المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب البيع شَرْطُهُ الْإِيجَابُ   (كتاب البيع (1) ) وهو لغةً: مقابلةُ شيءٍ بشيءٍ، وشرعاً: عقدٌ - مختصر تحفة المحتاج بشرح المنهاج - جـ ٢

[مصطفى سميط]

فهرس الكتاب

‌كتاب البيع

شَرْطُهُ الْإِيجَابُ

(كتاب البيع

(1)

)

وهو لغةً: مقابلةُ شيءٍ بشيءٍ، وشرعاً: عقدٌ يتضمنُ مقابلةَ مالٍ بمالٍ بشرطه الآتي؛ لاستفادة ملك عين أو منفعة مؤبدة.

وأركانه: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة،؛ ولقوة الخلاف فيها بدأ بها فقال:

(شرطه) ولو تقديرا كأعتق عبدك عني بألف فيقبل فإنه يعتق به؛ لتضمنه البيع وقبوله

(2)

(الإيجاب) من البائع ولو هزلا، وصريح الإيجاب ما دلَّ على التمليك

(3)

دلالةً قويةً مما اشتهر وتكرر على ألسنة حملة الشرع؛ لقوله تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء: 29، والرِّضى خفي فأنيط بشيء ظاهر وهو الصيغة

(4)

، فلا ينعقد بالمعاطاة بأن يتراضيا بثمن ولو مع السكوت منهما، واختار المصنف انعقاده بها في كل ما

(5)

يعده الناس بها بيعا، وآخرون في محقر كرغيف. وأما الاستجرار فباطل اتفاقا أي إلا إن قدَّر الثمن في كل مرة على أن الغزالي سامح فيه؛ بناء على جواز المعاطاة، وعلى الأصح لا مطالبة بسبب المعطاة -من حيث المال

(6)

- في الآخرة، ويجري خلافها في سائر العقود المالية

(7)

.

(1)

. الأظهر في قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} البقرة: 275 أنها عامة مخصوصة كما أفاده الشارح أوَّل الزكاة مع تحقيق هذا 3/ 208.

(2)

. والهبة بثواب بيع؛ لأن فيها معنى البيع وإن لم يوجد لفظه كما ذكره الشارح في السلم 5/ 8.

(3)

. زاد في النهاية بعوض.

(4)

. نعم لو وقع الرضا بالتفاوت في قسمة هي بيع فالذي استوجهه الشارح في باب القسمة أنه لا يشترط لفظ البيع 10/ 205.

(5)

. ظاهر التحفة أن ((ما)) واقعه على متاع كالنهاية، وظاهر المغني أنها تفسر بعقد.

(6)

. بل تقع المطالبة من حيث تعاطي العقد الفاسد.

(7)

. نعم لا يجري في الوقف 6/ 248.

ص: 9

كَبِعْتُك وَمَلَّكْتُك، وَالْقَبُولُ: كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْتُ وَقَبِلْتُ

ثم الصريح هنا (كبعتك

(1)

-وما اشتق منه- ذا بكذا (وملكتك) ووهبتك ذا بكذا، وشريتَ وعوضتَ ورضيتَ واشتر مني هذا بكذا، ونحو نعم وإي وفعلتُ جواباً لقول المشتري بعتَنتي وتبيعني وبعني لكن نحو بعتني وتبيعني لا يغني عن قبول المشتري بخلاف بعني

(2)

، ومن الصريح

(3)

أيضاً بعتك ولي عليك وعلى أن لي عليك أو على أن تعطيني كذا إن نوى به الثمن، ومثله في ذلك بعني ولك عليّ كذا.

وشرط الصيغة:

الأول: كاف الخطاب ولو في نحو وكيل إلا في نحو نعم ومسألة المتوسط

(4)

، ولو باع ماله لولده محجوره لم يتأت هنا خطاب، بل يتعين بعته لابني وقبلت له.

والثاني: إسناد البيع إلى جملة المخاطب لا بعت موكلك ولا نحو يدك بخلاف نحو نفسك، (والقبول من المشتري)، وصريح القبول ما دل على التملك دلالة قوية (كاشتريت) ويغتفر نحو فتح التاء من العامي (وتملكت وقبلت) وابتعت، ونحو نعم جواباً لقول البائع اشتريتَ مني وتشتري مني

(5)

; لأنها بعد الالتماس جواب بخلافها

(6)

بعد نحو قول المشتري اشتريتُ منك، ومن الصريح أيضا رضيتُ لكن يصدق في أنه لم يقصد بها جواباً.

والثالث: أن يقصد اللفظ لمعناه، ويأتي هذا الشرط في سائر العقود.

(1)

. ويأتي في الحوالة أن بعتك كناية لها عند الشارح خلافا لهما.

(2)

. تحفة 4/ 221.

(3)

. وقد استظهر الشيخ في فصل القرض أن من الصريح في الصرف ((ملكتك هذا الدرهم بمثله أو بدرهم))، وقال: إنه صريح أيضا في القرض، وحينئذ فإن نويا به أحدهما تعين وإلا كان في بمثله صريح قرض وفي بدرهم صريح بيع.

(4)

. هي أن يقول شخص للبائع بعتَ هذا بكذا فيقول نعم، أو بعتُ، ويقول للآخر اشتريتَ فيقول نعم، أو اشتريتُ، واعتمد الشيخ ابن حجر أنه لا يشترط في المتوسط أهلية البيع.

(5)

. أي بشرط أن يقول البائع بعدها بعتك.

(6)

. خالفاه.

ص: 10

وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ المُشْتَرِي، وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي فَقَالَ: بِعْتُك انْعَقَدَ فِي الْأَظْهَرِ. وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا فِي الْأَصَحِّ

[تنبيه] اختُلف في السبب القولي كصيغ العقود والفعلي كالرضاع أيحصل المسبب كالملك والحرمة مثلا مع نهاية السبب

(1)

أو عقبه على الاتصال

، أما إذا ترتب الحكم على سبب مركب من أسباب متعاقبة كالسكر بالقدح العاشر فالوجه أن المؤثر هو المجموع فيجب الحد بما قبله

(2)

. (ويجوز تقدم لفظ المشتري) إلا نحو نعم وفعلت، نعم يُكْتَفَى بهما في مسألة المتوسط

(3)

، (ولو قال بعني فقال بعتك انعقد البيع في الأظهر)؛ لدلالته على الرضا، ويجري الخلاف فيما لو قال اشتر مني فقال اشتريت، أما لو قال المشتري اشتريت منك فقال البائع بعتك فينعقد البيع بلا خلاف.

(وينعقد) ولو من السكران

(4)

(بالكناية) وهي ما يحتمل البيع وغيره، ولذا لابد لها من نية مقترنة بجزء من الصيغة، ولا تغني عنها القرائن (كجعلته لك) أو خذه

(5)

-ما لم يقل بمثله، وإلا كان صريحَ قرضٍ

(6)

- أو تسلمه أو هو لك بكذا

(7)

أو باعك الله أو سلطتك عليه وكذا بارك الله لك فيه في جواب بعنيه، و أدخلته في ملكك، والعمرى والرقبى

(8)

أبحتكه فليست كناية ولو مع ذكر الثمن؛ لصراحتها في الإباحة مجانا لا غير (بكذا) لا يشترط ذكره، بل تكفي نيته

(9)

(في الأصح)؛ قياسا على نحو الإجارة والخلع. ولا ينعقد بالكناية بيع أو شراء وكيل لزمه الإشهاد ما لم تتوفر القرائن المفيدة لغلبة الظن، ومن الكناية الكتابة مع النية -لا على مائع أو هواء- ويقبل فورا عند علمه ويمتد خيارهما لانقضاء مجلس قبوله.

(1)

. اعتمده الرملي، والذي يظهر أن الشيخ ابن حجر معتمد للثاني.

(2)

. ذكر الشارح في سجود التلاوة فروعا لهذه القاعدة 2/ 210.

(3)

. المتقدم شرحه.

(4)

. على ما استوجهه الشارح في الطلاق.

(5)

. أي بكذا فيكون كناية بيع، نعم هي أيضا كناية قرض، أما لو قال خذه فقط فإن سبقه لفظ أقرضني فهو قرض، وإلا فهو كناية قرض أو بيع أو هبة.

(6)

. فلا يكون كناية بيع.

(7)

. كما في التحفة 4/ 218 خلافا للمغني.

(8)

. خلافا لهما فعندهما أنهما ليسا صريحين ولا كنايتين في البيع.

(9)

. خلافا لها.

ص: 11

وَيُشْتَرَطُ أَلَّا يَتَخَلَّلَ لَفْظٌ وَلَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا

[تنبيه] البيع بلا رضا ولا إكراه يحرم إن كان لنحو حياء أو مصادرة

(1)

بخلافه لضرورة نحو فقر أو دين فيحل باطنا قطعا

(2)

. (و) الرابع: (يشترط ألا يتخلل لفظ) من المطلوب جوابُهُ

(3)

ولا تعلق لذلك اللفظ بالعقد أي ليس من مقتضاه ولا من مصالحه ولا من مستحباته ولو كلمة إلا نحو قد (و) الخامس أن (لا يطول الفصل) بسكوت مريد الجواب -ولو قصيرا إن قصد به قطع الصيغة- أو كلام من انقضى لفظه بحيث يُشعِر بالإعراض وإن كان لمصلحة (بين لفظيهما) أو إشارتيهما أو كتابتيهما أو لفظ أحدهما وكتابة أو إشارة الآخر أو كتابة أحدهما وإشارة الآخر، والعبرة في التخلل في الغائب بما يقع منه عقب علمه أو ظنه بوقوع البيع له. والسادس أن يذكر الثمن المبتدئ

(4)

، والسابع أن تبقى أهليتهما، والثامن أن لا يُغَيِّر شيئا مما تلفظ به إلى تمام الشق الآخر، والتاسع أن يكون تكلم كلٌّ بحيث يسمعه من بقربه عادة وإن لم يسمعه الآخر، وإلا لم يصح وإن حملته الريح إليه، والعاشر أن يتمم المخاطَب بنفسه لا وكيله أو موكله أو وارثه ولو في المجلس، والحادي عشر أن لا يوقِّت ولو بنحو ألف سنة، والثاني عشر أن لا يعلِّق إلا بالمشيئة في اللفظ المتقدم

(5)

فلو قال بعتك إن شئتَ فقال اشتريتُ مثلا صح، وكذا إن قال شئتُ لكن إن نوى به الشراء، ولو قال المشتري اشتريت منك فقال البائع إن شئتَ بعتك صح

(6)

بخلاف بعتكما إن شئتما، وبعتك إن شئتَ بعد اشتريتُ منك وإن قبل

(1)

. خلافا للنهاية فاعتمد الحل ظاهرا وباطناً.

(2)

. عبارة الشارح في كتاب الطلاق (( .. ولا يجيء هذا الخلاف في نحو بيع بلا رضا، ولا إكراه بل يقطع بعدم حله باطنا لقوله تعالى {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء: 29 وحمله الأذرعي على نحو بيع لنحو حياء أو رهبة من المشتري أو رغبة في جاهه بخلاف ما إذا كره لمحبته للمبيع، وإنما باعه لضرورة نحو فقر أو دين فيحل باطنا قطعا كما لو أكره عليه بحق)).

(3)

. خلافا للشهاب الرملي والمغني والنهاية فقالوا وكذا من الآخر أي ممن انقضى لفظه، وعند الشارح أنه ليس مبطلا إلا إن أشعر بالإعراض فعندئذ يبطل وإن كان لمصلحة، بل صرح الشارح في كتاب الإقرار 5/ 398 بأنه لا يضر الكلام اليسير منه ولو أجنبيا.

(4)

. خلافا لهما فقالا أنه تكفي نيته.

(5)

. ويبطل مطلقا عند الشيخ ابن حجر ضم التاء في شئت حينئذ من النحوي.

(6)

. خلافا للرملي والخطيب والشهاب.

ص: 12

وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ، فَقَالَ: قَبِلْتُ بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ. وَشَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ

بعده أو قال شئتُ. ويصح التعليق بالملك كإن كان ملكي فقد بعتكه; لأن إن حينئذ بمعنى إذ. ويصح بعتك هذا بكذا على أن لي نصفه; لأنه بمعنى إلا نصفه. (و) الثالث عشر (أن يقبل على وفق الإيجاب) في المعنى، (فلو قال بعتك بألف مكسرة) أو مؤجلة (فقال قبلت بألف صحيحة) أو حالة أو إلى أجل أقصر أو أطول أو بألفين أو قبلت نصفه بخمسمائة (لم يصح)؛ لأنه قبل غير ما خوطب به ولو قال بعتك هذا بألف وهذه بمائة فقبل أحدهما بعينه صحت فيه

(1)

؛ لأن كلا عقد مستقل، (وإشارة

(2)

الأخرس

(3)

بالعقد) المالي وغيره وبالحل والحلف و النذر وغيرها -إلا في نحو الصلاة والشهادة وبعد الحلف على عدم الكلام- (كالنطق

(4)

؛ للضرورة، ثم إن فهمها الفطن وغيره فصريحة، أو الفطن وحده فكناية يتعذر بيعه -مثلا- بها؛ لعدم العلم بنيته إلا أن يقال إنه يكفي هنا نحو كتابة أو إشارة بأنه نوى؛ للضرورة

(5)

.

(وشرط العاقد

(6)

الإبصار، و (الرشد

(7)

يعني عدم الحجر عليه ليشمل من بلغ مصلحا لدينه وماله ثم استمر كذلك أو فسق بعدُ بل أو بذر ولم يحجر عليه ومن جُهِل رشده

(8)

، نعم لو ادعى والد بائع بقاء حجره عليه صدق بيمينه إلا إن اشتهر رشده بخلاف صبي -وإن قصد اختبار رشده- ومجنون، ومحجور عليه بسفه مطلقا

(9)

، أو فلس بالنسبة لبيع عين ماله، نعم يصح شراؤه مثلا في الذمة. ويصح بيع السكران المتعدي؛ تغليظا.

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. وإن أمكنته الكتابة كما في الطلاق 8/ 20.

(3)

. ومثله من اعتقل لسانه كما أفاده الشارح في الوصية 6/ 36.

(4)

. اعتمدا أن الكتابة مثله.

(5)

. عبارة الشارح في الطلاق وتعرف نيته فيما إذا أتى بإشارة أو كناية بإشارة أو كناية أخرى 8/ 20.

(6)

. خرج به غير العاقد فلا يشترط فيه الأهلية كما بحثه الشارح أول كتاب البيع.

(7)

. وذكر الشارح في الكفارة أنه لو ادعى البائع صغره عند العقد وأمكن صدق 7/ 277.

(8)

. على الأصح كما جهل سفهه، نعم الغريب يجوز معاملته جزما للحاجة 4/ 491.

(9)

. ويأتي في معاملة الرقيق أنه لو قال حجر عليَّ لم يصح تصرفه وإن أنكر السيد 4/ 491.

ص: 13

قُلْتُ: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ المُصْحَفَ. وَالمُسْلِمَ فِي الْأَظْهَرِ، إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا الحَرْبِيِّ سِلَاحًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ

(قلت: وعدم الإكراه

(1)

؛ لعدم الرضا، وليس من الإكراه قول مجبر لها لا أزوجك إلا إن بعتني مثلا كذا (بغير حق) بخلافه بحق

(2)

كأن تعين بيع ماله لوفاء دينه

(3)

. ومن أَكْرَه غيره على بيع مال نفسه صح منه; لأنه أبلغ في الإذن، ويصح بيع المصادر

(4)

. (ولا يصح شراء) يعني تملك (الكافر

(5)

ولو مرتدا لنفسه (المصحف) يعني ما فيه قرآن وإن قلّ أو كان ضِمْن علمٍ أو على نحو ثوب أو جدار ما عدا النقد؛ للحاجة، ولذا تُفَرَّق الصفقة لو كان بسقف البيت قرآن

(6)

، ومثل القرآن الحديث ولو ضعيفا وكتب آثار السلف؛ وذلك لتعريضها للامتهان. ويكره -لغير حاجة- بيع المصحف دون شرائه

(7)

(والمسلم) ولو بنحو تبعية والمرتد -؛ لبقاء علقة الإسلام- أو بعض أحدهما ولو بشرط العتق (في الأظهر)؛ لما فيه من إذلال المسلم

(8)

(إلا أن يعتق عليه) كبعضه ومن أقر أو شهد بحريته (فيصحُّ في الأصح)؛ لانتفاء إذلاله بعتقه (ولا) تملك الذمي -بغير دارنا لا فيها؛ لأنه في قبضتنا

(9)

- ولا تملك (الحربي) ولو مستأمنا (سلاحاً) -وهو هنا كل نافع في الحرب ولو درعا وفرسا- أو بعض سلاح شائعا؛ لأنه يستعين به على قتالنا بخلاف الباغي وقاطع الطريق؛ لسهولة تدارك أمرهما، وأصل السلاح كالحديد؛ لاحتمال أن يجعل غير سلاح فإن ظن جعله سلاحا حرم وصح (والله أعلم).

(1)

. يُراجع التنبيه السابق.

(2)

. ويراعى في بيعه حينئذ ما يراعى في بيع المفلس الآتي 5/ 130 - 132.

(3)

. ومن ذلك ما لو حملت أمتها على فساد فإنها تباع عليها كما إذا كلَّف قنه ما لا يطيق، نعم محله إذا تعين البيع طريقا للخلاص 4/ 317، ومن ذلك أيضا تطرق الاختلال للحيوان بسبب عدم أو قلة النفقة كما أفاده في القضاء 10/ 185.

(4)

. وتقدم حرمته باطنا خلافا للنهاية.

(5)

. وإن رجي إسلامه كما نص عليه الشارح في الإجارة 6/ 148.

(6)

. اعتمد الرملي الصحة.

(7)

. خلافا لشرح المنهج من الكراهة فيهما.

(8)

. ولذا صحَّ خيار الشرط لكافر في مسلم مبيع؛ إذ لا إذلال في مجرد الإجازة والفسخ كما أفاده الشارح في بابه 4/ 343.

(9)

. أي وإن خشي إرساله إلى أهل الحرب خلافا للرملي ووفاقا للخطيب.

ص: 14

وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ: طَهَارَةُ عَيْنِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالخَمْرِ وَالمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالخَلِّ وَاللَّبَنِ، وَكَذَا الدُّهْنُ فِي الْأَصَحِّ. الثَّانِي: النَّفْعُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الحَشَرَاتِ،

وللكافر التوكل في شراء كل ما مر لمسلم لا العكس. ويجوز بلا كراهة للمسلم الذي هو وكيل لكافر ارتهان واستيداع واستعارة المسلم ونحو المصحف لذلك الكافر، ويكره للمسلم إيجار عين قنّه، وإعارته، وإيداعه، لكن يؤمر بوضع المرهون عند عدل وينوب عنه مسلم في قبض المصحف; لأنه محدث وبإيجار المؤجر لمسلم كما يؤمر بإزالة ملكه -ولو بنحو كتابة القن- عمن أسلم في يده أو ملكه بنحو إرث أو فسخ أو إقالة أو رجوع أصل واهب أو مقرض، فإن امتنع باعه الحاكم عليه.

(وللمبيع) يعني المعقود عليه

(1)

ولو ثمنا

(2)

(شروط) خمسة:

أحدها (طهارة) أو إمكان طهارة (عينه

(3)

شرعا، (فلا يصح بيع الكلب) ولو معلما (والخمر) يعني المسكر وسائر نجس العين والمشتبه بطاهر؛ لصحة النهي عن ثمن الكلب، وأن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير (والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره) بالغسل (كالخل واللبن، وكذا الدهن في الأصح) وكماء تنجس وكآجر عجن بزبل لا دار بنيت به; لأنه فيها تابع، وأرض سمدت بنجس، ولا قن عليه وشم وإن وجبت إزالته. ويصح بيع القز وفيه الدود ولو ميتا; لأنه من مصلحته.

(الثاني النفع) به شرعا -ولو مآلا كجحش صغير-؛ لأن بذل المال في غيره سفه (فلا يصح بيع الحشرات) وهي صغار دواب الأرض كفأرة ولا عبرة بمنافعها المذكورة في الخواص،

(1)

. والثمن هو النقد إن وجد في أحد الطرفين وإلا فما اتصلت به الباء، والمثمن مقابله كما ذكره الشارح في باب حكم المبيع قبل قبضه 4/ 406. وذكر الشارح قبيل إحياء الموات أن المُوْصَى له بالمنفعة لو اشترى الرقبة ثم باعها انتقلت بمنافعها للمشتري 6/ 200.

(2)

. ويجوز كون المثمن منفعة كما يأتي، وكذا يجوز كون الثمن منفعة كما ذكره الشارح في السلم 5/ 6.

(3)

. وذكر الشارح في كفارة اليمين أنه يلزم البائع إخبار من اشترى ثوبا به نجس غير معفو عنه بالنسبة لاعتقاده بنجاسته؛ حذراً من أن يوقعه في صلاة فاسدة 10/ 17.

ص: 15

وَلَا كُلِّ سَبُعٍ لَا يَنْفَعُ، وَلَا حَبَّتَيِ الحِنْطَةِ، وَآلَةِ اللهْوِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْآلَةِ إنْ عُدَّ رُضَاضُهَا مَالًا. وَيَصِحُّ بَيْعُ المَاءِ عَلَى الشَّطِّ، وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ فِي الْأَصَحِّ

ويستثنى نحو يربوع

(1)

وضبٍّ مما يؤكل ونحل ودود قزٍّ وعلق

(2)

لمنفعة امتصاص الدم (ولا كل) طير و (سبع لا ينفع) لنحو صيد أو قتال أو حراسة كالفواسق الخمس وأسد، ونمر كبير مثلا لا يرجى تعلمه بخلاف الفهد فيصح بيعه للصيد وإن كان كبيرا؛ لأنه يرجى تعلمه وإن كان كبيرا

(3)

، ويصح بيع فيل لقتال وقرد لحراسة وهرة أهلية لدفع نحو فأر ونحو عندليب للأنس بصوته وطاووس للأنس بلونه وإن زيد في ثمنه لأجل ذلك، أما الهر الوحشي فلا يصح بيعه إلا إن كان فيه منفعة كهر الزباد

(4)

، وقدر على تسليمه. (ولا حبتي) نحو (الحنطة) وكل ما لا يقابل بمال

(5)

عرفا في حالة الاختيار، لانتفاء النفع بذلك، ولا يضمن وإن كفر مستحله (وآلة اللهو) المحرم كشبابة وصنم وصورة حيوان وكتب علم محرم، نعم يصح بيع نرد

(6)

صلح -من غير كبير كلفة- بيادق للشطرنج كجارية غناء محرم وكبش نِطاح; لأن المقصود أصالة الحيوان كما يصح بيع نقد عليه صورة حيوان. (وقيل يصح في الآلة إن عد رضاضها مالا) وفارقت صحة بيع إناء النقد قبل كسره؛ بأنها ما دامت بهيئتها لا يقصد منها غير المعصية. والمراد ببقائها بهيئتها أن تكون بحالة بحيث إذا أريد منها ما هي له لا تحتاج لصنعة وتعب وعليه يحمل حل بيع المركَّبة إذا فك تركيبها، و الصليب كالصنم إن كان من شعارهم المخصوصة بتعظيمهم (ويصح بيع الماء على الشط والتراب بالصحراء) ممن حازهما (في الأصح)؛ لظهور النفع فيهما، ولو اختصا بوصف زائد صح قطعا، ويصح بيع نصف دار شائع بنصفه الآخر كي لا يرجع الأصل مثلا في هبته.

(1)

. هي دويبة فوق الجرذ الذكر والأنثى فيها سواء.

(2)

. جمع علقة وهي دودة في الماء تمص الدم، تاج العروس.

(3)

. تُنظر حاشية عميرة على المحلي 2/ 99.

(4)

. وهو مثل السنور يجلب من نواحي الهند وقد يأنس ويحتلب شيئا شبيها بالزبد له رائحة طيبة، لسان العرب.

(5)

. أي متمول كما نبه عليه الشارح في كتاب الإقرار 5/ 375، ومعنى المتمول ما له قيمة عرفا ويقع موقعا يحصل به جلب نفع أو دفع ضر.

(6)

. يأتي تفسيره في الشهادات.

ص: 16

الثَّالِثُ إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالمَغْصُوبِ. فَإِنْ بَاعَهُ لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ

[فرع] من المنافع شرعا حق الممر بأرض أو على سطح، وجاز بيعه مع أنه محض منفعة؛ للحاجة

. ولا يصح بيع بيت أو أرض بلا ممر بأن احتف من جميع الجوانب بملك البائع أو المشتري أو غيره وكذا لو كان لها ممر ونفاه البائع عن العقد، نعم لو باع دارا واستثنى لنفسه بيتا منها فله الممر إليه إن لم يتصل البيت بملكه أو شارع

(1)

، فإن نفاه حينئذ صح إن أمكن اتخاذ ممر وإلا فلا، والفرق أن هذه فيها استدامة ويغتفر فيها ما لا يغتفر في الابتداء، ولو كان للبيت ممران -في مسألة ما لو استثنى البائع بيتاً- تخير المشتري في أخذ أحدهما إن استويا في نحو السعة وإلا تعين ما لا ضرر فيه. وإذا بيع عقار واشترط حقّ المرور للمشتري من جانب اشترط تعيينه -وإلا بطل إن احتف بملك البائع من كل الجوانب- فإن أطلق أو قال من كل جانب أو بحقوقها صح ومر من كل جانب، نعم محلّ حالة الإطلاق إن لم يلاصق الشارع أو ملك المشتري وإلا مرّ منه فقط، ولو اتسع ممر جاز للمالك تضييقه لكن بحيث لا يحصل للمار ضرر وإن فرض الازدحام.

(الثالث إمكان) حساً وشرعاً (تسليمه) من البائع للمشتري من غير كبير كلفة؛ وذلك لتوقف الانتفاع به ذلك، وقدرة المشتري على تسلمه حسّا (فلا يصح بيع الضال) كبعير نَدَّ

(2)

وطير سائب غير نحل، ونحل ليست أمه في الكوارة

(3)

ونحو سمك ببركة واسعة يتوقف أخذه منها على كبير كلفة عرفا (والآبق) وإن عرف محله ويختص بالآدمي (والمغصوب) ولو لكي يعتقه بخلاف الزَّمِن فيجوز شراؤه لكي يعتقه. (فإن باعه) أي ما ذكر (لقادر على انتزاعه) أو رده (صح على الصحيح) حيث لا مؤنة لها وقع تتوقف قدرته عليها؛ لتيسر وصوله إليه حينئذ. ولو جهل القادر نحو غصبه عند البيع تخير

(4)

؛ للاطلاع على العيب سواءٌ احتاج لمؤنة أم لا، وكذا يتخير إن طرأ عجزه بعد البيع؛ لحدوث العيب قبل القبض. ولو اختلفا في العجز حلف

(1)

. فإن اتصل بأحدهما فلا مرور له.

(2)

. ند البعير نفر وذهب على وجهه شاردا، تاج العروس.

(3)

. هي شيء يتخذ للنحل من القضبان والطين ضيق الرأس تعسل فيه، الصحاح.

(4)

. مطلقا وفصَّل الشهاب الرملي بين أن يحتاج لمؤنة فيبطل، وإلا فيتخير.

ص: 17

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا، وَيَصِحُّ فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا المَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ. وَلَا الجَانِي المُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ، وَكَذَا تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ فِي الْأَظْهَرِ

المشتري، ولو قال كنت أظن القدرة فبان عدمها حلف وبان عدم الانعقاد (ولا يصح بيع) ما يعجز عن تسليمه أو تسلمه شرعا كجذع في بناء و (نصف) مثلا (معين) خرج الشائع؛ لانتفاء إضاعة المال عنه (من الإناء والسيف ونحوهما) مما تنقص قيمته أو قيمة الباقي بكسره أو قطعه نقصا يحتفل بمثله كجدار أو عمود فوقه شيء أو كله قطعة واحدة من نحو طين أو خشب، وكذا لا يجوز إخراج صفٍّ من الجدار إن كان الجدار مكوَّناً من صفوف من لبن أو آجر ولم تجعل النهاية صفا واحدا، وكخشبة معينة من سفينة وجزء معين من حي لا مذكى؛ وذلك للعجز عن تسليم كل ذلك شرعا؛ لأنه فيه إضاعة مال.

[تنبيه] ضابط الاحتفال هنا كما في الوكالة التي اغتفروا فيها واحد في عشرة لا أكثر

، والمراد بالنقص النقص بالنسبة لأغلب محالّ بلدة العقد (ويصح في الثوب الذي لا ينقص بقطعه) كغليظ القطن (في الأصح) والحيلة شراء النفيس أن يتواطئا على شراء البعض ثم يقطع البائع ثم يعقدان فيصح اتفاقا (ولا) يصح بيع عين تعلق بها حق لله تعالى يفوت بالبيع كماء تعين للطهر، أو حق لآدمي كأرض أذن مالكها في زرعها فحرثها المأذون له وأصلحها فلا يصح بيعها إلا برضا المأذون بإعطائه ما زاد من القيمة بسببه، ولا بيع نحو (المرهون بغير إذن مرتهنه) ويصح بيعه للمرتهن نفسه (ولا) بيع (الجاني) لغير المجني عليه بغير إذنه (المتعلق برقبته مال) لكونه جنى خطأ أو شبه عمد أو عمدا وعفي على مال أو أتلف مالا (في الأظهر)؛ لتعلق حقهما بالرقبة، ومحل الثاني إن بيع لغير غرض الجناية ولم يفده السيد ولم يختر فداءه وهو موسر وإلا صحّ (ولا يضر) في صحة البيع (تعلقه بذمته) -كأن اشترى فيها بغير إذن سيده وأتلفه- أو بكسبه كمؤنة زوجته؛ لانتفاء تعلقه برقبته التي هي محل البيع (وكذا تعلق القصاص في الأظهر)؛ لرجاء السلامة بالعفو بل لو تحتم قتله كقاطع طريق قَتَل، وأَخَذ مالا كان كذلك؛ نظرا لحالة البيع، أما تعلقه ببعض أعضائه فلا يضر قطعاً.

ص: 18

الرَّابِعُ: المِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ. فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ، وَفِي الْقَدِيمِ مَوْقُوفٌ إنْ أَجَازَ مَالِكُهُ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيْتًا صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ

(الرابع الملك) في المعقود عليه التام فخرج بيع نحو المبيع قبل قبضه (لمن) يقع (له العقد) من عاقد أو موكله أو موليه كالحاكم في مال الممتنع والملتقط والظافر بغير جنس حقه. (فبيع) وسائر عقود (الفضولي) وهو من ليس بوكيل ولا ولي عن المالك (باطلٌ

(1)

سواءٌ في عين غيره أو في ذمة غيره، وصحّ ((لا بيع إلا فيما تملك)(وفي القديم موقوفٌ) الصحة (إن أجاز مالكه) أو وليه (نفذ، وإلا فلا) وخرج بقولنا أو في ذمة غيره ما لو قال في الذمة أو أطلق فيقع للمباشر وبالفضولي ما لو اشترى بمال نفسه أو في ذمته لغيره وأذن له الغير وسماه هو

(2)

في العقد فيقع للآذن ويكون الثمن قرضا بخلاف نظيره في السلم لا يصح; لأنه لا بد فيه من القبض الحقيقي. و لو قال لمدينه اشتر لي عبدا مما في ذمتك صح للموكل، ثم إن حسبه من الدين بطل وإلا صحّ -بأن كان ما أقبضه قرضا عليه- إن وجدت شروط التقاص.

[تنبيه] قول الماوردي يجوز شراء ولد المعاهد منه ويملكه لا سبيه محمول على الاستيلاء

، وما بذله من مال إنما هو للتمكين لا للشراء الصحيح، ومثله ولد الحربي لكن يلزمه تخميسه أو تخميس فدائه إن اختاره الإمام؛ لأن الابن يعتق على الأب عند قصد الاستيلاء بخلاف الأخ والمستولدة فيصحّ الشراء ولا يلزم التخميس. (ولو باع مال مورثه) أو غيره أو زوّج أمته أو أعتق قنه (ظانا حياته) أو عدم إذن الغير له (فبان ميْتا) أو آذنا له (صح) البيع وغيره (في الأظهر) ; لأن العبرة في العقود بما في نفس الآمر، والوقف هنا للتبين.

(1)

. نعم ذكر الشارح في الحجر أن من خاف على مال غائب من جائر ولم يمكنه تخليصه منه إلا بالبيع جاز له بيعه 5/ 179.

(2)

. أي وسمى المشتري الغير، فإن لم يسمه أو سماه ولم يأذن له وقع للمباشر.

ص: 19

الخَامِسُ: الْعِلْمُ بِهِ، فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بَاطِلٌ، وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ تُعْلَمُ صِيعَانُهَا،

(الخامس العلم به) أي المعقود عليه عينا في المعين، وقدراً وصفة فيما في الذمة؛ للنهي عن الغرر، وهو ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد لا يشترط العلم للضرورة أو المسامحة كاختلاط حمام البرجين

(1)

وماء السّقاء في الكوز

(2)

ولو لشرب دابة وكل ما المقصود لبه، ولو انكسر ذلك الكوز من يد المشتري بلا تقصير لم يضمن إلا قدر كفايته

(3)

منه لا الكوز

(4)

ولا الزائد عليه؛ لأنهما أمانة في يده. والمراد بالعلم هنا ما يشمل الظن وإن لم يطابق الواقع كشراء زجاجة بثمن كثير يظن أنها جوهرة. وتشترط رؤية المبيع المعين وهي من لازم العلم به

(5)

. ووقت العلم هو حال العقد فنحو سدس عشر تسع ألف لا يصح إن جهلا بالحساب وإن كان يُعلم بعد خلافا لما في نظيره من القراض، وعلى ما مر لو باع نصيبه من مشترك وهو يجهل كمِّيته

(6)

لم يصح. (فبيع أحد الثوبين) مثلا وإن استوت قيمتهما (باطل) كما لو لم يخصصا قيمة كلٍّ في مشترك باعاه؛ للجهل بعين المبيع أو الثمن. وقد تغني الإضافة والإشارة عن التعيين كداري وليس له غيرها وكهذه الدار، وإن غلط في حدودها، وأفتى ابن الصلاح في صك فيه جملة زائدة وتفصيل أنقص منها بأنها إن تقدمت عُمِل بها؛ لإمكان الجمع بكون التفصيل لبعضها، وإن تأخرت فإن قيل فمجموع ذلك كذا حكم بالتفصيل; لأنه المتيقن وإن لم يقل ذلك حكم بالجملة (ويصح بيع صاع من صبرة) وهي طعام مجتمع، والمراد منها هنا كل متماثل الأجزاء بخلاف نحو أرض وثوب (تعلم صيعانها) للمتعاقدين؛ لعدم الغرر وتنزل على

(1)

. فيجوز إذا اختلط حمام البرجين أن يبيع أحدهما ما له لصاحبه كما يأتي في الصيد والذبائح 9/ 338 ـ 339.

(2)

. هو كوب بلا عروة 6/ 2.

(3)

. لأنه اشترى ما يرويه من الماء فقط.

(4)

. ذكر الشارح في الإجارة أن يد المشتري يد ضمان على ظرف مبيع قبضه فيه لتمحض قبضه لغرض نفسه 6/ 177.

(5)

. كما يصرح به قول المصنف قبيل باب الربا: ((وتعتبر رؤية

الخ)) أما إن كان البيع في الذمة كاشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فيصح ذلك من الأعمى كالسلم كما أشار إليه الشارح.

(6)

. خالفه الرملي.

ص: 20

وَكَذَا إنْ جُهِلَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الحَصَاةِ ذَهَبًا، أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ، أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِير لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ، وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ تَعَيَّنَ،

الإشاعة فإذا تلف بعضها تلف بقدره من المبيع (وكذا إن جُهلت في الأصح)؛ لعلمهما بقدر المبيع مع تساوي الأجزاء، ويُنَزَّل على صاع مبهم حتى لو لم يبق منها غيره تعين وإن صب عليها مثلها أو أكثر، نعم محله ما لم يتميز المصبوب. ثمّ إن محل صحة مسألة المتن حيث لم يريدا صاعا معينا منها أو لم يقل من باطنها أو إلا صاعا منها وكان أحدهما يجهل كيلها؛ للجهل بالمبيع بالكلية، وحيث علم أن الصبرة تفي بالمبيع وإلا فإن بانت أقلّ أو مساوية بطل وإلا فلا، ولو باع جميع الصبرة اشترط أن لا يكون بمحلها ارتفاع أو انخفاض وإلا فإن علم أحدهما ذلك لم يصح إن لم ير المحل قبل الوضع وإن جهلا ذلك فإن ظن تساوي المحل أو الظرف صح وخُيِّر من لحقه النقص، نعم لو كان تحت كومة الطعام حفرة صح البيع و يكون ما فيها للبائع

(1)

(ولو باع) في الذمة (بملء) أو ملء (ذا البيت حنطة أو بزنة) أو زنة (هذه الحصاة ذهبا أو بما باع به فلان فرسه) وأحدهما يجهل قدر ذلك (أو بألف دراهم ودنانير لم يصح)؛ للجهل بالقدر، ولذا لو علماه قبل العقد صح، وإن قال بما باع به ولم يذكر المثل ولا نواه بطل أيضا; لأنه محمول عليه، نعم لو انتقل حينئذ ثمن الفرس للمشتري وعلم البائع ذلك صحّ البيع إن أعطاه عين ذلك الثمن. وخرج بما في الذمة المعين كبعتك ملء أو بملء ذا الكوز من هذه الحنطة أو الذهب، وإن جهل قدره؛ لإحاطة التخمين برؤيته

(2)

(ولو باع بنقد) وعيّن شيئا موجودا اتبع وإن عزّ فإن كان معدوما أصلا بطل ولو مؤجلا، أو كان معدوما في البلد فإن كان حالا أو مؤجلا إلى أجل لا يمكن نقله إليه للبيع قبل مضي الأجل بطل وإلا فلا. أما إن لم يعيّن بأن أطلق (وفي البلد) أي بلد البيع ويظهر عدم تناول الحكم لمن لم يكن من أهلها أو لمن يعلم نقودها (نقد غالب تعين) ولو مغشوشا أو ناقص الوزن; لأن الظاهر إرادتهما له، نعم إن تفاوتت قيمة أنواعه أو رواجها وجب التعيين. وذكر النقد للغالب والمراد به هنا مطلق

(1)

. خلافا للنهاية فاعتمد أن ما فيها للمشتري والخيار للبائع وفي المغني ما يوافقه.

(2)

. فرض المسألة أن يبيعه الحنطة وحدها في غير الكوز.

ص: 21

وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ المَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ،

العوض كفلوس وحنطة فلو غلبت الفلوس حمل العقد عليها ولو لم يذكرها

(1)

بل إن اطرد عرفهم بالتعبير بالدينار عن الدراهم أو عن الفلوس أو عن الحنطة حُمل عليه

(2)

(أو نقدان) أو عرضان (ولم يغلب أحدهما) وتفاوتا قيمة أو رواجا -وإلا سلم المشتري أحدهما- (اشترط التعيين) لأحدهما في العقد لفظا، ولا تكفي النية. ولو أبطل السلطان ما وجب بعقد نحو بيع أو إجارة أو قرض -وإن كان أبطله في مجلس العقد- لم يعط غيره سواءٌ زاد سعره أو نقص أو عز وجوده فإن فقد وله مثل وجب، وإلا اعتبرت قيمته وقت المطالبة. ويجوز التعامل بالمغشوشة المعلوم قدر غشها أو الرائجة وإن جهل قدر غشّها سواء كانت له قيمة لو انفرد أم لا استهلك فيها أم لا؛ لأن المقصود رواجها، وإنما لم يصح بيع تراب المعدن؛ نظرا إلى أن المقصود منه النقد وهو مجهول، وكذا يقال في عدم صحة بيع اللبَن -المخلوط بالماء لغير نحو حموضته

(3)

- ونحو المسك المختلط بغيره لغير تركيب، وفي عدم صحة السلم والقرض في الجواهر والحنطة المختلطة بشعير مع صحة بيعها معينة، ثم إن النقد المغشوش يحمل المطلق عليه إن غلب وهو مثلي فيضمن بمثله إلا إن فقد المثل فبقيمة الدراهم ذهبا وعكسه يوم الطلب، نعم إن غصبت فأقصى الفم أو تلفت فقيمة يوم التلف (ويصح بيع الصبرة المجهولة الصيعان) والقطيع المجهول العدد والأرض أو الثوب المجهولة الذرع (كلَّ صاع) أو رأس أو ذراع، فالشرط هنا لصحة البيع أن يذكر الصبرة ويذكر كل صاعٍ بدرهم عقبها، وعليه فلو اقتصر على كل صاع بدرهم وأشار إلى الصبرة لم يصح. ولو قال بعتك من هذه كلّ صاعٍ بدرهم

(4)

لم يصحّ إن نوى بمن التبعيض أو أطلق بخلاف ما لو أراد بها البيان فيصح; لأن التقدير حينئذ شيئا هو هذه، نعم إن قال بعتك هذه الصبرة كلَّ صاع منها بدرهم صح؛ لإضافة البيع للجميع أوَّلاً (بدرهم)؛ لمشاهدة المبيع وتفصيل الثمن جملة، ولو أخرج بعض صاع أعطي بعض الدرهم بحصته؛ لأنه مثلي متسامح فيه بعكس المتقدم كبعض الشاة، ومن ثم لو قال بعتك هذا القطيع أو الثياب مثلا كل اثنين مثلا بدرهم بطل; لأن فيه توزيع الدرهم

(1)

. خالفاه فقالا كلامهم محمول على أنه ذكرها في العقد.

(2)

. خالفه الشهاب الرملي فقال لا يصح لأنه مجمل.

(3)

. وإلا فيصح إن كان بقدر الحاجة.

(4)

. ومثل ذلك ما لو قال كل صاع بدرهم من هذه.

ص: 22

وَلَوْ بَاعَهَا بِماِئَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ خَرَجَتْ ماِئَةً، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ،

على قيمتهما وهي مختلفة غالبا فيؤدي للجهل. وخرج ببيع الصبرة بيع بعضها كما لو باع منها كل صاع بدرهم فلا يصح للجهل. (ولو باعها بمائة درهم كل صاع) أو رأس أو ذراع (بدرهم صح إن خرجت مائة)؛ لموافقة الجملة التفصيل (وإلا فلا على الصحيح)؛ لتعذر الجمع بينهما. ولو قال بعتك هذا على أن قدره كذا تخير البائع في الزيادة والمشتري في النقص، فإن قال البائع بعد ذلك إن نقص فعليّ وإن زاد فلك تخير المشتري في النقص فإن أجاز فبكل الثمن، لا البائع في الزيادة؛ لأنها داخلة في المبيع.

[فرع] لو اعتيد طرح شيء عند نحو الوزن من الثمن أو المبيع لم يعمل بتلك العادة

ثم إن شُرط ذلك في العقد بطل وإلا فلا. ولا يصح بيعه ثلاثة أذرع مثلا من أرض ليحفرها ويأخذ ترابها; لأنه لا يمكن أخذ تراب الثلاثة إلا بأكثر منها (ومتى كان العوض معينا) أي مشاهدا (كفت معاينته) وإن جهلا قدره; لأن من شأنه أن يحيط التخمين به، نعم يكره بيع مجهول نحو الكيل جزافا؛ لأنه يوقع في الندم؛ لتراكم الصبر بعضها على بعض غالبا بخلاف المذروع. (والأظهر أنه لا يصح)؛ للنهي عن بيع الغرر (بيع الغائب) الثمن أو المثمن بأن لم يره أحد العاقدين وإن كان حاضرا في مجلس البيع، أو وُصف ولو تواترا، أو رآه ليلا ولو في ضوء إن ستر الضوء لونه كورق أبيض، فالشرط هنا الرؤية العرفية التي تظهر للناظر من غير مزيد تأمل، ومثل رؤيته في الليل رؤيته من وراء نحو زجاج وكذا ماء صاف إلا الأرض والسمك; لأن به صلاحهما، وصَحَّت إجارة أرض مستورة بماء ولو كدرا; لأنها أوسع. (والثاني يصح) البيع إن ذكر جنسه (ويثبت الخيار) للمشتري وكذا البائع (عند الرؤية)؛ لحديث فيه، وكالبيع الصلح والإجارة والرهن والهبة ونحوها بخلاف نحو الوقف. (وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا) يظن أنه (يتغير غالبا) أي ما لا يغلب تغيره فالقيد للمنفي فيصح في ما يحتمل التغير وعدمه سواء كحيوان (إلى وقت العقد) كأرض وآنية وحديد، نعم لا بد أن يكون ذاكرا حال البيع لأوصافه التي رآها كأعمى اشترى ما رآه قبل العمى وإلا لم يصح، وإذا اشترى ما لا يتغير

ص: 23

دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا. وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ المَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ، وَأُنْمُوذَجِ المُتَمَاثِلِ، أَوْ كَانَ صُِِوَانًا لِلْبَاقِي خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ

غالبا فوجده متغيرا عما رآه عليه تخير، فإن اختلفا في التغير صدق المشتري وتخير (دون ما) يظن أنه (يتغير) لطول مدة أو سرعة فساده مثلا.

[تنبيه] المدار هنا على الغلبة لا الفعل، فلو غلب التغير مثلا فلم يتغير لم يتغير الحكم (غالبا)؛ إذ لا وثوق ببقائه على أوصافه المرئية. (وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه كظاهر الصبرة) من نحو الحب والجوز والأدقة والتمر المنزوع النوى في نحو قوصرة

(1)

والقطن في عدل والبر في بيت وإن رآه من كوة; لأن الغالب استواء ظاهر ذلك وباطنه فإن تخالفا تخير وكذلك تكفي رؤية أعلى المائعات في ظروفها ولا يصح بيع نحو مسك في فارته معها أو دونها إلا إن فرغها ورآهما أو رآها فارغة ثم رأى أعلاه بعد ملئها منه، ويصح بيع نحو سمن رآه في ظرفه معه موازنة إن علما زنة كل وكان للظرف قيمة، ولا يصح بيع شيء موازنة بشرط حط قدر معين منه بعد الوزن في مقابلة الظرف بخلاف شرط وزن الظرف وحط قدره؛ لانتفاء الجهالة حينئذ. وخرج بقوله ((دلّ)) صبرةُ نحو رمانٍ وبطيخ وعنب فلا بد من رؤية جميع كل واحدة، وإن غلب عدم تفاوتها، وكذا تراب الأرض، ومن ثم لو باعه قدر ذراع طولا وعمق من أرض لم يصح; لأنه مختلف. (و) تكفي رؤية بعض المبيع الدال على باقيه نحو (أُنْمُوذَج المتماثل) أي المتساوي الأجزاء كالحبوب، وهو ما يسمى بالعِيْنَة ثم إن أدخلها في البيع في صفقة واحدة صح، وإن لم يردَّها إلى المبيع; لأن رؤيته تدل على الباقي، وإن لم يدخلها في البيع لم يصحّ وإن ردها للمبيع؛ لأنه لم ير المبيع ولا شيئاً منه (أو كان صُِوانا للباقي خلقةً) وإن لم يدل عليه (كقشر) قصب السكر الأعلى و (الرمان والبيض) والقطن لكن بعد تفتحه (والقشرة السفلى) وهي: ما تكسر عند الأكل وكذا العليا إن لم تنعقد (للجوز واللوز) ; لأن بقاءه فيه من صلاحه. وذكر الخلقي للاحتراز عن جلد الكتاب فإنه لا بد من رؤية جميع أوراقه وكذا الورق البياض، ولا يرد عليه نحو القطن في جوزه والدر في صدفه ونحو الجبة المحشوة بالقطن؛ لأن الغالب في الخلقي أن بقاءه فيه من مصلحته فأريد به ما هو الغالب فيه ومن شأنه

(1)

. هي الذي يكنز فيه التمر من البواري، تاج العروس.

ص: 24

وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَصْفَهُ بِصِفَةِ السَّلَمِ لَا يَكْفِي، وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى وَقِيلَ: إنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ فَلَا

(وتعتبر رؤية كل شيء على ما يليق به) عرفا، أي بأن يَرَى منه ما يختلف معظم المالية باختلافه فيرى في الدار والبستان والحمام كل ما اشتملت عليه حتى البالوعة والطريق ومجرى ماء تدور به الرحا وفي السفينة رؤية جميعها حتى ما في الماء منها; لأن بقاءها فيه ليس من مصلحتها، وفي الأمة والعبد ما عدا ما بين السرة والركبة كالشعر وفي الدابة جميع أجزائها لا لسان حيوان ولو آدميا وأسنانه، وإجراء نحو فرس وباطن حافر. ويشترط في ثوب مطوي نشره، ورؤية وجهيه إن اختلفا كبساط وكل منقش وإلا -كقطن- كفت رؤية أحدهما (والأصح أن وصفه) أي المعين الذي يراد بيعه

(1)

(بصفة السلم) ولو تواترا (لا يكفي)؛ لأن الرؤية تحيط بما لم تحط به العبارة، ولذا كان كل عقد يشترط فيه الرؤية لا يصح من الأعمى

(2)

(ويصح سلم الأعمى) ; لأنه يعرف الأوصاف، ومحله حيث لم يكن رأس المال معينا ابتداء وحينئذ يوكل من يقبض له أو عنه وإلا لم يصحّ منه؛ لوجوب الرؤية حال العقد، وتصحّ إقالته أيضا

(3)

(وقيل إن عمي) خلقة أو (قبل تمييزه) بين الأشياء (فلا) وله شراء نفسه وإيجارها; لأنه لا يجهلها.

[فرع] يشترط رؤية الدار

(4)

أو ذكر حدودها ويكفي حدّان إن تميزت بهما

(5)

، أما بيع الماء وحده أو مع قراره فالحاصل فيه أنه لا يصح بيع الماء من نحو نهر أو بئر وحده مطلقا؛ للجهل به، وأن محل نبع الماء إن ملك ووقع البيع على قراره أو بعض منه معين صح ودخل الماء كله أو ما يخص ذلك المعين، وإن لم يملك المحل بل ما يصل إليه لم يدخل الماء ملكا بل دخل استحقاق الأرض الشرب منه.

(1)

. أما الذي بيع في الذمة فيصح وصفه بصفة السلم كما يأتي.

(2)

. خالفاه فقالا إلا شراء من يعتق عليه وبيعه ورد ذلك الشارح.

(3)

. خالفه الرملي.

(4)

. ولو قال بعتك من هذا الموضع إلى هذا الموضع لم يدخل المبدأ كما ذكره الشارح في الإقرار 5/ 384.

(5)

. قياس ما يأتي في كتاب القضاء أنه يكفي حد إن تميَّز به، والاكتفاء أيضا بالشهرة التامة عن ذكر الحدود 10/ 179.

ص: 25

إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا جِنْسًا اُشْتُرِطَ الحُلُولُ وَالمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ

[فرع آخر] يصحّ بيع الجبة وحشوها وأيضا الجدار وأسه أو بأسه أو مع أسه

ولا تشترط رؤية الأس؛ لأنه تابع فاغتفر الغرر

(1)

، والمراد بالأس هنا الأساس الذي هو بعض الجدار فهذا لا تشترط رؤيته ويدخل في البيع عند الإطلاق، أما الأساس الذي هو مكان البناء الذي بني عليه الجدار فيشترط رؤيته؛ لأنه يدخل في البيع عند الإطلاق

(2)

.

(باب الربا)

وهو لغة: الزيادة وشرعا: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما. والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والإجماع، وتحريمه تعبدي، وهو إما ربا فضلٍ بأن يزيد أحد العوضين، ومنه ربا القرض بأن يشرط فيه ما فيه نفع للمقرض غير نحو الرهن، أو ربا يد بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض، أو ربا نَساء بأن يُشرط أجلٌ في أحد العوضين (إذا بيع

(3)

الطعام بالطعام) أو النقد بالنقد كما يأتي (إن كانا جنسا) واحدا بأن جمعهما اسم خاص من أول دخولهما في الربا واشتركا فيه اشتراكا معنويا كتمر معقلي وبرني. وخرج بالخاص العام كالحب وبما بعده الأدقةُ فإنها دخلت في الربا قبل طرو هذا الاسم لها فهي أجناس كأصولها وبالأخير

(4)

التمر والجوز الهنديان مع التمر والجوز المعروفين. لكن هذا الضابط منتقض باللحوم والألبان؛ لصدقه عليها مع أنها أجناس كأصولها (اشترط الحلول) من الجانبين فمتى اقترن بأحدهما تأجيل ولو للحظة فحل وهما في المجلس لم يصح (والمماثلة) مع العلم بها (والتقابض

(5)

يعني القبض الحقيقي فلا يكفي نحو

(1)

. انظر كلامه على ذلك في البيوع المنهي عنها وفي فصل بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما.

(2)

. انظر كلام الشارح على هذا في الشفعة مع كلام أصحاب الحواشي.

(3)

. ويجري الربا في القسمة التي هي بيع كما يأتي في بابها 10/ 203.

(4)

. وهو ((واشتركا فيه اشتراكا معنويا)).

(5)

، نعم لا ربا في التبسط من الغنيمة لمن له التبسط ولو بيع المطعوم بمثليه كما أفاده الشارح في السير 9/ 256.

ص: 26

قَبْلَ التَّفَرُّقِ. أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ، وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ

حوالة، نعم يكفي هنا قبض من غير تقدير المقبوض بالكيل أو الوزن ويكفي مع حبس البائع المبيع إلى أداء الثمن (قبل التفرق) حتى لو كان العوض معينا كفى الاستقلال بقبضه، ويكفي قبض وارثيهما في مجلس العقد بعد موتهما وهما فيه

(1)

ومأذونيهما -قبل تفرقهما لا بعده لقدرتهما على القبض قبل تفرق الآذنين بخلاف الوارث- لا غيرهما ولو سيدا وموكلا؛ لأنه يقبض عن نفسه. ولو قبضا البعض صح فيه تفريقا للصفقة. (أو جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط الحلول والتقابض) يعني القبض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((لذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)) أي مقابضة ومن لازمها الحلول غالبا. والأولان شرطان للصحة ابتداء والتقابض شرط للصحة دواما، ومن ثم ثبت فيه خيار المجلس.

[تنبيه] لو لم يتقابضا قبل التفرق بطل سواء وقع التفرق بالاختيار أو بالإكراه

(2)

، أما الإجازة

(3)

ففيها تفصيل حاصله أنهما متى تقابضا بعدها وقبل التفرق بان دوام صحته وإلا بان بطلانه من حين الإجازة فعليهما إثم تعاطي عقد الربا إن تفرقا عن تراض فإن فارق أحدهما أثم فقط (والطعام ما قصد للطُعم) بأن يكون أظهر مقاصده تناول الآدمي له -كالفول- وإن لم يأكله إلا نادرا كالبلّوط

(4)

أو شاركه فيه البهائم غالبا، فإن قصد للنوعين فربوي إلا إن غلب تناول البهائم له، أما مطعوم بهائم قصد لطعمها

(5)

وغلب تناولها له كعلف رطب فهو غير

(1)

. أي يشترط وجود الوارث في المجلس عند موت المورث، ويكفي عند النهاية قبضهما في مجلس علمهما بالموت.

(2)

. خالفاه فيه.

(3)

. خلافا للنهاية والمغني والشهاب الرملي من أن الإجازة كالتفرق وإن تقابضا بعدها قبل التفرق.

(4)

. البلوط ثمر شجر يؤكل ويدبغ بقشره، لسان العرب.

(5)

. أي فإن قصد للآدميين وغلب تناول البهائم له فربوي وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 27

اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا. وَأَدِقَّةُ الْأُصُولِ المُخْتَلِفَةِ الجِنْسِ، وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا أَجْنَاسٌ. وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ. وَالمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي المَكِيلِ كَيْلًا، وَالمَوْزُونِ وَزْنًا، ....

ربوي، ومن غير الربوي أيضاً الورد والخروع

(1)

وجلد وإن أكل تبعا ما لم يقصد للأكل غالبا، ودهن نحو سمك ومطعوم نحو جنّ. (اقتياتا) بحسب عرف بلد العقد

(2)

كبر وحمص وماء عذب؛ إذ لا يتم الاقتيات إلا بالماء. (أو تفكها) أي ما يقصد به تأدم أو تحلّ أو تحرف أو تحمض كسائر الفواكه والبقولات (أو تداويا) كملح وكل مصلح من الأبازير والبهارات وسائر الأدوية كزعفران ودهن نحو خروع وورد ولبان وصمغ وحب حنظل؛ للخبر السابق فإن فيه نص على هذه الأقسام بذكر مثلها كالملح فإنه مصلح للغذاء ولا فرق بينه وبين مصلح البدن؛ إذ الأغذية لحفظ الصحة والأدوية لردها (وأدقة الأصول المختلفة الجنس وخلولها وأدهانها أجناس)؛ لأنها فروع أصول مختلفة ربوية فأعطيت حكم أصولها، ثم كل خلين لا ماء فيهما واتحد جنسهما يشترط فيهما المماثلة وكل خلين فيهما ماء لا يباع أحدهما بالآخر مطلقا؛ لأنهما من قاعدة مد عجوة، وكل خلين في أحدهما ماء إن اتحد الجنس لم يبع أحدهما بالآخر لمنع الماء المماثلة وإلا بيع. وخرج بالمختلفة الجنس المتحدة الجنس كأدقة أنواع البر فهي جنس واحد وبأدهانها دهن نحو الورد والبنفسج فكلها جنس واحد؛ لأن أصلها الشيرج

(3)

(واللحوم والألبان) والأسمان والبيوض كل منها (كذلك) أي أجناس (في الأظهر) كأصولها فيجوز بيع لحم أو لبن البقر بلحم أو لبن الضأن متفاضلا. ولحم ولبن الجواميس مع البقر أو الضأن مع المعز جنس (والمماثلة تعتبر في المكيل) كحب وتمر وخل وعصير ودهن مائع -لا جامد- ولوز بلا قشر أو به لكن إن لم يختلف قشره، ولبن بسائر أنواعه وإن تفاوت بعضها وزنا كحليب برائب

(4)

، نعم قطع الملح الكبار المتجافية في المكيال موزونة (كيلا و الموزون) كنقد وعسل ودهن جامد وما يتجافى في المكيال (وزنا)؛ للنص على ذلك في الخبر الصحيح، فلا يجوز بيع بعض موزون ببعضه كيلا ولا عكسه؛ تعبدا. ويؤثر قليل نحو تراب في وزن لا كيل.

(1)

. هي شجرة تحمل حبّا كأنه بيض العصافير يسمى السمسم الهندي مشتق من التخريع، وقيل: الخروع كل نبات قصيف ريان من شجر أو عشب، لسان العرب.

(2)

. واعتمد الرملي العرف العام.

(3)

. وهو دهن السمسم، لسان العرب.

(4)

. نعم تقدم في شرط العلم بالمبيع عدم صحة بيع اللبن المخلوط بالماء بنقد.

ص: 28

وَالمُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا جُهِلَ يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اُعْتُبِرَ. وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ. وَلَوْ بَاعَ جَُِزَافًا تَخْمِينًا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءً، وَتُعْتَبَرُ المُمَاثَلَةُ وَقْتَ الجَفَافِ،

(والمعتبر غالب عادة أهل الحجاز في عهد رسول الله عليه وسلم)؛ لظهور أنه أقره (وما جهل) يعتبر فيه عرف الحجاز حالة البيع فإن لم يكن لهم عرف فيه فإن كان أكبر جرما من التمر المعتدل فموزون جزما وإلا فإن كان مثله كاللوز

(1)

أو دونه فـ (يراعى فيه عادة بلد البيع) حالة البيع فإن اختلفت اعتبر الأغلب فيه فإن فقد الأغلب ألحق بالأكثر شبها فإن لم يوجد جاز فيه الكيل والوزن. ويتخير متبايعان بطرفي بلدين مختلفي العادة. (وقيل الكيل)؛ لأنه الأغلب فيما ورد (وقيل الوزن)؛ لأنه أضبط (وقيل يتخير)؛ للتساوي (وقيل إن كان له أصل) معلوم المعيار (اعتبر).

(والنقد) أي الذهب والفضة ولو غير مضروبين، وعله الربا فيه جوهرية الثمن، ولذا لا ربا في الفلوس وإن راجت (بالنقد كطعام بطعام) وهذا يسمى صرفا، ولا فرق فيه وفيما مر بين كون العوضين معينين أو في الذمة أو أحدهما معينا والآخر في الذمة، كبعتك هذا بما صفته كذا في ذمتك ثم يعين ويفيض قبل التفرق، لا بعتك ما بذمتك بما في ذمتي؛ لأنه بيع دين بدين، ولا نظر في هذا الباب لتميز أحد العوضين بزيادة قيمة ولا صنعة. (ولو باع) طعاما أو نقدا بجنسه وقد ساواه في ميزان مثلا ونقص عنه في أخرى، أو (جَُِزافا تخمينا) وإن غلب على ظنه التساوي بالاجتهاد (لم يصح وإن خرجا سواء)؛ للجهل بالمماثلة حال العقد. وخرج بتخمينا ما لو باع صبرة بأخرى مكايلة أو كيلا بكيل أو صبرة دراهم بأخرى موازنة أو وزنا بوزن فيصح إن تساويا وإلا فلا ويكفي قبضهما هنا قبل كيلهما ووزنهما، وما لو علما ولو بإخبار أحدهما للآخر وقد صدقه تماثلهما قبل البيع ثم تبايعا وتقابضا جزافا فإنه يصح.

والمماثلة لا تتحقق إلا في كاملين وضابط الكمال أن يكون الشيء بحيث يصلح للادخار كسمن أو يتهيأ لأكثر الانتفاعات به كلبن. (و) من ثم لا (تعتبر المماثلة) إلا (وقت الجفاف)؛

(1)

. المراد التمثيل به من حيث حجمه، وإلا فقد تقدم أنه مكيل تحفة 4/ 279.

ص: 29

وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوْ لا؛ فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ، وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ أَصْلًا، وَفِي قَوْلٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا. وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيق وَالخُبْزِ، بَلْ تُعْتَبَرُ المُمَاثَلَةُ فِي الحُبُوبِ حَبًّا، وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ حَبًّا أَوْ دُهْنًا،

ليصير كاملاً، ويشترط مع ذلك عدم نزع نوى التمر

(1)

؛ لأنه يعرضه للفساد بخلاف نحو خوخ، ويشترط في اللحم انتفاء عظم وملح يؤثر في وزن وتناهي جفافه -بخلاف نحو التمر مما معياره الكيل فلا يعتبر فيه تناهي الجفاف- لا بر ببر ابتلا أو أحدهما ولو بعد الجفاف (وقد يعتبر الكمال أوْ لا) يعتبر وذلك خاص بالعرايا الآتية؛ لأن الكمال اعتبر فيها أول أحواله عند البيع (فلا يباع رُطَبٌ برُطَبٍ ولا بتمر ولا عنب بعنب ولا بزبيب) ولا بسر ببسر ولا برطب ولا بتمر ولا طلع إناث بأحدها ولا بمثله؛ للجهل الآن بالمماثلة وقت الجفاف، (وما لا جفاف له كالقِثاء

(2)

والعنب الذي لا يتزبب) والحصرم والبلح (لا يباع) بعضه ببعض (أصلا)؛ لتعذر العلم بالمماثلة فيه، نعم الزيتون

(3)

يباع بعضه ببعض حال اسوداده ونضجه؛ لأنه كامل، نعم يعتبر ما يجفّ من نحو القثاء (وفي قول تكفي مماثلته رطبا) كاللبن. (ولا تكفي مماثلة) المتولد من الحب نحو (الدقيق والسويق) وهو دقيق الشعير والنشا (والخبز)؛ لتفاوت نعومة الدقيق وتأثير نار الخبز، نعم يجوز بيعه بنخالته؛ لأنها ليست ربوية وبمسوس لم يبق فيه لب أصلاً، (بل تعتبر المماثلة في الحبوب) المتناهي جفافها المنقاة من نحو تبن (حبا وفي حبوب الدهن كالسِّمسِّم حبا أو دهنا) أو كُسْبا

(4)

خالصا من نحو ملح ودهن فله حالات كمال فيباع كل بمثله لا سمسم بشيرج

(5)

وطحينية بطحينية وكسب به دهنٌ بمثله أو بطحينية

(6)

أو بشيرج؛

(1)

. نعم لا يشترط ذلك في النواحي التي لا يتعرض فيها للفساد.

(2)

. هو اسم جنس لما يقول له الناس الخيار والعجور والفقوس، وبعض الناس يطلقه على نوع يشبه الخيار، الصحاح.

(3)

. واعتمد النهاية عدم الاستثناء؛ لأن رطوبته زيتية مع الاتفاق على جواز بيع بعضه ببعض.

(4)

. هو ثفل بزر القطن والكتان والسمسم بعد عصره، والمراد بالثفل ما يبقى من المادة بعد عصرها.

(5)

. وهو دهن السمسم.

(6)

. وهو ثفل السمسم بعد عصره.

ص: 30

وَفِي الْعِنَبِ زَبِيبًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ، وَكَذَا الْعَصِيرُ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي اللَّبَنِ لَبَنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا، وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالجُبْنِ وَالْأَقِطِ. وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوِ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ، ....

لأنه من قاعدة مد عجوة ودرهم، (وفي العنب زبيبا أو خل عنب وكذا العصير) من نحو رُطَب وعنب ورمان وغيرها (في الأصح)؛ لأن ما ذكر حالات كمال فيجوز بيع بعض كل منها ببعضه إلا نحو خل التمر أو الزبيب؛ لأن فيه ما يمنع العلم بالمماثلة كما مر.

[تنبيه] يتحصل أن محل امتناع بيع الشيء بما اتخذ منه ما لم يكونا كاملين أو يفرط التفاوت بينهما

كبيع عصير العنب بخله متفاضلا

(1)

فهما جنسان؛ لإفراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود، (و) تعتبر (في) ماهية (اللبن -لبنا أو سمنا أو مخيضا- صافيا) من أنفحة

(2)

مثلا أو ماء يؤثر في الكيل ولا يضر كمون زبدٍ في مخيض

(3)

، ويجوز بيع بعض أنواع اللبن الذي لم يغل بالنار ببعض كيلا بعد سكون رغوته وإن كان الخاثر أثقل وزنا، (ولا تكفي المماثلة في سائر) أي باقي (أحواله كالجبن والأقط

(4)

والمصل

(5)

والزبد؛ لمخالطة الأنفحة أو الملح أو الدقيق أو المخيض، ولا بيع زبد بسمن، ولا لبن بما اتخذ منه كسمن ومخيض، (ولا تكفي مماثلة ما أثرت فيه النار بالطبخ أو القلي أو الشي

(6)

أو العقد كالسكر فلا يباع بعض منها بمثله؛ للجهل بالمماثلة باختلاف تأثير النار فيها

(7)

. وخرج بالطبخ وما بعده الغلي في الماء

(8)

فيباع ماء مُغْلَى بمثله (ولا يضر تأثير تمييز) بالنار (كالعسل والسمن) فيباع كل منهما بمثله بعد التمييز، لا قبله؛ للجهل بالمماثلة.

(1)

. وظاهر الأسنى والمغني اشتراط التماثل.

(2)

. هي كَرِشُ الحَمَلِ أَو الجَدْي ما لم يَأْكُل فإِذا أَكلَ فهي كَرِشٌ، تاج العروس.

(3)

. اللبن المخيض هو الذي مخض، أي حرك وأخذ زبده، تاج العروس.

(4)

. هو لبن محمض يجمد حتى يتحجر ويطبخ أو يطبخ به.

(5)

. وهو الأقط بعد غليانه وعصره قاله الشارح في كتاب الرضاع، 8/ 285.

(6)

. المشوي هو الناضج بالنار، ذكره الشارح في السلم.

(7)

. بل وإن ضبطت نارها كالسكر واللبأ؛ لأنهم ضيقوا في باب الربا، ولذا صح المسلم منهما؛ لانضباط نارهما، أي؛ لأنها إذا زادت أو نقصت فسد، كما ذكره الشرقاوي ص 29.

(8)

. عبارة فتح الجواد: ((لا يضر عرض عليها لنحو تسخين أو تمييز أو تصفية)).

ص: 31

وَإِذَا جَمَعَتِ الصَّفْقَةُ رِبَوِيًّا مِنَ الجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الجِنْسُ مِنْهُمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، وَكَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ. أَوِ النَّوْعُ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَبَاطِلَةٌ

(وإذا جمعت الصفقة) أي عقد البيع وإن تعدد البائع أو المشتري. وخرج بهذا تعددها بتفصيل الثمن لفظاً كبعتك هذا بهذا وهذا بهذا فلا تجري فيه القاعدة الآتية (ربويا) واحدا أي متحد الجنس (من الجانبين) ولو ضمنيا كسمسم بدهنه؛ لأن بروز مثل الكامن في السمسم يقتضي اعتبار ذلك الكامن، ومرّ أن الماء ربوي لكنه لا تجري فيه هذه القاعدة إن قُصِد بالتبع كدار بها بئر ماء عذب بيعت بمثلها. والمراد بالتابع هنا ما لا يقصد بالمقابلة ومثل ذلك بيع بر بشعير وفي كلٍّ حبات من الآخر قليلة بحيث لا تقصد بالإخراج وإن أثّرت في الكيل، وبيع دار فيها معدن ذهب مثلا جهلاه بذهب، وقولهم لا أثر للجهل بالمفسد في باب الربا محله في غير التابع بخلاف ما إذا علما أو أحدهما به أو كان فيها تمويه بذهب يتحصل منه شيء فإنه المقصود بالمقابلة فتجري القاعدة كبيع ذات لبن بذات لبن وإن جهل؛ لأنه يقصد منها غالبا بخلاف المعدن من الأرض، وإنما لم تجر في بيع فرس لبون

(1)

بمثلها؛ لأن لبنها لا يقصد بالمقابلة وإن قصد في نفسه (واختلف الجنس) أي جنس المبيع سواءٌ أكان المضموم للربوي المتحد الجنس من الجانبين ربويا أم غير ربوي (منهما) جميعهما بأن اشتمل أحدهما على جنسين اشتمل عليهما الآخر (كمد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم) وكثوب ودرهم بثوب ودرهم، أو مجموعهما بأن لم يشتمل الآخر إلا على أحدهما كثوب مطرز بذهب أو قلادة فيها خرز وذهب بيع أو بيعت بذهب، فإن كان الثمن فضة اشترط تسليم الذهب وما يقابله من الثمن في المجلس، (وكمد ودرهم بمدين أو درهمين، أو) اختلف (النوع) وقد يكون نوعا حقيقيا كجيد ورديء بهما أو بأحدهما بشرط تميزهما؛ إذ لا يتأتى التوزيع إلا حينئذ بخلاف ما إذا لم يتميزا بشرط أن تقل حبات الآخر

(2)

بحيث لو ميزت لم تظهر في الكيل، وإنما لم يضر كما مر خلط أحد الجنسين بحبات من الآخر بحيث لا يقصد إخراجها لتستعمل برا أو شعيرا وإن أثرت في الكيل؛ لأن التساوي بين الجنسين غير معتبر. وقد يكون الاختلاف في النوع صفةً (كصحاح ومكسرة بهما أو بأحدهما) وقيمة المكسر دون قيمة الصحاح في الكل أو عكسه؛ لأن التوزيع الآتي إنما يتأتى حينئذ، ومن قاعدة مد عجوة ما لو باع ذهبا بذهب أحدهما مختلط بنحو نخاس (فباطلة)؛

(1)

. خلافا لعموم كلامهما.

(2)

. خلافا لهما ووفاقا لشيخ الإسلام.

ص: 32

وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ

لأنه صلى الله عليه وسلم ((نهى عن بيع قلادة فيها خرزٌ وذهبٌ بذهب حتى يمُيَزَّ بينهما))، ولأن قضية اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين أن يوزع ما في الطرف الآخر عليهما باعتبار القيمة والتوزيع هنا يؤدي للمفاضلة أو عدم العلم بالمماثلة؛ لأنه تخمين والتخمين قد يخطئ ففي بيع مد ودرهم بمدين إن زادت قيمة المد على الدرهم الذي معه أو نقصت تلزم المفاضلة وإن ساوته لزم الجهل بالمماثلة وقس الباقي. والكلام في المعين؛ لصحة الصلح عن ألف درهم وخمسين دينارا بألفي درهم، ويأتي أنه لو عوض

(1)

دائنه عن دينه النقد نقدا من جنسه وغيره مع الجهل بالمماثلة صح.

[تنبيه] يبطل بيع دينار مثلا فيه ذهب وفضة بمثله أو بأحدهما ولو خالصا وإن قل الخليط

؛ لأنه يؤثر في الوزن مطلقا، فإن فرض عدم تأثيره فيه ولم يظهر به تفاوت في القيمة صح، والحيلة المخلصة من الربا بسائر أنواعه مكروهة. (ويحرم) ويبطل (بيع اللحم) ولو لحم سمك، وهو هنا يشمل نحو أليه وقلب وطحال وكبد ورئة وجلد صغير يؤكل غالبا (بالحيوان) ولو سمكا وجرادا (من جنسه وكذا بغير جنسه من مأكول وغيره) حتى الآدمي (في الأظهر)؛ للخبر الصحيح ((أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان)). ويصح بيع نحو بيض ولبن بحيوان بخلاف لبن شاة بشاة فيها لبن.

(1)

. ويكفي عندهما أن يوفيه به من غير لفظ تعويض لكن بمعناه كأن قال خذها عن دينك.

ص: 33

باب

نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَهُوَ ضِرَابُهُ، وَيُقَالُ: مَاؤُهُ، وَيُقَالُ: أُجْرَةُ ضِرَابِهِ، فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ، وَكَذَا أُجْرَتُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْ حَبَلِ الحَبَلَةِ، وَهُوَ نِتَاجُ النِّتَاجِ بِأَنْ يَبِيعَ نِتَاجُ النِّتَاجِ أَوْ بِثَمَنٍ إلَى نِتَاجُ النِّتَاجِ

(باب) في البيوع المنهي عنها

ثم النهي إن كان لذات العقد أو لازمه -بأن فقد بعض أركانه أو شروطه- اقتضى بطلانه وحرمته

(1)

؛ لأن تعاطي العقد الفاسد -مع العلم بفساده أو مع التقصير في تعلمه- حرام

(2)

، وقد يجوز لاضطرارٍ تعاطيه كأن امتنع ذو طعام من بيعه منه إلا بأكثر من قيمته فله الاحتيال بأخذه منه ببيع فاسد حتى لا يلزمه إلا المثل أو القيمة، وقد يكون النهي لخارج عنه اقتضى حرمته فقط فمن الأول (نهي رسول الله عليه وسلم عن عَسْب الفحل

(3)

وهو ضرابه) أي طروقه للأنثى و هذا هو الأشهر، (ويقال ماؤه، ويقال أجرة ضرابه فيحرم ثمن مائه) ويبطل بيعه؛ لأنه غير معلوم ولا متقوم ولا مقدور على تسليمه (وكذا أجرته في الأصح)؛ لأن فعل الضراب غير مقدور عليه للمالك، نعم يندب الإهداء لصاحب الفحل كما يسن إعارته للضراب. (وعن حبَل الحبَلة

(4)

وهو نِتاج النِتاج بأن يبيع نتاج النتاج) كما عليه اللغويون؛ لانعدام شروط البيع (أو بثمن) مؤجل (إلى نتاج النتاج) كما فسره روايه ابن عمر رضي الله عنهما؛ لجهالة الأجل.

(1)

. وذكر الشارح في التيمم أن منه بيع نحو ماء احتاج إليه في الوقت بلا حاجة للموجب أو للقابض 1/ 336. ومر في الحج أن من قطع سواكا أو دواء من الحرم لا يجوز له بيعه.

(2)

. قيده الغزالي بما إذا قصد به تحقيق المعنى الشرعي دون إجراء اللفظ من غير تحقيق معناه فإنه باطل، ثم إن كان له محمل كملاعبة الزوجة بنحو بعتك نفسك لم يحرم وإلا حرم؛ إذ لا محمل له غير المعنى الشرعي. تحفة 4/ 291.

(3)

. رواه الشيخان.

(4)

. رواه الشيخان.

ص: 34

وَعَنِ المَلَاقِيحِ وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ. وَالمَضَامِينِ وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ. وَالمُلَامَسَةِ بِأَنْ يَلْمَسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ أَوْ يَقُولَ إذَا لَمَسْته فَقَدْ بِعْتُكَهُ. وَالمُنَابَذَةِ بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا. وَبَيْعِ الحَصَاةِ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الحَصَاةُ عَلَيْهِ أَوْ يَجْعَلَا الرَّمْيَ بَيْعًا، أَوْ بِعْتُكَ وَلَك الخِيَارُ إلَى رَمْيِهَا. وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا، وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ ..

(وعن الملاقيح وهي ما في البطون

(1)

من الأجنَّة، (والمضامين وهي ما في أصلاب الفحول) من الماء

(2)

؛ لفقد شروط البيع (و الملامسة

(3)

بأن يلمُِس ثوبا مطويا) أو في ظلمة (ثم يشتريه على ألا خيار له إذا رآه) أو على أنه يكتفي بلمس عن رؤيته (أو يقول إذا لمسته فقد بعتكه)؛ اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس أو الشرط (و المنابذة

(4)

بأن يجعلا النبذ) أي الطرح (بيعا)؛ اكتفاء به عن الصيغة بعد قوله أنبذ إليك ثوبي هذا بعشرة مثلا أو يقول إذا نبذته فقد بعتكه أو متى نبذته انقطع الخيار أو على أنك تكتفي بنبذه عن رؤيته، وبطلانه؛ لعدم الرؤية أو الصيغة أو للشرط الفاسد (وبيع الحصاة

(5)

بأن يقول بعتك من هذه الأثواب ما تقع هذه الحصاة عليه -أو يجعلا الرمي بيعا- أو بعتك ولك) أو لي أو لنا (الخيار إلى رميها)؛ لنحو ما مر (وعن بيعتين في بيعة

(6)

بأن) أي كأن (يقول بعتك بألف نقدا أو ألفين إلى سنة) فخذ بأيهما شئت أنت أو أنا أو شاء فلان؛ للجهالة بخلافه بألف نقدا وألفين لسنة وبخلاف نصفه بألف ونصفه بألفين (أو بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني) أو فلانا (دارك بكذا) أو تشتري مني أو من فلان كذا بكذا؛ للشرط الفاسد (وعن بيع وشرط كبيع بشرط بيع) كما مر (أو قرض) أو بشرط غيرهما كإجارة وإعارة. ثم إذا عقدا الثاني مع علمهما

(1)

. فإطلاق الملاقيح على ما في بطون الإبل وغيرها سائغ لغة، خلافا للمنهج والمغني.

(2)

. رواه مالك والبزار.

(3)

. رواه الشيخان.

(4)

. رواه الشيخان.

(5)

. رواه مسلم.

(6)

. رواه الترمذي وصححه.

ص: 35

وَلَوِ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُِدَهُ الْبَائِعُ أَوْ ثَوْبًا وَيَخِيطَهُ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ، وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الخِيَارِ أَوِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ أَوْ بِشَرْطِ قَطْعِ الثَّمَرِ وَ الْأَجَلِ

بفساد الأول صح

(1)

وإلا فلا، نعم يستثنى من هذا الرهنُ، فلو كان على شخص لآخر دين قديم فاشترى أو اقترض المدين من دائنه وشرط الدائن في البيع أو القرض رهنا لدينه السابق مع ظن صحة ذلك الشرط فأعطاه المدين الرهن ثم بان لهما فساد الشرط فيصح الرهن لأنه صادف محلا وإن فسد البيع والقرض

(2)

؛ لأن الرهن مجرد توثق، وإنما بطل الرهن مع البيع فيما إذا قال لدائنه بعني هذا بكذا على أن أرهنك على الأول والآخر كذا؛ لأنه شرط الرهن على لازم هو الأول وغير لازم هو الآخر فبطل؛ للجهالة بما يخص كلا من الدينين من الرهن (ولو اشترى زرعا بشرط أن يحصُِده البائع أو ثوبا و) -ذكر الواو هنا غير شرط- البائع (يخيطه) أو بشرط أن يخيطه، نعم لا يعتبر شرطا قوله يعني الثوب بكذا خِطْه بالأمر إن قصد به مجرد الأمر لا الاشتراط (فالأصح بطلانه) أي الشراء؛ لاشتماله على شرط فاسد؛ لتضمنه إلزامه بالعمل فيما لم يملكه بعد، ومقابله يصحّ؛ لأن العمل في المبيع وقع تابعا لبيعه. وخرج بقولنا ((فيما لم يملكه)) ما لو تضمن إلزامه بالعمل فيما يملكه كأن كان الشرط من البائع على المشتري كما لو اشترى بيتا بشرط أن يبني حائطه فيبطل قطعا.

[تنبيه] لا يخفى بطلان بيع العهدة

؛ لما فيه من التلفيق الغير صحيح، والحاصل أن كل شرط منافٍ لمقتضى العقد إنما يبطل إن وقع في صلب العقد أو بعده وقبل لزومه لا إن تقدّم عليه ولو في المجلس.

[فرع] حيث صحّ العقد لم يجبر على فسخه بوجهٍ وما قبض بشراء فاسد مضمون بدلا وأجرة ومهرا وقيمة ولد كالمغصوب ويقلع غرس وبناء المشترى ويرجع به على البائع؛ لشبهة إذن المالك فأشبه المستعير، وتطيين الدار كصبغ الثوب فيرجع بنقصه إن كلف إزالته وإلا فهو شريك به.

(ويستثنى صور كالبيع بشرط الخيار أو البراءة من العيب أو بشرط قطع الثمر و الأجل) في غير الربوي؛ لأول آية الدين، وشرطه أن يحدد بمعلوم للعاقدين كإلى العيد أو شهر

(1)

. ولا بد من قرينة تقضي بصدق ما ادعاه كما ذكره الشارح في باب الضمان 5/ 257.

(2)

. وهو ما اعتمده الشارح في الرهن 5/ 63.

ص: 36

وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ المُعَيَّنَاتِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْإِشْهَادِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ المُعَيَّنُ فَلِلْبَائِعِ الخِيَارُ

كذا لا فيه ولا إلى نحو الحصاد كما يأتي في السلم بتفصيله المطرد هنا. وأن لا يبعد بقاء الدنيا إليه كألف سنة وإلا فيبطل البيع للعلم حال العقد بسقوط بعضه وهو يؤدي إلى الجهل به المستلزم للجهل بالثمن؛ لأن الأجل يقابله قسط منه، أما إن بعد بقاء العاقدين إليه كمائتي سنة فيصح وينتقل بعد موت البائع لوارثه ويحل بموت المشتري. (والرهن)؛ للحاجة إليه في التوثيق. وشرطه العلم به بالمشاهدة أو الوصف بصفات السلم، ولا ينافيه ما مر إنها لا تجزئ عن الرؤية؛ لأنه في معين لا موصوف في الذمة وما هنا كذلك، وكونه غير المبيع فيفسد بشرط رهنه إياه ولو بعد قبضه؛ لأنه بمنزلة استثناء منفعة في البيع (والكفيل)؛ للحاجة إليه أيضا وشرطه العلم به بالمشاهدة، أو باسمه ونسبه لا بوصفه بموسر ثقة؛ لأن الأحرار لا يمكن التزامهم في الذمة مع اختلافهم في الإيفاء. والكلام في (المعينات) بما ذكرناه وإلا فسد البيع. وشرط كل منها أن يكون (بثمن) أو مثمن (في الذمة)؛ لأن الأعيان لا تؤجل ثمنا ولا مثمنا ولا يرتهن بها ولا تضمن أصالة، فاشتريت بهذا على أن أسلمه وقت كذا أو أرهن به كذا أو يكفلني به زيد فاسد. نعم يأتي في الضمان صحة ضمان العين المبيعة والثمن المعين بعد القبض فيهما وكذا سائر الأعيان المضمونة. ولا يصح بيعه سلعة من اثنين على أن يتضامنا؛ لأنه شرط على كل ضمان غيره، ولو قال اشتريته بألف على أن يضمنه زيد إلى شهر صح وإذا ضمنه زيد مؤجلا تأجل في حقه وكذا في حق المشتري، (والإشهاد)؛ لقوله تعالى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} البقرة: 282 (ولا يشترط تعيين الشهود في الأصح)؛ لثبوت الحق بأي عدول كانوا، ومن ثم لو عينهم لم يتعينوا ولو امتنعوا لم يتخير (فإن لم يرهن) المشتري أو جاء برهن غير المعين ولو أعلى قيمة منه أو لم يشهد (أو لم يتكفل المعين) وإن أقام له المشتري ضامنا آخر ثقة (فللبائع) فوراً (الخيار)؛ لفوات ما شرطه، ويتخير فورا أيضا فيما إذا لم يقبضه الرهن لهلاكه أو غيره كظهور عيب به قديم وكظهور المشروط رهنه جانيا وإن عفي عنه مجانا أو فدي ولو تاب؛ لأن نقص قيمته لا ينجبر بما حدث من نحو عفو وتوبة. ولا خيار إن مات بمرض سابق أو كان عينين وتسلم إحداهما فماتت أو تعيبت وامتنع الراهن من تسليم الأخرى.

ص: 37

وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ فَالمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ المُشْتَرِي بِالْإِعْتَاقِ

(ولو باع عبدا بشرط إعتاقه) مطلقا، أو إعتاق كله، وكذا لو اشترى كل العبد بشرط إعتاق بعضه

(1)

مبهما

(2)

أو معينا؛ لأنه يؤدي إلى السراية (فالمشهور صحة البيع والشرط)؛ لقصة بريرة المشهورة. وخرج بما مرّ شرط نحو وقفه وإعتاق غيره، وشرط إعتاقه عن البائع أو أجنبي فلا يصح؛ لأنه ليس في معنى ما ورد به الخبر

(3)

. وشمل كلامه شرطه فيمن يعتق عليه كأبيه ومن أقر أو شهد بحريته فيصح ويكون تأكيدا ما لم يقصد به إنشاء عتق

(4)

؛ لتعذر الوفاء به حينئذ.

[تنبيه] الشرط المؤثر هنا هو ما وقع في صلب العقد من المبتدئ به

ولو المشتري سواء أكان هناك محاباة من البائع لأجله أم لا، ويلحق بالواقع في صلب العقد الواقع بعده في زمن خياره مجلسا أو شرطا إن كان من البائع ووافقه المشتري عليه أو عكسه كأن ألحق أحدهما حينئذ زيادة أو نقصا في الثمن أو المبيع أو الخيار أو الأجل ووافقه الآخر بقوله قبلت مثلا لكن في غير الحط من الثمن؛ لأنه إبراء وهو لا يحتاج لقبول، ويكفي رضينا بزيادة كذا، فإن لم يوافقه بأن سكت بقي العقد وإن قال لا أرضى إلا بذلك بطل ولا يتقيد ما ذكر بالعاقدين بل يجري في الموكل ومن انتقل له الخيار كالوارث. (والأصح أن للبائع) أو وارثه وله حكمة في جميع ما يأتي (مطالبة المشتري بالإعتاق)؛ ليحصل ثواب شرطه، أما آحاد الناس فلهم المطالبة به حسبة

(5)

وليس لهم المطالبة في غير الحسبة إن كان العبد مكلفا؛ لأنه يمكنه المطالبة. ولا يلزمه عتقه فورا إلا بالطلب أو عند ظن فواته فإن امتنع أجبره الحاكم عليه وإن لم يرفعه إليه البائع بل وإن أسقط هو أو القن حقه فإن أصر أعتقه عليه، والولاء مع ذلك للمشتري وله قبل عتقه وطؤها واستخدامه وكسبه وقيمته إن قتل ولا يلزمه صرفها لشراء مثله لا نحو بيع ووقف وإجارة

(1)

. قال الشيخ ابن حجر ((أما لو اشترى بعضه بشرط إعتاق ذلك البعض فيصح من غير نزاع، لكن إن كان باقيه حرا أو له- أي الباقي للمشتري- ولم يتعلق به مانع كرهن، أو لغيره وهو موسر لحصول السراية)) اهـ، وقوله فيصح خلافا لهما.

(2)

. خلافا لهم.

(3)

. هكذا علل في النهاية والمغني.

(4)

. خلافا لهما فقد اعتمدا البطلان مطلقا.

(5)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 38

وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَشَرْطِ أَلَّا يَأْكُلَ إلَّا كَذَا صَحَّ. وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا، أَوِ الدَّابَّةِ حَامِلًا، أَوْ لَبُونًا صَحَّ، وَلَهُ الخِيَارُ إنْ أَخْلَفَ، وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ

(وأنه) أي البائع (لو شرط مع العتق الولاء له) لم يصح؛ لأن الولاء لمن اعتق (أو شرط تدبيره أو كتابته) مطلقا (أو إعتاقه بعد شهر) أو وقفه ولو حالا (لم يصح البيع)؛ لمخالفته غرض الشارع (ولو شرط مقتضى العقد كالقبض والرد بعيب) صح يعني لم يضره؛ إذ هو تصريح بما أوجبه الشارع (أو ما لا غرض فيه) أي عرفا فلا عبرة بغرض العاقدين أو أحدهما (كشرط ألا يأكل إلا كذا) -إن حل أكله- (صح) العقد وكان الشرط لغوا. أما إن شرط ما لا يلزم أصلا كجمعِهِِ بين أُدُمَيْن أو صلاته للنوافل وكذا للفرض أول وقته فسد العقد كبيع سيف بشرط أن يقطع به الطريق بخلاف بيع ثوب حرير بشرط لبسه؛ لأنه لم تتحقق المعصية فيه؛ لجوازه لأعذار (ولو شرط وصفا يقصد ككون العبد كاتبا أو الدابة حاملا) ويعرف الحمل عند البيع في البهيمة بقول أهل الخبرة وفي الأمة بانفصاله لدون ستة أشهر من البيع مطلقا أو لدون أربع سنين منه بشرط أن لا توطأ وطأً يمكن كونه منه (أو لبونا) أي ذات لبن (صح) الشرط؛ لما فيه من المصلحة (وله الخيار) فورا (إن أخلف) الشرط إلى ما هو أدون، فلو تعذر الفسخ لنحو حدوث عيب عنده فله الأرش بتفصيله الآتي. ولو تعذر معرفة المشروط -بنحو بينة- قبل اختياره كأن مات المبيع قبل الاختيار صدق المشتري بيمينه في فقد الشرط؛ لأن الأصل عدمه بخلاف ما لو ادعى عيبا قديما؛ لأن الأصل السلامة

(1)

. أما ما لا يقصد كالسرقة فلا خيار بفواته لأنه من البائع إعلام بعيبه ومن المشتري رضاً به، وأما إذا أخلف إلى ما هو أعلى فلا خيار أيضا، والعبرة في كونه أعلى أو أدون بالعرف، ويكفي أن يوجد من الوصف المشروط ما ينطلق عليه الاسم إلا إن شرط الحسن في شيء فإنه لا بد أن يكون حسنا عرفا وإلا تخير، ولو قيد بحلب أو كتابة شيء معين كل يوم أو في بعض الأيام بطل وإن علم قدرته عليه (وفي قول يبطل العقد في الدابة)؛ لجهله، ورُدَّ أنه تابع.

(1)

. ورد الشارح إفتاء الشهاب الرملي واعتمده ابنه من أن البائع يصدق بيمينه في كونها حاملا إذا شرطاه وأنكره المشتري.

ص: 39

وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الحَمْلِ وَحْدَهُ، وَلَا الحَامِلِ دُونَهُ وَلَا الحَامِلِ بِحُرٍّ. وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا مُطْلَقًا دَخَلَ الحَمْلُ فِي الْبَيْعِ.

وَمِنَ المَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يَبْطُلُ لِرُجُوعِهِ إلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ بِأَنْ يَقْدَمَ غَرِيبٌ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الحَاجَةُ إلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ

[فرع] لو اشترى حبَّا للبذور بشرط أنه ينبت فإن شهد خبيران قبل بذره بعدم إنباته تخير في رده

، وكذا لو حلف المشتري

(1)

أنه لا ينبت، فإن انتفى ذلك كله بأن بذره كله فلم ينبت شيئا مع صلاحية الأرض وتعذر إخراجه منها أو صار غير متقوم أو حدث به عيب فله الأرش وهو ما بين قيمته حبا نابتا وحبا غير نابت كما لو اشترى بقرة بشرط أنها لبون فماتت في يده ولم يعلم أنها لبون وحلف أنها غير لبون له الأرش والمبيع تلف من ضمان المشتري. ولو باع بذرا على أنه بذرُ قِثاء فزرعه المشتري فأورق ولم يثمر فلا يتخير، وإن أورق غير ورق القثاء فله الأرش (ولو قال بعتكها وحملها) أو بحملها أو مع حملها (بطل في الأصح)؛ لأن ما لا يصح بيعه وحده لا يصح بيعه مقصودا مع غيره (ولا يصح بيع الحمل وحده ولا الحامل دونه)؛ لأنه كعضو منها (ولا الحامل بحر) ورقيق لغير مالك الأم وإن كان للمشتري بنحو إيصاء أو الحامل بغير متقوم

(2)

كأن حملت آدمية أو بهيمة من مغلظ، ومثل صورة المتن لبون بضرعها لبن لغير مالكها (ولو باع حاملا مطلقا دخل الحمل في البيع) إن اتحد مالكهما إجماعا وإلا بطل، ولو وضعت ثم باعها فولدت آخر لدون ستة أشهر من الأول كان للمشتري؛ لانفصاله في ملكه.

(فصل) في المنهيات التي لا يقتضي النهي فسادها

(ومن المنهي عنه ما لا يَبطُل) بيعه (لرجوعه إلى معنى) خارج عن ذاته ولازمها ولكنه (يقترن به كبيع حاضر لباد) ذكرهما للغالب (بأن يقدم غريب) هو مثال، ولذا لو كان بعض أهل البلد عنده متاع مخزون فأخرجه ليبيعه بسعر يومه فتعرض له من يفوضه له ليبيعه له تدريجا بأغلى حرم

(3)

(بمتاع تعم الحاجة إليه) مطعوما أو غيره (ليبيعه بسعر يومه) أي الوقت

(1)

. وقياس كلام الرملي تصديق البائع.

(2)

. خلافا لما اعتمده الشهاب الرملي واقتضاه كلامهما.

(3)

. خلافا لما نقله الشوبري عن الرملي.

ص: 40

فَيَقُولُ بَلَدِيٌّ: اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ؛ بِأَنْ يَتَلَقَّى طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا إلَى الْبَلَدِ فَيَشْتَرِيَهُ مِنْهُم قَبْلَ قُدُومِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ، وَلَهُمْ الخِيَارُ إذَا عَرَفُوا الْغَبْنَ.

الحاضر فيسأله تأخيره عنه؛ لأن النفوس إنما تتشوف للشيء في أول أمره، فلو أراد مالكه تأخير زمن فسأله آخر أن يؤخره عنه لم يحرم (فيقول بلدي) مثلا أو أكثر (اتركه عندي) مثال أيضا (لأبيعه) أو ليبيعه فلان معي أو بنظري (على التدريج بأغلى)؛ للخبر الصحيح ((لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض))

(1)

فالتحريم خاص بالقائل للمالك ذلك ولأن شأن ذلك التضييق على الناس بخلاف ما لا يحتاج إليه إلا نادرا وما لو قصد المالك بيعه بنفسه تدريجا فسأله آخر أن يفوض له ذلك أو سأله المالك أو سأل هو المالك أن يبيع له بسعر يومه أو استشاره فأشار عليه بما هو الأصلح له؛ لوجوب الإرشاد عليه. ولو قدم من يريد الشراء فتعرض له من يشتري له رخيصا أثم إن كان الشراء بمتاع تعم الحاجة إليه وإن كان بغير ذلك كالنقد فلا؛ لأن النقد لا تعمّ الحاجة إليه. ولا بد هنا وفي ما يأتي إلا ما استثني أن يكون عالما بالنهي أو مقصرا في تعلمه.

(وتلقِّي) أيّ قادم ولو واحدا ماشيا وورد الحديث بالركبان؛ لأنه الأغلب (الركبان) للشراء منهم بأن يخرج لحاجة فيصادفهم فيشتري منهم أو (بأن يتلقى طائفة) وهي تشمل الواحد (يحملون متاعا) وإن ندرت الحاجة إليه (إلى البلد) يعني إلى المحل الذي خرج منه الملتقى أو إلى غيره (فيشتريه منهم) بغير طلبهم (قبل قدومهم) أي لما يمتنع القصر فيه (ومعرفتهم بالسعر)؛ للنهي الصحيح عن ذلك؛ لاحتمال غبنهم، ولا إثم ولا خيار بتلقيهم في البلد قبل الدخول للسوق وإن غبنهم؛ لتقصيرهم، ولا فيما إذا عرفوا سعر البلد الذي قصدوه ولو بخبره إن صدقوه فيه فاشترى منهم به أو بدونه ولو قبل قدومهم؛ لانتفاء الغبن ولا فيما إذا اشترى منهم بطلبهم وإن غبنهم، ولا حرمة إذا لم يعرفوا السعر ولكن اشتراه به أو بأكثر؛ إذ لا ضرر (ولهم الخيار) فورا (إذا عرفوا الغبن) وثبت ذلك وإن عاد الثمن

(2)

إلى ما أخبر به؛ للخبر مع عذرهم. ويتوقف ثبوت الخيار على وصولهم البلد

(3)

. ولو تلقاهم للبيع عليهم

(1)

. وليس من الحديث زيادة ((في غفلتهم)) خلافا للمغني.

(2)

. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما وللشهاب الرملي.

(3)

. خلافا لهما.

ص: 41

وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ. وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ بِأَنْ يَأْمُرَ المُشْتَرِي بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ. وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ. وَالنَّجَشِ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ

جاز

(1)

إن باعهم بسعر البلد وقد عرفوه وإلا فهو كالشراء منهم. (والسوم على سوم غيره) ولو ذميا؛ للنهي الصحيح عنه ولما فيه من الإيذاء بأن يقول لمن أخذ شيئا ليشتريه بكذا رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل، أو يقول لمالكه استرده لأشتريه منك بأكثر أو يعرض على مريد الشراء أو غيره بحضرته مثل السلعة بأنقص أو يعرض عليه بنفس الثمن سلعة أجود منها إن أغنت عنها؛ لمشابهتها لها في الغرض المطلوبة لأجله (وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن) بأن يصرحا بالتوافق على شيء معين وإن نقص عن قيمته بخلاف ما لو انتفى ذلك أو كان يُطاف به فتجوز الزيادة فيه لا بقصد إضرار أحد. (والبيع على بيع غيره قبل لزومه)؛ لبقاء خيار المجلس أو الشرط، وكذا بعده وقد اطلع على عيب واغتُفر التأخير لنحو ليل (بأن يأمر المشتري) وإن كان مغبونا (بالفسخ ليبيعه مثله) أو أجود منه بمثل الثمن أو أقل أو يعرضه عليه بذلك وإن لم يأمره بفسخ بل يحرم أن يطلب السلعة من المشتري بأكثر والبائع حاضر قبل اللزوم؛ لأدائه إلى الفسخ أو الندم (والشراء على الشراء)؛ للنهي الصحيح عنهما (بأن يأمر البائع) قبل اللزوم (بالفسخ ليشتريه) بأكثر من ثمنه سواء بلغ المبيع قيمته أو نقص عنها، والكلام حيث لم يأذن من يلحقه الضرر؛ لأن الحق له، نعم تعريف المغبون بغبنه لا محذور فيه إن نشأ عن نحو غش

(2)

البائع؛ لإثمه حينئذ بخلاف ما إذا نشأ لا عن تقصير منه؛ لأن الفسخ ضرر عليه والضرر لا يزال بالضرر. (والنجش بأن يزيد في الثمن) لسلعة ولو ليتيم (لا لرغبة بل ليخدع غيره) أو لينفع البائع مثلا وإن نقصت القيمة فزاد حتى يساويها الثمن؛ للنهي الصحيح عنه، ولا يشترط

(3)

هنا العلم بخصوص هذا النهي -لأن النجش من الخديعة- بخلاف ما مر (والأصح) هنا وفيما لو قال البائع أعطيت كذا أو أخبر المشتري عارفٌ أن هذا جوهرة فبان خلافه (أنه لا خيار) للمشتري؛ لتفريطه. ولو لم يواطئ البائع الناجش لم

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. خلافا لمقتضى كلام الرملي.

(3)

. خلافا للمغني.

ص: 42

وَبَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِعَاصِرِ الخَمْرِ. وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ،

يخير قطعا. (وبيع) نحو (الرطب والعنب لعاصر الخمر) أي لمن يظن منه عصره خمرا أو مسكرا. ويكره فقط إن شك

(1)

في عصره له، ومثل ذلك كل تصرف يفضي لمعصية كبيع مخدر لمن يظن أكله المحرم له وأمرد ممن عرف بالفجور وبيع سلاح لقاطع طريق، ويفارق ما مرّ في بطلان بيع السلاح للحربي بأن وصف الحرابة موجود حال البيع بخلاف قطع الطريق فإنه مترقب. ومن المنهي عنه أيضا احتكار القوت بأن يشتريه وقت الغلاء -والعبرة فيه بالعرف- ليبيعه بأكثر من ثمنه؛ للتضييق حينئذ، ومتى اختل شرط من ذلك فلا إثم، وتسعير الإمام أو نائبه كالقاضي في قوت أو غيره ومع ذلك يعزر مخالفه؛ خشية من شق العصا ويجب امتثاله ظاهرا إن خشي فتنة وإلا فلا كما مر بتفصيله

(2)

. (ويحرم) على من ملك آدمية وولدها (التفريق بين الأم) وإن رضيت أو كانت كافرة أو مجنونة أو آبقة إلا إن أيس من عودها أو إفاقتها (والولد) بنحو بيع أو هبة أو قرض أو قسمة أو وقف أو سفر، وورد ((ملعون من فرق بين والدة وولدها))، ويجوز التفريق إن اختلف المالك أو كان أحدهما حرا أو بنحو وصية

(3)

وعتق، ومنه بيعه لمن يُحكم بعتقه عليه -لا بشرط عتقه لأنه غير محقق- وبيع جزء منهما لآخر إن اتحد كثلث من الأم وثلث من الولد؛ إذ لا تفريق في بعض الأزمنة بخلاف ما لو اختلف كربع و ثلث، ويجوز التفريق بفسخ نحو إقالة وردٍّ بعيب

(4)

وبرجوع في الهبة للفرع؛ لأنه لا بدل له بخلافه في الرجوع في القرض واللقطة، وكالأم عند عدمها الأب والجد لأم والجدة لأم أو أب وإن علو بخلاف بقية المحارم. وإذا اجتمع أب وأم حرم التفريق بينه وبينها وحل بينه وبينه، أو أب وجدة فهما سواء فيباع مع أيهما كان ولا يجوز التفريق بينه وبينهما وقد يجوز التفريق للضرورة كأن ملك كافر صغيرا وأبويه فأسلم الأب فإنه يتبعه ويباعان دونها وإن مات الأب بيع وحده (حتى يميز) بأن يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده ولو قبل السبع؛ لاستغنائه حينئذ عن التعهد، نعم يمنع التفريق في المجنون ولو بعد البلوغ. (و في قول حتى يبلغ)؛ لخبر فيه ورُدّ بضعفه. نعم يكره ولو بعد

(1)

. قال المغني ((أو توهمه)).

(2)

. تحفة 3/ 71.

(3)

. يؤخذ منه أنه لو مات الموصي قبل التمييز تبين بطلانها وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(4)

. خلافا لهما.

ص: 43

وَإِذَا فُرِّقَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَرْبُونِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ وَيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ مِنَ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ السِّلْعَةَ، وَإِلَّا فَهِبَةً

البلوغ؛ خروجا من خلاف أحمد، أما الزوجة والمطلقة فيحرم التفريق بينهما وبين ولدها غير المميز بالسفر أو غيره متى أزال حق حضانة ثبتت لها وإلا كالسفر لنقله فلا. وولد البهيمة إن استغنى عن لبن أمه كره التفريق بينهما بنحو ذبح الأم وبيعها، ويكره بيعه أيضا إلا لغرض الذبح

(1)

، أو لم يستغنِ فيحرم التفريق بذبح الأم ولا يصحّ بيعها وإن لم يؤكل، وأما ذبحه وهو مأكول فيحل قطعا (وإذا فرق ببيع أو هبة) أو غيرهما مما مر ومنه الوقف

(2)

(بطلا في الأظهر)؛ لعدم القدرة على التسليم شرعا وهو قبل سقيه اللبأ باطل قطعا. (ولا يصح بيع العَربون بأن يشتري ويعطيه دراهم) وقد وقع الشرط في العقد أو زمن خياره (لتكون من الثمن إن رضي السلعة وإلا فهبةً)؛ للنهي عنه

(3)

.

[تنبيه] قد يجب البيع كما إذا تعين لمال المولى أو المفلس، وكما إذا بلغ المشتري حالة الضرورة والمال لمحجور وإلا فالواجب مطلق التمليك، وكما إذا تعين طريقا لتخليص من تحمل أمتها على فساد، ومن يكلف قنّه ما لا يطيق فيباع العبد أو الأمة قهرا

(4)

، وعلى القاضي في زمن الضرورة جبر من عنده زائد على كفاية ممونه سنة على بيع الزائد لكن حيث لم يعتد تولية الحسبة لغيره إلا إن اعتيد مع ذلك بقاء نظره عليها وعلى متوليها. وقد يندب كالبيع في زمن غلاء وكالبيع بمحاباة أي مع العلم بها وإلا لم يثبت؛ لغبنه، وتندب المحاباة للمشتري أيضا وكونها فيما يُشْتَرى للعبادة آكد. وقد يكره كبيع العِيْنة وكل بيع اختلف في حله كالحيل المخرجة عن الربا وكبيع دور مكة والمصحف ولا يكره شراؤه وكالبيع والشراء ممن أكثر ماله حرام وكذا سائر معاملته، ويلحق بذلك الشراء مثلا من سوق غلب فيه اختلاط الحرام بغيره ولا حرمة ولا بطلان إلا إن تيقن في شيء بعينه موجبهما والحرام مر أكثر مُثُلِهِ والجائز ما بقي.

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. كما في النهاية.

(4)

. تحفة 4/ 317.

ص: 44

فصل

بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ صَحَّ فِي مِلْكِهِ فِي الْأَظْهَرِ،

(فصل) في تفريق الصفقة

(1)

وتعددها

ويكون في الابتداء أو في الدوام أو في الأحكام

فضابط الأول: أن يشتمل العقد على ما يصح -ولو اعتبارا- وما لا يصح، فيجري تفريق الصفقة في العقود والحلول وغيرهما كالشهادة لكن بشرط تقديم ما يصحّ؛ لما يأتي، فإذا (باع) في صفقة واحدة (خلا وخمرا) أو شاة وخنزيراً (أو عبده وحرا أو وعبد غيره أو مشتركا

(2)

بغير إذن الآخر صح في ملكه في الأظهر) وبطل في الآخر

(3)

؛ إعطاء لكلٍّ منهما حكمه سواء أقال هذين أم هذين الخلين أم القنين أم الخل والخمر والقن والحر بخلاف عكسه

(4)

؛ لأن العطف على الممتنع ممتنع، ويشترط أيضا العلم بهما

(5)

ليتأتى التوزيع الآتي فإن جهل أحدهما بطل فيهما، وإنما بطل في الكل -ولم يختص البطلان بالزائد- فيما إذا آجر الراهن المرهون مدة تزيد على محل الدين أو الناظر للوقف أكثر مما شرطه الواقف لغير ضرورة أو استعار شيئا ليرهنه بدين فزاد عليه؛ لخروجه بالزيادة عن الولاية على العقد، ولذا لو لم يعلم الناظر بالشرط المذكور والراهن بالرهن بمدّة الأجل تفرقت الصفقة، وإنما بطل إذا فاضل في الربوي أو زاد في العرايا على القدر الجائز؛ لوقوعه في العقد المنهي عنه ولا تبعيض فيه. وخرج

(1)

. ولا يجري تفريق الصفقة فيما لو كان الفساد للهيئة الاجتماعية نحو مد عجوة ودرهم والعقد على خمس نسوة كما ذكره الشارح في الربا 4/ 288.

(2)

. ظاهره سواء باع الكل أو البعض وهو مخالف لكلام الرملي.

(3)

. ومحله كما يفهم مما يأتي في الصيد والذبائح إذا علم البائع عين ماله، وإلا فيبطل في الجميع كما لو اختلط حمام برجين وعسر التمييز 9/ 339.

(4)

. اعتمدا كالشهاب عدم الفرق بين تقدم ما يصح بيعه وتأخره.

(5)

. ويشترط أيضا أن يتميز الحرام، ولذا لم يجز للقاضي أن يأخذ هدية أكثر من العادة إلا إن تميزت الزيادة فتحرم فقط، كما ذكره الشارح في القضاء 10/ 137.

ص: 45

فَيَتَخَيَّرُ المُشْتَرِي إنْ جَهِلَ، فَإِنْ أَجَازَ فَبِحِصَّتِهِ مِنْ المُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا، وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْآخَرِ عَلَى المَذْهَبِ،

بقوله بغير إذن الآخر بيعه بإذنه فيصح جزما، ويصح أيضا بيع عبده وعبد غيره بإذنه إن فصّل الثمن، وإذا صحّ في ملكه فقط (فيتخير المشتري

(1)

فورا (إن جهل) ذلك؛ لضرره بتفريق الصفقة عليه مع عذره بالجهل (فإن أجاز) العقد أو كان عالما بالحرام عند العقد (فبحصته من المسمى باعتبار) الأجزاء في مثليين بطل البيع في أحدهما وفي المشترك السابق لأنه لا حاجة في هذين النوعين إلى النظر للقيمة، ويكون التوزيع على الرأسين المتقومين فأكثر باعتبار (قيمتهما) إن كان لهما قيمة أو لم تكن لأحدهما كالخمر والحر والخنزير، وذلك؛ لإيقاعهما الثمن في مقابلتهما معا فلم يجب في أحدهما إلا قسطه، فلو ساوى المملوك مائة وغيره مائتين فالحصة ثلث الثمن ومحله إن كان الحرام مقصودا وإلا كدمٍ صح في الآخر بكل الثمن ويقدر الحر قنا والخمر خلا والخنزير عنزا بقدره كبرا وصغرا (وفي قول بجميعه)؛ لأن العقد لم يقع إلا على ما يحل بيعه (ولا خيار للبائع) -وإن جهل-؛ لتقصيره ببيعه لما لا يملك.

(و) ضابط القسم الثاني: أن يتلف قبل القبض بعض من المبيع يقبل إيراد العقد عليه وحده فـ (لو باع عبديه) أو عصيرا أو دارا (فتلف أحدهما) أو تخمر بعض العصير أو تلف سقف الدار (قبل قبضه) فينفسخ العقد فيه وتستمر صحته في الباقي بقسطه من المسمى إذا وزع على قيمته وقيمة التالف، ومر في المثليين اعتبار الأجزاء فيأتي ذلك هنا أيضا وكذا في مثلي تلف بعضه، وإنما (لم ينفسخ في الآخر) وإن لم يقبضه (على المذهب) مع جهالة الثمن؛ لأنها طارئة فلم تضر كما لا يضر سقوط بعضه لأرش العيب. وخرج بـ ((تلف ما يفرد بالعقد)) سقوطُ يد المبيع وعمى عينيه واضطراب سقف الدار ونحوها فلا يسقط فيها؛ إذ لا انفساخ بذلك؛ لبقاء عين المبيع واليد والإبصار وثبات السقف ونحوها لا يفرد بالعقد ففواتها لا يوجب الانفساخ بل الخيار ليرضى بالمبيع بكل الثمن أو يفسخ ويسترد الثمن بخلاف الأول فإن إفراد التالف بالعقد وإن أوجب الانفساخ فيه لا يوجب الإجازة بكل الثمن.

(1)

. أي مطلقا وفاقا للرملي وخلافا لشيخ الإسلام في شرح البهجة من أن محل الخيار إن كان الحرام مقصودا وإلا فلا خيار.

ص: 46

بَلْ يَتَخَيَّرُ، فَإِنْ أَجَازَ فَبِالحِصَّةِ قَطْعًا. وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيِ الحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ صَحَّا فِي الْأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ المُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ صَحَّ النِّكَاحُ، وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ، وَتَتَعَدَّدُ الصِّفَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا وَذَا بِكَذَا،

(بل يتخير) المشتري فورا بين فسخ العقد والإجازة؛ لتبعيض الصفقة عليه، (فإن أجاز فبالحصة)؛ لنظير ما مر آنفا (قطعا) لكن الأقرب

(1)

طرد القولين ولا خيار للبائع.

(ولو جمع) العاقد أو العقد (في صفقة) بين عقدين لازمين (مختلفي الحكم) من حيث الفسخ والانفساخ (كإجارة وبيع) كبعتك هذا وأجرتك هذه سنة بألف ووجه اختلافهما اشتراط التأقيت فيها وبطلانه به (أو) إجارة (وسلم)؛ لاشتراط قبض العوض في المجلس في سائر أنواعه بخلافها (صحا)؛ لأن كلا يصح منفردا فلا يضر الجمع (في الأظهر) كل منهما بقسطه من المسمى إذا وزع على قيمة المبيع أو المسلم فيه وأجرة الدار كما قال (ويوزع المسمى على قيمتهما)، والتقييد بمختلفي الحكم؛ لبيان محل الخلاف فلو جمع بين متفقين كشركة وقراض كأن خلط ألفين له بألف لغيره وقال شاركتك على أحدهما وقارضتك على الآخر فقبل صح جزما؛ لرجوعهما إلى الإذن في التصرف بخلاف ما لو كان أحدهما جائزا كالبيع والجعالة فإنه لا يصح قطعا؛ لتعذر الجمع بينهما (أو) نحو (بيع ونكاح) كزوجتك بنتي وبعتك

(2)

عبدها بألف (صح النكاح)؛ لأنه لا يتأثر بفساد الصداق بل ولا بأكثر الشروط الفاسدة (وفي البيع والصداق القولان) فيصح البيع بحصة العبد من الألف والصداق بحصة مهر المثل، وشرط التوزيع في كلام المصنف أن تكون حصة النكاح مهر المثل فأكثر فإن كان أقلّ وجب مهر المثل ما لم تأذن الرشيدة في قدر المسمى فيعتبر التوزيع مطلقا

(3)

(وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن) من المبتدئ بالعقد؛ لترتب كلام الآخر عليه (كبعتك ذا بكذا وذا بكذا) وإن

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. أما لو قال عبدي فيفسد المهر كما يأتي في النكاح 7/ 385.

(3)

. كما في النهاية.

ص: 47

وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ، وَكَذَا بِتَعَدُّدِ المُشْتَرِي فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ

قبل المشتري ولم يفصل (وبتعدد البائع) كبعناك عبدنا هذا بألف فتعطى حصة كل حكمها

(1)

، نعم لو قبل المشتري نصيب أحدهما بنصف الثمن لم يصح؛ لأن اللفظ يقتضي جوابهما جميعا، وبه فارق

(2)

ما تقدم أول البيع في بعتك هذا بألف وهذه بمائة، (وكذا بتعدد المشتري) كبعتكما هذا بكذا وكاشترينا منك هذا بكذا، بل تتعدد بتعدد العاقد مطلقا ولو غير بائع ومشتر (في الأظهر)؛ قياسا على البائع فإن قبل أحدهما فكما ذكر، ومن فوائد التعدد

(3)

جواز إفراد كل حصة بالرد وأنه لو بان نصيب أحدهما حرا مثلا صح في الباقي قطعا. (ولو وكلاه أو وكلهما فالأصح اعتبار الوكيل)؛ لأن أحكام العقد تتعلق به فلو خرج ما اشتراه من وكيل اثنين أو من وكيلي واحد أو ما اشتراه وكيل اثنين أو وكيلا واحد معيبا جاز رد نصيب أحد الوكيلين في الثانية والرابعة دون أحد الموكلين في الأولى والثالثة، نعم العبرة في الرهن بالموكل؛ لأن المدار فيه على اتحاد الدين وعدمه، أما في الشفعة فالعبرة في التعدد وعدمه بالمعقود له أي الموكل، وقيل بالعاقد، فلو وكّل أحد شريكين ببيع نصيبه فباع نصيبهما في صفقة ولو بلا إذن لم يفرقها الثالث أو وكّل شريكه في بيع نصف نصيبه مطلقا أو نصيب الوكيل صفقة فباع ذلك فللموكل أخذ نصيب الوكيل فقط لحقّ النصف الباقي

(4)

.

(1)

. فلا يشارك أحدهما الآخر فيما قبضه، وقد لا تتفرق الصفقة مع التعدد المذكور كما لو باعا مشتركا بنحو إرث ومثل الإرث الكتابة كما أفاده الشارح في الشركة، وذكر الفرق بين القسمين 5/ 293.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. ومنها أنه لو باعا عبدهما صفقة أو وكل أحد الآخر فباعه لم يشارك أحدهما الآخر فيما قبضه، كما ذكره الشارح في الشركة 5/ 293.

(4)

. كما في فتح الجواد

ص: 48

‌باب الخيار

يَثْبُتُ خِيَارُ المَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ كَالصَّرْفِ وَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ المُعَاوَضَةِ، وَلَوِ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا المِلْكُ فِي زَمَنِ الخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَلَهُمَا الخِيَارُ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي تَخَيَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ. وَلَا خِيَارَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ

(باب الخيار)

أي طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ وله سببان المجلس والشرط وبيّن الأول بقوله: (يثبت خيار المجلس في) كل معاوضة محضة وهي ما تفسد بفساد عوضه نحو (أنواع البيع) كبيع الجمد

(1)

في شدة الحر وبيع الأب أو الجد مال طفله لنفسه وعكسه؛ لخبر الصحيحين ((البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقولَ أحدهما للآخر اختر)) (كالصرف والطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك) ولا يرد بيع القن من نفسه فإنه لا خيار فيه للقن وكذا لسيده لتصريحهم بأن هذا عقد عتاقة لا بيع، ومثله البيع الضمني وكقسمة الرد بخلاف غيرها ولو بالتراضي؛ لأن الممتنع منه يجبر عليه (وصلح المعاوضة) بخلاف صلح الحطيطة فإنه في الدين إبراء وفي العين هبة، نعم صلح المعاوضة على المنفعة إجارة -ولا يرد؛ لأنه سيصرح بعدم الخيار فيها- وعلى دم العمد معاوضة لكنها غير محضة فلا خيار فيها (ولو اشترى من يعتق عليه) كأصله أو فرعه (فإن قلنا) فيما إذا كان الخيار لهما (الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف) وهو الأصح (فلهما الخيار)؛ إذ لا مانع (وإن قلنا) الملك (للمشتري) على الضعيف (تخير البائع)؛ إذ لا مانع هنا أيضا بالنسبة إليه (دونه)؛ لأن قضية ملكه له أن لا يتمكن من إزالته، ولا يُحكم بعتقه على كلّ قول حتى يلزم العقد

(2)

وإن كان للبائع حق الحبس. (ولا خيار في) ما لا معاوضة فيه كوقف ولا في عقد جائز ولو من جانب كرهن، نعم إن شُرط في بيع وأقبضه قبل التفرق أمكن فسخه بأن يفسخ البيع فينفسخ هو تبعا، وضمان ووكالة وشركة وقرض وقراض وعارية؛ إذ لا يحتاج له فيه، ولا في (الإبراء)؛ لأنه لا معاوضة فيه (والنكاح)؛

(1)

. الجمد الماء الجامد.

(2)

. كما في المحلي.

ص: 49

وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ. وَكَذَا ذَاتُ الثَّوَابِ وَالشُّفْعَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالمُسَاقَاةُ وَالصَّدَاقُ فِي الْأَصَحِّ. وَيَنْقَطِعُ بِالتَّخَايُرِ بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ، فَلَوِ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ وَبَقِيَ لِلْآخَرِ. وَبِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا، فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا،

لأن المعاوضة فيه غير محضة (والهبة بلا ثواب)؛ لعدم المعاوضة (وكذا ذات الثواب)؛ لأنها لا تسمى بيعا والمعتمد ثبوته فيها ولو قبل القبض؛ لأنها بيع حقيقي (والشفعة) أما المشتري فلأن الشقص مأخوذ منه قهرا وأما الشفيع فلأنه يبعد تخصيص خيار المجلس بأحد العاقدين ابتداء (والإجارة) بسائر أنواعها؛ لكونها على معدوم وهو المنفعة عقد غرر والخيار غرر فلا يجتمعان (والمساقاة) كالإجارة (والصداق)؛ لأن المعاوضة فيه غير محضة مع أنه ليس بمقصود بالذات ومثله عوض الخلع (في الأصح) في الكل. (وينقطع بالتخاير بأن يختارا لزومه) صريحا كأجزناه وأبطلنا الخيار أو ضمنا بأن يتبايعا العوضين بعد قبضهما في المجلس فإن ذلك يتضمن الرضا بلزوم الأول (فلو اختار أحدهما) لزومه (سقط حقه وبقي للآخر) وقول أحدهما اختر أو خيرتك يقطع خياره؛ لأنه رضاً منه بلزومه ولا يقطع خيار المخاطب إلا إن قال اخترت؛ إذ السكوت لا يتضمن جواباً، أما لو اختار أحدهما فسخه ولو بعد الإجازة انفسخ وإن لم يوافقه الآخر وإلا بطلت فائدة الخيار، ولو أجاز واحد وفسخ الآخر قدم الفسخ (و) ينقطع أيضا بمفارقة متولي الطرفين لمجلسه، و (بالتفرق ببدنهما) أي العاقدين وإن وقع من أحدهما فقط ولو نسيانا أو جهلا لا بروحهما؛ لخبر البيهقي ((البَيِّعان بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما))، نعم يكره الفراق خشية من فسخ صاحبه، ومحلّ انقطاع الخيار إن تفرقا عن اختيار فلو حُمِل أحدهما مكرها بقي خياره

(1)

لا خيار الآخر إن لم يتبعه إلا إذا مُنِع، وعند لحوقه -هنا وفي الهارب الآتي- لابد أن يلحقه قبل انتهائه إلى مسافة تحصل بمثلها المفارقة عادة وإلا سقط خياره، أما إذا هرب أحدهما فيبطل خيارهما؛ لأن غير الهارب يمكنه الفسخ بالقول، ولذا لو كان نائما مثلا لم يبطل خياره. ويبطل البيع

(2)

بانعزال الوكيل في المجلس؛ لبطلان الوكالة قبل تمام البيع (فلو طال مكثهما أو قاما وتماشيا منازل) ولو فوق ثلاثة أيام (دام خيارهما)؛ لعدم تفرق بدنهما.

(1)

. خلافا لشرح الروض.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 50

وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ. وَلَوْ مَاتَ فِي المَجْلِسِ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ. وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ أَوْ الْفَسْخِ قَبْلَهُ صُدِّقَ النَّافِي

(ويعتبر في التفرق العرف) فما يعده الناس فرقة لزم به العقد وما لا فلا؛ إذ لا حد له شرعا ولا لغة ففي دار أو سفينة صغيرة بالخروج منها أو رقي علوها وكبيرة بخروج من محل لآخر كمن بيت لصفة

(1)

وبمتسع كسوق ودار تفاحشت سعتها بتولية الظهر والمشي قليلا ولا يكفي بناء جدار وإرخاء ستر بينهما إلا إن كان بفعلهما

(2)

أو أمرهما فإن كان من أحدهما فقط بطل خياره لا خيار الآخر إلا إن قدر على منعه أو لم يتلفظ بالفسخ كما لو هرب، وفي متبايعين من بُعْد بمفارقة محل البيع لا إلى جهة الآخر ولا بالعود لمحله بعد المضي إلى الآخر، ومر أول البيع بقاء خيار الكاتب إلى انقضاء خيار المكتوب إليه بمفارقته لمجلس قبوله

(3)

(ولو مات) في المجلس كلاهما أو (أحدهما أو جن) أو أغمي عليه (فالأصح انتقاله إلى الوارث) ولو عاما (والولي)، والسيد في المكاتب والمأذون، والموكل كخيار الشرط وإن كان أقوى؛ للإجماع عليه، وإذا انتقل للولي فعل الأصلح أو للوارث الغير الأهل نصب الحاكم عنه من يفعل الأصلح أو الأهل المتحد أو المتعدد فإن كان بمجلس العقد امتد خياره كالحي إلى التخاير أو التفرق، نعم لا عبرة بمفارقة بعض الورثة، أو غائبا عنه امتد خياره إلى مفارقته أو مفارقة المتأخر فراقه منهم مجلس بلوغ الخبر وبانقطاع خيارهم ينقطع خيار الحي وإن لم يفارق مجلسه

(4)

، وينفسخ في الكل بفسخ بعضهم. ولو فسخ أو أجاز قبل علمه بموت مورثه نفذ. ولو بلغ المولى رشيدا وهو بالمجلس لم ينتقل إليه الخيار؛ لعدم أهليته حين البيع بل يبقى للولي (ولو) جاءا معا (وتنازعا في) أصل (التفرق) قبل مجيئهما (أو) معا أو مرتبا واتفقا على التفرق ولكن تنازعا في (الفسخ قبله صدق النافي) للتفرق في الأولى وللفسخ في الثانية بيمينه؛ لأن الأصل دوام الاجتماع وعدم الفسخ.

(1)

. يأتي تفسيرها في الوليمة.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. ظاهره وإن فارق مجلسه بعد علمه ببلوغ الخبر للمكتوب إليه، وعليه فلا يعتبر للكاتب مجلس أصلا خلافا للرملي من اعتباره انقطاع خيار الكاتب إذا فارق مجلسا علم فيه بلوغ الخبر للمكتوب إليه.

(4)

. يوهم أنه لا أثر لمفارقة الحي عن مجلسه فلا يعتبر له مجلس أصلا وهو خلاف كلامهم.

ص: 51

فصل

لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الخِيَارِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يُشْتَرطَ الْقَبْضُ فِي المَجْلِسِ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ،

(فصل) في خيار الشرط وتوابعه

(لهما) أي العاقدين -بأن يتلفظ كل منهما بالشرط- (ولأحدهما) -على التعيين لا الإبهام- بأن يتلفظ هو به إذا كان هو المبتدئ بالإيجاب أو القبول ويوافقه الآخر من غير تلفظ به، أما إذا شرط المتأخر قبوله أو إيجابه فيبطل العقد؛ لعدم المطابقة، ومر ما يعلم منه أن لهما ولأحدهما إن وافقه الآخر في زمن جواز العقد لخيار مجلس أو شرط إلحاق شرط صحيح؛ لأنه حينئذ كالواقع في صلب العقد (شرط الخيار) لهما ولأحدهما ولأجنبي كالقن المبيع اتحد المشروط له أو تعدد، ويشترط تكليف الأجنبي وعدم رده الخيار، لا رشده ولا يلزمه فعل الأحظ، وقول أحد العاقدين على أن أشاور صحيح ويكون شارطا الخيار نفسه. وإذا مات الأجنبي في زمنه انتقل لشارطه ولو وكيلا، ولو مات العاقد انتقل لوارثه ما لم يكن العاقد وليا وإلا فللقاضي، أو وكيلا وإلا فلموكله، وليس لوكيل شرطه لغير نفسه وموكله إلا بإذنه، (في أنواع البيع) التي يثبت فيها خيار المجلس إجماعا، ولما ورد في قصة حبّان بن منقذ إنه كان يُخدع في البيوع فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن يقول لا خلابة، ويجوز الخيار لكافر في نحو مسلم مبيع ولمحرم في صيد؛ إذ لا إذلال ولا استيلاء في مجرد الإجازة والفسخ، نعم لو تكرر ذلك من الكافر ألزمه الحاكم بيعه البتّة.

واعلم أن خيار المجلس والشرط متلازمان غالبا، وقد يثبت ذاك لا هذا ولا عكس كما أفاده قوله (إلا أن يُشْتَرط القبض في المجلس) من الجانبين (كربوي) أ (و) من أحدهما كـ (سلم)؛ لامتناع التأجيل فيهما، ولا يجوز شرطه أيضا في البيع الضمني ولا فيما يتسارع إليه الفساد في المدة المشروطة؛ لأدائه إلى ضياع ماليته، ولا في شراء من يعتق عليه إن شرط للمشتري وحده؛ لاستلزامه الملك له المستلزم لعتقه المانع من الخيار بخلاف شرطه لهما؛ لوقفه أو للبائع؛ لأن الملك له، ولا شرطه في المصراة للبائع أو لهما مدة من شأنها أن تضرّ بها ولو دون الثلاث؛ لأدائه لمنع الحلب المضر بها.

ص: 52

وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَتُحْسَبُ مِنَ الْعَقْدِ، وَقِيلَ مِنَ التَّفَرُّقِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ المَبِيعِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ

(وإنما يجوز في مدة) متصلة بالشرط ومتوالية و (معلومة) لهما كإلى طلوع شمس الغد

(1)

أو إلى ساعة -ثُمّ إن قصدا الفلكية أو عرفاها حمل عليها وإلا فعلى لحظة- أو إلى يوم ويحمل على يوم العقد فإن عقد نصف النهار مثلا فإلى مثله وتدخل الليلة؛ للضرورة أو نصف الليل انقضى بغروب شمس اليوم الذي يليه. أما شرطه مطلقا أو في مدة مجهولة كمن التفرق أو إلى الحصاد أو الشتاء ولم يريدا الوقت المعلوم فمبطل للعقد، للغرر (لا تزيد على ثلاثة أيام) بلياليها؛ لما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم ((أبطل بيعا شرط فيه الخيار أربعة أيام)) وتدخل ليالي الأيام الثلاثة المشروطة سواء السابق على الأيام والمتأخر

(2)

، (وتحُسب من العقد) إن وقع الشرط فيه وإلا بأن وقع بعده في المجلس فمن الشرط (وقيل من التفرق) أو التخاير.

[تنبيه] يجري هنا نظير ما مر في خيار المجلس من اللزوم باختيار من خُيِّر لزومه -وإن جهل الثمن والمبيع- وبانقضاء المدة، ومن تصديق نافي الفسخ أو الانقضاء. ولا يجب تسليم مبيع ولا ثمن في زمن الخيار لهما، ولا ينتهي الخيار بالتسليم فله استرداده ما لم يلزم، ولإحدهما حبس ما في يده بعد الفسخ لرد الآخر ويمتنع تصرفه مالكه فيه ما دام محبوسا. (والأظهر) في خياري المجلس والشرط (أنه إن كان الخيار للبائع) أو لأجنبي عنه (فملك المبيع) بتوابعه الآتية (له) وملك الثمن بتوابعه للمشتري (وإن كان) الخيار (للمشتري) أو لأجنبي عنه (فله) ملك المبيع وللبائع ملك الثمن؛ لقَصْر التصرف على مَن له الخيار والتصرف دليل الملك، وصورة كون الخيار لأحدهما في خيار المجلس أن يختار الآخر لزوم العقد (وإن كان) الخيار (لهما) أو لأجنبي عنهما (فـ) الملك في المبيع أو المثمن (موقوف فإن تم البيع بان أنه) أي ملك المبيع (للمشتري) وملك الثمن للبائع (من حين العقد، وإلا) يتم بأن فُسِخ (فللبائع) وللمشتري الثمن من حين العقد، وينبني على ذلك الأكساب والفوائد كاللبن والثمر والمهر

(1)

. نعم لا يصح إلى طلوع الشمس إلا إن أراد وقتها المعلوم كما يأتي.

(2)

. كما إذا عقد وقت طلوع الفجر خلافا لهما.

ص: 53

وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ وَرَفَعْتُهُ وَاسْتَرْجَعْتُ المَبِيعَ، وَفِي الْإِجَازَةِ أَجَزْتُهُ وَأَمْضَيْتُهُ وَوَطْءُ الْبَائِعِ وَإِعْتَاقُهُ فَسْخٌ، وَكَذَا بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَزْوِيجُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنَ المُشْتَرِي إجَازَةٌ،

ونفوذ العتق والاستيلاد وحِلُّ الوطء

(1)

ووجوب النفقة، فكل من حكمنا بملكه لعين ثمن أو مثمن كان له وعليه ونفذ منه وحل له ما ذكر وإن فسخ العقد بعد، ومن لم يُخَيَّر لا ينفذ منه شيء مما ذكر فيما خير فيه الآخر وإن آل الملك إليه، وفي حالة الوقف يتَّبع جميع ما ذكر في استقرار الملك بعدُ، نعم يطالبان بالإنفاق ثم يرجع من بان عدم ملكه إن تراضيا على ذلك، وكذا إنفاقه بنية الرجوع والإشهاد عليها مع امتناع صاحبه وفقد القاضي. ولا يحل لواحد منهما حينئذ وطء ونحوه قطعا وإن أذن البائع للمشتري (ويحصل الفسخ والإجازة) للعقد في زمن الخيار (بلفظ يدل عليهما) صريحا أو كناية، أما الصريح في الفسخ فهو (كفسخت البيع ورفعته واسترجعت المبيع) ورددت الثمن (و) أما الصريح (في الإجازة) فهو نحو (أجزته وأمضيته) وألزمته وإذا شرط لهما ارتفع جميعه بفسخ أحدهما لا بإجازته بل يبقى للآخر؛ لأن إثبات الخيار إنما قصد به التمكن من الفسخ دون الإجازة؛ لأصالتها. ومن الفسخ قول من خُيِّر لا أبيع أو لا أشتري إلا بنحو زيادة مع عدم موافقة الآخر له (ووطء) -لا مقدماته- (البائع) الواضح لواضح علم أو ظن أنه المبيع ولم يقصد به الزنا ولا كان مُحَرَّما عليه بنحو تمجس كما لو لاط بالغلام (وإعتاقه) ولو معلقا -لكله أو لبعضه- أو إيلاده حيث تخيرا أو هو وحده (فسخ) أما الإعتاق فلقوته ومن ثم نفذ قطعا وأما الوطء فلتضمنه اختيار الإمساك، ومع كون نحو إعتاقه فسخا هو نافذ منه وإن تخيرا؛ لتضمنه الفسخ فينتقل الملك إليه قبله، ولا ينفذ من المشتري إذا تخيرا بل يوقف حيث لم يأذن له البائع؛ لتقدم الفسخ -لو وقع من البائع بعدُ- على الإجازة (وكذا بيعه) ولو بشرط الخيار لكن إن كان للمشتري (وإجارته وتزويجه) ووقفه ورهنه وهبته إن اتصل بهما القبض ولو وهب لفرع (في الأصح) حيث تخيرا أو هو وحده أيضا فكل منها فسخ؛ لإشعارها باختيار الإمساك فقدم على أصل بقاء العقد ومع كونها فسخا هي منه صحيحة تقديرا للفسخ قبلها (والأصح أن هذه التصرفات) البيع وما بعده (من المشتري) حيث تخيرا أو هو وحده (إجازة) للشراء؛ لإشعارها باختيار الإمساك، نعم لا تصح

(1)

. وإن حرم من حيث عدم الاستبراء خلافا لإطلاق النهاية الحل.

ص: 54

وَأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلَ فِيهِ لَيْسَ فَسْخًا مِنَ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنَ المُشْتَرِي.

فصل

لِلْمُشْتَرِي الخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ كَخِصَاءِ رَقِيقٍ وَزِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَإِبَاقِهِ

منه إلا إن تخير أو أذن له البائع أو كانت معه (و أن العرض على البيع) وإنكاره (والتوكيل فيه ليس فسخا من البائع ولا إجازة من المشتري)؛ لأنه قد يستبين أرابح هو أم خاسر.

(فصل) في خيار النقيصة

وهو المتعلق بفوات مقصود مظنون نشأ الظن فيه من التزام شرطي أو تغرير فعلي أو قضاء عرفي

(1)

ومرَّ الأول في قول المتن ولو شرطا وصفا يقصد .. الخ والثاني يأتي في فصل التصرية، والثالث بدأ به بقوله (للمشتري الخيار) وإن قدر من خيرّ على إزالة العيب بمشقة (بظهور عيب) في المبيع وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن (قديم) وهو ما قارن العقد أو حدث قبل القبض وقد بقي إلى الفسخ؛ إجماعا في المقارن، ولأن المبيع في الثاني من ضمان فذلك جزؤه وصفته، نعم لو كان حدوث العيب بفعل المشتري قبل القبض أو كانت الغبطة في الإمساك والمشتري مفلس

(2)

أو ولي أو عامل قراض أو وكيل ورضيه موكله فلا خيار. وكالعيب فوات وصف -يزيد في الثمن- قبل قبضه وقد اشتراه به كالكتابة ولو بنحو نسيان فيتخير المشتري وإن لم يكن فواته من أصله عيبا (كخصاء) أو جبِّ (رقيق) أو حيوان آخر; لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي، ومثله قطع الشُفرين، نعم الخصاء ليس بعيب في الضأن المقصود لحمه والبراذين والبغال؛ لغلبة ذلك فيها (وزناه) ولو مرة من صغير له نوع تمييز وإن تاب وحسن حاله؛ لأن تهمته لا تزول، ومثل زني الرقيق وطؤه لبهيمة ولواطه وتمكينه من نفسه وسحاقها (وسرقته) -ولو لاختصاص- ونهبه إلا في دار الحرب؛ لأنه غنيمة (وإباقه

(3)

وهو التغيب عن سيده ولو لمحل قريب في البلد إلا إذا جاء إلينا مسلما من بلاد الهدنة؛ لأن هذا إباق مطلوب، ويُلحق به ما لو أبق إلى الحاكم لضرر لا يحتمل عادة ألحقه به

(1)

. أي ظن أهل العرف لا خصوص العاقد، تحفة 4/ 353.

(2)

. قال الشيخ في الفلس: ((ولا أرش مطلقا؛ لأن الرد غير ممتنع في نفسه)).

(3)

. السرقة والإباق كالزنا في أحواله وعلته.

ص: 55

وَبَوْلِهِ بِالْفِرَاشِ وَبَخَرِهِ وَصُنَانِهِ وَجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَعَضِّهَا

نحو سيده وقامت به قرينة. ومحل الرد به إذا عاد وإلا فلا رد ولا أرش اتفاقا (وبوله بالفراش) أي إن اعتاده عرفا، ومحله إن وجد البول في يد المشتري أيضا وإلا فلا؛ لتبين أن العيب زال، فإن عاد بعد زواله فإن حكم خبيران بأنه من آثار الأول فعيب وإن توقفا أو فُقِدَا أو حَكََما بأنه من حادث فلا، ولو لم يعلم به إلا بعد كبره فلا رد به

(1)

وله الأرش (وبَخَره

(2)

المستحكم بأن علم كونه من المعدة؛ لتعذر زواله بخلافه من الفم لسهولة زواله ويلحق به تراكم وسخ على الأسنان تعذر زواله (وصنانه

(3)

المستحكم دون غيره؛ لذلك، ومرضه مطلقا إلا نحو صداع يسير. ولو ظن مرضه عارضا فبان أصليا تخير كما لو ظن البياض بهقا فبان برصا.

ومن عيوب الرقيق وهي لا تكاد تنحصر كونه نماما أو تمتاما

(4)

مثلا أو قاذفا

(5)

أو تاركا للصلاة

(6)

-ولو صلاة واحدة

(7)

- أو أصم أو أقرع أو أبله أو شتاما أو كذابا، أو آكلا لطين أو مخدر أو شاربا لمسكر ما لم يتب ولا يكتفى في توبته بقول البائع، أو حاملا أو لا تحيض وقد بلغت عشرين سنة، أو فاقد نحو شعر أو ظفر، والوشم عيب إن لم يُعف عنه بخلاف ما لو عُفي عنه بأن خشي من إزالته مبيح تيمم وإن تعدى به كما مر ولم يحصل به شين عرفا وأمن كونه ساترا لنحو برص فإنه قد يفعل لذلك.

[تنبيه] لابد أن يصير كل ما مر وما يأتي كالطبع له بأن يعتاده عرفا إلا ترك الصلاة فترك صلاة واحدة يقتل بها عيب لصيرورته مهدرا وهو أقبح العيوب.

(وجِماح الدابة) بأن كان طبعها الامتناع على راكبها، ومثله هربها مما تراه وشربها لبنها أو لبن غيرها (وعضها) وخشونة مشيها بحيث يخاف منه سقوط راكبها وقلة أكلها بخلاف القن. وكون الدار منزل الجند أو بجنبها نحو قصارين يؤذون بنحو صوت دقهم أو كون الجن وَكُلِّ

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. هو نتن الفم، تاج العروس.

(3)

. هو ذفر الإبط أي رائحته الكريهة، تاج العروس.

(4)

. هو الذي يتردد في التاء، تاج العروس.

(5)

. قال الرملي لغير المحصنات، وقال المغني للمحصنات.

(6)

. خلافا لهما.

(7)

. وظاهر كلام الشارح أنه لا بد من أمر الإمام له بها خلافا لظاهر النهاية.

ص: 56

مَا يَنْقُصُ الْعَيْنَ أَوِ الْقِيمَةَ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ المَبِيعِ عَدَمُهُ سَوَاءٌ قَارَنَ الْعَقْدَ أَمْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَلَا خِيَارَ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَطْعِهِ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ فَيَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَوْتِهِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ فِي الْأَصَحِّ

مسلطين على ساكنها بالرجم أو نحوه أو أشيع نحو وقفيتها أو ظهر مكتوب بها لم يعلم كذبه أو أخبر بها عدل ولو رواية وإن لم يثبت؛ لأن المدار على ما يغلب على الظن وجود ذلك.

[تنبيه] ما نصوا

(1)

أنه عيب فعيب مطلقا وما نصوا أنه ليس عيبا فليس بعيب مطلقا ككونها عقيما أو غير مختونة وكذا الذكر إلا كبيرا يخاف من ختانه عادة أو كونه يعتق على المشتري أو يسيء الأدب -بخلاف سيئ الخلق- أو ثقيل النفس أو بطيء الحركة أو ولد زنا أو مغنياً أو عنينا، أما ما لم ينصوا عليه بشيء فضابطه ما ذكره المصنف بقوله (وكل ما يَنْقُص العين أو القيمة نقصا يفوت به غرض صحيح) وقوله ((نقصا يفوت به غرض صحيح)) قيد لنقص الجزء خاصة احترازا عن قطع زائد وفلقة يسيرة من الفخذ اندملت بلا شين، وعن الختان بعد الاندمال فإنه فضيلة، ويصحّ جعله قيدا لنقص القيمة؛ احترازا عن نقص يسير يتغابن به (إذا غلب) في العرف العام (في جنس المبيع عدمه) قيد للعين والقيمة، ويتخير بالعيب (سواء أقارن العقد أم) قارن القبض أم (حدث قبل القبض) ما لم يكن بسبب متقدم رضي به المشتري كما لو اشترى بكرا مزوجة عالما فأزال الزوج بكارتها فلا يتخير؛ لرضاه بسببه، وبهذا يفرق بين هذا وقوله الآتي إلا أن يستند إلى سبب متقدم؛ لأنه فيما حدث بعد القبض وهذا فيما قبله (ولو حدث بعده) أي القبض (فلا خيار) للمشتري؛ لأنه بالقبض صار من ضمانه فكذا جزؤه وصفته، نعم إن حدث بعده في زمن الخيار فإن كان الملك للبائع تخير المشتري بحدوثه أو الملك للمشتري امتنع الردّ (إلا أن يستند إلى سبب متقدم) على العقد أو القبض وقد جهله (كقطعه بجناية) قودا أو سرقة (سابقة) وزوال بكارته بزواج متقدم (فيثبت الرد في الأصح)؛ إحالة على السبب، فإن علمه فلا رد ولا أرش، نعم لو اشترى حاملا جاهلا بحملها ووضعت في يده ونقصت بسبب الوضع فلا رد (بخلاف موته بمرض سابق) على العقد أو القبض وقد جهله (في الأصح) فلا رد له بذلك أي لا يرجع في ثمنه حينئذ فالمراد نفي رد الثمن لا المبيع؛ للعلم

(1)

. ذكر الشارح في زكاة الفطر أن عيب كل باب معتبر بما ينافي مقصود ذلك الباب 3/ 324.

ص: 57

وَلَوْ قُتِلَ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَهُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ

بتعذر رده بموته، وذلك؛ لأن المرض يتزايد شيئا فشيئا إلى الموت فلم تتحقق إضافة الموت للسابق وحده، نعم للمشتري أرش المرض من الثمن وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا وقت القبض. ولو كان المرض غير مخوف -بأن لم يؤثر نقصا عند القبض- فلا أرش قطعا. (ولو) قتل بموجب سابق كأن (قتل بردة سابقة) أو حرابة أو ترك صلاة بشرطه (ضمنه البائع في الأصح)؛ لما مر فيرد ثمنه للمشتري إن جهل؛ لعذره وإلا فلا، ويتفرع على مسألتي المرض ونحو الردة مؤن تجهيزه فهي على المشتري في الأولى وعلى البائع في الثانية.

[فرع] استلحق البائع المبيع ووجدت شروط الاستلحاق ثبت نسبه منه ولكن لا يبطل البيع إلا إن أقام بينة بذلك أو صدقه المشتري (ولو باع) حيوانا أو غيره (بشرط براءته من العيوب) أو لا يرد بها أو نحو ذلك، أما لو شرط البراءة من عيب مبهم أو معين يعاين كبرص لم يُرِه محله فلا يصح؛ لتفاوت الأغراض باختلاف عينه وقدره ومحله (فالأظهر أنه يبرأ عن عيب باطن) أي داخل البدن (بالحيوان) موجود حال العقد (لم يعلمه) البائع (دون غيره)؛ لقضاء عثمان بذلك المشتهر بين الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكروه، لا إن علم تدليسه ولا الظاهر مطلقا -وهو ما يسهل الاطلاع عليه كنتن لحم المأكولةـ؛ لندرة خفائه عليه، ولا عيب غير الحيوان مطلقا؛ لأن الظاهر عدم تغيّره (وله مع هذا الشرط) إذا صح (الرد بعيب) في الحيوان (حدث) بعد العقد و (قبل القبض)؛ لانصراف الشرط إلى الموجود عند العقد (ولو شرط البراءة عما يحدث لم يصح) الشرط (في الأصح)؛ لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته

(1)

. وخرج بشرط البراءة العامة شرطها من عيب مبهم أو معين يعاين كبرص لم يُرِه محله فلا يصح؛ لتفاوت الأغراض باختلاف عينه وقدره ومحله، ولا يقبل قول المشتري في عيب ظاهر لا يخفى عند الرؤية غالبا لم أره بخلاف ما لا يُعاين كزنا أو سرقة فيبرأ إذا شرط البراءة منه؛ لأن ذكره إعلام به وبخلاف معاين أراه إياه؛ لرضاه به.

(1)

. قضيته أنه عن الموجود دون الحادث خلافا لهما فعندهما إن الحادث أولى بالبطلان.

ص: 58

وَلَوْ هَلَكَ المَبِيعُ عِنْدَ المُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنَ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إلَى الْقَبْضِ

[تنبيه] الشراء مع ظنّ العيب لا يسقط الردّ بل لابد من تيقنه

، ولو رضي بعيب ثمّ قال إنما رضيت به لأني ظننته كذا وقد بان خلافه فإن أمكن اشتباه ذلك على مثله وكان ما بان دون ما ظنّه أو مثله فلا ردّ له وإن كان أعلى فله الرد

(1)

وفي حكم التفصيل المار ما لو أخبره البائع أن مرضه كذا فبان مرضا مغايرا له، أما إن بان مرضا متولدا عنه فلا رد حينئذ وإن كان له الأرش. ولو ظهر فيما اشتراه عيب فقال ظننته غير عيب وأمكن خفاؤه عليه صدق بيمينه (ولو هلك المبيع) أو أبق (عند المشتري) بعد قبضه له (أو أعتقه) - وإن شرط عليه عتقه

(2)

أو كان ممن يعتق عليه -أو وقفه أو استولدها أو زوَّجها، و يكفي إخبار المشتري بوقوع نحو العتق والوقف؛ لمؤاخذته به وإن كذب أو كذبه البائع بخلاف غيرهما فلا بد من ثبوته أو تصديق البائع (ثم عَلِم العيب) الذي ينقص القيمة- بخلاف ما ينقص العين كخصاه فلا أرش له - (رجع بالأرش)؛ لليأس من الرد، نعم لا أرش له في ربوي بيع بمثله من جنسه كحلي ذهب بيع بوزنه ذهبا فبان معيبا بعد تلفه بل يفسخ العقد ويسترد الثمن ويغرم بدل التالف؛ احترازا من الربا. (وهو جزء من ثمنه) - أي المبيع -فيستحقه المشتري من عينه إن وجدت وإن عين عما في الذمة أو خرج عن ملك البائع وعاد (نسبته) أي الجزء (إليه) مثل (نسبة ما نقصـ) ـه (العيب من القيمة لو كان) المبيع (سليما) إلى تلك القيمة

(3)

، فلو كانت قيمته بلا عيب مائة وبه ثمانين فنسبة النقص إليها خمس فيكون الأرش خمس الثمن فلو كان عشرين رجع منه بأربعة، ثُمَّ إن قبض البائع الثمن ردّ جزأه وإلا سقط عن المشتري لكن بعد طلبه، وأفهم المتن إن هذا في أرش وجب للمشتري على البائع أما عكسه كما لو وجد البائع بعد الفسخ بالمبيع عيبا حدث عند المشتري قبله أو وجد عيبا قديما بالثمن فإن الأرش ينسب للقيمة لا الثمن كما يأتي (والأصح اعتبار أقل قيَمه من يوم) أي وقت (البيع إلى القبض).

(1)

. ويأتي فيما لو اشترى أرضا مدفونة فيها حجارة أنه لو علم عيبها لم يتخير إلا إن جهل ضرر قلعها أو ضرر تركها ولم يزل بالقلع أو كان لنقلها مدة لها أجرة، 4/ 445.

(2)

. قضيتها كالنهاية اعتبار الإعتاق مع شرط العتق، وقضية بقية نسخ التحفة إن شرط العتق كاف.

(3)

. متعلقة بنسبة الثانية، أي: كنسبة الذي نقصه العيب من القيمة إليها، أي: إلى تلك القيمة.

ص: 59

وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ دُونَ المَبِيعِ رَدَّهُ وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتَهُ

[تنبيه] إذا اعتبرت قيم المبيع أو الثمن فإما أن تتحد قيمتاه سليما وقيمتاه معيبا أو يتحدا سليما ويختلفا معيبا وقيمة وقت العقد أقل أو أكثر أو يتحدا معيبا لا سليما وهي وقت العقد أقل أو أكثر أو يختلفا سليما ومعيبا وهي وقت العقد سليما ومعيبا أقل أو أكثر أو سليما أقل ومعيبا أكثر أو بالعكس فهي تسعة أقسام أمثلتها على الترتيب في المبيع: اشترى قنا بألف وقيمته وقت العقد والقبض سليما مائة ومعيبا تسعون فالنقص عشر قيمته سليما فله عشر الثمن مائة أو قيمتاه سليما مائة وقيمته معيبا وقت العقد ثمانون والقبض تسعون، أو عكسه فالتفاوت بين قيمته سليما وأقل قيمتيه معيبا عشرون وهي خمس قيمته سليما فله خمس الثمن، أو قيمتاه معيبا ثمانون وسليما وقت العقد تسعون ووقت القبض مائة، أو عكس فالتفاوت بين قيمته معيبا وأقل قيمته سليما عشرة وهي تسع أقل قيمته سليما فله تسع الثمن، أو قيمته وقت العقد سليما مائة ومعيبا ثمانون ووقت القبض سليما مائة وعشرون ومعيبا تسعون، أو بالعكس، أو قيمته وقت العقد سليما مائة ومعيبا تسعون ووقت القبض سليما مائة وعشرون ومعيبا ثمانون، أو بالعكس فالتفاوت بين أقل قيمتيه سليما وأقل قيمتيه معيبا عشرون وهي خمس أقل قيمتيه سليما فله خمس الثمن (ولو تلف الثمن) حسا أو شرعا نظير ما مر أو تعلق به حق لازم كرهن (دون المبيع) واطلع على عيب به (رده)؛ إذ لا مانع (وأخذ مثل الثمن) إن كان مثليا (أو قيمته

(1)

إن كان متقوما أي أقل قيمة من وقت العقد إلى وقت القبض. أما لو بقي فله الرجوع في عينه، وحيث رجع ببعضه أو كله لا أرش له على البائع إن وجده ناقصَ وصفٍ كأن حدث به شلل كما أنه يأخذه بزيادته المتصلة مجانا، نعم إن كان نقصه بجناية أجنبي- أي يضمن -استحق الأرش، ولو وهب البائع للمشتري الثمن بعد قبضه ثم فسخ رجع عليه ببدله بخلاف ما لو أبرأه منه نظير ما يأتي في الصداق، ولو أدى الثمن أصل عن محجوره رجع بالفسخ للمحجور؛ لقدرته على تمليكه وقبوله له أو أجنبي رجع للمؤدي

(2)

.

(1)

. أفاد الشارح في باب اختلاف المتبايعين أن كالرد بالعيب مطلق الفسخ بإقالة ونحوها، وكالثمن المبيع لو تلف عند المشتري.

(2)

. خلافا للنهاية والشهاب الرملي من الرجوع للمشتري.

ص: 60

وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ عَادَ المِلْكُ فَلَهُ الرَّدُّ، وَقِيلَ إنْ عَادَ إلَيْهِ بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ فَلَا رَدَّ، وَالرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي أَوْ يَأْكُلُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ أَوْ لَيْلًا فَحَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْبَلَدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الحَاكِمِ فَهُوَ آكَدُ

(ولو علم بالعيب بعد) نحو رهنه أو إباقه والعيب الإباق أو إجارته ولم يرض البائع بأخذه مؤجراً، أو بعد (زوال ملكه إلى غيره) وهو باق بحاله في يد الثاني (فلا أرش في الأصح)

(1)

؛ لأنه لم ييأس من الرد لأنه قد يعود له (فإن عاد الملك فله الرد)؛ لإمكانه (وقيل إن عاد إليه بغير الرد بعيب فلا رد)؛ لأنه استدرك الظلامة.

(والرد على الفور) إجماعا، ومحله في المبيع المعين فإن قبض شيئا عما في الذمة بنحو بيع أو سلم فوجده معيبا لم يلزمه فور. ولا يجب فور أيضا في طلب الأرش ولا في حق جاهل بأن له الرد وعذر

(2)

أو بأن الرد على الفور إن كان عاميا يخفى على مثله أو جهل حاله ولا بد من يمينه في الكل، ولا إن قال له البائع أزيل عنك العيب- وأمكن -في مدة لا تقابل بأجرة. وإذا وجب الفور (فليبادر على العادة) ولا يؤمر بعدو ولا ركض (فلو علمه وهو يصلي) ولو نفلا (أو) وهو (يأكل) ولو تفكها أو وهو في نحو حمام أو خلاء، أو قبل ذلك وقد دخل وقته (فله) الشروع فيه عقب ذلك وإلا بطل رده. وبعد شروعه فيه له (تأخيره) أي الرد (حتى يفرغ) من ذلك على وجهه الكامل

(3)

؛ لعذره كالشفعة، ولأجل ذلك أجري هنا ما قالوه ثَمَّ وعكسه، ولا يضر لبس ما يتجمل به، أو سلامه على البائع بخلاف محادثته، ولا التأخير لنحو مطر يبل الثوب (أو ليلا فحتى يصبح)؛ لكلفة السير فيه فإن أمكنه بلا كلفة لزم (فإن كان البائع بالبلد رده) المشتري (عليه بنفسه) أو وليه أو وارثه (أو وكيله) ما لم يحصل بالتوكيل تأخير مضر (أو على) موكله أو وارثه أو وليه أو (وكيله)؛ لأنه قائم مقامه، (ولو تركه) أي المشتري أو وكيله مَن ذُكر من البائع ووكيله الحاضِرَين (ورفع الأمر إلى الحاكم فهو آكد) في الرد؛ لأنه ربما

(1)

. وفرَّع عليه المغني أنه لو تعذر العود رجع بالأرش المشتري الثاني على الأول، والأول على بائعه، وله الرجوع عليه قبل الغرم للثاني ومع إبرائه منه. انتهى، وقوله: ((وله

الخ))، خالفه النهاية.

(2)

. بقرب إسلامه وهو ممن يخفى عليه أو بنشئه بعيدا عن العلماء.

(3)

. قيَّده في الشفعة بشرط أن لا يعد متوانيا 6/ 79.

ص: 61

وَإِنْ كَانَ غَائِبًا رَفَعَ إلَى الحَاكِمِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إنْ أَمْكَنَهُ حَتَّى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوِ الحَاكِمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِشْهَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ

أحوجه إلى الرفع إليه، ومحل التخيير بين البائع ووكيله والحاكم ما لم يمر على أحدهم قبل وإلا تعين، نعم لو مرَّ على أحد الأولين قبلُ ولم يكن ثَمَّ من يشهده جاز له التأخير إلى الحاكم؛ لأن أحدهما قد يجحده، ولا يَدَّعي عنده؛ لأن غريمه بالبلد بل يفسخ بحضرته ثم يطلب غريمه، ويفعل ذلك ولو عند من لا يرى القضاء بالعلم؛ لأنه يصير شاهدا له (وإن كان) البائع (غائبا) ولو مسافة قريبة

(1)

ولا وكيل له بالبلد (رفع إلى الحاكم) ولا يؤخره لحضوره فيقول اشتريته من فلان الغائب بثمن كذا ثم ظهر به عيب كذا ويقيم البينة على ذلك كله ويُحَلِّفه أن الأمر جرى كذلك; لأنه قضاء على غائب ثم يفسخ ويحكم له بذلك فيبقى الثمن دينا عليه إن قبضه ويأخذ المبيع ويضعه عند عدل ويعطيه الثمن من غير المبيع إن كان وإلا باعه فيه وليس للمشتري حبس المبيع بعد الفسخ إلى قبضه الثمن بخلافه فيما يأتي؛ لأن القاضي ليس بخصم فيؤتمن بخلاف البائع (والأصح أنه) إذا عجز عن الإنهاء لمرض مثلا أو أنهى وأمكنه في الطريق الإشهاد (يلزمه الإشهاد) ويكفي واحد ليحلف معه

(2)

(على الفسخ) ولا يكفي الإشهاد على طلبه، ويلزمه الإشهاد عليه أيضا حال توكيله

(3)

أو عذره لنحو مرض أو غيبة عن بلد المردود عليه وخوف من عدو وقد عجز عن التوكيل في الثلاث وعن المضي إلى المردود عليه والرفع إلى الحاكم أيضا في الغيبة، وإنما يلزمه الإشهاد في تلك الصور (إن أمكنه) وحينئذ يسقط عنه الفور لعوده لملك البائع بالفسخ فلا يحتاج إلى أن يستمر (حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم) إلا لفصل الأمر، وحينئذ لا يبطل رده بتأخيره ولا باستخدامه لكنه يصير به متعديا، ومعنى إيجاب الإشهاد في حالتي العذر وعدمه أنه عند العذر يسقط الإنهاء ويجب تحري الإشهاد إن أمكنه وعند عدم العذر هو مخير بينه وبين الإنهاء وحينئذ يسقط تحري الإشهاد فلا ينافي وجوبه لو صادفه شاهد (فإن عجز عن الإشهاد لم يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح)؛ لأنه يبعد لزومه من

(1)

. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.

(2)

. يؤخذ من كلامه أن محله حيث كان ثَمَّ قاض يحكم بشاهد ويمين، وكلامهما مطلق.

(3)

. لم يقيد بذلك في شرح الروض.

ص: 62

وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَوِ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إكَافَهَا بَطَلَ حَقُّهُ، وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا، وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ فَلَا أَرْشَ،

غير سامع فيؤخره إلى أن يأتي به عند المردود عليه أو الحاكم؛ لعدم فائدته قبل ذلك (ويشترط ترك الاستعمال) من المشتري بعد الاطلاع على العيب، (فلو استخدم العبد) أي طلب منه أن يخدُمه، أو استعمله كأن أعطاه الكوز

(1)

من غير طلب فأخذه ثم أعاده إليه بخلاف مجرد أخذه منه من غير رده؛ لأن وضعه بيده كوضعه بالأرض (أو ترك) من لا يعذر بجهل ذلك (على الدابة سرجها أو إكافها

(2)

المبيعين معها أو اللذين له أو في يده في مسيرِهِ للرد أو في المدة التي اغتفر له التأخير فيها (بطل حقه)؛ لإشعاره بالرضا، ولا يؤثر تركه إن أضرّ بها نزعه أو شقّ حمله أو لم يلق به حمله. وخرج بالسرجِ والإكافِ العذارُ

(3)

واللجام فلا يضر تركهما؛ لتوقف حفظها عليهما.

[تنبيه] لو علم بالعيب وجهل أن له الرد به وعذر بجهله ثم استعمله سقط رده

؛ لتقصيره باستعماله الدال على الرضا به (ويعذر في ركوب جموح) للرد (يعسر سوقها وقودها)؛ للحاجة إليه، ويلزمه سلوك أقرب الطريقين حيث لا عذر بخلاف ركوب غير الجموح واستدامته بعد علمه بالعيب، نعم لو علم عيب الثوب في الطريق وهو لابسه لا يلزمه نزعه إن خاف انكشاف عورته أو كان من ذوي الهيئات

(4)

، ويلحق بالجموح غير الجموح إن تعذر ردها إلا بركوبها لعجزه عن المشي أو لم يلق به المشي. وله نحو حلب لبنها الحادث حال سيرها فإن أوقفها له أو لإنعالها وهي تمشي بدونه بطل رده

(5)

، ويُصدَّق المشتري في ادعاء عذر مما ذكر وقد أنكره البائع لأن المانع من الرد لم يتحقق

[فرع] مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بعيب أو غيره إلى محل قبضه على المشتري، وكذا كل يد ضامنة يجب على ربها مؤنة الرد بخلاف يد الأمانة. (وإذا سقط رده بتقصير فلا أرش)؛ لتقصيره.

(1)

. هو الكوب بلا عروة، لسان العرب.

(2)

. المراد بالإكاف هنا هو ما تحت البرذعة أو نفسها أو فوقها.

(3)

. من اللجام ما وقع منه على خدي الدابة، لسان العرب.

(4)

. وافقه في هذا التصوير المغني وخالفه النهاية.

(5)

. خلافا للنهاية.

ص: 63

وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا، ثُمَّ إنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ رَدَّهُ المُشْتَرِي أَوْ قَنِعَ بِهِ، وَإِلَّا فَلْيَضُمَّ المُشْتَرِي أَرْشَ الحَادِثِ إلَى المَبِيعِ وَيَرُدَّ أَوْ يَغْرَمُ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ، وَلَا يَرُدُّ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ

(ولو) اطلع على عيب قديم، و (حدث عنده) حيث لا خيار أو والخيار للبائع (عيب) لا بسبب وجد في يد البائع. وضابط الحادث هنا هو ضابط القديم فيما مر غالبا فمن غيره نحو الثيوبة فهي حادث هنا بخلافها ثَمّ في أوانها، وكذا عدم نحو قراءة أو صنعة فإنه ثم لا رد به وهنا لو اشترى قارئا ثم نسي امتنع الرد. ولو تبايعا ثمرا لم يبد صلاحه بلا خيار أو به وانقضى ثم بدا صلاحه بعد القبض ثم علم عيبا ولم يؤد الزكاة من غير المبيع لم يرد به قهرا؛ لأن شركة المستحقين له بقدر الزكاة كعيب حدث بيده، أما لو بدا قبل القبض وبعد اللزوم كان كعيب حدث بيد البائع قبله فيتخير المشتري (سقط الرد قهرا)؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، ومن ثم لو زال الحادث رد. أما إذا كان الخيار للمشتري أو لهما فللمشتري الفسخ من حيث الخيار وإن حدث العيب في يده فيرده مع الأرش ولو أقاله بعد حدوث عيب بيده فللبائع طلب أرشه بل تصحّ الإقالة بالثمن بعد تلف المبيع أو بيع المشتري له وحينئذٍ يسلم المشتري الأول مثل المثلي وقيمة المتقوم، وتصحّ أيضا بعد الإجارة وتكون الأجرة المسماة للمشتري وعليه للبائع أجرة المثل، (ثم إن رضي به البائع) بلا أرش عن الحادث (رده المشتري، أو قنع به) بلا أرش له عن القديم (وإلا فليضم المشتري أرش الحادث إلى المبيع ويرده أو يغرم البائع أرش القديم ولا يرد)؛ رعاية للجانبين، (فإن اتفقا على أحدهما فذاك) واضح، وعلى ولي أو وكيل فعل الأحظ، نعم الربوي المبيع بجنسه لو اطلع فيه على عيب قديم بعد حدوث آخر يتعين فيه الفسخ مع أرش الحادث لا إمساكه مع أرش القديم؛ لئلا يؤدي لمفاضلة بين العوضين، ومرّ حكم ما لو تعذر رده لتلفه. ومتى زال القديم قبل أخذ أرشه لم يأخذه أو بعد أخذِهِ ردَّه، أو الحادث بعد أخذ أرش القديم أو القضاء به امتنع فسخه بخلاف مجرد التراضي (وإلا فالأصح إجابة من طلب الإمساك) والرجوع بأرش القديم؛ لما فيه من تقرير العقد

(1)

، وحيث أوجبنا أرش

(1)

. نعم لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ثم اطلع على عيبه فطلب أرش العيب وقال البائع بل رده وأغرم لك قيمة الصبغ إن لم يمكن فصله جميعه أجيب البائع وإن كان الصبغ -وإن زادت به القيمة- من العيوب. تحفة 4/ 378.

ص: 64

وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ المُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالحَادِثِ لِيَخْتَارَ، فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ. وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضٍ وَرَانِجٍ وَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ مُدَوِّدٍ رَدَّ، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ الحَادِثَةِ

الحادث لا ننسبه إلى الثمن بل نرد ما بين قيمة المبيع معيبا بالعيب القديم وقيمته معيبا به وبالحادث بخلاف أرش القديم فإنا ننسبه إلى الثمن كما مر (ويجب أن يعلم المشتري البائع على الفور بالحادث) مع القديم (ليختار) شيئا مما مر كما يجب الفور في الرد حيث لا حادث، نعم تقبل دعواه الجهل بوجوب فورية ذلك؛ لأنه لا يعرفه إلا الخواص، (فإن أخَّر إعلامه بلا عذر فلا رد) له به (ولا أرش)؛ لإشعار التأخير بالرضا به، نعم إن كان الحادث يزول غالبا في مدّة قريبة كثلاثة أيام فأقل كالرمد والحمى لم يضرّ انتظاره ليرده سالما.

[تنبيه] قوله ويجب .. الخ قيد لقوله ثم .. الخ

، وأفاد أن محل ذلك التخيير إن لم يوجد تقصير بتأخير الإعلام وإلا فلا رد له به على تلك الكيفية المشتملة على التخيير السابق بعد ثم التي من جملتها أخذ الأرش، وحينئذ فلا ينافي هذا جواز إقالة من غير أرش؛ لإمكانها هنا بخلافها فيما نحن فيه من الردّ بالأرش؛ لأنها إما بيع فشرطها أن تقع بما وقع به العقد الأول وهنا بخلافه وإما فسخ فموردها مورد العقد وليس الأرش موردا حتى يقع العقد عليه (ولو حدث عيب لا يعرف القديم إلا به ككسر بيض) لنحو نعام؛ لأن قشره متقوم (و) كسر (رانِج) وهو الجوز الهندي حيث لم تتأت معرفة عيبه إلا بكسره (وتقوير

(1)

بِطيخ مدوِّد

(2)

بعضه، وكل ما مأكوله في جوفه كالرمان (رد، ولا أرش عليه في الأظهر)؛ لأن البائع سلَّطه على كسره لتوقف علم عيبه عليه، أما بيض نحو دجاج مذر ونحو بطيخ مدود كله فإنه يوجب فساد البيع؛ لأنه غير متقوم فيرجع المشتري بكل ثمنه وعلى البائع تنظيف المحل من قشوره؛ لاختصاصها به، ومحله إن لم ينقلها المشتري إلى المحل التي هي به وإلا لزمه نقلها إلى محل العقد (فإن أمكن) أي بالنظر للواقع (معرفة القديم بأقل مما أحدثه) - عذر به أوْ لا - (فكسائر العيوب الحادثة) فيمتنع رده به؛ لعدم الحاجة إليه وذلك كتقوير البِطيخ الحامض وكسر الرانج

(1)

. قوره أي قَطَعَهُ من وسطه خرقا مستديرا، لسان العرب.

(2)

. أي وقع فيه السوس، الصحاح.

ص: 65

اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً رَدَّهُمَا، وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا رَدَّهُمَا لَا المَعِيبَ وَحْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدَ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوِ اشْتَرَيَاهُ فَلِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ فِي الْأَظْهَرِ

وقد أمكن الوقوف على عيبه بغرز شيء فيه وكتقوير كبير يغني عنه أصغر منه والتدويد لا يعرف غالبا إلا بالتقوير وقد يعرف بالشق فمتى عرف به كان التقوير عيبا حادثا. ولو شرطت حلاوة الرمان فبان حامضا بالغرز رد؛ إذ لا يعرف حمضه بدون الغرز أو بالشق فلا لمعرفته بدونه وعند الإطلاق ليست الحموضة عيبا؛ لأنها مقصودة فيه. ولو اشترى نحو بيض أو بِطيخ كثير فكسر واحدة فوجدها معيبة لم يتجاوزها؛ لثبوت مقتضى رد الكل بذلك لما يأتي من امتناع رد البعض فقط، وإن كسر الثانية فلا رد له مطلقا؛ لأنه وَقَفَ على العيب المقتضي للرد بالأول فكان الثاني عيبا حادثا، ولو اطلع على العيب في واحدة بعد كسر أخرى كان الحكم كذلك.

فرع

(اشترى) من واحد (عبدين) أو مصراعي باب

(1)

(معيبين صفقة ردهما) إن شاء لا أحدهما قهرا؛ لإضرار البائع بتفريق الصفقة عليه من غير ضرورة (ولو ظهر عيب أحدهما ردهما) إن شاء (لا المعيب وحده في الأظهر)؛ لذلك، أما ما لا ضرر بتفريقه كالحبوب وغيرها من المثليات يجوز رد المعيب منه وحده؛ إذ لا ضرر فيه

(2)

. ولو ظهر عيب أحدهما بعد تلف الآخر أو بيعه لم يرد الباقي إلا إن كان البيع من البائع

(3)

؛ لانتفاء التفريق المضر حينئذ (ولو اشترى عبد رجلين) منهما لا من وكيلهما (فبان معيبا فله رد نصيب أحدهما)؛ لتعدد الصفقة بتعدد البائع دون موكله كما مر (ولو اشترياه) أي المعيب من واحد أو من اثنين

(4)

(فلأحدهما الرد) لحصته على البائع (في الأظهر)؛

(1)

. قضيته أن المصراعين من صورة الخلاف خلافا لهما.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. خلافا لهما.

(4)

. لكن حينئذ لا خلاف في الرد.

ص: 66

وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ. وَالزِّيَادَةُ المُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ تَتْبَعُ الْأَصْلَ،

لتعدد الصفقة بتعدد المشتري لنفسه أو لغيره (ولو اختلفا في قدم العيب) واحتمل صدقُ كلٍّ (صدق البائع بيمينه)؛ لأن الأصل لزوم العقد، أما إذا قطع بما ادعاه أحدهما كشجة مندملة والبيع أمس فيصدق المشتري بلا يمين وكجرح طرى والبيع والقبض من سنة فيصدق البائع بلا يمين. ولو ادعى المشتري قدم عيبين فصدقه البائع في أحدهما فقط صدق المشتري بيمينه؛ لثبوت الرد بإقرار البائع فلا يسقط بالشك. ولو نكل المشتري عن اليمين سقط رده ولم ترد على البائع؛ لأنه لا يثبت لنفسه بحلفه حقا بل يأتي هنا ما سبق في قوله ((ثم إن رضي به البائع إلخ))، ولو اشترى ما كان رآه وعَيْبه قبلُ ثم أتاه به فقال زاد العيب وأنكر البائع صدق المشتري؛ لأن البائع يدعي عليه علمه به وهو خلاف الأصل، ثم إن تصديق البائع في عدم القدم إنها هو لمنع رد المشتري لا لتغريمه أرشه لو عاد للبائع بفسخ وطلبه زاعما أن حدوثه بيده ثبت بيمينه (على حسب جوابه

(1)

؛ لأن اليمين تكون وفق الدعوى، ولا يكفيه الحلف على نفي العلم، ويجوز له الحلف على البتّ ولو اعتمادا على ظاهر السلامة إن لم يظن خلافها، ولو قال علم المشتري به قبل القبض أو رضي به بعده كُلّف البينة. ولا يثبت العيب إلا بشهادة عدلي شهادة فإن فقدا صدق البائع، ويصدق المشتري بيمينه في عدم تقصيره في الرد وفي جهله بالعيب إن أمكن خفاء مثله عليه عند الرؤية وإلا كقطع أنف صدق البائع وفي أنه ظن أن ما رآه به غير عيب وكان ممن يخفى عليه مثله، وفي أنه إنما رضي بعيبه لأنه ظنه العيب الفلاني وقد بان خلافه وأمكن اشتباهه به وكان العيب الذي بان أعظم ضررا فيثبت له الرد في الكل (والزيادة) في المبيع أو الثمن (المتصلة كالسمن) وكبر الشجرة وتعلم الصنعة ولو بمعلم بأجرة (تتبع الأصل)؛ لتعذر إفرادها، ولو باع أرضا بها أصول نحو كراث فنبتت ثم ردها بعيب فالنابت للمشتري بخلاف الصوف الحادث بعد العقد فإنه يرده تبعا ما لم يجز

(2)

وكذا اللبن الحادث في الضرع؛ لأنهما كالسمن بخلاف تلك، ومن ثم كان الظاهر منهما في ابتداء البيع لا يدخل. ولو جزّ بعد أن طال

(1)

. وظاهر كلام الشارح أنه لو قال ما بعته أو ما قبضته إلا سليما أنه يكفي في الجواب عنه الاقتصار على ما قبله وهو خلاف صنيع المغني.

(2)

. خالفاه كالشهاب فاعتمدوا أن الصوف الحادث للمشتري جزَّ أو لا.

ص: 67

وَالمُنْفَصِلَةُ كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَةِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ، وَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إنْ رَدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ بَاعَهَا حَامِلًا فَانْفَصَلَ رَدَّهُ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ الِاسْتِخْدَامُ وَوَطْءُ الثَّيِّبِ، وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى المَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ

ثم علم عيبا ورد اشتركا فيه؛ لأن الموجود عند العقد جزء من المبيع فيرد وإن جُزَّ، وحينئذٍ فالقياس أنه يصدق ذو اليد حيث لا بينة وأنه لا رد ما داما متنازعين وأن ذلك عيب حادث (والمنفصلة كالولد

(1)

والأجرة لا تمنع الرد) عملا بمقتضى العيب، نعم ولد الأمة الذي لم يميز يمنع الرد؛ لحرمة التفريق بينهما فيجب الأرش، (وهي للمشتري) في المبيع وللبائع في الثمن (إن رد بعد القبض)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((الخراج بالضمان))

(2)

، والمراد بالضمان ضمان المشتري ما ملكه بالاشتراء فخرج البائع قبل القبض والغاصب فيضمن لوضع يده على ملك غيره بطريق مضمن ولا يملك فوائده؛ لأنه لا ملك له (وكذا قبله في الأصح)؛ لأن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله (ولو باعها حاملا فانفصل) الحمل ولم تنقص أمه بالولادة أو كان جاهلا بالحمل واستمر جهله إلى الوضع وإن نقصت بها

(3)

؛ لما مر أن الحادث بسبب متقدم كالمتقدم (رده)؛ لأن الحمل يعلم ويقابله قسط من الثمن (معها في الأظهر)؛ لوجود المقتضي بلا مانع بخلاف ما إذا نقصت بها وعلم بالحمل فلا يردها قهرا بل له الأرش كسائر العيوب الحادثة. وخرج بباعها حاملا ما لو باعها حائلا ثم حملت ولو قبل القبض فإن الولد للمشتري. وللمشتري حبس الأم حتى تضعه، وحمل الأمة بعد القبض يمنع الرد القهري؛ لأنه عيب فيها وكذا حمل غيرها إن نقصت به ونحو البيض والطلع كالحمل والتأبير كالوضع (ولا يمنع الرد الاستخدام) للمبيع ولا من البائع أو غيره للثمن (ووطء الثيب) كالاستخدام، نعم إن كان بزنا منها بأن مكنته ظانة أنه أجنبي منع؛ لأنه عيب حدث (وافتضاض البكر) من مشتر أو غيره يعني زوال بكارتها ولو بوثبة (بعد القبض نقص حدث) فيمنع الرد ما لم يستند لسبب متقدم جهله المشتري كما مر (وقبله جناية على المبيع قبل القبض) فإن كان من

(1)

. أي كله ولا عبرة بانفصال بعضه كما أفاده الشارح في كتاب أمهات الأولاد 10/ 423.

(2)

. أي ما يخرج من المبيع من غلة وفائدة تكون للمشتري في مقابلة أنه لو تلف لكان من ضمانه.

(3)

. وفاقا للمغني واعتمد الرملي عدم الفرق في عدم الرد بين حالة العلم وحالة الجهل وإن كان النقص بسبب جرى عند البائع وهو الحمل.

ص: 68

فصل

التَّصْرِيَةُ حَرَامٌ تُثْبِتُ الخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّ بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ رَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ، وَقِيلَ يَكْفِي صَاعُ قُوتٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وَأَنَّ خِيَارَهَا لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَأْكُولٍ وَالجَارِيَةَ وَالْأَتَانَ،

المشتري منع رده بالعيب ثم إن قبضها لزمه الثمن بكماله وإن تلفت قبل قبضها لزمه من الثمن قدر ما نقص من قيمتها أو من غيره فإن فسخ فذاك، وإن أجاز ثمّ علم عيبا قديما فله الردّ

(1)

، ثم إن كان المزيل البائع أو آفة أو زَوْجَاً زواجُهُ سابِقٌ فهدر أو أجنبيا لزمه الأرش إن لم يطأ أو كانت زانية وإلا لزمه مهر بكر مثلها فقط وهو للمشتري ما لم يفسخ وإلا استحق البائع منه قدر الأرش.

(فصل) في القسم الثاني وهو التغرير الفعلي بالتصرية أو غيرها

(التصرية) وهي أن تربط أخلاف البهيمة، أو يترك حلبها مدة قبل بيعها حتى يجتمع اللبن فيتخيل المشتري غزارة لبنها فيزيد في الثمن (حرام)؛ للنهي الصحيح عنها إن أراد البائع بيعها مطلقا أو لم يرده وأضرّ بها (تثبت الخيار) وإن تصرت بنفسها أو لنسيان حلبها، نعم لا خيار إن استمر لبنها (على الفور) كالرد بالعيب (وقيل يمتد ثلاثة أيام) من العقد كما صرح به الحديث وهو مُؤّل (فإن رد) اللبون المصراة أو غيرها بعيب أو غيره كتحالف أو تقايل (بعد تلف) أي حلب (اللبن) لكن إن كان متمولا (رد معها صاع) يتعدد بتعددها (تمر) ما لم يتفقا على رد غيره؛ للحديث الصحيح بذلك وإن اشتراها بصاع تمر أو بدونه، ويتعين كونه من تمر البلد الغالب فإن غلب أنواع فأوسطهنّ، فإن تعذر عليه تحصيله بثمن مثله في بلده ودون مسافة القصر إليها فقيمته بأقرب بلد تمر إليه، والعبرة بقيمة يوم الرد (وقيل: يكفي صاع قوت)؛ لرواية بالطعام لكنها عورضت بأصحّ منها. (والأصح أن الصاع لا يختلف بكثرة اللبن) وقلته؛ لأن القصد قطع النزاع (وأن خيارها لا يختص بالنعم بل يعم كل مأكول) ولو أرنبا (والجارية و) ما لا يؤكل ويصحّ بيعه وله لبن كـ (الأتان)؛ لرواية مسلم ((من اشترى

(1)

. أما إذا علم بهما معا فقياس كلام الرملي أن فسخه بأحدهما وإجازته في الآخر يسقط خياره خلافا لمقتضى إطلاق الشارح.

ص: 69

وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا، وَفِي الجَارِيَةِ وَجْهٌ، وَحَبْسُ مَاءِ الْقَنَاةِ، وَالرَّحَى المُرْسَلِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ، وَتَسْوِيدُ الشَّعْرِ وَتَجْعِيدُهُ يُثْبِتُ الخِيَارَ، لَا لَطْخُ ثَوْبِهِ تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ فِي الْأَصَحِّ

مصراة)) (ولا يرد معهما شيئا) ; لأن لبن الأمة لا يعتاض عنه غالبا، ولبن الأتان نجس (وفي الجارية وجه)؛ لصحة بيع لبنها (وحبس ماء القناة والرحى المرسل عند البيع) أو الإجارة (وتحمير الوجه وتسويد الشعر وتجعيده

(1)

في الأمة والعبد حرام (يثبت الخيار) بجامع التدليس أو الضرر، ومن ثم تخير هنا وإن فعل ذلك غير البائع إلا تجعد الشعر

(2)

; لأنه مستور غالبا فلم ينسب البائع فيه لتقصير، وإلا إذا كان ذلك مصنوع لغالب الناس وإن كان بفعل البائع لتقصير المشتري (لا) نحو (لطخ ثوبه تخييلا لكتابته في الأصح) ; لتقصير المشتري بعدم امتحانه.

[تنبيه] يحرم كل فعل بالمبيع أو الثمن أعقب ندما لآخذه، ولا أثر لمجرد التوهم كما لو اشترى زجاجة يظنها جوهرة بثمن الجوهرة; لأنه المقصر.

(1)

. الجعد ما فيه من التواء وانقباض لا كمفلفل السودان.

(2)

. بأن تجعد بنفسه أو بغير البائع وفاقا للرملي وخلافا للمغني فأثبت الخيار.

ص: 70

باب

المَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَإِنْ تَلِفَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ،

(باب) في حكم المبيع ونحوه قبل قبضه وبعده والتصرف فيما له تحت يد غيره وبيان القبض والتنازع فيه

(المبيع) دون زوائده المنفصلة، ومثله في جميع ما يأتي الثمن (قبل قبضه) الواقع عن البيع (من ضمان البائع

(1)

؛ لبقاء سلطنته عليه وإن قال للبائع أودعتك إياه، أو عرضه على المشتري فامتنع من قبوله ما لم يضعه بين يدي المشتري بحيث تناله يده منه من غير حاجة لانتقال أو قيام ولم يعد البائع مستوليا عليه ويعلم به المشتري ولا يكون ثمّة مانع منه

(2)

، ومن المانع أن يكون بمحل لا يلزمه تسلمه فيه. ويأتي ذلك في وضع المدين الدين عند دائنه، أما زوائده الحادثة في يد البائع فهي عنده أمانة

(3)

; لأن ضمان الأصل بالعقد وهو لم يشملها ولا وجد منه تعد (فإن تلف) بآفة سماوية ويصدق فيه البائع; لأنه كالوديع في عدم ضمان البدل، ثمّ إن لم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا صدّق بيمينه وإن ذكر سببا ظاهرا كحريق فإن عرف الحريق وعمومه صُدق بلا يمين وإن عرف دون عمومه صدق بيمينه وإن جهل طولب ببينة ثمّ يحلف على التلف به، ومثل الآفة هنا ما لو وقعت الدرة في بحر لا يمكن إخراجها منه، أو انفلت ما لا يرجى عوده من طير أو صيد متوحش أو اختلط نحو ثوب أو شاة بمثله للبائع ولم يمكن التمييز بخلاف نحو تمر بمثله; لأن المثلية تقتضي الشركة فلا تعذر بخلاف المتقوم أو انقلب عصير خمرا ما لم يعد خلا

(4)

لكن يتخير المشتري، أو غرقت الأرض بماء لم يتوقع انحساره، أو وقع عليها صخرة، أو ركبها رمل لا يمكن رفعهما

(5)

(انفسخ البيع) وتكون زوائده للمشتري حيث لا خيار أو تخير البائع وحده، ويلزم البائع تجهيزه (وسقط الثمن) الذي لم يقبض،

(1)

. ومعنى ضمانه انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف البائع، والتخيير بتعيبه أو تعييب غير مشتر وإتلاف أجنبي 4/ 393.

(2)

. ومع ذلك إن وضعه البائع بغير أمره لم يضمنه المشتري لو خرج مستحقا، وضمان اليد لا بد فيه من حقيقة وضعها، وهذا هو المسوغ للحاكم إجبار المشتري على القبض، وإن كفى الوضع بين يديه؛ لأن البائع لا يخرج عن عهدة ضمان استقرار اليد إلا بوضع المشتري يده عليه حقيقة، أفاده الشارح آخر الباب 4/ 416.

(3)

. وتقدم وجوب زكاته على المشتري 3/ 333.

(4)

. عندهم تخمر العصير كالتلف.

(5)

. فيكون ما ذكر من غرق الأرض وما بعدها تلفا لا تعيبا خلافا للمغني.

ص: 71

وَلَوْ أَبْرَأَهُ المُشْتَرِي عَنْ الضَّمَانِ لَمْ يَبْرَأْ فِي الْأَظْهَرِ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الحُكْمُ. وَإِتْلَافُ المُشْتَرِي قَبْضٌ إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: كَأَكْلِ المَالِكِ طَعَامَهُ المَغْصُوبَ ضَيْفًا، وَالمَذْهَبُ أَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ كَتَلَفِهِ،

ووجب رده إن قُبض؛ لفوات التسليم المستحق بالعقد فبطل كما لو تفرقا في عقد الصرف قبل القبض. وخرج بوحده ما لو تخيرا أو المشتري فلا فسخ بل يبقى الخيار ثم إن تم العقد غرم الثمن وإلا فالبدل.

[فرع] باع عصيرا وشاهده المشتري ولكنه لم يقبضه إلا بعد زمن يمكن فيه تخمره وقبضه بإناء موكوء عليه وعندما فتحه المشتري وجده خمرا فقال البائع: تخمّر عندك، وقال المشتري بل عندك صدق البائع، وقياسه أنه لو اشترى نحو زيت ثم أفرغه البائع في إنائه بأمره فوجد فيه فأرة ميتة فقال: هي فيه قبل إفراغه وقال البائع: بل هي في ظرفك صدق البائع.

(ولو أبرأه المشتري عن الضمان لم يبرأ في الأظهر) ; لأنه إبراء عما لم يجب (ولم يتغير الحكم) السابق (وإتلاف) المبيع حسا أو شرعا من (المشتري) أي المالك الأهل- وإن لم يباشر العقد -أو قنه بإذنه لا وكيله وإن باشر بل هو كالأجنبي (قبض إن علم) أنه المبيع ولم يكن لعارض يبيحه فخرج ما لو كان المشتري هو الإمام أو نائبه وقام بقتل المبيع لردته أو تركه للصلاة أو قطعه الطريق، أو قتله لصياله عليه، أو لقتاله مع أو قوداً بغاة فكل ذلك ليس قبضا وإن علم أنه المبيع (وإلا فقولان كأكل المالك طعامه المغصوب ضيفا) أظهرهما أنه يصير قابضا؛ تقديما للمباشرة، وفي معنى إتلافه ما لو اشترى وارث حائز شيئا من مورثه فمات المورث. أما غير الأهل كغير مكلف فإتلافه ليس قبضا بل ينفسخ به العقد ويلزمه بدله وعلى البائع رد ثمنه لوليه إن قبضه (والمذهب أن إتلاف البائع) المبيع قبل قبضه، أو بعده وكان القبض فاسدا كأن كان للبائع الحبس، ومن إتلافه نحو بيعه ثانيا لمن تعذر استرداده منه (كتلفه) بآفة ومر أنه ينفسخ فكذا هنا لتعذر الرجوع عليه بقيمته; لأنه مضمون عليه بالثمن فإذا أتلفه سقط الثمن، ولو استوفى

ص: 72

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إتْلَافَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْسَخُ، بَلْ يَتَخَيَّرُ المُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ وَيُغَرِّمَ الْأَجْنَبِيَّ أَوْ يَفْسَخَ وَيُغَرِّمَ الْبَائِعُ الْأَجْنَبِيَّ. وَلَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَرَضِيَهُ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَلَوْ عَيَّبَهُ المُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ

منافعه لم يلزمه لها أجرة

(1)

لضعف ملك المشتري وكونه من ضمان البائع (والأظهر أن إتلاف) المبيع من قبل (الأجنبي) الملتزم بغير حق في غير عقد الربا وإن أذن له البائع أو المشتري فيه؛ لعدم استقرار ملكه، أو كان الأجنبي عبدا للبائع، ولو بإذنه، أو للمشتري لكن بغير إذنه (لا يفسخ) البيع لقيام بدل المبيع مقامه، (بل يتخير المشتري) على التراخي

(2)

؛ لفوات العين المقصودة (بين أن يُجيز) وله حينئذ الرجوع للفسخ أيضا

(3)

(ويُغَرّم الأجنبي) البدل (أو) بمعنى الواو (يفسخ ويُغَرّم البائع الأجنبي) البدل، أما إتلافه له بحق نظير ما مر في المشتري، أو وهو حربي فكالآفة، وأما إتلافه للربوي فينفسخ به العقد؛ لتعذر التقابض والبدل لا يقوم مقامه فيه وإتلاف أعجمي يعتقد تحتم طاعة آمره وغير مميز كإتلاف آمره من بائع ومشتر وأجنبي.

[تنبيه] لو أتلفته دابة مشتر لا يضمن إتلافها انفسخ؛ لتقصير البائع فَنُزِّل منزلة إتلافه، أو يضمنه لكونه معها، أو قصر في حفظها لم يكن قبضا

(4)

; لأنها لا تصلح له بل يتخير فإن فسخ طالبه البائع بما أتلفته؛ لتقصيره، أو دابة البائع انفسخ مطلقا; لأنه كإتلافه إن كان بتفريطه، وإلا فكالآفة (ولو تعيب) المبيع (قبل القبض) بآفة سماوية (فرضيه) المشتري (أخذه بكل الثمن) كما لو قارن العيب العقد ولا أرش له لقدرته على الفسخ، وفهم من قوله: فرضيه ما قدمه من أن له الخيار، ويتخير أيضا بغصب المبيع وإباقه وجحد البائع للمبيع ولا بينة (ولو عيبه المشتري فلا خيار) له؛ لحصوله بفعله بل يمتنع به رده لو ظهر به عيب قديم كما مر، ويصير قابضا لما أتلفه فيستقر عليه حصته من الثمن وهو ما بين قيمته سليما ومعيبا، هذا إن

(1)

. وفاقا لهما كالشهاب الرملي وقال شيخ الإسلام في شرح الروض أنه يلزمه لها أجرة إن تعدى بحبسه مدة لها أجرة.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية والشهاب الرملي.

(3)

. خلافا لقضية كلام الشهاب الرملي.

(4)

. وفاقا لشرح الروض وخلافا لشرح البهجة والرملي.

ص: 73

أَوِ الْأَجْنَبِيُّ فَالخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازَ غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ الْأَرْشَ، وَلَوْ عَيَّبَهُ الْبَائِعُ فَالمَذْهَبُ ثُبُوتُ الخِيَارِ لَا التَّغْرِيمِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ المَبِيع قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيْعَهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ، وَأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ وَالْهِبَةَ كَالْبَيْعِ، وَأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِخِلَافِهِ،

اندمل فإن سرت الجناية للنفس استقر عليه الثمن كله (أو) عيبه (الأجنبي) وهو أهل للالتزام بغير حق (فالخيار) على التراخي

(1)

ثابت للمشتري؛ لكونه مضمونا على البائع (فإن أجاز غرم الأجنبي الأرش) ; لأنه الجاني لكن بعد قبض المبيع لا قبله؛ لجواز تلفه بيد البائع فينفسخ البيع. والمراد بالأرش في الرقيق ما يأتي في الديات وفي غيره ما نقص من قيمته ففي يد القن نصف القيمة لا ما نقص منها إن لم يصر غاصبا وإلا لزمه الأكثر من نصفها وما نقص منها (ولو عيَّبه البائع فالمذهب ثبوت الخيار) على التراخي للمشتري وهذا متفق عليه; لأنه إما كالآفة أو إتلاف الأجنبي، وكل منهما يثبت الخيار فقوله المذهب إنما هو في قوله (لا التغريم)؛ بناء على الأصح أن فعله كالآفة لا كفعل الأجنبي فإن شاء المشتري فسخ، وإن شاء أجاز بجميع الثمن؛ لما مر (ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه) إجماعا في الطعام ولحديث حكيم بن حزام ((يا ابن أخي لا تبيعن شيئا حتى تقبضه)) وعلته ضعف الملك لانفساخه بتلفه، وخرج بالمبيع زوائده الحادثة بعد العقد فيصح بيعها؛ لعدم ضمانها كما مر ويمتنع التصرف بعد القبض أيضا إذا كان الخيار للبائع أو لهما كما علم مما مر (والأصح أن بيعه للبائع كغيره)؛ لعموم النهي السابق وعلته. ومحل الخلاف إن باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة وإلا بأن باعه بعين الثمن أو بمثله إن تلف أو كان في الذمة فهو إقالة بلفظ البيع (وأن الإجارة) للمبيع (والرهن والهبة) والصدقة والإقراض له (كالبيع)؛ بناء على العلة السابقة، وكذا جعله نحو صداق أو عوض خلع أو سلم والتولية فيه والإشراك، نعم في الرهن تفصيل

(2)

حاصله أنه لا يصح رهن المشتري للمبيع إن كان من غير البائع مطلقا وكذا من البائع إن كان له حقّ الحبس; إذ لا فائدة في الرهن; لأنه محبوس بالدين وإلا جاز. وخرج بإجارة المبيع إجارة المستأجر قبل قبضه فإنها صحيحة لكن من المؤجر فقط; لأن المعقود عليه فيها المنافع وهي لا تصير مقبوضة بقبض العين فلم يؤثر فيها عدم القبض (وأن الإعتاق بخلافه) فيصح وإن كان للبائع حق

(1)

. خلافا للرملي هنا وفيما يأتي.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه لا فرق في المنع بين رهنه من البائع وغيره.

ص: 74

وَالثَّمَنُ المُعَيَّنُ كَالمَبِيعِ فَلَا يَبِيعُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ وَمَرْهُونٍ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ وَمَوْرُوثٍ وَبَاقٍ فِي يَدِ وَلِيِّهِ بَعْدَ رُشْدِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ، وَكَذَا عَارِيَةٌ وَمَأْخُوذٌ بِسَوْمٍ

الحبس؛ لقوَّته، ومثله الاستيلاد والتدبير والتزويج والقسمة وإباحة نحو طعام اشتراه جزافا للفقراء والوقف ما لم نقل بتوقفه على القبول

(1)

. ويكون قابضا بنحو العتق والوقف لا بالتدبير والاثنين بعده، وكذا الطعام المباح للفقراء قبل قبضهم له (والثمن المعين كالمبيع) في جميع ما مر فيه، ومنه فساد التصرف قبل قبضه (فلا يبيعه البائع) يعني لا يتصرف فيه (قبل قبضه) لا من المشتري إلا في نظير ما مر من بيع المبيع للبائع، ولا من غيره؛ لعموم النهي، وكل عين مضمونة في عقد معاوضة كأجرة وعوض صلح عن مال أو دم

(2)

وبدل خلع أو صداق كذلك (وله بيع ماله في يد غيره أمانة كوديعة ومشترك وقراض ومرهون بعد انفكاكه) مطلقا، وقبله بإذن المرتهن (وموروث) كان للمورث التصرف فيه، ومثله ما يملكه الغانم من الغنيمة مشاعا باختيار التملك (وباق في يد وليه بعد رشده، أو إفاقته)؛ لتمام الملك، نعم لو سلم

(3)

المستأجر الأجير ثوبا له لصبغه أو قصارته

(4)

مثلا لم يجز له التصرف فيه قبل العمل مطلقا أو بعده وقبل تسليم الأجرة؛ لأن له حبسه إلى تمام العمل ثم لقبض الأجرة

(5)

، ولو استأجره لرعي غنمه شهرا مثلا جاز له بيعها; لأن المستأجر له ليس عينا حتى يستحق حبس العين لأجله بخلاف نحو الصبغ فإنه عين فناسب حبس محله لأجله (وكذا) له بيع ماله المضمون على من هو بيده ضمان يد، ومنه (عارية

(6)

ومأخوذ بسوم) وهو ما يأخذه مريد الشراء ليتأمله أيعجبه أم لا، وما رجع إليه بفسخ عقد لكن إن أعطى المشتري ثمنه، ومحلّ ضمان كل المأخوذ بالسوم إن سام كله وإلا كأن أخذ مالا من مالكه أو بإذنه ليشتري نصفه فتلف لم يضمن إلا نصفه; لأن النصف

(1)

. أي بأن كان على معين وخالفاه في ذلك.

(2)

. يفهم من كلام الشارح في الديات الصحة إن علم قدر الواجب وصفته وسنه 8/ 455.

(3)

. هذا تصوير لا قيد خلافا لهما.

(4)

. يؤخذ من كلامه كالنهاية أن محله في قصارةٍ تحتاج إلى عين، وكلام المغني مطلق عن اشتراط ذلك.

(5)

. قال الشارح في كتاب الإجارة: ((ومحله إذا لم يتعدد، وإلا فاستأجرتك لكتابة كذا كل كراس بكذا فليس له حبس كراس على أجرة آخر؛ لأن الكراريس حينئذ بمنزلة أعيان مختلفة)).

(6)

. شمل إطلاقه ما لو كان المعار أرضا وقد ورثها المستعير خلافا للمغني.

ص: 75

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ المُسْلَمِ فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَالجَدِيدُ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ عَنِ الثَّمَنِ، فَإِنِ اسْتَبْدَلَ مُوَافِقًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي المَجْلِسِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعَقْدِ وَكَذَا الْقَبْضُ فِي المَجْلِسِ إنِ اسْتَبْدَلَ مَا لَا يُوَافِقُ فِي الْعِلَّةِ كَثَوْبٍ عَنْ دَرَاهِمَ، وَلَوِ اسْتَبْدَلَ عَنِ الْقَرْضِ. وَقِيمَةِ المُتْلَفِ جَازَ، ....

الآخر في يده أمانة (ولا يصح بيع) المثمن الذي في الذمة نحو (المسلم فيه ولا الاعتياض عنه) قبل قبضه بغير نوعه؛ لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض، والحيلة في ذلك أن يتفاسخا عقد السلم ليصير رأس المال دينا في ذمته ثم يستبدل عنه بشرطه الآتي (والجديد جواز الاستبدال) في غير ربوي بيع بمثله من جنسه؛ لتفويته ما شرط فيه من قبض ما وقع العقد به ولهذا امتنع الإبراء منه (عن) كل دين مضمون بعقد كأجرة وصداق وعوض خلع وكـ (الثمن

(1)

النقد أو غيره الثابت في الذمة ولو قبل قبض المبيع لكن بعد لزوم العقد لا قبله؛ للحديث الصحيح فيه، وفارق ما مر المثمن بأن المثمن تقصد عينه، ونحو الثمن تقصد ماليته. ولا يصح هنا وفيما يأتي استبدال مؤجل عن حال ويصح عكسه وكأن صاحب المؤجل عجله، فعلم جواز الاستبدال بدين حال ملتزم الآن لا بدين ثابت له قبل وإلا كان بيع دين بدين، وشرط الاستبدال لفظ يدل عليه صريحا أي: أو كناية مع النية كأخذته عنه، نعم لو باع قنة مثلا بدراهم سلما لم يصح الاستبدال عنها وإن كانت ثمنا; لأنها في الحقيقة مسلم فيها (فإن استبدل موافقا في علة الربا كدراهم عن دنانير اشترط قبض البدل في المجلس)؛ حذرا من الربا (والأصح) أنه (لا يشترط التعيين) للبدل (في العقد) أي: عقد الاستبدال بأن يقول هذا لجواز الصرف عما في الذمة (وكذا) لا يشترط (القبض في المجلس إن استبدل مالا يوافق في العلة) للربا (كثوب عن دراهم)؛ إذ لا ربا لكن يشترط تعيين الثوب في المجلس (ولو استبدل عن القرض) أي: دينه لا نفسه

(2)

; لأن المقترض مَلَكَها ويلزم من ملكه لها كذلك ثبوت بدلها في ذمته (و) عن (قيمة) يعني بدل (المتلف) من قيمة المتقوم ومثل المثلي، وبدل غيرهما كالنقد في الحكومة حيث وجب (جاز) - حيث لا ربا فلا تضر زيادة تبرع بها المؤدي بأن لم يجعلها في مقابلة شيء -وذلك؛ لاستقراره، ويكفي هنا العلم بالقدر ولو بإخبار المالك.

(1)

. وهو النقد إن وجد في أحد الطرفين وإلا فما اتصلت به الباء والمثمن مقابله.

(2)

. وخالفاه في حل عبارة المتن- لا في الحكم- فقالا نفسه أو عن دينه.

ص: 76

وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي المَجْلِسِ مَا سَبَقَ. وَبَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ بَاطِلٌ فِي الْأَظْهَرِ بِأَنْ يَشْتَرِي عَبْدَ زَيْدٍ بِماِئَةٍ لَهُ عَلَى عَمْرٍو وَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ وَعَمْرو دَيْنَانِ عَلَى شَخْصٍ فَبَاعَ زَيْدٌ عَمْرًا دَيْنَهُ بِدَيْنِهِ بَطَلَ قَطْعًا، وَقَبْضُ الْعَقَارِ تَخْلِيَتُهُ لِلْمُشْتَرِي وَتَمْكِينُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ،

(وفي اشتراط قبضه) - أي العوض -تارة وتعيينه أخرى (في المجلس ما سبق) من أنهما إن توافقا في علة الربا اشترط قبضه وإلا اشترط تعيينه. ولا يجوز أن يكون العوض المستبدل به عنهما مؤجلا.

[تنبيه] أقرضه مثلا دراهم ودنانير ثم استبدل عنهما أحدهما أو عكسه وقبض البدل في المجلس جاز

(1)

(وبيع) والمراد مطلق المقابلة (الدين) ولو بعين (لغير من) هو (عليه باطل في الأظهر بأن) بمعنى كأن (يشتري عبد زيد بمائة له على عمرو)؛ لعجزه عن تسليمها ولكن المعتمد جوازه بعين أو دين بشرطه السابق

(2)

، ومحله إن كان الدين حالا مستقرا والمدين مليا مقرا أو عليه بينة به ولم يكن في إقامتها كلفة لها وقع وإلا لم يصح؛ لتحقق العجز حينئذ ثم إن اتفقا في علة الربا اشترط قبض العوضين في المجلس وإلا كفى

(3)

تعيينهما في المجلس.

[فرع] لو قال اقض ديني وهو لك بيعا صح قبضه لا قوله وهو إلى .. إلخ

، نعم له أجرة تقاضيه

(4)

(ولو كان لزيد وعمرو دينان على شخص فباع زيد عمرا دينه بدينه) أو كان له على شخص دين فاستبدل عنه دينا آخر (بطل) اتحد الجنس وعُيِّن وقبض في المجلس أوْ لا (قطعا)؛ للنهي عن ذلك، والحوالة جائزة إجماعا مع أنها بيع دين بدين

(5)

(وقبض) غير المنقول من (العقار) ونحوه كالأرض وما فيها من نحو بناء ونخل ولو بشرط قطعه، وثمرة مبيعة قبل أوان الجذاذ وإلا فهي منقولة

(6)

فلا بد من نقلها، ومثلها الزرع حيث جاء بيعه في الأرض بأن كان المقصود منه ظاهرا (تخليته) مع عدم مانع حسي أو شرعي (للمشتري) بلفظ يدل عليها من البائع (وتمكينه من التصرف) فيه بتسليم مفتاح الدار إليه أي إن وجد ودخل في البيع؛ لأن

(1)

. خلافا للنهاية والشهاب الرملي.

(2)

. في شرح ((والجديد جواز الاستبدال))

الخ، بقوله:((فعلم جواز الاستبدال بدين حال))

الخ.

(3)

. خلافا لهما.

(4)

. ذكره الشارح في القرض.

(5)

. قال الشارح في بابها فكأن المحيل باع للمحتال ما له في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته.

(6)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 77

بِشَرْطِ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْعَاقِدَانِ المَبِيعَ حَالَةَ الْقَبْضِ اُعْتُبِرَ مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ المُضِيُّ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقَبْضُ المَنْقُولِ تَحْوِيلُهُ،

العرف قاضٍ بهذا (بشرط فراغه من أمتعة

(1)

غير المشتري من (البائع) والمستأجر والمستعير والموصى له بالمنفعة والغاصب. ولو جمع الأمتعة ببعضها حصل قبض ما عداه فإن حولها لغيره حصل قبض الجميع، أما أمتعة من وقع له الشراء

(2)

فلا تضر كحقير متاع لغيره (فإن لم يحضر العاقدان المبيع) العقار أو المنقول الذي بيد المشتري أمانة كان أو ضمانا (حالة القبض اعتبر) في صحة قبضه إذن البائع فيه إن كان له حق الحبس، و (مُضِي زمن يمكن فيه المضي إليه) عادة مع زمن يسع نقله، أو تفريغه مما فيه لغير المشتري (في الأصح) ; لأن الحضور إنما اغتفر للمشقة ولا مشقة في اعتبار مضي ذلك. أما عقار أو منقول غائب بيد البائع أو أجنبي فلا يكفي

(3)

مضي زمن إمكان تفريغه ونقله بل لا بد من تخليته ونقله بالفعل، وأما مبيع حاضر منقول أو غيره ولا أمتعة فيه لغير المشتري وهو بيد المشتري فيصير مقبوضا بنفس العقد

(4)

وإن كان للبائع حقّ الحبس. (وقبض المنقول) المتناول باليد عادة تناوله بها

(5)

وغير المتناول بها كسفينة يمكن جرها (تحويل) المشتري أو نائبه لـ (ـه) من محله إلى محل آخروإن أُشتري مع محله- مع تقدير ما بيع مقدرا كما يأتي ومع تفريغ السفينة المشحونة بالأمتعة التي لغير المشتري لا الدابة؛ لأنها لا تعد ظرفا لما عليها، وكتحويل الحيوان أمره له بالتحول وكذا ركوبه عليه

(6)

وجلوسه على فرش بإذن البائع إن كان له حقّ الحبس فيهما وذلك؛ للنهي الصحيح عن ((بيع الطعام حتى يحولوه)). ويشترط في المقبوض الحاضر كونه مرئيا للقابض لا الغائب

(7)

؛ تسامحا فيه، ومر أن إتلاف

(1)

. ولا أجرة للبائع مدة التفريغ كما أفاده الشارح في الأصول والثمار 4/ 443.

(2)

. أي المشتري لا وكيله.

(3)

. خلافا للمغني.

(4)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية والشهاب الرملي وشرح الروض من أنه يكون مقبوضا بمضي زمن يمكن فيه التخلية أو النقل.

(5)

. تقدم أنه يكفي في القبض أن يضعه بين يدي المشتري بحيث تناله يده من غير حاجة لانتقال أو قيام ولم يعد البائع مستوليا عليه وعلم به المشتري ولم يكن ثمة مانع منه.

(6)

. خلافا لهما.

(7)

. خلافا لمقتضى كلامهما.

ص: 78

فَإِنْ جَرَى الْبَيْعُ بِمَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ كَفَى نَقْلَهُ إلَى حَيِّزٍ مِنْهُ، وَإِنْ جَرَى فِي دَارِ الْبَائِعِ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ مُعِيرًا لِلْبُقْعَةِ

المشتري قبض وإن لم يجر نقل، ومن البيع قسمة الإفراز فتحتاج إلى تحويل

(1)

، ولو باع حصته من مشترك لم يجز له الإذن في قبضه إلا بإذن الشريك وإلا فالحاكم فإن أقبضه البائع كان طريقا والقرار على المشتري; لأن التلف في يده علم أو جهل (فإن جرى البيع) ثم أريد القبض، والمبيع (بموضع لا يختص بالبائع) أو يختص به (كفى نقله إلى) موضع لا يختص بالبائع يعني لا يتوقف حل الانتفاع به على إذنه كمسجد وشارع وموات وملك مشترٍ، أو غيره لكن إن ظن رضاه، بل يكفي إن كان بموضع لا يختص بالبائع أن ينقله إلى (حيز منه)؛ لوجود التحويل (وإن جرى في) محل يستحق البائع الانتفاع به بملك أو إجارة أو وصية أو عارية كـ (دار البائع لم يكف ذلك) أي: نقله لحيز منها في القبض المفيد للتصرف; لأن يد البائع عليه تبعا لمحله، نعم لو كان يتناول باليد فتناوله ثم أعاده كفى; لأن قبض هذا لا يتوقف على نقل لمحل آخر فاستوت فيه المحال كلها (إلا بإذن البائع) في النقل للقبض (فيكون) مع حصول القبض به (معيرا للبقعة) التي أذن في النقل إليها أو والمبيع في دار أجنبي لم يظن رضاه اشترط إذنه أيضا

(2)

، أو في مشتركة بين البائع وغيره اشترط إذنهما

(3)

، أما إذنه في مجرد النقل -أي: والحال أن له حق الحبس

(4)

- فلا يحصل به القبض المفيد التصرف وإن حصل به ضمان اليد ولا يكون معيرا للحيز، وكنقله بإذنه نقله إلى متاع مملوك له أو معار في حيز يختص البائع به لكن أن وضع ذلك المملوك أو المعار في ذلك الحيز بإذن البائع، وقبض الجزء الشائع بقبض الجميع والزائد أمانة.

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي.

(3)

. خلافا للمغني.

(4)

. خلافا لهما.

ص: 79

‌فرع

لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ المَبِيعِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ سَلَّمَهُ

، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، وَلَوْ بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا كَثَوْبٍ وَأَرْضٍ ذَرْعًا وَحِنْطَةٍ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا اُشْتُرِطَ مَعَ النَّقْلِ ذَرْعُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ،

فرع

(للمشتري قبض المبيع) من غير إذن البائع (إن) لم يكن له حق الحبس بأن (كان الثمن مؤجلا) وإن حل ولم يسلمه (أو سلمه) أي: الثمن الحال ثم إن كان الحال كل الثمن اشترط تسليم جميعه ولا أثر لبعضه إلا إن تعددت الصفقة فيستقل حينئذ بما يخص ما سلمه، أو بعضه اشترط تسليم ذلك البعض فقط، وكالثمن عوضه إن استبدل عنه وكذا لو صالح منه على دين أو عين (وإلا) بأن كان الثمن حالا ابتداء ولم يسلمه للمستحق (فلا يستقل به) أي: بقبضه من غير إذن البائع؛ لبقاء حق حبسه، فإن استقل رده ولم ينفذ تصرفه فيه لكنه يدخل في ضمانه فيُطالب به إن استحق ويستقر عليه ثمنه إن تلف ولو في يد البائع بعد استرداده. ولو أتلفه البائع وهو في يد المشتري حينئذ فهو مسترد له بإتلافه، وعليه فيتخيّر المشتري؛ دفعا لضرره، (ولو بيع الشيء تقديرا كثوب وأرض ذرعا، وحنطة كيلا أو وزنا) ولَبِن عدَّا (اشترط مع النقل ذرعه) في الأول (أو كيله) في الثاني (أو وزنه) في الثالث، أو عده في الرابع؛ لورود النص في الكيل وقيس به البقية، ويشترط وقوعها من البائع أو وكيله فلو أذن للمشتري أن يكتال من الصبرة عنه لم يجز؛ لاتحاد القابض والمقبض. ومؤن نحو كيل توقف عليه القبض على موفٍ وهو البائع في المبيع والمشتري في الثمن وكذا مؤنة إحضار مبيع أو ثمن غاب عن محلة العقد إليها بخلاف النقل -المتوقف عليه القبض- فيما بيع جزافا

(1)

فإنه على المستوفي

(2)

، ومؤنة النقد على المستوفي; لأن الغرض منه إظهار العيب، ومحله في المعين

(3)

أما ما في الذمة فعلى الموِّفي; لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح، ولو أخطأ النقاد تبرعا أثم إن تعمد و لم يضمن، أو

(1)

. خالفاه في هذا التقييد.

(2)

. والمشتري في المبيع والبائع في الثمن.

(3)

. خالفاه فعندهما لا فرق بين المعين وغيره.

ص: 80

مِثَالُهُ: بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ مُقَدَّرٌ عَلَى زَيْدٍ وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَلْيَكْتَلْ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَكِيلُ لِعَمْرٍو، فَلَوْ قَالَ اقْبِضْ مِنْ زَيْدٍ مَا لِي عَلَيْهِ لِنَفْسِكَ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ

بأجرة لم يستحقها وضمن إن تعذر الرجوع على المشتري; لأنها لما سميت له تعين عليه بذل الجهد؛ حذرا من التغرير ووفاء بما يقابل الأجرة فكان التقصير هنا أظهر منه فيما إذا تبرع

(1)

. ولو استؤجر للنسخ فغلط بما لا يؤلف من أكثر نظرائه فلا أجرة له ويغرم أرش الورق (مثاله بعتكها) أي: الصبرة (كل صاع بدرهم أو) بعتكها بكذا (على أنها عشرة آصع) ثم إن اتفقا على كيال فذاك وإلا نصب الحاكم أمينا يتولاه (ولو كان له) أي: لبَكْر (طعام) مثلا (مقدر على زيد) كعشرة آصع (ولعمرو عليه مثله فليكتل لنفسه) من زيد أي: يطلب منه أن يكيل له حتى يدخل في ملكه (ثم يكيل لعمرو) ; لأن الإقباض هنا متعدد ومن شرط صحته الكيل فلزم تعدده; لأن الكيلين قد يقع بينهما تفاوت، نعم لو اشترى ملئ مكيل جاز بيعه ملآنا ولا يحتاج إلى كيلٍ ثانٍ (فلو قال) بكر الذي له الطعام لعمرو (اقبض) يا عمرو (من زيد ما لي عليه لنفسك فالقبض فاسد) بالنسبة لعمرو; لأنه مشروط بتقدم قبض بكر ولم يوجد ولا يمكن حصولهما؛ لما فيه من اتحاد القابض والمقبض فيضمنه عمرو; لأنه قبضه لنفسه، ولا يلزمه رده لدافعه، وصحيح بالنسبة لزيد فتبرأ ذمته لإذن دائنه بكر في القبض منه له بطريق الاستلزام; لأن قبض عمرو لنفسه متوقف على قبض بكر كما تقرر فإذا بطل لفقد شرطه بقي لازمه، وهو القبض لبكر فحينئذ يكيله لعمرو ويصح قبضه له.

(1)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي من إطلاق عدم الرجوع ولو بأجرة.

ص: 81

‌فرع

قَالَ الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ المَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ، وَقَالَ المُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ مِثْلُهُ أُجْبِرَ الْبَائِعُ

، وَفِي قَوْلٍ المُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ الْآخَرُ، وَفِي قَوْلٍ يُجْبَرَانِ. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا سَقَطَ الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ وَأُجْبِرَا فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ أُجْبِرَ المُشْتَرِي إنْ حَضَرَ الثَّمَنُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ، ....

فرع

(قال البائع) لمعين بثمن حال في الذمة بعد لزوم العقد (لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه، وقال المشتري في الثمن مثله أجبر البائع)؛ لرضاه بذمته، ولذا لو كان الثمن معينا والمبيع في الذمة أجبر المشتري. أما المؤجل فيجبر البائع قطعا، (وفي قول المشتري، وفي قول لا إجبار فمن سلم أجبر الآخر وفي قول يجبران، قلت فإن كان الثمن معينا) كالمبيع أو كانا في الذمة (سقط القولان الأولان) ; إذ لا مرجح (وأجبرا) فيجبر الحاكم كلا منهما بإحضار ما عليه إليه أو إلى عدل ثم يسلم كلا ما وجب له، والخيرة في البداءة إليه (في الأظهر

(1)

والله أعلم)؛ لاستواء الجانبين في تعين كل والمنع من التصرف فيه قبل القبض، نعم البائع نيابة عن غيره كوكيل وولي وناظر وقف وعامل قراض لا يجبر على التسليم بل لا يجوز له حتى يقبض الثمن فلا يتأتى هنا إلا إجبارهما أو إجبار المشتري، ولو تبايع نائبا عن الغير لم يتأت إلا إجبارهما (وإذا سلم البائع أجبر)؛ لوجوب التسليم (المشتري) على التسليم في الحال (إن حضر) مجلس العقد عين (الثمن) إن تعين

(2)

، فإن لم يتعين وحضر نوع الثمن أجبر المشتري على تسليمه، وحينئذ يصير محجورا عليه فيه، ولا يمهل لإحضار ثمن فورا ودفعه منه. ولا يتخير البائع وإن أصر المشتري على عدم التسليم إليه. (وإلا) يكن حاضرا مجلس العقد (فإن كان معسرا) بأن لم يكن له مال يمكنه الوفاء منه غير المبيع ساوى الثمن أم زاد عليه (فللبائع) إن حجر القاضي على المشتري (الفسخ بالفلس) وأخذ المبيع لكن إن

(1)

. مقتضى كلام الشارح أن مقابل الأظهر قوله: ((وفي قول لا إجبار))، ومقتضى كلام النهاية أنه قوله ((أجبر البائع)).

(2)

. أي كأن قال اشتريت بهذه الألف دينار، فإن قال بألف وحضر لديه دنانير أجبر على التسليم؛ لوجود نوع الثمن في المجلس.

ص: 82

أَوْ مُوسِرًا وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ أَوْ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يُكَلَّفِ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إلَى إحْضَارِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، فَإِنْ صَبَرَ فَالحَجْرُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ إنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الِابْتِدَاءِ

سلم بإجبار الحاكم وإلا لم يجز له استرداد ولا فسخ إن وفت السلعة بالثمن; لأنه سلطه على المبيع باختياره ورضي بذمته (أو) كان (موسرا وماله بالبلد) التي وقع فيها البيع (أو بمسافة قريبة) منها وهي دون مسافة القصر (حجر عليه) أي: حجر عليه الحاكم وإن لم يكن محجورا عليه بالفلس (في أمواله) كلها (حتى يسلم) الثمن؛ لئلا يتصرف فيها بما يُفَوَّت حق البائع، وهذا غير حجر الفلس; لأنه لا يعتبر فيه ضيق مال ولا يتسلط به البائع على الرجوع لعين ماله، ولا يفتقر لسؤال الغريم فيه بخصوصه، ولا يحتاج لفك قاض، وينفق على ممونه نفقة الموسرين، ولا يتعدى للحادث، ولا يباع فيه مسكن وخادم جزما في الكل، وكذا لا يحل به دين مؤجل جزما أيضا، ومن ثم يسمى الحجر الغريب (فإن كان) ماله (بمسافة القصر) من بلد البيع، نعم إن انتقل البائع منها إلى بلد آخر فالعبرة بتلك البلد (لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره)؛ لتضرره بتأخير حقه (والأصح أن له) بعد الحجر عليه

(1)

لا قبله (الفسخ) وأخذ المبيع من غير مراجعة حاكم؛ لما ذكر، (فإن صبر فالحجر كما ذكرناه)؛ لئلا يفوت المال (وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه) الحال أصالة، وكذا للمشتري حبس ثمنه حتى يقبض المبيع الحال كذلك (إن خاف فوته) بهرب أو تمليك ماله لغيره أو نحوهما (بلا خلاف)؛ لما في التسليم حينئذ من الضرر الظاهر، نعم إن تمانعا وخاف كل من صاحبه أجبرهما الحاكم بالدفع له أو لعدل ثم يسلم كلا ما له (وإنما الأقوال السابقة إذا لم يخف فوته وتنازعا في مجرد الابتداء) بالتسليم.

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا عدم الحاجة إلى الحجر.

ص: 83

باب

اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ فَقَبِلَ لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ، وَهُوَ بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ وَتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ. وَلَوْ حُطَّ عَنْ المُوَلِّي بَعْضُ الثَّمَنِ انْحَطَّ عَنْ المُوَلَّى. وَالْإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ كَالتَّوْلِيَةِ فِي كُلِّهِ إنْ بَيَّنَ الْبَعْضَ،

‌باب التولية والإشراك والمرابحة

(اشترى شيئا) بمثلي (ثم) بعد قبضه ولزوم العقد وعلمه بالثمن وبقائه أو بقاء بعضه. (قال لعالم) ولو بالظنّ (بالثمن) قدرا وصفة، وإن طرأ علمه له بعد الإيجاب من المولي وقبل القبول (وليتك هذا العقد) -وإن لم يقل بما اشتريت- أو وليتكه، وإن لم يذكر العقد

(1)

، وهذا صريح، ونحو جعلته لك كناية هنا (فقبل) بنحو قبلته وتوليته (لزمه مثل الثمن) جنسا وقدرا وصفة، ومن ثم لو كان مؤجلا ثبت في حقه مؤجلا بقدر ذلك الأجل من حين العقد الأول

(2)

، أما المتقوم فلا تصح التولية معه إلا بعد انتقاله للمتولي؛ لتقع على عينه، نعم يجوز إن قال المشتري بالعَرَض قام علي بكذا وقد وليتك العقد بما قام علي وذَكَر القيمة ويشترط أيضا ذكر العرض لكن للسلامة من الإثم لا لصحة العقد. وتصح التولية -وما معها- في الإجارة بشروطها ثم إن وقعت قبل مضي مدة لها أجرة فظاهر وإلا فإن قال: وليتك من أول المدة بطلت فيما مضى; لأنه معدوم وصحت في الباقي بقسطه من الأجرة، أو وليتك ما بقي صحت فيه بقسطه كما ذكر (وهو بيع في شرطه وترتب أحكامه) كتجدد الشفعة إن عفا الشفيع في العقد الأول (لكن لا يحتاج إلى ذكر الثمن، ولو حُطَّ) من قِبل البائع أو وارثه أو وكيله لا موصى له بالثمن ومحتال (عن المولِي بعض الثمن) بعد التولية أو قبلها، بعد اللزوم أو قبله (انحط عن المولَى) ; إذ خاصة التولية التنزيل على الثمن الأول. أو حط جميعه انحط أيضا لكن إن كان بعد لزوم التولية وإلا بطلت; لأنها حينئذ بيع بلا ثمن، ومن ثم لو تقايلا بعد حطه بعد اللزوم لم يرجع المشتري على البائع بشيء. و للمولِي مطالبة المولَى وإن لم يطالبه بائعه; لأن الأصل عدم الحط، وليس للبائع مطالبة لمولَى; إذ لا معاملة بينهما، (والإشراك في بعضه كالتولية في كله) في الأحكام المذكورة (إن بَيَّن البعض) كمناصفة أو بالنصف وإلا كأشركتك في

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. خلافا للنهاية فاعتمد أنه من حين التولية.

ص: 84

فَلَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَكَانَ مُنَاصَفَةً، وَقِيلَ لَا. وَيَصِحُّ بَيْعُ المُرَابَحَةِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ يَقُولُ بِعْتُك بِمَا اشْتَرَيْتُ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ رِبْحِ دَهْ يَازْدَهْ. وَالمُحَاطَّةِ كَبِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ وَحَطِّ دَهْ يَازْدَهْ وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ، وَقِيلَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَإِذَا قَالَ بِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ

بعضه أو شيء منه لم يصح جزما؛ للجهل، فإن قال في النصف فله الربع ما لم يقل بنصف الثمن فإنه يكون له النصف (فلو أطلق) كأشركتك في هذا -ولا يشترط ذكر ((العقد))

(1)

بعد هذا- (صح وكان مناصفة) ; لأنه المتبادر، نعم لو قال: بربع الثمن مثلا كان شريكا بالربع أخذا مما تقرر في أشركتك في نصفه بنصف الثمن بجامع أن ذكر الثمن في كلٍّ مبيِّن للمراد من اللفظ قبله لاحتماله، وإن نُزِّل لو لم يذكر هذا المخصص على خلافه (وقيل لا) يصح للجهالة (ويصح بيع المرابحة) من غير كراهة؛ لعموم قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} البقرة: 275، نعم بيع المساومة أولى منه فإنه مجمع على عدم كراهته (بأن) هي بمعنى كأن (يشتريه بمائة ثم يقول) مع علمه بها لعالم بها (بعتك بما اشتريت) أي: بمثله (وربح درهم لكل عشرة) أو فيها أو عليها (أو ربح دَه) أي عشرة (ياز) واحد (دَه) فكأنه قال بمائة وعشرة. ولا يصح ذلك في دراهم معينة غير موزونة. ودراهم الربح حيث أطلقت من نقد البلد الغالب وإن كان الأصل من غيره.

[تنبيه] لو قال اشتريته بعشرة وبعته بأحد عشر ولم يقل مرابحة ولا ما يفيدها لم يكن عقد مرابحة حتى لو كذب فلا خيار ولا حط (والمحاطة كبعتـ) ـك (بما اشتريت وحط) درهم لكل أو في أو عن أو على كل عشرة أو حط (ده يازده ويحط من كل أحد عشر واحد) ; لأن الربح جزء من أحد عشر فليكن الحط كذلك (وقيل) يحط (من كل عشرة) واحد كما زيد ثَم على كل عشرة واحد، ولو قال من كل عشرة تعين هذا الثاني (وإذا قال: بعتك بما اشتريت) به أو بثمنه أو برأس مالي (لم يدخل فيه سوى الثمن) وهو ما استقر عليه العقد عند اللزوم فيعتبر ما لحقه قبله من زيادة ونقص، وكذا يعتبر ذلك لو باع بلفظ القيام; لأن العقد لم يقع إلا بذلك. أما الحط بعد اللزوم للبعض فمع الشراء لا يلحق ومع نحو القيام يخير بالباقي، أو للكل فلا ينعقد بيعه مرابحة مع القيام; إذ لم يقم عليه بشيء بل مع الشراء، ولا يلحق حط بعد عقد المرابحة بخلاف ما مر.

(1)

. خلافا لهما.

ص: 85

وَلَوْ قَالَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ وَالحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ وَالصَّبَّاغِ وَقِيمَةُ الصِّبْغِ وَسَائِرِ المُؤَنِ المُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ. وَلَوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ شَخْصٌ بِهِ لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ،

(ولو قال بما قام) أو ثبت (عليَّ) أو بما وزنته فيه (دخل مع ثمنه) بمعنى أنه يضم ما يأتي للثمن ويخبره بقدر الجملة ثم يقول بما قام عليّ وربح كذا (أجرة) حمال وختان وتطيين دار وطبيب إن اشتراه مريضا و (الكيال) للثمن المكيل (والدلال) للثمن

(1)

المنادى عليه إلى أن اشتُري به المبيع.

[تنبيه] أجرة ما مرت الكيال والدلال في المبيع على البائع وفي الثمن على المشتري

ولذلك حمل المتن على الثمن، وقد تجب أجرة الكيال والدلال في المبيع على المشتري كما لو تردد المشتري في صحة ما اكتاله البائع فاستأجر من يكيله ثانيا ليرجع على البائع إن ظهر نقص. ولو أدى أحدهما دلالة ليست عليه كان متبرعا ما لم يظن وجوبها عليه فحينئذ يرجع بها على الدلال وهو يرجع على من هي عليه، ولا يدخل ما تحمله المشتري عن بائعه إلا إن ذكره وكذا ما تبرع به كأن أعطاه لمعروف بالعمل من غير استئجاره ولا إجبار حاكم له؛ لأنه لا شيء له (والحارس والقصار

(2)

والرفاء

(3)

والصباغ) كل من الأربعة للمبيع (وقيمة الصبغ) له، وكذا الأدوية والطين ونحوهما (وسائر المؤن المرادة للاسترباح) أي: طلب الربح كالعلف للتسمين بخلاف ما قصد به بقاء عينه فقط -كنفقة وكسوة وعلف لغير تسمين وأجرة طبيب وقيمة دواء لمرض حدث عنده-؛ لوقوعه في مقابلة ما استوفاه من زوائد المبيع.

[تنبيه] لو أخبره بأنه قائم عليه بعشرة ثم تبين أنها في مقابلة مالا يدخل وحده أو مع ما يدخل حط الزيادة وربحها

، نعم محل ذلك إن لم ينص على دخول ما لا يدخل وإلا كبعتك بما قام عليَّ وهو كذا، وما أنفقته عليه وهو كذا جاز قطعا بل لو ضم للثمن أو لما قام به أجنبيا عن العقد بالكلية ثم باعه مرابحة أو محاطة كاشتريته بمائة وقد بعتكه بمائتين وربح ده يازده صح وكأنه باعه بمائتين وعشرين (ولو قصر بنفسه أو كال أو حمل أو تطوع شخص به لم تدخل أجرته) مع الثمن في

(1)

. عبر بالثمن؛ لأن أجرة ذلك ونحوه على الموفي وهو في المبيع البائع وفي الثمن المشتري.

(2)

. وهو مبيض الثياب.

(3)

. يقال: رفاء الثوب إذا ألأم خِرقه، وضم بعضها إلى بعض.

ص: 86

وَلْيَعْلَمَا ثَمَنَهُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ فَلَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ. ولْيَصْدُقُ الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَالْأَجَلِ وَالشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ وَبَيَانُ الْعَيْبِ الحَادِثِ عِنْدَهُ

قوله بما قام علي; لأن عمله وما تطوع به غيره لم يقم عليه، وطريقه أن يقول: لي -أو للمتبرع لي- عمل أجرته كذا ويضمه للثمن (وليعلما) أي: المتبايعان وجوبا (ثمنه) أي: المبيع قدرا وصفة في بعت بما اشتريت (أو ما قام به) في بما قام علي (فلو جهله أحدهما بطل) البيع (على الصحيح)، وخرج بقدرا و صفة المعاينةُ فلا تكفي هنا مشاهدة دراهم مثلا معينة غير معلومة الوزن وإن كفت في نحو البيع والإجارة؛ لعدم تأتي البيع مرابحة مع الجهل بقدرها أوصفتها (ولْيَصْدُق) عند الإخبار (البائع) مرابحة ومحاطة وجوبا (في) كل ما يختلف الغرض به; لأن كتمه حينئذ غش وخديعة نحو (قدر الثمن) وصفته إن تفاوتت (والأجل)؛ وذلك لأن بيع الرابحة مبني على الأمانة، ولا بد من ذكر أصل الأجل

(1)

أما قدره

(2)

فيجب ذكره إن لم يكن هناك أجل متعارف أو كان وزاد عليه أو تعدد ولا أغلب. ولو اشترى شخص شيئا بعشرة وواطأ صاحباً له على أن يبيعه ذلك الشيء بعشرين ثمّ يشتريه منه بعشرين وذلك لغرض أن يخبر بأنه اشترى بعشرين في بيع المرابحة كره له ذلك وتخير

(3)

المشتري، ولو اشترى شيئا بمائة ثم خرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين أخبر بها وجوبا (والشراء بالعرض

(4)

فيقول بعرض قيمته كذا ولا يقتصر على ذكر القيمة وإن باعه بلفظ القيام، ولو اختلفت قيمته اعتبرت يوم الاستقرار

(5)

لا العقد (وبيان) الغبن والشراء من محجوره أو من مدينه المعسر أو المماطل بدينه، وما أخذه من نحو لَبَن أو صوف موجود حالة العقد، و (العيب) الذي فيه مطلقا حتى (الحادث عنده) كتزوج الأمة، وترك الإخبار بشيء من ذلك حرام يثبت الخيار للمشتري.

(1)

. قضية كلام الشارح أنه يشترط لصحة العقد ذكر الأصل خلافا لقضية كلام الرملي.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا إطلاق وجوبه.

(3)

. خلافا للمغني.

(4)

. وهو ما قابل النقد عند ابن حجر، وفهم علي الشبراملسي من النهاية اعتماد أن المراد به المتقوم.

(5)

. خلافا للنهاية.

ص: 87

فَلَوْ قَالَ بِماِئَةٍ فَبَانَ بِتِسْعِينَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَلَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ وَصَدَّقَهُ المُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَذَّبَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ المُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ بَيَّنَ فَلَهُ التَّحْلِيفُ، وَالْأَصَحُّ سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ

(فلو) لم يبين نحو الأجل تخير المشتري؛ لتدليس البائع عليه، ولا حط هنا، لاندفاع الضرر بالخيار، وإن (قال) اشتريته (بمائة) وباعه بها وربح ده يازده مثلا (فبان) بحجة -كبينة أو إقرار- أنه اشتراه (بتسعين فالأظهر أنه يحط الزيادة وربحها) بقي المبيع أو تلف؛ لكذبه.

(ولا خيار للمشتري)؛ لرضاه بالأكثر فبالأقل أولى، ولا للبائع وإن عذر (ولو زعم أنه مائة وعشرة) وأنه غلط في قوله أوّلاً أنه مائة (وصدقه المشتري) في ذلك (لم يصح البيع) الذي وقع بينهما مرابحة (في الأصح)؛ لتعذر قبول العقد للزيادة بخلاف النقص بدليل الأرش (قلت: الأصح الصحة، والله أعلم) كما لو غلط بالزيادة، وتعليل الأول يرده عدم ثبوت الزيادة لكن يتخير البائع (وإن كذبه ولم يبين لغلطه وجها محتمَلا) أي قريبا (لم يقبل قوله ولا بينته) التي يقيمها على الغلط؛ لتكذيب قوله الأول لهما (وله تحليف المشتري أنه لا يعرف ذلك) أي: أن الثمن مائة وعشرة (في الأصح) ; لأنه قد يقر عند عرض اليمين عليه فإن حلف فذاك، وإلا ردت على البائع بناء على الأصح أن اليمين المردودة كالإقرار وللمشتري الخيار

(1)

بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين فسخه (وإن بيَّن) لغلطه وجها محتملا كتزوير كتاب على وكيله (فله التحليف) أي: تحليف المشتري على عدم معرفة ذلك; لأن ما بيَّنه يحرك ظن صدقه فإن حلف فذاك وإلا ردت وجاء ما تقرر (والأصح سماع بينته) بأن الثمن مائة وعشرة؛ لظهور عذره.

[تنبيه] محل ما ذكر في الغلط بالزيادة أو النقص في بيع المرابحة فلو وقع ذلك في غيرها بأن لم يتعرض لها لم يكن فيه سوى الإثم إن تعمد الكذب

.

(1)

. خلافا لهما من تخيير البائع.

ص: 88

قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوِ السَّاحَةَ أَوِ الْبُقْعَةَ وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ، فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ. وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى سَنَتَيْنِ كَالْقَتِّ،

‌(باب بيع الأصول

(1)

والثمار)

(قال بعتك هذه الأرض أو الساحة أو البقعة) أو العرصة

(2)

(وفيها بناء) ولو بئرا لكن لا يدخل ماؤها الموجود حال البيع إلا بشرطه بل لا يصح بيعها مستقلة وتابعة إلا بهذا الشرط وإلا لاختلط الحادث بالموجود وطال النزاع بينهما (وشجر) نابت رطب ولو شجر موز، وخرج بـ ((فيها)) ما في حدها فإن دخل الحد في البيع دخل ما فيه وإلا فلا، ولو باع أرضا وعلى مجرى مائها شجر فإن ملك البائع المجرى فهي للمشتري، وإن كان له حق الإجراء فقط فهي باقية للبائع (فالمذهب

(3)

أنه يدخل في البيع) ونحو الوقف والإقرار

(4)

من كل ناقل للملك؛ لقوته بنقله الملك فاستتبع (دون الرهن)؛ لضعفه، ومثله كل ما لا ينقله كإقرار وعارية، ولا يلحق بجميع ما ذكر التوكيل فيه فلا استتباع فيه. ولو قال بما فيها أو بحقوقها دخل ذلك كله قطعا حتى في نحو الرهن، أو دون حقوقها أو ما فيها لم تدخل قطعا. أما المقلوع واليابس فلا يدخلان جزما كالشتل الذي ينقل; لأنهما لا يرادان للبقاء فأشبها أمتعة الدار، ومن ثم لو جعلت اليابسة دعامة لنحو جدار دخلت. ولا تدخل مسايل الماء في بيع الأرض إن خرجت عن تلك المسايل عن حدود الأرض إلا أن يشترط أو يقول بحقوقها، أما إن دخلت في حدود الأرض فهي داخلة في بيع الأرض بلا اشتراط، ومثل مسايل الماء شرب الأرض من النهر والقناة المملوكين. (وأصول البقل التي تبقى) في الأرض (سنتين) هو للغالب وإلا فالعبرة بما يؤخذ هو أو ثمرته مرة بعد أخرى، وإن لم يبق فيها إلا دون سنة (كالقت) وهو القضْب

(1)

. وهي الأرض والشجر.

(2)

. أفاد الشارح في باب الربا أن المراد بالتابع هنا هو ما يكون جزءاً أو منزل منزلته.

(3)

. وقوله: ((فالمذهب)) سائغ عربية خلافا للمغني.

(4)

. نعم استثنى الشارح في كتاب الإقرار الثمرة غير المؤبرة والحمل والجدار، قال:((خلاف ما في البيع؛ لأن المدار فيه على العرف لا هنا))، أي: في الإقرار.

ص: 89

وَالْهِنْدَبَاءِ كَالشَّجَرِ، وَلَا يَدْخُلُ مَا يُؤْخَذُ دَُفْعَةً كَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الزُّرُوعِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ المَزْرُوعَةِ عَلَى المَذْهَبِ، وَلِلْمُشْتَرِي الخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ المُشْتَرِي وَضَمَانِهِ إذَا حَصَلَتِ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْبَذْرُ كَالزَّرْعِ،

(والهندباء

(1)

والقصب الفارسي والنعناع والبنفسج والنرجس والبطيخ وإن لم يثمر اعتبارا بما من شأنه (كالشجر) فيدخل في نحو البيع دون نحو الرهن، نعم جزته وثمرته الظاهرتان عند البيع للبائع فيجب شرط قطعهما وإن لم يبلغا أوان الجز والقطع لكن إن غلب اختلاط الثمرة كما يعلم مما يأتي آخر الباب؛ لئلا يزيد فيشتبه المبيع بغيره، ويستثنى القصب الفارسي فلا يكلف قطعه حتى يبلغ قدرا ينتفع به؛ لأن صغيره

(2)

لا ينتفع به بوجه مناسب لما قصد منه فلا قيمة له ولا تخاصم فيه فلم يحتج للشرط فيه

(3)

؛ لمسامحة المشتري بما يزيد فيه قبل أوان قطعه بخلاف صغير غيره ينتفع به لنحو أكل الدواب المناسب لما قصد منه فيقع فيه التخاصم فاحتيج للشرط فيه دفعا له (ولا يدخل) في مطلق بيع الأرض وإن قال بحقوقها بخلاف ما لو قال ما فيها (ما يؤخذ دَُفعة كالحنطة والشعير وسائر الزروع) كجزر وفجل; لأنها لا تراد للدوام فكانت كأمتعة الدار (ويصح بيع الأرض المزروعة) فقط دون بيع زرعها معها لكن إن لم يسترها الزرع أو رآها قبله ولم تمض مدة يغلب تغيرها فيها (على المذهب) كبيع دار مشحونة بأمتعة، أما مزروعة بما يدخل في البيع فيصح جزما; لأنه كله للمشتري (وللمشتري الخيار) على الفور هنا، وفيما يأتي كما علم مما مر (إن جهله) أي: الزرع؛ لحدوثه بعد رؤيته المذكورة، أو لظنه أنه ملكه لقرينة قوية فبان خلافه، أو بأن يظن حال البيع أنه حصد ثم تبين بقاؤه وذلك؛ لتأخر انتفاعه. فإن علم

(4)

لم يخير كما لو جهله وتركه مالكه له، أو قال: أفرغها منه في زمن لا أجرة له غالبا كيوم أو بعضه (ولا يمنع الزرع) المذكور (دخول الأرض في يد المشتري وضمانه إذا حصلت التخلية في الأصح)؛ لوجود تسلم عين المبيع مع عدم تأتي تفريغه حالا. (والبذر كالزرع) فيما ذكر ويأتي فإن كان مزروعه يدوم كنوى النخل دخل وإلا فلا، ويأتي ما مر من

(1)

. هو بقلة من أحرار البقول، لسان العرب.

(2)

. استبعده في النهاية.

(3)

. خلافا لهما.

(4)

. تبرأ الشارح مما اعتمده النهاية من التقييد بما إذا لم يظهر وتأخير الحصاد عن وقته المعتاد.

ص: 90

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِلْمُشْتَرَيْ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ. وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ بَطَلَ فِي الجَمِيعِ، وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ. وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الحِجَارَةُ المَخْلُوقَةُ فِيهَا، دُونَ المَدْفُونَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا،

الخيار وفروعه ومنها قوله: (والأصح أنه لا أجرة للمشتري مدة بقاء الزرع

(1)

الذي جهله وأجاز ولو بعد القبض؛ لرضاه بتلف المنفعة تلك المدة فأشبه ما لو ابتاع دارا مشحونة بأمتعة لا أجرة له مدة التفريغ ويبقى ذلك إلى أول أزمنة إمكان قلعه. أما العالم فلا أجرة له جزما، نعم إن شرط القطع فأخر لزمته الأجرة وإن لم يطالب وعند قلعه تلزم البائع تسوية الأرض وقلع ما ضر بها كعروق الذرة (ولو باع أرضا مع بذر أو زرع) بها (لا يفرد بالبيع) أي والحال أنه: لا يجوز بيع البذر أو الزرع حينئذ منفرداً، والبذر الذي لا يفرد بالبيع كبذر لم يره، أو تغير بعد رؤيته، أو تعذر عليه أخذه كما هو الغالب، والزرع الذي لا يفرد كفجل مستور بالأرض وبر مستور بسنبله (بطل في الجميع)؛ للجهل بأحد المقصودين الموجب لتعذر التوزيع. أما ما يفرد كقصيل

(2)

لم يسنبل أو سنبل ورآه كذرة وشعير وبذر رآه ولم يتغير وقدر على أخذه فيصح جزما (وقيل في الأرض قولان) والكلام في بذرِ ما لا يدخل في بيع الأرض وإلا صحَّ البيع فيهما قطعا وكان ذكره تأكيدا (ويدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة) والمثبتة (فيها) ; لأنها من أجزائها، ثم إن قصدت الأرض لزرع أو غرس فقط فهي عيب (دون المدفونة) من غير إثبات كالكنوز (ولا خيار للمشتري إن علم) ـها وإن ضر قلعها كسائر العيوب، نعم له الخيار إن جهل ضرر قلعها أو ضرر تركها ولم يزل بالقلع أو كان لقلعها مدة لها أجرة. (ويلزم البائع) حيث لم يتخير المشتري أو اختار القلع (النقل) وتسوية الأرض بقيديهما الآتيين، وله النقل من غير رضا المشتري وللمشتري إجباره عليه وإن وهبها له تفريغا لملكه بخلاف الزرع; لأن له أمدا ينتظر، ولا أجرة له مدة نقل طالت ولو بعد القبض كدار بها أقمشة (وكذا) لا خيار للمشتري (إن جهل) ـها (ولم يضر) هـ (قلعها) بأن قصرت مدته ولم تتعيب به سواء أضره تركها أم لا؛ لزوال ضرره بالقلع وللبائع النقل من غير رضا المشتري، وعليه التسوية وللمشتري

(1)

. خلافا لشرح الروض.

(2)

. القصيل ما اقتصل -أي قطع- من الزرع أخضر، لسان العرب.

ص: 91

وَإِنْ ضَرَّ فَلَهُ الخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ المِثْلِ لمُدَّةِ النَّقْلِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ. وَفِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ-لَا نَحْوُ غُصْنٍ يَابِسٍ- وَالحِيطَانُ، وَكَذَا الْبِنَاءُ عَلَى المَذْهَبِ. وَفِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ الْأَبْنِيَةُ وَسَاحَاتٌ يُحِيطُ بِهَا السُّورُ، لَا المَزَارِعُ عَلَى الصَّحِيحِ ..

إجباره عليه وإن لم يضر تركها، (وإن ضر) قلعها بأن نقصها، أو طال زمنه مع التسوية مدة لها أجرة (فله الخيار) ضر تركها أو لا دفعا لضرره، نعم لو رضي البائع بتركها له ولا ضرر فيه سقط خياره، وهو إعراض حيث لم يوجد فيه شروط الهبة، فله الرجوع فيها ويعود خيار المشتري (فإن أجاز لزم البائع النقل) على العادة؛ ليفرغ ملكه (وتسوية) بأن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة إلى مكانه ولا يلزمه أن يسويها بتراب منها ولا من غيرها (الأرض) ; لأنه أحدث الحفر لتخليص ملكه (وفي وجوب) أرش عيب بقي فيها بعد التسوية و (أجرة المثل لمدة النقل) إذا خير المشتري (أوجه أصحها) أنها (تجب إن نقل بعد القبض)؛ لتفويته على المشتري منفعة تلك المدة (لا قبله) ; لأن جنايته قبله كالآفة كما مر، ومن ثم لو باعها لأجنبي لزمه الأجرة مطلقا; لأن جنايته مضمونة مطلقا (و) يدخل (في بيع البستان الأرض والشجر) والعرش

(1)

وماله أصل ثابت من الزرع (لا نحو غصن يابس) وغصن خِلاف

(2)

وشجر وعروق يابسين (و) يدخل كذلك (الحيطان)؛ لدخولها في مسماه، وكذا الجدار المستهدم؛ لإمكان البناء عليه (وكذا البناء) الذي فيه يدخل (على المذهب)؛ لثباته (و) يدخل (في بيع القرية الأبنية) لتبعها لها (وساحات) ومزارع (يحيط بها السور) والسور نفسه والأبنية المتصلة به

(3)

وشجر وساحات في وسط الأبنية (لا المزارع) الخارجة عن السور والمتصلة به فلا تدخل (على الصحيح)؛ لخروجها عن مسماها وما لا سور لها يدخل ما اختلط ببنائها ويدخل أيضا حريم القرية وما فيه.

[تنبيه] البائع أحقّ بالسماد

(4)

إلا إن بُسط واستعمل

.

(1)

. جمع عريش وهي خيمة من خشب، تاج العروس.

(2)

. وهو شجر الصفصاف.

(3)

. خلافا لهم.

(4)

. وهو ما يفرش به الأرض من نحو زبل أو رماد.

ص: 92

وَفِي بَيْعِ الدَّارِ الْأَرْضُ، وَكُلُّ بِنَاءٍ حَتَّى حَمَّامُهَا، لَا المَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكَْرَةِ وَالسَّرِيرِ، وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ المَنْصُوبَةُ وَحَلَقُهَا وَالْإِجَّانَاتُ وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ المُسَمَّرَانِ، وَكَذَا الْأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيِ الرَّحَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْأَعْلَى وَمِفْتَاحُ غَلَقٍ مُثْبَتٍ فِي الْأَصَحِّ

(و) يدخل (في بيع الدار) الأجنحة والرواشن

(1)

وساباط جذوعه من الطرفين على حائطها، وبيوت الدار إن عدها أهل العرف من أجزائها وإن كان لا يدخل لتلك البيوت من الدار أصلا بل من نحو أبواب خارجا، وتدخل أيضا (الأرض

(2)

إجماعا إن ملكها البائع وإلا -كمحتكرة

(3)

وموقوفة- فلا تدخل لكن يتخير مشتر جهل. ولو باع بناء في أرض مستأجرة معه -أي البائع- أو موصى بمنفعتها له أو موقوفة عليه استحق المشتري الإبقاء بقية المدة بأجرة المثل لباقي المدة في الأول لا في الأخيرين; لأن المنفعة فيهما لم يبذل البائع فيها شيئا (وكل بناء) ولو من نحو سعف وشجر رطب فيها ويابس قصد دوامه كجعله دعامة مثلا لدخوله في مسماها

(4)

لا نقض المنهدم منها؛ لأنه بمنزلة قماش فيها. ولو باع علوا على سقف له دخل السقف

(5)

إن كان سقفا لطريق المشتري؛ لأن البائع لا يمكنه الانتفاع به فتفوت التبعية فيه، أما إن كان على بعض دار البائع أو غيره فلا يدخل؛ إذ لا تبعية (حتى حمامها) المثبت فيها يدخل في بيعها; لأنه من مرافقها دون المنقول لكونه من نحو خشب، (لا المنقول كالدلو والبكَْرة والسرير) والدرج والرفوف التي لم تسمر؛ لخروجها عن اسمها (وتدخل الأبواب المنصوبة) دون المقلوعة (وحَلقها والإجَّانات) المثبتة، وهي ما يغسل فيه (والرف والسلَّم المسمران، وكذا الأسفل من حجري الرحا) إن كان مثبتا فيدخل (على الصحيح) ; لأن الجميع معدود من أجزائها لاتصالها بها. (و) كل منفصل توقف عليه نفع متصل كـ (الأعلى) منهما (ومفتاح غلَق مثبت) فيدخلان (في الأصح) ; لأنهما تابعان لمثبت، وفي معناهما غطاء التنور وآلات السفينة.

(1)

. تقدم تفسيرها في كتاب الاعتكاف.

(2)

. أفاد الشارح في الإقرار أنه لو قال في بيع أرض: بعتك من هذا الموضع إلى هذا الموضع، أو في بيع الجدار: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار لم يدخل المبدأ 5/ 384.

(3)

. وهي ساحات يؤذن بالبناء فيها بدراهم معينة في كل سنة من غير تقدير مدة.

(4)

. ومنه شجرة يابسة عرَّش عليها كما أفاده الشارح في فصل استقبال القبلة 1/ 494.

(5)

. خلافا للنهاية كالشهاب الرملي من أنه لا يدخل مطلقا.

ص: 93

وَفِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا، وَكَذَا ثِيَابُ الْعَبْدِ فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

وخرج بالمثبت الأقفال المنقولة فلا تدخل هي ومفاتيحها، ولا يدخل ماء بئر الدار

(1)

إلا بالنص، ومن ثم وجب شرط دخوله؛ لئلا يختلط بماء المشتري فيقع تنازع، ولو كان لديه درا بها دهليز

(2)

به مخزنان فإن باع مالكها أولاً أحد المخزنين وأطلق دخل فيه الجدار الذي بينه وبين الدهليز، أو الدهليز أولاً دخل ذلك الجدار وجدار المخزن الآخر، أو باع المخزنين رجلين وقبل كلٌّ ما بيع منه صح لكل منهما فيما عدا ذلك الجدار تفريقا للصفقة فيه. ولا يدخل وتر في قوس ولؤلؤة وجدت ببطن سمكة

(3)

بل هي للصياد إلا إن كان فيها أثر ملك كثقب فتكون لقطة أي: للصياد; لأنه واضع اليد عليها أوَّلاً ويد المشتري مبنية على يده.

[تنبيه] مكتوب المبيع للبائع؛ لأنه ملكه وحجته عند الدرك

.

[تنبيه آخر] يدخل في بيع الجدار أساسه الذي هو بعض منه ولا تدخل الأرض الحاملة للجدار

(4)

(وفي بيع الدابة نعلها) ووبرتها

(5)

؛ لاتصالهما بها إلا إن كانا من نقد لعدم المسامحة بهما (وكذا ثياب العبد) يعني القن التي عليه حالة البيع تدخل (في بيعه في الأصح)؛ للعرف، (قلت الأصح لا تدخل ثياب العبد) في بيعه ولو ساتر عورته (والله أعلم) ; إذ لا عرف في ذلك مطرد، ولا يدخل مداسه وحلقته وخاتمه قطعا، ويدخل انف العبد وأنملته من النقد؛ لأنه من أجزائه.

(1)

. قال الشارح عند الكلام على سلم الأعمى ((والحاصل أنه لا يصح بيع الماء من نحو نهر أو بئر وحده مطلقا للجهل به، وأن محلَّ نبعِ الماء إن ملك ووقع البيع على قراره أو بعض منه معين صحَّ ودخل الماء كله أو ما يخص ذلك المعين، وإن لم يملك هو بل ماء يصل إليه لم يدخل الماء ملكا، بل استحقاق الأرض الشرب منه))، وذكر الشارح مع المصنف في إحياء الموات أن من أحيا مواتا وهو جاهل بأن فيه معدنا باطنا مَلَكَ البقعة والنيل، أو وهو عالم بذلك مَلَكَ المعدن دون بقعته، ومع ملكه له لا يجوز له بيعه؛ لأن المقصود النيل وهو مجهول 6/ 226.

(2)

. هو ما بين الباب والدار، لسان العرب.

(3)

. أما إن لم تكن ببطن سمكة فهي لواجدها إن لم يكن فيها أثر ملك كما ذكره الشارح في اللقطة 6/ 318.

(4)

. انظر كلام الشارح في الشفعة عن ذلك 6/ 55 - 56.

(5)

. وهي الحلقة التي في أنفها.

ص: 94

‌فرع

بَاعَ شَجَرَةً دَخَلَ عُرُوقُهَا وَوَرَقُهَا

وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَجْهٌ، وَأَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ، وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوِ الْقَطْعِ،

فرع

(باع شجرة) رطبة وحدها، أو مع نحو أرض صريحا، أو تبعا كما مر (دخل عروقها) ولو يابسة أو امتدت وجاوزت العادة (وورقها) الرطب وأوعية نحو الطلع. أما الشماريخ فهي للبائع; لأن العادة قطعها مع الثمرة ومثلها العرجون

(1)

، وما صرحوا به في المساقاة بأنه للعامل يدخل هنا وما لا فلا؛ إذ ما للعامل كالثمرة وما للمالك كالأصل. (وفي ورق التوت) الأبيض الأنثى المبيعة شجرته في الربيع، وقد خرج (وجه) أنه لا يدخل; لأنه يقصد لتربية دود القز ويرد بأنه حيث كان للشجرة ثمر غير ورقها كان تابعا لا مقصودا فدخل في بيعها

(2)

، ولذا دخل ورق السدر ولم يدخل ورق النيلة

(3)

; إذ لا ثمر غيره، أما ورق حناء لا ثمر له فلا يدخل بخلاف ماله ثمر كالفاغية

(4)

(وأغصانها إلا اليابس

(5)

منها؛ وذلك لاعتياد الناس قطعه فكان كالثمرة، أما الجافة فيتبعها غصنها اليابس (ويصح بيعها) رطبة ويابسة (بشرط القلع أو القطع) ويتَّبع الشرط فعروقها في الأول للمشتري وفي الثاني باقية للبائع، ونحو ورقها وأغصانها يدخل مع شرط أحد هذين وعدمه. ولو أبقاها مدة مع شرط أحد ذينك لم تلزمه الأجرة إلا إن طالبه البائع بالمشروط فامتنع، ولو سقط ما قطعه أو قلعه على شجر البائع فأتلفه

(1)

. خلافا لهم.

(2)

. فدخل ورق الحناء؛ لوجود نوره المسمى الفاغية.

(3)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي فاعتمدوا دخول الأوراق مطلقا.

(4)

. هو نَوَر الحناء.

(5)

. يعود على الأغصان فقط خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.

ص: 95

وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ المَغْرِسِ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ مَا بَقِيَتِ الشَّجَرَةُ. وَلَوْ كَانَتْ يَابِسَةً لَزِمَ المُشْتَرِيَ الْقَلْعُ. وَثَمَرَةُ النَّخْلِ المَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوِ المُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ،

ضمنه

(1)

. ولو أراد مشترط أحد ذينك استئجار أو شراء المغرس ليبقيها فيه منع؛ لتعذر قبضه عن نحو الإجارة قبل أحد ذينك. (وبشرط الإبقاء) إن كانت رطبة وإلا بطل البيع بشرط إبقائها ما لم يكن غرض صحيح في بقائها لنحو وضع جذع عليها (والإطلاق يقتضي الإبقاء) في الرطبة -وفيما تفرع منها ولو شجرة أخرى؛ لأنه العرف

(2)

-. هذا كله إن استحق البائع الإبقاء وإلا كأن غصب أرضا وغرسها ثم باع الغراس وأطلق فيصح ويتخيّر مشترٍ جهل. ويدخل في بيع الشجرة أولادها الموجودة والحادثة بعد البيع حيث علم أنها منها سواء أنبتت من جذعها أو عروقها التي بالأرض; لأنها حينئذ كأغصانها بخلاف اللاصق بها مع مخالفة منبته لمنبتها; لأنه أجنبي عنها وإذا دخلت استحق إبقاءها كالأصل، وما علم استخلافه كشجر الموز يجب ابقاؤه أيضاً (والأصح أنه لا يدخل المغرِس) ; لأن اسمها لا يتناوله، (لكن يستحق منفعته) بلا عوض، وهو ما سامتها من الأرض وما يمتد إليه عروقها

(3)

فيمتنع على البائع أن يغرس في هذا ما يضر بها (ما بقيت الشجرة) حية، فلو قلعت لم يجز له غرس بدلها

(4)

، نعم إن بقت المقلوعة حية جاز غرسها لا غرس بدلها، ولا يدخل المغرس في شجرة يابسة قطعا؛ لبطلان البيع بشرط إبقائها كما مر (ولو كانت يابسة) ولم تدخل؛ لكونها غير دعامة مثلا (لزم المشتري القلع)؛ للعرف، بل يبطل البيع بشرط إبقائها (وثمرة النخل) مثلا (المبيع) بعد وجودها وكالبيع غيره على ما يأتي في أبوابه مفصلا (إن شرطت) كلها أو بعضها المعين كالربع (للبائع أو للمشتري عمل به) تأبر أم لا، وكذا لو شرط الظاهر للمشتري وغيره -وقد انعقد- للبائع؛ وفاء بالشرط.

(1)

. خلافا للرملي في النهاية كوالده بتقييد الضمان بما إذا علم سقوطه عليه.

(2)

. وإن أزيل المتبوع لم يزل التابع؛ لأنه بوجوده صار مستقلا.

(3)

. خلافا للمغني فاعتمد أنه ما يسامت أصل الشجرة خاصة، والموضع الذي ينتشر فيه عروق الشجرة حريم للمغرس.

(4)

. واعتمد الشارح بحث ابن الرفعة في بيع بناء في أرض مستأجرة معه أو موصى بمنفعهتا له أو موقوفة عليه أنه يستحق الإبقاء بقية المدة بأجرة المثل لباقي المدة في الأول إن علم، لا في الأخيرين خلافا للنهاية في الأول من أنه لا أجرة له أيضا فيه.

ص: 96

وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ، وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ -كَتِينٍ وَعِنَبٍ- إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ فَلِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي، وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرٍ ثُمَّ سَقَطَ كَمِشْمِشٍ وَتُفَّاحٍ فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ، وَكَذَا إنِ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرِ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةً وَبَعْضُهَا مُؤَبَّرٌ فَلِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَلِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَتْ فِي بَسَتَانَينِ فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ،

(وإلا) يشرط شيء (فإن لم يتأبر) بأن يتشقق الطلع ولو بنفسه وإن كان طلع ذكر

(1)

(منها شيء فهي للمشتري، وإلا) بأن تأبر بعضها وإن قل ولو في غير وقته، وفي حكم التأبير تشقق الكل وظهور المقصود (فللبائع) جميعها المتأبر وغيره حتى الطلع الحادث بعد؛ لحديث ((من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع)) أي: المشتري. وإنما دخل قطن لا يتكرر أخذه وقد بيع بعد تشقق جوزه; لأنه المقصود بالبيع بخلاف الثمرة الموجودة فإن المقصود بالذات إنما هو شجرتها لثمار جميع الأعوام، ومن ثم كان ما يتكرر أخذه للبائع; لأنه حينئذ كالثمرة (وما يخرج ثمره بلا نَور) أي: زهر (كتين وعنب إن برز ثمره فللبائع وإلا فللمشتري)؛ إلحاقا لبروزه بتشقق الطلع، ولو ظهر بعض التين كان للبائع ما ظهر وللمشتري غيره، أما لو ظهر بعض ثمر العنب فالجميع للبائع

(2)

؛ لأنه لا بتكرر حمله في العام عادة كالنخل، (وما خرج في نور ثم سقط) نوره أي: كان من شأنه ذلك (كمِشمِش وتفاح فللمشتري إن لم تنعقد الثمرة، وكذا إن انعقدت ولم يتناثر النور في الأصح)؛ إلحاقا لها بالطلع قبل تشققه (وبعد التناثر) ولو للبعض تكون (للبائع)؛ لظهورها (ولو باع) نخلة من بستان، أو (نخلات بستان مطلِعة وبعضها) من حيث طلعه (مؤبر فللبائع) جميعها المؤبر وغيره وإن اختلف النوع لعسر التتبع كما مر (فإن أفرد) بالبيع (ما لم يؤبر) من بستان واحد (فللمشتري في الأصح)؛ لما مر (ولو كانت في بستانين) المؤبرة بواحد وغيرها بآخر (فالأصح إفراد كل بستان بحكمه) وإن تقاربا; لأن من شأن اختلاف البقاع اختلاف وقت التأبير، وكذا لا تبعية إن اختلف العقد أو

(1)

. والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقق بنفسه، ويكفي تأبير الطلعة كما يأتي.

(2)

. خلافا لهما في أنه كالتين ووفاقا لشرح المنهج.

ص: 97

وَإِذَا بَقِيَتِ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ شُرِطَ الْقَطْعُ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى الجِذَاذَ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السَّقْيُ إنِ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ. وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا وَتَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ

الحمل أو الجنس

(1)

. ويستثنى الورد والياسمين ونحوه فلا يتبع ما لم يظهر منه الظاهر

(2)

وإن اتحدا فيما ذكر

(3)

; لأن ما ظهر منه يجنى حالا فلا يخاف اختلاطه، ومر أن التين مثله في ذلك (وإذا بقيت الثمرة للبائع) بشرط أو تأبير (فإن شرط القطع لزمه) وفاء بالشرط، ومحله في منتفع به كحصرم

(4)

، أما ما لا نفع فيه أو نفعه تافه فيبطل به البيع

(5)

؛ لأن اشتراطه يخالف مقتضاه، (وإلا) يشترط القطع بأن شرط الإبقاء أو أطلق (فله تركها إلى) زمن القطع المعتاد المسمى بـ (الجذاذ)؛ نظرا للشرط في الأولى والعادة في الثانية فيكلف حينئذ أخذها دفعة واحدة، ولا ينتظر نهاية النضج وقد لا تبقى إليه كأن تعذر السقي لانقطاع الماء وعظم ضرر النخل ببقائها وكأن أصابها آفة ولم يبق في تركها فائدة (ولكل منهما) إن لم يضر صاحبه

(6)

(السقي إن انتفع به الشجر والثمر ولا منع للآخر) منه; لأنه حينئذٍ سفه أو عناد، وعليه فليس للبائع تكليف المشتري السقي، ويمكّن البائع بما اعتيد سقيها منه -وإن كان للمشتري- كبئر دخلت في العقد، وليس فيه أنه يصير شارطا لنفسه الانتفاع بملك المشتري; لأن استحقاقه لذلك لما كان من جهة الشرع ولو مع الشرط اغتفروه، نعم لا يُمكّن من شغل ملك المشتري بمائه أو استعماله لماء المشتري إلا حيث نفعه وإلا فلا وإن لم يضر المشتري; لأن الشرع لا يبيح مال الغير إلا عند وجود منفعة به، وكذا يقال في ماء للبائع أراد به شغل ملك المشتري من نفع له به (وإن ضرهما لم يجز) السقي لهما ولا لأحدهما (إلا برضاهما) ; لأن الحق لهما، ومحله إن كان يضرهما من وجه دون وجه وإلا حرم؛ لأنه إفساد مالٍ (وإن ضر أحدهما) أي: الثمر دون الشجر أو عكسه (وتنازعا) أي: المتبايعان في السقي (فسخ العقد) أي: فسخه الحاكم

(7)

؛ لتعذر

(1)

. زاد المغني ((المالك))، وقال الشارح أنه لا حاجة إليه للزوم تعدد العقد به.

(2)

. أي المنفتح.

(3)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه إن ظهر بعض ذلك فالجميع للبائع.

(4)

. وهو أوَّل العنب الحامض ولا يزال العنب ما زال أخضر حصرما، لسان العرب.

(5)

. واعتمد شرح المنهج لزوم القطع وهو قياس كلام الرملي.

(6)

. يؤخذ منه عدم المنع عند انتفاء الضرر والنفع خلافا لهما كالشهاب.

(7)

. خلافا لهما فقالا الفاسخ المتضرر.

ص: 98

إلَّا أَنْ يُسَامِحَ المُتَضَرِّرُ، وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ أَنْ يَسْقِيَ. وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ أَوْ يَسْقِيَ.

يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ، وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنِ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَأَنْ يَكُونَ المَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا كَكُمَّثْرَى

إمضائه إلا بضرر أحدهما وليس أحدهما أولى من الآخر (إلا أن يسامح) المالك المطلق التصرف (المتضرر) فلا فسخ، (وقيل لطالب السقي أن يسقي) ولا مبالاة بالضرر؛ لدخوله في العقد عليه (ولو كان الثمر يمتص رطوبة الشجر لزم البائع أن يقطع) الثمر (أو يسقي) الشجر؛ دفعا لضرر المشتري، ولو كان السقي يضر أحدهما وتركه يمنع زيادة الآخر العظيمة فسخ العقد.

(فصل) في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما

(يجوز بيع الثمر بعد بدو صلاحه مطلقا) أي بدون شرط و يستحق الإبقاء إلى أوان الجذاذ؛ للعادة (وبشرط قطعه وبشرط إبقائه)؛ للخبر المتفق عليه ((أنه صلى الله عليه وسلم نهى المتبايعين عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها)) (وقبل الصلاح) في الكل (إن بيع) الثمر الذي لم يبد صلاحه وإن بدا صلاح غيره المتحد معه نوعا ومحلا (منفردا عن الشجر) وهو على شجرة ثابتة (لا يجوز) البيع; لأن العاهة تسرع إليه حينئذ لضعفه فيفوت بتلفه الثمن من غير مقابل (إلا بشرط القطع) للكل حالا؛ للخبر المذكور، وخرج عنه المبيع المشروط فيه القطع بالإجماع، ولا يقوم اعتياد القطع مقام شرطه، وللبائع إجباره عليه، ومتى لم يطالبه به فلا أجرة له؛ لغلبة المسامحة في ذلك. أما بيع ثمرة على شجرة مقطوعة دونها فيجوز من غير شرط قطع; لأن الثمرة لا تبقى عليها فنُزِّل ذلك منزلة شرط القطع، ومثلها شجرة جافة عليها ثمرة بيعت دونها، وورق التوت قبل تناهيه كالثمر قبل بدو الصلاح وبعده كهو بعده، وخرج بقوله: إن بيع ما لو وهب مثلا فلا يجب شرط القطع فيه، وكذا الرهن. ولو باع بعض الثمر فقط على الشجر مشاعا قبل بدو الصلاح من مالك الشجر أو من غيره بشرط القطع صحّ؛ لإمكان قطع النصف قبل القسمة، (و) يشترط (أن يكون المقطوع منتفعا به) كالحصرم واللوز (لا ككمثرى) وجوز،

ص: 99

وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي جَازَ بِلَا شَرْطٍ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ لَمْ يَجِبِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ جَازَ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ. وَيَحْرُمُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ، فَإِنْ بَيْعَ مَعَهَا أَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الحَبِّ جَازَ بِلَا شَرْطٍ. وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ المَقْصُودِ كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَشَعِيرٍ، وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ وَلَا مَعَهُ فِي الجَدِيدِ،

(وقيل إن كان الشجر للمشتري) والثمر للبائع (جاز) بيع الثمرة له (بلا شرط) للقطع؛ لاجتماعهما في ملك شخص واحد فأشبه ما لو اشتراهما معا وردّ بعموم النهي، (قلت: فإن كان الشجر للمشتري وشرطنا القطع) -أي: وشرط المتبيعان القطع في صلب العقد- (لم يجب الوفاء به، والله أعلم) ; إذ لا معنى لتكليفه قطع ثمره عن شجره (فإن بيع) الشجر دون الثمر وأمن الاختلاط، أو الثمر (مع الشجر) بثمن واحد (جاز بلا شرط) ; لأن المبيع في الأول غير متعرض للعاهة والثمرة مملوكة له بحكم الدوام ولأن الثمر في الثاني تابع للشجر الذي لا تتعرض له عاهة، ومن ثم لو فصل الثمن وجب شرط القطع؛ لزوال التبعية، ونحو بطيخ وباذنجان وقثاء كذلك فلا يجب شرط القطع فيه إن بيع مع أصله وإن لم يبع مع الأرض (ولا يجوز) بيعه (بشرط قطعه) عند اتحاد الصفقة; لأن فيه حجرا على المشتري في ملكه (ويحرم) ولا يصح (بيع الزرع الأخضر) ولو بقلا لم يبد صلاحه (في الأرض إلا بشرط قطعه) أو قلعه جميعه؛ للنهي عن ذلك (فإن بيع معها) أي: الأرض (أو) بيع وحده بقل بعد بدو صلاحه، أو زرع (بعد اشتداد الحب) أو بعضه ولو سنبلة واحدة كاكتفائهم في التأبير بطلعة واحدة، وفي بدو الصلاح بحبة واحدة (جاز بلا شرط) كبيع الثمرة مع الشجرة في الأول وكبيع الثمرة بعد بدو الصلاح في الثاني وما أفهمه المتن من جواز بيعه معها بشرط قطعه، أو قلعه غير مراد كما علم من قوله قبيله ولا يجوز بشرط قطعه (ويشترط لبيعه وبيع الثمر بعد بدو الصلاح ظهور المقصود) منه؛ لئلا يكون بيع غائب (كتين وعنب وشعير) وكل ما يظهر ثمره أو حبه؛ لحصول الرؤية، (وما لا يرى حبه كالحنطة) نعم الدخن يرى فيه بعض حباته فتفرق الصفقة فيه فيصح في المرئي فقط إن عرف بقسطه من الثمن

(1)

(والعدََس في السنبل) وجوز القطن قبل تشققه (لا يصح بيعه دون سنبله)؛ لاستتاره (ولا معه في الجديد)؛ لاستتار المقصود بما

(1)

. خلافا للنهاية فاعتمد البطلان.

ص: 100

وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَاءِ يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا. وَبُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِئِ النُّضْجِ وَالحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ، وَفِي غَيْرِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ، وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ. وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَ بُسْتَانٍ أَوْ بَسَتانَينِ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ

ليس من مصلحته. ولا يجوز بيع الجوز في القشرة العليا مع الشجر، و القطن قبل تشققه ولو مع شجره. (ولا بأس بكِمام) وهو وعاء نحو الطلع (لا يزال إلا عند الأَكل) كرمَّان وطلع نخل وموز وبطيخ وباذنجان; لأن بقاءه فيه من مصلحته ومثل ذلك ما يكون بقاؤه فيه سببا لادخاره كأرز وعلس (وما له كِمامان كالجوز واللوز والباقلاء) أي: الفول (يباع في قشره الأسفل) ; لأن بقاءه فيه من مصلحته (ولا يصح في الأعلى) على الشجر أو الأرض؛ لاستتاره بما ليس من مصلحته، وفارق صحة بيع قصب السكر في قشره الأعلى بأن قشره ساتر لكله، وقشر القصب لبعضه غالبا فرؤية بعضه دالة على باقيه، والكلام في باقلا لا يؤكل معه قشره الأعلى وإلا جاز

(1)

كبيع اللوز في قشره الأعلى قبل انعقاد الأسفل; لأنه مأكول كله (وفي قول يصح) بيعه في الأعلى (إن كان رطبا)؛ لحفظه رطوبته فهو من مصلحته (وبدو صلاح الثمر ظهور مبادئ النضج والحلاوة) بأن يتموه ويلين أي: يصفو ويجري الماء فيه (فيما لا يتلون، وفي غيره بأن يأخذ في الحمرة أو السواد) أو الصفرة، نعم يستثنى الليمون ونحوه مما يوجد تموهه المقصود منه قبل صفرته، وبدوه في غير الثمر باشتداد الحب بأن يتهيأ لما هو المقصود منه، وكبر القثاء بحيث يجنى غالبا للأكل، وتفتح الورد وتناهي نحو ورق التوت، والضابط فيما مر بلوغ صفة يطلب فيها غالبا، وقد فسر أنس الزهو بالحمرة والصفرة (ويكفي بدو صلاح بعضه) أي الجنس الواحد وإن اختلفت أنواعه (وإن قلَّ) كحبة واحدة; لمشقة انتظار الكلّ (ولو باع ثمر بستان أو بستانين بدا صلاح بعضه فعلى ما سبق في التأبير) فلا يتبع ما لم يبد ما بدا إلا إن اتحد الجنس -وإن اختلف النوع- واتحد البستان والعقد والحمل، فإن اختلف واحد من هذه لم يصح فيما لم يبد صلاحه إلا بشرط قطعه.

(1)

. خلافا لهما.

ص: 101

وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا، وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيهِ بَعْدَهَا. وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا كَبَرَْدٍ فَالجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ المُشْتَرِي، فَلَوْ تَعَيَّبَ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ فَلَهُ الخِيَارُ، وَلَوْ بِيعَ قَبْلَ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ المُشْتَرِي

(ومن باع ما بدا صلاحه) من ثمر أو زرع من غير شرط قطعه أو قلعه والأصل ملك للبائع (لزمه سقيه) إن كان مما يسقى إلى أوان الجذاذ (قبل التخلية وبعدها) قدر ما ينميه ويقيه التلف; لأنه من تتمة التسليم الواجب فشرطه على المشتري مبطل للبيع. أما مع شرط قطع أو قلع فلا يجب سقي

(1)

إلا إذا لم يتأت قطعه إلا في زمن طويل يحتاج فيه إلى السقي فيكلفه، وأما إذا لم يملك الأصل بأن باع الثمرة لمالك الشجرة فلا يجب أيضا؛ لانقطاع العلق بينهما (ويتصرف مشتريه بعدها) أي: التخلية؛ لحصول القبض بها كما مر مع بيان أن بيعها بعد أوان الجذاذ يتوقف القبض فيه على نقلها. (ولو عرض مهلك) أو معيب (بعدها) من غير ترك سقي واجب (كبرَْد فالجديد أنه من ضمان المشتري)؛ لما تقرر من حصول القبض بها لخبر مسلم ((أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق على من أصيب في ثمر اشتراه)) ولم يسقط ما لحقه من ثمنها، أما إذا عرض المهلك من ترك البائع للسقي الواجب عليه فهو من ضمانه، ولو كان مشتري الثمر هو مالك الشجر ضمنه جزما كما لو كان المُهْلِك نحو سرقة أو بعد أوان الجذاذ بزمن يعدّ التأخير فيه تضييعا. أما ما قبلها فمن ضمان البائع، فإن تلف البعض انفسخ فيه فقط (فلو تعيب) الثمر المبيع منفردا من غير مالك الشجر (بترك البائع السقي) الواجب عليه بأن كان ما يسقى منه باقيا بخلاف ما إذا فقد (فله) أي: للمشتري (الخيار) ; لأن التعيب الحادث بترك البائع ما لزمه كالسابق على القبض، ومن ثم لو تلف به انفسخ العقد كما تقرر. (ولو بيع قبل) أو بعد بدو (صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك فأولى بكونه من ضمان المشتري) مما لم يشرط قطعه؛ لتفريطه.

(1)

. ظاهره سواء قبل أو بعد التخلية وقيده النهاية وشرح المنهج بما بعد التخلية.

ص: 102

وَلَوْ بِيعَ ثَمَرٌ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالمَوْجُودِ كَتِينٍ وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُشْتَرِي قَطْعَ ثَمَرِهِ، وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ فِيمَا يَنْدُرُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، بَلْ يَتَخَيَّرُ المُشْتَرِي، فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ

(ولو بيع ثمر) أو زرع بعد بدو الصلاح وهو مما يندر اختلاطه أو يتساوى فيه الأمران أو يجهل حاله صح بشرط القطع والإبقاء ومع الإطلاق، أو مما (يغلب تلاحقه واختلاط حادثة بالموجود) بحيث لا يتميزان (كتين وقثاء

(1)

وبطيخ (لم يصح إلا أن يشترط المشتري) يعني أحد العاقدين ويوافقه الآخر (قطع ثمره) أو زرعه عند خوف الاختلاط فيصح البيع حينئذ؛ لزوال المحذور، فإن لم يتفق قطع حتى اختلط فكما في قوله (ولو حصل الاختلاط فيما يندر) فيه الاختلاط، أو فيما يتساوى فيه الأمران أو جهل فيه الحال (فالأظهر أنه لا ينفسخ البيع)؛ لبقاء عين المبيع وتسليمه ممكن بالطريق الآتي (بل يتخير) فورا (المشتري) إذا وقع الاختلاط قبل التخلية، ولا يتوقف على حكم حاكم؛ لأنه كعيب حدث قبل التسليم (فإن سمَح له البائع بما حدث) بهبة أو إعراض ويملك به أيضا هنا (سقط خياره في الأصح)؛ لزوال المحذور، ولا أثر للمنة هنا; لأنها في ضمن عقد، نعم المعتمد أن الخيار للبائع أولاً بين السماح وعدمه خلافا لقضية كلامه، ويجري ما ذكر في شراء نحو طعام أو مائع اختلط بمثله مما لا يتميز عنه قبل القبض بخلاف نحو ثوب أو شاة بمثله فإن العقد ينفسخ فيه; لأنه متقوم فلا مثل له يؤخذ بدله. أما لو وقع الاختلاط بعد التخلية

(2)

فلا انفساخ أيضا ولا خيار بل إن اتفقا على شيء فذاك وإلا صدق المشتري; إذ اليد بعد التخلية له في قدر حق الآخر، ولو اشترى شجرة عليها ثمر للبائع ففي وجوب شرط القطع عند خوف أو وقوع الاختلاط ما مر، نعم إن تشاحا هنا فسخ العقد

(3)

.

[تنبيه] خرج عمّا تقدم شراء زرع بشرط القطع ولم يقطع حتى طال فالزيادة للمشتري

(4)

ومثله القطن الذي لا يبقى أكثر من سنة فإذا باعه قبل خروج الجوزق

(5)

أو بعده وقبل تكامل

(1)

. تقدم تفسيره في الربا.

(2)

. للرملي كلام فيما لو وقع الاختلاط قبل التخلية وأجاز المشتري البيع.

(3)

. خلاف للنهاية فقال أنه يجري هنا ما تقدم.

(4)

. خلافا للنهاية ووالده.

(5)

. وهو كمام القطن.

ص: 103

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ وَهُوَ المُحَاقَلَةُ، وَلَا الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ المُزَابَنَةُ. وَيُرَخَّصُ فِي الْعَرَايَا، وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَلَوْ زَادَ فِي صَفْقَتَيْنِ جَازَ. وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ كَيْلًا، وَالتَّخْلِيَةُ فِي النَّخْلِ

القطن وجب شرط القطع ثم إن لم يقطع حتى خرج الجوزق فهو للمشتري لحدوثه على ملكه (ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافيه) من التبن (وهو المحاقلة، ولا الرطب على النخل بتمر، وهو المزابنة)؛ وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم عنهما مع ما فيهما من الربا، ومن ثم لو باع زرعا غير ربوي بحب أو برا صافيا بشعير وتقابضا في المجلس جاز (ويرخص في العرايا وهو بيع الرطب) أو البسر بتقدير الجفاف فيهما والعنب الآتي (على النخل بتمر) لا رطب (في الأرض أو العنب) لا الحصرم (في الشجر بزبيب)؛ لخبر الصحيحين ((أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا))، وقيس به العنب بجامع أنه زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه، وذكر الأرض للغالب

(1)

؛ لصحة بيع ذلك بتمر أو زبيب بالشجر كيلا

(2)

لا خرصا. وإنما يجوز بيع العرايا في تمر لم تتعلق به زكاة كأن خرص عليه وضمن، أو كان دون النصاب، أو مملوكا لكافر و (فيما دون خمسة أوسق) -مكيلا يقينا- بتقدير جفافه بمثله تمرا؛ لخبرهما أيضا ((رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق)) والدون جائز يقينا، نعم لا بد من نقص قدر يزيد على ما يقع به التفاوت بين الكيلين غالبا كمد، فلو بيع رطب وهو دون ذلك باعتبار الخرص لم يجب انتظار تتمره; لأن الغالب مطابقة الخرص للجفاف، فإن تتمر وظهر فيه التفاوت أكثر مما يقع بين الكيلين بان بطلان العقد. ومحل البطلان فيما فوق الدون المذكور إن كان في صفقة واحدة، (و) أما (لو زاد) عليه (في صفقتين جاز)؛ لاستقلالهما، وتتعدد الصفقة هنا بما مر

(3)

(ويشترط التقابض) في المجلس; لأنه بيع مطعوم بمثله ويحصل (بتسليم التمر) أو الزبيب إلى البائع، أو تسلمه له (كيلا) ; لأنه منقول وقد بيع مقدرا (والتخلية في النخل) أو الكرم وإن لم يكن النخل أو الكرم بمجلس العقد

(1)

. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما فاعتمدا الامتناع إذا كان كل من الرطب أو التمر على الشجر أو الأرض.

(2)

. أي مقدرا بكيل وقت التسليم.

(3)

. ويتعدد بتعدد المشتري قطعا والبائع على الأصح كما ذكره الشارح في تفريق الصفقة 4/ 331.

ص: 104

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ.

‌باب اختلاف المتبايعين

إذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ كَقَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ صِفَتِهِ أَوِ الْأَجَلِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ قَدْرِ المَبِيعِ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا

لكن لا بد من بقائهما فيه حتى يمضي زمن الوصول إليه; لأن قبضه إنما يحصل حينئذ (والأظهر أنه لا يجوز في سائر الثمار)؛ لتعذر خرصها باستتارها غالبا (وأنه لا يختص بالفقراء) ; لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

باب اختلاف المتبايعين

مثلا وإلا فكل عقد معاوضة وقع الاختلاف في كيفيته كذلك وأصل الباب حديث ((إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركا)) (إذا اتفقا) أي: العاقدان ولو وكيلين أو قنين أذن لهما سيداهما أو وليين أو مختلفين ويأتي أن وارثيهما مثلهما. ومثلهما أيضا موكلاهما (على صحة البيع) أو ثبتت الصحة باليمين كبعتك بألف فقال بل بخمسمائة وزق خمر فإذا حلف البائع على نفي الخمر تحالفا (ثم) إذا (اختلفا) أي البائع والمشتري، وفي حكمها وليهما ووكيلهما ووارثهما (في كيفيته كقدر الثمن) أو المبيع، ويشترط أن يكون ما يدعيه البائع مثلا في الثمن أكثر، وما يدعيه المشتري مثلا في المبيع أكثر وإلا فلا فائدة في التحالف (أو صفته) أو جنسه أو نوعه، ومنه اختلافهما في شرط نحو رهن، أو كفالة، أو كونه كاتبا. نعم إن اختلفا في العقد هل هو قبل التأبير، أو الولادة أو بعد أحدهما لم يتحالفا وإن رجع الاختلاف إلى قدر المبيع; لأن ما وقع الاختلاف فيه من الحمل والثمرة تابع لا يصح إيراد العقد عليه فصدق البائع فيه بيمينه; إذ الأصل بقاء ملكه، ومن ثم لو زعم المشتري أن البيع قبل الاطلاع أو الحمل صدق على الأوجه

(1)

; لأن الأصل حينئذ عدمه عند البيع (أو الأجل أو قدره أو قدر المبيع) ولو اشترى ثوبا على أنه عشرون ذراعا ثم قال البائع أردنا ذراع اليد وقال المشتري بل ذراع الحديد فإن غلب أحدهما عمل به، وإن استويا في الغلبة بطل العقد؛ لما مر أن النية هنا لا تكفي وإن اتفقا عليها، فإن اختلفا في شرط ذلك تحالفا، ومحل ذلك إن كان الثوب معينا فإن كان في الذمة فيحمل على ذراع الحديد بل إن شرطاه بذراع اليد لم يجز؛ لأنه مختلف

(1)

. وفاقا لشرح الروض وخلافا للرملي فالمعتمد عنده تصديق البائع.

ص: 105

فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ، وَيَبْدَأُ بِالْبَائِعِ وَفِي قَوْلٍ بِالمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ يَتَسَاوَيَانِ فَيَتَخَيَّرُ الحَاكِمُ، وَقِيلَ يُقْرَعُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَيُقَدَّمُ النَّفْيُ فَيَقُولُ الْبَائِعِ: مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا،

إلا إن عُيِّن -كذراع زيد- وعلم قدره (ولا بينة) -لأحدهما يعتد بها فشمل ما لو كان لكل بينة وتعارضتا لإطلاقهما أو إطلاق إحداهما فقط أو لكونهما أرختا بتاريخين متفقين- وقد بقي العقد إلى حالة النزاع ولا يشترط لزومه (تحالفا)؛ لما في الخبر الصحيح ((أن اليمين على المدعى عليه)). وخرج ((باتفقا إلخ)) اختلافهما في الصحة أو العقد هل هو بيع أو هبة فلا تحالف كما يأتي، وبقوله ((ولا بينة)) ما لو كان لأحدهما بينة فإنه يقضى له بها، أو لهما بينتان مؤرختان بتاريخين مختلفين فإنه يقضى بالأولى. ويبقى ما لو اختلفا في الثمن

(1)

أو المبيع بعد القبض مع الإقالة أو التلف الذي ينفسخ به العقد فلا تحالف بل يحلف مدعي النقص; لأنه غارم، ويستثنى من قول المتن إذا اتفقا .. الخ ما لو اختلفا في عين المبيع والثمن معا كبعتك هذا العبد بهذه المائة الدرهم فيقول بل هذه الجارية بهذه العشرة الدنانير فلا تحالف جزما; إذ لم يتواردا على شيء واحد مع أنهما اتفقا على بيع صحيح واختلفا في كيفيته فيحلف كل على نفي ما ادعى عليه على الأصل ولا فسخ. ولو اختلفا في عين المبيع أو الثمن فقط تحالفا، ويتحالفا أيضا لو اختلفا في عين المبيع والثمن في الذمة واتفقا على صفته وقدره أو اختلفا في أحدهما، ومثله عكسه بأن يختلفا في عين الثمن والمبيع في الذمة، نعم محله حيث لم يختلف تاريخ البينتين وإلا حكم بمقدمة التاريخ (فيحلف كل) منهما (على نفي قول صاحبه وإثبات قوله) ويحلف الوارث في الإثبات على البت وفي النفي على نفي العلم. (ويبدأ بالبائع) ; لأن جانبه أقوى، وذلك لأن ملكه قد تم على الثمن بالعقد وملك المشتري لا يتم على المبيع إلا بالقبض; لأن الصورة أن المبيع معين والثمن في الذمة، ومن ثم بدئ بالمشتري في عكس ذلك; لأنه أقوى حينئذ. ويخير الحاكم بالبداءة بأيهما أداه إليه اجتهاده فيما إذا كانا معينين أو في الذمة، (وفي قول بالمشتري، وفي قول يتساويان فيتخير الحاكم، وقيل يقرع) والخلاف في الندب؛ لحصول المقصود بكل تقدير (والصحيح أنه يكفي كل واحد) منهما (يمين تجمع نفيا وإثباتا)؛ لاتحاد الدعوى ومنفي كل في ضمن مثبته، نعم تندب يمينان؛ خروجا من الخلاف (ويقدم النفي) ندبا; لأنه الأصل في اليمين (فيقول البائع) والله (ما بعت بكذا ولقد) أو إنما (بعت بكذا) ويقول

(1)

. ويأتي في الكتابة حكم ما لو أتى نحو المشتري بالثمن فقال البائع إنه حرام 10/ 403.

ص: 106

وَإِذَا تَحَالَفَا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ، بَلْ إنْ تَرَاضَيَا وَإِلَّا فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الحَاكِمُ وَقِيلَ إنَّمَا يَفْسَخُهُ الحَاكِمُ، ثُمَّ عَلَى المُشْتَرِي رَدُّ المَبِيعِ فَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ مَاتَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَهِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ. وَإِنَّ تَعَيَّبَ رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ

المشتري والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا، ولو نكل أحدهما عن النفي فقط أو الإثبات فقط قضي للحالف. وإن نكلا معا وقف الأمر وكأنهما تركا الخصومة (وإذا تحالفا) عند الحاكم وألحق به المُحَكّم، فخرج تحالفهما بأنفسهما فلا يؤثر فسخا ولا لزوما (فالصحيح أن العقد لا ينفسخ) بنفس التحالف (بل إن) أعرضا عن الخصومة أعرض عنهما ولا يفسخ، وإن (تراضيا) على ما قاله أحدهما أقر العقد، وينبغي للحاكم ندبهما للتوافق ما أمكن. ولو رضي أحدهما بدفع ما طلبه صاحبه أجبر الآخر عليه، وليس له الرجوع عن رضاه كما لو رضي بالعيب (وإلا فيفسخانه أو أحدهما) ; لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الفسخ بالعيب (أو الحاكم)؛ لقطع النزاع، ثم فسخ القاضي والصادق منهما ينفذ ظاهرا وباطنا كما لو تقايلا وغيره ينفذ ظاهرا فقط، ولا يشترط فور في الفسخ.

[تنبيه] قوله بل إن تراضيا ليس قيدا لترتب الفسخ بعده بل لو بادر أحدهما عقب التحالف بالفسخ نفذ

(1)

(وقيل إنما يفسخه الحاكم) أو يُفسخ بحضرته (ثم) بعد الفسخ (على المشتري رد المبيع) وعلى البائع رد الثمن بزوائده المتصلة دون المنفصلة إن قبضه وبقي بحاله ولم يتعلق به حق لازم، وإن نفذ الفسخ ظاهرا فقط. وعلى كلٍّ مؤنة ردّ ما قبضه؛ إذ القاعدة أن من كان ضامنا لعين كانت مؤنة ردها عليه (فإن كان) قد تلف شرعا كأن (وقفه) المشتري ومثله البائع في الثمن (أو أعتقه أو باعه أو) حسا كأن (مات لزمه قيمته)؛ لقيامها مقامه، هذا إن كان متقوماً وإلا فمثله، ولو تلف بعضه رد الباقي وبدل التالف ويرد قيمة الآبق للحيلولة (وهي قيمة يوم) أي وقت (التلف في أظهر الأقوال)؛ لتعين النظر لوقت فوات المبدل (وإن تعيب رده مع أرشه) وهو ما نقص من قيمته; لأن كل ما ضمن بها ضمن بعضه ببعضها إلا ما استثني. ولو رهن المشتري المبيع أو كاتبه كتابة صحيحة خير البائع بين أخذ قيمته للفيصولة وانتظار

(1)

. خلافا لهما.

ص: 107

وَاخْتِلَافُ وَرَثَتِهِمَا كَهُمَا. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا، فَقَالَ: بَلْ وَهَبْتَنِيهِ فَلَا تَحَالُفَ، بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ فَإِذَا حَلَفَ رَدَّهُ مُدَّعِي الهِبَةِ بِزَوَائِدِهِ. وَلَوِ ادَّعَى صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسَادَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ

فكاكه

(1)

، أو آجره فله أخذه لكن لا ينتزعه إلا بعد المدة، وله أجرة مثل باقيها والمسمى للمشتري (واختلاف) من يقوم مقامهما كـ (ورثتهما كهما. ولو قال: بعتكه بكذا، فقال: بل وهبتنيه فلا تحالف) ; لأنهما لم يتفقا على عقد واحد (بل يحلف كل على نفي دعوى الآخر) كسائر الدعاوى (فإذا حلفا رده) وجوبا (مدعي الهبة بزوائده) المتصلة والمنفصلة فإن فاتت غرمها; لأنه لا ملك له، ولا أجرة للبائع لو استعمله مدعي الهبة؛ عملا باتفاقهما أنه إنما استعمل ملكه. ولو اشترى شجرا واستغله سنين ثم طالبه بائعه بالثمن فأنكر الشراء حلف عليه كما هو القاعدة ثم رد المبيع ولا يغرمه البائع ما استغله; لأنه يزعم أنه استغل ملكه من غير أن يوجد رافع لزعمه، وبه فارق مسألة المتن وللبائع حينئذ فسخ البيع الذي اعترف به (ولو ادعى صحة البيع) أو غيره من العقود (و الآخر فساده) باختلال ركن أو شرط كأن ادعى أحدهما رؤيته وأنكرها الآخر (فالأصح تصديق مدعي الصحة بيمينه) غالبا; لأن الظاهر في العقود الصحة. ولو أقر بالرؤية لم تقبل دعواه عدمها للتحليف; لأنه يستحيل شرعا تأخرها عن العقد بخلافه بنحو القبض; لأنه اعتيد فيه التأخير عن العقد. ومن غير الغالب ما لو باع ذراعا من أرض معلومة الذرع ثم ادعى إرادة ذراع معين ليفسد البيع وادعى المشتري شيوعه فيصدق البائع بيمينه؛ لأن ذلك لا يعلم إلا منه، وما لو زعم أحد متصالحين وقوع صلحهما على إنكار فيصدق بيمينه أيضا; لأنه الغالب مع زيادة وقوعه، وما لو زعم أنه عقد وبه نحو صبا أمكن أو جنون أو حجر وعرف له ذلك فيصدق فيما عدا النكاح بيمينه أيضا إلا إن سبق منه إقرار بضده، وما لو اشترى نحو مغصوب وقال كنت أظن القدرة فبان عجزي فيصدق بيمينه؛ لاعتضاده بالغصب، وما لو ادعت أن نكاحها بلا ولي ولا شهود فتصدق بيمينها

(2)

; لأن ذلك إنكار لأصل العقد، ومن ثم يصدق منكر أصل نحو البيع. ولو أتى المشتري بخمر أو بما فيه فأرة وقال قبضته كذلك فأنكر المقبض صدق بيمينه، ولو فرغه في ظرف المشتري

(1)

. خالفوه في الكتابة.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 108

وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا المَبِيعَ صُدِّقَ الْبَائِعُ وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يُصَدَّقُ المُسْلِمُ فِي الْأَصَحِّ.

باب

الْعَبْدُ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ،

فظهرت فيه فأرة فادعى كل أنها من عند الآخر صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه; لأنه مدع للصحة ولأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن والأصل أيضا براءة البائع. ويجري هذا في الاختلاف في قبض العوضين في الربا قبل التفرق أو بعده (ولو اشترى عبدا) معينا (فجاء بعبد معيب) مثلا (ليرده فقال البائع ليس هذا المبيع صدق البائع) بيمينه; لأن الأصل السلامة وبقاء العقد (وفي مثله في) البيع في الذمة و (السلم) بأن قبض المشتري أو المسلم المؤدى عما في الذمة ثم أتى بمعيب ليرده فقال البائع أو المسلم إليه ليس هذا المقبوض (يصدق) المشتري و (المسلم) بيمينه (في الأصح) أنه المقبوض؛ لأصل بقاء شغل ذمة البائع والمسلم إليه حتى يوجد قبض صحيح ومثل ذلك في الثمن فيحلف المشتري في المعين والبائع فيما في الذمة.

(باب) في معاملة الرقيق

تصرف العبد إما غير نافذ ولو مع الإذن كالولاية والشهادة وإما نافذ ولو بلا إذن كالعبادة والطلاق ولو بمال، وإما نافذ بالإذن كالتصرفات المالية لا بغيره كما قال (العبد) يعني القن (إن لم يؤذن له) والإذن هو استخدام له فلا يحتاج لقبوله بل لا يؤثر رده (في التجارة) أو التصرف (لا يصح شراؤه) ككل تصرف مالي ولو في الذمة (بغير إذن سيده) الكامل فيه (في الأصح) للحجر عليه لحق سيده، ولو اشترى بعين ماله بطل جزما. وخرج بالكامل ما كان سيده محجورا عليه فيصح تصرفه بإذن وليه، وتشترط أمانته إن دفع له مالا للسيد

(1)

، نعم قد يصح تصرفه بغير إذن كأن امتنع سيده من إنفاقه أو تعذرت مراجعته ولم يمكنه مراجعة الحاكم فيصح -وإن كان غير رشيد- شراؤه وما تمس حاجته إليه، وكذا لو بعثه في شغل لبلد بعيد، أو أذن له في حج، أو غزو، ولم يتعرض؛ لإذنه له في الشراء وشراء المبعض في نوبته

(1)

. أسقط النهاية هذا القيد.

ص: 109

وَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدِهِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ، أَوْ فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَاقْتِرَاضُهُ كَشِرَائِهِ. وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الْإِذْنِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ. وَلَيْسَ لَهُ النِّكَاحُ وَلَا يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ،

صحيح وكذا في غيرها

(1)

إن قصد نفسه (ويسترده البائع سواء كان في يد العبد أو سيده) أو غيرهما; لأنه باق على ملكه، ولو أدى الثمن من مال سيده استرد أيضا (فإن تلف في يده) أي: العبد وبائعه رشيد (تعلق الضمان بذمته) وإن رآه معه سيده وأقره فيتبع به بعد العتق لا قبله؛ لثبوته برضا صاحبه من غير إذن السيد; إذ القاعدة أن ما لزمه بغير رضا مستحقه كتلف بغصب يتعلق برقبته فقط، أو برضاه مع إذن السيد يتعلق بذمته وكسبه وما بيده ولا يلزم الكسب إلا إن عصى، أوْ لا مع إذنه يتعلق بذمته فقط (أو في يد السيد فللبائع تضمينه، وله مطالبة العبد بعد العتق) ولو لبعضه

(2)

; لأنه لا مال له قبل ذلك (واقتراضه) وغيره من سائر تصرفاته المالية (كشرائه) في عدم صحته منه بغير إذن كما مر (وإن أُذن له في التجارة) من السيد الكامل أو وليه (تصرف) إجماعا وإن لم يدفع إليه مالا بأن قال له اتجر في ذمتك، وشرط صحة تصرف العبد أن يكون مكلفا رشيدا، أو سفيها مهملا. والرشد شرط ولو في شراء نفسه من سيدّه (بحسَب الإذن فإن أذن له في نوع) أو زمن أو محل (لم يتجاوزه) كالوكيل، نعم يستفيد بالإذن له في التجارة ما هو من توابعها كنشر وطي ورد بعيب والمطالبة الناشئة عن معاملة فلا يخاصم نحو سارق وغاصب، وليس له اقتراض ولا توكيل أجنبيٍّ، ولو دفع له مالاً تَصَرَّف في عينه وفي قدره في ذمته لا في أزيد منه إلا إن قال اجعله رأس مال. وإن لم يعين السيد للعبد نوعا ولا غيره صح أيضا (وليس له) بالإذن في التجارة (النكاح) كعكسه; لأن اسم كل منهما غير متناول للآخر (ولا يؤجر) بالإذن له في التجارة إلا نحو عبيدها لا (نفسه) ولا يتصرف فيها رقبة ومنفعة ككسبه بشيء; لأنها لا تتناول ذلك، نعم إن نص له على شيء فعله. أو تعلق حق ثالث بكسبه بسبب نكاح بإذن سيده أو ضمان بإذنه جاز له إجارة نفسه فيه من غير إذن السيد، ولا يتوكل عن غيره فيما فيه عهدة كبيع -لا كقبول نكاح- إلا بإذن سيده.

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. خلافا للنهاية.

ص: 110

وَلَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ. وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ المُعَامَلَةِ. وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ

(ولا يأذن لعبده في التجارة) أما إذن له في تصرف معين فيجوز (ولا) يجوز له أن يتبرع بشيء مطلقا فلا (يتصدق) ولو بشيء من قوته ولا يهب ولا ينفق على نفسه من مالها إلا إن تعذرت مراجعة السيد فيراجع الحاكم إن سهل بخلاف ما إذا شق، ولا يبيع نسيئة ولا بدون ثمن المثل ولا يسلم المبيع قبل قبض ثمنه ولا يسافر بمالها إلا بإذن، نعم له الشراء نسيئة. ولو قال له اتجر بجاهك جاز له البيع والشراء ولو في الذمة بالأجل والرهن والارتهان ثم ما فضل بيده مما ربحه كالذي دفعه له السيد. ولا يتمكن من عزل نفسه ولا من شراء من يعتق على سيده إلا بإذنه ويعتق حيث لا دين وكذا إن كان والسيد موسر كالمرهون ومن له مالكان مثلا تتوقف صحة تصرفه على إذنهما، نعم إن كان بينهما مهايأة كفى إذن صاحب النوبة (ولا يعامل سيده) ولا مأذونا لسيده ببيع أو غيره; لأن تصرفه له بخلاف المكاتب (ولا ينعزل بإباقه) ; لأنه معصية لا توجب الحجر، وله حيث لم يتقيد الإذن بغير ما أبق إليه التصرف فيه. ولو باعه أو أعتقه انعزل (ولا يصير) العبد (مأذونا له) بقول السيد لا أمنعك من التصرف، أو (بسكوت سيده على تصرفه)؛ إذ لا ينسب لساكت قول، نعم إن باع المأذون

(1)

مع ماله لم يشترط تجديد إذن من المشتري إن علم أنه مأذون له (ويقبل إقراره بديون المعاملة)؛ لقدرته على الإنشاء (ومن) لم يعرف رق شخص ولا حريته جازت له معاملته، وإن (عرف رق عبد لم يعامله) بعين ولا دين؛ لأصل عدم الإذن (حتى يعلم الإذن) أي: يظنه (بسماع سيده أو بينة) وإن لم تكن عند حاكم بل يكفي إخبار رجل فاسق اعتقد صدقه (أو شيوع بين الناس) ولا يشترط وصوله لحد الاستفاضة (وفي الشيوع وجه) مردود، ولعامله أن لا يسلم إليه المال حتى يثبت الإذن وإن صدقه فيه كالوكيل (ولا يكفي) في جواز المعاملة (قول العبد) وإن ظننا صدقه؛ لاتهامه، وأما قول العبد: حُجِر عليّ فيكفي وإن أنكر السيد; لأنه العاقد والعقد باطل بزعمه. ولو قال السيد كنتُ أذنت له وأنا باقٍ على الإذن جازت معاملته وإن أنكر العبد، وكقوله ذلك سماع الإذن له

(1)

. ردا هذا كالشهاب الرملي.

ص: 111

فَإِنْ بَاعَ مَأْذُونٌ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهَا عَلَى الْعَبْدِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ فَلَا، وَلَوِ اشْتَرَى سِلْعَةً فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الخِلَافُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا ذِمَّةِ سَيِّدِهِ بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا مِنْ كَسْبِهِ بِالإصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ

منه فلا يفيد إنكار القن مع ذلك بخلاف ادعائه الحجر، ولا تسمع دعوى قن على سيده أنه أذن له في التجارة إذا لم يشتر شيئا فإن اشترى شيئا فطلب البائع ثمنه فأنكر السيد الإذن فله تحليفه فإذا حلف فللقن أن يدعي على سيده مرة أخرى رجاء أن يقر فيسقط الثمن عن ذمته (فإن باع مأذون وقبض الثمن فتلف في يده) أو غيرها (فخرجت السلعة مستحقة رجع المشتري ببدلها) وهو الثمن المذكور أي: مثله في المثلي وقيمته في المتقوم (على العبد) ; لأنه المباشر للعقد فتتعلق به العهدة، وللمستحق مطالبته بهذا كدين التجارة بعد عتقه أيضا ولا يرجع العبد على سيده حينئذٍ (وله مطالبة السيد أيضا) وإن كان بيد العبد وفاء; لأن العقد له (وقيل لا) ; لأنه بالإذن صار كالمستقل (وقيل إن كان في يد العبد وفاء فلا) ومحل الخلاف إن لم يأخذ المال منه وإلا طولب جزما (ولو اشترى) المأذون له (سلعة) شراء فاسدا لم يطالب السيد; لأن الإذن لا يتناول الفاسد فيتعلق بذمته لا بكسبه، أو صحيحا (ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف) والأصح مطالبته؛ لما مر، وطولب ليؤدي مما في يد الرقيق إن كان لا من غيره ككسبه بعد الحجر عليه، لا لتعلقه بذمته، ثم إن أدى السيد -ولو من ماله- برئ القن وإلا فلا، وقد لا يطالب السيد

(1)

بأن أعطاه مالا ليتجر فيه فاشترى في ذمته ثم تلف ذلك المال قبل تسليمه للبائع بل يتخير البائع إن لم يؤده السيد وذلك؛ لانقطاع العلقة هنا بتلف ما دفعه السيد (ولا يتعلق دين التجارة برقبته) ; لأنه وجب برضا مستحقه (ولا ذمة سيده) وإن أعتقه أو باعه; لأنه المباشر للعقد (بل يؤدى من مال التجارة) الحاصل قبل الحجر ربحا ورأس مال؛ لاقتضاء العرف والإذن ذلك (وكذا من كسبه) الحاصل قبل الحجر عليه لا بعده (بالاصطياد ونحوه في الأصح)؛ لاقتضاء العرف والإذن ذلك، ثم ما بقي بعد الأداء في ذمة الرقيق يؤخذ منه بعد عتقه كما مر (ولا يملك العبد) بأنواعه ما عدا المكاتب، ولو (بتمليك سيده) أو غيره (في الأظهر)؛ لقوله تعالى {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} النحل:75.

(1)

. وكأن الشيخ ابن حجر يميل أن محله إذا أريد بالمطالبة إلزام السيد بما يطالب به، بخلاف العرض عليه لاحتمال أن يؤدي عن العبد فلا مانع منه.

ص: 112

‌كتاب السلم

هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا تَسْلِيمُ رَأْسِ المَالِ فِي المَجْلِسِ فَلَوْ أُطْلِقَ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي المَجْلِسِ جَازَ. وَلَوْ أَحَالَ بِهِ وَقَبَضَهُ المُحَالُ فِي المَجْلِسِ فَلَا

كتاب السَّلم

وأصله آية الدين، وخبر ((من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) (هو بيع) شيء (موصوف في الذمة) بلفظ السلف أو السلم

(1)

، أما بلفظ البيع فهو بيع وإن أُعطي حكم السلم في منع الاستبدال عنه، ويعلم من كونه بيعا امتناع إسلام الكافر في نحو مسلم.

(يشترط له مع شروط البيع) لغير الربوي ما عدا الرؤية (أمور) سبعة:

(أحدها تسليم) بل يكفي استبداد المسلم إليه بالقبض (رأس المال) الذي هو بمنزلة الثمن في البيع (في المجلس

(2)

الذي وقع به العقد قبل التفرق منه وإن قبض فيه المسلم فيه ولو بعد التخاير

(3)

نظير ما مر في الربا، ومن ثم امتنع التأجيل في رأس المال واشترط حلوله

(4)

فإن فارقه أحدهما بطل فيما لم يقبض؛ لأنه عقد غرر فلا يضم إليه غرر التأخير وثبت الخيار فيما إذا قبض البعض فقط؛ لتفريق الصفقة (فلو أطلق) رأس المال عن التعيين في العقد كأسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا (ثم عين وسلم في المجلس جاز) -أي حل وصح-; لأن لمجلس العقد حكمه إذ هو حريمه. ويشترط في رأس المال الذي في الذمة بيان وصفه وعدده ما لم يكن من نقد البلد الغالب فلا يحتاج لبيان غير عدده. (ولو أحال) المسلم (به) المسلم إليه على ثالث له عليه دين فالحوالة باطلة (و) حينئذ إذا (قبضه المحال) وهو المسلم إليه (في المجلس

(5)

فلا) يحل ولا يصح؛ لأن

(1)

. فقط، نعم عند إطلاق السلف يحمل على القرض؛ لأنه المتبادر منه ما يأتي في فصله.

(2)

. وبتسليمه يستقر ملك المسلم إليه عليه حتى أن الزكاة تجب عليه 3/ 334.

(3)

. خلافا لهما.

(4)

. هذا الشرط الرابع.

(5)

. أما لو لم يقبضه فلا يجوز من باب أولى.

ص: 115

وَلَوْ قَبَضَهُ وَأَودَعَهُ المُسْلِمَ جَازَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً، وَيُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ. وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ وَرَأْسُ المَالِ بَاقٍ اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إنْ عَيَّنَ فِي المَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ، وَرُؤْيَةُ رَأْسِ المَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ

المحال عليه يؤديه عن جهة نفسه لا عن جهة المسلم، ومن ثم لو قبضه المحيل من المحال عليه أو من المحتال بعد قبضه بإذنه وسلمه له في المجلس صح بخلاف ما لو أمره المسلم بالتسليم للمسلم إليه; لأن الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره لكن المسلم إليه حينئذ وكيل للمسلم في القبض فيأخذه منه ثم يرده إليه كما تقرر، نعم لو أسلم وديعة للوديع جاز من غير إقباض; لأنها كانت ملكا له قبل السلم بخلاف ما ذكر. ولو حصل العكس بأن أحال المسلم إليه ثالثا برأس المال على المسلم فالحوالة باطلة أيضا، ثم إن تفرقا قبل القبض بطل، أو بعده وقد أذن المسلم إليه للمسلم في التسليم للمحتال كان وكيلا عنه في القبض فيصح؛ لأن القبض حينئذ وقع عن جهة المسلم (ولو قبضه) المسلم إليه (وأودعه المسلم) وهما في المجلس أو ردّه إليه قرضا أو عن دين (جاز) ; لأن تصرف أحد العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم الملك (ويجوز كونه) أي رأس المال (منفعة) كأسلمت إليك منفعة هذا أو منفعة نفسي سنة أو خدمتي شهرا أو تعليمي سورة كذا في كذا كما يجوز جعلها ثمنا وغيره (وتقبض بقبض العين) الحاضرة ومضي زمن يمكن فيه الوصول للغائبة وتخليتها (في المجلس) ; لأنه الممكن في قبضها فيه، ولا يشترط في رأس المال عدم عزة الوجود (وإذا فسخ السلم ورأس المال باق) لم يتعلق به حق ثالث وإن تعيب، أما إذا تلف فيرجع بمثل المثلي وقيمة المتقوم (استرده بعينه، وقيل للمسلم إليه رد بدله إن عين في المجلس دون العقد) ; لأنه لم يتناوله.

[تنبيه] يأتي هنا جميع ما مر في الثمن بعد الفسخ بنحو رد بعيب أو إقالة أو تحالف

. (ورؤية رأس المال تكفي عن معرفة قدره) جزما في المتقوم الذي انضبطت صفاته بالرؤية، و (في الأظهر) في المثلي كالثمن، نعم لو علماه قبل التفرق صح جزما.

ص: 116

الثَّانِي كَوْنُ المُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْتُ إِلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا وَقِيلَ سَلَمًا. الثَّالِثُ: المَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ اُشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ وَإِلَّا فَلَا

(الثاني كون المسلم فيه دينا

(1)

، فلو قال أسلمت إليك هذا الثوب) أو دينارا في ذمتي (في) سكنى هذه سنة لم يصح بخلافه في منفعة نفسه أو قنه أو دابته

(2)

؛ لأن منفعة العقار لا تثبت في الذمة بخلاف غيره، أو في (هذا العبد) فقبل (فليس بسلم) قطعا؛ لاختلال ركنه وهو الدينية (ولا ينعقد بيعا في الأظهر)؛ لأن الأغلب ترجيح مقتضى اللفظ ولفظ السلم يقتضي الدينية، وإن نوى بلفظ السلم البيع لا يكون كناية عنه؛ لأن موضوعه ينافي التعيين (ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم) أو بدينار في ذمتي (فقال بعتك انعقد بيعا)؛ عملا بمقتضى اللفظ (وقيل سلما)؛ نظرا للمعنى فعلى الأول يجب تعيين رأس المال في المجلس إذا كان في الذمة ليخرج عن بيع الدين بالدين لا قبضه ويثبت فيه خيار الشرط ويجوز الاعتياض عنه

(3)

، وعلى الثاني ينعكس ذلك، ومحل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم وإلا كان سلما اتفاقا؛ لاستواء اللفظ والمعنى حينئذ.

(الثالث) بيان محَل التسليم على تفصيل فيه حاصله (المذهب أنه إذا أسلم) سلما حالا أو مؤجلا وهما (بموضع لا يصلح للتسليم أو) سلما مؤجلا وهما بمحل (يصلح) له (و) لكن (لحمله) أي المسلم فيه (مؤنة) عرفا (اشترط بيان محَل) أي مكان (التسليم) للمسلم فيه؛ لتفاوت الأغراض فيما يراد من الأمكنة في ذلك (وإلا) بأن صلح للتسليم والسلم حال أو مؤجل لا مؤنة لحمل ذلك إليه (فلا) يشترط ما ذكر ويتعين محل العقد للتسليم؛ للعرف فيه فإن عينا غيره تعين، ولو خرج المعين للتسليم عن الصلاحية تعين أقرب محل صالح له ولو أبعد منه بلا أجرة; لأنه من تتمة التسليم الواجب، ولا خيار للمسلم ولا يجاب المسلم إليه لو طلب الفسخ ورد رأس المال ولو لفك رهن وخلاص ضامن.

(1)

. وتقدم في البيع أنه لا يصح بيعه ولا الاعتياض عنه قبله قبضه 4/ 405.

(2)

. وهي حينئذٍ سلم في المنافع ويمتنع تأجيل الأجرة حينئذٍ كما أفاده الشارح في الإجارة 6/ 125.

(3)

. خلافا للشهاب الرملي.

ص: 117

وَيَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا فَإِنْ أَطْلَقَ انْعَقَدَ حَالًّا، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ. وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ، فَإِنْ عَيَّنَ شُهُورَ الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ جَازَ، وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الهِلَالِيِّ، فَإِنِ انْكَسَرَ شَهْرٌ حُسِبَ الْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ،

[تنبيه] المراد هنا بمحل العقد محلته لا خصوص محله

، ولذا لو قال تسلمه لي في بلد كذا وهي غير كبيرة

(1)

كفى إحضاره في أولها وإن بعد عن منزله أو في أي محل شئت منه صح إن لم تتسع (ويصح حالا) إن وجد المسلم فيه حينئذ وإلا تعين المؤجل (ومؤجلا) إجماعا فيه وقياسا أولويا في الحال; لأنه أقل غررا (فإن أطلق انعقد حالا) كالثمن في البيع (وقيل لا ينعقد، ويشترط العلم بالأجل) للعاقدين أو لعدلين غيرهما أو لعدد التواتر ولو من كفار، ولكون الأجل تابعا لم يضر جهل العاقدين به كما يأتي. أما إذا لم يعلم فلا يصح كإلى الحصاد أو قدوم الحاج أو طلوع الشمس أو الشتاء ولم يريدا وقتها

(2)

المعين وكإلى أول أو آخر رمضان؛ لوقوعه على نصفه الأول أو الآخر كله. أو في يوم كذا أو في رمضان مثلا؛ لأنه كله جعل ظرفا فكأنهما قالا محله جزء من أجزائه وهو مجهول، وإنما قبل السلم التعليق بنحو العيد؛ لأنه وضع لكل من الأول والثاني بعينه (فإن عيَّن شهور العرب أو الفرس أو الروم جاز) ; لأنها معلومة مضبوطة (وإن أطلق) الشهر -وقد عقدا أوَّله- (حمل على الهلالي) وإن اطرد عرفهم بخلافه; لأنه عرف الشرع. (فإن انكسر شهر حسب الباقي بالأهلة وتمم الأول ثلاثين) مما بعدها ولا يُلغي المنكسر؛ لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد، نعم لو عقدا في يوم أو ليلة آخر الشهر اكتفي في الأشهر بعده بالأهلة وإن نقص بعضها، ولا يتم الأول مما بعدها؛ لأنها مضت عربية كوامل، ثم محل الاكتفاء بالأهلة -بعد يوم العقد- إن نقص الشهر الأخير وإلا لم يشترط انسلاخه

(3)

بل يتمم منه المنكسر ثلاثين يوما؛ لتعذر اعتبار الهلال فيه حينئذ

(4)

.

(1)

. أما إن كانت كبيرة كبغداد فلا بد من تعيين محل التسليم فيها.

(2)

. أي وقت جميع ما مر من المذكورات كما يدل عليه كلام الشارح في خيار الشرط.

(3)

. حتى لو كان العقد في وقت الزوال من يوم آخر الشهر حل الدين بوقت الزوال من يوم الثلاثين من الشهر الأخير.

(4)

. وتقدم في كتاب الصيام أنه لو شهدوا يوم الثلاثين بعد الغروب برؤية الهلال الليلة الماضية لم تقبل الشهادة بالنسبة لصلاة العيد بخلافه بالنسبة لأجل عُلِّق به.

ص: 118

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَأْجِيلِهِ بِالْعِيدِ وَجُمَادَى، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ.

فصل

يُشْتَرَطُ كَوْنُ المُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ صَحَّ إنِ اعْتِيدَ نَقْلُهُ لِلْبَيْعِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ فَانْقَطَعَ فِي مَحِلِّهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْأَظْهَرِ، فَيَتَخَيَّرُ المُسْلِمُ بَيْنَ فَسْخِهِ، وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ. وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ المَحِلِّ انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ

(والأصح صحة تأجيله بالعيد وجمادى) وشهر ربيع والنفر (ويحمل على الأول) فيحل بأول جزء منه؛ لتحقق الاسم به، ومن ثم لو وقع العقد أثناء ربيع الأول وقال إلى ربيع حمل على أول الثاني.

[فصل] في بقية الشروط:

الرابع حلول رأس المال كما مر.

الخامس القدرة على تسليمه فـ (يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه) من غير مشقة كبيرة (عند وجوب التسليم) وهو بالعقد في الحال والحلول في المؤجل، فإن أسلم في منقطع عند العقد أو الحلول كرطب في الشتاء لم يصح وكذا لو ظن حصوله عند الوجوب لكن بمشقة عظيمة كقدر كثير من الباكورة

(1)

(فإن كان يوجد ببلد آخر) وإن بعد (صح) السلم فيه (إن اعتيد نقله) إلى محل التسليم (للبيع)؛ للقدرة عليه حينئذ، (وإلا فلا) يصح السلم فيه؛ إذ لا قدرة عليه (ولو أسلم فيما يعم) وجوده (فانقطع) كله أو بعضه لجائحة أفسدته وإن وجد ببلد آخر لكن إن كان يفسد بالنقل أو لا يوجد إلا عند من لا يبيعه

(2)

أو كان ذلك البلد على مسافة القصر من بلد التسليم (في محِلِّه) أي وقت حلوله وكذا بعده وإن كان التأخير لمطله (لم ينفسخ في الأظهر) كما إذا أفلس المشتري بالثمن (فيتخير المسلم بين فسخه) في كله -لا بعضه المنقطع فقط وإن قبض ما عداه وأتلفه فإذا فسخ لزمه بدله ورجع برأس ماله- (والصبر حتى يوجد) فيطالب به، وخياره على التراخي فله الفسخ وإن أجاز وأسقط حقه منه (ولو علم قبل المَحِلِّ انقطاعه عنده فلا خيار له قبله) ولا ينفسخ بنفسه (في الأصح) فيهما؛ لأن وقت

(1)

. وهي أول الفاكهة.

(2)

. بخلاف ما لو كان يبيعه بثمن غال فيجب تحصيله عند الشارح، ولا يجب إلا بثمن مثله عندهما.

ص: 119

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُه مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَيَصِحُّ فِي المَكِيلِ وَزْنًا وَعَكْسُهُ. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي مِائَةِ صَاعٍ حِنْطَةٍ عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذَِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ

وجوب التسليم لم يدخل. أما إذا وجد عند من لا يبيعه إلا بأكثر من ثمن مثله فيلزمه تحصيله بذلك الأكثر

(1)

.

(و) الشرط السادس التقدير فيه بما ينفي الغرر عنه فحينئذ (يشترط كونه) أي المسلم فيه (معلوم القدر كيلا) فيما يكال (أو وزنا

(2)

فيما يوزن (أو عدا) فيما يعد كالحيوان واللَّبِن (أو ذرعا

(3)

فيما يذرع أو عدا وذرعا فيما يعد ويذرع كبُسُط؛ للخبر السابق (ويصح في المكيل وزنا وعكسه) إن عُدَّ الكيل ضابطا فيه كجوز وما جرمه كجرمه أو أقل. أما ما لا يعد ضابطا فيه لعظم خطره كفتات المسك والعنبر فيتعين وزنه; لأن ليسيره -المختلف بالكيل والوزن- مالية كثيرة بخلاف اللآلئ الصغار؛ لقلة تفاوتها

(4)

، وما علم وزنه بالاستفاضة كالنقد يكفي فيه العد عند العقد لا الاستيفاء بل لا بد من وزنه حينئذ؛ ليتحقق الإيفاء. (ولو أسلم في مائة) ثوب أو (صاع حنطة

(5)

على أن وزنها كذا لم يصح)؛ لعزة الوجود (ويشترط الوزن في البِطيخ والباذَِنجان والقثاء والسفرجل والرمان) ونحوها من كل ما لا يضبطه الكيل لتجافيه فيه لكونه أكبر جرما من الجوز كبيض نحو الدجاج لا نحو الحمام أو لغير ذلك كالبقل وقصب السكر وسائر الفواكه فلا يكفي فيها كيل ولا عد؛ لكثرة تفاوتها ولا عد مع وزن لكل واحدة لعزة وجوده، ومن ثم امتنع في نحو بطيخة أو بيضة واحدة لاحتياجه إلى ذكر حجمها مع وزنها وذلك؛ لعزة وجوده، نعم إن أراد الوزن التقريبي اتجه صحته في الصورتين؛ لانتفاء عزة

(1)

. خلافا لهما فخصوه بثمن المثل.

(2)

. ويكفي الوزن بالماء كما أفاده الشارح في الربا 4/ 278.

(3)

. ويشترط أن يكون بذراع الحديد إن اختلف المسلم فيه ولا يجوز بذراع اليد إلا إن علم بأن عُيّن وعلم قدره كما أفاده الشارح في باب اختلاف المتبايعين 4/ 476.

(4)

. نعم لا يصح السلم في اللؤلؤ الصغار كما رجحه الشارح؛ لأنها لا تطلب الآن إلا للزينة ويتعذر جمعها الصفات المقصودة لذلك بخلاف إن قصدت للتداوي.

(5)

. هناك إيراد على المتن رده الشارح وأقره المغني.

ص: 120

وَيَصِحُّ فِي الجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْوَزْنِ فِي نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ، وَكَذَا كَيْلًا فِي الْأَصَحِّ. وَيُجْمَعُ فِي اللَّبِنِ بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ، وَلَوْ عَيَّنَ كَيْلًا فَسَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ عَظِيمَةٍ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ

الوجود حينئذ، وكذا يقال فيما لو جمع في ثوب بين ذرعه ووزنه بخلاف نحو خشب لإمكان نحت ما زاد ولا ينافيه وجوب ذكر طوله وعرضه وثخنه; لأن الوزن فيه تقريبي.

[تنبيه] يشترط قطع أقماع الباذنجان وكذا أعلى قصب السكر الذي لا حلاوة فيه ويطرح ما عليه من القشور

(ويصح في الجوز) والبن بل يصح في لبه وحده؛ لأنه لا يسرع إليه الفساد بنزع قشرته

(1)

(واللوز) والفستق والبندق في قشرها الأسفل لا الأعلى إلا قبل انعقاده (بالوزن في نوع يقل) أو يكثر (اختلافه) بغلظ القشر ورقته؛ لسهولة الأمر فيه (وكذا كيلا في الأصح)؛ لذلك لا عدَّا؛ لعدم انضباطه فيه (ويجمع في اللَّبِن) وهو الطوب غير المحرق (بين العد والوزن) ندبا كألف لبنة وزن كلٍّ كذا; لأنه يضرب اختيارا فلا عزة فيه ووزنه تقريب، والواجب فيه العد بشرط ذكر طول كل وعرضها وثخنها وأنه من طين كذا. وشرطه أن لا يعجن بنجس كما علم مما مر في البيع ويصح السلم في آجر كمل نضجه، ويشترط فيه ما شرط في اللبن، (ولو عين مكيالا) أو ميزانا أو ذراعا (فسد إن لم يكن معتادا) كأن شرط بذراع يده -أي المجهول قدره-; لأنه قد يتلف قبل قبض ما في الذمة (وإلا فلا في الأصح) ولغا ذلك الشرط؛ لعدم الغرض فيه فيقوم غيره مقامه، فإن شرط عدم إبداله بطل العقد، ولو اختلفت المكاييل والموازين والذرعان اشترط بيان نوع منها إلا أن يغلب نوع أو يعتاد كيل مخصوص في حب مخصوص ببلد السلم فيحمل عليه عند الإطلاق، ولا بد من علم العاقدين وعدلين معها بذلك. (ولو أسلم

(2)

في) قدر معين من (ثمر قرية صغيرة لم يصح)؛ لاحتمال تلفه (أو عظيمة صح في الأصح) ; لأن ثمرها لا ينقطع غالبا فالمدار على كثرة ثمرها بحيث يؤمن انقطاعه عادة وقلته بحيث لا يؤمن كذلك لا على كبرها وصغرها، أما السلم في كله فلا يصح.

(1)

. ولا يصح في القطن في صوانه ولو بعد تفتحه؛ لعدم انضباطه كما أشار إليه الشارح في البيع 4/ 269.

(2)

. هناك إيراد على المتن رده الشارح وأقره المغني.

ص: 121

وَمَعْرِفَةُ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا، وَذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، فَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالمُخْتَلِطِ المَقْصُودِ الْأَرْكَانِ كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ

(و) الشرط السابع (معرفة) ولو بوجه كمعرفة الأعمى

(1)

(الأوصاف) المتعلقة بالمسلم فيه للعاقدين مع عدلين كما يأتي، فخرج قولهما مثل هذا فلا يصح بخلاف ما لو أسلم إليه في ثوب مثلا ووصفه ثم قال أسلمت إليك في ثوب آخر بتلك الصفة فإنه يجوز إن كانا ذاكرين لتلك الصفات والفرق أن الأول فيه إشارة إلى العين وهي لا تعتمد الوصف (التي) ينضبط بها المسلم فيه و (يختلف بها الغرض اختلافا ظاهرا) وليس الأصل عدمها؛ إذ لا يخرج عن الجهل به إلا بذلك بخلاف ما يتسامح بإهماله كالكحل والسمن وما الأصل عدمه ككتابة القن، ويصح شرط كونه زانيا أو سارقا مثلا لا كونه مغنيا أو عوادا أو قوادا مثلا والفرق أن هذه مع خطرها تستدعي طبعا قابلا وصناعة دقيقة فيعز وجودها مع الصفات المعتبرة بخلاف الأول (وذكرها في العقد)؛ ليتميز المعقود عليه حينئذ فلا يكفي ذكرها بعده

(2)

ولو في مجلسه (على وجه لا يؤدي إلى عزة الوجود) أي قلته; لأن السلم غرر فامتنع فيما لا يوثق بتسليمه. (فلا يصح فيما لا ينضبط مقصوده كالمختلط المقصود الأركان) الذي لا ينضبط (كهريسة

(3)

وكشك

(4)

ومخيض

(5)

؛ لعدم انضباط حموضته، وفرقوا بينه وبين خل نحو التمر بأن ذاك لا غنى له عنه فإن قوامه به بخلاف هذا إذ لا مصلحة له فيه (ومعجون) مركب من جزأين أو أكثر (وغالية) وهي مركبة من دهن معروف مع مسك وعنبر أو عود وكافور (وخف) ونعل مركبين من بطانة وظهارة وحشو؛ لأن العبارة لا تفي بذكر انعطافاتها

(1)

. وتقدم في البيع أنه صحة سلم الأعمى إن لم يكن رأس المال معينا ابتداء، وحينئذ يوكل من يقبض عنه أو له وإلا لم يصح.

(2)

. وقال النهاية فلا يكفي ذكرها فيه ولا بعده.

(3)

. هي حب يدق ثم يطبخ.

(4)

. ما يعمل من الحنطة وربما من الشعير.

(5)

. هو لبن استخرج زبده.

ص: 122

وَتِرْيَاقٍ مَخْلُوطٍ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ فِي المُخْتَلِطِ المُنْضَبِطِ كَعَتَّابِيٍّ وَخَزٍّ وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ وَشَُهْدٍ وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، لَا الخُبْزِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَلَا يَصِحُّ فِيمَا نَدَرَ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ، وَلَا فِيمَا لَوِ اسْتُقْصِيَ وَصْفُهُ عَزَّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ

وأقدارها ومن ثم صح في خف أو نعل مفردٍ إن كان جديدا من غير جلد كثوب مخيط جديد لا ملبوس (وتَِرياق

(1)

مخلوط) بخلاف النبات أو الحجر

(والأصح صحته في المختلط) بالصنعة (المنضبط) عند أهل تلك الصنعة المقصود الأركان (كعتابي) من قطن وحرير (وخز) من إبريسم

(2)

ووبر أو صوف بشرط علم أو ظنّ العاقدين بوزن كل من أجزائه (و) في المختلط خلقة أو المختلط بغير مقصود لكنه من مصلحته فمن الثاني

(3)

نحو (جبن وأقط) وما فيهما من الملح والأنفحة من مصالحهما، والمراد بالجبن الجديد منه

(4)

؛ لأن قديمه سريع التغير ولا ينضبط بخلاف عتيق نحو التمر (و) من الأول

(5)

نحو (شَُهد) وهو عسل النحل بشمعه خِلقة (و) من الثاني أيضا نحو (خل تمر أو زبيب) ولا يضر الماء; لأنه من مصلحته (لا الخبز في الأصح عند الأكثرين)؛ لاختلاف تأثير النار فيه. (ولا يصح فيما ندر وجوده كلحم الصيد بموضع العزة) ولو بأن لم يعتد نقله إليه للبيع؛ إذ لا وثوق بتسليمه حينئذ (ولا) يصح أيضا (فيما لو استقصي وصفه) الذي لا بد منه لصحة السلم فيه (عز وجوده)؛ لما ذكر (كاللؤلؤ الكِبار) أو الصغار

(6)

(واليواقيت)؛ إذ لابد فيهما من ذكر الشكل والحجم والصفاء مع الوزن واجتماع ذلك نادرٌ.

(1)

. هو ما كان مختلطا من لحوم الأفاعي يطرح منها رأسها وأذنابها ويستعمل وسطها في الترياق، وهو بهذا المعني نجس فيحمل كلامهم على ترياق طاهر.

(2)

. هو الذي حل من على الدودة بعد موتها فيه.

(3)

. أي المختلط بغير المقصود لكنه من مصلحته.

(4)

. خلافا لهما فاعتمدا تساوي عتيق التمر والجبن، وحملا نص الشافعي على عدم الجواز فيه على الجبن المتغير ورد ذلك الشيخ ابن حجر.

(5)

. أي المختلط خلقة.

(6)

. خلافا للمغني.

ص: 123

وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا.

فرع

يَصِحُّ فِي الحَيَوَانِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ وَلَوْنِهِ كَأَبْيَضَ، وَيَصِفُ بَيَاضَهُ بِسُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ، وَذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ، وَسِنِّهِ وَقَدِّهِ طُولًا وَقِصَرًا، وَكُلُّهُ عَلَى التَّقْرِيبِ،

(وجارية) وبهيمة كإوزة أو دجاجة (وأختها أو ولدها) مثلا؛ لندرة اجتماعهما مع الصفات المشترطة. ويصح في البلور

(1)

لا العقيق؛ لاختلاف أحجاره.

فرع

(يصح في الحيوان) غير الحامل

(2)

؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم ((أمر عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يأخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل)) (ويشترط في الرقيق ذكر نوعه كتركي) أو حبشي وصنفه المختلف كرومي أو خطائي

(3)

(و لونه) أي النوع

(4)

إن اختلف (كأبيض) وأسود (ويصف بياضه بسمرة أو شقرة) وسواده بصفاء أو كدرة، أما إذا لم يختلف لون النوع أو الصنف كالزنج فلا يجب ذكره (و) ذكر (ذكورته وأنوثته) وثيابته وبكارته (وسنه) نحو ابن ستٍّ أو محتلم وحينئذٍ يعتبر احتلامه بالفعل إن تقدم على الخمسة عشر وإلا فهي

(5)

-وإن لم ير منيا- فلا يقبل

(6)

ما زاد عليها؛ لأن الصغر مقصود في الرقيق ولا ما نقص عنها ولم يحتلم; لأنه لم يوجد وصف الاحتلام الذي نص عليه (وقده) أي قامته (طولا وقصرا) وربعة (وكله) أي ما ذكر مما يختلف كالوصف والسن والقد بخلاف نحو الذكورة (على التقريب) فلو شرط كونه ابن سبع مثلا تحديدا لم يصح؛ لندرته ويقبل قول القن العدل في احتلامه وكذا سنه إن بلغ وإلا فقول سيده العدل أيضا إن علمه وإلا فقول بائعي الرقيق بظنهم بل يكفي عدل منهم.

(1)

. هو جوهر أبيض شفاف واحدته بلورة، الصحاح.

(2)

. وفاقا للمغني وأسقط هذا القيد في النهاية.

(3)

. نسبة إلى خطاء، وهو والرومي صنفان من التركي.

(4)

. أما قضية شرح المنهج فهي أن الضمير في لونه يعود على ذلك الرقيق.

(5)

. أي اعتبر الخمسة عشر، أما النهاية فالمعتبر فيها تسع سنين.

(6)

. صريح في إطلاق محتلم في العقد وأن التفصيل إنما هو فيما يجب قبوله وهذا لا يتأتي في كلام الرملي.

ص: 124

وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْكَحَلِ وَالسِّمَنِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالحَمِيرِ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَالسِّنُّ وَاللَّوْنُ وَالنَّوْعُ. وَفِي الطَّيْرِ النَّوْعُ وَالصِّغَرُ وَكِبَرُ الجُثَّةِ. وَفِي اللَّحْمِ لَحْمُ بَقَرٍ، أَوْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ذَكَرٍ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ أَوْ ضِدِّهَا مِنْ فَخِذٍ أَوْ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ، وَيُقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ

(ولا يشترط ذكر الكَحَل) وهو سواد يعلو جفن العين (والسّمن ونحوهما) كدعج وهو شدة سواد العين مع سعتها وتكلثم وجه وهو استدارته ورقة خصر وملاحة (في الأصح)؛ لتسامح الناس بإهمالها (وفي) الماشية كالبقر و (الغنم والإبل والخيل والبغال والحمير الذكورة) ولا يجب التعرض هنا لكونه فحلا أو خصيا وعليه فلا يلزمه قبول الخصي; لأن الخصاء عيب كما مر (والأنوثة والسن واللون) إلا الأبلق

(1)

إذ لا يجوز السلم فيه؛ لعدم انضباطه (والنوع) والصنف إن اختلف كبخاتي أو عراب في الإبل وكعربي أو تركي في الخيل وكمصري أو رومي في البقية، ويجوز أن يقال بدل النوع من نعمِ أو ماشيةِ نحو طي مما العادة كثرتهم، ولا يجب هنا ذكر القدّ

(2)

ولا وصف اللون لكن يسن في نحو خيل ذكر غرة وتحجيل (وفي الطير) والسمك ولحمهما (النوع والصغر وكبر الجثة) أي أحدهما، ويذكر أيضا لون طير لم يُرَد للأكل وكذا سنه إن عرف وذكورته وأنوثته إن أمكن التمييز وتعلق به غرض وكون السمك نهريا أو بحريا طريا أو مالحا (وفي) غير لحم الطير والصيد من (اللحم لحم بقر) عراب أو جواميس (أو ضأن أو معز ذكر خصي رضيع) هزيل لكن غير أعجف; لأن العجف عيب (معلوف أو ضدها) أي المذكورات، والرضيع والفطيم في الصغير وأما الكبير فمنه الجذع والثني ونحوهما فيذكر أحد ذلك، نعم لا يجب ذكر هذه الأوصاف في لحم صيد بل يعين فقط ما صيد به، ولو كان ببلد لا يختلف بها مثلا الراعي والمعلوف لم يشترط ذكر أحدهما (من فخذ أو كتف أو جنب) أو غيرها (ويقبل) وجوبا (عظمه على العادة) عند الإطلاق كنوى التمر. ويجوز شرط نزعه وحينئذ لا يجب قبوله لا شرط نزع نوى التمر

(3)

؛

(1)

. والمراد به هنا ما اشتمل على لونين فلا يصح عند الشارح وفاقا للمغني، وخلافا للنهاية إن أسلم في بلد يكثر وجودها فيه.

(2)

. وفاقا للمنهج والمغني وخلافا للنهاية.

(3)

. خلافا للمغني.

ص: 125

وَفِي الثِّيَابِ الجِنْسُ وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْغِلَظُ وَالدِّقَّةُ وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ وَالنُّعُومَةُ وَالخُشُونَةُ، وَمُطْلَقُهُ يُحْمَلُ عَلَى الخَامِ، وَيَجُوزُ فِي المَقْصُورِ، وَمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النَّسْجِ كَالْبُرُودِ، وَالْأَقْيَسُ صِحَّتُهُ فِي المَصْبُوغِ بَعْدَهُ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ مَنْعُهُ وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَفِي التَّمْرِ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ وَبَلَدُهُ، وَصِغَرُ الحَبَّاتِ أَوْ كِبَرُهَا وَعِتْقُهُ وَحَدَاثَتُهُ، وَالحِنْطَةُ وَسَائِرُ الحُبُوبِ كَالتَّمْرِ

لأن نزع نواه يعرضه للإفساد. ويجب قبول جلد يؤكل عادة مع اللحم لا رأس ورجل من طير، وذنب أو رأس من سمك إن لم يكن على الأخيرين لحم (وفي الثياب الجنس) كقطن أو كتان والنوع وبلد نسجه إن اختلف به غرض، وقد يغني ذكر النوع عن غيره (والطول والعرض و) في غزله (الغلظ والدقة، و) في صفة نسجه (الصفاقة) وهي انضمام بعض الخيوط إلى بعض (والرقة) ضدها (والنعومة والخشونة) وكذا اللون

(1)

في نحو حرير ووبر وقطن وإطلاقهم محمول على ما لا يختلف من كتان أو قطن (ومطلقه) عن ذكر قصر

(2)

وعدمه (يحمل على الخام) ; لأنه الأصل دون المقصور، نعم يجب قبول المقصور إن لم يختلف الغرض. (ويجوز في المقصور)؛ لانضباطه لا الملبوس وإن لم يغسل؛ لعدم انضباطه بخلاف جديد وإن غسل ولو قميصا وسراويل إن أحاط بهما الوصف وإلا فلا (و) يجوز السلم في الكتان لكن بعد دقه لا قبله وفيـ (ما صبغ غزله قبل النسج كالبرود) إذا بُيِّن الصبغ ونوعه وزمنه ولونه وبلده (والأقيس صحته في) الثوب (المصبوغ بعده) أي النسج كالغزل المصبوغ (قلت الأصح منعه، وبه قطع الجمهور، والله أعلم) ; لأن الصبغ بعده يسد الفرج فلا يظهر فيه نحو صفاقة أو رقة (وفي التمر) والزبيب (لونه ونوعه) كمعقلي أو برني (وبلده وصغر الحبات أو كبرها وعتقه وحداثته) وكون جفافه على النخل أو على الأرض لا مدة جفافه إلا في بلد يختلف بها، ولا يصح في التمر المكنوز بالقواصر؛ لتعذر استيفاء صفاته المشترطة حينئذ وظاهر أنه لو لم يتعرض لكنزه فيها جاز قبول ما فيها، ويذكر في الرُّطب والعنب غير الأخيرين (والحنطة وسائر الحبوب كالتمر) فيما ذكر فيه حتى مدة الجفاف بتفصيلها، نعم لا يصح في أرز في قشرته؛ إذ لا يعرف حينئذ لونه وصغر حبه وكبرها؛ لاختلاف قشره خفة ورزانة، وإنما صح

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. هو تبييض الثياب.

ص: 126

وَفِي الْعَسَلِ جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ، صَيْفِيٌّ أَوْ خَرِيفِيٌّ، أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتْقُ وَالحَدَاثَةُ. وَلَا يَصِحُّ فِي المَطْبُوخِ وَالمَشْوِيِّ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ الشَّمْسِ. وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهُ فِي رُؤُوسِ الحَيَوَانِ، وَلَا يَصِحُّ فِي مُخْتَلِفٍ كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ وَجِلْدٍ وَكُوزٍ وَطَسٍّ وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ وَطِنْجِيرٍ وَنَحْوِهَا

بيعه فيه; لأنه يعتمد المشاهدة والسلم يعتمد الصفات (وفي العسل) أي عسل النحل (جبلي أو بلدي) وناحيته ومرعاه؛ لتكيفه بما رعاه من داء -كنور الفاكهة- أو دواء كالكمون (صيفي أو خريفي) ; لأن الخريفي أجود (أبيض أو أصفر) قوي أو رقيق ويقبل ما رق لحَرٍّ لا لعيب (ولا يشترط) فيه (العتق والحداثة)؛ لعدم تغيّره (ولا يصح في) كل ما تأثير النار فيه غير منضبط كالخبز، و (المطبوخ والمشوي)؛ لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه، ومن ثم لو انضبطت ناره أو لطفت صحّ

(1)

كسكر وفانيد

(2)

وقند

(3)

ودبس

(4)

ما لم يخالطه ماء، ولبأ وصابون؛ لانضباط ناره وقصد أجزائه مع انضباطها وجص ونورة وزجاج وماء ورد وفحم وآجر وأواني خزف انضبطت (ولا يضر تأثير الشمس) أو النار في تمييز نحو عسل أو سمن؛ لعدم اختلافه (والأظهر منعه) أي السلم (في رؤوس الحيوان) والأكارع؛ لاشتمالها على أجناس مقصودة لا تنضبط ولأن غالبها غير مقصود وهو العظم (ولا يصح) السلم (في مختلف) أجزاؤه (كبرمة

(5)

من نحو حجر (معمولة) أي محفورة بالآلة، واحترز بها عن المصبوبة في قالب وهذا قيد أيضا فيما بعد ما عدا الجلد كما يأتي (وجلد وكوز وطَِس

(6)

وقمقم

(7)

ومَنارة

(8)

وطَِنجير

(9)

ونحوها)؛ لعدم انضباطها باختلاف أجزائها، ومن ثم صح

(1)

. وفاقا للمغني.

(2)

. هو نوع من العسل.

(3)

. السكر الخام.

(4)

. عسل التمر.

(5)

. هي القدر.

(6)

. هو الطست من آنية الصفر معروف، الصحاح.

(7)

. هو وعاء صفر له عروتان يستصحبه المسافر.

(8)

. هي التي يوضع عليها السراج.

(9)

. هو القدر الصغير.

ص: 127

وَيَصِحُّ فِي الْأَسْطَالِ المُرَبَّعَةِ وَفِيمَا صُبَّ فِي قَالِبٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الجَيِّدِ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ.

فصل

لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَبْدَلَ عَنْ المُسْلَمِ فِيهِ غَيْرُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ،

في قطع أو قصاصة جلد دبغ واستوت جوانبه وزنا (ويصح في الأسطال المربعة) مثلا والمدورة وإن لم تصب في قالَب؛ لعدم اختلافها بخلاف الضيقة الرءوس ومحله إن اتحد معدنها لا إن خالطه غيره (وفيما صب منها) -أي المذكورات ما عدا الجلد- أي من أصلها المذاب (في قالَب)؛ لانضباطها. ويصح إسلام غير النقدين فيهما لا أحدهما في الآخر

(1)

-كمطعوم في مثله ولو غير جنسه- ولو حالا; لأن وضع السلم على التأخير، ويصح أيضاً في دقيق ودهن وبقل وشعر وصوف وقطن وورق ومعدن وعطر وأدوية وبهار وسائر ما ينضبط. (ولا يشترط ذكر الجودة والرداءة) فيما يسلم فيه (في الأصح، ويحمل مطلقه) منهما (على الجيد)؛ للعرف، ويصح شرط أحدهما إلا رديء العيب؛ لعدم انضباطه ومن ثم لو أسلم في معيب بعيب مضبوط صح، ويظهر هنا وجوب قبول السليم ما لم يختلف به الغرض وإلا شرط الأجودية; لأن أقصاها غير معلوم، ويقبل في الجودة أقل درجاتها وفي الرداءة والأردئية ما حضر; لأن طلب غيره عناد. (ويشترط معرفة العاقدين الصفات) المشترطة (وكذا غيرهما) أي عدلان آخران يشترط معرفتهما لها (في الأصح)؛ ليرجع إليهما عند التنازع، والمراد أن يوجد غالبا بمحل التسليم ممن يعرفها عدلان أو أكثر ومن لازم معرفة من ذكر لها ذكرها في العقد بلغة يعرفها العاقدان وعدلان.

(فصل) في بيان أخذ غير المسلم فيه عنه ووقت أدائه ومكانه

(لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه) ومثله المبيع في الذمة (غيرُ جنسه) كبر عن شعير (ونوعه) كبرني عن معقلي وتركي عن هندي وتمر عن رطب ومسقي بمطر عن مسقي بعين، وكذا مسقي بماء السماء عن مسقي بماء الوادي لكن أن عُلم اختلاف ما ينبت منهما اختلافا ظاهرا ويأتي هذا الشرط في اختلاف المكانين، وإنما لم يصح; لأنه بيع للمبيع قبل قبضه، والحيلة فيه أن يفسخا السلم بأن يتقايلا فيه ثم يعتاض عن رأس المال. ومن الاعتياض الممتنع

(1)

. أي حيث لم ينويا به الصرف وفاقا للمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية.

ص: 128

وَقِيلَ يَجُوزُ فِي نَوْعِهِ وَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ، وَيَجُوزُ أَرْدَأُ مِنْ المَشْرُوطِ وَلَا يَجِبُ، وَيَجُوزُ أَجْوَدُ وَ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَامْتَنَعَ المُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ لَمْ يُجْبَرْ،

ما لو أسلم لآخر ثوبا في دراهم فأسلم الآخر إليه ثوبا في دراهم واستويا صفة وحلولا فلا يقع تقاص (وقيل يجوز في نوعه) كما لو اتحد النوع واختلفت الصفة ويرد بقرب الاتحاد هنا (و) على الجواز (لا يجب) القبول؛ لاختلاف الغرض (ويجوز أردأ من المشروط) أي دفعه بتراضيهما; لأن فيه مسامحة بصفة (ولا يجب) قبوله وإن كان أجود من وجه; لأنه دون حقه (ويجوز أجود) منه من كل وجه؛ لعموم خبر ((خياركم أحسنكم قضاء)) (ويجب قبوله) إن لم يجد المسلم فيه غيره (في الأصح) ; لأن زيادته غير متميزة، نعم إن أضره قبوله ككونه زوجه أو بعضه لم يلزمه كما لو تميزت الزيادة كأحد عشر عن عشرة، أما نحو عمه وأخيه فإن

(1)

كان هناك حاكم يرى عتقه عليه بمجرد دخوله في ملكه لم يلزمه قبوله، ولا يلزم قبول من شهد أو أقر بحريته، ولو قبض بعضه جاهلا فسد القبض ولم يعتق عليه

(2)

؛ لأنه بمنزلة المعيب. ويجب تسليم نحو البر نقيا من تبن ونحوه، فإن كان فيه قليل من ذلك وقد أسلم كيلا جاز أو وزنا فلا، وما أسلم فيه كيلا لا يجوز قبضه وزنا وعكسه; لأنه يشبه الاستبدال الممنوع. ويجب تسليم التمر جافا ما لم يتناه جفافه; لأن ذلك عيب فيه. ويقبل قول المسلم في لحم هو ميتة؛ استصحابا لأصل الحرمة في الحياة حتى يتيقن الحل بالذكاة الشرعية

(3)

. (ولو أحضره) أي أحضر المسلم إليه أو وارثه أو أجنبي عن ميت المسلم فيه ومثله فيما يأتي جميعه كل دين مؤجل (قبل محِلّّه) أي وقت حلوله (فامتنع المسلم من قبوله لغرض صحيح بأن) بمعنى كأن (كان حيوانا) يحتاج لمؤنة قبل المحل لها وقع -أي عرفا- أو غيره واحتاج لها في كراء محله أو حفظه أو كان يترقب زيادة سعره عند المحل (أو وقت) إ (غارة) وإن وقع العقد وقتها، أو كان يريد أكله عند محله طريا (لم يجبر) على قبوله وإن كان للمؤدي غرض؛ للضرر.

(1)

. ظاهره التفصيل وأطلقا منع وجوب القبول.

(2)

. خلافا للنهاية.

(3)

. نعم قياس ما يأتي في الكتابة أن محله ما لم يقل ذكيته، وإلا صدق؛ لتصريحهم بقبول خبر الفاسق والكافر عن فعل نفسه كقوله ذبحت هذه الشاة 10/ 403.

ص: 129

وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ كَفَكِّ رَهْنٍ أُجْبِرَ، وَكَذَا لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ وَجَدَ المُسْلِمُ المُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ المَحِلِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ،

(وإلا) يكن له غرض صحيح في الامتناع (فإن كان للمؤدي غرض صحيح كفك رهن) أو براءة ضامن أو خوف انقطاع الجنس عند الحلول (أجبر

(1)

; لأن امتناعه حينئذ تعنت (وكذا) يجبر إن أتى إليه به (لمجرد غرض البراءة في الأظهر) أوْ لا لغرض أصلا؛ لتعنته، ولو تعارض غرضاهما قدم غرض المؤدَّى إليه، ولو أصر على الامتناع بعد الإجبار أخذه الحاكم أمانة عنده له وبرئ المدين، ولو أحضر المسلم فيه الحال في مكان التسليم لغرض غير البراءة أجبر المسلم على قبوله أو لغرضها أجبر عليه أو على الإبراء؛ لأن امتناعه وقد وجد زمان التسليم ومكانه عناد بخلاف المؤجل والحال المحضر في غير محل التسليم. ولا فرق هنا بين زمن الخوف وغيره (ولو وجد المسلم المسلم إليه بعد المحِل في غير محَل التسليم) أي مكانه المعين بالشرط أو العقد عليه فله الدعوى عليه بالمسلم فيه وإلزامه بالسفر معه لمحل التسليم أو يوكل ولا يُحْبَس؛ لأنه لو امتنع (لم يلزمه الأداء إن كان لنقله) من محل التسليم إلى محل الظفر (مؤنة) ولم يتحملها المسلم

(2)

؛ لتضرر المسلم إليه بذلك بخلاف ما لا مؤنة لنقله كيسير نقد وما له مؤنة وتحملها المسلم؛ إذ لا ضرر حينئذ، ولا نظر لكونه في ذلك المحل أغلى منه بمحل التسليم

(3)

(ولا يطالبه بقيمته للحيلولة

(4)

على الصحيح)؛ لمنع الاستبدال عن المسلم فيه، نعم له الفسخ

(5)

وأخذ رأس ماله وإلا فبدله كما لو انقطع.

(1)

. ذكر الشارح في قبض المبيع ما حاصله أنه يحصل القبض لو وضعه بين يدي المسلم بحيث تناله يده منه من غير حاجة لانتقال أو قيام وعلم به ولم يكن ثمة مانع منه ولم يعد المسلم إليه مستوليا عليه 4/ 393.

(2)

. بخلاف ما إذا تحملها، ولو أعطاه المسلم وعاء ليأتي المسلم إليه بالمسلم فيه ضمنه لأنه استعمله في ملك نفسه ذكره الشارح في باب حكم المبيع قبل قبضه 4/ 397.

(3)

. أي فيجب الأداء حينئذ وإن كان أغلى خلافا للنهاية كالشهاب الرملي.

(4)

. أما للفيصولة فلا يطالب بها قطعا كما قال علي الشبراملسي.

(5)

. ولو بلا سبب عند الشارح خلافا للنهاية فلا بد من أن يتقايلا عقد السلم.

ص: 130

وَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ هُنَاكَ لَمْ يُجْبَرْ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ المَوْضِعُ مَخُوفًا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجْبَارُهُ

(وإن امتنع) المسلم (من قبوله هناك) أي في غير محل التسليم، وقد أحضر فيه (لم يجبر) عليه (إن كان) له غرض صحيح كأن كان (لنقله مؤنة) إلى محل التسليم ولم يتحملها المسلم إليه (أو كان الموضع) أو الطريق (مخوفا)؛ للضر، فإن رضي بأخذه لم يجب له مؤنة النقل (وإلا فالأصح إجباره) على قبوله; لأنه متعنت نظير ما مر، ولو اتفق كون رأس مال السلم بصفة المسلم فيه فأحضره وجب قبوله.

[تتمة] يجبر الدائن على قبول كل دين حال أو الإبراء عنه حيث لا غرض له

نظير ما مر آنفا، وقد أحضره من هو عليه أو وارثه لا أجنبي عن حي -بخلافه عن ميت لا تركة له؛ لمصلحة براءة ذمته- وسيأتي أن الدين يجب بالطلب أداؤه فورا لكن يمهل المدين لما لا يخل بالفورية في الشفعة ما لم يخف هربه أو تستره فبكفيل أو ملازم.

ص: 131

الْإِقْرَاضُ مَنْدُوبٌ. وَصِيغَتُهُ أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ، أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ

(فصل في القرض)

(الإقراض) الذي هو تمليك الشيء برد بدله (مندوب) إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة))، وهو أفضل من الصدقة ابتداء وهي أفضل منه انتهاء، وقد يجب إن كان المقترض مضطرا أو يحرم إن ظن من آخذه أنه ينفقه في معصية، أو يكره إن ظنه في مكروه. ويحرم الاقتراض والاستدانة على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال وعند الحلول في المؤجل ما لم يعلم المقرض بحاله وعلى من أخفى غناه وأظهر فاقته عند القرض، ومن ثم لو علم المقترض أنه إنما يقرضه لنحو صلاحه وهو باطنا بخلاف ذلك حرم الاقتراض لما تقدم أن من أُعطي شيئا لصفة ظُنّت فيه وخلا عنها باطنا حرم عليه قبولها ولم يملكه.

وأركانه أربعة: عاقدان ومعقود عليه وصيغة -في غير القرض الحكمي- (وصيغته) الصريحة منها (أقرضتك أو أسلفتك

(1)

كذا أو هذا (أو خذه بمثله) أو ببدله

(2)

; لأن ذكر المثل أو البدل فيه نص في مقصود القرض، نعم خذه بكذا كناية هنا كالبيع. ولو قال ملكتك هذا الدرهم بمثله أو بدرهم فهذه صريحة في الصرف و القرض فإن نويا به أحدهما تعين لما تقرر من صلاحيته لهما وإلا كان في بمثله صريح قرض وفي بدرهم صريح بيع؛ عملا بالمتبادر فيهما (أو ملكتكه على أن ترد بدله) فإن حذف قوله على أن تردّ بدله فذلك صريح هبة ولا أثر لنيته البدل حينئذٍ، ومن صريح القرض أيضا خذه وردّ بدله أو أصرفه في حوائجك وردّ بدله، فإن حذف وردّ بدله فكناية قرض أو بيع أو هبة أو عارية

(3)

إلا إن سبقه بنحو أقرضني فتتعين

(1)

. أفاد الشارح في العارية أنه لو شاع لفظ أعرني في القرض كان صريحا فيه.

(2)

. خالف في صراحتهما شرح المنهج.

(3)

. ذكر الأخيرة الشارح في بابها مرجحا لكونها تكون كناية.

ص: 132

وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ

كناية القرض. ولو اختلفا في ذكر البدل صدق الآخذ أو في نيته فإن كان اللفظ المأتي به كناية صدق الدافع في نيته به أو صريحا في التمليك بلا بدل كملكتك صدق الآخذ في نفي ذكر البدل أو نيته، وإنما صُدِّق مُطْعِم مضطرٍّ أنه قَرَضَهُ؛ حملا للناس على هذه المكرمة التي بها إحياء النفوس، ولو اختلفا في أن المأخوذ قرض أو قراض فإن ادعى المالك بعد التلف أنه قرض والعامل أنه قراض حلّف العامل، أما قبل التلف فيصدق المالك ولو أقاما بينتين حينئذٍ قدمت بينة المالك. ولو ادعى المالك القرض والآخذ الوديعة صدق الآخذ

(1)

، وللضيف أخذه ما يعلم رضى المالك به ثم إن ظن الأخذ بالبدل كان قرضا ضمنيا أو بلا بدل توقف الملك على ما ظنه

(2)

، ولو أقر بالقرض وقال لم أقبض لم يقبل

(3)

، نعم له تحليفه أنه أقبضه. ولو استعمل لفظ العارية في القرض فإن كان فيما لا تصح إعارته فهو كناية قرض أو فيما يصح فهو عارية (ويشترط قبوله في الأصح) كالبيع، ومن ثم اشترط فيه شروط البيع السابقة في العاقدين والصيغة حتى موافقة القبول للإيجاب فلو قال أقرضتك ألفا فقبل خمسمائة أو بالعكس لم يصح، وتدخل المعاطاة

(4)

هنا كما هو ظاهر. أما القرض الحكمي فلا يشترط فيه صيغة كإطعام جائع وكسوة عار وإنفاق على لقيط ومنه أمر غيره بإعطاء ما له غرض فيه كإعطاء شاعر أو ظالم أو إطعام فقير أو فداء أسير وعَمِّر داري واشتر هذا بثوبك لي

(5)

. ولا بد في جميع ذلك ونحوه من شرط الرجوع

(6)

بخلاف أمر غيره بأداء ما لزمه كدين وما نزّل منزلته كقول الأسير لغيره فادني، ومن الأول أدِّ لمن ادعى علي ما ادعى به -أي قبل ثبوته- وأدِّ زكاتي أي قبل تعلقها بالذمة

(7)

وإلا فهي من جملة الديون، وإذا رجع كان المرجوع به في المقدر والمعين بمثله صورة كالقرض. ولو قال اقبض ديني وهو لك قرضا صح قبضه لا قوله

(1)

. ذكر هذا الشارح آخر القرض.

(2)

. كما ذكره الشارح في آخر كتاب الصداق.

(3)

. خلافا للنهاية.

(4)

. خلافا للمغني.

(5)

. يؤخذ من كونه قرضا أنه يرد مثل الثوب صورة خلافا للنهاية حيث قال ويرجع بقيمته.

(6)

. كما يأتي في الضمان مع تفاريعه.

(7)

. ومنه كما يفيده كلام الشارح في الأضحية ((ضحّ عني)) 9/ 368.

ص: 133

وَفِي المُقْرِضِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ إلَّا الجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ فِي الْأَظْهَرِ،

وهو إلى آخره، نعم له أجرة مثل تقاضيه، أو اقبض وديعتي مثلا وتكون لك قرضا صح وكانت قرضا وحَصِّل لي ألفا قرضا ولك عشرة جعالة فيستحق الجعل إن اقترضها له لا إن أقرضه. وقرض الأعمى واقتراضه كبيعه.

(و) يشترط (في المقرض أهلية التبرع) المطلق -المستلزمة رشده واختياره فيما يقرضه-؛ لأن فيه شائبة تبرع، ومن ثَمَّ امتنع تأجيله؛ إذ التبرع يقتضي تنجيزه ولم يجب التقابض وإن كان ربويا، فلا يصح من محجور عليه وكذا وليه إلا لضرورة بالنسبة لغير القاضي إذ له ذلك مطلقا؛ لكثرة أشغاله، نعم لا بد من يسار المقترض منه وأمانته وعدم الشبهة في ماله إن سلم منها مال المولى والإشهاد عليه وكذا أخذ رهن منه إن رأى القاضي أخذه

(1)

وله أيضا إقراض مال المفلس بتلك الشروط إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة. أما المستقرض فشرطه الرشد والاختيار، وسيعلم صحة قرض السفيه المهمل و السكران (ويجوز إقراض) كل (ما يسلم فيه) أي في نوعه، فلو قال أقرضتك ألفا وقبل وتفرقا ثم أعطاه ألفا جاز إن قرب الفصل عرفاً وإلا فلا. ويجوز قرض كف من نحو دراهم على شرط أن يتبين قدرها بعد ويرد مثلها ولا أثر للجهل بها حالة العقد. ويحل إقراض النقد المغشوش; لأنه مثلي تجوز المعاملة به في الذمة وإن جهل قدر غشه لكن في غير الربا؛ لضيقه، ولو ردّ من نوعه أحسن أو أزيد وجب قبوله وإلا جاز، فإن اختلف النوع كان استبدالا فتجب المماثلة والقبض. ويمنع قرض منفعة محل معين -وهي منفعة العقار- بخلاف التي في الذمة وهي منفعة غير العقار (إلا الجارية التي تحل للمقترض في الأظهر) ولو غير مشتهاة فلا يجوز قرضها له وإن جاز السلم فيها; لأنه قد يطؤها ويردها فتصير في معنى إعارة الجواري للوطء وهو ممتنع. وخرج بتحل محُرَّمَة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة وكذا ملاعنة ونحو مجوسية

(2)

ووثنية لا نحو أخت زوجة؛ لتعلق زوال مانعها باختياره ومثلها مطلقة ثلاثا ورتقاء وقرناء ومقرضة لنحو ممسوح; لأن المحذور

(1)

. ظاهر مراد النهاية أن المراد أنه رأى القاضي أصل الرهن، لا إن رأى الأخذ، خلافا لظاهر عبارة الشارح.

(2)

. علل الشارح ذلك في نواقض الوضوء بقيام المانع من الوطء. 1/ 139.

ص: 134

وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَيَرُدُّ المِثْلَ فِي المِثْلِيِّ، وَفِي المُتَقَوِّمِ المِثْلَ صُورَةً، وَقِيلَ الْقِيمَةَ. وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ

خوف التمتع وهو موجود، ويجوز كون الخنثى مقترضا لجارية؛ لأن اتضاحه بعيد ثم إن اتضح ذكرا بان بطلان القرض; لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر، ولا يجوز أن يكون الخنثى مقرَضا -بفتح الراء-؛ لأنه يعز وجوده، (وما لا يسلم فيه) أي في نوعه (لا يجوز إقراضه في الأصح) ; لأن ما لا ينضبط أو يعز وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله إذ الواجب في المتقوم رد مثله صورة، نعم يجوز قرض الخبز والعجين، ولو خميرا حامضا؛ للحاجة والمسامحة ويرده وزنا أو عددا، وجزء شائع من دار لم يزد على النصف؛ لأن له حينئذ مثلا، لا الروبة

(1)

؛ لاختلاف حموضتها المقصودة، فعلم أن القرض لا بد أن يكون معلوم القدر ولو مآلا. ويجوز إقراض المكيل موزونا وعكسه (ويَردُّ) وجوبا حيث لا استبدال (المثل في المثلي

(2)

ولو نقدا أبطله السلطان؛ لأنه أقرب إلى حقه (وفي المتقوِّم المثل صورة

(3)

؛ لخبر مسلم ((أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا -أي وهو الثني من الإبل- وردَّ رباعيا -أي وهو ما دخل في السنة السابعة- وقال: إن خياركم أحسنكم قضاء))، ومن لازم اعتبار المثل الصوري اعتبار ما فيه من المعاني التي تزيد بها القيمة فيرد ما يجمع تلك كلها حتى لا يفوت عليه شيء ويصدق المقترض فيها بيمينه. والذي يتجه في النقوط

(4)

المعتاد في الأفراح أنه هبة -ولا أثر للعرف فيه لاضطرابه- ما لم يقل خذه مثلا وينوي القرض ويصدق في نية ذلك هو أو وارثه، ومحل الخلاف في النقوط كما يأتي إذا كان صاحب الفرح يعتاد أخذه لنفسه أما إذا اعتيد أنه لنحو الخاتن وأن معطيه إنما قصده فقط فلا رجوع للمعطي على صاحب الفرح جزما (وقيل) يرد (القيمة) يوم القبض وأداء المقرض كأداء المسلم فيه في جميع ما مر فيه صفة وزمنا ومحلا. (و) لكن (لو ظفر) المقرض (به) أي بالمقترض (في غير محل الإقراض وللنقل) من محله إلى محل الظفر (مؤنة) ولم يتحملها المقرض (طالبه بقيمة بلد الإقراض) يوم المطالبة؛ لجواز الاعتياض عنه لا

(1)

. وهي خميرة لبن حامض تلقى على اللبن ليروب.

(2)

. المثلي كما يذكرونه في الغصب هو ما حصره كيل أو وزن وجاز السلم فيه والمتقوم خلافه.

(3)

. ويأتي في الكتابة حكم ما لو ادعى المقرض أن ما رده المقترض إليه حرام.

(4)

. هو ما يجمع من المتاع وغيره في الأفراح لصاحب الفرح.

ص: 135

وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ زِيَادَةٍ، وَلَوْ رَدَّ هَكَذَا بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ. وَلَوْ شَرَطَ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ لَغَا الشَّرْطُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ،

بالمثل؛ للضرر وهي للفيصولة فلو اجتمعا ببلد الإقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل ولا للمقترض طلب استردادها. أما إذا لم تكن له مؤنة أو تحملها المقرض فيطالبه به، نعم النقد الذي يعسر نقله كالذي لنقله مؤنة (ولا يجوز) قرض نقد أو غيره إن اقترن (بشرط رد صحيح عن مكسر أو) رد (زيادة) على القدر المقرض أو رد جيد عن رديء أو غير ذلك من كل شرط جر منفعة للمقرض كرده ببلد آخر أو رهنه بدين آخر فإن فعل فسد العقد؛ لخبر ((كل قرض جر نفعا فهو ربا))، ومن ربا القرضِ القرضُ لمن يستأجر ملكه -أي مثلا- بأكثر من قيمته لأجل القرض إن وقع ذلك شرطا؛ إذ هو حينئذ حرام إجماعا وإلا كره (ولو رد) وقد اقترض لنفسه من ماله (هكذا) أي زائدا قدرا أو صفة (بلا شرط فحسن) ومن ثم ندب ذلك ولم يكره للمقرض الأخذ كقبول هديته ولو في الربوي وكذا كل مدين؛ للخبر السابق وفيه ((إن خياركم أحسنكم قضاء)) ولو عُرِف المستقرض برد الزيادة كره إقراضه إن قصد ذلك

(1)

(ولو شرط مكسرا عن صحيح أو أن يقرضه) شيئا آخر (غيره لغا الشرط) فيهما ولم يجب الوفاء به; لأنه وعد تبرع (والأصح أنه لا يفسد العقد)؛ إذ ليس فيه جر منفعة للمقرض

(2)

(ولو شرط أجلا فهو كشرط مكسر عن صحيح إن لم يكن للمقرض غرض) صحيح أو له والمقترض غير مليء فيلغو لأجل امتناع التفاضل فيه كالربا ويصح العقد؛ لأنه زاد في الإرفاق بجر المنفعة للمقترض، ويسن الوفاء بالتأجيل ونحوه; لأنه وعد خير ولا يتأجل الحال إلا بالوصية، أما لو نذر ذو دينٍ حال أن لا يطالب غريمه فإن كان معسرا لغا؛ لأن انتظاره واجب أو موسرا وفي الصبر عليه فائدة كرجا غلوّ سعرِ بضاعته لزمه؛ لأن القربة ذاتية حينئذٍ أو ليس فيه ذلك لغا إذ لا قربة فيه كذلك

(3)

.

(1)

. صنيع النهاية ظاهر أن في المسألة عند القصد وجهان، وصنيع الشارح يقتضي أن الوجهين مطلقان والترجيح عند القصد.

(2)

. قضيته أن محل عدم الفساد إذا لم يكن للمقرض منفعة خلافا لشرح المنهج من عدم الفرق.

(3)

. أفاده الشارح في باب النذر.

ص: 136

وَإِنْ كَانَ كَزَمَنِ نَهْبٍ فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ. وَيُمْلَكُ الْقَرْضُ بِالْقَبْضِ، وَفِي قَوْلٍ بِالتَّصَرُّفِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي الْأَصَحِّ،

(وإن كان) للمقرض غرض (كزمن نهب) والمقترض مليء

(1)

(فكشرط) رد (صحيح عن مكسر) فيفسد العقد (في الأصح

(2)

؛ لأن فيه جر منفعة للمقرض (وله) أي المقرض (شرط رهن وكفيل) عينا قياسا على ما مر في البيع وإقرار به وحده عند حاكم وإشهاد عليه; لأنه مجرد توثقه فله إذا اختل الشرط الفسخ وإن كان له الرجوع بلا شرط; لأن الحياء والمروءة يمنعانه منه. (ويملك القرض بالقبض) السابق في المبيع (وفي قول بالتصرف) المزيل للملك، وتظهر فائدة الخلاف في النفقة ونحوها وكذا في الإبراء فيصح على الأول؛ لأنه بملكه له انتقل بدله لذمته لا الثاني؛ لبقاء العين بملك المقرض فلم يصح الإبراء منها (وله) بناء على الأول (الرجوع في عينه ما دام باقيا) في ملك المقترض (بحاله) بأن لم يتعلق بها حق لازم (في الأصح) وإن دبره أو زال عن ملكه ثم عاد؛ لأن له طلب بدله عند فواته فعينه أولى، وللمقترض رده عليه قهرا. وخرج بحاله رهنه وكتابته وجنايته إذا تعلقت برقبته فلا يرجع فيه حينئذٍ، نعم لو أجرّه رجع فيه كما لو زاد، ثم إن اتصلت الزيادة أخذه بها وإلا فبدونها أو نقص فإن شاء أخذه مع أرشه أو مثله سليما، ويصدق المقترض أنه قبضه بهذا النقص

(3)

. وإذا رجع فيه مؤجرا فإن شاء صبر لانقضاء المدة ولا أجرة له وإن شاء أخذ بدله

(4)

.

(1)

. أفاد الشارح في السلم أنه لا يلزم المقرض قبول ردّ القرض إلا حيث لا خوف وإن كان العقد قد وقع زمن خوف مع تفاصيل أخرى تأتي هنا 5/ 34.

(2)

. ويلزمه الردة فورا ككل دين حال، نعم يمهل المدين لما لا يخل بالفورية في الشفعة كما ذكره الشارح آخر السم 5/ 35.

(3)

. ذكر الشارح قبيل المتعة أن من طلب اقتراض ألفا وخمسمائة فوزن له ألفا وثمانمائة غلطا ثم ادعى المقترض تلف الثلاثمائة بلا تقصير لتكون يده يد أمانة لزمه منها مئتان وخمسون؛ لأن جملة الزائد أشيع في الباقي 7/ 414.

(4)

. وذكر الشارح في القراض أنه لو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض والعامل أنه قراض حلِّف العامل 6/ 104، وأنه لو قال المالك قراضا والآخذ قرضا صدق الآخذ 6/ 105.

ص: 137

‌كتاب الرهن

لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ المُرْتَهَنِ بِهِ أَوْ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ صَحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ المُرْتَهِنَ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ نَفَعَ المُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَكَذَا الرَّهْنُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ فَسَدَ الْعَقْدُ

(كتاب الرهن)

هو لغة الثبوت، وشرعا جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه. وأصله قبل الإجماع آية {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} البقرة:283. وأركانه عاقد ومرهون ومرهون به وصيغة فـ (لا يصح إلا بإيجاب وقبول) أو استيجاب وإيجاب بشروطهما السابقة في البيع؛ لأنه عقد مالي مثله، ومن ثم جرى هنا خلاف المعاطاة، فلابد من خطاب الوكيل على المعتمد نظير ما مر في البيع. ولو قال دفعت إليك هذا وثيقة بحقك علي فقال قبلت، أو بعتك هذا بكذا على أن ترهنني دارك به فقال اشتريت ورهنت كان رهنا. (فإن شرط فيه مقتضاه كتقدم المرتهن به) أي المرهون عند تزاحم الغرماء (أو) شرط فيه (مصلحة للعقد كالإشهاد) بالمرهون به وحده فقط، ولذا لو قال بشرط أن تشهد به وبرهن آخر عندك فسد (أو) شرط فيه (ما لا غرض فيه) كأن لا يأكل المرهون إلا كذا (صح العقد) كالبيع ولغا الشرط الأخير. (وإن شرط ما يضر المرتهن) وينفع الراهن كأن لا يباع عند المحل أو إلا بأكثر من ثمن المثل (بطل) الشرط، و (الرهن)؛ لمنافاته لمقصوده

(1)

(وإن نفع) الشرط (المرتهن وضر الراهن كشرط منفعته) من غير تقييد (للمرتهن بطل الشرط، وكذا الرهن) يبطل (في الأظهر)؛ لما فيه من تغير قضية العقد. أما لو قيدها بسنة مثلا وكان الرهن مشروطا في بيع فهو جمع بين بيع وإجارة فيصحان (ولو شرط أن تحدث زوائده مرهونة فالأظهر فساد الشرط)؛ لعدمها (وأنه متى فسد) الشرط المخالف لمقتضى العقد (فسد العقد) أي عقد الرهن بفساده؛ لما مر.

(1)

. من ذلك لو رهن بدين حال وشرط في الرهن أجلا أو عكسه.

ص: 141

وَشَرْطُ الْعَاقِدِ كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ الصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ. وَشَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَيْنًا فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ رَهْنُ المُشَاعِ،

(وشرط العاقد) الراهن والمرتهن الاختيار (وكونه مطلق التصرف)؛ لأنه عقد مالي كالبيع، والمراد بمطلقه هنا كونه أهلا للتبرع (فلا يرهن الولي) بسائر أقسامه (مال) موليه كالسفيه و (الصبي والمجنون)؛ لأنه يحبسه من غير عوض إلا لضرورة -كما لو اقترض لحاجة ممونه أو لحاجة ضياعه مرتقبا غلتها أو حلول دين له أو نفاق متاعه الكاسد- أو غبطة ظاهرة كأن يشتري للمولى ما يساوي مائتين بمائة نسيئة ويرهن بها ما يساوي مائة، فلو امتنع البائع إلا برهن ما يزيد على المائة ترك الشراء، وفي هذه الصور لا يرهن إلا عند أمين يجوز إيداعه زمن أمن أو لا يمتد الخوف إليه (ولا يرتهن لهما) أو للسفيه؛ لأنه في حال الاختيار لا يبيع إلا بحال مقبوض، ولا يقرض إلا القاضي كما مر (إلا لضرورة) كما إذا أقرض ماله أو باعه مؤجلا لضرورة كنهب، ويشترط حينئذٍ أن يكون المرهون عند الولي ولا يمتد الخوف إليه، وله الارتهان أيضا إن تعذر عليه استيفاء دينه أو إن أراد الاستيثاق لموليه فيما ورثه من دين مؤجل (أو غبطة ظاهرة) بأن يبيع ماله عقارا كان أو غيره مؤجلا بغبطة فيلزمه الارتهان

(1)

بالثمن كالمأذون إن أعطي مالا أو ربح.

(وشرط الرهن) أي المرهون (كونه عينا) يصح بيعها ولو موصوفة بصفة السلم (في الأصح) فلا يصح رهن المنفعة؛ لأنها تتلف شيئا فشيئا، ولا رهن الدين ولو ممن هو عليه، نعم من مات مدينا وله منفعة أو دين تعلق الدين بتركته ومنها دينه ومنفعته تعلق رهن. ولا يصح أيضا رهن وقف ومكاتب وأم ولد. (ويصح رهن المشاع

(2)

من الشريك وغيره وقبضه بقبض الجميع كالمبيع، ولا يحتاج لإذن الشريك إلا في المنقول فإن لم يأذن ورضي المرتهن كونه بيده جاز وناب عنه في القبض وإلا أقام الحاكم عدلا يكون في يده لهما، فعلم صحة رهن نصيبه من بيت معين من دار مشتركة بلا إذن شريكه كما يجوز بيعه فلو اقتسماها قسمة

(1)

. ظاهره ولو كان الولي قاضيا وفاقا للنهاية، وقال المغني ارتهن جوازا إن كان قاضيا وإلا فوجوبا.

(2)

. ولو رهن عبدهما كان نصفُ كلٍّ رهناً بجميع الألف كما صرح به الشارح في باب الضمان 5/ 271.

ص: 142

وَالْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ، وَعِنْدَ الحَاجَةِ يُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تُقَوَّمُ الْأُمُّ وَحْدَهَا ثُمَّ مَعَ الْوَلَدِ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهَا. وَرَهْنُ الجَانِي وَالمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا. وَرَهْنُ المُدَبَّرِ. وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى المَذْهَبِ

صحيحة فخرج المرهون لشريكه لزمه قيمته رهنا؛ لأنه حصل له بدله من غير تعيين. (و) يصح رهن (الأم) القنة (دون ولدها) القن ولو صغيرا (وعكسه)؛ لبقاء الملك فيهما فلا تفريق (وعند الحاجة يباعان) معا إذا ملكهما الراهن وكان الولد في سن يحرم فيه التفريق؛ لتعذر بيع أحدهما حينئذ (ويوزع الثمن) عليهما ثم يقدم المرتهن بما يخص المرهون منهما (والأصح أنه تقوم الأم) إذا كانت هي المرهونة (وحدها) مع اعتبار كونها -فيما إذا قارن وجود الولد لزوم الرهن- ذات ولد حاضنة له؛ لأنها رهنت كذلك، فإذا ساوت حينئذ حُفظ، (ثم) تقوَّم (مع الولد) فإذا ساويا مائة وخمسين فالخمسون قيمة الولد وهي ثلث المجموع، فإن كان الولد مرهونا دونها انعكس الحكم فيقوم وحده محضونا مكفولا، ثم معها (فالزائد قيمتها)، وكالأم من ألحق بها في حرمة التفريق كما مرَّ (ورهن الجاني والمرتد كبيعهما) السابق في البيع صريحا في الأول وفي الخيار ضمنا في الثاني، فيصح رهن جان لم يتعلق برقبته مال ومرتد مطلقا كقاطع طريق وإن تحتم قتله (ورهن المدبر) باطل؛ لاحتمال عتقه دوما بموت السيد (والمعلق عتقه بصفة يمكن سبقها حلول الدين) يعني لم يعلم حلوله قبلها (باطل على المذهب)؛ لفوات غرض الرهن بعتقه المحتمل قبل الحلول، ولو تيقن وجودها قبل الحلول بطل جزما ما لم يشترط بيعه قبلها في جميع الصور؛ لزوال الضرر. وأفهم المتن صحة رهن الثاني إذا علم الحلول قبلها وكذا إذا كان الدين حالا.

ص: 143

وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ فُعِلَ، وَإِلَّا فَإنْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا صَحَّ،

(ولو رهن ما يسرع فساده فإن أمكن تجفيفه -كرطب) وعنب يجيء منهما تمر وزبيب- ولو على شجرهما ولو قبل بدو الصلاح وإن لم يشرط القطع على تفصيل في ذلك في الروضة وغيرها

(1)

، وكلحم

(2)

صح الرهن مطلقا وإن لم يشرط التجفيف؛ إذ لا محذور، ثم إن رهن بمؤجل لا يحل قبل فساده بأن كان يحل بعده أو معه أو قبله بزمن لا يسع البيع (فعل) ذلك التجفيف عند خوف فساده أي فعله المالك ومؤنته عليه؛ حفظا للرهن، فإن امتنع أجبر عليه فإن تعذر أخذ شيء منه باع الحاكم جزءا منه وجفف بثمنه، ولا يتولاه المرتهن إلا بإذن الراهن إن أمكن وإلا راجع الحاكم. أما إذا كان يحل قبل فساده بزمن يسع البيع فإنه يباع (وإلا) يمكن تجفيفه (فإن رهنه بدين حال أو مؤجل يحل قبل فساده) بزمن يسع بيعه على العادة (أو) يحل بعد فساده أو معه لكن (شرط) في هذه الصورة (بيعه) أي عند إشرافه على الفساد لا الآن

(1)

. حاصل ما في الروضة أن رهن الثمر على الشجر له حالان: أحدهما: أن يرهنه الشجر فإن كان الثمر مما يمكن تجفيفه صح سواء بدا الصلاح أم لا وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا، فإن لم يمكن فله حكم ما يسرع إليه الفساد بتفصيله وقد يصح وقد يبطل، وفي حالة البطلان ففي حكم الشجر قولا تفريق الصفقة.

والثاني: رهن الثمر وحده فإن لم يمكن تجفيفه فهو كرهن ما يسرع فساده، وإلا فهو ضربان:

الضرب الأول: يرهن قبل بدو الصلاح فإن رهن بدين حال وشرط قطعها وبيعها بشرط القطع جاز وكذا لو أطلق وإن رهن بمؤجل نظر إن كان يحل مع بلوغ الثمر وقت الإدراك أو بعده فهو كالحال، وإن لم يحل قبل بلوغه وقت الإدراك فإن رهن مطلقا لم يصح وإن شرط القطع صح.

الضرب الثاني: أن يرهنه بعد بدو الصلاح فيجوز بشرط القطع مطلقا إن رهن بحال أو مؤجل هو في معناه، وإن رهن بمؤجل يحل قبل بلوغها وقت الإدراك فعل ما سبق من الضرب الأول، فإن لم يكن له شيء باع الحاكم جزءا منها وأنفقه عليها، ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي جاز، ولو أراد أحدهما قطع الثمر قبل الجذاذ فللآخر الامتناع وليس له الامتناع بعد وقت الجذاذ، بل يباع في الدين إن حل وإلا أمسكه رهنا، ولو رهن زرعا بعد اشتداد حبه فكبيعه إن كانت ترى حباته وإن رهنه وهو مبتل فكرهن الثمر قبل بدو الصلاح. انتهى من الروضة بتصرف.

(2)

. عطف على كرطب.

ص: 144

وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، فَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ فَسَدَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ بِحَالٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ، وَهُوَ فِي قَوْلٍ عَارِيَّةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ

وإلا بطل (وجعل الثمن رهنا) مكانه، ويجب اشتراط هذا الجعل؛ لأنه من مصالح المرتهن (صح) الرهن في الصور الثلاث؛ لانتفاء المحذور (ويباع) في تلك الثلاث وجوبا أي يرفعه المرتهن للحاكم عند نحو امتناع الراهن ليبيعه (عند خوف فساده)؛ حفظا للوثيقة فإن أخره حتى فسد ضمنه (ويكون ثمنه) في الأخيرة (رهنا) من غير إنشاء عقد عملا بالشرط ويجعل ثمنه رهنا في الأوليين بإنشاء العقد

(1)

(فإن شرط منع بيعه) قبل الفساد (لم يصح) الرهن؛ لمنافاة الشرط لمقصود التوثق (وإن أطلق) فلم يشرط بيعا ولا عدمه (فسد) الرهن (في الأظهر)؛ لتعذر استيفاء الحق من المرهون عند المحل؛ لفساده قبله (وإن لم يعلم هل يفسد قبل الأجل صح) الرهن المطلق (في الأظهر)؛ إذ الأصل عدم فساده قبل الحلول (وإن رهن) بمؤجل (ما لا يسرع فساده فطرأ ما عرضه للفساد) قبل الحلول (كحنطة ابتلت) وإن تعذر تجفيفها (لم ينفسخ الرهن بحال) وإن طرأ ذلك قبل قبضه; لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء فيباع فيهما عند تعذر تجفيفه قهرا على الراهن إن امتنع الراهن من البيع والحال أنه قبض المرهون

(2)

ويجعل ثمنه

(3)

رهنا مكانه حفظا للوثيقة. (ويجوز أن يستعير شيئا ليرهنه) إجماعا، وإن كانت العارية ضمنا كما لو قال لغيره ارهن عبدك على ديني ففعل فإنه كما لو قبضه ورهنه، (وهو) أي عقد العارية بعد الرهن (في قول عارية)؛ لأنه قبضه بإذنه لينتفع به (والأظهر أنه ضمان دين في رقبة) وعليه فلا يتعلق شيء من الدين بذمة المعير

(4)

(ذلك الشيء)؛ لأن الانتفاع هنا إنما يحصل بإهلاك العين ببيعها في الدين فهو منافٍ لوضع العارية،

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. أما إن لم يقبضه فلا إجبار؛ إذ لا يلزم الرهن إلا بالقبض.

(3)

. وظاهره أنه لابد من إنشاء عقد خلافا لقياس لكلام المغني.

(4)

. ولو مات لم يحل الدين لتعلقه بها كما أقره الشارح في الضمان.

ص: 145

فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَكَذَا المَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ المُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ، وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ المُرْتَهَنِ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا رُوجِعَ المَالِكُ لِلْبَيْعِ. وَيُبَاعُ إنْ لَمْ يُقْضَ الدَّيْنُ ثُمَّ يَرْجِعُ المَالِكُ بِمَا بِيعَ بِهِ.

ومن ثم صح هنا فيما لا تصح فيه كالنقد (فيشترط ذكر جنس الدين وقدره وصفته) كحلوله وتأجيله وصحته وتكسيره، نعم لو قال له ارهن عبدي بما شئت صح أن يرهنه بأكثر من قيمته (وكذا المرهون عنده) وكونه واحدا أو متعددا (في الأصح)؛ لاختلاف الغرض بذلك، فإن خالف شيئا من ذلك ولو بأن يعين له زيدا فيرهن من وكيله -لا عكسه

(1)

- أو يعين له ولي محجور فيرهن منه بعد كماله بطل كما لو عين له قدرا فزاد لا إن نقص وكما لو استعاره ليرهنه من واحد فرهنه من اثنين أو عكسه (فلو تلف في يد) الراهن ضمن; لأنه مستعير الآن اتفاقا أو في يد (المرتهن فلا ضمان) على المرتهن بحالٍ؛ لأنه أمين، ولا على الراهن على قول الضمان؛ لأنه لم يسقط الحقّ عن ذمته، نعم إن رهن فاسدا ضمن الراهن -أي المعير- بالتسليم؛ لأن المالك لم يأذن في وضع يده عليه في هذه الحالة أصلا

(2)

، ويضمن المرتهن أيضا ويرجع حينئذ على الراهن إن لم يعلم الفساد وكونها مستعارة (ولا رجوع للمالك) فيه (بعد قبض المرتهن) وإلا لغت فائدة هذا الرهن (فإن حلّ الدين أو كان حالا روجع المالك للبيع) ; لأنه قد يفدي ملكه (ويباع) -ولو بما يُتغابن به- من قِبل الحاكم وإن لم يأذن المالك (إن لم يُقض الدين) ولو أيسر الراهن (ثم يرجع المالك) على الراهن (بما بيع به) ; لأنه لم يقض من الدين غيره.

[تنبيه] ألغز شارح فقال لنا مرهون يصح بيعه جزما بغير إذن المرتهن وصورته أنه استعار شيئا ليرهنه بشروطه ففعل ثم اشتراه المستعير من المعير بغير إذن المرتهن.

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. هذا ما قاله الشيخ في فتح الجواد، وقال في التحفة إن الراهن يضمن أيضاً لكنه تبرأ منه.

ص: 146

فصل

شَرْطُ المَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا لَازِمًا فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ المَغْصُوبَةِ وَالمُسْتَعَارَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بِمَا سَيُقْرِضُهُ

(فصل) في شروط المرهون به ولزوم الرهن

(شرط المرهون به) ليصح الرهن (كونه دينا) ولو زكاة

(1)

أو منفعة كالعمل في إجارة الذمة؛ لإمكان استيفائه ببيع المرهون وتحصيله من ثمنه لا إجارة العين؛ لتعذر استيفائه من غير العين، ويشترط أيضا في المرهون به كونه معينا معلوماً قدره وصفته فلو ظن دينا فرهن أو أدى فبان عدمه لغا الرهن والأداء أو ظن صحة شرط رهن فاسد فرهن وثَمَّ دين في نفس الأمر صح

(2)

؛ لوجود مقتضيه حينئذ (ثابتا) أي موجودا حالا (لازما) في نفسه كثمن المبيع بعد الخيار دون دين الكتابة سواء وجد معه استقرار كدين قرض وإتلاف أم لا كثمن مبيع لم يقبض وأجرة قبل استيفاء المنفعة (فلا يصح) الرهن (بالعين) المضمونة كالمأخوذة بالسوم أو البيع الفاسد و (المغصوبة والمستعارة) وألحق بها ما يجب رده فورا كالأمانة الشرعية (في الأصح) ; لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة. أما الأمانة الجعلية كالوديعة فلا يصح بها جزما، وبه علم بطلان ما اعتيد من أخذ رهن من مستعير كتاب موقوف، نعم إن شرط الواقف أخذ رهن فإن عنى الرهن الشرعي فباطل أو اللغوي وأراد أن يكون المرهون تذكرة صح

(3)

، وإن جهل مراده صحّ حملا على اللغوي؛ تصحيحا للكلام ما أمكن وحينئذٍ فالشرط بلوغها ثمنه لو أمكن بيعه على ما بُحث (ولا) يصح الرهن (بما) ليس بثابت سواء وجد سبب وجوبه كنفقة زوجته في الغد أم لا كرهن شخص على ما (سيقرضه)

(1)

. ويشترط حينئذ أن يكون النصاب باقيا، وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. بين الشارح في البيوع المنهي عنها سبب خروج هذه عن القياس أنه يبطل الرهن مع البيع فيما إذا قال لدائنه بعني هذا بكذا على أن أرهنك على الأول والآخر 4/ 295، وصورة المسألة أن يكون على شخص لآخر دين قديم فاشترى أو اقترض المدين من دائنه وشرط الدائن في البيع أو القرض رهنا لدينه السابق مع ظن صحة ذلك الشرط فأعطاه المدين الرهن ثم بان لهما فساد الشرط فيصح الرهن؛ لأنه صادف محلا وإن فسد البيع والقرض.

(3)

. على ما هنا يحمل ما جزم به الشارح في الوقف من الصحة.

ص: 147

وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَارْتَهَنْتُ بِهَا عَبْدَكَ فَقَالَ اقْتَرَضْتُ وَرَهَنْتُ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَارْتَهَنْتُ الثَّوْبَ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَلَا بِجَعْلِ الجِعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَقِيلَ يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ. وَيَجُوزُ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الخِيَارِ. وَبِالدَّيْنِ رَهْنٌ بَعْدَ رَهْنٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ المَرْهُونَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ فِي الجَدِيدِ. وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ

شخص آخر أو سيشتريه; لأنه وثيقة حق فلا تقدم عليه كالشهادة (و) قد يغتفر تقدم أحد شقي الرهن على ثبوت الدين؛ لحاجة التوثق كما (لو قال أقرضتك هذه لدراهم وارتهنت بها عبدك) هذا أو الذي صفته كذا (فقال اقترضت ورهنت أو قال بعتكه بكذا وارتهنت) بثمنه هذا (الثوب) أو ما صفته كذا (فقال اشتريت ورهنت صح في الأصح)؛ لجواز شرط الرهن في ذلك فمزجه أولى لأن التوثق فيه آكد إذ قد لا يفي بالشرط. واستفيد من صنيع المتن أن الشرط وقوع أحد شقي الرهن بين شقي نحو البيع والآخر بعدهما فيصح إذا قال بعني هذا بكذا ورهنت به هذا فقال بعت وارتهنت. (ولا يصح) الرهن بغير لازم ولا آيل للزوم، وإن كان ثابتا; لأنه لا فائدة في التوثق بدين يتمكن المدين من إسقاطه فلا يصح (بنجوم الكتابة ولا بجعل الجعالة قبل الفراغ) وإن شرع في العمل بخلافه بعد الفراغ؛ للزومه حينئذ (وقيل يجوز بعد الشروع، ويجوز) الرهن (بالثمن في مدة الخيار) ; لأنه يئول إلى اللزوم، ومحله إن ملك البائع الثمن لكون الخيار للمشتري وحده كما مر ولا يباع المرهون إلا بعد انقضاء الخيار. (و) يجوز (بالدين) الواحد (رهن بعد رهن) وإن اختلف جنسهما (ولا يجوز أن يرهنه المرهونَ عنده بدين آخر) موافق لجنس الأول أو لا (في الجديد) وإن وفّى بالدينين، وفارق ما قبله بأن ذاك شغل فارغ فهو زيادة في التوثقة وهذا شغل مشغول فهو نقص منها، نعم لو أنفق المرتهن على المرهون بإذن الراهن أو الحاكم لنحو غيبة الراهن أو عجزه ليكون مرهونا بالنفقة صحّ؛ لأن فيه مصلحة حفظ الرهن. (ولا يلزم) الرهن من جهة الراهن (إلا) بإقباضه أو (بقبضه) أي المرتهن نظير ما مر في البيع مع إذنه له فيه إن كان المقبض غيره؛ لقوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} البقرة: 283، نعم قد لا يلزم لعارض كما لو شرط في بيع وأقبضه في المجلس فبراهن حينئذ فسخ الرهن بفسخ البيع (ممن يصح عقده) أي الرهن، فلا يصح من نحو صبي ومجنون ومحجور ومكره؛ لانتفاء أهليتهم ولا من وكيل راهن جُنَّ أو أغمي عليه قبل إقباض وكيله

ص: 148

وَتَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ رَاهِناً وَلَا عَبْدَهُ، وَفِي المَأْذُونِ لَهُ وَجْهٌ، وَيَسْتَنِيبُ مُكَاتَبَهُ. وَلَوْ رَهَنَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُودَعٍ أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ غَاصِبٍ لَمْ يَلْزَمْ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ قَبْضِهِ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِهِ فِي قَبْضِهِ، وَلَا يُبْرِئُهُ ارْتِهَانُهُ عَنِ الْغَصْبِ، وَيُبْرِئُهُ الْإِيدَاعُ فِي الْأَصَحِّ

ولا من مرتهن أذن له الراهن أو أقبضه فطرأ له ذلك قبل قبضه، ولا يرد عليه سفيه ارتهن وليه على دينه ثم أذن له في قبض الرهن؛ لأنه يتعين حينئذٍ حضور الولي (وتجري فيه النيابة) من الطرفين كالعقد (لكن لا يستنيب) المرتهن في القبض (راهنا) ولا وكيله في الإقباض كعكسه؛ لامتناع اتحاد القابض والمقبض، ومن ثم لو كان الراهن وكيلا في الرهن فقط فوكله المرتهن في القبض أو عقد ولي الرهنَ فرشد المولى ثم وكل المرتهن الولي في القبض جاز؛ إذ لا اتحاد حينئذ (ولا عبده) ولو مأذونا وأم ولد; لأن يده كيده (وفي المأذون) له في التجارة (وجه) مردود (ويستنيب مكاتبه) كتابة صحيحة؛ لاستقلاله باليد والتصرف كالأجنبي ومبعضا وقعت الإنابة في نوبته. (ولو رهن وديعة عند مودع أو مغصوبا عند غاصب) أو مستعيرا عند مستعير أو رهن أصل من فرعه المحجور أو ارتهن له (لم يلزم) هذا الرهن (ما لم يمض زمن إمكان قبضه) من وقت الإذن مع النقل أو التخلية نظير ما مر في البيع. ولا يشترط ذهابه إليه (والأظهر) في غير الولي؛ إذ العبرة فيه بالقصد فقط (اشتراط إذنه) أي الراهن (في قبضه) ; لأن اليد كانت عن غير جهة الرهن ولم يقع تعرض للقبض عنه (ولا يبرئه ارتهانه) ونحو إجارته وتوكيله وقراضه عليه وتزوجه إياها وإبراؤه عن ضمانه قبل رده لمالكه

(1)

(عن الغصب) ونحوه من كل ضمان يد كالعارية; لأن نحو الرهن توثق لا ينافي الضمان، ومن ثم لو تعدى فيه المرتهن لم يرتفع.

[تنبيه] إنما برئ عن ضمان الوديعة لو تعدى فيها فأبرأه المالك؛ لأن يد الوديع الضمان طارئ عليها

بخلاف يد الغاصب ونحوه (ويبرئه الإيداع) كاستأمنتك عليه أو أذنت لك في حفظه (في الأصح) ; لأنه محض ائتمان فينافيه الضمان.

(1)

. وفي نسخة بدل قوله ((قبل رده لمالكه)) قوله ((وهو بيده)) وهي موافقة لهما.

ص: 149

وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ المِلْكَ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَكِتَابَةٍ وَكَذَا تَدْبِيرُهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَبِإِحْبَالِهَا، لَا الوَطْءِ وَالتَزْوِيجِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ جُنَّ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ، لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ المُقْبِضِ تَصَرُّفٌ يُزِيلُ المِلْكَ، لَكِنْ فِي إعْتَاقِهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ مِنَ المُوسِرِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ عِتْقِهِ رَهْنًا،

(ويحصل الرجوع عن الرهن قبل القبض بتصرف يزيل الملك كهبة مقبوضة وبرهن مقبوض)؛ لتعلق حق الغير به لا غير مقبوض

(1)

(وكتابة) صحيحة (وكذا) فاسدة و (تدبيره في الأظهر)؛ لمنافاة ذلك لمقصود الرهن، وإن جاز الرجوع عنه، (وبإحبالها)؛ لامتناع بيعها، (لا الوطء) فقط; لأنه استخدام (والتزويج)؛ إذ لا تعلق له بمورد العقد (ولو مات العاقد قبل القبض أو جن) أو أغمي عليه أو طرأ عليه حجر سفه أو فلس أو خرس ولم تبق له إشارة مفهمة (أو تخمر العصير أو أبق العبد) أو جنى قبل القبض في الكل (لم يبطل) الرهن (في الأصح) أما غير الأخيرين فكالبيع في زمن الخيار بجامع أن مصير كلٍّ اللزوم فيقوم في الموت الوارث مقام مورثه في القبض والإقباض وفي غيره من ينظر في أمر نحو المجنون فيعمل فيه بالمصلحة وأما في الأخيرتين -كالجناية-؛ فلأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ويعود الرهن بالانقلاب خلا وبعود الآبق وعفو المجني عليه، ويمتنع القبض حال التخمر (وليس للراهن المقبض) أي يحرم عليه ولا ينفذ منه (تصرف) مع غير المرتهن بغير إذنه (يزيل الملك) كالبيع والوقف; لأنه حجَّر على نفسه بالرهن مع القبض، نعم له قتله قودا ودفعا وكذا لنحو ردة إذا كان واليا (لكن في إعتاقه) -عن نفسه تبرعا أو كفارة- ومثله سيد جان تعلق برقبته حال (أقوال أظهرها ينفذ) ويجوز (من الموسر) دون المعسر (ويغرم) وجوبا؛ جبرا لحق المرتهن (قيمته) في المؤجل وبأقل الأمرين من قيمته حال الإعتاق والدين في الحال

(2)

، وتعتبر القيمة بـ (يوم عتقه) ; لأنه وقت الإتلاف وتصير حيث لم يقض بها الدين الحال (رهنا) مكانه بلا

(1)

. أي فيهما خلافا لهما.

(2)

. خلافا لهما من اعتبار أقل الأمرين مطلقا.

ص: 150

فَإِنْ لَمْ يُنْفِذْهُ فَانْفَكَّ لَمْ يَنْفُذْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَهُوَ رَهْنٌ فَكَالْإِعْتَاقِ، أَوْ بَعْدَهُ نَفَذَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا رَهْنُهُ لِغَيْرِهِ، وَلَا التَّزْوِيجُ، وَلَا الْإِجَارَةُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَحِلُّ قَبْلَهَا، وَلَا الْوَطْءُ،

عقد؛ لقيامها مقامه، ومن ثم حكم برهنيتها في ذمة المعتق كالأرش في ذمة الجاني

(1)

. ويشترط قصد دفعها عن جهة الغرم كسائر الديون -ويكفي أذنه لغيره في الأداء عن دينه؛ لتضمنه النية

(2)

- فلو قال قصدت الإيداع صدق بيمينه ولو أيسر ببعضه نفذ فيما أيسر به، وخرج بـ ((عن نفسه)) ما لو أعتقه عن كفارة غير المرتهن فيمتنع; لأنه بيع أو هبة، وعتقه تبرعا عن غير المرتهن باطل؛ لذلك أيضا، وظاهر أن الإعتاق عن المرتهن جائز كالبيع منه

(3)

. ولو رهن بعض قنه ثم أعتق باقيه سرى للمرهون إن أيسر وإلا فلا (فإن لم ينفذه) لإعساره (فانفك) الرهن بأداء أو غيره

(4)

(لم ينفذ في الأصح)؛ لأنه أُلغي لوجود مانعه فلم يعد لضعفه، فإن بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق جزماً (ولو علقه بصفة فوجدت وهو رهن فكالإعتاق) فينفذ من الموسر لا المعسر بل تنحل اليمين (أو) وجدت (بعده) أي الفك أو معه (نفذ) العتق ولو من معسر (على الصحيح)؛ إذ لا يبطل به حق أحد (ولا رهنه) عطف على ((تصرف يزيل الملك)) (لغيره) أي المرتهن؛ لمزاحمته له، ومرَّ امتناعه له أيضا (ولا التزويج) للعبد وكذا الأمة لكن لغير المرتهن كما علم مما قبله; لأنه ينقص قيمته، نعم تجوز الرجعة (ولا الإجارة إن كان الدين حالا أو يحل قبلها) أي قبل انقضاء مدتها; لأنها تقلل الرغبة فيه فتبطل من أصلها كسابقيها إلا من المرتهن أو بإذنه بخلاف ما يحل بعد انقضائها أو معه ولو احتمالا فيجوز إن لم تنقص بها قيمة المرهون ولم تمتد مدة تفريغه لما بعد الحلول زمنا له أجرة وكانت من ثقة إلا أن يرضى المرتهن بغيره، ثم إن اتفق حلوله مع بقائها لنحو موت الراهن صَبَرَ لانقضائها (ولا الوطء

(5)

(1)

. وفائدة ذلك أنه إذا مات وليس له إلا قدر القيمة فإن حكمنا بأن ما في ذمته رهن قام ما خلفه مقامه فيقدم به المرتهن على مؤن التجهيز وبقية الغرماء، وإلا قدمت مؤن التجهيز واستوى هو والغرماء ذكره الشارح عند كلامه على تلف المرهون بعد القبض.

(2)

. ذكر هذا الشارح آخر الضمان.

(3)

. كما في النهاية.

(4)

. كما أفاده الشارح في بابها 5/ 232.

(5)

. يدخل فيه الزوج إذا رهن زوجته خلافا لشرح الروض.

ص: 151

فَإِنْ وَطِئَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَفِي نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ أَقْوَالُ الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ لَمْ نُنْفِذْهُ فَانْفَكَّ نَفَذَ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ غَرِمَ قِيمَتَهَا رَهْنًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ كُلُّ انْتِفَاعٍ لَا يَنْقُصُهُ كَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى، لَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقْلَعْ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ يُقْلَعُ إنْ لَمْ تَفِ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ وَزَادَتْ بِهِ

أو الاستمتاع به أو الاستخدام إن جر لوطء، وذلك؛ لخوف الحبل فيمن يمكن حبلها وحسما للباب في غيرها، نعم لو خاف الزنا لو لم يطأها جاز (فإن وطئ) راهنها المالك لها (فالولد حر) نسيب; لأنها علقت به في ملكه فلا حد ولا مهر، نعم عليه في البكر أرش البكارة يقضيه من الدين -وإن لم يحل- أو يجعله رهنا. (وفي نفوذ الاستيلاد أقوال الإعتاق) أظهرها نفوذه من الموسر فقط وتصير قيمتها -بقيدها السابق وقت الإحبال أي وإن كانت أقل، نظير ما مر- هنا مكانها (فإن لم ننفذه)؛ لإعساره (فانفك) الرهن بلا بيع (نفذ) الاستيلاد (في الأصح)، أما إذا انفك ببيعها في الدين ثم عادت إلى ملكه فينفذ الاستيلاد في الأظهر (فلو) لم ننفذه لإعساره حالة الإحبال، و (ماتت) أو نقصت (بالولادة) ثم أيسر (غرم قيمتها) وقت الإحبال أو الأرش، ويكون (رهنا) مكانها من غير إنشاء رهن (في الأصح)؛ لتسببه لهلاكها أو نقصها بالاستيلاد بلا حق، ولا قيمة لمزني بها ولا دية لحرة موطوءة بشبهة ماتتا بالإيلاد بخلاف أمة موطوءة بشبهة ماتت به، (وله) أي الراهن (كل انتفاع لا ينقصه) أي المرهون (كالركوب) في البلد؛ لامتناع السفر به -وإن قصر- بلا إذن إلا لضرورة كنهب أو جدب (والسكنى) ولبس خفيف؛ للخبر الصحيح ((الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا)) (لا البناء والغراس)؛ لنقصهما قيمة الأرض إلا إذا كان الدين مؤجلا وقال الراهن افعل واقلع عند الحلول ولم تنقص الأرض بالقلع ولا طالت مدته أي زمنا له أجرة (فإن فعل لم يقلع قبل الأجل)؛ لتحقق ضرر قلعه الآن مع إمكان أداء الدين من غيره أو وفاء قيمة الأرض به (وبعده) أي الحلول (يقلع) وجوبا (إن لم تف) قيمة (الأرض بالدين وزادت به) أي القلع ولم يحجر على الراهن ولا إذن في بيعها مع ما فيها؛ لتعلق حق المرتهن بأرض فارغة، أما إذا وفت الأرض به أو لم تزد بالقلع أو حجر عليه بفلس أو أذن الراهن فيما ذكر ولم تكن قيمة الأرض بيضاء أكثر من قيمتها مع ما فيها فلا يقلع بل يباع معها ويوزع الثمن عليهما ويحسب النقص عليه في الأخيرة

(1)

(1)

. كما في النهاية والمغني.

ص: 152

ثُمَّ إِنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّ. وَيُشْهِدُ إنِ اتَّهَمَهُ. وَلَهُ بِإِذْنِ المُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ فَكَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَهُ. وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ لِيُعَجِّلَ المُؤَجِّلَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ رَهْنَ الثَّمَنِ فِي الْأَظْهَرِ

والثالثة

(1)

، (ثم إن أمكن الانتفاع بغير استرداد لم يسترد)؛ إذ لا ضرورة إليه (وإلا) يمكن الانتفاع به إلا بالاسترداد كالخدمة وإن كان له حرفة يمكن عملها بيد المرتهن (فيسترد)؛ للضرورة بالنسبة لما أراده المالك منه ويردّ وقت فراغه للمرتهن كالليل أي الوقت الذي اعتيد الراحة فيه منه، نعم لا يسترد الجارية إلا إذا أمن منه وطؤها؛ لكونه محرما أو ثقة وعنده مانع خلوة (ويُشهد) المرتهن عليه بالاسترداد للانتفاع شاهدين أو واحدا ليحلف معه كل مرة قهرا عليه (إن اتهمه) وإن اشتهرت عدالته بخلاف غير المتهم بأن ثبتت عدالته فلا يلزمه إشهاد أصلا وبخلاف المشهور بالخيانة فإنه لا يسلم إليه وإن أشهد (وله بإذن المرتهن) وأن رد الراهن إذن المرتهن (ما منعناه)؛ لأن المنع لحقه.

ويبطل الرهن بما يزيل الملك أو نحوه كالرهن لغير المرتهن، أما المرتهن فيصح

(2)

رهنه منه بدين آخر إن جعل العاقدان الرهن الثاني فسخا للأول وإلا فلا يصح؛ لمنافاته للعقد الأول مع بقائه (وله) أي المرتهن (الرجوع) عن الإذن (قبل تصرف الراهن) تصرفا لازما فله الرجوع بعد نحو الهبة وقبل القبض، نعم لو أذن له في بيع فباع بشرط الخيار لم يصح رجوعه؛ لأن وضع البيع اللزوم كما مر، وكرجوعه خروجه عن الأهلية بنحو إغماء أو حجر (فإن تصرف) بعد إذنه فيما يتوقف عليه (جاهلا برجوعه فكتصرف وكيل جهل عزله) فلا ينفذ (ولو أذن) له (في بيعه ليعجل) له المرهون به (المؤجل من ثمنه) أي بأن شرط عليه التعجيل لفظاً أو قال:((أذنت لك في بيعة لتعجل المؤجل)) وأراد بقوله هذا الاشتراط وإلا لم يضر ذكره (لم يصح البيع)؛ لفساد الإذن بشرط التعجيل (وكذا لو شرط) في الإذن في بيعه (رهن الثمن) أي إنشاء رهنه مكانه فإنه لا يصح البيع وإن حل الدين (في الأظهر)؛ لفساد الشرط بجهالة

(1)

. كما نص عليها الرشيدي.

(2)

. خلافا للشهاب الرملي فلا يصح عنده إلا بعد فسخ الأول.

ص: 153

فصل

إذَا لَزِمَ الرَّهْنُ فَالْيَدُ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا تُزَالُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ كَمَا سَبَقَ. وَلَوْ شَرَطَا وَضْعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ جَازَ، أَوْ عِنْدَ اثْنَيْنِ وَنَصَّا عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حِفْظِهِ أَوِ الِانْفِرَادِ بِهِ فَذَاكَ. وَإِنْ أَطْلَقَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فِي الْأَصَحِّ

الثمن عند الإذن، أما إذا لم يرد الإنشاء والدين حال بل أراد استصحاب الرهن على الثمن فيصح جزما

(1)

ولا يتسلط الراهن على الثمن.

(فصل) في الأمور المترتبة على لزوم الرهن

(إذا لزم الرهن) بالقبض السابق (فاليد فيه للمرتهن) غالبا; لأنها الركن الأعظم في التوثق، وظاهرٌ أنه مع ذلك ليس له السفر به إلا إذا جوزناه للوديع الوديعة في الصور الآتية في بابها (ولا تزال إلا للانتفاع كما سبق)، وقد لا تكون اليد له كرهن نحو مسلم

(2)

أو مصحف من كافر أو سلاح من حربي فيوضع تحت يد عدل له تملكه ويستنيب الكافر مسلما في القبض (ولو شرطا وضعه عند عدل) مطلقا، أو فاسق وهما يتصرفان لأنفسهما التصرف التام (جاز)؛ لأن قد لا يثق بصاحبه فيتولى الحفظ والقبض، فإن أراد سفرا فكما يأتي في الوديع، ولو اتفقا على وضعه عند الراهن جاز. أما نحو ولي ووكيل ومأذون له وعامل قراض ومكاتب جاز لهم الرهن أو الارتهان فلا بد من عدالة من يوضع عنده (أو عند اثنين ونصا على اجتماعهما على حفظه أو الانفراد به فذاك) واضح أنه يتبع فيه الشرط (وإن أطلقا فليس لأحدهما الانفراد) بحفظه (في الأصح)؛ لعدم الرضا بيد أحدهما على الانفراد فيجعلانه في حرزهما وإلا ضمن من انفرد به نصفه إن لم يسلمه له صاحبه وإلا اشتركا في ضمان النصف.

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. أو أمة صغيرة وليس المرتهن محرما ولا امرأة ثقة أو ممسوحا كذلك ولا عنده حليلة أو محرم أو امرأتان ثقتان عند الشارح وتكفي واحدة عند الرملي.

ص: 154

وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ أَوْ فُسِّقَ جَعَلَاهُ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ، وَإِنْ تَشَاحَّا وَضَعَهُ الحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ. وَيَسْتَحِقُّ بَيْعَ المَرْهُونِ عِنْدَ الحَاجَةِ، وَيُقَدَّمُ المُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ وَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ المُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ قَالَ لَهُ الحَاكِمُ تَأْذَنُ أَوْ تُبْرِئُهُ،

(ولو) اتفقا على نقله ممن هو بيده من مرتهن أو غيره جاز مطلقا، فإن لم يتفقا وقد تغير حال من هو بيده من المرتهن أو غيره بأن (مات العدل) الموضوع عنده (أو فسق) أو زاد فسقه

(1)

أو خرج عن أهلية الحفظ بغير ذلك كأن صار عدو أحدهما (جعلاه حيث يتفقان، وإن تشاحا) فيه أو مات المرتهن ولم يرض الراهن بيد وارثه (وضعه الحاكم عند عدل) يراه لأنه الإنصاف. أما لو تشاحا ابتداء -أي قبل أن يتفقا على أن يضعا المرهون عند عدل- فيمن يوضع عنده فإن كان قبل القبض لم يجبر الراهن بحال، أو بعده وقد وضع بيد عدل أو بيد المرتهن بلا شرط لم ينزع قهرا عليه إلا بمسوغ أو وضع بيد فاسق وأراد أحدهما نزعه رفع

(2)

الأمر للحاكم فإن رآه أهلا لحفظه لم ينقله وإلا نقله (ويستحق بيع المرهون عند الحاجة) إليه بأن حل الدين ولم يوف أو أشرف الرهن على الفساد قبل الحلول، والمعتمد وجوب الوفاء فورا من الرهن أو غيره

(3)

بل لو كان الوفاء من غير الرهن أسرع وطلبه المرتهن وجب (ويقدم المرتهن) بعد بيعه (بثمنه) على سائر الغرماء لتعلق حقه به وبالذمة وحقهم مرسل فيها فقط (ويبيعه الراهن أو وكيله بإذن المرتهن) أو وكيله; لأن الحق له. (فإن لم يأذن) المرتهن في البيع الذي أراده الراهن أو نائبه ولا عذر له في ذلك (قال له الحاكم) ألزمك بأنك (تأذن) له في البيع (أو تبرئه) من الدين؛ دفعا لضرر الراهن فإن أصر باعه الحاكم أو أذن للراهن في بيعه، ومنعه من التصرف في ثمنه إلا إذا أبى أيضا من أخذ دينه منه فيطلق للراهن التصرف فيه، ولو عجز الراهن عن استئذان المرتهن والحاكم صح بيعه لغرض الوفاء ويحجر عليه في ثمنه إلى الوفاء؛ لأنه لا ضرر فيه حينئذ على المرتهن.

(1)

. وإن كان من جنس الأول كأن كان يزني في الشهر مرة فصار يزني فيه مرتين كما صرح به الشارح في باب الخيار في النكاح 7/ 346.

(2)

. خلافا لهما فقالا لم يجب نزعه.

(3)

. وفاقا للمغني واعتمد الرملي أنه لا يلزم الراهن التوفية من غير الرهن وإن طلبه المرتهن وقدر عليه وحمل ما مال إليه الشيخ ابن حجر على ما إذا أدى ذلك لتأخير من غير غرض صحيح.

ص: 155

وَلَوْ طَلَبَ المُرْتَهِنُ بَيْعَهُ فَأَبَى الرَّاهِنُ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ بَاعَهُ الحَاكِمُ. وَلَوْ بَاعَهُ المُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَاعَ بِحَضْرَتِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ شُرِطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا بَاعَ فَالثَّمَنُ عِنْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ المُرْتَهِنُ

(ولو طلب المرتهن بيعه فأبى الراهن ألزمه) بحبس أو غيره (القاضي قضاء الدين أو بيعه) ليوفي منه بما يراه (فإن أصر باعه الحاكم)؛ دفعا لضرر المرتهن.

[تنبيه] المعتمد هنا -خلافا لما اقتضاه المتن- أنه يخير القاضي بين توليه للبيع وإكراه الراهن عليه، ولو غاب الراهن أثبت المرتهن الأمر عند الحاكم ليبيعه وحينئذ لا يتعين عليه بيعه إلا إذا لم يتيسر حالا وفاء من غيره وإلا أوفى منه; لأنه نائب الغائب فيلزمه العمل بالأصلح له من بيع المرهون أو الوفاء من غيره، ومن ثم لو أحضر الراهن إلى الحاكم الدينَ المرهون به لينفك الرهن والحال أن المرتهن غائب لزم القاضي قبضه منه. أما إن عجز المرتهن عن الإثبات لفقد البينة أو لفقد الحاكم تولاه بنفسه وكان ظافرا بخلاف ما إذا قدر عليها، ثم أنه إن جاز بيع الحاكم لم يلزمه طلب إثبات ملكية الراهن للمرهون (ولو باعه المرتهن) والدين حال (بإذن الراهن) له في بيعه بأن قال بعه لي أو أطلق ولم يقدر الثمن (فالأصح أنه إن باعه بحضرته صح) البيع؛ إذ لا تهمة (وإلا) بأن باعه في غيبته (فلا) يصح; لأنه يبيع لغرض نفسه فيتهم في الاستعجال، ومن ثم لو قدر له الثمن صح مطلقا وكذا لو كان الدين مؤجلا ما لم يأذن

(1)

له في استيفاء حقه من ثمنه؛ للتهمة حينئذ. أما لو قال بعه لك فيبطل مطلقا؛ لاستحالته، فعلم أنه في بعه لي أو لنفسك واستوف لي أو لنفسك يصح ما للراهن فقط (ولو شُرط) أي شَرَطَا (أن يبيعه العدل) أو غيره ممن هو تحت يده عند المحلّ (جاز) هذا الشرط؛ إذ لا محذور فيه (ولا يشترط مراجعة الراهن) في البيع (في الأصح) ; لأن الأصل بقاء إذنه، بل يشترط مراجعة المرتهن; لأنه قد يمهل أو يبرئ. ويصح عزل الراهن للمشروط له ذلك قبل البيع; لأنه وكيله دون المرتهن; لأن إذنه إنما هو شرط في الصحة (فإذا باع فالثمن) الذي قبضه (عنده من ضمان الراهن)؛ لبقائه بملكه (حتى يقبضه المرتهن)؛ إذ هو أمينه عليه، ومن ثم صدق في تلفه لا في تسليمه للمرتهن فإذا حلف أنه لم يتسلمه غرم الراهن وهو يغرم أمينه وإن

(1)

. قضيته رجوع هذا للأخير وظاهر النهاية والمغني رجوعه للجميع.

ص: 156

وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اسْتُحِقَّ المَرْهُونُ فَإِنْ شَاءَ المُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ. وَلَا يَبِيعُ الْعَدْلُ إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ، فَإِنْ زَادَ رَاغِبٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الخِيَارِ فَلْيَفْسَخْ وَلْيَبِعْهُ. وَمُؤْنَةُ المَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ،

كان أذن له في التسليم للمرتهن; لأنه لم يثبت (ولو تلف ثمنه في يد) المأذون (العدل) أو غيره ولو المرتهن (ثم استحق المرهون) المبيع (فإن شاء المشتري رجع على) المأذون (العدل) أو غيره; لأنه واضع اليد، ومحله إن لم يكن نائب الحاكم وإلا لم يكن طريقا; لأن يده كيد الحاكم (وإن شاء على الراهن) ; لأنه الموكل (والقرار عليه) فيرجع مأذونه عليه ما لم يقصر في تلفه (ولا يبيع) المأذون (العدل) أو غيره المرهونَ (إلا بثمن مثله) أو دونه بقدر يتغابن به، ثم إذا تعذر المثل بأن لم يدفع فيه شيء أو دفع ورجيت الزياده وجب الصبر فإن دفع فيه شيئا بعد الانتهاء ولم ترج زيادة بيع

(1)

، ويقال مثل ذلك في تركة المدين أو تعذر نقد البلد (حالا من نقد بلده) وإلا لم يصح كالوكيل، ولذا لم يصح منه شرط الخيار لغير موكله، وعليه أن لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن وإلا ضمن. ولا يبيع المرتهن إلا بذلك أيضا وكذا الراهن؛ لتعلق حق الغير به، نعم إن وفى دون ثمن المثل بالدين جاز؛ لانتفاء الضرر حينئذ، ولو رأى الحاكم بيعه بجنس الدين جاز كما لو اتفق العاقدان على بيعه بغير ما مر، ولا يصح البيع بثمن المثل أو أكثر وهناك راغب بأزيد (فإن زاد) في الثمن (راغب) بعد اللزوم لم ينظر إليه، أو زاد ما لا يتغابن به وهو ممن يوثق به (قبل انقضاء الخيار) الثابت بالمجلس أو الشرط واستمر على زيادته (فليفسخ) وجوبا (وليبعه) أو يبعه بلا فسخ ويكون بيعه مع قبول المشتري له فسخا للأول وهو الأحوط; لأنه قد يفسخ فيرجع الراغب، فإن تمكن من ذلك وترك انفسخ البيع حتى لو رجع الراغب احتيج لتجديد عقده، ولو لم يعلم بالزيادة إلا بعد اللزوم وهي مستقرة بان الانفساخ من حينها.

[تنبيه] مع ترتب الأحكام المارة يحرم على الراغب الزيادة؛ لأنه شراء على شراء أخيه، وجميع ما تقدم يأتي في كل بائع عن غيره (ومؤنة المرهون) التي تبقى بها عينه، ومنها أجرة حفظه وسقيه وجذاذه وتجفيفه ورده إن أبق (على الراهن) -إن كان مالكا وإلا فعلى المعير أو المولى- لا على المرتهن إجماعا.

(1)

. ذكر ذلك الشارح في الفلس.

ص: 157

وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ المُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنِ مِنْ مَصْلَحَةِ المَرْهُونِ كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدَ المُرْتَهِنِ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ. وَحُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ

(ويجبر عليها لحق المرتهن على الصحيح. ولا يمنع الراهن من مصلحة المرهون كفصد وحجامة) -بخلافهما لغير مصلحة-؛ حفظا لملكه. لكنه لا يجبر عليه كسائر الأدوية; لأن البرء بالدواء غير متيقن، وكمعالجة بدواء قطع يد متآكلة وسلعة إن غلبت السلامة في القطع وختان ولو لكبير وقت الاعتدال حيث لا عارض به يخاف من الختان معه وكان يندمل عادة قبل الحلول أو لا تنقص به القيمة (وهو أمانة في يد المرتهن) فلا يضمنه إلا بالتعدي كالوديع؛ للخبر الصحيح ((لا يغلق الرهن على راهنه له غنمه وعليه غرمه))، فلو غفل عن نحو كتاب فأكلته الأرضة أو جعله في محل هو مظنتها ضمنه؛ لتفريطه، ومرَّ أن اليد الضامنة لا تنقلب بالرهن أمانة (ولا يسقط بتلفه شيء من دينه)؛ للحديث. (وحكم فاسد

(1)

العقود) إذا صدر من رشيد (حكم صحيحها في الضمان

(2)

وعدمه

(3)

; لأن صحيحه إن اقتضى الضمان بعد القبض كالبيع والقرض ففاسده أولى، أو عدمه كالمرهون والعين المستأجرة والموهوب ففاسده كذلك; لأن إثبات اليد عليه بإذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانا، والمراد التشبيه في أصل الضمان لا الضامن -فلا يرد كون الولي لو استأجر لموليه فاسدا تكون الأجرة عليه وفي الصحيحة على موليه- ولا في القدر فلا يرد كون صحيح البيع مضمونا المبيع فيه بالثمن وفاسده بالبدل، والقرض بمثل المتقوم الصوري وفاسده بالقيمة، ونحو القراض والمساقاة والإجارة بالمسمى وفاسدها بأجرة المثل. وخرج بالرشيد ما صدر من غيره فإنه مضمون وإن لم يقتض صحيحه الضمان.

(1)

. ((تنبيه)) أفاد الشارح في العارية أن هذا خاص بفاسد العقود وهو اختل فيه شرط أو شروط، أما باطلها وهو الذي اختل فيه بعض الأركان فلا ضمان إن لم يستعملها المستعير وكان المستعير أهلا للتبرع، ولا يضمن المنافع في الباطلة مطلقا.

(2)

. قاله الشارح في العارية أيضا.

(3)

. وهو كل عقد يقتضي صحيحه عدم الضمان وفاسده كذلك.

ص: 158

وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ المَرْهُونِ مَبِيعًا لَهُ عِنْدَ الحُلُولِ فَسَدَا، وَهُوَ قَبْلَ المَحِلِّ أَمَانَةٌ. وَيُصَدَّقُ المُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ

ثم يستثنى

(1)

من طرد هذه القاعدة

(2)

ما لو قال قارضتك أو ساقيتك على أن الربح أو الثمرة كلها لي فهو فاسد ولا أجرة له إن علم كما يأتي; لأنه لم يدخل طامعا وكذا من حيث لم يطمع كأن ساقاه على غرس ودي أو تعهده مدة لا يثمر فيها غالبا، وما لو عقد الذمة غير الإمام فتفسد ولا جزية؛ حسما لتصرف غير الإمام فيما هو من خواصه عن الاعتداد به، وما لو امتنع المستأجر من تسليم العين بعد عرضها عليه إلى انقضاء المدة فتستقر بذلك الأجرة في الصحيحة دون الفاسدة، ويستثنى من عكسها الشركة فإن عمل الشريكين فيها لا يضمن إلا مع فسادها، وما لو رهن أو آجر نحو غاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر فللمالك تضمينه -وإن كان القرار على الراهن والمؤجر- مع أن صحيح الرهن والإجارة لا ضمان فيه (و) من فروع القاعدة ما (لو شرط كون المرهون مبيعا له عند الحلول) فالبيع من طردها والرهن من عكسها لكونهما قد (فسدا) البيعُ؛ لتعليقه والرهنُ؛ لتأقيته بالحلول، ومن ثم لو لم يؤقت بأن قال رهنتك وإذا لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك كان الفاسد البيع وحده دون الرهن

(3)

; لأنه لم يشرط فيه شيء (و) حينئذ (هو قبل المَحِل) أي وقت الحلول (أمانة)؛ لأنه رهن فاسد وبعده مضمون; لأنه بيع فاسد (ويصدق المرتهن في دعوى التلف) حيث لا تفريط (بيمينه) إن لم يذكر سببا أو إن ذكر سببا خفيا كسرقة أما إن ذكر سببا ظاهرا كحريق فإن عرف وعمومه صدق بلا يمين وإن عرف دون عمومه صدق بيمينه وإن جهل طولب ببينة ثمّ يحلف على التلف به

(4)

، والمراد تصديقه حتى لا يضمن وإلا فالمعتدي يصدق فيه أيضا؛ لضمان القيمة (ولا يصدق في) دعوى (الرد عند الأكثرين)؛ لأنه قبضه لغرض نفسه كالمستأجر بخلاف بقية الأمناء.

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. لعله يستثنى ما ذكره الشارح في خيار النقيصة من أن افتضاض الأجنبي للبكر المبيعة قبل القبض يوجب مهر بكر إن لم تكن زانية، وفي البيع الفاسد يوجب مهر بكر وأرش البكارة.

(3)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(4)

. كما هو مفصل في الوديعة.

ص: 159

وَلَوْ وَطِئَ المُرْتَهِنُ المَرْهُونَةَ بِلَا شُبْهَةٍ فَزَانٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ يَنْشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ قُبِلَ دَعْوَاهُ جَهْلَ التَّحْرِيمِ فِي الْأَصَحِّ فَلَا حَدَّ، وَيَجِبُ المَهْرُ إنْ أَكْرَهَهَا، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ. وَلَوْ أَتْلَفَ المَرْهُونَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ صَارَ رَهْنًا،

(ولو وطئ المرتهن المرهونة بلا شبهة فزانٍ) فيحد ويلزمه المهر إن لم تطاوعه أو جهلت التحريم وعُذرت به (ولا يقبل قوله جهلت تحريمه) أي الزنا أو وطء المرهونة

(1)

؛ لظنه الارتهان مبيحا للوطء (إلا أن يقرب إسلامه) ولم يكن مخالطا لنا بحيث لا يخفى عليه ذلك (أو ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء) بذلك فيقبل قوله؛ لدفع الحد ويلزمه المهر إن عذرت كما لو وطئها بشبهة كأن ظنها حليلته (وإن وطئ بإذن الراهن) المالك (قبل دعواه جهل التحريم) إن أمكن كون مثله يجهل ذلك (في الأصح) ; لأن هذا قد يخفى، أما إذن راهن مستعير أو ولي راهن فكالعدم، وإذا قبل (فلا حد) عليه بخلاف ما لو علم التحريم، (ويجب المهر إن أكرهها) أو عذرت بنحو نوم أو جهل; لأنه لحق الشرع فلم يؤثر فيه الإذن، أما إذا طاوعته غير معذورة فلا مهر لها (والولد) عند قبول قوله في جميع ما مر (حر نسيب)؛ للشبهة (وعليه قيمته للراهن) المالك وإلا

(2)

فللمالك؛ لأنه فوت رقه عليه. (ولو أتلف) بغير حق أو تلف تحت يد عادية (المرهون بعد القبض وقبض بدله) أو لم يقبض (صار رهنا) مكانه من غير إنشاء عقد؛ لقيامه مقامه، ويجعل بيد من كان الأصل بيده، وإتلاف بعض المرهون كذلك، نعم إن لم تنقص قيمته كقطع مذاكيره

(3)

أو نقصت وزاد الأرش على نقص القيمة فاز المالك بالزائد، ولو أتلفه المرتهن كان ما وجب عليه رهنا له

(4)

ولا محذور فيه؛ إذ فائدته صونه عن تعلق الغرماء به ويشمل كلامه ما لو كان المتلف هو الراهن وهو الأوجه وفائدته انه إذا مات وليس له إلا قدر القيمة فإن حكمنا بأن ما في ذمته رهن قام ما خلفه مقامه فيقدم به المرتهن على مؤن التجهيز وبقية الغرماء وإلا قدمت مؤن التجهيز واستوى هو والغرماء.

(1)

. فرقا بين الوطء والزنا.

(2)

. أي بأن كان الراهن مستعيرا.

(3)

. أي ذكره وأنثياه.

(4)

. خلافا للنهاية.

ص: 160

وَالخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الرَّاهِنُ، فَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لَمْ يُخَاصِمْ المُرْتَهِنُ فِي الْأَصَحِّ. فَلَوْ وَجَبَ قِصَاصٌ اقْتَصَّ الرَّاهِنُ وَفَاتَ الرَّهْنُ، فَإِنْ وَجَبَ المَالُ بِعَفْوِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ. وَلَا إبْرَاءُ المُرْتَهِنِ الجَانِي وَلَا يَسْرِي الرَّهْنُ إلَى زِيَادَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَثَمَرٍ وَوَلَدٍ، فَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا وَحَلَّ الْأَجَلُ وَهِيَ حَامِلٌ بِيعَتْ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بِيعَ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ فَالْوَلَدُ لَيْسَ بِرَهْنٍ فِي الْأَظْهَرِ.

(والخصم في البدل الراهن) إن كان مالكا أو وليه وإلا

(1)

فالمالك ومع كونه الخصم فيه لا يقبضه وإنما الذي يقبضه المرتهن أو العدل وإن مُنِعا من الخصومة (فإن لم يخاصم) الراهن في ذلك (لم يخاصم المرتهن في الأصح) كما لا يخاصم مستأجر ومستعير، نعم له حضور خصومة الراهن؛ لتعلق حقه بالمأخوذ، ومحل ذلك كله حيث لم يكن المتلف الراهن وإلا طالبه المرتهن؛ لئلا يفوت حقه من التوثق (فلو وجب قصاص) في نفس المرهون المتلف كالعبد (اقتص الراهن) المالك إن شاء أو عفا بلا مال (وفات الرهن)؛ لفوات محله بلا بدل. أما إذا وجب في طرفه فالرهن في الباقي باق بحاله وله العفو مجانا ولا يجبر على قود ولا عفو (فإن وجب المال بعفوه) عن القود عليه (أو) بجناية على نحو فرعه أو (بجناية خطأ) أو شبه عمد (لم يصح عفوه) أي الراهن (عنه) أي المال الواجب؛ لتعلق حق المرتهن به، (ولا) يصح (إبراء المرتهن الجاني)؛ لأنه غير مالك ولا يسقط بإبرائه حقه من الوثيقة إلا إذا أسقطه منها. (ولا يسري الرهن إلى زيادته) أي المرهون (المنفصلة كثمرة وولد) وبيض; لأنها أجنبية عنه بخلاف المتصلة كسمن وكبر شجرة

(2)

(فلو رهن حاملا وحل الأجل وهي حامل) أو مست الحاجة لبيعها قبل الحلول (بيعت) كذلك؛ لأنه إما معلوم أو صفة تابعة وعلى كل منهما يشمله الرهن (وإن ولدته بيع معها في الأظهر)؛ لما ذكر (وإن كانت حاملا عند البيع دون الرهن فالولد ليس برهن في الأظهر)؛ لحدوثه بعده وهو بمنزلة المنفصلة؛ لأنه يعلم ويقابل بقسط من الثمن، ثم

(1)

. أي بأن كان الراهن مستعيرا.

(2)

. وذكر الشارح في فصل تعلق الدين بالتركة أن ما حدث بعد العقد من نحو سعف ووعاء طلع وليف وأصول سعف وأولاد نبتت من عروق النخلة بجنبها لا يدخل في الرهن، بل وإن قارن ما ذكر العقد على ما مال إليه الشارح آخرا.

ص: 161

فصل

جَنَى المَرْهُونُ قُدِّمَ المَجْنِيُّ عَلَيْهِ. فَإِنِ اقْتُصَّ أَوْ بِيعَ لَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتُصَّ بَطَلَ. وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَبْقَى رَهْنًا. وَإِنْ قَتَلَ مَرْهُونًا لِسَيِّدِهِ عِنْدَ آخَرَ فَاقْتَصَّ بَطَلَ الرَّهْنَانِ، وَإِنْ وَجَبَ مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ، فَيُبَاعُ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ،

إن تعلق بالحمل حقّ ثالث بفلس أو موت أو وصية به لم تُبَع حتى تضعه؛ لتعذر استثنائه والتوزيع عليه وعلى الأم؛ للجهل بقيمته.

(فصل) في جناية الرهن

إذا (جنى المرهون) على أجنبي بما يوجب القود في نفس أو طرف، ولم يكن بأمر غيره وهو يعتقد الطاعة أو تحت يده تعديا وإلا فالجاني الغير (قدم المجني عليه)؛ لتعلق حقه بالرقبة فقط (فإن اقْتُص) من قِبل مستحق القود أو وارثه في القتل (أو بيع) المرهون أي ما يفي بالواجب من كله أو بعضه (له) أي لحقه بأن وجب له مال ابتداء أو بالعفو (بطل الرهن) فيما فات بقود أو بيع ما لم تجب قيمته لكونه تحت يد نحو غاصب; لأنها رهن بدله، فلو عاد المالك الراهن لم يعد الرهن. (وإن جنى) المرهون (على سيده) فقتله أو قطعه (فاقتُص) بأن اقتص سيده في نحو القطع أو وارثه في القتل (بطل الرهن) فيما وقع فيه القود؛ لفوات محله بلا بدل (وإن عُفي على مال) أو كانت الجناية خطأ مثلا (لم يثبت على الصحيح) ; لأن السيد لا يثبت له على عبده مال ابتداء (فيبقى رهنا) لازما كما كان، وخرج بابتداء ما لو جنى غير عمد أو عمدا و عفى على مال على طرف مورثه أو مكاتبه ثم انتقل المال للسيد بموت أو عجز فإنه يثبت له عليه فيبيعه فيه ولا يسقط، أو قتل المورث أو قنه أو المكاتب غير عمد أو عمدا وعفا السيد على مال فكذلك (وإن قتل) المرهون (مرهونا لسيده عند) مرتهن (آخر فاقتص) منه السيد (بطل الرهنان) أي كل منهما؛ لفوات محلهما (وإن وجب مال) ابتداء أو بعفو وإن لم يطلبه المرتهن (تعلق) برقبة القاتل وحينئذ يتعلق (به) أي بهذا المال المتعلق برقبة القاتل (حق مرتهن القتيل) ; لأن السيد لو أتلف الرهن غرم قيمته للمرتهن فإذا أتلفه عبده كان تعلق الغرم به أولى (فيباع) كله إن طلب بيعه مرتهن القتيل وأبى الراهن وكذا عكسه وساوى الواجب قيمته أو زاد (وثمنه) إن لم يزد على الواجب وإلا فقدر الواجب منه (رهن) من غير إنشاء عقد

ص: 162

وَقِيلَ يَصِيرُ رَهْنًا. فَإِنْ كَانَا مَرْهُونَيْنِ عِنْدَ شَخْصٍ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ نَقَصَتِ الْوَثِيقَةُ، أَوْ بِدَيْنَيْنِ وَفِي نَقْلِ الْوَثِيقَةِ غَرَضٌ نُقِلَتْ. وَلَوْ تَلِفَ المَرْهُونُ بِآفَةٍ بَطَلَ. وَيَنْفَكُّ بِفَسْخِ المُرْتَهِنِ وَبِالْبَرَاءَةِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ

نظير ما مر; لأن حق مرتهن القتيل في مالية العبد القاتل لا في عينه; لأنه قد يزيد فيه راغب فيتوثق بها مرتهن القاتل. أما إذا نقص الواجب عن قيمة القاتل فلا يباع منه إلا قدره فقط إن أمكن ولم ينقص بالتبعيض وإلا بيع الكل والزائد لمرتهن القاتل، ولو اتفق الراهن والمرتهنان على النقل نقل أو الراهن ومرتهن القتيل على النقل وأبى مرتهن القاتل إلا البيع لم يُجَب (وقيل يصير رهنا. فإن كانا) أي القاتل والمقتول (مرهونين عند شخص) أو أكثر (بدين واحد) وقد عفا السيد عن القاتل وكذا في الصورة التي عقب هذه (نَقصَت الوثيقة)؛ إذ لا جابر كما لو مات أحدهما (أو بدينين) عند شخص واحد ووجب مال يتعلق برقبة القاتل (وفي نقل الوثيقة) به إلى دين القتيل (غرض) أي فائدة للمرتهن (نقلت) بأن يباع القاتل فيصير ثمنه رهنا

(1)

مكان القتيل، وحيث لا غرض بأن اتفق الدينان تأجيلا وحلولا وقدرا واتفقت قيمتا العبدين فلا نقل بل يبقى القاتل بحاله وسقطت وثيقة المقتول

(2)

(ولو تلف المرهون بآفة) سماوية أو بفعل من لا يضمن كحربي وكضرب راهن له بإذن المرتهن (بطل) الرهن؛ لفواته، ومر أنه لو تخمر ثم تخلل عاد رهنه، وأنّ المرهون المغصوب يضمن وإن تلف بآفة فالرهن باق في بدله (وينفك) الرهن (بفسخ المرتهن) وإن أبى الراهن لا عكسه؛ لجوازه من جهته دون الراهن، نعم التركة المرهونة بالدين لا تنفك بفسخ المرتهن؛ لأن الرهن لمصلحة براءة ذمة الميت (وبالبراءة من الدين) جميعه بأي وجه كانت ولو بإحالة المرتهن على الراهن ولو اعتاض عن الدين ثم تقايلا أو تلف العوض قبل قبضه بطل الاعتياض وعاد الرهن (فإن بقي شيء منه) أي الدين (لم ينفك شيء من الرهن) إجماعا; لأنه كله وثيقة على كل جزء من الدين، ومن ثم أبطل شرط أنه كلما قضى منه شيئا انفك بقدره من الرهن نعم إن تعدد العقد أو مستحق الدين أو المدين أو مالك المعار انفك بعضه بالقسط.

(1)

. ظاهره كشرح المنهج والمغني صيرورته رهنا بمجرد البيع من غير لفظ خلافا للنهاية.

(2)

. وفي التخريج على ذلك تفصيل فليراجع، تحفة 5/ 100.

ص: 163

وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ، وَلَوْ رَهَنَاهُ فَبَرِئَ أَحَدُهُمَا انْفَكَّ نَصِيبُهُ.

اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِهِ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ، وَإِنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ تَحَالَفَا

(و) من مُثُل ذلك أنه (لو رهن نصف عبد بدين ونصفه بآخر فبرئ من أحدهما انفك قسطه)؛ لتعدد الصفقة بتعدد العقد وإن اتحد العاقدان. (ولو رهناه) عبدهما بدينه عليهما (فبرئ أحدهما) مما عليه، أو أعاراه عبدهما ليرهنه بدين فرهنه به وأدى أحدهما ما يقابل نصيبه أو أداه المستعير وقصد فكاك نصف العبد أو أطلق ثم جعله عنه (انفك نصيبه) -أي ما يقابل ما خصه مما قبضه-؛ لتعدد الصفقة بتعدد العاقد، ولو رهنه من أثنين بدينهما عليه فبرئ من دين أحدهما بأداء أو إبراء انفك قسطه لذلك اتحدت جهة الدينين أوْ لا. ولو تعدد الوارث انفك بأداء كل نصيبه ما لم يكن المورث هو الراهن في حياته، والعبرة هنا بتعدد الموكل واتحاده لا الوكيل.

[فرع] له دين به رهن فأقر به لغيره فإن قال صار هذا الدين لفلان انفك الرهن

؛ لاحتمال انتقال الدين بالحوالة أو بالنذر أو الهبة بناء على صحتها فيه وإن قال هذا الدين لفلان وأسمي فيه عارية أو نحو ذلك لم ينفك; لأن هذا لا يشعر بانتقاله من المرتهن لغيره في حالة الرهن.

(فصل) في الاختلاف في الرهن

إذا (اختلفا في) أصل (الرهن) كرهنتني كذا فأنكر (أو) في (قدره) أي المرهون أو عينه أو قدر المرهون به (صدق الراهن) أو مالك العارية (بيمينه) ; لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن هذا (إن كان رهن تبرع) بأن لم يشترط في بيع (وإن شرط) الرهن (في بيع) باتفاقهما -واختلفا في شيء مما مر غير أصل الرهن- أو بزعم المرتهن وخالفه الآخر (تحالفا)؛ لرجوع الاختلاف حينئذ إلى كيفية عقد البيع، أما لو اختلفا في أصل الرهن بأن اختلفا في الوفاء بما شرطاه فادعاه المرتهن وأنكره الراهن كأن قال المرتهن رهنت مني المشروط رهنه وهو كذا فأنكر الراهن فلا تحالف فحينئذٍ؛ لأنهما لم يختلفا في كيفية البيع الذي هو موقع التحالف بل

ص: 164

وَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُ المُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ، وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ المُصَدِّقِ عَلَيْهِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ المُرْتَهِنِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ غَصَبَتْهُ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ،

يصدق الراهن بيمينه فيأخذ الرهن؛ لإمكان توصل المرتهن إلى حقه بالفسخ. ولو ادعى كل من اثنين أنه رهنه كذا وأقبضه له فصدق أحدهما فقط أخذه وللآخر تحليفه

(1)

; لأنه لو أقر أو نكل فحلف الآخر غرم له القيمة لتكون رهنا عنده (ولو ادعى أنهما رهناه عبدهما بمائة) وأقبضاه (وصدقه أحدهما فنصيب المصدق رهن بخمسين)؛ مؤاخذة له بإقراره (والقول في نصيب الثاني قوله بيمينه) ; لأنه ينكر أصل الرهن (وتقبل شهادة المصدق عليه) ; إذ لا تهمة فإن شهد معه آخر أو حلف معه المدعي ثبت رهن الكل، ولو زعم كلٌّ أنه ما رهن بل شريكه وشهد عليه قبلت شهادة كل منهما على صاحبه وإن تعمد الإنكار; لأن الكذبة الواحدة لا تفسق ومحل قبول شهادتهما إن لم يصرح مدعي الشهادة بظلمهما بالإنكار بلا تأويل وإلا رُدّا; لظهور ما يقتضي تفسيقهما

(2)

(ولو اختلفا في قبضه فإن كان في يد الراهن أو في يد المرتهن وقال الراهن غصبته صدق الراهن بيمينه) ; لأن الأصل عدم اللزوم وعدم الإذن في القبض عن الرهن، بخلاف ما لو كان بيد المرتهن ووافقه الراهن على إذنه له في قبضه لكنه قال: إنك لم تقبضه عنه أو رجعت عن الإذن فيحلف المرتهن، وعليه فمن اشترى عينا بيده حال التنازع فأقام آخر بينة أنها مرهونة عنده قبل البيع لم تقبل إلا إن شهدت البينة بالقبض وإلا صدق المشتري بيمينه; لأن الأصل بقاء يده (وكذا إن قال أقبضته عن جهة أخرى) كإيداع أو إجارة أو إعارة (في الأصح) ; لأن الأصل عدم ما ادعاه المرتهن، ويكفي قول الراهن لم أقبضه عن جهة الرهن (ولو أقر) الراهن (بقبضه

(3)

أي المرتهن للمرهون قُبِل إقراره إن أمكن

(4)

(ثم) إن (قال لم يكن إقراري عن حقيقة فله) أي الراهن (تحليفه)

(1)

. خلافا للشهاب الرملي.

(2)

. ورد الشارح ما أقره الأسنى والمغني من أن ليس كل ظلم خال عن التأويل مفسقا.

(3)

. رد الشارح ما أقره المغني من أن الأولى التعبير بإقباضه.

(4)

. أما إن لم يمكن كقول من بمكة رهنت داري اليوم بالشام وأقبضته إياه فهو لغو.

ص: 165

وَقِيلَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا جَنَى المَرْهُونُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ المُنْكِرُ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ المُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الجِنَايَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ المُرْتَهِنُ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى المَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِذَا حَلَفَ بِيعَ فِي الجِنَايَةِ ....

أي المرتهن أنه قبض المرهون قبضا صحيحا; لأنا نعلم أن الوثائق يشهد فيها غالبا قبل تحقيق ما فيها، ويأتي ذلك في سائر العقود وغيرها كإقرار مقترض بقبض القرض وبائع بقبض الثمن، (وقيل لا يحلفه إلا أن يذكر لإقراره تأويلا كقوله أشهدت على رسم) أي: كتابة (القَبالة) -أي الورقة التي يكتب فيها الحق والتوثق- لكي أُعْطَى بعد ذلك; لأنه إذا لم يذكر تأويلا يكون مكذبا لدعواه بإقراره السابق.

[فرع] الشرط في إقباض الرهن عدم الصارف فقط، ولذا لو دفع الراهن الرهن للمرتهن من غير قصد إقباضه عن الرهن كفى

(1)

؛ لأنه سبق له مقتضٍ، ولو رهن وأقبض ما اشتراه ثم ادعى فساد البيع سمعت دعواه لتحليف المرتهن، وكذا بينته إلا إن كان قال هو ملكي غير معتمد على ظاهر العقد (ولو قال أحدهما) أي الراهن أو المرتهن (جنى المرهون) بعد القبض، أو قال المرتهن جنى قبل القبض (وأنكر الآخر صدق المنكر بيمينه) على نفي العلم بالجناية إلا أن ينكرها الراهن فعلى البت; لأن الأصل عدمها وبقاء الرهن، وإذا بيع للدين فلا شيء للمقر له على الراهن المقر ولا يلزمه تسليم الثمن إلى المرتهن المقر؛ مؤاخذة له بإقراره. ولو نكل المنكر هنا جرى فيه ما يأتي من حلف المجني عليه ثم يباع العبد أو بعضه للجناية، (ولو قال الراهن جنى) على زيد (قبل القبض) بعد الرهن أو قبله وأنكر المرتهن وادعى زيد ذلك (فالأظهر تصديق المرتهن بيمينه في إنكاره) الجناية؛ صيانة لحقه فيحلف على نفي العلم (والأصح أنه إذا حلف) المرتهن (غرم الراهن للمجني عليه) ; لأنه حال بينه وبين حقه برهنه (و) الأصح (أنه يغرم له الأقل من قيمة العبد) المرهون (وأرش الجناية) كجناية أم الولد بجامع امتناع البيع (و) الأصح (أنه لو نكل المرتهن) عن اليمين (ردت اليمين على المجني عليه) ; لأن الحق له (لا على الراهن) ; لأنه لا يدعي لنفسه شيئا (فإذا حلف) المردود عليه (بيع) العبد (في الجناية) إن استغرقت قيمته

(1)

. خلافا للنهاية.

ص: 166

وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِ المَرْهُونِ فَبِيعَ وَرَجَعَ عَنِ الْإِذْنِ وَقَالَ رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الرَّاهِنُ بَعْدَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ المُرْتَهِنِ، وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ، وَقِيلَ يُقَسَّطُ

وإلا بيع منه بقدرها ولا يكون الباقي رهنا; لثبوتها باليمين المردودة (ولو أذن) المرتهن (في بيع المرهون فبيع ورجع عن الإذن وقال) بعد بيعه (رجعت قبل البيع وقال الراهن) بل (بعده فالأصح تصديق المرتهن) بيمينه; لأن الأصل استمرار الرهن، والمسألة مفروضة فيما لو صدق الراهن المرتهن في رجوعه أما إن أنكر الرجوع من أصله فالمصدق الراهن كما لو أذن، وبهذا يفرق بين هذا وما يأتي في دعوى الموكل أنه عزل وكيله قبل بيعه; لأن الأصل عدم الانعزال قبله من غير معارض، وأفهم المتن أن الفرض أن الراهن صدق على الرجوع، فإن أنكره من أصله صدق بيمينه كما لو أذن الراهن في البيع ثم ادعى الرجوع وأنكره المرتهن من أصله فإنه المصدق بيمينه. (ومن عليه ألفان) مثلا (بأحدهما رهن) أو كفيل مثلا (فأدى ألفا وقال أديته عن ألف الرهن صدق بيمينه) ; لأنه أعرف بقصده، ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه إن أجبر الدائن على القبول بأن كان المدفوع من جنس حقّه ولا غرض له في الامتناع -سواء ظنّه الدائن وديعة أو هدية أم لا- أما إن كان لا يجبر على القبول فلا يقع عنه إلا برضاه (وإن لم ينو) حالة الدفع (شيئا جعله عما شاء) منهما; لأن التعيين إليه ولم يوجد حالة الدفع، فإن مات قبل التعيين قام وارثه مقامه فإن تعذر ذلك جُعِل بينهما نصفين. وإذا عيّن انفك الرهن من حين الدفع كما في الطلاق المبهم (وقيل يقسط) بينهما؛ إذ لا أولوية لأحدهما على الآخر، ولو نوى جعله عنهما جُعل بينهما بالسوية لا بالقسط; لأن تشريكه بينهما حالة الدفع اقتضى أنه لا تميز لأحدهما على الآخر، ولو تنازعا عند الدفع فيما يؤدي عنه تخير الدافع، نعم لو كان للسيد على مكاتبه دين معاملة فله الامتناع من إقباضه عن النجوم حتى يوفي غيرها فإن أعطاه ساكتا

(1)

ثم عينه المكاتب للنجوم صدق.

(1)

. أي السيد كما قاله الكردي، وقضية كلامهما أن الضمير للمكاتب.

ص: 167

فصل

مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ تَعَلُّقَهُ بِالمَرْهُونِ،

(فصل) في تعلق الدين بالتركة

(من مات) أو استُرِقّ

(1)

(وعليه دين) لله تعالى أو لآدمي -غير الوارث

(2)

قلّ أو كثر- ما عدا لقطة تملكها; لأن صاحبها قد لا يظهر فيلزم دوام الحجر لا إلى غاية. أما ما أيس من معرفة صاحبه كالدين الذي انقطع خبر صاحبه فهو يصير من أموال بيت المال وحينئذٍ فرهن التركة باقٍ وليس للوارث إفراز قدر دين الغائب ثم التصرف في الباقي بل عليه رفع الأمر لقاضٍ أمين يبيع المال ويدفعه لمتولي بيت المال العادل أو يأذن للوارث بفعل ذلك، أما إن لم يوجد المتولي العادل فلقاضٍ أمين أو ثقة عارف أخذُهُ ليصرفه في مصارفه أو يتولى الوارث ذلك إن عرفه ويغتفر اتحاد القابض والمقبض هنا؛ للضرورة، ومثل الوارث من عليه دين أيس من معرفة صاحبه، هذا إن قبله القاضي

(3)

وإلا فإن امتنع منه أو لم يكن ثمّ قاضٍ أمين ودام انقطاع خبر الدائن فيلحق باللقطة، وكالدين فيما ذكر الوصية المطلقة فيتمنع التصرف في كل التركة وكذا الوصية بعين معينة فيتمنع التصرف في تلك العين حتى يرد الموصى له أو يمتنع من القبول. وللموصى له فداء الموصى به كالوارث (تعلق

(4)

بتركته

(5)

-الزائدة على مؤن التجهيز- التي لم ترهن في الحياة، فإن رُهنت التركة في الحياة لم يزاحم ذلك الدين المرهون به

(1)

. كما أشار إليه الشارح في التفليس.

(2)

. أما دين الوارث الحائز فيسقط إن ساوى التركة أو نقص، وإلا سقط منه بقدرها، ودين أحد الورثة يسقط منه قدر ما يلزمه أداؤه منه لو كان لأجنبي.

(3)

. أي؛ لأنه لا يجوز له أخذ الدين لأن بقاء الدين في الذمة أحرز منه في يده، ومثله عين مضمونة كما رجحه الشارح قبيل القسمة بخلاف العين التي هي أمانة، والكلام في مدين ثقة مليء وما لم يخف الفوات وإلا وجب أن يأخذه عينا كان أو دينا.

(4)

. فبمجرد الموت تحل جميع الديون إلا دين مسلم تحمل عنه بيت المال فمات وفي كتاب التفليس كلام يتعلق بما هنا فانظره 5/ 121.

(5)

. ذكر الشارح آخر باب معاملة الرقيق أن العبد المأذون لو أقر بأنه أخذ من سيده ألفا للتجارة أو ثبت ببينة وعليه ديون ومات لم يحصل السيد إلا ما فضل من الديون؛ لأنه المفرط 4/ 493.

ص: 168

وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالجَانِي، فَعَلَى الْأَظْهَرِ يَسْتَوِي الدَّيْنُ المُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ ظَاهِرٌ فَظَهَرَ دَيْنٌ بِرَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ

في الحياة دينا آخر، فإن رهن بعض التركة في الحياة تعلق الدين بباقيها أيضا وإن وفّى به الرهن; لأنه ربما تلف فتبقى ذمة الميت مرهونة (تعلقه بالمرهون

(1)

وإن ملكها الوارث كما يأتي أو أذن له الدائن في أن يتصرف فيها لنفسه; لأنه أحوط للميت، ولذا إن مات شخص وفي ذمته حج حُجر على الوارث حتى يتم الحج عنه. ولو باع لقضاء الدين بإذن الغرماء -لا بعضهم إلا إن غاب وأذن الحاكم عنه- بثمن المثل صح وكان الثمن رهنا؛ رعاية لبراءة ذمة الميت، ولتلك الرعاية تمنع القسمة -وإن رضي الدائن- إذا كانت التركة شائعة مع حصة شريك الميت وكانت القسمة قسمة إجبار، ولم تحصل بالقسمة الرغبة في اشتراء ما يتميز، أما إن كانت غير بيع وحصل بها الرغبة فتجوز برضا الدائن. ولا يصح إيجار شيء من التركة لقضاء الدين وإن أذن الغرماء؛ لأن فيه ضررا على الميت ببقاء رهن نفسه إلى انقضاء مدة الإجارة. (وفي قول كتعلق الأرش بالجاني) ; لأن كلا منهما ثبت شرعا بغير رضا المالك (فعلى الأظهر

(2)

يستوي الدين المستغرق وغيره) وما علمه الوارث وما جهله

(3)

في رهن جميع التركة به فلا يصح تصرف الوارث في شيء منها ولو بالرهن (في الأصح)؛ مراعاة لبراءة ذمة الميت، نعم لو زاد الدين عليها ولم ترهن به في الحياة لم تكن رهنا إلا بقدرها منه فإذا وفى الوارث ما خصه أو الورثة قدرها انفك في الأول وانفكت في الثاني عن الرهنية (ولو تصرف الوارث ولا دين ظاهر) ولا خفي (فظهر) أي طرأ (دين برد مبيع بعيب) أو خيار وقد تلف ثمنه أو بتردٍّ ببئر حفرها تعديا قبل موته (فالأصح أنه لا يتبين فساد تصرفه) ; لأنه وقع سائغا ظاهرا وباطنا -

(1)

. نعم ذكر الشارح في الوصية أن المدين لو مات عن تركة غائبة إلا أعيانا أوصى بها وهي تخرج من الثلث أن الأمر يوقف إلى حضور الغائب ولا تباع تلك الأعيان في الدين نظرا لمنفعة الغرماء 7/ 28، وذكر في موضع آخر أنه لو ردَّ الوصية الموصى له بها كانت الزوائد بعد الموت للورثة وليست من التركة فلا يتعلق بها دين 7/ 39.

(2)

. في تعبيره بالأظهر بحث بين الشراح فانظره.

(3)

. نعم أفاد الشارح في باب الحوالة أن معنى قولهم أن الميت لا ذمة له بالنسبة للإلزام لا الالتزام 5/ 234.

ص: 169

لَكِنْ إنْ لَمْ يُقْضَ الدَّيْنُ فُسِخَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ،

أما إذا كان ثم دين مقارن للتصرف ظاهرا أو خفي فيتبين بطلانه من أصله- (لكن إن لم يُقض الدين فسخ) الحاكم تصرفه، نعم لو أعتق الوارث عبد التركة أو أولد أمتها وهو موسر نفذ وإن كان الدين موجودا حال العتق فيلزمه قيمته.

[تنبيه] لو اقتسم الورثة التركة فظهر دين وقد أعسر بعضهم جُعل ما مع المعسرين كأنه كلها فيأخذ الدائن كل دينه ثم إذا أيسر المعسر يرجع عليه بقدر حصته، ولو قسمت التركة بين غرماء فظهر غريم فكما هنا

(1)

. (ولا خلاف أن للوارث إمساك عين التركة وقضاء الدين) الذي يلزمه قضاؤه وهو الأقل من القيمة والدين فإن استويا تخير أو نقصت القيمة لم يلزمه أكثر منها فاللازم له هو الأقل منهما (من ماله) ; لأنه كان للميت ذلك و هو خليفته، ومن ثم لم يجز لوصي ولا لقاض بيعها إلا بإذن الوارث الحاضر

(2)

، نعم لو أوصى بدفع عين إليه عوضا عن دينه أو على أن تباع ويوفى دينه من ثمنها عُمل بوصيته وامتنع على الوارث إمساكها والقضاء من غيرها; لأنها قد تكون أحل من بقية أمواله، وكذا لو أوصى ببيع عين من ماله لفلان لكن إن قصد بتخصيصه معنىً يعود نفعه على المشتري كأن قال بدون ثمن المثل أو بغير نقد البلد أو بمؤجل أو نحو ذلك، ومنه أن يكون له غرض في خصوص تلك العين ولو بأزيد من ثمن مثلها. أما لو قال بثمن المثل الحال من نقد البلد أو أطلق ولم يعرف له غرض في تلك العين فلا تصحّ الوصية; لأنها كالعبث.

[تنبيه] محل قولهم للوارث إمساك التركة والقضاء من ماله حيث لم يكن الدين من جنس التركة وإلا فإن أراد إعطاءه من غير التركة ما هو من جنس دينه فورا أجبر الدائن على القبول; لأن امتناعه حينئذ تعنت. وإن أراد إعطاءه من غير الجنس أو مع تأخير لغير ضرورة فله الأخذ بالظفر إن وجدت شروطه؛ لتعديه بمنع الجنس أو بالتأخير، ويتحصل مما مرّ أن شرط استقلال الوارث بقضاء دين الميت ووديعته كون الوارث حائزا وقصده البيع للوفاء وإذن الغريم له فيه صريحا فلو باع الوارث شيئا من التركة للغريم بلا إذن لم يصح; لأن إيجابه

(1)

. ذكره الشارح في كتاب التفليس.

(2)

. ولو أذن وارث للغريم في بيع التركة أتى فيه ما تقدم في الرهن 5/ 84.

ص: 170

وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَالكَسْبِ وَالنِّتَاجِ

وقع باطلا فلم يصح قبوله له، نعم إن كان في الورثة محجور عليه أو غائب ولم يوص الميت بقضاء الدين تولى القاضي قضاءه. ومتى باع الحاكم أشترط عرضه على الورثة أو أوليائهم ويخيرهم -بعد انتهاء قيمته إلى ثمن معلوم إما بالإشهار والنداء عليه وعرضه على ذوي الرغبات الأيام المتوالية وإما بتقويم عدلين خبيرين- بين الوفاء من مالهم وبيعه بما انتهى إليه

(1)

. ولو زاد الدين على التركة فطلب الوارث أخذها بالقيمة ولا شبهة في ماله -أي والتركة ومال الغريم لا شبهة فيه- وقال الغريم تباع رجاء الزيادة أجيب الوارث فإن الأصل عدم الراغب، نعم لو قال الغريم أنا آخذها بكل الدين أجيب؛ لتحقق سقوط الدين عن ذمته

(2)

(والصحيح أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث)؛ لأن تعلق الرهن أو الأرش لا يمنع الملك في المرهون، ولذا يجبر الوارث على وضع يده عليها وإن لم تف بالدين ليوفي ما ثبت منه; لأنه خليفة مورثه فإن امتنع ناب عنه الحاكم، (ولا يتعلق) الدين (بزوائد) منفصلة

(3)

حادثة بعد الموت -والمراد بالموت هنا آخر الزهوق ولا أثر لشخوص البصر

(4)

- بخلاف الحادثة معه أو قبله فهي تركة

(5)

(التركة كالكسب والنتاج) بأن كان الموجب للأجرة كالصنعة من عبيد التركة مثلا أو كان العلوق بالحمل من أمة أو بهيمة من التركة واقعا بعد الموت، ويلحق بذلك ما لو مات عن زرع طول السنبلة منه ذراع فطالت بعد الموت ذراعا آخر فهذا الذراع للوارث; لأنه زيادة متميزة فكانت كالمنفصلة. وأما الحب المنعقد بعد ذلك فيأتي حكمه. وأما لو مات عن نحو نخل وقد برز طلعه أو نحوه كالنَوَر -وجد تأبر أم لا- أو علقت بالحمل قبل الموت أو معه فالثمرة والحمل تركة فيتعلق به الدين؛ بناء على الأصح أن الحمل يعلم وأولى منه الطلع فيما ذكر، ومثله إسبال الزرع

(6)

فإن وقع بعد الموت فاز بحبّه

(1)

. كما نص عليه الشارح في كتاب التفليس.

(2)

. ورد الشارح ما اعتمداه من أنه لو تعلق الدين بعين التركة لم يكن للورثة إمساكها.

(3)

. وظاهر كلام الرملي الإطلاق.

(4)

. لأنه بعد خروجها.

(5)

. ويتعلق الدين كالوصية بالدية؛ لأنها تثبت للمورث ابتداء، كما قاله الشارح في الجراح 8/ 391.

(6)

. أي خرج سنابله.

ص: 171

الوارث أو معه أو قبله فتركة، ثم ما حكم بأنه للوارث وتعذرت قسمته وبيعه؛ لعدم رؤيته مثلا ينتظر وضعه وحصاده وما لا يتعذر فيه ذلك كالطائل من السنابل وكالثمر الذي لم يؤبر يقومان بعد الموت وقبله فما خصّ الزائد للوارث وما عداه تركة. وفي زيادة المبيع إذا رُدّ بنحو عيب تفصيل يأتي كثير منه هنا ومنه قولهم وطلع وثمرة حادثان بعد عقد الشراء للمشتري كالحمل الحادث حينئذ بخلاف الصوف عند الشيخين; لأنه لما اتصل باللحم أشبه السمن والنابت عند المشتري من أصول ما لا يدخل في البيع كالكراث للمشتري; لأن الحادث منها ليس تبعا للأرض والبيض كالحمل.

[فرع] ما قبضه أحد الورثة من دين مورثه يشاركه فيه البقية، نعم لو أحال وارث على حصته من دين مورثه فقبضها المحتال فلا يشاركه أحد فيها; لأنه قبضها عن الحوالة لا الإرث.

ص: 172

‌كتاب التفليس

مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَلَا حَجْرَ بِالمُؤَجَّلِ، وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ المُؤَجَّلُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ كَانَتِ الدُّيُونُ بِقَدْرِ المَالِ فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا حَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ

(كتاب التفليس)

هو حجر الحاكم على المدين بشروطه الآتية وصح ((أنه صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ في ماله وباعه في دينه وقسمه بين غرمائه)) (مَن عليه) دين أو (ديون) لله تعالى إن كان فوريا

(1)

أو لآدمي (حالة) لازمة (زائدة على ماله) الذي يتيسر الأداء منه ولو دينا حالا على مليء مقر

(2)

أو عليه به بينة بخلاف نحو منفعة ومغصوب وغائب ودين ليس كذلك فلا تعتبر زيادة الدين عليها; لأنها بمنزلة العدم. أما إذا لم يكن له مال فلا حجر عليه بخلاف من له مال مرهون فلهم الحجر لمنع تصرفه فيه بإذن المرتهن وفيما عساه يحدث بنحو اصطياد وبهذه فارق ما مر في التركة المرهونة في الحياة; لأن ما يحدث منها ملك الورثة فلا فائدة للحجر فيها ما دام الرهن متعلقا بها (يحجر عليه) من الحاكم بلفظ حجرت وكذا منعت من التصرف وجوبا في ماله إن استقل وإلا فعلى وليه في مال المولى (بسؤال الغرماء) أو ولي المحجور منهم؛ للخبر المذكور (ولا حجر) بدين لله تعالى غير فوري كنذر مطلق وكفارة لم يعص بسببها ولا بدين غير لازم كمال كتابة؛ إذ لا مطالبة بما مر مطلقا، ولا (بالمؤجل) ; إذ لا مطالبة بذلك حالا (وإذا حجر) عليه (بحال لم يحل المؤجل في الأظهر)؛ لبقاء الذمة بحالها، وبه فارق الموت ومثل الموت الاسترقاق لا الجنون ولا الردة إلا إن اتصلت بالموت، ويحلّ بالموت أيضا أجرة من استأجر محلا بأجرة مؤجلة ومات قبل حلولها وقبل استيفاء المنفعة (ولو كانت الديون بقدر المال فإن كان كسوبا ينفق من كسبه فلا حجر)؛ لعدم الحاجة إليه بل يلزمه الحاكم بقضاء الدين فإن امتنع تولى بيع ماله أو أكرهه بالضرب والحبس إلى أن يبيعه ويكرر ضربه لكن يمهل في كل مرة حتى يبرأ من ألم الأولى؛ لئلا يؤدي إلى قتله. (وإن لم يكن كسوبا وكانت نفقته من ماله فكذا) لا حجر (في الأصح)؛ لتمكنهم من مطالبته حالا، نعم لو طلب الغرماء الحجر في

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه لا حجر بدين الله ولو فوريا.

(2)

. وقيد الرملي بكونه حاضرا.

ص: 175

وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْحَجْرَ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ حُجِرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ المُفْلِسِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِذَا حُجِرَ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ. وَلْيُشْهِدْ عَلَى حَجْرِهِ لِيُحْذَرَ

المساوي أو الناقص بعد امتناعه نُظر فإن

(1)

كان ذلك الدين نحو ثمن حُجِر عليه بالحجر الغريب

(2)

أو كان إتلافا فلا حجر مطلقا (ولا يحجر بغير طلب) من الغرماء; لأنه لمصلحتهم وهم أصحاب نظر، نعم لو ترك ولي المحجور السؤال فعله الحاكم وجوبا؛ نظرا لمصلحة المحجور. ولا يحجر لدين غائب رشيد بلا طلب كما لا يستوفي دينه، نعم إن كان المدين غير ثقة مليء وعرضه على الحاكم لزمه قبضه إن كان الحاكم أمينا وإلا حرم، وبحث شارح جواز الحجر على غريمِ مفلسٍ محجورٍ عليه ميتٍ من غير التماس؛ نظرا لمصلحة الميت، أو حي التمس غرماؤه

(3)

وإن لم يلتمس ذلك الحي، (فلو طلب بعضهم الحجر ودينه قدر يحجر به) بأن زاد على ماله (حجر) عليه؛ لوجود شرطه ثم لا يختص أثره بالطالب (وإلا) يحجر به (فلا) يجاب; لأن دينه يمكن وفاؤه بكماله فلا ضرورة به إلى طلب الحجر. (ويحجر) جوازا (بطلب المفلس) أو وكيله بعد ثبوت الدين عليه ولو بعلم القاضي ويتوقف ثبوت الدين على دعوى الغريم وإقامة البينة مثلا ثم يطلب المفلس الحجر (في الأصح)؛ لظهور غرضه فيه. (فإذا حجر تعلق حق الغرماء)؛ ليحصل الغرض المقصود من الحجر (بماله) منفعة وعينا ودينا ولو مؤجلا فلا يصح إبراؤه منه ولا ينفذ تصرفه فيه بما يضرهم، نعم لو استأجر شخص عينا من المفلس قُدِّم على الغرماء بمنفعتها إن استأجر قبل الفلس سواء تسلم العين قبل الفلس أو بعده، ويجوز لعاقد حُجر عليه زمن الخيار فسخ وإجازة على خلاف المصلحة؛ لعدم أو ضعف تعلق حقهم بالمعقود عليه حينئذ. وخرج بحق الغرماء حق الله تعالى غير الفوري كزكاة وكفارة ونذر فلا يتعلق بمال المفلس (وليشهد) الحاكم ندبا (على حجره) أي المفلس، ويسن أن يأمر بالنداء عليه بأن الحاكم حَجَرَ عليه (ليحذر)

(1)

. اعتمدا جواز الحجر مطلقا.

(2)

. تقدم بيان الحجر الغريب.

(3)

. قال ابن قاسم: مع أنهم ليسوا غرماء المدين الذي يراد الحجر عليهم.

ص: 176

وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ فَفِي قَوْلٍ يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ، فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنِ الدَّيْنِ نَفَذَ وَإِلَّا لَغَا، وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِمْ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ. وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَاقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ،

في المعاملة

(1)

. (و) بالحجر يمتنع عليه التصرف في أمواله ولو ما اكتسبه بعد الحجر، وحينئذ (لو باع أو وهب) أو أبرأ (أو أعتق) أو وقف أو آجر (ففي قول يوقف تصرفه فإن فضل ذلك عن الدين) لنحو إبراء أو ارتفاع قيمة (نفذ) حالا منه أي بان نفوذه (وإلا) يفضل (لغا) أي بان إلغاؤه (والأظهر بطلانه) حالا؛ لتعلق حق الغرماء بما يصرفه فيه، نعم يصح تصرفه فيما يتقدم به عليهم كثياب بدنه وفيما يدفعه القاضي لنفقته ونفقة ممونه بأن يصرفه فيها، ويصحّ أيضا تدبيره ووصيته؛ لتعلقهما بما بعد الموت وكذا إيلاده

(2)

كإيلاد الراهن

(3)

المعسر. ويضمن مدين مفلس أقبضه دينه بعد الحجر وإن جهله أو أذن له فيه حاكم إلا إن كان مذهب الحاكم جواز إقباض دين المفلس له، (فلو باع ماله) كله أو بعضه (لغرمائه بدينهم بطل) إن لم يأذن فيه الحاكم (في الأصح) وإن وجدت شروط البيع السابقة؛ لبقاء الحجر عليه، أما بإذنه فيصح جزما. (فلو) تصرف في ذمته كأن (باع) في ذمته غير سلم أو (سلما أو اشترى) أو استأجر أو اقترض شيئا (في الذمة فالصحيح صحته ويثبت) المبيع في الأولى والبدل فيما بعدها (في ذمته) ; إذ لا ضرر على الغرماء فيه (ويصح نكاحه

(4)

ورجعته (وطلاقه وخلعه) إن كان زوجا وإلا لم ينفذ من الزوجة والأجنبي بالعين

(5)

(واقتصاصه وإسقاطه) القصاص ولو مجانا

(6)

; لأنه الواجب عينا واستلحاقه النسب ونفيه ولعانه وإجازة وصية زادت على الثلث.

(1)

. والأصح جواز معاملة من لا يعرف رشده وسفهه إلا الغريب فيجوز جزما، كما أفاده الشارح في معاملة الرقيق 4/ 490.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. وتصح إعارته لعين زمنا لا يقابل بأجرة كما يأتي في العارية 5/ 411.

(4)

. وليس له أن ينكح أمة؛ لأنه متهم في دعواه خوف الزنا لأجل الغرماء، نعم تحل له باطنا لعجزه أفاد ذلك الشارح في كتاب النكاح 7/ 317.

(5)

. وأما في الذمة ففيه خلاف السلم.

(6)

. يأتي تفصيل ذلك في فصل موجب العمد 8/ 447.

ص: 177

وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الحَجْرِ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ، أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ، وَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الحَجْرَ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطِيَادِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ إنْ صَحَّحْنَاهُ،

(ولو أقر) -أو نكل عن اليمين في دعوى مال لزمه قبل الحجر فحلف المدعي

(1)

- (بعين) مطلقا (أو دين وجب) ذلك الدين (قبل الحجر) بنحو معاملة وإن لم يلزم إلا بعد الحجر (فالأظهر قبوله في حق الغرماء) فيأخذ المقر له العين ويزاحم في الدين; لأن الضرر في حقه أكثر منه في حقهم فتبعد التهمة بالمواطأة لكن اختير المقابل لغلبتها الآن، ولو طلبوا تحليفه لم يجابوا; لأنه لو رجع لم يقبل بخلاف المقر له فيجابون لتحليفه

(2)

وإن لم يكن المقر محجورا عليه (وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر بمعاملة)؛ لم يزاحمهم؛ لتقصيره (أو مطلقا) عن التقييد بمعاملة أو غيرها أو بما قبل الحجر أو بعده (لم يقبل في حقهم)؛ لأن الإطلاق ينزل على أقل المراتب وهو دين المعاملة، ومحل عدم القبول في صورة الإطلاق إن تعذرت مراجعته وإلا عمل بتفسيره. (وإن قال عن جناية) ولو بعد الحجر (قُبِل في الأصح)؛ لعدم تفريط المقر له، ومثل دين الجناية ما حدث بعد الحجر وتقدم سببه عليه كانهدام ما آجره قبل إفلاسه. والحاصل أن ما وجب عليه بعد الحجر إن كان برضا مستحقه لم يقبل وإلا قبل وزاحم الغرماء (وله) جوازا (أن يرد بالعيب ما كان اشتراه) قبل الحجر، وكذا بعده إن اشتراه بثمن في ذمته (إن كانت الغبطة في الرد)؛ لأنه أحظ له وللغرماء، وقد يجب الرد إن عصى بسبب الدين

(3)

، فإن كانت الغبطة في إمساكه أو لا غبطة فيه ولا في الرد

(4)

امتنع الرد. ولا أرش هنا مطلقا (والأصح تعدي الحجر) بنفسه (إلى ما حدث بعده بالاصطياد) وغيره من سائر الأكساب وإن زاد المال على الديون (والوصية والشراء) في الذمة (إن صححناه) وهو الراجح

(1)

. لأن اليمين المردودة كالإقرار.

(2)

. خلافا للرملي.

(3)

. كما أشار إليه الشارح آخر الكتاب.

(4)

. على الأوجه كما في الفتح.

ص: 178

وَأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَفْسَخَ، وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ عَلِمَ الحَالَ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإذَا لَمْ يَمْكُنِ التَّعَلُّقُ بِهَا لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ.

فصل

يُبَادِرُ الْقَاضِي بَعْدَ الحَجْرِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ،

كما مر وإن زاد دينه بانضمام هذا إليه; لأن مقصود الحجر وصول الحقوق إلى أهلها وذلك لا يختص بالموجود، نعم لو وهب له بعضه أو أوصى له به وتم العقد عتق عليه. (و أنه ليس لبائعه) أي المفلس في الذمة (أن يفسخ، ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال)؛ لتقصيره (وإن جهل فله ذلك) وله أن يزاحمهم

(1)

بثمنه؛ لعذره (و) الأصح أنه (إذا لم يمكن التعلق بها) لعلمه (لا يزاحم الغرماء بالثمن) ; لأنه دين حادث بعد الحجر برضا مستحقه فإن فضل شيء عن دينهم أخذه وإلا انتظر اليسار. أما ما وجب لا برضا مستحقه فيزاحمهم به.

(فصل) في بيع مال المفلس وقسمته وتوابعهما

(يبادر) ندبا (القاضي

(2)

أي قاضي بلد المفلس (بعد الحجر) على المفلس (ببيع ماله) بقدر الحاجة (وقسمه) أي ثمنه (بين الغرماء) بنسبة ديونهم أو بتمليكه لهم كذلك إن رآه مصلحة، وندبت المبادرة؛ لتضرر المفلس بطول الحجر والغريم بتأخير الحق لكن لا يفرط في الاستعجال خشية من بخس الثمن، ويجب كما يأتي البدار لبيع ما يخشى فساده أو فواته بالتأخير، ولا يتولى بنفسه أو مأذونه

(3)

بيع شيء له حتى يثبت عنده -ولو بعلمه- أنه ملكه ولا يكفي مجرد اليد إلا إذا انضم إليها تصرف طالت مدته وخلا عن منازع

(4)

، ولو كانت العين بيد المرتهن أو الوارث كفى إقراره بأنه له; لأن قول ذي اليد حجة في الملك. وغير المفلس لا يتعين فيه تولي الحاكم للبيع بل له بيعه أو إجباره عليه، ولو عين المدعي أحدهما لم يتعين.

(1)

. وفاقا للمنهج والمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. نعم له إقراض مال المفلس إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة بشروط مرَّت في القرض 5/ 41.

(3)

. يشمل المفلس خلافا للمغني.

(4)

. خلافا للنهاية في اعتماد الاكتفاء بها مطلقا.

ص: 179

وَيُقَدِّمُ مَا يُخَافُ فَسَادُهُ، ثُمَّ الحَيَوَانَ ثُمَّ المَنْقُولَ ثُمَّ الْعَقَارَ. وليُبَعْ بحَُِضرة المُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ

[تنبيه] جميع الحقوق المتعلقة بعين التركة المقدمة على ذوي الديون المرسلة في الذمة تقدم هنا على الغرماء

فيقدم مرتهن بالمرهون ومجني عليه بأرش الجناية من رقبة العبد الجاني، ومن له حبس الثوب لنحو قصارة وخياطة بالثوب حتى يُقْضى الأجرة، ومستحق حق فوري كزكاة فيقدم عليهم كما بعد الموت. (ويقدم) في البيع (ما) يسرع ثم ما (يخاف فساده) كهريسة وفاكهة ثم ما تعلق بعينه حق كمرهون (ثم الحيوان) ; لأنه معرض للتلف وله مؤنة (ثم المنقول) ; لأنه يخشى ضياعه (ثم العَقار) مقدما البناء على الأرض ثم المدبّر

(1)

، ويندب هذا الترتيب في غير ما يسرع فساده وغير الحيوان، أما فيهما فواجب، وقد يجب تقديم نحو عقار؛ للخوف عليه من ظالم. (وليُبَع) ندبا (بحَُِضرة المفلس) أو وكيله (وغرمائه) أو نوابهم; لأنه أنفى للتهمة، وليبين المفلس ما في ماله من مرغِّب ومنفِّر؛ لأن الغرماء قد يزيدون في الثمن، والأولى تولي المفلس للبيع بإذن الحاكم لتطيب نفس المشتري، وندباً أيضا (كل شيء في سوقه) وقت قيامه; لأن طالبيه فيه أكثر فإن بيع في غيره بثمن مثله جاز كما لو استدعى

(2)

أهل السوق إليه لمصلحة كتوفر مؤنة الحمل، نعم لو تعلق بالسوق غرض ظاهر وجب. وإنما يجوز بيع مال المفلس (بثمن مثله حالا من نقد البلد) أي: محل البيع; لأنه المصلحة، ومن ثم لو رآها الحاكم في البيع بمثل حقوقهم جاز. ولو رضي المفلس والغرماء بمؤجل أو غير نقد البلد أو بغبن فاحش جاز

(3)

، ولو ظهر هنا راغب بأكثر في زمن الخيار وجب الفسخ وإلا انفسخ بنفسه كما مر في الرهن

(4)

. ولو تعذر مشتر بنقد البلد وجب الصبر أو تعذر ثمن المثل بأن لم يدفع في المبيع شيء أو دفع ورجيت الزيادة وجب الصبر أيضا

(5)

، أما لو دفع فيه شيء بعد النداء والإشهار ولم ترج الزيادة فيه الآن بيع؛ لأن ثمن المثل ما يرغب به وقت إرادة البيع لا مطلقا،

(1)

. فهو مستثنى من الحيوان.

(2)

. ظاهره جواز الاستدعاء حينئذ وظاهر المغني وصريح النهاية أنه واجب.

(3)

. جزما بالجواز في الأولين، وتبرأ منه الشارح، ثم مال إليه وخالفه في جواز الأخير الرملي فيما نقله علي الشبراملسي عنه.

(4)

. مع ما يتعلق به.

(5)

. خالفاه في الصورتين فاعتمدا وجوب الصبر في الرهن الشرعي أو الجعلي.

ص: 180

ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ اشْتُرِيَ، وَإِنْ رَضِيَ جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إلَيْهِ إلَّا فِي السَّلَمِ. وَلَا يُسَلِّمُ مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، وَمَا قَبَضَهُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ فَيُؤَخَّرُ لِيَجْتَمِعَ،

ويجري ذلك في بيع مال ممتنع ويتيم وغائب لوفاء ما عليه. نعم الأوجه في قِنّ كافرٍ أسلم أنه لا يباع إلا بما يساويه في غالب الأوقات؛ لاندفاع الضرر بالحيلولة بينهما، وشرط ما مر أن لا يوجد للمدين ونحوه نقد أو مال آخر يقضى منه وإلا تعين.

[تنبيه] استشكل السبكي تصور ثبوت القيمة قبل البيع بأنه لا بد من تقدم دعوى على الشهادة بها; لأنه حق آدمي وكيف يدعي بها ولا إلزام فيها؟، وأجيب بأنها إن كانت مغصوبة ادعى مالكها قيمتها للحيلولة، فإن لم تكن مغصوبة نذر شخص التصدق على معين بقدر عشر قيمة هذه مثلا فيدعي المنذور له على الناذر بدرهم مثلا بحكم أنه نذر عشر قيمتها وأنه لزمه له النذر فينكر فيقيم البينة. (ثم إن كان الدين غير جنس النقد) الذي بيع به (ولم يرض الغريم إلا بجنس حقه اشتري) له جنس حقه وجوبا; لأنه واجبه والمراد بالجنس هنا ما يشمل النوع بل والصفة (وإن رضي) بغير جنس حقه وهو مستقل أو ولي والمصلحة للمولى في التعويض (جاز صرف النقد إليه إلا في) نحو (السلم) والمبيع والمنفعة في الذمة؛ لامتناع الاعتياض عنها، ومثله نجوم الكتابة

(1)

(ولا يسلم) الحاكم أو نائبه (مبيعا قبل قبض ثمنه) وإلا أثم وضمن إذا لم يكن باجتهاد أو تقليد صحيح وذلك; لأنه متصرف لغيره فيحتاط كالوكيل فإن تنازعا أجبر المشتري على التسليم أوَّلاً ما لم يكن نائبا لغيره فيجبران، نعم يستثنى

(2)

ما لو باع لغريم يحصل له مثل ثمن المثل عند القسمة فالأحوط بقاؤه في ذمته لا أخذه وإعادته إليه

(3)

.

[فرع] لا يجوز لغريم مفلس ولا ميت الدعوى على مدين ذلك المفلس أو الميت وإن ترك المفلس والوارث الدعوى عليه

(وما قبضه قسمه) ندبا إن لم يطلبوا وإلا فوجوبا (بين الغرماء) بنسبة ديونهم؛ مسارعة للبراءة (إلا أن يعسر) قسمه (لقلته) وكثرة الديون (فيؤخر ليجتمع) وإن

(1)

. كما رجحه الشارح في الشفعة.

(2)

. خلافا للمغني.

(3)

. ويستثنى أيضا ما لو قبض مالا قليلا يعسر قسمته كما يأتي.

ص: 181

وَلَا يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ، فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ شَارَكَ بِالحِصَّةِ، وَقِيلَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ، وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ قَبْلَ الحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثَّمَنُ تَالِفٌ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ. وَإِنِ اسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الحَاكِمُ قُدِّمَ المُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ. وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَقْسِمَ مَالَهُ

أبى الغرماء؛ دفعا للمشقة كما لو ظهرت المصلحة في التأخير ويقرضه ندبا لموسر أمين غير مماطل وجده وقد ارتضاه الغرماء ولا يجب هنا رهن وإلا أودعه أمينا يرتضونه; لأن ببقائه بيده تهمة ما، نعم إبقاءه بذمة مشتر أمين موسر أولى من أخذه منه وإقراضه لمثله. (ولا يكلفون) عند القسمة إثباتا كـ (بينة بألا غريم غيرهم) ; لأن الحجر يشتهر فلو كان لظهر (فلو قسم فظهر غريم شارك بالحصة) ; لأن المقصود يحصل بذلك ولا تنقض القسمة، فلو قسم ماله وهو عشرون على غريمين لكلٍّ مائةٌ نصفين لكل عشرة فظهر غريم بمائة رجع على كل بثلث ما أخذه فإن كان أحدهما أتلف ما أخذه وهو معسر أخذ الثالث من الآخر خمسة وكأنّ ما أخذه كل المال فإذا أيسر المتلف أخذا منه ثلث ما أخذه واقتسماه نصفين. ولو قبض الحاكم حصة غائب فتلفت تحت يده لم يرجع الغائب على بقية الغرماء بشيء ولم تنقض القسمة; لأن الحاكم نائب عنه في القبض (وقيل تنقض القسمة) أي ترتفع من أصلها. وخرج بظهر ما حدث بعد القسمة فلا يضارب صاحبه إلا إن تقدم سببه كما لو انهدم ما آجره بعد القسمة. وكما في قوله (ولو خرج شيء باعه قبل الحجر مستحقا والثمن) المقبوض (تالف) قبل الحجر أو بعده (فـ) هو أي: مثله في المثلي وقيمته في المتقوم (كدين ظهر) من غير هذا الوجه فيقاسم المشتري الغرماء بلا نقض للقسمة وذلك؛ لثبوته قبل الحجر. أما غير التالف فيرده (وإن استحق شيء باعه) بعد الحجر (الحاكم) أو نائبه وثمنه المقبوض تالف (قدم المشتري بالثمن) أي بمثله أو قيمته على الغرماء رعاية لمصلحتهم؛ لئلا يرغب الناس عن شراء ماله (وفي قول يحاص الغرماء) كسائر الديون ولا يكون الحاكم وأمينه طريقين في الضمان (وينفق) الحاكم وجوبا من مال المفلس (على مَن عليه نفقته) من نفسه وقريبه لكن بعد طلبه أو طلب وليه، ومن زوجاته ومماليكه كأم ولده

(1)

، أي: يمونهم نفقة وكسوة وإسكانا وإخداما وتجهيزا لمن مات منهم (حتى يقسم ماله) ; لأنه ما لم يزل ملكه عنه موسر أي: بالنسبة لنفقة نحو القريب

(1)

. خلافا لهما فيها.

ص: 182

إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِكَسْبٍ، وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنِ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَعِمَامَةٌ وَمُكَعَّبٌ وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً،

فلا ينافي إعساره بالنسبة للزوجة، ولا يعطيه إلا نفقة المعسرين يوما بيوم، نعم لا ينفق منه على زوجة حادثة بعد الحجر، وإنما أنفق على ولده منه مطلقا; لأنه لا اختيار له فيه وإن كان إنما استلحقه بعد الحجر; لأن الاستلحاق متحتم عليه وبهذا فارق شراءه لابنه في الذمة; لأن له اختيارا فيه عرفا ولا كذلك الولد (إلا أن يستغني بكسب) بأن حصَّل منه شيئا فيكلف صرفه لهؤلاء، ولو كفى كسبه البعض تمم الباقي من ماله أو زاد رد الباقي لماله، وإن قَصّر بترك الكسب -الحلال الغير المزري به- أنفق عليهم الحاكم من ماله أيضا؛ لأنه يصدق أنه لم يستغن بكسبه (ويباع مسكنه) وإن احتاج إليه (وخادمه) ومركوبه (في الأصح وإن احتاج إلى) مركوب و (خادم لزمانته ومنصبه)؛ لضيق حق الآدمي مع سهولة تحصيل ذلك بالأجرة فإن فقدها فعلى مياسير المسلمين (ويترك له) أي لمن عليه نفقته الشامل لنفسه ولمن مر (دست ثوب) أي كسوة كاملة ولو غير جديدة بشرط أن يبقى فيها نفع عرفا لرأسه وبدنه ورجليه; لأن الحاجة لها كهي للنفقة فتشترى له إن لم تكن بماله (يليق به) حال الفلس ما لم يعتد دونه (وهو) في حق الرجل (قميص) ودُرَّاعَة

(1)

فوقه (وسراويل وعمامة) وما تحتها ومنديل وطيلسان (ومكعب) وهو المداس وخف وليس كل ما ذكر يتعين إلا لمن تختل مروءته بترك شيء منه; إذ الواجب من ذلك ما تختل المروءة بفقده (ويزاد في الشتاء جبة) محشوة وفي حق المرأة ما يليق بها من ذلك مع نحو مقنعة

(2)

وإزار ويسامح بلبد وحصير تافهي القيمة، ويظهر أن إناء الأكل أو الشرب التافه القيمة كذلك. وتترك للعالم كتبه التي يحتاجها ولو نادرا لعلم شرعي أو آلة له أو لطب أو وعظ، ولو تكررت عنده كتب في فن واحد بقيت كلها لمدرِّس والمبسوط لغيره، أو نسخ من كتاب بقي له أصحّها

(3)

ومحلّ ما مر حيث لم يستغنِ بموقوفة وإلا بيع ما عنده، ويترك أيضا خيل وسلاح جندي مرتزق لا متطوع إلا إن تعين

(1)

. هي اسم لما يلبس فوق القميص.

(2)

. وهي ما تغطي به المرأة رأسها به، مختار الصحاح.

(3)

. ذكر ذلك الشارح في قسمة الصدقات.

ص: 183

وَيُتْرَكُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ. وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ المَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ. وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ

عليه الجهاد ولم يجد غيرهما لا آلة الحرفة ولا رأس مال وإن قل إلا إن كان تافها ولم يحسن الكسب إلا به. وكل ما قيل يترك له ولم يوجد بماله اشترى له إلا نحو الكتب. ويباع المصحف مطلقا; إن سهلت مراجعة حفظته (ويترك قوت) ومؤن (يوم) أو ليلة (القسمة) بليلته التي بعده في الأول ونهاره كذلك في الثاني (لمن عليه نفقته) من نفسه وغيره ممن مر; لأنه موسر قبل القسمة، هذا كله إن لم يتعلق بجميع ماله حق لمعين وإلا كالمرهون لم ينفق عليه ولا على ممونه منه (وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجر نفسه لبقية الدين) ; لأنه تعالى أمر في المعسر بإنظاره ليساره ولم يأمره بكسب، نعم إن وجب الدين بسبب عصى به لزمه الاكتساب؛ لتوقف صحة توبته على أدائه، ولذا لم يعتبر هنا كونه غير مزرٍ به (والأصح وجوب إجارة) نحو (أم ولده و) نحو (الأرض) الموصى له بمنفعتها أو (الموقوفة عليه) حيث لم يخالف شرط الواقف مرة بعد أخرى إلى قضاء الدين; لأن المنفعة كالعين، نعم لا يجبر على إجارة الوقف إن ظهر تفاوت لا يتغابن به بسبب تعجيل الأجرة فعلم أن ضابط زمن كل مرة أن لا يظهر به تفاوت بسبب تعجيل الأجرة، ولو لم يفضل من غلة ذلك شيء عن مؤنة ممونه قدم

(1)

بها على الغرماء; لأنها تقدم في المال الخالص فالمنزل منزلته أولى.

[فرع] لا ينفك حجر المفلس بانقضاء القسمة ولا باتفاق الغرماء على رفعه

؛ لاحتمال غريم آخر، بل برفع القاضي لا غيره ما لم يتبين له مال فيتبين بقاؤه، وللقاضي فكه إذا لم يبق له غير المأجور والموقوف فيما عداهما (وإذا ادعى) المدين (أنه معسر أو قسّم ماله بين غرمائه) أو أن ماله المعروف تلف (وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا فإن لزمه الدين في معاملة مال) يغلب بقاؤه (كشراء أو قرض) وادعى تلفه (فعليه البينة) بالإعسار وكذا بالتلف -سواء تلف بسبب خفي أو ظاهر- أو بقسمته بخصوصه بين الغرماء، وإنما وجبت البينة؛ لأن الأصل بقاء ما وقعت عليه المعاملة، ولو قال المدين لي بينة بالتلف أو الإعسار وطلب خصمه

(1)

. خلافا لهما.

ص: 184

وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي الحَالِ، وَشَرْطُ شَاهِدِهِ خِبْرَةُ بَاطِنِهِ، وَلْيَقُلْ هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا،

حبسه أمهل ثلاثة أيام أيضا ثم حُبس إلى ثبوت إعساره، وله أن يدعي عليه أنه يعلم ذهاب ماله أو إعساره ويحلفه، نعم لو أقر بالغنى عند المعاملة لم يقبل فيه إلا البينة على ذهاب ماله الذي أقرّ أنه ملئ به. ويثبت الإعسار أيضا باليمين المردودة بأن يدعي علم غريمه بإعساره أو بتلف ماله فينكل عن اليمين على نفي علمه بذلك فيحلف المدين ويثبت إعساره وله تكرير طلب يمين الدائن ما لم يظهر منه ما يأتي ويعلم القاضي به; لأن المراد به الظن المؤكد (وإلا) يلزمه في معاملة مال كذلك

(1)

كصداق وضمان وإتلاف (فيصدق بيمينه في الأصح

(2)

; إذ الأصل العدم، ولذا كان محله فيمن لم يعرف له مال وإلا حبس إلى ثبوت إعساره. (وتقبل بينة الإعسار) وهي رجلان وإن تعلقت بالنفي؛ لمسيس الحاجة، ولا يحلف معها إلا بطلب الخصم; لأنها قد لا تطلع على مال له باطن بخلاف طلب الخصم لليمين بالتلف مع وجود بينة التلف فلا يقبل; لأن في التحليف محض تكذيب للبينة (في الحال وشرط شاهده) أي الإعسار (خبرة باطنه) لنحو طول جوار ومخالطة مع مشاهدة مخايل الضرّ والإضاقة

(3)

إلى أن يغلب على ظنه إعساره; لأن الأموال تخفى فلا يجوز الاعتماد على مجرد ظاهر الحال، ويعتمد قول الشاهد أنه خبير بباطنه

(4)

. وخرج بشاهد الإعسار الشاهد بتلف ماله الذي لا يعرف له غيره فلا يشترط فيه خبرة باطنه. (وليقل) شاهد الإعسار (هو معسر) مع ما يأتي (ولا يمحض النفي) وإن علم أنه الواقع وادعاه؛ لأنه تهور بذلك (كقوله لا يملك شيئا) بل يقيده كقوله لا يملك إلا ما يبقى له أو لممونه، ولا يكتفي منه بالإجمال

(5)

كالعجز الشرعي بل لابد من بيان ذلك المبقى له. ولو ادعى غريمه -ولو بعد ثبوت إعساره- أن له مالا باطنا لا تعلمه بينته وطلب حلفه لزمه الحلف على نفيه، ونحو محجور وغائب وجهة عامة لا يتوقف

(1)

. أي يغلب بقاؤه بأن كان مما لا يبقى نحو اللحم.

(2)

. ويقبل قوله من غير يمين في شيء بيده أنه عارية.

(3)

. هذه المشاهدة شرط لاعتماد الشهادة وما في المتن شرط لقبول الشهادة أو المشاهدة طريق للخبرة الباطنة ذكره الشارح قبيل فصل تحمل الشهادة 10/ 267.

(4)

. وفاقا للمنهج والنهاية وخلافا للمغني.

(5)

. وفاقا للنهاية والمنهج وخلافا للمغني.

ص: 185

وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ

التحليف لأجله على طلب. ولا بد في الشهادة باليسار من بيان سببه. (وإذا ثبت إعساره لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل) من غير مطالبة (حتى يوسر)؛ للآية، نعم له الدعوى عليه كل وقت أنه حدث له مال ويحلفه; لأنه محتمل وظاهر أن محله ما لم يظهر منه التعنت والإضرار، وعلم أنه يجوز حبس المدين إلى ثبوت إعساره ولو على عشر

(1)

، أو على زكاة لا تقبل السقوط بإدعاء تلف أو نحوه وكفارة فورية تعين فيها المال وإلا فلا يحبس، ولا يحبس أصل لفرعه مطلقا، ولا مريض -لا ممرض له- ولا مخدرة ولا ابن سبيل بل يوكل بهم ليترددوا ويتمحلوا ولا غير مكلف ولا ولي أو وكيل لم يجب المال بمعاملته وإلا حبس، ولا قِن جنى، ولا سيده، ولا مكاتب لنجم؛ لتمكنه من إسقاطه متى شاء، ولا يحبس في وقت العمل نحو من وقعت الإجارة على عينه إذا تعذر العمل في الحبس بل يقدم حق المستأجر على غيره ويستوثق القاضي عليه إن خاف هربه بما يراه

(2)

. وللدائن ملازمة مَن لم يثبت إعساره ما لم يختر المدين الحبس فيجاب إليه وأجرة الحبس وكذا الملازمة على المدين

(3)

، ولو عرف له مال وامتنع من الأداء منه ولم يفد فيه الحبس زاد في تعزيره بما يراه من ضرب وغيره، ومن حبسه قاض لا يطلق إلا برضا غريمه أو بثبوت إعساره ولا يخرج بغير إذنه إلا لضرورة كدعوى أو رد جوابها والذي يتجه حيث لم يوجد حبس إلا ببلد بعيد حبسه فيه وإن لم يكن بعمله، وللحاكم منع المحبوس مما يرى المصلحة في منعه منه كتمتعه بحليلته ولا يلزم الزوجة إجابته إلى الحبس إلا إن كان بيتا لائقا بها لو طلبها للسكنى فيهر

(4)

وكترفهه بشم ريحان وبغيره كالاستئناس بالمحادثة وكغلق الباب عليه وكمنعه من الجمعة بخلاف عمل الصنعة ونحوه مما لا ترفه فيه.

[فرع] حكم له بسفر زوجته معه فأقرت لآخر بدين قُبِلَ إقرارها ومنعت من السفر معه وعليه فلا تقبل بينته أنها قصدت بذلك عدم السفر معه

وإن توفرت القرائن بذلك،

(1)

. العشر ما يشترط على من دخلوا دارنا بالتجارة أو الخراج المضروب بحق.

(2)

. قضية كلامه كالمغني أنها مرتبة واحدة، وقضية كلام النهاية أنها مرتبتان عبارته ((ثم القاضي يستوثق عليه مدة العمل، فإن خاف هربه فعل ما يراه)) انتهى.

(3)

. محله في الملازمة -كما يعلم مما يأتي قبيل القسمة- إذا امتنع المدين بعد طلب الحاكم له، وإلا فتلزم الدائن 10/ 190.

(4)

. أي وأن لا يشارك غيره في مرفق من المرافق الآتية في كتاب القسم والنشوز 7/ 442.

ص: 186

وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ.

فصل

مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى المُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ المَبِيعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ عَلَى الْفَوْرِ،

وعليه أيضا لو طلب الزوج من الزوجة أو المقر له الحلف على أن باطن الأمر كظاهره أجيب فيه لا فيها; لأن إقرارها بأن ذلك حيلة لا يجوز سفرها معه بغير رضا المقر له. ولو كان الإقرار صادراً عن حيلة كأن أقرضها دينارا ثم وهبته له فإن شهدت بذلك بينة أو اعترف به المقر له لم يؤثر. ولو كان لكل من اثنين دين على الآخر حال ولم توجد شروط التقاص فلكل طلب حبس الآخر بشرطه. (والغريب العاجز عن بينة الإعسار) يحبس، ثُمَّ (يوكل القاضي به) وجوبا (من) أي اثنين فأكثر (يبحث عن حاله، فإذا غلب على ظنه إعساره شهد به)؛ لئلا يتخلد حبسه.

(فصل)

في رجوع نحو بائع المفلس عليه بما باعه له قبل الحجر ولم يقبض عوضه

(من باع) شيئا بثمن في الذمة (ولم يقبض الثمن) أي شيئا منه (حتى) مات المشتري مفلسا أو حتى (حجر على المشتري بالفلس) أي بسبب إفلاسه بشروطه السابقة (فله) أي البائع من غير حاكم حيث لم يحكم حاكم بمنع الفسخ (فسخ البيع) بنحو فسخته لا بفعل كالوطء ونحوه، وقد يجب الفسخ بأن يتصرف عن موليه أو يكون مكاتبا والغبطة في الفسخ (واسترداد المبيع

(1)

كله أو بعضه ويضارب بالباقي؛ للخبر المتفق عليه ((إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء))، ولا رجوع فيما إذا أفلس ولم يحجر عليه أو حجر عليه بسفه أو اشترى حال الحجر إلا إن جهل حاله أو اشترى شيئا بعين ولم يتسلمها البائع فيطالب بها ولا فسخ; لأن النص لم يرد إلا في المبيع وما ألحق به وما هنا ثمن (والأصح أن خياره) أي: البائع أو الفسخ

(2)

(على الفور) كخيار العيب; لأن كلا لدفع الضرر، ولذا

(1)

. وتقدم في القراض أن عامله يتقدم بالربح على الغرماء 6/ 98.

(2)

. اقتصر في المغني على الفسخ.

ص: 187

وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي سَائِرِ المُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ، وَلَهُ شُرُوطٌ مِنْهَا: كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا، وَأَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِالْإِفْلَاسِ، فَلَوِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسْخُ. وَكَوْنُ المَبِيعِ بَاقِيًا فِي مِلْكِ المُشْتَرِي،

ساواه في الفرق بين علمه وجهله. (و) الأصح (أنه لا يحصل الفسخ بالوطء والإعتاق والبيع) ونحوها وتلغو هذه التصرفات كالواهب (وله الرجوع) في عين ماله بالفسخ (في سائر المعاوضات) المحضة; إذ هي التي (كالبيع) في فساد كلٍّ بفساد المقابل.

(وله) أي الرجوع بالفسخ هنا (شروط منها كون الثمن) في البيع والعوض في غيره دينا (حالا) عند الرجوع وإن كان مؤجلا قبله ولو استمر الأجل لما بعد الحجر; لأن المؤجل لا يطالب به فيصرف المبيع لديون الغرماء (وأن يتعذر حصوله) أي العوض (بالإفلاس فلو) لم يتعذر بالإفلاس -كأن كان به رهن يفي بالثمن عادة ولو مستعارا أو كان به ضامن ملئ والمفلس مقرٌّ أو بالدين بينة سواء ضمن بالإذن أو بغيره- أو تعذر بغير الإفلاس كأن انقطع جنس الثمن أو (امتنع) المشتري مثلا (من دفع الثمن مع يساره أو هرب) مع يساره (فلا فسخ في الأصح)؛ لجواز الاستيفاء من الرهن أو الضامن والاستبدال عن المنقطع ولإمكان التوصل إلى أخذه من نحو الممتنع بالسلطان فإن فرض عجزه فنادر. (ولو قال الغرماء لا تفسخ ونقدمك بالثمن) من مال المفلس أو مالنا (فله الفسخ)؛ لما فيه من المنة وقد يظهر غريم آخر، وبه يفرق بين هذا وما لو قال الغرماء للقصار لا تفسخ ونقدمك بالأجرة فإنه يجبر; لأنه لا ضرر عليه بفرض ظهور غريم آخر؛ لتقدمه عليهم ولو مات المشتري مفلسا وقال الورثة للبائع لا تفسخ ونقدمك من التركة أجيب أو نتبرع من مالنا أجيبوا، وفيما إذا تبرعوا ثم ظهر غريم آخر لا يزاحم ذلك الغريم البائع فيما أخذه، أما لو وافقهم البائع على تقديمه من التركة فللذي ظهر أن يزاحمه ثمّ إن كانت العين باقية لم يرجع فيما يقابل ما زوحم به

(1)

.

(وكون المبيع باقيا في ملك المشتري)؛ لرواية ((من أدرك ماله بعينه)).

(1)

. انظر النهاية والمغني.

ص: 188

فَلَوْ فَاتَ أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ فَلَا رُجُوعَ. وَلَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجُ. وَلَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ أَخَذَهُ نَاقِصًا، أَوْ ضَارَبَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ أَوِ الْبَائِعِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَجِنَايَةُ المُشْتَرِي كَآفَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَخَذَ الْبَاقِي وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ،

(فلو) باعه ثم حجر عليه في زمن خيار البائع أو خيارهما أو أقرضه أو وهبه لولده جاز له الرجوع

(1)

؛ تنزيلا لقدرته على رده لملكه منزلة بقائه بملكه أو زال ملكه عنه ثم عاد فلا رجوع. أو (فات) حسا بنحو موت أو شرعا بنحو عتق أو وقف (أو كاتب العبد) مثلا كتابة صحيحة ولم يعد للرق أو استولد الأمة اتفاقا (فلا رجوع)؛ لخروجه عن ملكه حسا فيما عدا الأخيرين وحكما فيهما، وليس للبائع فسخ هذه التصرفات (ولا يمنع التزويج) ونحو التدبير الرجوع; لأنه لا يمنع البيع، ومثلهما الإجارة فله أن يأخذه مسلوب المنفعة أو يضارب.

ومن شروط الرجوع بالفسخ أيضا كون المبيع سليما من تعلق حق لازم لثالث كجناية أو رهن مقبوض أو شفعة فإن زال رجع، ومن مانع لتملك البائع له كإحرامه وهو صيد فإذا حل رجع

(2)

(ولو تعيب) المبيع بما لا يضمن كأن تعيب (بآفة) أو بجناية بائع قبل قبض أو بجناية مبيع أو حربي (أخذه ناقصا) بلا أرش (أو ضارب بالثمن) كما لو تعيب المبيع في يد البائع يأخذه المشتري ناقصا أو يتركه (أو) تعيب (بجناية أجنبي) يضمن جنايته ولو قبل القبض (أو البائع) بعد القبض (فله) إما المضاربة بثمنه أو (أخذه ويضارب من ثمنه بنسبة نقص القيمة) الذي استحقه المشتري إليها فإذا ساوى مع قطع يديه مائة وبدونه مائتين وقد كان اشتراه بمائة أخذه وضارب بنصف الثمن وهو خمسون

(3)

(وجناية المشتري) كأن زوج الأمة أو العبد (كآفة في الأصح، ولو تلف أحد العبدين) مثلا المبيعين صفقة واحدة ومثلهما كل عينين يصح إفراد كل منهما بعقد (ثم أفلس) وحجر عليه أو تلف بعد الحجر ولم يقبض البائع شيئا من الثمن (أخذ) البائع (الباقي وضارب بحصة التالف) ; لأنه ثبت له الرجوع في

(1)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي في القرض والهبة ووفاقا لهم في البيع.

(2)

. ومقتضى كلام النهاية أنه لو باعه القاضي في زمن إحرام البائع نفذ بيعه، ولو أراد البائع فسخ بيع القاضي لم ينفذ لكن ظاهر كلام الشارح والمغني النفاذ.

(3)

. خالفاه في كيفية التقسيط.

ص: 189

فَإِنْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الجَدِيدِ، فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ. وَلَوْ زَادَ المَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَصَنْعَةٍ فَازَ الْبَائِعُ بِهَا، وَالمُنْفَصِلَةُ كَالثَّمَرَةِ، وَالْوَلَدِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ، وَإِلَّا فَيُبَاعَانِ، وَتُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ، وَقِيلَ لَا رُجُوعَ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسَهُ فَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الرُّجُوعِ إلَى الْوَلَدِ،

كل منهما، ويعتبر نسبة كل من قيمة التالف وقيمة الباقي إلى مجموع القيمة حتى يأخذ الباقي بحصته من الثمن ويضارب بحصة التالف منه لكن العبرة في التالف بأقل قيمتيه يوم العقد والقبض دون ما بينهما وفي الباقي بأكثرهما. (فإن كان قبض بعض الثمن رجع في الجديد) كالفرقة قبل الوطء يرجع بها الكل تارة والبعض أخرى، ولا يختص القولان بالتلف بل يجريان مع بقاء العبدين وقبض بعض الثمن فعلى الجديد يرجع في بعض المبيع بقسط الباقي من الثمن فلو قبض نصفه رجع في نصفهما لا في أحدهما بكماله; لأن فيه ضررا عليهم. (فإن تساوت قيمتهما وقبض نصف الثمن أخذ الباقي بباقي الثمن) ويكون ما قبضه في مقابلة التالف (وفي قول) مخرج (يأخذ نصفه بنصف باقي الثمن ويضارب بنصفه) أي الباقي وهو ربع الجميع. (ولو زاد المبيع زيادة متصلة كسمن وصنعة) تعلمها المبيع بنفسه وكبر شجرة (فاز البائع بها) فيأخذه ولا شيء عليه في مقابلتها بخلاف ما لو علَّمها له المشتري فإنه كما يأتي في القصارة (والمنفصلة كالثمرة والولد) بأن حدثا بعد البيع وانفصلا قبل الرجوع (للمشتري) ; لأنها تتبع الملك كما في الرد بالعيب (ويرجع البائع في الأصل فإن كان الولد) الذي أمه أمة (صغيرا) بأن لم يميز (وبذل البائع قيمته أخذه مع أمه) ; لأن التفريق ممتنع ومال المفلس مبيع كله، ويستقل بأخذه من غير بيع؛ لأنه وقع تبعا لأمه في تملكها من غير عقد

(1)

(وإلا) يبذلها (فيباعان) معا؛ حذرا من التفريق المحرم (وتصرف إليه حصة الأم) وحصة الولد للغرماء، فلو ساوت وحدها بصفة كونها حاضنة مائة ومعه مائة وعشرين كان سدس الثمن للمفلس (وقيل لا رجوع) بل يضارب (فإن كانت حاملا عند) البيع والرجوع رجع فيها حاملا قطعا أو عند (الرجوع دون البيع أو عكسَه) بأن انفصل الولد قبله (فالأصح تعدي الرجوع إلى الولد) أما في الثانية فلأن

(1)

. خلافا لهما.

ص: 190

وَاسْتِتَارُ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ وَظُهُورِهِ بِالتَّأْبِيرِ قَرِيبٌ مِنَ اسْتِتَارِ الجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ وَأَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ. وَلَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا فَعَلُوا وَأَخَذَهَا، وَإِنِ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُوا، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَتَمَلَّكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ،

الحمل يعلم، وأما في الأولى فلأنه لمَّا تبع في البيع تبع في الرجوع (واستتار الثمر بكمامه) وهو أوعية الطلع (وظهوره بالتأبير) وهو تشققه (قريب من استتار الجنين وانفصاله) فإن وجدت عند البيع وتأبرت عند الرجوع فقط رجع فيها (و) حينئذ هي (أولى بتعدي الرجوع) إليها من الحمل؛ لرؤيتها دونه. ولو حدثت بعد البيع ولم تتأبر عند الرجوع رجع فيها فإن تأبرت عنده فهي للمشتري، وإن لم تتأبر عندهما فهي للبائع جزما، والمراد بالمؤبرة ثمرة النخل وأما ثمرة غيره فما لا يدخل في مطلق بيع الشجر فحكمه حكم المؤبرة وما يدخل كغيرها فإن خرج كالحناء أو تفتح كالورد أو انعقد وتناثر نوره كالعنب أو ظهر كالرمان فحكمه كالمؤبرة وما لا فلا، فما لا يظهر حالة الشراء وكان كالمؤبرة حالة الرجوع بقي للمفلس وما لا يكون كذلك رجع فيه

(1)

(ولو غرس الأرض) التي اشتراها (أو بنى) فيها ثم حجر عليه، أو فَعَل ذلك بعد الحجر واختار البائع الرجوع في الأرض (فإن اتفق الغرماء والمفلس على تفريغها) مما فيها (فعلوا) ; لأن الحق لا يعدوهم، نعم لا يقلع إلا بعد رجوع البائع فيها وإلا فقد يوافقهم في القلع والرجوع ثم لا يرجع فيحصل الضرر، ومن ثم لو كانت المصلحة لهم لم يشترط تقدم رجوعه (وأخذها) البائع; لأنها عين ماله، وأفهم قوله اتفق أنه ليس له إلزامهم -قبل الامتناع الآتي- أخذ قيمة الغرس والبناء ليتملكهما معها. ويجب تسوية الحُفَر وغرامة أرش نقص الأرض بالقلع من مال المفلس مقدما به على الغرماء لأنه لتخليص ماله (وإن امتنعوا) كلهم من قلع ذلك (لم يجبروا)؛ لوضعه بحق فيحترم (بل له أن يرجع) في الأرض (و) حينئذ يلزمه أن (يتملك الغراس والبناء بقيمته) وقت التملك غير مستحق القلع

(2)

مجانا وذلك؛ جمعا بين المصلحتين، و يصح اختياره لهذا القسم وإن لم يشترط البائع عليه التملك، نعم إن ترك التملك بان بطلان رجوعه، هذا كله إن لم يختر القلع وإلا لم يلزمه تملك، (و) جاز (له أن يقلع ويغرم أرش نقصه) وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا وجاز له

(1)

. من النهاية بتصرف.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 191

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ، وَلَوْ كَانَ المَبِيعُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ المَبِيعِ مِنَ المَخْلُوطِ، أَوْ بِأَجْوَدَ فَلَا رُجُوعَ فِي المَخْلُوطِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ طَحَنَهَا أَوْ قَصَرَ الثَّوْبَ فَإِنْ لَمْ تَزِدِ الْقِيمَةُ رَجَعَ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ،

كل من هذين; لأن مال المفلس مبيع كله والضرر يندفع بكل منهما بخلاف ما لو زرعها المشتري وأخذها البائع لا يُمَكَّن من ذلك; إذ للزرع أمد ينتظر فسهل احتماله فإن اختلفوا عُمِل بالمصلحة، ولو امتنع من التملك والقلع ثم عاد إلى أحدهما مُكِّن؛ لأنه يفتقر له نوع تروٍ لمصلحة (والأظهر أنه ليس له أن يرجع فيها) أي في الأرض (ويبقي الغراس والبناء للمفلس) ولو بلا أجرة لما فيه من الضرر; لأن كلا منهما بلا مقر ناقص القيمة فيضارب البائع بالثمن أو يعود إلى التخيير السابق (ولو كان المبيع) مثلي كـ (حنطة فخلطها) المشتري (بمثلها أو دونها) قبل الحجر أو بعده (فله) أي البائع بعد الفسخ (أخذ) ولا يجاب طالب البيع وقسمة الثمن (قدر المبيع من المخلوط) ; لأن مثل الشيء بمنزلته. أما إذا خلطها أجنبي فيضارب البائع بنقص الخلط كما في العيب (أو) خلطها (بأجود) منها (فلا رجوع في المخلوط في الأظهر) بل يضارب بالثمن فقط؛ لتعذر القسمة; لأن أخذ قدر حقه ضرار بالمفلس ومساويه قيمة رباً، نعم لو قلَّ الخليط بأن كان قدرا يقع به التفاوت بين الكيلين فإن كان الأكثر للبائع فواجد عين ماله أو للمشتري ففاقد لماله، ولو اختلط شيء بغير جنسه كزيت بشيرج

(1)

ضارب به كالتالف. (ولو طحنها) أي الحنطة المبيعة له (أو قصر الثوب) المبيع له أو خاطه بخيط منه أو خبز الدقيق أو ذبح الشاة أو شوى اللحم أو راض الدابة أو ضرب اللَّبِن من تراب الأرض أو بنى عرصة بآلات اشتراها معها ونحو ذلك -من كل ما يصح الاستئجار عليه ويظهر به أثره عليه

(2)

- ثم حجر عليه أو تأخر فعله ذلك عن الحجر نظير ما قدمته آنفا (فإن لم تزد القيمة) بما ذكر (رجع ولا شيء للمفلس) فيه؛ لوجوده بعينه من غير زيادة ولا شيء للبائع في مقابلة النقص; لأنه لا تقصير من المشتري في فعل ذلك.

(1)

. هو دهن السمسم، لسان العرب.

(2)

. فخرج نحو حفظ دابة وسياستها.

ص: 192

وَإِنْ زَادَتْ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ، وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ. وَلَوْ صَبَغَهُ بِصَبْغَةٍ فَإِنْ زَادَتِ الْقِيمَةُ قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الثَّوْبِ، وَالمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصِّبْغِ أَوْ أَقَلَّ فَالنَّقْصُ عَلَى الصِّبْغِ، أَوْ أَكْثَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ الصِّبْغَ وَالثَّوْبَ رَجَعَ فِيهِمَا إلَّا أَلَّا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَيَكُونَ فَاقِدًا لِلصِّبْغِ

(وإن زادت) بذلك (فالأظهر) أن الزيادة عين لا أثر محض فيشارك المفلس بها فللبائع أخذ المبيع ودفع حصة الزيادة للمفلس

(1)

، فإن أبى فالأظهر (أنه لا يباع وللمفلس من ثمنه نسبة ما زاد) بالعمل; لأنها زيادة حصلت بفعل محترم متقوم فوجب أن لا يضيع عليه فلو كانت قيمته خمسة وبلغت بما فعل ستة كان للمفلس سدس الثمن في صورة البيع أو سدس القيمة في صورة الأخذ، ولنسبة ذلك لفعله عادة فَارَقَ كبر الشجرة بالسقي وسمن الدابة بالعلف; لأنهما محض صنع الله تعالى; إذ كثيرا ما يوجد السقي والعلف ولا يوجد كبر ولا وسمن، ومن ثم امتنع الاستئجار عليهما (ولو صبغه) المشتري (بصبغة فإن زادت القيمة) بسبب الصبغ (قدر قيمة الصبغ) كأن كان بدرهمين والثوب بأربعة فساوى ستة (رجع البائع في الثوب والمفلس شريك بالصبغ) فيباع الثوب أو يأخذه البائع، والثمن أو القيمة بينهما أثلاثا وفي كيفية الشركة وجهان أوجههما أنها فيهما جميعا؛ لتعذر التمييز. وخرج بقولنا بسبب الصبغ ما لو زادت بارتفاع سوق أحدهما فالزيادة لمن ارتفع سعر سلعته فإن كانت بارتفاع سوقهما وزعت عليهما بالنسبة أو بارتفاع السوق لا بسببهما فلا شيء للمفلس ويأتي ذلك فيما مر من نحو القصارة (أو) زادت القيمة (أقل) من قيمة الصبغ كأن ساوى خمسة (فالنقص على الصبغ) فيشارك بخمس الثمن أو القيمة؛ لتفرق أجزائه ونقصها والثوب قائم بحاله فإن ساوى أربعة أو ثلاثة فالمفلس فاقد للصبغ كله ولا شيء للبائع عليه؛ لما مر (أو) زادت القيمة (أكثر) من قيمة الصبغ كأن ساوى ثمانية (فالأصح أن الزيادة للمفلس) فالثمن أو القيمة بينهما نصفين. (ولو اشتري منه الصبغ والثوب) ثم حجر عليه

(2)

(رجع) البائع (فيهما) أي: في الثوب بصبغه (إلا ألا تزيد قيمتهما على قيمة الثوب) قبل الصبغ بأن ساوتها أو نقصت عنها (فيكون فاقدا للصبغ) فيرجع في الثوب ويضارب بثمن الصبغ بخلاف ما إذا زادت فإنه

(1)

. ظاهره بلا عقد خلافا لهما.

(2)

. أي قبل الصبغ أو بعده، واقتصرا على الثاني.

ص: 193

وَلَوِ اشْتَرَاهُمَا مِنِ اثْنَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ، وَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ اشْتَرَكَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّ المُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالزِّيَادَةِ

يرجع فيهما ثم إن كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ فالمفلس شريك بها، فإن كانت أقل لم يضارب بالباقي من قيمة الصبغ بل إما يقنع به ويفوت عليه الباقي أو يضارب بثمن الثوب والصبغ

(1)

(ولو اشتراهما) أي الصبغ والثوب (من اثنين) كلا من واحد فصبغه به ثم حجر عليه أو عكسه وأراد البائعان الرجوع (فإن لم تزد قيمته) أي: الثوب (مصبوغا على قيمة الثوب) قبل الصبغ (فصاحب الصبغ فاقد) له فيضارب بثمنه وصاحب الثوب واجد له فيرجع فيه من غير شيء لو نقصت قيمته (وإن زادت بقدر قيمة الصبغ اشتركا) في الرجوع فيهما، وشركتهما في الصبغ كما مر، فإن لم تزد بقدر قيمة الصبغ فالنقص عليه فإن شاء صاحبه رجع به ناقصا أو ضارب بثمنه وصاحب الثوب واجد له فيأخذه ولا شيء له وإن نقصت قيمته (وإن زادت على قيمتهما) أي الثوب والصبغ جميعا كأن صارت قيمته في المثال السابق ثمانية (فالأصح أن المفلس شريك لهما) أي للبائعين (بالزيادة) وهي الربع، وإن نقصت عن قيمة الصبغ فكما مر. ولو كان المُشْتَرى هو الصبغ وحده وزادت قيمة الثوب مصبوغا على قيمته غير مغصوب فهو شريك به وإلا فهو فاقد له.

[تنبيه] العبرة في وقت اعتبار قيمة الثوب والصبغ والزيادة عليهما والنقص عنهما بوقت الرجوع

; لأنه وقت الاحتياج إلى التقويم ليعرف ما للبائع والمفلس فتعتبر قيمة الثوب حينئذ خلية عن نحو الصبغ وقيمة نحو الصبغ بها نفسها خلية عن قيمة الثوب حينئذ، وتعتبر الزيادة حينئذ هل هي لهما أو لأحدهما؟.

(1)

. ظاهره أنه ليس له الرجوع في الثوب وحده والمضاربة بثمن الصبغ خلافا لمقتضى صنيعهما.

ص: 194

‌باب الحجر

مِنْهُ حَجْرُ المُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَالمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَالمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهَا أَبْوَابٌ: وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ وَالمُبَذِّرِ، فَبِالجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ، وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ، وَيَرْتَفِعُ بِالْإِفَاقَةِ،

(باب الحجر)

هو لغة: المنع، وشرعا: منع من تصرف خاص بسبب خاص، وهو إما لمصلحة الغير و (منه حجر المفلس لحق الغرماء والراهن للمرتهن والمريض لـ) حق ا (لورثة) في تبرع زاد على الثلث أو لوارث -أو لحقّ الغرماء مطلقا

(1)

(والعبد لسيده والمرتد للمسلمين- ولها أبواب) مر بعضها ويأتي باقيها.

وإما لمصلحة النفس (و) هو (مقصود الباب) وذلك (حجر الصبي والمجنون والمبذر) وإما لهما وهو حجر المكاتب (فبالجنون) ومثله أخرس ليس لصاحبه فهم أصلا إلا أنه

(2)

إن طرأ خرسه بعد البلوغ فوليه الحاكم أو نائبه، أما إن بلغ أخرسا فوليه وليه في الصغر؛ لأن حجره لا يرتفع إلا ببلوغه رشيدا، ولا يلحق بهما النوم؛ لأنه يزول عن قرب، ومثله الإغماء في امتناع التصرف في ماله؛ لقرب زواله أيضا، نعم من أيس من إفاقته بقول الأطباء فوليّه القاضي (تنسلب الولايات) الثابتة شرعا كولاية نكاح أو تفويضا كإيصاء وقضاء; لأنه إذا لم يدبر أمر نفسه فغيره أولى وآثر السلب; لأنه يفيد المنع ولا عكس (واعتبار الأقوال) له وعليه الدينية كالإسلام والدنيوية كالمعاملات؛ لعدم قصده واعتبار بعض أفعاله كالصدقة بخلاف نحو إحباله وإتلافه -إلا لصيد وهو محرم- وتقريره المهر بوطئه وإرضاعه وثبوت النسب، وغير المميز كالمجنون في ذلك وكذا مميز

(3)

إلا في عبادة غير الإسلام ويثاب عليها كالبالغ ونحو دخول دار وإيصال هدية ودعاء عن صاحب وليمة (ويرتفع) حجر الجنون (بالإفاقة) من غير فك، نعم ولاية نحو القضاء لا تعود إلا بولاية جديدة.

(1)

. مرَّ ما يسمى الحجر الغريب قبيل التولية 4/ 423.

(2)

. خالفاه في هذا التفصيل فاعتمدا أن وليه ولي المجنون مطلقا.

(3)

. ومثل الصبي المميز في ذلك عند الشارح مجنون له نوع التمييز وفاقا للنهاية وخلافا للمغني في أنه فيما عدا المال كالبالغ العاقل فتجب الصلاة عليه وعقابه على تركها ويقتل إذا قتل وغير ذلك.

ص: 195

وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، وَالْبُلُوغُ بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ خُرُوجِ المَنِيِّ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ، وَنَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي الحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ لَا المُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ،

(وحجر الصبي) الذكر والأنثى (يرتفع) من حيث الصبا بمجرد بلوغه ومطلقا (ببلوغه رشيدا

(1)

؛ لقوله تعالى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} النساء: 6.

[فرع] غاب يتيم فبلغ ولم يعلم رشده لم يجز لوليه النظر

(2)

في ماله معتمدا استصحاب الحجر

؛ للشك في الولاية عند العقد، فإن تصرف أثم ثم إن بان غير رشيد نفذ التصرف وإلا فلا. وليس قول الولي قبضت مهرها بإذنها ولا قوله له اضمني -أي صيِّرني ضامنا- إقرارا بالرشد لموليه فلا ينعزل به. (والبلوغ باستكمال خمس عشرة سنة) قمرية تحديدا من انفصال جميع الولد بشهادة عدلين خبيرين (أو خروج مني) من ذكر أو أنثى؛ لقوله تعالى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} النور:59. ويشترط تحققه فلو أتت زوجة صبي بلغ تسع سنين بولد للإمكان لحقه; لأن النسب يكتفى فيه بمجرد الإمكان ولم يحكم

(3)

ببلوغه; لأنه لا بد من تحقق خروج المني. وخرج بخروجه ما لو أحس بانتقاله من صلبه فأمسك ذكره فرجع فلا يحكم ببلوغه كما لا غسل (ووقت إمكانه) فيهما (استكمال تسع سنين) قمرية تقريبا

(4)

نظير ما مر في الحيض (ونبات العانة) الخشن بحيث تحتاج إزالته للحلق، ووقته وقت الاحتلام (يقتضي) فهو أمارة على بلوغه (الحكم ببلوغ ولد) ذكرا أو أنثى ونبات فرجي الخنثى (الكافر) بالسن أو الاحتلام، ومثله ولد من جهل إسلامه لا مَن عدم مَن يعرف سنه؛ للخبر الصحيح ((أن عطية القرظي رضي الله عنه كان في سبي بني قريظة فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل وأنهم كشفوا عن عانته فوجدوها لم تنبت فجعلوه في السبي))، ولذا حلّ النظر. وخرج بها نبات نحو اللحية والإبط والشارب فليس بلوغا؛ تعبداً، ولو ثبت أن سنه دون خمس عشرة سنة ولم يحتلم لم يحكم ببلوغه ويقبل قوله ((استعجلته بدواء)) بيمينه إن كان ولد حربي سبي لا ذمي طولب بالجزية (لا المسلم في الأصح)؛ لسهولة

(1)

. رد الشارح كلامهما في أن الأولى حذف قول المصنف ((رشيدا)).

(2)

. خلافا للرملي من الجواز إلا إن علم أنه بلغ رشيدا.

(3)

. خلافا للشهاب الرملي.

(4)

. خلافا لهما.

ص: 196

وَتَزِيدُ المَرْأَةُ حَيْضًا وَحَبَلًا وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالمَالِ فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ. وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ المَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي المُعَامَلَةِ أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَوُجُوهِ الخَيْرِ وَالمَطَاعِمِ وَالمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ. وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ وَيَخْتَلِفُ بِالمَرَاتِبِ فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا،

مراجعة أقاربه المسلمين غالبا (وتزيد المرأة) عليه (حيضا) في سنه السابق إجماعا (وحبلا) لكنه دليل على سبق الإمناء; لأن الولد يخلق من الماءين فبالوضع يحكم ببلوغها قبله بستة أشهر ولحظة ما لم تكن مطلقة وأتت بولد يلحق المطلق فيحكم ببلوغها قبل الطلاق بلحظة، ولو حاض الخنثى بفرجه وأمنى بذكره حكم ببلوغه فإن وجد أحدهما فلا (والرشد صلاح الدين والمال) معا كما فسر به ابن عباس وغيره الآية السابقة. ويعتبر في ولد الكافر ما هو صلاح عندهم دينا ومالا. ولا يلزم شاهد الرشد معرفة عدالة المشهود له باطنا بل يكفي معرفتها ظاهرا ولو بالاستفاضة (فلا يفعل محرما ما يبطل العدالة) بارتكاب كبيرة مطلقا أو صغيرة ولم تغلب طاعاته معاصيه. وخرج بالمحرم خارم المروءة فلا يؤثر في الرشد (ولا يبذر بأن يضيع المال) أي: جنسه (باحتمال غبن فاحش) وهو ما لا يحتمل غالبا بخلاف اليسير (في المعاملة) ; لأنه يدل على قلة عقله، ومن ثم لو أراد به المحاباة والإحسان لم يؤثر; لأنه ليس بتضييع ولا غبن. ولو كان يغبن في بعض التصرفات؛ لم يحجر عليه؛ لبعد اجتماع الحجر وعدمه (أو رميه) ولو فَلْسَاً (في بحر)؛ لقلة عقله (أو إنفاقه) ولو فلسا أيضا (في مُحَرَّم) في اعتقاده ولو في صغيره. (والأصح أن صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس) والهدايا (التي لا تليق) به (ليس بتبذير

(1)

; لأن له فيه غرضا صحيحا هو الثواب أو التلذذ، ولا ينافي ما هنا عد الإسراف في النفقة معصية؛ لأنه مفروض فيمن يقترض لذلك من غير رجاء وفاء من جهة ظاهرة مع جهل المقرض بحاله (ويختبر) من جهة الولي ولو غير أصل (رشد الصبي) فيهما؛ لقوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} النساء:6. أما في الدين فبمشاهدة حاله في فعل الطاعات وتوقي المحرمات (و) أما في المال فهو (يختلف بالمراتب فيختبر ولد التاجر) والسوقي (بالبيع والشراء) أي بمقدماتهما (و المماكسة فيهما) بأن يطلب أنقص مما

(1)

. محله كما قيَّده الشارح في قسم الصدقات فيمن يصرف من ماله لا بالاستدانة من غير رجاء وفائه -أي حالا- من جهة ظاهرة مع جهل الدائن بحاله.

ص: 197

وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقُوَّامِ بِهَا، وَالمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ، وَالمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ، وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنِ الهِرَّةِ وَنَحْوِهَا، وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقِيلَ بَعْدَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، بَلْ يُمْتَحَنُ فِي المُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ،، فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ دَامَ الحَجْرُ، ..

يريده البائع وأزيد مما يريده المشتري، ويكفي اختباره في نوع من أنواع التجارة عن باقيها (وولد الزراع بالزراعة والنفقة على القُوَّام بها) أي: بمصالحها كحرث وحصد وحفظ -أي إعطائهم الأجرة-، وولد نحو الأمير بالإنفاق على أتباع أبيه، والفقيه بالفقه ونحو شراء الكتب، وإنما اختبر بحرفة أبيه؛ لأن الغالب تطلعه إليها (و) يستثنى مما مرّ الولد (المحترفُ) فيختبر (بما يتعلق بحرفته) أي بحرفة نفسه؛ لأن الغالب أن المحترف لا يتطلع لحرفة أبيه (و) تختبر (المرأة) من جهة الولي أو من ينيبه من نساء أو محارم. وتقبل شهادة أجنبي بالرشد ولا يكلف السؤال عن وجه تحمله عليها إلا إن كان عاميا; لأنه قد يظن صحة التحمل عليها اعتمادا على صوتها (بما يتعلق بالغزل) أي بفعله إن تخدرت وإلا فببيعه (والقطن)؛ حفظا وبيعا كما تقرر، فإن لم يليقا بها أو لم تعتدهما ففيما يعتاده أمثالها. والمرأة المبتذلة بما يختبر به الرجل (وصون الأطعمة عن الهرة) ; لأن بذلك يتبين الضبط وحفظ المال وعدم الانخداع وذلك قوام الرشد (ونحوها) أي الهرة كالفأرة، والأطعمة كالأقمشة. وإذا ثبت رشدها نفذ تصرفها من غير إذن زوجها. والخنثى يختبر بما يختبر به النوعان (ويشترط تكرر الاختبار مرتين أو أكثر) حتى يغلب على الظن رشده; لأنه قد يصيب مرة لا عن قصد (ووقته) أي الاختبار (قبل) أي قبيل (البلوغ)؛ لإناطة الاختبار في الآية باليتيم وهو إنما يقع حقيقة على غير البالغ فالمختبر هو الولي كما مر (وقيل بعده)؛ لبطلان تصرف الصبي أي بالنسبة لنحو البيع (فعلى الأول الأصحُّ أنه لا يصح بيعه بل يمتحن في المماكسة فإذا أراد العقد عقد الولي)؛ لعدم صحته من المولى وعلى الوجهين يعطيه الولي مالا قليلا ليماكس به ولا يضمنه إن تلف عنده; لأنه مأمور بالتسليم إليه، نعم تلزمه مراقبته بحيث لا يكون إغفاله له حاملا على تضييعه وإلا ضمن الولي.

[فرع] لا يحلف ولي أنكر الرشد بل القول قوله في دوام الحجر ولا يقتضي إقراره به فك الحجر

-وإن اقتضى انعزاله- وحيث علمه لزمه تمكينه من ماله وإن لم يثبت، لكن صحة تصرفه ظاهرا متوقفة على بينة برشده أو ظهور الرشد (فلو بلغ غير رشيد)؛ لفقد صلاح دينه أو ماله (دام الحجر) أي جنسه; إذ حجر الصِّبَى يرتفع بالبلوغ وحده فيليه من كان يليه، ولذا

ص: 198

وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَأُعْطِيَ مَالَهُ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي، فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَعُودُ الحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ. وَلَوْ فَسَقَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ طَرَأَ، فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ، وَقِيلَ الْقَاضِي، وَلَا يَصِحُّ مِنَ المَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ

فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا الصبي

(1)

(وإن بلغ رشيدا انفك) الحجر (بنفس البلوغ) ; لأنه حجر ثبت من غير حاكم فارتفع من غير فكه كحجر الجنون (وأعطي ماله) وفائدته ذكر غاية الانفكاك

(2)

(وقيل يشترط فك القاضي) أو نحو الأب أو إذنه في دفع ماله إليه; لأنه محل اجتهاد فأشبه حجر السفه الطارئ، ويرده ما تقرر (فلو بذر) أي زال صلاح تصرفه في ماله (بعد ذلك) أي بعد رشده (حجر عليه) من جهة الحاكم فقط; لأنه محل اجتهاد فإن لم يحجر عليه القاضي أثم ونفذ تصرفه ويسمى السفيه المهمل ولهم سفيه مهمل لا يصح تصرفه وهو من بلغ مستمر السفه ولم يحجر عليه وليه والأول المراد بالمهمل عند الإطلاق غالبا (وقيل يعود الحجر) بنفس التبذير (بلا إعادة) من أحد كالجنون، ويرد بوضوح الفرق؛ إذ الغالب فيه أنه لا يحتاج لنظر واجتهاد بخلاف التبذير، وإذا رشد بعد هذا الحجر لم ينفك إلا بفك القاضي؛ لاحتياجه للاجتهاد حينئذ (ولو فسق) بعد وجود رشده وبقي صلاح تصرفه في ماله (لم يحجر عليه في الأصح) ; لأن السلف لم يحجروا على الفسقة بخلاف الاستدامة; لأن حجره كان ثابتا جنسه (ومن حجر عليه بسفه) أي تبذير (طرأ فوليه القاضي) ; لأنه الذي يحجر كما مر، نعم يسن له إشهار حجره وردّ أمره لأبيه فجده فسائر عصباته; لأنهم به أشفق (وقيل وليه) وليه (في الصغر) وهو الأب والجد كما لو بلغ سفيها ويرد بوضوح الفرق; إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء (ولو طرأ جنون فوليه وليه في الصغر) وفارق السفيه بما مر (وقيل) وليه (القاضي. ولا يصح من المحجور عليه لسفه) حسا أو شرعا (بيع ولا شراء

(3)

لغير طعام عند الاضطرار ولو بغبطة وفي ذمته وإن توكل في ذلك

(1)

. أفاده الشارح أول الباب.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. ولو ادعى والد بائع بقاء حجره عليه صدِّق بيمينه إلا إن اشتهر رشده ذكر ذلك الشارح في كتاب البيع 4/ 427.

ص: 199

وَلَا إعْتَاقٌ وَهِبَةٌ وَنِكَاحٌ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَوِ اشْتَرَى أَوِ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ وَتَلِفَ المَأْخُوذُ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ فِي الحَالِ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَهُ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ، لَا التَّصَرُّفُ المَالِيُّ فِي الْأَصَحِّ،

عن غيره، وليس له أن يؤجر نفسه، نعم للولي إجباره على الكسب ولو غنيا، وله أن يتبرع بمنفعة بدنه إذا لم يقصد عمله

(1)

(ولا إعتاق) ولو بعوض -أي في حال الحياة؛ لصحة تدبيره ووصيته- أما الكفارات فيكفر بالصوم في المخيرة، ومثلها الكفارات المترتبة إن كانت لا إثم فيها، أما المرتبة التي فيها إثم فيكفر فيها بالمال ويستوي في ذلك كفارة الظهار

(2)

والجماع

(3)

والقتل وكفارة اليمين والحلق في النسك، وسيأتي أن قتل الخطأ ملحق بغيره في وجوب الكفارة فيه على خلاف القياس فكذا يلحق به في وجوب الإعتاق فيها هنا أيضا (و) لا (هبة) لشيء من ماله بخلاف قبوله لما أوصيَ له به

(4)

. ويجوز إقباضه الهبة بحضرة من ينتزعها منه من ولي أو حاكم ولا يضمن واهب سلم إليه; لأنه لا يملك قبل القبض بخلاف من سلم إليه الوصية; لأنه ملكها بالقبول

(5)

فوجب تسليمها لوليه (و) لا (نكاح) يقبله لنفسه (بغير إذن وليه) قيد في الكل أما بإذنه فسيذكره. (فلو اشترى أو اقترض) مثلا (وقبض) من رشيد بأن أقبضه أو أذن له في قبضه (وتلف المأخوذ في يده أو أتلفه) في غير أمانة أو نكح فاسدا أو وطئ رشيدة مختارة كما يأتي في النكاح (فلا ضمان) ظاهرا (في الحال ولا بعد فك الحجر سواء علم حاله من عامله أو جهله) ; لأنه مقصر بعدم بحثه عنه مع أنه سلطه على إتلافه بإقباضه إياه، أما باطنا فيضمن

(6)

ويؤديه إذا رشد. أما لو قبضه من غير مقبض أو أقبضه إياه غير رشيد فيضمنه قطعا وكذا لو رشد والعين بيده فتلفت بعد تمكنه من ردها لا قبله أو طالبه بها المالك فامتنع ثم تلف. ولو زعم بائعه أنه أتلف بعد رشده صدق السفيه ما لم يثبت البائع ذلك، وكالرشيد من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه (ويصح بإذن الولي نكاحه لا التصرف المالي)

(1)

. عبارة الشارح في القرض: ((ويجوز أن يتبرع بمنفعة بدنه الخفيفة)).

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني وشيخ الإسلام.

(4)

. خلافا لهما.

(5)

. خلافا لهما.

(6)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 200

وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا بِإِتْلَافِ المَالِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَصِحُّ بِالحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ بِلِعَانٍ،

الذي فيه معاوضة (في الأصح) فلا يصح بإذن الولي وإن عين له الثمن; لأن عبارته في الأموال مسلوبة.

نعم يصح قبضه لدينه بإذن الولي؛ لأنه يغتفر في الفعل ما لا يغتفر في القول.

ويصح أيضا قبض ما علق بإعطائه كإن أعطيتني كذا فأنت طالق فلا بد في الوقوع من أخذه له ولو بغير إذن وليه، ولا تضمن الزوجة بتسليمه؛ لاضطرارها إليه ولأنه لا يملكه إلا بالقبض، نعم على الولي نزعه منه فإن تلف في يده بعد إمكانه ضمنه، وكذا لو خالعها على عين

(1)

فأقبضتها له، فإن تلفت بيده قبل تمكن الولي ضمنتها، ويجري ذلك في سائر ديونه وأعيانه التي تحت يد الغير. أما نحو هبة وعتق فلا يصح مطلقا جزما.

ويصح أيضا ولو بدون إذن الولي صلحه على سقوط قود عليه ولو بأكثر من الدية وعقده للجزية بدينار لا أكثر، وفارق الدية بأن مصلحة بقاء النفس يحتاط لها، ومفاداته إذا أسر، وعفوه عن القود ولو مجانا، وشراؤه لطعام اضطر إليه، ورده لآبق سمع من يقول من رده فله درهم فيستحقه، ودلالته على قلعة سمع الإمام يقول من دلني على قلعة فله منها جارية. (ولا يصح إقراره) في حال الحجر بمال كأن أقر (بدين) عن معاملة أسند وجوبه إلى ما (قبل الحجر أو) إلى ما (بعده) أو بعين في يده؛ لما مر من إلغاء عبارته، ولا بما يوجب المال كنكاح (وكذا) لا يقبل إقراره (بإتلاف المال في الأظهر)؛ لذلك فلا يطالب بذلك ولو بعد رشده لكن ظاهرا، أما باطنا فيلزمه

(2)

إذا صَدَق قطعا. أما إذا أقر بعد رشده أنه أتلف في سفهه فيلزمه الآن قطعا (ويصح) إقراره (بالحد) ; إذ لا مال ولا تهمة فيقطع في السرقة ولا يثبت المال (والقصاص) وسائر العقوبات كذلك فإن عفي عنه بمال ثبت; لأنه تعلق باختيار غيره (وطلاقه وخلعه) ولو بدون مهر المثل، والكلام في الذكر؛ لأن شرط قابله إطلاق التصرف في المال (وظهاره) وإيلاؤه (ونفيه النسب) بحَلِفٍ في الأمة، أو (بلعان) واستلحاقه؛ لأن هذه الأمور -ما عدا الخلع- لا

(1)

. أما إن خالعها على دين فأقبضته بدون إذن الولي رجع الولي عليها بالمسمى لبقائه في ذمتها؛ لعدم القبض الصحيح، ويسترد من السفيه ما سلمته إليه، ذكره الشارح في الخلع 7/ 460.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 201

وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ كَالرَّشِيدِ لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجِّ فَرْضٍ أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ عَلَى نَفَقَتِهِ المَعْهُودَةِ فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ، وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ قُلْتُ: وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لِدَمِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ المَالِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ المُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

تعلق لها بالمال الذي حجر لأجله. وأما الخلع فلأنه إذا صح طلاقه مجانا فبعوضٍ أولى

(1)

(وحكمه في العبادة) الواجبة (كالرشيد)؛ لاجتماع شرائطها فيه، نعم نذره لا يصح إلا في الذمة دون العين وتكفيره لا يكون إلا بالصوم على التفصيل المار فيه. أما المسنونة فماليتها كصدقة التطوع ليس هو فيه كرشيد (لكن لا يفرق الزكاة) ولا غيرها كنذر (بنفسه) فإنه تصرف مالي، نعم له تفريقها بإذن وليه بشرط تعيين المدفوع إليه وأن يكون بحضرته؛ لئلا يتلفه (وإذا أحرم) أو سافر ليحرم (بحج فرض) ولو نذرا بعد الحجر وقضاء، ولو لما أفسده في حال سفهه، أو عمرته أو بهما ومن الفرض ما لو أحرم بتطوع ثم حجر عليه قبل إتمامه; لأنه لما لزمه المضي فيه صار فرضا (أعطى الولي) إن لم يخرج معه بنفسه (كفايته لثقة ينفق عليه في طريقه) ولو بأجرة؛ خوفا من تفريطه فيه كما مر في الحج، فإن قَصُر السفر ورأى الولي دفعها له جاز على ما بحث (وإن أحرم) أو سافر ليحرم (بتطوع وزادت مؤنة سفره)؛ لإتمام نسكه أو إتيانه به (على نفقته المعهودة) في الحضر (فللولي منعه

(2)

من الإتمام أو الإتيان. وظاهر المتن صحة إحرامه بغير إذن وليه، وفارق الصبي المميز باستقلاله (والمذهب أنه كمحصر فيتحلل

(3)

بعمل عمرة; لأنه ممنوع من المضي، (قلت: ويتحلل بالصوم) والحلق مع النية (إن قلنا لدم الإحصار بدل) كما هو الأصح (; لأنه ممنوع من المال، ولو كان له في طريقه كسب قدر زيادة المؤنة) على نفقة الحضر أو لم يكن له كسب لكنها لم تزد (لم يجز منعه والله أعلم) ; إذ لا موجب لمنعه حينئذ، فلو سافر وله كسب يفي لزم الولي أن يسافر معه ليؤجره لذلك الكسب أو يوكل من يؤجره له ثم ينفق عليه منه؛ لما مر أنه لا يصح أن يؤجر نفسه مطلقا. ولو عجز أثناء الطريق فنفقته من ماله; لأن الولي حيث حرم عليه المنع لا يعد مقصرا.

(1)

. كما في النهاية والمغني.

(2)

. ظاهره أنه يخير بين المنع وعدمه ويؤخذ من كلام الشارح الوجوب.

(3)

. ومر التفصيل الذي اعتمده الشارح في الكفارات أنه يكفر بالصوم إلا في كفارة مرتبة عصى بسببها فيكفر بالمال.

ص: 202

فصل

وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ وَصِيُّهُمَا ثُمَّ الْقَاضِي،

(فصل) فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله

(ولي الصبي

(1)

و الصبية وكان الأولى التعبير بالمحجور؛ ليشمل من بلغ سفيها (أبوه) -الجامع لشروط الولاية- إجماعا (ثم جده) أبو الأب وإن علا، ولا نظر لبقية الأقارب، نعم للعصبة منهم -أيضا العدل- عند فقد الولي الخاص الإنفاق من مال المحجور في تأديبه وتعليمه; لأنه قليل فسومح به في الصبي، ومثله المجنون

(2)

والسفيه بل يجب عليهم وعلى صلحاء بلده أن يتولوا سائر التصرفات في ماله بالغبطة إن خيف عليه من القاضي، فعليهم أن يتفقوا على مَرْضِىٍّ منهم يتولى ذلك ولو بأجرة. ويولي ذو شوكة بناحية لا شوكة فيها لغيره القضاة والنظار وغيرهما فيلزمه هنا تولية قيم على الأيتام يتصرف في أموالهم بالمصلحة، فإن تعدد ذو الشوكة ولم يرجعوا لواحد فكل في محل شوكته كالمستقل فإن لم يتميز واحد من تلك الناحية بشوكة فولَّى أهل حلها وعقدها واحدا منهم صار حاكما عليهم فتنفذ توليته وسائر أحكامه، ولو اضطر لولاية فاسق نفذت ولايته لكن لا يقبل قوله في الإنفاق; لأنه ليس بولي حقيقة، ويجوز تسلم نفقة الصبي لأمه الفاسقة بنحو ترك الصلاة المأمونة على المال؛ لوفور شفقتها.

وشرط الأب والجد حرية وإسلام وإن كان الولد ليس مسلما، ومحله إن ترافعوا إلينا فلا نقرهم ونلي نحن أمرهم

(3)

، وعدالة ولو ظاهرة وينعزل بالفسق عن الحفظ والتصرف وتعود ولايته بتوبته وإفاقته بخلاف غيره وعدم العداوة الظاهرة، ويسجل الحاكم ما باعاه أي يحكم بصحته وإن لم يثبتا عدالتهما

(4)

أو لم يثبتا أن بيعهما للحاجة أو الغبطة بخلاف نحو الوصي (ثم وصيهما) أي وصي من تأخر موته منهما أو وصي أحدهما حيث لم يكن الآخر بصفة الولاية، وستأتي شروطه في بابه (ثم القاضي) أو أمينه؛ للخبر الصحيح ((السلطان ولي

(1)

. ورد الشارح أولوية التعبير بالصغير خلافا لهما.

(2)

. قيداه بمجنون له نوع تمييز.

(3)

. هذا ما رجحه الشارح في الفتح وهو في التحفة متردد وخالف الفتح النهاية ووافقه المغني.

(4)

. خلافا لهم.

ص: 203

وَلَا تَلِي الْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ. وَيَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ بِالمَصْلَحَةِ،

من لا ولي له)) والعبرة بقاضي بلد المولى أي وطنه -وإن سافر عنه بقصد الرجوع- في التصرف والاستنماء وبقاضي بلد ماله في حفظه وتعهده ونحو بيعه وإجارته عند خوف هلاكه. وخرج بالصبي الجنين فلا ولاية لهؤلاء على ماله ما دام مجتنا أي بالنسبة للتصرف فيه لا لحفظه (ولا تلي الأم في الأصح) كما في النكاح (ويتصرف

(1)

الولي بالمصلحة

(2)

؛ لقوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الإسراء: 34 فيمتنع تصرف لا خير فيه ولا شر. ويلزمه حفظ ماله واستنماؤه

(3)

قدر النفقة والزكاة والمؤن إن أمكنه لا المبالغة فيه بل هي مندوبة، وليس عليه أن يشتري له إلا بعد استغناؤه عن الشراء لنفسه

(4)

، وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا لا بحرا، نعم إن كان الخوف في السفر -ولو بحرا- أقل منه في البلد ولم يجد من يقترضه سافر به، ولو اضطر إلى سفر مخوف أو في بحر أقرضه أمينا موسرا وهو الأولى أو أودعه لمن يأتي في الوديعة فإن تعذر سافر به، وفي الحضر عند خوف نحو نهب يقرضه لمن ذكر فإن تعذر أودعه وللقاضي الإقراض مطلقا; لأنه مشغول، ولو طلب منه ماله بأكثر من ثمن مثله لزمه بيعه إلا ما احتاجه وعقارا يكفيه بل شراء عقار غلته تكفيه أولى من التجارة، ولو أخر لتوقع زيادة فتلف لم يضمن، ولو زاد راغب في زمن الخيار وجب الفسخ وإلا انفسخ من نفسه كما مر نظيره، ويضمن بترك علف الدابة؛ احتياطا للروح، وبتفويت طعام كورق فرصاد أخَّره حتى فات وقته

(5)

؛ لأنه تفويت لموجود وهو أقوى من تحصيل لمعدوم

(6)

، ومن ثم لم يضمن

(7)

لو أخرّ إجارته وعمارته ولو مع تمكنه حتى تلف ولا بترك سقي الشجر، نعم ينبغي

(1)

. ذكر الشارح في الإيصاء أن للمشتري من نحو وصي وقيم ووكيل وعامل قراض أن لا يسلمه الثمن حتى تثبت ولايته عند القاضي.

(2)

. ويجوز مشاركة الولي في مال المحجور بشرط أن يكون الشريك أمينا، وأن لا تكون بماله شبهة إن سلم ماله المولى عنها، كما يأتي في الشركة، 5/ 285.

(3)

. فلو ترك استنماءه مع القدرة عليه لم يضمن على مختار الشارح والمغني خلافا للنهاية.

(4)

. عبارة شرح الروض.

(5)

. التوت وهو الأحمر منه، تاج العروس.

(6)

. أفاده الشارح في المساقاة.

(7)

. وفاقا للمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية.

ص: 204

وَيَبْنِي دُورَهُ بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ لَا اللَّبِنِ وَالجِصِّ. وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ

أنه لو أشرف مكانه على خراب ولو جعل تحته مرمة

(1)

حُفِظ فتركها مع تيسرها أن يضمن; لأن هذا يُعد تفويتا حينئذ. ولا يشتري ما يخاف فساده وإن كان مربحا، ويجب عليه بذل شيء من ماله لتخليص بقيته من ظالم، وله إيجار أرض بستانه بما يفي بمنفعتها وقيمة الثمر بشرط أن لا يعود ذلك عرفا غبنا في عقد المساقاة بسبب انضمامه لعقد الإجارة، وكونه نقصا مجبور بزيادة الأجرة الموثوق بها

(2)

(ويبني دوره) مثلا (بالطين)؛ لقلة مؤنته مع الانتفاع بنقضه (والآجر) وهو الطوب المحرق؛ لبقائه (لا اللَّبِن) وهو الطوب النيئ؛ لقلة بقائه (والجص) وهو الجبس؛ لكثرة مؤنته مع عدم الانتفاع بنقضه، فالواو هنا بمعنى أو، فيمتنع اللبن مع طين أو جص، وجص مع لبن أو آجر

(3)

، وأفهم قوله ((دوره)) أنه لا يبتدئ بناء له وليس كذلك بل يجوز إن لم يجد عقارا يباع فإن وجده والشراء أحظّ تعين الشراء (ولا يبيع عقاره) ; لأنه أنفع وأسلم مما عداه (إلا لحاجة

(4)

-كخوف ظالم أو خرابه أو عمارة بقية أملاكه- أو لنفقته وليس له غير العقار ولم يجد مقرضا أو رأى المصلحة في عدم القرض أو لكونه بغير بلده ويحتاج لكثرة مؤنة لمن يتوجه لإيجاره وقبض غلته، ويظهر ضبط هذه الكثرة بأن تستغرق أجرة العقار أو قريبا منها بحيث لا يبقى منها إلا ما لا وقع له عرفا (أو غبطة) كثقل خراجه مع قلة ريعه -ولا يشتري له مثل هذا- أو رغبة نحو جارٍ فيه بأكثر من ثمن مثله، نعم يجوز بيع كل ما خيف هلاكه بدون ثمن مثله وأُلحق بذلك ما لو غلب على ظنه غصبه لو بقي، ولذا يجوز بيع ضيعة يتيم يستأصل خراجها ماله ولو بدرهم (ظاهرة) أي بحيث لا يستهين بها العقلاء بالنسبة لشرف العقار، وألحق البندنيجي الأواني المعدة للقنية من صفر وغيره بالعقار. أما بقية

(1)

. الرم هو إصلاح الشيء الذي فسد بعضه، لسان العرب.

(2)

. أفاده الشارح في المساقاة.

(3)

. ومال المغني إلى اتباع عادة البلد كيف كانت والنهاية قيد اتباعها بالمصلحة.

(4)

. وإذا جوَّزنا البيع هنا وفيما يأتي امتنع أن يسلم المبيع قبل قبض الثمن كما مرَّ في البيع 4/ 421، وأتى في بيعه ما تقدم في بيع العدل لمال المرهون 5/ 87.

ص: 205

وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ، وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً أَشْهَدَ وَارْتَهَنَ بِهِ،

أمواله

(1)

فلا بد فيها أيضا من حاجة أو غبطة لكن تكفي حاجة يسيرة وربح قليل

(2)

بل يجوز بيع ما لا يعد للقنية ولم يحتج إليه بدون ربح وحاجة؛ إذ بيعه بقيمته مصلحة، ومال التجارة كذلك

(3)

، بل لو رأى البيع بأقل من رأس المال ليشتري بالثمن ما هو مظنة الربح جاز، نعم له صوغ حلي لموليته وإن نقصت قيمته أو جزء منه وصبغ ثياب وتقطيعها وكل ما يُرَغِّب في نكاحها أو إبقائه أي مما تقتضيه المصلحة اللائقة بها وبمالها سواء في ذلك الأصل والوصي والقيم. وللولي خلط طعامه بطعام موليه حيث كانت المصلحة للمولى فيه ويظهر ضبطها بأن تكون كلفته مع الاجتماع أقل منها مع الانفراد ويكون المالان متساويين حلا و شبهة أو مال الولي أحل، وله الضيافة والإطعام منه حيث فضل للمولى قدر حقه وكذا خلط أطعمة أيتام إن كانت المصلحة لكل منهم فيه (وله بيع ماله

(4)

بعرض ونسيئة للمصلحة) كربح وخوف من نهب (وإذا باع نسيئة) اشترط يسار المشتري وعدالته ومن لازمها عدم مماطلة وزيادة على النقد تليق بالنسيئة وقصر الأجل عرفا، و (أشهد) وجوبا (على البيع وارتهن) وجوبا أيضا (به) أي: بالثمن رهنا وافيا ولا تغني عنه ملاءة المشتري; لأنه قد يتلف احتياطا للمحجور، فإن ترك واحدا مما ذكر بطل البيع وضمن، نعم إن باعه لمضطر لا رهن معه جاز وكذا لو تحقق تلفه وأنه لا يحفظ إلا ببيعه من معين بأدنى ثمن. ولو باع مال ولده من نفسه نسيئة لم يحتج لارتهان، ويلزم الولي بعد الرشد استخلاص ديون المولى كعامل القراض وإن لم يكن ربح بل أولى; لأن العامل مأذون له من المالك وهذا من جهة الشرع، ويُطالب الولي بثمن ما اشتراه لموليه فإن تلف مال المولى فإن سمى الولي المولى في العقد فهو في ذمة المولى وإلا فعلى

(1)

. ذكر الشارح في مؤنة المماليك أنه ليس للولي مخارجة قن محجوره إلا إذا انحصر صلاحه فيها وتعذر بيعه.

(2)

. ذكر الشارح في الفلس في بيع مال اليتيم أنه لو تعذر مشترٍ بثمن المثل ونقد البلد- بأن لم يدفع شيئا أصلا أو دفع ورجيت الزيادة- وجب الصبر، أما إن دفع فيه شي بعد النداء والإشهار ولم ترج زيادة فيباع وإن شهد عدلان أنه دون ثمن مثله 5/ 131.

(3)

. خلافا لشرح المنهج.

(4)

. قضية كلام الشارح في الوكالة أن له أن يبيع ماله لفرعه الذي تحت حجره، وجواز إجارة داره من نفسه لمحجوره 5/ 320.

ص: 206

وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ المَصْلَحَةِ، وَيُزَكِّي مَالَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى مُمَوِّنِهِ بِالمَعْرُوفِ. فَإِذَا ادَّعَى الْوَلَدُ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَبِ وَالجَدِّ بَيْعًا بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ

الولي. ولو عامل له فاسدا فوجبت أجرة مثل لزمت الولي؛ لتقصيره. (ويأخذ له بالشفعة أو يترك بحسب المصلحة) ; لأنه مأمور بفعلها فإن تعينت في الأخذ أو الترك وجب قطعا وإن استوت فيهما حرم الأخذ، وما فعله منهما لمصلحة لا ينقضه المولى إذا رشد لكن على غير الأصل ثبوتها، نعم يمتنع على الولي الغير أصل إن كان شريكا لموليه ثم باع شقص محجوره أن يشفع؛ لأنه متهم بالمحاباة

(1)

(ويزكي ماله

(2)

وبدنه فورا وجوبا إن كان مذهبه ذلك وافق مذهب المولى أم لا; لأنه قائم مقامه فإن لم يكن ذلك مذهبه فالاحتياط أن يحسب زكاته حتى يبلغ فيخبره بها أو يرفع الأمر لقاض يرى وجوبها فيلزمه بها حتى لا يرفع بعد لحنفي يغرمه إياها. أما إن كان الولي يعتقد وجوب الإخراج فيخير بين الإخراج -وإن كان فيه خطر التضمين- وبين الرفع لمن يلزمه به أو بعدمه

(3)

، ويخرج عنه أيضا أجرة تعليمه وتأديبه، وما لزمه من الأموال بنحو كفارة ويؤدي أرش جنايته وإن لم يطلب، ومعنى وجوب ذلك على الصبي كزكاته ونفقته وبدل متلفه ثبوتها في ذمته فإن بقيت إلى كماله لزم إخراجها وإن تلف المال

(4)

. وليس للولي الصلح على بعض دين المولي؛ لأنه لابد لصحته من إقرار إلا أن يفرض خشية ضياع البعض ولو مع الإقرار ويتعين الصلح لتخليص الباقي (وينفق عليه

(5)

وعلى ممونه

(6)

أي يمونهم نفقة وكسوة وخدمة وغيرها مما لا بد منه (بالمعروف) مما يليق بيساره وإعساره. (فإن ادعى الولد بعد بلوغه) أو إفاقته أو رشده أو بعد زوال تبذيره (على الأب والجد) والأم إن كانت وصية أو آباؤها (بيعا) مثلا لعقار أو غيره أو أخذ شفعة أو تركها (بلا مصلحة) ولا بينة (صدقا باليمين) ; لأنهما لا يتهمان لوفور شفقتهما.

(1)

. ذكر ذلك الشارح في الشفعة.

(2)

. وتقدم في زكاة الفطر جواز إخراج الأب والجد من مالهما زكاة مال ابنهما الصغير إن كان لهما ولاية عليه بخلاف غيرهما 3/ 325.

(3)

. تقدم ماله تعلق بذلك فليراجع.

(4)

. أفاده الشارح عند الكلام على أمر الصبي بالصلاة.

(5)

. وينفق من ماله لتعليمه، أي نحو صنعة وقرآن بخلاف مسابقة ومناضلة فلا يجوز أن يصرف الولي من مال موليه في ذلك؛ لأنه ليس فيه مظنة التعليم كما أفاده الشارح في كتاب المسابقة والمناضلة 9/ 398.

(6)

. يأتي فصل العتق بالبعضية حكم شراء قريب المحجور أو قبول هبته 10/ 368 - 369.

ص: 207

وَإِنِ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ

(وإن ادعاه على الوصي والأمين صدق هو بيمينه) ; لأنهما قد يتهمان، ودعوى المولى على المشتري من الولي كدعواه على الولي فيقبل قول المولى عليه إن اشترى من غير الأب والجد

(1)

، أما القاضي

(2)

فإن كان ثقة أمينا فقوله مقبول بلا يمين في أن تصرفه للمصلحة وإن كان معزولا; لأنه نائب الشرع عند تصرفه وإلا كان كالوصي فلا يقبل قوله إلا ببينة، ويقبل قول نحو الوصي في أن ما باع به ثمن المثل; لأنه من صفات البيع فإذا ثبت أن البائع جائز البيع قبل قوله في صفته; لأنه مدعي الصحة وأما المصلحة فهي السبب المسوغ للبيع فاحتاج لثبوتها كما يحتاج الوكيل لثبوت الوكالة.

[فرع] ليس للوصي أو الأمين أخذ شيء من مال موليه إن كان غنيا مطلقا فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه أخذ الأقل من قدر نفقته ومن أجرة مثله

. وإذا أيسر لم يلزمه بدل ما أخذه. أما الأب أو الجد فيأخذ قدر كفايته اتفاقا سواء الصحيح وغيره، ومن جمع مالا لفك أسير مثلا فله إن كان فقيرا أقل الأمرين، وللأب والجد استخدام محجوره فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك. ولهما إعارته لذلك ولخدمة من يتعلم منه ما ينفعه دينا أو دنيا وإن قوبل بأجرة، ولو استخدم ابن بنته لزمه أجرته إلى بلوغه ورشده وإن لم يكرهه؛ لأنه ليس من أهل التبرع بمنافعه المقابلة بالعوض، ويجري هذا في غير الجد للأم. ولو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع إذا حضر ماله رجع إن كان أبا أو جدا؛ لأنه يتولى الطرفين بخلاف غيرهما حتى الحاكم بل يأذن لمن ينفق ثم يوفيه، ولو حفظ الأب مال الابن سنين فمات واشتبه على الحاكم أنه أنفق على الطفل من ماله أو مال نفسه حمل على أنه من مال الطفل احتياطا؛ لئلا يضر باقي الورثة، نعم للابن -صاحبِ المال- أن يحلف بقية الورثة على أن أباه أنفق عليه ما كان له تحت يده، ولو ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه صدق هو ووارثه أي: باليمين، وأفتى البلقيني الشرب على وجه لا يحتفل به من نحو عين مشتركه بين قاصر وغيره أي بخلاف ما يضر نحو زرعه فيمتنع.

(1)

. كما في المغني بتصرف.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية فاعتمد أنه كالوصي الأمين.

ص: 208

باب الصلح

هُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ المُتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارٍ، فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ المُدَّعَاةِ فَهُوَ بَيْعٌ بِلَفْظِ الصُّلْحِ تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إنِ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا،

(باب الصلح والتزاحم على الحقوق المشتركة)

هو لغة: قطع النزاع، وشرعا: عقد مخصوص يُحَصِّل ذلك.

وأصله قبل الإجماع قوله تعالى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} النساء: 128 والخبر الصحيح ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا)) وخُصوا لانقيادهم وإلا فالكفار مثلهم (هو) أنواع صلح بين المسلمين والمشركين أو بين الإمام والبغاة أو بين الزوجين وصلح في معاوضة أو دين وهو المقصود هنا،

وهو (قسمان أحدهما يجري بين المتداعيين وهو نوعان:

أحدهما على إقرار) أو حجة أخرى (فإن جرى على عين غير) العين (المدعاة) كأن ادعى عليه بدار فأقر له بها ثم صالحه عنها بثوب معين (فهو بيع) للمدعاة من المدعي لغريمه (بلفظ الصلح تثبت فيه أحكامه) أي البيع; لأن حده صادق عليه (كالشفعة والرد بالعيب) وخياري المجلس والشرط (ومنع تصرفه) في المصالح عليه وعنه (قبل قبضه واشتراط التقابض إن اتفقا) أي المصالَح به والمصالح عليه (في علة الربا) واشتراط التساوي إن اتحدا جنسا ربويا والقطع في بيع نحو زرع أخضر والسلامة من شرط مفسد مما مر. أما إن صالحه من عين مدعاة بدين موصوف فهو سلم إن كان الدين غير نقد ووصف بصفة السلم، وبيع إن كان الدين نقدا كالعين المدعاة؛ لجواز بيع أحد النقدين بالآخر دون إسلامه فيه.

[تنبيه] قد يأتي الصلح

(1)

بمعنى السلم

فيما إذا قال المقر صالحتك عن هذا الذي أقررت به لك بثوب صفته كذا في ذمتي أو قال له المقر له صالحتك عن هذا الذي أقررت لي به بثوب صفته كذا في ذمتك.

(1)

. وفاقا للنهاية وقال المغني أنه حينئذ بيع.

ص: 209

أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، أَوْ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ المُدَّعَاةِ فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ. وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ صَالحْنِي عَنْ دَارِك بِكَذَا فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ. وَلَوْ صَالحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ صَحَّ. فَإِنْ تَوَافَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي المَجْلِسِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي المَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ،

(أو) جرى من العين المدعاة (على منفعة) لتلك العين في مدة معلومة أو بمنفعة لغير العين المدعاة مدة معلومة بالعين المدعاة أو بمنفعتها (فـ) هو (إجارة) للعين المدعاة بغيرها من المدعي لغريمه، أو لغير العين المدعاة بها أو بمنفعتها من غريمه له (تثبت) فيه (أحكامها)؛ لصدق حدها عليه أو جرى منها على أن ينتفع بها مدة كذا فإعارة منه لغريمه أو على أن يطلقها فخلع أو على أن يرد عبده فجعالة (أو على بعض العين المدعاة) كنصفها (فهبة لبعضها) الباقي (لصاحب اليد) عليها (فتثبت) فيه (أحكامها) أي الهبة من إذن في قبض ومضي إمكانه بعد تقدم صيغة هبة لما ترك وقبولها (ولا يصح بلفظ البيع) له؛ لعدم الثمن; لأن العين كلها ملك المقر له فإذا باعها ببعضها فقد باع ملكه بملكه والشيء ببعضه وهو محال (والأصح صحته بلفظ الصلح) كصالحتك منها على نصفها؛ لوجود خاصة الصلح وهي سبق الخصومة ويكون هبة تنزيلا له في كل محل على ما يليق به كلفظ التمليك. (ولو قال من غير سبق خصومة صالحني عن دارك بكذا) فأجابه (فالأصح بطلانه) ; لأن لفظ الصلح يستدعي سبق الخصومة ولو عند غير قاضٍ، نعم إن نويا به البيع كان بيعا; لأنه حينئذ كناية; إذ لا ينافي البيع، وإنما لم يصح به من غير نية لفقد شرطه المذكور (ولو صالح من دين) مُدَّعَى به يجوز الاعتياض عنه لا كمثمن ودين سلم

(1)

(على عين) أودين (صح) بلفظ بيع أو صلح كما يجوز بيع الدين بالعين (فإن توافقا في علة الربا) كالصلح عن ذهب بفضة (اشترط قبض العوض في المجلس)؛ حذرا من الربا فإن تفرقا حسا أو حكما

(2)

قبل قبضه بطل الصلح، ولا يشترط تعيينه في العقد (وإلا) يتوافقا فيه كالصلح عن ذهب ببر (فإن كان العوض عينا لم يشترط قبضه في المجلس في الأصح) كما لو باع

(1)

. ويجوز الصلح عن إبل الدية إن علما قدر الواجب وصفته وسنه كما أفاده الشارح في الديات 8/ 455.

(2)

. صورته أن يلزما العقد في المجلس قبل القبض، وتقدم أنه يبطل العقد الربوي خلافا لهما.

ص: 210

أَوْ دَيْنًا اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ فِي المَجْلِسِ، وَفِي قَبْضِهِ الْوَجْهَانِ، وَإِنْ صَالحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ فَهُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالحَطِّ وَنَحْوِهِمَا. وَبِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ صَالحَ مِنْ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ أَوْ عَكَسَ لَغَا، فَإِنْ عَجَّلَ المُؤَجَّلَ صَحَّ الْأَدَاءُ. وَلَوْ صَالحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ، وَلَوْ عَكَسَ لَغَا الصُّلْحُ

ثوبا بدراهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس (أو) كان العوض (دينا) ثبت بالصلح كصالحتك عن دراهمي عليك بصاع بر في ذمتك (اشترط تعينه في المجلس)؛ ليخرج عن بيع الدين بالدين (وفي قبضه) في المجلس (الوجهان) أصحهما عدم الاشتراط. ولو صالح من دين على منفعة صح كما مر وتقبض هي بقبض محلها. (وإن صالح من دين على بعضه) كنصفه (فهو إبراء عن باقيه) فيغلب فيه معنى الإسقاط وإن قلنا: إنه تمليك حتى لا يشترط القبول ولا قبض الباقي في المجلس، ولا يؤثر في ذلك امتناعه من أداء البعض (ويصح بلفظ الإبراء والحط ونحوهما) كالإسقاط والوضع نحو أبرأتك من نصف الألف الذي لي عليك وصالحتك على الباقي أو صالحتك منه على نصفه وأبرأتك من باقيه (و) يصح (بلفظ الصلح) وحده (في الأصح) كصالحتك منه على نصفه لكن يشترط هنا القبول; لأن اللفظ يقتضيه بوضعه. ولا يصح بلفظ البيع نظير ما مر في الصلح على بعض العين وهذا -أعني الصلح على بعض العين وبعض الدين- يسمى صلح حطيطة وما عداهما من سائر الأقسام السابقة غير صلح الإعارة يسمى صلح معاوضة، ولا يشترط كون المصالح به غير معين، بل يصح الصلح على المعين بل لو صالح من ألف على خمسمائة معينة واتحد جنسهما الربوي صح. (ولو صالح من حال على مؤجل مثله) جنسا وقدرا وصفة (أو عكس) أي من مؤجل على حال مثله كذلك (لغا) الصلح فلا يلزم الأجل في الأول ولا إسقاطه في الثاني; لأنهما وعد من الدائن والمدين (فإن عجل) المدين الدين (المؤجل) عالما بفساد الصلح (صح الأداء) وسقط الأجل بخلاف ما إذا جهل فيسترد ما دفعه (ولو صالح من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برئ من خمسة وبقيت خمسة حالة) ; لأنه سامحه بحط البعض من غير مقابل فصح ويتأجل الباقي الحال وهو لا يصح; لأنه مجرد وعد. (ولو عكس) بأن صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة (لغا الصلح) ; لأنه إنما ترك الخمسة في مقابلة حلول الباقي وهو لا يحل فلم يصح

ص: 211

النَّوْعُ الثَّانِي: الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ، فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ المُدَّعَى. وَكَذَا إنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: صَالحْنِي عَنِ الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا لَيْسَ إقْرَارًا فِي الْأَصَحِّ

الترك، والصحة والتكسير كالحلول والتأجيل فيما ذكر، وقضية ما تقرر أنه لا فرق فيه بين الربوي وغيره.

(النوع الثاني الصلح على الإنكار) أو السكوت ولا حجة للمدعي (فيبطل

(1)

؛ للخبر السابق ((إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا)). أما إذا كانت له حجة كبينة فيصح لكن بعد تعديلها وإن لم يحكم بالملك ولا نظر إلى أن له سبيلا إلى الطعن; لأن له ذلك حتى بعد القضاء بالملك أيضا (إن جرى على) أي: من (نفس المُدَّعَى) على غيره كأن ادعى عليه بدار أو دين فأنكر ثم تصالحا على نحو قن (وكذا إن جرى) الصلح من بعض المدعى (على بعضه في الأصح) كأن يصالحه من الدار على نصفها. أما لو صالح من بعض الدين على بعضه فيبطل جزما. ومرّ في اختلاف المتبايعين أنهما لو اختلفا هل وقع الصلح على إنكار أو إقرار صدق مدعي الإنكار; لأنه الأغلب. وقد يصح الصلح مع عدم الإقرار في مسائل: منها ما لو ادعى اثنان وديعة بيد رجل فقال: لا أعلم لأيكما هي، أو دارا بيدهما وأقام كل بينة وفي هذه كلها لا يجوز الصلح على غير المُدَّعَى; لأنه بيع وشرطه تحقق الملك

(2)

(وقوله) بعد إنكاره (صالحني عن الدار) مثلا (التي تدعيها ليس إقرارا في الأصح) وكذا قوله لمدع عليه ألفا صالحني منها على خمسمائة أو هبني خمسمائة أو أبرئني من خمسمائة؛ لاحتمال أن يريد به قطع الخصومة لا غير ولأنه في الثانية بأقسامها لم يقر بأن ذلك يلزمه وقد يصالح على الإنكار أي: بل هو الأغلب كما تقرر. أما قوله ذلك ابتداء قبل إنكاره فليس إقرارا قطعا، ولو قال هبني هذه أو بعنيها أو زوجني الأمة كان إقرارا بملك عينها، أو أجرنيها أو أعرنيها فإقرار بملك المنفعة لا العين أو ادعى عليه دينا فقال أبرأتني أو أبرئني من الدين أو منه فإقرار أيضا.

(1)

. وبالرغم من ذلك لو زعم أحد متصالحين وقوع صلحهما على إنكار فيصدق بيمينه؛ لأنه الغالب مع قوة الخلاف فيه وزيادة شيوعه قاله الشارح في اختلاف المتبايعين 4/ 484.

(2)

. وذكر الشارح آخر نكاح المشرك مزيدا لذلك.

ص: 212

الْقِسْمُ الثَّانِي: يَجْرِي بَيْنَ المُدَّعِي وَأَجْنَبِيِّ: فَإِنْ قَالَ، وَكَّلَنِي المُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك صَحَّ. وَلَوْ صَالحَ لِنَفْسِهِ وَالحَالَةُ هَذِهِ صَحَّ وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ مُبْطِلٌ فِي إنْكَارِهِ فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا،

[فرع] صالح على إنكار ثم وهب أو أبرأ قُبِل قوله أنه إنما فعل ذلك ظانا صحة الصلح أو ثم أقر المنكر لم ينقلب الصلح صحيحا

؛ لفوات شرط صحته حال وجوده، ولو صالحه بشيء ليقر فأقر بطل الصلح وكذا الإقرار. ولو ترك وارث حقه من التركة لغيره بلا بدل لم يصح أو به صح بشرطه.

(القسم الثاني يجري بين المدعي وأجنبي فإن قال) الأجنبي للمدعي (وكلني المُدَّعَى عليه في الصلح) معك عن العين التي ادعيت بها ببعضها أو بهذه العين أو بعشرة في ذمته (وهو مقر لك) بها ظاهرا أو باطنا أو وهي لك أو وأنا أعلم أنها لك فصالحني عنه له بذلك فصالحه (صح) الصلح عن الموكل; لأن قول الإنسان في دعوى الوكالة مقبول في جميع المعاملات، ثم إن صَدَق في أنه وكيل صارت ملكا لموكله وإلا فهو شراء فضولي. وأما الدين فلا يصح الصلح عنه بدين ثابت قبل ذلك ويصح بغيره ولو بلا إذن إن قال الأجنبي ما ذكر

(1)

أو قال عند عدم الإذن وهو مبطل في عدم إقراره فصالحني عنه بكذا; إذ لا يتعذر قضاء دين الغير بغير إذنه وأما لو لم يقل وكلني فلا يصح الصلح في العين؛ لتعذر تمليك الغير عينا بغير إذنه وكذا لو لم يقل ((وهي لك))، ولا ((وهو مقر)) وإن قال ((هو مبطل في عدم إقراره)) ; لأنه صلح على إنكار حينئذ (ولو) كان المدعى به عينا و (صالح) الأجنبي عنها (لنفسه) بعين ماله أو بدين في ذمته (والحالة هذه) أي أن الأجنبي قال هو مقر لك أو هي لك (صح) الصلح للأجنبي; لأنه ترتب على دعوى وجواب فلم يحتج لسبق خصومة معه (وكأنه اشتراه) فعلم أنه لا بد أن يكون بيد المدعى عليه بنحو وديعة. أما لو كان بيعا قبل القبض فلا يصح (وإن كان منكرا) والمدعى عين (وقال الأجنبي هو مبطل في إنكاره) وأنت الصادق فصالحني لنفسي بهذا أو بخمسة في ذمتي مثلا أو بديني وهو كذا على فلان بناء على الأصح من صحة بيع الدين لغير من هو عليه (فهو شراء مغصوب فيفرق بين قدرته) ولو في ظنه (على انتزاعه) فيصح ويكفي فيها قوله ما لم يكذبه الحس (وعدمها) فلا يصح

(1)

. أي وهو مقر لك بها .. الخ.

ص: 213

وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ لَغَا الصُّلْحُ.

فصل

الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ المَارَّةَ وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاحٌ وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ، ..

كما مر في البيع. (وإن لم يقل هو مبطل) بأن قال هو محق أوْ لا أعلم أو لم يزد على قوله صالحني (لغا الصلح) ; لأنه اشترى منه ما لم يعرف له بأنه ملكه وخرج بالعين فيما ذكر الدين فلا يصح الصلح عنه بدين ثابت قبل ذلك. ويصح بغيره إن قال وهو مقر أو وهو لك أو وهو مبطل

(1)

.

(فصل) في التزاحم على الحقوق المشتركة

(الطريق النافذ) وهو الشارع ويصير شارعا باتفاق المحيين عليه أوّلا أو باتخاذ المارة موضعا من الموات جادة للاستطراق -مع النية والاستطراق ولو مرة

(2)

- كما يصير المبني فيها بقصد أنه مسجد مسجدا من غير لفظ، وبأن يقفه مالكه لذلك لكن لا بد هنا من اللفظ، ولا تصير بنيات طريق

(3)

يسلكها الخواص طريقا بذلك، ويجوز إحياؤها; لأن أكثر الموات لا يخلو عن تلك البنيات (لا يُتصرف فيه بما يَضر) ضررا لا يصبر عليه مما لم يعتد (المارة

(4)

وإن لم يطل المرور؛ لأن الحق فيه لجميعهم (ولا يشرع) أي يخرج (فيه جناح) أي روشن سمي به تشبيها له بجناح الطائر (ولا ساباط) هو سقيفة بين حائطين (يضرهم) ضررا كذلك وإلا فيجوز له وإن أخذ أكثر هواء السكة، وكذا إن كان فوق جناح جاره وإن أظلمه وعطلّ هواءه بشرط أن لا يضر بالمار على جناح الجار أو يبطل الانتفاع به، بل له إخراج جناحه في محل جناح جاره إذا انهدم وإن عزم على إعادته ما لم يسبقه بالإحياء، ولو اكتنف الشارع داراه فحفر سردابا تحت الطريق من إحداهما إلى الأخرى فإن ضر منع منه وإلا فلا؛ إذ الانتفاع بباطن الطريق كهو بظاهرها. أما جناح وساباط لا يضر فيجوز لكن لمسلم لا ذمي في

(1)

. ويأتي في الخنثى المحجور عليه أنه لا يصالح له وليه على أقل من حقه بفرض إرثه 6/ 426.

(2)

. قيده بذلك في الوقف.

(3)

. هي الممرات الخفية التي يعرفها الخواص.

(4)

. أفاد الشارح في الغصب أنه لو أشغل الشارع وقت احتياج الناس إليه بما لا يحتاج إليه البتة حتى ضيَّق على الناس وأضرهم لزمه أجرة والإخلاء 6/ 30.

ص: 214

بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا، وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ المَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ المِظَلَّةِ. وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الجَنَاحِ وَأَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً، أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً،

شوارعنا وكذا حفر بئر حشه بخلاف ذلك في محالهم وشوارعهم المختصة بهم ولو في دارنا وبخلاف فتح بابه إلى شارعنا; لأن له استطراقه تبعا لنا أو لما بذله من الجزية فلا محذور علينا فيه، ولا يجوز إخراج جناح إلى مسجد وإن لم يضر، ونحو الرباط والمدرسة كذلك وإن أذن ناظره، ويحرم الإشراع في هواء مقبرة مسبلة ولو باعتياد أهل البلد الدفن فيها؛ لما مر من حرمة البناء فيها حينئذ

(1)

(بل يشترط ارتفاعه بحيث) ينتفي إظلام الموضع به حتى يسهل المرور به وبحيث (يمر تحته) الماشي (منتصبا) وعلى رأسه الحُُمولة الغالبة; لأن انتفاء شرط من ذلك يؤدي إلى إضرار المارة إن كان ممرا لمشاة فقط (وإن كان ممر الفرسان والقوافل) أي يصلح لمرورهم (فليرفعه) وجوبا في الأول بحيث يمر تحته الراكب ويكلف وضع رمحه على كتفه، وفي الثاني (بحيث يمر تحته المَحمِل على البعير مع أخشاب المظلة) فوق المِحمل ولا يتقيد الأمر بها بل بما قد يمر ثم وإن كان أكبر منها; لأن ذلك قد يتفق وإن ندر.

[تنبيه] يجوز إخراج الميزاب ما لم يترتب عليه ضرر لمال الجار سواء جاوز نصف السكة أم لا

(ويحرم الصلح على إشراع) أي إخراج (الجناح) أو الساباط بعوض ولو في دار الغير; لأن الهواء تابع للقرار فلا يفرد بعقد كالحمل مع الأم وكما يمتنع إخراج الضار يمتنع إرسال ماء البواليع فيه إذا أضر بالمارة أيضا (و) يحرم (أن يبني في الطريق) النافذ وإن اتسع (دكة) ولو صغرت أو كانت بفناء داره; لأن المارة قد تزدحم فتتعثر بها، ولأن محلها يشتبه بالأملاك عند طول المدة، ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى بالكبش إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه ولم يضر المارة; لأن المشقة تجلب التيسير (أو يغرس) فيه (شجرة

(2)

؛ لذلك

(3)

، نعم يجوز بناء مسجد

(1)

. عبارة الشارح في الوقف ((ولا يجوز لغير الموقوف عليه البناء مثلا في هواء الموقوف؛ لأنه موقوف)) 6/ 285.

(2)

. ويحرم غرس شجرة في المسجد إذا غرس لنفسه إذا أضرَّ المسجد أو ضيَّق على المصلين، فإن انتفى ذلك كره.

(3)

. فلا يجوز وإن قصد بها عموم المسلمين خلافا للمغني.

ص: 215

وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَضُرَّ جَازَ. وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ إلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، وَكَذَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ، وَأَهْلُهُ مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ، لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ، وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي

في شارع حيث لا ضرر للمارة وإن لم يأذن فيه الإمام كحفر البئر فيه للمسلمين لكن لا تصير البقعة مسجدا بل مكانا للصلاة فقط، ومنه يؤخذ أنه لو جعل الدكة للصلاة مثلا ولا ضرر بوجه جازت (وقيل إن لم يضر) كل منهما المارة (جاز) كإشراع الجناح ويرده ما مر من التعليل، (وغير النافذ) الذي ليس به نحو مسجد (يحرم الإشراع إليه لغير أهله) بغير رضاهم، (وكذا) يحرم ذلك (لبعض أهله) وإن لم يضر (في الأصح إلا برضا الباقين) من أهله. ومر أنه بعوض ممتنع مطلقا، ويشترط رضا موصى له بالمنفعة ومستأجر تضررا، وليس لهم الرجوع بعد الإخراج بالإذن وطلب قلعه مجانا; لأنه وضع بحق ولا مع غرم أرش النقص؛ لأن الشريك لا يكلف ذلك، ولا إبقاؤه بأجرة; لأن الهواء لا أجرة له، ويظهر في غير الشريك أن لهم الرجوع وعليهم أرش النقص. أما ما به مسجد قديم أو حادث

(1)

فالحق فيه لعموم المسلمين فيكون كالشارع في تفصيله السابق فلا يجوز إخراج جناح ولا فتح باب فيه عند الإضرار وإن أذنوا بخلافه عند عدمه وإن لم يأذنوا ولا الصلح بمال مطلقا، نعم ليس ذلك عاما في كله بل من رأس الدرب إلى نحو المسجد

(2)

، وكالمسجد فيما ذكر كل موقوف على جهة عامة كرباط وبئر. أما ما وقف على معين فلا بد من إذنه لكن يتجدد المنع لمن استحق بعده، ولو كان بالطريق الغير نافذة دار لنحو طفل توقف الإشراع على كماله وإذنه بخلاف الدخول لسكة بعض أهلها محجور فإنه يجوز كالشرب من نهره لكن الورع خلافه، وجلوس غير أهل النافذ فيه يتوقف على إذنهم إن لم يتسامح به عادة ولهم الإذن فيه بمال. ويجوز المرور بملك الغير إذا اعتيد المسامحة به ولم يصر بذلك طريقا (وأهله) أي غير النافذ (من نفذ باب داره) يعني ملكه كفرن وحانوت وبئر (إليه لا من لاصقه جداره) من غير باب له فيه; لأن ذلك هو العرف (وهل الاستحقاق في كلها) أي الطريق (لكلهم) أي لكلٍّ منهم (أم تختص شركة كل واحد) منهم (بما بين رأس الدرب وباب داره وجهان أصحهما الثاني) ; لأن هذا

(1)

. مطلقا خلافا لهما فاعتمدا في حادث بعد الإحياء أن لهم المنع من الإشراع وإن لم يضر.

(2)

. هنا بحث اعتمداه ولم يعتمده الشيخ ابن حجر.

ص: 216

وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا سَمَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ سَدَّهُ فَلَا مَنْعَ. وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تُفْتَحَانِ إلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ، أَوْ مَسْدُودٍ، وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ،

المقدار هو محل تردده ومروره وما بعده هو فيه كالأجنبي، فعلم أن من بابه آخرها يملك جميع ما بعد آخر باب قبله فله تقديم بابه وجعل ما بعده دهليزاً لداره (وليس لغيرهم فتح باب إليه للاستطراق) بغير إذنهم سواء هنا المتأخر عن المفتوح والمتقدم عليه; لأنه يمر في حق كل منهم، ولهم الرجوع ولو بعد الفتح ولا يغرمون شيئا (وله فتحه إذا) لم يستطرق منه سواء (سمّره) أم لا (في الأصح) ; لأنه له رفع الجدار فبعضه أولى وكذا فتح باب للاستضاءة وإن لم يجعل عليه نحو شباك (ومن له فيه باب ففتح) أو أراد فتح باب (آخر) لم يكن له قبل ليستطرق منه وحده أو مع القديم (أبعد من رأس الدرب) من بابه الأول (فلشركائه) وهم من بابه بعد القديم بخلاف من بابه قبله أو مقابله (منعه) وإن سد الأول; لأنه أحدث استطراقا في ملكهم وإن لم يتوقف على إذنهم في أصل المرور بل لا يؤثر نهيهم للضرورة الحاقَّة بخلاف بقية المشتركات (وإن كان أقرب إلى رأسه ولم يسد الباب القديم) أي ولم يترك التطرق منه (فكذلك) أي لكل من بابه بعد المفتوح الآن أو بإزائه

(1)

المنع; لأن انضمام الثاني للأول يضرهم بتعدد المنفذ الموجب للتميز

(2)

عليهم، وبه فارق جواز جعله داره خانا وحماما وإن كثرت بسببه الزحمة والاستطراق (وإن سده) أي القديم (فلا منع) ; لأنه ترك بعض حقه، ومر أن لمن بابه آخر الدرب تقديمه وجعل الباقي دهليزا، ولو كان آخرها بابان متقابلان فأراد أحدهما تأخير بابه فللآخر منعه; لأن ما بعد بابيهما مشترك بينهما فقد يؤدي ذلك إلى ضرر الشريك بالحكم بملك بقيتها لذي الباب المتأخر، ولو اتسع باب أحد المتقابلين إلى آخرها اختص بملك الآخر (ومن له داران تَفتحان إلى دربين مسدودين) مملوكين (أو مسدود) مملوك (وشارع ففتح بابا) أو أراد فتحه (بينهما) للاستطراق مع بقاء بابيهما (لم يمنع في الأصح) ; لأنه يتصرف في ملكه، ومن ثم لو أراد رفع الحاجز بينهما وجعلهما دارا واحدة مع بقاء بابيهما

(1)

. إنما منع هنا؛ لأن كلا منهم يستحق من رأس السكة إلى جانب بابه مما يلي آخرها لا أولها.

(2)

. يؤخذ منه أنه يمتنع عليه هدم داره وجعلها دورا متعددة ويخالفه إطلاقهم.

ص: 217

وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ. وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ، وَالجِدَارُ بَيْنَ المَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالمُخْتَصُّ لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ المَالِكُ عَلَيْهِ، فَلَوْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ فَهُوَ إعَارَةٌ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ فَقَطْ

بحالهما لم يمنع جزما; لأنه قصد هنا اتساع ملكه فقط (وحيث منع فتح الباب فصالحه أهل الدرب) أي المالكون له بأن لا يكون فيه نحو مسجد (بمال صح) ; لأنه انتفاع بالأرض ثم إن قدَّروا مدة فهو إجارة وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو بيع جزء شائع من الدرب له فينزل منزلة أحدهم (ويجوز) لمالك جدار (فتح الكَوات) أي الطاقات فيه علت أو سفلت وإن أشرفت على دار جاره وحريمه.

(والجدار) الكائن (بين المالكين) لدارين (قد يختص به) أي بملكه (أحدهما) ويكون ساترا للآخر فقط (وقد يشتركان فيه فالمختص) به أحدهما (ليس للآخر) ولا لغيره تصرف فيه بما يضر مطلقا فيحرم عليه (وضع الجذوع) أي الأخشاب ووضع جذع واحد (عليه بغير إذن) من مالكه ولا ظن رضاه (في الجديد و) على الجديد (لا يجبر المالك عليه)؛ لخبر ((لا ضرر ولا ضرار))، ولذا فخبر ((لا يمنعن جارٌ جاره أن يضع خشبه في جداره)) الضمير فيه لصاحب الخشب. وخرج ببين المالكين ساباط أراد وضع جذوعه على جدار جاره المقابل له فلا يجبر قطعا. وعلى الجديد (فلو رضي) المالك بوضع جذوع أو بناء على جداره (بلا عوض فهو إعارة)؛ لصدق حدها عليه، ومن ثم لم يستفد وضعها ثانيا لو سقطت إلا بإذن جديد. ولو لم يعلم أصل وضع نحو جذع كان لمالكه إعادته قطعا؛ لأنا تيقنا وضعه بحق وشككنا في مجوِّز الرجوع وليس لذي الجدار هنا نقضه إلا إن تهدَّم (وله) على انه إعارة (الرجوع قبل البناء عليه) قطعا (وكذا بعده في الأصح) كسائر العواري (وفائدة الرجوع تخييره بين أن يبقيه) أي الموضوع (بأجرة أو يقلعه ويغرم أرش نقصه) وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا ولا يجيء هنا التملك بالقيمة (وقيل فائدته طلب الأجرة) في المستقبل (فقط) ; لأن قلعه يضر المستعير.

ص: 218

وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الجِدَارِ لِلْبِنَاءِ فَهُوَ إجَارَةٌ إِنْ قَالَ بِعْتُهُ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بِعْتُ حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ. فَإِذَا بَنَى فَلَيْسَ لِمَالِكِ الجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ. وَلَوِ انْهَدَمَ الجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ فَلِلْمُشْتَرِي إعَادَةُ الْبِنَاءِ

(ولو رضي بوضع الجذوع والبناء عليها) أو بوضعها فقط أو بالبناء عليه بلا وضع جذوع (بعوض فإن آجر رأس الجدار للبناء) عليه (فهو إجارة)؛ لصدق حدها عليه لكن لا يشترط فيها بيان المدة فتتأبد للحاجة، نعم لو كانت وقفا عليه وجب بيانها؛ لامتناع شائبة البيع فيه (وإن قال بعته للبناء) أو الوضع (عليه أو بعت حق البناء) أو الوضع (عليه) أو صالحتك على ذلك ولم يقدرا مدة (فالأصح أن هذا العقد فيه شوب بيع)؛ نظرا للفظه المقتضي لكونه مؤبدا (و) شوب (إجارة) نظرا لمعناه; لأن المستحق به منفعته فقط، وجاز ذلك هنا كحق الممر ومجرى الماء؛ لمسيس الحاجة إليه. أما إذا قدرا مدة فهو إجارة

(1)

محضة، وأما إذا باعه أو صالحه ولم يتعرض للبناء أو بشرط أن لا يبني عليه فإنه ينتفع بما عدا البناء من مكث وغيره. (فإذا) أراد أن يبني لم يكن للبائع منعه ولا هدم بناء نفسه، وإذا (بنى) بعد البيع أو الإجارة المؤبدة (فليس لمالك الجدار نقضه) أي: بناء المشتري أو المستأجر (بحال) ; لأنه استحق دوام البناء عليه بعقد لازم، نعم لمالك الجدار شراء حق البناء من المشتري وحينئذ يُمَكَّن من الخصلتين السابقتين في الإعارة. (ولو انهدم الجدار) بهدم هادم يضمن -ولو المالك- طالبه المشتري أو المستأجر بقيمة حق الوضع للحيلولة وبأرش نقص جذوعه أو بنائه إن كان لا بإعادة الجدار وإن كان الهادم له المالك تعديا

(2)

، ثم إن كان هَدَمَهُ أو انهدم قبل بناء المستحق أو وضعه فله بعد إعادته ابتداء الوضع أو البناء، أو بعد ذلك (فأعاده مالكه) باختياره أو بإجبار قاضٍ يراه (فللمشتري) أو المستأجر (إعادة البناء) أو الوضع بتلك الآلة أو بمثلها; لأنه حق ثابت له، ولو لم يبنه المالك فأراد صاحب الجذوع إعادته من ماله مكن وأفهم كلامه أن المستعير ليس له الإعادة إلا بالإذن.

(1)

. ظاهره ولو بلفظ البيع خلافا لما في شرح الروض، ولعل ذلك الظاهر ليس مرادا.

(2)

. خالفه في الغاية الشيخ زكريا في شرح الروض.

ص: 219

وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَيُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ المَوْضِعِ المَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا، وَسَمْكِ الجُدْرَانِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ المَحْمُولِ عَلَيْهَا. وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ، وَأَمَّا الجِدَارُ المُشْتَرَكُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الجَدِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا أَوْ يَفْتَحَ كُوَّةً بِلَا إِذْنٍ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ وَيَسْنِدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ. وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الجَدِيدِ

(وسواء كان الإذن) في وضع البناء (بعوض أو بغيره فيشترط بيان قدر الموضع المبني عليه) بعد تعيينه (طولا) وهو الامتداد من زاوية إلى أخرى (وعرضا) وهو ما بين وجهي الجدار (وسَمك الجدران) أي ارتفاعها إذا أخذ من أسفل فصاعدا فإن أخذ من أعلى فنازلا فهو عُمق (وكيفيتها) هي مجوفة أو منضدة -أي ملتصق بعضها ببعض- وكون البناء بنحو حجر أو طوب (وكيفية السقف المحمول عليها) أهو عقد أو نحو خشب; لأن الغرض يختلف بكل ذلك، نعم لا يشترط ذكر الوزن وتكفي مشاهدة الآلة عن وصفها. (ولو أذن) والمراد رضي (في البناء على أرضه) بإجارة أو إعارة أو بيع (كفى بيان قدر محل البناء) من طول وعرض، ولا يجب ذكر سمك وصفة البناء والسقف؛ لأن الأرض تحمل كل شيء، نعم يشترط بيان قدر ما يحفر من الأساس; لأن المالك قد يريد حفر قناة تحت البناء فيزاحمه بل ينبغي أن لا يصح إيجار الأرض للبناء عليها أو بيع حق البناء فيها إلا بعد حفر الأساس ليرى ما يؤجره أو يبيعه.

(وأما الجدار المشترك) بين اثنين (فليس لأحدهما وضع جذوعه عليه بغير إذن) ولا ظن رضا (في الجديد) نظير ما مر في جدار الأجنبي، وبإذنه يجوز لكن لو سقطت لم يعدها إلا بإذن جديد (وليس له) ومثله الجار (أن يتِد فيه وتِدا أو يفتح كوة بلا إذن) إلا إن ظن رضاه، ولا يجوز الفتح بعوض; لأن الضوء والهواء لا يقابلان به، وإذا فتح بإذن لم يجز له السد إلا بإذن (وله أن يستند إليه ويسند متاعا لا يضر وله ذلك في جدار الأجنبي) وإن منعه منه فيهما; لأنه عناد محض (وليس له إجبار شريكه على العمارة) لنحو جدار أو بيت أو بئر وإن تعدى بهدمه ولا على سقي زرع أو شجر (في الجديد) ; لأن في ذلك إضرارا له، نعم الشريك في

ص: 220

فَإِنْ أَرَادَ إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ، وَيَكُونُ المُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ، وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنُِقْضِهِ المُشْتَرَكِ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ، وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ بِنَقْضِهِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ،

الوقف يجبر على العمارة على ما جزم به شارح

(1)

; لأن بقاء عين الوقف مقصود. ويجبر ولي المحجور على العمارة إن كان مصلحته فيها لكن الإجبار هنا لحقّ المولى لا لحق الشريك الآخر. (فإن أراد) الشريك (إعادة منهدم بآلة لنفسه لم يمنع)؛ للضرورة، و تتوقف جواز الإعادة على امتناع الشريك منها

(2)

وإلا -بأن أعاده بدون سبق امتناع- فللشريك تملك قدر حصته منه بالقيمة أخذا من قولهم في دار علوها لواحد وسفلها لآخر وانهدمت لا يجبر أحدهما الآخر، ولذي العلو بناء السفل بماله ويكون ملكه نظير ما مر فله هدمه ولذي السفل السكن في المعاد; لأن العرصة ملكه، وهدمه إن بنى قبل امتناعه، نعم إن بنى الأعلى علوه امتنع هدم الأسفل للسفل لكن له تملكه بقيمته، أما إذا بنى السفل بعد امتناعه فليس للأسفل تملكه ولا هدمه مطلقا؛ لتقصيره، فامتناع غير الباني مجوز للإعادة ومانع له من الهدم والتملك، وعدمه محرم لها ومجوز لهما (ويكون المعاد) بآلة نفسه (ملكه يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء) ; لأنه بآلته ولا حق لغيره فيه، ومن ثم لو كان للممتنع عليه حِملٌ خيّر

(3)

الباني بين تمكينه ونقضه ليعيداه ويعود حقه، فإن اختار الممتنع النقض ثم امتنع بعد الهدم من الإعادة أجبر (ولو قال الآخر لا تنقضه وأغرم لك حصتي لم تلزمه إجابته) على الجديد كما لا يلزمه ابتداء العمارة. (وإن أراد إعادته بنُِقضه المشترك فللآخر منعه

(4)

كسائر الأعيان المشتركة (ولو تعاونا) ببدنهما أو بأجرة خرجاها بحسب ملكيهما (على إعادته بنقضه عاد مشتركا كما كان) ولا يصح هنا شرط زيادة لأحدهما; لأنه شرط عوض من غير معوض.

(1)

. وجزم بذلك في الفتح وإن لم يرتضه هنا.

(2)

. خلافا للنهاية والمغني وما يؤخذ من شرح الروض.

(3)

. خلافا للرملي من بقاء حقه.

(4)

. ويجوز الإقدام عليه عند الرملي وغيره خلافا للشارح كما مر.

ص: 221

وَلَوِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالحَ عَلَى إجْرَاءِ المَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ

(ولو انفرد أحدهما) بإعادته بنقضه (وشرط له الآخر) الآذن له (زيادة) تكون في مقابلة عمله في نصيب الآخر (جاز وكانت في مقابلة عمله في نصيب الآخر) فإذا كان بينهما نصفين وشرط له سدس النقض -أي قدره من حصته- أو العرصة أو سدسهما كان له ثلثا ذلك، نعم يشترط أن يشرط له ما ذكر حالا لا بعد البناء; لأن الأعيان لا تؤجل، ويجوز أن يعيده بآلة لنفسه ليكون للآخر فيما أعيد بها جزء ويشرط له الآخر زيادة تكون في مقابلة عمله مع جزء من آلته فإذا شرط له سدس العرصة في مقابلة عمله وثلث آلته كان له ثلثاهما وفي هذا جمع بين بيع وإجارة، ومر جوازه وحينئذ فيشترط العلم بالآلة وصفة الجدار. ولو قال لأجنبي عَمِّر داري بآلتك لترجع علي لم يرجع؛ لتعذر البيع أو بآلتي لترجع عليَّ بما صرفته رجع به، نعم له أجرة عمله في الصورتين; لأنه عمل طامعا. (ويجوز أن يصالح) جاره (على إجراء الماء) أي: ماء المطر -من سطحه إلى سطحه لينزل إلى الطريق مثلا بشرط أن لا يكون له ممر للطريق غير سطح الجار- أو ماء النهر أو العين ليجري من أرضه إلى أرضه، ثم إن ملك المجرى

(1)

أجرى فيه ما شاء وكذا إن ملك حق الإجراء فقط لكن على سبيل العموم بخلاف ما إذا قيد ببئر أو مقدار فلا يتعداه (وإلقاء الثلج) من سطحه (في ملكه) غير السطح، ومثل ملكه المؤجر والموقوف -إن كان النظر للموقوف عليه- نعم يشترط التأقيت ووجود ساقية محفورة فيهما (على مال) فيكون في معنى الإجارة فيصح بلفظها، ويغتفر الجهل بقدر ذلك؛ لتعذر معرفته. ويشترط بيان السطوح الذي يجري عليه الماء والمجرى بعينه; لأن ماء المطر يقل بصغره ويكثر بكبره والذي يجري إليه وقوته وضعفه فإنه قد لا يحمل إلا قليل الماء. وخرج بماء المطر ماء الغسالة فلا يجوز

(2)

الصلح على إجرائها بمال في أرض أو سطح وماء نحو النهر من سطح إلى سطح؛ للجهل بذلك مع عدم مس الحاجة إليه، وبقولي ((غير السطح)) إلقاء الثلج على السطح فلا يجوز؛ لما فيه من الضرر الظاهر، ثم إن أذن في إجراء الماء في أرضه

(1)

. لا يفيد كلام الشارح أن الصلح على إجراء ماء على السطح يكون فيه شوب بيع وجعالة بخلاف صنيع شرح الروض.

(2)

. قيده الرملي بما إذا لم يبين قدر ما يصب.

ص: 222

بصيغة عقد إجارة وجب بيان محل الساقية وطولها وعرضها وعمقها وكذا قدر المدة إن ذكرت

(1)

وكون الساقية محفورة فيما إذا استأجر لإجراء الماء في ساقية; لأن المستأجر لا يملك الحفر، أو كان بصيغة عقد بيع فإن قال بعتك إجراء الماء أو حق مسيله فكبيع حق البناء فيما مر أو مسيله أو مجراه ملك محل الجريان فيشترط بيان طوله وعرضه لا عمقه، ولو صالحه على أن يسقي زرعه من مائه لم يجز; لأن الماء وإن ملك فإنما يملك منه الموجود لا ما نبع فالحيلة بيع قدر من النهر ليكون الماء تابعا.

[فرع] باع دارا يصب ماء ميزابها في عرصة

(2)

بجنبها ثم باع العرصة فللمشتري منعه منه إن كان مستند الصبّ اجتماعهما في ملك البائع بخلاف ما إذا كان سابقا على الاجتماع; لأنه يوجب كون ذلك من حقوق الدار فيمنع المشتري من المنع. ولو كان جماعة يمرون إلى أملاكهم في وسط ملك إنسان فطلبوا منه أن يقر لهم بحقهم ويشهد عليه به لزمه ذلك وله أن يمتنع حتى يقروا أنه شريكهم خوفا من أن ينكروه المشاركة تمسكا بأن يدهم باقية عليه بالمرور فيه. ولو خرجت أغصان أو عروق شجرته أو مال جداره إلى هواء مشترك بينه وبين جاره -أو ما يستحق جاره منفعته

(3)

وإن رضي مالك العين- أجبره على تحويلها عنه، فإن امتنع ولم يمكن تحويلها فله قطعها وهدمه ولو بلا إذن حاكم. ولو أوقد تحتها نارا فاحترقت ضمن إن قصَّر بخلاف ما لو عرضت ريح أوصلتها إليها ولم يمكنه طفؤها.

[تنبيه] لو اختلفا في ممر وميزاب ومجرى ماء ونحوها في ملك الغير أهو إعارة أو إجارة أو بيع مؤبد فإن علم ابتداء حدوث نحو الميزاب في ملكه صدق المالك أنه لا حق للآخر في ذلك وإلا صدق خصمه

(4)

أنه يستحق ذلك.

(1)

. أي فلا يشترط ذكرها وفاقا لشرح الروض والمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. العرصة كل بقعة بين الدور ليس فيها بناء، تاج العروس.

(3)

. بناء على أنه يخاصم عند الشارح ومطلقا عند النهاية.

(4)

. خلافا لهما من تصديق المالك.

ص: 223

وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَإِنِ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا بَنَيَا مَعًا فَلَهُ الْيَدُ وَإِلَّا فَلَهُمَا، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا حَلَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُرَجَّحْ،

(ولو تنازعا جدارا بين ملكيهما فإن اتصل ببناء أحدهما بحيث يعلم أنهما بُنِيَا معا) بأن دخل بعض لبن كل منهما في الآخر في زواياه -لا أطرافه؛ لإمكان الإحداث فيها بنزع لبنة وإدراج أخرى- أو كان عليه عقدٌ أُمِيل من مبدإ ارتفاعه عن الأرض، وكذا لو كان مبنيا على تربيع أحدهما وسمكه وطوله دون الآخر ومثل ذلك ما لو كان مبنيا على خشبة طرفها في بناء أحدهما فقط (فله اليد)؛ لظهور أمارة الملك بذلك فيحلف ويحكم له بالجدار ما لم تقم بينة بخلافه (وإلا) يتصل كذلك كأن اتصل بهما سواء أو بأحدهما اتصالا يمكن إحداثه أو انفصل عنهما (فلهما) اليد عليه (فإن أقام أحدهما بينة) أنه له (قضي له به، وإلا) يكن لأحدهما بينة أو أقام كل بينة (حلفا) أي: حلف كل منهما للآخر على النصف الذي سلمه له أن صاحبه لا يستحقه

(1)

(فإن حلفا أو نكلا) عن اليمين (جعل بينهما) بظاهر اليد فينتفع كل به مما يليه على العادة (وإن حلف أحدهما) ونكل الآخر (قضي له) أي للحالف بالجميع، ثم إن كان المبدوء به هو الحالف حلف ثانيا المردودة ليقضي له بالكل أو الناكل حلف أن الجميع له لا حق للآخر فيه أو لا حق له في النصف الذي يدعيه والنصف الآخر لي. (ولو كان لأحدهما) فيه نحو نقش أو طاقة أووجه البناء أو تعقد الحبال التي يشد بها الجريد ونحوه أو (عليه جذوع لم يرجح) بها; لأنها أسباب ضعيفة لا تدل على الملك، فإن ثبت لأحدهما لم تنزع ولم تجب على مالكها أجرة

(2)

، ويؤيده أنَّا لو وجدنا جذعا موضوعا على جدار ولم نعلم كيف وضع فالظاهر أنه وضع بحق فلا ينقض ويقضى له باستحقاقه دائما، وليس لمالك نقضه إلا أن يستهدم، ثم أنه لا يُنَزَّل على خصوص الإجارة; لأن الأصل عدم العوض، فلو تنازعا مجرى ماء وحكمنا بأنه بحقّ لازم فليس له أن يعمقه; لأنه يملك المنفعة مؤبدة لا العين.

(1)

. وظاهر كلام الشارح هنا أنه يحلف على النفي فقط خلافا للنهاية من ضرورة تضمين اليمين النفي والإثبات.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني من أنه ينزل على الإعارة.

ص: 224

وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ فَيُنْظَرُ أَيُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ الْعُلْوِ فَيَكُونَ فِي يَدِهِمَا، أَوْ لَا فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ

(والسقف بين علوه) أي: الشخص (وسفل غيره كجدار بين ملكين فينظر أيمكن إحداثه بعد العلو)؛ لإمكان نقب وسط الجدار ووضع جذوع فيه ويوضع عليها نحو ألواح فيصير البيت الواحد بيتين (فيكون) السقف (في يدهما)؛ لاشتراكهما في الانتفاع به أرضا للأعلى وسترة للأسفل (أوْ لا) يمكن ذلك كالعقد بقيده السابق (فـ) اليد (لصاحب السفل)؛ لاتصاله ببنائه. ولو تنازع صاحب العلو السفل سلما منصوبا في السفل فاليد فيه للأول

(1)

؛ لكونه المتصرف فيه وإن كان في ملك الثاني، نعم محله ما لم يسمره وإلا فهو للأسفل

(2)

.

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 225

‌باب الحوالة

يُشْتَرَطُ لَهَا رِضَا المُحِيلِ وَالمُحْتَالِ، لَا المُحَالِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ

(باب الحَوالة)

لغة التحول والانتقال، وشرعا: عقد يقتضي تحول دين من ذمة إلى ذمة. وأصلها قبل الإجماع خبر ((مطل الغني ظلم وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل)) فالمطل كبيرة يفسق بمرة منه.

والأصح أن الحوالة بيع دين بدين جُوِّز للحاجة؛ لأن كلا مَلَكَ بها ما لم يملكه قبلُ فكأن المحيل باع المحتال ما له في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته أي الغالب عليها ذلك، ولذا لا تصح الإقالة فيها، ولابد من إسنادها لجملة المخاطب نظير ما مر في البيع وإن كانت لمحجوره مثلا كأحلتك لبنتك على ذمتك بما وجب لها عليّ -فيما إذا طلقها على مبلغ في ذمة الولي- بخلاف أحلت ابنتك بكذا إلى آخره كبعت موكلك، وشُرط في صحة الحوالة على أبيها أو غيره أن يكون لها مصلحة في ذلك ومنها أن يعلم منه أنه يصرف عليها ما لزمه لها بالحوالة.

وأركانها سبعة محيل ومحتال ومحال عليه ودين للمحيل على المحال عليه وللمحتال على المحيل وإيجاب وقبول كأحلتك على فلان بكذا بالدين الذي لك علي أو نقلت حقك إلى فلان أو جعلت ما اسْتَحِقُّهُ على فلان لك أو ملكتك الدين الذي عليه بحقك، وبعتك كناية

(1)

فإن لم يقل بالدين في الأولى ولا بحقك فيما بعدها

(2)

فكناية

(3)

(يشترط لها) أي لصحتها (رضا المحيل)؛ لأن الحق مرسل في ذمته فلم يتعين لقضائه محل معين (والمحتال)؛ لأن حقه في ذمة المحيل فلا ينتقل لغيره إلا برضاه؛ لتفاوت الذمم، وإنما يعرف رضاهما بالإيجاب والقبول وشرطهما أهلية التبرع كسائر المعاملات، (لا المحال عليه في الأصح)؛ لأنه محل الاستيفاء فلم يتعين استيفاء المحيل بنفسه كما أن له أن يوكل.

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. ظاهره رجوع قوله ((بحقك)) لقوله ((أو جعلت ما استحقه على فلان لك)) أيضا، وظاهرهما أنه قيد للصيغة الأخيرة فقط.

(3)

. خلافا للرملي.

ص: 226

وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ تَصِحُّ بِرِضَاهُ وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ، وَعَلَيْهِ المِثْلِيُّ وَكَذَا المُتَقَوِّمُ فِي الْأَصَحِّ، وَبِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الخِيَارِ، وَعَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ حَوَالَةِ المُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ. وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا،

(و) شرطها وجود الدينين المحال به وعليه فحينئذ (لا تصح) ممن لا دين عليه ولا (على من لا دين عليه) وإن رضي؛ لعدم الاعتياض بناء على أنها بيع (وقيل تصح برضاه) بناء على الضعيف أنها استيفاء (و) إنما (تصح بالدين اللازم وعليه) وإن اختلف سبب وجوبهما ككون أحدهما ثمنا والآخر أجرة وأراد باللازم ما يشمل الآيل للزوم. ولا بد مع كونه لازما -وهو ما لا يدخله خيار- من كونه مستقرا -وهو ما يجوز الاستبدال عنه- فلا تصح بدين سلم أو نحو جعالة ولا عليه، ولا تصح بدين الزكاة؛ لامتناع الاعتياض عنها في الجملة

(1)

، ويبطل أيضا الحوالة بالزكاة وعليها (المثلي وكذا المتقوِّم في الأصح)؛ لثبوته في الذمة ولزومه (و) تصح (بالثمن في مدة الخيار) بأن يحيل المشتري البائع على ثالث (وعليه) بأن يحيل البائع إنسانا على المشتري (في الأصح)؛ لأنه آيل إلى اللزوم بنفسه؛ إذ هو الأصل في البيع وتصح فيما ذكر وإن لم ينتقل عن ملك المشتري إذا تخير البائع والمشتري أو بالبائع فقط؛ لأن الحوالة متضمنة للإجازة من البائع، وفيما إذا أحال البائع إنسانا على المشتري في مدة الخيار يبقى خيار المشتري فلو فسخ بطلت الحوالة (والأصح صحة حوالة المكاتب سيده بالنجوم)؛ لتشوف الشارع إلى العتق (دون حوالة السيد عليه) بالنجوم؛ لأن له إسقاطها متى شاء لجواز الكتابة من جهته من حيث كونها كتابة بخلاف دين المعاملة تصح حوالة السيد به وعليه للزومه من حيث كونه معاملة (ويشترط العلم) من كل منهما (بما يحال به وعليه قدرا وصفة) وجنسا كرهن وحلول وصحة وجودة وأضدادها؛ لأن المجهول لا يصح بيعه (وفي قول تصح بإبل الدية وعليها)؛ بناء على الضعيف أنه يجوز الاعتياض عنها

(2)

.

(1)

. ظاهره أنه علة للأخيرة وقضية شرح الروض التعليل بهذا لما قبله أيضا.

(2)

. على المعتمد لا يجوز، نعم يظهر من كلام الشارح في الديات تجويز ذلك إن علم العاقدان قدر الواجب وصفته وسنه 8/ 455.

ص: 227

وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا وَقَدْرًا، وَكَذَا حُلُولًا وَأَجَلًا، وَصِحَّةً وَكَسْرًا فِي الْأَصَحِّ. وَيَبْرَأُ بِالحَوَالَةِ المُحِيلُ عَنْ دَيْنِ المُحْتَالِ، وَالمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ المُحِيلِ، وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ المُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ المُحَالِ عَلَيْهِ،

(ويشترط تساويهما) أي الدين المحال به والدين المحال عليه في نفس الأمر وظن المحيل والمحتال (جنسا) فلا تصح بدراهم على دنانير وعكسه؛ لأنها معاوضة إرفاق كالقرض (وقدرا) فلا يحال بتسعة على عشرة وعكسه كذلك، ويصح أن يحيل من له عليه خمسة بخمسة من عشرة له على المحال عليه

(1)

(وكذا حلولا وأجلا) وقدر الأجل (وصحة وكسرا) وجودة ورداءة وغيرها من سائر الصفات (في الأصح)؛ إلحاقا لتفاوت الوصف بتفاوت القدر، ولا يضر التفاوت في غير ما ذكر، فلا يؤثر في صحة الحوالة وجود توثق برهن أو ضامن لأحد الدينين، ثم إن نص المحيل على الضامن في الحوالة انتقل إلى المحتال الدينُ وصفةُ توثقه أما لم ينص عليه فينتقل الدين فقط. ولو أطلق الحوالة ولم يتعرض لتعلق حقه بالرهن صحّ وانفك الرهن كما إذا كان له به ضامن فأحال عليه به من له دين لا ضامن به صحت الحوالة وبرئ الضامن؛ لأنها معاوضة أو استيفاء وكل منهما يقتضي براءة الأصيل فكذا يقتضي فك الرهن، فإن شرط بقاء الرهن فهو شرط فاسد فتفسد به الحوالة إن قارنها، ومن ثم لو شرط عاقد الحوالة رهنا أو ضامنا لم تصح

(2)

(ويبرأ) بالإجماع (بالحوالة المحيل عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه) أي يتحول طلبه إلى نظير حقه؛ لأن هذا فائدتها، ولو أحال من له الدين على ميت صحّت وإن لم تكن له تركة، أو على تركة -قُسمت أو لا- لم تصح؛ لأن الحوالة لم تقع على دين بل على عين هي التركة، بل لا تصح حتى على الديون التي للميت؛ لانتقالها للوارث، وللوارث الوفاء من غيرها، نعم إن تصرف في التركة صارت دينا عليه فتصح الحوالة عليه. وفيما إذا أحال على الميت لكل من المحيل والمحتال إثبات الدين عليه، ويسمع قول المحال عليه إن الدين انتقل لغائب قبل الحوالة فيحلف المحتال على نفي العلم إن لم يقِم المحال عليه بينة بما ذكره. ولو

(1)

. ويأتي في الإقرار أنه لو أحال من درهم إلى عشرة يكون محيلا بتسعة دراهم 5/ 256.

(2)

. وفاقا للمغني، وفصَّل في النهاية فحمل عدم الصحة على اشتراطه على المحيل والصحة على اشتراطه على المحال عليه.

ص: 228

فَإِنْ تَعَذَّرَ بِفَلَسٍ أَوْ جَحْدٍ وَحَلِفٍ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى المُحِيلِ، فَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا عِنْدَ الحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ المُحْتَالُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ شَرَطَ يَسَارَهُ. وَلَوْ أَحَالَ المُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَرُدَّ المَبِيعُ بِعَيْبٍ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ، أَوِ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ فَوُجِدَ الرَّدُّ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى المَذْهَبِ

طالب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة

(1)

وأقام بذلك بينة سمعت في وجه المحتال وإن كان المحيل بالبلد لكن لا يبرأ من دين المحيل إلا بإعادة البينة في وجهه، وحينئذ للمحتال الرجوع بدينه على المحيل إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه (فإن تعذر) أخذ المحتال من المحال عليه (بفلس) طرأ بعد الحوالة (أو جحد وحلف ونحوهما) كموت (لم يرجع على المحيل)؛ لأن الحوالة بمنزلة القبض وقبولها متضمن للاعتراف بشروطها فلا أثر لتبين أن لا دين، نعم له تحليف المحيل أنه لا يعلم براءة المحال عليه، وعليه فلو نكل حلف المحتال وبان بطلان الحوالة؛ لأنه حينئذ كرد المقر له الإقرار، أما لو قامت بينة بأن المحال عليه وفّى المحيل لم تبطل

(2)

الحوالة؛ إذ فرق واضح بين البينة ورد الإقرار لكن له تحليفه هنا أيضا، ولو شرط الرجوع عليه بذلك بطلت؛ لأنه شرط ينافي مقتضاها (فلو كان مفلسا عند الحوالة وجهله المحتال فلا رجوع له)؛ لأنه مقصر بترك البحث (وقيل له الرجوع إن شرط يساره) ورُدَّ بأنه مع ذلك مقصر (ولو أحال المشتري) البائع (بالثمن فرد المبيع بعيبٍ) أو إقالةٍ أو تحالفٍ بعد القبض

(3)

للمبيع ولمال الحوالة (بطلت) الحوالة (في الأظهر)؛ لارتفاع الثمن بانفساخ البيع فيرِدُّ البائع ما قبضه من المحال عليه للمشتري إن بقي وإلا فبدله; فإن لم يقبضه امتنع عليه قبضه نعم لو أحالها بصداقها ثم انفسخ النكاح تبطل الحوالة (أو) أحال (البائع) على المشتري (بالثمن فوجد الرد لم تبطل على المذهب)؛ لتعلق الحق هنا بثالث وهو الذي انتقل إليه الثمن فلم يبطل حقه بفسخ المتعاقدين. وللمشتري الرجوع على البائع إن قبض منه المحتال لا قبله.

(1)

. وذلك شرط بخلاف ما لو أطلق، ومن ثم أفتى بعضهم بأنه لو أقام بينة بالحوالة فأقام المحال عليه بينة بإبراء المحيل له لم تسمع بينة الإبراء.

(2)

. خلافا للنهاية كالشهاب.

(3)

. أو قبله عند النهاية.

ص: 229

وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ ثُمَّ اتَّفَقَ المُتَبَايِعَانِ وَالمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ بَطَلَتِ الحَوَالَةُ. وَإِنْ كَذَّبَهُمَا المُحْتَالُ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ثُمَّ يَأْخُذُ المَالَ مِنَ المُشْتَرِي. وَلَوْ قَالَ المُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ: وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي، وَقَالَ المُسْتَحِقُّ: أَحَلْتنِي، أَوْ قَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ، وَقَالَ المُسْتَحِقُّ: بَلْ أَرَدْتَ الحَوَالَةَ صُدِّقَ المُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ،

(ولو) بان ما يمنع صحة البيع كأن (باع عبدا) أي قنا ذكرا أو أنثى (وأحال بثمنه) آخر على المشتري (ثم اتفق المتبايعان والمحتال على حريته) وقت البيع (أو ثبتت) حريته حينئذ (ببينة) شهدت حسبة أو أقامها العبد، ومحل إقامتها في هذين

(1)

ما إذا قد بيع لآخر؛ لأن هذا وقت الاحتياج إليها، أو أقامها أحد الثلاثة ولم يصرح قبل إقامتها بأنه مملوك (بطلت الحوالة) أي بان عدم انعقادها؛ لأنه بان أن لا بيع فلا ثمن، (وإن كذبهما المحتال) في الحرية (ولا بينة حلفاه) أي لكل منهما تحليفه وإن لم يجتمعا (على نفي العلم) بها ككل نفي لا يتعلق بالحالف وإذا حلَّفه أحدهما فللآخر تحليفه

(2)

(ثم يأخذ المال من المشتري)؛ لبقاء الحوالة، ثم بعد أخذ المال منه -لا قبله- يرجع المشتري على البائع؛ لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة. أما إذا لم يحلف -بأن نكل- فيحلف المشتري

(3)

على الحرية وتبطل بناء على الأصح أن اليمين المردودة كالإقرار (ولو) أذن مدين لدائنه في القبض من مدينه ثم (قال المستحق عليه) وهو المدين الآذن لم يصدر مني إلا أني قلت (وكلتك لتقبض لي وقال المستحق) وهو الدائن بل الصادر منك أنك (أحلتني) فصار الحق لي (أو قال) المستحق عليه (أردت بقولي) اقبض منه أو (أحلتك) بمائة مثلا على عمرو (الوكالة) بناء على الأصح من صحة الوكالة بلفظ الحوالة (وقال المستحق بل أردت الحوالة صدق المستحق عليه بيمينه)؛ لأن الأصل بقاء الحقين على ما كانا عليه مع كونه أعرف بنيته وبحلفه تندفع الحوالة وبإنكار الآخر الوكالة انعزل فيمتنع قبضه، فإن كان قد قبض برئ الدافع له؛ لأنه وكيل أو محتال. ويلزمه تسليم ما قبضه للحالف وحقه عليه باق -أي إلا أن توجد فيه شروط الظفر أو التقاص-، وإن تلف المال في يده بلا تقصير لم يضمنه؛

(1)

. أي والحال أن المتبايعين تصادقا على حريته.

(2)

. وفاقا لشرح الروض وخلافا لهما كالشهاب الرملي.

(3)

. ظاهره أن البائع لا يحلف خلافا لشرح الروض.

ص: 230

وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ. وَإِنْ قَالَ: أَحَلْتُك، فَقَالَ: وَكَّلْتَنِي صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ

لأنه وكيل بزعم خصمه وليس له المطالبة بدينه؛ لأنه استوفاه بزعمه، ومحل الخلاف إذا قال أحلتك بمائة على زيد أما إذا قال أحلتك بالمائة التي لك عليَّ على عمرو فيصدق المستحق بيمينه قطعا؛ لأنه لا يحتمل غير الحوالة (وفي الصورة الثانية وجه) ثم أن محل التفصيل من حيث الخلاف إذا اتفقا على أصل الدين. أما إذا أنكر مدعي الحوالة أصل الدين فهو المصدق في المسألتين قطعا

(1)

(وإن) اختلفا في أصل اللفظ الصادر كأن (قال) المستحق عليه (أحلتك فقال) المستحق بل (وكلتني) أو في المراد من لفظ محتمل كأقبض أو أحلتك (صدق الثاني بيمينه)؛ لأن الأصل بقاء حقه في ذمة المستحق عليه وبحلف المستحق تندفع الحوالة ويأخذ حقه من المستحق عليه ويرجع هذا على المحال عليه ويظهر أثر النزاع فيما ذكر عند إفلاس المحال عليه.

(1)

. عبارة الرشيدي.

ص: 231

‌باب الضمان

شَرْطُ الضَّامِنِ: الرُّشْدُ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ. وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ،

(باب الضمان)

الشامل للكفالة هو لغة: الالتزام، وشرعا: يطلق على التزام الدين والبدن والعين الآتي كل منها وعلى العقد المحصل لذلك ويسمى ملتزم ذلك ضامنا وضمينا وحميلا وزعيما وكفيلا وصبيرا. وأصله قبل الإجماع الخبر الصحيح ((الزعيم غارم))، وهو سنة لقادر عليه يأمن غائلته. وأركان ضمان الذمة

(1)

خمسة ضامن ومضمون ومضمون له ومضمون عنه وصيغة (شرط الضامن) ليصح ضمانه (الرشد) أي صلاح الدين والمال والاختيار وأهلية التبرع وصحة العبارة فلا يصح ضمان محجور عليه بصبا أو جنون أو سفه ومكره ولو قنا أكرهه سيده. أما الأخرس فإن لم يكن له إشارة مفهمة أصلا فلا يصحّ ضمانه وإلا صحّ، وفي حكم الرشيد من فسق ومن بذر بعد رشده ولم يحجر عليه كما مرّ.

[تنبيه] كتابة الأخرس كناية

(2)

وإن اقترنت بقرائن تشعر بالضمان

(وضمان محجور عليه بفلس كشرائه) بثمن في ذمته فيصح كضمان مريض، نعم إن استغرق الدين مال المريض وقضي به بان بطلان ضمانه بخلاف ما لو حدث له مال أو أبرئ. ولو أقر بدين مستغرق قُدِّم على الضمان وإن تأخر عنه وضمانه من رأس المال إلا عن معسر أو حيث لا رجوع فمن الثلث (وضمان عبد) أي قن ولو مكاتبا (بغير إذن سيده باطل في الأصح) وإن أذن له في التجارة، نعم يصح ضمان مكاتب لسيده ومبعض في نوبته بغير إذن بخلافه في نوبة السيد. ويصح ضمان القن الموقوف بإذن الموقوف عليه و الموصى بمنفعته بإذن الموصى له

(3)

، وعليه فمتى انتقل الوقف لغيره بطل الضمان

(4)

(ويصح) ضمان القن (بإذنه) أي السيد بعد علمه بقدر ما يضمن؛ لأن التعلق بماله. ويشترط أن يعرف هو والقنُّ المضمونَ له؛ لأن كلا منهما مطالب،

(1)

. وفاقا للنهاية في هذا التخصيص وعممه المغني في ضمان العين.

(2)

. خلافا لشرح الروض.

(3)

. فقط والموصي أيضا أي مالك الرقبة عندهما كالشهاب.

(4)

. خلافا للرملي.

ص: 232

فَإِنْ عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ قُضِيَ مِنْهُ. وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَإِلَّا فَبِمَا يَكْسِبُهُ. وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ المَضْمُونِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا المَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا، وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي المَضْمُونِ كَوْنُهُ ثَابِتًا. وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ،

ولا يلزمه امتثال أمر السيد له بالضمان؛ إذ لا تسلط له على ذمته بخلاف بقية الاستخدامات، وإذا أدى بعد العتق فالرجوع له؛ لأنه أدى ملكه بخلاف قبله (فإن عيَّن) عند إذنه في الضمان لا بعده (للأداء كسبه أو غيره) كمال التجارة (قضي منه)؛ عملا بتعيينه، وإن لم يف مال التجارة

(1)

اُتبع القن بالباقي إذا عتق؛ لأن التعيين قصر الطمع عن تعلقه بالكسب، نعم إن حجر عليه القاضي فلا تتعلق بما عينه السيد دين ضمان مطلقاً (وإلا) يعين ذلك (فالأصح أنه إن كان مأذونا له في التجارة تعلق بما في يده) ربحا ورأس مال (وما يكسبه بعد الإذن، وإلا) يكن مأذونا له فيها (فـ) لا تعلق إلا (بما يكسبه) بعد الإذن.

[تنبيه] يعلم مما مر في الرهن صحة ضمنت مالك على زيد في رقبة عبدي هذا أو في هذه العين فيتعلق بها لا غير

(والأصح اشتراط معرفة) الضامن لعين (المضمون له) وهو صاحب الدين دون مجرد نسبه فلا يكفي ذلك؛ لتفاوت الناس في المطالبة تشديدا وتسهيلا، ولا تكفي معرفة وكيله

(2)

(وأنه لا يشترط قبوله و) لا (رضاه)؛ لأن الضمان محض التزام لا معاوضة فيه، وبه يعلم أنه لا يؤثر رده (ولا يشترط رضا المضمون عنه قطعا)؛ لجواز أداء دين الغير بغير إذنه فالتزامه أولى (ولا معرفته) حيا كان أو ميتا (في الأصح) كرضاه، نعم يشترط كونه مدينا كما أفاده قوله (ويشترط في المضمون كونه) أشار بحذفه دينا هنا وذكره في الرهن إلى شموله للعين المضمونة ومنها الزكاة بعد التمكن

(3)

والعمل الملتزم في الذمة بالإجارة أو المساقاة (ثابتا) حال الضمان؛ لأنه وثيقة ويكفي في ثبوته اعتراف الضامن به وإن لم يثبت على المضمون شيء، ولو ضَمِن زكاة حي فلابد من إذنه في الأداء (وصحح القديم ضمان ما سيجب)؛ لأن الحاجة قد

(1)

. ولو لتعلق دية به ما لم يحجر عليه القاضي، وإلا لم يتعلق به أصلا.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. والمراد بضمان الزكاة إذا كانت في الذمة ضمان ردها للساعي كما أفاده الشارح في الكفالة.

ص: 233

وَالمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ المَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ

تمس إليه. ولا يجوز ضمان نفقة مستقبلة للقريب قطعا؛ لأن سبيلها سبيل البر والصلة لا الديون، ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن ففعل ضمنها

(1)

(والمذهب صحة ضمان الدرَْك) ويسمى ضمان العهدة وإن لم يكن ثابتا؛ لمس الحاجة إليه في غريب ونحوه ممن لو خرج مبيعه أو ثمنه مستحقا لم يظفر به (بعد قبض) ما يضمن من (الثمن) -في التصوير الآتي- والمبيع فيما نذكره بعد؛ لأنه إنما يدخل في ضمان البائع أو المشتري حينئذ، وقبل القبض وكذا معه لم يتحقق ذلك، فخرج ما لو باع الحاكم عقار غائب للمدعي بدينه فلا يصح أن يضمن له دركه؛ لعدم القبض (وهو أن يضمن للمشتري الثمن) وقد علم قدره وتسلمه البائع (إن خرج المبيع) المعين (مستحقا) كأن خرج مرهونا أو مأخوذا بشفعة ببيع سابق (أو معيبا) ورده المشتري (أو ناقصا لنقص) ما قدر به من الكيل أو الذرع أو الوزن كنقص (الصَّنجة) أو لنقص الصفة المشروطة ورُدَّ أيضاً كما إذا باعه بشرط كون وزنه كذا أو من نوع كذا وضمن ضامن عهدة ذلك. وبيَّن بمستحقا وما بعده صحةَ ضمانِ دركِ فسادٍ يَظهر في العقد باستحقاق أو غيره ونحوِ رداءة جنس أو عيب أو تلف -قبل قبض وكذا بعده لكن إن انفسخ بنحو تقايل- أو نقصه عما قدر به مما يقتضي الخيار لا الفساد، وأل في الثمن للجنس فيشمل كله كما تقرر وما لو ضمن بعضه المعين إن خرج بعض مقابله مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص صنجة أو صفة. ولو أطلق ضمان الدرك أو العهدة اختص بما خرج مستحقا؛ لأنه المتبادر منه لا ما خرج فاسدا بغير الاستحقاق.

وإنما ذَكر الضمان للمشتري فقط؛ لأنه الغالب فيصحّ للبائع بأن يضمن له المبيع بعد قبض المشتري له إن خرج الثمن المعين ابتداء أو عما في الذمة مستحقا أو ناقصا لنقص نحو صنجة أو معيبا مثلا، وصورةُ ذلك أن يقول ضمنت لك عهدة الثمن أو المبيع أو دركه أو خلاصك منه، ولا يكفي قوله خلاص المبيع أو الثمن، أو شرط كفيل بخلاص ذلك؛ لأنه لا يستقل بتخليصه بخلافه شرط كفيل بالثمن كما علم مما مر. ولو اختلف الضامن والبائع في نقص صنجة الثمن ولا بينة حلف الضامن؛ لأصل براءة ذمته، أو البائع والمشتري حلف

(1)

. ظاهره مطلقا خلافا لهما من بناء هذا على القديم.

ص: 234

وَكَوْنُهُ لَازِمًا، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ

البائع؛ لأن ذمة المشتري كانت مشغولة وبحلف البائع يطالب المشتري وكذا الضامن إن أقر أو ثبت بحجة أخرى.

ويصح ضمان الدرك للمسلم إليه المسلمَ فيه بعد أدائه إن استحق رأس المال المعين لا للمسلم رأس المال إن استحق المسلم فيه؛ لأنه لكونه في الذمة يستحيل فيه الاستحقاق بخلاف المقبوض، ويصح ضمان الدرك أيضا للمستأجر أو الأجير أيضا على وزان ما ذكر في السلم. ويصح ضمان درك الدين قُبِض، وعليه فإذا ضمن شخصٌ آخرُ للدائن نحو عيب أو نقص الدين فخرج معيبا أو ناقصا طالب الدائن مؤدِّي الدين أو الضامن بالباقي في حالة النقص وطالب المؤدِّي بالإبدال ولا يطالب الضامن بالإبدال إلا إن ردَّ المعيب لمؤدِّي الدين

(1)

، بل لا يطالب الضامن وإن

(2)

رفع الأمر لقاض وفسخ بنحو العيب وقد أبقاه تحت يده إلى مجيء مالكه. وإذا استحق المبيع طولب الضامن كالبائع أو بعض المبيع طولب الضامن أي أو البائع بقسط المستحق من الثمن فسخ المشتري أم لا.

[تنبيه] التحقيق أن متعلق ضمان الدرك عين الثمن أو المبيع إن بقي وسهل رده، وبدله -أي قيمته- إن عسر رده؛ للحيلولة، ومثل المثلي وقيمة المتقوم إن تلف، ثم إن ضمان الثمن المعين الباقي بيد البائع ضمان عين فيبطل العقد بخروجه مستحقا؛ لأن الرد هنا لم يتوجه لبدلٍ أصلا بل للعين المتعينة بالعقد، ومن ثم لو تعذر ردها لم يغرم الضامن بدلها، أما ضمان الثمن الذي ليس كذلك فهو ضمانُ ذمةٍ فلا بطلان بتبين استحقاقه؛ لأن الرد هنا لم يتوجه للعين بل لماليتها عند تعذر ردها. ولا يجري ضمان الدرك في نحو الرهن؛ لأنه لا ضمان فيه (وكونه لازما) -وهو ما لا يتسلط على فسخه من غير سبب ولو باعتبار وضعه- وإن لم يستقر كثمن مبيع لم يقبض وكمهر قبل وطء (لا كنجوم كتابة)؛ لقدرة المكاتب على إسقاطها متى شاء فلا معنى للتوثق به، ولا يصحّ أيضا ضمان الغير لديون السيد على المكاتب لنحو معاملة بخلاف ضمانها لأجنبي فإنه يصح (و يصح ضمان الثمن) للبائع (في مدة الخيار) للمشتري (في الأصح)؛ لأنه آيل للزوم بنفسه. أما إذا كان الخيار لهما فيوقف فإن بان ملك البائع له لوجود الإجازة بانت صحة الضمان

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. خلافا للنهاية.

ص: 235

وَضَمَانُ الجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ. وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الجَدِيدِ. وَالْإِبْرَاءُ مِنْ المَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الجَدِيدِ

وإلا فلا، أو كان الخيار للبائع فملك المبيع له وملك الثمن للمشتري فلا ثمن عليه حتى يُضْمَن (وضمان الجعل كالرهن به) فيصح بعد الفراغ؛ للزومه لا قبله لجوازه.

[تنبيه مهم] وقع لهم في مبحث اشتراط لزوم الدين في الرهن والحوالة والضمان ما يوهم التنافي وبيانه مع الجواب عنه أنهم صرحوا بأن كل ما صح رهنه صح ضمانه وعكسه واستثنوا صورا يصح ضمانها لا رهنها؛ لعدم الدين فيها كالدرك ورد الأعيان المضمونة وإحضار البدن، ولا يشترط في الرهن والضمان استقرار الدين كأجرة قبل انتفاع في إجارة العين ولا صحة الاعتياض عنه، فيصح كلٌّ من الرهن والضمان بدين السلم وهو المسلم فيه وبالدية والزكاة بتفصيلهما، نعم الرهن لزكاة تعلقت بالعين لا يصح بخلاف ضمانها؛ لصحته بردِّ الأعيان المضمونة وخالفوا هذا في الحوالة فاشترطوا صحة الاعتياض عن دينها المحال به وعليه فلا يصح بدين سلم ولا إبل دية ولا زكاة ولا عليها وكأنهم نظروا إلى أنها معاوضة أو استيفاء وكل منهما يستدعي صحة الاعتياض بخلاف ذينك فإن كلا منهما وثيقة والتوثق يحصل بمجرد اللزوم؛ لأنه لخشية الفوات وهي منتفية عند لزوم سببه. وفرقوا أيضا بينها وبينهما ففصلوا فيها في نجوم الكتابة ودين المعاملة تفصيلا مخالفا لما فصلوه في الضمان الملحق به الرهن وكأنهم لمحوا في الفرق ما قدمته (وكونه معلوما) للضامن فقط جنسا وقدرا وصفة وعينا (في الجديد)؛ لأنه إثبات مال في الذمة لآدمي بعقد فلم يصح مع الجهل كالثمن، نعم لو قال جاهل بالقدر ضمنت لك الدراهم التي على فلان كان ضامنا لثلاثة، وكذا أو براءة من الدراهم (والإبراء

(1)

المؤقت والمعلق -بغير الموت وإلا كإذا مت فأنت بريء أو أنت بريء بعد موتي كان وصية- والذي لم يذكر فيه المبرأ منه ولا نوي، و (من المجهول) في واحد مما ذكر للدائن -لا وكيله- أو للمدين لكن فيما فيه معاوضة كإن أبرأتني فأنت طالق لا فيما عدا ذلك (باطل في الجديد

(2)

؛ لأن البراءة

(1)

. اختلف هل الإبراء تمليك أو إسقاط؟، والتحقيق أنه لا يطلق القول أنه تمليك ولا بأنه إسقاط؛ لأن لهم فروعا راعوا فيها الأول وفروعا راعوا فيها الثاني، لكن لمّا كانت الأولى أكثر أطلق كثيرون عليه التمليك بالرغم من أن حقيقته إسقاط، أفاده الشارح في كتاب الخلع.

(2)

. نعم لو أبراءه من دينارين وقال أردت ما يقابلها من الدراهم صحَّ وإن جهلاه كما أفاده الشارح في كاتب البيع.

ص: 236

إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ مَا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ لِتِسْعَةٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

متوقفة على الرضا ولا رضا يعقل مع الجهل، نعم لا أثر لجهل تمكن معرفته

(1)

، ويكفي في النقد الرائج علم العدد وفي الإبراء من حصته من مورثه علم قدر التركة وإن جهل قدر حصته؛ لأن الإبراء ومثله الترك والتحليل والإسقاط تمليك للمدين ما في ذمته أي الغالب عليه ذلك، وإنما لم يشترط قبول المدين ولم يرتد برده؛ نظرا لشائبة الإسقاط. ولو أبرأ ثم ادعى الجهل بالمبرأ منه فإن باشر سبب الدين لم يقبل وإلا كدين ورثه قُبِل، نعم يقبل باطنا مطلقاً. ويجوز بذل العوض في مقابلة الإبراء، وعليه فيملك الدائن العوض المبذول له بالإبراء ويبرأ المدين. وطريق الإبراء من المجهول أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين كألف شك هل دينه يبلغها أو ينقص عنها. وإذا لم تبلغ الغيبة المغتاب كفى فيها الندم والاستغفار له فإن بلغته لم يصح الإبراء منها إلا بعد تعيينها

(2)

بالشخص بل وتعيين حاضرها إن اختلف به الغرض. ولو أبرأه من معين معتقدا أنه لا يستحقه فبان أنه يستحقه برئ (إلا) الإبراء (من إبل الدية) فإنه صحيح مع الجهل بصفتها؛ لأنهم اغتفروا ذلك في إثباتها في ذمة الجاني فكذا هنا (ويصح ضمانها في الأصح) كالإبراء للعلم بسنها وعددها ويرجع في صفتها لغالب إبل البلد (ولو قال ضمنت ما لك على زيد) أو أبرأتك أو نذرت لك مثلا وكذا أحلتك (من درهم إلى عشرة فالأصح صحته)؛ لانتفاء الغرر بذكر الغاية (و) الأصح (أنه يكون ضامنا لعشرة) ومبرئا منها وناذرا لها؛ إدخالا للغايتين (قلت: الأصح) أنه يكون ضامنا (لتسعة) ومبرئا منها وناذرا لها (والله أعلم)؛ إدخالا للأول فقط لأنه مبدأ الالتزام. ولو لُقِّن صيغة نحو إبراء ثم قال جهلت مدلولها وأمكن عادة خفاء ذلك عليه قبل وإلا فلا.

[فرع] مات مدين فسأل وارثه دائنه أن يبرئه ويكون ضامنا لِمَا عليه فأبرأه على ظن صحة الضمان وأن الدين انتقل إلى ذمة الضامن لم يصح الإبراء

؛ لأنه بناه على ظن انتقاله للضامن

(1)

. وذكر الشارح قبيل فصل الإقرار بالنسب أنه لو أبراءه براءة عامة وكان عليه دين سلم مثلا فادعى أنه لم يعلم به حالة الإبراء أو علمه ولم يرده صدق بيمينه 5/ 400.

(2)

. خلافا للمغني.

ص: 237

فصل

المَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ. فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطِ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَالمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَمَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللهِ تَعَالَى. وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ....

ولم ينتقل إليه؛ لأن الضمان بشرط براءة الأصيل باطل، ولو أبرأه في الدنيا دون الآخرة برئ فيهما؛ لأن أحكام الآخرة مبنية على الدنيا، ويؤخذ منه أن مثله عكسه، ولو قال أبرأتك مما لي عليك وله عليه دين أصلي ودين ضمان برئ منهما.

(فصل) في قسم الضمان الثاني وهو كفالة البدن

(المذهب صحة كفالة البدن) وهي التزام إحضار المكفول أو جزء منه شائع كعشره أو ما لا بقاء بدونه كروحه أو رأسه أو قلبه إلى المكفول له؛ لإطباق الناس عليها. ويشترط تعيينه فلا يصح كفلت بدن أحد هذين (فإن كفَل بدن من عليه مال) أو عنده مال ولو أمانة (لم يشترط العلم بقدره)؛ لما يأتي أنه لا يغرمه (ويشترط كونه) أي ما على المكفول (مما يصح ضمانه) فلا تصح ببدن مكاتب بالنجوم، وتقدم أنه لا يصح أيضا ضمان الغير لديون السيد على المكاتب بنحو معاملة بخلاف ضمانها لأجنبي فإنه يصح، ولا ببدن من عليه نحو زكاة إن تعلقت بالعين قبل التمكن بخلاف ما إذا كانت في الذمة أو تعلقت بالعين وتمكن منها؛ لصحة ضمان الأولى -ومثلها الكفارة- وضمان رد الثانية. (والمذهب صحتها ببدن) كل من استحق حضوره مجلس الحكم عند الطلب لحق آدمي ككفيل وأجير وقن آبق لمولاه وامرأة لمن يدعي نكاحها ليثبته أو لمن أثبت نكاحها ليسلمها له وكذا عكسه، و (من عليه عقوبة آدمي كقصاص وحد قذف)؛ لأنه حق لازم فأشبه المال (ومنعها في حدود الله تعالى) وتعازيره كحد سرقة؛ لأنَّا مأمورون بسترها، نعم يصح التكفل ببدن من عليه حد قطع طريق

(1)

تحتم ولم يسقط بالتوبة لا بدن من عليه حد آخر، (ويصح ببدن صبي ومجنون)؛ لأنه قد يستحق إحضارهما ليشهد من لم يعرف اسمهما ونسبهما عليهما بنحو إتلاف، ويشترط إذن وليهما

(1)

. خلافا لهما.

ص: 238

وَمَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيُشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ، ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَكَان التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَمَكَانُهَا، وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ، ..

فيطالب بإحضارهما ما بقي حجره، ويشترط إذن السفيه

(1)

؛ لصحة إذنه -لا وليّه- ومثله القنّ فيما لا يتوقف على إذن السيد كإتلافه الثابت بالبينة (ومحبوس) بإذنه؛ لتوقع خلاصه كما يصح ضمان معسر المال (وغائب) كذلك وإن كان فوق مسافة القصر فيلزمه الحضور معه؛ لأجل إذنه في ذلك فهو المورِّط لنفسه (وميت ليحضره فيُشهَد على صورته)؛ لعدم العلم باسمه ونسبه؛ لأنه قد يحتاج لذلك، ومحل صحة كفالة الميت إن لم يدفن -لا بعد الدفن وإن لم يتغير- وأن لا يكون ثمة نقل محرم، وأن لا يتغير في مدة الإحضار، وأن يكفل الكفيل الميت بإذنه في حياته فإن لم يأذن حال حياته فيعتبر إذن وارثه -أي جميع الورثة- إن تأهل وإلا فوليه كناظر بيت المال، أما من لا وراث له كذمي مات ولم يأذن فلا تصح كفالته (ثم إن عين مكان التسليم) في الكفالة (تعين) إن صلح سواء أكان ثم مؤنة أم لا

(2)

(وإلا) يعين (فمكانها) يتعين إن صلح أيضا كالسلم، نعم لا يشترط

(3)

هنا بيان محل التسليم وإن لم يصلح له موضع التكفل أو كان له مؤنة بخلاف نظيره في السلم وذلك؛ لأنه يحتاط في الأموال ما لا يحتاط في الأبدان

(4)

، وأيضا المؤنة هنا على المكفول فلا غرر، ثم إذا لم يصلح فأقرب محل صالح (ويبرأ الكفيل بتسليمه) -أي بنفسه أو وكيله- المكفولَ من بدن أو عين إلى المكفول له أو وارثه (في مكان التسليم) المتعين بما ذكر

(5)

وإن لم يطالبه به. ولو كفل واحد بدن اثنين لم يبرأ إلا بإحضارهما وإن كانا متضامنين (بلا حائل) بينه وبين المكفول له -ولو محبوسا بحق-؛ لإتيانه بما لزمه بخلاف ما إذا سلمه له بحضرة مانع (كمتغلب) يمنعه منه فلا يبرأ؛ لعدم حصول المقصود، نعم إن قبل المكفول له تسلم المكفول مختارا برئ الكفيل. وخرج بمكان التسليم غيره فلا يلزمه قبوله فيه إن كان له غرض في الامتناع كأن كان بمحل التسليم بينته أو من

(1)

. خلافا للمغني فاشترط إذن ولي السفيه.

(2)

. ورد الشارح ما اعتمده النهاية من اشتراط رضا المكفول.

(3)

. خلافا للنهاية فاعتمد عدم الفرق.

(4)

. ورد الشارح ما فرق به المغني.

(5)

. على مختار الشارح والمغني، أما على مختار النهاية فبالتعيين أو بوقوع الكفالة أو بخروجه عن الصلاحية بعد.

ص: 239

وَبِأَنْ يَحْضُرَ المَكْفُولُ وَيَقُولَ سَلَّمْتُ نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ. فَإِنْ غَابَ لَمْ يَلْزَمِ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ،

يعينه على خلاصه وإلا أجبره الحاكم على قبوله فإن صمم تَسَلَّمَه عنه، فإن فقد الحاكم أشهد أنه سلمه له وبرئ ويأتي هذا التفصيل فيما لو أحضره قبل زمنه المعين.

[فرع] قال ضمنت إحضاره كلما طلبه المكفول له صحّ وتكرر كلما طلبه

(1)

(وبأن يحضر المكفول) البالغ العاقل بمحل التسليم ولا حائل (ويقول) للمكفول له (سلمت نفسي عن جهة الكفيل) وكذا في غير محل التسليم أو زمنه حيث لا غرض له في الامتناع وحينئذٍ يجبر الحاكم المكفول له على القبول فإن فقد الحاكم أشهد أنه سلم نفسه عن كفالة فلان وبرئ الكفيل، أما الصبي والمجنون فلا عبرة بقولهما إلا إن رضي به المكفول له، وتسليم أجنبي بإذن الكفيل كتسليمه وبدون إذنه لغو إلا إن قبل المكفول له.

[تنبيه] ظاهر كلامهم اشتراط اللفظ هنا لا فيما قبله ويفرق بأن مجيء هذا وحده لا قرينة فيه فاشترط لفظ يدل بخلاف مجيء الكفيل به فلا يحتاج للفظ، نعم إن أحضره بغير محل التسليم فلا بد من لفظ يدل على قبوله له حينئذ (ولا يكفي مجرد حضوره) بلا قوله المذكور؛ لأن الكفيل لم يسلمه إليه ولا أخذ من جهته (فإن غاب) المكفول من بدن أو عين (لم يلزم الكفيل إحضاره إن جهل مكانه)؛ لعذره ويصدق في جهله بيمينه، أما إن كان غائبا ابتداء ومكانه مجهول فلا تصح الكفالة أصلا

(2)

(وإلا) بأن عرف مكانه (فيلزمه) إحضاره ولو من دار الحرب ومن فوق مسافة القصر ولو في بحر غلبت السلامة فيه، والشرط في الجميع أمن الطريق وعدم المانع منه عادة و لا يُكتفى في هذين بقوله. ولو حُبس المكفول بحق في غير محل التسليم أُلزم الكفيل بإحضاره ويحبس ما لم يتسبب في تخليصه ولو ببذل ما عليه كأن كان محبوسا بدينٍ كما كان المكفول ببدنه يحتاج لمؤن السفر ولا شيء معه فيلزم الكفيل بدفعه لذلك.

[تنبيه] من الواضح أنه إنما يُلزم بالسفر للإحضار ويُمَكَّن منه إن وثق الحاكم منه بذلك وثوقا ظاهرا لا يتخلف عادة

وإلا فيلزم حينئذ بكفيل كذلك فإن تعذر حبس حتى يزن المال

(1)

. خلافا للنهاية من أنه لا يلزمه غير مرة.

(2)

. خلافا للنهاية.

ص: 240

وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ. فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ، وَقِيلَ: إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالمَالِ. وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ المَالَ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بَطَلَتْ. وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا المَكْفُولِ

قرضا أو ييأس من إحضاره (ويمهل مدة ذهاب وإياب) عادة مع ثلاثة أيام كاملة إقامة للمسافرين سفرا طويلا ومدّة انتظار رفقة يأمن بهم وانقطاع نحو مطر وثلج ووحل مؤذ (فإن مضت ولم يحضره) وقد وجدت تلك الشروط ومنها أن تلزمه الإجابة إلى القاضي بسبب إذن المكفول للكفيل في الكفالة أو بسبب قول المكفول له للكفيل أحضره للقاضي ويقول له القاضي أحضره؛ لأنه حينئذ رسول القاضي إليه (حبس) -إن لم يؤدِّ الدين- إلى تعذر إحضار المكفول بموت أو نحو تغلب أو جهل بمحله؛ لامتناعه مما لزمه. وإذا حضر المكفول بعد تسليمه الدين رجع به على من أداه إليه فيسترده إن بقي وإلا فبدله، والكلام حيث لم ينو الوفاء عنه وإلا لم يرجع بشيء؛ لتبرعه بأداء دينه بغير إذنه، ولو تعذر رجوعه على المؤدى إليه لم يرجع على المكفول (وقيل إن غاب إلى مسافة القصر لم يلزمه إحضاره، والأصح أنه إذا مات ودفن) أو هرب أو توارى ولم يدر محله (لا يطالب الكفيل بالمال

(1)

فالعقوبة أولى؛ لأنه لم يلتزمه أصلا بل النفس وقد فاتت (و) الأصح (أنه لو شرط في الكفالة أنه يغرم المال) ولو مع قوله (إن فات التسليم بطلت) الكفالة؛ لأنه شرط ينافي مقتضاها، وليس من الشرط كفلت ببدنه فإن مات فعليَّ المال؛ لأنه وعد فيلغو وتصح الكفالة ولا أثر لإرادة الشرط هنا

(2)

، ولو قال كفلت لك نفسه على أنه إن مات فأنا ضامنه بطلت الكفالة والضمان؛ لأنه شرط ينافيها أيضا (و) الأصح (أنها لا تصح بغير رضا المكفول) أو نحو وليه؛ لأنه مع عدم إذنه لا يلزمه الحضور معه فتبطل فائدتها.

[فرع] يصح التكفل لمالك عين معلومة -ولو خفيفة لا مؤنة لردها- بردها لا قيمتها لو تلفت ممن هي بيده إن كانت يده يد ضمان وأذن من هي تحت يده أو قدر على انتزاعها منه

(1)

. قيده الرملي بما إذا لم يخلف المكفول وفاء.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 241

فصل

يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالإلْتِزَامِ كَضَمِنْتُ دَيْنَك عَلَيْهِ أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ، أَوْ أَنَا بِالمَالِ أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ. وَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي المَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ،

فإن تعذر ردها لنحو تلف لم يلزمه شيء، ومؤن ردها على الضامن بالمعنى السابق في الدين المحبوس عليه المكفول به.

(فصل) في صيغتي الضمان والكفالة ومطالبة الضامن وأدائه وتوابع لذلك

(يشترط في الضمان) للمال (والكفالة) للبدن أو العين (لفظ) غالبا؛ إذ مثله الخط مع النية وإشارة أخرس مفهمة (يشعر بالالتزام) كغيره من العقود، ودخل في ((يشعر)) الكتابةُ، ثم الصريح (كضمنت دينك عليه) أي فلان (أو تحملته أو تقلدته) أي دينك عليه (أو تكفلت ببدنه) لفلان أو نحوه مما يدل عليه (أو أنا بالمال) الذي على زيد مثلا (أو بإحضار الشخص) الذي هو فلان، وإنما قيدت المال والشخص بما ذكرته؛ لأنه لا يكفي ذكر ما في المتن وحده (ضامن أو كفيل أو زعيم أو حميل) أو قبيل لفلان وعليَّ ما على فلان، ومالُك على فلان عليّ؛ لثبوت بعضها نصا وبقيتها قياسا. ومن الصريح خلِّ عنه والمال عليَّ

(1)

؛ لأن صيغة عليَّ صيغة التزام صريحة في التزام ماله عليه، نعم محل صحة هذه الصيغة إن أراد خلِّ عنه الآن -أي قبل الضمان- أو أطلق، أما لو أراد خلِّ عنه أبدا فهو شرط مفسد. والكناية نحو دين فلان إلي أو عندي أو معي وخلِّ عنه والمال إلي أو نحوه مما ذكر، ولو تكفل فأبرأه المستحق ثم وجده ملازما لخصمه فقال خَلّه وأنا عَلَى ما كنت عليه من الكفالة صار كفيلا، ولا بد في صراحة هذه الألفاظ من ذكر المال فنحو ضمنت فلانا من غير ذكر مال ينبغي أن يكون كناية كخل عن مطالبة فلان الآن فإنه كناية (ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشخص فهو وعد) بالالتزام كما هو صريح الصيغة، نعم إن نوى به التزام ضمان أو كفالة لزمه، واشترط بعضهم مع ما مر

(1)

. وقد عبر الشيخ زكريا في شرح الروض بقوله: ((خَلِّ عنه والمال الذي لك عليه عليَّ))، ورد الشيخ ابن حجر هذه الزيادة -إن أُريد بها الاشتراط- بأن ((عليَّ)) صيغة التزام صريحة في الضمان كافية فيه.

ص: 242

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِشَرْطٍ وَلَا تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ. وَلَوْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ شَهْرًا جَازَ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا. وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ المُؤَجَّلِ حَالًّا، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ. وَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ

وجود قرينة أي لتجعله كناية ثم يلزم بالنية المتقدمة (والأصح أنه لا يجوز) شرط الخيار للضامن أو الكفيل

(1)

أو أجنبي، ولا (تعليقهما) أي الضمان والكفالة (بشرط)؛ لأنهما عقدان كالبيع (ولا توقيت الكفالة) كأنا كفيل به إلى شهر وإن لم يقل

(2)

وأنا بعده بريء كما لا يجوز توقيت الضمان جزما (ولو نجزها وشرط تأخير الإحضار شهرا) كضمنت إحضاره بعد شهر -أي ونوى تعلق بعد بإحضاره فإن علقه بضمنت فواضح أنه يبطل، وإن أطلق صحّ؛ لأن كلام المكلف يصان عن الإلغاء- (جاز)؛ لأنه التزام لعمل في الذمة فكان كعمل الإجارة يجوز حالا ومؤجلا. وخرج بشهرا مثلا نحو الحصاد فلا يصح التأجيل إليه (وأنه يصح ضمان الحال مؤجلا أجلا معلوما) فيثبت الأجل في حق الضامن؛ لأن الضمان تبرع وتدعو الحاجة إليه فكان على حسب ما التزمه، ويصح زيادة الأجل ونقصه (وأنه يصح ضمان المؤجل حالا

(3)

؛ لتبرعه بالتزام التعجيل فصح كأصل الضمان (و أنه لا يلزمه التعجيل) كما لو التزم الأصيل التعجيل فيثبت الأجل في حقه أو حق وارثه تبعا، فلو مات الأصيل حلَّ عليه أيضا، نعم فيما إذا ضمن مؤجلا لشهرين مؤجلا لشهر لا يحل بموت الأصيل إلا بعد مضي الأقصر (وللمستحق

(4)

الشامل للمضمون له ولوارثه -لا للمحتال- (مطالبة الضامن) وضامنه وهكذا وإن كان بالدين رهن وافٍ (والأصيل) اجتماعا وانفرادا وتوزيعا بأن يطالب كلا ببعض الدين؛ لبقاء الدين على الأصيل وللخبر السابق ((الزعيم غارم)). ولو أفلس الأصيل فطلب الضامن بيع ماله -أي الأصيل- أوّلاً أجيب إن ضمن بإذنه وإلا فلا؛ لأنه موطن نفسه على عدم الرجوع.

(1)

. خرج المكفول له خلافا للمغني.

(2)

. قضية كلامهما أنه قيد.

(3)

. ولو عجل بعض الدين ليبرئه من الباقي فأبراءه لم يصح الدفع ولا الإبراء كما يأتي في كتاب الكتابة 10/ 406.

(4)

. قال الشارح قبيل العارية: ((وإنما طولب من أقر بكونه ضامنا لعمرو في ألف بالألف وإن لم يثبت على عمرو ولو كذب الضامن؛ لأنه لا ملازمة بين مطالبتيهما)) .. الخ.

ص: 243

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ. وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ بَرِئَ الضَّامِنُ، وَلَا عَكْسَ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا حَلَّ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ. وَإِذَا طَالَبَ المُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ

[فرع] لو قال رجلان لآخر ضمنا مالك على فلان طالب كلا بجميع الدين كرهنا عبدنا بألف يكون نصف كل رهنا بجميع الألف

(1)

. (والأصح أنه لا يصح) الضمان ومثله الكفالة (بشرط براءة الأصيل)؛ لمنافاته مقتضاه. (ولو أبرأ الأصيل) أو برئ بنحو أداء أو اعتياض أو حوالة (برئ الضامن) وضامِنُه وهكذا؛ لسقوط الحق (ولا عكس) فلو برئ الضامن بإبراء لم يبرأ الأصيل ولا من قبله بخلاف من بعده وكذا في كفيل الكفيل وكفيله وهكذا وذلك؛ لأنه إسقاط وثيقة فلا يسقط بها الدين كفك الرهن بخلاف ما لو برئ بنحو أداء، وشمل كلامهم ما لو أبرأ الضامن من الدين فلا يبرأ الأصيل إلا إن قصد إسقاطه عن المضمون عنه

(2)

.

[تنبيه] أقال المضمون له الضامن فإن قصد إبراءه برئ من غير قبول، وإن لم يقصد ذلك فإن قبل في المجلس برئ وإلا فلا، ويصدق المضمون له في أن الضامن لم يقبل؛ لأن الأصل عدمه (ولو مات أحدهما) والدين مؤجل عليهما بأجل واحد (حل عليه)؛ لوجود سبب الحلول في حقه (دون الآخر)؛ لعدم وجوده في حقه. وعند موت الأصيل وله تركة للضامن مطالبة المستحق بأن يأخذ منها أو يبرئه؛ لاحتمال تلفها فلا يجد مرجعا إذا غرم، ولذا لو ضمن بغير الإذن لم يكن له ذلك؛ إذ لا رجوع له؛ لتقصيره، وعند موت الضامن إذا أخذ المستحق ماله من تركته لا ترجع ورثته على الأصيل إلا بعد الحلول (وإذا طالب المستحق الضامن فله مطالبة الأصيل) أو وليه (بتخليصه بالأداء إن ضمن بإذنه)؛ لأنه الذي ورطه في المطالبة لكن ليس له حبسه وإن حبس ولا ملازمته، فان امتنع وثبت له مال فسق (والأصح أنه لا يطالبه) بالدين الحال (قبل أن يطالب) كما لا يغرمه قبل الغرم.

(1)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي من أن المعتمد في مسألة الضمان أن كلا ضامن للنصف فقط، وفي مسألة الرهن أن نصف كلٍّ رهنٌ بالنصف فقط.

(2)

. كما في النهاية.

ص: 244

وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ وُجِدَ إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ، وَإِنْ انْتَفَى فِيهِمَا فَلَا، فَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالحَ عَنْ مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ. وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ فَلَا رُجُوعَ،

(وللضامن) بعد أدائه من ماله (الرجوع على الأصيل إن وجد إذنه في الضمان والأداء)؛ لصرف ماله لغرض الغير بإذنه. أما لو أدى من سهم الغارمين فلا رجوع له، وكذا لو ضمن سيده ثم أدى بعد عتقه، أو نذر

(1)

ضامن الأداء وعدم الرجوع (وإن انتفى) إذنه (فيهما) أي الضمان والأداء (فلا) رجوع له؛ لأنه متبرع (فإن أذن) له (في الضمان فقط) أي دون الأداء ولم ينهه عنه (رجع في الأصح)؛ لأن الضمان هو الأصل فالإذن فيه إذن فيما يترتب عليه. أما إن نهاه عنه بعد الضمان فلا يؤثر أو قبله فإن انفصل عن الإذن فلا رجوع عنه وإلا أفسده، وقد لا يرجع بأن أنكر أصل الضمان فثبت عليه بالبينة مع إذن الأصيل له فيه فكذبها؛ لأنه بتكذيبها صار مظلوما بزعمه والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه وهو هنا المستحق (ولا عكس في الأصح) بأن ضمن بلا إذن وأدى بالإذن؛ لأن وجوب الأداء سببه الضمان ولم يأذن فيه، نعم إن أذن له في الأداء بشرط الرجوع رجع، وحيث ثبت الرجوع فحكمه حكم القرض حتى يرد في المتقوم مثله صورةً (ولو أدى مكسرا عن صحاح أو صالح عن مائة) ضمنها (بثوب قيمته خمسون فالأصح أنه لا يرجع إلا بما غرم)؛ لأنه الذي بذله، ويبرأ الأصيل من القدر الذي سومح به، وخرج بما ذكره صلحه عن مكسر بصحيح وعن خمسين بثوب قيمته مائة فلا يرجع إلا بالأصل فالحاصل أنه يرجع بأقل الأمرين من الدين والمؤدَّى، وبالصلح ما لو باعه الثوب بمائة ثم وقع تقاص فيرجع بالمائة قطعا وكذا لو باعه الثوب بما ضمنه على الأصح. ولو صالح من الدين على بعضه أو أدى بعضه وأبرئ من الباقي رجع بما أدى وبرئ فيهما وكذا الأصيل لكن في صورة الصلح دون صورة البراءة (ومن أدى دين غيره) وليس أبا ولا جدا (بلا ضمان ولا إذن فلا رجوع) له عليه وإن قصده؛ لتبرعه. أما الأب أو الجد إذا أدى دين محجوره أو ضمنه بنية الرجوع فإنه يرجع.

(1)

. لم يرتض الرملي انعقاد النذر.

ص: 245

وَإِنْ أَذِنَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالحَتَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ

(وإن أذن) له في الأداء (بشرط الرجوع) فأدى بقيده الآتي (رجع) عليه، (وكذا إن أذن) له إذنا (مطلقا) عن شرط الرجوع فأدى لا بقصد التبرع

(1)

.

[تنبيه] يشترط أن يقصد المدين الأداء عند دفع الدين وإلا كان الدفع لاغيا ولم يملكه المدفوع إليه، وهذا الشرط مندرج في إذن المدين في الأداء عن دينه، ويجوز تقديم هذه النية عند عزل ما يريد أداءه كنظيره في الزكاة (في الأصح) كما لو قال اعلف دابتي أو قال أسير: فادني وإن لم يشرط الرجوع، ويفرق بين هذين وأطعمني رغيفا بجريان المسامحة في مثله، ومن ثم لا أجرة في نحو اغسل ثوبي؛ لأن المسامحة في المنافع أكثر منها في الأعيان، نعم لو قال لشريكه أو أجنبي عمِّر داري أو أدِّ دين فلان على أن ترجع عليَّ رجع؛ لعدم وجوب عمارة الدار والمدار على اشتراط الرجوع بخلاف نحو اعلف دابتي مما مر فيكفي الإذن فيه، ولو قال أنفق على امرأتي ما تحتاجه كل يوم على أني ضامن له صح ورجع إلا إن قال أردت حقيقة الضمان فيصدق بيمينه وحينئذ لا يلزمه إلا نفقة اليوم الأول، ولو قال بع لهذا بألف وأنا أدفعه لك ففعل لم يلزمه الألف، نعم لو ارتفع العقد الذي أدى به الدين بعيب ونحوه رجع المؤدَّى للمؤدِّي إلا أن يكون أبا أو جدا فيرجع للمؤدى عنه.

[تنبيه] محل الرجوع الذي في المتن إن أذن له في الأداء فأدى ولم يضمن أصلا أو أذن له في الأداء وضمن بإذن منه في الضمان

، أما إن ضمن بلا إذن في الضمان بعد الإذن في الأداء فلا رجوع؛ لأنه أبطل الإذن بضمانه بلا إذن، (والأصح أن مصالحته) أي المأذون له في الأداء (على غير جنس الدين لا تمنع الرجوع)؛ لأن الآذن إنما يقصد البراءة وقد حصلت فيرجع بالأقل كما مر، ويأتي هنا ما مر فيما لو ضمن بالإذن وصالح في الدين بغير جنسه، وإحالة المستحق على الضامن وإحالة الضامن له قبض، ومتى ورث الضامن الدين رجع به مطلقا.

(1)

. قضية عبارة المغني عدم الرجوع عند الإطلاق خلافا لقضية كلام الشارح كالنهاية.

ص: 246

ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالمُؤَدِّي إذَا أَشْهَدَ بِالْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ صَدَّقَهُ المَضْمُونُ لَهُ أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عَلَى المَذْهَبِ

(ثم إنما يرجع الضامن والمؤدي) بشرطهما السابق (إذا أشهدا بالأداء) مَن لم يعلم سفره عن قرب عرفا سواء أكان (رجلين أو رجلا وامرأتين) ولو مستورين وإن بان فسقهما؛ لعدم الاطلاع عليه باطنا (وكذا رجل) يكفي إشهاده (ليحلف معه) ولا يشترط عزمه على الحلف حين الإشهاد (في الأصح)؛ لأنه كافٍ في إثبات الأداء وإن كان حاكم البلد حنفيا، نعم إذا كانت كل الأقاليم كذلك فينبغي هنا عدم الاكتفاء به (فإن لم يشهد) أو قال أشهدت وماتوا أو غابوا أو أشهدت هذين وكذباه أو قالا نسينا ولم يصدقه الأصيل وأنكر رب المال دفعه إليه (فلا رجوع) له (إن أدى في غيبة الأصيل وكذبه)؛ لأن الأصل عدم الأداء وهو مقصر بترك الإشهاد (وكذا إن صدقه) على الأداء (في الأصح)؛ لأنه لم ينتفع بأدائه، ولو أذن له في ترك الإشهاد رجع إن صدقه

(1)

على الدفع، ولو أدَّى الضامن الدين مرتين ولم يشهد أوَّلاً ثم أدى ثانيا وأشهد رجع بأقلهما؛ لأن الأصل براءة ذمة الأصيل من الزائد (وإن صدقه المضمون له) أو وارثه الخاص

(2)

على الأوجه وكذبه الأصيل ولا بينة (أو أدى بحضرة الأصيل) وأنكر المضمون له (رجع على المذهب)؛ لسقوط الطلب في الأولى بإقرار ذي الحق ولأن المقصر هو الأصيل في الثانية حيث لم يحتط لنفسه وكالضامن فيما ذكر المؤدِّي، نعم يصدق في نحو أطعم دابتي وأنفق على محجوري في أصل الإطعام والإنفاق وفي قدره؛ لرضاه بأمانته، ومحله إن ذكر قدرا محتملا كالوصي.

[فرع] تقبل شهادة الأصيل لآخر بأنه لم يضمن بشرط أن لا يأذن له في الضمان عنه، وللضامن باطنا إذا أدى للمستحق فأنكر المستحق وطالَبَ الأصيلَ أن يَشْهَد أن المستحق استوفى الحق المُدَّعى به.

(1)

. لم يقيد بذلك في النهاية.

(2)

. أي لا العام وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 247

‌كتاب الشركة

هِيَ أَنْوَاعٌ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ كَشَرِكَةِ الحَمَّالِينَ، وَسَائِرِ المُحْتَرِفَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوِ اخْتِلَافِهَا. وَشَرِكَةُ المُفَاوَضَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ. وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ لِيَبْتَاعَ كُلٌُ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الْفَاضِلُ عَنْ الْأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا

(كتاب الشِّرْكة

(1)

هي: لغة الاختلاط، وشرعا: ثبوت الحق -ولو قهرا- شائعا في شيء لأكثر من واحد، أو عقد يقتضي ذلك كالشراء، وهذا العقد هو المترجَم له حيث قصد به ابتغاء الربح بلا عوض.

وأصلها قبل الإجماع الخبر القدسي ((يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما)) أي بنزع البركة من مالهما (هي) بالمعنى اللغوي

(2)

(أنواع) أربعة أحدها (شركة الأبدان كشركة الحمالين وسائر المحترفة ليكون بينهما كسبهما) بحرفتهما (متساويا أو متفاوتا مع اتفاق الصنعة أو اختلافها) وهي باطلة لما فيها من الغرر والجهل (وشركة المفاوَضة ليكون بينهما كسبهما) ببدن أو مال من غير خلط (وعليهما ما يعرض من غرم) بنحو غصب أو إتلاف وهي باطلة أيضا؛ لاشتمالها على أنواع من الغرر. (وشركة الوجوه بأن يشترك الوجيهان ليبتاع) أي يشتري (كل منهما بمؤجل) أو حال ويكون المبتاع (لهما فإذا باعا كان الفاضل عن الأثمان بينهما) أو أن يبتاع وجيه في ذمته ويفوض بيعه لخامل والربح بينهما، أو يشترك وجيه لا مال له وخامل له مال ليكون المال من هذا والعمل من هذا من غير تسلم للمال والربح بينهما والكل باطل؛ إذ ليس بينهما مال مشترك والثالث قراض فاسد؛ لاستبداد المالك باليد ولو نويا في شركة الوجوه والمفاوضة شركةَ العنان وثَمَّ

(1)

. وهي بفتح وسكون محذوفة التاء مشتركة بينها وبين النصيب هذا ظاهر كلام الشارح وظاهر الرملي أنها محذوفة التاء مشتركة مطلقا على جميع لغات الشركة.

(2)

. هي أولى من عبارتهما ((هي أي الشركة من حيث هي)).

ص: 251

وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ بَاطِلَةٌ. وَشَرِكَةُ الْعَنَانِ صَحِيحَةٌ. وَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ فَلَوِ اقْتَصَرَا عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ. وَتَصِحُّ فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ دُونَ المُتَقَوِّمِ، وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ المَضْرُوبِ. وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ المَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ، وَلَا يَكْفِي الخَلْطُ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسٍ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ،

مال بينهما صحت (وهذه الأنواع باطلة، وشركة العَنان صحيحة) إجماعا ولسلامتها من سائر أنواع الغرر.

وأركانها خمسة عاقدان ومعقود عليه وعمل وصيغة (ويشترط فيها لفظ) صريح من كل منهما أو من أحدهما للآخر (يدل على الإذن) للمتصرف من كل منهما أو أحدهما (في التصرف

(1)

بالبيع والشراء الذي هو التجارة، أو كناية تشعر بذلك، فعلم أنه لابد من لفظ يدل على الإذن في التجارة فعليه لو عبرا بالإذن في التصرف اشترط اقتران لفظ به يدل على التجارة كتَصَرَّفْ في هذا وعِوَضِه، وتكفي القرينة المعينة للمراد من ذلك، وكاللفظ الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة فلو أذن أحدهما فقط تصرف المأذون له في الكل والآذن في نصيبه فقط فإن شرطا أن لا يتصرف في نصيبه بطلت (فلو اقتصرا على) قولهما (اشتركنا لم يكف) عن الإذن في التصرف (في الأصح)؛ لاحتماله الإخبار عن وقوع الشركة فقط، ومن ثم لو نوياه به كفى (و) يشترط (فيهما) أي الشريكين إن تصرفا (أهلية التوكيل والتوكل) في المال؛ لأن كلا منهما وكيل عن صاحبه وموكل له. أما إذا تصرف أحدهما فيشترط فيه أهلية التوكل وفي الآخر أهلية التوكيل فيصح كون الثاني أعمى دون الأول. ويجوز أن يشارك شخص الوليَّ في مال محجوره إن وجدت المصلحة وكان الشريك أمينا بحيث يجوز إيداع مال اليتيم عنده وتصرف مع الولي وليس بماله شبهة إن سلم مال المحجور عنها، ولو كان المكاتب هو المتصرف اشترط إذن سيده؛ لتبرعه بالعمل (وتصح) الشركة (في كل مثلي) إجماعا في النقد وعلى الأصح في المغشوش الرائج؛ لأنه باختلاطه يرتفع تميزه كالنقد ومنه التبر (دون المتقوِّم)؛ لتمايز أعيانه (وقيل تختص بالنقد المضروب) الخالص كالقراض (ويشترط خلط المالين) قبل العقد (بحيث لا يتميزان) وإن لم تتساو أجزاؤهما في القيمة؛ لتعذر إثبات الشركة مع التميز. (ولا يكفي الخلط مع اختلاف جنس) كدنانير ودراهم، (أو صفة كصحاح ومكسرة) و كبر

(1)

. يفهم من كلام الشارح في كتاب الأيمان اشتراط نية الشركة 10/ 25.

ص: 252

هَذَا إذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا، فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ، وَالحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي قَدْرِ المَالَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ. وَيَتَسَلَّطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِلَا ضَرَرٍ فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ

أبيض بأحمر؛ لإمكان التميز وإن عسر، ولو كان لكلٍّ علامة مميزة عند مالكه دون بقية الناس لم يصح (هذا) المذكور من اشتراط خلطهما (إذا أخرجا مالين وعقدا، فإن ملكا مشتركا) بينهما على جهة الشيوع وهو مثلي؛ إذ الكلام فيه، وأما غيره فسيعلم حكمه من قوله والحيلة إلى آخره (بإرث وشراء وغيرهما وأذن كلٌّ للآخر في التجارة فيه) أو أذن أحدهما فقط نظير ما مر (تمت الشركة)؛ لحصول المعنى المقصود بالخلط (والحيلة في الشركة في) المتقوم من (العروض) لها طرق منها أن يرثاها مثلا أو (أن يبيع) مثلا (كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر) تجانسا وتساوى البعضان وعلما قيمتهما أم لا، ولفظة ((كل)) لا بد منها

(1)

بالنسبة لقوله (ويأذن له في التصرف) فيه بعد التقابض وغيره مما شرط في البيع، ومحله إن لم تشرط الشركة في التبايع وإلا فسد البيع، ومن الحيلة أن يشتريا سلعة بثمن واحد ثم يدفع كلٌّ عرضه عما يخصه (ولا يشترط) في صحة الشركة (تساوي قدر المالين) بل تثبت الشركة مع تفاوتهما على نسبتهما؛ إذ لا محذور حينئذ لما يأتي أن الربح والخسران على قدر المالين (والأصح أنه لا يشترط العلم بقدرهما) أي النسبتين في المختلط

(2)

ككونه مناصفة (عند العقد) -بل الشرط إمكان معرفة القدر بعدُ بنحو مراجعة حساب أو وكيل-؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما، ولو جهلا القدر وعلما النسبة بأن وضع كل دراهمه بكِفَّةٍ حتى تساويا صح جزما.

(ويتسلط كل واحد منهما على التصرف) إذا أذن كل للآخر (بلا ضرر) أصلا بأن تكون فيه مصلحة وإن لم توجد الغبطة؛ لأن الغبطة التصرف فيما فيه ربح عاجل له وقع وهنا يصح شراء ما يتوقع ربحه (فلا) يبيع بثمن المثل وثَمَّ راغب بل لو ظهر في زمن الخيار لزمه الفسخ وإلا انفسخ، ولا (يبيع نسيئة)؛ للغرر (ولا بغير نقد البلد) والأصح الجواز عند المصلحة

(1)

. وعند المغني يكفي إذن أحدهما.

(2)

. أسقطاه.

ص: 253

وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا يُسَافِرُ بِهِ وَلَا يُبْضِعُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ. وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَنْعَزِلَانِ عَنِ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِهِمَا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي لَمْ يَنْعَزِلِ الْعَازِلُ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ. وَالرِّبْحُ وَالخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ المَالَيْنِ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا، فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ فَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ المَالَيْنِ، ..

(ولا) يبيع ولا يشتري (بغبن فاحش) وهو ما لا يُحْتَمَل غالبا

(1)

، فإن فعل شيئا من ذلك صح في نصيبه فقط فتنفسخ الشركة فيه ويصير مشتركا بين المشتري والشريك (ولا يسافر به) حيث لم يعطه له في السفر ولا اضطر إليه لنحو قحط أو خوف ولا كانا من أهل النجعة وإن أعطاه له حضرا، فإن فعل ضمن وصح تصرفه (ولا يُبْضعه) أي يجعله بضاعة يدفعه لمن يعمل لهما فيه ولو متبرعا؛ لأنه لم يرض بغير يده فإن فعل ضمن أيضا (بغير إذنه) قيد في الكل، ومجرد الإذن في السفر لا يتناول ركوب البحر الملح بل لا بد من النص عليه، وقوله ما شئت إذن في المحاباة لا بما ترى؛ لأن فيه تفويضا لرأيه وهو يقتضي النظر بالمصلحة (ولكل فسخه) أي عقد الشركة (متى شاء)؛ لما مر أنها توكيل وتوكل (وينعزلان عن التصرف بفسخهما) أي فسخ كل منهما (فإن قال أحدهما) للآخر (عزلتك، أو لا تتصرف في نصيبي لم ينعزل العازل)؛ لأنه لم يمنعه أحد بخلاف المخاطب (وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وبإغمائه) وبطروِّهن أو رق أو حجر سفه أو فلس بالنسبة لما لا ينفذ تصرفه فيه وغير ذلك مما يأتي في الوكالة، نعم الإغماء الخفيف

(2)

-بأن لم يستغرق وقت فرض صلاة- لا يؤثر (والربح والخسران على قدر المالين) باعتبار القيمة لا الأجزاء (تساويا) أي الشريكان (في العمل أو تفاوتا) فيه وإن لم يشرطا ذلك؛ لأنه ثمرتهما فكان على قدرهما، والخسر منهما فكان عليهما (فإن شرطا خلافه فسد العقد)؛ لمنافاته لوضع الشركة (فيرجع كلٌّ منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله) أي مال الآخر كالقراض إذا فسد وقد يقع التقاص، نعم إن تساويا مالا وتفاوتا عملا وشرط الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد إن علم الفساد وأنه لا شيء في الفاسد؛ لأنه عمل غير طامع في شيء كما لو عمل أحدهما فقط في فاسده (وتنفذ التصرفات) منهما للإذن (والربح) بينهما في هذا أيضا (على قدر المالين) رجوعا للأصل

(1)

. كما ضبطه الشارح في الوكالة.

(2)

. خلافا لهما ووفاقا لشرح المنهج.

ص: 254

وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ. وَالخُسْرَانِ وَالتَّلَفِ فَإِنِ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ. وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ المَالُ هُوَ لِي، وَقَالَ الْآخَرُ مُشْتَرَكٌ أَوْ بِالْعَكْسِ صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَوْ قَالَ اقْتَسَمْنَا وَصَارَ لِي صُدِّقَ المُنْكِرُ. وَلَوِ اشْتَرَى وَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ صُدِّقَ المُشْتَرِي

(ويد الشريك يد أمانة

(1)

فيقبل قوله في الرد) لنصيب الشريك إليه، لا لنصيب الراد إلى شريكه (والخسران والتلف) كالوكيل (فإن ادعاه) أي التلف (بسبب ظاهر) كحريق وجهل (طولب ببينة بالسبب، ثم) بعد إقامتها (يصدق في التلف به) بيمينه، أما إن عرف دون عمومه أو ادعاه بلا سبب أو بسبب خفي كسرقة صدق بيمينه، وإن عرف هو وعمومه صدق بلا يمين (ولو قال من في يده المال) من الشريكين (هو لي وقال الآخر مشترك أو) قالا (بالعكس) أي قال من بيده المال هو مشترك وقال الآخر هو لي (صدق صاحب اليد) بيمينه؛ لأنها تدل على الملك الموافق لدعواه به في الأولى ونصفه في الثانية (ولو قال) ذو اليد (اقتسمنا وصار لي صدق المنكر)؛ لأن الأصل عدم القسمة (ولو اشترى) الشريك (وقال اشتريته للشركة أو لنفسي وكذبه الآخر صدق المشتري) بيمينه؛ لأنه أعرف بقصده، نعم لو اشترى شيئا فظهر عيبه وأراد رد حصته لم يقبل قوله على البائع أنه اشتراه للشركة؛ لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه فليس له تفريق الصفقة عليه، نعم لو صدقه تعددت الصفقة.

[فرع] لو باعا عبدهما صفقة أو وكل أحدهما الآخر فباعه لم يشارك أحدهما الآخر فيما قبضه، ولو أجّر حصته في مشترك لم يشارك فيما قبضه مما أجر به وإن تعدى بتسليمه العين للمستأجر بغير إذن شريكه

.

(1)

. ولا يطالب بحساب فإن ادعى خيانة حلف كما ذكره الشارح في الإيصاء 6/ 97.

ص: 255

‌كتاب الوكالة

شَرْطُ المُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ فِيهِ بِمِلْكٍ أَوْ وِلَايَةٍ. فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا المَرْأَةِ وَالمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ. وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الطِّفْلِ. وَيُسْتَثْنَى تَوْكِيلُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَصِحُّ

(كتاب الوكالة)

هي لغة: التفويض والمراعاة والحفظ، واصطلاحا

(1)

: تفويض شخص لغيره ما يفعله عنه في حياته مما يقبل النيابة شرعا. وأصلها قبل الإجماع قوله تعالى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} النساء: 35؛ بناء على الأصح الآتي أنه وكيل، ويندب قبولها؛ لأنها قيام بمصلحة الغير كما يندب إيجابها إن لم يرد به الموجب به حظ نفسه؛ وذلك لتوقف القبول المندوب على الإيجاب.

وأركانها أربعة موكل ووكيل وموكل فيه وصيغة (شرط الموكل صحة مباشرته ما وَكل فيه بملك)؛ لكونه رشيدا (أو ولاية)؛ لكونه أباً في نكاح أو مال، أو غيره في مال (فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون) ولا مغمى عليه في شيء ولا سفيه في نحو مال؛ لأنهم إذا عجزوا عن تعاطي ما وكلوا فيه فنائبهم أولى، وخرج بملك أو ولاية -المتعلق بالصحة وبالمباشرة- الوكيل فإنه لا يوكل كما يأتي؛ لأنه ليس بمالك ولا ولي (ولا) توكيل (المرأة) لغيرها في النكاح؛ لأنها لا تباشره، ولا يَرِدُ صحة إذنها لوليها بصيغة الوكالة؛ لأن ذلك ليس في الحقيقة وكالة بل متضمن للإذن (و) لا توكيل (المُحرم) لحلال (في النكاح) ليعقد له أو لموليته حال إحرام الموكل؛ لأنه لا يباشره، أما إذا وكله ليعقد عنه بعد تحلله أو أطلق فيصح كما لو وكله ليشتري له هذه الخمر بعد تخللها أو هذه وأطلق أو وكل حلال محرما ليوكل حلالا في التزويج (ويصح توكيل الولي في حق الطفل) أو المجنون أو السفيه كأصل في تزويج أو مال، ووصي أو قيم

(2)

في مال عن نفسه وذلك؛ لولايته عليه، نعم لا يوكل إلا أمينا كما يأتي بقيده، ويصح توكيل سفيه أو مفلس أو قن في تصرف يستبِدُّ به لا غيره إلا بإذن ولي أو غريم أو سيد (ويستثنى) من عكس الضابط السابق وهو أن كل من لا تصح منه المباشرة لا يصح منه التوكيل (توكيل الأعمى في البيع والشراء) وغيرهما مما يتوقف على الرؤية (فيصح) وإن لم

(1)

. عبر به في النهاية وعبر شرح المنهج والمغني بشرعا.

(2)

. وفاقا للمغني واعتمد النهاية أنه لا يصح توكيله إلا فيما يتولى مثله.

ص: 259

وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ،

يقدر على مباشرته؛ للضرورة، ويستثنى أيضا المُحْرِم إذا وكَّله ليعقد عنه بعد تحلله أو أطلق أو وكّل حلال محرما ليوكل حلالا في التزويج، وتوكيل المشتري البائع في أن يوكل من يقبض المبيع منه عنه مع استحالة مباشرته القبض من نفسه، والمستحق في نحو قود الطرف مع أنه لا يباشره، والوكيل في التوكيل، ومالكة أمة لوليها في تزويجها.

ويستثنى من طرده -وهو أن كل من صحت مباشرته بملك أو ولاية صح توكيله- وليٌّ غير مجبر نهته عنه فلا يوكل وظافر بحقه فلا يوكل في نحو كسر باب وأخذه وإن عجز، والتوكيل في الإقرار، وتوكيل وكيل قادر، وسفيه أذن له في النكاح ومثله العبد في ذلك، والتوكيل في تعيين أو تبيين مبهمة واختيار أربع إلا أن يعين له عين امرأة، وتوكيل مسلم كافرا في استيفاء قود من مسلم أو نكاح مسلمة ورجحا

(1)

في توكيل المرتد لغيره في تصرف مالي الوقف

(2)

، و يجوز توكيل مستحق في قبض زكاة له ما دام في البلد إن لم يملكها لانحصاره، أما إن ملكها لانحصاره فيجوز توكيله دام في البلد أوْ لا، ويملك الموكل بقبض وكيله غير المحصور إن نوى الدافع والوكيل الموكلَّ أو نواه الوكيل ولم ينو الدافع شيئا، فإن قصد نفسه وهو مستحق وقصد الدافع موكله لم يملكه واحد منهما، وإن قصد الدافع الوكيل ولم يقصد الوكيل شيئا ملكه، أو قصد موكله لم يملكه واحد منهما أيضا. ولو عارض لفظ أحدهما أو تعيينه قصد الآخر تأتى في الملك نظير ما تقرر في معارضة القصدين.

(وشرط الوكيل) تعيينه -إلا في نحو مَن حَج عني فله كذا أي؛ لأن عامل الجعالة هنا وكيل بجعل، وإلا فيما لا عهدة فيه كالعتق كما يأتي- فيبطل وكلت أحدكما

(3)

، و (صحة مباشرته التصرف) الذي وُكِّل فيه (لنفسه)؛ لأنه إذا عجز عنه لنفسه كيف يستطيعه لغيره، واستثنى من طرده -وهو أن كل من صحت مباشرته لنفسه صح توكله من غيره- منع توكل

(1)

. أي الإمام النووي والرافعي.

(2)

. خلافا للروض وظاهر النهاية.

(3)

. مطلقا وخالفاه فاعتمدا أنه إن وقع في غير المعين تبعا للمعين كوكلتك في بيع كذا مثلا، وكلُّ مسلم صح.

ص: 260

لَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَكَذَا المَرْأَةُ وَالمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ، لَكِنْ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ. وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ وَمَنْعُهُ فِي الْإِيجَابِ

فاسق عن الولي في بيع مال محجوره

(1)

(لا) توكل (صبي ومجنون) ومغمى عليه فلا يصح؛ لتعذر مباشرتهم لأنفسهم، نعم يصح توكل صبي في نحو تفرقة زكاة وذبح أضحية وما يأتي (وكذا المرأة) أو الخنثى (والمحرم) فلا يصح توكلهما (في النكاح) إيجابا وقبولا؛ لسلب عبارتهما فيه، والمرأة أو الخنثى في رجعة أو اختيار لنكاح أو فراق وإن عينت لهما المرأة، ولو بان الخنثى ذكرا بعد تصرفه ذلك بانت صحته، (لكن الصحيح اعتماد قول صبي) ولو قنَّا مميزا لم يجرب عليه كذب وكذا فاسق وكافر كذلك (في الإذن في دخول دار وإيصال هدية) ولو أمة قالت له سيدي أهداني إليك فيجوز وطؤها، وطلب صاحب وليمة لتسامح السلف في مثل ذلك. وغير المأمون بأن جرب عليه كذب -ولو مرة- لا يعتمد قطعا، وما حفته قرينة يعتمد قطعا ولو من كاذب، وللمميز ونحوه توكيل غيره في ذلك بشرطه الآتي

(2)

(والأصح صحة توكيل عبد في قبول نكاح) ولو بلا إذن سيد؛ إذ لا ضرر عليه مطلقا، ويستثنى أيضا صحة توكل سفيه في قبول نكاح بغير إذن وليه وتوكل كافر عن مسلم في شراء مسلم، وتوكل المرأة في طلاق غيرها، والرجل في قبول نكاح أخت زوجته مثلا أو خامسة وتحته أربع، والموسر في قبول نكاح أمة.

[تنبيه] أشار المصنف في مسألة طلاق الكافر للمسلمة -فإنه يصح طلاقه في الجملة- إلى أن المراد صحة مباشرة الوكيل التصرف لنفسه في جنس ما وكل فيه في الجملة لا في عينه وحينئذ يسقط أكثر ما مر من المستثنيات وقياسه جريان ذلك في الموكل أيضا (ومنعه في الإيجاب) للنكاح؛ لأنه إذا امتنع من أن يزوج بنته فبنت غيره أولى، ويصح توكل المكاتب في تزويج الأمة إذا قلنا إنه يزوج أمته ومثله في هذا المبعض بالأولى، ولا يتوكل العبد بلا إذن

(3)

عن غيره فيما يلزم ذمته عهدته كبيع ولو بجعل بل فيما لا يلزمها كقبول نكاح ولو بغير إذن،

(1)

. محله إن وضع يده على المال كما قيده الشارح آخر الوكالة 5/ 334.

(2)

. وهو العجز أو كونه لم تلق به مباشرته.

(3)

. خلافا للنهاية من الصحة حينئذ.

ص: 261

وَشَرْطُ المُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَهُ المُوَكِّلُ: فَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ، وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ. وَأَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنِّيَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ إلَّا الحَجَّ وَتَفْرِقَةَ زَكَاةٍ، وَذَبْحَ أُضْحِيَةٍ،

ولا يجوز توكله على طفل أو ماله مطلقا؛ لأنها ولاية (وشرط الموكل فيه أن يملكه الموكل) أي يملك التصرف فيه

(1)

حين التوكيل، أو يذكره تبعا لذلك أو يملك أصله

(2)

(فلو وكله ببيع) أو إعتاق (عبد سيملكه) موصوف أو معين أم لا -لكن هذا لا خلاف فيه- ولم يكن تابعا لمملوك (وطلاق من سينكحها) ما لم تكن تبعا لمنكوحته أخذا مما قبله (بطل في الأصح)؛ لأنه لا ولاية له عليه حينئذ

(3)

، ولو وكله في المطالبة بحقوقه لم يدخل فيه ما يتجدد بعد الوكالة كما لو وكله في التصرف في أملاكه فحدث له ملك لا ينفذ تصرفه فيه، نعم يصحّ تبعا كأن وكله فيما ملكه الآن وما سيملكه، وتصح الوكالة في بيع ثمر شجرة قبل إثمارها؛ لأنه مالك للأصل فوقعت الثمار تبعا. ويصح التوكيل في البيع والشراء في وكلتك في بيع هذا وشراء كذا بثمنه، ويصح أيضا إذن المقارض للعامل في بيع ما سيملكه كالشريك (وأن يكون قابلا للنيابة)؛ لأن التوكيل استنابة (فلا يصح) التوكيل (في عبادة) وإن لم تحتج لنية؛ لأن القصد منها امتحان عين المكلف، وليس منها نحو إزالة النجاسة؛ لأن القصد منها الترك (إلا الحج) والعمرة ويندرج فيهما توابعهما كركعتي الطواف (وتفرقة زكاة

(4)

ونذر وكفارة (وذبح أضحية) وهدي وعقيقة -سواء أَوَكَّلَ الذابح المسلم المميز في النية أم وكل فيها مسلما مميزا غيره ليأتي بها عند ذبحه كما لو نوى الموكل عند ذبح وكيله- ونحو عتق ووقف وغسل أعضاء لا في نحو غسل ميت؛ لأنه فرض فيقع عن مباشره

(5)

، نعم محلّه إن لم يُستأجر وإلا وقع عن المؤجر

(6)

(1)

. ردا قول الشارح.

(2)

. سيأتي التمثيل للأخيرين في الشرح.

(3)

. ولو وكل من يزوج موليته إذا انقضت عدتها صح عند الشارح خلافا للمغني والنهاية والشهاب الرملي.

(4)

. لرشيد وكذا لنحو كافر ومميز وسفيه إن عيَّن له المدفوع كما أفاده الشارح في كتاب الزكاة 3/ 344، كما أفاد هناك أيضا وجوب توكيله لإخراجها وفي نيتها أيضا إن لم ينو هو 3/ 348.

(5)

. وقضيته صحة توكيل من لم يتوجه عليه فرضه كالعبد.

(6)

. خلافا لهم فاعتمدوا جواز التوكيل هنا مطلقا.

ص: 262

وَلَا فِي شَهَادَةٍ وَإِيلَاءٍ وَلِعَانٍ وَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلَا فِي ظِهَارٍ فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ، وَهِبَةٍ، وَسَلَمٍ، وَرَهْنٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَقَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا

(ولا في شهادة)؛ لأن مبناها على التعبد واليقين الذي لا تمكن النيابة فيه (وإيلاء ولعان)؛ لأنهما يمينان ومن ثم قال (وسائر الأيمان) أي باقيها؛ لأن القصد بها تعظيمه تعالى فأشبهت العبادة ومثلها النذر، وتعليق العتق والطلاق والتدبير فقط؛ لشبههن بالعبادة بخلاف غيرها من التعاليق (ولا في) معصية نحو (ظهار) كأن يقول أنتِ على موكلي كظهر أمه أو جعلته مظاهرا منك (في الأصح)؛ لأنه معصية، نعم ما الإثم فيه لمعنى خارج كالبيع بعد نداء الجمعة الثاني يصح التوكيل فيه وكذا الطلاق في الحيض (ويصح) التوكيل (في طرفي بيع وهبة وسلم ورهن ونكاح)؛ للنص في النكاح والشراء كما مر وقيس بهما الباقي (و) في (طلاق

(1)

منجز (و) في (سائر العقود) وصيغة الضمان والوصية والحوالة جعلت موكلي ضامنا لك أو موصيا لك بكذا أو أحلتك بما لك على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان ويقاس بذلك غيره (والفسوخ) ولو فورية إذا لم يحصل بالتوكيل تأخير مضر (و) في (قبض الديون) ولو مؤجلة

(2)

؛ لإمكان قبضه عقب الوكالة بتعجيل المدين (وإقباضها) ولا يرد منع التوكيل في عوض صرف ورأس مال سلم في غيبة الموكل؛ لأنه بغيبته بطل العقد فلا دين، ويصح في الإبراء من الدين لكن في أبرئ نفسك لا بد من الفور تغليبا للتمليك بخلاف وكلتك لتبرئ نفسك

(3)

فيجوز مع التراخي. وخرج بالديون الأعيان فلا يصح

(4)

التوكيل فيما قدر على رده منها بنفسه مضمونة أو أمانة؛ لأن مالكها لم يأذن في ذلك ومن ثم ضمن به، وكذا وكيله والقرار عليه ما لم تصل بحالها ليد مالكها، نعم إن كان الوكيل من عيال

(5)

الموكل وكان ثقة مأمونا جاز له تفويض الرد إليه

(6)

، وكذا له الاستعانة بمن يحملها معه لكن إن كان معه، نعم

(1)

. ولو أوقع الوكيل طلاقاً عن نفسه وقع ذكره الشارح قبيل كتاب الديات 8/ 451.

(2)

. خلافا لظاهر المغني من بطلانها في المؤجلة إذا وكله في المطالبة بها.

(3)

. خلافا للنهاية.

(4)

. للمغني تفصيل هنا.

(5)

. والمراد بهم أولاده ومماليكه وزوجته كما مر.

(6)

. خلافا للنهاية.

ص: 263

وَالدَّعْوَى وَالجَوَابِ، وَكَذَا فِي تَمَلُّكِ المُبَاحَاتِ كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ فِي الْأَظْهَرِ، لَا فِي الإِقْرَارٍ فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَقِيل لَا يَجُوزُ إلَّا بِحَضْرَةِ المُوَكِّلِ. وَلْيَكُنِ المُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ

إن كان ثقة جازت الاستعانة وإن لم يلازمه، ويشترط فيهما بقاء نظره عليهما

(1)

(والدعوى) بنحو مال أو عقوبة لغير الله (والجواب) وإن كره الخصم. وينعزل وكيل المدعي بإقراره بقبض موكله أو إبرائه لا بإبرائه هو؛ لأنه وقع لغوا من غير أن يتضمن رفع الوكالة. وينعزل وكيل الخصم بقوله إن موكله أقر بالمدعى به ولا يقبل تعديله لبينة المدعي وتقبل شهادته على موكله مطلقا، وتقبل لموكله فيما لم يوكل فيه وفيما وكل فيه إن انعزل قبل الخوض في الخصومة، ويلزمه حيث لم يصدقه الخصم بينة بوكالته وتسمع من غير تقدم دعوى -حضر الخصم أو غاب- ومع تصديق الخصم على الوكالة له الامتناع من التسليم حتى يثبتها بالتسلم (وكذا في تملك المباحات كالإحياء والاصطياد و الاحتطاب في الأظهر) كالشراء بجامع أن كلا سبب للملك فيحصل الملك للموكل إن قصده الوكيل له وإلا فلا (لا في) الالتقاط كالاغتنام؛ تغليبا لشائبة الولاية على شائبة الاكتساب، ولا في (الإقرار) كوكلتك لتقر عني لفلان بكذا (في الأصح)؛ لأنه إخبار عن حق كالشهادة، ولا يكون حينئذ مقرا بالوكالة

(2)

، نعم إن قال أقر له عني بألف له عليَّ كان إقرارا جزما، ولو قال أقر علي له بألف لم يكن مقرا قطعا (ويصح) التوكيل (في استيفاء عقوبة آدمي) ولو قبل ثبوتها (كقصاص وحدّ قذف) بل يتعين في قطع طرف وحد قذف كما يأتي، ويصح أيضا في استيفاء عقوبة لله تعالى -لكن من الإمام أو السيد- لا في إثباتها مطلقا، نعم للقاذف أن يوكل في ثبوت زنا المقذوف ليسقط الحد عنه فتسمع دعواه عليه أنه زنى (وقيل لا يجوز إلا بحضرة الموكل)؛ لاحتمال عفوه (وليكن الموكل فيه معلوما من بعض الوجوه)؛ لئلا يعظم الغرر (ولا يشترط علمه من كل وجه) ولا ذكر أوصاف المسلم فيه؛ لأنها جوزت للحاجة فسومح فيها (فلو قال وكلتك في كل قليل وكثير)

(1)

. ذكره الشارح في الوديعة.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 264

أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي أَوْ فَوَّضْتُ إلَيْك كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ قَالَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِي وَعِتْقِ أَرِقَّائِي صَحَّ. وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ، أَوْ دَارٍ وَجَبَ بَيَانُ المَحَِلَّةِ وَالسِّكَّةِ، لَا قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ

لي (أو في كل أموري

(1)

أو حقوقي (أو فوضت إليك كل شيء) لي أو كل ما شئت من مالي (لم يصح)؛ لما فيه من عظيم الغرر إذ يدخل فيه ما لا يسمح الموكل ببعضه كطلاق زوجاته والتصدق بأمواله فيبطل هذا وإن كان تابعا لمعين

(2)

؛ لعظم الغرر (وإن قال) وكلتك (في بيع أموالي وعتق أرقائي) وقضاء ديوني واستيفائها ونحو ذلك (صح) وإن لم يعلما ما ذكر؛ لقلة الغرر فيه، ولو قال في بعض أموالي أو شيء منها لم يصح كبيع هذا أو هذا بخلاف أحد عبيدي، أو أبرئ فلانا عن شيء من مالي صح وحمل على أقل شيء؛ لأن الإبراء عقد غبن فتوسع فيه، أو عما شئت منه لزمه إبقاء أقل شيء (وإن وكله في شراء عبد) مثلا للقنية (وجب بيان نوعه) كتركي أو هندي، ويشرط أيضا لمن اشترى له غيره وكالة بيان الصنف والصفة إن اختلف بها الغرض اختلافا ظاهرا. ولو اشترى من يعتق على الموكل صح وعتق عليه بخلاف القراض؛ لأنه ينافي موضوعه من طلب الربح، ولو وكله في تزويج امرأة اشترط تعيينها ولا يكتفي بكونها تكافئه؛ لأن الغرض يختلف مع وجود وصف المكافأة كثيرا، نعم إن أتى له بلفظ عام كزوجني من شئت صح (أو) في شراء (دار) للقنية أيضا (وجب بيان المحَِلة) وهي الحارة ومن لازم بيانها بيان البلد غالبا فلذا لم يصرح به (والسِّكة) وهي الزقاق

(3)

المشتملة عليه وعلى مثله الحارةُ؛ لاختلاف الغرض بذلك، وقد يغني تعيين السكة عن الحارة (لا قدر الثمن) في العبد والدار مثلا (في الأصح)؛ لأن غرضه قد يتعلق بواحد من النوع من غير نظر لخسته ونفاسته، نعم يراعى حال الموكل وما يليق به، ولو قال اشتر كذا بما شئت ولو بأكثر من ثمن المثل صح وجاز شراؤه الغبن الفاحش

(4)

، ولو قال اشترِ بما عزَّ وهان جاز الشراء نسيئة؛

(1)

. ومثله وكلتك في أمري كما ذكره الشارح في الإيصاء وقياسه أن لفظ كل ليس قيدا هنا.

(2)

. وفاقا لهما كالشهاب الرملي وخلافا لشيخ الإسلام.

(3)

. هو السكة، تاج العروس.

(4)

. مقتضى إحالة الشارح هنا على ما يأتي 5/ 317، أن يقيد ذلك بعدم وجود قرينة تدل على خلافه، وأن في حكم ((بما شئت)) قوله:((بما تيسر)).

ص: 265

وَيُشْتَرَطُ مِنَ المُوَكِّلِ لَفْظٌ يَقْتَضِي رِضَاهُ كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ فَوَّضْتُ إلَيْك أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ، وَلَوْ قَالَ بِعْ أَوْ أَعْتِقْ حَصَلَ الْإِذْنُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ، دُونَ صِيَغِ الْأَمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ

لأنها زيادة رفق في الشراء بخلاف بع بما عزَّ وهان فلا يبيع نسيئة، ولو قال ذلك في مال المحجور بطل الإذن؛ لأنه يحتاط له ما لا يحتاط لغيره، نعم ما يكتب في كتاب التوكيل بقليل الثمن وكثيره لا يقصد به البيع بالغبن الفاحش ولا الشراء به. أما إذا قصد التجارة فلا يشترط بيان جميع ما مر بل يكفي اشتر لي بهذا ما شئت من العروض أو ما رأيت المصلحة فيه (ويشترط من الموكل) أو نائبه (لفظ) صريح أو كناية

(1)

ومثله كتابة أو إشارة أخرس مفهمة (يقتضي رضاه

(2)

كوكلتك في كذا أو فوضت إليك) أو أنبتك أو أقمتك مقامي فيه (أو أنت وكيلي فيه) كسائر العقود. وخرج بكاف الخطاب ومثلها وكلت فلانا ما لو قال وكلت كل من أراد بيع داري مثلا فلا يصح ولا ينفذ تصرف أحد فيها بهذا الإذن؛ لفساده، نعم يصح ذلك فيما لا يتعلق بعين الوكيل فيه غرض كوكلت كل من أراد في إعتاق عبدي هذا أو تزويج أمتي هذه، ولو قالت من لا ولي لها أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني صح

(3)

إن عينت الزوج ولم تفوِّض إلا صيغة العقد فقط. ويجري ذلك التعميم في التوكيل في الدعوى؛ إذ لا يتعلق بعين الوكيل غرض. (ولو قال بع أو أعتق حصل الإذن، ولا يشترط) في وكالة بغير جعل (القبول لفظا) بل أن لا يرد وإن أكرهه الموكل، ولا يشترط هنا فور ولا مجلس؛ لأن التوكيل رفع حجر كإباحة الطعام، ومن ثم لو تصرف غير عالم بالوكالة صح كمن باع مال أبيه ظانا حياته فكان ميتا، والقياس أنه يكفي اللفظ من أحدهما والقبول من الآخر، وقد يشترط القبول لفظا كما إذا كان له عين معارة أو مؤجرة أو مغصوبة فوهبها لآخر وأذن له في قبضها فوكل من هي بيده في قبضها له لا بد من قبوله لفظا؛ لتزول يده عنها به (وقيل يشترط، وقيل يشترط في صيغ العقود كوكلتك)؛ قياسا على العقود (دون صيغ الأمر كبع أو أعتق)؛ لأنه إباحة. أما التي بجعل

(1)

. ومن الكناية أحلتك وإنما خرج عن قاعدة ما كان صريحا في بابه؛ لاحتماله كما أفاده الشارح في الحوالة 5/ 238.

(2)

. ومنه قوله لنحو أولاده ادفعوا إليه كذا من مالي كما ذكره الشارح في الوصية 6/ 35.

(3)

. خلافا للرملي.

ص: 266

وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ نَجَّزَهَا، وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك وَمَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي صَحَّتْ فِي الحَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي عَوْدِهِ وَكِيلًا بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا،

فلا بد فيها من القبول لفظا إن كان

(1)

الإيجاب بصيغة العقد لا الأمر وكان عمل الوكيل مضبوطا؛ لأنها إجارة (ولا يصح تعليقها بشرط) من صفة أو وقت (في الأصح) -كسائر العقود خلا الوصية؛ لأنها تقبل الجهالة والإمارة؛ للحاجة- فلو تصرف بعد وجود الشرط نفذ؛ لعموم الإذن كأن وكله بطلاق زوجة سينكحها أو ببيع أو عتق عبد سيملكه أو بتزويج بنته

(2)

إذا طلقت وانقضت عدتها فطلق بعد أن نكح، أو باع أو أعتق بعد أن ملك، أو زوج بعد العدة، نعم لابد في هذه الصور أن يذكر ما يدل على التعليق كقوله التي سأنكحها أو الذي سأملكه بخلاف اقتصاره على وكلتك في طلاق هذه أو بيع هذا أو تزويج بنتي؛ لأن هذا اللفظ يعد لغوا لا يفيد شيئا أصلا. وفائدة عدم الصحة بهما في المتن سقوط المسمى إن كان ووجوب أجرة المثل وحرمة التصرف

(3)

، ويصح توقيتها كـ ((إلى شهر كذا)) فينعزل بمجيئه، (فإن نجزها وشرط للتصرف شرطا جاز) اتفاقا كوكلتك الآن ببيع هذا ولكن لا تبعه إلا بعد شهر، ويظهر أنه يكفي وكلتك ولا تبعه إلا بعد شهر وأن الآن مجرد تصوير، وبذلك يعلم أن من قال لآخر قبل رمضان وكلتك في إخراج فطرتي وأخرجها في رمضان صح؛ لأنه نجز الوكالة وإنما قيدها بما قيدها به الشارع بخلاف إذا جاء رمضان فأخرج فطرتي؛ لأنه تعليق محض، وظاهرٌ صحة إخراجه عنه فيه حتى على الثاني؛ لعموم الإذن كما علم مما تقرر (ولو قال وكلتك) في كذا (ومتى) أو مهما (عزلتك فأنت وكيلي صحت) الوكالة (في الحال في الأصح)؛ لأنه نجزها (وفي عوده وكيلا بعد العزل الوجهان في تعليقها)؛ لأنه علقها ثانيا بالعزل والأصح عدم العود؛ لفساد التعليق، وقضيته أنه يعود له الإذن العام فينفذ تصرفه وهو كذلك فطريقه أن يقول: عزلتك عزلتك أو متى أو مهما عدت وكيلي فأنت معزول؛ لأنه ليس هنا ما يقتضي التكرار، ومن ثم لو أتى بكلما عزلتك فأنت وكيلي عاد مطلقا؛ لاقتضائها التكرار

(1)

. أسقط هذا القيد في النهاية.

(2)

. خلافا للرملي كوالده.

(3)

. خلافا لهما.

ص: 267

وَيَجْرِيَانِ فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ.

فصل

الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَا بِنَسِيئَةٍ

فطريقه أن يوكل من يعزله أو يقول وكلما وكلتك فأنت معزول، فإن قال وكلما انعزلت فطريقه وكلما عدت وكيلي؛ لتقاوم التعليقين واعتضد العزل بالأصل وهو الحجر في حق الغير فقدم (ويجريان في تعليق العزل) بنحو طلوع الشمس والأصح عدم صحته فلا ينعزل بطلوعها وحينئذ فينفذ التصرف

(1)

؛ استنادا لأصل بقاء الوكالة وبطلان التعليق.

[فرع] وكله في قبض دينه فتعوض عنه غير جنس حقه بشرطه فإن كان الموكل قال له وكالة مفوضة أو مطلقة صح

. ولو وكل اثنين في عتق عبد فقال أحدهما ((هذا)) وقال الآخر ((حر)) وقع العتق بالثاني.

(فصل) في بعض أحكام الوكالة بعد صحتها

وهي ما للوكيل وعليه عند الإطلاق وتعيين الأجل وشراؤه للمعيب وتوكيله لغيره (الوكيل بالبيع) حال كون البيع (مطلقا) في التوكيل بأن لم ينص له على غيره، أو حال كون التوكيل المفهوم من الوكيل مطلقا أي غير مقيد بشيء (ليس له البيع بغير نقد البلد

(2)

الذي وقع فيه البيع بالإذن وإلا بأن سافر بما وكل في بيعه لبلد بلا إذن لم يجز له بيعه إلا بنقد البلد المأذون فيها، والمراد بنقد البلد ما يتعامل به أهلها غالبا نقدا كان أو عرضا؛ لدلالة القرينة العرفية عليه، فإن تعدد لزمه بالأغلب فإن استويا فبالأنفع وإلا تخير أو باع بهما، ومحل الامتناع بالعرض في غير ما يقصد للتجارة وإلا جاز به كالقراض، ومعنى الإطلاق أن لا ينص على ذات الثمن أصلا أو على صفته كبع هذا وكبعه بألف (ولا بنسيئة) ولو بثمن المثل؛ لأن المعتاد غالبا الحلول مع الخطر في النسيئة، ولو وكله وقت نهب جاز له البيع نسيئة لمن يأتي

(3)

إذا حفظ به عن النهب، وكذا لو وكَّله وقت الأمن ثم عرض النهب؛ لأن القرينة قاضية قطعا برضاه بذلك، وكذا لو قال له بعه ببلد أو سوق كذا وأهله لا يشترون إلا نسيئة

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. ويأتي في الوكيل ما مر في بيع العدل للمال المرهون 5/ 87.

(3)

. قبيل قول المصنف ((ولا يبيع لنفسه)).

ص: 268

وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا، فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَسَلَّمَ المَبِيعَ ضَمِنَ. فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا وَقَدَّرَ الْأَجَلَ فَذَاكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَحُمِلَ عَلَى المُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ

وعَلِم الوكيل أن الموكل يعلم ذلك فله البيع نسيئة حينئذ (ولا بغبن فاحش، وهو ما لا يحتمل غالبا) في المعاملة، والعبرة في كل ناحية بعرف أهلها المطرد، ولو باع بثمن المثل وهناك راغب

(1)

أو حدث في زمن الخيار وجب أن يفسخ العقد وإلا انفسخ من نفسه (فلو باع) بيعا مشتملا (على أحد هذه الأنواع) بطل، (و) لذا لو (سلم المبيع ضمنه

(2)

؛ للحيلولة بقيمته يوم التسليم ولو في المثلي؛ لتعديه بتسليمه لمن لا يستحقه ببيع باطل فيسترده إن بقي وحينئذ له بيعه بالإذن السابق وقبض الثمن ويده أمانة عليه، وإن لم يبق فهو طريق وقرار الضمان على المشتري فيضمن المثلي بمثله والمتقوم بقيمته

(3)

(فإن) لم يطلق اتُّبع تعيينه، فإن قال بع بما شئت أو تيسر كان له البيع بغير نقد البلد أو بغبن -ما لم تدل قرينة على خلافه- لا بنسيئة، أو بعه كيف شئت جاز بنسيئة فقط؛ لأن كيف للحال فشمل الحال والمؤجل، أو بكم شئت جاز بالغبن فقط؛ لأن كم للعدد القليل والكثير، أو بما عز وهان جاز غير النسيئة؛ لأن ما للجنس فقرنها بما بعدها يشمل عرفا القليل والكثير من نقد البلد وغيره، ولا فرق في هذه الأحكام بين النحوي وغيره، نعم لو ادعى الجهل بمدلول ذلك من أصله صدق إن شهدت قرائن حاله بذلك، ولو قال لوكيله في شيء افعل فيه ما شئت أو كل ما تصنع فيه جائز لم يكن إذنا في التوكيل؛ لاحتماله ما شئت من التوكيل وما شئت من التصرف وحينئذٍ فليس له البيع بعرض أو غبن أو نسيئة، ومثل ما شئت بأي شيء شئت وبمهما شئت، وإن (وكله ليبيع مؤجلا وقَدَّر الأجل فذاك) أي بيعه بالأجل المقدر ظاهر، وله النقص منه إلا إذا نهاه أو ترتب عليه ضرر -كأن يكون لحفظه مؤنة- أو يترقب خوف -كنهب قبل حلوله- أو عيّن له المشتري (وإن أطلق) الأجل (صح) التوكيل (في الأصح وحُمِل) الأجل (على المتعارف) بين الناس (في مثله) أي المبيع في الأصح أيضا؛ لأنه المعهود، فإن لم يكن عرف راعى الأنفع لموكله ثم يتخير،

(1)

. أي بما لا يتغابن به خلافا لشرح الروض والمغني.

(2)

. ورد الشارح ما ارتضاه المغني من أن الأولى تعبير المصنف بـ ((لم يصح ويضمن)).

(3)

. وفاقا للمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية من تغريمه القيمة مطلقا.

ص: 269

وَلَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبِيعُ لِأَبِيهِ وَابْنِهِ الْبَالِغِ. وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ المَبِيعِ، وَلَا يُسَلِّمُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ

ويلزمه الإشهاد

(1)

وبيان المشتري حيث باع بمؤجل وإلا ضمن وإن نسي. ويشترط كون المشتري ثقة موسرا، ولا يقبض الثمن عند الحلول إلا إن نَص له عليه أو دلت عليه قرينة ظاهرة كأن أذن له في السفر لبلد بعيد والبيع فيها بمؤجل (ولا يبيع لنفسه) وإن أذن له وقدَّر له الثمن ونهاه عن الزيادة. وخرج عن ذلك الأب؛ لعارض فبقي من عداه على المنع (وولده الصغير) أو المجنون أو السفيه؛ لئلا يلزم تولي الطرفين، ومن ثم لو أذن في إبراء أو إعتاق من ذكر صح؛ إذ لا تولي، نعم لو كان ولده في ولاية غيره وقدر الموكل الثمن ونهاه عن الزيادة جاز البيع له؛ إذ لا تولي ولا تهمة حينئذ (والأصح أنه يبيع لأبيه وابنه البالغ) الرشيد عيّن الثمن أوْ لا؛ لانتفاء ما ذكر، ويجري ذلك في وكيل الشراء فلا يشتري من نفسه ومحجوره، وفي الوصي وقيم اليتيم ومثلهما ناظر الوقف وكل متصرف على غيره فلا يبيع ولا يؤجر مثلا لنفسه ومحجوره وإن أذن له وعين له البدل، نعم لو كان الناظر هو المستحق للوقف نفذ منه ذلك (وأن الوكيل بالبيع) بحال (له قبض الثمن وتسليم المبيع) الذي بيده ما لم ينهه؛ لأنهما من توابع البيع، وله قطعا القبض والإقباض في نحو الصرف والقبض من مشتر مجهول والموكل غائب عن البيع؛ لئلا يضيع لا في البيع بمؤجل -وإن حل إلا بإذن جديد كما مر، وفي البيع بمؤجل له تسليم المبيع من غير قبض الثمن بل ظاهر كلامهم جواز ذلك وإن باعه حينئذٍ بحال- أو بحال ونهاه قطعا. وليس لوكيل في هبة تسليم قطعا؛ لأن عقدها غير مملك (ولا يسلمه) أي المبيع (حتى يقبض الثمن) الحال؛ لخطر التسليم قبله (فإن خالف) بأن سلمه له باختياره قبل قبض الثمن (ضمن

(2)

للموكل قيمة المبيع ولو مثليا وإن زادت على الثمن يوم التسليم؛ للحيلولة، فإذا قبضه ردها. أما لو أجبره

(3)

حاكم أو متغلب

(4)

على التسليم قبل

(1)

. اعتمدوا أن الإشهاد شرط للصحة.

(2)

. ذكر الشارح في الرهن أن الضمان باق فيما لو باع وكيل ما تعدى فيه ثم رد إليه بالفسخ.

(3)

. وتقدم في البيع أنه لا يجوز إكراهه عليه على خلاف القاعدة ككل بائع نيابة عن غيره 4/ 421.

(4)

. وعندهما أنه يضمن لو أكرهه عليه لما ظالم.

ص: 270

وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءٍ لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا، فَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَعَ عَنِ المُوَكِّلِ إنْ جَهِلَ الْعَيْبَ، وَإِنْ عَلِمَهُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إنْ عَلِمَهُ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ فَلِكُلٍّ مِنَ الْوَكِيلِ وَالمُوَكِّلِ الرَّدُّ. وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إذْنٍ إنْ تَأَتَّى مِنْهُ مَا وُكِّلَ فِيهِ،

القبض فلا يضمن. والوكيل بالشراء لا يسلم الثمن حتى يقبض المبيع وإلا ضمن (فإذا وكله في شراء) ولو لمعين جهل الموكل عيبه (لا يشتري معيبا) أي لا ينبغي له، نعم لو كان القصد هنا الربح جاز له شراؤه (فإن اشتراه) أي المعيب (في الذمة) ولم ينص له على التسليم (وهو يساوي مع العيب ما اشتراه به وقع عن الموكل إن جهل) الوكيل (العيب)؛ إذ لا مخالفة ولا تقصير ولا ضرر؛ لإمكان رده. وخرج بالذمة الشراء بعين مال الموكل فإنه وإن وقع للموكل أيضا بهذه الشروط إلا أنه ليس للوكيل رده؛ لتعذر انقلاب العقد له بخلاف الشراء في الذمة (وإن علمه فلا) يقع الشراء للموكل (في الأصح) وإن زاد على ما اشتراه به؛ لأنه غير مأذون فيه عرفا (وإن لم يساوه) أي ما اشتراه به (لم يقع عنه) أي الموكل (إن علمه) أي الوكيل العيب؛ لتقصيره إذ قد يتعذر الرد فيتضرر (وإن جهله وقع) للموكل (في الأصح)؛ لعذر الوكيل بجهله مع اندفاع الضرر بثبوت الخيار له (وإذا وقع) الشراء في الذمة (للموكل) في صورتي الجهل (فلكل من الموكل والوكيل الرد) بالعيب أمّا الموكل فلأنه المالك والضرر به لاحق، نعم شرط رده على البائع أن يسميه الوكيل في العقد أو ينويه ويصدقه البائع وإلا رده على الوكيل، ولو رضي به امتنع على الوكيل رده بخلاف عكسه، وأما الوكيل فلأنه لو منع لربما لا يرضى به الموكل فيتعذر الرد لكونه فوريا فيقع للوكيل فيتضرر به، ومن ثم لو رضي به الموكل لم يرد كما مر. ولعيب طرأ قبل القبض حكم المقارن في الرد وعدمه، وعُلم مما مر أنه حيث لم يقع للموكل فإن كان الشراء بالعين بطل الشراء وإلا وقع للوكيل وعند الإطلاق له شراء من يعتق على موكله فيعتق كما مر ما لم يبن معيبا فللموكل رده ولا عتق (وليس للوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتي منه ما وكل فيه)؛ لأن الموكل لم يرض بغيره، نعم لو وكله في قبض دين فقبضه وأرسله له مع أحد من عياله لم يضمن

(1)

-بشرط كون المرسل معه أهلا للتسليم بأن يكون

(1)

. خلافا للرملي.

ص: 271

وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَلَوْ كَثُرَ وَعَجَزَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِكُلِّهِ، فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى المُمْكِنِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي التَّوْكِيلِ وَقَالَ: وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ فَفَعَلَ فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ. وَإِنْ قَالَ وَكِّلْ عَنِّي فَالثَّانِي وَكِيلُ المُوَكِّلِ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا

رشيدا

(1)

- والمراد بهم أولاده ومماليكه وزوجاته، ومثله إرسال نحو ما اشتراه له مع أحدهم (وإن لم يتأت) ما وُكِّل فيه منه (لكونه لا يحسنه أو لا يليق به) أو يشق عليه تعاطيه مشقة لا تحتمل عادة (فله التوكيل) عن موكله دون نفسه؛ لأن التفويض

(2)

لمثله إنما يقصد به الاستنابة، ومن ثم لو جهل الموكل أو اعتقد خلاف حاله امتنع توكيله، ويأتي مثله في قوله (ولو كثر) ما وكل فيه (وعجز عن الإتيان بكله فالمذهب أنه يوكل) عن موكله فقط (فيما زاد على الممكن

(3)

؛ لأنه المضطر إليه بخلاف الممكن عادة بأن لا يكون فيه كبير مشقة لا تحتمل غالبا، ولو طرأ العجز لطرو نحو مرض أو سفر لم يجز له أن يوكل

(4)

، (ولو أذن في التوكيل وقال: وكل عن نفسك ففعل فالثاني وكيل الوكيل) على الأصح؛ لأنه مقتضى الإذن وللموكل عزله أيضا (والأصح أنه) أي الثاني (ينعزل بعزله) أي الأول إياه (وانعزاله)؛ لأنه نائبه (وإن قال: وكل عني فالثاني وكيل الموكل وكذا إن أطلق) بأن لم يقل عني ولا عنك (في الأصح)؛ لأن توكيله للثالث تصرف تعاطاه بإذن الموكل فوجب أن يقع عنه (قلت: وفي هاتين الصورتين لا يعزل أحدهما الآخر ولا ينعزل بانعزاله)؛ لأنه ليس وكيلا عنه (وحيث جوزنا للوكيل التوكيل) عنه أو عن الموكل (يشترط أن يوكل أمينا

(5)

فيه كفاية لذلك التصرف وإن

(1)

. ثقة مأمونا كما مر أول الوكالة.

(2)

. يؤخذ منه أنه لو وكل عاجزا ثم قدر لم يجز له المباشرة خلافا لشرح المنهج من تخييره.

(3)

. مال الشارح في القراض إلى الضمان فيما لو أخذ الوكيل ما لا يمكنه القيام به فتلف بعضه؛ لتفريطه بأخذه 6/ 104.

(4)

. أجاز الرملي التوكيل عند القدرة بشروط.

(5)

. وعند الشارح يجوز أن يوكل فاسقا إذا لم يسلمه المال خلافا للنهاية.

ص: 272

إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ المُوَكِّلُ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَفَسَقَ لَمْ يَمْلِكِ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.

فصل

قَالَ: بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي زَمَنٍ أَوْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ،

عين له الثمن والمشتري؛ لأن الاستنابة عن الغير شرطها المصلحة، نعم إن قال وَكّل من شئت جاز غير الأمين (إلا أن يعين الموكل غيره) أي الأمين فيتبع تعيينه؛ لإذنه فيه، نعم إن علم الوكيل فسقه دون الموكل لم يوكله، وكذا إن عيّن فاسقا فزاد فسقه (ولو وكَّل أمينا) في شيء من الصور السابقة (ففسق لم يملك الوكيل عزله في الأصح، والله أعلم)؛ لأنه أذن له في التوكيل دون العزل.

(فصل) في بقية من أحكام الوكالة

وهي ما يجب على الوكيل عند التقييد له بغير الأجل ومخالفته للمأذون وكون يده يد أمانة وتعلق أحكام العقد به (قال بع لشخص معين

(1)

تعين; لأنه قد يكون له غرض في تخصيصه كطِيْب ماله، بل وإن لم يكن له غرض أصلا عملا بإذنه، ولا يصح بيعه لوكيله إذا تقدم

(2)

الإيجاب مطلقا أو القبول ولم يصرح بالسفارة. ولو قال بع من وكيل زيد -أي لزيد- فباع من زيد بطل أيضا إن كان

(3)

الوكيل أسهل منه أو أرفق وإلا فالإذن في البيع من وكيله إذن في البيع منه

(4)

(أو) في (زمن) معين كيوم كذا، أو شهر كذا تعين، فلا يجوز قبله ولا بعده

(5)

، ولو في الطلاق كالعتق، ولو قال يوم الجمعة أو العيد أو يومَ جمعةٍ أو عيدٍ مثلا تعين أول جمعة أو عيد يلقاه، وليلة اليوم مثله إن استوى الراغبون فيهما، ومن ثم لو باع -أي فيما إذا لم يعين زمنا- ليلا والراغبون نهارا أكثر لم يصح (أو) في (مكان معين تعين

(6)

وإن لم يكن

(1)

. ويصح أن يأمره بالبيع مبهما كبع لأحدهما كما أشار إليه الشارح في الوصية.

(2)

. سكت المغني عن هذا القيد ورده في النهاية.

(3)

. سكت عن هذا القيد المغني وشرح المنهج.

(4)

. ورد الشارح ما اعتمده المغني من أنه لو ظهر بالقرينة أن التعيين إنما هو لغرض الربح فقط لم يتعين.

(5)

. وتبرأ الشارح في كتاب الزكاة من قول الأزرق أن من وكل في إخراج فطرته أو التضحية عنه انعزل الوكيل بخروج وقتها.

(6)

. وذكر الشارح في البيع أنه لا ينعقد بالكناية بيع أو شراء وكيل لزمه إشهاد عليه بقول موكله: ((بع بشرط أو على أن تشهد))، بخلاف ((بع واشهد)) ما لم تتوفر القرائن المفيدة لغلبة الظن.

ص: 273

وَفِي المَكَانِ وَجْهٌ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ. وَإِنْ قَالَ بِعْ بِمِائَةٍ لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ. وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ، فَإِنْ لَمْ تُسَاوِ وَاحِدَةٌ دِينَارًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ وَحُصُولُ المِلْكِ فِيهِمَا لِلْمُوَكِّلِ

نقده أجود ولا الراغبون فيه أكثر; لأنه قد يقصد إخفاءه، نعم لو قدَّر الثمن ولم ينه عن غيره صح البيع في غيره (وفي المكان وجه) أنه لا يتعين (إذا لم يتعلق به غرض) للموكل ولم ينهه عن غيره; لأن تعيينه حينئذ اتفاقي، ومع جواز النقل لغيره -أي على الوجه المرجوح- يضمن (وإن قال بع بمائة) مثلا (لم يبع بأقل) منها ولو بتافه؛ لفوات اسم المائة المنصوص له عليه (وله) بل عليه إذا وجد راغب -ولو في زمن الخيار كما مر- (أن يزيد) عليها ولو من غير جنسها؛ لأن المفهوم من تقديرها عرفا امتناع النقص عنها فقط، وليس له إبدال صفتها كمكسرة بصحاح وفضة بذهب

(1)

(إلا أن يصرح بالنهي) عن الزيادة فتمتنع الزيادة؛ لانتفاء العرف حينئذ، وكذا إن قال بعه لزيد بمائة; لأنه ربما قصد محاباته

(2)

، وإنما جاز لوكيله في خلعها بمائة الزيادة؛ لأنه غالبا يقع عن شقاق فلا محاباة فيه، والشراء كالبيع في جميع ما مر، نعم في اشتر عبد فلان بمائة يجوز النقص عنها (ولو قال اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها) بأن بيَّن نوعها وغيره مما مر في شراء العبد وإلا لم يصح التوكيل، فإن أريد بالوصف أزيد مما مر ثََمَّ كان شرطا لوجوب رعاية الوكيل له في الشراء لا لصحة التوكيل حتى يبطل بفقده (فاشترى به شاتين بالصفة فإن لم تساو واحدة) منهما (دينارا لم يصح الشراء للموكل) وإن زادتا على دينار; لأن غرضه لم يحصل، ثم إن وقع بعين الدينار بطل من أصله، أو في الذمة ونوى الموكل وكذا إن سماه وقع للوكيل (وإن ساوته كل واحدة فالأظهر الصحة وحصول الملك فيهما للموكل)؛ لحصول مقصود الموكل بزيادة وإن لم توجد الصفة

(1)

. فلو وكله بالعقد بعوض فاسد أو بشرط فاسد فزوج كذلك صح بمهر المثل نقله الشارح عن بعضهم في كتاب النكاح 7/ 268.

(2)

. ورد الشارح استثنائهما قيام قرينة على عدم المحاباة.

ص: 274

وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمُعَيَّنٍ فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَتَى خَالَفَ المُوَكِّلَ فِي بَيْعِ مَالِهِ أَوِ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ. وَلَوِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ المُوَكِّلَ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ بِعْت مُوَكِّلَكَ زَيْدًا فَقَالَ اشْتَرَيْتُ لَهُ فَالمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ

التي ذكرها في الزائد

(1)

، وإن ساوته إحداهما فقط فكذلك، ولا بد من شرائهما في عقد واحد أو تكون المساوية هي المشتراة أوّلاً

(2)

(ولو أمره بالشراء بمعين) أي بعين مال كاشتر بعين هذا (فاشترى في الذمة لم يقع للموكل)؛ لأنه خالفه، بل للوكيل وإن صرح بالسفارة، (وكذا عكسه في الأصح) بأن قال له اشتر في الذمة وسلِّم هذا في ثمنه فاشترى بعينه فإنه لا يقع للموكل وكذا لا يقع للوكيل; لأنه أمره بعقد لا ينفسخ بتلف المقابل فخالفه، ولو لم يقل بعينه ولا في الذمة كاشتر بهذا الدينار كذا تخير الوكيل؛ لتناول الاسم لهما (ومتى خالف) الوكيل (الموكل في بيع ماله) أي الموكل بأن باعه على خلاف ما أذن له فيه (أو) في (الشراء بعينه) كأن أمره بشراء ثوب بهذا فاشتراه بغيره أي بعين من مال الموكل، أو بشراء في الذمة فاشترى بالعين (فتصرفه باطل)؛ لأن الموكل لم يأذن فيه، وكذا لو أضاف لذمة الموكل مخالفا له (ولو اشترى في الذمة) مع المخالفة كأن أمره بشراء ثوب في الذمة بخمسة فزاد أو بالشراء بعينِ هذا فاشترى في الذمة (ولم يسم الموكل وقع) الشراء (للوكيل) دون الموكل وإن نواه; لأنه المخاطب والنية لا تؤثر مع مخالفة الإذن (وإن سماه فقال البائع بعتك) لنفسك (فقال اشتريت لفلان) أي موكله وحلف البائع على أنه غير وكيل له (فكذا) يقع للوكيل (في الأصح) وتلغو تسمية الموكل في القبول; لأن تسميته غير مشترطة للصحة فإذا وقعت مخالفة للإذن كانت لغوا، و يأتي في تصديقه هنا ما يأتي في تصديقه في مسألة الجارية. وقد تجب تسميته الموكل، كأن تضمن عقد البيع العتاقة، وكأن يوكله في قبول نحو هبة وعارية وغيرهما مما لا عوض فيه وإلا وقع للوكيل؛ لوقوع الخطاب المملك معه ما لم ينويا الموكل (ولو قال بعت) هذا (موكلك زيدا فقال اشتريته له فالمذهب بطلانه) وإن وافق الإذن وكذا لو حذف له؛ لعدم خطاب العاقد،

(1)

. توقف فيه الرملي.

(2)

. ومطلقا في النهاية.

ص: 275

وَيَدُ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، وَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْأَصَحِّ. وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ المُوَكِّلِ فَيُعْتَبَرُ فِي الرُّؤْيَةِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ المَجْلِسِ وَالتَّقَابُضِ فِي المَجْلِسِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الْوَكِيلُ دُونَ المُوَكِّلِ، وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ المُوَكِّلُ،

وإنما تعين تركه في النكاح; لأن الوكيل فيه سفير محض إذ لا يمكن وقوعه له بحال. فإن قال بعتك لموكلك وقال قبلت له صح جزما (ويد الوكيل يد أمانة

(1)

، وإن كان بجعل)؛ لأن يده نائبة عن يد الموكل (فإن تعدى ضمن) كسائر الأمناء ومن التعدي أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع أو وضعه بمحل ثم نسيه، (ولا ينعزل بتعديه) بغير إتلاف المُوَكَّل فيه (في الأصح)؛ لأن الأمانة حكم من أحكام الوكالة فلا يلزم من ارتفاعه بطلانها، نعم ستثنى ما إذا وكله الولي عن محجوره فينعزل

(2)

بالتعدي لمنع إقرار مال المحجور في يد غير عدل؛ ويقيَّد منع توكيل الفاسق في بيع مال المحجور بما إذا تضمن وضع يده على المال. ويزول ضمانه عما تعدى فيه ببيعه وتسليمه ولا يضمن ثمنه; لأنه لم يتعد فيه، فإن رُدَّ عليه بعيب مثلا بنفسه أو بالحاكم عاد الضمان.

[فرع] قال له بع هذه ببلد كذا واشتر لي بثمنها قنا جاز له إيداعها في الطريق أو المقصد عند أمين من حاكم فغيره

؛ إذ العمل غير لازم له ولا تغرير منه بل المالك هو المخاطر بماله، ومن ثم لو باعها لم يلزمه شراء القن ولو اشتراه لم يلزمه رده بل له إيداعه عند من ذكر، وليس له رد الثمن حيث لا قرينة قوية تدل على رده; لأن المالك لم يأذن فيه فإن فعل فهو في ضمانه حتى يصل لمالكه (وأحكام العقد) البيع وغيره ويظهر أن أحكام الحل كذلك (تتعلق بالوكيل دون الموكل

(3)

فيعتبر في الرؤية ولزوم العقد بمفارقة المجلس والتقابض في المجلس حيث يشترط) كالربوي والسلم (الوكيل)؛ لأنه العاقد (دون الموكل)، ومن ثم جاز الفسخ بخيار المجلس وإن أجاز الموكل (وإذا اشترى الوكيل) بعين أو في الذمة (طالبه البائع بالثمن إن كان دفعه إليه الموكل)؛ لتعلق أحكام

(1)

. فلا يطالب وكيل بحساب فإن ادعى عليه خيانة حلف كما أفاده الشارح في الإيصاء 6/ 97.

(2)

. والانعزال بالنسبة لإقرار المال لا لمجرد تصرفه الخالي عن ذلك إذا وقع وفق المصلحة.

(3)

. فيصح تصرفه وإن لم يقل وكلني فلان فيه؛ بناء على ظاهر الحال أن له يدا كما أفاده الشارح في معاملة الرقيق 4/ 491.

ص: 276

وَإِلَّا فَلَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ طَالَبَهُ إنْ أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُهَا، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِهَا طَالَبَهُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا يُطَالِبُ المُوَكِّلَ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ كَضَامِنٍ وَالمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ، وَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَخَرَجَ المَبِيعُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ عَلَيْهِ المُشْتَرِي، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى المُوَكِّلِ، قُلْتُ: وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى المُوَكِّلِ ابْتِدَاءً فِي الْأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

العقد به، وله مطالبة الموكل أيضا; لأنه المالك (وإلا) يكن دفعه إليه (فلا) يطالبه (إن كان الثمن معينا) ; لأنه ليس في يده وحق البائع مقصور عليه (وإن كان) الثمن (في الذمة طالبه) وحده به (إن أنكر وكالته، أو قال لا أعلمها)؛ لأن الظاهر أنه يشتري لنفسه (وإن اعترف بها طالبه أيضا في الأصح) وإن لم يضع يده عليه (كما يطالب الموكل ويكون الوكيل كضامن)؛ لمباشرته العقد (والموكل كأصيل)؛ لأنه المالك، ومن ثم رجع عليه الوكيل إذا غرم. ولو أرسل من يقترض له فاقترض فهو كوكيل المشتري فيطالب وإذا غرم رجع على موكله (وإذا قبض الوكيل بالبيع الثمن) حيث جوزناه (وتلف في يده) أو بعد خروجه عنها (وخرج المبيع مستحقا رجع عليه المشتري) ببدل الثمن (وإن اعترف بوكالته في الأصح)؛ لدخوله في ضمانه بقبضه له (ثم يرجع الوكيل) إذا غرم (على الموكل) بما غرمه؛ لأنه غره، ومحله إن لم يكن منصوبا من جهة الحاكم وإلا لم يُطالَب بالضمان (قلت: وللمشتري الرجوع على الموكل ابتداء في الأصح والله أعلم)؛ لأن الوكيل مأمور من جهته ويده كيده، ويأتي ما تقرر في وكيلِ مشترٍ تلف المبيع في يده ثم ظهر استحقاقه. وخرج بالوكيل فيما ذكر الولي فيضمن الثمن إن لم يذكر موليه في العقد ولا يضمنه المولى في ذمته لكن ينقده الولي من مال المولى -أي إن كان وإلا فمِن مال نفسه- فإن ذكره ضمنه المولى، والفرق أنه غير نائب عنه بخلاف الوكيل. ولو اشترى في الذمة بنِيَّة أنه لابنه الصغير فهو للابن والثمن في ماله -أعني الابن- بخلاف ما لو اشترى له بمال نفسه يقع للطفل ويصير كأنه وهبه الثمن.

ص: 277

الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنَ الجَانِبَيْنِ، فَإِذَا عَزَلَهُ المُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ أَوْ قَالَ رَفَعْتُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتُهَا أَوْ أَخْرَجْتُك مِنْهَا انْعَزَلَ فَإِنْ عَزَلَهُ، وَهُوَ غَائِبٌ انْعَزَلَ فِي الحَالِ،

(فصل) في بيان جواز الوكالة وما تنفسخ به وتخالف الوكيل والموكل ودفع الحق لمستحقه وما يتعلق بذلك

(الوكالة) ولو بجعل ما لم تكن بلفظ الإجارة بشروطها (جائزة من الجانبين)؛ لأن لزومها يضرهما، نعم لو علم الوكيل أنه لو عزل نفسه في غيبة موكله استولى على المال جائر حرم عليه العزل ولم ينفذ (فإذا عزله الموكل في حضوره أو قال) في حضوره أيضا (رفعت الوكالة، أو أبطلتها) انعزل الحاضر بمجرد هذا اللفظ وإن لم ينوه به ولا ذَكَر ما يدل عليه والغائب في ذلك كالحاضر، فلو تعدد له وكلاءٌ ولم ينو أحدهم انعزل الكلَّ؛ لقرينة أنّ حذف المعمول يفيد العموم (أو أخرجتك منها انعزل) في الحال

(1)

؛ لصراحة كل من هذه الألفاظ في العزل (فإن عزله) أي عزل الوكيل، ومنه الوكيل العام كوكيل السلطان والمُحكّم في واقعة خاصة (وهو غائب انعزل في الحال)؛ لأنه لم يحتج للرضا فلم يحتج للعلم كالطلاق، وينبغي للموكل أن يشهد على العزل؛ إذ لا يُقْبَل قول الموكل في العزل بعد تصرف الوكيل بالنسبة للمشتري مثلا من الوكيل -أي وإن وافق الوكيل موكله في أنه عزله- أما في غير ذلك فإذا وافقه على العزل ولكن ادعى أنه بعد التصرف ليستحق الجعل مثلا ففيه تفصيل حاصله أنهما إذا اتفقا على وقت العزل وقال تصرفت قبله وقال الموكل بعده حلف الموكل أنه لا يعلمه تصرف قبله; لأن الأصل عدمه إلى ما بعده، أو على وقت التصرف وقال: عزلتك قبله فقال الوكيل: بل بعده حلف الوكيل أنه لا يعلم عزله قبله، وإن لم يتفقا على وقت حلف من سبق بالدعوى أن مدعاه سابق لاستقرار الحكم بقوله، فإن جاءا معا صُدِّق الموكل; لأن جانبه أقوى إذ أصل عدم التصرف أقوى من أصل بقائه; لأن بقاءه متنازع فيه.

(1)

. ووجه الشارح ما في البحر من أنه لو عزل الوكيل في مدة خيار الشرط أو المجلس بطل البيع كما أفاده في باب الخيار 4/ 339.

ص: 278

وَفِي قَوْلٍ لَا حَتَّى يَبْلُغَهُ الخَبَرُ. وَلَوْ قَالَ عَزَلْتُ نَفْسِي أَوْ رَدَدْتُ الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ. وَيَنْعَزِلُ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ، وَكَذَا إغْمَاءٌ فِي الْأَصَحِّ، وَبِخُرُوجِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ المُوَكِّلِ

[فرع] شهدت بينة أن فلانا القاضي ثبت عنده أن فلانا عزل وكيله فلانا عمَّا وكله فيه قبل تصرفه لم تقبل من غير تعيين لما عزله

، نعم لو فسر الموكل العزل بهذا التصرف أو لم يوكله في غيره أو صدقه المشتري على ذلك قبلت بينته وإن لم تعين (وفي قول لا) ينعزل (حتى يبلغه الخبر) ممن تقبل روايته كالقاضي، وفرق الأول بتعلق المصالح الكلية بعمل القاضي

(1)

. ولا ينعزل وديع ومستعير إلا ببلوغ الخبر، وفارقا الوكيل بأن القصد منعه من التصرف الذي يضر الموكل بإخراج أعيانه عن ملكه فأثر فيه العزل بخلافهما، وإذا تصرف بعد العزل أو الانعزال بموت أو غيره جاهلا بطل تصرفه وضمن ما سَلَّمه; لأن الجهل لا يؤثر في الضمان فلو اشترى شيئا لموكله جاهلا بانعزاله فتلف في يده غرم بدله، نعم يرجع به على الموكل؛ لأنه غره بالتوكيل ثم العزل قبل التصرف بدون إعلامه

(2)

. ولا يضمن ما تلف في يده بعد العزل من غير تفريط، وكالوكيل فيما ذكر عامل القراض (ولو قال) الوكيل الذي ليس قنا للموكل (عزلت نفسي، أو رددت الوكالة انعزل) حالا وإن غاب الموكل (وينعزل بخروج أحدهما عن أهلية التصرف بموت أو جنون) وإن لم يعلم الآخر به ولو قصرت مدة الجنون; لأنه لو قارنَ مَنَع الانعقاد فإذا طرأ أبطله (وكذا إغماء) لم يستغرق وقت فرض صلاة (في الأصح)، نعم وكيل رمي الجمار لا ينعزل بإغماء الموكل; لأنه زيادة في عجزه المشترط لصحة الإنابة، ومثل تلك الثلاثة طرو نحو فسقه، أو رقه، أو تبذيره فيما شرطه السلامة من ذلك، ولا ينعزل الوكيل بردته، أما انعزاله بردة موكله فينبني على أقوال ملكه، ولو تصرف نحو وكيل وعامل قراض بعد انعزاله جاهلا في عين مال موكله بطل وضمنها إن سلمها كما مر، أو في ذمته انعقد له (وبخروج) الوكيل عن ملك الموكل، و (محل التصرف) أو منفعته (عن ملك الموكل) كأن أعتق أو باع أو وقف ما وكل في بيعه أو إعتاقه، أو آجر ما أذن في إيجاره؛ لزوال ولايته حينئذ،

(1)

. هنا مبحثان ردهما الشارح كالنهاية وأقرهما المغني.

(2)

. هذا ما يميل الشارح إليه وصرح به في معاملة الرقيق 4/ 492.

ص: 279

وَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الْإِخْفَاءِ لَيْسَ بِعَزْلٍ، فَإِنْ تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ انْعَزَلَ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا أَوْ صِفَتِهَا بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتنِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوِ الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ، فَقَالَ بَلْ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ صُدِّقَ المُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ، وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعِشْرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ المُوَكِّلَ أَمَرَهُ، فَقَالَ، بَلْ فِي عَشَرَةٍ وَحَلَفَ، فَإِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ المُوَكِّلِ وَسَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ أَوْقَالَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُهُ لِفُلَانٍ وَالمَالُ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ

فلو عاد لملكه لم تعد الوكالة. ولو وكله في بيع ثم زوج، أو آجر

(1)

، أو رهن وأقبض، أو أوصى، أو دبر، أو علق العتق بصفة أخرى، أو كاتب انعزل بل كل ما كان فيه إبطال للاسم ينعزل به. ولو وكَّل قنّا بإذن سيده ثم باعه أو أعتقه لم ينعزل. ولو وكل اثنين معا أو مرتبا في تصرف خصومة أو غيرها وقبلا وجب اجتماعهما عليه بأن يصدر عن رأيهما بأن يتشاورا فيه ثم يوجبا أو يقبلا معا أو يوكل أحدهما الآخر أو يأذنا بعد أن رأيا ذلك التصرف صوابا لمن يتصرف حيث جاز لهما التوكيل ما لم يصرح بالاستقلال (وإنكار الوكيل الوكالة لنسيان) منه لها (أو لغرض في الإخفاء) لها كخوف من ظالم على مال الموكل (ليس بعزل)؛ لعذره (فإن تعمد ولا غرض) له في الإنكار (انعزل) ويجري هذا التفصيل في إنكار الموكل لها (وإذا اختلفا في أصلها) كوكلتني في كذا فقال ما وكلتك (أو) في (صفتها بأن قال وكلتني في البيع نسيئة أو) في (الشراء بعشرين فقال بل نقدا أو بعشرة صدق الموكل بيمينه) في الكل؛ لأن الأصل معه. وصورة الأولى أن يتخاصما بعد التصرف أما قبله فتعمد إنكار الوكالة عزلٌ فلا فائدة للمخاصمة (ولو اشترى جارية) مثلا (بعشرين) وهي تساويها أو أكثر (وزعم أن الموكل أمره) بالشراء بها (فقال) الموكل (بل) إنما أذنت (في عشرة) صدق الموكل بيمينه حيث لا بينة; لأنه أعرف بكيفية إذنه (و) حينئذ فإذا (حلف) الموكل أن وكيله خالفه فيما أذن له فيه -بل يكفي حلفه على أنه إنما أذن بعشرة- (فإن) كان الوكيل قد (اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد) بأن قال اشتريتها لفلان بهذا والمال له (أو قال بعده) أي الشراء بالعين الخالي عن تسميته الموكل (اشتريته) أي المُوَكَّل فيه -وهو الجارية- (لفلان والمال له وصدقه البائع) فيما ذكره أو قامت حجة في الأولى

(2)

بأنه سماه كما ذكره (فالبيع باطل) في الصورتين، والجارية

(1)

. عبداً أو أمة فيهما خلافا لشرح الروض حيث قيد التزويج بالجارية.

(2)

. أسقطا قوله في الأولى.

ص: 280

وَإِنْ كَذَّبَهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ، وَوَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ، وَكَذَا إنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ المُوَكِّلَ وَكَذَا إنْ سَمَّاهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ صَدَّقَهُ بَطَلَ الشِّرَاءُ، وَحَيْثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفُقَ بِالمُوَكِّلِ لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ إنْ كُنْتُ أَمَرْتُك بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا، وَيَقُولُ هُوَ اشْتَرَيْتُ لِتَحِلَّ لَهُ ....

لبائعها وعليه رد ما أخذه للموكل، ومحله إن لم يصدقه البائع على أنه وكيل بعشرين وإلا فهي باعترافه ملك للموكل فيأتي فيه التلطف الآتي. وخرج بقوله ((بعين مال الموكل)) ما لو اشترى في الذمة ففيه تفصيل يأتي البطلان في بعضه أيضا فلا يرد هنا، وبقوله ((والمال له)) في الثانية ما لو اقتصر على اشتريته لفلان فلا يبطل البيع؛ إذ من اشترى لغيره بمال نفسه ولم يصرح باسم الغير بل نواه يصح الشراء لنفسه وإن أذن له الغير في الشراء (وإن كذبه) البائع بأن قال: إنما اشتريت لنفسك والمال لك، أو سكت عن ذكر المال، وقال له الوكيل: أنت تعلم أني وكيل فقال: لا أعلم ذلك، أو بأن قال له: لست وكيلا ولا بينة بالوكالة (حلف) البائع (على نفي العلم بالوكالة و) إذا حلف البائع كما ذكرناه (وقع الشراء للوكيل) ظاهرا فيسلم الثمن المعين للبائع ويغرم بدله للموكل (وكذا إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل) بأن نواه وقال بعده اشتريت له وكذبه البائع فيحلف كما مر ويقع شراؤها للوكيل ظاهرا فإن صدقه بطل (وكذا إن سماه) في العقد والشراء في الذمة (وكذبه البائع في الأصح) أي في الوكالة بأن قال سميته ولست وكيلا عنه وحلف كما ذكر يقع الشراء للوكيل ظاهرا وتلغو تسميته للموكل وكذا لو لم يصدقه ولم يكذبه (وإن) اشترى في الذمة وسماه في العقد أو بعده، و (صدقه) البائع على الوكالة أو قامت بها حجة (بطل الشراء)؛ لاتفاقهما على وقوع العقد للموكل وثبوت كونه بغير إذنه بيمينه (وحيث حكم بالشراء للوكيل) ففيما إذا اشترى بالعين -وكذبه البائع- إن صَدَق الوكيل فالملك للموكل وإلا فللبائع فيستحب أن يرفق الحاكم بهما جميعا ليقول له البائع إن لم يكن موكلك أمرك بشرائها بعشرين فقد بعتكها بها فيقبل، ويقول له الموكل إن كنت أمرتك بشرائها بعشرين فقد بعتكها بها فيقبل. وفيما إذا اشترى في الذمة وسماه وكذبه البائع أو لم يسمه إن صَدَق الوكيل فهي للموكل وإلا فهي للوكيل فحينئذ (يستحب للقاضي) ومثله المحكم، وكذا لمن قدر على ذلك غيرهما ممن يظن من نفسه أنه لو أمر بذلك لأطيع (أن يرفق بالموكل) أي يتلطف به (ليقول للوكيل إن كنت أمرتك) بشرائها (بعشرين فقد بعتكها بها ويقول هو اشتريت) وإنما ندب له ذلك؛ ليتمكن الوكيل من التصرف فيها؛ لاعتقاده أنها للموكل، و (لتحل له) باطنا إن صَدَق في أنه أذن له

ص: 281

وَلَوْ قَالَ أَتَيْتُ بِالتَّصَرُّفِ المَأْذُونِ فِيهِ وَأَنْكَرَ المُوَكِّلُ صُدِّقَ المُوَكِّلُ، وَفِي قَوْلٍ الْوَكِيلُ، وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ المَالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ وَكَذَا فِي الرَّدِّ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بِجُعْلٍ فَلَا

بعشرين، ولو نجز البيع صح جزما، وليس إقرارا بما قال الوكيل. فإن لم يجب البائع ولا الموكل لذلك أو لم يتلطف به أحد فإن صَدَق الوكيل فهو كظافر بغير جنس حقه; لأنها للموكل باطنا فعليه للوكيل الثمن وهو ممتنع من أدائه فله بيعها وأخذ حقه من ثمنها، وإن كذب لم يحل له التصرف فيها بشيء إن اشترى بعين مال الموكل; لأنها للبائع لبطلان البيع باطنا فله بيعها من جهة الظفر؛ لتعذر رجوعه على البائع بحلفه فإن كان في الذمة تصرف فيها بما شاء; لأنها ملكه لوقوع الشراء له باطنا (ولو قال) الوكيل (أتيت بالتصرف المأذون فيه) من بيع أو غيره (وأنكر الموكل) ذلك (صُدق الموكل) بيمينه; لأن الأصل معه فلا يستحق الوكيل الجعل المشروط له على التصرف إلا ببينة، نعم يصدق وكيل بيمينه في قضاء دين ادعاه وصدقه الدائن عليه فيستحق جعلا شرط له (وفي قول الوكيل)؛ لأنه أمينه ولأنه قادر على الإنشاء، ومن ثم لو كان ذلك بعد العزل صدق الموكل قطعا. (وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمينه

(1)

؛ لأنه أمين كالوديع فيأتي تفصيله الآتي آخر الوديعة

(2)

، ولا ضمان عليه بخلاف الوكيل بعد الجحد فيضمن البدل وإن قُبِل قوله في التلف بيمينه كالغاصب. ولو تعدى فأحدث له الموكل استئمانا صار أمينا كالوديع (وكذا) قوله كسائر الأمناء -إلا المرتهن والمستأجر- (في الرد) للعوض أو المعوض على موكله مقبول حيث لم تبطل أمانته; لأنه أخذ العين لنفع الموكل، وانتفاعه بجُعلٍ -إن كان- إنما هو للعمل فيها لا بها نفسها، نعم لا يقبل قوله في ذلك بعد العزل

(3)

. (وقيل إن كان بجعل فلا) يقبل قوله في الرد; لأنه أخذ العين لمصلحة نفسه ويرده ما مر. أما قول الوكيل في الرد فيقبل وإن ضمن كما إذا ضمن شخص مالا على آخر فوكله في قبضه من المضمون عنه فقبضه ببينة أو اعتراف موكله وادعى رده له،

(1)

. ويقبل أيضا دعوى الوارث تلفها عند مورثه بلا تعدِّ ودعواه رد مورثه كذلك كما أفاده الشارح في كتاب الوديعة.

(2)

. حاصله أنه إن ادعى التلف صدق بيمينه إن لم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا كسرقة، أما إن ذكر سببا ظاهرا كحريق فإن عرف وعمومه صدق بلا يمين، وإن عرف دون عمومه صدق بيمينه، وإن جهل طولب ببينة ثم يحلف على التلف به.

(3)

. خلافا لهما.

ص: 282

وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى رَسُولِ المُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الرَّسُولُ صُدِّقَ الرَّسُولُ، وَلَا يَلْزَمُ المُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ قَبَضْتُ الثَّمَنَ وَتَلِفَ، وَأَنْكَرَ المُوَكِّلُ صُدِّقَ المُوَكِّلُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ المَبِيعِ، وَإِلَّا فَالْوَكِيلُ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ فَقَالَ قَضَيْتُهُ وَأَنْكَرَ المُسْتَحِقُّ صُدِّقَ المُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى المُوَكِّلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ

وكالوكيل فيما ذكر جابٍ فيقبل دعواه تسليم ما جباه على من استأجره للجباية، أما لو بطلت أمانته كأن جحد وكيلُ بيعٍ قَبْضَهُ للثمن أو الوكالة فثبت ما جحده ضمنه للموكل؛ لخيانته، ولم يقبل قوله في تلف ولا رد؛ للمناقضة، ومن ثم لو كانت صيغة جحده لا يستحق عليّ شيئا أو نحوه صُدِّق؛ إذ لا مناقضة، ومحل ضمانه في الأول إن لم تقم بينة بالتلف قبل الجحد أو بالرد ولو بعد الجحد وإلا سمعت; لأن المدعي لو صدقه لم يضمن فكذا إقامة الحجة عليه (ولو ادعى الرد على رسول الموكل وأنكر الرسول صدق الرسول) بيمينه; لأنه لم يأتمنه، ومن ثم لزمه الإشهاد عليه كما لو أمر موكله بإيداع ماله عند معين أو مبهم (ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل على الصحيح)؛ لأنه يدعي الرد على غيره فليثبته عليه فإن صدقه في الدفع لرسوله برئ (ولو قال) الوكيل بالبيع (قبضت الثمن) حيث له قبضه (وتلف وأنكر الموكل) قبضه (صدق الموكل إن كان) الاختلاف (قبل تسليم المبيع)؛ لأن الأصل بقاء حقه وعدم القبض (وإلا) بأن كان بعد تسليم المبيع (فالوكيل) هو المصدق (على المذهب)؛ لأن الموكل ينسبه إلى تقصير وخيانة بتسليمه المبيع قبل القبض والأصل عدمه، فإن أذن له في التسليم قبل القبض أو في القبض بعد الحلول فهو كما قبل التسليم؛ إذ لا خيانة. وإذا صدق الوكيل في القبض وحلف برئ المشتري

(1)

. ولو قال له موكله قبضت الثمن فأنكر صدق وليس للموكل مطالبة المشتري؛ لاعترافه ببراءته بقبض وكيله منه، نعم له مطالبة الوكيل بقيمة المبيع إن سلمه؛ لاعترافه بالتعدي بتسليمه قبل القبض (ولو) أعطاه موكله مالا و (وكله بقضاء دين) عليه به (فقال قضيته وأنكر المستحق) دفعه إليه (صدق المستحق بيمينه) ; لأن الأصل عدم القضاء فيحلف ويطالب الموكل فقط (والأظهر أنه لا يصدق الوكيل على الموكل) فيما قال (إلا ببينة) أو حجة أخرى; لأنه يدفع لمن لم يأتمنه فكان حقه إما الإشهاد عليه -ولو واحدا

(1)

. خلافا لهما.

ص: 283

وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ المَالِ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ وَلَا مُودَعٍ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ المَالِكِ لَا أَرُدُّ المَالَ إلَّا بِإِشْهَادٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْغَاصِبِ وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ وَكَّلَنِي المُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ مَا لَهُ عِنْدَك مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ،

مستورا- وإما الدفع بحضرة الموكل نظير ما مر آخر الضمان، ومن ثم يأتي هنا ما لو أشهد فغابوا أو ماتوا من أنه لا رجوع عليه، وما لو أدى في غيبة الموكل وصدقه في الدفع من أن الموكل يرجع عليه ويصدق الموكل بيمينه أنه لم يؤد بحضرته، ولا عبرة بإنكار وكيل بقبض دين لموكله ادعاه المدين وصدقه الموكل لأن الحق له.

[فرع] لو قال لمدينه اشتر لي عبدا بما في ذمتك ففعل صح للموكل وبرئ المدين وإن تلف

(وقَيِّم اليتيم

(1)

من جهة القاضي، ومثله ولي المجنون والسفيه (إذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ) والعقل والرشد (يحتاج إلى بينة على الصحيح)؛ لأنه لم يأتمنه وقُبِل في الإنفاق اللائق؛ لعسر إقامة البينة عليه، ومثل القيّم الأب والجد وقاضٍ عدل أمين ادعى ذلك زمن قضائه (وليس لوكيل ولا مودع) ولا سائر من يقبل قوله في الرد كشريك وعامل قراض (أن يقول بعد طلب المالك لا أرد المال إلا بإشهاد في الأصح)؛ لأنه لا حاجة به إليه (وللغاصب ومن لا يقبل قوله) من الأمناء كالمرتهن والمستأجر وغيرهم كالمستعير (في الرد) أو الدفع كالمدين (ذلك) أي أن يمسكه للإشهاد، هذا إن كان عليه بينة بالأخذ فله الامتناع; لأنه ربما يرفعه لمالكي يرى الاستفصال (ولو قال رجل) لآخر عليه أو عنده مال للغير (وكلني المستحق بقبض ما له عندك من دين أو عين وصدقه) الذي عنده ذلك (فله دفعه إليه)؛ لأنه محقٌّ بزعمه، نعم محل ما ذكر في العين إذا ظن إذن المالك له في قبضها بقرينة قوية وإلا لم يجر الدفع. وإذا دفع إليه فأنكر المستحق وحلف أنه لم يوكل فإن كان المدفوع عينا استردها إن بقيت وإلا غرَّم من شاء منهما ولا رجوع للغارم على الآخر; لأنه مظلوم بزعمه، ومحل هذا إن لم تتلف بتفريط القابض وإلا فإن غرمه لم يرجع أو غرم الدافع رجع; لأن القابض وكيل بزعمه والوكيل

(1)

. ويأتي في الإيصاء حكم ما لو تنازع الوصي والولد، وقال الشارح هناك:((ويصدق أحدهما- أي الوصي والقيم- في عدم الخيانة وتلف بنحو غصب أو سرقة كالوديع، لا في نحو بيع لحاجة أو غبطة أو ترك أخذ بشفعة لمصلحة إلا ببينة بخلاف الأب والجد يصدقان بيمينهما))، 7/ 96.

ص: 284

وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ. وَلَوْ قَالَ أَحَالَنِي عَلَيْكَ وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدَّفْعُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: وَإِنْ قَالَ أَنَا وَارِثُهُ وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدَّفْعُ عَلَى المَذْهَبِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

يضمن بالتفريط والمستحق ظلمه وماله في ذمة القابض فيستوفيه بحقه، أو كان المدفوع دينا طالب الدافع فقط; لأن القابض فضولي بزعمه. وإذا غَرم الدافع فإن بقي المدفوع عند القابض استرده ظفرا وإلا فإن فرط فيه غرمه وإلا فلا (والمذهب أنه لا يلزمه) الدفع إليه (إلا ببينة على وكالته)؛ لاحتمال أن الموكل ينكر فيغرمه، فإن لم تكن له بينة لم يكن تحليفه; لأن النكول كالإقرار وقد تقرر أنه -وإن صدقه- لا يلزمه الدفع إليه (وإن قال) لمن عليه دين (أحالني) مستحقه (عليك) وقبلت الحوالة (وصدقه وجب الدفع) إليه (في الأصح)؛ لأنه اعترف بانتقال الحقّ إليه

(1)

-بخلاف ما لو كذبه فله تحليفه حينئذٍ؛ لاحتمال أن يقر أو ينكر فيحلف المدعي ويأخذ منه- وإذا دفع إليه ثم أنكر الدائن الحوالة وحلف أخذ دينه ممن كان عليه ولا يرجع المؤدي على من دفع إليه; لأنه اعترف بالملك إليه (قلت: وإن قال) لمن عنده عين أو دين لميت (أنا وارثه) المستغرق أو وَصِيُّه، أو موصىً لي بما تحت يدك وهو يخرج من الثلث (وصدقه وجب الدفع) إليه (على المذهب والله أعلم)؛ لأنه اعترف له بالملك وأمن من التكذيب.

[فرع] قال لمدينه أنفق على اليتيم الفلاني كل يوم درهما من ديني الذي عليك ففعل لم يبرأ

؛ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبضٍ صحيح، ولو وكل عمرو رجلا في قبض دينه من زيد فقال زيد له خذ هذا واقض به دين عمرو أو ادفعه إليه صار وكيلا لزيد، وعليه فلو قال لعمروٍ عند إعطائه احفظ لي هذا فتلف عند عمرو كان من ضمان الدافع لعمرو؛ لأن الدافع وكيل في الدفع لعمرو لا في استحفاضه فكان به متعديا، نعم إن اعترف عمرو أن المال لغير دافعه ضمنه أيضا والقرار عليه؛ لانتفاء كون الواضع غره حينئذ.

(1)

. كما في المغني.

ص: 285

‌كتاب الإقرار

يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ لَاغٍ. فَإِنْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ مَعَ الْإِمْكَانِ صُدِّقَ وَلَا يُحَلَّفُ، وَإِنِ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ

(كتاب الإقرار)

هو لغة: الإثبات من قرَّ ثبت، وشرعا: إخبار خاص عن حق سابق على المخبر، فإن كان له على غيره فدعوى أو لغيره على غيره فشهادة، أما الإخبار العام عن محسوس فهو الرواية وعن حكم شرعي فهو الفتوى. وأصله قبل الإجماع: قوله تعالى {شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} النساء: 135.

وأركانه أربعة مقر ومقر له وبه وصيغة، إنما (يصح) الإقرار (من مطلق التصرف) أي المكلف الرشيد -كالإمام في مال بيت المال- أو السفيه الملحق به ولو كان الإقرار بجناية وقعت منه حال صباه أو جنونه، ويشترط أيضا الاختيار وأن لا يكذبه الحس ولا الشرع كما يأتي، ولو أقر بشيء وأنه مختار

(1)

فيه لم تقبل بينته بأنه كان مكرها إلا إن ثبت أنه كان مكرها حتى على إقراره بأنه مختار كما يأتي، ومر أن طلب البيع إقرار بالملك، وطلب العارية والإجارة إقرار بملك المنفعة لكن تعيينها إلى المقر

(2)

(وإقرار الصبي) وإن راهق وأذن له وليه (والمجنون) والمغمى عليه وكل من زال عقله بما يعذر به (لاغٍ)؛ لسقوط أقوالهم (فإن ادعى) الصبي أو الصبية (البلوغ بالاحتلام) والصبية البلوغ بالحيض (مع الإمكان) بأن بلغ تسع سنين قمرية تقريبا (صدق)؛ لأنه لا يُعْرَف إلا من جهته (ولا يحلف) إن خوصم; لأنه إن صُدِّق لم يحتج إلى يمين. وإذا لم يحلَّف فبلغ مبلغا يقطع ببلوغه لم يحلف؛ لانتهاء الخصومة بقبول قوله أوّلاً فلا ننقضه (وإن ادعاه بالسن طولب ببينة) وإن كان غريبا لا يعرف؛ لسهولة إقامتها في الجملة، ويشترط فيه إذا تعرضت للسن أن تبينه؛ للاختلاف فيه، نعم يُكتفى بإطلاق فقيه موافق للحاكم في مذهبه، والبينة هي رجلان، نعم إن شهد أربع نسوة بولادته يوم كذا قبلن

(1)

. ولو أعطاه شيئا ليقر بدار مثلا فأقر بطل الإقرار كما أفاده الشارح في الصلح 5/ 195.

(2)

. ويأتي في الوقف أن من أقر بأن لا حقَّ له في هذا الوقف جاهلا فظهر شرط الواقف بخلافه أنه لا يؤاخذ بإقراره 6/ 260.

ص: 289

وَالسَّفِيهُ وَالمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إقْرَارِهِمَا. وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ عُقُوبَةً فَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَيُقْبَلُ إنْ كَانَ، وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَمَا فِي يَدِهِ

وثبت بهن السن تبعا. وخرج بالاحتلام والسن ما لو ادعاه وأطلق فيستفسر

(1)

فإن تعذر استفساره اتجه العمل بأصل الصبا

(2)

(والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما) في بابيهما (ويقبل إقرار) المفلس بالنكاح والمكاتب مطلقا، و (الرقيق بموجِب عقوبة) كزنا وقود وشرب خمر وسرقة بالنسبة للقطع؛ لبعد التهمة فيه، ولو عفى عن القود على مال تعلق برقبته، وإن كذبه السيد; لأنه وقع تبعا (ولو أقر بدين جناية لا يوجب عقوبة) -أي حدا أو قودا كجناية خطأ أو غصب وإتلاف- أو أوجبتها كسرقة (فكذبه السيد) في ذلك أو سكت (تعلق بذمته دون رقبته

(3)

؛ للتهمة فيتبع به إذا عتق. أما إذا صدقه -وليس مرهونا ولا جانيا- فيتعلق برقبته ويباع فيه إلا أن يفديه السيد بالأقل من المال وقيمته، ولا يتبع بما بقي بعد العتق; لأن التعلق إذا وقع بالرقبة انحصر فيها (وإن أقر بدين معاملة) وهو ما وجب برضا مستحقه (لم يقبل على السيد) وإن صدقه (إن لم يكن مأذونا له في التجارة) بل يتعلق بذمته، ويتبع به إذا عتق لتقصير معامله (ويقبل) إقراره بدين التجارة (إن كان) مأذونا له فيها؛ لقدرته على الإنشاء، ومن ثم لو حجر عليه لم يقبل، أما ما لا يتعلق بالتجارة كالقرض فلا يقبل منه. ولو أطلق الدين لم يقبل أيضا أي إلا إن استفسر وفسر بالتجارة (ويؤدي) ما لزمه بنحو شراء صحيح لا فاسد; لأن الإذن لا يتناوله (من كسبه وما في يده)؛ لما مر في بابه، وإقرار مبعض بالنسبة لبعضه القن كالقن فيما مر ولبعضه الحر كالحر فيما مر، نعم ما لزم ذمته في بعضه الرقيق لا يؤخر للعتق

(4)

; لأن له هنا مالاً بخلافه فيما مر.

(1)

. الاستفسار ليس قيدا عندهما.

(2)

. خلافا لهما من الحكم ببلوغه عند التعذر.

(3)

. ولو أقر السيد بأن الذي جنى عليه قنه قيمته ألف وقال القن بل ألفان تعلق ألف بالرقبة وألف بالذمة كما ذكره الشارح في جناية الرقيق 8/ 35.

(4)

. وفاقا لشرح الروض والمغني وخلافا للنهاية ووالده.

ص: 290

وَيَصِحُّ إقْرَارُ المَرِيضِ مَرَضَ المَوْتِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا لِوَارِثٍ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ، وَفِي مَرَضِهِ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمِ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمِ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ

(ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي

(1)

بعين أو دين فيخرج من رأس المال

(2)

، نعم للوارث

(3)

تحليفه على الاستحقاق (وكذا) يصح إقراره (لوارث) حال الموت بمال، ومن الإقرار لوارث إقرارها بقبض صداقها، ولو أقر له بنحو هبة مع قبض في الصحة قُبِل فإن لم يقل في الصحة أو قال في عين -عرف أنها ملكه- هذه ملك لوارثي نُزِّل على حالة المرض فيتوقف على إجازة بقية الورثة (على المذهب) -وإن كذبه بقية الورثة أو بعضهم-؛ لأن الظاهر حينئذٍ صدقه، نعم إن عُلِم بالقرائن أنه قصد الحرمان لم يقبل ولم يحل للمقر أخذه، ولبقية الورثة تحليفه أنه أقر له بحق لازم يلزمه الإقرار به فإن نكل حلفوا وقاسموه ولا تسقط اليمين بإسقاطهم فلهم طلبها بعد ذلك، ويصح إقراره لوارثه بنحو نكاح أو عقوبة جزما وإن أفضى إلى مال (ولو أقر في صحته بدين وفي مرضه لآخر لم يقدم الأول، ولو أقر في صحته أو مرضه) بدين لشخص (وأقر وارثه بعد موته لآخر لم يقدم الأول في الأصح)؛ لأنه خليفة مورثه

(4)

، ولو أقر في مرضه بدين لزيد ثم بعين لعمرو ومات ولا مال له غيرها سلمت لعمرو (ولا يصح إقرار مكره) بغير حق على الإقرار بأن ضُرِب ليقر كسائر تصرفاته. أما مكره على الصدق كأن ضرب ليصدق في قضية أتهم فيها فيصح حال الضرب وبعده، ولو ادعى أنه باع كذا مثلا مكرها لم تسمع دعوى الإكراه والشهادة به إلا مفصلة، وإذا فصلا

(5)

وكان قد أقر في كتاب التبايع بالطواعية لم تسمع دعواه حتى تقوم بينة بأنه أكره على الإقرار بالطواعية. وإذا فصل دعوى الإكراه صُدِّق فيها إن ثبتت قرينة تدل عليه كحبس بدار ظالم لا حبس على نحو دين وكتقييد وتوكل به. ويسن أن لا يشهد بالإقرار حيث دلت قرينة على

(1)

. ذكر الشارح في الضمان أنه لو أقر المريض بدين مستغرق قُدِّم على الضمان وإن تأخر عنه، ويخرج الضمان من رأس المال إلا إن كان عن معسر أو حيث لا رجوع فمن الثلث.

(2)

. تبرأ الشارح من الإجماع بخلافهما.

(3)

. خلافا للمغني.

(4)

. نعم لا يلزم من الدين إلا قدر حصة المقر من التركة كما ذكره الشارح قبيل المتعة 7/ 414.

(5)

. أي مدعي الإكراه وشاهده.

ص: 291

وَيُشْتَرَطُ فِي المُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ المُقَرِّ بِهِ، فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ كَذَا فَلَغْوٌ، فَإِنْ قَالَ بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا وَجَبَ. وَإِنْ قَالَ لِحَمْلِ هِنْدٍ كَذَا بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَزِمَهُ،

الإكراه فإن شهد كتب صورة الحال؛ لينتفع المُكْرَه بذكر القرينة، وعند ظهور تلك القرائن تقبل دعواه الإكراه سواء أكان الإقرار للظالم المكرِه أو لغيره الحامل للظالم على الإكراه، وتُقدَّم بينة الإكراه على بينة اختيار لم تقل كان مكرها وزال إكراهه ثم أقر (ويشترط في المقر له) تعيينه بحيث تمكن مطالبته كعليَّ مال لأحد هؤلاء العشرة بخلاف لواحد من البلد عليَّ ألف إلا إن كانوا محصورين، ولو قال واحد منهم أنا المراد صدق المقر بيمنه فإن قال ((لأحدهم عليَّ ألف)) فلكلٍّ الدعوى عليه وتحليفه فإن حلف لتسعة أخذه العاشر بلا يمين. ولو أقر بعين لمجهول كعندي مال لا أعرف مالكه لواحد من أهل البلد

(1)

نزع منه أي نزعه منه ناظر بيت المال

(2)

و محله ما لم يدَّع أو تقم قرينة على أنه لقطة، و (أهلية استحقاق المقر به

(3)

حسا أو شرعا; لأن الإقرار بدونه كذب (فلو قال) له عليَّ الألف الذي في هذا الكيس

(4)

وليس فيه شيء، أو (لهذه الدابة عليَّ كذا) وأطلق (فلغو). أما الأول فواضح وفرقوا بينه وبين الغائهم قوله علي ألف في هذا ولا شيء فيه، ثم محل هذا التفريق في نحوي أما عامي فيستفسر منه ويعمل بإرادته فإن تعذر لم يعمل به؛ لاحتماله ولا قرينة، وأما الثاني فلاستحالة ملكها واستحقاقها، ومن ثم لو كانت مسبلة بنحو وصية أو وقف صح؛ لإمكانه (فإن قال) عليَّ لهذه الدابة (بسببها لمالكها) كذا (وجب)؛ لإمكانه، ويحمل مالكها في كلامه على مالكها حال الإقرار; لأنه الظاهر، فإن أراد غيره قُبِل كما لو صرح به، ولو لم يقل لمالكها لم يحمل على مالكها حالا بل يستفسر ويعمل بتفسيره فإن مات قبله رجع فيه لوارثه (وإن قال لحمل هند كذا) عليَّ أو عندي (بإرث) من نحو أبيه (أو وصية) له (لزمه)؛ لإمكانه، والخصم في ذلك ولي الحمل إذا وضع، نعم إن انفصل لأكثر من أربع سنين من حين الاستحقاق مطلقا أو لستة أشهر فأكثر من حين ذلك وهي فراش لم يستحق.

(1)

. لم يقيد الروض والمغني بـ ((من أهل البلد)).

(2)

. خلافا لشيخ الإسلام من أن القاضي يتولى حفظه.

(3)

. ولو أقر بدين أو عين لحربي ثم استرق لم يكن المقر به لسيده، بل يوقف فإن عتق فله وإن مات قنَّا فهو فيء، ذكره الشارح في كتاب السير 8/ 253.

(4)

. قوله ((الذي في هذا الكيس)) غير قيد.

ص: 292

وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فَلَغْوٌ. وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَإِنْ كَذَّبَ المُقَرُّ لَهُ المُقِرَّ تُرِكَ المَالُ فِي يَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ رَجَعَ المُقِرُّ فِي حَالِ تَكْذِيبِهِ وَقَالَ غَلِطْتُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ

(وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه) كله عليَّ ألف أقرضنيه (فلغو) ذلك الإسناد لاستحالته دون الإقرار

(1)

; لأنه وقع صحيحا فلا يبطل ما عَقَّبَه به، وكـ ((له عليَّ ألف من ثمن خمر)) أما لو قال باعني كذا بألف فالإقرار نفسه هو اللغو كباعني خمرا بألف، ومن المستحيل شرعا أن يقر لقِنٍّ عقب عتقه بدين أو عين، نعم محله في غير من علمت حرابته وملكه قبل الاستراقاق بخلاف من احتمل فيه ذلك، وأن يثبت له دين بنحو صداق أو خلع أو جناية فيقر به لغيره عقب ثبوته؛ لعدم احتمال جريان ناقل حينئذ كما يأتي، ومن ذلك أيضا أن يقر عقب إرثه لآخر بما يخصه (وإن أطلق) الإقرار له ولم يسنده إلى شيء (صح في الأظهر) ويحمل على ما يمكن في حقه وإن ندر كوصية أو إرث؛ حملا لكلام المكلف على الصحة ما أمكن. هذا إن انفصل حيا وإلا استفسر فإن مات ولم يستفسر بطل الإقرار. أما إذا أسنده لممكن بعد الإقرار ولو على التراخي فيصح جزما كما لو أقر لطفل وأطلق. وهو لنحو مسجد كهو لحمل (وإن كذب المقر له) بعين أو دين ووارثه (المقر) في أصل الإقرار بطل لكن في حقه فقط، و (ترك المال في يده) في صورة العين ولم يطالب بالدين في صورته (في الأصح)؛ لأن يده تشعر بالملك ظاهرا، وسقط إقراره بإنكار المقر له وعليه فتبقى يده يد ملك لا استحفاظ، وأما باطنا فالمدار فيه على صدقه وعدمه ولو ظنا (فإن رجع المقر في حال تكذيبه وقال غلطت) أو تعمدت الكذب (قبل قوله في الأصح)، أما رجوع المقر له أو إقامة بينة به فلا يقبل منه حتى يصدقه ثانيا؛ لأن نفيه عن نفسه بطريق المطابقة ونفي المقر بطريق الالتزام فكان أضعف

(2)

.

(1)

. وفاقا للمغني والمنهج وخلافا للنهاية.

(2)

. ذكر الشارح في الوقف أن من أقر أنه لا حق له في هذا الوقف جاهلا فظهر شرط الواقف بخلافه لم يؤاخذ بإقراره 6/ 260.

ص: 293

فصل

قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ، وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ،

(فصل) في الصيغة

وشرطها لفظ أو كتابة -ولو من ناطق- أو إشارة أخرس تشعر بالالتزام بحق

(1)

، فحينئذ (قوله: لزيد) عليَّ ألفٌ فيما أظن أو أحسب لغو أو فيما أعلم أو أشهد صحيح، وقوله: ليس لك عليَّ شيء ولكن لك عليَّ ألف درهم لم يجب ما بعد ((لكن))؛ لمناقضة ما قبلها لها، وقوله لامرأة ألم أتزوجك أمس أو أليس قد تزوجتك أمس فقالت: بلى ثم جحدت لم يكن ما قاله إقرارا منه على الأصح بل هو استفهام، وقوله: لزيد (كذا صيغةُ إقرار

(2)

؛ لأن اللام للملك، ثم إن كان ذلك معينا -كلزيد هذا الثوب أُوْخِذَ به فإن كان بيده حال الإقرار أو انتقل إليه لزمه تسليمه لزيد- أو غيره كـ ((له ثوب أو ألف)) اشترط أن ينضم إليه شيء مما يأتي كعندي أو عليَّ; لأنه مجرد خبر لا يقتضي لزوم شيء للمخبر، نعم إن وصل به ما يخرجه عن الإقرار كله عليَّ كذا بعد موتي أو إن فعل كذا لم يلزمه شيء (وقوله: عليّ

(3)

وفي) هي بمعنى أو كالتي بعدها (ذمتي) كلٌّ على انفرادها (للدين) الملتزم في الذمة؛ لأنه المتبادر منه عرفا، فإن أراد العين قُبِل في عليَّ فقط؛ لإمكانه أي على حفظها (ومعي) وَ لَدَيَّ (وعندي) كل على انفرادها (للعين)؛ لذلك ويحمل على أدنى المراتب وهو الوديعة فيقبل قوله بيمينه في الرد والتلف.

(1)

. وتقدم في الصلح أن قوله لمدع عليه ألفا صالحني منها على خمسمائة أو هبني خمسمائة أو ابرئني من خمسمائة ليس بإقرار، ولو قال هبني هذه أو بعنيها أو زوجني الأمة كان إقرارا لملك عينها، أو أجرنيها أو أعرنيها فإقرار بملك المنفعة لا العين 5/ 194.

(2)

. ولو أقر في مجلس قاضٍ بمال للغير لم يلزم القاضي إعلام الدائن كي يستوفيه كما أفاده الشارح في اللعان 8/ 211.

(3)

. ويأتي في النذر أن قوله: ((له عليَّ كذا)) صريح في الإقرار أيضا، وحينئذٍ فصرفه للنذر أو الإقرار بالنية كما نبَّه عليه الشارح في الإقرار، 10/ 69.

ص: 294

وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوِ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوِ اجْعَلْهُ فِي كِيسِك، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَوْ قَالَ: بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْتَ أَوْ أَبْرَأْتَنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْتُهُ أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ،

(ولو قال لي عليك ألف) أو اقض الألف الذي لي عليك فقال لا يلزمني تسليمها اليوم لم يكن مقرا; لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم؛ لضعف دلالة المفهوم فيما المطلوب فيه اليقين أو الظن الغالب -وهو الإقرار-، ولو قال له أحد تينك الصيغتين (فقال) مع مائة، أو (زِن أو خذ أو زنه أو خذه أو اختم عليه أو اجعله في كيسك) أو هو صحاح أو مكسرة (فليس بإقرار)؛ لأنه ليس بالتزام وإنما يذكر في معرض الاستهزاء، وكذا مهما قلت عندي (ولو قال) في جواب لي عليك ألف (بلى أو نعم أو صدقت) أو أجل أو جيرِ أو إي (أو أبرأتني منه) أو أبرئني منه

(1)

(أو قضيته) أو قضيت (أو أنا مقر به) أو لا أنكر ما تدعيه (فهو إقرار)؛ لأن الستة الأُوَل موضوعة للتصديق، ولا يتغير الحكم إن اقترن بواحد مما ذكر قرينة استهزاء كإيراد كلامه بنحو ضحك وهز رأس مما يدل على التعجب والإنكار وثبت ذلك

(2)

، ولأن دعوى الإبراء والقضاء اعتراف بالأصل، ولو حذف ((منه)) لم يكن إقرارا؛ لاحتماله الإبراء من الدعوى وهو لغو، وكذا أقر أنه أبرأني منه أو استوفاه مني أو برأتني من هذه الدعوى، و لأن الضمير في به يعود للألف المُدَّعَى به وحينئذ لا يحتاج إلى أن يقول لك. ولو سأل القاضي المدعى عليه عن جواب الدعوى فقال عندي كان إقرارا، ولو قال إن شهدا عليَّ بكذا صدقتهما أو قالا ذلك فهو عندي أو صدقتهما لم يكن إقرارا؛ لأنه لم يجزم ولأن الواقع لا يعلق، بخلاف فهما صادقان؛ لأنهما لا يكونان صادقين إلا إن كان عليه المدعى به الآن فيلزمه، ولو قال فهما عدلان فيما شهدا به فهو كقوله: فهما صادقان; لأنه بمعناه بخلاف ما لو اقتصر على فهما عدلان، ولو قال لمن شهد عليه هو عدل أو صادق لم يكن إقرارا حتى يقول فيما شهد به، ولو ادعى عليه بعين فقال ((صَالِحْني عما كان لك عليَّ)) كان إقرارا بمبهم فيطالب ببيانه. ولو ادعى عليه ألفا فأنكر فقال اشتر هذا مني بالألف الذي ادعيته كان إقرارا به كبعني بخلاف صالحني عنه به؛ إذ ليس من ضرورة الصلح كونه بيعا حتى يكون ثَمَّ ثمن بخلاف الشراء.

(1)

. وذكر ((منه)) قيد فيهما كما مال إليه الشارح في الصلح 5/ 194.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 295

وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَلَوْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ، وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ. وَلَوْ قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ

(ولو قال أنا مقر) ولم يقل به (أو أنا أقر به فليس بإقرار)؛ لصدق الأول بإقراره ببطلانه أو بالتوحيد ولاحتمال الثاني للوعد بالإقرار في ثاني الحال (ولو قال أليس لي عليك كذا فقال بلى، أو نعم فإقرار، وفي نعم وجه)؛ إذ هي لغة تصديق للنفي المستفهم عنه بخلاف بلى فإنها رَدٌ له ونفي النفي إثبات، وردوا هذا الوجه بأن الأقارير ونحوها محمولة على العرف المتبادر من اللفظ لا على دقائق العربية، وبه يعلم أنه لا فرق بين النحوي وغيره، نعم العامي الذي لا يخالطنا يقبل منه دعوى الجهل بمدلول أكثر ألفاظ الفقهاء بخلاف المخالط لنا لا يقبل إلا في الخفي الذي لا عرف له يصرفه إليه. ولو تعارضت بينتا إقرار زيد وإبراء غريمه فإن علم تأخر أحدهما فالحكم له وإلا فلا شيء (ولو قال اقض الألف الذي لي عليك) أو لي عليك ألف أو أليس لي عليك ألف أو أُخْبِرت أن لي عليك ألفا (فقال نعم) أو جَيْرِ أو بلى أو إي (أو أقضي غدا) وذكر غدا ليس شرطا (أو أمهلني يوما) أو أمهلني وإن لم يقل يوما (أو حتى أقعد أو أفتح الكيس أو أجد) أي المفتاح أو الدراهم مثلا.

[تنبيه] لا يشترط نحو ضمير أو خطاب في إقضني وأمهلني

؛ لأن المفهوم من هذه الألفاظ ما ذكروه فيها بخلاف أبرأتني وأبرئني وأنا مقر، وكذا أقضِ (فإقرار في الأصح) حيث لا استهزاء; لأنه المفهوم من هذه الألفاظ عرفا.

[فرع] ولو قال اكتبوا لزيد عليَّ ألف درهم لم يكن إقرارا لأنه أمر بالكتابة فقط

، ولو قال أشهدكم بكذا أو اشهدوا عليَّ بكذا أو بما في هذا الكتاب فالأصح أنه إقرار

(1)

، ولو قال ما نزل في دفتري صحيح عُمل به فيما عُلم أنه به حال الإقرار، ويُلغى ما حدث بعده ويوقف ما شك به.

(1)

. أفاد الشارح قبل فصل الولاء أنه لا يكفي أن يقول المقر نعم لمن قال له نشهد عليك بما نسب إليك في هذا الكتاب إلا إن قيل ذلك له بعد قراءته عليه وهو يسمعه، نعم إن قال أعلم ما فيه وأنا مقر به كفى 10/ 273.

ص: 296

فصل

يُشْتَرَطُ فِي المُقَرِّ بِهِ أَلَّا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ، فَلَوْ قَالَ دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَهُوَ لَغْوٌ. وَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ، وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْتُ بِهِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ،

ولو قال المواضع التي أثبت أساميها وحدودها في هذا ملك لفلان وكان الشاهد لا يعرف حدودها ثبت الإقرار ولم تجز الشهادة عليها بحدودها وإن جازت على تلفظه بالإقرار. ولو قال لي عليك عشرة دنانير فقال صَدَقَ له عليَّ عشرة قراريط

(1)

لزمه كل منهما لكن القراريط مجهولة.

(فصل) في المُقَرّ به

(يشترط في المقر به) أن يكون مما تجوز المطالبة به، و (ألا يكون ملكا للمقر) حين يقر; لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له (فلو قال داري أو ثوبي) أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد ولم يرد الإقرار (أو ديني الذي على زيد لعمرو فهو لغو)؛ لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له فتنافي إقراره به لغيره فحُمل على الوعد بالهبة، ومن ثم صح مسكني أو ملبوسي له؛ إذ قد يسكن ويلبس غير ملكه. أما إذا أراد الإقرار

(2)

بما ذكر فيصح، ولو قال جميع ما عُرف لي لفلان صح أو قال الدين الذي كتبته أو باسمي على زيد لعمرو صحَّ؛ إذ لا منافاة أيضا، أو الدين الذي لي على زيد لعمرو لم يصح إلا إن قال واسمي في الكتاب عارية وكذا إن أراد الإقرار.

[تنبيه] لا يصح الإقرار بما علم أنه للمُقِرِّ

؛ إذ لا يجوز الملك بالكذب فلا يصح الإقرار بنحو دين المهر عقب ثبوته كما مر، (ولو قال هذا لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت به فأول كلامه إقرار وآخره لغو) فيطرح آخره فقط؛ لاشتماله على جملتين مستقلتين

(3)

، ومن ثمّ صحّ أيضا هذا ملكي هذا لفلان أو هذا لي وكان ملك زيد إلى أن أقررت; لأنه إقرار بعد إنكار أو

(1)

. القيراط نصف دانق، تاج العروس.

(2)

. أي وقصد بالإضافة كونها معروفة به كما أشار إليه الشارح في باب الضمان 5/ 268.

(3)

. عبارة النهاية.

ص: 297

وَلْيَكُنِ المُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ المُقِرِّ لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَلَوْ أَقَرَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَارَ عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ: هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقَهُ فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى المَذْهَبِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ الخِيَارَانِ لِلْبَائِعِ فَقَطْ

عكسه، ولم يصح هذه التي هي ملكي لفلان (وليكن المقر به) من الأعيان (في يد المقر) حسا، أو حكما (ليُسَلّم بالإقرار للمقر له)؛ لأنه مع عدم كونه بيده مُدَّعٍ أو شاهد بغير لفظهما، ويستثنى ما لو باع القاضي مال غائب فقدم وادعى تصرفا قبله فيقبل إقراره للجهة التي ادعى تصرفه لها، وما لو باع بشرط الخيار فادعاه رجل فأقر البائع في مدة الخيار بأنه ملك المدعي فيصح إقراره وينفسخ البيع; لأن له فسخه (فلو أقر ولم يكن في يده ثم صار) في يده (عُمِل بمقتضى الإقرار)؛ لوجود شرط العمل به فيسلم للمقر له حالا.

[تنبيه] لو أقر بعض الشركاء لآخر بحق في ممر مستطيل إلى بيوت، أو مجرى ماء كذلك إلى أراض لا يقبل قسمةً صح الإقرار ويوقف الأمر؛ لتعذر تسليم المقر به; لأن يد الشركاء حائلة فإن صار بيد المقر ما يمكنه به تسليم الحق المقر به أُوْخِذ به وإلا فلا ولا قيمة هنا للحيلولة; لأن الشرط أن تكون من المقر وهي هنا من غيره؛ لتعذر القسمة والمرور في حق الغير (فلو أقر بحرية عبد) معين (في يد غيره) أو شهد بها (ثم اشتراه) لنفسه أو ملكه بوجه آخر أو استأجره (حكم بحريته) بعد انقضاء مدة خيار البائع ورفعت يد المشتري عنه، أما لو اشتراه بطريق الوكالة فلا يؤثر; لأن الأصح أن الملك يقع ابتداء للموكل (ثم إن كان قال) في إقراره (هو حر الأصل) أو أعتقه مالكه قبل شراء البائع (فشراؤه افتداء) من جهة المشتري; لأن اعترافه بحريته مانع من جعله بيعاً من جهته وبيعه بيع من جهة البائع تثبت فيه أحكامه (وإن قال أعتقه) البائع وإنما يسترقه ظلما (فافتداء من جهته) أي المشتري؛ لذلك (وبيع من جهة البائع على المذهب)؛ بناء على اعتقاده (فيثبت فيه الخياران) أي المجلس والشرط وكذا خيار عيب الثمن (للبائع فقط) دون المشتري؛ لما تقرر أنه افتداء من جهته، ومن ثم لا يرده بعيب ولا أرش له بخلاف البائع؛ إذ لو رد الثمن المعين بعيب جاز له استرداد العبد بخلاف رده بعد عتق المشتري في غير ذلك؛ لاتفاقهما على عتقه ثَمّ. ولو أقر بأن ما في يد زيد مغصوب صح شراؤه منه؛ لأنه قد يقصد استنقاذه.

ص: 298

وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالمَجْهُولِ فَإِذَا قَالَ لَهُ: عَلَيَّ شَيْءٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِمَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ، وَسِرْجِينٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُقْبَلُ بِمَا لَا يُقْتَنَى كَخِنْزِيرٍ، وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَلَا بِعِيَادَةٍ وَرَدِّ سَلَامٍ. وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ بِمَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ،

(ويصح)؛ إجماعاً (الإقرار بالمجهول) والمبهم (فإذا قال)((ما يدعيه فلان في تركتي فهو حق)) صحَّ إقراره ويعينه الوارث، أو (له عليَّ شيء قبل تفسيره بكل ما يتمول) وهو ما له قيمة عرفا أو

(1)

ما يقع موقعا يحصل به جلبُ نفعٍ أو دفع ضرٍّ (وإن قلَّ) كفلس لصدق الاسم فكل متمول مال ولا ينعكس كحبة بر (ولو فسره بما لا يتمول لكنه من جنسه كحبة حنطة، أو بما) أي بنجس (يحل اقتناؤه ككلب معلم) لصيد، أو حراسة أو قابل للتعليم وميتة لمضطر (وسرجين) وهو الزبل وحق شفعة وحد قذف ووديعة (قبل في الأصح) ; لأنه شيء، مع كونه يحرم أخذه ويجب رده، وخرج بعليَّ في ذمتي فلا يقبل فيه بنحو حبة حنطة وكلب قطعا؛ لأنه لا يثبت فيها.

[فرع] قال ((له هذه الدار وما فيها)) صحَّ واستحق جميع ما فيها وقت الإقرار

فإن اختلفا في شيء أهو بها وقته صدق المقر ووارثه

(2)

وعلى المقر له البينة، ولو كان للمقر زوجة ساكنة معه في الدار قُبِل قولها في نصف الأعيان بيمينها؛ لأن اليد لهما على جميع ما فيها سواء صلح لأحدهما فقط أم لكليهما (ولا يقبل بما لا يُقتنى كخنزير وكلب لا نفع فيه) بوجه حالا ولا مآلا وخمر غير محترمة; لأن عليَّ تقتضي ثبوت حق وهذا لا حق ولا اختصاص، نعم يقبل تفسيره بخنزير وخمر إذا أقر لذمي؛ لأنه يُقَرُّ عليهما إذا لم يظهرهما، ويجب درهما له. وفي عندي شيء وغصبت منه شيئا يصح تفسيره بما لا يُقتنى؛ إذ ليس في لفظه ما يشعر بالتزام حق، ومن ثم لم يقبل بنحو عيادة وحد قذف (ولا) يقبل أيضا (بعيادة) لمريض (ورد سلام)؛ لبعده عن الفهم في معرض الإقرار؛ إذ لا مطالبة بهما، ويقبل بهما في له عليَّ حق; لأن الحق قد شاع استعماله في ذلك ككل ما لا يطالب به عرفا وشرعا (ولو أقر بمال أو بمال عظيم أو كبير أو كثير) أو نفيس أو أكثر من مال زيد المشهور بالمال الكثير كان مبهما جنسا وقدرا وصفة، فمن ثم (قبل)؛ بناء على الأصح السابق في عليَّ شيء (تفسيره بما قل منه) أي المال وإن لم يتمول كحبة بر وقمع باذنجانة -أي صالح للأكل وإلا فهو

(1)

. عبارتهما بالواو بدل أو.

(2)

. ويحلف الوارث حينئذ على نفي العلم.

ص: 299

وَكَذَا بِالمُسْتَوْلَدَةِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِكَلْبٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ. وَقَوْلُهُ: لَهُ كَذَا كَقَوْلِهِ: شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ: شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ، وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ شَيْئَانِ، وَلَوْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ وَجَبَ دِرْهَمَانِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَوْ جَرَّ فَدِرْهَمٌ، وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ فَدِرْهَمٌ فِي الْأَحْوَالِ. وَلَوْ قَالَ: أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ قُبِلَ تَفْسِيرُ الْأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ،

ليس بمال ولا من جنسهـ; لأن الأصل براءة الذمة فيما فوقه. ولو قال له عليّ مثل ما في يد زيد أو مثل ما عليَّ لزيد كان مبهما جنسا ونوعا لا قدرا فلا يقبل بأقل من ذلك عددا; لأن المثلية لا تحتمل ما مر؛ لتبادر الاستواء عددا منها (وكذا) يقبل تفسيره (بالمستولدة في الأصح)؛ لأنها تسمى مالا (لا بكلب وجلد ميتة) وسائر النجاسات؛ لأنها لا تسمى مالا (وقوله: له) عندي أو عليَّ (كذا كقوله) له (شيء) بجامع الإبهام فيهما (وقوله: شيء شيء، أو كذا كذا كما لو لم يكرر) ما لم يرد الاستئناف; لأنه ظاهر في التأكيد (ولو قال شيء وشيء، أو كذا وكذا) ويظهر أن مثل الواو هنا ما يأتي (وجب شيئان) متفقان أو مختلفان؛ لاقتضاء العطف المغايرة، ولو قال كذا درهما بل كذا وجب شيء واحد والمقتضِي لاتحاد الإقرارين حينئذ هو العطف ببل وليس التفسير بالدرهم

(1)

(ولو قال) له عندي (كذا درهماً) تمييزا (أو رفع الدرهم) بدلا أو عطف بيان (أو جرّهُ) لحنا، أو سكَّنه وقفا (لزمه درهم) ولا نظر للحن; لأنه لا يؤثر هنا (والمذهب أنه لو قال) له عليَّ (كذا وكذا) أو ثم كذا، أو فكذا وأراد العطف بالفاء (درهما بالنصب وجب درهمان)؛ لأنه عقَّب مبهمين بمميز فكان الظاهر أنه تفسير لكل منهما واحتمال التأكيد يمنعه العاطف، ولو زاد في التكرير فكما في نظيره الآتي (و) المذهب (أنه لو رفع أو جر) الدرهم أو سكنه (فدرهم) أما الرفع فلأنه بدل أو بيان لهما والخبر الظرف، وأما الجر فلأنه يفهم منه عرفا أنه تفسير لجملة ما سبق فحمل على الضم، وأما السكون فواضح (ولو حذف الواو فدرهم في الأحوال) كلها؛ لاحتمال التأكيد حينئذ (ولو قال ألف ودرهم قبل تفسير الألف بغير الدراهم) من المال اتحد جنسه أو اختلف; لأنه مبهم والعطف إنما يفيد زيادة عدد لا تفسيرا كألف وثوب. ولو قال ألف ودرهم فضة وجب الكل فضةً ما لم يجرها بإضافة

(1)

. تبعه النهاية هنا لكن خالفه في موضع آخر فأوجب شيئين.

ص: 300

وَلَوْ قَالَ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَالجَمِيعُ دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَالَ: الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةَ الْوَزْنِ فَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ إنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا، وَمَنْعُهُ إنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً قُبِلَ إنْ وَصَلَهُ وَكَذَا إنْ فَصَلَهُ فِي النَّصِّ، وَالتَّفْسِيرُ بِالمَغْشُوشَةِ كَهُوَ بِالنَّاقِصَةِ

درهم إليها، ويبقي تنوين ألف فتبقى الألف حينئذ على إبهامها، ولو قال ألف وقفيز حطنةً بالنصب لم يعد للألف؛ إذ لا يقال ألف حنطةً، ولو قال ألف درهما أو ألف درهم بالإضافة فواضح، وإن رفعهما ونونهما أو نون الأول فقط فله تفسير الألف بما لا تنقص قيمته عن درهم فكأنه قال ألف مما قيمة الألف منه درهم (ولو قال خمسة وعشرون درهما فالجميع دراهم على الصحيح)؛ لأن التمييز كالوصف وهو يعود للكل، وفي نحو خمسة عشر درهما يجب الكل دراهم جزما، أما لو رفع الدرهم أو جره فيلزمه ما عدده العدد المذكور وقيمته درهم. ويلزمه في اثني عشر درهما وسدسا -أي ولا نية له- سبعة دراهم

(1)

فإن قال أردت أن جملة ذلك العدد يساوي درهما وسدس درهم صدق بيمينه؛ لاحتماله، أو قال أردت اثني عشر سدسا أو أطلق لزمه السبعة؛ لأنها مدلول اللفظ، أما ما عدا الاثنا عشر من المركب المزجي كثلاثة عشر درهما وسدسا يلزمه خمسة عشر وسدس; لأن المركب هنا في حكم المفرد (ولو قال الدراهم التي أقررت بها ناقصة الوزن فإن كانت دراهم البلد

(2)

الذي أقر به (تامة الوزن) بأن كان كل منها ستة دوانق (فالصحيح قبوله إن ذكره متصلا) بالإقرار; لأنه في المعنى بمثابة الاستثناء، وحينئذ يرجع لتفسيره في قدر الناقص، فإن تعذَّر بيانه نُزِّل على أقل الدراهم (ومنعه إن فصله عن الإقرار) وكذبه المقر له فيلزمه دراهم تامة; لأن اللفظ وعرف البلد يمنعان ما يقوله (وإن كانت) دراهم البلد (ناقصة قُبِل) قوله (إن وصله) بالإقرار (وكذا إن فصله) عنه (في النص)؛ عملا بعرف البلد كما في المعاملة ويجري ذلك في بلد زاد وزنهم على درهم الإسلام فيقبل إن وصله، (والتفسير بالمغشوشة كهو بالناقصة) فإن الدرهم عند

(1)

. وذلك؛ لأن الدرهم والسدس تمييزان لكل من الاثني عشر فيكون كلٌّ مميزا لنصف الاثني عشر المبهمة ونصفها دراهم ستة، وأسداسا درهم.

(2)

. ظاهر الشارح أنه عند الإطلاق تحمل على دراهم البلد الغالب خلافا للنهاية من حملها على دراهم الإسلام.

ص: 301

وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ المَعِيَّةَ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ،

الإطلاق محمول على الفضة الخالصة وما فيها من الغش ينقصها فكانت كالناقصة في تفصيلها المذكور، ويقبل التفسير بالفلوس -وإن فَصَل- في بلد يتعاملون بها فيه ولا يعرفون غيرها. ولو تعذرت مراجعته حُمِل على دراهم البلد الغالبة، ويجري ذلك في الكيل مثلا، فلو أقر له بإردب

(1)

بر وبمحل الإقرار مكاييل مختلفة ولا غالب فيها تعين أقلها ما لم يختص المقر به بمكيال منها فيحمل عليه لا على غيره الأنقص منه إلا إن وصله، ويحمل إطلاق نحو الأردب في العقود على الغالب المختص من تلك المكاييل كالنقد ما لم يختلفا في تعيين غيره فإنهما حينئذ يتحالفان، ويصدق الغاصب والمتلف بيمينه في قدر كيل ما غصبه أو أتلفه. ولو فسر الدراهم بغير سكة البلد أو بجنس رديء قبل مطلقا و فارق الناقص بأن فيه رفع بعض ما أقر به بخلافه هنا. ويحمل الأشرفي إذا أطلق على الذهب

(2)

ولا يعتبر فيه عرف البلد (ولو قال) له (عليَّ من درهم إلى عشرة لزمه تسعة في الأصح) كما مر في الضمان

(3)

، ولو قال ما بين درهم وعشرة أو إلى عشرة لزمه ثمانية، والحكم حينئذ هنا وفي اليمين والنذر والوصية واحد (وإن قال) له (عليَّ درهم في عشرة) أو درهم في دينار (فإن أراد المعية لزمه أحد عشر) -أي الدينار والدرهم-; لأن في تأتي بمعنى مع، واستشكله الإسنوي وغيره بشيئين أحدهما جزمهم في درهم مع درهم بأنه يلزمه درهم مطلقا

(4)

؛ لاحتمال أن يريد مع درهم لي فمع نيته أولى ويجاب بأن الدرهم في الصورتين لازم والدرهم الثاني في مع درهم لم تقم قرينة على لزومه والعشرة قامت قرينة على لزومها إذ لولا أن نية المعية تفيد معنى زائدا على الظرفية التي هي صريح اللفظ لما أخرجه عن مدلوله الصريح إلى غيره. ثانيهما ينبغي أن العشرة مبهمة كالألف في ألف ودرهم بالأولى ويجاب بأن في الظرفية المقترنة بنية المعية إشعارا بالتجانس

(1)

. مكيال ضخم لأهل مصر، وقال الجوهري: إنه يضم أربعة وعشرين صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، الصحاح.

(2)

. خلافا للشهاب الرملي من حمله على الفضة.

(3)

. ولو قال بعتك من هذا الدرهم إلى هذا الدرهم لم يدخل المبتدأ خلافا لمقتضى كلام الشارح والنهاية والمغني.

(4)

. أي ما لم ينو مع درهم يلزمني وإلا لزمه درهمان.

ص: 302

أَوِ الحِسَابَ فَعَشَرَةٌ وَإِلَّا فَدِرْهَمٌ.

قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ، أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ، أَوْ عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ لَزِمَهُ الجَمِيعُ. وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ،

والاتحاد؛ لاجتماع أمرين كل منهما مقرب لذلك بخلاف ألف ودرهم فإن فيه مجرد العطف وهو لا يقتضي بمفرده صرف المعطوف عليه عن إبهامه الذي هو مدلول لفظه (أو) أراد (الحساب) وعرفه (فعشرة)؛ لأنه موجبه (وإلا) يرد المعية في الأول بل أراد الظرفية أو أطلق ولا الحساب في الثاني أو أراده ولم يعرف معناه (فدرهم)؛ لأنه اليقين.

(فصل) في بيان أنواع من الإقرار و في بيان الاستثناء

(قال له عندي سيف في غِمد) وهو غلافه (أو ثوب في صندوق) أو ثمرة على شجرة أو زيت في جرة (لا يلزمه الظرف)؛ لأنه مغاير للمظروف والإقرار يعتمد اليقين وهكذا كل ظرف ومظروف لا يدخل أحدهما في الآخر، ولذا قال (أو) له عندي (غمد فيه سيف أو صندوق فيه ثوب

(1)

أو خاتم فيه فص أو أمة في بطنها حمل أو شجرة عليها ثمرة (لزمه الظرف وحده)؛ لما ذكر (أو عبد) عليه ثوب أو (على رأسه عمامة لم يلزمه) الثوب ولا (العمامة على الصحيح)؛ لأن الالتزام لم يتناولهما، ولو قال خاتم ثم فسر ذلك الخاتم المجمل بخاتم معين فيه فص

(2)

وقال لم أرد الفص لم يقبل منه؛ لأنه يتناوله، ولو قال أمة وعين حاملا، وقال لم أرد الحمل قُبل؛ لأنها لا تتناوله مع أن المطلوب هنا اليقين.

[تنبيه] كل ما دخل في مطلق البيع دخل هنا وما لا فلا إلا الثمرة غير المؤبرة والحمل والجدار فيدخل، ثم لأن المدار فيه على العرف لا هنا (أو دابة بسرجها) أو مع سرجها (أو ثوب مطرَّز

(3)

لزمه الجميع)؛ لأن الباء بمعنى مع بخلاف وعليه طراز؛ إذ هو كعليه ثوب، (ولو قال) ابن مثلا حائز لزيد (في ميراث أبي ألف فهو إقرار على أبيه بدين)؛ لإضافة الألف

(1)

. وجعل منه الشهاب الرملي الأشرفي ورده الشارح.

(2)

. عبارة السيد عمر بصري.

(3)

. والطراز جزء من الثوب باعتبار لفظه وإن كان في الواقع مركبا عليه.

ص: 303

وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ، فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، فَإِنْ قَالَ: وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَلَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَأْكِيدَ الثَّانِي لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ لَزِمَهُ ثَالِثٌ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ. وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ

إلى جميع التركة المضافة إلى الأب دونه، وهذا ظاهر في تعلق المال بجميعها -وضعاً- تعلقا يمنعه من التصرف فيها، ولا يكون كذلك إلا الدين (ولو قال) له في ميراثي أو (في ميراثي من أبي) ألف أو نصفه ولم يرد الإقرار ولا أتى بنحو عليَّ (فهو وعد هبة) أي أن يهبه ألفا؛ لأنه أضاف الميراث لنفسه وهو يقتضي عرفا عدم تعلق دين به وما لها -أي نفسه- يتعذر الإقرار به لغيره فجعل جزء من الميراث لغيره لا يتصور إلا بالهمة، ومحل هذا إذا كانت التركة دراهم وإلا فهو كـ ((له في هذا العبد ألف)) فيعمل بتفسيره. أما غير الحائز إذا كذبه البقية فيغرم في الأولى قدر حصته فقط، وأما لو أراد الإقرار في الثانية أو أتى بنحو عليَّ فهو إقرارٌ بكلِّ حالٍ، وخرج بقول المتن ((ألف)) ما لو أقر في الأولى بجزء شائع صح وحُمِل على وصية قَبِلَهَا الموصى له وأجيزت إن زادت على الثلث ولا ينصرف للدين؛ لأنه لا يتعلق ببعض التركة بل بكلها (ولو قال له عليَّ درهم درهم لزمه درهم) واحد وإن كرره أُلوفاً في مجالس؛ لاحتماله التأكيد مع عدم ما يصرفه عنه (فإن قال ودرهم لزمه درهمان)؛ لمكان الواو، ومثلها ثم وكذا الفاء إن أراد العطف، ويفرق بينها وبين ثم بأن ثم لمحض العطف والفاء مشتركة، أما بل فلا بد فيها من قصد الاستئناف ومجرد إرادة العطف بها لا يلحقها بالفاء (ولو قال درهم ودرهم ودرهم لزمه بالأولين درهمان)؛ لمكان الواو كما مر (وأما الثالث فإن أراد به تأكيد الثاني) بعاطفه (لم يجب به شيء) كالطلاق (وإن نوى الاستئناف لزمه ثالث، وكذا إن نوى تأكيد الأول) بالثالث؛ لمنع الفصل والعاطف منه (أو أطلق في الأصح)؛ لأن العطف ظاهر في التغاير، وفي درهم ودرهم ثم درهم يجب ثلاثة بكل حال؛ لتعذر التأكيد هنا (ومتى أقر بمبهم كشيء وثوب وطولب بالبيان) لِمَا أبهمه ولم تمكن معرفته من غيره (فامتنع منه فالصحيح أنه يحبس)؛ لامتناعه من واجب عليه، فإن مات قبل البيان طولب وارثه ووقف جميع التركة ولو في نحو شيء وإن قبل تفسيره بغير المال كما مر؛ احتياطا لحق الغير، أما لو أحال على معروف كزنة

ص: 304

وَلَوْ بَيَّنَ وَكَذَّبَهُ المُقَرُّ لَهُ فَلْيُبَيِّنْ وَلْيَدَّعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ المُقِرِّ فِي نَفْيِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، وَلَوْ وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ أَوْ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً، ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ،

هذه من كذا فلا يحبس (ولو بيَّن) المقر إقراره المبهم تبيينا صحيحا (وكذبه المقر له) في ذلك (فليبين) المقر له جنس الحق وقدره وصفته (وليدع) به إن شاء (والقول قول المقر في نفيه) أي ما ادعاه المقر له، ثم إن ادعى بزائد على المبين من جنسه كأن بيَّن بمائة وادعى بمائتين فإن صدقه

(1)

على إرادة المائة ثبتت وحلف المقر على نفي الزيادة، وإن قال بل أَرَدْتَ المائتين حلف أنه لم يردهما وأنه لا يلزمه إلا مائة فإن نكل حلف المقر له أنه يستحقهما لا أنه أرادهما؛ لأن الإقرار لا يثبت حقا وإنما هو إخبار عن حق سابق، أو من غير جنسه كأن بيَّن بمائة درهم فادعى بمائة دينار فإن صدقه على إرادة الدراهم أو كذبه في إرادتها وقال إنما أردتَ الدنانير فإن وافقه على أن الدراهم عليه ثبتت؛ لاتفاقهما عليها وإلا بطل الإقرار بها وكان مدعيا للدنانير فيحلف المقر على نفيها وكذا على نفي إرادتها في صورة التكذيب. (ولو أقر بألف ثم أقر له بألف) ولو (في يوم آخر لزمه ألف فقط) وإن كتب بكل وثيقة محكوما بها؛ لأنه لا يلزم من تعدد الخبر تعدد المخبر عنه (ولو اختلف القدر) كأن أقر في يوم بألف وفي آخر قبله أو بعده بخمسمائة (دخل الأقل في الأكثر)؛ إذ يحتمل أنه ذكر بعض ما أقر به (ولو وصفهما بصفتين مختلفتين) كمائة صحاح في مجلس ومائة مكسرة في آخر (أو أسندهما إلى جهتين) كثمن مبيع مرة وبدل قرض أخرى (أو قال قبضت) منه (يوم السبت عشرة، ثم قال قبضت) منه (يوم الأحد عشرة لزما) أي القدران في الصور الثلاث؛ لتعذر اتحادهما، ومن ثم لو أطلق مرة وقيد أخرى حُمِل المطلق على المقيد ولم يلزمه غيره (ولو قال) له عليَّ من ثمن خمر مثلا ألف لم يلزمه شيء قطعا، أو (له علي ألف من ثمن خمر أو كلب) مثلا (أو ألفٌ قَضَيْتُهُ لزمه الألف) ولو جاهلا (في الأظهر)؛ إلغاءً لآخر لفظه الرافع لِمَا أثبته فأشبه عليَّ ألف لا تلزمني، نعم إن قال كان من نحو خمر وظننته يلزمني حُلِّف المقر له على نفيه رجاء أن ينكل فيحلف المقر فلا يلزمه

(1)

. كأن قال له نعم أردتَ لكنك أخطأت في الاقتصار عليها وإنما الذي لي عليك مائتان.

ص: 305

وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْتُ قُبِلَ عَلَى المَذْهَبِ وَجُعِلَ ثَمَنًا. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى المَذْهَبِ، وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: أَرَدْتُ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ المُقَرُّ لَهُ: لِي عَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ صُدِّقَ المُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ

شيء، ولو أشهد أنه سيقر بما ليس عليه فأقر أن عليه لفلان كذا لزمه ولم ينفعه ذلك الإشهاد، ولو قال كان له عليَّ ألف قَضَيْتُهُ فلغو؛ لأنه لم يقر بشيء حالا، ولو قال له عليّ ألف أوْ لا تلغو؛ للشك، ولو شهدا عليه بألف درهم وأطلقا قُبِلا ولم ينظر لقوله إنها من ثمن خمر ولا يجاب لتحليف المدعي، وللحاكم استفسارهما عن الوجه الذي لزم به الألف، فإن امتنعا لم يؤثر في شهادتهما إن كانا مشهوري الديانة الضبط وإلا لزمه سؤالهم ولزمهم الإجابة

(1)

(ولو قال)((له عليَّ ألف أخذته أنا وفلان)) لزمه الألف؛ لأنه من تعقيب الإقرار بما يرفعه، أو (من ثمن) بيع فاسد لزمه الألف، أو من ثمن (عبد لم أقبضه إذا سَلَّمَه) لي (سلَّمتُ) له الألف وأنكر المقر له البيع وطالبه بالألف (قبل) إقراره كما ذكر (على المذهب وجعل ثمنا)؛ لتترتب عليه أحكامه؛ لأن الآخر لا يرفع حكم الأول، ولا بد من اتصال قوله من ثمن عبد، ويلحق به كل تقييد لمطلق أو تخصيص لعام كاتصال الاستثناء وإلا لبطل الاحتجاج بالإقرار، بخلاف لم أقبضه فيقبل سواء قاله متصلا أو منفصلا وقول المتن ((إذا سلمه سلمت)) و ((جعل ثمنا)) إيضاح، ولو أقر بقبض ألف عن قرض أو غيره ثم ادعى أنه لم يقبضه قُبِل لتحليف المقر له، ولو ادعى عليه بألف فقال المدعَى عليه: له عليّ ألف من ثمن مبيع لم يلزمه أي إلا أن يقول من ثمن مبيع قبضته منه بخلاف له عليّ تسلم ألف ثم مبيع لأن عليّ وما بعدها هاهنا يقتضي أنه قبضه، ومن ثم لو قال لم أقبضه لم يصدق (ولو قال له عليَّ ألف إن شاء الله) أو إن أو إذا مثلا شاء أو قدم زيد أو إلا أن يشاء أو يقدم أو إن جاء رأس الشهر ولم يرد التأجيل (لم يلزمه شيء على المذهب) نظير ما يأتي في الطلاق، ومن ثم اشترط هنا قصد التعليق

(2)

قبل فراغ الصيغة كهو ثم. (ولو قال ألف لا تلزم لزمه)؛ لأنه غير منتظم (ولو قال له عليَّ ألف ثم جاء بألف وقال أردت هذا وهو وديعة، فقال المقر له لي عليك ألف آخر) غير الوديعة وهو الذي أردته بإقرارك (صدق المقر) في عدم لزوم ألف أخرى (في الأظهر بيمينه)؛ لأن عليه حفظ الوديعة

(1)

. أفاد هذا القيد الشارح في الشهادات.

(2)

. خلافا للمغني فقال قصد الاستثناء وهي أعم.

ص: 306

فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا صُدِّقَ المُقَرُّ لَهُ عَلَى المَذْهَبِ، قُلْت: فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ بِالْوَدِيعَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَدَعْوَى الرَّدِّ،، وَإِنْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالرَّدِّ وَالتَّلَفِ قَطْعًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ثُمَّ قَالَ كَانَ فَاسِدًا وَأَقْرَرْتُ لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ وَلَهُ تَحْلِيفُ المُقَرِّ لَهُ

فصدق لفظه بها (فإن كان قال) له ألف (في ذمتي أو دينا) ثم جاء بألف وفسر الوديعة كما تقرر (صدق المقر له) بيمينه (على المذهب)؛ لأن العين لا تكون في الذمة ولا دينا، وأفهم قوله ثم جاء أنه لو وصله كعليَّ ألف وديعة قبل وكذا هنا

(1)

كعليَّ ألف في ذمتي أو دينا وديعة، وقوله أردت هذا أنه لو جاء هنا بألف وقال الألف التي أقررت بها كانت وديعة وتلفت وهذه بدلها أنه يقبل؛ لجواز تلفها بتفريط فيكون بدلها ثابتا في ذمته. (قلت فإذا قبلنا التفسير بالوديعة فالأصح أنها أمانة فتقبل دعواه) ولو بعد مدة طويلة (التلف) الواقع (بعد) تفسير (الإقرار

(2)

بما ذكر (ودعوى الرد) الواقع بعده أيضا؛ لأن هذا شأن الوديعة، وخرج بقوله بعد الإقرار ما لو قال أقررت بها ظانا بقاءها ثم بان لي أو ذَكَرْتُ تلفها أو أني رددتها قبل الإقرار فلا يقبل؛ لأنه يخالف قوله عليَّ (وإن قال له عندي أو معي ألف صدق) بيمينه (في دعوى الوديعة والرد والتلف) الواقعين بعد تفسير الإقرار نظير ما تقرر في عليَّ (قطعا والله أعلم)؛ إذ لا إشعار لعندي ومعي بذمة ولا ضمان. (ولو أقر ببيع) مثلا (أو هبة وإقباض) بعدها (ثم قال) ولو متصلا -فثُم؛ لمجرد الترتيب- (كان) ذلك (فاسدا وأقررت لظني الصحة لم يقبل)؛ لأن الاسم يحمل عند الإطلاق على الصحيح ولأن الإقرار يراد به الالتزام فلم يشمل الفاسد؛ إذ لا الالتزام فيه، نعم إن قطع ظاهر الحال بصدقه كبدوي حلف فينبغي قبوله، وخرج بإقباض ما لو اقتصر على الهبة فلا يكون مقراً بإقباض ما لم تكن بيد المقر له وذلك؛ لأنه قد يعتقد الملك بمجرد الهبة، وعليه فالفقيه الذي لا يخفى عليه ذلك بوجه يكون في حقه بمنزلة الاعتراف بالإقباض، ولو قال ملكها ملكا لازما وهو يعرف معنى ذلك كان مقرا بالقبض. (وله تحليف المقر له) أنه ليس فاسدا؛ لإمكان ما يدعيه، ولا تقبل بينته؛ لأنه كذبها بإقراره.

(1)

. يفهم منه أنه يجري ذلك في قوله ((قلت الخ)) خلافا للمغني.

(2)

. قضيته أنه لو أضاف التلف أو الرد بعد التفسير إلى ما بينه وبين الإقرار لم يقبل منه خلافا للرملي.

ص: 307

فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ المُقِرُّ وَبَرِئَ. وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ مِنْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ المُقِرَّ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو. وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إنِ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ. فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً وَجَبَ تِسْعَةٌ

(فإن نكل حلف المقر) على الفساد وحكم به (وبرئ)؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار (ولو قال هذه الدار) -أو البر مثلا- وهي بيده (لزيد بل) أو ثم ومثلها الفاء هنا وفيما يأتي (لعمرو

(1)

أو غصبتها من زيد بل) أو ثم (من عمرو سلمت لزيد) سواء أقال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه وإن طال الزمن؛ لامتناع الرجوع عن الإقرار بحق آدمي (والأظهر أن المقر يغرم قيمتها) إن كانت متقومة ومثلها إن كانت مثلية

(2)

(لعمرو) وإن أخذها زيد منه جبرا بالحاكم؛ لأنه حال بينه وبين ملكه بإقراره الأول كما يضمن قنا غصبه فأبق من يده، نعم لو فرض رجوع المقر به لعمرو استرجع البدل منه، ولو قال عن عين في تركة مورثه ((هذه لزيد بل لعمرو)) لم يغرم لعمرو والفرق أنه هنا معذور؛ لعدم كمال اطلاعه. (ويصح الاستثناء) هنا ككل إخبار وإنشاء؛ لوروده في الكتاب والسنة، والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل بنحو إلا (إن اتصل) بالإجماع، نعم لا يضر يسير سكوت بقدر سكتة تنفس وَ عِيٍّ ولا لتذكر وانقطاع صوت، ويضر يسير كلام أجنبي كله علي ألف الحمد لله إلا مائة، وكذا يا فلان بخلاف أستغفر الله؛ لأنها لاستدراك ما سبق. ولا يضر اليسير مطلقا من غير المستثنِي

(3)

، ويشترط قصد الاستثناء قبل فراغ الإقرار نظير ما يأتي في الطلاق، ولكونه رفعا لبعض ما شمله اللفظ احتاج لنية وإن كان إخبارا (ولم يستغرق) المستثنَى المستثنَى منه فإن استغرقه كعشرة إلا عشرة بطل الاستثناء إجماعا، ومحل ذلك إن اقتصر عليه وإلا كعشرة إلا عشرة إلا أربعة صح ولزمه أربعة؛ لأنه استثنى من العشرة عشرة إلا أربعة وعشرةٌ إلا أربعة تساوي ستة. (فلو قال له عليَّ عشرة إلا تسعة إلا ثمانية وجب تسعة) أي إلا تسعة لا تلزم إلا ثمانية تلزم فتضم للواحد الباقي من العشرة، وطريق ذلك ونظائره أن تجمع كل مثبت وكل منفي وتسقط هذا من ذاك

(1)

. ولو قال: ((لزيد وعمرو)) حُمِل على التنصيف كما أفاده الشارح في البيع 4/ 255.

(2)

. خلافا للشهاب الرملي حيث اعتمد وجوب النية مطلقا.

(3)

. أي بأن سكت المستثني بعذر فتكلم غيره.

ص: 308

وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الجِنْسِ كَأَلْفٍ إلَّا ثَوْبًا، وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ. وَمِنْ المُعَيَّنِ كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ، وَفِي المُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ. قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ وَرُجِعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ، فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ المُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

فالباقي هو الواجب، هذا كله إن كرر بلا عطف وإلا كعشرة إلا خمسة وثلاثة أو إلا خمسة وإلا ثلاثة كانا مستثنيين من العشرة فيلزمه درهمان، فإن كانا لو جمعا استغرقا كعشرة إلا سبعة وثلاثة اختص البطلان بما به الاستغراق وهو الثلاثة فيلزمه ثلاثة، وفي ليس له علي شيء إلا خمسة يلزمه خمسة، وفي ليس له علي عشرة إلا خمسة لا يلزمه شيء؛ لأن عشرة إلا خمسة خمسة فكأنه قال ليس له عليَّ خمسة بجعل النفي متوجها إلى المستثنى والمستثنى منه وإن خرج عن قاعدة الاستثناء من النفي إثبات؛ احتياطا للإلزام، وفي ليس له علي أكثر من مائة لا يلزمه المائة ولا أقل منها. ولا يجمع مُفَرَّق في المستثنى منه ولا في المستثنى ولا فيهما لاستغراق ولا لعدمه فعليَّ درهم ودرهم ودرهم إلا درهما مستغرق فيلزمه ثلاثة، وعليّ ثلاثة إلا درهمين ودرهما أو إلا درهما ودرهما ودرهما يلغى درهما؛ لأن به الاستغراق فيجب درهم، وكذا ثلاثة إلا درهما ودرهما يلزمه درهم؛ لجواز الجمع هنا إذ لا استغراق. (ويصح من غير الجنس) وهو المنقطع (كألف) دراهم (إلا ثوبا)؛ لوروده لغة وشرعا (ويبين بثوب قيمته دون ألف) حتى لا يستغرق، فإن بيَّن بثوب قيمته ألف بطل الاستثناء -؛ لأنه لمَّا بَيَّن الثوب بالألف صار كأنه تلفظ به- ولزمه الألف، وفي شيء إلا شيئا يعتبر تفسيره فإن فسر بمستغرق بطل الاستثناء وإلا فلا (و) يصح أيضا (من المعين كهذه الدار له إلا هذا البيت أو هذه الدراهم) له (إلا ذا الدرهم) وكذا الثوب إلا كمه؛ لصحة المعنى فيه (وفي المعين وجه شاذ) أنه لا يصح بخلافه في الدين، وهو تحكم (قلت: ولو قال هؤلاء العبيد له إلا واحدا قبل) ولا أثر للجهل بالمستثنى كما لو قال إلا شيئاً (ورجع في البيان إليه)؛ لأنه أعرف بنيته ويلزمه البيان؛ لتعلق حق الغير به، فإن مات خلفه وارثه (فإن ماتوا إلا واحدا وزعم أنه المستثنى صدق بيمينه) أنه الذي أراده بالاستثناء (على الصحيح والله أعلم)؛ لاحتمال ما ادعاه، ولو قتلوا قتلا مضمنا قُبِل قطعا؛ لبقاء أثر الإقرار.

ص: 309

[فرع] لو أقر بدين لآخر ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة الإقرار سُمِعت دعواه للتحليف فقط

(1)

فإن أقام بينة بالأداء لم تقبل

(2)

، ثم محل قبول ادِّعاء النسيان ما لم يلتزم عدم قبول قوله فيه بأن يَذكر في ألفاظ الإقرار نحو ((أنه لا يستحق عليه شيئا وليس ناسيا في هذا الإقرار))؛ لأن دعواه حينئذ مخالفة لِمَا أقر به أوَّلا، ولو قال لا حقَّ لي على فلان فإن قال فيما أظن أو فيما أعلم ثم أقام بينة بأن له عليه حقا قبلت وإن لم يقل ذلك لم تقبل بينته إلا إن اعتذر بنحو نسيان أو غلط ظاهر.

[فائدة] من فروع قاعدة الحصر والإشاعة

(3)

هنا إقرار بعض الورثة على التركة بدين أو وصية فيشيع حتى لا يلزمه إلا قسطه من حصته من التركة؛ لأنه خليفة عن مورثه فتقيد بقدر خلافته عنه وهو حصته فقط، أو أقر أحد شريكين لثالث بنصف مشترك بينهما تعين ما أقر به في نصيبه، وفارق الوارث بانتفاء الخلافة هنا الموجبة للإشاعة ثم، ومن ثم ألحقوا بهذا نحو البيع والرهن والوصية والصداق والعتق، وما ذكره من الحصر في إقرار أحد الشريكين هو ما رجحه في الروضة لكنه خالفه في العتق وهو الأفقه

(4)

.

(1)

. ويأتي في فصل تعارض البينتين أن من أقر لغيره بشيء ثم ادعاه لم تسمع دعواه إلا إن يذكر انتقالا ممكنا 10/ 330.

(2)

. خلافا للرملي.

(3)

. أي حصر الإقرار في حصة المقر من المشترك في بعض المواضع وإشاعته في جميع في آخر.

(4)

. خلافا للرملي.

ص: 310

فصل

أَقَرَّ بِنَسَبٍ إنْ أَلحَقَهُ بِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ أَلَّا يُكَذِّبَهُ الحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يُصَدِّقَهُ المُسْتَلْحَقُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ،

(فصل) في الإقرار بالنسب

و هو مع الصدق واجب ومع الكذب في ثبوته حرام كالكذب في نفيه، إذا (أقر) مكلف أو سكران ذكر مختار ولو سفيها قنا كافرا (بنسب إن ألحقه بنفسه) بلا واسطة كهذا ابني أو أبي -لا أمي

(1)

؛ لسهولة البينة بولادتها- وقوله يد فلان ابني لغو بخلاف نحو رأسه

(2)

مما لا يبقى بدونه، ومثله الجزء الشائع كربعه (اشترط لصحته) أي الإلحاق (ألا يكذبه الحس

(3)

فإن كذبه بأن كان في سن لا يتصور أن يولد لمثله مثل هذا الولد ولو لطرو قطع ذكره وأنثييه قبل زمن إمكان العلوق بذلك الولد كان إقراره لغوا (و) أن (لا) يكذبه (الشرع

(4)

فإن كذبه (بأن يكون معروف النسب من غيره) أو وُلِد على فراش نكاح صحيح لم يصح استلحاقه وإن صَدَّقه المُسْتَلَحَق؛ لأن النسب لا يَقْبَل النقل، نعم لو استلحق قنه عتق عليه إن أمكن أن يولد مثله لمثله وإن عرف نسبه من غيره كما يأتي، فعُلم أن المنفي باللعان إن وُلِد على فراش نكاح صحيح لم يجز لأحد استلحاقه لِمَا فيه من إبطال حق النافي؛ إذ له استلحاقه، وأنّ هذا الولد لا يؤثر فيه قافة ولا انتساب يخالف حكم الفراش بل لا ينتفي إلا باللعان، فأن كان ولد على فراش وطء شبهة أو نكاح فاسد جاز للغير استلحاقه؛ لأنه لو نازعه فيه قبل النفي سُمِعَت دعواه، ولا يجوز استلحاق ولد الزنا مطلقا (وأن يصدقه المستلحَق إن كان أهلا للتصديق) وهو المكلف أو السكران؛ لأن له حقا في نسبه وهو أعرف به من غيره. وخرج بيصدقه ما لو

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للشهاب الرملي والنهاية.

(2)

. خلافا للنهاية.

(3)

. نعم تقدم في اللعان أنه يصح لمن بالمشرق استلحاق ولد في المغرب ولا يصح بعد نفي الاستلحاق 8/ 223.

(4)

. واعتمد الشارح عدم صحة استلحاق المتولد بين آدمي ومغلظ؛ لأن شرطه حل الوطء أو اقترانه بشبهة وهما منتفيان هنا أفاده الشارح في باب النجاسة 1/ 292.

ص: 311

فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا ثَبَتَ، فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيْتًا صَغِيرًا، وَكَذَا كَبِيراً فِي الْأَصَحِّ، وَيَرِثُهُ. وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ

سكت فلا يثبت النسب، نعم إن مات قبل التمكن من التصديق صح. ويشترط أيضا أن لا ينازع فيه، وأن لا يكون المستلحَق قنا أو عتيقا للغير وإلا لم يصح لأحد استلحاقه إلا إن كان بالغا عاقلا وصَدَّق المستلحِق ومع ذلك رقه في الأولى باق وكذا ولاؤه لمعتقه في الثانية.

[تنبيه] وقع خبط فيمن أتى بزوجته المعروفة النسب لقاضٍ وأقر بأنها أخته فصدقته وأقرت بأنها لا حق لها عليه من جهة مورثهما فحكم عليها بذلك ثم بان أنها زوجته والصواب أنها لا تحرم عليه بمجرد قوله لها أنت أو هذه أختي ولو زاد من أبي إلا إن قصد استلحاقها وهي ممن يمكن لحوقها بأبيه لو فرض جهل نسبها وتحل له ظاهرا وباطنا إذا قصد الكذب أو أُخُوَّة الإسلام أو أطلق وتحرم فيهما إذا قصد الاستلحاق وصَدَق فيه وتحل باطنا فقط إذا قصده وكَذَب. (فإن كان بالغا) عاقلا (فكذبه) أو سكت، أو قال لا أعلم وأصر (لم يثبت نسبه

(1)

منه (إلا ببينة) أو يمين مردودة كسائر الحقوق، ولو تصادقا ثم تراجعا لم يبطل النسب. (وإن استلحق صغيرا) أو مجنونا (ثبت) نسبه منه بالشروط السابقة خلا التصديق؛ لعسر إقامة البينة فيترتب عليه أحكام النسب (فلو بلغ) أو أفاق (وكذبه لم يبطل) استلحاقه له بتكذيبه (في الأصح)؛ لأن النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته، ولو استلحق أباه المجنون لم يثبت نسبه حتى يفيق ويصدق، ويفرق بينه وبين ما ذكر في الابن بأن استلحاق الأب على خلاف الأصل والقياس فاحتيط له أكثر (ويصح أن يستلحق ميتا صغيرا) ولو بعد أن قتله وإن نفاه بلعان أو غيره قبل موته أو بعده (وكذا كبيراً) لم يسبق منه إنكار في حال تكليفه (في الأصح)؛ لأن الميت لَمَّا تعذر تصديقه كان كالمجنون الكبير (ويرثه) أي المستلحِق الميت الصغير والكبير؛ لأن الإرث فرع النسب وقد ثبت. (ولو استلحق اثنان بالغا) عاقلا ووجدت الشروط فيهما ما عدا التصديق (ثبت) نسبه (لمن صدقه) منهما؛ لاجتماع الشروط فيه دون

(1)

. خلافا لهما.

ص: 312

وَحُكْمُ الصَّغِيرِ يَأْتِي فِي اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ: هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَلَدِي وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِي، فَإِنْ قَالَ: عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ، وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ بَاطِلٌ. وَأَمَّا إذَا ألحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ كَهَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي،

الآخر فإن صدقهما أو لم يصدق واحدا منهما

(1)

كأن سكت عُرض على القائف (وحكم الصغير) الذي يستلحقه اثنان واستلحاق المرأة والعبد (يأتي في اللقيط إن شاء الله تعالى).

[فرع] اشتبه طفل مسلم بطفل نصراني وُقِف أمرهما نسبا وغيره إلى وجود بينة فقائف فانتساب مختلف

(2)

بعد التكليف، فإن لم يوجد واحد من هذه دام وَقْفُ النسب ويتلطف بهما حتى يسلما باختيارهما من غير إجبار، فإن ماتا قبل الامتناع من الإسلام -فكمسلمين في تجهيزهما لكن دفنهما يكون بين مقبرتي الكفار والمسلمين- أو بعده فلا؛ لأن أحدهما كافر أصلي والآخر مرتد (ولو قال لولد أمته هذا ولدي) سواء قال منها أم لا (ثبت نسبه) بالشروط السابقة فيشترط خلوها من زوج يمكن كونه منه كما يأتي (ولا يثبت الاستيلاد في الأظهر)؛ لاحتمال أنه ملكها بعد أن حبلت منه بنكاح أو شبهة (وكذا لو قال) فيه هذا (ولدي ولدته في ملكي)؛ لما ذكر (فإن قال علقت به في ملكي) أو استولدتها به في ملكي أو هذا ولدي منها وله سنة وهي في ملكي من خمس سنين مثلا (ثبت الاستيلاد) قطعا؛ لانتفاء ذلك الاحتمال، ولو كاتبها ثم صارت حُرة فأقر باستيلادها اشترط أن ينتفي احتمال حملها به زمن الكتابة؛ لأن الحمل فيها لا يفيد أمية الولد (فإن كانت الأمة فراشا له) بأن أقر بوطئها (لحقه) عند الإمكان (بالفراش من غير استلحاق)؛ لخبر ((الولد للفراش)) وتصير أم ولد (وإن كانت مزوجة فالولد للزوج) عند إمكان كونه منه؛ لأن الفراش له (واستلحاق السيد) له حينئذ (باطل)؛ للحوقه بالزوج شرعا (وأما إذا ألحَق النسب بغيره) ممن يتعدى النسب منه إلى نفسه بواسطة واحدة وهي الأب (كهذا أخي أو) بثنتين كالأب والجد في هذا (عمي) أو بثلاثة

(1)

. ظاهره وإن كذبهما وظاهر كلام الرملي حصر ذلك السكوت.

(2)

. احترازا عما لو انتسبا معا لواحد، قاله ابن قاسم.

ص: 313

فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ المُلْحَقِ بِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَبِشَرْطِ كَوْنِ المُلْحَقِ بِهِ مَيْتًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَلَّا يَكُونَ نَفَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ المُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا،

كهذا ابن عمي، و يشترط

(1)

أن يقول أخي من أبَوَيَّ أو من أبي أو ابن عمي لأبوين أو لأب كما يشترط ذلك في البينة كالدعوى، ولو قال ليس لي وارث إلا أولادي هؤلاء وزوجتي لم يكف في ثبوت الحصر بل لابد من بينة

(2)

، ويكفي قول البينة ابن عم لأب مثلا وإن لم يسموا الوسائط بينه وبين الملحق به، نعم محله إن كانا فقيهين عارفين بحكم الإلحاق بالغير بخلاف عاميين لا يعرفان ذلك فيجب استفصالهما، وكذا يقال في المقر. ولذا لو حكم قاضٍ بأنه وارثه لا وارث له غيره حمل على الصحة بشرط كون القاضي ثقة أمينا ويقاس به كل حكم أجمله (فيثبت) وإن كان المقر في الظاهر لا وارث له إلا بيت المال (نسبه من الملحق به) الذكر؛ لأن الوارث يخلف مورثه في حقوقه والنسب منها، أما الأنثى فلا يصح استلحاقها فوارثها أولى

(3)

(بالشروط السابقة) فيما إذا ألحقه بنفسه فيصح هنا من السفيه أيضا (ويشترط) هنا زيادة على ذلك (كون الملحق به ميتا) فيمتنع الإلحاق بالحي ولو مجنونا؛ لأنه قد يتأهل، فلو ألحق به ثم صَدَّق ثبت نسبه بتصديقه دون الإلحاق، وفيما إذا كان واسطتان كهذا عمي يشترط تصديق الجد فقط؛ لأنه الأصل الذي ينسب إليه. (ولا يشترط ألا يكون) الملحق به (نفاه في الأصح) بل يجوز الإلحاق به وإن نفاه قبل موته بلعان أو غيره

(4)

؛ لأنه لو استلحقه لقبل فكذا وارثه (ويشترط كون المقر وارثا حائزا)؛ لتركه الملحق به حين الإقرار وإن تعدد، فلو أقر بعَمٍّ اشترط كونه حائزا لتركة أبيه الحائز لتركة جده، ومنه بنت ورثت الكل فرضاً ورَدَّاً بشرطه؛ لأنه إن لم يرث الميت لم يكن خليفته وكذا إن لم يستغرق تركته، وأُلحق بالوارث الحائز الإمام فيلحق بميت مسلما وارثه بيت المال؛ لأنه نائب الوارث وهو جهة الإسلام، ولو حكم بثبوت نسبه منه ثبت أيضا؛ لأن له القضاء بعلمه، ويشترط أيضا كون المُقِر لا ولاء عليه فلو أقر عتيق بأخ أو عم لم يقبل؛ لإضراره بمن له الولاء الذي لا قدرة له على إسقاطه كأصله -أي أصل

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني من قبول قوله بدون بينة.

(3)

. خلافا لهما.

(4)

. وترجع نحو أمه على النافي بعد إقراره بمؤن المنفي، كما يأتي في النفقات 8/ 348.

ص: 314

وَالْأَصَحُّ أَنَّ المُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ وَلَا يُشَارِكُ المُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَأَنَّ الْبَالِغَ مِنَ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا المُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٌ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ المَجْهُولُ نَسَبَ المُقِرِّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ المَجْهُولِ،

الولاء- وهو الملك، أو بابن قبل؛ لأنه قادر على استلحاقه بملك أو نكاح فلم يقدر مولاه على منعه. ولو أقر بابن لعمه فأثبت آخر أنه ابنه بطل إقراره؛ لأنه بان بالبينة أنه غير حائز

(1)

(والأصح) فيما إذا أقر أحد الحائزين بثالث أو بزوجة للميت وأنكره الآخر أو سكت (أن المستلحَق لا يرث)؛ لعدم ثبوت نسبه

(2)

(ولا يشارك المقر في حصته) ظاهرا بل يشاركه باطنا إن صَدَق، ففي ابنين أقر أحدهما بثالث يلزمه أن يعطيه ثلث حصته. ولو ادعى على ابني ميت بعين في التركة فصدقه أحدهما فإن كان قبل القسمة دفع إليه نصفها أو بعدها فإن كانت بيد المصدِّق سلمها له كلها ولا شيء له على المكذب أو بيد المكذب لم يلزمه شيء وعلى المصدق نصف قيمتها (و) الأصح (أن البالغ) العاقل (من الورثة لا ينفرد بالإقرار) بل ينتظر كمال الآخرين، فإن أقر فمات غير الكامل وورثه نفذ إقراره من غير تجديد كما في قوله (و) الأصح (أنه لو أقر أحد الوارثين) الحائزين بثالث (وأنكر الآخر) أو سكت لم يرث شيئا ولا من حصة المقر لكن ظاهرا فقط كما تقرر؛ لأن الإرث فرع النسب ولم يثبت (و) يستمر عدم إرث المقر به إلى موت المنكر أو الساكت فإن (مات ولم يرثه إلا المقر ثبت النسب) بالإقرار الأول وورث؛ لأنه صار حائزا، وكذا لو ورثه غير المقر وصَدَّقه (و) الأصح (أنه لو أقر ابن حائز) مشهور النسب لا ولاء عليه

(3)

(بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المقر) بأن قال أنا ابن الميت ولست أنت ابنه (لم يؤثر فيه)؛ لثبوته وشهرته، ولو أقرا بثالث فأنكر نسب الثاني وليس توأما سقط؛ لثبوت نسب الثالث باتفاقهما فاشترط موافقته على نسب الثاني؛ لثبوته بالاستلحاق وبهذا فارق ما قبله (ويثبت أيضا نسب المجهول)؛ لأن الحائز قد استلحقه فلم ينظر لإخراجه له عن أهلية الإقرار بتكذيبه له.

(1)

. وفاقا للنهاية، وظاهر المعني اشتراط كون المقر حائزا حين الإقرار.

(2)

. هنا اعتراض على المتن أقره المغني وردَّه الشارح.

(3)

. وقد تقدم حكم من عليه ولاء.

ص: 315

وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ المُسْتَلْحَقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا إرْثَ

(و) الأصح (أنه إذا كان الوارث الظاهر يحجبه المستلحق) حجب حرمان (كأخ أقر بابن للميت ثبت النسب) للابن؛ لأن الحائز ظاهرا قد استلحقه (ولا إرث) له؛ للدور الحكمي وهو أن يلزم من إثبات الشيء رفعه؛ إذ لو ورث حجب الأخ فخرج عن كونه وارثا فلم يصح استلحاقه فلم يرث فأدى إرثه إلى عدم إرثه، ولو ادعى المجهول على الأخ فنكل وحلف المجهول ثبت نسبه و لا يرث؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار

(1)

، وخرج بـ ((يحجبه)) ما لو أقرت بنت مُعْتِقَةٌ للأب بأخ لها فيثبت نسبه لكونها حائزة ويرثانه أثلاثا؛ لأنه لا يحجبها حرماناً.

(1)

. [فرع] استلحق البائع المبيع ووجدت شروط الاستلحاق ثبت نسبه منه، ولكن لا يبطل البيع إلا إن أقام بينة بذلك أو صدَّقه المشتري قاله الشارح في خيار النقيصة 4/ 360.

ص: 316

‌كتاب العارية

شَرْطُ المُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ وَمِلْكُهُ المَنْفَعَةَ

(كتاب العارِيَّة)

وهي لغة: من عار إذا ذهب وجاء بسرعة، أو من تعاور إذا تناوب، وشرعا: اسم لما يُعار وللعقد المتضمن لإباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده

(1)

. وأصلها قبل الإجماع قوله تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} الماعون: 7 وهي سنّة، وقد تجب

(2)

كإعارة نحو ثوب لدفع مؤذٍ كحر، ومصحف أو ثوب توقفت صحة الصلاة عليه أي حيث لا أجرة له لقلة الزمن وإلا لم يلزمه بذله بلا أجرة، وكذا إعارة كل ما فيه إحياء مهجة محترمة لا أجرة لمثله، و إعارة سكين لذبح مأكول يخشى موته وكإعارة كتب الحديث كي تُنسخ إذا كتب صاحبها أو مأذونه فيها ما سمعه من غيره أو ما رواه غيره، ويأتي أنها قد تحرم وتكره.

وأركانها أربعة معير ومستعير ومعار وصيغة (شرط المعير) الاختيار فلا تصح إعارة مكره أي بغير حق وإلا -كالإكراه عليها حيث وجبت- صحت، و (صحة تبرعه) بأن يكون رشيدا؛ لأنها تبرع بالمنافع، فلا تصح إعارة محجور إلا السفيه لبدن نفسه إذا لم يقصد عمله؛ لاستغنائه عنه بماله، وإلا المفلس لعين زمنا لا يُقَابَلُ بأجرة، ولا مكاتب بغير إذن سيده إلا في نظير ما ذكر في المفلس. ويشترط ذلك في المستعير أيضا فلا تصح استعارة محجور ولو سفيها ولا استعارة وليه له إلا لضرورة كبرد مهلك أو حيث لا ضمان كأن استعار له من نحو مستأجِر. ويشترط تعيينه فلو فرش بساطه لمن يجلس عليه

(3)

لم يكن عارية بل مجرد إباحة، ولو أرسل صبيا ليستعير له شيئا لم يصح فلو تلف في يده لم يضمنه هو ولا مرسله، وكذا إن أتلفه الصبي ولم يعلم المعير أنه رسول وإلا فيضمن (وملكه المنفعة) وأن لم يملك الرقبة؛ لأن الإعارة إنما

(1)

. والعارية أحد أربعة مواضع يختلف فيها الباطل عن الفاسد، والبقية الكتابة والحج والخلع كما ذكره الشارح في الكتابة 10/ 115، وذكر الشارح خامسا في كتاب الجزية 9/ 276.

(2)

. وتقدم في التيمم وجوب قبول إعارة نحو دلو أراده لطهره 1/ 338.

(3)

. أي بخلاف ما لو كان الجالس معينا فيكون إعارة كما يأتي.

ص: 319

فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي المَنْفَعَةَ لَهُ. وَالمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ

ترد على المنفعة، وأخذ الأذرعي منه امتناع

(1)

إعارة صوفي وفقيه سكنهما في رباط ومدرسة؛ لأنهما يملكان الانتفاع لا المنفعة وكأن مراده أن ذلك لا يسمى عارية حقيقة فإن أراد حرمته فممنوع حيث لا نص من الواقف أو عادة مطردة في زمنه تمنع ذلك، وكملكه لها اختصاصه بها؛ لما سيذكره في الأضحية أن له إعارة هدي أو أضحية نذره مع خروجه عن ملكه، ومثله إعارة كلب للصيد وإعارة الأب لابنه الصغير وكذا المجنون والسفيه زمنا لا يقابل بأجرة ولا يضر به؛ لأن له استخدامه في ذلك

(2)

، وهذه المذكورات ليست عارية؛ لعدم ملك المعير المنفعة بل شبيهة بها، ولا يجوز للإمام إعارة مال بيت المال. (فيعير مستأجر) إجارة صحيحة وموصىً له بالمنفعة -إلا مدة حياته

(3)

- وموقوف عليه إن لم يشرط الواقف استيفاءه بنفسه، ويشترط أن يستأذن الموقوفُ عليه الناظرَ في الإعارة إن لم تكن النظارة له؛ وذلك لملك من مرّ للمنفعة (لا مستعير) بغير إذن المالك (على الصحيح)؛ لأنه لا يملكها وإنما يملك أن ينتفع ومن ثمّ لم يؤجر، وتبطل عارية المستعير الأول بإذن المالك له في الإعارة، ثم أنه لا يبرأ المستعير الأول من ضمانها إلا إن عين له المستعير الثاني ليعيره. (وله أن يستنيب من يستوفي المنفعة له) كأن يُرْكِب دابة استعارها للركوب مَن هو مثله أو دونه لحاجته، وكذا زوجته وخادمه في أمر تعود منفعته عليه

(4)

، ولو استعار لإركاب زوجته فلانة جاز له إركاب ضرتها التي مثلها أو دونها ما لم تقم قرينة على التخصيص ككون المسماة مَحْرَم المعير. (و) شرط (المستعار كونه منتفعا به

(5)

حالا

(6)

انتفاعا مباحا مقصودا، والغالب أن كل ما جازت إجارته جازت إعارته

(1)

. أطلق شرح الروض الجواز والمغني المنع.

(2)

. أقر الشارح ما بحثه جمع من أن أوقاف الأتراك لا تجب مراعاة شروطهم فيهم لبقائها على ملك بيت المال؛ لأنهم أرقاء له، واستوجه النهاية اتباعها بشروط.

(3)

. خلافا لهما.

(4)

. ظاهرهما مخالفة الشارح في هذا القيد.

(5)

. وذكر الشارح في المساقاة جواز إعارة المشاع 6/ 110.

(6)

. خلافا لهما فاعتمدا صحة ما يتوقع نفعه كجحش.

ص: 320

مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ

وما لا فلا

(1)

فعلم أنه لا تصح إعارة حمار زمن وجحش صغير

(2)

، وآلة لهوٍ وأمة لخدمة أجنبي ونقد؛ لأن معظم المقصود منه الإنفاق، نعم لو صرح بإعارته للتزيين

(3)

أو الضرب على طبعه صح، وحيث لم تصح العارية فجرت ضُمِّنَت العينُ إن تلفت، نعم يشترط في الضمان قبضه للمنفعة ولو فاسدا -وهو ما اختل فيه شرط مما ذكروه- بخلاف الباطلة وهي التي اختل بعض الأركان فلا يضمن إن لم يستعملها، نعم إن كان المستعير ليس أهلا للتبرع نحو الصبي فلا يضمن وإن استعملها. وأما ضمان المنافع ففي العارية الباطلة يضمن أجرة ما استوفاه منها وكذا الفاسدة التي ليس فيها إذن معتبر كمستعير ممن استأجر إجارة فاسدة، أما العارية الفاسدة التي فيها إذن معتبر فلا يضمن أجرة ما مر فيها، والفرق أن في هذه صورة عقد صحيح، نعم المأخوذ من غير أهل التبرع مضمون بالقيمة والأجرة، وتصح الإعارة بشرط رهن أو كفيل

(4)

(مع بقاء عينه) فلا تصح إعارة نحو شمعة لوقود وطعام لأكل؛ لأن منفعتهما باستهلاكهما، ومن ثم صحت للتزيين بهما كالنقد، وهذا -أعني استعارة المستعير لمحض المنفعة- هو الأكثر فلا ينافي كونه قد يستفيد عينا من المعار كإعارة شاة أو شجرة أو بئر لأخذ در ونسل أو ثمرة أو ماء وكإباحة أحد هذه فإنها تتضمن عارية أصلها، فعلم أن شرط العارية أن لا يكون فيها استهلاك المعار لا أن لا يكون المقصود فيها استيفاءُ عينٍ، ولو أعاره شاة أو دفعها له وملكه درها ونسلها لم تصح الإعارة ولا التمليك ويضمنها الآخذ بحكم العارية الفاسدة، ولا يضمن الدر والنسل؛ لأنهما بهبة فاسدة. ولا يشترط تعيين المستعار فيكفي خذ ما أردت من دوابي بخلاف الإجارة؛ لأنها معاوضة. (وتجوز إعارة جارية لخدمة امرأة)؛ إذ لا محذور، نعم يحرم إعارة مسلمة لكافرة، وعفيفة لفاسقة بفجور أو قيادة؛ لحرمة نظر ما يبدو في المهنة منها

(5)

(أو) ذكرٍ (مَحْرَم) لها، أو مالك لها بأن يستعير من مستأجر، وكذا موصى له

(1)

. أفاد الشارح في كفارة اليمين أنه لو أعار شخصا ثوبا به نجس غير معفو عنه بالنسبة لاعتقاد الآخذ لزمه إعلامه به حذرا من أن يوقعه في صلاة فاسدة 10/ 17.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. خلافا لهما فاعتمدا الاكتفاء بنيتهما.

(4)

. خلافا لهما.

(5)

. يفهم من عدم ذكرهما للفاسقة جواز الإعارة لها مطلقاً.

ص: 321

وَيُكْرَهُ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ. وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي،

بالمنفعة إن كانت ممن لا تحبل لحل وطئه حينئذ بخلاف من تحبل؛ لخوف

(1)

الهلاك أو النقص أو الضعف، أو لخدمة زوج، ويضمنها ولو في بقية الليل إلى أن يسلمها لسيدها أو نائبه وذلك؛ لانتفاء المحذور بخلاف إعارتها -وهي غير صغيرة

(2)

ولو عجوزا شوهاء

(3)

- لأجنبي ولو شيخا همّا

(4)

لتخدمه وقد تَضَمّن نظرا أو خلوة محرمة ولو باعتبار المظنة فلا يصح؛ لتعذر استيفائه المستعار له بنفسه شرعا وتعذر استنابة الغير؛ لأنه استعارها لنفسه بخلاف ما لا يتضمن ذلك، نعم لامرأة خدمة مريض منقطع ولسيد أمة إعارتها له لخدمته. ويتجه حرمة إعارة أمرد لخدمة تضمنت خلوة أو نظرا محرما ولو لمن لا يعرف بالفجور، ولو كان المستعير أو المستعار خنثى امتنعت فتفسد أخذا بالأحوط، وإنما جاز إيجار حسناء لأجنبي والإيصاء له بمنفعتها؛ لأنه يملك المنفعة فينقلها لمن شاء والمستعير لا يعير فينحصر استيفاؤه بنفسه أصالة، والأوجه في إعارة قن كبير لامرأة أنه كعكسه فيما ذكر، وعلم ما مر أنا حيث حكمنا بالفساد فلا أجرة

(5)

(ويكره إعارة عبد مسلم لكافر) واستعارته؛ لأن فيها نوع امتهانٍ له، وتكره استعارة وإعارة فرع أصله إلا إن قصد ترفيهه فتندب، وإعارة أصل نفسه لفرعه واستعارة فرعه إياه منه ليست حقيقة عارية فلا كراهة فيهما

(6)

، وتحرم إعارة سلاح وخيل لنحو حربي ونحو مصحف لكافر وإن صحت (والأصح اشتراط لفظ) يشعر بالإذن في الانتفاع

(7)

أو بطلبه أو نحوه ككتابة وإشارة أخرس، فاللفظ المشعر بذلك بل المصرح به (كأعرتك أو أعرني) وما يؤدي معناهما كأبحتك منفعته وكاركب وأركبني وخذه لتنتفع به؛

(1)

. خالفه النهاية في هذه العلة.

(2)

. أما الصغيرة فيجوز إعارتها وفصَّل في حكمها في النهاية.

(3)

. خلافا للنهاية فاعتمد جواز إعارة القبيحة للأجنبي.

(4)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(5)

. خلافا للنهاية.

(6)

. خلافا للأسنى والمغني.

(7)

. قال الشارح في كتاب النفقات إن الإذن العَرِي عن ذكر العوض ينزَّل على الإعارة والإباحة 8/ 314.

ص: 322

وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ. وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفهُ أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ المِثْلِ. وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى المُسْتَعِيرِ

لأن الانتفاع بمال الغير يتوقف على رضاه، ولو شاع أعرني في القرض كان صريحا فيه

(1)

، ومن الكناية خُذه أو ارتفق به (ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر) وإن تأخر أحدهما عن الآخر؛ لظن الرضا حينئذٍ، وقد تحصل

(2)

بلا لفظ ضمنا كأن فرش له ثوبا ليجلس عليه، أما جلوسه على مفروش للعموم فهو إباحة، وكأن أذن له في حلب دابته واللبن للحالب فهي مدة الحلب عارية تحت يده، وكأن سلمه البائع المبيع في ظرف فهو عارية، وكأن أكل الهدية من ظرفها المعتاد أكلها منه وقبل أكلها هو أمانة، وكذا إن كانت عوضا كما في قوله (ولو قال أعرتكه) أي فرسي مثلا (لتعلفه) أو على أن تعلفه (أو لتعيرني فرسك فهو إجارة)؛ لأن فيها عوضا (فاسدة)؛ لجهل المدة والعوض مع التعليق في الثانية (توجب أجرة المثل) إذا مضى بعد قبضه زمن لمثله أجرة ولا يضمن لو تلفت كالمؤجرة، ومؤنة المستعار ليست على المستعير -صحت العارية أو فسدت- فإن أنفق لم يرجع إلا بإذن الحاكم أو إشهاد بنية الرجوع عند فقده. أما لو عيّن المدة والعوض كأعرتك هذه شهرا من الآن بعشرة دراهم أو لتعيرني ثوبك هذا شهرا من الآن فقبل فهو إجارة صحيحة. ولا يبرأ إلا بالرد للمالك أو وكيله دون نحو ولده وزوجته فيضمنانها والمستعير طريق في الضمان، نعم يبرأ بردها لموضع أخذها منه إن علم به المالك -ولو بخبر ثقة- فتركها فيه. ولو استعارها ليركبها فركبها مالكها معه لم يضمن إلا نصفها، ولو قال أعطها لهذا ليجيء معي في شغلي أو أطلق والشغل للآمر فالآمر هو المستعير أو في شغله أو أطلق وهو صادق فالراكب إن وكله وليس طريقا كوكيل السوم، وإن كذب فهو المستعير والقرار على الراكب. (ومؤنة الرد) للعارية (على المستعير) من المالك أو نحو مستأجر رَدّ المستعير عليه؛ للخبر الصحيح ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)) ولأنه قبضها لمنفعة نفسه، أما إذا رد على المالك فالمؤنة عليه كما لو رد عليه معيره، ويجب الرد فورا عند طلب معير أو

(1)

. لكن المعتمد التفصيل بين ما لا يجد نفاذا في العارية فيكون كناية قرض وبين ما يجد ذلك فيكون صريح عارية والاعتبار في الشيوع بالشيوع على ألسنة حملة الشرع لا ألسنة العوام 3/ 39 فما هنا ضعيف ويدل على ذلك تبريه منه؛ لأنه عبّر بـ ((وقاله في الأنوار)) وهي صيغة تبري كما نص عليها عبد الحميد قبيل فصل الشهادة على الشهادة.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا أن ذلك إباحة.

ص: 323

فَإِنْ تَلِفَتْ لَا بِاسْتِعْمَالٍ ضَمِنَهَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ أَوْ يَنْسَحِقُ بِاسْتِعْمَالٍ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ المُنْمَحِقَ،

موته أو عند الحجر عليه فيرده لوليه فإن أخرَّ بعد علمه وتمكنه ضمن مع الأجرة ومؤنة الرد، نعم لو استعار نحو مصحف أو مسلم فارتد مالكه امتنع رده عليه بل يتعين الحاكم. (فإن تلفت) العين المستعارة أو شيء من أجزائها، ومنها -أي العين المستعارة- دابة أركب مالكها عليها منقطعا ولو تقربا لله تعالى وإن لم يسأله المنقطع الركوب؛ لأنها تحت يده، ومن ثم لو ركب مالكها معه لم يضمن إلا النصف، ومنها أيضا نحو إكاف الدابة دون ولدها، نعم إن تبعها والمالك ساكت وجب رده فورا وإلا ضمن كالأمانة الشرعية ودون نحو ثياب العبد؛ لأنه لم يأخذه ليستعملها (لا باستعمال) مأذون فيه

(1)

، ومنه ما لو تلفت في الاستعمال المأذون فيه لا بسببه كأن خطت في بئر حالة السير، وكأن عثرت ولم يكن سبب العثور نحو كثرة ما أذن المالك في حمله عليها، أو بتقصير منه كشدّة إزعاجه لها وكأن جنى العبد أو صالت الدابة فقتلا للدفع ولو من مالكهما (ضمنها) بدلا أو أرشا لكنه طريق في الضمان فقط فيما لو جُنِيَ عليها في يده بقيمة يوم التلف في المتقوم ومثله في المثلي

(2)

(وإن) شرطا عدم ضمانها، ولو (لم يفرط)؛ لخبر ((بل عارية مضمونة)) (والأصح أنه لا يضمن ما ينمحق) من الثياب أو نحوها (أو ينسحق باستعمال) مأذون فيه؛ لحدوثه بإذن المالك فهو كاقتل عبدي، والثاني يضمن مطلقا؛ لخبر ((على اليد)) السابق (والثالث يضمن المنمحق) دون المنسحق أي البالي بعض أجزائه؛ لأن مقتضى الإعارة الرد ولم يوجد في الأول، وموت الدابة كالانمحاق، وعرجها وتقرح ظهرها باستعمال مأذون فيه وكسر سيف أعاره ليقاتل به كالانسحاق، ومر جواز إعارة المنذور لكن يضمن كل من المعير والمستعير ما نقص منه بالاستعمال. ولو استعار عبدا لتنظيف سطح مثلا فسقط من سلمه ومات ضمنه بخلاف ما إذا استأجره، ولا يشترط في ضمان المستعير كون العين في يده بل وإن كانت بيد المالك، ولو حمل متاع غيره على دابته بسؤال الغير كان مستعيرا لكل الدابة إن لم يكن عليها شيء وإلا فبقدر متاعه.

(1)

. ولذا تقدَّم أن من أخذ كوز السقا بدون عوض ضمن الكوز؛ لأنه عارية، لا ما فيه؛ لأنه غير مقابل بشيء 4/ 250.

(2)

. خلافا للرملي من لزوم القيمة ولو في المثلي.

ص: 324

وَالمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لَا يَضْمَنُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ بَعَثَهُ فِي شُغْلِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا فَلَا ضَمَانَ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْإِذْنِ، ....

[فرع] اختلفا في أن التلف بالاستعمال المأذون فيه صدق المعير

(1)

(والمستعير من مستأجر) أو موصى له أو موقوف عليه -إن لم يشترط الواقف استيفاؤه بنفسه- أو مستحق منفعة بنحو صداق أو صلح أو سلم (لا يضمن

(2)

في الأصح)؛ لأن يده نائبة عن يد غير ضامنة، نعم إن كانت الإجارة فاسدة ضمن

(3)

؛ لأن معيره ضامن، ومثل هؤلاء الثلاثة جلد أضحية منذورة فإنه يجوز إعارته ولا يضمنه مستعيره؛ لا بتناء يده على يد غير مالك، وكذا مستعار لرهن تلف في يد مرتهن لا ضمان عليه كالراهن وصيد استعير من محرم وكتاب موقوف على المسلمين مثلا استعاره فقيه فتلف في يده من غير تفريط؛ لأنه من جملة الموقوف عليهم (ولو تلفت دابته في يد وكيل بعثه في شغله أو في يد من سلمها إليه ليروضها فلا ضمان) عليه حيث لم يفرط؛ لأنه إنما أخذها لغرض المالك. أما إذا تعدى كأن ركبها في غير الرياضة فيضمن ولو بإذن المالك (وله الانتفاع بحسب الإذن

(4)

؛ لأن المالك رضي به دون غيره، نعم لو أعاره دابة ليركبها لموضع كذا ولم يتعرض للركوب في الرجوع جاز له الركوب فيه، ولو جاوز المحل المشروط لزمه أجرة مثل الذهاب منه والعود إليه وله الرجوع منه راكبا؛ لأن العارية لا تبطل بالمخالفة.

[فرع] لو رأى في كتاب مستعار خطأ فإن كان مملوكا -غير مصحف- فلا يصلح فيه شيئا مطلقا إلا إن ظن رضا مالكه به

. أما المصحف فيجب إصلاحه إن لم ينقصه خطه؛ لرداءته، ويجب على الواقف إصلاحه إن تيقن الخطأ فيه وكان خطه مستصلحا سواء المصحف وغيره، نعم متى تردد في عينِ لفظٍ أو في الحكم لا يصلح شيئا، وما اعتيد من كتابة ((لعله كذا)) إنما يجوز في ملك الكاتب.

(1)

. خلافا للنهاية تبعا لوالده الشهاب من تصديق المستعير بيمينه.

(2)

. نعم إن تعدى المستأجر بأن أركب الدابة مستعيرا أثقل منه ضمن المستعير وكان القرار عليه سواء علم أم جهل كما أفاده الشارح في الإجارة 6/ 182.

(3)

. عبارتهما ضمنا.

(4)

. ويحرم الاستصباح بالنجس في الدار المعارة إن أدى إلى تنجيس شيء منها بما لا يعفى عنه أو بما ينقص قيمتها كما ذكره الشارح في اللباس 3/ 33.

ص: 325

فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ زَرَعَهَا وَمِثْلَهَا إنْ لَمْ يَنْهَهُ، أَوْ لِشَعِيرٍ لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ، وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ وَلَا عَكْسَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ المَنْفَعَةِ

(وإن أعاره لزراعة حنطة زرعها ومثلها) في الضرر ودونها بالأولى كالشعير والفول لا أعلى منها كالذرة والقطن (إن لم ينهه) فإن نهاه عن المثل أو الأدون أو الغير امتنع أيضا؛ اتباعا لنهيه (أو) أعاره (لشعير لم يزرع فوقه) ضررا (كحنطة) بل دونه ومثله. وحيث زرع ما ليس له زرعه فللمالك قلعه مجانا فإن مضت مدة لها أجرة لزمه جميع أجرة المثل (ولو أطلق الزراعة) أي الإذن فيها كأعرتك للزارعة أو لتزرعها (صح في الأصح ويزرع ما شاء)؛ لإطلاق اللفظ، ولو قال لتزرع ما شئت زرع ما شاء جزما

(1)

(وإذا استعار لبناء أو غراس فله الزرع)؛ لأنه أخف (ولا عكس)؛ لأن ضررهما أكثر (والصحيح أنه لا يغرس مستعير لبناء وكذا العكس)؛ لاختلاف الضرر فإن ضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر من باطنها والغراس بالعكس، وما يغرس للنقل في عامه ويسمى الشتل كالزرع. وإذا استعار لواحد مما ذكر ففعله ثم مات أو قلعه ولم يكن قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى لم يجز له فعل نظيره ولا إعادته مرة ثانية إلا بإذن جديد (و) الصحيح (أنه لا يصح إعارة الأرض مطلقة بل يشترط تعيين نوع المنفعة)؛ قياسا على الإجارة، نعم إن قال لتنتفع بها كيف شئت أو بما بدا لك صح وينتفع بما شاء

(2)

، وذكر الأرض مثال لما ينتفع به بجهتين أو أكثر كالدابة أما ما ينحصر الانتفاع به في جهة واحدة كبساط لا يصلح إلا للفراش فلا يحتاج في إعارته إلى بيان الانتفاع ويستعمل في ذلك بالمعروف، وكذا لو كان يمكن الانتفاع بجهات لكن إحداها هي المقصودة منه عادة.

(1)

. قيدَّه الرملي بالمعهود أيضا.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا الانتفاع بما هو معتاد ثَمَّ.

ص: 326

فصل

لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَةِ مَتَى شَاءَ إلَّا إذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ المَدْفُونِ.

(فصل) في بيان جواز العارية

وما للمعير وعليه بعد الرد في عارية الأرض وحكم الاختلاف

هي جائزة من الجانبين كالوكالة فحينئذ (لكل منهما) أي المعير والمستعير (رد العارية) المطلقة والمؤقتة قبل فراغ المدة (متى شاء)؛ لأنها مَبَرَّة من المعير وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الإلزام، ولو استعمل المستعار أو المباح له منافعه بعد الرجوع جاهلا فلا أجرة عليه كما مر، ومحل قولهم إن الضمان لا يختلف بالعلم والجهل إذا لم يسلطه المالك ولم يقصر بترك إعلامه. ولو أعاره لحمل متاعه إلى بلد فرجع المعير عن الإذن أثناء طريقها لزمه -لكن بالأجرة- نقل متاع المستعير إلى مأمن، وينبغي أن مثل المتاع في ذلك المستعير نفسه إذا عجز عن المشي أو خاف. وتنفسخ بما تنفسخ به الوكالة من نحو موت وجنون وإغماء وحجر، وعلى وارث المستعير الرد فورا فإن تعذر عليه ردها ضمنت مع مؤنة الرد في التركة فإن لم تكن تركة فلا شيء عليه غير التخلية عند بقائها، وإن لم يتعذر ضمنها الوارث مع الأجرة ومؤنة الرد، ومر أنه يجب الرد فورا عند نحو موت المعير (إلا إذا أعار لدفن) ودفن فيه محترم (فلا يرجع)؛ لما في النبش من هتك الحرمة (حتى يندرس أثر المدفون) بأن يصير ترابا فيرجع حينئذ، ويتصور الرجوع بأن يكون أذن له في تكرير الدفن وإلا فالعارية انتهت بدفن الميت، وليس له أجرة بعد الرجوع مطلقا، ولو أظهره منه نحو سبع ولم يوجد مكان لقبره

(1)

غير الأول أقرب منه أو مساو له أعيد إليه قهرا؛ لأنه صار حقا له إلى اندراسه من غير مقابل، وللمالك سقي لم يضر بالميت، ويجوز الرجوع قبل الدفن أي مواراته

(2)

بالتراب ومثلها سد اللحد، ولا يجوز إن خشي تهريه بنقله من هذا القبر وإن لم يوار، نعم يغرم مؤنة الحفر لولي الميت؛ لأنه غَرَّه، وفارق هذا ما لو رجع بعد الحرث وقبل الزرع لا تلزمه مؤنة الحرث؛ لأنه لم يغره؛ لإمكان الزرع بلا

(1)

. ظاهره أنه مع وجود ما ذكر لا يعاد إليه إن احتاج إلى حفر أطول زمنا من إعادته خلافا لظاهرهما.

(2)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي من امتناع الرجوع بمجرد إدلائه وإن لم يصل إلى أرض القبر.

ص: 327

وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَ إِنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ مَجَّانًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَإِنِ اخْتَارَ المُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ

حرث في الجملة

(1)

بخلاف الدفن لا يمكن بلا حفر، ويؤخذ منه أنها لو انفسخت بنحو جنون المعير لم تلزمه مؤنة الحفر؛ لأنه لا غرر حينئذ أن من أعاره أرضا لحفر بئر فيها ينتفع بمائها ثم طمها يلزمه مؤنة الحفر كالقبر.

ويستثنى من عدم جواز الرجوع في العارية ما لو أعار كفنا وكفن فيه

(2)

فإن الأصح بقاؤه على ملكه ولا يرجع فيه حتى يندرس أيضا، وما إذا قال أعيروا داري بعد موتي لزيد شهرا وخرجت من الثلث فليس للوارث الرجوع، وكذا لو نذر المعير مدة أو أن لا يرجع إلى مدة كذا، وما إذا رجع معيرُ سفينة بها أمتعة معصومة وهي في اللجة، نعم له الأجرة في هذه كما لو رجع قبل انتهاء الزرع وكما لو أعاره دابة أو سلاحا للغزو والتقى الصفان. وما إذا أعار دارا لسكنى معتدة فهي لازمة

(3)

من جهة المستعير فقط، وما إذا أعاره جذعا ليسند به جدارا مائلا فلا يرجع، نعم له الأجرة في هذه كالتي قبلها، وكذا لو أعار ما يدفع به عمَّا يجب الدفع عنه أو ما يقي نحو برد مهلك أو ما ينقذ به غريقا، وله الرجوع

(4)

إن أعاره ثوبا للستر أو للفرش على نجس في مفروضة فينزع الثوب ويبني على صلاته (وإذا أعار للبناء أو) لغرس (الغراس ولم يذكر مدة ثم رجع) بعد أن بنى أو غرس (إن كان) المعير (شرط القلع مجانا) أي بلا بدل (لزمه)؛ عملا بالشرط، فإن امتنع فللمعير القلع، ويلزم المستعير أيضا تسوية حفر إن شرطها وإلا فلا، نعم قوله ((مجانا)) ليس شرطا للقلع بل للقلع بلا أرش

(5)

. ولو اختلفا في وقوع شرط القلع مجانا صدق المستعير

(6)

(وإلا) يشرط عليه القلع (فإن اختار المستعير القلع) أو الهدم (قلع) بلا أرش؛ لأنه ملكه وقد رضي بنقصه (ولا يلزمه تسوية الأرض في الأصح)؛

(1)

. قضيته أنه لا يلزم مؤنة الحرث وإن لم يمكن الزرع بدون الحرث في خصوص تلك الأرض المعارة لنحو عارض بها وقياس كلامهما اللزوم كما هو قضية شرح الروض.

(2)

. عند الرملي يمتنع الرجوع بوضع الميت عليه وإن لم يلف.

(3)

. أي إن علم بكونها معتدة كما يأتي في بابها 8/ 268.

(4)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي فاعتمدا في ذلك تفصيلا.

(5)

. أي فلا أرش مع تركه خلافا لهما.

(6)

. خلافا لهما من تصديق المعير.

ص: 328

قُلْتُ: الْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا، بَلْ لِلْمُعِيرِ الخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ نَقْصِهِ، قِيلَ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا إنْ بَذَلَ المُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ،

لأن الإعارة مع علم المعير بأن للمستعير أن يقلع رضاً بما يحدث من القلع (قلت: الأصح يلزمه والله أعلم)؛ لأنه قلع باختياره ولو امتنع منه لم يجبر عليه، فيلزمه إذا قلع ردها إلى ما كانت عليه وهو المراد بالتسوية حيث أطلقت فلا يكلف ترابا آخر لو لم يكف الحفر ترابها، والكلام في الحُفَر الحاصلة بالقلع أما الحفر الحاصلة في مدة العارية لأجل الغرس والبناء فلا يلزمه طمّها؛ لحدوثها بالاستعمال، ولو حفر زائدا على حاجة القلع لزمه طم الزائد جزما (فإن لم يختر) القلع (لم يقلع مجانا)؛ لوضعه بحق (بل للمعير الخيار)؛ لأنه المحسن ولأنه مالك الأرض وهي الأصل (بين أن يبقيه بأجرة

(1)

لمثله فينظر لما شغل من الأرض، ثم يقال لو أوجر هذا لنحو بناء دائما بحال كم يساوي؟، فإذا قيل كذا أوجبناه، وعليه يتجه أن له إبدال ما قلع؛ لأنه بذلك التقدير ملك منفعة الأرض على الدوام (أو يقلع) أو يهدم البناء وإن وقف مسجدا (ويضمن أرش نقصه) وهو قدرُ ما بين قيمته قائما ومقلوعا، ولابد من ملاحظة كونه مستحق الأخذ؛ لنقص قيمته حينئذ، ومؤنة القلع على المستعير وأجرة نقل النقض على المالك (قيل) وهو الأصح (أو يتملكه) بعقد مشتمل على إيجاب وقبول (بقيمته) حال التملك مستحق القلع فيتخير بين الثلاثة، وقد يتعين الأول بأن بنى أو غرس شريك بإذن شريكه ثم رجع، أو الثاني إذا لم يكن في البناء أو الغراس بسبب القلع نقص، أو أحد الأولين فقط بأن وقف المستعير البناء أو الغراس فيمتنع التملك بالقيمة، ولو وقف الأرض تخير أيضا لكن لا يفعل الأول إلا إذا كان أصلح للوقف من الثاني

(2)

، ولا الأخير إلا إذا كان في شرط الواقف جواز تحصيل مثل ذلك البناء والغراس من ريعه، ولو كان على الشجر ثمر لم يبد صلاحه تخير ثم إن اختار التملك تملك الثمرة أيضا إن كانت غير مؤبرة وإلا أبقاها إلى أوآن الجذاذ، وإن أراد القلع غرم أرش نقص الثمرة أيضا. وإذا اختار ما له اختياره لزم المستعير موافقته فإن أبي كُلِّف تفريغ الأرض مجانا؛ لتقصيره (فإن لم يختر) المعير شيئا مما ذكر (لم يقلع مجانا إن بذل المستعير الأجرة)؛ لانتفاء الضرر (وكذا إن لم يبذلها في الأصح)؛ لأن المعير

(1)

. أفتى الشارح بتوقف ذلك على عقد إيجار خلافا لظاهر النهاية.

(2)

. في كلامهم عكس هذه المسألة.

ص: 329

ثُمَّ قِيلَ يَبِيعُ الحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا، وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلَا يَدْخُلُهَا المُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِتَفَرُّجٍ، وَيَجُوزُ لِلسَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِكُلٍّ بَيْعُ مِلْكِهِ، وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ. وَالْعَارِيَةُ المُؤَقَّتَةُ كَالمُطْلَقَةِ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَّانًا إذَا رَجَعَ. وَإِذَا أَعَارَهُ لِزِرَاعَةٍ فَرَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الحَصَادِ،

مقصر بتركه الاختيار راض بإتلاف منافعه (ثم) عليه (قيل يبيع الحاكم الأرض وما فيها) من بناء وغراس (ويقسم بينهما) على الكيفية السابقة في رهن الأم دون ولدها؛ فصلا للخصومة (والأصح أنه يُعْرِض عنهما حتى) يختار المعير شيئا من الثلاث، أو (يختارا) المعير والمستعير (شيئا) من غير الثلاث (و) في حالة الإعراض عنهما إلى الاختيار يجوز (للمعير دخولها والانتفاع بها)؛ لأنها ملكه، وله الاستناد إلى بناء المستعير وغراسه والاستظلال بهما وإن منعه، نعم يمنع من إسناد مضر ولو أدنى ضرر حالا أو مآلا (ولا يدخلها المستعير بغير إذن) من المعير (لتفرج) وغيره من الأغراض التافهة كالأجنبي (ويجوز) دخوله (للسقي والإصلاح) للبناء بغير آلة أجنبية ونحوهما كاجتناء الثمر (في الأصح)؛ صيانة لملكه عن الضياع، فإن عَطَّل بدخوله منفعة تقابل بأجرة لزمته. أما إصلاح البناء بآلة أجنبية فلا يُمَكَّن منه؛ لأن فيه ضررا بالمعير لأنه قد يختار التملك أو النقض مع الغرم فيزيد الغرم عليه من غير حاجة إليه بخلاف إصلاحه بآلته كما إن سقي الشجر يحدث فيها زيادة عين وقيمة (ولكل) منهما (بيع ملكه) من صاحبه وغيره، فإن باع المعير ثالث تخير المشتري كما كان يتخير البائع وإن باع المستعير كان المعير على خيرته

(1)

، نعم له الفسخ إن جهل الحال (وقيل ليس للمستعير بيعه لثالث)؛ لأن ملكه غير مستقر إذ للمعير تملكه، ورد بأن غايته أنه كشقص مشفوع، ولو اتفقا على بيع الكل لثالث بثمن واحد جاز؛ للضرورة ووزِّع كما مر (والعارية المؤقتة) وذكر المدة فيكون للقلع أو لمنع الإحداث أو لطلب الأُجرة (كالمطلقة) في جميع ما مر فيها سواء رجع قبل انقضائها؛ لأن التأقيت وعد لا يلزم أو بعده (وفي قول له القلع فيها مجانا إذا رجع، وإذا أعار لزراعة) مطلقا (فرجع قبل إدراك الزرع فالصحيح أن عليه الإبقاء إلى الحصاد) إن نقص بالقلع قبله؛ لأنه

(1)

. كما في المغني.

ص: 330

وَأَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ، فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرِكْ فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ مَجَّانًا. وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ. وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا: أَعَرْتنِيهَا، فَقَالَ: أَجَرْتُكهَا، أَوِ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ فَالمُصَدَّقُ المَالِكُ عَلَى المَذْهَبِ،

محترم وله أمد ينتظر بخلاف ما إذا لم ينقص؛ لانتفاء الضرر. هذا إن لم يحصد قصيلا

(1)

كقمح أما ما يحصد قصيلا كباقلاء فيكلف قلعه في وقته المعتاد (و) الصحيح (أن له الأجرة) أي أجرة مدة الإبقاء وقت الرجوع؛ لانتفاء الإباحة به فأشبه ما إذا أعار دابة ثم رجع أثناء الطريق فعليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل كما مر (فلو عين مدة) للزراعة (ولم يدرك) الزرع (فيها لتقصيره بتأخير الزراعة) أو بنفسها كأن كان على الأرض نحو سيل أو ثلج ثم زرع بعد زواله ما لا يدرك في بقية المدة أو زرع غير المعين مما يبطئ أكثر منه (قلع مجانا)؛ لما تقرر من تقصيره، ويلزمه أيضا تسوية الأرض. أما إذا لم يقصر فلا يقلع مجانا كما لو أطلق سواء أكان عدم الإدراك لنحو برد أم لقصر المدة المعينة (ولو حمل السيل) أو نحو الهواء (بذرا) ولو نواة أو حبة لم يعرض مالكها عنها (إلى أرض) لغير مالكه (فنبت فهو) أي النابت (لصاحب البذر)؛ لأنه عَيْن ماله وإن تحول لصفة أخرى فيجب على ذي الأرض فالحاكم رده إليه أي إعلامه به كما في الأمانة الشرعية. أما إن لم يعلم أن مالك البذر لم يعرض عنه فهو لذي الأرض إن كان مالك البذر ممن يصح إعراضه لا كسفيه (والأصح أنه يجبر) أي يجبره المالك ولو من غير رفع لحاكم بأن يتولى قلعه بنفسه (على قلعه)؛ لأن المالك لم يأذن فيه فأشبه ما إذا انتشرت أغصان شجرة للغير إلى هواء داره، ولا أجرة لمالك الأرض على مالك البذر لمدته قبل القلع وإن كثر؛ لعدم الفعل منه، ومن ثم لزمه تسوية الحفر الحاصلة بالقلع؛ لأنه من فعله، فلو كان وصوله لأرض الغير من فعل مالكه كأن بذره فيما يظن أنه ملكه فبان غير ملكه لزمته الأجرة (ولو ركب دابة وقال لمالكها أعرتنيها فقال آجرتكها) مدة كذا بكذا، يجوز عدم ذكر الأجرة وتجب أجرة المثل، (أو اختلف مالك الأرض وزارعها كذلك فالمصدق المالك على المذهب) لا في بقاء العقد لو بقي بعض المدة، بل في استحقاق الأجرة أو القيمة بتفصيلهما

(1)

. القصيل هو ما اقتصل أي قطع من الزرع أخضرا، لسان العرب.

ص: 331

وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعَرْتَنِي، وَقَالَ المَالِكُ: بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي، فَإِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ، لَكِنِ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ المَالِكُ أَكْثَرَ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ

الآتي؛ لأن الغالب إذنه في الانتفاع بمقابل فيحلف لكل

(1)

يمينا تجمع نفيا وإثباتا أنه ما أعاره بل آجره. ويستحق أجرة المثل إن وقع الاختلاف مع بقائها وبعد مضي مدة لها أجرة، فإن وقع قبل مضي تلك المدة صدق مدعي العارية بيمينه قطعا؛ لأنه لم يتلف شيئا حتى يُجعل مدعيا لسقوط بدله، أو بعد تلفها

(2)

ومضي مدة لها أجرة فإن كانت القيمة دون الأجرة أو مثلها أخذها بلا يمين؛ لاتفاقهما على وجوب قدرها ولا يضر الاختلاف في الجهة ويحلف للزائد في الأولى (وكذا) يصدق المالك فيما (لو قال) الراكب أو الزارع (أعرتني وقال المالك بل غصبتَه مني) وقد مضت مدة لمثلها أجرة والعين باقية؛ لأن الأصل أنه لم يأذن فيحلف وله أجرة المثل (فإن تلفت العين) قبل ردها تلفا تضمن به العارية (فقد اتفقا على الضمان) لها؛ لأن كلا من المعار والمغصوب مضمون (لكن

(3)

الأصح أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف) إن كانت متقومة وإلا فبالمثل

(4)

، والمغصوب يضمن بأقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف، والفرق أن هذا مُتَعَدٍّ فغُلظ عليه بالنظر لأي زيادة وجدت في يده بخلاف المستعير فنظر لأول وقت ضمانها وهو وقت التلف، و (لا) تضمن العارية (بأقصى القيم ولا بيوم القبض، فإن كان ما يدعيه المالك) بالغصب (أكثر) من قيمة يوم التلف (حلف للزيادة) أنه يستحقها، وأما ما يساويها وما دونها فيأخذه بلا يمين؛ لاتفاقهما عليه، ولو قال المالك غصبتني وذو اليد أودعتني حلف المالك؛ لأنه يدعي عليه الإذن والإصل عدمه وأخذ القيمة إن تلف والأجرة إن مضت مدة لمثلها أجرة، ومحل تصديق المالك بيمينه إن لم يوجد من ذي اليد استعمال وإلا صدق المالك بلا يمين.

(1)

. أي من المدعيين في مسألتي الدابة والأرض.

(2)

. قيده شرح المنهج بما إذا تلفت بغير الاستعمال المأذون فيه.

(3)

. الاستدارك في محله خلافا للمغني من الاعتراض عليه.

(4)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي من أنها تضمن بالقيمة مطلقا.

ص: 332

‌كتاب الغصب

هُوَ: الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا. فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ فَغَاصِبٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلَهُ

(كتاب الغصب)

(هو) لغة: أخذ الشيء ظلما، وشرعا (الاستيلاء) ويرجع فيه للعرف، وليس منه منع المالك من سقي نحو ماشيته حتى هلكت بخلاف هلاك ولد شاة ذبحها؛ لأنه أتلف غذاء الولد المتعين له (على حق الغير) ولو خمرا وكلبا محترمين وسائر الحقوق والاختصاصات كحق متحجر وكإقامة من قعد بسوق أو مسجد -لا يزعج منه

(1)

- والجلوس

(2)

محله (عدوانا) أي على جهة التعدي والظلم. وخرج به نحو عارية ومأخوذ بسوم وأمانة شرعية كثوب طيرته الريح إلى حِجْرِه أو داره، وكان الأولى

(3)

أن يعبر بدل عدونا بـ ((بغير حق)) ليدخل ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله فإنه يضمنه ضمان الغصب، فلا يشترط في الغصب تعدي ولا إثم. وآخذ مال غيره بالحياء له حكم الغاصب وقد قال الغزالي من طلب من غيره مالا في الملأ فدفعه إليه لباعث الحياء فقط لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه.

والأصل في الباب الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو كبيرة -ولو حبّة

(4)

- بل استحلاله ممن لا يخفى عليه كفر وإن لم يفعله، وفي حكم الغصب في هذا كل ما تحريمه ضروري. (فلو ركب دابة) لغيره بغير إذنه وإن كان مالكها هو المسير لها، بخلاف ما لو وضع عليها متاعا بغير إذنه بحضوره فسيَّرها المالك فإنه -أي المالك- يضمن المتاع ولا يضمن مالكه الدابة؛ إذ لا استيلاء منه عليها (أو جلس) أو تحامل برجله أي وإن اعتمد معها على الرجل الأخرى (على فراش) لم تدل قرينة الحال على إباحة الجلوس عليه مطلقا أو لناسٍ مخصوصين كفرش مَصاطب

(5)

البزازين (فغاصب وإن لم ينقله)؛ لحصول غاية الاستيلاء

(1)

. وصف لسوق أو لمسجد.

(2)

. أسقطه النهاية وشرح المنهج.

(3)

. جمع بين ما في المتن وغيره النهاية والمغني.

(4)

. فيحرم الغصب ويجب ردها كما نص عليه الشارح في البيع 4/ 238.

(5)

. جمع مصطبة وهي مجتمع الناس كالدكان للجلوس عليه، الصحاح.

ص: 335

وَلَوْ دَخَلَ دَارَهُ وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ فَغَاصِبٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ

وهي الانتفاع تعديا ولو لم يقصد الاستيلاء، ومحله فيهما إن غاب المالك فيضمن الكل وإلا اشترط أن يزعجه أو يمنعه من التصرف فيه

(1)

، وحينئذٍ إذا جلس أو ركب معه لا يضمن إلا النصف وإن ضعف المالك. وأفهم المتن أنه لابد في منقول غير الدابة والفراش من النقل وهو كذلك

(2)

، فلو رفع منقولا ككتاب من بين يدي مالكه لينظره ويرده حالا كان ضامنا وإن لم يقصد الاستيلاء إلا إن دلت قرينة على رضا المالك بأخذه للنظر إليه. وأفهم اشتراط النقل أنه لو أخذ بيد قنٍّ ولم يسيره لم يضمنه، قال بعضهم بخلاف بعثه في حاجته، فلو أخذ بيد قن غيره وخَوَّفَهُ بسبب تهمة ولم ينقله من مكانه إلى آخر أو نقله لا بقصد الاستيلاء عليه لم يضمنه وكذا إن انتقل هو -أي العبد- من محله باختياره، أو ضرب ظالمٌ قن غيره فأبق; لأن الضرب ليس باستيلاء، نعم إن لم يهتد إلى دار سيده ضمنه. ولو زلق داخل حمام مثلا فوقع على متاع لغيره فكسره ضمنه ولا يضمن صاحبه الزالق إلا إن وضعه بالممر بحيث لا يراه الداخل ووجد له محلا سوى الممر فيهدر المتاع دون الزالق به. ولو دفع عبده إلى غيره ليعلمه حرفة فأمانة وإن استعمله في مصالح تلك الحرفة أي المتعلقة به بخلاف استعماله في غير ذلك. ولو رفع برجله شيئا بالأرض لينظر جنسه ثم تركه فضاع فإن انفصل المرفوع عن الأرض على رجله ضمن وإلا فلا. ولو ظفر بآبق لِمَن يَعرِف مالكَه أو خلصه من نحو غاصب فأخذه ليرده فهرب قبل تمكنه من رده ورفعِه لحاكم ضمنه بخلاف من لم يعرفه أو لم يرد رده أو قصَّر فيه فإنه يضمنه مطلقا سواء عرف مالكه أم لا؛ لتقصيره. ولو سخَّر ظالم قهرا مالك دابة بيده على عمل فتلفت في يد مالكها لم يضمنها المسخِّر وعليه أجرة مثل ذلك العمل، ولو سيقت أو انساقت بقرة إلى راع لم تدخل في ضمانه إلا إن ساقها مع البقر (ولو دخل داره وأزعجه عنها) أي أخرجه منها فغاصب وإن لم يقصد الاستيلاء; لأن وجوده يغني عن قصده (أو أزعجه) أي أخرجه عنها (و) ويلزم من ذلك (قهره على الدار) أي منعه التصرف فيها (ولم يدخل فغاصب) وإن لم يقصد الاستيلاء عليها

(3)

(وفي الثانية وجه واهٍ) أنه لا يكون غاصبا؛

(1)

. مفهومه أنه إذا لم يزعجه ولم يمنعه من التصرف لا يضمن شيئا إلا الأجرة خلافا للرملي.

(2)

. خلافا للمغني.

(3)

. خلافا للمغني.

ص: 336

وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا وَمَنَعَ المَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ، وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ المَالِكُ فِيهَا فَغَاصِبٌ، وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ عَنْهَا فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ. وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ ....

عملا بالعرف، ولو منعه من نقل الأمتعة فغاصب لها أيضا وإن لم يقصد الاستيلاء عليها بخصوصها، بل يكفي قصد الاستيلاء على الدار في عهده غاصبا؛ لما فيها وإن لم يقصد الاستيلاء على ما فيها (ولو سكن بيتا) أو لم يسكنه (ومنع المالك منه دون باقي الدار فغاصب للبيت فقط) ; لأنه الذي استولى عليه (ولو دخل بقصد الاستيلاء وليس المالك فيها) ولا من يخلفه من أهل ومستأجر ومستعير (فغاصب) وإن ضعف الداخل وقوي المالك، حتى لو انهدمت حينئذ ضمنها; لأن قوته إنما تسهل النزع منه حالا ولا تمنع استيلاءه. أما إذا لم يقصد الاستيلاء كأن دخل لتفرج لم يكن غاصبا، وإنما ضمن منقولا رفعه بقصد التفرج; لأن يده عليه حقيقية واليد على العقار حكمية فتوقفت على قصد الاستيلاء كما مر (وإن كان) المالك أو نحوه فيها وقد دخل بقصد الاستيلاء بخلاف نحو التفرج (ولم يزعجه عنها فغاصب لنصف الدار)؛ لاجتماع يدهما فيكون الاستيلاء لهما معا، وبه يعلم أن مالك الدار لو تعدد كان غاصبا لحصته بعدد الرءوس وعكسه (إلا أن يكون) الداخل (ضعيفا لا يعد مستوليا على صاحب الدار) فلا يكون غاصبا

(1)

لشيء منها؛ لتعذر قصد ما لا يمكن تحققه بخلاف ما لو ضعف المالك بحيث لا يعد له مع قوة الداخل استيلاء فيكون الغاصب غاصبا لنصفها فقط كما مر وإن قصد الاستيلاء عليها، وتلزم الأجر وإن لم يجعل غاصبا، ولو استولى على أمّ أو هادي الغنم فتبعه الولد أو الغنم لم يضمن غير ما استولى عليه كما لو غصب أمّ النحل فتبعتها النحل (وعلى الغاصب) الخروج من المغصوب العقار

(2)

بنية عدم العود إليه وتمكين المالك منه، و (الرد

(3)

فورا

(4)

عند التمكن سواء كان المنقول ببلد الغاصب أو منتقلا عنه وسواء

(1)

. وتلزمه أجرة المثل.

(2)

. ونقل الشارح في كتاب الردة عن الجمهور حصول ثواب الصلاة في المغصوب ونقل في كتاب الصيام عن المحققين خلاف ذلك 3/ 424.

(3)

. ومؤنة الرد على الغاصب ككل يد ضامنة كما تقدم في كتاب البيع 4/ 375.

(4)

. نعم يجوز التأخير للإشهاد لعدم تصديقه في دعوى الرد، كما ذكره الشارح في كتاب صلاة الجماعة 2/ 274.

ص: 337

فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ. وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَ

نقله أو انتقل بنفسه أو بفعل أجنبي وإن عظمت المؤنة ولو نحو حبة وكلب محترم وإن لم يطلبه المالك. ويكفي وضع العين بين يدي المالك -بحيث يعلم ويتمكن من أخذها وكذا بدلها

(1)

- وفي داره إن علم ولو بإخبار ثقة. ولو غصب من غير المالك برئ بالرد لمن غصب منه إن كان نحو وديع ومستعير ومستأجر ومرتهن ومستام لا ملتقط. وقد يجب مع الرد القيمة للحيلولة كما لو غصب أمة فحملت بحرٍّ؛ لتعذر بيعها وقد لا يجب الرد؛ لكونه ملكه بالغصب كأن غصب حربي مال حربي، أو لخوف ضرر كأن غصب خيطا وخاط به جرح محترم فلا ينزع منه ما دام حيا إلا إذا لم يخف من نزعه مبيح تيمم، أو لملك الغاصب لها بأن غُرّم الغاصب بدلها لما حدث فيها وهي باقية كأن ابتلت الحنطة بحيث تسري إلى الهلاك. وقد لا يجب فورا كأن غصب لوحا وأدخله في سفينة وكانت في الماء وخيف من نزعه هلاك محترم وكأن أخره للإشهاد كما مر آخر الوكالة، (فإن تلف عنده) المغصوب أو بعضه وهو مال متمول بإتلاف أو تلف (ضمنه) إجماعا، نعم لو غصب حربي مال محترم ثم عصم فإن كان باقيا رده أو تالفا لم يضمنه كباغٍ أو عادل غصب شيئا وأتلفه حال القتال أو تلف فيه بسببه، أما غير متمول كحبة بر أتلفها فلا يضمنها، وكذا اختصاص وإن غرم على نقله أجرة.

واستطرد هنا مسائل يقع بها الضمان بلا غصب بمباشرة أو سبب فقال:

(ولو أتلف مالا) محترما (في يد مالكه ضمن) ـه إجماعا، وقد لا يضمنه كأن كسر بابا أو نقب جداراً في مسألة الظفر أو لم يتمكن من إراقة خمر إلا بكسر إنائه أو من دفع صائل إلا بقتل دابته وكسر سلاحه وما يتلفه باغ على عادل وعكسه حال القتال وحربي على معصوم وقن غير مكاتب على سيده ومهدر بنحو ردة أو صيال أُتْلِف وهو في يد مالكه، وخرج بـ ((أتلف)) ما لو سخر دابة ومعها مالكها فتلفت فلا يضمنها كما مر، نعم إن كان السبب منه كأن اكتراها لحمل مائة فزاد وصاحبها معها ضمن قسط الزيادة ولو صرع فوقع على مال لغيره ضمنه كما لو سقط عليه طفل من مهده بخلاف ما لو سقطت دابة ميتة فلا يضمن راكبها ما تلف بها؛ لأن الأول إتلاف مباشرة وهذا إتلاف سبب.

(1)

. خلافا للنهاية.

ص: 338

وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ، أَوْ مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَ، وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِنْ طَارَ فِي الحَالِ ضَمِنَ،

(ولو فتح رأس زق) وتلف ضمن; لأنه باشر إتلافه، أما إذا كان ما فيه جامدا فخرج بتقريب غيره نارا إليه فالضامن هو المقرب؛ لقطعه أثر الأول بخلاف ما لو خرج بريح هابَّة حال الفتح

(1)

أو شمس مطلقا

(2)

; لأنهما لا يصلحان للقطع، ومثلهما فعل غير العاقل (مطروح على الأرض) مثلا (فخرج ما فيه بالفتح أو منصوب فسقط بالفتح)؛ لتحريكه الوكاء وجذبه أو لتقاطر ما فيه حتى ابتل أسفله وسقط (وخرج ما فيه) بذلك وتلف (ضمن)؛ لتسببه في إتلافه إذ هو ناشئ عن فعله وإن حضر مالكه وأمكنه تداركه كما لو رآه يقتل قنه فلم يمنعه (وإن سقط بعارض ريح) أو زلزلة طرأ بعد الفتح أو بوقوع طائر عليه (لم يضمن) ; لأن الخروج ليس بفعله مع عدم تحقق هبوبها بخلاف طلوع الشمس فلم يبعد قصد الفاتح له، وحل السفينة كفتح الزق

(3)

(ولو فتح قفصا عن طائر وهيجه فطار) حالا (ضمنـ) ـه إجماعا; لأنه ألجأه إلى الفرار كإكراه الآدمي (وإن اقتصر على الفتح فالأظهر أنه إن طار في الحال) أو كان آخر القفص فمشى عقب الفتح قليلا قليلا حتى طار، أما لو وثبت عليه هرة عقب الفتح فيضمن مطلقا

(4)

، ومثل

(5)

فتح القفص ما لو أطلق بهيمة وبجانبها حب فأكلته بخلاف ما لو فتح وعاء حب فأكلته بهيمة على ما نقل ويفرق بأنه في الأول أغرى البهيمة بإطلاقها وهو بجانبها وفي الثاني لم يغرها والفرض أنه لم يستول على الحب (ضمنـ) ـه؛

(1)

. فلا فرق بين كون الريح سببا لسقوط الزق مثلا أو لتقاطر ما فيه حتى ابتل فسقط ولا فرق فيه بين كون الريح هابة وقت الفتح وكونها عارضه، لكن اعتمد المغني أن التفصيل في الريح المسقطة للزق أما السقوط بالابتلال الحاصل بحرارة الريح فلا فرق فيه بين كون الريح هابه وقت الفتح وكونها عارضه.

(2)

. نعم البلاد الباردة التي يعتاد فيها الغيم أياما أو عدم إذابتها لمثل هذا فطلعت وأذابته على خلاف العادة لا ضمان عليه عند اطراد العادة بذلك.

(3)

. أي فلا ضمان وفاقا للمغني وخلافا للنهاية والشهاب الرملي.

(4)

. أي وإن لم يعلم بحضورها خلافا للرملي.

(5)

. خالفوه فاعتمدوا عكس ما اعتمده الشارح هنا.

ص: 339

وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا. وَالْأَيْدِي المُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ،

لإشعاره بتنفيره، ومحل قولهم المباشرة مقدمة على السبب ما لم يكن السبب ملجئا (وإن وقف ثم طار فلا)؛ لإشعاره باختياره، ويجري ذلك في حلِّ رباط البهيمة وفتح باب إصطبلها ومثلها قن غير مميز ومجنون لا عاقل ولو آبقا، وكفتح القفص أيضا ما لو كان طائر بيد صبي غير مميز أو مجنون كذلك فأمره إنسان بإطلاقه من يده فأطلقه، وكغير المميز من يرى تحتم طاعة آمره (والأيدي المترتبة) بغير تزوج (على يد الغاصب) الضامن وإن كانت في أصلها أمانة كوديعة ووكالة بأن وكله في الرد (أيدي ضمان وإن جهل

(1)

صاحبها الغصب)؛ لأن الجهل إنما يسقط الإثم لا الضمان فيطالب أيهما شاء، نعم الحاكم وأمينه لا يُضَمَّنَان بوضع يدهما؛ للمصلحة، وكذا من انتزعه ليرده لمالكه من يد غير ضامنة وهي يد قنه أو حربي دون غيرهما مطلقا. أما لو زوج غاصب المغصوبة لجاهل بغصبها فتلفت عند الزوج بغير الولادة منه فلا يضمنها; لأن الزوجة من حيث هي زوجة لا تدخل تحت يد الزوج (ثم إن علم) الثاني بالغصب (فكغاصب من غاصب فيستقر عليه ضمان ما تلف عنده) ويطالب بكل ما يطالب به الأول؛ لصدق حد الغصب عليه، نعم لا يطالب بزيادة قيمة حصلت في يد الأول فقط بل المطالب بها هو الأول ويبرأ الأول بإبراء المالك للثاني ولا عكس (وكذا إن جهل) الثاني الغصب (وكانت يده في أصلها يد ضمان كالعارية) والبيع والقرض; لأنه دخل على الضمان فلا تغرير من الغاصب، وكذا الهبة؛ لأنه أخذ للتملك (وإن كانت يد أمانة) بغير اتهاب (كوديعة فالقرار على الغاصب) ; لأنه دخل على أن يده نائبة عن الغاصب، فإن غرم الغاصب لم يرجع عليه وإن غرم هو رجع على الغاصب، ومثله ما لو صال المغصوب على شخص فأتلفه. ويد الالتقاط كيد الأمانة إلا إن تملّكَ فتكون يد ضمان بعده.

(1)

. نعم استثنى البغوي من الجهل ما لو غصب عينا ودفعها لقن الغير ليردها لمالكها فتلفت في يده فإن جهل العبد ضمن الغاصب فقط وإلا تعلق برقبته وغرم المالك أيهما شاء.

ص: 340

وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ فَكَذَا فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ.

تُضْمَنُ نَفْسُ الرَّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ،

(ومتى أتلف الآخذ من الغاصب) شيئا (مستقلا به) أي بالإتلاف وهو أهل للضمان (فالقرار عليه مطلقا

(1)

أي سواء أكانت يده يد ضمان أو أمانة; لأن الإتلاف أقوى من إثبات اليد العادية. أما إذا لم يستقل بالإتلاف بأن حمله عليه الغاصب فإن كان لغرضه كذبح شاة أو قطع ثوب أمره به ففعله جاهلا فالقرار عليه أوْ لا لغرض فعلى المتلف، وكذا إن كان لغرض نفسه كما قال:(وإن حمله الغاصب عليه بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا) القرار عليه (في الأظهر) ; لأنه المتلف وإليه عادت المنفعة، هذا إن لم يقل له هو ملكي وإلا لم يرجع عليه؛ لاعترافه بأن المالك ظلمه والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه (وعلى هذا) الأظهر (لو قدمه لمالكه فأكله) جاهلا (برئ الغاصب) ; لأنه المتلف. أما إذا أكله عالما فيبرأ قطعا، هذا كله إن قدمه له على هيئته أما إذا غصب حبا ولحما أو عسلا ودقيقا وصنعه هريسة أو حلواء مثلا فلا يبرأ قطعا; لأنه لَمَّا صيره كالتالف انتقل الحق لقيمته وهي لا تسقط ببذل غيرها إلا برضا مستحقها وهو لم يرض

(2)

.

(فصل) في بيان حكم الغصب وانقسام المغصوب إلى مثلي ومتقوم وبيانهما وما يضمن به المغصوب وغيره

(تضمن نفس الرقيق

(3)

ومنه مستولدة ومكاتب (بقيمته) بالغة ما بلغت (تلف أو أتلف تحت يد عادِيَةٍ) كسائر الأموال، والمراد بالعادية الضامنة وإن لم يتعد صاحبها ليدخل

(1)

. فإن كان عبدا تعلق برقبته فقط كما تقدم في باب معاملة الرقيق 4/ 486.

(2)

. وتقدم في الرهن أن الوضع بين يديه يبري الغاصب عن الغصب بخلاف الإيداع 5/ 69، وذكر في موضع آخر أنه لو أذن له في البيع برئ من ضمان الغصب وإن انفسخ البيع 5/ 101.

(3)

. وتقدم في شروط القدوة أن الرقيق يدخل في الضمان بمجرد وضع اليد عليه 2/ 311.

ص: 341

وَأَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الحُرِّ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَكَذَا المُقَدَّرَةُ إنْ تَلِفَتْ، وَإِنْ أُتْلِفَتْ فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ، وَعَلَى الجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنَ الرَّقِيقِ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الحُرِّ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ،

نحو مستام ومستعير ويخرج نحو حربي وقن المالك، وآثرها; لأن الباب موضوع للتعدي. والمراد بالقيمة في المغصوب وأبعاضه أقصاها من الغصب إلى التلف وفي غيره قيمة يوم التلف (وأبعاضه التي لا يتقدر أرشها من الحر) كهزال وزوال بكارة وجنابة على نحو ظهر أو عُنق تضمن لكن بعد الاندمال لا قبله (بما نقص من قيمته) إجماعا، فإن لم تنقص لم يلزمه شيء. أما الجناية على نحو كف مما هو مقدر منه بنظيره في الحر ففيها ما نقص من قيمته وإن ساوى أو زاد النقص على مقدره (وكذا المقدرة) كيد (إن تلفت) بآفة سماوية أو قود أو حد فيجب بعد الاندمال هنا أيضا ما نقص؛ لشبهها بالأموال حينئذ، فإن لم تنقص كأن قطع ذكره وأنثياه

(1)

كما هو الغالب لم يجب شيء (وإن أتلفت) بالجناية عليها (فكذا في القديم) يجب ما نقص من قيمته كسائر الأموال (وعلى الجديد تتقدر من الرقيق، والقيمة فيه كالدية في الحر ففي) أنثييه وذكره قيمتان وإن زادت قيمته بالقطع، وفي يديه كمال قيمته، نعم إن قطعهما مشتر وهو بيد البائع لم يكن قابضا له فلا يلزمه إلا ما نقص وإلا كان قابضا له مع كونه بيد البائع، وفي (يده نصف قيمته) كما سيذكره آخر الديات، ولا يتوقف الضمان هنا على الاندمال فيقوّم مجروحا قد برئ. هذا إن كان الجاني غير غاصب أما هو فيلزمه أكثر الأمرين من نصف القيمة والنقص على القولين؛ لاجتماع الشبهين، فلو نقص بقطعها ثلثا قيمته لزمه النصف بالقطع والسدس بالغصب، نعم إن كان القاطع غير الغاصب والمالك وهو ممن يضمن لزمه النصف والغاصب الزائد عليه

(2)

فقط أو كان القاطع المالك ضمن الغاصب الزائد عليه.

(1)

. أي بأن سقطت بلا جناية أو قطعت قودا، قاله ابن قاسم.

(2)

. يؤخذ من كلامهما أن محله إذا سقطت بلا جناية أو قطعت بقود، وأما بالجناية فيضمن مطلقا.

ص: 342

وَسَائِرُ الحَيَوَانِ بِالْقِيمَةِ، وَغَيْرُهُ مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ المِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ، كَمَاءٍ

(وسائر الحيوان). أي باقيه -وهو ما عدا الآدمي إلا الصيد في الحرم أو على المحرم؛ لما مر أنه يضمن بمثله- تضمن نفسه (بالقيمة

(1)

أي أقصاها وأَجْزَاؤُه بما نقص منها; لأنه لا يشبه الآدمي بل الجماد

(2)

.

[تنبيه] التقويم بعد الاندمال دائما والقيمة المعتبرة كلا أو بعضا قيمة يوم التلف في غير المغصوب وأقصى القيم فيه

.

[فرع] أخذ قنا فقال أنا حر فتركه ضمنه

وأفتى بعضهم فيمن أطعم دابة غيره مسموما فماتت بأنه يضمنها لا غير مسموم ما لم يستول عليها ومن آجر داره إلا بيتا وضع فيه دابته لم يضمن ما أتلفته على المستأجر إلا إن غاب وظن أن البيت مغلق، (وغيره) أي الحيوان من الأموال (مثلي ومتقوِّم

(3)

، والأصح أن المثلي ما حصره كيل أو وزن) أي أمكن ضبطه بأحدهما وإن لم يعتد فيه بخصوصه (وجاز السلم فيه

(4)

فما حصره عد أو ذرع كحيوان وثياب متقوم وإن جاز السلم فيه، والجواهر والمعجونات ونحوها وكل ما مر مما يمتنع السلم فيه متقوم وإن حصره كيل أو وزن; لأن المانع من ثبوته في الذمة بعقد السلم مانع من ثبوته فيها بالتعدي (كماء) غير مسخن بنار، أما المسخن بها فمتقوم

(5)

؛ لاختلاف درجات حموه، ومثله

(6)

الأدهان إذا دخلت النار أي لغير التمييز، أما الماء الملح فإن اختلفت ملوحته ولم

(1)

. ذكر الشارح في الأضحية أن كل من أتلف شاة غيره بغير إذنه ثم أتلف اللحم أو فرقه وتعذر استرداده أنه يضمن قيمتها عند الذبح لا الأكثر من قيمتها وقيمة اللحم ولا أرش الذبح وقيمة اللحم 9/ 359.

(2)

. ولو قطع أعضاء حيوان ثم مات بسرايتها أو بقتله وجب ضمان أعضائه وضمان الحيوان ولا تداخل كما ذكره الشارح قبيل فصل الجناية التي لا تقدير لأرشها 8/ 483.

(3)

. ذكر الشارح قبيل الظهار أن من غصب دجاجة ولؤلؤة فابتلعتها أنه يؤمر بالترديد بأن يقال له إن ذبحتها غرمتها وإلا غرمت اللؤلؤة 8/ 175.

(4)

. وعند الشارح خل التمر متقوم وعندهما أنه مثلي.

(5)

. خلافا لهما.

(6)

. خلافا لهما.

ص: 343

وَتُرَابٍ وَرَمْلٍ وَنُحَاسٍ وَتِبْرٍ وَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَقُطْنٍ وَعِنَبٍ وَدَقِيقٍ، لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ فَيُضْمَنُ المِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ

ينضبط كان متقوما؛ لعدم صحة السلم فيه وإلا كان مثليا (وتراب ورمل ونُحاس) وحديد وفضة (وتبر) وهو ذهب المعدن الخالص عن ترابه -ويأتي ما يعلم منه أن نحو الإناء من نحو النحاس متقوم- ودراهم ودنانير ولو مغشوشة ومكسرهما ونحو سبيكة (ومسك وكافور وقطن) -وإن كان فيه حبُّهُ- وبن أو قشره إن لم يعرض على النار بما يمنع صحة السلم فيه (وعنب) وسائر الفواكه الرطبة على ما جريا عليه هنا والمعتمد أنها متقومة

(1)

(ودقيق) ونخالة وحبوب وأدهان وسمن ولبن ومخيض وخل لا ماء فيه

(2)

وبيض وصابون وتمر وزبيب (لا غالية

(3)

ومعجون

(4)

؛ لاختلاف أجزائهما مع عدم انضباطهما (فيضمن المثلي بمثله) ما لم يتراضيا على قيمته; لأنه أقرب إلى حقه، نعم إن خرج المثلي عن القيمة كأن أتلف ماء بمفازة ثم اجتمعا بمحل لا قيمة للماء فيه أصلا لزمه قيمته بمحل الإتلاف بخلاف ما إذا بقيت له قيمة ولو تافهة; لأن الأصل المثل فلا يعدل عنه إلا حيث زالت ماليته من أصلها وإلا فلا

(5)

، ومحله فيما لا مؤنة لنقله وإلا غرمه قيمته بمحل التلف، ولو صار المثلي متقوما أو مثليا أو المتقوم مثليا كجعل الدقيق خبزا والسمسم شيرجا

(6)

والشاة لحما ثم تلف ضمن المثل ساوى قيمة الآخر أم لا ما لم يكن الآخر أكثر قيمة فيضمن بقيمته في الأولى

(7)

والثالثة، ويتخير المالك بمطالبته بأي المثلين في الثانية فعلم أنه لو غصب صاع بر قيمته درهم فطحنه فصارت

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. وفاقا لشرح الروض واعتمد الرملي أنه لا فرق بين ما فيه ماء وغيره.

(3)

. هي نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن، لسان العرب.

(4)

. المعجون من الأدوية ما عجن، المعجم الوسيط.

(5)

. وذكر الشيخ ابن حجر في موضع آخر أن محل هذا في النقص بالرخص، أما النقص بفعل الغاصب أو بغير فعله كنسيان الصنعة عنده فيضمنه رده أو تلف وإن زاد عنده ما يزيد على ذلك النقص 6/ 26.

(6)

. هو دهن السمسم، لسان العرب.

(7)

. وذكر الشيخ ابن حجر في موضع آخر أن محل هذه إذا لم يكن الغاصب ضمن جزأ من المثل إذا ضم أرشه إلى قيمة المتقوم صار أغبط، وإلا فيجب حينئذ الأغبط 6/ 26.

ص: 344

تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقِيمَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ المُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى تَعَذُّرِ المِثْلِ. وَلَوْ نَقَلَ المَغْصُوبَ المِثْلِيَّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الحَالِ، فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا،

قيمته درهما وسدسا فخبزه فصارت درهما وثلثا وأكله لزمه درهم وثلث، ولو صار المتقوم متقوما كإناء نحاس صيغ منه حلي وجب فيه أقصى القيم، ويضمن جرم الحلي وصنعته بقيمته من نقد البلد

(1)

وإن كان من غير جنسه (تلف) المغصوب (أو أتلف، فإن تعذر) المثل حسا -كأن لم يوجد بمحل الغصب ولا بدون مسافة القصر منه- أو شرعا كأن لم يوجد المثل فيما ذكر إلا بأكثر من ثمن المثل (فالقيمة) هي الواجبة; لأنه الآن كما لا مثل له (والأصح) فيما إذا كان المثل موجودا عند التلف فلم يسلمه حتى فقده (أن المعتبر أقصى قيمه من وقت الغصب إلى تعذر المثل) ; لأنه ما من حالة إلا وهو مطالب برده فيها، أما إذا كان المثل مفقودا عند التلف فيجب الأكثر من الغصب إلى التلف.

[تنبيه] العبرة بقيمة المغصوب

(2)

لا المثل

(ولو نقل المغصوب المثلي) أو انتقل بنفسه أو بفعل أجنبي، وكذا المتقوم كما علم، وخص المتن المثلي؛ ليرتب عليه ما بعده (إلى بلد) أو محل (آخر) ولو من بلد واحد بشرط أن يتعذر إحضاره حالا وإلا لم يطالبه بالقيمة (فللمالك أن يكلفه رده) إذا علم مكانه؛ لخبر ((على اليد)) السابق (وأن يطالبه) وإن قرب محل المغصوب

(3)

ولو لم يخف هربه ولا تواريه (بقيمته) أي بأقصى قيمه من الغصب إلى المطالبة (في الحال) أي قبل الرد؛ للحيلولة بينه وبين ملكه، ويملكها ملك القرض; لأنه ينتفع بها على حكم ردها أو رد بدلها عند رد العين، ولا يبرأ بدفعها عن ضمان زوائده وأجرته، ومعنى كونها للحيلولة وقوع التراد فيها (فإذا رده) أي المغصوب أو عتق مثلا (ردها) إن بقيت وإلا فبدلها؛ لزوال الحيلولة ويمتنع رد بدلها مع وجودها، وإنما لم يردها إذا أخذها لفقد المثل ثم وجد; لأنه ليس عين حقه بخلاف المغصوب. ولو اتفقا على تركه في مقابلتها فلا بد من بيع بشروطه. وقضية المتن أنه ليس للغاصب حبسه لاستردادها، نعم له الحبس للإشهاد كما مر قبيل الإقرار.

(1)

. خلافا لهما فعندهما يضمن الحلي من النقد بوزنه وصنعته بقيمتها من نقد البلد.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. خلافا للمغني وشرح المنهج.

ص: 345

فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ المَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ فُقِدَ المِثْلُ غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً. وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ بِالمِثْلِ بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ، وَأَمَّا المَغْصُوبَ المُتَقَوِّمُ فَيَضْمَنُهُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنَ الْغَصْبِ، إلَى التَّلَفِ،

(فإن تلف) المغصوب المثلي (في البلد) أو المحل (المنقول) أو المنتقل (إليه) أو عاد وتلف في بلد الغصب (طالبه بالمثل في أي البلدين) أو المحلين (شاء) ; لأن رد العين قد توجه عليه في الموضعين وأخذ منه الإسنوي أن له الطلب في أي موضع شاء من المواضع التي وصل إليها في طريقه بين البلدين (فإن فقد المثل غرَّمه قيمة أكثر البلدين قيمة)؛ لذلك، ويأتي هنا بحث الإسنوي أيضا فله مطالبته بأقصى قيم المحال التي وصل إليها المغصوب (ولو ظفر بالغاصب في غير بلد التلف) والمغصوب مثلي والمثل موجود (فالصحيح أنه إن كان لا مؤنة لنقله) أو له مؤنة وتحملها المالك (كالنقد) اليسير وكان الطريق آمنا (فله مطالبته بالمثل)؛ إذ لا ضرر على واحد منهما حينئذ فله ذلك وإن زاد سعر المثل في بلد المطالبة

(1)

(وإلا) بأن كان لنقله مؤنة ولم يتحملها المالك أو خاف الطريق (فلا مطالبة بالمثل) ولا للغاصب أيضا تكليفه قبوله؛ لما فيه من المؤنة والضرر (بل يغرمه قيمة بلد التلف) سواء أكانت بلد الغصب أم لا، هذا إن كانت أكثر قيمة من المحال التي وصل إليها المغصوب وإلا فقيمة الأقصى من سائر البقاع التي حل بها المغصوب، وذلك; لأن تعذر الرجوع للمثل كفقده، والقيمة هنا للفيصولة فإذا غرمها ثم اجتمعا في بلد المغصوب لم يكن للمالك ردها وطلب المثل ولا للغاصب استردادها وبذل المثل. (وأما المغصوب المتقوم) كالحيوان

(2)

وأبعاضه سواء القن وغيره (فيضمنه بأقصى قيمه من الغصب إلى التلف) ; لأنه في حالة زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد فإذا لم يرد ضمن بدله بخلاف ما لو رد بعد الرخص لا يغرم شيئا; لأنه مع بقاء العين يتوقع زيادتها. وتجب قيمته من غالب نقد بلد التلف، ومحله إن لم ينقله وإلا اعتبر نقد

(1)

. خلافا للرملي.

(2)

. قضية كلام الشارح في إحياء الموات أنه لو غصب حمامة فهلك فرخها ضمنها؛ لأنه كالجزء منها 6/ 228.

ص: 346

وَفِي الْإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ. فَإِنْ جَنَى وَتَلِفَ بِسِرَايَةٍ فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا، وَلَا تُضْمَنُ الخَمْرُ وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا، وَتُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ بَقِيَتِ الْعَيْنُ وَكَذَلِكَ المُحْتَرَمَةُ إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ

محل القيمة وهو أكثر المحال التي وصل إليها وقد يضمن المتقوم بالمثل الصوري كما لو تلف المال الزكوي في يده بعد التمكن; لأنه لو أخرج مثله الصوري مع بقائه جاز فأولى مع تلفه.

[فرع] غصب بُرَّا قيمته خمسون فطحنه فعاد عشرين فخبزه فعاد خمسين ثم تلف ضمن ثمانين

؛ إذ ما نقصه الطحن لا تجبره زيادة الخبز كما لو نسي القن حرفته وعلمه أخرى؛ لأن هذه من صور ما إذا صار المثلي متقوما والمرجح فيه أنه يجب مثله ما لم يكن المتقوم أغبط فتجب قيمته وهي الثمانون؛ لأنها الأغبط، والثلاثون وإن وجبت للنقص لكنها بدل الجزء الفائت بالطحن فضمت للخمسين (وفي الإتلاف) لمضمون (بلا غصب) يضمنه (بقيمة يوم التلف) في محله إن صلح وإلا كمفازة فقيمة أقرب محل إليه وذلك; لأنه لم يدخل في ضمانه قبلَ التلف، وبعدَ التلف هو معدوم وضمان الزائد في المغصوب إنما كان بالغصب ولم يوجد هنا. ولو أتلف عبدا مُغنِّيا لزمه تمام قيمته أو أمة مُغنِّية لم يلزمه ما زاد على قيمتها بسبب الغناء; لأنه لحرمة استماعه منها عند خوف الفتنة لا قيمة له، بل ومثله في ذلك غناء العبد المحرم. ولو استوى في القرب إليه محال مختلفة القيم تخير الغاصب (فإن جنى) عليه بتعد لا بنحو صيال وهو بيد مالكه أو من يخلفه في اليد (وتلف بسراية) من تلك الجناية (فالواجب الأقصى أيضا) من حين الجناية إلى التلف; لأن ذلك إذا وجب في اليد العادية ففي الإتلاف الساري أولى (ولا تضمن الخمر) ولو محترمة لذمي؛ إذ لا قيمة لها ككل نجس ولو دهنا وماءً، والمراد بها هاهنا ما يعم النبيذ، نعم لا ينبغي إراقته قبل استحكام غير حنفي فيه؛ لئلا يرفع له فيغرمه قيمته، ولا نظر هنا لكون من هو له يعتقد حله أو حرمته (ولا تراق) هي فأولى بقية المسكرات (على ذمي) ومعاهد ومستأمن; لأنهم يقرون على الانتفاع بها بمعنى أنهم لا يتعرض لهم فيه (إلا أن يُظِهر شربها أو بيعها) أو هبتها ونحو ذلك ولو من مثله بأن يطلع عليه من غير تجسس فتراق عليه; لأن في إظهار ذلك استهانة بالإسلام، وآلة اللهو والخنزير مثلها في ذلك. هذا كله إذا كانوا بين أظهرنا وإن انفردوا بمحلة من البلد، فإن انفردوا ببلد -أي بأن لم يخالطهم مسلم- لم يتعرض لهم (وترد عليه) عند أخذها منه وهو لم يظهرها (إن بقيت العين)؛ لما تقرر أنه يقر عليها والمؤنة على الغاصب (وكذلك المحترمة) وهي التي عصرت بقصد الخلِّية أوْ لا بقصد شيء من خلِّية ولا خمرية (إذا غصبت من مسلم) يجب ردها عليه ما بقيت العين; لأن

ص: 347

وَالْأَصْنَامُ وَآلَاتُ المَلَاهِي لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَلْ تُفَصَّلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ، فَإِنْ عَجَزَ المُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الحَدِّ لِمَنْعِ صَاحِبِ المُنْكَرِ أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ،

له إمساكها لتصير خلا. أما غير المحترمة فتراق ولا ترد عليه. ومن أظهر خمرا وزعم أنها محترمة لم يقبل منه وإلا لاتَّخذ الفسَّاق ذلك وسيلة إلى اقتناء الخمور وإظهارها إلا أن يُعلم ورعه وتشتهر تقواه. وأما المسكرات الطاهرة فتضمن

(1)

إلا إذا تعيّن الإتلاف وسيلة لمنع أكلها المحرم (والأصنام) والصلبان (وآلات الملاهي) والأواني المحرمة (لا يجب في إبطالها شيء)؛ لوجوبه على القادر عليه، أما آلة لهو غير محرمة كدف فيحرم كسرها ويجب أرشها، ويأتي في اليراع المختلف فيه ما مر في النبيذ (والأصح أنها لا تكسر الكسر الفاحش)؛ لإمكان إزالة الهيئة المحرمة بذلك مع بقاء بعض المالية (بل تفصل لتعود كما قبل التأليف)؛ لزوال اسمها وهيئتها المحرمة بذلك فلا يكفي إزالة الأوتار مع بقاء الجلد اتفاقا (فإن عجز المُنكِر عن رعاية هذا الحد) في الإنكار (لمنع صاحب المُنْكَر) مثلا من يريد إبطاله لقوته (أبطله كيف تيسر) بإحراق تعين طريقا وإلا فبكسر وإن زاد على ما ذكر؛ لتقصير صاحبه، ومتى أحرقها من غير تعين غرم قيمتها مكسورة بالحد المشروع; لأن رضاضها متمول محترم بخلاف ما لو جاوز الحد المشروع مع إمكانه فإنه لا يلزمه إلا التفاوت بين قيمتها مكسورة بالحد المشروع وقيمتها منتهية إلى الحد الذي أتى به، قال في الإحياء ويجري ما ذكر من الإبطال كيف تيسر فيما لو عجز عن صب الخمر لضيق رءوس أوانيها مع خشية لحوق فسقة له ومنعهم من ذلك أو كان يمضي في ذلك زمانه ويتعطل شغله -أي بحيث يمضي فيه زمن يقابل عمله فيه بأجرة غير تافهة عرفا- قال وللولاة كسر ظروفها مطلقا زجرا وتأديبا دون الآحاد. ولو اختلف المالك والمنكر في أنه لم يمكن إلا ما فعله صدق المنكر

(2)

؛ لأن الأصل عدم الضمان.

[تنبيه] سيأتي في الجهاد أنه تجب إزالة المنكر ويختص وجوبه بكل مكلف قادر

ولو أنثى وقنا وفاسقا ويثاب عليه المميز كما يثاب عليه البالغ.

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا عدم الضمان مطلقاً.

(2)

. وفاقا للرملي وخلافا للمغني.

ص: 348

وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ. وَلَا يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ إلَّا بِتَفْوِيتٍ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الحُرِّ فِي الْأَصَحِّ

(وتضمن منفعة الدار والعبد ونحوهما) من كل ما له منفعة يُستأجر عليها

(1)

(بالتفويت) بالاستعمال (والفوات) وهو ضياع المنفعة من غير انتفاع كإغلاق الدار (في يد عادية) ; لأن المنافع متقومة فضمنت بالغصب كالأعيان سواء أكان مع ذلك أرش نقص أم لا كما يأتي، فإن تفاوتت الأجرة في المدة ضمن كل مدة بما يقابلها ولا يتصور هنا أقصى لانفصال واجب كل مدة باستقراره في الذمة عما قبله وما بعده بخلاف القيمة، ولو كان للمغصوب صنائع وجبت أجرة أعلاها إن لم يمكن جمعها وإلا فأجرة الكل كخياطة وحراسة وتعليم قرآن. أما ما لا منفعة له أو له منفعة لا يجوز استئجاره لها كحب وكلب وآلة لهو فلا أجرة له. ولو اصطاد الغاصب به فهو له كما لو غصب شبكة أو قوسا واصطاد بهما; لأنه آلة محضة له بخلاف ما لو غصب قنا واصطاد له فإنه يضمن صيده إن وضع يده عليه; لأنه على ملك مالكه، وأجرته; لأن مالكه ربما استعمله في غير ذلك. ولو أتلف ولد حلوب فانقطع بسببه لبنها لزمه مع قيمته أرشها وهو ما بين قيمتها حلوبا وقيمتها ولا لبن فيها (ولا يضمن منفعة البضع) وهو الفرج (إلا بتفويت) بالوطء فيضمنه بمهر المثل بتفصيله الآتي آخر الباب لا بفوات; لأن اليد لا تثبت عليه، ومن ثم صح تزويجه لأمته المغصوبة مطلقا، لا إيجارها إن عجز -كالمستأجر- عن انتزاعها; لأن يد الغاصب حائلة (وكذا منفعة بدن الحر) لا تضمن إلا بالتفويت (في الأصح) دون الفوات كأن حبسه ولو صغيرا; لأن الحر لا يدخل تحت اليد، فإن أكرهه على العمل وجبت أجرته إلا أن يكون مرتدا ويموت على ردته، ومنفعة المسجد والرباط والمدرسة كمنفعة الحر فإن شغله بمتاع لا يعتاد الجالس فيه وضعه فيه ولا مصلحة للمسجد في وضعه فيه زمنا لمثله أجرة وأغلقه لزم أجرة جميعه تصرف لمصالحه فإن لم يغلقه ضمن أجرة موضع متاعه فقط، أما إذا لم يشغله كذلك فلا أجرة كما لو احتاج نحو المصلي والمعتكف لوضعه فيه، وأما عرفة ونحوها من منى ومزدلفة وأرض وقفت لدفن الموتى والشوارع فإن شغلها وقت احتياج الناس إليها لنحو نسك بما لا يحتاج إليه البتة حتى ضيق

(1)

. ولو غصب أرضا لا تصلح إلا للزراعة لزم غاصبها في سني الجدب أجرة مثلها في مدة الاستيلاء عليها لإمكان الانتفاع بها بنحو ربط الدواب فيها كما نص عليه الشارح في الإجارة 6/ 150.

ص: 349

وَإِذَا نَقَصَ المَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَجَبَ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ فِي الْأَصَحِّ

على الناس وأضرهم به لزمه أجرته بتفصيله وإلا فلا، وحينئذ يصرف الإمام أو نائبه ما لزمه من الأجرة في مصالح المسلمين إلا في الأرض الموقوفة للدفن فلمصالحها كالمسجد ونحو الرباط، وحكم غرس الشجر في المسجد الحرمة إذا غرس لنفسه أو أضر بالمسجد أو ضيق على المصلين والكراهة إذا انتفى ذلك، وتجب الأجرة حيث قلنا بالحرمة.

[تنبيه] كل ما جاز وضعه لا أجرة فيه وكل ما لم يجز وضعه فيه الأجرة

(وإذا نقص المغصوب) أو شيء من زوائده (بغير استعمال) كعمى حيوان وسقوط يده بآفة (وجب الأرش)؛ للنقص (مع الأجرة) له سليما إلى حدوث النقص ومعيبا من حدوثه إلى الرد؛ لفوات منافعه في يده، نعم قد تجب الأجرة أيضا من الرد إلى البرء وذلك فيما إذا تعذر بسبب العيب عمله عند المالك أو نقص فتجب الأجرة أو ما نقص من الرد إلى البرء، (وكذا لو نقص به) أي الاستعمال (بأن بلي الثوب) باللبس فيجب الأرش وأجرة المثل (في الأصح) ; لأن كلا منهما يجب ضمانه عند الانفراد فكذا عند الاجتماع، ولو خصى العبد المغصوب -أي قطع ذكره وأنثياه- لزمه قيمتاه; لأنه جناية فلا نظر معها لزيادة القيمة بخلاف ما لو سقطا بآفة; لأنه منوط بالنقص ولم يوجد بل زادت به القيمة.

ص: 350

فصل

ادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنْكَرَ المَالِكُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِذَا حَلَفَ غَرَّمَهُ المَالِكُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ أَوْ فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ المَغْصُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خُلْقِيٍّ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ،

(فصل) في اختلاف المالك والغاصب وضمان ما ينقص به المغصوب وجنايته وتوابعهما

(ادعى) الغاصب (تلفه) أي المغصوب (وأنكر المالك صدق الغاصب بيمينه على الصحيح

(1)

; لأنه قد يَصْدُق ويعجز عن البينة، فلو لم نصدقه أدى ذلك إلى دوام حبسه، نعم محله إذا لم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا، أما إذا ذكر سببا ظاهرا فيحبس حتى يبينه كالوديع (فإذا حلف غَرَّمه المالك) المثل أو القيمة (في الأصح)؛ لعجزه عن الوصول إلى عين ماله بيمين الغاصب فصار كالتالف، ومن ثم لم يجب للمالك أجرة لما بعد زمن التلف الذي حلَّفه عليه، وله إجباره على قبول البدل منه لتبرأ ذمته. (فلو اختلفا في قيمته) بعد اتفاقهما على تلفه أو حلف الغاصب عليه (أو) اختلفا في (الثياب التي على العبد المغصوب) فادعاها كل منهما (أو) اختلفا (في عيب خلقي) كأن قال كان أعمى أو أعرج خلقة وقال المالك بل حدث عندك (صدق الغاصب بيمينه) أما الأولى فلأصل براءة ذمته من الزيادة فيثبتها المالك وتسمع بينة المالك بأن القيمة بعد الغصب

(2)

أكثر مما ذكره الغاصب -وإن لم تقدِّر البينة شيئا- فيكلف الغاصب الزيادة إلى حد لا تقطع البينة بالزيادة عليه، ولا تقبل بينة المالك بالصفات إن أراد بها أن يقوِّمه المقومون بتلك الصفات؛ لاختلاف القيمة مع استوائها، نعم يستفيد بإقامتها إبطال دعوى الغاصب بقيمة حقيرة لا تليق بها فيؤمر بالزيادة إلى حد يمكن أن تكون قيمة

(1)

. ذكر الشارح في الإقرار أنه لو قال الغاصب غصبنا من زيد ألفا، ثم قال كنا عشرة أنفس، وخالفه زيد صدق الغاصب بيمينه 5/ 393، وذكر في موضع آخر أنه لو قال غصبتها من زيد بل من عمرو سلمت لزيد وغرم قيمتها لعمرو فإن قال غصبتها من زيد والملك فيها لعمرو سلمت لزيد ولم يغرم لعمرو شيئا 5/ 396.

(2)

. لا قبله.

ص: 351

وَفِي عَيْبٍ حَادِثٍ يُصَدَّقُ المَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَدَّهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٍ. وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ فَأَبْلاهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ. قُلْتُ: وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أَتْلَفَ أَحَدَهُمَا غَصْبًا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

لمثل ذلك الموصوف، وعلى ذلك يحمل قولهم: لو شهدا بأنه غصب عبدا صفته كذا فمات سمعت. وأما في الثانية فلأن يده على العبد وما عليه، وأما في الثالثة فلأن الأصل العدم والبينة ممكنة، ولو اختلفا في العين فقال الغاصب إنما غصبتُ هذا العبد وقال المالك بل إنما غصبَ أمة صفتها كذا صدق الغاصب أنه لم يغصب أمة وبطل حق المالك من العبد؛ لرده الإقرار له به (وفي عيب حادث) كسرقة وإباق وقطع يد ادعاه الغاصب (يصدق المالك بيمينه في الأصح) ; لأن الأصل والغالب السلامة، ومحله إن تلف فإن بقي ورده معيبا وقال غصبته هكذا صدق الغاصب; لأن الأصل براءته من الزيادة (ولو رده ناقص القيمة) بسبب الرخص (لم يلزمه شيء) ; لأنه لا نقص في ذاته ولا في صفاته والفائت إنما هو رغبات الناس وهي غير متقومة (ولو غصب ثوبا قيمته عشرة فصارت بالرخص درهما ثم لبسه فأبلاه فصارت نصف درهم فرده لزمه خمسة وهي قسط التالف من أقصى القيم) وهو العشرة; لأن الناقص باللبس نصف القيمة فلزمه قيمته أكثر ما كانت من الغصب إلى التلف وهي خمسة والنقص الباقي وهو أربعة ونصف سببه الرخص وهو غير مضمون، ويجب مع الخمسة أجرة اللبس (قلت: ولو غصب خفين) أي فردتي خف، ومثلهما كل فردين لا يصلح أحدهما إلا بالآخر كطائر مع زوجه وهو يساوي معها أكثر (قيمتهما عشرة فتلف أحدهما وردَّ الآخر وقيمته درهمان أو أتلف) أو تلف عطف على غصب (أحدهما غصبا) له فقط (أو) أتلف أحدهما (في يد مالكه

(1)

لزمه ثمانية في الأصح والله أعلم) خمسة للتالف وثلاثة لأرش ما حصل من التفريق عنده أما في الأولى فواضح وأما في الأخيرتين فلأنه أتلف أحدهما وأدخل النقص على الباقي بتعديه، ولو أتلفهما اثنان معا لزم كلا خمسة أو مرتبا لزم الأول ثمانية والثاني اثنان.

(1)

. احترز به عما لو أتلفه في يد الغاصب فإنه لا يلزمه إلا درهمان والباقي على الغاصب.

ص: 352

وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الحِنْطَةَ هَرِيسَةً فَكَالتَّالِفِ، وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ. وَلَوْ جَنَى المَغْصُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالمَالِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ غَرَّمَهُ المَالِكُ أَقْصَى الْقِيَم، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ المَالِكُ ثُمَّ يَرْجِعُ المَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ إلَى المَالِك فَبِيعَ فِي الجِنَايَةِ رَجَعَ المَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ المَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ

(ولو حدث نقص) في المغصوب (يسري إلى التلف بأن) بمعنى كأن (جعل الحنطة هريسة) أو الدقيق عصيدة (فكالتالف) ; لأنه لو ترك بحاله لفسد فكأنه هلك، نعم يحجر عليه فيه إلى أداء بدله، وإنما كان المالك أحق بجلد شاة قتلها غاصبها وبزيت نجَّسه غاصبه; لأنه لا مالية فيهما فلم يغرم في مقابلتهما شيئا (وفي قول يرده مع أرش النقص) كالتعييب الذي لا يسري. وخرج بجعل ما لو حدث النقص في يده من غير فعله كما لو تعفن الطعام عنده لطول مكثه فيتعين أخذه مع أرشه قطعا وسيأتي ما يعلم منه أن خلط نحو زيت بجنسه يصيره كالهالك فيملكه وله إبداله أو إعطاؤه مما خلطه بمثله أو أجود لا بأردأ إلا برضاه، وكذا الحكم

(1)

فيما لو غصبه من اثنين أو خلط الدراهم بمثلها بحيث لا تتميز. (ولو جنى) القن (المغصوب فتعلق برقبته مال) ابتداء أو للعفو عليه (لزم الغاصب تخليصه) ; لأنه نقص حدث في يده وهو مضمون عليه (بالأقل من قيمته والمال) الواجب بالجناية (فإن تلف) الجاني (في يده) أي الغاصب (غرمه المالك أقصى القيم) من الغصب إلى التلف كسائر الأعيان المغصوبة (وللمجني عليه تغريمه) أي الغاصب; لأن جناية المغصوب مضمونة عليه (و) له (أن يتعلق بما أخذه المالك) من الغاصب بقدر حقه; لأن حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها، ومن ثم لو أخذ المجني عليه الأرش لم يتعلق به المالك (ثم) إذا أخذ المجني عليه حقه من تلك القيمة (يرجع المالك على الغاصب) بما أخذه منه المجني عليه; لأنه أخذه منه بجناية مضمونة على الغاصب، وأفهم ((ثم)) أنه لا يرجع قبل أخذ المجني عليه منه؛ لاحتمال أنه يبرئ الغاصب، نعم له مطالبة الغاصب بالأداء للمجني عليه حتى لا يتعلق بما أخذه كما يطالب به الضامن الأصيل (ولو رد العبد) أي القن الجاني (إلى المالك فبيع في الجناية رجع المالك بما أخذه المجني عليه على الغاصب) ; لأن الجناية حصلت حين كان مضمونا عليه.

(1)

. خلافا لهما.

ص: 353

وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا أَجْبَرَهُ المَالِكُ عَلَى رَدِّهِ أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ وَإِعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ المَالِكُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ، وَإِلَّا فَلَا يَرُدُّهُ إلا بِإذْنٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمُّهَا، وَإِذَا أَعَادَ الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ فَلَا أَرْشَ لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ المِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ،

(ولو غصب أرضا فنقل ترابها) بكشط عن وجهها أو حفرها (أجبره المالك على رده) إن بقي وإن غرم عليه أضعاف قيمته ولو فرض أنه لا قيمة له (أو رد مثله) إن تلف؛ لما مر أنه مثلي، ولا يرد المثلي إلا بإذن المالك

(1)

; لأنه في الذمة فلا بد من قبض المالك له حتى يبرأ منه (و) على (إعادة الأرض كما كانت) من ارتفاع أو ضده؛ لإمكانه فإن تعذر بعد ذلك إلا بزيادة تراب آخر لزمه لكن إن أذن له المالك (وللناقل) للتراب (الرد) له (وإن لم يطالبه المالك) به بل وإن منعه منه (إن) لم يتيسر نقله لموات، و (كان له فيه غرض) كأن نقله لملكه أو غيره وأراد تفريغه منه ليتسع أو ليزول الضمان عنه أو نقصت الأرض به ونقصها ينجبر برده ولم يبرئه منه، وإنما لم يجز له رفو

(2)

ثوب تخرق عنده; لأنه لا يعود به كما كان، أما إذا تيسر نقله لنحو موات في طريقه ولم تنقص الأرض لو لم يرده أو أبرأه فلا يرده إلا بالإذن، وكذا في غير طريقه ومسافته كمسافة أرض المالك أو أقل. وللمالك منعه من بسطه وإن كان في الأصل مبسوطا لا من طم حفر به حفرها وخشي تلف شيء فيها إلا إذا أبرأه من ضمانها (وإلا) يكن له فيه غرض بأن نقله لموات ولم تنقص به ولا طلب المالك رده (فلا يرده إلا بإذن في الأصح) ; لأنه تصرف في ملك غيره بلا حاجة فإن فعل كلَّفه النقل (ويقاس بما ذكرنا حفر البئر) الذي تعدى به الغاصب (وطمها) إن أراده، فإن أمره المالك بالطم وجب وإلا فإن كان له فيه غرض استقل به -وإن منعه منه- وإلا فلا، ومن الغرض هنا ضمان التردي فإن لم يكن له غرض غيره وقال له المالك رضيت باستدامة البئر امتنع عليه الطم؛ لاندفاع الضمان عنه بذلك وتطم بترابها إن بقي وإلا فبمثله لكن إن أذن المالك برده حينئذ؛ لأن المثل في الذمة وما فيها لا يملك إلا بقبض صحيح (وإذا أعاد الأرض كما كانت ولم يبق نقص فلا أرش)؛ إذ لا موجب له (لكن عليه أجرة المثل لمدة الإعادة) والحفر; لأنه وضع يده عليها

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. أي لأم خرقه وضم بعضه إلى بعض وأصلح ما وهى منه، الصحاح.

ص: 354

وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا. وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ، رَدَّهُ وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ فَقَطْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ نَقَصَتَا غَرِمَ الذَّاهِبُ وَرَدَّ الْبَاقِيَ مَعَ أَرْشِهِ إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّمَنَ لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ قَبْلَهُ، وَأَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا يَجْبُرُ النِّسْيَانَ،

مدتهما

(1)

تعديا وإن كان آتيا بواجب (وإن بقي نقص) في الأرض بعد الإعادة (وجب أرشه معها) أي الأجرة؛ لاختلاف بسببها (ولو غصب زيتا ونحوه) من الأدهان (وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته رده)؛ لبقاء العين (ولزمه مثل الذاهب في الأصح) ; لأن له بدلا مقدرا (وإن نقصت القيمة فقط) أي دون العين (لزمه الأرش)؛ جبرا له (وإن نقصتا) أي العين والقيمة معا (غرم الذاهب ورد الباقي) مطلقا، و (مع أرشه إن كان نقص القيمة أكثر) مما نقص بالعين كرطلين قيمتهما درهمان صارا بالإغلاء رطلا قيمته نصف درهم فيرد الباقي ويرد معه رطلا ونصف درهم. أما إذا لم يكن نقص القيمة أكثر بأن لم يحصل في الباقي نقص كما لو صارا رطلا قيمته درهم أو أكثر فيغرم الذاهب فقط ويرد الباقي. ولو غصب عصيرا وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته لم يغرم مثل الذاهب; لأنه مائية لا قيمة لها والذاهب من الدهن دهن متقوم.

[فرع] غصب وثيقة بدين أو عين وأتلفها ضمن قيمة الكاغد

(2)

مكتوبا ملاحظا أجرة الكتابة لا أن الأجرة تجب مع قيمة الكاغد مكتوبا

. وإن محاه ضمن قيمة ما نقص منه، ولو غوَّر شريك ماء عين له ولشركائه فيبس ما كان يسقى بها من الشجر ضمن. (والأصح أن السمن) الطارئ في يد الغاصب (لا يجبر نقص هزال قبله) فلو غصب سمينة فهُزِلَت ثم سمنت ردها وأرش السمن الأول; لأن الثاني غيره وما نشأ عن فعل الغاصب لا قيمة له حتى لو زال هذا غرم أرشه أيضا، هذا إن رجعت قيمتها إلى ما كانت عليه وإلا غرم أرش النقص قطعا. وأشار بقوله ((نقصَ هُزال)) إلى أنه لا أثر لزوال سمن مفرط لا ينقص زواله القيمة، ولو انعكس الحال بأن سمنت -في يد الغاصب- معتدلةٌ سمنا مفرطا نقص قيمتها ردها مع أرش النقص، ومثل السمن الحسن وصوغ حليٍّ انكسر (وأنَّ تذكر صنعة) بنفسه أو بتعليم (نسيها) عند الغاصب (يجبر النسيان)

(1)

. أي الإعادة والحفر، وظاهره دون ما بينهما وخالفه فيه المغني.

(2)

. هو القرطاس، الصحاح.

ص: 355

وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ أُخْرَى قَطْعًا. وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الخَلَّ لِلْمَالِكِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ إنْ كَانَ الخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً. وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الخَلَّ وَالجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ.

فصل

زِيَادَةُ المَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقِصَارَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا، وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ وَأَرْشَُ النَّقْصِ

الأن العائد هو عين الأول بخلاف السمن حتى لو تذكرها عند المالك من نفسه استرد الغاصب ما دفع من الأرش أو بتعلم لم يسترد شيئا (وتعلم صنعة لا يجبر نسيان) صنعة (أخرى قطعا)؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الصنائع. (ولو غصب عصيرا فتخمر ثم تخلل فالأصح أن الخل للمالك) ; لأنه عين ماله (وعلى الغاصب الأرش)؛ لنقصه (إن كان الخل أنقص قيمة) من العصير؛ لحصوله في يده، ويجري ذلك فيما إذا غصب بيضا فتفرخ أو حبا فنبت فإن لم ينقص عن قيمته عصيرا فلا شيء عليه غير الرد. وخرج بـ ((ثم تخلل)) ما لو تخمر ولم يتخلل فيلزمه مثل العصير، لا إراقتها; لأنها محترمة بل يردها للمالك ما لم يعلم أن المالك عصرها بقصد الخمرية فيريقها، ومتى تخللت ردها مع أرش النقص واسترد العصير (ولو غصب خمرا) ولو غير محترمة (فتخللت أو جلد ميتة فدبغه فالأصح أن الخل والجلد للمغصوب منه) ; لأنهما فرعا ملكه. فإن تلفا في يده ضمنهما، وخرج بغَصَبَ ما لو أعرض عنهما وهو ممن يصح إعراضه فيملكه آخذه.

(فصل) فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال للغير وتوابعها

(زيادة المغصوب إن كانت أثرا محضا كقصارة) لثوب، وخياطة بخيط للمالك

(1)

(فلا شيء للغاصب بسببها)؛ لتعديه بعمله في ملك غيره (وللمالك تكليفه رده) وإن لم يكن له -أي المالك- غرض (كما كان إن أمكن) ولو بعسرٍ كرد اللَّبِن طينا والدراهم والحلي سبائك؛ إلحاقا لرد الصفة برد العين، فإن لم يمكن رده كما كان كالقصارة لم يكلف ذلك بل يرده بحاله، ولو رضي المالك ببقائه لم يعده ما لم يكن للغاصب غرض وإلا كأن ضرب الدراهم بغير إذن السلطان فله إعادتها خوفا من التعزير (وأرشَُ النقص) لقيمته قبل الزيادة سواء أحصل

(1)

. أما لو كان الخيط من الغاصب وزادت به القيمة شارك به إن لم يُمكن فصله.

ص: 356

وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ. وَلَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ

النقص بها من وجه آخر أم بإزالتها، ويلزمه مع ذلك أجرة مثله لدخوله في ضمانه لا لما زاد بصنعته; لأن فواته بأمر المالك، ومن ثم لو رده بغير أمره ولا غرض له غرم أرشه. وعُلم مما مر في رد التراب أنه لو لم يكن للغاصب غرض في الرد سوى عدم لزوم الأرش ومنعه المالك منه وأبرأه امتنع عليه وسقط عنه الأرش (وإن كانت) الزيادة (عينا كبناء وغراس كلف القلع

(1)

وأرش النقص؛ لخبر ((ليس لعِرْق ظالم حق))، وللغاصب قلعه وإن نقصت به الأرض أو رضي المالك بإبقائه بالأجرة أو أراد تملكه؛ إذ لا أرش على المالك في القلع، ولا يلزمه قبوله لو وهب له وكذا الصبغ -فيما يأتي-؛ للمنة (ولو صبغ) الغاصب (الثوب بصبغه وأمكن فصله) بأن لم ينعقد الصبغ به (أجبر عليه) أي الفصل وإن خسر خسرانا بينا ولو نقصت قيمة الصبغ بالفصل (في الأصح) كالبناء والغراس، وله الفصل قهرا على المالك وإن نقص الثوب به; لأنه يغرم أرش النقص نظير ما مر آنفا، ولو تراضيا على الإبقاء فهما شريكان. ومحل ذلك في صبغ يحصل منه عين مال أما ما هو تمويه محض ولم يحصل به نقص فهو كالتزويق

(2)

فلا يستقل الغاصب بفصله ولا يجبره المالك عليه. وخرج بصِبْغِهِ صبغ المالك فالزيادة كلها للمالك والنقص على الغاصب وليس له فصله بغير إذن المالك وله إجباره عليه مع أرش النقص، وصبغ مغصوب من آخر فلكل من مالكي الثوب والصبغ تكليفه فصلا أمكن مع أرش النقص، فإن لم يمكن فهما في الزيادة والنقص كما في قوله (وإن لم يمكن) فصله؛ لتعقده (فإن لم تزد قيمته) ولم تنقص بأن كان يساوي عشرة قبله وساواها بعده مع أن الصبغ قيمته خمسة لا لانخفاض سوق الثوب (فلا شيء للغاصب فيه) ولا عليه; لأن صبغه كالمعدوم حينئذ (وإن نقصت) قيمته بأن صار يساوي خمسة (لزمه الأرش) وهو ما نقص من

(1)

. نعم يجوز له استئجار نحو محل الغرس ليبقيه كما نص عليه الشارح في باب الأصول والثمار 4/ 453.

(2)

. هو التزيين، لسان العرب.

ص: 357

وَإِنْ زَادَتِ اشْتَرَكَا فِيهِ. وَلَوْ خَلَطَ المَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ لَزِمَهُ، وَإِنْ شَقَّ، وَإِنْ تَعَذَّرَ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ فَلَهُ تَغْرِيمُهُ،

قيمته لحصول النقص بفعله (وإن زادت قيمته) بسبب الصبغ

(1)

أو الصنعة (اشتركا فيه) أي الثوب بالنسبة فإذا صار يساوي خمسة عشر فهو بينهما أثلاثا وإن كان الصبغ يساوي عشرة مثلا; لأن النقص عليه، أو بسبب ارتفاع سعر أحدهما فقط فالزيادة لصاحبه، ولو نقصت قيمتهما عن الخمسة عشر كأن ساوى اثني عشر فإن كان النقص لانخفاض سعر الثياب فهو على الثوب، أو سعر الصبغ أو بسبب الصنعة فعلى الصبغ، وبهذا -أعني اختصاص الزيادة بمن ارتفع سعر ملكه- يعلم أنه ليس معنى اشتراكهما أنه على جهة الشيوع بل هذا بثوبه وهذا بصبغه. (ولو خلط المغصوب) أو اختلط عنده (بغيره) -ولو مغصوب

(2)

آخر أو اختصاص- كبر أبيض بأسمر أو بشعير و كتراب بزبل (و أمكن التمييز) للكل أو للبعض (لزمه وإن شق) عليه؛ ليرده كما أخذه (وإن تعذر) التمييز كخلط زيت بمثله أو شيرج

(3)

، وبر أبيض بمثله، ودراهم بمثلها (فالمذهب أنه كالتالف فله تغريمه) بدله -خلطه بمثله أو بأجود أو بأردأ- لأنه لَمَّا تعذر رده أبدا أشبه التالف فيملكه الغاصب إن قَبِل التملك وإلا كتراب أرض موقوفة خلطه بزبل وجعله آجرا غرم مثله ورد الآجر للناظر، ومع ملكه المذكور يحجر عليه فيه حتى يرد مثله لمالكه، ويكفي أن يعزل من المخلوط -أي بغير الأردأ- قدر حق المغصوب منه ويتصرف في الباقي كما يأتي، نعم لو كان الغاصب مفلسا جعل المغصوب منه أحق بالمختلط من غيره.

[تنبيه] محل ما مر من رد المغصوب أو بدله إن عُرف المالك أو الملاك كما تقرر

أما لو جهلوا فإن لم يحصل اليأس من معرفتهم وجب إعطاؤها للإمام ليمسكها أو ثمنها لوجود ملاكها وله أن يقترضها لبيت المال، وإن أيس من معرفتهم عادة صارت من أموال بيت المال

(1)

. اقتصر عليه المغني.

(2)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي، نعم ذكر الشارح في كتاب قسم الفيء والغنيمة عن المصنف أن من غصب أموالا لأشخاص وخلطها ثم فرقها عليهم بقدر حقوقهم جاز لكل أخذ قدر حقه، أو على بعضهم لزم من وصل له شيء قسمته عليه وعلى الباقين بنسبة أموالهم 7/ 132.

(3)

. هو دهن السمسم.

ص: 358

وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ المَخْلُوطِ. وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا أُخْرِجَتْ، وَلَوْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ. وَلَوْ وَطِئَ المَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، حُدَّ،

فلمتوليه التصرف فيها بالبيع وإعطائها لمستحق شيء من بيت المال وللمستحق أخذها ظفرا ولغيره أخذها ليعطيها للمستحق.

وخرج بخلط أو اختلط عنده الاختلاط حيث لا تعدي كأن انثال

(1)

بر على مثله فيشترك مالكاهما بحسبهما فإن استويا قيمة فبقدر كيلهما فإن اختلفا قيمة بيعا وقُسِّم الثمن بينهما بحسب قيمتهما، ولا تجوز قسمة الحب على قدر قيمتيهما للربا

(2)

(وللغاصب أن) يفرز قدر المغصوب ويحل له الباقي كما مر، وأن (يعطيه) أي المالك وإن أبى (من غير المخلوط

(3)

; لأن الحق قد انتقل إلى ذمت، ومن المخلوط إن خلط بمثله أو أجود مطلقا أو بأردأ إن رضي. (ولو غصب خشبة) أو لبنة (وبنى عليها) ولم يخف من إخراجها تلف نحو نفس أو مال معصوم (أخرجت) وإن تلف من مال الغاصب أضعاف قيمتها؛ لتعديه ويلزمه أجرة مثلها وأرش نقصها، هذا إن بقي لها قيمة -ولو تافهة- وإلا فهي هالكة فتجب قيمتها ويرجع المشتري إن جهل الاستحقاق على بائعه بأرش نقص بنائه (ولو) غصب خشبة و (أدرجها في سفينة فكذلك) تخرج ما لم تصر لا قيمة لها (إلا أن يخاف تلف نفس أو مال معصومين) أو اختصاص كذلك، ولو للغاصب بأن كانت في اللجة والخشبة في أسفلها فلا تنزع إلا بعد وصولها للشط؛ لسهولة الصبر إليه بخلاف الخشبة فيما مر; لأنه لا أمد ينتظر ثم وحينئذ يأخذ المالك قيمتها؛ للحيلولة، والمراد أقرب شط يمكن الوصول إليه والأمن فيه لا شطّ مقصده، وكالنفس نحو العضو وكل مبيح للتيمم. أما نفس غير معصومة ومال غير معصوم فلا يبقى لأجلهما؛ لإهدارهما (ولو وطئ) الغاصب (المغصوبة عالما بالتحريم) وليس أصلا للمالك (حد)

(1)

. إنثال عليه التراب أي انصب، تاج العروس.

(2)

. ويأتي قبيل الأضحية ماله تعلق بما هنا 9/ 340.

(3)

. قيد الشارح في تعلق الدين بالتركة إطلاق الرافعي هذا بما حاصله إن محل هذا إن لم يكن المخلوط من جنس المغصوب فإن كان من جنسه وأراد إعطاء المغصوب منه من غير المخلوط ما هو من جنس المغصوب فورا أجبر المغصوب منه على القبول، وإن أراد إعطاءه من غير الجنس أو مع تأخير لغير ضرورة فللدائن الأخذ بالظفر إن وجدت شروطه 5/ 116.

ص: 359

وَإِنْ جَهِلَ فَلَا حَدَّ، وَفِي الحَالَيْنِ يَجِبُ المَهْرُ إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهَا الحَدُّ إنْ عَلِمَتْ، وَوَطْءُ المُشْتَرِي مِنَ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ فِي الحَدِّ وَالمَهْرِ، فَإِنْ غَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ أَحْبَلَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ غَيْرُ نَسِيبٍ، وَإِنْ جَهِلَ فَحُرٌّ نَسِيبٌ،

وإن جهلت; لأنه زان (وإن جهل) تحريم الزنا مطلقا أو بالمغصوبة وقد عذر بقرب إسلامه ولم يكن مخالطا لنا أو مخالطنا وأمكن اشتباه ذلك عليه أو نشئه بعيدا عن العلماء

(1)

(فلا حد)؛ للشبهة (وفي الحالين) أي حالي علمه وجهله (يجب المهر) وإن أذن له المالك; لأنه استوفى المنفعة وهي غير زانية؛ إذ الفرض أنها جاهلة أو مكرهة، نعم يتحد المهر وإن تعدد الوطء في حالة الجهل؛ لاستدامة الشبهة بخلافه مع العلم بتعدد الوطآت، ولو وطئ مرة جاهلا ومرة عالما فمهران ويجب في البكر مهر ثيب مع أرش البكارة كما مر في البيع (إلا أن تطاوعه) عالمة بالتحريم (فلا يجب) مهر (على الصحيح) ; لأنها زانية وقد نُهِي عن مهرها، ويظهر في مميزة عالمة بالتحريم أنها ككبيرة في سقوط المهر; لأن ما وجد منها صورة زنا فأعطيت حكمه (وعليها الحد إن علمت) بالتحريم لزناها، وكالزانية مرتدة ماتت على ردتها (ووطء المشتري) ومثله المتهب

(2)

(من الغاصب كوطئه) أي الغاصب (في الحد والمهر) وأرش البكارة؛ لاشتراكهما في وضع اليد على مال الغير بغير حق، نعم تقبل دعواه هنا الجهل مطلقا ما لم يقل علمت الغصب فيشترط عذر مما مر (فإن غرَّمه) أي المالك المشتري المهر (لم يرجع به) المشتري (على الغاصب في الأظهر) ; لأنه الذي انتفع به وباشر الإتلاف، وكذا أرش البكارة (وإن أحبل) الغاصب أو المشتري منه المغصوبة (عالما بالتحريم فالولد رقيق غير نسيب)؛ لما مر أنه زنا فإن انفصل حيا ضمنه كل منهما أو ميتا بجناية فبدله وهو عشر قيمة أمه للسيد، أو بغيرها ضمنه كل منهما بقيمته

(3)

يوم الانفصال (وإن جهل) التحريم (فحر) من أصله لا أنه انعقد قنا ثم عتق (نسيب)؛ للشبهة.

(1)

. أي علماء ذلك.

(2)

. وفاقا للمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية.

(3)

. وفاقا للمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية.

ص: 360

وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ، وَيَرْجِعُ بِهَا المُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ. وَلَوْ تَلِفَ المَغْصُوبُ عِنْدَ المُشْتَرِي وَغَرِمَ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَرْجِعُ بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا فِي الْأَظْهَرِ وَيَرْجِعُ بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَبِأَرْشِ نَقْصِ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نُقِضَ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ المُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى المُشْتَرِي، وَمَا لَا فَيَرْجِعُ

(وعليه) إذا انفصل حيا حياة مستقرة أو غير مستقرة (قيمته) بتقدير رقه؛ لتفويته رقه بظنه، فإن انفصل ميتا بجناية فعلى الجاني الغرة وهي نصف عشر دية الأب وعليه عشر قيمة أمه لمالكها; لأنا نقدره قنا في حقه، قال المتولي والغرة مؤجلة فلا يغرم الواطئ حتى يأخذ الغرة من الجاني، أو بغير جناية لم يضمنه؛ لعدم تيقن حياته (يوم الانفصال)؛ لتعذر التقويم قبله ويلزمه أرش نقص الولادة (ويرجع بها) أي بقيمة الولد، ومثله أرش قيمة الولادة (المشتري على الغاصب) ; لأن غرمها ليس من قضية الشراء بل قضيته أن يسلم له الولد حرا من غير غرامة (ولو تلف المغصوب عند المشتري وغرم لم يرجع به) وإن جهله; لأن المبيع بعد القبض من ضمانه وإنما يرجع عليه بالثمن (وكذا لو تعيب عنده في الأظهر)؛ تسوية بين الجملة والأجزاء هذا إن لم يكن بفعله وإلا لم يرجع قطعا (ولا يرجع بغرم منفعة استوفاها) كلبس (في الأظهر)؛ لما مر في المهر (ويرجع بغرم ما تلفـ) ـت (عنده) من المنافع ونحوها كثمر ونتاج وكسب من غير استيفاء إذا غرمه المالك مقابلها; لأنه لم يتلفها ولا التزم ضمانها بالعقد (وبأرش نقص بنائه وغراسه) وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا (إذا) اشترى أرضا وبنى أو غرس فيها ثم بانت مستحقة للغير فلم يرض ببقاء ذلك فيها حتى (نقض

(1)

بناؤه أو غراسه (في الأصح) فيهما أما الأولى فلما مر وأما الثانية فلأنه غره بالبيع، وللمستحق تكليف المشتري نزع ما زوق به من نحو طين أو جبس ثم يرجع بأرش نقصه على البائع لذلك، ولا يرجع المشتري على الغاصب بما أنفق على العبد وما أدى من خراج الأرض (وكل ما لو غرمه المشتري رجع به) على الغاصب كقيمة الولد وأجرة المنافع الفائتة تحت يده (لو غرمه الغاصب) ابتداء (لم يرجع به على المشتري) ; لأن القرار على الغاصب فقط (وما لا) كقيمة العين والأجزاء ومنافع استوفاها (فيرجع) به الغاصب إذا غرمه ابتداء على المشتري; لأن

(1)

. قضية سياقه أنه مبني للفاعل خلافا لقضية سياقهما.

ص: 361

قُلْتُ: وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ فَكَالمُشْتَرِي، وَاَللهُ أَعْلَمُ

القرار عليه فقط لتلفه في يده، هذا إن لم يسبق من الغاصب اعتراف للمشتري بالملك كما مر نظيره وإلا فهو مقر بأن المغصوب منه ظالم له والمظلوم لا يرجع إلا على ظالمه، ولو زادت القيمة عند الغاصب عليها عند المشتري لم يطالب بتلك الزيادة; لأنه لم يضع يده عليها فإذا غرمها الغاصب لم يرجع بها (قلت وكل من انبنت يده على يد الغاصب فكالمشتري) فيما تقرر من الرجوع وعدمه (والله أعلم) ومر أوائل الباب ذكر ذلك بأبين من هذا.

ص: 362

‌كتاب الشفعة

لَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ، بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا

(كتاب الشفْعة)

وهي لغة: من الشفع ضد الوتر أو من الشفاعة، وشرعا: حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما مُلِك بعوض لدفع الضرر -أي ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق وغيرها كالمصعد

(1)

والمنور والبالوعة- في الحصة الصائرة إليه. والأصل فيها الإجماع والأخبار كخبر البخاري ((قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة))، والعفو عنها أفضل إلا أن يكون المشتري نادما أو مغبونا. وأركانها ثلاثة آخذ ومأخوذ منه ومأخوذ، والصيغة إنما تجب في التملك كما يأتي فلا حاجة لعدها ركناً (لا تثبت في منقول) وإن بيع مع أرض؛ للخبر المذكور ولأنه لا يدوم بخلاف العقار فيتأبد فيه ضرر المشاركة (بل) إنما تثبت (في أرض وما فيها من بناء) وما يتبعه من باب ورف سمر ومفتاح غلق مثبت وكل منفصل توقف عليه نفع متصل على ما مر في البيع (وشجر) رطب وأصل يجز مرارا (تبعا) للأرض؛ لخبر مسلم ((قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسم رَبْعَة

(2)

أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه .. الحديث)). وخرج بتبعا بيع بناء وشجر في أرض محتكرة; لأنه كالمنقول، وشرط التبعية أن يباعا مع ما حولهما من الأرض فلو باع شقصا من جدار وأسه لا غير أو من أشجار ومغارسها لا غير فلا شفعة; لأن الأرض هنا تابعة. وصرح السبكي بأنه لا بد هنا من رؤية الأس

(3)

والمغرس وفرق بينه وبين ما مر في بعتك الجدار وأساسه

(4)

بأنه ثم يدخل مع السكوت عنه بخلافه هنا فإنه عين منفصلة لا تدخل في المبيع عند الإطلاق فاشترطت رؤيتها، وبحث أيضا أنه لو عرض الجدار بحيث لو كانت أرضه هي المقصودة ثبتت الشفعة; لأن الأرض هي

(1)

. أسقطوا كلمة غيرها.

(2)

. تأنيث ربع، وهو الدار ومطلق الأرض، وفي اللسان أنها المحلة.

(3)

. وهي الأرض الحاملة للبناء.

(4)

. أي ما غاب من الجدار في الأرض.

ص: 365

وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ المَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ

المتبوعة حينئذ (وكذا ثمر) موجود عند البيع (لم يؤبر) حينئذ ولم يشرط دخوله فيه

(1)

(في الأصح) -وإن تأبر عند الأخذ لتأخره لعذر- وذلك; لأنه يتبع الأصل في البيع فكذا في الأخذ هنا، بل يؤخذ بالشفعة وإن زاد الشجر أو الثمر أو قطع، أما مؤبر عند البيع وما شرط دخوله فيه فلا يؤخذ كشجر غير رطب شرط دخوله، وإما حادث بعد البيع فلا يأخذه إن لم يؤبر عند الأخذ

(2)

وإنما تؤخذ الأرض والنخل بحصتهما من الثمن. (ولا شفعة في حجرة) مشتركة باع أحدهما نصيبه منها، وقد (بنيت على سقف غير مشترك) لكونه لثالث أو لأحدهما؛ إذ لا قرار لها فهي كالمنقول (وكذا مشترك في الأصح) ; لأن السقف الذي هو أرضها لا ثبات له فما عليه كذلك، ولو اشتركا في سفل واختص أحدهما بعلوه فباع صاحب العلو علوه مع نصيبه من السفل أخذ الشريك نصيبه من السفل فقط; لأن العلو لا شركة فيه، ويجري ذلك في أرض مشتركة فيها شجر لأحدهما. (وكل ما لو قسم بطلت منفعته المقصودة) منه بأن لا ينتفع به بعد القسمة من الوجه الذي كان ينتفع به قبلها (كحمام ورحى

(3)

صغيرين لا يمكن تعددهما (لا شفعة فيه في الأصح) بخلاف الكبيرين; لأن علة ثبوتها في المنقسم كما مر دفع ضرر مؤنة القسمة والذي يبطل نفعه بالقسمة لا يقسم فلا ضرر، فعُلم ثبوتها لكل شريك يجبر على القسمة كمالك عُشُر دار صغيرة باع شريكه بقيتها فتثبت له بخلاف عكسه; لأن الأول يجبر على القسمة دون الثاني (ولا شفعة إلا لشريك) في العقار المأخوذ ولو ذميا ومكاتبا مع سيده. وغير آدمي كمسجد له شقص لم يوقف فباع شريكه يشفع له ناظره، فلا تثبت لغير الشريك كأن مات عن دار يشركه فيها وارثه فبيعت حصة الميت في دينه فلا يشفع الوارث; لأن الدين لا يمنع الإرث، وكالجار؛ لخبر البخاري السابق،

(1)

. أسقطوا هذا القيد.

(2)

. وفاقا للمغني وأطلق في النهاية أخذ الحادث بعد البيع.

(3)

. هنا إيراد على المصنف بتعبيره بالرحى رده الشارح وأقره المغني.

ص: 366

وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي المَمَرِّ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ إلَى شَارِعٍ وَإِلَّا فَلَا

ولا ينقض حكم الحنفي بها ولو لشافعي بل يحل له الأخذ بها باطنا

(1)

، ولا لموقوف عليه بناء على إطلاق امتناع

(2)

قسمة الملك عن الوقف

(3)

وموصىً له بالمنفعة ولو أبداً، وقد لا تثبت للشريك لكن لعارض كولي غير أصل شريك لموليه باع شقص محجوره فلا يشفع; لأنه متهم بالمحاباة في الثمن، وفارق ما لو وكل شريكه فباع فإنه يشفع بأن الموكل متأهل للاعتراض عليه لو قصر.

[تنبيه] قد يشفع غير الشريك كأن يكون بينهما عرصة شركة فيدعي أجنبي نصيب أحدهما ويشهد له الآخر فترد شهادته ثم يبيع المشهود عليه نصيبه لآخر فللشاهد أن يشفعه ثم يلزمه رده للمشهود له باعترافه، وهذا هو المسوغ؛ لأخذه بها مع زعمه بطلان البيع (ولو باع دارا وله شريك في ممرها) فقط كدرب غير نافذ (فلا شفعة فيها)؛ لانتفاء الشركة فيها (والصحيح ثبوتها في الممر) بحصته من الثمن (إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار أو أمكن) من غير مؤنة لها وقع

(4)

(فتح باب إلى شارع) ونحوه أو إلى ملكه؛ لإمكان الوصول إليها من غير ضرر (وإلا) يمكن شيء من ذلك (فلا)؛ لما فيه من الإضرار بالمشتري والشفعة تثبت لدفع الضرر فلا يزال الضرر بالضرر، ومجرى النهر كالممر فيما ذكر. ولو اشترى ذو دار لا ممر لها نصيبا في ممر ثبتت مطلقا; لأن الممر ليس من حقوق الدار هنا قبل البيع بخلافه ثم.

(1)

. وأفاد في كتاب القضاء أن للشافعي طلبها من الحنفي وليس للحنفي منعه منها.

(2)

. بل لا تثبت الشفعة لشريك موقوف عليه ولو على الجواز كما يفيده كلامهم.

(3)

. أي؛ لأنه يمتنع قسمة الوقف عن الملك حيث كان بيعا وهي الرد والتعديل؛ لئلا يلزم بيع الوقف فحيث امتنعت القسمة امتنعت الشفعة، فإن لم تكن بيعا بأن كانت إفرازا لاستواء أجزاء المشترك لم تمنع فللشريك الغير موقوف عليه الشفعة، أما هو فلا لشفعة له؛ لأن الوقف لا يؤخذ به وإن كان يؤخذ له.

(4)

. خلافا لهم.

ص: 367

وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مِلْكًا لَازِمًا مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ، وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ. وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَمْ يُؤْخَذْ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الخِيَارُ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ إنْ قُلْنَا: المِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ وَجَدَ المُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ، وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ ..

(وإنما تثبت فيما مُلِك بمعاوضة) محضة وغيرها

(1)

نصا في البيع وقياسا في غيره، فخرج مملوك بغير معاوضة كإرث وهبة بلا ثواب ووصية (ملكا لازما

(2)

متأخرا) سببه (عن) سبب (ملك الشفيع)، فالمملوك بمحضة (كمبيع و) بغيرها نحو (مهر وعوض خلع و) عوض (صلح دم) في قتل عمد (و) عوض صلح عن (نجوم

(3)

لكن المعتمد منع الشفعة في عوض النجوم؛ لعدم صحة الاعتياض عنها (و) من المملوك بمحضة أيضا نحو (أجرة ورأس مال سلم) وصلح عن مال كما مر في بابه (ولو شرط) أو ثبت بلا شرط كخيار المجلس (في البيع الخيار لهما) أو لأجنبي عنهما (أو للبائع) أو لأجنبي عنه (لم يؤخذ بالشفعة حتى ينقطع الخيار) ; لأن المشتري لم يملك فيهما إذ هو في الأولى موقوف وفي الثانية مَلَكَ البائع وهذا محترز ((ملك)) كما احترز به أيضا عما جرى سبب ملكه كالجعل قبل الفراغ من العمل، وعلى الضعيف أن المشتري ملك هو محترز ((لازما)) (وإن شرط للمشتري وحده) أو لأجنبي عنه (فالأظهر أنه يؤخذ) بالشفعة (إن قلنا الملك للمشتري) وهو الأصح; لأنه لا حق فيه لغيره، فإذا أخذ بها لم ينتقل الخيار الثابت للمشتري للشفيع (وإلا) أي وإن قلنا بالضعيف أن الملك للبائع أو موقوف (فلا) يؤخذ؛ لبقاء ملك البائع أو انتظار عوده (ولو وجد المشتري بالشقص عيبا

(4)

وأراد رده بالعيب وأراد الشفيع أخذه ويرضى بالعيب فالأظهر إجابة الشفيع)؛ لسبق

(1)

. المحضة وهي ما تفسد بفساد العوض وغير المحضة بخلافها كما مر تفصيلها في زكاة التجارة 3/ 297.

(2)

. هو قيد مفيد خلافا للمغني من أنه ضار.

(3)

. يصح عطفها على مبيع خلافا للمغني.

(4)

. وليس من العيب غرق الأرض بماء لم يتوقع انحساره عنها أو وقوع عليها نحو صخرة لا يمكن رفعها بل ذلك تلف كما نص عليه الشارح في كتاب البيع 4/ 394.

ص: 368

وَلَوِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي الْأَرْضِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ المَبِيعِ بَلْ حِصَّتَهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ وَلَا حُضُورُ المُشْتَرِي، وَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنَ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْتُ أَوْ أَخَذْتُ بِالشُّفْعَةِ،

حقه لثبوته بالبيع على حق المشتري لثبوته بالاطلاع، ولو رده المشتري قبل طلب الشفيع فله رد الرد ويشفع ولا يتبين بطلانه فالزوائد من الرد إلى رده للمشتري وكالرد بالعيب رده بالإقالة. (ولو اشترى اثنان) معا (دارا أو بعضها فلا شفعة لأحدهما على الآخر)؛ لاستوائهما في وقت حصول الملك، وهذا محترز ((متأخر إلى آخره))، وحاصله كما أشرت إليه في محله أنه لا بد من تأخر سبب ملك المأخوذ منه عن سبب ملك الآخذ فلو باع أحد شريكين نصيبه بشرط الخيار له فباع الآخر نصيبه في زمن الخيار بيعَ بَتٍّ فالشفعة للمشتري الأول إن لم يشفع بائعه؛ لتقدم سبب ملكه على سبب ملك الثاني، ولا شفعة للثاني وإن تأخر عن ملكه ملك الأول؛ لتأخر سبب ملكه عن سبب ملك الثاني، وكذا لو باعا مرتبا بشرط الخيار لهما دون المشتري سواء أجازا معا أم أحدهما قبل الآخر (ولو كان للمشتري شِرك في الأرض فالأصح أن الشريك لا يأخذ كل المبيع بل حصته) كما لو كان المشتري أجنبيا؛ لاستوائهما في الشركة، ولو ترك المشتري حقه لم يلزم الشفيع أخذه (ولا يشترط في) استحقاق (التملك بالشفعة حكم حاكم)؛ لثبوته بالنص (ولا إحضار الثمن) ; لأنه تملك بعوض كالبيع، ولا ذكره، (ولا حضور المشتري) ولا رضاه كما في الرد بالعيب، ولابد من الفور في التملك عقب الفور في الأخذ أي في سببه

(1)

، نعم إذا لم يكن الثمن حاضرا وقت التملك أمهل ثلاثة أيام فإن انقضت ولم يحضره فسخ الحاكم تملكه. وللشفيع إجبار المشتري على قبض الشقص حتى يأخذه منه

(2)

; لأن أخذه من يد البائع يفضي إلى سقوط الشفعة

(3)

; لأن به يفوت التسليم المستحق للمشتري فيبطل البيع وتسقط الشفعة. (ويشترط) في حصول الملك بالشفعة (لفظ) أو نحوه كإشارة الأخرس وكالكتابة (من الشفيع كتملكت أو أخذت بالشفعة) ونحوهما كاخترت

(1)

. أي أحد الثلاثة المنفية في المتن.

(2)

. وظاهر كما مر في البيع أنه لابد من إذن الشفيع في قبض المشتري 4/ 114.

(3)

. خلافا للنهاية.

ص: 369

وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى المُشْتَرِي فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ، وَإِمَّا رِضَا المُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى المَذْهَبِ

الأخذ بها بخلاف أنا مطالب بها، وإن سلم الثمن; لأنه رغبة في التملك والملك لا يحصل بذلك (ويشترط مع ذلك) اللفظ أو نحوه رؤيةُ شفيع الشقص، وكون الثمن معلوما للشفيع -نعم لا يشترط علمه حالة طلبه الشفعة- وأحد الثلاثة (إما تسليم العوض إلى المشتري فإذا تسلمه أو ألزمه القاضي)؛ لامتناعه من أخذ العوض (التسلُّم ملك الشفيع الشقص) ; لأن المشتري وصل لحقه أو مقصر، ومن ثم كفى وضعه بين يديه بحيث يتمكن من قبضه سواء الثمن المعين والذي في الذمة وقبض الحاكم عن المشتري كافٍ (وإما رضا المشتري بكون العوض في ذمته) أي الشفيع إلا لمانع كأن باع دارا فيها ذهب يتحصل منه شيء بفضة أو عكسه فلا بد من التقابض الحقيقي (وإما قضاء القاضي له بالشفعة) أي بثبوتها لا بالملك (إذا حضر مجلسه وأثبت حقه) في الشفعة وطلبه (فيملكه به في الأصح)؛ لتأكد اختيار التملك بحكم الحاكم، نعم إن فُقِد القاضي وغاب المشتري أو امتنع من أخذ الثمن قام الإشهاد على الطلب واختيار الشفعة مكان قضاء القاضي. وإذا ملك الشفيع الشقص بغير تسليم العوض لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن، فإن غاب ماله أمهل ثلاثة أيام فإن مضت ولم يحضره فسخ الحاكم التملك

(1)

. (ولا يتملك شقصا لم يره الشفيع على المذهب)؛ بناء على الأظهر أن بيع الغائب باطل، وليس للمشتري منع الشفيع من الرؤية.

[فرع] شرط دعوى الشفعة تحديد الشفيع الشقص المأخوذ وتقدير الثمن وطلبها

، نعم لا يحتاج لتحديد حصة الشفيع; لأنه غير المدعى به وإن توقف الأخذ على العلم به في بعض الصور، ثم إن صدقه المشتري أو أنكر الشراء فأثبته وثمنه الشفيع سلم الثمن له وتسلم منه الشقص، وإن أنكر شركة الشفيع حلف أنه لا يعلمها وعلى الشفيع إثباتها، وإن ادعى جهل الثمن ولم يثبت علمه -ولو ببينة- سقطت شفعته.

(1)

. عبارة المغني بتصرف.

ص: 370

فصل

إِنْ اشْتَرَى بِمِثْلِيٍّ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمُتَقَوِّمٍ فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَقِيلَ يَوْمَ اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الخِيَارِ، أَوْ بِمُؤَجَّلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَأْخُذَ فِي الحَالِ أَوْ يَصْبِرَ إلَى المَحِلِّ يَأْخُذَ

(فصل) في بيان بدل الشقص الذي يؤخذ به والاختلاف في قدر الثمن وكيفية أخذ الشركاء إذا تعددوا أو تعدد الشقص وغير ذلك

(إن اشترى بمثلي أخذه الشفيع بمثله) ; لأنه أقرب إلى حقه، فإن قدر بالوزن كقنطار حنطة أخذه بوزنه فإن انقطع المثل وقت الأخذ أخذ بقيمته حينئذ ولو كان دنانير أخذ بدنانير مثلها فإن تراضيا عنها بدراهم كان شراء مستجدا تبطل به الشفعة لكن محله إن علم الشفيع أن فعل ذلك بطل لها، فإن جهل فلا بطلان (أو) ملكه (بمتقوم فبقيمته) يأخذ لا بقيمة الشقص; لأن ما يبذله الشفيع في مقابلة ما بذله المشتري لا في مقابلة الشقص. ولو ملك الشفيع الثمن بعينه ثم اطلع تعين الأخذ به ولو مثليا. ولو حط عن المشتري بعض الثمن قبل اللزوم انحط عن الشفيع، أو حط كله فلا شفعة؛ إذ لا بيع، والمراد بقيمته

(1)

هنا قيمة الدية يوم الجناية

(2)

فيما لو صالح عن دم العمد على شقص، وفي غير ذلك تعتبر بـ (يوم البيع) أي وقته; لأنه وقت إثبات العوض واستحقاق الشفعة ويصدق المشتري بيمينه في قدرها حينئذ (وقيل يوم استقراره بانقطاع الخيار) كما أن المعتبر في الثمن حالة اللزوم، ولما كان ما سبق شاملا للدين وغيره وكان الدين يشمل الحال والمؤجل بيِّن أن المراد الحال بقوله (أو) اشترى (بمؤجل فالأظهر أنه مخير) وإن حل الثمن بموت المشتري أو كان منجما بأوقات مختلفة (بين أن يعجل) الثمن (ويأخذ في الحال)، ومحله ما لم يكن على المشتري ضرر في قبوله لنحو نهب وإلا لم يُجَب الشفيع (أو يصبر إلى المحِل) أي حلول الكل في المنجم وليس له كلما حل نجم أن يعطيه ويأخذ بقدره لما فيه من تفريق الصفقة على المشتري (ويأخذ)؛ دفعا للضرر من الجانبين;

(1)

. خلافا لشرح الروض من قياسها على الغصب.

(2)

. وفاقا للنهاية وقال شيخ الإسلام يوم الصلح.

ص: 371

وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الْقِيمَةِ، وَيُؤْخَذُ المَمْهُورُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَا عِوَضُ خُلْعٍ، وَلَوِ اشْتَرَى بِجُزَافٍ وَتَلِفَ امْتَنَعَ الْأَخْذُ. فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا وَقَالَ المُشْتَرِي: لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَإِنِ ادَّعَى عِلْمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الْأَصَحِّ

لأن الأخذ بالمؤجل يضر بالمشتري لاختلاف الذمم وبالحال يضر بالشفيع; لأن الأجل يقابله قسط من الثمن، نعم لو رضي المشتري بذمة الشفيع تعين عليه الأخذ حالا وإلا سقط حقه، وإذا خُيِّر لم يلزمه إعلام المشتري بالطلب

(1)

(ولو بيع شقص وغيره) مما لا شفعة فيه كسيف (أخذه) أي الشقص؛ لوجود سبب الأخذ فيه دون غيره ولا يتخير المشتري بتفريق الصفقة عليه; لأنه المورط لنفسه (بحصته) أي بقدرها (من) الثمن باعتبار (القيمة) بأن يوزع الثمن عليهما باعتبار قيمتهما وقت البيع ويأخذ الشقص بحصته من الثمن فإذا ساوى مائتين والسيف مائة والثمن خمسة عشر أخذه بثلثي الثمن (ويؤخذ) الشقص (الممهور بمهر مثلها) يوم النكاح (وكذا) شقص هو (عوض خلع) فيؤخذ بمهر مثلها يوم الخلع; لأن البضع متقوم و قيمته مهر المثل. ولو أمهرها شقصا مجهولا وجب لها مهر المثل ولا شفعة; لأن الشقص باق على ملك الزوج، ويجب في المتعة متعة مثلها لا مهر مثلها; لأنها الواجبة بالفراق والشقص عوض عنها (ولو اشترى بجزاف وتلف) أو غاب وتعذر إحضاره أو بمتقوم كفصٍّ وتعذر العلم بقيمته أو اختلط بغيره (امتنع الأخذ)؛ لتعذر الأخذ بالمجهول، وهذا من الحيل المسقطة للشفعة وهي مكروهة

(2)

. أما إذا بقي فيكال مثلا ويؤخذ بقدره، نعم لا يلزم البائع إحضاره ولا الإخبار به، وفارق ما مر فيما لم يره بأنه لا حق له على البائع بخلاف المشتري. (فإن عَيَّن الشفيع قدرا) بأن قال اشتريته بمائة (وقال المشتري) بمائتين حُلِّف كما يأتي بناء على ما ادعاه وألزم الشفيع الأخذ به، وإن قال (لم يكن معلوم القدر حلف على نفي العلم) بما عينه الشفيع; لأن الأصل عدم علمه به وحينئذ تسقط الشفعة، وليس له الحلف أنه اشتراه بثمن مجهول; لأنه قد يعلمه بعد الشراء فإن نكل حلف الشفيع على ما عينه وأخذ به (وإن ادعى علمه) بقدر وطالبه ببيانه (ولم يعين قدرا) في دعواه (لم تسمع دعواه في الأصح) ; لأنها غير ملزمة،

(1)

. كما جزم به الشارح في فتح الجواد.

(2)

. مطلقا وقيده النهاية بما قبل البيع، أما بعده فحرام ووافق الشارح المغني وشرح الروض.

ص: 372

وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ، وَإِلَّا أُبْدِلَ وَبَقِيَا، وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ إنْ جَهِلَ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ فِي الْأَصَحِّ. وَتَصَرُّفُ المُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ كَبَيْعٍ وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ صَحِيحٌ، وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالْوَقْفِ، وَأَخْذُهُ، وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَوْ يَنْقُضَهُ وَ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ. وَلَوِ اخْتَلَفَ المُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ صُدِّقَ المُشْتَرِي

وله أن يدعي قدرا ويحلفه ثم آخر ويحلفه وهكذا حتى يقر أو ينكل فيستدل بنكوله على أنه الثمن ويحلف عليه ويأخذ به؛ لما يأتي أنه يجوز الحلف بالظن المؤكد (وإذا ظهر) بعد الأخذ بالشفعة (الثمن) المبذول في الشقص النقد أو غيره (مستحقا) ببينة أو تصادق من البائع والمشتري والشفيع (فإن كان معينا) بأن وقع الشراء بعينه (بطل البيع) ; لأنه بغير ثمن (والشفعة)؛ لترتبها على البيع، ولو خرج بعضه بطل البيع والشفعة فيما يقابل البعض من الشقص دون الباقي تفريقا للصفقة

(1)

، وخروج النقد نحاسا كخروجه مستحقا، فإن خرج رديئا تخير البائع بين الرضا به والاستبدال فإن رضي به لزم المشتري الرضا بمثل الرديء (وإلا) يعين في العقد بأن كان في الذمة (أبدل وبقيا) أي البيع والشفعة; لأن العقد لم ينعقد به (وإن دفع الشفيع مستحقا) أو نحو نحاس (لم تبطل شفعته إن جهل)؛ لعذره (وكذا إن علم في الأصح) ; لأنه لم يقصر في الطلب، ومحل الخلاف في الأخذ بمعين كقوله أخذت الشفعة بهذه المائة فإن قال بمائة ثم دفع لمستحقه لم تبطل الشفعة قطعا

(2)

، وإذا بقي حقه في الصورتين فإن كان أخذ بالعين تبين أنه لم يملك فيحتاج لتملك جديد، أو أخذ بثمن في الذمة تبين أنه يملك والفوائد له (وتصرُّف المشتري في الشقص كبيع ووقف) ولو مسجدا (وإجارة صحيح) ; لأنه واقع في ملكه وإن لم يلزم (وللشفيع نقض ما لا شفعة فيه) ابتداء (كالوقف) والهبة والإجارة، وإذا أمضى الإجارة فالأجرة للمشتري (وأخذه)؛ لسبق حقه، والمراد بالنقض الأخذ لا أنه يحتاج للفظ (ويتخير فيما فيه شفعة كبيع بين أن يأخذ بالبيع الثاني أو ينقض ويأخذ بالأول) ; لأن كلا منهما صحيح وربما كان أحدهما ثمنه أقل أو جنسه أيسر عليه (ولو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن) ولا بينة أو أقاما بينتين وتعارضتا (صدق) وإن ادعى فيما يساوي دينارا أنه بألفٍ (المشتري) بيمينه; لأنه أعلم بما باشره من الشفيع، فإن نكل حلف

(1)

. عبارة المغني.

(2)

. كما في المحلي.

ص: 373

وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ المُشْتَرِي الشِّرَاءَ أَوْ كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكًا، فَإِنِ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ، وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ. وَلَوِ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ أَخَذُوا عَلَى قَدْرِ الحِصَصِ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى الرُّءُوسِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَفَا عَنِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ شَارَكَهُ المُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا يُشَارِكُ

الشفيع وأخذ بما حلف عليه (وكذا لو أنكر المشتري) في زعم الشفيع (الشراء) وإن كان الشقص في يده (أو) أنكر (كون الطالب شريكا) فيصدق بيمينه; لأن الأصل عدمهما، ويحلف في الأولى أنه ما اشتراه وفي الثانية على نفي العلم بشركته فإن نكل حلف الطالب بتَّا وأخذ. (فإن اعترف الشريك) القديم (بالبيع فالأصح ثبوت الشفعة)؛ عملا بإقراره وإن حضر المشتري وكذبه سواء اعترف البائع بقبض الثمن أم لا؛ إذ الفرض أن الشقص بيده، أو يد المشتري وقال إنه وديعة منه أو عارية مثلا، أما لو كان في يد المشتري فادعى ملكه وأنكر الشراء فلا يصدق البائع عليه; لأن إقرار غير ذي اليد لا يسري على ذي اليد (ويسلم الثمن إلى البائع إن لم يعترف بقبضه) ; لأنه تلقى الملك عنه فكأنه المشتري منه (وإن اعترف) البائع بقبضه (فهل يترك في يد الشفيع) إن كان معينا، وفي ذمته إن كان غير معين (أم يأخذه القاضي ويحفظه؟) فإنه مال ضائع (فيه خلاف سبق في) أوائل (الإقرار نظيره) والأصح منه الأول ويغتفر للشفيع التصرف في الشقص مع بقاء الثمن في ذمته (ولو استحق الشفعة جمع) كدار مشتركة بين جمع بنحو شراء أو إرث باع أحدهم نصيبه واختلف قدر أملاكهم (أخذو) ها (على قدر الحصص) ; لأنه حق مستحق بالملك فقسط على قدره كالأجرة وكسب القن (وفي قول على الرءوس. ولو باع أحد شريكين نصف حصته) أو ربعها مثلا (لرجل ثم باقيها لآخر) قبل أخذ الشريك القديم ما بيع أوَّلا (فالشفعة في النصف الأول للشريك القديم) ; لأنه ليس معه حال البيع شريك غير البائع وهو لا يشفع فيما باعه (والأصح أنه إن عفا) الشريك القديم (عن النصف الأول) بعد البيع الثاني (شاركه المشتري الأول في النصف الثاني) ; لأن ملكه سبق البيع الثاني واستقر بعفو الشريك القديم عنه فشاركه (وإلا) يعف عنه بل أخذه منه (فلا يشاركـ) ـه؛ لزوال ملكه. أما لو عفا عنه قبل البيع الثاني

ص: 374

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ سَقَطَ حَقُّهُ، وَيُخَيَّرُ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الجَمِيعِ وَتَرْكِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ. وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ الجَمِيعِ فِي الحَالِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْأَخْذِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ. وَلَوِ اشْتَرَيَا شِقْصًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنَ اثْنَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ،

فيشاركه جزما، وخرج بثم ما لو وقعا معا فالشفعة فيهما معا للأول وحده (والأصح أنه لو عفا أحد شفيعين) عن حقه أو بعضه (سقط حقه) كسائر الحقوق المالية (وتخير الآخر بين أخذ الجميع وتركه) كالمنفرد (وليس له الاقتصار على حصته)؛ لئلا تتبعض الصفقة على المشتري (و) الأصح (أن الواحد إذا أسقط بعض حقه سقط) حقه (كله) كالقود. (ولو حضر أحد شفيعين فله أخذ الجميع في الحال) لا البعض؛ لتيقن استحقاقه ورغبته والشك فيهما بالنسبة للغائب، فإن قال لا آخذ إلا قدر حصتي بطل

(1)

حقه مطلقا؛ لتقصيره، ولو رضي المشتري بأخذه من حصته فقط لم يجز. وإذا أخذ الكل استمر الملك والفوائد له ما لم يحضر الغائب ويأخذ (فإذا حضر الغائب شاركه)؛ لثبوت حقه فإذا كانوا ثلاثة فحضر واحد وأخذ الكل ثم حضر الآخر أخذ منه النصف بنصف الثمن فإذا حضر الثالث أخذ من كل أو من أحدهما ثلث ما بيده ولا يشاركه الغائب في ريع حدث قبل تملكه (والأصح أن له تأخير الأخذ إلى قدوم الغائب)؛ لظهور غرضه وهو أن لا يأخذ ما يؤخذ منه، ولا يلزمه الإعلام بطلب الشفعة بل هو مخير كما مر (ولو اشتريا شقصا فللشفيع أخذ نصيبهما) وهو ظاهر (ونصيب أحدهما) ; لأنه لم يفرق عليه ملكه (ولو اشترى واحد من اثنين) أو وكيلهما المتحد؛ إذ العبرة في التعدد وعدمه هنا بالمعقود له لا العاقد

(2)

(فله أخذ حصة أحد البائعين في الأصح) ; لأن الصفقة تعددت بتعدد البائعين، وتتعدد هنا بتعدد المحل أيضا فلو باع شقصين من دارين صفقة وشفيعهما واحد فله أخذ أحدهما فقط (والأظهر أن الشفعة) أي طلبها (على الفور) -وإن تأخر التملك-؛ لخبر فيه، وقد لا يجب في صور عُلِم أكثرها من كلامه كالبيع بمؤجل أو

(1)

. خلافا للرملي.

(2)

. خلافا للمغني وشرح الروض.

ص: 375

فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ المُشْتَرِي أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ فَلْيُوَكِّلْ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ، فَإِنْ تَرَكَ المَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ فَلَهُ الْإِتْمَامُ، وَلَوْ أَخَّرَ وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقِ المُخْبِرَ لَمْ يُعْذَرْ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ،

وأحد الشريكين غائب وكأن أخبر بنحو زيادة فترك ثم بان خلافه، وكالتأخير لانتظار إدراك زرع وحصاده أو ليعلم قدر الثمن أو ليخلص نصيبه المغصوب أو لجهله بأن له الشفعة أو بأنها على الفور وهو ممن يخفى عليه ذلك وكمدة خيار شرط لغير مشتر وكتأخير الولي أو عفوه فإنه لا يسقط حق المولى (فإذا عَلِم الشفيع بالبيع فليبادر) عقب علمه من غير فاصل (على العادة) فلا يكلف البدار بعدو أو نحوه مما لا يعد العرف تركه تقصيرا وتوانيا، وضابط ما هنا كما مر في الرد بالعيب، وذكر كغيره بعض ذلك ثم وبعضه هنا؛ ليعلم اتحاد البابين كما تقرر أي غالبا؛ لما يأتي، أما إذا لم يعلم فهو على شفعته وإن مضى سنون، نعم إن شاع البيع بحيث كذبته العادة في عدم علمه لم تقبل دعواه الجهل (فإن كان مريضا) أو محبوسا ظلما أو بحق وعجز عن الطلب بنفسه (أو غائبا عن بلد المشتري) بحيث تعد غيبته حائلة بينه وبين مباشرة الطلب (أو خائفا من عدو) أو إفراط حر أو برد (فليوكل) في الطلب (إن قدر) ; لأنه الممكن (وإلا) يقدر (فليشهد) ولو واحدا ليحلف معه (على الطلب) ولو قال أشهدت فلانا وفلانا فأنكرا لم يسقط حقه (فإن ترك المقدور عليه منهما) أي التوكيل والإشهاد المذكورين (بطل حقه في الأظهر)؛ لتقصيره المشعر بالرضا، نعم الغائب يخير بين التوكيل والرفع للحاكم، وكذا إذا حضر الشفيع وغاب المشتري، وللقادر أيضا أن يوكل ففرضهم التوكيل عند العجز إنما هو لتعينه حينئذ طريقا. ولو سار بنفسه عقب العلم أو وكَّل لم يلزمه الإشهاد حينئذ على الطلب. وإذا كان الفور بالعادة (فإذا كان في صلاة) ولو نافلة، بل له الشروع إذا دخل الوقت ولم يشرع (أو حمام أو طعام فله الإتمام) كالعادة ولا يلزمه الاقتصار على أقل مجزئ، بل له الأكمل بحيث لا يعد متوانيا، وله التأخير ليلا حتى يصبح ما لم يأمن في الذهاب إليه ليلا. ولو ادعى تأخيراً لعذرٍ فإن علم قيام أصل العذر به صدق وإلا صدق المشتري (ولو أخر الطلب وقال لم أصدق المخبر لم يعذر إن أخبره عدلان) أو رجل وامرأتان بصفة العدالة; لأنه كان من حقه أن يعتمد ذلك، نعم يصدق في الجهل بعدالتهما إن أمكن خفاء ذلك عليه. ولو كانا عدلين عنده

ص: 376

وَكَذَا ثِقَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُعْذَرُ إنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ. وَلَوْ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ فَبَانَ بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ، وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ بَطَلَ، وَلَوْ لَقِيَ المُشْتَرِي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ بَارَكَ اللهُ فِي صَفْقَتِك لَمْ يَبْطُلْ، وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ. وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا

لا عند الحاكم لم يعذر

(1)

، ولو أخبره مستوران عذر (كذا ثقة في الأصح) ولو أمة; لأنه إخبار (ويعذر إن أخبره من لا يقبل خبره)؛ لعذره بخلاف من يقبل كعدد التواتر ولو كفارا; لأنهم أولى من العدلين؛ لإفادة خبرهم العلم، هذا كله ظاهرا أما باطنا فالعبرة في غير العدل عنده بمن يقع في نفسه صدقه وكذبه (ولو أُخْبِر بالبيع بألف) أو جنس أو نوع أو وصف أو أن المبيع قدره كذا أو أن البيع من فلان أو أن البائع اثنان أو واحد (فترك) الأخذ (فبان بخمسمائة) أو بغير الجنس أو النوع أو الوصف أو القدر الذي أُخبِر به أو أن البيع من غير فلان أو أن البائع أكثر أو أقل مما أخبر به (بقي حقه) ; لأنه إنما تركه لغرض بان خلافه ولم يتركه رغبة عنه (وإن بان بأكثر) من ألف (بطل) حقه; لأنه إذا لم يرغب فيه بالأقل فبالأكثر أولى وكذا لو أخبر بمؤجل فعفا فبان حالا; لأن عفوه يدل على عدم رغبته؛ لما مر أن له التأخير إلى الحلول. (ولو لقي المشتري فسلم عليه أو) هي بمعنى الواو (قال) له (بارك الله في صفقتك لم يبطل) ; لأن السلام قبل الكلام سنة أصالة، ولأن له غرضا صحيحا في الدعاء بذلك ليأخذ صفقة مباركة (وفي الدعاء وجه) إن زاد لك (ولو باع الشفيع حصته) كلها (جاهلا بالشفعة فالأصح بطلانها)؛ لزوال سببها بخلاف بيع بعض حصته، أما إذا علم فتبطل مطلقا سواء باع حصته أو بعضها، وكذا لو باع بشرط الخيار

(2)

حيث انتقل الملك عنه

(3)

; لأن ملكه العائد متأخر عن ملك المشتري.

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. خلافا للمغني.

(3)

. أي بأن شرط الخيار للمشتري منه فقط.

ص: 377

‌كتاب القراض

الْقِرَاضُ وَالمُضَارَبَةُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ المَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ خَالِصَةً، فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ وَحُلِيٍّ وَمَغْشُوشٍ وَعُرُوضٍ وَمَعْلُومًا

(كتاب القراض)

من القرض أي القطع. والأصل فيه الإجماع ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم ((ضارب لخديجة رضي الله عنها) ووجهه أنه صلى الله عليه وسلم حكاه مقررا له بعد النبوة (القراض والمضاربة) هو العقد المشتمل على توكيل المالك الآخر، وعلى (أن يدفع إليه مالا ليتجر فيه والربح مشترك) بينهما، فخرج بيدفع مقارضته على دين عليه أو على غيره

(1)

، وقوله بع هذا وقارضتك على ثمنه، واشتر شبكة واصطد بها فلا يصح، نعم يصح البيع وله أجرة المثل وكذا العمل إن عمل

(2)

، والصيد في الأخيرة للعامل وعليه أجرة الشبكة التي لم يملكها كالمغصوبة. وخرج بذكر الربح الوكيل والعبد المأذون.

وأركانه ستة عاقدان وعمل وربح ومال وصيغة (ويشترط لصحته كون المال) نقدا مضروبا أي (دراهم أو دنانير) ويجوز كون بعضه دراهم وبعضه دنانير (خالصة) بإجماع الصحابة، ويجوز عقد القراض على النقد المضروب وإن أبطله السلطان

(3)

(فلا يجوز على تبر) وهو ذهب أو فضة لم يضرب (وحلي) وسبائك؛ لاختلاف قيمتها (ومغشوش) وإن راج وعلم قدر غشه واستهلك

(4)

وجاز التعامل به (وعروض) مثلية أو متقومة؛ لما مر. (و) كونه (معلوما) قدره وجنسه وصفته فلا يجوز على نقد مجهول القدر وإن أمكن علمه حالا، ولا على ألف ولو علم جنسه أو قدره أو صفته في المجلس. ولو قارضه على ألف من نقد كذا

(5)

(1)

. أي على العمل ومحله كما يؤخذ من كلام الشارح ما لم يعين في المجلس خلافا للنهاية.

(2)

. قال عبد الحميد أي له أجرة مثل البيع فقط إن لم يعمل وأجرة مثل البيع والقراض إن عمل.

(3)

. وإن عز وجوده أو خيف عزته عند المعاملة خلافا للمغني.

(4)

. خلافا للنهاية.

(5)

. اعتمدوا أن قوله ((من نقد كذا)) غير شرط خلافا للشارح.

ص: 381

مُعَيَّنًا، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ، وَمُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ كَوْنِ المَالِ فِي يَدِ المَالِكِ، وَلَا عَمَلِهِ مَعَهُ، وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ المَالِكِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ

ثم عينها في المجلس صح. ولو قارضه على صرّة غائبة عن المجلس صحّ؛ لأنه لا تشترط الرؤية هنا؛ لكونه توكيلاً (معينا) فيمتنع على منفعة ودين له في ذمة الغير وعلى إحدى الصرتين، نعم لو قارضه على ألف درهم مثلا في ذمته

(1)

ثم عينها في المجلس وقبضها المالك جاز بخلاف ما في ذمة الغير فإنه لا يصح مطلقا; لأنه غير قادر عليه حالة العقد، ولو خلط ألفين له بألف لغيره ثم قال قارضتك على أحدهما وشاركتك في الأخر جاز وإن لم تتعين ألف القراض وينفرد العامل بالتصرف فيه ويشتركان في التصرف في الباقي. ولو قارضه على ألفين على أن له من أحدهما نصف الربح ومن الآخر ثلثه صح إن عين كلا منهما وإلا فلا (وقيل يجوز على إحدى الصرَّتين) إن علم ما فيهما وتساويا جنسا وقدرا وصفه والأصح المنع؛ لعدم التعيين كالبيع، نعم إن عين إحداهما في المجلس صح

(2)

بشرط علم عين ما فيها، كما لو أعطاه ألفين وقال قارضتك على أحدهما ثم عينه في المجلس (و) كونه (مسلما إلى العامل) بحيث يستقل باليد عليه، وليس المراد تسليمه حالة العقد ولا في المجلس بل أن لا يشترط عدم تسليمه كما أفاده قوله (فلا يجوز بشرط كون المال في يد المالك) ولا غيره; لأنه قد لا يجده عند الحاجة. (و) يشترط أيضا استقلال العامل بالتصرف فحينئذ (لا) يجوز شرط (عمله) أي المالك ومثله غيره (معه) ; لأنه ينافي مقتضاه من استقلال العامل بالعمل (ويجوز شرط عمل غلام المالك) أي قنه أو المملوكة منفعته له -ولو بهيمة- المعلوم بالمشاهدة أو الوصف (معه) سواء أكان الشارط العامل أم المالك إن لم يجعل الشارط للغلام يدا ولا تصرفا (على الصحيح) كالمساقاة; لأنها من جملة ماله. أما لو شرط عليه أن لا يتصرف إلا بإذن الغلام، أو شرط كون بعض المال في يده فسد قطعا، ويجوز شرط نفقته عليه ولا يشترط تقديرها اكتفاء بالعرف.

(1)

. أي العامل خلافا لهم من أن فرضهم المسألة في المالك، فعندهم أنها إذا كانت في غير ذمة المالك لا يجوز.

(2)

. خلافا للمغني.

ص: 382

وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ وَتَوَابِعُهَا كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا، فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً فَيَطْحَنَ وَيَخْبِزَ، أَوْ غَزْلًا يَنْسُجُهُ وَيَبِيعُهُ فَسَدَ الْقِرَاضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ، أَوْ مُعَامَلَةَ شَخْصٍ. وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ بَعْدَهَا فَسَدَ، وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ

(ووظيفة العامل التجارة) وهي هنا الاسترباح بالبيع والشراء لا بالحرفة كالطحن والخبز فإن فاعلها يسمى محترفا لا تاجرا

(1)

(وتوابعها كنشر الثياب وطيِّها) وذرعها وجعلها في الوعاء ووزن الخفيف وقبض الثمن وحمله؛ لقضاء العرف بذلك (فلو قارضه ليشتري حنطة فيطحن ويخبز أو غزلا ينسجه ويبيعه) أي كلا منهما (فسد القراض) ; لأنه شرع رخصة للحاجة وهذه مضبوطة يتيسر الاستئجار عليها فلم تشملها الرخصة (ولا يجوز أن يشرط عليه شراء متاع معين) كهذه السلعة (أو نوع يندر وجوده) كالياقوت الأحمر -بخلاف غير نادر لم يدم كفاكهة رطبة- (أو معاملة شخص) كالبيع من زيد والشراء منه; لأن في ذلك تضييقا لمظان الربح، والأوجه في الأشخاص المعينين أنهم إن كانوا بحيث تقضي العادة بالربح معهم لم يضر وإلا ضر، ويضر تعيين الحانوت دون السوق؛ لأن السوق كالنوع العام والحانوت كالعرض المعين (ولا يشترط بيان) نوع هنا، ولا بيان (مدة القراض) ; لأن الربح ليس له وقت معلوم (فلو ذكر) له (مدة) على جهة تأقيته بها كسنة فسد مطلقا; لأن تلك المدة قد لا يروج فيها شيء، أما إن ذكرها لا على جهة التأقيت

(2)

(ومنعه التصرف بعدها) كقوله قارضتك على كذا ولا تتصرف بعد سنة (فسد)؛ لأنه قد لا يجد فيها راغبا في شراء ما عنده من العرض (وإن منعه الشراء بعدها) دون البيع بأن صرح له بجوازه (فلا) يفسد (في الأصح)؛ لحصول الاسترباح بالبيع الذي له فعله بعدها بخلاف المنع من البيع، ويشترط اتساع تلك المدة لشراء مربح عادة

(1)

. ولو قال خذ هذه الدراهم وابتع بها والربح بيننا نصفين لم يصح؛ لأن البيع لا يقتضي العمل خلافا للمغني وشرح الروض.

(2)

. ولو قال قارضتك سنة ولا تشتر بعدها لم يصح كما يفهم من كلام الشارح وفاقا لشرح المنهج وخلافا لشرح الروض ولتفصيل النهاية.

ص: 383

وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، فَلَوْ قَالَ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ قَرْضٌ صَحِيحٌ وَإِنْ قَالَ كُلُّهُ لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ: إبْضَاعٌ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا بِالجُزْئِيَّةِ فَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لَك فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا فَسَدَ، أَوْ بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: لِي النِّصْفُ فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ: لَك النِّصْفُ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ،

لا كساعة. أما إذا سكت عن البيع بعدها فيفسد القراض

(1)

; لأن تعيين المدة يقتضي منع البيع بعدها فاحتاج للنص على فعله، وكما لا يجوز تأقيته لا يجوز تعليقه ولا تنجيزه وتعليق التصرف؛ لمنافاته غرض الربح، وبه فارق نظيره في الوكالة. (ويشترط اختصاصهما بالربح) فيمتنع شرط بعضه لثالث إلا أن يشرط عليه العمل معه فيكون قراضا بين اثنين، نعم شرطه لقن أحدهما كشرطه لسيده (واشتراكهما فيه)؛ ليأخذ المالك بملكه والعامل بعمله (فلو قال قارضتك على أن كل الربح لك فقراض فاسد) ; لأنه خلاف مقتضى العقد، وله أجرة المثل; لأنه عمل طامعا، ومن ثم اتجه أنه لو علم الفساد وأن لا شيء له لم يستحق شيئا

(2)

; لأنه غير طامع حينئذ (وقيل قراض صحيح)؛ نظرا للمعنى (وإن قال كله لي فقراض فاسد)؛ لما ذكر ولا أجرة له إن علم الفساد وأنه لا أجرة له

(3)

; لأنه لم يطمع في شيء وعلى كلٍّ فتصرفه صحيح؛ لعموم الإذن وإن قلنا بفساد القراض (وقيل إبضاع

(4)

نظرا للمعنى أيضا، (وكونه معلوما بالجزئية فلو) لم يعلم أصلا

(5)

كأن (قال) قارضتك (على أن لك فيه شركة أو نصيبا فسد)؛ لما فيه من الغرر (أو) على أن الربح (بيننا فالأصح الصحة ويكون نصفين)؛ إذ المتبادر من ذلك عرفا المناصفة (ولو قال لي النصف) وسكت عما للعامل (فسد في الأصح)؛ لانصراف الربح للمالك أصالة; لأنه نماء ماله دون العامل فصار كله مختصا بالمالك (وإن قال لك النصف) وسكت عن جانبه (صح على الصحيح)؛ لانصراف ما لم يشرط للمالك بمقتضى

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية وإطلاق المنهج.

(2)

. وفاقا لشرح المنهج والروض والبهجة وخلافا للنهاية ولإطلاق المغني.

(3)

. خلافا لهما من عدم لزوم الأجرة مطلقا.

(4)

. وهو بعث المال مع من يتجر له به تبرعا.

(5)

. ويجوز أن يقارض العامل على أن له سدس عشر الربح كما نص عليه الشارح في الخلع 7/ 469.

ص: 384

وَلَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةٌ أَوْ رِبْحُ صِنْفٍ فَسَدَ.

فصل

يُشْتَرَطُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ، وَقِيلَ يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ. وَشَرْطُهُمَا كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ. وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ آخَرَ بِإِذْنِ المَالِكِ لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ،

الأصل المذكور، وإسناد كلُّ ما ذكر للمالك مثالٌ، فلو صدر من العامل شرط مشتمل على شيء مما ذكر فكذلك (ولو) علم لكن لا بالجزئية كأن (شرط لأحدهما عَشَرة أو ربح صنف) كالرقيق أو ربح نصف المال أو ربح أحد الألفين تميز أم لا (فسد) القرض سواء أجعل الباقي للآخر أم بينهما; لأن الربح قد ينحصر في العشرة أو ذلك الصنف مثلا فيختص به أحدهما وهو مفسد.

(فصل) في بيان الصيغة وما يشترط في العاقدين وذكر بعض أحكام القراض

(يشترط) لصحة القراض أيضا (إيجاب) كقارضتك وضاربتك وعاملتك وخذ هذه الدراهم واتجر فيها أو بع واشتر على أن الربح بيننا فإن اقتصر على بع أو اشتر فسد ولا شيء له؛ لأنه لم يذكر له مطمعا (وقبول) بلفظ متصل كالبيع، وأراد بالشرط ما لا بد منه; لأن هذين ركنان (وقيل يكفي) في صيغة الأمر كخذ هذه واتجر فيها (القبول بالفعل) كما في الوكالة.

(وشرطهما) أي المالك والعامل (كوكيل وموكل) ; لأن المالك كالموكل والعامل كالوكيل، فلا يصح إذا كان أحدهما محجورا أو عبدا أذن له في التجارة أو المالك مفلسا أو العامل أعمى، ويصح من ولي في مال محجور لمن يجوز إيداعه عنده وله أن يشرط له أكثر من أجرة المثل إن لم يجد كافيا غيره (ولو قارض العامل آخر بإذن المالك ليشاركه في العمل والربح لم يجز) أي لم يحل ولم يصح (في الأصح) ; لأنه خلاف موضوع القراض الخارج عن القياس، ومحل المنع بالنسبة للثاني أما الأول فالقراض باقٍ في حقّه فإن تصرف الثاني فله أجرة المثل فقط إن طمّعه المالك، والربح كلّه للمالك ولا شيء له على العامل. وخرج بيشارك ما إذا أذن له في ذلك لينسلخ من القراض ويكون وكيلا فيه فيصح بشرط أن يكون المال نقدا خالصا

ص: 385

وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَاسِدٌ، فَإِنْ تَصَرَّفَ الثَّانِي فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقُلْنَا بِالجَدِيدِ فَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ، وَقِيلَ هُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَبَاطِلٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا، وَالِاثْنَانِ وَاحِدًا وَالرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ المَالِ، وَإِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ وَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ ..

حينئذ أي; لأنه ابتداء قراض، نعم إذن المالك له في ذلك يتضمن عزله الأول وإن لم يفعل ما أذن له فيه (و) مقارضته آخر (بغير إذنه) أي المالك تصرف (فاسد)؛ لما فيه من الافتيات (فإن تصرف الثاني فتصرف غاصب) ; لأن الإذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل (فإن اشترى في الذمة) للأول ونقد الثمن من مال القراض وربح (وقلنا

(1)

بالجديد) وهو أن الربح لغاصب اشترى في الذمة ونقد من المغصوب؛ لصحة شرائه، وإنما الفاسد تسليمه فيضمن ما سلمه (فالربح) كله (للعامل الأول في الأصح) ; لأن الثاني تصرف له بإذنه فأشبه الوكيل (وعليه للثاني أجرته) ; لأنه لم يعمل مجانا (وقيل هو للثاني) جميعه. أما لو اشترى في الذمة لنفسه فيقع لنفسه (وإن اشترى بعين مال القراض فباطل) شراؤه; لأنه شراء فضولي (ويجوز أن يقارض) المالك (الواحد اثنين متفاضلا) حظهما من الربح ويجب تعيين أكثرهما (ومتساويا) ; لأن عقده معهما كعقدين، وإن شرط على كل مراجعة الآخر لم يضر

(2)

(و) يجوز أن يقارض (الاثنان واحدا) ; لأنه كعقدين، ويشترط فيما إذا تفاوتا فيما شرط له أن يعين مَن له الأكثر (والربح بعد نصيب العامل بينهما بحسب المال) وإلا فسد؛ لما فيه من شرط بعض الربح لمن ليس بمالك ولا عامل. (وإذا) بقي الإذن حين (فسد) لنحو فوات شرط ككونه غير نقد (القراض) والحال أن المقارض مالك (نفذ تصرف العامل)؛ نظرا لبقاء الإذن كما في الوكالة الفاسدة، أما إذا فسد لعدم أهلية العاقد أو والمقارض ولي أو وكيل فلا ينفذ تصرفه (والربح) كله (للمالك) ; لأنه نماء ملكه وعليه الخسران أيضا (وعليه للعامل أجرة مثل عمله) وإن لم يحصل ربح; لأنه عمل طامعا في المسمى ولم يسلم له، نعم إن علم الفساد

(3)

وأنه لا أجرة له فلا شيء له، وكذا إذا

(1)

. الإحالة على الجديد في محلها خلافا للمغني.

(2)

. وفاقا لشرح المنهج والنهاية وخلافا للمغني وشرح الروض.

(3)

. وفاقا لشرح الروض والبهجة والمنهج وخلافا لهما.

ص: 386

إلَّا إذَا قَالَ: قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا لَا بِغَبْنٍ وَلَا نَسِيئَةٍ بِلَا إذْنٍ. وَلَهُ الْبَيْعُ بِعَرْضٍ، وَلَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَإِنِ اقْتَضَتْ الْإِمْسَاكَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمَالِكِ الرَّدُّ، فَإِنْ اخْتَلَفَا عُمِلَ بِالمَصْلَحَةِ،

اشترى في الذمة ونوى نفسه; لأن الربح يقع له فلم يستحق على المالك شيئا (إلا إذا قال قارضتك وجميع الربح لي فلا شيء له في الأصح) ; لأنه لم يطمع في شيء، نعم إن جهل ذلك

(1)

بأن ظن أن هذا لا يقطع حقه من الربح أو الأجرة وشهد حاله بجهله بذلك استحق أجرة المثل (ويتصرف العامل محتاطا لا بغبن) فاحش في نحو بيع أو شراء (ولا نسيئة) في ذلك؛ للغرر ولأنه قد يتلف رأس المال فتبقى العهدة متعلقة بالمالك (بلا إذن) بخلاف ما إذا أذن كالوكيل، ومن ثم جرى هنا في قدر النسيئة وإطلاقها في البيع ما مر، ولا يتناول البيع والشراء سلما إلا أن يأذن له فيهما

(2)

. ويجب الإشهاد في البيع نسيئة وإلا ضمن بخلاف الحال; لأنه يحبس المبيع إلى استيفاء الثمن

(3)

، ومتى أذن في التسليم قبل قبض الثمن لم يجب إشهاد. والمراد بالإشهاد الواجب أن لا يسلم المبيع حتى يُشِهد شاهدين على إقراره بالعقد أو واحداً ثقة، ولا يلزمه الإشهاد على العقد (وله البيع) وكذا الشراء (بعرض) ولو بلا إذن; لأن الغرض الربح وقد يكون فيه، وبه فارق الوكيل، نعم لا يجوز بغير نقد البلد؛ لأنه لا يروج فيها (وله) بل عليه (الرد بعيب) حال كون الرد (تقتضيه مصلحة) وإن رضي به المالك (فإن اقتضت الإمساك فلا) يرده (في الأصح)؛ لإخلاله بمقصود العقد فإن استويا جاز له الرد قطعا (وللمالك الرد) حيث يجوز للعامل وأولى; لأنه مالك الأصل، ثم إن كان الشراء بالعين رده على البائع ونقض البيع أو في الذمة صرفه للعامل ثم سمَّى إن العامل المالك وصدقه لم يقع العقد للعامل وإلا وقع له (فإن اختلفا) أي المالك والعامل في الرد والإمساك أي؛ لاختلافهما في المصلحة (عُمِل) من جهة الحاكم أو المحكم (بالمصلحة) الثابتة عنده; لأن كلا منهما له حق

(1)

. خلافا لهم.

(2)

. كما في فتح الجواد.

(3)

. وأشار الشارح في الإيصاء أن للمشتري من عامل القراض أن لا يسلمه الثمن حتى تثبت ولايته عند القاضي.

ص: 387

وَلَا يُعَامِلُ المَالِكَ. وَلَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ المَالِ، وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَى المَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَا زَوْجُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ لِلْمَالِكِ وَيَقَعُ لِلْعَامِلِ إنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُسَافِرُ بِالمَالِ بِلَا إذْنٍ،

فإن استوى الإمساك والرد فيها رجع لاختيار العامل؛ لتمكنه من شراء المعيب بقيمته أي فكان جانبه هنا أقوى. (ولا يعامل المالك) بمال القراض أي لا يبيعه إياه; لأنه يؤدي إلى بيع ماله بماله بخلاف شرائه له منه بعين أو دين فإنه لا محذور فيه؛ لتضمنه فسخ القراض، ومن ثم لو اشتراه منه بشرط بقاء القراض بطل. ولو كان له عاملان مستقلان لم يجز لأحدهما معاملة الآخر

(1)

(ولا يشتري للقراض) بغير جنس رأس ماله

(2)

-فإن كان ذهبا ووجد سلعة تباع بدراهم باع الذهب بدراهم ثم اشترى بها السلعة- ولا بثمن المثل ما لا يرجو ربحه أبدا أو مدة طويلة عرفا بحيث يشق بقاء القراض إليها، ولا (بأكثر من رأس المال) والربح بغير إذن المالك (ولا من يعتق على المالك)؛ لكونه بعضه أو أقر أو شهد بحريته ولم يقبل أو مستولدته وبيعت لنحو رهن (بغير إذنه) ; لأن القصد الربح وهذا خسران، فإن أذن صح ثم إن لم يكن في المال ربح عتق على المال، وكذا إن كان في ربح فيعتق على المالك ويغرم نصيب العامل من الربح، ولو أعتق المالك عبدا من مال القراض فكذلك، (وكذا زوجه) أي المالك الذكر أو الأنثى لا يشتريه بغير إذنه (في الأصح)؛ لإضرار المالك بانفساخ نكاحه. أما لو اشترى العامل من يعتق

(3)

عليه وزوجه فإن كان بالعين ولا ربح

(4)

لم يعتق عليه ولم ينفسخ النكاح وكذا إن كان في الذمة واشترى للقراض (ولو فعل) ما منع منه (لم يقع للمالك ويقع للعامل إن اشترى في الذمة) وإن صرح بالسفارة؛ لما مر في الوكالة. أما إذا اشترى بالعين فيبطل التصرف

(5)

من أصله. (ولا يسافر بالمال بلا إذن) وإن قرب السفر وانتفى الخوف والمؤنة; لأن السفر مظنة الخطر فيضمن به ويأثم ومع ذلك القراض باق بحاله سواء أسافر

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا لما نقله ابن قاسم عن الرملي.

(2)

. ولا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن كما قدمه الشارح في البيع 4/ 421.

(3)

. أي العامل.

(4)

. يفهم من كلام الروض والمغني وشرح المنهج أنه ليس قيدا.

(5)

. ظاهره البطلان في الكل في الشراء بأكثر من رأس المال لا في الزائد فقط بخلاف عبارة شرح الروض والمغني وشرح المنهج.

ص: 388

وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا، وَكَذَا سَفَراً فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُعْتَادُ كَطَيِّ الثَّوْبِ وَوَزْنُ الخَفِيفِ كَذَهَبٍ وَمِسْكٍ لَا الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ، وَنَحْوُهُ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ لَا بِالظُّهُورِ،

بعين المال أو العروض التي اشتراها به، بل لو خلط مال القراض بماله ضمن ولم ينعزل، ثم إذا باع فيما سافر إليه وهو أكثر قيمة مما سافر منه أو استويا صح البيع للقراض أو أقل قيمة بما لا يتغابن به لم يصح. أما بالإذن فيجوز، نعم لا يستفيد ركوب البحر إلا بالنص عليه أو الإذن في بلد لا يسلك إليها إلا فيه، ومثلها الأنهار إذا زاد خطرها على خطر البر. ثم إن عين له بلدا فذاك وإلا تعين ما اعتاد أهل بلد القراض السفر إليه منه. (ولا ينفق) العامل وأراد بالنفقة ما يعم سائر المؤن (منه) أي من مال القراض (على نفسه حضرا)؛ عملا بالعرف، فإن شرط ذلك في العقد فسد (وكذا سفرا في الأظهر) ; لأن النفقة قد تستغرق الربح وزيادة (وعليه فعل ما يعتاد) عند التجار فعل التاجر له بنفسه (كطي الثوب ووزنُ الخفيف) وإن لم يعتد (كذهب ومسك)؛ لقضاء العرف به (لا الأمتعة الثقيلة) فليس عليه وزنها (ونحوُهُ) أي نحو وزنها كنقلها من الخان

(1)

إلى الدكان؛ لتعارف الاستئجار لذلك (وما لا يلزمه) من العمل (له الاستئجار عليه) من مال القراض; لأنه من تتمة التجارة ومصالحها، ولو تولاه بنفسه فلا أجرة له

(2)

. وما يلزمه عمله إن استؤجر عليه تكون الأجرة من ماله وما يأخذه الرصدي والمكاس يحسب من مال القراض (والأظهر أن العامل يملك حصته من الربح بالقسمة لا بالظهور)؛ إذ لو ملك به لشارك في المال فيكون النقص الحادث بعد ذلك محسوبا عليهما وليس كذلك بل الربح وقاية لرأس المال، وعلى الأظهر للعامل قبل القسمة بالظهور في نصيبه من الربح حق مؤكد فيورث عنه ويتقدم به على الغرماء ويصح إعراضه عنه ويغرمه المالك بإتلافه للمال أو استرداده، ومع ملكه بالقسمة لا يستقر ملكه إلا إذا وقعت بعد الفسخ والنضوض الآتي وإلا جبر به خسران حدث بعدها، ويستقر نصيبه أيضا بنضوض المال مع ارتفاع العقد من غير قسمة، ومرّ أن زكاة مال القراض على المالك فيخرجها من عنده فإن أخرجها من مال القراض حسبت من الربح.

(1)

. هو الحانوت، لسان العرب.

(2)

. قياس كلام النهاية أن محله إن فعل بلا أذن من المالك.

ص: 389

وَثِمَارُ الشَّجَرِ وَالنِّتَاجُ وَكَسْبُ الرَّقِيقِ وَالمَهْرُ الحَاصِلَةُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ يَفُوزُ بِهَا المَالِكُ، وَقِيلَ مَالُ قِرَاضٍ. وَالنَّقْصُ الحَاصِلُ بِالرُّخْصِ مَحْسُوبٌ مِنَ الرِّبْحِ مَا أَمْكَنَ وَمَجْبُورٌ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِآفَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فَمِنْ رَأْسِ المَالِ فِي الْأَصَحِّ

(وثمار الشجر والنتاج وكسب الرقيق والمهر) -على من وطئ أمة القراض بشبهة منها ولو العامل- وسائر الزوائد العينية (الحاصلةُ من مال القراض) أي الحادثة منه بغير تصرف العامل (يفوز بها المالك) ; لأنها ليست من فوائد التجارة، وخرج بالحاصلة ما لو اشترى حيوانا حاملا أو شجرا عليه ثمر لم يؤبر فالثمرة والولد مال قراض (وقيل مال قراض)؛ لأنها بسبب شراء العامل لأصلها (والنقص الحاصل بالرخص) أو بعيب كمرض حادث (محسوب من الربح ما أمكن ومجبور به) ; لأنه المتعارف (وكذا لو تلف بعضه بآفة) سماوية (أو غصب أو سرقة) وتعذر أخذ بدله (بعد تصرف العامل في الأصح) ; لأنه نقص حصل فأشبه نقص العيب والمرض. أما لو أخذ بدل المغصوب أو المسروق فيستمر القراض فيه، وله المخاصمة فيه إن ظهر في المال ربح. وخرج ببعضه نحو تلف كله فإن القراض يرتفع ما لم يتلفه أجنبي ويؤخذ بدله أو العامل ويقبض المالك منه بدله ثم يرده إليه

(1)

، وفيما إذا أتلفه المالك ينفسخ مطلقا ويستقر عليه نصيب العامل (وإن تلف) بعض المال (قبل تصرفه) فيه (فـ) يحسب (من رأس المال في الأصح) ولا يجبر به; لأن العقد لم يتأكد بالعمل.

(1)

. خلافا للأسنى والمغني.

ص: 390

فصل

لِكُلٍّ فَسْخُهُ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْفَسَخَ. وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الِاسْتِيفَاءُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا، وَتَنْضِيضُ رَأْسِ المَالِ إنْ كَانَ عَرْضًا، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ التَّنْضِيضُ إذَا لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ

(فصل) في بيان أن القراض جائز من الطرفين والاستيفاء والاسترداد وحكم اختلافهما وما يُقبل فيه قول العامل

(لكل) من المالك والعامل (فسخه) متى شاء ولو في غيبة الآخر; لأنه وكالة ابتداء وشركة وجعالة انتهاء، ويحصل بقول المالك فسخته أوْ لا تتصرف -أي حيث لا غرض- وباسترجاعه المال، فإن استرجع بعضه ففيما استرجعه وبإنكاره له حيث لا غرض وإلا فلا (ولو مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه) زمنا استغرق وقت صلاة

(1)

(انفسخ) وللعامل بعد موت المالك البيع من غير إذن وارثه إن رجي ظهور ربح وكذا له الاستيفاء، وليس لوارثِ عاملٍ البيع ولا الاستيفاء إلا بإذن المالك (ويلزم العامل) وإن لم يكن ربح (الاستيفاء) لديون التجارة أي لرأس المال منها فقط

(2)

(إذا فسخ أحدهما) أو انفسخ; لأن الدين ناقص وقد أخذ منه ملكا تاما فليرد كما أخذ (وتنضيض رأس المال إن كان) ما بيده عند الفسخ (عرضا) أو نقدا غير صفة رأس المال، والتنضيض هو بيعه بنقد البلد الموافق لرأس المال وإن أبطله السلطان فإن لم يوافق نقد البلد رأس المال باع بالأغبط منه ومن جنس رأس المال فإن باع بغير جنسه حَصَّل به جنسه، وإنما يلزمه استيفاء ما ذكر وتنضيضه إن طلبه المالك أو كان لمحجور عليه وحظه في ذلك. ولو منعه المالك من البيع جاز له البيع إن توقع ربحا بظهور راغب، نعم يجاب المالك إن قال نقتسم بتقويم عدلين أو أعطيك نصيبك من الربح ناضا ولم يزد راغب. وخرج برأس المال الربح; لأنه مشترك بينهما فلا يكلف أحدهما بيعه، نعم إن توقف تنضيض رأس المال عليه بأن كان بيع بعضه ينقص قيمته كعبد وجب بيع الكل (وقيل لا يلزمه التنضيض إن لم يكن ربح).

(1)

. كما في الشركة.

(2)

. أي لا الربح خلافا لهم.

ص: 391

وَلَوِ اسْتَرَدَّ المَالِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ رَجَعَ رَأْسُ المَالِ إلَى الْبَاقِي، وَإِنِ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الرِّبْحِ فَالمُسْتَرَدُّ شَائِعٌ رِبْحًا، وَرَأْسَ مَالٍ مِثَالُهُ رَأْسُ المَالِ مِئَةٌ وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ وَاسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَالرِّبْحُ سُدُسُ المَالِ فَيَكُونُ المُسْتَرَدُّ سُدُسُهُ مِنَ الرِّبْحِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ المَشْرُوطُ مِنْهُ وَبَاقِيهِ مِنْ رَأْسِ المَالِ. وَإِنِ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الخُسْرَانِ فَالخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى المُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي فَلَا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ المُسْتَرَدِّ لَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ، مِثَالُهُ المَالُ مِئَةٌ وَالخُسْرَانُ عِشْرُونَ ثُمَّ اسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَرُبْعُ الْعِشْرِينَ حِصَّةُ المُسْتَرَدِّ، وَيَعُودُ رَأْسُ المَالِ إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ،

(ولو استرد المالك بعضه) أي مال القراض (قبل ظهور ربح وخسران رجع رأس المال إلى الباقي) ; لأنه لم يترك في يده غيره (وإن استرد) المالك بعضه بغير رضا العامل أو برضاه وصرحا بالإشاعة أو أطلقا (بعد الربح فالمسترد شائع ربحا ورأس مال) على النسبة الحاصلة من مجموع الربح والأصل; لأنه غير متميز، ويستقر ملك العامل على ما خصه من الربح فلا ينفذ تصرف المالك فيه

(1)

ولا يسقط بخسر وقع بعده (مثاله رأس المال مائة والربح عشرون واسترد عشرين فالربح سدس المال) وهو مشترك بينهما (فيكون المسترد سدسه من الربح) وهو ثلاثة وثلث (فيستقر للعامل المشروط) له (منه) وهو واحد وثلثان إن شرط له نصف الربح (وباقيه من رأس المال) فلو عاد ما في يده إلى ثمانين لم يسقط نصيب العامل بل يأخذ منها واحدا وثلثين ويرد الباقي. وخرج بقولي بغير رضا العامل إلى آخره ما لو استرد برضاه فإن قصد الأخذ من رأس المال اختص به أو من الربح اختص به -وحينئذ يملك العامل مما في يده قدر حصته على الإشاعة- فإن لم يقصد أحد ذينك حُمِل على الإشاعة، وعليها فنصيب العامل قرض للمالك لا هبة (وإن استرد بعد الخسران فالخسران موزع على المسترد والباقي فلا يلزم جبر حصة المسترد لو ربح بعد ذلك، مثاله: المال مائة والخسران عشرون ثم استرد عشرين فربع العشرين حصة المسترد ويعود رأس المال إلى خمسة وسبعين) ; لأن الخسران إذا وزع على الثمانين خص كل عشرين خمسة فالعشرون المستردة حصتها خمسة فيبقى ما ذكر، فلو

(1)

. أي في المسترد وهو شامل للاسترداد برضاه مع إطلاقهما أو قصد الإشاعة، وعند المغني وشرح الروض لا ينفد تصرفه إلا في الاسترداد بغير رضاه فقط.

ص: 392

وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَرْبَحْ، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا كَذَا، أَوِ اشْتَرَيْتُ هَذَا لِلْقِرَاضِ أَوْ لِي، أَوْ لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا، وَفِي قَدْرِ رَأْسِ المَالِ، وَدَعْوَى التَّلَفِ، ..

ربح بعدُ قُسِّم بينهما على ما شرطاه. (ويصدق العامل

(1)

بيمينه في قوله لم أربح) شيئا أصلا (أو لم أربح إلا كذا)؛ عملا بالأصل فيهما. ولو قال ربحت كذا ثم قال غلطت في الحساب أو كذبت لم يقبل; لأنه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه، نعم له تحليف المالك وإن لم يذكر شبهة، ويقبل قوله بعد خسرت إن احتمل كأن عرض كسادٌ (أو اشتريت هذا للقراض أو لي) والعقد في الذمة; لأنه أعلم بقصده. أما لو كان الشراء بعين مال القراض فإنه يقع للقراض وإن نوى نفسه؛ لما تقرر أنه مع الشراء بالعين لا ينظر إلى مقصده، ثم إن نوى الشراء لنفسه سمعت بينة المالك

(2)

أنه اشتراه بمال القراض ثم يسأل العامل فإن قال فسخت القراض حكم بفساد الشراء وإلا فلا يفسد ويقع للقراض كما مر (أو لم تنهني عن شراء كذا) سواء أطلق الإذن له ثم ادعى النهي مطلقا أو عن شيء مخصوص أم أذن له في شيء معين ثم ادعى أنه نهاه عنه، وتصويره

(3)

بالثاني قاصر، بل ظاهر كلامهم أنهما لو اختلفا في عقد القراض هل اشتمل على النهي عن كذا مما لا يفسد شرطه صُدِّق العامل أيضا (و) يصدق العامل بيمينه أيضا (في) جنس أو (قدر رأس المال) وإن كان هناك ربح; لأن الأصل عدم دفع زيادة إليه (و) في (دعوى التلف) على التفصيل الآتي في الوديع

(4)

; لأنه أمين مثله، ومن ثم ضمن بما يضمن به كأن خلط مال القراض بما لا يتميز به ومع ضمانه لا ينعزل كما مر فيقسم الربح على قدر المالين، نعم لو أخذ ما لا يمكنه القيام به فتلف بعضه ضمنه; لأنه فرط بأخذه. ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض والعامل أنه قراض حُلِّف العامل

(5)

فإن أقاما حينئذٍ بينتين

(1)

. ونص الشارح في الإيصاء أنه لا يطالب العامل بحساب 7/ 97.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا عدم قبول بينة المالك مطلقا.

(3)

. كما في شرح الروض والبهجة.

(4)

. حاصله أنه لو ادعى التلف صدق بيمينه إن لم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا كسرقة أما إن ذكر سببا ظاهرا كحريق فإن عرف وعمومه صدق بلا يمين وإن عرف دون عمومه صدق بيمينه وإن جهل طولب ببينة ثم يحلف على التلف به.

(5)

. وفاقا لشرحي الروض والمنهج وخلافا للنهاية والشهاب الرملي.

ص: 393

وَكَذَا دَعْوَى الرَّدِّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي المَشْرُوطِ لَهُ تَحَالَفَا، وَلَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ.

صدقت بينة المالك

(1)

. ولو قال المالك قراضا والآخذ قرضا صدق الآخذ، ولو ادعى المالك القرض والآخذ الوديعة صدق الآخذ; لأن الأصل عدم الضمان

(2)

(وكذا) يصدق في (دعوى الرد في الأصح) كالوكيل بجعل; لأنه أخذ العين لمنفعة المالك وانتفاعه هو ليس بها بل بالعمل فيها، وبه فارق المرتهن والمستأجر. ولو ادعى تلفا أو ردا ثم أكذب نفسه ثم ادعى أحدهما وأمكن قُبِل (ولو اختلفا في المشروط) له (تحالفا وله أجرة المثل)؛ لتعذر رجوع عمله إليه فوجب له قيمته وهو أجرة مثله وللمالك الربح كله، ولا ينفسخ العقد هنا بالتحالف

(3)

.

(1)

. لأن معها زيادة علم وهو الذي استوجهه الشارح في الفتح وهو في التحفه كالمتردد.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. وتقدم في باب معاملة الرقيق أنه لو باع عامل القراض فخرجت السلعة مستحقه كان للمشتري مطالبة العامل ولو بعد العزل وللعامل الرجوع على المالك.

ص: 394

‌كتاب المساقاة

تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِالْوِلَايَةِ. وَمَوْرِدُهَا النَّخْلُ وَالْعِنَبُ، وَجَوَّزَهَا الْقَدِيمُ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ المُثْمِرَةِ. وَلَا تَصِحُّ المُخَابَرَةُ وَهِيَ عَمَلُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ،

(كتاب المساقاة)

هي معاملة على تعهد شجر بجزء من ثمرته من السقي الذي هو أهم أعمالها.

والأصل فيها قبل الإجماع ((معاملته صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع)).

وأركانها ستة عاقدان ومورد وعمل وثمر وصيغة (تصح من) مالك وعامل (جائز التصرف) وهو الرشيد المختار دون غيره كالقراض (و) تصح (لصبي ومجنون) وسفيه من وليهم (بالولاية) عليهم عند المصلحة؛ للاحتياج إلى ذلك، ولبيت المال من الإمام، وللوقف من ناظره. ويصح إيجار الولي لبياض أرض موليه بأجرة هي مقدار منفعة الأرض وقيمة الثمر ثم مساقاة المستأجر بسهم للمولى من ألف سهم بشرط أن لا يعد ذلك عرفا غبنا فاحشا في عقد المساقاة بسبب انضمامه لعقد الإجارة وكونه نقصا مجبور بزيادة الأجرة الموثوق بها (وموردها النخل والعنب)؛ للنص في النخل وأُلحق به العنب، ولا تجوز على فحول النخل

(1)

مقصودة بخلافه تبعا (وجوزها القديم في سائر الأشجار المثمرة)؛ لقوله في الخبر السابق من ثمر أو زرع. والجديد المنع; لأنها رخصة فتختص بموردها وعليه يمتنع في المقل

(2)

، وتصح على أشجار مثمرة تبعا للنخل والعنب إذا كانت بينهما وإن كثرت بشرط تعذر

(3)

إفرادها بالسقي نظير المزارعة، وعليه فيأتي هنا جميع ما يأتي ثم من اتحاد العامل وما بعده، ويشترط رؤية المساقى عليه وتعيينه فلا يصح على غير مرئي ولا على مبهم كأحد الحديقتين (ولا تصح المخابرة وهي عمل الأرض) أي المعاملة عليها (ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل).

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. أي الدوم.

(3)

. وفاقا للنهاية وخالفه في هذا الشرط المغني وشرح الروض والمنهج.

ص: 397

وَلَا المُزَارَعَةُ، وَهِيَ: هَذِهِ المُعَامَلَةُ، وَالْبَذْرُ مِنَ المَالِكِ. فَلَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ بَيَاضٌ صَحَّتِ المُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ المُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعَامِلِ وَعُسْرِ إِفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ، وَالْبَيَاضِ بِالْعِمَارَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَلَّا يُفْصَلَ بَيْنَهُمَا وَأَلَّا يُقَدِّمَ المُزَارَعَةُ، وَأَنَّ كَثِيرَ الْبَيَاضِ كَقَلِيلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الجُزْءِ المَشْرُوطِ مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَابِرَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ. فَإِنْ أُفْرِدَتِ الأَرْضُ بِالْزِّرَاعَةِ فَالمُغَلُّ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَدَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ

(ولا المزارعة وهي هذه المعاملة والبذر من المالك)؛ للنهي الصحيح عنهما، ومن خابر على أرض بجزء من الغلة فلم يزرع بعضها لزمه أجرته بخلاف المزارعة، ولو ترك الفلاح السقي مع صحة المعاملة حتى فسد الزرع ضمنه; لأنه في يده وعليه حفظه (فلو كان بين النخل) أو العنب (بياض) أي أرض لا زرع فيها ولا شجر، وفي حكم البياض زرع لم يبدو صلاحه (صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل) أو العنب تبعا للمساقاة؛ لعسر الإفراد (بشرط اتحاد العامل) أي أن لا يكون من ساقاه غير من زارعه وإن تعدد; لأن إفرادها بعامل يخرجها عن التبعية (وعسر إفراد النخل بالسقي و) إفراد (البياض بالعمارة) أي الزراعة; لأن التبعية إنما تتحقق حينئذ بخلاف تعسر أحدهما (والأصح أنه يشترط ألا يفصل بينهما) -أي المساقاة والمزارعة التابعة بل يأتي بهما على الاتصال؛ لتحصل التبعية- وأنه يشترط اتحاد العقد فلو قال ساقيتك على النصف فقبل ثم زارعه على البياض لم تصح المزارعة; لأن تعدد العقد يزيل التبعية (و) الأصح أنه يشترط (ألا يقدم المزارعة) على المساقاة بأن يأتي بها عقبها; لأن التابع لا يتقدم على متبوعه، ويشترط أيضا بيان ما يزرع; لأنه شريك (و) الأصح (أن كثير البياض) بأن اتسع ما بين مغارس الشجر (كقليله)؛ لأن الفرض تعسر الإفراد والحاجة لا تختلف (و) الأصح (أنه لا يشترط تساوي الجزء المشروط من الثمر والزرع) فيجوز شرط نصف الزرع وربع الثمر مثلا للعامل; لأن الزراعة وإن كانت تابعة هي في حكم عقد مستقل (و) الأصح (أنه لا يجوز أن يخابر تبعا للمساقاة) بل يشترط أن يكون البذر من رب النخل (فإن أفردت أرض بالزراعة فالمغل للمالك)؛ لأنه نماء ملكه (وعليه للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته) إن كانت له؛ لبطلان العقد وعمله لا يحبط مجانا -سَلِم الزرع من التلف أم لا- أما إن أفردت الأرض بالمخابرة فالمغل للعامل; لأن الزرع يتبع البذر وعليه لمالك الأرض أجرة

ص: 398

وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا، وَلَا أُجْرَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَيُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنَ الْأَرْضِ

مثلها، ولو كان البذر لهما فالغلة لهما ولكل على الآخر أجرة ما صرفه من منافعه على حصة صاحبه. (وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة) في إفراد المزارعة (أن يستأجره) أي المالك العامل (بنصف البذر) شائعا (ليزرع له النصف الآخر) من البذر في نصف الأرض مشاعا (ويعيره نصف الأرض) مشاعا وبهذا علم جواز إعارة المشاع (أو يستأجره بنصف البذر ونصف منفعة الأرض) شائعين (ليزرع له النصف الآخر) من البذر (في النصف الآخر من الأرض) فيشتركان في الغلة مناصفة ولا أجرة لأحدهما على الآخر; لأن العامل يستحق من منفعة الأرض بقدر نصيبه من الزرع والمالك يستحق من منفعة العامل بقدر نصيبه من الزرع، وتفارق الأولى هذه بأن الأجرة ثَم عين وهنا عين ومنفعة وثَم يتمكن من الرجوع بعد الزراعة في نصف الأرض ويأخذ الأجرة وهنا لا يتمكن، ولو فسد منبت الأرض في المدة لزمه قيمة نصفها ثَم لا هنا; لأن العارية مضمونة، ومن الطرق أيضا أن يقرضه نصف البذر ويؤجره نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع آلته، فإن كان البذر من العامل فمن طرقه أن يستأجر العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع آلاته، أو كان البذر منهما فمن طرقه أن يؤجره نصف الأرض بنصف منافع عمله وآلاته ويشترط في هذه الإجارات وجود جميع شروطها الآتية.

[فرع] أذن لغيره في زرع أرضه فحرثها وهيأها للزراعة فزادت قيمتها بذلك فأراد رهنها أو بيعها مثلا من غير إذن العامل لم يصح؛ لأنها صارت مرهونة في ذلك العمل الزائد به قيمتها.

ص: 399

فصل

يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُ الثَّمَرِ بِهِمَا، وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَالْعِلْمُ بِالنَّصِيبَيْنِ بِالجُزْئِيَّةِ كَالْقِرَاضِ، وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ المُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرةِ لَكِنْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ

(فصل) في بيان الأركان الثلاثة الأخيرة ولزوم المساقاة وهرب العامل

(يشترط تخصيص الثمر) ومثله القنو

(1)

وشماريخه

(2)

(بهما) فلو شرط بعضه لثالث فكما مر في القراض بتفصيله (واشتراكهما فيه) بالجزئية نظير ما مر في القراض ففي على أن الثمرة كلها لك أو لي تفسد ولا أجرة له في الثانية

(3)

إن علم الفساد

(4)

وأنه لا شيء له نظير ما مر وتفسد أيضا إن شُرِط التمر لواحد والعنب للآخر. ولو ساقاه على ذمته ساقى غيره، أو عينه فلا فإن فعل ومضت المدة انفسخ العقد والثمر للمالك ولا شيء للأول مطلقا ولا للثاني إن علم فساد العقد وإلا فله أجرة مثله على الأول وكذا حيث فسدت نظير ما مر في القراض

(5)

(والعلم) منهما (بالنصيبين بالجزئية) ومنها بيننا لحمله على المناصفة (كالقراض) في جميع ما مر فيه. وخرج بالثمر الجريد وأصله وكذا العرجون -أي أصل القنو- والليف فيختص به المالك فإن شرط ذلك للعامل أو بينهما فسدت

(6)

، ومرّ أن العامل يملك حصته بظهور الثمر، ومحله إن كان عقد المساقاة عُقد قبل ظهوره وإلا ملك بالعقد (والأظهر صحة المساقاة بعد ظهور الثمرة) كما قبل ظهورها بل أولى; لأنه أبعد عن الغرر (لكن) لا مطلقا بل (قبل بدو الصلاح)؛ لبقاء معظم العمل بخلافه بعده ولو في البعض كالبيع فيمتنع قطعا بل قيل إجماعا.

(1)

. مجمع الشماريخ.

(2)

. هو أصل القنو أي الساعد.

(3)

. بل وفي الأولى على ما اعتمد الشارح في القراض خلافا لهما فيها.

(4)

. خلافا لهما فقالا وإن جهل الفساد.

(5)

. وقياس ما مر عنهما أن العامل يستحق الأجرة بالعمل وإن علم الفساد خلافا لما مر عن الشارح.

(6)

. خلافا لشرح الروض والمغني ووفاقا للنهاية، ومحل الخلاف في شرط ذلك بينهما، أما شرطه للعامل فيبطل قطعاً.

ص: 400

وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الشَّجَرُ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَ مَغْرُوسًا وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنَ الثَّمَرِ عَلَى الْعَمَلِ، فَإِنْ قُدِّرَ لَهُ مُدَّةً يُثْمِرُ فِيهَا غَالِبًا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالُ صَحَّ. وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشَّجَرِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ. وَيُشْتَرَطُ أَلَّا يَشْرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهَا، وَأَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ وَالْيَدِ فِي الحَدِيقَةِ، وَمَعْرِفَةُ الْعَمَلِ بِتَقْدِيرِ المُدَّةِ كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ،

(ولو ساقاه على وَدِيٍّ) غير مغروس وهو صغار النخل (ليغرسه ويكون الشجر) أو ثمرته إذا أثمر (لهما لم يجز)؛ لأنها رخصة ولم ترد في مثل ذلك، وحينئذٍ فالشجر لمالكه وعليه لذي الأرض أجرة مثلها كما أن على ذي الأرض والشجر أجرة العمل والآلات، ويتخير مالك الأرض بين تبقية الشجر بالأجرة وتملكه بالقيمة وقلعه وغرم أرش نقصه كالعارية (ولو كان) الودي (مغروسا وشرط) المالك فقبل العامل أو العكس (له) أي للعامل (جزأً من الثمر على العمل فإن قدر له مدة يثمر فيها غالبا صح) وإن كان أكثرها لا ثمرة فيه، فإن لم تثمر فلا شيء له وفي هذه الحالة لا يصح بيع الشجر; لأن للعامل حقا في الثمرة المتوقعة فكأن البائع استثنى بعضها (وإلا) يثمر فيها غالبا (فلا) يصح؛ لخلوها عن العوض سواء أعلم العدم أم غلب أم استويا أم جهل الحال، نعم له الأجرة في الأخيرتين; لأنه طامع (وقيل إن تعارض الاحتمالان) على السواء (صح) كالقراض (وله مساقاة شريكه في الشجر إذا شرط له زيادة) معينة (على حصته) كما إذا كان بينهما نصفين وشرط له ثلثي الثمرة، فإن شرط قدر حصته لم يصح؛ لعدم العوض وكذا لا أجرة له بخلاف ما إذا شرط له الكل، ولا فرق في مسألة المتن بين أن يقول ساقيتك على نصيبي أو على جميع هذه الحديقة (ويشترط) لصحة المساقاة (ألا يشترط على العامل ما ليس من جنس أعمالها) فإذا شرط عليه ذلك كبناء جدار الحديقة لم يصح العقد; لأنه استئجار بلا عوض، وكذا شرط ما على العامل على المالك كالسقي (وأن ينفرد) العامل (بالعمل)، نعم لا يضر شرط عمل عبد المالك معه نظير ما مر في القراض (واليد في الحديقة) ليعمل متى شاء فشرط كونها بيد المالك أو عبده مثلا ولو مع يد العامل يفسدها (ومعرفة العمل) جملة لا تفصيلا (بتقدير المدة كسنة) أو أقل إذ أقل مدتها ما يطلع فيه الثمر ويستغني عن العمل (أو أكثر) إلى مدة تبقى فيها العين غالبا للاستغلال فلا تصح مطلقة ولا مؤبدة; لأنها عقد لازم فكانت كالإجارة. والسنة المطلقة عربية ويصح شرط

ص: 401

وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الْأَصَحِّ. وَصِيغَتُهَا: سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ بِكَذَا أَوْ سَلَّمْتُهُ إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ دُونَ تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ، وَيُحْمَلُ المُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ. وَعَلَى الْعَامِلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصَلَاحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَسَقْيٍ وَتَنْقِيَةِ نَهْرٍ وَإِصْلَاحِ الْأَجَاجِينِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا المَاءُ وَتَلْقِيحٍ وَتَنْحِيَةِ حَشِيشٍ وَقُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ، وَتَعْرِيشٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ

غيرها إن علماه، ولو أدركت الثمرة قبل انقضاء المدة عمل بقيتها بلا أجرة، وإن انقضت وهو طلع أو بلح فله حصته منه وعلى المالك التبقية والتعهد إلى الجذاذ. وإن لم يحدث الثمر إلا بعد المدة فلا شيء للعامل

(1)

(ولا يجوز التوقيت بإدراك الثمر) أي جذاذه (في الأصح)؛ للجهل به فإنه قد يتقدم وقد يتأخر.

(وصيغتها) صريحة وكناية، فمن صرائحها (ساقيتك على هذا النخل) أو العنب (بكذا) من الثمرة؛ لأنه الموضوع لها، ومن الكناية

(2)

قول المتن: (أو سلمته إليك لتعهده) ومنها أيضا اعمل عليه أو تعهده بكذا (ويشترط القبول) لفظا متصلا نظير ما مر في البيع، ومن ثم اشترط في الصيغة هنا ما مر فيها ثم إلا عدم التأقيت. وتصح بإشارة أخرس وبكتابة مع النية ولو من ناطق (دون تفصيل الأعمال ويحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب)؛ لأنه يحكم في مثل ذلك، هذا إن كان عرف غالب وعرفاه وإلا وجب التفصيل جزما. (وعلى العامل) بنفسه أو نائبه عمل (ما يحتاج إليه لصلاح الثمر واستزادته مما يتكرر كل سنة كـ) إيصال الماء وهو الـ (سقي) إن لم يشرب بعروقه وتوابعه كإصلاح طرق الماء وإدارة الدولاب وفتح رأس الساقية أي القناة وسدها عند السقي (وتنقية نهر) أي مجرى الماء من طين وغيره (وإصلاح الأجاجين) وهي الحُفَر حول النخل (التي يثبت فيها الماء وتلقيح وتنحية حشيش) ولو رطباً (وقضبان مضرة)؛ لاقتضاء العرف ذلك، وقيدنا ما عليه بالعمل; لأنه لا يجب عليه عين أصلا فنحو طلع يلقح به وقوصرة

(3)

تحفظ العنقود عن الطير على المالك (وتعريش جرت به) أي التعريش (عادة) في ذلك المحل؛ ليمتد الكرم عليه ووضع حشيش على العناقيد

(1)

. عبارة المغني.

(2)

. خلافا لهم.

(3)

. هي الذي يكنز فيه التمر من البواري، تاج العروس.

ص: 402

وَكَذَا حِفْظُ الثَّمَرِ وَجِذَاذُهُ وَتَجْفِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ وَمَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الحِيطَانِ وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ فَعَلَى المَالِكِ. وَالمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ، فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَأَتَمَّهُ المَالِكُ مُتَبَرِّعًا بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ، ....

صونا لها عن الشمس عند الحاجة (وكذا حفظ الثمر) على النخل وفي الجرين من نحو سارق وطير فإن لم يتحفظ به لكثرة السراق أو كبر البستان فالمؤنة على العامل (وجذاذه) أي قطعه (وتجفيفه في الأصح)؛ لأن الصلاح يحصل بهما، وإذا وجب إصلاح موضعه وتهيئته ونقل الثمرة إليه وتقليبها في الشمس وما عليه يصح استئجاره المالك له. ولو فعل ما على المالك بإذنه استحق عليه الأجرة؛ تنزيلا له منزلة قوله لغيره اقض ديني.

[تنبيه] ما ذكروا أنه على العامل أو المالك من غير تعويل فيه على عادة لا يلتفت فيه إلى عادة مخالفة

(1)

، ولو ترك العامل بعض ما عليه نقص من حصته بقدره كما في الجعالة. (وما قصد به حفظ الأصل ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان) ونصب نحو باب ودولاب

(2)

وفأس ومعول

(3)

ومنجل

(4)

وبقرة تحرث أو تدير الدولاب (وحفر نهر جديد فعلى المالك)؛ لأنه المتعارف فيه، ويُعْمَل بالعرف في سد الثلم و وضع الشوك على رأس الجدار. ولو ترك العامل ما عليه حتى فسدت الأشجار ضمن. ولو اختلفا أثناء المدة في إتيان العامل بما لزمه فإن بقي من أعمالها ما يمكن تداركه صدق المالك وألزم العامل بالعمل; لأن الأصل عدمه ويمكنه إقامة البينة، وإن لم يبق شيء ولا أمكن تداركه صدق العامل؛ لتضمن دعوى المالك انفساخها والأصل عدمه. (والمساقاة لازمة) من الجانبين قبل العمل وبعده; لأن عملها في أعيان باقية بحالها فأشبهت الإجارة دون القراض فيلزمه إتمام الأعمال وإن تلفت الثمرة كلها بآفة ونحو غصب، (فلو هرب

(5)

العامل) أو مرض أو حبس (قبل الفراغ من العمل) ولو قبل الشروع فيه (وأتمه المالك متبرعا) بالعمل أو بمؤنته عن العامل (بقي استحقاق العامل) لما شرط له كما لو

(1)

. خلافا لشرح المنهج.

(2)

. وهي الساقية عند العامة يستسقى بها الماء، أو هي الناعورة بنفسها، الصحاح.

(3)

. هي الفأس الكبيرة التي ينقر بها الصخر كما في تاج العروس.

(4)

. هو ما يحصد به، لسان العرب.

(5)

. أشار في النهاية إلى أن الهرب ليس بقيد.

ص: 403

وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ الحَاكِمُ عَلَيْهِ مَنْ يُتِمُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الحَاكِمِ فَلْيُشْهِدْ عَلَى الْإِنْفَاقِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ. وَلَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ تَرِكَةً أَتَمَّ الْوَارِثُ الْعَمَلَ مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ

تبرع أجنبي بذلك والتبرع عنه مع حضوره كذلك، نعم لو عمل المالك في مال نفسه لا بقصد التبرع عن العامل لم يستحق العامل شيئا

(1)

، ومثله ما لو عمل الأجنبي عن المالك كالجعالة (وإلا) يتبرع أحد بإتمامه ورفع الأمر للحاكم ولم يكن له ضامن فيما لزمه من أعمال المساقاة أو كان ولم يمكن التخلص منه (استأجر الحاكم عليه من يتمه) بعد ثبوت المساقاة والهرب مثلا وتعذر إحضاره عنده; لأنه وجب عليه فناب عنه فيه، ولو امتنع وهو حاضر فكذلك يستأجر من ماله إن وجد ولو من نصيبه إذا كان بعد بدو الصلاح أو من يرضى بأجرة مؤجلة إن وجده، فإن تعذر ذلك افترض عليه من المالك أو غيره ويوفي من نصيبه من الثمرة فإن تعذر اقتراضه عمل المالك بنفسه

(2)

، وللمالك فعل ما ذكر بإذن الحاكم لكن إن قدَّر له الحاكم الأجرة وعين الأجير

(3)

، وهذا كله إن كانت المساقاة على الذمة فإن كانت على العين فلا يُستأجر عنه قطعا ولكن يتخير المالك بين الفسخ والصبر (وإن لم يقدر) المالك (على الحاكم) بأن كان فوق مسافة العدوى، أو حاضرا و لم يجبه لما التمسه، أو أجابه إليه لكن بمال يعطيه له وإن قلّ (فليشهد على الإنفاق) أي لمن استأجره وأنه إنما يبذل بشرط الرجوع أو على العمل إن عمل بنفسه وإنه إنما يعمل بشرط الرجوع (إن أراد الرجوع)؛ تنزيلا للإشهاد حينئذ منزلة الحكم، ويصدق حينئذ المالك

(4)

في قدر ما أنفقه، أما إذا لم يشهد كما ذكرنا فلا يرجع؛ لظهور أنه متبرع، فإن تعذر الإشهاد لم يرجع أيضا; لأنه عذر نادر، فإن عجز حينئذ عن العمل والإنفاق ولم تظهر الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة عمله وإن ظهرت فلا فسخ وهي لهما. (ولو مات) العامل قبل العمل (وخلف تركة أتم الوارث العمل منها) كسائر ديون مورثه (وله أن يتم العمل بنفسه أو بماله) ولا يجبر على الوفاء من عين التركة، وعلى المالك تمكينه إن

(1)

. وفاقا لشرح الروض وخلافا لهما.

(2)

. ويرجع بالأجرة كما قال علي الشبراملسي.

(3)

. خلافا لهم فاعتمدوا الإطلاق.

(4)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 404

وَلَوْ ثَبَتَ خِيَانَةُ عَامِلٍ ضُمَّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِهِ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ عَامِلٌ. وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ مُسْتَحَقًّا فَلِلْعَامِلِ عَلَى المُسَاقِي أُجْرَةُ المِثْلِ

كان أمينا عارفا بالعمل فإن امتنع بالكلية استأجر الحاكم عليه. أما إذا لم يخلف تركة فللوارث العمل ولا يلزمه. هذا كله إن كانت على الذمة وإلا انفسخت بموته كالأجير المعين، ولا تنفسخ بموت المالك مطلقا فيستمر العامل ويأخذ نصيبه (ولو ثبتت خيانة عامل) بإقراره أو ببينة أو يمين مردودة (ضم إليه مشرف

(1)

ولا تزال يده; لأن العمل حق عليه ويمكن استيفاؤه منه بهذا الطريق فتعين جمعا بين الحقين. وأجرة المشرف عليه فإن ضم إليه لريبة فقط فأجرته على المالك (فإن لم يتحفظ) العامل (به) أي بالمشرف على الخيانة (استؤجر من ماله) أي من مال العامل (عامل)؛ لتعذر الاستيفاء منه، هذا إن كان العامل في الذمة وإلا تخير المالك (ولو خرج الثمر مستحقا) لغير المساقي (فللعامل) الجاهل بالحال (على المساقي أجرة المثل)؛ لأنه فوت منافعه بعوض فاسد فرجع ببدلها، أما العالم فلا شيء له قطعا.

(1)

. قال الشارح قبيل زكاة النقد ((لو خاف المالك على الثمر العامل أو عكسه فله خرصه عليه وتضمينه إياه بثمر)) 3/ 262.

ص: 405

‌كتاب الإجارة

شَرْطُهُمَا كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ. وَالصِّيغَةُ أَجَّرْتُكَ هَذَا أَوْ أَكْرَيْتُكَ أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا

(كتاب الإِجَارة)

وهي لغة: اسم للأجرة، وشرعا: تمليك منفعة بعوض بالشروط الآتية منها علم عوضها وقبولها للبذل والإباحة، فخرج بالأخير نحو منفعة البضع وبالعلم المساقاة والجعالة كالحج بالرزق

(1)

فإنه لا يشترط فيهما علم العوض.

والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الطلاق: 6

(2)

، وأمره صلى الله عليه وسلم بالمؤاجرة.

وأركانها صيغة وأجرة ومنفعة وعاقد ولكونه الأصل بدأ به فقال: (شرطهما) أي المؤجر والمستأجر (كبائع ومشتر

(3)

؛ لأنها صنف من البيع

(4)

، نعم يصح استئجار كافر لمسلم ولو إجارة عين لكنها مكروهة، ومع ذلك يجبر فيها على إيجاره لمسلم، ومرّ أنه لا يصح إيجار سفيه نفسه ولو لما لا يقصد من عمله

(5)

. ويصحّ بيع السيد قنّه نفسه لا إجارته إياها; لأن بيعه يؤدي لعتقه فاغتفر فيه ما لا يغتفر في الإجارة إذ لا تؤدي لذلك، ولو كان للوقف ناظران فآجر أحدهما الآخر أرضا للوقف صح إن استقل كل منهما وإلا فلا (والصيغة) وشرطها كالبيع إلا عدم التأقيت. وهي إما صريح أو كناية فمن الصريح (أجرتك هذا أو أكريتك) هذا (أو ملكتك منافعه سنة بكذا) وتختص إجارة الذمة بنحو ألزمت ذمتك أو أسلمت إليك

(1)

. اعتمد الشارح في كتاب الجعالة صحة قوله: ((حِجَّ عني وأعطيك نفقتك))، وأنه حينئذ إرزاق لا جعالة بخلاف حج عني بنفقتك فإنه فاسد 6/ 371.

(2)

. فائدة: ذكر الشارح في العدد أنه لو سكن مع زوجته في بيتها بإذنها فلا أجرة عليه 8/ 268.

(3)

. نعم يجوز إجبار الشريك على إجارة الأرض المشتركة مدة قصيرة كالإجارة للزرع كما ذكره الشيخ ابن حجر في الصلح 5/ 215.

(4)

. وذكر الشارح في كتاب الصلاة متعلق الأجرة التي على الصبي 1/ 451.

(5)

. كما رجحه الشارح في الحجر.

ص: 409

فَيَقُولُ: قَبِلْتُ أَوِ اسْتَأْجَرْتُ أَوُ اكْتَرَيْتُ، وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا بِقَوْلِهِ: أَجَّرْتُك مَنْفَعَتَهَا، وَمَنْعُهَا بِقَوْلِهِ: بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا.

وَهِيَ قِسْمَانِ: وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنَيْنِ، وَعَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً

هذه الدراهم في خياطة هذا أوفي دابة صفتها كذا أو في حملي إلى مكة (فيقول) المخاطب متصلا (قبلت أو استأجرت أو اكتريت)، ومن الكناية اسكن داري شهرا بكذا أو جعلت لك منفعتها سنة بكذا، ومنها الكتابة، وتنعقد باستيجاب وإيجاب وبإشارة أخرس مفهمة، فعُلم أنه لابد من التأقيت وذكر الأجرة؛ لانتفاء الجهالة حينئذ. ومورد إجارة العين والذمة المنافع; لأنها المقصودة لا العين (والأصح انعقادها) أي الإجارة (بقوله آجرتك) أو أكريتك (منفعتها) أي الدار سنة مثلا بكذا; لأن المنفعة هي المقصودة منها فيكون ذكرها تأكيدا (و) الأصح (منعها) أي منع انعقادها (بقوله بعتك) أو اشتريت (منفعتها)؛ لأن لفظ البيع موضوع لتمليك العين، نعم الأوجه أن ذلك كناية

(1)

، ويجري الخلاف في المسألتين في إجارة الذمة كالعين.

(وهي قسمان ورادة على عين كإجارة العقار) ولا يتصور إلا معين (ودابة أو شخص معينين) فيتصور فيهما إجارة العين والذمة، وتلحق السفن بهما لا بالعقار

(2)

، والمراد بالعين هنا مقابل الذمة وفي صورة الخلاف السابقة

(3)

مقابل المنفعة. ولو أذن أجير العين لغيره في العمل بأجرة فعمل فلا أجرة للأول مطلقا ولا للثاني إن علم الفساد وإلا فله أجرة المثل على الأجير الأول (و) واردة (على الذمة كاستئجار دابة) مثلا (موصوفة) بالصفات الآتية (و) يتصور أيضا (بأن يلزم ذمته) عملا، ومنه أن يلزمه حمله إلى كذا

(4)

أو (خياطة أو بناء) بشرطهما الآتي أو يسلم إليه في أحدهما أو في دابة موصوفة لتحمله إلى مكة مثلا بكذا.

(1)

. وفاقا لشرحي الروض والمنهج وخلافا لهما.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(3)

. أي في قوله ومورد إجارة العين.

(4)

. وفاقا للنهاية، وظاهر صنيع المغني تصويره بما لو قال ألزمت ذمتك حملي إلى كذا.

ص: 410

وَلَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ، وَقِيلَ ذِمَّةٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي المَجْلِسِ، وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهَا، وَيَجُوزُ فِيهَا التَّعْجِيلُ وَالتَّأْجِيلُ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَعَجَّلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً مُلِكَتْ فِي الحَالِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً فَلَا تَصِحُّ بِالْعِمَارَةِ وَالْعَلْفِ

(ولو قال استأجرتك) أو اكتريتك (لتعمل كذا) أو لكذا أو لعمل كذا (فإجارة عين)؛ لأن الخطاب دال على ارتباطها بعين المخاطب كاستأجرت عينك (وقيل) إجارة (ذمة).

(ويشترط في إجارة الذمة) إن عقدت بلفظ إجارة أو سلم (تسليم الأجرة في المجلس) كرأس مال السلم; لأنها سلم في المنافع فيمتنع فيها تأجيل الأجرة -سواء أتأخر العمل فيها عن العقد أم لا- والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها والإبراء منها (وإجارة العين لا يشترط ذلك فيها) كثمن المبيع، نعم يتعين محل العقد لتسليمها بتفصيلها المار في السلم (ويجوز) في الأجرة (فيها) أي إجارة العين (التعجيل والتأجيل) للأجرة (إن كانت) الأجرة (في الذمة)؛ إذ الأعيان لا تؤجل والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها والإبراء منها مطلقا كما يأتي (وإذا أطلقت) الأجرة عن ذكر تأجيل أو تعجيل (تعجلت) كثمن المبيع المطلق ولأن المؤجر يملكها بالعقد لكن لا يستحق استيفاءها إلا بتسليم العين، فإن تنازعا في البداءة بدأ المؤجر إن كانت الأجرة في الذمة وإلا فيجبران (وإن كانت) الأجرة (معينة) بأن ربطها بعين أو مطلقة أو في الذمة (ملكت في الحال) بنفس العقد وإن كانت مؤجلة كما يملك المستأجر المنفعة بالعقد في إجارة العين

(1)

لكنه ملكٌ مراعى كلما مضى جزء من الزمان على السلامة بان أن ملك المؤجر استقر على ما يقابل ذلك، وسيذكر أنها لا تستقر إلا باستيفاء المنافع أو تفويتها. ولملكه لها حالا صحّ الإبراء ولو في مجلس العقد (ويشترط) لصحة الإجارة (كون الأجرة معلومة

(2)

جنسا وقدرا وصفة إن كانت في الذمة وإلا كفت معاينتها في إجارة العين والذمة. وتبطل الإجارة المشروطة، وعليه (فلا تصح) الإجارة لدار (بالعمارة) لها (و) لا لدابة بفعل (العلْف)

(1)

. أسقط هذا القيد المغني وشرح الروض.

(2)

. تقدم في العارية أنه لو قال أعرتكه لتعلفه أو لتعيرني فرسك فهو إجارة فاسدة بخلاف أعرتك هذا شهرا من الآن بعشره دراهم أو لتعيرني ثوبك هذا شهرا من الآن فقبل فهي إجارة صحيحة 5/ 419 - 420.

ص: 411

وَلَا لِيَسْلَخَ بِالجِلْدِ وَيَطْحَنَ بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ، وَلَوِ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ فِي الحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ

أو بصرف العلَف -أي المعلوف به لها- كما لو باع زرعاً بشرط أن يحصده البائع، فإن صرف وقصد الرجوع بها رجع؛ للإذن مع عدم قصد التبرع وإلا فلا. أما إن لم يكن هناك شرط في العقد كآجرتكها بعمارتها فإن عينت صحت وإلا فلا، أما إذا أذن له في صرفها بعد العقد من غير شرط فيه وتبرع به المستأجر فيجوز. ويصدق المستأجر في أصل الإنفاق وقدره إن ادعى قدرا لائقا عادة؛ لأنه ائتمنه، أما إذا ادعى قدرا بخلاف ذلك فلا يصدّق إلا ببينة، ولا تكفي شهادة الصناع له أنه صرف على أيديهم كذا؛ لأنهم وكلاؤه. ولو اكترى نحو حمام مدة يعلم عادة تعطلها فيها لنحو عمارة فإن شرط احتساب مدة التعطيل من الإجارة وجهلت فسدت؛ لجهل نهاية تلك المدة، أما إن لم يشترط احتساب ذلك أو شرط وعلم فتبطل في تلك المدة وفيما بعدها وتصح فيما اتصل بالعقد

(1)

(ولا) يصح الإيجار بجعل الأجرة شيئا يحصل بعمل الأجير كما لو أجرّه (ليسلخ) مذبوحة (بالجلد، ويطحن) براً (ببعض الدقيق، أو بالنخالة) الخارج منه كثلثه؛ للجهل بثخانة الجلد ورقته، ونعومة أحد الأخيرين وخشونته وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان، وصورة المسألة

(2)

أن يقول لتطحن الكل بقفيز منه أو يطلق فإن قال استأجرتك بقفيز من هذا لتطحن ما عداه صح، وبه يعلم بطلان ما اعتيد من جعل أجرة الجابي العشر مما يستخرجه، فإن قيل لك نظير العشر مما تستخرجه لم تصح الإجارة أيضا، نعم تصح جعالة

(3)

لكن له أجرة مثله للجهل بقدر ما يستخرجه (ولو استأجرها) أي امرأة مثلا (لترضع رقيقا) له أي حصته منه الباقية له بعد ما جعله منه أجرة المذكور في قوله (ببعضه) المعين كثلثه (في الحال جاز على الصحيح)؛ للعلم بالأجرة. ثم التحقيق

(4)

أن الاستئجار -أي ببعضه حالا- إن وقع على الكل أو أطلق ولم تدل قرينة على أن المراد حصته فقط لم يصح؛ لوقوع العمل في ملك غير المكتري قصدا، أو على حصة المستأجر فقط جاز. وخرج بـ ((في

(1)

. عبارة العباب بتصرف.

(2)

. وفاقا للمغني وشرح الروض والمنهج والبهجة وخلافا للنهاية.

(3)

. خلافا لهما كشرح البهجة.

(4)

. وفاقا للمغني وشروح الروض والبهجة والمنهج واعتمد النهاية إطلاق الصحة.

ص: 412

وَكَوْنُ المَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَتِ السِّلْعَةَ، وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ،

الحال)) ما لو استأجرها ببعضه بعد الفطام مثلا فلا يصح قطعا؛ لما مر أن الأجرة المعينة لا تؤجل وللجهل بها إذ ذاك، وخرج بنحو المرأة استئجار شاة مثلا لإرضاع طفل أو سخلة فلا يصح؛ لعدم الحاجة مع عدم قدرة المؤجر على تسليم المنفعة كالاستئجار لضراب الفحل بخلاف المرأة لإرضاع سخلة (و) يشترط لصحتها أيضا (كون المنفعة) معلومة كما يأتي (متقومة) أي لها قيمة؛ ليحسن بذل المال في مقابلتها وإلا بأن كانت محرمة أو خسيسة كان بذل المال في مقابلتها سفها، وكونها واقعة للمكتري وكون العقد عليها غير متضمن لاستيفاء عين قصدا كاستئجار بستان لثمره بخلاف نحو استئجارها للإرضاع وإن نفى الحضانة الكبرى; لأن اللبن تابع لما تناوله العقد، نعم يصح استئجار قناة أو بئر؛ للانتفاع بمائها؛ للحاجة، وكونها تستوفى مع بقاء العين وكونها مباحة مملوكة مقصودة لا كتفاحة أو أكثر

(1)

للشم؛ لأن القصد منها الأكل بخلاف نحو المسك، وكونها تضمن بالبدل لا ككلب، وتباح بالإباحة لا كبضع (فلا يصح استئجار بيَّاع على) نحو (كلمة) ومُعلِّم على حروف من قرآن أو غيره (لا تتعب) أي عادة (وإن روجت السلعة)؛ إذ لا قيمة لها، ومن ثم اختص هذا

(2)

بمبيع مستقر القيمة في البلد كالخبز بخلاف نحو عبد وثوب

(3)

مما يختلف ثمنه باختلاف متعاطيه فيختص بيعه من البياع بمزيد نفع فصح استئجاره عليه، وحيث لم يصح فإن تعب بكثرة تردد أو كلام فله أجرة مثل وإلا فلا، أما إن كان المعقود عليه مما يتعب قائله ووجد العقد الشرعي كأن قال له استأجرتك على بيع هذا بكذا صح، أو لم يوجد كأن قال بعه وأنا أرضيك فسد وله أجرة المثل. ويمتنع أخذ طبيب أجرة على كلمة بدواء ينفرد به

(4)

؛ لعدم المشقة بخلاف ماهر عرف إزالة اعوجاج نحو سيف بضربة واحدة أي وإن لم يكن عليه فيها مشقة; لأن هذه الصناعات يتعب في تعلمها ليتكسب بها (وكذا) لا يصح استئجار (دراهم ودنانير للتزيين) أو الوزن بها

(1)

. خالفوه في الأكثر.

(2)

. خلافا للنهاية.

(3)

. حمله الرملي على ما فيه تعب.

(4)

. ذكر الشارح في القضاء أن لمفت- وإن تعين- الامتناع من الإفتاء إلا بجعل كالمحكَّم، وإن محله إن كان ما يأخذ عليه فيه كلفه تقابل بأجرة 10/ 137.

ص: 413

وَكَلْبٌ لِصَيْدٍ فِي الْأَصَحِّ. وَكَوْنُ المُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا، فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَأَعْمَى لِلْحِفْظِ، وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ، وَلَا يَكْفِيهَا المَطَرُ المُعْتَادُ،

أو الضرب على سكتها، نعم يصح الاستئجار للتزين بالمعراة والمثقوبة

(1)

(و) نحو (كلب للصيد) أو الحراسة به فإن ذلك لا يصح استئجاره (في الأصح)؛ لأن منفعة التزين بهما لا تقصد غالبا، ومن ثم لم يضمن غاصبهما أجرتهما ونحو الكلب لا قيمة لعينه ولا لمنفعته، ولو لم يقل للتزيين ونحوه لم يصح قطعا كما لو كان نحو الكلب غير معلم، ويصح

(2)

استئجار طائر للاستئناس بصوته أو لونه (وكون المؤجر قادرا على تسليمها) أي المنفعة بتسليم محلها حسا وشرعا والمستأجر قادرا على تسلمها كذلك؛ ليتمكن المستأجر منها، ومن القادر على التسليم المقطع فإن أُقْطِع رقبتها صحت إجارته اتفاقا أو منفعتها لم يصح؛ لأنه لم يملك المنفعة، نعم إن أذن له في الإيجار أو جرى به عرف عام صح وإلا امتنع (فلا يصح استئجار) أبنية منى؛ لعجز مالكها عن تسليمها شرعا; لأنها مستحقة الإزالة فورا، وكذا يقال في كل بناء كذلك كالأبنية التي في حريم النيل مثلا، ولا من نذر عتقه أو شرط عتقه في بيعه، ولا استئجار (آبق ومغصوب) لغير من هو بيده ولا يقدر هو أو المؤجر على انتزاعه عقب العقد قبل مضي مدة لها أجرة مثلا وذلك كبيعهما، ويلحق بذلك ما لو تبين أن الدار مسكن الجن وأنهم يؤذون الساكن برجم أو نحوه وتعذر دفعهم، وعليه فطرو ذلك بعد الإجارة كطرو الغصب بعدها (و) لا استئجار (أعمى للحفظ) بالنظر وأخرس للتعليم إجارة عين؛ لاستحالته بخلاف الحفظ بنحو يد وإجارة الذمة مطلقا (و) لا استئجار (أرض للزراعة) أو مطلقا والزراعة فيها متوقعة (لا ماء لها دائم ولا يكفيها المطر المعتاد) أو نحوه كنداوة أو ماء ثلج؛ لعدم القدرة على منفعتها حينئذ واحتمال نحو سيل نادر لا يؤثر، نعم إن قال مُكْرٍ -ولو قبل العقد- أنا أحفر لك بئرا لتسقيها منها أو أسوق الماء إليها من موضع آخر صحت إن أمكن الحفر والسوق قبل مضي مدة من وقت الانتفاع بها لها أجرة. وخرج بـ ((للزراعة)) استئجارها لما شاء أو لغير الزراعة فيصح، نعم إن أمكن في صورة المتن إحداث ماء لها بنحو

(1)

. لحل استعمالها كما مال إليه الشارح في الزكاة.

(2)

. لم يقطع بهذا الشارح بخلافهم.

ص: 414

وَيَجُوزُ إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ، وَكَذَا إنْ كَفَاهَا المَطَرُ المُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ المُجْتَمِعَةِ، وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ، وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ كَالحِسِّيِّ. فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ. وَلَا حَائِضٍ لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ،

حفر بئر بدون كلفة لها وقع ولم يكن لمدة التعطيل أجرة صحّ (ويجوز) إيجارها (إن كان لها ماء دائم) من نحو عين أو نهر؛ لسهولة الزراعة حينئذ، ثم إن شرط أو اعتيد

(1)

في شربها دخول أو عدمه عمل به وإلا لم يدخل; لأن اللفظ لم يشمله، ومع دخوله لا يملك المستأجر الماء بل يسقي به على ملك المؤجر (وكذا) يجوز إيجارها (إن كفاها المطر المعتاد أو ماء الثلوج المجتمعة والغالب حصولها في الأصح)؛ لأن الظاهر حصول الماء حينئذ، ويجوز استئجار أراضي نحو البصرة ومصر للزراعة بعد انحسار الماء عنها إن كان يكفيها السنة وقبل انحساره إن رجي الانحسار قبل وقت الزراعة عادة، وقبل أن يعلوها إن وثق به كالمد بالبصرة وكالتي تروى من زيادة النيل الغالبة، ولو آجرها مقيلا ومراحا وللزراعة لم تصح إلا إن بيّن عين ما لكل، ومن ثم لو آجره ليزرع النصف ويغرس النصف لم يصح إلا إن بين عين كل منهما. (والامتناع) للتسليم (الشرعي كالحسي) السابق (فلا يصح استئجار لقلع) أو قطع ما يحرم قلعه أو قطعه من نحو (سن صحيحة) وعضو سليم ولو من غير آدمي؛ للعجز عنه شرعا بخلافه لنحو قود أو علة قوي معها الألم عادة وقال الخبراء إن القلع أو القطع يزيله، ولو صح نحو السن لكن انصبّ تحته مادة من نحو نزلة قالوا لا تزول إلا بقلعه جاز. وتنفسخ الإجارة

(2)

لقلع سن عليلة بسكون ألمها؛ لتعذر القلع ولا يجبر عليه مستأجر إن أباه لكن عليه للأجير أجرته

(3)

إن سلم نفسه ومضى زمن إمكان القلع. (ولا) استئجار (حائض) أو نفساء مسلمة (لخدمة مسجد) أو تعليم قرآن إجارة عين وإن أمنت التلويث؛ لاقتضاء الخدمة المكث وهي ممنوعة منه بخلاف الذمية، وبطرو نحو الحيض ينفسخ العقد كما يأتي.

(1)

. ظاهر صنيع الشارح جواز الإيجار لو اطرد العرف بعدم الدخول وإذا لم يكن هناك عرف بدخول ولا عدمه خلافا لصنيع المغني والأسنى.

(2)

. وفاقا للمغني وشرح البهجة والأسنى وخلافا للنهاية.

(3)

. وظاهر كلام الشارح أنها مستقره خلافا لهما.

ص: 415

وَكَذَا مَنْكُوحَةٌ لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ. وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ المَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الحَمْلَ إلَى مَكَّةَ أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا. وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، فَلَوْ أَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ فِي الْأَصَحِّ،

(وكذا) حرة (منكوحة لرضاع أو غيره) مما لا يؤدي إلى خلوة محرمة فلا يجوز استئجارها إجارة عين (بغير إذن الزوج على الأصح)؛ لاستغراق أوقاتها بحقه، ولذا لو كان غائبا أو طفلا فآجرت نفسها لعمل ينقضي قبل قدومه وتأهله للتمتع جاز، أما الأمة فلسيدها إيجارها الوقت الذي لا يجب تسليمها للزوج فيه بغير إذنه وأما مع إذنه فيصح، وليس للمستأجر منعه من وطء المرضعة خوف الحبل وانقطاع اللبن. وله استئجار زوجته لإرضاع ولده منها أو من غيرها (ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل) لكذا (إلى مكة أول) أي مستهل

(1)

(شهر كذا)؛ لأنها دين إذ هي سلم كما مر ومن ثم يأتي في تأجيلها ما مر ثَم (ولا يجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة) بأن صرح في العقد بذلك أو اقتضاه الحال كإجارة هذه سنة مستقبلة أو سنة أولها من غد، وكذا إن قال أولها أمس، وكإجارة أرض مزروعة لا يتأتى تفريغها قبل مضي مدة لها أجرة بخلاف إجارة الذمة كما مر، ولو قال وقد عقد آخر النهار أول المدة يوم تاريخه لم يضر; لأن القرينة ظاهرة في أن المراد باليوم الوقت.

ويستثنى من المنع في المستقبلة مسائل منها ما لو آجره ليلا لما يُعْمَل نهارا ولم يذكر في العقد أن العمل في النهار، وإجارة عين الشخص للحج عند خروج قافلة بلدة، أو تهيئها للخروج ولو قبل أشهر الحج إذا لم يتأت الإتيان به من بلد العقد إلا بالسير في ذلك الوقت، وفي أشهره قبل الميقات ليحرم منه، وإجارة دار ببلد غير بلد العاقدين ودار مشغولة بأمتعة وأرض مزروعة يتأتى تفريغهما قبل مضي مدّة لها أجرة، ومنها قوله (فلو أجر السنة الثانية لمستأجر الأولى) أو مستحقها بنحو وصية أو عدّة بالأشهر (قبل انقضائها جاز في الأصح)؛ لاتصال المدتين بل لو طرأ مقتضٍ لانفساخ العقد الأول لم ينفسخ العقد الثاني; لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، وللمؤجر حينئذٍ أيجار ما انفسخت فيه لغير مستأجر الثانية،

(1)

. إنما أولت بذلك لما مر في السلم أن التأجيل بأول الشهر باطل؛ لوقوعه عن جميع نصف الشهر الأول، واعتمد في النهاية الصحة فيه.

ص: 416

وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ أَوْ رَجُلَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا، وَذَا أَيَّامًا وَيُبَيِّنَ الْبَعْضَيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ

ولو قال آجرتكها سنة فإذا انقضت فقد آجرتكها سنة أخرى لم يصح; لأنه لم يحصل إيجار الثانية مع كونه مستأجرا للأولى بل مع انقضائها.

ومنها قوله: (ويجوز كراء العُقب في الأصح) وخرج بإجارة العين التي الكلام فيها إجارة الذمة فتصح اتفاقا؛ لما مر أن التأجيل فيها جائز (وهو أن يؤجر دابة رجلا ليركبها بعض الطريق) ويمشي بعضها أو يركبه -أي ذلك البعض- المالكُ تناوباً (أو) يؤجرها (رجلين ليركب هذا أياما وذا أياما) تناوبا، ومن ذلك آجرتك نصفها لمحل كذا، أو كلها لتركبها نصف الطريق فيصح كبيع المشاع، والشرط هنا أن لا يضر طول مدّة النوبة بالماشي، وكذا بالدابة (و) أن (يبين البعضين) في الصورتين كنصف أو ربع ما لم تكن هناك عادة معروفة مضبوطة بالزمن أو المسافة كيوم ويوم أو فرسخ وفرسخ وإلا حمل عليها، والمحسوب في الزمن زمن السير لا زمن النزول لنحو استراحة أو علف (ثم) بعد صحة الإجارة (يقتسمان) البعضين بالتراضي، فإن تنازعا في البادئ أقرع، وذلك؛ لملكهما المنفعة معا ويغتفر التأخير الواقع؛ لضرورة القسمة، نعم شرط الأولى أن يتقدم ركوب المستأجر

(1)

وإلا بطلت؛ لتعلقها بالمستقبل، والقِن كالدابة، واغتفر فيهما ذلك دون نظيره في نحو دار وثوب؛ لإطاقتهما دوام العمل. ولو استأجراها ولم يتعرضا للتعاقب فإن احتملتهما ركباها معا وإلا تهايآ فإن تنازعا فيمن يبدأ أقرع.

(1)

. ظاهره بالفعل، والمدار عند المغني والأسنى على أن لا يشترط في العقد ركوب المؤجر أوَّلا.

ص: 417

فصل

يُشْتَرَطُ كَوْنُ المَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً، ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ بِزَمَانٍ كَدَارٍ سَنَةً،

(فصل) في بقية شروط المنفعة

(1)

وما تقدر به وفي شروط الدابة المكتراة ومحمولها

(يشترط كون) المعقود معلوم العين في إجارة العين والصفة في إجارة الذمة، وكون (المنفعة معلومة

(2)

بالتقدير الآتي كالبيع في الكل، لكن مشاهدة محل المنفعة لا تغني عن تقديرها، فعُلم أنه يشترط تحديد جهات العقار، وأنه لا تصح إجارة أحد عبديه وغائب ومدة مجهولة

(3)

أو عمل كذلك. وفيما له منفعة واحدة كالبساط يحمل الإطلاق عليها، وغيره لا بد من بيانها، نعم يجوز دخول الحمام بأجرة إجماعا مع الجهل بقدر المكث وغيره لكن الأجرة في مقابلة الآلات لا الماء، فعليه ما يسكب به الماء غير مضمون على الداخل وثيابه غير مضمونة على الحمامي ما لم يستحفظه عليها ويجيبه لذلك ولو بالإشارة برأسه. ولا يجب بيان ما يستأجر له في الدار؛ لقرب التفاوت بين السكنى ووضع المتاع، ومن ثم حمل العقد على المعهود في مثلها من سكانها ولم تشترط معرفة عدد من يسكن اكتفاء بما اعتيد في مثلها.

(ثم) إذا وجدت الشروط في المنفعة (تارة تقدر) المنفعة (بزمان

(4)

فقط، وضابطه كل ما لا ينضبط بالعمل، وحينئذ يشترط علم الزمن كرضاع هذا شهرا وتطيين أو تجصيص أو اكتحال أو مداواة هذا يوما و (كدار) وأرض وآنية وثوب، ويقول في دار تؤجر للسكنى لتسكنها فلا يصح على أن تسكنها -لأنه صريح في الاشتراط- ولا لتسكنها وحدك (سنة) بمائة وأولها من فراغ العقد؛ إذ يجب اتصالها بالعقد، فإن لم تعلم كآجرتكها كل شهر بدينار لم

(1)

. وذكر الشارح في الصلح أن منفعة الانتفاع بهواء شيء بنحو إشراع لا أجرة لها 5/ 204، نعم ذكر قبيل فصل النظر على الوقف أن هواء المستأجر مستأجر فللمستأجر منع المؤجر من البناء فيه إن أضره 6/ 285.

(2)

. ولا يصح أجرتك الشهور كما نص عليه الشارح 5/ 253.

(3)

. نعم تقدم في التزاحم على الحقوق في وضع الجذوع والبناء على جدار جاره أنه تتأبد الإجارة فيه للضرورة إلا إن كانت الدار وقفا عليه 5/ 211.

(4)

. قضية كلام الشارح في خيار الشرط أنه لو استأجر بيتاً إلى يوم ووقع العقد الظهر امتنع على المستأجر الانتفاع به ليلا 4/ 345.

ص: 418

وَتَارَةً بِعَمَلٍ كَدَابَّةٍ إلَى مَكَّةَ وَكَخِيَاطَةِ ذَا الثَّوْبِ، فَلَوْ جَمَعَهُمَا فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَهُ بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ

يصح ولو من إمام استأجر للأذان من ماله بخلافه من بيت المال؛ لأنه حينئذٍ زرق لا أجرة، فإن قال هذا الشهر وكل شهر بدينار صحّ في الأول فقط مرة، وضابط المدة التي تؤجر للسكنى أن تكون المنفعة في تلك المدة متقومة في عرف أهل ذلك المحل -ولو بعض يوم معلوم-.

(وتارة) تقدر بعمل فقط كبيع كذا وقبضه وكالحج.

وتارة يخير بين أن يقدر (بعمل) -أي بمحله

(1)

- أو بزمن (كدابة) معينة أو موصوفة للركوب أو لحمل شيء عليها (إلى مكة) أو ليركبها شهرا بشرط بيان الناحية التي يركب إليها ومحل تسليمها للمؤجر أو نائبه (وكخياطة ذا الثوب) أو ثوب صفته كذا كاستأجرتك لخياطته أو ألزمت ذمتك خياطته؛ لتميز هذه المنافع في نفسها من غير تقدير مدة، وكاستأجرتك للخياطة شهرا، ويشترط في هذه بيان ما يخيطه وفي الكل بيان كونه قميصا أو غيره وطوله وعرضه ونوع الخياطة أهي رومية أو غيرها، هذا إن اختلفت العادة وإلا حمل المطلق عليها، وبما تقرر يُعلم أنه لا يتأتى التقدير بالزمن في إجارة الذمة فلو قال ألزمت ذمتك عمل الخياطة شهرا لم يصح; لأنه لم يعين عاملا ولا محلا للعمل، نعم لو بيّن صفة العمل أو محله صح.

(فلو جمعهما) أي العمل والزمان (فاستأجره ليخيطه) أي هذا الثوب يوما معينا أو ليحرث هذه الأرض أو يبني هذا الحائط (بياض النهار) المعين (لم يصح في الأصح)؛ للغرر إذ قد يتقدم العمل وقد يتأخر، نعم إن قصد التقدير بالعمل فقط وأن ذكر الزمن إنما هو للحمل على التعجيل صح، ويصح أيضا

(2)

فيما لو صَغُر الثوب بحيث يفرغ منه عادة في دون النهار، فإن عرض له عائق عن إكماله في ذلك النهار تخير المستأجر.

[فرع] يستثنى من زمن الإجارة فعل المكتوبة -ولو جمعة لم يخش من الذهاب إليها فساد عمله- وطهارتها وراتبتها، وزمن الأكل وقضاء الحاجة، والمراد أقل زمن يحتاج إليه فيهما، أما زمن شراء ما يحتاجه لأكله فإن أمكن إعداده قبل العمل أو إنابة من يشتريه له تبرعا

(1)

. قال ابن قاسم ((كالمسافة إلى مكة)).

(2)

. وفاقا لشرحي الروض والمنهج فيهما وخلافا للمغني فيهما وللنهاية في الثاني.

ص: 419

وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ، أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ

لم يغتفر له زمنه وإلا اغتفر له بأقل ما يمكن، ولا يغتفر له زمن شراء قوت ممونه المحتاج إليه مطلقا، ولا يستثنى نحو زمن الذهاب للمسجد إلا إن قرب جدا وإمامه لا يطيل ويلزمه تخفيفها مع إتمامها، أي: بأن يقتصر على أقل الكمال ولا يستوفي الكمال

(1)

(ويقدر تعليم) نحو (القرآن بمدة) كشهر نظير ما مر في نحو الخياطة، ولا نظر لاختلاف صعوبته وسهولته; لأنه ليس عليه قدر معين حتى يتعب نفسه في تحصيله، هذا إن لم يريدا القرآن جميعه بل ما يسمى قرآنا فإن أرادا

(2)

جميعه كان من الجمع بين التقدير بالعمل والزمن وكذا إن أطلقا فيبطل في الحالين، ولا تدخل الجُمَع في مدة التعليم (أو تعيين سور) كاملة أو آيات كعشر من أول سورة كذا؛ للتفاوت صعوبة وسهولة، ويشترط أن يكون في التعليم كلفة عرفا ولو دون ثلاثة آيات، ولا يشترط تعيين قراءة نافع مثلا; لأن الأمر في ذلك قريب، فإن عين شيئا تعين فإن أقرأه غيره فله أجرة المثل; لأنه أتى بأصل العمل المقصود. ولو كان ينسى ما يتعلمه لوقته اعتبر العرف الغالب في إعادة التعليم -سواء أنسي قبل انقضاء المجلس أو بعده- فإن لم يكن غالب وجب البيان

(3)

في العقد، ويشترط تعيين المتعلم وإسلامه أو رجاء إسلامه، لا رؤيته ولا اختبار حفظه، نعم إن وجده في الحفظ خارجا عن عادة أمثاله تخير، وعلمهما بما عقد عليه وإلا وكَّلا من يعلمه، ولا يكفي أن يفتحا المصحف ويعينا قدرا منه؛ لاختلاف المشار إليه صعوبة وسهولة.

[فرع] يصح الاستئجار للخدمة ثم إن عينا شيئا اتبع وإلا اتبع العرف اللائق بالأجير والمستأجر

فيدخل عند الإطلاق غسل ثوب وخياطته وخبز وطحن وعجن وإيقاد نار في تنور وخدمة زوجة وفرش في دار وحمل ماء ليشرب المستأجر أو يتطهر لا علف دابة وحلب حلوبة وكتابة وبناء.

(1)

. وتصح إجارة أيام معينه باستثناء نحو زمن فعل المكتوبة خلافا للنهاية.

(2)

. أو بعضا معينا منه وإن قطع بحفظه عادة على مختارهما خلافا للشارح في مسألة الثوب الصغير السابقة.

(3)

. أي للزوم الإعادة أو عدمه مطلقا أو الإعادة في النسيان قبل انقضاء المجلس لا بعده أو قبل تمام الآية لا بعده.

ص: 420

وَفِي الْبِنَاءِ يُبَيِّنُ المَوْضِعَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالسَّمْكَ وَمَا يُبْنَى بِهِ وَكَيْفِيَّةَ الْبِنَاءِ إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ. وَإِذَا صَلَُحَتِ الْأَرْضُ لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ المَنْفَعَةِ، وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْتَ صَحَّ

(وفي) استئجار شخص لفعل (البناء

(1)

على أرض أو نحو سقف (يبين الموضع) الذي يبني فيه الجدار (والطول) له وهو الامتداد من إحدى الزاويتين إلى الأخرى (والعرض) وهو ما بين وجهي الجدار (والسَّمك) وهو الارتفاع إن قدر بالعمل (وما يبني به) من حجر أو غيره (وكيفية البناء) أهو منضد

(2)

أو مسنم

(3)

أو مجوف

(4)

(إن قدر بالعمل) أو بالزمن؛ لاختلاف القرض به، وفارق ما ذكر تقدير الحفر بالزمن فإنه لا يشترط فيه بيان شيء من ذلك بأن الغرض يختلف في الخياطة والبناء بخلاف الحفر، ولو استأجر محلا للبناء عليه وهو نحو سقفٍ اشترط جميع ذلك أو أرضٍ اشترط غير الارتفاع وما يبني به وصفة البناء; لأنها تحمل كل شيء (وإذا صَلَُحت الأرضُ لبناء وزراعة وغراس) أو لاثنين من ذلك (اشترط) في صحة إجارتها (تعيين) نوع (المنفعة) المستأجر لها؛ لاختلاف ضررها (ويكفي تعيين الزراعة) بأن يقول للزراعة أو لتزرعها (عن ذكر ما يزرع في الأصح) فيزرع ما شاء؛ لقلة تفاوت أنواع الزرع، ومن ثم لم ينزل على أقلها ضرراً، وأجريا ذلك في لتغرس أو لتبني فلا يشترط بيان أفرادهما فيغرس أو يبني ما شاء. وخرج بصلحت لذلك ما لو لم تصلح إلا لأحدهما فلا يشترط تعيينه، وفيما إذا لم تصلح إلا للزراعة يلزم غاصبها في سني الجدب أجرة مثلها في مدة الاستيلاء عليها؛ لإمكان الانتفاع بها بنحو ربط الدواب فيها، فالشرط في تغريم الغاصب كون المغصوب له أجرة بالإمكان وإن لم تكن له بالفعل، نعم لا أجرة في آلات بيوت منى؛ لأن مالكها متعد بوضعها ثَم فلم يناسب أجرة لها؛ لأن فيه منع الناس من استيفاء أرضها المباحة لهم، (ولو قال) آجرتكها (لتنتفع بها بما شئت صح) ويصنع ما شاء؛ لرضاه به، نعم يشترط في أرض الزراعة عدم الإضرار فيجب إراحتها إذا اعتيدت كالدابة، ولا تصح إجارة

(1)

. أشار الشارح في المساقاة إلى اشتراط أن يكون عمل الأجير في ملك المستأجر الخالص 6/ 114.

(2)

. النضد جعل الشيء بعضه على بعضه، الصحاح.

(3)

. تسنمت الحائط أي علوته من عرضه وفسَّره عبدالحميد بالمملو، لسان العرب.

(4)

. هو ما فيه جوف كما قاله عبدالحميد.

ص: 421

وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْتَ فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْتَ فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَتِهِ أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ، وَقِيلَ لَا يَكْفِي الْوَصْفُ، وَكَذَا الحُكْمُ فِيمَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ، وَلَوْ شَرَطَ حَمْلَ المَعَالِيقِ مُطْلَقًا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ،

آدمي لينتفع به المستأجر ما شاء (وكذا) تصح (لو قال) له (إن شئت فازرع) ـها (وإن شئت فاغرس) ـها (في الأصح) ويتخير بينهما فيصنع ما شاء من زرع أو غرس; لأنه رضي بالأضر، ولا يصح لتزرع وتغرس، ولا ازرعها واغرسها؛ لأنه لم يبين قدر كل منهما، بل لا يصح ازرع النصف واغرس النصف حتى يبين جانب كل (ويشترط في إجارة دابة لركوب) عينا أو ذمة (معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام) له بنحو ضخامة أو نحافة؛ ليعرف زنته تخمينا، ولا يشترط الوزن، (وقيل لا يكفي الوصف) وتتعين المشاهدة (وكذا الحكم فيما) معه من زاملة

(1)

ونحوها، وفيما (يركب عليه من محمل وغيره) كسرج أو إكاف

(2)

(إن) فحش تفاوته ولم يكن هناك عرف مطرد، و (كان) ذلك (له) أي تحت يده ولو بعارية أي فيشترط معرفة ذلك -إن ذكر في العقد

(3)

- بمشاهدة أو وصف تام، لكن المعتمد أنه لا بد هنا من الرؤية مع الامتحان باليد إن أمكن أو من الوصف مع الوزن

(4)

. أما لو اطرد بما يركب عليه عرف أو لم يكن للراكب فلا يحتاج لمعرفته ويحمل في الأولى على العرف ويركبه المؤجر في الثانية على ما يليق بالدابة كما يأتي وإن أحضر الراكب ما يركب عليه، ولا بد في نحو المحمل من وطاءٍ فيه يجلس عليه وكذا غطاء له إن شرط في العقد، ويشترط في معرفة الغطاء والوطاء الرؤية أو الوصف ما لم يكن فيه عرف مطرد فيحمل الإطلاق عليه (ولو شرط) في عقد الإجارة (حمل المعاليق) كسفرة وقِدْرٍ وصحن وإبريق وإداوة

(5)

وقصعة فارغة أو فيها نحو ماء أو زاد ومضربة

(6)

ومخدة (مطلقا) عن الرؤية مع الامتحان باليد وعن الوصف مع الوزن (فسد العقد في الأصح)؛ لاختلاف الناس فيها قلة وكثرة، ولا يشترط تقدير ما يأكله كل يوم.

(1)

. وهي ثياب تجمع ويضم بعضها إلى بعض.

(2)

. إكاف الحمار برذعته وهو في المراكب شبه الرحال والأقتاب، الصحاح.

(3)

. أي ما مر مما معه وما يركب عليه.

(4)

. خلافا لصنيعهما حيث اقتضى كفاية الرؤية وحدها أو الوصف التام وحده.

(5)

. هي المطهرة، لسان العرب.

(6)

. المُضَرَّبَةُ: الفِرَاشُ.

ص: 422

وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ حَمْلَهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ تَعْيِينُ الدَّابَّةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ذِكْرُ الجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ وَ الْأُنُوثَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيُنَزَّلُ عَلَيْهَا. وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ أَنْ يَعْرِفَ المَحْمُولَ، فَإِنْ أُحْضِرَ رَآهُ وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ،

(وإن لم يشرطه) أي حمل المعاليق (لم يستحق حملها) ولا حمل بعضها إلا إن خف كإداوة اعتيد حملها (ويشترط في إجارة العين) لدابة لركوب أو حمل (تعيين الدابة) أي عدم إبهامها فلا يكفي أحد هذين (وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في بيع الغائب) والأظهر اشتراطه وكذا يشترط قدرتها على ما استؤجرت لحمله (و) يشترط (في إجارة الذمة) للركوب (ذكر الجنس والنوع) وقد يغني عن الجنس (والذكورة والأنوثة) كبعير بختي ذكر؛ لاختلاف الغرض بذلك ووجهه في الأخير أن الذكر أقوى والأنثى أسهل، ويشترط أيضا ذكر كيفية سيرها ككونها بحرا

(1)

أو قطوفا

(2)

(ويشترط فيهما) أي إجارة العين والذمة للركوب (بيان قدر السير كل يوم) وكونه ليلا أو نهارا والنزول في عامر أو صحراء؛ لتفاوت الغرض بذلك، ويجوز مجاوزة المحل المشروط والنقص عنه لخوفٍ ظُن منه ضررٌ دون غيره كما لو استأجر دابة لبلد ويعود عليها فإنه لا يحسب عليه مدة إقامتها لخوف (إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة) بالعادة (فينزَّل) قدر السير (عليها) ما لم يشرط خلافه، فإن لم ينضبط اشترط بيان المنازل أو التقدير بالزمن وحده، هذا كله إن كانت الطريق آمنة وإلا لم يجز تقدير السير فيه; لأنه لا يتعلق بالاختيار، نعم يكفي في زمن الخوف حيث لا منازل مضبوطة التقدير بالإجارة إلى بلد كذا طال زمن السير له أو قصر؛ للضرورة

(3)

(ويجب في الإيجار للحمل) إجارة عين أو ذمة (أن يعرف المحمول)؛ لاختلاف تأثيره وضرره (فإن أحضر رآه) إن ظهر (وامتحنه)؛ تخمينا لوزنه (بيده إن) لم يظهر كأن كان في ظلمة أو (كان في ظرف) وأمكن.

(1)

. الواسع المشي.

(2)

. البطيء المشي.

(3)

. عبارة علي الشبراملسي بتصرف.

ص: 423

وَإِنْ غَابَ قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَجِنْسَهُ لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ، وَصِفَتَهَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ المَحْمُولُ زَُِجَاجًا وَنَحْوَهُ

(وإن غاب) أو حضر

(1)

(قدر بكيل) إن كان مكيلا (أو وزن) إن كان موزونا أو مكيلا; لأن ذلك طريق معرفته، والوزن في كل شيء أولى؛ لأنه أضبط (و) أن يعرف (جنسه) أي المحمول المكيل؛ لاختلاف تأثيره في الدابة وإن اتحد كيله كما في الملح والذرة، أما الموزون كآجرتكها لتحمل عليها مائة رطل وإن لم يقل مما شئت فلا يشترط ذكر جنسه; لأنه رضا منه بأضر الأجناس بخلاف عشرة أقفزة مما شئت فإنه لا يغني عن ذكر الجنس؛ لكثرة الاختلاف مع اتحاد الكيل وقلته مع اتحاد الوزن، ولا يصح لتحمل عليها ما شئت بخلاف لتزرعها ما شئت; لأن الأرض تطيق كل شيء، ومتى قدر بوزن للمحمول كمائة رطل حنطة أو كيله لم يدخل الظرف فيشترط رؤيته كحباله أو وصفهما ما لم يطرد العرف ثم بغرائر

(2)

متماثلة أي قريبة التماثل عرفا، ويأتي ذلك فيما إذا أدخل الظرف في الحساب، ففي مائة مَنٍّ

(3)

بظرفها لا بد أن يذكر جنس الظرف

(4)

أو يقول مائة منٍّ مما شئت، وفي مائة قدح بر بظرفها لا بد أن يكون مما لا يختلف عرفا كما ذكر، أما لو قال مائة رطل فقط فالظرف منها (لا جنس الدابة وصفتها) فلا يشترط معرفتهما في الإجارة للحمل (إن كانت إجارة ذمة)؛ لأن الغرض مجرد نقل متاع الملتزم في الذمة وهو لا يختلف باختلاف الدواب (إلا أن يكون) في الطريق نحو وَحْل، أو يكون (المحمول) الذي شرط في العقد (زَُِجاجا ونحوه) مما يسرع انكساره كالخزف فيشترط معرفة جنس الدابة وصفتها كما في الإجارة للركوب مطلقا؛ لاختلاف الغرض باختلافها في ذلك.

(1)

. أسقطاه.

(2)

. جمع غرارة وهي وعاء من صوف أو شعر لنقل التبن وما أشبهه.

(3)

. المن شيء حلو كالطرجنين، الصحاح.

(4)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني وشرح المنهج.

ص: 424

فصل

لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ إلَّا حَجٍّ وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ، وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيْتٍ وَدَفْنِهِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ

(فصل) في منافع لا يجوز الاستئجار لها

(1)

ومنافع يخفى الجواز فيها

(لا تصح إجارة مسلم لجهاد) ; لأنه يتعين عليه بحضور الصف مع وقوعه عن نفسه، نعم يصح استئجار الذمي من قِبَل الإمام، (ولا) لفعل (عبادة تجب لها) أي فيها (نية) لها أو لمتعلقها بحيث يتوقف أصل حصولها عليها، فالمراد بالوجوب ما لا بد منه; لأن القصد امتحان المكلف بها بكسر نفسه بالامتثال وغيره لا يقوم مقامه فيه، ولا يستحق الأجير شيئا وإن عمل طامعا؛ لقولهم كل ما لا يصح الاستئجار له لا أجرة لفاعله وإن عمل طامعا، وألحقوا بتلك الإمامة ولو في نفل; لأنه مصَلٍّ لنفسه. أما ما لا تجب له نية كالأذان فيصح الاستئجار عليه والأجرة مقابلة لجميعه مع نحو رعاية الوقت

(2)

، ودخل في ((تجب)) زيارة قبره صلى الله عليه وسلم للوقوف عنده ومشاهدته فلا يصح الاستئجار لها فزيارة قبر غيره أولى بخلاف الدعاء عند زيارة قبره المكرم فيجوز إذا انضبط; لأنه مما تدخله النيابة وبخلاف السلام عليه صلى الله عليه وسلم فتدخلهما الإجارة والجعالة (إلا الحج) والعمرة فيجوز الاستئجار لهما ولأحدهما عن ميت أو معضوب كما مر ويتبعهما صلاة ركعتي نحو الطواف؛ لوقوعهما عن المستأجر (وتفرقة زكاة) وكفارة وذبح وتفرقة أضحية وهدي وصوم عن ميت وسائر ما يقبل النيابة وإن توقف على النية؛ لما فيها من شائبة المال. (وتصح) الإجارة لكل ما لا تجب له نية فتصح لتحصيل مباح كصيد، و (لتجهيز ميت

(3)

؛ لأن الأجير لم يقصد لفعله حتى يقع عنه (ودفنه وتعليم القرآن) كله أو بعضه وإن تعين عليه؛ للخبر الصحيح ((إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله))، ولا تصح لقضاء ولا لتدريس علم أو إعادته إلا إن عين المتعلم وما يعلمه وكذا القضاء، ويصح

(1)

. منها كما أشار إليه الشارح في فصل حكم الإعسار بالنفقة صنعة محرم كآنية نقد وبيع خمر وآلة لهو 8/ 339.

(2)

. خلافا للنهاية.

(3)

. ويصح الاستئجار لتقليع نخل بخلاف ضراب الفحل كما قدمه في البيع 4/ 292.

ص: 425

وَلِحَضَانَةٍ وَإِرْضَاعٍ مَعًا، وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ،

الاستئجار لقراءة القرآن عند القبر أو مع الدعاء بمثل ما حصل من الأجر له أو بغيره عقب القراءة سواء عيّن زمانا أو مكانا أو لا. ونية الثواب له من غير دعاء لغو

(1)

، وكذا أهديت قراءتي أو ثوابها له

(2)

، أو بحضرة المستأجر أو نحو ولده ومع ذكره في القلب حالتها. وما اعتيد في الدعاء بعدها من جعل ثواب ذلك أو مثله مقدما إلى حضرته صلى الله عليه وسلم أو زيادة في شرفه مندوب; لأنه صلى الله عليه وسلم أذن لنا بأمره بنحو سؤال الوسيلة له في كل دعاء له بما فيه زيادة تعظيمه.

[فرع] استؤجر لقراءة فقرأ جنبا ولو ناسيا لم يستحق شيئا

; لأن القصد بالاستئجار لها حصول ثوابها؛ لأنه أقرب إلى نزول الرحمة وقبول الدعاء عقبها والجنب لا ثواب له على قراءة بل على قصده في صورة النسيان، نعم يستحق المستأجر لتعليم القرآن وإن كان جنبا; لأن الثواب هنا غير مقصود بالذات وإنما المقصود التعليم وهو حاصل مع الجنابة، ولو ترك من القراءة المستأجر عليها آيات لزمه قراءة ما تركه ولا يلزمه استئناف ما بعده، ولا يلزم من استؤجر لقراءة على قبر أن ينوي عند الشروع أن ذلك عمّا استؤجر عنه أي بل الشرط عدم الصارف، و لو استؤجر هنا لمطلق القراءة احتاج لنية، أوْ لا لمطلقها كالقراءة بحضرته لم يحتج لها فذكر القبر مثال. (و) تصح الإجارة ولو لكافرة أُمِّنت (لحضانة) وهي الكبرى الآتية في كلامه (وإرضاع) ولو للبأ (معا)، وحينئذ المعقود عليه كلاهما; لأنهما مقصودان (ولأحدهما فقط)؛ لأن الحضانة نوع خدمة ولآية الإرضاع، وتدخل في الإرضاع الحضانة الصغرى وهي وضعه في الحِجْر وإلقامه الثدي وعصره له؛ لتوقفه عليها، ومن ثم كانت هي المعقود عليها واللبن تابع، وإنما صحت

(3)

للإرضاع مع عدم ذكر الحضانة الصغرى؛ لمزيد الحاجة إليه. ويجب في الاستئجار للإرضاع تعيين مدة الرضاع ومحله أهو بيته؛ لأنه أحفظ له، أو بيت المرضعة؛ لأنه أسهل، فإن امتنعت من ملازمة ما عيَّن أو سافرت تخير ولا أجرة لها من حين الفسخ، وتعيين الصبي برؤيته

(4)

؛ لاختلاف شربه باختلاف نحو

(5)

سنه، وتكلف المرضعة

(1)

. خلافا لشرح الروض.

(2)

. خلافا للمغني وشرح الروض والبهجة.

(3)

. خلافا لظاهر صنيعهما.

(4)

. لا وصفه خلافا لهما.

(5)

. أسقطا لفظ نحو.

ص: 426

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالحَضَانَةُ حِفْظُ صَبِيٍّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي المَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا، وَلَوِ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ فَالمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ دُونَ الحَضَانَةِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ. قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ، فَإِنِ اضْطَرَبَتْ وَجَبَ الْبَيَانُ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

أكل وشرب كل ما يكثر اللبن وترك ما يضره كوطء حليل يضر وإلا تخير، وعدم استمراء الطفل لبنها لعلة فيه عيبٌ يتخير به المستأجر، ولو سقته لبن غيرها في إجارة ذمة استحقت الأجرة أو عين فلا (والأصح أنه) أي الشأن (لا يستتبع أحدهما) أي الإرضاع والحضانة الكبرى (الآخر)؛ لاستقلالهما مع جواز استقلال كل منهما بالإجارة (والحضانة) الكبرى (حفظ صبي وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه ودَهنه وكحله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوها)؛ لاقتضاء اسم الحضانة ذلك عرفا، أما الدُّهن فعلى الأب

(1)

(ولو استأجر لهما) أي الحضانة الكبرى والإرضاع (فانقطع اللبن فالمذهب انفساخ العقد في الإرضاع) فيسقط قسطه من الأجرة (دون الحضانة)؛ لما مر أن كلا منهما مقصود معقود عليه (والأصح أنه لا يجب حبر وخيط وكحل) وصبغ وطلع (على وراق) وهو الناسخ (وخياط وكحال) وصباغ وملقح؛ اقتصارا على مدلول اللفظ (قلت: صحح الرافعي في الشرح) الكبير، وإنما نص عليه هنا بالرغم من أن غالب استدراكاته على أصله من الشرح؛ لأنه لم يترجح له أحد الموضعين المتناقضين

(2)

(الرجوع فيه إلى العادة)؛ إذ لا ضابط له لغة ولا شرعا (فإن اضطربت) العادة (وجب البيان)؛ نفيا للغرر (وإلا) يبين في العقد من عليه ذلك (فتبطل الإجارة، والله أعلم)؛ لما فيها من الغرر المؤدي إلى التنازع لا إلى غاية، وأفهم كلام الإمام أن الخلاف في إجارة الذمة أما العين فلا يجب فيها غير العمل.

[فرع] لو شرط للطبيب الماهر أجرة وأعطي ثمن الأدوية فعالجه بها فلم يبرأ استحق المسمى إن صحت الإجارة وإلا فأجرة المثل

وليس للعليل الرجوع عليه بشيء; لأن المُسْتَأجَر

(1)

. وللمغني تفصيل هنا.

(2)

. خلافا للنهاية.

ص: 427

فصل

يَجِبُ تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى المُكْتَرِي، وَعِمَارَتُهَا عَلَى المُؤَجِّرِ، فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا، وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي عَلَى المُؤَجِّرِ الخِيَارُ،

عليه المعالجة لا الشفاء بل إن شُرِط بطلت الإجارة; لأنه بيد الله لا غير، نعم إن جاعله عليه صح ولم يستحق المسمى إلا بعد وجوده، أما غير الماهر فلا يستحق أجرة ويرجع عليه بثمن الأدوية؛ لتقصيره بمباشرته لما ليس هو له بأهل ومن شأن هذا الإضرار لا النفع، والمراد بالماهر من كان خطؤه نادراً وإن لم يكن ماهرا في العلم.

(فصل) فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة

(يجب) يعني يتعين (تسليم مفتاح) ضبة

(1)

(الدار) معها (إلى المكتري)؛ لتوقف الانتفاع عليه، وهو أمانة بيده فإذا تلف بتقصيره ضمنه، أو عدمه فلا، وفيهما يلزم المكري تجديده فإن أبى لم يجبر ولم يأثم لكن يتخير المكتري -وكذا في جميع ما يأتي- وحينئذ لا تنفسخ الإجارة في مدة منع المكري من التجديد إلا إن جهل المكتري الخيار وعذر فيه

(2)

، وخرج بالضبة القفل فلا يجب تسليمه فضلا عن مفتاحه؛ لأنه منقول وليس بتابع (وعمارتها) الشاملة لنحو تطيين سطح وإعادة رخام قلعه هو أو غيره، ومن ثم امتنع (على المؤجر

(3)

قلعه ابتداء ودواما وإن احتاجت لآلات جديدة (فإن بادر) أي قبل مضي مدة لها أجرة (وأصلحها) أو سلم المفتاح فذاك (وإلا) يبادر (فللمكتري) قهرا (على المؤجر الخيار) إن نقصت المنفعة بين الفسخ والإبقاء؛ لتضرره، ومن ثم زال بزواله فإذا وكف

(4)

السقف تخير حالة الوكف فقط ما لم يتولد منه نقص. ويتخير المستأجر إن أبدل المؤجر الرخام بلاطا و تفاوتا في أجرة لها وقع وإلا فلا، ولو شرط إبقاء الرخام فسخ بخلف الشرط. هذا في حادث أما مقارن علم به المكتري فلا خيار وإن علم أنه من وظيفة المكري؛ لتقصيره بإقدامه مع علمه به، ومحل ما ذكر

(1)

. أي الغلق المثبت في بابها.

(2)

. خلافا لهما من اعتماد الفسخ في مدة المنع مطلقا.

(3)

. ولا يلزم المؤجر بالعمارة كما نص عليه الشارح في الرهن 5/ 87.

(4)

. أي نزل المطر منه

ص: 428

وَكَسْحُ الثَّلْجِ عَنِ السَّطْحِ عَلَى المُؤَجِّرِ، وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى المُكْتَرِي. وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ فَعَلَى المُؤَجِّرِ إُكَافٌ وَبَرْذَعَةٌ وَحِزَامٌ وَثَفَرٌ وَبُرَةٌ وَخِطَامٌ،

في المتصرف لنفسه وفي الطِّلْق

(1)

، أما المتصرف عن غيره وفي الوقف فتجب العمارة لكن لا من حيث الإجارة. ويلزم المؤجر أيضا انتزاع العين

(2)

ممن غصبها ودفع نحو حريق ونهب عنها إن أراد دوام الإجارة وإلا تخير المستأجر، ولو قدر عليه المستأجر من غير خطر لزمه كالوديع، وحينئذٍ فلو قصَّر ضمن ولا يكلف النزع من الغاصب المتوقف على خصومة بل لا يجوز كالوديع; لأنهما لا يخاصمان وإن سمعت الدعوى عليهما لكون العين في يدهما. (وكسح الثلج) أي كنسه (عن السطح) الذي لا ينتفع به الساكن (على المؤجر) بالمعنى السابق (وتنظيف عرصة الدار) وسطحها الذي ينتفع به ساكنها (عن ثلج) وإن كثر (وكُناسة) حصلا في دوام المدة وهي ما يسقط من نحو قشر وطعام ومثلها رماد الحمام وغيره (على المكتري) بمعنى أنه لا يُلزم به المكري، أما التراب الحاصل بالريح فلا يلزم واحدا منهما نقله، وبعد انقضاء المدة يجبر المكتري على نقل الكناسة بل وفي أثنائها إن أضرت بالسقوف، وعليه -بالمعنى السابق- تنقية بالوعة وحَُشّ

(3)

مما حصل فيهما بفعله، ولا يجبر على تنقيتهما بعد المدة، وفارقا الكناسة بأنهما نشآ عمَّا لا بد منه بخلافها، ويلزم المؤجر تنقيتهما عند العقد بأن يسلمهما فارغين وإلا تخير المستأجر، ومحله إن لم يعلم به أخذا مما مر

(4)

(وإن آجر دابة لركوب) عينا أو ذمة (فعلى المؤجر) عند الإطلاق (إُِكاف) وهو للحمار كالسرج للفرس وكالقتب للبعير، والمراد هنا ما تحت البرذعة (وبَرذعة) وهي ما يُحشى ويعدُّ للركوب عليه

(5)

(وحزام) وهو ما يشد به الإكاف (وثفَر) وهو ما يجعل تحت ذنب الدابة (وبُرَة) وهي حلقة تجعل في أنف البعير (وخِطام) وهو خيط يشد في البرة ثم يشد بطرف المِقود؛ لتوقف التمكن اللازم له عليها مع اطراد العرف به.

(1)

. وهو المملوك.

(2)

. يفهم من إطلاقه كالنهاية أنه لو غصبت العين المؤجرة وقدر المالك على انتزاعه لم يلزمه وصرح بذلك شيخ الإسلام في شرحي الروض والبهجة خلافا للمغني.

(3)

. هو مجتمع العذرة، الصحاح.

(4)

. اعتمد النهاية الفرق.

(5)

. عبارة شرحي الروض والبهجة.

ص: 429

وَعَلَى المُكْتَرِي مَحْمِلٌ وَمِظَلَّةٌ وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ وَتَوَابِعُهَا، وَالْأَصَحُّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ، وَظَرْفُ المَحْمُولِ عَلَى المُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى المُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَعَلَى المُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ لِتَعَهُّدِهَا، وَإِعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ وَنُزُولِهِ بِحَسَبِ الحَاجَةِ، وَرَفْعُ الْحِمْلِ وَحَطُّهُ، وَشَدُّ المَحْمِلِ وَحَلُّهُ،

[تنبيه] إنما تجب هذه الأمور عند إطلاق العقد، أما إن شرط أنه لا شيء عليه من ذلك فلا يلزمه شيء

(وعلى المكتري محمل ومِظلة) أي ما يظلل به على المحمل (ووِطاء) وهو ما يفرش في المحمل ليجلس عليه (وغِطاء وتوابعهما) كحبل يشد به أحد المحملين إلى الآخر؛ لأن ذلك يراد لكمال الانتفاع فلم يستحق بالإجارة بخلاف حبل يشد به المحمل على البعير فهو على الجَمَّال

(1)

؛ لأنه من آلة التمكين (والأصح في السرج) للفرس المستأجر عند الإطلاق (اتباع العرف)؛ قطعا للنزاع، هذا إن اطرد بمحل العقد وإلا وجب البيان نظير ما مر، ولو اطرد العرف بخلاف ما نصوا عليه عمل بالعرف (وظرف المحمول على المؤجر في إجارة الذمة)؛ لالتزامه النقل (وعلى المكتري في إجارة العين)؛ إذ ليس عليه إلا تسليم الدابة مع نحو إكافها، وحفظ الدابة على صاحبها ما لم يسلمها له ليسافر عليها وحده فيلزمه حفظها صيانة لها؛ لأنه كوديع (وعلى المؤجر في إجارة الذمة الخروج مع الدابة) بنفسه أو نائبه (لتعهدها و) عليه أيضا (إعانة الراكب في ركوبه ونزوله بحسب الحاجة) والعرف في كيفية الإعانة فينيخ البعير لنحو امرأة وضعيف حالة الركوب وإن كان قويا عند العقد ويقرب نحو الحمار من مرتفع ليسهل ركوبه، وينزله لما لا يتأتى فعله عليها كطهر وصلاة فرض، لا نحو أكل، وينتظر فراغه، ولا يلزم المكتري مبالغة تخفيف، ولا قصر ولا جمع، وليس له التطويل على قدر الحاجة أي بالنسبة للوسط المعتدل من فعل نفسه، فإن طول فللمكري الفسخ، وله النوم عليها وقت العادة دون غيره; لأن النائم يثقل، ولا يلزمه النزول عنها؛ للإراحة بل في العقاب الصعبة إن كان ذكرا قويا ليس له وجاهة ظاهرة بحيث يخل المشي بمروءته عادة. ويجب الإيصال إلى أول البلد المكرى إليها لا إلى مسكنه. (و) عليه أيضا (رفع الحِمل) أي المحمول (وحطُّه وشد المحمل وحله) وشد أحد المحملين إلى الآخر وهما بالأرض وأجرة دليل وخفير وسائق وقائد وحفظ متاع في المنزل، وكذا نحو دلو ورشاء في استئجار لاستقاء؛ لاقتضاء العرف ذلك كله

(1)

. خلافا للمغني وشرح المنهج والروض والبهجة من أنه أيضا على المكتري.

ص: 430

وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ المُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ. وَتَنْفَسِخُ إجَارَةُ الْعَيْنِ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ، وَيَثْبُتُ الخِيَارُ بِعَيْبِهَا، وَلَا خِيَارَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِبْدَالُ، وَالطَّعَامُ المَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ يُبْدَلُ إذَا أُكِلَ فِي الْأَظْهَرِ

(وليس عليه في إجارة العين إلا التخلية بين المكتري والدابة) فلا يلزمه شيء مما مر؛ لأنه لم يلتزم سوى التمكين منها، و مجرد التمكين هنا كافٍ في استقرار الأجرة بمضي مدة الإجارة إن قُدِّرت المنفعة بوقت وبمضي مدة إمكان الاستيفاء إن قُدِّرت بعمل وإن لم يضع يده عليها، وله قبل القبض إيجارها من المؤجر لا من غيره. وإذا وصل المحل المعين المستأجر له سلمها لمن يأتي فإن فقد استصحبها ولا يركبها إلا إذا كانت جموحا كالوديعة. (وتنفسخ إجارة العين) بالنسبة للمستقبل (بتلف

(1)

الدابة) مثلا المستأجرة، ولا تبدل لفوات المعقود عليه وبه فارق إبدالها في إجارة الذمة، ولو كان تلفها أثناء الطريق استحق مالكها القسط من الأجرة بخلاف ما لو تلفت العين المستأجر لحملها أثناء الطريق أخذا من قولهما لو احترق الثوب بعد خياطة بعضه بحضرة المالك أو في ملكه استحق القسط؛ لوقوع العمل مسلما له، ولو اكتراه لحمل جرة فانكسرت في الطريق لا شيء له والفرق أن الخياطة تظهر على الثوب فوقع العمل مسلما لظهور أثره على المحل والحمل لا يظهر أثره على الجرة، فعلم أنه يعتبر في وجوب القسط في الإجارة وقوع العمل مسلما وظهور أثره على المحل (ويثبت الخيار) على التراخي; لأن الضرر يتجدد بمرور الزمان (بعيبها) المقارن إذا جهله والحادث؛ لتضرره، والعيب هنا هو ما أثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت أجرتها ككونها تعثر أو تتخلف عن القافلة، لا خشونة مشيها إلا إن خشي منه السقوط. وإذا علم بالعيب بعد المدة وجب له الأرش أو في أثنائها وفسخ وجب لما مضى، وإن لم يفسخ لم يجب للمستقبل بل في الماضي (ولا خيار في إجارة الذمة) بعيب الدابة المحضرة ولا بتلفها (بل يلزمه الإبدال)؛ لأنه لا يثبت فيها إلا السليم فإذا لم يرض بالمعيب رجع لما فيها، فإن عجز عن الإبدال تخير المستأجر. ويختص المستأجر بما تسلمه فله إيجارها ولا يجوز إبدالها إلا برضاه ويقدم بمنفعتها على الغرماء (والطعام المحمول ليؤكل) في الطريق إذا لم يتعرض في العقد لإبداله ولا لعدمه (يبدل إذا أكل في الأظهر)؛ عملا بمقتضى اللفظ،

(1)

. من التلف غرق الأرض بماء لم يتوقع انحساره وما لو وقع عليها صخره أو ركبها رمل لا يمكن رفعه كما أفاده الشارح في حكم المبيع قبل قبضه 4/ 394.

ص: 431

فصل

يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا،

ومحل الخلاف إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر المنزل الذي هو فيه وإلا أبدل قطعا

(1)

، وإذا تعرضا في العقد لعدم إبداله ولم يأكل المستأجر منه شيئا فللمؤجر مطالبته بتنقيص قدر أكله إذا لم يشترط قدرا وحمل ما يحتاجه، أما إذا شرط قدرا فلم يأكل منه فليس للمؤجر ذلك؛ اتباعا للشرط. وخرج بقوله ليؤكل ما حُمل ليوصل فيبدل قطعا وبقوله إذا أكل ما تلف بسرقة أو غيرها فيبدل قطعا، وبفرضه الكلام في المأكول المشروب فيبدل قطعا؛ لأنه العرف.

(فصل) في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبا وكون يد الأجير يد أمانة وما يتبع ذلك

(يصح عقد الإجارة) على العين (مدة تبقى فيها) تلك (العين) بصفاتها المقصودة (غالبا)؛ ليوثق باستيفاء المعقود عليه ولا يتقدر بمدة؛ إذ لا توقيف فيه بل يرجع فيه لأهل الخبرة فمثلا يؤجر القن ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنتين أو سنة والأرض مائة سنة أو أكثر

(2)

، وما ذكر من تقدير المدد إنما هو للتمثيل وليس للتقييد والمدار على ما يليق بكلٍّ، ولا تحسب جميعها من حين عقد الإجارة بل يحسب في القن ما مضى من الولادة ومدة الإجارة فإن بلغ المجموع ثلاثين جاز وإلا فلا، ولا يؤجر بعد بلوغ الثلاثين إلا سنة فسنة؛ لأن العمر الغالب لبقاء الصفات المقصودة فيه قد مضى، ويجري ذلك في الوقف لكن إن وقع على وفق الحاجة والمصلحة لعين الوقف بأن توقفت عمارته على تلك المدة الطويلة لا للموقوف عليهم، وإنما اشترطنا ذلك؛ لفساد الزمان بغلبة الاستيلاء على الوقف عند طول المدة، وأيضا فشرطها -في غير ناظرٍ مستحقٍ وحده- أن يكون بأجرة المثل وتقويم المدة المستقبلة البعيدة صعب، وسيأتي أنه يتبع شرط الواقف أن لا يؤجر إلا سنة مثلا وأن الولي لا

(1)

. عبارة المغني.

(2)

. يشترط أن لا يبعد بقاء الدنيا إليها كألف سنه ويجوز أن يبعد بقاء العاقدين إليها كمائتين سنه كما مر في البيع 4/ 297.

ص: 432

وَفِي قَوْلٍ لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثِينَ. وَلَلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ المَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فَيُرْكِبُ وَيُسْكِنُ مِثْلَهُ، وَلَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَقَصَّارًا، وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُبْدَلُ،

يؤجر موليه أو ماله إلا مدة لا يبلغ فيها بالسن وإلا بطلت في الزائد، ومر أن الراهن لا يؤجر المرهون لأجنبي إلا مدة لا تجاوز حلول الدين. ولا يجوز إجارة الإقطاع أكثر من سنة

(1)

(وفي قول لا يزاد) فيها (على سنة) مطلقا؛ لاندفاع الحاجة بها (وفي قول) لا تزاد على (ثلاثين) سنة؛ لأن الغالب تغير الأشياء بعدها، ورُدَّ بأن ذكرها في النص للتمثيل. وإذا زيد على سنة لم يجب بيان حصة كل سنة بل توزع الأجرة على قيمة منافع السنين، ومر أن أقل زمن يؤجر فيه العقار كون المدة متقومة عند عرف أهل ذلك المحل ولو بعض يوم، وقد لا يجب تقدير المدة كما يأتي في سواد العراق -وليس مثله إيجار وكيل بيت المال أراضيه لبناء أو زرع من غير تقدير مدة بل هو باطل؛ إذ لا مصلحة كلية يغتفر لأجلها ذلك- وكاستئجار الإمام من بيت المال للأذان أو لذمي للجهاد وكالاستئجار للعلو للبناء أو إجراء الماء. (وللمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره

(2)

الأمين؛ لأنها ملكه، فإن شرط عليه أن يستوفيها بنفسه فسد العقد كالشرط على مشتر أن لا يبيع (فيركب ويسكن) ويلبس (مثله) في الضرر اللاحق للعين ودونه بالأولى؛ لأن ذلك استيفاء للمنفعة المستحقة من غير زيادة (ولا يسكن

(3)

حدادا و) لا (قصارا

(4)

إذا لم يكن هو كذلك؛ لزيادة الضرر إلا إذا قال لتسكن من شئت. ولا يجوز إبدال حمل بإركاب ونحو قطن بحديد وحداد بقصار والعكوس وإن قال الخبراء لا يتفاوت الضرر (وما يستوفى منه كدار ودابة معينة) قيد للدابة فقط؛ لما قدمه أن الدار لا تكون إلا معينة (لا يبدل) أي لا يجوز إبداله؛ لأنهما المعقود عليه. أما في إجارة الذمة فيجب الإبدال لتلف أو تعيب ويجوز عند عدمهما لكن برضا المكتري؛ لأنه بالقبض اختص به كما مر.

(1)

. خلافا للرملي من الجواز مدة تبقى فيها غالبا.

(2)

. نعم ذكر الشارح قبيل الوقف أنه يجوز لمن اكترى دارا الانتفاع بماء بئرها دون بيعه 6/ 231.

(3)

. وذكر الشارح في اللباس حرمة الإسراج بالنجس في الدار المستأجرة، نعم يجوز إن احتاج إليه ولم يلوث 3/ 33.

(4)

. من قصرت الثوب إذا دققته.

ص: 433

وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ لِلْخِيَاطَةِ وَالِارْتِضَاعِ يَجُوزُ إبْدَالُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَيَدُ المُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الْأَصَحِّ

(وما يستوفى به كثوب وصبي عين) الأول (للخياطة و) الثاني لفعل (الارتضاع) بأن التزم في ذمته خياطة أو إرضاع موصوف ثم عيّن (يجوز إبداله

(1)

بمثله (في الأصح) وإن أبى الأجير؛ لأنه طريق للاستيفاء لا معقود عليه فأشبه الراكب والمتاع المعين للحمل، ومحل الخلاف في إبداله بغير معاوضة وإلا جاز قطعا كما يجوز لمستأجر دابة أن يعاوض عنها بسكنى دار، وفي ملتزم في الذمة أما لو استأجر لحَمْلِ مُعَيَّنٍ فيجوز إبداله بمثله قطعاً، والحاصل أنه يجوز إبدال المستوفي كالراكب والمستوفى به كالمحمول والمستوفى فيه كالطريق بمثلها أو دونها ما لم يشرط عدم الإبدال في الأخيرين بخلافه في الأول؛ لأنه يفسد العقد كما مر، ومحل جوازه فيهما إن عينا في العقد أو بعده وبقيا، فإن عينا بعده ثم تلفا وجب الإبدال برضا المكتري أو عينا فيه ثم تلفا انفسخ العقد

(2)

، ولا يجوز إبدال المستوفى منه بتفصيله السابق، ويجب في الاستيفاء ومثله الخدمة -كما مر ويأتي قبيل النذر - اتِّباع العرف فما استأجره للبس المطلق لا يلبسه وقت النوم ليلا -إلا إن اطردت عادتهم بخلافه

(3)

- بخلاف ما عداه ولو وقت النوم نهارا، وعليه نزع الأعلى في غير وقت التجمل (ويد المكتري على) العين المكتراة نحو (الدابة والثوب يد أمانة) فيأتي فيه ما سيذكره في الوديع (مدة الإجارة) إن قدرت بزمن، أو مدة إمكان استيفاء إن قدرت بمحل عمل؛ إذ لا يمكن استيفاء المنفعة بدون وضع يده. وله السفر بالعين المؤجرة حيث لا خطر في السفر؛ لأنه ملك المنفعة فيستوفيها حيث شاء، نعم يضمن بسفره بها بعد المدة كالوديع (وكذا بعدها في الأصح) ما لم يستعملها؛ استصحابا لما كان ولأنه لا يلزمه الرد ولا مؤنته، بل لو شرط أحدهما عليه فسد العقد وإنما الذي عليه التخلية كالوديع، وعليه فلا يلزمه إعلام المؤجر بتفريغ العين بل الشرط أن لا يستعملها ولا يحبسها لو طلبها، ولا فرق حينئذٍ بين أن يقفل باب نحو الحانوت والدار بعد تفريغه وأن لا

(4)

، نعم لو استأجر حانوت

(1)

. قيده الشارح في كتاب البيع بما إذا لم يستلمه الأجير 4/ 404.

(2)

. خلافا للرملي.

(3)

. كما اعتمده الشارح في الفتح.

(4)

. خلافا للنهاية، فاعتمد أنه لا يحصل تسليم الحانوت والدار إلا بتسلم المفتاح وعدم غلقه لبابها.

ص: 434

وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ لَوِ انْتَفَعَ بِهَا لَمْ يُصِبْهَا الهَدْمُ. وَلَوْ تَلِفَ المَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلَا تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ بِأَنْ قَعَدَ المُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ، وَكَذَا إنِ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ،

شهرا فأغلق بابه وغاب شهرين لزمه المسمى للشهر الأول وأجرة المثل للشهر الثاني؛ لأن التقصير حينئذ من الغائب لأن غلقه مع غيبته مانع للمالك من فتحه؛ لاحتمال أن له فيه شيئاً.

وإذا انقضت المدة وكانت الإجارة لبناء أو غراس ولم يختر المستأجر القلع تخير المؤجر بين الثلاثة السابقة في العارية

(1)

ما لم يوقف المستأجر البناء أو الغراس فيتخير المؤجر فيما عدا التملك

(2)

. ولو استعمل العين بعد المدة -في غير نحو اللبس لدفع الدود كما يعلم مما يأتي في الوديعة- لزمه أجرة المثل من نقد البلد الغالب في تلك المدة (ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب) مثلا (ولم ينتفع بها) وتلفت في المدة أو بعدها (لم يضمن) ـها؛ لأن يده يد أمانة، وتقييده بالربط ليس قيدا في الحكم، بل يستثنى منه قوله:(إلا إذا انهدم عليها إصطبل في وقت) اعتيد الانتفاع بها فيه وكان (لو انتفع بها) فيه (لم يصبها الهدم)؛ لنسبته إلى تقصير حينئذ إذ الفرض أنه لا عذر له. ثم إن الضمان الحاصل بالربط ضمان يد

(3)

فتصير مضمونة عليه بعدُ وإن لم تتلف، ولو اكتراها ليركبها اليوم ويرجع غدا فأقامه بها ورجع في الثالث ضمنها فيه فقط؛ لأنه استعملها فيه تعديا، ولو اكترى عبدا لعمل معلوم ولم يبين موضعه فذهب به من بلد العقد إلى آخر فأبق ضمنه مع الأجرة. (ولو تلف المال في يد أجير بلا تعد كثوب استؤجر لخياطته أو صَبْغِهِ لم يضمن إن لم ينفرد باليد بأن قعد المستأجر معه) يعني كان بحضرته، ويظهر الضبط هنا بما مر في ضبط مجلس الخيار من اعتبار العرف (أو أحضره منزله) وإن لم يقعد معه أو حمل المتاع ومشى خلفه؛ لثبوت يد المالك عليه حكما ولا يد للأجير عليه مستقلة (وكذا إن انفرد) باليد بأن انتفى ما ذكر فلا يضمن أيضا (في أظهر الأقوال)؛ لأنه إنما أثبت يده لغرضه

(1)

. وهي أن يبقيه بأجرة المثل أو يقلع أو يهدم ويضمن أرش نقصه، أو يملكه بقيمته حال التملك.

(2)

. ذكر الشارح آخر الأصول والثمار أن للمستأجر أن يبيع بناء له في الأرض المستأجرة ويستحق المشتري الإبقاء بأجرة المثل لباقي المدة 4/ 455.

(3)

. خلافا لهما من أنه ضمان جناية.

ص: 435

وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ المُشْتَرِكُ، وَهُوَ مَنِ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا المُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ. وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ

وغرض المالك فأشبه عامل القراض (و) القول الثاني يضمن كالمستعير، و (الثالث يضمن) الأجير (المشترك) بين الناس بقيمة يوم التلف (وهو من التزم عملا في ذمته) كخياطة (لا المنفرد وهو من آجر نفسه) أي عينه (مدة معينة لعمل) أو آجر عينه وقدر بالعمل؛ لاختصاص منافع هذا بالمستأجر فكان كالوكيل بخلاف الأول، ولا تجري هذه الأقوال في أجير لحفظ دكان مثلا إذا أخذ غيره ما فيها فلا يضمنه قطعا؛ لأنه لم يسلم إليه المتاع، ومثله حارس لسكة وخفير. وخرج بقوله بلا تعدٍّ ما إذا تعدى كأن استأجره ليرعى دابته فأعطاها آخر يرعاها فيضمنها كل منهما والقرار على من تلفت في يده، وكأن أسرف خباز في الوقود أو مات المتعلم من ضرب المعلم فإنه يضمن، ويصدَّق أجير أنه لم يتعد ما لم يشهد خبيران بخلافه (ولو) عمل لغيره عملا بإذنه كأن (دفع ثوبه إلى قصار ليقصره أو) إلى (خياط ليخيطه ففعل ولم يذكر) أحدهما (أجرة) ولا ما يفهمها بحضرة الآخر فيسمعه ويجيب أو يسكت (فلا أجرة له)؛ لأنه متبرع، نعم تجب في قن ومحجور سفه؛ لأنهما ليسا من أهل التبرع ومثلهما بالأولى غير مكلف، (وقيل له، وقيل إن كان معروفا بذلك العمل) بالأجرة (فله) الأجرة المعتادة بمثل ذلك العمل (وإلا فلا وقد يستحسن) ترجيحه؛ لوضوح مدركه، أما إذا ذكر أجرة فيستحقها قطعا إن صح العقد وإلا فأجرة المثل. وأما إذا عرَّض بها كأرضيك أو لا أخيبك أو ترى ما يسرك أو أطعمك فتجب أجرة المثل، نعم في الأخيرة يحسب على الأجير ما أطعمه إياه؛ لأنه لا تبرع من المطعم، وقد تجب من غير تسميتها ولا تعريض بها كما في عامل الزكاة

(1)

؛ اكتفاء بثبوتها له بالنص فكأنها مسماة شرعا، وكعامل مساقاة عمل عملا غير لازم له بإذن المالك؛ اكتفاء بذكر المقابل له في الجملة. ولا يستثنى وجوبها على داخل حمام أو راكب سفينة مثلا بلا إذن؛ لاستيفائه المنفعة من غير أن يصرفها صاحبها إليه بخلافه بإذنه.

(1)

. بخلاف قاسم بأمر الحاكم فهو كغيره لاشيء له.

ص: 436

وَلَوْ تَعَدَّى المُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا ضَمِنَ الْعَيْنَ، وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِئَةِ رِطْلٍ حِنْطَةً فَحَمَلَ مِائَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ أَوْ لِعَشْرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ حِنْطَةً دُونَ عَكْسِهِ. وَلَوِ اكْتَرَى لِحَمْلِ لِمِائَةٍ فَحَمَلَ مِائَةً وَعَشَرَةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ ضَمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ

(ولو تعدى المستأجر

(1)

في ذات العين المؤجرة (بأن) أي كأن (ضرب الدابة أو كبحها) أي جذبها بلجامها (فوق العادة) فيهما أي بالنسبة لمثل تلك الدابة (أو أركبها أثقل منه أو أسكن حدادا أو قصارا) بشرط حصول الدق، وكون الحدادة أو القصارة أشدّ ضررا مما استأجر له (ضمن العين) المؤجرة أي دخلت في ضمانه؛ لتعديه، أما ما هو العادة فلا يضمن به، ومتى أركب من هو أثقل منه استقر الضمان على الثاني إن علم وإلا فالأول، ومحله إن كانت يد الثاني لا تقضي ضمانا كيد المستأجر فإن اقتضته كالمستعير فالقرار عليه

(2)

. وخرج بذات العين منفعتها كأن استأجر لبر فزرع ذرة فلا يضمن الأرض؛ لأنه لم يتعد إلا في منفعتها بل تلزمه أجرة مثل الذرة، ولو ارتدف ثالث وراء مكتريين بغير إذنهما ضمن الثلث (وكذا) يضمن وإن تلفت بسبب آخر (لو اكترى لحمل مائة رطل حنطة فحمل مائة شعيرا أو عكس)؛ لأنها لثقلها تجمع بمحل واحد وهو لخفته يأخذ من ظهر الدابة أكثر فاختلف ضررهما، وكذا كل مختلفي الضرر كحديد وقطن (أو) اكترى (لعشرة أقفزة) والقفيز اثني عشر صاعاً (شعير فحمل) عشرة أقفزة (حنطة)؛ لأنها أثقل (دون عكسه) فلا يضمن؛ لاتحاد جرمهما باتحاد كيلهما مع أن الشعير أخف (ولو اكترى لحمل مائة فحمَّل مائة وعشرة لزمه) مع المسمى (أجرة المثل للزيادة)؛ لتعديه بها، ومثل لها بالعشرة ليفيد اغتفار نحو الاثنين مما يقع التفاوت به بين الكيلين (وإن تلفت بذلك) المحمول أو بسبب آخر (ضمنها) ضمان يد (إن لم يكن صاحبها معها)؛ لأنه صار غاصبا لها بحمل الزيادة (فإن كان) صاحبها معها وتلفت بسبب الحمل دون غيره؛ لأن اليد هنا للمالك فكان الضمان للجناية فقط (ضمن قسط الزيادة)؛

(1)

. ومن التعدي أن يأوي مواشيه أرضا استأجرها للزراعة بخلاف مواشي نحو الحرث لتوقف الزراعة عليها فكانت كالمأذون فيها أفاده الشارح في كتاب قطع السرقة 9/ 142.

(2)

. كما في النهاية.

ص: 437

وَفِي قَوْلٍ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ المِائَةَ وَالْعَشَرَةَ إلَى المُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا جَاهِلًا ضَمِنَ المُكْتَرِي عَلَى المَذْهَبِ وَلَوْ وَزَنَ المُؤَجِّرُ وَحَمَّلَ فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا ضمَانَ إنْ تَلِفَتْ. وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ أَمَرْتنِي بِقَطْعِهِ قَبَاءً فَقَالَ بَلْ قَمِيصًا فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ المَالِكِ بِيَمِينِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ

لاختصاص يده بها، ومن ثم لو سخره مع دابته فتلفت

(1)

لم يضمنها المسخر؛ لتلفها في يد صاحبها (وفي قول) يضمن (نصف القيمة. ولو سلم المائة والعشرة إلى المؤجر فحمَّلها جاهلا) بالزيادة كأن قال له هي مائة فصدقه (ضمن المكتري) القسط نظير ما مر وأجرة الزيادة (على المذهب)؛ إذ المكري لجهله صار كالآلة له، أما العالم فكما في قوله:(ولو) وضع المكتري ذلك بظهرها فسيرها المؤجر، أو (وزن المؤجر وحمّل فلا أجرة للزيادة) وإن غلط وعلم بها المستأجر؛ لأنه لم يأذن في حملها، بل له مطالبة المؤجر بردها لمحلها وليس له ردها بدون إذن وإذا تلفت ضمنها، ولو وزن المؤجر أو كال وحمل المستأجر فكما لو كال بنفسه إن علم وكذا إن جهل (ولا ضمان) على المستأجر (إن تلفت) الدابة؛ إذ لا يد ولا تعدي بنقل، ولو قال له المستأجر احمل هذا الزائد فكمستعير فيضمن القسط من الدابة إن تلفت بغير المحمول دون منفعتها. (ولو أعطاه ثوبا ليخيطه) بعد قطعه (فخاطه قباء وقال أمرتني بقطعه قباء فقال بل قميصا فالأظهر تصديق المالك بيمينه)؛ لأنه المصدق في أصل الإذن فكذا في صفته (ولا أجرة عليه) بعد حلفه؛ لأنها إنما تجب بالإذن وقد ثبت عدمه بيمينه (وعلى الخياط أرش) وهو ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا

(2)

(النقص)؛ لما ثبت من انتفاء الإذن والأصل الضمان، ويؤخذ من قولهم -لو استؤجر لنسخ كتاب فغير ترتيب أبوابه فإن أمكن البناء على بعض المكتوب كأن كتب الباب الأول منفصلا بحيث يبني عليه استحق بقسطه من الأجرة وإلا فلا شيء له

(3)

- أن من استؤجر لتضريب

(4)

ثوب بخيوط معدودة وتقسيم البعد بين

(1)

. قيد التلف في شرح الروض بما إذا كان قبل استعمالها.

(2)

. خلافا لهم من كونه مابين قيمته مقطوعاً قميصاً ومقطوعاً قباءً.

(3)

. وذكر الشارح قبيل التولية أن من استؤجر للنسخ فغلط بما لا يؤلف من أكثر نظرائه فلا أجرة له ويغرم أرش الورق.

(4)

. الضريبة الصوف ينفش ثم يدرج ويشد بخيط ثم يغزل، تاج العروس.

ص: 438

فصل

لَا تَنْفَسِخُ إِجَارَةٌ بِعُذْرٍ كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ وَسَفَْرٍ وَمَرَضِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ، وَلَوِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلْزِرَاعَةٍ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ المُعَيَّنَيْنِ فِي المُسْتَقْبَلِ

الخيوط قسمة متساوية فخاطه بأنقص أو أوسع في القسمة لم يستحق شيئا لمخالفته المشروط إلا إن تمكن من إتمامه كما شرط وأتمه فيستحق الكل أو من البناء على بعضه فيستحق أجرة ذلك البعض.

(فصل) فيما يقتضي انفساخ الإجارة والتخير في فسخها وعدمهما وما يتبع ذلك

(لا تنفسخ إجارة) عينية أو في الذمة بنفسها ولا بفسخ أحد العاقدين (بعذر) لا يوجب خللا في المعقود عليه

(1)

(كتعذر وَقود حمام) على مستأجره، ومثله ما لو عدم دخول الناس له لفتنة أو خراب ما حوله كما لو خرب ما حول الدار أو الدكان (و) تعذر (سفَْر) -بفتح الفاء- بالدابة المستأجرة لطرو خوف مثلا، وبسكونها جمع مسافر أي رفقة يخرج معهم (و) نحو (مرض مستأجر دابة لسفر) ومؤجرها الذي يلزمه الخروج معها؛ إذ لا خلل في المعقود عليه والاستنابة ممكنة، نعم

(2)

التعذر الشرعي يوجب الانفساخ كأن استأجره لقلع سن مؤلم فزال ألمه، وكذا الحسي إن تعلق بمصلحة عامة كأن استأجر الإمام ذميا لجهاد فصالح قبل المسير. أما إذا أوجب العذر خللا في المعقود عليه فإن كان في إجارة العين فإن أزال منفعته بالكلية انفسخت، وإن عيَّبه بحيث أثر في منفعته تأثيرا يظهر به تفاوت الأجرة تخير المكتري. (ولو استأجر أرضا للزراعة فزرع فهلك الزرع بجائحة) كسيل أو جراد (فليس له الفسخ ولا حط شيء من الأجرة)؛ إذ لا خلل في منفعة الأرض كما لو احترق بزُّ مستأجرِ دكان (وتنفسخ) الإجارة بتلف مستوفىً منه عُيِّن في عقدها شرعا -كمسلمة استؤجرت عينها مدة لخدمة مسجد فحاضت فيها- أو حسا كالموت فتنفسخ (بموت) نحو (الدابة والأجير

(3)

المعينين) ولو بفعل المستأجر؛ لفوات المنفعة المعقود عليها قبل قبضها (في) الزمان (المستقبل) ومنافعه معدومة لا يتصور ورود الإتلاف عليها

(1)

. وقد تنفسخ بذلك كما لو استأجر مرضعة وعُينت دار للرضاع فانهدم الدار ولم يتراضيا بمحل غيرها وذلك؛ لأن حفظ الأبدان مختلف باختلاف الدور كما ذكره الشارح في السلم 5/ 10.

(2)

. وافقه المغني وخالفه النهاية.

(3)

. وأشار الشارح في السير أن الإجارة تنفسخ بحيض طاهر استؤجرت لخدمة مسجد 9/ 240.

ص: 439

لَا المَاضِي فِي الْأَظْهَرِ، فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ المُسَمَّى، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ، وَلَوْ أَجَّرَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، أَوِ الْوَلِيُّ صَبِيًّا مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا فِي الْوَقْفِ

(لا) في الزمن (الماضي) بعد القبض الذي لمثله أجرة فلا تنفسخ (في الأظهر)؛ لاستقراره بالقبض، ومن ثم لم يثبت فيه خيار (فيستقر قسطه من المسمى) بالنظر لأجرة المثل بأن تقوَّم منفعة المدة الماضية والباقية ويوزع المسمى على نسبة قيمتهما حالة العقد دون ما بعده، فإذا كانت مدة الإجارة سنة ومضى نصفها وأجرة مثله مثلا أجرة النصف الباقي وجب من المسمى ثلثاه وإن كان بالعكس وجب الثلث. وخرج بالمستوفى منه المستوفى به وغيره مما مر فلا انفساخ بتلفه على ما مر فيه

(1)

. (ولا تنفسخ) الإجارة بنوعيها (بموت العاقدين

(2)

أو أحدهما للزومها كالبيع فتترك العين بعد موت المؤجر عند المستأجر أو وارثه ليستوفي منها المنفعة، وما التزمه في الذمة دين عليه، فإن كان في التركة وفاء استؤجر منها وإلا تخير الوارث فإن وفى استحق الأجرة وإلا فللمستأجر الفسخ (و) لا تنفسخ أيضا بموت (متولي الوقف

(3)

أي ناظره؛ لأنه بمنزلة ولي المحجور، بل لو كان الناظر هو المستحق وآجر بدون أجرة المثل لم تنفسخ بموته أثناء المدة

(4)

. ولا يجوز للناظر إذا آجر سنين أن يدفع جميع أجرتها للبطن الأول مثلا بل يعطيهم بقدر ما مضى وإلا ضمن الزائد

(5)

(ولو آجر البطن الأول) مثلا أو بعضهم الوقف وقد شرط له النظر لا مطلقا بل مقيدا بنصيبه أو بمدة استحقاقه (مدة) لمستحق أو غيره (ومات قبل تمامها أو) آجر (الولي صبيا) أو ماله (مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ) رشيدا (بالاحتلام) أو غيره (فالأصح انفساخها في الوقف)؛ لأنه لما تقيد

(1)

. من أنه إذا عيَّن كل من المستوفى به أو فيه بعد العقد ثم تلف وجب إبداله وإن لم يتلف جاز إبداله برضا المكتري، وإن عين في العقد ثم تلف انفسخ العقد.

(2)

. نعم من استأجر محلا بأجرة مؤجلة ومات قبل حلولها وقبل استيفاء المنفعة حلت بالموت قاله الشارح في كتاب التفليس 5/ 121.

(3)

. وعلى مرضي النهاية إن قبض الأجرة وتصرف فيها للمستحقين لم يرجع على تركته بشيء، وإن كان تصرف فيها لنفسه رجع على تركته بقسط ما بقي وصرف لأرباب الوقف خلافا لمرضي الشارح والمغني.

(4)

. خلافا لهما.

(5)

. وفاقا للمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية.

ص: 440

لَا الصَّبِيِّ. وَأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ. لَا انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ، بَلْ يَثْبُتُ الخِيَارُ،

نظره من جهة الواقف بمدة استحقاقه لم يكن له ولاية على المنافع المنتقلة لغيره. وخرج بما ذكرناه موقوف عليه لم يشرط له نظر عام ولا خاص فلا يصح إيجاره. ولو آجره الناظر ولو حاكما للبطن الثاني فمات البطن الأول لم تنفسخ

(1)

(لا) في (الصبي) فلا تنفسخ؛ لبناء الولي تصرفه على المصلحة مع عدم تقييد نظره، وإفاقة مجنون ورشد سفيه كبلوغ الصبي بالإنزال. أما إذا بلغ بالاحتلام سفيها فلا تنفسخ قطعا، وأما إذا آجره مدة يبلغ فيها بالسن فتبطل في الزائد إن بلغ رشيدا. (و) الأصح (أنها تنفسخ بانهدام الدار) كلها ولو بفعل المستأجر؛ لزوال الاسم وفوات المنفعة قبل الاستيلاء عليها؛ إذ لا تحصل إلا شيئا فشيئا، وإنما حكمنا فيها بالقبض؛ ليتمكن المستأجر من التصرف فتنفسخ بالكلية إن وقع ذلك قبل القبض أو بعده وقبل مضي مدة لها أجرة، وإلا ففي الباقي منها دون الماضي فيأتي فيه ما مر من التوزيع، أما انهدام بعضها فيتخير به المستأجر ما لم يبادر المؤجر ويصلحها قبل مضي زمن لا أجرة له. وتعطل الرحا بانقطاع مائها والحمام لنحو خلل أبنيتها أو نقص ماء بئرها مع تعذر سوق الماء من محل آخر يفسخها (لا انقطاع ماء أرض استؤجرت لزراعة) فلا تنفسخ به؛ لبقاء اسم الأرض مع إمكان سقيها بماء آخر، ومن ثم لو غرقت هي أو بعضها بماء لم يتوقع انحساره مدة الإجارة أو أوان الزرع انفسخت في الكل في الأولى وفي البعض في الثانية ويتخير حينئذ على التراخي

(2)

، فإن لم يمكن سقيها بماء أصلا انفسخت (بل يثبت) به (الخيار)؛ للعيب ما لم يبادر المؤجر قبل مضي ما مر ويسوق إليها ما يكفيها ولا يكفي وعده بذلك، والخيار هنا على التراخي، ومما يتخير به أيضا ما لو استأجر محلا لدوابه فوقفه المؤجر مسجدا فيمتنع عليه تنجيسه وكل مقذر له من حينئذ ويتخير فإن اختار البقاء انتفع به إلى مضي المدة أي إن كانت المنفعة المستأجر لها تجوز فيه وإلا كاستئجاره لوضع نجس به تعين إبداله بمثله من الطاهر وامتنع على الواقف وغيره الصلاة ونحوها فيه بغير إذن المستأجر وحينئذ يقال لنا مسجد منفعته مملوكة ويمتنع نحو صلاة واعتكاف به من غير إذن مالك منفعته.

(1)

. خلافا لشرح المنهج والمغني.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 441

وَغَصْبُ الدَّابَّةِ وَإِبَاقُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الخِيَارَ. وَلَوْ أَكْرَى جِمَالًا وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ المُكْتَرِي رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا مِنْ مَالِ الجَمَّالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَثِقَ بِالمُكْتَرِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا جَعَلَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا قَدْرَ النَّفَقَةِ،

(وغصب) غير المؤجر لنحو (الدابة وإباق العبد) في إجارة عين قدرت بمدة من غير تفريط من المستأجر، سواء كان الغصب على المالك أو المستأجر (يثبت الخيار) ما لم يبادر بالرد كما مر، وذلك؛ لتعذر الاستيفاء فإن فسخ فواضح وإن أجاز ولم يرد حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة فيستقر قسط ما استوفاه من المسمى، أما إجارة الذمة فيلزم المؤجر الإبدال فيها فإن امتنع استأجر الحاكم عليه، وإذا تلف المعين فيها انفسخ التعيين لا أصل العقد، نعم محل لزوم الإبدال وعدم الانفساخ في إجارة الذمة إذا لم يقدر بزمن وإلا انفسخت بمضيه، وأما إجارة عين قدرت بعمل فلا تنفسخ

(1)

بنحو غصبه بل يستوفيه متى قدر عليه كثمن حال أُخِّر قبضه، وأما وقوع ذلك بتفريط المستأجر فيسقط خياره ويلزمه المسمى، وأما غصب المؤجر لها بعد القبض أو قبله بأن امتنع من تسليمها فيفسخها كما يأتي (ولو أكرى جِمَالا) عينا أو ذمة (وهرب وتركها عند المكتري) فلا خيار؛ لإمكان الاستيفاء بما في قوله:(راجع) حيث لم يتبرع بمؤنتها (القاضي ليمونها) بإنفاقها وأجرة متعهدها كمتعهد أحمالها إن لزم المؤجر (من مال الجَمَّال فإن لم يجد له مالا) بأن لم يكن له غيرها وليس فيها زيادة على حاجة المستأجر -وإلا باع الزائد من غير اقتراض- (اقترض عليه) ; لأنه الممكن، وعليه

(2)

فيلزمه استئذان الحاكم إن أمن عليه منه وإعطاؤه له إن كان أمينا وقَبِلَه (فإن وثق) القاضي (بالمكتري دفعه) أي المقترض منه أو من غيره (إليه) ليصرفه فيما ذكر (وإلا) يثق به (جعله عند ثقة) يصرفه لذلك، والأولى له تقدير النفقة وإن كان القول قول المنفق بيمينه إن ادعى لائقا بالعرف (وله) أي القاضي عند تعذر الاقتراض ومنه أن يخشى أن لا يتوصل بعد إلى استيفائه وكذا إن لم يتعذر لكنه لم يره (أن يبيع منها) بنفسه أو وكيله غير المستأجر؛ لامتناع وكالته في حق نفسه (قدر النفقة) والمؤنة المذكورة؛ للضرورة، وبعد البيع تبقى في يد المستأجر إلى انقضاء المدة فالإجارة لم تنفسخ هنا، وعليه فلو لم يجد مشتريا لها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة كان للحاكم فسخها كما

(1)

. أي ولا خيار وفاقا لشرح البهجة وخلافا لظاهر كلامهما.

(2)

. خلافا للنهاية.

ص: 442

وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُكْتَرِي فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ. وَمَتَى قَبَضَ المُكْتَرِي الدَّابَّةَ وَ الدَّارَ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ،

لو هرب ولم يترك جمالا فإن للمستأجر فسخ العينية للضرورة، ومحل جواز بيع قدر النفقة دون الكل في الذميّة ما إذا لم ير الحاكم بيع الكل وإلا باع وانفسخت الإجارة وعليه فيفرق بينها وبين العينية بأن تعلق حق المستأجر بالعين فيها أقوى منه في الذمية كما علم مما مر فيهما، وعليه أيضا يظهر أنه لو رأى مشتريا لها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة لزمه أن يبيعه ما يحتاج لبيعه منها مقدما له على غيره; لأنه الأصلح. وخرج بمنها كلها فليس له بيعه ابتداء؛ خشية أن يأكل أثمانها، نعم يجوز للحاكم البيع في إجارة الذمة إذا رأى المصلحة فيه ويكتري للمستأجر ببعض الثمن (ولو أذن للمكتري في الإنفاق من ماله ليرجع جاز في الأظهر)؛ لأنه محل ضرورة وقد لا يرى الاقتراض، ويتحصل من كلامهم أنه إن وجد حاكم وأمكن إثبات الواقعة عنده فلم يقبل وانفق بغير إذنه لم يرجع، أما إن فقد الحاكم أو وجد ولم يمكن إثبات الواقعة عنده فحينئذ يشهد المكتري على أنه أنفق بشرط الرجوع لكي يرجع، فإن تعذر الإشهاد ونوى الرجوع رجع أيضا

(1)

. وخرج بتركها ما لو هرب بها ففي إجارة العين يتخير نظير ما مر في الإباق وكما لو شردت الدابة، وفي إجارة الذمة يكتري عليه الحاكم أو يقترض نظير ما مر، ولا يفوض ذلك للمستأجر؛ لامتناع توكله في حق نفسه، فإن تعذر الاكتراء فله الفسخ. (ومتى قبض المكتري) العين المؤجرة ولو الحر المؤجرة عينه، أو (الدابة والدار وأمسكها) زيادة إيضاح، وكقبضها امتناعه منه بعد عرضها عليه إلا فيما يتوقف قبضه على النقل فيقبضه الحاكم، فإن صمم المستأجر على الامتناع من قبضها حينئذ ردها لمالكها (حتى مضت مدة الإجارة استقرت الأجرة) عليه (وإن لم ينتفع) ولو لعذر كخوف أو مرض؛ لتلف المنافع تحت يده حقيقة أو حكما فاستقر عليه بدلها، ومتى خرج بها المستأجر مع الخوف ضمنها إلا إذا ذكر ذلك حالة العقد. وليس له فسخ ولا إلزام مكر أخذها إلى الأمن; لأنه يمكن للمكتري أن يسير عليها مثل تلك المسافة إلى بلد آخر. ومتى انتفع بعد المدة لزمه مع المسمى المستقر عليه أجرة مثل ذلك الانتفاع.

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا عدم الرجوع.

ص: 443

وَكَذَا لَوِ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ إذَا سَلَّمَ الدَّابَّةَ المَوْصُوفَةَ وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ المِثْلِ بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ المُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ. وَلَوْ أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتِ انْفَسَخَتْ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً وَأَجَّرَ لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ السَّيْرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ. وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ

(وكذا) تستقر الأجرة (لو اكترى دابة لركوب إلى موضع) معين (وقبضها) أو عرضت عليه

(1)

(ومضت مدة إمكان السير إليه)؛ لتمكنه من الاستيفاء، والفرق بين هذه والأولى أن هذه مقدرة بعمل بخلاف الأولى (وسواء فيه) أي التقدير بمدة أو عمل (إجارة العين والذمة إذا سلم) المؤجر في إجارة الذمة (الدابة) مثلا (الموصوفة) للمستأجر؛ لتعين حقه بالتسليم بخلاف ما إذا لم يسلمها فإنه لا يستقر عليه أجرة؛ لبقاء المعقود عليه في الذمة، وكالتسليم العرض كما مر. (ويستقر في الإجارة الفاسدة أجرة المثل) زادت على المسمى أو نقصت (بما يستقر به المسمى في الصحيحة) مما ذكر وإن لم ينتفع؛ لما مر أن لفاسد العقود حكم صحيحها ضمانا وعدمه غالبا، نعم تخلية العقار والوضع بين يديه والعرض عليه وإن امتنع لا يكفي هنا بل لا بد من القبض الحقيقي (ولو أكرى عينا مدة ولم يسلمها) أو غصبها أو حبسها أجنبي ولو كان حبسه لها لقبض الأجرة (حتى مضت) تلك المدة (انفسخت) الإجارة؛ لفوات المعقود عليه قبل قبضه، فإن حبسها بعض تلك المدة انفسخت فيه فقط ويخير في الباقي ولا يبدل زمان بزمان (ولو لم يقدر مدة و) إنما قدرت بعمل كأن (آجر) دابة (لركوب إلى موضع معين ولم يسلمها حتى مضت مدة) إمكان (السير) إليه (فالأصح أنها) أي الإجارة (لا تنفسخ) ولا يخير المكتري؛ لتعلقها بالمنفعة دون الزمان ولم يتعذر استيفاؤها، ولا فسخ ولا خيار بذلك في إجارة الذمة قطعا; لأنه دين ناجز إيفاؤه تأخر (ولو آجر عبده ثم أعتقه) أو وقفه مثلا أو أمته ثم استولدها ثم مات (فالأصح أنها لا تنفسخ الإجارة)؛ لأن نحو العتق لم يصادف إلا رقبة مسلوبة المنافع. وخرج بثم أعتقه ما لو علق عتقه بصفة ثم آجره ثم وجدت

(1)

. لا يكفي عند النهاية مجرد العرض.

ص: 444

وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ المُسْتَأْجَرَةِ لَلْمُكْتَرِي، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ وَلَا تَنْفَسِخُ

الصفة أثناء مدة الإجارة فإنها تنفسخ؛ لسبق استحقاق العتق على الإجارة، ومثله ما لو آجر أم ولده ثم مات (و) الأصح (أنه) أي الشأن (لا خيار للعبد) في فسخ الإجارة بعد العتق (والأظهر أنه لا يرجع على سيده) أما على وراثه فقطعاً (بأجرة ما) أي المنافع التي تستوفى منه (بعد العتق) إلى انقضاء المدة؛ لتَصَرُّفه في منافعه حين كان يملكها بعقد لازم، ونفقته في بيت المال ثم على مياسير المسلمين. ولو أقر السيد بعتق قبل الإجارة غرم له بعد مضيها أجرة مثله؛ لتعديه بها، ولو فسخت الإجارة بعد العتق بعيب ملك منافع نفسه.

[تنبيه] لا تنفسخ الإجارة -ولو في الموقوف- بزيادة الأجرة ولا بظهور طالب بالزيادة؛ لجريانها بالغبطة في وقتها

(ويصح بيع) العين (المستأجرة) حال الإجارة (للمكتري) قطعا؛ إذ لا حائل كبيع مغصوب من غاصبه (ولا تنفسخ الإجارة في الأصح)؛ لأنها واردة على المنفعة والملك على الرقبة فلا تنافي، فلو رد المبيع بعيب استوفى بقية المدة أو فسح الإجارة بعيب أو تلفت المنفعة رجع بأجرة باقي المدة (فلو باعها لغيره) وقد قدرت بزمن (جاز في الأظهر) ولو بغير إذن المستأجر؛ لما تقرر من اختلاف الموردين، ويسلمها للمشتري لحظة لطيفة؛ ليستقر ملكه ثم ترجع للمستأجر، نعم لو كثرت أمتعة الدار ولم يمكن تفريغها

(1)

إلا في زمن يقابل بأجرة صح البيع وأخر التسليم للمشتري إلى انقضاء المدة، أما إذا قدّرت بعمل كركوب لبلد كذا فيمتنع البيع؛ لجهالة مدة السير

(2)

(ولا تنفسخ) الإجارة قطعا، فتبقى في يد المستأجر إلى انقضاء المدة، ويخير المشتري إن جهل ولو مدة الإجارة، فإن أجاز فلا أجرة له لبقية المدة، ولو علم المشتري الإجارة وظن أن له الأجرة تخير، ولو انفسخت الإجارة فمنفعته بقية المدة للبائع، ولو آجر داراً مدة ثم استأجرها تلك المدة ثم باعها انتقلت بجميع منافعها للمشتري. ولو آجر لغراس أو بناء ثم انقضت المدة فآجر لآخر قبل وقوع نظيرالتخيير السابق

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. نعم تقدم في البيع أن لا يصح بيع ثوب مستأجَر لصبغه أو قصارته فلا يجوز أن يتصرف فيه قبل العمل مطلقا أو بعده وقبل تسليم الأجرة 4/ 404.

ص: 445

نظيره في العارية لم يصح فيما يضر الانتفاع به الشجر أو البناء؛ لبقاء احترام مال المستأجر الأول، ويصح في غير المضر إن خصه بالعقد وكذا إن لم يخصه وأمكن التوزيع على المضر وغيره ولو آجر أرضه بأجرة مؤجلة ثم توفي المستأجر قبل أوان الزرع فاستولى آخر وزع عدوانا فتحل الإجارة بموته ولا تنفسخ الإجارة، ومحله إن لم يضع المتعدي يده إلى نهاية المدة وإلا ارتفع الحلول الذي بسببه موت المستأجر -بخلاف الحلول الذي سببه مضي المدة قبل موته فلا يرتفع-، فإذا مضت المدة ويد المتعدي قائمة بعدُ انفسخت الإجارة في الجميع وارتفع الحلول ويلزم المؤجر رد ما أخذه من تركة الميت على ورثته. ولو آجر بأجرة مقسطة فكتب الشهود الأجرة إجمالا ثم تقسيطها بما لا يطابق الإجمال فإن لم يمكن الجمع تحالفا; لأن تعارض ذينك أوجب سقوطهما، وإن أمكن كأن قالوا أربع سنين بأربعة آلاف كل شهر مائتا درهم وعشرة دراهم حمل على تقسيط المبلغ على أول المدة إلى أن ينفذ المبلغ وما زاد على ذلك لا تتعلق به الإجارة، وعليه فيفضل بعد تسعة عشر شهرا عشرة دراهم تقسط على ما يخصها من الشهر وهو يوم من أول الشهر العشرين وثلاثة أسباع يوم; لأن حصة كل يوم سبعة، ومر أوائل البيع قبل قبضه أن للمستأجر حبس ما استؤجر عليه للعمل فيه ثُمّ لاستيفاء أجرته، ومحله -كما يعلم مما مر في تعدد الصفقة- ما إذا لم يتعدد هنا وإلا كاستأجرتك لكتابة كذا كل كراس بكذا فليس له حبس كراس على أجرة آخر; لأن الكراريس حينئذ بمنزلة أعيان مختلفة

(1)

.

(1)

. ذكر الشارح في الفلس أن الإجارة التي يستحق فيها أجره كل شهر عند انقضائه لا فسخ فيها؛ لامتناعه قبل انقضائه؛ لعدم المطالبة بالأجرة، وبعده؛ لفوات المنفعة المعقود عليها كتلف المبيع وهكذا كل شهر فلا يتصور فسخ، إلا إن كانت الأجرة حالة أي أو بعضها حال؛ إذ لمن أجر شيئا بأجرة بعضها مؤجل وبعضها حال فسخ في الحال بالقسط 5/ 146.

ص: 446

‌كتاب إحياء الموات

الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ قَطُّ إنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ; فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ. وَلَيْسَ هُوَ لِذِمِّيٍّ. وَإِنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْكُفَّارِ فَلَهُمْ إحْيَاؤُهَا، وَكَذَا المُسْلِمُ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَذُبُّونَ المُسْلِمِينَ عَنْهَا. وَمَا كَانَ مَعْمُورًا فَلِمَالِكِهِ. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَالْعِمَارَةُ إسْلَامِيَّةٌ فَمَالٌ ضَائِعٌ

(كتاب إحياء الموات)

هو (الأرض التي لم تعمر قط) أي لم تتيقن عمارتها في الإسلام من مسلم أو ذمي وليست من حقوق عامر ولا من حقوق المسلمين. وأصله الخبر الصحيح ((من عَمَرَ أرضا ليست لأحد فهو أحق بها))، والتملك بالإحياء سنة؛ لما ورد أن له أجرا. ثم تلك الأرض (إن كانت ببلاد الإسلام فللمسلم) ولو غير مكلف كمجنون فيما لا يشترط فيه القصد مما يأتي (تملكها بالإحياء) ويسن استئذان الإمام (وليس هو لذمي) وإن أذن الإمام؛ لخبر ((عادي الأرض لله ورسوله ثم هي لكم مني))، وإنما جاز لكافر معصوم نحو احتطاب واصطياد بدارنا؛ لغلبة المسامحة بذلك. (وإن كانت ببلاد كفار) أهل ذمة (فلهم) ولو غير مكلفين (إحياؤها)؛ لأنه من حقوق دارهم (وكذا المسلم) له ذلك (إن كانت مما لا يذُِبون) أي يدفعون (المسلمين عنه) كموات دارنا بخلاف ما يذبون عنه وقد صولحوا على أن الأرض لهم فليس له إحياؤه. أما ما بدار الحرب فيملك بمجرد

(1)

الاستيلاء عليه بقصد تملكه ولا يشترط إحياء (وما) عرف أنه (كان معمورا) في الماضي وإن كان الآن خرابا (فلمالكه) إن عرف ولو ذميا إلا إن أعرض عنه الكفار قبل القدرة على الاستيلاء فإنه يملك بالإحياء (فإن لم يعرف) مالكه دارا كان أو قرية بدارنا (والعمارة إسلامية) يقينا (فمال ضائع) أمره للإمام في حفظه أو بيعه وحفظ ثمنه أو استقراض ذلك الثمن على بيت المال إلى ظهور مالكه إن رجي وإلا كان ملكا لبيت المال فله إقطاعه.

(1)

. خلافا لهم.

ص: 449

وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةً فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمُ مَعْمُورٍ، وَهُوَ مَا تَمَسُّ الحَاجَةُ إلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ، فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ النَّادِي، وَمُرْتَكَضُ الخَيْلِ، وَمُنَاخُ الْإِبِلِ، وَمَطْرَحُ الرَّمَادِ وَنَحْوُهَا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ فِي المَوَاتِ مَوْقِفُ النَّازِحِ، وَالحَوْضُ، وَالدُّولَابُ، وَمُجْتَمَعُ المَاءِ، وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ،

[تنبيه] للإمام إقطاع أرض بيت المال إذا رأى فيه مصلحة، ولا يملكه أحد إلا بإقطاعه، ثم إن أقطع رقبتها ملكها المقطع أو منفعتها استحق الانتفاع بها مدة الإقطاع خاصة (وإن كانت) العمارة (جاهلية) وجهل دخولها في أيدينا أو شك في كونها جاهلية فكالموات

(1)

، وحينئذ (فالأظهر أنه) أي المعمور (يملك بالإحياء) كالركاز؛ لأنه لا حرمة لملك الجاهلية، نعم إن كان بدارهم وذبونا عنه وقد صولحوا على أنه لهم لم يملك بالإحياء (ولا يملك بالإحياء حريم معمور)؛ لأنه ملك لمالك المعمور، نعم لا يباع وحده كشرب الأرض وحده (وهو) أي الحريم (ما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع) بالمعمور وإن حصل أصل الانتفاع بدونه (فحريم القرية) المحياة (النادي) وهو ما يجتمعون فيه للتحدث (ومرتَكض) أي مكان سوق نحو (الخيل) إن كانوا خيالة

(2)

(ومُناخ الإبل) إن كانوا أهل إبل (ومطرح الرماد) والقمامات (ونحوها) كمراح الغنم وملعب الصبيان ومسيل الماء وطرق القرية؛ لاطراد العرف بذلك والعمل به خلفا عن سلف، ومنه مرعى البهائم إن قرب منها عرفا واستقل، وكذا إن بعد ومست حاجتهم له ولو في بعض السنة ومثله في ذلك المحتطب. وليس لأهل القرية منع المارة من رعي مواشيهم في مراتعها المباحة (وحريم) النهر كالنيل ما تمس حاجة الناس إليه لتمام الانتفاع بالنهر وما يحتاج لإلقاء ما يخرج منه فيه لو أريد حفره أو تنظيفه فلا يحل البناء فيه ولو لمسجد ويهدم ما بني فيه، ولا يغير هذا الحكم وإن تباعد عنه الماء بحيث لم يصر من حريمه؛ لاحتمال عوده إليه. وحريم (البئر) المحفورة (في الموات) للتملك ما لو حُفِر فيه لنقص ماؤها أو خيف الانهيار، و (موقف النازح) للدلاء منها بيده إن قصدت لذلك، أما قدر موقف النازح من بقية الجوانب فالعبرة فيه بالعرف (والحوض) يعني مصب الماء (والدُّولاب) وهو ما يستقي به النازح وما تستقى به الدابة (ومجتمع الماء) لسقي الماشية أو الزرع (ومتردد الدابة) -إن كان

(1)

. خلافا للرملي ووالده.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 450

وَحَرِيمُ الدَّارِ فِي المَوَاتِ مَطْرَحُ رَمَادٍ وَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ، وَمَمَرٌّ فِي صَوْبِ الْبَابِ، وَحَرِيمُ بِئْرِ الْقَنَاةِ مَا لَوْ حُفِرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ الِانْهِيَارُ. وَالدَّارُ المَحْفُوفَةُ بِدُورٍ لَا حَرِيمَ لَهَا، وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارَهُ المَحْفُوفَةَ بِمَسَاكِنَ حَمَّامًا وَإِصْطَبْلًا، وَحَانُوتَهُ فِي الْبَزَّازِينَ حَانُوتَ حَدَّادٍ إذَا احْتَاطَ وَأَحْكَمَ الجُدْرَانَ

الاستقاء بها- وملقى ما يخرج من نحو حوض البئر؛ لتوقف الانتفاع بالبئر على ذلك. ولا حد لشيء مما ذكر ويأتي بل المدار في قدره على ما تمس الحاجة إليه إن امتد الموات إليه وإلا فإلى انتهاء الموات إن كان وإلا فلا حريم، وخرج بالبئر المحفورة في الموات التي في الملك فلا حريم لها

(1)

(وحريم الدار) المبنية (في الموات) فناؤها وهو ما حوالي جدرها ومصب ميازيبها -نعم مصب ماء الغسالة لا يعتبر- و (مطرح الرماد وكناسة وثلج) في بلده (وممر في صوب الباب) أي جهته لكن لا إلى امتداد الموات؛ إذ لغيره إحياء ما قبالته إذا أبقى له ممرا وإن احتاج لانعطاف وازورار

(2)

(وحريم بِئْر القناة) المحياة لا للاستقاء منها (ما لو حفر فيه نَقَص ماؤها أو خيف الانهيار) -أي السقوط- ويختلف باختلاف لين الأرض وصلابتها، نعم يجوز له البناء في حريمها؛ لأنه لا ينافي حفظها، ولا يمنع من حفر بئر بملكه ينقص ماء بئر جاره؛ لتصرفه في ملكه بخلاف حفر بئر في حريم بئر جاره فإنه ابتداء تملك. (والدار المحفوفة بدور) أو شارع بأن أُحيي الكل معا أي أو جهل (لا حريم لها)؛ إذ لا مرجح لها على غيرها، نعم لها فقط ما يتحفظ به عن يقين الضرر (ويتصرف كل واحد) من الملاك (في ملكه على العادة) وإن أضر جاره كأن سقط بسبب حفره المعتاد جدار جاره أو تغير بحشه بئره; لأن المنع من ذلك ضرر لا جابر له (فإن تعدى) في تصرفه بملكه العادة (ضمن) ما تولد منه قطعا أو ظنا قويا كأن شهد به خبيران؛ لتقصيره (والأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما وإصطبلا) وطاحونا وفرنا ومدبغة (وحانوته في البزازين حانوت حدادٍ) وقصارٍ (إذا احتاط وأحكم الجدران) إحكاما يليق بما يقصده بحيث يندر تولد خلل منه في أبنية الجار; لأن في منعه إضرارا به. وأفهم المتن أنه يمنع مما الغالب فيه الإخلال بنحو حائط الجار كدق عنيف

(1)

. قال المغني المعتبر فيها العرف.

(2)

. تقدم تفسيرها.

ص: 451

وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَوَاتِ الحَرَمِ، دُونَ عَرَفَاتٍ فِي الْأَصَحِّ قُلْتُ: وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى كَعَرَفَةَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَخْتَلِفُ الْإِحْيَاءُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ فَإِنْ أَرَادَ مَسْكَنًا اشْتُرِطَ تَحْوِيطُ الْبُقْعَةِ وَسَقْفَ بَعْضِهَا وَتَعْلِيقُ بَابٍ، وَفِي الْبَابِ وَجْهٌ، أَوْ زَرِيبَةَ دَوَابَّ فَتَحْوِيطٌ لَا سَقْفٌ، وَفِي الْبَابِ الخِلَافُ فِي الْمَسْكَنِ

يزعجها وحبس ماء بملكه تسري نداوته إليها، والحاصل منع ما يضر الملك -أي ضررا غير معتاد- دون المالك. ولو اهتز الجدار بدقه وانكسر ما علق فيه ضمنه

(1)

إن سقط حالة الضرب أو عقبه بحيث ينسب إليه عادة وإلا فلا.

[تنبيه] يستثنى من قولهم لا يمنع مما يضر المالك ما لو تولد من الرائحة مبيح تيمم كمرض فحينئذ إن غلب تولده وإيذاؤه المذكور منع منه وإلا فلا

. (ويجوز) قطعا (إحياء موات الحرم) بما يفيد ملكه كما يملك عامره بالبيع وغيره، بل يسن وإن قلنا بكراهة بيع عامره (دون عرفات) -وإن لم يكن من الحرم- إجماعا، فلا يجوز إحياؤها ولا تملك به (في الأصح)؛ لتعلق حق النسك بها وإن اتسعت ولم تضق به (قلت: ومزدلفة) وإن قلنا المبيت بها سنة (ومنى) ونمرة والمحصب

(2)

(كعرفة والله أعلم)؛ لذلك (ويختلف الإحياء بحسب الغرض) المقصود منه، وضابطه أن يهيأ كل شيء لما يقصد منه غالبا (فإن أراد مسكنا) أو مسجدا (اشترط) لحصوله (تحويط البقعة) ولو بقصب أو جريد أو سعف اعتيد، ويختلف باختلاف البلاد، ويرجع للعادة

(3)

في بناء نحو الأحجار أو التحويط المجرد عن البناء، فإن اعتيد البناء بنحو الأحجار اشترط، أو التحويط المجرد عن البناء فلا. ولو اعتاد نازلو الصحراء تنظيف الموضع عن نحو شوك وحجر وتسويته لضرب خيمة وبناء معلف ومخبز ففعلوا ذلك بقصد التملك ملكوا البقعة وإن ارتحلوا عنها، أو بقصد الارتفاق فهم أولى بها إلى الرحلة (وسقف بعضها وتعليق باب) أي نصبه (وفي) تعليق (الباب وجه) أنه لا يشترط وكذا فيما قبله; لأن فقدهما لا يمنع السكنى. والأوجه في مصلى العيد أنه لا يشترط تسقيف بعضه كما هو العادة فيه (أو زريبة دواب) أو نحو ثمر أو حطب (فتحويط) بما اعتيد بحيث يمنع الطارق (لا سقف) كما هو العادة (وفي) تعليق (الباب الخلاف) السابق (في المسكن)

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. وفاقا للنهاية واعتمد المغني اشتراط البناء.

ص: 452

أَوْ مَزْرَعَةً فَجَمْعُ التُّرَابِ حَوْلَهَا، وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَتَرْتِيبُ مَاءٍ لَهَا إنْ لَمْ يَكْفِهَا المَطَرُ المُعْتَادُ، لَا الزِّرَاعَةُ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ بُسْتَانًا فَجَمْعُ التُّرَابِ، وَالتَّحْوِيطُ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ، وَيُشْتَرَطُ الْغَرْسُ عَلَى المَذْهَبِ. وَمَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إحْيَاءٍ وَلَمْ يُتِمَّهُ أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرَزَ خَشَبًا فَمُتَحَجِّرٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لَكِنِ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ

والأصح اشتراطه (أو مزرَعة فجمع) نحو (التراب) أو الشوك (حولها) كجدار الدار (وتسوية الأرض) بطم المنخفض وكسح العالي وحرثها إن توقف زرعها عليه مع سوق ماء توقف الحرث عليه (وترتيب ماء لها) بشق ساقية مثلا وإن لم يحفر طريقه إليها (إن لم يكفها المطر المعتاد)؛ لتوقف مقصودها عليه بخلاف ما إذا كفاها، نعم أراضي الجبال التي لا يمكن سوق ماء إليها ولا يكفيها المطر تكفي الحراثة وجمع التراب في حصول الإحياء والتملك، (لا الزراعة) فلا يشترط في إحيائها (في الأصح) كما لا يشترط سكنى الدار; لأن استيفاء المنفعة خارج عن الإحياء (أو بستانا فجمع التراب) حولها إن اعتادوا الاكتفاء به عن التحويط بغيره (و) إلا اشترط (التحويط) ولو بنحو قصب اعتيد; لأنه (حيث جرت العادة به) لا يتم الإحياء بدونه (وتهيئة ماء) له إن لم يكفه مطر كالمزرعة (ويشترط) نصب باب له و (الغرس) ولو لبعضه بحيث يسمى معه بستانا (على المذهب)؛ إذ لا يتم اسمه بدونه بخلاف المزرعة بدون الزرع ولا يشترط أن يثمر.

[تنبيه] ما لا يفعل عادة إلا للتملك كبناء دار لا يشترط فيه قصده وما يفعل له ولغيره كحفر بئر يتوقف ملكه على قصد تملكه

. (ومن شرع في عمل إحياء ولم يتمه) كحفر الأساس (أو أعلم على بقعة بنصب أحجار أو غرز خشبا) أو جمع ترابا أو خط خطوطا (فمتحجر) عليه أي مانع لغيره منه بما فعله بشرط كونه بقدر كفايته وقادرا على عمارته حالا (و) حينئذ (هو أحق به) من غيره اختصاصا لا ملكا، والمراد ثبوت أصل الحقية له؛ إذ لا حق لغيره فيه؛ لخبر أبي داود ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به))، فظهر أنه لا يبطل حقه بنحو غرقه وتعذر الانتفاع به فيعود بعود الانتفاع به، أما ما زاد على كفايته فلا حق له فيه بخلاف ما عداه وإن كان شائعا فيبقى تحجره فيه، وأما ما لا يقدر عليه حالا بل مآلا فلا حق له فيه (لكن الأصح أنه لا يصح) هبته أو (بيعه)؛ لما تقرر أنه غير مالك له وحق التملك لا يباع كحق الشفعة (و) الأصح (أنه لو أحياه آخر ملكه) وإن أثم; لأنه حقق الملك كشراء ما سامه

ص: 453

وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ أَحْييِ أَوِ اتْرُكْ، فَإِنِ اسْتَمْهَلَ أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً. وَلَوْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا صَارَ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ كَالمُتَحَجِّرِ. وَلَا يُقْطِعُ إلَّا قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ، وَقَدْرًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَكَذَا المتَحَجِّرُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ بُقْعَةَ مَوَاتٍ لِرَعْيِ نَعَمِ جِزْيَةٍ وَصَدَقَةٍ وَضَالَّةٍ وَضَعِيفٍ عَنِ النُّجْعَةِ،

غيره، هذا إن لم يُعْرِض وإلا ملكه المحيي قطعا. ويحرم عليه نحو نقل آلات المتحجر مطلقا (ولو طالت مدة التحجر) عرفا بلا عذر ولم يحي (قال له السلطان) أو نائبه وجوبا (أحيي أو اترك) ذلك برفع يدك عنه؛ لتضييقه على الناس في حق مشترك بينهم، بل للآحاد أمره بذلك؛ لحرمة التضييق (فإن استمهل) وأبدى عذرا (أمهل مدة قريبة) في رأي الإمام رفقا به، فإن مضت ولم يفعل شيئا بطل حقه

(1)

، أما إذا لم يذكر عذرا أو علم منه الإعراض فله أن ينزعها منه حالا ولا يمهله. (ولو أقطعه الإمام مواتا) لتمليك رقبته ملكه بمجرد إقطاعه له أو ليحييه وهو يقدر عليه (صار أحق بإحيائه) بمجرد الإقطاع أي مستحقا له دون غيره وصار (كالمتحجر) في أحكامه السابقة وذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((أقطع الزبير رضي الله عنه أرضا من أموال بني النضير)). أما إقطاع المندرس فإن كان

(2)

ملكا لمرجو لم يجز للإمام إقطاعه أو لغير مرجو فهو ملك لبيت المال فيجوز له (ولا يقطع) الإمام أي لا يجوز له أن يقطع (إلا قادرا على الإحياء) حسا وشرعا دون ذمي بدارنا (وقدرا يقدر عليه) أي على إحيائه; لأنه اللائق بفعله المنوط بالمصلحة (وكذا التحجر) لا ينبغي أن يقع من مريده إلا فيما يقدر على إحيائه وإلا جاز لغيره إحياء الزائد بل يحرم تحجر الزائد على ما يقدر عليه; لأن فيه منعا لمريدي الإحياء من غير حاجة له فيه، ولو قال المتحجر لغيره آثرتك به أو أقمتك مقامي صار الثاني أحق به وهو حينئذ إيثار (والأظهر أن للإمام) ونائبه ولو والي ناحية (أن يَحمي بقعة موات) بأن يمنع من عدا من يريد الحمى له من رعيها (لرعي) خيل جهاد، و (نعم جزية) وفيء (وصدقة و) نعم (ضالة و) نعم إنسان (ضعيف عن النُّجعة) وهو الإبعاد في الذهاب لطلب الرعي; لأنه صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين، ويشترط أن يكفي المسلمين ما بقي وإن احتاجوا للتباعد للرعي. ويحرم ولو على الإمام بلا خلاف أخذ عوض ممن يرعى في حمى أو موات.

(1)

. قضية هذا انه لا يبطل حقه بطول المدة بلا مهلة وفاقا للنهاية وخلافا للمغني وشرح الروض.

(2)

. اعتمد المغني أنه كالموات مطلقا.

ص: 454

وَأَنَّ لَهُ نَقْضَ حِمَاهُ لِلْحَاجَةِ. وَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ.

فصل

مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ المُرُورُ، وَيَجُوزُ الجُلُوسُ بِهِ لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى المَارَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ

(و) الأظهر (أن له نقض حماه) وحمى غيره إذا كان النقض (للحاجة) بأن ظهرت المصلحة فيه بعد ظهورها في الحمى؛ رعاية للمصلحة، نعم حماه صلى الله عليه وسلم نص فلا ينقض ولا يغير بحال بخلاف حمى غيره ولو الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. (ولا يحمي) الإمام ونائبه (لنفسه) قطعا؛ لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وإن لم يقع منه، وليس للإمام أن يدخل مواشيه ما حماه للمسلمين; لأنه قوي لا ضعيف، ولو رعى الحمى غير أهله فلا غرم عليه ولا تعزير. وليس للإمام أن يحمي الماء العِدَّ أي الذي له مادة لا تنقطع كماء عين أو بئر لنحو نعم الجزية.

(فصل) في بيان حكم منفعة الشارع

(1)

وغيرها من المنافع المشتركة

(منفعة الشارع) الأصلية (المرور) فيه؛ لأنه وضع له (ويجوز الجلوس) والوقوف (به) ولو لذمي (لاستراحة ومعاملة ونحوهما) كانتظار (إذا لم يضيق

(2)

على المارة

(3)

؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن نحو الحديث فيه إلا أن يعطيه حقه من غض بصرٍ وكف أذىً وأمر بمعروف، (ولا يشترط) في جواز الانتفاع به ولو لذمي (إذن الإمام)؛ لإطباق الناس عليه بدون إذنه من غير نكير.

(1)

. قال الشارح في فصل التزاحم على الحقوق أن الشارع يصير شارعا باتفاق المحيين عليه أولا وباتخاذ المارة موضعا من الموات جادة للاستطراق وبأن يقفه مالكه لذلك لكن لابد هنا من اللفظ 5/ 198.

(2)

. ذكر الشارح في موجبات الدية أنه يجب إقامة من ضيَّق على الناس بنومه أو قعوده أو وقوفه 9/ 17.

(3)

. قضية كلام الشارح في موجبات الديات عدم جواز حفر بئر في شارع ضيق أو واسع لمصلحة نفسه بغير إذن الأمام وأن المسجد في ذلك كالشارع وذكر أن مثل الإمام القاضي فله الأذن في بناء مسجد واتخاذ سقاية بالطريق وإن محل ذلك إن لم يخص الإمام بالنظر في الطريق لغيره 9/ 7 - 10.

ص: 455

وَلَهُ تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ بِبَارِيَّةٍ وَغَيْرِهَا. وَلَوْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ أُقْرِعَ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ بِرَأْيِهِ. وَلَوْ جَلَسَ لِلْمُعَامَلَةِ ثُمَّ فَارَقَهُ تَارِكًا لِلْحِرْفَةِ أَوْ مُنْتَقِلًا إلَى غَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ إلَّا أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ غَيْرَهُ. وَمَنْ أَلِفَ مِنَ المَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ وَيُقْرِئُ كَالجَالِسِ فِي شَارِعٍ لِمُعَامَلَةٍ، ..

ولا يجوز لأحد أخذ عوض ممن يجلس به مطلقا

(1)

، وكالشارع فيما ذكر الرحاب الواسعة بين الدور فإنها من المرافق العامة وقد أجمعوا على منع إقطاع المرافق العامة إقطاع التمليك، أما إقطاع الارتفاق فيجوز بالشارع أي بما لا يضر منه بوجه فيصير كالمتحجر وكالشارع حريم مسجد لم يضر الارتفاق به أهله بخلاف رحبته; لأنها منه، (وله تظليل مقعده) فيه (بباريِّة) هي منسوج بقصب كالحصير (وغيرها) مما لا ضرر فيه عرفا على المارة كثوب؛ لاعتياده دون نحو بناء، ويتجه جواز وضع سرير لم يضيق به (ولو سبق إليه) أي موضع من الشارع (اثنان) وتنازعا ولم يسعهما معا (أقرع) بينهما وجوبا؛ إذ لا مرجح، ومن ثم لو كان أحدهما مسلما قدم; لأن انتفاع الذمي بدارنا إنما هو بطريق التبع لنا، وإن ترتبا قدم السابق (وقيل يُقدِّم الإمام) أحدهما (برأيه) أي اجتهاده كمال بيت المال (ولو جلس) في الشارع لنحو استراحة بطل حقه بمجرد مفارقته وإن نوى العود أو (لمعاملة) أو صناعة بمحل وإن ألفه (ثم فارقه تاركا الحرفة أو منتقلا إلى غيره بطل حقه) منه ولو مقطعا إقطاع منفعة؛ لإعراضه عنه، أما المقطع أقطاع رقبة فلا يبطل حقه بالإعراض؛ لأنه ملكه بالقبول أو عدم الرد (وإن فارقه) -أي محل جلوسه الذي ألفه- ولو بلا عذر (ليعود) إليه، وأُلحق به ما لو فارقه بلا قصد عود ولا عدمه (لم يبطل) حقه؛ لخبر مسلم ((إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به))، ويجري هذا في السوق الذي يقام في كل شهر مرة مثلا، ولغيره الجلوس في مقعده مدة غيبته ولو لمعاملة (إلا أن تطول مفارقته) ولو لعذر وإن ترك فيه متاعه (بحيث ينقطع معاملوه عنه ويألفون غيره) هو لازم لما قبله فيبطل حقه حينئذ ولو مُقطعا (ومن ألف من المسجد موضعا يفتي فيه) أ (ويقرئ) فيه قرآنا أو علما شرعيا أو آلة له (كالجالس في شارع لمعاملة) ففيه ما مر في التفصيل

(1)

. نعم تقدم في الغصب أن الشوارع لو شغلها شخص وقت احتجاج الناس إليها بما لا يحتاج إليه ألبته حتى ضيق على الناس وأضرهم لزمته أجرة، وإلا فلا، وكالمسجد عرفة ونحوها وأرض وقفت لمصلحة الموتى 6/ 30.

ص: 456

وَقِيلَ يَبْطُلُ حَقُّهُ، وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ اخْتِصَاصُهُ، فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إزَارَهُ،

الأن له غرضا في ملازمة ذلك الموضع؛ ليألفه الناس، (وقيل يبطل حقه) بقيامه. وأفهم المتن أنه لا يشترط إذن الإمام، ومحله إن لم يعتد وإلا اشترط

(1)

. وجلوس الطالب بمحل بين يدي المدرس كذلك إن أفاد أو استفاد فيختص به وإلا فلا (ولو جلس فيه) جلوسا جائزا لا كخلف المقام

(2)

المانع للطائفين من فضيلة سنة الطواف ثَمّ فإنه حرام كبسط السجادة فيه وإن لم يجلس ويعزر فاعل ذلك مع العلم بمنعه؛ لأن الشارع عينه من حيث الأفضلية لهذه الصلاة ووقوف إمام الجماعة فيه فلم يجز لأحد تفويته بجلوس بل ولا صلاة لم يعينه الشارع لهما، والكلام في جلوس لغير دعاء عقب سنة الطواف; لأنه من توابعها (لصلاة) ولو قبل دخول وقتها، وظاهرٌ أن مثلها كل عبادة قاصر نفعها عليه كقراءة أو ذكر صار أحق به فيها ولو صبيا في الصف الأول، و (لم يصر أحق به في) صلاة (غيرها) ; لأن لزوم بقعة معينة للصلاة غير مطلوب، (فلو فارقه) ولو قبل دخول الوقت (لحاجة) كإجابة داع وتجديد وضوء (ليعود) أوْ لا بقصد شيء (لم يبطل اختصاصه في تلك الصلاة في الأصح) فيحرم على غيره العالم به الجلوس فيه بغير إذنه أو ظن رضاه (وإن لم يترك إزاره) فيه؛ لخبر مسلم السابق آنفا، نعم إن أقيمت الصلاة واتصلت الصفوف سَدَّ الصَّفُ مكانه أي وإن كان له سجادة فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الأرض؛ لئلا تدخل في ضمانه كما يُفْهِمه بالأولى قول البغوي أنه لو وضع رجليه على شيء مطروح متحاملا ضمنه؛ لقوة استيلائه عليه حينئذ، أما إذا فارقه لا لعذر أو به لا ليعود فيبطل حقه مطلقا. وخرج بالصلاة جلوسه لاعتكاف فإن لم ينو مدة بطل حقه بخروجه ولو لحاجة وإلا لم يبطل حقه بخروجه أثناءها لحاجة.

[فائدة] يمنع تعليم الصبيان في المسجد

; لأن الغالب إضرارهم به، ومحله في غير كاملي التمييز إذا صانهم المعلم عما لا يليق بالمسجد. ويمنع جالس به اتخذه لنحو بيع أو حرفة، ويمنع من أراد استطراق حلقة علم.

(1)

. خلافا لهما ووفاقا لشرح الروض.

(2)

. والمراد به ما يصدق عليه ذلك عرفا.

ص: 457

وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ أَوْ فَقِيهٌ إلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ صُوفِيٌّ إلَى خَانِقَاهٍ لَمْ يُزْعَجْ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ

(ولو سبق رجل إلى موضع من رباط) وهو ما يُبنى لنحو سكنى المحتاجين فيه، واشتهر عرفا في الزاوية وأنها قد ترادف المسجد وقد ترادف المدرسة وقد ترادف الرباط فيعمل فيها بعرف محلها المطرد وإلا بعرف أقرب محل إليه (مسبل) وفيه شرط من يدخله وكذا الباقي (أو فقيه إلى مدرسة) أو متعلم قرآن إلى ما بني له (أو صوفي إلى خانقاه) وهي ديار الصوفية (لم يزعج ولم يبطل حقه بخروجه لشراء حاجة ونحوه) من الأعذار وإن لم يترك متاعا ولا نائبا؛ لعموم خبر مسلم. أما خروجه لغير عذر فيبطل به حقّه كما لو كان لعذر وطالت غيبته عرفا، ولغيره الجلوس محله حتى يحضر، ويؤخذ مما مر أن أيام العطلة المعودة الآن في المدارس تمنع الاستحقاق إلا إن شرطها الواقف أو عهدت في زمن الواقف حالة الوقت وعلم بها

(1)

.

[تنبيه] محل ما في المتن من أحقِّية السبق إن استأذن الناظر أو لم يكن ثمة ناظر وإلا فلا حقّ له

؛ عملا بالعرف في ذلك، ولذا لو كان العرف لا يعتبره لم يعتبر. ومتى عين الواقف مدة لم يزد عليها إلا إذا لم يوجد في البلد من هو بصفته; لأن العرف يشهد بأن الواقف لم يرد شغور مدرسته وكذا كل شرط شهد العرف بتخصيصه، وعند الإطلاق ينظر إلى الغرض المبني له ويعمل بالمعتاد المطرد في مثله حالة الوقف; لأن العادة المطردة في زمن الواقف إذا علم بها تنزل منزلة شرطه، فيزعج متفقه ترك التعلم وصوفي ترك التعبد ولا يزاد في رباطِ مارّةٍ على ثلاثة أيام إلا إن عرض نحو خوف أو ثلج فيقيم لانقضائه، ولغير أهل المدرسة ما اعتيد فيها من نحو نوم بها وشرب وطهر من مائها ما لم ينقص الماء عن حاجة أهلها.

(1)

. وإلا بعادة محل الموقوف عليهم ذكره الشيخ ابن حجر في الوقف 6/ 272.

ص: 458

فصل

المَعْدِنُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ مَا خَرَجَ بِلَا عِلَاجٍ كَنِفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَمُومْيَاءَ وَبِرَامٍ وَأَحْجَارِ رَحًى لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ بِتَحَجُّرٍ وَلَا إقْطَاعٍ، فَإِنْ ضَاقَ نَيْلُهُ قُدِّمَ السَّابِقُ إلَيْهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ

(فصل) في بيان حكم الأعيان المشتركة

(المعدن الظاهر وهو ما يخرج) جوهره (بلا علاج) في بروزه وإنما العلاج في تحصيله (كنِفط) هو دهن معروف (وكِبريت) وأصله عين تجري فإذا جمد ماؤها صار كبريتا (وقار) أي زفت

(1)

(ومُومياء) وهو شيء يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد ويصير كالقار (وبِرام) وهو حجر يعمل منه قدور الطبخ (وأحجار رحا) وجص ونورة ومدر ونحو ياقوت وكحل وملح مائي وجبلي لم يحوج إلى حفر وتعب (لا يملك) بقعة ونيلا (بالإحياء) لمن علمه قبل إحيائه (ولا يثبت فيه اختصاصٌ بتحجر ولا إقطاعٌ) من سلطان بل هو مشترك بين المسلمين وغيرهم كالماء والكلأ؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((أقطع رجلا ملح مأرب -أي مدينة قرب صنعاء كانت بها بلقيس- فقال رجل: يا رسول الله إنه كالماء العِد لا انقطاع لمنبعه، قال: فلا إذن))، ويمتنع أيضا إقطاع وتحجر أرض لأخذ نحو حطبها أو صيدها وبركة لأخذ سمكها

(2)

. وإذا قصد أرضا لا مالك لها بالإحياء وملكها دخل ما فيها من الشجر والكلاء تبعاً أما إن قصد أخذ الأشجار فقط دون إحياء الأرض فيمتنع على الإمام إقطاعها بل تبقى مشتركة بين الناس. و إذا لم يعلم بالمعدن إلا بعد الإحياء فيملكه بقعة ونيلا، وأما ما فيه علاج كأن كان بقرب الساحل بقعة لو حفرت وسيق الماء إليها ظهر الملح فيملك بالإحياء وللإمام إقطاعها (فإن ضاق نيله) أي الحاصل منه عن اثنين تسابقا إليه، ومثله في هذا الباطن الآتي (قُدَّم السابق) منهما إليه؛ لسبقه، وإنما يقدر (بقدر حاجته) عرفا

(1)

. وهو شيء أسود يطلى به السفن يمنع الماء أن يدخل، وكذا الإبل عند الجرب، الصحاح.

(2)

. وذكر في كتاب الصيام أن كثيرا من البلاد التي على حافة النهر يحفرون حفرا لصيد السمك فتمتلئ ماء ثم يسدون عليه فإذا أخذ السمك منه فتحوا السد، وأن تلك الأنهار لا تخلوا من شبهة لاختلاط ماؤهم المملوك بغيره 3/ 241.

ص: 459

فَإِنْ طَلَبَ زِيَادَةً فَالْأَصَحُّ إزْعَاجُهُ، فَلَوْ جَاءَا مَعًا أُقْرِعَ فِي الْأَصَحِّ، وَالمَعْدِنُ الْبَاطِنُ وَهُوَ مَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِعِلَاجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ لَا يُمْلَكُ بِالحَفْرِ وَالْعَمَلِ فِي الْأَظْهَرِ، وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ مَلَكَهُ، وَالمِيَاهُ المُبَاحَةُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ فِي الجِبَالِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا،

فيأخذ ما تقتضيه عادة أمثاله، ويبطل حقه بانصرافه وإن لم يأخذ شيئا (فإن طلب زيادة) على حاجته (فالأصح إزعاجه)؛ لشدة الحاجة إلى المعادن، ومحل الخلاف إن لم يضر الغير وإلا أزعج جزما (فلو جاءا) إليه (معا) أو جهل السابق (أقرع) بينهما وإن كان أحدهما غنيا (في الأصح)؛ إذ لا مرجح، وإن وسعهما اجتمعا، وليس لأحدهما أن يأخذ أكثر من الآخر في البقعة إلا برضاه بخلاف النَّيْل فله أخذ أكثر منه (والمعدن الباطن وهو ما لا يخرج إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد ونحاس) وفيروزج وياقوت وسائر الجواهر المبثوثة في الأرض (لا يملك) محله (بالحفر والعمل) مطلقا ولا بالإحياء في موات على ما يأتي (في الأظهر) كالظاهر، وفارق الموات بأن إحياءها متوقف على العمار وهي مناسبة لها وإحياؤه متوقف على تخريبه بالحفر وهو غير مناسب له، ومن ثم لو استقل بإحياء محل المعدن فقط دون انظمام شيء من أطرافه لم يملك البقعة ولا النَّيْل قبل أخذه. وخرج بمحله نيله فيُمْلك بغير إذن الإمام بالأخذ قطعا لا قبل الأخذ. ويجوز في المعدن الباطن إقطاع الإرفاق لا إقطاع تمليك، نعم لا يثبت فيه اختصاص بتحجر كالظاهر (ومَن أحيا مواتا فظهر فيه معدن باطن ملكه) بقعة ونيلا; لأنه من أجزاء الأرض التي ملكها بالإحياء -بخلاف الركاز

(1)

- بل ويملك ما كان في البقعة من النَّيْل قبل أخذه بالفعل. وخرج بقوله فظهر -المشعر بأنه لم يعلمه حال الإحياء- ما لو علمه وبنى عليه دارا مثلا فيملكه دون بقعته

(2)

; لأن المعدن لا يتخذ دارا ولا مزرعة فالقصد فاسد، ومع ملكه

(3)

له لا يجوز له بيعه; لأن مقصوده النيل وهو مجهول (والمياه المباحة) بأن لم تملك (من الأودية) كالنيل (والعيون في الجبال) ونحوها من الموات وسيول الأمطار (يستوي الناس فيها)؛ لخبر أبي داود ((الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار))، فلا يجوز لأحد تحجرها ولا

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه لا يملك شيئا من البقعة والنيل.

(3)

. أي في صورتي الجهل والعلم على مختار الشارح وفي صورة الجهل فقط على مختار غيره.

ص: 460

فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضِيهِمْ مِنْهَا فَضَاقَ سُقِيَ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ المَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ. وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا المَاءِ فِي إنَاءٍ مُلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لِلِارْتِفَاقِ أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْتَحِلَ

للإمام إقطاعها إجماعا، وعند الازدحام وقد ضاق الماء أو مشرعه يقدم السابق وإلا أقرع، وعطشان على غيره، وطالب شرب على طالب سقي. وليس من المباحة ما جهل أصله وهو تحت يد واحد أو جماعة; لأن اليد دليل الملك، ومحله إن كان منبعه من مملوك لهم بخلاف ما منبعه بموات أو يخرج من نهر عام كدجلة فإنه باق على إباحته، ويعمل فيما جهل قدره ووقته وكيفيته في المشارب والمساقي وغيرها بالعادة المطردة; لأنها محكمة في هذا وأمثاله (فإن أراد قوم سقي أرَضيهم) من ماء مباح (فضاق سقى الأعلى) مرة أو أكثر; لأن الماء ما لم يجاوز أرضه فهو أحق به ما دامت له به حاجة (فالأعلى) أي الأقرب للنهر فالأقرب وإن هلك زرع الأسفل قبل انتهاء النوبة إليه، أما إذا اتسع فيسقي كل متى شاء. هذا كله إن أحيوا معا أو جهل الحال، أما لو كان الأسفل أسبق إحياء فهو المقدم -بل له منع من أراد إحياء أقرب منه إلى النهر؛ لئلا يستدل بقربه بعدُ على أنه مقدم عليه- ثم من وليه في الإحياء وهكذا ولا عبرة حينئذ بالقرب من النهر، ولو استوت أرضون في القرب للنهر وجهل المحيي أوَّلا أقرع للتقدم، ولهم منع من أراد إحياء موات وسقيه منه إن ضيَّق عليهم كما يأتي (وحبس كل واحد الماء حتى يبلغ الكعبين

(1)

؛ لما صح من قضائه صلى الله عليه وسلم بذلك، والمراد جانب الكعب الأسفل (فإن كان في الأرض) الواحدة (ارتفاع) من طرف (وانخفاض) من طرف (أفرد كل طرف بسقي)؛ لئلا يزيد الماء في المنخفضة على الكعبين لو سقيا معا فيسقي أحدهما حتى يبلغهما ثم يسد عنها ويرسله إلى الآخر. (وما أخذ من هذا الماء) المباح (في إناء مُلِك) -ومع ذلك لا يصير شريكا بإعادته إليه- (على الصحيح) وكأخذه في إناء سوقه لنحو بركة أو حوض له مسدود وكذا دخوله في كيزان دولابه. وخرج بذلك دخوله في ملكه بنحو سيل وإن حفر نهرا حتى دخل فإنه لا يملكه بدخوله لكنه يكون أحق به، نعم إن أقفل عليه مَلَكَهُ (وحافر بئر بموات للارتفاق) لنفسه لشربه وشرب دوابه منه لا للتملك (أولى بمائها) الذي يحتاجه ولو لزرعه (حتى يرتحل)؛ لسبقه إليه فإن ارتحل

(1)

. ورجح المغني الرجوع للعادة والحاجة.

ص: 461

وَالمَحْفُورَةُ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكٍ يُمْلَكُ مَاؤُهَا فِي الْأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ أَمْ لَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ، وَيَجِبُ لِمَاشِيَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْقَنَاةُ المُشْتَرَكَةُ يُقْسَمُ مَاؤُهَا بِنَصْبِ خَشَبَةٍ فِي عَرْضِ النَّهَرِ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الحِصَصِ،

بطلت أحقيته ما لم يرتحل لحاجة بنية العود ولم تطل غيبته، وأما إذا حفرها لارتفاق المارة أو لا بقصد نفسه ولا المارة فهو كأحدهم فيشترك الناس فيها وإن لم يتلفظ بوقفها، وليس له سدها وإن حفرها لنفسه لتعلق حق الناس بها (والمحفورة) في الموات (للتملك أو) المحفورة بل والنابعة بلا حفر (في ملك يملك) حافرها ومالك محلها (ماؤها في الأصح) ; لأنه نماء ملكه (وسواء ملكه أم لا لا يلزمه بذل ما فضل عن حاجته) ولو لزرعه (لزرع) وشجر لغيره (ويجب) بلا عوض بذل ما كان فاضلا عن حاجته الناجزة، نعم محل التقييد بالناجزة إن كان ما يستخلف منه يكفيه لما يطرأ، ومحل وجوب البذل أيضا ما لم يأخذه ما لم في نحو إناء، فإن أخذه في إناء لم يجب البذل ولو بعوض؛ لأن الفرض أن لا ضرورة حينئذٍ (لماشية) إذا كان بقربه كلأ مباح ولم يجد صاحبها ماء آخر مباحا (على الصحيح) بأن يُمكّنه من سقيها منه حيث لم يضر زرعه ولا ماشيته، فإن اضر بذلك تمكينُهُ من سقيها مكَّنه من أخذ مائها أو سوقه إليها حيث لا ضرر على صاحب البئر؛ لحرمة الروح، ومحل الخلاف إن لم يوجد اضطرار وإلا وجب بذله لذي روح محترمة كآدمي وإن احتاجه لماشيته، وماشية وإن احتاجه لزرع. وجوّز ابن عبد السلام الشرب وسقي الدواب من نحو جدول مملوك لم يضر بمالكه؛ إقامة للإذن العرفي مقام اللفظي (والقناة المشتركة) بين جماعة لا يقدم فيها أعلى على أسفل ولا عكسه، بل (يقسم ماؤها) المملوك الجاري من نهر أو بئر قهرا عليهم إن تنازعوا وضاق لكن على وجهٍ لا يتقدم به شريك على شريك، وإنما يحصل ذلك (بنصب خشبة) مثلا مستو أعلاها وأسفلها بمحل مستو، وأُلحق بالخشبة ونحوها بناء جدار به ثقب محكمة بالجص (في عرض النهر) أي فم المجرى (فيها ثُقب متساوية أو متفاوتة على قدر الحصص) من القناة; لأنه طريق إلى استيفاء كلٍّ حقه، وعند تساوي الثقب وتفاوت الحقوق أو عكسه يأخذ كل بقدر حصته فإن جهل قدر الحصص قسم على قدر الأراضي; لأن الظاهر أن الشركة بحسب الملك. هذا إن اتفقوا على ملك كل منهم وإلا رجح بالقرينة والعادة المطردة في ذلك كما مر، و كل أرض أمكن سقيها من هذا النهر إذا رأينا لها ساقية منه ولم نجد لها شربا من موضع آخر حكمنا عند

ص: 462

وَلَهُمُ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً

التنازع بأن لها شربا منه. وأفهم كلامهما أن ما عُدَّ لإجراء الماء فيه عند وجوده إلى أرض مملوكة دال على أن اليد فيه لصاحب الأرض التي يمكن سقيها منها سواء اتسع المجرى وقلَّت الأرض أو عكسه وسواء المرتفع والمنخفض. وليس لأحدهم أن يسقي بمائه أرضا له أخرى لا شرب لها منه سواء أحياها أم لا; لأنه يجعل لها رسم شرب لم يكن، ولو أراد إحياء موات وسقيه من هذا النهر فإن ضاق على السابقين منع؛ لأنهم استحقوا أراضيهم بمرافقها والماء من أعظم مرافقها وإلا منع من الإحياء والسقي. ولو زاد نصيب أحدهم من الماء على ري أرضه لم يلزمه بذله لشركائه بل له التصرف فيه كيف شاء (ولهم) أي الشركاء (القسمة مهايأة) مياومة مثلا كأن يسقي كل منهم يوما كسائر الأملاك المشتركة، ولهم الرجوع عن ذلك. وتتعين المهايأة إذا تعذر ما مر لبعد أرض بعضهم من المقسم، وتتعين نحو الخشبة إذا كانت القناة تارة يكثر ماؤها وتارة يقل فتمتنع المهايأة حينئذ. وليس لأحد الشركاء أن يحفر ساقية قبل المقسم; لأن حافة النهر مشتركة بينهم ولكل حرث أرضه وخفضها ورفعها وحينئذ يفرد كل أرضه بساقية يجري الماء فيها إليها ومؤنة ما يخص كلا عليه بخلاف عمارة النهر الأصلية فإنها على جميعهم بقدر الحصص، فإن عمرها بعضهم فزاد الماء لم يختص به; لأنه متبرع وإن كان إنما عمرها بعد امتناع الآخرين، ولصاحب السفل أن يحرث ويحفر في أرضه ما يدفع به ضررها من غير أن يضر العليا وليس للأعلى ذلك; لأنه به يأخذ أكثر من حقه، هذا إن كانا يشربان معا وإلا بأن كان شرب السفلى من ماء العليا فلا منع أي حيث لا ضرر، ومن ثم امتنع عليه أن يحدث في أرضه شجرا أو نحوه إن أضر بالسفلى؛ لحبسه الماء وأخذه منه فوق ما كان يعتاد قبل إحداث ما ذكر، ولصاحب السفلى إجراء الماء -المستحق لإجرائه- في العليا وإن أضر بنخلها أو زرعها ولا غرم عليه؛ لتقصير صاحبها بالزرع أو الغرس في المجرى المستحق للأسفل.

ص: 463

‌كتاب الوقف

شَرْطُ الْوَاقِفِ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ. وَالمَوْقُوفِ دَوَامُ الِانْتِفَاعِ بِهِ

(كتاب الوقف)

هو لغة: الحبس ويرادفه التسبيل والتحبيس، وشرعا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح. وأصله قوله صلى الله عليه وسلم ((إذا مات المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له))، وحمل العلماء الصدقة الجارية على الوقف دون نحو الوصية بالمنافع لندرتها.

وأركانه موقوف وموقوف عليه وصيغة وواقف، وبدأ به؛ لأنه الأصل فقال:

(شرط الواقف صحة عبارته) خرج الصبي والمجنون (وأهلية التبرع) في الحياة، فلا يصح من محجور عليه بسفه -وصحة نحو وصيته ولو بوقف داره؛ لارتفاع حجره بموته- ومكره ومكاتب ومفلس وولي. ويصح من مبعض

(1)

وكافر -ولو لمسجد وإن اعتقده غير قربة- وممن لم ير ولا يتخير إذا رأى ومن الأعمى.

(و) شرط (الموقوف) كونه عينا معينة مملوكة ملكا يقبل النقل

(2)

يحصل منها مع بقاء عينها فائدة أو منفعة تصح إجارتها، فلا يصح وقف المنفعة وإن ملكها مؤبدا بالوصية، والملتزم في الذمة، وأَحَد عبديه، وما لا يملك ككلب -نعم يصح وقف الإمام نحو أراضي بيت المال على جهة ومعين بشرط أن يظهر له في ذلك مصلحة ; لأن تصرفه فيه منوط بها كولي اليتيم، ومن ثم لو رأى تمليك ذلك لهم جاز- وأم ولد ومكاتب وحمل وحده وذي منفعة لا يستأجر لها كآلة اللهو وطعام، نعم يصح وقف فحل للضراب وإن لم تجز إجارته له؛ إذ يغتفر في القربة ما لا يغتفر في المعاوضة. و (دوام الانتفاع) المذكور (به) المقصود منه ولو بالقوة بأن يبقى مدة تقصد بالاستئجار غالبا، فدخل وقف عين الموصى بمنفعته مدة والمأجور وإن طالت مدتهما ونحو الجحش الصغير والدراهم لتصاغ حليا فإنه يصح وإن لم يكن له منفعة

(1)

بخلافه من مبعض ولذا مال الشارح في كتاب العارية أن أوقاف الأتراك لا تجب مراعاة شروطهم فيها لبقائها على ملك بيت المال .... الخ 5/ 412 - 413.

(2)

وتقدم أنه لا يصح وقف حريم البئر وممرها مسجدا كما ذكره الشارح في باب بالغسل 1/ 269.

ص: 467

لَا مَطْعُومٌ وَرَيْحَانٌ. وَيَصِحُّ وَقْفُ عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ وَمُشَاعٍ لَا عَبْدٍ وَثَوْبٍ فِي الذِّمَّةِ. وَلَا وَقْفُ حُرٍّ نَفْسَهُ. وَكَذَا مُسْتَوْلَدَةٌ وَكَلْبٌ مُعَلَّمٌ وَأَحَدُ عَبْدَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَقَفَ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ،

حالا كالمغصوب ولو من عاجز عن انتزاعه وكذا وقف المدبر والمعلق عتقه بصفة، ثم إن عتقا بالموت ووجود الصفة بطل الوقف، وخرج ما لا يقصد كنقد للتزين به أو الاتجار فيه وصرف ربحه للفقراء مثلا، وكذا الوصية به لذلك وما لا يفيد نفعا كزمن لا يرجى برؤه (لا مطعومٌ) أي وقفه؛ لأن نفعه في إهلاكه (وريحان)؛ لسرعة فساده، ومن ثم كان هذا في محصود دون مزروع فيصح وقفه للشم والتنزه؛ لأنه يبقى مدة (ويصح وقف) نحو مسك وعنبر للشم بخلاف عود البخور؛ لأنه لا ينتفع به إلا باستهلاكه فإن انتفع بدوام شمه فهو كالعنبر، و (عقار) إجماعا (ومنقول)؛ للخبر الصحيح فيه، نعم لا يصح

(1)

وقفه مسجدا؛ لأن شرطه الثبات (ومشاع) وإن جهل قدر حصته أو صفتها؛ لأن عمر وقف أرضا بخيبر وكانت مشاعة، ولا يسري للباقي وإن وقف مسجدا وحينئذٍ تجب قسمته. ومر في مبحث خيار الإجارة أنه يتصور لنا مسجد تملك منفعته ويمتنع نحو اعتكاف وصلاة فيه من غير إذن مالك المنفعة (لا) وقف (عبد وثوب في الذمة)؛ لأن حقيقته إزالة ملك عن عين، نعم يجوز التزامه فيها بالنذر (ولا وقف حر نفسه)؛ لأن رقبته غير مملوكة له (وكذا مستولدة)؛ لأنها لعدم قبولها للنقل كالحر، ومثلها المكاتب أي كتابة صحيحة بخلاف ذي الكتابة الفاسدة؛ لأن المغلب فيه التعليق، ومر في المعلق صحة وقفه (وكلب معلم)؛ لأنه لا يملك والتقييد بمعلم لأجل الخلاف (وأحد عبديه في الأصح) كالبيع. (ولو وقف بناء أو غراسا في أرض مستأجرة) إجارة صحيحة أو فاسدة

(2)

أو مستعارة مثلا (لهما فالأصح جوازه

(3)

)؛ لأنه مملوك ينتفع به مع بقاء عينه وإن كان معرضا للقلع باختيار مالك الأرض المؤجر أو المعير له؛ لأنه بعده وقف بحاله. والأرش اللازم للمالك باختياره قلعه يصرف في نقله لأرض أخرى إن

(1)

وفاقا للنهاية وخلافا لما أفتى به الرملي.

(2)

خالف شرح المنهج في الفاسدة وهو قضية كلام النهاية.

(3)

وذكر الشارح في الأصول والثمار أنه لو باع بناء في أرض موقوفة عليه أستحق المشتري الإبقاء بلا أجره 4/ 455.

ص: 468

فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمْعٍ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى جَنِينٍ،

أمكن، وإلا فحكم الوقف باقٍ فيُشترى بنقض الموقوف عقارٌ أو جزؤه كنظائره ويضم إليه أرشه في ذلك فإن صار غير منتفع به ملكه الموقوف عليه

(1)

. وخرج بنحو المستأجرة المغصوبة فلا يصح وقف ما فيها على قولٍ الأرجحُ خلافه

(2)

، نعم يحرم وقف بيوت منى؛ لأنه لا يتصور بقاؤها

(3)

. ويصح أن يشترط الواقف أن تدفع أجرة الأرض المستأجرة للبناء والغراس من نفس ريع الموقوف إذا رضي المؤجر ببقائهما بها؛ لأن فيه عودا على الوقف بالبقاء المقصود للشارع (فإن وقف) على جهة فسيأتي أو (على معين) واحد أو (جمع اشترط) عدم المعصية وتعيينه، و (إمكان تمليكه) من الواقف حال الوقف بأن يوجد خارجا متأهلا للملك

(4)

؛

لأن الوقف تمليك المنفعة (فلا يصح) الوقف على معدوم كعلى مسجد سيبنى أو على ولده ولا ولد له أو على فقراء أولاده ولا فقير فيهم أو على أن يطعم المساكين ريعه على رأس قبره أو قبر أبيه وإن علم، بخلاف ما لو وقف على من يقرأ على قبره بعد موته فمات ولم يعرف له قبر و الفرق أن القراءة على القبر مقصودة شرعا فصحت بشرط معرفته ولا كذلك الإطعام عليه على أنه يأتي تفصيل في مسألة القراءة على القبر

(5)

، فإن كان له ولد أو فيهم فقير صح وصرف للحادث وجوده في الأولى أو فقره في الثانية؛ لصحته على المعدوم تبعا كوقفته على ولدي ثم على ولد ولدي ولا ولد ولد له، وكعلى مسجد كذا وكل مسجد سيبنى من تلك المحلة، ولا (على) أحد هذين، ولا على عمارة المسجد إذا لم يبينه بخلاف داري على من أراد سكناها من المسلمين، ولا على ميت

(6)

، ولا على (جنين)؛ لأن الوقف

(1)

خلافا لهما والخلاف من حيث النقل عن السبكي والإسنوي.

(2)

خلافا لهم كالشهاب الرملي وعد البعض أن هذه من المسائل الضعيفة في التحفة.

(3)

قال الشارح في باب الغسل لا عبرة في منى ومزدلفة وعرفة بغير مسجدي الخيف ونمرة أي الأصل منهما لاما زيد فيهما 1/ 269.

(4)

نعم الجهة لا يشترط فيها تحقق الوجود بل الشرط إمكانه كما نص عليه الشارح في اللقيط 6/ 347 ..

(5)

حاصله أنه لو قال وقفت على من يقرأ على قبري أو قبر أبي وأبوه حي كان منقطع الأول بخلاف الآن أو بعد موتي على من يقرأ علي بعد موتي فإنه وصيه فإن خرج من الثلث أو أجيز وعرف قبره صح وإلا فلا.

(6)

نعم يؤخذ من كلام المغني جواز الوقف على نحو ولي ميت اطرد العرف بالوقف عليه بقصد الصرف في مصالح ضريحه بل ذكر الشارح في الوصية صحة الوقف لضريح الشيخ الفلاني وأنه =صرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرؤن عليه، أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه فهي باطله 7/ 13.

ص: 469

وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ. وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى بَهِيمَةٍ لَغَا، وَقِيلَ هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا. وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ لَا مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ

تسليط في الحال بخلاف الوصية. ولا يدخل أيضا في الوقف على أولاده بل يوقف فإن انفصل حيا ولم يسم الموجودين ولا ذكر عددهم دخل تبعا، ولا يستحق الجنين إلا من غلةِ ما بعد انفصاله

(1)

(ولا على العبد) ولو مدبرا وأم ولد (لنفسه)؛ لأنه ليس أهلا للملك، نعم إن وُقف العبدُ على جهة قربة كخدمة مسجد أو رباط صح الوقف عليه؛ لأن القصد تلك الجهة، ويصح على الجزء الحر من المبعض حتى لو وقف بعضه القن على بعضه الحر صح كالوصية له به، ويؤخذ من العلة أن الأوجه صحته على المكاتب كتابة صحيحة؛ لأنه يملك، ثم إن لم يقيد بالكتابة صرف له بعد العتق أيضا وإلا انقطع به. هذا كله إن لم يعجز وإلا بان بطلانه؛ لأنه منقطع الأول فيرجع عليه بما أخذه من غلته (فإن أطلق الوقف عليه) فإن كان له لم يصح؛ لأنه يقع للواقف، وإن كان لغيره

(2)

(فهو وقف على سيده) كما لو وهب منه أو أوصى له به، والذي يقبل هنا العبد فيصح قبوله وإن نهاه سيده، ولا يصح القبول من السيد إن امتنع العبد من القبول (ولو أطلق الوقف على بهيمة) مملوكة (لغا)؛ لاستحالة ملكها، (وقيل هو موقوف على مالكها) كالعبد، والفرق أن العبد قابل لأن يملك بخلافها. وخرج بـ ((أطلق)) الوقف على علفها أو عليها بقصد مالكها، وبالمملوكة المسبلة في ثغر أو نحوه فيصح بخلاف غير المسبلة ونحو الوحوش والطيور المباحة؛ لأن هذه الجهة لا يقصد الوقف عليها عرفا، ومن ثم لَمَّا قصد حمام مكة بالوقف عليه عرفا كان المعتمد صحته عليه، أما المباحة المعينة فلا يصح عليها جزما (ويصح) الوقف ولو من مسلم (على ذمي) معين متحد أو متعدد كما يجوز التصدق عليه، نعم إن ظهر في تعيينه قصد معصية كالوقف على خادم كنيسة للتعبد لغا كالوقف على نحو حصرها، وكذا إن وقف عليه ما لا يملكه كقن مسلم ونحو مصحف.

ولو حارب ذمي صار الموقوف عليه كمنقطع الوسط أو الآخر، ويصح الوقف على الفاسق (لا مرتد وحربي)؛ لأن الوقف صدقة جارية ولا بقاء لهما، ويفرق بينهما وبين نحو الزاني المحصن

(1)

كما يأتي في الفصل الآتي.

(2)

عبارة المغني.

ص: 470

وَنَفْسِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ فَبَاطِلٌ،

- وإن كانا دونه في الإهدار؛ إذ لا تمكن عصمته بحال بخلافهما- بأن في الوقف عليهما منابذة لعز الإسلام؛ لتمام معاندتهما له من كل وجه بخلافه، ويلحق بالحربي معاهد ومستأمن

(1)

(ونفسه في الأصح)؛ لتعذر تمليك الإنسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه؛ لأنه حاصل ويمتنع تحصيل الحاصل، ومنه أن يشرط نحو قضاء دينه مما وقفه أو أن يشترط انتفاعه أو شربه أو مطالعته أو طبخه من بئر أو كوز أو كتاب أو قِدر وقفها على نحو فقراء به، بل يبطل أيضاً إن شرط أن يصلي في مسجد وقفه، نعم شرطه أن يضحي عنه منه صحيح أخذا من قول الماوردي وغيره بصحة شرط أن يحج عنه منه أي؛ لأنه لا يرجع له من ذلك إلا الثواب وهو لا يضر بل هو المقصود من الوقف. ولو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا جاز له الأخذ منه وكذا لو كان فقيرا حال الوقف،. ويصح شرطه النظر لنفسه ولو بمقابل إن كان بقدر أجرة المثل فأقل. ومن حيل صحة الوقف على النفس أن يقف على أولاد أبيه ويذكر صفات نفسه، وأن يؤجره مدة طويلة ثم يقفه على الفقراء مثلا ثم يتصرف في الأجرة أو يستأجره من المستأجر وهو الأحوط؛ لينفرد باليد ويأمن خطر الدين على المستأجر وهاتان حيلتان؛ لانتفاعه بما وقفه لا لوقفه على نفسه، ومنها أن يرفعه إلى حاكم يرى صحته

(2)

)

(فإن وقف) مسلم أو ذمي (على جهة معصية كعمارة نحو الكنائس) -التي للتعبد أو ترميمها وإن مكناهم منه- أو قناديلها أو كتابة نحو التوراة وعلم محرم (فباطل)؛ لأنه إعانة على معصية، نعم لا نبطل ما فعله ذمي إلا إن ترافعوا إلينا وإن قضى به حاكمهم. أما نحو كنيسة لنزول المارة أو لسكنى قوم منهم -دون غيرهم- فيصح الوقف عليها وعلى نحو قناديلها أو إسراجها وإطعام من يأوي إليها منهم -لغير تعبد- لانتفاء المعصية؛ لأنها حينئذ رباط لا كنيسة كما يأتي في الوصية، ومن ثم جرى هنا جميع ما يأتي ثَم.

[فرع] يصح وقف المال على الأولاد الذكور دون الإناث وإن قصد الحرمان

، بل لا حرمة حينئذٍ.

(1)

كما في الفتح خلافا لهما فيهما.

(2)

عبارة المغني ..

ص: 471

أَوْ جِهَةِ قُرْبَةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالمَسَاجِدِ، وَالمَدَارِسِ صَحَّ، أَوْ جِهَةٍ لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالْأَغْنِيَاءِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظٍ. وَصَرِيحُهُ وَقَفْتُ كَذَا أَوْ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ، وَالتَّسْبِيلُ وَالتَّحْبِيسُ صَرِيحَانِ عَلَى الصَّحِيحِ،

(أو) على (جهة قربة) يمكن حصرها (كالفقراء) والمراد بهم هنا فقراء الزكاة، نعم المكتسب كفايته ولا مال له

(1)

يأخذ هنا (والعلماء) وهم حيث أطلقوا هنا أصحاب علوم الشرع كالوصية

(2)

(والمساجد والمدارس) والكعبة والقناطر

(3)

وتجهيز الموتى فيختص به من لا تركة له ولا منفق يلزمه إنفاقه (صح)؛ لعموم أدلة الوقف. وخرج بيمكن حصرها الوقف على جميع الناس فيلغو

(4)

(أو) على (جهة لا يظهر فيها القربة كالأغنياء صح في الأصح) كما يجوز بل يسن الصدقة عليهم، ولو حصرهم كأغنياء أقاربه صح جزما (ولا يصح) الوقف من الناطق الذي لا يحسن الكتابة (إلا بلفظ) ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة، فلو بنى بناء على هيئة مسجد أو مقبرة وأَذِنَ في إقامة الصلوات أو الدفن فيه لم يخرج بذلك عن ملكه بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف فيه فإنه يصير بذلك مسجدا

(5)

؛ لأن الاعتكاف يستلزم المسجدية بخلاف نحو الصلاة، نعم بناء المسجد في الموات تكفي فيه النية؛ لأنه ليس فيه إخراج الأرض المقصودة بالذات عن ملكه أي لا حقيقة ولا تقديرا حتى يحتاج إلى لفظ قوي يخرجه عنه، ويزول ملكه عن الآلة باستقرارها في محلها من البناء لا قبله

(6)

إلا أن يقول هي للمسجد، ويلحق بالمسجد نحو المدارس والربط والبئر المحفورة للسبيل والبقعة المحياة مقبرة. ويصير الشارع في الموات وقفا بنية المستطرق وقفه شارعاً مع استطراقه له ولو مرة بخلاف ملكه الذي يريد جعله شارعا فلا بد فيه من اللفظ.

أما الأخرس فيصح بإشارته وأما الكاتب فيصح بكتابته مع النية (وصريحه) ما اشتق من لفظ الوقف نحو (وقفت كذا) على كذا (أو أرضي) أو أملاكي (موقوفة) أو وقف (عليه والتسبيل والتحبيس) أي ما اشتق منهما كأملاكي حبس عليه (صريحان على الصحيح) فيهما؛ لاشتهارهما شرعا وعرفا فيه

(1)

قضيته أن من له مال يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه لا يأخذ خلافا لقضية كلام المغني.

(2)

ولا يشترط كونهم مجتهدين كما مر في كتاب الطهارة 1/ 116.

(3)

جمع قنطرة وهي ما يبنى على الماء للعبور عليه.

(4)

خلافا للرملي في النهاية ووالداه.

(5)

خلافا للرملي ووفاقا للمغني.

(6)

خلافا للنهاية فاعتمد توقف ملكه للآلة على قبول ناظره.

ص: 472

وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً أَوْ مَوْقُوفَةً أَوْ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ تَصَدَّقْتُ فَقَطْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَإِنْ نَوَى إلَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَيَنْوِيَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ حَرَّمْتُهُ أَوْ أَبَّدْتُهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ جَعَلْتُ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا تَصِيرُ بِهِ مَسْجِدًا. وَأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ

ولو قال تصدقت بكذا صدقة محرمة) أو مؤبدة (أو موقوفة) أو مسبلة أو محبسة أو صدقةَ حبسٍ أو حبس مُحَرَّم أو صدقة ثابتة أو بتلة أو لا تورث (أو لا تباع) أ (ولا توهب فصريح في الأصح)؛ لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف (وقوله: تصدقت فقط ليس بصريح) في الوقف ولا كناية فلا يحصل به وقف (وإن نواه)؛ لتردده بين صدقة الفرض والنفل والوقف (إلا أن يضيفه إلى جهة عامة) كتصدقت بهذا على الفقراء (وينوي الوقف) فيصير كناية، ويحصل به الوقف؛ لظهور اللفظ حينئذ فيه بخلافه في المضاف إلى معين ولو جماعة فإنه لا يكون كناية وإن نواه إذ هو صريح في التمليك بلا عوض، فإن قبل وقبض ملكه وإلا فلا، نعم متى نوى به الوقف كان وقفا فيما بينه وبين الله تعالى (والأصح أن قوله حرَّمته أو أبَّدته ليس بصريح

(1)

) -بل كناية-؛ لأنه لا يستعمل مستقلا بل مؤكدا (وأن قوله جعلت البقعة مسجدا) من غير نية صريح فحينئذ (تصير به مسجدا)؛ لأن المسجد لا يكون إلا وقفا، فإن نوى به الوقف أو زاد لله صار مسجدا قطعا، ووقفته للاعتكاف صريح في المسجدية، وللصلاة صريح في مطلق الوقفية، وقوله: للصلاة كناية في المسجدية فإن نواها صار مسجدا وإلا صار وقفا على الصلاة وإن لم يكن مسجدا كالمدرسة (وأن الوقف على معين) واحد أو جماعة (يشترط) -والمعتمد أنه لا يشترط

(2)

- (فيه قبوله) إن تأهل وإلا فقبول وليه عقب الإيجاب أو بلوغ الخبر

(3)

كالهبة، وعلى ما في المتن يشترط قبول من بعد البطن الأول لا قبول ورثة حائزين وقف عليهم مورثهم ما يفي به الثلث على قدر أنصبائهم فيصح ويلزم من جهتهم بمجرد اللفظ قهرا عليهم؛ لأن القصد من الوقف دوام الأجر للواقف فلم

(1)

ويأتي في الوصية أنه لو قال هذه صدقه بعد موتي على فلان أنه صريح وصية وكناية في الملك والوقف فإن جهل مراده بطل .... الخ 7/ 35.

(2)

هذا ظاهر كلام الشارح وفاقا للمنهج لكن اعتمدا ما في المتن.

(3)

واعتمد الرملي بطلان الوقف فيما لو مات البطن الأول قبل القبول أو رجع الواقف قبله ..

ص: 473

وَلَوْ رَدَّ بَطَلَ حَقُّهُ شَرَطْنَا الْقَبُولَ أَمْ لَا. وَلَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا سَنَةً فَبَاطِلٌ، وَلَوْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ نَسْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْوَقْفِ

يملك الوارث رده؛ إذ لا ضرر عليه فيه، ولا أثر هنا -أي في الوقف على ورثة حائزين- بعد وقفه على أولاده بقدر أنصبائهم لشرطه أنه بعدهم لأولاده الذكور دون أولاده الإناث. ولو وقف جميع أملاكه كذلك ولم يجيزوه نفذ في ثلث التركة قهرا عليهم كما تقرر. وخرج بالمعين الجهة العامة

(1)

وجهة التحرير كالمسجد فلا قبول فيه جزما. ولا يشترط قبول ناظر المسجد ما وقف عليه بخلاف ما وهب له (ولو رَدَّ) الموقوف عليه المعين البطن الأول أو من بعده جميعهم أو بعضهم الوقف (بطل حقه) منه (شرطنا القبول أم لا) كالوصية. وخرج بحقه أصل الوقف فإن كان الراد البطن الأول بطل عليهما أو من بعده فكمنقطع الوسط

(2)

، ولا أثر للرد بعد القبول كعكسه فلو رجع الراد وقبل لم يستحق شيئا إن حكم حاكم برده وإلا استحق

(3)

، ولا أثر هنا لرد من بعد الأول قبل دخول وقت استحقاقه كرد الوصية في حياة الموصي.

(و) لمَّا تمم الكلام على أركانه الأربعة شرع في ذكر شروطه وهي التأبيد والتنجيز وبيان المصرف والإلزام، فحينئذ (لو قال وقفت هذا) على الفقراء (سنة) مثلا (فباطل) وقفه لفساد الصيغة؛ لأن وضعه على التأبيد، نعم إن أشبه التحرير كجعلته مسجدا سنة صح

(4)

مؤبدا. ولا أثر للتأقيت الصريح بما لا يحتمل بقاء الدنيا إليه -لأن القصد منه التأبيد لا حقيقة التأقيت- ولا لتأقيت الاستحقاق كعلى زيد سنة ثم على الفقراء أو إلا أن يلد لي ولد ولا للتأقيت الضمني في منقطع الآخر المذكور في قوله (ولو قال وقفت على أولادي أو على زيد ثم نسله) ونحوهما مما لا يدوم (ولم يزد) على ذلك (فالأظهر صحة الوقف)؛ لأن مقصوده القربة والدوام فإذا بين مصرفه ابتداء سهل إدامته على سبيل الخير.

(1)

وليس من الوقف على معين الوقف على إمام مسجد أو المدرس لأن المقصود فيه الجهة كما نص عليه الشارح في الزكاة 3/ 241.

(2)

وجزم به في الفتح.

(3)

خلافا لمغني وشرح الروض وقضية كلام النهاية.

(4)

وفاقا للأسنى والمغني وخلافا للنهاية.

ص: 474

فَإِذَا انْقَرَضَ المَذْكُورُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْقَى وَقْفًا، وَأَنَّ مَصْرِفَهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ المَذْكُورِ. وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي فَالمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ. أَوْ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ رَجُلٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، فَالمَذْهَبُ صِحَّتُهُ. وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى وَقَفْتُ فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ

(فإذا انقرض المذكور) ومثله ما لو لم يعرف أرباب الوقف (فالأظهر أنه يبقى وقفا)؛ لأن وضع الوقف الدوام كالعتق (و) الأظهر (أن مصرفه أقرب الناس) رحما لا إرثا فيقدم وجوبا ابن بنت على ابن عم، ولا يرجح عم على خال بل هما مستويان والمعتبر الفقراء دون الأغنياء منهم ولا يفضل الذكر (إلى الواقف) بنفسه أو بوكيله عن نفسه (يوم انقراض المذكور)؛ لأن الصدقة على الأقارب أفضل القربات فإذا تعذر الرد للواقف تعين أقربهم إليه، ولو فقدت أقاربه أو كانوا كلهم أغنياء أو قال ليصرف من غلته لفلان كذا وسكت عن باقيها صرفه الإمام في مصالح المسلمين. أما الإمام إذا وقف منقطع الآخر فيصرف للمصالح لا لأقاربه (ولو كان الوقف منقطع الأول كوقفته على) من يقرأ على قبري أو على قبر أبي وأبوه حي -بخلاف وقفته الآن أو بعد موتي على من يقرأ على قبري بعد موتي فإنه وصية فإن خرج من الثلث أو أجيز وعرف قبره صح وإلا فلا- وكوقفته على (من سيولد لي) أو على مسجد سيبنى ثم على الفقراء مثلا (فالمذهب بطلانه)؛ لبطلان الأول لتعذر الصرف إليه حالا ومَنْ بعده فرع عنه، ولو لم يذكر بعد الأول مصرفا بطل قطعا؛ لأنه منقطع الأول والآخر، ولو قال وقفت على أولادي ومن سيولد لي على ما أفصله ففصله على الموجودين وجعل نصيب من مات منهم بلا عقب لمن سيولد له جاز وأعطي من ولد له نصيب من مات منهم بلا عقب فقط (أو) كان (منقطع الوسَط كوقفت على أولادي ثم) على عبد عمرو ثم الفقراء أو ثم على (رجل) منهم، وبه يعلم أنه لا يضر تردد في وصف أو شرط أو مصرف قامت قرينة قبله أو بعده على تعيينه؛ لأنه لا يتحقق الانقطاع إلا إن كان الإبهام من كل وجه (ثم) على (الفقراء فالمذهب صحته)؛ لوجود المصرف حالا ومآلا.

ومصرفه عند توسط الانقطاع كمصرف منقطع الآخر، ومحله إن أمكن معرفة أمد الانقطاع بأن كان معينا كالمثال الأول وإلا كرجل في المثال الثاني فلا أثر له

(1)

(ولو اقتصر على) قوله (وقفت) كذا ولم يذكر مصرفه أو ذكر مصرفا متعذرا كوقفت كذا على جماعة (فالأظهر بطلانه) وإن قال لله؛ لأن الوقف

(1)

من الفتح بتصرف، وخالفهم في آخر كلامه.

ص: 475

وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْتُ. وَلَوْ وَقَفَ بِشَرْطِ الخِيَارِ بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ بِشَرْطِ أَلَّا يُؤَجَّرَ اتُّبِعَ شَرْطُهُ،

يقتضي تمليك المنافع فإذا لم يعين متملكا بطل كالبيع ولأن جهالة المصرف كعلى من شئت ولم يعينه عند الوقف أو من شاء الله تبطله فعدمه أولى، ولو نوى المصرف واعترف به ظاهرا لم يصح؛ لأن النية إنما تؤثر مع لفظ يحتملها ولا لفظ هنا يدل على المصرف أصلا، ولذا لو قال في جماعة أو واحد

(1)

نويت معينا قبل

(2)

(ولا يجوز) أي لا يحل ولا يصح (تعليقه

(3)

) فيما لا يضاهي التحرير (كقوله إذا جاء زيد فقد وقفت) كذا على كذا؛ لأنه عقد يقتضي نقل الملك لله حالا، نعم يجوز تعليقه بالموت كإذا مت فداري وقف على كذا أو فقد وقفتها؛ إذ المعنى فاعلموا أني قد وقفتها بخلاف إذا مت وقفتها، والفرق أن الأول إنشاء تعليق والثاني تعليق إنشاء وهو باطل؛ لأنه وعد محض. وإذا علق بالموت كان كالوصية، ومن ثم لو عرضه على البيع كان رجوعا، ولو نجزه وعلق إعطاءه للموقوف عليه بالموت جاز كالوكالة، وعليه فهو كالوصية أيضا. أما ما يضاهي التحرير كإذا جاء رمضان فقد وقفت هذا مسجدا فإنه يصح؛ لأنه حينئذ كالعتق (ولو وقف) شيئا (بشرط الخيار) له أو لغيره في الرجوع فيه أو في بيعه متى شاء أو في تغيير شيء منه بوصف أو زيادة أو نقص أو نحو ذلك (بطل) الوقف (على الصحيح)؛ لما مر أنه كالبيع والهبة (والأصح أنه) أي الواقف لملكه -بخلاف الأتراك فإن شروطهم في أوقافهم لا يعمل بشيء منها؛ لأنهم أرقاء لبيت المال- (إذا وقف بشرط أن لا يؤجر) مطلقا أو إلا كذا كسنة أو شهر أو أن لا يؤجر من نحو متجوه

(4)

، وكذا شرط أن الموقوف عليه يسكن وتكون العمارة عليه (اتبع) في غير حالة الضرورة (شرطه) كسائر شروطه التي لم تخالف الشرع وذلك؛ لما فيه من وجوه المصلحة.

أما ما خالف الشرع كشرط العزوبة في سكان المدرسة مثلا فلا يصح الشرط ولا الوقف

(5)

كما لو وقف كافر على أولاده

(1)

أي في قوله من شئت.

(2)

خلافا لبعض نسخ النهاية.

(3)

ولو قال وقفت كذا إلا إن أحتاج إليه لم يجز كما ذكره الشارح في الاعتكاف 3/ 479 وهل يبطل تردد ابن قاسم فيه.

(4)

أي ذي جاه وشوكة.

(5)

خلافا للرملي.

ص: 476

وَأَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي وَقْفِ المَسْجِدِ اخْتِصَاصَهُ بِطَائِفَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ اخْتَصَّ كَالمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ

إلا من يسلم منهم. وللموقوف عليه الإعارة إن منع من الإجارة ما لم يمنع منها أيضا، وإذا منع الموقوف عليهم الإجارة ولم يمكن سكناهم كلهم فيه معاً تهايؤا بحق السكنى ويقرع للابتداء، ونفقة الحيوان على من هو في نوبته. وخرج بغير حالة الضرورة ما لو لم يوجد غير مستأجر السنة الأولى وقد شرط أن لا يؤجر لإنسان أكثر من سنة أو أن الطالب لا يقيم أكثر من سنة ولم يوجد غيره في السنة الثانية فيهمل شرطه حينئذ؛ لأن الظاهر أنه لا يريد تعطيل وقفه، ولو انهدمت الدار المشروط أن لا تؤجر إلا كذا وأن لا يدخل عقد على عقد أو أن لا تؤجر ثانيا ما بقي من مدة الأولى شيء أو أشرفت على الانهدام بأن تعطل الانتفاع بها من الوجه الذي قصده الواقف كالسكنى ولم تمكن عمارتها إلا بإيجارها أكثر من ذلك فتؤجر بأجرة مثلها مراعىً فيها تعجيل الأجرة للمدة الطويلة؛ إذ يتسامح لأجل ذلك في الأجرة بما لا يتسامح به في إجارة كل سنة على حدتها، ويستظهر لتلك الأجرة بقدر ما بقي بالعمارة فقط مراعيا فيها مصلحة الوقف لا مصلحة المستحق (و) الأصح (أنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة كالشافعية) وزاد إن انقرضوا فللمسلمين مثلا أو لم يزد شيئا (اختص) بهم فلا يصلي ولا يعتكف به غيرهم؛ رعاية لغرضه وإن كُرِه هذا الشرط. و من شغله بمتاعه لزمه أجرته وتصرف لمصالح الموقوف، نعم يجوز لغير أهله ما اعتيد فيها من نحو نوم بها وشرب وطهر من مائها ما لم ينقص الماء عن حاجة أهلها، وكذا كل شرط شهد العرف بتخصيصه

(1)

. ولو انقرض من ذكرهم ولم يذكر بعدهم أحدا جاز انتفاع سائر المسلمين به؛ لأن الواقف لا يريد انقطاع وقفه ولا أحد من المسلمين أولى به من أحد (كالمدرسة والرباط) والمقبرة إذا خصصها بطائفة فإنها تختص بهم قطعا

(2)

؛ لعود النفع هنا إليهم.

[فرع] لا يجوز وضع منبر بمسجد لقراءة قرآن أو علم فيبطل الوقف له وعليه

، ومحله إن

(3)

ضيق على المصلين ولو في وقت وإلا جاز وضعه كحفر البئر وغرس الشجرة بل أولى؛

(1)

ذكره الشارح في إحياء الموات.

(2)

وقيل يجري فيها خلاف المسجد واعتمداه.

(3)

خلافا للمغني فاعتمد إطلاق البطلان.

ص: 477

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْأَصَحُّ المَنْصُوصُ أَنَّ نَصِيبَهُ يُصْرَفُ إلَى الْآخَرِ

لأن النفع هنا أعلى (ولو وقف على شخصين) كهذين (ثم الفقراء) مثلا (فمات أحدهما فالأصح المنصوص أن نصيبه يصرف إلى الآخر)؛ لأنه شرط في الانتقال للفقراء انقراضهما جميعا ولم يوجد وإذا امتنع الصرف إليهم بنصه تعين لمن ذكره قبلهم

(1)

. ولو وقف على ولده ثم ورثته ثم الفقراء فمات ولده والواقف أحد ورثة الولد فله حصته من ابنه. وخرج بشخصين ما لو رتبهما كعلى زيد ثم عمرو ثم بكر فمات عمرو ثم زيد صرف لبكر ; لأن الصرف إليهم مشروط بانقراضه. ولو قال وقفت على أولادي فإذا انقرضوا أولادهم فعلى الفقراء كان منقطع الوسط ; لأنه لم يشرط لأولاد الأولاد شيئا وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق غيرهم.

[فروع] جهلت مقادير معاليم وظائفه أو مستحقيه اتبع ناظره عادة من تقدمه وإن لم يعرف لهم عادة سوَّى بينهم إلا أن تطرد العادة الغالبة بتفاوت بينهم فيجتهد في التفاوت بينهم بالنسبة إليها ولا يقدم أرباب الشعائر منهم على غيرهم، هذا إن لم يكن الموقوف في يد غير الناظر وإلا صدق ذو اليد بيمينه في قدر حصة غيره، فإن لم يعرف مصرفه صرف لأقرباء الواقف نظير ما مر، ومن أقر بأنه لا حق له في هذا الوقف جاهلا بشرط الواقف الصريح في اختصاصه بالوقف فظهر شرط الواقف بخلافه لم يؤاخذ بإقراره وإلا أوخذ لتضمنه رد الوقف، ومع ذلك لا يثبت للمقر له إلا أن يكون الواقف شرطه له بعد انتقاله عن المقر، وتقبل دعواه جهله لشرط الواقف ورجوعه عن الإقرار المبطل لحقه ما لم يحكم حاكم به للمقر له. ولو وقف أرضا على قراء وجعل غلتها لهم فزادت عما كانت عليه في زمن الواقف استحقوا الزائد بنسبة أنصبائهم، ولو وقف دارا على زيد وعمرو على أن لزيد فيها النصف ولعمرو الثلث بطل الوقف في السدس المتبقي.

(1)

للشهاب الرملي بحث هنا مقتضى كلامهم موافقته عليه ولكن الشارح رده.

ص: 478

[تنبيه] حيث أجمل الواقف شرطه اتبع فيه العرف المطرد في زمنه

; لأنه بمنزلة شرطه ثم ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين -ومن ثم امتنع

(1)

في السقايات المسبلة على الطرق غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب

(2)

- فإن انتفى الأولان أعتبر العرف المطرد الآن في الوقف فيعمل به أي عملا بالاستصحاب المقلوب ; لأن الظاهر وجوده في زمن الواقف، فإن اختلف عرف عمل بالأكثر وإلا فبما دلت عليه القرائن

(3)

. ويحرم بصاق وغسل وسخ في ماء مطهرة المسجد وإن كثر. وما وقف للفطر به في رمضان وجهل مراد الواقف ولا عرف له يصرف -ولو قبل الغروب- لصوام رمضان ولو أغنياء وأرقاء. وللناظر التفضيل والتخصيص، ولا يتقيد بمن في المسجد؛ لأن القصد حيازة فضيلة الإفطار وهو لا يتقيد بمحل. ويجوز شرط رهن من مستعير كتاب وقف يأخذه الناظر منه ليحمله على رده

(4)

، وأُلحق به شرط الضامن. ولو وقف على النبي صلى الله عليه وسلم أو نذر له صرف لمصالح حجرته الشريفة فقط إن اقتضى العرف ذلك وإلا فيرجع إلى تعيين المصرف لرأي ناظرها

(5)

.

ولو وقف على أهل بلد أعطي مقيم بها غاب عنها لحاجة غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا.

(1)

نعم يجوز كما ذكر الشارح في إحياء الموات لغير أهل مدرسة ما اعتيد فيها من نحو نوم بها وشرب وطهر من مائها ما لم ينقص الماء عن حاجة أهلها، وأنه متى عين الواقف مدة للفقيه في المدرسة لم يزد عليها إلا إذا لم يوجد في البلد من هو بصفته 6/ 223.

(2)

وتقدم في باب أسباب الحدث تحريم البول في الماء الموقوف 1/ 167.

(3)

ولذا لو رأينا صورة مسجد يصلى فيه من غير منازع ولا علمنا له واقفا فليس لأحد أن يمنع منه لأن استمراره على حكم المساجد دليل على وقفه، ويؤخذ منه أن حريم زمزم تجري عليه أحكام المسجد كما ذكره الشارح في باب الغسل 1/ 168.

(4)

لعل المراد رهن لغوي لا شرعي لئلا يخالف ما قدمه الشارح في الرهن من بطلانه وبطلان شرطه 5/ 64.

(5)

ذكر الشارح آخر النذر هذا الشرط.

ص: 479

فصل

قَوْلُهُ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ وَكَذَا لَوْ زَادَ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ. وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى أَوِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فَهُوَ لِلتَّرْتِيبِ

(فصل) في أحكام الوقف اللفظية

(قوله وقفت على أولادي وأولاد أولادي يقتضي التسوية بين الكل

(1)

) في الإعطاء وقدر المعطى ; لأن الواو لمطلق الجمع (وكذا) هي للتسوية و (لو زاد) على ما ذكر (ما تناسلوا) إذ لا تخصيص فيه، (أو) زاد (بطنا بعد بطن) ; لأن بعد تأتي بمعنى مع والاستمرار وعدم الانقطاع حتى لا يصير منقطع الآخر (ولو قال) وقفته (على أولادي ثم أولاد أولادي ثم أولادهم ما تناسلوا أو) قال وقفته (على أولادي وأولاد أولادي الأعلى فالأعلى، أو) الأقرب فالأقرب، أو (الأول فالأولِ) أبدا ما تناسلوا (فهو للترتيب) ; لدلالةِ ثُمَّ عليه على الأصح ولتصريحه بالترتيب في مسألة الواو، فإن حذف قوله ((أبدا ما تناسلوا)) من إحدى المسألتين اقتضى الترتيب في البطنين المذكورين فقط ويكون بعدهما منقطع الآخر حيث لم يذكر مصرفا آخر. ولو وقف على ولده ثم ولد أخيه ثم ولد ولد بنته فمات ولده ولا ولد لأخيه ثم حدث لأخيه ولد استحق.

[فرع] اختلف البطن الأول والثاني مثلا في أنه وقف ترتيب أو تشريك أو في المقادير ولا بينة حلّفوا

، ثم إن كان في أيديهم أو يد غيرهم قسم بينهم بالسوية أو في يد بعضهم فالقول قوله وكذا الناظر إن كان في يده

(2)

.

(1)

وذكر الشارح في الوصية نقلا عن السبكي انه لو وقف على مدرس وإمام وعشرة فقهاء قسم على ثلاثة للعشرة ثلثها 7/ 56.

(2)

المتبادر أن القول قوله بيمينه خلافا للمغني.

ص: 480

وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ فِي الْأَصَحِّ. وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَى مَنْ يَنْتَسِبُ إلَيَّ مِنْهُمْ

(ولا يدخل) الأرقاء من الأولاد في الوقف على الأولاد ; لأنهم لا يملكون، ويدخل فيهم الخنثى بخلاف ما لو قال بني أو بناتي، نعم يوقف

(1)

نصيبه المتيقن له لو اتضح، ويدخل فيهم أيضا الكفار ولو حربيين، نعم يتوقف دخول المرتد على إسلامه، ولا (أولاد الأولاد) الذكور والإناث (في الوقف على الأولاد) والنوعان موجودان (في الأصح) ; لأنه لا يسمى ولدا حقيقة، وكذا أولاد أولاد الأولاد في أولاد الأولاد وكأنهم إنما لم يحملوا اللفظ على مجازه أيضا ; لأن شرطه إرادة المتكلم له ولم تعلم هنا، ومن ثم لو علمت اتجه دخولهم. أما إذا لم يكن حال الوقف على الولد إلا ولد الولد فيحمل عليه قطعا؛ صونا له عن الإلغاء، نعم إن حدث له ولد صرف إليه وحده

(2)

; لأن الصرف إليهم إنما كان لتعذر الحقيقة وقد وجدت. ولا يدخل في الولدِ المنفيُّ بلعان إلا أن يستلحقه (وتدخل أولاد البنات) قريبهم وبعيدهم (في الوقف على الذرية والنسل، والعقب وأولاد الأولاد)؛ لصدق كل من هذه الأربعة بهم (إلا أن يقول) الرجل (على من ينسب إليَّ منهم) وإلا أن يقول -وهو هاشمي مثلا- الهاشمية وأولاد بناته ليسوا كذلك فلا يدخلون حينئذ ; لأنهم حينئذ لا ينسبون إليه بل إلى آبائهم، أما المرأة فقولها ذلك لا يمنع دخول أولاد البنات ; لأن الانتساب فيها لبيان الواقع لا للاحتراز. ولا يدخل الحمل عند الوقف ; لأنه لا يسمى ولدا وإنما يستحق من غلة ما بعد انفصاله كالحمل الحادث علوقه بعد الوقف فإنه إنما يستحق من غلة ما بعد انفصاله

(3)

، وبنو زيدٍ لا يشمل بناته بخلاف بني تميم ; لأنه اسم للقبيلة

(4)

.

فائدة] يقع في كتاب الأوقاف ((ومن مات انتقل نصيبه إلى من في درجته من أهل الوقف المستحقين))، وظاهره أن ((المستحقين)) تأسيس فيحمل على الاتصاف حقيقة

(1)

وفاقا للمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية.

(2)

خلافا لهما فاعتمدا الاشتراك.

(3)

محله كما مر إن لم يسم الموجودين ولا ذكر عددهم وإلا لم يدخل إطلاقا.

(4)

ولو قال وقفت على أهل بيتي فهم أقاربه الرجال والنساء كما ذكره الشارح في الأضحية 9/ 345.

ص: 481

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مُعْتِقٌ وَمُعْتَقٌ قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ يَبْطُلُ، وَالصِّفَةُ المُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ مَعْطُوفَةٍ تُعْتَبَرُ فِي الْكُلِّ كَوَقَفْتُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي، وَكَذَا المُتَأَخِّرَةُ عَلَيْهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا عُطِفَ بِوَاوٍ: كَقَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي المُحْتَاجِينَ أَوْ إلَّا أَنْ يَفْسُقَ بَعْضُهُمْ

بالاستحقاق من الوقف حال موت من ينتقل إليه نصيبه، وعليه فلو حذف قوله ((المستحقين)) انتقل نصيب الميت لمن في درجته وإن كان محجوبا بمن فوقه

(1)

، ويقع في كتب الأوقاف أيضا لفظ النصيب والأصح أن المراد نصيبه الحقيقي لا ما يعم المقدر مجازا لقرينة، ومحل الخلاف ما لم يصدر من الواقف ما يدل على أن المراد النصيب ولو بالقوة (ولو وقف على مواليه) أو مولاه (وله معتِق) أو عصبته (ومعتَق) -تبرعا أو وجوبا- أو فرعه صحّ، و (قسّم بينهما) باعتبار الرءوس

(2)

؛ لتناول الاسم لهما، نعم لا يدخل مدبر وأم ولد ; لأنهما ليسا من الموالي حال الوقف ولا حال الموت (وقيل يبطل)؛ لإجماله. ولو لم يوجد إلا أحدهما حمل عليه قطعا فإذا طرأ الآخر لم يشاركه. ولو وقف على مواليه من أسفل دخل أولادهم وإن سفلوا لا مواليهم ويقاس بهم ما لو وقف على مواليه من أعلى (والصفة) والمراد بها ما يفيد قيدا في غيره (المتقدمة على جمل) أو مفردات (معطوفة) لم يتخلل بينها كلام طويل (تعتبر في الكل كوقفت على محتاجي أولادي وأحفادي) وهم أولاد الأولاد (وإخوتي وكذا المتأخرة عليها) أي عنها، (و) كذا (الاستثناء إذا عطف) في الكل (بواو كقوله على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين، أو إلا أن يفسق بعضهم) ; لأن الأصل اشتراك المتعاطفات في جميع المتعلقات كالصفة والحال والشرط، ومثلها الاستثناء بجامع عدم الاستقلال، ومثّلَ الإمام للجمل بوقفت على بَنِيَّ داري وحبست على أقاربي ضيعتي وسبَّلت على خدمي بيتي إلا أن يفسق منهم أحد أي أو إن احتاجوا. وخرج بتمثيله أوَّلا بالواو وباشتراطها فيما بعده ما لو كان العطف بثم أو الفاء

(3)

فيختص المتعلق بالأخير أي: فيما تأخر، وبعدم تخلل كلام طويل ما لو تخلل كوقفت على أولادي على أن من مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل

(1)

ذكر التفريع علي الشبراملسي.

(2)

خلافا للمغني بأنها على الجهتين مناصفة.

(3)

خلافا لهما فاعتمدا انه لا يتقيد بالواو بل الضابط وجود العطف بحرف جامع ..

ص: 482

حظ الأنثيين، فإن لم يعقب فنصيبه لمن في درجته فإذا انقرضوا صرف إلى إخوتي المحتاجين أو إلا أن يفسق واحد منهم فيختص بالأخير.

[تنبيه] الجمل الغير متعاطفة كالمتعاطفة

.

[فروع] لفظ الإخوة لا يدخل فيه الأخوات بخلاف الأولاد

. ولو وقف على زوجته أو أم ولده ما لم تتزوج بطل حقها بتزوجها ولم يعد بتعزبها بخلاف نظيره في بنته الأرملة ; لأنه أناط استحقاقها بصفة وبالتعزب وجدت وتلك بعدم التزوج وبالتعزب لم ينتف ذلك؛ لأن له غرضا أن لا تحتاج بنته وأن لا يخلفه أحد على حليلته. ولو وقف على ولده ما دام فقيرا فاستغنى ثم افتقر استحق

(1)

. ولو وقف أو أوصى للضيف صرف للوارد على ما يقتضيه العرف ولا يزاد على ثلاثة أيام مطلقا، ولا يدفع له حب إلا إن شرطه الواقف. ومن شرط له قراءة جزء من القرآن كل يوم كفاه جزء ولو نظرا لا مفرَّقا. ولو قال ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء ففات تصدق بعده ولا ينتظر مثله، نعم إن قال فطرا لصوَّامه انتظره. ولو قال على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة ((يس)) فإن حدّ القراءة بمدة معينة أوعيّن لكل سنة غلة اتبع وإلا بطل، ومحله إن علق بالموت ; لأنه حينئذ وصية -ووجه بطلانها فيما ذكر أنها لا تنفذ إلا في الثلث ومعرفة مساواة هذه الوصية له وعدمها متعذرة- وأما الوقف الذي ليس كالوصية فهو صحيح؛ إذ لا يترتب عليه محذور بوجه ; لأن الناظر إذا قرر من يقرأ كذلك استحق ما شرط ما دام يقرأ فإذا مات مثلا قرر الناظر غيره. ولو قال الواقف وقفت هذا على فلان ليقرأ أو يتعلم كذا فهو شرط للاستحقاق؛ لأنه يُقصد عرفا صرف الغلة في مقابلته، أما لو كان شرطه أن يعمل عملا لا يقصد عرفا صرف الغلة في مقابلته أحتمل أن يكون شرطا للاستحقاق وأن يكون توصية له لأجل وقفه فإن علم مراده اتبع وإن شك لم يمنع الاستحقاق. وإن أخلّ في بعض الأيام ذو وضيفة تقبل النيابة

(2)

واستناب مثله لعذر كمرض أو حبس بقي استحقاقه وإلا لم يستحق لمدة الاستنابة

(3)

، نعم الكلام في غير أيام البطالة،

(1)

خلافا للنهاية.

(2)

بخلاف المتفقه كما نص عليه الشارح في الجعالة 6/ 373 ..

(3)

وذكر الشارح في الجعالة عن الزركشي أنه لو شرط الواقف أنه من حضر في مدرسته شهراً فله كذا فتغيب أياما استحق القسط 6/ 372، وذكر في موضع آخر أنه لو شرط الواقف قطعه عن الوظيفة إن غاب فغاب بعذر لم يسقط حقه بغيبته 6/ 381.

ص: 483

فصل

الْأَظْهَرُ أَنَّ المِلْكَ فِي رَقَبَةِ المَوْقُوفِ يَنْتَقِلُ إلَى اللهِ تَعَالَى: أَيْ يَنْفَكُّ عَنِ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ، فَلَا يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ،

والعبرة فيها بنص الواقف وإلا فبعرف زمنه المطرد الذي عرفه وإلا فبعادة محل الموقوف عليهم

(1)

.

(فصل) في أحكام الوقف المعنوية

الأظهر أن الملك في رقبة الموقوف) على معين (أو جهة ينتقل إلى الله تعالى أي: ينفك عن اختصاص الآدميين

(2)

) كالعتق، وإنما يثبت بشاهد ويمين دون بقية حقوق الله تعالى ; لأن المقصود ريعه وهو حق آدمي (فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه) وقيل يملكه كالصدقة، والخلاف فيما يقصد به تملك ريعه بخلاف ما هو تحرير نص كالمسجد والمقبرة وكذا الربط والمدارس (ومنافعه ملك للموقوف عليه) ; لأن ذلك مقصوده (يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة) إن كان له النظر وإلا لم يتعاط نحو الإجارة إلا الناظر أو نائبه وذلك كسائر الأملاك، ومحله إن لم يشترط ما يخالف ذلك ومنه وقف داره على أن يسكنها معلم الصبيان أو الموقوف عليهم أو على أن يعطي أجرتها فيمتنع غير سكناها في الأولى -ولو خربت ولم يعمرها الموقوف عليه أوجرت بما يعمرها؛ للضرورة إذ الفرض أنه ليس للوقف ما يعمر به سوى الأجرة المعجلة- وغير استغلالها في الثانية. و يلزم الموقوف عليه ما نقصه الانتفاع من عين الموقوف كرصاص

(3)

الحمام فيشتري من أجرته بدل فائته، ولو وقف أرضا غير مغروسة على معين لم يجز له غرسها إلا إن نص الواقف عليه أو شرط له جميع الانتفاعات، وكذا البناء ولا يبني ما كان مغروسا وعكسه، والضابط أن كل ما غير الوقف بالكلية عن اسمه الذي

(1)

فائدة: تقدم في الصلح أن الشارح اعتمد في فتح الجواد أن الشريك في الوقف يجبر على العمارة 5/ 215.

(2)

نعم استوجه الشارح في اللقطة أنه لو وجد موقوفا جاز تملكه بعد التعريف 6/ 326.

(3)

وفي لسان العرب شيء مرصص مطلي بالرصاص.

ص: 484

وَيَمْلِكُ الْأُجْرَةَ وَفَوَائِدَهُ كَثَمَرَةٍ

كان عليه حال الوقف امتنع وإلا فلا، نعم إن تعذر المشروط جاز إبداله كما يأتي (ويملك الأجرة) ; لأنها بدل المنافع المملوكة له، نعم لا يجوز للناظر إذا آجرها سنين أن يدفع جميع أجرتها للبطن الأول مثلا بل يعطيهم بقدر ما مضى وإلا ضمن الزائد

(1)

. ولو شغل المسجد بأمتعة وجبت الأجرة له إن شغله بمتاع لا يعتاد الجالس فيه وضعه فيه ولا مصلحة للمسجد في وضعه فيه زمنا لمثله أجرة

(2)

(و) يملك (فوائده

(3)

) أي: الموقوف (كثمرة)، ومن ثم وجبت الزكاة في أرض موقوفة على معين من بذر مباح يملكه الموقوف عليه كما مر. ومن الثمرة غصن وورق توت اعتيد قطعهما أو شرط ولم يؤد قطعه لموت أصله. والثمرة الموجودة حال الوقف إن تأبرت فهي للواقف وإلا شملها الوقف ويلحق بالتأبير هنا ما ألحق به في البيع

(4)

. ويصدق الواقف أن الوقف وقع بعد نحو التأبير؛ لأن الأصل بقاء ملكه من غير معارض. ولو كان البعض مؤبرا فقط جري هنا ما مر ثَم من التبعية.

[تنبيه] ما مر من التفريق بين المؤبر وغيره خاص بما بين الواقف والموقوف عليه، أما بالنسبة لما بَيْن الموقوف عليهم مع بعضهم البعض كاستحقاق البطن الثاني أو الحمل للوقف فالمعتبر في الثمرة وجودها لا تأبيرها؛ لأن المدار على مجرد تعليق الاستحقاق، ويستوي في ذلك وقف الترتيب والتشريك، وعليه فمتى وجدت الثمرة قبل انفصال الحمل

(5)

-تأبرت أم لا- لم يستحق منها شيئا؛ لأن بروزها سبق بروزه بخلاف ما إذا برزت بعد بروزه وإن لم تتأبر فإنه يستحقها كلا أو بعضا، وكذا لو وجدت ولو طلعا ثم مات المستحق فتنتقل لورثته لا لمن بعده، فإن اختلط ولم يتميز تأتى كما هو ظاهر هنا ما مر آخر الأصول والثمار من تصديق ذي

(1)

كما رجحه الشارح في الإجارة وفاقا للأسنى والمغني وخلافا للنهاية.

(2)

كما قيده بذلك الشارح في كتاب الغصب.

(3)

واستوجه الشارح في الركاز الموجود في أرض موقوفة على نحو مسجد أو جهة عامة أنه للموقوف عليه 3/ 288، بخلاف الموجود في نفس المسجد كما مر بتفصيله.

(4)

أي في الأصول والثمار في قول المصنف وما يخرج من ثمره بلا نور إن برز ثمره فللبائع وإلا للمشتري وما خرج في نوره ثم سقط كمشمش وتفاح فللمشتري إن لم تنعقد الثمرة وكذا إن اشتدت ولم يتناثر النور وبعد التناثر للبائع.

(5)

أي في حالة ما لو وقف على أولاده وكان منهم حمل.

ص: 485

وَصُوفٍ وَلَبَنٍ، وَكَذَا الْوَلَدُ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي يَكُونُ وَقْفًا. وَلَوْ مَاتَتِ الْبَهِيمَةُ اخْتَصَّ بِجِلْدِهَا. وَلَهُ مَهْرُ الجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ إنْ صَحَّحْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ

اليد. ولو مات المستحق وقد حملت الموقوفة فالحمل له أو وقد زرعت الأرض فالريع لذي البذر فإن كان البذر له أي: المستحق فهو لورثته ولمن بعده أجرة بقائه في الأرض، أو كان البذر للعامل وجوزناه فإن مات قبل أن يسنبل اتجه أن الحاصل من الغلة يوزع على المدد أو بعد أن سنبل فالقياس أنه بعد الاشتداد كبعد تأبير النخل، أو كان البذر لمن آجره أن يزرعه بطعام معلوم استحق حصة الماضي من المدة على المستأجر. ولو وقف أرضا بها شجر كنخل ثم خرج من أصل ذلك النخل ودي

(1)

فحكم الوقف ينسحب عليه، ومثل النخل غيره (وصوف) وشعر ووبر وريش وبيض (ولبن وكذا الولد) الحادث بعد الوقف من مأكول وغيره كولد أمة من نكاح أو زنا (في الأصح) كالثمرة. أما إذا كان حملا حين الوقف فهو وقف وألحق به نحو الصوف وولد الأمة من شبهة حر فعلى أبيه قيمته ويملكها الموقوف عليه (والثاني يكون وقفا)؛ تبعا لأمه كولد الأضحية، ومحله في غير المحبّس في سبيل الله أما هو فولده وقف كأصله، هذا إن أطلق أو شرط ذلك للموقوف عليه فالموقوفة على ركوب إنسان فوائدها للواقف (ولو ماتت البهيمة) الموقوفة (اختص بجلدها) ; لأنه أولى من غيره هذا إن لم يندبغ وإلا عاد وقفا، وعبر بالاختصاص ; لأن النجس لا يملك. ولو أشرفت مأكولة على الموت ذبحت واشتري بثمنها

(2)

من جنسها فإن تعذر وجب شراء شقص فإن تعذر صرف للموقوف عليه (وله مهر الجارية) الموقوفة عليه البكر أو الثيب (إذا وطئت) من غير الموقوف عليه (بشبهة) منها كأن أكرهت، أو طاوعته وهي نحو صغيرة أو معتقدة الحل وعذرت (أو نكاح) ; لأنه من جملة الفوائد، هذا (إن صححناه) أي نكاحها وكذا إن لم نصححه ; لأنه وطء شبهة هنا أيضا (وهو الأصح) ; لأنه عقد على المنفعة فلم يمنعه الوقف كالإجارة، ويزوجها القاضي بإذن الموقوف عليه، ولا يزوجها القاضي للموقوف عليه ولا للواقف، ومن ثم لو وقفت عليه زوجته انفسخ نكاحه. وخرج بالمهر أرش البكارة فهو كأرش طرفها.

(1)

هو أولاد النخل الصغيرة.

(2)

وفاقا للمغني واعتمد في النهاية أن الحاكم يفعل بلحمها ما يراه مصلحة ..

ص: 486

وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قِيمَةَ الْعَبْدِ المَوْقُوفِ إذَا أُتْلِفَ بَلْ يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ لِيَكُونَ وَقْفًا مَكَانَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبَعْضُ عَبْدٍ. وَلَوْ جَفَّتِ الشَّجَرَةُ لَمْ يَنْقَطِعِ الْوَقْفُ عَلَى المَذْهَبِ، بَلْ يُنْتَفَعُ بِهَا جِذْعًا،

[تنبيه] يحرم وطؤها على الواقف ولا يحد به

(1)

وعلى الموقوف عليه ويحدّ

(والمذهب أنه) أي الموقوف عليه (لا يملك قيمة العبد) وذكره للتمثيل (الموقوف إذا تلف) من واقفه أو أجنبي وكذا موقوف عليه تعدى كأن استعمله في غير ما وقف له، أو تلف تحت يد ضامنة له. أما إذا لم يتعد بإتلاف ما وقف عليه فلا يضمن كما لو وقع منه من غير تقصير بوجه كوز مسبل على حوض فانكسر (بل يُشترى) من جهة الحاكم (بها عبدٌ مثله) سنا وجنسا وغيرهما (ليكون وقفا مكانه)؛ مراعاة لغرض الواقف وبقية البطون، ثم بعد شرائه لا بد من إنشاء وقفه من جهة مشتريه وهو الحاكم ويتعين أحد ألفاظ الوقف. وأفهم قوله ((عبد)) أنه لا يجوز أن يشتري أمة بقيمة عبد كعكسه بل لا يجوز شراء صغير بقيمة كبير وعكسه؛ لاختلاف الغرض، وما فضل من القيمة يشترى به شقص كالأرش بخلاف نظيره الآتي في الوصية؛ لتعذر الرقبة المصرح بها فيها، فإن لم يمكن شراء شقص بالفاضل صرف للموقوف عليه. ولو أوجبت قودا استوفاه الحاكم (فإن تعذر) شراء عبد بها (فبعض عبد) يشترى بها ; لأنه أقرب لمقصوده، فإن تعذر شراء شقص صرفت للموقوف عليه نظير

(2)

ما مر. ولو جنى الموقوف جناية أوجبت مالا فهي في بيت المال

(3)

. ولو اشترى الموقوف عليه حجر رحا لرقة الموقوف

(4)

السابق كان ما اشتراه ملكه ولا ضمان عليه في استعماله الأول حتى رق.

ولو اشتراه من غلة الوقف فهو ملكه أيضا إلا أن يكون الواقف اشترط إبداله إذا صار رقيقا، وعليه حينئذٍ أن يقف الحجر الجديد، وإذا اشترى الحاكم للمسجد من غلة وقفه عقارا كان طلقا -أي ملكا للمسجد- إلا إذا رأى وقفه عليه (ولو جفت الشجرة) الموقوفة أو قلعها نحو ريح أو زمنت الدابة (لم ينقطع الوقف على المذهب) وإن امتنع وقفها ابتداء؛ لقوة الدوام (بل ينتفع بها جذعا)

(1)

خلافا لهما.

(2)

خلافا للمغني.

(3)

وفاقا للنهاية والشهاب الرملي وخلافا للمغني فاعتمد أنه يفدي من كسبه.

(4)

أي صيرورته رقيقا صفيفا.

ص: 487

وَقِيلَ تُبَاعُ، وَالثَّمَنُ كَقِيمَةِ الْعَبْدِ. وَالْأَصَحُّ جَوَازُ بَيْعِ حُصُرِ المَسْجِدِ إذَا بَلِيَتْ وَجُذُوعِهِ إذَا انْكَسَرَتْ وَلَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِلْإِحْرَاقِ. وَلَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ وَتَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ لَمْ يُبَعْ بِحَالٍ

بإجارة وغيرها فإن تعذر الانتفاع بها إلا باستهلاكها انقطع، ويملكها الموقوف عليه حينئذ، وكذا الدابة الزمنة بحيث صار لا ينتفع بها هذا إن أكلت إذ يصح بيعها للحمها بخلاف غيرها، (وقيل تباع والثمن) الذي بيعت به على هذا الوجه (كقيمة العبد) فيأتي فيه ما مر. ولو وقفت ثمرة للتفرقة على صوَّام رمضان فخشي تلفها قبله فعلى الناظر أن يبيعها ثم يشتري في رمضان بثمنها مثلها فإن كان إقراضها أصلح لهم تعين (والأصح جواز بيع حصر المسجد إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت) أو أشرفت على الانكسار (ولم تصلح إلا للإحراق)؛ لئلا تضيع فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها، ويصرف ثمنها لمصالح المسجد إن لم يمكن شراء حصير أو جذوع به. ومحل الخلاف في الموقوفة ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها بخلاف المملوكة للمسجد بنحو شراء فإنها تباع جزما. وخرج بقوله ولم تصلح الخ ما إذا أمكن أن يتخذ منه نحو ألواح فلا تباع قطعا بل يجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب لمقصود الواقف حتى لو أمكن استعماله بإدراجه في آلات العمارة امتنع بيعه، وقد تقوم قطعة جذع مقام آجرة والنحاتة مقام التراب ويختلط به أي: فيقوم مقام التبن الذي يخلط به الطين، وأجريا الخلاف في دار منهدمة

(1)

أو مشرفة على الانهدام ولم تصلح للسكنى

(2)

وأطال جمع في رده على أن بعضهم أشار للجمع بحمل الجواز على نقضها والمنع على أرضها ; لأن الانتفاع بها ممكن فلا مسوغ لبيعها (ولو انهدم مسجد وتعذرت إعادته لم يبع بحال)؛ لإمكان الانتفاع به حالا بالصلاة في أرضه، ولا ينقض إلا إن خيف على نقضه فينقض ويحفظ أو يعمر به مسجد آخر إن رآه الحاكم، والأقرب إليه أولى، لا نحو بئر أو رباط إلا إن تعذر النقل لمسجد آخر، ولو انهدم مسجد خُصَّ بطائفة تعين نقضه لمسجد خُصَّ بتلك الطائفة إن وجد. أما ريع وقف المنهدم فإن توقع عوده حفظ له وإلا صرف لمسجد آخر فإن تعذر صرف للفقراء كما

(1)

واعتمد الشهاب الرملي المنع مطلقا وحمل ابنه في النهاية الجواز على البناء خاصة دون الأرض وجزم به المغني.

(2)

واعتمده في فتح الجواد ..

ص: 488

يصرف النقض لنحو رباط، أما غير المنهدم فما فضل من غلة الموقوف على مصالحه فيشترى له بها عقار ويوقف عليه بخلاف الموقوف على عمارته يجب ادخاره لأجلها أي: إن توقعت عن قرب، ويظهر ضبطه بأن تتوقع قبل عروض ما يخشى منه عليه وإلا لم يدخر منه شيء لأجلها ; لأنه يعرضه للضياع أو لظالم يأخذه أي وحينئذ يتعين أن يشتري به عقارا له وإن أخرجه شرطه لعمارته؛ للضرورة حينئذ، وعليه ينبغي تعين صرف غلة هذا للعمارة إن وجدت ; لأنه أقرب إلى غرض الواقف المشترط له على عمارته، فإن لم يحتج لعمارة فإن أمن عليها حفظها وإلا صرفها لمصالحه -لا لمطلق مستحقيه- لأن المصالح أقرب إلى العمارة. ولو وقف أرضا للزراعة فتعذرت وانحصر النفع في الغرس أو البناء فعل الناظر أحدهما أو أجرها لذلك، فعلم أنه في حالة الضرورة يجوز مخالفة شرط الواقف للعلم بأنه لا يريد تعطيل وقفه وثوابه، نعم المقبرة الموقوفة لا يجوز للإمام إجارتها للزراعة ولو اندرست، أما المقبرة المملوكة الميؤس من معرفة مالكها والمجهولة بعمل الإمام فيها بالمصلحة.

[فرع] يجوز إيقاد اليسير في المسجد الخالي ليلا إذا توقع ولو على ندور احتياج أحد لما فيه النور، لا نهارا

؛ للسرف والتشبه بالنصارى. ولا يجوز لغير الموقوف عليه البناء مثلا في هواء الموقوف ; لأنه موقوف كما أن هواء المملوك مملوك، والمستأجر مستأجر فللمستأجر منع المؤجر من البناء فيه إن أضره.

[تنبيه] يقع كثيرا الوقف على الحرمين مع عدم بيان مصرفه

، وحينئذٍ فإن قامت قرينة على أن المراد المسجدان فقط صرفت لعمارتهما وتوابعهما دون الفقراء المجاورين فيهما وإلا حُمل على جميع الحرمين فيتخير الناظر في الصرف لعمارة المسجدين ولمن فيهما من الفقراء والمساكين

(1)

(2)

.

(1)

وفاقا لشرح الروض وعند المغني أنه يصرف للأغنياء أيضا.

(2)

وقياس ما يأتي في النذر أنه لو وقف على الكعبة صرف لمصالحها ولا يصرف للفقراء 10/ 94.

ص: 489

فصل

إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ اتُّبِعَ، وَإِلَّا فَالنَّظَرُ لِلْقَاضِي عَلَى المَذْهَبِ

(فصل) في بيان النظر على الوقف وشروطه ووظيفة الناظر

(إن) كان الوقف للاستغلال لم يتصرف فيه إلا الناظر الخاص أو العام، أو لينتفع به الموقوف عليه وأطلق أو قال كيف شاء فله استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره بأن يركبه الدابة مثلا ليقضي له عليها حاجة، ثم إن (شرط الواقف النظر لنفسه أو غيره) وكذا لو شرط نيابة النظر أي: عن كل من وليه لزيد وأولاده (اتبع) كسائر شروطه، وروى أبو داود أن عمر رضي الله عنه ولي أمر صدقته ثم جعله لحفصة ما عاشت ثم لأولي الرأي من أهلها. وقبول من شرط له النظر كقبول الوكيل

(1)

لا الموقوف عليه، ويرتد بالردّ، بل لو قبله ثم أسقط حقه منه سقط وإن شرط نظره حال الوقف فلا يعود إلا بتولية من الحاكم، نعم لو خيف من انعزاله ضرر يلحق الوقف أثم بعزله نفسه ولم ينفذ. ولا يستحق المشرف شيئا مما شرط للناظر

(2)

; لأنه لا يسمى ناظرا، ومنصوب الحاكم ونائب الناظر كالوكيل جزما (وإلا) يشرط لأحد (فالنظر للقاضي) أي قاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه ونحو إجارته وقاضي بلد الموقوف عليه بالنسبة لما عدا ذلك نظير ما مر في مال اليتيم (على المذهب) ; لأنه صاحب النظر العام فكان أولى من غيره.

[تنبيه] ليس للقاضي أخذ ما شرط للناظر إلا إن صرح الواقف بنظره كما ليس له أخذ شيء من سهم عامل الزكاة

. ولو خشي من القاضي أكل الوقف لجوره جاز لمن هو بيده صرفه في مصارفه أي: إن عرفها وإلا فوضه لفقيه عارف بها أو سأله وصرفها.

[فرع] شرط الواقفُ لناظرِ وقفِهِ فلان قدرا فلم يقبل النظر إلا بعد مدة فإن كان المعلوم

(3)

زائدا على أجرة مثله بان استحقاقه له من حين آل إليه ; لأنه لا يقصد كونه في مقابلة عمل بخلاف المعلوم المساوي لأجرة مثل نظر هذا الوقف، أو الناقص عنه لا يستحقه فيما مضى ; لأنه في مقابلة عمله ولم يوجد منه فلا وجه لاستحقاقه له.

(1)

فلا يشترط قبوله لفظا.

(2)

خلافا لهما.

(3)

خلافا للشهاب الرملي في فتواه حيث لم يقيد بذلك.

ص: 490

وَشَرْطُ النَّاظِرِ الْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ، وَالِاهْتِدَاءُ إلَى التَّصَرُّفِ. وَوَظِيفَتُهُ الْعِمَارَةُ وَالْإِجَارَةُ وَتَحْصِيلُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَتَعَدَّهُ

(وشرط الناظر) الواقف وغيره (العدالة) الباطنة مطلقا

(1)

فينعزل بالفسق المحقق بخلاف نحو كذب أمكن أن له فيه عذرا، وإذا انعزل بالفسق فالنظر للحاكم (والكفاية) لما تولاه من نظر خاص أو عام (و) هي (الاهتداء إلى التصرف) المفوَّض إليه كما في الوصي والقيم ; لأنه ولاية على الغير، وعند زوال الأهلية يكون النظر للحاكم، فإن عادت الأهلية لم يعد النظر له إلا إن كان نظره بشرط الواقف (ووظيفته) عند الإطلاق حفظ الأصول والغلات على الاحتياط، و (الإجارة

(2)

) بأجرة المثل لغير محجوره إلا أن يكون الناظر هو المستحق كما مر (والعمارة) وكذا الاقتراض على الوقف عند الحاجة لكن إن شرط له الواقف أو أذن له القاضي -سواء مال نفسه وغيره- وإذا أذن له فيه صدق فيه ما دام ناظرا لا بعد عزله (وتحصيل الغلة وقسمتها) على مستحقيها ; لأنها المعهودة في مثله ويلزمه رعاية زمن عيَّنَه الواقف.

ولو استناب في شيء من وظيفته غيره فالأجرة عليه لا على الوقف، وله التولية والعزل أيضا، ولا نظر للحاكم مع الناظر ولا تصرف بل نظره معه نظر إحاطة ورعاية، ومحل ما ذكر في المتن والشرح من الوظائف ما إذا أطلق نظره أو فوَّض إليه جميع ذلك (فإن فوض إليه بعض هذه الأمور لم يتعده)؛ اتباعا للشرط، وللناظر ما شرط له من الأجرة وإن زاد على أجرة مثله ما لم يكن الواقف كما مر، فإن لم يشرط له شيء فلا أجرة له، نعم له رفع الأمر إلى الحاكم ليقرر له الأقل من نفقته وأجرة مثله كولي اليتيم ولأنه الأحوط للوقف

(3)

.

[فرع] ما يشتريه الناظر من ماله أو من ريع الوقف لا يصير وقفا إلا إن وقفه الناظر بخلاف بدل الموقوف، والمنشئ لوقفه هو الحاكم كما مر، والفرق أن الوقف ثَم فات بالكلية بخلافه هنا. أما ما يبنيه من ماله أو من ريع الوقف في نحو الجدر الموقوفة فيصير وقفا بالبناء

(1)

وفاقا للرملي وخلافا للمغني في اكتفائه بالظاهرة في منصوب الواقف.

(2)

وتقدم في الوقف أنه يصح إجارة الوقف مدة تبقى فيها العين غالبا إن وقع على وفق الحاجة والمصلحة لعين الوقف بأن توقفت عمارته على تلك المدة الطويلة لا للموقوف عليهم 6/ 172، وتقدم في البيع أنه يجوز الإجارة لمدة لا يبقى إليها العاقدان غالبا نحو مائتين سنه وأن الشرط أن لا يبعد بقاء الدنيا إليها كألف سنه 4/ 297.

(3)

ولا يقبل قول قيم الوقف بالاستدانة بعد عزله كما أشار إليه الشارح في الوكالة 5/ 348.

ص: 491

وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُ مَنْ وَلَّاهُ، وَنَصْبُ غَيْرِهِ. إلَّا أَنْ يَشْرِطَ نَظَرَهُ حَالَ الْوَقْفِ. وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ فَزَادَتِ الْأُجْرَةُ فِي المُدَّةِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ. لجهة الوقف أي: بنية ذلك مع البناء. ولو وقف أرضا ليصرف من غلتها كل شهر كذا ففضل عنه شيء عند انقضاء الشهر اشترى به عقارا أو بعضه ووقفه، فإن قلّ الفاضل جمعه من شهور متعددة واشترى به عقارا أو بعضه ووقفه

(1)

(وللواقف عزل من ولاه) نائبا عنه بأن شرط النظر لنفسه (ونصب غيره) كالوكيل، وليس للواقف والناظر عزل نحو المدرس بلا سبب فإن عزله بسبب لم يلزمه بيانه إن وثق بعلمه ودينه وإلا لزمه

(2)

.

[فرع] طلب المستحقون من الناظر كتاب وقف ليكتبوا منه نسخة حفظا لاستحقاقهم لزمه تمكينهم

. ولو تغيرت المعاملة وجب ما شرطه الواقف مما كان يتعامل به حال الوقف زاد سعره أو نقص سهل تحصيله أوْ لا، فإن فقد اعتبرت قيمته يوم المطالبة إن لم يكن له مثل حينئذ وإلا وجب مثله (إلا أن يشرط نظره) أو تدريسه مثلا (حال الوقف) بأن يقول وقفت هذه مدرسة بشرط أن فلانا ناظرها أو مدرسها فليس له كغيره عزله من غير سبب

(3)

يخل بنظره ; لأنه لا نظر له بعد شرطه لغيره، ومن ثم لو عزل المشروط له نفسه لم ينصب بدله إلا الحاكم كما مر. أما لو قال وقفته وفوضت ذلك إليه فليس كالشرط، ولو شرطه للأرشد من أهل الوقف استحقه الأرشد منهم وإن حجب بأبيه مثلا لكونه وقف ترتيب ; لأنه مع ذلك من أهله، ولو استوى اثنان في أصل الأرشدية وزاد أحدهما بتمييز في صلاح الدين أو المال فهو الأرشد، وإن زاد واحد في الدين وواحد في المال فالأوجه استواؤهما فيشتركان، ولو انفرد واحد بالرشد بأن لم يشاركه في أصله غيره كان هو الناظر، ولا نظر لمفهوم أفعل من المشاركة (وإذا آجر الناظر) الوقف على معين، أو جهة إجارة صحيحة (فزادت الأجرة في المدة، أو ظهر طالب بالزيادة) ومحل الخلاف إن كثر من يطلب الزيادة وإلا لم تعتبر جزما (لم ينفسخ العقد في الأصح) ; لأنه جرى بالغبطة في وقته فأشبه ارتفاع القيمة أو الأجرة بعد بيع

(1)

ولا يسلم الثمن حتى يقبض المبيع كما مر في البيع 4/ 421.

(2)

ذكر الشارح في الجعالة جواز الاستنابة في الإمامة والتدريس وسائر الوظائف القابلة للنيابة وإن لم يأذن الواقف إذا استناب مثله أو خيرا منه ويستحق المستنيب كل المعلوم 6/ 373.

(3)

أي بخلافه بسبب وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 492

أو إجارة مال المحجور، ومر أنه لو كان هو المستحق أو أذن له جاز إيجاره بدون أجرة المثل، وعليه فينبغي انفساخها بانتقالها لغيره ممن لم يأذن في ذلك

[تنبيه] لو عقد بأجرة المثل التي تنتهي إليها الرغبات حالة العقد في جميع المدة المعقود عليها ثم زادت أجرة المثل بعد مدة لم ينظر لتلك الزيادة

ولم تبطل الإجارة.

ولو دفع الناظر للمستحق ما آجر به الوقف مدة فمات المستحق أثناءها رجع من استحق بعده على تركته بحصة ما بقي من المدة، ثم إن قصرت المدة بحيث يغلب على الظن حياة الموقوف عليه إلى انتهائها وخاف عليها الناظر من بقائها عنده أو عند غيره لم يكن طريقا وإلا كان. ولو حكم حاكم بصحة إجارة وقف وأن الأجرة أجرة المثل فإن ثبت بالتواتر أنها دونها تبين بطلان الحكم والإجارة وإلا فلا كما يأتي بسطه آخر الدعاوى

(1)

.

(1)

خاتمة: تقدم في الغصب أنه لو شغل شخص نحو المسجد بمتاع لا يعتاد الجالس فيه وضعه فيه بدون مصلحة زمنا لمثله أجرة وأغلقه لزمته أجرة جميعه

الخ 5/ 30.

ص: 493

‌كتاب الهبة

التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ هِبَةٌ، فَإِنْ مَلَّكَ مُحْتَاجًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ نَقَلَهُ إلَى مَكَانِ المَوْهُوبِ إكْرَامًا لَهُ فَهَدِيَّةٌ. وَشَرْطُ الهِبَةِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ لَفْظًا

(كتاب الهبة)

من هب إذا مرّ؛ أو إذا استيقظ. والأصل في ندبها بسائر أنواعها الآتية -قبل الإجماع- الكتاب والسنة وورد ((تهادوا تحابّوا))، نعم يستثنى من ذلك

(1)

أرباب الولايات والعمال فإنه يحرم عليهم قبول الهبة والهدية بتفصيله الآتي في القضاء. ويحرم الإهداء لمن يظن فيه صرفها في معصية (التمليك) لعين أو دين بتفصيله الآتي أو منفعة على ما يأتي (بلا عوض هبة) بالمعنى الأعم الشامل للهدية والصدقة وقسيمهما. فخرج بالتمليك العارية والضيافة فإنها إباحة والملك إنما يحصل بالازدراد، والوقف فإنه بمنزلة الإباحة

(2)

، ولا تخرج الهدية من الأضحية لغني فإن فيه تمليكا، وبلا عوض نحو البيع كالهبة بثواب وسيأتي. وزيد في الحد في الحياة لتخرج الوصية فإن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت، وتطوعا ليخرج نحو الزكاة والنذر والكفارة (فإن مَلَّك) أي: أعطى شيئا بلا عوض (محتاجا) وإن لم يقصد الثواب، أو غنيا (لثواب الآخرة) أي لأجله (فصدقة) أيضا، وهي أفضل الثلاثة، (وإن نقله) أي المُمَلَّك بلا عوض (إلى مكان الموهوب له إكراما) -بخلاف ما ينقل للرشوة أو لخوف الهجو مثلا- (فهدية) ولا يقع اسم الهدية على ما لا ينقل كالعقار بخلاف الإهداء فيطلق على ذلك (وشرط الهبة) التي هي قسيم للصدقة والهدية -والمراد بالشرط هنا ركنها- فالأول عاقدان والثاني الموهوب، والركن الثالث (إيجاب) كوهبتك ومنحتك وملكتك

(3)

وعظمتك وأكرمتك ونحلتك هذا، وكذا أطعمتك ولو في غير الطعام (وقبول) كقبلت واتهبت ورضيت (لفظا

(4)

في حق الناطق وإشارة في حق الأخرس; لأنها تمليك في الحياة كالبيع، ومن ثم انعقدت

(1)

. وتقدم في التيمم أنه لو وهب له ماء وجب القبول 1/ 338.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(3)

. أما إن قال وهبتك أو ملكتك ذا بكذا فهو صريح بيع كما تقدم في بابه 4/ 218.

(4)

. ولو من ناظر الوقف كما نص عليه الشارح في بابه 6/ 252.

ص: 497

وَلَا يُشْتَرَطَانِ فِي الهَدِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ هَذَا وَالْقَبْضُ مِنْ ذَاكَ.

بالكناية

(1)

مع النية كلك أو كسوتك هذا، ولا تقع بالمعاطاة. واشترط هنا في الأركان الثلاثة جميع ما مر فيها ثَم

(2)

، ومنه

(3)

موافقة القبول للإيجاب فلو قال وهبتك هذا أو وهبتكما فقبل الأول أو أحد الاثنين نصفه لم يصح

(4)

، ومنه أيضا اشتراط الفورية في الصيغة وأنه لا يضر الفصل إلا بأجنبي، وليس من المضر وهبتك وسلطتك على قبضه. وقد لا تشترط الصيغة كما لو كانت ضمنية كأعتق عبدك عني فأعتقه وإن لم يقل مجانا، وكخِلع الملوك؛ لاعتياد عدم اللفظ فيها، وقد لا يشترط قبول كهبة النوبة من الضرة للضرة الأخرى. ولو قال اشتر لي بدرهمٍ خبزا فاشترى له كان الدرهم قرضا لا هبة

(5)

. ولو زيّن الأصل ولده الصغير بحلي اشترط لحصول الهبة توليه الطرفين بإيجاب وقبول، أما هبة ولي غير الأصل فيقبلها الحاكم أو نائبه، ومثل الابن هنا ما لو زين زوجته فلابد من صيغة

(6)

، ولو جهّز بنته بأمتعة بلا تمليك صدق بيمينه في أنه لم يملكها إن ادعت الملك، ولو بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج وقال هذا جهاز بنتي فهو ملك لها وإلا فهو عارية. (ولا يشترطان) أي الإيجاب والقبول (في) الصدقة بل يكفي الإعطاء والأخذ; لأن كونه محتاجا، أو قصده الثواب يصرف الإعطاء للتمليك حينئذ، ولا في (الهدية) ولو لغير مأكول (على الصحيح، بل يكفي البعث

(7)

من هذا) ويكون كالإيجاب (والقبض من ذاك) ويكون كالقبول؛ لأن ذلك هو عادة السلف. وشرط الواهب أهلية التبرع، والمتهب أهلية الملك فلا تصح هبة ولي ولا مكاتب بغير إذن سيده ولا تصح الهبة بأنواعها مع شرط مفسد كأن لا تزيله عن ملكك ولا مؤقتة ولا معلقة إلا في

(1)

. ومنها ((هو له من مالي))، كما نص عليه في الوصية 7/ 35.

(2)

. نعم ذكر الشارح في الضمان صحة هبة المبعض في نوبة السيد بغير إذنه بخلاف شرائه لنفسه، وذكر في الوقف أنه لو وهب لعبد وأطلق انصرف لسيده، والقبول من العبد وإن نهاه سيد.

(3)

. خلافا للمغني.

(4)

. خلافا للمغني والرملي في غير النهاية.

(5)

. خلافا للمغني.

(6)

. قال الشارح في كتاب النفقات ولو اختلفت هي والزوج في الإهداء والعارية صدق، ومثله وارثه 8/ 319.

(7)

. ذكر الشارح في كتاب النفقة أن التعبير في الهدية بالبعث والإكرام للغالب.

ص: 498

وَلَوْ قَالَ أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ لِوَرَثَتِك فَهِيَ هِبَةٌ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَعَمَرْتُك فَكَذَا فِي الجَدِيدِ، وَلَوْ قَالَ فَإِذَا مِتُّ عَادَتْ إلَيَّ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ: أَرْقَبْتُكَ أَوْ جَعَلْتُهَا لَك رُقْبَى: أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك فَالمَذْهَبُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ

مسائل العمرى، والرقبى كما قال:(ولو قال) عالم بمعنى هذه الألفاظ أو جاهل بها لكنه يعرف معنى اللفظ ولو بوجه حتى يقصده، نعم لا يصدق من أتى بصريح في أنه جاهل بمعناه إلا إن دلت قرينة حاله على ذلك كعدم مخالطته لمن يعرف ذلك (أعمرتك هذه الدار)، أو هذا الحيوان مثلا أي: جعلتها لك عمرك (فإذا مت فهي لورثتك) أو لعقبك (فهي) أي: الصيغة المذكورة (هبة) فيعتبر قبولها وأحكامها، وتلزم بالقبض وتكون لورثته ولا تختص بعقبه إلغاءً لظاهر لفظه؛ عملا بالخبر الآتي. ولا تعود للواهب بحال؛ لخبر مسلم ((أيما رجل أعمر عمرى فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها)) (ولو اقتصر على أعمرتك) كذا ولم يتعرض لما بعد الموت (فكذا) هو هبة (في الجديد)؛ لخبر الشيخين ((العمرى ميراث لأهلها)) (ولو قال) أعمرتك هذه، أو جعلتها لك عمرك أووهبتك هذه عمرك (فإذا مت عادت إلي) أو إلى ورثتي إن كنت مت (فكذا) هو هبة (في الأصح)؛ إلغاءً للشرط الفاسد، وإن ظن لزومه، لإطلاق الأخبار الصحيحة. وخرج بعمرك عمري أو عمر زيد فتبطل; لأنه تأقيت حقيقة إذ قد يموت هذا أو الأجنبي أوّلاً (ولو قال

(1)

أرقبتك) هذه من الرقوب; لأن كل واحد يرقب موت صاحبه (أو جعلتها لك رقبى) واقتصر على ذلك، أو ضم إليه ما بعد ((أي)) التفسيرية في قوله:(أي إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين الجديد والقديم) فعلى الجديد الأصح تصح ويلغو الشرط الفاسد فيشترط قبولها والقبض، وذلك؛ لخبر أبي داود والنسائي ((لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته))، والنهي للتنزيه

(2)

.

(1)

. من علم بهذه الألفاظ كما أشار إليه الشارح في الأيمان 10/ 97.

(2)

. خلافا للمغني.

ص: 499

وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ، وَمَا لَا كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ وَضَالٍّ فَلَا إلَّا حَبَّتَيْ الحِنْطَةٍ وَنَحْوِهِمَا

(وما جاز بيعه جاز هبته) بالأولى; لأنها أوسع، نعم المنافع يصح بيعها بالإجارة وفي هبتها وجهان أحدهما أنها ليست بتمليك؛ بناء على أن ما وهبت منافعه عارية، والثاني أنها تمليك

(1)

بناء على أن ما وهبت منافعه أمانة، وعليه فلا يلزم إلا بالقبض، ويكون القبض بالاستيفاء لا بقبض العين. والموصوف في الذمة يصح بيعه لا هبته فوهبتك ألف درهم في ذمتي باطل وإن عينه في المجلس وقبضه، والمريض يصح بيعه لوارثه بثمن المثل لا هبته له بل يكون وصية، والولي والمكاتب يجوز بيعهما لا هبتهما، والمرهونة إذا أعتقها معسرا أو استولدها يجوز بيعها؛ للضرورة لا هبتها ولو للمرتهن (وما لا) يجوز بيعه (كمجهول ومغصوب) لغير قادر على انتزاعه (وضال) وآبق (فلا) تجوز هبته بجامع أن كلا منهما تمليك في الحياة (إلا) في مال وقف بين جمع للجهل بمستحقه فيجوز الصلح بينهم فيه على تساوٍ أو تفاوت؛ للضرورة، قال الإمام: ولا بد أن يجري بينهم تواهب ولبعضهم إخراج نفسه من البين. و لولي محجور الصلح له بشرط أن لا ينقص عما بيده كما يعلم مما يأتي قبيل خيار النكاح، وإلا فيما إذا اختلط متاعه بمتاع غيره فوهب أحدهما نصيبه لصاحبه فيصح مع جهل قدره وصفته؛ للضرورة، وإلا فيما لو قال لغيره: أنت في حل مما تأخذ أو تعطي أو تأكل من مالي فله الأكل فقط; لأنه إباحة وهي تصح بمجهول بخلاف الأخذ والإعطاء، وفي خذ من عنب كرمي ما شئت لا يزيد على عنقود; لأنه أقل ما يقع عليه الاسم، ولو قال أبحت لك ما في داري أو ما في كرْمي اقتصرت الإباحة على الموجود عند الهبة في الدار والكرم، ولو قال أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا ولم يعلم المبيح الجميع لم تحصل الإباحة؛ لجهلة من كل وجه، وإلا (حبتي الحنطة ونحوهما) من المحقرات فإنه يمتنع بيعها لا هبتها اتفاقا؛ لأن غير المتمول مال مملوك، ويصح رفع اليد بدون مقابل في الكلب وكذا الجلد أو الدهن النجس، وإلا جلد الأضحية ولحمها لا يصح نحو بيعه بخلاف التصدق به وهو نوع من الهبة، وإلا حق التحجر لا يصح نحو بيعه وتصح هبته أي بمعنى نقل اليد أيضا حتى يصير الثاني أحق به وكذا طعام الغنيمة بدار الحرب، و إلا الثمر ونحوه قبل بدو صلاحه تصح هبته من غير شرط قطع، وإلا هبة أرض

(1)

. وهو المعتمد كما في شرح الإرشاد الذي أحال عليه الشارح هنا، ومال الشارح هنا إلى الوجه الأول.

ص: 500

وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ وَلِغَيْرِهِ بَاطِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُمْلَكُ مَوْهُوبٌ إلَّا بِقَبْضٍ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ

مع بذر أو زرع لا يفرد بالبيع فتصح في الأرض؛ لانتفاء مبطل البيع فيهما من الجهل بما يخصها من الثمن عند التوزيع.

(وهبة الدين) المستقر (للمدين) أو التصدق به عليه (إبراء) فلا تحتاج إلى قبول؛ نظرا للمعنى (و) هبته (لغيره) أي المدين (باطلة في الأصح)؛ بناء على ما قدمه من بطلان بيع الدين لغير من هو عليه، أما على مقابله الأصح كما مر فتصح

(1)

هبته بالأولى، وعلى الصحة لا تلزم إلا بالقبض. ولو تبرع موقوف عليه بحصته من الأجرة لآخر لم يصح; لأنها قبل قبضها إما غير مملوكة له أو مجهولة، فإن قبض هو أو وكيله منها شيئا قبل التبرع وعرف حصته منه ورآه هو أو وكيله وأذن له في قبضه وقبضه صحّ وإلا فلا، ولا يصح إذنه لجابي الوقف؛ أنه إذا قبضه يعطيه للمتبرَّع عليه; لأنه توكيل قبل الملك على أنه في مجهول (ولا يملك) في غير الهبة الضمنية (موهوب) -بالمعنى الأعم الشامل لجميع ما مر

(2)

- ولو من أب لولده الصغير (إلا بقبض)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أهدى إلى النجاشي هدية فمات قبل أن تصل إليه فقسمها صلى الله عليه وسلم بين نسائه، والقبض هنا كقبض المبيع فيما مر بتفصيله، نعم لا يكفي هنا الإتلاف ولا الوضع بين يديه بلا إذن; لأن قبضه غير مستحق كالوديعة فاشتراط تحققه بخلاف المبيع. والهبة الفاسدة المقبوضة كالصحيحة في عدم الضمان لا الملك. وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب، أو (بإذن الواهب) أو وكيله فيه أو فيما يتضمنه كالإعتاق بخلاف نحو الأكل، ولا بد من الإذن وإن كان في يد المتهب فلو قبضه من غير إذن ضمنه، ولو أذن ورجع عن الإذن أو جن أو أغمي أو حجر عليه أو مات أحدهما قبل القبض بطل الإذن، ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الإذن قبله وقال المتهب بعده صُدِّق المتهب

(3)

. ويكفي الإقرار بالقبض كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته فقال نعم. والإقرار أو الشهادة بمجرد الهبة لا يستلزم القبض، نعم يكفي

(1)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي ووفاقا للمنهج.

(2)

. أي من الهبة والهدية والصدقة.

(3)

. خلافا للروض والمغني.

ص: 501

فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الهِبَةِ وَالْقَبْضِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، وَقِيلَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. وَيُسَنُّ لِلْوَالِدِ الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَقِيلَ كَقِسْمَةِ الْإِرْثِ ..

عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما كما مر. والهبة ذات الثواب بيع

(1)

فإذا أقبض الثواب استقل بالقبض (فلو مات أحدهما) أي الواهب والمتهب بالمعنى الأعم الشامل للهدية والصدقة (بين الهبة والقبض قام وارثه مقامه) في القبض والإقباض; لأنه خليفته، (وقيل ينفسخ العقد) بالموت؛ لجوازه كالشركة. ولا تبطل الهبة بجنون الواهب وإغمائه فيكفي إقباضه بعد إفاقته لا إقباض وليه قبلها وكذا المتهب، نعم لوليه القبض قبل إفاقته. (ويسن للوالد) أي: الأصل وإن علا (العدل في عطية أولاده) أي: فروعه وإن سفلوا ولو الأحفاد مع وجود الأولاد -سواء أكانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر- فإن لم يعدل لغير عذر كره. والأصل في ذلك خبر البخاري ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم))، فإن فضَّل البعض أعطى الآخرين ما يحصل به العدل وإلا رجع ندبا؛ للأمر به في رواية، نعم الأوجه أنه لو علم من المحروم الرضا وظن عقوق غيره لفقره ورقة دينه لم يسن الرجوع ولم يكره التفضيل كما لو أحرم من الهبة فاسقا؛ لئلا يصرفه في معصية، أو عاقا أو زاد أو آثر الأحوج أو المتميز بنحو فضل. والأوجه أن تخصيص بعضهم بالرجوع في هبته كهو بالهبة. وذكره للعطية مثال وذلك؛ لأنه يطلب التسوية في غيرها كالتودد بالكلام للمميزين إلا لعذر أيضا كتميّز أحدهم. ويسن للولد أيضا العدل في عطية أصوله فإن فضَّل كره، نعم لا يكره

(2)

أن يفضل الأم؛ لما ورد أن لها ثلثي البر. ويسن العدل بين نحو الإخوة أيضا لكنها دون طلبها في الأولاد، وإنما يحصل العدل بين من ذكر (بأن يسوي بين الذكر والأنثى) وورد ((ساووا بين أولادكم في العطية)) (وقيل كقسمة الإرث).

[فرع] أعطى آخر دراهم ليشتري بها عمامة مثلا ولم تدل قرينة حاله على أن قصده مجرد التبسط المعتاد لزمه شراء ما ذكر وإن ملكه

؛ لأنه ملك مقيد يصرفه فيما عينه المعطي، ولو مات

(1)

. أي إن ذكر البدل وإلا فكنايه قرض كما أفاده الشارح في القرض، ثم ذكر ضابطا هو أنه حيث كان اللفظ المأتي به كناية صدق الدافع في نيته به، أو صريحا في التملك بلا بدل صدق الآخذ في نفي ذكر البدل أو نيته 5/ 38.

(2)

. عندهما مكروه.

ص: 502

وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ وَكَذَا لِسَائِرِ الْأُصُولِ عَلَى المَشْهُورِ. وَشَرْطُ رُجُوعِهِ بَقَاءُ المَوْهُوبِ فِي سَلْطَنَةِ المُتَّهَبِ فَيَمْتَنِعُ بِبَيْعِهِ

قبل صرفه في ذلك انتقل لورثته ملكا مطلقا؛ لزوال التقييد بموته، أو بشرط أن يشتري بها ذلك بطل الإعطاء من أصله; لأن الشرط صريح في المناقضة لا يقبل تأويلا بخلاف غيره. (وللأب الرجوع

(1)

في هبة ولده

(2)

-عينا بالمعنى الأعم الشامل للهدية والصدقة- وإن كان الولد فقيرا صغيرا مخالفا له دينا؛ للخبر الصحيح ((لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده))، ويكره له الرجوع إلا لعذر كأن كان الولد عاقا أو يصرفه في معصية فلينذره به فإن أصر لم يكره. وبُحث ندبه في العاصي وكراهته في العاق إن زاد عقوقه وندبه إن أزاله وإباحته إن لم يفد شيئا، وعدم كراهته إن احتاج الأب له لنفقة أو دين بل ندبه إن كان الولد غنيا عنه، ووجوبه في العاصي إن تعين طريقا في ظنه إلى كفه عن المعصية، وامتناعه في صدقة واجبة كزكاة ونذر وكفارة وكذا في لحم أضحية تطوع; لأنه إنما يرجع ليستقل بالتصرف وهو فيه ممتنع. ولا رجوع في هبة بثواب بخلافها بلا ثواب وإن أثابه عليها ولا فيما لو وهبه دينا عليه إذ لا يمكن عوده بعد سقوطه، ويجوز الرجوع في بعض الموهوب ولا يسقط بالإسقاط، وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه إن فسره بالهبة، ولو وهب وأقبض ومات فادعى وارثه كونه في المرض والمتهب كونه في الصحة صدق المتهب، ولو قدما بينتين قدمت بينه الوارث؛ لأنها معها زيادة علم، (وكذا لسائر الأصول) من الجهتين وإن علوا الرجوع كالأب فيما ذكر (على المشهور) كما في عتقهم ونفقتهم وسقوط القود عنهم، ويختص الرجوع بالواهب فلا يجوز لأبيه لو مات ولم يرثه فرعه الموهوب له (وشرط رجوعه بقاء الموهوب في سلطنة المتهب) -أي استيلائه- وكونه غير متعلق به حق لازم يمنع البيع وإن طرأ عليه حجر سفه (فيمتنع) الرجوع (ببيعه) كله وكذا بعضه بالنسبة لما باعه وإن كان الخيار باقيا للولد

(3)

، نعم يجوز إن كان البيع من أبيه الواهب وخياره باق. ولو وهبه مشاعا

(1)

. ذكر الشارح في الوكالة عن الغزالي أنه لو كان بيد ابن الميت عين فقال وهبنيها أبي وأقبضنيها في الصحة فأقام باقي الورثة بينة برجوعه في هبته ولم تذكر البينة ما رجع فيه لم تنزع من يده؛ لاحتمال أن هذه العين ليست المرجوع عنها

الخ 5/ 338.

(2)

. ولو كانت أمة تحل للولد وفرق بينها الشارح وبين إعارة الجواري للوطء في القرض 5/ 43.

(3)

. خلافا لهما.

ص: 503

وَوَقْفِهِ، لَا بِرَهْنِهِ وَهِبَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقِهِ وَتَزْوِيجِهَا وَزِرَاعَتِهَا، وَكَذَا الْإِجَارَةُ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ وَعَادَ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ زَادَ رَجَعَ بِزِيَادَتِهِ المُتَّصِلَةِ لَا المُنْفَصِلَةِ

فاقتسمه ثم رجع بما يخص ولده بالقسمة جاز إن كانت القسمة إفرازا وإلا لم يرجع إلا فيما لم يخرج عن ملكه، فلو كانت الشركة بالنصف رجع في نصفه فقط ولا تنقض القسمة (ووقفه) مع القبول إن شرطناه; لأنه قبله لم يوجد عقد يفضي إلى خروجه عن ملكه، ويمتنع أيضا بتعلق أرش جناية برقبته ما لم يؤده الراجع، وبحجر القاضي على المتهب لإفلاسه ما لم ينفك الحجر والعين باقية، وبتخمر عصير ما لم يتخلل; لأن ملك الخل سببه ملك العصير وألحق به الأذرعي دبغ جلد الميتة، وبإحرام الواهب والموهوب صيد ما لم يتحلل، وبردة الواهب ما لم يسلم; لأن ماله موقوف والرجوع لا يوقف ولا يعلق. ولا رجوع إن تعفن بذر وإن أنبت ولا بصيرورة بيضٍ دما وإن تفرخ، و (لا) بنحو غصبه وإباقه، ولا (برهنه) قبل القبض (وهبته قبل القبض)؛ لبقاء السلطنة بخلافهما بعده والمرتهن غير الواهب؛ لزوالها وإن كانت الهبة من الابن لابنه أو لأخيه لأبيه; لأن الملك غير مستفاد من الجد أو الأب، ويصح رجوع الأب ولو في مرض الابن الذي مات فيه (ولا) بنحو (تعليق عتقه) وتدبيره والوصية به (وتزويجها وزراعتها)؛ لبقاء السلطنة (وكذا الإجارة على المذهب)؛ لبقاء العين بحالها ومورد الإجارة المنفعة فيستوفيها المستأجر من غير رجوع للواهب بشيء على المؤجر (ولو زال ملكه) أي الفرع عن الموهوب (وعاد) ولو بإقالة أو رد بعيب (لم يرجع) الأصل الواهب له (في الأصح) ; لأن الملك غير مستفاد منه حينئذ، نعم قد يزول ويرجع كما مر في نحو تخمر العصير. ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه ثم رجع فيه لم يرجع الجد (ولو زاد رجع بزيادته المتصلة) ; لأنها تابعة، ومنها تَعَلُّم صنعة وحرفة وحرث الأرض وإن زادت بها القيمة، نعم لا يرجع الواهب بحمل عند الرجوع حدث بيد المتهب -وإن كان له الرجوع في الأم قبل الوضع- بخلاف طلع حدث ولم يتأبر فيرجع فيه (لا المنفصلة) ككسب وأجرة فلا يرجع فيها؛ لحدوثها بملك المتهب، وليس منها حمل عند القبض وإن انفصل في يده. وسكت عن النقص، وحكمه أنه: لا يرجع بأرشه مطلقا، ويُبْقَى غراس متهب وبناؤه بأجرة أو يقلع بأرش أو يتملك بقيمته، وزرعه إلى الحصاد مجانا؛ لاحترامه بوضعه له حال ملكه الأرض، ولو عمل فيه نحو قصارة أو صبغ فإن زادت به قيمته شارك بالزائد وإلا فلا شيء له.

ص: 504

وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِرَجَعْتُ فِيمَا وَهَبْتُ أَوِ اسْتَرْجَعْتُهُ أَوْ رَدَدْتُهُ إلَى مِلْكِي أَوْ نَقَضْتُ الهِبَةَ. لَا بِبَيْعِهِ وَوَقْفِهِ وَهِبَتِهِ وَإِعْتَاقِهِ وَوَطْئِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَا رُجُوعَ لِغَيْرِ الْأُصُولِ فِي هِبَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْيِ الثَّوَابِ. وَمَتَى وَهَبَ مُطْلَقًا فَلَا ثَوَابَ إنْ وَهَبَ لِدُونِهِ، وَكَذَا لِأَعْلَى مِنْهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلِنَظِيرِهِ عَلَى المَذْهَبِ، فَإِنْ وَجَبَ الثَّوَابُ فَهُوَ قِيمَةُ المَوْهُوبِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ وَهَبَ بِشَرْطِ ثَوَابٍ مَعْلُومٍ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَيَكُونُ بَيْعًا عَلَى الصَّحِيحِ،

(ويحصل الرجوع برجعت فيما وهبت أو استرجعته أو رددته إلى ملكي أو نقضت الهبة) أو أبطلتها أو فسختها وبكناية مع النية كأخذته وقبضته; لأن هذه تفيد المقصود لصراحتها فيه (لا ببيعه ووقفه وهبته) بعد القبض (وإعتاقه ووطئها) الذي لم تحمل منه (في الأصح)؛ لكمال ملك الفرع فلم يقو الفعل على إزالته. أما هبته قبل القبض فلا تؤثر رجوعا قطعا، وعليه بالاستيلاد القيمة وبالوطء مهر المثل وهو حرام وإن قصد به الرجوع وبقاء يده عليه بعد الرجوع أمانة (ولا رجوع لغير الأصول في هبة) مطلقة أو (مقيدة بنفي الثواب) أي العوض؛ للخبر السابق، (ومتى وهب مطلِقا) بأن لم يقيد بثواب ولا عدمه (فلا ثواب) أي: عوض (إن وهب لدونه) في المرتبة الدنيوية؛ إذ لا يقتضيه لفظ ولا عادة (وكذا) لا ثواب له -وإن نواه- إن وهب (لأعلى منه) في ذلك (في الأظهر) كما لو أعاره داره؛ إلحاقا للأعيان بالمنافع (و) كذا لا ثواب له نواه أوْ لا إن وهب (لنظيره على المذهب) ; لأن القصد حينئذ الصلة، وتأكد الصداقة والهدية كالهبة فيما ذكر وكذا الصدقة، نعم لو ظهر حالة الإهداء قرينة حالية أو لفظية دالة على طلب الثواب وجب هو أو الرد. ولو قال وهبتك ببدل فقال بل بلا بدل صدق المتهب; لأن الأصل عدم البدل. ولو أهدى له شيئا على أن يقضي له حاجة فلم يفعل لزمه رده إن بقي وإلا فبدله (فإن وجب الثواب) على الضعيف أو لعدم إرادة المتهب ردها (فهو قيمة الموهوب) ولو مثليا أي: قدرها يوم قبضه (في الأصح) فلا يتعين للثواب جنس من الأموال بل الخيرة فيه للمتهب (فإن) قلنا تجب إثابته و (لم يثبه) هو ولا غيره (فله الرجوع) في هبته؛ لأثرٍ فيه (ولو وهب بشرط ثواب معلوم) كوهبتك هذا على أن تثيبني كذا فقبل (فالأظهر صحة العقد)؛ نظرا للمعنى إذ هو معاوضة بمال معلوم فكان كبعتك (و) من ثم (يكون بيعا على الصحيح) فيجري فيه عقب العقد أحكامه كالخيارين على ما مر والشفعة

ص: 505

أَوْ مَجْهُولٍ فَالمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ. وَلَوْ بَعَثَ هَدِيَّةً فِي ظَرْفٍ فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ فَهُوَ هَدِيَّةٌ أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا، وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا فِي أَكْلِ الهَدِيَّةِ مِنْهُ إنِ اقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ

وعدم توقف الملك على القبض (أو) بشرط ثواب (مجهول فالمذهب بطلانه)؛ لتعذر تصحيحها بيعا؛ لجهالة العوض، وهبة؛ لذكر الثواب بناء على الأصح أنه لا تقتضيه (ولو بعث هدية في ظرف) أو وهب شيئا في ظرف من غير بعثٍ (فإن لم تجر العادة برده كقوصرَّة تمر) -أي وعائه الذي يكنز فيه من نحو خوص ولا يسمى بذلك إلا وهو فيه وإلا فهو زنبيل- وكعلبة حلوى (فهو هدية) أو هبة (أيضا) أي كما فيه؛ تحكيما للعرف المطرد، واختلفوا في كتاب الرسالة الذي لم تدل قرينة على عوده

(1)

(وإلا) بأن اعتيد رده (فلا) يكون هدية بل أمانة في يده كالوديعة (ويحرم استعماله) ; لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه (إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة)؛ عملا بها ويكون عارية حينئذ، ويسن رد الوعاء حالا؛ لخبر فيه. وهذا في مأكول أما غيره فيختلف رد ظرفه باختلاف عادة النواحي فيتجه العمل في كل ناحية بعرفهم وفي كل قوم عرفهم باختلاف طبقاتهم.

[فرع] الهدايا المحمولة عند الختان ملك للأب

وقيل للابن فعليه يلزم الأب قبولها أي حيث لا محذور، ومنه أن يقصد التقرب للأب وهو نحو قاضٍ فلا يجوز له القبول، ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما وإلا فهي لمن قصده اتفاقا، ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفية فهو له فقط عند الإطلاق أو قصده، ولهم عند قصدهم، وله ولهم عند قصدهما أي ويكون له النصف، وقضية ذلك أن ما اعتيد في بعض النواحي من وضع طاسة

(2)

بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم ثم تقسم على الحالق أو الخاتن ونحوه يجري فيه ذلك التفصيل فإن قصد ذاك وحده أو مع نظرائه المعاونين له عمل بالقصد وإن أطلق كان ملكا لصاحب الفرح يعطيه لمن شاء، وبهذا يعلم أنه لا نظر هنا للعرف.

[تنبيهان] أحدهما لو تعارض قصد المعطي ونحو خادم الصوفية المذكور فالذي يتجه بقاء المُعْطَى على ملك مالكه; لأن مخالفة قصد الآخذ لقصده تقتضي رده لإقباضه له المخالف

(1)

. اعتمد الروض والمغني كونه للمكتوب إليه.

(2)

. هي من آنية الصفر، الصحاح.

ص: 506

لقصده، ثانيهما يؤخذ مما تقرر فيما اعتيد في بعض النواحي أن محل ما مر من الاختلاف في النقوط المعتاد في الأفراح إذا كان صاحب الفرح يعتاد أخذه لنفسه، أما إذا اعتيد أنه لنحو الخاتن وأن معطيه إنما قصده فقط فيظهر الجزم بأنه لا رجوع للمعطي على صاحب الفرح وإن كان الإعطاء إنما هو لأجله; لأن كونه لأجله من غير دخول في ملكه لا يقتضي رجوعاً عليه بوجهٍ.

ولو أهدى لمن خلَّصه من ظالم؛ لئلا ينقض ما فعله لم يحل له قبوله وإلا حل، أي وإن تعين عليه تخليصه؛ بناء على الأصح أنه يجوز أخذ العوض على الواجب العيني إذا كان فيه كُلفة. ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا تعيّن ما لم يرد التبسط أو تدل قرينة حاله عليه كما مر; لأن القرينة محكَّمة هنا، ومن ثم قالوا لو أعطى فقيرا درهما بنية أن يغسل به ثوبه أي وقد دلت القرينة على ذلك تعين له، ولو شَكَا إليه أنه لم يوفَّ أجرة كاذبا فأعطاه درهما أو أُعطى لظنِّ صفةٍ فيه أو في نسبه فلم يكن فيه باطنا

(1)

لم يحل له قبوله ولم يملكه ويكتفي في كونه أعطى لأجل ظن تلك الصفة بالقرينة. وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء حرم الأخذ ولم يملكه، وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال كتزويج بنته بخلاف إمساكه لزوجته حتى تبرئه أو تفتدي بمال، ويفرق بأنه هنا في مقابلة البضع المتقوم عليه بمال.

(1)

. وذكر الشارح في اللباس أنه يحرم على غير الصالح التزيي بزيه إن قصد أن يغر به غيره حتى يظن صلاحه فيعطيه 3/ 37.

ص: 507

‌كتاب اللقطة

يُسْتَحَبُّ الِالْتِقَاطُ لِوَاثِقٍ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ، وَقِيلَ يَجِبُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ وَاثِقٍ،

(كتاب اللُّقَطة)

هي لغة: ما يؤخذ بعد تطلب، وشرعا: مال -ومنه ركاز بقيده السابق فيه- أو اختصاص محترم ضاع بنحو غفلة بمحل غير مملوك لم يحرز ولا عَرِف الواجد مستحقه ولا امتنع بقوته، فما وجد بمملوك لمالكه فإن لم يدعه أوّلُ مالكٍ فلقطة، نعم ما وجد بدار حرب ليس بها مسلم وقد دخلها بغير أمان غنيمة، أو به فلقطة، وما ألقاه نحو ريح أو هارب لا يعرفه بنحو حِجْره أو داره وودائع مات عنها مورثه ولا تعرف ملاكها مال ضائع -لا لقطة- أمره للإمام فيحفظه أو ثمنه إن رأى بيعه أو يقترضه لبيت المال إلى ظهور مالكه إن توقعه وإلا صرفه لمصارف بيت المال، وحيث لا حاكم أو كان جائزا فعل من هو بيده فيه ذلك، ولو وجد لؤلؤاً غير مثقوب

(1)

فهو لواجده وإلا فهو لقطة. ولو وجد قطعة عنبر في معدنه كالبحر أوقر به أو وجده في سمكة أخذت من البحر فهو له وإلا فلقطة. وما أعرض عنه من حَبٍّ في أرض الغير فنبت يملكه مالكها، ومن اللقطة إن تبدل نعله بغيرها فيأخذها فلا يحل له استعمالها إلا بعد تعريفها بشرطه أو تحقق إعراض المالك عنها فإن علم أن صاحبها تعمد أخذ نعله جاز له بيعها ظفرا بشرطه. وأجمعوا على جواز أخذ اللقطة في الجملة؛ لأحاديث فيها

(2)

.

وأركانها لاقط ولقط وملقوط (يستحب الالتقاط لواثق بأمانة نفسه)؛ لما فيه من البر، بل يكره تركه؛ لئلا يقع في يد خائن (وقيل

(3)

يجب)؛ حفظا لمال الآدمي كنفسه ورُدَّ، نعم قد تجب إن غلب على ظنه ضياعها لو تركها ولم يكن عليه تعب في حفظها ومع ذلك لا يضمن وإن أثم بالترك، (ولا يستحب لغير واثق) بأمانة نفسه مع عدم فسقه؛ خشية الضياع أو طروِّ

(1)

. المدار على أثر الملك والثقب مثال كما ذكره الشارح في الأصول والثمار، وذكر أيضا حكم ما لو كانت اللؤلؤة في بطن سمكة.

(2)

. ولا مطالبة باللقطة في الآخرة كما نقله الشارح عن شرح مسلم في فصل تعلق الدين بالتركة مبينا أنها لا تتعلق بالتركة تعلق المرهون 5/ 110.

(3)

. ورد الشارح ما اعتمد في النهاية من تقييد لمحل الخلاف بما إذا لم يتعين.

ص: 511

وَيَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُكْرَهُ لِفَاسِقٍ، وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الِالْتِقَاطِ. وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْتِقَاطُ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنَ الْفَاسِقِ وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِتَعْرِيفِهِ، بَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ رَقِيبٌ، وَيَنْزِعُ الْوَلِيُّ لُقَطَةَ الصَّبِيِّ وَيُعَرِّفُ

الخيانة (ويجوز) له مع ذلك الالتقاط (في الأصح) ; لأن خيانته لم تتحقق، وعليه الاحتراز. أما إذا علم من نفسه الخيانة فيحرم عليه أخذها كالوديعة (ويكره) تنزيها الالتقاط (لفاسق) ولو بنحو ترك صلاة وإن علمت أمانته في الأموال (والمذهب أنه لا يجب الإشهاد على الالتقاط) بل يسن ولو لعدل كالوديعة، ولا يستوعب فيه صفاتها بل بعضها الآتي ذكره في التعريف، ولو خشي منه علم ظالم بها وأخذه لها امتنع. وتسن الكتابة عليها أنها لقطة (و) المذهب (أنه يصح التقاط الفاسق، و) التقاط (الصبي) والمجنون والمحجور عليه بسفه; لأن المغلب فيها معنى الاكتساب لا الأمانة والولاية (و) التقاط المرتد و (الذمي) والمعاهد والمستأمن (في دار الإسلام) وإن لم يكن عدلا في دينه؛ لذلك. وخرج بها دار الحرب ففيها تفصيل مر (ثم الأظهر)؛ بناء على صحة التقاط الفاسق، ومثله الكافر إلا العدل في دينه (أنه ينزع) الملتقط (من الفاسق) وإن لم يخش ذهابه به (ويوضع عند عدل) ; لأن مال ولده لا يقر في يده فأولى غيره، والمتولي للوضع والنزع القاضي (و) الأظهر (أنه لا يعتد بتعريفه) كالكافر (بل يضم إليه رقيب) عدل يراقبه

(1)

عند تعريفه؛ لئلا يفرط في التعريف فإذا تم التعريف تملكها، وأشهد عليه الحاكم بغرمها إذا جاء صاحبها، ومؤنة التعريف عليه وكذا أجرة المضموم إليه حيث لم يكن في بيت المال شيء، وله بعد التعريف التملك. ولو ضعف الأمين عنها لم تنزع منه بل يعضده الحاكم بأمين يقوى به على الحفظ والتعريف (وينزع) وجوبا (الولي لقطة الصبي) والمجنون والسفيه؛ لحقه وحق المالك، وتكون يده نائبة عنه ويستقل بذلك (ويعرف) ويراجع الحاكم في مؤنة التعريف ليقترض أو يبيع له جزءا منها. ولا يصح تعريف الصبي والمجنون إلا إن كان الولي معه، وإلا إن راهق ولم يعرف بكذب

(2)

بخلاف السفيه الغير

(1)

. خلافا للمغني فاعتمد أنه يعرَّف معه.

(2)

. رد النهاية هذا الاستثناء.

ص: 512

وَيَتَمَلَّكُهَا لِلصَّبِيِّ إنْ رَأَى ذَلِكَ حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لَهُ، وَيَضْمَنُ الْوَلِيُّ إنْ قَصَّرَ فِي انْتِزَاعِهِ حَتَّى تَلِفَ فِي يَدِ الصَّبِيِّ. وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُ الْتِقَاطِ الْعَبْدِ وَلَا يُعْتَدُّ بِتَعْرِيفِهِ فَلَوْ أَخَذَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ كَانَ الْتِقَاطًا. قُلْتُ: المَذْهَبُ صِحَّةُ الْتِقَاطِ المُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً

الفاسق فإنه يصح تعريفه

(1)

; لأنه يوثق بقوله دونهما (ويتملكها للصبي) أو نحوه (إن رأى ذلك) مصلحة له وذلك (حيث يجوز الاقتراض له) ; لأن تملكها كالاستقراض، فإن لم يره حفظها أو سلمها للقاضي الأمين (ويضمن الولي) في مال نفسه ولو الحاكم (إن قصَّر في انتزاعه) أي المُلْتَقَط من المحجور (حتى تلف) أو أتلف (في يد الصبي) أو نحوه؛ لتقصيره كما لو ترك ما احتطبه حتى تلف أو أتلف ثم يعرف التالف. أما إذا لم يقصِّر بأن لم يشعر بها فأتلفها نحو الصبي ضمنها في ماله دون الولي، وإن تلفت لم يضمنها أحد. وللولي وغيره أخذها منه

(2)

التقاطاً ليعرفها ويتملكها ويبرأ الصبي حينئذ من ضمانها. (والأظهر بطلان التقاط العبد) أي القن الذي لم يأذن له سيده ولم ينهه وإن نوى سيده; لأنه يعرضه للمطالبة ببدلها لوقوع الملك له. أما إذا أذن له ولو في مطلق الاكتساب فيصح، وإن نهاه لم يصح قطعا (ولا يعتد بتعريفه) إذا بطل التقاطه; لأن يده ضامنة وحينئذ لا يصح تملكه ولو لسيده بإذنه، وإذا لم يصح التقاطه فهو مال ضائع (فلو أخذه) أي المُلْتَقَط (سيده) أو غيره (منه كان التقاطا) من الآخذ فيعرف ويتملك ويسقط الضمان عن العبد، ولسيده أن يقره بيده ويستحفظه إياه إن كان أمينا وإلا ضمنه؛ لتعديه بإقراره معه حينئذ فكأنه أخذه منه ورده إليه. ويتعلق الضمان بسائر أمواله ومنها رقبة العبد فيقدم صاحبها برقبته فإن لم يعلم تعلق برقبة العبد فقط، ولو عتق قبل أن يؤخذ منه جاز له تملكه إن بطل الالتقاط وإلا فهو كسب قنه فله أخذه ثم تعريفه ثم تملكه (قلت المذهب صحة التقاط المكاتب كتابة صحيحة) ; لأنه كالحر في الملك والتصرف فيعرف ويتملك ما لم يعجز قبل التملك وإلا أخذها القاضي -لا السيد- وحفظها لمالكها. أما المكاتب كتابة فاسدة فكالقن.

(1)

. ولا يتوقف على إذن وليه وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. أي من الصبي وخصه في النهاية بغير المميز.

ص: 513

وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَهِيَ لَهُ وَلِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً فَلِصَاحِبِ النَّوْبَةِ فِي الْأَظْهَرِ، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ النَّادِرِ مِنَ الْأَكْسَابِ وَالمُؤَنِ إلَّا أَرْشَ الجِنَايَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.

فصل

الحَيَوَانُ المَمْلُوكُ المُمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بِقُوَّةٍ كَبَعِيرٍ وَفَرَسٍ أَوْ بِعَدْوٍ كَأَرْنَبٍ وَظَبْيٍ، أَوْ طَيَرَانٍ كَحَمَامٍ إنْ وُجِدَ بِمَفَازَةٍ فَلِلْقَاضِي الْتِقَاطُهُ لِلْحِفْظِ وَكَذَا لِغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، ....

(و) التقاط (من بعضه حر) ; لأنه كالحر فيما ذكر (وهي) أي اللقطة (له ولسيده) يعرفانها ويتملكانها بحسب الحرية والرق إن لم يكن بينهما مهايأة، (فإن كان) بينهما (مهايأة) أي مناوبة (فـ) اللقطة بعد تعريفها وتملكها (لصاحب النوبة) منهما التي وجدت اللقطة فيها (في الأظهر)؛ بناء على الأصح من دخول الكسب النادر في المهايأة. ولو تخلل مدة تعريف المبعض نوبة السيد ولم يأذن له فيه أناب من يُعَرِّف عنه. ولو تنازعا فيمن وجدت في يده صدق من هي بيده فإن لم تكن بيد واحد منهما كانت بينهما بعد أن يحلف كل للآخر (وكذا حكم سائر النادر) أي باقيه (من الأكساب) كالهبة بأنواعها والوصية والركاز; لأن مقصود المهايأة التفاضل وأن يختص كلٌّ بما في نوبته (و) من (المؤن) كأجرة طبيب وحجام؛ إلحاقا للغرم بالغنم، والعبرة في الكسب بوقت وجوده وفي المؤن بوقت الإحتياج

(1)

وإن وجد سببها في نوبة الآخر (إلا أرش الجناية) منه أو عليه الواقعة في نوبة أحدهما (والله أعلم) فلا يدخل لتعلقه بالرقبة وهي مشتركة.

(فصل) في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفهما

(الحيوان المملوك) ويعرف ذلك بكونه موسوما أو مقرطا

(2)

مثلا (الممتنع من صغار السباع) كذئب ونمر وفهد (بقوَّة كبعير وفرس) وحمار وبغل (أو بعدو كأرنب وظبي، أو طيران كحمام إن وُجِد بمفازة) ولو آمنة وهي المهلكة (فللقاضي) أو نائبه (التقاطه للحفظ) -؛ لأن له ولاية على أموال الغائبين، ولا يلزمه ذلك الالتقاط وإن خشي ضياعه، بل إذا لم يخش ضياعه لا ينبغي أن يتعرض له على أنّ للقاضي الخيرة ابتداء بين الحفظ والترك وأن يبيعه ويحفظ ثمنه ويتعين عليه الأصلح. (وكذا لغيره) من الآحاد أخذه للحفظ من المفازة (في الأصح)؛ صيانة له، ومن ثم

(1)

. خلافا للمغني من أن العبرة بوقت وجود سببها.

(2)

. أي في إذنه قرط.

ص: 514

وَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ، وَإِنْ وُجِدَ بِقَرْيَةٍ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْتِقَاطِهِ لِلتَّمَلُّكِ، وَمَا لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا كَشَاةٍ يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ فِي الْقَرْيَةِ وَالمَفَازَةِ، وَيَتَخَيَّرُ آخِذُهُ مِنْ مَفَازَةٍ فَإِنْ شَاءَ عَرَّفَهُ وَتَمَلَّكَهُ أَوْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ تَمَلَّكَهُ

جاز له ذلك في زمن الخوف قطعا وامتنع إذا أمن عليه -أي يقينا- قطعا، ومحله إن لم يعرف صاحبه وإلا جاز له أخذه قطعا ويكون أمانة بيده (ويحرم) على الكل (التقاطه) زمن الأمن من المفازة (للتملك)؛ للنهي عنه في ضالة الإبل وقيس بها غيرها، فإن أخذه ضمنه ولم يبرأ إلا برده للقاضي، أما زمن النهب فيجوز التقاطه للتملك قطعا في الصحراء وغيرها. ولو كان عليها متاع ولم يمكن أخذها إلا بأخذه تخير في أخذها بين التملك والحفظ، ولا يأخذ المتاع إلا للحفظ. وخرج بالمملوك غيره ككلب يُقتنى فيحل التقاطه وله الاختصاص والانتفاع به بعد تعريفه سنة، والبعير المقلد تقليد الهدي لواجده أيام منى أخذه وتعريفه فإن خشي خروج وقت النحر نحره وفرقه، ويسن له استئذان الحاكم وكأن سبب تجويزهم ذلك في مال الغير بمجرد التقليد مع أنه لا يزول به ملكه قوة القرينة المغلبة على الظن أنه هدي مع التوسعة به على الفقراء وعدم تهمة الواجد فإن المصلحة لهم لا له، ولو ظهر صاحبه وقال إنه غير هدي صدق بيمينه، وحينئذ يستقر علىالذابح ما بين قيمته حيا ومذبوحا; لأنه الذي فوته بذبحه والآكلين تستقر عليهم قيمة اللحم والذابح طريق. ولو وجد موقوفا أو موصىً بمنفعته أبدا جاز في الأول تملك منفعته بعد التعريف؛ لأنها مملوكة للموقوف عليه فهي من حيز الأموال المملوكة، وفي الثاني جواز تملكها كرقبته; لأنهما مملوكان الرقبة للوارث والمنفعة للموصى له (وإن وجد) الحيوان المذكور (بقرية) مثلا أو قريب منها -أي عرفا بحيث لا يعد في مهلكة- (فالأصح جواز التقاطه) في غير الحرم وغير الأخذ بقصد الخيانة (للتملك)؛ لتطرق أيدي الخونة إليه هنا دون المفازة؛ لندرة طروقها، وقد يمتنع التملك كالبعير المقلد وكما لو دفعها للقاضي معرضا عنها ثم عاد؛ لإعراضه المسقط لحقه (وما لا يمتنع منها) أي من صغار السباع (كشاة) وعجل وفصيل وكسير إبل وخيل (يجوز التقاطه) للحفظ و (للتملك في القرية والمفازة) زمن الأمن والنهب ولو لغير القاضي؛ صونا له عن الضياع (ويتخير آخذه) أي المأكول للتملك (من مفازة) بين ثلاثة أمور:

(فإن شاء عرَّفه) وينفق عليه (وتملكه) بعد التعريف كغيره (أو باعه) بإذن الحاكم إن وجده بشرطه الآتي (وحفظ ثمنه) كالأكل بل أولى (وعرفها) أي اللقطة بعد بيعها، لا الثمن، (ثم تملكه) أي الثمن

ص: 515

أَوْ أَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ ظَهَرَ مَالِكُهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَهُ الخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ، لَا الثَّالِثَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِطَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ

(أو) تملكه حالا ثم (أكله) إن شاء إجماعا، ولا يحتاج في التملك هنا إلى إذن حاكم. ولا يجوز له أكله قبل تملكه، بل قضية ما يأتي أنه لو انتقل إلى العمران امتنع الأكل. (وغرم) لمالكه (قيمته) يوم تملكه (إن ظهر مالكه) ولا يجب

(1)

تعريفه في هذه الخصلة؛ لأن التعريف إنما يراد للتملك وهو قد وقع قبل الأكل واستقر به بدله في الذمة، ومن ثم لم يلزمه إفرازه بل لا يعتد به; لأن بقاءه بذمته أحفظ. وليس له بيع بعضه للإنفاق؛ لئلا تستغرق النفقة باقيه ولا الاستقراض على المالك؛ لذلك، ولا يرجع بما أنفق إلا إن أذن له الحاكم إن أمكنت مراجعته وإلا كأن خاف عليه أو على ماله أشهد على أنه ينفق بنية الرجوع. وأولى الخصال الثلاث الأولى; لأن فيها حفظ العين على مالكها ثم الثانية؛ لتوقف استباحة الثمن على التعريف والأكل تتعجل استباحته قبله، ومحل ذلك إن لم يكن أحدهما أحظ للمالك وإلا تعين، بل له رابعة هي تملكها حالا ليستبقها حية لدر أو نسل; لأنه أولى من الأكل وله إبقاؤه لمالكه أمانة إن تبرع بإنفاقه.

[فرع] أعيا بعيره مثلا فتركه فقام به غيره حتى عاد لحاله لم يملكه ولم يرجع بشيء إلا إن استأذن الحاكم في الإنفاق أو أشهد عند فقده أنه ينفق بنية الرجوع أو نواه فقط عند فقد الشهود; لأن فقدهم هنا غير نادر (فإن أخذه من العمران) أو كان غير مأكول (فله الخصلتان الأوليان لا الثالثة) وهي الأكل (في الأصح)؛ لسهولة البيع هنا لا ثم ولمشقة نقلها إلى العمران (ويجوز أن يلتقط) من يصح التقاطه في زمن الأمن والخوف ولو للتملك (عبدا) أي قنا (لا يميز) ومميزا لكن في زمن الخوف لا الأمن; لأنه يستدل على سيده، نعم يمتنع التقاط أمة تحل له للتملك مطلقا، وحيث جاز له التقاط القن فله الخصلتان الأوليان وينفقه من كسبه إن كان وإلا فكما مر. ولو ظهر مالكه بعد تملك الملتقط وتصرفه فادعى عتقه أو نحو بيعه قبله صدق بيمينه وبطل التصرف.

(1)

. خلافا للمغني.

ص: 516

وَيَلْتَقِطَ غَيْرَ الحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ يَسْرُعُ فَسَادُهُ كَهَرِيسَةٍ فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَعَرَّفَهُ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الحَالِ وَأَكَلَهُ، وَقِيلَ إنْ وَجَدَهُ فِي عُمْرَانٍ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ بِعِلَاجٍ كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ فَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ، أَوْ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ جَفَّفَهُ، وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي. وَمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً لِلْحِفْظِ أَبَدًا فَهِيَ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْقَاضِي لَزِمَهُ الْقَبُولُ

(ويلتقط غير الحيوان) من الجماد كالنقد وغيره حتى الاختصاص كما مر (فإن كان يسرع فساده كهريسة) ورُطَب لا يتتمر تخير بين خصلتين فقط (فإن شاء باعه) بإذن الحاكم إن وجده ولم يخف منه عليه وإلا استقل به (وعرَّفه) بعد بيعه لا ثمنه (ليتملك ثمنه وإن شاء تملكه) باللفظ لا النية هنا وفيما مر كما هو ظاهر مما يأتي (في الحال وأكله) ; لأنه معرض للهلاك، ويجب فعل الأحظ منهما نظير ما يأتي، ويمتنع إمساكه؛ لتعذره، (وقيل إن وجده في عمران وجب البيع)؛ لتيسره وامتنع الأكل نظير ما مر، وفرَّق الأول بأن هذا يفسد قبل وجود مشتر. وإذا أكل لزمه التعريف للمأكول إن وجده بعمران لا صحراء

(1)

نظير ما مر

(2)

(وإن أمكن بقاؤه بعلاج كرطب يتجفف) وجبت رعاية الأغبط للمالك لكن بعد مراجعة القاضي فيه فلا يستقل به (فإن كانت الغبطة في بيعه بيع) جميعه بإذن الحاكم إن وجده بقيده السابق (أو) كانت الغبطة (في تجفيفه) أو استوى الأمران (وتبرع به الواجد) أو غيره (جففه وإلا) يتبرع به أحد (بيع بعضه) المساوي لمؤنة التجفيف (لتجفيف الباقي)؛ طلبا للأحظ كولي اليتيم، وإنما باع كل الحيوان؛ لئلا يأكله كله كما مر والعمران هنا نحو المدرسة والمسجد والشارع إذ هي والموات محال اللقط لا غير كما مر (ومن أخذ لقطة للحفظ أبدا) وهو أهل للالتقاط (فهي) كدرها ونسلها (أمانة بيده) ; لأنه يحفظها لمالكها كالوديع، ومن ثم ضمنها إذا قصر كأن ترك تعريفا لزمه على ما يأتي، ومحله حيث لم يكن له عذر معتبر في تركه أي كخشية أخذ ظالم لها وكذا الجهل بوجوبه إن عذر به (فإن دفعها إلى القاضي لزمه القبول) حفظا لها على صاحبها; لأنه ينقلها إلى أمانة أقوى، وكذا لو أخذ للتملك ثم تركه وردها له يلزمه القبول، وظاهرٌ أنه لا يجوز دفعها لقاض غير أمين وأنه لا يلزمه القبول وأن الدافع له

(1)

. اعتمده النهاية دون المغني.

(2)

. واقتصر عليه في الفتح، وذكر هنا نزاعا فيه.

ص: 517

وَلَمْ يُوجِبْ الْأَكْثَرُونَ التَّعْرِيفَ وَالحَالَةُ هَذِهِ، فَلَوْ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ خِيَانَةً لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَخَذَ بِقَصْدِ خِيَانَةٍ فَضَامِنٌ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ عَلَى المَذْهَبِ، وَإِنْ أَخَذَ لِيُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ فَأَمَانَةٌ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ، وَكَذَا بَعْدَهَا مَا لَمْ يَخْتَرِ التَّمَلُّكَ فِي الْأَصَحِّ. وَيَعْرِفُ جِنْسَهَا وَصِفَتَهَا وَقَدْرَهَا وَعِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا

يضمنها (ولم يوجب الأكثرون التعريف) في غير لقطة الحرم (والحالة هذه) أي كونه أخذها للحفظ; لأن الشرع إنما أوجبه لأجل أن له التملك بعده، لكن المعتمد الوجوب حيث لم يخف أخذ ظالم لها؛ لأن صاحبها قد لا يمكنه إنشادها لنحو سفر أو مرض -ويمكن للملتقط التخلص عن الوجوب بالدفع للقاضي الأمين- فيضمن بترك التعريف، أي بالعزم على تركه من أصله، ولا يرتفع ضمانه به لو أبدله بعد. ولا يلزمه مؤنة التعريف في ماله على القولين. ولو بدا له قصد التملك أو الاختصاص عرفها سنة من حينئذ ولا يعتد بما عرفه قبله. أما إذا أخذها للتملك أو الاختصاص فيلزمه التعريف جزما (فلو قصد بعد ذلك) أي بعد أخذها للحفظ وكذا بعد أخذها للتملك (خيانة لم يصر ضامنا) بمجرد القصد (في الأصح) فإن انضم لقصد ذلك استعمال أو نقل من محل لآخر ضمن كالوديع فيهما فيأتي هنا جميع ما يأتي ثَم في مسائل الاستعمال والنقل ونحوهما، وإذا ضمن في الأثناء بخيانة ثم أقلع وأراد أن يعرف ويتملك جاز. وخرج بالأثناء ما في قوله:(وإن أخذ) ها (بقصد خيانة فضامن)؛ لقصده المقارن لأخذه، ويبرأ بالدفع لحاكم أمين (وليس له بعده أن يعرف ويتملك) أو يختص (على المذهب) نظرا للابتداء; لأنه غاصب (وإن أخذ) ها (ليعرف ويتملك) بعد التعريف (فـ) هي (أمانة) بيده (مدة التعريف وكذا بعدها ما لم يختر التملك في الأصح) كما قبل مدة التعريف، وإن أخذها لا بقصد حفظ ولا تملك، أوْ لا بقصد خيانة ولا أمانة، أو بقصد أحدهما ونسيه فأمانة وله تملكها بشرطه اتفاقا.

(و) عقب الأخذ (يَعْرف) ندبا محل التقاطها و (جنسها وصفتها) الشامل لنوعها (وقدرها) بعدد أو ذرع أو كيل أو وزن (وعفاصها) وهو مشترك بين الوعاء الذي فيه النفقة جلدا أو خرقة وغلاف القارورة والجلد الذي يغطى به رأسها (ووِكاءها) أي خيطها المشدودة به؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بمعرفة هذين وقيس بهما غيرهما؛ لئلا تختلط بغيرها وليَعْرِف صدق واصفها، ويسن تقييدها بالكتابة كما مر خوف النسيان. أما عند تملكها فتجب معرفة ذلك؛ ليخرج منه لمالكها إذا ظهر.

ص: 518

ثُمَّ يُعَرِّفُهَا فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ المَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا سَنَةً عَلَى الْعَادَةِ يُعَرِّفُ أَوَّلًا كُلَّ يَوْمٍ طَرَفَيِ النَّهَارِ، ثُمَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، ثُمَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ،

(ثم) بعد معرفته ذلك (يُعرفها) وجوبا إن قصد التملك وإلا فندبا بنفسه أو نائبه -من غير أن يسلمها له- العاقل الذي لم يشتهر بالمجون والخلاعة ولو غير عدل إن وثق بقوله ولو محجورا عليه بسفه، وأفهم قوله ((ثُم)) أنه لا تجب المبادرة للتعريف

(1)

والأوجه أنه متى أخرَّ حتى ظن نسيانها ثم عَرَّف وذكر وقت وجدانها جاز وإلا فلا، ولو غلب على ظنه أخذ ظالم لها حرم التعريف وكانت بيده أمانة أبدا أي فلا يتملكها بعد السنة (في الأسواق) عند قيامها (وأبواب المساجد) عند خروج الناس منها; لأنه أقرب إلى وجدانها، ويكره تنزيها مع رفع الصوت بمسجد كإنشادها فيه، ويستثنى المسجد الحرام والفرق أنه لا يمكن تملك لقطة الحرم فالتعريف فيه محض عبادة بخلاف غيره فإن المعرف متهم بقصد التملك (ونحوها) من المجامع والمحافل ومحاط الرحال؛ لما مر، وليكن أكثره بمحل وجودها، ولا يجوز له السفر بها بل يعطيها بأمر القاضي من يعرفها وإلا ضمن، نعم لمن وجدها بالصحراء تعريفها بمقصده قَرُب أم بعد استمر أم تغير، وإن جازت بمحله قافلة تبعها وعرّفها.

[فرع] وجد ببيته درهما مثلا وجوَّز أنه لمن يدخلونه عرفه لهم كاللقطة

.

ويعرّف غير الحقير الذي لا يفسد بالتأخير -وجوباً إن التقطه للتملك وندباً إن التقطه للحفظ- (سنة) من أول وقت التعريف؛ للخبر الصحيح فيه، ولو وجدها اثنان عرف كلٌّ منهما سنة

(2)

; لأنه في النصف كلاقطها كاملة، نعم لو أناب أحدهما الآخر اعتد بتعريفه عنهما، ولو عرّف أحدهما سنة دون الآخر جاز له تملك نصفها وطلب القسمة. ولا يشترط استيعاب السنة كلها بل يكون (على العادة) زمنا ومحلا وقدرا (يعرف أوَّلا كل يوم) مرتين (طرفي النهار) أسبوعا (ثم كل يوم مرة) طرفه إلى أن يتم أسبوع آخر (ثم كل أسبوع مرة أو مرتين) أي إلى أن يتم سبعة أسابيع أخذا مما قبله (ثم) في (كل شهر) مرة بحيث لا ينسى أن الأخير تكرار للأول.

(1)

. اعتمده المغني واعتمد النهاية أنه لا يجوز تأخيرها عن زمن تطلب فيه عادة ويختلف بقلتها وكثرتها.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا أن كلا يعرف نصف سنة.

ص: 519

وَلَا تَكْفِي سَنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَكْفِي، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَذْكُرُ بَعْضَ أَوْصَافِهَا. وَلَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ إنْ أَخَذَ لِحِفْظٍ، بَلْ يُرَتِّبُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ المَالِ أَوْ يَقْتَرِضُ عَلَى المَالِكِ. وَإِنْ أَخَذَ لِلْتَمَلُّكِ لَزِمَتْهُ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَتَمَلَّكْ فَعَلَى المَالِكِ

[تنبيه] الظاهر أن هذا التحديد كله للندب لا للوجوب كما يُفهمه ما يأتي أنه يكفي سنة مفرقة على أي وجه كان التفريق بقيده الآتي (ولا تكفي سنة متفرقة) كأن يفرق اثنى عشر شهرا من اثنى عشر سنة (في الأصح) ; لأن المفهوم من السنة في الخبر التوالي (قلت الأصح تكفي والله أعلم)؛ لإطلاق الخبر. ومحل هذا إن لم يفحش التأخير بحيث ينسى التعريف الأول وإلا وجب الاستئناف

(1)

أو ذِكْرُ وقت الوجدان. ولو مات الملتقط أثناء التعريف بنى وارثه (ويذكر) ندبا (بعض أوصافها) في التعريف كجنسها وعفاصها ووكائها ومحل وجدانها; لأنه أقرب لوجدانها، ولا يستوعبها -أي يحرم عليه ذلك-؛ لئلا يعتمدها كاذب فإن فعل ضمن; لأنه قد يرفعه إلى من يلزمه الدفع بالصفات، وتجوز الزيادة

(2)

على ذكر الجنس (ولا تلزمه مؤنة التعريف إن أخذ لحفظ) أو لا لحفظ ولا لتملك أو اختصاص; لأنه لمصلحة المالك (بل يرتبها القاضي من بيت المال) قرضا

(3)

(أو يقترض) من اللاقط أو غيره (على المالك) أو يأمر الملتقط به ليرجع على المالك أو يبيع جزءا منها إن رآه فيجتهد ويلزمه فعل الأحظ للمالك من هذه الأربعة، فإن عرَّف من غير واحد مما ذكر فمتبرع. ويجري التخيير بين تلك الأربعة سواء أوجبنا التعريف أم لا

(4)

(وإن أخذ) رشيد (للتملك) أو الاختصاص ابتداء أو في الأثناء ولو بعد لقطه للحفظ (لزمته) مؤنة التعريف وإن لم يتملك بعد; لأن الحظ له في ظنه حالة التعريف، (وقيل إن لم يتملك فعلى المالك)؛ لعود الفائدة له. أما غير الرشيد فلا يخرج وليه مؤنته من ماله وإن رأى التملك له أحظ بل يرفعها للحاكم ليبيع جزءا منها لمؤنته.

(1)

. يفهم من كلامهما اشتراط الأمرين معا.

(2)

. خلافا للنهاية.

(3)

. خلافا للرملي في أنه تبرع.

(4)

. خلافا للنهاية فاعتمد أنه إن أوجبنا التعريف فعليه المؤنة، وإلا فلا.

ص: 520

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الحَقِيرَ لَا يُعَرَّفُ سَنَةً بَلْ زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ يُعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا.

فصل

إذَا عَرَّفَ سَنَةً لَمْ يَمْلِكْهَا حَتَّى يَخْتَارَهُ بِلَفْظٍ كَتَمَلَّكْتُ، وَقِيلَ تَكْفِي النِّيَّةُ، وَقِيلَ تُمْلَكُ بِمُضِيِّ السَّنَةِ، فَإِنْ تَمَلَّكَهَا فَظَهَرَ المَالِكُ وَاتَّفَقَا عَلَى رَدِّ عَيْنِهَا فَذَاكَ،

(والأصح أن الحقير) وهو ما يظن أن صاحبه لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا (لا يعرف سنة) ; لأن فاقده لا يتأسف عليه سنة (بل زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه) بعده (غالبا) ويختلف باختلافه فدانق الفضة حالا والذهب نحو ثلاثة أيام. هذا كله إن تمول وإلا كحبة زبيب استبد به واجده

(1)

ولو في حرم مكة. ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الإعراض عنها، نعم محله في سنابل لا زكاة فيها أو علم أنه قد زَكّى أو زادت أجرة جمعه على ما يحصل منه

(2)

إلا فيحرم وإن أعطاه للفقراء ما لم يصفَّ ويجف ويجدد إقباضه، ثم محل الجواز ما لم تدل قرينة من المالك على عدم رضاه أو يكون مال محجور

(3)

، واُلحق بالسنابل أخذ ماء مملوك يتسامح به عادة.

(فصل) في تملكها وغرمها وما يتبعهما

(إذا عرَّف) اللقطة بعد قصده تملكها (سنة) أو دونها في الحقير جاز له تملكها إلا في صور مرت كأن أخذها للخيانة أو أعرض عنه أو كانت أمة تحل له، وإذا أراد التملك (لم يملكها حتى يختاره بلفظ) من ناطق صريح فيه (كتملكت) أو كناية مع النية كأخذته أو إشارة أخرس، ولابد في الاختصاص ككلب وخمر محترمين من لفظ يدل على نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه، (وقيل تكفي النية) أي تجديد قصد التملك؛ إذ لا معاوضة ولا إيجاب، (وقيل تملك بمضي السنة) بعد التعريف؛ اكتفاء بقصد التملك السابق (فإن تملكها) فلم يظهر المالك لم يطالب بها في الآخرة; لأنها من كسبه كما في شرح مسلم، أو (فظهر المالك) وهي باقية بحالها (واتفقا على رد عينها) أو بدلها (فذاك) ظاهرٌ؛ إذ الحق لا يعدوهما، ومؤنة الرد على الملتقط ويردها بزيادتها المتصلة لا المنفصلة إن حدثت بعد التملك

(1)

. نقل البجيرمي عن الرملي أن محله حيث لم يظهر مالكه.

(2)

. هذا الذي مال إليه الشارح في الزكاة وقبيل الأضحية.

(3)

. كما رجحه الشارح قبيل الأضحية.

ص: 521

وَإِنْ أَرَادَهَا المَالِكُ وَأَرَادَ المُلْتَقِطُ الْعُدُولَ إلَى بَدَلِهَا أُجِيبَ المَالِكُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ تَلِفَتْ غَرِمَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّمَلُّكِ، وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَ الْأَرْشِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا ادَّعَاهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَصِفْهَا وَلَا بَيِّنَةَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ، وَإِنْ وَصَفَهَا وَظَنَّ صِدْقَهُ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى المَذْهَبِ،

وإلا رجع فيها؛ لحدوثها بملكه، (وإن أرادها المالك وأراد الملتقط العدول إلى بدلها) ولم يتعلق بها حق لازم يمنع بيعها (أجيب المالك في الأصح) كالقرض، ومن ثم لو تعلق بها ذلك تعين البدل فإن لم يتنازعا وردها له سليمة لزمه القبول (فإن تلفت) المملوكة حسا أو شرعا بعد التملك (غرم مثلها

(1)

إن كانت مثلية (أو قيمتها) إن كانت متقومة وإن كان لها مثلا صوريا. أما المختصة فلا بدل لها ولا لمنفعتها كالكلب، وتعتبر قيمتها (يوم التملك) أي وقته; لأنه وقت دخولها في ضمانه (وإن نقصت بعيب) أو نحوه طرأ بعد التملك (فله) بل يلزمه لو طلب بدلها والملتقط ردها مع أرشها (أخذها مع الأرش في الأصح)؛ للقاعدة أن ما ضمن كله عند التلف يضمن بعضه عند النقص

(2)

. ولو وجدها مبيعة في زمن الخيار الذي لم يختص بالمشتري لزم البائع الفسخ فإن لم يفسخ انفسخ؛ رعاية لمصلحة المالك (وإذا ادعاها رجل ولم يصفها ولا بينة) له بها (لم تدفع) أي لم يجز دفعها (إليه) ما لم يعلم أنها له؛ لخبر ((لو أعطي الناس بدعواهم .. ))، ويكفي في البينة شاهد ويمين ولا يكفي إخبارها للملتقط بل لا بد من سماع القاضي لها وقضائه على الملتقط بالدفع فإن خشي منه انتزاعها؛ لشدة جوره حَكَّما من يسمعها ويقضي على الملتقط (وإن وصفها) وصفا أحاط بجميع صفاتها (وظن) الملتقط (صدقه جاز الدفع إليه) قطعا؛ عملا بظنه بل يسن هذا إن اتحد الواصف وإلا بأن ادعاها كلٌّ لنفسه ووصفها لم تسلَّم لأحد إلا بحجة كبينة سليمة من المعارض (ولا يجب على المذهب) ; لأنه مدَّعٍ فيحتاج للبينة ومتهمٌ باحتمال سماعه لوصفها من نحو مالكها. أما إذا لم يظن صدقه فلا يجوز الدفع له، نعم لو قال له الواصف يلزمك تسليمها إليَّ حُلِّف أنه لا يلزمه ذلك، نعم إن اعتقد وجوب الدفع بالوصف لم يلزمه الحلف، وإن قال تعلم أنها ملكي حُلِّف أنه لا

(1)

. ذكر الشارح في جناية الرقيق أن السيد لو لم ينزع لقطة علمها بيد العبد تعلقت برقبته وبسائر أموال السيد 9/ 35.

(2)

. واستثنيا الشاة المعجلة وحكى الشارح الاستثناء بصيغة التضعيف.

ص: 522

فَإِنْ دَفَعَ فَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِهَا حُوِّلَتْ إلَيْهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينُ المُلْتَقِطِ، وَالمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا قَطْعًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ

يعلم. ولو تلفت فشهدت البينة بوصفها ثبتت ولزمه بدلها، ومحله إن ثبت بإقراره أو غيره أن ما شهدت به البينة من الوصف هو وصفها، (فإن دفع) اللقطة لإنسان بالوصف (فأقام آخر بينة) أي حجة بأنها ملكه (حولت إليه) ; لأن الحجة توجب الدفع بخلاف الوصف (فإن تلفت عنده) أي الواصف المدفوع إليه لا بإلزام حاكم يرى وجوب الدفع إليه بالوصف (فلصاحب البينة تضمين الملتقط) ; لأنه بان أنه سلَّم ما ليس له تسليمه (والمدفوع إليه) ; لأنه بان أنه أخذ ملك الغير. وخرج بـ ((دفع اللقطة)) ما لو تلفت عنده ثم غرم للواصف قيمتها فليس لمالكها تغريم الواصف; لأن ما أخذه مال الملتقط لا المدعي (والقرار عليه) أي على المدفوع إليه؛ لتلفه في يده فيرجع عليه اللاقط بما غرمه ما لم يقر له بالملك; لأنه حينئذ يزعم أن الظالم له هو ذو البينة (قلت: لا تحل لقطة الحرم) المكي (للتملك) ولا بلا قصد تملك ولا حفظ (على الصحيح) بل لا تحل إلا للحفظ أبدا

(1)

؛ للخبر الصحيح ((لا تحل لقطته إلا لمنشد)) أي لمعرِّف على الدوام وإلا فسائر البلاد كذلك فلا تظهر فائدة التخصيص. وخرج بالحرم الحل ولو عرفة; لأن ذلك من خصائص الحرم، وبالمكي حرم المدينة (ويجب تعريفها) أي الملقوطة فيه للحفظ (قطعا والله أعلم)؛ للخبر، فتلزمه الإقامة له أو دفعها للقاضي أي الأمين فإن أراد سفرا ولا قاضي أمين ثَم اتجه جواز تركها عند أمين.

[فرع] التقط مالا ثم ادعى أنه ملكه قُبِل قوله عند عدم المنازع بخلاف ما لو التقط صغيرا ثم ادعى أنه ملكه لا يقبل قوله فيه

(2)

.

(1)

. ومتى لم ييأس من مالكها أمسكها أبدا مع التعريف ندبا أو أعطاها قاضيا أمينا ليحفظها كذلك، ومتى أيس منه- بأن يبعد في العادة وجوده- صار من جملة أموال بيت المال كما أشار إلى ذلك الشارح في الوديعة 7/ 127.

(2)

. من اللقطة الدفين الإسلامي بموات كما مر في الركاز 3/ 288.

ص: 523

‌كتاب اللقيط

الْتِقَاطُ المَنْبُوذِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الِالْتِقَاطِ لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ عَدْلٍ رَشِيدٍ. وَلَوْ الْتَقَطَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ انْتُزِعَ مِنْهُ، ..

(كتاب اللقيط)

وهو شرعا: طفل ينبذ بنحو شارع لا يُعرف له مدع، وذكر الطفل للغالب؛ إذ الأصح أن المميز والبالغ المجنون يُلتقطان؛ لاحتياجهما إلى التعهد. والأصل فيه قوله تعالى ((ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)).

وأركانه لقيط ولاقط ولقط (التقاط المنبوذ) أي المطروح، والتعبير به للغالب أيضا كما علم (فرض كفاية)؛ صيانة للنفس المحترمة عن الهلاك. هذا إن علم به جمع -ولو مترتبا- وإلا ففرض عين (ويجب الإشهاد عليه) أي الالتقاط وإن كان الملتقط مشهور العدالة (في الأصح)؛ لئلا يُسْتَرَق ويضيع نسبه المبني على الاحتياط له أكثر من المال، ومتى ترك الإشهاد لم تثبت له ولاية الحضانة إلا إن تاب وأشهد فيكون التقاطا جديدا من حينئذ، نعم متى سلمه له الحاكم سن الإشهاد ولا يجب; لأن تسليم الحاكم فيه معنى الإشهاد فأغنى عنه. ويجوز التقاط الصبي المميز; لأن فيه حفظا له وقياما بتربيته بل لو خشي ضياعه وجب

(1)

. ويجب رد من له كافل كوصي وقاض وملتقط لكافله (وإنما تثبت ولاية الالتقاط لمكلف حر) ولو فقيرا; لأن طلبه لِقُوتِهِ لا يشغله (مسلم) إن حكم بإسلام اللقيط بالدار وإلا فللكافر العدل في دينه التقاطه، ويجوز التقاط اليهودي للنصراني وعكسه كالتوارث (عدل) ظاهرا فيشمل المستور وسيصرح بأهليته لكن يوكل القاضي به من يراقبه خفية؛ لئلا يتأذى فإذا وثق به صار كمعلوم العدالة (رشيد) ولو أنثى كما هو شأن سائر الولايات على الغير، ويعتبر البصر وعدم نحو برص إذا كان الملتقط يتعاهده بنفسه كما في الحاضنة (ولو التقط عبد) أي قن ولو مكاتبا ومبعضا ولو في نوبته (بغير إذن سيده انتزع) اللقيط (منه) ; لأنه ولاية وتبرع وليس من أهلهما

(1)

. خلافا لشرح البهجة وصنيع المنهج وشرحه من وجوب التقاط المميز مطلقا.

ص: 527

فَإِنْ عَلِمَهُ فَأَقَرَّهُ عِنْدَهُ أَوِ الْتَقَطَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَالسَّيِّدُ الْمُلْتَقِطُ. وَلَوِ الْتَقَطَ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ كَافِرٌ مُسْلِمًا اُنْتُزِعَ مِنْهُ. وَلَوِ ازْدَحَمَ اثْنَانِ عَلَى أَخْذِهِ جَعَلَهُ الحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ فَالْتَقَطَهُ مُنِعَ الْآخَرُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ، وَإِنِ الْتَقَطَاهُ مَعًا وَهُمَا أَهْلٌ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ وَعَدْلٌ عَلَى مَسْتُورٍ، فَإِنِ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ

(فإن علمه) أي التقاطه (فأقره عنده

(1)

أو التقط) غير المكاتب (بإذن سيده) كأن قال له خذه وإن لم يقل لي، وشرط قوله ذلك له وهو غائب عنه عدالة القن ورشده (فالسيد الملتقط) والعبد نائبه في الأخذ والتربية بخلاف المكاتب لا يكون نائبا عنه عند أمره بمطلق الالتقاط؛ لاستقلاله، ولا لاقطا; لأنه غير حر فينزع منه، ولا يكون السيد لاقطا إلا إن قال له التقط لي. ولو أذن لمبعض ولا مهايأة أو وثم مهايأة وهو في نوبة السيد فكالقن أو في نوبة المبعض فباطل ما لم يقل له عني فيكون نائبه (ولو التقط صبي) أو مجنون (أو فاسق أو محجور عليه) بسفه ولو كافرا لقيطا (أو كافر مسلما انتزع) أي انتزعه الحاكم -لا غيره

(2)

- (منه) وجوبا؛ لانتفاء أهليتهم. أما المحكوم بكفره بالدار فيقر بيد الكافر كما مر. (ولو ازدحم اثنان على أخذه) فأراده كل وهما أهل (جعله الحاكم عند من يراه منهما أو من غيرهما)؛ إذ لا حق لهما قبل أخذه فلزمه فعل الأحظ له (وإن سبق واحد فالتقطه منع الآخر من مزاحمته)؛ للخبر السابق ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به)). أما لو لم يلتقطه فلا حق له وإن وقف على رأسه، ويحصل اللقط بجر اللقيط على الأرض بخلاف وضع يده على بدنه فقط (وإن التقطاه معا وهما أهل) لحفظه وحفظ ماله (فالأصح أنه يقدم غني) ويظهر ضبطه بغني الزكاة بدليل مقابلته بالفقير (على فقير) ; لأنه أرفق به غالبا، وقد يواسيه بماله، ولا عبرة بتفاوتهم في الغنى، نعم يقدم الجواد على البخيل

(3)

ويقدم مقيم على ظاعن (وعدل) ولو فقيرا باطنا (على مستور)؛ احتياط للقيط، ولا يقدم مسلم على كافر في محكوم بكفره ولا امرأة على رجل وإن كانت أصبر منه على التربية، نعم تقدم مرضعة في رضيع (فإن استويا) في الصفات المعتبرة وتشاحا (أقرع) بينهما؛ إذ

(1)

. استثنى ابن قاسم المكاتب ونقله عن الرملي وهو ظاهر شرحي المنهج والروض.

(2)

. واعتمد الرملي أنه إذا تعذر كان لغيره الانتزاع.

(3)

. كما في الفتح بدون استثناء.

ص: 528

وَإِذَا وَجَدَ بَلَدِيٌّ لَقِيطًا بِبَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى بَادِيَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ. وَأَنَّ لِلْغَرِيبِ إذَا الْتَقَطَهُ بِبَلَدٍ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِبَادِيَةٍ آمِنَةٍ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى بَلَدٍ. وَإِنْ وَجَدَهُ بَدَوِيٌّ بِبَلَدٍ فَكَالحَضَرِيِّ أَوْ بِبَادِيَةٍ أُقِرَّ بِيَدِهِ، وَقِيلَ إنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ لِلنُّجْعَةِ لَمْ يُقَرَّ. وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ،

لا مرجح، وليس للقارع ترك حقه كالمنفرد بخلافه قبل القرعة (وإذا وَجَد بلدي لقيطا ببلد) أو قرية (فليس له نقله) ولو لغير نقلة (إلى بادية)؛ لخشونة عيشها وفوات أدب الدين والدنيا، ومن ثم لو قربت البادية من البلد أو القرية بحيث يحصل ذلك منها بلا كبير مشقة لم يمنع. ولو وجده ببلد لم ينقله لقرية وإن كانت أقل فسادا

(1)

(والأصح أن له نقله) من بلد وجد فيه (إلى بلد آخر) ولو للنقلة؛ لعدم المحذور السابق لكن يشترط تواصل الأخبار وأمن الطريق وإلا امتنع ولو لدون مسافة القصر (و) الأصح (أن للغريب إذا التَقَطَ ببلد أن ينقله إلى بلده) بالشرطين المذكورين. وحيث منع نزع من يده؛ لئلا يسافر به بغتة، ومن ثم لو التزم الإقامة ووثق منه بها أقر بيده وهذه أخص من التي قبلها

(2)

(وإن وجده) بلدي (ببادية آمنة فله نقله إلى بلد) وإلى قرية; لأنه أرفق به، أما غير آمنة فيجب نقله إلى مأمن ولو مقصده وإن بعد (وإن وجده بدوي) وهو ساكن البدو (ببلد فكالحضري) فإن أقام به فذاك وإلا لم ينقله لأدون من محل وجوده ولو محلة من بلد اختلفت محلاتها بل لمثله أو أعلى بالشرطين السابقين (أو) وجده بدوي (ببادية أقر بيده) لكن يلزمه نقله من غير آمنة إليها (وقيل إن كانوا ينتقلون للنُجْعة) أي لطلب الرعي أو غيره (لم يقر) بيده; لأن فيه تضييعا لنسبه، وعلم مما تقرر أنّ له نقله من بلد أو قرية أو بادية لمثله ولأعلى منه لا لدونه، وأنّ شرط جواز النقل مطلقا أمن الطريق والمقصد وتواصل الأخبار واختبار أمانة اللاقط. (ونفقته في ماله) كغيره (العام كوقف على اللقطاء) وموصىً به لهم، ويجوز الصرف له من وقف الفقراء

(3)

.

(1)

. البادية خلاف الحاضرة وهي العمارة فإن قلَّت فقرية أو كثرت فبلد أو عظمت فمدينة أو كانت ذات زرع وخصب فريف.

(2)

. خلافا للمغني فزعم اتحادهما.

(3)

. كما استوجهه الشارح في الفتح وفاقا للمغني.

ص: 529

أَوِ الخَاصِّ وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَثِيَابٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَيْهِ وَمَفْرُوشَةٍ تَحْتَهُ وَمَا فِي جَيْبِهِ مِنْ دَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا وَمَهْدِهِ وَدَنَانِيرَ مَنْثُورَةٍ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ. وَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارٍ فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ وَكَذَا ثِيَابٌ وَأَمْتِعَةٌ مَوْضُوعَةٌ بِقُرْبِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ المَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَامَ المُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ قَرْضًا، وَفِي قَوْلٍ نَفَقَةً

(أو الخاص) بل يجب تقديم الخاص وليس مخيرا بينه وبين العام

(1)

(وهو ما اختص به كثياب ملفوفة عليه) وملبوسة له التي بأصله أولى (ومفروشة تحته) ومغطى بها ودابة عنانها بيده أو مشدودة بنحو وسطه (وما في جيبه من دراهم وغيرها ومهده) الذي هو فيه (ودنانير منثورة فوقه وتحته) إجماعا; لأن له يدا واختصاصا (وإن وجده) وحده (في دار) لا تعلم لغيره أو حانوت أو بستان أو خيمة كذلك وكذا قرية (فهي) وما فيها (له)؛ لليد، فإن وجد بها غيره منبوذ أو كامل فهي لهما أو لهم بحسب الرءوس بخلاف ما لو وجده على عتبة الدار; لأنه لا يسمى فيها عرفا سيما إن كان بابها مقفولا (وليس له مال مدفون تحته) بمحل لم يحكم بملكه له ككبير جلس على أرض تحتها دفين وإن كان به ورقة معلقة به أنه له، نعم لو اتصل خيط بالدفين وربط بنحو ثوبه قضي له به لاسيما إن انضمت الرقعة إليه (وكذا ثياب) ودواب (وأمتعة موضوعة بقربه) في غير ملكه إن لم تكن تحت يده (في الأصح) كما لو بعدت عنه. أما ما بملكه فهو له قطعا (فإن لم يعرف له مال

(2)

خاص ولا عام (فالأظهر أنه ينفق عليه) ولو محكوما بكفره; لأن فيه مصلحة للمسلمين إذا بلغ بالجزية (من بيت المال) من سهم المصالح مجانا كما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم (فإن لم يكن) في بيت المال شيء، أو كان ثم ما هو أهم منه، أو منع متوليه ظلما اقترض عليه الحاكم إن رآه، وإلا (قام المسلمون) أي مياسيرهم ممن زاد دخلهم على خرجهم (بكفايته) وجوبا (قرضا) أي على جهته كما يلزمهم إطعام المضطر بالعوض (وفي قول نفقة) فلا يرجعون بها؛ لعجزه، فإن امتنعوا كلهم قاتلهم الإمام، وإذا لزمهم الإنفاق وزَّعه الإمام على مياسير بلده، فإن شق فعلى من يراه الإمام منهم، فإن استووا في نظره تخير، ثم إن بان قَنَّا رجعوا على سيده، أو حرا وله مال ولو من كسبه أو قريب أو

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. ولا يعطى بوصف اليتم من مال الفيء كما نص عليه الشارح في بابه 7/ 134.

ص: 530

وَلِلْمُلْتَقِطِ الِاسْتِقْلَالُ بِحِفْظِ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي قَطْعًا.

فصل

إذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ أَوْ بِدَارٍ فَتَحُوهَا وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ كُفَّارٍ صُلْحًا أَوْ بَعْدَ مِلْكِهَا بِجِزْيَةٍ، وَفِيهَا مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ، وَإِنْ وُجِدَ بِدَارِ كُفَّارٍ فَكَافِرٌ إنْ لَمْ يَسْكُنْهَا مُسْلِمٌ وَإِنْ سَكَنَهَا مُسْلِمٌ كَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ فَمُسْلِمٌ فِي الْأَصَحِّ

حدث في بيت المال مال قبل بلوغه ويساره فعليه وإلا فمن سهم الفقراء أو المساكين أو الغارمين (وللملتقط الاستقلال بحفظ ماله في الأصح) ; لأنه يستقل بحفظ المالك فماله أولى، ومحله إن كان عدلا يجوز إيداع مال اليتيم عنده، ومع استقلاله بحفظه لا يخاصم من ادعاه، وللقاضي نزعه منه وتسليمه لأمينٍ غيره يباشر الإنفاق عليه بالمعروف اللائق به أو يسلمه للملتقط يوما بيوم، (ولا ينفق عليه منه إلا بإذن القاضي قطعا)؛ لأن ولاية التصرف في المال لا تثبت إلا لأصل أو وصي أو حاكم أو أمينه، فإن أنفق بغير إذنه ضمن أي إن أمكنت مراجعته وإلا أنفق وأشهد ولا يضمن حينئذ.

(فصل) في الحكم بإسلام اللقيط وغيره وكفرهما بالتبعية

(إذا وجد لقيط بدار الإسلام)، ومنها ما علم أنه مسكن المسلمين ولو في زمن قديم فغلب عليه الكفار كقرطبة نظرا؛ لاستيلائنا القديم (و) إن كان (فيها أهل ذمة) أو عهد (أو بدار فتحوها) أي المسلمون (وأقروها بيد كفار صلحا) أي على وجهه وإن لم يملكوها (أو) وجد بدار أقروها بيدهم (بعد ملكها بجزية وفيها) أي الدار في المسائل الثلاث، والأوجه أن الأخيرتين دارا إسلام أيضا كالأولى (مسلم) يمكن كونه منه ولو مجتازا (حكم بإسلام اللقيط)؛ تغليبا لدار الإسلام لخبر ((الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)). وحيث لا ذمي ثَمّ فمسلم باطنا أيضا، وإلا فظاهرا فقط، أما إذا لم يكن ثم مسلم يمكن كونه منه فهو كافر، واكْتُفِي هنا بالمجتاز؛ تغليبا لحرمة دارنا بخلافه في قوله:(وإن وجد بدار كفار فكافر إن لم يسكنها مسلم) ولا عبرة باجتيازه فيها، (وإن سكنها مسلم) يمكن كونه منه إمكانا قريبا عادة (كأسير) منتشر

(1)

(وتاجر فمسلم في الأصح)؛

(1)

. أما أسير محبوس في مطمورة فلا أثر له.

ص: 531

وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ لَحِقَهُ وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّعْوَى فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ، وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الصَّبِيِّ بِجِهَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَا يُفْرَضَانِ فِي لَقِيطٍ: إحْدَاهُمَا الْوِلَادَةُ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ فَهُوَ مُسْلِمٌ،

تغليبا للإسلام فإن نفاه ذلك المسلم قبل في نسبه دون إسلامه (ومن حكم بإسلامه بالدار) فإن كان حيث لا ذمي فيها فمسلم ظاهرا وباطنا فإذا بلغ وأفصح بالكفر كان مرتدا، أما إن وجد ذمي ثَمَّ فمسلمٌ ظاهرا فقط فإذا بلغ وأفصح بالكفر فكافر أصلي؛ لضعف الدار، ومثل الذمي هنا المعاهد والمستأمن، ولو وجد ببرِّيَّة بدارنا أو لا يد لأحد عليها فمسلمٌ. ومن حُكم بإسلامه بالدار (فأقام ذمي) أو حربي (بينة بنسبه لحقه) ; لأنه كالمسلم في النسب (وتبعه في الكفر) وارتفع ما ظنناه من إسلامه; لأن الدار حكم باليد والبينة أقوى من مجرد يد، وتصور علوقه من مسلمة بوطء شبهة نادر لا يعول عليه مع البينة، وشملت البينة محض النسوة لكن إن ثبت بهنّ النسب -بأن شهدن بولادة زوجة الذمي له- تبعه في الكفر وإلا فلا، وفي حكم البينة إلحاق القائف، (وإن اقتصر) الكافر (على الدعوى) بأنه ابنه ولا حجة له (فالمذهب أنه لا يتبعه في الكفر) وإن لحقه نسبه; لأن الحكم بإسلامه لا يغير بمجرد دعوى كافر مع إمكان تلك الشبهة النادرة، ومحل ذلك إن لم يصدر منه نحو صلاة وإلا لم يغير عن حكم الإسلام قطعا ويحال بينهما وجوبا، وكذا

(1)

ندبا إن قلنا يتبعه في الكفر كمميز أسلم

(2)

.

[تنبيه] يجوز للقاضي الحكم بكفر لقيط رفع إليه، نعم إذا أسم مميز حكم بعدم صحة إسلامه لا بكفره إلا بالنسبة للأحكام الدنيوية، وكذا يقال في أولاد والكفار فلا يُطلق الحكم بكفرهم (ويحكم بإسلام الصبي بجهتين أخريين لا يفرضان في لقيط) وإنما ذكرا في بابه استطرادا. (إحداهما الولادة فإذا كان أحد أبويه مسلما وقت العلوق) وإن علا ولو أنثى غير وارثة أو قنا قبل الظفر به أو بعده -كما يأتي بسطه في السير- وإن حدث الولد بعد موته ولو مع وجود حي أقرب منه بشرط نسبته إليه نسبة تقتضي التوارث ولو بالرحم فلا يرد آدم أبو البشر صلى الله على نبينا وعليه وسلم (فهو مسلم) إجماعا وإن ارتد بعد العلوق.

(1)

. خالف النهاية في مفهوم هذا.

(2)

. وللشهاب الرملي مقولة هنا ردها وشنع عليها ابن حجر وهي ((لا يجوز لقاض أن يحكم بكفر أحد، فإن فعل كفر)).

ص: 532

فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا فَمُرْتَدٌّ، وَلَوْ عَلِقَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا فَمُرْتَدٌّ، وَفِي قَوْلٍ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ. الثَّانِيَةُ إذَا سَبَى مُسْلِمٌ طِفْلًا تَبِعَ السَّابِيَ فِي الْإِسْلَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَحِّ

(فإن بلغ ووصف كفرا) أي أعرب به عن نفسه (فمرتد) ; لأنه مسلم ظاهرا وباطنا (ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما) وإن علا كما ذكر قبل بلوغه ولو بعد تمييزه (حكم بإسلامه)؛ لخبر ((الإسلام يُعلى ولا يُعلى عليه))، ولو أمكن احتلامه فادعاه قَبْلَ إسلام أصله لم يقبل

(1)

إلا إن أنبت شعر عانته الخشن. والمجنون المحكوم بكفره يلحق أحد أبويه إذا أسلم كالصبي، (فإن بلغ ووصف كفرا فمرتد)؛ لسبق الحكم بإسلامه ظاهرا وباطنا، (وفي قول) هو (كافر أصلي) ; لأن تبعيته أزالت الحكم بكفره وقد زالت باستقلاله فعاد لما كان عليه أوَّلاً، وبُني على هذا القول أنه يلزمه التلفظ بالإسلام بعد البلوغ بخلافه على الأول فلا يلزمه؛ لأن قد حكم بإسلامه، نعم لو مات قبل التلفظ جهز كمسلم حتى على القول الثاني؛ لأن ترك التلفظ يوجب الإثم لا الكفر. ولو تلفظ ثم ارتد فمرتد قطعا. ولا ينقض ما جرى عليه من أحكام الإسلام قبل ردته على الأصح.

الجهة (الثانية إذا سبى مسلم) ولو صبيا مجنونا وإن كان معه كافر كامل (طفلا) أو مجنونا، والمراد بالمسلم والطفل الجنس؛ ليشمل ذَكَر كلٍّ وأنثاه المتحد والمتعدد (تبع السابي في الإسلام) ظاهرا وباطنا (إن لم يكن معه أحد أبويه)؛ إجماعاً ولأنه صار تحت ولايته كالأبوين، ولو بلغ ووصف الكفر كان مرتدا. أما إذا كان معه أحدهما وإن علا بأن كانا في جيش واحد وغنيمة واحدة وإن لم يتحد المالك وقد سبيا معا أو تقدم الأصل فلا يحكم بإسلامه; لأن تبعيتهما أقوى من تبعية السابي وإن ماتا بعد; لأن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي. (ولو سباه) ولا يلحق بالسبي غيره كالشراء (ذمي لم يحكم بإسلامه) بل بكونه على دين سابيه لا أبويه (في الأصح) ; لأن كون الذمي من أهل دارنا لم يفده كذريته الإسلام فمسبيه أولى، فمحل الخلاف في ذمي قاطن في بلادنا أو دخل بالسبي في دارنا أو سباه في جيشنا فإن انتفى شيء من ذلك لم يحكم بإسلامه قطعاً، ولو سبي أبواه ثم أسلما صار مسلما بإسلامهما، ويقاس

(1)

. خلافا للنهاية فاعتمد قبوله أي فلا يحكم بإسلامه.

ص: 533

وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ اسْتِقْلَالًا عَلَى الصَّحِيحِ.

فصل

إذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقِّهِ فَهُوَ حُرٌّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ أَحَدٌ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ قُبِلَ إنْ لَمْ يَسْبِقْ إقْرَارُهُ بِحُرِّيَّةٍ،

به ما لو أسلما بأنفسهما في دار الحرب أو خرجا إلينا وأسلما

(1)

. وخرج بسباه في جيشنا نحو سرقته له فهو حينئذٍ غنيمة

(2)

، وعليه فهو مسلم; لأن بعضه للمسلمين. ولو أسلم سابيه الذمي أو قهر حربي صغيرا حربيا وملكه ثم أسلم لم يتبعه كما لو اشترى كافر صغيرا ثم أسلم. والمستأمن كالذمي (ولا يصح) بالنسبة لأحكام الدنيا (إسلام صبي مميز استقلالا على الصحيح) كغير المميز بجامع عدم التكليف، نعم تسن الحيلولة بينه وبين أبويه؛ لئلا يفتناه. إما بالنسبة لأحكام الآخرة فيصح ويكون من الفائزين اتفاقا ولا تلازم بين الأحكامين كما فيمن لم تبلغه الدعوة وكأطفال المشركين.

(فصل) في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع لذلك

(إذا لم يقر اللقيط برقه فهو حر) إجماعا

(3)

. وإذا حكم له بالحرية وبالإسلام فقتله حر مسلم أو غيره قتله به الإمام أو عفا على الدية لا مجانا; لأنها لبيت المال وهو لا يجوز له التصرف فيما يتعلق به على خلاف المصلحة. ولو بلغ اللقيط المحكوم بحريته وبإسلامه بالدار ولم يصف الإسلام قتل به الحر

(4)

كذلك (إلا أن يقيم أحد بينة برقه) فيعمل بها كما يأتي (وإن أقر) وهو مكلف

(5)

(به) أي الرق (لشخص فصدقه) ولو بسكوته عن تكذيبه; لأن فيه تصديقا له (قُبِلَ إن لم يسبق إقراره) أي اللقيط

(6)

(بحرية) كسائر الأقارير بخلاف ما إذا كذبه

(1)

. عبارة النهاية.

(2)

. وفاقا للنهاية هنا وخلافا للمغني في قسم الفيء والغنيمة.

(3)

. وهنا تقييد اعتمده المغني وشرح المنهج ولم يرتضه الشارح والنهاية.

(4)

. خلافا لهما كالروض.

(5)

. وإن لم يكن رشيدا خلافا للمغني.

(6)

. ويصح عوده على المقر له أيضا.

ص: 534

وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَلَّا يَسْبِقَ مِنْهُ تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ حُرِّيَّةً كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ بَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الرِّقِّ وَأَحْكَامِهِ المُسْتَقْبَلَةِ لَا المَاضِيَةِ المُضِرَّةِ بِغَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ. فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَفِي يَدِهِ مَالٌ قُضِيَ مِنْهُ. وَلَوِ ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ، وَكَذَا إنِ ادَّعَاهُ المُلْتَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ

- وإن صدقه بعدُ- أو سبق إقراره بالحرية وهو مكلف; لأنه به التزم أحكام الأحرار المتعلقة بحقوق الله والعباد فلم يقدر على إسقاطها. ولا يرد على المتن ما لو أقر به لزيد فكذبه فأقر به لعمرو فصدقه فلا يقبل وإن لم يسبق منه إقرار بحرية; لأن إقراره الأول يتضمن نفي الملك لغيره وقد بطل ملكه برده فصار حر الأصل والحرية يتعذر إسقاطها؛ لما مر، ولو أنكر رقه فادعى عليه به وحلف ثم أقر به له فإن كانت صيغة إنكاره لست برقيق لك قُبِل، أو لست برقيق فلا؛ لتضمنه الإقرار بأنه حر الأصل (والمذهب أنه لا يشترط) في صحة الإقرار بالرق (ألا يسبق منه تصرف يقتضي نفوذه حرية كبيع ونكاح بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه) الماضية المضرة به و (المستقبلة) فيما له -كما يقبل إقرار المرأة بالنكاح وإن تضمن ثبوت حق لها- وعليه كسائر الأقارير، نعم لو أقرت متزوجة بالرق وقد كان الزوج ممن لا تحل له الأمة لم ينفسخ نكاحه وتسلم له تسليم الحرائر ويسافر بها بلا إذن وتعتد عدتهن لنحو طلاق وعدة الإماء لموت وولدها قبل إقرارها حر وبعده رقيق وذلك; لأن النكاح كالمقبوض المستوفى ولهذا لا ينفسخ نكاح أمة بطرو نحو يسار (لا) في الأحكام (الماضية المضرة بغيره) فلا يقبل إقراره بالنسبة إليها (في الأظهر) كما لا يقبل الإقرار على الغير بدين مثلا، وتقبل البينة برقه مطلقا. وعلى الأظهر (فلو لزمه دين فأقر برق وفي يده مال قضي منه) ثم إن فضل شيء فللمقر له و إلا اتبع بما بقي بعد عتقه (ولو ادعى رقه من ليس في يده بلا بينة لم يقبل) قطعا; لأن الأصل والظاهر الحرية فلا تترك إلا بحجة بخلاف النسب لما فيه من الاحتياط والمصلحة (وكذا إن ادعاه الملتقط) بلا بينة فلا يقبل (في الأظهر)؛ لما ذكر، ويجب

(1)

انتزاعه من يده؛ لخروجه بدعوى رقه عن الأمانة، نعم لو أشهد أنه حر الأصل بقي بيده.

(1)

. خلافا للنهاية.

ص: 535

وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ وَلَمْ يُعْرَفِ اسْتِنَادُهَا إلَى الْتِقَاطٍ حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ، فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ عُمِلَ بِهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ المِلْكِ، وَفِي قَوْلٍ يَكْفِي مُطْلَقُ المِلْكِ. وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ حُرٌّ مُسْلِمٌ لَحِقَهُ وَصَارَ أَوْلَى بِتَرْبِيَتِهِ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدٌ لَحِقَهُ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ،

(ولو رأينا صغيرا مميزا أو غير مميز) أو مجنونا (في يد من يسترقه) أي يستخدمه مدعيا رقه (ولم يعرف استنادها إلى التقاط حكم

(1)

له بالرق) إذا ادعاه؛ عملا باليد والتصرف بلا معارض، نعم إن كذبه المميز

(2)

احتاج إلى يمين أنه ملكه، (فإن بلغ) الصبي الذي استرقه صغيرا -سواء ادعى رقه حينئذ أو بعد البلوغ- أو أفاق المجنون (وقال أنا حر لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة) بالحرية; لأنه حكم برقه في صغره أو جنونه فلم يزل إلا بحجة، نعم له تحليفه (ومن أقام بينة) أو حجة أخرى (برقِّه) بعد الاحتياج إليها -لا إن لم يحتج إليها كبينة داخل قبل إشراف يده على الزوال- (عمل بها) ولو لخارج غير ملتقط، (ويشترط أن تتعرض البينة) أو نحوها في اللقيط

(3)

(لسبب الملك) من نحو إرث وشراء؛ لئلا يعتمد ظاهر اليد، ولا تحتاج بينة غير الملتقط إلى ذلك، ويكفي قول البينة -ولو أربع نسوة- أنه ولد أمته وإن لم تتعرض للملك; لأن الغالب أن ولد أمته ملكه (وفي قول يكفي مطلق الملك) كسائر الأموال، ولا يجري الخلاف في غير الملتقط (ولو استلحق اللقيط) يعني الصغير ولو غير لقيط (حر مسلم) ذكر ولو غير ملتقط (لحقه) -بشروطه السابقة في الإقرار- إجماعا، وتثبت أحكام النسب من الجانبين ولا يلحق بزوجته إلا ببينة. واستحبوا للقاضي أن يقول للملتقط من أين هو ولدك من زوجتك أو أمتك أو شبهة; لأنه قد يظن أن الالتقاط يفيد النسب بل يجب إن جهل ذلك؛ احتياطا للنسب. أما الكافر فيستلحق من حكم بكفره وكذا من حكم بإسلامه لكن لا يتبعه في الكفر كما مر (وصار أولى بتربيته) من غيره؛ لثبوت أبوته له، نعم إن كان كافرا واللقيط مسلما بالدار لم يسلم إليه (وإن استلحقه عبد) بشروطه (لحقه) في النسب دون الرق إلا ببينة عليه; لأنه كالحر في النسب لكن يقر بيد الملتقط وينفق عليه من بيت المال. (وفي قول يشترط تصديق سيده) ; لأنه يقطع إرثه بفرض عتقه.

(1)

. وليس المراد حكم حاكم خلافا لما تقتضيه عبارة النهاية.

(2)

. أخرج ما إذا لم يكذب وما إذا لم يميز وخالفوه.

(3)

. صرح في شرح الروض باشتراط بيان سبب الملك في الشهادة والدعوى في غير الملتقط أيضا.

ص: 536

وَإِنِ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الْأَصَحِّ. أَوِ اثْنَانِ لَمْ يُقَدَّمْ مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ الحَقَهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ أَوْ تَحَيَّرَ أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ ألحَقَهُ بِهِمَا أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ سَقَطَتَا فِي الْأَظْهَرِ

(وإن استلحقته امرأة لم يلحقها في الأصح)؛ لإمكان إقامة البينة بمشاهدة الولادة بخلاف الرجل، وإذا أقامتها لحقها ولو أمة ولا يثبت رقه لمولاها ولا يلحق زوجها إلا إن أمكن وشهدت بالولادة على فراشه وحينئذ لا ينتفي عنه إلا باللعان (أو) استلحقه (اثنان لم يقدم مسلم وحر على ذمي) وحربي (وعبد)؛ لصحة استلحاق كل منهم ويد الملتقط لا تصلح للترجيح هنا (فإن) كان لأحدهما بينة سليمة من المعارض عمل بها، وإن (لم يكن) لواحد منهما (بينة) أو كان لكل بينة وتعارضتا فإن سبق استلحاق أحدهما ويده عن غير التقاط قُدِّم؛ لثبوت النسب منه معتضدا باليد فهي عاضدة لا مرجحة، وإن لم يسبق أحدهما كذلك كأن استلحقه لاقطه ثم ادعاه آخر (عرض على القائف) الآتي قبيل العتق (فيلحق من ألحقه به)؛ لما يأتي ثَم، ولا يقبل منه بعد إلحاقه بواحد إلحاقه بآخر; لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ومن ثم لو تعارض قائفان كان الحكم للسابق وتقدم البينة عليه وإن تأخرت كما يقدم هو على مجرد الانتساب; لأنه بمنزلة الحكم فكان أقوى. (فإن لم يكن قائف) بالبلد أو بدون مسافة القصر منه (أو) وجد ولكن (تحيَّر أو نفاه عنهما أو ألحقه بهما) وُقِف الأمر إلى بلوغه، و (أمر بالانتساب) قهرا عليه وحبس إن امتنع وقد ظهر له ميل وإلا وقف الأمر (بعد بلوغه إلى من يميل طبعه إليه منهما)؛ لما صح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بذلك، ولا يجوز له الانتساب بالتشهي بل لا بد من ميل جِبِلِّي كميل القريب لقريبه، ويشرط فيه أن يعرف حالهما ويراهما قبل البلوغ وأن تستقيم طبيعته ويتضح ذكاؤه. ولو انتسب لغيرهما وصدقه ثبت نسبه. و ينفقانه مدة الانتظار ثم من ثبت له رجع الآخر عليه بما أنفق إن كان بإذن الحاكم ثم بالإشهاد على نية الرجوع ثم بنيته

(1)

وإلا فهو متبرع، ولو تداعاه امرأتان أنفقتا، ولا رجوع هنا مطلقا؛ لإمكان القطع بالولادة فأوخذت كلٌّ بموجب قولها (ولو أقاما بينتين) على النسب (متعارضتين) كأن اتحد تاريخهما

(2)

(سقطتا في الأظهر)؛ إذ لا مرجح فيرجع للقائف واليد هنا غير مرجحة; لأنها لا تُثْبِتُ النسب بخلاف الملك.

(1)

. يعني إذا فقد الشهود وأنفق بنية الرجوع خلافا للنهاية.

(2)

. مفهومه عدم التساقط إذا اختلف تاريخهما ويخالفه ما في شرح المنهج والروض.

ص: 537

‌كتاب الجعالة

هِيَ كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ آبِقِي فَلَهُ كَذَا. وَيُشْتَرَطُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِعِوَضٍ مُلْتَزَمٍ، فَلَوْ عَمِلَ بِلَا إذْنٍ أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ

(كتاب الجَُِعالة)

(هي) لغة ما يجعله الإنسان لغيره على شيء بفعله. وأصلها قبل الإجماع أحاديث رُقْيَةِ الصحابي وهو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه اللديغ بالفاتحة على ثلاثين رأسا من الغنم، وتفارق الإجارة في جوازها على عمل مجهول وصحتها مع غير معين وكونها جائزة وعدم استحقاق العامل تسليم الجعل إلا بعد تسليم العمل، فلو شرط تعجيله فسد المسمى ووجبت أجرة المثل فإن سلمه بلا شرط لم يجز تصرفه فيه. وشرعا: الإذن في عمل معين أو مجهول لمعين أو مجهول بمقابل (كقوله) أي مطلق التصرف المختار (من رد آبقي) أو آبق زيد (فله كذا) أو رُدَّه ولك كذا -ولا يشترط أن يقول عليَّ ولا نيته- وكقول من حبس ظلما لمن يقدر على خلاصه وإن تعين عليه إن خلصتني فلك كذا بشرط أن يكون في ذلك كلفة تقابل بأجرة عرفا، وتصح في إن حفظت مالي من متعدٍّ فلك كذا إن عين له قدر المال وزمن الحفظ وإلا فلا وتجب له أجرة المثل لما حفظه؛ لأن المسمى فسد بقصد المالك دوام الحفظ لا إلى غاية.

وأركانها عمل وجعل وصيغة وعاقد، والشرط في العامل قدرته على نحو ردِّ الآبق بنفسه إن كان غير معين وبنفسه أو مأذونه إن كان معينا، ولا يشترط فيه بقسميه تكليف ولا رشد ولا حرية ولا إذن سيد أو ولي فيصح من صبي ومجنون له نوع تمييز ومحجور سفه وقن. (ويشترط) فيها؛ لتتحقق (صيغة) من الناطق الذي لم يرد الكتابة (تدل على العمل) أي الإذن فيه (بعوض) معلوم مقصود (ملتزم)؛ لأنها معاوضة. أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة لذلك، وأما الناطق إذا كتب ذلك ونواه فإنه يصح منه (فلو عمل بلا إذن) أو بإذن من غير ذكر عوض أو بعد الإذن لكنه لم يعلم به -سواء المعين وقاصد العوض وغيرهما- (أو أذن لشخص فعمل غيره فلا شيء له) ; لأنه لم يلتزم له عوضا فوقع عمله تبرعا وإن عرف برد الضوال بعوض، نعم رد قن المقول له كرده

(1)

؛ لأن يده كيده. ولو قال من رد عبدي من

(1)

. أي وإن لم يأذن له خلافا للنهاية.

ص: 541

وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ قَالَ: قَالَ زَيْدٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى زَيْدٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ وَإِنْ عَيَّنَهُ

سامعي ندائي فرده من علمه ولم يسمعه لم يستحق ولمن سمع النداء العام التوكيل كهو في تملك المباح وكذا الخاص لكن إن لم يحسنه أو لم يلق به أو عجز عنه وعلم به القائل وإلا فلا وإن طرأ له نحو مرض، فعلم أن من جوعل على الزيارة لا يستنيب فيها إلا إن عذر وعلمه المجاعل حال الجعالة. (ولو قال أجنبي) مطلق التصرف مختار (من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد) العالم به (على الأجنبي) ; لأنه التزمه، وإن لم يأت بـ ((عليّ))، ولا يأثم بوضع يده على عبد غيره حينئذ؛ لأن وضع اليد عليه يرضى به الملاك غالباً. والمراد بالأجنبي هنا غير الوكيل والولي، فلو قال ذلك عن موكله أو محجوره والجعل قدر أجرة المثل وجب في مال الموكل والمحجور (وإن قال) الأجنبي (قال زيد من رد عبدي فله كذا وكان كاذبا لم يستحق) الراد (عليه) أي الأجنبي شيئا؛ لعدم التزامه (ولا على زيد) إن كذبه؛ لذلك -ولا تقبل شهادة الأجنبي على زيد بذلك; لأنه متهم في ترويج قوله- أما إذا صدقه فيلزمه الجعل إن كان الأجنبي ممن يُقبل خبره

(1)

وإلا فلا شيء له لكن إذا لم يصدقه العامل وإلا استحق على المالك المصدق; لأن المحذور عدم علم العامل وبتصديقه يصير عالما (ولا يشترط قبول العامل) لفظا لما دل عليه لفظ الجاعل (وإن عينه) بل يكفي العمل كالوكيل، ومن ثم لو رده

(2)

ثم عمل لم يستحق إلا بإذن جديد.

[تنبيه] لا تشترط مطابقة القبول للإيجاب

، فلو قال إن رددت آبقي فلك دينار فقال أرده بنصف دينار استحق الدينار

(3)

; لأن القبول لا أثر له في الجعالة، نعم لو رد الجعل من أصله فلا شيء له.

(1)

. خلافا للمغني فاعتمد في حالة ما لو كان الأجنبي ممن لا يقبل خبره أنه كما لو رده غير عالم بإذنه.

(2)

. يستفاد منه أن هذه الجعالة ترتد بالرد خلافا للرملي.

(3)

. قضية كلام الشارح أنه لو قال: ((رده بلا شيء)) لا يستحق عوضا وفي النهاية ما يرده.

ص: 542

وَتَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَكَذَا مَعْلُومٌ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الجُعْلِ مَعْلُومًا، فَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلِلرَّادِّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَلَوْ قَالَ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ قِسْطُهُ مِنَ الجُعْلِ

(وتصح) الجعالة كما مر (على عمل مجهول

(1)

إن عسر ضبطه لا كبناء حائط -فيذكر محله وطوله وسمكه وارتفاعه وما يبنى به- وخياطة ثوب فيصفه كالإجارة (وكذا معلوم) كمن رده من موضع كذا (في الأصح) ; لأنها إذا جازت مع الجهل فمع العلم أولى، ومر أنه لا بد في العمل من كلفة فلو رد من هو بيده ولا كلفة فيه كدينار فلا شيء له، ولو قال من دلني على مالي فله كذا فدله من هو بيده فلا شيء له؛ إذ لا كلفة، نعم إن عصى بوضع يده عليه بنحو غصب ثم سمع قول مالكه مثلا من رد مالي فله كذا فرده لم يستحق شيئا وإن كان فيه كلفة؛ لتعين الرد عليه فورا ليخرج به عن المعصية، أما إن دله من هو بيد غيره فيستحق إن بحث عليه بعد الجعالة؛ لأن الغالب أن تلحقه مشقة بالبحث عنه. (ويشترط) لصحة العقد عدم تأقيته فيبطل من رد عبدي إلى شهر؛ لأنه قد لا يجده فيه، و (كون الجعل) مالا (معلوما) بمشاهدة المعين أو وصفه أو وصف ما في الذمة، مقصودا يصح غالبا جعله ثمنا؛ لأنه عوض كالأجرة ولا حاجة لجهالته بخلاف العمل، (فلو قال من رده فله) ثيابه إن علمت -ولو بالوصف- فهي للراد وإلا فله أجرة المثل، بل يصح إن قال له نصف المردود إن عُلم وإن لم يعرف محله، أو فله (ثوب أو أرضيه) أو فله خمر مثلا (فسد العقد)؛ لجهالة العوض أو عدم ماليته، (وللراد) الجاهل بأن الفاسد لا شيء فيه (أجرة مثله) كالإجارة الفاسدة، وفي غير المقصود كالدم لا شيء له; لأنه لم يطمع في شيء، ومرَّ صحة الحج بالنفقة للحاجة وهو محمول على حِجَّ عني وأعطيك نفقتك; لأنه أرزاق لا جعالة بخلاف حج عني بنفقتك فإنه فاسد، وإذا قلنا بأنه أرزاق لزمه كفايته (ولو قال) من رده (من بلد كذا فرده) من تلك الجهة لكن (من) أبعد منه فلا زيادة له؛ لتبرعه بها، أو من (أقرب منه فله قسطه من الجعل) ; لأنه قوبل

(1)

. ولذا جازت الجعالة على زيارة قبره صلى الله عليه وسلم إن أريد بها الدعاء لا الوقوف؛ لأنه لا يقبل النيابة، ولو استجعل من جماعة على الدعاء ثََمَّ صح فإذا دعا لكل منهم استحق جعل الجميع بخلاف ما لو كان ميتان بقبر فاستجعل على أن يقرأ على كلٍّ ختمة فيلزمه ختمتان كما ذكره الشارح في الحج مع الفرق بين المسألتين 4/ 32 - 33.

ص: 543

وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي رَدِّهِ اشْتَرَكَا فِي الجُعْلِ. وَلَوِ الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّنٍ فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ إنْ قَصَدَ إعَانَتَهُ فَلَهُ كُلُّ الجُعْلِ،

بكل العمل فيوزع على ما قد وجد منه وما عدم، ومحله إن تساوت الطريق سهولة أو حزونة وإلا بأن كان النصف مثلا الذي أتى به ضعف ما تركه استحق ثلثي الجعل. أما إذا رده من جهة أخرى فيستحق قدر ما يستحقه لو رد من الجهة المعينة؛ لأن التعيين أن يراد به الإرشاد لمحله، ومن ثم لو أراد حقيقة التعيين لم يستحق شيئا، ولا يشكل على ما ذكر نحو من خاط لي ثوبا أو بنى لي حائطا أو علمني سورة كذا فأتى ببعضه لم يستحق شيئا; لأنه لم يحصل غرضه الذي سماه وثم حصل غرضه، ومن ثم لو ذكر شيئين مستقلين كمن رد عبدي فله كذا استحق نصف الجعل برد أحدهما، ومحله إذا تساوى محلهما أي وقد استوت طريقهما سهولة وحزونة أخذا من تقييدهم بذلك للرد من نصف الطريق المعين.

[فرع] تجوز الجعالة على الرقية بجائز كما مر في الحديث وتمريض مريض ومداواته ولو دابة

، ثم إن عين لذلك حدا كالشفاء ووجد استحق المسمى وإلا فأجرة المثل. ولو جاعله على رد عبيد فرد بعضهم استحق قسطه باعتبار العدد أي بالقيدين المذكورين قبيل الفرع; لأن أجرة ردهم لا تتفاوت حينئذ غالبا، أو على حج وعمرة وزيارة فعمل بعضها استحق بقسطه بتوزيع المسمى على أجرة مثل الثلاثة (ولو اشترك اثنان) مثلا معينين أو لا وقد عمهما النداء (في رده اشتركا في الجعل) أو ثلاثة فكذلك بحسب الرءوس وإن تفاوت عملهم؛ إذ لا ينضبط حتى يوزع عليه. ولو قال إن رددتما عبدي فلكما كذا فرده أحدهما استحق النصف; لأنه لم يلتزم له سواه (ولو التزم جعلا لمعين) كإن رددته فلك دينار (فشاركه غيره في العمل إن قصد إعانته) مجانا أو بعوض منه (فله) أي ذلك المعين (كل الجعل) ; لأن قصد الملتزم الرد ممن التزم له بأي وجه أمكن فلم يقصر لفظه على المخاطب وحده بخلاف ما مر فيما إذا أذن لمعين فرده نائبه مع قدرته; لأن المالك لم يأذن فيه أصلا، ولا شيء للمعاون إلا إن التزم له المخاطب أجرة

(1)

.

(1)

. وذكر الشارح في القرض أنه لو قال حصل لي ألفا قرضا ولك عشرة جعالة استحق الجعل إن اقترضها له لا إن أقرضه 5/ 41.

ص: 544

وَإِنْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلِلْأَوَّلِ قِسْطُهُ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ. فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ

[تنبيه] تجوز الاستنابة لعذر

(1)

في الإمامة والتدريس وسائر الوظائف القابلة للنيابة وإن لم يأذن الواقف إذا استناب مَن وجد فيه شرط الواقف مثله أو خيرا منه ويستحق المستنيب كل المعلوم

، نعم المتفقه لا يجوز له

(2)

الاستنابة؛ إذ لا يمكن لأحد أن يتفقه عنه (وإن قصد) المشارك (العمل) بعمل أو بدونه (للمالك) -يعني الملتزم- أو لنفسه أو للجميع أو لاثنين منهم أو لم يقصد شيئا (فللأول قسطه) إن شاركه من أول العمل وهو نصف الجعل إن قصد نفسه أو الملتزم أو هما أو أطلق وثلاثة أرباعه إن قصد نفسه والعامل أو العامل والملتزم وثلثاه إن قصد الجميع (ولا شيء للمشارك بحال) أي في حال مما ذكر؛ لتبرعه (ولكل منهما) أي الجاعل والعامل (الفسخ قبل تمام العمل) ; لأنه عقد جائز من جهة الجاعل والعامل. والمراد بفسخ العامل رده ولا يتأتى فسخه قبل العمل إلا في المعين. وخرج بقبل تمامه بعده فلا أثر للفسخ حينئذ; لأن الجعل قد لزم واستقر (فإن فسخ) من المالك أو الملتزم أو العامل المعين القابل للعقد وقد علم العامل الذي لم يفسخ بفسخ الجاعل أو أعلن الجاعل بالفسخ أي أشاعه والعامل غير معين (قبل الشروع) في العمل (أو فسخ العامل بعد الشروع) فيه (فلا شيء له) -وإن وقع العمل مسلما كأن شرط له جعلا في مقابلة بناء حائط فبنى بعضه بحضرته-؛ لأنه في الأولى لم يعمل شيئا وفي الثانية فوت بفسخه غرض الملتزم باختياره، ومن ثم لو كان فسخه فيها؛ لأجل زيادة الجاعل في العمل أو نقصه من الجعل استحق أجرة المثل؛ لأن الجاعل هو الذي ألجأه إلى ذلك، أما إذا لم يعلم العامل المعين ولم يعلن المالك بالرجوع فيما إذا كان غير معين فإنه يستحق المشروط

(3)

؛ إذ لا تقصير منه بوجه.

(1)

. وأجازها المغني مطلقا.

(2)

. خلافا للرملي.

(3)

. خلافا لهما.

ص: 545

وَإِنْ فَسَخَ المَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ المِثْلِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ فِي الجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ وُجُوبُ أُجْرَةِ المِثْلِ

(وإن فسخ المالك) يعني الملتزم ولو بإعتاق المردود مثلا

(1)

(بعد الشروع) في العمل لم يستحق العامل شيئا من المسمى; لأنه إنما يستحق المسمى بالفراغ من العمل فكذا بعضه، وحينئذ (فعليه أجرة المثل) لما مضى (في الأصح)؛ لاحترام عمل العامل فلم يفوت عليه بفسخ غيره. ولو حصل بما مضى من العمل بعض المقصود كإن علمت ابني القرآن فلك كذا ثم منعه الأب من تمام التعليم، ومثله ما لو منع المالك ماله من أن يتم العامل العمل فيه فتلزمه أجرة مثل ما عمله فيهما؛ لأن منعه فسخ أو كالفسخ وقد تقرر أن فسخ الملتزم يوجب أجرة المثل للماضي، وإن وجبت أجرة المثل في المتن؛ لأن ما هنا فسخ وهو أقوى من الانفساخ؛ إذ يجب فيه القسط من المسمى فلو مات أحدهما أثناء العمل انفسخ واستحق القسط من المسمى أي إن رد العامل لوارث المالك أو وارث العامل للمالك، (وللمالك) يعني الملتزم (أن يزيد وينقص في) العمل وفي (الجعل) وأن يغير جنسه (قبل الفراغ) سواء ما قبل الشروع وما بعده كالثمن في زمن الخيار، (وفائدته) إذا وقع التغيير (بعد الشروع) في العمل مطلقا أو قبله وعمل جاهلا بذلك ثم أتم العمل (وجوب أجرة المثل) لجميع عمله، وذلك؛ لأن النداء الأخير فسخ للأول والفسخ من الملتزم أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل، وما تقدم من أجرة المثل في ذكر لجميع العمل لا للماضي خاصة لا ينافي قولهم لو عمل بعد الفسخ لا شيء له؛ لأن ذلك فيما إذا فسخ بلا بدل بخلاف هذا، وأُلحق بالفسخ أثناء العمل فسخه بالتغيير قبل العمل المذكور فإن عمل في هذه عالما بذلك فله المسمى الثاني.

[تنبيه] الأوجه ما اقتضاه المتن من أنه لو لم يعلم بالتغيير قبل الشروع -فيما إذا كان العامل معينا ولم يعلن به الملتزم إذا كان غير معين- من أن له أجرة المثل. وعلم مما تقرر أنه لو علم بالثاني قبل الشروع استحقه أو في الأثناء لم يستحق من الثاني شيئاً

(2)

.

(1)

. وفاقا لشرح المنهج وشرح الروض والمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. خلافا لشرح الروض والنهاية من أنه حينئذ يستحق منه قسط عمله بعده.

ص: 546

وَلَوْ مَاتَ الْآبِقُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ هَرَبَ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَإِذَا رَدَّهُ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الجُعْلِ وَيُصَدَّقُ المَالِكُ إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الجُعْلِ أَوْ سَعْيَهُ فِي رَدِّهِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الجُعْلِ تَحَالَفَا

(ولو مات الآبق) أو تلف المردود (في بعض الطريق) أو مات المالك قبل تسلمه (أو هرب) كذلك أو غصب كذلك أو خاط نصف الثوب فاحترق أو بنى بعض الحائط فانهدم، ولو بلا تفريط من الباني أو لم يتعلم الصبي؛ لبلادته (فلا شيء للعامل)؛ لتعلق الاستحقاق بالرد أو الحصول ولم يوجد. ولو لم يجد المالك ولا وكيله سلمه للحاكم فإن فقد أشهد واستحق أي وإن مات أو هرب بعد ذلك، ويجري ذلك في تلف سائر محال الأعمال، ومحله في غير الأخيرة

(1)

حيث لم يقع العمل مسلما للمالك، فإن وقع مسلما له وظهر أثره على المحل كأن مات صبي حر أثناء التعليم استحق أجرة ما مضى من المسمى؛ لما تقرر أن العمل وقع مسلما بالتعليم مع ظهور أثر العمل على المحل بخلاف رد الآبق إذا هرب من الأثناء وكذا الإجارة، ومن ثم لو نهب الحِمْل أو غرق أثناء الطريق لم يجب القسط; لأن الحمل لم يقع مسلما للمالك ولا ظهر أثره على المحل بخلاف ما إذا ماتت الدابة أو نهبت والمالك حاضر

(2)

، أما القن فيشترط تسليمه للسيد أو وقوع التعليم بحضرته أو في ملكه، (وإذا رده فليس له حبسه لقبض الجعل) ; لأنه إنما يستحق بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق، وعلم منه بالأولى أنه لا يحبسه أيضا لما أنفقه عليه بالإذن (ويصدق) بيمينه الجاعل سواء (المالك) وغيره (إذا أنكر شرط الجعل أو سعيه) أي العامل (في رده) ; لأن الأصل عدم الشرط والرد، ويصدق الراد في أنه بلغه النداء أو سمعه (فإن اختلفا) أي الجاعل والعامل بعد الاستحقاق (في) نحو (قدر الجعل) أو جنسه أو في قدر العمل بعد الفراغ وكذا بعد الشروع إن قلنا له قسط المسمى

(3)

(تحالفا) نظير ما مر في البيع وللعامل أجرة المثل.

(1)

. أي عدم تعلم الصبي.

(2)

. ليس قيدا عند النهاية والشهاب الرملي.

(3)

. أي بأن كان الفسخ من المالك أو بعد تلف المجاعل على العمل فيه ووقع العمل مسلما.

ص: 547

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[خاتمة] مؤنة المردود على المالك حيث لا متبرع

. ولو أُكره مستحق على عدم مباشرة وظيفته استحق المعلوم، ونظير ذلك مدرس يحضر موضع الدرس ولا يحضر أحد من الطلبة أو يعلم أنه لو حضر لا يحضرون، نعم إن أمكنه إعلام الناظر بهم وعلى أنه يجبرهم على الحضور وجب; لأنه من باب الأمر بالمعروف. ولو شرط الواقف قطعه عن وظيفته إن غاب فغاب لعذر كخوف طريق لم يسقط حقه بغيبته، ويحل النزول عن الوظائف بالمال

(1)

; لأنه من أقسام الجعالة فيستحقه النازل ويسقط حقه وإن لم يقرر الناظر المنزول; لأنه بالخيار بينه وبين غيره والله أعلم

(2)

.

(1)

. وذكر الشارح في الوقف أنه إن بان بطلان النزول رجع بما دفعه وإن كان قد أبرأ منه 6/ 261.

(2)

. حاصل كلام الشارح في القسم والنشوز حِلُّ بذلِ العوض مطلقا، وأخذِهِ وإن كان النازل أهلا لها، وهو حينئذ لإسقاط حق النازل فهو مجرد افتداء، نعم يلزم الناظر تولية من تقتضيه المصلحة الشرعية ولو غير المنزول له ولا رجوع على النازل حينئذ، أما إذا نزل مجانا ولم يقصد إسقاط حقه إلا للمنزول له فقط كان له الرجوع عن إسقاطه ما لم تقرر، وحينئذ لا يجوز للناظر تقرير غير النازل حيث لا يجوز له عزله 7/ 454.

ص: 548