؛ للاتباع، أو ذكر وامرأة فهو عن يمينه وهي خلف الذكر، أو ذكران وامرأة ومثلها الخنثى فهما خلفه وهي أو الخنثى خلفهما، أو ذكر وخنثى وأنثى وقف الذكر عن يمينه والخنثى خلفهما والأنثى خلف الخنثى، (ويقف خلفه الرجال) ولو أرقاء أو فسّاقا، (ثمّ) إن تمّ صفّهم وقف خلفهم (الصبيان) وإن كانوا أفضل -أما إذا لم يتم فيكمل بالصبيان- ثمّ الخناثى وإن لم يكمل صف من قبلهم (ثمّ النساء)؛ لخبر مسلم ((ليليَنّي منكم أولو الأحلام والنهى ثمّ الذين يلونهم ثلاثا))، ولا يؤخر صبيان لبالغين؛ لاتحاد جنسهم بخلاف من عداهم؛ لاختلافه. ويسن أن لا يزيد ما بين كل صفين وما بين الأول والإمام على ثلاثة أذرع، فإن زاد عنها كره للداخلين أن يصطفوا مع المتأخرين فإن فعلوا لم يُحَصِّلوا فضيلة الجماعة بل يصطفوا بين المتأخرين ومن قبلهم. وأفضل صفوف الرجال أولها ثمّ ما يليه وهكذا، وأفضل كل صف يمينه؛ لما صح من صلاة الله وملائكته على أهله، وقد رجحوا من بالصف الأول على مَن بالروضة الكريمة، والصف الأول هو ما يلي الإمام وإن تخلله منبر أو نحوه، وهو بالمسجد الحرام في جهة الإمام من ورائه، وفي غير جهة الإمام ما اتصل بذلك الصف الذي وراء الإمام، ويلي ذلك الصف في الأفضلية مَن أمَامَه -لا من يليه- بشرط أن لا يكون أقرب إلى الكعبة من الإمام في غير جهته؛ لما مرّ في كراهتها، ولا عبرة في الأفضلية بتقدم مَن بسطح المسجد على من بأرضه؛ لكراهة الارتفاع حتى في المسجد، (وتقف إمامتهن وسْطهن) ندبا؛ لثبوته من فعل عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فإن أمّهنّ خنثى تقدم كالذكر، وإمام عراة فيهم بصير ولا ظلمة كذلك وإلا تقدم عليهم، ومخالفة جميع ما ذكر مكروهة مفوِّتة لفضيلة الجماعة، (ويكره وقوف المأموم فردا) عن صفّ من جنسه؛ للنهي الصحيح عنه، نعم يندب الإعادة لها ولو وحده ككل صلاة وقع فيها خلاف غير شاذ في صحتّها (بل يدخل) إن لم يشق على غيره (الصف إن وجد) له (سَعة) وإن لم تكن فيه
وَإِلَّا فَلْيَجُرَّ شَخْصًا بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلْيُسَاعِدْهُ المَجْرُورُ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بِأَنْ يَرَاهُ أَوْ بَعْضَ صَفٍّ أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا، وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ المَسَافَةُ وَحَالَتْ الأَبْنِيَةُ،
فرجة. ولو كان بينه وبين ما فيه فرجة أو سعة
(1)
صفوف كثيرة خرقها كلها؛ لتقصيرهم بتركها مع كراهة الصلاة لكل من تأخر عن صفّها، نعم إن كان تأخرهم لعذر كوقت الحرّ بالمسجد الحرام فلا كراهة ولا تقصير، ويؤخذ من تعليلهم بالتقصير أنه لو عرضت فرجة بعد كمال الصف لم يخرق إليها (وإلا فليجرّ) ندبا؛ لخبر ((أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف فيصلي معك .. الحديث))، أما من وجد فرجة فيحرم عليه الجرّ؛ لتفويته الفضيلة على الغير من غير عذر (شخصا) من الصف حرّا -لا قنّا؛ لدخوله في ضمانه- يعلم منه بقرائن أحوله أنه يطيعه (بعد الإحرام) لا قبله فيحرم عليه
(2)
؛ لإضراره بالمجرور بتصييره منفردا، ولذا يحرم الجر فيما لو لم يكن في الصف إلا اثنان بل عليه أن يجرّهما إليه أو يخرقهما ليصطف مع الإمام، (وليساعده) ندباً (المجرور)؛ لأنه فيه إعانة على برّ مع حصول ثواب صفِّه له؛ لعذره. (ويشترط علمه) أو ظنه، ولنحو أعمى اعتماد حركة من بجانبه الثقة (بانتقالات الإمام بأن يراه أو بعض صفٍ) أو واحداً وإن لم يكن في صف (أو يسمعه أو مبلغا) ثقة أي عدل رواية، نعم الفاسق إن وقع في قلبه صدقه جاز اعتماده. ولو ذهب المُبَلِّغ في أثناء الصلاة لزمه نية المفارقة ما لم يرج عوده قبل مضي ما يسع ركنين في ظنه. (وإذا جمعهما مسجد)، ومنه جداره ورحبته وهي ما حُجِّر عليه لأجله وإن كان بينهما طريق ما لم يتيقن حدوثها بعده وأنها غير مسجد، ومنارته التي بابها فيه أو في رحبته، لا حريمه وهو ما يهيأ لإلقاء نحو قمامته (صح الإقتداء وإن بعدت المسافة وحالت الأبنية) التي فيه المتنافذة الأبواب إليه أو إلى سطحه، فلو كان بوسطه بيت لا باب له إليه وإنما ينزل إليه من سطحه كفى، وسواء فتحت أو أغلقت أو سمرت
(3)
تلك الأبواب، نعم لو سدت مقصورة مسجد وبقي نصفين لم ينفذ أحدهما إلى الآخر وفتح لكل في النصفين باب مستقل ولم يكن التوصل
(1)
. وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية فاقتصر على الفرجة احترازا من السعة.
(2)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي.
(3)
. اعتمدا في حالة التسمير عدم الصحة.
وَلَوْ كَانَا بِفَضَاءٍ شُرِطَ أَلَّا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا، وَقِيلَ تَحْدِيدًا. فَإِنْ تَلَاحَقَ شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ اعْتُبِرَتِ المَسَافَةُ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ الْفَضَاءُ المَمْلُوكُ وَالْوَقْفُ وَالمُبَعَّضُ، وَلَا يَضُرُّ الشَّارِعُ المَطْرُوقُ، وَالنَّهْرُ المُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنْ كَانَا فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفَّةٍ أَوْ بَيْتٍ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ بِنَاءُ المَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَجَبَ اتِّصَالُ صَفٍّ مِنْ أَحَدِ الْبِنَاءَيْنِ بِالْآخَرِ،
من أحدها إلى الآخر فلا تصح الصلاة لاستقلال كلٍّ بخلاف ما إذا اختل شرط من ذلك، والمساجد المتلاصقة التي تنفذ أبواب بعضها إلى بعض كمسجد واحد وإن انفرد كلٌّ بإمام وجماعة، نعم يضر التسمير هنا مطلقاً. ويشترط أن لا يحول بين جانبي المسجد أو بينه وبين رحبته أو بين المساجد نهر أو طريق قديم بأن سبق وجوده وجودهما؛ إذ لا يعدان مجتمعين حينئذٍ بمحل واحد فيكونان كالمسجد وغيره وسيأتي. (ولو كانا بفضاء) كبيت واسعٍ وكما لو وقف أحدهما بسطح والآخر بسطح وإن حال بينهما شارع ونحوه (شرط ألا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع) باليد المعتدلة؛ لأن العرف يعدهما مجتمعين في هذا دون ما زاد عليه (تقريبا)؛ لعدم ضابط له من الشارع، فلا تضر زيادة غير متفاحشة؛ لعدم ضبط له من الشارع، (وقيل تحديدا، فإن تلاحق شخصان أو صفّان) مترتبان أو عن يمينه أو عن يساره (اعتبرت المسافة بين الأخير والأول) فإن تعددت الأشخاص أو الصفوف اعتبرت بين كل شخصين أوصفين (وسواء الفضاء المملوك والوقف) والموات (والمبعض) وسواء في ذلك المحوط والمسقف وغيره (ولا يضر) في الحيلولة بين الإمام والمأموم (الشارع المطروق) أي بالفعل (والنهر المحوج إلى سِباحة على الصحيح)؛ لأنه لا يعدّ حائلا عرفا، (فإن كانا في بناءين كصحن وصفّة
(1)
أو بيت) من مكان واحد كمدرسة أو من مكانين وقد حاذى الأسفل الأعلى إن كانا على ما يأتي (فطريقان أصحهما إن كان بناء المأموم) أي موقفه (يمينا) للإمام (أو شمالا) له (وجب اتصال صف من أحد البناءين بالآخر)؛ لأن اختلاف الأبنية يوجب الافتراق فاشترط الاتصال؛ ليحصل الربط، والمراد بهذا الاتصال أن يتصل منكب آخر واقف ببناء الإمام بمنكب آخر واقف ببناء المأموم وما عدا هذين من أهل البناءين لا يضر بعدهم عنهم بثلاثمائة ذراع فأقل، ولا يكفي عن ذلك وقوف واحد طرفه بهذا البناء
(1)
. يأتي تفسيرها في الوليمة.
وَلَا تَضُرُّ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ صِحَّةُ الْقُدْوَةِ بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْقُرْبُ كَالْفَضَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ أَوْ حَالَ بَابٌ نَافِذٌ
وطرفه بهذا البناء؛ لأنه لا يسمى صفّا فلا اتصال، (ولا تضر فرجة) بين المتصلين المذكورين (لا تسع واقفا) أو تَسَعه ولا يمكنه الوقوف فيها (في الأصح)؛ لاتحاد الصف معها عرفا، (وإن كان) الواقف (خلف بناء الإمام فالصحيح صحة القدوة بشرط ألا يكون بين الصفين) أي بين آخر واقف ببناء الإمام وأول واقف ببناء المأموم (أكثر من ثلاثة أذرع) تقريباً؛ لأنها لا تخلّ بالاتصال العرفي في الخلف، (والطريق الثاني لا يشترط إلا القرب) في سائر الأحوال السابقة بأن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع (كالفضاء)؛ قياسا عليه؛ لأن المدار على العرف وهو لا يختلف، هذا (إن لم يكن حائل) بأن كان يرى الإمام أو بعض المقتدين به ويمكنه الذهاب إليه مع الاستقبال من غير ازورار ولا انعطاف
(1)
بقيده الآتي (أو حال) بينهما حائل فيه (باب نافذ) وقف مقابله واحد أو أكثر يراه المقتدي ويمكنه الذهاب إليه
(2)
، وهذا الواقف كالإمام بالنسبة لمن خلفه فلا يتقدّموا عليه بالإحرام والموقف فيضر أحدهما، دون التقدم بالأفعال
(3)
؛ لأنه ليس بإمام حقيقة، ولذا يجوز كونه امرأة وإن كان خلفه رجال
(4)
، ولا يضر زوال هذه الرابطة أثناء الصلاة فيتمونها خلف الإمام إن علموا بانتقالاته؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
(1)
. وهو أن يصير ظهره للقبلة والانعطاف تفسير له كما في الغرر البهية.
(2)
. سكت كغيره من شراح المنهاج عن اشتراط إمكان الوصول إلى الإمام لمن خلف الرابطة والإطلاق يفهم منه اشتراط ذلك، نعم صرح الشيخ زكريا في شرح المنهج بأنه ليس شرطا.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. خلافا للنهاية.
فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ المُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ فَوَجْهَانِ أَوْ جِدَارٌ بَطَلَتْ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَيْنِ قُلْتُ الطَّرِيقُ الثَّانِي أَصَحُّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ. وَلَوْ وَقَفَ فِي عُلْوٍ وَإِمَامُهُ فِي سُفْلٍ أَوْ عَكْسِهِ شُرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ. وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوَاتٍ وَإِمَامُهُ فِي مَسْجِدٍ فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ فَالشَّرْطُ التَّقَارُبُ مُعْتَبَرًا مِنْ آخِرِ المَسْجِدِ، وَقِيلَ مِنْ آخِرِ صَفٍّ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ مَنَعَ، وَكَذَا الْبَابُ المَرْدُودُ وَالشُّبَّاكُ فِي الْأَصَحِّ
(فإن حال ما) أي بناء (يمنع المرور لا الرؤية) كالباب المردود والشباك ولو بجدرا المسجد (فوجهان) أصحهما البطلان، فلابد من وجود باب أو خوخة
(1)
فيه يستطرق منه إليه من غير أن يزورّ في غير المسجد، فلا تصح في مدرسة بجنب شباك في جدار مسجد، والمدار على الاستطراق العادي (أو جدار) ومنه أن يقف في صفة شرقية أو غربية من مدرسة بحيث لا يرى الواقف في أحدهما الإمام ولا أحدا خلفه (بطلت) أي لم تنعقد (باتفاق الطريقين)، ومثل الجدار باب مغلق عند ابتداء القدوة أما لو انغلق في أثنائها فلا يضر إن علم بانتقالات الإمام ولم يكن بفعله ولا أمكنه فتحه، (قلت: الطريق الثاني أصح)؛ لأن المشاهدة قاضية بأن العرف يوافقها (والله أعلم. وإذا صحّ إقتداؤه في بناء) غير بناء الإمام (صحّ اقتداء من خلفه وإن حال جدار بينه وبين الإمام) بل هو كالإمام لهم كما مرّ وإن كان لا يضر بطلان صلاته في الأثناء، (و) على الطريقة الأولى (لو وقف في علو وإمامه في سفل أو عكسه شرط محاذاة بعض بدنه بعض بدنه) بحيث يحاذي رأس الأسفل قدم الأعلى مع فرض اعتدال قامة الأسفل لو قصر، أما لو طال فحاذى ولو قُدِّر معتدلا لم يحاذ فلا يصحّ. أما على الثانية فلا يشترط إلا القرب، نعم إن كانا بمسجد أو فضاء صحّ مطلقا باتفاقهما. (ولو وقف في موات) أو شارع (وإمامه في مسجد) اتصل به الموات أو الشارع أو عكسه، (فإن لم يحل شيء) مما مر (فالشرط التقارب) بأن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع (معتبرا من آخر المسجد) أي طرفه الذي يلي من هو خارجه؛ لأنه لمَّا بُني للصلاة لم يعدّ فاصلا (وقيل من آخر صف)، ومحله إن لم تخرج الصفوف عنه وإلا فمن آخر صفّ قطعا، (وإن حال جدار أو باب مغلق منع)؛ لعدم الاتصال (وكذا الباب المردود) وإن لم يغلق (والشباك في الأصح)؛ لمنع الأول المشاهدة والثاني الاستطراق.
(1)
. وهي الكوة في الجدار.
قُلْتُ: يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ المَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ وَعَكْسُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ فَيُسْتَحَبُّ، وَلَا يَقُومُ حَتَّى يَفْرُغَ المُؤَذِّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ، وَلَا يَبْتَدِئُ نَفْلًا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَتَمَّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْاتَ الجَمَاعَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وبما تقرر علم صحة صلاة الواقف على أبي قبيس بمن في المسجد بشرط أن لا تبعد المسافة وأن لا تحول أبنية بحيث لا يصل إلى بناء الإمام إلا بازورار أو انعطاف أي لو ذهب إلى الإمام من مصلاه لا يلتفت عن جهة القبلة بحيث يبقى ظهره إليها، بخلافه يمينه ويسره فلا يضر، (قلت: يكره ارتفاع المأموم على إمامه) إذا أمكن وقوفهما بمستوٍ (وعكسه) وإن كانا في المسجد، وذلك؛ للنهي عن الثاني وقيس الأول عليه، وظاهرٌ أن المدار على ارتفاع يظهر حسّا (إلا لحاجة) تتعلق بالصلاة كتبليغ توقف إسماع المأمومين عليه وكتعليمهم صفة الصلاة (فيستحب)؛ للمصلحة، فإن لم تتعلق بها ولم يجد إلا موضعا عاليا أبيح، وإن كان لا بد من ارتفاع أحدهما فليكن الإمام؛ إيثارا له بالعلو.
(ولا) يسن أن (يقوم) إن كان جالسا، وأن يجلس إن كان مضطجعا، وأن يتوجه للقبلة إن أراد أن يصلي على الحالة التي هو عليها (حتى يفرغ المؤذِّن) أي المقيم (من الإقامة) جميعها؛ لأنه وقت الدخول في الصلاة وقبله مشغول بالإجابة. ولو كان بطيء النهضة بحيث لو أخرّ إلى فراغها فاتته فضيلة التحرم مع الإمام قام في وقت يعلم إدراكه للتحرم، والأولى للداخل عندها أو قد قربت أن يستمر قائما؛ لكراهة الجلوس من غير صلاة، ولا يسن له الجلوس ثمّ القيام، (ولا يبتدئ نفلا) ومثله الطواف (بعد شروعه فيها) أو قرب شروعه، أي يكره لمريد الصلاة معهم ذلك؛ للخبر الصحيح ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (فإن كان فيه أتمّه) ندبا، نعم النفل المطلق إن لم ينو عددا اقتصر على ركعتين (إن لم يخش فوات الجماعة والله أعلم)؛ لإحرازه الفضيلتين، فإن خشي فوتها إن أتمّه بأن يسلم قبل فراغه منه قطعه ودخل فيها بشرط أن تكون الجماعة مشروعة له وأن لا يغلب على ظنه وجود جماعة أخرى، نعم يتجه في النفل المطلق الاقتصار على ركعتين، والكلام في غير الجمعة أما فيها فيجب قطعه لإدراكها بإدراك ركوعها الثاني. وخرج بالنفل الفرض فإن كان في تلك الحاضرة وقام لثالثتها أتمها ندبا إن لم يخش فوت الجماعة، أو قبل القيام لها فيقلبها نفلا ويقتصر على ركعتين ما لم يخش فوت الجماعة لو صلاهما وإلا ندب له قطعها، ولو خشي مصلي الحاضرة فوت الوقت إن قطع أو قلب حرم، أما إن كان يصلي فائتة فيحرم قلبُها نفلا وقطعُها
إن أراد أن يصلي تلك الفائتة جماعة مع الصلاة الحاضرة؛ لأن الجماعةَ غير مشروعة في الفائتة حينئذ، ولو خاف في أثناء الفائتة فوت الحاضرة فإن أمكن قلبها إلى ركعتين وإدراك الحاضرة بعد السلام وجب القلب، فإن قلبها جاز له قطعها؛ لأنها فائتة، وإلا بأن كان القلب إلى ركعتين يفوت الحاضرة وجب القطع.
فصل
شَرْطُ الْقُدْوَةِ: أَنْ يَنْوِيَ المَأْمُومُ مَعَ التَّكْبِيرِ الِاقْتِدَاءَ أَوِ الجَمَاعَةَ. وَالجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ. فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتَابَعَ فِي الْأَفْعَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْإِمَامِ فَإِنْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
(فصل) في بعض شروط القدوة
(شرط) انعقاد (القدوة) ابتداء (أن ينوي المأموم مع التكبير الاقتداء
(1)
أو الجماعة) أو كونه مأموما أو مؤتمّا؛ لأن المتابعة عمل فافتقرت إلى نية. وخرج بمع التكبير تأخرها عنه فتنعقد فرادى ثمّ إن تابع فسيأتي، (والجمعة كغيرها) في ذلك (على الصحيح) وإن افترقا في أن فقد نية القدوة مع تحرمها يمنع انعقادها، ومرّ في المعادة وجوب نية الإقتداء عند تحرمها فهي كالجمعة، (فلو ترك هذه النية) أو شكّ فيها في غير الجمعة (وتابع في الأفعال) بأن قصد ذلك من غير اقتداءٍ به وطال عرفا انتظاره له، بل ولو في فعل واحد كأن هوى للركوع متابعا له وإن لم يطمئن
(2)
، أو في ركن قولي وهو السلام بأن أوقف سلامه على سلامه
(3)
(بطلت صلاته على الصحيح)؛ لأنه متلاعب، فإن وقع ذلك منه اتفاقا لا قصدا أو انتظره يسيرا أو كثيرا بلا متابعة لم تبطل جزماً، وكما تقدم أن هذا في غير الجمعة أما فيها فيؤثر شكّه في نية قدوتها إن طال زمنه -وإن لم يتابع- أو مضى معه ركن؛ لأن الجماعة فيها شرط فهو كالشّك في أصل النية، ولذا أثر الشك في نيتها بعد السلام، (ولا يجب تعيين الإمام) باسمه أو وصفه -كالحاضر- أو الإشارة بل الأولى عدمه، ويكفي نية الإقتداء ولو بأن يقول -لنحو التباس للإمام بغيره- نويت القدوة بالإمام منهم، (فإن عينه وأخطأ بطلت صلاته) إن وقع ذلك في الأثناء وإلا لم تنعقد وإن لم يتابع ووجه فسادها ربطها بمن لم ينو الإقتداء به كأن نوى زيدا
(1)
. ظاهره كالنهاية عدم اشتراط إضافتها إلى الإمام خلافا للمغني.
(2)
. يظهر فرض المسألة فيما إذا طال الانتظار في القيام فتبطل بمجرد المتابعة في الركوع.
(3)
. كما في المغني.
وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِمَامِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ، وَ تُسْتَحَبُّ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ، فَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ لَمْ يَضُرَّ
وظنه الإمام فبان عمرا، أو ربطها بمن ليس في صلاة مطلقا أو في صلاة لا تصلح للربط فالمراد بالربط في الأولى الصوري وفي الثانية المنوي. وخرج بتعيينه باسمه إلى آخره ما لو علق بقلبه القدوة بالشخص سواء أعبّر فيه عن ذلك بمن في المحراب أو بزيد هذا أو الحاضر أم عكسه أم بهذا الحاضر أم بهذا أم بالحاضر وهو يظنه أو يعتقده زيدا فبان عمرا فيصح؛ لأنه جزم بإمامة من علَّق إقتداءه بشخصه وقصده بعينه لكنه أخطأ في الحكم عليه اعتقادا أو ظنا بأن اسمه زيدٌ والخطأ في ذلك لا يؤثر؛ لأنه وقع في أمر تابع بخلاف الأول؛ لأنه ثَمَّ تصور في ذهنه معينا اسمه زيد وظن أو اعتقد أنه الإمام فظهر أنه غيره فلم يصح؛ لأنه لم يجزم بإمامة ذلك الغير، وعلى ذلك فمحل ما مر من عدم البطلان في تعليق القدوة في نحو بزيد الحاضر أو زيد هذا إن علق القدوة بشخصه وإلا بأن نوى القدوة بالحاضر ولم يخطر بباله الشخص فلا يصح؛ لأن الحاضر صفة لزيد الذي ظنه وأخطأ فيه ويلزم من الخطأ في الموصوف الخطأ في الصفة أي فبان أنه اقتدى بغير الحاضر، ولو تعارض الربط بالشخص وبالاسم كخلف هذا إن كان زيدا لم يصح؛ لأن الربط بالشخص حينئذ أبطله التعليق المذكور. ولو نوى القدوة ببعضه كيده بطلت؛ لتلاعبه مع أن الربط إنما يتحقق إن ربط فعله بفعله -وهذا مفهوم من الاقتداء به- لا بنحو يده ونصفه الشائع إلا إن نوى أنه عبَّر بالبعض عن الكل، (ولا يشترط للإمام) في غير الجمعة (نية الإمامة) أو الجماعة؛ لاستقلاله بخلاف المأموم فإنه تابع، أما في الجمعة يشترط أن يأتي بها فيها فلو تركها لم تصح جمعته سواء أكان من الأربعين أم زائداً عليهم، نعم إن لم تجب عليه الجمعة ونوى غيرها وكان زائداً على الأربعين لم يشترط ما ذكر، والمعادة كالجمعة فلابد من نية الإمامة فيها، (وتستحب نية الإمامة)؛ خروجا من خلاف من أوجبها ولينال فضل الجماعة، ووقتها عند التحرم، فإن لم ينو -ولو لعدم علمه بالمقتدين- حازوا الفضل دونه، وإن نواها في الأثناء حصل له الفضل من حينئذ، (فإن أخطأ) الإمام (في تعيين تابِعِه) في غير الجمعة (لم يضر)؛ لأن خطأه في النية لا يزيد على تركها وهو جائز له أما لو أخطأ في الجمعة أو المأموم على ما مر فيضر.
وَتَصِحُّ قُدْوَةُ المُؤَدِّي بِالْقَاضِي، وَالمُفْتَرِضِ بِالمُتَنَفِّلِ، وَفِي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ وَبِالْعُكُوسِ، وَكَذَا الظُّهْرُ بِالصُّبْحِ وَالمَغْرِبِ، وَهُوَ كَالمَسْبُوقِ. وَلَا تَضُرُّ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ وَالجُلُوسِ الْأَخِيرِ فِي المَغْرِبِ، وَلَهُ فِرَاقُهُ إذَا اشْتَغَلَ بِهِمَا. وَتَجُوزُ الصُّبْحُ خَلْفَ الظُّهْرِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا قَامَ لِلثَّالِثَةِ إِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ. قُلْتُ: انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(و) من شروط القدوة توافق نظم صلاتيهما في الأفعال الظاهرة فحينئذٍ (تصح قدوة المؤدي بالقاضي والمفترض بالمتنفل
(1)
وفي الظهر بالعصر وبالعكوس)؛ نظرا لاتفاق الفعل في الصلاتين، لكن الانفراد هنا أفضل؛ خروجا من الخلاف لكن ليس مفوتاً لفضيلة الجماعة؛ لضعفه ولقولهم الآتي إن الانتظار أفضل، وقد نَقَل الماوردي إجماع الصحابة على صحة الفرض خلف النفل وصحّ أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ بقومه. والأصح صحة الفرض خلف صلاة التسبيح وينتظره
(2)
في السجود إذا طوّل الاعتدال أو الجلوس بين السجدتين، وفي القيام إذا طول جلسة الاستراحة، وبه يعلم أنه لو اقتدى شافعي بمثله فقرأ إمامه الفاتحة وركع واعتدل ثمّ شرع في الفاتحة مثلا أنه ينتظره ساجدا؛ لأنه سبق غير مبطل والانتظار حينئذ مبطل
(3)
سواء عاد الإمام إلى القيام ناسيا أو لتذكره أنه ترك الفاتحة (وكذا الظهر بالصبح والمغرب) ونحوهما، (وهو كالمسبوق) فإذا سلم قام وأتم، (ولا تضرّ متابعة الإمام في القنوت) في الصبح (والجلوس الأخير في المغرب) بل هي أفضل من فراقه وإن لزم عليها تطويل اعتداله بالقنوت وجلسة الاستراحة بالتشهد؛ لأنه لأجل المتابعة، وهو لا يضر (وله فراقه إذا اشتغل بهما) وهو فراق بعذر فلا يُفَوِّت فضيلة الجماعة، ومثله كل مفارقة خُيِّر بينها وبين الانتظار، (وتجوز الصبح خلف الظهر في الأظهر) كعكسه، وكذا كل صلاة أقصر من صلاة الإمام؛ لاتفاق نظم الصلاتين (فإذا قام للثالثة إن شاء فارقه وسلّم)؛ لأن صلاته قد تمت (وإن شاء انتظره ليسلم معه، قلت: انتظاره أفضل والله أعلم)؛ ليقع سلامه مع الجماعة، وعند الانتظار يتشهد ثمّ يطيل الدعاء، وخرج بالصبح المغرب خلف الظهر فإذا قام للرابعة
(1)
. ولو جمعة إن تم العدد بغيره كما يأتي.
(2)
. عند شيخ الإسلام أنه مخير بين الانتظار والمتابعة ويغتفر له تطويل الاعتدال.
(3)
. لعله في غير الأخيرة؛ لما مر.
وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ فِي الثَّانِيَةِ قَنَتَ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ، فَإِنِ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ جَنَازَةٍ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ.
امتنع على المأموم انتظاره وإن جلس للاستراحة؛ لأنه يحدث به جلوسا مع تشهد لم يفعله الإمام فيفحش التخلف وتبطل صلاته إن علم وتعمد، ولا أثر لجلسة الاستراحة هنا ولا لجلوسه لتشهد من غير أن يتشهد في الصبح بالظهر؛ لأن جلسة الاستراحة تطويلها مبطل وجلوسه من غير تشهد كلا جلوس؛ لأن جلوسه تابع للتشهد، ولذا لو ترك إمامه الجلوس والتشهد لزمه مفارقته؛ لأن المخالفة حينئذ أفحش. ويصح اقتداء من في التشهد بالقائم ولا تجوز له متابعته بل ينظره إلى أن يسلّم معه وهو أفضل، وله مفارقته وهو فراق بعذر، (وإن أمكنه القنوت في الثانية) بأن وقف إمامه يسيرا (قنت) ندبا؛ لتحصيل السنة (وإلا تركه) ندبا؛ خوفا من التخلف المبطل، ولا يسجد للسهو؛ لتحمل سهوه الإمام، (وله فراقه) بالنية (ليقنت)؛ تحصيلا للسنة، وهو فراق بعذر فلا يكره، ولو لم يفارقه وقنت لم تبطل صلاته إلا بالتخلف بتمام ركنين فعليين، وذلك بأن يهوي إمامه للسجدة الثانية وهو ما زال في القنوت، نعم إن لحق إمامه في السجود الأول فلا كراهة عليه في ذلك التخلف وإلا كره، والفرق بين هذا وبطلان صلاته إن فعل التشهد الأول الذي لم يفعله الإمام أنهما في القنوت اشتركا في الاعتدال وفي التشهد انفرد المأموم بالجلوس، (فإن اختلف فعلهما كمكتوبة وكسوف أو جنازة) وسجدة تلاوة أو شكر (لم يصح على الصحيح)؛ لتعذر المتابعة مع المخالفة في النظم، نعم تنعقد في ثاني قيام ركعة الكسوف الثانية
(1)
وآخر تكبيرات صلاة الجنازة
(2)
؛ لانقضاء تخالف النظم ومثلهما ما بعد سجود التلاوة والشكر، أما لو صلى الكسوف كسنة الصبح فيصح الاقتداء بها، وعلم من كلامه أن من شروط القدوة أيضا موافقةُ الإمام في سنن تفحش المخالفة فيها فعلا وتركا كسجدة تلاوة وتشهد أول، وفي قيام منه وإن لم يفرغ من سجوده إلا والإمام قائم عنه بعد ما أتى به فإن خالف عامدا عالما بطلت صلاته، نعم لا يضر تخلف لإتمامه بشرط أن يقوم الإمام وهو في أثنائه بعد فعل الإمام كما يأتي، أما سنة لا تفحش المخالفة فيها كجلسة الاستراحة فلا تبطل بفعلها.
(1)
. ظاهره عدم حصول الركعة هنا وخالفه الرملي.
(2)
. خلافا للنهاية فاستوجه المنع في الجنازة وسجدتي الشكر والتلاوة إلى السلام.
تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ عَنِ ابْتِدَائِهِ وَيَتَقَدَّمَ عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ، فَإِنْ قَارَنَهُ لَمْ يَضُرَّ إلَّا تَكْبِيرَةُ الإحْرَامِ
(فصل) في بعض شروط القدوة أيضا
(تجب متابعة الإمام في أفعال) أما الأقوال فتسن فيها المتابعة فقط (الصلاة
(1)
؛ لخبر الصحيحين ((إنما جُعل الإمامُ ليؤتمّ به))، فلو ترك فرضا فلا يتابعه في تركه؛ لأنه إن تعمد أبطل وإلا لم يعتدّ بفعله. ثمّ إن المتابعة الواجبة إنما تحصل (بأن) يتأخر جميع تحرمه عن جميع تحرمه، وأن لا يسبقه بركنين، وكذا بركن
(2)
لكن لا بطلان، ولا يتأخر بهما بغير عذر، أو بأكثر من ثلاثة طويلة ولو بعذر، ولا يخالفه في سنة تفحش المخالفة فيها. وأما المندوبة فتحصل بأن (يتأخر ابتداء فعله عن ابتدائه ويتقدم) انتهاء فعل الإمام (على فراغه) أي المأموم (منه
(3)
وأكمل من هذا أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الإمام فلا يشرع حتى يصل الإمام لحقيقة المنتقل إليه، (فإن قارنه) في الأفعال أو في الأفعال والأقوال ولو السلام (لم يضر)؛ لانتظام القدوة مع ذلك، نعم تكره المقارنة وتفوت بها -فيما وجدت فيه
(4)
- فضيلة الجماعة كما مرّ (إلا تكبيرة الإحرام) فتضر المقارنة فيها إذا نوى الاقتداء مع تحرمه ولو بأن شكّ هل قارنه أوْ لا؟ وكذا التقدم ببعضها على فراغه منها؛ إذ لا تنعقد صلاته حتى يتأخر جميع تكبيرته عن جميع تكبيرة الإمام يقينا أو ظناً؛ لأن الاقتداء قبل ذلك اقتداء بمن ليس في صلاة؛ إذ لا يتبين دخوله فيها إلا بتمام التكبير، ولو ظنّ أو اعتقد تأخر جميع تكبيرته صحّ ما لم
(1)
. حتى أنه لو عاد الإمام لسجود السهو بعد السلام لزم المأموم العود ما لم يعلم خطأه فيه أو يتعمد- أي المأموم- السلام لعزمه على عدم فعل السجود له أو يتخلف ليسجد كما مرّ في سجود السهو 1/ 203.
(2)
. وكذا بعض ركن عند شرح الروض والنهاية والمغني.
(3)
. ويأتي في صلاة الجنازة أن التقدم على الإمام بتكبيرة والتخلف بها كالتقدم عليه بركعة والتخلف 3/ 143.
(4)
. أي أما غيره فيحصل ثواب السبع والعشرين ولكن غير كاملة كما مر في فصل لا يتقدم على إمامه.
وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ بِأَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ بِأَنْ فَرَغَ مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بَطَلَتْ،
يبن خلافه، فلو كبر وبان أن إمامه لم يكبر لم تنعقد وإن اعتقد تقدم تحرم الإمام. ولو زال شكه في المقارنة عن قرب لم يضرّ كالشك في أصل النية، (وإن تخلف بركن) فِعْلي (بأن فرغ الإمام منه) سواء أوَصَلَ للركن الذي بعده أم كان فيما بينهما (وهو) أي المأموم (فيما قبله لم تبطل في الأصح) وإن علم وتعمد؛ للخبر الصحيح ((لا تبادروني بالركوع ولا بالسجود فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت))، فأفهم قوله ((فرغ)) انه متى أدركه قبل فراغه لم تبطل قطعاً (أو بركنين فعليين) متواليين (بأن فرغ) الإمام (منهما وهو فيما قبلهما) بأن كان المأموم في قيام القراءة والإمام ابتدأ الهوي للسجود -يعني زال عن حدّ القيام؛ إذ لو كان أقرب للقيام من أقل الركوع فهو إلى الآن في القيام فلا يضر- (فإن لم يكن عذر) بأن تخلف لقراءة الفاتحة وقد تعمد تركها حتى ركع الإمام أو لسنة كقراءة السورة، وكذا ما لو تخلف لجلسة الاستراحة أو لإتمام التشهد الأول إذا قام إمامه وهو في أثنائه؛ لتقصيره بهذا الجلوس الغير مطلوب منه
(1)
، (بطلت)؛ لفحش المخالفة.
(1)
. خلافا للنهاية فاعتمد أنه كالموافق المعذور في الصورتين.
وَإِنْ كَانَ بِأَنْ أَسْرَعَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامِ المَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فَقِيلَ يَتْبَعُهُ وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ، وَالصَّحِيحُ يُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، وَهِيَ الطَّوِيلَةُ، فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ فَقِيلَ يُفَارِقُهُ،
(وإن كان) أي وجد عذر (بأن أسرع قراءته) والمأموم بطئ
(1)
لعجز خلقي -لا لوسوسة- أو انتظر سكتة الإمام ليقرأ فيها الفاتحة فركع عقبها أو سها عنها حتى ركع الإمام، أما من تخلف لوسوسة فإن كانت كالخلقية -بحيث يقطع كل من رآه بأنه لا يمكنه- تركها فيتحملها عنه الإمام كبطئ الحركة وإلا فلا يعذر كمتعمد تركها ومن في حكمه ممن مرّ، وله التخلف فقط لإكمالها إلى قرب فراغ الإمام من الركن الثاني فحينئذٍ يلزمه نية المفارقة إن بقي عليه شيء منها لإكماله، وإنما لزمه ذلك؛ لبطلان صلاته بشروع الإمام فيما بعده، ومثل المتخلف للوسوسة المتخلف لجلسة الاستراحة أو لإتمام التشهد الأول إذا قام إمامه وهو في أثنائه؛ لتقصيره بهذا الجلوس الغير مطلوب منه، أما من نام متمكنا في تشهده الأول فلم ينتبه إلا والإمام راكع
(2)
فيركع مع الإمام ويتحمل عنه الفاتحة كمن سمع تكبيرة الرفع من سجدة الركعة الثانية فجلس للتشهد ظانا أن الإمام يتشهد فإذا هو في الثالثة فكبر للركوع فظنه لقيامها فقام فوجده راكعا
(3)
، وذلك لعذره مع عدم إدراكه القيام، ومن ثَمَّ لو نسي الاقتداء في السجود مثلا ثمّ ذكره فلم يقم عن سجدته إلا والإمام راكع ركع معه كالمسبوق
(4)
(وركع قبل إتمام المأموم الفاتحة فقيل يتبعه وتسقط البقية)؛ لعذره كالمسبوق (والصحيح يتمها) وجوبا؛ لأنه أدرك محلها (ويسعى خلفه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان مقصودة) لذاتها بخلاف الاعتدال والجلوس بين السجدتين كما مرّ (وهي الطويلة) ولا بدّ في السبق أن ينتهي الإمام إلى الرابع أو ما هو على صورته، فمتى قام من السجود مثلا ففرغ المأموم فاتحته قبل تلبس الإمام بالقيام -وإن تقدمه جلسة استراحة- أو بالجلوس ولو للتشهد الأول سعى على ترتيب نفسه، أو بعد تلبسه فكما قال:(فإن سبق بأكثر) بأن انتهى إلى الرابع كأن قام أو قعد والمأموم في القيام، أو ركع وهو في الاعتدال (فقيل يفارقه)
(1)
. ظاهره كالنهاية أنه قيد وجعله المغني قسيم للأول.
(2)
. خلافا للنهاية ووالده في أنه كمنتظر سكتة الإمام.
(3)
. خلافا للنهاية بأنه كالناسي للقراءة.
(4)
. خلافا للنهاية.
وَالْأَصَحُّ يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ، بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِشُغْلِهِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَمَعْذُورٌ، هَذَا كُلُّهُ فِي المُوَافِقِ، فَأَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ تَرَكَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ
بالنية وجوبا؛ لتعذر الموافقة (والأصح يتبعه) وجوبا إن لم ينو مفارقته (فيما هو فيه)؛ لفحش المخالفة في سعيه على ترتيب نفسه، ولذا تبطل من عامد عالم، وإذا تبعه في القيام فركع الإمام والمأموم إلى الآن لم يتم الفاتحة تخلف لإكمالها ما لم يسبق بالأكثر أيضا (ثمّ يتدارك بعد سلام الإمام، ولو لم يتم الفاتحة لشغله بـ) سنة كـ (ـدعاء الافتتاح) وقد ركع إمامه (فمعذور) كبطئ القراءة؛ لأن إمامه لا يتحمل الفاتحة، ويعذر هنا وإن لم يندب له دعاء الافتتاح بأن ظن أنه لا يدرك الفاتحة لو اشتغل به، والحاصل أننا بالنسبة للعذر وعدمه ندير الأمر على الواقع وبالنسبة لندب الإتيان بنحو التعوذ للمسبوق ندير الأمر على ظنه، (هذا كله في الموافق) وهو من أدرك من قيام الإمام زمنا يسع الفاتحة بالنسبة للقراءة المعتدلة، وتأتي أحكام الموافق والمسبوق في كل الركعات فنحو بطئ النهضة إذا فرغ من سعيه على ترتيب نفسه فإن أدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة فموافق وإلا فمسبوق. ولو شكّ أهو مسبوق أو موافق لزمه الاحتياط
(1)
فيتخلف لإتمام الفاتحة ولا يدرك الركعة؛ احتياطا فيهما، (فأما مسبوق ركع الإمام في فاتحته فالأصح أنه إن لم يشتغل بالافتتاح والتعوذ) بأن قرأ عقب تحرمه (ترك قراءته وركع) وإن كان بطيء القراءة فلا يلزمه غير ما أدركه هنا بخلاف ما مرّ في الموافق؛ لأن ما هنا رخصة فناسبها رعاية حاله (وهو) بركوعه معه أو قبل قيامه عن أقلّ الركوع (مدرك للركعة)؛ لأنه لم يدرك غير ما قرأه فيتحمل عنه الإمام ما بقي، بشرط أن يكون ذلك الركوع محسوبا له وأن يطمئن قبل ارتفاع إمامه (وإلا) بأن اشتغل بهما أو بأحدهما أو سكت بعد التحرم وقبل القراءة وهو عالم بأن واجبه الفاتحة -وإلا فهو تخلف بعذر- (لزمه قراءة) من الفاتحة سواء أعلم أنه يدرك الإمام قبل سجوده أم لا (بقدره) أي بقدر حروفه في ظنه أو بقدر زمن ماسكته؛ لتقصيره بالعدول من الفرض إلى غيره وإن ندب له التعوذ والافتتاح لظن الإدراك فركع على خلاف ما ظنه، ثمّ إنه إن ركع قبل وفاء ما لزمه بطلت إن علم وتعمد وإلا لم يعتد بما فعله،
(1)
. خلافا للنهاية والمغني والشهاب الرملي في أن حكمه كالموافق.
وَلَا يَشْتَغِلُ المَسْبُوقُ بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ بَلْ بِالْفَاتِحَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ إدْرَاكَهَا. وَلَوْ عَلِمَ المَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكَّ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا بَلْ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَلَوْ عَلِمَ أَوْ شَكَّ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ قَرَأَهَا وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ، وَقِيلَ يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ
ومتى ركع الإمام وهو متخلف لما لزمه وقام من الركوع فاتت الركعة؛ لأنه متخلف بغير عذر ثمّ إذا فرغ قبل هوي الإمام للسجود وافقه ولا يركع وإلا بطلت إن علم وتعمد وكذا حيث فاته الركوع
(1)
، أما إذا لم يفرغ -وقد أراد الإمام الهوي للسجود- فتجب عليه نية المفارقة؛ حذرا من بطلان صلاته عند عدمها، أما إذا جهل أن واجبه قراءة الفاتحة فهو بتخلفه لما لزمه متخلف بعذر. (ولا يشتغل المسبوق) بل المأموم مطلقا (بسنة بعد التحرم) أي لا يسن (بل بالفاتحة) ويسرع فيها ليدركها (إلا أن يعلم) أي يظن؛ لاعتياد الإمام التطويل (إدراكها) مع ما يأتي به فيأتي به ندبا بخلاف ما إذا جهل حاله أو ظن منه الإسراع مع عدم إدراكها فيبدأ بالفاتحة (ولو علم المأموم في ركوعه) أي بعد أقله (أنه ترك الفاتحة أو شكّ) في فعلها (لم يعد إليها) وإلا بطلت إن علم وتعمد؛ لفوات محلها (بل يصلي ركعة بعد سلام الإمام)؛ تداركا، (فلو علم أو شكّ وقد ركع الإمام) أما لو ركع المأموم قبل إمامه ثمّ شكّ فيلزمه العود (ولم يركع هو) أي لم يوجد منه أقلّ الركوع وإن هوى له (قرأها)؛ لبقاء محلها، فيقرأها في القيام عن لم يهوِ للركوع أصلا، أما إن هوى للركوع ولم يصل لأقل الركوع فيرجع إلى القيام ويقرأها (وهو متخلف بعذر) فيأتي فيه حكمه السابق من التخلف لإتمامها بشرطه، ويؤخذ منه أنا حيث قلنا بعوده للركن كان متخلفا بعذر فيأتي به ويسعى على نظم نفسه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة طويلة، وإلا وافق الإمام وأتى بركعة بعد سلامه، (وقيل يركع ويتدارك بعد سلام الإمام)؛ للمتابعة، ويأتي التفصيل المار في كل ركن علم المأموم تركه أو شكّ فيه بعد تلبسه بركن بعده يقينا وكان في التخلف له فحش مخالفة
(2)
(3)
كما يُعلم مما يأتي فيوافق الإمام
(1)
. قال السيد عمر بصري كأن المراد به الإشارة إلى ما لو أدرك الإمام بعد رفعه عن أقل الركوع فتجب متابعة الإمام فيما هو فيه حتى لو ركع عامداً عالماً بطلت صلاته.
(2)
. محله في ركنين فعليين.
(3)
. قضية سكوت النهاية والمغني أنه ليس قيدا.
وَلَوْ سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ، أَوْ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَمْ يَضُرَّهُ وَيُجْزِئُهُ، وَقِيلَ تَجِبُ إعَادَتُهُ
ويأتي بدله بركعة بعد سلام إمامه، فعُلم أنه لو قام إمامه فقط فشكّ هل سجد معه سجد؛ لأنه تخلف يسير مع كونه لم يتلبس بعده بركن يقيناً؛ لأن أحد طرفي شكّه يقتضي أنه في الجلوس بين السجدتين، ومثله ما لو شكّ بعد رفع إمامه من الركوع في أنه ركع معه أوْ لا فيركع؛ لكون تخلفه يسيرا مع أن أحد طرفي شكّه يقتضي أنه باقٍ في القيام الذي قبله الركوع، بخلاف ما لو قام مع إمامه أو قبله
(1)
ثمّ شك في السجود فلا يعود إليه؛ لفحش المخالفة مع تيقن التلبس بركن بعده وهو القيام ومثله ما لو شكّ وهو ساجد معه هل ركع معه أو لا فلا يركع؛ لذلك، ولذا لو شكّ حالة جلوسه للاستراحة أو نهوضه للقيام في السجود عاد له وإن كان الإمام في القيام؛ لأنه إلى الآن لم يتلبس بركن بعده، نعم لو شكّ وهو في التشهد الأخير في السجود فله العود؛ لأنه لم يتلبس بركن يقينا؛ -لما تقرر أنّ أحد طرفي شكّه أنه إلى الآن في الجلوس بين السجدتين- مع عدم فحش المخالفة؛ لقرب ما بين الجلوس والسجود.
(ولو سبق) أو قارن كما مرّ (إمامه بالتحرم لم تنعقد، أو بالفاتحة أو التشهد) بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الإمام فيه (لم يضرّه ويجزئه)؛ لوجوده في محله من غير فحش مخالفة، (وقيل تجب إعادته) مع فعل الإمام أو بعده وهو أولى فإن لم يعده بطلت؛ لأن فعله مترتب على فعله، ويسن مراعاة هذا الخلاف بل يسن ولو في أوليي السرية تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الإمام إن ظنّ أنه يقرأ السورة.
[تنبيه] محل ندب تأخير فاتحته إن رجا أن إمامه يسكت بعد الفاتحة قدرا يسعها أو يقرأ سورة تسعها
، ومحلّ ندب سكوت الإمام إذا لم يعلم أن المأموم قرأها معه أو لا يرى قراءتها.
(1)
. خلافا للمغني وشرح الروض في حالة ما لو قام قبله.
وَلَوْ تَقَدَّمَ بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، فَإنْ كَانَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِرُكْنٍ
(ولو تقدم بفعل كركوع وسجود فإن كان بركنين) متواليين (بطلت) إن تعمد وعلم التحريم؛ لفحش المخالفة، فإن سها أو جهل لم يضر لكن لا يعتد له بهما، فإذا لم يعد للإتيان بهما مع الإمام سهوا أو جهلا أتى بعد سلام إمامه بركعة وإلا أعادها
(1)
، وصورة التقدم بهما
أن يركع ويعتدل ثمّ يهوي للسجود مثلا والإمام قائم أو أن يركع قبل الإمام فلما أراد الإمام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال، وفارق مما مر في التخلف بأن التقدم أفحش. أما إن تقدم بركن فيحرم إن علم وتعمد ويسُنَّ له العود إن تعمد وإلا تخيّر (وإلا) بأن تقدم بركن فعلي أو بركنين قوليين أو قولي وفعلي (فلا) تبطل وإن علم وتعمد؛ لقلة المخالفة (وقيل تبطل بركن) تام؛ لفحش المخالفة، والكلام في غير التقدم بالسلام -أي بالميم آخر التسليمة الأولى
(2)
- فهو مبطل به.
(1)
. قال الشارح في سجود السهو نقلا عن القاضي: ((ومما لا خلاف فيه قولهم لو رفع رأسه من السجدة الأولى قبل إمامه ظانا أن رفع وأتى بالثانية ظانا أن الإمام فيها ثم بان أنه في الأولى لم يحسب جلوسه ولا سجدته الثانية ويتابع الإمام، فإن لم يعلم بذلك إلا والإمام قائم أو جالس أتى بركعة بعد سلام الإمام)) 1/ 183.
(2)
. بل بقوله السلام وإن لم يقل عليكم إن نوى به الخروج كما ذكره الشارح في سجود السهو 2/ 193.
فصل
خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ انْقَطَعَتِ الْقُدْوَةُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقَطَعَهَا المَأْمُومُ جَازَ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الجَمَاعَةِ، وَمِنَ الْعُذْرِ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ. وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الْقُدْوَةَ خِلَالِ صَلَاتِهِ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ،
(فصل) في زوال القدوة وإيجادها وإدراك المسبوق للركعة وما يتبع ذلك
(خرج الإمام من صلاته) بحدث أو غيره (انقطعت القدوة)؛ لزوال الرابطة فيسجد لسهو نفسه ويقتدي بغيره وغيره به، وتنقطع أيضا بنحو تأخر عَقِب الإمام عن عَقِب المأموم في الموقف لكن بالنسبة لمن تأخر عنه، و لا تنقطع بنية الإمام قطعها؛ لأنها لا تتوقف على نيته فلم تؤثر فيها، ولذا تنقطع حيث لزمته النية كالجمعة، وسيأتي انقطاعها بنية الإمام الاقتداء بغيره، (فإن لم يخرج وقطعها المأموم جاز) مع الكراهة المفوِّتة لفضيلة الجماعة حيث لا عذر؛ لأن ما لا يتعين فعله لا يتعين بالشروع فيه ولو فرض كفاية إلا في جهاد وصلاة جنازة ونسك (وفي قول) قديم (لا يجوز إلا بعذر)؛ لقوله تعالى ((ولا تبطلوا أعمالكم))، والعذر هو ما (يرخص في ترك الجماعة) ابتداءً، (ومن العذر) في الأثناء والابتداء (تطويل الإمام) -القراءة أو غيرها- لكن بالنسبة لمن لا يصبر لضعف أو شغل ولو خفيفا بأن يُذهِب خشوعه، ولا فرق بين أن يكونوا محصورين رضوا بتطويله بمسجد غير مطروق وأن لا؛ لما صحّ أن بعض المؤتمين بمعاذ رضي الله عنه قطع القدوة لتطويله بهم ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم، (أو تركه سنّة مقصودة كتشهد) أوّل وقنوت وكذا سورة، وضابطها أنها ما جبرت بسجود السهو أو قوي الخلاف في وجوبها أو وردت الأدلة بعظيم فضلها، وقد تجب المفارقة
(1)
كأن عَرَض مبطل لصلاة إمامه وقد علمه فيلزمه نيتها فورا وإلا بطلت وإن لم يتابعه، وذلك؛ لأن المتابعة الصورية موجودة فلابد من قطعها بالمفارقة، وعليه فلا تجب المفارقة لو زالت الصورة كأن تأخر الإمام عن المأموم. (ولو أحرم منفردا ثمّ نوى القدوة خلال صلاته جاز في الأظهر) مع الكراهة المفوتة لفضيلة الجماعة،
(1)
. يظهر أن المفارقة هنا في صورتي الحدث والخبث فقط لما مر.
-وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى- ثُمَّ يَتْبَعُهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا، فَإِنْ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، أَوْ هُوَ فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ. وَمَا أَدْرَكَهُ المَسْبُوقُ فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيُعِيدُ فِي الْبَاقِي الْقُنُوتَ. وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ المَغْرِبِ تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ
وذلك؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بهم ثمّ تذكر في صلاته أنه جنب فذهب فاغتسل ثمّ جاء وأحرم بهم فأنشؤا نية اقتداء جديدة، والعذر هنا غير مانع للكراهة كما لو اقتدى ليتحمل عنه الفاتحة فيدرك الصلاة كاملة في الوقت. وللإمام أن يعر ض عن القدوة ويقتدي بآخر بأن يستخلفه مثلا كما حدث للصدّيق رضي الله عنه حيث أخرج نفسه عن الإمامة بتأخره عنه صلى الله عليه وسلم ثمّ نوى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم والصحابة صاروا مقتدين به صلى الله عليه وسلم بعد أن تقدّم واستخلفه أبوبكر وإن لم ينووا ذلك، ومعنى ((والناس يقتدون بأبي بكر)) أنه كان يسمعهم تكبيره صلى الله عليه وسلم؛ لامتناع الاقتداء بالمأموم (-وإن كان في ركعة أخرى- ثمّ يتبعه) وجوبا (قائما كان أو قاعدا) مثلا رعاية لحقّ الاقتداء، ومرّ أنه لو اقتدى به في تشهده انتظره ولا يتابعه، (فإن فرغ الإمام أوّلاً فهو كمسبوق) فيقوم ويتم صلاته، وحينئذٍ يجوز الاقتداء به ولو في الجمعة وإقتداؤه بغيره إلا فيها (أو هو فإن شاء فارقه) ولا كراهة؛ لأنه فراق لعذر (وإن شاء انتظره) بشرط أن لا يحدث جلوس تشهد لم يفعله الإمام؛ لما مرّ ص
(1)
. (ليسلم معه) وهو الأفضل (وما أدركه المسبوق) مع الإمام مما يعتد به -لا كالاعتدال وما بعده فإنه لمحض المتابعة- (فأول صلاته) والذي بعد سلام الإمام آخرها؛ لخبر ((فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا)) والإتمامُ يستلزم سبق ابتداء (فيعيد في الباقي القنوت)؛ لأنه فعله مع الإمام لمحض المتابعة. (ولو أدرك ركعة من المغرب تشهد في ثانيته)؛ إذ هي محلّ تشهده الأول وتشهده مع الإمام في أولى نفسه لمحض المتابعة، ومرّ أنه لو أدركه في أخيرتي رباعية فإن أمكنه فيهما قراءة السورة معه قرأ وإلا قرأهما من غير جهر في أخيرتي نفسه؛ تداركا لهما، (وإن أدركه راكعا أدرك الركعة) -وإن قَصَّر بتأخير إحرامه حتى ركع-؛ لما صحّ فيه. ولا يسن الخروج من خلاف جمع أنه لا يدركها؛ لمخالفتهم لسنة صحيحة. ولو ضاق الوقت وأمكنه بإدراك ركوعها الصلاة فيه لزمه.
(1)
. في فصل نية القدوة.
قُلْتُ: بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْإِجْزَاءِ لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ لِلرُّكُوعِ، فَإِنْ نَوَاهُمَا بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ تَنْعَقِدُ نَفْلًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ انْتَقَلَ مَعَهُ مُكَبِّرًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحَاتِ
(قلت:) إنما يدركها (بشرط أن) يكون ذلك الركوع محسوبا له بأن لا يكون الإمام محدثا عنده فلا يضر طرو حدثه بعد إدراك المأموم للركوع معه، ولا في ركوع زائد سها به، وليس ركوعا ثانيا للكسوف، وأن (يطمئن) بالفعل يقينا (قبل ارتفاع الإمام عن أقلّ الركوع والله أعلم).
(ولو شكّ في إدراك حدّ الإجزاء لم تحسب ركعته في الأظهر) بل وإن ظنّ أو غلب على ظنه الإدراك؛ لأنها رخصة فلا بد من تحقق سببها، ويسجد الشاك للسهو؛ لأنه شك بعد سلام الإمام في عدد ركعاته، (ويكبر) المسبوق، ومثله هنا وفيما يأتي مريد سجدة تلاوة خارج الصلاة (للإحرام ثمّ للركوع)؛ لتعارض قرينتي الافتتاح والهوي، ولا يحتاج من كبر للإحرام وللركوع إلى نية إحرام بالأُولى إن عزم عند التحرم أن يكبر للركوع أيضا، أما لو كبر للتحرم غافلا عن ذلك ثمّ طرأ له التكبير للركوع فكبر له فلا تفيده هذه التكبيرة الثانية شيئا بل يأتي في الأولى التفصيل الآتي، (فإن نواهما بتكبيرة لم تنعقد على الصحيح)؛ لأنه شرك بين فرض وسنة مقصودة (وقيل تنعقد نفلا) كما لو أخرج خمسة دراهم مثلا ونوى بها الفرض والتطوع فإنها تقع له تطوعاً، (وإن) نوى بها التحرم فقط وأتمّ التكبيرة وهو إلى القيام مثلا أقرب منه إلى أقلّ الركوع انعقدت صلاته، وإن (لم ينو شيئا لم تنعقد على الصحيح)؛ لتعارض قرينتي الافتتاح والهوي ولم يوجد صارف عن الثاني وذلك الصارف نية التحرم، فعُلم البطلان إن نوى الركوع فقط وكذا نية أحدهما مبهما، ويزاد أيضا ما لو شكّ أنوى بها التحرم وحده أوْ لا. (ولو أدركه في اعتداله فما بعده انتقل معه) وجوبا، نعم لو أحرم وهو في جلسة الاستراحة لا يلزمه موافقته فيها؛ لأن المخالفة فيها غير فاحشة كما مرّ
(1)
، (مكبرا) ندبا أيضا (والأصحّ أنه يوافقه) ندبا أيضا (في) الأذكار كـ (التشهد والتسبيحات) بل حتى في الصلاة على الآل ولو في
(1)
. ومرّ في شرح قول المنهاج: ((ولو فعل في صلاته غيرها)) ما له تعلق بما هنا.
وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي سَجْدَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهَا. وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ المَسْبُوقُ مُكَبِّرًا إنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ
تشهد المأموم الأول
(1)
؛ رعاية للمتابعة، (وأن من أدركه) فيما لا يحسب له كأن أدركه (في سجدة لم يكبر للانتقال إليها)؛ لأنه لم يتابعه في ذلك ولا هو محسوب له بخلاف الركوع، ولذا يكبر بعدُ إذا انتقل معه من السجود أو غيره موافقة له، وفي حكم السجود هنا سجود التلاوة والسهو فلا يكبر للانتقال إليهما لو أدرك إمامه في أحدهما. (وإذا سلم الإمام قام) أي انتقل (المسبوق مكبرا إن كان موضع جلوسه) لو انفرد كأن أدركه في ثالثة رباعية، أما لو قام قبل سلامه فإن تعمده بلا نية مفارقة أبطل إن فارق حدّ القعود كما مرّ، وإن سها أو جهل لم يعتد بجميع ما أتى به حتى يجلس ثمّ يقوم بعد سلام الإمام، ومتى علم ولم يجلس بطلت صلاته (وإلا) كثانية رباعية (فلا) يكبر (في الأصح)؛ لأنه ليس محل تكبيره وليس فيه موافقة الإمام، والأفضل للمسبوق أن لا يقوم إلا بعد تسليمتي الإمام، ويجوز بعد التسليمة الأولى، ولا يضر المكث وإن طال في محل جلوسه لو انفرد، أما في غيره فتبطل إن علم وتعمد؛ لوجوب القيام عليه فورا وإلا سجد للسهو، والمخل بالفورية هنا ما يزيد على قدر الذكر المشروع في الجلوس بين السجدتين وأقلّ التشهد بشرطه المار، وكذا يقال في كل محل قالوا فيه يجب على المأموم القيام أو نحوه فوراً.
(1)
. خلافا للنهاية.
إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ المُبَاحِ لَا فَائِتَةُ الحَضَرِ. وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ دُونَ الحَضَرِ. وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُوَرِهَا فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ لَا تُشْتَرَطُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(باب صلاة المسافر)
وهي القصر والجمع، والأصل في القصر الإجماع وآية النساء وغيرها. (إنما تقصر) مكتوبة لا نحو منذورة (رباعية مؤداة) ويُلحق بها فائتة السفر (في السفر الطويل المباح) في ظنه كمن أُرْسِل بكتاب لم يعلم فيه معصية، والمراد الجائز ولو مكروها كان يسافر وحده لاسيما في الليل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((لعن راكب الفلاة وحده))، أي إن ظنّ ضررا يلحقه، ويكره الاثنان أيضا لكن كراهة أخف، نعم لا كراهة لمن أنس بالله بحيث صار يأنس بالوحدة كأنس غيره بالرفقة، كما لو دعت للانفراد حاجة، ومثل الانفراد البعد عن الرفقة حيث لا يلحقه غوثهم، (لا فائتة الحضر) ولو احتمالا، ومثلها في جميع ما يأتي فائتة سفر لا يجوز فيه القصر فلا قصر؛ لأنها ثبتت في ذمته تامة. ولو سافر وقد بقي من الوقت ما لا يسعها بتمامها، فإن وسع ركعة فأكثر قصر -؛ إذ هي أداء على الأصح- وإلا فلا (ولو قضى فائتة السفر) المبيح للقصر (فالأظهر قصره في السفر) الذي فاتته فيه أو سفر آخر يبيح القصر وإن تخللت بينهما إقامة طويلة؛ لوجود سبب القصر في قضائها كأدائها (دون الحضر)؛ ونحوه لفقد سبب القصر حال فعلها.
(ومن سافر من بلدة فأول سفره مجاوزة سورها) المختص بها ولو في جهة مقصده فقط -كأن انهدم باقيه- لكن إن بقيت تسميته سورا؛ لأن ما في داخله محسوب من موضع الإقامة، والخندق كالسور وبعضه كبعضه وإن لم يكن فيه ماء، نعم لا عبرة به مع وجود السور ويلحق بالسور جبل بجانب القرية فَعَلَى من سافر صوبه قطع ارتفاعه إن اعتدل وإلا فما نسب إليها منه عرفا، ويلحق به أيضا تحويط أهل القرى عليها بالتراب أو نحوه، (فإن كان وراءه عمارة اشترط مجاوزتها في الأصح)؛ لأنها تابعة لداخله (قلت: الأصح لا تشترط والله أعلم)؛ لأنها لا تعد من البلد. ولو أرد من بالعمران الذي وراء السور أن يسافر من جهة السور لم تشترط،
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورُ الْبَلْدَةِ فَأَوَّلُهُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ لَا الخَرَابِ وَالْبَسَاتِينِ، وَالْقَرْيَةُ كَبَلْدَةٍ. وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ الخِيَامِ مُجَاوَزَةُ الحِلَّةِ
مجاوزة السور؛ لأنه مع خارجه كبلدة منفصلة عن أخرى
(1)
، (فإن لم يكن سور) مطلقا أو صوب سفره أو كان لها سور غير مختص بها كقرى متفاصلة جمعها سور (فأوله مجاوزة العمران) -وإن تخلله خراب ليس به أصول أبنية أو نهر وإن كبر أو ميدان-؛ لأنه محل الإقامة، (لا) المقابر المتصلة به ومطرح الرماد وملعب الصبيان، ولا (الخراب) الذي بعد العمران إن اتخذوه مزارع أو هجروه بالتحويط على العامر أو ذهبت أصول أبنيته -وإلا اشترطت مجاوزته- (و) لا (البساتين) والمزارع وإن كان فيها أبنية تسكن بعض أيام السنة أو حُوِّطت واتصلت بالبلد؛ لأنها لم تتخذ للسكنى (والقرية كبلدة) والقريتان إن اتصلتا عرفا كقرية ولم يكن بينهما سور
(2)
، وإن اختلفتا اسما، وإن لم تتصل
(3)
كفى مجاوزة قرية المسافر. (وأول سفر ساكن الخيام مجاوزة الحِلّة) وهي بيوت مجتمعة أو متفرقة بحيث يجتمع أهلها للسمر في نادٍ واحد ويستعير بعضهم من بعض، ويشترط مجاوزة مرافقها كمطرح رماد وملعب صبيان ونادٍ ومعاطن إبل وكذا ماءٍ وحطب اختصا بها؛ لأنها معدودة من مواضع إقامتهم، هذا إن كانت بمستوٍ وإلا فيشترط في وادٍ سافر في عرضه وهي بجميع العرض
(4)
مجاوزة عرضه وفي ربوة مجاوزة محل الهبوط وفي وهدة محل الصعود، بشرط اعتدال هذه الثلاثة، فإن أفرطت سعتها أو كانت ببعض العرض أُكتفيَ بمجرد مجاوزة الحلة ومرافقها المنسوبة إليها كما لو سافر في طول الوادي
(5)
، والنازل وحده بمحل من البادية بفراقه وما ينسب إليه عرفا. ولو اتصل البلد الذي لا سور له من جهة البحر بساحل البحر اشترط جري السفينة أو زورقها وإن كانت في هواء العمران.
(1)
. أي وإن اتصلت.
(2)
. قيد بذلك الشارح عند شرحه لزيادة النووي السابقة.
(3)
. ولو بنحو سور بأن فرق بين اتصالهما كما مر.
(4)
. والعبرة بمجاوزة الخيام هنا إن عمتها ولو كانت أكثر من حلة كما يفهم من كلامه هنا ويقتضيه كلامه في الإمداد.
(5)
. كما في الإمداد.
وَإِذَا رَجَعَ انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً. وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ. وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ أَرْبَعَةً، وَفِي قَوْلٍ أَبَدًا،
(وإذا رجع) المسافر المستقل
(1)
من مسافة قصر إلى وطنه مطلقا أو إلى غيره بنية الإقامة (انتهى سفره ببلوغه ما شرط مجاوزته ابتداء) من سور أو غيره وإن لم يدخله، أما نية الرجوع فستأتي. وخرج بمن مسافة القصر ما لو رجع من دونها فإنه حينئذٍ إما أن يرجع لحاجة أو للإقامة فإن رجع لحاجة فتارة يرجع إلى وطنه فيصير مقيما بابتداء رجوعه وتارة إلى غير وطنه فيترخص وإن دخلها ولو كان قد أقام بها، أما إن رجع للإقامة فينقطع بمجرد رجوعه مطلقا. (ولو نوى) المستقل (إقامة) مطلقة أو (أربعة أيام) بلياليها (بموضع) عيَّنه قبل وصوله (انقطع سفره بوصوله) وإن لم يصلح للإقامة. أو نوها عند وصوله أو بعده وهو ماكث انقطع سفره بالنية، أو ما دون الأربعة لم يؤثر، أو أقام الأربعة الإمام بلا نية انقطع سفره بتمامها، أو نوى إقامة وهو سائر لم يؤثر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أباح للمهاجر الإقامة ثلاثة أيام بمكة مترخصين. وشمل قوله بوصوله ما لو خرج ناويا مرحلتين ثمّ عنّ له أن يقيم ببلد قريب منه فله القصر ما لم يصل لذلك البلد القريب؛ لانتفاء سبب الرخصة في حقه.
[تنبيه] لو دخل الحاج مكة قبل الوقوف بنحو يوم وكان ناويا الإقامة بها بعد رجوعه من منى أربعة أيام فأكثر استمر السفر إلى عوده إليها
؛ لأنه من جملة مقصده. (ولا يحسب منها يوما) أو ليلتا (دخوله وخروجه على الصحيح)؛ لأن فيهما الحط والترحال وهما من أشغال السفر، أما غير المستقل كزوجة وقن فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه، (ولو أقام ببلد) مثلا (بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت) يعني قبل مضي أربعة أيام صحاح، ومن الحاجة انتظار الريح لمسافري البحر، ومنها خروج الرفقة لمن يريد السفر معهم إن خرجوا وإلا فوحده (قصر) أي ترخص (ثمانية عشر يوما) كاملة غير يومي الدخول والخروج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((أقامها بعد فتح مكة لحرب هوزان يقصر الصلاة))، (وقيل) أقلّ من (أربعة)؛ لأن نية إقامتها تمنع الترخص فإقامتها أولى (وفي قول أبداً)؛ لأن العلة الحاجة.
(1)
. خلافا للنهاية فلم يقيده بذلك.
وَقِيلَ الخِلَافُ فِي خَائِفِ الْقِتَالِ لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً فَلَا قَصْرَ عَلَى المَذْهَبِ
(وقيل الخلاف) فيما فوق الأربعة (في خائف القتال، لا التاجر ونحوه)؛ لأنه الوارد، ورُدَّ بأن المرخِّص وصف السفر (ولو علم) خائف القتال
(1)
(بقاءها) أي الحاجة، أو أكره وعلم بقاء إكراهه (مدةً طويلة) أي زائدة على أربعة أيام صحاح (فلا قصر) أي ترخص (على المذهب)؛ لبعده عن هيئة المسافرين.
(1)
. أما غيره فلا يقصر بلا خلاف.
طَوِيلُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ. قُلْتُ: هُوَ مَرْحَلَتَانِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ. وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ، فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ قَصَرَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوَّلًا، فَلَا قَصْرَ للهَائِمِ وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ،
(فصل) في شروط القصر
وهي ثمانية: أحدها سفر طويل، و (طويل السفر ثمانية وأربعون ميلا) ذهابا فقط تحديدا ولو ظنّا (هاشمية)؛ لما صحَّ أنَّ ابني عمر وعباس رضي الله عنهم كانا يقصران ويفطران في أربعة برد ومثله لا يكون إلا عن توقيف، والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف خطوة والخطوة ثلاثة أقدام فهو ستة آلاف ذراع (قلت: هو مرحلتان بسير الأثقال) ودبيب الأقدام على العادة مع النزول المعتاد لنحو الاستراحة والأكل والصلاة فيعتبر زمن ذلك وإن لم يوجد، والمرحلتان يوم بليلته أو عكسه وإن لم يعتدلا أو يومان معتدلان بحيث يكونان بزمن يوم بليلته، ومثل اليومين ليلتان أو يوم وليلة
(1)
. (والبحر كالبرّ) في اشتراط تلك المسافة (فلو قطع الأميال في ساعة)؛ لشدّة الهواء (قصر والله أعلم).
(و) ثانيها علم مقصده، ولذا (يشترط قصد موضع) معلوم من حيث قدر المسافة ولو غير (معين) من حيث ذاته (أوَّلاً) -أي أول سفره-؛ ليعلم أنه طويل، نعم لو سافر متبوع بتابعه كأسير وقن وزوجة وجيش ولا يعرف مقصده قصر بعد المرحلتين؛ لتحقق الطول
(2)
، ومثلهم ما لو قصد كافر مرحلتين ثمّ أسلم أثناءهما فيقصر فيما بقي؛ لقصده أوَّلاً ما يجوز له القصر فيه لو تأهل للصلاة، وبه يُفْرَق بينه وبين عاصٍ تاب فلا يحسب له ما قطعه قبل التوبة، (فلا قصر للهائم) وهو من لا يدري أين يتوجه وإن سلك طريقا مسلوكا (وإن طال تردده)؛ لأنه عابث فلا يليق به الترخص، نعم لو قصد مرحلتين أو أكثر قصر فيما قصده لا فيما زاد
(1)
. أي ليلة ليوم آخر.
(2)
. يأتي تفصيل ذلك آنفا.
وَلَا طَالِبِ غَرِيمٍ وَآبِقٍ يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ. وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ كَسُهُولَةٍ أَوْ أَمْنٍ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوِ الزَّوْجَةُ أَوِ الجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ فِي السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُ مَقْصِدَهُ، فَلَا قَصْرَ،
عليه
(1)
، وسيعلم أن بعض أفراده حرام، (ولا طالب غريم وآبق) عقد سفره بنيةِ أن (يرجع متى وجده)، أما إذا طرأ ذلك العزم بعد قصد محل معين أولاً وبعد مجاوزة العمران فيترخص إلى أن يجده (ولا يعلم موضعه)؛ لأنه لم يعزم على سفر طويل، ومن ثمّ لو علم أنه لا يلقاه إلا بعد مرحلتين أو أكثر قَصَر في تلك المسافة التي علم أنه لا يلقاه فيها فقط لا في الزائد كالهائم. (ولو كان لمقصِده طريقان طويل وقصير) أما الطويلان فلا خلاف في جوازه فيهما (فسلك الطويل لغرضٍ كسهولة أو أمن) أو زيارة وإن قصد مع ذلك استباحة القصر، وكذا لو سلك الطويل لمجرد التنزه
(2)
؛ لأنه غرض مقصود، ولذا لو سافر لأجله قصر أيضا
(3)
بخلاف مجرد رؤية البلاد ابتداء أو عند العدول؛ لأنه غرض فاسد وسفره معصية (قصر وإلا) يكن له غرض صحيح كما لو قصد القصر فقط (فلا في الأظهر)؛ إذ يشبه من سلك قصيرا وطوَّله على نفسه حتى بلغ مرحلتين، والكلام في متعمد ذلك بخلاف نحو الغالط والجاهل بالأقرب فيقصران وإن لم يكن لهما غَرَضٌ في سلوكه. (ولو تبع العبد أو الزوجة أو الجندي) أو الأسير (مالك أمره في السفر ولا يعرف مقصده فلا قصر) إلا بعد مرحلتين لا قبلهما إلا إن علموا أن سفره يبلغهما، نعم مَن نوى من هؤلاء التابعين العالمين بطول سفره الهروبَ إن وجد فرصة أو الرجوع إن زال مانعه لم يترخص إلا بعدهما؛ لأنه حينئذٍ وجد سبب ترخصه يقينا فلم يؤثر فيه قصد قطعه قبل وجوده، والوجه أن رؤية قصر المتبوع العالم بشروط القصر بمجرد مفارقته لمحله كعلم مقصده بخلاف إعداده عدة كثيرة لا تكون إلا لسفر طويل؛ لاحتمال نيته الإقامة في مفازة قريبة طويلا، أما إذا عرف مقصد متبوعه وأنه على مرحلتين فيقصر وإن امتنع
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. التنزه هو إزالة الكدورة النفسية برؤية مستحسن يشغلها به عنه.
(3)
. خلافا لهما فاعتمدا أنه لا فرق بين التنزه ورؤية البلاد، فإن كان واحد منهما سبباً لأصل السفر مثلا فلا يقصر، أو للعدول إلى الطويل فيقصر.
فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَصَرَ الجُنْدِيُّ، دُونَهُمَا. وَلَوْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى رُجُوعًا انْقَطَعَ، فَإِنْ سَارَ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ. وَلَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ، فَلَوْ أَنْشَأَ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً فَلَا تَرَخُّصَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَمَنْشَأُ السَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ
على متبوعه القصر، (فلو نووا مسافة قصر) دون متبوعهم أو جهلوا حاله (قصر الجندي) المتطوع بالسفر مع الأمير (دونهما)؛ لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره بخلافهما كأسير وأجير العين، أما جندي مثبت في الديوان فلا أثر لنيته، وكذا جميع الجيش؛ لأنهم تحت يد الأمير وقهره. (ولو قصد سفرا طويلا فسار ثمّ نوى) المستقل (رجوعا) أو تردد فيه إلى وطنه مطلقاً، أو إلى غيره لغير حاجة
(1)
(انقطع) بمجرد نيته إن كان نازلاً، لا إن كان سائرا لجهة مقصده، (فإن سار فسفر جديد)، أما إذا نوى الرجوع إلى غير وطنه لحاجة فلا ينتهي سفره بذلك.
(و) ثالثها جواز سفره بالنسبة للقصر وسائر الرخص إلا التيمم فإنه يلزمه لكن مع إعادة ما صلاه به كما مرّ فـ (لا يترخص العاصي بسفره
(2)
كمن يُتْعِبُ نفسه ودابته بالركض من غير غرض أو يسافر لمجرد رؤية البلاد والنظر إليها، و (كآبق وناشزة) ومسافر بلا إذن أصل يجب استئذانه ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير أذن دائنه؛ لأن الرخص لا تناط بالمعاصي
(3)
، أما العاصي في سفره وهو من يقصد سفرا مباحا فيعرض له فيه معصية فيرتكبها فيترخص؛ لأن سبب ترخصه مباح، (فلو أنشأ مباحا ثمّ جعله معصية فلا ترخص) من حين الجعل (في الأصح) كالأول (ولو أنشأه عاصيا ثمّ تاب) توبة صحيحة، أما لو عصى بسفره يوم الجمعة ثمّ تاب فإنه لا يترخص حتى تفوت الجمعة (فمنشأ السفر من حين التوبة
(4)
.
(1)
. أما لها فلا يقطع.
(2)
. وتقدم في التيمم أنه لا يجب إعطاؤه مؤنة احتاج إليها بل يقدم نحو شراء ماء للوضوء على مؤنته حتى يتوب 1/ 338.
(3)
. أفاد الشارح في مبطلات الصلاة أنه يجب السفر لتعلم علم واجب ولا يكون نحو دَين مؤجل عذرا له ويأتي تفصيل ذلك في السير.
(4)
. ظاهره أنه يشترط كون الباقي مرحلتين فأكثر خلافا للنهاية.
وَلَوِ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ لَحْظَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. وَلَوْ رَعَُِفَ الْإِمَامُ المُسَافِرُ وَاسْتَخْلَفَ مُتِمًّا أَتَمَّ المُقْتَدُونَ، وَكَذَا لَوْ عَادَ الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ. وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ، أَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا أَتَمَّ، وَلَوِ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا، أَوْ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ أَتَمَّ،
(و) رابعها عدم إقتداؤه بمتم و (لو) احتمالا، فمتى (اقتدى بمتم
(1)
ولو مسافراً (لحظة) ولو دون تكبيرة الإحرام كأن أدركه في آخر صلاته ولو من نحو صبح أو عيد أو راتبة (لزمه الإتمام)؛ لأن ذلك سنة أبي القاسم محمد صلى الله عليه وسلم كما صحّ عن ابن عباس، (ولو) بطلت كأن (رعَُِف) كثيرا
(2)
(الإمام المسافر) القاصر (واستخلف متما) ولو غير مقتدٍ به (أتم المقتدون) وإن لم ينووا الإقتداء به؛ لأنهم بمجرد الاستخلاف صاروا مقتدين به حكما، ومن ثم لحقهم سهوه وتحمَّل سهوهم، نعم إن نووا فراقه حين أحسوا بأول رعافه قبل تمام استخلافه قصروا كما لو لم يستخلفه هو ولا المأمومون أو استخلف قاصرا، (وكذا لو عاد الإمام واقتدى به. ولو لزم الإتمام مقتديا ففسدت صلاته أو صلاة إمامه أو بان إمامه محدثا) ومنه الجنب وذا نجاسة خفية؛ لما مرّ (أتم)؛ لأنها صلاة لزمه إتمامها فلم يجز له قصرها كفائتة الحضر. وخرج بفسدت ما لو بان عدم انعقادها لغير الحدث والخبث الخفي فله قصرها. (ولو اقتدى بمن ظنه مسافرا) فنوى القصر (فبان مقيما) -فقط- يعني متما (أو بمن جَهِل) حاله أو شك في (سفره أتم) وإن بان مسافرا قاصرا؛ لتقصيره بشروعه مترددا. وخرج بمقيما فقط ما لو بان مقيما محدثا فإن بانت الإقامة أوَّلاً وجب الإتمام كما لو اقتدى بمن علمه مقيما فبان حدثه أو الحدث أولاً أو بانا معاً فلا؛ إذ لا قدوة باطنا لحدثه وفي الظاهر ظنه مسافرا، ومن ثم لو اقتدى بمن ظن سفره ثمّ أحدث الإمام وظن المأموم مع عروض حدثه أنه نوى القصر ثمّ بان مقيما قصر، أما لو صحت القدوة بأن اقتدى بمن ظنه مسافرا ثم أحدث ولم يظن ذلك ثم بان مقيما فإنه يتم وإن علم حدثه أوّلاً، وإنما صحت الجمعة مع تبين حدث إمامها الزائد على الأربعين؛ اكتفاء فيها بصورة الجماعة بل حقيقتها؛ لقولهم إن الصلاة خلفه جماعةً كاملةٌ كما مر.
(1)
. أي ولا ينوي هو الإتمام كما صرح به الشارح في كتاب الصيام 3/ 431.
(2)
. خالفاه فعندهما لا يعفى عنه ولو قليلا.
وَلَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ قَصَرَ. وَلَوْ شَكَّ فِيهَا، فَقَالَ: إنْ قَصَرَ قَصَرْتُ وَإِلَّا أَتْمَمْتُ قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا دَوَامًا، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَمْ يُتِمُّ، أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ أَوْ قَامَ إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مُتِمٌّ أَمْ سَاهٍ أَتَمَّ. وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا عَادَ وَسَجَدَ لَهُ وَسَلَّمَ،
[تنبيه] إنما انعقدت الصلاة فيما ذكر فيمن نوى القصر في اقتدائه بمن علمه مقيما فبان حدثه؛ لأن المسافر من أهل القصر بخلاف مقيم نواه فتبطل؛ لتلاعبه، (ولو علمه) أو ظنه (مسافرا وشك في نيته) القصر؛ لكونه لا يوجبه
(1)
فجزم هو بنية القصر (قصر) إذا بان قاصرا; لأنه الظاهر من حاله، (ولو شك فيها فقال إن قصر قصرت وإلا أتممت قصر في الأصح) إن قصر; لأنه صرَّح بما في نفس الأمر فلم يضره ذلك، ولو فسدت صلاة الإمام وجب الأخذ بقوله في نيته ولو فاسقا، فإن جهل وجب الإتمام؛ احتياطا.
(و) خامسها أنه (يشترط للقصر نيته) أو صلاة السفر أو الظهر مثلا ركعتين -وإن لم ينو ترخصا-; لأنه خلاف الأصل فاحتاج لصارف عنه بخلاف الإتمام (في الإحرام) كسائر النيات.
(و) سادسها (التحرز عن منافيها دواما، و) عليه (لو أحرم قاصرا ثم تردد في أنه يقصر أم يتم، أو) شك (في أنه نوى القصر، أو قام إمامه لثالثة فشك) أي تردد (هل هو متم أم ساه أتم) وإن بان أنه ساه؛ للتردد في الأولى ولأن الأصل في الثانية عدم النية، ولا يفيد تذكرها عن قرب؛ لمضي جزء من صلاته على الإتمام، أما الثالثة فللزوم الإتمام على أحد احتمالين كالثانية، ومن ثم لو أوجب إمامه القصر كحنفي بعد ثلاث مراحل لم يلزمه إتمام؛ حملا لقيامه على السهو، (ولو قام القاصر لثالثة عمدا بلا موجب للإتمام بطلت صلاته) كما لو قام المتم لخامسة (وإن كان سهوا) فتذكر، أو جهلا فعلم (عاد) وجوبا (وسجد له) ; لأن عمده مبطل، وكذا لو صار للقيام أقرب؛ لما مر في سجود السهو، بل وإن لم يصر إليه أقرب؛ لأن تعمد الخروج عن حد الجلوس مبطل.
(1)
. لكونه غير حنفي كما سيأتي قريبا.
فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ عَادَ ثُمَّ نَهَضَ مُتِمًّا. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ أَتَمَّ. وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِتْمَامِ عَلَى المَشْهُورِ إذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ. وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ
(وسلم، فإن أراد) حين تذكره (أن يتم عاد) وجوبا للجلوس (ثم نهض متما) -أي ناويا الإتمام-؛ لأن نهوضه أُلغي؛ لسهوه فوجبت إعادته.
(و) سابعها (يشترط كونه مسافرا في جميع صلاته، فلو نوى الإقامة فيها) أو شك في نيتها (أو بلغت سفينة) فيها (دار إقامته) أو شك هل بلغته (أتم)؛ لزوال تحقق سبب الرخصة.
وثامنها كونه عالما بجواز القصر.
(والقصر أفضل من الإتمام على المشهور إذا بلغ ثلاث مراحل) وإلا فالإتمام أفضل؛ خروجا من إيجاب أبي حنيفة القصر في الأول والإتمام في الثاني، نعم الأفضل لمن وجد في نفسه كراهة القصر أو شك فيه أو كان ممن يُقتدى به بحضرة الناس القصر مطلقا، بل يكره له الإتمام وكذا لدائم حدث لو قصر خلا زمن صلاته عن جريانه أما لو كان لو قصر خلا زمن وضوئه وصلاته عنه فيجب القصر. والأفضل في كل قصر اختُلف في جوازه الإتمام كملاح
(1)
معه أهله؛ خروجا من منع أحمد القصر له وكالواقع في الثمانية عشر يوما، و يجب القصر متى ضاق الوقت عن الإتمام كما لو أخر الظهر ليجمع تأخيرا إلى أن لم يبق من وقت القصر إلا ما يسع أربع ركعات فيقصرهما. ولو ضاق الوقت وأرهقه الحدث بحيث لو قصر مع مدافعته أدركها في الوقت من غير ضرر ولو أحدث وتوضأ لم يدركها فيه لزمه القصر، ولذا لو ضاق وقت الأولى عن الطهارة والقصر لزمه نية تأخيرها إلى الثانية؛ لقدرته على إيقاعها به أداء. (والصوم) مطلقا لمسافر سفر قصر (أفضل من الفطر إن لم يتضرر به)؛ تعجيلا لبراءة ذمته ولأنه الأكثر من أحواله صلى الله عليه وسلم، فإن تضرر به لنحو ألم يشق احتماله عادة فالفطر أفضل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صائما في السفر قد ظلل عليه فقال ((ليس من البر أن تصوموا في السفر))، أما إذا خشي منه نحو تلف منفعة عضو فيجب الفطر، فإن صام عصى وأجزأه، ولو خشي ضعفا مآلا لا حالا فالأفضل الفطر في سفر حج أو غزو. والفطر أفضل مطلقا لمن شك فيه أو وجد في نفسه كراهة الترخص أو كان ممن يُقْتَدى به بحضرة الناس وكذا سائر الرخص.
(1)
. وهو من له دخل في تسيير السفينة كما في شرح بافضل.
فصل
يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا. وَالمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَكَذَا الْقَصِيرُ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ وَإِلَّا فَعَكْسُهُ.
وَشُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ: الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى، فَلَوْ صَلَّاهُمَا فَبَانَ فَسَادُهَا فَسَدَتِ الثَّانِيَةُ. وَنِيَّةُ الجَمْعِ، وَمَحَلُّهَا أَوَّلُ الْأُولَى،
(فصل) في الجمع بين الصلاتين
(يجوز) والأولى تركه إلا فيما يأتي (الجمع بين الظهر) كالجمعة (والعصر تقديما) في وقت الأولى
(1)
لغير المتحيرة
(2)
؛ لأن شرطه ظن صحة الأولى (وتأخيرا، والمغرب والعشاء كذلك في السفر الطويل)؛ للاتباع (وكذا القصير في قول) كالتنفل على الراحلة، ويسن بعرفة ومزدلفة؛ للسفر، وكذا بغيرهما لمن شك فيه، أو وجد في نفسه كراهته أو كان ممن يُقتدى به، ولمن لو جمع اقترنت صلاته بكمال كخلو عن جريان حدث سلس وعري وانفراد، وكإدراك عرفة أو أسير بل قد تجب في هذين، (فإن كان سائرا وقت الأولى) وأراد الجمع وعدم مراعاة خلاف أبي حنيفة (فتأخيرها أفضل وإلا فعكسه)؛ للاتباع، وإن كان سائرا أو نازلا وقتهما فالتقديم أولى؛ لأن فيه المسارعة لبراءة الذمة، ومحل التفاضل المار إن لم يغلب على ظنه اقتران أحد الجمعين بكمال يرجحه وإلا فيرجح على الآخر سواء أكان سائرا أم نازلا.
(وشروط) جمع (التقديم ثلاثة) بل أربعة:
أحدها (البداءة بالأولى)؛ لأن الوقت لها والثانية تابعة والتابع لا يتقدم على متبوعه، فلو عكس بطلت الأولى وله الجمع، (فلو صلاهما فبان فسادها فسدت الثانية) أي لم تقع عن فرضه بل تقع نفلا مطلقا.
(و) ثانيها (نية الجمع)؛ لتتميز عن تقديمها سهوا أو عبثا، (ومحلها) الأفضل (أول الأولى) كسائر المنويات.
(1)
. ظاهره أنه لا يكفي إدراك ركعة من الثانية فيه ونقل ابن قاسم عن الرملي خلافه.
(2)
. خلافا للمغني حيث ألحق بها كل من تلزمه الإعادة.
وَيَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَ المُوَالَاةُ بِأَلَّا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ، فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا، وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ، وَيُعْرَفُ طُولُهُ بِالْعُرْفِ. وَلِلْمُتَيَمِّمِ الجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ. وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا، أَوْ مِنَ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ تَدَارَكَ،
(ويجوز في أثنائها) ومع تحللها، ولو نوى في الأولى فعل الجمع ثم تَرْكَهِ ثم نواه جاز أيضا، أما لو نوى تركه بعد تحلل الأولى ثمّ أراده ولو فورا لم يجز
(1)
. ولو انعقدت صلاته في الحضر ثم سار -ولو بغير اختياره كما لو كان على سفينة- صحّ جمعه (في الأظهر)؛ لأنه ضم الثانية للأولى فما لم تفرغ الأولى فوقت ذلك الضم باق.
(و) ثالثها (الموالاة بألا يطول بينهما فصل)؛ لأنه المأثور، فيصلي مثلاً سنة الظهر القبلية ثم الفرضين ثم سنة الظهر البعدية ثم سنة العصر وخلاف ذلك جائز، نعم لا يجوز تقديم راتبة الثانية قبلهما في جمع التقديم ولا تقديم بعدية الأولى قبلها مطلقا
(2)
، (فإن طال ولو بعذر وجب تأخير الثانية إلى وقتها)؛ لزوال رابطة الجمع (ولا يضر فصل يسير)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالإقامة بينهما، فلا يضر ولو بنحو جنون أو تردد في أنه نوى الجمع في الأولى إذا تذكرها على قرب، أو ردةٍ إن أسلم بعدها على قرب أيضا ولا تجب بعد إسلام المرتد إعادة نية الجمع، (ويعرف طوله) وقصره (بالعرف) ; لأنه لم يرد له ضابط ومن الطويل قدر صلاة ركعتين، ولو بأخف ممكن. (وللمتيمم) بين الصلاتين (الجمع على الصحيح، ولا يضر تخلل طلب خفيف) بأن كان دون قدر ركعتين كالإقامة. (ولو جمع) تقديما (ثم علم) بعد فراغهما أو في أثناء الثانية وقد طال الفصل فيهما بين سلام الأولى والتذكر (ترك ركن من الأولى بطلتا) الأولى لترك الركن وتعذر التدارك والثانية؛ لبطلان الأولى (ويعيدهما جامعا) تقديما أو تأخيرا؛ لأنه لم يُصلِّ، أما إذا لم يطل فيلغو ما أتى به من الثانية ويبني على الأولى، وخرج بالعلم الشك في غير النية والتحرم فلا يؤثر بعد فراغ الأولى كما مر، (أو من الثانية) بعد فراغها (فإن لم يطل) فصل عرفا بين سلامها وتذكرها (تداركـ) ـه.
(1)
. خلافا لهما من تعليق الجواز بطول الفصل وعدمه.
(2)
. قال البجيرمي في ضبط ذلك أنه ((لا يجوز تقديم بعدية الأولى على الأولى مطلقا، ولا سنة الثانية على الأولى إن جمع تقديما، ولا الفصل بينهما بشيء مطلقا إن جمع تقديما، وما عدا ذلك جائز)).
وَإِلَّا فَبَاطِلَةٌ وَلَا جَمْعَ، وَلَوْ جَهِلَ أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا. وَإِذَا أَخَّرَ الْأُولَى لَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ وَ المُوَالَاةُ، وَنِيَّةُ الجَمْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجِبُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ بِنِيَّةِ الجَمْعِ وَإِلَّا فَيَعْصِي. وَتَكُونُ قَضَاءً. وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا فَصَارَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مُقِيمًا بَطَلَ الجَمْعُ. وَفِي الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا لَا يَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ تَأْخِيرًا فَأَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يُؤَثِّرْ،
(وإلا فباطلة)؛ لتعذر التدارك (ولا جمع)؛ لطوله، (ولو جهل) من أيهما هو (أعادهما لوقتيهما)؛ رعاية للأسوأ، نعم له جمع التأخير؛ إذ لا مانع له على كل تقدير.
ورابعها دوام سفره إلى عقد الثانية كما يأتي.
(وإذا أخَّر الأولى لم يجب الترتيب و الموالاة و نية الجمع) في الأولى (على الصحيح) ; لأن الوقت هنا للثانية والأولى هي التابعة فلم يحتج لشيء من تلك الثلاثة; لأنها إنما اعتبرت ثمّ لتتحقق التبعية؛ لعدم صلاحية الوقت للثانية، نعم تسن هذه الثلاثة هنا (ويجب) هنا شيئان:
أحدهما (كون التأخير بنية الجمع) في وقت الأولى؛ وذلك لتتميز عن التأخير المحرم، ولابد من نية إيقاعها في وقت الثانية، فلو نوى التأخير لا غير عصى وصارت الأولى قضاء (وإلا) ينو أصلا أو نوى وقد بقي من وقت الأولى ما لا يسعها (فيعصي) ; لأن التأخير عن أول الوقت إنما جاز بشرط العزم عن الفعل (و) فيما إذا ترك النية من أصلها أو نوى وقد بقي من الوقت ما لا يسع ركعة
(1)
(تكون قضاء) بترك العزم قبل ما يسع ركعة؛ لأن العزم كالفعل.
والرابع من شروط جمع التقديم دوام سفره إلى عقد الثانية كما قال: (ولو جمع تقديما فصار بين الصلاتين) أو قبل فراغ الأولى (مقيما) بنحو نية إقامة أو شك فيها (بطل الجمع)؛ لزوال سببه فيؤخر الثانية لوقتها والأولى صحيحة (و) إقامته (في الثانية و بعدها لا يبطل في الأصح)؛ صيانة لها عن البطلان بعد الانعقاد
(2)
، (أو تأخيرا فأقام بعد فراغهما لم يؤثر) كجمع التقدم.
(1)
. وفاقا لشيح الإسلام واعتمد النهاية والمغني أنه لو أخر النية إلى ما لا يسع الصلاة كاملة عصى وتكون قضاء.
(2)
. فلو جمع تقديما ثم دخل المقصد وقت الظهر لم تلزمه إعادة العصر ذكره الشارح في كتاب الصلاة 1/ 438.
وَقَبْلَهُ يَجْعَلُ الْأُولَى قَضَاءً. وَيَجُوزُ الجَمْعُ بِالمَطَرِ تَقْدِيمًا. وَالجَدِيدُ مَنْعُهُ تَأْخِيرًا. وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ وُجُودُهُ أَوَّلَهُمَا. وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى. وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ كَمَطَرٍ إنْ ذَابَا. وَالْأَظْهَرُ تَخْصِيصُ الرُّخْصَةِ بِمُصَلٍّ جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ يَتَأَذَّى بِالمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ
وثانيهما دوام سفره إلى تمامها كما قال (و) إقامته (قبله) -أي فرغهما- ولو في أثناء الثانية (يجعل الأولى قضاء) ; لأن الأولى تبع للثانية فاعتبر وجود سبب الجمع في جميع المتبوعة، وقضيته أنه لو قدَّم المتبوعة وأقام أثناء التابعة أنها تكون أداء واعتمده جمع وخالفه آخرون
(1)
.
(ويجوز) ولو للمقيم (الجمع) ولو جمعة وعصر كما مرّ (بالمطر) وإن ضعف بشرط أن يبل الثوب ومنه شَفّان
(2)
(تقديما) بشروطه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((صلَّى بالمدينة سبعا جميعا وثمانيا جميعا من غير خوف ولا سفر)) قال الشافعي رضي الله عنه: ((أرى ذلك العذر المطر)) (والجديد منعه تأخيرا) ; لأن المطر قد ينقطع فيؤدي إلى إخراج الأولى عن وقتها بغير عذر (وشرط التقديم وجوده أولهما)؛ ليتحقق الجمع مع العذر (والأصح اشتراطه عند سلام الأولى)؛ ليتحقق اتصال آخر الأولى بأول الثانية في حال العذر، وعليه فيشترط امتداده بينهما وتيقنه له و لا يكفي الاستصحاب؛ لأنه رخصة فلا بد من تحقق سببها، (والثلج والبرد كمطرٍ إن ذابا) وبَلّا الثوب؛ لوجود ضابطه فيهما حينئذ بخلاف ما إذا لم يذوبا بحيث يبلانه، (والأظهر تخصيص الرخصة بالمصلي جماعة بمسجد) أو بغيره (بعيد)، نعم يجوز للإمام الجمع وإن كان قريبا كمن اتفق وجود المطر وهو بالمسجد (يتأذى) تأذيا لا يحتمل عادة (بالمطر في طريقه) ; لأن المشقة إنما توجد حينئذ بخلاف ما إذا انتفى شرط من ذلك، ولا يجوز الجمع بنحو وحل ومرض، نعم اختير جوازه بالمرض تقديما وتأخيرا، ويراعى الأرفق به، وضابط المرض ما يشق معه فعل كل فرض في وقته مشقة تبيح الجلوس في الفرض.
(1)
. تردد الشارح في هذه في التحفة لكنه اعتمد في الفتح كونها قضاء واعتمد كونها أداء النهاية والمغني.
(2)
. هي ريح باردة فيها مطر خفيف.
إنَّمَا تَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ. وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الجَمَاعَةِ، وَمُكَاتَبٍ، وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ،
(باب صلاة الجُمُعة)
وهي فرض عين، وصلاتها أفضل الصلوات. (إنما تتعين على كل) مسلم (مكلف)، نعم يؤمر بها الصبي كما مرّ، وتجب على متعدٍّ بمزيل عقله فيقضيها ظهرا كما مرّ (حر ذكر مقيم) بمحلها أو بما يسمع منه النداء (بلا) مرخِّص في ترك الجماعة كـ (مرض)، وضابطه أن يلحقه بالحضور مشقة كمشقة المشي في المطر أو الوحل (ونحوه) وإن كان أجير عين ما لم يخش فساد العمل بغيبته، وذلك؛ لخبر ((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض))، نعم يسن لسيد أن يأذن لقنه ولعجوز في بذلتها أن تحضرها وكذا مريض أطاقه. ويجب السعي لها من حين الفجر على بعيد الدار، وظاهرٌ أنه لا يلزمه قبله وإن لم يدرك الجمعة إلا به.
(1)
(ولا جمعة على معذور بمرخص في ترك الجماعة)؛ لأنه صحّ أن من أعذرها المرض وألحقوا به ما في معناه مما مشقته كمشقته أو أشدّ وهو سائر أعذار الجماعة المارة لكن مما يمكن مجيئه هنا لا كالريح بالليل، ومن العذر هنا ما لو تعين الماء لطهر محل النجو ولم يجد ماء إلا بحضرة من يحرم نظره لعورته ولا يغض بصره عنها، للمشقة، وأيضا ما لو حلف غيره عليه أن لا يصليها؛ لخشيته عليه لو خرج إليها محذورا شهدت به قرينة لكن المحلوف عليه لم يخشه فيعذر؛ لأن إبراره كتأنيس المريض.
(و) لا (مكاتب) ; لأنه عبد ما بقي عليه درهم (وكذا من بعضه رقيق) ولو في نوبته (على الصحيح)؛ لعدم استقلاله. (ومن صحت ظهره) ممن لا جمعة عليه (صحت جمعته).
(1)
. كما ذكره الشارح في زيادة النووي الآتية.
وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنَ الجَامِعِ إلَّا المَرِيضَ وَنَحْوَهُ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ. وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا
(وله) أي من لا تلزمه (أن ينصرف من) محل إقامتها كـ (الجامع) قبل الإحرام بها; لأن نَقْصَهُ المَانِعَ لا يرتفع بحضوره (إلا) من وجبت عليه لكنه عذر كـ (المريض ونحوه) ممن عذر بمرخص في ترك الجماعة، ولو كان عذره بأكلِ كريهٍ إن تضرر الحاضرون به ضرراً يحتمل، أو يسهل زواله بتوقي ريحه (فيحرم انصرافه إن دخل الوقت)؛ لزوال المشقة بحضوره (إلا أن يزيد ضرره بانتظاره) لفعلها فيجوز انصرافه ما لم تقم إلا إذا تفاحش ضرره بأن زاد على مشقة المشي في الوحل زيادة لا تحتمل عادة، فله الانصراف وإن أحرم بها، وللعبد أيضا قطعها إن أحرم بغير إذن سيده وترتب على عدم قطعها فوت نحو مال للسيد وتضرر السيد بغيبته ضررا لا يحتمل عادة بخلاف ما لو أراد الأنس به فقط، أما قبل الوقت فله الانصراف مطلقا، ولو أعمى لا يجد قائدا.
[تنبيه] لو كان أربعون من نحو المرضى بمحل لم تلزمهم
(1)
إقامة الجمعة فيه وإن جوزنا تعددها لقيام العذر بهم، ولذا لو اجتمع في الحبس أربعون لم تلزمهم
(2)
بل لم تجز لهم إقامة الجمعة فيه؛ لقيام العذر بهم، نعم لو لم يكن بالبلد غيرهم وأمكنهم إقامتها بمحلهم لزمتهم; لأنه لا تعدد هنا والحبس إنما يمنع وجوب حضور محلها، (وتلزم الشيخ الهرم
(3)
والزمن
(4)
والمراد من لا يستطيع المشي فيهما (إن وجدا مركبا) -ولو آدميا لم يزر به ركوبه- بإعارة لا مِنَّة فيها بأن تفهت المنفعة جدا أو إجارة بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة (ولم يشق الركوب) كمشقة المشي في الوحل، (والأعمى يجد قائدا) ولو بأجرة مثل كذلك فإن فقده أو وجده بأكثر من أجرة المثل أو بها وفقدها أو لم تفضل عما مر لم يلزمه، وإن اعتاد المشي بالعصا و قرب الجامع منه؛ لأنه قد تحدث حفرة أو تصدمه دابة فيتضرر بذلك.
(1)
. خلافا لما نقله ابن قاسم عن الرملي من اللزوم.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. هو أقصى الكبر.
(4)
. هو مرض يدوم طويلاً، المصباح المنير.
وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الجُمُعَةُ أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ عَالٍ فِي هُدُوٍّ مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا. وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ الجُمُعَةُ فِي طَرِيقِهِ أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنِ الرُّفْقَةِ،
(وأهل القرية) مثلا (إن كان فيهم جمع تصح) أي تنعقد (به الجمعة) لزمتهم الجمعة و يحرم عليهم تعطيل محلهم منها والذهاب إليها في بلد أخرى وإن سمعوا النداء، (أو) ليس فيهم جمع كذلك، ولو بأن امتنع بعض من تنعقد به منها لكن (بلغهم) يعني معتدل السمع منهم إذا أصغى إليه ويعتبر كونه في محل مستو، ولو تقديرا
(1)
، والمراد بالمحلّ آخر طرف
(2)
مما يلي بلد الجمعة (صوت عال) عرفا من مؤذن بلد الجمعة إذا كان يؤذن كعادته -في علو الصوت- في بقية الأيام وإن لم يكن على عالٍ سواء في ذلك البلدة الكثيرة النخل والشجر وغيرها; لأننا نقدر البلوغ بتقدير زوال المانع (في هدوء) للأصوات والرياح (من طرف يليهم لبلد الجمعة لزمتهم)؛ لخبر ((الجمعة على من سمع النداء)) (وإلا فلا) تلزمهم؛ لعذرهم.
[فرع] لمن حضر العيد الذي وافق يومه يوم جمعة الانصراف بعده قبل دخول وقتها وعدم العود لها، وإن سمعوا تخفيفا عليهم، ومن ثم لو لم يحضروا لزمهم الحضور للجمعة. ولا تسقط بالسفر من محلها لمحل يسمع أهله النداء مطلقا; لأنه بالنسبة إليها كمحلة منها. (ويحرم على من لزمته) وإن لم تنعقد به كمقيم لا يجوز له القصر (السفر بعد الزوال)؛ لدخول وقتها (إلا أن تمكنه الجمعة) أي يتمكن منها بأن يغلب على ظنه إدراكها (في طريقه) أو مقصده، نعم يحرم السفر يوم الجمعة وإن تمكن منها في طريقه فيما إذا كان سفره لغير حاجة وتعطلت بسفره جمعة بلده
(3)
حرم عليه أو لحاجة فلا وإن بطلت جمعة بلده، أما إذا غلب على ظنه عدم إدراكها أو شك فيه فلا يجوز سفره (أو) كان سفره غير معصية وكان (يتضرر بتخلفه عن الرفقة)؛ دفعا لضرره، لذا فمجرد الوحشة غير عذر هنا بخلافه في الجماعة كما
(1)
. فلو علت بقمة جبل وسمعوا ولو استوت لم يسمعوا لم تجب أو انخفضت فلم يسمعوا ولو استوت لسمعوا وجب عليهم.
(2)
. خلافا للرملي فقال من محل إقامتها.
(3)
. بأن كان تمام الأربعين.
وَقَبْلَ الزَّوَالِ كَبَعْدِهِ فِي الجَدِيدِ إنْ كَانَ سَفَراً مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ طَاعَةً جَازَ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّ الطَّاعَةَ كَالمُبَاحِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ تُسَنُّ الجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ فِي الْأَصَحِّ وَيُخْفُونَهَا إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ. وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى الْيَأْسِ مِنَ الجُمُعَةِ وَلِغَيْرِهِ كَالمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ تَعْجِيلُهَا
تقدم، (وقبل الزوال كبعده في الجديد)؛ لأن الجمعة مضافة إلى اليوم، وقيَّد
(1)
التشبيه بقوله (إن كان سفرا مباحا وإن كان طاعة جاز) قطعا، وفيه خبر ضعيف (قلت: الأصح أن الطاعة كالمباح) في الحرمة (والله أعلم)، نعم إن احتاج السفر لإدراك نحو وقوف عرفة أو لإنقاذ نحو مال أو أسير جاز ولو بعد الزوال بل يجب لإنقاذ الأسير أو نحوه كقطع الفرض لذلك ويكره السفر ليلة الجمعة؛ لما رُوي أنه ((من سافر ليلتها دعا عليه ملكاه))، أما المسافر لمعصية فلا تسقط عنه; لأنه في حكم المقيم كما مرّ، وحيث حرم السفر هنا لم يترخص ما لم تفت الجمعة فيحسب ابتداء سفره من الآن. (ومَن لا جمعة عليهم) وهم بالبلد (تسن الجماعة في ظهرهم في الأصح)؛ لعموم أدلتها، أما من هم خارجها فتسن لهم إجماعا (ويخفونها) كأذانها ندبا (إن خفي عذرهم)؛ لئلا يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام، ومن ثم كره إظهارها عند جمع بخلاف ما إذا كان ظاهرا. (ويندب لمن أمكن زوال عذره) كقن يرجو العتق ومريض يتوقع الشفاء، وإن لم يظن ذلك (تأخير ظهره إلى اليأس من الجمعة) بأن يرفع الإمام رأسه من ركوع الثانية أو يكون بمحل لا يصل منه لمحل الجمعة إلا وقد رفع رأسه منه؛ رجاء تحصيل فرض أهل الكمال، نعم لو أخروا الجمعة حتى بقي من الوقت قدر أربع ركعات لم يسن تأخير الظهر قطعا. ولو صلى الظهر ثم زال عذره وأمكنته الجمعة لم تلزمه بل تسن له إلا إن كان خنثى واتضح بالذكورة فتلزمه، (و) يندب (لغيره) وهو من لا يمكن زوال عذره (كالمرأة والزمن) العاجز عن الركوب وقد عزم
(2)
على عدم فعل الجمعة وإن تمكن (تعجيلها) أي الظهر محافظة على فضيلة أول الوقت، أما لو عزم على أنه إن تمكن أو نشط فعلها فيسن له تأخير الظهر لليأس منها.
(1)
. كما في المحلى.
(2)
. خلافا لهما فاعتمدا إطلاق المنهاج.
وَلِصِحَّتِهَا مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: وَقْتُ الظُّهْرِ فَلَا تُقْضَى جُمُعَةً، فَلَوْ ضَاقَ عَنْهَا صَلَّوْا ظُهْرًا. وَلَوْ خَرَجَ وَهُمْ فِيهَا وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً، وَفِي قَوْلٍ اسْتِئْنَافًا. وَالمَسْبُوقُ كَغَيْرِهِ
[تنبيه] لو فاتت الجمعة غير المعذور وأيس منها لزمه فعل الظهر فورا
، ولو أحرم بالظهر قبل سلامهم من بالجمعة ولو احتمالا لم يصحّ؛ لأنها لازمة فلا ترتفع إلا بيقين، ولو لم يعلم سلام الإمام احتاط حتى يعلمه. ولو تركها أهل بلد فلا تصح ظهرهم حتى يضيق الوقت عن واجب الخطبتين والصلاة يقينا.
(ولصحتها مع شرط غيرها شروط) خمسة:
(أحدها وقت الظهر) بأن يبقى منه ما يسعها مع الخطبتين؛ للاتباع. ولو أمر الإمام بالمبادرة بها أو عدمها وجب امتثاله، (فلا) يجوز الشروع فيها مع الشك في سعة الوقت، ولا (تُقْضَى)، فيه تَجَوُّزٌ؛ لأن الجمعة أصل في نفسها لا بدل عن الظهر (جمعةًٌ) إذا فاتت بل ظهرا، (فلو ضاق) الوقت (عنها) أي عن أقل مجزئ من خطبتيها وركعتيها -ولو احتمالا- (صلوا ظهرا) كما لو فات شرط القصر يلزمه الإتمام، ولو شك في بقاء الوقت تَعيَّنَ الإحرام بالظهر. (ولو خرج) الوقت يقينا أو ظنا (وهم فيها
(1)
ولو قبيل السلام
(2)
وإن كان ذلك بإخبار عدل (وجب الظهر)؛ لامتناع الابتداء بالجمعة بعد خروج وقتها ففاتت بفواته، ولم يؤثر هنا الشك بخلافه قبل الإحرام بها; لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، ولو مَدَّ فيها حتى علم أن ما بقي منها لا يسعه ما بقي من الوقت انقلبت ظهرا من الآن
(3)
(بناء)؛ لأنهما صلاتا وقت واحد فتعين بناء أطولهما على أقصرهما، (وفي قول استئنافا)؛ لاختلالها بخروج وقتها، ويرد بأن ذلك يؤدي إلى أن تكون الظهر قضاء، (والمسبوق) المدرك ركعة (كغيره) أي الموافق في أنه إذا خرج الوقت قبل الميم من سلامه لزمه إتمامها ظهرا، ولا نظر لكون جمعته تابعة لجمعة صحيحة؛ لأن الوقت أهم شروطها، ومن ثم لو سلم الإمام وحده أو بعض العدد المعتبر في
(1)
. ذكر الشارح عند كلامه عن التعدد أنه لو سلم الإمام في الوقت والقوم خارجه فلا جمعة للجميع.
(2)
. وذكر الشارح في صفة الصلاة أنه تحرم التلسيمة الثانية إن وجد معها أو قبلها مبطل كخروج وقت جمعة.
(3)
. خلافا لهما فعندهما تنقلب ظهرا من خروج الوقت.
وَقِيلَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً. الثَّانِي: أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ المُجَمِّعِينَ. وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الخِيَامِ الصَّحْرَاءَ أَبَدًا فَلَا جُمُعَةَ فِي الْأَظْهَرِ
الوقت والبقية خارجة بطلت صلاة المُسَلِّمِين في الوقت؛ لأنه بان بخروج الوقت قبل سلام الأربعين فيه أن لا جمعة، وفارق ذلك ما لو بان حدث غير الإمام فإنها تقع له جمعة بأن الجمعة
تصح مع الحدث في الجملة كصلاة فاقد الطهورين، (وقيل يتمها جمعة) ; لأن المسبوق تابع لجمعة صحيحة.
(الثاني أن تقام) بل الشرط كون الأربعين
(1)
فقط
(2)
(في خطة) وهي محل معدود من البلد أو القرية لا يجوز لمريد السفر القصر فيه (أبنية) تعبيره للغالب؛ إذ في حكمها البناء الواحد، وكذا نحو الغيران
(3)
والسراديب في نحو الجبل وأبنية نحو السعف، وقد تلزمهم إقامتها بغير أبنية بأن خربت فأقاموا لعمارتها بخلاف المقيمين لإنشائها؛ عملا بالأصل فيهما (أوطان المجمعين) المجتمعة بحيث تسمى بلدة أو قرية واحدة، ولو تعددت مواضع متقاربة وتميزّ كلٌّ باسم فإن عُدّ كلٌّ مع ذلك قرية مستقلة عرفا لزمت كلاً جمعة وإلا وجبت جمعة واحدة، (ولو لازم) أما إن كانوا يتنقلون في نحو الشتاء فلا جمعة جزما (أهل الخيام) محلاً من (الصحراء) أما لو استوطنوا وكانت خيامهم خلال الأبنية فتلزمهم وتنعقد بهم (أبدا فلا جمعة في الأظهر) ; لأن قبائل العرب كانوا حول المدينة ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بحضورها، ولا تصح منهم بمحلهم، نعم لو سمعوا النداء من محلها بشروطه السابقة لزمتهم فيه تبعا لأهله.
(1)
. ولا يضر خروج من عداهم عنها خلافا للنهاية والمغني وما أفتى به الشهاب الرملي من عدم صحة جمعة من هو خارج من الخطة.
(2)
. هذا بالنسبة للصلاة، وسيأتي أن الخطبة لا يشترط فيها ذلك، وفرَّع الشارح على الأول أنه لو اقتدى أهل بلد سمعوا وهم ببلدهم بإمام الجمعة في بلده وتوفرت شروط الاقتداء جاز.
(3)
. جمع غار.
الثَّالِثُ: أَلَّا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا إلَّا إذَا كَبُرَتْ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ، وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ، وَقِيلَ إنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شِقَّيْهَا كَانَا كَبَلَدَيْنِ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ قُرىً فَاتَّصَلَتْ تَعَدَّدَتِ الجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا، فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ،
(الثالث ألا يسبقها ولا يقارنها جمعة في بلدتها) مثلا؛ لأنها لم تفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الخلفاء الراشدين إلا في موضع واحد
(1)
(إلا إذا كبرت) ذكره إيضاحا (و) المدار على تيقن (عسر) أي مشقة لا تحتمل عادة (اجتماعهم) أي اجتماع مَن يغلب فعلهم لها عادة (في مكان) واحد منها، ولو غير مسجد فتجوز الزيادة بحسب الحاجة، وتجوز أيضا إن كان بينهم قتال أو بعدت أطراف البلد لكن إن كان البعيد بمحل لو خرج منه عقب الفجر لم يدركها; لأنه لا يلزمه السعي إليها إلا بعد الفجر
(2)
، وفي هاتين تلزم الجمعة كلَّ جماعةٍ بعيدة أو بينها قتال وبلغت أربعين، (وقيل لا تستثنى هذه الصورة) وتتحمل المشقة، (وقيل إن حال نهر عظيم) يُحوِج إلى سياحة (بين شقيها كانا كبلدين، وقيل إن كانت قرى) متفاصلة (فاتصلت تعددت الجمعة بعددها)؛ استصحابا (فلو سبقها جمعة) بمحلها حيث لا يجوز فيه التعدد (فالصحيحة السابقة)؛ لجمعها الشرائط، أما ما يجوز فيه التعدد فتعددت بزيادة على الحاجة فتصح السابقات إلى أن تنتهي الحاجة ثم تبطل الزائدات، ومن شك في أنه من الأولين أو الآخرين أو في أن التعدد لحاجة أو لا لزمته الإعادة، ولو أخبر عدلُ رواية أو معذورٌ طائفةً بأنهم مسبوقون بأخرى أتموها ظهرا والاستئناف أفضل، ومحله إن لم يمكنهم إدراك جمعة السابقين
(3)
وإلا لزمهم القطع لإدراكها.
(1)
. وذكر الشارح في فصل الأذان أنه يسن أن يؤذن في البلدة الكبيرة في محال متعددة بحيث يسمع الأذان كل أهلها وإن كانت الجمعة في ذلك البلد في مكان واحد 1/ 461.
(2)
. ويجوز التعدد أيضا إن بعدت أطراف بلدة بحيث كان البعيد بمحل لا يسمع منه ندائها وهو المعتمد لكن عبر الشارح منه بمحتمل.
(3)
. أو أمكنه إدراكها في بلدة أخرى سمع النداء منها كما استوجهه الشارح عند شرحه لشروط الانعقاد.
وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ. وَالمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ، وَقِيلَ التَّحَلُّلِ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ الخُطْبَةِ فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شَكَّ اُسْتُؤْنِفَتِ الجُمُعَةُ، وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ صَلَّوْا ظُهْرًا، وَفِي قَوْلٍ جُمُعَةً
(وفي قول إن كان السلطان) أو نائبه أو الإمام الذي ولَّاه (مع الثانية) أو أذن فيها (فهي الصحيحة
(1)
. والمعتبر سبق التحرم) براء أكبر من الإمام؛ لأن به يتبين الانعقاد، (وقيل) سبق الهمزة، وقيل سبق (التحلل) أي ميم المتأخر من ((عليكم)) أو ((السلام))
(2)
، وذلك؛ للأمن بعده من عروض مفسد للصلاة، (وقيل بأول الخطبة)؛ بناء على أن الخطبتين بدل عن الركعتين، (فلو وقعتا معا أو شك) في المعية، والمراد بالشرع فيها وقوعها على حال تمكن معها المعية، ولا أثر لاحتمال تقدم أحدهما حينئذ؛ لأن المدار على ظنّ المكلف دون نفس الأمر، نعم تسن مراعاته بأن يصلوا الظهر بعد الجمعة (استؤنفت الجمعة) إن اتسع الوقت، فإن أيسوا منها صلوا ظهرا
(3)
وجماعتهم فيها حينئذ فرض كفاية، ولا أثر للتردد مع إخبار العدل بسبق أو غيره; لأن الشارع أقام إخباره في نحو ذلك مقام اليقين، ومن ثمّ لو شَكُّوا في المعية فأخبر عدل بعض الأربعين بسبق جمعتهم لم يلزمهم استئناف؛ لأنهم غير شاكِّين بخلاف الباقين يلزمهم إن أمكنهم بشروطه، (وإن سبقت إحداهما ولم تتعين) كأن سمع مسافر تكبيرتين متلاحقتين وجهل المتقدمة منهما (أو تعينت ونسيت صلوا ظهرا)؛ عملا بالأسوأ لأن الأصل بقاء الفرض في حق كلٍّ، (وفي قول جمعة) ; لأن المفعولتين غير مجزئتين.
(1)
. والأصح الأول، نعم إن اضطروا للصلاة مع السلطان نووا ركعتين نافلة كما أفاده الشارح في كتاب الجماعة 2/ 282.
(2)
. على تفصيله المار.
(3)
. فما دام الوقت متسعا لا تجوز الظهر واكتفى الشهاب والنهاية باليأس العادي بأن جرت العادة بعدم استئنافها.
الرَّابِعُ: الجَمَاعَةُ وَشَرْطُهَا كَغَيْرِهَا، وَأَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا مُسْتَوْطِنًا لَا يَظْعَنُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ،
(الرابع الجماعة
(1)
في الركعة الأولى بخلاف العدد لابد من بقائه إلى سلام الكل حتى لو أحدث واحد من الأربعين قبل سلامه -ولو بعد سلام من عداه- بطلت جمعة الكل؛ لأنه يُبْطِل صورة العدد، بخلاف ما لو بان حدثه بعد السلام فتصح صلاة الباقين كما سيأتي، ولا يشترط
(2)
تقدم إحرام من تنعقد بهم على غيرهم؛ لأن الإمام هو الأصل وغيره تبع له فحيث انعقدت له لم يُنْظَر للمأمومين.
(وشرطها كغيرها) كالقرب وعدم المخالفة الفاحشة وغير ذلك مما مر إلا نية الاقتداء والإمامة فإنهما شرطان هنا للانعقاد كما مر (و) اختصت باشتراط أمور أخرى منها (أن تقام بأربعين)؛ لما صح أن أول جمعة صُلِّيت بالمدينة كانت بأربعين وهو أقلّ ما ورد، فلو غاب بعض الأربعين فصلوا الظهر أو أحرموا بها ثمّ قدم الغائب في الوقت لم تلزمهم إقامتها جمعة
(3)
. وشرط انعقادها بهم كون كلّ منهم (مكلفا) مميزا ليخرج السكران (حرا
(4)
ذكرا) وإن كانوا من الجنّ إن علم بعد العلم بوجودهم وجود الشرط فيهم، وتنعقد أيضاً بالمريض وإن لم تلزمه، ولا تنعقد بمن صلاها في قرية أخرى. ولو كمل العدد بخنثى وجبت الإعادة وإن بان رجلا، ولو أحرم بأربعين فيهم خنثى فانفض واحد وبقي الخنثى لم تبطل; لأن الأصل بقاء الانعقاد (مستوطنا) بمحل إقامتها، فلا تنعقد بمن يلزمه حضورها من غير المستوطنين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم الجمعة بعرفة في حجة الوداع مع عزمه على الإقامة أياما، ومر أن من توطن خارج السور لا تنعقد به الجمعة داخله وعكسه; لأن السور يجعلهما كبلدتين منفصلتين، ولو لزمته فاتته وأمكنه إدراكها في بلدِهِ كجواز تعددها فيه لزمته، بل تلزمه في بلد أخرى إن سمع النداء منها (لا يظعن) أي يسافر (شتاء ولا صيفا إلا لحاجة)، فلا تنعقد بمسافر
(1)
. وإن كان فيها مكروه من حيث الجماعة مانع لفضلها كما صرح به الشارح في كتاب الجماعة 2/ 267.
(2)
. خلافا للنهاية والمغني والشهاب الرملي.
(3)
. ولو زال عذر جمعة بعد عقد الظهر لم يؤثر إلا إذا اتضح الخنثى بالذكورة؛ لتبين كونه من أهلها حال عقدها كما أفاده الشارح في فصل من تلزمه الصلاة 1/ 457.
(4)
. نعم لو عتق القن أثناء الجمعة انعقدت به كما ذكره الشارح في فصل من تلزمه الصلاة أيضاً 1/ 456.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومقيم على عزم عوده لوطنه ولو بعد مدة طويلة، ومن له مسكنان فالمعتبر ما إقامته به أكثر فإن استوت بهما فما فيه أهله أو ماله
(1)
فإن كان بكلّ أهل أو مال أعتبر ما به أحدهما دائما أو أكثر أو بواحد أهل وبالآخر مال أعتبر ما فيه الأهل فإن استويا في ذلك انعقدت به في كل منهما، ثمّ إن شرط المحلين أو المسكنين أن يكونا معينين يتنقل المتوطنون من أحدهما إلى الآخر ولا يتجاوزونهما إلى غيرهما، أما إن كانوا بمحل شتاء وبآخر صيفا مثلا ولم يتوطنوا محلين معينين كما مرّ فلا يكونوا مستوطنين بواحد منهما. ولو فارق أهلُ بلدٍ بلدهم في الصيف إلى مصايفهم فإن سافروا عنها -ولو سفرا قصيرا- لم تنعقد بهم في تلك المصايف وإن لزمتهم إن أقيمت جمعة معتبرة، وانعقدت بهم الجمعة في بلدهم لو عادوا إليها، أما إن خرجوا عن مساكنهم فقط فلا يكون هذا سفرا فتلزمهم الجمعة ولو فيما خرجوا إليه إن عُدَّ من الخطة وإلا لزمتهم فيها. ولو أكره الإمام أهل بلد على سكنى غيرها فامتثلوا لكنهم عازمون على الرجوع لبلدهم متى زال الإكراه لم تنعقد بهم في الثانية بل في الأولى لو عادوا إليها. ولو خرج بعد الفجر أهل البلد كلهم لحاجة كالصيف وأمكنهم إقامة الجمعة بوطنهم فالأحوط أنه يلزمهم السعي إليها من حين الفجر؛ لحرمة تعطيلها، وعُلم مما مرّ في التيمم أنه يشترط للانعقاد أيضا إغناء صلاتهم عن القضاء، وسيعلم مما يأتي أن شرطهم أيضا أن يسمعوا أركان الخطبتين وأن يكونوا قُرَّاء أو أميين متحدين في المعوز
(2)
عنه من الحروف التي لا يحسنونها
(3)
لكن بشرط أن يكون فيهم من يحسن الخطبتين، فلو كانوا قرّاء إلا واحداً منهم فإنه أميّ لم تنعقد بهم الجمعة، ولا فرق هنا بين أن يُقَصِّر الأمي في التعلم وأن لا
(4)
; لأن الجماعة المشروطة هنا للصحة صيَّرت بينهما ارتباطا كالارتباط بين صلاة الإمام والمأموم فصار كاقتداء قارئ بأمي، على أن المقصر لا يحسب من العدد; لأنه إن أمكنه التعلم قبل خروج الوقت فصلاته باطلة وإلا فالإعادة لازمة له. ولا تنعقد بأربعين أخرس؛ لتعذر الخطبة حينئذ. ولو كان في الأربعين مَن
(1)
. قيده بذلك في الإحصار وهو ظاهر مما بعده وفسر الأهل ثَمَّ بأنه حليلته ومحاجيره أي محاجير ولده دون نحو أخ وأب.
(2)
. أعوزه الشيء إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه، مختار الصحاح.
(3)
. أي لكي تصح صلاتهم كما مر.
(4)
. خلافا لهم.
وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا بِالمَرْضَى. وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ. وَلَوِ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الخُطْبَةِ لَمْ يُحْسَبِ المَفْعُولُ فِي غَيْبَتِهِمْ، وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الخُطْبَةِ إِنِ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ فِي الْأَظْهَرِ. وَإِنِ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ،
لا يعتقد وجوب بعض الأركان كحنفي صح حسبانه من الأربعين، وإن شك في إتيانه بجميع الواجب عندنا كما تصح إمامته بنا مع ذلك؛ لأن الظاهر توقيه للخلاف بخلاف ما إذا عُلم منه مفسد عندنا فلا يحسب؛ لبطلان صلاته عندنا كما مرّ، (والصحيح انعقادها بالمرضى)؛ لكمالهم، لكن إن لم يصلوا الظهر (وأن الإمام لا يشترط كونه فوق أربعين).
(ولو انفضَّ الأربعون) يعني العدد المعتبر ولو تسعة وثلاثين إذا كان الإمام كاملا، والانفضاض مثال والضابط النقص (أو بعضهم في الخطبة لم يحسب المفعول في غيبتهم
(1)
؛ لاشتراط سماعهم لجميع أركانها (ويجوز البناء على ما مضى إن عادوا قبل طول الفصل) عرفا، وإن انفضوا لغير عذر; لأن اليسير لا يقطع الموالاة، (وكذا بناء الصلاة على الخطبة إن انفضوا بينهما) وعادوا قبل طول الفصل عرفا؛ لذلك، (فإن عادوا بعد طوله) عرفا
(2)
بأن أبطل الموالاة في جمع التقدم (وجب الاستئناف في الأظهر) وإن انفضوا بعذر; لأن ذلك
(3)
لم يُنقل إلا متواليا. (وإن انفضوا) بمفارقة أو بطلان صلاة بالنسبة للركعة الأولى وببطلان صلاة بالنسبة للثانية؛ لما مر أن بقاء العدد شرطٌ إلى السلام بخلاف الجماعة فإنها شرط في الأولى فقط (في الصلاة) ولم يحرم عقب انفضاضهم في الركعة الأولى أربعون سمعوا الخطبة
(4)
(بطلت) الجمعة
(1)
. ويأتي بوعظ في غيبتهم أو يكرر الأركان.
(2)
. ومن الطويل كما مر ركعتان ولو بأخف ممكن.
(3)
. أي ما ذكر من الخطبة والجمعة.
(4)
. أفاد الشارح في صلاة الخوف أنه لو كان الخوف ببلد وحضرت صلاة الخوف صلوها على هيئة عسفان ولهم أن يصلوا على هيئة ذات الرقاع لكن بشرط أن يكون في كل ركعة أربعون سمعوا الخطبة ولا يضر النقص في الركعة الأخيرة.
وَفِي قَوْلٍ لَا إنْ بَقِيَ اثْنَانِ. وَتَصِحُّ خَلْفَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالمُسَافِرِ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ. وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَمَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ المُحْدِثَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ....
فيتمونها ظهرا
(1)
؛ لأن العدد شرطٌ ابتداءً فكذا دواما كالوقت فعليه لو تباطؤا حتى ركع فلا جمعة
(2)
، وإن أدركوه قبل الركوع اشترط أن يتمكنوا من الفاتحة والركوع قبل قيام الإمام عن أقل الركوع، وشرط الخالفين سماع الخطبتين كما مرَّ، أما إذا لم يسمعوها فلا بد من إحرامهم قبل انفضاض السامعين، وفي هذه الحالة لا يشترط تمكنهم في الفاتحة؛ لأنهم تابعون لمن أدركها، وبه يُعْلم أنهم لو لم يدركوا الفاتحة قبل انفضاضهم اشتراط إدراك هؤلاء لها، وما تقرر من جواز تبعيض صلاة الجمعة يفارق الخطبة إذا انفض أربعون سمعوا بعضها وحضر أربعون قبل انفضاضهم فلا يكفي سماعهم لباقيها بأن الارتباط فيها غير تام بخلاف الصلاة، (وفي قول لا) يضر (إن بقي اثنان) مع الإمام؛ لوجود مسمى الجماعة، ولو غاب بعض الأربعين فصلوا الظهر ثم قدم الغائب في الوقت لم يلزمهم إعادتها جمعة.
[تنبيه] ما مر من اشتراط إدراك الأربعين قدر الفاتحة في الأولى شامل للجائين بعد الانفضاض وفي أربعين حضروا معه أوّلاً وتباطئوا عنه
؛ لأن انفراد الإمام أوّلاً حتى لحقوه كانفراده في الأثناء (وتصح خلف) المتنفل وكلٍّ مِن (العبد والصبي والمسافر في الأظهر إن تم العدد بغيره)؛ لصحتها منهم، أما إن تم به فلا تصح جزما. (ولو بان الإمام جنبا أو محدثا صحت جمعتهم في الأظهر إن تم العدد بغيره) كما في سائر الصلوات، ومثل ذلك عكسه وهو ما لو بان المأمومون أو بعضهم محدثين فتحصل الجمعة للإمام والمتطهر منهم تبعا له أي واغتفر في حقه فوات العدد هنا دون ما في المتن; لأنه متبوع مستقل، وتقدم أنه لو أحدث واحد من الأربعين قبل سلامه بطلت جمعة الكل (وإلا) يتم (فلا) تصح؛ لما مر (ومن لحق الإمام المحدث راكعا لم تحسب ركعته على الصحيح) أما لو طرأ حدثه بعد إدراك المأموم للركوع معه فتحسب له كما مرّ.
(1)
. ومثلهم المنفضون إذا رجعوا ولا يصح أن يفعلوا جمعة مرة أخرى خلافا للرملي في النهاية تبعا لوالده فقالا إن محل إتمامها ظهرا إن لم تتوفر شروط الجمعة.
(2)
. ظاهره وإن قرءوا الفاتحة وأدركوا مع الإمام الركوع خلافا لمقتضى كلام الروض.
الخَامِسُ: خُطْبَتَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ. وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ: حَمْدُ اللهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيِّنٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ فِي الخُطْبَتَيْنِ. وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي إِحْدَاهُمَا،
(الخامس خطبتان)؛ لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ((لم يصل الجمعة إلا بخطبتين)) (قبل الصلاة) إجماعا، وقُدِّمت؛ لأنها شرط بخلاف خطبتي العيد فإنها تكملة. (وأركانهما خمسة) ولا يؤثر الشك بعد فراغها في ترك ركن منها (حمد الله تعالى)؛ للاتباع (والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لخبر ((قال الله تعالى وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي))، (ولفظهما متعين) ; لأنه الذي مضى عليه الناس في عصره صلى الله عليه وسلم إلى الآن، فلا يكفي ثناء وشكر ولا الحمد للرحمن مثلا فلفظة ((الله)) متعينة كما يتعين اسم ظاهر من أسمائه صلى الله عليه وسلم فلا يكفي ضمير كصلى الله عليه وإن تقدم له ذكر، ولا يتعين لفظ رسول بل يكفي لفظ محمد وأحمد والنبي والحاشر ونحوها مما ورد وصفه به، ولا يتعين أيضا لفظي الحمد والصلاة بالتعريف، بل يكفي أنا حامد لله وحمدت الله وأحمد الله وحمدا لله وصلى وأصلي ونصلي، ويكفي أيضا لله الحمد كعليكم السلام، ولا يشترط قصد الدعاء بالصلاة; لأنها موضوعة لذلك شرعا، (والوصية بالتقوى) ; لأنها المقصود من الخطبة فلا يكفي مجرد التحذير من الدنيا فإنه مما تواصى به منكرو الشرائع بل لا بد من الحث على الطاعة والزجر عن المعصية ويكفي أحدهما للزوم الآخر له
(1)
، (ولا يتعين لفظها على الصحيح)؛ لأن الغرض الوعظ، فيكفي أطيعوا الله، (وهذه الثلاثة أركان في) كل واحدة من (الخطبتين)؛ لأن كل خطبة مستقلة، (والرابع قراءة آية) مفهمة لا كـ {ثُمَّ نَظَرَ} المدثر: 21، وإن تعلقت بحكم منسوخ أو قصة لا بعض آية، وإن طال
(2)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((كان يقرأ سورة {ق} في كل جمعة على المنبر)) (في إحداهما)؛ لثبوت أصل القراءة دون محلها، ويسن كونها في الأولى بل يسن بعد فراغها سورة {ق} دائما؛ للاتباع، ويكفي في أصل السنة قراءة بعضها، ولو قرأ آية بقصد الوعظ أو
(1)
. خلافا لمقتضى كلامهما أنه لا يكفي الزجر عن المعصية في الحث على الطاعة.
(2)
. خالفاه في الغاية.
وَقِيلَ فِي الْأُولَى، وَقِيلَ فِيهِمَا، وَقِيلَ لَا تَجِبُ. وَالخَامِسُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا عَرَبِيَّةً مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَبَعْدَ الزَّوَالِ. وَالْقِيَامُ فِيهِمَا إنْ قَدَرَ. وَالجُلُوسُ بَيْنَهُمَا
الحمد مع مقصد القراءة حصلت ركنية القراءة وكذا إن أطلق
(1)
، فإن قصد بها أحدهما حصل ولا يحصلان معا؛ لأن الشيء الواحد لا يُؤدَّى به فرضان مقصودان. ولو أتى بآيات تشتمل على الأركان كلها -ما عدا الصلاة؛ لعدم آية تشتمل عليها- لم تجزئ; لأنها لا تسمى خطبة، (وقيل في الأولى) مقابلة للدعاء في الثانية، (وقيل فيهما) كالثلاثة الأُول، (وقيل لا تجب)؛ لأن المقصود الوعظ، (والخامس ما يقع عليه اسم دعاء) أخروي (للمؤمنين)، وإن لم يتعرض للمؤمنات؛ لأن المراد الجنس الشامل لهن؛ لنقل الخلف له عن السلف (في الثانية) ; لأن الأواخر به أليق ويكفي تخصيصه بالسامعين لا بالغائبين، (وقيل لا يجب)، ويسن الدعاء لولاة المسلمين وجيوشهم بالصلاح والنصر والقيام بالعدل ونحو ذلك بشرط أن لا يطيله بحيث يقطع الموالاة، أما وصف الولاة المُخَلِّطُون بما فيهم من الخير فمكروه إلا لخشية فتنة وبما ليس فيهم حرام إلا لفتنة فيوري ما أمكنه، وذكر المناقب لا يقطع الوِلاء ما لم يعد به معرضا عن الخطبة.
(ويشترط كونها) أي الأركان (عربية)؛ للاتباع، نعم إن لم يكن فيهم من يحسنها ولم يمكن تعلمها قبل ضيق الوقت خطب منهم واحد بلسانهم، وإن أمكن تعلمها وجب على كل منهم، فإن مضت مدة إمكان تعلم واحد منهم ولم يتعلم عصوا كلهم ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر، وفائدتها بالعربية مع عدم معرفتهم لها العلم بالوعظ في الجملة (مرتبة الأركان الثلاثة الأُوَل) ; لأنه الذي جرى عليه الناس. ولا ترتيب بين الأخيرين، ولا بينهما وبين الثلاثة (و بعد الزوال)؛ للاتباع (والقيام فيهما إن قدر) فإن عجز جلس والأولى أن يستخلف، فإن عجز فمضطجعا
(2)
(والجلوس) بطمأنينة (بينهما)؛ للاتباع، ويجب على نحو الجالس الفصل بسكتة ولا يجزئ عنها الاضطجاع. ولا يجب الجلوس بنية الخطبة بل الشرط عدم
(1)
. ظاهر صنيعها أنه يجزئ عن الحمد.
(2)
. فإن عجز فمستلقيا، وضابط جميع ما ذكر المصنف والشارح بين القدرة والعجز هو ما مر في الصلاة.
وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ. وَالجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الْكَلَامُ، وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ
الصارف، و لو لم يجلس حسبتا واحدة فيجلس ويأتي بالثانية (وإسماع) بالفعل
(1)
لا بالقوة فلا تصح مع وجود لغط
(2)
يمنع السماع (أربعين) أي تسعة وثلاثين، وهو لا يشترط إسماعه ولا سماعه؛ لأنه وإن كان أصم يفهم ما يقول (كاملين) ممن تنعقد بهم الأركان المار ذكرهم. ولا يشترط طهرهم ولا كونهم بمحل الصلاة ولا فهمهم لِمَا يسمعونه
(3)
(والجديد أنه لا يحرم) بل يكره (عليهم) أي الحاضرين -وإن لم يسمعوا- (الكلام)؛ لما صحّ ((أن رجلا سأل رسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة وهو يخطب ولم يُنكِر عليه
(4)
، ولا يحرم قطعا الكلام على خطيب ولا على من لم يستقر في موضع ولا على سامع خشي وقوع محذور بغافل بل يجب عليه عينا إن انحصر الأمر فيه وظن وقوعه به لولا تنبيهه أن ينبهه عليه، ولا يحرم أيضا
(5)
أن يُعَلِّم غيره خيرا ناجزا أو ينهاه عن منكر بل قد يجب في هذين أيضا إن كان التعليم لواجب مضيق والنهي عن محرم، نعم يسن له أن يقتصر على إشارة كفت، أما الخير والنهي الغير واجبين فيسنان بكلام يسير. (ويسن الإنصات) أي السكوت مع الإصغاء لما لا يجب سماعه، ومنه يعلم أنه لو كان من الحاضرين أربعون تلزمهم فقط حرم على بعضهم كلام فوته سماع ركن؛ لتسببه إلى إبطال الجمعة. ويسن الإنصات وإن لم يسمع الخطبة؛ خروجا من الخلاف، نعم الأولى لغير السامع أن يشتغل بالتلاوة والذكر سرا؛ لئلا يشوش على غيره، ولا يكره الكلام لمن أبيح له قطعا ممن ذكر وغيره ككونه قبل الخطبة أو بعدها أو بينهما ولو لغير حاجة. ويكره للداخل أن يسلم -أي وإن لم يأخذ لنفسه مكانا-؛ لاشتغال المُسَلَّم عليهم فإن سلم لزمهم الرد; لأن الكراهة لأمر خارج، ويسن تشميت العاطس والرد عليه; لأن سببه قهري، ورفع الصوت من غير مبالغة بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكر الخطيب له. ويسن أيضا صلاة ركعتين بنية التحية وهو الأولى أو راتبة الجمعة القبلية إن لم يكن صلاها وحينئذ الأولى أن ينوي التحية معها، فإن
(1)
. خلافا للشهاب الرملي والنهاية.
(2)
. وهي أصوات مبهمة لا تفهم.
(3)
. مفهوم ذلك أن هذه شروط في الخطيب.
(4)
. كما في الصحيحين.
(5)
. بل بحث الشارح السنية.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ المُوَالَاةِ، وَطَهَارَةِ الحَدَثِ وَالخَبَثِ وَالسَّتْرِ
أراد الاقتصار فالأولى نية التحية؛ لأنها تفوت بفواتها بالكلية
(1)
إذا لم تنو، فإن نوى أكثر منهما أو صلاة أخرى بقدرهما لم تنعقد، ويلزمه أن يقتصر فيهما على أقل مجزئ
(2)
ويخفف كذلك باقي أي صلاة طرأ جلوس الإمام على المنبر قبل الخطبة وهو فيها، فلو طولها على أقلّ مجزئ بطلت; لأن الحرمة ذاتية، ويحرم ولا تنعقد على من لم تسن له التحية
(3)
كجالس بعد جلوس الإمام على المنبر صلاة نفل أو فرض وإن لزمه فورا أو في حال الدعاء للسلطان؛ لأن في الصلاة إعراضا عن الخطيب بالكلية، ولذا فليس مثلها طواف وسجدة تلاوة أو شكر
(4)
.
[فرع] كتابه الحفائظ آخر جمعة من رمضان بدعة منكرة
؛ لتفويت سماع الخطبة والوقت الشريف مع ما فيها من الألفاظ مجهولة؛ إذ يحرم كتابة وقراءة الكلمات المجهولة التي لا يُعرف معناها، (قلت: الأصح أن ترتيب الأركان ليس بشرط) بل مندوب (والله أعلم)؛ لأن تركه لا يخل بالمقصود، (والأظهر اشتراط الموالاة) بين أركانهما وبينهما وبين الصلاة بأن لا يفصل بفصل طويل عرفا بما لا تعلق له بما هو فيه، وضابط العرف قدر ركعتين بأقلِّ مجزئ، (وطهارة الحدث) فإن سبقه تطهر واستأنف وإن قرب الفصل كالصلاة، ويفرق بين وجوب الاستئناف حينئذ وجواز البناء فيما لو استخلف الخطيب من سمع ما مضى بأن الأول فيه تكميل لما فسد بحدثه وهو ممتنع (والخبث) الذي لا يعفى عنه في الثوب والبدن والمكان وما يتصل بها بتفصيله السابق في المصلي (والستر) ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي عقب الخطبة فالظاهر أنه كان يخطب وهو متطهر مستور.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية فاعتمد فيها أنه يترك التطويل عرفا.
(3)
. وإن لم يسمع ولو لم تلزمه الجمعة وإن كان بغير محلها وقد نواها معهم بمحله وإن حال مانع اقتداء الآن.
(4)
. وفاقا للنهاية في الأولى دون الثانية.
وَتُسَنُّ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ مُرْتَفِعٌ. وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ المِنْبَرِ وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ، وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَيَجْلِسَ ثُمَّ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَأَنْ تَكُونَ بَلِيغَةً مَفْهُومَةً قَصِيرَةً. وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا
(وتسن على منبر) ولو في مكة؛ للاتباع، ويسن وضعه على يمين المحراب المُصَلَّى فيه؛ إذ القاعدة أن كل ما قابلته يسارك يمينه وعكسه، ومنبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير المسماة بالمستراح، ويسن الوقوف على التي تلي المستراح؛ للاتباع، نعم إن طال وقف على السابعة (أو مرتفع) إن فُقِد المنبر; لأنه أبلغ في الإعلام فإن فُقِد استند لنحو خشبة، (ويسلم) ندبا إذا دخل من باب المسجد؛ لإقباله عليهم، ثم (على من عند المنبر) إذا انتهى إليه؛ للاتباع، و لو تعددت الصفوف بين الباب والمنبر سَلَّم على كل صف أقبل عليهم، ومرّ أنه يكره له تحية المسجد بشرطه، فإذا صعد سلم ثالثا; لأنه استدبرهم في صعوده فكأنه فارقهم، (وأن يقبل عليهم) بوجهه كهم; لأنه اللائق بأدب الخطاب ولما فيه من توجههم للقبلة، ولذا كره خلافه إلا في المسجد الحرام؛ للحاجة لذلك غالبا (إذا صعد) الدرجة التي تلي مجلسه وتسمى المستراح، (ويسلم عليهم)؛ للاتباع (ويجلس، ثم يُؤذَِّن بين يديه) والأولى اتحاد المؤذن -إلا لعذروبفراغ الأذان وما يسن بعده من الذكر يشرع في الخطبة، والاقتصار على الأذان الثاني أفضل- إلا لحاجة كأن توقف حضورهم على الأذان الأول بالمنائرـ؛ لأن الأذان الأول محدث.
[تنبيه] يندب اتخاذ مرقٍ للخطيب يقرأ الآية والخبر المشهورين
(1)
؛ قياسا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة منى، (وأن تكون بليغة)؛ لأنها أوقع في القلب بخلاف المبتذلة كالمشتملة على ألفاظ عاميّة، ويحسن أن يضمنها آيات وأحاديث مناسبة لما هو فيه، وأن يذكر ما يناسب الزمن والأحوال العارضة؛ للاتباع (مفهومة) أي قريبة الفهم لأكثر الحاضرين؛ لأن الغريب الوحشي لا ينتفع به، وتكره الكلمات المشتركة بين معانٍ على السواء والبعيدة عن الأفهام وما تنكره عقول بعض الحاضرين بل قد يحرم الأخير إن أوقع في محظور (قصيرة) يعني متوسطة; لأن الطويلة تمل وللأمر في خبر مسلم بقصرها وتطويل الصلاة، فهي قصيرة بالنسبة للصلاة وإن كانت متوسطة في نفسها، (ولا يلتفت يمينا وشمالا) ولا خلفا (في شيء منها) ;
(1)
. أي قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الأحزاب: 56، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة
…
)) الحديث.
وَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ. وَيَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ. وَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا شَرَعَ المُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ لِيَبْلُغَ المِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ. وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى الجُمُعَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ المُنَافِقِينَ جَهْرًا.
لأن ذلك بدعة، ويكره دق الدرج في صعوده والدعاء قبل الجلوس بل يكون الدعاء من جلوسه للأذان إلى فراغ الصلاة؛ لأنها ساعة الإجابة، ولا يذكر شعرا فيها، (وأن يعتمد) في حال خطبته (على سيف أو عصا) ونحوه كالقوس؛ للاتباع، ويقبض ذلك بيده اليسرى؛ لأنه العادة في مريد الضرب والرمي، ويشغل يمينه بحرف المنبر الذي ليس عليه ذرق طير ولا به نحو عاج
(1)
وإلا بطلت إن مست يده ذلك، فإن لم تمسه فإن قبض المنبر بها وانجر بجره أبطل وإلا فلا، فإن لم يشغلها به وضع اليمنى على اليسرى أو أرسلهما إن أمن العبث، (ويكون جلوسه بينهما نحو سورة الإخلاص) تقريبا؛ خروجا من خلاف من أوجبه، ويشتغل فيه بالقراءة؛ للخبر الصحيح بذلك والأفضل سورة الإخلاص، ولذا لو طَوَّل هذا الجلوس بحيث انقطعت به الموالاة بطلت خطبته؛ لما مر أن الموالاة بينهما شرط بخلاف ما لو طول بعض الأركان بمناسب له، (وإذا فرغ منها شرع المؤذن في الإقامة وبادر الإمام ليبلغ المحراب مع فراغه)؛ تحقيقا للموالاة.
(ويقرأ في الأولى الجمعة) أو سبح، (وفي الثانية المنافقين) أو هل أتاك؛ للاتباع فيهما لكن الأوليان أفضل ولو لغير محصورين؛ لأن ما ورد بخصوصه لا تفصيل فيه، ولو ترك ما في الأولى قرأه مع ما في الثانية في الثانية وإن أدى لتطويلها على الأولى؛ لتأكد أمر هاتين السورتين، ولو قرأ ما في الثانية في الأولى عكس في الثانية؛ لئلا تخلو صلاته عنهما، ولو قرأ بعض الجمعة في الأولى أتى بباقيها مع المنافقين في الثانية
(2)
، ولو اقتدى في الثانية فسمع قراءة الإمام للمنافقين فيها فظاهر أنه يقرأ المنافقين في الثانية أيضاً; لأن السنة له حينئذ الاستماع، ولذا فإن لم يسمع وسنت له السورة فقرأ المنافقين فيها قرأ الجمعة في الثانية (جهرا) إجماعا، ويسن أيضا لمسبوق قام ليأتي بثانيته.
[فائدة] من السنة أن يقرأ المصلي بعد الجمعة قبل أن يثني رجله الفاتحة والإخلاص والمعوذتين سبعا سبعا
.
(1)
. هو عظم الفيل.
(2)
. ذكر الشارح ذلك في صلاة العيد وهو أحد احتمالين يظهر أنه مرجحه؛ لأنه فرع عليه.
فصل
يُسَنُّ الْغُسْلُ لِحَاضِرِهَا، وَقِيلَ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَوَقْتُهُ مِنَ الْفَجْرِ، وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ أَفْضَلُ، فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ فِي الْأَصَحِّ. وَمِنَ المَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيدِ، وَالْكُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَلِغَاسِلِ المَيِّتِ،
(فصل) في آدابها والأغسال المسنونة
(يسن الغسل لحاضرها) أي مريد حضورها وإن لم تلزمه؛ للأخبار الصحيحة فيه، وينبغي لصائم خشي منه مفطراً ولو على قول تركه وكذا سائر الأغسال (وقيل لكل أحد) ورُدَّ بأن سبب مشروعيته دفع الريح الكريه عن الحاضرين، (ووقته من الفجر) الصادق; لأن الأخبار علَّقته باليوم، (وتقريبه من ذهابه أفضل) ; لأنه أبلغ في دفع الريح الكريه، ولو تعارض مع التبكير قدمه حيث أمن الفوات؛ للخلاف في وجوبه، ومن ثم كره تركه، ولا يبطله طرو حدث ولو أكبر، (فإن عجز) عن الماء للغسل بطريقه السابق في التيمم (تيمم) بنية التيمم بدلاً عن الغسل، أو بنية طهر الجمعة (في الأصح) كسائر الأغسال المسنونة ولأن القصد النظافة والعبادة فإذا فاتت تلك بقيت هذه، ولو وجد ماء يكفي بعض بدنه فإن كان ببدنه تغير أزاله به وإلا فإن كفى الوضوء توضأ وإلا غسل بعض أعضائه، وحينئذٍ إن نوى الوضوء تيمم عن باقيه غير تيمم الغسل وإلا كفى تيمم الغسل، فإن فضل شيء عن أعضاء الوضوء غسل به أعالي بدنه، ولو فقد الماء بالكلية
(1)
سن له بعد أن يتيمم عن حدثه تيمم عن الغسل فإن اقتصر على تيمم بنيتهما حصلا.
(ومن المسنون
(2)
غسل العيد)؛ لأن الزينة مطلوبة فيه (والكسوف) و الخسوف (والاستسقاء)؛ لاجتماع الناس لهما، ويدخل وقته بأول الكسوف وإرادة الاجتماع لصلاة الاستسقاء (و لغاسل الميت) ولو حربي؛ لخبر ((من غسَّل ميتا فليغتسل)) وصرفه عن الوجوب
(1)
. ذكر هذا التفصيل الشارح عند كلامه على غسل الإحرام.
(2)
. ومن المسنون أيضا غسل من أدخل بعض حشفته فقط خروجا من الخلاف ذكره الشارح في الغسل 1/ 260.
وَالمَجْنُونِ وَالمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَا، وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، وَأَغْسَالُ الحَجِّ، وَآكَدُهَا غُسْلُ غَاسِلِ المَيِّتِ ثُمَّ الجُمُعَةِ، وَعَكْسُهُ الْقَدِيمُ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَأَحَادِيثُهُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَ يُسَنُّ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا مَاشِيًا،
خبر ((ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه)) وقيس بميتنا ميت غيرنا (و المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا) ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يغمى عليه في مرض موته ثم يغتسل وقيس به المجنون بل أولى؛ لأنه مظنة لإنزال المني، وينوي هنا رفع الجنابة; لأن غسله لاحتمالها، ويجزئه بفرض وجودها إذا لم يبن الحال أخذا مما مر في وضوء الاحتياط (والكافر إذ ا أسلم)؛ للأمر به، ولم يجب؛ لأن كثيرين أسلموا ولم يؤمروا به، وينوي هنا سببه -كسائر الأغسال إلا غسل المجنون والمغنى عليه- ما لم يحتمل وقوع جنابة منه قبلُ فيضم ندبا إليها نية رفع الجنابة، أما إذا تحقق وقوعها منه قبل فيلزمه الغسل وإن اغتسل في كفره؛ لبطلان نيته (وأغسال الحج) والعمرة الآتية وغسل اعتكاف وأذان ودخول مسجد وحرم المدينة ومكة لحلال ولكل ليلة من رمضان ولحلق عانة أو نتف إبط كما صح عن ابني عمر وعباس رضي الله عنهم ولبلوغ بالسن ولحجامة أو نحو فصد ولخروج من حمام ولتغير الجسد وكذا عند كل حال يقتضي تغيره وعند كل مجمع من مجامع الخير وعند سيلان الوادي، (وآكدها غسل غاسل الميت)؛ للخلاف في وجوبه، فيكره تركه (ثم الجمعة، وعكسه القديم، قلت: القديم هنا أظهر ورجحه الأكثرون وأحاديثه صحيحة كثيرة وليس للجديد حديث صحيح) أي متفق على صحته (والله أعلم، ويسن) لغير معذور (التبكير إليها
(1)
من طلوع الفجر لغير الخطيب؛ لما صح ((أن للجائي بعد اغتساله غسل الجنابة -أي كغسلها- في الساعة الأولى بدنة والثانية بقرة والثالثة كبشا أقرن والرابعة دجاجة والخامسة عصفورا والسادسة بيضة))، والمراد أن ما بين الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء متساوية سواء أطال اليوم أم قصر، ومن جاء أوَّلَ ساعةٍ أو وسطها أو آخرها يشتركون في أصل البدنة مثلا لكنهم يتفاوتون في كمالها، أما الإمام فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة؛ للاتباع، وقد يجب التبكير كما مر في بعيد الدار. ويسن لمطيق المشي أن يأتي إليها ككل عبادة (ماشيا) إلا لعذر؛ للخبر الصحيح ((من غَسَلَ يوم الجمعة -أي رأسه أو
(1)
. حتى أن القبلية للمبكر في المسجد أفضل كما ذكره الشارح في آخر صفة الصلاة 1/ 107.
بِسَكِينَةٍ، وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ، وَ لَا يَتَخَطَّى، وَأَنْ يَتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَطِيبٌ،
زوجته لندب الجماع ليلتها أو يومها وهو أفضل وقرب خروجه للجمعة أفضل- واغتسل وبكّر -أي أتى بالصلاة أول وقتها- وابتكر -أي أدرك أول الخطبة- ومشى ولم يركب -أي في جميع الطريق- ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة -أي إلى مصلاه- عمل سنة أجر صيامها وقيامها))، ويسن أن يكون طريق ذهابه أطول; لأنه أفضل ويتخير في عوده بين الركوب والمشي وأن يكون مشيه (بسكينة)؛ للأمر به، ويكره العدو فيه ككل عبادة، نعم إن لم يدركها إلا بالسعي وقد أطاقه وجب وإن لم يلق به ويحتمل خلافه أخذا من أن فقد بعض اللباس اللائق به عذر فيها إلا أن يفرق (وأن يشتغل في طريقه وحضوره بقراءة أو ذكر) وأفضله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة وكذا إن لم يسمعها، وإنما تكره القراءة في الطريق إن التهى عنها (ولا يتخطى) رقاب الناس؛ للنهي الصحيح عنه فيكره كراهة شديدة بل اختار في الروضة حرمته، نعم للإمام التخطي للمنبر أو المحراب إذا لم يجد طريقا سواه وكذا لغيره إذا أذنوا له فيه لا حياءً، نعم إن كان فيه إيثار بقربة كره لهم، أما إن كانوا نحو عبيده أو أولاده أو كان الجالس في الطريق أو كان ممن لا تنعقد به الجمعة والجائي ممن تنعقد به فيتخطى ليسمع، أو وجد فرجة بين يديه؛ لتقصيرهم لكن يكره أن يزيد على صفين أو اثنين
(1)
إلا إذا لم يجد غيرها أو لم يرج أنهم يسدونها عند القيام، ولا يكره لمعظَّم ظهر صلاحه وولايته تخطي من يعرفه؛ لتبرك الناس به (وأن يتزين بأحسن ثيابه)؛ لما صحّ من الحث عليه، وأفضلها الأبيض في كل زمن حيث لا عذر؛ للخبر الصحيح ((البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم
(2)
، ويلي الأبيض ما صبغ قبل نسجه، ولا كراهة فيما صبغ بعد نسجه كقبله، (وطيب) لغير صائم؛ لما صح أن الجمع بين الغسل ولبس الأحسن والطيب والإنصات وترك التخطي يكفر ما بين الجمعتين، ويسن للخطيب أن يبالغ في حسن
(1)
. بخلاف اختراق الصفوف قبل إقامة الصلاة كما فرق الشارح بين المسألتين في باب لا يتقدم على إمامه.
(2)
. ويسن أن يلبس العمامة؛ لأنها تسن لكل صلاة ولقصد التجمل ومثلها الطيلسان المحنك كما ذكره الشارح في اللباس 3/ 36.
وَإِزَالَةُ الظُّفُرِ وَالرِّيحِ، قُلْتُ: وَأَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا. وَيُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
الهيئة، ولبس السواد خلاف الأولى، وإدامة لبسه بدعة، (وإزالة الظفر) من يديه ورجليه لا أحدهما فيكره كلبس نعل أو خف واحدة لغير عذر. وإزالة شعر نحو إبطه وعانته لغير مريد التضحية في عشر الحجة؛ للاتباع. ويحفو شاربه -أي يقص ما يسهل قصه ويحلق ما لا يتيسر من معاطفه التي لا يمكن قصها حتى تبدو حمرة الشفة- ويكره استئصاله
(1)
. وحلق الرأس مباح إلا إن تأذى ببقاء شعره أو شق عليه تعهده فيندب. والمعتمد في كيفية تقليم اليدين أن يبدأ بمسبحة يمينه إلى خنصرها ثم إبهامها ثم خنصر يسارها إلى إبهامها على التوالي والرجلين أن يبدأ بخنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى على التوالي، وينبغي البدار بغسل محل القلم لأن الحك به قبله يخشى منه البرص. ويسن فعل ذلك يوم الخميس أو بكرة يوم الجمعة؛ لورود كلٍّ. ويكره نتف الأنف بل يقصه؛ لحديث فيه
(2)
(والريح) الكريه ونحوه كالوسخ؛ لئلا يؤذي، وهذه كلها لا تختص بالجمعة بل تسن لكل من أراد الحضور عند الناس لكنها فيها آكد، (قلت: وأن يقرأ الكهف يومها)؛ لما صح أنه يضئ له من النور ما بين الجمعتين (وليلتها)؛ لأنه يضئ له من النور ما بينه وبين البيت العتيق، والأفضل أولهما مبادرة للخير، وأن يكثر منها فيهما (ويكثر الدعاء) في يومها رجاء أن يصادف ساعة الإجابة وهي لحظة لطيفة تتنقل وأرجاها من حين يجلس الخطيب على المنبر إلى فراغ الصلاة كما مر، وفي ليلتها؛ لما جاء عن الشافعي رضي الله عنه أنه بلغه أن الدعاء يستجاب فيها (والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها وليلتها؛ للأخبار الصحيحة فيها، والإكثار منها أفضل منه بذكر أو قرآن لم يرد بخصوصه.
(1)
. وحلق اللحية ونتفها وكذا الحاجب كما ذكره الشارح قبيل الأطعمة 9/ 376.
(2)
. ويأتي في الجنائز أنه يسن دفن كل ما انفصل من حي 3/ 161.
وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الجُمُعَةِ التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الخَطِيبِ فَإِنْ بَاعَ صَحَّ، وَيُكْرَهُ قَبْلَ الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
(ويحرم على ذي الجمعة) أي من لزمته (التشاغل) عن السعي إليها (بالبيع) أو الشراء لغير ما يضطر إليه (وغيره) من كل العقود والصنائع وغيرهما من كل ما فيه شغل عن السعي إليها وإن كان عبادة (بعد الشروع)، نعم من يلزمه السعي قبل الوقت يحرم عليه التشاغل من حينئذٍ (في الأذان) الثاني وهو الذي (بين يدي الخطيب)؛ لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} الجمعة: 9، فيحرم الفعل وقيس به كل شاغل، ويحرم أيضا على من لم تلزمه مبايعة من تلزمه؛ لإعانته له على المعصية
(1)
. وخرج بالتشاغل فعل ذلك في الطريق إليها وهو ماشٍ أو المسجد وإن كره فيه ويلحق
(2)
بالمسجد كل محل يعلم وهو فيه وقتَ
(3)
الشروع فيها ويتيسر له لحوقها، وخرج بذي الجمعة من لا تلزمه مع مثله فيباح لهما (فإن باع صح)؛ لأن النهي لمعنى خارج عن العقد، (ويكره قبل الأذان بعد الزوال والله أعلم)؛ لدخول الوقت فربما فَوَّت، نعم إن فحش التأخير عنه كما في مكة لم يكره؛ للضرورة.
(1)
. وشرط الإعانة أن لا توجد المعصية إلا منهما بخلاف ما يأتي في بيع حاضر لباد 4/ 310.
(2)
. خلافا للنهاية.
(3)
. مفعول يعلم.
فصل
مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ أَدْرَكَ الجُمُعَةَ فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَةً. وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَهُ فَاتَتْهُ فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِهِ ظُهْرًا أَرْبَعًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي فِي اقْتِدَائِهِ الجُمُعَةَ
(فصل) فيما تُدْرَك به الجمعة وما يجوز الاستخلاف والمزحوم وغير ذلك
(مَن أدرك ركوع الثانية) مع الإمام المتطهر المحسوب له واستمر معه إلى أن يسلم
(1)
-فلو فارق أو بطلت صلاة الإمام لم يدرك الجمعة- (أدرك الجمعة) حكماً لا ثواباً كاملاً (فيصلي بعد سلام الإمام ركعة) جهرا؛ للخبر الصحيح ((من أدرك ركعة من الجمعة فليُصَلِّ إليها أخرى))، وتحصل الجمعة أيضا بإدراك ركعة أولى معه وإن فارقه بعدها؛ لما مر، وبإدراك ركعة معه وإن لم تكن أولى الإمام ولا ثانيته بأن قام لزائدة ولو عامدا فجاء جاهل بحاله واقتدى به وأدرك الفاتحة ثم استمر معه إلى أن يسلم; لأنه أدرك مع الإمام ركعة قبل سلام الإمام ولا بد في حالة تعمد الإمام الزيادة من زيادة الإمام على الأربعين، وفي هذه الأحوال كلها لو أراد آخر أن يقتدي به
(2)
في ركعته الثانية ليدرك الجمعة جاز
(3)
، وعليه لو أحرم خلف الثاني عند قيامه لثانيته آخر وخلف الثالث آخر وهكذا حصلت الجمعة للكل (وإن أدركه بعده) أي الركوع (فاتته فيتم بعد سلامه) أي الإمام (ظهرا أربعا) من غير نية؛ لفوات الجمعة، (والأصح أنه ينوي) وجوبا
(4)
(في اقتدائه الجمعة)؛ لأن اليأس لا يحصل إلا بالسلام إذ قد يتذكر الإمام ترك ركن فيأتي بركعة ويعلم المأموم ذلك
(5)
فيدرك معه الجمعة.
(1)
. خالفوه فاكتفوا بالاستمرار إلى فراغ السجدة الثانية.
(2)
. أي بمدرك ركعة من الجمعة فقط.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. وحمل الشهاب الرملي الندب على من تلزمه الجمعة كالمسافر.
(5)
. إنما عبر بـ ((ويعلم إلى آخره))؛ لقولهم لا تجوز متابعة الإمام في فعل السهو ولا في قيام الخامسة ولو بالنسبة للمسبوق.
وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنَ الجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يَسْتَخْلِفُ لِلْجُمُعَةِ إلَّا مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ
(وإذا خرج الإمام من الجمعة أو غيرها) بأن أخرج نفسه عن الإمامة بنحو تأخره، أو خرج عن الصلاة (بحدث أو غيره) أو بلا سبب أصلا (جاز الاستخلاف) للإمام ولهم ولبعضهم (في الأظهر)؛ لأن الصلاة بإمامين على التعاقب جائزة كما صح من فعل أبي بكر ثم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا وإذا جاز هذا فيمن لم تبطل صلاته ففي من بطلت بالأولى لضرورته إلى الخروج منها واحتياجه إلى الإمام، ويجوز أن يتقدم واحد بنفسه إلا إن فوَّت
(1)
على نفسه الجمعة
(2)
وإن قدمه الإمام، ولو تركه الإمام ولم يتقدم أحد في الجمعة لزمهم الاستخلاف في أولاها فقط؛ لاشتراط الجماعة فيها دون الثانية، فلو أتم الرجال حينئذ منفردين وقدم النسوة امرأة منهن جاز، ولو قدم الإمام أو المأمومون واحدا لزمه قبل فراغ الأولى التقدم؛ لئلا يؤدي إلى التواكل، ولا عبرة بتقديمه لمن لا تصح إمامته لهم كامرأة فلا تبطل صلاتهم إلا إن اقتدوا بها، وإنما يجوز الاستخلاف أو التقدم قبل أن ينفردوا بركن فعلي وإلا امتنع في الجمعة مطلقا وفي غيرها بغير تجديد نية اقتداء به، ولو انفرد بعضهم بركن قبل الاستخلاف ففي غيرها يحتاج مَن فعله لنية دون من لم يفعله وفيها إن كان غير الفاعلين أربعين بقيت وإلا بطلت، وما دام إماما لا يجوز ولا يصح استخلافه لغيره بخلاف ما إذا أخرج نفسه من الإمامة فإنه يجوز استخلافه وإن لم يكن له عذر (ولا يستخلف) هو أو هم (للجمعة إلا مقتديا به قبل) تبين (حدثه) ولا يتقدم فيها أحد بنفسه إلا إن كان مقتديا بالإمام قبل حدثه أيضا; لأن فيه إنشاء جمعة بعد أخرى أو فعل الظهر قبل فوات الجمعة وكلٌّ منهما ممتنع، وإنما اغتفروا ذلك في المسبوق; لأنه تابع لا منشئ
(3)
. أما غير الجمعة فلا يشترط فيه ذلك، ثم إن كان لم يقتدِ به قبل حدثه فشرطه أن لا يخالف إمامه في ترتيب صلاته كالأولى مطلقا أو ثالثة الرباعية بخلاف ثانيتها أو رابعتها أو ثالثة المغرب حيث لم يجددوا نية الاقتداء به; لأنه حينئذ يحتاج للقيام وهم للقعود، أو كان قد اقتدى به قبل حدثه فيجوز استخلافه مطلقا; لأنه يلزمه مراعاة نظم صلاة
(1)
. أي بأن لم يدرك الأولى.
(2)
. خلافا للنهاية وظاهر إطلاق المغني.
(3)
. ولذا امتنع اقتداء المسبوقين بعضهم ببعض بعد انتهاء الجمعة كما يأتي في الجمعة 2/ 283.
وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ حَضَرَ الخُطْبَةَ وَلَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ أَدْرَكَ الْأُولَى تَمَّتْ جُمُعَتُهُمْ، وَإِلَّا فَتَتِمُّ لَهُمْ دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ
الإمام فيقنت ويتشهد في محل قنوت الإمام وتشهده، (ولا يشترط كونه) أي الخليفة أو المتقدم (حضر الخطبة ولا الركعة الأولى في الأصح فيهما) ; لأنه بالاقتداء به قبل خروجه صار في حكم من فعل ذلك، ولا يشترط سماعه للخطبة جزما، ولو استخلفه قبل الصلاة اشترط سماعه لها وإن زاد على الأربعين؛ لأن من لم يسمع لا يندرج في ضمن غيره إلا بعد الاقتداء، ولهذا لو بادر أربعون سمعوا فعقدوا الجمعة انعقدت لهم بخلاف غير السامعين، فالشرط في الاستخلاف قبل الصلاة أن يسمعها فإن لم يسمعها لم يصح وإن زاد على الأربعين وإن سمعها كفى ولو محدثا أو صبيا زاد عنها؛ لأن السماع هنا اندرج في ضمن غيره فصار من أهلها تبعا ولبطلان صلاته أو نقصها اشترطت زيادته، وأما من لم يسمع فلم يصر من أهلها، ويجوز الاستخلاف في الخطبة
(1)
لمن حضر ما مضى من أركانها
(2)
دون غيره (ثم إن كان أدرك) الإمام في قيام أو ركوع (الأولى) وإن بطلت صلاة الإمام قبل ركوعها فيما إذا أدركه في القيام (تمت جمعتهم) وجمعته؛ لأنه صار قائما مقامه (وإلا فتتم لهم دونه في الأصح)؛ لإدراكهم ركعة كاملة مع الإمام بخلافه فيتمها ظهرا -وإن أدرك معه ركوع الثانية وسجودها-؛ لما مرّ أنه لا بد من بقائه معه إلى أن يسلم، وفارق هذا الخليفة مسبوقا اقتدى به بأنه تابع والخليفة إمام لا يمكن جعله تابعا لهم، ولا تلزم الخليفة نية الإمامة مطلقا؛ لبقاء كونه مأموما حكما إذ يلزمه الجري على نظم الإمام الأول.
[تنبيه] محل فرض ما هنا إن كان الإمام زائداً على الأربعين; لأنه إذا كان منهم بطلت بخروجه؛ لنقص العدد، وحيث لزم الخليفة الظهر اشترط أن يكون زائدا على الأربعين وإلا لم يصح إقتداؤهم به فلو أحرم بتسعة وثلاثين فاقتدى به آخر في الثانية ثمّ أحدث الإمام فعليهم استخلاف غير المسبوق وتصح جمعتهم؛ لحسبان المسبوق من العدد مع أنه لا يدرك الجمعة؛ لاختلاف الملحظين، وإن شاؤا صلوا فرادى، ولا يصح أن يستخلفوا المسبوق؛ لأنه ليس زائدا
(1)
. ولو أغمي على الخطيب جاز الاستخلاف كما في الفتح خلافاً لهما.
(2)
. وإن لم يسمع فالشرط الحضور هنا وفيما مر فيما لو استخلفه بعد الخطبة كما أفاده الشارح في الفتح والإمداد.
وَيُرَاعِي المَسْبُوقُ نَظْمَ المُسْتَخْلِفِ فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً تَشَهَّدَ وَأَشَارَ إلَيْهِمْ لِيُفَارِقُوهُ أَوْ يَنْتَظِرُوا، وَلَا يَلْزَمُهُمْ اسْتِئْنَافُ نِيَّةِ الْقُدْوَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ فَأَمْكَنَهُ عَلَى إِنْسَانٍ فَعَلَ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ،
على الأربعين، (ويراعي) وجوبا الخليفة (المسبوق نظم المستخلِف) يعني الإمام الأول وإن لم يستخلف، (فإذا صلى) بهم (ركعة تشهد) وجوبا
(1)
أي جلس للتشهد بقدر ما يسع أقل التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقرأه ندبا (وأشار) ندبا الخليفة، أو غيره ولو غير مصلّ إن تركه الخليفة، وتندب الإشارة وإن علم أن من وراءه لا يخفى عليهم ذلك؛ لاحتمال النسيان (إليهم ليفارقوه) وتجب إن خشوا خروج الوقت وإلا لم يكره (أو ينتظروا) سلامه ليسلموا معه وهو الأفضل، ثم يقوم إلى ما بقي عليه من ثلاث ركعات؛ لأنه لم يدرك الجمعة.
[تنبيه] إن علم المسبوق بنظم صلاة الإمام فذاك وإلا فليراقب من خلفه فإن همُّوا بالقيام قام وإلا قعد، وفي الرباعية إذا هموا بالقعود قعد وتشهد معهم ثم يقوم، فإن قاموا معه علم أنها ثانيتهم وإلا علم أنها آخرتهم، وللمسبوق اعتماد إخبار ثقة غيرهم وإشارته عن نظمها كما لو أخبره الإمام أي الذي بطلت صلاته (ولا يلزمهم) بل تندب؛ للخلاف (استئناف نية القدوة) بالمتقدم بغيره أو بنفسه -في الجمعة وغيرها- (في الأصح)؛ لتنزيلهما منزلة الإمام الأول.
(ومن زحم عن السجود) في الجمعة أو غيرها (فأمكنه على) شيء كبهيمة أو عضو (إنسان) لم يخش منه فتنة، ولو قنا أو غير مكلف، ومحله إن لم يتأذَّ به أو تأذى تأذيا يظن الرضا به وإلا لم يجز
(2)
(فعلـ) ـه وجوبا؛ لما صح عن عمر رضي الله عنه ولم يُعرف له مخالف (وإلا) يمكنه على شيء أو أمكنه لا مع التنكيس (فالصحيح أنه ينتظر) زوال الزحمة في الاعتدال ولا يضره تطويله؛ لعذره، ولا يجلس نعم إن لم تطرأ له الزحمة إلا بعد أن جلس انتظره فيه؛ لأنه أقل حركة من عوده للاعتدال.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. اعتمد المغني عدم الحاجة لإذنٍ مطلقاً.
وَلَا يُومِئُ بِهِ ثَمَّ إنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ سَجَدَ، فَإِنْ رَفَعَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ قَرَأَ، أَوْ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَالْأَصَحُّ يَرْكَعُ، وَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، فَإِنْ كَانَ إمَامُهُ فَرَغَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ فَاتَتِ الجُمُعَةُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فَفِي قَوْلٍ يُرْعَى نَظْمَ نَفْسِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ، وَيُحْسَبُ رُكُوعُهُ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ، وَيُدْرِكُ بِهَا الجُمُعَةَ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ عَالِمًا بِأَنَّ وَاجِبَهُ المُتَابَعَةُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ لَمْ يُحْسَبْ سُجُودُهُ الْأَوَّلُ،
(ولا يومي به)؛ لندرة هذا العذر وعدم دوامه، ويسن للإمام أن يُطَوِّل القراءة ليلحقه فيها، ثم إن زحم في الثانية وكان أدرك الأولى تخير بين المفارقة والانتظار وإلا لم تجز المفارقة؛ لقدرته على إدراك الجمعة، وفيما إذا زحم في الثانية لا يدرك الجمعة إلا إن سجد السجدتين قبل سلام الإمام، (ثم إن) كانت الزحمة في الأولى و (تمكن) من السجود (قبل ركوع إمامه) في الثانية أي قبل شروعه فيه (سجد) وجوبا; لأنه لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة (فإن رفع) منه (والإمام قائم قرأ) الفاتحة؛ لإدراكه محلها، فإن ركع الإمام قبل فراغها ركع معه وتحمل عنه بقيتها كالمسبوق (أو) فرغ منه والإمام (راكع فالأصح) أنه (يركع) معه (وهو كمسبوق) فيتحمل عنه الفاتحة; لأنه لم يدرك محلها (فإن كان إمامه فرغ من الركوع) أو بقي منه جزء لكنه لم يدرك فيه فاتته الركعة (و) حينئذ فمتى (لم يسلم وافقه فيما هو فيه ثم يصلي الركعة بعده)؛ لما تقرر (وإن كان) الإمام (سلم) قبل فراغه من السجود (فاتت الجمعة) ; لأنه لم يدرك معه ركعة (وإن لم يمكنه السجود حتى ركع الإمام) في الثانية أي شرع في ركوعها (ففي قول يراعي نظم نفسه) فيسجد الآن؛ لئلا يوالي بين ركوعين في ركعة واحدة (والأظهر أنه يركع معه)؛ لأنه سبقه بأكثر من ثلاثة طويلة (ويحسب ركوعه الأول في الأصح)؛ لأنه أتى به في وقته، والثاني إنما أتى به؛ لمحض المتابعة (فركعته ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية ويدرك بها الجمعة في الأصح) ; لأنه أدرك ركعة منها قبل سلام الإمام، (فلو سجد على ترتيب نفسه) عامدا (عالما بأن واجبه المتابعة) في الركوع (بطلت صلاته)؛ لتلاعبه، ويلزمه التحرم بالجمعة ما لم يسلم الإمام ولا يصح تحرمه بالظهر؛ لأنه لم ييأس. (وإن نسي) ما علمه (أو جهل) حكم ذلك، ولو عاميا مخالطا للعلماء؛ لخفائه (لم يحسب سجوده الأول)؛ لأنه أتى به
في فَإِذَا سَجَدَ ثَانِيًا حُسِبَ، وَالْأَصَحُّ إدْرَاكُ الجُمُعَةِ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ إذَا كَمُلَتِ السَّجْدَتَانِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ نَاسِيًا حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ رَكَعَ مَعَهُ عَلَى المَذْهَبِ.
غير محله (فإذا سجد ثانيا) بأن استمر على ترتيب نفسه سهوا أو جهلا ففرغ من السجدتين، ثم قام وقرأ وركع واعتدل وسجد، أو لم يستمر بأن تذكر، أو علم والإمام في التشهد حال قيامه من سجوده فسجد سجدتين قبل سلام الإمام (حسب) له ما أتى به وتمت به ركعته وألغي ما قبله (والأصح إدراك الجمعة بهذه الركعة إذا كملت السجدتان قبل سلام الإمام)، وإن كان فيها نقص التلفيق ونقص عدم متابعة الإمام، (و) التخلف بالنسيان أو نحو مرض أو بطء حركة كهو بالزحمة في جميع ما مر فحينئذ (لو تخلف بالسجود) في الأولى (ناسيا حتى ركع الإمام للثانية) فذكره (ركع معه) وجوبا (على المذهب)؛ لأنه سبق بأكثر من ثلاثة أركان فلم يجز له الجري على نظم نفسه.
باب صلاة الخوف
هِيَ أَنْوَاعٌ:
الْأَوَّلُ: يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي الْقِبْلَةِ فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ وَيُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْنِ وَحَرَسَ صَفٌّ فَإِذَا قَامُوا سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ،
(باب صلاة الخوف)
وأصلها قوله تعالى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} النساء: 102 .. الآية، وتكون في الفرض وغيره كالعيد والكسوف، نعم الصلوات التي لا تفوت كالاستسقاء لا تُصَلَّى بالكيفية الرابعة
(1)
؛ لأنها يحتاط لها لِمَا فيها من كثرة المبطلات. (هي أنواع) تبلغ ستة عشر نوعا اختار الشافعي رضي الله عنه منها ثلاثة هي أقرب إلى بقية الصلوات وأقل تغييرا والرابع أتي به القرآن
(2)
. ثم هذه الأربع هي الأفضل؛ لما مر، فمن تتبع الأحاديث الصحيحة وعرف كيفية أخرى من الكيفيات الستة عشر جاز له صلاتها بتلك الكيفية
(3)
.
(الأول يكون العدو في) جهة (القبلة) ولا حائل بيننا وبينه، وتجوز هذه الكيفية مع الكثرة بحيث تكافئ كل فرقة منّا العدو سواء؛ جُعلنا فرقة أم فِرَقاً، وأدنى مراتب الكثرة أن يكون مجموعنا مثلهم بأن نكون مائة وهم مائة مثلا فصدق أنا إذا فرقنا فرقتين كافأت كل منهما العدو
(4)
(فيرتب الإمام القوم صفين) أو أكثر (ويصلي بهم) بأن يحرم بالجميع إلى أن يعتدل بهم (فإذا سجَد سجد معه صف سجدتين وحرس صف) واغتفر له التخلف؛ لعذره (فإذا قاموا سجد من حرس و لحقوه) في القيام ليقرأ بالكل، فإن لم يلحقوه فيه بأن سبقهم بأكثر من ثلاثة طويلة بأن لم يفرغوا من سجدتيهم إلا وهو راكع وافقوه في الركوع وأدركوه بشرطه فإن لم يوافقوه فيه وجروا على ترتيب أنفسهم بطلت صلاتهم إن علموا وتعمدوا (وسجد معه في الثانية من حرس أوَّلاً وحرس الآخرون).
(1)
. خلافا لهما حيث أن كلامهما عام في عدم جوازها بجميع الكيفيات الأخرى.
(2)
. قضية صنيع الشارح والمغني وشرح المنهج أن الرابع ليس من الستة عشر خلافا للرملي.
(3)
. كما يؤخذ من كلام الشارح كالنهاية خلافا للرملي في غير النهاية.
(4)
. قال ابن قاسم: ((حاصله أنه ليس المراد بقولهم المذكور اعتبار الانقسام بالفعل إلى فرقتين كل واحدة تقاوم العدو بل إمكان الانقسام المذكور)) أي وإن كان الحارس واحدا فقط، وخالفه النهاية والمغني فاعتمدا اشتراط الانقسام بالفعل.
فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَتَشَهَّدَ بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ، وَلَوْ حَرَسَ فِيهِمَا فِرْقَتَا صَفٍّ جَازَ، وَكَذَا فِرْقَةٌ فِي الْأَصَحِّ.
الثَّانِي: يَكُونُ فِي غَيْرِهَا فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَطْنِ نَخْلٍ.
أَوْ تَقِفُ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ وَيُصَلِّي بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً فَإِذَا قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ وَأَتَمَّتْ وَذَهَبَتْ إلَى وَجْهِهِ وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ فَاقْتَدَوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمُ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ ....
(فإذا جلس سجد من حرس وتشهد بالصفين وسلم، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعُسفان) والأفضل في هذه الكيفية أن يسجد الصف الأول معه في الركعة الأولى والثاني في الثانية، وفيها -أي الثانية- يتقدم الصف الثاني ويتأخر الأول بدون كثرة أفعال، ويجوز العكس مع سنية التقدم والتأخر أيضا، (ولو حرس فيهما فرقتا صف) على المناوبة (جاز) قطعا، (وكذا فرقة) واحدة -ولو واحدا
(1)
- (في الأصح)؛ إذ لا محذور فيه، وفرضهم الركعتين باعتبار أنه الوارد وإلا فللزائد عليهما حكمهما.
(الثاني يكون في غيرها) أي القبلة أو فيها وثَمَّ ساتر، وما هنا شرط لندب هذه الكيفية لا لجوازها (فيصلي مرتين كل مرة بفرقة وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخل)، وشرط ندبها أيضا خوف هجومهم في الصلاة لو لم يفعلوها وكثرتنا بحيث تقاوم كل فرقة مِنَّا العدو
(2)
بالاعتبار السابق، والأفضل أن يؤم الثانية واحد منها؛ ليسلموا من اقتدائهم بالمتنفل (أو) يكون العدو في غيرها أو فيها وثم ساتر وهذا هو:
النوع الثالث فـ (تقف فرقة في وجهه ويصلي بفرقة ركعة فإذا قام للثانية فارقته) ندبا، وتكون المفارقة بالنية وجوبا وإلا بطلت صلاتها إن أكملت ولم تفارقه، وعُلم منه أنه لا تسن لهم نية المفارقة إلا بعد تمام انتصاب الإمام والمأمومين (وأتمت وذهبت إلى وجهه وجاء الواقفون فاقتدوا به وصلى بهم الثانية، فإذا جلس للتشهد قاموا) ندبا فورا من غير نية; لأنهم مقتدون به حكما (فأتموا ثانيتهم ولحقوه وسلم بهم، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع).
(1)
. أي إذا كان العدد اثنين فقط عندهما خلافا للتحفة.
(2)
. لم يعتمد هذا في النهاية.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ بَطْنِ نَخْلٍ، وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي انْتِظَارِهِ الثَّانِيَةَ وَيَتَشَهَّدُ، وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ لِتَلْحَقَهُ، فَإِنْ صَلَّى مَغْرِبًا فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَنْتَظِرُ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ رُبَاعِيَّةً فَبِكُلٍّ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً صَحَّتْ صَلَاةُ الجَمِيعِ فِي الْأَظْهَرِ، وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ، وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ، لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى،
ويجوز فيها غير تلك الكيفية ولو مع الأفعال الكثيرة؛ لصحة الخبر به
(1)
(والأصح أنها أفضل من بطن نخل) وعُسفان; لصحتها بالإجماع في الجملة؛ لأنها أشبه بالقرآن لما فيها من الحزم وأمن غدر العدو، (ويقرأ الإمام) ندبا (في انتظاره الثانية) الفاتحة وسورة طويلة إلى أن يجيئوا إليه ثم يزيد من تلك السورة قدر الفاتحة وسورة قصيرة إن بقي منها قدرهما وإلا فمن سورة أخرى (ويتشهد) ويدعوا ندبا إلى أن يجلسوا معه ويفرغوا من تشهدهم بكماله; لأن الصلاة ليس فيها سكوت والقيام ليس محل ذكر، ويسن له تخفيف الأولى ولهم تخفيف ما ينفردون به، (وفي قول) يشتغل بالذكر و (يؤخر) قراءة الفاتحة والتشهد ندبا (لتلحقه)؛ ليتعادلا، (فإن صلى مغربا) بهذه الكيفية (فبفرقة ركعتين وبالثانية ركعة، وهو أفضل من عكسه) المكروه (في الأظهر)؛ لأنه لو عكس لوقع في التطويل بزيادة تشهد في أولى الطائفة الثانية، (وينتظر) الثانية (في تشهده) الأول (أو قيام الثالثة وهو أفضل في الأصح)؛ لبنائه على التطويل بخلاف التشهد الأول، والأولى أن لا يفارقوه إلا بعد أن يتشهدوا معه؛ لأنه محل تشهدهم؛ (أو رباعية فبكل ركعتين) والأفضل انتظار الثانية في قيام الثالثة أيضا، (ولو) فرقهم أربعا في الرباعية وثلاثا في الثلاثية و (صلى بكل فرقة ركعة صحت صلاة الجميع) والصورة السابقة أفضل (في الأظهر)؛ إذ لا محذور فيه لجوازه في الأمن ولو لغير حاجة.
(وسهو
(2)
كل فرقة) إذا فرقهم فرقتين (محمول في أولاهم)؛ لإقتدائهم فيها حسا وحكما (وكذا ثانية الثانية في الأصح)؛ لإقتدائهم فيها حكما (لا ثانية الأولى)؛ لانفرادهم فيها حسا وحكما.
(1)
. ويسن هنا تطويل قراءة الثانية على الأولى كما مر في صفة الصلاة 1/ 103.
(2)
. نعم أشار الشارح في سجود السهو لسنية السجود حينئذٍ كما لو صلى بواحدة ثلاثاً لمخالفته بالانتظار في غير محله الوارد 1/ 178.
وَسَهْوُهُ فِي الْأُولَى يَلْحَقُ الجَمِيعَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلِينَ، وَيُسَنُّ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ أَوْ يَشْتَدَّ الخَوْفُ فَيُصَلِّيَ كَيْفَ أَمْكَنَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْقِبْلَةِ، وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ لِحَاجَةٍ فِي الْأَصَحِّ، لَا صِيَاحٌ،
(وسهوه في الأولى يلحق الجميع) أما الأولى فظاهر، وأما الثانية؛ فلأنهم ربطوا صلاتهم بصلاة ناقصة (و في الثانية لا يلحق الأولين) ; لأنهم فارقوه قبل السهو. ولو كان الخوف في بلد وحضرت صلاة الجمعة صلوها على هيئة عسفان وهو واضح وعلى هيئة ذات الرقاع لكن بشرط أن يكون في كل ركعة أربعون سمعوا الخطبة، ولا يضر النقص في الركعة الثانية. (ويسن حمل السلاح) الذي لا يمنع صحة الصلاة -لا نحو نجس وبيضة تمنع السجود فلا يجوز حمله لغير عذر- وكحمله وضعه بين يديه إن سهل أخذه كسهولته وهو محموله، وهو هنا ما يُقْتَل به نحو سيف ورمح وسكين وقوس لا ما يدفع كترس ودرع فيكره حمله كترك حمل الأول حيث لا عذر (في هذه الأنواع، وفي قول يجب)؛ لظاهر الآية وهي محمولة على الندب. ولو خاف ضررا يبيح التيمم بترك حمله وجب ولو نجسا ومانعا للسجود، ووجب القضاء، ولو انتفى خوف الضرر وتأذى غيره بحمله كره إن احتمُل الضرر عادة وإلا حرم.
(الرابع أن يلتحم القتال أو يشتد الخوف) بأن لم يأمنوا هجوم العدو لو ولَّوا أو انقسموا (فيصلي كيف أمكن راكبا وماشيا) ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، ولا يشترط لصحتها ضيقه
(1)
. (ويعذر في ترك القبلة) لحاجة القتال
(2)
؛ لقوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} البقرة: 239 قال ابن عمر مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ويجوز اقتداء بعضهم ببعض وإن اختلفت جهتهم، بل الجماعة أفضل حيث لم يكن الانفراد هو الحزم، ويجوز التقدم على الإمام لضرورة، أما لو انحرف عنها لا لحاجة القتال بل لنحو جماح دابته وطال الفصل فتبطل صلاته، (وكذا الأعمال الكثيرة لحاجة في الأصح) كالمشي المذكور في الآية، أما حيث لا حاجة فتبطل قطعا (لا صياح) أو نطق بدونه؛ لعدم الحاجة إليه إلا نادرا.
(1)
. خلافا للمغني والأسنى وكذا النهاية لكنه قيده برجو الأمن قال وإلا فله فعلها أي وإن اتسع الوقت.
(2)
. أما لنحو جماح دابته وطال الفصل فتبطل.
وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ فَإِنْ عَجَزَ أَمْسَكَهُ، وَلَا قَضَاءَ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ، وَلَهُ ذَا النَّوْعُ فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ وَهَرَبٍ مِنْ حَرِيقٍ وَسَيْلٍ وَسَبُعٍ وَغَرِيمٍ عِنْدَ إِعْسَارٍ وَخَوْفِ حَبْسِهِ، وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الحَجِّ
(ويلقي) فورا وجوبا (السلاح)؛ حذرا من بطلان صلاته وذلك (إذا دمي) أو تنجس بما لا يعفى عنه ولم يحتجه، نعم له جعله تحت ركابه إن قل زمن هذا الجعل بأن كان قريبا من زمن الإلقاء؛ لما في إلقائه من التعريض لإضاعة المال (فإن عجز) عن إلقائه كأن احتاج لإمساكه وإن لم يضطر إليه
(1)
(أمسكه) للحاجة (ولا قضاء في الأظهر) ; لعموم العذر، لكن المعتمد وجوبه؛ لندرته (فإن عجز عن ركوع أو سجود أومأ) لهما وجوبا؛ للعذر (والسجود أخفض، وله) سفرا وحضرا (ذا النوع) وغيره
(2)
(في كل قتال وهزيمة مباحين) كقتال ذي مالٍ واختصاص وغيره لقاصد أخذه ظلما، وفئة عادلة لباغية بخلاف عكسه
(3)
إن حكمنا بإثمهم، وكهرب مسلم في قتال كفار من ثلاثة لا اثنين (وهرب من حريق وسيل وسبع) وحية ونحوها إذا لم يمكنه المنع ولا التحصن بشيء (و) هرب (غريم) من دائنه (عند الإعسار وخوف حبسه) إن لحقه لعجزه عن بينة الإعسار مع عدم تصديقه فيه أو لكون حاكم ذلك المحل لا يقبل بينة الإعسار إلا بعد حبسه مدة، ولا إعادة هنا. (والأصح منعه لمُحْرِم) قصد عرفة في وقت العشاء و (خاف) إن صلاها (فوت الحج) ; لأنه محصل لا خائف، بل يُخْرِج العشاء عن وقتها
(4)
، ولذا لا يصلي كذلك طالب عدو إلا إن خشي كرَّهم عليه أو كمينا أو انقطاعا عن رفقته وخشي بذلك ضررا، وأيضا من أُخذ له مال وهو في الصلاة فلا يجوز له
(5)
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. من الأنواع الثلاثة ولو أول الوقت خلافا لهما.
(3)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني حيث قيده بقوله بغير تأويل.
(4)
. وليست العمرة المنذورة كالحج في ذلك خلافا للرملي في النهاية تبعا لوالده.
(5)
. لأنه محصل لا خائف بخلاف ما لو دفع صائلاً عن نفسه وماله وحرمه ونفس غيره، ويؤخذ من كلام الرملي التفرقة بين أن يصال عليه أو على غيره.
وَلَوْ صَلَّوْا لِسَوَادٍ ظَنُّوهُ عَدُوًّا فَبَانَ قَضَوْا فِي الْأَظْهَرِ.
إذا تبعه أن يبقى فيها
(1)
بل يقطعها ويتبعه إن شاء
(2)
، ولو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة لم تجز له صلاة شدّة الخوف
(3)
بأن يحرم بها ماشيا؛ لما تقرر. (ولو صلوا) صلاة شدة الخوف (لسواد ظنوه) ولو بإخبار عدل (عدوا فبان) أن لا عدو، أو أن بينهم وبينه ما يمنع وصوله إليهم كخندق، أو أن بقربهم -أي عرفا- حصنا يمكنهم التحصن به منه أي من غير أن يحاصروهم فيه، أو ظنوا أن العدو أكثر من ضعفهم فبان أنه يجب قتاله لكونه ضعفهم أو شَكُّوا في شيء من ذلك (قضوا في الأظهر)؛ لعدم الخوف في نفس الأمر أو الشك فيه، أما لو صلوا صلاة الخوف، فإن كانت كبطن نخل أو ذات الرقاع بالكيفية السابقة
(4)
في المتن فلا قضاء; لأنهم لم يسقطوا فرضا ولا غيَّروا ركنا، أو صلاة عسفان أو ذات الرقاع على رواية ابن عمر قضوا. ولو بان عدوا لكن نيته الصلح أو التجارة فلا قضاء إذ لا تقصير منه؛ لعدم الاطلاع على نيته.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. بل يلزم على العبد قطع الصلاة إن ترتب على عدم قطعه فوت نحو مال السيد بخلاف نحو أُنس.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. قيده في شرح المنهج بغير الفرقة الثانية إذا لم تنو المفارقة للركعة الثانية وفي المغني والنهاية ما يوافقه.
فصل
يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الحَرِيرِ بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ. وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا، وَأَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ الصَّبِيَّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا،
(فصل) في اللباس
(يحرم على الرجل) والخنثى (استعمال الحرير) ولو قزّا
(1)
أو غير منسوج (بفرش) لنحو جلوسه أو قيامه لا مشيه عليه
(2)
; لأنه لمفارقته له حالا لا يعد مستعملا له عرفا (وغيره) من سائر وجوه الاستعمال إلا ما استثني مما يأتي بعضه إجماعا في اللبس وللنهي عن لبسه والجلوس عليه، ويحل الجلوس على حرير فُرِش عليه ثوب أو غيره -ولو رقيقا أو مهلهلا- ما لم يمسَّ الحرير من خلاله سواء اتخذه لذلك أم لا، نعم لا يؤثر مسّ قدرٍ لا يعد به عرفا مستعملا له؛ لقلته، ويحل التدثر بحرير استتر بثوب إن خيط عليه فيما يظهر، أما غير المستتر فيحرم ولو كان معلقا بسقف وهو جالس تحته. (ويحل للمرأة لبسه) إجماعا (والأصح تحريم) تدثرها و (افتراشها) إياه؛ للسرف، ويحرم على الكل ستر سقف أو باب أو جدار غير الكعبة
(3)
، ويكر هـ على الكل تزيين غير الكعبة
(4)
كمشهد صالح بغير حرير (و أن للولي إلباسه) كحلي الذهب وغيره (الصبي
(5)
ما لم يبلغ والمجنون
(6)
؛ إذ لا شهامة لهما، نعم يجوز ذلك في يوم عيد بلا خلاف، (قلت: الأصح حل افتراشها) إياه.
(1)
. وهو ما قطعته الدودة وخرجت منه حية، عميرة على المحلي.
(2)
. قياسه أنه لو أدخل يده تحت ناموسية مفتوحة وأخرج كوزا من داخلها فشرب منه لم يحرم خلافا لما أجاب به الرملي. اهـ، عن ابن قاسم.
(3)
. ولا يلحق بها قبره عليه الصلاة والسلام خلافا لهما، واعتمد الرملي جواز ستر توابيت الصبيان والمجانين بخلاف النساء.
(4)
. شامل للستائر المعروفة في البيوت، وصرح في المغني بكراهة تزيين البيوت بغير الحرير، ويحتمل أن المراد بالتزيين تزيينها خارجا كالكعبة.
(5)
. اعتمد الرملي أن ما يجوز للمرأة يجوز للصبي والمجنون كنعل ذهب حيث لا إسراف عادة.
(6)
. صرح الشارح بكراهة تكفينهما فيه فيحتمل أنها تجري هنا بالأولى.
وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ أَوْ فَجْأَةِ حَرْبٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلِلِحَاجَةٍ كَجَرَبٍ وَحِكَّةٍ وَدَفْعِ قَمْلٍ، وَلِلِقِتَالٍ كَدِيبَاجٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَيَحْرُمُ المُرَكَّبُ مِنْ إبْرِيْسَمٍ وَغَيْرِهِ إنْ زَادَ وَزْنُ الْإِبْرِيْسَمِ، وَيَحِلُّ عَكْسُهُ،
(وبه قطع العراقيون وغيرهم والله أعلم)؛ لعموم خبر أنه حِلٌّ لإناث أمته صلى الله عليه وسلم. (ويحل للرجل) استعماله كـ (لبسه للضرورة كحر وبرد مهلكين) أو خشي منهما ضررا يبيح التيمم، ومثله الألم الشديد (أو فُجَأة
(1)
حرب) جائز (ولم يجد غيره) ولا أمكنه طلب غيره يقوم مقامه؛ للضرورة، (وللحاجة) كستر العورة
(2)
-ولو في الخلوة- و (كجرب وحكة) وقد آذاه لبس غيره تأذيا لا يحتمل عادة، وكذا إن لم يؤذه غيره لكنه يزيلها أو يخففها (ودفع قمل) لا يحتمل أذاه عادة وإن لم يكثر حتى يصير كالداء؛ لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ((أرخص لعبد الرحمن بن عوف و الزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما))، ومتى وجد مغنيا عنه من دواء أو لباس لم يجز له
(3)
؛ لفقدان الحاجة، (وللقتال كديباج
(4)
لا يقوم غيره مقامه) في دفع السلاح كحاجة دفع القمل بل أولى. (ويحرم المركب من) حرير كـ (إِبْرِيسم وغيره إن زاد) ولو ظنَّا (وزن) ولا عبرة بالظهور (الإبريسم
(5)
، ويحل عكسه) بلا كراهة
(6)
؛ تغليبا لحكم الأكثر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((نهى عن الثوب المصمت)) أي الخالص من الحرير، وأما الطراز
(7)
وسدى
(8)
الثوب فلا بأس به.
(1)
. يستفاد من كلامهما أن التقييد بالفجأة ليس شرطا.
(2)
. واستوجه الشارح في شروط الصلاة أنه حينئذٍ لا يلزمه قطع الزائد على العورة إن نقص به المقطوع ولو يسيراً.
(3)
. خلافا للمغني.
(4)
. الذي يظهر من كلام الشارح أن الرخصة في خصوص الديباج دون أنواع الحرير الأخرى وليس مجرد مثال، وعليه فليست داخلة في قول المصنف السابق ((أو فجأة حرب)) خلافا للمغني، والمراد بالديباج ثوب سداه ولحمته إبرسيم، المصباح المنير.
(5)
. هو الذي حل من على الدودة بعد موتها فيه، عميرة على المحلي.
(6)
. خلافا لهما.
(7)
. وهو ما ركب من الحرير على الثوب بغير الإبرة كما في الغرر.
(8)
. هو لحمة الثوب، لسان العرب.
وَكَذَا إنِ اسْتَوَيَا فِي الْأَصَحِّ. وَيَحِلُّ مَا طُرِّزَ أَوْ طُرِّفَ بِحَرِيرٍ قَدْرَ الْعَادَةِ
(وكذا) يحلّ وإن كان خلاف الأولى (إن استويا) وزنا ولو ظنا بل وإن شكّ
(1)
(في الأصح)؛ إذ لا يسمى ثوب حرير، نعم يمنع الاجتهاد مع تيسر سؤال خبيرين ولو عدلي رواية. (ويحل ما طُرِّز) أو رقع بحرير خالص، والطراز ما يركب على الكمين مثلا، والشرط في الجميع أن يكون قدر أربعة أصابع مضمومة معتدلة
(2)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع))، نعم إن كان بموضعين فأكثر كعلمين
(3)
أو طرازين أو أكثر فالشرط أن لا يزيد المجموع على ثمانية أصابع
(4)
، أما التطريز بالإبرة
(5)
فكالنسج فيعتبر الأكثر وزنا منه ومما طرز فيه، نعم قد يحرم في بعض النواحي لكونه من لباس النساء المختص بهن، والعبرة في لباس وزي كل من النوعين -حتى يحرم التشبه به فيه- بعرف كل ناحية (أو طُرِّف) أي سجف
(6)
ظاهره أو باطنه (بحرير قدر العادة) الغالبة لأمثاله في كل ناحية؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم ((كانت له جبة مكفوفة الفرجين والكمين بالديباج))، وفارق ما مر في الطراز بأنه محل حاجة وقد يحتاج لأكثر من أربع أصابع بخلاف التطريز فإنه مجرد زينة، ويجوز لبس الثوب المصبوغ بأي لون كان إلا المزعفر فحكمه -وإن لم يبق للونه ريح- حكم الحرير حتى لو صبغ به أكثر الثوب حرم، وكذا المعصفر
(7)
؛ لصحة الأحاديث به، وقضية كلام الأكثرين حلّ الصيغ بالورس؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم ((كان يصبغ ثيابه بالورس حتى عمامته))، ويحل أيضا زر الجيب
(8)
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. نعم قضية كلام الشارح أن الترقيع إن كان لحاجة جازت الزيادة على الأربعة خلافا لقضية كلام الرملي.
(3)
. أي في العمامة وهما طرازان منفصلان عنها يجعلان عليها.
(4)
. وإن زاد على طرازين وخالفوه فاعتمدوا أنه إذا تعدد محالهما وكثرت بحيث يزيد الحرير على غيره حرم وإلا فلا.
(5)
. إنما وقع التفريق؛ لأن التطريز جعل الطراز الذي هو حرير خالص مركبا على الثوب.
(6)
. السجف الستر، لسان العرب.
(7)
. خلافا لهما حيث جريا على الحل.
(8)
. هو الطوق الذي يخرج منه الرأس وجيب القميص ونحوه كما في كشف القناع على متن الإقناع.
وَلُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، لَا جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفُجَاءَةِ قِتَالٍ، وَكَذَا جِلْدُ المَيْتَةِ فِي الْأَصَحِّ
وكيس الدراهم وإن حمله وباشر الأخذ منه وغطاء العمامة
(1)
وليقة
(2)
الدواة وخيط السبحة والشرابة والبند
(3)
الذي فيها؛ لأنه لا يُعدّ مستعملا لذلك عرفا في البدن، ويحرم كتابة الرجل -لا المرأة- الصداق في حرير ولو لامرأة بخلاف خياطة ونقش ثوب حرير لامرأة; لأنه في الأول يعدّ مستعملا عرفا للمكتوب بخلاف الأخيرين فلا استعمال فيهما بوجه. (و) يحل للآدمي (لبس الثوب النجس) أي المتنجس - (في غير الصلاة ونحوها) كالطواف وخطبة الجمعة وسجدة التلاوة والشكر- إن كان جافا وبدنه كذلك; لأن المنع من ذلك يشق. أما في نحو الصلاة فيحرم إن كانت فرضا، وكذا إن كانت نفلا واستمر فيه لكن لا لحرمة إبطاله فإنه جائز بل لتلبسه بعبادة فاسدة، وأما مع رطوبة فلا؛ لحرمة تنجيس البدن من غير ضرورة، ومع حل لبسه يحرم المكث به في المسجد من غير حاجة إليه؛ لأنه يجب تنزيهه عن النجس، (لا) لبس (جلد كلب وخنزير) وفرع أحدهما؛ لغلظ نجاسته (إلا لضرورة كفجأة قتال) أو خوف نحو برد ولم يجد غيره، أما غير اللبس فيحل قطعا، (وكذا) لبس (جلد الميتة
(4)
في حال الاختيار (في الأصح)؛ لنجاسة عينه ووجوب اجتناب النجاسة
(5)
، ولذا يحل إلباس جلدها لصبي غير مميز ومجنون
(6)
، ويجوز استعماله في غير اللبس قطعا، ويجوز إلباس جلد خنزير كلباً والعكس؛ لاستوائهما تغليظا، وجلد الميتة لدابته. ويحرم اقتناء الخنزير؛ لوجوب قتله فورا إلا لضرورة كأن اضطر لحمل متاع عليه، والكلب إلا لنحو صيد أو حفظ حالا لا مترقبا.
(1)
. ورجح الرملي حرمتهما.
(2)
. وهي ما اجتمع في وقبتها من سوادها بمائها، لسان العرب. وأصل الوقبة نَقْرٌ في الصَّخْرة يجتمع فيه الماءُ.
(3)
. وهو العقدة الكبيرة التي فوقها الشرابة.
(4)
. أي قبل الدبغ.
(5)
. ويحرم استعمال جلد الآدمي وشعره وإن كان طاهرا إلا لضرورة كما في المغني والنهاية نعم أجاز ذلك الشارح بالنسبة للحربي.
(6)
. خلافا للرملي.
وَيَحِلُّ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ عَلَى المَشْهُورِ.
(ويحل) مع الكراهة (الاستصباح بالدهن) المتنجس أو (النجس) كودك
(1)
الميتة غير المغلظة (على المشهور)؛ للخبر الصحيح في الفأرة تموت في السمن الذائب ((استصبحوا به)). ودخان النجس يعفى عن قليله، نعم يحرم ذلك في المسجد مطلقا؛ لحرمة إدخال النجاسة فيه لغير حاجة
(2)
، فإن احتيج للإسراج به فيه جاز إن لم يلوث، وكذا الدار المستأجرة أو المعارة إن أدى إلى تنجيس شيء منها بما لا يعفى عنه أو بما ينقص قيمتها أو أجرتها فيما يظهر بخلاف قليل دخانها الذي لا يؤثر نقصا البتة، ويجوز اتخاذه صابونا وسقيه للدواب.
[فائدة مهمة] لم يتحرر في طول عمامته صلى الله عليه وسلم وعرضها شيء، واختلف في الرداء
(3)
على أقوال، أما الإزار
(4)
فكان أربعة أذرع ونصف أو وشبران في عرض ذراعين وشبر. ويسن لكل أحد، بل يتأكد على من يُقتدى به تحسين الهيئة والمبالغة في التجمل والنظافة والملبوس بسائر أنواعه لكن المتوسط نوعا من ذلك بقصد التواضع لله أفضل من الأرفع، وينبغي عدم التوسع في المأكل والمشرب إلا لغرض شرعي كإكرام ضيف والتوسع على العيال وإيثار شهوتهم على شهوته من غير تكلف كقرض؛ لحرمته على فقير جهل المقرِض حاله إلا إن كان له جهة ظاهرة يتيسر الوفاء منها إذا طولب. ويندب الحفاء في بعض الأحول بقصد التواضع حيث أمن مؤذيا وتنجسا ولو احتمالا. ويحل بلا كراهة لبس نحو قميص وقباء ونحو جبة غير خارمة لمروءته ولو غير مزرورة إن لم تبد عورته؛ للاتباع، ويفسق من قصد بلباس أو نحوه نحو تكبر أو تشبها بنساء أو عكسه في لباس اختص به المشبه به، ويحرم على غني لُبْسُ خشنٍ
(5)
ليُعطَى؛ لأن من أُعطي شيئا لصفة ظُنَّت فيه وخلا عنها باطنا حرم عليه قبوله ولم يملكه كما يحرم التزيي بزي صالح حتى يظن صلاحه فيعطى. ويحرم نحو جلوس على جلد سبع كنمر وفهد به شعر وإن جعل إلى الأرض; لأنه من شأن المتكبرين.، ويحل لبس فروة السنجاب حيث لم يعلم في ذلك بعينه أنه ذبح ذبحا غير صحيح كما مرّ وإن علم في كما مرّ
(1)
. هو دسم اللحم والشحم وهو ما يتحلب من ذلك، المصباح المنير.
(2)
. استوجه الرملي أن نفس الاستصباح حاجة.
(3)
. هو ما يستر أعلى البدن.
(4)
. هو ما يستر أسفل البدن.
(5)
. أما لبس الخشن من حيث هو فعند النهاية خلاف السنة وفي المغني مكروه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإن علم في ذلك مطلق الجنس، وفرو الوشق
(1)
شعرُهُ نجس وإن دبغ؛ لأنه غير مأكول. ويسن نفض فرش احتمل حدوث مؤذٍ عليه؛ للأمر به. وكان صلى الله عليه وسلم ((يلبس الحبرة
(2)
وهي ثوب مخطط بل صحَّ أنها أحب الثياب إليه، نعم تكره الصلاة إن لبسه أو توجه إليه أو وقف عليه فيها؛ لئلا تشغله. والأفضل في اللباس كونه من قطن ويليه الصوف، وكونه قصيرا بأن لا يتجاوز الكعب، وكونه إلى نصف الساق أفضل
(3)
وتقصير الكمين بأن يكون إلى الرسغ؛ للاتباع، فإن زاد على ذلك
(4)
-ككل ما زاد على ما قدروه في غير ذلك- بقصد الخيلاء حرم بل فسق وإلا كره إلا لعذر كأن تميز العلماء بشعار يخالف ذلك فلبسه ليُعرف فيُسأل أو ليُمتثل كلامه، بل لو توقفت إزالة محرم أو فعل واجب على ذلك وجب، والتوسعة الفاحشة للأكمام بدعة. ويجوز بلا كراهة لبس ضَيِّق الكمين حضرا وسفرا بل يسن في الغزو. وتسن العمامة للصلاة ولقصد التجمُّل؛ للأحاديث الكثيرة فيها، وتحصل السنة بكونها على الرأس أو نحو قلنسوة تحتها، و ضابط كيفيتها وطولها وعرضها بما يليق بلابسها عادة في زمانه ومكانه فإن زاد فيها على ذلك كره، ولذا انخرمت مروءة فقيه بلبس عمامة سوقي لا تليق به وعكسه، ولو اطردت عادة محل بإزرائها من أصلها لم تنخرم بها المروءة؛ لعموم ندبها بخلاف الطيلسان؛ لأن أصل وضعه للرؤساء كما يأتي، والأفضل في لونها البياض وصحة لبسه صلى الله عليه وسلم لعمامة سوداء واقعة محتملة، ولا بأس بلبس القلنسوة اللاصقة بالرأس والمرتفعة المحشوة وغيرها تحت العمامة وبلا عمامة؛ لأن كل ذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم، ولا يسن تحنيك العمامة وهو تحزيق
(5)
الرقبة
(1)
. هو حيوان من فصيلة القط ورتبة اللواحم من الثديات وهو ما بين القط والنمر رأسه كبير وعلى كل من إذنيه خصلة من الشعر وذيله قصير يقطن الغابات كما يوجد في الصحاري والمناطق الزراعية، المعجم الوسيط.
(2)
. هو ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط، المصباح المنير.
(3)
. أما المرأة فيجوز لها إرسال الثوب على الأرض إلى ذراع ويكره لها الزيادة على ذلك وابتداء الذراع من نصف الساق كما ذكره الشارح في النفقات والمغني وعند النهاية من الكعبين.
(4)
. وتقدم أنه يكره كشف المنكب في الصلاة.
(5)
. حزقه حزقاً عصبه وضغطه، لسان العرب.
وما تحت الحنك
(1)
واللحية ببعض العمامة، وأصل العذبة سنة وإرسالها بين الكتفين أولى منه على الأيمن؛ لأن حديث الأول أصح
(2)
ولا يسن على الأيسر، وأقلها أربع أصابع وأكثرها ذراع وبينهما شبر، وإن طَوَّلها بقصد الخيلاء أثم، أوْ لا بقصد كره، فإن صمم على فعلها لذلك أثم وإن لم يفعلها، نعم لو خشي من إرسالها نحو خيلاء لا يتركها بل يفعلها ويجاهد نفسه، فإن عجز لم يضر حينئذ خطور نحو رياء; لأنه قهري فلا يكلَّف إلا بعدم الاسترسال معه.
أما الطيلسان فهو قسمان: 1 ـ محنك: وهو ثوب طويل عريض قريب من طول وعرض الرداء مربع يجعل على الرأس فوق نحو عمامة ثم يدار طرفه -والأولى اليمين- من تحت الحنك إلى أن يحيط بالرقبة جميعها ثم يلقى طرفاه على الكتفين وهذا القسم مندوب باتفاق العلماء بل يتأكد للصلاة وحضور الجمعة ومجامع الناس والمسجد وللمعتكف آكد.
2 ـ مقور: وهو ماعدا الأول فيشمل المدور والمثلث وأيضا المربع المسدول وهو أن يلقي طرفي نحو ردائه من الجانبين ولا يردهما على الكتفين ولا يضمهما بيده أو غيرها، وهذا القسم متفق على كراهته بأقسامه وأنها من شعار اليهود أو النصارى. ومحل سنيّة التطيلس إذا لم تنخرم به مروءته وإلا فيكره وتنخرم إن لبس طيلسانا لا يليق به كسوقي لبس طيلسان فقيه، أما إن لبسه بكيفية تليق به فهو سنة في حقه، وقد تختل المروءة بترك التطيلس فيكره تركه بل قد يحرم إن كان متحملا لشهادة؛ لأنها حق للغير فيحرم التسبب إلى ما يبطله.
(1)
. هو باطن أعلى الفم من داخل، لسان العرب.
(2)
. لكن قضية كلامهم أن إرسالها إلى الأيمن خلاف السنة.
باب صلاة العيد
هِيَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً، وَلِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالمَرْأَةِ وَالمُسَافِرِ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَيُحْرِمُ بِهِمَا، ثُمَّ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، يُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيُمَجِّدُ، وَيَحْسُنُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إلَهُ إلَّا اللهُ، وَاَللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ، وَيُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ،
(باب صلاة العيدين) وما يتعلق بها
(هي سنة) مؤكدة؛ لقوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر: 2 ولمواظبته عليها صلى الله عليه وسلم، (وقيل فرض كفاية) ; لأنها من شعائر الإسلام، فيقاتل بلدٌ تارك لها. (وتشرع) أي تسن (جماعة) وهو أفضل إلا للحاج بمنى، فإن الأفضل له صلاة عيد النحر فرادى لكثرة ما عليه من الأشغال في ذلك اليوم، ويكره تعدد جماعتها بلا حاجة وللإمام المنع منه
(1)
(و) تسن (للمنفرد) ولا خطبة له (و العبد والمرأة) ويأتي في خروج الحرة والأمة لها ما مر في الجماعة (والمسافر) كسائر النوافل، ويسن لإمام المسافرين أن يخطبهم، والخنثى كالأنثى. (ووقتها بين) ابتداء (طلوع الشمس) من اليوم الذي يعيّد فيه الناس، وإن كان ثاني شوال (وزوالها ويسن تأخيرها لترتفع) الشمس، بل يكره قبله
(2)
(كرمح) معتدل وهو سبعة أذرع في رأي العين؛ خروجا من الخلاف. (وهي ركعتان) كغيرها (ويحرم بها) بنية صلاة عيد الفطر أو النحر بالإضافة كما مر سواء كانت أداء أو قضاء (ثم يأتي بدعاء الافتتاح، ثم سبع تكبيرات) غير تكبيرة الإحرام قبل القراءة؛ للخبر الصحيح فيه (يقف بين كل ثنتين كآية معتدلة) وضبطت بسورة الإخلاص (يهلل ويكبر ويمجد) أي يسبح وروي ذلك عن ابن مسعود (ويَحْسُن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ; لأنه لائق بالحال، ويسن الجهر بالتكبير والإسرار بالذكر، (ثم يتعوذ ويقرأ) الفاتحة، (ويكبر في الثانية) بعد تكبيرة القيام (خمسا قبل) التعوذ و (القراءة)؛ للخبر
(1)
. وتقدم أنه لا يجوز جمع العيدين بسلام واحد في باب صلاة النفل.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الجَمِيعِ، وَلَسْنَ فَرْضًا وَلَا بَعْضًا، وَلَوْ نَسِيَهَا وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَاتَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يَرْكَعْ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى {ق} ، وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ بِكَمَالِهِمَا جَهْرًا، وَيُسَنُّ بَعْدَهَا خُطْبَتَانِ:
الصحيح فيه، نعم إن زاد الإمام أو نقص في عدد التكبيرات كأن كبّر ستا أو ثلاثا فإن اعتقد الإمام أو المأموم تلك الزيادة أو النقص تابعه المأموم إمامه فيها ندبا وإلا فلا، فلو اقتدى بمخالف فتركها تبعه (ويرفع يديه في الجميع
(1)
ويسن أن يضع يمناه على يسراه بين كل تكبيرتين، ويكبر -ولو في المقضية- مع الجهر. ولو اقتدى بحنفي والى التكبيرات والرفع لزمه مفارقته
(2)
; لأن العبرة باعتقاد المأموم وليس كما مر في سجدة الشكر; لأن المأموم يرى مطلق السجود في الصلاة ولا يرى التوالي المبطل فيها اختيارا أصلا، نعم لا بد من تحققه للموالاة وضابطها بحيث لا يستقر العضو أي فلا بدّ أن ينفصل رفعه عن هويه حتى لا يسميان حركة واحدة، (ولسن فرضا ولا بعضا) ويكره تركها والزيادة عليها وترك الرفع فيها والذكر بينها. ولو ترك غير المأموم تكبير الأولى فاته
(3)
فيكره الإتيان به في الثانية بل يقتصر على تكبيرها. ولو اقتدى به فيها وكبر معه خمسا أتى في ثانيته بالخمس؛ لئلا يغير سنتها بإتيانه بالسبع، ولو كبر المنفرد في الأولى خمسا كبرها في الثانية أيضا. (ولو نسيها) أو تعمد تركها (وشرع) في التعوذ لم تفت أو (في القراءة) ولو لبعض البسملة أو شرع إمامه ولم يتمها هو (فاتت)؛ لفوات محلها فلا يتداركها، ولو أتى به بعد الفاتحة سن إعادتها (وفي القديم يكبر ما لم يركع)؛ لبقاء محله. (ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى {ق} وفي الثانية {اقْتَرَبَتِ} بكمالهما) وإن لم يرض المأمومون بذلك؛ للاتباع، أو بسبح والغاشية لكن الأوليان أفضل (جهرا
(4)
إجماعاً (ويسن بعدها
(5)
إجماعا، فلا يعتد بهما قبلها (خطبتان)؛ قياسا على تكرارها في الجمعة
(1)
. نعم إن والى مع الرفع بطلت عند الشارح خلافا للرملي.
(2)
. خلافا للرملي.
(3)
. خلافا للرملي من أنه يأتي به في الثانية.
(4)
. ومر في صفة الصلاة أن صلاة العيد يجهر فيها ولو قضاءً بخلاف غيرها.
(5)
. أفاد الشارح في الجمعة أنه إنما وقعت خطبتي العيد بعدها؛ لأنها تكملة بخلاف خطبتي الجمعة فشرط 2/ 444.
أَرْكَانُهُمَا كَهِيَ فِي الجُمُعَةِ، وَيُعَلِّمُهُمْ فِي الْفِطْرِ الْفِطْرَةَ وَالْأَضْحَى الْأُضْحِيَةَ، يَفْتَتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وِلَاءً. وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ بِالْفَجْرِ، وَالتَّطِيبُ وَالتَّزَيُّنُ كَالجُمُعَةِ. وَفِعْلُهَا بِالمَسْجِدِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ بِالصَّحْرَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ،
(أركانهما) وسننهما (كهي في الجمعة) أما شروطهما فلا يجب هنا نحو قيام وجلوس بينهما وطهر وستر وكونها بالعربية
(1)
بل يسن، نعم لو كان حال القراءة جنبا بطلت خطبته لعدم الاعتداد بها منه ما لم يتطهر ويعيدها. ولا تخطب إمامة النساء، نعم إن قامت واحدة فوعظتهن فلا بأس
(2)
، ولا بد في أداء سنتها من سماع واحد -أي بالفعل- من الحاضرين; لأنها تسن للاثنين، ومرّ أن المسافر يخطب لهم (و) يسن أن (يعلِّمهم في الفطر الفطرة) أي زكاتها (والأضحى الأضحية) أي أحكامها التي تعم الحاجة إليها؛ للاتباع رواه الشيخان (يفتتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع ولاء) إفرادا
(3)
في الكل (ويندب الغسل) ومر ما فيه في الجمعة (ويدخل وقته بنصف الليل) ; لأن أهل السواد
(4)
يقصدونها من حينئذ فوُسِّع لهم (وفي قول بالفجر) كالجمعة (والتطيب والتزين
(5)
والمشي وغيرها سنة هنا (كالجمعة) بل أولى; لأنه يوم زينة، نعم يلبس هنا الأغلى وإن لم يكن أبيض، ويسن الطيب وإزالة نحو شعر وظفر مما مر لكل أحد وإن لم يحضر كالغسل، ولا يسن إزالة ذلك في الأضحى لمريد التضحية كما يأتي (وفعلها بالمسجد أفضل)؛ لشرفه (وقيل) الأفضل (بالصحراء)؛ للاتباع، ورُدّ بأنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج إليها لصِعَر مسجده، ومحله في غير المسجد الحرام أما هو فهي فيه أفضل قطعا لفضله، وأَلحق به ابن الأستاذ مسجد المدينة; لأنه اتسع (إلا لعذر) راجع للوجهين فعلى الأول إن ضاق المسجد كرهت فيه وعلى الثاني إن كان نحو مطر كرهت في الصحراء، ولو ضاق المسجد وحصل نحو مطر صلى الإمام فيه واستخلف من يصلي بالبقية في محل آخر،
(1)
. وهذا شرط لكمال السنة لا لأدائها خلافا لهم.
(2)
. ذكره الشارح في صلاة الكسوفين.
(3)
. فلا يجمع بين ثنتين.
(4)
. أي القرى، تاج العروس.
(5)
. ولذا جاز إلباس الصبي الحرير يومه كما أفاده الشارح في اللباس 3/ 21.
وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ. وَيَذْهَبُ فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ فِي أُخْرَى. وَيُبَكِّرُ النَّاسُ، وَيَحْضُرُ الْإِمَامُ وَقْتَ صَلَاتِهِ وَيُعَجِّلُ فِي الْأَضْحَى. قُلْت: وَيَأْكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُمْسِكُ فِي الْأَضْحَى، وَيَذْهَبُ مَاشِيًا بِسَكِينَةٍ. وَلَا يُكْرَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
(ويستخلف) ندبا إذا ذهب إلى الصحراء (مَن يصلي) في المسجد (بالضعفة) ومن لم يخرج، ولا يخطب الخليفة إلا بإذنه، وتكره الخطبة بغير إذن الإمام إذا اعتيد استئذانه أو كان لا يراها، (ويذهب في طريق ويرجع في أخرى) ندبا؛ للاتباع رواه البخاري. وحكمته أنه صلى الله عليه وسلم ((كان يذهب في الأطول)) ; لأن أجر الذهاب أعظم، ويرجع في الأقصر وهذا سنة في كل عبادة (ويبكر الناس) من الفجر ندبا؛ ليحصلوا فضيلة القرب وانتظار الصلاة، هذا إن خرجوا للصحراء وإلا سُنّ المكث عقب الفجر، ومحله إن لم يحتج لزيادة تزين ونحوه وإلا ذهب وأتى فورا. (و) يندب أن (يحضر الإمام وقت صلاته)؛ للاتباع، (ويعجل) الإمام (في الأضحى) فيخرج عقب الارتفاع كرمح ويؤخر عن ذلك قليلا في الفطر؛ لخبر مرسل وحكمته اتساع وقت الأضحية ووقت إخراج الفطرة، (قلت: ويأكل) أو يشرب (في عيد الفطر قبل الصلاة) ولو في المسجد أو الطريق ولا تنخرم به المروءة؛ لعذره، ويسن التمر وكونه وترا (ويمسك في الأضحى)؛ للاتباع، ولندب الفطر يوم النحر على شيء من أضحيته بل يكره ترك ذلك (ويذهب ماشيا) إلا لعذر (بسكينة) كالجمعة وفي العود يتخير بين المشي والركوب، نعم الأولى لأهل ثغر بقرب عدوهم ركوبهم ذهابا وإيابا (ولا يكره) في غير وقت الكراهة (النفل قبلها لغير الإمام والله أعلم)؛ إذ لا محذور فيه، أما الإمام فيكره له التنفل قبلها وبعدها، ومن جاء والإمام يخطب في الصحراء سمع إن اتسع الوقت؛ إذ لا تحية، أو في المسجد صلى العيد؛ لحصول التحية في ضمنه، ويكره له تنفل زائد على ذلك إن سمع وإلا فلا.
فصل
يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ فِي المَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ، وَالْأَظْهَرُ إدَامَتُهُ حَتَّى يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَا يُكَبِّرُ الحَاجُّ لَيْلَةَ الْأَضْحَى بَلْ يُلَبِّي، وَلَا يُسَنُّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَصَحِّ، وَيُكَبِّرُ الحَاجُّ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ وَيَخْتِمُ بِصُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ، وَغَيْرِهِ كَهُوَ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةِ النَّحْرِ،
(فصل) في توابع لما سبق
(يندب التكبير) المرسل (بغروب الشمس ليلتي العيد في المنازل والطرق والمساجد والأسواق برفع الصوت) لغير امرأة وخنثى بحضرة غير نحو محرم
(1)
؛ لقوله تعالى في الفطر ((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم)) وقيس به الأضحى، ويسن تأخيره عن أذكار الصلاة بخلاف المقيد الآتي، (والأظهر إدامته حتى يحرم الإمام) أو يحرم هو إن صلى منفردا (بصلاة العيد
(2)
؛ لأنه شعار الوقت. (ولا يكبر الحاج ليلة الأضحى بل يلبي)؛ لأنه أليق به والمعتمر يلبي إلى أن يشرع في الطواف، (ولا يسن ليلة الفطر عقب الصلوات في الأصح)؛ إذ لم ينقل، (ويكبر الحاج من ظهر) وإن صلى قبله نحو نافلة (النحر) ; لأنها أول صلاة تلقاه بعد تحلله باعتبار وقته الأفضل وهو الضحى، فلا عبرة لمن قدم أو أخر التحلل (ويختم بصبح آخر التشريق) وإن نفر قبل أو لم يكن بمنى أصلا، (وغيره كهو في الأظهر) تبعا له (وفي قول من) فِعْل (مغرب ليلة النحر).
(1)
. وجهرها دون جهر الرجل كما مر.
(2)
. قال في الإمداد: ((والذي يظهر أنه لو تعمد ترك الصلاة بالكلية اعتبر تحرم الإمام إن كان وإلا اعتبر بطلوع الشمس)).
وَفِي قَوْلٍ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِلْفَائِتَةِ وَالرَّاتِبَةِ وَالنَّافِلَةِ. وَصِيغَتُهُ المَحْبُوبَةُ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَاَللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ كَبِيرًا وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَلَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الهِلَالِ اللَّيْلَةَ المَاضِيَةَ أَفْطَرْنَا وَصَلَّيْنَا الْعِيدَ، وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ تُقْبَلِ الشَّهَادَةُ،
(وفي قول من) فِعْل
(1)
(صبح عرفة، ويختم) على القولين
(2)
(بـ) التكبير عقب فِعْل (عصر آخر التشريق والعمل على هذا
(3)
؛ لخبر ضعيف فيه. (والأظهر أنه يكبر في هذه الأيام للفائتة) مطلقا والمنذورة (والراتبة والنافلة) ولو مطلقة وصلاة الجنازة; لأنه شعار الوقت، ولذا لا يفوت بطول الزمن ما دامت أيام التشريق، لا سجدة تلاوة أو شكر; لأنهما ليستا بصلاة أصلا. والخلاف في تكبير يرفع به صوته ويجعله شعار الوقت، أما لو استغرق عمره بالتكبير فلا منع. (وصيغته المحبوبة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، ويستحب) كما في الأم (أن يزيد) الله أكبر (كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا) لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر; لأنه مناسب، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك على الصفا. (ولو شهدوا يوم الثلاثين) وقُبِلُوا فالعبرة بوقت التعديل لا الشهادة في الجميع (قبل الزوال) وقد بقي ما يسع جمع الناس وركعة من صلاة العيد (برؤية الهلال الليلة الماضية أفطرنا وصلينا العيد) أداء؛ لبقاء وقتها، نعم يسن فعلها للمنفرد ومن تيسر حضوره معه حيث بقي من الوقت ما يسع ركعة ثم مع الناس. (وإن شهدوا بعد الغروب لم تقبل الشهادة) فتُصَلَّى من الغد أداء؛ لما صح ((الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس)) وهذا بالنسبة للصلاة لا غيرها كأجل وطلاق وعتق عُلِّقت بشوال أو الفطر أو النحر.
(1)
. خلافا لهما فعندهما يدخل بمجرد الفجر.
(2)
. خالفاه فقالا عند القول الأول ويختمه بصبح آخر أيام التشريق.
(3)
. اعتمدوه.
أَوْ بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ أَفْطَرْنَا، وَفَاتَتِ الصَّلَاةُ. وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ فِي الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ تُصَلَّى مِنَ الْغَدِ أَدَاءً.
(أو) شهدوا وقُبِلُوا (بين الزوال والغروب) أو قبل الزوال وقد بقي من الوقت ما لا يسع جمع الناس وركعة منها (أفطرنا) وجوبا (وفاتت الصلاة ويشرع قضاؤها متى شاء في الأظهر) كسائر الرواتب وهو في باقي اليوم أولى ما لم يعسر جمع الناس فتأخيره للغد أولى، هذا بالنسبة لصلاة الإمام بالناس أما كلّ على حدته فالأفضل له تعجيل القضاء مطلقا (وقيل في قول تُصَلَّى من الغد أداء)؛ لكثرة الغلط في الأهلة فلا يفوت به هذا الشعار العظيم.
باب صلاة الكسوفين
هِيَ سُنَّةٌ، فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ. فَهَذِهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَانِيَةً كَذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ، وَلَا نَقْصُهُ لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ،
(باب صلاة الكسوفين)
أي كسوف الشمس وخسوف القمر على الأَشْهَر، (هي سنة) مؤكدة لكل من مر في العيد؛ للأمر بها فيهما رواه الشيخان، ويكره تركها (فيحرم بنية صلاة الكسوف) مع تعيين أنه صلاة كسوف شمس أو قمر
(1)
.
(و) يجوز لمريد هذه الصلاة ثلاث كيفيات:
أقلها: ركعتان كسنة الصبح، ومحلها إن نواها أو أطلق وثبت فيها حديثان صحيحان.
ثانيتها: وهي أكمل من الأولى، ومحلها كالتي بعدها إن نواها بصفة الكمال، فحينئذ (يقرأ الفاتحة) أو وسورة قصيرة (ويركع ثم يرفع ثم يقرأ الفاتحة
(2)
أو وسورة قصيرة (ثم يركع ثم يعتدل ثم يسجد فهذه ركعة ثم يصلي ثانية كذلك) وهذه في الصحيحين، (ولا تجوز) إعادتها ولا (زيادة ركوع ثالث) فأكثر (لتمادي الكسوف ولا نقصه) أي أحد الركوعين بأن يرجع إلى الركعتين فقط (للانجلاء في الأصح) ; لأنها ليست نفلا مطلقا وغيره لا تجوز الزيادة فيه ولا النقص عنه.
(1)
. أفتى الشهاب الرملي أنه إذا أطلق انعقدت على الإطلاق، وتخير بين أن يصليها كسنة الصبح وأن يصليها بالكيفية المعروفة.
(2)
. ويسن التعوذ قبلها كما مر في صفة الصلاة 2/ 33.
وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْبَقَرَةَ، وَفِي الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي الثَّالِثِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَفِي الرَّابِعِ مِائَةٍ تَقْرِيبًا، وَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ قَدْرَ مِئَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِي ثَمَانِينَ، وَالثَّالِثِ سَبْعِينَ، وَالرَّابِعِ خَمْسِينَ تَقْرِيبًا، وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الْأَصَحِّ قُلْتُ: الصَّحِيحُ تَطْوِيلُهَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَتُسَنُّ جَمَاعَةً وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لَا الشَّمْسِ، ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الجُمُعَةِ، ..
ثالثتها (و) هي (الأكمل) -وإن لم يرض بها المأمومون- إلا لعذر كما إذا بدأ بالكسوف قبل الفرض كما يأتي، ومحل أفضليتها أيضا ما لم يضق وقتها وإلا بأن كان من أهل الحساب واقتضى حسابه ذلك أو انخسفت القمر قبل طلوع الشمس فالتخفيف أفضل أيضا (أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة) والافتتاح والتعوذ (البقرة) أو قدرها وهي أفضل لمن أحسنها (وفي الثاني) بعد التعوذ والفاتحة (كمائتي آية) معتدلة (منها وفي الثالث مائة وخمسين وفي الرابع مائة تقريبا) يُخَيَّر بين ذلك وبين أن يقرأ في الثاني آل عمران أو قدرها وفي الثالث النساء أو قدرها وفي الرابع المائدة أو قدرها (ويسبح في الركوع الأول قدر مائة من) الآيات المعتدلة من (البقرة وفي الثاني ثمانين والثالث سبعين و الرابع خمسين تقريبا) وللشافعي نص آخر أنه يسبح في كلِّ ركعة بقدر قراءته، ويقول في كل رفع سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد .. إلخ، (ولا يُطَوِّل السجدات في الأصح، قلت: الصحيح تطويلها) وهو الأفضل; لأنه (ثبت في الصحيحين ونص في البويطي أنه يطولها نحو الركوع الذي قبلها والله أعلم)، نعم لا يزيد في التشهد والجلوس بين السجدتين والاعتدال الثاني شيئا.
[تنبيه] لا يجوز إعادة صلاة الكسوف إلا إن صلاها منفردا أو جماعة ثم رأى جماعة يصلونها فيسن إعادتها معهم
كما مرّ بشرطه (وتسن جماعةً) وبالمسجد إلا لعذر؛ للاتباع. (ويجهر بقراءة كسوف القمر) إجماعا; لأنها ليلية أو ملحقة بها (لا الشمس)؛ للاتباع (ثم يخطب) من غير تكبير ولا يفوت ابتداؤها بالانجلاء؛ لأن خطبته صلى الله عليه وسلم كانت بعده (الإمام)؛ للاتباع في كسوف الشمس متفق عليه، وقيس به خسوف القمر. وتكره الخطبة في مسجد بغير إذن الإمام خشية الفتنة، ومحله ما إذا اعتيد استئذانه أو كان لا يراها، ويخطب إمام نحو المسافرين لا إمامة النساء، نعم إن قامت واحدة فوعظتهن فلا بأس (خطبتين بأركانهما) وسننهما (في الجمعة)؛ قياسا،
وَيَحُثُّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالخَيْرِ.
وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، أَوْ فِي ثَانٍ أَوْ فِي قِيَامٍ ثَانٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ. وَتَفُوتُ صَلَاةُ الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً، وَالْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا الْفَجْرِ فِي الجَدِيدِ، وَلَا تَفُوتُ بِغُرُوبِهِ خَاسِفًا.
وَلَوِ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ قُدِّمَ الْفَرْضُ إنْ خِيفَ فَوْتُهُ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ،
أما شروطهما فسنة هنا (ويحث) ندبا (على التوبة والخير) والعتق والصدقة؛ للاتباع وقيس بهما الباقي، ويذكر ما يناسب الحال من حث وزجر ويكثر الدعاء والاستغفار. (ومن أدرك الإمام في ركوع أول أدرك الركعة أو في ثان أو في قيام ثان فلا في الأظهر
(1)
; لأن ما بعد الركوع الأول في حكم الاعتدال، ويسن هنا الغسل لا التزين السابق في الجمعة؛ لخوف فواتها. (وتفوت صلاة الشمس) إذ لم يشرع بها (بالانجلاء) لجميعها؛ لفوات سببها، نعم لابد من تيقن الانجلاء؛ لأن الأصل بقاؤه، ولا نظر في هذا الباب لقول المنجمين مطلقا; لأنه تخمين، وأما إذا زال أثناءها فإنه يتمها. ويصح وصف صلاة الكسوف بالأداء
(2)
. ولو بان وجود الانجلاء قبل الشروع فيها فإن كانت كسنة الصبح وقعت نفلا مطلقا أو كالهيئة الكاملة بان بطلانها؛ إذ لا نفل على هيئتها يمكن انصرافها إليه (وبغروبها كاسفة)؛ لزوال سلطانها، (والقمر بالانجلاء) لجميعه يقينا قبل الشروع فيها (وطلوع الشمس)؛ لزوال سلطانه (لا الفجر في الجديد)؛ لبقاء ظلمة الليل، وله الشروع فيها إذا خسف بعد الفجر وإن علم طلوع الشمس فيها (ولا تفوت بغروبه خاسفا) ولو بعد الفجر كما لو غاب تحت السحاب خاسفا مع بقاء محل سلطانه. (ولو اجتمع كسوف وجمعة أو فرض آخر قُدِّم) وجوبا (الفرضُ إن خيف فوته) ; لوجوبه، ففي الجمعة يخطب لها ثم يصليها ثم الكسوف ثم يخطب له (وإلا فالأظهر تقديم الكسوف)؛ لخوف
(1)
. وتقدم أن مقتضى إطلاق الشارح أنه لا يحصل الركعة وإن انعقدت الصلاة، وخلاف الرملي بحصولها، والذي يظهر أن الرملي يأؤِّل كلام النووي بحمله على أنه لا يحصل إذا اقتدى به مؤتم ونوى الهيئة المخصوصة بركوعين.
(2)
. هذا على ظاهر التحفة أما على ظاهر النهاية والمغني أن الخلاف في الوصف بالأداء فيما إذا زال أثناءها فقط.
ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ ثُمَّ يُصَلِّي الجُمُعَةَ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عِيدٌ أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتِ الجِنَازَةُ.
فوته فيقرأ بعد الفاتحة بنحو سورة الإخلاص (ثم) بعد صلاة الكسوف (يخطب للجمعة متعرضا للكسوف)؛ ليستغني عن خطبتيه -فلو لم يتعرض له سُنَّ له خطبة أخرى- ويجب أن ينوي خطبة الجمعة فقط، فإن نواهما بطلت; لأنه شَرَّك بين فرض ونفل مقصود، وكذا إن نوى الكسوف وحده أو أطلق فيستأنف خطبة للجمعة (ثم يصلي الجمعة)، والعيد مع الكسوف كالفرض معه فيما ذكر; لأن العيد أفضل منه، نعم يجوز هنا قصدهما بالخطبتين. (ولو اجتمع) خسوف ووتر قدم الخسوف وإن خيف فوت الوتر; لأنه أفضل ويمكن تداركه بالقضاء، أو (عيد
(1)
وجنازة (أو كسوف وجنازة قدمت الجنازة)؛ خوفا من تغير الميت ثم يُفرِد طائفة لتشييعها ويشتغل ببقية الصلوات، ولو اجتمع معها فرض اتسع وقته -ولو جمعة- قُدِّمت ندبا إن حضر وليها
(2)
وحضرت وإلا أفرد لها جماعة ينتظرونها
(3)
واشتغل مع الباقين بغيرها، نعم يحرم التأخير إن خشي تغيرها أو كان التأخير لا لكثرة المصلين
(4)
، فإن لم يكن شيء من ذلك فالتأخير إذا كان يسيرا وفيه مصلحة للميت لا ينبغي منعه.
[فرع] لا يُصَلَّى لغير الكسوف من نحو زلزال وصواعق وحبس الشمس
(5)
جماعةً بل فرادى ركعتين
لا كصلاة الكسوف مع التضرع والدعاء وهو القياس فيما لو تضرروا بكثرة المطر.
(1)
. اجتماع عيد وكسوف ليس محالا إلا عند المنجمين؛ فقد صح أنها انكسفت يوم موت إبراهيم رضي الله عنه وكان عاشر ربيع الأول على أنه يتصور موافقة العيد للثامن والعشرين بأن يشهد اثنان بنقص رجب وتالييه وهي في الحقيقة كوامل.
(2)
. ليس قيدا بل ندبا كما يأتي.
(3)
. وتسقط عن المجهزين والحاملين عند الشارح وعند الرملي عن كل من يشق عليه التخلف عن التشييع من أهل بيته أيضا.
(4)
. فلا خلاف في تأخيرها إلى ما بعد صلاة نحو العصر لكثرة المصلين حينئذ.
(5)
. ذكرها الشارح في الاستسقاء.
باب صلاة الاستسقاء
هِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الحَاجَةِ، وَتُعَادُ ثَانِيًا وَثَالِثًا إنْ لَمْ يُسْقَوا. فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَأْمُرُهُمُ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا،
(باب صلاة الاستسقاء)
الاستسقاء: لغة طلب السقيا، وشرعا: طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها، والأصل فعله صلى الله عليه وسلم (هي سنة) مؤكدة لكل أحد كالعيد بأنواعها الثلاثة أدناها مجرد الدعاء وأوسطها الدعاء خلف الصلوات
(1)
ولو نفلا وفي نحو خطبة الجمعة، ولا يتحول فيها للقبلة عند الدعاء؛ لكراهته، وأكملها الاستسقاء بخطبتين وركعتين على الكيفية الآتية؛ لثبوتها في الصحيحين (عند الحاجة
(2)
للماء لفقده أو ملوحته أو قلَّته بحيث لا يكفي، أو لم يحتج إليه ولكن أراد زيادة يحصل بها نفع، فتسن وإن كان المحتاج لذلك طائفة مسلمين قليلة فيسن لغيرهم الاستسقاء لهم ولو بالصلاة. وتجوز أن تفعل لهم وإن كانوا فسقة أو مبتدعة
(3)
، (وتعاد) بأنواعها (ثانيا وثالثا) وهكذا (إن لم يسقوا)؛ لخبر ((إن الله يحب الملحين في الدعاء))، ثم إذا أرادوا إعادتها بالصلاة والخطبة ولم يشق عليهم الخروج من غد كلَّ خرجة خرج بهم صياما، وإن شق ورأى التأخير أياما صام بهم ثلاثا وخرج بهم في الرابع صياما وهكذا. (فإن تأهبوا للصلاة) ولو للزيادة المحتاج إليها (فَسُقُُوا قبلها اجتمعوا للشكر) على تعجيل مطلوبهم (والدعاء) بطلب الزيادة إن احتاجوها (ويصلون) بنية صلاة الاستسقاء ويخطبون (على الصحيح)؛ شكرا، (ويأمرهم) ندبا (الإمام) أو نائبه ومنه القاضي العام الولاية لا نحو والي الشوكة، نعم يعتبر ذو الشوكة في البلاد التي لا إمام بها (بصيام)؛ لأنه يعين على رياضة النفس والخشوع (ثلاثة أيام) متتابعة (أوَّلاً) ويصوم معهم، وبأمره يلزمهم الصوم ظاهرا وباطنا فيجب عليهم تبييت نيته، نعم لا يجب قضاؤها. ولو نوى بصيامه نحو نذرٍ أو قضاءٍ
(1)
. وفي الصلاة بعد القنوت.
(2)
. وتقدم في صلاة الخوف أن صلاة الاستسقاء لا تصلى بالكيفية الرابعة 3/ 3.
(3)
. خلافا لهم.
وَالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ، وَالخُرُوجِ مِنَ المَظَالِمِ
أثم
(1)
؛ لعدم امتثاله باطنا، ولذا لو نوى الأمرين اتجه أن لا إثم؛ لوجود الامتثال. ولا يلزم الولي
(2)
أمر موليه الصغير به وإن أطاقه، ويلزم من له الفطر في رمضان لنحو سفر أو مرض لكن ظاهرا أما باطنا فلا يلزمه
(3)
.
[تنبيه] يجوز للإمام أن يأمر بالمندوب وإن ضرّ المأمور كنحو صدقة وعتق قبل صلاة الاستسقاء ويجب امتثاله ظاهرا وباطنا
(4)
، نعم إنما يخاطب في الأمر بالمال
(5)
الموسرون بما يوجب العتق في الكفارة وبما يفضل عن يوم وليلة في الصدقة، ويجوز له أيضا أمرهم بالمباح ويجب عليهم الامتثال ظاهرا وباطنا إن كان في الأمر به مصلحة عامة وإلا فلا يجب إلا ظاهرا فقط كما لو عيّن على كل غني قدرا، والوجوب فيما مرّ على كل صالح له عينا لا كفاية إلا إن خصص أمره بطائفة فيختص بهم، ثمّ إن العبرة في المباح والمندوب المأمور به باعتقاد المأمور، فلو أمر بمباح عنده مندوب عند المأمور وجب امتثاله ظاهرا وباطنا، أما لو أمر الإمام بما يحرم عليه الأمر به كتسعير فلا يجب امتثاله ظاهرا إلا أن يخاف فتنة فيجب ويعزر المخالف؛ خشية من شق العصا
(6)
، وكذا يقال فيما لو أمرهم بمباح فيه ضرر على المأمور به، ويسن للإمام المنع من المكروه، (والتوبة)؛ لوجوبها فورا، (والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر والخروج من المظالم) التي لله أو للعباد دماً أو عرضاً أو مالاً؛ لخبر ((
…
ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر)).
(1)
. خلافا للرملي.
(2)
. اعتمد الرملي اللزوم حيث شمل أمر الإمام بصيام الصبيان.
(3)
. خالفه الأسنى والمغني فاعتمدا أن المسافر لا يلزمه الصوم إن تضرر به والنهاية فاعتمد فيها كأبيه طلب الصوم ولو مع ضرر يحتمل عادة.
(4)
. لم يجزم بالوجوب باطنا في التحفة بل في الإمداد، نعم كلامه فيها يشعر بارتضائه له.
(5)
. اعتمد في المغني عدم وجوب امتثاله إن أمر بمال.
(6)
. ذكره الشارح في كتاب البيع.
وَيَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ، وَتَخَشُّعٍ، وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ، وَكَذَا الْبَهَائِمَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الحُضُورَ، وَلَا يَخْتَلِطُونَ بِنَا. وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَالْعِيدِ،
(ويخرجون) حيث لا عذر (إلى الصحراء)؛ للاتباع إلا إن قلَّ المستسقون فالمسجد لهم أفضل، وتوقف الصبيان والبهائم بأبواب المسجد (في الرابع صياما)؛ لأن الصائم لا تردُّ دعوتُهُ كما ورد، وفارق ندب الفطر بعرفة ولو لأهلها بأنه آخر النهار فيشق معه الصوم وهنا بعكسه، ولذا فالذي يتجه أنه متى لم يأمرهم به لم يسن إن كان الدعاء آخر النهار وإلا سنّ وإن أمرهم وجب
(1)
(في ثياب بِذْلة) أي ثياب عمل غير جديدة (وتخشع) لله في كلامهم ومشيهم وجلوسهم مع حضور القلب وامتلائه بالهيبة والخوف من الله؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم ((خرج إلى الاستسقاء متبذلا متواضعا))، ولا يسن لهم تطيب بل تنظف بسواك وغسل وقطع ريح كريه ويخرجون من طريق ويرجعون في آخر، (ويُخْرِجون) ندبا (الصبيان) ولو غير مميزين، و مؤنة حملهم في مال الولي، ومثلهم المجانين الذين أمنت قطعا ضراوتهم (والشيوخ) والعجائز؛ لأن دعاءهم أقرب للإجابة، (وكذا البهائم في الأصح) ; لأن الجدب قد أصابها أيضا، ويُفَرَّق بين الأمهات والأولاد حتى يكثر الضجيج فيكون أقرب إلى الإجابة (ولا يمنع أهل الذمة) أو العهد (الحضور) أي لا ينبغي ذلك -ومحله ما لم ير الإمام المصلحة في ذلك-; لأنهم مسترزقون وقد تعجل لهم الإجابة استدراجا، ولذا يجوز
(2)
التأمين على دعاء الكافر بل يندب إذا دعا لنفسه بالهداية ولنا بالنصر مثلا ويُمنع إذا جُهِل ما يدعو به; لأن الظاهر من حاله أنه يدعو بإثم، ويكره لهم الحضور ولنا إحضارهم، (ولا يختلطون بنا) أي يكره لنا تمكينهم من ذلك من حين الخروج إلى العود، ومع ذلك فخروجهم معنا أولى
(3)
من انفرادهم بيوم يخرجون فيه؛ لأنهم قد يسقون فيفتن بهم بعض العامة (وهي ركعتان كالعيد)؛ لما صَحَّ أنه صلى الله عليه وسلم ((صلاها ركعتين كما يصلي العيد))، فالأفضل كونها في وقتها، ويكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا، ويقرأ في الأولى ق أو سبِّح وفي الثانية اقترب أو الغاشية بكمالهما جهرا.
(1)
. كما في الإمداد خلافا لهما في اعتماد ندب الصوم مطلقا.
(2)
. خلافا للمغني.
(3)
. خلافا لهما.
لَكِنْ قِيلَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} ، وَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ العِيدِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ، وَيَدْعُو فِي الخُطْبَةِ الْأُولَى: اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَُرِيعًا غَدَقًا مُجَلِّلًا سَحّاً طَبَقًا دَائِمًا، اللهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ، اللهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّكَ كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بَعْدَ صَدْرِ الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا
(لكن) تجوز زيادتها على الركعتين
(1)
بخلاف العيد، وأيضا (قيل يقرأ في الثانية {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ})؛ لأنها لائقة بالحال. (ولا تختص بوقت العيد في الأصح) ولا بغيره بل تجوز ولو وقت الكراهة; لأنها ذات سبب متقدم (ويخطب كالعيد) في الأركان والسنن دون الشروط فإنها سنة (لكن يستغفر الله تعالى) في أولهما (بدل التكبير) فيقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه تسعا في الأولى وسبعا في الثانية; لأنه الأليق، ويسن الإكثار من قراءة {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} نوح: 10 - 12 وإكثار الاستغفار وختم كلامه به (ويدعو في الخطبة الأولى) جهرا بالوارد، ومنه (اللهم اسقنا غيثا مُغيثا) أي منقذا (هنيئا) غير منغص من الشدة (مريئا) أي محمود العاقبة (مَُريعا) بضم أوله أي آتيا بالخِصب و بفتحِهِ ذا نماء (غدقا) أي كثير الماء والخير (مجلِلا) أي ساترا للأفق (سَحّا) أي شديدا الوقع (طَبَقا) أي عاما (دائما) إلى انتهاء الحاجة إليه (اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين) أي الآيسين ((اللهم إن بالعباد والبلاد والخلق من اللأواء -أي شدة المجاعة- والجَهد -أي قلة الخير- والضنك -أي الضيق- ما لا نشكو إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدِرَّ لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك)) (اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، ويستقبل القبلة بعد صدر الخطبة الثانية) أي نحو ثلثها إلى فراغ الدعاء ثم يستقبل الناس ويكمل الخطبة بالحث على الطاعة وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبالدعاء للمؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو آيتين ثم يقول أستغفر الله لي ولكم (ويبالغ في الدعاء سرا) ويسرون حينئذ (وجهرا) ويؤمنون حينئذ، قال
(1)
. خلافا لبعض نسخ النهاية.
وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَعَكْسَهُ وَيُنَكِّسُهُ عَلَى الجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: وَيُتْرَكُ مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزَعَ الثِّيَابُ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ، وَيَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ،
تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} الأعراف: 55 ويجعلون ظهور أكفهم إلى السماء
(1)
، ويسن ذلك لكل من دعا لرفع بلاء
(2)
ولو في المستقبل؛ ليناسب المقصود وهو الرفع بخلاف قاصد تحصيل شيء فإنه يجعل بطن كفه إلى السماء; لأنه المناسب لحال الأخذ، وينبغي أن يكون من دعائهم ((اللهم أنت أمرتنا بدعائك .. الخ))، (ويحوِّل رداءه عند استقباله) القبلة (فيجعل يمينه يساره وعكسه)؛ للاتباع، ويكره تركه (وينكسه) -إن كان غير مدور ومثلث وطويل
(3)
وإلا فيحوله بلا تنكيس- (على الجديد فيجعل أعلاه أسفله وعكسه)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم همّ بذلك، ويحصل التحويل والتنكيس معا بأن يجعل الطرف الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر والطرف الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن (ويحوِّل
(4)
مع التنكيس (الناس) أي الذكور وهم جلوس (مثله)؛ للاتباع، (قلت: ويُترك) الرداء (مُحَوَّلاً) مُنكَّسا (حتى يُنْزع
(5)
الثيابُ) بنحو البيت; لأنه لم ينقل خلافه. (ولو ترك الإمام الاستسقاء فعله الناس) بسائر السنن إلا إن خشوا من ذلك فتنة فيتركوه (ولو خطب قبل الصلاة جاز) لكنه خلاف الأفضل الذي هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم. (ويسن أن يبرز لأول مطر السنة) وغيره والأول آكد، والمراد بأوله أول واقع منه بعد طول العهد بعدمه (ويكشف غير عورته ليصيبه)؛ لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم حسر ثوبه حتى أصابه المطر وقال:((إنه حديث عهد بربه))، (وأن يغتسل أو يتوضأ) والجمع أفضل ثم الغسل ثم الوضوء (في السيل)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سال الوادي قال:
(1)
. كما ورد في مسلم.
(2)
. كما مر في القنوت.
(3)
. أي بالغ في الطول.
(4)
. هو مساوٍ لقول أصله ويجعل خلافا للمغني.
(5)
. بناء للمفعول، وبناها في المغني للفاعل.
وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ، وَيَقُولَ عِنْدَ المَطَرِ: اللهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ، وَبَعْدَهُ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيُكْرَهُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَسَبُّ الرِّيحِ، وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ المَطَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللهَ تَعَالَى رَفْعَهُ: اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، وَلَا يُصَلَّى لِذَلِكَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
((اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر به))، ثم إن كان عليه غسل واجب أو مسنون كفت نيته في حصول السنة وإلا فينوي سنة الغسل في السيل
(1)
، وأما الوضوء فلا بد فيه من نية معتبرة، نعم لا يَبْعُد أن تكفيه نية سنة الوضوء (ويسبح عند الرعد)؛ لما صح أن ابن الزبير رضي الله عنهما كان إذا سمعه ترك الحديث وقال سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته (و) عند (البرق، ولا يتبع بصره البرق) أو المطر أو الرعد; لأن السلف الصالح كانوا يكرهون الإشارة إلى الرعد والبرق ويقولون عند ذلك لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبّوح قدوس (ويقول عند المطر اللهم صيّبا نافعا)؛ للاتباع، وفي رواية ((صيبا هنيئا)) وفي أخرى ((سَيْبا عطاء نافعا))، فيندب الجمع بين الروايات، ويكرر ذلك مرتين أو ثلاث (ويدعو بما شاء)؛ لما ورد أنه يستجاب الدعاء عند نزول الغيث، (وبعده) أي إثر نزوله (مطرنا بفضل الله ورحمته، ويكره) تنزيها (مُطِرْنَا بنوء كذا)؛ كالثريا لإيهامه وفي الصحيحين (( .. ومن قال مطرنا بنوء كذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب))، أما ما لا إيهام فيه فيجوز؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول مُطرنا بنوء الفتح ثم يقرأ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} فاطر: 2 .. الآية
(2)
. (و) يكره (سب الريح)؛ للخبر الصحيح ((الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها)). (ولو تضرروا بكثرة المطر) بأن خشي منه على نحو البيوت (فالسنة أن يسألوا الله) في نحو خطبة الجمعة والقنوت; لأنه نازلة كما مر، وأعقاب الصلوات (رفعه) فيقولوا ندبا ما رواه الشيخان (اللهم حوالَينا ولا علينا) -أي اجعله في الأودية والمراعي لا الأبنية والطرق- اللهم على الإكام والظراب
(3)
وبطون الأودية ومنابت الشجر والإكام
(4)
، (ولا يُصَلَّى لذلك والله أعلم)؛ إذ لم يؤثر غير الدعاء، نعم القياس الصلاة فرادى.
(1)
. كما جزم به الشارح في كلامه على الأغسال المسنونة في باب الجمعة وخالفوه وقالوا لا تشرع له النية إذا لم يصادف وقت غسل ولا وضوء.
(2)
. ولا يستثنى هذا من المتن عند الشارح؛ لأنه لا إيهام فيه خلافا للمغني.
(3)
. هي الجبال الصغيرة.
(4)
. وهي دون الجبال وفوق الروابي.
باب
إنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا وُجُوبَهَا كَفَرَ، أَوْ كَسَلًا قُتِلَ حَدًّا، وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ بِصَلَاةٍ فَقَطْ بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ،
(باب في حكم تارك الصلاة)
(إن ترك) مكلف عالم أو جاهل لم يعذر بجهله لكونه بين أظهرنا
(1)
فحكمه في حكم العالم (الصلاة) المكتوبة، أو فعلها (جاحدا) والجحد إنكار ما سبق علمه (وجوبها) أو وجوب ركن مجمع عليه منها أو فيه خلاف واهٍ (كفر) إجماعا ككل مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة (أو كسلا) مع اعتقاده وجوبها (قُتِل)؛ لآية {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} التوبة: 5 فإنها شرطت في الكف عن القتل إقامتها، نعم القتل (حَدَّاً) -لا كفراً-؛ لما صح أنه ((تحت المشيئة إن شاء تعالى عذبه، وإن شاء أدخله الجنة))، ويقتل بالحاضرة إذا أُمِر بها -عند ضيق الوقت- من جهة الإمام أو نائبه دون غيرهما وتُوعد على إخراجها عنه فامتنع حتى خرج وقتها; لأنه حينئذ معاند للشرع عنادا يقتضي مثله القتل فهو ليس لحاضرة فقط ولا لفائتة فقط بل لمجموع الأمرين الأمر والإخراج مع التصميم، وخرج بكسلا ما لو تركها لعذر
(2)
ولو فاسدا كفاقد الطهورين ومثله كل تارك لصلاة يلزمه قضاؤها، وإن لزمته اتفاقا; لأن إيجاب قضائها شبهة في تركها وإن ضعفت، بخلاف ما لو قال من تلزمه الجمعة إجماعا لا أصليها إلا ظهرا فيقتل، ويقتل أيضا بكل ركن أو شرط لها أجمع على ركنيته أو شرطيته كالوضوء أو كان الخلاف فيه واهيا جدا، ويقتل أيضا من ترك تعلم كيفيتها من أصلها بخلاف من علم كيفيتها ولم يميز الفرض من غيره; لأنه يسامح في عدم هذا (والصحيح قتله بصلاة فقط بشرط إخراجها عن وقت الضرورة) أي؛ لشبهة الجمع فلا يقتل بالظهر حتى تغرب الشمس -بخلاف الجمعة فيقتل إن ضاق وقتها عن أقلّ ممكن من الخطبة والصلاة-
(1)
. لأنه مما يعرف حرمته أكثر العوام بناء على التفرقة المارة بتفصيلها وقيودها.
(2)
. ومنه إدراك عرفة وتجهيز حيث خيف انفجاره وتخليص حيوان محترم قصده ظالم ولم يخش منه قتالاً أو نحوه، بل يجب عليه كل ذلك، ومنه أيضاً ما لو خاف على مال فيجوز تأخيره ويكره له ترك المال أفاد ذلك الشارح في صلاة الخوف.
وَيُسْتَتَابُ ثُمَّ يُضْرَبُ عُنُقُهُ، وَقِيلَ: يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ، وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ مَعَ المُسْلِمِينَ وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ.
ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر ويقتل بالصبح بطلوع الشمس، ولو ذكر عذرا للتأخير لم يقتل وإن كان فاسدا كما لو قال صليت وإن ظُن كذبه (ويستتاب) فورا ندبا، ولا يضمنه قاتله
(1)
قبل التوبة وإن أثم، أما جاحدها فوجوبا؛ لأن ترك استتابته يوجب تخليده في النار (ثم يضرب عنقه) بالسيف لا بغيره؛ للأمر بإحسان القِتلة، (وقيل ينخس بحديدة حتى يصلي أو يموت) ورُدَّ بأن ليس إحسانا للقِتلة (ويُغَسَّل ويُصلَّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ولا يطمس قبره
(2)
بل يترك كبقية أصحاب الكبائر.
(1)
. أي إن كان مسلماً ليس مهدراً أما إن قتله مسلم مهدر فيضمنه كما أفاده الشارح في شروط القود 8/ 399.
(2)
. ويحرم وطء قبره أو الجلوس عليه كما ذكره الشارح في فصل الدفن 3/ 175.
كتاب الجنائز
لِيُكْثِرْ ذِكْرَ المَوْتِ وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ المَظَالِمِ وَالمَرِيضُ آكَدُ.
وَيُضْجَعُ المُحْتَضَرُ لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَانٍ وَنَحْوِهِ أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ بِلَا الحَاحٍ،
(كتاب الجَنائز)
(ليكثر) كلُّ مكلف ندبا مؤكدا -؛ إذ أصل ذكر الموت مندوب- (ذكر الموت)؛ لخبر ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات)) (ويستعد) وجوبا إن علم أن عليه حقا وإلا فندبا (بالتوبة ورد المظالم) يعني الخروج منها ليتناول كرد الأعيان وقضاء الصلاة والتمكين من استيفاء حد أو تعزير لا يقبل العفو أو يقبله ولم يعف عنه، (والمريض آكد)؛ لنزول مقدمات الموت به (ويضجع) ندبا (المحتضر لجنبه الأيمن) فالأيسر (إلى القبلة على الصحيح)؛ لأنها أشرف الجهات، لكن العمل على المقابل الموافق للمذكور في قوله (فإن تعذر) أي تعسر ذلك (لضيق مكان ونحوه) كعلة (أُلقيَ على قفاه ووجهه وأخْمَصاه) والمراد جميع أسفل الرجلين (للقبلة) ويرفع رأسه؛ ليتوجه وجهه للقبلة (ويُلقن) ندباً ولو مميزا؛ ليحصل له الثواب الآتي، وبه فارق عدم تلقينه في القبر لأمنه من السؤال (الشهادة) أي لا إله إلا الله فقط
(1)
؛ لما صح من الأمر به وأن ((من كانت آخر كلامه دخل الجنة)) -أي مع الفائزين-، أما الكافر فيلقنهما قطعا، ولا يشترط لفظ ((أشهد))
(2)
، وينبغي تقديم التلقين على الاضطجاع -إن لم يمكن فعلهما معاً-؛ لئلا يزهق قبله، ويسن أن يكون مرة فقط و (بلا إلحاح)؛ لئلا يضجر فيتكلم بما لا ينبغي، وأن لا يقال له:((قل)) بل يذكر الكلمة عنده ليتذكر فيذكر فإن ذكرها وإلا سكت يسيرا ثم
(1)
. فلو زاد محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكرها المحتضر لم يخرج عن كون التوحيد آخر كلامه ويوافقه كلام المغني بخلاف التحفة والنهاية.
(2)
. كما مال الشارح إليه في الردة.
وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ يس، وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سبحانه وتعالى، فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ، وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ، وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ، وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ،
يعيدها، ويعيد التلقين إذا تكلم ولو بذكر
(1)
؛ ليكون آخر كلامه. وليكن غير متهم لنحو عداوة أو إرث إن كان ثَم غيره فإن حضر عدو ووارث فالوارث؛ لأنه أشفق لقولهم لو حضر ورثة قدم أشفقهم، (ويقرأ) ندبا (عنده يس
(2)
؛ للخبر الصحيح ((اقرءوا على موتاكم {يس}))، ويُجَرَّع الماء
(3)
ندبا، بل وجوبا إن ظهرت أمارة تدل على احتياجه له كأن كان يفرح إذا فعل به ذلك
(4)
، (وليحسن) المحتضر والمريض ندبا (ظنه بربه سبحانه وتعالى وصح قوله صلى الله عليه وسلم ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله))، ويسن لمن عنده تحسين ظنه في رحمة ربه، وتطميعه بها، بل يجب إذا رأوا منه أمارة اليأس والقنوط؛ لئلا يؤدي به ذلك إلى الكفر. (فإذا مات غمض) ندبا؛ لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم ((فعله بأبي سلمة لمَاَّ شَقّ بصرُه))، ويسن حينئذ بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم (وشد لحياه بعصابة) عريضة تعمهما ويربطها فوق رأسه؛ لئلا يدخل فاه الهوام (ولينت) أصابعه
(5)
و (مفاصله) عقب زهوق روحه بأن يرد ساعده لعضده وساقه لفخذه وهو لبطنه ثم يردها؛ ليسهل غسله (وستر) بعد نزع ثيابه (جميع بدنه
(6)
بثوب) طرفاه -في غير المحرم- تحت رأسه ورجليه؛ للاتباع (خفيف)؛ لئلا يتسارع إليه الفساد (ووضع على بطنه) والأولى كونه فوق الثوب -فإن كان الميت على جنبه شدّ ما يأتي بنحو عصابة- (شيء ثقيل) من حديد كسيف -لكن عرضا- أو مِرآة، فإن فقد فطين رطب فما تيسر؛ لئلا ينتفخ وأقله نحو عشرين درهما، والترتيب لكمال السنة لا لأصلها، ويحرم وضع المصحف ككتب الحديث والعلم المحترم إن مس بل أو قرب مما فيه قذر ولو طاهرا أو جُعِل على كيفية تنافي تعظيمه وإلا كره (ووضع) ندبا (على سرير ونحوه) إن خيف أن تصيبه نداوة الأرض من غير
(1)
. خلافا للمغني.
(2)
. لا يسن قراءة الرعد عند الشارح والنهاية خلافا للمغني.
(3)
. كما في النهاية وقيده في المغني بالبارد.
(4)
. ويسن السواك للمحتضر كما تقدم في الوضوء 1/ 220.
(5)
. ظاهره كالمغني أن أصابعه مغايرة للمفاصل خلافا لصنيع النهاية.
(6)
. أما المحرم فيستر منه ما يجب تكفينه.
وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ كَمُحْتَضَرٍ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ.
وَيُبَادَرُ بِغُسْلِهِ إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ. وَغُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ، وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ فِي الْأَصَحِّ، فَيَكْفِي غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ، قُلْتُ: الْأَصَحِّ المَنْصُوصُ: وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ وَاَللهُ أَعْلَمُ
فراش (ونزعت) ندبا (ثيابه) التي مات فيها؛ لئلا يحمى الجسد فيتغير، نعم يُبقى قميصه الذي يغسَّل فيه إذا كان طاهرا لكن يشمر لحقوه
(1)
؛ لئلا يتنجس، وسيأتي أن الشهيد يدفن بثيابه فلا تنزع عنه (ووجهه للقبلة كـ) توجيه (محتضر، ويتولى ذلك) أي جميع ما مر ندبا بأسهل ما يمكن (أرفق محارمه) به مع اتحاد الذكورة والأنوثة، ومثله أحد الزوجين بالأولى؛ لوفور شفقته. (ويبادَر
(2)
بغسله إذا تيقن موته) ندبا إن لم يخش من التأخير وإلا فوجوبا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا ينبغي لجيفة مؤمن أن تُحبس بين ظهراني أهله)) رواه أبو داود، ومتى شُكَّ في موته وجب تأخيره إلى اليقين بتغير ريح أو نحوه فذكرهم العلامات الكثيرة له إنما تفيد حيث لم يكن هناك شك. (وغسله وتكفينه والصلاة عليه) وحمله (ودفنه) وما ألحق به كإلقائه في البحر وبناء دكة عليه على وجه الأرض بشرطهما الآتي (فروض كفاية) إجماعا على كل من علم بموته أو قَصَّر لكونه بقربه
(3)
وينسب في عدم البحث عنه إلى تقصير. (وأقل الغسل تعميم بدنه) بالماء؛ لأنه الفرض في الحي فالميت أولى، ولذا يجب غسل ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها (بعد إزالة النجس) إن كان، والبعدية مندوبة وإلا فيكفي لهما غسله واحدة إن زالت عينه بها بلا تغير
(4)
، ولو اجتمع مع حي وكلٌّ ببدنه نجس والماء لا يكفي إلا أحدهما قُدِّم الميت، (ولا تجب نية الغاسل في الأصح فيكفي غرقه أو غسل كافر)؛ لأن المقصود حصول النظافة، نعم تندب خروجا من الخلاف فينوي نحو أداء الغسل عنه أو استباحة الصلاة عليه (قلت: الأصح المنصوص وجوب غسل الغريق والله أعلم)؛ لأنَّا مأمورون بغسله فلا يسقط عنَّا إلا بفعلنا. والكافر من جملة المكلفين بخلاف الملائكة، وكذا الجنّ؛ لأنهم اختصوا
(1)
. هو الإزار، لسان العرب.
(2)
. بل له أن يؤخر الصلاة عن وقتها لتجهيز ميت خيف انفجاره كما مر في صلاة الخوف 3/ 16.
(3)
. أي ممن تقتضي العادة بتعهده كما فسرها الشارح في السير 9/ 213.
(4)
. بشروطه المارة.
وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ مَسْتُورٍ عَلَى لَوْحٍ وَيُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ بِمَاءٍ بَارِدٍ، وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى المُغْتَسَلِ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ،
بتكاليف لا نعلم تفاصيلها
(1)
، ويكفي غسل المميز
(2)
؛ لأنه من جملتنا كالفاسق، (والأكمل وضعه بموضع خالٍ) عن غير الغاسل ومعينه (مستور) بأن يكون مسقفا ليس فيه نحو كوّة يطلع عليه منه؛ لحرص الحي على ذلك ولأنه قد يكون ببدنه ما يكره الاطلاع عليه، نعم لوليه الدخول عليه وإن لم يكن غاسلا ولا معينا كما فعل العباس رضي الله عنه، والولي أقرب الورثة
(3)
بشرط أن توجد فيه الشروط الآتية في الغاسل، وأن يكون (على) نحو (لوح) مرتفع؛ لئلا يصيبه رشاش، ورأسه أعلى لينحدر الماء عنه، (و) الأكمل أنه (يُغَسَّل في قميص) بالٍ سخيف؛ لما صح أنهم لما أخذوا في غسله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من داخل البيت لا تنزعوا عن رسول الله قميصه، و لأنه أستر، ثم إن اتسع كُمُّه وإلا فتق دخاريصه
(4)
، فإن فقد وجب ستر عورته، وأن يكون (بماء) مالح و (بارد)؛ لأنه يشد البدن والسخن يرخيه، نعم إن احتيج له لنحو شدة برد أو وسخ فلا بأس، وينبغي إبعاد إناء الماء عن رشاشه، وأن يجتنب ماء زمزم؛ للخلاف في نجاسة الميت
(5)
، (ويجلسه) الغاسل برفق (على المغتسل) المرتفع (مائلا إلى ورائه)؛ لأن اعتداله قد يحبس ما يخرج منه (ويضع يمينه على كتفه وإبهامه في نقرة قفاه) -أي مؤخر عنقه-؛ لئلا يتمايل رأسه.
(1)
. ذكره الشارح في محرمات النكاح.
(2)
. لا غير المميز خلافا لظاهر النهاية.
(3)
. قيده الرملي بما إذا لم يكن بينهما عداوة.
(4)
. الدخريص من القميص والدرع واحد الدخاريص، وهو ما يوصل به البدن ليوسعه، الصحاح.
(5)
. تقدم أن إزالة النجاسة به خلاف الأولى.
وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ سَوْأَتَيْهِ ثُمَّ يَلُفُّ أُخْرَى، وَيُدْخِلُ إِصْبَعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ، وَيُزِيلُ مَا فِي مَنْخِرَيْهِ مِنْ أَذًى، وَيُوَضِّئُهُ كَالحَيِّ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ وَيُسَرِّحُهُمَا بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ بِرِفْقٍ وَيَرُدُّ المُنْتَتَفَ إلَيْهِ وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ إلَى الْقَدَمِ،
(ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى ويمر يساره على بطنه إمرارا بليغا) أي مكررا المرة بعد المرة مع نوع تحامل لا مع شدته (ليخرج ما فيه) من الفضلات خشية من خروجه بعد الغسل، ولتكن المجمرة فائحة الطيب من حين موته إلى انتهاء الغسل، وليعتن المعين بكثرة صب الماء إذهابا لعين الخارج وريحه ما أمكن (ثم يضجعه لقفاه ويغسل بيساره وعليها خرقة
(1)
سوأتيه) وما حولهما كالحيّ؛ لحرمة مس شيء من عورته بلا حائل حتى بالنسبة لأحد الزوجين
(2)
(ثم) يلقيها ويغسل ما أصاب يده بماء ونحو إشنان، و (يلف أخرى) بيساره ويغسل ما بقي على بدنه من قذر طاهر أو نجس، ويجب لفها في العورة، ثم يلف خرقة نظيفة على أصبعه (ويدخل أصبعه) والأولى أن تكون اليسرى (فمه ويمرها على أسنانه) بشيء من الماء كسواك الحي ولا يفتح أسنانه؛ لئلا يدخل الماء جوفه فيفسده (ويزيل) بأصبعه اليسرى أيضا وعليها الخرقة والأولى الخنصر (ما في مَنْخِريه من الأذى) مع شيء من الماء ويتعهد كل ما ببدنه من أذى (ويوضئه كالحي) بمضمضة واستنشاق بدون مبالغة ويميل فيهما رأسه؛ لئلا يدخل الماء جوفه (ثم يغسل رأسه ثم لحيته بسدر ونحوه) والسدر أولى (ويسرحهما) إن تلبدت
(3)
شعورهما ويُقَدَّم الرأس (بمُشْط)؛ لإزالة ما في أصولهما (واسع الأسنان برفق)؛ ليقل الانتتاف أو ينعدم (ويرد) ندبا (المنتتف) مطلقا (إليه) في كفنه؛ إكراما له، (ويغسل) بعد ذلك كله (شقه الأيمن)؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بالبداءة بالميامن (ثم الأيسر) المقبلين من عنقه لقدمه، وقُدِّما؛ لشرفهما (ثم يحرّفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا والظهر إلى القدم).
(1)
. خلافا للمغني حيث قال بأولوية أن يجعل لكل سوءة خرقة.
(2)
. خلافا للرملي.
(3)
. فالتلبد شرط للتسريح مطلقا وفي شرح الروض أنه شرط لتسريحهما بواسع الأسنان.
ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ غَسْلَةٌ، وَتُسْتَحَبُّ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ، وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ ثُمَّ يُصَبُّ مَاءٌ قَرَاحٌ مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، وَأَنْ يُجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ قَلِيلُ كَافُورٍ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ فَقَطْ،
(ثم يحرّفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك) وتحصل أصل السنة بالكيفية المندوبة في غسل الحي، ويحرم كبه على وجهه (فهذه غسلة، وتستحب ثانية وثالثة، و) يستحب في كل من هذه الثلاث ثلاث غسلات وذلك أنه يستحب (أن يستعان في الأولى) من كل من الثلاث (بسدر) وهو الأولى (أو خِطمي)؛ لإزالة الوسخ، ثم يزيل ذلك بغسلة ثانية، (ثم) بعد هاتين الغسلتين في كل غسلة من الثلاث (يصب ماء قَراح) أي خالص (من فرقه) والمراد أول جانب الرأس (إلى قدمه بعد زوال السدر) فالمجموع تسع، نعم يخير بين ما مر وأن يوالي الستّ التي بالسدر ثم يوالي الثلاث القراح، والأولى في صب القراح الكيفية المارة في غسلة السدر مع حصول السنة بصب جميعه عليه. وإن لم يحصل الإنقاء بالثلاثة المذكورة
(1)
زاد. ويسن وتر إن حصل بشفع، وإن حصل بهن لم يزد عليهن. ولا يسقط الفرض بغسلة تغير ماؤها بالسدر تغيرا كثيرا؛ لأنه يسلبه الطهورية سواء المخالطة له وهي الأولى والمزيلة له وهي الثانية، ويستحب الوضوء مع كل غسلة
(2)
، (وأن يجعل في كل غسلة) من الثلاث التي بالماء الصرف في غير المُحْرِم (قليل كافور) مخالط بحيث لا يغيره تغيرا ضارا أو كثيرا مجاورا؛ لأنه يقوي البدن وينفِّر الهوام، والأخيرة آكد، ويكره تركه، ويُلَيِّن مفاصله بعد الغسل كأثنائه ثم ينشفه تنشيفا بليغا؛ لئلا يبتل كفنه فيسرع تغيره
(3)
. ويأتي بعد كلٍّ من وضوئه وغسله بذكر الوضوء بعده، ويسن ((اجعله من التوابين، أو اجعلني وإياه)). (ولو خرج بعده) أي الغسل وقبل التكفين (نجس وجب إزالته فقط)؛ لأن الفرض قد سقط بما وجد، وعليه لا يجب
(1)
. على قول الشارح يكون المجموع تسع كما قاله الكردي، أما على قضية كلام النهاية فيكون المجموع خمسة عشر وتفصيل ذلك في حاشية عبد الحميد.
(2)
. خلافا للرملي وينوي الوضوء المسنون وبحث الشارح تعين أن ينوي الغاسل نية معتبرة كما مرّ أفاد ذلك الشارح في الاستسقاء 3/ 81.
(3)
. فلا يكره تنشيفه كما مر في باب الوضوء 1/ 237.
وَقِيلَ مَعَ الْغُسْلِ إنْ خَرَجَ مِنَ الْفَرْجِ، وَقِيلَ الْوُضُوءِ، وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ وَالمَرْأَةَ المَرْأَةُ، وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ وَزَوْجَتَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا، وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلَا مَسَّ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ يُمِّمَ فِي الْأَصَحِّ، وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَبِهَا قَرَابَاتُهَا،
بخروج منيه الطاهر شيء، (وقيل مع الغسل إن خرج من الفرج، وقيل الوضوء) كالحي، أما ما خرج من غير الفرج أو بعد الإدراج في الكفن فلا يجب غير إزالته من بدنه وكفنه قطعا. (ويُغَسِّل الرجلَ) ولو أمرداً
(1)
(الرجلُ، والمرأةَ المرأةُ)؛ إلحاقا لكلٍّ بجنسه، (ويغسل أمته) ولو نحو أم ولد ومكاتبة وذمية كالزوجة لا مزوجة ومعتدة ومستبرأة ومشتركة ومبعضة ووثنية؛ لحرمة بضعهن عليه، وليس لها ولو مكاتبة وأم ولد أن تغسل سيدها؛ لانتقالها للورثة أو عتقها (وزوجته) -غير الرجعية وغير المعتدة عن شبهة وإن حل نظرها؛ لتعلق الحق فيها بأجنبي- ولو ذمية (وهي) أي غير من ذكرنا تغسل (زوجها) إجماعا وإن اتصلت بزوج بأن وضعت عقب موته، وتغسل الذمية زوجها الذمي (ويلفان) أي السيد وأحد الزوجين (خرقة) ندبا عند غسل البدن، ووجوبا عند غسل العورة
(2)
(ولا مس)؛ حفظا لطهارة الغاسل إذ الميت لا ينتقض طهره بذلك، فإن خالف صح الغسل، (فإن لم يحضر إلا أجنبي) كبير واضح والميت امرأة (أو أجنبية) كذلك والميت رجل (يمم) وإن كان على بدنه خبث
(3)
(في الأصح)؛ لتوقف الغسل على النظر والمس المحرم، ولذا لو كان في ثياب سابغة وأمكن استيعاب غسله بغمسه في نحو نهر من غير مس ولا نظر وجب، أما الصغير الذي لم يبلغ حدا يُشْتَهَى والخنثى -ولو كبيرا لم يوجد له محرم- فيغسله الفريقان أما الأول فواضح وأما الثاني فللضرورة، ويغسل من فوق ثوب ويحتاط الغاسل ندبا في النظر والمس. (وأولى الرجال به أولاهم بالصلاة) غالباً فيقدم رجال عصبة النسب فالولاء فالوالي إن انتظم بيت المال فذو الأرحام -أما إذا لم ينتظم فيقدمون عليه- فالرجال الأجانب فالزوجة فالنساء المحارم، نعم الأفقه بباب الغسل أولى من الأقرب والأسن، وكذلك الفقيه ولو أجنبيا أولى من غير فقيه ولو قريبا (و بها قراباتها) المحارم وغيرهن.
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. كما مر خلافا للرملي.
(3)
. خلافا لهما.
وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ، وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّةُ، ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ. قُلْتُ: إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمُ الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُقَرَّبُ المُحْرِمُ طِيبًا، وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ، وَتُطَيَّبُ المُعْتَدَّةُ فِي الْأَصَحِّ،
(ويقدمن على زوج في الأصح)؛ لأن الإناث بمثلهن أليق (وأولاهن ذات محرمية) -ولو حائضا- وهي من لو فرضت رجلا حرم عليه نكاحها بالقرابة؛ لأنهن أشفق، فإن استوى ثنتان محرمية فالتي في محل العصوبة -كالعمة أولى من الخالة- ثم ذات رحم غير محرم كبنت العم وتقدم القربى فالقربى، فإن استوى ثنتان درجة قدم هنا بما يقدم به في الصلاة المار، فإن استويا في ذلك أقرع، ويرجح هنا أيضا بمحرمية الرضاع والمصاهرة فتقدم بنت عمّ بعيدة ذات رضاع على بنت عمّ قريبة ليست كذلك (ثم) ذات الولاء ثم محرم الرضاع ثم المصاهرة ثم (الأجنبية)؛ لأنها أوسع نظرا ممن بعدها (ثم رجال القرابة كترتيب صلاتهم)؛ لأنهم أشفق (قلت: إلا ابن العم ونحوه) من كل قريب غير محرم (فكالأجنبي والله أعلم، ويقدم عليهم الزوج في الأصح)؛ لأنه ينظر ما لا ينظرونه، نعم تقدم الأجنبية عليه. وشرط المُقَدَّم في الكل الحرية الكاملة والعقل وأن لا يكون كافرا في مسلم ولا قاتلا ولا عدوا ولا فاسقا ولا صبيا وإن ميز.
[تنبيه] الترتيب المذكور مندوب
(1)
(ولا يقرب المحرم) إذا مات قبل فعل تحلل العمرة أو فعل التحلل الأول للحج ولو بعد دخول وقته (طيبا) ولا يخلط ماء غسله بكافور ونحوه، (ولا يؤخذ شعره وظفره) أي لا يجوز ذلك وإن لم يبق عليه غير الحلق، وصحّ فيه ((لا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا))، نعم لو تعذر غسله إلا بحلقه لتلبيد رأسه وجب، وكذا لو تعذر غسل ما تحت ظفره إلا بقلمه، ولا بأس بالتبخير عند غسله، ولا فدية على حالقه ومطيبه، (وتُطَيَّب المعتدة) المحدة (في الأصح)؛ لزوال تفجعها وميلها للأزواج أو ميلهم إليها بالموت.
(1)
. أخذ علي الشبراملسي من كلام الرملي أن الترتيب مندوب في اتحاد الجنس وواجب فيما إذا اختلف الجنس.
وَالجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ المُحْرِمِ أَخْذُ ظُفْرِهِ وَشَعْرِ إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ قُلْتُ: الْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
(والجديد أنه لا يكره في غير المحرم أخذ ظفره وشعر إبطه وعانته وشاربه)؛ لأنه لم يرد فيه نهي (قلت: الأظهر كراهته والله أعلم)؛ لأنه مُحْدَث وقد صح النهي عن المحدثات التي لم يشهد الشرع باستحسانها مع معارضتها لاحترام أجزاء الميت، ومن ثم حرم ختنه وإن عصى بتأخيره فلو تعذر غسل ما تحت قلفته ييمم عما تحتها
(1)
.
(1)
. ولو كان تحتها نجاسة يمم أيضا عند الشارح خلافا للرملي.
فصل
يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا، وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ، وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ، وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ وَلَهَا خَمْسَةٌ،
(فصل) في تكفين الميت وحمله وتوابعهما
(يُكفن بما له لبسه حيا) فيجوز حرير ومزعفر للمرأة والصبي والمجنون مع الكراهة لا لرجل وخنثى إلا إن لم يجد غيره فيجب، وينزع عن قتيل المعركة إذا لبسه بشرطه
(1)
، ويحرم التكفين في متنجس بما لا يعفى عنه وجد غيره وإن حل لبسه في الحياة، أما إن لم يجد غيره فيتعين
(2)
كالحرير أو لم يجد إلا هو وحرير فيُنْظَر فإن أمكن تطهيره تعين وإلا سومح بذلك المتنجس. وتكفن محدة في ثوب زينة وإن حرم لبسها له في الحياة، ويحرم في جلد وُجِد غيره؛ لأنه مُزرٍ به وكذا الطين والحشيش فإن لم يوجد ثوب وجب جلد ثم حشيش ثم طين.
[فرع] يحرم سِتر الجنازة بحرير وكل ما المقصود به الزينة ولو امرأة
(3)
، (وأقله ثوب) يستر العورة المختلفة بالذكورة والأنوثة فقط
(4)
كالحي ولأنه حق لله تعالى فالزائد عليها إلى الإسباغ حقّ مؤكد للميت، فلا يجوز للورثة أو الغرماء منع الإسباغ، و له أن يسقط الإسباغ بإيصائه بإسقاطه، ولا بد من ستر البشرة هنا كالصلاة (ولا تُنَفّذُ وصيته بإسقاطه) أي ساتر العورة؛ لما تقرر أنه حق لله تعالى
(5)
(والأفضل للرجل) أي الذكر (ثلاثة) يعم كل منها البدن -غير رأس مُحْرِم ووجه مُحْرِمة-؛ اتباعا لما فعل به صلى الله عليه وسلم (ويجوز) بلا كراهة لكنه خلاف المستحب (رابع وخامس) برضا الورثة المطلقين التصرف، وكذا أكثر لكن مع الكراهة، (ولها) أي المرأة، ومثلها الخنثى (خمسة)؛ لطلب زيادة الستر فيها، وتكره الزيادة. هذا كله
(1)
. نصه في الإمداد والأوجه من تناقض وقع للأذرعي وجوب نزعه عن الشهيد إذا قتل وهو لابسه وإن تلطخ بدمه؛ لأن الحاجة إلى مزيد الثواب لا تبيح الحرير ونحوه.
(2)
. وفاقا للأسنى وخلافا لهما.
(3)
. خلافا للنهاية.
(4)
. أي وستر جميع البدن مستحب ووافقه شيخ الإسلام وخالفاه فقالا بوجوبه.
(5)
. أي بخلاف ما زاد عليه خلافا لهما.
وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ، وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ، وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ: فَإِزَارٌ، وَخِمَارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ، وَيُسَنُّ الْأَبْيَضُ، وَمَحَلُّهُ أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ
حيث لا دَيْن وكُفِّن من ماله وإلا وجب الاقتصار على ثوب ساتر لكل البدن إن طلبه غريم مستغرق أو كفن ممن تلزمه نفقته ولم يتبرع بالزائد أو من بيت المال أو وقف الأكفان أو من مال الموسرين؛ لفقد ما ذكر. ولو اختلف الورثة في الثلاثة ودونها أو أكثر فالثلاثة بل وإن اتفقوا على ثوب واحد؛ لأنه حقه بالنسبة لهم فقدم عليهم، ولذا يجبرهم الحاكم عليها وإن كان فيهم محجور أو غائب، ولهم الزيادة على الثلاث إلا إن كان فيهم محجور فلا زيادة عليها، ولو اختلف الورثة والغرماء المستغرقون في ساتر العورة والبدن فساتر البدن؛ لما مر وبه فارق إجابتهم في منع سائر المستحبات.
[فرع] قال وارث: أكفنه من مالي وقال آخر من التركة أجيب
; دفعا لمنة الأول عنه، أو قال وارث: أكفنه من المسبلة أو من بيت المال وآخر من مالي أجيب الثاني؛ دفعا للعار عنه، أو قال وارث: أدفنه في ملكه وآخر في مسبلة أجيب الثاني؛ لأنه لا عار هنا بوجه. (ومن كفن منهما بثلاثة فهي لفائف) متساوية في عمومها لجميع البدن ثم في عرضها وطولها وهو الأفضل؛ اتباعا لما فُعِل به صلى الله عليه وسلم (وإن كفن في خمسة زيد قميص وعمامة) لغير محرم (تحتهن) كما فعله ابن عمر رضي الله عنهما بولد له (وإن كفنت في خمسة فإزار) على ما بين سرتها وركبتها أوَّلاً (وخمار) على رأسها ثالثا (وقميص) على بدنها ثانيا (ولفافتان) متساويتان؛ اتباعا ((لفعله صلى الله عليه وسلم ببنته أم كلثوم)) (وفي قول ثلاث لفائف وإزار وخمار، ويسن) القطن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كُفِّن فيه، و (الأبيض)؛ لذلك ولخبر (( .. وكفنوا فيها موتاكم)). (ومحله) الأصلي
(1)
كمؤن التجهيز (أصل التركة) التي لم يتعلق بعينها حق، وتستثنى زوجة الموسر؛ لما يأتي، ويراعى في التجهيز سعة حال الميت وضيقه ولو كان عليه دين على ما شمله إطلاقهم (فإن لم تكن) تركة -ولا زوج- أو كانت واستغرقها دين أو بقي ما لا يكفي (فـ) مؤنة التجهيز كلها أو ما بقى منها (على من عليه نفقته من قريب وسيد) ولو لأم ولد ومكاتب كحال الحياة، نعم يجب تجهيز ولد كبير
(1)
. ويأتي حكم المندوب والمكروه من مؤن التجهيز.
وَكَذَا الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ، وَتُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ، وَأَوْسَعُهَا، وَالثَّانِيَةُ فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ، وَيُذَرُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ حَنُوطٌ، وَيُوضَعُ المَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ،
فقير؛ لأنه عاجز الآن، فإن لم يكن له منفق وجب في وقف الأكفان ثم في بيت المال فإن لم يكن أو ظلم متوليه بمنعه فعلى أغنياء المسلمين، (وكذا الزوج
(1)
فيلزمه مؤن تجهيز زوجته وبائن حامل منه ورجعية مطلقا وإن أيسرت وكان لها تركة، ومثل الزوجة خادمها المملوكة لها أو من صحبتها بنفقتها بخلاف المكتراة، والعبرة بحال الزوج دونها، وخرج بالزوج ابنه فلا يلزمه تجهيز زوجة أبيه وإن لزمه نفقتها في الحياة (في الأصح) كالحياة -ومن ثم لم يلزمه تجهيز نحو ناشزة وصغيرة- نعم إن أعسر الزوج جهزت من أصل تركتها لا من خصوص نصيبه منها
(2)
، وإذا كفنت من أصل تركتها أو من غيرها لم يبق دينا عليه؛ لسقوطه بإعساره، فإن لم يكن لها تركة وهو معسر أو لم تجب نفقتها عليه حية فعلى من عليه نفقتها فالوقف فبيت المال فالأغنياء، وضابط المعسر هنا من ليس عنده فاضل عمَّا يترك للمفلس، أما لو غاب أو امتنع وهو موسر وكفنت من مالها أو غيره فإن كان بإذن حاكم يراه رجع عليه وإلا فلا؛ لأنه لا يستقر في ذمته، ولو لم يوجد حاكم كفى المجهز الإشهاد على أنه جهز من مال نفسه ليرجع به، ولو أوصت بأن تكفن من مالها وهو موسر كانت وصية لوارث. (و) يندب أن (يبسط) أولاً (أحسن اللفائف وأوسعها) إن تفاوتت حسنا وسعة، فإن تعارض الحسن والسعة قدمت السعة أو اتفقت سعة وتفاوتت حسنا قدم أحسنها، وتقدّم إن تساويهن أفضل (والثانية) حسنا وسعة (فوقها وكذا الثالثة ويذرّ على كل واحدة) منهن -بل وما زاد- قبل وضع الأخرى فوقها (حَنوط)؛ لأنه يدفع سرعة بلاهن، ويستحب تبخيرهن أوَّلاً بالعود في غير مُحْرِم ثلاثا؛ لما صح من الأمر بها، والحنوط أولى من المسك (ويوضع الميت فوقها) برفق (مستلقيا وعليه حنوط) وهو طيب يختص بالميت يشتمل على نحو صندل وذريرة وكافور فعطفه عليه بقوله:(وكافور)؛ لإفادة ندب وضعه صِرْفاً أيضا؛ لأنه يقويه ويصلبه ويذهب
(1)
. عطف على جملة: ((محله أصل التركة))، خلافا للرملي حيث جعل العطف على ((أصلُ)) وحده.
(2)
. خلافا للنهاية حيث اعتمد أنها تجهز من نصيبه منها إن ورث وإلا فمن أصل التركة مقدما على الدين.
وَتُشَدُّ أَلْيَاهُ بِخِرْقَةٍ، وَيُجْعَلُ عَلَى كُلِّ مَنَافِذِ بَدَنِهِ قُطْنٌ، وَتُلَفُّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ وَيُشَدُّ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ، وَلَا يُلْبَسُ المُحْرِمُ الذَّكَرُ مَحِيطًا وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ المُحْرِمَةِ
عنه الهوام والريح الكريه، ومن ثم ندب تعميم البدن به (وتشد ألياه بخرقة) كالحفاظ بعد دسّ قطن بينهما عليه حنوط حتى يتصل بالحلقة ويبالغ في شده حتى يمنع الخارج، ويكره دسه إلى داخل الحلقة (ويجعل على كل منافذ بدنه) الأصلية كعين وأذن وفم ومنخر، والطارئة بنحو جرح، وعلى كل مسجد من مساجده السبعة السابقة والأنف (قطن) مندوف
(1)
عليه حنوط؛ دفعا للهوام وإكراما للمساجد (وتُلَفّ عليه اللفائف) بأن يثنى كل منها من طرف شقه الأيسر على الأيمن ثم من طرف شقه الأيمن على الأيسر ويجعل الفاضل عند رأسه أكثر (ويشدّ) في غير المحرم بشداد ويعرض بعرض ثديي المرأة وصدرها؛ لئلا ينتشر عند الحركة والحمل (فإذا وضع في قبره نزع الشداد)؛ لزوال مقتضيه ولكراهة بقاء شيء معقود معه فيه. (ولا يلبس المحرم) قبل التحلل الأول (الذكر محيطا) ولا تشد عليه أكفانه (ولا يستر رأسه ولا وجه المحرمة) ولا كفاها بقفازين؛ لما مر، والخنثى يكشف وجهه أو رأسه؛ لما يأتي في إحرامه.
[فرع] ينبغي أن لا يعد لنفسه كفنا إلا إن سلم عن الشبهة أو كانت فيه أخف
، ثم إذا عينه تعين
(2)
كما لو قال اقض ديني من هذه العين. ولو سُرق
(3)
كفنه ولو بعد دفنه فإن لم تقسم التركة جدد وجوبا
(4)
وكذا إن قسمت
(5)
، ويجدد كذلك الكفن وجوبا إذا كان المكفن المنفق أو بيت المال، ومثل السرقة بلاه مع بقاء الميت لكن لا ينبش بقصد رؤيته، ولو أكل الميت سبع مثلا فهو للورثة إلا إن كان من أجنبي لم ينو به رفقهم بأداء الواجب عنهم؛ لأنه حينئذ عارية لازمة.
(1)
. ندف القطن يندفه ندفاً بالمندف والمندفة بكسرها أي خشبته التي يطرق بها الوتر ليرق القطن، الصحاح.
(2)
. خلافا للأسنى والمغني.
(3)
. صورة المسألة أن السارق أخذ الكفن ولم يطم التراب عليه أو طمه فنبش لغرض آخر فرؤي بلا كفن لما يأتي من عدم النبش للكفن.
(4)
. وقالوا ندبا.
(5)
. خلافا للنهاية.
وَحَمْلُ الجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الخَشَبَتَيْنِ المُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ المُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ، وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ، وَالمَشْيُ أَمَامَهَا بِقُرْبِهَا أَفْضَلُ، وَيُسْرَعُ بِهَا إنْ لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرُهُ.
(وحمل الجنازة
(1)
بين العمودين أفضل من التربيع) إن أراد الاقتصار وإلا فالأفضل الجمع بينهما تارة بتارة (في الأصح)؛ لوروده عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه به (وهو أن يضع الخشبتين المقدمتين على عاتقيه ورأسه بينهما ويحمل المؤخرتين رجلان، والتربيع أن يتقدم رجلان ويتأخر آخران)، ولا دناءة في حملها بل هو مكرمة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم والصحابة. وتشييع الجنازة سنة مؤكدة، ويكره للنساء ما لم يخش منه فتنة وإلا حرم، وضابطه أن لا يبعد عنها بعدا يقطع عرفا نسبته إليها (والمشي) أفضل من الركوب؛ للاتباع، بل يكره بغير عذر كضعف، وليس مجرد المنصب عذراً هنا (أمامها) أفضل؛ للاتباع إلا إن كان راكبا؛ لأن في تقدمه إيذاء للمشاة (بقربها أفضل)؛ للاتباع، وضابطه أن يكون بحيث لو التفت رآها رؤية كاملة، (ويسرع بها) ندبا؛ لصحة الأمر به بأن يكون فوق المشي المعتاد ودون الخبب
(2)
، نعم يسن إبقاؤها حتى يتم المقتدون
(3)
(إن لم يخف تغيره) بالإسراع وإلا تأنى به. ولو خاف التغير إن لم يخبب خبب.
(1)
. ولا يسن حملها بعد الصلاة حتى يتم المقتدون كما ذكره الشارح في الفصل الآتي 3/ 146.
(2)
. وهو ضرب من العدو، تاج العروس.
(3)
. تقدم أنه يجوز التأخير مطلقا إن كان يسيرا وفيه مصلحة للميت.
فصل
لِصَلَاتِهِ أَرْكَانٌ: أَحَدُهَا النِّيَّةُ، وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ، وَقِيلَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ المَيِّتِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ، وَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى نَوَاهُمْ. الثَّانِي: أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، فَإِنْ خَمَّسَ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ،
(فصل في الصلاة عليه
(1)
(لصلاته
(2)
أي الميت المحكوم بإسلامه غير الشهيد (أركان:
أحدها النية)؛ لحديثها السابق (ووقتها كغيرها، وتكفي نية الفرض) وإن لم يتعرض لفرض الكفاية (وقيل تشترط نية فرض كفاية)؛ ليتميز عن فرض العين، وتسن الإضافة إلى الله تعالى، وقوله ((مستقبلا))، ولا يتصور هنا نية أداء وضده بخلاف عدد التكبيرات، (ولا يجب تعيين) ولا معرفة (الميت) ولو غائبا
(3)
بل يكفي أدنى مميّز كعلى هذا أو من صلى عليه الإمام، ولذا يُندب أن يصلي على من مات اليوم في أقطار الأرض ممن تصح الصلاة عليه وإن لم يعرف عددهم (فإن عيّن وأخطأ بطلت) -أي لم تنعقد- ما لم يشر إليه (وإن حضر موتى نواهم) إجمالا فيكفي قصدهم وإن لم يعرف عددهم، ولا يكفي قصد بعضهم وإن صلى ثانيا على البعض الباقي لوجود الإبهام المطلق في كل من البعضين، ولا يجب ذكر العدد وإن عرفه، وحكم نية القدوة هنا كما مر. ولو صلى على عشرة فبانوا أحد عشر لم تصح أو عكسه صح، أو على حي وميت صحت إن جَهِل وإلا فلا؛ لتلاعبه.
(الثاني أربع تكبيرات) بتكبيرة الإحرام إجماعا (فإن خَمَّس) مثلا عمدا ولم يعتقد البطلان (لم تبطل في الأصح) وإن نوى بتكبيره الركنية؛ لورود الزيادة على الأربع في صحيح مسلم
(4)
، إما سهوا فلا يضر جزما، ومر أنه لا مدخل لسجود السهو فيها.
(1)
. وليست من خصائص الأمة عند الشارح خلافا لهما.
(2)
. يأتي آخر الكسوف حكم ما لو اجتمعت صلاة جنازة مع غيرها 3/ 64.
(3)
. خلافا لهما فلا بد على قولهما من تعيين الغائب بالقلب باسمه ونسبه.
(4)
. في صحيح مسلم.
وَلَوْ خَمَّسَ إمَامُهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ، الثَّالِثُ: السَّلَامُ كَغَيْرِهَا. الرَّابِعُ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ الْأُولَى. قُلْتُ: تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى، وَاَللهُ أَعْلَمُ، الخَامِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ، السَّادِسُ: الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. السَّابِعُ: الْقِيَامُ عَلَى المَذْهَبِ إنْ قَدَرَ، وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَإِسْرَارُ الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ يَجْهَرُ لَيْلًا،
(ولو خمَّسَ إمامه) عمدا (لم يتابعه) ندبا (في الأصح)؛ لأن ما فعله غير مشروع عند من يعتد به (بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه) وهو الأفضل.
(الثالث السلام كغيرها) إلا ((وبركاته)) فسنة هنا فقط.
(الرابع قراءة الفاتحة) فبدلها فالوقوف بقدرها؛ لما مر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما إنها سنة أي طريقة مألوفة (بعد الأولى) وقبل الثانية؛ لما صح أن أبا أمامة رضي الله عنه قال: السنة في الصلاة على الجنازة أن يُقْرَأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن (قلت: تجزئ الفاتحة بعد غير الأولى والله أعلم) أما غير الفاتحة من الصلاة في الثانية والدعاء في الثالثة فمتعين.
(الخامس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من السنة (بعد الثانية) أي عقبها (والصحيح أن الصلاة على الآل لا تجب) كغيرها، نعم تسن، وكيفية صلاة التشهد السابقة أفضل هنا، ويندب ضم السلام للصلاة، ويندب أيضا الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقب الصلاة والحمد قبلها. ولو عكس ترتيب هذه الثلاثة فاته الأكمل.
(السادس الدعاء للميت) -بخصوصه بدعاء أخروي، ويكفي أقل ما ينطلق عليه الاسم-؛ لأنه المقصود من الصلاة عليه، وصَحَّ خبر ((إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء))، والطفل في ذلك كغيره كي تزيد مرتبته في الجنة، وليس قوله اجعله فرطا إلى آخره مغنيا عن الدعاء له
(1)
؛ لأنه دعاء باللازم (بعد الثالثة) أي عقبها، فلا يجزئ بعد غيرها جزماً.
(السابع القيام على المذهب إن قدر)؛ لأنها فرض كالخمس. (ويسن رفع يديه في التكبيرات) ويضعهما تحت صدره بكيفيتهما المارة، ويجهر الإمام أو المبلغ ندبا بالتكبيرات والسلام (وإسرار القراءة) ولو ليلا؛ لما صح أنه من السنة (وقيل يجهر ليلا) بالفاتحة.
(1)
. خلافا لهما.
وَالْأَصَحُّ نَدْبُ التَّعَوُّذِ دُونَ الِافْتِتَاحِ، وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ: اللهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيكَ إلَى آخِرِهِ، وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَقُولُ فِي الطِّفْلِ مَعَ هَذَا الثَّانِي: اللهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ وَسَلَفًا وَذُخْرًا وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَفْرِغِ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا، وَفِي الرَّابِعَةِ، اللهُمَّ لَا تَُحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ،
(والأصح ندب التعوذ)؛ لأنه سنة للقراءة (دون الافتتاح) والسورة -إلا على غائب أو قبر
(1)
- وذلك؛ لطولهما في الجملة. (ويقول) ندبا حيث لم يخش تغير الميت -وإلا وجب الاقتصار على الأركان- (في الثالثة: اللهم هذا عبدك وابن عبديك
(2)
إلى آخره) وهذا التقطه الشافعي من مجموع أحاديث وردت، وأولى منه الدعاء الذي في مسلم وهو ((اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه .. إلى آخره))، ثم إنه في الأنثى يُبدل نحو العبد بالأمة ويؤنث الضمائر ويجوز تذكيرها بإرادة الميت كعكسه بإرادة النَّسمة، وفي الخنثى والمجهول يعبر بما يشمل الذكر والأنثى كمملوكك وفيما إذا اجتمع ذكور وإناث الأولى تغليب الذكور؛ لأنهم أشرف (ويُقدِّم عليه) ندبا (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان) اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده؛ لأن هذا اللفظ صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم، (ويقول في الطفل) الذي له أبوان مسلمان (مع هذا الثاني اللهم اجعله فرطا لأبويه)، نعم ولد الزنا يقول فيه ((لأمه)) و من أسلم تبعا لأحد أصوله يقول ((لأصله المسلم))، ويحرم الدعاء بأخروي لكافر وكذا من شك في إسلامه
(3)
ولو من والديه بخلاف من ظن إسلامه ولو بقرينة كالدار (وسلفا وذُخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثَقِّل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما) وهذا لا يأتي إلا في حي، ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره، (وفي الرابعة) ندبا (اللهم لا تَُحرمنا أجره ولا تفتنا بعده)؛ لأنه صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو به في الصلاة على الجنازة وفي رواية ((ولا تضلنا بعده)) زاد جمع ((واغفر لنا وله))،
(1)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي.
(2)
. هذا إنما يتأتى في معروف الأب، أما ولد الزنا فيقول فيه وابن أمتك.
(3)
. فلا يصلى عليه عند الشارح خلافا لما يفهم من كلام الرملي.
وَلَوْ تَخَلَّفَ المُقْتَدِي بِلَا عُذْرٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ إمَامُهُ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُكَبِّرُ المَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْفَاتِحَةِ كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتِ الْقِرَاءَةُ، وَإِنْ كَبَّرَهَا وَهُوَ فِي الْفَاتِحَةِ تَرَكَهَا وَتَابَعَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَدَارَكَ المَسْبُوقُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ بِأَذْكَارِهَا وَفِي قَوْلٍ لَا تُشْتَرَطُ الْأَذْكَارُ.
وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ لَا الجَمَاعَةِ، وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِوَاحِدٍ،
وصح أنه صلى الله عليه وسلم ((كان يُطوِّل الدعاء عقب الرابعة))، وضابطه أن يكون بمقدار الثالثة أو يطوله عليها (ولو تخلف المقتدي بلا عذر فلم يكبر حتى كبر) أي شرع في التكبير (إمامه أخرى) أو سلم في الرابعة (بطلت صلاته)؛ لأن المتابعة هنا لا تظهر إلا بالتكبيرات فكان التخلف بتكبيرة فاحشا كهو بركعة، أما إذا تخلف بعذر كنسيان وبطء قراءة وعدم سماع تكبير وجَهْلٍ عُذر به فلا بطلان ويجري على نظم صلاة نفسه، بل لا تبطل صلاة الناسي وإن تأخر بتكبيرتين
(1)
، ولو تقدم عمدا بتكبيرة لم تبطل؛ لأنه كزيادة تكبيرة وهي غير مبطلة. (ويكبر المسبوق ويقرأ الفاتحة) ولا تجب قراءتها هنا؛ لما مر أنها لا تتعين في الأولى (وإن كان الإمام في غيرها)؛ لأن ما أدركه أول صلاته، (ولو كبر الإمام أخرى قبل شروعه في الفاتحة كبر معه وسقطت القراءة) كالمسبوق في بقية الصلوات، (وإن كبرها وهو في الفاتحة تركها وتابعه في الأصح) إن لم يكن اشتغل بتعوذ وإلا قرأ بقدره (وإذا سلم الإمام تدارك المسبوق باقي التكبيرات بأذكارها، وفي قول لا تشترط الأذكار)؛ لأن الجنازة تُرْفَع حينئذ، وجوابه أنه لا يضر رفعها والمشي بها قبل إحرام المصلي بشرط أن لا تُحَوّل عن القبلة وبعده وإن حولت عنها، والشرط فيها أن لا يزد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع ولا يحل بينهما حائل مضر في غير المسجد ابتداء أو دواما
(2)
. (وتشترط) المتأتى من (شروط الصلاة) والقدوة، ومثلها المكروهات والسنن (لا الجماعةُ) بل تسن؛ لأنهم صلوا عليه صلى الله عليه وسلم فرادى. (ويسقط فرضها) كغيرها (بواحد) ولو صبيا مع وجود رجل؛ لحصول المقصود بصلاته، ويجزئ الواحد أيضا وإن لم يحفظ الفاتحة وغيرها ووقف بقدرها ولو مع وجود من يحفظها، ومرّ أن فاقد فاقد
(1)
. وفاقا لشرح المنهج والمغني وخلافاً للنهاية.
(2)
. خلافا لهما فعندهما إن ذلك شرط عند التحرم فقط.
وَقِيلَ يَجِبُ اثْنَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ، وَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ، وَتَصِحُّ بَعْدَهُ، وَالْأَصَحُّ تَخْصِيصُ الصِّحَّةِ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ المَوْتِ،
الطهورين ومن لا يسقط بتيممه الفرض إن تعينت على أحدهما صلاة الجنازة صلَّى قبل الدفن ثمّ أعادها إذا وجد الطهر الكامل، (وقيل يجب اثنان، وقيل ثلاثة)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال ((صلوا على من قال: لا إله إلا الله))، (وقيل أربعة) وعليه يجب أن يحملها أربعة؛ لأن ما دونه إزراء بالميت ولا تجب الجماعة على كل وجه. (ولا تسقط بالنساء) ومثلهن الخناثى (وهناك) أي بمحل الصلاة وما ينسب إليه كخارج السور القريب منه (رجال) أو رجل -لا صبي
(1)
- وإلا توجه الفرض عليهن (في الأصح)؛ لأن الرجال أكمل فدعاؤهم أقرب للإجابة، أما إذا لم يكن غيرهن فتلزمهن وتسقط بفعلهن، ولا تسن لهن الجماعة. ولو اجتمع خنثى وامرأة لم تسقط بها عنه
(2)
؛ لاحتمال ذكورته بخلاف عكسه. (ويصلى) بعد ظن الغسل أو تعليق النية به (على الغائب)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي هو وأصحابه (عن البلد) بحيث لا ينسب إليها عرفا؛ لأن خارج السور القريب منه كداخله، وضابط القريب بأن يكون في حدّ الغوث، ولا يشترط كون الميت في جهة القبلة، وتسقط الصلاةُ على الغائب الفرضَ عن أهل محله، أما من بالبلد فلا يصلى عليه وإن كبرت وعذر
(3)
بنحو مرض أو حبس. (ويجب تقديمها) أي الصلاة (على الدفن)؛ لأنه المنقول فإن دفن قبلها أثم كل من علم به ولم يعذر وتسقط بالصلاة على القبر (وتصح بعده)؛ للاتباع، (والأصح تخصيص الصحة بمن كان من أهل) أداء (فرضها وقت الموت)؛ وذلك لأن غير المكلف متطوع وهذه الصلاة لا يتطوع بها، وأهل فرضها من كان وقت الموت مكلفا مسلما طاهرا؛ لأنه يؤدي فرضا خوطب به بخلاف من طرأ تكليفه بعد الموت
(4)
ولو قبيل الغسل.
(1)
. نعم بُحث أن الصبي المميز المريد للصلاة كالرجل لكن كلام الشارح يرده، واعتمدا البحث وفرعا عليه.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. خلافا لهما فاعتمدا أن تكليفه قبل الدفن كهو عند الموت.
وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَالٍ.
(ولا يُصَلَّى على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء صلى الله عليهم وسلم -إلا عيسى صلى الله عليه وسلم
(1)
- (بحال)؛ لما صحّ من النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، نعم لصحابي حضر بعد دفنه صلى الله عليه وسلم الصلاة على قبره
(2)
؛ لأنه من أهلها.
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. خلافا للنهاية.
فرعٌ
الجَدِيدُ أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِإِمَامَتِهَا مِنْ الْوَالِي
، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ، ثُمَّ الجَدُّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْأَخُ، وَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَلَوِ اجْتَمَعَا فِي دَرَجَةٍ فَالْأَسَنُّ الْعَدْلُ أَوْلَى عَلَى النَّصِّ،
فرعٌ
(الجديد أن الولي) أي القريب الذكر ولو غير وارث (أولى) فالترتيب للندب
(1)
(بإمامتها من) السيد -إن كان القريب حرا- و (الوالي) لكن إن لم يخش فتنة؛ لأنها من حقوق الميت فكان وليه أولى بها. ولو غاب الأقرب ولا نائب له -ولو غيبة قريبة- قُدِّم البعيد، أما الأنثى فيقدم الذكر عليها ولو أجنبيا فإن لم يوجد إلا النساء قدمت بفرض الذكورة، وتقدم الخنثى عليها أيضا (فيقدم) الأقرب فالأقرب فأوَّلاً (الأب ثم الجد) للأب (وإن علا ثم الابن ثم ابنه) وإن سفل (ثم الأخ، والأظهر تقديم الأخ للأبوين على الأخ للأب) كالإرث والمرجِّح الأم، ولذا ترجِّح فيما إذا كانا ابني عم أحدهما أخ لأم (ثم ابن الأخ لأبوين ثم لأب ثم العصبة على ترتيب الإرث) من النسب فالولاء فالسلطان إن انتظم بيت المال (ثم ذوو الأرحام) الأقرب فالأقرب أيضا فيقدم أبو الأم فبنو البنات فالأخ للأم فالخال فالعم للأم، ولا مدخل للزوج هنا حيث وجد من مر، ويُتبع ما تقدم وإن أوصى بخلافه؛ لأنها حق الولي كالإرث، نعم الأولى تنفيذ الوصية تطيبا لخاطره. (ولو اجتمعا في درجة) كأخوين أو ابني عم وليس أحدهما أخا لأم وكلّ أهل للإمامة (فالأسن) في الإسلام (العدل أولى) من الأفقه ونحوه (على النص)؛ لأن الغرض هنا الدعاء ودعاء الأسن أقرب للإجابة، أما إذا كان أحدهما أخا لأم فيقدم وإن كان الآخر أسن؛ لأن قرابة الأم مرجحة كما مر، فإن استويا سنا قدّم الأحق بالإمامة بفقه وغيره مما مر، فإن استويا في الكل أقرع، وللأحق الإنابة وإن غاب
(1)
. اعتمدا الوجوب.
وَيُقَدَّمُ الحُرُّ الْبَعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ، وَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجُزِهَا وَيَجُوزُ عَلَى الجَنَائِزِ صَلَاةٌ
بخلاف المستويين لا بد في الإنابة من رضا الآخر. وخرج بقولنا ((وكل أهل للإمامة)) غير الأهل نحو الفاسق والمبتدع فلا يقدم هو ولا نائبه.
[تنبيه] دخل في قولهم أهل فرضها من لا يعرف غير مصحح الصلاة فيقدم على غيره إن قرب
، فإن استوى مع غيره في درجة فيقدم الفقيه على غير الفقيه وإن كان أسن. (ويقدم الحر) البالغ العدل (البعيد) من حيث القرابة (على العبد القريب) -أي الأقرب- ولو أفقه وأسن أو فقيها؛ لأنه أكمل، أما العبد القريب فيقدم على الحر الأجنبي.
(ويقف) المستقل ندبا (عند رأس الرجل)؛ للاتباع (وعَجُزها)؛ للاتباع ومثلها الخنثى، فلو حضر رجل وأنثى في تابوت واحد فتُراعى هي في الموقف؛ لأنها أحق بالستر. وخرج بالمستقل المأموم فيقف حيث تيسر. (و) الأفضل إفراد كل جنازة بصلاة إلا مع خشية نحو تغير بالتأخير، و (يجوز على الجنائز صلاة) واحدة برضا أوليائهم كما صح عن جمع من الصحابة أنه السنة، فإذا جمعوا وحضروا معا
(1)
واتحد النوع والفضل أقرع بين الأولياء إن تنازعوا فيمن يقرب للإمام من الموتى وإلا قدم من قدموه، أما إن اختلف النوع فيقدم إليه الرجل فالصبي فالخنثى فالمرأة، أو الفضل قدم الأفضل بما يُظن به قربه إلى الرحمة كالورع والصلاح لا بنحو حرية، نعم يقدَّم الأب على الابن. وخرج بحضورهم معا ما إذا تعاقبوا فيقدم الأسبق مطلقا إن اتحد النوع وإلا نحيت امرأة للكل، وخنثى لرجل وصبي، لا صبي لبالغ. ولو حضر خناثى معا أو مرتبين صفوا صفا واحدا عن يمينه رأس كل منهم عند رجل الآخر؛ لئلا يتقدم أنثى على ذكر. وعند اجتماع جنائز إن رضي الأولياء بواحد وعينوه تعين وإلا قدم ولي السابقة -وإن كانت أنثى- ثم يقرع فإن لم يرضوا بواحد صلى كلٌّ على ميتِهِ، ولو صُلِّي على كلٍّ وحده والإمام واحد قُدِّم من يخاف فساده ثم الأفضل بما مر إن رضوا وإلا أقرع، وفارق ما مر بأن ذاك أخف من هذا.
(1)
. والعبرة في المعية وضدها بمحل الصلاة لا غير.
وَتَحْرُمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ تَكْفِينِ الذِّمِّيِّ وَدَفْنِهِ. وَلَوْ وُجِدَ عُضْوُ مُسْلِمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ
(وتحرم على) من شُك في إسلامه دون من يُظن إسلامه ولو بقرينة كشهادة عدل به وإن لم يثبت ومحله إن لم يشهد عدل آخر بموته على الكفر وإلا تعارضا وبقي أصل بقائه على كفره
(1)
، وعلى (الكافر) بسائر أنواعه؛ لحرمة الدعاء له بالمغفرة قال تعالى {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} التوبة: 84 .. الآية، وأطفال الكفار يعاملون معاملة الكفار في أحكام الدنيا كالصلاة عليهم والإرث بخلاف أحكام الآخرة فيحل الدعاء لهم بالمغفرة، (ولا يجب غسله)؛ لأنه للكرامة، نعم يجوز للمسلم؛ لخبر أنه صلى الله عليه وسلم ((أمر عليا بغسل والده وتكفينه))، (والأصح وجوب تكفين الذمي) والمعاهد والمستأمن (ودفنه) من ماله ثم من مال منفقه ثم من بيت المال ثم من مياسير المسلمين، والمخاطب بالوجوب المسلمون إيفاءً بذمته والذميون؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، أما الحربي فيجوز إغراء الكلاب على جيفته وكذا المرتد والزنديق. (ولو وُجِد عضو مسلم) أو نحوه كشعره أو ظفره بل ولو شعرة
(2)
(عُلِم موته) وأن هذا الموجود منه انفصل منه بعد موته أو وحركته حركة مذبوح
(3)
ولم يتيقن أنه صُلِّي على جملة الميت بعد غسل ذلك العضو (صلي عليه) وجوبا كما فعله الصحابة رضي الله عنهم لَمَّا ألقى عليهم بمكة طائر نسر يدّ عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، ويجب غسل ذلك -قبل الصلاة عليه- وستره بخرقة ومواراته بخلاف ما لا يصلى عليه كيد من جهل موته فإنه يسن ذلك فيها، وتسن مواراة كلّ ما انفصل من حي ولو ما يقطع للختان. وكالمسلم -في الصلاة على عضوه- مجهول الحال بدارنا؛ لأن الغالب فيها الإسلام، فإن كان بدارهم فإن كان فيها مسلم فمسلم وإلا فكافر، وتجب نية
(1)
. نعم ذكر الشارح في كتاب الصيام أنه لو شهدت بينة بكفر ميت وأخرى بإسلامه فإنه لا يتعارضان بالنسبة لنحو الصلاة عليه، فإن لم يكن هذا ضعيف فلعله محمول على أنهما لم يتعرضا لأنه مات على ذلك لإمكان الجمع بينهما حينئذٍ بحمل البينة الأولى على سبق الكفر والثانية على طرو الإسلام، أو يقال أن ما ذكره الشارح هنا في الكافر الأصلي كما تشير علته وما ذكره في الصيام في غيره 3/ 377 وقياس ما يأتي في كتاب الدعوى أن يقول المصلي عليه وجوباً في النية والدعاء:((إن كان مسلماً)) 10/ 343.
(2)
. خلافا للنهاية في الغاية فاشترط أن يكون المصلى عليه له وقع حتى يستتبع.
(3)
. لا يشمل كلامه ما لو حلق رأسه ثم مات عقب الحلق فجأة بخلاف كلامهم.
وَالسُِّقْطُ إنِ اسْتَهَلَّ أَوْ بَكَى كَكَبِيرٍ، وَإِلَّا فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الحَيَاةِ كَاخْتِلَاجٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ وَلَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ بَلَغَهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، ..
الصلاة على الجملة فلو ظفر بصاحب الجزء لم تجب إعادتها عليه إن علم أنه غُسِّل قبل الصلاة
(1)
. (والسَُِّقط إن) علمت حياته كأن (استهل) أي رفع صوته (أو بكى) وإن لم ينفصل كله
(2)
(ككبير)؛ لخبر ((إذا استهل الصبي ورث وصُلِّي عليه)) (وإلا فإن ظهرت أمارة الحياة كاختلاج
(3)
اختياري (صُلي عليه) وجوبا (في الأظهر)؛ لاحتمال الحياة، ويغسل ويكفن ويدفن قطعاً. (وإن لم تظهر ولم يبلغ أربعة أشهر) لم يغسل و (لم يصل عليه)؛ لأنه جماد (وكذا إن بلغها) وأكثر منها
(4)
ولم تظهر أمارة الحياة (في الأظهر)؛ لمفهوم الخبر، نعم يغسل ويكفن ويدفن قطعا إن ظهرت خلقة آدمي وإلا سن سترة بخرقة ودفنه. (ولا يغسل الشهيد ولا يُصَلَّى عليه) أي يحرم ذلك وإن لم يؤدِّ الغسل لإزالة دمه؛ لأنه حي بنص القرآن وإبقاء لأثر شهادتهم (وهو مَن) أي مسلم ولو قنا أنثى غير مكلف (مات في قتال الكفار) أو كافر واحد (بسببه) أي القتال كأن أصابه سلاح مسلم قتله خطأ أو عاد عليه سهمه أو تردى بوهدة
(5)
أو قتله مسلم استعان به الكفار أو انكشف عنه الحرب وشك أمات بسببها أو غيره؛ لأن الظاهر موته بسببها، وخرج بقوله:((قتال)) قتلهم لأسير صبرا
(6)
فليس بشهيد بخلاف ما لو انكسروا واتّبعناهم لاستئصالهم فعاد واحد منهم وقتل واحدا منا فإنه شهيد.
(1)
. ورد الشارح ما اعتمده الرملي من تقييد نية الجملة بما إذا علم أنها قد غسلت وإلا نوى العضو وحده.
(2)
. هذه المسألة واحدة من ثلاث يعطى فيها بعض الجنين حكم الكل ذكر الشارح جميعها في كتاب أمهات الأولاد 10/ 423.
(3)
. خلج الشيء حرك، الصحاح.
(4)
. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما كالشهاب الرملي من أن الولد النازل بعد ستة أشهر يجب فيه ما يجب في الكبير وإن نزل ميتا ولم يعلم له سبق حياة.
(5)
. هي الهوة تكون في الأرض، الصحاح.
(6)
. يقال قتل فلان صبراً إذا حبس على القتل حتى يقتل، تاج العروس.
فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ أَوْ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَكَذَا فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ عَلَى المَذْهَبِ، وَلَوِ اسْتُشْهِدَ جُنُبٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، وَتُزَالُ نَجَاسَةٌ غَيْرَ الدَّمِ. وَيُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ المُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبُهُ سَابِغًا تُمِّمَ.
(فإن مات بعد انقضائه) وقد بقي فيه حياة مستقرة و قطع بموته من جرح به (أو) مات أحد من أهل العدل (في قتال البغاة) من مسلم (فغير شهيد في الأظهر) فيغسل ويصلى عليه أما الأول فلأنه كمقتول بسبب آخر، وأما الثاني فلأنه قتيلُ مسلمٍ، ومن ثم لو قتله كافر استعانوا به كان شهيدا، (وكذا في القتال لا بسببه على المذهب) كأن مات بمرض أو قتله مسلم عمدا. (ولو استشهد جنب فالأصح أنه لا يغسل) فيحرم؛ لما صح في قصة حنظلة رضي الله عنه؛ إذ لو وجب غسله لم يسقط بغسل الملائكة، (وتزال) وجوبا (نجاسة غير الدم) وإن كانت من أثر الشهادة؛ لأن المشهود له بالفضل الدم، فتزال وإن أدت إزالتها لإزالة الدم، (ويكفن) ندبا (في ثيابه الملطخة بالدم) وغيرها لكن الملطخة أولى؛ للاتباع، ولا يجاب أحد الورثة لنزعها إن لاقت به، وينزع ندبا نحو درع وفرو وثوب جلد وخف، ومحل ندب نزع ذلك حيث كان ملكه ورضي به وارثه الرشيد وإلا وجب نزعه، (فإن لم يكن ثوبه سابغا تمم) الواجب وجوبا وغيره ندبا، هذا حكم شهيد الدنيا فقط -وهو من قاتل لنحو حمية- أو والآخرة -وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا- أما شهيد الآخرة فقط فكغير الشهيد كغريق ومبطون وحريق وميت زمن طاعون ومقتول ظلما وميتة طلقا وميت عشقا لمن يحل نكاحها بشرط العفة والكتم كما في الخبر، وكذا عاشق غيرها اضطرارا بل واختيارا
(1)
أيضا إذا عف وكتم؛ لأن الجهة منفكَّة.
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا لظاهر النهاية.
فصل
أَقَلُّ الْقَبْرِ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُوَسَّعَ وَيُعَمَّقَ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ، وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ إنْ صَلُبَتْ الْأَرْضُ، وَيُوضَعُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَيُسَلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ وَيُدْخِلَهُ الْقَبْرَ الرِّجَالُ، وَأَوْلَاهُمْ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيهِ.
(فصل) في الدفن وما يتبعه
(1)
(أقل القبر) المحصل للواجب (حفرة تمنع الرائحة والسبع)؛ لأن حِكْمَة وجوب الدفن لا تحصل إلا بذلك. وخرج بحفرة وضعه بوجه الأرض وستره بكثير نحو تراب أو حجارة فإنه لا يجزئ عند إمكان الحفر؛ لأنه ليس دفنا، أما لو لم تمنع الحفرة السباع منه فيجب بناء القبر بحيث تمنع وصولها إليه فإن لم يمنعها البناء وجب صندوق (ويندب أن يوسّع ويعمّق)؛ للخبر الصحيح في قتلى أحد ((أحفروا وأوسعوا وأعمقوا)) (قامة وبسطة) بأن يقوم فيه ويبسط يده مرتفعة، ويساوي ذلك أربعة أذرع ونصف بذراع اليد (واللَُحد) وهو أن يحفر في أسفل جانب القبر -والأولى كونه القبلي- قدر ما يسع الميت (أفضل من الشَّق) وهو حفرة كالنهر يُبْنَى جانباها ويوضع بينهما الميت ثم تسقف -والحجر أولى- ويرفع قليلا بحيث لا يمسه (إن صلبت الأرض)؛ لخبر مسلم أن سعد بن أبي وقاص أمر أن يجعل له لحد وأن ينصب عليه اللبن كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم، أما في رخوة فالشق أفضل، ويسن أن يُوسع كل منهما ويتأكد ذلك عند رأسه ورجليه؛ للخبر الصحيح به، (ويوضع) ندبا (رأسه) أي الميت في النعش (عند رجل القبر) أي مؤخره (ويسل من قِبَل رأسه برفق)؛ لما صحّ عن صحابي أنه من السنة
(2)
، (ويدخله) ولو أنثى ندبا
(3)
(القبر الرجال)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((أمر أبا طلحة أن ينزل في قبر بنته أم كلثوم))، نعم يندب أن يتولين حملها من المغتسل إلى النعش وتسليمها لمن بالقبر وحل شدادها فيه (وأولاهم) بالدفن (الأحق بالصلاة) لكن من حيث الدرجة والقرب دون
(1)
. ويكفي أن يكفنه الملائكة كما صرح به الشارح أول كتاب الجنائز 4/ 99.
(2)
. ومال الشارح في فصل الأذان إلى عدم سنية الأذان عند إنزال الميت لقبره 1/ 461.
(3)
. خلافا للمغني.
قُلْتُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً فَأَوْلَاهُمْ الزَّوْجُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَكُونُونَ وِتْرًا، وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ عَلَى يَمِينِهِ لِلْقِبْلَةِ وَيُسْنَدُ وَجْهُهُ إلَى جِدَارِهِ وَظَهْرُهُ بِلَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ بِلَبِنٍ،
الصفات؛ إذ الأفقه هنا مقدم على الأسن الأقرب عكس الصلاة (قلت: إلا أن تكون امرأة مزوجة فأولاهم الزوج) وإن لم يكن له حق في الصلاة (والله أعلم)؛ لأنه ينظر ما لا ينظرون، وبعده المحارم الأقرب فالأقرب كالصلاة -ويقدم الزوج على المحرم الأفقه بل على الفقيه إن عَرَف أي الزوج أحكامَ الدفن الواجبة- فعبدها فممسوح فمجبوب فخصي أجنبي؛ لضعف شهوتهم فعصبة غير محرم كابن عم ومعتق وعصبة بترتيبهم في الصلاة فذو رحم كذلك فصالح أجنبي، فإن استوى اثنان قربا وفضيلة أقرع، نعم يقدم من الأجانب المستوون في الصفات مَن بَعُد عهده بالجماع؛ لأنه أبعد عن مذكّر يحصل له لو ماسَّ المرأة (ويكونون وترا) ندبا؛ لما صح ((أن دافنيه صلى الله عليه وسلم علي والعباس والفضل رضي الله عنهم) وفي رواية خمسة، والزيادة على الواحد إلى ثلاثة وهكذا منوطة بالحاجة (ويوضع في اللحد) أو الشق (على يمينه) ندبا كالاضطجاع عند النوم، ويكره على يساره (للقبلة) وجوبا؛ لنقل الخلف له عن السلف، فإن دفن مستدبرا أو مستلقيا وإن كانت رجلاه إليها حَرُمَ ونُبِش ما لم يتغير (ويسند) ندبا في هذا وما بعده
(1)
(وجهه) ورجلاه (إلى جداره) ويتجافى بباقيه حتى يكون قريبا من هيئة الراكع (وظهره بلبنة) طاهرة (ونحوها)؛ لتمنعه من الاستلقاء على قفاه، ويجعل تحت رأسه نحو لبنة ويفضي بخده الأيمن بعد تنحية الكفن عنه إليه أو إلى التراب؛ ليكون بهيئة من هو في غاية الذل، ولو مات صغير أسلم دفن بمقابر الكفار؛ لإجراء أحكامهم الدنيوية عليه (و) يجب إذا دفن في شق أن يسقف، فإن دفن في لحد وجب أن يُبنى اللحد باللبن، ثم (يسد) وجوباً (فَتْح اللحد بلبن) أيضاً أي يسد ما بينه من الفُرَجِ بنحو كسر لبن؛ اتباعا لما فُعِل به صلى الله عليه وسلم، وكاللبن في ذلك غيره لكن اللبن أولى
(2)
؛ لأنه المأثور كما يجب أيضا، ولو انهدم القبر أو انهار ترابه عقب دفنه تخير الولي بين تركه وإصلاحه ونقله منه إلى غيره، ومحل ذلك حيث لم يخش عليه سبع أو يظهر منه
(1)
. من الأفعال المعطوفة عليه إلا ما استثني.
(2)
. هذا في اللحد أما الشق فالأولى كون التسقيف بالحجر كما تقدم.
وَيَحْثُو مَنْ دَنَا ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ ثُمَّ يُهَالُ بِالمَسَاحِي، وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ شِبْرًا فَقَطْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَسْطِيحَهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ، وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا،
ريح وإلا وجب إصلاحه قطعا، (و) يتأكد أن (يحثو من دنا) بأن كان على شفير القبر
(1)
، ويسن أيضا بلا تأكد فقط لمن حضر ولم يدنو (ثلاث حثيات تراب) بيديه جميعا من قِبَل رأس الميت؛ للاتباع (ثم يهال) فورا، والأولى كونه (بالمساحي) مثلا؛ لأنه أسرع لتكميل الدفن، ولا يزاد على تراب القبر إن كفاه؛ لئلا يعظم شخصه (ويرفع) إن لم يخف نبشه من نحو كافر أو سارق أو مبتدع (شبرا فقط)؛ ليعرف فيزار، فإن احتيج في رفعه إلى تراب آخر زيد عليه، (والصحيح أن تسطيحه أولى من تسنيمه)؛ لما صحّ عن القاسم بن محمد أن عمته رضي الله عنهم كشفت له عن قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه فإذا هي مسطحة، (ولا يُدْفَنُ) ندبا
(2)
(اثنان في قبر) من غير حاجزِ بناءٍ بينهما فيكره إن اتحدا نوعا، أو اختلفا -ولو احتمالا كخنثيين- إذا كان بينهما محرمية
(3)
أو زوجية أو سيدية وإلا حرم، ويحرم أيضا إدخال ميت على آخر
(4)
وإن اتحدا قبل بلى جميعه أي إلا عجب الذنب، ويرجع فيه لأهل الخبرة بالأرض، ولو وجد عظمة قبل كمال الحفر طمَّه
(5)
وجوبا ما لم يحتج إليه، أو بعده نحَّاه ودفن الآخر فإن ضاق بأن لم يمكن دفنه إلا على العظم حرم حيث لا حاجة؛ للإيذاء (إلا لضرورة) بأن كثر الموتى وعَسُر إفراد كل ميت بقبر أو لم يوجد إلا كفن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب ويجعل بينهما حاجز تراب، وهذا الحجز مندوب وإن اختلف الجنس كتقديم الأفضل (فيقدم) للقبلة (أفضلهما) بما يقدم به في الإمامة عند اتحاد النوع وإلا فيقدم رجل ولو مفضولاً فصبي فخنثى فامرأة، نعم يقدم أصل على فرعه من جنسه ولو أفضل؛ لحرمة الأبوة أو الأمومة بخلافه من غير جنسه فيقدم ابن على أمه؛ لفضيلة الذكورة، وعُلم مما مر أنه لو استوى اثنان أقرع وأنهم لو
(1)
. حرف كل شيء شفره وشفيره كالوادي، تاج العروس.
(2)
. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما.
(3)
. خلافا للشهاب الرملي.
(4)
. فإن أدخل عليه لم ينبش كما ذكره الشارح في المسائل المنثورة.
(5)
. جاء السيل فطمَّ الركية أي دفنها وسواها، تاج العروس، والركية البئر.
وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ، وَلَا يُوطَأُ، وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا. وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ دَفْنِهِ، وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُعَزَّى المُسْلِمُ بِالمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وَبِالْكَافِرِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وَصَبَّرَكَ، وَالْكَافِرُ بِالمُسْلِمِ: غَفَرَ اللهُ لِمَيِّتِكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ
ترتبوا لم يُنَحَّ الأسبق المفضول إلا ما استثني
(1)
. (ولا يجلس على) ما يحاذي الميت من (القبر) الذي لمسلم ولو مهدرا، ولا يستند إليه ولا يتكأ عليه (ولا يوطأ)؛ احتراما له إلا الضرورة كأن لم يصل لقبر ميته وكذا ما يريد زيارته ولو غير قريب إلا به، والنهي في هذه كلها للكراهة، (ويقرب) ندبا (زائره كقربه منه حيا)؛ احتراما له، والتزام القبر أو ما عليه وتقبيله بدعة قبيحة. (والتعزية
(2)
بالميت أو مصيبة نحو المال (سنة)؛ لخبر ((من عزَّى مصابا فله مثل أجره))، فتسن لكل من يأسف عليه كقريب وزوج وصهر وصديق وسيد ومولى ولو صغيرا، نعم الشابة يحرم أن يعزيها أو تعزي إلا نحو مَحْرَم (قبل دفنه) إن رأى منهم شدة جزع؛ ليصبرهم وإلا فبعده لاشتغالهم بتجهيزه (و) تمتد (بعده) أي الدفن
(3)
(ثلاثة أيام) تقريبا؛ لسكون الحزن بعدها غالبا، ومن ثم كرهت حينئذ؛ لأنها تجدده، هذا إن حضر المعزي والمُعَزَّى وعلم وإلا فمن القدوم أو بلوغ الخبر وكغائب نحو مريض أو محبوس. ويكره الجلوس للتعزية (ويُعَزَّى المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قالها لمّا عزى معاذا بابن له (وأحسن عزاءك وغفر لميتك، و) يعزى المسلم (بالكافر: أعظم الله أجرك) ويضم إليه إما (وصبرك) وإما وجبر مصيبتك أو نحوه (و) يعزى (الكافر) إن احترم أما الحربي فيكره تعزيته، نعم إن كان فيها توقيره حرمت حتى لذمي، وقد تسن تعزيته إن رجي إسلامه (بالمسلم: غفر الله لميتك وأحسن عزاءك) وتباح تعزية كافر محترم بمثله بل يتجه ندبها لمن تسن عيادته فيقال له أخلف أو خلف
(4)
الله عليك ولا نقص عددك أي لتكثر الجزية بهم. ولا تسن
(1)
. وفاقا لشرح الروض وخلافا للرملي.
(2)
. وهي الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت بالمغفرة وللمصاب أن يجير مصيبته.
(3)
. ابتداؤها عندهم من الموت.
(4)
. يقال أخلف إذا كان الميت مما قد يخلف به نحو الأولاد، ويقال خلف في نحو الأب مما لا يخلف به.
وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ قَبْلَ المَوْتِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْرُمُ النَّدْبُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ وَالنَّوْحُ وَالجَزَعُ بِضَرْبِ صَدْرِهِ وَنَحْوِهِ.
تعزية مسلم بمرتد أو حربي بخلاف نحو محارب وزان محصن وتارك صلاة وإن قتل حدا. (ويجوز البكاء عليه قبل الموت) بل يندب
(1)
للوارث حينئذ، لكن الأولى ألا يكون بحضرة المحتضر، (و) يجوز (بعده)؛ لما صحَّ أنه صلى الله عليه وسلم ((دمعت عيناه وهو جالس على قبر بنته))، نعم هو اختيارا مكروه
(2)
؛ للخبر الصحيح ((فإذا وجبت فلا تبكينَّ باكية))، (ويحرم الندب بتعديد شمائله) نحو واكهفاه واجبلاه؛ للنهي عنه، وشرطه اقترانه بنحو واكذا وإلا دخل المادح والمؤرخ (والنوح) ولو من غير بكاء وهو رفع الصوت بالندب؛ لما صحّ في النائحة من التغليظ، ومن ثم كان كبيرة كالذي بعده (و) يحرم (الجزع بضرب صدره ونحوه) كشق ثوب ونشر شعر وتغيير لباس أو زي أو ترك لبس معتاد، ويحرم الإفراط في رفع الصوت بالبكاء.
[فرع] لا يعذب ميت بشيء من ذلك إلا إن أوصى به
.
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. وعند المغني خلاف الأولى.
قُلْتُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ:
يُبَادَرُ بِقَضَاءِ دَيْنِ المَيِّتِ وَوَصِيَّتِهِ. وَيُكْرَهُ تَمَنِّي المَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ لَا لِفِتْنَةِ دِينٍ. وَيُسَنُّ التَّدَاوِي، وَيُكْرَهُ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ لِأَهْلِ المَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ
…
(قلت: هذه مسائل منثورة)
(يُبَادَر) ندبا (بقضاء دين الميت) عقب موته؛ مسارعة لفك نفسه عن حبسها بدينها عن مقامها الكريم كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، ومحل الحبس إن عصى بالاستدانة
(1)
سواء خلف في تركته وفاء أم لا، والكلام في غير الأنبياء
(2)
. فإن لم يكن بالتركة جنس الدين أو كان ولم يسهل القضاء منه فورا سأل ندبا الولي غرماءه أن يحتالوا به عليه وحينئذ فتبرأ ذمة الميت بمجرد رضاهم بمصيره في ذمة الولي وإن لم يحللوه، وذلك؛ للحاجة والمصلحة، والأجنبي كالولي في ذلك، نعم ينبغي لمن فعل ذلك التراضي أن يسأل الدائن تحليل الميت تحليلا صحيحا؛ ليبرأ بيقين، وبالرغم من براءة الميت في ما تقدم إلا أن رهن التركة بالدين يدوم؛ احتياطا (ووصيته)؛ استجلابا للبر والدعاء له، وتجب المبادرة عند التمكن وطلب المستحق ونحو ذلك وكذا في وصية نحو الفقراء أو إذا أوصى بتعجيلها. (ويكره تمني الموت لضر نزل به) أي ببدنه أو ماله؛ للنهي عنه، أما إن لم يكن ثمة ضر فيندب؛ لحديث ((من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه)) (لا لفتنة دين) فيسن إن خافها، ويندب تمنيه بالشهادة في سبيل الله وببلد شريف. (ويسن التداوي)؛ للخبر الصحيح ((تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير الهرم))، نعم إن تركه توكلا فهو فضيلة
(3)
(ويكره إكراهه عليه) أي التداوي وتناول الدواء؛ لأنه يشوش عليه، ولا يكره إكراهه على طعام
(4)
. (ويجوز لأهل الميت ونحوهم) كأصدقائه أما لغيرهم فخلاف الأولى (تقبيل وجهه)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((قبَّل وجه عثمان بن مظعون رضي الله عنه)، نعم
(1)
. أي فإن لم يعص لا يحبس عن مقامه الكريم وإن كانت حسناته تؤخذ للدائن كما تقتضيه الأدلة ذكره الشارح في كتاب قسم الصدقات 7/ 157، وذكر في كتاب الشهادات أن من مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو المطالِب به في الآخرة 10/ 245.
(2)
. كما أفاده الشارح في أول كتاب الرهن.
(3)
. اعتمدا التفصيل بين أن يقوى توكله فتركه أولى، وأن لا ففعله أولى.
(4)
. هذا ما يظهر أن الشارح اعتمده خلافا لهما فاعتمدا الكراهة.
وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ نَعْيِ الجَاهِلِيَّةِ. وَلَا يَنْظُرُ الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِهِ إلَّا بِقَدْرِ الحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ. وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ. وَيُغَسِّلُ الجُنُبُ وَالحَائِضُ المَيِّتَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا وَاحِدًا فَقَطْ. وَلْيَكُنِ الْغَاسِلُ أَمِينًا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا ذَكَرَهُ أَوْ غَيْرَهُ حَرُمَ ذِكْرُهُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ
يسن لكلّ أحد تقبيل وجه صالح
(1)
؛ تبركا به. (ولا بأس بالإعلام بموته) بل يندب بالنداء ونحوه (للصلاة وغيرها) كالدعاء والترحم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((نعى النجاشي يوم موته)) (بخلاف نعي الجاهلية) وهو النداء بذكر مفاخره فيكره؛ للنهي الصحيح عنه. ويكره ترثيته بذكر محاسنه في نظم أو نثر؛ للنهي عنها، ومحلها حيث لم يوجد معها الندب السابق وإلا حرمت كما لو حملت على تجديد حزن أو أشعرت بتبرم أو فُعِلت في مجامع قصدت لها وإلا بأن كانت بحق في نحو عالم وخلت عن ذلك كله فهي بالطاعة أشبه. (ولا ينظر الغاسل) ولا يمس من غير خرقة شيئا (من بدنه) فيكره ذلك؛ لأنه قد يكون به ما يكره اطلاع أحد عليه، وربما رأى ما يسيء ظنه به (إلا بقدر الحاجة) كمعرفة المغسول من غيره (من غير العورة) وإلا حرم اتفاقا إلا نظر أحد الزوجين أو السيد بلا شهوة وإلا الصغير، أما غير الغاسل كمعينٍ فنظره لغيرها مكروه إلا لضرورة، ويسن تغطية وجهه من أول غسله إلى آخره ويحرم كبه عليه. (ومن تعذر غسله) لفقد ماء أو لنحو حرق أو لدغ ولو غُسل تهرى، أو خيف على الغاسل من تسري السم إليه ولم يمكنه التحفظ (يمم) وجوبا، وليس من ذلك خشية تسار الفساد إليه لقروح فيه؛ لأنه صائر للبلى. ولو وجد الماء بعد تيممه غُسِّل؛ احتياطا لخاتمة أمره كما مرّ، (ويُغَسِّل الجنب والحائض) والنفساء (الميت بلا كراهة)؛ لأنهما طاهران، (وإذا ماتا غسّلا غسلا واحدا فقط) للموت؛ لانقطاع ما عليهما به. (وليكن الغاسل أمينا) وكذا معينه ندبا فيهما؛ لأن غيره لا يوثق به في الإتيان بما طلب منه، نعم يجزئ غسل فاسق كالكافر وأولى ومع ذلك يحرم
(2)
على الإمام تفويض غسل موتى المسلمين إليه وكذا لمن لم يعلم ما لا بد منه فيه، ويكفي قول الفاسق والكافر غَسَّلْتُه لا غُسِّل، (فإن رأى خيراً ذكره) ندبا؛ لأنه أدعى لكثرة المصلين عليه والداعين له (أو غيره حرم ذكره)؛ لأنه غيبة (إلا لمصلحة) فيهما فيسر الخير في نحو متجاهر بفسق أو
(1)
. خلافا لهما فقالا بندبه لأهل الميت مطلقا وجوازه لغيرهم.
(2)
. وقياس ما مر في الأذان عدم الصحة عند الشارح خلافا للرملي.
وَلَوْ تَنَازَعَ أَخَوَانِ أَوْ زَوْجَتَانِ أُقْرِعَ. وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَيُكْرَهُ الْكَفَنُ المُعَصْفَرُ. وَالمُغَالَاةُ فِيهِ، وَالمَغْسُولُ أَوْلَى مِنَ الجَدِيدِ. وَالصَّبِيُّ كَبَالِغٍ فِي تَكْفِينِهِ بِأَثْوَابٍ. وَالحَنُوطُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ. وَلَا يَحْمِلُ الجِنَازَةَ إلَّا الرِّجَالُ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى،
بدعة؛ لئلا يغتر به ويُظْهِر الشر فيه؛ لينزجر عن طريقته غيره، نعم الأول إن ترتب عليه ضررٌ وجب الكتم
(1)
. (ولو تنازع) نحو (أخوان) من كل اثنين استويا قربا أو نحوه ولا مرجح (أو زوجتان) ولا مرجح أيضا (أقرع) بينهما في الغسل والصلاة والدفن؛ قطعا للنزاع، فإن رفع الأمر إلى حاكم وجب الإقراع، (والكافر أحقّ بقريبه الكافر)؛ لأنه وليه. (ويكره الكفن المعصفر) للرجل وغيره والمزعفر للمرأة ويحرم المزعفر كله وكذا أكثره لمن يحرم عليه الحرير، ويكره المصبوغ وكذا ثياب الزينة نحو الحِبَرة
(2)
لكن إن قصد الزينة. (و) يكره حيث لا دين عليه مستغرق ولا في ورثته غائب أو محجور وإلا حرمت (المغالاة فيه) بارتفاع ثمنه عما يليق به؛ للنهي عنه، وأما تحسينه ببياضه ونظافته وسبوغه وكثافته فسنة؛ لخبر ((إذا كَفَّنَ أحدكم أخاه فليُحْسن كفنه))، (والمغسول) اللبيس (أولى من الجديد)؛ لأن الحي أحق به، وشرط اللبيس كونه يقرب من الجديد في قوَّته
(3)
(والصبي كبالغ في تكفينه بأثواب) عددا لا صفة؛ لحل الحرير للصبي. ولا يتقيد بقدر. (والحنوط) أي ذرّه (مستحب) فلا يتقيد بقدر، ومع أنه مستحب يخرج من رأس التركة
(4)
ثم مال من عليه مؤنته و ليس لغريم ولا وارث منعه، نعم لا يُعْطَى من بيت المال، أو وقف الأكفان -كالقطن- إلا إن أطّرد ذلك في زمن الوقف وعلم به، (وقيل واجب)؛ للإجماع الفعلي عليه، ويُرَدُّ بأنه لا يستلزم الوجوب. (ولا يَحْمِل الجنازة إلا الرجال وإن كانت) خنثى أو (أنثى)؛ لضعفهن -كالخناثى- عنه، ويحمل على سرير أو لوح أو محمل وأي شيء حمل عليه أجزأ.
(1)
. اعتمدا ذلك في المبتدع دون الفاسق.
(2)
. وهي نوع مخطط من ثياب القطن.
(3)
. كما ذكره الشارح في تكفين الزوجة.
(4)
. إن رضوا كما يأتي مع حكم الوصية به كسائر المندوبات.
وَيَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ وَهَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا وَيُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا كَتَابُوتٍ، وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ مِنْهَا.
وَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِ المُسْلِمِ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَيُكْرَهُ اللَّغَطُ فِي الجِنَازَةِ وَإِتْبَاعُهَا بِنَارٍ. وَلَوِ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكَفَّارٍ وَجَبَ غُسْلُ الجَمِيعِ وَالصَّلَاةُ، فَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى الجَمِيع بِقَصْدِ المُسْلِمِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالمَنْصُوصُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَوَاحِدٍ نَاوِيًا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا،
(ويحرم حملها على هيئة مزرية) كحملها في نحو قفة
(1)
وكحمل كبير على نحو يد أو كتف (وهيئة يخاف منها سقوطها)؛ لأنه تعريض لإهانته، نعم إن غلب على الظن تغيره قبل تهيئة ما يليق وجب حمله كذلك، ولا بأس في الطفل بحمله على الأيدي مطلقا. (ويندب للمرأة ما يسترها كتابوت) يعني قُبَّة مغطاة؛ لإيصاء أم المؤمنين زينب رضي الله عنها به. (ولا يكره الركوب في الرجوع منها)؛ لفعله صلى الله عليه وسلم له بخلاف الذهاب لغير عذر كما مر. (ولا بأس باتّباع المسلم جنازة قريبه) ومثله زوج ومالك وكذا جار لكن إن خشي فتنة أو رجي إسلام قريب الجار (الكافر) فلا كراهة فيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((أمر عليا كرم الله وجهه أن يواري أبا طالب))، ويجوز له زيارة قبره أيضا، ويحرم اتباع المسلم جنازة كافر غير نحو قريب. (ويكره اللغط) وهو رفع الصوت ولو بالذكر والقراءة (في) المشي مع (الجنازة)؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كَرِهُوه، بل يسكت متفكرا في الموت وما يتعلق به وفناء الدنيا ذاكرا بلسانه سرا لا جهرا؛ لأنه بدعة، (وإتْباعها بنار) بمجمرة أو غيرها؛ لأنه تفاؤل قبيح وكذا عند القبر إلا لإسراج محتاج إليه فلا بأس. (ولو اختلط مسلمون) أو مسلم (بكفار) أو شهيد أو سقط لم تظهر فيه أمارة حياة بغيره وتعذر التمييز (وجب غسل الجميع) وتكفينهم ودفنهم من بيت المال فالأغنياء حيث لا تركة وإلا أخرج من تركة كلٍّ تجهيز واحد بالقرعة (والصلاة) عليهم؛ إذ لا يتحقق الإتيان بالواجب إلا بذلك (فإن شاء صلى على الجميع بقصد المسلم) وغير نحو الشهيد (وهو الأفضل والمنصوص) وليس هنا صلاة على كافر حقيقة والنية جازمة، ويقول هنا في صورة المتن اللهم اغفر للمسلم منهم (أو على واحد فواحد ناويا الصلاة عليه إن كان مسلما) أو غير نحو شهيد. وقد تتعين هذه الكيفية إن غسّل بعضهم وخيف من انتظار الباقين تغير، وكذلك
(1)
. القفة القرعة اليابسة وربما اتخذ من خوص ونحوه كهيئتها تجعل فيها المرأة قطنها.
وَيَقُولُ اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ تَقَدُّمُ غُسْلِهِ، وَتُكْرَهُ قَبْلَ تَكْفِينِهِ، فَلَوْ مَاتَ بِهَدْمٍ وَنَحْوِهِ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ وَتَيَمُّمُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ أَلَّا يَتَقَدَّمَ عَلَى الجِنَازَةِ الحَاضِرَةِ وَلَا الْقَبْرِ عَلَى المَذْهَبِ فِيهِمَا. وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، وَيُسَنُّ جَعْلُ صُفُوفِهِمْ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ. وَإِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ فَحَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَّى. وَمَنْ صَلَّى لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ،
تتعين الأولى إذا تم غسل الجميع وكان الإفراد يؤدي إلى تغير المتأخر (ويقول) في الكيفية الأولى: اللهم اغفر للمسلمين منهم كما مر، وفي الثانية (اللهم اغفر له إن كان مسلما) ولا يقول في اختلاط نحو الشهيد بغيره اللهم اغفر له إن كان غير شهيد بل يطلق ويدفنون في الأولى بين مقابرنا ومقابر الكفار، (ويشترط لصحة الصلاة تقدم غسله) أو تيممه بشرطه؛ لأنه المنقول وتنزيلا للصلاة عليه منزلة صلاته، ومن ثم اشترط طهارة كفنه أيضا
(1)
إلى فراغ الصلاة عليه (وتكره قبل تكفينه، فلو مات بهدم ونحوه) كوقوعه في بحر (وتعذر إخراجه) منه (وغسله وتيممه لم يصل عليه)؛ لفوات الشرط، (ويشترط ألا يتقدم على الجنازة الحاضرة ولا القبر على المذهب فيهما)؛ اتباعا للأولين، أما الغائبة فلا يؤثر فيها كونها وراء المصلي (وتجوز الصلاة عليه) بل تسن (في المسجد)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((صلى على ابني بيضاء في المسجد))، نعم إن خيف تلويث المسجد منه حرم. (ويسن) حيث كانوا ستة فأكثر (جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر)؛ للخبر الصحيح ((من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب)) أي غُفِر له، والصفوف الثلاثة في مرتبة واحدة في الفضيلة
(2)
، نعم من جاء وقد اصطف الثلاثة فالأفضل له أن يتحرى الأول
(3)
. ولو لم يحضر إلا ستة بالإمام وقف واحد معه واثنان صفا واثنان صفا (وإذا صُلِّى عليه فحضر من لم يصلِّ صَلَّى) ندبا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((صلى على قبور جماعة))، وتقع فرضا فينويه ويثاب ثوابه وإن سقط الحرج بالأولين؛ لبقاء الخطاب به ندبا، (ومن صلى) ندب له أنه (لا يعيد على الصحيح) وإن صلى منفردا؛ لأن صلاة الجنازة لا يتنفل بها. ومن صلى بالتيمم ثم رأى الماء قبل دفنه لزمه إعادتها إن كان حاضرا، أما المسافر فلا يلزمه شيء من ذلك إذا وجده
(1)
. أي إلا إن لم نجد من يزيلها إلا رجلا والميت امرأة أو العكس كما أفاده الشارح أول كتاب الجنائز.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني من استواء جميع الصفوف في الفضيلة.
(3)
. والأفضل أن يصلي عليه أربعون أو مائة.
وَلَا تُؤَخَّرُ لِزِيَادَةِ مُصَلِّينَ، وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ. وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ صَلَاةَ غَائِبٍ، وَالمَأْمُومُ صَلَاةَ حَاضِرٍ، أَوْ عَكَسَ جَازَ. وَالدَّفْنُ بِالمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ المَبِيتُ بِهَا. وَيُنْدَبُ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا، وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يُفْرَشُ تَحْتَهُ شَيْءٌ وَلَا مِخَدَّةٌ. وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ إلَّا فِي أَرْضٍ نَدْيَةٍ أَوْ رِخْوَةٍ. وَيَجُوزُ الدَّفْنُ لَيْلًا،
فيها أو بعدها
(1)
. ومرّ حكم فاقد الطهورين، وإذا أعاد وقعت له نفلا فيجوز له الخروج منها. (ولا تؤخر) أي لا يندب التأخير (لزيادة مصلين)؛ للأمر بالإسراع بها، نعم تؤخر لحضور الولي إن لم يخش تغير
(2)
(وقاتل نفسه كغيره في الغسل والصلاة) وغيرهما؛ لخبر ((الصلاة واجبة على كل مسلم ومسلمة بَرَّا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر)) (ولو نوى الإمام صلاة غائب والمأموم صلاة حاضر أو عكس جاز) كظهر خلف عصر، ويجوز بالأولى اختلافهما في حاضرين أو غائبين. (والدفن بالمقبرة أفضل)؛ لكثرة الدعاء له بتكرير الزائرين، وغيرها أفضل لنحو شبهة بأرضها أو ملوحة أو نداوة أو لنحو مبتدعة أو فسقة فسقا ظاهرا دفنوا بها، ويجوز في البيت بلا كراهة. ويندب دفن الشهيد بمحله؛ للاتباع. ويحرم نقل الميت للمقبرة إن أدى لانفجاره بل لو خشي انفجاره من حمله عن محل موته وجب دفنه به إن أمكن ولو ملكه. (ويكره المبيت بها) لغير عذر؛ لما فيه من الوحشة، ولذا لا يبعد ندبه إن انتفت؛ لأنها تذكر الآخرة. (ويندب ستر القبر بثوب) مثلا عند إدخال الميت (وإن كان رجلا)؛ لئلا ينكشف، ويتأكد لخنثى ومرأة، (وأن يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ للاتباع، (ولا يفرش تحته شيء ولا رأسه مِخدّة) أي يكره ذلك؛ لما فيه من إضاعة المال، (ويكره دفنه في تابوت) إجماعا؛ لأنه بدعة (إلا) لعذر ككونه (في أرض نديَة أو رَِخوة) أو كان امرأة لا محرم لها، بل لا يبعد وجوبه إن كان بها سباع تحفر أرضها وإن أحكمت، أو تهرى بحيث لا يضبطه إلا التابوت. وتنفذ وصيته من الثلث بما ندب فإن لم يوصِ فمن رأس المال إن رضوا ولا تنفذ بما كُرِه. (ويجوز الدفن ليلا) بلا كراهة؛ لما صحَّ من فعله صلى الله عليه وسلم.
(1)
. انظر.
(2)
. نعم التأخير إن كان يسيرا وفيه مصلحة للميت لم يمنع كما مر أي لا مطلقا خلافا لهما.
وَوَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إِذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ، وَغَيْرُهُمَا أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ. وَلَوْ بُنِيَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ هُدِمَ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ، وَيُوضَعَ عَلَيْهِ حَصىً،
(ووقت كراهة الصلاة) إجماعا وكالصلاة ذات السبب (إذا لم يتحره)؛ لأن سببه وهو الموت متقدم أو مقارن، أما إذا تحراه
(1)
فيكره ولو في حرم مكة؛ لخبر مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ((ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا .. الحديث)) سواء الزمانية كوقت الاستواء والفعلية كبعد صلاة العصر إلى الغروب، وفارق ذلك عدم كراهة الصلاة في حرم مكة وإن تحراه أن الصلاة لَمَّا تميزت فيه عليها في غيره بالمضاعفة الآتية التي لا توجد أصلا في غيره ناسب أن يوسع فيه لمريدها وإن تحراها فيه، (وغيرهما أفضل)؛ لأنه مندوب، نعم إن خشي من التأخير إلى الوقت المندوب تغير حرم، أو زيادة على الإسراع المطلوب ندب تركه. (ويكره تجصيص القبر) بالجص
(2)
، ومثله الجير- لا التطيين - (والبناء) عليه في حريمه وخارجه إلا إن خَشيَ نبش أو حفر سبع أو هدم سيل، نعم البناء في المسبلة يحرم وسيأتي، (والكتابة عليه)؛ للنهي الصحيح عن الثلاثة، ويحرم كتابة القرآن؛ لتعريضه للامتهان، نعم يندب كتابة اسمه لمجرد التعريف به على طول السنين لاسيما لقبور الأنبياء والصالحين؛ لأنه طريق للإعلام المستحب.
[فرع] يسن وضع جريدة خضراء على القبر
؛ للاتباع، ويحرم أخذ ذلك؛ لما فيه من تفويت حق الميت بخلاف يابسٍ أُعرض عنه (ولو بنى) نفس القبر لغير حاجة مما مر أو بنى نحو تحويط أو قبة عليه (في مقبرة مسبلة) وهي ما اعتاد أهل البلد الدفن فيها ومثلها بالأولى موقوفة (هدم) وجوبا؛ لحرمته لما فيه من التضييق. ولا يجوز زرع شيء من المسبلة وإن تيقن بلى من بها، (ويندب أن يرش القبر) ما لم ينزل مطر يكفي (بماء) طهورٍ وباردٍ؛ للاتباع، ولا يجوز بالنجس
(3)
بخلاف ماء الورد
(4)
(ويوضع عليه حصى) صغار.
(1)
. وليس منه التأخير لقصد زيادة المصلين.
(2)
. وهو الجبس.
(3)
. وذلك حرام عند النهاية مكروه عند المغني.
(4)
. فيجوز مع الكراهة إلا إن قصد بيسيره حضور الملائكة.
وَعِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ. وَجَمْعُ الْأَقَارِبِ. وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ، وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ تَحْرُمُ، وَقِيلَ تُبَاحُ، وَيُسَلِّمُ الزَّائِرُ وَيَقْرَأُ وَيَدْعُو. وَيَحْرُمُ نَقْلُ المَيِّتِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَقِيلَ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوِ المَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ المَقْدِسِ، نَصَّ عَلَيْهِ
(ويوضع عند رأسه) ولو أنثى (حجر) ويندب كونه عظيما (أو) نحوه كـ (خشبة) كذلك؛ للاتباع، (و) يندب (جمع الأقارب) ونحوهم كالزوجة والمماليك والعتقاء بل والأصدقاء؛ للاتباع، ويرتبون كترتيبهم السابق في القبر. (و) تندب (زيارة القبور) التي للمسلمين، ويندب الوضوء للزيارة (للرجال) إجماعا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها))، أما قبور الكفار فتحرم زيارتها إلا إن كان قريبا ونحوه، (وتكره) للخناثى و (للنساء) مطلقا ولو لقريب؛ خشية الفتنة
(1)
ورفع أصواتهن بالبكاء، نعم تسن لهن زيارته صلى الله عليه وسلم، أما بقية الأنبياء والعلماء والأولياء فَيُفَصَّل بين أن تذهب في نحو هودج مما يستر شخصها عن الأجانب فيسن لها ولو شابة؛ إذ لا خشية فتنة هنا أو تذهب لمشهد فلا يسن إلا لعجوز ليست متزينة بطيب ولا حلي ولا ثوب زينة (وقيل تحرم) إن لم تكن ثمة فتنة
(2)
؛ لخبر ((لعن الله زوّارات القبور)) (وقيل تباح) إذا لم تخش محذورا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((رأى امرأة بمقبرة ولم ينكر عليها)). (ويسلم الزائر) ندبا على أهل المقبرة عموما ثم خصوصا؛ لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)) (ويقرأ
(3)
ويدعو) له عقب القراءة بعد توجهه للقبلة؛ لأنه عقبها أرجى للإجابة، وتصل
(4)
له القراءة هنا وفيما إذا دعا له عقبها ولو بعيدا. (ويحرم نقل الميت) قبل الدفن (إلى بلد آخر) بل إلى كل ما لا ينسب إلى بلد الموت ولو مقبرة أخرى، وإن أوصى به؛ لأمره صلى الله عليه وسلم لهم بدفن قتلى أحد في مضاجعهم لَمَّا أرادوا نقلهم (وقيل يكره)؛ إذ لم يرد دليل لتحريمه. (إلا أن يكون بقرب مكة) أي حرمها وكذا البقية (أو المدينة أو بيت المقدس
(5)
نص عليه) فلا يحرم ولا يكره بل يندب، ومحله حيث لم يخش تغيره وبعد غسله
(1)
. أما إن تحققت فيحرم.
(2)
. أما إن وجدت فحرام قطعاً.
(3)
. ويسن أن يقرأ يس عند الزيارة كما استوجهه الشارح أول الجنائز 3/ 93.
(4)
. أي يحصل له نفع به وإن لم يصل له ثوابها كما ذكره الشارح آخر الوصية 7/ 74.
(5)
. ظاهر صنيعه أنه لا يلحق بها قرية بها صلحاء خلافا لهما.
وَنَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ: بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَوْ فِي أَرْضٍ، أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ، أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَالٌ، أَوْ دُفِنَ، لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، لَا لِلتَّكْفِينِ فِي الْأَصَحِّ
وتكفينه والصلاة عليه وإلا حرم؛ لأن الفرض تعلق بأهل محل موته فلا يسقطه حل النقل، وينقل أيضا لضرورة كأن تعذر إخفاء قبره ببلاد كفر أو بدعة وخشي منهم نبشه وإيذاؤه أو كان السيل يعم مقبرة البلد ويفسدها (ونبشه بعد دفنه) وقبل بِلى جميع أجزاء الميت الظاهرة
(1)
عند أهل الخبرة (للنقل وغيره) كتكفين وصلاة عليه (حرام)؛ لأن فيه هتكا لحرمته (إلا لضرورة) فيجب (بأن) أي كأن (دفن بلا غسل) أو تيمم بشرطه ولم يتغير بنتن أو تقطع؛ لأنه واجب لم يخلفه شيء فاستدرك (أو في أرض أو ثوب مغصوبين) وإن تغير، بل وإن غرم الورثة مثله أو قيمته ما لم يسامح المالك، نعم إن لم يكن ثَمَّ غير ذلك الثوب أو الأرض فلا ينبش. وليس الحرير كالمغصوب؛ لبناء حق الله تعالى على المسامحة، وينبش أيضا إن دفن في مسجد (أو وقع فيه مال
(2)
ولو من التركة وإن قَلَّ وتغير الميت ما لم يسامح مالكه، نعم إن ابتلع الميت مالاً لم ينبش إلا إن طالب به مالكه فينبش ويشق جوفه وإن غرم الورثة مثله أو قيمته
(3)
، وحيث سكت فلا؛ لأن المسامحة فيه أكثر من غيره، أما إذا ابتلع مال نفسه فلا ينبش قبره لإخراجه إلا بعد بلائه (أو دُفِن لغير القبلة) وإن كان رجلاه إليها- ما لم يتغيرـ؛ استدراكا للواجب، (لا للتكفين في الأصح)؛ لأن الستر حاصل بالتراب، ويجوز النبش أيضا إن دفنت وببطنها جنين ترجى حياته ويجب شق جوفها لإخراجه قبل دفنها وبعده فإن لم ترج حياته أُخّر دفنها حتى يموت، وكذا إن عَلَّق الطلاق أو النذر أو العتق بصفة فيه فينبش للعلم بها أو بعدمه، أو ليشهد على صورته
(4)
من لم يعرف اسمه ونسبه إذا عظمت الواقعة، أو ليلحقه القائف بأحد متنازعين فيه، أو ليعرف ذكورته أو أنوثته عند تنازع الورثة فيه أو نحو شلل عضو عند تنازعهم مع جانٍ فيه، أو يلحقه سيل أو نداوة فينبش جوازا لينقل، ومحل كل ما تقدم إن لم يتغيّر تغيرا يمنع الغرض الحامل على نبشه و يُكتفى في التغير بالظن عادة أو لما كان
(1)
. عبر في العارية بالتي تحس.
(2)
. فينبش وإن لم يطالبه مالكه خلافا للمغني.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. خلافا للرملي.
وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ سَاعَةً جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ، وَلِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ. وَيَحْرُمُ تَهْيِئَتُهُ لِلنَّائِحَاتِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
فيه من نحو قروح تسرع إلى التغير. ولو انمحق الميت وصار ترابا جاز نبشه والدفن فيه بل تحرم عمارته وتسوية ترابه في مسبلة لتحجيره على الناس إلا في صحابي ومشهور الولاية فلا يجوز وإن انمحق؛ لما فيه من التبرك بهم. (ويسن أن يقف ساعة جماعة بعد دفنه عند قبره يسألون له التثبت) ويستغفرون له؛ للأثر الصحيح بذلك. ويستحب تلقين بالغ عاقل أو مجنون سبق له تكليف ولو شهيدا
(1)
بعد تمام الدفن؛ لخبر فيه. (و) يسن (لجيران أهله) ولو كان أهل الميت بغير بلده كما يسن كذلك لأقاربه الأباعد ولو ببلد آخر (تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم)؛ لخبر ((اصنعوا لآل جعفر طعاما))، (ويلح عليهم في الأكل) ندبا؛ لأنهم قد يتركونه حياء أو لفرط جزع ولا بأس بالقسم إن علم أنهم يبرونه، (ويحرم تهيئته للنائحات) أو لنائحةٍ
(2)
واحدة وأريد بها هنا ما يشمل النادبة ونحوها (والله أعلم)؛ لأنه إعانة على معصية، وما اعتيد من جعل أهل الميت طعاما ليدعوا الناس عليه بدعة مكروهة كإجابتهم لذلك، ويكره لاجتماع أهل الميت ليقصدوا بالعزاء. وتصح الوصية بإطعام المعزين ومحل كراهة صنع الطعام للحاضرين في غير ما اعتيد الآن أن أهل الميت يعمل لهم مثل ما عملوه لغيرهم وإلا فيندب فعل ذلك ولا كراهة كالنقوط
(3)
، ولا تصح الوصية بالذبح على القبر؛ لأنه بدعة.
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. ونص الشارح قبيل الأطعمة على حرمة إعطائهن أجرة وأخذها 9/ 388.
(3)
. وهو ما يجمع من المتاع وغيره في الأفراح لصاحب الفرح.
كتاب الزكاة
باب زكاة الحيوان
إنَّمَا تَجِبُ مِنْهُ فِي النَّعَمِ: وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لَا الخَيْلُ وَالرَّقِيقُ، وَالمُتَوَلِّدُ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ. وَلَا شَيْءَ فِي الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثٌ، وَعِشْرِينَ أَرْبَعٌ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَسِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ،
(كتاب الزكاة)
هي لغة: التطهير والنماء، وشرعا: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على الوجه الآتي. والأصل في وجوبها الكتاب نحو {وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 83 والسنة والإجماع بل هو معلوم من الدين بالضرورة فمن أنكر أصلها كفر وكذا بعض جزئياتها الضرورية.
(باب زكاة الحيوان)
أي بعضه وبدأ به وبالإبل منه اقتداء بكتاب الصديق رضي الله عنه، (إنما تجب) منه (في النعم وهي الإبل والبقر) الأهلية (والغنم، لا الخيل والرقيق) وغيرهما لغير تجارة؛ لخبر الشيخين ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) (والمتولد من) ما تجب فيه وما لا تجب فيه كالمتولد بين بقر أهلي وبقر وحشي وبين (غنم وظباء) ; لأنه لا يسمى بقرا ولا غنما، أما متولد مما تجب فيهما كإبل وبقر أهلي فتجب فيه الزكاة وتعتبر بأخفهما; لأنه المتيقن لكن بالنسبة للعدد كالبقر هنا أما بالنسبة للسن كأربعين متولدة بين ضأن ومعز فتعتبر بالأكثر فلا يخرج هنا إلا ما له سنتان
(1)
(ولا شيء في الإبل حتى تبلغ خمسا)؛ لخبرهما ((ليس فيما دون خمس ذود
(2)
من الإبل صدقة)) (ففيها شاة، وفي عشر شاتان، وخمس عشرة ثلاث، وعشرين أربع، وخمس وعشرين بنت مخاض، و ست وثلاثين بنت لبون).
(1)
. كما في الإمداد.
(2)
. قال أبوعبيد أن المراد بالذود في الحديث الناقة الواحدة، لسان العرب.
وَسِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَإِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَسِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَإِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، وَمِئَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَكُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَبِنْتُ المَخَاضِ لَهَا سَنَةٌ، وَاللَّبُونِ سَنَتَانِ، وَالحِقَّةُ ثَلَاثٌ، وَالجَذَعَةُ أَرْبَعٌ، وَالشَّاةُ جَذَعَةُ ضَأْنٍ لَهَا سَنَةٌ، وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لَهَا سَنَتَانِ، وَقِيلَ سَنَةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ،
(و ست وأربعين حقّة) ويجزئ عنها بنتا لبون (وإحدى وستين جذعة) ويجزئ عنها حقتان أو بنتا لبون (وست وسبعين بنتا لبون وإحدى وتسعين حقتان ومائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون) فإن نقصت الواحدة أو بعضها لم يجب سوى الحقتين، وللواحدة الزائدة على العشرين هنا مثلا قسط من الواجب فلو تلفت واحدة بعد الحول وقبل التمكن سقط جزء من مائة وواحد وعشرين جزأ من ثلاث بنات لبون، (ثم في كل أربعين بنت لبون و كل خمسين حقة)؛ لخبر البخاري عن كتاب أبي بكر لأنس رضي الله عنهما، وما بين النصب مما ذكر عفو لا يتعلق به الواجب ولا ينقص بنقصه فلو كان معه تسع إبل فالشاة في خمس منها فقط فلو تلفت أربع لم يسقط منها شيء.
[فرع] ملك ست إبل ثلاثة أحوال ولم يزكها لزمه شاة في الحول الأول فقط
؛ لأن الزكاة لا تتعلق بالوقص فالشاة في الحول الثاني متعلقة بالخَمْس فقط فيلزم نقصها وكذا في الثالث
(1)
. (وبنت المخاض لها سنة) كاملة
(2)
(واللبون سنتان) كاملتان (والحقة ثلاث) كاملة (والجذعة أربع) كاملة وإن جذعت قبلها. واعتبر في الجميع الأنوثة؛ لما فيها من رفق الدر والنسل. (والشاة جذعة ضأن لها سنة) كاملة وإن لم تجذع، أو أجذعت وإن لم تبلغ سنة (وقيل ستة أشهر، أو ثنية معز لها سنتان) كاملتان (وقيل سنة، والأصح أنه مخير بينهما. ولا يتعين غالب غنم البلد) أي بلد المال بل يجزئ أي غنم فيه؛ لصدق الاسم، ولا يجوز العدول عنه هنا وفيما يأتي في زكاة الغنم إلا لمثله أو خير منه قيمة، ويتعين الضأن فيما لو كانت غنم البلد كلها ضائنة وهي أعلى قيمة من المعز. ويشترط صحة الشاة وكمالها وإن كانت الإبل مريضة أو معيبة; لأن الواجب هنا في الذمة فلم يعتبر فيه صفة المُخْرَج عنه، فإن لم يجد صحيحة فرق
(1)
. شرح العباب.
(2)
. قالا وطعنت في الثانية كذا في البقية.
وَأَنَّهُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ، وَكَذَا بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَنْ دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ المَخَاضِ فَابْنُ لَبُونٍ، وَالمَعِيبَةُ كَمَعْدُومَةٍ،
قيمتها دراهم كمن فقد بنت المخاض مثلا فلم يجدها ولا ابن لبون ولا بالثمن فيفرق قيمتها؛ للضرورة، (وأنه يجزئ الذكر) -ولو عن إناث- وهو جذع ضأن أو ثني معز؛ لأنه من غير الجنس، وبه فارق منع إخراج الذكر عن الإناث في الغنم، (وكذا بعير الزكاة
(1)
أي ما يجب فيها وهو بنت مخاض فما فوقها ثم بدلها
(2)
كابن لبون عند فقدها (عن دون خمس وعشرين) ويقع كله فرضا سواء زاد عن قيمة الشاة أو نقص عنها؛ لأنه القياس. وخرج ببعير الزكاة ابن المخاض وما دون بنت المخاض. (فإن عدم بنت المخاض) بأن تعذر إخراجها وقت إرادة الإخراج
(3)
ولو لنحو رهن بمؤجل مطلقا أو بحال لا يقدر عليه، أو غصب عجز عن تخليصه بأن كان فيه كلفة لها وقع عرفا (فابن لبون) أو خنثى ولد لبون يخرجه عنها، وإن كان أقل قيمة منها، ولا يكلف شراءها وإن قدر عليها، ولا يجزئ الخنثى من أولاد المخاض، وله إخراج بنت اللبون مع وجود ابن اللبون لكن إن لم يطلب جبرانا، ولو فقد الكل فإن شاء اشترى بنت مخاض أو ابن لبون، أما إذا لم يعدم بنت المخاض بأن وجدها -ولو قبيل الإخراج- فيتعين إخراجها ولو معلوفة بخلاف ما لو وجدها وارثه بين تمام الحول والأداء فلا تتعين
(4)
، ولو تلفت بعد وقت إرادة الإخراج مع التمكن امتنع ابن اللبون
(5)
؛ لتقصيره، وعليه فيلزم المالك أن يعدل عن إرادة إخراج بنت المخاض إلى إرادة إخراج ابن لبون عوضا عن بنت المخاض الموجودة حتى تلفت. ولو لم يجد بنت المخاض ولا ابن لبون فرق قيمتها إن لم يكن بماله سن مجزئ وأمكن الصعود إليه مع الجبران وإلا تخير بين ذلك وإخراج القيمة، ويجري ذلك في سائر أسنان الزكاة. (والمعيبة كمعدومة).
(1)
. ويقع كله فرضاً لا مقدار الواجب فقط على خلاف القياس؛ لتعذر تجزئه أفاده الشارح في باب الوضوء 1/ 233.
(2)
. خلافا لظاهر كلامهم.
(3)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(4)
. خلافا للنهاية.
(5)
. خلافا للنهاية.
وَلَا يُكَلَّفُ كَرِيمَةً لَكِنْ تَمْنَعُ ابْنَ لَبُونٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيُؤْخَذُ الحِقُّ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ لَا عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوِ اتَّفَقَ فَرْضَانِ كَمِئَتَيْ بَعِيرٍ فَالمَذْهَبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ، بَلْ هُنَّ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَإِنْ وُجِدَ بِمَالِهِ أَحَدَهُمَا أُخِذَ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ،
(ولا يكلف كريمة) وإبله مهازيل -بخلاف ما إذا كُنَّ كلهن كرائم كما يأتي-؛ للخبر الصحيح ((إياك وكرائم أموالهم)) (لكن تمنع) الكريمة (ابن لبون) وحِقا (في الأصح)؛ لوجود بنت مخاض مجزئة بماله فلزمه شراء بنت مخاض أو دفع الكريمة، (ويؤخذ الحِق عن بنت مخاض) عند فقدها; لأنه أولى من ابن لبون (لا) عن بنت (لبون في الأصح)؛ لعدم تميزه عليها بنحو فضل قوة ورود الماء والشجر، وبهذا فارق إجزاء ابن اللبون عن بنت المخاض. (ولو اتفق فرضان كمائتي بعير فالمذهب لا يتعين أربع حقاق بل هن أو خمس بنات لبون) حيث لا أغبط; لأن كلا يصدق عليه أنه واجب، ولا يجوز إخراج حقتين وبنتي لبون ونصف وإن كان أغبط؛ للتشقيص بخلاف ثلاث مع حقتين وأربع مع حقة مثلا فيجزئ إذا كان مع وجود الفرضين عنده هو الأغبط، (فإن وجُدِ بماله أحدهما) كاملا (أخذ) إن لم يُحَصِّل الآخر الأغبط
(1)
ولا يلزمه تحصيله وإن سهل، ولا يجوز هنا نزول ولا صعود؛ لعدم الضرورة إليه (وإلا) يوجد بماله أحدهما كاملا أو وجدا أو أحدهما لا بصفة الإجزاء أو بصفة الكرم (فله تحصيل ما شاء) وإن لم يكن أغبط؛ لمشقة تحصيل الأغبط، فله أن يجعل الحقاق أصلا ويصعد لأربع جذاع فيخرجها ويأخذ أربع جبرانات، وأن يجعل بنات اللبون أصلا وينزل لخمس بنات مخاض فيخرجها مع خمس جبرانات، فعلم أن له فيما إذا وجد بعض كل منهما كثلاث حقاق وأربع بنات لبون أن يجعل الحقاق أصلا فيدفعها أو بعضها والباقي من بنات اللبون مع الجبران لكل وبنات اللبون أصلا فيدفعها أو بعضها والباقي من الحقاق ويأخذ الجبران لكل، وفيما إذا وجد بعض أحدهما كحقة أن يجعلها أصلا فيدفعها مع ثلاث جذاع ويأخذ ثلاث جبرانات أو بنات اللبون أصلا فيدفع خمس بنات مخاض مع خمس جبرانات، أما إذا فقد الحقاق وبنات اللبون فلا أصل في ذلك بل يحصل أحدهما، وفيما إذا كان له أربعمائة له إخراج أربع حقاق وخمس بنات لبون إذ لا تشقيص; لأن كل مائتين أصل برأسها، ومحله إذا استويا في الأغبطية أو كان في اجتماع الحقاق وبنات اللبون أغبطية كما تأتي، وليس له فيما ذكر
(1)
. كلامهما يشمل المساوي.
وَقِيلَ يَجِبُ الْأَغْبَطِ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ وَجَدَهُمَا فَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ، وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ إنْ دَلَّسَ أَوْ قَصَّرَ السَّاعِي، وَإِلَّا فَيُجْزِئُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ. وَمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ فَعَدِمَهَا دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ حِقَّةً وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا،
أن يصعد أو ينزل لدرجتين كأن يجعل بنات اللبون أصلا ويصعد لخمس جذاع ويأخذ عشر جبرانات، (وقيل: يجب الأغبط للفقراء) ويُرَدُّ بالمشقة، (وإن وجدهما) بماله بغير صفة الإجزاء فكالعدم، أو بصفته حال الإخراج (فالصحيح تعين الأغبط) -إن كان من غير الكرام؛ إذ هي كالمعدومة- بأن كان أصلح لهم لزيادة قيمة أو احتياجهم لنحو دَرٍّ أو حرث أو حمل; إذ لا مشقة في تحصيله، (ولا يجزئ غيره إن دلس) المالك بأن أخفى الأغبط (أو قَصَّر الساعي) ولو في الاجتهاد في أيهما أغبط فترد عينه إن وجد وإلا فقيمته (وإلا فيجزئ) ; لمشقة الرد، (و) عليه فـ (الأصح) -ما لم يعتقد الساعي حل أخذ غير الأغبط ويُفَوِّض الإمام له ذلك- (وجوب قدر التفاوت) بينه وبين الأغبط إذا كانت الأغبطية بزيادة القيمة؛ لأنه لم يدفع الفرض بكماله (ويجوز إخراجه) دنانير أو (دراهم) من نقد البلد وإن أمكنه شراء كامل; لأن القصد الجبر لا غير، ويجوز أن يخرج بقدره جزءاً من الأغبط لا من المأخوذ (وقيل يتعين تحصيل شقص به) من الأغبط. (ومن لزمه بنت مخاض فعدمها) وعدم ابن لبون في ماله وأمكنه تحصيلهما (وعنده بنت لبون دفعها) إن شاء (وأخذ شاتين) بصفة الإجزاء إلا إن رضي ولو بذكر واحد (أو عشرين درهما) إسلامية فضة خالصة، نعم لو لم يجدها وغلبت المغشوشة جاز إخراج ما يكون فيه من النقرة
(1)
قدر الواجب، أما إذا وجد ابن لبون فلا يجوز بنت لبون إلا إذا لم يطلب جبرانا، (أو) لزمه (بنت لبون فعدمها دفع بنت مخاض مع شاتين) بالصفة المارة (أو عشرين درهما، أو حقة وأخذ شاتين أو عشرين درهما) كما رواه البخاري عن كتاب أبي بكر رضي الله عنه، وكذا كل من لزمه سن فقده، وما نزّل منزلته له الصعود لأعلى منه ولو غير سن زكاة وأخذ الجبران، والنزول لأسفل منه إن كان سن زكاة ودفع الجبران، وخرج بعدمها ما
(1)
. هي السبيكة، الصحاح.
وَالخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا وَفِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ لِلْمَالِكِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ إبِلُهُ مَعِيبَةً، وَلَهُ صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ، وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ، وَنُزُولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ دَرَجَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ جُبْرَانٍ مَعَ ثَنِيَّةٍ بَدَلَ جَذَعَةٍ عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الجُمْهُورِ الجَوَازُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ،
إذا وجدها فيمتنع النزول وكذا الصعود إن طلب جبرانا، ونحو المعيب والكريم هنا كمعدوم، (والخيار في الشاتين والدراهم لدافعها) مالكا كان أو ساعيا، لكن يلزمه رعاية مصلحة الفقراء أخذا ودفعا كما يلزم وكيلا ووليا رعاية مصلحة المالك (وفي الصعود والنزول للمالك في الأصح) ; لأنهما شُرِعا تخفيفا عليه حتى لا يُكَلَّف الشراء فناسب بين النزول والطلوع
(1)
، كما إذا لزمه بنتا لبون فليس الطلوع في واحدة والنزول في أخرى، ومحل الخلاف الذي في المتن إن دفع غير الأغبط وإلا لزم الساعي قبول الأغبط جزما (إلا أن تكون إبله معيبة) فلا يصعد لمعيب مع طلب الجبران -إلا إن رآه الساعي مصلحة
(2)
-؛ لأنه قد تزيد قيمة الجبران المأخوذ على المعيب المدفوع، ومن ثم لو عدل لسليم مع طلب الجبران جاز، وله النزول لمعيب مع دفع جبران؛ لتبرعه بزيادة، (وله صعود درجتين وأخذ جبرانين ونزول درجتين مع جبرانين بشرط تعذر درجة) قربى في جهة المخرجة (في الأصح) فلا يصعد عن بنت المخاض للحقة، ولا ينزل عن الحقة إليها إلا عند تعذر بنت اللبون؛ لإمكان الاستغناء عن الجبران الزائد، نعم لو صعد درجتين ورضي بجبران واحد جاز قطعا مطلقا، وحكم الصعود والنزول الزائد على درجتين كما ذكر. وخرج بقولنا في جهة المخرجة ما لو لزمه بنت لبون فقدها والحقة فله الصعود للجذعة وأخذ جبرانين وإن كان عنده بنت مخاض; لأنها وإن كانت أقرب لبنت اللبون ليست في جهة الجذعة. (ولا يجوز أخذ جبران مع ثنية) وهي ما لها خمس سنين كاملة (بدل جذعة) فقدها (على أحسن الوجهين) ; لأنها ليست من أسنان الزكاة (قلت: الأصح عند الجمهور الجواز والله أعلم) ; لأنها أسن منها بسنة فكانت كجذعة بدل حقة، أما إذا لم يطلب جبرانا فيجوز جزماً.
(1)
. أي مطلقا وقال الأسنى يخير حينئذ إن وافقه الساعي وإلا أجيب.
(2)
. أي فيجوز وفاقا للأسنى والمغني وخلافا للنهاية.
وَلَا تُجْزِئُ شَاةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَتُجْزِئُ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ لِجُبْرَانَيْنِ. وَلَا الْبَقَرِ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ ابْنُ سَنَةٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَكُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، لَهَا سَنَتَانِ، وَلَا الْغَنَمِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَشَاةٌ جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَمِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ، وَأَرْبَعَماِئَةٍ أَرْبَعٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ.
(ولا تجزئ شاة وعشرة دراهم) عن جبران واحد;; لأن الحديث اقتضى التخيير بين الشاتين والعشرين فلم تجزئ خصلة ثالثة، نعم إن كان الآخذ المالك ورضي بالتفريق جاز; لأن الحق له (وتجزئ شاتان وعشرون لجبرانين) ; لأن كلا مستقل (ولا البقر حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع) أو تبيعة بالأَولى (ابن سنة) كاملة (ثم في كل ثلاثين تبيع، وكل أربعين مسنة لها سنتان) كاملتان وذلك؛ للخبر الصحيح بذلك، ويجزئ تبيعان بالأولى، ولا جبران هنا كالغنم؛ لعدم وروده، (ولا) شيء في (الغنم حتى تبلغ أربعين فشاة جذعة ضأن أو ثنية معز وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان و مائتين وواحدة ثلاث وفي أربعمائة أربع، ثم في كل مائة شاة) كما في كتاب الصديق رضي الله عنه.
فصل
إنِ اتَّحَدَ نَوْعُ المَاشِيَةِ أَخَذَ الْفَرْضُ مِنْهُ فَلَوْ أَخَذَ عَنْ ضَأْنٍ مَعْزاً أَوْ عَكْسُهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْقِيمَةِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَفِي قَوْلٍ يُؤْخَذُ مِنَ الْأَكْثَرِ فَإِنِ اسْتَوَيَا فَالْأَغْبَطُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مَا شَاءَ مُقَسَّطًا عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَ ثَلَاثُونَ عَنْزًا وَعَشْرُ نَعْجَاتٍ أَخَذَ عَنْزاً أَوْ نَعْجَةٌ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبْعِ نَعْجَةٍ.
(فصل) في بيان كيفية الإخراج لما مر وبعض شروط الزكاة
(إن اتحد نوع الماشية) كأن كانت إبله كلها أرحبية
(1)
أو بقره كلها جواميس
(2)
أو غنمه كلها ضأنا أو معزا (أَخَذَ الفرض منه) وهو الأصل، نعم إن اختلفت الصفة
(3)
مع اتحاد النوع ولا نقص وجب أغبطها كما مر في الحقاق وبنات اللبون، ولا ينافي هذا ما يأتي من أنه لا يؤخذ الخيار؛ لأن محل أخذ الأغبط هنا إذا كانت كلها خيارا لكن تعدد وجه الخيرية فيها أو كلها غير خيار بأن لم يوجد فيها وصف الخيار الآتي؛ لأن الأغبطية لا تنحصر في زيادة القيمة، (فلو أخذ عن ضأن معزاً أو عكسه) أو عن جواميس عرابا
(4)
أو عكسه (جاز في الأصح)؛ لاتحاد الجنس، ولهذا يكمل نصاب أحدهما بالآخر (بشرط رعاية القيمة) بأن تساوي قيمة المُخْرَج من غير النوع -تعدد أو اتحد- قيمة الواجبَ من النوع (وإن اختلف) النوع (كضأن ومعز ففي قول يؤخذ من الأكثر)؛ تغليبا (فإن استويا فالأغبط)؛ لأنه لا مرجح غيره (والأظهر أنه يخرج ما شاء مقسطا عليهما بالقيمة)؛ رعاية للجانبين (فإذا كان ثلاثون عنزا) وهي أنثى المعز (وعشر نعجات أخذ) الساعي ما اختاره المالك مما ذكر في قوله:(عنزا أو نعجة بقيمة ثلاثة أرباع عنز وربع نعجة) فالخيرة للمالك، فلو كانت قيمة عنز مجزئة دينارا ونعجة مجزئة دينارين لزمه في مثال المتن عنز أو نعجة قيمتها دينار وربع، نعم لو وُجِد اختلاف الصفة في كل نوع
(1)
. الرحبي سمة تسم بها العرب في جنب البعير، الصحاح.
(2)
. هو نوع من البقر معروف، الصحاح.
(3)
. كأن تفاوتت في السن.
(4)
. هو ما ليس فيه عرق هجين، لسان العرب.
وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ، وَلَا مَعِيبَةٌ إلَّا مِنْ مِثْلِهَا. وَلَا ذَكَرٌ إلَّا إذَا وَجَبَ، وَكَذَا لَوْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا فِي الْأَصَحِّ. وَفِي الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ فِي الجَدِيدِ،
أخرج من أي نوع شاء لكن من أجوده مع اعتبار القيمة (ولا تؤخذ مريضة ولا معيبة
(1)
بما يُرَدُّ به المبيع؛ للنهي عن ذلك (إلا من مثلها) ; لأن المستحقين شركاؤه، ولو كان البعض أردأ من بعض أخرج الوسط في المعيب، فلو ملك خمسا وعشرين بعيراً معيبة فيها بنت مخاض من الأجود وأخرى دونها تعيَّنت هذه؛ لأنها الوسط. ويؤخذ ابن لبون خنثى عن ابن لبون ذكر مع أن الخنوثة عيب في المبيع. ولو انقسمت ماشيته لسليمة ومعيبة أُخذت سليمة بالقسط ففي أربعين شاة نصفها سليم ونصفها معيب -وقيمة كلِّ سليمة ديناران وكلَّ معيبة دينار- تؤخذ سليمة بقيمة دينار ونصف، ولو كانت المنقسمة لسليمة ومعيبة ستا وسبعين مثلا فيها بنت لبون صحيحة أخذ صحيحة بالقسط مع مريضة غير مقسطة، أو فيها صحيحتان أخذتا مع رعاية القيمة بأن تكون نسبة قيمتهما إلى قيمة الجميع كنسبتهما إلى الجميع، (ولا ذكر) ; لأن النص ورد بالإناث (إلا إذا وجب) كابن لبون أو حق في خمس وعشرين إبلا عند فقد بنت المخاض وكجذع أو ثني فيما دونها، (وكذا) يؤخذ الذكر فيما (لو تمحضت) ماشيته غير الغنم (ذكورا في الأصح) كما تؤخذ معيبة من مثلها، نعم يجب في ابن لبون أخذ في ست وثلاثين أن يكون أكثر قيمة منه في خمس وعشرين؛ لئلا يسوي بين النصب، ويعرف ذلك بالتقويم والنسبة فلو كانت قيمة المأخوذ في خمس وعشرين خمسين كانت قيمة المأخوذ في ست وثلاثين اثنين وسبعين، أما الغنم فيجزي الذكر عنها قطعا. وخرج بتمحضت ما لو انقسمت إلى ذكور وإناث فلا يؤخذ عنها إلا الإناث كالمتمحضة إناثا لكن الأنثى المأخوذة في المختلطة تكون دون المأخوذة في المتمحضة؛ لوجوب التقسيط السابق فيها، فإن تعدد واجبها وليس عنده إلا أنثى واحدة جاز إخراج ذكر معها (وفي الصغار) إذا ماتت الأمهات عنها وبني حولها على حولها، أو ملك أربعين من صغار المعز ومضى عليها حول (صغيرة في الجديد)؛ لقول الصديق رضي الله عنه ((والله لو منعوني عناقا
(2)
كانوا يؤدونها إلى رسول لقاتلتهم على منعها))، ويجتهد الساعي في غير الغنم، وليحترز عن التسوية بين ما قل وكثر فيؤخذ في ست وثلاثين فصيلا
(1)
. ولا تجزئ سخلة كبرت في يد الساعي كما أشار إليه الشارح في زكاة النقد 3/ 267.
(2)
. هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة، لسان العرب.
وَلَا رُبَّى، وَأَكُولَةٌ وَحَامِلٌ، وَخِيَارٌ، إلَّا بِرِضَا المَالِكِ. وَلَوِ اشْتَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ فِي مَاشِيَةٍ زَكَّيَا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا لَوْ خَلَطَا مُجَاوَرَةً بِشَرْطِ أَلَّا تَتَمَيَّزَ فِي المَشْرَبِ
فصيل فوق المأخوذ في خمس وعشرين وهكذا، ومحل إجزاء الصغير إن كان من الجنس فإن كان من غيره كخمسة أبعرة صغار أخرج عنها جذعة أو ثنية؛ لأنها لمَّا كانت من غير الجنس لم تختلف باختلافه. ولو انقسمت ماشيته لصغار وكبار وجبت كبيرة بالقسط فإن لم توجد به فالقيمة كما مر، وكذا يقال فيما سبق. (ولا) تؤخذ (رُبّى) أي حديثة عهد بنتاج عرفا (وأَكُولة) أي مُسَمَّنة للأكل (وحامل) ويُلحق بها التي طرقها الفحل؛ لغلبة حمل البهائم من مرة واحدة (وخيار) بوصف آخر غير ما ذكر، وضابطه أن يزيد قيمة بعضها -بوصف آخر غير ما ذكر- على قيمة كل من الباقيات، ولا عبرة هنا بزيادة لأجل نحو نطاح. وإذا وجد وصف من أوصاف الخيار التي ذكروها فلا يعتبر معه زيادة قيمة ولا عدمها اعتبارا بالمظنة وذلك؛ لخبر ((إياك وكرائم أموالهم))، نعم إن كانت ماشيته كلها خيارا أخذ الواجب منها إلا الحوامل; لأنها حيوانان (إلا برضا المالك) في الجميع؛ لأنه محسن بالزيادة (ولو اشترك) اثنان من (أهل الزكاة في) جنس -وإن اختلف النوع- من (ماشية) نصاب أو أقل ولأحدهما نصاب بنحو إرث أو شراء (زكَّيا كرجل)، نعم يكفي انفراد أحدهما ونيته في إخراج زكاتهما فيرجع
(1)
ببدل ما أخرجه عنه. و قد يفيدهما الاشتراك تخفيفا كثمانين بينهما سواء، وتثقيلا كأربعين كذلك، وتثقيلا على أحدهما وتخفيفا على الآخر كستين لأحدهما ثلثاها، وقد لا تفيد شيئا كمائتين سواء، أما إذا لم يكن لأحدهما نصاب فلا زكاة وإن بلغه مجموع المالين كأن انفرد كل منهما بتسعة عشر واشتركا في ثنتين، (وكذا لو خلطا مجاورة) -بأن كان مال كلٍّ معينا في نفسه-؛ لخبر البخاري عن كتاب الصديق رضي الله عنه ((لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة))، نعم لو كان أحد المالين موقوفا أو لذمي أو مكاتب أو لبيت المال فيعتبر الآخر إن بلغ نصابا زكاه زكاة المفرد وإلا فلا (بشرط) دوام الخلطة سنة في الحولي فلو ملك كلٌّ أربعين شاة أول المحرم وخلطاها أول صفر لم تثبت في الحول الأول فإذا جاء المحرم أخرج كلٌّ شاةً وثبتت في الحول الثاني وما بعده، أما غير الحولي فإن كان خلطة شيوع فالعبرة بالخلطة فيه عند الوجوب كالزهو في الثمر، أو خلطة مجاورة فلا بد منها من أول الزرع إلى وقت الإخراج، و (ألا تتميز في المشرب)
(1)
. خلافا للنهاية حيث اعتمد أن محل الرجوع حيث لم يأذن الآخر إن أدى من المشترك.
وَالمَسْرَحِ وَالمُرَاحِ وَمَوْضِعِ الحَلْبِ، وَكَذَا الرَّاعِي وَ الْفَحْلُ فِي الْأَصَحِّ، لَا نِيَّةُ الخُلْطَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ تَأْثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ، بِشَرْطِ أَلَّا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ وَالجَرِينُ وَالدُّكَّانُ وَالحَارِسُ وَمَكَانُ الحِفْظِ وَنَحْوُهَا. وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ المَاشِيَةِ شَرْطَانِ: مُضِيُّ الحَوْلِ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ مَا نُتِجَ مِنْ نِصَابٍ يُزَكَّى بِحَوْلِهِ،
أي محل الشرب، ولا في الدلو والآنية التي تشرب فيها، ولا فيما تجتمع فيه قبل السقي وما تُنَحَّى إليه ليشرب غيرها، والمراد أن لا تنفرد إحداهما بمحل لا تَرِد فيه الأخرى وكذا في جميع ما يأتي إلا الفحل عند اختلاف النوع كما يأتي (والمسرح) أي فيما تجتمع فيه لتساق للمرعى والمرعى نفسه والطريق إل يه (والمُراح) أي مأواها ليلا (وموضع الحلَب) -لا الحالب- (وكذا الراعي والفحل) إن اتحد النوع وإلا لم يضر اختلافه؛ للضرورة (في الأصح، لا نية الخلطة في الأصح) ; لأن المقتضي لتأثير الخلطة هو خفة المؤنة وهو موجود وإن لم تنو، ويضر الافتراق في واحد مما ذكر أو يأتي زمنا طويلا كثلاثة أيام مطلقا أو يسيرا بتعمد أحدهما له أو بتقريره للتفرق. ويجزئ أخذ الساعي الواجب من مال أحدهما فيرجع على شريكه بحصته من القيمة ويصدق الشريك في القيمة; لأنه غارم. (والأظهر تأثير خلطة الثمر والزرع والنقد وعرض التجارة)؛ لعموم خبر ((ولا يفرق بين مجتمع)) (بشرط ألا يتميز) في خلطة الجوار (الناطور) هو حافظ النخل والشجر
(1)
(والجَرين) وهو محل التجفيف وتخليص الحبّ (والدكان والحارس ومكان الحفظ ونحوها) كماء تشرب به وحراث ومتعهد وجداد نخل وميزان ومكيال ووزان وكيال وحمال ولقاط وملقح ونقاد
(2)
ومناد ومطالب بالأثمان; لأن المالين إنما يصيران كالمال الواحد بذلك، وصورة خلطة المجاورة في ذلك أن يكون لكلٍّ صفُّ نخيلٍ أو زرع في حائط واحد أو كيس دراهم في صندوق واحد أو أمتعة تجارة في دكان واحد، ومر أنه ليس الشرط الاتحاد بالذات بل أن لا يظهر تميز أحد المالين به وإن تعدد.
(ولوجوب زكاة الماشية شرطان):
أحدهما (مضي الحول) كله (في ملكه)؛ لخبر ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول))، (لكن ما نُتج من نصاب) لا دونه (يزكى بحوله) أي النصاب؛ لما مر عن أبي بكر رضي الله عنه، فيتبع
(1)
. قال في المغني وشرح المنهج هو حافظ الزرع.
(2)
. قيل النقد غنم صغار حجازية والنقاد راعيها، لسان العرب.
وَلَا يُضَمُّ المَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الحَوْلِ، فَلَوِ ادَّعَى النِّتَاجَ بَعْدَ الحَوْلِ صُدِّقَ. فَإِنِ اتُّهِمَ حُلَّفَ، أوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الحَوْلِ فَعَادَ أَوْ بَادَلَ بِمِثْلِهِ اسْتَأْنَفَ،
الأصل في حوله وإن مات فإذا كان عنده مائة فولدت إحدى وعشرين قبل الحول وجب شاتان أو عشرين لم يفده
(1)
؛ لأنها لم تبلغ بالنتاج ما يجب فيه شيء زاد على ما قبله، وإذا كان عنده أربعون شاة فولدت أربعين وماتت قبل الحول فتجب شاة ولا يشترط سوم هنا في النتاج، وخرج بنُتج ما ملك بنحو شراء، وبقوله ((بحوله
(2)
ما حدث بعد الحول أو مع آخره
(3)
فلا يضم للحول الأول بل للثاني، ويشترط اتحاد سبب ملك الأمهات والنتاج، فلو أوصى الموصى له بالحمل به قبل انفصاله لمالك الأمهات ثم مات ثم نتجت لم يزك بحول الأصول، واتحاد المالك
(4)
، فلو أوصى به لشخص لم يضم لحول الوارث، أو انفصال كل النتاج قبل تمام الحول وإلا فلا زكاة، واتحاد الجنس فلو حملت البقرة بإبل فلا ضم، (ولا يضم المملوك بشراء أو غيره في الحول) ; لأنه لم يتم له حول، نعم يضم إليه في النصاب فيضم فيه فإذا اشترى غرة
(5)
المحرم ثلاثين بقرة وعشرة أخرى أول رجب فعليه في الثلاثين تبيع عند محرم وللعشرة ربع مسنة عند رجب ثم عليه بعد ذلك في باقي الأحوال ثلاثة أرباع مسنة عند محرم وربعها عند رجب وهكذا، كما لو طرأت زكاة الخلطة على زكاة الإنفراد فيلزم للسنة الأولى زكاة الانفراد ولما بعدها زكاة الخلطة، (فلو ادعى) المالك (النتاج بعد الحول) أو غيره من مسقطات الزكاة وخالفه الساعي واحتمل قول كلٍّ (صُدِّق) المالك; لأن الأصل عدم الوجوب (فإن اتهم حُلِّف) ندبا، فإن أبى ترك، ولا يحلف ساعٍ ولا مستحقٌّ. (ولو مات) المالك في الحول انقطع فيستأنفه الوارث من وقت الموت، نعم السائمة لا يستأنف حولها منه بل من وقت قصده هو؛ لإسامتها بعد علمه بالموت، ومثل ذلك ما لو كان مال مورثه عرض تجارة فلا ينعقد حوله حتى يتصرف فيه بنية التجارة (أو زال ملكه في الحول فعاد أو بادل بمثله) مبادلة صحيحة في غير نحو قرض النقد (استأنف) ; لأنه ملك جديد، ويكره له ذلك
(1)
. ذكر المغني والنهاية له فائدة.
(2)
. جعلاه محترز ما قرراه كالشارح من قيد قبل تمام حوله ولو بلحظة.
(3)
. خلافا لما يفهم من كلامهما.
(4)
. كما يستفاد من كلام الشارح.
(5)
. غرة الشهر ليلة استهلال القمر لبياض أولها، لسان العرب.
وَكَوْنُهَا سَائِمَةً، فَإِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَجَبَتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوِ اعْتَلَفَتِ السَّائِمَةُ أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ فِي حَرْثٍ وَنَضْحٍ وَنَحْوِهِ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ
إن قصد به الفرار من الزكاة، وشمل المتن بيع بعض النقد الذي للتجارة ببعض كما يفعله الصيارفة، وكذا لو كان عنده نصاب سائمة للتجارة فبادلها بمثلها، أما لو أقرض نصاب نقد في الحول فلا ينقطع الحول عن المقرض؛ لثبوت بدله في ذمته.
(و) الشرط الثاني (كونها) راعية في كلا مباح، وتسمى (سائمة) سواء بفعل المالك أو وكيله أو وليه أو الحاكم لغيبته مثلا، وذلك؛ للتقييد بالسوم في الأحاديث، فلا زكاة في معلوفة، والمتجه في ملك العلف أو مؤنة تقديم المباح لها أنه إن عدَّهُ أهل العرف تافها في مقابلة بقائها أو نمائها فهي باقية على سومها وإلا فلا
(1)
، ولا يشكل عليه ما يأتي أن النظر إلى الضرر البيِّن؛ لأن ما هنا فيه النظر للمعلوف وذاك فيه النظر لزمنه، ويأتي ذلك فيما لو استأجر من يرعاها بأجرة فيفرق بين كثرة الأجرة وقلّتها، ولا أثر لشرب النتاج لبن أمه; لأنه ناشئ عن الكلأ المباح مع كونه تابعاً، وخرج بإسامة المالك ونحوه لو ورث سائمة ودامت كذلك سنة ثم علم بإرثها، أو أسامها غاصب أو مشتر شراء فاسدا فلا زكاة فيهما، (فإن علفت معظم الحول فلا زكاة)؛ لكثرة مؤنتها (وإلا) تعلف معظمه كأن كانت تسام نهارا وتعلف ليلا (فالأصح إن علفت قدرا تعيش بدونه بلا ضرر بيِّن) إما لقلة الزمن كيوم أو يومين أو لاستغنائها بالرعي (وجبت، وإلا فلا) زكاة؛ لظهور المؤنة سواء أكان ذلك القدر الذي علفت به متواليا أم غير متوالٍ، ومحل ما ذكر حيث لم يقصد بالعلف قطع السوم وإلا انقطع به مطلقا
(2)
. (ولو سامت بنفسها) فلا زكاة؛ لعدم قصد السوم (أو اعتلفت السائمة) بنفسها القدر المؤثر فلا زكاة؛ للمؤنة. (أو كانت عوامل) للمالك ولو في مُحَرّمٍ أو بأجرة أو لغاصب (في حرث ونضح) وهو محل الماء المعد للشرب
(3)
(ونحوه فلا زكاة في الأصح) ;
(1)
. وفاقا لشيخ الإسلام في المنهج والخطيب في شرح التنبيه ومختصر أبي شجاع والجمال الرملي في شرح البهجة وخلافا للأسنى من التأثير مطلقا وإن قلت قيمته والنهاية والمغني فاعتمدا أنها لو رعت ما اشتراه أو المباح في محمله فسائمة وإن جزه فمعلوفة، واعتمد أيضا في النهاية تقييداً، قاله ابن العماد لهذا ورده الشارح.
(2)
. قيده في النهاية والأسنى بأن يكون متمولا.
(3)
. قالا هو حمل الماء للشرب.
إِذَا وَرَدَتْ مَاءً أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ وَإِلَّا فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا. وَيُصَدَّقُ المَالِكُ فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً، وَإِلَّا فَتُعَدُّ عِنْدَ مَضِيقٍ
لأنها معدة لاستعمال مباح كثياب البدن وصح ((ليس في البقر العوامل شيء))، وشرطُ استعمالها أن يستمر ثلاثة أيام متوالية فأكثر وإلا لم يؤثر
(1)
. (وإذا وردت ماء أخذت زكاتها عنده) ندبا؛ للأمر به، ولا يكلفون حينئذٍ ردها للبلد، ولا الساعي أن يتبع المرعى (وإلا فعند بيوت أهلها) وأفنيتهم; لأنه أضبط، أما التي لا تَرِد ماء ولا مستقر لأهلها لدوام انتجاعهم معها فيكلف الساعي النجعة إليهم، ولا يجب الدفع إلى الإمام إلا إن أرسل ساعيا فيجب تمكينه من القبض ولو بنحو عقال الجموح ثم يؤخذ منه بعد القبض لا حملها إلى محله إن بَعُد; لأن في ذلك مشقة لا تطاق، ويجب على الإمام بعث السعاة لأخذها ممن لا يعلم أنهم يؤدونها بأنفسهم. (ويصدق المالك) أو نحو وكيله (في عددها إن كان ثقة) وللساعي عدها (وإلا فتعد) وجوبا، والأولى كونه (عند مضيق) تمر به واحدة فواحدة وبيد كلّ من الآخذ والمخرج قضيب يشير به إليها ويضعه على ظهرها، فإن ادعى أحدهما الخطأ بما يختلف الواجب به أعيد العد. ويسن لآخذ الزكاة الدعاء لمعطيها؛ ترغيبا له. ويكره لغير نبي أو مَلَك إفراد الصلاة على غير نبي أو مَلَك والسلام كالصلاة فيكره إفراد غائب به إلا في المكاتبات، ويسن لمعطي نحو صدقة أو كفارة أو نذر ((ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)). ويسن الترضي والترحم على كلِّ خَيِّرٍ.
(1)
. شرح بافضل.
باب زكاة النبات
تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ، وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ: الرُّطَبُ: وَالْعِنَبُ، وَمِنَ الحَبِّ: الحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالْأَرُزُّ، وَالْعَدَسُ، وَسَائِرُ المُقْتَاتِ اخْتِيَارًا،
(باب زكاة النبات)
الأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع. (تختص بالقوت وهو من الثمار الرطب والعنب) إجماعا (ومن الحب الحنطة والشعير والأَرُزّ والعَدَس وسائر المقتات) لا غيره كما يؤكل تداويا أو تأدما أو تنعما (اختيارا) ولو نادرا كالحِمّص
(1)
والباقلاء
(2)
والذرة والدخن وهو نوع منها
(3)
واللوبيا -وهو الدَُِجْر-؛ لخبر ((فيما سقت السماء والسيل والبعل
(4)
العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر))، وإنما يكون ذلك في الثمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء
(5)
والبطيخ والرمان والقضب فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيس بما يجب وما لا يجب غيرهما سواء أزرع ذلك قصدا أم نبت اتفاقا؛ لأن النادر يلحق بالغالب، نعم يشترط أن يملك الحب معين، ويلحق بالمملوك ما حمله سيل إلى أرضه مما يُعْرَض عنه فنبت وقصد تملكه بعد النبت أو قبله، ومثله ما حمله سيل من دار حرب، أما إن لم يقصد تملكه فلا زكاة كالنخل المباح وثمار موقوفة على غير معين كمسجد أو فقراء; إذ لا مالك لها معين أو على إمام المسجد أو المدرس; لأن المقصود بذلك الجهة أو انتقل الوقف إلى رحم الواقف كما يأتي؛ لأن الواقف لم يقصدهم، ومن ثم لا زكاة فيما جعل نذرا أو أضحية أو صدقة قبل وجوب الزكاة ولو نذرا معلقا بصفة حصلت قبله.
[تنبيه] يُزَكَّى ما نبت في أرض موقوفة على معين من بذر مباح يملكه الموقوف عليه
، بخلاف المملوك لغيره فإنه لمالكه فعليه زكاته سواء أنبت في أرض موقوفة أو مملوكة لغيره
(1)
. نبات زراعي عشبي حولي حبي من القرنيات الفراشية، المعجم الوسيط.
(2)
. نبات عشبي حولي من الفصيلة القرنية تؤكل قرونه مطبوخة وكذلك بذوره، المعجم الوسيط.
(3)
. محمول على ما يأتي.
(4)
. البعل ما يشرب بعروقه فيستغني عن السقي، المصباح المنير.
(5)
. نوع من البطيخ نباتي قريب من الخيار لكنه أطول، المعجم الوسيط.
وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالْقُرْطُمِ، وَالْعَسَلِ. وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَهِيَ أَلْفٌ وَسِتُّماِئَةِ رَطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ; لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيُعْتَبَرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إنْ تَتَمَّرَ أَوْ تَزَبَّبَ،
كمؤجرة
(1)
أو مغصوبة. وخرج باختياراً ما يقتات اضطرارا -وهو ما لا يستنبته الآدميون- كالحلبة. وتجب الزكاة على من يدفع الخراج أو الأجرة؛ لأن الجهة مختلفة ولا يؤديهما من حبِّها إلا بعد إخراج زكاة الكل. ولو أخذ الإمام أو نائبه الخراج على أنه بدل عن العشر فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد أو التقليد والأصح إجزاؤه أو ظلما لم يجز عنها وإن نواها المالك وعلم الإمام بذلك؛ لأن الظلم صارف عنها لذا فقولهم يجوز دفعها لمن لم يعلم أنها زكاة; لأن العبرة بنية المالك محله عند عدم الصارف من الآخذ، أما معه كأن قصد بالأخذ جهة أخرى فلا، وبهذا يُعْلَم أن المكس لا يجزئ عن الزكاة إلا إن أخذه الإمام أو نائبه على أنه بدل عنها باجتهاد أو تقليد صحيح.
[تنبيه] قَدَّم حنفي مثلا لشافعي أو باعه مثلا ما لا يعتقد تعلق الزكاة به على خلاف عقيدة الشافعي حرم
؛ اعتبارا بعقيدة الشافعي، (وفي القديم تجب في الزيتون والزعفران والوَرْس) ولو دون النصاب فيهما (والقُِرطُِم والعسل) من النحل؛ لآثار ضعيفة.
(ونصابه
(2)
خمسة أوسق)؛ لخبر الشيخين ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) (وهي ألف وستمائة رطل بغدادية وبالدمشقي ثلاثمائة وستة وأربعون رطلا وثلثان، قلت: الأصح ثلاثمائة واثنان وأربعون وستة أسباع; لأن الأصح أن رطل بغداد مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وقيل بلا أسباع وقيل وثلاثون والله أعلم) وتقدير الأوسق تحديد، والاعتبار بالكيل بمكيال أهل المدينة، وإنما قدر بالوزن؛ احتياطا، والمعتبر فيه من كل نوع الوسط، (ويعتبر تمرا أو زبيبا إن تتمر أو تزبب)؛ لخبر مسلم ((ليس في حب ولا تمر صدقة
(1)
. فيخرج زكاة كل الحب أولا ثم يخرج الأجرة فلو عكس لم يملك المؤجِّر قدر الزكاة.
(2)
. ولا يجزئ التعجيل لمن لا يعلم أن ما ملكه نصاب في غير زكاة التجارة كما يأتي 3/ 342.
وَإِلَّا فَرُطَبًا وَعِنَبًا. وَالحَبُّ مُصَفّىً مِنْ تِبْنِهِ وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ فَعَشَرَةُ أَوْسُقٍ
حتى يبلغ خمسة أوسق)) (وإلا) أي إن لم يجف أو كان يجف رديئا أو يطول زمن جفافه كسنة (فرطبا وعنبا) ويخرج منه؛ لأن هذا أكمل أحواله، ويضم غير المتجفف للمتجفف في إكمال النصب؛ لاتحاد الجنس، وله قطع ما لا يجف وما ألحق به بإذن العامل
(1)
وإن لم يضر; لأنه لا نفع في بقائه، وكذا ما ضر أصله لنحو عطش أو خيف عليه قبل أوانه، وتخرج منه وإن كان رطبا؛ للضرورة
(2)
، ومن ثم لو قطعه من غير ضرورة لزمته القيمة على ما يأتي آخر الباب، ومع أن الزكاة تتعلق حينئذ بالقيمة وليس بالعين فليس له التصرف في المقطوع فلو باع بطل في الكل؛ للجهل بما عدا قدر الزكاة. وللساعي قبض ما لا يجف وما ألحق به على النخل ثم يقسمه بالخرص، وله قبضه بعد قطعه مشاعا ثم يقسمه، وله بعد قبضه بيعه لمصلحة المستحقين -ولو للمالك- وتفرقة ثمنه إن لم يمكن تجفيفه وتتمره بعد القطع وإلا لزمه، أما ما يجف منه فلا يصح قبضه له فيلزمه رده إن بقي وبدله إن تلف فإن أخره عنده حتى جف وساوى قدر الزكاة أجزأ
(3)
فإن زاد رد الزائد أو نقص أخذ ما بقي، وإن أتلفها المالك أو تلفت عنده لزمه قيمة الواجب تمرا، نعم إن قطعه لنحو عطش لزمه قيمة الواجب رطبا
(4)
، ويجوز للمالك الاستقلال بالقسمة ويستظهر بحيث يعلم أن مع الفقراء زيادة على الواجب، ويجوز له أيضا قسمته وهو على النخل بأن يسلم إليهم نخلات يعلم أن ثمنها أكثر من العشر. وللقاضي ولاية الزكاة ما لم يولِّ عليها غيره، (والحب مصفىً من) نحو (تبنه) وقشر لا يؤكل ولا يدخر معه، ويغتفر قليل فيه لا يؤثر في الكيل، (وما ادخر في قشره) الذي لا يؤكل معه -وإلا فيحسب معه كالذرة، وقشرة الباقلا السفلى- (كـ) الكاف استقصائية (الأرز) ولو في قشرته الحمراء
(5)
(والعَلَس فعشرة أوسق) تحديدا؛ اعتباراً لقشرِهِ بالنصف; لأن خالصه يجيء
(1)
. فإن قطع بلا إذن عزر.
(2)
. يأتي حكم ما لو طلب الساعي القسمة في هذه الحالة.
(3)
. اعتمد النهاية والمغني وشرح الروض عدم الإجزاء بحال.
(4)
. ذكره الشارح آخر الباب.
(5)
. ظاهره أنها تدخل في الحساب خلافا لهما.
وَلَا يُكَمَّلُ جِنْسٌ بِجِنْسٍ، وَيُضَمُّ النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عَسُرَ أُخْرِجَ الْوَسَطُ، وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الحِنْطَةِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا، وَالسُّلْتُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ، وَقِيلَ: شَعِيرٌ، وَقِيلَ حِنْطَةٌ، وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ إلَى آخَرَ، وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ، وَقِيلَ: إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جَِدَادِ الْأَوَّلِ لَمْ يُضَمَّ
منه خمسة أوسق غالبا
(1)
. (ولا يكمل جنس بجنس، ويضم النوع إلى النوع) كبر مصري وشامي؛ لاتحاد الاسم، والدخن نوع من الذرة فيضم إليها بشرط أن يتساويا في أكثر هذه الصفات وهي الصورة واللون والطبع والطعم وغالباً هما يختفان في الجميع (ويخرج من كل بقسطه فإن عسر)؛ لكثرة الأنواع (أخرج الوسط)؛ رعاية للجانبين، وإخراج القسط أولى، (ويضم العلس إلى الحنطة; لأنه نوع منها، والسُّلْت جنس مستقل، وقيل شعير) ; لأنه بارد مثله (وقيل حنطة) ; لأنه مثلها لونا وملاسة.
[تنبيه] لو اختلط برٌّ بشعير فإن قلَّ الشعير بحيث لو مُيز لم يؤثر في النقص لم يعتبر
، وعليه فلا يجزئ إخراج شعير ولا يدخل في الحساب وإلا لم يكمل أحدهما بالآخر فما كمل نصابه أخرج عنه من غير المختلط. (ولا يضم ثمر عام وزرعه إلى آخر) في تكميل النصاب ولو فرض إطلاع ثمر العام الثاني قبل جذاذ الأول، (ويضم ثمر العام) أي الاثنى عشر شهرا عربية (بعضه إلى بعض وإن اختلف إدراكه)؛ لأن الإدراك يختلف زمنه ولو في النخلة الواحدة فلو اعتبر تساوي الإدراك لتعذر وجوب الزكاة فاعتبر وقوع القطع في العام الواحد
(2)
، (وقيل إن اطلع الثاني بعد جَِداد الأول) أي قطعه (لم يضم)؛ لأنه يشبه ثمر العام الثاني، أما إن أطلع قبل بدو صلاح الأول فيضم جزماً، ومحل الخلاف إن تعددت الأشجار أما إن تصور أن نخل أو كرم يحمل في العام مرتين فالحملان كثمرة عامين إن كان الثاني بعد جداد أو وقت نهايته
(3)
.
(1)
. وظاهر التحفة يخالف ما اعتمدوه من أنه قد يجيء من الأرز الثلث فيعتبر ضعفه.
(2)
. أي فالعبرة بقطع الثمرين لا بإطلاعهما وفاقا لشيخ الإسلام في منهجه وخلافا له في الأسنى كالنهاية والمغني.
(3)
. خلافاً لهم فاعتمدوا أنها كثمرة عامين.
وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ وَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ. وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالمَطَرِ أَوْ عُرُوقُهُ لِقُرْبِهِ مِنْ المَاءِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ، أَوْ دُولَابٍ أَوْ بِمَاءٍ اشْتَرَاهُ نِصْفُهُ. وَالْقَنَوَاتُ كَالمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَا سُقِيَ بِهِمَا سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ، وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ،
(وزرعا العام يضمان) و إن استخلفا من أصل أو اختلفا زرعا وجدادا كالذرة تزرع ربيعا وصيفا وخريفا (والأظهر اعتبار وقوع حصاديهما في سنة) أي اثنى عشر شهرا عربية; لأن الحصاد هو المقصود وعنده يستقر الوجوب، ويكفي عن الحصاد وعن الجداد زمان إمكانهما وإن لم يقعا بالفعل، ويصدق المالك أنه زرع عامين ويُحَلَّف ندبا إن اتهم. (وواجب ما شرب) بمؤنة خفيفة كالذي شرب (بالمطر) أو ماء منصب إليه من نهر (أو عروقُهُ لقربه من الماء من ثمر وزرع العشر، و ما سقي) بمؤنة كثيرة كالذي شرب (بنضح
(1)
بنحو البعير (أو دُولاب) وهو ما يديره الحيوان، أو ناعورة يديرها الماء بنفسه (أو بما اشتراه) شراء صحيحا أو فاسدا أو غصبه أو استأجره؛ لوجوب ضمانه أو وُهِب له؛ لعظم المنة، أو ثلج أو برد (نصفه)؛ للأخبار الصحيحة الصريحة في ذلك، (والقنوات
(2)
وكذا السواقي
(3)
المحفورة من النهر العظيم (كالمطر على الصحيح) ; لأنه لا كلفة في مقابلة الماء نفسه بل في عمارة وإحياء أو تهيئة الأرض أو العين أو النهر كي يجري الماء بطبعه إلى الزرع. (وما سقي بهما) أي النوعين (سواء) أو جهل حاله (ثلاثة أرباعه)؛ رعاية للجانبين (فإن غلب أحدهما ففي قول يعتبر هو)؛ للغلبة (والأظهر يقسط) فإن كان ثلثاه بنحو مطر وثلثه بنحو نضح وجب خمسة أسداس العشر ثلثا العشر للثلثين وثلث نصف العشر للثلث. وتعتبر الغلبة على الضعيف والتقسيط على الأظهر (باعتبار عيش الزرع) أو الثمر (ونمائه) أي مدته وجد النماء أو لا، ولو علم أن أحدهما أكثر وجهل عينه فالواجب ينقص عن العشر ويزيد على نصفه فيؤخذ اليقين إلى أن يعرف الحال،
(1)
. النضح سقي الأرض بالساقية والناضح البعير أو الحمار أو الثور الذي يستقى عليه الماء، لسان العرب.
(2)
. جمع قناة وهي الآبار التي تحفر في الأرض متتابعة ليستخرج ماؤها ويسيح على وجه الأرض، لسان العرب.
(3)
. الساقية من سواقي الزرع نهير صغير، لسان العرب.
وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقَيَاتِ. وَتَجِبُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الحَبِّ
(وقيل بعدد السقيات) النافعة بقول الخبراء، فإذا كان مِن بذره إلى إدراكه ثمانية أشهر فاحتاج في ستة أشهر زمن الشتاء والربيع إلى سقيتين فسقي بنحو مطر وفي شهرين زمن الصيف إلى ثلاث سقيات فَسُقِيَهَا بنحو نضح فيجب على المعتمد ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر، فإن احتاج في أربعة أشهر لسقية بمطر وأربعة لسقيتين بنضح وجب ثلاثة أرباع العشر، ويضم المسقي بنحو مطر إلى المسقي بنحو نضح في إكمال النصاب وإن اختلف الواجب، وبهذا -المستلزم لاختلاف الأرض غالبا- يُعلم أن من له أرض في محالٍ متفرقة ولم يتحصل النصاب إلا من مجموعها لزمه زكاته، ولو حصل له من زرع دون النصاب حل له التصرف فيه -وإن ظن حصوله مما زرعه أو سيزرعه ويتحد حصاده مع الأول- فإذا تم النصاب بان بطلان نحو البيع في قدر الزكاة، ويلزمه الإخراج عنه وإن تلف وتعذر رده. ويصدق المالك في كونه مسقيا بماذا ويحلَّف ندبا إن اتهم. (وتجب ببدو) فقط ولا يشترط غاية (صلاح الثمر) ولو في البعض ويأتي ضابطه في البيع (واشتداد الحب) ولو في البعض، ومع وجوبها بما ذكر لا يجب الإخراج إلا بعد التصفية والجفاف فيما يجف بل لا يجزئ قبلهما وإلا فيحرم الإعطاء ويضمنه قابضه وإن لم يشرط الاسترداد، نعم إن ميزه قابضه فكان قدر الواجب أجزأه إن نوى به المالك الزكاة حينئذٍ بل ولو عند الإخراج فقط
(1)
بشرط أن يجدد الإقباض، أما القول بندب إطعام الفقراء يوم الحصاد والجداد اللازم منه الإخراج قبل التصفية فمحمول على ما لا زكاة فيه
(2)
أو ما علم أنه قد زكي أو ما زادت أجرة جمعه على ما يحصل منه، بل محل جواز هذا ما لم تدل قرينة على عدم رضا المالك أو يكن المالك محجورا عليه
(3)
، والمؤن لنحو الجداد والتصفية تخرج من خالص ماله لا من الحب والثمر.
(1)
. ذكره الشارح في زكاة المعدن وخالفوه في هذا التفصيل.
(2)
. اعتمدوا إطلاق الندب ولو لما تعلقت به زكاة.
(3)
. كما قيده الشارح قبيل الأضحية.
وَيُسَنُّ خَرْصُ الثَّمَرِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ. وَالمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الخَرْصِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ، وَشَرْطُهُ الْعَدَالَةُ، وَكَذَا الحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ. فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ المَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجهُمَا بَعْدَ جَفَافِهِ، وَيُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِتَضْمِينِهِ وَقَبُولِ المَالِكِ عَلَى المَذْهَبِ،
(ويسن خرص) وهو حزر ما يجيء من الرطب والعنب تمرا أو زبيبا بأن يرى ما على كل شجرة ثم إن شاء -وهو الأولى- قَدَّر عقب رؤية كلٍّ ما عليها رطبا ثم جافا، وإن شاء -إن اتحد النوع- قَدَّر الجميع رطبا ثم جافا (الثمر) -وإن كان من نخيل البصرة- ولا يخرص الحب؛ للتعذر (إذا بدا صلاحه) أو صلاح بعضه -لا قبله؛ لتعذر الخرص- (على مالكه)؛ للأمر الصحيح بذلك، بل يجب إذا علم الإمام أو نائبه تصرف الملاك بالبيع وغيره قبل الجفاف (والمشهور إدخال جميعه) ولا يستثنى شيء لأكله وأكل عياله (في الخرص)؛ لعموم الأدلة (وأنه يكفي خارص) ; لأنه يجتهد ويعمل بقول نفسه فهو كالحاكم. ولو اختلف خارصان توقفنا حتى يُعرف الأمر منهما أو من غيرهما، ولو فقد خارص من جهة الساعي حَكِّم المالك عدلين يخرصان عليه ويضمنانه، (وشرطه) العلم بالخرص بشاهدين وإلا بالاستفاضة، و (العدالة) أي عدالة الشهادة، (وكذا الحرية والذكورة في الأصح) ; لأنه ولاية. (فإذا خرص) وضمن (فالأظهر أن حق الفقراء) أي المستحقين (ينقطع من عين الثمر ويصير في ذمة المالك التمر والزبيب) إن لم يتلفا بغير تقصير منه، فإن تلفا بغير تقصير منه قبل التمكن من الأداء فلا ضمان (ليخرجهما بعد جفافه) أي الثمر، (ويشترط التصريح) من الساعي أو الخارص المُحَكَّم في الخرص (بتضمينه وقبول المالك
(1)
أو وليه أو وكيله للتضمين (على المذهب) ; لأن الانتقال من العين إلى الذمة يستدعي رضاهما، ولو ضمّن الساعي أحد الشريكين أو الخليطين قدر حقه من الزكاة
(2)
تضمينا صحيحا، أو أخرج أحدهما حصته منها من ماله -ولو بغير إذن شريكه- جاز له التصرف في قدر حقه؛ لأن الشركة تجعل المالين
(1)
. أي فورا كما يستفاد من كلامهم.
(2)
. ويجوز أن يضمنه حق الكل ولو بغير إذن الشريك الآخر ويرجع على شريكه الآخر وإن لم يأذن له كما هو ظاهر كلام الشارح قبيل الصيام 3/ 370، ومحل الرجوع حينئذ ما لم ينو التبرع 3/ 259.
وَقِيلَ يَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الخَرْصِ، فَإِذَا ضُمِّنَ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ المَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ. وَلَوِ ادَّعَى هَلَاكَ المَخْرُوصِ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ، أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ الظَّاهِرُ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الهَلَاكِ بِهِ. وَلَوِ ادَّعَى حَيْفَ الخَارِصِ أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ لَمْ يُقْبَلْ، أَوْ بِمُحْتَمَلٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ.
كالمال الواحد، ويجاب ساع طلب قسمة ما يجف مما يضر بأصله أو ما لا يجف قبل القطع، أو بعده وقبل الجفاف بأن تفرد الزكاة بالخرص في نخلة أو أكثر ويبرأ المالك، وللساعي أن يبيعه لا أن يأخذ قيمة الواجب مع بقاء الثمر إلا باجتهاد أو تقليد صحيح، فإن أتلفها المالك أو تلفت عنده بعد قطعها لزمه قيمة الواجب رطبا كما مر، (وقيل ينقطع بنفس الخرص) ; لأن التضمين لم يرد (وإذا ضُمِّن) وقبل (جاز تصرفه في جميع المخروص بيعا وغيره) ; لأنه ملكه بذلك، ومحل الخرص والتضمين عند إمكان الاستيفاء من الشجر أو غيره، فإن ضمّنه على ظن أنه موسر فأخلف ظنه باع الإمام جزءا من الثمر أو الشجر -أي حيث لم يكن مرهونا- أما قبل الخرص والتضمين أو القبول فلا ينفذ تصرفه ببيع أو غيره إلا فيما عدا قدر الزكاة، ومع ذلك يحرم عليه التصرف في شيء منها؛ لتعلق الحق بها. (ولو ادعى) المالك (هلاك المخروص) أو بعضه (بسبب خفي كسرقة أو ظاهر) كحريق (عرف) دون عمومه أو معه ولكن اتهم في هلاك الثمر به (صدق بيمينه) واليمين هنا وفي سائر ما يأتي مستحبة، (فإن لم يعرف الظاهر) بأن عرف عدمه
(1)
أو لم يعرف شيء (طولب ببينة على الصحيح)؛ لسهولة إقامتها (ثم يصدق بيمينه في الهلاك به)؛ لاحتمال سلامة ماله بخصوصه، ولو اقتصر على دعوى الهلاك من غير تعرض لسبب قُبِل قوله ويحلف ندبا إن اتهم. (ولو ادعى حيف الخارص) بزيادة عمدا لم تسمع دعواه إلا ببينة، (أو غلطه بما يَبْعُد) وقوعه عادة من عالم بالخرص كالربع (لم يقبل)؛ للعلم ببطلان دعواه، نعم يحط عنه القدر الممكن الذي لو اقتصر عليه قبل (أو بمحتمَل) وبَيَّن قدره كنصف العشر (قبل) وحُلِّف ندبا إن اتهم (في الأصح) ; لأن صدقه ممكن، ذا كله
(2)
إن تلف المخروص وإلا أعيد كيله.
(1)
. خلافا لهم فعندهم لا تقبل البينة حينئذ.
(2)
. ظاهره كالنهاية أنه راجع للمحتمل والبعيد خلافا لشيخ الإسلام فعنده أنه راجع للأخير فقط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[فرع] إذا أتلف المالك الثمر الذي يجف بعد الخرص والتضمين والقبول لزمه زكاته جافا أو قبل ذلك لا لخوف ضرر أصله لزمه قيمته
(1)
يدفعها للمستحقين سواء كان يتتمر أم لا، ولو تلف كله بعد ذلك قبل إمكان الأداء بلا تقصير لم يلزمه شيء أو بعضه زكى الباقي، ولو أتلف المال بعد الخرص والتضمين أجنبي لزم المالك الزكاة إن ضمن الجاني وإلا فلا، أو قبل التضمين فلا شيء عليه ويطالب الغاصب، وللساعي أن يضمن يهوديا شريك مسلم زكاته; لأن ابن رواحة ضمن يهود خيبر زكاة الغانمين; لأنهم شركاؤهم في التمر وابن رواحة من الغانمين.
(1)
. خلافا لهما من اعتماد لزوم المثل ووفاقا للأسنى.
باب زكاة النقد
نِصَابُ الْفِضَّةِ مِئَتَا دِرْهَمٍ، وَالذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا بِوَزْنِ مَكَّةَ، وَزَكَاتُهُمَا رُبْعُ عُشْرٍ. وَلَا شَيْءَ فِي المَغْشُوشِ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا
(باب زكاة النقد)
هو لغة: المضروب
(1)
من الفضة، والمراد شرعا: الذهب والفضة ولو غير مضروبين (نصاب الفضة مائتا درهم والذهب عشرون مثقالا) إجماعا تحديدا، فلو نقص في ميزان وتَمَّ في آخر فلا زكاة؛ للشك (بوزن
(2)
مكة)؛ للخبر الصحيح ((المكيال مكيال المدينة والوزن وزن مكة))، (وزكاتهما ربع عشر)؛ لخبرين صحيحين بذلك، ويجب فيما زاد بحسابه، (ولا شيء في المغشوش) أي المخلوط من ذهب بنحو فضة ومن فضة بنحو نحاس (حتى يبلغ خالصه نصابا)؛ لخبر الشيخين ((ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة))، فإذا بلغ خالص المغشوش نصابا أو كان عنده خالص يكمله أخرج قدر الواجب خالصا أو من المغشوش ما يعلم أن فيه قدر الواجب، ويصدق المالك في قدر الغش فلو كان لمحجور تعين الأول إن نقصت مؤنة السبك المحتاج إليه عن قيمة الغش، فإن زادت مؤنة السبك على قيمة الغش ولم يرض المستحقون بتحملها لم يجزئ إخراج الثاني؛ لإضرارهم حينئذ بخلاف ما إذا لم تزد أو رضوا، ويكره للإمام ضرب المغشوش ولغيره ضرب الخالص
(3)
إلا بإذنه، وما لا يروج إلا بتلبيس يدوم إثمه بدوامه، ولا يكره إمساك مغشوش موافق لنقد البلد. ولا يكمل أحد النقدين بالآخر ويكمل كل نوع من جنس بآخر منه ثم يؤخذ من كلٍّ إن سهل وإلا فمن الوسط، ويجزئ جيد وصحيح عن رديء ومكسور بل هو أفضل لا عكسهما فيستردهما إن بَيَّن عند الدفع أنه عن ذلك المال.
(1)
. قال في النهاية إنه لغة الإعطاء.
(2)
. ويكفي أن يوزن بالماء كما أفاده الشارح في الربا 4/ 278.
(3)
. ظاهره الحرمة في المغشوشة خلافا لهما.
وَلَوِ اخْتَلَطَ إنَاءٌ مِنْهُمَا وَجُهِلَ أَكْثَرَهُمَا زُكِّيَ الْأَكْثَرُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ مُيِّزَ. وَيُزَكَّى المُحَرَّمُ مِنْ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ، لَا المُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ، وَمِنَ المُحَرَّمِ الْإِنَاءُ وَالسِّوَارُ وَالخَلْخَالُ لِلُبْسِ الرَّجُلِ، فَلَوِ اتَّخَذَ سِوَارًا بِلَا قَصْدٍ أَوْ قَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوِ انْكَسَرَ الحُلِيُّ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ
(ولو اختلط إناء منهما) أي النقدين بأن أذيبا وصيغ منهما (وجُهِل أكثرهما) كأن كان وزنه ألفا وأحدهما ستمائة والآخر أربعمائة وجهل عينه (زكى الأكثر ذهبا وفضة)؛ احتياطا فيزكي ستمائة ذهبا وستمائة فضة ولا يكفي تزكية كله ذهبا; لأنه لا يجزئ عن الفضة كعكسه، هذا إن كان لغير محجور وإلا تعين التمييز الآتي بقوله (أو مُيِّز) بينهما بالنار أو بالماء، وليس له الاعتماد على غلبة ظنه من غير تمييز؛ لتعلق حق الغير به، ومؤنة السبك على المالك، ولو فقد آلة السبك أو احتاج فيه لزمن طويل عذر إلى التمكن. (ويُزَكَّى المُحَرَّم من حُِلِيٍّ وغيرِه
(1)
إجماعا، وكذا المكروه كضبة فضة كبيرة لحاجة (لا المباح في الأظهر) ; لشبهِهِ أمتعة الدار. ولو مات مورثه عن حلي مباح فمضى عليه حول أو أكثر ولم يعلم به لزمه زكاته. ولو حليت الكعبة مثلا بنقد حرم كتعليق محلىً فيها يتحصل منه شيء فإن وُقِف عليها فلا زكاة فيه قطعا؛ لعدم المالك المعين مع حرمة استعماله، ويصح وقف النقد على مسجد احتاج إليه لا للتزيين أما وقفه على تحليته به فباطل; لأنه لا يتصور حله، (ومن المحرم الإناء) كميل ولو لامرأة إلا لجلاء عين توقف عليه (والسِّوار والخَلخَال) وسائر حلي النساء (للبس الرجل) بأن قصد ذلك باتخاذهما; لأن فيه خنوثة لا تليق بشهامة الرجل بخلاف اتخاذهما للبس امرأة أو صبي، والخنثى كرجل في حلي النساء وكامرأة في حلي الرجال؛ أخذا بالأسوأ، (فلو اتخذ) الرجل (سوارا بلا قصد) -بخلاف ما لو قصد الكنز وإن لم يحرم الاتخاذ في غير الإناء- (أو قصد إجارته) ومثله -بلا خلاف- ما لو قصد إعارته (لمن له استعماله) بلا كراهة (فلا زكاة في الأصح) ; لأنه في الأولى بالصياغة بطل تهيؤه للإخراج الملحق له بالناميات وفي الثانية يشبه ما مر في المواشي العوامل. ولو قصد مباحا ثم غيره لمحرم أو عكسه تغير الحكم، (وكذا لو انكسر الحلي) المباح فعلمه
(2)
(وقصد إصلاحه) فلا زكاة فيه في الأصح؛ لدوام صورة الحلي
(1)
. كما تقدم.
(2)
. ظاهره أن العلم قيد في عدم وجوب الزكاة خلافا لشيخ الإسلام والنهاية.
وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ إلَّا الْأَنْفَ وَالْأَنْمُلَةَ وَالسِّنَّ، لَا الْإِصْبَعَ، وَيَحْرُمُ سِنُّ الخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَحِلُّ لَهُ مِنَ الْفِضَّةِ الخَاتَمُ. وَحِلْيَةُ آلَاتِ الحَرْبِ
مع قصد إصلاحه، هذا إن توقف استعماله على الإصلاح بنحو لحام ولم يحتج لصوغ جديد فإن لم يتوقف عليه فلا أثر للكسر قطعا، وإن احتاج لصوغ جديد ومضى حول بعد علمه
(1)
بتكسره زكي قطعا وانعقد الحول من حين الكسر. وخرج بقَصَدَ إصلاحه ما إذا قصد كنزه أو جعله نحو تبرٍ أو لم يقصد شيئا فيزكيه، ويعتبر فيما صنعته محرمة وزنه دون قيمته الزائدة بسبب الصنعة; لأنها مستحقة الإزالة فلا احترام لها، وفيما صنعته مباحة كلاهما؛ لتعلق الزكاة بعينه الغير المحرمة فوجب اعتبارها بهيئتها الموجودة حينئذ. (ويحرم على الرجل) والخنثى
(2)
(حلي الذهب) ولو في آلة الحرب؛ للخبر الصحيح، إلا إن صدئ بحيث لا يتبين؛ لزوال الخيلاء (إلا الأنف) لمن زال أنفه وإن أمكن من فضة; لأنه لا يصدأ غالبا ولأمره صلى الله عليه وسلم به مَن جعله فضة فأنتن عليه (والأَنْمُلة والسن) وإن تعدد فأولى شدها به عند تحركها (لا الأصبع
(3)
أو اليد بل وأكثر من أنملة من أصبع فلا يجوز من نقد; لأنها لا تعمل فتتمحض للزينة بخلاف الأنملة، فلو كان ما تحت الأنملة أشل أو كانت زائدة ولا تعمل لم تحل، وكذا لو كانت الأنملة سفلى. (ويحرم سن الخاتم) من ذهب (على الصحيح)؛ لعموم أدلة التحريم، (ويحل له من الفضة الخاتم) إجماعا بل يسن ولو في اليسار لكنه في اليمين أفضل; لأنه الأكثر في الأحاديث، ويجوز بفص منه أو من غيره ودونه. ويجوز اتخاذ قطعة فضة ختما منقوشا; لأنها لا تسمى إناء، ويسن جعل فصه مما يلي كفه؛ للاتباع، ولا يكره لبسه للمرأة، ويجوز للرجل اتخاذ عدة خواتيم أما اللبس فيحرم
(4)
لبس أكثر من خاتم؛ لأن الأصل في الفضة التحريم إلا ما صح فيه الإذن، ويكره لبسه في غير الخنصر، ويجب أن يراعي في وزن الخاتم عرف أمثاله (و) أي ويحل من الفضة، نعم حكمها حكم الضبة لحاجة كما مرّ، ومقتضاه أنها تزكى إن كبرت تـ (حلية) وهي جعل عين النقد في محال متفرقة مع الإحكام حتى تصير كالجزء منها، أما التمويه هنا فيجوز حصل شيء منه بالعرض على النار أوْ لا (آلات الحرب)
(1)
. لم يذكر هذا القيد في شرح الروض.
(2)
. أي لا المرأة خلافا للرملي.
(3)
. وأنملة سفلى بالإصبع؛ لأنها لا تتحرك.
(4)
. خلافا لهما في اعتماد جوازه بشرط عدم الإسراف.
كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالمِنْطَقَةِ، لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَيسَ لِلمَرْأَةِ حِلْيَةُ آلَةِ الحَرْبِ، وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكَذَا لُبْسُ مَا نُسِجَ بِهِمَا فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ المُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ. وَكَذَا إسْرَافُهُ فِي آلَةِ الحَرْبِ. وَجَوَازُ تَحْلِيَةِ المُصْحَفِ بِفِضَّةٍ،
للمجاهد أو المرصد للجهاد كالمرتزق بل ولو غير مجاهد وأُلحق بالرجل المجنون والصبي (كالسيف والرمح والمِنطقة
(1)
وأطراف السهام والدروع والخوذة والترس والخف وسكين الحرب; لأن في ذلك إرهابا للكفار، ولا تجوز بذهب لزيادة الإسراف (لا ما لا يلبسه كالسرج واللجام) وكل ما على الدابة (في الأصح) كالآنية، (وليس للمرأة) ولا للخنثى تـ (حلية آلة الحرب) ; لأن فيه تشبها بالرجال، وجواز قتالها بسلاح الرجل؛ لما فيه من المصلحة، نعم إن كان محلى لم يجز لها استعماله إلا عند الضرورة بأن تعين القتال عليها ولم تجد غيره، هذا إن تحصل بتحليته شيء من العرض على النار وإلا جاز استعماله مطلقا، (ولها) وللصبي والمجنون (لبس أنواع حلي الذهب والفضة) كطوق وخاتم وسوار وخلخال ونعل وتاج ودراهم ودنانير لها عُرَى أو مثقوبة تعلق في القلادة، وكل ما كره هنا تجب زكاته ومنه ما وقع خلاف قوي في حلِّه، وعليه لو قيل بكراهة
(2)
المثقوبة -وهو القياس- وجبت الزكاة فيها (وكذا لبس ما نسج بهما في الأصح)؛ لعموم الأدلة. (والأصح تحريم المبالغة) أما الزكاة فتجب بأدنى سرف وإن لم يبالغ؛ لوجوبها في المكروه
(3)
(في السرف) في كل ما أبيح مما مر (كخلخال) من ذهب أو فضة (وزنه) أي مقيد بكون مجموع فردتيه وإن تفاوت وزن كلٍّ (مائتا دينار) أي مثقال؛ لانتفاء الزينة عنه المجوزة للتحلي، وحيث وجد السرف الآتي وجبت زكاة جميعه لا قدر السرف فقط، (وكذا إسرافه) وإن لم يبالغ (في آلة الحرب)؛ لما فيه من زيادة الخيلاء، وبهذا يظهر وجه عدم تقييده بالمبالغة هنا؛ إذ الأصل حل النقد وعدم الخيلاء، فيه بالنسبة للمرأة دون الرجل فاغتفر لها قليل السرف بخلافه، (وجواز تحلية المصحف) يعني ما فيه قرآن ولو للتبرك وغلافه وإن انفصل عنه (بفضة) للرجال والنساء؛ إكراما له.
(1)
. وهي ما يشدُّ بها الوسط.
(2)
. اعتمدا التحريم.
(3)
. فعدم المبالغة في السرف مكروه وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ بِذَهَبٍ. وَشَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ الحَوْلُ. وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ.
(وكذا للمرأة بذهب
(1)
كتحليها به، أما بقية الكتب فلا يجوز تحليتها، ويحرم تمويه القرآن في نحو ورقه وجلده، نعم يجوز تمويه حروفه أو كتابتها بالذهب؛ لأن إكرامها لا يتأتى إلا بذلك. (وشرط زكاة النقد الحول) كالمواشي، نعم لو ملك نقدا نصابا ستة أشهر ثم أقرضه لآخر لم ينقطع الحول فإذا كان موسرا أو عاد إليه زَكَّاه عند تمام الستة الأشهر الثانية. ولو حلَّى حيوانا بنقد حرم ولزمته زكاته (ولا زكاة في سائر الجواهر كاللؤلؤ) واليواقيت؛ لعدم ورودها.
(1)
. شامل لغلاف المصحف خلافا للمغني.
باب زكاة المَعْدِن والركاز والتجارة
مَنِ اسْتَخْرَجَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مِنْ مَعْدِنٍ لَزِمَهُ رُبْعُ عُشْرِهِ، وَفِي قَوْلٍ الخُمْسُ، وَفِي قَوْلٍ إنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ فَرُبُعُ عُشْرِهِ، وَإِلَّا فَخُمْسُهُ. وَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ لَا الحَوْلُ عَلَى المَذْهَبِ فِيهِمَا. وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ إنْ تَتَابَعَ الْعَمَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ النَّيْلِ عَلَى الجَدِيدِ، وَإِذَا قُطِعَ الْعَمَلُ بِعُذْرٍ ضُمَّ، وَإِلَّا فَلَا يَضُمُّ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي،
(باب زكاة المَعْدِن والركاز والتجارة)
(مَن استخرج) وهو من أهل الزكاة (ذهبا أو فضة من معدن) من أرض مباحة أو مملوكة له، أما لو كان من أرض موقوفة عليه أو على جهة عامة أو من أرض نحو مسجد ورباط فإن أمكن حدوثه في الأرض وقال أهل الخبرة إنه حدث بعد الوقفية أو المسجدية ملكه الموقوف عليه كريع الوقف ونحو المسجد ولزم مالكه المعين زكاته أو قبلها أو تردد فيه فلا زكاة; لأنه من عين الوقف (لزمه ربع عشره)؛ للخبر الصحيح به، (وفي قول الخمس) كالركاز، (وفي قول إن حصل بتعب فربع العشر وإلا فخمسه. ويشترط النصاب)؛ لعموم الأدلة السابقة (لا الحول) ; لأن اعتباره لأجل تكامل النماء والمستخرج من المعدن نماء كله فأشبه الثمر (على المذهب فيهما) وخبر الحول السابق مخصوص بغير المعدن. ووقت وجوبه حصول النيل بيده، ووقت الإخراج بعد التخليص والتنقية فلو تلف بعضه قبل التمكن من الإخراج سقط قسطه ووجب قسط ما بقي ومؤنة ذلك على المالك. فلا يجزئ إخراجه قبلها ويضمنه قابضه ويرجع عليه المالك وإن لم يشترط الاسترداد، نعم يصدق القابض في قدره وقيمته إن تلف; لأنه غارم، ولو ميزه الآخذ فكان قدر الواجب أجزأه إن نوى المالك به الزكاة حينئذ أو عند الإخراج. ويُقَوّم تراب فضة بذهب وعكسه (ويضم بعضه إلى بعض إن) اتحد المعدن -لا إن تعدد وإن تقارب- وكذا الركاز، و (تتابع العمل) كتلاحق الثمر، ولا يشترط بقاء الأول بملكه وإن أتلف أولاً فأولاً، (ولا يشترط اتصال النيل على الجديد) ; لتفرقه غالبا (وإذا قطع العمل بعذر) -كإصلاح آلة وسفر أي لغير نحو نزهة- ثم عاد (ضم) وإن طال الزمن عرفا; لأنه عازم على العمل متى زال العذر (وإلا فلا) وإن قصر الزمن عرفا; لأنه إعراض (يضم الأول إلى الثاني) في إكمال النصاب بخلاف ما يملكه بغير ذلك فإنه يضم إليه.
وَيُضَمُّ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَضُمُّهُ إلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ المَعْدِنِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ. وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى المَشْهُورِ. وَشَرْطُهُ النِّصَابُ، وَالنَّقْدُ عَلَى المَذْهَبِ، لَا الحَوْلُ، وَهُوَ المَوْجُودُ الجَاهِلِيُّ، فَإِنْ وُجِدَ إسْلَامِيٌّ عُلِمَ مَالِكُهُ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ أَحْيَاهُ،
(ويضم الثاني إلى الأول كما يضمه إلى ما ملكه) من جنسه أو من عرض تجارة يقوم به
(1)
، ولو (بغير المعدن) كإرث وإن غاب بشرط علمه ببقائه (في إكمال النصاب) فإن كمل به النصاب زكى الثاني، وبعد حول من كمال النصاب يلزمه زكاتهما إذا أخرج زكاة المعدن من غيرها، ولو كان الأول نصابا ضم الثاني إليه قطعا.
(وفي الركاز) إذا استخرجه أهل الزكاة (الخمس) كما في الخبر المتفق عليه (يصرف) كالمعدن (مصرف الزكاة على المشهور) ; لأنه حق واجب في المستفاد من الأرض كالحب والثمر (وشرطه النصاب والنقد) ولو غير مضروب (على المذهب) كالمعدن فيأتي هنا ما مر ثَمَّ في التكميل بما عنده، (لا الحول) إجماعا، (وهو الموجود) بدفن -لا على وجه الأرض- أو على وجهها وعلم أن نحو سيل أظهره، فإن شك أو كان ظاهرا فلقطة (الجاهلي) أي دفين مَن قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، ولا يشترط العلم بكونه من دفنهم؛ لتعذره بل يكتفى بعلامة تدل عليه من ضرب أو غيره، ولو وجد دفين جاهلي بملك من عاصر الإسلام وعاند فهو فيء، (فإن وجد إسلامي) كأن يكون عليه قرآن أو اسم ملك إسلامي
(2)
(علم مالكه) بعينه (فله، وإلا فلقطة) إن وجد بنحو موات، أما إذا وجد بمملوك بدارنا فهو لمالكه فيحفظ له حتى يؤيس منه، فإن أُيس منه فهو لبيت المال وإن كان عليه ضرب الإسلام; لأنه مال ضائع، (وكذا) يكون لقطة بقيده (إن لم يعلم من أي الضربين هو) كتبر وحلي وما يضرب مثله جاهلية وإسلاماً. (وإنما يملكه) أي الجاهلي (الواجد إذا وجده في موات) ولو بدارِهِم، ومثله خراب أو قلاع أو قبور جاهلية (أو ملك أحياه) أو في موقوف عليه واليد له فيملكه ظاهرا كما يأتي نضيره في التنبيه، فإن كان موقوفا على نحو مسجد أو جهة عامة صرف لجهة الوقف؛ لتنزيله منزلة زوائد الأرض.
(1)
. عبارة شرح المنهج.
(2)
. عبارته شاملة لملك الكفار الموجود في زمن الإسلام بخلاف عبارتهما.
فَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقَطَةٌ عَلَى المَذْهَبِ، أَوْ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَلَهُ إنِ ادَّعَاهُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ مُلِكَ مِنْهُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى المُحْيِي. وَلَوْ تَنَازَعَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ، أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ، وَمُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ
(فإن وجد في) أرض غنيمة فغنيمة، أو فيء ففيء، أو في (مسجد أو شارع) ولم يعلم مالكه (فلقطة على المذهب) ; لأن يد المسلمين عليه وقد جهل مالكه، وصورة المتن إذا جهل الحال قبل الوقف، وعليه فمن سبّل ملكه طريقا يكون الركاز له وما سبله الإمام طريقا من بيت المال يكون لبيت المال، وأما المسجد
(1)
فلو علم أن واقفه ملك أرضه بنحو شراء فاليد له ثم لورثته ظاهرا لا باطنا فيلزمه عرضه على من ملك منه ثم قبله وهكذا إلى المحيي، ولو علم أنه بُني في موات فهو ركاز، (أو) وجده (في ملك شخص) أو وقف عليه (فله) بلا يمين (إن ادعاه) -نعم لو ادعاه الواجد فلا بد من اليمين- فلا بد أن يدعيه ولا يكفي عدم النفي، ثم إنه إنما يكون له بظاهر اليد ولا يحل له أخذه باطنا بل يلزمه أن يعرضه على من ملكه منه ثم من قبله وهكذا إلى المحيي (وإلا) يدعه (فلمن ملك منه وهكذا حتى ينتهي إلى المحيي) أو من أقطعه السلطان إياها -وإن لم يعمرها- أو من أصابها من غنيمة عامرة أو عمرها فتكون له أو لوراثه وإن لم يدعه بل وإن نفاه
(2)
فيخرج خمسَهُ الذي لزمه يوم ملكه وزكاةَ باقِيْهِ للسنين الماضية كضال وجده، فإن قال بعض الورثة
(3)
ليس لمورثي سلك بنصيبه ما ذكر، فإن أيس من مالكه تَصَدَّق به الإمام أو من هو في يده.
[تنبيه] مثل مسألة المتن ما لو وجد الركاز في أرض موقوفة عليه واليد له فيكون ظاهراً لواجده إن أدعاه، أما في الباطن فلا يحل له، نعم يحل ظاهرا وباطنا إن كان الواجد وارثا للواقف مستغرقا لتركته
(4)
. (ولو تنازعه بائع ومشتر أو مكر ومكتر) أ (ومعير ومستعير) بأن ادعى كل منهما أنه له وأنه الذي دفنه، أو قال البائع ملكته بالإحياء (صدق ذو اليد) وهو مشتر ومكتر ومستعير (بيمينه) كبقية الأمتعة، هذا إن احتمل صدقه ولو على بُعْدٍ وإلا بأن لم يمكن
(1)
. واعتمد النهاية أن ما وجد في المسجد أو الشارع ليس ركازا.
(2)
. خلافا لهم.
(3)
. فرضوه في ورثة من قبل المحيي.
(4)
. كما في شرح العباب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دفنه في مدة يده لم يصدق، وكان تَنَازُعُهُمَا قبل عود العين وإلا فيصدق مكر ومعير إن سكت أو قال دفنته بعد العود إليّ وأمكن لا إن قال دفنته قبل نحو الإعارة; لأنه سَلَّم له حصول الدفين في يده فنسخت اليد السابقة. ولو ادعاه اثنان وقد وُجِد بملك غيرهما فلمن صدقه المالك.
[تنبيه] لا يُمَكَّن ذمي من أخذ معدن وركاز من دارنا; لأنه دخيل فيها، نعم ما أخذه قبل الإزعاج يملكه كحطبها.
فصل
شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الحَوْلُ، وَالنِّصَابُ مُعْتَبَرًا بِآخِرِ الحَوْلِ، وَفِي قَوْلٍ بِطَرَفَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ، فَعَلَى الْأَظْهَرِ لَوْ رُدَّ إلَى النَّقْدِ فِي خِلَالِ الحَوْلِ وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الحَوْلُ، وَيَبْتَدِئُ حَوْلُهَا مِنْ شِرَائِهَا. وَلَوْ تَمَّ الحَوْلُ، وَقِيمَةُ الْعَرْضِ دُونَ النِّصَابِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ حَوْلٌ، وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ ....
(فصل) في زكاة التجارة
قال ابن المنذر وقد أجمع على وجوبها عامة أهل العلم أي أكثرهم وحُمل عليها خبر ((وفي البز صدقته)). (شرط زكاة التجارة الحول والنصاب معتبرا بآخر الحول) ; لأنه حالة الوجوب دون ما قبله؛ لكثرة اضطراب القيم، (وفي قول بطرفيه)؛ قياسا للأول بالآخر، (وفي قول بجميعه) كالمواشي، (فعلى الأظهر) والثاني (لو رُدَّ) مال التجارة (إلى النقد) الذي يقوّم به آخر الحول بأن بيع به مثلا (في خلال الحول وهو دون النصاب) ولم يكن بملكه نقد من جنسه يكمله (واشترى به سلعة) مثلا (فالأصح أنه ينقطع الحول ويبتدئ حولها من شرائها)؛ لتحقق نقص النصاب حسا بالتنضيض، أما لو لم يُرَدّ إلى النقد كأن بادل بعرضها عرضا آخر أو رُدَّ لنقد لا يقوَّم به كأن باعه بدراهم والحال يقضي التقويم بدنانير، أو لنقد يقوَّم به وهو نصاب فلا ينقطع الحول، بل هو باق على حكمه; لأن ذلك كله من جملة التجارة، وقول المصنف واشترى به سلعة مجرد مثال لا تقييد فينقطع الحول لو رد لنقد يقوم وهو دون النصاب وإن لم يشتر به شيئا إذا لم يملك تمامه؛ لتحقق النقص عن النصاب. (ولو تم الحول وقيمة العرض دون النصاب فالأصح أنه يبتدئ الحول ويبطل الأول) ومحل الخلاف إذا لم يكن له من جنس ما يقوم به ما يكمل نصابا وإلا كأن ملك مائة درهم فاشترى بنصفها عرض تجارة وبقي نصفها عنده وبلغت قيمة العرض آخر الحول مائة وخمسين ضم لما عنده ولزمه زكاة الكل آخره قطعا بخلاف ما لو اشترى بالمائة وملك خمسين بعدُ فإن الخمسين إنما تضم في النصاب دون الحول فإذا تم حول الخمسين زكى المائتين.
[تنبيه] لا زكاة على صيرفي بادل ولو للتجارة في أثناء الحول بما في يده من النقد غيره من جنسه أو غيره; لأن التجارة في النقدين ضعيفة نادرة بالنسبة لغيرهما والزكاة الواجبة زكاة
وَيَصِيرُ عَرْضُ التِّجَارَةِ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِهَا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ بِمُعَاوَضَةٍ كَشِرَاءٍ، وَكَذَا المَهْرُ وَعِوَضُ الخُلْعِ فِي الْأَصَحِّ،
عين فغلبت وأثَّر فيها انقطاع الحول، وكذا لا زكاة على وارث مات مورثه عن عروض تجارة حتى يتصرف فيها بنيتها فحينئذ يستأنف حولها. (ويصير عرض التجارة) كله، أو بعضه إن عينه وإلا لم يؤثر
(1)
(للقنية بنيتها) بخلاف عرض القنية لا يصير للتجارة بنية التجارة; لأن القنية الحبس للانتفاع والنية محصلة له والتجارة التقليب بقصد الإرباح والنية لا تحصله.
[تنبيه] لو نوى القنية لاستعمال المحرم كلبس الحرير لم ينقطع الحول
(2)
مع إثمه بتلك النية؛ تغليظا عليه. (وإنما يصير العرض للتجارة إذا اقترنت نيتها) بأن تقارن النية جزءاً من لفظ القبول بالنسبة للمبيع أو من الإيجاب بالنسبة للثمن
(3)
وبعد هذا الاقتران لا يحتاج لنيتها في بقية المعاملات (بكسبه بمعاوضة) محضة وهي ما تفسد بفساد عوضه (كشراء) بعرض أو نقد أو دين وكإجارة لنفسه أو ماله ومنه أن يستأجر المنافع ويؤجرها بقصد التجارة فتلزمه الزكاة حتى أنه لو استأجر أرضا ليؤجرها بقصد التجارة ومضى حول ولم يؤجرها قومها بأجرة المثل حولا ويخرج زكاة تلك الأجرة وإن لم تحصل له; لأنه حال الحول على مال للتجارة عنده، وإن أجرها فإن كانت الأجرة نقدا عينا أتى فيها مما مر من أحكام النقد العين، أو دينا حالا أو مؤجلا أتى فيه ما يأتي من أحكام النقد الدين، أو عرضا فإن استهلكه أو نوى قنيته فلا زكاة فيه وإن نوى التجارة فيه استمرت زكاة التجارة وهكذا في كل عام، وكاقتراض وكشراء نحو دباغ أو صبغ ليعمل به للناس بالعوض وإن لم يمكث عنده حولا، لا لأمتعة نفسه ولا نحو صابون وملح اشتراه ليغسل أو يعجن به للناس; لأنه يستهلك فلا يقع مسلما لهم، (وكذا) المعاوضة غير المحضة وهي التي لا تفسد بفساد المقابل كـ (المهر وعوض الخلع) كأن خالع زوجته بعرض نوى به التجارة (في الأصح).
(1)
. وفاقا للأسنى وخلافا لهما كالشهاب الرملي.
(2)
. خلافا لهم.
(3)
. انظر كلام الشارح على كناية الطلاق وكلامه في الإمداد.
لَا بِالْهِبَةِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِرْدَادِ بِعَيْبٍ وَإِذَا مَلَكَهُ بِنَقْدِ نِصَابٍ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مِلْكِ النَّقْدَ، أَوْ دُونَهُ أَوْ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ فَمِنَ الشِّرَاءِ، وَقِيلَ إنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهَا، وَيَضُمُّ الرِّبْحَ، إلَى الْأَصْلِ فِي الحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ
(لا بالهبة) التي لم يشرط فيها ثواب معلوم -وإلا فهي بيع- (والاحتطاب) والاصطياد والإرث وإن نوى الوارث أو غيره ممن ذكر حال ملكه التجارة بما ملكه; لأن التملك مجانا لا يعد تجارة (والاسترداد) أو الرد بنحو إقالة أو تحالف أو (بعيب) كما لو باع عرضَ قنيةٍ بشيء ثم وجد به عيبا فرده واسترد عرضه أو فَرُدّ عليه بعيب فقصد به التجارة، أو اشترى بعرض قنية شيئا ولو عرض تجارة أو بعرض تجارة عرض قنية فرد عليه كذلك. (وإذا ملكه) أي مال التجارة (بنقد) ولو غير مضروب (نصاب)، أو دونه وبملكه باقيه (فحوله من حين ملك النقد) فيبنيه على حوله؛ لاشتراكهما في قدر الواجب وجنسه -كما يبني حول الدين على حول العين وبالعكس من النقد
(1)
- بخلاف ما لو اشتراه بنقد في الذمة ثم أعطاه حالا النصاب الذي عنده في هذا الثمن
(2)
فإنه لا يبني عليه; لأن صرفه إلى هذه الجهة لم يتعين، (أو) ملكه بعين نقد (دونه) وليس في ملكه باقيه (أو بعرض قنية) أي كحلي مباح (فمن الشراء) ; لعدم وجود حول قبله يبنى عليه (وقيل إن ملكه بنصاب سائمة بنى على حولها) ; لأنها مال زكاة جار في الحول كالنقد، ورُدَّ باختلافهما قدرا ومتعلقا.
(ويضم الربح) سواء في نفس العرض كالسِّمن، أو غيره كارتفاع السوق (إلى الأصل في الحول إن لم يَنِض) بما يُقَوَّم به؛ قياسا على النتاج مع الأمهات، أما لو نض في الحول بما لا
(1)
. قوله وبالعكس أي حول العين على حول الدين، ومثال الأول ما لو أقرض نصاب نقد أثناء حوله، ومثال الثاني كأن كان له قرض على غيره فاستوفاه أثناءه، وقوله من النقد أي يبدئ الحول من حين ملك النقد في الصورتين كما في الجواد.
(2)
. عبارة عبدالحميد.
لَا إنْ نَضَّ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَدَ الْعَرْضِ وَثَمَرَهُ مَالُ تِجَارَةٍ وَأَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ الْأَصْلِ، وَوَاجِبُهَا رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ،
يقوم به فيزكي الجميع عند تمام الحول، (لا إن نض) الكل أي صار ناضا ذهبا أو فضة من جنس رأس المال
(1)
النصاب وأمسكه إلى آخر الحول أو اشترى به عرضا قبل تمامه فلا يضم إلى الأصل بل يزكي الأصل بحوله ويفرد الربح بحول (في الأظهر
(2)
; لأن الربح متميز فاعتبر بنفسه، فعلم أنه لو نُضَّ بغير جنس المال فكبيع عرض بعرض فيضم الربح للأصل، وكذا لو كان رأس المال دون نصاب ثم نُضَّ بنصاب وأمسكه لتمام حول الشراء، وأنه لو نُضَّ بما يقوم به بعد حول ظهور الربح أو معه زكى بحول أصله للحول الأول واستؤنف له حول من نضوده
(3)
. (والأصح أن ولد العرض) من الحيوان غير السائمة كخيل وجوار ومعلوفة (وثمره) ومنه هنا صوف وغصن شجر وورقه ونحوها (مال تجارة) ; لأنهما جزءان من الأم والشجر (وأن حوله حول الأصل)؛ تبعا له كنتاج السائمة.
(وواجبها ربع عشر) كالنقد (القيمة) ; لأنها متعلق هذه الزكاة، ولو أخّر الإخراج بعد التمكن ونقصت القيمة ضمن ما نقص؛ لتقصيره بخلافه قبله، وإن زادت ولو قبل التمكن
(4)
أو بعد الإتلاف فلا يعتبر، ولا يكلف عند تمام الحول بيع عرض التجارة بدون قيمتها -أي بما
(1)
. قال الشارح ((فعلم أنه لو نضَّ بغير جنس رأس المال فيضم الربح للأصل، وكذا لو كان رأس المال دون نصاب ثم نضّ بنصاب وأمسكه لتمام حول الشراء))، وعليه فالربح يضم للأصل في هذا الأخير أيضا خلافا لقضية كلامهم.
(2)
. فلو اشترى في المحرم عرضا بعشرين دينارا وباعه في أول رجب بأربعين واشترى بها فيه عرضا آخر وباعه لتمام الحول بمائة هي قيمة آخر الحول زكى خمسين آخر الحول؛ لأن رأس المال عشرون ونصيبها من الربح ثلاثون وزكى لحول الربح الأول وهو أول رجب عشرين ولا يزكى معها حصتها من الربح؛ لأنها قد نضت قبل حول أصلها، بل تفرد بحولها فتزكى لحول الربح الثاني وهو بعد ستة أشهر أخرى ثلاثين وهو نصف الربح الثاني.
(3)
. عبارة الأنوار ((ولو نُضَّ بعد الحول فإن ظهرت الزيادة في الحول زكى الكل بحول الأصل واستأنف للربح حولا ثان من حين نضوضه)).
(4)
. وفاقا للروض وخلافا للنهاية والمغني.
فَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ قُوِّمَ بِهِ إنْ مَلَكَهُ بِنِصَابٍ، وَكَذَا دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِعَرْضٍ فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَبَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا قُوِّمَ بِهِ، فَإِنْ بَلَغَ بِهِمَا قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ المَالِكُ، وَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ قَوَّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِيَ بِالْغَالِبِ. وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبِيدِ التِّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا،
لا يتغابن به- ليخرجها عنها بل له التأخير إلى أن تساوي قيمتها فيبيع ويخرج منها حينئذٍ
(1)
، ويكفي تقويم المالك الثقة العارف وللساعي تصديقه، (فإن ملك) العرض (بنقد) ولو غير نقد البلد وفي الذمة وإن كان غير مضروب أو مغشوشا (قُوِّم به) أي بعين المضروب الخالص وإلا فبمضروب أو خالص من جنسه (إن ملكه بنصاب) -وإن أبطله السلطان، وحينئذ فإن بلغ به نصابا زكَّاه وإلا فلا وإن بلغه بنقد آخر-؛ لأن الحول مبني على حوله فهو أقرب إليه من نقد البلد، (وكذا دونه) أي النصاب (في الأصح) ; لأنه أصله، ولو ملك من جنسه ما يكمله قوم بذلك الجنس ولا يجري فيه هذا الخلاف، (أو) ملكه بنقد وجهل أو نسي أو (بعرض) لقنية أو بنحو نكاح أو خلع (فبغالب نقد البلد)؛ إذ هو الأصل في التقويم فإن بلغ به نصابا زكَّاه وإلا فلا وإن بلغه بغيره، فإن لم يكن بها نقد لتعاملهم بالفلوس مثلا اعتبر نقد أقرب البلاد إليها، (فإن غلب) في البلد (نقدان) على التساوي، أو كان الأقرب -في صورته المذكورة- بلدين اختلف نقدهما (وبلغ بأحدهما نصابا قُوِّم) مال التجارة كله إذا ملك بغير نقد وما قابل غير النقد إذا ملك بنقد وعرض (به)؛ لبلوغه نصابا بنقد غالب يقينا، (فإن بلغ) ـه (بهما قوم بالأنفع للفقراء) أي المستحقين، (وقيل يتخير المالك) وهو المعتمد كمعطي الجبران (وإن ملك بنقد وعرض قوم ما قابل النقد به والباقي) وإن كان دون نصاب (بالغالب) من نقد البلد أو من أحد الغالبين إذا بلغه به فقط؛ لأن كلا منهما لو انفرد كان حكمه ذلك، ثم إن بلغ أحدهما نصابا وجبت زكاته وإلا فلا ولا ضمان
(2)
، ويجري ذلك في اختلاف الصفة أيضا كأن اشترى بصحاح ومكسرة، لكن إن بلغ مجموعهما نصابا زُكّي؛ لاتحاد جنسهما. (وتجب فطرة عبيد التجارة مع زكاتها)؛ لاختلاف السبب وهو المال والبدن.
(1)
. ذكره الشارح آخر باب الزكاة.
(2)
. انظر حاشية قليوبي.
وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً فَإِنْ كَمَُِلَ نِصَابُ إحْدَى الزَّكَاتَيْنِ فَقَطْ وَجَبَتْ أَوْ نِصَابُهُمَا فَزَكَاةُ الْعَيْنِ فِي الجَدِيدِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ سَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ، بِأَنْ اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ يَفْتَتِحُ حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا. وَإِذَا قُلْنَا: عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ فَعَلَى المَالِكِ زَكَاةُ الجَمِيعِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ لَزِمَ المَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ المَالِ، وَحِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ، وَالمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ
(ولو كان العرض سائمة) أو تمرا أو حبا أو اشترى دنانير للتجارة بحنطة مثلا (فإن كمَُِل نصاب إحدى الزكاتين فقط وجبت)؛ لوجود سببها من غير معارض (أو نصابهما) واتفق وقت الوجوب أو اختلف (فزكاة العين في الجديد)؛ لقوتها للإجماع عليها، وإذا أخرج زكاة العين في الثمر والحب لم تسقط زكاة التجارة في قيمة عروضها من نحو الجذع والأرض وتبن الحب إن بلغت نصابا؛ إذ لا تضم لقيمة الثمر والحب، (فعلى هذا لو سبق حول التجارة بأن) أي كأن (اشترى بمالها بعد ستة أشهر) من حولها (نصاب سائمة) ولم يقصد به القنية، أو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها بعد ستة أشهر. ولا يتصور سبق حول العين في السائمة بل في الثمر والحب بأن يبدو الصلاح ويقع الاشتداد قبل تمام حول التجارة، وحكمها أنه يخرج زكاة العين ثم زكاة التجارة آخر حولها (فالأصح وجوب زكاة التجارة لتمام حولها)؛ لئلا يحطّ بعض حولها (ثم يفتتح حولا لزكاة العين أبدا. وإذا قلنا عامل القراض لا يملك الربح بالظهور) بل بالقسمة وهو الأصح (فعلى المالك زكاة الجميع) ربحا ورأس مال; لأنه ملكه، (فإن أخرجها) من عنده فواضح أو (من مال القراض حسبت من الربح في الأصح) كمؤن المال، (وإن قلنا يملك) الربح (بالظهور لزم المالك زكاة رأس المال وحصته من الربح) ; لأنه مالك لهما (والمذهب) على هذا الضعيف (أنه يلزم العامل زكاة حصته) من الربح؛ لتمكنه من التوصيل إليه متى شاء بالقسمة، وعليه فابتداء حول حصته من الظهور.
باب زكاة الفِطر
يَجِبُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الْأَظْهَرِ، فَتُخْرَجُ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَنْ وُلِدَ. وَيُسَنُّ أَلَّا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ،
(باب زكاة الفِطر
(1)
أضيفت إليه; لأنه جزء من موجبها المركب
(2)
، وأصلها الإجماع، وورد أنها ((طهرة للصائم))، (تجب بأول ليلة) لا قبلها (العيد) أي بإدراك هذا الجزء مع إدراك آخر جزء من رمضان
(3)
(في الأظهر)؛ لحديث ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر .. الحديث)) فقد أضافها إلى الفطر من رمضان، فلو أدى فطرة عبده قبل الغروب ثم مات المُخْرِج أو باعه قبله وجب الإخراج على الوارث أو المشتري، (فتخرج عَمَّن مات) أو طُلّق أو أعتق أو بيع (بعد الغروب) ولو قبل التمكن
(4)
ممن يؤدى عنه وكانت حياته مستقرة عنده وقت الغروب؛ لوجود السبب في حياته، واستغناء القريب كموته؛ لاستقرارها (دون من ولد) بعد الغروب أي تم انفصاله؛ لعدم إدراكه الموجب، ودون من حدث من زوجة وقن وإسلام وغنى، ولو شك في الحدوث قبل الغروب أو بعده فلا وجوب؛ للشك. (ويسن أن) تخرج يوم العيد لا قبله وأن يكون إخراجها قبل صلاته، وهو قبل الخروج إليها من بيته أفضل؛ للأمر الصحيح به، وأن (لا تؤخر عن صلاته) بل يكره ذلك؛ للخلاف في الحرمة. وإناطة إخراج الفطرة بالصلاة
(1)
. أفاد الشارح في كتاب الصيام أنه يجب صرف صاع الفطر إلى اثنين وعشرين ثلاثة من كل صنف والعامل؛ لأنه زكاة مستقلة 3/ 446، نعم كلام الشارح في قسم الزكاة يميل إلى جواز إعطائها ثلاثة 7/ 169.
(2)
. خلافا للمغني حيث اعتمد أنها سميت بالفطر؛ لأن وجوبها يدخل بوجوبه.
(3)
. ولو سافر من رؤى هلال العيد ببلده إلى بلدة أخرى تخالفها في المطلع وولد له ولد في البلد الأول قبل غروب اليوم الثاني لم تجب عليه فطرته بخلاف ما لو ولد في البلد الثانية كما ذكره الشارح في الحج 4/ 34 - 35.
(4)
. نعم لو تلف ماله قبل التمكن سقطت.
وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ. وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ إلَّا فِي عَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ المُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا رَقِيقٍ، وَفِي المُكَاتَبِ وَجْهٌ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ قِسْطُهُ. وَلَا مُعْسِرٍ فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ فَمُعْسِرٌ،
للغالب من فعلها أول النهار فلو أخرت عنه سن إخراجها أوله؛ ليتسع الوقت للفقراء، نعم يسن تأخيره الفطرة عن الصلاة لانتظار قريب أو جار ما لم يخرج الوقت، (ويحرم تأخيرها عن يومه) بلا عذر؛ لفوات المعنى المقصود، ويجب القضاء فورا؛ لعصيانه، أما إن كان لعذر
(1)
كغيبة مستحق وغيبة مال ونسيان فلا يحرم التأخير ولا يلزمه فور في القضاء، نعم محل لزوم الفطرة على من غاب ماله إن غاب
(2)
لدون مرحلتين; لأنه حينئذ كالحاضر لكن لا يلزمه الاقتراض بل له التأخير إلى حضور المال، أما إن غاب لمرحلتين فلا تلزمه الفطرة; لأن ماله كالعدم، ولا يقترض؛ لمشقته، (ولا فطرة) ابتداء ولا تحملا (على كافر) أصلي إجماعا (إلا في عبده وقريبه) وخادم زوجته (المسلم) ومثلهم زوجته إذا أسلمت ثُمّ غربت الشمس وهو متخلف في العدة
(3)
(في الأصح) فتلزمه كالنفقة، وتجب عليه النية لإخراجها، وأما المرتد وممونه فهي موقوفة إن عاد إلى الإسلام وجبت وإلا فلا، (ولا رقيق) لا عن نفسه ولا عن غيره; لأن غير المكاتب لا يملك وهو ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة ولاستقلاله نُزِّل مع السيد منزلة أجنبي فلم تلزمه فطرته، (وفي المكاتب وجه) أنها تلزمه عن نفسه وممونه، نعم المكاتب كتابة فاسدة تلزم سيده جزماً. (ومن بعضه حر يلزمه) عن نفسه (قسطه) بقدر ما فيه من الحرية وباقيها عنه على مالك الباقي كالنفقة، هذا إن لم تكن مهايأة وإلا لزمت من وقع زمن الوجوب في نوبته، وكذا شريكان في قن وولدان في أب تهايآ فيه وإلا فعلى كل قدر حصته، والكلام في نفس المبعض أما مملوكه وقريبه فيلزم المبعض كلُّ زكاتهما مطلقا
(4)
، (ولا معسر) وقت الوجوب إجماعا وإن أيسر بعد (فمن لم يفضل) فلا يجب الكسب لها إن لم تصر في ذمته (عن قوته وقوت من في نفقته) من آدمي وحيوان (ليلة العيد ويومه شيء فمعسر) وإلا فموسر; لأن القوت لا بد منه، ويسن لمن طرأ
(1)
. ذكر الشارح صورة أخرى للعذر آخر كتاب المواريث.
(2)
. خالفوه في هذا التفصيل وقضية كلامهم أن الغيبة لا تمنع الوجوب مطلقا.
(3)
. عبارة النهاية.
(4)
. وفاقا لما أفتى به الرملي وخلافا للمغني حيث قال بالوجوب بقدر قسطه في ممونه.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ المُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ. وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ، وَلَا الِابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ، وَفِي الِابْنِ وَجْهٌ
يساره قبل غروب يوم العيد إخراجها، (ويشترط كونه فاضلا عن) دين
(1)
ولو مؤجلا، وعن دست ثوب لائق به وبممونه، وعن لائق به وبهم من نحو (مسكَِن وخادم يحتاج إليه) ولو لمنصبه أو ضخامته أو خدمة ممونه لا لعمله في أرضه وماشيته (في الأصح) كما في الكفارة، أما لو ثبتت الفطرة في ذمته فيباع فيها كل ما يباع في الدين من نحو مسكن وخادم؛ لتعديه بتأخيرها غالبا، وخرج بلائقٍ غيره فإذا أمكنه إبداله بلائق وإخراج التفاوت لزمه وإن ألفه. (ومن لزمه فطرته) أي كل مسلم لزمه فطرة نفسه (لزمه فطرة من تلزمه نفقته
(2)
بقرابة أو ملك أو زوجية لم يقترن بها مسقط نفقة كنشوز إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤديه عنهم؛ لخبر مسلم ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر)) (لكن لا يلزم المسلم فطرة العبد والقريب والزوجة الكفار)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((من المسلمين))، (ولا العبد فطرة زوجته) ولو حرة; لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه (ولا الابن فطرة زوجة أبيه) وسريته؛ لعدم تسلطها على الفسخ بفقدها بخلاف النفقة (وفي الابن وجه)، وممن تجب نفقته دون فطرته عبد بيت المال والمسجد وموقوف على جهة أو معين ومن على مياسير المسلمين نفقته. ولو شرط عمله مع عامل قراض أو مساقاة أو آجر قنه وشرط نفقته على المستأجر أو حج بالنفقة ففطرة الأول والثاني على السيد والثالث على نفسه. ولا يلزم
(3)
الحرة الغنية الخادمة للزوجة بغير استئجار فطرة نفسها، بل تجب على زوج المخدومة وهي تابعة للزوجة في فطرتها بخلاف المستأجرة فعليها فطرة نفسها; لأن نفقتها عليها والواجب لها إنما هو الأجرة لا غير، وعكس ذلك مكاتب كتابة فاسدة ومسائل المساقاة والقراض والإجارة المذكورة فتلزم السيد الفطرة لا
(1)
. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما.
(2)
. ويأتي في الوصية أن الموصى بمنفعته مدة تجب زكاة فطرته على الوارث والموصى له بمنفعته 7/ 64 - 65.
(3)
. خلافا للنهاية حيث اعتمد فيها التفصيل بين إذا كان لها مقدر من النفقة لا تتعداه فلا يجب وإلا فيجب.
وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ أَوْ كَانَ عَبْدًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الحُرَّةَ فِطْرَتُهَا، وَكَذَا سَيِّدُ الْأَمَةِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ لَا تَلْزَمُ الحُرَّةَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَلَوِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَالمَذْهَبُ وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الحَالِ، وَقِيلَ إذَا عَادَ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ
النفقة وكذا زوجة حيل بينها وبين زوجها. (ولو أعسر الزوج أو كان عبدا فالأظهر أنه يلزم زوجته الحرة فطرتها) إذا أيسرت بها وهو المعتمد في الأخيرة
(1)
(وكذا سيد الأمة)؛ لما يأتي.
[تنبيه] الأصح أن الفطرة تجب ابتداء على المؤدَّى عنه ثم يتحملها المؤدِّي
فإذا لم يصلح للتحمل استمر الوجوب على المؤدَّى عنه واستقر وإن أيسر المؤدِّي بعدُ، وعليه فالأصح أنه كالحوالة، ومن ثم لو أعسر زوج الحرة الموسرة لم يلزمها الإخراج؛ لتحول الحق إلى ذمة المتحمل، ولو كان المؤدَّى عنه ببلد والمؤدِّي بالآخر وجب من قوت بلد المؤدَّى عنه ولمستحقيه; لأنه لا تصح الحوالة على غير الجنس. ولا يلزم المؤدِّي نية الإخراج عن المؤدَّى عنه بل نية إخراج ما لزمه منها في الجملة، وإنما أجزأ إخراج المتحمل عنه بغير إذن المتحمل؛ نظرا إلى أنها طهرة (قلت: الأصح المنصوص لا تلزم الحرة) الغير الناشزة، بل يسن لها؛ خروجا من الخلاف -وتقدم أن المعتمد وجوبه على زوجة العبد الحرَّة- (والله أعلم) وتلزم سيد الأمة؛ لأن الحرة مسلمة للزوج تسليما كاملا والأمة في تسليم السيد وقبضته، وليس للمؤدى عنه مطالبة المؤدي بإخراجها. ولو غاب فللزوجة اقتراض نفقتها للضرورة لا فطرتها; لأنه المطالب بها وكذا بعضه المحتاج. (ولو انقطع) مع تواصل الرفاق (خبره) أي خبر العبد
(2)
-أما إذا لم ينقطع فيخرج في بلد العبد- (فالمذهب وجوب إخراج فطرته في الحال) ليلة العيد ويومه; لأن الأصل بقاء حياته، ثم إن كان الغائب في محل ولاية القاضي دفع البر له ليخرجه في أي محل ولا يته شاء، فإن تحقق خروجه عن محل ولايته فالإمام فإن تحقق خروجه عن محل ولايته فيتعين الاستثناء من قاعدة كونها تجب لفقراء بلد المخرج عنه؛ للضرورة، وإنما تعين البر هنا؛ لإجزائه على كل تقدير، (وقيل) تجب لكن يجوز له تأخيرها (إذا عاد)؛ رفقا به، (وفي قول لا شيء) أي لا يخاطب بالوجوب أصلا، نعم يلزمه إذا عاد
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. أما نحو القريب لو غاب فلا فطرةله، أفاده القليوبي.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ يَلْزَمُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ قَدَّمَ نَفْسَهُ، ثُمَّ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ، ثُمَّ الْأَبَ، ثُمَّ الْأُمَّ، ثُمَّ الْكَبِيرَ. وَهِيَ صَاعٌ، وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثٌ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ؛ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَجِنْسُهُ الْقُوتُ المُعَشَّرُ، وَكَذَا الْأَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ. وَيَجِبُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ،
الإخراج، فلو أخرجت عنه في غيبته أجزأته على الثاني لا الثالث، ومحل الخلاف إن لم تنته مدة غيبته إلى ما يحكم بعده بموت المفقود وإلا لم تجب اتفاقا. (والأصح أن من أيسر ببعض صاع يلزمه) إخراجه عن واحد فقط; لأنه ميسوره، (وأنه لو وجد بعض) صاع أو (الصيعان قدم نفسه) وجوبا؛ لخبر الشيخين ((ابدأ بنفسك ثم بمن تعول)) حتى لو وجد كلَّ الصيعان لزمه تقديم نفسه أيضا
(1)
، وعليه فيعتد بالمُخْرَج وإن أثم (ثم زوجته) ; لأن نفقتها آكد (ثم ولده الصغير) ; لأنه أعجز (ثم الأب) وإن علا ولو من جهة أم؛ لشرفه (ثم الأم) كذلك؛ لولادتها (ثم الكبير) العاجز عن الكسب ثم الأرقاء؛ لشرف الحر. ولو استوى جمع في درجة تخير وإن تميز بعضهم بفضائل; لأن الأصل فيها التطهير وهم مستوون فيه (وهي صاع وهو) أربعة أمداد أي (ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث، قلت: الأصح ستمائة وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم
(2)
؛ لما سبق في زكاة النبات والله أعلم)، ومر أيضا أن الأصل الكيل وإنما قُدِّر بالوزن استظهارا وإلا فالمدار على الكيل بالصاع النبوي دون الوزن، فإن فُقِد أخرج قدرا يتيقن أنه لا ينقص عنه، وعلى هذا فالتقدير بالوزن تقريب. (وجنسه القوت المعشر) أي الواجب فيه العشر أو نصفه (وكذا الأَقِط) وهو لبن يجفف، ويعتبر بالكيل
(3)
(في الأظهر)؛ لصحة حديثه من غير معارض، ومحله إن لم ينزع زبده ولم يفسد الملح جوهره ولا يضر ظهوره، نعم لا يحسب فيخرج قدرا يكون محض الأقط منه صاعا، ويجزئ لبن به زبده وجبن بشرطي الأقط، والعبرة في الجبن بالوزن، لا لحم ومصل ومخيض وسمن وإن كانت قوت البلد؛ لانتفاء الاقتيات بها عادة. (ويجب من) غالب (قوت بلده) يعني محل المؤدَّى عنه في
(1)
. خلافا للرملي.
(2)
. وهو بالكيل المصري قدحان إلا سبعي مد عند الشارح وعندهما قدحان.
(3)
. خلافا للنهاية.
وَقِيلَ قُوتِهِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ، وَيُجْزِئُ الْأَعْلَى عَنِ الْأَدْنَى، وَلَا عَكْسَ، وَالِاعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ، وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَصَحِّ، فَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأَرُزِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنَ التَّمْرِ، وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ. وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتٍ، وَعَنْ قَرِيبِهِ أَعْلَى مِنْهُ. وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ
غالب السنة -ولا نظر لوقت الوجوب-; لأن نفوس المستحقين إنما تتشوف لذلك، ومن لا قوت لهم مجزئ يخرجون من قوت أقرب محل إليهم فإن استوى محلان واختلفا واجبا خيّر. ولو كان الغالب مختلطا كبر بشعير اعتبر أكثرهما وإلا تخير، ولا يخرج من المختلط إلا إن كان فيه قدر الصاع من الواجب، (وقيل قوته) كما يعتبر نوع ماله في زكاة المال، (وقيل يتخير بين الأقوات)؛ لظاهر الخبر، (ويجزئ) على الأولين (الأعلى) الذي لا يلزمه (عن الأدنى) الذي هو غالب قوت محله؛ لأن النظر إلى قوام البدن والأقوات متساوية فيه، وإن أبى المستحقون إلا الأدنى أجيبوا (ولا عكس، والاعتبار بزيادة القيمة في وجه) ; لأنه أرفق (وبزيادة الاقتيات في الأصح) ; لأنه الأليق بالغرض من هذه الزكاة (فالبر خير من التمر والأرز) وسائر ما يجزئ، (والأصح أن الشعير خير من التمر) والزبيب; لأنه أبلغ في الاقتيات (وأن التمر خير من الزبيب)؛ لذلك، والشعير والتمر والزبيب خير من الأرز
(1)
، فالحاصل أن الأعلى البر فالشعير والذرة بقسميها فالتمر فالزبيب فالأرز فالحمص فالماش
(2)
فالعدس فالفول فبقية الحبوب فالأقط فاللبن فالجبن، وما نصوا على أنه خير لا يختلف باختلاف البلاد. ولا يجزئ تمر منزوع النوى بخلاف الكبيس
(3)
فيخرج منه ما يساوي صاعا قبل كبسه (وله أن يخرج عن نفسه من قوت وعن) ممونه نحو (قريبه أعلى منه) وعكسه; لأنه ليس فيه تبعيض الصاع (ولا يبعض الصاع) عن واحد من جنسين وإن تعدد المؤدي كشريكين في قن، وذلك؛ لظاهر الخبر، أما من نوعي جنس فيجوز
(4)
، أما تبعيض الصاع عن غير واحد كأن ملك
(1)
. خالفاه في التمر فاعتمدا أن الأرز خير منه.
(2)
. هو حب معتدل خلطه محمود نافع للمحموم، القاموس المحيط.
(3)
. هو ثمر النخلة التي يقال لها أم جرذان وإنما يقال له الكبيس إذا جف فإذا كان رطباً فهو أم جرذان، لسان العرب.
(4)
. ظاهره أن أنواع الجنس يقوم بعضها مقام بعض وإن غلب بعضها أو كان أنفع واعتمدا تقييد الجواز بما إذا كانا من الغالب.
وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ، وَالْأَفْضَلُ أَشْرَفُهَا. وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ. قُلْتُ: الْوَاجِبُ الحَبُّ السَّلِيمُ. وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ جَازَ كَأَجْنَبِيٍّ أَذِنَ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ. وَلَوِ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي عَبْدٍ لَزِمَ المُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ. وَلَوْ أَيْسَرَا وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
نصفي عبدين فيجوز أن يخرج نصف صاع يجب الإخراج منه عن نصف ونصف صاع أعلى من ذلك عن النصف الثاني. (ولو كان في بلد أقوات لا غالب فيها تخير) بينها فيخرج ما شاء منها (والأفضل أشرفها) أي أعلاها. (ولو كان عبده ببلد آخر فالأصح أن الاعتبار بقوت بلد العبد)؛ لما تقدم في التنبيه، (قلت: الواجب) إذا وجد الحب (الحب السليم) أي من عيب ينافي صلاحية الادخار والاقتيات كمسوس ومبلول إلا إن جف وعاد للصلاحية ودقيق وسويق وإن اقتاته ولم يكن له سواه وقديم تغير طعمه أو لونه أو ريحه وإن كان هو قوت البلد وحينئذٍ يلزمه إخراج السليم من غالب قوت أقرب المحال إليهم، وقد صرحوا بأن ما لا يجزئ لا فرق بين أن يقتاتوه وأن لا. (ولو أخرج) الأب أو الجد (من ماله
(1)
فطرة) أو زكاة مال من هو تحت ولايته من (ولده الصغير) أو المجنون أو السفيه (الغني جاز) ورجع عليه إن نوى الرجوع (كأجنبي أذن) فإنها تجزئه إن نوى الآذن أو المخرج بعد تفويض النية إليه، أما الوصي أو القيم فلا يجوز له ذلك -كأب لا ولاية له- إلا إن استأذن الحاكم فإن فقد فلكل أي من الوصي والقيم إخراجها من عنده، نعم يجزئ أداؤهما لدينه من غير إذن قاض (بخلاف) الولد (الكبير) الرشيد فلا يجوز أن يخرج عنه بغير إذنه; لأن الأب لا يستقل بتمليكه بخلاف الصغير فكأنه ملَّكه فطرته ثم أخرجها عنه. (ولو اشترك موسر ومعسر في عبد) نصفين مثلاً (لزم الموسر) فقط (نصف صاع، ولو أيسرا واختلف واجبهما) باختلاف قوت محليهما بناء على الضعيف (أخرج كل واحد نصف صاع من واجبه في الأصح، والله أعلم). أما على الأصح أن العبرة ببلد المؤدَّى عنه فيخرِج كلٌّ من قوت محل الرقيق.
(1)
. أما إخراجها من مال الابن فسيأتي الكلام عليها في الباب الآتي وقبيل الصلح.
باب مَن تلزمه الزكاة وما تجب فيه
شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ المَالِ: الْإِسْلَامُ وَالحُرِّيَّةُ، وَتَلْزَمُ المُرْتَدَّ إنْ أَبْقَيْنَا مِلْكَهُ، دُونَ المُكَاتَبِ
(باب مَن تلزمه الزكاة وما تجب فيه)
أي شروط الزكاة وموانعها، (شرط) وجوب إخراج (زكاة المال) بخلاف زكاة الفطر؛ لما مرّ (الإسلام)؛ لقول الصديق رضي الله عنه في كتابه ((هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين))، فلا تجب على كافر أصلي وجوب مطالبة في الدنيا بل وجوب عقاب عليها في الآخرة ويسقط عنه بإسلامه ما مضى ترغيبا فيه
(1)
، (و)، أما شرط أصل الخطاب فهو (الحرية) فلا تجب على من فيه رق؛ لضعف ملكه أو عدمه، (وتلزم المرتد) قبل وجوبها
(2)
(إن أبقينا ملكه) لا إن أزلناه وهما ضعيفان والأصح أنه موقوف فتوقف هي أيضا فإن أسلم أخرج لما مضى من الأحوال في الردة؛ لتبين بقاء ملكه، ويجزئ إخراجها في ردته وإن اتصلت بموته، وتجب نيته حينئذٍ أي نية تمييز كما مرّ وإلا بان زواله من حين الردة فلم يتعلق به زكاة، وحينئذ فلو كان أخرج في ردته رجع على آخذها ممن لا حق له في الفيء وإن لم يعلم الآخذ الحال، أما إذا وجبت الزكاة ثم ارتد فتؤخذ من ماله مطلقا (دون المكاتب)؛ لضعف ملكه عن احتمال المواساة، ويشترط كما يأتي تمام الملك فلا زكاة على مكاتبه أيضا، ويشترط أيضا كونه لمعين حر فلا زكاة في مال مسجد نقد أو غيره ولا في موقوف مطلقا ولا في نتاجه وثمره إن كان على جهة أو نحو رباط أو قنطرة بخلافه على معين كما مر، وتيقن وجوده فلا يُزَكَّى مال الجنين الموقوف له بإرث أو وصية وإن بانت حياته; لعدم الثقة بحياته، ولو انفصل ميتا لم تجب
(1)
. ومثله سائر الفروع المجمع عليها.
(2)
. أما إذا وجبت ثم ارتد فتؤخذ مطلقا.
وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ. وَكَذَا مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الحُرِّ نِصَابًا فِي الْأَصَحِّ، وَفِي المَغْصُوبِ وَالضَّالِّ وَالمَجْحُودِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ
على بقية الورثة زكاة المال الموقوف؛ لضعف ملكهم. (وتجب في مال الصبي
(1)
والمجنون) والمحجور عليه بسفه، والولي مخاطب بإخراجها منه وجوبا إن اعتقد الوجوب سواء العامي
(2)
وغيره، ولا عبرة باعتقاد المولى، ولا باعتقاد أبيه غير الولي؛ لخبر ((ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة))، ولا يعذر ولي المحجور إن رأى وجوبها وإن نهاه الإمام عن إخراجها فإن خافه أخرجها سرا، نعم إذا غلب على ظنه أن الحاكم يغرمه ما أخرجه ولو سرا عُذر، ثم إنه إن لم يعتقد الولي الوجوب فالاحتياط أن يحسب زكاته حتى يبلغ فيخبره بها، فإن اعتقد الوجوب فالاحتياط في حقه أن يرفع الأمر إلى لقاضٍ يرى وجوبها فيلزمه بها حتى لا يُرفع بعدُ لحنفي يغرمه إيَّاها، فيخير بين الإخراج وإن كان فيه خطر التضمين برفعه لحنفي وبين الرفع لمن يلزمه به أو بعدمه
(3)
، ولو أخرها المعتقد للوجوب أثم ولزم المولى ولو حنفيا
(4)
إخراجها إذا كمل، ومرّ تفصيل إخراج المغشوش أو الخالص بالنسبة للمحجور، (وكذا من ملك ببعضه الحر نصابا في الأصح)؛ لتمام ملكه، (وفي المغصوب) والمسروق (والضال) ومنه الواقع في بحر والمدفون المنسي محله (والمجحود) العين وسيأتي الدين (في الأظهر)؛ لوجود النصاب والحول
(5)
، (ولا يجب دفعها حتى) يتمكن من المال -بأن يكون له به بينة أو يعلمه القاضي أو يقدر هو على خلاصه ولا حائل، ومَن عليه الدين موسرا به- أو (يعود) إليه فحينئذ يزكي للأحوال الماضية إن كانت الماشية سائمة ولم ينقص النصاب بما يجب إخراجه، فإذا كان نصابا فقط وليس عنده من جنسه ما يعوض قدر الواجب لم تجب زكاة ما زاد على
(1)
. ومعنى وجوبها في ماله ثبوتها في ذمته، ووجوب إخراجها من ماله على وليه، فإن بقيت إلى كماله- وإن تلف المال- لزمه إخراجها كما ذكره الشارح في كتاب الصلاة، وتقدم في زكاة الفطر جواز إخراج الأب والجد من مالهما زكاة مال ابنهما الصغير إن كان لهما ولاية عليه بخلاف غيرهما 3/ 325.
(2)
. فعند الشارح أن العامي له مذهب خلافا للرملي.
(3)
. ذكر ذلك الشارح آخر كتاب الحجر.
(4)
. خلافا للرملي.
(5)
. والعبرة بمستحق محل الوجوب لا التمكن كما ذكره الشارح في الغائب.
وَالمُشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ. وَتَجِبُ فِي الحَالِ عَنِ الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَكَمَغْصُوبٍ. وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ كَمَالِ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ، أَوْ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ وَفِي الجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ فَكَمَغْصُوبٍ،
الحول الأول، (والمُشْتَرَى قبل قبضه) إذا مضى حول من الملك، ويلزمه الإخراج حالا حيث
لا مانع من القبض، (وقيل فيه القولان) في نحو المغصوب؛ لعدم صحة التصرف فيه، ورُدَّ بأن الملحظ كونه في ملكه، نعم للثمن المقبوض قبل قبض المشتري المبيع حكم الأجرة فلا يلزمه إخراج زكاته ما لم يستقر ملكه عليه، والفرق بين هذا وما في المتن أن المشتري متمكن من الاستقرار بخلاف البائع. (وتجب في الحال عن الغائب إن قدر عليه) بأن سهل الوصول إليه ومضى زمن يمكنه الوصول إليه فيه; لأنه كمالٍ في صندوقه، ويجب الإخراج عنه في بلده فإن كان المال سائرا لم يجب الإخراج عنه حتى يصل لمالكه أو وكيله، وقضية قوله في الحال وجوب إخراجها فورا وهو ظاهر إن كان المال بمحل لا مستحق به وبلد المالك أقرب البلاد إليه أو أذن له الإمام في النقل، وأما في غير ذلك فيظهر أنه يلزمه التوكيل فورا لمن يخرجها ببلد المال ولا يتكل على أخذ القاضي أو الساعي لها
(1)
من المال; لأنه يمتنع على القاضي إخراج زكاة الغائبين (وإلا) يقدر عليه؛ لتعذر السفر إليه لنحو خوف أو انقطاع خبره أو للشك في سلامته (فكمغصوب) فإن عاد لزمه الإخراج لما مضى وإلا فلا، و العبرة في المعضوب ونحو الغائب بمستحقي محل الوجوب. (والدين إن كان) معشرا أو (ماشية) لا لتجارة كأن أسلم إليه في أربعين شاة ومضى عليه حول قبل قبضه (أو غير لازم كمال كتابة فلا زكاة) ; لعدم وجود الزَّهْو
(2)
في ملكه أو السوم. وخرج بغير اللازمِ اللازمُ والآيلُ للزوم فتجب الزكاة في إحالة المكاتب سيده بالنجوم للزومه، (أو عرضا) للتجارة (أو نقدا فكذا في القديم وفي الجديد إن كان حالا وتعذر أخذه لإعسار وغيره) كمطل أو غيبة أو جحود ولا بينة (فكمغصوب) نعم تتعلق بالذمة حتى أنه لا يصح الإبراء من قدرها منه
(3)
.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. قال ابن الإعرابي زها النبت يزهو إذا نبت ثمره و أزهى يزهي إذا احمر أو اصفر، لسان العرب.
(3)
. ويتخير المالك في إخراجها بين بلده وبين بلد المدين كما أفاده الشارح في كتاب قسم الصدقات 7/ 173.
وَإِنْ تَيَسَّرَ وَجَبَ تَزْكِيَتُهُ فِي الحَالِّ، أَوْ مُؤَجَّلًا فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ، وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ: يَمْنَعُ فِي المَالِ الْبَاطِنِ، وَهُوَ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الحَوْلُ فِي الحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ. وَلَوِ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ قُدِّمَتْ،
(وإن تيسر) بأن كان على مقر مليء باذل أو جاحد وبه بينة أو يعلمه القاضي أو تسير له الظفر بقدره من غير ضرر
(1)
(وجبت تزكيته في الحال) -وإن لم يقبضه-; لأنه قادر على قبضه، (أو مؤجلا) ثابتا على مليء حاضر (فالمذهب أنه كمغصوب، وقيل يجب دفعها قبل قبضه) كغائب يسهل إحضاره وهو مردود، ثم إنه على تعلق الزكاة بعين المال -الآتي- يملك المستحقون من الدين ما وجب لهم ومع ذلك يدعي المالك بالكل ويحلف أنه يستحق قبضه; لأن له ولاية القبض، وينبغي للحاكم إذا غلب على ظنه أن الدائن لا يؤدي الزكاة فما قبضه ولا أداها قبلُ أن ينزع قدرها ويفرقها على المستحقين، ولا يجوز جعل دينه على معسر من زكاته إلا إن قبضه منه ثم نواها قبل أو مع الأداء إليه أو يعطيه من زكاته ثم يردها إليه عن دينه من غير شرط. (ولا يمنع الدين) الذي في ذمة من بيده نصاب فأكثر (وجوبها) عليه (في أظهر الأقوال)؛ لإطلاق النصوص، أما لو زاد المال على الدين بنصاب فتجب زكاته قطعا كما لو كان له ما يوفيه غير ما بيده، (والثالث يمنع في المال الباطن، وهو النقد) ولو غير مضروب ومنه الركاز (والعرض) وزكاة الفطر دون الظاهر، (فعلى الأول لو حجر عليه لدين فحال الحول في الحجر فكمغصوب) ; لأن الحجر حائل عن المال، فإن عاد له المال بإبراء أو نحوه أخرج لما مضى وإلا فلا، هذا إن لم يعين القاضي لكل غريم عينا ويُمَكِّنه من أخذها على ما يقتضيه التقسيط فإن فعل وعيّن لكلّ من جنس دينه ولم يتفق الأخذ حتى حال الحول فلا زكاة قطعا وإن لم يأخذوه
(2)
. (ولو اجتمع زكاة) أو حج أو كفارة أو نذر (ودين آدمي في تركة) وضاقت عنهما (قدمت) الزكاة
(3)
أو نحوها وإن تأخر تعلقها؛ للخبر الصحيح (( .. فدين الله أحق بالقضاء))، نعم الجزية والدين يستويان; لأنها فيها معنى الأجرة. وخرج بـ ((تركةٍ)) اجتماع ذلك على حي
(1)
. خلافا للمغني في هذا الأخير ووفاقا للنهاية.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للأسنى والمغني.
(3)
. أي ولو زكاة فطر فتقدم على الدين كما في النهاية والمغني خلافا للشارح وشيخ الإسلام.
وَفِي قَوْلٍ الدَّيْنُ، وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ. وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إنِ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ حَوْلٌ، وَالجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ، وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ المَجْمُوعُ فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الخُلْطَةِ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ
ضاق ماله فإن لم يحجر عليه قدمت الزكاة جزما وإلا قدم حق الآدمي جزما ما لم تتعلق الزكاة بالعين فتقدم مطلقا، (وفي قول الدين، وفي قول يستويان)، ولو اجتمعت الزكاة ونحو كفارة قدمت الزكاة إن تعلقت بالعين بأن بقي النصاب وإلا بأن تلف بعد الوجوب والتمكن استوت مع غيرها فيوزع عليهما.
(والغنيمة قبل القسمة) وبعد الحيازة وانقضاء الحرب (إن اختار الغانمون) المسلمون (تملكها ومضى بعده حول والجميع صنف زكوي وبلغ نصيب كل شخص نصابا أو بلغه المجموع في موضع ثبوت الخلطة) بشروطها وأن يكون بلوغ النصاب بدون الخمس (وجبت زكاتها) كسائر الأموال (وإلا) بأن لم يختاروا تملكها أو لم يمض حول أو مضى وهي أصناف أو صنف غير زكوي أو زكوي ولم يبلغ نصابا أو بلغه بالخمس (فلا) زكاة فيها؛ لعدم الملك أو ضعفه في الأولى وعدم الحول في الثانية وعدم علم كل منهم بما يصيبه وكم يصيبه في الثالثة وعدم المال الزكوي في الرابعة وعدم بلوغه نصابا في الخامسة وعدم ثبوت الخلطة في السادسة. (ولو أصدقها نصاب سائمة) ومثله المعشرات إن وقع الزهو في ملكها
(1)
(معينا) أو بعضه ووجدت خلطة معتبرة (لزمها زكاته إذا) قصدت سومه و (تم حول من الإصداق) وإن لم يقع وطء ولا قبض; لأنها ملكته بالعقد ملكا تاما، أما غير السائمة فلا فرق فيه بين المعين وغيره، وأما السائمة التي في الذمة فلا زكاة فيها؛ لانتفاء السوم كما مر، وكالإصداق الخلع والصلح ومال الجعالة بعد فراغ العمل.
(1)
. كما مر في قول المصنف ((والدين إن كان ماشية))
…
الخ.
وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ عِشْرِينَ، وَلِتَمَامِ الثَّانِيَةِ زَكَاةَ عِشْرِينَ لِسَنَةٍ، وَعِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ، وَلِتَمَامِ الثَّالِثَةِ زَكَاةَ أَرْبَعِينَ لِسَنَةٍ، وَعِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلِتَمَامِ الرَّابِعَةِ زَكَاةَ سِتِّينَ لِسَنَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَرْبَعٍ، وَالثَّانِي يُخْرِجُ لِتَمَامِ الْأُولَى زَكَاةَ الثَّمَانِينَ.
(ولو أكرى دارا) يملك منفعتها (أربع سنين بثمانين دينارا) معينة أو في الذمة (و) قدر على أخذها أو (قبضها) لم يستقر ملكه إلا على كل جزء بمضي ما يقابله من الزمن، وحينئذ (فالأظهر أنه لا يلزمه أن يخرج إلا زكاة ما استقر) دون ما لم يستقر؛ لضعف ملكه له لتعرضه للسقوط بانهدام أو نحوه، وإذا لم يلزمه أن يخرج إلا زكاة ما استقر وقد تساوت أجرة السنين وبقي المقبوض بملكه إلى تمام المدة وتعلقت الزكاة بذمته لا بالعين وأراد الإخراج من غير المقبوض معجلا بشرطه
(1)
أو من غيره مما لزمت الزكاة فيه وكان من جنس الأجرة، (فيخرج عند تمام السنة الأولى زكاة عشرين) وهي نصف دينار؛ لأنها التي استقر عليها ملكة الآن (ولتمام الثانية زكاة عشرين) وهي التي زكاها (لسنة) وهي نصف دينار (وعشرين) وهي التي استقرت الآن (لسنتين) وهي دينار (ولتمام الثالثة زكاة أربعين) وهي التي زكاها (لسنة) وهي دينار (وعشرين لثلاث سنين) وهي التي استقر عليها مالكه الآن وهي دينار ونصف (ولتمام الرابعة زكاة ستين) وهي التي زكاها (لسنة) وهي دينار ونصف (وعشرين) وهي التي استقرت الآن (لأربع) وهي ديناران، أما إذا تفاوتت فيزيد القدر المستقر في بعضها وينقص في بعضها، وأما إذا تعلقت الزكاة بالعين كأن أدى من عين المقبوض فلا تجب في كل عشرين إلا السنة الأولى فقط أما في غيرها فالواجب أقل من عشرين.
[تنبيه] إذا أوجرت أربع سنين بمائة وقد أدى من غيرها فأول الحول الثاني بالنسبة لما ملكه المستحقون من حين أداء الزكاة
لا من أول السنة؛ لأنه باقٍ على ملكهم إلى حين الأداء
(2)
(و) القول (الثاني يخرج لتمام الأولى زكاة الثمانين) ; لأنه ملكها ملكا تاما.
(1)
. إنما قال بشرطه؛ لأن من لا يعلم أن ما ملكه نصابا لا يجزئه في غير زكاة التجارة التعجيل، فلو عجل في الحول الأول فوق قسطه لم يجز؛ لأن الحول لم ينعقد في الزائد أو عجل زكاة دون قسط الأول كعشرين وقسطه خمسة وعشرين فإن كان بعد مضي أربعة أخماس الحول جاز أو قبله لم يجز.
(2)
. ذكره الشارح قبل باب الصوم 3/ 363.
فصل
تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ، وَذَلِكَ بِحُضُورِ المَالِ وَالْأَصْنَافِ. وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ المَالِ الْبَاطِنِ وَكَذَا الظَّاهِرُ عَلَى الجَدِيدِ، وَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَالصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ،
(فصل
(1)
في أداء الزكاة
(تجب الزكاة) أي أداؤها (على الفور) بعد الحول؛ لحاجة المستحقين إليها (إذا تمكن) وإلا كان التكليف بالمحال، فإن أخر أثم وضمن إن تلف، نعم إن لم يشتد ضرر الحاضرين وأخر لانتظار قريب أو جار أو أحوج أو أصلح أو لطلب الأفضل من تفرقته بنفسه أو تفرقة الإمام أو للتروِّي عند الشك في الاستحقاق لم يأثم لكنه يضمنه إن تلف، ومر أن الفطرة تتوسع إلى آخر يوم العيد (وذلك بحضور المال) مع نحو التصفية للمعشر والمعدن، ومع عدم الاشتغال بمهم ديني أو دنيوي كأكل وحمام، أو بمضي مدة بعد الحول يتيسر فيها الوصول لغائب (والأصناف) أو نائبهم كالساعي أو بعضهم فهو متمكن بالنسبة لحصته حتى لو تلفت ضمنها. (وله) أي للمالك الرشيد أو ولي غيره (أن يؤدي بنفسه زكاة المال الباطن) وليس للإمام طلبها، نعم يلزمه إذا علم أو ظن أن المالك لا يزكي أن يقول له ما يأتي، (وكذا الظاهر
(2)
وهو المواشي والمعشر والمعادن (على الجديد)، ومحل الخلاف إن لم يطلب الإمام من الظاهر وإلا وجب الدفع له اتفاقا ولو جائرا وإن علم أنه يصرفها في غير مصارفها، (وله) والأفضل بنفسه (التوكيل) فيها لرشيد وكذا لنحو كافر ومميز وسفيه إن عين له المدفوع له
(3)
(و) له (الصرف إلى الإمام) أو الساعي; لأنه نائب المستحقين فيبرأ بالدفع له وإن قال -أي الإمام- آخذها منك وأنفقها في الفسق; لأنه لا ينعزل به. ويلزمه إذا ظن من إنسان عدم
(1)
. رد الشارح ما استرضاه في المغني من أولوية التعبير بالباب هنا.
(2)
. وإظهار الزكاة سواء كانت ظاهره أو باطنة أفضل من اخفائها كما اعتمده الشارح في كتاب قسم الصدقات 7/ 179.
(3)
. وكان بحضرة وليه؛ لئلا يتلفه كما يأتي.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِرًا. وَتَجِبُ النِّيَّةُ فَيَنْوِي هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي، أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي وَنَحْوَهُمَا، وَلَا يَكْفِي هَذَا فَرْضُ مَالِي، وَكَذَا الصَّدَقَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ المَالِ، وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ، وَتَكْفِي نِيَّةُ المُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْأَصَحِّ، ..
إخراجها أن يقول له ((أدها وإلا فادفعها لي لأفرقها)) فيكلفه الإمام أحد الأمرين ولا يكفي وعده، (والأظهر أن الصرف إلى الإمام) فيما إذا كان المال الزكوي باطنا (أفضل) ; لأنه أعرف وأقدر على الاستيعاب (إلا أن يكون جائرا) في الزكاة فالأفضل أن يفرق بنفسه، أما الظاهر فيندب الدفع إليه ولو جائراً. (وتجب النية)؛ لخبر ((إنما الأعمال بالنيات)) (فينوي هذا فرض زكاة مالي أو فرض صدقة مالي ونحوهما) كهذا زكاة مالي المفروضة، والتقييد بالفرض أو الواجب لبيان الأفضل؛ إذ لو اقتصر على نية الزكاة كهذه زكاة كفى; لأنها لا تكون إلا فرضا، (ولا يكفي فرض مالي)؛ لصدقه بالكفارة والنذر (وكذا الصدقة في الأصح)؛ لصدقها بصدقة التطوع. (ولا يجب تعيين المال) في النية، فلو كان عنده خمس إبل وأربعون شاة فأخرج شاة ناويا الزكاة ولم يعين أجزأ، وإن ردد فقال هذه أو تلك فإن تلف أحدهما أو بان تلفه جعلها عن الباقي، (ولو عين لم يقع عن غيره) وإن بان المعين تالفا; لأنه لم ينو عن ذلك الغير، ومن ثم لو نوى إن كان تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره، ولو شك في زكاة في ذمته فأخرج عنها إن كانت وإلا فمعجل عن زكاة تجارته مثلا لم يجزئه عما في ذمته إن بان الحال ولا عن تجارته؛ لتردده في النية، وله الاسترداد إن علم القابض الحال وإلا فلا، أما إن لم يبن الحال فتجزئه؛ للضرورة. ولو أخرج أكثر مما عليه بنية الفرض والنفل من غير تعيين لم يجزئ أو الفرض فقط صح ووقع الزائد تطوعا. (ويلزم الولي النية إذا أخرج زكاة الصبي والمجنون) والمغمى عليه والسفيه; لأنه قائم مقامه، وله تفويض النية للسفيه; لأنه من أهلها، فإن دفع الولي بلا نية لم تقع الموقع وضمن ما دفعه، (وتكفي نية الموكل عند الصرف إلى الوكيل
(1)
عن نية الوكيل عند الصرف إلى المستحقين، فإن لم ينو فوضه في النية بشرط كون الوكيل المفوَّض أهلا لا كافرا وصبيا غير مميز
(2)
وقنا (في الأصح)؛
(1)
. ولو قال له أدَّ زكاتي قبل أن تتعلق بذمته رجع عليه وإن لم يشترط الرجوع كما أفاده الشارح في القرض 5/ 40.
(2)
. فيجوز في المميز خلافا لشرح الروض والرملي وضرب الشارح في بعض نسخ التحفة على لفظة غير.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ أَيْضًا، وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُجْزِ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ،
لوجود النية من المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله، ولو نوى الموكل عن تفرقه الوكيل جاز قطعاً، وتجوز نيته أيضا عند عزل قدر الزكاة وبعده إلى التفرقة منه أو من غيره، ومن ثم لو قال لغيره تصدق بهذا ثم نوى الزكاة قبل تصدقه أجزأ عنها، ويجوز أن يوكل
(1)
المستحق شخصا آخر في قبض زكاةٍ له -أي ما دام المستحق في البلد إن لم يملكها لانحصاره وإلا فمطلقا- ثم يملك الموكِّل إن نوى الدافع والوكيل الموكِّل أو نواه الوكيل ولم ينو الدافع شيئا، فإن قصد نفسه وهو مستحق وقصد الدافع موكله فلا يملكه واحد منهما، وإن قصده الدافع ولم يقصد الوكيل شيئا ملكه، أو قصد موكله لم يملكه واحد منهما
(2)
. ولو أفرز قدرها بنيتها لم يتعين لها إلا بقبض المستحق لها بإذن المالك
(3)
سواء زكاة المال والبدن، بل لو انحصر المستحقون انحصارا يقتضي ملكهم لها قبل القبض لم يجز لهم الاستبداد بقبض الزكاة؛ لأن ملكهم في عموم المال مشاع
(4)
. ولو قال لآخر اقبض ديني من فلان وهو لك زكاة لم يكف حتى ينوي هو بعد قبضه ثم يأذن له في أخذها. ويأتي أول الدعاوى أنه لا ظفر في الزكاة. ولو وكل في إخراج فطرته أو التضحية عنه لم ينعزل بخروج وقتهما، (والأفضل أن ينوي الوكيل عند التفريق أيضا)؛ مراعاة للخلاف. (ولو دفع إلى السلطان) أو نائبه كالساعي (كفت النية عنده) وإن لم ينو السلطان عند الصرف; لأنه نائب المستحقين، ولهذا أجزأت وإن تلفت عنده بخلاف الوكيل، (فإن لم ينو) المالك عند الدفع للسلطان أو نائبه (لم يجز على الصحيح
(5)
وإن نوى السلطان) من غير إذن له في النية؛ لما تقرر أنه نائبهم.
(1)
. وتحصل بقول المستحق أعطه فلانا لي.
(2)
. ذكره الشارح في الوكالة.
(3)
. غير شرط عند النهاية تبعا لوالده.
(4)
. هذا ما يظهر أن الشارح اعتمده لتعبيره بكما بل هو صريح كلام الشارح في القضاء.
(5)
. اعتمد الرملي أن محله ما لم ينو المالك بعد الدفع إليه وقبل صرفه، وإلا أجزأ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ المُمْتَنِعِ، وَأَنَّ نِيَّتَهُ تَكْفِي.
(والأصح أنه يلزم السلطان النية) عند الأخذ
(1)
(إذا أخذ زكاة الممتنع) فإن لم يجد الواجب باع بعض ماله واشترى به واجبه
(2)
(وأن نيته تكفي) عن نية الممتنع باطنا؛ لأنه لَمَّا قُهِر قام غيره مقامه كولي المحجور، أما ظاهرا
(3)
فيكفي جزما، نعم لو نوى الممتنع عند الأخذ منه قهرا كفى وبرئ باطنا وظاهرا.
[تنبيه] قبض الإمام للزكاة بحالة بين الولاية المحضة والوكالة
فله نظر عليهم دون نظر ولي اليتيم وفوق نظر الوكيل، وعليه فلو أعطى المزكي الإمام أو نائبه المكس بنية الزكاة فلا بد للإجزاء من علم الإمام بنيته وإلا لكان المالك هو الجاني؛ لتقصيره، وإن أعلمه أجزاءه إن أخذها الإمام باسم الزكاة لا بقصد نحو الغصب; لأنه بقصده هذا صارف لفعله عن أن يكون قبض زكاة، نعم إن أخذ المكس على أنه بدل عنها باجتهاد أو تقليد صحيح أجزأ
(4)
. وليس للقاضي إخراج زكاة الغائب.
(1)
. خلافا للشهاب الرملي من لزومها عند الصرف.
(2)
. ذكره الشارح في فصل التعجيل.
(3)
. بمعنى أنه لا يطالب بها ثانيا.
(4)
. ذكره الشارح في زكاة النبات.
فصل
لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَلَى مُلْكِ النِّصَابِ، وَيَجُوزُ قَبْلَ الحَوْلِ، وَلَا تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ قَبْلَهُ. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ،
(فصل) في التعجيل وتوابعه
(لا يصح تعجيل الزكاة) العينية (على مُلْكِ النصاب
(1)
كما إذا ملك مائة فأدى خمسة لتكون زكاة إذا تم المال مائتين وحال الحول؛ لفقد سبب الوجوب، أما غير العينية كأن اشترى للتجارة عرضا قيمته مائة فعجل عن مائتين أو أربعمائة مثلا وحال الحول وهو يساويهما فيجزئه. ولو ملك مائة وعشرين شاة فعجل عنها شاتين -وميز واجب المائة وعشرين من واجب المائة وواحد وعشرين
(2)
- ثم أنتج بعضها سخلة قبل الحول لم تجزئ المعجلة عن النصاب الذي كمل. (ويجوز) التعجيل للمالك دون نحو الولي (قبل الحول)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((رخَّص للعباس فيه قبل الحول))، ويشترط للتعجيل انعقاد الحول وذلك بأن يملك النصاب في غير التجارة، أما التجارة فالشرط أن توجد نيتها مقارنة لأول تصرف (ولا تعجل لعامين) فأكثر (في الأصح) ; لأن زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها فكان كالتعجيل قبل كمال النصاب، وإذا عجل لعامين أجزأه ما يقع عن الأول إن ميّز
(3)
واجب كل سنة; لأن المجزئ شاة معينة لا مشاعة ولا مبهمة. (وله تعجيل الفطرة من أول رمضان)؛ للاتفاق على جوازه
(4)
بيومين فألحق بهما البقية؛ إذ لا فارق، ولوجوبها بسببين الصوم والفطر وقد وجد أحدهما (والصحيح منعه قبله)؛ لأنه تقديم على السببين معاً (وأنه لا يجوز إخراج زكاة الثمر قبل بدو صلاحه،
…
(1)
. تقدم قبيل فصل أداء الزكاة أنه لا يجزئ التعجيل لمن لا يعلم أن ما ملكه نصاب إلا في زكاة التجارة 3/ 342.
(2)
. لأن المجزئ عن الأول شاة معينة لا مبهمة.
(3)
. وافقه في هذا القيد الأسنى والمغني وخالفه النهاية.
(4)
. نعم أفاد الشارح في الوكالة صحة قول من قال لآخر قبل رمضان وكلتك في إخراج فطرتي وأخرجها في رمضان.
وَلَا الحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ، وَيَجُوزُ بَعْدَهُمَا. وَشَرْطُ إجْزَاءِ المُعَجَّلِ بَقَاءُ المَالِكِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ إلَى آخِرِ الحَوْلِ، وَكَوْنُ الْقَابِضِ فِي آخِرِ الحَوْلِ مُسْتَحِقًّا وَقِيلَ إنْ خَرَجَ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَاءِ الحَوْلِ لَمْ يُجْزِهِ. وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ
ولا الحب قبل اشتداده) ; لأن وجوبها بسبب البدو والاشتداد فامتنع التقديم عليه، وقبل الظهور يمتنع قطعا، (ويجوز بعدهما) ولو قبل الجفاف والتصفية
(1)
، ثم إن بان نقصٌ كمَّله أو زيادة فهي تبرع.
(وشرط إجزاء المعجل)
أوّلا (بقاء المالك أهلا
(2)
للوجوب) أي دوام شرط الوجوب.
وثانيا بقاء المال (إلى آخر الحول) أي وقت الوجوب، ولا يضر تلف المعجل، ويشترط أن لا يتغير الواجب وإلا كأن عَجَّل بنت مخاض عن خمس وعشرين فتوالدت وبلغت ستا وثلاثين قبل الحول لم تجزئ تلك وإن صارت بنت لبون بل يستردها ويعيدها أو يعطي غيرها.
(و) ثالثا (كون القابض في آخر الحول) أي وقت الوجوب (مستحقا) فلو زال استحقاقه كأن كان المال أو الآخذ آخر الحول بغير بلده
(3)
أو مات أو ارتد حينئذٍ لم تجزئ ويلزم المالك الدفع ثانيا، ولا يضر الشك في قيام المانع من الزكاة في المستحق بل لا بد من تحققه عند الوجوب
(4)
، (وقيل إن خرج عن الاستحقاق في أثناء الحول) وعاد في آخره (لم يجزه) كما لو لم يكن عند الأخذ مستحقا ثم استحق آخره، (ولا يضر غناه بالزكاة) المعجلة لنحو كثرة أو توالد ولو بها مع غيرها; لأن القصد بالدفع إليه إغناؤه أما غناه بغيرها وحده فيضر. ولو استغنى بزكاة أخرى معجلة أو غير معجلة ضر، وصورتها أن تتلف المعجلة ثم تحصل له زكاة يسد منها بدل المعجلة ثم يبقى منها ما يغنيه، أو تبقى ويكون حالة قبضهما محتاجا لهما ثم يتغير حاله عند الحول فصار يكفيه أحدهما وهما بيده. ولو اتفق حول معجلتين
(1)
. إن كان من نفس الثمر والحب خلافا للنهاية.
(2)
. ورد قولهما من أن التعبير بالأهلية ليس بجيد.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. فلو لم يكن الآخذ ببلد المال عند الوجوب لم يجزئ لمنع النقل خلافا لهما كالشهاب الرملي.
وَإِذَا لَمْ يَقَعِ المُعَجَّلُ زَكَاةً اسْتَرَدَّ إنْ كَانَ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاتِي المُعَجَّلَةُ فَقَطْ اسْتَرَدَّ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ لَمْ يَسْتَرِدَّ، وَأَنَّهُمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي مُثْبِتِ الِاسْتِرْدَادِ صُدِّقَ الْقَابِضُ بِيَمِينِهِ،
فالثانية أولى بالاسترجاع، ولو كانت إحداهما واجبه فالمسترجع المعجلة؛ لأن الواجبة لا يضر عروض المانع بعد قبضها. (وإذا لم يقع المعجل زكاة استرد إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع) أما قبل المانع فلا يسترد مطلقا، أو شرطه من غير مانع فلا يسترد بل لا يصح القبض أصلا
(1)
. (والأصح أنه لو قال هذه زكاتي المعجلة فقط استرد) ; لأنه عيّن الجهة فإذا بطلت رجع كالأجرة، وعِلْمُ القابض بالتعجيل كاف في الرجوع وإن لم يذكر كما أفاده قوله:(وأنه إن لم يتعرض للتعجيل ولم يعلمه القابض لم يسترد) الدافع؛ لتفريطه، ولا فرق في ذكر بين المالك والإمام، نعم إن علم المستحق بالتعجيل بعد القبض وقبل التصرف استرد.
[تنبيه] فرض ذلك في الزكاة يقتضي أنه لا يجري هذا التفصيل في غيرها مما له سببان فعجَّل عن أحدهما كأن ذبح متمتع عقب فراغ عمرته ثم دفعه للمستحقين فبان أنه ممن لا يلزمه دم فلا يرجع مطلقا، (وأنهما لو اختلفا في مثبت الاسترداد صُدِّق القابض) ووارثه -لا الدافع- (بيمينه) ; لأن الأصل عدمه، وفيما لو اختلفا في علم القابض يحلف على نفي علمه بالتعجيل.
(1)
. خلافا لهما.
وَمَتَى ثَبَتَ وَالمُعَجَّلُ تَالِفٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ نَاقِصًا فَلَا أَرْشَ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً. وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ تَلِفَ المَالُ، وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا،
(ومتى ثبت) الاسترداد (والمعجل) باق تعين رده بعينه، أو (تالف وجب ضمانه) بالمثل في المثلي والقيمة في المتقوم; لأنه قبضه لغرض نفسه، (والأصح اعتبار قيمته يوم القبض) ; لأن ما زاد عليها يومئذ حصل في ملك القابض، (وأنه) أي المالك (لو وجده ناقصا) نقصَ صفةٍ كمرض وسقوط يد (فلا أرش
(1)
كأب رجع في هبته فرأى الموهوب ناقصا، أما نقصُ جزءٍ متميز كتلف أحد شاتين فيضمن بدله قطعا، (وأنه) يأخذ الزيادة المتصلة، و (لا يسترد زيادة منفصلة
(2)
كولد وكسب ولبن ولو بضرع وصوف وإن لم يُجَزَّ؛ لحصولها في ملكه، أما لو بان غير مستحق كقن فيرجع عليه بها وبأرش النقص مطلقا؛ لتبين عدم ملكه ولفساد قبضه وإن صار عند الحول مستحقا، وكذا يضمنهما لو وجد سبب الرجوع قبلهما أو معهما.
مسائل مناسبة للفصل
(وتأخير) المالك إخراج (الزكاة بعد التمكن) بحضور المال والأصناف كما مر (يوجب الضمان) أي إخراج قدر الزكاة
(3)
لمستحقيه
(4)
(وإن تلف المال)؛ لتقصيره بحبس الحق عن مستحقيه، والأصح أن التمكن شرط للضمان؛ إذ لو تأخر الإمكان مدة فابتداء الحول الثاني من تمام الأول، لا من الإمكان أي بالنسبة لما لم يملكه المستحقون أخذا مما مر في التنبيه المذكور في مسألة الدار. ولو حدث نتاج بعد الحول وقبل الإمكان ضم للأصل في الثاني دون الأول. (ولو تلف قبل التمكن) بلا تفريط سواء أكان تلفه بعد الحول أم قبله (فلا)
(1)
. هذا خارج عن قاعدة أن كل ما ضمن بالقيمة ضمن بعضه ببعضها كما أشار إلى ذلك الشارح في اختلاف المتبايعين.
(2)
. ويرجع عليه الآخذ بما أنفقه على الحيوان لإنفاقه بظن الوجوب لظن أنه ملكه كما أفاده الشارح في القرض 5/ 45.
(3)
. نعم يأتي أول كتاب الفرائض أنه لو مات وتلف النصاب بعد التمكن إلا قدر الزكاة كشاة من أربعين مات عنها فقط لم يقدِّم على الحقوق المتعلقة بالتركة إلا ربع عشرها.
(4)
. فهنا ضمن المتقوم بالمثل الصوري قاله الشارح في الغصب 6/ 25.
وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِسْطَ مَا بَقِيَ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالمَالِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ، وَفِي قَوْلٍ تَعَلُّقَ رَهْنٍ، وَفِي قَوْلٍ بِالذِّمَّةِ
يلزمه؛ لعدم تقصيره، (ولو تلف بعضه) أي بعض النصاب بعد الحول وقبل التمكن بلا تفريط (فالأظهر أنه يغرم قسط ما بقي) فإذا تلف واحد من خمسة أبعرة وجب أربعة أخماس شاة، أما لو تلف زائد على النصاب كأربعة من تسعة فالأصح أنه تجب شاة أيضا؛ لأن الوقص عفو، (وإن أتلفه) أي المالك ولو نحو مجنون، أو قَصَّر في دفع متلِف عنه كأن وضعه في غير حرزه (بعد الحول وقبل التمكن لم تسقط الزكاة
(1)
؛ لتعديه، ولو أتلفه أجنبي يضمن لزمه بدل قدر الزكاة من قيمة المتقوم ومثل المثلي للمستحقين
(2)
، ويأتي ذلك في زكاة الفطر فتستقر في ذمته بإتلافه المال قبل التمكن وبعده وكذا بتلفه بعد التمكن لا قبله. (وهي تتعلق بالمال) الذي تجب في عينه، وكذا تتعلق الدين كما مر، (تعلق شركة) بقدرها; لأنها تؤخذ من عينه قهرا عند الامتناع كما يقسم المال المشترك قهرا عند الامتناع من القسمة، وعليه إن كان الواجب من غير الجنس كشاة في خمس إبل ملك المستحقون منها بقدر قيمة الشاة، وإن كان من الجنس كشاة من أربعين فالواجب شائع أي ربع عشر كلٍّ وللمالك تعيين واحدة منها -مع نية إخراجها- أو من غيرها قطعا؛ رفقا به، وعلى القول بتعلق الشركة لا يتعدى التعلق لنحو لبن ونتاج حدث بعد الوجوب وقبل الإخراج، والمراد بتعلق شركة أن المغلب فيها ذلك؛ لقولهم يجوز ضمانها بالإذن واختلافهم في إحالة المالك للساعي بها وإن كان الراجح عدمه
(3)
، (وفي قول تعلق رهن) أي المغلب ذلك أيضا، (وفي قول بالذمة)؛ كالفطرة،
(1)
. [فائدة] ذكر الشارح في الفلس أنه لا يحبس موسر في زكاة تقبل السقوط بادعاء تلف ونحوه 5/ 142.
(2)
. وذكر الشارح قبيل زكاة النقد أنه إذا أتلف نصاب الماشية لزمه عين الحيوان الواجب وإن كانت الماشية متقومة، أما لو أتلفه أجنبي فتلزم القيمة وذكر الشارح هناك أيضا ما يتعين استحضاره هنا 3/ 361 - 362.
(3)
. هذا نص الشارح في باب الحوالة.
فَلَوْ بَاعَهُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ فِي قَدْرِهَا، وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي.
(فلو باعه) أي الجميع الذي تعلقت به (قبل إخراجها فالأظهر) ظاهر المتن أن هذا يتفرع على الوجهين السابقين في الشركة من الإشاعة والإبهام لكن الأصح أنا إن قلنا الواجب مشاع صح في غير قدر الزكاة أو مبهم بطل في الكل (بطلانه في قدرها) -من المبيع سواء أكان المال زكوي أم بعضه-; لأن بيع ملك الغير من غير مسوغ له باطل فيطالب المشتري كلٌّ من الفقراء والساعي وإن أفرز المالك قدرها، وطريق براءة المشتري أن يرد قدر زكاة ما قبضه على البائع أو يستأذنه في إخراجها أو يُعْلِم الإمام أو الساعي ليأخذها منه فإن فعل ذلك وبرئ انقطع تسلط الساعي على ما بقي بيد المشتري، أما إن تعذر ذلك فيحفظها إلى تيسر المالك أو الساعي، ومنه القاضي إن لم يُفوَّض أمر الزكاة لغيره، فإن مات المالك -وقلنا للأجنبي أداء الزكاة عنه- فللمشتري إخراج قدرها من ماله وحينئذ فللورثة مطالبته بقدرها من المبيع؛ لأنه على ملك مورثهم والزكاة سقطت عنه. ثم إنه متى دفع المشتري قدرها رجع على البائع بحصته من الثمن إن قبضه، ويأتي ذلك فيما لو آجر أرضا للزرع وأخذ أجرتها من حبِّه قبل إخراج زكاته (وصحته في الباقي
(1)
فيتخير المشتري إن جهل؛ بناء على قولي تفريق الصفقة، ومن ثم اشترط العلم بقدر الواجب وإلا فتبطل في الكل، وبه يعلم البطلان في الكل في نحو خمسة أبعرة فيها شاة؛ لما مر أنهم شركاء بقدر قيمتها وذلك لا تمكن معرفته حتى يختص البطلان بما عداه; لأن التقويم تخمين. أما لو باع البعض فإن لم يبق قدرها فكبيع الكل وإن أبقاه فتبطل في قدرها أيضا؛ لأن حقهم شائع فأي قدر باعه كان حقه وحقهم، نعم إن قال بعتك هذا إلا قدرها صح فيما عداها أي قطعا، ثم الأوجه اشتراط معرفة المتبايعين لقدرها من نحو عشر أو نصفه أو ربعه.
[تنبيه] جميع ما مر في زكاة الأعيان -إلا الثمر بعد الخرص والتضمين؛ لما مر من صحة تصرف المالك فيه حينئذ- أما زكاة التجارة فيصح بيع الكل ولو بعد الوجوب لكن بغير محاباة; لأن متعلق هذه الزكاة القيمة وهي لا تفوت بالبيع، فإن باعه بمحاباة بطل البيع فيما قيمته قدر الزكاة من المحاباة وإن أفرز قدرها، وكذا لو وَهَب أو أعتق قنّها وهو غير موسر.
(1)
. ويأتي أنه تصح قسمة الإفراز فيما تعلقت الزكاة به قبل إخراجها ثم يخرج كلٌّ زكاة ما آل إليه ولا تتوقف صحة تصرف من أخرج على إخراج الآخر.
كتاب الصيام
يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، أَوْ رُؤْيَةِ الهِلَالِ،
(كتاب الصيام)
هو لغةً: الإمساكُ، وشرعاً: الإمساك الآتي بشروطه الآتية.
وأركانه النية والإمساك والصائم
(1)
، وثواب الناقص والكامل منه واحدٌ في فضل رمضان جملة إلا أن ليوم الثلاثين في ثواب واجبه ومندوبه عند سحوره وفطره زيادة يفوق بها الناقص. (يجب صوم رمضان) إجماعاً، وهو معلوم من الدين بالضرورة. وهو أفضل الأشهر حتى من عشر الحجة؛ للخبر الصحيح ((رمضان سيد الشهور))، نعم يوم عرفة أفضل أيام السنة. ولا يكره قول رمضان بدون ((شهر))؛ للأخبار الكثيرة فيه (بإكمال شعبان ثلاثين) حتى لو كان كماله بناءً على رؤية لم يثبت بها هلال شعبان لكن في حق الرائي نفسه (أو رؤية الهلال) بعد الغروب -لا بواسطة نحو مرآة- ليلة الثلاثين منه بخلاف ما إذا لم ير وإن أطبق الغيم؛ لخبر البخاري ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). وكهذين الخبرُ المتواتر برؤيته
(2)
ولو من كفار؛ لإفادته العلم الضروري، وظَنُّ دخوله بالاجتهاد كما يأتي
(3)
، أو بالأمارة الظاهرة الدالة التي لا تتخلف عادة كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر، لا قول منجم وحاسب، ولا يجوز لأحد تقليدهما
(4)
، نعم لهما العمل بعلمهما ولكن لا يجزئهما
(5)
عن رمضان، ولا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قائلا غداً من رمضان؛ لبعد ضبط الرائي، ولا برؤية الهلال في رمضان وغيره قبل الغروب; لأن الشارع إنما أناط الحكم برؤيته بعده.
(1)
. إنما جعل الصائم ركنا؛ لأن ماهية الصوم لا وجود لها في الخارج وإنما تتعقل بتعقل الفاعل فجُعل ركنا؛ لتكون تابعة له بخلاف نحو الصلاة قاله الشارح في باب صفة الصلاة 2/ 4.
(2)
. أي فيجب الصوم لعموم الناس، وعند النهاية للمخبَر فقط.
(3)
. في أواخر فصل النية.
(4)
. خلافا للنهاية فيجب تقليدهما عنده.
(5)
. خلافا لهما.
وَثُبُوتُ رُؤْيَتِهِ بِعَدْلٍ، وَفِي قَوْلٍ عَدْلَانِ. وَشَرْطُ الْوَاحِدِ صِفَةُ الْعُدُولِ فِي الْأَصَحِّ، لَا عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ
(وثبوت) ولو في أثنائه
(1)
وعليه فيقضون اليوم الأول (رؤيته
(2)
في حق من لم يره تحصل بحكم القاضي بها بعلمه
(3)
، وكذا بحكم مُحَكَّم لكن بالنسبة لمن رضي بحكمه فقط، و (بـ) شهادة (عدل) -ولو مع إطباق غيم لا يحيل الرؤية عادة- بلفظ أشهد أني رأيت الهلال أو أنه هَلَّ أو نحوهما بين يدي قاض وإن لم تتقدم دعوى، ولا بد من نحو قوله ثبت عندي أو حكمت بشهادته لكن ليس المراد هنا حقيقة الحكم; لأنه إنما يكون على معين مقصود، ومن ثم لو ترتب عليه حق آدمي ادعاه كان حكما حقيقيا -ولا يكفي قوله
(4)
: ((إن غدا أو الليلة من رمضان)) -؛ للخبر الصحيح أن ابن عمر رضي الله عنهما رآه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به ((فصام وأمر الناس بصيامه)). ولا يجوز لمن لم يره الشهادة برؤيته أو بما يفيدها ككونه هلّ وإن استفاض عنده ذلك بل وإن أخبره بها عدد التواتر وعلم به ضرورة، ولا يُكَلَّف الشاهد ذكر صفة الهلال ولا محله، نعم إن ذكر محله مثلا وبان الليلة الثانية بخلافه فإن أمكن عادة الانتقال لم يؤثر وإلا علم كذبه فيجب قضاء بدل ما أفطروه برؤيته. ولو تعارضا في محله مثلا عُمِل باتفاقهما على أصل الرؤية، ثم إن محل ثبوته بعدل إنما هو في الصوم وتوابعه كالتراويح والاعتكاف دون نحو طلاق وحلول دين مؤجل عُلِّق به، نعم إن تعلق بالرائي عومل به، وكذا إن تأخر التعليق عن ثبوته بعدل
(5)
، (وفي قول عدلان. وشرط الواحد صفة العدول) في الشهادة الآتي (في الأصح، لا عبد وامرأة)، نعم يُكتفى بالمستور وهو من ظاهره التقوى ولم يُعَدَّل عند قاضٍ، وتقبل شهادة عدلين على شهادته. ولا أثر لتردد يبقى بعد الحكم بشهادته؛ للاستناد إلى ظن معتمد، نعم إن علم -غير القاضي- قادحا عمل به باطنا لا ظاهرا؛ لتعرضه للعقوبة، ويلزم الفاسقَ ومَن لا يُقْبَل العملُ برؤية نفسه، وكذا من اعتقد صدقه في إخباره
(1)
. بأن يشهد برؤيته في ليلة قبل الليلة التي رؤي فيها.
(2)
. واعتمد الشارح في شرح العباب فيما إذا اتفق الحساب على الاستحالة وعلى أن مقدماتها قطعية أنه لا تقبل الشهادة بالرؤية وخالفاه.
(3)
. وإن لم يكن القاضي مجتهدا خلافا للنهاية.
(4)
. فلا يكفي وإن علم أنه لا يرى الوجوب إلا بالرؤية أو كان موافقا لمذهب الحاكم.
(5)
. أي بأن ثبت بقول عدل ثم حصل التعليق به.
وَإِذَا صُمْنَا بِعَدْلٍ وَلَمْ نَرَ الهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ أَفْطَرْنَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً. وَإذَا رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ دُونَ الْبَعِيدِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْبَعِيدُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَقِيلَ بِاخْتِلَافِ المَطَالِعِ،
برؤية نفسه أو بثبوته في بلد متحد مطلعه سواء أول رمضان وآخره، بل عليه اعتماد العلامات بدخول شوال إذا حصل له اعتقاد جازم بصدقها كقناديل المقبرة فجر العيد، ومثله إخبار العدل الموجب للاعتقاد الجازم
(1)
(وإذا صمنا بعدل) ولو مستور العدالة (ولم نر الهلال بعد ثلاثين) يوما (أفطرنا) وجوبا (في الأصح وإن كانت السماء مصحية)؛ لإكمال العدد كما لو صمنا بعدلين. ولا يقبل رجوع العدل أو العدلين بعد الشروع في الصوم; لأن الشروع فيه كالحكم، وخرج بـ ((العدل)) ما لو صام شخص بقول من اعتقد صدقه
(2)
فلا يفطر بعد الثلاثين؛ لأنا صوَّمناه احتياطا فلا نفطره احتياطا أيضاً (وإذا رُئي) وثبت (ببلد لزم حكمه البلد القريب) قطعا; لأنهما كبلد واحد، أما إذا لم يثبت بالبلد الذي أشيعت رؤيته فيها فلا يثبت في القريبة منه إلا بالنسبة لمن صدَّق المخبر. ولابد من طريق يعلم بها أهل القريبة الثبوت فإن كان ثبت بنحو حكم فلا بد من اثنين يشهدان عند حاكم القريبة بالحكم ولا يكفي واحد وإن كان المحكوم به يكفي فيه الواحد; لأن المقصود إثباته الحكم بالصوم لا الصوم، أو بنحو استفاضة فلا بد من اثنين أيضا لذلك، فإن لم يكن بالبلد من يسمع الشهادة أو امتنع لم يثبت عندهم إلا بالنسبة لمن صَدَّق المخبِر بأن أهل تلك البلد ثبت عندهم ذلك، فعُلم أنه لو وجدت شروط الشهادة على الشهادة فشهد اثنان على شهادة الرائي -ولو واحدا- كفت إن كان ثَمَّ مَن يسمعها وإلا فلا تكفي إلا لمن صَدَّق المخبِر كما مر (دون البعيد في الأصح)؛ لخبر مسلم عن كريب ((استهل عليّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة فرآه الناس فصام معاوية ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فأخبرت ابن عباس بذلك فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية فقال: لا هكذا أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم)، (والبعيد مسافة القصر) ; لإناطة كثير من الأحكام بها، (وقيل باختلاف المطالع
(3)
.
(1)
. كما في الإمداد.
(2)
. خلافا لظاهر إطلاق النهاية.
(3)
. رد الشارح ما اعتمداه من أنه يلزم من الرؤية في البلد الشرقي الرؤية في البلد الغربي.
قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ عَلَى الْبَلَدَ الْآخَرِ فَسَارَ إلَيْهِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُمْ فِي الصَّوْمِ آخِرًا، وَمَنْ سَافَرَ مِنَ الْبَلَدِ الْآخَرِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ عَيَّدَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْمًا
(قلت: هذا أصح والله أعلم) ; لأن المناظر تختلف باختلافها ولا تعلق للهلال بمسافة القصر، والمراد باختلافها أن يتباعد المحلان بحيث لو رُئي في أحدهما لم ير في الآخر غالبا
(1)
. والشك في اختلافها كتحققه; لأن الأصل عدم الوجوب، ومحل عدم الوجوب مع الشكّ إن لم يبن آخرا اتفاقها وإلا وجب القضاء. ولو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية
(2)
فإن اتفق أهل الحساب على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة وإلا فلا.
[تنبيه] إذا أثبت مخالفٌ الهلالَ مع اختلاف المطالع لزمنا العمل بمقتضى إثباته
; لأنه صار من رمضان حتى على قواعدنا فيجب قضاء ما أفطرناه عملا بمطلعنا، والقضاء فوري؛ بناء على ما قاله المتولي أنه إذا ثبت أثناء يوم الشك أي ثلاثي شعبان -وإن لم يتحدث برؤيته- أنه من رمضان لزمه قضاؤه فورا. (وإذا لم نوجب) الصوم (على البلد الآخر)؛ لاختلاف مطالعهما (فسافر إليه من بلد الرؤية) إنسان لم يُعيّد (فالأصح أنه يوافقهم في الصوم آخرا) وإن كان قد أتم ثلاثين; لأنه بالانتقال إليهم صار مثلهم، أما إذا وصل تلك البلد في يومه
(3)
فلا يفطر
(4)
؛ لأن حقيقة الرؤية أقوى من استصحاب المنتقل إليهم
(5)
، وأما إذا أوجبنا الصوم على البلد الآخر بسبب اتفاق المطالع فيلزم أهل المحل المنتقل إليه الفطر آخراً ويقضون يوما إذا ثبت ذلك عندهم، وإلا لزمه الفطر كما لو رأى هلال شوال وحده، (ومن سافر من البلد الآخر) الذي لم يُرَ فيه (إلى بلد الرؤية عيّد) أي أفطر (معهم) وإن كان لم يصم إلا ثمانية وعشرين، يوما (وقضى يوما) إذا عيد معهم في التاسع والعشرين من صومه بخلاف ما إذا
(1)
. واعتمد النهاية أنها تحديدية والمغني أنه لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين فرسخا.
(2)
. خالفاه في التفصيل واعتمدا قبول الشهادة مطلقا.
(3)
. أي المختص به وهو اليوم الأول.
(4)
. خلافا لما نقله الحلبي عن الرملي.
(5)
. ذكره الشارح عند كلامه على قضاء الصلاة.
وَمَنْ أَصْبَحَ مُعَيِّدًا فَسَارَتْ سَفِينَتُهُ إلَى بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ أَهْلُهَا صِيَامٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ
عيد معهم يوم الثلاثين فإنه لا قضاء; لأنه يكون تسعة وعشرين (ومن أصبح معيدا فسارت سفينته إلى بلدة بعيدة) تخالفها في المطلع (أهلها صيام فالأصح أنه يمسك بقية اليوم)؛ لما تقرر أنه صار مثلهم.
فصل
النِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ. وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ التَّبْيِيتُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النِّصْفُ الْآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالجِمَاعُ بَعْدَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ إذَا نَامَ ثُمَّ تَنَبَّهَ
(فصل) في النية وتوابعها
(النية شرط) لصحة (للصوم)؛ لخبر ((إنما الأعمال بالنيات))، ومحلها القلب ولا تكفي باللسان وحده. ويصح تعقيبها بإن شاء الله إن قصد التبرك لا التعليق ولا إن أطلق، ولا يجزئ عنها التسحر وإن قصد به التقوي على الصوم ولا الامتناع من تناول مفطر خوف الفجر ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات التي يجب التعرض لها في النية; لأن ذلك يستلزم قصده غالبا
(1)
. (ويشترط لفرضه) كرمضان -أداءً وقضاءً- وكفارةٍ ومنذور وصوم استسقاء أمر به الإمام (التبييت) أي: إيقاع النية فيما بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ولو في صوم المميز; لأنه على صورة الفرض، وذلك لخبر ((مَن لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له))، ويشترط التبييت لكل يوم; لأنه عبادة مستقلة. ولو شك هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده لم يصح؛ لأن الأصل عدم وقوعها ليلا بخلاف ما لو نوى ثم شك هل طلع الفجر أو لا; لأن الأصل عدم طلوعه، ولو شك نهارا في النية أو التبييت صَحَّ وإن ذكر بعد مضي أكثره
(2)
، وكذا لو تذكر بعد الغروب
(3)
، (والصحيح أنه لا يشترط النصف الآخر من الليل)؛ لإطلاق التبييت في الخبر المتقدم، (وأنه لا يضر الأكل والجماع) وكل مفطر إلا الردة (بعدها) ; لأنه تعالى أباح الأكل إلى طلوع الفجر، (وأنه لا يجب التجديد إذا نام ثم تنبه) ; لأن النوم لا ينافي الصوم، ولو استمر للفجر لم يضر قطعاً، نعم لو قطع النية قبل الفجر احتاج لتجديدها قطعا، وإنما لم يؤثر قطعها نهارا; لأنها وجدت في وقتها من غير معارض.
(1)
. أسقطوا هذا القيد.
(2)
. وفاقا للأسنى وخلافا لهما في هذه الغاية.
(3)
. ولا يضر الشك بعد فراغ الصوم لمشقة الإعادة كما ذكره الشارح في سجود السهو 2/ 190.
وَيَصِحُّ النَّفَلُ بِنِيَّتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي قَوْلٍ، وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ حُصُولِ شَرْطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَيَجِبُ التَّعْيِينُ فِي الْفَرْضِ، وَكَمَالُهُ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانِ هَذِهِ السَّنَةِ للهِ تَعَالَى، وَفِي الْأَدَاءِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى الخِلَافُ المَذْكُورُ فِي الصَّلَاةِ،
(ويصح النفل بنيته قبل الزوال)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها يوما فقال ((هل عندكم من غَداء قالت: لا، قال: فإني إذا أصوم))، والغداء اسم لما يؤكل قبل الزوال
(1)
، (وكذا بعده في قول)؛ لعدم الفرق، (والصحيح اشتراط حصول شرط الصوم من أول النهار) أي من الفجر، نعم يُستثنى ما لو أصبح ولم ينو صوما فتمضمض ولم يبالغ فسبق الماء إلى جوفه ثم نوى صوم تطوع فيصح سواء قلنا يفطر بذلك أم لا. (ويجب التعيين في الفرض) بأن ينوي كل ليلة أنه صائم غدا عن رمضان أو النذر أو الكفارة وإن لم يعين سببها، فإن عين وأخطأ لم يجزئ، نعم لو تيقن أن عليه صوم يوم وشك أهو قضاء أو نذر أو كفارة أجزأه نية الصوم الواجب وإن كان مترددا؛ للضرورة ولم يلزمه الكل; لأن الأصل براءة الذمة، ومن ثم لو كانت الثلاثة عليه فأدى اثنين وشك في الثالث لزمه الكل، أما النفل فيصح بنية مطلقة، نعم يُشترط التعيين في الراتب كعرفة وما يتبعها مما يأتي كرواتب الصلاة؛ للكمال وحصول الثواب عليها بخصوصها لا لأصل الصحة، فلو نوى غيرها معها حصل؛ لأن القصد وجود صوم فيها، (وكماله) أي التعيين (أن ينوي صوم غد) وهذا واجب لا بد منه، ويكفي عنه عمومٌ يشمله كنية أول ليلة من رمضان ((صوم رمضان)) فيصح لليوم الأول (عن أداء فرض رمضانِ هذه السنة لله تعالى)؛ لصحة نيته اتفاقا حينئذ، واحتيج لإضافة رمضان إلى ما بعده; لأن قطعه عنها يُصَيِّر ((هذه السنة)) محتملا لكونه ظرفا لنويت فلا يبقى له معنى. (وفي الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى الخلاف المذكور في الصلاة
(2)
، نعم لا تجب نية الفرضية هنا; لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا والظهر قد تكون معادة، وعليه فلو نوى ولم يتعرض
(1)
. ويثاب ناوي الصوم ضحوة مثلا من أول النهار؛ لأن الصوم لا يتجزأ كما ذكره الشارح في باب الوضوء 1/ 226.
(2)
. وتقدم أنه يسن الإضافة إلى الله كالأداء والقضاء وأنه يصح الأداء بنية القضاء وعكسه إن عذر أو قصد المعنى اللغوي.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّنَةِ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَانٍ رُشَدَاءَ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ مِنْهُ. وَلَوِ اشْتَبَهَ صَامَ شَهْرًا بِالِاجْتِهَادِ،
للفرضية ثم بلغ قبل الفجر لم يلزمه التعرض لها. (والصحيح أنه لا يشترط تعيين السنة) ; لأن تعيين اليوم يغني عنه. (ولو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد) نفلا إن كان منه وإلا فمن رمضان صح له نفلا; لأن الأصل بقاؤه ما لم يبن من رمضان فلا يصح أصلا; لأن رمضان لا يقبل غيره، أو صوم غد (عن رمضان إن كان منه فكان منه لم يقع عنه) وإن زاد بعده وإلا فأنا متطوع أو حذف إن وما بعدها؛ لعدم الجزم بالنية، وجزمه به عن غير أصل ليس إلا حديث نفس (إلا إذا) قامت عنده قرينة تغلب على ظنه كونه منه كما مر في نحو إيقاد القناديل، ولا يضر إزالتها بعدُ النية
(1)
لإشاعة أن الهلال لم ير إذا بان بعد أنه رئي; لأن العبرة بظن كونه منه عند النية، وكأن (اعتقد) أي ظن، أما لو اعتقد جازما فمرّ أنه يجب عليه الصوم (كونه منه بقول من يثق به من عبد أو امرأة) ولو كان أحدهما غير رشيد (أو صبيان رشداء) أي لم يجرب عليهم الكذب أو صبي مميز كذلك، ولو أتى مع ظن ذلك بما يشعر بالتردد كأصوم عن رمضان فإن لم يكن منه فتطوع فإن زال ظنه بذكره لما يشعر بالتردد لم يصح، وإلا صح
(2)
، ولا ينافي هذا ما يأتي أن بكلام عدد من هؤلاء يتحقق يوم الشك الذي يحرم صومه; لأن الكلام هنا في صحة النية اعتمادا على خبرهم ثم إن بان أنه من رمضان لم يحتج لإعادتها وإلا كان يوم شك فلا يجوز له صومه، (ولو نوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان أجزأه إن كان منه) ; لأن الأصل بقاؤه، ولا أثر لتردد يبقى بعد حكم الحاكم. (ولو اشتبه) رمضان على نحو أسير أو محبوس (صام شهرا بالاجتهاد) كالقبلة، فلو صام بلا اجتهاد لم يجزئه وإن بان رمضان؛ لتردده ولو تحير لم يلزمه شيء؛ لعدم تيقن دخول الوقت.
(1)
. للشهاب الرملي تفصيل هنا يخالف بعضه كلام الشارح.
(2)
. وأطلقا كالشهاب الصحة هنا.
فَإِنْ وَافَقَ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ نَقَصَ وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا لَزِمَهُ يَوْمٌ آخَرُ، وَلَوْ غَلِطَ بِالتَّقْدِيمِ وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صَوْمُهُ، وَإِلَّا فَالجَدِيدُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ. وَلَوْ نَوَتِ الحَائِضُ صَوْمَ غَدٍ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ لَيلاً صَحَّ إِنْ تَمَّ لَهَا فِي اللَّيلِ أَكْثَرُ الحَيْضِ، وَكَذَا قَدْرُ العَادَةِ فِي الأَصَحِّ.
(فإن) بان له الحال وأنه وافق رمضان أجزأه ووقع أداء وإن كان نوى به القضاء
(1)
، أو (وافق ما بعد رمضان أجزأه وهو قضاء على الأصح)؛ لوقوعه بعد الوقت، أو وافق رمضان السنة القابلة وقع عنه وإن نوى به القضاء ولم يقع عن الماضي.
[فرع] لو لم يعرف الليل من النهار لزمه التحري والصوم ولا قضاء إذا لم يتبن له شيء
(2)
، فإن بان أنه كأن يصوم الليل لزمه القضاء قطعا، (فلو نقص وكان رمضان تاما لزمه يوم آخر)؛ بناء على أنه قضاء وفي عكس ذلك يفطر اليوم الأخير إذا عرف الحال، ولو وافق صومه شوالا حسب له تسعة وعشرون إن كمل وإلا فثمانية وعشرون أو الحجة حسب له ستة وعشرون إن كمل وإلا فخمسة وعشرون. (ولو غلط بالتقديم وأدرك رمضان لزمه صومه)؛ لتمكنه منه في وقته (وإلا فالجديد وجوب القضاء) ; لأنه أتى بالعبادة قبل الوقت، ولو لم يبن الحال فلا شيء عليه. (ولو نوت الحائض صوم غد قبل انقطاع دمها) أو قبل استحاضتها (ثم انقطع) أو استحاضت (ليلا صح إن تم لها في الليل أكثر الحيض)؛ لجزمها بأن غدها كله طهر، (وكذا قدر العادة) التي لم تختلف وهي دون أكثره (في الأصح) ; لأن الظاهر استمرار عادتها بخلاف ما إذا لم يتم لها ما ذكر أو اختلفت عادتها لعدم بناء نيتها على أصل صحيح، والنفاس كالحيض.
(1)
. أخذ ابن قاسم من كلام الروض والعباب الوقوع إذا ظن فوات رمضان سنة فنوى قضاءه فصادفه وكلام ابن القاسم يميل أنها نفس المسألة التي غيَّا بها الشارح.
(2)
. صنيع الشارح يدل على أنه راجع للمتن وصنيعهما يدل على أنه راجع للشرح.
فصل
شَرْطُ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ عَنِ الجِمَاعِ، وَالِاسْتِقَاءَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ بَطَلَ، وَإنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا لَوِ اقْتَلَعَ نُخَامَةً وَلَفَظَهَا فِي الْأَصَحِّ فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنَ الْفَمِ فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا، ..
(فصل) في بيان المفطرات
(شرط
(1)
صحة (الصوم) من حيث الفعل (الإمساك عن الجماع) إجماعا فيفطر به -وإن لم ينزل- إن علم وتعمد واختار، ويشترط هنا كونه واضحا فلا يُفْطِر به خنثى إلا إن وجب عليه الغسل، (والاستقاءة
(2)
؛ للخبر الصحيح ((من استقاء فليقض))، أي من عامد عالم مختار، أما ناسٍ وجاهل عذر لقرب إسلامه أو بعده عن عالمي ذلك ومُكْرَه فلا يفطرون بذلك، وكذا كل مفطِّر مما يأتي، ومن الاستقاءة نزعه لخيط ابتلعه ليلا
(3)
، ولذا فالمستحاضة عليها أن تترك الحشو نهارا وتقتصر على العصب محافظة على الصوم لا الصلاة
(4)
(والصحيح أنه لو تيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه بطل)؛ لأن الاستقاءة مفطرة لنفسها، (وإن غلبه القيء فلا بأس)؛ لخبر ((من ذرعه القي فلا شيء عليه))، (وكذا لو اقتلع نخامة) من الدماغ أو الباطن (ولفظها في الأصح) ; لأن الحاجة لذلك تتكرر فرُخِّص فيه، لكن يسن قضاء يوم ككل ما في الفطر به خلاف يُراعَى، أما إذا لم يقتلعها بأن نزلت من محلها من الباطن إليه أو قلعها بسعال أو غيره فلفظها فإنه لا يفطر قطعا، وأما لو ابتلعها مع قدرته على لفظها بعد وصولها لحد الظاهر فإنه يفطر قطعا، (فلو نزلت من دماغه وحصلت في حد الظاهر من الفم) وهو مخرج الحاء المهملة فما بعده باطن (فليقطعها
(5)
من مجراها وليمجها) إن أمكنه
(1)
. والمراد ما لابد منه؛ لأن الإمساك ركن للصوم كما مر.
(2)
. ولو خشي على نقد فله أن يبتلعه ليلا ولا يفطر بخروجه من فمه نهارا كما ذكره الشارح قبيل الكفارة.
(3)
. ويجوز له ذلك إن لم يجد من ينزعه منه كرهاً أو غفلة ولا حاكم يجبره على نزعه كما يفهم من كلام الشارح في كتاب الأيمان 10/ 57.
(4)
. كما مر.
(5)
. وإن ظهر بقطعها حرفان في الصلاة كما مر في شروط الصلاة 2/ 143.
فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَوَصَلَتِ الجَوْفَ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْ وُصُولِ الْعَيْنِ إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ وَالدَّوَاءَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ وَالمَثَانَةِ مُفْطِّرٌ بِالِاسْعَاطِ أَوِ الْأَكْلِ أَوِ الحُقْنَةِ أَوِ الْوُصُولِ مِنْ جَائِفَةٍ وَ مَأْمُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ مُفْطِّرٌ فِي الْأَصَحِّ.
وَشَرْطُ الْوَاصِلِ كَوْنُهُ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّهْنِ بِتَشَرُّبِ المَسَامِّ. وَلَا الِاكْتِحَالُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ،
(فإن تركها مع القدرة فوصلت الجوف) يعني جاوزت الحد المذكور (أفطر في الأصح)؛ لتقصيره بخلاف ما إذا لم تصل للظاهر وإن قدر على لفظها، وما إذا وصلت إليه وعجز عن ذلك، (وعن وصول العين) -وإن كانت أقل ما يدرك من نحو حجر- ولو بأمره لمن طعنه في جوفه، ولا يضر سكوته مع تمكنه من دفعه، أما الأثر كالطعم أو الريح بالشم وكدخان البخور فلا يضر (إلى ما يسمى جوفا) ; لأن فاعل ذلك لا يسمى ممسكا بخلاف الوصول لما لا يسمى جوفا كداخل مخ الساق أو لحمه وبخلاف جوف شخص آخر، وكالعين ريقه المتنجس بنحو دم لثته وإن صفا ولم يبق فيه أثر مطلقا; لأنه لَمَّا حَرُم ابتلاعه لتنجسه صار بمنزلة عين أجنبية، (وقيل يشترط مع هذا أن يكون فيه قوة تحيل الغِذاء والدواء) ; لأن ما لا تحيله لا ينتفع به البدن، (فعلى الوجهين باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة مفطر بالإسعاط أو الأكل أو الحقنة) والحقنة أدوية معروفة تعالج بها المثانة (أو الوصول من جائفة ومأمومة ونحوهما) ; لأنه جوف محيل، وذكر المصنف باطن ما ذكر لجريان الوجهين؛ لأن الوصول للظاهر مثله، فيفطر بوصول عين ولو إلى ظاهر الدماغ أو الأمعاء فيكفي الوصول إلى ظاهر خريطة الدماغ ووصولُ الجوف وإن لم يصل إلى باطن الأمعاء، (والتقطير في باطن الأذن والإحليل مفطر في الأصح)، وكذا يفطر بإدخال أدنى جزء من أصبع في قبلها بأن يجاوز ما يجب غسله في الاستنجاء، أما الدبر فيفطر بدخول رأس أنملته إلى مسربته إن وصل للمجوف منها دون أولها المنطبق، وأُلحق به أول الإحليل الذي يظهر عند تحريكه.
(وشرط الواصل كونه في مَنفَذ مفتوح فلا يضر وصول الدهن بتشرب المسام) وهي ثقب لطيفة جداً لا تُدرك، (ولا الاكتحال وإن وَجَد) لونه في نخامته و (طعمه بحلقه) ; إذ لا
وَكَوْنُهُ بِقَصْدٍ، فَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ ذُبَابٌ، أَوْ بَعُوضَةٌ، أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ، وَ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ. وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنِ الْفَمِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إلَى فَمِهِ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ أَوِ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ أَوْ مُتَنَجِّسًا أَفْطَرَ. وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ
منفذ من عينه لحلقه، نعم هو للصائم خلاف الأولى، (وكونه بقصد، فلو وصل جوفه ذباب أو بعوضة
(1)
لم يفطر إلا إن أخرجها -؛ لأنه قيء مفطر- ما لم يخف ضررا يبيح التيمم فيجوز إخراجها مع وجوب القضاء (أو غبار الطريق) الطاهر
(2)
ولو كثيرا (وغربلة الدقيق لم يفطر) ; لعسر التحرز عنه، هذا إن لم يتعمده فإن تعمد فتحه ولو بقصد دخول المفطِّر لم يفطر لكن إن قلّ عرفا
(3)
. ولو خرجت مقعدة مبسور لم يفطر بعودها أو إعادتها، وعليه فلا يجب بخروجها ودخولها غسلها عمَّا عليها من القذر. (ولا يفطر ببلع ريقه من معدنه) إجماعا وهو منبعه تحت اللسان، (فلو) ابتلع ريق غيره أفطر، أو (خرج من الفم) لا على لسانه
(4)
ولو إلى ظهر الشفة (ثم رده وابتلعه أو بَلَّ خيطا) أو سواكا (بريقه) أو بماء (ورده إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل) وابتلعها (أو ابتلع ريقه مخلوطا بغيره) الطاهر (أو متنجسا أفطر) ; لأنه بانفصاله واختلاطه وتنجسه صار كعين أجنبية، نعم يعفى عمّن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه فمتى ابتلعه مع علمه به وليس له عنه بد فصومه صحيح، (ولو جمع ريقه فابتلعه لم يفطر في الأصح) كالمتفرق الذي من معدنه.
(1)
. قال النهاية والمغني أن المصنف جمع الذباب وأفرد البعوضة تأسيا بلفظ القرآن ورده الشارح.
(2)
. خلافا لهما من اعتماد العفو ولو كان نجسا.
(3)
. خلافا لهما فاعتمدا عدم الفرق بين القليل والكثير.
(4)
. أما لو أخرج لسانه وهو عليه ثم رده وابتلع ما عليه فإنه لا يفطر.
وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ المَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ إلَى جَوْفِهِ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ، وَمَجِّهِ. وَلَوْ أُوجِرَ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ. فَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ أَفْطَرَ فِي الْأَظْهَرِ، قُلْتُ: الْأَظْهَرُ لَا يُفْطِرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يُفْطِرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَالجِمَاعُ كَالْأَكْلِ عَلَى المَذْهَبِ. وَعَنِ الِاسْتِمْنَاءِ فَيُفْطِرُ بِهِ،
(ولو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق
(1)
إلى جوفه فالمذهب أنه إن بالغ) العالم الذاكر للصوم (أفطر) ; لأن الصائم منهي عن المبالغة، وضابطها أن يملأ فمه أو أنفه ماء بحيث يسبق غالبا إلى الجوف، ومثل ذلك سبق الماء في غسل تبرد أو تنظف لكراهته الغمس فيه
(2)
، وكذا دخول جوف منغمس، ومحله إن لم يعتد أنه يسبقه وإلا أثم وأفطر قطعا (وإلا) يبالغ (فلا) يفطر -ما لم يزد على المشروع-؛ لعذره، فإن زاد على المشروع عامداً عالماً أفطر، نعم لو تنجس فمه أو أنفه فبالغ في غسله فسبقه لجوفه لم يفطر؛ لوجوب المبالغة عليه. (ولو بقي طعام بين أسنانه فجرى به) أي من غير قصدٍ (ريقه) بطبعه -لا بفعله وإلا أفطر- (لم يفطر إن عجز) نهاراً (عن تمييزه ومجه)؛ لعذره بخلاف ما إذا لم يعجز. ويتأكد التخلل بعد الأكل ليلا. (ولو أُوجر) طعاما (مكرها لم يفطر)؛ لانتفاء فعله، (فإن أكره) بما يحصل به الإكراه على الطلاق الآتي (حتى أكل) أو شرب (أفطر في الأظهر) ; لأنه يفعله دفعا لضرر نفسه، (قلت: الأظهر لا يفطر والله أعلم)؛ لرفع القلم عنه كما في الخبر، ولو فاجأه قُطَّاع فابتلع الذهب خوفا أفطر؛ لأنه ابتلعه لشهوة نفسه، (وإن أكل ناسيا لم يفطر)؛ لأنه ((إنما أطعمه الله وسقاه)) كما جاء في الخبر (إلا أن يكثر) أكثر من أربع لقم (في الأصح، قلت: الأصح لا يفطر والله أعلم)؛ لعموم الخبر، وكالأكل فيما ذكر كلُّ مناف للصوم فعله ناسيا له لا يفطر إلا الردة وإن أسلم فورا، وكالناسي جاهل بحرمة ما تعاطاه إن عذر بقرب إسلامه أو بُعْدِهِ عن العلماء بذلك، ومن علم تحريم شيء وجهل كونه مفطرا لا يعذر. (والجماع كالأكل) فيما مر (على المذهب) فلا يفطر به مُكْرَهٌ؛ بناء على الأصح أنه يتصور الإكراه عليه وناسٍ وإن طال وجاهلٌ عُذِرَ، (وعن الاستمناء) وهو استخراج المني بغير جماع وإن كان بيد حليلته (فيفطر به) واضح وكذا مشكل خرج من
(1)
. وتقدم أنه بُحث في غسل أذنيه تعين أن يأخذ كفاً من الماء ثم يميل إذنه ويضعها عليه 1/ 279.
(2)
. وذكر الشارح في الجمعة أنه ينبغي للصائم ترك الأغسال المسنونة إن خشي مفطرا ولو على قول.
وَكَذَا خُرُوجُ المَنِيِّ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُضَاجَعَةٍ لَا الفِكْرِ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ. وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ، وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ تَرْكُهَا، قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالحِجَامَةِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَلَّا يَأْكُلَ آخِرَ النَّهَارِ إلَّا بِيَقِينٍ وَيَحِلُّ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ إذَا ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ
فرجيه إن علم وتعمد واختار; لأنه أولى من مجرد الإيلاج، ولو حك ذكره لعارض سوداء أو حكة فأنزل لم يفطر، نعم إن علم أنه إذا حكه ينزل أفطر إن أمكنه الصبر وإلا فلا، ولا يفطر محتلم إجماعا; لأنه مغلوب، (وكذا خروج المني) لا المذي (بلمس) ولو لذكر أو فرج قُطِع وبقي اسمه (وقبلة ومضاجعة) معها مباشرة شيء ناقض للوضوء من بدن مَن ضاجعه; لأنه أنزل بمباشرة، بخلاف ضم امرأة مع حائل أو ليلا
(1)
، فلو باشر وأعرض قبل الفجر ثم أمنى عقبه لم يفطر ولو قبّلها صائما ثم فارقها ثم أنزل أفطر إن كانت الشهوة مستصحبة والذَّكَرُ قائما وإلا فلا، وبخلاف مس بدن أمرد؛ لأنه لا ينقض الوضوء وإن ندب القضاء به، (لا) خروجه بنحو مس فرج بهيمة ولا بنحو المباشرة بحائل ولا بنحو (الفكر والنظر بشهوة) وإن كررهما واعتاد الإنزال بهما؛ لانتفاء المباشرة، نعم يحرم تكرير النظر إن انزل به
(2)
. (وتكره القبلة
(3)
ككل لمس لشيء من البدن بلا حائل (لمن حركت شهوته) حالا; لأنه صلى الله عليه وسلم رخَّص فيها للشيخ دون الشاب وعلل ذلك بأن الشيخ يملك إربه فأفهم التعليل أن النهي دائر مع تحريك الشهوة وعدمه، (والأولى لغيره تركها)؛ حسما للباب، (قلت: هي كراهة تحريم) إن كان الصوم فرضا (في الأصح، والله أعلم) ; لأن فيها تعرضا قويا لإفساد العبادة. وبقي من المفطرات الردة والموت لا قطع النية (ولا يفطر بالفصد) بلا خلاف (والحجامة) عند الأكثر؛ لخبر البخاري عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم ((احتجم وهو صائم)). (والاحتياط ألا يأكل آخر النهار إلا بيقين)؛ لخبر ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))، (ويحل) بسماع أذان عدل عارف وبإخباره بالغروب عن مشاهدة نظير ما مر في أول رمضان، و (بالاجتهاد) بورد ونحوه (في الأصح) كوقت الصلاة كما مر. (ويجوز) الأكل (إذا ظن بقاء الليل) باجتهاد أو إخبار.
(1)
. أسقطا قوله: ((أو ليلاً))، ولعله لعدم اعتمادهما لإطلاقه.
(2)
. خلافا لهما حيث اعتمدا حرمة التكرير وإن لم ينزل.
(3)
. قال الشارح في باب الوضوء بأن أصلها غير مندوب مع أن قليلها يدعو لكثيرها 1/ 230.
قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ أَكَلَ بِاجْتِهَادٍ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا فَبَانَ الْغَلَطُ بَطَلَ صَوْمُهُ أَوْ بِلَا ظَنٍّ وَلَمْ يَبِنِ الحَالُ صَحَّ إنْ وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ وَبَطَلَ فِي آخِرِهِ. وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُجَامِعًا فَنَزَعَ فِي الحَالِ، فَإِنْ مَكَثَ بَطَلَ.
(قلت: وكذا لو شك) أي تردد وإن لم يستو الطرفان (والله أعلم) ; لأن الأصل بقاء الليل، نعم لو أخبره عدل بطلوع الفجر لزمه الإمساك، وكذا فاسق ظن صدقه. (ولو أكل) أو شرب (باجتهاد أولاً) أي قبل الفجر في ظنه (أو آخرا) أي بعد الغروب كذلك (فبان الغلط بطل صومه) أي بان بطلانه; إذ لا عبرة بالظن البيِّن خطؤه، فإن لم يبن شيء صح صومه، (أو بلا ظن) يعتد به بأن هجم أو ظن من غير أمارة -ويأثم آخرا لا أولاً- (ولم يبن الحال صح إن وقع في أوله وبطل) إن وقع (في آخره)؛ عملا بأصل بقاء كل منهما، وإن بان الغلط فيهما قضى أو الصواب فيهما فلا، والمراد ببطل وصح هنا الحكم بهما وإلا فالمدار على ما في نفس الأمر. (ولو طلع الفجر) الصادق (وفي فمه طعام فلفظه) قبل أن ينزل منه شيء لجوفه بعد الفجر، أو بعد أن نزل منه لكن بغير اختياره أو أبقاه ولم ينزل منه شيء لجوفه بعد الفجر ولا يعذر هنا بالسبق؛ لتقصيره بإمساكه كما لو وضعه بفمه نهارا (صح صومه)؛ لعدم المنافي، (وكذا لو كان مجامعا) عند ابتداء طلوع الفجر (فنزع) قاصدا تركه وإلا بطل (في الحال) أي عقب طلوعه فلا يفطر وإن أنزل; لأن النزع ترك للجماع، نعم يشترط أن يظن عند ابتداء الجماع أنه بقي ما يسعه فإن ظن أنه لم يبق ذلك أفطر وإن نزع مع الفجر؛ لتقصيره (فإن مكث بطل) أي لم ينعقد، وتلزمه الكفارة; لأنه بمنزلة المفسد له بالجماع، أما لو مضى زمن بعد طلوعه ثم علم به ثم مكث فلا كفارة; لأن مكثه مسبوق ببطلان الصوم
(1)
.
(1)
. قال ابن قاسم حاصله أن مدار البطلان على المكث بعد الطلوع وإن لم يعلم به، ومدار الكفارة على المكث بعده مع العلم.
فصل
شَرْطُ الصَّوْمِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ مِن الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ جَمِيعَ النَّهَارِ. وَلَا يَضُرُّ النَّوْمُ المُسْتَغْرِقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يَضُرُّ إذَا أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ نَهَارِهِ.
(فصل) في شروط الصوم من حيث الفاعل والوقت
وكثير من سننه ومكروهاته
(شرط) صحة (الصوم) من حيث الزمن قابلية الوقت، ومن حيث الفاعل (الإسلام) إجماعا (والعقل) أي التمييز (والنقاء من الحيض والنفاس
(1)
إجماعا، بل لا يصح إن ولدت
(2)
ولم تر دما (جميع النهار) قيد في الأربعة. ويحرم على حائض ونفساء الإمساك بنية الصوم فلا يجب عليهما تعاطي مفطر، (ولا يضر النوم المستغرق على الصحيح)؛ لبقاء أهلية الخطاب فيه، فإن استيقظ لحظة صح إجماعا. (والأظهر أن الإغماء) والسكر إن استغرقا النهار بطل الصوم ووجب القضاء تعدى بهما أم لا، فـ (لا يضر إذا أفاق) -من الإغماء أو السكر- يعني خلا عنه وإن لم توجد إفاقة منه، كأن طلع الفجر ولا إغماء به وبعد لحظة طرأ الإغماء واستمر إلى الغروب (لحظة من نهاره)؛ اكتفاء بالنية مع الإفاقة في جزء، ومحل عدم الضرر حينئذٍ إن لم يكن متعديا
(3)
بأحدهما
(4)
أما إن كان متعديا فيأثم ويبطل صومه.
[تنبيه] لو شرب دواء ليلا فزال تمييزه نهارا فإن كان شربه للتداوي لم يأثم
، ثم إن استغرق زوال تمييزه النهار بطل صومه ووجب القضاء أو لم يستغرق فلا بطلان، أو شربه سَفَهَا لا لحاجة فيأثم ويبطل صومه سواء استغرق أم لا، وفي حكم شرب الدواء لحاجة مَن شرب شيئا ليلا من غير تعدٍّ فتسبب في سكره أو إغمائه نهاراً فإن تعدى بشربهما فهو في حكم من شرب دواء لغير حاجة.
(1)
. وتقدم في باب الحيض أنه يجب الصوم عند الانقطاع وإن لم تغتسل 1/ 392.
(2)
. خلافا للمغني.
(3)
. خلافا للنهاية حيث اعتمد وجوب القضاء على السكران ولو غير متعد.
(4)
. أي السكر أو الإغماء.
وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْعِيدِ وَكَذَا التَّشْرِيقُ فِي الجَدِيدِ. وَلَا يَحِلُّ تَطَوُّعُ يَوْمٍ الشَّكِّ بِلَا سَبَبٍ، فَلَوْ صَامَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ صَوْمُهُ عَنِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَوْ وَافَقَ عَادَةَ تَطَوُّعِهِ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ، وَلَيْسَ إطْبَاقُ الْغَيْمِ بِشَكٍّ. وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ عَلَى تَمْرٍ،
(ولا) يجوز، ولا (يصح) صوم في رمضان عن غيره وإن أبيح له فطره لنحو سفر; لأنه لا يقبل غيره بوجه، ولا (صوم العيد
(1)
الفطر والأضحى اتفاقا (وكذا) أيام (التشريق) الثلاث ولو للمتمتع (في الجديد)؛ للنهي الصحيح عنه. (ولا يحل) ولا يجوز (التطوع يوم الشك بلا سبب)؛ لما صح أن مَن صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، ولا تختص الحرمة به بل يحرم صوم ما بعد نصف شعبان ما لم يصله بما قبله أو يكن لسبب مما يأتي. ولو أفطر بعد صومه المتصل بالنصف امتنع عليه الصوم بعده بلا سبب مما يأتي؛ لزوال الاتصال المجوِّز لصومه، (فلو صامه لم يصح في الأصح) كيوم العيد، (وله) من غير كراهة (صومه عن القضاء) ولو لنفل كأن شرع في نفل فأفسده (والنذر) كأن نذر صوم يوم كذا فوافق يوم الشك، أما نذر صوم يوم الشك فلا ينعقد، وله صومه أيضا عن الكفارة مسارعة لبراءة ذمته ولأن له سببا فجاز كنظيره من الصلاة في الوقت المكروه، ومن ثم لو أخَّر صوما ليوقع في يوم الشك أو في النصف الثاني من شعبان حرم، (وكذا لو وافق عادة تطوعه) كأن اعتاد سرد الصوم أو صوم نحو الاثنين؛ لخبر الصحيحين بذلك و تثبت العادة هنا بمرة (وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس) أي جمع منهم بحيث يتولد من تحدثهم الشك في الرؤية (برؤيته) وإن أطبق الغيم ولم يُعلم من رآه (أو شهد) أي أخبر إذ لا يشترط ذكر ذلك عند حاكم (بها صبيان أو عبيد أو فسقة) أو نساء وظن صدقهم أو عدل وَ رُدّ، واشترط العدد هنا بخلاف ما مر في النية؛ احتياطا فيهما، فإن فقد ذلك
(2)
حرم صومه لكونه بعد النصف لا لكونه يوم شك
(3)
، (وليس إطباق الغيم بشك) ; لأنا تعبدنا فيه بإكمال العدد (ويسن تعجيل الفطر) ; إذا تيقن الغروب، وتقديمه على الصلاة؛ للخبر الصحيح ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))، ويسن كونه وإن تأخر (على تمر)
(1)
. والمحرم هو الإمساك بنية الصوم فلا يجب تعاطي مفطر كنظيره السابق.
(2)
. أي تحدث الناس برؤيته ولم يشهد بها أحد أو شهد بها واحد ممن ذكر.
(3)
. مر كلام مهم له تعلق بما هنا.
وَإِلَّا فَمَاءٍ. وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ. وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ عَنِ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ،
وأفضل منه رطب وَجَدَهُ، ويُلحق به بسر تَمَّ صلاحه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن حسا حسوات من ماء))، وحكمته إزالة ضعف البصر الحاصل من الصوم (وإلا) تيسر له أحدهما حال إرادة الفطر -فلو تعارض التعجيل على الماء والتأخير على التمر قدم الأول- (فماء) ولا شيء بعد التمر إلا الماء، ويسن التثليث فيما مر وهو شرط لكمال السنة لا لأصلها كالترتيب المذكور
(1)
، ولا يقدم ماء زمزم على التمر، ولو قويت شبهة تمر وخفّت أو عدمت في ماء فالماء أفضل.
[تنبيه] يجب إمساك جزء من الليل بعد الغروب؛ ليتحقق به استكمال النهار
، ويعتبر كل محل بطلوع فجره وغروب شمسه فيما يظهر لنا لا في نفس الأمر، قال العلماء في خبر مسلم ((إذا غابت الشمس من هاهنا وأقبل الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم)) أي: حقيقة إنما ذكر هذين ليبين أن غروبها عن العيون لا يكفي; لأنها قد تغيب ولا تكون غربت حقيقة فلا بد من إقبال الليل أي: دخوله. (وتأخير السحور) ; لأن ((الأمة لا يزالون بخير ما أخروه)). ويسن كونه بتمر، ويحصل أصل سنته ولو بجرعة ماء
(2)
، ويدخل وقته بنصف الليل (ما لم يقع في شك) وإلا كأن تردد في طلوع الفجر فالأولى تركه؛ لخبر ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
(3)
.
[فرع] يحرم علينا -لا عليه صلى الله عليه وسلم الوصال بين صومين شرعيين عمدا مع علم النهي بلا عذر وإن لم ينو به التقرب، والعلة فيه الضعف ولذا لا يزول إلا بتعاطي ما من شأنه أن يقوي كسمسمة بخلاف نحو الجماع
(4)
. (وليصن) ندبا من حيث الصوم فلا ينافي وجوبه من جهة أخرى (لسانه عن الكذب والغيبة) حتى المباحين بخلاف الواجبين ككذب لإنقاذ
(1)
. فلو أفطر على الماء مع وجود التمر حصلت سنة الفطر على الماء خلافا لقضية كلام النهاية.
(2)
. ورد الشارح ما اعتمده الرملي في النهاية من أن محل ندب السحور إذا رجي به منفعة.
(3)
. ذكر الشارح في كتاب الصلاة أنه لو عدم وقت العشاء ببلدة كأن طلع الفجر كلما غربت الشمس فإن لم تسع بقيتها ما يقيم بنية الصائم قدروا في الصوم ليله بأقرب بلد إليه ثم يمسكون إلى الغروب بأقرب بلد إليهم بخلاف ما إذا وسع ذلك، ولو لم يسع ذلك إلا قدر المغرب أو أكل الصائم لزم أكله وقضى المغرب.
(4)
. خلافا لهما.
وَنَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ عَنْ الجَنَابَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنِ الحِجَامَةِ وَالْقُبْلَةِ وَذَوْقِ الطَّعَامِ وَالْعَلْكِ. وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: اللهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ. وَأَنْ يُكْثِرَ الصَّدَقَةَ وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ، وَأَنْ يَعْتَكِفَ لَاسِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ.
مظلوم وذكر عيب نحو خاطب، وجميع جوارحه عن كل محرم -ونحو الغيبة المحرمة يبطل ثواب صومه- وعن نحو الشتم ولو بحق فإن شتمه أحد فليقل -ولو في نفل- ((إني صائم))؛ لخبر الصحيحين بذلك، أي يقوله في نفسه تذكيرا لها وبلسانه حيث لم يظن رياء مرتين أو ثلاثا؛ زجرا لخصمه، فإن اقتصر على أحدهما فالأولى بلسانه (ونفسه عن الشهوات) المباحة من ملبوس ومسموع ومُبْصَر ومشموم كنظر ريحان أو مسه
(1)
. (ويستحب أن يغتسل عن الجنابة) والحيض والنفاس (قبل الفجر)؛ لئلا يصل الماء إلى باطن نحو أذنه
(2)
أو دبره من نحو مبالغة منهي عنها وإلا فقد تقدم أنه لا يفطر بنحو المضمضة المشروعة أو غسل الفم النجس؛ لعذره، ويكره له دخول الحمَّام من غير حاجة; لأنه تَرَفُّه لا يناسب الصوم
(3)
. (و) يسن (أن يحترز عن الحجامة) والفصد (والقبلة) المكروهة؛ لما مر في الجميع (و) يكره (ذوق الطعام)؛ خوفا من وصوله إلى حلقه (و) ذوق (العَلك) ومضغ العِلك؛ لأنه يعطش، والكلام في علك لم تنفصل منه عين بأن مُضِغ قبل ذلك حتى ذهبت رطوبته، أو مُضِغ وفيه عين لكن لم يبتلع من ريقه المخلوط شيئا. (و) يسن (أن يقول عند فطره) أي عقبه (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)؛ للاتباع. (و) يتأكد من حيث الصوم (أن يكثر الصدقة وتلاوة القرآن في رمضان)؛ لخبر الترمذي ((أيّ الصدقة أفضل قال صدقة في رمضان))، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل فيه
(4)
، (وأن يعتكف) فيه كثيرا; لأنه أقرب لصون النفس وتفرغها للعبادة (لاسيّما في العشر الأواخر منه) فيتأكد له إكثار الثلاثة المذكورة؛ للاتباع ورجاء مصادفة ليلة القدر; إذ هي منحصرة فيه.
(1)
. ومر في باب الغسل أنه يكره للصائمة التطيب فلو انقطع قبيل الفجر فنوت وأرادت الغسل بعد الفجر لم يسن لها أن تتبع أثر الحيض طيباً، وفي آداب الجمعة أنه لا يسن له غسلها ولا تطيب لها.
(2)
. وتقدم أنه بحث في غسل أذنيه تعين أن يأخذ كفاً من الماء، ثم يميل أذنه ويضعها عليه. 1/ 279.
(3)
. علل بها في المغني.
(4)
. كما جاء في الصحيحين.
فصل
شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَإِطَاقَتُهُ، وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ لِسَبْعٍ إذَا أَطَاقَ. وَيُبَاحُ تَرْكُهُ لِلْمَرِيضِ إذَا وَجَدَ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا. وَلِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا.
(فصل) في شروط وجوب الصوم ومُرخِّصاته
(شرط وجوب صوم رمضان العقل والبلوغ) ويجب على السكران المتعدي
(1)
، والإسلام ولو فيما مضى بالنسبة للمرتد حتى يلزمه القضاء إذا عاد للإسلام بخلاف الكافر الأصلي، نعم يعاقب عليه في الآخرة نظير ما مر في الصلاة، ويحرم إطعام المسلم له في نهار رمضان; لأنه إعانة على معصية، (وإطاقته) حسا وشرعا، فلا يلزم عاجزا إجماعا ولا حائضا أو نفساء; لأنهما لا يطيقانه شرعا، ووجوب القضاء عليهما إنما هو بأمر جديد، وينويان القضاء; لأنه فُعِل خارج وقته المقدر له شرعا. (ويؤمر به الصبي) أي يأمره به وليه وجوبا (لسبع إذا أطاق) وميّز، ويضربه وجوبا على تركه لعشر إذا أطاقه نظير ما مر في الصلاة. (ويباح تركه
(2)
أي رمضان، ومثله كل صوم واجب (للمريض) أي يجب عليه
(3)
(إذا وجد به ضررا شديدا) بحيث يبيح التيمم؛ للنص والإجماع وإن تعدى بسببه; لأنه لا ينسب إليه، ثم إن أطبق مرضه فواضح وإلا فإن وجد المرض المعتبر قبيل الفجر لم تلزمه النية وإلا لزمته، وإذا نوى وعاد أفطر. ولو لزمه الفطر فصام صح; لأن معصيته ليست لذات الصوم. (و) يباح تركه لنحو حصاد أو بناء لنفسه أو لغيره تبرعا أو بأجرة -وإن لم ينحصر الأمر فيه- وقد خاف على المال إن صام وتعذر العمل ليلا أو لم يغنه فيؤدي لتلفه أو نقصه نقصا لا يتغابن به، ولو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه هو أو ممونه على فطره فله الفطر بقدر الضرورة. و (للمسافر) ولو أدام السفر أبداً (سفرا طويلا مباحا)؛ للكتاب والسنة والإجماع، وحيث جاز القصر جاز الفطر وحيث لا فلا، نعم سيعلم أن شرط الفطر في أول أيام سفره أن يفارق ما
(1)
. كما مر بتفصيله.
(2)
. ويندب الفطر قبل لقاء العدو إذا أضعفه الصوم عن القتال كما نص عليه الشارح قبيل الجمعة 2/ 404.
(3)
. خالفوه فاعتمدوا الإباحة هنا والوجوب عند خوف الهلاك.
وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَمَرِضَ أَفْطَرَ، وَإِنْ سَافَرَ فَلَا، وَلَوْ أَصْبَحَ المَرِيضُ وَالمُسَافِرُ صَائِمَيْنِ ثُمَّ أَرَادَا الْفِطْرَ جَازَ، فَلَوْ أَقَامَ وَشُفِيَ حَرُمَ الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِذَا أَفْطَرَ المُسَافِرُ وَالمَرِيضُ قَضَيَا وَ كَذَا الحَائِضُ. وَالمُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ، وَتَارِكُ النِّيَّةِ
تشترط مجاوزته للقصر قبل طلوع الفجر وإلا لم يفطر ذلك اليوم، ومر أنه إن تضرر بالصوم فالفطر أفضل وإلا فالصوم، ولا يباح الفطر -حيث لم يخش مبيح تيمم- لمن قصد بسفره محض الترخص، ولا ينافيه قولهم لو حلف ليطأن في نهار رمضان فطريقه أن يسافر; لأن السفر هنا ليس لمجرد الترخص بل للتخلص من الحنث، ولا يباح أيضا لمن صام قضاءً لزمه الفور فيه
(1)
، ولو نذر صوم شهر معين كرجب أو قال لله عليَّ صوم شهر
(2)
أصومه من الآن جاز له الفطر بعذر السفر
(3)
، نعم يمتنع الفطر في سفر النزهة على من نذر صوم الدهر; لأنه انسد عليه القضاء بخلاف رمضان. (ولو أصبح صائما فمرض أفطر)؛ لوجود سبب الفطر قهرا، ويشترط في حل الفطر بالعذر قصد الترخص، (وإن) أصبح صائما ثم (سافر فلا) يفطر؛ تغليبا للحَضَر لأنه الأصل، (ولو أصبح المريض والمسافر صائمين) بأن نويا ليلا (ثم أرادا الفطر جاز) بلا كراهة؛ لوجود سبب الترخص، ولهما ذلك وإن نذرا الإتمام; لأن إيجاب الشرع أقوى منه
(4)
، (فلو أقام) المسافر الذي نوى (وشفي) المريض كذلك قبل أن يتناولا مفطرا (حرم الفطر على الصحيح)؛ لانتفاء المبيح، (وإذا أفطر المسافر والمريض قضيا)؛ للآية (وكذا الحائض) والنفساء إجماعا (والمفطر بلا عذر) ; لأنه أولى بالإيجاب من المعذور
(5)
(وتارك النية) -الواجبة ولو سهوا-; لأنه لم يصم. ويسن تتابع قضاء رمضان ولا يجب فور في قضائه إلا إن ضاق الوقت أو تعدى بالفطر.
(1)
. واعتمد النهاية تقييد الفطر به بمن يرجو إقامة يقضي فيها ورده الشارح وفاقا للمغني.
(2)
. هذا التفسير لابن قاسم.
(3)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(4)
. ولا ينعقد النذر حينئذ كما أفاده الشارح في النذر.
(5)
. ولا يجوز لمن عليه قضاء بغير عذر أن يصرف يوماً لغير قضائه كالتطوع، إلا ما يضطر إليه نحو مؤنة من تلزمه مؤونته أو لفعل واجب آخر مضيق يخشى فوته كما ذكره الشارح في الصلاة 1/ 440.
وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِالْإِغْمَاءِ وَالرِّدَّةِ دُونَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالصِّبَا وَالجُنُونِ، وَلَوْ بَلَغَ بِالنَّهَارِ صَائِمًا وَجَبَ إتْمَامُهُ بِلَا قَضَاءٍ، وَلَوْ بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ فَلَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، لَا مُسَافِرًا وَ مَرِيضًا زَالَ عُذْرُهُمَا بَعْدَ الْفِطْرِ، وَلَوْ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا وَلَمْ يَنْوِيَا لَيْلًا فَكَذَا فِي المَذْهَبِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ،
(ويجب قضاء ما فات) من رمضان (بالإغماء) ; لأنه نوع مرض (والردة)؛ لأنه التزم الوجوب بالإسلام (دون الكفر الأصلي) إجماعا وترغيبا في الإسلام (والصبا والجنون
(1)
؛ لرفع القلم عنهما، نعم لو ارتد ثم جن قضى جميع أيام الجنون، أو سكر ثم جن قضى أيام السكر فقط؛ لما مر في الصلاة
(2)
. (ولو بلغ بالنهار) في حال كونه (صائما) بأن نوى ليلا (وجب إتمامه بلا قضاء) ; لأنه صار من أهل الوجوب، فلو جامع بعد البلوغ لزمته الكفارة. (ولو بلغ فيه) أي النهار (مفطرا أو أفاق أو أسلم فلا قضاء في الأصح)؛ لعدم تمكنه من زمن يسع الأداء. (ولا يلزمهم إمساك بقية النهار في الأصح) ; لأنهم أفطروا لعذر فأشبهوا المسافر، (ويلزم من تعدى بالفطر) ولو شرعا كأن ارتد؛ عقوبة له (أو نسي النية)؛ لتقصيره، وكذا لو ظن بقاء الليل فأكل ثم بان خلافه (لا مسافرا ومريضا) وحائضا ونفساء
(3)
ومن أفطر لعطش أو جوع خشي منه مبيح تيمم (زال عذرهما بعد الفطر) ; لأن زوال العذر بعد الترخص لا أثر له، نعم يسن؛ لحرمة الوقت، ويسن لهما أيضا -إن خفي عذرهم- إخفاء الفطر خوف التهمة أو العقوبة، أما إن ظهر سفره أو مرضه الزائل فلا يسن له ذلك، (ولو زال) عذرهما (قبل أن يأكلا) أي يتناولا مفطرا (ولم ينويا ليلا فكذا) لا يلزمهما إمساك (في المذهب) ; لأن تارك النية مفطر حقيقة، وإلا لزم كما مر. (والأظهر أنه) أي الإمساك (يلزم من) ترك النية ليلا، ومن (أكل يوم الشك) وهو هنا يوم ثلاثي شعبان وإن لم يتحدث فيه برؤية (ثم ثبت كونه من رمضان)؛ لتبين
(1)
. قيده في النهاية بغير المُقْتَدَى به.
(2)
. هذا مثال كما يعلم من ما مر، وتقدم أيضا أنه يقضي أيام السكر إن عرفت وإلا فما ينتهي إليه السكر غالبا والإغماء بمعرفة الأطباء.
(3)
. ومر في الحائض أنه لا يشترط الغسل لوجوب الصوم عليها.
وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ.
وجوبه عليه وأنه إنما أكل لجهله به، وهنا يجب القضاء على الفور؛ للتقصير بعدم الاطلاع على الهلال، ويثاب مأمور بالإمساك عليه وإن لم يكن في صوم شرعي. (وإمساك بقية اليوم من خواص رمضان بخلاف النذر والقضاء)؛ لانتفاء شرف الوقت عنهما.
فصل
مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا إثْمَ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي الجَدِيدِ بَلْ يُخْرِجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ طَعَامٍ، وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ وَالْوَلِيُّ كُلُّ قَرِيبٍ عَلَى المُخْتَارِ
(فصل) في بيان فدية الصوم الواجب
(من فاته شيء من رمضان فمات قبل إمكان القضاء) بأن مات في رمضان أو قبل غروب ثاني العيد أو استمر به نحو حيض أو مرض من قبيل غروبه أيضا أو سفره المباح من قبل فجره إلى موته (فلا تدارك له)؛ لعدم تقصيره (ولا إثم) إن فات بعذر وإلا أثم وتدارك عنه وليه بفدية أو صوم، (وإن مات) الحر ومثله القن في الإثم لا التدارك; لأنه لا عِلقة بينه وبين أقاربه حتى ينوبوا عنه، نعم لو مات حرٌّ وله قريب رقيق فله الصوم عنه; لأن الميت أهل للإنابة عنه (بعد التمكن) أثم سواء أفات بعذر أو غيره، ومثله كل عبادة وجب قضاؤها فأخره مع التمكن إلى أن مات قبل الفعل وإن ظن السلامة فيعصي من آخر زمن الإمكان كالحج، و (لم يصم عنه وليه في الجديد) ; لأن الصوم عبادة بدنية لا تقبل النيابة كالصلاة، وخرج بمات من عجز في حياته بمرض أو غيره فإنه لا يصام عنه ما دام حيا (بل يخرج من تركته لكل يوم مد طعام) مما يجزئ فطره؛ لخبر موقوف على ابن عمر رضي الله عنهما، ولا يجوز للأجنبي الإطعام عنه إلا بإذن الولي، وكذا يقال في الإطعام في الأنواع الآتية، والمراد بالبلد التي يعتبر غالب قوتها المحل الذي هو به عند أول مخاطبته بالقضاء، (وكذا النذر والكفارة) بأنواعها فإذا مات قبل تمكنه من قضائه فلا تدارك ولا إثم إن فات بعذر، أو بعده وجب لكل يوم مد فات بعذر أم لا، (قلت: القديم) وهو أنه لا يتعين الإطعام فيمن مات مسلما بل يجوز للولي أيضا أن يصوم عنه؛ للخبر المتفق عليه ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) والإطعام أفضل، ثم إن خلَّف تركة وجب أحدهما وإلا ندب (هنا أظهر)؛ لثبوت الحديث فيه من غير معارض، (والولي كل قريب على المختار)؛ لخبر مسلم ((صومي عن أمك لمن قالت له أمي ماتت وعليها صوم نذر))، ولو كان عليه ثلاثون يوما أو أكثر فصامها نحو أقاربه في يوم واحد أجزأت.
وَلَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ، لَا مُسْتَقِلًّا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوِ اعْتِكَافٌ لَمْ يُفْعَلْ عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ، وَفِي الِاعْتِكَافِ قَوْلٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ المُدِّ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِلْكِبَرِ. وَأَمَّا الحَامِلُ وَالمُرْضِعُ فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ أَوْ عَلَى الْوَلَدِ لَزِمَتْهُمَا الْفِدْيَةُ فِي الْأَظْهَرِ
(ولو صام أجنبي بإذن) الميت بأن يكون أوصاه به، أو بإذن (الولي) ولو سفيها; لأنه أهل للعبادة (صح) ولو بأجرة كالحج (لا مستقلا في الأصح) ; لأنه لم يَرِد. ولو امتنع الولي من الإذن أو لم يتأهل لنحو صبا لم يأذن الحاكم
(1)
بل إن كانت تركة تعين الإطعام وإلا لم يجب شيء. (ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف لم يُفْعَل عنه ولا فدية) تجزئ عنه؛ لعدم ورود ذلك (وفي الاعتكاف) وكذا الصلاة (قول والله أعلم)، وقد يفعلان عن ميت كركعتي الطواف فإنها تفعل عنه تبعا للحج وكما لو نذر أن يعتكف صائما فمات فيعتكف الولي أو مأذونه عنه صائما. (والأظهر وجوب المد) ولا قضاء (على من أفطر) أما إن صام فلا فدية (للكبر) أو المرض الذي لا يرجى برؤه -بأن يلحقه بالصوم مشقة شديدة لا تطاق عادة-؛ للإجماع السكوتي على ذلك، ولو قدر بعدُ على الصوم لم يلزمه قضاء، أما من يقدر على الصوم في زمن لنحو برده أو قصره فهو كمرجو البرء، ومحل وجوب الفدية على غير الفقير
(2)
فلا تستقر في ذمته. (وأما الحامل والمرضع) غير المتحيرة وليستا في سفر ولا مرض (فإن أفطرتا خوفا على نفسهما) أن يحصل لهما من الصوم مبيح تيمم (وجب القضاء بلا فدية) كالمريض المرجو البرء وإن انضم لذلك الخوف على الولد; لأنه وقع تبعا، (أو) خافتا (على الولد) وحده أن تجهض أو يقل اللبن فيتضرر بمبيح تيمم ولو من تبرعت بإرضاعه أو استؤجرت له
(3)
وإن لم تتعين
(4)
بأن تعددت المراضع (لزمتهما الفدية في الأظهر)؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} البقرة: 184 إنها منسوخة إلا في حقهما، والفدية هنا على الأجيرة لا المستأجرة، وأما المرضعة المتحيرة فلا فدية عليها؛ للشك، وكذا إن كانتا في سفر أو
(1)
. وفاقا للأسنى المغني وخلافا للنهاية.
(2)
. خلافا لهم.
(3)
. فتكون على الأجيرة.
(4)
. خلافا للأسنى والمغني.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ، لَا المُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانٌ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ، وَالْأَصَحُّ تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ
مرض وترخصتا لأجله أو أطلقتا بخلاف ما إذا ترخصتا
(1)
للرضيع والحمل، (والأصح أنه يلحق بالمرضع) فيما ذكر من التفصيل (من أفطر لإنقاذ) آدمي محترم حر أو قن له أو لغيره (مشرف على هلاك) بغرق أو غيره ولم يتمكن من تخليصه إلا بالفطر بجامع أن كلا أفطر بسبب الغير. وخرج بالآدمي الحيوان المحترم فيجب عليه الفطر والفدية مطلقاً، والمال المحترم الذي لا روح فيه فيجوز له الفطر ولا فدية فيه أيضا إن كان له، أما إن كان لغيره فتجب الفدية
(2)
.
[تنبيه] لو انقذت مشرفاً على الهلاك مسافرةٌ أو مريضةٌ أو متحيرةٌ فيأتي فيهن التفصيل السابق آنفاً في المرضعة المسافرة والمريضة والمتحيرة، وقد أشار إلى ذلك المصنف بقوله ((يلحق))، (لا المتعدي بفطر رمضان بغير جماع) فإنه لا يلحق بالمرضع في وجوب الفدية في الأصح; لأنه لم يرد وفي الفدية حكمة استأثر الله بها، نعم يعزر تعزيرا شديدا لائقا بعظيم جرمه. (ومن أخر قضاء رمضان مع إمكانه) بأن خلا عن السفر والمرض قَدْر ما عليه بعد يوم عيد الفطر في غير يوم النحر وأيام التشريق (حتى دخل رمضان آخر لزمه مع القضاء لكل يوم مد) ; لأن ستة من الصحابة رضي الله عنهم أفتوا بذلك ولا يعرف لهم مخالف، أما إذا لم يخل كذلك فلا فدية; لأن تأخير الأداء بذلك جائز فالقضاء أولى، نعم ما تعدى بفطره يحرم تأخيره بعذر السفر وإذا حرم كان بغير عذر فتجب الفدية
(3)
، ولا فدية إن أخره لنسيان أو جهل بحرمة التأخير وإن كان مخالطا للعلماء؛ لخفاء ذلك، لا بالفدية فلا يعذر بجهله، (والأصح تكرره) أي المد عن كل يوم (بتكرر السنين) ; لأن الحقوق المالية لا تتداخل، ولو أخرجها عقب كل عام تكررت قطعا.
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للأسنى والمغني.
(2)
. واعتمدوا لزوم الفدية في الحيوان المحترم مطلقا له أو لغيره وعدم لزومها في غيره مطلقا له أو لغيره.
(3)
. خلافا للنهاية فعندها لا فرق بين المتعدي وغيره.
وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ إمْكَانِهِ فَمَاتَ أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ: مُدٌّ لِلْفَوَاتِ وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ. وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ الْفُقَرَاءُ أَوِالمَسَاكِينُ. وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَجِنْسُهَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ.
(وأنه لو أخر القضاء مع إمكانه) حتى دخل رمضان آخر (فمات أخرج من تركته لكل يوم مدان مد للفوات) إن لم يصم عنه (ومد للتأخير) ; لأن كلا منهما موجب عند الانفراد فكذا عند الاجتماع، هذا إن أخر سنة فقط وإلا تكرر مُدَّ التأخير. (ومصرف الفدية الفقراء والمساكين) دون بقية الأصناف؛ لقوله تعالى {طَعَامُ مِسْكِينٍ} البقرة: 184، (وله صرف أمداد إلى شخص واحد) بخلاف مد واحد لشخصين ومد وبعض مد آخر لواحد فلا يجوز; لأن كل مد فدية تامة وقد أوجب تعالى صرف الفدية لواحد فلا يُنْقَص عنها، ويجب صرف صاع الفطرة إلى اثنين وعشرين
(1)
، ثلاثة من كل صنف والعامل؛ لأنه زكاة مستقلة (وجنسها جنس الفطرة) فيأتي فيها ما مر ثَمَّ، ويعتبر كونها فاضلة عما مرَّ ثَمّ.
(1)
. نعم قال الشارح في كتاب قسم الصدقات بجواز دفعها لثلاثة فقراء أو مساكين مثلاً 7/ 169.
فصل
تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ وَلَا مُفْسِدِ غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ بِغَيْرِ جِمَاعٍ، وَلَا مُسَافِرٍ جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ،
…
(فصل) في بيان كفارة جماع رمضان
(1)
(تجب) على واطئ بشبهة أو نكاح أو زنا (الكفارة
(2)
؛ لخبر البخاري (بإفساد) أو منع انعقاد
(3)
(صوم يوم من رمضان) على نفسه (بجماع) تام في قبل أو دبر ولو لبهيمة، ولو مع وجود خرقة لفَّها على ذكره (أثم به بسبب الصوم) أي في رمضان ولا شبهة له. (ولا كفارة على) من فُقِدَ فيه شرط من ذلك نحو (ناسٍ) ومكره وجاهل عذر؛ لانتفاء الإفساد (ولا مفسد غير رمضان
(4)
من نذر أو قضاء أو كفارة; لأن النص ورد في رمضان وهو لاختصاصه بفضائل لا يقاس به غيره، ولا على مفسد صوم غيره كمسافر جامع حليلته فأفسد صومها (أو بغير جماع) ; لأن الجماع أغلظ، ولا على المرأة مطلقا؛ لنقص صومها بتعرضه كثيرا للفساد بنحو الحيض فلم يقو على إيجاب كفارة. وخرج بتام الموطوء في دبره فلا كفارة عليه؛ لأنه يفطر بدخول رأس الذكر قبل تمام الحشفة، ولذا لو أُولج فيه وهو نائم مثلا ثم استيقظ وأدام لزمته الكفارة
(5)
؛ لأن صومه حينئذٍ فسد بجماع تام (ولا) على من لم يأثم بجماعه
(6)
نحو (مسافر) أو مريض صائم (جامع بنية الترخص)؛ لأنه يحل له ذلك.
(1)
. ذكر الشارح في الحجر أن للمحجور عليه لسفه أن يكفر في كفارة مرتبة سببها فعل بالصوم، ومحله في كفارة مرتبة لا إثم فيها وإلا كفر بالمال 5/ 171.
(2)
. ويسن عند الإعطاء أن يقول: ((ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم))، كما مر في الزكاة 3/ 239.
(3)
. كما مر.
(4)
. ولو رئي هلال العيد ببلد فسافر منها إلى أخرى تخالف مطلعها فوجدهم صياماً فجامع فيها لم تجب كفارة وإن لزمه الإمساك؛ للشبهة 4/ 34.
(5)
. خلافا لهم.
(6)
. وليس هذا محترز قول المصنف: ((أثم به))، خلافا للنهاية.
وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْلَ فَبَانَ نَهَارًا، وَلَا عَلَى مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ، وَلَا مَنْ زَنَى نَاسِيًا وَلَا مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا. وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ، وَفِي قَوْلٍ عَنْهُ وَعَنْهَا وَفِي قَوْلٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَتَلْزَمُ مَنْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الهِلَالِ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ. وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ، وَحُدُوثُ السَّفَرِ بَعْدَ الجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ،
(وكذا) من أثم به لكن لا من جهة الصوم كأن جامع نحو المسافر (بغيرها في الأصح) ; لشبهة أن إفطاره مباح (ولا على من ظن) بقاء (الليل) فجامع (فبان نهارا) وكذا إن لم يظن شيئا؛ لما مر أنه يجوز الأكل مع الشك آخر الليل، بل لا كفارة هنا وإن أثم كأن ظن الغروب بلا أمارة أو شك فيه فجامع فبان نهارا; لأنه لم يقصد الهتك والكفارة تدرأ بالشبهة، وكذا لا كفارة لو شك أنوى أم لا فجامع ثم بان أنه نوى وإن فسد صومه وأثم بالجماع، ولا على من نوى يوم الشك قضاء مثلا ثم جامع ثم ثبت أنه من رمضان. ومر وجوب الكفارة فيما لو طلع الفجر وهو مجامع فعلم واستدام مع أنه لم يفسد؛ تنزيلا لمنع الانعقاد منزلة الإفساد (ولا على من جامع بعد الأكل ناسيا) للصوم متعلق بالأكل (وظن أنه أفطر به)؛ لاعتقاده أنه غير صائم (وإن كان الأصح بطلان صومه) بهذا الجماع، أما إذا لم يظن ذلك فعليه الكفارة; إذ لا عذر له بوجه، وهذا الذي جامع بعد الأكل إن علم وجوب الإمساك بعد الفطر عن الجماع وغيره فإثمه لا بسبب الصوم فيخرج بالقيد الأخير وإن ظنّ الإباحة فيخرج بقول المصنف أثم به
(1)
(ولا من زنى ناسيا) للصوم; لأنه لم يأثم بسبب الصوم (ولا مسافر أفطر بالزنا مترخصا) ; لأن فطره جائز له وإثمه للزنا لا للصوم فذكر الترخص لذلك وإلا فهو لا كفارة عليه وإن لم ينو الترخص. (والكفارة على الزوج عنه) دونها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها زوجة المجامع، (وفي قول عنه وعنها)؛ لمشاركتها له في السبب، (وفي قول عليها كفارة أخرى)؛ قياسا على الرجل (وتلزم من انفرد برؤية الهلال) ومن اعتقد صدقه (وجامع في يومه)؛ لصدق الضابط عليه باعتبار ما عنده. (ومن جامع في يومين لزمه كفارتان) ; لأن كل يوم عبادة مستقلة، أما جماع ثان أو أكثر في يوم واحد فلا شيء فيه وإن اختلفت الموطوآت; لأن الإفساد لم يتكرر. (وحدوث السفر) والردة (بعد الجماع لا يسقط الكفارة) ; لأنه كان من أهل الوجوب حال الجماع.
(1)
. عبارة النهاية بتصرف.
وَكَذَا المَرَضُ عَلَى المَذْهَبِ. وَيَجِبُ مَعَهَا قَضَاءُ يَوْمِ الْإِفْسَادِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَلَوْ عَجَزَ عَنِ الجَمِيعِ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْعُدُولَ عَنِ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ.
(وكذا) حدوث (المرض) بعده (على المذهب)؛ لذلك بخلاف حدوث الجنون والموت; لأنه يتبين بهما زوال أهلية الوجوب من أول اليوم. (ويجب معها قضاء يوم) أو أيام (الإفساد على الصحيح) ; لأنه إذا لزم المعذور فغيره أولى ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم أمر بها المجامع (وهي عتق رقبة
(1)
مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا
(2)
، وسيأتي بيانها في باب الكفارة، (فلو عجز عن الجميع استقرت) مرتبة (في ذمته في الأظهر
(3)
; لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي أن يكفر بما دفعه إليه مع إخباره له بعجزه، فدل على قبولها في الذمة (فإذا قدر على خصلة فعلها
(4)
فورا وجوبا; لأن كل كفارة تعدى بسببها يجب الفور فيها. (والأصح أن له العدول عن الصوم إلى الإطعام لشدة الغلمة)؛ لئلا يقع فيه أثناء الصوم (وأنه لا يجوز للفقير صرف كفارته إلى عياله) كالزكاة وقوله صلى الله عليه وسلم للمجامع بعد أن أخبره بعجزه فجاء له قدر الكفارة فأعطاه له فقال يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا- ((أطعمه أهلك)) يحتمل أنه تصدق به عليه أو ملَّكه إياه ليكفر به فلما أخبره بفقره أذن له في صرفه لأهله إعلاما بأن الكفارة إنما تجب بالفاضل عن الكفاية أو أنه تطوع بالتكفير عنه وسوَّغ له صرفها لأهله إعلاما بأن المُكَفِّر المتطوع عن الغير يجوز له صرف الكفارة لممون المُكَفَّر عنه
(5)
.
(1)
. ولا يلزمه شراء بعض رقبة كما أفاده الشارح في التيمم 1/ 335.
(2)
. والأصح أن كلاً من الصوم والإطعام ليسا بدلا عن العتق كما ذكره الشارح أول باب سجود السهو 1/ 169.
(3)
. وقال الشارح في كتاب التفليس بجواز الحبس في كفارة فورية تعين فيها المال إلا أن يثبت الإعسار.
(4)
. وذكر الشارح في التيمم أنه لا عبرة بوجود الرقبة بعد الشروع في الصوم فلا يبطل الصوم 1/ 367.
(5)
. وعند الشارح أن المتن احترز عنه بقوله: ((كفارته إلى عياله))، وعندهما أنه بقوله:((للفقير)).
باب صوم التطوع
يُسَنُّ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَالخَمِيسِ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ، وَتَاسُوعَاءَ، وَأَيَّامِ الْبِيضِ
(باب صوم التطوع)
وهو ما لم يُفْرَض، ويصح بنية مطلقة، نعم الراتب منه تشترط النية فيه؛ لحصول الثواب عليه بخصوصه. (يسن صوم الاثنين والخميس)؛ للخبر الحسن أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما ويقول ((إنهما تعرض فيهما الأعمال فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)) (و) يسن بل يتأكد صوم تسع الحجة؛ للخبر الصحيح فيها وآكدها تاسعها وهو يوم (عرفة) -لغير حاج ومسافرـ; لأنه ((يكفر السنة التي هو فيها والتي بعدها)) كما في خبر مسلم وآخر الأولى سلخ الحجة وأول الثانية أول المحرم الذي يلي ذلك، والمُكَفَّر الصغائر
(1)
، فإن لم تكن صغائر رفعت درجته أو وقي اقترافها أو استكثارها. أما الحاج فيسن له فطره
(2)
، ويكره صومه وإن لم يضعفه الصوم عن الدعاء؛ تأسيا به صلى الله عليه وسلم، نعم يسن صومه لمن أخَّر وقوفه إلى الليل أي ولم يكن مسافرا، أو مريضاً وإلا سن له الفطر إن أتعبه الصوم وإن لم يتضرر به، ويسن صوم ثامن الحجة؛ احتياطا له، (وعاشوراء) وهو عاشر المحرم; لأنه يكفر السنة الماضية (وتاسوعاء)؛ لخبر مسلم ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع))، ويسن صوم الحادي عشر أيضا، (وأيام) الليالي (البيض) وهي الثالث عشر وتالياه؛ لصحة الأمر بصومها والاحتياط صوم الثاني عشر معها. نعم في الحجة يصوم السادس عشر
(3)
أو يوما بعده بدل الثالث عشر، وتحصل أصل السنة بصوم ثلاثة من أيام الشهر. ويسن صوم أيام السود؛ خوفا ورهبة من ظلمة الذنوب وهي السابع أو الثامن والعشرون وتالياه فإن بدأ بالثامن ونقص الشهر صام أول تاليه وحينئذ يقع صومه عن كونه أول الشهر أيضا فإنه يسن صوم ثلاثة أول كل شهر.
[تنبيه] مَن قال أولها السابع ينبغي أن يقول إذا تم الشهر يسن صوم الآخر؛ خروجا من خلاف الثاني، ومن قال الثامن ينبغي أن يقول يسن صوم السابع؛ احتياطا فنتج سن صوم
(1)
. لا الكبائر خلافا لهما، نعم آخر كلام النهاية يقتضي موافقة الشارح.
(2)
. ولو كان من أهل عرفة كما صرح به الشارح في الاستسقاء 4/ 73.
(3)
. اقتصرا عليه.
وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَتَتَابُعُهَا أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الجُمُعَةِ، وَإِفْرَادُ السَّبْتِ. وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ، وَمُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ
الأربعة الأخيرة إذا تم الشهر عليهما (وستة من شوال) ; لأنها مع صيام جميع رمضان كل سنة كصيام الدهر أي فرضا -بلا مضاعفة- وإلا لم يكن لخصوصية ستة شوال معنى; إذ من صام مع رمضان ستة غيرها يحصل له ثواب الدهر نفلا بلا مضاعفة. وقضية المتن ندبها حتى لمن أفطر رمضان وهو كذلك إلا فيمن تعدى بفطره
(1)
; لأنه يلزمه القضاء فورا. ولو فاته رمضان فصام عنه شوالا سن له صوم ست من القعدة; لأن من فاته صوم راتب يسن له قضاؤه، (وتتابعها أفضل)؛ مبادرة للعبادة. (ويكره إفراد الجمعة) بالصوم؛ لخبر الصحيحين بالنهي عنه إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده وعلته الضعف به عما يتميز به من العبادات الكثيرة الفاضلة، ويعلل أيضاً بكونه يوم عيد، ولذا لم يكره لمن لا يضعفه عن شيء من وظائفه، وإنما زالت الكراهة بضم غيره إليه كما صح به الخبر وبصومه إذا وافق عادة أو نذرا أو قضاء; لأن صوم المضموم إليه وفضل ما يقع فيه يجبر ما فات منه، (وإفراد السبت) بغير ما ذكر في الجمعة
(2)
؛ لخبر ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم))؛ لأنه يشبه تعظيم اليهود له، ولذا كره إفراد الأحد أيضا؛ لأن النصارى تعظمه بخلاف ما لو جمعهما; لأن أحدا لم يقل بتعظيم المجموع. ولا يكره إفراد عيد من أعياد أهل الملل بالصوم كالنيروز؛ لأنها غير مشتهرة. (وصوم الدهر غير العيد والتشريق مكروه
(3)
لمن خاف به ضررا أو فوت حق) ولو مندوبا؛ لخبر ((لا صام من صام الأبد))، (ومستحب لغيره)؛ لخبر ((مَن صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا))، وصوم يوم وفطر يوم أفضل منه؛ لخبر ((أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما))، نعم من فعله فوافق فطره يوما يسن صومه كالاثنين كان صومه له أفضل
(4)
.
(1)
. خلافا لقضية كلامهما.
(2)
. أي ما وافق عادة أو نحو عاشوراء أو نذراً أو قضاءً أو كفارةً.
(3)
. نعم إن كان العذر مبيحا للتيمم فحرام عند الشارح خلافا لهم.
(4)
. وفاقا للشهاب الرملي وخلافا لهما.
وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاتِهِ فَلَهُ قَطْعُهُمَا وَلَا قَضَاءَ. وَمَنْ تَلَبَّسَ بِقَضَاءٍ لِوَاجِبٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ إنْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ صَوْمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ.
(ومن تلبس بصوم تطوع أو صلاته) أو غيرهما من التطوعات إلا النسك (فله قطعهما)؛ للخبر الصحيح ((الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر)) وقيس به الصلاة وغيرها، ثم إن قطع لغير عذر كره وإلا كأن شق على الضيف أو المضيف صومه سن له الفطر، ويثاب على ما مضى ككل قطع لفرض أو نفل بعذر، (ولا قضاء) أي لا يلزمه، بل يسن؛ خروجا من الخلاف. (ومن تلبس بقضاء لواجب حرم عليه قطعه إن كان على الفور وهو صوم من تعدى بالفطر) أو أفطر يوم الشك كما مر فلا يجوز له التأخير ولو بعذر كسفر تداركا لورطة الإثم أو التقصير، (وكذا إن لم يكن على الفور في الأصح بأن لم يكن تعدى بالفطر) ; لأنه قد تلبس بالفرض كمن شرع في أداء فرض أول وقته، نعم مر أنه متى ضاق الوقت بأن لم يبق من شعبان إلا ما يسع الفرض وجب الفور وإن فات بعذر. وكالقضاء في حرمة القطع كل فرض عيني يبطله القطع أو يفوِّت وجوبه الفوري بخلاف نحو قراءة الفاتحة في الصلاة وكذا فرض كفاية هو جهاد أو نسك أو صلاة جنازة. ويحرم على الزوجة أن تصوم تطوعا أو قضاء موسعا
(1)
وزوجها حاضر إلا بإذنه أو علم رضاه كما يأتي
(2)
.
(1)
. سكتا عنه.
(2)
. وذكر الشارح قبيل الجمعة أنه يندب الفطر قبل لقاء العدو إذا أضعفه الصوم عن القتال.
كتاب الاعتكاف
هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه رحمه الله إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الحَادِي أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي المَسْجِدِ،
(كتاب الاعتكاف)
هو مكث مخصوص على وجه يأتي. والأصل فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو من الشرائع القديمة. وأركانه أربعة معتكِف ومُعْتَكَف فيه ولبث ونية، (هو مستحب كل وقت) إجماعا (و في العشر الأواخر من رمضان أفضل) ; لأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه إلى وفاته (لطلب ليلة القدر) أي الحكم أو الشرف؛ إذ تختص ليلة القدر بوجودها في العشر الأواخر، وهي أفضل ليالي السنة. والمذهب أنها تلزم ليلة بعينها من ليالي العشر وأرجاها الأوتار، (وميل الشافعي رضي الله عنه إلى أنها ليلة الحادي أو الثالث والعشرين)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((أريها في العشر الأواخر في ليلة وتر منه، وأنه سجد صبيحتها في ماء وطين فكان ذلك ليلة الحادي والعشرين)) كما في الصحيحين ((وليلة الثالث والعشرين)) كما في مسلم. ويسن لرائيها كتمها، ولا ينال كمال فضلها إلا من أطلعه الله عليها. ويسن الاجتهاد في يومها كليلتها. (وإنما يصح الاعتكاف) لمن هو أو ما اعتمد عليه فقط من بدنه (في المسجد
(1)
-إن كانت أرضه غير محتكرة
(2)
; لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى نساءه لم يعتكفوا إلا فيه- سواء سطحه وروشنه
(3)
وإن كان كله في هواء شارع مثلا ورحبته
(4)
المعدودة منه وإن خص بطائفة ليس منهم; لأن إثمه إن
(1)
. نعم حريم بئر زمزم تجري عليها أحكام المسجد، ولا عبرة في منى ومزدلفة بغير مسجدي الخيف ونمرة، أي الأصل منهما دون ما زيد فيهما كما ذكر الشارح ذلك في باب الغسل 1/ 266.
(2)
. صورة الأرض المحتكرة أن يؤذن في البناء في أرض موقوفة أو مملوكة بأجرة مقدرة في كل سنة في مقابلة الأرض تقدير مدة فهي كالخراج المضروب على الأرض كل سنة بكذا.
(3)
. في حاشية البيجرمي الروشن شرعا ما يبنيه صاحب الجدار في الشارع ولا يصل إلى الجدار المقابل له سواء كان خشبا أم حجراً 3/ 9.
(4)
. رحبة المسجد ساحته، تاج العروس.
وَالجَامِعُ أَوْلَى. وَالجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ المَرْأَةٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَهُوَ المُعْتَزَلُ المُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ. وَلَوْ عَيَّنَ المَسْجِدَ الحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ تَعَيَّنَ، وَكَذَا مَسْجِدُ المَدِينَةِ وَالْأَقْصَى فِي الْأَظْهَرِ، وَيَقُومُ المَسْجِدُ الحَرَامُ مَقَامَهُمَا، وَلَا عَكْسَ، وَيَقُومُ مَسْجِدُ المَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى، وَلَا عَكْسَ
فُرِضَ لأمر خارج، أما ما أرضه محتكرة فلا يصح فيه إلا إن بنى فيه مسطبة
(1)
أو بلَّطه ووقف ذلك مسجدا؛ لصحة وقف السفل دون العلو وعكسه وهذا منه، وما وقف بعضه مسجدا شائعا يحرم المكث فيه على الجنب ولا يصح الاعتكاف فيه؛ احتياطا فيهما، (والجامع) وإن قلَّت جماعته بل وإن لم يحتج للخروج للجمعة لو اعتكف في غيره لكونه مسافرا مثلا (أولى)؛ خروجا من خلاف من اشترطه، نعم يجب إن نذر اعتكاف مدة متتابعة تتخللها جمعة وهو من أهلها ولم يشترط الخروج لها
(2)
; لتقصيره، أما إن كانت تقام في غير جامع أو أُحْدِث الجامع بعد اعتكافه لم يضر الخروج لها؛ لعدم تقصيره. وإذا خرج لها تعين أقرب جامع إليه إن اتحد وقت صلاة الجامعين. وإلا جاز الذهاب للأبعد إن سبق الأقرب; لأن سبقه مرجح له، ويؤخذ منه أن مثله بالأولى ما تيقن حل مال بانيه وأرضه دون ضده. (والجديد أنه لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو المعتزل المهيأ للصلاة)؛ لحل تغييره والمكث فيه للجنب وغيره، وحيث كره لها الخروج إليه للجماعة
(3)
كره الاعتكاف فيه، ولا يجري هذا القول في الخنثى. (ولو عَيَّن المسجد الحرام في نذره الاعتكاف تعين)؛ لزيادة فضله والمضاعفة فيه. والمراد به الكعبة والمسجد حولها، ولو عينها أجزأ عنها بقية المسجد (وكذا مسجد المدينة) وهو مسجده صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه (والأقصى في الأظهر) ; لأنهما تشد إليهما الرحال كالمسجد الحرام، ولا يتعين غير الثلاثة بالتعيين لكن المُعَيَّن أولى، (ويقوم المسجد الحرام مقامهما) ; لأنه أفضل منهما (ولا عكس)؛ لذلك، (ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى) ; لأنه أفضل منه (ولا عكس)؛ لذلك. ويتعين زمن الاعتكاف إن عين له زمنا فلو قدمه عليه لم يحسب وإن أخره
(1)
. هي اسم للدكان الذي يقعد عليه الناس، لسان العرب.
(2)
. لأن خروجه إلى الجمعة بلا شرط يقطع التتابع.
(3)
. تقدم أنها يكره الحضور لها إن كانت تشتهى ولو في ثياب رثة أو لا تشتهى وبها شيء من الزينة أو الطيب ويحرم عليهن بغير إذن ولي أو سيد أو هما ومع خشية فتنة منها أو عليها.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا، وَقِيلَ يَكْفِي المُرُورُ بِلَا لُبْثٍ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ. وَيَبْطُلُ بِالجِمَاعِ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ المُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ كَلَمْسٍ، وَقُبْلَةٍ تُبْطِلُهُ إنْ أَنْزَلَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ. وَلَا يَضُرُّ التَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُّنُ وَالْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ. وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ لَزِمَهُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا لَزِمَاهُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ جَمْعِهِمَا
عنه كان قضاء وأثم إن تعمد. (والأصح أنه يشترط في الاعتكاف لبثُ قَدْرٍ يسمى عكوفا) ; لأن مادة لفظ الاعتكاف تقتضيه، بأن يزيد على أقل طمأنينة الصلاة ولا يكفي قدرها ويكفي عنه التردد
(1)
، (وقيل يكفي المرور بلا لبث) كالوقوف بعرفة، (وقيل يشترط مكث نحو) أي قريب (يوم) وقيل يشترط يوم. (ويبطل بالجماع) من عالم عامد مختار ولو في غير المسجد كأن كان في طريق أو محل قضاء الحاجة، لكنه فيه -ولو في هوائه- يحرم مطلقا وخارجه لا يحرم إلا إن كان منذورا ولا يبطل ما مضى إلا إن نذر التتابع، و يبطل ثوابه بشتم أو غيبة أو أكل حرام، (وأظهر الأقوال أن المباشرة بشهوة كلمس وقبلة تبطله إن أنزل وإلا فلا) كالصوم فيأتي هنا جميع ما مر ثم، (ولو جامع ناسيا فكجماع الصائم) فلا يبطل. (ولا يضر التطيب والتزين) وله أن يتزوج ويزوج، (و) لا يضر (الفطر بل يصح اعتكاف الليل وحده)؛ للخبر الصحيح ((ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه)). (ولو نذر اعتكاف يوم هو فيه صائم) كان قال عليَّ أن أعتكف يوما وأنا فيه صائم أو جدوه -أو بدون واو- (لزمه) بالنذر كالتتابع، ويجوز كون اليوم عن رمضان وغيره; لأنه لم يلتزم صوما بل اعتكافا بصفة وقد وجدت. (ولو نذر أن يعتكف صائما أو يصوم معتكفا لزماه) أي الاعتكاف والصوم; لأنه التزم كلا على حدته فلا يكفيه أن يعتكف وهو صائم عن رمضان أو نذر آخر مثلا ولا أن يصوم في يوم اعتكفه عن نذر آخر قبل أو بعد (والأصح وجوب جمعهما)؛ لما بينهما من المناسبة إذ كلٌّ كف، وبه فارق أن أصلي صائما أو أعتكف مصليا فلو شرع في الاعتكاف صائما ثم أفطر لزمه استئنافهما، نعم لو نذر أن يعتكف صائما أو يصوم
(1)
. للشارح تحقيق في معنى التردد ذكره في حاشيته على الفتح.
وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ، وَيَنْوِي فِي النَّذْرِ الْفَرْضِيَّةَ. وَإِذَا أَطْلَقَ كَفَتْهُ نِيَّتُهُ، وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ لَكِنْ لَوْ خَرَجَ وَعَادَ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَلَوْ نَوَى مُدَّةً فَخَرَجَ فِيهَا وَعَادَ، فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الحَاجَةِ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ، أَوْ لَهَا فَلَا، وَقِيلَ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ خُرُوجِهِ اسْتَأْنَفَ وَقِيلَ لَا يَسْتَأْنِفُ مُطْلَقًا. وَلَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لَمْ يَجِبْ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ،
معتكفاً يكفيه يوم الصوم اعتكافه لحظة فيه ولا يلزمه استغراقه بالاعتكاف؛ لأن اللفظ صادق بالقليل والكثير، ولو قال أن أعتكف يوم العيد صائما وجب اعتكافه ولغا قوله صائما.
(ويشترط) في ابتداء الاعتكاف -لا دوامه- (نية الاعتكاف) ; لأنه عبادة (وينوي) وجوبا (في) الاعتكاف أو غيره (النذر) أي المنذور النذرَ أو (الفرضية)؛ ليتميز عن التطوع، ولا يشترط أن يعين سببها وهو النذر; لأنه لا يجب إلا به بخلاف الصوم والصلاة. (وإذا أطلق) الاعتكاف بأن لم يعين له مدة (كفته نيته) أي الاعتكاف (وإن طال مكثه)؛ لشمول النية المطلقة لذلك (لكن لو خرج) غير عازم على العود (وعاد احتاج إلى الاستئناف) ; لأن ما مضى عبادة فانتهت بالخروج ولو لقضاء الحاجة، أما إذا خرج عازما على العود فلا يحتاج لنية العود وإن طال زمن خروجه؛ لقيام هذا العزم مقامها. (ولو نوى) في اعتكاف تطوع أو نَذْرٍ (مدة) مطلقة أو معينة
(1)
ولم يشترط تتابعا واعتكف لوفاء نذره في صورته (فخرج فيها وعاد فإن خرج لغير قضاء الحاجة لزمه الاستئناف) للاعتكاف
(2)
في الصورة الثانية; لأن خروجه المذكور قطعه (أو لها) أي للحاجة وهي البول والغائط؛ للضرورة لا الريح (فلا) ; لأنه لا بد منه، (وقيل إن طالت مدة خروجه) ولو للحاجة (استأنف)؛ لتعذر البناء، (وقيل لا يستأنف مطلقا) ; لأن عوده ينصرف لما نواه. (ولو نذر مدة متتابعة فخرج لعذر لا يقطع التتابع) وإن كان منه بد كالأكل وقضاء الحاجة والحيض والخروج ناسيا (لم يجب استئناف النية)؛ لشمولها جميع المدة وتجب المبادرة للعود عقب زوال العذر، فإن أخَّر عالما ذاكرا مختارا انقطع التتابع وتعذر البناء.
(1)
. اقتصرا على قولهما أياما غير معينة.
(2)
. أي لنية الاعتكاف كما عبروا به.
وَقِيلَ إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الحَاجَةِ وَغُسْلِ الجَنَابَةِ وَجَبَ. وَشَرْطُ المُعْتَكِفِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ عَنِ الحَيْضِ وَالجَنَابَةِ. وَلَوِ ارْتَدَّ المُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ بَطَلَ، وَالمَذْهَبُ بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنِ اعْتِكَافِهِمَا المُتَتَابِعِ. وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى إنْ لَمْ يُخْرَج، وَيُحْسَبُ زَمَنُ الْإِغْمَاءِ مِنَ الِاعْتِكَافِ دُونَ الجُنُونِ. أَوْ الحَيْضٌ وَجَبَ الخُرُوجُ، وَكَذَا الجَنَابَةُ إنْ تَعَذَّرَ الْغُسْلُ فِي المَسْجِدِ،
(وقيل إن خرج لغير الحاجة وغسل الجنابة) ونحوهما (وجب)؛ لخروجه عن العبادة بما منه بد، أما ما يقطعه فيجب استئنافها جزما.
(وشرط المعتكف الإسلام والعقل)؛ لأن غيرهما لا نية له (والنقاء عن الحيض) والنفاس (والجنابة)؛ لحرمة المكث بالمسجد حينئذ، والحرمة هنا ذاتية بخلاف نحو من به نحو قروح تلوث المسجد
(1)
. (ولو ارتد المعتكف أو سكر) سكرا تعدى به (بطل) اعتكافه زمن الردة والسكر؛ لانتفاء أهليته (والمذهب بطلان ما مضى من اعتكافهما المتتابع) ; لأن ذلك أقبح من مجرد الخروج من المسجد، ويبطل أيضا ثواب المرتد كثواب جميع أعماله وإن أسلم. (ولو طرأ جنون أو إغماء) ولم يتسبب في ذلك (لم يبطل ما مضى إن لم يُخرَج) وكذا لا يبطل ما مضى إن جازت إدامته في المسجد فأُخْرِج -سواء شق حفظه في المسجد أوْ لا
(2)
-؛ لعذره
(3)
كالمكرَه بغير حق وإلا فيضر، (ويحسب زمن الإغماء من الاعتكاف دون الجنون) كما في الصوم فيهما. (أو) طرأ (الحيض) أو النفاس أو نجس غيرهما لا يمكن معه المكث بالمسجد (وجب الخروج)؛ لتحريم مكثهم، (وكذا الجنابة إن) طرأت بما لا يبطل الاعتكاف كاحتلام، و (تعذر الغسل في المسجد)؛ للضرورة إليه، ولو كان يتيمم وأمكنه التيمم بغير ترابه وهو مار فيه لم يجز له الخروج
(4)
; إذ لا ضرورة إليه حينئذ.
(1)
. فليس مثل الحيض والجنابة خلافا لهما.
(2)
. ويفهم من كلام الرملي أنه لو أمكن بلا مشقة بطل.
(3)
. فلو طرأ نحو الجنون بسببه انقطع بإخراجه مطلقا عند الشارح، وعند المغني ينقطع وإن لم يخرج، وقال الكردي أن قوله في التحفة بإخراجه ليس بقيد.
(4)
. قضية عبارتهما الجواز.
فَلَوْ أَمْكَنَ جَازَ الخُرُوجُ، وَلَا يَلْزَمُ، وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الحَيْضِ وَلَا الجَنَابَةِ.
(فلو أمكن) الغسل فيه (جاز الخروج) ; لأنه أقرب للمروءة وتلزمه المبادرة به، (ولا يلزمـ) ـه بل له الغسل في المسجد
(1)
؛ رعاية للتتابع، نعم محل جوازه حيث لا مكث فيه بأن كان فيه نهر يخوضه وهو خارج وإلا وجب الخروج، وكذا لو كان مستجمرا -؛ لحرمة إزالة النجاسة في المسجد- أو يحصل بغسالته ضرر للمسجد أو المصلين، (ولا يحسب زمن الحيض ولا الجنابة) من الاعتكاف إذا اتفق المكث مع أحدهما; لأنه حرام وإنما أبيح للضرورة.
(1)
. وعند الشارح أن نضح المسجد بالماء المستعمل حرام خلافا لهما.
فصل
إذَا نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بِلَا شَرْطٍ، وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ يَوْمًا لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مُدَّةً كَأُسْبُوعٍ وَتَعَرَّضَ لِلتَّتَابُعِ وَفَاتَتْهُ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْقَضَاءِ. وَإِذَا ذَكَرَ التَّتَابُعَ وَشَرَطَ الخُرُوجَ لِعَارِضٍ صَحَّ الشَّرْطُ فِي الْأَظْهَرِ،
(فصل) في الاعتكاف المنذور المتتابع
(إذا نذر مدة متتابعة لزمه
(1)
; لأنه وصف مقصود، (والصحيح أنه لا يجب التتابع بلا شرط) وإن نواه; لأن مطلق الزمن كأسبوع وعشرة أيام صادق بالمتفرق أيضا. ولو شرط التفريق أجزأ عنه التتابع; لأنه أفضل منه مع كونه من جنسه
(2)
، (و) الصحيح (أنه لو نذر يوما لم يجز تفريق ساعاته) من أيام بل يلزمه الدخول قبل الفجر -بحيث يقارن لبثه أول الفجر- ويخرج منه عقب الغروب; لأن المفهوم من لفظ اليوم هو الاتصال فلو دخل الظهر ومكث إلى الظهر ولم يخرج ليلا لم يجزئه; لعدم اتصال اليوم والليلة ليست من اليوم. فإن قال نهارا نذرته من الآن لزمه منه إلى مثله ودخلت الليلة تبعا، ولو نذر اعتكاف يوم فاعتكف ليلة أو عكسه فإن عيَّن زمنا وفاته كفى إن كان ما أتى به قدره أو أزيد وإلا فلا (وأنه لو عيَّن مدة كأسبوع) معين (وتعرض للتتابع وفاتته لزمه التتابع في القضاء)؛ لتصريحه به فصار مقصودا لذاته (وإن لم يتعرض له لم يلزمه في القضاء)؛ لأنه حينئذ من ضرورة الوقت فليس مقصودا لذاته. (وإذا ذكر التتابع وشرط الخروج لعارض) مباح مقصود لا ينافي الاعتكاف (صح الشرط في الأظهر) ; لأنه إنما لزم بالتزامه فوجب أن يكون بحسبه فإن عيَّن شيئا لم يتجاوزه، وإلا خرج لكل غرض ولو دنيويا مباحا كلقاء الأمير لا لنحو نزهة. أما لو شرط الخروج لمُحَرَّم كشرب خمر أو لمناف كجماع فيبطل نذره، نعم لو كان المنافي لا يقطع التتابع كحيض لا تخلو عنه مدة الاعتكاف غالبا صح شرط الخروج له، وأما لو شرط الخروج لا لعارض كأن
(1)
. ويأتي في النفقات أن للزوج منعها من اعتكاف نفل 8/ 331.
(2)
. خلافا لهم.
وَالزَّمَانُ المَصْرُوفُ إلَيْهِ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ إنْ عَيَّنَ المُدَّةَ كَهَذَا الشَّهْرِ، وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِالخُرُوجِ بِلَا عُذْرٍ. وَلَا يَضُرُّ إخْرَاجُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَلَا الخُرُوجُ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ، وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ دَارِهِ، وَلَا يَضُرُّ بُعْدُهَا إلَّا أَنْ يَفْحُشَ فَيَضُرُّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَضُرَّ مَا لَمْ يَطُلْ وُقُوفُهُ أَوْ يَعْدِلْ عَنْ طَرِيقِهِ،
قال إلا أن يبدو لي فهو باطل; لأنه علّقه ويبطل به نذره أيضا (والزمان المصروف إليه) أي لذلك العارض (لا يجب تداركه إن عيَّن المدة كهذا الشهر) ; لأن زمن المنذور من الشهر إنما هو اعتكاف ما عدا العارض (وإلا فيجب) تداركه؛ لتتم المدة الملتزمة.
(وينقطع التتابع بـ) أشياء أخر زيادة على ما مر كـ (الخروج بلا عذر) مما يأتي وإن قل زمنه؛ لمنافاته اللبث (ولا يضر إخراج بعض الأعضاء) ; لأنه صلى الله عليه وسلم ((كان يخرج رأسه الشريف وهو معتكف إلى عائشة فتسرحه))، نعم إن أخرج رِجلا مثلا ضر إن اعتمد عليها فقط -بحيث لو زالت سقط- وكذا لو اعتمد عليهما
(1)
، (ولا الخروج لقضاء الحاجة) إجماعا; لأنه ضروري، ولا تشترط شدتها ولا يكلف المشي على غير سجيته فإن تأتى أكثر منها ضر، ومثلها غسل جنابة وإزالة نجس وأكل; لأنه يستحيى منه في المسجد غير المهجور، وشرب إذا لم يجد ماء فيه ولا من يأتيه به; لأنه لا يستحيى منه فيه، وله الوضوء بعد قضاء الحاجة تبعا; إذ لا يجوز الخروج له قصدا إلا إذا تعذر في المسجد ولا لغسل مسنون ولا لنوم، (ولا يجب فعلها في غير داره) كسقاية المسجد ودار صديقه بجنب المسجد؛ للحياء
(2)
مع المنة في الثانية (ولا يضر بُعْدُها إلا أن) يكون له دار أقرب منها أو (يفحش) البعد بأن يذهب أكثر الوقت المنذور في التردد (فيضر في الأصح) ; لأنه قد يحتاج في عوده أيضا إلى البول فيمضي يومه في التردد، نعم لو لم يجد غيرها أو وجد غير لائق به لم يضر. (ولو عاد مريضا) أو زار قادما (في طريقه) لنحو قضاء الحاجة (لم يضر) وإن جمع بين ذلك وصلاة الجنازة أو تكرر كأن صلى على موتى أو عاد عدة مرضى، ولا نظر لضمه مع غيره المقتضي لطول الزمن (ما لم يطل وقوفه) فإن طال بأن زاد على قدر صلاة الجنازة بأقل مجزئ
(3)
ضر، أما قدرها فيحتمل لجميع الأغراض (أو) لم (يعدل عن طريقه).
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. فمن لا يستحي من السقاية يكلفها.
(3)
. لم يقيدوه بذلك.
وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِمَرَضٍ، يُحْوِجُ إلَى الخُرُوجِ. وَبِحَيْضٍ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُو عَنْهُ انْقَطَعَ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا بِالخُرُوجِ نَاسِيًا عَلَى المَذْهَبِ. وَلَا بِخُرُوجِ المُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ إلَى مَنَارَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ المَسْجِدِ لِلْأَذَانِ فِي الْأَصَحِّ
فإن عدل ضر وإن قصر الزمن؛ لخبر أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم ((كان يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو يسأل عنه ولا يعرج)). (ولا ينقطع التتابع بمرض) ومنه جنون أو إغماء (يحوج إلى الخروج) بأن خشي تنجس المسجد أو احتاج إلى فرش وخادم، ومثله خوف حريق وسارق بخلاف نحو صداع وحمَّى خفيفة فإن أخرج لأجل ذلك فقد مر
(1)
(و) لا ينقطع بالخروج لشهادة تعينت
(2)
أو لحد ثبت بالبينة
(3)
أو (بحيض إن طالت مدة الاعتكاف) بأن كانت لا تخلو عن الحيض غالبا
(4)
فتبني على ما سبق إذا طهرت; لأنه بغير اختيارها، وحكم النفاس كالحيض، (فإن كانت بحيث تخلو عنه انقطع في الأظهر)؛ لإمكان الموالاة بشروعها عقب الطهر، (ولا بالخروج) مُكرَها بغير حق أو (ناسيا على المذهب) كما لا يبطل الصوم بالأكل ناسيا، ومثله جاهل يعذر بجهله (ولا بخروج المؤذن الراتب إلى منارة منفصلة) بخلاف متصلة بأن يكون بابها في المسجد أو رحبته فلا يضر مطلقا (عن المسجد) لكنها قريبة منه مبنية له (للأذان في الأصح) ; لأنها مبنية لإقامة شعائر المسجد وقد ألِفَ الناسُ صوتَ الراتب فعُذر، ولذا فارقت الخلوة الخارجة عن المسجد التي بابها فيه فينقطع بدخولها قطعا، أما غير راتب فيضر صعوده لمنفصلة؛ لانتفاء ما ذكر في الراتب، وأما بعيدة عن المسجد أي بحيث لا تنسب إليه عرفا أو مبنية لغيره الذي ليس متصلا به فيضر صعودها مطلقا بخلاف المتصل به;
(1)
. قبيل قول المصنف: ((ويحسب زمن الإغماء)).
(2)
. يشترط عندهما كون تعينها عليه تحملا وأداء.
(3)
. بخلافه لرد وديعة كما ذكره الشارح في بابها 6/ 125.
(4)
. والحاصل فيها كما في شرح العباب ويفهم من كلامه في التحفة أن المدة ثلاثة أقسام الخمسة عشر فأقل تخلو عنه بيقين، والخمسة والعشرون فأكثر لا تخلو غالبا، وما بينهما يخلو غالبا- خلافا للنهاية- فالأولى يقطعها الحيض والثانية لا يقطعها والثالثة ملحقة بالأولى.
وَيَجِبُ قَضَاءُ أَوْقَاتِ الخُرُوجِ بِالْأَعْذَارِ إلَّا أَوْقاتَ قَضَاءِ الحَاجَةِ.
لأن المساجد المتلاصقة حكمها حكم المسجد الواحد. (ويجب قضاء
(1)
أوقات الخروج بالأعذار) ; لأنه غير معتكف فيها (إلا أوقات قضاء الحاجة
(2)
; لأن حكم الاعتكاف منسحب عليها، ولهذا لو جامع في زمنها من غير مكث بطل.
(1)
. وتقدم في الصيام أن الاعتكاف لا يُقْضَى على الميت إلا على قول 3/ 439.
(2)
. فقط كما هو ظاهر التحفة وعندهما أنه مجرد مثال، والضابط أن ما طلب الخروج له وقل زمنه لا يقضى وما طال زمنه كحيض ومرض يقضى.
كتاب الحج
هُوَ فَرْضٌ وَكَذَا الْعُمُْرَةُ فِي الْأَظْهَرِ. وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: الْإِسْلَامُ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالمَجْنُونِ،
(كتاب الْحَج
(1)
)
(هو) قصد الكعبة للنُّسُك مع الإتيان به، أو هو نفس الأفعال الآتية. والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، وهو (فرض) معلوم من الدين بالضرورة فيكفر منكره إلا إن أمكن خفاؤه عليه (وكذا العُمُْرة) وهي قصد الكعبة للنسك الآتي، أو نفس الأفعال الآتية (في الأظهر)؛ للخبر الصحيح ((حِجَّ عن أبيك واعتمر)). ولا يغني عنها الحج; لأن كُلاً أصلٌ قُصد منه ما لم يقصد من الآخر. ولا يجبان في العمر إلا مرة. وهما على التراخي بشرط العزم على الفعل بعدُ، وأن لا يتضيقا بنذر أو خوف عضب أو تلف مال بقرينة ولو ضعيفة أو بكونهما قضاء عما أفسده، ومتى أخَّر فمات تبين فسقه بموته من آخر سني الإمكان إلى الموت فيرد ما شهد به وينقض ما حكم به، وسيأتي أنه يستقر عليه بوجود مال له لم يعلمه ومع ذلك لا نحكم بفسقه؛ لعذره.
(وشرط صحته) المطلقة (الإسلام) فقط فلو ارتد أثناءه بطل ولم يجب مضي في باطلة. ولا تحبط الردة -غير المتصلة بالموت- ذات ما مضى بل ثوابه ولذا لم يجب قضاؤه (فللولي) على المال ولو وصيا وقيما بنفسه أو مأذونه ولو لم يحج أو كان محرما بحج عن نفسه وإن غاب المولى، نعم لا يرمى عن الصبي -بشرطه- إلا إن رمى عن نفسه (أن يحرم) أي ينوي الإحرام (عن الصبي) أو جعله محرما (الذي لا يميز)، أما المميز فيتخير بين أن يحرم عنه أو يأذن له أن يحرم عن نفسه؛ لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال ((نعم ولك أجر))، فيكتب للصبي ثواب ما عمله أو عمله به وليه من الطاعات ولا يكتب عليه معصية إجماعا، (والمجنون)؛
(1)
. أفاد الشارح في باب صوم التطوع أن ما ورد من تكفير الذنوب بالحج محمول على الصغائر، فإن لم تكن صغائر رفعت درجته أو وُقي اقترافها أو استكثارها، وأن حديث تكفير الحج للتبعات ضعيف 3/ 254 - 255.
وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنَ المُسْلِمِ المُمَيِّزِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِالمُبَاشَرَةِ إذَا بَاشَرَهُ المُكَلَّفُ الحُرُّ، فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ
قياسا على الصبي. وحيث صار المولى محرما وجب أن يفعل به ما يمكن فعله
(1)
كإحضاره عرفة وسائر المواقف ومنها الرمي فيلزمه إحضاره إياه حالة رميه عنه -وإن لم يتصور منه- والطواف والسعي به، وأن يفعل عنه ما لا يمكن كالرمي -بعد رميه عن نفسه- إن لم يقدر لو جعل الحصاة بيده أن يرمي بها، ولا يعتد بجعلها بيده
(2)
إلا إن رمى عن نفسه
(3)
، ويصلي عنه سنة الطواف والإحرام ويشترط في الطواف به طهر الولي والصبي فيوضئه الولي وينوي عنه. وخرج بالصبي والمجنون المغمى عليه فلا يحرم أحد عنه؛ إذ لا ولي له
(4)
. وللسيد أن يحرم عن قنه الصغير لا البالغ، نعم الصبي المبعض يحرم عنه وليّه وسيده معا لا أحدهما وإن كانت مهايأة، ومع ذلك للسيد تحليله إلا في المهايأة إن أحرم في نوبته ووسعت نسكه فله حينئذ حكم الحر.
(وإنما تصح مباشرته من المسلم المميز) ولو قنا ككل عبادة بدنية، نعم تتوقف صحة إحرامه على إذن وليه كما مر أو سيده؛ لأن شأنه الاحتياج للمال وهو محجور عليه فيه، ويلزم الوليَ كلُّ دم لزم المولى وما زاد على مؤنته في الحضر، ومؤنة قضاء ما أفسده بجماعه؛ لوجود شروط جماع البالغ المفسد فيه؛ لأنه الذي ورَّطه في ذلك من غير حاجة ولا ضرورة.
(وإنما يقع) ما أتى به المحرم (عن) نذر إن كان مسلما مكلفا.
وعن (حجة الإسلام) وعمرته (بالمباشرة) عن نفسه أو عن ميت أو معضوب (إذا باشره المكلف) أي البالغ العاقل (الحر) ولو بالتبين (فيجزئ حج الفقير) وعمرته عن حجة الإسلام وعمرته أداء أو قضاء لما أفسده كما لو تكلف مريض حضور الجمعة (دون الصبي والعبد) إجماعا، هذا إن لم يدركا وقوف الحج وطواف العمرة كاملين وإلا بأن بلغ أو عتق قبل الوقوف أو الطواف أو في أثنائهما أو بعد الوقوف
(5)
وعاد وأدركه
(6)
قبل فجر النحر أجزأهما
(1)
. بل ذكر الشارح في كتاب الطهارة أن له الاجتهاد عنه في نحو الماء 1/ 105.
(2)
. وظاهر كلام الشارح أنه لابد من المناولة فلا يجزئ أخذه الأحجار من الأرض خلافا لهما.
(3)
. لم يشترطه في النهاية.
(4)
. نعم إن أيس من إفاقته تولى عليه القاضي كما يأتي في الحجر.
(5)
. أخرج بعد الطواف في العمرة خلافا للنهاية.
(6)
. أي وأعاد ما مضى في صورة الأثناء خلافا لهما.
وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ:
أَحَدُهَا: وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَمُؤْنَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ،
عن حجة الإسلام وعمرته؛ لوقوع المقصود الأعظم في حال الكمال. ثم إنه إن أدرك الوقوف لزمه إعادة طواف الإفاضة والسعي والحلق، فيجزئه عوده
(1)
ولو بعد التحللين وإن جامع بعدهما ولا يعيد الإحرام. أما المجنون فيشترط لوقوعه عن حجة الإسلام إفاقته في الأركان كلها
(2)
.
(وشرط وجوبه الإسلام) فلا يجب على كافر أصلي إلا للعقاب عليه نظير ما مر، ولا أثر لاستطاعته في كفره، أما المرتد فيخاطب به في ردته حتى لو استطاع ثم أسلم لزمه الحج وإن افتقر، فإن أخَّره حتى مات حُجَّ عنه من تركته (والتكليف والحرية والاستطاعة
(3)
بالإجماع، فعلم أن المراتب خمس صحة مطلقة وصحة مباشرة فوقوع عن نذر فوقوع عن فرض الإسلام فوجوب، وتكفي استطاعة الحج عن استطاعة العمرة؛ لإمكان القران، أما استطاعة العمرة في غير وقت الحج فلا يكتفى بها للحج.
(وهي نوعان: أحدهما استطاعة مباشرة) فلا عبرة بقدرة ولي على الوصول إلى مكة وعرفة في لحظة كرامة، ولا يخاطب بذلك وإنما العبرة بالمعتاد، نعم الولي إذا فعل الشيء كرامة ترتب عليه حكمه كما لو حج هنا، (ولها شروط):
(أحدها وجود الزاد وأوعيته) حتى السفرة
(4)
مثلا (ومؤنة) نفسه وغيرها مما يحتاج إليه في (ذهابه، و) إن كان له وطن
(5)
ونوى الرجوع إليه أو لم ينوِ شيئا أشترط أن يكون معه مؤنة (إيابه) أي
(1)
. فلو تقدم الحلق والطواف معاً أجزأت إعادتهما بعد البلوغ واعتد به عن حجة الإسلام خلافا لمقتضى كلام النهاية.
(2)
. خلافا للنهاية حيث جعله مثل من بلغ أو عتق.
(3)
. قضية كلام الشارح في العِدد أن المعتدة لا تخرج من المسكن لتعجيل حجة الإسلام إلا إن كانت بمكة 8/ 264.
(4)
. هي طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إليه وسُمِّي به، لسان العرب.
(5)
. تقدم فسير الوطن في الجمعة.
وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ تُشْتَرَطْ نَفَقَةُ الْإِيَابِ، وَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ مَا يَفِي بِزَادِهِ وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ لَمْ يُكَلَّفْ الحَجَّ، وَإِنْ قَصُرَ وَهُوَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ كُلِّفَ.
الثَّانِي وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ،
أقل مدة يمكن فيها ذلك بالسير المعتاد الآتي من بلده مع مدة الإقامة المعتادة بمكة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سُئل عن السبيل في الآية فقال: ((الزاد والراحلة))، (وقيل إن لم يكن له ببلده أهل) هم من تجب نفقتهم، أ (وعشيرة) وهم أقاربه مطلقا (لم تشترط نفقة) أي مؤنة (الإياب)؛ لاستواء كل البلاد إليه حينئذ، أما من لا وطن له وله بالحجاز ما يقيته فلا تعتبر في حقه مؤنة الإياب قطعا، وكذا من نوى الاستيطان بمكة وقربها
(1)
. (ولو) لم يجد ما ذكر لكن (كان يكسب) في السفر (ما يفي بزاده) وغيره من المؤن (وسفره طويل لم يكلف الحج)؛ لاجتماع تعب السفر والكسب وتلك مشقة شديدة عليه، (وإن قصر وهو يكسب في) أول (يوم) من أيام سفره (كفاية أيام) الحج وهي ما بين سابع الحجة وزوال ثالث عشره في حق من لم ينفر النفر الأول (كُلِّف
(2)
؛ لانتفاء المشقة، ولا بد مع ذلك من قدرته على مؤنة أيام سفره إلى مكة ذهابا ورجوعا. وخرج بأول يوم قدرته على أن يكتسب بعده أو في الحضر ما يفي في الكل فلا يلزمه؛ لأن تحصيل سبب الوجوب لا يجب. ويعتبر في العمرة القدرة على مؤنة ما يسعها غالبا وهو نحو نصف يوم مع مؤنة سفره.
(الثاني وجود) بشراء أو استئجار بعوض المثل -لا بأزيد منه وإن قل- أو وقفٍ عليه أو إيصاء له بمنفعتها مدة يمكن فيها الحج أو على هذه الجهة أو إعطاء الإمام إياها له من بيت المال لا من ماله كما لو وهبها له غيره؛ للمنة (الراحلة) وذلك؛ للخبر السابق، وهي الناقة التي تصلح لأن ترحل والمراد كل ما يصلح للركوب عليه بالنسبة لطريقه الذي يسلكه ولو نحو بغل وبقر وحمار وإن لم يلق به ركوبه
(3)
(لمن بينه وبين مكة مرحلتان) وإن أطاق المشي بلا
(1)
. خلافا لهما فجعلوا ذلك من محل للخلاف.
(2)
. بشرط أن يجد من يستعمله ولا يكون في الكسب مشقة لا تحتمل عادة وأن يحل تعاطيه وأن يليق به كما أفاده الشارح في قسم الصدقات 7/ 150.
(3)
. خلافا لهما.
فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ، وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى المَشْيِ يَلْزَمُهُ الحَجُّ، فَإِنْ ضَعُفَ فَكَالْبَعِيدِ،
مشقة; لأنها من شأنه حينئذ، نعم هو الأفضل -ولو لمرأة لا يُخْشَى عليها فتنة منه بوجهٍ-؛ خروجا من خلاف من أوجبه. ولو قدر على استئجار راحلة إلى دون مرحلتين وعلى مشي الباقي لم يلزمه; لأن تحصيل سبب الوجوب لا يجب، (فإن لحقه) أي الذكر (بالراحلة مشقة شديدة)، وهي ما يبيح التيمم
(1)
أو يحصل به ضرر لا يحتمل عادة (اشترط وجود مَحمِل
(2)
؛ دفعا للضرر، فإن لحقته بالمحمل اشترط نحو كنيسة
(3)
، فإن لحقته بها فمحفة
(4)
، فإن لحقته بها فسرير يحمله رجال. أما المرأة والخنثى فيشترط في حقهما القدرة على المحمل وإن اعتادا غيره كنساء الأعراب; لأنه أستر لهما. (واشترط) وجود (شريك) إن لم يسهل
(5)
معادلته بما يحتاج لاستصحابه أو يريده معه (يجلس في الشق الآخر) بشرط أن تليق به مجالسته بأن لا يكون فاسقا ولا مشهورا بنحو مجون أو خلاعة، ولا شديد العداوة له، وليس به نحو برص، وأن يوافقه على الركوب بين المحملين إذا نزل لقضاء حاجة، (ومن بينه وبينها) أي مكة (دون مرحلتين) وإن كان بينه وبين عرفة مرحلتان (وهو قوي على المشي يلزمه الحج)؛ لعدم المشقة غالبا، ولا عبرة بقربه من عرفة إن بعد عن مكة (فإن ضعف) عن المشي بحيث يلحقه به المشقة السابقة (فكالبعيد) أما الحبو فلا يجب مطلقا؛ لعظم مشقته.
(1)
. اقتصر عليه النهاية.
(2)
. وهو شقتان على البعير يحمل بينهما العديلان.
(3)
. وهي أعواد مرتفعة في جوانب المحمل يكون عليها ستر للحر والبرد.
(4)
. هو بيت صغير يتخذ من خشب يحمل بين بعيرين أو غيرهما، وأشار الشارح في الكفارة إلى وجوب شراء محفَّة نفيسة وإن بيعت بالوزن إن كان ذلك ثمن مثلها 8/ 197.
(5)
. أما إن سهل فتتعين هي أو الشريك وفاقا للنهاية وخلافا للمغني حيث اعتمد تعيين الشريك وإن قدر على المحمل.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَنْ دَيْنِهِ وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ،
(ويشترط كون) كل ما يلزمه من مؤن السفر كـ (الزاد والراحلة) ومثلهما ثمنهما وأجرة خفارة
(1)
ونحو محرم امرأة وقائد أعمى ومحمل (فاضلين عن دينه) ولو مؤجلا وإن رضي صاحبه أو كان لله تعالى كنذر; لأن المنية قد تخترمه فتبقى الذمة مرتهنة، ودينه الحال على مليء مقر به أو به بينة أو يعلمه القاضي كالذي بيده وإلا فكالمعدوم، نعم ما يسهل عليه الظفر به بشرطه كالحاصل أيضا (و) عن دست ثوب
(2)
يليق به وعن كتب نحو الفقيه
(3)
بتفصيله الآتي في قسم الصدقات، وخيل الجندي الآتي ثَمَّ، وآلة المحترف. وثمن المحتاج إليه مما ذكر وغيره كهو، وعن (مؤنة من عليه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه) وإقامته؛ لئلا يضيعوا، والمؤنة هنا شاملة للكسوة والخدمة والسكنى وإعفاف الأب وثمن دواء وأجرة طبيب ونحوها فلا يجوز له الخروج حتى يترك تلك المؤن
(4)
أو يوكل من يصرفها من مال حاضر أو يطلق الزوجة
(5)
أو يبيع القن. (والأصح اشتراط كونه فاضلا عن مسكنه وعبد يحتاج إليه لخدمته) لزَمَانَة أو منصب، أو عن ثمنهما الذي يحصلهما به، هذا إن استغرقت حاجته الدار وكانت مسكن مثله ولاق به العبد وإلا فإن أمكن بيع بعضها أو الاستبدال عنها أو عن العبد بلائق وكفى التفاوت مؤن الحج تعين وإن ألفهما قطعا. وأمة الخدمة كالعبد فيما ذكر بخلاف السرية
(6)
، فإن احتاج لها لنحو خوف عنت لم يكلف بيعها وإن تضيق عليه الحج لكن يستقر الحج في ذمته كما لو كان ليس معه إلا ما يصرفه للحج أو النكاح فينكح ويستقر الحج في ذمته، والمكفية بإسكان زوج والساكن في بيت مدرسة بحق لا يترك لهما مسكن، ولا عبرة بما هو مستأجر له وإن طالت مدة الإجارة فيترك له المسكن مع ذلك إلا إن اعتاد السكن بالأجرة
(1)
. الخفير المجير، خفرت الرجل أُخفِر بالكسر خفرا إذا أجرته وكنت له خفيرا أمنعه، لسان العرب.
(2)
. ما يلبسه الإنسان ويكفيه لتردده في حوائجه.
(3)
. نعم لو استغنى بموقوف بيع ما عنده كما اعتمده الشارح في المفلس.
(4)
. خلافا لما ذكره صاحب النهاية في الجهاد من جواز السفر إذا ترك لهم نفقة يوم الخروج.
(5)
. وعند الرملي أن ذلك عليه فيما بينه وبين الله ديانة لا حكما فلا يجبره الحاكم.
(6)
. وهي التي للاستمتاع وخالفاه فيها.
وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا.
الثَّالِثُ أَمْنُ الطَّرِيقِ فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا وَلَا طَرِيقَ سِوَاهُ لَمْ يَجِبِ الحَجُّ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتِ السَّلَامَةُ، وَأَنَّهُ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ،
بحيث إن اشتراه لا يسكن فيه، ولا يشترى للموصى له بمنفعة مطلقة بخلاف الموصى له بمدة معلومة، ومن لا يصبر على ترك الجماع لا يشترط قدرته على سرية أو زوجة يستصحبها فيستقر الحج في ذمته، (وأنه يلزمه صرف مال تجارته) وثمن مستغلاته التي يحصل منها كفايته (إليهما) أي الزاد والراحلة مع ما ذكر معهما كما يلزمه صرفه في دينه.
(الثالث أمن الطريق) -ولو ظنا- الأمن اللائق بالسفر دون الحضر على نفسه وما يحتاج لاستصحابه لا على ما معه من مال تجارته ونحوه إن أمن عليه ببلده، ولا على مال غيره إلا إذا لزمه حفظه والسفر به، وذلك; لأن خوفه يمنع استطاعة السبيل. ويشترط أيضا وجود رفقة يخرج معهم وقت العادة إن خاف وحده ولا أثر للوحشة هنا، ولو اختص الخوف به لم يستقر في ذمته، (فلو خاف على نفسه) أو بعضه (أو ماله) وإن قل (سبعا أو عدوا) مسلما أو كافرا (أو رصَديا) وهو من يرصد الناس أي يرقبهم في الطريق أو القرى لأخذ شيء منهم ظلما (ولا طريق سواه لم يجب الحج)؛ لحصول الضرر، نعم يسن الخروج وقتال الكافر إن أمكن، ويكره بذل مال له; لأنه ذل بخلافه للمسلم بعد الإحرام; لأنه أخف من قتاله، نعم إن علم أنه به يتقوى على التعرض للناس كره أيضا. ولو بذل الإمام للرصد وجب الحج وكذا أجنبي
(1)
حيث لا يتصور لحوق مِنَّة لأحد منهم في ذلك بوجه. (والأظهر وجوب ركوب البحر) ولو على المرأة إن وجدت لها محلا تنعزل فيه عن الرجال (إن) تعين طريقا ولو لنحو جدب البر وعطشه، و (غلبت) عرفا (السلامة) وقت السفر فيه; لأنه حينئذ كالبر الآمن بخلاف ما إذا غلب الهلاك أو استويا
(2)
؛ لحرمة ركوبه حينئذ. وخرج به الأنهار العظيمة كالنيل فيجب ركوبها قطعا; لأن المقام فيها لا يطول، (وأنه تلزمه أجرة) مثل (البذرقة) وهي الخفارة بحيث يأمنون معهم ظنا، وأجرة دليل لا يعرف الطريق إلا به.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. والمراد الاستواء العرفي لا الحقيقي، فلو اعتيد غرق تسعة وسلامة عشرة لم يلزم ركوبه.
وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ المَاءِ وَالزَّادِ فِي المَوَاضِعِ المُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ المِثْلِ، وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِق بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ، وَفِي المَرْأَةِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ، أَوْ نُِسْوَةٌ ثِقَاتٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لِإِحْدَاهُنَّ، وَأَنَّهُ تُلْزَمُهَا أُجْرَةُ المَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا
(ويشترط) للوجوب أيضا (وجود الماء والزاد في المواضع) كلها (المعتاد حمله منها بثمن المثل) لا أكثر منه وإن قلَّت الزيادة
(1)
(وهو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان) ; لأنه إن لم يحمل ذلك معه خاف على نفسه وإن حمله عظمت المؤنة، (وعلف الدابة في كل مرحلة) بل المعتبر فيه العادة وإلا لم يلزم آفاقيا الحج أصلا، (وفي) الوجوب على (المرأة) لا في الأداء -فلو استطاعت ولم تجد من يأتي لم يُقض من تركتها- (أن يخرج معها زوج) ولو فاسقا لكن إن غار عليها من مواقع الريب (أو محرم) ولو فاسقا بالتفصيل المذكور في الزوج، ويكفي مراهق وأعمى
(2)
لهما حذق يمنع الريبة، وكونه في قافلتها وإن لم يكن معها لكن إن قرب بحيث تمتنع الريبة بوجوده، ومثلهما عبدها الثقة إذا كانت هي ثقة أيضا، والأجنبي الممسوح إن كانا ثقتين أيضا (أو) ثلاث (نُِسوة) فأكثر (ثقات) أي بالغات متصفات بالعدالة ولو إماء، وتكفي مراهقات -إن كان فيهن حذق يمنع الريبة- ومحارم فسقهن بغير نحو زنا أو قيادة ونحو ذلك؛ لحرمة سفرها وحدها لخوف استمالتها وهو منتف بمصاحبتها لمن ذكر، واعتبار تعدد النسوة إنما هو للوجوب أما الجواز فلها أن تخرج لأداء فرض الإسلام مع امرأة ثقة أو وحدها لكن إن تيقنت الأمن على نفسها. هذا كله في الفرض ولو نذرا أو قضاء، أما النفل فليس لها الخروج له مع نسوة وإن كثرن
(3)
، نعم لو مات نحو المحرم -وهي في تطوع- فلها إتمامه، ويشترط في الأمرد الحسن أن يخرج معه سيد أو محرم يأمن به على نفسه. (والأصح أنه لا يشترط وجود محرم) أو نحو زوج (لإحداهن، و أنه تلزمها أجرة) مثل (المحرم) أو الزوج أو النسوة (إذا لم يخرج) من ذكر (إلا بها)
(1)
. نعم اغتفرا الزيادة اليسيرة.
(2)
. خلافا للمغني.
(3)
. حتى أنه يحرم على المكية التطوع بعمرة من التنعيم.
الرَّابِعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَعَلَى الْأَعْمَى الحَجُّ إنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَهُوَ كَالمَحْرَمِ فِي حَقِّ المَرْأَةِ، وَالمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يُدْفَعُ المَالُ إلَيْهِ، بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَنْصِبُ شَخْصًا لَهُ
كأجرة البذرقة
(1)
. وليس لها إجبار محرمها إلا إن كان قنها، ولا زوجها إلا إن أفسد حجها ولزمه إحجاجها فيلزمه ذلك بلا أجرة.
(الرابع أن يثبت على الراحلة) أو نحو المحمل (بلا مشقة شديدة
(2)
، وعلى الأعمى الحج) والعمرة (إن وجد) مع ما مر (قائدا) وشرطه ما مر في الشريك (وهو كالمحرم في حق المرأة) ويشترط في مقطوع نحو الأربعة الأطراف وجود معين له. (والمحجور عليه لسفه كغيره، لكن لا يدفع) الولي (المال) الذي هو من مال السفيه (إليه) ; لأنه يتلفه، وكذا مال الولي إن علم أنه يصرفه في معصية، (بل يخرج معه الولي أو يُنَصِّب شخصا) ثقة (له) ولو بأجرة مثله من مال المولى كقائد الأعمى إن لم يجد ثقة متبرعا. وبقي شرط خامس، وهو أن يبقى بعد وجود الاستطاعة زمن يمكنه السير فيه لأداء النسك على العادة
(3)
بحيث لا يحتاج لقطع أكثر من مرحلة شرعية في بعض الأيام بل ولو في يوم واحد أو ليلة واحدة -وإن اعتيد-، فإن انتفى ذلك لم يجب الحج أصلا، وسادس وهو أن يوجد المعتبر في الإيجاب في الوقت، فلو استطاع قبل الوقت -كرمضان- ثم افتقر بعد دخول الوقت -كشوال- أو بعد الحج وقبل الرجوع لمن هو معتبر في حقه فلا وجوب، وسابع وثامن وهما خروج رفقة معه وقت العادة.
[تنبيه] من استطاع ثم افتقر لزمه الكسب للحج والمشي إن قدر عليه ولو فوق مرحلتين لا السؤال
.
(1)
. البذرقة الخفارة، لسان العرب.
(2)
. مر إنها ما يبيح التيمم أو يحصل به غرر لا يحتمل عادة.
(3)
. ذكر الشارح في السير أن للأبوين منع ابنهما من الخروج لحجة الإسلام قبل خروج قافلة بلده، أي وقته في العادة لو أراده؛ لأنه إلى الآن لم يخاطب بالوجوب وإن كان ليس لهما منع من أراد حجة الإسلام ولم تجب عليه 9/ 233.
النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَالمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنِ الحَجِّ بِنَفْسِهِ إِنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ المِثْلِ لَزِمَهُ،
(النوع الثاني استطاعة تحصيله بغيره، فمن مات وفي ذمته) لكونه تمكن من الأداء بعد الوجوب (حج) واجب أو عمرة واجبة (وجب) على الوصي، فإن لم يكن فالوارث الكامل، فإن لم يكن فالحاكم (الإحجاج) أو الاعتمار (عنه) إن لم يرد الوصي ونحوه فعل ذلك بنفسه (من تركته) فورا؛ لخبر البخاري ((إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها، قال: حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؛ قالت: نعم، قال: اقضوا الله فالله أحق بالوفاء))، فإن لم يخلِّف تركة فلا يلزم أحدا الحج ولا الإحجاج عنه لكنه يسن للوارث، وللأجنبي وإن لم يأذن له الوارث. ولكلٍّ الحج والإحجاج عمن لم يستطع في حياته؛ نظرا إلى وقوع حجة الإسلام عنه وإن لم يكن مخاطبا بها في حياته. وخرج بقوله ((في ذمته)) النفل فلا يجوز حجه عنه إلا إن أوصى به. ولا يقضى من تركته لو لم يتمكن بعد الوجوب بأن تلف ماله أو عضب قبل إياب الحجيج، أو أخر فمات أو جن قبل تمام الحج أي قبل مضي زمن بعد نصف ليلة النحر يسع الأركان
(1)
التي لم يمكنهم تقديمها ورمى جمرة العقبة. (والمعضوب) الذي بينه وبين مكة مسافة القصر -وإلا كلف بنفسه أو من تركته بعد موته إن عجز
(2)
- (العاجز عن الحج بنفسه) لنحو زمانة أو مرض لا يُرْجى برؤه (إن وجد أجرة من يحج عنه) ولو ماشيا (بأجرة المثل
(3)
لا بأزيد وإن قلَّ (لزمه) الإحجاج عن نفسه فورا إن عضب بعد الوجوب والتمكن، وعلى التراخي إن عضب قبل الوجوب أو معه أو بعده ولم يمكنه الأداء، وذلك; لأنه مستطيع إذ الاستطاعة بالمال كهي بالنفس. ولو شُفي بعد الحج عنه بان فساد الإجارة ووقوعه للنائب ولزوم المعضوب الحج بنفسه بخلاف ما لو حضر معه ثم فات الحج فإن الإجارة صحيحة ويقع الحج للأجير؛ لتقصير المعضوب.
(1)
. دخل فيها الحلق ولكنهم ردوه.
(2)
. خلافا لهما من اعتماد الإنابة عند العجز.
(3)
. وذكر الشارح في الجعالة صحة الحج بالجعالة بأن يقول له حِجَّ عني وأعطيك نفقتك، أما إن قال حِجَّ عني بنفقتك فذلك فاسد 6/ 371.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنِ الحَاجَاتِ المَذْكُورَةِ فِيمَنْ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَلَوْ بَذَلَ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ.
(ويشترط كونها فاضلة عن الحاجات المذكورة فيمن يحج بنفسه، لكن لا يشترط نفقة العيال ذهابا وإيابا) ; لأنه مقيم عندهم فيُحَصَّل مؤنتهم ولو باقتراض أو تعرض لصدقة. (ولو بذل ولده) أي فرعه وإن سفل ذكرا كان أو أنثى أو والده وإن علا كذلك (أو أجنبي مالا للأجرة) لمن يحج عنه (لم يجب قبوله في الأصح)؛ لما في قبوله من المنة، ومن ثم لو أراد الأصل أو الفرع العاجز
(1)
أو القادر استئجار من يحج عنه أو قال له أحدهما استأجر وأنا أدفع عنك لزمه الإذن له في الأولى أو الاستئجار في الثانية
(2)
; لأنه ليس عليه مع كون البذل من أصله أو فرعه كبير مِنَّة فيه بخلاف بذله ليستأجر هو به عن نفسه، ولو رضي الأجير بدون أجرة المثل لزمه إنابته؛ لضعف المنة هنا أيضا. (ولو بذل الولد الطاعة) للمعضوب بأن يحج عنه بنفسه (وجب قبوله) بأن يأذن له فورا هنا وفيما يأتي وإن لزمه الحج على التراخي، فإن امتنع من الإذن لم يأذن الحاكم عنه ولا يجبره عليه وإن تضيق. ولو توسم الطاعة ولو من أجنبي لزمه سؤاله، نعم لا يلزمه الإذن لمن يذهب ماشيا من فرع أو أصل أو امرأة إلا إن كان بين المطيع وبين مكة دون مرحلتين وأطاقه، ولا لقريبه أو أجنبي معوِّل على سؤال أو كسب; لأنه يشق عليه، إلا إذا كان يكتسب في يوم كفاية أيام بشرطه السابق.
ويجوز الرجوع من الباذل قبل الإحرام، وبه يتبين عدم الوجوب على المعضوب إذا كان قبل إمكان الحج عنه وإلا استقر عليه لا على المطيع. ولو كان له مال أو مطيع لم يعلم به استقر في ذمته، والعلم وعدمه إنما يؤثران في الإثم وعدمه، (وكذا الأجنبي) ونحو الأخ والأب (في الأصح) ولو ماشيا؛ لأنه لا استنكاف بالاستعانة ببدن الغير. وشرط الباذل الذي يجب قبوله أن يكون حرا مكلفا موثوقا به أدَّى فرض نفسه وأن لا يكون معضوبا.
[فرع] مات أجير العين قبل الإحرام لم يستحق شيئا، أو بعده استحق بالقسط
; لأنه أتى ببعض المُسْتَأْجَر عليه فتوزع أجرة المثل على السير والأعمال ويعطى ما يخص عمله. ولا
(1)
. اقتصرا عليه.
(2)
. خلافا لهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تصح الإجارة على زيارته صلى الله عليه وسلم سواء الوقوف عند قبره أو الدعاء؛ لعدم انضباطه، فلو انضبطت كأن كتب له بورقة صحّت
(1)
، وأما الجعالة فلا تصح على الوقوف؛ لأنه لا يقبل النيابة بل على الدعاء، وعليه لو استجعل من جماعة على الدعاء ثَمَّ صح فإذا دعا لكل منهم استحق جعل الجميع لتعدد المُجَاعَل عليه وإن اتحد السير إليه. وتصح بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم سواء إجارة أو جعالة
(2)
.
(1)
. بناء على أنها تجب للزيارة له صلى الله عليه وآله وسلم النية وهو الراجح كما يأتي في الإجارة.
(2)
. ذكره الشارح في الإجارة، ويأتي أيضا فيها جواز الاستئجار لقراءة القرآن وندب الإهداء لروحه صلى الله عليه وآله وسلم.
باب المواقيت
وَقْتُ إحْرَامِ الحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَجْهٌ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ
(باب المواقيت)
جمع ميقات وهو زمن العبادة ومكانها. (وقت إحرام الحج شوال وذو القَعدة وعشر ليال من ذي الحِجة) أي ما بين غروب آخر رمضان وفجر النحر، وبذا فُسِّر قوله تعالى ((الحج أشهر معلومات))، وقولنا ((آخر رمضان)) أي بالنسبة للبلد الذي هو فيه فيصح إحرامه به فيه وإن انتقل بعده إلى بلد أخرى تخالف مطلع تلك ووجدهم صياما؛ لشدة تشبث الحج، نعم لا يصح الإحرام في الثانية; لأنه بعد أن انتقل إليها صار مثلهم في الصوم فكذا الحج، (وفي ليلة النحر وجه) بعدم الصحة؛ لأنها تابعة ليومه وهو لا يصح الإحرام فيه به. وعلى الأصح يصح الإحرام به فيها
(1)
وإن علم أنه لا يدرك عرفة قبل الفجر فإذا فاته تحلل، (فلو أحرم به) أي بالحج، ومثله بالأولى ما لو أطلق (في غير وقته انعقد عمرة) مجزئة عن عمرة الإسلام (على الصحيح) علم أو جهل; لأن الإحرام شديد التعلق فانصرف لما يقبله، نعم يكره له ذلك. (وجميع السنة وقت لإحرام العمرة) وغيره مما يتعلق بها; لأنها صحت عنه صلى الله عليه وسلم وعن غيره في أوقات مختلفة ثلاث مرات متفرقات
(2)
. وقد يمتنع الإحرام بها لعارض كمحرم بها وكحاج لم ينفر من منى نفرا صحيحا وإن لم يكن بها؛ لأن بقاء أثر الإحرام كبقاء نفس الإحرام، ولذا امتنعت حجتان في عام واحد. ولا تنعقد كالحج ممن أحرم بها وهو مجامع أو مرتد. ويسن الإكثار منها لاسيما في رمضان
(3)
، وصحّ ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي))، وهي أفضل
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. ظاهره أنه يعود على غيره أيضا، ولم يذكر غير الشارح ((غيره)).
(3)
. ولو أحرم بالعمرة آخر جزء من رمضان ووقع باقيها في شوال كانت كالواقعة كلها في رمضان ثواباً وغيره كعدم وجوب دم التمتع كما ذكره الشارح في كتاب الجماعة.
وَالمِيقَاتُ المَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ نَفْسُ مَكَّةَ، وَقِيلَ كُلُّ الحَرَمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ المُتَوَجِّهِ مِنَ المَدِينَةِ ذُو الحُلَيْفَةِ، وَمِنَ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالمَغْرِبِ الجُحْفَةُ، وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الحِجَازِ قَرْنٌ، وَمِنَ المَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ.
من الطواف إذا استويا في الزمن المصروف إليهما; لأنها لا تقع من المكلف الحر إلا فرضا
(1)
وهو أفضل من التطوع، (والميقات المكاني للحج) ولو في حق القارن؛ تغليباً للحج (في حق من بمكة) ولو آفاقيا (نفس مكة) لا خارجها ولو محاذيها
(2)
، وورد (( .. حتى أهل مكة من مكة)) (وقيل كل الحرم)؛ لاستوائه معها في الحرمة ويرده تميزها عليه بأحكام أخر، فعلى الأول لو أحرم خارج بنيانها -أي في محل يجوز قصر الصلاة فيه لمن سافر منها- ولم يعد إليها قبل الوقوف أساء ولزمه دم بخلاف ما إذا عاد لكن كان عوده قبل وصوله لمسافة القصر، أما إذا وصل إلى مسافة القصر فيتعين لسقوط الدم الوصولُ إلى ميقات الآفاقي أو محاذاته إن كان ميقات الجهة التي خرج إليها أبعد من مرحلتين، فإن كان ميقات جهة خروجه على مرحلتين أو لم يكن لها ميقات فيكفيه وصوله إلى مسافة القصر تلك وإن لم يصل لعين الميقات.
[تنبيه] عُلم مما تقرر أن الآفاقي المتمتع لو دخل مكة وفرغ من أعمال عمرته ثم خرج إلى محل بينه وبينها مرحلتان لزمه الإحرام بالحج من ميقاته على ما تقرر، أو دون مرحلتين ثم أراد الإحرام بالحج جاز له تأخيره إلى أن يدخلها بل لو أحرم من محله لزمه دخولها قبل الوقوف أو الوصول إلى الميقات أو مثله، وفي الروضة إذا كان ميقات المتمتع الآفاقي في مكة فأحرم خارجها لزمه دم الإساءة أيضا ما لم يعد لمكة أو للميقات
(3)
أو مثل مسافته. (وأما غيره فميقات المتوجه من المدينة ذو الحليفة، ومن الشام) إذا لم يسلكوا طريق تبوك (ومصر والمغرب الجحفة، ومن تهامة اليمن يلملم ومن نجد اليمن ونجد الحجاز قرْن ومن المشرق) العراق وغيره (ذات عرق)، ويسن لهم الإحرام من العقيق قبيلها؛ لخبر فيه. وكلٌّ من الثلاثة على مرحلتين من مكة، وذلك؛ للنص الصحيح في الكل، ويستثنى مما ذكر الأجير فإنه يحرم من مثل مسافة ميقات من أحرم عنه إن كان أبعد من ميقاته فإن أحرم من ميقات أقرب فعليه دم
(1)
. قال الكردي؛ لأن النفل منها يصير بالشروع فيه واجبا.
(2)
. خلافا لهم فعندهم لا إساءة ولا دم حينئذ.
(3)
. محله إذا كان ميقات الجهة التي خرج إليها أبعد من مرحلتين كما مر آنفاً.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ المِيقَاتِ وَيَجُوزُ مِنْ آخِرِهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ فَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ أَوْ مِيقَاتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَمَنْ مَسْكَنُهُ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مَسْكَنُهُ. وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ،
الإساءة والحط، ومثله بالأولى ما لو استؤجر مكي عن آفاقي بحج أو عمرة فأحرم من مكة وترك ميقات المستأجَر عنه. (والأفضل أن يحرم) من هو فوق الميقات أو فيه -إلا المكي؛ لما يأتي فيه- (من أول الميقات)؛ ليقطع باقيه محرما، نعم الإحرام عند مسجد ذي الحليفة أفضل؛ للاتباع، (ويجوز من آخره)؛ لصدق الاسم عليه، والعبرة بالبقعة لا بما بُني ولو قريبا منها. (ومن سلك طريقا) في بر أو بحر ينتهي إلى ميقات فهو ميقاته وإن حاذى غيره أوَّلاً، أو (لا ينتهي إلى ميقات، فإن حاذى ميقاتا) أي سامته بأن كان على يمينه أو يساره ولا عبرة بما أمامه أو خلفه (أحرم من محاذاته)، فإن اشتبه عليه موضع المحاذاة اجتهد، ويسن أن يستظهر؛ ليتيقن المحاذاة، فإن لم يظهر له شيء تعين الاحتياط (أوميقاتين) بأن كان إذا مرَّ على كل تكون المسافة من طريقه إليه واحدة (فالأصح أنه يحرم من محاذاة أبعدهما) من مكة وإن حاذى الأقرب إليها أوَّلاً، فإن استوت مسافتهما في القرب إلى طريقه وإلى مكة أحرم من محاذاتهما ما لم يحاذ أحدهما قبل الآخر وإلا فمنه. أما إذا لم تستو مسافتهما إليه بأن كان بين طريقه وأحدهما إذا مر عليه ميلان والآخر إذا مر عليه ميل فهذا هو ميقاته وإن كان أقرب إلى مكة، (وإن لم يحاذ) ميقاتا (أحرم على مرحلتين من مكة) ; لأنه لا ميقات دونهما. (ومن مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة))، فلو جاوز مسكنه إلى جهة مكة بأن أحرم من محل تقصر فيه الصلاة أساء ولزمه دم وإن كان على دون مرحلتين من مكة أو الحرم. ومن مسكنه بين ميقاتين أحرم من أقربهما. (ومن بلغ ميقاتا) منصوصا أو محاذيه، أو جاوز محله الذي هو ميقاته (غير مريد نسكا ثم أراده فميقاته موضعه)؛ لما مر، ومعلوم مما يأتي في العمرة أن من أرادها وهو بالحرم لزمه الخروج إلى أدنى الحل مطلقا، وإن لم يخطر له إلا حينئذ.
وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، ..
(وإن بلغه مريدا) للنسك ولو في العام القابل
(1)
مثلا -وإن أراد إقامة طويلة
(2)
ببلد قبل مكة- (لم تجز مجاوزته) إلى جهة الحرم غير ناوٍ العود إليه أو إلى مثله (بغير إحرام) أي بالنسك الذي أراده، ولذا لو قصد الإحرام بالعمرة وحدها عند المجاوزة فأحرم بالحج وحده أو العكس لزمه دم كما لو كان قاصدا الإحرام بالحج عند المجاوزة فأحرم بالعمرة ثم أدخله عليها بعدُ
(3)
، نعم لو لم يطرأ له قصده إلا بعد مجاوزته فلا دم. هذا كله إن أمكن ما قصده وإلا كأن نوى الحج في العام القابل تعينت العمرة، وأما إذا جاوزه مريدا العود إليه أو إلى مثل مسافته قبل التلبس بنسك في تلك السنة فإنه لا يأثم بالمجاوزة إن عاد بخلاف ما إذا لم يعد. وخرج بقولنا إلى جهة الحرم ما لو جاوزه يمنة أو يسرة فله أن يؤخر إحرامه لكن بشرط أن يحرم من محل مسافته إلى مكة مثل مسافة ذلك الميقات، وبه يُعْلم أن الجائي من اليمن في البحر له أن يؤخر إحرامه من محاذاة يلملم إلى جدة; لأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم بخلاف الجائي فيه من مصر; لأن كل محل من البحر بعد الجحفة أقرب إلى مكة منها إلى مكة، وبه يعلم أيضا أن مثل مسافة الميقات يجزئ العود إليها وإن لم تكن ميقاتا
(4)
. ولو كان ميقاته على مرحلتين من مكة فسلك طريقا لا ميقات لها وجاوز مسيئا وقدر على العود إلى ميقات فيكفيه ذلك أو العود إلى مرحلتين بخلاف ما لو عدل عن ميقات منصوص فلا يجزئه العود إلى مثل مسافته
(5)
وإلا لم يكن للتعيين معنىً، (فإن فعل) بأن جاوزه مريدا بلا إحرام ولو جاهلا (لزمه العود) ولو محرما، أو (ليحرم منه)؛ تداركا لإثمه أو تقصيره. ولا يتعين العود إلى عينه بل يجزئ إلى مثل مسافته حتى لو أخَّر إحرامه عمَّا أراده فيه بعد الميقات أجزأه العود إليه أو إلى مثل مسافته; لأنه ميقاته، وإنما لم يذكر الناسي هنا؛ لأنه لا يتأتى أن يجاوز الميقات مريدا للنسك وهو ناسي; لأن العبرة في لزوم الدم وعدمه بحاله عند آخر جزء من الميقات، وحينئذ فالسهو إن طرأ عند ذلك الجزء فلا دم أو بعده فالدم (إلا إذا) كان له عذر كأن (ضاق الوقت) عن
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. مقتضاه وجوب الإحرام على من مر بذي الحليفة مريدا للنسك مع إنشاء السفر إلى غير جهة الحرم كجدَّة وخالفه الشهاب الرملي.
(3)
. خلافا لمقتضى صنيعهما.
(4)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني وشرح المنهج.
(5)
. وفاقا للمغني وشرح المنهج وخلافا للنهاية فاعتمد إجزاء مثل المسافة مطلقا.
أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ. وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَفِي قَوْلٍ مِنَ المِيقَاتِ. قُلْت: المِيقَاتُ أَظْهَرُ، وَهُوَ المُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الحَرَمِ مِيقَاتُ الحَجِّ،
العود بأن خشي فوت الحج لو عاد بل يحرم حينئذٍ وفيما لو خاف على محترم بتركه إن أدى إلى تفويته، ويجوز العود إن كان به مرض يشق معه العود مشقة لا تحتمل عادة (أو) إن (كان الطريق مخوفا) أو خاف انقطاعا عن الرفقة لا مجرد الوحشة. ولو قدر على العود ماشيا بلا مشقة أو بها لكنها تحتمل عادة لزمه ولو فوق مرحلتين، (فإن لم يعد لزمه دم) إن اعتمر مطلقا أو حج في تلك السنة أو في القابلة
(1)
في الصورة السابقة
(2)
; لأنها التي تأدت بإحرام ناقص، بخلاف ما إذا لم يحرم أصلا أو أحرم بحج بعد تلك السنة. ولو جاوزه كافر مريدا للنسك ثم أسلم وأحرم ولم يعد لزمه دم; لأنه مكلف بالفروع، أو قن كذلك ثم عتق وأحرم لا دم عليه
(3)
; لأنه عند المجاوزة غير أهل للإرادة. ومجاوزة الولي بموليه مريدا النسك به فيها الدم على الأوجه بالتفصيل المذكور، (وإن أحرم ثم عاد فالأصح أنه إن عاد قبل تلبسه بنسك سقط الدم)؛ لقطعه المسافة من الميقات محرما (وإلا) يعد قبل ذلك بأن عاد بعد شروعه في طواف القدوم -أي بعد مجاوزته الحَجَر- أو بعد الوقوف (فلا) يسقط الدم عنه؛ لتأدي نسكه بإحرام ناقص. (والأفضل) لمن فوق الميقات وليس بحائض ولا نفساء (أن يحرم من دويرة أهله) ; لأنه أكثر عملا، (وفي قول من الميقات، قلت: الميقات أظهر، وهو الموافق للأحاديث الصحيحة والله أعلم)، فإنه صلى الله عليه وسلم أخَّر إحرامه من المدينة إلى الحليفة في حجة الوداع إجماعا، نعم قد يجب قبل الميقات بالنذر، و يسن كما لو خشيت طرو حيض أو نفاس عند الميقات وكما لو قصده من المسجد الأقصى؛ لخبر فيه. (وميقات العمرة لمن هو خارج الحرم ميقات الحج)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (( .. ممن أراد الحج أو العمرة .. )).
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. إشارة لقوله ((ولو في العام القابل)).
(3)
. خلافا لشرح الروض.
وَمَنْ بِالحَرَمِ يَلْزَمُهُ الخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَتْهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ.
فَلَوْ خَرَجَ إلَى الحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ سَقَطَ الدَّمُ عَلَى المَذْهَبِ. وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الحِلِّ الجِعْرَانَةُ، ثُمَّ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الحُدَيْبِيَةُ.
(ومن بالحرم) مكيا أو غيره بمكة أو غيرها (يلزمه الخروج إلى أدنى الحل) يقينا، وكذا ظنا بأن يجتهد فيما لم يتعرضوا لتحديد الحرم فيه وكذا في سائر الأحكام ويعمل بما غلب على ظنه، فإن لم يظهر له شيء أو لم يجد علامة للاجتهاد تعين عليه الاحتياط بأن يصل إلى أبعد حد عن يمينه أو يساره (ولو بخطوة) الصادقة بنقل القدم عن محله إلى ملاصقه من أي جهة شاء; لأنه صلى الله عليه وسلم ((أرسل عائشة مع أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهما فاعتمرت من التنعيم)) ولو لم يجب ذلك لما أرسلها لضيق الوقت، ولو أخرج رِجلا إلى الحل اشترط اعتماده عليها وحدها. ولو أراد مَن بمكة القران لم يلزمه ذلك؛ تغليبا للحج كما مر، (فإن لم يخرج وأتى بأفعال العمرة) أثم، و (أجزأته في الأظهر)؛ لانعقاد إحرامه اتفاقا (وعليه دم)؛ لتركه الميقات، (فلو خرج إلى الحل بعد إحرامه) وقبل الشروع في طوافها (سقط الدم) أي لم يجب (على المذهب) نظير ما مر، (وأفضل بقاع الحل الجعْرَانة) ; لأنه صلى الله عليه وسلم ((اعتمر منها ليلا ثم أصبح كبائت))، وبينها وبين مكة اثنا عشر ميلا
(1)
، (ثم التنعيم) ; لأنه صلى الله عليه وسلم ((أمر عائشة بالاعتمار منه))، والمعتبر في حده ما بالأرض لا ما بأعلى الجبل، (ثم الحديبيَة) ; لأنه صلى الله عليه وسلم ((أراد الدخول لعمرته منها)).
(1)
. خلافا لهما فعندهما أنها ثمانية عشر ميلا.
باب الإحرام
يَنْعَقِدُ مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا، وَمُطْلَقًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ، وَالتَّعْيِينُ أَفْضَلُ، وَفِي قَوْلٍ الْإِطْلَاقُ، فَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الحَجِّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ إلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْأَعْمَالِ. وَإِنْ أَطْلَقَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ عُمْرَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ. وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا،
(باب الإحرام)
يطلق على نية الدخول في النسك -وبهذا المعنى يُعدُّ ركناً- وعلى نفس الدخول فيه بالنية وتحريم ما يأتي، وهو المراد هنا (ينعقد معينا بأن ينوي حجا أو عمرة) أو حجتين فأكثر -ولا تنعقد الثانية عمرة بل تكون لغوا- أو بعض حجة فتنعقد كاملة، وكذا العمرة، (أو كليهما، ومطلقا بألا يزيد على نفس الإحرام)؛ لصحة الخبر به. (والتعيين أفضل)؛ ليعرف ما يدخل عليه، (وفي قول الإطلاق) ; لأنه ربما عرض له عذر كمرض فيتمكن من صرفه لما لا يخاف فوته، (فإن أحرم مطلَِقا في أشهر الحج صرفه بالنية) لا بمجرد اللفظ (إلى ما شاء من النسكين) وإن ضاق وقت الحج بل وإن فات
(1)
-؛ لأنه بالصرف يتبين أنه كان كالمحرم بما صرفه إليه- وحينئذٍ فإذا صرفه للحج فعل ما يفعله من فاته الحج، ويسن له صرفه للعمرة؛ خروجا من الخلاف، (أو إليهما، ثم اشتغل بالأعمال) ولا يجزئه العمل قبل الصرف بالنية، نعم إن طاف ثم صرفه للحج وقع عن طواف القدوم، ولا يجزئه السعي بعده قبل الصرف
(2)
; لأنه يحتاط للركن ما لا يحتاط للسنة، (وإن أطلق في غير أشهره فالأصح انعقاده عمرة) ; لأن الوقت لا يقبل غيرها (فلا يصرفه إلى الحج في أشهره. وله أن يحرم كإحرام زيد) ; لأن أبا موسى أحرم كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبره قال ((قد أحسنت))، (فإن لم يكن زيد محرما) أو كان محرما إحراما فاسدا (انعقد إحرامه مطلقا) ; لأنه إذا بطلت الصفة بقي أصل الإحرام.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. قضيته أنه لو سعى بعد الصرف أجزأ وخالفاه.
وَقِيلَ إنْ عَلِمَ عَدَمَ إحْرَامِ زَيْدٍ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ كَإِحْرَامِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ قَارِنًا وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ.
(وقيل إن علم عدم إحرام زيد لم ينعقد) كما لو علق بإن أو إذا أو متى كان محرما فأنا محرم ولم يكن محرما، ويُرَدُّ بأنه هنا جازم بالإحرام بخلافه عند التعليق. أما لو علق بإذا أو إن أو متى أحرم فأنا محرم فإنه لا ينعقد وإن كان محرما; لأن التعليق بالمستقبل أكثر غررا، وليس منه أنا محرم غدا أو رأس الشهر أو إذا دخل فلان بل إذا وجد الشرط صار محرما; لأنه جزم بالإحرام بصفة ولم يعلِّق، والأوجه أن ذكر الإحرام مثال ففي إن كان في الدار فأنا محرم ينعقد إن كان فيها وإلا فلا (وإن كان زيد محرما انعقد إحرامه كإحرامه)، نعم إن كان مطلقا لا يلزمه أن يصرف لما صرف له زيد إلا إذا أراد إحراما كإحرامه بعد صرفه. ولو أحرم زيد مطلقا ثم عيَّن، أو بعمرة ناويا التمتع، أو ثم أدخل عليها الحج ثم أحرم هذا كإحرامه انعقد له في الأولى مطلقا وفي الثانية بعمرة اعتبارا بأصل الإحرام ما لم ينو التشبيه به حالا، ويجب أن يعمل بما أخبره به زيد ولو فاسقا; لأنه لا يُعْرَف إلا منه، (فإن تعذر معرفة إحرامه بموته) أو جنونه المتصل
(1)
بموته مثلا، وينوي الحج أو (جعل نفسه قارنا) -وهو أولى- كما لو شك في إحرام نفسه هل هو بقران أو بأحد النسكين (وعمل أعمال النسكين) أي الحج; لأن عمرة القارن مغمورة في حجه فيبرأ بيقين، ويجزئه عن الحج ولو حجة الإسلام إن نوى قبل أن يعمل شيئا من الأعمال، لا العمرة; لاحتمال أنه كان أحرم بالحج، ويسن له دم القران ولا يلزمه; لأن الأصل براءة ذمته. أما لو اقتصر على أعمال الحج من غير نية فيحصل له التحلل لا البراءة، وإن تيقن أنه أتى بأحدهما; لأنه مبهم، أو على عمل العمرة لم يحصل التحلل أيضا؛ لاحتمال أنه أحرم بحج ولم يتم أعماله مع بقاء وقته، هذا كله إن كان عروض ذلك قبل شيء من الأعمال وإلا فإن كان بعد الوقوف وقبل الطواف فإن بقي وقت الوقوف فقرن أو نوى الحج ووقف ثانيا وأتى ببقية أعمال الحج حصل له الحج فقط ولا دم، وإن فات الوقوف أو تركه أو فعله ولم يقرن ولا أفرد لم يحصل له شيء؛ لاحتمال إحرامه بها أو بعد الطواف وقبل الوقوف، أو بعده ففيه تفصيل.
(1)
. أما إن أفاق وأخبر بخلاف ما فعله فالمدار على ما أخبر به.
فصل
المُحْرِمُ يَنْوِي وَيُلَبِّي
، فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ، فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ،
(فصل)
(المحرمُ ينوي) بقلبه وجوبا؛ لخبر ((إنما الأعمال بالنيات))، ولسانه ندبا؛ للاتباع، فيقول نويت الحج وأحرمت به لله تعالى، ولا تجب نية الفرضية (و) عقبهما (يلبي) ندبا سراً. ويسن الاستقبال عند النية، (فإن لبى بلا نية لم ينعقد إحرامه، وإن نوى ولم يلب انعقد على الصحيح) كما إن نحو الطهارة والصوم لا يشترط فيه لفظ مع النية. (ويسن الغسل للإحرام) لكل أحد بل يكره تركه، ولو نحو حائض وإن أرادته قبل الميقات؛ للاتباع. ويكره إحرام الجنب. وغير المميز يغسله وليه وينوي عنه، وتنوي الحائض والنفساء هنا وفي سائر الأغسال الغسل المسنون كغيرهما، ويكفي تقدمه عليه إن نسب له عرفا. ويسن له أن يتنظف قبل الغسل بما مر في الجمعة قبل الغسل، نعم يكره لمريد التضحية إزالة شيء من نحو ظفره أو شعره في عشر ذي الحجة وكذا للجنب كما مر، وأن يلبد الرجل بعده شعره بنحو صمغ؛ صونا له عن القمل والشعث، (فإن عجز) حسا لفقد الماء أو شرعا لخشية مبيح تيمم مما مر (تيمم) ; لأنه ينوب عن الواجب فالمندوب أولى، ويأتي هذا في جميع الأغسال المسنونة. ولو وجد من الماء بعض ما يكفيه فإن كان ببدنه تغير أزاله به وإلا فإن كفى الوضوء توضأ به وإلا غسل به بعض أعضاء الوضوء وحينئذ إن نوى الوضوء تيمم عن باقيه غير تيمم الغسل وإلا كفى تيمم الغسل، فإن فضل شيء عن أعضاء الوضوء غسل به أعالي بدنه، (ولدخول) الحرم، ثم لدخول (مكة) ولو حلالا؛ للاتباع، نعم لو اغتسل لدخول الحرم أو لنحو استسقاء بمحل قريب منها لا يغتسل لدخولها، وكذا لو خرج من مكة فأحرم بالعمرة من نحو التنعيم واغتسل منه لإحرامه فلا يسن له النسك لدخولها بخلاف نحو الحديبية مما يغلب فيه التغير، بل لو أحرم من نحو التنعيم بالحج لكونه لم يخطر له إلا حينئذ أو مقيما ثَمَّ -بل وإن أخر إحرامه تعديا- واغتسل لإحرامه فلا يغتسل لدخولها، ومحل هذا التفصيل عند عدم وجود تغير وإلا سن مطلقا،
وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ النَّحْرِ، وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلرَّمْيِ. وَأَنْ يُطَيِّبَ بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ، وَكَذَا ثَوْبُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ، لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ المُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَأَنْ تُخَضِّبَ لِلْإِحْرَامِ يَدَهَا
(وللوقوف بعرفة) والأفضل كونه بعد الزوال
(1)
، ويحصل أصل سنته بالغسل بعد الفجر كغسل الجمعة، (و) للوقوف (بمزدلفة غداة النحر) أي بعد فجره. ويدخل وقت هذا الغسل بنصف الليل كغسل العيد فينويه به أيضا، (وفي) في كل يوم من (أيام التشريق) قبل زواله أو بعده (للرمي)؛ لآثار وردت فيها. ولا يسن لطواف بأنواعه ولا لحلق؛ لاتساع وقتيهما وللاكتفاء في طواف القدوم بغسل دخول مكة، ولا للمبيت بمزدلفة أو لرمي جمرة العقبة؛ اكتفاء بما قبله، ولذلك لو ترك غسل عرفة ودخول الحرم سن لدخول مزدلفة، أو ترك غسل وقوف مزدلفة والعيد سن لرمي جمرة العقبة، أو ترك غسل دخول مكة أو طال الفصل بينه وبين طواف القدوم سن له. (وأن يطيب) الذكر وغيره -غير الصائم- (بدنه للإحرام)؛ للاتباع، نعم لا يجوز لمحدة ولا يسن لمبتوتة، والأفضل المسك وخلطه بماء الورد؛ ليذهب جرمه، (وكذا ثوبه في الأصح) كالبدن لكن المعتمد الكراهة
(2)
؛ للخلاف القوي في حرمته، (ولا بأس باستدامته) في ثوبه أو بدنه بخلاف ما لو أخذه من أحدهما ثم رده إليه فتلزمه الفدية (بعد الإحرام)؛ لقول عائشة رضي الله عنها ((كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرَِق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم))، (ولا بطيب له جرم) كالحناء وإن استدامه (لكن لو نزع ثوبه المطيب) وإن لم يكن لطيبه ريح لكن إن كان بحيث لو رش بماء ظهر ريحه (ثم لبسه لزمته الفدية في الأصح) كما لو ابتدأ لبس مطيب، (وأن تخضب) غير المحدة (للإحرام يدها) أي يديها إلى كوعيها بالحناء تعميما وكذلك وجهها ولو خلية شابة; لأنه يستر لونهما، ويكره لها به بعد الإحرام; لأنه زينة ولا فدية فيه; لأنه ليس بطيب. أما المحدة والخنثى والرجل فيحرم عليهم إلا لضرورة، ويسن لغير المحرمة إن كانت حليلة وإلا كره. ولا يسن لها نقش وتسويد وتطريف وتحمير وجنة بل يحرم واحد من هذه على خلية ومن لم يأذن لها حليلها.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. خلافا لهما.
وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لِإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَيَلْبَسُ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ وَنَعْلَيْنِ. وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَوْ تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ مَاشِيًا، وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ. وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ،
(ويتجردُ) أي يجب ذلك على (الرجل) ولو مجنونا وصبيا (لإحرامه عن) كل ما فيه إحاطة للبدن أو عضو منه مما يحرم على المحرم كـ (مخيط الثياب، ويلبس إزارا ورداء)؛ لصحة ذلك عنه صلى الله عليه وسلم (أبيضين)؛ لخبر ((البسوا من ثيابكم البياض))، وجديدين نظيفين وإلا فنظيفين، ويكره المتنجس الجاف والمصبوغ
(1)
كله، وكذا بعضه إن كان له وقع. ومر الخلاف في حرمة المزعفر والمعصفر فيتعين اجتنابهما (ونعلين) والأولى كونهما جديدين كذلك، والمراد بالنعل ما لا يحرم في الإحرام، (ويصلي ركعتين
(2)
ينوي بهما سنة الإحرام؛ للاتباع، ويقرأ سراً ليلا ونهارا في الأولى بعد الفاتحة الكافرون وفي الثانية الإخلاص ويغني عنهما غيرهما
(3)
؛ لأن القصد وقوع الإحرام إثر صلاة بحيث لا يطول الزمن بينهما عرفا. ويحرمان وقت الكراهة في غير الحرم، (ثم) بعدهما (الأفضل أن يحرم) لا عقبهما بل (إذا انبعثت) أي توجهت (به راحلته) إلى جهة مقصده سائرة (أو توجه لطريقه ماشيا)؛ للاتباع، فعُلِم أن الأفضل في حق المكي أن يصلي ركعتي الإحرام في المسجد الحرام ثم يأتي إلى باب محله الساكن به إن كان له مسكن فيحرم منه عند ابتداء سيره ثم يأتي المسجد لطواف الوداع المسنون، ومن لا مسكن له الأفضل له أن يحرم من المسجد، (وفي قول يحرم عقب الصلاة)؛ لخبر صحيح فيه وقُدِّم الأول; لأنه أصح
(4)
، (ويستحب إكثار التلبية)؛ للاتباع (ورفع صوته بها) ولو في المسجد بحيث لا يجهد نفسه ولا ينقطع صوته (في دوام إحرامه) أي جميع حالاته؛ للخبر الصحيح ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية))، واحترز بدوام إحرامه عن التلبية المقترنة بابتدائه فيسن
(1)
. أي سواء قبل أو بعد النسج وفاقا للنهاية وخلافاً للمغني والأسنى فيما إذا كان قبل النسج.
(2)
. والأفضل كونهما في المسجد إن كان ميقاته به مسجد كما مر في صفة الصلاة 1/ 107.
(3)
. وإن لم ينوها معها، نعم لا يحصل ثوابها حينئذ عند الشارح وشيخ الإسلام خلافا للنهاية والمغني، ولو نوى عدمها لم يحصل شيء من ذلك اتفاقا كما في التحفة 4/ 60.
(4)
. ورد الشارح قول الماوردي السنة أن يخطب الإمام للتروية محرما لكنهما اعتمدا ذلك القول.
وَخَاصَّةً عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطِ رُِفْقَةٍ. وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي طَوَافِ القُدُومِ، وَفِي القَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ بِلَا جَهْرٍ، وَلَفْظُهَا:(لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَاشَرِيكَ لَكَ)، وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ (لَبَّيْكَ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةَ). وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَأَلَ اللهَ تَعَالَى الجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ، واسْتَعَاذَ مِنَ النَّارِ.
الإسرار بها; لأنه يسن فيها ذكر ما أحرم به فطلب منه الإسرار; لأنه أوفق بالإخلاص، وبقوله صوته عن المرأة والخنثى فيسن لهما إسماع أنفسهما فقط ويكره
(1)
لهما الزيادة على ذلك
(2)
(وخاصة عند تغاير الأحوال كركوب ونزول وصُعود وهُبوط واختلاط رُِفقة) وإقبال ليل أو نهار ووقت السحر وفراغ صلاة فيقدمها على الأذكار بعدها. وتكره في نحو خلاء ومحل نجس كسائر الأذكار، (ولا تستحب في طواف القدوم) والسعي بعده; لأن لكل منهما أذكاراً مخصوصة، (وفي القديم تستحب فيه بلا جهر)؛ لإطلاق الأدلة، أما طوافي الإفاضة والوداع فلا يسن فيهما جزما، (ولفظها لبيك اللهم، لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إِنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك) ويسن الوقف هنا (لا شريك لك) ويستحب أن لا يزيد على هذه الكلمات وأن يكررها كلها ثلاثا متوالية ثم يصلي ثم يسأل كما يأتي، ويكره السلام عليه أثناءها; لأنه يكره له قطعها إلا برد السلام فيندب وإلا لخشية محذور توقف على الكلام فيجب. (وإذا رأى ما يعجبه) أو يكرهه (قال) ندبا (لبيك) إن كان مُحرِماً، وإلا قال اللهم (إن العيش عيش الآخرة) ; لأنه صلى الله عليه وسلم قاله في أسر أحواله لماَّ رأى جمع المسلمين بعرفة وفي أشدها في حفر الخندق، ومن لا يحسن العربية يلبي بلسانه، ويجوز أن يترجم به مع القدرة، (وإذا فرغ من تلبيته) أي جميعها، نعم الأكمل أن يأتي بالتلبية ثلاثا ثم الصلاة ثم الدعاء ثم بالتلبية ثلاثا ثم الصلاة ثم الدعاء وهكذا (صلى) وسلم (على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح: 4، والأولى صلاة التشهد الكاملة. ويسن أن يكون صوته بها وبما بعدها أخفض من صوت التلبية (وسأل الله تعالى الجنة ورضوانه) وما أحب (واستعاذ من النار)؛ للاتباع.
(1)
. وإنما لم يحرم؛ لأن كل أحد مشغول بتلبية نفسه مع أنه لا يسن الإصغاء لها ولا نظر الملبي أفاده الشارح في فصل الأذان 1/ 466.
(2)
. تبرأ الشارح مما ذكره ابن حبان أنه يسن للملبي جعل إصبعيه في أذنيه واعتمدا ذلك.
باب دخوله مكة
الْأَفْضَلُ دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا مِنْ طَرِيقِ المَدِينَةِ بِذِي طَوًى وَيَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، وَيَقُولَ إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ: اللهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوِ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا،
(باب دخوله مكة
(1)
(باب دخوله) أي المحرم وخُصَّ; لأن الكلام فيه وإلا فكثير من السنن الآتية يخاطب بها الحلال (مكة) أي بلد مكة، وهي كبقية الحرم أفضل الأرض -إلا التربة التي ضمت أعضاءه صلى الله عليه وسلم الكريمة فهي أفضل إجماعا حتى من العرش-، وأفضل موضع فيها بعد المسجد بيت أم المؤمنين خديجة. (الأفضل) لمحرم بحج أو قران (دخولها قبل الوقوف) إن لم يخش فوته؛ للاتباع (وأن يغتسل داخلها) أي مريد دخولها ولو حلالا، والأفضل أن يكون غسل الجائي (من طريق المدينة بذي طَوى) أي بماء البئر التي فيه عندها بعد المبيت وصلاة الصبح به؛ للاتباع، أما الداخل من غير تلك الطريق فإن أراد الدخول من الثنية العليا -كما هو الأفضل- سُن له الغسل من ذي طوى أيضا; لأنه يمر بها وإلا اغتسل من مثل مسافتها
(2)
، (و) أن (يدخلها) كل أحد ولو حلالا (من ثنية كَداءٍَ) ويخرج من ثنية كُدى وإن لم تكن على طريقه؛ للاتباع فيهما. ويسن أن يدخل ولو في العمرة نهارا وبعد الصبح والذَّكَر ماشيا وحافيا إن لم يخش نجاسة أو مشقة، (و يقول) رافعا يديه ولو حلالا (إذا أبصر البيت) بالفعل أو وصل نحو الأعمى إلى محل يراه منه لو كان بصيرا (اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد مَن شرَّفه وعظَّمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا) وقد روى قريبا منه الشافعي رضي الله عنه.
(1)
. مال الشارح في صلاة المسافر إلى عدم انقطاع سفر من دخل مكة قبل الوقوف بنحو يوم نويا الإقامة بمكة بعد رجوعه من منى أربعة أيام فأكثر.
(2)
. ظاهر كلامهما إطلاق أنه يغتسل من مثل مسافتها.
اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ ثُمَّ يَدْخُلَ المَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَة. وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ. وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ، إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ.
(اللهم أنت السلام) أي السالم من كل ما لا يليق بجلال الربوبية وكمال الألوهية أو المُسَلِّم لعبيدك من الآفات (ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام) رواه البيهقي، (ثم يدخل) فورا (المسجد) ولو حلالا؛ إذ يسن له طواف القدوم (من باب بني شيبة) وإن لم يكن على طريقه؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((دخل منه في عمرة القضاء)). ويسن الخروج للسعي من باب بني مخزوم وإلى بلده مثلا من باب الحزون، فإن لم يتيسر فباب العمرة
(1)
، (ويبدأ) بعد تفريغ نفسه من أعذارها إلا نحو كراء بيت متيسر بُعْدُ وتغيير ثياب لم يشك في طهرها (بطواف القدوم)؛ للاتباع إلا لعارض كأن كان عليه فائتة فرض لم يلزمه الفور في قضائها وإلا وجب تقديمها، ولم تكثر بحيث يفوت بها فورية الطواف عرفا وإلا قدم الطواف، وكخشية فوت راتبة أو سنة مؤكدة أو مكتوبة أو جماعة تسن له معهم، فإن أقيمت فيه جماعة مكتوبة لا غيرها قطعه وصلى. وتؤخر جميلة ومن لا تبرز للرجال الطوافَ إلى الليل ما لم تخش طرو حيض يطول، ولو منعه الناس صلى التحية كما لو دخل ولم يرده، (ويختص طواف القدوم) -وهو سنة يكره تركة، ويثاب عليه بطواف الفرض إن قصده
(2)
- بحلال مطلقا، و (بحاج دخل مكة قبل الوقوف) لا بعد الوقوف، ولا المعتمر؛ لأنه دخل وقت طوافهما المفروض فلم يصح تطوعهما، ومن ثم لو دخل بعد الوقوف وقبل نصف الليل سن له طواف القدوم. ويفوت طواف القدوم في حق من دخل مكة قبل الوقوف بالوقوف. والوجه أنه لا يدخله القضاء. (ومن قصد مكة) أو الحرم (لا لنسك استحب) له ولو نحو حطاب (أن يحرم بحج) يدركه في أشهره (أو عمرة)؛ قياسا على التحية (وفي قول يجب)؛ لإطباق الناس عليه، ومن ثم كره تركه (إلا أن) يكون فيه رق أو غير مكلف أو (يتكرر دخوله كحطاب وصياد)؛ للمشقة، أو يدخل من الحرم أو لقتال مباح أو خائفا من ظالم وإلا لم يجب جزما.
(1)
. خلافا للأسنى والمغني حيث اقتصرا في الخروج إلى بلده على باب العمرة.
(2)
. وقضية كلامهما أنه يثاب عليه ولو لم يقصده.
فصل
لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ أَمَّا الْوَاجِبَاتُ فَيُشْتَرَطُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةُ الحَدَثِ وَالنَّجَسِ،
(فصل) في واجبات الطواف وكثير من سننه
(للطواف بأنواعه) وهي طواف قدوم وركن وتحلل ووداع ونذر وتطوع (واجبات) أركان وشروط (وسنن، أما الواجب فـ) ثمانية: منها أنه (يشترط ستر العورة وطهارة الحدث) الأكبر والأصغر
(1)
(والنجس) في الثوب والبدن والمكان; لأن الطواف صلاة كما صح به الخبر وصح أيضا ((لا يطوف بالبيت عريان))، نعم يعفى أيام الموسم وغيرها عما يشق الاحتراز عنه في المطاف من نجاسة الطيور وغيرها إن لم يتعمد المشي عليها ولم تكن رطوبة فيها أو في مماسها كما مر
(2)
. ولو عجز عن الستر طاف عاريا ولو للركن؛ إذ لا إعادة عليه، أو عن الطهارة حسا أو شرعا جاز له إن عزم على الرحيل أن يطوف ولو للركن، وإن اتسع وقته؛ لمشقة مصابرة الإحرام بالتيمم ويتحلل به وإذا جاء مكة لزمه إعادته
(3)
، فإذا جاءها لم يلزمه عند فعله نحو إحرام وتجرد، فإن مات وجب الإحجاج عنه بشرطه. ولا يجوز طواف الركن ولا غيره لفاقد الطهورين
(4)
بل يسقط عنه طواف الوداع. ولو طرأ
(5)
حيضها قبل طواف الركن ولم يمكنها التخلف لنحو فقد نفقة
(6)
أو خوف على نفسها رحلت إن شاءت ثم إذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة تتحلل كالمحصر ويبقى الطواف في ذمتها، والأحوط لها أن تقلد
(1)
. وتقدم في باب الوضوء أنه يصح أن يقول نويت استباحة الطواف ولو كان بمصر مثلا 1/ 193.
(2)
. ومر أن بول الخفاش وروثه يعفى عنه في الثوب والبدن والمكان رطبا ويابسا 2/ 132.
(3)
. أفهم أنه لا يلزمه العود لذلك وخالفه الرملي في ذلك.
(4)
. وتقدم أنه لو وجد متيمم الماء في الطواف بطل مطلقا؛ لأن صحة بعضه لا تربط ببعض 1/ 371.
(5)
. أفاد الشارح في حاشيته على الإيضاح أنَّ من استعملت دواء فانقطع دمها أو انقطع بلا دواء فاغتسلت وطافت ثم عاد الدم بعد سفرها أنه يجوز لها العمل بأحد قولي الشافعي وهو التلفيق.
(6)
. لكن نظر الشارح في ذلك عند كلامه عن الإحصار بأنه لا يجوز أن تغتسل من غير شرط.
وَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى، وَفِي قَوْلٍ يَسْتَأْنِفُ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ،
من يرى براءة ذمتها بطوافها قبل رحيلها
(1)
. (ولو أحدث فيه) حدثا أصغر أو أكبر أو انكشفت عورته (توضأ) أو اغتسل أو استتر (وبنى) وإن تعمد وطال الفصل؛ لعدم اشتراط الولاء فيه كالوضوء (وفي قول يستأنف) كالصلاة، نعم الاستئناف أفضل؛ خروجا من الخلاف
(2)
. وسكت عن النية -والمراد بها هنا قصد الفعل عنه-؛ لعدم وجوبها، ومحله في طواف النسك ولو قدوما أو وداعا، أما غيره كنذر وتطوع فلا بد منها فيه، وأما مطلق قصد أصل الفعل فلا بد منه حتى في طواف النسك، ويجب أيضا عدم صرفه لفرض آخر وإلا كلحوق غريم أو صديق انقطع، نعم لا يضر النوم مع التمكن في أثنائه، (وأن يجعل البيت عن يساره) ويمر إلى ناحية الحِجْر؛ للاتباع، ومع وجود هذين لا أثر لكونه منكوسا
(3)
أو مستلقيا على قفاه أو وجهه أو حابيا أو زاحفا ولو بلا عذر. ولو لم يتأت حمل المريض إلا ووجهه أو ظهره للبيت صح طوافه؛ للضرورة، وكذا لو لم يمكنه إلا التقلب على جنبيه سواء كان رأسه للبيت أم رجلاه، نعم محله إن لم يجد من يحمله ويجعل يساره للبيت وإلا لزمه ولو بأجرة مثل فاضلة عما مر في نحو قائد الأعمى.
(1)
. وهو أبو حنيفة وإحدى روايتين عن أحمد، لكن يلزمها بدنة وتأثم بدخولها المسجد وهي حائض، حاشية الإيضاح.
(2)
. ولو شك في النية بعد طواف الفرض لم يؤثر أفاده الشارح في سجود السهو 2/ 322.
(3)
. خلافا للمغني.
وَمُبْتَدِئًا بِالحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ فِي مُرُورِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الحَجَرِ لَمْ يُحْسَبْ، فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ، وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَوْ مَسَّ الجِدَارَ فِي مُوَازَاتِهِ أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الحِجْرِ وَخَرَجَ مِنْ الْأُخْرَى لَمْ تَصِحَّ طَوْفَتُهُ، ....
(مبتدئا بالحجر الأسود) أي ركنه، وإن قلع منه وحول منه لغيره منه (محاذيا له) أو لبعضه (في مروره) عليه ابتداء (بجميع) فلو استقبل الحجر ابتداء ببعض شقه الأيسر وبعضه مجاور لجانب الباب لم يصح (بدنه) أي شقه الأيسر بأن يجعله إليه وقد بقي من الحجر أو محله ما يسامته ويمشي أمام وجهه. وتجب مقارنة النية حيث وجبت أو أراد فضلها لما تجب محاذاته منه والأفضل أن يقف بجانبه من جهة اليماني بحيث يصير منكبه الأيمن عند طرفه ثم يمر متوجها له حتى يجاوز
(1)
منكبه الأيمن الحجر فينفتل بشقه الأيسر جاعلا يساره محاذيا جزءا من الحجر، ولا يجوز شيء من الطواف مع استقبال البيت إلا هذا في الأول لا غير، وينبغي أن لا يفعله إلا مع الخلو؛ لئلا يضر غيره.
[تنبيه] المراد بالشق الأيسر أعلاه المحاذي للصدر وهو المنكب
، فلو انحرف عنه بهذا أو حاذاه ما تحته من الشق الأيسر لم يكف، (فلو بدأ بغير الحجر) كالباب (لم يحسب) ما فعله؛ لإخلاله بالترتيب (فإذا انتهى إليه) وهو مستحضر للنية حيث وجبت (ابتداء) وحسب له (منه، ولو مشى على الشاذروان)، وهو بعض جدار البيت نُقض من عرض الأساس، وهو من الجهة الغربية واليمانية وكذا من جهة الباب
(2)
، وهو عام في جوانبها كلها حتى عند الحجر الأسود وعند اليماني وإن كان أسُّ هذين على القواعد (أو مس الجدار) الموصوف بكونه (في موازاته) أي الشاذروان، أو دخل شيء من بدنه وكذا ملبوسه
(3)
في هواء الشاذروان (أو دخل من إحدى فتحتي الحِجر) وهو ما بين الركنين الشاميين عليه جدار قصير بينه وبين كل من الركنين فتحة (وخرج من الأخرى) أو وضع أنملته على طرف جدار الحِجْر القصير (لم تصح طوفته) أي بعضها الذي قارنه ذلك المس أو الدخول; لأنه حينئذ طائف في البيت لا به. وينبغي لمقبِّل الحجر أن يقر قدميه حتى يعتدل قائما; لأنه حال التقبيل في هواء البيت فمتى
(1)
. يفهم منه اشتراط الانفتال قبل مفارقة جميعه واعتمدوا خلافه.
(2)
. خلافا لموضع في النهاية والشيخ زكريا.
(3)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي.
وَفِي مَسْأَلَةِ المَسِّ وَجْهٌ، وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا وَدَاخِلَ المَسْجِدِ. وَأَمَّا السُّنَنُ فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا. وَيَسْتَلِمَ الحَجَرَ أَوَّلَ طَوَافِهِ، وَيُقَبِّلَهُ، وَيَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ،
زالت قدمه عن محلها قبل اعتداله كان قد قطع جزءا من البيت وهو في هوائه فلا يحسب له وكذا يقال في مستلم الركن اليماني (وفي مسألة المس وجه) أنه لا يضر; لأنه خرج عن البيت بمعظم بدنه، ويُرَدُّ بأن المدار على الاتباع، (وأن يطوف سبعا)؛ للاتباع، فلو شك في العدد أخذ بالأقل كالصلاة، نعم يسن هنا الاحتياط لو أُخْبِر بخلاف ما في ظنه
(1)
، ولا يلزمه أن يأخذ بخبر
(2)
ناقص عما في اعتقاده إلا إن أورثه الخبر ترددا. ولا يكره في الوقت المنهي عن الصلاة فيه، (داخل المسجد) ولو على سطحه، وإن كان أعلى من الكعبة; لأن هوائها في حكمها، نعم يكره إن حال بين الطائف والبيت حائل كالسقاية والسواري بل خارج المطاف مطلقا؛ مراعاة للخلاف. ولا يصح خارج المسجد إجماعا ويمتد بامتداده إلا إن بلغ الحل.
(وأما السنن
(3)
فأن يطوف) القادر الذي لا يحتاج للركوب حتى يظهر فيُسْتَفْتَى أو يُقتدى به، قائما و (ماشيا) ولو امرأة، وأن يُقصِّر خطاه؛ تكثيرا للأجر، وحافيا لا راكبا بهيمة أو آدمي؛ لمنافاته الخضوع والأدب، فإن ركب بلا عذر لم يكره وإن لم يؤمن تلويثه
(4)
كإدخال الصبي غير المميز وجاز ذلك في قصد النسك؛ لوروده، أما دخول ما مر لغير غرض الطواف فيجوز مع الكراهة إن أمن تلويثه وإلا فيحرم، والمراد بأمن التلويث غلبة الظن باعتبار العادة أنه لا يخرج منه نجس يصل للمسجد منه شيء بخلاف ما لو أحكم شد ما على فرجه بحيث أمن تلويث الخارج للمسجد. ويكره إن يزحف أو يحبو بلا عذر، (ويستلم الحجر) أو محله لو أخذ -بعد أن يستقبله- (أول طوافه) بيده واليمين أولى ولا يقبلها مع القدرة على تقبيل الحجر، فإن شق فبنحو خشبة أي في اليمنى ثم اليسرى (ويقبله)؛ للاتباع فيهما، ويكره إظهار صوت لقبلته (ويضع جبهته عليه)؛ للاتباع. ويسن تكرير كل من الثلاثة ثلاثا، والأفضل أن يستلم ثلاثا متوالية ثم يقبل كذلك ثم يسجد كذلك، ولا يسن شيء من ذلك لامرأة وخنثى
(1)
. عبرا بالاعتقاد.
(2)
. ولو متواترا لأن ما أدير الأمر فيه على فعل الإنسان لا يقبل فيه إخبار عدل الرواية، أفاده الشارح في باب أسباب الحدث 1/ 141.
(3)
. تقدم في شروط القدوة كراهة ابتداء طواف بعد إقامة الصلاة 2/ 322.
(4)
. خالفاه في الدابة.
فَإِنْ عَجَزَ اسْتَلَمَ، فَإِنْ عَجَزَ أَشَارَ بِيَدِهِ، وَيُرَاعَى ذَلِكَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا، وَيَسْتَلِمَ الْيَمَانِيَّ وَلَا يُقَبِّلَهُ. وَأَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ: بِسْمِ اللهِ وَاَللهُ أَكْبَرُ، اللهُمَّ إيمَانًا بِكَ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلْيَقُلْ قُبَالَةَ الْبَابِ
إلا عند خلو جهة الحَجَر من الرجال والخناثى ولو نهارا بأن تأمن مجيء ونظر رجل غير محرم حالة فعلها ذلك، (فإن عجز) عن التقبيل والسجود أو عن السجود فقط لنحو زحمة أي بحيث يخل بالخشوع من أصله له أو لغيره (استلم) أي اقتصر على الاستلام في الأولى أو عليه وعلى التقبيل في الثانية ثم قبَّل ما استلم به من يده أو غيرها؛ للاتباع. ويندب لمن لم يتيسر له الاستلام التهليل والتكبير كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه، (فإن عجز أشار) إليه (بيده) اليمنى فاليسرى فما في اليمنى فما في اليسرى؛ للاتباع، ثم قبَّل ما أشار به. وخرج بيده فمه فتكره الإشارة به للتقبيل؛ لقبحه كالرِّجل، أما بالرأس فخلاف الأولى ما لم يعجز عن الإشارة بيديه وما فيهما فيسن به ثم بالطرف، (ويراعي ذلك) المذكور كله مع تكرره ثلاثا وكذا ما يأتي في اليماني وكذا الدعاء الآتي (في كل طوفة)؛ لما صح ((أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل طوفة))، وهو في الأوتار آكد وآكدها الأولى والأخيرة. (ولا يُقبِّل الركنين الشاميين ولا يستلمهما)؛ للاتباع، (ويستلم اليماني)؛ للخبر المذكور بيده اليمنى فاليسرى فما في اليمنى فاليسرى ثم يقبل ما استلم به، فإن عجز أشار إليه بما ذكر بترتيبه ثم قبَّل ما أشار به (ولا يقبله) ; لأنه لم ينقل، ويباح تقبيل الشاميين. (وأن يقول) سِرَّا هنا وفيما يأتي; لأنه أجمع للخشوع، نعم يسن الجهر لتعليم الغير حيث لا يتأذى به أحد (أول طوافه) وفي كل طوفة، والأوتار آكد وآكدها الأولى (بسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
(1)
؛ اتباعا للسلف والخلف
(2)
، (وليقل قُبالة الباب) أي جهته، فلا يتوقف للذكر بل يقول الذكر هنا وفيما مر ويأتي وهو ماشٍ؛ لأن الوقوف في الطواف مضر، فالمراد بقُبالة الباب مثلا هي وما بإزائها مما بعدها.
(1)
. وردَّ الشارح ما ارتضياه من سنية رفع يديه حذو منكبيه في الابتداء.
(2)
. كما عللا به.
اللهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بَيْتُك، وَالحَرَمُ حَرَمُك، وَالْأَمْنُ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ، وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ: اللهُمَّ {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ، وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ. وَأَنْ يَرْمُلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ وَيَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ فِي الْبَاقِي، وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَفِي قَوْلٍ بِطَوَافِ الْقُدُومِ،
(اللهم البيت بيتك والحرم حرمك والأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار، وبين اليمانيين اللهم {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} البقرة: 201) سنده صحيح لكن بلفظ ((ربنا)) وفي رواية ((اللهم ربنا))، وهي أفضل، (وليدع بما شاء) من كل دعاء جائز له ولغيره، والأفضل الاقتصار الأخروي، (ومأثور الدعاء) الشامل للذكر، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم إلا ((ربنا آتنا)) إلى آخره، و ((اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليَّ كل غائبة لي منك بخير)) (أفضل من القراءة) أي الاشتغال به أفضل من الاشتغال بها؛ لأنها لم تحفظ عنه صلى الله عليه وسلم فيه، (وهي أفضل من غير مأثوره) ; لأنها أفضل الذَّكر. (وأن يرمل) الذكر المحقق (في) جميع (الأشواط) لا تنافيه كراهة تسمية المرة شوطا; لأنها كراهة أدبية
(1)
(الثلاثة الأول بأن يسرع مشيه) مع هزّ كتفيه (مقاربا خطاه) بأن لا يكون فيه وثوب ولا عدو (ويمشي على هينته في الباقي)؛ للاتباع فيهما. ويرمل الحامل بمحموله ويحرك الراكب دابته، ويكره ترك ذلك، وقضاء الرمل في الأربعة الأخيرة; لأن فيه تفويت سنتها من الهينة، (ويختص الرمل بطواف يعقبه سعي) مطلوب أراده كطواف معتمر ولو مكيا أحرم من الحرم وحاج أو قارن قدم قبل الوقوف أو بعده وبعد نصف الليل ليلة النحر، (وفي قول بطواف القدوم) وإن لم يرد السعي عقبه؛ لأنه الذي رمل فيه صلى الله عليه وسلم، وردّ أنه صلى الله عليه وسلم سعى بعده فلا خصوص له، ولو أراد السعي عقب طواف القدوم ثم سعى ولم يرمل لم يقضه في طواف الإفاضة، وإن لم يسع رمل فيه وإن كان قد رمل في القدوم.
(1)
. خلافا للنهاية من أنها كراهة شرعية، وقال المغني لا توجد كراهة أصلا.
وَلْيَقُلْ فِيهِ: اللهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا. وَأَنْ يَضْطَبِعَ فِي جَمِيعِ كُلِّ طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ، وَكَذَا فِي السَّعْيِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَلَا تَرْمُلُ المَرْأَةُ وَلَا تَضْطَبِعُ. وَأَنْ يَقْرُبَ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَوْ فَاتَ الرَّمَلُ بِالْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ فَالرَّمَلُ مَعَ بُعْدٍ أَوْلَى، إلَّا أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى، وَأَنْ يُوَالِيَ طَوَافَهُ
(وليقل فيه) أي الرمل أي في المحال
(1)
التي لم يرد لها ذكر مخصوص، ولا يندب هذا الدعاء إلا في طواف حج أو عمرة
(2)
(اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا)؛ للاتباع على ما ذكره الرافعي، ويقول في الأربعة الأخيرة -أي في تلك المحال
(3)
- رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة إلى آخره. (وأن يضطبع) الذكر المحقق ولو صبيا فيسن للولي فعله به (في جميع كل طواف يرمل فيه) أي يشرع فيه الرمل وإن لم يرمل؛ للاتباع. ويكره تركه ولو تركه في بعضه أتى به في باقيه (وكذا في) جميع (السعي على الصحيح)؛ قياسا على الطواف، ويكره فعله في الصلاة كسنة الطواف، (وهو جعل وسَط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على الأيسر) ويدع منكبه الأيمن مكشوفا إن كان متجردا، بل يسن للابس ولو بغير عذر، (ولا ترمل المرأة) ومثلها الخنثى (ولا تضطبع) وإن خلا المطاف; لأنهما لا يليقان بهما فيكرهان لهما، بل يحرمان إن قصدا التشبه بالرجال، (وأن يقرب) الذكر مطلقا حيث لا إيذاء ولا تأذي بنحو زحمة (من البيت)؛ تبركا به لشرفه ولأنه أيسر لنحو الاستلام، (فلو فات الرمل بالقرب لزحمة) أو خشي صدم نساء (فالرمل) حيث لم يرج فرجة على قرب عرفا ولم يؤذ أو يتأذ بوقوفه (مع بعد) لا يخرج به عن حاشية المطاف (أولى) ; لأن ما تعلق بذات العبادة أفضل مما تعلق بمحلها، (إلا أن يخاف صدم النساء) إذا بعد (فالقرب بلا رمل أولى) من البعد مع الرمل محافظة على الطهارة، ومن ثم لو خاف مع القرب أيضا لمسهن كان ترك الرمل أولى هنا أيضا، ويسن لتاركه أن يتحرك في مشيه ويُرِي أنه لو أمكنه أكثر من ذلك لفعل. (وأن يوالي) عرفا الذكر وغيره (طوافه)؛ اتباعا كما تندب الموالاة بين الطواف والركعتين وبينهما وبين الاستلام وبينه وبين السعي.
(1)
. خلافا للأسنى من أنه يختص بمحاذاة الحجر، ولهما من أنه يندب في جميع الرمل على اختلافٍ في فهم عبارتهما.
(2)
. كما في حاشية إيضاح المناسك.
(3)
. خلافا لهما في اعتماد الندب في جميع الأربعة الأخيرة.
وَأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ المَقَامِ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الكافرون: 1، وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ، وَيَجْهَرُ لَيْلًا، وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ المُوَالَاةُ وَالصَّلَاةُ،
(و) أن (يصلي بعده ركعتين) وتسقط بغيرها ثم إن نويت أثيب عليها
(1)
وإلا سقط الطلب فقط، و الأفضل -؛ للاتباع- فعلهما (خلف المقام) أي ما يصدق عليه ذلك عرفا، ويليه في الفضل داخل الكعبة فتحت الميزاب فبقية الحِجر فالحطيم فوجه الكعبة فبين اليمانيين فبقية المسجد فدار خديجة رضي الله عنها فمكة فالحرم (يقرأ) ندبا (في الأولى) بعد الفاتحة ({قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثانية الإخلاص)؛ للاتباع، (ويجهر ليلا) وبعد الفجر إلى طلوع الشمس، نعم لو نوها مع ما سُنّ الإسرار فيه كراتبة العشاء أسرّ؛ لأنها أفضل منها
(2)
، (وفي قول تجب الموالاة) بين أشواطه وأبعاضها (والصلاة) عقب الطواف ولو نفلا
(3)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((خذوا عني مناسككم))، ورُدَّ أن ذلك لا يكفي في الوجوب وإلا لوجب جميع السنن. ومحل الخلاف في تفريق كثير بأن يغلب على الظن أنه أضرب عن الطواف بلا عذر، ومن العذر إقامة جماعة مكتوبة وفوت راتبة
(4)
لا فعل جنازة
(5)
ومكتوبة اتسع وقتها. والأفضل لمن طاف أسابيع فعلها عقب كلٍّ ويليه ما لو أخرها إلى ما بعد الكل ثم صلى لكل ركعتين ويليه ما لو اقتصر على ركعتين للكل، ويصح السعي قبلها اتفاقاً.
[فرع] من سنن الطواف السكينة والوقار وعدم الكلام إلا في خير كتعليم جاهل برفق إن قلَّ وسجدة التلاوة لا الشكر; لأن الطواف صلاة وهي تحرم فيها ورفع اليدين في الدعاء وإلا جعلهما تحت صدره بكيفيتهما في الصلاة. والاشتغال بالعمرة أفضل منه بالطواف إذا استوى زمنهما، والوقوف أفضل منه
(6)
؛ لخبر ((الحج عرفة
(7)
.
(1)
. خلافا لهما من حصول الثواب وإن لم تنو، نعم إن نوى عدمها لم يحصل ثواب اتفاقا كما أشار إليه الشارح في صلاة النافلة 2/ 235.
(2)
. خلافا للشهاب الرملي من أنه يتوسط بين الإسرار والجهر.
(3)
. خلافا لهما من اعتماد القطع بالسنية فيه.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. قيدها في المغني بما إذا لم تتعين عليه.
(6)
. خلافا لهم فعندهم أن الطواف أفضل.
(7)
. واعتمد الشارح أن الجلوس ذاكرا إلى طلوع الشمس والصلاة ركعتين أفضل من الطواف وخالفه الشهاب الرملي.
وَلَوْ حَمَلَ الحَلَالُ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ حُسِبَ لِلْمَحْمُولِ، وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَصْدَهُ لِلْمَحْمُولِ فَلَهُ، وَإِنْ قَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا فَلِلْحَامِلِ فَقَطْ.
(ولو حمل)، ومثله لو جذب ما هو عليه كخشبة (الحلال) ولو محدثا (محرما) لم يطف عن نفسه ولو صغيرا لم يميز لكن إن كان حامله الولي أو مأذونه متطهرا أيضا،؛ لتوقف صحة طواف في غير المميز على مباشرة الولي أو مأذونه (وطاف به حسب للمحمول) إن دخل وقت طوافه ووجدت شروط الطواف السابقة فيه ونواه الحامل له أو أطلق ولم يصرفه المحمول عن نفسه; لأنه حينئذ كراكب بهيمة بخلاف ما إذا فقد شرط من ذلك كما لو نواه لنفسه أو لهما فلا يقع له، وقد يقع للحامل إن وجد فيه شرطه، (وكذا لو حمله) أي المحرم الواحد أو المتعدد (محرم قد طاف عن نفسه) أي فعل ما تضمنه إحرامه من طواف قدوم أو ركن، أو لم يدخل وقت طوافه; لأنه حينئذ كالحلال (وإلا) يطف عن نفسه وقد دخل وقت طوافه (فالأصح أنه) أي الحامل (إن قصده للمحمول فله) حيث لم يصرفه -أي الممحول- عن نفسه، (وإن قصده) جميعه (لنفسه أو لهما) أو أطلق أو قصده كلٌّ لنفسه أو تعدد الحامل وقصد أحدهما نفسه والآخر المحمول (فللحامل فقط) ; لأنه لم يصرفه عن نفسه وطوافه لا يحتاج لنية. ويأتي ذلك التفصيل في السعي؛ بناء على المعتمد
(1)
أنه يشترط فيه فقد الصارف كالطواف، ولو قصد الجاذب المار المشي لأجل الجذب بطل طوافه.
(1)
. وفاقا للنهاية هنا وخلافا للمغني وللنهاية في مبحث الرمي.
فصل
يُسَنُّ أَنْ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَصَلَاتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِلسَّعْيِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا، وَأَنْ يَسْعَى سَبْعًا، ذَهَابُهُ مِنْ الصَّفَا إلَى المَرْوَةِ مَرَّةٌ، وَعَوْدُهُ مِنْهَا إلَيْهِ أُخْرَى،
(فصل) في واجبات السعي وكثير من سننه
(يسن) بعد ركعتي الطواف (أن) يشرب من زمزم ويصب على رأسه ثم (يستلم) ندبا القادر (الحجر) ويقبله ويضع جبهته عليه (بعد الطواف وصلاته)، ثم يخرج إلى الصفا، وأكمل من ذلك بعد أن يفرغ من طوافه أن يقبل الحجر ويضع يده عليه ويمسح بها وجهه ثم يركع سنة الطواف ثمّ يقبل الحجر ثمّ يذهب إلى زمزم فيشرب منها ويصب منها على رأسه ثم يرجع فيستلم الركن ثم يذهب إلى الصفا؛ لورود كل ذلك عنه صلى الله عليه وسلم. ولا يسن أن يأتي الملتزم إلا إن لم يكن طوافه بعده سعي فيأتيه بعد الركعتين وورد حديث ضعيف فيه، (ثم يخرج من باب الصفا للسعي)؛ للاتباع. (وشرطه أن يبدأ) في الأولى وما بعدها من الأوتار (بالصفا) وهو طرف جبل أبي قبيس، وهو أفضل من المروة
(1)
. ويبدأ في الثانية وما بعدها من الأشفاع بالمروة، فلو ترك خامسة مثلا جعل السابعة خامسة وأتى بسادسة وسابعة وذلك؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال ((ابدءوا بما بدأ الله به))، (وأن يسعى سبعا) يقينا، فإن شك أخذ بالأقل
(2)
(ذهابه من الصفا إلى المروة مرة، وعوده منها إليه أخرى) ; لأنه صلى الله عليه وسلم ((بدأ بالصفا وختم بالمروة)). ويجب استيعاب المسافة في كلٍّ بأن يلصق عقبه أو عقب أو حافر مركوبه بأصل ما يذهب منه ورأس إصبع رجليه أو رجل أو حافر مركوبه بما يذهب إليه
(3)
.
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. كما ذكره الشارح في الطواف وما يتبعه.
(3)
. ورد الشارح ما اعتمدوه في قول المصنف أن بعض درج الصفا محدث فليحتط فيه بالرقي حتى يتيقن وصوله للدرج القديم.
وَأَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَمَنْ سَعَى بَعْدَ قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ،
(وأن يسعى بعد طواف ركن أو قدوم
(1)
; لأنه الوارد عنه صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز بعد طواف نفل كأن أحرم من بمكة بحج منها ثم تنفل بطواف وأراد السعي بعده. وإذا أراد السعي بعد طواف القدوم -كما هو الأفضل
(2)
; لأنه الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم لم تلزمه الموالاة بينهما بل له تأخيره وإن طال لكن (بحيث لا يتخلل بينهما) أي السعي وطواف القدوم (الوقوف بعرفة) ; لأنه يقطع تبعيته للقدوم قبله فيلزمه تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة.
[تنبيه] أحرم بالحج من مكة ثم خرج ثم عاد لها قبل الوقوف سن له طواف القدوم
، وعليه فيجزئ السعي بعده ويفرق بينه وبين من عاد لمكة بعد الوقوف وقبل نصف الليل فإنه يسن له القدوم ولا يجزئه السعي بأن السعي متى أخر عن الوقوف وجب وقوعه بعد طواف الإفاضة. (ومن سعى بعد قدوم لم يعده
(3)
بل يكره
(4)
له ذلك؛ لمخالفته للوارد، نعم مر وجوب الإعادة على من كَمُل قبل فوات الوقوف. (ويستحب) للذكر (أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة)؛ للاتباع فيهما. أما المرأة والخنثى فلا يسن لهما رقي ولو في خلوة
(5)
، نعم لو وقعا في شك لولا الرقي سُن لهما؛ احتياطا.
(1)
. ذكر الشارح في كتاب المواريث أنه سئل عن ملتصقين ظهر أحدهما في ظهر الآخر ولم يمكن انفصالهما فأحرما بالحج ثم أراد أحدهما تقديم السعي عقب طواف القدوم والآخر تأخيره إلى ما بعد طواف الركن فمن المجاب؟ وهل إذا فعل أحدهما ما لزمه من الأركان والواجبات بموافقة الآخر ثم أراد الآخر ذلك يلزم الأول موافقته والركوب معه إلى الفراغ أيضا؟ وهل يلزم أن يفعل مع الآخر واجبه من نحو صلاة سواء أوجب عليه نظير ما وجب على صاحبه أو لا؟ ضاق الوقت أم لا؟ فأجاب أنه لا يجب على أحدهما موافقة الآخر في شيء مما أراده مما يخصه أو يشاركه فيه الآخر؛ لأن تكليف الإنسان بعمل لأجل غيره من غير نسبته لتقصير ولا لسبب فيه منه لا نظير له 6/ 397.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(3)
. قال: ((ومن ثم لم يسن للقارن رعاية موجبها))، وخالفه المغني فعنده يسن سعيان له.
(4)
. وفاقا لشيخ الإسلام والنهاية، وقال في المغني أنه خلاف الأولى.
(5)
. خلافا للنهاية.
فَإِذَا رَقَى قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالحَمْدُ للهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ دِينًا وَدُنْيَا. قُلْتُ: وَيُعِيدُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَأَنْ يَمْشِيَ أَوَّلَ المَسْعَى وَآخِرَهُ، وَيَعْدُوَ الذَّكَرُ فِي الْوَسَطِ، وَمَوْضِعُ النَّوْعَيْنِ مَعْرُوفٌ
(فإذا رقِي) الذكر وغيره -واشتراط الرقي ليس قيدا في ندب ما بعده لندبه لغير الراقي أيضا بل في حيازة الأفضل لا غير- استقبل ثم (قال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير)؛ للاتباع (ثم يدعو بما شاء دينا ودنيا، قلت: ويعيد الذكر والدعاء ثانيا وثالثا والله أعلم)؛ لما في خبر مسلم بعد ما ذُكر ((ثم دعا بين ذلك قال هذا ثلاث مرات))، (وأن) يكون ماشيا وحافيا إن أمن تنجس رجليه وسهل عليه ومتطهرا ومستورا، والأفضل تحري خلو المسعى إلا إن فاتت الموالاة بينه وبين الطواف؛ للخلاف في وجوبها، ولا يكره الركوب، ويندب أن يوالي بين مراته -بل يكره الوقوف فيه لحديث أو غيره- وبينه وبين الطواف، ومر أنه يضر صرفه كالطواف لكنه لا يشترط له كيفية مثله; لأن القصد هنا قطع المسافة، وأن (يمشي أول السعي وآخره) على هينته (ويعدو
(1)
الذكر) عدوا شديدا طاقته حيث لا تأذي ولا إيذاء قاصدا السنة
(2)
(في) محل العدو وهو (الوسط) تقريبا؛ للاتباع فيهما (وموضع النوعين معروف).
(1)
. فمن ترك السعي سُنّ له أن يتحرك ويُري أنه لو أمكنه ذلك لفعل كما أفاده الشارح في الفصل المار 4/ 91.
(2)
. وإلا لم يصح سعيه خلافا لشيخ الإسلام وموضع من النهاية.
فصل
يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً فَرْدَةً، يَأْمُرُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ إلَى مِنًى، وَيُعَلِّمُهُمْ مَا أَمَامَهُمْ مِنَ المَنَاسِكِ، وَيَخْرُجَ بِهِمْ مِنْ غَدٍ إلَى مِنًى وَيَبِيتُوا بِهَا فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَصَدُوا عَرَفَاتٍ
(فصل) في الوقوف بعرفة، وبعض مقدماته وتوابعه
(يستحب للإمام) إذا حضر (أو منصوبه) ونصبه واجب على الإمام (أن يخطب بمكة) وكونها عند الكعبة أو ببابها حيث لا منبر أفضل، ويسن كونه مُحْرِما ويفتتحها المحرم بالتلبية وغيره بالتكبير
(1)
(في سابع ذي الحجة بعد) أداء (صلاة الظهر) أو الجمعة (خطبة فردة يأمر فيها) المتمتعين والمكيين بطواف الوداع بعد إحرامهم وقبل خروجهم; لأنه مندوب لهم لتوجههم لابتداء النسك دون المفردين والقارنين؛ لتوجههم لإتمامه، ويأمر جميع الحجاج (بالغدو) أي السير بعد صبح الثامن (إلى منى) بحيث يكونون بها أول الزوال، ويستثنى مَن تلزمه الجمعة كحاج انقطع سفره إذا كان الثامن الجمعة فلا يجوز له الخروج بعد الفجر إلا إن عُذر أو أقيمت صحيحة بمنى.
[تنبيه] ما أمر به هنا الإمام أو منصوبه يجب ظاهرا
؛ لأنه مصلحة عامة، (ويعلمهم) في هذه الخطبة (ما أمامهم من المناسك) إلى الخطبة الأخرى، نعم الأكمل أن يعلمهم فيها كل المناسك؛ لترسخ في أذهانهم بإعادتها في الخطب الآتية، وأيضا ينبغي أن يتعرض لما قبل الخطبة؛ ليتذكره من أخل به، (ويخرج بهم) في غير يوم الجمعة وفيه إن لم تلزمهم وإلا فقبل الفجر ما لم تتعطل الجمعة بمكة (مِن) بعد صلاة صبح (غد) والأفضل ضحىً؛ للاتباع (إلى منى، و) يستحب أن (يبيتوا بها) وأن يصلوا بها العصرين والعشاءين والصبح؛ للاتباع، والأولى صلاتها بمسجد الخيف والنزول بمنزله صلى الله عليه وسلم أو قريب منه، (فإذا طلعت الشمس) أي أشرقت على جبل ثبير المُطِلِّ على مسجد الخيف (قصدوا عرفات) من طريق ضب مكثرين
(1)
. واستغرب الشارح بحث الطبري الذي اعتمده الرملي في النهاية أن من توجهوا لعرفه قبل دخول مكة يسن لهم ذلك.
قُلْتُ: وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ يَخْطُبَ الْإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا. وَيَقِفُوا إلَى الْغُرُوبِ، وَيَذْكُرُوا اللهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ. وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ،
للتلبية والذكر. ومن البدع مبيت هذه الليلة بعرفة اللهم إلا مَن يخاف زحمة أو على محترم لو بات بمنى، أو وقع شك في الهلال يقتضي فوت الحج بفرض المبيت فلا بدعة في حقه، (قلت: ولا يدخلونها بل يقيمون بنَمِرة بقرب عرفات حتى تزول الشمس، والله أعلم)؛ للاتباع. ويسن الغسل بها للوقوف كما مر (ثم) عقب الزوال يذهب إلى مسجد إبراهيم، و (يخطب الإمام بعد الزوال خطبتين) قبل الصلاة ويعلمهم في أولاهما ما أمامهم كله، أو إلى الخطبة الأخرى نظير ما مر، ويحرضهم على إكثار ما يأتي في عرفة ثم يجلس بقدر سورة الإخلاص فإذا قام للخطبة الثانية أخذ المؤذن في الأذان ويخفف الخطبة بحيث يفرغها مع فراغ الأذان (ثم) يقيم و (يصلي بالناس) الذين يجوز لهم القصر. وقد مر أنه لو دخل الحاج مكة قبل الوقوف بنحو يوم وكان ناويا الإقامة بها بعد رجوعه من منى أربعة أيام فأكثر أنه يستمر سفره وترخصه (الظهر والعصر) قصرا و (جمعا)؛ للاتباع، ويسر بالقراءة، وهذا الجمع بسبب السفر لا النسك
(1)
. ويسن للإمام إعلامهم بقوله بعد سلامه ((أتموا ولا تجمعوا فإنا قوم سفر))، وبقي خطبتان مشروعتان إحداهما يوم النحر والأخرى ثالثه بمنى والأربع فرادى وبعد صلاة الظهر إلا التي بنمرة. وإذا فرغوا من الصلاة سُن لهم أن يبادروا إلى عرفة (و) أن (يقفوا إلى الغروب)؛ للاتباع (ويذكروا الله تعالى ويدعوه ويكثروا التهليل
(2)
والوارد من ذلك أولى. ويسن للذكر -كامرأة في هودج- أن يقف راكبا ومتطهرا ومستقبل القبلة وبموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قريب منه. وأن يكثر الصدقة وأفضلها العتق وأن يحسن ظنه بربه تعالى، ومن البدع صعود جبل الرحمة.
(1)
. وهذا الجمع مجمع عليه كالجمع بعرفة فيسنان كما أفاده الشارح في فصل الجمع 2/ 394.
(2)
. ولذا كان صوم يوم عرفة للحاج مكروه لكي يتقوى بالفطر على الدعاء، وعليه يسن صومه لمن أخَّر وقوفه إلى الليل.
فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ وَأَخَّرُوا المَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا، وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ بِشْرْطِ كَوْنِهِ مُحْرِمَاً أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنَ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى فَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا،
(فإذا غربت الشمس) جميعها (قصدوا مزدلفة) على طريق المأزمين -أي الجبلين- وعليهم السكينة والوقار مكثرين من التلبية وكذا في الذهاب من مزدلفة لمنى إلى خروج الإمام لصلاته، ومر أن التكبير سنة لغير الحاج ما لم يتحلل
(1)
، ومن وجد فرجة أسرع، (وأخروا) أي من يجوز لهم القصر (المغرب) ندبا (ليصلوها مع العشاء بمزدلفة جمعا) أي جمع تأخير؛ للاتباع. ويسن بعد صلاة المغرب
(2)
إناخة كل جمله ثم يعقله ثم يصلون العشاء ثم يحلون؛ للاتباع، ثم يصلون الرواتب والوتر، هذا إن ظنوا وصولها قبل مضي وقت اختيار العشاء وإلا صلوهما بالطريق، (وواجب الوقوف حضوره بجزء من أرض عرفات)؛ لخبر مسلم ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف))، ولا يشترط فيه مكث ولا قصد بل لو قصد غيره لم يؤثر، ومن ثم أجزأ (وإن) لم يعلم أن اليوم يوم عرفة ولا أن المكان مكانها، ولو (كان مارَّا في طلب آبق ونحوه بشرط كونه محرما أهلا للعبادة لا مغمى عليه) وسكران وإن لم يتعدَّ و مجنون
(3)
كذلك؛ إذ لا أهلية فيهم للعبادة، نعم يقع لهم نفلا، (ولا بأس بالنوم) المستغرق كما في الصوم، (ووقت الوقوف من الزوال) أي عقبه (يوم عرفة)؛ للاتباع (والصحيح بقاؤه إلى فجر يوم النحر)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال حين خرج للصلاة يوم النحر بمزدلفة ((من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه
(4)
(فلو وقف نهارا ثم فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد) إليها قبل فجر النحر، أو وقف ليلا فقط (أراق دما) وهو دم الترتيب والتقدير (استحبابا)؛
(1)
. خلافا للقفال؛ إذ عنده الحاج كغيره في سنية التكبير.
(2)
. خلافا للنهاية من أن ذلك بعد الصلاتين جميعا.
(3)
. وفاقا للأسنى والمغني وفرق الرملي بين المجنون والمغمى عليه.
(4)
. التفث في المناسك ما كان في نحو قص الأظافر والشارب وحلق الرأس ورمي الجمار ونحر البدن ونحو ذلك، تاج العروس.
وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ، وَإِنْ عَادَ فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ، وَكَذَا إنْ عَادَ لَيْلًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا أَجْزَأَهُمْ، إلَّا أَنْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ غَلَطًا وَعَلِمُوا قَبْلَ فَوْتِ الوَقْتِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ.
لخبر ((فقد تم حجه)) (وفي قول يجب)؛ لأنه ترك نسكا، (وإن عاد فكان بها عند الغروب فلا دم) ; لأنه جمع بين الليل والنهار (وكذا إن عاد ليلا في الأصح)؛ لذلك. (ولو وقفوا اليوم) الحادي عشر لم يجز مطلقا، أو (العاشر) أو ليلة الحادي عشر
(1)
(غلطا) سواء أبان بعد الوقوف أم في أثنائه، أم قبله بأن غم هلال الحجة فأكملوا القعدة ثلاثين ثم ثبتت رؤيته ليلة الثلاثين وهم بمكة ليلة العاشر ولم يتمكنوا من المضي لعرفة قبل الفجر (أجزأهم) إجماعا؛ لمشقة القضاء عليهم مع كثرتهم. وخرج بالغلط ما لو وقع ذلك بسبب الحساب فلا يجزئهم؛ لتقصيرهم. وإذا وقفوا في ذلك كان أداء لا قضاء فتحسب أيام التشريق لهم
(2)
على حساب وقوفهم (إلا أن يقلوا على خلاف العادة فيقضون في الأصح)؛ لعدم المشقة العامة، (وإن وقفوا في الثامن غلطا) بأن شهد اثنان برؤية الهلال ليلة ثلاثي القعدة ثم بانا فاسقين (وعلموا قبل فوت الوقت وجب الوقوف في الوقت، وإن علموا بعده وجب القضاء) في عام آخر (في الأصح) وإن كثروا، وفارق ما مر بأن تأخير العبادة عن وقتها أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه.
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا لشرح المنهج والمغني.
(2)
. خلافا للأسنى والمغني.
فصل
وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي أَرَاقَ دَمًا، وَفِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ، وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى، وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى، وَيَأْخُذُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَصَى الرَّمْيِ
(فصل) في المبيت بمزدلفة وتوابعه
(ويبيتون) وجوبا أي الدافعون من عرفة بعد الوقوف (بمزدلفة)؛ للاتباع، فيجبر بدم. ويحصل بلحظة من النصف الثاني ولو بالمرور؛ تخفيفا عليهم. ويسن إحياء هذه الليلة بالذكر والدعاء -للاتباع- دون غيرهما كالنفل المطلق فلا يسن
(1)
؛ لأن عليه أعمالا شاقة في صبيحتها فأريح ليلا، (ومن دفع منها بعد نصف الليل، أو قبله وعاد قبل الفجر فلا شيء عليه)؛ لما مرّ، (ومن لم يكن بها في النصف الثاني أراق دما وفي وجوبه القولان) و الأصح هنا الوجوب حيث لا عذر مما يأتي في مبيت منى
(2)
. ومن العذر هنا اشتغاله بالوقوف أو بطواف الإفاضة بأن وقف ثم ذهب إليه قبل النصف، أو بعده ولم يمر بمزدلفة وإن لم يضطر إليه، نعم لو فرغ منه وأمكنه العود لمزدلفة قبل الفجر لزمه ذلك (ويسن تقديم النساء والضعفة) وتقدمهم وإن لم يؤمروا (بعد نصف الليل إلى منى)؛ للاتباع، وليرموا قبل الزحمة إن أرادوا تعجيل الرمي وإلا فالسنة لهم تأخيره إلى طلوع الشمس كغيرهم لما صح ((أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس)) (و) ويتأكد أن (يبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح مغلسين)؛ ليتسع الوقت، (ثم يدفعون إلى منى)؛ للاتباع، (ويأخذون من مزدلفة) ليلا (حصى الرمي) ليوم النحر، وهو سبع حصيات؛ للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: للفضل بن عباس غداة يوم النحر ((التقط لي حصىً)) قال: ((فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف
(3)
. ويزيد قليلا؛ لئلا يسقط
(1)
. وفاقا للأسنى وخلافا لهما.
(2)
. وقال الرملي في شرح الإيضاح أن الأوجه مجيء ما ذكر من الأعذار في الجمعة والجماعة هنا.
(3)
. الخذف بالحصى الرمي بالأصابع، لسان العرب.
فَإِذَا بَلَغُوا المَشْعَرَ الحَرَامَ وَقَفُوا وَدَعَوْا إلَى الْإِسْفَارِ، ثُمَّ يَسِيرُونَ فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ حِينَئِذٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ،
منه شيء. أما حصى جمار أيّام التشريق فتحصل السنة بأخذها من وادي محسر أو من منى غير المرمى وما احتمل اختلاطه به، ويجوز أخذه من غير مزدلفة ومحسر لكن يكره من مسجد لم يملك المسجد ذلك الحصى أو يوقف عليه وإلا حرم، ويحرم مِن مُلك الغير إلا إن علم رِضَى مالكه أو إعراضه عنه فيكره كما لو أخذها من حَشّ وكذا كل محل نجس ما لم يغسله
(1)
، وإنما لم تزل كراهة الأكل في إناء بولٍ والرمي بحجر حَشٍّ غُسِلا؛ لبقاء استقذارهما بعد غسلهما. ويسن غسل الحصى حيث قرب احتمال تنجسه؛ احتياطا، ومن المرمى؛ لما صح أن ((ما قُبِل رُفع))، ومن الحل، (فإذا بلغوا المشعرالحرام وقفوا) مستقبلين القبلة ذاكرين، والأولى أن يكون الوقوف عليه حيث لا تأذي ولا إيذاء للزحمة ثَمَّ وإلا فتحته (ودعوا) وتصدقوا وأعتقوا (إلى الإسفار)؛ للاتباع، ويحصل أصل السنة بالوقوف بغيره من مزدلفة بل وبالمرور، (ثم) عقب الإسفار؛ لكراهة التأخير إلى الطلوع (يسيرون) إلى منى بسكينة ووقار ذاكرين ومُلَبِّيْن، ومن وجد منهم فرجة أسرع فإذا بلغوا بطن محسر -ومحسر: ما بين مزدلفة ومنى، وبطنه: مسيل فيه- أسرع الماشي جهده وحرك الراكب دابته كذلك حيث لا ضرر حتى يقطع عرض ذلك المسيل؛ للاتباع
(2)
، ومثلهم في الإسراع غير الحاج (فيصلون منى بعد طلوع الشمس
(3)
والأفضل بعد ارتفاعها كرمح، ومن ثمّ لو وصل قبله سُنّ أن يؤخر إليه (فيرمي كل شخص حينئذ) من غير تعريج على غير الرمي; لأنه تحية منى (سبع حصيات إلى جمرة العقبة)؛ للاتباع. ويجب رميها من بطن الوادي ولا يجوز من أعلى الجبل خلفها، ويسن أن يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل الجمرة حالة الرمي؛ للاتباع. ويختص هذا بيوم النحر؛ لتميزها فيه بخلاف بقية أيام التشريق فالسنة استقباله للقبلة في رمي الكل.
[تنبيه] هذه الجمرة ليست من منى بل ولا عقبتها كما قاله الشافعي رضي الله عنه.
(1)
. اعتمدا عدم الكراهة فيهما.
(2)
. وردَّ الشارح ما اعتمده المغني من أن حكمته أن أصحاب الفيل أهلكوا ثَمَّ.
(3)
. ولا تندب لهم الجماعة في صلاة العيد، بل يصلونها منفردين كما يأتي في العيد 3/ 40.
وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَالحَلْقُ أَفْضَلُ مِن التَّقْصِيْرِ، وَتُقَصِّرُ المَرْأَةُ، وَالحَلْقُ نُسُكٌ عَلَى المَشْهُورِ
(ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي) فلا يعود إليها؛ للاتباع لأنه أخذ في التحلل، ومن ثم لو ترك الأفضل بأن قَدَّم الطواف أو ألحلق قطع التلبية عنده، و يقطعها المعتمر عند ابتداء طوافه، (ويكبر) تكبيرة واحدة
(1)
(مع كل حصاة)؛ للاتباع، (ثم يذبح من معه هدي) نذَر أو تطوعَ هديه، ومن معه أضحية أضحيته سواء أكان معه هدي أم لا، (ثم يحلق أو يقصر)؛ لثبوت هذا الترتيب في مسلم، (والحلق) للذكر الواضح (أفضل) غالبا (من التقصير)؛ اتباعا. ويسن الابتداء بشقه الأيمن واستيعابه ثم استيعاب البقية حتى يبلغ عظمي الصدغين وأن يستقبل المحلوق ويكبر معه وعقبه اقتداء بالسلف ويدفن شعره وما يصلح للوصل آكد وأن لا يشارط الحلاق بل يعطيه ابتداء ما تطيب به نفسه فإن رضي وإلا زاده، وأن يأخذ شيئا من نحو شاربه وظفره عند فراغه وأن يتطيب ويلبس. وخرج بغالبا المتمتع فيسن له أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج; ليحصل له ثواب التقصير فيها والحلق فيه؛ إذ لو عكس فاته الركن فيه من أصله، ومحل ذلك
(2)
إن كان لو حلقه في العمرة لا ينبت شعره قبل يوم النحر بحيث يكون به شعر يزال، أما إن كان ينبت قبله فيحلق فيهما، ويأتي نظير التفصيل المتقدّم فيما لو قدم الحج وأخّر العمرة فيقصر فيه ويحلق فيها، وإنما لم يحلق بعض الرأس الواحد في أحدهما وباقيه في الآخر; لأنه من القزع المكروه (وتُقَصِّر المرأة) ولو صغيرة؛ إذ لا يشرع الحلق لأنثى مطلقا إلا يوم سابع ولادتها؛ للتصدق بوزنه وإلا لتداوٍ، أو استخفاء من فاسق يريد سوءا بها ومثلها الخنثى، ويكره لهما الحلق بل يحرم على زوجة أو أمة بغير إذن زوج أو سيد. ويندب لها أن تعم الرأس بالتقصير وأن يكون بقدر أنملة إلا الذوائب; لأن قطع بعضها يشينها. (والحلق) للموجود قبل دخول وقت التحلل (نسك على المشهور) فيثاب عليه، وصح أنه ((له بكل شعرة سقطت نور يوم القيامة)).
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. خلافا للرملي.
وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْنَتْفَاً أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا، وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ اسْتَحَبُّ إمْرَارُ المُوسَى عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ، وَسَعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى، وَهَذَا الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالحَلْقُ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ،
(وأقله) ثنتان أو واحدة إن لم يكن غيرهما أو غيرها، وإلا فـ (ثلاث) أو جزء من كل من ثلاثة لا أقل (شعرات) من شعر الرأس وإن استرسل وخرج عن حده ولو على دفعات؛ لقوله تعالى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} الفتح: 27 أي: شعرا فيها، وتكفي الشعرة والشعرتان إن لم يكن برأسه غيرها أو غيرهما (حلقا) أي استئصال الشعر بالموسى أي بحيث لا يظهر منه شيء لمن هو في مجلس التخاطب (أو تقصيرا) والمراد الأخذ من الشعر بمقص أو غيره (أو نتفا، أو إحراقا، أو) الأخذ منه بالمقص المسمى (قَصَّا)، أو غيرها من سائر وجوه الإزالة؛ لأنها المقصود. ولو نذر الذكر التقصير لم يتعيّن أو الحلق تعين، ثم إن قال نذرت حلق رأسي فالكل، أو الحلق أو أن أحلق كفى ثلاث شعرات. ويجري ذلك في نذر غير الذكر التقصير المطلوب، (ومن لا شعر برأسه) من الذكور (استحب) له (إمرار الموسى عليه) إجماعا؛ تشبها بالحالقين، ولذا لو كان ببعض رأسه شعر سن إمرار الموسى على الباقي أي سواء أحلق ذلك البعض أم قصره (فإذا حلق أو قصر دخل مكة) ضُحَىً (وطاف طواف الركن) ويحصل بطواف الوداع
(1)
. ويسن عقبه أن يشرب من سقاية العباس من زمزم؛ للاتباع (وسعى) بعد الطواف؛ لوجوب الترتيب بينهما فورا ندبا (إن لم يكن سعى) بعد طواف القدوم كما هو الأفضل
(2)
(ثم يعود إلى منى) بحيث يدرك أول وقت الظهر بمنى حتى يصليها بها؛ للاتباع، ولذا فهي بها أفضل منها بالمسجد الحرام. ورواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم ((صلى الظهر بمكة)) محمولة على أنه صلاها بها أول وقتها ثم ثانيا بمنى إماما لأصحابه. (وهذا الرمي والذبح والحلق والطواف يسن ترتيبها كما ذكرنا) في الوقت الذي ذكرنا؛ للاتباع، فإن خالف صح لإذنه صلى الله عليه وسلم في ذلك، (ويدخل وقتها) أي ما ذكر -إلا الذبح- لمن وقف بعرفة (بنصف ليلة النحر)؛ لصحة الخبر به في الرمي وقيس به غيره.
(1)
. كما ذكره الشارح عند كلامه على وقت الطواف والسعي والحلق.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ بِزَمَنٍ، قُلْت: الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَةِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَالحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا، وَإِذَا قُلْنَا: الحَلْقُ نُسُكٌ فَفَعَلَ اثْنَيْنِ: مِنَ الرَّمْيِ وَالحَلْقِ وَالطَّوَافِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالحَلْقُ وَالْقَلْمُ، وَكَذَا الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ لَا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَحَلَّ بِهِ، بَاقِي المُحَرَّمَاتِ.
(ويبقى وقت) فضيلة (الرمي) إلى الزوال، واختيارا (إلى آخر يوم النحر)؛ لخبر البخاري به، وجوازا إلى آخر أيام التشريق، (ولا يختص الذبح) للهدايا (بزمن) وإن اختص بالحرم بخلاف الضحايا تختص بيوم النحر والثلاثة بعده (قلت: الصحيح اختصاصه بوقت الأضحية، وسيأتي في آخر باب محرمات الإحرام على الصواب والله أعلم
(1)
. والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها) ; لأن الأصل عدم التأقيت، نعم يكره تأخيرها عن يوم النحر وأشد منه تأخيرها عن أيام التشريق ثم عن خروجه من مكة. (وإذا قلنا الحلق نسك) وهو المشهور (ففعل اثنين من الرمي) للعقبة (والحلق) أو التقصير (والطواف) المتبوع بالسعي إن لم يكن سعى (حصل التحلل الأول) فإن لم يكن برأسه شعر حصل بواحد من الباقين، (وحل به اللبس) ونحوه (والحلق والقلم) والطيب بل يسن التطيب واللبس؛ للاتباع (وكذا الصيد وعقد النكاح) والتمتع -دون الفرج- ولو بشهوة (في الأظهر) كالحلق (قلت: الأظهر لا يحل عقد النكاح) ولا التمتع كالنظر بشهوة، (والله أعلم)؛ للخبر الصحيح ((إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء)) (وإذا فعل الثالث حصل التحلل الثاني وحل به باقي المحرمات) إجماعا، وإن بقي عليه المبيت وبقية الرمي. ولو فاته الرمي توقف التحلل على الإتيان ببدله ولو صوما. أما العمرة فليس لها إلا تحلل واحد.
(1)
. وردَّ الشارح حملهما ما هنا من عدم الاختصاص على الدماء الواجبة لجبر أو حضر.
فصل
إذَا عَادَ إلَى مِنًى بَاتَ بِهَا لَيْلَتَيْ التَّشْرِيقِ، وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ إلَى الجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ كُلَّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَأَرَادَ النَّفْرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ جَازَ، ..
(فصل) في مبيت ليالي أيام التشريق بمنى ورميها وشروط الرمي وما يتبع ذلك
(إذا عاد إلى منى) من مكة، أو لم يعد بأن لم يذهب لمكة (بات
(1)
وجوبا (بها) معظم (ليلتي) يومي (التشريق) الأولين، وكذا الثالثة إن لم ينفر (ورمى) وجوبا. ويجب فيه -جَمَعَه أو فَرّقَه- أن يرمي (كل يوم إلى الجمرات الثلاث) والأصل في الرمي -لا الواجب فيه- أن يكون (كل جمرة سبع حصيات)؛ للاتباع، ومحل وجوب الرمي والمبيت حيث لا عذر
(2)
، ومن العذر قصد سقي الحاج بمكة أو بطريقها ورعي دابة أو دواب ولو لغير الحاج، نعم يمنع بعد الغروب النفر للرعي; لأنه لا يكون ليلا بخلاف نحو سقاية. ويلزم الرِّعاء العود للرمي في وقته، ولهم كغيرهم ترك رمي النحر وما بعدها إلى آخرها ليرموا الكل قبيل غروب شمسه، ومعنى كون الرمي عذرا عدم الكراهة في تأخيره لأجله، فإن فرض خوفه على دابته لو عاد للرمي كان معنى كون الرمي عذرا له عدم الإثم. ومن العذر أيضا خوف على محترم ولو لغيره ومرض تشق معه الإقامة بمنى وتمريض منقطع وطلب نحو آبق أو كان يخف من غريمه حبسا أو ملازمة ولا بينة له بعسره، أو عقوبة يرجو بغيبته العفو عنها أو يعجز عن لباس لائق به وإن وجد ساتر عورته أو تسافر رفقته أو يبحث عن ضالة يرجوها، ويعذر بالنوم في غيرها إن غلبه وإلا فتفصيله كالصلاة
(3)
، ومنه الاشتغال بنحو طواف الركن. وسيعلم مما يأتي أن العذر في المبيت يسقط دمه وإثمه وفي الرمي يسقط إثمه لا دمه (فإذا رمى اليوم الثاني فأراد) أي قارنت نية
(4)
(النفر) للنفر، والنفر هو التحرك للذهاب، ومنه الأخذ في شغل الارتحال (قبل غروب الشمس جاز) إن كان بات الليلتين قبله، أو تركهما لعذر.
(1)
. [فرع] لا يصح أن يستأجر شيئا من أبنية منى؛ لأنها مستحقة الإزالة كما يأتي في الإجارة 6/ 132.
(2)
. والعذر عند الشارح يسقط الإثم ولا يحصل معه على ثواب خلافا لمقتضى كلام النهاية.
(3)
. حاشية الإيضاح.
(4)
. سكتوا عن ذكر النية.
وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمْيُ يَوْمِهَا، فَإِنْ لَمْ يَنْفُِرْ حَتَّى غَرَبَتْ وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمْيَ الْغَدِ، وَيَدْخُلُ رَمْيُ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِهَا، وَقِيلَ يَبْقَى إلَى الْفَجْرِ
(وسقط مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها) ولا دم؛ لقوله تعالى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} البقرة: 203 والأصل فيما لا إثم فيه عدم الدم، والتأخير أفضل لاسيما للإمام إلا لعذر كخوف أو غلاء. وذلك؛ للاتباع. أما إذا لم يبتهما ولا عذر له أو نفر قبل الزوال أو بعده وقبل الرمي فلا يجوز له النفر ولا يسقط عنه مبيت الثالثة ولا رمي يومها، نعم له النفر في غير الأولى إن عاد قبل الغروب ورمى. وبحث الإسنوي أن من ترك الرمي لا لعذر امتنع عليه النفر، أو لعذر يمكن معه تداركه ولو بالنائب فكذلك، أو لا يمكن جاز، (فإن لم ينفُِر حتى غربت وجب مبيتها ورمي الغد) كما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما. ولو نفر لعذر أو غيره بعد الرمي قبل الغروب وليس في عزمه العود للمبيت ثم عاد لها قبله أو بعده لم يلزمه المبيت ولا الرمي إن بات، أما إن كان في عزمه ذلك فيلزمه العود ولا تنفعه نية النفر؛ لأنه مع عزمه العود لا يسمى نفرا. (ويدخل رمي) كل يوم من أيام (التشريق) الثلاثة وهي المعدودات والمعلومات عشر ذي الحجة (بزوال الشمس) من ذلك اليوم؛ للاتباع، ويستحب فعله عقبه وقبل صلاة الظهر ما لم يضق الوقت ولم يرد جمع التأخير (ويخرج) وقت جوازه
(1)
(بغروبها) من كل يوم (وقيل) ومحله في غير ثالثها؛ لخروج وقت الجواز وغيره بغروب شمسه قطعا (يبقى) وقت الجواز (إلى الفجر) وما جرى عليه المصنف ضعيف والصواب أن وقت الاختيار هو الذي يخرج بغروب شمس كل يوم، أما وقت الجواز فيمتد إلى غروب آخر أيام التشريق، ويمكن أن يحمل الغروب على غروب آخر أيام التشريق، ويكون المعنى ويبقى وقت الجواز إلى غروب آخر أيام التشريق وقيل يبقى وقت الجواز إلى فجر الليلة التي تلي كل يوم.
[فرع] يسن لمتولي أمر الحج خطبة بعد صلاة ظهر يوم النحر بمنى يعلمهم فيها الرمي والمبيت وخطبة بها أيضا بعد صلاة ظهر يوم النفر الأول يعلمهم فيها جواز النفر فيه وغيره ويُوَدِّعهم.
(1)
. خلافا لهما من حمل المتن على وقت الاختيار.
وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ السَّبْعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَتَرْتِيبُ الجَمَرَاتِ وَكَوْنُ المَرْمِيِّ حَجَرًا، وَأَنْ يُسَمَّى رَمْيًا فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الخَذْفِ،
(ويشترط) في رمي يوم النحر وما بعده (رمي السبع واحدة واحدة) وإن اشتملت كل مرة على سبع أو أكثر أو اتحدت الحصاة في المرات السبع أو وقعت المرتان أو المرات معا في المرمى وذلك؛ للاتباع. فلو رمى ثنتين أو أكثر دفعة واحدة ولو واحدة بيمينه وأخرى بيساره حسبت رمية واحدة وإن وجد الترتيب في الوقوع، أو مترتبتين فوقعتا معا فثنتان، (و) فيما بعده (ترتيب الجمرات) بأن يبدأ بالأولى من جهة عرفة ثم بالوسطى ثم بجمرة العقبة؛ للاتباع. فلو عكس حسبت الأولى فقط، فلو ترك حصاة عمدا أو غيره ونسي محلها جعلها من الأولى فيكملها ثم يعيد الأخيرتين مترتبتين، (وكون المَرْمِيِّ حجرا
(1)
؛ للاتباع، والمراد كونه من طبقات الأرض كحجر حديد ونقد ورخام وعقيق وزمرد، وإن جعلت فصوصا مثلا، أو العقيق بنحو خاتم فرماها به بخلاف المصنوع وما ليس من طبقاتها كإثمد ومرجان ولؤلؤ ومنطبع بالفعل من نحو نقد أو حديد ونورة طبخت، نعم يحرم الرمي بنفيس كياقوت إن نقص به قيمته؛ لحرمة إضاعة المال (وأن يسمى رميا) وأن يقصد المَرْمَى وإن لم ينو النسك فلو قصد الرمي لشخص في الجمرة لغا
(2)
-والمَرْمَى ثلاثة أذرع في سائر الجوانب إلا جمرة العقبة فليس لها إلا جهة واحدة من بطن الوادي-، وأن يتيقن وقوعه فيه، وأن يكون الوقوع فيه لا بفعل غيره فلو وقع الحجر على ما له تأثير في وقوعه ولو احتمالا كمحمل -لا نحو أرض- ثم تدحرج للمرمى لغا، بخلاف ما لو رده الريح إليه؛ لتعذر الاحتراز عنها، وأن يكون باليد إن قدر; لأنه الوارد (فلا يكفي الوضع) في المرمى ولا رميه بنحو رجله أو قوسه أي: مع القدرة باليد، ولا أن يدحرجها برجله إلى المرمى. ولو عجز عن اليد وقدر على الرمي بقوس في يده وبفم وبرجل تعين الأول، أو قدر على الأخيرين فقط تعينت الرجل؛ لأن الرمي بها معهود في الحرب، ومثله لو قدر على القوس بالفم والرجل. (والسنة أن يرمي بقدر حصى الخذْف) -أي قدر حَبَّة الباقلاء المعتدلة- ويكره بأكبر وأصغر منه وبهيئة الخذف؛ للنهي الصحيح عنها،
(1)
. ولو رمى بحجر له أكثر من وجه حُسبت رمية واحدة ذكره الشارح في آداب دخول الخلاء 1/ 182.
(2)
. ذكره الشارح عند كلامه على ترك الرمي.
وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الحَجَرِ فِي المَرْمَى، وَلَا كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنْ الجَمْرَةِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الرَّمْيِ اسْتَنَابَ،
ويجزئ الأكبر حيث سمي حجرا يُرمى به عادة، والسنة أيضا إن يرمى بيده اليمنى وأن يرفع الذَّكَر يده حتى يُرَى ما تحت إبطه، وأن يستقبل القبلة في الكل أيام التشريق، وأن يرمي الجمرتين الأولتين من علو ويقف عندهما بقدر سورة البقرة داعيا ذاكرا إن توفر خشوعه وإلا فأدنى وقوف -لا عند جمرة العقبة-؛ تفاؤلا بالقبول، وأن يكون راجلا في اليومين الأولين وراكبا في الأخير
(1)
وينفر عقبه ثم ينزل بالمحصب ويصلي به العصرين -وصلاتهما به ثم بغيره أفضل منها بمنى- والعشاءين ويرقد رقدة ثم يذهب إلى طواف الوداع. (ولا يشترط بقاء الحجر في المَرْمَى)؛ لحصول اسم الرمي (ولا كون الرامي خارجا عن الجمرة) وهي اسم للمرمى حول الشاخص، ومن ثم لو قلع الشاخص لم يجز الرمي إلى محله، ولو قصد الشاخص لم يجزئ
(2)
إلا إن رمى إليه بقصد الوقوع في المرمى وقد علمه فوقع فيه; لأن قصده غير صارف حينئذ. (ومن عجز) ولو أجير عين (عن الرمي) لنحو مرض بحيث يصيبه منه مشقة شديدة لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم، أو جنون، أو إغماء بأن أيس من القدرة عليه وقته ولو ظنا. ولا ينعزل النائب بطرو إغماء المنيب أو جنونه بعد إذنه لمن يرمي عنه وهو عاجز آيس بخلاف قادر عادته الإغماء فيلزمه الدم إذا أغمي عليه، ولحبس ولو بحق بأن يحبس
(3)
في قود لصغير حتى يبلغ بخلاف محبوس بدين يقدر على وفائه؛ لعدم عجزه عن الرمي حينئذ (استناب) -وقت الرمي لا قبله وجوبا، ولو بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة- ولو مُحْرِما قَدْ رمى عن نفسه الجمرات الثلاث وإلا وقع له وإن نوى مستنيبه، و لغا فيما إذا رمى للأولى مثلا أربع عشرة سبعا عنه ثم سبعا عن موكله وذلك كالاستنابة في الحج المارة، نعم لا يشترط هنا عجز ينتهي لليأس بل يكفي العجز حالا إذا لم يرج زواله قبل خروج وقت الرمي. ولا يضر زوال العجز عقب رمي النائب على خلاف ظنه.
(1)
. ظاهر كلامه اختصاص ذلك بالنفر الثاني وصريح كلامهما أنه شامل للنفرين.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(3)
. ظاهر صنيعه يوهم الحصر بخلاف صنيعهما.
وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا دَمَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ. وَإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ طَافَ لِلْوَدَاعِ،
[فرع] لو أنابه جماعة في الرمي لزمه الترتيب بينهم
بأن لا يرمي عن الثاني إلا بعد استكمال رمي الأول. (وإذا ترك رمي) أو بعض رمي (يوم) ولو عمدا (تداركه) أي أداء (في باقي الأيام) والليالي (في الأظهر) ; لأنه صلى الله عليه وسلم جوّز ذلك للرعاء. ويمتنع تقديم رمي يوم على زواله، ويجب الترتيب بين الرمي المتروك وبين يوم التدارك حتى لو رمى عنه قبل التدارك انصرف للمتروك لا ليومه; لأنه لم يقصد غير النسك. ولو رمى لكل جمرة أربع عشرة حصاة عن يومه وأمسه حسبت سبعة منها في كل جمرة عن أمسه؛ لفقد الصارف (ولا دم) مع التدارك، (وإلا) يتداركه (فعليه دم)؛ لتركه نسكا (والمذهب تكميل الدم في ثلاث حصيات) فأكثر حتى لو ترك الرمي من أصله كفاه دم واحد؛ لاتحاد الجنس. وفي الليلة مد كحصاة من جمرة العقبة من آخر أيام رميه، وفي الحصاتين من ذلك أو الليلتين لمن بات الثالثة مدان، فإن عجز وجب في الواحدة يومان ويجب كونهما عقب أيام التشريق إن تعدى بالترك وثلاثة إذا رجع، وفي الثنتين ثلاثة قبل رجوعه كذلك -أي عقب أيام التشريق إن تعدى بالترك- وخمسة بعده، أما ترك حصاة من غير ما ذكر ولم يقع عنه تدارك من يوم بعده فيلزمه به دم لإلغاء ما بعده؛ لما مر من وجوب الترتيب.
(وإذا أراد) الحاج أو المعتمر وغيره المكي وغيره (الخروج) إلى مسافة قصر مطلقا، أو دونها وهو وطنه أو ليتوطنه وإلا فلا دم (من مكة) أو منى عقب نفره منها، وإن كان طاف للوداع عقب طواف الإفاضة عند عوده إليها (طاف) وجوبا (للوداع
(1)
طوافا كاملا؛ لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، وهو ليس من المناسك، ويلزم الأجير فعله
(2)
، وحيث وقع إثر نسك لم تجب له نية
(3)
نظرا للتبعية وإلا وجبت؛ لانتفائها، وعُلم أنه لو خرج من عمران مكة لحاجة فطرأ له السفر لم يلزمه دخولها لأجل طواف الوداع; لأنه لم يخاطب به حال خروجه.
(1)
. ويقع عن طواف الركن لو لم يفعله كما أشار إليه الشارح قبيل هذا الفصل 4/ 123، ومع ذلك لو أخر طواف الإفاضة ففعله عند خروجه لم يجزئه عن طواف الوداع 4/ 141.
(2)
. خلافا لظاهر النهاية والمغني.
(3)
. خلافا لهما فاعتمدا وجوب النية مطلقا.
وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَهُ وَهُوَ وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، وَفِي قَوْلٍ سُنَّةٌ لَا تُجْبَرُ، فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَخَرَجَ بِلَا وَدَاعٍ وَعَادَ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَقَطَ الدَّمُ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَلِلْحَائِضِ النَّفْرُ بِلَا وَدَاعٍ. وَيُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ
(ولا يمكث بعده) وبعد ركعتيه والدعاء المندوب عقبهما ثم عند الملتزم وإن أطال فيه بغير الوارد وإتيان زمزم ليشرب من مائها، فإن مكث لذلك وحده أو مع فعل جماعة أقيمت عقبه وفعل شيء يتعلق بالسفر كشراء زاد وشد رحل وإن طال لم تلزمه إعادته وإلا لزمته ولو ناسيا أو جاهلا بخلاف من مكث بالإكراه
(1)
أو نحو إغماء، نعم يُعفى عن سائر الأغراض إن لم يعرج لها ولم تزد على قدر فعل صلاة الجنازة بأقل ممكن كعيادة وقضاء دين، (وهو واجب يُجْبَر تركه) أو ترك خطوة منه (بدم) إلا المتحيرة فلا دم عليها؛ للشك في وجوبه، (وفي قول سنة لا تجبر) كطواف القدوم، وفَرَّق الأول بأن هذا تحية غير مقصود في نفسه ومن ثم دخل تحت غيره بخلاف ذاك، (فإن أوجبناه فخرج بلا وداع وعاد قبل) بلوغ نحو وطنه، أو (مسافة القصر) من مكة; لأنها أقرب نسبة إلى البيت من الحرم (سقط الدم)؛ لعدم انقطاع نسبته عنها. وعوده هنا دون ما يأتي واجب إن أمكنه، (أو) عاد وقد بلغ مسافة القصر سواء أعاد منها، أو (بعدها) -وإن فعله- (فلا) يسقط الدم (على الصحيح)؛ لاستقراره. (وللحائض) والنفساء، ومثلهما مستحاضة نفرت في نوبة حيضها وذو جرح نضَّاح يخشى منه تلويث المسجد (النفر بلا وداع)؛ تخفيفا عنها، نعم إن طهرت أو انقطع ما يخرج من الجرح قبل مفارقته ما لا يجوز القصر فيه مما مر لزمها العود لتطوف، أو بعد ذلك لم يلزمها للإذن لها في الانصراف، ولا يلحق بها نحو من خاف نحو ظالم أوفوت رفقة
(2)
. (ويسن) لكل أحد (شرب ماء زمزم)؛ لما ورد ((أنها مباركة))، وأن يقصد به نيل مطلوباته؛ لخبر ((ماء زمزم لما شرب له))، ويسن عند إرادة شربه الاستقبال والجلوس ودعاء شربه، وأن يتضلع منه أي: يمتلئ ويكرِه نفسه عليه؛ لخبر فيه، وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا. ويسن تحري دخول الكعبة والإكثار منه، فإن لم يتيسر فما في الحجر منها، ويكثر من الصلاة والدعاء في جوانبها. وكلٌّ من الصلاة والعمرة أفضل من الطواف.
(1)
. أي فلا تلزمه خلافا للنهاية.
(2)
. خلافا للنهاية.
وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِ الحَجِّ.
(و زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل أحد، وللحاج آكد، وصح خبر ((من زارني وجبت له شفاعتي))، والأولى في حق مريد الحج إن مَرَّ بالمدينة المشرفة أو وصل مكة والوقت متسع والأسباب متوفرة تقديمها على الحج، فإن انتفى شرط من ذلك سن كونها (بعد فراغ الحج).
فصل
أَرْكَانُ الحَجِّ خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَالحَلْقُ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَلَا تُجْبَرُ، وَمَا سِوَى الْوُقُوفِ أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا. وَيُؤَدَّى النُّسُكَانِ عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا الْإِفْرَادُ بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ: كَإِحْرَامِ المَكِّيِّ وَيَأْتِيَ بِعَمَلِهَا
(فصل) في أركان النسكين وبيان وجوه أدائهما
(أركان الحج خمسة: الإحرام) به -أي نية الدخول فيه- أو مطلقا مع صرفه إليه (والوقوف
(1)
والطواف) إجماعا في الثلاثة (والسعي)؛ للخبر الصحيح ((اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي)) (والحلق) أو التقصير (إذا جعلناه نسكا) كما هو المشهور، وله ركن سادس هو الترتيب بمعنى تأخير الكل عن الإحرام وما عدا الوقوف عنه والسعي عن طواف الإفاضة إن لم يكن سعى بعد القدوم. (ولا تجبر) الأركان وبعضها؛ لأنها الماهية، وما عداها إن جبر بدم كالرمي سمي بعضا وإلا سمي هيئة، (وما سوى الوقوف أركان في العمرة أيضا) لكن الترتيب هنا في كلها.
(ويؤدَّى النسكان
(2)
على أوجه) ثلاثة: (أحدها الإفراد) وأفضل صورِهِ تحصل (بأن يحج) من الميقات، أو دونه
(3)
(ثم يحرم بالعمرة) ولو من أدنى الحل
(4)
(كإحرام المكي)، وكذا لو أحرم من الحرم؛ لأن الإثم والدم لا دخل لهما في التسمية (ويأتي بعملها) وقد يطلق على الإتيان بالحج وحده وعلى ما إذا اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج
(5)
، لكن الإطلاق الأول مجازي والثاني حقيقة.
(1)
. ويقدم الوقوف على الصلاة إن لم يدركه إلا بفوتها كما أفاده الشارح في كتاب الصلاة 1/ 431.
(2)
. ثم إن ظاهر كلامه في التحفة أن النسك من حيث هو يؤدى فقط بالحج وحده وبالعمرة وحدها، لكنهما اعتمدا أنه يتحقق أيضا بالإفراد والتمتع والقران.
(3)
. تركاه.
(4)
. تركاه أيضا.
(5)
. لكن ظاهر كلام النهاية أنه يعتبر تمتعا شرعيا.
الثَّانِي الْقِرَانُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنَ المِيقَاتِ وَيَعْمَلَ عَمَلَ الحَجِّ فَيَحْصُلَانِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ ثُمَّ بِحَجٍّ قَبْلَ الطَّوَافِ كَانَ قَارِنًا. وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ فِي الجَدِيدِ.
الثَّالِثُ: التَّمَتُّعُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ. وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ وَبَعْدَهُ التَّمَتُّعُ، وَفِي قَوْلٍ التَّمَتُّعُ
(الثاني القران بأن يحرم بهما) معا (من الميقات)، أو دونه لكن بدم (ويعمل عمل الحج) فيه إشارة إلى اتحاد ميقاتهما في المكي، وأن المُغَلَّب حكم الحج، فيجزئه الإحرام بهما من مكة (فيحصلان)؛ للخبر الصحيح ((من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي عنهما حتى يحل منهما جميعا)). (ولو أحرم بعمرة في أشهر الحج)، أو قبلها (ثم بحج) في أشهره في الثانية
(1)
(قبل) الشروع في (الطواف) -وإن استلم الحجر بنية الطواف؛ لأنه مقدمه له- لا بعده -كأن انفتل بعد الاستلام-؛ لأنه حينئذ يكون آخذا في أسباب التحلل (كان قارنا) إجماعا. وقد يشمل المتن ما لو أفسد العمرة ثم أدخل عليها الحج فينعقد إحرامه به فاسدا ويلزمه المضي وقضاء النسكين، (ولا يجوز عكسه) وهو إدخال العمرة على الحج (في الجديد)؛ إذ لا يستفيد به شيئا آخر.
(الثالث التمتع بأن يحرم بالعمرة من ميقات بلده) يعني طريقه (ويفرغ منها ثم ينشئ حجا) ويلزمه دما إن أنشأه (من مكة) في أشهر الحج. وقوله من ميقات بلده غير شرط بل لو أحرم دونه كان متمتعا ويلزمه مع دم المجاوزة -إن أساء بها- دم التمتع وإن كان بين محل إحرامه ومكة دون مرحلتين. (وأفضلها الإفراد)؛ لأن رواته أكثر ولأن بقية الروايات يمكن ردها إليه ولعدم دم فيه بخلافهما والجبر دليل النقص، نعم شرط أفضليته أن يعتمر من سنته بأن لا يؤخرها عن ذي الحجة وإلا كان كل منهما أفضل منه؛ لكراهة تأخيرها عن سنته. ويأتي أن من أتى بعمرة أو بإحرامها فقط قبل أشهر الحج متمتع -أي لغة- لكن لا دم عليه ومع ذلك لا ينبغي لمن بمكة وهو يريد الإفراد الأفضل ترك الاعتمار في رمضان مثلا لئلا يفوته; لأن الفضل الحاضر لا يترك لمترقب. (وبعده التمتع) ; لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين ثم القران ثم الحج وحده ثم العمرة وحدها (وفي قول) أفضلها (التمتع) وفي قول القران.
(1)
. هي ما لو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج.
وَعَلَى المُتَمَتِّعِ دَمٌ بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَحَاضِرُوهُ مَنْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ مِنَ الحَرَمِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ سَنَتِهِ، وَأَلَّا يَعُودَ لِإِحْرَامِ الحَجِّ إلَى المِيقَاتِ
(وعلى المتمتع دم
(1)
إجماعا؛ لربحه الميقات لكونه يحرم بالحج من مكة، ولذا لو كرر العمرة في أشهر الحج لا يتكرر عليه الدم، وإن أخرج الدم قبل التكرر. والدم هنا وحيث أطلق شاة، أو سُبُع بدنة أو بقرة مما يجزئ أضحية (بشرط ألا يكون من حاضري المسجد الحرام)؛ لقوله تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة: 196 (وحاضروه مَن) استوطنوا -بالفعل لا بالنية- حالة الإحرام -لا بعده سواء أكان الإحرام بقرب مكة أم لا جاوز الميقات مريدا للنسك أم لا- محلا (دون مرحلتين
(2)
; لأنه يطلق عليه أنه حاضره (من مكة، قلت: الأصح من الحرم، والله أعلم) ; لأن الأغلب في القرآن استعمال المسجد الحرام في الحرم. ومن له مسكنان قريب من الحرم وبعيد منه اعتبر ما مقامه به أكثر ثم ما به أهله وماله دائما ثم أكثر ثم ما به أهله كذلك ثم ما به ماله كذلك ثم ما قصد الرجوع إليه ثم ما خرج منه ثم ما أحرم منه، وأهله حليلته ومحاجيره دون نحو أب وأخ. ولو تمتع ثم قرن من عامه لزمه دمان؛ لاختلاف موجبي الدمين، (وأن تقع عمرته) أي: نية الإحرام بها وما بعدها من الأعمال (في أشهر الحج) ; دفعا للمشقة عن نحو غريب قدم قبل عرفة بزمن طويل بعدم استدامته إحرامه بل يتحلل بعمل عمرة مع الدم، ومن ثم لو نوى الإحرام بالعمرة مع آخر جزء من رمضان وأتى بأعمالها كلها في شوال لم يلزمه دم مع أنه متمتع كمن أتى بها كلها قبل أشهر الحج. وأن يكون وقوعها في أشهر الحج (من سنته) أي: الحج، وإلا فلا دم كما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، (وألا يعود لإحرام الحج إلى الميقات) - أي ميقات الآفاقي الذي أحرم منه بالعمرة إحراما جائزا كأن لم يخطر له إلا قبيل دخول الحرم- أو مثل مسافته، أو ميقات آخر غيره، أو مرحلتين من مكة، فإن عاد
(1)
. ولو عجل متمتع دمه عقب فراغ عمرته ثم دفعه للمستحقين فبان أنه ممن لا يلزمه دم لم يرجع عليهم كما يظهر من كلام الشارح في الزكاة 3/ 360.
(2)
. ولو كان لمحل معين طريقان طويل وقصير اعتبر الطويل ومن ذلك قَرَن الميقات المعروف كما أفاده الشارح في صلاة المسافر.
وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ إحْرَامُهُ بِالحَجِّ، وَالْأَفْضَلُ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الحَجِّ
ولو بعد دخول مكة لواحد من ذلك محرما بالحج قبل الوقوف
(1)
، أو أحرم منه به فلا دم للتمتع; لأن موجبه ربح الميقات ولا ربح حينئذ، وإنما لم يكف المسيء بالمجاوزة العود لأقرب؛ تغليظا عليه لتعديه. وخرج بقولي للتمتع ما لو عاد قبل أعمال العمرة ثم أحرم بالحج، فإن الذي عليه حينئذ هو دم القران لا التمتع.
[تنبيه] تعتبر هذه الشروط في الدم لا للتسمية بالمتمع
، ولذا يصح التمتع والقران من المكي. (ووقت وجوب الدم) على المتمتع (إحرامه بالحج) ; لأنه إنما يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج حينئذ، ومع ذلك يجوز تقديم غير الصوم عليه لكن بعد فراغ العمرة لا قبله (والأفضل ذبحه يوم النحر) ; لأنه الاتباع، (فإن عجز عنه في موضعه) وهو الحرم، ومثله ما كان على دون مرحلتين منه. ومن العجز ما لو عجز شرعا بأن وجده بأكثر من ثمن مثله ولو بما يتغابن به، أو وهو محتاج إلى ثمنه بحيث لو أنفقه فيها حصلت له مشقة شديدة لا تحتمل عادة، ولا أثر لفوات رفاهية. ويشترط كون الدم فاضلا عن كفاية نفسه وعياله الذين تلزمه مؤنتهم نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا لابدَّ منه، وعن دينه ولو مؤجلا، ونحو كتب الفقيه وخيل الجندي وآلة المحترف كل ذلك فاضلٌ عن كفاية العمر الغالب، والمعتبر في إيساره بذلك هو وقت الأداء
(2)
، ولو أمكنه الاقتراض قبل حضور ماله الغائب
(3)
اقترض (صام) إن قدر -وإن علم أنه يقدر على الهدي قبل فراغ الصوم- فإن عجز أخرج عن كل يوم مداً فإن عجز بقي الواجب في ذمته فإذا قدر على واحد فعله
(4)
. ولو مات وعليه هذا الصوم مثلا صام عنه وليه أو أطعم نظير ما مر في رمضان (عشرة أيام ثلاثة) منها -ومثل التمتع في ذلك القران وترك الميقات في الحج، أما نحو الرمي مما يجب بعد الحج فيصوم الثلاثة عقب أيام التشريق، وأما ترك الميقات في العمرة فوقت أداء الصوم قبل فراغها، أو عقبه؛ لأن وجوبه حينئذ لا يتوقف على الحج- (في الحج)
(1)
. لم يتعرضا لهذا القيد في المتمتع وقيداه في القارن بالوقوف.
(2)
. ذكر ذلك الشارح في الكفارة وقسم الصدقات.
(3)
. كما في قسم الصدقات.
(4)
. كما مر في الصوم.
تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ، وَالسَّبْعَةُ، وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الحَجِّ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ. وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ. قُلْت: بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
قبل يوم النحر ولو مسافرا؛ للآية، أي: إن أحرم به بزمن يسعها قبل يوم النحر، فإن لم يسع إلا بعضها وجب ولا يلزمه تقديم الإحرام حتى يلزمه صومها; لأن تحصيل سبب الوجوب لا يجب. أما لو أخرها عن يوم النحر بأن أحرم قبله بزمن يسعها ثم أخر التحلل عن أيام التشريق ثم صامها فإنه يأثم وتكون قضاء؛ لندرة هذه الصورة، ويلزمه حينئذ القضاء فورا؛ لتعديه بالتأخير، (تستحب قبل يوم عرفة)؛ لأن فطره سنة للحاج، ومر حرمة صومها يوم النحر وأيام التشريق، (وسبعة إذا رجع)؛ للآية (إلى أهله) أي: وطنه، أو ما يريد توطنه
(1)
ولو مكة إن لم يكن له وطن أو أعرض عن وطنه، فلا يعتد بصومها قبل ذلك، ولا بوطنه وعليه طواف إفاضة أو سعي أو حلق; لأنه لم يفرغ من الحج، نعم لو وصل لوطنه قبل الحلق ثم حلق فيه جاز له صومها عقب الحلق ولم يحتج لاستئناف مدة الرجوع (في الأظهر)؛ للخبر المتفق عليه بذلك، (ويندب تتابع الثلاثة) إذا أحرم قبل يوم النحر بزمن يسع أكثر منها وإلا وجب تتابعها كما مرَّ (والسبعة)؛ مبادرة لبراءة الذمة. (ولو فاته) ولو بعذر (الثلاثة في الحج) أو عقب أيام التشريق (فالأظهر أنه يلزمه أن يفرق في قضائها)؛ لكي يحاكي الأداء (بينها وبين السبعة) بقدر ما كان يفرق به في الأداء، وهو أربعة أيام العيد والتشريق في الثلاثة الأيام التي في الحج، ومدة سيره على العادة الغالبة إلى وطنه وما ألحق به فيهما
(2)
. ومن توطن مكة يلزمه في الأولى التفريق بخمسة أيام وفي الثانية بيوم. (وعلى القارن دم)؛ لما صحّ أنه صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر يوم النحر وهنّ قارنات، وهو (كدم التمتع) في جميع ما مر، ومنه أن لا يعود لما مرّ قبل الوقوف (قلت: بشرط ألا يكون من حاضري المسجد الحرام والله أعلم) كالتمتع.
(1)
. فلا تكفي الإقامة خلافا لشرح الروض.
(2)
. قال ابن قاسم ((أي الأولى وهي فوات الثلاثة في الحج، والثانية وهي فواتها عقب التشريق)).
باب محرمات الإحرام
أَحَدُهَا: سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا إلَّا لِحَاجَةٍ،
(باب محرمات الإحرام
(1)
أي ما حرُم بسببه ولو مطلِقا، ومنها عقد النكاح
(2)
ومقدمات الوطء والاستمناء.
(أحدها ستر) ومنه استدامة الساتر، نعم التلبيد بما له جرم يحل استدامته كالطيب; لأنه مندوب مثله (بعض رأس الرجل)، وإن قلَّ ومنه البياض
(3)
المحاذي لأعلى الأذن (بما يعد) هنا (ساترا) عرفا، وإن حكى البشرة كثوب رقيق، ولو غير مخيط كعصابة عريضة وطين أو حناء ثخين؛ للنهي الصحيح عن تغطية رأس المحرم الميت. أما ما لا يعد ساترا فلا يضر كخيط رقيق وتوسد نحو عمامة ووضع يد لم يقصد بها الستر -بخلاف ما إذا قصده- وانغماس بماء ولو كدرا وحمل نحو زنبيل لم يقصد به الستر أو استظلال بمحمل وإن مس رأسه بل وإن قصد به الستر، نعم الشعر الخارج عن حد الرأس لا شيء بستره كما لا يجزئ مسحه في الوضوء (إلا لحاجة) بحيث لا يطيق الصبر عليه عادة وإن لم يبح التيمم كحر أو برد فيجوز مع الفدية، ويأتي ما ذكر في ستر الرأس في نحو ستر البدن وغيره كالتطيب.
(1)
. مرَّ قبيل تكفين الميت أنه يحرم المتأتي منها بالنسبة للميت 3/ 112.
(2)
. والأولى أن لا يشهد على نكاح كما أفاده الشارح في كتاب النكاح 7/ 228.
(3)
. أي الذي على عظم الرأس وفوق البياض الدائر حولها كما في الوضوء.
وَلُبْسُ المَخِيطِ أَوْ المَنْسُوجِ أَوِ المَعْقُودِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ،
(ولبس) المحيط نحو (المخيط) كالقميص
(1)
(أو المنسوج) كالزِّرْد (أو المعقود) أو الملزق
(2)
أو المضفور
(3)
; للنهي الصحيح عن لبس المحرم للقميص والعمامة والبرنس
(4)
والسراويل والخف. وتعتبر العادة الغالبة في الملبوس، فيحل لبس الخاتم وتقلد المصحف وشدّ الهيمان
(5)
والمِنطقة
(6)
في وسطه وعقد الإزار وشد خيط عليه ليثبت، وأن يجعله مثل الحُجزة
(7)
ويدخل فيها التِّكة
(8)
وشد أزراره في عرى إن تباعدت وغرز طرف الرداء في الإزار والالتحاف والارتداء بالقميص والقباء -بأن يلتحف به كالملحفة أو يضع أسفله على عاتقه; لأنه إذا قام لا يستمسك فلا يعد لابسا له- والاتزار بالسراويل كالارتداء برداء ملفق من رقاع
(9)
طاقين
(10)
فأكثر بخلاف ما لو وضع طوق
(11)
القباء أو الفرجية على رقبته فإنه وإن لم يدخل يديه في كميه يستمسك إذا قام فيعد لابسا له، ولا يجوز عقد الرداء ولا خل طرفيه بخلال
(12)
ولا ربطهما أو شدهما ولو بِزِرٍّ في عروة مطلقا (في سائر بدنه) أي كل جزء جزء منه ككيس اللحية أو الأصبع بخلاف تغطية الوجه; لأن ساتره لا يحيط به، ومن ثم لو أحاط به بأن جعل له كيس على قدره إن تصور حرم (إلا إذا لم يجد غيره) أي المحيط حسّا بأن لم يملكه ولا قدر على تحصيله ولو بنحو استعارة بخلاف الهبة؛ لعظم المنة، أو شرعا كأن وجده بأكثر من ثمن
(1)
. وهو لا يكون إلا من صوف.
(2)
. الملصق بعضه إلى بعض.
(3)
. المفتول أو المنسوج بعضه إلى بعض.
(4)
. قلنسوة طويلة.
(5)
. أي كيس الدراهم.
(6)
. ما يقيد به الوسط ولو بعقد.
(7)
. معقد الإزار، ومن السراويل موضع التكمة، القاموس المحيط.
(8)
. رباط السراويل، القاموس المحيط.
(9)
. ما رقع به، لسان العرب.
(10)
. الطيلسان، لسان العرب.
(11)
. الذي يكون حول العنق.
(12)
. عود يخلل به الثوب والأسنان، المصباح المنير.
وَوَجْهُ المَرْأَةِ كَرَأْسِهِ وَلَهَا لُبْسُ المَخِيطِ إلَّا الْقُفَّازَ فِي الْأَظْهَرِ
أو أجرة مثله وإن قلّ فله حينئذ ستر العورة بالمحيط بلا فدية، ولبسه في بقية بدنه لحاجة نحو حر أو برد بفدية، فعُلم أن له لبس السراويل لفقد الإزار لكن إن لم يتأت الاتزار به على هيئته أو نقص بفتقه أو لم يجد ساترا لعورته مدة فتقه وإلا لزمه الاتزار به على هيئته أو فتقه بشرطه
(1)
، وأن له لبس الخف
(2)
لفقد النعل لكن بشرط قطعه حتى يصير أسفل من الكعبين وقطع ما يحيط بالعقبين وبالأصابع وإن نقصت قيمته بذلك، ولا يضر استتار ظهر القدمين; لأن الاستمساك يتوقف على الإحاطة بذلك دون الآخرين. والمراد بالنعل هنا ما يجوز لبسه للمحرم من غير المحيط كالمداس، والشرط أن لا يستر جميع أصابع الرجل وإلا حرم ككيس الإصبع، فالحاصل أن ما ظهر منه العقب ورءوس الأصابع يحل مطلقا; لأنه كالنعلين، وما يستر الأصابع فقط أو العقب فقط
(3)
لا يحل إلا مع فقد الأولين
(4)
. وإذا لبس ممتنعا لحاجة ثم وجد جائزا لزمه نزعه فورا وإلا أثم وفدى، والصبي كالبالغ في جميع ما ذكر ويأتي لكن الإثم على الولي والفدية في ماله; لأنه المورط له، نعم إن فَعَل به ذلك أجنبي كأن طيَّبه فالفدية على الأجنبي فقط. (ووجه المرأة) ولو أمة
(5)
(كرأسه) أي الرجل؛ لنهيها عن الانتقاب، نعم عليها أن تستر منه ما لا يتأتى ستر رأسها إلا به. ولها أن تسدل على وجهها شيئا متجافيا عنه بنحو أعواد ولو لغير حاجة، فلو سقط فمس الثوب الوجه بلا اختيارها فإن رفعته فورا فلا شيء، وإلا فإن تعمدته أو أدامته أثمت وفدت. ويسن لها كشف كفيها. (ولها لبس المخيط) إجماعا (إلا القفاز) كالرجل وتلزمهما الفدية، وهو شيء يعمل لليد يحشى بقطن ويزر بأزرار على الساعد ليقيها من البرد والمراد هنا المحشو والمزرور وغيرهما (في الأظهر)؛ للنهي عنهما في الحديث الصحيح لكن أُعلَّ بأنه من قول الراوي. ولها لفُّ خرقة بشد أو غيره على يديها ولو لغير حاجة؛ إذ لا يشبه القفاز بل لو لفها الرجل على نحو يده أو رجله لم يأثم إلا أن يعقدها
(1)
. وهو عدم النقص بالفتق مع وجود ساتر العورة في مدته.
(2)
. ظاهره وإن لم يحتج إليه خلافا للنهاية والمغني.
(3)
. وعند الشارح يشترط ستر العقبين خلافا النهاية.
(4)
. وهما الخف المقطوع الذي ظهر منه العقب ورؤوس الأصابع والنعلان.
(5)
. خلافا لهما.
الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ،
أو يشدها أو يخيطها. وليس للخنثى ستر وجهه بمخيط
(1)
ولا بغيره مع رأسه في إحرام واحد
(2)
؛ لتيقن سبب التحريم والفدية حينئذ وإلا فلا، وعليه فتلزمه أيضا لو ستر وجهه ولبس المخيط في إحرام واحد، نعم لو ستر رأسه ثم اتضح بالذكورة أو وجهه ثم اتضح بالأنوثة لم تلزمه؛ لعدم علمه بالتحريم حال فعله.
(الثاني استعمال) مؤثر بأن يلصق نحو الطيب الآتي ببدنه أو نحو ثوبه على الوجه المعتاد فيه
(3)
، وأن يحتوي على مجمرة أو يقرب منها ويعلق ببدنه أو ثوبه عين البخور لا أثره (الطيب) وهو ما ظهر منه غرض التطيب وقصد منه غالبا (في ثوبه) أي ملبوسه ولو نعلا -كأن يشد نحو مسك بطرفه أو يجعله في جيبه أو يلبس حليا محشوا به لم يصمّت- إن علق به شيء من عين الطيب؛ للنهي الصحيح عن لبس ما مسه ورس أو زعفران. ومن الطيب كافور وعنبر وعود ونيلوفر
(4)
وبنفسج وريحان
(5)
ودهن نحو أترج
(6)
بأن أغلي فيه بخلاف نحو أترج وتفاح وعصفر وحناء وقرنفل وسائر الأبازير الطيبة الرائحة; لأن القصد منها الدواء، وإصلاح الأطعمة غالبا (أو بدنه) كالثوب سواء ظاهر البدن وباطنه
(7)
كأن أكل ما ظهر
(8)
فيه طعم الطيب المختلط به أو ريحه -لا لونه- أو احتقن أو استعط به. وليس من الاستعمال حمل نحو مسك في نحو خرقة مشدودة بخلاف حمل نحو فارة مسك مشقوقة الرأس أو قارورة
(1)
. أي فيحرم عليه ذلك خلافا لظاهر صنيعهما من أنه ليس من السنة فقط أن يستتر بالمخيط.
(2)
. ظاهر صنيعهما الإطلاق.
(3)
. فلا يضر مس طيب يابس عبق به ريحه شرح بافضل.
(4)
. هو نوع من الرياحين ينبت في المياه الراكدة.
(5)
. مطلقا وفاقا للنهاية وقيده المغني بالفارسي.
(6)
. هو شجر يعلو ناعم الأغصان والورق وثمره كالليمون الكبار وهو ذهبي اللون زكي الرائحة حامض الماء، المعجم الوسيط.
(7)
. ولذا لا يسن للمحرمة أن تتبع أثر الحيض مسكا، بل تقتصر على قليل قسط أو أضفار كما مر في الغسل 1/ 281.
(8)
. بخلاف ما لو استهلك كما صرح به الشارح في الرضاع 8/ 286.
وَيَحْرُمُ دَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوِ اللِّحْيَةِ، وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخَطْمِيّ
مفتوحة الرأس، ولا أثر لعبق ريح من غير عين. ولو خفيت رائحته
(1)
كثمر الحناء فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت حرم وإلا فلا، نعم شرط التطيب بالرياحين أن يأخذها بيده ويشمها أو يضع أنفه عليها للشم.
[تنبيه] شرط الإثم في المحرمات كلها العقل -إلا السكران المتعدي بسكره- وعِلْم الإحرام والتحريم أو التقصير في التعلم والتعمد والاختيار، وكذا في الفدية إلا نحو الحلق أو الصيد; لأنهما إتلاف محض. ويلزم ناسيا تذكر وجاهلا علم ومكرها زال إكراهه إزالته فورا وإلا لزمته الفدية، نعم يشترط هنا أيضا العلم بأن الممسوس طيب يعلق وإلا فلا فدية كأن ظنه يابساً لا يَعْلَق فعلق. (ويحرم) على الرجل (دَهن) بأي دهن، ولو غير مطيب (شعر) ولو دون ثلاث شعرات إن كان مما يقصد به التزين (الرأس أو) الوجه كـ (اللحية) -إلا شعر الخد
(2)
والجبهة؛ إذ لا تقصد تنميتهما بحال- من نفسه
(3)
ولو أصوله؛ إذ محلوقها كغيره بخلاف رأس أقرع وأصلع وذقن أمرد وبقية شعور البدن فلا يحرم دهنها بما لا طيب فيه; لأنه لا يقصد به تزيينها.
[تنبيه] ينبغي التحرز عن تلويث الشارب والعنفقة بالدهن عند أكل اللحم
؛ لما مرّ أنه مع العلم والتعمد حرام فيه الفدية. (ولا يكره غسل رأسه وبدنه بخطمي) ونحو سدر; لأنه لإزالة الوسخ، نعم الأولى ترك ذلك حتى في ملبوسه ما لم يفحش وسخه، وليترفق عند غسل رأسه؛ لئلا ينتتف شيء من شعره. ويكره الاكتحال بنحو إثمد لا طيب فيه لغير عذر; لأن فيه زينة لا بنحو توتيا
(4)
.
(1)
. مثل ذلك أيضا طيب من ثوب جف كما ذكره الشارح في كتاب الطهارة 1/ 86.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية والأسنى، نعم استثنى المغني أيضا شعر الحاجب والهدب.
(3)
. قيد بذلك؛ لأن الكلام في المحرم، أما دهن أو حلق نحو رأس غيره فهو حرام أيضا إلا إن الحرمة لا تختص بالمحرم بل يحرم ولو على الحلال ذلك.
(4)
. هو حجر يكتحل بمسحوقه، المعجم الوسيط.
الثَّالِثُ: إزَالَةُ الشَّعْرِ أَوِ الظُّفْرِ، وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدَّ طَعَامٍ،
(الثالث إزالة الشعر) ولو من غير رأسه
(1)
؛ قياسا عليه (أو الظفر) أي شيء من أحدهما من نفسه، وإن قلَّ حتى بنحو شرب دواء مزيل مع العلم والتعمد؛ لقوله تعالى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} البقرة: 196، وقيس عليه شعر بقية البدن والظفر، نعم له قطع شعر نبت داخل جفنه وتأذى به ولو أدنى تأذٍّ، وقطع ما غَطَّى عينيه مما طال من شعر حاجبيه أو رأسه كدفع الصائل، وما انكسر من ظفره وتأذى به كذلك ولا فدية كما لو قطع أصبعه وعليها شعر أو ظفر أو كشط جلدته أو جلدة رأسه وعليها شعر؛ للتبعية، ولذا استوى المعذور وغيره. وخرج بـ ((مِن نفسه)) إزالته من غيره فإن كان حلالا فلا شيء لكن إن كان بغير إذنه أثم وعُزِّر أو مُحْرِمَاً لم يدخل وقت تحلله بإذنه حرم عليهما والفدية على المحلوق; لأنه المترفه مع إذنه بخلاف ما لو كان نائما أو مكرها أو غير مكلف فعلى الحالق وللمحلوق مطالبته بإخراجها; لأن نسكه يتم بأدائها، وله إخراجها عن الحالق لكن بإذنه كالكفارة. ولو أمر غيره بحلق رأس محرم فالفدية على الآمر إن عذر المأمور وإلا فهي على المأمور، والآمر هنا طريق في الضمان بخلافه في الحالة السابقة حين عذر المأمور فقط فالمأمور ليس طريقا في الضمان، ولو عذرا فهي على الحالق؛ لأنه المباشر. (وتكمل الفدية في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار) أو بعض من كل منهما فأكثر إن اتحد محل الإزالة وزمنها عرفا وإن كان المزال جميع شعر الرأس والبدن وأظفار اليدين والرجلين فلا تتعدد الفدية; لأنه حينئذ يعد فعلا واحدا؛ لقوله تعالى {فَفِدْيَةٌ} البقرة: 196، أي فحلق شعرا له ففدية، وإذا وجبت مع العذر فمع غيره أولى، ومن ثم لزمت هنا -كالصيد- نحو ناسٍ وجاهل وولي صبي مميز بخلاف نحو مجنون ومغمى عليه وغير مميز; لأن هؤلاء لا ينسبون لتقصير بوجه. أما إذا اختلف محل الإزالة أو زمنها عرفا فيجب في كل شعرة أو بعضها أو ظفر كذلك مد كما يأتي. (والأظهر أن في الشعرة) أو الظفر أو بعض كلٍّ (مد طعام).
(1)
. وتقدم في باب الوضوء أن المحرم يخلل لحيته ندبا برفق إن لم يظن أنه يحصل منه انفصال وإلا فوجوبا.
وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ مُدَّيْنِ وَلِلْمَعْذُورِ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ.
الرَّابِعُ: الجِمَاعُ وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ، وَكَذَا الحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ،
(وفي الشعرتين) أو الظفرين أو بعضهما (مدين)؛ لعسر تبعيض الدم والشارع عدّل الحيوان بالطعام والشعرة أو بعضها النهاية في القلة والمد أقل ما وجب في الكفارات فقوبلت به، وأُلحق بها الظفر، ولا يجب غير المد في الشعرة والمدين في الشعرتين
(1)
، ولا فرق في ذلك بين أن يختار دماً أوْ لا، (وللمعذور) بأن آذاه الشعر إيذاء لا يحتمل عادة لنحو قمل فيه أو مرض أو حر أو وسخ (أن يحلق) أو يزيل ما يحتاج لإزالته من رأسه وغيره وكذا له قلم ظفر احتاج إليه (ويفدي)؛ لقوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} البقرة: 196 .. الآية، نزلت فيمن آذاه هوام رأسه فأمره صلى الله عليه وسلم بالحلق ثم بالفدية الآتية.
[تنبيه] كل محظور أبيح للحاجة فيه الفدية إلا إزالة نحو شعر العين، وإلا نحو لبس السراويل والخف المقطوع فيما مر؛ احتياطا لستر العورة ووقاية للرِّجل من نحو النجاسة، وكل محظور بالإحرام فيه الفدية إلا عقد النكاح.
(الرابع الجماع) ولو في دبر بهيمة ولو بحائل إجماعا. ويحرم على الحليلة الحلال تمكينه; لأن فيه إعانة على معصية، وعلى الزوج الحلال مباشرة مُحْرِمة يمتنع عليه تحليلها، وتحرم أيضا مقدماته كقبلة ونظر ولمس بشهوة ولو مع عدم إنزال أو بحائل لكن لا دم مع انتفاء المباشرة وإن أنزل ويجب بها وإن لم ينزل، نعم إن جامع بعدها -وإن طال الفصل- دخلت فديتها في واجب الجماع سواء المفسد وغيره، والاستمناء بنحو يده لكن إنما تجب به الفدية إن أنزل. ويستمر تحريم ذلك كله إلى التحلل الثاني
(2)
، (وتفسد به) أي الجماع من عامد عالم مختار وهما واضحان (العمرة) المفردة ما بقي شيء منها، (وكذا الحج قبل التحلل الأول) -؛ لإفتاء ابن عباس رضي الله عنهما ولم يعرف له مخالف -بخلاف ما إذا تحلله وإن كان قارنا ولم يأت بشيء من أعمال العمرة; لأنها تقع تبعا له.
(1)
. وفاقا للنهاية والشهاب الرملي وخلافا للأسنى والمغني.
(2)
. نعم لا كفارة فيما لو أحرم مجامعا كما أفاده الشارح قبيل شروط الصوم من حيث الفاعل 3/ 413، أي ولم ينعقد ما أحرم به كما مر في المواقيت.
وَتَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ، وَالمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ
(وتجب) على الرجل إن كان زوجا محرما مكلفا وإلا فعليها
(1)
حيث لم يكرهها كما لو زنت أو مكَّنت غير مكلف (به) أي الجماع المفسد والفور هنا واجب ككل فدية تعدى بسببها (بدنة)؛ لقضاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم بها ولا يعرف لهم مخالف، والبدنة بعير يجزئ في الأضحية فإن عجز فبقرة فإن عجز فسَبْع شياه فطعام يجزئ فطرة بقيمة البدنة بسعر مكة حالة الأداء
(2)
فإن عجز صام عن كل مد يوما ويكمل المنكسر. وخرج بالمفسد الجماع بين التحللين والجماع الثاني بعد الجماع المفسد فيجب بكل منهما شاة كاللبس، ولذا تكررت بتكرر أحد هذين، (والمضي في فاسده
(3)
فيأتي بما كان يأتي به قبل الجماع ويجتنب ما كان يجتنبه قبله، فلو فعل فيه محظورا لزمته فديته، (والقضاء
(4)
فإن أفسد ذلك القضاء لم يقضه بل يقضي الأول إذ المقضي واحد (وإن كان نسكه تطوعا) ككونه من صبي مميز أو قن; لأنه يلزم بالشروع فيه. ويتأدى بالقضاء ما كان يتأدى بالأداء لولا الفساد من فرض أو غيره ويلزمه أن يحرم فيه مما أحرم منه بالأداء من ميقات أو قبله وكذا من ميقات جاوزه ولو غير مريد للنسك، والمراد مثل مسافة ذلك، ولا يلزمه رعاية زمن الأداء ولو أجيرا؛ إذ الأجير يقع القضاء عنه لا عن الميت (والأصح أنه على الفور)؛ لتعديه بسببه، والفور في العمرة ظاهر وفي الحج يتصور في سنة الفساد بأن يحصر قبل الجماع فيجامع ثم يتحلل أو يحصر بعد الجماع فيتحلل ثم يزول الإحصار والوقت باقٍ، فإن لم يمكن في سنة الإفساد تعين في التي تليها وهكذا. ولو جامع مميز أو قن أجزأه القضاء في الصبا والرق.
(1)
. خلافا للشهاب الرملي حيث اعتمد أنه لا شيء على المرأة مطلقا.
(2)
. خلافا للنهاية حيث اعتبر حالة سعر مكة غالب الأحوال.
(3)
. الحج أحد أربعة مواضع يختلف فيها الفاسد عن الباطل والبقية هي الكتابة والعارية والخلع كما أفاده الشارح في الكتابة 10/ 415.
(4)
. ذكر الشارح قبيل فصل حكم الإعسار أن الزوج لو أفسد حج زوجته التي أذن لها فيه بجماع يلزمها الإحرام بقضائه فورا والخروج له ولو بلا إذنه وحينئذ يلزمه مؤنها والخروج معها 8/ 331.
الخَامِسُ: اصْطِيَادُ كُلِّ مَأْكُولٍ بَرِّيٍّ. قُلْتُ: وَكَذَا المُتَوَلِّدُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ،
(الخامس اصطياد كل) حيوان (مأكول) مباحا أو مملوكا
(1)
(برّي) متوحش جنسه وإن استأنس هو كدجاج الحبشة، قال تعالى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} المائدة: 96 أي التعرض له بوجه من وجوه التلف أو الإيذاء ولو بالإعانة أو الدلالة لحلال كالتنفير سواء له أو لجزءٍ من أجزائه كلبنه وريشه وبيضه غير المذر، نعم يُضْمَن بيض النعامة ولو كان مذرا؛ لأن قشره متقوم، ولو كسره عن فرخ فمات وجب مثله من النعم أو طار وسلم لم يجب شيء
(2)
. ولو نفَّره عن بيضه أو أحضن بيضه دجاجة ضمنه حتى لو تفرخ كان من ضمانه حتى يمتنع بطيرانه أو سعيه ممن يعدو عليه
(3)
، نعم يجوز تنفير الحيوان إن كان ثمة ضرورة كأن كان يأكل طعامه أو ينجس متاعه بما ينقص قيمته
(4)
ولا يضمنه. وخرج بالمأكول غيره إذ منه ما فيه نفع وضرر كقرد وصقر فيباح قتله، ومنه ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كسرطان فيكره قتله، نعم مرّ في كلب كذلك أنه محترم فيحرم قتله، ومنه مؤذ فقد يحرم قتله كالنمل الكبير والنحل والخطاف والهدهد والصرد، وقد يجب
(5)
ككلب عقور وخنزير يعدو، وقد يندب قتله كنمر ونسر وكالفواسق الخمس وكالنمل الصغير والقمل، نعم يكره التعرض لقمل شعر اللحية والرأس خوف الانتتاف، ويسن فداء الواحدة ولو بلقمة. وخرج بالبري البحري وهو ما لا يعيش إلا في البحر; لأنه لا عِزَّ في صيده، بخلاف ما يعيش فيهما تغليبا للحرمة، وبالمتوحش الإنسي وإن توحش. وإذا أحرم وبملكه
(6)
صيد أو نحو بيضه -ولم يتعلق به حق لازم كرهن- زال ملكه عنه ولزمه إرساله ولو بعد التحلل؛ إذ لا يعود به الملك، (قلت: وكذا) يحرم (المتولد منه ومن غيره والله أعلم) بأن يكون أحد أصليه وإن علا برِّيا وحشيا مأكولا والآخر ليس فيه هذه الثلاثة جميعها أو مجموعها.
(1)
. أي فيلزمه مع الضمان في حق الله تعالى الضمان للآدمي أفاده في الإمداد.
(2)
. ذكر الشارح في إحياء الموات ضمان فرخ حمامة ذبحها فهلك 6/ 228.
(3)
. كما في الإمداد بتصرف.
(4)
. أي بخلاف ما لو لم تنقص خلافا لإطلاق الرملي.
(5)
. واعتمد في شرح الروض السنية وأوجبه الرملي في حالة الصيال.
(6)
. ويجوز خيار الشرط لمحرم في صيد كما يأتي في بابه 4/ 334.
وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الحَرَمِ عَلَى الحَلَالِ، فَإِنْ أَتْلَفَ صَيْدًا ضَمِنَهُ
(ويحرم ذلك) سواء كان الصائد وحده أو المصيد وحده أو الآلة كالشبكة وحدها (في الحرم) المكي، نعم يكفي في الصائد القائم كون ما اعتمد عليه من الرجلين أو إحداهما -وإن اعتمد على الأخرى- أو مستقر غير القائم في الحرم وإن كان ما عداه في هواء الحل
(1)
، ومثله في ذلك المصيد الذي بعضه في الحل وبعضه في الحرم لكن إن أصاب منه ما في الحل أما إن أصاب ما في الحرم فيضمنه مطلقا. ولو (على الحلال) إجماعا، فعُلم أنه لو رمى مَن في الحل صيدا بالحل فمر السهم بالحرم حرم بخلاف نحو الكلب وإن قتله في الحرم إلا إن تعين الحرم طريقا أو مفرّا له، ولو سعى من الحرم إلى الحل فقتله لم يضمنه بخلاف ما لو رمى من الحرم؛ لأن ابتداء الاصطياد من حين الرمي. ولو أخرج يده من الحرم ونصب شبكة بالحل فتعقل بها صيد لم يضمنه بخلاف ما لو أخرج من بالحرم يديه إلى الحل ثم رمى صيدا فيضمنه
(2)
؛ لاتصال أثره به. ولو كان محرما أو بالحرم عند ابتداء الرمي دون الإصابة أو عكسه ضمن تغليبا للتحريم، ومثله ما لو نصب شبكة مُحْرِمَاً للاصطياد بها ثم تحلل فوقع الصيد بها؛ لتعديه بخلاف عكسه. ولو أدخل معه الحرم صيدا مملوكا تصرف فيه بما شاء; لأنه صيد حلٍّ، (فإن أتلف) أو أزمن المحرم أو من بالحرم أو تلف تحت يده (صيدا) في الحرم أو في الحل، أو أتلف من بالحل صيدا في الحرم (ضمنه) وإن كان كافرا أو جاهلا أو ناسيا أو مخطئا مع قيمته لمالكه إن كان مملوكا؛ لقوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} المائدة: 95 .. الآية {مِنْكُمْ} و {مُتَعَمِّدًا} جري على الغالب، نعم إن قتله دفعا لصياله عليه أو لعموم الجراد للطريق ولم يجد بدّا من وطئه أو باض أو فرخ بنحو فرشه ولم يمكنه دفعه إلا بتنحيته عنه ففسد بها أو كسر بيضة فيها فرخ له روح فطار وسلم أو أخذه من فم مؤذ ليداويه فمات في يده لم يضمنه كما لو انقلب عليه في نومه أو أتلفه غير مميز
(3)
.
[تنبيه] يتحصل أن جهات ضمان الصيد ثلاث: مباشرة وتسبب ويد
فالمباشرة ما أثّر في التلف وحصَّله
(4)
وإن أكره لكنه يرجع على آمره، والتسبب ما أثر في التلف فقط، وهو هنا
(1)
. خلافا للأسنى والمغني من ضمان ما أصيب بالحرم مطلقا.
(2)
. خلافا لشيخ الإسلام والنهاية.
(3)
. أفاد الشارح في كتاب الصيد والذبائح حل جراد قتله المحرم أو بيض صيد كسره 9/ 317.
(4)
. ذكره الشارح في كتاب الجراح.
فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ، وَحِمَارِهِ بَقَرَةٌ، وَالْغَزَالِ عَنْزٌ، وَالْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، ..
شامل للشرط الذي هو ما لم يؤثر في التلف ولا حصله
(1)
بأن لم يقصد العين بالكلية، ومن مثله أن ينصب حلال شبكة أو يحفر بئرا ولو بملكه بالحرم أو ينصبها محرم حيث كان فيتعقل بها صيد ويموت أو يحفر تعديا، أو يرسل كلبا ولو غير معلم
(2)
أو يحل رباطه أو ينحل بتقصيره -وإن لم يرسله- فيتلف صيدا أو ينفِّره فيتعثر ويموت أو يأخذه سبع أو يصدمه نحو شجرة وإن لم يقصد تنفيره -ولا يخرج عن عهدة تنفيره حتى يسكن- أو يزلق بنحو بول مركوبه في الطريق
(3)
، وأما اليد فكأن يضعها عليه بعقد أو غيره كوديعة فيأثم ويضمنه كالغاصب ويلزمه رده لمالكه. ولو أتلفته دابة معها راكب وسائق وقائد ضمنه الراكب وحده; لأن اليد له دونهما. ومذبوح المحرم مطلقا
(4)
ومن بالحرم لصيد لم يضطر أحدهما لذبحه ميتة عليه وعلى غيره وكذا محلوبه وبيض كسره وجراد قتله
(5)
، أما لو اضطر فيحل له ولغيره
(6)
. وله أكل لحم صيد لم يصد له ولا أعان أو دلّ عليه ولو بطريق خفي كأن ضحك فتنبه الصائد له.
ثم الصيد إما له مثل من النعم صورة وخلقة على التقريب بأن حكم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو عدلان بعده، أو لا مثل له وفيه نقل، وأما ما لا مثل له ولا نقل فيه.
فالأول بقسميه يضمن بمثله أو بما نُقل فيه (ففي النعامة) الذكر والأنثى (بدنة وفي بقر الوحش وحماره بقرة) أي في الذكر ذكر وفي الأنثى أنثى ويجوز عكسه (والغزال) يعني الظبية (عنز) وهي أنثى المعز التي تم لها سنة، وأما الظبي ففيه تيس ويجوز عكسه. وأما الغزال وهو ولد الظبي إلى طلوع قرنه -ثم هو ظبي أو ظبية- ففي أنثاه عناق وفي ذكره جدي أو جفر (و الأرنب) أي أنثاه (عناق) وهو ما لم يبلغ سنة من أنثى المعز، وفي ذكره ذكر في سن العناق الآتي ويجوز عكسه.
(1)
. ذكره الشارح في كتاب الجراح أيضا.
(2)
. وفاقا لظاهر إطلاق المغني وخلافا للنهاية والأسنى.
(3)
. لكن مال الشارح في كتاب الصيال أنه لا ضمان عليه 9/ 205.
(4)
. أي ولو في الحل.
(5)
. خلافا لهما.
(6)
. خلافا لظاهر إطلاقهما.
وَالْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ. وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ يَحْكُمُ بِمِثْلِهِ عَدْلَانِ. وَفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ الْقِيمَةُ. وَيَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الحَرَمِ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ،
(و اليربوع) أي أنثاه (جفرة) وهي أنثى المعز التي تفطم وتفصل عن أمها فتأخذ في الرعي ويكون ذلك بعد أربعة أشهر، وفي ذكره جفر ويجوز عكسه، والوبْر كاليربوع في حكمه. ودليل ما مر أن جمعا من الصحابة حكموا به. وصح خبر ((أن الضبع فيه كبش)) فيدل على جواز فداء الأنثى بالذكر؛ لأن الضبع أنثى والكبش ذكر الضأن. (وما لا نقل فيه) ولو بحكم مجتهد واحد مع سكوت الباقين (يحكم بمثله) من النعم (عدلان)؛ للآية، ويجب كونهما فطنين فقيهين بما لا بد منه في الشبه حُرَّين ذكرين، ولا يؤثر كون أحدهما أو كل منهما قاتله إن لم يفسق بقتله -؛ لتعمده- أو تاب؛ إذ لا يشترط هنا استبراء. ولو حكم اثنان بمثل وآخران بنفيه كان مثليا أو بمثل آخر تخير.
[تنبيه] العبرة في المماثلة بالخلقة والصورة تقريبا لا تحقيقا
، أما حكم الصحابة في الحمام ونحوه من كل ما عب وهدر بالشاة فلتوقيف بلغهم، نعم تجب رعاية الأوصاف إلا الذكورة والأنوثة، وإلا النقص فيجزئ الأعلى عن الأدنى وهو أفضل ولا عكس، ولا يجزئ معيب عن معيب إلا إذا اتحدا عيبا، وإن اختلف محله كأعور يمين بأعور يسار، ولا يجزي كثير العور عن قليله. ولا يشترط الاستواء في القيمة أو السن.
والثاني يضمن ببدله كما قال: (وفيما لا مثل له) مما لا نقل فيه كالجراد والعصافير (القيمة) بمحل الإتلاف أو التلف بقول عدلين كما حكمت الصحابة رضي الله عنهم بها في الجراد.
(ويحرم) ولو على الحلال (قطع) وقلع (نبات الحرم) وإن نقل إلى الحل بل يحرم قطع الذي نبت في الحلّ وكان نواه من الحرم (الذي لا يستنبت
(1)
من الناس بأن نبت بنفسه شجرا كان -وإن كان بعض مغرسه في الحل- أو حشيشا رطبا إجماعا؛ للنهي عنه، نعم يجوز أخذ ورق من غير خبط يضر بالشجر، وقطع غصن يخلف مثله قبل مضي سنة كاملة ولو من محل قريب منه بحيث يعدّ عرفا أنه خلف له، ويُكْتَفَى في المثلية بالعرف المبني على تقارب الشبه، فإن لم يخلف قبل ذلك وجبت القيمة، نعم عود السواك ونحوه يجوز أخذه اتفاقا. أما اليابس
(1)
. ومقتضى كلامهما فيما ينبت بنفسه أنه لو استنبت كان له حكم ما لا يستنبت، وعليه فما من شأنه أن يستنبت يجري عليه حكمه وإن نبت بنفسه وهذا مخالف لكلام الشارح في الصورتين.
وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ وَبِقَطْعِ أَشْجَارِهِ فَفِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَالصَّغِيرَةِ شَاةٌ قُلْت: وَالمُسْتَنْبَتُ كَغَيْرِهِ عَلَى المَذْهَبِ. وَيَحِلُّ الْإِذْخِرُ، وَكَذَا الشَّوْكُ كَالْعَوْسَجِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الجُمْهُورِ،
فيجوز قطعه -شجرا أو حشيشاً-، وكذا قلع الشجر، لا الحشيش; لأنه ينبت إذا أصابه ماء، ومن ثم لو علم فساد منبته من أصله جاز قلعه. (والأظهر تعلق الضمان به) أي الحشيش (وبقطع أشجاره) كصيده. ويسقط ضمان شجرة بردها إليه إذا نبتت ولو بغير منبته، (ففي) الحشيش القيمة ما لم يقطعه فيخلف ولو بعد سنين
(1)
فلا يضمن كسن غير المثغور، ومر أن الغصن يضمن إن لم يخلف بعد سنة، أما الشجرة إذا أخذت من أصلها فتضمن وإن أخلفت قبل السنة والفرق بين الشجر والحشيش أن الأول يحتاط له أكثر. وفي قلع أو قطع (الشجرة الكبيرة) عرفا -وإن لم يتناه نموها- (بقرة) تجزئ في الأضحية، وتجزئ البدنة هنا أيضا بخلافه في جزاء الصيد; لأن المدار فيه على المماثلة (و الصغيرة) وهي ما لم يسمَّ كبيرة
(2)
، وأقلها ما يقرب من سُبُع الكبيرة، فإن صغرت جدا ففيها القيمة (شاة) تجزئ في الأضحية
(3)
؛ لما رواه الشافعي رضي الله عنه عن ابن الزبير (قلت: والمستنبت) من الشجر الحرمي -بأن يأخذ غصنا من حرمية ويغرسه في محل آخر من الحرم أو غيره ولو ملكه- (كغيره على المذهب) ففيه الإثم إن تعمد وبقرة أو شاة، أما المستنبت في الحرم مما أصله في الحل فلا شيء فيه. وخرج بالشجر غيره فلا يحرم مستنبته كشعير وبر وسائر القطاني
(4)
والخضروات كالبقل فيجوز قطعها وقلعها اتفاقا. (ويحلُّ الإذخر) قطعا وقلعا ولنحو البيع
(5)
؛ لاستثناء الشارع له، (وكذا) قطع وقلع المؤذي، ومنه غصن شوك انتشر وآذى المارة، و (الشوك) أي شجره (كالعوسج وغيره) وإن لم يكن نابتا في الطريق (عند الجمهور) كالصيد الصائل
(6)
،
(1)
. وأول الرملي ذلك.
(2)
. للزركشي بحث يخالف ذلك رده الشارح واعتمدوه.
(3)
. خلافا للمغني فعنده أن التبيع يجزئ.
(4)
. هي الحبوب التي تدخر كالحمص والعدس.
(5)
. ظاهر إطلاقه جواز تصرف الآخذ لذلك بجميع التصرفات من بيع أو غيره وفاقا للمغني وخلافا للرملي في النهاية كوالده.
(6)
. دليل الجمهور مشكل، وقد حمل الكردي في الحواشي الكبرى كلام الجمهور على شديد الإيذاء بحيث لا يحتمل عادة.
وَالْأَصَحُّ حِلُّ أَخْذِ نَبَاتِهِ لِعَلْفِ الْبَهَائِمِ وَلِلدَّوَاءِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَصَيْدُ المَدِينَةِ حَرَامٌ، وَلَا يُضْمَنُ فِي الجَدِيدِ
(والأصح حِلّ أخذ نباته) -أي نابته- الحشيش لا الشجر
(1)
قلعا أو قطعا
(2)
(لعلْف البهائم) التي عنده
(3)
ولو للمستقبل إلا إن كان يتيسر أخذه كلما أراده، وذلك كما يحل تسريحها في شجره وحشيشه (والدواء) بعد وجود المرض -ولو للمستقبل- لا قبله
(4)
ولو بنية الاستعداد له (والله أعلم)؛ للحاجة إليه، ومِن ثَمَّ جاز قطعه لنحو التسقيف به كالإذخر، ولا يجوز أخذه لبيعه ممن يعلف به.
[فرع] يحرم أيضا إخراج شيء من تراب الحرم الموجود فيه ما لم يعلم أنه من الحِل، أو ما عُمِل منه
-كأواني الخزف-، أو من أحجاره إلى الحل أو حرم آخر ولو بنية رده إليه فيلزمه رده إليه وإن انكسر الإناء، وبالرد تنقطع الحرمة، ويكره فقط إدخال شيء من تراب أو حجر الحل إلى الحرم. (وصيد) حرم (المدينة) ونباته ونحو ترابه (حرام)؛ للأخبار الصحيحة، وحدّه عرضا ما بين اللابتين
(5)
وطولا من عَير إلى ثور كما صحّ به الخبر، (ولا يضمن) بشيء (في الجديد)؛ لأنه يحل دخوله بغير إحرام فكان كوَجّ الطائف
(6)
في حرمة ذلك من غير ضمان؛ إذ ورد النص فيه.
واعلم أن دماء النسك أربعة: دم ترتيب وتقدير -أي قدر الشارع بدله صوما لا يزيد ولا ينقص- ودم ترتيب وتعديل -أي أمر الشارع بتقويمه والعدول لغيره بحسب القيمة فهو مقابل التقدير- ودم تخيير تقدير، ودم تخيير وتعديل.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. اقتصرا على القطع.
(3)
. وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية.
(4)
. وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية.
(5)
. جمع لابة وهي الحارة.
(6)
. هو واد بصحراء الطائف.
وَيَتَخَيَّرُ فِي الصَّيْدِ المِثْلِيِّ بَيْنَ ذَبْحِ مِثْلِهِ والتَّصَدُّقِ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الحَرَمِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَوَّمَ المِثْلُ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ بِها طَعَامًا لَهُمْ، أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَغَيْرُ المِثْلِيِّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ، وَيَتَخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الحَلْقِ بَيْنَ ذَبْحِ شَاةٍ،
(و) هو دم الصيد والنبات فـ (يتخير في الصيد المثلي بين ذبح) -لا إخراجه حيّا- (مثله) في الحرم ما لم يكن الصيد حاملا فيتصدق بقيمة المثل حاملا فقط، وفي حكم ماله مثلٌ ما لا مثل فيه وفيه نقل كالحمامة (والتصدق به) جميعه (على) ثلاثة -يفرقه عليهم أو يملّكهم جملته ولو قبل سلخه متساويا أو متفاوتا- من (مساكين) أو فقراء (الحرم) أي الموجودين فيه حالة الإعطاء، لكن المستوطن أولى ما لم يكن غيره أحوج، (وبين أن يقوّم) بالنقد الغالب في الحرم (المثلُ) لا الصيد، ويعتبر في التقويم عدلان عارفان وإن كان أحدهما قاتله حيث لم يفسق نظير ما مر كـ (دراهمَ) غلبت، ولو اختلفت القيمة باختلاف بقاع الحرم جاز اعتبار أقلها؛ لأنه لو ذبح بذلك المحل أجزأه (ويشتري بها) يعني يُخرِج ما يساويها (طعاما
(1)
يجزئ في الفطرة بسعر مكة (لهم) بأن يتصدق به عليهم
(2)
، فإن أحرم الصائدُ أحد المساكين الثلاثة غرم له أقل ما يصدق عليه الاسم. وحيث وجب صرف الطعام إليهم -في غير دم التخيير والتقدير- لا يتعين لكلٍّ منهم مد بل يجوز دونه وفوقه، (أو يصوم) المسلم، والأولى كونه في الحرم (عن كل مد) تامٍ أو منكسرٍ (يوما، وغير المثلي) مما لا نقل فيه (يتصدق بقيمته) بموضع وزمن الإتلاف أو التلف (طعاما أو يصوم. و) أما الثالث وهو دم التخيير والتقدير فهو واجب في الحلق والقلم واللبس والستر والطيب والدهن والتمتع بغير جماع والوطء غير المفسد، فحينئذٍ (يتخير في فدية) نحو (الحلق بين ذبح شاة) تجزئ في الأضحية أو سُبُع بدنة أو بقرة كذلك
(3)
وتمليكها لثلاثة فأكثر ممن مر.
(1)
. وقد يجب التعدد في الفدية ابتداء بأن أتلف جمع صيدا قاله الشارح قبيل كفارة جماع رمضان 3/ 446.
(2)
. يشمل به ما لو تصدق به عليه خارج الحرام خلافا لهما.
(3)
. ويجزئ البعير والبقرة عن سبعة دماء وإن اختلفت أسبابها كما صرح به الشارح في كتاب الأضحية وأنه لا تجزئ في الصيد البدنة عن سبعة ظباء؛ لأن القصد المماثلة، ولذا أجزأت عن سبع شياة في سبع أشجار 8/ 349، وذكر في موضع آخر أن ولد الواجبة في دم نسك لا يجوز أكله قطعا 9/ 366.
وَالتَّصَدُّقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّمَ فِي تَرْكِ المَأْمُورِ كَالْإِحْرَامِ مِنَ المِيقَاتِ دَمُ تَرْتِيبٍ، فَإِذَا عَجَزَ اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَدَمُ الْفَوَاتِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ. وَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ،
(والتصدق بثلاثة آصع لستة مساكين) أو فقراء بالحرم لكل واحد نصف صاع وجوبا (وصوم ثلاثة أيام)؛ لقوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} البقرة: 196 .. الآية مع الحديث المبين لها، وقيس غير المعذور عليه في التخيير. (و) أما الأول أعني دم الترتيب والتقدير فواجب في التمتع والقران كما مر، والفوات كما يأتي، وترك مبيت مزدلفة أو منى، والرمي، وطواف الوداع، والإحرام من الميقات، والركوب المنذور، والمشي المنذور. ومعنى التقدير في هذه السبعة الأخيرة أنه إذا عجز عن الذبح صام ثلاثة أيام في الحج إن تُصُوِّرَ كالثلاثة الأخيرة، وإلا -كالثلاثة التي قبلها- صامها عقب تركها وسبعة بوطنه. وجرى في المتن على خلاف المعتمد فقال:(الأصح أن الدم في ترك المأمور كالإحرام من الميقات) وغيره من تلك السبعة (دم ترتيب) وتعديل (فإذا عجز اشتري) يعني أخرج (بقيمة الشاة طعاما وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد) أو بعضه (يوما. ودم الفوات كدم التمتع) في الترتيب والتقدير وسائر أحكامه السابقة; لأن موجب دم التمتع ترك الإحرام من الميقات فترك النسك كله أولى (ويذبحه) في أحد وقتي جوازه ووجوبه لا قبلهما، فالأول يدخل بدخول وقت الإحرام بالقضاء من قابل والثاني يدخل بالدخول (في حجة القضاء)؛ لفتوى عمر رضي الله عنه بذلك. ولا يجوز تقديم صوم الثلاثة على الإحرام بالقضاء.
وأما الثاني -أي دم الترتيب والتعديل- فهو دم الجماع وقد مر ودم الإحصار وسيأتي.
(والدم الواجب بفعل حرام) باعتبار أصله وإن لم يكن حال الفعل حراما كحلق أو لبس لعذر (أو ترك واجب) أو بتمتع أو قران، ومثله الدم المندوب لترك سنة متأكدة كصلاة ركعتي الطواف، وترك الجمع بين الليل والنهار بعرفة (لا يختص بزمان)؛ لأن الأصل عدم التأقيت لكن يسن فعله في وقت الأضحية، نعم إن عصى بسببه لزمه الفورية، (ويختص ذبحه) جوازا وأجزاء حيث لا حصر (بالحرم في الأظهر)؛ لقوله تعالى {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} المائدة:95.
وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ إلَى مَسَاكِينِهِ. وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ لِذَبْحِ المُعْتَمِرِ المَرْوَةُ، وَالحَاجِّ مِنًى، وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا مِنْ هَدْيٍ مَكَانًا. وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ.
(ويجب صرف) جميع أجزائه كـ (لحمه) وبدل ما له بدل من ذلك (إلى) ثلاثة من (مساكينه) وفقرائه، وهذا من حيث الصرف؛ لأن فيه إعظاما للحرم بتفرقة اللحم فيه، أما الذبح في الحرم فمكروه. وتجب النية عند التفرقة ويجزئ تقدمها عليها بقيده، ولا تجب النية عند الذبح؛ لأنه وسيلة فقط
(1)
. (وأفضل بقعة) من الحرم (لذبح المعتمر) عمرة منفردة عن حج قبلها أو بعدها (المروة، والحاج) إفرادا أو تمتعا أو قراناً (منى) ; لأنها محل تحللهما، (وكذا حكم ما ساقا من هدي) نذر أو تطوع (مكانا) -في الاختصاص والأفضلية-؛ للاتباع. (ووقته) أي ذبح هذا الهدي بقسميه حيث لم يعين في نذره وقتا (وقت الأضحية على الصحيح)؛ قياسا عليها، فلو أخرَّه حتى مضت أيام التشريق وجب ذبحه قضاء إن كان واجبا ووجب صرفه إلى مساكين الحرم وإلا فلا؛ لفواته. وخرج بـ ((ساقا)) ما ساقه الحلال فلا يختص بزمن كهدي الجبران، أما إذا عيَّن في نذره غير وقت الأضحية فيتعين
(2)
.
[فرع] يتأكد على قاصد الحج أو العمرة أن يصحب معه هديا وهو للحاج آكد
(3)
.
(1)
. نعم يشترط فقد الصارف عند الذبح كما ذكره الشارح في كتاب الأضحية، وذكر أيضا أنه لو ذبح الدم فسرق أو غصب مثلا بلا تقصير من الذابح قبل التفرقة لزمه إما إعادة الذبح والتصدق وهو الأفضل وإما شراء بدله لحما والتصدق به 9/ 362.
(2)
. خلافا لهم.
(3)
. [فائدة] مال الشرح في الفلس إلى جواز الحبس في كفارة فورية تعين فيها المال ما لم يتبين الإعسار 5/ 142.
باب الإحصار والفوات
مَنْ أُحْصِرَ تَحَلَّلَ، وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ
(باب الإحصار والفوات)
(باب الإحصار) وهو المنع عن إتمام أركان الحج أو العمرة أو هما، فلو مُنع من الرمي أو المبيت لم يجز له التحلل; لأنه متمكن منه بالطواف والحلق ويقع حجه مجزئا عن حجة الإسلام، ويجبر كلّ من الرمي والمبيت بدم (والفوات) أي للحج؛ إذ العمرة لا تفوت إلا تبعا لحج القارن (مَن أحصر) أي مُنع عن المضي في نسكه ولم يجد طريقا آخر يمكنه سلوكه، فإن وجده ولو بحرا غلبت فيه السلامة ووجدت شروط الاستطاعة لزمه سلوكه وإن علم الفوات ويتحلل بعمرة، ويستوي في المانِع الكافر والمسلم وإن أمكنه قتاله أو بذل مال له (تحلل) جوازا؛ لقوله تعالى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} البقرة:196. والأولى للمعتمر وحاج اتسع زمن إحرامه الصبر إن رجا زوال الإحصار، نعم إن غلب على ظنه انكشاف العدو وإمكان الحج أو قبل ثلاثة أيام في العمرة امتنع تحلله؛ لقلة المشقة حينئذ، أما إذا خشي فوات الحج لو صبر فالأولى التحلل؛ لئلا يدخل في ورطة لزوم القضاء له. وشمل كلامه الحصر عن الوقوف دون البيت وعكسه لكن يلزمه في الأول أن يدخل مكة ويتحلل بعمرة، وفي الثاني أن يقف ثم يتحلل أي ما لم يغلب على ظنه انكشاف العدو قبل ثلاثة أيام، ولا قضاء فيهما على تفصيل فيه وفي لزوم دم الإحصار
(1)
، وتقدم أنه متى حاضت أو نفست قبل الطواف ولم يمكنها الإقامة للطهر -لنحو خوف على نفسها- أنها تسافر فإذا وصلت لمحل يتعذر وصولها منه لمكة تحللت بالنية والذبح والحلق، (وقيل لا تتحلل الشرذمة) القليلة، والأصح أن الحصر لخاص ولو لواحدٍ كأن حُبِس ظلما -ولو بدين يعجز عنه- كالعام، وفارق نحوُ المحبوسِ المريضَ بأن الحبس يمنعه إتمام نسكه حسا بخلاف المرض.
(1)
. فلو أحصر في الحج أو العمرة فلم يتحلل وجامع لزمته البدنة والقضاء، وأيضا لو أفسده بجماع ثم أحصر تحلل ويلزمه دم الإفساد ودم الإحصار والقضاء فلو لم يتحلل حتى فاته الوقوف لزمه ثلاثة دماء للإفساد والطواف و الإحصار، أفاده في المجموع، ويأتي صور يلزم القضاء فيها للفوات فقط، وقد أطلق الروض والنهاية والمغني عدم القضاء.
وَلَا تَحَلُّلَ بِالمَرَضِ، فَإِنْ شَرَطَهُ تَحَلَّلَ بِهِ عَلَى المَشْهُورِ، وَمَنْ تَحَلَّلَ ذَبَحَ شَاةً حَيْثُ أُحْصِرَ. قُلْتُ: إنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ وَنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَكَذَا الحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا، فَإِنْ فُقِدَ الدَّمُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا وَأَنَّهُ طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ،
(ولا تحلل) جائز بالأعذار التي لا تمنعه من إتمام نسكه حسّا، والمراد بها ما يشق معه مصابرة الإحرام مشقة لا تحتمل عادة كضلال الطريق ونفاذ النفقة، ومنها (بالمرض) إذا لم يشرطه بل يصبر حتى يبرأ، فإن كان محرما بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمرة; لأن المرض لا يمنع الإتمام، (فإن شرطه) -أي التحلل بالمرض الذي يبيح ترك الجمعة- وقد قارنت نية شرطه الذي تلفظ به عقب نيةِ الإحرام نيةَ الإحرام بأن وجدت قبل تمامها (تحلل به على المشهور)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لوجعة ((حِجِّي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني))، ثم إن شرط التحلل بهدي لزمه أو بلا هدي أو أطلق فلا. وله شرط انقلاب حجَّه عمرة عند نحو المرض وتجزئه حينئذ عن عمرة الإسلام. وخرج بشرط التحلل شرط صيرورته حلالا بنفس المرض فإنه يصير به حلالا من غير تحلل ولا هدي.
(ومن) أراد الـ (تحلل) ولو مبعضا ومع التحلل في نوبته (ذبح) وجوبا (شاة) تجزئ في الأضحية أو سُبُع بدنة أو بقرة كذلك؛ للآية السابقة ولو شرط التحلل بالحصر بلا دم. ويتعين الذبح لذلك ككل ما معه من دم وهدي (حيث أُحْصِر) أو مَرِض مثلا ولو في الحل وإن تمكن من طرف الحرم; لأنه صلى الله عليه وسلم ((ذبح هو وأصحابه بالحديبية))، ويفرقه على مساكين ذلك المحل ثم مساكين أقرب محل إليه
(1)
، ويحرم نقله عنه إذا كان من الحل إلى غيره من الحل، نعم يسن له بعثه لما يقدر عليه من الحرم أو مكة، ولا يصير حلالاً حينئذٍ حتى يغلب على ظنه ذبحه بخبر من وقع في قلبه صدقه لا بمجرد طول الزمن، (قلت: إنما يحصل التحلل بالذبح ونية التحلل) مقارِنة للذبح; لأنه يكون لغير التحلل فاحتاج لِمَا يخصصه به، (وكذا الحلق إن جعلناه نسكا) وهو المشهور، ويجب قرن النية به وتقديم الذبح عليه، (فإن فقد الدم) حسا أو شرعا (فالأظهر أن له بدلا) كغيره (و أنه طعام) -مع الحلق والنية- يخرجه في مكان عذره; لأنه أقرب للحيوان من الصوم؛ لكونهما مالا (بقيمة الشاة) بالنقد الغالب ثَمَّ فإن لم يكن به ذلك فأقرب البلاد إليه.
(1)
. خلافا لهما.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَلَهُ التَّحَلُّلُ فِي الحَالِ فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ فَلِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ. وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُهَا مِنْ حَجِّ تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ،
(فإن عجز عنه صام) حيث شاء (عن كل مد يوماً)، ويصوم عن المنكسر يوما أيضا، (وله التحلل) بالحلق مع النية (في الحال) من غير توقف على الصوم (في الأظهر والله أعلم)؛ لتضرره ببقاء إحرامه إلى فراغ الصوم. (وإذا أحرم العبد) ولو مكاتبا (بلا إذن) في الإحرام ولا في المضي، أو بعد الإذن لكن قبل دخول وقته الذي عيَّنه له لا بعده -ومثله ما لو أذن له في الإحرام من مكان بعيد فأحرم قبله أو أبعد منه
(1)
- أو بعد رجوعه عن الإذن قبل إحرامه وإن لم يعلم بالرجوع لكن لا يقبل
(2)
قوله فيه بل لا بد من بينة به (فـ) للعبد التحلل وإن لم يأذن له سيده، و (لسيده) والمراد مالك منفعته (تحليله) أي أمره بالحلق
(3)
مع النية؛ صيانة لحقه، والأولى للسيد أن يأذن له في الإتمام، وله إذا لم يمتثل أمره أن يفعل به المحظور، والإثم على العبد فقط؛ إذ لا يزول إلا بما مر من الحلق مع النية. وليس له تحليل مبعض بينهما مهايأة وامتدت نوبته إلى فراغ نسكه، ولا من أذن له في حج فاعتمر أو قرن; لأنه لم يزد على المأذون له فيه بخلاف من أذن له في عمرة فحج، (وللزوج تحليلها) أي زوجته ولو أمة أذن لها سيدها (مِن حج) أو عمرة (تطوع لم يأذن
(4)
لها (فيه
(5)
؛ لئلا يفوت تمتعه، ومن ثم أثمت بذلك بخلاف ما إذا أذن؛ لرضاه بالضرر. والتحليل هنا الأمر بالتحلل كما مر في السيد لكنه في الحرة يكون بالذبح مع ما مر في المحصر، فإن أبت وطئها والإثم عليها. وليس لها أن تتحلل حتى يأمرها به، وليس له تحليل رجعية، نعم له حبسها كالبائن لانقضاء عدته.
(1)
. عبارة النهاية.
(2)
. خلافا للمغني.
(3)
. وله أن يأمره بالذبح وحينئذ فمذبوحه حلال بالنسبة لغير القن كما في الشرح خلافا للشهاب الرملي من أنها ميتة.
(4)
. ذكر الشارح قبيل فصل حكم الإعسار أن الزوج لو أفسد حج زوجته التي أذن لها فيه بجماع يلزمها الإحرام بقضائه فورا والخروج له ولو بلا إذنه، وحينئذ يلزمه مؤنها والخروج معها 8/ 331.
(5)
. أفاد الشارح في كتاب السير أن الأبوين ليس لهما منع من أراد حجة الإسلام ولم تجب عليه بعد، نعم لهما منعه من الخروج لحجة الإسلام قبل خروج قافلة أهل بلده، أي وقته في العادة لو أراده؛ لأنه إلى الآن لم يخاطب بالوجوب 9/ 233.
وَكَذَا لَهُ مِنْ الْفَرْضِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا قَضَاءَ عَلَى المُحْصَرِ المُتَطَوِّعِ، فَإِنْ كَانَ فَرْضاً مُسْتَقِرّاً بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍ اعْتُبِرَتِ الإِسْتِطَاعَةُ بَعْدُ،
(وكذا له من الفرض) وإن كان محرما وإن طال
(1)
زمن إحرامه على إحرامها وإن لم تأثم بذلك؛ إذ يسن للحرة استئذانه (في الأظهر)؛ لأن حقه فوري وأصل الحج على التراخي. وشمل الفرض النذر -ما لم يكن قبل النكاح أو بعده بإذنه- وشمل أيضا القضاء الذي لزمها
(2)
لا بسبب من جهته.
[تنبيه] يجوز للزوج
(3)
إن حرَّمنا على الزوجة الإحرام بغير إذنه
(4)
وطء الأمة والزوجة قبل الأمر بالتحلل
؛ لأن فعلها ليس محترما. (ولا قضاء على المحصر المتطوع) وإن اقترن به فوات الحج؛ إذ لم يَرِد الأمر به، نعم قد يلزمه للفوات الغير ناشئ عن الحصر كأن أخرَّ التحلل من الحج مع إمكانه من غير رجاء أمن حتى فاته، أو فاته ثم أحصر، أو زال الحصر والوقت باق ولم يتحلل ومضى في النسك ففاته، أو سلك طريقا آخر مساويا للأول ففاته الوقوف، (فإن كان فرضا مستقرا) عليه كحجة الإسلام بعد أولى سِنِي الإمكان، وكنذر قدر عليه قبل عام الحصر، ومثلهما قضاء ونذر معين في عام الحصر (بقي في ذمته) كما لو شرع في صلاة مفروضة ولم يتمها، (أو غير مستقر) كحجة الإسلام في أولى سني الإمكان (اعتبرت الاستطاعة بعد) زوال الإحصار، نعم الأولى له أن يحرم بعد زوال الإحصار إن بقي من الوقت ما يسع الحج، ولا يجب وإن استقر الوجوب بمضيه، نعم يلزم بعيد الدار
(5)
الإحرام في هذا العام إذا غلب على ظنه أنه لو أخرّ عجز عن الحج فيما بعد.
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. ويكون ذلك إن كانت أمة مطلقا أو حرة في نفل فقط.
(5)
. لم يقيد في النهاية ببعيد الدار.
وَمَنْ فَاتَهُ الوُقُوفُ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ. وَفِيهِمَا قَولٌ. وَعضلَيهِ دَمٌ وَالقَضَاءُ.
(ومن فاته الوقوف تحلل) فورا وجوبا؛ لئلا يصير محرما بالحج في غير أشهره، فلو استمر على إثمه ببقاء إحرامه إلى العام القابل لم يجزئه؛ لأن إحرام سنة لا يصلح لإحرام سنة أخرى، ثم إن لم يمكنه عمل عمرة تحلل بما مر في المحصر، وإن أمكنه وجب، وله تحللان: أولهما يحصل بواحد من الحلق أو الطواف المتبوع بالسعي إن لم يقدمه وسقط الرمي بفوات الوقوف، وثانيهما يحصل (بطواف وسعي) بعده إن لم يكن سعى بعد القدوم (وحلق) مع نية التحلل بالثلاثة؛ لما صحّ عن عمر رضي الله عنه أنه أفتى بذلك، ولا يلزمه مبيت بمنى ولا رمي، وما أتى به لا ينقلب عمرة؛ لأن إحرامه انعقد بنسك فلا ينصرف لغيره (وفيهما) أي الآخران (قول) أنهما يسقطان؛ لأن السعي يجوز تقديمه عقب طواف القدوم فلا دخل له في التحلل، والحلق استباحة محظور، (وعليه دم) كما مر (و) عليه إن لم ينشأ الفوات من الحصر (القضاء) للتطوع فورا؛ لأثر عمر رضي الله عنه بهما. أما الفرض فهو باقٍ في ذمته كما كان
(1)
من توسيع أو تضيق.
[تنبيه] يلزمه الإحرام بالقضاء من مكان الإحرام بالأداء على التفصيل السابق في قضاء الفاسد؛ لقوله في المجموع نقلا عن الأصحاب: ((وعلى القارن القضاء قارنا، ويلزمه ثلاثة دماء دم الفوات ودم القران الفائت، ودم ثالث للقران المأتي به في القضاء، ولا يسقط هذا عنه بالإفراد في القضاء؛ لأنه توجه عليه القران ودمه فلا يسقط عنه بتبرعه بالإفراد)) انتهى. وأما إذا نشأ الفوات عن الحصر كأن أُحصر فسلك طريقا آخر ففاته لصعوبة الطريق أو طوله وقد ألجأه نحو العدو إلى سلوكها أو صابر الإحرام متوقعاً زوال الحصر فلم يزل حتى فات الحج فتحلل بعمرة لم يقض؛ لأنه بذل ما في وسعه كالمحصر.
والله تعالى أعلم بالصواب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(1)
. وفاقا للروض وخلافا لصريح شرح المنهج والمغني ولإطلاق النهاية.